بهجة المحافل وبغية الأماثل

العامري الحرضي

الجزء الأول

الجزء الأول [خطبة الكتاب والكلام على تفسيرها] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه أستعين وعليه أتوكل أحمدك اللهم على ما اسبلت من نعمائك التوام الشوامل. وأشكرك على ما أجزلت من آلائك العوام الكوامل. حمدا أستنزل به فيض جودك الهاطل. وشكرا استمطر به غيث كرمك الواصل. وأشهد أن لا اله الله وحدك لا شريك لك ولا مماثل. شهادة تتكفل ببلوغ المرام من دخول دار السلام والسلامة من كل خطب هائل. وأشهد ان محمدا عبدك ورسولك وحبيبك وخليلك اصطفيته من خيرة العرب وأشرف القبائل. وأيدته بالبراهين القطعية وأوضح الدلائل. وجعلته مجمعا للخيرات ومنبعا للفضائل. وزينته باحسن الاخلاق وأكرم الشمائل ومدحته بما منحته فقلت «وانك لعلى خلق عظيم» وأنت أصدق قائل. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الا ماجد الاماثل. كلما ذكرك وذكره ذاكر وغفل عن ذكرك وذكره غافل (وبعد) فان بهجة المحافل. للامام الحافظ أبي زكريا يحيى بن أبي بكر العامري العلامة الفاضل. لما كانت من أحسن الكتب المصنفة والاسفار المؤلفة في الفنون المختلفة من تلخيص المعجزات والسير والشمائل. واشتملت على آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومسائل فقهية وآداب شرعية ولغوية واحتاجت لنصب علم على ما فيها من المجاهل. يستدل به الناهل على أعذب المناهل. استخرت الله تعالى في نصب علم يسهل مجهلها ويحل مشكلها ويفتح مغلقها ويقيد مطلقها ويعزي غالب أحاديثها وأقاويلها الى المخرج والقائل وشحته من شرح مسلم للامام النووى الجليل ومن التوشيح والديباج للسيوطى الحافظ النبيل ومن تفسير الحسين بن مسعود الفراء البغوى معالم التنزيل مستعينا غالبا بالنقل عنه عن ابن اسحاق وغيره ممن هو عنه ناقل وأسأل من لا تبرمه المسائل. ولا يخيب لديه السائل. أن يجعل ذلك

الحمد لله الواحد البر الرحيم* الفاطر الصمد العليم* الذى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحنيفية السمحة والدين القويم* وبصربه بعد العمى وكشف به الغما وهدا به من الضلالة وآتاه الخلق خالصا من شوائب الآفات وعملا صالحا يجري علىّ بعد الممات وان يبلغنى بمنه ما أنا منه آمل. وان يحشرني ووالدى ومشايخى وسائر المؤمنين في زمرة نبيه محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ما ضحك البرق مبتسما وبكي الودق منسجما وأحيا الحيا موات الارض. فانتعش به كل غصن ذابل. آمين (شرح بعض ألفاظ الخطبة) قال المؤلف غفر الله زلته وأقال عثرته آمين. (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (الحمد لله) بدأ بهما تأسيا بالقرآن العظيم وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم كل امر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع أخرجه الرهاوى في الاربعين من حديث أبى هريرة ولابن ماجه والبيهقي في السنن والرهاوى من حديثه لا يبدأ فيه بالحمد لله زاد الرهاوى والصلاة على فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة ومنه يؤخذ تفسير أجذم الذي في صحيح ابن حبان ومعنى ذى بال أى حال يهتم به وجمع بين الابتدائين عملا بالروايتين واشارة الى عدم تعارضهما اذ الابتداء حقيقى واضافي فبالبسملة حصل الاول وبالحمد لله حصل الثاني وقدم البسملة عملا بالكتاب والاجماع واشتقاق الاسم والحمد ومتعلقاتهما مستوفاة في كتب الفقه فلا نطيل بذكرها (البر) هو العطوف على عباده المحسن الى جميع خلقه بالبر والرزق (الفاطر) هو الخالق المخترع على غير مثال سابق (الصمد) هو السيد الذى انتهى سؤدده أو الدائم الباقى بعد فناء خلقه أو الذي يصمد اليه في النوائب أو الذى لا جوف له أو الذى لا يأكل ولا يشرب أو المقصود أو الذى لا عيب فيه أو المالك أو الحليم أو الملك أو الكامل أو الذى لا شئ فوقه أو الذى لا يوجد أحد بصفته أقوال (محمدا) سمى به لكثرة خصاله المحمودة وسيأتى بسط الكلام عليه حيث ذكره المصنف (بالحنيفية) هي المائلة عن كل دين الى دين الاسلام والحنف لغة الميل وحذف الموصوف وهو الملة (السمحة) أى التى لا حرج فيها ولا ضيق (والدين) أى دين الاسلام (القويم) الذى لا اعوجاج فيه (وبصربه بعد العمى) أى هدى به بعد الضلالة (وكشف) أى أزال به (الغما) بضم المعجمة وتشديد الميم وهو الغم العظيم وأصلها المد لكن يقصر لمجاورة العمى (وآتاه) بمد الهمزة أى أعطاه (الخلق) بضم اللام وسكونها الدين والطبع والسجية وحقيقتها صورة الانسان الباطنة وهى نفسه ومعانيها وأوصافها ولها أوصاف حسنة وسيئة والثواب والعقاب يتعلقان باوصاف الصورة الباطنة أكثر من تعلقهما بالصورة الظاهرة وكان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأعلى كما وصفه جل وعلا «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» أى دين عظيم بقوله لا دين أحب الى الله تعالى ولا أرضا عنده منه وهو الاسلام وقيل القرآن وقيل آدابه وقيل ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله وقيل لانه امتثل تأديب الله عز وجل بقوله «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» الآية وفسر عياض الخلق العظيم بالطبع الكريم وقيل ليس له همة الا الله

العظيم والقلب السليم* واختصه بالشفاعة العظمى والمقام المحمود والتبجيل والتكريم* وأرسله الى الكافة وآمن به بعد المخافة وجعله من أوسط العرب وأعز الجراثيم* صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أفضل الصلاة والتسليم (وبعد) (و) آتاه (القلب) سمى به لكثرة تقلبه أو لانه خالص ما في البدن وخالص كل شئ قلبه أو لانه وضع في الجسد مقلوبا أقوال أصحها الاول فقد أخرج الطبراني من حديث أبى موسي بسند حسن انما سمى القلب من تقلبه (السليم) هو الخالى عن كل وصف ذميم كالشرك والشك والذنوب الباطنه كالكبر والحسد والرياء والعجب (واختصه) أى افرده وميزه (بالشفاعة) هى لغة الرغبة والزيادة وسمى الشفيع شفيعا لزيادته في الرغبة وشفع أوّل كلامه بآخره (العظمى) هى الشفاعة في فصل القضاء واراحة الناس من طول الوقوف وسيأتي انه اختص بشفاعات أخر سوى هذه (والمقام المحمود) هو هذه الشفاعة أيضا قالوا وزائدة أو إعطاؤه لواء الحمد أو اخراجه طائفة من النار أو أن يكون أقرب من جبرائيل وعليها قالوا وللتغاير (وأرسله الى الكافة) قال الجوهرى الكافة جمع من الناس يقال لقيتهم كافة أى جميعهم انتهى وعن سيبويه ان التعريف في كافة لا يجوز بل يستعمل منكرا منصوبا على الحال كقاطبة انتهى والمراد بالكافة الانس والجن وفي الملائكة خلاف مشهور واختار السبكى وغيره انه مرسل اليهم أيضا (وآمن) بالمد (به) الخلق كافة من ان يصيب كافرهم في الدنيا ما أصاب الامم السالفة من الخسف والمسخ عموما وآمن به المؤمنين في الآخرة من النار (وأعز الجراثيم) جمع جرثومة بضم الجيم والمثلثة بينهما واو ساكنة وجرثومة كل شئ أصله وأصله التراب المجتمع في أصل الشجر والذي تسفيه الريح قاله في القاموس (وآله) هم جميع الامة أو بنو هاشم وبنو المطلب أو أهل بيته وذريته أقوال رجح النووي في شرح مسلم الاول قال وهو اختيار الازهري وغيره من المحققين ورجح الاكثرون الثاني وهو الاظهر نعم قدير ادبهم هنا الأوّل لخبر آل محمد كل تقى أخرجه الطبراني في الاوسط من حديث أنس بسند فيه ضعف (وصحبه) اسم جمع لصاحب وهو من لقيه ولو مرة مؤمنا ومات على ذلك كما هو المعروف عند المحدثين واشترط الاصوليون طول مجالسته على طريق التبع له ويروى عن ابن المسيب اشتراط أن يقيم معه سنة وان يغزو معه وهذا شاذ يلزم منه ان لا يعد جرير بن عبد الله وأمثاله من الصحابة (فائدة) جملة طبقاتهم على ما ذكره الحاكم اثنتا عشرة طبقة الاولى من تقدم اسلامه الثانية أصحاب دار الندوة الثالثة مهاجرة الحبشة الرابعة من بايع ليلة العقبة الخامسة أصحاب العقبة الثانية السادسة أوّل المهاجرين الذين لحقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل المدينة السابعة أهل بدر الثامنة المهاجرة بين بدر والحديبية التاسعة أهل بيعة الرضوان العاشرة المهاجرة بين الحديبية والفتح الحادية عشرة مسلمة الفتح الثانية عشرة الصبيان والاطفال الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل فيها من ميز ومن لم يميز وجملة من مات النبي صلى الله عليه وسلم عنهم مائة ألف وأربعة عشر ألفا كما نقله ابن الصلاح عن أبي زرعة الرازي (وبعد) مبنية على الضم كأصلها كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب الى آخر وكان صلى الله

مطلب في الكلام على أما بعد

[مطلب في الكلام على أما بعد] فمن أجل ما ينبغي معرفته وتعريفه وصرف العناية اليه وتدوينه وتصنيفه الكلام فى العلوم النبوية والصفات المحمدية لصدورها عن الصدر الذي انبعثت عنه العلوم كلها جملة وتفصيلا فروعا وأصولا فشرف العلم شرف المعلوم منه وقد صنفت العلماء في ذلك كتبا كثيرة ما بين تاريخ وشمائل. وأقوال وأفعال واحكام وغير ذلك ومنهم المقل والمكثر وليس فيهم مقصر كل على مبلغ علمه ومقدار فهمه وفوق كل ذى علم عليم* [الكلام على المؤلفات في التاريخ النبوى وتقسيم الكتاب الى قسمين] فمن أجل التواريخ النبوية السيرة الكبرى لمحمد بن اسحق المطلبي مولاهم ثم تهذيبها لعبد الملك بن هشام النحوى. عليه وسلم وأصحابه يأتون بأصلها وهو اما بعد في خطبهم وقد عقد البخاري بابا في استحبابها وذكر فيه جملة من الاحاديث وأوّل من تكلم بها داود وهو فصل الخطاب الذي أوتيه قاله بعض المفسرين وقال المحققون فصل الخطاب الفصل بين الحق والباطل وقيل أوّل من تكلم بها يعرب بن قحطان وقيل قس بن ساعدة الايادي وقيل يعقوب وفيه حديث ضعيف أخرجه الدارقطني وقيل كعب بن لؤى وقيل سحبان ابن وائل ولذلك يقول لقد علم الحي اليمانون انني ... إذا قلت أما بعد أنى خطيبها قال الحافظ ابن حجر تتبع الحافظ عبد القادر الرهاوي طرق الاحاديث التي رفع فيها أما بعد فأخرجه عن اثنين وثلاثين صحابيا انتهى قلت منهم جابر وعمرو بن تغلب وعائشة وأبو حميد الساعدي وزيد بن أرقم وعقبة بن عامر وأبو الدرداء وأبو مسعود وأبو سعيد (ما ينبغي) أي يفرض كفاية (العناية) بكسر العين المهملة وتخفيف النون الاعتناء بالشئ والتعب فيه والتهمم بشأنه (تدوينه) كتبه في الديوان وهو بكسر المهملة وقد يفتح فارسي معرب قال الجوهري أصله دوان فعوض من احدى الواوين ياء وفي سبب تسميته بذلك وجهان أحدهما ان كسرى اطلع يوما على كتاب ديوانه وهم يحسبون مع أنفسهم فقال ديوانه أي مجانين ثم حذفت الهاء لكثرة الاستعمال الثاني ان الديوان بالفارسية اسم للشياطين فسمي الكتاب باسمهم لحذقهم بالامور ووقوفهم على الجلي والخفي منها (تصنيفه) أي جعله أصنافا أي أنواعا (الكلام) بالنصب اسم ان «1» (عن الصدر) بسكون الدال وهو السيد الذي صدر عن رأيه (فشرف العلم) بضم الراء وفتح الفاء والعلم بالرفع فاعل ويجوز بفتح الراء وضم الفاء مصدر والعلم بالجر بالاضافة (ما بين تاريخ) هو ذكر أوقات الحوادث والارخ بالضم والفتح الوقت وكذا الاراخ والاسم الارخة بالضم قاله في القاموس (وشمائل) جمع شمال بكسر المعجمة وتخفيف الميم وهي الخلق (وفوق كل ذي علم عليم) أي أعلم منه حتى ينتهى العلم الى الله عز وجل (محمد بن اسحق) بن يسار (المطلبي مولاهم) أي مولى بني المطلب مدني امام يكني أبا بكر قال الذهبي رأى أنسا وروي عن عطاء والزهري وعنه شعبة والحمادان والسفيانان ويونس بن بكير وأحمد ابن خالد كان صدوقا من بحور العلم وله غرائب في سعة ما روي يستنكر واختلف في الاحتجاج به والاصح ان حديثه حسن بل قد صححه جماعة مات سنة احدى وخمسين ومائة وجده يسار صحابي روي انه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه ودعا له بالبركة ذكره ابن مندة وأبو نعيم بهذا اللفظ (عبد الملك ابن هشام) بن أيوب قال الشمني أصله من البصرة وتوفي بمصر سنة ثلاث عشرة ومائتين (النحوي)

_ (1) لعل نسخة الشارح وبعد فإن من أجل.

وأحسن مختصر في ذلك خلاصة السير للمحب الطبري وفي الشمائل كتاب أبي عيسى الترمذي وجامع أبي محمد ابن حبان رحمهما الله تعالى ومما لم ينسج على منواله ولا سمحت القرائح بمثاله كتاب الشفا للقاضى الامام عياض بن موسى اليحصبي رحمه الله تعالى فانه تكلم في ذات النبوة وأحكامها والمجوزات عليها ولها مع ما وشحه به من الشمائل المرضيات والهدى والمعجزات بقوة عبارة وتلويح إشارة على أحسن أسلوب وامنح تقسيم وترتيب فشكر الله سعيه وأعاد عليه نفعه ولما رأيت ما حبى به القوم من محبة سيد البشر وما يرجون من نفعه يوم غد في المحشر وانتهى اليّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ باسكان المهملة (المحب الطبري) هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن ابراهيم المكي الحسيني يكني أبا العباس ولد في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة وتوفي في جمادى الآخرة وقيل في رمضان وقيل في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وستمائة (وفي الشمائل) أي وأحسن مختصر في الشمائل (كتاب) بالرفع (أبي عيسى) هو محمد بن عيسى بن سورة بفتح المهملة والراء بينهما واو ساكنة السلمى الضرير قيل ولد أكمه أخذ عن البخاري وغيره من المشايخ وشارك البخاري في بعض شيوخه وكان أحد الأئمة المقتدى بهم في علم الحديث (الترمذي) نسبة الى ترمذ بفتح الفوقية وكسر الميم وبكسرهما وبضمهما آخره معجمة وتوفي بها في شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين (ابن حبان) بكسر المهملة وبالموحدة اسمه محمد بن أحمد بن حبان (وممالم ينسج) أي لم يحك والنسج الحياكة وهي بالجيم (منواله) بكسر الميم وسكون النون هو في الاصل عود النساج الذي يلف عليه الثوب واستعير هنا (ولا سمحت) أي جادت (القرائح) جمع قريحة بالقاف والمهملة وهي الذكاء والفطنة قال أهل اللغة وأصلها أوّل ما يستنبط من ماء النهر يقال لفلان قريحة أي استنباط للعلم بجودة الطبع (عياض) بكسر المهملة وتخفيف التحتية آخره معجمة (ابن موسى) بن عياض هو الامام الجليل الحافظ النبيل الجامع لاشتات الفنون ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة ونشأ في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله فبهر بجودة ذهنه وذكاء فهمه عارفا بالشروط والاحكام والوثائق ضابطا لكتبه جيد الشعر حسن التأليف لم يوجد بسبتة في عصر من الاعصار من التعاليق مثل ماله وحاز من الرياسة في بلده ومن الرفعة ما لم يصل اليه أحد من أهلها وما زاده ذلك الا تواضعا وخشية لله تعالى قال ابن خلكان وهو امام الحديث في وقته وأعرف الناس بعلومه وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامها توفي في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة ودفن بمراكش (اليحصبي) بالتحتية والمهملتين فالموحدة نسبة الى يحصب بن مالك قبيلة من حمير وصاده مثلثة في الاسم وكذا في النسب قاله في القاموس قال وزعم الجوهري انه في النسب بالفتح فقط (وانتهى الى) أي بالاسناد الصحيح (نعمتان مغبون فيهما الخ) أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة (الصحة والفراغ) للطبراني من حديث ابن عباس الامن والعافية قال العلماء معنى الحديث ان الانسان لا يتفرغ لطاعة

سارعت الى جمع مختصر جامع في هذا المعنى يتلخص الكلام فيه (في ثلاثة أقسام) مبنية على فنون حقها أن يفرد كل واحد منها بالتصنيف على حدته «القسم الاول» فى تلخيص سيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مولده الى وفاته وما يتعلق بذلك وفيه ستة أبواب (الباب الاول) في شرف نسبه ومحتده وفضل بلدي وفاته ومولده وما مهد الله له من الفضائل قبل وجوده وعدد آبائه من لدنه الى آدم صلى الله عليه وسلم (الباب الثاني) في تاريخ مولده الى نبوته وماجرى في تضاعيف ذلك من عيون الحوادث (الباب الثالث) فيما كان من ذلك من نبوته الى هجرته صلى الله عليه وآله وسلم (الباب الرابع) في هجرته وما بعدها الى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم (الباب الخامس) فى ذكر بنيه وبناته وأزواجه وأعمامه وعماته ومرضعاته واخوته من الرضاعة وأخواته وذكر مواليه وخدامه من الاحرار ومن كان يحرسه ورسله الى الملوك وكتابه وأصحابه العشرة النجباء وأنصاره النقباء وأهل الفتوى في حياته (الباب السادس) فى ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير ونعمه وغنمه وسلاحه ومساكنه وملبوساته وغير ذلك من أنواع آلاته وخاتمه وعدد سراياه وغزواته صلى الله عليه وآله وسلم «القسم الثاني» في أسمائه الكريمة وخلقته الوسيمة وخصائصه ومعجزاته وباهر آياته الله الا اذا كان مكفيا صحيح الجسم آمنا وقد يحصل له خصلة أو خصلتان فقط ثم لا تحصل له الثالثة فمن حصل له الخصال الثلاث وكسل عن طاعة ربه كان مغبونا في بحارة الآخرة أي خاسرا (سارعت) من المفاعلة المختصة بالواحد كبادرت وعاقبت وطارفت ويصح ان تكون المفاعلة في كلامه على بابها ويكون معناه سابقت هجوم ضد الصحة والفراغ من المرض والاشتغال أو سابقت هجوم الاجل (مختصر) هو في الاصطلاح قليل اللفظ كثير المعنى ويرادفه الوجيز (يتلخص) أي يتبين (حدته) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين أي على انفراده (القسم الاول) (ومحتده) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر الفوقية بعدها مهملة وهو الاصل والطبع قاله في القاموس (ونعمه) أي ابله والنعم الابل خاصة فاذا قيل انعام دخل فيها البقر والغنم وقيل بل النعم شامل لها وللبقر والغنم أيضا سميت بذلك لانعام الله عز وجل بها فقوله (وغنمه) على الثاني من باب ذكر الخاص بعد العام على حد فاكهة ونخل ورمان (وخلقته الوسيمة) بالمهملة أي الحسنة والوسامة الحسن والجمال يقال منه وسم بفتح الواو وضم السين وسامة ووساما بفتحهما فهو وسم وجمعه

وفيه أربعة أبواب (الباب الاول) فى الاسماء وما تضمنت من المناسبات (الباب الثاني) في صفة خلقه الوسيم وتناسب أعضائه واستواء اجزائه وما جمع الله فيه من صفة الكمالات (الباب الثالث) في الخصائص وهو نوعان (الاول) في خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون الانبياء قبله وما اختصت به أمته ببركته (الثاني) فيما اختص به دون أمته من الواجبات والمباحات والمحرمات (الباب الرابع) فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات «القسم الثالث» في شمائله وفضائله وأقواله وأفعاله في جميع أحواله وفيه ثلاثة أبواب (الباب الاول) في عادته وسجيته في المباحات والمعتادات الضروريات (الباب الثاني) في الاخلاق المعنويات التى جمعها حسن الخلق (الباب الثالث) في شمائله في العبادات المتكررات وهذا القسم رحمك الله واسطة عقد هذه الاقسام ومحله منها محل اللطائف من الاجسام لما حوى من التنبيه على جمل شرعية وآداب مرعية وسنن مأثورة وهيآت مهجورة لقلة الاستعمال واقتداء الجهال بأهل الاهمال وأذيله بباب جامع في فضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته ومن يعظم لا جله وفضل حديثه ومحدثيه واختم جميع ذلك بفضل الصلاة عليه وعلى آله والتسليم صلى الله عليه وآله وسلم واسئل الله الكريم الرحمن الرحيم أن يعظم لي في جمعه الفائدة ويعيد على من بركاته أعظم عائدة وأن يجعل إجازتي فيه الرضى والنزول في جوار المصطفى وأولادي ووالدي واخواني وحامتى والمسلمين وجميع الاصحاب انه عظيم الرجاء سميع الدعاء وهو حسبي ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير وسماء (وسجيته) بفتح المهملة وكسر الجيم وتشديد التحتية أي عادته (مأثورة) بالمثلثة أي منقولة (مهجورة) أي متروكة (ووالدي) بكسر الدال وتشديد التحتية جمع والد (وحامتي) بالمهملة والمد وتشديد الميم وفي بعض النسخ وخاصتى باعجام الخاء واهمال الصاد والحامة الخاصة الذين يختص بهم ويختصون به ويهتم بأمرهم ويحرقه قيل وهو مأخوذ من الماء الحميم وهو الحار

القسم الاول في تلخيص سيرته

[القسم الاول في تلخيص سيرته] القسم الاول في تلخيص سيرته وهو محتو على ستة أبواب حسب ما تقدم [الباب الاول من القسم الاول في مولده وشرف نسبه ومحتده] الباب الاول- «فى شرف نسبه ومحتده وما مهد الله له من الفضائل قبل وجوده وفضل بلدي وفاته ومولده وعدد آبائه من لدنه الى آدم صلى الله عليه وآله وسلم» قال الله تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ. قريء بضم الفاء وفتحها وكلاهما متضمنان لفضيلة نسبه أما قراءة الضم فقال المفسرون لم تكن في العرب قبيلة الا ولها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولادة وقرابة وعليه حمل ابن عباس قوله تعالى إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وعلى قراءة الفتح فهو أبلغ في المدح لان النفيس الخيار الجيد ومثله في الآية الاخرى لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم وقال تعالى كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ وروي عن على بن أبي طالب رضى الله عنه في قوله تعالى مِنْ أَنْفُسِكُمْ قال عنه صلى الله عليه وسلم نسبا وحسبا وصهرا ليس في آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح. قال ابن الكلبي كتبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا كانت عليه الجاهلية [مطلب في الكلام على أنكحة الجاهلية] (قال المؤلف غفر الله له) وقد كان نكاح الجاهلية على أربعة أنحاء. فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل الى الرجل وليته أو بنته فيصدقها ثم ينكحها. والنكاح الآخر كان الرجل يقول لامرأته اذا طهرت من طمثها أرسلى الى فلان فاستبضعي منه فيعتز لها زوجها فلا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فاذا تبين حملها أصابها زوجها اذا أحب وانما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون القسم الاول (حسب ما) بفتح المهملة أي على قدره وعدده وقد تسكن سينه أيضا (ليس في آبائي من لدن آدم سفاح كلها نكاح) أخرجه البيهقي في الدلائل من حديث أنس رضي الله عنه (قال ابن الكلبى الخ) حكاه عنه ابن شعبة وابن عساكر (على أربعة أنحاء) بفتح الهمزة وسكون النون وبالمهملة جمع نحو وهو الجهة والمقصد والمراد هنا علي أربعة أقسام (وليته) بفتح الواو وكسر اللام وتشديد التحتية أى قريبته من أخت ونحوها (طهرت) مثلث الهاء والضم أشهر (من طمثها) بفتح المهملة وسكون الميم وبالمثلثة وهو من أسماء الحيض وهي عشرة حيض وطمث وضحك واكبار واعصار وعراك ودراس وفراك بالفاء وطمس ونفاس (فاستبضعى) بالموحدة والمهملة أي اطلبى منه الجماع لاجل الولد وأصله الاصابة في البضع وهو الفرج (الرهط) الجماعة نحو العشرة لا واحد

العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فاذا حملت ووضعت ومرت ليالى بعد أن تضع أرسلت اليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت وهو ابنك يا فلان تسمى من أحبت باسمه فتلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع منه الرجل. والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فاذا حملت احداهن ووضعت حملها جمعوا لها القافة ثم الحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعى به ابنه لا يمتنع الرجل من ذلك. فلما بعث محمد صلي الله عليه وآله وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله الا نكاح الناس اليوم رويناه في صحيح البخارى ومسلم وسنن أبى داود من رواية عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها موقوفا عليها. وهذا من أعظم العناية أن أجرى الله سبحانه وتعالى نكاح آبائه من آدم الى أن أخرجه من بين أبويه على نمط واحد وفق شريعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم. له من لفظه (ومرت ليالى) بسكون التحتية (بالذى يرون) بفتح الياء من الرأى وبضمها من الظن (فالتاط به) بهمزة وصل وسكون اللام ثم فوقية ثم ألف ثم مهملة أي التصق به (في صحيح البخارى) هو أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة بن بردزبه بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر المهملة وسكون الزاي وفتح الموحدة على المشهور وبه جزم ابن ماكولا وهو بالفارسية الزارع الجعفي مولاهم أسلم جده المغيرة على يد اليمان الجعفى فنسب اليه نسبة ولاء ويقال انه عمي في صغره وكانت أمه مستجابة الدعوة فدعت الله فاعاد عليه بصره ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ببخارى ومات ليلة السبت ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين ودفن بخرتنك قرية من عمل بخاري (وسنن أبى داود) هو سليمان بن الاشعث بالمثلثة السجستانى ولد سنة ثلاثين ومائتين ومات بالبصرة يوم الجمعة سادس عشر شوال سنة خمس وسبعين ومائتين (من رواية عروة بن الزبير) بن العوام بن خويلد بن أسد أخي عبد الله لابويه كنيته أبو عبد الله يروي عن أبويه وخالته وعلي وخلائق قال ابن سعد كان فقيها عالما كثير الحديث ثبتا مأمونا كان يصوم الدهر ومات صائما سنة ثلاث وتسعين أو أربع وتسعين قولان (عن عائشة) هى بنت أبى بكر الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيهة نساء الامة ومناقبها كثيرة عاشت خمسا وستين سنة وتوفيت سنة تسع وخمسين أو ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وصلى عليها أبو هريرة ودفنت بالبقيع بوصية منها (نمط) بفتح النون والميم وبالمهملة أي نوع والنمط في الاصل نوع من أنواع البسط لا يستعمل في غيره الا مقيدا قاله الجوهري

وعن ابن عباس في قوله وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال من نبي حتى أخرجتك نبيّا. وروينا في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت منه. وروينا في جامع أبى عيسى الترمذى عن واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من ولد اسماعيل بني كنانة واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم صححه الترمذي. وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنه انه صلى الله عليه وسلم قال ان الله عز وجل اختار خلقه فاختار منهم (وعن ابن عباس) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو العباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه لبابة بنت الحرث بن حزن الهلالية فضله وعلمه أشهر من أن يذكر ومناقبه لا تحصى وكان عمره يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة أو خمس عشر سنة قولان وتوفي سنة سبع وستين أو ثمان وستين قولان بالطائف وهو ابن احدى وسبعين سنة أو ثمان وسبعين قولان وكف بصره في آخر عمره فقال في ذلك ان يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وقلبى منهما نور قلبى ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مشهور (روينا) قال المزي يقال روينا بفتح الراء والواو وبضم الراء وكسر الواو المشددة (عن أبي هريرة) اسمه عبد الرحمن بن صخر على الاصح في اسمه واسم أبيه من نحو ثلاثين قولا قاله النووي وقال غيره بل يزيد وأخرج الحاكم عنه قال كان اسمى عبد الشمس بن صخر فسماني النبى صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن واختار بعض المتأخرين فيه انه عمير بن عامر واحتج باتفاق أهل النسب على ذلك وبذلك جزم الكلبى ومال اليه الحافظ الدمياطى كان رضي الله عنه حافظا متثبتا صاحب صيام وقيام قال عكرمة كان يسبح في اليوم اثنى عشر ألف تسبيحة ولى امرة المدينة مرات وتوفي سنة سبع وخمسين أو تسع وخمسين قولان (قرنا فقرنا) قال الحسن وغيره القرن عشر سنين وقال قتادة سبعون وقال النخعى أربعون وقال زرارة بن أبي أو في مائة وعشرون وعبد الملك بن عمير مائة وسيأتى المختار فيه على قوله صلى الله عليه وسلم خيركم قرنى (واثلة) بمثلثة مكسورة (ابن الاسقع) بسين وعين مهملتين وأصل الاسقع طوير في ريشه خضرة ورأسه أبيض قال في القاموس قال الذهبي كان واثلة من أهل الصفة غزاتبوك ومات سنة ثلاث وثمانين أو خمس وثمانين قولان وهو ابن مائة سنة أو ثمان وتسعين قولان بعد ان كف بصره ببيت المقدس أو بدمشق قولان (صححه الترمذي) وأخرجه أيضا عن واثلة مسلم في صحيحه (وعن ابن عمر) هو عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن العدوي شهد الاحزاب والحديبية وفيه قال

بنى آدم فاختار منهم العرب ثم اختار منهم قريشا فاختار منهم بنى هاشم ثم اختار بنى هاشم فاختارني منهم فلم أزل خيارا من خيار ألا من أحب العرب فبحبى أحبهم ومن أبغض العرب فببغضى أبغضهم رواه الطبرى. قال القاضى عياض رحمه الله تعالى وأما شرف نسبه وكرم بلده ومنشئه فمما لا يحتاج الى اقامة دليل ولا بيان مشكل ولا خفي منه فانه نخبة بنى هاشم وأفضل سلالة قريش وصميمها وأشرف العرب وأعزهم نفرا من قبل أبيه وأمه ومن أهل مكة أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده. ثم روى بسنده الى ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ان الله سبحانه وتعالى قسم الخلق قسمين فجعلنى من خيرهم قسما فذلك قوله تعالى أَصْحابُ الْيَمِينِ وأَصْحابُ الشِّمالِ فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين ثلاثا فجعلنى في خيرها ثلثا فذلك قوله أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ فانا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلنى من خيرها قبيلة وذلك قوله تعالى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ الآية فانا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر وجعل القبائل بيوتا فجعلنى في خيرها بيتا ولا فخر فذلك قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ومعنى قوله- ولا فخر أى لست أقوله مفتخرا متطاولا ولا محتقرا لغيرى إنما هو من باب التحدث بالنعم قال الله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ النبى صلى الله عليه وسلم ان عبد الله رجل صالح وقال جابر ما منا أحد الا ومالت به الدنيا ومال بها الا ابن عمر قال ابن المسيب مات وما أحد أحب إلي ان ألقى الله بمثل عمله منه كانت ولادته قبل المبعث بسنة على ما قيل ومات بمكة سنة أربع وسبعين عن ثمانين أو أربع وثمانين سنة قولان وصلى عليه الحجاج ودفن بالمحصب أو بذي طوي أو بسرف أقوال (رواه) من حديث ابن عمر (الطبري) هو الحافظ محمد بن جرير توفي سنة عشر وثلاثمائة (نخبة) بضم النون وسكون المعجمة ثم موحدة وهي الخيار (سلالة قريش) بضم السين المهملة وهو ما اسئل من الشيء (وصميمها) بالمهملة أي خالصها وصميم كل شيء خالصه (ثم روي) أي عياض (بسنده) مصدر أسند الحديث يسنده اذا نسبه الى غيره (الي ابن عباس) وأخرج الحديث الترمذي في سننه عن العباس أيضا (قسم الخلق قسمين) قيل فيه اشارة الى هابيل وقابيل قال الحافظ وسبب هذا الحديث ان العباس قال يا رسول الله ان قريشا تذاكروا احسابهم فجعلوا مثلك مثل نخله في كبوة من الارض فقال ان الله قسم الخلق الحديث.

فصل: وأما ما مهد الله له في قدم نبوته وذكره

وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أتاني جبريل فقال قلبت مشارق الارض ومغاربها فلم أر رجلا أفضل من محمد ولم أربني اب أفضل من بنى هاشم. وما أحسن قول أبى طالب حيث مدح قريشا وخيرها ثم خير منهم بنى عبد مناف ثم خير منهم بني هاشم ثم خير محمدا على الكل فقال: وان فخرت يوما فان محمدا ... هو المصطفى من سرها وصميمها وقال أيضا فأصبح فينا أحمد في أرومة ... تقصر عنها سورة المتطاول وقال ابنه طالب بن أبي طالب فما ان جنينا في قريش عظيمة ... سوى ان حمينا خير من وطيء الثرى [فصل: وأما ما مهد الله له في قدم نبوته وذكره] «فصل واما ما مهد الله له في قدم نبوته وذكره» فروى القاضي عياض رحمه الله من ذلك في كتابه الشفا اخبارا كثيرة وكثيرا ما أنقل منه الا ما كان من فن التواريخ فانه لم يأت بشئ منها قال الله تعالى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ الآية* وفي معناها ما روى عن على بن أبى طالب رضي الله تعالى عنه قال لم يبعث الله نبيا من لدن آدم الا وأخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وآله وسلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأخذ العهد بذلك على قومه* ونحوه عن السدي وقتادة* وروي عن قتادة ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال كنت أوّل الانبياء في الخلق وآخرهم في البعث فلذلك ذكر في الآية مقدما على نوح وغيره (وعن عائشة عنه صلي الله عليه وسلم أتاني جبريل الى آخره) أخرجه الحاكم في الكنى وابن عساكر عنها (وما أحسن قول) بالنصب على التعجب. (فصل) واما ما مهد الله له (ونحوه عن السدي) بضم السين وتشديد الدال المهملتين منسوب الى سدة باب الجامع والمراد به هاهنا التابعى الكبير اسماعيل بن عبد الرحمن الراوي عن ابن عباس لا الصغير وهو محمد بن مروان الراوى عن هشام بن عروة والاعمش وهو متروك متهم (وقتادة) هو ابن دعامة بكسر الدال وفتحها السدوسى الاعمى الحافظ المفسرمات كهلا سنة سبع عشرة ومائة (وروي عن قتادة الى آخره) أخرجه عنه ابن سعد في الطبقات مرسلا (أول الانبياء) لابن سعد أوّل الناس.

وعن العرباض بن سارية رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. يقول انى عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل في طينته وانا عدة أبى ابراهيم وبشارة عيسى بن مريم. وكان آدم في الازل يكنى بأبى محمد وأبى البشر* وروي انه تشفع بمحمد صلى الله عليه وسلم حين أصاب الخطيئة فتاب الله عليه* وعن البراء قال قلنا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة قال وآدم بين الروح والجسد* وروي عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال في كلام بكى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الانبياء وذكرك في أولهم فقال وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ الآية بأبي وأمي أنت يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن أهل النار يودون ان يكونوا اطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا. (وعن العرباض) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها موحدة فألف فمعجمة (ابن سارية) بالمهملة والراء والتحتية وهو السلمي قال الذهبي وابن ماكولا كان من الثمانين ومن أهل الصفة مات سنة خمس وسبعين (لمنجدل) أى ساقط يقال جدله بالجيم أي رماه بالجدالة وهي الارض فانجدل أى سقط (وعدة) بكسر العين وفتح الدال المخففة المهملتين بوزن هبة أي وأنا عدة (أبي ابراهيم) الذى وعده به ربه حين دعاه فقال ربنا (وابعث فيهم رسولا منهم) الآية (وروى انه تشفع بمحمد الى آخره) أخرجه الحاكم وصححه من حديث ابن عباس ولفظه لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب بمحمد الا ما غفرت لى قال يا آدم من أين عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب انك لما خلقتنى بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله فعرفت انك لم تضف الى اسمك الا أحب الخلق اليك فقال الله عز وجل صدقت يا آدم انه لأحب الخلق الي ان سألتنى بحقه فقد غفرت لك ولولاه ما خلقتك وفي هذا الحديث طلب التوسل به صلى الله عليه وسلم الى الله عز وجل وان ذلك سيرة السلف الصالح الانبياء والاولياء ولا فرق في ذلك بين ذكر التوسل والاستغاثة والتوجه والتشفع والتضرع به صلى الله عليه وسلم وبغيره من الانبياء وكذا الاولياء وفاقا للسبكى وخلافا لابن عبد السلام (فائدة) قال اليافعى في الارشاد روى الشيخ تاج الدين بن عطاء الله عن شيخه ابى العباس المرسى عن شيخه أبي الحسن الشاذلى قدس الله أسرارهم انه قال لاصحابه من كانت له حاجة الى الله تعالى فليتوسل اليه بالامام أبي حامد الغزالي (وعن البراء) بالتخفيف هو ابن عازب الصحابي ابن الصصابى شهد أحدا وهو أوّل مشاهده ومات بعد السبعين أيام مصعب بن الزبير (قال وآدم بين الروح والجسد) أخرج هذا الحديث أيضا ابن سعد وأبو نعيم في الحلية من حديث ميسرة وأخرجه الفخر بن سعد من حديث ابي الجدعاء وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس (بأبي أنت وأمي)

وروى الشيخ أبو الحسن الحرانى المغربى في كتابه الذي صنفه في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وتفسيرها أنه صلى الله عليه وسلم نسب نفسه فقال انا احمد وانا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ثم رفع نسبه الى آدم ثم قال وآدم من تراب والتراب من الزبد والزبد من الموج والموج من الماء والماء من الذرة والدرة من الضبابة والضبابة أنشئت من نور محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فان صح هذا من جهة النقل فهو صلى الله عليه وآله وسلم أصل الوجود الانسانى خلقا وتكوينا* وما أحسن قول السيد الحكيم ابى عبد الله الترمذي فيه صلى الله تعالى عليه وسلم قد ورث المجد بآبائه ... وورّث المجد لابنائه وقام قطبا لمحيط العلا ... والمجد قد حف بأرجائه وطهرت اجزاؤه فاغتدى ... يطهر الكل باجزائه وكان ظلا فمحاه السنا ... ومثبتا فان بافنائه وكان في غيبة أكوانه ... يقطر ماء المجد من مائه أي مفدي (الحرانى) بفتح المهملة وتشديد الراء وبالنون نسبة الى حران بلد بالشام (الضبابة) بفتح المعجمة هي السحابة الرقيقة (فان صح هذا من جهة النقل) يؤيد صحته ما أخرجه عبد الرزاق في مسنده بسند مستقيم من حديث جابر قال قلت يا رسول الله اخبرنى باول شئ خلقه الله قبل الاشياء قال يا جابر ان الله خلق قبل الاشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث يشاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جنى ولا انسى فلما أراد الله تعالى ان يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الجزء الاول السماوات ومن الثاني الارضين ومن الثالث الجنة والنار ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الاول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله تعالى ومن الثالث نور ألسنتهم وهو التوحيد لا اله الا الله محمد رسول الله الحديث وفيه طول ومنه يؤخذ انه صلى الله عليه وسلم أصل سائر المكونات (أبي عبد الله الترمذى) هو محمد بن على المؤذن كان اماما حافظا زاهدا صاحب تصانيف مفيدة (قدورث) بكسر الراء مخففا (المجد) أى الكرم (وورث) بفتح الراء مشددا (وقام قطبا) أي فردا في مقامه الذي اقيم فيه وقطب القوم سيدهم ومن يدور أمرهم عليه (حف) بالمهملة أى احدق (بارجائه) أي جوانبه (فمحاه السنا) أى النور (ومثبتا) أي موجودا معنى (فان) أي غير موجود صورة ورفعه على انه خبر مبتدإ محذوف أي وهو فان (بافنائه) بفتح الهمزة جمع فناء بكسر الفاء وبالنون وهو في الاصل جانب الدار مما يلى وجهها واستعير هنا (يقطر ماء المجد من مائه) اشار إلي القطرات التي تقاطرت من نوره صلى الله عليه وسلم وخلق منها الانبياء كما ورد في حديث ضعيف أوّل ما خلق الله نوري فغلب عليه الحياء فقطرت منه مائة ألف قطرة وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة نبيا ويؤيد هذا الحديث

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما خلق الله آدم أهبطني الله الى الارض في صلبه وجعلنى في صلب نوح في السفينة. وقذف بى في النار في صلب ابراهيم. ثم لم يزل ينقلنى في الاصلاب الكريمة. الى الارحام الطاهرة. حتى اخرجنى الله من بين ابوي لم يلتقيا على سفاح قط والى هذا المعنى اشار عمه العباس رضى الله تعالى عنه. حيث قال يا رسول الله انى احب ان امدحك. قال قل لا يفضض الله فاك فقال: من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر ... انت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا واهله الغرق وردت نار الخليل مكتتما ... تجول فيها ولست تحترق تنقل من صالب الى رحم ... اذا مضى عالم بدا طبق ما أخرجه ابن مردويه من حديث أبي ذر قال قلت يا رسول الله كم الأنبياء قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قلت يا رسول الله كم الرسل منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير قلت يا رسول الله من كان أولهم قال آدم ثم قال يا أباذر أربعة سريانيون آدم وشيث ونوح واخنوخ وهو ادريس وهو أوّل من خط بالقلم وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أباذر وأوّل نبي من بني اسرائيل أى من بعد اولاده موسى وآخرهم عيسى وأوّل النبيين آدم وآخرهم نبيك وأخرج هذا الحديث ابن حبان في كتابه الأنواع والتقاسيم وصححه لكن عده ابن الجوزي في الموضوعات واتهم به ابراهيم بن هشام والله أعلم وعن ابن عباس أخرجه عياض في الشفا (على سفاح) بكسر المهملة وتخفيف الفاء آخره مهملة أي زنا* شعر العباس رضي الله عنه (لا يفضض) بالفاء وتكرير المعجمة الاولى مضمومة وهو دعاء بلفظ النهي ومعناه لا يسقط الله اسنانك (فائدة) قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للنابغة أيضا فعاش عشرين ومائة سنة فلم تسقط له سن ذكره عياض في الشفا وسيذكره المصنف في المعجزات (من قبلها) قال الشمني أى قبل الدين أو النبوة أو الولادة (مستودع) بفتح الدال (يخصف) باعجام الخاء واهمال الصاد مبنى للمفعول (مضغة) أى قطعة لحم بقدر ما يتضغ في الفم (ولا علق) جمع علقة وهي قطعة من دم غليظ (نطفة) هى في الاصل الماء القليل كالنطفة (تركب السفين) قال الجوهرى السفن جمع سفينة فعيلة بمعنى فاعلة كأنها تسفن الماء أى تقشره بالقاف والمعجمة (نسرا) بفتح النون أحد اصنام قوم نوح قال أهل الاخبار كان لآدم خمس بنين سموا نسرا وودا وسواعا ويغوث ويعوق وكانوا عبادا فماتوا فحزن أهل عصرهم عليهم فصور لهم ابليس أمثالهم من صفر ونحاس ليستأنسوا بهم فجعلوا في مؤخر المجلس فلما هلك أهل ذلك العصر قال اللعين لاولادهم هؤلاء آلهة آبائكم فعبدوهم ثم ان للطوفان دفنها فأخرجها اللعين للعرب كما سيأتي (من صالب) قال الهروى أى من صليب يقال لهم صلب وصليب وصالب ثلاث لغات وقال ابن الاثير الصالب الصلب وهو قليل الاستعمال (عالم) بفتح اللام (بدا طبق) أي عالم قاله الهروى نقلا عن ابن عرفة قال يقال مضى طبق وجاء طبق

فصل: فيما ورد من فضل بلدى مولده ووفاته

حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطق وانت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الافق فنحن في ذلك الضياء وفي ال ... نور وسبل الرشاد نخترق عرجت سبع الطباق منتهيا ... وسرت تحت الجلال تعتبق صلى عليك الاله دائمة ... مديد خلق وكلما نطقوا [فصل: فيما ورد من فضل بلدى مولده ووفاته] (فصل) فيما ورد من فضل بلدي مولده ووفاته* قال المؤلف غفر الله له جمع الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم انواع التفضيل والاعزاز والتبجيل وتخير له في البلد كما هيأله في النسب فجعل مولده ومبعثه بمكة ومهاجره ووفاته بالمدينة* ولا خلاف بين العلماء أنهما افضل البلدان على الاطلاق ثم اختلفوا في ايهما افضل فذهب اهل مكة واهل الكوفة الى تفضيل مكة وهو قول الشافعي وعليه جماعة من المالكية وذهب مالك واكثر المدنيين الى تفضيل المدينة أى مضي عالم وجاء عالم (حتي احتوى بيتك) بالرفع فاعل ومفعوله علياء (المهيمن) أي الشاهد على فضلك (خندف) بكسر المعجمة وسكون النون وكسر المهملة ويجوز فتحها والخندفة مشية كالهرولة وهو لقب ليلى بنت عمران بن الحاف بن قضاعة امرأة الياس بن مضر بن نزار فهي جدة النبي صلى الله عليه وسلم لانها أم مدركة (النطق) بضم النون والمهملة قال ابن الاثير جمع نطاق وهي اعراض من حبال بعصها فوق بعض أي نواح وأوساطها منها شبهت بالنطق التي يشد بها أوساط الناس ضربه مثلا له صلى الله عليه وسلم في ارتفاعه وتوسطه في عترته وجعله تحتهم بمنزلة أوساط الحبال* وقال الجوهري النطاق شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الاعلى على الاسفل الى الركبة والاسفل ينجر في الارض وليس لها حجزة ولا شق ولا ساقان والجمع نطق (وضاءت) أصله اضاءت رباعي ثلث لضرورة الشعر وهي في لغة قليلة أيضا (فائدة) في بعض كتب السنن انه لما فرغ من هذه الابيات قال له النبى صلى الله عليه وسلم لا فض فوك ولا بر من يجفوك (فصل) فيما ورد من فضل بلدي مولده ووفاته (الشافعي) هو أبو عبد الله محمد بن ادريس بن العباس ابن عثمان بن شافع بن السائب الشيبة بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف ولد بغزة قرية من قرى الشام سنة خمسين ومائة فمكث بها سنتين ثم حمل الى مكة المشرفة فنشأ بها وتعلم بها القرآن على سفيان بن عيينة وغيره ثم خرج الى المدينة وقرأ على مالك بن أنس الموطأ وحفظه ثم دخل الى بغداد واقام بها سنتين وصنف بها كتبه القديمة ثم عاد الى مكة وأقام بها سنة سبع وسبعين ثم عاد الى بغداد وأقام بها اشهرا ولم يصنف بهاشيأ ثم خرج الى مصر وصنف بها كتبه الجديدة واقام بها الي ان مات ودفن هنالك وكان موته ليلة الجمعة وقد صلى العشاء الاخيرة آخر ليلة من رجب ودفن يوم الجمعة وقال الربيع انصرفنا من دفن الشافعي فرأينا هلال شعبان وكان ذلك في سنة أربع ومائتين وكان عمره أربعا وخمسين سنة (وذهب مالك) هو ابن أنس صاحب المذهب ولد سنة ثلاث وتسعين أو احدى وتسعين أو أربع وتسعين

مطلب في الكلام على ما ورد في فضل مكة

وهو قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولا خلاف ان موضع قبره افضل البقاع صلى الله عليه وسلم لما وردان كلا يدفن في تربته التي خلق منها وهو صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات فتعين أنها افضل البقاع والله اعلم «فمما ورد في فضل مكة» من الآيات والاحاديث قوله تعالى وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وقال تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وقال تعالي أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ وقال تعالي إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وقال تعالى أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا. والآيات الواردة في هذا المعنى كثيرة غير منحصرة. [مطلب في الكلام على ما ورد في فضل مكة] واما الاحاديث فروينا في صحيح البخارى عن ابن عباس رضى الله تعالى منهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرمه الله أو سبع وتسعين أقوال وتوفي سنة سبع وتسعين ومائة (ولا خلاف ان موضع قبره أفضل البقاع) الارضية والسمائية بل أفضل من العرش والكرسى كما جزم غير واحد من أصحابنا وغيرهم (لما ورد ان كلا يدفن في تربته الى آخره) اخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الاصول من حديث أبي هريرة قال العلماء وهو أحسن ما يستدل به على تفضيل مدفنه صلى الله عليه وسلم على سائر البقاع حتي موضع الكعبة المشرفة والعرش والكرسى كما مر آنفا وعلى فضيلة أبي بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما لانهما خلقا من تلك الطينة وخلق منها عيسى أيضا كما سيأتي انه يدفن ثم (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) يعني الكعبة (مَثابَةً لِلنَّاسِ) أي معاذا وملجأ قاله ابن عباس أو مرجعا لهم يثوبون اليه من كل جانب ويحجونه قاله مجاهد وسعيد بن جبير أو مجتمعا قاله قتادة وعكرمة (وَأَمْناً) أي يأمنون فيه من اذى المشركين (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) أي أوّل بيت ظهر على الماء عند خلق السماء والارض (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) هي مكة نفسها قاله جماعة أو بكة موضع البيت ومكة اسم البلد كله وقيل بكة موضع البيت والمطاف (مُبارَكاً) منصوب على الحال أى ذا بركة (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) أي لأنه قبلة المؤمنين (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) قرأ ابن عباس بينة لقوله (مَقامُ إِبْراهِيمَ) ولم يذكر سواه والآخرون بالجمع على انه أراد مقام ابراهيم وغيره من الآيات التى ثم فاقتصر عليه لفظا ومنه الحجر الاسود وزمزم والحطيم وغير ذلك (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) أي لا يباح فيه وذلك بدعاء ابراهيم حيث قال رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) يعني العرب يسبي بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون (الَّذِي حَرَّمَها) أي جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلا خلاها (يُجْبى إِلَيْهِ) أي يجلب ويجتمع (فروينا في صحيح البخاري عن ابن عباس) أخرجه عنه مسلم وأبو داود أيضا (ان هذا البلد حرمه الله) زادوا في رواية يوم خلق السموات والارض ففيه ان تحريمها من أوّل الزمان كما عليه الاكثرون وأجابوا عن قوله ان ابراهيم حرم مكة وهو في صحيح مسلم من حديث جابر بأن تحريمها كان خفيا فأظهره ابراهيم وأشاعه لا انه ابتدأه وقيل بل ابتدأه

لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته الا من عرّفها وفي رواية أخرى ولا يختلى خلاها قال العباس رضي الله عنه يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم قال الا الأذخر وروينا في جامع الترمذي عن عبد الله بن عدى بن الحمراء رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته بالحزورة بمكة يقول لمكة والله انك لخير أرض الله وأحب أخذا بظاهر هذا الحديث ونحوه من الاحاديث وأجابوا عن الاول بأن معناه ان الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق السموات والارض ان ابراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى وفيه تحريم القتال بمكة وان بغى أهلها على أهل العدل وبه قال بعض الفقهاء بل يضيق عليهم حتى يرجعوا الى الطاعة لكن نص الشافعى على جواز قتالهم لان قتال البغاة من حقوق الله تعالى التى لا يجوز اضاعتها فحفظها في الحرم أولى من اضاعتها وهذا هو الصواب واختار في سير الواقدي في الحديث ان معناه تحريم نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره اذا أمكن اصلاح الحال بدون ذلك بخلاف ما اذا تحصن الكفار في بلد آخر فانه يجوز قتالهم على كل حال بكل شيء ووقع في شرح التلخيص للقفال المروزي انه لا يجوز القتال بمكة حتى لو تحصن فيها جماعة من الكفار لم يجز لنا قتالهم قال النووي وهذا غلط ظاهر (لا يعضد) أي لا يقطع بالمعضد وهو آلة كالفأس (شوكه) قال النووي فيه دليل على تحريم قطع الشوك المؤذي وهذا الذى اختاره المتولي وقال جمهور أصحابنا لا يحرم لانه مؤذ فأشبه الفواسق الخمس ويخصون الحديث بالقياس قال والصحيح ما اختاره المتولي (ولا ينفر صيده) أي لا يزعج فالاتلاف أولى (لقطته) بفتح القاف على اللغة المشهورة ويجوز اسكانها وهو اسم للملقوط (ولا يختلي) أي لا يؤخذ ولا يقطع (خلاها) بفتح المعجمة مقصور هو الرطب من الكلأ (الا الاذخر) بالنصب ويجوز رفعه على البدل وهو بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين نبت طيب الرائحة (لقينهم) بفتح القاف وسكون التحتية بعدها نون هو الحداد والصائغ أى يحتاج اليه القين في وقود النار (ولبيوتهم) أي يحتاجون اليه في سقوفها ويجعل فوق الخشب وبينه وفي رواية في الصحيح فانه لبيوتنا ولقبورنا أي يسدون به خلال اللبنات في القبور (فقال الا الاذخر) هذا محمول على انه أوحى اليه في الحال باستثناء الاذخر وتخصيصه من العموم أو أوحى اليه قبل ذلك ان طلب أحد الاستثناء بشيء فاستثنه أو انه اجتهد في الجميع قاله النووي (وروينا في جامع الترمذي) وسنن النسائى والدار قطنى بسند قال البكري على شرط الشيخين (عن عبد الله بن عدي) هو قرشي زهري من أنفسهم وقيل بل ثقفى حليف لقريش يكنى أبا عمرو وقيل أبا عمر له صحبة ورواية بعد في أهل الحجاز وكان ينزل فيما بين قديد وعسفان وذكره الطبري فيمن روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني زهرة وهو مبني على انه من أنفسهم وذكر غيره ان شريقا والد الاخنس بن شريق اشترى عبدا فأعتقه وأنكحه بنته فولدت له عبد الله وعمرا ابني عدي بن الحمراء أو لهم عبد الله بن عدي آخر يروي عنه عبد الله بن الخيار (ابن الحمراء) بالمهملة والراء والمد (بالحزورة) بفتح المهملة والزاي والواو المشددة والراء كذا يقوله المحدثون وسكون الزاي وتخفيف الواو بوزن قسورة كذا ضبطه ابن السراج بالوجهين فزعم الدارقطني ان الاول تصحيف معترض ومحلها

أرض الله الى ولولا اني أخرجت منك ما خرجت صححه الترمذي. وعن أبي شريح العدوى انه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث الى مكة أذن لى أيها الامير أحدثك حديثا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح فسمعته اذناى ووعاه قلبى وأبصرته عيناي حين تكلم به انه حمد الله واثنى عليه ثم قال ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرء يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما اذن لى ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس وليبلغ الشاهد الغائب. وفي مسند أبى داود الطيالسى من رواية عبد الله بن الزبير ورفعه ان الصلاة في المسجد بأسفل مكة عند منارة المسجد الذي على جياد وكان عندها سوق الخياطين وما في الطبراني انها شرقى مكة تصحيف (وعن أبي شريح) أخرجه عنه مالك والشيخان والترمذي والنسائى وهو باعجام الشين واهمال الحاء مصغر (العدوي) قال النووي ويقال له الكعبي والخزاعى واسمه خويلد بن عمرو أو عمرو بن خويلد أو عبد الرحمن أو هانئ بن عمرو أقوال أسلم قبل فتح مكة وتوفي بالمدينة سنة ثمان وستين (لعمرو بن سعيد) ابن الاسد بن العاص الاموي يكني أبا أمية قال في التوشيح ليس صحابيا ولا من التابعين باحسان قال الذهبي خرج على عبد الملك ثم خدعه وأمنه فقتله صبرا سنة سبعين (وهو يبعث البعوث) أى يرسل الجيوش (الى مكة) لقتال عبد الله بن الزبير لامتناعه عن متابعة يزيد بن معاوية واعتصامه بالحرم وكان عمرو والى يزيد على المدينة (أحدثك) مجزوم بالجزاء (الغد) بالنصب (فسمعته أذناى ووعاه قلبي وأبصرته عيناي) قال ذلك مبالغة في تحقيق حفظه اياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه (حرمها الله ولم يحرمها الناس) أى ان تحريمها كان يوحى من الله تعالى لا انها اصطلح الناس على تحريمها (يسفك بها دما) بكسر الفاء على المشهور وحكى ضمها أى يسل (وانما أذن لي ساعة من نهار) كانت تلك الساعة من طلوع الفجر الى العصر وفيه حجة لمن يقول ان مكة فتحت عنوة وهو مذهب أبي حنيفة والاكثرين وقال الشافعي وجماعة فتحت صلحا وتأولوا الحديث على ان القتال كان جائزا له صلى الله عليه وسلم في مكة ولو احتاج اليه لفعله ولكن لم يحتج اليه (وليبلغ الشاهد الغائب) فيه وجوب نقل العلم وإشاعة الدين والسنن والاحكام وتتمة الحديث فقيل لابي شريح ما قال لك عمرو قال أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح ان الحرم لا يعيذ عاصيا أى لا يعصمه ولا فارا بخربة بفتح المعجمة وسكون الراء على المشهور ويقال بضم المعجمة قالوا وأصلها سرقة الابل ثم أطلقت على كل جناية وفي صحيح البخاري انها البلية وقال الخليل انها الفساد في الدين (أبي داود) اسمه سليمان بن داود بن الجارود توفي سنة أربع وعشرين ومائتين (الطيالسى) بفتح المهملة والتحتية المخففة وكسر اللام (من رواية عبد الله بن الزبير) أخرجه عنه أيضا أحمد وابن حبان وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث

الحرام تفضل على الصلاة في غيره بمائة الف صلاة وقد حسب ذلك فبلغت صلاة واحدة فى المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة ولا تسقط هذه التضاعيف شيأ من الفوائت كما يتخيله كثير من الجهال نبه عليه الامام النووى رحمه الله قال بعض المفسرين في قوله تعالى فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً أى من النار وقيل من الطلب وكان في الجاهلية من أحدث حدثا ولجأ اليه امن ويمشى القاتل على قاتله فيه من غير خفاره والسباع تطلب الصيد فاذا دخل الحرم كفت عنه وهذا كقوله تعالى وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وذلك بدعاء ابراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً* ولها في القرآن ثمانية اسماء مكة وبكة وأم القرى والقرية والبلد والبلد الامين والبلدة ومعاد ومن أسمائها في غير القرآن الرأس والقادسية والمسجد الحرام جابر وأخرجه البيهقي من حديث ابن عمر وأخرجه الطبرانى من حديث أبى الدرداء وأخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس ورفعه أى الى النبى صلى الله عليه وسلم (عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة) أى باعتبار السنة عددية وهي ثلاثمائة وستون يوما أما باعتبارها هلالية وهي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما فبلغ عمره ستا وخمسين سنة وستة أشهر وقد يزيد يوما فيبلغ صلاة اليوم والليله عمر مائتين واثنين وثمانين سنة وستة أشهر فيبلغ صلاة ثلاثة أيام ولياليهن عمر سبعة وأربعين وثمانمائة سنة وستة أشهر وذلك من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وعن بعضهم ان صلاة واحدة جماعة بالمسجد الحرام تفضل ثواب ما صلى ببلده فرادى عمر نوح بنحو الضعف قال فان انضم الى ذلك أنواع اخر من الكمالات عجز الحساب عن حصر ثوابه (ولا تسقط هذه التضاعيف شيئا من الفوائت) أى لانه محض تضعيف وهو محض فضل فلا يسقط به التكليف (ويمشي القاتل على قاتله) أي مستحق قتله (خفارة) مثلث الخاء المعجمة وبالفاء والراء أى خفير وهو الصاحب (مكة) قال تعالى وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ سميت بذلك لانها تمك أعناق الفراعنة والجبابرة فلم يقصدها جبار بسوء الا هلك أو لانها تمك الذنوب أي تنقصها أو تفنيها (وبكة) قال الله تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ سميت بذلك لان الناس يتباكون بتشديد الكاف فيها أي يزدحمون وقيل ان هذا اسم لما بين جبليها وقيل للمطاف فقط (وأم القرى) سميت بذلك لانها أصل الارض اذ هي أوّل ما خلق منها وأم كل شيء أصله قال الله تعالى وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى (والقرية) قال الله تعالى الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ سميت قرية لاجتماع الناس بها والقرى لغة الضم والجمع ومنه المقراة للحوض (والبلد) قال تعالى لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (والبلد الامين) قال تعالى وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (والبلدة) قال الله تعالى إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ (ومعاد) قال الله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قال بعض المفسرين يعني مكة (الرأس) سميت بذلك لفضيلتها (والقادسية) بالقاف والدال والسين المهملتين وتشديد التحتية واشتقاقها من القدس وهو الطهارة

والمكتان وأم روح وأم رحم وام الرحمة وام كوثى (قال المؤلف) ومن الآيات البينات فيه الحجر الاسود والحطيم وآثار قدمى ابراهيم وانبثاق ماء زمزم بعقب جبريل غياثا لهاجر واسمعيل غنية عن الطعام والشراب ودوى للغليل ثم ان بها جماع المشاعر ومولد المصطفى ومنها بدأ الدين (والمكتان) تثنية مكة (وأم روح) بفتح الراء وآخره حاء مهملة والروح لغة الراحة سميت بذلك لانها يستراح فيها من الذنوب (وأم رحم) بضم الراء واسكان الحاء المهملة سميت بذلك لتراحم الناس بها وروى أم زحم بالزاي وسميت بذلك لتزاحمهم بها (وأم كوثى) بضم الكاف واسكان الواو وفتح الثاء المثلثة محل بها سميت به قيل لبني عبد الدار وقيل بناحية قعيقعان وقيل بمني (تتمة) من أسمائها أيضا صلاح بكسر المهملة والبناء على الكسر كقطام وحذام ويجوز صرفه كما في القاموس وغيره ومنها الباسة بموحدة ومهملة والناسة بنون ومهملة والعرش بضم المهملة والراء ثم معجمة والمقدسة والحاطمة والبنية بفتح الموحدة وكسر النون ونادرة بالنون والمهملة والهاء بوزن فاعلة ونادر بلاهاء والمأموم قال النووي لا نعلم أبدا أكثر من أسماء مكة والمدينة لكونهما أفضل الارض وذلك لكثرة الصفات المقتضية للتسمية وكثرة الاسماء تدل على شرف المسمى ولهذا كثرت أسماء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى قيل ان لله تعالى الف اسم ولرسوله كذلك انتهى وقال شيخنا ابن حجر الهيتمي أوصل بعض المتأخرين أسماء المدينة الى قريب من الف وكذلك مكة (الحجر الاسود) أخرج أحمد وسمويه من حديث أنس والنسائى من حديث ابن عباس الحجر الاسود من الجنة وأخرج أحمد وابن عدي والبيهقى في الشعب من حديث ابن عباس الحجر الاسود من الجنة كان أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك وللطبراني من حديثه أيضا ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسه ذو عاهة الابرأ وأخرج ابن خزيمة من حديثه أيضا الحجر الاسود ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة وانما سودته خطايا المشركين ومن فضائله ما أخرجه ابن خزيمة من حديث ابن عباس انه يبعث يوم القيامة مثل أحد يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا ومنها ما أخرجه الخطيب وابن عساكر من حديث جابر الحجر يمين الله في الارض يصافح بها عباده زاد الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس فمن مسحه فقد بايع الله وما أخرجه الازرقي من حديث أبي بن كعب الحجر الاسود نزل به ملك من السماء والملك هذا هو جبريل وقيل غيره (والحطيم) هو ما بين زمزم والمقام قال بعض المفسرين ان فيه قبر سبعين نبيا وقيل الحطيم جدار حجر البيت قال النضر يسمى حطيما لان البيت رفع وترك ذاك محطوما (وآثار قدمي ابراهيم) قال البغوي قد اندرست من كثرة المسح بالايدي (وانبثاق) أي انفجار وهو بنون ثم باء موحدة ثم ثاء مثلثة (ماء زمزم) سميت بذلك لان أم اسماعيل لما أمسكت على الماء حال خروجه قالت زم زم كذا قاله بعض المفسرين (غياثا) مصدر وهو بكسر الغين المعجمة (لهاجر) بالهاء ويبدل همزة ممدودة والجيم مفتوحة فيهما (واسمعيل) قيل سمي بذلك لان ابراهيم كان يدعو أن يرزقه الله ولدا ويقول اسمع ايل وايل هو الله عز وجل على ما سيأتي فيه فلما ولد سماه اسماعيل (غنية) مصدر وهو بضم الغين المعجمة (جماع المشاعر) بالنصب ويجوز رفعه على ارادة الشان وكذا قوله (ومولد المصطفى) والمصطفى المختار (بدأ الدين) بالهمز كما

مطلب وأما ما جاء في فضل المدينة

غريبا بعد ان كان قد عفا وأوّل ما نزل بها القرآن العظيم وعكف في عرصاتها الملائكة والانبياء عليهم الصلاة والتسليم ثم هى قبلة المصلين في جميع الآفاق واليها تنزع القلوب بدعاء الخليل وأمن الخلاق وبها أعظم جوامع الدنيا وفي خمسة عشر موضعا منها يستجاب الدعاء ثم لها من الخصائص التى لا تحصى ولا تعد ولا تستقصى يا أهل تدريس العلوم جميعها ... وذوى عقول قد صفت من ريبة هل تعلمون محلة معروفة ... جمعت كمكة في عداد فضيلة [مطلب وأما ما جاء في فضل المدينة] (وأما ما جاء في فضل المدينة) فروينا في صحيحى البخاري ومسلم من رواية على وأبي هريرة وابى حميد الساعدى وسفيان بن ابى زهير وابي بكرة وأنس بن مالك وابي سعيد الخدرى سيأتي (عفا) بالعين المهملة والفاء أي اندرس وذهب أثره (وأوّل ما نزل بها القرآن العظيم) نزل بها من السور ما عدا البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والانفال وبراءة والنور والاحزاب وسورة محمد صلى الله عليه وسلم والفتح والحجرات والحديد وما بعدها الى الملك وهي عشر متوالية والمطففين قيل وهي أول سورة مدنية ولم يكن والنصر والمعوذتان فتلك سبع وعشرون واختلف في الرعد وهل أتى على الانسان والكوثر والراجح انها مكية والله أعلم (الآفاق) جمع أفق بالاسكان وهي الناحية (بدعاء الخليل) يعني قوله فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ الآية ويحكي عن الحسن البصري كما ذكره النووي في الاذكار وغيره انه (وفي خمسة عشر موضعا) بكسر المعجمة (يستجاب الدعاء) وهي في الطواف وعند الملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند زمزم وعلى الصفا والمروة وفي المسعى وخلف المقام وفي عرفات والمزدلفة وفي منى وعند الجمرات الثلاث (وذوى عقول) جمع عقل سمي به لأنه يعقل صاحبه عن الرذائل ومن أسمائه اللب والنهي والحجر والزبر والحجا (من ريبة) أي شك (عداد) بكسر العين* واماما جاء في فضل المدينة (البخاري) مرت ترجمته. ومسلم هو ابن الحجاح القشيرى ولد سنة ست ومائتين ومات بنيسابور لخمس بقين من رجب سنة احدى وستين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة (وأبي حميد) اسمه عبد الرحمن وقيل المنذر بن سعد هو وأبوه صحابيان (وأبي بكرة) اسمه نفيع بنون وفاء ومهملة مصغر بن الحارث بن كلدة وقيل اسمه مشروح كني بذلك لما في الصحيحين انه تدلى من حصن الطائف على بكرة ونزل الى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد أهل الطائف توفي سنة احدى وخمسين (وأبي سعيد الخدري) اسمه سعد بن مالك بن سنان استشهد أبوه مالك بن سنان يوم أحد كما سيأتي وتوفي أبو سعيد سنة أربع وسبعين يوم الجمعة ودفن بالبقيع قال ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر كان أبو سعيد يحفى شاربه ويصفر لحيته من فضلاء الصحابة المكثرين من الرواية عنه صلى الله عليه وسلم غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة روى عنه جماعة من الصحابة ومن التابعين وخدرة بضم

وعائشة وعبد الله بن زيد بن عاصم وسعد بن ابى وقاص وسهل بن حنيف وجابر بن سمرة ورافع بن خديج وابن عمر أحاديث متفرقة انه قال صلى الله عليه وآله وسلم امرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهى المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد وانه حرم ما بين لابتيها كما حرم ابراهيم مكة وانه سماها طابه ونهى عن تسميتها يثرب وأخبر ان الايمان يأرز المعجمة وسكون المهملة قبيلة معروفة من الانصار (وسعد بن أبي وقاص) اسم أبي وقاص مالك بن أهيب بضم الهمزة ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب أسلم سعد بعد ستة نفر وقيل بعد أربعة وهو ابن سبع عشرة سنة وشهد بدرا وما بعدها وتوفي سنة خمس وخمسين أو ثمان وخمسين أو أربع وخمسين أقوال وكانت وفاته بالعقيق على سبعة أميال من المدينة فحمل على أعناق الرجال الى المدينة وأدخل المسجد وصلى عليه مروان وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكان آخر المهاجرين موتا فلما حضرته الوفاة دعا بخلق جبة له من صوف فقال كفنوني فيها فاني كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وهي علي وانما كنت أخبأها لذلك ذكر ذلك ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (وسهل بن حنيف) بالمهملة والنون والفاء مصغرا ابن وهب الاوسي شهد المشاهد كلها وثبت يوم أحد وكان بايع على الموت ومات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي قال ابن عبد البر وغيره وكبر عليه ستا وقال انه بدرى (وجابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم ابن جنادة السوائى بضم المهملة صحابي ابن صحابى (ورافع بن خديج) بالمعجمة فالمهملة آخره جيم بوزن رغيف ابن رافع بن عدي بن جشم الحارثي شهد أحدا وأكثر المشاهد أصابه سهم فنزع وبقي النصل ومات منه سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمان وستين سنة (وابن عمر) هو عبد الله بن عمر وقد مضت ترجمته (أحاديث) غير منصرف وهو بالنصب معمول فروينا (متفرقة) بالنصب (أمرت بقرية الى آخره) أخرجه الشيخان وأبو داود من حديث أبي هريرة ومعناه أمرت بالهجرة اليها واستيطانها (تأكل القرى) ذكروا في معناه وجهين أحدهما انها مركز جيوش الاسلام في أوّل الامر فمنها فتحت القرى وغنمت أموالها وسباياها والثاني ان أكلها وميرتها من القرى المنفتحة واليها تساق غنائمها (يقولون) يعنى بعض الناس من المنافقين (يثرب) برفع الباء أي يقولون هي يثرب (و) انما (هي المدينة) ففيه كما قال النووي كراهة تسميتها يثرب وفيه حديث في مسند أحمد وحكي عن عيسى بن دينار انه قال من سماها يثرب كتبت عليه خطيئة وسبب كراهته ان لفظه من التثريب وهو التوبيخ والملامة وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح وأما تسميتها في القرآن يثرب فانما هو حكاية عن قول المنافقين الذين في قلوبهم مرض (تنفي الناس) أي شرارهم وخبيثهم (كما ينفي الكير) بكسر الكاف وهو الذي يوقد تحته الحداد (خبث الحديد) وفي رواية بدله الفضة وخبثهما وسخهما الذي تخرجه النار وليس ذلك مختصا بزمنه صلى الله عليه وسلم على الاظهر خلافا لعياض (لابتيها) هما الحرتان والمدينة بين حرتين والحرة الارض الملبسة حجارة سودا وهي غير مهموزة كما قال النووي وغيره (يأرز)

اليها كما تأرز الحية الى جحرها وقال فيمن تحمل عن المدينة والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وانها لا يدخلها رعب المسيح الدجال ولا الطاعون وانه كان اذا قدم من سفر فنظر الى جدرات المدينة أوضع راحلته وان كان على دابة حركها من حبها ودعا لها بمثل ما دعا به ابراهيم لاهل مكة واخبر انه لا يدعها احد رغبة عنها الا ابدل الله فيها من هو خير منه بتحتية فهمزة ساكنة فراء مكسورة وحكي ضمها وفتحها فزاي أي ينضم ويجتمع (اليها) أي الى المدينة قال عياض معناه ان الايمان أولا وآخرا بهذه الصفة لانه في أوّل الاسلام كان كل من خلص ايمانه وصح اسلامه أتى المدينة اما مهاجرا مستوطنا واما متشوقا الى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتعلما منه ومتقربا ثم بعد هذا الى زمن الخلفاء كذلك ولاخذ سيرة العدل منهم والاقتداء بجمهور الصحابة فيها ثم من بعدهم من العلماء الذين كانوا سرج الوقت وأئمة الهدى لاخذ السنن المنتشرة بها عنهم وكان كل ثابت الايمان منشرح الصدر به يرحل اليها ثم بعد ذلك في كل وقت والى زماننا لزيارة قبره الشريف والتبرك بمشاهدة آثار أصحابه فلا يأتيها الا مؤمن انتهى وفي رواية لمسلم ان الايمان ليأرز الى بين المسجدين وأراد مسجد مكة والمدينة (فيمن تحمل) بفتحات (والمدينة خير لهم) أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود من حديث سفيان بن أبي زهير وأوّل الحديث تفتح الشام فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم تفتح اليمن فيخرج قوم باهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم يفتح العراق فيخرج من المدينة قوم باهليهم يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ومعنى يبسون يسوقون الى الرحيل مسرعين في الامصار قال أبو عبيد البس سوق الابل ويبسون بتحتية مفتوحة فموحدة بضم وبكسر وروي بضم التحتية مع كسر الموحدة* وقوله خير لهم أي للمرتحلين عنها إلى غيرها (رعب) أي خوف (المسيح) سمي بذلك لانه ممسوح العين وقيل لمسحه الارض اذا خرج والاشهر انه بفتح الميم وتخفيف السين واهمال الحاء كوصف عيسى وقيل هو بكسر الميم وتشديد السين وقيل باعجام الخاء كالاول مسيخ وقيل كالثاني (الدجال) سمي به لكذبه وتمويهه وكل كذاب ومموه يسمى دجالا (ولا الطاعون) ان قلت أما أفضليتها بعدم دخول الدجال فظاهرة وأما الطاعون فكيف يكون عدم دخوله اياها فضيلة لها مع انه شهادة لكل مسلم كما أخرجه أحمد والشيخان من حديث أنس (قلت) لا مانع من ان يكون كذلك ثم يكون عدم دخوله المدينة فضيلة لانما جعل شهادة ورحمة للمؤمنين من هذه الامة رحمة لها اذ كانت أمة مرحومة والا فخبسه عذاب كما أخرجه أحمد والبخاري من حديث عائشة وأخرجه الشيخان والترمذي من حديث أنس فلما كان كذلك كان عدم دخوله المدينة فضيلة لها بهذا الاعتبار قال العلماء وفيه معجزة له صلى الله عليه وسلم فان الاطباء قديما وحديثا عجزوا عن دفع الطاعون عن شخص واحد فضلا عن بلد والمدينة رفع النبي صلى الله عليه وسلم الطاعون منها الى يوم القيامة (الى جدرات) جمع جدار وفي بعض نسخ البخاري دوحات المدينة جمع دوحة وهي الشجرة (أوضع) باعجام الضاد واهمال العين أي أسرع ومنه ولا وضعوا خلالكم وفان البر ليس بالايضاع (الا أبدل الله فيها من هو خير منه) هذا عام أبدا على الاصح وقيل مختص

ولا يثبت احد على لأوائها وجدها الا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة وانه لا يريدها احد بسوء الا أذابه الله ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء (وما رويناه) خارج الصحيحين انه صلى الله عليه وآله وسلم قال المدينة مهاجري فيها مضجعى وفيها مبعثي حقيق على أمتى حفظ جيرانى ما اجتنبوا الكبائر من حفظهم كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ومن لم يحفظهم سقي من طينة الخبال. وقال غبار المدينة شفاء من الجذام وقال كل البلاد افتتحت بالسيف والمدينة افتتحت بالقرآن وقال ما على الارض بقعة هي أحب إلي من أن بمدة حياته صلى الله عليه وسلم (لاوائها) بسكون الهمزة وبالمد والتحتية هي الشدة وما يعظم مشقته ويحرج له الصدر من ضيق عيش أو قحط أو خوف ونحو ذلك (وجهدها) بفتح الجيم وهي لغة قليلة وبضمها هو المشقة واما بمعنى الطاقة فالمشهور بالضم وحكى بالفتح (الا كنت له شفيعا أو شهيدا) الاظهر ان أوهنا ليست للشك فلا يزيد القاريء بعدها قال بل اما للتقسيم فيكون شفيعا للعاصين وشهيدا للمطيعين أو شهيدا لمن مات في حياته وشفيعا لمن مات بعده وهذه خصيصة زائدة لاهل المدينة على شهادته لجميع الامة واما بمعنى الواو على حد قوله مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فيكون لاهل المدينة شفيعا وشهيدا هذا معنى ما قال عياض (وانه لا يريدها أحد بسوء) قاله مسلم في صحيحه قال ابن حاتم في حديث 7 بن نحس بدل سوء شرا وفي رواية بدهم بكسر الموحدة وفتح المهملة وسكون الهاء وهي المقاتلة والامر العظيم (الا اذابه الله) أي أهلكه (ذوب) مصدر ذاب يذوب (الرصاص) مثلث الراء والفتح أشهر أي في النار كما في بعض روايات مسلم قال عياض وهو يرفع اشكال الاحاديث التي لم يذكر فيها وتبين ان هذا حكمه في الآخرة قال وقد يكون المراد به من أرادها في حياة النبى صلى الله عليه وسلم كفى المسلمون شره واضمحل كيده كما يضمحل الرصاص في النار أو يكون ذلك لمن أرادها في الدنيا فلا يمهله الله ولا يمكن له سلطانا بل يذهبه عن قريب كما انقض بنيان من حاربها أيام بني أمية مثل عقبة بن مسلم فانه هلك في منصرفه عنها ثم هلك مرسله يزيد بن معاوية على أثر ذلك وغيرهما ممن صنع صنعهما قال وقيل وقد يكون المراد من كادها اغتيالا وطلبا لغرتها في غفلة فلا يتم له أمره (أو ذوب الملح في الماء) ليست أو للشك قيل الاول في رواية وهذا في أخرى (مهاجري) بضم الميم وفتح الجيم أى موضع هجرتي (فيها مضجعي) يعني قبره صلى الله عليه وسلم وهذا من اعلام النبوة (حقيق) أي واجب (جيراني) يعني أهل المدينة ومن داناهم وأراد حفظهم من الاذى مطلقا ما لم يرتكبوا ما يوجب حدا فان ارتكبوه أقيم عليهم كغيرهم كما يرشد اليه قوله (ما اجتنبوا الكبائر) جمع كبيرة وهي كل ما جاء فيها وعيد شديد في الكتاب أو السنة وان لم يوجب حدا وعرفت بانها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة (كنت له شفيعا الى آخره) يأتى فيه ما مر قريبا في أهل المدينة (سقى من طينة الخبال) بفتح المعجمة والموحدة وهي عرق أهل النار وما ينحل من أجسادهم بذوبانها (غبار المدينة شفاء من الجذام) أخرجه أبو نعيم في الطب من حديث ثابت بن قيس بن شماس ولابن السني يبرئ الجذام وللزبير بن بكار يطفيء الجذام (كل البلاد افتتحت بالسيف الى آخره) أخرجه البيهقي في الشعب من حديث عائشة وأراد صلى الله عليه وسلم بذلك قدوم

يكون قبرى فيها منها ثلاث مرات. وقال من مات في أحد الحرمين حاجا أو معتمرا بعثه الله يوم القيامة لا حساب عليه ولا عذاب. وفي طريق آخر بعث من الآمنين يوم القيامة وقال من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فانى أشفع لمن يموت بها. وروي عن زيد بن اسلم عن أبيه في قوله تعالى وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة وسلطانا نصيرا الانصار وسماها الله تعالى الدار في قوله تعالى وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ الآيات وذكر أن لها في التوراة أربعين إسما منها المدينة وطيبة وطابة والمسكينة وجابرة والمجبورة والمرحومة والهدراء والعذاب والمحبة والمحبوبة والقاصمة. وروى أن في التوراة يا مسكينة لا تقبلى الكنوز ارفع أجاجيرك على أجاجير القرى* وقال الشيخ الامام جمال الدين ابو عبد الله محمد بن احمد المصرى رحمه الله في كتابه تأليف ما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة بروايتى لذلك عن شيخى الامام الحافظ محب الدين محمد مصعب بن عمير على أهل المدينة مقرئا لهم القرآن فأسلم أكثرهم (من مات في أحد الحرمين الى آخره) أخرجه أبو داود والدارقطني وغيرهما فظاهر الحديث حصول ذلك له وان لم يدفن بهما أو يكون ذلك جرى مجرى الغالب ان من مات بارض دفن بها (وفي طريق آخر) أخرجها من مر آنفا لكن بلفظ (بعث من الآمنين) (من استطاع أن يموت بالمدينة الى آخره) أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر قال الترمذي حديث صحيح ومنه يؤخذ تفضيل الموت بالمدينة عليه بمكة كما جزم به بعضهم والصحيح عكسه (عن زيد بن أسلم عن أبيه) هو أسلم الحبشى مولى عمر رضي الله عنه وقيل انه من سبى اليمن والاصح انه من بجاوة بكسر الموحدة ثم جيم يكنى أبا خالد وأبا زيد مات سنة ثمانين وفي صحبته خلاف مشهور (منها المدينة) مشتقة من دان بمعنى أطاع والدين الطاعة أو من مدن بالمكان اذا أقام به قولان لاهل العربية (وطيبة وطابة) مشتقان من الطيب وهو الرائحة الحسنة والطاب والطيب لغتان وقيل من الطيب بفتح الطاء وكسر الياء التحتية المشددة وهو الطاهر لخلوصها من الشرك وطهارتها وقيل من طيب العيش (والهدراء) بهاء مفتوحة ثم مهملة ساكنة ثم راء ممدودة سميت بذلك لنمو الاعمال فيها وتضعيفها من قولهم أرض هادرة اذا كانت كثيرة العشب متناهية (والقاصمة) بالقاف والمهملة أي المهلكة لكل جبار بها وفي نسخة والعاصمة بمهملتين أي لكل من لجا اليها من كل مخوف أو من الدجال والطاعون (وروي ان) بفتح الهمزة (الكنوز) جمع كنز وهو كل مال لا تؤدي زكاته (ارفع) بالرفع (أجاجيرك) بهمزة مفتوحة ثم جيم ثم ألف ثم جيم مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم راء أي جوانبك وارجائك (تأليف) جمع (الهجرة) الترك (دار الهجرة) يعني المدينة الشريفة

ابن أبي حامد المصري حفيد المصنف قراءة منى عليه لجميع الكتاب بالمسجد النبوي الشريف الى جانب المنبر المنيف وسمعته جميعا بالمسجد الحرام من لفظ شيخنا إمام الوقت أبي الفتح محمد ابن أبي بكر بن الحسين المراغي نضر الله وجوههما قالا اخبرنا به الشيخ الامام ابراهيم بن على اليعمرى عن المؤلف قال وبعد فان العناية بالمدينة الشريفة متعينة والرعاية لعظم حرمتها لكل خير متضمنة والوسيلة بنشر شرفها شافعة والفضيلة لاشتات معاهدها جامعة لأنها طابة ذات الحجرة المفضلة ودار الهجرة المكملة وحرم النبوة المشرف بالآيات المنزلة والمسجد الذى تشد اليه الرحال المرقلة والبقعة التي تهبط الاملاك عليها والمدينة التى يأرز الايمان اليها والمشهد الذى تفوح أرواح نجد من ثياب زائريه والمورد الذى لا يروي من الشوق غلة وارديه والعرصة التى خصها الله تعالى بالنبى الاطهر والحرمة التي فيها الروضة المقدسة بين القبر والمنبر والتربة التى سمت بساكنها على الآفاق وفضلت بقاع الارض على الاطلاق فهي كما قيل شعرا: جزم الجميع بأن خير الارض ما ... قد حاط ذات المصطفى وحواها ونعم لقد صدقوا بساكنها علت ... كالنفس حين زكت زكي مأواها وقال القاضى عياض رحمه الله وجدير بمواطن عمرت بالوحى والتنزيل وتردد فيها جبريل وميكائيل وعرجت منها الملائكة والروح وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح واشتملت تربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله ما انتشر مدارس آيات ومساجد صلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات ومناسك الدين ومشاعر المسلمين ومواقف سيد المرسلين ومتبوء خاتم النبيين حيث انفجرت النبوة وفاض عبابها ومواطن مهبط الرسالة وأوّل أرض مس جلد المصطفى ترابها أن تعظم عرصاتها (حفيد) هو ولد الولد (المنيف) الزائد بالفضل على غيره (المراغي) نسبة الى المراغ قبيلة معروفة من الازد وهي بفتح الميم والراء المخففة آخره معجمة (نضر الله) بتشديد الضاد المعجمة وتخفيفها والتشديد أكثر أي حسن وجمل (اليعمري) بفتح الميم وضمها (الاشتات) بالمعجمة والفوقية المكررة أي المتفرقات (المرقلة) بالقاف أي المسرعة (والمورد) بفتح الميم وكسر الراء (غلة) بضم الغين المعجمة وهى العطش (المقدسة) أي المطهرة والقدس الطهارة وسمى جبريل روح القدس لانه لم يقارف ذنبا (سمت) أي علت والسمو العلو (على الآفاق) جمع أفق وهو الناحية كمامر (وفضلت) وبفتح الضاد (زكت) بالزاي بمعنى طهرت (جدير) بالجيم والاهمال بوزن عظيم أي حقيق ويرادفه حرى وخليق وقمن في المعنى وخليق في الوزن أيضا (بمواطن) لا ينصرف (وضجت) بالمعجمة والجيم من الضجيج وهو رفع الصوت (حيث) مبنى على الضم (عبابها) بضم المهملة وبموحدتين وهو معظم السيل وارتفاعه

وتتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدراتها وأنشد شعرا: يادار خير المرسلين ومن به ... هدي الانام وخص بالآيات عندى لاجلك لوعة وصبابة ... وتشوق متوقد الجمرات وعلي عهد إن ملأت محاجرى ... من تلكم الجدرات والعرصات لاعفرنّ مصون شيبى بالثرى ... من كثرة التقبيل والرشفات لولا العوادي والاعادى زرتها ... أبدا ولو سحبا على الوجنات لكن سأهدى من حفيل تحيتى ... لقطين تلك الدار والحجرات اذكى من المسك المفتق نفحة ... تغشاه بالآصال والبكرات ونخصه بزواكى الصلوات ... ونوامى التسليم والبركات وكثرته (وأنشد) مبنى للفاعل والمراد عياض كما قال الشمني زاد هذه الابيات له (لوعة) بفتح اللام حرارة الشوق (وصبابة) بالمهملة والموحدة المكررة بوزن سحابة هي رقة الشوق (لولا العوادى) ما يعدو على الانسان ويصول من النوائب شبهها بعد والسبع (والاعادي) جمع عدو (من حفيل) بالمهملة والفاء بوزن عظيم أي جميع قال الجوهري في الصحاح حفل القوم واحتفلوا أى اجتمعوا (القطين) بالقاف ثم مهملة بوزن الاول والقطين هو القاطن أي المقيم (المفتق) بتشديد الفوقية المفتوحة أي المستخرج الرائحة (بزواكى ونوامي) بفتح الياءين لاقامة الوزن (تنبيهان) الاول فات المصنف ذكر الاحاديث الواردة في فضل الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم وكان ينبغي له الاتيان بذلك كما أتى به في فضل الصلاة في المسجد الحرام. وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام أخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عمر وأخرجه مسلم من حديث ميمونة وأخرجه أحمد من حديث جبير بن مطعم وسعد بن أرقم وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث جابر وأخرجه أحمد وابن حبان من حديث ابن الزبير وأخرجه البيهقي من حديث ابن عمر وأخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء فتبلغ صلاة واحدة في مسجده صلى الله عليه وسلم عمر ستة أشهر هلالية وثلاثة وعشرين يوما والنفل في ذلك كالفرض خلافا للطحاوي قال النووي وذلك فيما يرجع الى الثواب ولا يتعدى الى الاجزاء عن الفوائت بلا خلاف وقد مرّ عنه نظير ذلك في الصلاة في المسجد الحرام قال وهذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذى كان في زمانه دون ما زيد بعده وهذا هو الصحيح وان نظر فيه السيوطي مستشهدا بحديث أخرجه الزبير بن بكار (الثاني) هل المسجد الذي أسس على التقوى هو أو مسجد قبا قال النووي بالاول مستدلا بالحديث الصحيح في صحيح مسلم وسنن الترمذي والنسائي عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى أخذ كفا من حصا فضرب به الارض ثم قال هو مسجدكم

فصل في ذكر آبائه صلى الله عليه وسلم

[فصل في ذكر آبائه صلى الله عليه وسلم] (فصل) وأما عدد آبائه فهو صلي الله عليه وآله وسلم أبو القاسم وأبو الارامل وأبو ابراهيم (محمد بن عبد الله) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أددبن مقوم بن ناحور هذا لمسجد المدينة قال هذا نص بانه المسجد الذي أسس على التقوى المذكور في القرآن قال السيوطي في الديباج قلت تعارضه أحاديث أخر منها ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين) في أهل قبالانهم كانوا يستنجون بالماء والحق ان القولين شهيران والاحاديث لكل منهما شاهدة ولهذا مال الحافظ عماد الدين ابن كثير الى الجمع وترجيح التفسير انه مسجد قبا لكثرة أحاديثه الواردة وبيان سبب نزول الآية قال ولا ينافي ذلك حديث مسلم وغيره لانه اذا كان مسجد قبا أسس على التقوي فمسجد النبي صلي الله عليه وسلم أولى بذلك (خاتمة) الشام بعد الحرمين أفضل البقاع لحديث الشام صفوة الله من بلاده أخرجه الطبراني والحاكم من حديث أبي امامة ولانها أرض المحشر والمنشر كما أخرجه أبو الحسن بن شجاع الربعي في فضائل الشام من حديث أبي ذر ولان نوره صلى الله عليه وسلم ليلة الولادة سطع عليها ثم اليمن لحديث الايمان يمان وهو مشهور في الصحيحين وغيرهما ثم الغرب لحديث لا يزال أهل الغرب ظاهرين الى آخره وهو في صحيح مسلم ولا يقال هذا الحديث فيه فضيلة أهل الغرب لهذا لانا نقول تقرر ان المفاضلة في الاشخاص حقيقة انما هي بحسب الديانة والتقوى ولا شك ان للبقاع تأثيرا في صلاح الطباع وفسادها من حيث إثارة الشهوات وغيرها كما ذكروا نظير ذلك في الفصول فصلاح الاشخاص حينئذ سببه صلاح البقعة واعتدالها وعدم خروجها عن الحد في تأثير الطبائع الاربع والله أعلم* (فصل) وأما عدد آبائه (محمد) سمى به لخصاله المحمودة وكان ذلك بالهام من الله لجده (ابن عبد الله) قيل كان اسمه عبد الدار وقيل عبد قصى فلما فدى من الذبح سماه أبوه عبد الله (فهر) بفاء مكسورة فهاء ساكنة فراء قال في التوشيح هو قريش فقيل الاول اسمه والثاني لقبه وقيل عكسه (النضر) بالمعجمة (مدركة) اسمه عمرو وقيل عامر (الياس) بفتح الهمزة على لفظ الياس الذي هو ضد الرجاء واللام فيه للمح الصفة وقيل بالكسر كاسم النبي الياس وهو مشتق من قولهم أليس الشجاع أى لم يفر. قال النووي في التهذيب هو بكسر الهمزة على الصحيح الاشهر. وقال عياض في المشارق ضبطه ابن الانباري بفتح الهمزة ولام التعريف (مضر) بالمعجمة والراء بوزن عمر سمى بذلك لمحبته اللبن الماضر أي الحامض قيل وهو أول من حدا الابل وكان حسن الصوت وأخرجه ابن سعد عن عبد الله بن خالد مرسلا لا تسبوا مضر فانه كان قد أسلم (نزار) بنون وزاي فراء ككتاب قاله في القاموس وضبطه غيره بكسر النون وفتحها وهو مشتق من النزر وهو القليل سمى به لانه كان فريد عصره قاله أبو الفرج الاصبهاني (معد) بفتح الميم والعين وتشديد الدال المهملتين (عدنان) بالمهملة والنون بوزن مروان (ادد) بضم ففتح كعمر وبضمتين أيضا قال في القاموس وهو مصروف (مقوم) بكسر الواو اسم فاعل وبفتحها اسم مفعول (ناحور) بنون ومهملة وراء

ابن تيرخ بن يعرب بن يشجب بن قيدار بن نابت بن اسمعيل بن ابراهيم صلي الله عليه وعلى آله ابن آزر بن تارح بن ناحور بن ساروخ بن راعو بن فالج بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم ابن لامك بن (تيرخ) بفوقية مفتوحة فتحتية ساكنة فراء مهملة (يعرب) بتحتية مفتوحة فمهملة ساكنة فراء مضمومة فموحدة (يشجب) بتحتية فمعجمة فجيم فموحدة بوزن يعرب (نابت) بالنون والموحدة والفوقية كفاعل وقيل انه نبت بحذف الالف وسكون الموحدة (اسماعيل) تقدم سبب تسميته بذلك قريبا (ابراهيم) كان مولده بالسوس من أرض الاهواز وقيل كوثى وقيل كسكر وقيل حران ولكن أبوه نقله الى بابل أرض نمرود ابن كنعان (آزر) لقب أبى ابراهيم قاله مقاتل بن حبان وغيره (ابن تارح) بفوقية فالف فراء مفتوحة فمهملة وقال ابن اسحق والضحاك بل هما اسمان له وقال بعضهم بل تارح أبوه وآزر عمه والعرب تسمى العم أبا وبه تشبث من قال من العلماء ان آباء النبي صلي الله عليه وسلم كانوا مؤمنين وسيأتي ما فيه قريبا وقال سليمان التيمي تارح سب وعيب ومعناه في كلامهم المعوج وقيل هو بالفارسية الشيخ الهم (ناحور) هو كناحور الاول وقيل ان هذا بألف في آخره (ساروخ) بمهملة فراء مضمومة آخره معجمة وقيل باعجام أوله وآخره وقيل شاروع (راعو) بالراء وضم المهملة وقيل انه أرعو بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح المهملة قالوا وآخره ألف (فالج) بفتح اللام آخره معجم وقيل فالغ بغين معجمة وهو أخو هود بن عيبر على ما قيل وكلام مغلطاي في سيرته يخالفه كما سيأتي قريبا وقيل ان فالج أخو قحطان وهما ابنا يعرب ويقال عارب وفي عدنان وقحطان جماع العرب واتفق أهل النسب على ان عدنان من ولد اسماعيل واختلفوا في قحطان فقيل هو من ولد اسماعيل لقوله صلى الله عليه وسلم للاسلميين ارموا بني اسماعيل فان أباكم كان راميا وهم من قحطان وقيل ان قحطان من ولد هود وقيل غير ذلك (عيبر) بوزن جعفر وهو بمهملة فتحتية قد تبدل ألفا فموحدة وهو هود نبه عليه مغلطاي في سيرته (شالخ) باعجام أوله وآخره بوزن فالج ومعناه الوكيل (ارفخشذ) بهمزة مفتوحة فراء ساكنة ففاء مفتوحة فمعجمات الاولى ساكنة والثانية مفتوحة قيل معناه بالسريانية مصباح مضيء (سام) بالمهملة وهو أبو العرب وفارس والروم قيل لما حضرت نوحا الوفاة قسم البلاد بين أولاده فجعل لسام وسط الارض الحرم وما حوله واليمن وحضرموت الى عمان الى البحرين الى عالج وتبريز ووبار والدهناء وجعل لحام وهو بالمهملة أرض المغرب وسواحل الهند الى حدود بنجالة ما خلا الكوش من بعدها وجعل ليافث وهو بالتحتية والفاء والمثلثة مشرق الارض جميعها وجعل الوصية بعد ذلك الى ولده سام (نوح) اسمه عبد الغفار. قال البغوي وهو أوّل نبى بعث بعد ادريس وسيأتي في ذلك مزيد كلام في حديث الاسراء كان نوح نجارا بعثه الله الى قومه وهو ابن أربعين أو خمسين أو مائتين وخمسين أو مائة أقوال قال بالاول ابن عباس وبالاخير مقاتل سمى نوحا لكثرة ما ناح على نفسه وسبب نوحه دعوته على قومه بالهلاك ومراجعته ربه في شأن ابنه كنعان أو قوله لكلب مجذوم قد مر عليه اخسأ يا قبيح فأوحى الله اليه اعبتني أم عبت الكلب أقوال كان عمره ألفا وخمسين سنة قال ابن عباس وقيل ألفا ومائتين وخمسين والصحيح الاول (لامك) بفتح الميم ويقال لمك بفتح اللام وكسر

متوشلخ بن خنوخ وهو ادريس صلى الله عليه وسلم عند الاكثر ابن يرد بن مهليل بن قينين ويقال قينان بالقاف ابن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم* قال المؤلف غفر الله له وما ذكرنا من النسب الى عدنان متفق عليه وفيما بعده الى آدم خلاف واضطراب في العدد والضبط والمشهور في ذلك ما ذكرنا ثم اتفقوا على أن النسب يرجع الى اسمعيل بن ابراهيم صلي الله عليهما وسلم وروى ابن سعد في الطبقات حديثا مسندا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلي الميم مصروف قيل وهو أوّل من اتخذ العود للغناء (متوشلخ) بضم الميم وفتح الفوقية والواو بعدها معجمة ساكنة فلام مكسورة فمعجمة وقيل انه بتشديد الفوقية وسكون الواو وفتح الشين وسكون اللام قيل ومعناه مات الرسول سمى به لان أباه ادريس مات وأمه حامل به (خنوخ) بالمعجمة أوله وآخره على وزن تبوك وضبط اخنوخ على وزن عصفور (وهو ادريس) سمي به لكثرة درسه وكان خياطا وهو أوّل من خط بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبس المخيط وكان من قبله يلبسون الجلود وأوّل من اتخذ السلاح وقاتل الكفار وأوّل من نظر في علم الحساب رفعه الله عز وجل اليه على تمام ثلثمائة وخمس وستين سنة وقال الكلبى ثلاثمائة وست وستين سنة وهو ثالث الانبياء (يرد) بفتح التحتية وسكون الراء ثم مهملة ويقال فيه اليرد بالة التعريف ومعناه الضابط (مهليل) بفتح الميم وسكون الهاء وبين اللامين تحتية ويقال فيه مهلائيل ومعناه الممدح وفي زمنه كان أوّل عبادة الاصنام (قينين وقينان) بفتح القاف فيهما ومعناه المستوي (يانش) بالتحتية والنون والمعجمة بوزن فاعل ويقال أنوش بوزن صبور ومعناه الصادق وهو أوّل من غرس النخلة وبذر الحبة وبوب الكعبة (شيث) بمعجمة فتحتية فمثلثة بوزن ليف ومعناه هبة الله لانه خلف من هابيل المقتول علمه الله ساعات الليل والنهار وعبادته في كل ساعة وأنزل عليه خمسين صحيفة وصار وصي آدم وولى عهده. قيل ان حواء كانت تلد في كل بطن ولدين ذكرا وأنثي الا شيثا فانها حملت به وحده كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم وكان مولده بعد قتل هابيل بخمسين سنة وقد مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وقيل مائتان وخمس وأربعون سنة وكان مدة عمره ألف سنة وفي التوراة الا سبعين (آدم) كني به لانه خلق من اديم الارض وقيل لانه كان آدم اللون وكان خلقه آخر ساعة من يوم الجمعة فيما بين العصر الى الليل كما في مسند أحمد وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة وخلق من تراب الجاثية ودخنا وعجن بماء الجنة كما أخرجه الحكيم وابن أبي عدي من حديثه ولا ينافيه ما في حديث آخر انه خلق من جميع أجزاء الارض فلعل أكثر طينته كانت من هاتين الارضين وكان طوله ستين ذراعا كما في مسند أحمد والصحيحين من حديثه أيضا قيل بذراعه وقيل بذراعنا لان ذراع كل واحد ربعه ولو كان بذراعه لكانت يده قصيرة في جنب طول جسمه كالاصبع أو الظفر (تنبيه) حملة من ذكره المصنف من الآباء تسعة وأربعون. وزاد المحب الطبري وغيره ادا بضم الهمزة وتشديد المهملة بين عدنان وادد فيتم العدد خمسين وقد بين المصنف محل الاتفاق وهو الى عدنان فقط وفيه من الانبياء آدم وشيث وادريس ونوح وسام على القول بنبوته وهو مقتضي ما نقل عن كعب الاحبار وهود وهو عيبر على ما مر فيه وابراهيم واسماعيل (وروى ابن سعد) هو محمد بن سعد الكاتب مولى بني هاشم مات سنة ثلاث ومائتين (عن ابن عباس) وأخرجه عنه ابن

الله عليه وآله وسلم كان اذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان بن أدد ثم يمسك ثم يقول كذب النسابون قال الله تعالى وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً. وروى نحوه عن ابن مسعود موقوفا عليه في قوله تعالى أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ. قال ابن عباس رضي الله عنهما لو شاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلمه لعلمه وذكر ابن عبد البر حديثا موقوفا على ابن عباس قال بين معد بن عدنان الى اسمعيل ثلاثون أبا قال وليس هذا الاسناد مما يقطع بصحته والانساب صعبة. قال شيخ شيوخنا سراج الدين ابن الانصارى في شرح البخارى كره مالك رفع الانساب الي آدم وقال غيره بذلك وذهب كثيرون الى جوازه وهو الاظهر لانه يترتب عليه معرفة العرب من غيرهم وقريش من غيرهم وتنبني عليه الاحكام كالامامة والكفاءة والتقديم في قسم الفيء عساكر أيضا (عن ابن مسعود) هو عبد الله بن مسعود بن غافلة الهذلي أسلم قديما وشهد بدرا والمشاهد كلها توفي سنة اثنين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين وهو ابن بضع وستين سنة وورد في حديث مسند ذكره الكاشغري في مختصر أسد الغابة انه دخل عليه عثمان بن عفان يعوده في مرضه الذي مات فيه فقال له ما تشتكي فقال أشتكي ذنوبي قال فما تشتهي قال أشتهي رحمة ربي قال أفلا ندعو الطبيب قال الطبيب أمرضني قال قما تأمرنا ان نفعل بعطائك قال لا حاجة لي فيه قال ندفعه الى بناتك قال لا حاجة لهن به قد أمرتهن ان يقرأن سورة الواقعة لانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ سورة الواقعة لم تصبه فاقة أبدا (موقوفا عليه) أي غير مرفوع الي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وعاد) هو عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح (وثمود) هو ثمود بن عامر بن ارم بن سام بن نوح سميت ثمود لقلة مائها قاله أبو عمرو زبان بالزاي والموحدة ابن العلاء المازني أحد القراء (ان يعلمه لعلمه) أى بوحي من الله عز وجل (ابن عبد البر) كنيته أبو عمر واسمه يوسف ابن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمرى حافظ المغرب ولد في ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة وتوفي بشاطبة من بلاد الاندلس في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة وهو ابن خمس وسبعين سنة (ابن الانصارى) اسمه عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الانصارى الاندلسي الاصل المصرى المعروف بابن الملقن كان أبوه نحويا معروفا بالتقدم في ذلك ومات وولده صغير فرباه زوج أمه الشيخ عيسى الغزي الملقن فعرف به وولد في ربيع الاول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ذكره ابن قاضى شهبة في الطبقات ولم يذكر وقت وفاته (وذهب كثيرون الى جوازه) قلت بل الى ندبه ولو قيل بانه من جملة فروض الكفايات لم يبعد لما ذكره المصنف من الامور والاحكام المترتبة عليه وقد أخرج مالك وأحمد والترمذي من حديث أبي هريرة تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم (و) معرفة (قريش) سموا بذلك

فصل فيما نقل من مزايا آبائه عليه الصلاة والسلام

وغير ذلك وفي الصحيح حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج* وقريش هم ولد النضر بن كنانة في قول الاكثرين وقيل هو فهر. وقيل هم ولد الياس وقيل ولد مضر والله أعلم. [فصل فيما نقل من مزايا آبائه عليه الصلاة والسلام] (فصل) فيما نقل من مزايا آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الادنين* قال أهل لغلبتهم وقهرهم الناس من القرش وهو حوت في البحر يقهر دواب البحر والبر وقيل غير ذلك والصحيح الاول قال الشاعر* وقريش هى التي تسكن البح ... ر بها سميت قريش قريشا وكذا في الكتاب حي قريش ... يأكلون البلاد أكلا كميشا ولهم آخر الزمان نبي ... يكثر الهرج فيهم والخموشا (وفي) الحديث (الصحيح) في مسند أحمد وصحيح البخاري وسنن الترمذي من حديث ابن عمرو بلغوا عني ولو آية و (حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج) وأخرج هذا فقط أبو داود من حديث أبي هريرة واسرائيل يعقوب ولا حرج أي لا ضيق ولا خطر عليكم في الحديث عنهم وسبب هذا انه كان قد نهى عن الحديث عنهم والنظر في كتبهم ثم حصلت التوسعة في ذلك لما استقرت الاحكام الاسلامية والقواعد الدينية وأمنت الفتنة والمراد كما قال الشافعي الحديث بما لا نعلم كذبه وقيل المراد التحديث عنهم باي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الاتصال في التحديث عنهم بخلاف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم فانها لا تجوز الا بما علم المحدث صحته أو حسنه أو بين ضعفه أو عزاه الى من خرجه لتكون العهدة عليه وذلك لترتب الاحكام الاسلامية عليه ولا يتعذر الاتصال لقرب العهد منه صلى الله عليه وسلم وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج فساوي في هذا الحديث بين الحديث عنه وبين الحديث عن بني اسرائيل لكن الحرج المنفي عنه انما هو الحرج اللاحق في كتب الحديث كانه صلى الله عليه وسلم خشى ان يتوهم متوهم من منع كتب الحديث والحرج فيه منع نقله لفظا والحرج فيه فأزال ذلك الوهم بقوله وحدثوا عني ولا حرج فكانه قال لا تنقلوا عنى الحديث كتبا وان كان في أعلى درجات الصحة فان عليكم حرجا في ذلك ولكن حدثوا عني حديثا بالسنتكم ولا حرج في ذلك لان المحذور من كتب الحديث وهو خوف اختلاطه بالقرآن منتف في التلفظ به ومعلوم ان النهى عن الكتب عنه منسوخ بالاحاديث الصحيحة الواردة في الاذن في الكتابة عنه فانتفى بحمد الله الحرج في نقل الحديث عنه كتبا كما انتفى في نقله عنه لفظا ومن تتمة الحديثين ومن كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار والتبوء اتخاذ المنزل وهو خبر بلفظ الامر أي فقد استوجب ذلك فليوطن نفسه عليه وقيل دعاء أي بوأه الله ذلك (فائدة) حديث من كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار رواه من الصحابة نيف وستون بل قيل أكثر من مائة وقيل مائتين منهم العشرة المبشرة (وقيل هو فهر) وعليه اقتصر السيوطي في التوشيح كما مر* (فصل) (فيما نقل من مزايا) جمع مزية بالزاي والتحتية كفضيلة وزنا ومعنى (الادنين) بفتح النون أى

السير كان عبد الله والد النبى صلى الله عليه وآله وسلم انهد فتى في قريش وأصبحهم خلقا وأحسنهم أخلاقا وكان نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيّنا في وجهه فلما خرج منه فقد ذلك النور وانتقل الى وجه آمنة وهدى الله أهله فسموه باحب الاسماء اليه كما هداهم في تسمية ولده محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفدى بمائة من الابل حين نذر عبد المطلب عند حفر بئر زمزم لئن رزقه الله عشرة من الولد يمنعونه لينحرن أحدهم فلما تم عددهم عشرة أسهم بينهم فخرج السهم على عبد الله ثم أسهم عليه وعلى عشر من الابل وكانت العشر دية العرب فخرج السهم على عبد الله فزاد عشرا ثم عشرا حتى بلغ مائة من الابل فخرج السهم على الابل فنحرها عنه ثم استمرت الدية كذلك واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم انا ابن الذبيحين يعنى أباه واسمعيل بن ابراهيم صلى الله عليه وسلم وأمه وأم أبي طالب فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية وتوفي عبد الله والنبي صلى الله عليه في بطن أمه وقيل بعد ما ولد بثمانية وعشرين شهرا وقيل سبعة أشهر وقيل شهرين والله أعلم. الاقربين الذين دون اسماعيل (أنهد) بالنون والمهملة كاقوى وأجدر وزنا ومعنى (فتي) هو من اسماء الشباب (أسهم عليه وعلى عشر من الابل) أي بمشورة المرأة الكاهنة (فخرج السهم على الابل فنحرها عنه) أي بعد ان أسهم عليه وعليها ثلاثا وفي كلها يخرج السهم على الابل وذلك بمشورتها أيضا (أنا ابن الذبيحين) أخرجه الحاكم في المستدرك وابن مردويه والثعلبي في تفسيريهما عن الصنابحي عن معاوية رضي الله عنه (يعني أباه واسماعيل) استدل بذلك من قال ان الذبيح اسماعيل قال البيضاوي وغيره وهو الاظهر لانه الذي وهب له أثر الهجرة ولان البشارة باسحق معطوفة على البشارة بهذا الغلام في التنزيل ولان ذلك كان بمكة وكان قرنا الكبش الذي فدى به معلقين بالكعبة حتى احترقا معها أيام ابن الزبير واسحق لم يكن ثم ولان البشارة كانت مقرونة بولادة يعقوب منه أي في قوله تعالى فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ فلا يناسبها الامر بذبحه مراهقا انتهى قال القرطبي في تفسيره وهو قول أبي هريرة وأبي الطفيل عامر بن وائلة وروي عن ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد وقال ابن قيم الجوزية هو الصواب عند علماء الصحابة والتابعين بعدهم وقيل انه اسحاق وهو قول الاكثرين وممن قال به العباس وعمر وجابر في آخرين من الصحابة وجماعة من التابعين قال سعيد بن جبير سار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمني فلما صرف الله عنه الذبح سار به مسيرة شهر في غداة واحدة قال ابن قيم الجوزية وهذا القول مردود باكثر من عشرين وجها (أمه وأم أبي طالب) وأم الزبير أيضا (ابن عائذ) بالتحتية والمعجمة بن عمران بن يقظة بتحتية فقاف فمعجمة على وزن شجرة وفي بعض السير ان عبد الله والد النبى صلى الله عليه وسلم كان أصغر بني أبيه وليس كذلك لان حمزة والعباس أصغر منه فقد روي عن العباس قال شهدت مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث سنين ونحوها

وكانت وفاته بيثرب وكان بعثه أبوه يمتار له تمرا منها وقيل توفي بالأبواء بين مكة والمدينة وكان بينه وبين ابنه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في السن ثمانية عشر عاما والله أعلم. وأما عبد المطلب واسمه شيبة الحمد وقيل عامر وعاش مائة وأربعين سنة سمي عبد المطلب لأن أباه هاشما توفي وهو صغير فغلبت عليه أمه سلمى الانصارية النجارية بالمدينة فلما شب وترعرع ذهب له عمه المطلب بن عبد مناف فقدم به مكة مردفه خلفه وكان آدم اللون فقال الناس عبد المطلب فلزمه ذلك. وكان شريفا في قومه مبجلا معظما عندهم يوضع له بساط في ظل الكعبة لا يجلس عليه غيره وكانوا يسمونه الفيض والفياض لسماحته وكرمه ورأى الرؤيا المشهورة في أمر زمزم وأثارها بعد ان درست آثارها. وتم له مع قومه ماتم في حفرها وله أخبار طويلة ومآثر جليلة. وأما هاشم فاسمه عمرو وسمي هاشما لانه هشم الثريد لقومه في المجاعة وبلغ في الكرم مبلغا وأطعم الوحوش في رؤس الجبال. وأما عبد مناف فاسمه المغيرة وكان يقال له قمر البطحاء لسماحته وجماله وورّثه قصي المجد فاعرق فيه وأطاعته قريش كما دانت لابيه. وأما قصي واسمه زيد فهو الذى ألف قريشا وجمعها وجعلها اثنتي عشرة قبيلة وجعل لكل قبيلة منزلا ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مجمعا وزاد في مكة وجعل النسوة يقلن قبل أخاك والصواب ان عبد الله أصغر بني أمه وأكبرهم الزبير (وكانت وفاته بيثرب) كان الاولى العدول عن هذا الاسم لما مر من كراهة تسميتها به (يمتار) بتحتية وراء أي يشتري لهم التمر فيحمله اليهم يقال امتار يمتار امتيارا اذا حمل الطعام لاهله من بلد آخر ومثله مار يمير ميرا ومنه نمير أهلنا والاسم منه ميرة بكسر الميم (بالابواء) بالموحدة والمد قرية بين مكة والمدينة قريبة من الجحفة من عمل الفرع بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلا سميت بذلك لتبوء السيول بها (شيبة الحمد) سمى بذلك لانه ولد وبرأسه شعرة بيضاء (سلمى) بفتح السين بنت عمرو بن زيد (ترعرع) بمهملات أي شب وتحرك قال أهل اللغة وتركيبه يدل على الاضطراب ومنه الرعرعة وهي اضطراب الماء على وجه الارض ويسمى من لا عقل له ثابت رعاعة (مردفه) بالنصب على الحال (آدم) بالنصب خبر كان واسمها مستتر (عبد المطلب) بالرفع خبر مبتدإ محذوف (أثارها) بالمثلثة أي استخرجها (درست) أي عفت وذهبت (آثارها) أي علاماتها (وتم له مع قومه ماتم) هو انهم أرادوا منعه من ذلك ثم اتفقوا على ان يرحلوا الى الشام للتحاكم الى بعض الكهان فلما كانوا أثناء الطريق عطشوا عطشا شديدا فنبعت من تحت رجله عين ماء فشربوا واستقوا واكتفوا بذلك حكما بينهم وبينه فرجعوا أيضا الى مكة فاستأثر بحفرها حسب ما ذكره أهل السير (ومآثر) على وزن منابر جمع مأثرة وهي الخير (وكان يقال له قمر البطحاء) بالرفع (وورثه) بالتشديد (قصي) فاعل (المجد) مفعول ثان (فاعرق) بالمهملة والراء أي صار عريقا وهو الذي له أصل في المجد (كما دانت)

شيأ من الحرم وجعل دار الندوة التى يجتمعون فيها لمهماتهم وعظم البيت الحرام والمشاعر العظام وسن الرفادة وهي طعام أمر قريشا أن يهبوه للحجيج في كل عام فاطاعوه بذلك ولقب قصيا لانه بعد عن عشيرته في بلاد قضاعة حين احتملت أمه فاطمة. وكلاب اسمه حكيم ويقال حكم ويقال المهذب سمي كلابا لمحبته الصيد بالكلاب. ولؤي بالهمزة عند الاكثرين. وفهر قيل لقب له واسمه قريش والصواب انه اسمه وان النضر أبو قريش كما تقدم والله أعلم. وأم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وكانت سيدة نساء بنى زهرة وكذلك كان أبوها. ولم تلد هي ولا عبد الله غير النبي صلى الله عليه وسلم ففى ذلك اشارة الى انه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نسيج وحده في العالم (قلت) لا أعلم أيضا لآمنة اخوة ولو كان لنقل وعدوا اخوالا للنبي صلى الله عليه وسلم كما نقل أعمامه وأختانه وغيرهم والله أعلم. وتوفيت آمنة بالابواء بالمهملة والنون أي انقادت مطيعة (دار الندوة) بفتح النون وسكون الدال المهملة وهي دار بناها جعل بابها الى الكعبة (يجتمعون فيها لمهماتهم) أي كالمشاورة والختان والنكاح وتنزل فيها القوافل وترتحل منها واشتقاقها من الندي بتشديد التحتية وهي مجتمع القوم وقال بعضهم وهي الآن داخلة في المسجد الحرام وهي الزيادة التي في ناحية الشام (وسن الرفادة) بكسر الراء اسم من رفد يرفد بفتح الفاء في الماضى وكسرها في المستقبل اذا أعطى وهو ثلاثى وأما ارفد يرفد فهو رباعي فهو بمعنى اعان (بلاد قضاعة) بضم القاف واعجام الضاد وإهمال العين لقب بذلك عمر بن حمير كان له قضاع أي فهد فلقب به أو لانقضاعه من قومه أو من قضعه أي قهره قاله في القاموس (بنت وهب) بالموحدة بوزن حرب (زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء (وكانت سيدة) بالنصب خبر كان واسمها مستتر فيها (ففى ذلك اشارة) أي وفي ولادة شيث وحده كما تقدم وفي عدم ولادة اسماعيل نبيا سواه مع ولادة اسحق أخيه كل الانبياء الذين جاؤا من بعده (نسيج) بالنون والمهملة والجيم مصغر (وحده) بالجر بالاضافة وهو خارج عن القياس ومعناه لا نظير له في كماله (قلت لا أعلم لآمنة أيضا إخوة) أي ذكور أما الاناث فذكر ابن الاثير ان لآمنة أختا اسمها فريعة بالفاء مصغر بنت وهب قال ابن الاثير رفعها النبي صلي الله عليه وسلم بيده وقال من أراد أن ينظر الى خالة رسول الله فلينظر الى هذه انتهى (قلت) يحتمل انها ليست أختها بل وافق اسم أبيها اسم أبي آمنة وكانت زهرية فاطلق عليها صلى الله عليه وسلم الخالة مجازا (وأختانه) جمع ختن بفتح المعجمة والفوقية بعدها نون وهو صهر الرجل سواء كان أبا زوجته أو أخاها أو زوج ابنته أو أخته على الاصح (توفيت بالابواء) فمن ثم لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة الحديبية زار قبرها هذا هو الصحيح وقيل توفيت بمكة ودفنت في شعب أبي دب بضم المهملة وتشديد الموحدة شعب من شعاب الحجون

الباب الثاني من القسم الاول في تاريخ مولده إلى نبوته

مرجعها من المدينة حين ذهبت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم تزيره أخوال جده عبد المطلب وبقي صلى الله عليه وسلم بعد موتها بالابواء حتى انتهى الخبر الى مكة. وجاءت أم أيمن مولاة أبيه عبد الله فاحتملته وذلك لخامسة من موت أمه وله صلى الله عليه وسلم يومئذ ست سنين وقيل أربع والله أعلم وروي ان آمنة آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موتها وأورد المحب الطبرى فيه حديثا مسندا الى عائشة والله أعلم. [الباب الثاني من القسم الاول في تاريخ مولده الى نبوته] (الباب الثاني) في تاريخ مولده الى نبوته صلى الله عليه وسلم وما جري في تضاعيف ذلك من الحوادث وفي أكثره خلاف وتنازع وتقديم وتأخير وأصح ما قيل انه صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل بعد هلاكهم بخمسين يوما وقيل بعده بثلاثين يوما وقيل باربعين وكانت قصة الفيل في المحرم سنة اثنين وثمانين وثمانمائة من عهد (تزيره) بالضم من أزاره (أم أيمن) اسمها بركة (مولاة أبيه) أى عتيقته قال الشمني وأسلمت قديما وقيل انه عليه الصلاة والسلام حين تزوج خديجة زوجها عبده الحبشى فولدت له أيمن بفتح الميم وكنيت به ثم بعد النبوة تزوجها زيد بن حارثة فأولدها اسامة قال الواقدى كانت أم أيمن عسرة اللسان فكانت اذا دخلت فسلمت قالت سلام لا عليكم فرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تقول سلام لا عليكم أو السلام لا عليكم انتهي وكانت وفاتها بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو ستة أشهر قولان (فان قلت) فلم لم يغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا الاسم (قلت) لان سبب النهى انما هو التطير بمثل هذا الاسم بان يقال أثم بركة مثلا فيقال لا كما هو مصرح به في الحديث وأم أيمن لما غلبت عليها كنيتها فلم تكن تنادى الا بها أى غالبا أمن المحذور (فان قلت) أفلا غيره بغيره خوفا من التزكية كما غير اسم زوجته زينب بنت جحش وجويرية بنت الحرث وكان اسم كل منهما أولا برة قلت لعدم ظهور التزكية في اسم بركة لغلبته في اسماء الجواري (وروى ان آمنة آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موتها) وكذا أبوه كما سيأتي وعد السيوطي ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم (وأورد المحب الطبرى) مرت ترجمته أوّل الكتاب (حديثا مسندا الى عائشة) فقال أخبرنا بذلك الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن عبد الله بن القير قراءة عليه بالمسجد الحرام وأنا أسمع سنة ست وثلاثين وستمائة قال انا الشيخ الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي إجازة قال نا أبو منصور محمد بن أحمد بن على بن عبد الرزاق الحافظ الزاهد قال أنبأنا القاضى محمد بن عمر بن محمد الاخضر قال ثنا أبو عربة محمد بن يحيي الزهري قال ثنا عبد الوهاب بن موسى الزهرى عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم نزل الحجون كئيبا حزينا فأقام به ما شاء الله عز وجل ثم رجع مسرورا قال سألت ربي فأحيا لي أمي فامنت بي انتهي الحديث وهو يؤيد القول الثاني انها دفنت بالحجون المار آنفا (الباب الثاني) (عام الفيل) اسم الفيل محمود وقصته مشهورة في كتب التفسير (بعد هلاكهم) قيل وكان هلاكهم بوادي محسر (في المحرم) من خصائص هذا الشهر اضافته الى الله عز وجل دون سائر الشهور

مطلب حمل أمه به صلى الله عليه وسلم

ذي القرنين في زمان ملك كسرى أنو شروان ومات أنو شروان بعد مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثمان سنين واتفقوا على أنه صلى الله عليه وآله وسلم ولد يوم الاثنين قال الاكثرون في شهر ربيع الاول قيل لليلتين خلتامنه وقيل لثمان وقيل لعشر وقيل لثنتى عشرة وهو أشهرها وقيل أوّل اثنين منه من غير تعيين وقيل ولد في رمضان لثنتى عشرة خلت منه والله أعلم. [مطلب حمل أمه به صلى الله عليه وسلم] وحملت به أمه أيام التشريق وولد في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى ووضع صلى الله عليه وآله وسلم مستقبل القبلة مع ان فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان. وقد سئل السيوطي عن سبب ذلك فأجاب في الديباج وذكر انه سبق اليه بان هذا الاسم له اسلامي دون سائر الشهور فان اسماءها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية وكان اسم محرم في الجاهلية صفر الاول والذي بعده صفر الثاني فلما جاء الاسلام سماه الله المحرم فأضيف الى الله بهذا الاعتبار (ذي القرنين) اسمه مرزبان بن مرزبة اليونانى من ولد يونان بن يافث وقيل الاسكندر بن فيلسوف واختلف في نبوته والاصح لا وسئل صلى الله عليه وسلم عنه فقال لا أدري نبي هو أم لا أخرجه الحاكم في المستدرك وقيل في قوله تعالى وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً أي علما يتبعه وفي قوله فَأَتْبَعَ سَبَباً أي طريقا موصلة وقال ابن هشام السبب حبل من نور كان ملك يمشي به بين يديه فيتبعه وروي عن أبي الطفيل عامر بن نائلة قال سأل عبد الله بن الكوا على بن أبى طالب فقال أرأيت ذا القرنين أكان نبيا أم ملكا فقال لانبيا كان ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا دعا قومه الى عبادة الله فضربوه على قرن رأسه ضربتين وفيكم مثله يعنى نفسه انتهى وانما قال ذلك لأنه شج شجتين في قرني رأسه احداهما من عمرو بن عبد ود والثانية من ابن ملجم وأما ذو القرنين فسمى بذلك لانه لما أمر قومه بتقوى الله ضربوه على قرنه الايمن فمات فبعثه الله ثم أمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه الايسر فمات فأحياه الله أو لأنه بلغ قرنى الشمس مشرقها ومغربها أو لأنه ملك الروم وفارس أو لانه دخل النور والظلمة أو لانه رأى في المنام كأنه آخذ بقرني الشمس أو لانه كان له ذؤابتان حسنتان أو لانه كان له قرنان تواريهما العمامة أقوال (كسرى) بكسر الكاف وفتحها لقب لكل من ملك الفرس (أنو شروان) بهمزة مفتوحة فنون مضمومة فواو ساكنة فمعجمة فراء ساكنة فواو فألف فنون وصحف من زعم انه بالموحدة وانه كنيته واسم أبيه قباذ بالقاف المضمومة وتخفيف الموحدة آخره معجمة وكان مدة ملكه سبعا وأربعين سنة وثمانية أشهر (في شهر ربيع الاول) هو من باب اضافة الشيء الى نفسه كمسجد الجامع وجانب الغربي وحب الحصيد ونساء المؤمنات وصلاة الوسطى وفيه للنحاة مذهبان كما سيأتي. وكان مولده صلى الله عليه وسلم في نيسان من الشهور الرومية في منزلة الغفرة قيل وهو مولد الانبياء (وحملت به أمه) في شهر رجب (أيام التشريق) ليس هذا بمشكل فانهم كانوا ينسئون أشهر الحج فوافق تلك السنة حجهم شهر رجب وكانت مدة الحمل به تسعة أشهر على الصحيح وقيل عشرة وقيل ثمانية وقيل سبعة وقيل ستة (وقيل ولد في رمضان) هذا قول الزبير بن بكار وهو شاذ (ولد في شعب أبى طالب عند الجمرة الوسطى) وموضع ولادته ثم مشهور واختلف هل كانت ولادته ليلا أو نهارا وجمع بين القولين بأن ولادته كانت آخر الليل متصلة بأول النهار (مستقبل القبلة الى آخره)

مطلب فى الآيات التى ظهرت لمولده عليه الصلاة والسلام

واضعا يديه على الارض رافعا رأسه الى السماء مختونا مسرورا ليس عليه من أقذار الولادة شئ* [مطلب فى الآيات التى ظهرت لمولده عليه الصلاة والسلام] روي عن الشفا أم عبد الرحمن بن عوف وهى التي تولت ولادته قالت لما سقط صلى الله عليه وآله وسلم على يدى واستهل سمعت قائلا يقول رحمك الله واضاء لى ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت الى قصور الروم* ولميلاده صلى الله عليه وآله وسلم خبت نار فارس وكان وقودها مستمرا من عهد عيسى عليه السلام واضطرب ايوان كسرى فأسقط منه أربع عشرة شرافة وكان في ذلك اشارة الى عدد من ملك منهم بعد ذلك الى أن نسخ ملكهم في خلافة عمر ابن الخطاب وغاضت بحيرة ساوة وتنكست الاصنام في آفاق الارض وسقط عرش ابليس ورمي الشياطين بالشهب وروي عنهم وعن كهنتهم في ذلك أنواع العجب* [مطلب في مراضعه صلى الله عليه وسلم] وفي السنة الاولى أخرجه أصحاب السير وغيرهم (مختونا) قال ابن عبد البر في الاستيعاب روي من حديث عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختونا (مسرورا) يعني مقطوع السرة فأعجب ذلك جده عند المطلب وقال ليكونن لابنى هذا شأن عظيم قال وليس إسناد العباس هذا بالقائم وقيل ختن يوم شق قلبه الملائكة عند ظئره حليمة وقيل ختنه جده يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا انتهى وفي مستدرك الحاكم ما لفظه وقد تواترت الاخبار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مسرورا مختونا وتعقب ذلك الذهبي فقال ما يعلم صحة ذلك فكيف يكون متواترا وقال ابن الجوزي عن كعب الاحباران ثلاثة عشر من الانبياء ولدوا مختونين آدم وشيث ونوح وادريس وسام ولوط ويوسف وموسى وشعيب وسليمان ويحيى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. وقال محمد بن حبيب الهاشمي هم أربعة عشر آدم وشيث ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا وعيسى وحنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس ومحمد صلى الله عليه وسلم (روي عن الشفا) بكسر المعجمة بعدها فاء فالف مقصورة كذا قال الشمني وضبطه غيره بفتح المعجمة وتشديد الفاء وهي بنت عوف بن عبد الحرث بن زهرة بن كلاب من المهاجرات الاول (وخبت نار فارس) فى بعض النسخ خمدت وهو بفتح الميم أشهر من كسرها طفئت (وكان وقودها) بضم الواو مصدر (من عهد عيسى) في الشفاء وغيره فكان لها ألف عام لم تخمد (وغاضت) بالمعجمتين نقصت وقلت (بحيرة) تصغير بحرة وكان يعبدها من حولها وكانت أكثر من فرسخ وقيل كانت ستة فراسخ بعراق العجم بين همذان وقم كانت تركب فيها السفن ويسافر الى ما حولها من القرى والمدن فأصبحت ليلة مولده يابسة كان لم يكن بها ماء ولا نداة واستمرت كذلك حتى بنيت موضعها مدينة (ساوة) وهى مدينة مشهورة بين الرى وهمذان وأضيفت البحيرة اليها لبنائها مكانها وفي بعض نسخ الشفا بحيرة طبرية وهو خلاف المعروف قال الشمني الا ان يريد المصنف عند خروج يأجوج ومأجوج فانه ورد ان أوائلهم يشرب بحيرة طبرية ويجئ آخرهم فيقول لقد كان بها ماء انتهي (عرش ابليس) أى سريره (ورمي الشياطين بالشهب) أى كثر رميهم وكان قبل ذلك لا يرمي الا لحدوث أمر عظيم (وعن كهنتهم) جمع كاهن وهو الذي يرى معرفة الشيء ويخبر به قبل وجوده قال عياض كانت الكهانة في العرب ثلاثة اضرب

من ميلاده صلى الله عليه وسلم أرضعته ثويبة مولاة أبى لهب وأرضعت معه عمه حمزة وأبا سلمة عبد الله بن عبد الاسد المخزومي بلبن ابنها مسروح* وروي ان العباس رأى أخاه أبا لهب في المنام بشرجال وقال يرفّه عني من العذاب في كل ليلة اثنين فسأله عن ذلك فقال لما ولد محمد جاءتني ثويبة فبشرتني فأعتقتها وكان ذلك ليلة الاثنين وفي صحيح البخارى اشارة الى ذلك والله أعلم* ثم احتملته حليمة بنت أبى ذؤيب عبد الله بن الحارث من بني سعد ابن بكر بن هوازن ثم من بني قيس عيلان بن مضر وذلك حين قدمت مكة مع نسوة من قومها يلتمسون الرضعاء لما يرجون من المعروف والبر من أهليهم وكان أهل مكة يسترضعون أولادهم فيهم لفصاحتهم وليجمعوا للولد ما بين صحة البادية وفصاحتها وآداب الحضارة وملاحتها أحدها يكون للانسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث الله نبينا صلى الله عليه وسلم الثاني أن يخبره بما يطرأ ان يكون في اقطار الارض وبما خفي عنه مما قرب أو بعد هذا ولا يبعد وجوده ولكنهم يصدقون ويكذبون والنهى عن تصديقهم والسماع منهم عام الثالث المنجمون وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه لبعض الناس علما لكن الكذب فيه أغلب ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عراف وهو الذي يستدل على الامور باسباب ومقدمات يدعى معرفتها بها وقد يعتضد بعض أهل الفن في ذلك بالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة وهذه الاضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم كلهم الشرع ونهى عن تصديقهم واتيانهم انتهى (ثويبة) بالمثلثة والتحتية والموحدة مصغر واختلف في اسلامها وماتت عقب فتح خيبر ولم يذكران أمه أرضعته قبلها ثلاثة أيام (عمه حمزة) هو أخو عبد الله من أبيه وأما أمه هو وصفية فهي خالة بنت وهب بن عبد مناف بن وهب كما قاله النووي وغيره وقد روى ان حليمة أرضعته أيضا مع النبي صلى الله عليه وسلم (وأبا سلمة) هو ابن له من أم سلمة رضى الله عنها كنيا به معا (عبد الله بن عبد الاسد) بمهملة وقيل معجمة ضبطه كذلك القاضي زكريا في حاشية البيضاوي والسيوطي أيضا والمهملة في آخره مشددة (المخزومي) نسبة الى مخزوم بن يقظة بن مرة لأن جده أبا أبيه هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم (ابنها مسروح) بمهملات وضبط بالجيم آخره أيضا ولا يعرف له اسلام (يرفه) يخفف وزنا ومعنى (فاعتقها وكان ذلك ليلة الاثنين) أى فخفف عني بسبب عتقى اياها قيل وهذا خاص به اكراما له صلى الله عليه وسلم كما خفف عن أبى طالب بسببه وقيل لا مانع من تخفيف العذاب عن كل كافر عمل خيرا (حليمة بنت أبى ذؤيب) بالهمز (عبد الله بن الحارث) بن سحنة بن جابر ابن رزام بن ناصر بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بمعجمة فمهملة ففاء مفتوحات ابن (قيس عيلان) بفتح المهملة (ابن مضر) أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم (فائدة) جملة مرضعاته صلى الله عليه وسلم على ما قيل ثمان أمه وثويبة وحليمة وخولة بنت المنذر ذكرها أبو الفتح اليعمرى عن ابن اسحاق وامرأة سعدية غير حليمة ذكرها ابن القيم في الهدي وثلاث نسوة اسم كل واحدة منهن عاتكة نقله السهيلي عن بعضهم في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم أنا ابن العواتك من سليم وهو حديث خرجه

مطلب في شق الملكان صدره الشريف

فقام صلى الله عليه وآله وسلم فيهم خمس سنين وظهر لهم من يمنه وبركته أثناء إقامته بين أظهرهم أنواع من المعجزات وخوارق العادات وروي عن حليمة في ذلك أخبار طويلة من در ثديها عليه بعد أن كان عاطلا وسير أتانها بها وبه بعد ان كان ثافلا ودرور شارفهم وشياههم بعد ان كان لا يروي عالّا ولا ناهلا وخصب مرعاهم بعد ان كان جدبا ماحلا وأحبته حليمة ونيط حبه بلحمها ودمها وصارت أمه بعد ان كانت راغبة عنه في ابتداء الحال حين ذكر لها يتمه* وفي انقضاء السنة الثانية فصلته حليمة وقد صار غلاما جفرا وكان كبره في سنة ككبر غيره في سنتين ثم قدمت به على أمه مكة وناشدتها أن ترجعه معها ففعلت* [مطلب في شق الملكان صدره الشريف] وفي الثالثة بعد مرجعه من مكة بأشهر وقيل في الرابعة أتاه الملكان فشقا صدره سعيد بن منصور في سننه والطبرانى في الكبير عن شبابة بن عاصم قيل انه صلى الله عليه وسلم مربهن وهو صغير فوضعت كل واحدة منهن ثديها في فيه فدر عليه وذكر ابن عبد البر والهروى وغيرهما ان العواتك من سليم اللاتى انتسب اليهن صلى الله عليه وسلم عاتكة بنت هلال بن فالح بن ذكوان أم عبد مناف بن قصي وعاتكة بنت مرة بن هلال المذكور وهي أم هاشم بن عبد مناف وعاتكة بنت الاوقص بن مرة بن هلال المذكور وهي أم وهب أبى آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم فالاولى عمة الوسطى والوسطى عمة الاخرى وبنو سليم تفخر بهذه الولادة (من يمنه وبركته) هما مترادفان (اثناء) قال في القاموس اثناء الشيء ومثانيه قواه وطاقاته واحدها ثني بالكسر ومثناة بالكسر والفتح (ثديها) أى الايمن (عاطلا) بالمهملتين أى فارغا لا لبن فيه (سيرأتانها) هي الانثى من الحمير (ثافلا) بمثلثة وفاء أي بطيء السير (شارفهم) بالمعجمة والراء والفاء هي المسنة من النوق (وشياههم) جمع شاة (لا يروي) بضم أوله من أروي (عالا ولا ناهلا) أي لا عللا وهو الشرب مرة بعد أخرى ولا نهلا وهو الشرب أوّل مرة (وخصب مرعاهم) بكسر المعجمة وهو ضد الجدب (جدبا) بفتح الجيم وسكون المهملة وكسرها (ماحلا) بالمهملة اسم فاعل من المحل وهو الجدب آيضا (ونيط) فعل ماض مبني للمفعول بكسر أوله وسم كنظائره والسوط بفتح المهملة في أخرى هو الخلط (يتمه) مقتضاه ان فاقد الاب يسمى يتيما وان كان الجد حيا أو الام وهو كذلك خلافا للبغوي بالنسبة الى الجد (فائدة) فاقد الام من الآدميين يسمي منقطعا ومن البهائم يسمى يتيما واليتيم من الطيور من فقد أباه وأمه (وفي انقضاء السنة الثانية فصلته) فطمته وزنا ومعنى (جفرا) بفتح الجيم وسكون الفاء أي قويا على الاكل وحده مستقلا بنفسه غير محتاج الى غيره (وناشدتها) فاعلتها من النشيد بالنون والمعجمة والمهملة بوزن العظيم وهو رفع الصوت ثم استعمل في السؤال مطلقا (وفي الثالثة أتاه الملكان) في صحيح مسلم ثلاثة نفر سمي منهم في رواية ميمون بن سباه عن أنس عند الطبري جبريل وميكائيل والثالث يحتمل انه اسرافيل (فشقا صدره) حديث شق صدره صلى الله عليه وسلم مروي بالتواتر في الصحيحين وغيرهما وهو شق حقيقي لكن هل كان بآلة أم لا واذا كان بآلة فما هي لم أقف في ذلك على شيء ويؤخذ من تعدد الروايات تعدد الشق مرات أولها وهو يرضع عند حليمة وذلك مشهور وثانيها بغار حراء عند المبعث كما في مسندي الطيالسي وابن أبي اسامة من حديث

واستخرجا منه علقة سوداء وقالا هذا حظ الشيطان منك ثم ملآه حكمة وايمانا ثم لأماه ثم وضعا الخاتم بين كتفيه ولم يكن الخاتم لنبي قبله* ففيه اشارة الى انه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته عائشة ثالثها ليلة الاسراء كما في صحيح مسلم رابعها عند تمام عشر سنين من مولده كما في الدلائل لابي نعيم من حديث أبي هريرة وأخرجه عبد الله بن الامام أحمد في زوائد مسند أبيه ولفظه قال أبو هريرة قلت يا رسول الله ما أوّل ما ابتدئت به من أمر النبوة قال اني لفي صحراء واسعة أمشي وأنا ابن عشر حجج اذا أنا برجلين فوق رأسي يقول أحدهما لصاحبه أهو هو قال نعم فأخذاني فأضجعاني لحلاوة القفا ثم شقا بطني وكان أحدهما يختلف بالماء في طست من ذهب والآخر يغسل جوفي فقال أحدهما لصاحبه افلق صدره فاذا صدري فيما أرى مفلوقا لا أجد له وجعا ثم قال اشقق قلبه فشق قلبي فقال اخرج الغل والحسد منه فأخرج شبه العلقة فنبذه ثم قال ادخل الرأفة والرحمة قلبه فأدخل شيئا كهيئة الفضة ثم أخرج ذرورا كان معه فذر عليه ثم نقر إبهامى ثم قال اغد فرجعت بما لم أغد به من رحمتي للصغير ورأفتى بالكبير (قلت) الحكمة في تكرير الشق أربعا ان الشق انما هو لاذهاب حظ الشيطان منه وقد علم من صحيح الحديث جريانه من ابن آدم مجرى الدم والدم يستمد من الطبائع الاربع فقطع في كل مرة من مرات الشق مدده من طبيعة ولم يطلع على هذه من قال كالسهيلي في شق صدره ثلاثا مناسبة لمشروعية الطهارة في شرعه ثلاثا واختلف فيه هل هو من الخصائص أولا والصحيح الاول كما سيأتي قريبا (هذا حظ الشيطان منك) أي هذا الموضع الذي يوسوس فيه الشيطان من بني آدم أخرجناه لينقطع طمعه فيك وسمي الشيطان شيطانا لبعده عن الخير وتماديه في الشر من قولهم بئر شطون بوزن فعول اذا كانت بعيدة العمق (فملآه حكمة وايمانا) وفي رواية مسلم وغيره جاءوا بطست من ذهب ممتليء حكمة وايمانا فأفرغوهما في صدري ثم هل مثلا جسما كما يمثل الموت كبشا قال النووي انه مجاز وكانه كان في الطست شيء يحصل به كمال الايمان والحكمة فسمي ايمانا وحكمة لكونه سببا لهما (ثم لأماه) أي بعد ان غسلاه بماء زمزم فمن ثم فضل سائر المياه ما عدا الماء النابع من أصابعه صلى الله عليه وسلم (ثم وضعا الخاتم) فيه أربع لغات فتح الفوقية وكسرها وختيم وخيتام (بين كتفيه) أي تحت طرف أسفل كتفه الايسر حيث يوسوس الشيطان من بني آدم وسيأتي بسط الكلام في صفة الخاتم في محله ان شاء الله تعالى* ثم اعلم ان عياضا رحمه الله أخذ بظاهر هذا الكلام وقال ان خاتم النبوة الذي بين كتفيه هو أثر شق الملكين وجرى عليه المصنف فيما سيأتي وهو كما قال النووي ضعيف بل باطل لان شق الملكين انما كان في صدره وبطنه ولأن مقتضاه ان الخاتم لم يكن معه قبل الشق وهو مخالف لحديث حسن مروي عن عائشة رضي الله عنها دال على انه ولد به بين كتفيه وكذلك كان يعرفه أهل الكتابين التوراة والانجيل حتى كانوا يرحلون اليه ويطلبون الوقوف عليه ووصفه بذلك غير واحد من أحبار الشام واليمن كسيف بن ذي يزن وقال بعضهم كان الخاتم في الموضعين الأوّل ما مر وهو الذي ولد به والثاني ختم به جبريل ما حشا به صدره من الايمان والحكمة فهذا من جهة الصدور ذلك من جهة الظهر وأخفى الذي من جهة الصدر لانه ختم به على أسرار الحكمة والايمان وأظهر الذي من جهة الظهر لانه ختم به باب وسوسة الشيطان وهو جمع حسن (ولم يكن الخاتم لنبي قبله) وقيل بل كان لهم ولكن كان من الجانب الايمن (ثم قال أحدهما لصاحبه) أي قال جبريل لميكائيل (زنه بعشرة الى آخره)

مطلب في الكلام على إحياء الله تعالى له أبويه حتى آمنا به

فوزنه ومازال يزنه بعشرة بعد عشرة حتى قال والله لو وزنته بأمته لوزنها ثم قبلا رأسه وبين عينيه وقالوا يا حبيب الله لم ترع انك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك قال صلى الله عليه وآله وسلم فما هو الا أن وليا عني فكأنما أرى الأمر معاينة* وفي الخامسة أو في مستهل السادسة ردته حليمة الى أمه والذي حملها على رده بعد ان كانت حريصة على اقامته معها ما تخوفت عليه حين شق صدره وما حكي أيضا أن نفرا من نصارى الحبشة رأوه معها فسألوها اياه ليذهبوا به معهم لما تعرفوا منه من العلامات البينات. وفي السادسة خرجت به أمه الى أخواله بنى عدى بن النجار تزيره إياهم واقاما فيهم شهرا قال صلى الله عليه وآله وسلم أحسنت العوم والسباحة في بئر بني عدى بن النجار فكان يهود المدينة يختلفون اليه ويتعرفون منه علامات النبوة ثم رجع الى مكة فتوفيت أمه بالابواء وتقدم قول ان أباه أيضا مات بها. [مطلب في الكلام على إحياء الله تعالى له أبويه حتى آمنا به] وورد حديث في إسناده مقال أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل ربه أن يحيى أبويه فأحياهما له وآمنا به والاحاديث الصحيحة مصرحة بنفي ذلك قيل والجمع بينهما ان حديث الاحياء متأخر عن تلك الاحاديث ولله أن يتحف نبيه ما شاء والله أعلم* وفي السابعة وقيل في الثامنة هذا على سبيل المجاز والمراد زن قدره عند ربه وكرامته لديه بمقادير عشرة الى آخره أي قابل بين قدره وبين اقدارهم (فوزنهم) أي فكان قدره عند ربه أرجح من اقدار جميع الامة بل جميع الخلق وفي الخامسة (ان نفرا) بفتح الفاء والنفر عدة رجال من ثلاثة الى عشرة قاله الجوهري سموا بذلك لانهم اذا حزبهم أمر اجتمعوا ثم نفروا الى عدوهم. قال الواعي ولا تقول العرب عشرون نفرا ولا ثلاثون نفرا (لما) بكسر اللام وتخفيف الميم (تعرفوا) بالفوقية فالمهملة المفتوحة فالراء المشددة والتعرف المعرفة وفي السادسة (عدي) بالاهمال (النجار) سمي بذلك لانه اختتن بالقدوم وفيه لانه ضرب وجه رجل بقدوم فنحره (العوم والسباحة) هما مترادفان وقد يؤخذ منه ندب تعلم ذلك* ذكر ايمان أبوي النبي صلى الله عليه وسلم (وروي في حديث) ذكره السهيلي في الروض الانف من حديث عائشة (وفي اسناده مقال) أي فيه مجهولون قال السهيلي ولعل الحديث يصح ان شاء الله تعالى والله قادر على كل شيء ولا تعجز رحمته عن شيء ونبيه صلى الله عليه وسلم أهل ان يخصه بما شاء من فضله وكرامته ولكن الذي ثبت في الحديث الصحيح يعارضه انتهي* وقال الفخر الرازي في التفسير ان آباء النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا كفارا لقوله تعالى وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ولقوله لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات ولقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فوجب ان لا يكون أحد من آبائه مشركا نجسا لوصفه صلى الله عليه وسلم لهم بالطهارة انتهى وعليه فالجواب عن حديث ان أبي وأباك في النار ان المراد أبو طالب لان العرب تطلق على العم أبا مجازا وقال السخاوي وقول من قال ان آباء النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا كفارا لعل المراد به الخصوص لا العموم أي غالبهم فان آزر أبا ابراهيم من عموم آبائه صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ

مطلب في وفاة جده عبد المطلب وخروجه مع عمه أبى طالب

قمصة سيف بن ذى يزن مع جده عبد المطلب حين وفد عليه يهنئه بظفره بالحبشة وإخبار الكهان عنه وأمر الاستسقاء به صلى الله عليه وآله وسلم. [مطلب في وفاة جده عبد المطلب وخروجه مع عمه أبى طالب] ولشهرين وعشرة أيام في الثامنة توفي جده عبد المطلب قيل بعد وفات أمه آمنة بسنتين وكفله عمه أبو طالب أحسن كفالة وتعرف من كفالته اليمن والبركة له ولولده وأهل بيته ودافع عنه حين شنف القوم لعداوته بنفسه ولسانه وأهل بيته ومن أطاعه من قومه وعرض نفسه للشر دونه كما قال في قصيدته المشهورة حدبت بنفسى دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذرى والكلاكل وفي التاسعة أو الثانية أو الثالثة عشرة قيل لشهرين منها وعشرة أيام خرج معه عمه أبو طالب الى الشام في تجارة وقيل كان معهم أبو بكر فلما بلغوا بصرى رآه بحير الراهب وتعرف وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ انتهى وجوابه يؤخذ مما مر وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن سب بعض آبائه فانه كان مؤمنا منهم مضر وكعب بن لؤي وعن ابن عباس ان خزيمة ومعدا وعدنان وادد ماتوا على ملة ابراهيم وفي السابعة (قصة سيف) على لفظ السيف المعروف (ابن ذي يزن) بتحتية فزاى مفتوحة فنون مصروف وممنوع وهو من ملوك حمير وقيل له ذو يزن لانه حمى واديا اسمه يزن قاله في القاموس وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى له حلة قاله ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (يهنئه) بالهمز (ولشهرين وعشرة أيام في الثامنة توفي جده) هذا قول الاكثرين وقيل سبعة وقيل تسعة وقيل غير ذلك قالت أم أيمن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي خلف سرير جده عبد المطلب ذكره السخاوي ودفن عبد المطلب بالحجون مقبرة باعلا مكة وكان عمره نحو تسعين سنة وقيل مائة وعشرين وقيل غير ذلك وكان قد كف بصره (وكفله عمه أبو طالب) قيل بوصية من جده وقيل بل اقترع هو والزبير عليه فقرعه وقيل بل اختاره النبى صلى الله عليه وسلم وكان ألطف أعمامه به واسم أبي طالب عبد مناف (حين شنف القوم) بمعجمة مفتوحة فنون مكسورة ففاء والشنف البغض وفي التاسعة (فخرج مع عمه أبي طالب) أخرجه الترمذي من حديث أبي موسى وأخرجه رزين من حديث علي (الى الشام) قال الشمني بهمزة ساكنة وقد يخفف بلاد يذكر ويؤنث ويقال أيضا شام بفتح الاول والثاني على وزن فعال والمشهور ان حده من العريش الى الفرات طولا وقيل الى بابلس ومن جبلي طوس نحو القبلة الى نحو الروم وما سامت ذلك من البلاد (فائدة) قال ابن عساكر في تاريخه دخل الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبو بكر) اسمه عبد الله بن أبي قحافة عثمان رضي الله عنهما ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة توفي رضي الله عنه يوم الجمعة لسبع ليال بقين من جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة وقيل عشية يوم الاثنين وقيل ليلة الثلاثاء وقيل عشية يوم الثلاثاء وصلى عليه عمر بن الخطاب وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال وقيل سنتين وأربعة أشهر الا أربع ليال وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة (بصري) بضم الموحدة مدينة بالشام قال النووي وغيره وهي مدينة حوران أي بفتح المهملة والواو بينها وبين دمشق ثلاث مراحل (بحيرا) قال الشمني بفتح الموحدة وكسر المهملة والقصر قال الذهبي رأى رسول الله صلى الله

مطلب فى حضوره صلى الله عليه وسلم حرب الفجار مع قريش وحلف الفضول

منه صفات النبوة وتحققها وسأل أبا طالب عنه فقال هو ابن أخي فناشده أن يرده الى مكة خوفا عليه من اليهود والنصارى فرجع ورجع معه أبو بكر وزودهم بحيرا شيأ من الكعك والزبيب* ومما ذكر في هذه السفرة أن نفرا من اليهود رأوه وعرفوا منه ما عرف بحيرا فارادوا به سوءا فردهم بحيرا وذكرهم الله فرجعوا عن ذلك وفي جامع أبى عيسى الترمذي من رواية أبي موسى الاشعرى ما معناه أن نفرا من الروم تسعة أقبلوا فسألهم بحيرا فقالوا ان هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق الا بعث اليه مناناس وانا قد أخبرنا خبره بطريقك هذا قال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه أيقدر أحد من الناس أن يرده قالوا لا قال فتابعوه وأقاموا معه كل ذلك وعين الرعاية ترعاه وملائكة الرحمن تراعيه وتحفظه في صباحه ومساه من قدامه وخلفه وشماله ويمناه. فسبحان من أتحفه بالخيرات والتحف وبوأه ذروة المعالى والشرف وقطعه عن النظير فيما سلف وخلف* [مطلب فى حضوره صلى الله عليه وسلم حرب الفجار مع قريش وحلف الفضول] وفي الرابعة عشرة في شوال منها كان حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان وكان على قريش عبد الله بن جدعان وقيل حرب بن أمية وتطاول الحرب بينهم أياما فكانت لقيس على كنانة وحضر صلى الله عليه وآله وسلم في أحد أيامهم فانقلبت لقريش وكنانة على قيس عيلان وهوازن وسمي حرب الفجار لوقوعه في الشهر الحرام. وبعد منصرفهم منه في ذي القعدة كان حلف الفضول وسببه أن رجلا من زبيد من أهل اليمن باع سلعة من العاص بن وائل السهمي فمطله بالثمن فصعد أبا قبيس وصاح وذكر ظلامته في عليه وسلم وآمن به وذكره ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة وقال السهيلي وقع في سيرة الزهري انه كان حبرا من يهود تيماء وفي المسعودي انه كان من عبد القيس واسمه جرجيس (عن أبي موسى) اسمه عبد الله بن قيس بن سليم الاشعري كان من فضلاء الصحابة أسلم وهاجر الى الحبشة ورجع حين فتح خيبر ومات بالكوفة أو بمكة قولان سنة اثنين وأربعين أو ثلاث وأربعين أو أربع وأربعين أو تسع وأربعين أو خمسين أو اثنين وخمسين أو ثلاث وخمسين أقوال (فتابعوه) أي اتبعوه على رأيه (وبوأه) أى أنزله (ذروة) بكسر المعجمة وضمها وذروة كل شيء أعلاه وفي الرابعة عشرة (حرب الفجار) بكسر الفاء وبجيم مخففة وراء مصدر (لوقوعه في الشهر الحرام) أى في ذى القعدة (حلف الفضول) الحلف بكسر المهملة المحالفة (والفضول) بضم الفاء والمعجمة سمي به لانه حضره جماعة من جرهم كل منهم يسمى الفضل وسمت قريش الحلف به لما فيه من الشرف والنصفة وقيل انما سمي بذلك لتحالفهم على رد الفضول الى أهلها وان لا يعز ظالم (العاص بن وائل) بن هشام بن سعيد بالتصغير بن سهم بن عمرو بن هصيص بالتصغير وبمهملتين ابن كعب بن لؤي (السهمي) والد عمرو بن العاص وهو باثبات الياء وحذفها كنظائره من الاسم المنقوص (فصعد) بكسر العين (أبا قبيس) جبل مشهور بمكة وهو أوّل جبل وضع على الارض كما أخرجه البيهقى من حديث ابن عباس سمي برجل

مطلب في خروجه إلى الشام بتجارة لخديجة وزواجه بها صلى الله عليه وسلم إلى الشام

شعر حكاه فحشدت قريش لذلك واجتمعوا في دار الندوة واتفقوا أنهم يمنعون الظالم من الظلم واحتلفوا على ذلك في دار عبد الله بن جدعان وكان أوّل من سعى في ذلك الزبير بن عبد المطلب* وفي السابعة عشرة قتل هرمز أحد الملوك الاكاسرة [مطلب في خروجه الى الشام بتجارة لخديجة وزواجه بها صلى الله عليه وسلم الى الشام] وفي الخامسة والعشرين خرج صلى الله عليه وآله وسلم مع ميسرة غلام خديجة في تجارة لها قبل أن يتزوجها بشهرين وأربعة وعشرين يوما وفيها كان من أمر نسطورا الراهب ما ذكره وقوله لميسرة ممن هذا الرجل فقال من قريش من أهل الحرم فقال هذا نبى وهو آخر الانبياء وحكى ميسرة أنه كان اذا اشتد الحر ظللته غمامة ولما رجعا باعت خديجة ما قدما به فاضعف ولما أضعف الربح أضعفت له خديجة ما سمت له من الاجرة وكانت أربع بكرات* وروى الحاكم بسنده أن خديجة أيضا استأجرته سفرتين الى جرش كل سفرة بقلوص ولما حكى ميسرة لخديجة ما رأى من البراهين والكرامات وتعرف في صحبته من البركات مع حسن السمت والهدي والدلّ خطبته الى نفسها وكانت رضي الله عنها من أفضل قريش حسبا ونسبا ومالا وجمالا كل من قومها قد كان حريصا على ذلك منها لو كان يقدر عليه فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكره لاعمامه فخرج معه عمه حمزة وكلم أباها فقبل ثم حضر أبو طالب ورؤساء قريش وخطب أبو طالب فقال الحمد لله من مذحج حداد كان أوّل من بنى فيه وكان قبل ذلك يسمى الامين لان الحجر كان مستودعا فيه (فحشدت) بفاء فمهملة فمعجمة مكسورة فمهملة أي اجتمعت (واحتلفوا) بالمهملة (ابن جدعان) بالجيم والمهملتين بوزن عثمان (وكان أوّل) بالنصب خبر كان مقدم (الزبير) بالرفع اسمها مؤخر ويجوز العكس وفي السابعة عشر (هرمز) بضم الهاء والميم بينهما راء ساكنة وآخره زاي وهو الكبير من ملوك العجم ويقال له الهرمزان والهارموز قاله في القاموس وغيره (الا كاسرة) جمع كسرى بكسر الكاف وفتحها وهو ملك الفرس ومعناه واسع الملك وفي الخامسة والعشرين (ميسرة) بميم فتحتية فمهملة فراء فهاء على وزن حيدرة لا يعرف له اسلام (خديجة) بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي (نسطورا) بفتح النون وسكون المهملة فطاء مهملة مضمومة فواو ساكنة ثم راء مقصورة (انه كان اذا اشتد الحر ظللته غمامة) أي باظلال ملكين كما في رواية في الشفا ان خديجة ونساءها رأينه لما قدم وملكان يظلانه فذكرت ذلك لميسرة فأخبرها انه رأى ذلك منذ خرج في سفره (أربع بكرات) جمع بكرة بفتح الموحدة وهي الفتية من الابل (وروى الحاكم) هو محمد بن عبد الله بن البيع بفتح الموحدة وكسر التحتية المشددة أبو عبد الله النيسابوري ولد بها في شهر ربيع الاول سنة احدى وعشرين وثلاثمائة ومات بها في صفر سنة خمس وأربعمائة (جرش) بالجيم والراء فالمعجمة بوزن عمر بلد باليمن (مع حسن السمت) بفتح المهملة (والهدى) بفتح الهاء وسكون المهملة (والدال) بفتح المهملة وتشديد اللام كلها بمعنى وهى السيرة والطريقة والمذهب وهيئة أهل الخير (حسبا) ذكر مفاخر الآباء

الذى جعلنا من ذرية ابراهيم وزرع اسمعيل وضئضئ معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسوّاس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم ان ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به أحد الا رجح فان كان في المال قل فالمال ظل زائل وأمر حائل ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالى كذا وكذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل وتزوجها صلى الله عليه وآله وسلم وله من العمر خمس وعشرون سنة وهى يومئذ ابنة ثمان وعشرين سنة. وروى انه أصدقها اثنتى عشرة أوقية من ذهب وقيل عشرين بكرة وبقيت عنده قبل الوحي خمس عشرة سنة وبعده الى ما قبل الهجرة بثلاث سنين وماتت ولرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وكانت له وزير صدق وهي أوّل من أسلم من النساء وأتاه جبريل فقال اقرئ خديجة من ربها السلام فقال صلى الله عليه وآله وسلم يا خديجة هذا جبريل يقرئك من ربك السلام (ضئضيء) بمعجمتين أو مهملتين بينهما همزة ساكنة مهموز الآخر وهو الاصل ومن أسمائه النجار بكسر النون وجيم مخففة آخره راء والرسخ باعجام الخاء واهمال السين والسنخ بكسر المهملة وسكون النون ثم معجمة والعنصر والعيص والارومة والجرثومة (حضنة بيته) جمع حاضن باهمال الحاء واعجام الضاد وهو كل قائم بامر ومنه حضن الصغير (وسواس حرمه) جمع سائس وهو القائم بالامر أيضا ومنه سياسة الدابة (فان كان في المال قل) بضم القاف وتشديد اللام قال الجوهري القل والقلة مثل الذل والذلة وفي الحديث ألا وان كل كثر فهو الى قل وكثر بضم الكاف أيضا (من الصداق) بفتح الصاد وكسرها وسمى صدقة بفتح الصاد وضم الدال وقد يسكن الدال وقد يضمان يقال أصدقها وأمهرها ومهرها بمعنى واحد وقيل الصداق ما استحق بالتسمية في العقد والمهر ما استحق بغير ذلك ومن أسمائه العقر والعليقة والاجر والنحلة والحبا والطول وسمى صداقا لاشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح (نبأ) أي خبر (وخطب جليل) أى أمر عظيم (وتزوجها صلى الله عليه وسلم) أي بتزويج ابنها قاله ابن اسحاق ونقل عن الزهري أو عمها عمرو بن أسد قاله الواقدي وهو الصحيح أو أخيها عمرو بن خويلد وهو ضعيف جدا (وروى أصدقها اثنتي عشرة أوقية من ذهب) زاد ابن الاثير وغيره ونشا بفتح النون وتشديد المعجمة أى نصفا وجملة ذلك خمسمائة درهم اسلامية لان الاوقية أربعون درهما (وماتت) أي في شهر رمضان ودفنت بالحجون (وزير صدق) الوزير الموازر وهو المعاون (وأتاه جبريل) الى آخره أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة وأخرجه مسلم من حديث أبى أوفى وعائشة من غير ذكر السلام قال النووي وهذا الحديث من مراسيل الصحابة وهو حجة عند الجماهير وخالف فيه الاستاذ أبو اسحاق الاسفراييني لان أبا هريرة وعائشة وابن أبى أوفى لم يدركوا أبا خديجة فهو محمول على انهم سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم (يا خديجة هذا جبريل الى آخره)

مطلب في بناء قريش الكعبة ووضعه الحجر الاسود بيده الشريفة مكانه من البيت

فقالت الله هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام وأمره أيضا أن يبشرها بيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب وسيأتي فيها مزيد ذكر في الباب الخامس عند تراجم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان شاء الله تعالى* ولما بلغ صلى الله عليه وآله وسلم خمسا وثلاثين سنة ظهرت وبهرت أمارات خبره ظهور نار القرى واشتهرت بركته وأمانته في أم القرى. ففي هذه السنة ولدت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [مطلب في بناء قريش الكعبة ووضعه الحجر الاسود بيده الشريفة مكانه من البيت] وفيها بنت قريش الكعبة وتقسمتها أرباعا فلما انتهوا إلى موضع الحجر الاسود تنازعوا أيهم يضعه في موضعه ثم اتفقوا أن يحكموا أوّل داخل عليهم من بني هاشم من باب بنى شيبة فكان صلى الله عليه وآله وسلم أوّل من ظهر لابصارهم فأخبروه فبسط صلى الله عليه وعلى آله وسلم رداءه ووضع الحجر فيه وأمر أربعة من رؤسائهم أن يحملوه معا الى منتهى موضع الحجر ثم أخذه صلى الله عليه وآله وسلم بيده الكريمة المباركة ووضعه في موضعه وفي الصحيح انهم كانوا يجعلون أزرهم على عواتقهم لتقيهم الحجارة استدل به أبو بكر بن أبي داود على تفضيل خديجة على عائشة لان عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه ولم يبلغها السلام من الله تعالى (فقالت الله هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام) من زيادات الطبراني وقد يؤخذ منه ان الشخص اذا أرسل اليه السلام يبدأ في الجواب بالمسلم ثم بالرسول وهو خلاف المعروف (ببيت) قال الخطابي وغيره المراد به هنا القصر (من قصب) بفتح القاف والمهملة بعدها موحدة قال النووي قد جاء في الحديث مفسرا ببيت من لؤلؤة مخبأة وفسروه بمجوفة انتهي (قلت) وفي الطبراني من حديث فاطمة قالت قلت يا رسول الله اين أمي قال في بيت من قصب قلت أمن هذا القصب قال لابل من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت (لاصخب) بمهملة فمعجمة مفتوحتين وهو الصوت المختلط المرتفع ولغة ربيعة فيه بالسين (نصب) هو المشقة والتعب. قال النووي ويقال فيه نصب بضم النون وسكون المهملة كحزن وحزن والفتح أشهر وبه جاء القرآن أى في قوله تعالى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وقد نصب بفتح النون وكسر الصاد (عند تراجم) جمع ترجمة وأصلها التعبير عن لغة باخرى (ولما بلغ صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة ظهرت وبهرت امارات خبره ظهور) منصوب على المصدر (القرى) بكسر القاف الضيافة (ولدت فاطمة) انما ذكر ولادتها دون اخواتها مع انهن أكبر منها كما سيأتي لفضلها عليهن بل على نساء العالمين وسيأتي ان وفاتها بعد أبيها بستة أشهر فجملة عمرها ثمان وعشرون سنة وأشهر (الكعبة) سميت بذلك لارتباعها وقيل لارتفاعها ومن أسمائها البيت الحرام والمسجد الحرام والبنية والمذبحة (وتقسمتها ارباعا) فكان ما يلى الباب لبني عبد مناف وبني زهرة وما بين ركن الحجر واليمانى لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش وكان ظهرها لبنى سهم وجمح وكان سوى الحجر لبني عبد الدار وبني أسد وبني كعب (ثم اتفقوا ان يحكموا أوّل داخل عليهم الى آخره) كان ذلك بمشورة أبى أمية المخزومي وأبى حذيفة بن المغيرة قاله ابن الاثير وغيره (من باب بني شيبة) هو المعروف الآن بباب السلام (وفي) الحديث (الصحيح)

ففعل صلى الله عليه وآله وسلم مثلهم فسقط مغشيا عليه قال أهل السير والذى حمل قريشا على بنائها بعد أن هدمها السيل وكانت رضا من حجارة فوق القامة مدة ما تأتي لها من الآلة وذلك أن قيصر بعث الى النجاشى بمركب فيه ضروب من آلات البناء وأمره أن يبنى له كنيسة تعظمها النصارى بالحبشة فانكسر المركب وألقاه البحر على ساحل جدة وايضا كان بمكة صانع من القبط وأيضا كان في البئر التى في جوف الكعبة حية عظيمة تخرج كل يوم اذا طلعت الشمس فتشرف على جدار الكعبة ولا يقرب الكعبة أحد من هيبتها فلما تهيؤا للبناء طلع لها عقاب فاحتملها ومع ذلك قد تهيبوا وفرقوا من هدمها وبدأ الوليد بن المغيرة فاخذ المعول وقال اللهم انا لا نريد الا الخير ثم هدم من ناحية الركنين وتربصوا به تلك الليلة فلما لم يصبه شئ تمادوا في الهدم حتي انتهوا الى حجارة خضر كالاسنمة آخذ بعضها ببعض أساس ابراهيم فاراد أحدهم أن يفصل بين حجرين فانتفضت مكة بأسرها فانتهوا عن ذلك وجعلوه أساس بنائهم الا أنهم قد نقصوا من بنائها قدر ستة أذرع أو سبعة أذرع لقصور نفقتهم وجعلوا لها بابا واحدا ورفعوه عن الارض ليدخلوا من شاؤا ويمنعوا من شاؤا كما ثبت في صحيح البخاري فلما كان في خلافة ابن الزبير في البخاري وغيره من حديث جابر وهو أيضا مرسل صحابي فكأنه سمعه من العباس فانه معروف بروايته (ففعل صلى الله عليه وآله وسلم مثلهم) أي بامر عمه العباس (فسقط) الى الارض (مغشيا عليه) حتى رد ازاره فقال له عمه مالك فقال انى نهيت عن التعري زاد ابن اسحاق فما رؤي بعد ذلك عريانا (رضما) بالراء والمعجمة أي مرضوما بعضها فوق بعض (قيصر) لقب لكل من ملك الروم (النجاشي) بفتح النون وكسرها في آخره ياء تشدد وتخفف والتخفيف هو الصواب كما قاله الطبرانى لقب لكل من ملك الحبشة (ضروب) أي أنواع (كنيسة) هى متعبد النصارى والبيعة متعبد اليهود (كان بمكة صانع من القبط) اسمه أقوم بالقاف والواو وكان مولى لبعض قريش وفي القاموس ان اسمه معروف بن مسكان فان صح حمل على ان كلا منهما بنى فيها (تهيبوا وفرقوا) بمعنى أي خافوا (وبدأ) بالهمز ابتدأ (الوليد بن المغيرة) ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو خالد بن الوليد واخوته (المعول) بكسر الميم وسكون المهملة آلة معروفة (اساس ابراهيم) بالجر بدل من حجارة خضر وبالرفع خبر مبتدإ محذوف (فانتفضت) بالفاء والضاد المعجمة أي تحركت واضطربت (ابن الزبير) هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي يكني أبا خبيب وأبا بكر وكان حصره بمكة أوّل ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وحج بالناس الحجاج ولم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة ونصب منجنيقا على جبل أبي قبيس فكان يرمي بالحجارة الى المسجد ولم يزل يحاصره حتى خرج عبد الله على الناس وقاتلهم في المسجد وكان لا يحمل على ناحية الا انهزم من فيها من جند الشام فأتاه حجر من ناحية الصفا فوقع بين عينيه فنكس رأسه وهو يقول

وحصره الحصين بن نمير السكونى احترقت الكعبة بحريق خيمة كانت في المسجد وأيضا كان يصيبها حجر المنجنيق. الذى كان يرمى به الحصين وأصحابه ولما أدبر الحصين راجعا الى الشام وأصحابه لموت خليفته يزيد بن معاوية هدمها ابن الزبير وبناها على اساس ابراهيم عليه السلام على ما حدثته خالته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعل طولها في السماء ثمانية وعشرين ذراعا تقريبا على ما هي عليه اليوم فلما ظفر الحجاج بابن الزبير تركها على ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما ثم اجتمعوا عليه فقتلوه وصلبوه رضى الله عنه وذلك في النصف من جمادي الآخرة سنة ثلاث وسبعين ذكر ذلك ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (الحصين) بمهملتين مصغر (ابن نمير) مصغر أيضا (السكوني) نسبة الى سكون بالمهملة والنون بوزن صبور حى من العرب (المنجنيق) بفتح الميم والجيم وبكسر الميم ذكرهما أبو عبيد القاسم ابن سلام في الغريب. وقال الجوهري المنجنيق الذى يرمى به الحجارة معربة وأصلها بالفارسية من جى نيك أى ما أجودني وهي مؤنثة (يزيد بن معاوية) بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف كان من الولاة الجائرين وعليه وعلى أمثاله كعبيد الله بن زياد ومن ينزل منزلتهم من احداث ملوك بني أمية حمل القرطبي وغيره قوله صلى الله عليه وسلم هلاك أمتى على يدي أغيلمة من قريش أخرجه أحمد والشيخان من حديث أبي هريرة فقد صدر عنهم من قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل خيار المهاجرين والانصار بالمدينة ومكة وغيرهما ما هو مشهور (على ما حدثته خالته عائشة) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فالزقتها بالارض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا ولزدت فيها ستة أذرع من الحجر وفي رواية خمسة أذرع فان قريشا اقتصرتها حين بنت الكعبة أخرجه الشيخان وغيرهما واللفظ لمسلم في إحدى رواياته (وجعل طولها في السماء ثمانية وعشرين ذراعا) وكان طولها قبل ذلك ثمانية عشر ذراعا فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرع كما في صحيح مسلم (الحجاج) بن يوسف الثقفى كان من أفسق الفسقاء وأجرإ الجرآء على اراقة الدماء وقد أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال ان في ثقيف كذابا ومبيرا أخرجه مسلم والترمذي من حديث أسماء بنت أبي بكر وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث حذيفة والمبير بضم الميم وكسر الموحدة هو المهلك قال الترمذى في السنن الكذاب المختار ابن أبي عبيد والمبير الحجاج بن يوسف ثم روي بسنده الى هشام بن حسان قال احصوا من قتل الحجاج صبرا فبلغ مائة وعشرين ألف قتيل انتهى قال النووى اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد وكان شديد الكذب ومن أقبحه دعواه ان جبريل كان يأتيه انتهي. قال الشمنى وكان المختار واليا على الكوفة وكان يلقب بكيسان واليه تنسب الكيسانية وكان خارجيا ثم صار شيعيا وكان يدعو الى محمد بن الحنفية وكان يتبرأ منه وكان أرسل ابن الاشتر بعسكر الى ابن زياد قاتل الحسين فقتله وقتل كل من كان في قتل الحسين ممن قدر عليه ولما ولى مصعب بن الزبير على البصرة من جهة عبد الله بن الزبير قاتل المختار بن أبي عبيد فقتله (فلما ظفر الحجاج بابن الزبير) فقتله كتب الى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على

مطلب في الكلام على أول من بني المسجد الحرام والكلام على أول ما ظهر من لوائح نبوته صلى الله عليه وسلم

ما هى عليه الا أنه أخرج منها ما أدخله ابن الزبير من شاميها وسد الباب الغربي ورفع الشرقى عن الارض بمشاورة عبد الملك بن مروان (فائدة) قال شيخ شيوخنا حافظ الحجاز وقاضيه تقى الدين الفاسي رحمه الله في تاريخ مكة بنيت الكعبة المعظمة مرات وفي عدد بنائها خلاف ويتحصل من مجموع ما قيل في ذلك انها بنيت عشر مرات بناها الملائكة وآدم وأولاده وابراهيم عليهم السلام وبناها العمالقة وجرهم وقصى بن كلاب وقريش وعبد الله بن الزبير والحجاج. قال واطلاق العبارة بانه بني الكعبة تجوز لانه لم يبن الا بعضها والله أعلم* [مطلب في الكلام على أول من بني المسجد الحرام والكلام على أول ما ظهر من لوائح نبوته صلى الله عليه وسلم] وأما المسجد الحرام فاول من بناه عمر وآخر من عمه بالبناء والتحسين الوليد بن عبد الملك وللملوك بعده زيادات تحسين والله أعلم. قال المؤلف وفيما بعد هذه المدة لاحت لوائح النبوة واتسقت آياتها وانتشرت الاخبار عن الاحبار والرهبان والكهان بحلول ميقاتها. من ذلك ما روى أن زيد بن عمرو بن نفيل أس نظر اليه العدول من أهل مكة فكتب اليه عبد الملك انا لسنا من تلطيخ ابن الزبير أى سبه وعيب فعله في شئ أما ما زاد في طوله فاقره وأما ما زاد فيه من الحجر فرده الى بنائه وسد الباب الذي فتحه فنقضه وأعاده الى بنائه (بمشاورة) أصلها من قولهم شرت العسل أى استخرجت ما فيه فكان الشخص يستخرج ما عند صاحبه من الرأى (عبد الملك بن مروان) بن الحكم بن العاصي بن أمية بن عبد شمس بايع الناس له بالشام لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يعهد الى أحد وبايع الضحاك بن قيس الفهري بالشام أيضا لعبد الله ابن الزبير والتقيا فاقتتلا عند دمشق فقتل الضحاك واستقام الامر بالشام ومصر لعبد الملك بن مروان (تقي الدين) بالفوقية (الفاسي) بالفاء والمهملة نسبة الى فاس مدينة بالمغرب (بناها الملائكة) ذكره السيوطي في التوشيح بصيغة تمريض (وآدم) خرجه عبد الرزاق عن عطاء (وأولاده) ولى ذلك منهم شيث كما روي عن وهب بن منبه ثم رفع البيت زمان الطوفان على عهد نوح فكان الانبياء بعد ذلك يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله لابراهيم أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن عمرو (وابراهيم) وبناه على أساس آدم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع بذراعهم ودوره في الارض ثلاثين ذراعا بذراعهم وأدخل الحجر في البيت وكان زريبة لغنم اسماعيل ولم يجعل له سقفا وجعل له بابا وحفر له بئرا عند بابه يلقى فيها ما يهدى للبيت (وبناها العمالقة) بالمهملة والقاف نسبوا الى جدهم اسمه عمليق كقنديل أو عملاق كقرطاس وهو ابن لاوذ بن ارم ابن سام بن نوح (وجرهم) بضم الجيم والهاء بينهما راء ساكنة هو ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشذ ابن سام بن نوح* قال ابن اسحق كان جرهم وأخوه قيطورا أوّل من تكلم بالعربية عند تبلبل الالسن وفيما بعد هذه المدة (واتسقت آياتها) بالفوقية فالمهملة فالقاف أي انتظمت (زيد بن عمرو بن نفيل) بنون وفاء ابن عبد العزي بن رياح بكسر الراء وبتحتية بن قرط بضم القاف وسكون الراء ثم مهملة بن رزاح بفتح الراء وقيل بضمها وزاي ومهملة ابن عدي بن كعب بن لؤي والد سعيد بن زيد وابن عم عمر بن الخطاب سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يبعث أمة وحده يوم القيامة وكان لا يأكل مما ذبح على النصب ويقول إلهي إله إبراهيم

من ذلك خبر زيد بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما

وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث وعبيد الله بن جحش اجتمعوا وتلاوموا بينهم وضللوا قومهم في عبادتهم الاوثان وتفرقوا في البلاد يطلبون الحنيفية فاما زيد فكان يوحد الله ويبكي ويقول وعزتك لو أعلم الوجه الذى تعبد به لعبدتك به ثم يسجد على كفه فخرج على وجهه الى الشام وسأل جماعة من الاحبار والرهبان فقال له أحدهم بأرض البلقاء قد أطلك زمان نبى يخرج من بلادك التي خرجت منها يبعث بدين ابراهيم فرجع سريعا حتى اذا كان ببلاد لخم عدوا عليه فقتلوه رحمه الله قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث أمة وحده وترحم عليه وله أشعار كثيرة في التوحيد* [من ذلك خبر زيد بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما] وأما ورقة بن نوفل فتنصر وقرأ الكتب ووجد صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقرب مبعثه فأقام بمكة ينتظر ذلك وكان يسأل خديجة رضى الله عنها ويخبرها بما وجد من الصفات وتخبره بما رأت من الدلالات وكان يلقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقبل وجهه ويقول أشهد انك لنبى هذه الأمة ثم أدرك أوّل النبوة وقص عليه النبى صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى على ما سيأتى في أوّل وديني دين ابراهيم واجتمع به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسفل بلدح قبل الوحي وتوفي قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم ورثاه ورقة بن نوفل وكان يقول يا معشر قريش إياكم والزنا فانه يورث الفقر (وورقة بن نوفل) بن أسد بن عبد العزي بن قصي ابن عم خديجة واسم أمه هند بنت أبي كثير بن عدي بن قصي ولا عقب له (وعثمان بن الحويرث) تصغير حارث (وعبيد الله بن جحش) هو الذي تنصر بالحبشة وكانت تحته أم حبيبة بنت أبي سفيان كما ذكره المصنف فيما بعد (الاوثان) بمثلثة جمع وثن. قال الجوهري وهو الصنم واحد الاصنام ويقال انه معرب شمن وهو الوثن وقال غيره الوثن الجثة من أجزاء الارض أو الخشب يعبد وفي حديث عدي بن حاتم قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقى صليب من ذهب فقال لي الق عنك هذا الوثن (الاحبار) جمع حبر بكسر المهملة وفتحها وهو العالم قال في القاموس أو الصالح (والرهبان) جمع راهب وهو المتعبد في الصوامع ونحوها المنقطع عن النساء (البلقاء) بالموحدة والقاف بينهما لام ساكنة مع المد بلد بالشام قريبة من مؤتة (قد أطلك زمان نبى) بالطاء المهملة قال في الديوان يقال أطل عليه اذا أشرف وبالمعجمة أيضا ومعناه اقبل ودنا قدومه (ببلاد لخم) بفتح اللام وسكون المعجمة قبيلة معروفة تنسب الى لخم بن عدي بن الحرث بن مرة بن أزد (وترحم عليه الى آخره) أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عائشة ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا ورقة فانه كان له جنة أو جنتان ثم قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين قال ابن الانصاري وفي كتاب الزبير بن بكار من حديث عبد الله بن معاذ الزهري عن عروة قال سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن ورقة بن نوفل كما بلغنا فقال لقد رأيته في المنام عليه ثياب بيض فقد أظن انه لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض وأخرجه الترمذي في كتاب

الباب الثالث ان شاء الله تعالى وتوفى عقيب ذلك وترحم عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال رأيت لورقة بن نوفل جنة أو جنتين* ومن شعره حين كان يسأل خديجة ويستبطئ الامر لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما ما بعث النشيجا ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظارى يا خديجا ببطن المكتين على رجائى ... حديثك ان أرى منه خروجا بما خبرتنا عن قول قس ... من الرهبان أكره ان يعوجا بأن محمدا سيسود قوما ... ويخصم من يكون له حجيجا ويظهر في البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية ان تموجا الرؤيا من جامعه من حديث عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة وقالت له خديجة انه كان صدقك ولكنه مات قبل ان تظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك ثم قال حديث غريب وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوي وقال السهيلي في اسناده ضعف لانه يدور على عثمان هذا لكن يقويه قوله عليه السلام رأيت القس يعني ورقة وعليه ثياب حرير لانه أوّل من آمن بي وصدقني ذكره ابن اسحق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل وقال المرزباني كان ورقة من علماء قريش وشعرائهم وكان يدعى القس وقال النبي صلى الله عليه وسلم رأيته وعليه حلة خضراء يرفل في الجنة انتهى وسيأتي مزيد كلام فيه فيما بعد ان شاء الله تعالى* شعر ورقة (لججت) بكسر الجيم الاولى وسكون الثانية على الافصح كنظائره واللجاج بفتح اللام التمادى في الشيء والاصرار عليه ومنه نذرا للجاج (لجوجا) بفتح اللام فعولا بمعنى فاعل (لهم) أكثرهم لا يفرق بينه وبين الحزن وفرق بعضهم بينهما فقال الحزن يكون على أمر قد وقع والهم على أمر لم يقع بعد وهم ورقة ان تأتيه منيته قبل ادراك منيته من هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم باتباعه ونصرته (بعث) أثار (النشيجا) بألف الاطلاق وهو بنون مفتوحة فمعجمة وجيم بوزن العظيم مصدر نشج ينشج بكسر الشين في الماضى وفتحها في المستقبل والنشيج ما يعرض في حلق الباكى من الغصة وقيل صوت مع ترجيع كترديد الصبي بكاءه في صدره (يا خديجا) بألف الاطلاق ترخيم خديجة (ببطن المكتين) تثنية مكة قيل أرادها والطائف وقيل أرادها وحدها وثناها اما تعظيما لها أولان لها بطاحا وظواهر أو لان عادة العرب تثنية الواحد وجمعه في الشعر (قس) بضم القاف وتشديد المهملة هو رئيس النصارى في العلم كالقسيس ومصدره قسوسة والقسيسة وجمعه قسوس وقسيسون وقساوسة قاله في القاموس (حجيجا) أي محاججا (البرية) بالهمز وتركه الخليقة (ان تموجا) أي تضطرب في دينها وتختلط كما

ومن ذلك خبر سلمان الفارسي رضى الله عنه

فيلقى من يحاربه خسارا ... ويلقى من يسالمه فلوجا فياليتى اذا ما كان ذا كم ... شهدت وكنت أولهم ولوجا ولوجا بالذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا أرجى بالذى كرهوا جميعا ... الى ذي العرش ان سفلوا عروجا وهل أمر السفاهة غير كفر ... بمن يختار من سمك البروجا فان يبقوا وأبق تكن أمور ... يضج الكافرون لها ضجيجا وان أهلك فكل فتى سيلقى ... من الاقدار متلفة خروجا وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر وحسنت منزلته عنده وتنصر* وأما عبيد الله بن جحش فأدرك الاسلام وأسلم وهاجر مع مهاجرة الحبشة وارتد عن الاسلام ومات بها نصرانيا* [ومن ذلك خبر سلمان الفارسي رضى الله عنه] ومن ذلك ما ذكر في قصة سلمان الفارسى وتنقله من الاحبار واحدا بعد واحد حتى دله آخرهم على مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولما قدم المدينة تعرف صفات النبوة يتموج البحر (خسارا) مصدر وضع موضع الاسم أي خاسرا ويجوز أن يكون على بابه والفعل مضمر تقديره فيخسر خسارا (فلوجا) بضم الفاء مصدر يأتى فيه ما مر في الخسار والفلوج الفوز والظفر (فياليتي) أي فياليتنى حذفت نون الوقابة لضرورة الشعر (اذا ما كان) أي وقع (ذاكم) يعني خروجه صلى الله عليه وسلم (ولوجا) مصدر ولج يلج (عجيجا) مصدر عج يعج والعجيج رفع الصوت (أرجى بالذي كرهوا جميعا الى آخر البيت) أي رجائى الى الله عز وجل (ذى العرش ان سفلوا) في العروج أى ان يكونوا كل ما حاولوا رفعة وضعهم الله بسبب كراهتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ودينه* وسفل مثلث الفاء والضم أشهر (السفاهة) مصدر سفه يسفه سفها وسفاهة والسفه هنا ضعف العقل ورقة الحلم وهو الحامل على الكفر (غير كفر) بالنبى صلى الله عليه وسلم الذى اختار عبادة الله عز وجل على عبادة غيره وهو معنى قوله (بمن يختار) أى يصطفي لعبادته (من سمك) أى رفع (البروجا) بألف الاطلاق وهي الاثنى عشر المشهورة الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت (ضجيحا) مصدر ضج والضجيج رفع الصوت من أمر مفزع (وان أهلك) أى أمت (متلفة) يجوز فيه ضم الميم مع كسر اللام أى ميتة متلفة وفتحهما أى محل تلف (خروجا) بفتح المعجمة أى عظيمة من قولهم ناقة خروج اذا عظم سنامها* ذكر اسلام سلمان الفارسي قال ابن عبد البر أصله من جبا قرية من قرى أصبهان وقيل من رامهرمز وكان أبوه دهقانها وسيدها وسادن نارها (وتنقله) بالجر (من الاحبار واحدا بعد واحد) قال ابن اسحق وغيره ما معناه مر سلمان على النصارى المجاورين للفرس وهم في الكنائس فاعجبه دينهم فلزمهم فقيده أبوه على ذلك وطلب منه خدمة بيت النار ففك القيد وخرج الى الشام فسأل عن عالم النصارى فدل عليه فخدمه واطلع منه على خيانة في دينه فاخبر النصارى بذلك فرجموه وأقاموا مكانه رجلا صالحا فصحبه سلمان حتى قارب

ومن ذلك ابن الهيبان من يهود الشام

على ما ثبت عنده من الوصف وأسلم* [ومن ذلك ابن الهيبان من يهود الشام] ومن ذلك حديث ابن الهيبان من يهود الشام حين قدم المدينة متوكفا لمخرجه فلما حضره الموت وعلم انه ميت قبله عهد الى ابنى سعية وأسد بن عبيد اخوة بني قريظة بذلك فكان سبب اسلامهم وفلاحهم* [مطلب في تحنثه صلى الله عليه وسلم بغار حراء وما قيل في عصمته وما كان يراه من أمارت النبوة] وفي سنة ثمان وثلاثين كان صلى الله عليه وآله وسلم يرى الضوء والنور ويسمع صوت النداء ولا يرى أحدا وحبب اليه الخلاء الموت فسأله ان يوصيه فذكر له رجلا صالحا بالموصل فلما مات الاول أتى هذا وصحبه فلما حضرته الوفاة قال له اوصني فذكر له رجلا بعمورية فصحبه فلما أشرف على الوفاة سأله الوصية فقال لا أجد اليوم على مثل ما كنا عليه أحدا ولكن قد أطل زمان نبي يبعث بدين ابراهيم مهاجره بارض ذات نخل له آيات وعلامات لا تخفى بين كتفيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فلما مات مر به ركب من العراق من كلب فصحبهم فباعوه بوادي القرى من يهودي ثم اشتراه يهودي آخر من بني قريظة وقدم به الى المدينة فأقام بها الى ان قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم بعد ان رأى الصفات التي وصفت له وكان من خيار الصحابة وسمي سلمان الخير قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت أخرجه الطبراني والحاكم من حديث عمرو بن عوف. وفي آخر سلمان سابق فارس أخرجه ابن سعد عن الحسن مرسلا توفي سنة خمس وثلاثين في آخر خلافة عثمان أو سنة ست وثلاثين وقيل توفى في خلافة عمر عاش مائتين وخمسين سنة وقيل ثلاثمائة وخمسين* قال ابن الاثير صح انه أدرك وصى عيسى وقرأ الكتابين وكان له ثلاث بنات بنت باصبهان وابنتان بمصر. وذكر البغوي ان سلمان لما حضره الموت بكى وقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الينا عهدا فتركنا عهده ان تكون بلغة أحدنا كزاد الراكب فلما مات نظر فيما ترك فاذا نحو من ثلاثين درهما (ابن الهيبان) بفتح الهاء وكسر التحتية المشددة وقد تخفف فموحدة وقد تبدل فاء (متوكفا) أي متلقيا (ابني سعية) بسكون الموحدة وفتح النون تثنية ابن وسعية بمهملتين الاولى مفتوحة والثانية ساكنة بعدها تحتية وهما تغلب بن سعية وأسد بن سعية. قال ابن اسحاق وهم من طهدل ليسوا من قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك وهم بني عم بنى قريظة أسلموا في الليلة التى نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم (تنبيه) قد يشكل سعية هذا بزيد بن سعنة بالنون ولزيد بن سعنة هذا قصة مع النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها عياض في الشفا وذلك انه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا عليه فجبذ ثوبه عن منكبه وأخذ بمجامع ثيابه وأغلظ له ثم قال انكم يا بني عبد المطلب مطل فانتهره عمر رضي الله عنه وشدد له في القول والنبي صلى الله عليه وسلم يتبسم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وهو كنا الى غير هذا منك أحوج يا عمر تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضى ثم قال لقد بقى من أجله ثلاث وأمر عمر ان يقضيه ماله ويزيده عشرين صاعا لما روعه فكان سبب اسلامه وذلك انه كان يقول ما بقي من علامات النبوة شيء الا وقد عرفتها في محمد صلى الله عليه وسلم الا اثنتين لم أخبرهما يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه الا حلما فاختبره بهذا فوجده كما وصف. قال النووي في التهذيب شهد اسيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة وتوفى في

فكان يخلو بغار حراء قيل كانت عبادته فيه الفكر وقيل الذكر وهو الصحيح واختلفوا بأى الشرائع كان يدين تلك الايام فقيل بشريعة نوح وقيل ابراهيم وهو الظاهر وقيل موسى عليهم السلام وقيل غير ملتزم شريعة أحد وهو المختار لظاهر قوله تعالى (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) ولخلوه من دلائل العقل والنقل والاجماع كما أفهمه كلام الامام النووى رحمه الله تعالى واتفقوا انه صلى الله عليه وآله وسلم لم يعبد صنما ولم يقارف شيئا من قاذورات الجاهلية وكذلك الانبياء عليهم السلام جملة معصومون من الكفر والكبائر قبل النبوة وبعدها من الصغائر أيضا عند المحققين. ومما هداه الله اليه فطرة وبديهة من مناهج الهدى قبل النبوة وقبل سماع الصوت والنداء ما روى في صحيح الاخبار ان قريشا خالفت الناس في موقف عرفات وكانوا يقفون بالمشعر الحرام ويقولون نحن أهل الحرم وقطانه لا نخرج منه وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخالفهم ويقف مع الناس بعرفات على مناسك ابراهيم وكانت الاحجار تسلم عليه قبل النبوة وتناديه بالرسالة كما في صحيح الاخبار انى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل ان أبعث اني لا عرفه الآن غزوة تبوك مقبلا الى المدينة* وفي سنة ثمان وثلاثين (قيل كانت عبادته) بالفتح خبر كان والفكر اسمها ويجوز عكسه (الفكر) نقله الحافظ ابن حجر عن بعض المشايخ من غير تسمية (وقيل الذكر) وهذا هو الصحيح عند الجمهور وقيل اطعام من يرد عليه من المشركين كما في رواية عتبة بن عمير عند ابن اسحاق (فقيل بشريعة نوح) أي لكونه أوّل أولى العزم (وقيل ابراهيم) يؤيده ما في سيرة ابن هشام فيتحنف بالفاء بدل يتحنث أى يتبع الحنيفية وهي دين ابراهيم (ولم يقارف شيئا) هو بمعنى يقترف والاقتراف الاكتساب ويأتي في الخير والشر قال تعالى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً ولمن أراد الزنا ونحوه مما يكون فيه المعصية من اثنين كانت المفاعلة على بابها (ومن الصغائر أيضا عند المحققين) من الاصوليين وغيرهم فاعتقاد ذلك واجب* وعن قصة آدم وداود واخوة يوسف أى على القول بنبوتهم أجوبة ذكرها عياض في الشفا ومعصومون أيضا من المكروه كما جزم به غير واحد الا لمعنى كتبيين الجواز لندرة وقوعه من الاتقياء فكيف من الانبياء (فطرة) هي الخلقة (وبديهة) بالموحدة والمهملة بوزن عظيمة أي قبل التعلم والوحي قال صاحب القاموس البديهة أوّل كل شئ وما يفجأ منه وبادهه به مبادهة وبداها فاجاه به ولك البديهة أي لك أن تبدأ (من مناهج) جمع منهج ومنهاج وهو الطريق الواضح (اني لأعرف حجرا الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي من حديث جابر بن سمرة قال النووى ففيه معجزة له وفيه اثبات التمييز في بعض الجمادات وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقوله تعالى وان من شىء الا يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وفي هذه الآية خلاف مشهور والصحيح انه يسبح حقيقة ويجعل الله فيه تمييزا يحس به كما ذكرنا ومنه الحجر الذي فر بثوب موسى

وقبل ان يشافهه جبريل بالرسالة بستة أشهر كان وحيه مناما فكان لا يرى رؤيا الاجاءت مثل فلق الصبح وعلى ذلك حمل بعض المحدثين قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وذلك باعتبار سني الوحي وهي ثلاث وعشرون سنة والله أعلم ومن غرائب ما ذكر شيخ شيوخنا القاضى مجد الدين الشيرازي رحمه الله وعثرت على صحته انه صلى الله عليه وآله وسلم لما بلغ تسع سنين امر الله اسرافيل عليه السلام ان يقوم بملازمته فكان قريبا منه دائما فلما أن أتم احدى عشرة سنة أمر جبريل عليه السلام بملازمته فلازمه تسعا وعشرين سنة بطريق المقاربة والملازمة لكن لم يظهر له قال وفي بعض الروايات الصحيحة ظهر له في ملازمته مرارا وكلمه بكلمة أو كلمتين وقبل نزول الوحي بخمس عشرة سنة كان يسمع صوتا احيانا ولا يرى شخصا وسبع سنين كان يري نورا وكان به مسرورا فسبحان من حفظه وكلام الذراع المسمومة ومشى إحدي الشجرتين الى الاخري حين دعاهما النبى صلى الله عليه وسلم وأشباه ذلك انتهى وسيأتي في ذلك مزيد كلام في المعجزات واختلفوا في الحجر الذي كان يسلم عليه فقيل انه الحجر الاسود قال السهيلى روي في بعض المسندات وقال الطبري في غاية الاحكام (قلت) الظاهر انه غيره فان شأن الحجر عظيم ولو كان أياه لذكره ولما نكره واليوم بمكة حجر عند ابنية يعرف بدكان أبي بكر أخبرنا شيخنا أبو الربيع سليمان بن خليل ان أكابر أشياخ مكة أخبروه أنه الحجر الذي كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم انتهي (قلت) والجمع بينهما ان كلا كان يسلم عليه ممكن ومنع الطبرى كونه الحجر الاسود لما ذكره ممنوع اذ التنكير لا يدل على ذلك لغة ولا عرفا (وقبل أن يشافهه) أي يكلمه بدون واسطة كأن كل منهما ينظر الى شفة صاحبه (بستة أشهر) نقل المازري عن بعضهم عدم ثبوت هذا الامد أي في الاحاديث الصحيحة (وعلى ذلك حمل بعض المحدثين) كما نقله احمد بن محمد بن ابراهيم الخطابى (قوله) بالنصب مفعول حمل (رؤيا) المؤمن الى آخره أخرجه احمد والشيخان من حديث أنس وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وأخرجه أبو داود والنسائى من حديث عبادة فقط وابن ماجه من حديث أبى هريرة فقط (من ستة وأربعين) طريق معرفة ذلك أن تبسط ثلاثة وعشرين سنة وهي مدة سنى الوحى أنصافا لان ستة أشهر نصف سنة في مخرج النصف وهو اثنان يبلغ ستة وأربعين. والمختار كما قال السيوطي في الديباج ان هذا من الاحاديث المتشابهة التي نؤمن بها ونكل معناها المراد الى قائله صلى الله عليه وسلم ولا نخوض في تعيين هذا الجزء من هذا العدد ولا في حكمته لا سيما وقد اختلفت الروايات في كمية العدد ففي رواية من ستة وأربعين وفي أخري من خمسة وأربعين وفي أخري من أربعة وأربعين وفي أخري من تسعة وأربعين وفي أخرى من أربعين وفي أخري من ستة وعشرين وفي أخري من خمسين وفي أخرى من سبعين فالله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك (مجد الدين) هو محمد ابن يعقوب مصنف القاموس (الشيرازي) نسبة الى شيراز بكسر المعجمة وسكون التحتية بعدها راء فالف فزاي بلد بفارس بناها شيراز بن طهمورث فسميت به

الباب الثالث في ذكر نبوته وما بعدها إلى هجرته صلى الله عليه وسلم

ورعاه بحسن رعايته وتولاه بحسن ولايته اللهم صلي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم وأتحفنا بقربه في جنات النعيم آمين [الباب الثالث في ذكر نبوته وما بعدها الى هجرته صلى الله عليه وسلم] (الباب الثالث) في ذكر نبوته وما بعدها الى هجرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (قال المؤلف غفر الله زلته) وأقال عثرته ولما بلغ صلى الله عليه وآله وسلم أربعين سنة وقيل أربعين ويوما وتناهى صفاء قلبه بما اعتمده من الخلوة وتأهلت قواه البشرية لاستجلاء تلك الجلوة وانفض ختام السر المكنون وانكشف الغطاء عن الامر المصون جاءه الأمين جبريل برسالة من الملك الجليل فألقى عليه القول الثقيل على ما ثبت في صحيح أبى عبد الله البخاري رحمه الله بروايتي له من طرق عديدة أعلاها وأولاها ما أرويه عن شيخنا الامام القانت الناسك الحافظ مسند الآفاق شرف الدين أبي الفتح محمد بن أبي بكر بن الحسين بن العثمانى المراغي ثم المدنى نضر الله وجهه سماعا عليه لثلاثيات الجامع الصحيح وإجازة ومناولة من يده لجميعه بالمسجد الحرام تجاه بيت الملك العلام سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بسماعه له على الامامين المسندين جمال الدين أبي اسحق ابراهيم بن محمد بن عبد الرحيم اللخمى الاميوطي وبرهان الدين ابي اسحق ابراهيم بن محمد بن صديق الدمشقى قالا أنا به المعمر ملحق (الباب الثالث) (تناهي) أي تتام وتكامل (صفاء) بالمد هو ضد الكدر (الخلوة) مثلث الخاء المعجمة والفتح أشهر (وتأهلت) أي صارت أهلا (قواه) بضم القاف جمع قوة والهاء في موضع جر بالاضافة (البشرية) بالرفع صفة لقواه (الجلوة) بالجيم وفيها ما مر في الخلوة (انفض) بالفاء المعجمة انفتح (ختام) بكسر المعجمة مصدر كالختم وهو الطبع على الشئ (السر المكنون) أى الذى لم يظهر قبل فكانه في كن (جاءه الامين جبريل) . قال ابن الاثير وكان ذلك يوم الجمعة سابع عشر شهر رمضان قال وقال يونس عن بشر بن أبي طالب الكندى الدمشقى عن مكحول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال ما معناه ألا تصوم يوم الاثنين فاني ولدت فيه وأوحي الى فيه وهاجرت فيه انتهى (قلت) يجمع بينهما بان الايحاء اليه يوم الاثنين كان منا ما ثم يوم الجمعة يقظة (في صحيح أبي عبد الله البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (القانت) أي المطيع أو كثير القيام (الناسك) أي العابد والنسك العبادة (الحافظ) عد بعضهم من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمية ناقلى حديثه حفاظا من بين سائر العلماء (نضر الله وجهه) أى حسنه وجمله كما مر (لثلاثيات الجامع) هي الاحاديث التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وبين البخاري ثلاثة رجال فقط وجملتها تسعة عشر حديثا خمسة عشر عن سلمة بن الاكوع وواحد عن عبد الله بن بشر المازني وثلاثة عن أنس بن مالك (بالمسجد الحرام) يطلق على الكعبة وعلى المسجد حولها وهو المراد هنا وعلى مكة وعلى الحرم كله وعلى ما دون مرحلتين منه (تجاه) بضم الفوقية امام (اللخمي) نسبة الى لخم القبيلة المعروفة (الاميوطي) نسبة الى أميوط بضم الهمزة آخره مهملة بلد بالشام (ابن صديق) بتشديد الدال (الدمشقي) نسبة الى دمشق بكسر الدال وفتح الميم وقد يكسر قال في القاموس قاعدة الشام سميت ببانيها دمشاق بن كنعان (المعمر) بفتح الميم

الاحفاد بالاجداد ابو العباس أحمد بن أبى طالب بن أبي النعم نعمة الله بن على بن بيان الصالحي الحجار سماعا عليه قال انابه أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد الزبيدى انا به أبو الوقت عبد الاول عيسى بن شعيب السجزى قال انا به أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي انا به ابو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه الحموى أنا به أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربرى انا به أمير المؤمنين في علم الحديث النبوى محمد بن اسمعيل البخاري ثنا به يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل (الاحفاد) جمع حفيد وهو ولد الولد (ابن أبى النعم) بضم النون وسكون المهملة (نعمة) بكسر النون وسكون المهملة (ابن بيان) بفتح الموحدة بعدها تحتية (الحجار) بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم آخره راء (الزبيدي) نسبة الى زبيد المعروفة باليمن (السجزي) بكسر المهملة وسكون الجيم ثم زاى قال ابن ماكولا هى نسبة الى سجستان على غير قياس وهو اقليم ذو مدائن بين خراسان والسند وكرمان (ابن حمويه) قال ابن الصلاح أهل العربية يقولونه ونظائره أي كنفطويه وسحنويه وريحويه وفيحويه وعلويه وراهويه بواو مفتوحة مفتوح ما قبلها وساكن ما بعدها ومن ينحو بها نحو الفارسية يقولونها بواو ساكنة مضموم ما قبلها مفتوح ما بعدها قال وسمعت الحافظ عبد القادر بن عبد الله يقول سمعت الحافظ ابا العلاء يقول أهل الحديث لا يحبون ويه أي يقولون نفطويه مثلا بواو ساكنة تفاديا من أن يقع في آخر الكلام ويه (الحموي) بفتح المهملة وضم الميم المشددة وكسر الواو وياء النسبة الى جده حمويه (ابن مطر) كلفظ المطر المعروف (الفربري) بكسر الفاء وفتح الراء بعدها موحدة ساكنة فراء فياء النسبة إلي فربر قرية من قرى بخاري (أمير المؤمنين) في أوّل من سمى بذلك من المحدثين خلاف وأوّل من سمى أمير المؤمنين على الاطلاق عمر بن الخطاب (يحيى بن بكير) بالتصغير هو العبدي قاضى كرمان مات سنة سبع وعشرين ومائتين (حدثنا الليث) هو ابن سعد بن عبد الرحمن الفقيه يكنى أبا الحارث. قال الشمني نقلا عن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس يقال انه مولي بنى فهم ثم لآل خالد بن ياسر بن طاعن الفهمي ثم من بني كنانة من فهم وأهل بيته يقولون نحن من الفرس من أهل أصبهان وليس لما قالوه عندنا صحة انتهى. وأخرج ابن يونس من طريق ابن عمرو بن طاهر بن السرح قال سمعت يحيى بن بكير يقول سمعت والد الليث وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه قال يحيي بن بكير سمعت شعيب ابن الليث يقول كان الليث يقول لنا قال بعض أهلى اني ولدت سنة اثنين وتسعين والذي أوقن اني ولدت سنة أربع وتسعين وقال أبو سعيد كاتب الليث سمعت الليث يقول مات عمر بن عبد العزيز ولى سبع سنين وكانت وفاة عمر سنة احدي ومائة وقال أبو نعيم في الحليلة أدرك الليث نيفا وخمسين من التابعين وأسند عن محمد ابن رمح قال كان دخل الليث في كل سنة ثمانين ألف دينار ما أوجب عليه الله درهما قط بزكاة وقال ابن لهيعة احترقت داره وحج بألف دينار فاهدى اليه مالك طبقا فيه رطب فرد اليه على الطبق ألف دينار وكانت وفاته في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة عن احدي وثمانين (عن عقيل) هو ابن خالد الايلى وهو

مطلب في بدء نبوته صلي الله عليه وسلم وظهور جبريل له بغراء حراء

[مطلب في بدء نبوته صلي الله عليه وسلم وظهور جبريل له بغراء حراء] عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت اول ما بدئ به رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة في النوم وكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه بالمهملة والقاف مصغر كان حافظا مأمونا مات سنة احدى وأربعين ومائة (عن ابن شهاب) هو الزهري محمد ابن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الذي شج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ثم أسلم كان أحد أئمة الدين. قال ابن المديني له نحو ألفى حديث وقال مرة أخري أسند أكثر من ألف حديث وحديثه ألفان ومائتا حديث نصفها مسندة مات في رمضان سنة أربع وعشرين ومائة (عن عائشة) هو مرسل صحابية فانها لم تدرك بدء الوحى فاما أن تكون سمعته منه صلى الله عليه وسلم أو من غيره من الصحابة ويؤيد سماعها منه قال الحافظ ابن حجر قولها في اثناء الحديث قال وأخذنى فغطني (أول ما) ما نكرة موصوفة أي أوّل شئ (من الوحي) من بيانية أو تبعيضية أي من أقسام الوحي وأوّل ما بديء به من دلائل النبوة مطلقا أشياء كثيرة وقد مر ذكر بعضها في كلام المصنف منها تسليم الحجر (الرؤيا) مصدر كالرجعي وتختص بالنوم كاختصاص الرأي بالقلب والرؤية بالعين (الصالحة) بالرفع وفي صحيح البخاري في التفسير الصادقة وهما بمعنى وصلاحها اما باعتبار صورتها أو تعبيرها كما أشار اليه الخطابي (فى النوم) صفة موضحة قال في التوشيح أو ليخرج رؤية العين في اليقظة لاحتمال أن يطلق عليها مجازا (مثل) بالنصب على الحال (فلق الصبح) بفتح الفاء واللام وحكي الزمخشري سكونها ويقال فرق بالراء بدل اللام من غير الرواية وفلق الصبح ضياؤه يضرب مثلا للشئ الواضح البين قال العلماء انما ابتدئ بالرؤيا كيلا يفجأه الملك بصريح النبوة بغتة فلا تحتملها قواه البشرية فبدئ بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامات من صدق الرؤيا وحب العزلة والصبر عليها (حبب اليه الخلاء) بالفتح والمد الخلوة وانما حببت اليه لما فيها من فراغ القلب لما يتوجه اليه (بغار) هو النقب في الجبل وجمعه غيران (حراء) بكسر المهملة في الافصح وتضم وتفتح وفي رواية الاصيلي في البخاري بفتحها مع القصر وأكثرهم يقوله بالمد ويذكر ويؤنث فعلى الاول يصرف وعلى الثانى لا يصرف قال بعضهم حرا وقبا ذكر وأنثهما معا ... ومد أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا ومثلهما مني أيضا لكن ليس في أوله سوي الكسر وحراء جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال على يسار الذاهب من مكة الى مني قال ابن أبى حمزة وانما خصه بالخلوة لان المقيم فيه يمكنه رؤية البيت فيجتمع له الخلوة والتعبد ورؤية البيت (فيتحنث فيه) بمهملة وفي آخره مثلثة أي يتعبد ومعناه القاء الحنث عن نفسه كالتأثم والتحوب القاء الاثم والحوب عن نفسه قال الخطابي وليس في الكلام تفعل القي الشئ عن نفسه غير هذه الثلاثة والباقي بمعنى تكسب وزاد غيره تحرج وتنجس وتجنب وتهجد وتجزع وتجنح اذا ألقي الحرج والنجس والجنابة والهجود أي النوم والجزع والجناح عن نفسه وقيل ان تحنث بمعنى تحنف وقد وقع كذلك في سيرة ابن هشام

وهو التعبد الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع الى أهله ويتزود لذلك ثم ينزع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى حتي بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال اقرأ بسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذى علم بالقلم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرجف فؤاده كما مر (وهو التعبد) مدرج في الحديث قطعا. قال ابن حجر وهو محتمل ان يكون من كلام عروة أو من دونه قال وجزم الطيبى بأنه من تفسير الزهري ولم يذكر دليله (الليالي) بالنصب على الظرف وتعلقه بيتحنث لا بالتعبد لما مر ان التعبد مدرج (ذوات) بكسر التاء منصوب وفي مسلم أولات (العدد) في رواية ابن اسحق انه كان يعتكف شهر رمضان. قال في الديباج وله شاهد قوي وفي صحيح مسلم جاورت نحو شهر (قبل ان ينزع) بالزاي والمهملة كيرجع وزنا ومعنى (الى أهله) يعني خديجة (لمثلها) أي الليالي (جاءه الحق) لمسلم فجئه بكسر الجيم وفتحها وهمزة أي بغته الامر الحق (فجاءه) الفاء للتفسير لا للتعقيب لان مجيء الملك ليس بعد مجيء الحق حتى يعقب به بل هو نفسه (ما) نافية وقيل استفهامية وهو مردود بدخول الباء في الخبر (أنا بقارئ) أى ما أحسن القراءة (فائدة) أخبرنا شيخنا وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم ابن زياد عن شيخه وجيه الدين عبد الرحمن الديبع عن مشايخه انه ورد في بعض المسندات انه صلى الله عليه وسلم نطق فيها بقاف الحجاز المترددة بين القاف والكاف (فغطني) بمعجمة فمهملة وللطبري وابن اسحق فغتني بالفوقية بدل الطاء ولابن أبي شيبة فعمني ويروى سأبني والسأب بالمهملة والهمزة والموحدة ومعنى الكل عصرني وضمني وخنقني كما في مسند الطيالسي فأخذ بحلقي (حتى بلغ مني الجهد) بفتح الجيم وضمها لغتان والفتح أفصح وهو المشقة وبرفع الدال أي بلغ مني الجهد مبلغه وغايته ونصبها أى بلغ جبريل أو الغط مني الجهد والحكمة في ذلك شغله عن الالتفات لشيء آخر واظهار الشدة والجد في الامر تنبيها على ثقل القول الذى سيلقى اليه وقيل ابعاد ظن التخييل والوسوسة لانهما ليسا من صفات الاجسام فلما وقع ذلك بجسمه علم انه من أمر الله وللسهيلي في تأويل الغطات كلام ذكره المصنف وذكر بعضهم ان هذا يعد من خصائصه اذ لم ينقل عن أحد من الانبياء انه جرى له عند ابتداء الوحي مثل ذلك وذكر ابن اسحق عن عبيد بن عمير انه وقع له قبل ذلك في المنام نظير ما وقع له في اليقظة من الغط والامر بالقراءة وكان ذلك في شهر ربيع الاول كما أفاده بعضهم (ثم أرسلني) أى أطلقني اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أى لا بحولك وقوتك ومعرفتك (الذى خلق) صفة تناسب ما حصل بالغط وجعله توطئة لقوله بعد خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ إيذانا بأن الانسان أشرف المخلوقات عَلَّمَ بِالْقَلَمِ فيه تذكير بأفضل النعم بعد الخلق وفيه اشارة الى حصول العلم له بلا واسطة بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب حتى تعلم بالقلم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ فيه اشارة الى العلم اللدني الحاصل بدون واسطة وإيذانا بان قوله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ ما أحسن القراءة بواسطة التعليم بالقلم (فرجع بها) أى بالآيات (يرجف) بضم الجيم أى يخفق ويضطرب (فؤاده) أى قلبه وفي رواية بوادره بالموحدة

مطلب في أخبار صلى الله عليه وسلم لورقد بن نوفل عن ظهور جبريل له

فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملونى زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسى فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق [مطلب في أخبار صلى الله عليه وسلم لورقد بن نوفل عن ظهور جبريل له] فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب والمهملة والراء وهي اللحمة بين المنكب والعنق تضطرب عند الفزع (زملوني زملوني) أي غطونى ولفوني وتكرير ذلك دليل على شدة الروع (الروع) بالفتح الفزع (خشيت على نفسي) قيل خشي الجنون وان يكون من جنس الكهانة. قال الاسماعيلي وذلك قبل حصول العلم الضرورى له ان ذلك الذى جاءه ملك وانه من عند الله وقيل الموت من شدة الرعب وقيل المرض وقيل العجز عن حمل اعباء النبوة وقيل عدم الصبر على أذى قومه وقيل ان يقتلوه وقيل ان يكذبوه وقيل ان يعيروه (كلا) هو نفي وابعاد أو قسم (ما) ولمسلم لا (يخزيك الله أبدا) روي في الصحيحين بالمعجمة والتحتية من الخزى وهو الفضيحة والهوان وبالمهملة والنون من الحزن وفي أوله الفتح من حزن لغة قريش والضم من حزن لغة تميم وقرئ بهما معا في القرآن (لتصل الرحم) هو كل من جمعتك أنت وهو أم (وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام من لا يستقل بأمره كما قال تعالى وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ وقيل الثقل وقيل ما يتكلف. قال النووى ويدخل في حمل الكل الانفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك (وتكسب المعدوم) بفتح التاء في الاشهر أى تكسب المال المعدوم وتصيب ما لا يصيب غيرك وكانوا يمدحون بكسب المال سيما قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم محظوظا في التجارة وروي بضمها وعليه فالمعنى تكسب غيرك المال المعدوم أى تعطيه اياه تبرعا فحذف أحد المفعولين وقيل تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الاخلاق (وتقرى الضيف) بفتح أوله بلا همز (وتعين على نوائب الحق) قال السيوطي هي كلمة جامعة لافراد ما تقدم ولما لم يتقدم. وفي التفسير من طريق يونس عن الزهرى زيادة وتصدق الحديث وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه وتؤدى الامانة انتهى. والنوائب جمع نائبة وهي الحادثة (تنبيه) في الشفا ان الذى قاله له ورقة فان صح حمل على انه قال له أيضا (ورقة) بفتح الراء (ابن عم خديجة) بنصب ابن ويكتب بالالف وهو بدل من ورقة أو صفة أو بيان ولا يجوز جره لئلا يصير صفة لعبد العزي ولا كتبه بغير ألف لانه لم يقع بين علمين (تنصر) بالنون أى صار نصرانيا وحكى الزركشى ان فيه بالموحدة من التبصرة وهو ضعيف (وكان يكتب الكتاب العبراني) بكسر المهملة وسكون الموحدة ثم راء هي لغة اليهود ويقال فيها العبرى ولمسلم والبخاري في التفسير العربى (بالعبرانية) فيها أيضا بالعربية. قال النووى وابن حجر والجميع صحيح لانه كان يعلم العبرانى والعربي من الكتاب واللسان معا

وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة يابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يابن أخى ماذا ترى فاخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذى أنزل الله على موسى يا ليتنى فيها جذعا يا ليتني أكون حيا اذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو مخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به الاعودى (يابن عم) هو الصواب كما مر في نسبه ووقع في مسلم أي عم قال ابن حجر وهو وهم لانه وان صح ان تقوله توقيرا أي كما زعمه النووى لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين فيتعين الحمل على الحقيقة قال وانما جوزنا ذلك فيما مضى في العبراني والعربي لانه من كلام الراوي في وصف ورقة واختلفت المخارج فامكن التعدد قال وهذا الحكم يطرد في جميع ما أشبهه. قال في الديباج وعندي انها قالت ابن عم على حذف حرف النداء فتصحف ابن باي (اسمع) بهمز وصل (من ابن أخيك) قالته اما توقيرا لسنه واما لان ورقة ووالده صلى الله عليه وسلم في عدد النسب الى قصي بن كلاب الذي يجتمعان فيه سواء فكان في درجة اخوته (هذا الناموس) أى جبريل فهو اسم من أسمائه كذا في الديباج ونزله منزلة القريب لقرب ذكره والناموس لغة صاحب سر الخير والجاسوس صاحب سر الشر وقيل الناموس صاحب السر مطلقا المطلع على باطن الامر يقال نمست الرجل أي ساررته ونمست السر كتمته (أنزل الله) في رواية الكشميهنى في صحيح البخاري نزل الله وفي التفسير أنزل بالبناء للمفعول (على موسى) في رواية عند أبي نعيم في الدلائل قال السيوطى بسند حسن على عيسى. قال النووي وكلاهما صحيح قال ابن حجر فكانه قال عند إخبار خديجة له على عيسى وعند إخباره صلى الله عليه وسلم على موسى (يا ليتنى فيها) أي في أيام النبوة ومدتها (جذعا) أي شابا قويا حتى أقوى على نصرتك وأتمكن منها وهو بفتح الجيم والمعجمة الصغير من البهائم ثم استعير للشاب وهو نصب على الحال قاله السهيلي ورجحه عياض والنووي أو على انه خبر كان المقدرة قال الخطابى أو بتقدير جعلت قاله ابن بري أو على ان ليت تنصب الاسم والخبر وفي رواية الاصيلي في البخارى وابن ماهان في مسلم بالرفع خبر ليت وقال ابن بري المشهور عند أهل اللغة والحديث جذع بسكون العين وهو رجز مشهور عندهم يتمثلون به يقولون يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع (أو مخرجي هم) بهمزة الاستفهام وواو العطف مفتوحة ومخرجى بتشديد الياء جمع مخرج قلبت واو الجمع ياء وأدغمت في ياء الاضافة وهو خبر مقدم وهم مبتدأ مؤخر قال في التوشيح نقلا عن ابن مالك ولا يجوز العكس لئلا يلزم الاخبار بالمعرفة عن النكرة لان اضافة مخرجى غير محضة قال ويجوز كون هم فاعلا سد مسد الخبر ومخرجى مبتدأ على لغة أكلونى البراغيث قال ولو روي بتخفيف الياء على انه مفرد لجاز وجعل مبتدا وما بعده فاعل سد مسدا الخبر انتهي. ولابن هشام ان ورقة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليكذبنك فلم يقل شيئا ثم قال وليؤذنك فلم يقل شيئا ثم قال وليخرجنك قال أو مخرجي هم قال ففي هذا دليل على حب الوطن وشدة مفارقته على النفس وأيضا فانه حرم الله وجوار بيته فلذلك تحركت نفسه عند ذكر الخروج بخلاف ما قبل

مطلب في تعليم جبريل له عليه الصلاة والسلام الوضوء والصلاة

وان يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحى وذكره البخارى في موضع آخر وزاد في السورة الى قوله تعالى عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ وزاد في آخره قال وفتر الوحى فترة حتي حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا يتردى من رؤس شواهق الجبال فكلما أو في بذروة لكى يلقى نفسه منها تبدا له جبريل فقال يا محمد انك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فاذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك فاذا أوفي بذروة جبل تبداله جبريل فقال له مثل ذلك. ونقل القاضى مجد الدين في كتابه سفر السعادة أن جبريل أخرج له قطعة نمط من حرير مرصعة بالجواهر ووضعها في يده وقال اقرأ قال والله ما أنا بقاريء ولا أرى في هذه الرسالة كتابة قال فضمنى إليه وغطنى وذكر الحديث الى قوله ما لَمْ يَعْلَمْ ثم قال انزل عن الجبل فنزلت معه الى قرار الارض فأجلسنى على درنوك وعلىّ ثوبان أخضران [مطلب في تعليم جبريل له عليه الصلاة والسلام الوضوء والصلاة] ثم ضرب برجله الارض فنبعت عين ماء فتوضأ جبريل منها وتمضمض واستنشق وغسل كل عضو ثلاثا وأمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل ذلك فقال أو مخرجي هم والموضع الدال على تحرك النفس ادخال الواو بعد ألف الاستفهام مع اختصاص الاخراج بالسؤال عنه وذلك ان الواو ترد الى الكلام المتقدم وتشعر المخاطب بان الاستفهام على جهة الانكار والتفجع لكلامه والتألم منه (وان) شرطية (يدركنى) مجزوم به (يومك) أي وقت خروجك زاد البخاري في التفسير حين ولابن اسحاق وان أدركت ذلك اليوم (انصرك) مجزوم بالجزاء (مؤزرا) بهمزة قد تسهل أي بالغا قويا من الازر وهو الشدة والقوة وأنكر الفراء أن يكون في اللغة مؤزرا من الازر وانما هو موزر من وازره أي عاونه. وقال السيوطي نقلا عن أبي شامة يحتمل أن يكون ذلك من الازار أشار بذلك الى تشميره في نصرته (ينشب) بفتح المعجمة أي يلبث وأصل النشوب التعلق فكانه لم يتعلق بشيء غير ما ذكر (وفتر الوحي) كانت مدة فترته ثلاث سنين كما نقله أحمد بن حنبل في تاريخه عن الشعبي وبه جزم ابن اسحاق. قال في الديباج وورد عن ابن عباس ان مدتها كانت أياما وعن الشعبي كانت سنتين ونصفا وبه حزم السهيلي انتهي ولا ينافيه ما مر اذ لعل ذلك على عادة العرب من تسمية البعض باسم الكل (بذروة) بكسر الذال وضمها ويجوز الفتح كما سبق نظيره وهى أعلاه (تبدا) بلا همز أى ظهر وهو بمعنى بدا (جأشه) بجيم فهمزة ساكنة فمعجمة أى قلبه (وتقر) بكسر القاف وفتحها (نفسه) بسكون الفاء (سفر السعادة) بكسر المهملة وسكون الفاء اسم الكتاب (نمط) بفتح النون والميم ثم مهملة والنمط نوع من البسط ولا يستعمل في غيره الا مقيدا (مرصعة) بالنصب صفة لقطعة والترصيع بالمهملة التحلية (على درنوك) بضم المهملة والنون بينهما راء ساكنة هو بساط ذو خمل يشبه الفروة

فصل: في صفة جبريل عليه السلام وانه سفير الانبياء وعدد نزوله على النبى صلي الله عليه وسلم وبيان كيفيات الوحي

مثله فلما تم وضوؤه أخذ جبريل كفا من ماء فرش به فرجه ثم قام فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مقتدبه ثم قال الصلاة هكذا فجاء النبى صلى الله عليه وسلم الى مكة وقص ذلك على خديجة وعلمها الوضوء والصلاة (قال المؤلف غفر الله زلته) وأقال عثرته وفي سيرة ابن اسحاق أن تعليم الوضوء والصلاة كان في مرة أخرى وقد التقيا بأعلا مكة وفيها ما يدل على أن فرض الصلوات الخمس كان يومئذ وليس كذلك فان فرضها انما كان ليلة الاسراء وكان الواجب أولا قيام بعض الليل كما في صدر سورة المزمل ثم نسخ بآخرها فاقرؤا ما تيسر منه ثم نسخ الجميع بفرض الخمس ليلة الاسراء ذكره النووى رحمه الله في فتاويه [فصل: في صفة جبريل عليه السلام وانه سفير الانبياء وعدد نزوله على النبى صلي الله عليه وسلم وبيان كيفيات الوحي] (فصل) واعلم أن جبريل عليه السلام ملك عظيم ورسول كريم مقرب عند الله أمين على وحيه وهو سفيره الى أنبيائه كلهم ورسوله باهلاك من طغى من أممهم ووصفه الله تعالى في القرآن العظيم بالقوة والامانة وقرب المنزلة عنده وعظم المكانة وأخبر بطاعة الملائكة له في (فرش به فرجه) أي الجهة التى فيها الفرج من الآدميين ويحتمل ان يخلق الله له فرجا عند تصوره في صورة الآدميين تتميما للخلقة ثم اذا أعاده الى صورته التى جبل عليها زال عنه ذلك فلا يستدل به على وجود فرج لجبريل ولا لغيره من الملائكة مع قيامهم في صورهم الجبلية وانما فعل ذلك ليعلم النبى صلى الله عليه وسلم. ففي سنن ابن ماجه من حديث زيد بن حارثة علمني جبريل الوضوء وأمرنى ان أنضح تحت ثوبي مما يخرج من البول وفيه ندب فعل ذلك للمتوضيء (ثم قام فصلي ركعتين) قد يؤخذ منه ندب سنة الوضوء وعددها (وكان الواجب) بالرفع اسم كان (قيام) بالنصب خبرها ويجوز عكسه (فصل واعلم ان جبريل) بكسر الجيم بوزن زنبيل وفتحها بوزن مهليل وبالهمز فيهما مع المد واثبات الياء وحذفها وجبرال بالكسر والفتح أيضا وجبرايل بالتحتية معهما وجبرال بتشديد اللام وجبراييل بألف وتحتيتين وجبراين بالنون قيل ان جبروميك واسراف معناها العبد بالسريانية وال وايل اسمان لله تعالى ورده أبو علي الفارسي بان ايل وال لا يعرفان من أسماء الله وانه لو كان كذلك لم ينصرف آخر الاسم في وجوه العربية ولكان آخره مجرورا أبدا كعبد الله. قال النووي وهذا هو الصواب انتهى. قال في الديباج ورد في أثر ان تفسير جبريل عبد الله وميكائيل عبد الله واسرافيل عبد الرحمن وذكر الجزولي من المالكية ان اسرافيل سمى بذلك لكثرة أجنحته وميكائيل لكونه وكل بالمطر والنبات يكيله ويزنه. وذكر المجد في الصلاة والبشر ان جبريل يكني أبا الفتوح واسرافيل أبا الغنائم (وهو سفيره) بالسين المهملة والفاء بوزن عظيم هو الرسول (من طغي) أي جاوز الحد بالكفر (ووصفه الله تعالى في القرآن العظيم بالقوة والامانة الى آخره) أى على القول بأنه المراد في قوله تعالى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وهو ما قاله أكثر المفسرين وقال على بن موسى وغيره انه محمد صلى الله عليه وسلم فجميع الاوصاف بعد هذا له وعليه يبطل استدلال الزمخشرى بالآية على تفضيل جبريل على نبينا صلى الله عليه وسلم بل وعلى الاول فان الثناء على

السماء وانه يؤيد به عباده الانبياء وسماه روح القدس والروح الامين واختصه لوحيه من بين الملائكة المقربين وحكى في قوله تعالى في حق النبى صلى الله عليه وآله وسلم وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجبريل هل أصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم كنت أخشى العاقبة فامنت لثناء الله عز وجل علىّ بقوله ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ووصفه الله سبحانه وتعالى بالقدس لانه لم يقترف ذنبا وسماه روحا للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو مسبب حياة القلوب* وأما عدد نزوله على النبى صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت في بعض التواريخ أنه نزل عليه ستا وعشرين ألف مرة ولم يبلغ أحد من الانبياء هذا العدد وأما صفة مجيئه الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فثبت في صحيح البخارى عن عائشة ان الحرث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس شخص لا يلزم منه تفضيله على من سواه (وسماه روح القدس) في قوله تعالى إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ على القول بأن الروح جبريل وقوله تعالى قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ والقدس بضم القاف وفي الدال الضم والسكون الطهارة سمي جبريل بذلك لانه لم يقارف ذنبا (وحكي في قوله تعالى في حق النبى صلى الله عليه وآله وسلم الى آخره) ذكره عياض في الشفا بهذه الصيغة (كنت أخشى العاقبة) قبل بعثتك فلما بعثت أثنى الله علي في الكتاب المنزل عليك بقوله ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (فامنت) العاقبة (لثناء الله عز وجل على) الذى كنت السبب في معرفتي اياه فكنت رحمة لي من هذه الحيثية كسائر العالمين (نزل عليه ستا وعشرين ألف مرة) الذى ذكره ابن عادل أربعا وعشرين ألفا (ولم يبلغ أحد من الانبياء هذا العدد) بل كان نزوله على آدم اثنتي عشرة مرة وعلى ادريس أربع مرات وعلى ابراهيم اثنين وأربعين مرة وعلى نوح خمسين مرة وعلى موسى أربعمائة مرة وعلى عيسى عشر مرات ذكر ذلك ابن عادل أيضا (فثبت في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وغيرهما ان الحرث بن هشام هو شقيق أبي جهل أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه واستشهد يوم اليرموك أيام عمر في رجب سنة خمس عشرة وقيل في طاعون عمواس سنة سبع عشرة أو خمس عشرة قولان وظاهر ذلك ان الحديث في مسند عائشة وعليه اعتمد أصحاب الاطراف فكانها حضرت القصة ويحتمل كما قال السيوطي وغيره ان يكون الحرث أخبرها بذلك ويكون مرسل صحابي وحكمه الوصل ويؤيده ان في مسند أحمد وغيره من طريق عامر بن صالح الزبيرى عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحرث ابن هشام قالت سألت ولكن عامر بن صالح ضعيف اعتضد بمتابعه عند ابن منده (صلصلة) بفتح المهملتين وهي في الاصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين وقيل هو صوت متدارك لا يفهم في أوّل وهلة. قال النووى قال العلماء والحكمة في ذلك ان يتفرغ سمعه ولا يبقى فيه ولا في قلبه مكان لغير صوت الملك انتهى وقيل انما كان يأتيه كذلك اذا نزلت آية وعيد أو تشديد والصلصلة المذكورة هي صوت الملك بالوحي وقيل صوت خفق أجنحته (الجرس) بفتح الجيم والراء آخره مهملة

وهو أشده على فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحى في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا أى يسيل وورد في الصحيح أيضا انه كان يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه فيكلمه في صورة سائل مستفت على صورة دحية بن خليفة وأصله من الجرس بفتح الجيم وسكون الراء وهو الصوت الخفي ويقال بكسر أوله (وهو أشده على) قال السيوطي سبب هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات (فيفصم عني) بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة من فصم أى يقلع وينجلي ما يغشاني والفصم هو القطع بلا ابانة وأما القصم بالقاف فقطع مع ابانة وانفصال ومعنى الحديث ان الملك يفارقه على ان يعود ولا يفارقه مفارقة قاطع لا يعود ويروى بضم أوله من افصم ويروى بالبناء للمفعول (وعيت) بفتح المهملة أى فهمت وحفظت ويقال في المال والمتاع أوعيت (يتمثل) أى يتصور بتصوير الله عز وجل (الملك) اللام فيه للعهد أى جبريل كما صرح به في رواية عبيد بن سعيد (رجلا) أي مثل رجل فنصبه على المصدر وقيل تمييز وقيل حال على تأويله بمشتق أي مرئيأ محسوسا قال المتكلمون الملائكة أجسام علوية لطيفة تتشكل أي شكل أرادوا أي باذن الله عز وجل وقال عبد الملك إمام الحرمين معنى تمثل جبريل ان الله تعالى أفنى الزائد من خلقه وأزاله عنه ثم يعيده اليه وجزم ابن عبد السلام بالازالة دون الفناء وقال البلقيني يجوز ان يكون أتى بشكله الاصلي من غير فناء ولا ازالة الا انه انضم فصار على قدر هيئة الرجل واذا ترك ذلك عاد الى هيئته ومثال ذلك القطن اذا جمع بعد أن كان منتفشا فانه بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير وهذا على سبيل التقريب. قال السيوطى والحق ان تمثل الملك رجلا ليس معناه ان ذاته انقلبت رجلا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه والظاهر أيضا ان القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائى فقط (فيكلمنى) بالكاف وصحفه البيهقى بالعين (فاعي ما يقول) عبر فى الشق الاول بلفظ الماضى وهنا بلفظ المستقبل قال السيوطى لان الوعى حصل في الاول قبل الفصم وفي الثاني عقب المكالمة وكان هذا أهون عليه كما أخرجه أبو عوانة في صحيحه وروي ابن سعد من طريق ابن سلمة الماجشون أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول كان الوحي يأتينى على نحوين يأتينى به جبريل فيلقيه على كما يلقى الرجل على الرجل فذاك ينفلت منى ويأتينى في مثل صلصلة الجرس حتى يخالط قلبى فذاك الذي لا ينفلت منى (الشديد البرد) بالاضافة غير المحضة (ليتفصد) بالفاء وتشديد المهملة من الفصد وهو قطع العرق لاسألة الدم وصحف من رواها بالقاف. قال العسكري ان ثبت فهو من قولهم تقصد الشيء اذا تكسر وتقطع ولا يخفي بعده (عرقا) بالنصب على التمييز (أي يسيل) سيلان العرق المفصود من كثرة العرق (وورد في) الحديث (الصحيح) في الصحيحين وغيرهما (دحية) بكسر الدال وفتحها وسكون الحاء المهملتين ثم تحتية مخففة هو (ابن خليفة) بالمعجمة والفاء بوزن عظيمة ابن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن عامر

الكلبى أو غيره وكان دحية رجلا جميلا ولم يره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صورته التي جبل عليها وهى ستمائة جناح الامرتين مرة في الارض في الافق الاعلى وهى ناحية المشرق من حراء ومرة في السماء عند سدرة المنتهي على ما تضمنته سورة النجم* ولم يره أحد من الانبياء عليهم السلام على تلك الصورة الا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومرة كان يأتيه الوحي صلى الله عليه وآله وسلم مناما ومرة ينفث في (الكلبي) بالجر منسوب الى كلب بن وبرة الخزج بفتح المعجمة وسكون الزاى ثم جيم شهد دحية أحدا وما بعدها أخرج ابن سعد عن الشعبي مرسلا دحية الكلبي يشبه جبريل وعروة بن مسعود الثقفى يشبه عيسى بن مريم وعبد العزى يشبه الدجال ويشهد لذلك حديث البخاري وغيره (التى جبل) أي خلق والجبلة الخلقة (وهى ستمائة جناح) قال السهيلي قال العلماء في أجنحة الملائكة انها ليست كما يتوهم مثل أجنحة الطير وانما هي صفة ملكية وقوة ربانية لا تفهم الا بالمعاينة واحتجوا بقوله تعالى أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فكيف تكون كاجنحة الطير ولا يري طائر له ثلاثة أجنحة ولا أربعة فكيف ستمائة جناح فدل على انها صفة لا تنضبط كيفيتها بالفكر انتهي وسيأتي في ذلك مزيد كلام في ذكر جعفر ذي الجناحين (مرة في الارض في الافق الاعلى) أى الناحية العليا (وهى ناحية المشرق من حراء) قال البغوى في معالم التنزيل وذلك ان جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التى جبل عليها فاراه نفسه مرتين مرة في الافق الاعلى ومرة في السماء فاما التى في الارض ففى الافق الاعلى والمراد بالاعلى جانب المشرق وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم كان بحراء وطلع له جبريل من المشرق فسد الافق الى المغرب فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه فنزل جبريل في صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح التراب عن وجهه (عند سدرة المنتهى) سيأتي الكلام على محلها وعلى سبب تسميتها بذلك. قال الشمني ان قيل لما اختيرت سدرة المنتهى لهذا الامر دون غيرها من الاشجار. أجيب بان شجرة السدر تختص بالظل المديد والطعم اللذيذ والرائحة الطيبة (ولم يره أحد من الأنبياء الى آخره) أي لعدم اطاقتهم رؤيته في تلك الصورة (ومرة كان يأتيه الوحي مناما) ولم يذكره في حديث الحرث بن هشام. قال النووى لان مقصود السائل ما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم ويخفى فلا يعرف الا من جهته وأما الرؤيا فمشتركة معروفة انتهى ثم هل أنزل عليه شيء من القرآن في المنام أم لا قال الرافعى في أماليه الاشبه لا وأما الحديث المشهور في سورة الكوثر انه اغفى اغفاءة فقال الاولي أن تفسر الاغفاءة بالحالة التى كانت تعتريه عند الوحي ويقال لها برحاء الوحى فانه كان يؤخذ عن الدنيا (ومرة ينفث) بالفاء والمثلثة مبني للمفعول والنفث تفل خفيف لا ريق معه فعبر به عن الالقاء اللطيف والنافث جبريل كما في الحديث ان روح القدس نفث في روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي امامة (فى

مطلب في تاريخ رسالته إلى الخلق على ما حكاه أهل التاريح والدعوة اليها سرا

روعه الكلام نفثا وأخرى يكلمه ربه من وراء حجاب إما في اليقظة وإما في النوم. وقد قدمنا أن اسرافيل وكل به قبل جبرائيل مدة (عدنا الى ما نحن بصدده) [مطلب في تاريخ رسالته الى الخلق على ما حكاه أهل التاريح والدعوة اليها سرا] قال أهل التواريخ والسير جاء جبريل النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليلة السبت ثم ليلة الاحد وخاطبه بالرسالة يوم الاثنين لثمان أو لعشر خلون من ربيع الاول بعد بنيان قريش الكعبة لخمس سنين وبعد قتل كسرى النعمان بن المنذر بسبعة أشهر وقيل كان ذلك في رمضان ولم يذكر ابن اسحق غيره. وذلك لستة آلاف سنة ومائة سنة وثلاث وعشرين سنة من هبوط آدم ذكره المسعودى قال وذكر مثل هذا عن بعض حكماء العرب في صدر الاسلام ممن قرأ في الكتب السالفة على حسب ما استخرج من غار الكنز وفي ذلك يقول في أرجوزة له طويلة فى رأس عشرين من السنينا ... الى ثلاث حصلت يقينا والمائة المعدودة التمام ... الى ألوف سدست نظام أرسله الله لنا رسولا ... فنسخ التوراة والانجيلا ولما بعث صلى الله عليه وآله وسلم أخفى أمره وجعل يدعو أهل مكة ومن أتاه اليها سرا فاتبعه أناس من عامتهم ضعفاء من الرجال والنساء والموالى وهم أتباع الرسل كما في حديث روعه) بضم الراء وبمهملة والروع القلب واما بفتح الراء فالفزع (نفثا) مصدر أكد به لدفع توهم ان الالقاء اللطيف يشتبه بحديث النفس (من وراء حجاب) أي وهولا يراه (فائدة) مما ينبغي التنبيه عليه ما ذكره عياض في الشفا وغيره ان الحجاب في حق المخلوق أما الخالق فمنزه عنه اذ الحجاب انما يحجبه بمقدار محسوس ولكن حجبه على ابصار خلقه وبصائرهم وادراكاتهم بما شاء ومتي شاء (بصدده) هو من صد للامر يصد صدا وصددا اذا تعرض له (ليلة السبت) كان يسمى في الجاهلية شيار و (الاحد) أول و (الاثنين) أهون وهو بوصل الهمزة على بابه. وقال بعضهم الاولي فصلها ليكون فرقا بين اليوم والعدد. والثلاثاء جبار والاربعاء دبار والخميس مؤنس والجمعة عروبة والصحيح ان ترتيب أيام الاسبوع كما ذكرنا ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الاحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الاربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر الى الليل أخرجه أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة وما ذكره المصنف من مجئ جبريل بالرسالة يوم الاثنين مر أوّل الباب بما فيه (لعشر خلون من ربيع الاول) كان مجيء جبريل اليه حينئذ مناما لا يقظة فلا ينافى ما ذكره ابن اسحاق وغيره ان ذلك كان في رمضان (وذلك لستة آلاف الى آخر ما ذكره عن المسعودى) أصح منه ما نقله هشام الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس انه ستة آلاف ومائة واحدى وستون سنة فمن آدم الي نوح ألفان ومائتا سنة ومنه الى ابراهيم ألف ومائة وثلاث وأربعون سنة ومنه الى موسى

الكلام على حديث ان هذا الدين بدأ غريبا وسيعود كما بدأ

أبي سفيان مع هر قل فلقوا من المشركين في ذات الله أنواع البلاء فما ارتد أحد منهم عن دينه ولا التوى [الكلام على حديث ان هذا الدين بدأ غريبا وسيعود كما بدأ] (قال المؤلف غفر الله له) والى هذا الحال والله أعلم الاشارة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء فاما غربته خمسمائة وخمس وسبعون سنة ومنه الى داود خمسمائة وتسعون سنة ومنه الى عيسى ألف وثلاث وخمسون سنة ومنه الى محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ستمائة سنة والله أعلم (أبى سفيان) هو صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يكنى أبا حنظلة بابن له قتل يوم بدر كافرا وأسلم أبو سفيان عام الفتح كما سيأتي وشهد حنينا وفقئت عينه يوم الطائف فلم يزل أعور حتي فقئت عينه الاخرى يوم اليرموك أصلها حجر فشدخها فعمى ومات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان وهو ابن ثمانين أو بضع وتسعين سنة ذكر ذلك ابن عبد البر وابن مندة وأبو نعيم (هرقل) بكسر ففتح فسكون القاف كدمشق وقيل بسكون الراء وكسر القاف كخروع (فلقوا) بضم القاف (في ذات الله) أى في الله والذات يكنى بها عن نفس الشيء وحقيقته ويطلق على الخلق والصفة وأصلها اسم الاشارة للمؤنث فمن ثم وقع خلاف للاصوليين في جواز اطلاقها على الله والاصح الجواز وقد استعملها خبيب رضي الله عنه في شعر مشهور فقال وذلك في ذات الاله وان يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع (أنواع) بالنصب مفعول لقوا (ولا التوي) أي ولا انثنى ولا رجع (ان هذا الدين الي آخره) أخرجه مسلم وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس وأخرجه الطبراني من حديث عثمان وسهل بن سعد وابن عباس (بدأ) بالهمزة من الابتداء (غريبا) أي في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر ولا حمد عن رجل ان الاسلام بدأ جذعا ثم ثنيا ثم رباعيا ثم سدسا ثم بازلا (وسيعود غريبا كما بدأ) أى وسينتقص ويختل حتي لا يبقي الا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ (فطوبي) هي فعلي بالضم من الطيب قيل معناه فرح وقرة عين وسرور لهم وغبطة وقيل دوام الخير وقيل الجنة وعن ابن عباس انه اسم الجنة بالحبشية وقال الربيع بستان بلغة الهند وقيل انها شجرة في الجنة تظل الجنان كلها أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل دار منها وغرفة غصن لم يخلق الله لونا ولا زهرة الا وفيها منها الا السوداء ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة الا وفيها منها. وأخرج أحمد وابن حبان من حديث أبى سعيد طوبي شجرة في الجنة مسيرة خمسمائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من اكمامها وأخرج ابن جرير من حديث قرة بن اياس طوبي شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت بالحلى والحلل وان أغصانها لترى من وراء سور الجنة وأخرجه ابن مردويه من حديث ابن عباس وأخرجه أيضا من حديث ابن عمر وزاد فيه يقع عليها الطير كامثال البخت ولاحمد والبخارى والترمذى من حديث أنس ان في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام ما يقطعها. وأخرجه الشيخان من حديث سهل بن سعد وأخرجه احمد والشيخان والترمذى من حديث أبي سعيد وأخرجه الشيخان والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة (للغرباء) فسروه في الحديث بالنزاع من القبائل قاله النووى وقال الهروى أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا

الاولى فقد انتعشت على يدي المصطفى وأصحابه النجباء الاتقياء الذين قواه بهم المولى ووصفهم في التوراة بأنهم أشداء على الكفار فيما بينهم رحماء وفي الانجيل كزرع على سوقه استوى وما أحسن قول شرف الدين محمد بن سعيد الابوصيرى رحمه الله حتى غدت ملة الاسلام وهى بهم ... من بعد غربتها موصولة الرحم مكفولة أبدا منهم بخير أب ... وخير بعل فلم تيتم ولم تئم أوطانهم الي الله (قلت) وأحسن ما يفسر به الغرباء ما أخرجه احمد من حديث عبد الله بن عمرو طوبي للغرباء أناس صالحين في أناس سوء كثير من يبغضهم أكثر ممن يطيعهم وهو قريب المعنى مما أخرجه ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر في الاستيعاب من حديث عبد الرحمن بن سنة بفتح المهملة وتشديد النون قالوا يا رسول الله ما الغرباء قال الذين يصلحون اذا فسد الناس (انتعشت) أي ارتفعت وقامت (وأصحابه النجباء) جمع نجيب وهو الفاضل الكريم وهو بهذا الاعتبار وصف لجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى أراده المصنف (فائدة) قد عرف بهذا الاسم مضافا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر صحابيا وهم أبو بكر وعمر وعلي وحمزة وجعفر والحسن والحسين والمقداد بن عمرو وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وبلال بن رباح كما في الشفا وغيره من حديث علي لكن ليس فيه الا تسمية أبي بكر وعمر وابن مسعود وعمار وذكر أسماء بقيتهم في الكوكب الدرى وقد نظمتهم فقلت عتيق وفاروق علي وجعفر ... وحمزة والسلطان مقداد الكندى حذيفة سلمان بلال وجندب ... وعمار الموعود من فاز بالوعد كذاك ابن مسعود فهم ضعف سبعة ... كما عن علي القدر ذي الفضل والمجد فهم نجباء المصطفى ذي الفضائل ال ... عديدة والاحسان والشرف العد (الاتقياء) جمع تقى وهو ممتثل الاوامر مجتنب النواهي ما استطاع أو هو من لا يرى نفسه خيرا من أحد أو هو من يرى كل أحد خيرا منه أو هو من خزن لسانه عن التمضمض باعراض الخلق أو هو تارك مالا بأس به حذرا مما به بأس أقوال كلها جديرة بالتصحيح (على سوقه) أي أصوله (استوى) أى تم وتلاحق نباته (وما أحسن قول) بالنصب على التعجب (محمد بن سعيد) بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صنهاج بكسر المهملة وسكون النون آخره جيم ابن هلال الامام العارف الهمام المتفنن المتقن المحقق البليغ الاديب المدقق إمام الشعراء وأشعر العلماء بليغ الفصحاء وأفصح البلغاء ناظم البردة كان أحد أبويه من بوصير الصعيد والآخر من دلاص فركبت النسبة منهما فقيل الدلاصيري ثم اشتهر بالبوصيرى ويقال (الا بوصيري) بفتح الهمزة وضم الموحدة قيل ولعلها بلد أبيه فغلبت عليه ولد سنة ثمان وستمائة وأخذ عنه العلم الامام أبو حيان وابن سيد الناس والعز بن جماعة وغيرهم وتوفى سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة على ما قاله المقريزي لكن صوب الحافظ ابن حجر العسقلاني انه سنة أربع وتسعين (وخير بعل) بالموحدة والمهملة أي. زوج (فلم تيتم) أي لم تكن يتيمة وهي التي لا أب لها (ولم تئم) أي لم تصر ايما وهي المرأة التي لا زوج لها أو

مطلب في ذكر أول من آمن به صلي الله عليه وسلم

والبلاء كل البلاء عند غربته الاخرى حيث لا تتناهى ولا ينتهى الأمر منها الى مدى ولا يزال في انتكاس مرة بعد أخرى الى انقضاء الدنيا والله المستعان فلا حول ولا قوة الا بالله حسبنا الله ونعم الوكيل اللهم إنا نعوذ بك من الفتن وأن يدركنا البلاء والمحن ونسألك باسمك العظيم ونور وجهك الكريم ان تميتنا على ملة نبينا غير مبدلين ولا محرفين ولا فاتنين ولا مفتونين آمين آمين. [مطلب في ذكر أول من آمن به صلي الله عليه وسلم] وممن أسلم اولا خديجة ثم علي ثم زيد بن حارثة ثم ابو بكر والمشهور التي مات عنها زوجها قولان (في انتكاس) افتعال من النكوس والانتكاس ان يخر الشخص على رأسه وان يسقط فيستقل سقطته حتى يسقط أخرى (لا حول ولا قوة الا بالله) أي لا حول عن معصية الله الا بعصمته وحفظه ولا قوة على طاعته الا بتوفيقه ومعونته والحول القوة وقيل الحركة وقد تبدل واوه ياء (وحسبنا) أي يكفينا (ونعم) فعل وضع للمدح كبئس للذم وفيه أربع لغات نعم بوزن حقب ونعم بوزن كبد ونعم بوزن رجل ونعم بوزن حمل (الوكيل) أي المعين والكفيل أو الحفيظ أو الموكول اليه كل أمر أو المفوض اليه أقوال (نعوذ بك) أى نعتصم ونمتنع من الفتن أي مضلاتها (باسمك العظيم) هو الله كما عليه أكثر العلماء فمن ثم كان اسما للذات دون غيره من سائر الاسماء الحسنى وانما لم يستحب بعض الدعاء به لعدم استجماعه شروطه (ونور وجهك الكريم) الوجه صفة من صفاته تعالى عن التجسيم ويعبر به عن ذاته (وممن أسلم أولا خديجة) أي لمامر أولا في ابتداء الوحي من رجوعه صلى الله عليه وسلم اليها وقوله لها زملونى وأوّل امرأة أسلمت بعدها أم الفضل لبابة بنت الحارث زوج العباس أو فاطمة بنت عمر بن الخطاب أخت عمر (ثم علي) ابن أبي طالب بن عبد المطلب أي لانه كان كثير الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وسبب ذلك ما ذكره ابن عبد البر وغيره ان قريشا أصابتهم أزمة شديدة أى جوع وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه وكان من أيسر بنى هاشم يا عباس ان أخاك أبا طالب كثير العيال فانطلق بنا فنخفف عنه من عياله فقال نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له انا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى يكشف الله عن الناس ما هم فيه فقال لهم أبو طالب اذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه اليه وأخذ العباس جعفرا فضمه اليه فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ابتعثه الله نبيا وحتى زوجه ابنته فاطمة (ثم زيد بن حارثة) بن شراحيل بن كعب بن عبد العزي ابن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عذرة بن زيد اللات ابن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمر ابن مرة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان هكذا نسبه ابن الكلبي وغيره وسيأتى الكلام على كيفية دخوله في ملك النبي صلى الله عليه وسلم في محله ان شاء الله تعالى (فوائد) الاولى أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب عن الليث بن سعد قال بلغنى ان زيد بن حارثة اكترى من رجل بغلا من الطائف فاشترط عليه المكرى أن ينزله حيث شاء قال فمال به الى خربة فقال له انزل فنزل فاذا في الخربة قتلى كثيرة

أن ترتيب اسلامهم كما ذكرناه قيل وطريق الجمع بين الروايات الاولية أن يقال اول من اسلم من النساء خديجة ومن الصبيان علي عليه السلام ومن الرجال البالغين ابو بكر ومن الموالى زيد ابن حارثة وقد تنوزع في إسلام علي رضي الله عنه فقال قوم لم يشرك قط فيستأنف الاسلام قال فلما أراد أن يقتله قال له دعني أصلى ركعتين قال صل فقد صلى هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيأ قال فلما صليت أتانى ليقتلني فقلت يا أرحم الراحمين قال فسمع صوتا لا تقتله قال فهاب ذلك فخرج يطلب فلم ير شيأ فرجع الي فناديت يا أرحم الراحمين ففعل ذلك ثلاثا فاذا أنا بفارس على فرس في يده حربة حديد في رأسه شعلة من نار فطعنه بها فأنفذه من ظهره فوقع ميتا ثم قال لي لما دعوت المرة الاولى يا أرحم الراحمين كنت في السماء السابعة فلما دعوت المرة الثانية يا أرحم الراحمين كنت في السماء الدنيا فلما دعوت الثالثة يا أرحم الراحمين أتيتك وفي ذلك منقبة ظاهرة لزيد بن حارثة وقيل دليل لاثبات كرامات الاولياء الذي أجمع علماء أهل السنة عليه (الثانية) ضابط الكرامة انها أمر خارق للعادة غير مقارن لدعوى النبوة على يد من عرفت ديانته واشتهرت ولايته باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به والا كانت استدراجا أو سحرا أو اذلالا كما وقع لمسيلمة الكذاب تفل في بئر قوم سألوه تبركا فملح ماؤها ومسح رأس صبي فقرع قرعا فاحشا ودعا لرجل في ابنين له بالبركة فرجع الى منزله فوجد أحدهما قد سقط في البئر والآخر قد أكله الذئب ومسح على عيني رجل استشفى بمسحه فانتصبت عيناه وجاءه أعور ليدعو له فدعاله فعميت الصحيحة أيضا ذكر ذلك السهيلي وغيره وسمى ذلك اهانة وربما ظهر الخارق على يد عاص تخليصا له من نفسه ويسمى معونة (الثالثة) قال العلماء ضابط الولي انه المداوم على فعل الطاعات واجتناب المعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات ويظهر ان هذا ضابط الولي الكامل اما أصل الولاية فتحصل لمن وجدت فيه صفة العدالة الباطنة لاجتماع الشروط المذكورة عند الفقهاء (تنبيه) قال الحافظ زين الدين العراقي ينبغي أن يقال أوّل من أسلم من الرجال ورقة بن نوفل لما في الصحيحين من حديث عائشة في قصة بدء الوحي بان فيه أن الوحي تتابع في حياة ورقة وانه آمن به. وقد ذكر ابن مندة ورقة في الصحابة انتهى ولما نقل الذهبي كلام ابن مندة قال والاظهر انه مات قبل الرسالة وبعد النبوة انتهى (قلت) يكفى ذلك في عده في الصحابة كما هو ظاهر كلامهم حيث عدوا من لقى النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة مؤمنا ومات على ذلك صحابيا وقد علم مما مر ايمان ورقة وتمنيه نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم (الاولية) بفتح الهمزة والواو المشددة وكسر اللام وتشديد التحتية (ومن الصبيان علي) كانت سنه يوم أسلم اثنتي عشرة سنة قاله ابن الزارع في مواليد أهل البيت وهذا مبني على ما صوبه ان مدة عمره خمس وستون سنة أما على الصحيح وهو ثلاث وستون فيكون سنه يوم أسلم عشر سنين وقد قيل ان سنه يومئذ كانت ثمان سنين وقيل أربع عشرة وشذ من قال خمس عشرة أو ست عشرة (وقد تنوزع) أى اختلف (فيستأنف الاسلام)

وقال قوم بخلاف ذلك وقد ذكرنا كيفية إسلامه والخلاف فيه مستوفى في كتابنا الرياض المستطابه في جملة من روى في الصحيحين من الصحابه. ولما أسلم أبو بكر جعل يدعو الناس الى الاسلام وكان رجلا مألوفا بخلقه ومعروفه فمن قبل منه جاء به الى النبى صلى الله عليه وسلم فاسلم على يديه. وممن أسلم بدعائه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبيد الله. وفي السنة الرابعة نزل قوله تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فامتثل صلى الله عليه وسلم ما أمر به وأظهر دعوة الحق وكفاه الله المستهزئين كما وعده وهم خمسة نفر الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي وأبو زمعة الاسود بن المطلب والاسود بن عبد يغوث والحارث بن قيس بن عيطلة قيل وكان بفتح الفاء جواب لم (وقال قوم بخلاف ذلك) أي بخلاف قول من قال انه لم يكن مشركا بحكم التبعية وان لم تعلم له عبادة غير الله وعليه فالجواب عن استشكال صحة اسلامه مع صباه ان أحكام الصحبة انما أنيطت بالبلوغ بعد الهجرة عام الخندق وكانت قبل ذلك منوطة بالتمييز (ومن الرجال البالغين أبو بكر) كان سنه اذ ذاك سبعا وثلاثين سنة واشهرا كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله قاله الزبير بن بكار (مألوفا لخلقه) أي لحسنها قال عياض الخلق مخالقة الناس باليمين والبشر والتودد لهم والاشفاق عليهم واحتمالهم والحلم عنهم والصبر عليهم في المكاره وترك الكبر والاستطالة عليهم ومجانبة الغلظة والغضب والمؤاخذة وقال الحسن بن أبي الحسن كيسان حسن الخلق بذل المعروف وترك الاذى وطلاقة الوجه واختلف السلف فيه هل هو غريزة أو مكتسب كما سيذكره المصنف (عثمان بن عفان) ابن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (والزبير بن العوام) بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي (وعبد الرحمن بن عوف) بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب (وسعد بن أبى وقاص) مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة (وطلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة وفي السنة الرابعة (فاصدع بما تؤمر) أصل الصدع الفصل والفرق ومعناه هنا أظهر قاله ابن عباس ويروي عنه امضه أو العن قاله الضحاك أو افرق بين الحق والباطل قاله الاخفش أو اقض قاله سيبويه وروي عن عبد الله بن عبيدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه ذكر ذلك البغوي وغيره (وأعرض عن المشركين) هذه الآية منسوخة بآية القتال (كما وعده) أي بقوله إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (الوليد بن المغيرة) قال البغوي وكان رأسهم (والعاص بن وائل) بالمد والتحتية بوزن فاعل (وأبو زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم ثم مهملة (الاسود بن المطلب) بن حارث ابن أسد بن عبد العزي بن قصي قال المفسرون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه فقال اللهم اعم بصره وأثكله بولده (والاسود بن عبد يغوث) بن وهب بن عبد مناف بن زهرة (والحارث بن قيس) بن

الكلام على منابذة قريش له حين أمره الله باظهار الدعوة وان يصدع بما يؤمر

موتهم في يوم واحد بادواء متنوعة وقيل ان العاص والوليد ماتا بعد الهجرة على ما سيأتي ان شاء الله تعالى قال ابن اسحاق بعد أن عد الذين أسلموا أولا نحو أربعين قال ثم دخل الناس في الاسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى فشا الاسلام بمكة وتحدث به [الكلام على منابذة قريش له حين أمره الله باظهار الدعوة وان يصدع بما يؤمر] ثم ان الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه وأن ينادي الناس بأمره وأن يدعو اليه وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستسر به الى أن أمره الله باظهاره ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه ثم قال له اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وقال وأنذر عشيرتك الاقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقل إنى أنا النذير المبين وقال وقل إني برىء مما تعملون وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبى وقاص في نفر معه يصلون إذ ظهر عليهم نفر من المشركين فناكروهم حتى قاتلوهم فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا من المشركين بلحيي بعير فشجه فكان أوّل دم أهريق في الاسلام. ولما أظهر النبى صلى الله عليه وآله وسلم دعوة الحق لم يتفاحش أمرهم حتى ذكر عيب آلهتهم فاشتدوا عليه وأجمعوا الشر له فحدب عليه عمه أبو طالب وعرض نفسه عيطلة بفتح العين والطاء المهملتين بينهما تحتية ساكنة وأصل العيطلة الطويلة العنق في حسن الجسم قاله في القاموس (بادواء) مصروف وهو جمع داء (متنوعة) أى نوع داء كل واحد غير نوع داء الآخر قال الواحدي في التفسير أومأ جبريل بأصبعه الى ساق الوليد والى عين أبي زمعة والى رأس الاسود والى بطن الحارث والى قدم العاص بن وائل وقال للنبي صلى الله عليه وسلم كفيت أمرهم فمر الوليد على قين الخزاعة وهو يجر ثيابه فعلقت بثوبه شوكة فمنعه الكبر ان يخفض رأسه فينزعها فجعلت تضرب ساقه فخدشته حتى قطعت كساءه فلم يزل مريضا حتى مات ووطيء العاص على شبرقة فحكت رجله فلم يزل يحكها حتى مات وعمي أبو زمعة وأخذت الاكلة رأس الاسود وأخذ الحارث ألم في بطنه فمات حينا (ارسالا) أي أفواجا (فشا) بالفاء والمعجمة أي ظهر (وتحدث به) مبني للمفعول (وأنذر) أي أعلم مع تخويف (واخفض جناحك) أي ألن جنابك (واستخفوا) من الاستخفاء ضد الاستظهار (فبينا) قال في القاموس هي بين اتسعت فتحتها فجذبت الفا وبين أو بينما من حروف الابتداء والاصمعي يخفض بعد بينا اذا صلح موضعه بين وغيره يرفع ما بعدها على الابتداء والخبر (فناكروهم) أي أنكروا ذلك عليهم (بلحيي) تثنية لحي بفتح اللام أفصح من كسرها (فكان أوّل) بالنصب خبر كان واسمها مضمر فيها أي فكان ذلك الضرب (أهريق) بضم الهمزة وفتح الهاء وسكونها أى صب (فحدب) بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين قال الجوهري حدب عليه يحدب أي يعطف (أبو طالب) اسمه عبد مناف على الصحيح وقيل اسمه كنيته (وعرض نفسه) أي جعل نفسه

خبر اشتداد قريش على أبي طالب ووثوب كل قبيلة على من اسلم منها يعذبونه

للشر دونه [خبر اشتداد قريش على أبي طالب ووثوب كل قبيلة على من اسلم منها يعذبونه] فلما رأت قريش ذلك اجتمع أشرافهم ومشوا الي أبى طالب وقالوا له ان ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فاما أن تكفه عنا واما أن تخلى بيننا وبينه فانك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما هو عليه فشرى الأمر بينهم وبينه حتى تولدت احن وضغائن ثم مشوا الى أبى طالب مرة أخرى وأعذروا اليه في أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم واشتد قولهم في ذلك فعظم على أبي طالب فراق قومه ولم يطب نفسا بخذلانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قد بدا لعمه تركه والعجز عن نصرته فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يسارى على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا فقال له يابن أخى قل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبدا ثم مشوا الى أبى طالب مرة أخرى بعمارة بن الوليد بن المغيرة وكان من أنهد شبانهم وأجملهم وعرضوا عليه أن يتخذه ولدا بدلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم بئسما تسومونني به أتعطونى ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابنى تقتلونه هذا والله ما لا يكون ابدا فتنابذوا وتذامروا للحرب ووثبت كل قبيلة على من اسلم منهم دونه عرضا يقيه بها المكاره (وسفه) أي نسب الى السفاهة (أحلامنا) جمع حلم بكسر الحاء وسكون اللام وهو العقل (وضلل آباءنا) أي نسبهم الى الضلالة (قولا رفيقا) بفاء ثم قاف أي لينا (فشري) بفتح المعجمة وكسر الراء أي ثار وعظم (إحن) جمع إحنة كمحنة وهي الضغن (وضغائن) بمعجمتين جمع ضغن بكسر أوله وهو البغض والعداوة (فعظم) مثلث الظاء والضم أشهر (ولم يطب نفسا) أي لم تطب نفسه (قد بدا) بغير همز (والله لو وضعوا الشمس في يميني الى آخره) علق ترك هذا الامر بأعلى درجات الاستحالة تنبيها على ان ترك ذلك الامر بهذه المثابة وفيه اشارة الى ان الامر الذي أراده أظهر من الشمس والقمر فكانه قال الامر الظاهر لا يحال عليه الا الى ما هو أظهر منه وجعل الشمس في يميني والقمر في يساري تنحط درجته في الظهور عن ذلك الامر (أو أهلك) بكسر اللام (ثم استعبر) أي أظهر العبرة (باكيا) حال (اسلمك) بضم الهمزة وسكون المهملة مخفف (أنهد) أي أقوى كما مر (تسومونني) أي ما تعرضون على من سام السلعة اذا عرضها للبيع (أتعطوني) بهمزة الاستفهام الانكاري وضم أوله رباعي (اغذوه) بالمعجمتين من الغذاء أي اربيه (فتنابذوا) أي تطارحوا العهود التي بينهم وأعلم كل منهم الآخر انه حرب له (وتذامروا للحرب) بالمعجمة تفاعلوا من الذمار وهو الغضب أو الهلاك (ووثبت)

يعذبونه ثم اخذ ابو طالب يحشد بطون قريش خصوصا بني عبد مناف لكونه أخص بهم وهم أربعة بطون بنو هاشم وبنو المطلب وبنو عبد شمس وبنو نوفل فاجابه وقام معه بنو هاشم وبنو المطلب وخذله البطنان الآخران وانسلخ معهم أبو لهب فلذلك يقول أبو طالب في قصيدته المشهورة: جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شر عاجلا غير آجل بميزان قسط لا يخيس شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عايل وقال في قصيدة أخرى: جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... وتيما ومخزوما عقوقا ومأثما ولما ثبّت الله بني المطلب دخلوا مع بنى هاشم في خصائصهم التى اختصوا بها بقرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكفاءة وسهم ذوى القربي وتحريم الزكاة فلم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام دليله ما ثبت عن جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذوي القربى بين بنى هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بنى المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وشبك بين أصابعه* ولما رأى أبو طالب من قومه ما أعجبه قال فيهم: اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرها وصميمها أي قامت بسرعة (يحشد) باهمال الحاء واعجام الشين أى يحرش ويجمع (لكونهم أخص) بالنصب اما خبر واما حال والثاني على ان الكون بمعنى الوقوع (في قصيدته) هى كلمات يقصد بها الشاعر بيان مقصوده فهي فعيلة بمعنى مفعولة أي مقصود ما فيها (عبد شمس ونوفلا) أي بينهما (عاجلا) صفة للعقوبة ذكره على ان المراد بالعقوبة العقاب أو المصدر محذوف أي جزاء عاجلا أو حال لشر على لغة مجيء الحال بعد النكرة (لا يخيس) باعجام الخاء واهمال السين من خاس أي غدر قال الشمني ويقال يخوس (دليله ما ثبت) في صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي (جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل بن عبد مناف أسلم بعد الحديبية قبل الفتح وقيل أسلم في الفتح مات سنة سبع وخمسين أو ثمان وخمسين أو تسع وخمسين أقوال (أنا وعثمان) بالرفع للعطف والنصب على انه مفعول معه (شيء واحد) روي بالمعجمة مع الهمز وبالمهملة المكسورة وتشديد الياء والسى المثل (اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر) أي للتفاخر بآبائها والتبذح بانسابها واحسابها (فعبد مناف سرها) أي خيارها وسر كل شيء خياره (وصميمها)

خبر اجتماع قريش إلى الوليد بن المغيرة وتآمرهم فيما يرمونه به صلي الله عليه وسلم

فان حصلت أشراف عبد منافها ... ففي هاشم أسرارها وقديمها وإن فخرت يوما فان محمدا ... هو المصطفى من سرها وكريمها تداعت قريش غثها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها وكنا قديما لا نقر ظلامة ... اذا ما ثنوا صعرى الخدود نقيمها ونحمى حماها كل يوم كريهة ... ونضرب عن أحجارها من يرومها بنا انتعش العود الذواء وإنما ... باكنافنا تندى وتنمى أرومها [خبر اجتماع قريش الى الوليد بن المغيرة وتآمرهم فيما يرمونه به صلي الله عليه وسلم] ثم ان قريشا اجتمعوا الى الوليد بن المغيرة وتآمروا بينهم فيما يرمون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حضور الموسم لتكون كلمتهم فيه واحدة فعرضوا على الوليد الشعر والكهانة والجنون والسحر كل ذلك لا يلوقه لهم وقال والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا هو من كلام الجن وان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق بالمهملة والصميم الخالص من كل شيء (فان حصلت) بتشديد المهملة مبني للمفعول أي جمعت (وقديمها) أي الذي له القدم في خصال الشرف (وكريمها) بالضم معطوف على هو المصطفى (غثها) بمعجمة فمثلثة أى هزيلها (وسمينها) ضده واستعار ذلك للفقير والغني والوضيع والشريف (وطاشت) باهمال الطاء واعجام السين أي خفت (حلومها) أي عقولها (لا تقر) بضم أوله رباعي (اذا ماثنوا) أي أمالوا كبرا (صعر الخدود) بصاد مضمومة وعين ساكنة مهملتين وهو من اضافة الصفة الى الموصوف أي الخدود الصعر وهي المائلة (نقيمها) هو جار على رفع الجزاء بعد الشرط الماضي قال ابن مالك * وبعد ماض رفعك الجزا حسن* (ونحمى حماها) الحما ما يحميه السلطان من الكلا لرعي مواشيه فلا يستطيع رعيه أحد من الناس (كل يوم كريهة) أي حرب عظيمة تكرهها النفوس لشدتها (عن أحجارها) بتقديم المهملة على الجيم أى حصونها وروى عكسه أى بيوتها ومساكنها (من يرومها) يطلبها بسوء (بنا انتعش) أى قام (العود الذوا) بالمعجمة المفتوحة والمد أى الذاوى وهو الذابل اليابس واستعير هنا (باكنافنا) بالنون أى جوانبنا (تندى) بفتح الفوقية وسكون النون أى تترطب ومنه الارض الندية (وتنمى) بوزن الاول أى يكثر (أرومهاء) بضم الهمزة والراء جمع أرومة وهي من أسماء الاصل كما مر (وتآمروا) تشاوروا وزنا ومعنا (في حضور الموسم) بوزن المجلس مشتق من السمة وهي العلامة لانه جعل علامة للاجتماع (والكهانة) بكسر الكاف وفتحها مر ذكرها (لا يلوقه) بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه بعده قاف أى لا يراه لائقا (آنفا) بمد الهمزة وقصرها أى قريبا وقيل أوّل وقت كنا فيه وقيل الساعة. قال ابن حجر وكله بمعنى وهو من الاستئناف (لحلاوة) بالنصب اسم ان والحلاوة ضد المرارة (لطلاوة) بضم المهملة وفتحها أى حسنا وبهجة وقبولا (وان أسفله لمغدق) ولابن هشام لغدق بفتح

وانه يعلو ولا يعلى وكان قد سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوّل حم غافر وكاد الوليد أن يسلم لولا ما سبق عليه من تحتم الشقاء ثم قالوا وكيف نقول ففكر في نفسه ثم قال ان أقرب القول أن تقولوا ساحر يفرق بين الرجل وأهله وزوجته ومواليه فتفرقوا على ذلك وجعلوا يلقونه الى من يقدم عليهم من العرب ونزل في الوليد قوله تعالى ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً الآيات كلها وفيما صنفوه من القول في القرآن الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ الغين المعجمة وكسر الدال المهملة من الغدق وهو الماء الكثير ولابن اسحق بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة والعذق النخلة بجملتها قال السهيلي وهي أحسن لان بها آخر الكلام يشبه أوله (وكان قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس وذكره ابن اسحق والمفسرون في كتبهم وابن عبد البر في الاستيعاب من غير اسناد وفي الاحياء في أدب التلاوة ان القصة كانت مع خالد بن عقبة (أول حم غافر) الى قوله الْمَصِيرُ كذا ذكره البغوي وغيره في سورة المدثر وذكر في سورة النحل ان مسموع الوليد ان الله يأمر بالعدل والاحسان الآية فيحمل على تعدد القصتين وقد جرى لعتبة بن ربيعة قريب مما جرى للوليد بن المغيرة وكان مسموعه أوّل حم فصلت الى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أخرجه البغوي من حديث جابر (وكاد) أي قرب (ان يسلم) لانه لما سمع الآيات انصرف الى منزله فقالت قريش صبأ والله الوليد والله لتصبون قريش كلها وكان يقال للوليد ريحانة قريش فقال لهم أبو جهل أنا أكفيكموه فانطلق فقعد الى جنب الوليد حزبنا فقال له الوليد مالي أراك حزينا يابن أخى قال وما يمنعني ان لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون انك زينت كلام محمد وتدخل على ابن أبى كبشة وابن أبى قحافة لتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد وقال ألم تعلم قريش إنى من أكثرهم مالا وولدا وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل ثم قام مع أبى جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم أتزعمون ان محمدا مجنون فهل رأيتموه يجن قط قالوا اللهم لا قال تزعمون انه كاهن فهل رأيتموه يكهن قالوا اللهم لا قال تزعمون انه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط قالوا اللهم لا قال تزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيأ من الكذب قالوا لا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمي الامين قبل النبوة من صدقه فقالت قريش للوليد فما هو ففكر في نفسه ثم نظر أي في طلب ما يدفع به القرآن ويرده ثم عبس وبسر أي كلح وكره وجهه ونظر بكراهية شديدة كالمهتم المتفكر في نفسه (تنبيه) دخول ان على كاد لغة ضعيفة والمشهور حذفها فكان ينبغي ان يقول وكاد الوليد يسلم (يلقونه) بضم أوله رباعي (يقدم) بفتح أوله وثالثه من قدم بمعنا جاء وقدم (ذرني) أي اتركني وهو متضمن للوعيد البليغ والتهديد الشديد (ومن خلقت) أي خلقته في بطن أمه (وحيدا) منفردا لا مال له ولا ولد وكان يسمي الوحيد في قومه (و) نزل (فيما صنفوه) اي نوعوه (من القول في القرآن الذين) بدل من المقتسمين وهم

مطلب في مناواة قريش له صلى الله عليه وسلم بالذي وذكر طرفا مما آذوه به

عِضِينَ* ولما كان ذلك وخشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التى يعوذ فيها بالحرم وبمكانه منه وتودد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم أنه غير مسلم لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتى يهلك دونه وجملتها أحد وثمانون بيتا تركناها ايثارا للاختصار وعدم الاكثار وانما نشير الى أصول القصص ومقاصدها دون فضولاتها وزوائدها وسنذكر ما استحسنا من القصيدة المذكورة فيما بعد ان شاء الله تعالى* ولما شاع في البلاد تشاجر قريش وبلغ الاوس والخزرج بالمدينة قال في ذلك أبو قيس بن الاسلت الواقفي قصيدة وبعث بها اليهم يذكرهم نعم الله عليهم ويحذرهم شؤم الحرب وعواقبها ووخيم مشاربها وكان أبو قيس صهرا لهم ذامودة وحياطة لهم ومنعنا من ذكرها ما ذكرنا في قصيدة أبي طالب* [مطلب في مناواة قريش له صلى الله عليه وسلم بالذي وذكر طرفا مما آذوه به] ثم ان قريشا لم ينجع فيهم شئ من ذلك ولم يؤثر لما وقع في قلوبهم من الشنآن والبغض لامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولما تحتم لهم في علم الله من دائرة الشقاء المشار اليه بقوله تعالى وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يألو داعيا الى سبيل ربه مرة بالترغيب ومرة بالترهيب ومرة بالقول اللين وأخرى بالتبكيت والقول ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقار مكة وطرقها وقعدوا على انقابها يقولون لمن جاء من الحجاج لا تغتروا بهذا الرجل الخارج الذي يدعى النبوة يقول طائفة منهم انه مجنون وطائفة انه كاهن وطائفة انه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فاذا سئل عنه قال صدق (أولئك) يعنى المقتسمين قاله مقاتل وقيل ان الآية نزلت في اليهود والنصارى حكى عن ابن عباس ومجاهد (عضين) قيل هو جمع عضو مأخوذ من قولهم عضيت الشيء أعضيه اذا فرقته وقيل هي جمع عضه على وزن وجه وقيل عدة وهو الكذب والبهتان (ولما كان ذلك) أي وقع (دهماء العرب) بفتح المهملة وسكون الهاء وبالمد أى غائلتهم (غير مسلم) بالتخفيف (القصص) بالكسر جمع قصة وأما بالفتح فمصدر (مقاصدها) أي المواضع المقصودة منها (فضولاتها) جمع فاضلة (ما استحسنا) بهمز وصل ثم مهملة ساكنة من الاستحسان (فيما بعد) بالبناء على الضم (شاع) أي ظهر (تشاجر قريش) بالمعجمة والجيم أي أي تخالفهم وتنازعهم والشجر بالفتح الامر المختلف (وبلغ الاوس والخزرج) هما القبيلتان المشهورتان من الانصار وسيأتي ذكرهما فيما بعد (ابن الاسلت) بالمهملة والفوقية (الواقفى) نسبة الى واقف كفاعل من الوقوف فخذ من الاوس وهو لقب مالك بن امرئ القيس (شؤم الحرب) بالهمز وهو نقيض اليمن (ووخيم مشاربها) بالمعجمة اي وبيء (وحياطة) بمهملة مكسورة ثم مثناة وبعد الالف مهملة أى نصرة وصيانة (لم ينجع) بفتح التحتية والجيم اي لم يؤثر (من الشنآن والبغض) مترادفان وفي نون الشنآن التحريك والسكون (المشار) بالكسر (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) أي فمن كفر منهم كفر لسابق علم الله فيه (لا يألو) أى لا يقصر ومنه لا يألونكم خبالا (داعيا) حال (بالتبكيت) بفوقية فموحدة وبعد الكاف تحتية ثم فوقية هو والتقريع

الخشن فسبحان من شدد عزائمه وقوى دعائمه وشرح صدره وأعلى قدره وسدده بتسديده وأيده بتأييده وكفاه وحماه حيث نصب وجهه وقام وحده يدعو الى أمر مستغرب لا يعرف الا من جهته ولا يسمع الا منه ولولا كفاية العزيز الوهاب لما أغنى عنه سطته في عشيرته ولا شرف أبي طالب* ومع ذلك فقد نالوه بضروب من الاذى في بعض الاحيان وكان في ذلك سر تحقيق الامتحان الذى هو مدرجة التعبد ومظنة الصبر ومضمار التكليف ورأس التأسى وعنوان الايمان وتحقيق مقام النبوة الذين هم أشد الناس بلاء وبذلك تتبين جواهر الرجال فمن أعظم ما بلغنا في ذلك ما رويناه بسندنا السابق صدر الباب الى أبى عبد الله البخارى رحمه الله قال حدثني عياش بن الوليد بن مسلم حدثني الاوزاعى حدثني يحيى بن أبى كثير عن محمد ابن ابراهيم التيمي حدثني عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت اخبرنى والتوبيخ متقارب (الخشن) ضد اللين (شدد) بالمعجمة أي قوي (وسدده) بالاهمال اي وفقه (وأيده) أي قواه ونصره (حيث) مبنية على الضم (سطة) بكسر السين وفتح الطاء المهملتين اي توسطه (سر) بالرفع (مدرجته) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح الراء وهي الطريق والمذهب (ومظنة) بفتح الميم وكسر المعجمة ومظنة الشيء الموضع الذي يظن حصوله فيه (ومضمار) أي محل جريان (التكليف) والمضمار في الاصل موضع جري الفرس (التأسى) أي الاقتداء (وعنوان) بضم المهملة وكسرها هو ما يكتب على رأس الكتاب من اسم المكتوب اليه (الذين هم أشد الناس بلاء) أخرج أحمد والبخارى والترمذى من حديث سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض وما عليه خطيئة وأخرجه البخاري في التاريخ من حديث أزواج النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي. وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث أخت حذيفة وأخرجه ابن ماجه وأبو يعلى والحاكم من حديث أبي سعيد بلفظ أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلي بالفقر حتى ما يجد الا العباءة يحويها فيلبسها ويبتلي بالفقر وبالقمل حتى يقتله ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء (عياش بن الوليد) بالتحتية والمعجمة هو الرقام مات سنة ست وعشرين ومائتين (الوليد بن مسلم) هو الحافظ أبو العباس عالم أهل الشام مات سنة مائة وخمس وتسعين (الاوزاعى) اسمه عبد الرحمن بن عمرو امام الشام في عصره. قال الذهبي كان رأسا في العلم والعبادة مات في الحمام في صفر سنة سبع وخمسين ومائة. قال النووي وهو منسوب الى موضع بباب الفراديس يقال له الاوزاع وقيل الى قبيلة وقيل غير ذلك (يحيى بن أبي كثير) هو الامام أبو نصر اليمني الطائي مولاهم قال أيوب ما بقى على وجه الارض مثل يحيى بن أبي كثير وكان عابدا عالما ثبتا مات سنة مائة وتسع وعشرين (محمد بن ابراهيم التيمى) هو المدني أبو عبد الله الفقيه ثقة قال أحمد روي مناكير مات سنة اثنتي عشرة ومائة (عبد الله بن عمرو بن العاص) ابن وائل السهمي يكنى أبا محمد وأبا عبد الرحمن أسلم قبل أبيه

بأشد شئ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلى في حجر الكعبة اذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فاقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله الآية* وبه قال حدثنا أحمد بن اسحق حدثنا عبد الله بن موسي قال حدثنا اسرائيل عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال بينما رسول الله صلى وكان فاضلا عالما قرأ القرآن والكتب المتقدمة. قال أبو هريرة ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني الا عبد الله بن عمرو فانه كان يكتب ولا أكتب قال سعى بن مانع قال لى عبد الله حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل توفي بالطائف وقيل بمصر سنة خمس وستين (ابن أبي معيط) بمهملتين مصغر (خنقا) بكسر النون وسكونها (احمد بن اسحاق) هو السلمي السرماري البخاري من يضرب بسخائه المثل. وقال الذهبى وغيره قتل ألفا من الترك توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قال أبو محمد الاصيلي ينسب الى قرية تدعي سرمار بفتح السين ويقال بكسرها (عبيد الله بن موسي) هو ابو محمد العبسي الحفاظ وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي وعثمان بن أبي شيبة وآخرون. قال ابن سعد كان ثقة صدوقا حسن الهيئة على تشيعه وبدعته. وروى أحاديث في التشيع منكرة فمن ثم ضعفه كثير وعاب عليه أحمد غلوه في التشيع مع تقشفه وعبادته مات في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ومائتين (اسرائيل) هو ابن يونس بن أبى اسحاق الشيعى أحد الاثبات. قال أحمد ثقة وتعجب من حفظه وقال مرة هو وابن معين وأبو داود كان أثبت من شريك وقال أبو حاتم هو من أتقن أصحاب أبي اسحاق وضعفه ابن المدنى توفي سنة اثنتين وستين ومائة (أبي اسحاق) اسمه عمرو بن عبد الله الهمذانى الشيعي أحد الاعلام. قال الذهبي وكان صواما قواما عاش خمسا وتسعين سنة ومات سنة سبع وعشرين ومائة وهو منسوب الى سبيع بوزن سميع. ابن سبيع بطن من العرب قاله في القاموس (عمرو بن ميمون) هو الاودي أبو عبد الله ادرك الجاهلية وأسلم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره فهو معدود من كبار التابعين وكان كثير الحج والعبادة مات سنة أربع وسبعين (عن عبد الله بن مسعود) هو ابن غافلة بالمعجمة والفاء ابن غنم بن سعد بن قريم بن صاهلة بن كاهل بن سعد بن هذيل بن مدركة قديم الاسلام شهد بدرا والمشاهد كلها قال صلى الله عليه وسلم لو كنت مؤمرا أحدا على أمتى من غير مشورة لامرت عليهم ابن أم عبد أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث على وأم عبد أمه هى بنت عبد ود من هذيل. أيضا قال الذهبى روي ان عبد الله خلف تسعين ألف دينار سوى الرقيق والمواشى وكانت وفاته بالمدينة كما سبق قال فيه عمر رضي الله عنه كنيف ملئ علما. قال النووى في التهذيب الكنيف تصغير كنف وهو الوعاء الذى يجعل فيه الخياط أداته كانه أشار الى قصر ابن مسعود وكان قصيرا حتى يكاد الجالس يوازيه وهو تصغير تحبب وتعظيم لا تصغير تحقير. ونقل بعضهم عن أهل التواريخ ان طول عبد الله كان ذراعين

الله عليه وآله وسلم قائم يصلى عند باب الكعبة وجمع قريش في مجالسهم اذ قال قائل منهم ألا تنظرون الى هذا المرائى أيكم يقوم الى جزور آل فلان فيعمد الى فرثها ودمها وسلاها فيجئ به ثم يمهله حتى اذا سجد وضعه بين كتفيه فانبعث أشقاهم فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضعه بين كتفيه فثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساجدا فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك فانطلق منطلق الى فاطمة وهي جويرية فاقبلت تسعى وثبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساجدا حتى ألقته عنه وأقبلت عليهم تسبهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة قال اللهم عليك بقريش ثلاثا ثم سمى اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبى معيط وعمارة ابن الوليد قال عبد الله والله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا الى القليب قليب بدر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتبع أهل القليب لعنة. وبه قال حدثنا الحميدى حدثنا سفيان (عند باب الكعبة) لمسلم عند البيت (وجمع قريش في مجالسهم) له وأبو جهل في أصحاب له جلوس وقد نحروا جزورا بالامس (اذ قال قائل منهم) فيه انه أبو جهل (جزور) بفتح الجيم (فيعمد) بفتح الميم في المستقبل وكسرها في الماضي أفصح من عكسه (فرثها) بفتح الفاء وسكون الراء ثم مثلثة أى رجيعها (وسلاها) بفتح المهملة وتخفيف اللام والقصر اللفافة التى يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوانات وهي من الآدميين المشيمة (فانبعث أشقاهم) في احدي روايات مسلم انه عقبة بن أبي معيط (فوضعه بين كتفيه) قال في الديباج. فان قيل كيف لم يخرج من الصلاة بهذه النجاسة. أجاب النووي بانه لم يعلم ما هي (حتي مال) أي سقط (من) شدة (الضحك) زاد مسلم والبخاري في رواية وانا قائم أنظر لو كانت لى منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم (فانطلق) أى ذهب (جويرية) اي صبية تسعي أي تعدو (اللهم عليك بقريش ثلاثا) زاد مسلم والبخاري في رواية وكان اذا سأل سأل ثلاثا وانه رفع صوته وانهم لما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ففيه ندب تثليث الدعاء ورفع الصوت به اذا ترتب على ذلك ارهاب للكفار (بعمرو بن هشام) يعنى أبا جهل وبدأ به لانه كان السبب في ذلك كما مر (والوليد بن عتبة) ووقع في مسلم عقبة بالقاف وهو غلط (فو الله لقد رأيتهم) أي معظمهم فان عمارة بن الوليد هلك بالحبشة وعقبة بن أبي معيط حمل من بدر أسيرا وقتل بعرق الظبية كما سيأتي (صرعى) جمع صريع بالاهمال بوزن سميع أي هالك زاد مسلم والبخاري في بعض الروايات قد غيرتهم الشمس وكان يوما حارا (ثم سحبوا) أي ما عدا أمية بن خلف فانه تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر (الفليب) بالقاف والموحدة البئر التي لم تطو (الحميدي) مصغر هو عبد الله بن الزبير القرشي الاسدي المكي الفقيه أحد الاعلام. قال الفسوي ما لقيت أنصح للاسلام وأهله منه مات سنة تسع عشرة ومائتين (سفيان) هو ابن عيينة أبو محمد الهلالي مولاهم الكوفي الاعور أحد الاعلام ثقة ثبت حافظ امام

حدثنا بيان واسماعيل قالا سمعنا قيسا يقول سمعت خبابا يقول أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت ألا تدعو الله تعالى فقعد وهو محمر وجهه فقال لقد كان من قبلكم ليمشط بامشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمنّ الله عز وجل هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت ما يخاف الا الله عز وجل او الذئب على غنمه. وهذا من احسن الاحاديث الدالة على التأسى وهو في ضمن قوله تعالى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ على تدليس فيه مات في رجب سنة سبع وتسعين ومائة (بيان) بفتح الموحدة والتحتية هو ابن نسر المؤذن يكنى أبا بشر (واسمعيل) هو ابن أبي خالد الكوفي الحافظ الطحان توفي سنة ست وأربعين ومائة (قيسا) هو ابن أبي حازم أبو عبد الله البجلي الاخمسي أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره وهو من كبار التابعين روي عن العشرة الا عبد الرحمن بن عوف وثقوه الا يحيى بن سعيد فانه قال هو منكر الحديث ثم ذكر له حديث نباح كلاب الحوأب مات سنة سبع وتسعين (خبابا) هو ابن الارت أبو عبد الله التميمى ويقال الخزاعي حليف بني زهرة قال الكاشغري وهو عربي سبي في الجاهلية فبيع بمكة وهو ممن سبق الى الاسلام سادس ستة وعذب في الله تعالى مات سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وصلى عليه علي بن أبى طالب (برده) نوع من أكسية اليمن اسود مربع فيه صغر يلبسه الاعراب وجمعه برد قاله الجوهري (فقعد وهو محمز وجهه) قيل من النوم وقيل من الغضب (بامشاط) في رواية للبخاري بمشاط جمع مشط كرمح ورماح وارماح (المنشار) بكسر الميم مع الهمز وقد يترك همزه وقد يبدل نونا (من صنعاء) بالمد قصبة اليمن قيل هي أوّل مدينة بنيت بعد الطوفان بناها سام بن نوح (حضرموت) مدينة باليمن يجوز فيها بناء الاسمين وبناء الاول واعراب الثاني قيل سميت بذلك لان هودا أو صالحا لما دخلها حضره الموت وقيل ان صالحا مات بمكة وبين حضرموت وصنعاء نحو اثنتي عشرة مرحلة والمراد من ذلك بيان انتفاء الخوف عن المسلمين من الكفار فانتفاء ما قيل من عدم المبالغة في الامن لقرب المسافة بينهما ويحتمل ان المراد صنعاء الروم أو صنعاء دمشق (تنبيه) أخرج هذا الحديث أيضا من حديث خباب مسلم وأبو داود والنسائى (ما يخاف الا الله الى آخره) هذا من اعلام النبوة قيل يقع في آخر الزمان وقيل بل وقع (التأسى) هو الاقتداء والاتباع (أم حسبتم) أى حسبتم والميم صلة قاله الفراء أو بل حسبتم قاله الزجاج ومعناه أظننتم أيها المؤمنون (ولما) أي ولم وما صلة (مثل) أي شبه (خلوا) أي مضوا وسلفوا (من قبلكم) أي من النبيين والمرسلين (مستهم) أي أصابتهم (البأساء) أى الفقر والشدة والبلاء (والضراء) أي المرض والزمانة (وزلزلوا) أي حركوا بأنواع البلايا والرزايا وخوفوا (حتى يقول) أي حتى قال فمن ثم قرأ نافع برفع اللام لان حتى تستعمل في المستقبل الذى بمعنى الماضى على أحد وجهين له (متى نصر الله)

أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ وقوله تعالى وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ الآيات الثلاث وقوله تعالى فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ والآيات في هذا المعنى كثيرة مشهورة. ومن ذلك ما رويناه في صحيح مسلم بروايتي له عن شيخي الامام الحافظ المسند تقى الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد القرشى الهاشمى العلوى عرف بابن فهد إجازة مشافهة بالمسجد الحرام سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وهو ما سمعته على غيره قال انا الشيخ الامام العلامة زين الدين ابو بكر بن الحسين بن عمر العثماني المراغي ثم المدنى سماعا عليه انا به ابو الفتح عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد المقدسى انا به ابو العباس احمد بن عبد الدائم المقدسي انا به ابو عبد الله محمد بن علي بن صدقة الحراني انا به مسند الآفاق محمد بن الفضل الفراوي ما زال بهم البلاء حتى قالوا ذلك استبطاء للنصر (الا ان نصر الله قريب) لان كل ما سيجيء فهو قريب وكان نزول هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة البرد والخوف وضيق العيش وأنواع الاذى كما قال تعالى وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ قاله قتادة والسدي وقيل بل في شأن الهجرة وما تركوا لله عز وجل من الاموال والديار بمكة في أيدي المشركين ووقعوا فيه من المحنة باليهود قاله عطاء بن أبي رباح وقيل نزلت في حرب أحد (وقوله) بالجر عطف على الاول (وَكَأَيِّنْ) قرأه الجمهور بوزن كعين وقرأه ابن كثير على وزن فاعل ومعناه وكم (قاتَلَ مَعَهُ) وقاتل قراءتان مشهورتان (رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) أى جموع كثيرة (فَما وَهَنُوا) أى فما جبنوا (أُولُوا الْعَزْمِ) أي ذوو الحزم والجد والصبر (مِنَ الرُّسُلِ) تبعيضية وأولو العزم هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الانعام وهم الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ان يقتدى بهم وقيل هم ستة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى المذكورون على النسق فى سورة الاعراف والشعراء وقال مقاتل هم ستة نوح صبر على أذى قومه وابراهيم صبر على النار واسحاق صبر على الذبح ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ويوسف صبر على البئر والسجن وأيوب صبر على الضر وقال ابن زيد هم جميع الرسل ما عدا يونس وقال ابن عباس وقتادة وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى أصحاب الشرائع فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة وسيأتي ذكرهم في كلام المصنف (المسند) اسم فاعل من الاسناد وهو ان تنسب الحديث الى غيرك (تقي الدين) بالفوقية (عرف) بالتخفيف والتشديد (بابن فهد) على لفظ الفهد المعروف (المقدسي) بكسر الدال نسبة الى بيت المقدس (صدقة) بالمهملتين والقاف بوزن شجرة (الحرانى) بفتح المهملة وتشديد الراء وبعد الالف نون كمامر (الفراوي) بفتح الفاء وتخفيف الراء. قال النووي منسوب الى فراوة بليدة من ثغر خراسان قال وهو بفتح الفاء وضمها فاما الفتح فهو المشهور المستعمل بين أهل الحديث وغيرهم ونقل عن السمعاني وغيره انه ضبطه بفتح الفاء فقط وكانت وفاته في

انابه أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي انا به ابو احمد الجلودى حدثنا ابو اسحق ابراهيم بن محمد بن سفيان (ح) وكما يرويه شيخنا تقى الدين اعلا من هذه الدرجة عن شيخه المسند ابراهيم بن محمد بن صديق الدمشقى عن ابي النون يونس بن ابراهيم ان ابا الحسن على بن عبد الله انبأه عن الحافظ ابى الفضل محمد بن ناصر ان الحافظ ابا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منده أنبأه عن محمد بن زكرياء النيسابوري ثنا به مكى بن عبدان قال وابن سفيان ثنا به الحافظ ابو الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى رحمه الله. قال وحدثني ابو الطاهر احمد بن عمرو بن سرح وحرملة بن يحيى وعمر بن سواد العامرى والفاظهم متقاربة قالوا انا ابن وهب أخبرنى يونس عن ابن شهاب حدثنى عروة بن الزبير ان عائشة زوج العشر الاواخر من شوال سنة ثلاثين وخمسمائة (عبد الغافر الفارسي) هو ابن أحمد بن محمد بن سعيد الفارسي الفسوي النيسابورى التاجر كان شيخا ثقة صالحا محفظوظا دينا ودنيا عاش خمسا وتسعين سنة وألحق احفاد الاحفاد بالاجداد. وتوفي يوم الثلاثاء ودفن يوم الاربعاء السادس من شهر شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة على الصحيح (أبو أحمد) هو محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن بن عمرويه بن منصور النيسابوري (الجلودى) بضم الجيم منسوب الى الجلود المعروفة أو الى حلة الجلوديين بنيسابور الدارسة قولان. وغلط ابن السكيت وابن قتيبة فقالا ان الجلودى بفتح الجيم منسوب الى جلود اسم قرية بافريقية أو بالشام الا أن يريدا من نسب الى هذه القرية فهو مفتوح وقد مر ان الجلودي ليس منسوبا اليها وكان الجلودى شيخا صالحا زاهدا من كبار عباد الصوفية صحب أكابر المشايخ من أهل الحقائق وكان ينسخ الكتب ويأكل من كسب يده وكان متمذهبا بمذهب سفيان الثوري مات يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذى الحجة سنة ثمان وستين وثلثمائة عن ثمانين سنة. قال الحاكم أبو عبد الله وختم بوفاته سماع صحيح مسلم (أبو اسحق ابراهيم بن محمد بن سفيان) النيسابوري الفقيه الزاهد العابد المجتهد المستجاب الدعوة مات فى رجب سنة ثمان وثلاثمائة (صديق) بالتشديد (ابن منده) بفتح الميم والمهملة بينهما نون ساكنة (زكريا) بالمد والقصر (ابن عبدان) بفتح المهملة وكسرها ثم موحدة (قال وابن سفيان) أي قال مكى بن عبدان المذكور في السند الثاني ومحمد بن سفيان المذكور في السند الاول (أحمد بن عمرو) بن عبد الله بن عمرو (ابن سرح) بمهملات هو المصرى مولي بني أمية توفي سنة خمس وعشرين ومائتين (حرملة بن يحيى) ابن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي. قال فيه سفيان كان صندوقا من أوعية العلم. وقال أبو حاتم لا يحتج به مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين عن سبع وسبعين سنة (عمرو بن سواد) بفتح المهملة وتشديد الواو هو العامري كان ثقة مأمونا مات سنة خمس وأربعين ومائتين (ابن وهب) بفتح الواو وسكون الهاء ثم موحدة هو أبو محمد الفهري مولاهم أحد الاعلام. قال يونس بن عبد الاعلى طلب للقضاء فجنن نفسه وانقطع توفي سنة سبع وتسعين ومائة (يونس) بن يزيد الايلي أحد الاثبات توفي سنة تسع وخمسين

النبى صلى الله عليه وآله وسلم حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة اذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني الى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهى فلم أستفق الا بقرن الثعالب فرفعت رأسى فاذا أنا بسحابة قد اظلتنى فنظرت فاذا فيها جبريل عليه السلام فنادانى فقال يا محمد ان الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم على فقال يا محمد ان الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثنى ربك اليك لتأمرنى بما شئت إن شئت ان اطبق عليهم الاخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيأ وابن عبد ياليل هذا وإخوته رؤساء أهل الطائف وكان هذا حين قدم عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم الى الله تعالى فأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون خلفه حتي اجتمع عليه الناس وسيأتى خبرهم فيما بعد ان شاء الله تعالى عند ذكر عرض نفسه على القبائل صلى الله عليه وآله وسلم. ومائة (وكان أشد) بالضم والفتح (ياليل) بالتحتية بوزن هابيل (كلال) بضم الكاف وتخفيف اللام واسم ابن عبد ياليل هذا كنانة أسلم وحسن اسلامه على الصحيح وقيل لم يسلم ومات بأرض الروم (مهموم) أي قد غشينى الهم (فلم أستفق) أى لم أتفطن لنفسى (بقرن الثعالب) هو قرن المنازل ميقات أهل نجد على مرحلتين من مكة أضيف الى الثعالب لكثرتها به (أظلتني) بالمعجمة فقط (ملك الجبال) أي الموكل بها. قال ابن حجر ولم يسم (الاخشبين) تثنية أخشب بمعجمتين وموحدة بوزن أحمد والاخشبان جبلا مكة أبو قبيس ومقابله المشرف على قعيقعان سمى الجنحتان أو الخط بضم المعجمة بعدها مهملة. وقال أبو وهب الاخشبان الجبلان اللذان تحت العقبة بمنى تحت المسجد (ارجوان يخرج الله من أصلابهم الى آخره) فيه مع صبره وحلمه وشفقته ورأفته ورحمته وحرصه على هداية أمته صلى الله عليه وسلم معجزة له فقد وقع الامر كما رجا أسلم كثير ممن خرج من أصلابهم وهذا الحديث في صحيح البخاري وغيره أيضا (الطائف) بلد على مرحلتين أو ثلاث من مكة من جهة المشرق. قال في التوشح قيل ان أصلها ان جبريل اقتلع الجنة التي كانت لاصحاب الصريم فسار بها الى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حول الطائف فسمى الموضع بها وكانت أولا بنواحي صنعاء انتهى. قال السهيلي وكانت تلك الجنة بحوران على فراسخ من صنعاء فمن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما حولها من الارضين انتهى وقيل سميت بذلك لان رجلا من كندة من حضرموت أصاب دما من قومه فلحق بثقيف فأقام فيهم وقال لهم ألا أبني لكم حائطا يطيف ببلدكم فبناه فسمى به الطائف ذكره البكري وغيره وفي تفسير البغوى وغيره ان جبريل اقتلع أرض الطائف من الاردن وفلسبطين والله أعلم (فأغروا) من الاغراء وهو التحريش (يسبونه) السب هو ذكر الشخص بما ليس فيه

ولما نزل قوله تعالى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد صلى الله عليه وآله وسلم على الصفا فجعل ينادى يا بنى فهر يا بنى عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل اذا لم يستطع ان يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرأيتكم لو أخبرتكم ان خيلا بالوادي تريد ان تغير عليكم أكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك الا صدقا قال فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت تبت يدا ابى لهب وتب ما اغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا الآية رواه البخارى وفي رواية فيه قال يا معشر قريش او كلمة نحوها اشتروا انفسكم لا أغنى عنكم من الله شيأ يا بنى عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيأ يا عباس بن عبد المطلب لا أغنى عنك من الله شيأ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ زاد البخارى ومسلم وغيرهما في بعض الروايات ورهطك منهم المخلصين وكان ذلك قرآنا ثم نسخ (صعد) بكسر العين في الماضى وفتحها في المستقبل (فجعل ينادي يا بني عدي الى آخره) للبغوي وغيره انه نادى يا صباحاه (أبو لهب) اسمه عبد العزى وكني بذلك لان وجهه كان يتلهب جمالا. قال بعضهم وذلك لما علم الله انه من أهل النار ذات اللهب (أرأيتكم) أي ارأيتم والكاف للتأكيد معناه الاستخبار أى أخبرونى وفوقيته مفتوحة في الواحد والمثنى والجمع ويقال للمؤنث بكسر الفوقية والكاف وفي الجمع كجمع المذكر لكن بنون بدل الميم (لو اخبرتكم الى آخره) فان قلت لم قدم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قبل الابلاغ (قلت) جعله توطئة له وليعلم بذلك أنهم لا يتهمونه بالكذب وان كفرهم مجرد جحود (خيلا) اسم جنس لا واحد له من لفظه (بالوادي) فيه الاشارة الى قرب العذاب الذى جعل هذا مثلا له (ان تغير) بضم أوله رباعى وفي رواية صحيحة لو أخبرتكم ان العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا بلى (مصدقى) بتشديد الياء مكسورة أو مفتوحة (نعم) بفتح العين وكسرها قرئ بهما في القرآن والرواية بالفتح (تبت) أى خابت وخسرت والتباب الهلاك والخسار (يدا أبي لهب) أى هو واليدان صلة (وتب) قرئ شاذا وقد تب الاول دعاء والثاني خبر كما يقال أهلكه الله وقد فعل (رواه) من حديث ابن عباس (البخارى) ومسلم والترمذي (يا معشر قريش) المعشر الجماعة (أو) قال (كلمة) شك من الراوى اشتروا أنفسكم أى آمنوا فاشتروا بالايمان نفوسكم لا أغنى عنكم من الله شيأ معنى ذلك اني لا أنفع بمحض القرابة من لم يؤمن منكم كابى طالب وأبى لهب والتخفيف من العذاب عنهما في النار ليس هو لمحض القرابة بل لامر آخر مذكور في نص الحديث وهذا يوافق معنى قوله صلى الله عليه وسلم من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه أخرجه مسلم وغيره ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم أوّل من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الاقرب فالاقرب من قريش ثم الانصار ثم من آمن بي واتبعنى من اليمن ثم من سائر العرب ثم الاعاجم ومن أشفع له أولا أفضل أخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن عمرو لان هذا فيمن تتأتى فيه الشفاعة وأما من لم يؤمن ولو كان في أعلا درجات القرب منه صلى الله عليه وسلم فليس بهذه المثابة

تتمة لهذا المطلب في العوارض البشرية التى لحقته صلى الله عليه من جراء ذلك

ويا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا أغنى عنك من الله شيأ ويا فاطمة بنت محمد سلينى ما شئت من مالى لا أغنى عنك من الله شيأ [تتمة لهذا المطلب في العوارض البشرية التى لحقته صلى الله عليه من جراء ذلك] (قال المؤلف) كان الله له جميع ما ذكرناه مما اصابه صلى الله عليه وآله وسلم من الامتحان على تبليغ الرسالة قال في معناه القاضى عياض رحمه الله وفيما أصابه أيضا من الاوجاع والاسقام قال وهذا كله ليس بنقيصة فيه لان الشىء انما يسمى ناقصا بالاضافة الى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه وقد كتب الله على أهل هذه الدار فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون وخلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واشتكي وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقه الغضب والضجر وناله الاعياء والتعب ومسه الضعف والكبر وسقط فجحش شقه وشجه الكفار وكسروا رباعيته وسقي السم وسحر وتداوى واحتجم وتنشر وتعوذ ثم قضى نحبه ولحق بالرفيق الاعلى وتخلص من دار الامتحان والبلوى وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها وأصاب غيره من الانبياء ما هو أعظم منها فقتلوا قتلا ورموا في النار ونشروا ولا ينافي الحديث الآخر قوله صلى الله عليه وسلم كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة الا نسبي وصهرى أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر لان معناه عدم ظهور آثار النسب يومئذ الا اليه صلى الله عليه وسلم فان أثره يظهر في شفاعته لقرابته قبل باقى الامة كما مر (يا بني عبد) بالجر بالاضافة (يا عباس ابن) بنصب ابن وفي الاول الرفع والنصب وكذا يا صفية عمة ويا فاطمة بنت (وخلق البشر) هو من أسماء بنى آدم (بمدرجة) بالدال المهملة والراء بوزن ترجمة هى المذهب والمسلك والطريق كما مر (الغير) بكسر المعجمة وفتح التحتية. قال الشمنى هو الاسم من قولك غيرت الشيء فتغير (والقر) بضم القاف هو البرد (فجحش) بضم الجيم وكسر المهملة ثم معجمة أي خدش (وسقى السم) بتثليث السين والفتح والضم أفصح (وتنشر) من النشرة وهي الرقية والتعويذ وسميت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها أى تجلي عنه. قال ابن الانصارى وفي كتب وهب بن منبه ان النشرة ان يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي وذوات قل أى قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد والمعوذتين ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به فانه يذهب كل عاهة ان شاء الله وهو جيد للرجل اذا حبس عن أهله. وذكر النووى خلافا للسلف في جوازها وان الصحيح الجواز. قال السهيلي وذكر البخاري عن سعيد بن المسيب انه سئل عن النشرة للذى يؤخذ عن أهله فقال لا بأس لم ينه عن الصلاح انما نهي عن الفساد ومن استطاع ان ينفع أخاه فلينفع انتهى وأخرج أبو داود حديثا مرفوعا ان النشرة من عمل الشيطان وذلك محمول على نشرة فيها شئ من الاسماء العجمية والطلاسم التي لا برهان عليها فقد صرح العلماء بتحريم استعمال ما كان من الاسماء بهذه المثابة (وتعوذ) أى استرقى (بالرفيق الاعلى) قال ابن الاثير هم الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون وقيل هو مرتفق الجنة وقيل الرفيق الاعلى الله سبحانه وتعالى لانه رفيق بعباده. وقال ابن قرقول أهل اللغة لا يعرفون هذا ولعله تصحيف من الرفيع (سمات البشر) علاماتهم جمع سمة وهى العلامة (فقتلوا قتلا) أى كزكريا ويحيى (ونشروا)

بالمناشير ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض الاوقات ومهم من عصمه الله كما عصم نبينا صلي الله عليه وآله وسلم بعد نزول قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فلئن لم يكف نبينا ربه يد ابن قميئة يوم أحد ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوته أهل الطائف فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه الى ثور وأمسك عنه سيف غورث بن الحارث وحجر أبى جهل وفرس سراقة* ولئن لم يقه من سحر ابن الاعصم فلقد وقاه الله ما هو أعظم منه من سم اليهودية وهكذا سائر أنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه مبتلى ومعافي وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات ويبين أمرهم وتتم كلمته فيهم وليحقق بامتحانهم بشريتهم ويرفع الالتباس (بالمناشير) أي ككالب بن نوفيا ولفظ الشفا ونشروا بالمناشير وقد تقدم ان المناشير بالهمز وتركه وبالنون (ومنهم من وقاه الله ذلك) أي كابراهيم وموسى وقاهم الله عز وجل شر عدويهما نمروذ وفرعون مع حرص كل منهما على قتل كل منهما من يوم ولادته الى بلوغ أمد رسالته (والله يعصمك) اى يحفظك ويمنعك (من الناس) أي ممن أرادك منهم بسوء وقيل معناه والله يخصك بالعصمة من بين الناس نزلت بعد أحد بل سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن فلا يحتاج الى الجواب عما أصابه قبل ذلك وأخرج الترمذي وغيره من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان يحرس حتى نزلت هذه الآية والله يعصمك من الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله (نبيا) مفعول (يد) فاعله (ابن قميئة) بفتح القاف وكسر الميم ثم همزة ممدودة على وزن فعيلة وسيأتي ذكره في غزوة أحد (عداه) بكسر العين والقصر أي أعدائه (الى ثور) كاسم الثور المعروف جبل من أسفل مكة مكث فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يوم الهجرة كما سيأتي (غورث بن الحرث) بمعجمة مفتوحة وقد تضم فواو ساكنة فراء مفتوحة فمثلثة. قال البغوي والشمني وغيرهما أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولم يذكره ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم في الصحابة وستأتي قصته (وحجر أبي جهل) أي الذي أراد ان يرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ رآه يصلي كما في سيرة ابن اسحاق وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لاطأن على رقبته أولا عفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته فما فجئه منه الا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك قال ان بيني وبينه لخندقا من النار وهولا وأجنحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا (وفرس سراقة) الفرس يقع على الذكر والانثى وكانت فرس سراقة أنثى كما يدل عليه لفظ الحديث وسيأتى خبره في حديث الهجرة (سحر ابن الاعصم) هو لبيد بن الاعصم من يهود بني زريق بالتصغير وتقديم الزاي وقصته مشهورة في الصحيحين وغيرهما وكان ذلك في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية (اليهودية) هي زينب بنت الحرث امرأة سلام بن مشكم وسيأتي ذكرها في كلام المصنف (بشريتهم)

مطلب في الكلام على تعذيب قريش للمستضعفين من المؤمنين

على أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى بن مريم ولتكون في محنتهم تسلية لاممهم ووفور لاجورهم عند ربهم تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ اليهم [مطلب في الكلام على تعذيب قريش للمستضعفين من المؤمنين] قال أهل السير ولما امتنع صلى الله عليه وآله وسلم بوقاية الله له ثم بعمه أبي طالب وامتنع ذوو الاقدار بعشائرهم وحلفهم وجوارهم وبقى قوم من الضعفاء والموالى في أيدى المشركين يعذبونهم أنواع العذاب فكانوا يأخذون عمار بن ياسر وأباه وأمه وأخته فيقلبونهم فى الرمضاء ظهرا لبطن فيمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فيقول صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة وماتت سمية أم عمار بذلك فكانت أوّل قتيل في الاسلام في ذات الله ومات ياسر وابنته بعدها وكان أمية بن خلف يخرج بلالا أي كونهم بشرا (ضلال النصارى) سموا به لقول الحواريين نحن أنصار الله أو لانهم نزلوا قرية تسمى ناصره أو لاغرابهم الى نصرة وهي قرية كان ينزلها عيسى (بعيسى بن مريم) وكان سبب ضلالهم به ما ظهر على يديه من الخوارق ولكونه خلق من غير أب فقالوا هو ابن الله كما أخبر الله عنهم قال أهل التاريخ حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وولدته ببيت لحم من أرض أورشليم لمضي خمس وستين سنة من غلبة الاسكندر على أرض بابل فأوحى الله اليه على رأس ثلاثين سنة ورفعه الله من بيت المقدس ليلة القدر في شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكانت نبوته ثلاث سنين وعاشت أمه مريم بعد ان رفع ست سنين (فائدة) بيت لحم بالعبرانية هو بيت المقدس وهو بكسر اللام وسكون المهملة وأما أورشليم فقال ابن الاثير في النهاية هو بيت المقدس أيضا ومثله في القاموس ورواه بعضهم بالمهملة وكسر اللام كانه عربه بالعبرانية السلام وروى عن كعب ان الجنة في السماء السابعة بازاء بيت المقدس والصخرة لو وقع حجر منها لوقع على الصخرة فمن ثم دعيت أورشليم ودعيت الجنة دار السلام (تسلية) بالرفع اسم يكون (بوقاية الله) هي بكسر الواو مصدر (ثم بعمه) أتي بثم لدفع الشريك المنهي عنه في المشيئة وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ما شاء الله ثم ما شاء فلان أخرجه أبو داود من حديث حذيفة والنهي للتنزيه في حق سليم العقيدة والا فللتحريم بل قد يفضي الى الكفر والعياذ بالله (وحلفهم) بكسر المهملة أى أهل حلفهم (أنواع) منصوب بنزع الخافض (ابن ياسر) بالتحتية والمهملة والراء بوزن فاعل وهو مصروف (وأمه) اسمها سمية بنت خياط وكانت سابع سبعة في الاسلام (وأخته) لم أقف على اسمها (في الرمضاء) بفتح الراء وسكون الميم مع المد هي الارض الشديدة الحر (صبرا) مصدر أي اصبروا صبرا (آل ياسر) بالنصب لانه منادى حذفت أداته (سمية) بالمهملة وتشديد التحتية مصغر (أمية بن خلف) بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى والد صفوان رضي الله عنه قتل يوم بدر كافرا وأخو أبي الذى قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد (يخرج بلالا) هو ابن رباح بفتح الراء والموحدة واسم أمه حمامة هو المؤذن كان صادق الاسلام طاهر القلب شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة حيث قال يا بلال أخبرني

فيضع الصخور على صدره ويتركها كذلك حتى يخشى أن يموت فيرفعها وبلال يقول أحد أحد وكان ورقة بن نوفل يمر عليه فيقولى أحد أحد والله يا بلال ثم يقول ورقة والله لئن قتلتموه على هذا لاتخذنه حنانا فاشتراه أبو بكر منه فأعتقه وأعتق أبو بكر على مثل ذلك ست رقاب سابعهم عامر بن فهيرة فقال له أبوه يا بني لو أعتقت رجالا جلداء يمنعونك فقال يا أبت انما أريد ما أريد فيقال ان هذه الآية نزلت فيه فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى الى قوله وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى بأرجى عمل عملته في الاسلام فاني سمعت دق نعليك قبلي في الجنة أخرجه الشيخان وغيرهما وأخرج ابن عساكر عن الاوزاعي مفصلا خبر السودان أربعة طهمان وبلال والنجاشى ومهجع وأخرجه ابن ماجه بدون ذكر النجاشي وذكر ابن حزم انه لا يكمل حسن الحور العين في الجنة الا بسواد بلال فانه يعرف سواده بشامتين في خدودهن شهد رضي الله عنه بدرا والمشاهد كلها وتوفى بدمشق ودفن بباب الصغير سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة وقيل مات سنة سبع عشرة وقيل ثماني عشرة وقيل مات بحلب ودفن على باب الاربعين (فيضع الصخور) في سيرة ابن اسحاق كان أمية يطرح بلالا على ظهره ببطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع (على صدره) ثم يقول لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد (فكان يمر عليه ورقة بن نوفل) هذا وهم تبع فيه ابن هشام وابن اسحاق وغيرهما لان ورقة يومئذ لم يكن حيا (أحد أحد) خبر مبتدأ محذوف أي الله أحد وكرره تأكيدا (حنانا) بفتح المهملة ثم نونين بينهما ألف هو العطف قاله الجوهرى أو الرحمة قاله ابن الاثير. وفي سيرة ابن سيد الناس أى لأتمسحن به وهو هنا أليق (فاشتراه أبو بكر) قيل ببردة وعشر أواق وقيل بغلام له كما سيأتى قريبا وفي سيرة ابن اسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال مر به أبو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك فقال لامية الاتتقى الله في هذا المسكين قال أنت أفسدته فانقذه مما تري قال أبو بكر أفعل عندي غلام اسود أجلد منه وأقوى وهو على دينك أعطيكه قال قد فعلت فاعطاه أبو بكر غلامه واسمه سبطاس وأخذ بلالا فاعتقه (ست رقاب) وهم بلال وأم عميس وزبيرة وهي التي ذهب بصرها ثم رده الله اليها والنهدية وابنتها وريحانة بني المؤمل (سابعهم عامر بن فهيرة) بالف وراء مصغر هو البدرى الاحدى يكنى أبا عمرو وكان من مولدى الازد ومن السابقين الى الاسلام كان قبل أبي بكر للطفيل بن عبد الله واستشهد يوم بئر معونة كما سيأتي (يا بنى) بالتصغير وفي يائه الكسر والفتح (جلداء) بضم الجيم وفتح اللام فمهملة فمد جمع جليد وهو القوى الشديد ويقال في جمعه جلاد وأجلاد (يا أبت) بكسر آخره وفتحه (انما أريد) بعتقي هؤلاء (ما أريد) أي الذي أريده وهو طلب رضي الله تعالى والدار الآخرة (فيقال ان هذه الآية نزلت فيه) وقيل في قصة أبي الدحداح وهى قصة مشهورة ذكرها أهل التفسير والنووي في شرح مسلم على قول النبي صلى الله عليه وسلم كم من عذق في الجنة معلق لابي الدحداح أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث جابر بن سمرة (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) أى أنفق ماله في سبيل الله (وَاتَّقى) ربه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) أي بلااله الا الله أو بالجنة أو بموعود الله أقوال (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ) أي يد (تُجْزى) أي يجازيه

مطلب في الكلام على الهجرة الأولى إلى الحبشة وبيان من هاجر إليها من الأصحاب

إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى * قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يعذرون به في ترك دينهم قال نعم والله ان كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من الضر حتى يقولوا له اللات والعزى إلهك من دون الله فيقول نعم وكذلك فعل معهم عمار حين غطوه في بئر ميمون وقالوا له اكفر بمحمد فاعطاهم ذلك فاخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كلا ان عمارا ملئ إيمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاخبره فقال كيف وجدت قبلك قال مطمئنا بالايمان فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح دمعه وقال ان عادوا لك فعد لهم بما قلت ونزل فيه وفي أمثاله قوله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ الآية. [مطلب في الكلام على الهجرة الأولى الى الحبشة وبيان من هاجر إليها من الأصحاب] وفي رجب في الخامسة من المبعث كانت هجرة الحبشة. وقد ذكر ابن اسحق وغيره فيها أخبارا عجيبة عليها نزلت حين قال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر لبلال الاليد كانت له عنده (الا) أى لكن فعل ذلك (ابتغاء) أي طلب (وجه ربه الاعلى) وطلب رضاه (ولسوف يرضي) في الآخرة بما يعطيه الله عز وجل من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل. واذا كانت الآية في أبي بكر كان فيه معنى لطيف وهو مشاكلة موعوده وهو ولسوف يرضي بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ولسوف يعطيك ربك فترضى ويكون فيه اشارة الى مقام الشفاعة وان أبا بكر يكون له فيها أثرة على الصديقين كما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أثرة على سائر المرسلين والله أعلم (قال سعيد بن جبير) هو الوائلى مولاهم يكني أبا محمد وأبا عبد الله أحد اعلام الدين قتل بشعبان شهيدا سنة خمس وتسعين (من الضر) بضم الضاد وفتحها (كلا) هو نفى وابعاد (ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه) للنسائي من حديث عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبى ملئ عمار ايمانا من قرنه الى مشاشه وهو بضم الميم ثم بمعجمتين بينهما ألف ساكنة جمع مشاشة وهي رؤس العظام وهذا للمبالغة في وصف قوة ايمان عمار أي لو كان الايمان جسما لملأ ما ذكر وخالط لحمه ودمه (ثم انى رسول الله صلي الله عليه وسلم) في تفسير البغوي وغيره قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما وراءك قال شر يا رسول الله نلت منك وذكره (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح دمعه) فيه ما كان عليه صلي الله عليه وسلم من شدة الرحمة والشفقة (ان عادوا لك) أي بالاكراه على الكفر (فعدلهم) بمقالتك فإنها لا تضرك مع كون قلبك مطمئنا بالايمان والامر فيه للاباحة والا فمن اكره على الكفر فالترك في حقه أولى (فائدة) أخرج الترمذي والحاكم من حديث عائشة ما خير عمار بين شيئين الا اختار أيسرهما فلعل الاشارة منه الى الواقع له في هذه القصة وفيه منقبة له فان ذلك من وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في شمائله (ونزلت فيه وفي أمثاله) أي كصهيب وبلال وخباب وسالم (من كفر بالله من بعد ايمانه) جوابه فعليهم غضب والاستثناء متوسط بينهما وعدم كفر المكره بالاجماع. حديث هجرة

والملخص مما قالوه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى ما بأصحابه من البلاء ولم يكن أمر بالجهاد حينئذ أمرهم بالمهاجرة الى الحبشة وقال لهم ان بها معايش وسعة وملكا عادلا لا يسلم جاره فخرج اليها أولا سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والزبير وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الاسد وامرأته أم سلمة التي صارت أم المؤمنين آخرا وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبى حثمة وحاطب بن عمرو وسهيل بن بيضاء وكان عليهم عثمان بن مظعون واستأجروا سفينة بنصف دينار ثم خرج جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه وتتابع المسلمون حتى بلغوا اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان وهي أوّل الحبشة (عادلا) للبغوي في التفسير صالحا (لا يسلم جاره) أى لا يخذله وللبغوي لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا اليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا (أبو حذيفة) اسمه كنيته (سهلة بنت سهيل) بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى احدى المستحاضات في زمنه صلى الله عليه وسلم وكن احدي عشرة سودة بنت زمعة وزينب بنت جحش واختاها حمنة وأم حبيبة بنتا جحش وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة وأسماء بنت عميس وأسماء بنت مرثد وفاطمة بنت قيس وبادية بنت غيلان وسهلة المذكورة (ومصعب بن عمير) بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى (وأبو سلمة) بن عبد الاسد مضى ذكر نسبه وان الاسد بالمهملة والمعجمة (أم سلمة) هند بنت أبي أمية بن المغيرة ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب (وعثمان بن مظعون) باعجام الظاء واهمال العين الجمحي أبو السائب الصائم القائم أوّل ميت بالمدينة من المسلمين سنة اثنتين من الهجرة (بنت أبي حثمة) بمهملة مفتوحة فمثلثة ساكنة اسمها ليلى وهى أم عبد الله بن عامر أخرج ابن منده وأبو نعيم من حديث عبد الله هذا قال دعتنى أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا فقالت تعال أعطك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه قالت تمرا فقال لها اما انك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة (سهيل) بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن مالك بن منبه بن الحارث بن فهر القرشى الفهري توفي سهل بالمدينة سنة تسع من الهجرة وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد أخواه سهل وصفوان توفي سهل بالمدينة أيضا وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد أيضا كما في صحيح مسلم وغيره من حديث عائشة ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل وأخيه ابني (بيضاء) الا في المسجد وسيأتى ان صفوان استشهد ببدر وأمهم بيضاء من بنى الحارث بن فهر واسمها دعد لقبت البيضاء لشدة جمالها ذكرها ابن شاهين فيمن له صحبة من النساء

مطلب في تعقب قريش لمهاجرى الحبشة وعودتهم بالخيبة

هجرة في الاسلام ولما وصلوا الحبشة واستقرت بهم الدار وأحسن لهم النجاشي الجوار [مطلب في تعقب قريش لمهاجرى الحبشة وعودتهم بالخيبة] ونمت بذلك الاخبار اجتمع رأي من بمكة من المشركين الاغمار ان يوجهوا خلفهم من يردهم عليهم ليفتنوهم فبعثوا عبد الله بن ابى ربيعة المخزومي وعمرو بن العاصي السهمي ووجهوا معهم هدايا للنجاشي وخواصه فقدما على النجاشى وقدما له ما عندهما من الهدايا وكلماه في شأنهم وصدقهما وزراؤه لما أصابوا من الهدايا فعصم الله النجاشى وثبته وردهم خائبين بهداياهم* ولما علم ابو طالب بما أجمعوا عليه من البعث الى النجاشى قال أبياتا وبعث بها الى النجاشى يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم قال الا ليت شعري كيف في النأي جعفر ... وعمرو وأعداء العدو الاقارب وهل نالت افعال النجاشي جعفرا ... واصحابه او عاق ذلك شاغب (النجاشي) بفتح النون وكسرها وآخره مشدد ومخفف كما مر (ونمت) بالنون مخفف ومشدد (الاغمار) بالمعجمة جمع غمر بالضم وهو الجاهل (الهدايا) كانت من أدم وغيره (وخواصه) هو من يختصه لقربه ومشورته. وللبغوي وبطارقته بفتح الموحدة جمع بطريق بكسر الباء. قال الشمنى نقلا عن ابن الجواليقي هو بلغة الروم القائد أي مقدم الجيوش وأميرها (وزراؤه) بضم الواو وفتح الزاي ممدود جمع وزير وهو في الاصل المعين والموازر ثم استعمل في كل من كان مقربا عند السلطان (فعصم الله) أي فحفظ (النجاشى) من الكفر قال البغوي وذلك ان كلا من الفريقين عرض عليه دينه فقال لجعفر تكلمت بامر عظيم فعلى رسلك ثم أمر بجمع كل قسيس وراهب فأنشدهم بالله هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبيا مرسلا فقالوا اللهم نعم فسأل النجاشى جعفرا عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه فاخبره بانه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقرأ عليهم كتاب الله فقال اقرأ على مما يقرأ عليكم فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم وقيل سورة مريم ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع فاستزاده فقرأ سورة الكهف فقال عمرو انهم يشتمون عيسى وأمه فسأل النجاشي عن ذلك فقرأ عليه سورة مريم فلما أتى ذكرهما رفع النجاشي نفثة من سواكه وأقسم ما زاد المسيح على ما يقولون هذا ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال اذهبوا فانتم سيوم بارضي بضم المهملة أى آمنون ثم بشرهم وقال ابشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب ابراهيم فقال عمرو ومن حزب ابراهيم قال هؤلاء وصاحبهم ومن اتبعهم فانكر ذلك المشركون ثم رد النجاشى عليهما المال الذى حملوه وقال انه رشوة وقال ان الله ملكني ولم يأخذ مني رشوة قال جعفر وانصرفنا فكنا في خير دار واكرام جوار وأنزل الله ذلك اليوم في خصومتهم في ابراهيم ان أولى الناس بابراهيم الآية (يحضه) باهمال الحاء واعجام الضاد يحثه وزنا ومعنى (ألا) هي كلمة تنبيه (ليت) تمن (شعرى) أى علمي (في النأي) أى في البعد مصدر نأى ينأى اذا بعد (نالت أفعال) بكسر التاء من نالت وبوصل الهمزة ليتزن البيت وان كانت التاء في الاصل ساكنة والهمزة مفصولة (أو عاق) بالمهملة والقاف أي منع (ذلك شاغب) بالمعجمتين فالموحدة صائح بأعلى صوته

تعلم أبيت اللعن انك ماجد ... كريم ولا يشقى لديك المجانب تعلم بان الله زادك بسطة ... واسباب خير كلها بك لازب وانك فيض ذو سجال غزيرة ... ينال الاعادي نفعها والاقارب (قال المؤلف كان الله له) هكذا ذكره ابن هشام رواية عن ابن اسحق ان المرسل مع عمرو هو عبد الله بن ابي ربيعة. وذكر في تفسير البغوى نقلا عن ابن اسحق ايضا ان المرسل معه عمارة بن الوليد ولعل ذلك من رواية غير ابن هشام عنه وكان عمارة معهما او في رسالة اخرى لكن في سياق القصتين إيهام من حيث اتحاد جنس الهدية واشتباه اللفظ من جعفر والنجاشى وهما في القصتين واحسن ما يقال تعدد الرسالتين فالاولى عقيب هجرتهم والثانية بعد بدر لطلب الثأر بمن اصيب منهم بها كما هو مصرح به في القصة وفيها ان عمرا وعمارة تخلونا في سفرهما ثم تكايدا عند النجاشى فكاد عمرو عمارة عنده حتى اتهمه ببعض نسائه فتحاشا النجاشي من قتله وأمر السواحر فسحرنه فتوحش من الانس وهام على وجهه مع الوحش حتى هلك هناك والله أعلم ثم ان مهاجرة (تعلم) بمعنى اعلم (أبيت اللعن) أي الذم. قال ابن السكيت أي أبيت ان تأتي من الامور بما تلعن عليه وهي تحية الملوك التي عناها من قال ولكل ما نال الفتي ... قد نلته الا التحيه (ماجد كريم) مترادفان (فلا يشقى) أي لا يخيب ولا يتعب (لديك) أي عندك (المجانب) أى الذى جانبك (بسطة) أى فضلة وسعة في الملك (لازب) أى لازمة لك لاصقة بك والباء والميم يتعاقبان (فيض) أى ذو فيض وهو الماء الكثير استعاره لكثرة جوده وعطائه (ذو سجال) بكسر المهملة بعدها جيم جمع سجل بالفتح وهو الدلو المملوءة ماء واستعير أيضا لما مر (غزيرة) بتقديم الزاى على الراء والغزير الكثير من كل شيء (ينال الاعادي) فاعل (نفعها) مفعول (والاقارب) عطف على الاعادى (وذكر في تفسير) الامام الحافظ محيى الدين حسين بن مسعود الفراء (البغوى) قال النووى منسوب الى بغ مدينة بين هراة ومرو. وفي القاموس ان اسمها بغشوب بفتح الموحدة قال وهي بلد بين هراة وسمرقند النسبة اليها بغوى على غير قياس معرب كرسور أى الحفرة المالحة (نقلا عن ابن اسحاق) عن ابن شهاب باسناده ورواه أيضا عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس (في سياق) بكسر المهملة فتحتية خفيفة مصدر ساق يسوق (ايهام) مصدر أوهم يوهم (الثار) بالمثلثة والراء مهموز (اتهمه) الضمير للنجاشى (فتحاشا من قتله) أى قال حاشا ما أقتله (فأمر السواحر) جمع ساحرة وهو المتعاطي عمل السحر (مهاجرة) جمع مهاجر كمقاتلة (بلغهم ان أهل مكة قد أسلموا) كان سبب ذلك سجودهم مع النبى صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة

الحبشة بلغهم ان أهل مكة أسلموا فاستخف ذلك الخبر منهم ثلاثة وثلاثين رجلا فأقبلوا راجعين حتى اذا دنوا من مكة بان لهم فساد ذلك الخبر فلم يدخل احد منهم مكة الا بجوار أو مستخفيا فمنهم من أقام بها حتى هاجر الى المدينة وشهد بدرا ومنهم من حبس حتى فاتته ومنهم من مات بها وكان عثمان بن مظعون دخل في جوار الوليد بن المغيرة فانفذت قريش جواره ودخل أبو سلمة بن عبد الاسد في جوار أبى طالب لكونه ابن أخته برة بنت عبد المطلب فتعرضت له بنو مخزوم وأبت ان تنفذ جواره وقالوا لابى طالب هذا منعت ابن اخيك محمدا فما لك ولصاحبنا فقال انه استجار بى وأنا ان لم أمنع ابن اختى لم امنع ابن اخى فقام أبو لهب فقال يا معشر قريش والله لقد اكثرتم على هذا الشيخ ما تزالون توثبون عليه في جواره من بين قومه والله لتنتهن عنه او لنقو من معه في كل ما قام فيه حتى يبلغ ما اراد فتركوه مراعاة لابي لهب فطمع ابو طالب حينئذ بابى لهب وقال يحرضه على نصرته ونصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وان امرأ لابو عتيبة عمه ... لفى روضة ما ان يسام المظالما والنجم وكانت أوّل سجدة نزلت في القرآن على ما قيل وكان سبب سجود المشركين ليعارضو المسلمين بالسجود لمعبودهم أو كان ذلك منهم بلا قصد أو خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم أقوال وقيل سبب ذلك ما ألقى الشيطان في أثناء قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من قوله تلك الغرانيق العلى وان شفاعتها لترتجي قال البرماوى وغيره ولا صحة لهذا الخبر عقلا ولا نقلا انتهى (قلت) وتبع القائل بذلك عياضا والفخر الرازى والبيهقى فانهم أنكروها أشد انكار وقالوا هي من وضع الزنادقة وقد رد ذلك الحافظ ابن حجر بان طرقها كثيرة فقد أخرجها ابن أبى حاتم والطبري وابن المنذر وابن مردويه والبزار وابن اسحاق في السيرة وموسى بن عقبة في المغازى وأبو معشر. قال وثبت من طرق رجالها رجال الصحيح وباقيها إما ضعيف وإما منقطع وبعضها تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور فزعم عياض ومن مر أن رواياتها كلها لا أصل لها مندفع اذ من حفظ حجة على من لم يحفظ فحينئذ يتعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر بمالا يخفى على ذي بصر نافذ وأحسن ما يقال إن ابليس لعنه الله لما قال صلى الله عليه وسلم أفرأيتم اللات والعزي ومناة الثالثة الاخرى قال بلسان نفسه تلك الغرانيق العلي الى آخره مشبها صوته بصوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع ذلك من سمعه من المشركين فظن انه صلى الله عليه وسلم تلفظ به ولا مانع يمنع هذا من قبل العقل لا سيما وقد صح به النقل والله أعلم (فاستخف ذلك الخبر) فاعل (ثلاثة وثلاثين) مفعول (فأنفذت) بالفاء والمعجمة أى أجازت (ان ينفذ) بضم أوله رباعي (استجاربي) بموحدة أو نون (توثبون) بفوقية فواو فمثلثة مشددة مفتوحات أي تتوثبون (يحرضه) بالمهملة فالراء فالمعجمة أي يحضه (ان امرأ) مثلث الراء مطلقا لكن الاولى اتباعها الهمزة ضما وفتحا وكسرا (لابو) يزحف قليلا ليتزن البيت (عتيبة) بالفوقية والموحدة مصغر هو أحد أولاد أبي لهب (لفي روضة) هي في الاصل البستان في غاية النضارة والحسن واستعير للدعة والرفاهية (ما) هي نافية (وان) زائدة (يسام) مبنى للمفعول أي ما ان يكلف ان يتحمل (المظالما)

مطلب في مكاتبته صلى الله عليه وسلم للنجاشى ليزوجه ام حبيبة بنت أبي سفيان وخبر ذلك

أقول له وأين منه نصيحتي ... أبا معتب ثبت سوادك قائما ولا تقبلن الدهر ما عشت خطة ... تسب بها إما هبطت المواسما وول سبيل العجز غيرك منهم ... فانك لم تخلق على العجز لازما وحارب فان الحرب نصف ولن ترى ... اخا الحرب يعطى الخسف حتى يسالما وكيف ولم يجنوا عليك عظيمة ... ولم يخذلوك غانما او مغارما جزي الله عنا عبد شمس ونوفلا ... وتيما ومخزوما عقوقا ومأثما قال اهل السير ثم اقام بقية المهاجرين بارض الحبشة في خير دار واحسن جوار الى ان هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلا امره وانتشر صيته [مطلب في مكاتبته صلى الله عليه وسلم للنجاشى ليزوجه ام حبيبة بنت أبي سفيان وخبر ذلك] فلما كان سنة ست من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الي النجاشى على يد عمرو بن امية الضمرى ليزوجه ام حبيبة بنت ابى سفيان وكانت قد هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر هناك ومات وسيأتي خبر تزويجها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر ازواجه صلى الله عليه وآله وسلم وكتب اليه ايضا ليبعث من عنده من المهاجرين قالت ام حبيبة رضى الله عنها قدمنا المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر حين افتتحها فخرج من خرج اليه فأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فدخلت عليه وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر واصحابه الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنه ارها بألف الاطلاق جمع مظلمة بفتح أوله وكسر ثالثه (وأين منه نصيحتى) أي هل تنجع وتؤثر فيه أم لا وفي أين تزحيف أيضا (أبا) بحذف حرف النداء (معتب) بسكون العين وكسر الفوقية ثم موحدة (ثبت) أمر من التثبيت (سوادك) أي شخصك (الدهر) منصوب على الظرف (خطة) بضم المعجمة بعدها مهملة أي أمرا وخصلة (هبطت) أي وردت والهبوط في الاصل النزول من أعلى الى أسفل (المواسما) بألف الاطلاق وهي جمع موسم كمجلس وأصله من السمة وهي العلامة سمى الموسم بذلك لانه جعل علامة للاجتماع (نصف) بفتح النون وسكون المهملة أي انصاف (ويعطي الخسف) بفتح المعجمة وسكون المهملة بعدها فاء أى الدناءة (حتى يسالما) بكسر اللام أي حتى يصالح وألفه للاطلاق أيضا (عظيمة) بالنصب صفة لجناية مقدر (ولم يخذلوك) في الكاف تزحيف أيضا (وانتشر صيته) بكسر المهملة وسكون التحتية بعدها فوقية وهو الذكر والثناء الجميل (عمرو بن أمية) هو ابن خويلد الضمري الصحابى ابن الصحابى كان ممن هاجر الهجرتين وأوّل مشاهده بئر معونة توفي آخر أيام معاوية (أم حبيبة) اسمها رملة بفتح الراء وسكون الميم وقيل اسمها هند بنت أبى سفيان بن حرب الاموية (ليبعث) هي لام كى لا لام الامر (بخيبر) على وزن جعفر مذينة على ثمانية برد من المدينة الى جهة الشام سميت باسم رجل من العماليق نزل بها (ارها)

فصل وكان صلى الله عليه وسلم يكرم مهاجرة الحبشة ويلاطفهم ويذكر من فضلهم

ابن أصحمة بن أبجر في ستين رجلا من الحبشة وافدين الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسلامهم واسلام النجاشي فغرقوا في البحر وكان قدم منهم مع جعفر واصحابه سبعون رجلا وفيهم نزل قوله تعالى وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى وما بعدها. ولما مات النجاشى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاصحابه مات اليوم رجل صالح فقوموا وصلوا على اخيكم اصحمة قالت عائشة لمامات النجاشى كان يتحدث انه لا يزال يرى على قبره نور وقد ذكرنا خبر هجرة الحبشة الى آخره وان كان في ازمان متفرقة حرصا على تمام الفائدة واجتماعها [فصل وكان صلى الله عليه وسلم يكرم مهاجرة الحبشة ويلاطفهم ويذكر من فضلهم] (فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرم مهاجرة الحبشة ويلاطفهم ويداعب صغارهم برطانة الحبشة ولمافجئه خبر قدوم جعفر وأصحابه خرج مسرعا فرحا يجر ثوبه وارتاح له وعانقه وقال ما أدرى بأيهما أسر أكثر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر وأسهم لهم من خيبر كمن شهدها ولم يسهم لأحد غاب عنها غيرهم* والجامع في فضلهم ما روينا في صحيح البخاري عن أبى موسى الأشعري قال بلغنا مخرج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين اليه أنا واخوان لي بفتح الهمزة وسكون الراء مقصور (ابن أصحمة) بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين ومعناه بالعربية عطية كما سيذكره المصنف (ابن أبجر) بالموحدة والجيم والراء بوزن أحمد (في ستين رجلا من الحبشة) زاد البغوي وكتب النجاشي الى رسول الله أشهد انك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين وقد بعثت اليك ابني أرها فان شئت ان آتيك بنفسى فعلت والسلام عليك يا رسول الله (سبعون رجلا) زاد البغوى عليهم ثياب الصوف ومنهم اثنان وستون من أهل الحبشة وثمانية من أهل الشام فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس الى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فأنزل الله هذه الآية ولتجدن أقربهم مودة. الى آخر الآيات (ولما مات النجاشي) أخرجه الشيخان وابن ماجه كما سيأتي (رجل صالح) هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد ما استطاع المتلافي ما بدر منه من هفوة في ذلك (قوموا فصلوا على أخيكم أصحمة) زاد ابن ماجه فخرج بهم الى البقيع (قالت عائشة الى آخره) أخرجه عنها أبو داود (فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويداعب) بالمهملتين والموحدة يمازح وزنا ومعنا (برطانة الحبشة) بفتح الراء وكسرها واهمال الطاء هي الكلام غير العربى (فجئه) بكسر الجيم ثم همزة مفتوحة أى بغته (وارتاح له) بالراء والفوقية أي هش له (لاحد غيرهم) بالكسر والفتح (في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (عن أبي موسى) اسمه عبد الله بن قيس كما مر (الاشعري) نسبة الى الاشعر

أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر ابو رهم إما قال بضع وإما قال في ثلاثة وخمسين أو في اثنين وخمسين رجلا من قومنا فركبنا سفينة فألقتنا الى النجاشى بالحبشة فوافينا جعفر بن أبى طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر وكان أناس من الناس يقولون لنا أعني لاهل السفينة سبقناكم بالهجرة ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم زائرة وقد كانت هاجرت الى النجاشي فيمن هاجر فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من هذه قالت أسماء بنت عميس قال عمر آلحبشية هذه آلبحرية هذه قالت أسماء نعم قال سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم منكم فغضبت وقالت كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت للنبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكنا نؤذي أو نخاف وسأذكر ذلك للنبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه فلما جاء النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قالت يا نبي الله ان عمر قال كذا وكذا قال فما قلت له قالت قلت كذا وكذا قال ليس بأحق بى منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت ابا موسى وأصحاب السفينة يأتونى أرسالا يسألونى عن هذا الحديث مامن الدنيا قال في القاموس لقب بنت ادد لانه ولد وعليه شعر (انا أصغرهم) لمسلم انا أصغرهما. قال النووي وهكذا هو في النسخ والوجه أصغر منهما (أبو بردة) اسمه عامر بن قيس وأخرج ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر من حديثه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل فناء أمتي قتلا في سبيلك بالطعن والطاعون (أبو رهم) بضم الراء وسكون الهاء. قال ابن عبد البر قيل اسمه مجدي على وزن نجدي وقيل ان مجديا أخ لهم آخر (أسماء بنت عميس) بالمهملتين ابن عميس (هاجرت الى النجاشى فيمن هاجر) أي مع زوجها جعفر بن أبي طالب (آلحبشية آلبحرية) بالاستفهام فيهما (وقالت كلا والله) لمسلم كذبت كلا والله. قال النووي قولها كذبت معناه أخطأت وقد استعملوا كذب بمعنى أخطأ (البعداء) جمع بعيد أى البعداء في النسب (البغضاء) أى في الدين لانهم كفار الا النجاشي وكان يستخفى باسلامه عن قومه ويوري عليهم (وأيم الله) بضم الميم وكسرها ووصل الهمزة ويجوز قطعها ويقال أم يحذف الياء مع فتح الهمزة وكسرها و (أيم كذلك) وأوم بالواو بدل الياء مع تثليث أوله ومعناها القسم (أهل السفينة) بالنصب على الاختصاص ويجوز الرفع (ارسالا) أي أفواجا فوجا بعد فوج. قال النووى يقال أورد الله ارسالا أى متقطعة متتابعة وأوردها عراكا

فصل في حكم الفرار بالدين والعجز عن مقاومة المشركين

شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال أبو بردة قالت لي أسماء فلقد رأيت أبا موسى وانه ليستعيد هذا الحديث منى [فصل في حكم الفرار بالدين والعجز عن مقاومة المشركين] (فصل) كانت هجرة الحبشة أوّل هجرة في الاسلام* وبعدها الهجرة الكبرى الى المدينة ثم حكم الهجرة باق الى الآن متى وجد معناها وهو الفرار بالدين والعجز عن مقاومة المشركين أو الملحدين. ونقل القرطبى عن ابن العربي المالكي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً فائدة حسنة وأنا أوردها على معنى ما ذكر متحريا لبعض اللفظ قال رحمه الله تعالى قسم العلماء رضى الله عنهم الذهاب في الارض قسمين هربا وطلبا فالاول ينقسم الى ستة أقسام. الاول الخروج من دار الحرب وهي باقية مفروضة الى يوم القيامة فان بقى في دار الحرب عصى ويختلف في حاله. الثانى الخروج من أرض البدعة الذي يعجز عن تغييرها. الثالث الخروج من أرض غلب عليها الحرام فان طلب الحلال فرض على كل مسلم الرابع الفرار من الأذى في البدن رخصة من الله تعالى قال الله تعالى مخبرا عن موسى فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ. الخامس الخروج من البلاد الوخيمة وقد أذن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم للعرنيين حين استوخموا المدينة ان يخرجوا وقد استثنى من ذلك الخروج من الطاعون لقيام الدليل عليه. السادس أى مجتمعة (قال أبو بردة) هو ابن أبي موسى واسمه عامر على الصحيح (ليستعيد) بالاهمال أى سألني اعادة ذلك الحديث سرورا به (فصل) كانت هجرة الحبشة (أول) بالنصب خبر كان (أو الملحدين) أى المائلين عن الحق (ونقل القرطبى) هو شارح مسلم وهو غير مصنف التذكرة وكلاهما منسوب الى قرطبة بضم القاف والمهملة بينهما راء ساكنة وبعد الطاء موحدة تشدد وتخفف بلد عظيم بالمغرب (ابن العربي) هو الامام الجليل أبو بكر شارح الترمذي الآلة ملازمة له وهي الفرق بينه وبين ابن عربي الصوفي المشهور (مُراغَماً) أي متحولا يتحول اليه وقيل متزحزحا عما يكره (متحريا) أى قاصدا ويرادفه التوخي والاجتهاد (الخروج من دار البدعة) أي المحرمة (طلب الحلال فريضة على كل مسلم) هو حديث أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس. وللقضاعي من حديث ابن عباس ولابى نعيم في الحلية من حديث ابن عمر طلب الحلال جهاد (للعرنيين) بضم العين وفتح الراء سيأتي ذكرهم بعد في كلام المصنف (لقيام الدليل عليه) أي على النهى عن الخروج فرارا منه وهو قوله صلى الله عليه وسلم واذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه

مطلب في إسلام سيدنا حمزة عمه صلى الله عليه وسلم وسبب ذلك

خوف الاذى في المال فان حرمة مال المسلم كحرمة دمه والاهل آكد منه. وأما قسم الطلب فينقسم. قسمين طلب دين ودنيا وطلب الدين تتعدد أنواعه الى تسعة أقسام. الاول سفر العبرة بدليل قوله تعالى أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. الثانى سفر الحج عند الاستطاعة فهو فرض والأوّل ندب. الثالث سفر الجهاد وله احكامه. الرابع سفر المعاش فقد يتعذر مع الاقامة فيطلب كفايته بصيد أو احتطاب او احتشاش وهو فرض. الخامس سفر التجارة لطلب زائد على القوت وذلك جائز فضلا من الله تعالى. السادس طلب العلم وفضله مشهور. السابع قصد البقاع قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد. الثامن الثغور للرباط بها وثوابه عظيم. التاسع زيارة الاخوان ونفعها حاصل وثوابها واصل والله اعلم. [مطلب في إسلام سيدنا حمزة عمه صلى الله عليه وسلم وسبب ذلك] وفي السنة السادسة وقيل في الخامسة أسلم سيدنا أبو عمارة حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه وكان شديدا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره ولا يطمع طامع عند المخاشنة بكسره فاستوثقت باسلامه عرى الدين وذل لوطأته عتاة المشركين وانما كان ابتداء اسلامه حمية أفضت به الى السعادة وختمت له بنيل الشهادة واكسبته حسن المنقلب لا كحمية أبي لهب التى ذكرناها آنفا وذلك انه رجع يوما من قنصه فلقيته مولاة لابن جدعان فأخبرته ان أبا جهل نال من رسول الله صلى الله عليه وسلم وآذاه وسبه كل ذلك لا يجيبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يرد عليه شيئا فغضب عند ذلك عمه حمزة رضى الله عنه (حرمة مال المسلم كحرمة دمه) هو حديث أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن مسعود وهو تشببه لاصل الحرمة ولا شك ان حرمة الدم أغلظ من حرمة المال (لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد) أخرجه الشيخان وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه أحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه من حديث أبي سعيد وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر وسيأتى الكلام عليه حيث ذكره المصنف بتمامه (الثغور) جمع ثغر بفتح المثلثة وسكون المعجمة هو الموضع الذي يلي دار العدو* ذكر اسلام حمزة (أبو عمارة) بضم المهملة وتخفيف الميم كنى بابنة له اسمها عمارة كذا قاله الواقدي. قال الخطيب وسماها غيره امامة وذكر غير واحد من العلماء ان حمزة كان له ابن اسمه عمارة وبه كني قال وهو الصواب (ذا شكيمة) بالمعجمة بوزن عظيمة قال الجوهري يقال فلان شديد الشكيمة اذا كان شديد النفس أنفا أبيا وفلان ذو شكيمة اذا كان لا ينقاد (المخاشنة) بالمعجمتين والنون المقابلة بالكلام الخشن وهو ضد اللين (عرى الدين) جمع عروة وهو العقد الوثيق (لوطأته) أي لبأسه (عتاة) جمع عات وهو الشديد في الشر (من قنصه) بفتح القاف والنون ثم مهملة أي صيده والقناص الصياد (نال منه) بالنون أي سبه* ذكر

مطلب في إسلام سيدنا عمر بن الخطاب وتعزيز الله به ضعفة المسلمين

لما أراد الله به من الكرامة وأقبل يسعى حتى وقف على أبى جهل جالسا في القوم فضربه بقوسه فشجه شجة منكرة ثم قال أتسبه وأنا علىّ دينه فاردد ذلك على ان استطعت فقامت رجل من بنى مخزوم الى حمزة فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فاني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا وأتم حمزة رضي الله عنه اسلامه* [مطلب في إسلام سيدنا عمر بن الخطاب وتعزيز الله به ضعفة المسلمين] وفيها وقيل في الخامسة أسلم عمر بن الخطاب فعزز الله به ضعفة المسلمين وكان اسلامه متمما لاربعين وبقدر شدته التي كانت على المسلمين صار باضعاف ذلك على المشركين. قال ابن مسعود كان اسلام عمر فتحا وهجرته نصرا وإمارته رحمة ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه وعنه قال ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر قال سعيد بن جبير أسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم عمر فتم به الاربعون فنزل قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وسبب اسلامه انه كان شديدا على من أسلم فلما علم أن اخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد اسلما جاء اليها وعندهما خباب يقرئهما فاختبأ خباب فبطش بختنه واقبلت أخته لتكفه عن زوجها فشجها فأدماها ثم ندم فقال اعطني هذه الصحيفة التى سمعتكم تقرؤن آنفا فقالت له انك نجس مشرك وانه لا يمسها الا الطاهر فقام فاغتسل ثم قرأ منها سطرا واحدا وقال ما احسن هذا الكلام وأكرمه يقال هى سورة طه ولما قال ذلك خرج اليه خباب ووعظه وقال له سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمس يقول اللهم أيد الاسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر فقال له دلنى على محمد فقال له هو في بيت عند الصفا مع نفر من أصحابه فجاء فاستأذن فارتاع من هناك لاستئذانه فقال حمزة رضى الله عنه نأذن له فان كان يريد خيرا بذلناه له وان كان يريد شرا اسلام عمر (ما زلنا أعزة) جمع عزيز (منذ أسلم عمر) أى لما كان فيه من الجلد والقوة في دين الله (خباب) هو ابن الارت (فبطش بختنه) أى صهره قال الجوهري الختن أبو الزوجة وأخوها قال وعند العامة اصهار الرجل مطلقا واستعمله المصنف (سورة طه) هي مكية ومن فضائلها ما أخرجه البغوي من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعطيت السورة التي ذكرت فيها البقرة من الذكر الاول وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتم السورة التي ذكرت فيها البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة وأخرجه الحاكم والبيهقى من حديث معقل بن يسار (أمس) مبني على الكسر (اللهم أيد الاسلام الى آخره) أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر (بأبي الحكم) هو أبو جهل اللعين (الله الله) بالنصب على التحذير (فارتاع) أى رهقته روعة وهي الفزع

مطلب في اجتماع بطون قريش على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب وكتبهم بذلك الصحيفة ودخول أبي طالب ومن انحاذ معه الشعب محاصرين من قريش

قتلناه بسيفه ولما دخل لقيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجبذه بحجزته جبذة شديدة وقال ما جاء بك يابن الخطاب فو الله ما أرى أن تنتهى حتى ينزل الله بك قارعة فقال جئتك لأومن بالله فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا. وفي صحيح البخارى عن عبد الله بن عمر قال لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره وقالوا صبأ عمر وأنا غلام فوق ظهر بيتي فجاء رجل عليه قباء من ديباج فقال صبأ عمر فما ذاك فأنا له جار قال فرأيت الناس قد انصدعوا عنه فقلت من هذا فقالوا العاص بن وائل. وروى عن عبد الله بن عمر انه قال لابيه بعد الهجرة يا أبت من الذى زجر عنك القوم وهم يقاتلونك جزاه الله خيرا قال يا بنى ذاك العاص بن وائل لا جزاه الله خيرا وكان للعاص بن وائل في آل الخطاب حلف وولاء. [مطلب في اجتماع بطون قريش على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب وكتبهم بذلك الصحيفة ودخول أبي طالب ومن انحاذ معه الشعب محاصرين من قريش] وفي ليلة هلال المحرم من السنة السابعة من المبعث اجتمعت قريش وتعاهدوا على قطيعة بنى هاشم وبنى المطلب ومقاطعتهم في البيع والشراء والنكاح وغير ذلك فكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة توكيدا لامرها ويحكى ان كاتبها شلت يده قيل هو منصور بن عكرمة وقيل النضر بن الحرث وقيل بغيض بن عامر ولما تم ذلك انحاز البطنان المذكوران الى أبي طالب ودخلوا معه في شعبه وبقوا هناك محصورين مدة وخرج عنهم أبو لهب وتضور المسلمون بذلك جوعا وعريا ولحقتهم (ما أرى) بالضم والفتح (قارعة) بالقاف والراء أى عذاب يقرع القلب لشدته (فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه ندب التكبير لحدوث الامر الذى يسر (فرحا) يجوز فيه كسر الراء حالا وفتحها مصدرا (لما أسلم عمر اجتمع الناس) أى بعد ان فشا اسلامه وكان الذي أفشاه جميل بن معمر الجمحي الذي نزل فيه ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وذلك بعد ان ذكر له عمر اسلامه وهو يريد ان يفشيه ذكره ابن اسحاق وغيره (صبأ) أي خرج من دين الى دين وهو بالهمز وتركه فعلى الاول جمعه كقتلة وعلى الثاني كرماة (غلام) كان سنة اذ ذاك خمس سنين (قباء) بفتح القاف والمد (ديباج) بكسر الدال وفتحها عجمي معرب نوع من الحرير (زجر عنك) قال في الصحاح الزجر المنع والنهى وزجر البعير ساقه (فائدة) أخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس ان عمر لما أسلم نزل جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد لقد استبشر أهل السماء باسلام عمر وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل ليبك الاسلام على موت عمر* ذكر كتب الصحيفة (وكتبوا بذلك صحيفة) كان كتبها أوّل يوم من المحرم (شلت) بفتح المعجمة أي يبست (بغيض) بالموحدة والمعجمتين بوزن عظيم (انحاز) بهمز وصل فنون ساكنة فمهملة آخره زاي أى انضم (وبقوا) بضم القاف وأصله بقيو فترك لاستثقاله (قال السهيلي) هو الامام الحافظ عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمى مات سنة ثمانين وخمسمائة وهو منسوب الى السهيلية قرية بالاندلس سميت باسم الكوكب لانه لا يرى في جميع بلاد الاندلس الامن

مشقة عظيمة قال السهيلى وهى احدى الشدائد الثالث التي دل عليها تأويل الغطات الثلاث من جبريل حين ابتدأ الوحى قال وان كان ذلك في اليقظة ولكن مع ذلك له في مقتضى الحكمة تأويل وإيماء والله أعلم وفي الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عام حجة الوداع مرجعه من منى منزلنا ان شاء الله غدا بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر وهو المحصب والابطح وهو شعب أبي طالب المذكور وفي نزوله صلى الله عليه وسلم حينئذ فيه وذكره لما جرى به إشارة الى الظهور بعد الخمول وامتثال لما أمر به من التحدث بالنعم وفي ذلك الشكر لمنعمها ولما رأى أبو طالب ما اجمعوا عليه من القطع والقطيعة قال في ذلك ألا ابلغا عنى على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب ألم تعلموا انا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط في اللوح والكتب وان عليه في العباد محبة ... ولا خير فيمن خصه الله بالخب وان الذى لصّقتم من كتابكم ... لكم كائن نحسا كراغية السقب أفيقوا أفيقوا قبل ان يحفر الثرا ... ويصبح من لم يجن ذنبا كذى الذنب ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا ... أو اصرنا بعد المودة والقرب وتستحلبوا حربا عوانا وربما ... أمر على من ذاقه حلب الحرب فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا ... لعزاء من عض الزمان ولا كرب جبل مشرف عليها (وهي احدي الشدائد الثلاث) والثانية يوم أحد والثالثة يوم الخندق (بخيف) بفتح المعجمة وسكون التحتية ثم فاء هو الوادى المنهبط (وهو المحصب) بالمهملتين والموحدة بوزن مكرم (والابطح) بالموحدة والمهملتين ويسمى البطحاء وقيل ان الابطح واد بجانب المحصب (الخمول) بالمعجمة ضد الظهور والخمول السقوط أيضا* شعر أبى طالب (ذات بيننا) أي فراقنا والبين الفراق ويسمي به الوصل أيضا فهو من الاضداد (محبة) بالنصب اسم ان (لصقتم) بتشديد الصاد المهملة وسكون القاف وضم الفوقية والتزحيف ليتزن البيت (لكم كائن) أي سيكون (نحسا) ضد السعد (السقب) بفتح المهملة واسكان القاف الفصيل وهو الصغير من أولاد الابل والمراد به هنا فصيل ناقة صالح دعا اذ عقرت فهلكت ثمود فضرب به المثل لكل مهلكة (الوشاة) جمع واش وهو المحرش بالكذب (أو اصرنا) جمع أصر وهو العهد الثقيل أو جمع آصار فيكون جمع جمع (ويستحلبوا) بالمهملة أي يستدروا بالتسبب الي الحرب (عوانا) بفتح المهملة أى شديدة (لعزاء) بفتح المهملة وضمها فزاي مشددة ممدودة الداهية العزيزة (عض الزمان) بمهملة فمعجمة شبه نوائب الزمان وما يحدث فيها من الكرب بالعض (ولا كرب) أي هم شديد يأخذ بالنفس

ولما تبن منا ومنكم سوالف ... وايد أترت بالقساسية الشهب بمعترك ضنك ترى كسر القنا ... به والنسور الضخم يعكفن كالشرب كان مجال الخيل في حجراته ... ومعمعة الابطال معركة الحرب أليس ابونا هاشم شد أزره ... واوصي بنيه بالطعان وبالضرب ولسنا نمل الحرب حتي تملنا ... ولا نتشكى ما يئوب من النكب ولكننا اهل الحفائظ والنهي ... اذا طار أرواح الكماة من الرعب وقال في أخري اطاعوا ابن المغيرة وابن حرب ... كلا الرجلين متهم مليم (ولما) أي ولم وما زائدة (تبن) أى تنقطع (سوالف) بالمهملة والفاء جمع سالفة وهي صفجة العنق ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حتي تنفرد سالفتى وكل جمع ثالثه ألف وبعد الالف حرفان فاكثر أو حرف مشدد غير مصروف الا في الشعر للضرورة (وأيد) جمع يد (أترت) بضم الهمزة وكسر الفوقية الاولى وتشديد الراء أي أندرت ورميت (بالقساسية) بضم القاف والاهمال جمع قساسي وهو نوع من السيوف ينسب الي معدن بار مينية اسمه قساس كغراب قاله في القاموس أو الى جبل بديار بني نمير كانت تعمل فيه السيوف (الشهب) أى البيض (بمعترك) بالمهملة والفوقية والراء على وزن مشترك موضع غمرات الحرب (ضنك) بفتح المعجمة وسكون النون أي ضيق (تري) يجوز بناؤه للفاعل مع نصب كسر وما بعده وللمفعول مع ضمه وما بعده (كسر) جمع كسرة كعبر وعبرة (القنا) أي الرماح (والنسور) جمع نسر مثلث النون الطائر المعروف (الضخم) بمعجمتين الاولى مضمومة والثانية ساكنة أى العظام وروي بالطاء المهملة بدل الضاد وهى السود الرؤس (يعكفن) أي يقمن (كالشرب) بالمعجمة والراء على وزن حرب وهو جمع شارب شبه عكوف النسور في المعترك على أكل لحم المقتولين وشرب دمائهم بالجماعة العاكفين على شرب الخمر (مجال) بفتح الميم والجيم موضع جول الفرسان أى نفورهم وزوالهم عن المواقف (في حجراته) بضم الجيم جمع حجرة (معمعة) بالمهملتين هى فى الاصل صوت الحريق في نحو القصب سمى به القتال قال في القاموس والمعا مع الحروب والفتن والعطائم وميل بعض الناس على بعض وتظللهم وتحزبهم احزابا لوقوع العصبية (الابطال) جمع بطل وهو الشجاع (معركة) ومعترك مترادفان (شدازره) بفتح الهمزة وهو عبارة عن الحزم والجد في الحرب (بالطعان) بكسر المهملة مصدر (ولا نتشكي) نتفعل من الشكوي وفي بعض النسخ نشتكى (ما) قد (ينوب) أي يحدث (من النكب) أي الجراح وهو على وزن الحرب (والنهى) جمع نهية وهي العقل (الكماة) بضم الكاف على وزن الرماة جمع كمي بفتح الكاف وكسر الميم وتشديد الياء وهو الشجاع المتكمي في سلاحه أي المستتر فيه كانه جمع كام كقاض وقضاة (ابن المغيرة) هو الوليد (وابن حرب) هو أبو سفيان (مليم) هو الذي يأتي بما

ذكر خبر نقض الصحيفة المذكورة

وقالوا خطة حمقا وجورا ... وبعض القول ابلج مستقيم لتخرج هاشم فيصير منها ... بلاقع بظن مكة والحطيم [ذكر خبر نقض الصحيفة المذكورة] ولما أراد الله سبحانه وتعالى حل ما عفدوه ونقض ما أبرموه وذلك لقريب من ثلاث سنين من حين كتبت الصحيفة اجتمع خمسة نفر من سادات قريش عند خطيم الحجون بأعلى مكة ليلا وتعاقدوا وتحاشدوا على نقض الصحيفة وهتكها وهم هشام بن عمرو العامرى وهو الذى تولى كبر ذلك وأبلى فيه وسعى الى كل منهم. وزهير بن أمية المخزومي وهو تلوه في العنية وأمه عاتكة بنت عبد المطلب. والمطعم بن عدى النوفلى. وابو البخترى بن هشام. وزمعة بن الاسود الأسدى ولما أصبحوا من ليلتهم جاء زهير فطاف بالبيت ثم قال يا أهل مكة أنأ كل الطعام يلام عليه وهو بضم الميم (خطة) بضم المعجمة وتشديد المهملة أي خصلة كما مر (حمقا) بضم المهملة وسكون الميم لغة في الحمق بفتحهما وهو فعل الشيء القبيح مع العلم بقبحه (وجورا) هو الميل عن الحق (أبلج) بالموحدة والجيم على وزن أحمد أي مشرق نير (لتخرج) مجزوم بلام الامر (هاشم) أراد القبيلة فمن ثم أنث قوله منها (بلاقع) بالموحدة والمهملة جمع بلقع وهي الارض الخالية وهى بالفتح خبر يصير (بطن مكه) بالضم اسمها مؤخر (والحطيم) عطف عليه* تاريخ نقض الصحيفة (ابرموه) بالموحدة والراء والابرام الاحكام (اجتمع خمسة نفر) نظمتهم في ثلاثة أبيات فقلت تمالى على نقض الصحيفة يافتى ... هشام بن عمرو العامري فاحفظ النظما يليه زهير وهو نجل حذيفة ... كذا المطعم التالى الى نوفل ينمى أبو البختري ثم ابن الاسود زمعة ... فهم خمسة ما ان لهم سادس ينمى (خطيم) بمعجمة فمهملة أى طرف (الحجون) بمهملة مفتوحة بعدها جيم موضع بأعلى مكة (وتحاشدوا) باهمال الحاء والدال واعجام السين كما مر (هشام بن عمرو العامري) من بنى عامر بن لؤي. قال ابن مندة وأبو نعيم كان هشام من المؤلفة (كبر ذلك) بكسر الكاف وضئمها والكسر أفصح أي معظمه (ابلى) بالموحدة أي سعى وكد فيه (وزهير) تصغير زهر (ابن أبي أمية المخزومي) هو أخو عبد الله وأم سلمة. قال ابن مندة وأبو نعيم كان من المؤلفة قلوبهم وفي رواية قال له النبي صلى الله عليه وسلم ألم تكن شريكى في الجاهلية قال فقلت بلى بابي وأمى فنعم الشريك كنت لا تداري ولا تماري (العنية) مثلث العين اسم من اعتني بالشىء اذا جد فيه ولحقه فيه العناء أي المشقة (عاتكة) بالمهملة والفوقية بوزن فاعلة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في اسلامها كما ذكره المصنف حيث عد عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم (والمطعم بن عدى) هو والد جبير بن مطعم ومات على الشرك (وأبو البخترى) بفتح الموحدة وسكون المعجمة بعدها فوقية فراء فتحتية مشددة قتل أبو البختري يوم بدر كافرا وأصل البختري الحسن المشى والجسم المختال كالمتبختر قاله في القاموس (وزمعة) بفتح الزاي وسكون الميم

109 - الكلام على وقعة بعاث بين الأوس والخزرج وقدوم سويد بن الصامت الأوسى عليه صلي الله عليه وسلم وأول خبر الأنصار

ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة فقال له أبو جهل كذبت والله فقال له زمعة بن الاسود وأنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حيث كتبت وقال الآخرون مثله فقال أبو جهل هذا أمر قضى بليل تشوّر فيه بغير هذا المكان ثم قام المطعم الى الصحيفة فشقها فوجد الارضة قد أكلت جميعا الا ما كان فيه اسم الله وكان قبل ذلك قد أخبر جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفعل الارضة بها وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمه أبا طالب واخبرهم أبو طالب ووجدوه كما ذكر لهم فلم يؤثر ذلك فيهم لقسوتهم. وهنا ذكر ابن هشام إسلام الطفيل بن عمرو الدوسى وخبر الاعشى الشاعر حين اقبل يريد الاسلام وقد امتدح النبى صلى الله عليه وسلم بقصيدته المشهورة التي أولها* الم تغتمض عيناك ليلة ارمدا* فاعترضه بعض المشركين بمكة فأخبره ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحرم الخمر فقال أرجع فاتروى منها عامى هذا ثم آتيه فرجع ومات من عامه* [109- الكلام على وقعة بعاث بين الأوس والخزرج وقدوم سويد بن الصامت الأوسى عليه صلي الله عليه وسلم وأول خبر الأنصار] وفي السابعة ايضا كانت وقد تفتح ثم مهملة (ونلبس) بفتح الموحدة في المستقبل وكسرها ومصدره بضم اللام بخلاف اللبس الذي هو بمعنى الخلط فانه بكسر الموحدة في المستقبل وفتحها في الماضي ومصدره بفتح اللام (تشور فيه) تفوعل من التشاور وهو استخراج ما عند كل واحد من الرأي كما مر (الارضة) بفتح الراء دويبة معروفة (لشقوتهم) بكسر الشين المعجمة أي شقاوتهم* ذكر اسلام الطفيل وهو بالمهملة والفاء مصغر (ابن عمرو) بالواو (الدوسي) نسبة الى دوس بفتح المهملة وسكون الواو ثم مهملة. قال ابن عبد البرانه لما وصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا محمدان قومك قالوا لي كذا وكذا أي انك ساحر ثم ان الله أبي الا ان أسمع قولك فسمعت قولا حسنا فاعرض علي أمرك قال فعرض علي الاسلام وتلى علي القرآن فو الله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وقلت يا رسول الله اني أمرؤ مطاع في قومي وأنا راجع اليهم وداعيهم للاسلام فادع الله أن يجعل لى آية تكون لى عونا عليهم فقال اللهم اجعل له آية فاظهر الله فيه نورا كان ساطعا بين عينيه فقال يا رب أخاف ان يقولوا مثلة فتحول الى طرف سوطه وكان يضيء كالقنديل المعلق فسمي ذا النور. واستشهد يوم اليمامة وجرح ابنه عمرو وقيل استشهد يوم اليرموك في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فائدة) خمسة من الصحابة كان كل منهم يسمي ذا النور وهم أسيد بن حضير وعباد بن بشر وحمزة بن عمرو الاسلمي وقتادة بن النعمان والطفيل بن عمرو الدوسى هكذا ذكر ذلك الشمنى وغيره وقد نظمتهم في بيت فقلت وأهل النور عباد أسيد ... وحمزة والطفيل كذا قتاده (وخبر الاعشي) بالنصب عطف على اسلام الطفيل (ليلة أرمدا) بضم الهمزة مع كسر الميم أى أصيبا بالرمد (يحرم الخمر) فيه أشكال من حيث ان تحريم الخمر انما كان بالمدينة بعد الاحزاب فيحتمل ان بعض المشركين سمع من النبي صلى الله عليه وسلم بعض التقديم في تحريمها فاطلق عليه التحريم مجازا* ذكر وقعة بعاث (وفي السابعة)

وقعة بعاث وبعاث اسم حصن للاوس كانت به حرب عظيمة بينهم وبين الخزرج وكانت الغلبة فيها للاوس وكان على الاوس يومئذ حضير والد اسيد بن حضير النقيب وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضى فقتلا معا قال ابو اسحاق وغيره من اهل الاخبار كان الاوس والخزرج اخوين لاب وام فوقعت بينهما عداوة بسبب قتيل وتطاولت فتنتهم عشرين ومائة سنة وآخر وقعة بينهم يوم بعاث وهو مما قدمه الله لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم في أسباب دخولهم في الاسلام فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد افترق ملأهم وقتلت سراتهم وتأسست الاحن والعداوة بينهم فألفهم الله به وعليه حمل المفسرون قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» مع ما كانوا يسمعون من جيرانهم وخلطائهم من اليهود من صفته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونعته وقرب مبعثه وتخويفهم لهم وانهم سيكونون معه عليهم وهو معنى قوله تعالى في حق اليهود وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى أى قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بأكثر (وقعة بعاث) بموحدة مضمومة فمهملة قيل ويجوز اعجامها وهو شاذ وبعد الالف مثلثة يصرف ويمنع مكان عند بني قريظة على ميلين من المدينة (حضير) باهمال الحاء واعجام الضاد مصغر (والد أسيد) بالمهملتين مصغر أيضا وهو (النقيب) المشهور يكنى أبا يحيى بابنه وقيل أبا عيسى وقيل أبا عتيك وقيل أبا حضير وقيل أبا عمر وكان اسلامه بعد العقبة الاولى وقيل الثانية ووفاته في شعبان سنة عشرين وحمل عمر بن الخطاب سريره حتى وضعه بالبقيع (أخوين لاب وأم) لانهما ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن مزيقيا بالضم فزاى مفتوحة فتحتيه ساكنة فقاف مكسورة فتحتية فالف ابن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امريء القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الازد (ملأهم) أى اشرافهم ورؤساؤهم واصله كل متسع من الارض (سراتهم) بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سري وهو السيد (الاحن) أى الحقد والضغن كما مر (قوله تعالى) بالنصب مفعول (وَاعْتَصِمُوا) أى استمسكوا (بِحَبْلِ اللَّهِ) أى بدينه أو بعهده أو بامره وطاعته أو بالقرآن أو بالجماعة أقوال (وَلا تَفَرَّقُوا) أى كما تفرقت اليهود والنصارى (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ) قبل أن تسلموا (أَعْداءً فَأَلَّفَ) بالاسلام (بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ) أى فصرتم (بِنِعْمَتِهِ) أى برحمته ودينه (إِخْواناً) أى في الدين والولاية (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) يعني القرآن (مُصَدِّقٌ) أى موافق (لِما مَعَهُمْ) يعني التوراة (وَكانُوا) أى اليهود (مِنْ قَبْلُ) أي قبل بعث محمد صلى الله عليه وسلم (يَسْتَفْتِحُونَ) أى يستنصرون (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) أى مشركي العرب بقولهم عند دهماء العدو اللهم انصرنا عليهم بالنبى المبعوث في آخر الزمان الذى نجد صفاته في التوراة فكانوا ينصرون وكانوا يقولون لاعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبى يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وارم (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) أي

الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ» فلما بعث صلى الله عليه وآله وسلم انعكس الامر عليهم فصار الانصار معه على اليهود وقد كان للنبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل ذلك في الانصار نسب وولادة وولاء سابق والاصل في ذلك كله ما أتيح لهم في سابق علم الله من السعادة والسبق الى الاسلام ونصره حتى غلب على أكثرهم الشهادة. ولعظائم الامور مقدمات: فمن مقدمات دخولهم في الإسلام (أولا) مع ما ذكرناه ان النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي عمه أبو طالب جعل يتصدى في المواسم لاشراف العرب يدعوهم الى الله ونصر دينه فكان ممن قدم سويد بن الصامت الاوسى حاجا او معتمرا وكان سويد يسمونه الكامل لما استجمع من خصال الشرف وهو يقول الارب من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفرى مقالته كالشحم ما كان شاهدا ... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر يسرك باديه وتحت أديمه ... تميمة عشر تبتري عقب الظهر تبين لك العينان ما هو كاتم ... من الغل والبغضاء بالنظر الشزر فلما قدم سويد جاءه النبى صلى الله عليه وآله وسلم فعرض عليه الاسلام فقال فلعل الذى معك مثل الذى معي فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما الذى معك فقال مجلة لقمان يعنى حكمته فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان هذا الكلام حسن والذى معي أفضل منه قرآنا أنزله الله علىّ هدى ونور وتلا عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم القرآن الذي عرفوا نعته وصفته وأراد محمدا صلى الله عليه وسلم (كَفَرُوا بِهِ) بغيا وحسدا (ما اتيح) بالفوقية مبنى للمفعول أي ما قدر واتاح الله كذا أي قدره (يتصدى) أي يتعرض (سويد) بالتصغير (ابن الصامت) كضد الناطق (يسمونه الكامل) بالنصب (ساءك) بالمد أي أحزنك (ما يفرى) بالفاء أي ما يقطع ويمزق من عرضك (مقالته كالشحم) أي لينة بيضاء لا يظهر لك فيها خشونة ولا كدر (ما كان) أى ما دام (شاهدا) أي حاضرا (وبالغيب) أي ومتى غاب عنك فهو (مأثور) بالمثلثة والراء من أسماء السيف (يسرك) أي يفرحك (باديه) أى ما يبدو لك منه (وتحت أديمه) أي جلده وأراد في قلبه (غش) بمعجمتين الاولى مكسورة ويجوز ضمها هو ضد النصح (تبترى) بفوقية مكررة مفتوحة بينهما موحدة ساكنة ثم راء أى تقطع (عقب الظهر) بالمعجمة وأراد به الابهر الذى اذا انقطع مات صاحبه والمعنى ان هذا المخادع يظهر لك النصح ويخفى الغش الذي ربما كان سببا لقتلك وانقطاع عقب ظهرك (الغل) بكسر المعجمة (والبغضاء) بالمد وهي البغض (بالنظر الشرر) بفتح المعجمة فزاى فراء وهو نظر العداوة بمؤخر العين (مثل) بالرفع خبر لعل (مجلة لقمان) بفتح الميم واللام المشددة هي الصحيفة التي فيها الحكمة قاله في القاموس (اعرضها على «1» ) بهمز وصل وبكسر الراء وضمها

_ (1) ليس هذا في المتن فلعله وقع في نسخة الشارح

فلم يبعد وقال ان هذا القول حسن ثم انصرف راجعا الى المدينة فقتله الخزرج قبل يوم بعاث فكانوا يرون انه قتل مسلما ثم قدم بعد ذلك جماعة من الاوس يلتمسون من قريش الحلف على قومهم من الخزرج فعرض لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال لهم هل لكم في خير مما جئتم له فقالوا وما ذاك فقال انا رسول الله بعثنى الله الى العباد ادعوهم الى ان يعبدوا الله وحده وأنزل علىّ الكتاب ودعاهم الى الاسلام فقال اياس بن معاذ وكان شابا حدثا أى قوم هذا والله خير مما جئتم له فأخذ أبو الحيسر انس بن رافع حفنة من البطحاء فضرب بها وجه اياس وقال دعنا منك فلعمرى لقد جئنا لغير هذا فصمت اياس وقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانصرفوا راجعين الي المدينة وكانت وقعة بعاث ثم لم يلبث اياس ان هلك ولا يشكون انه مات مسلما لما كانوا يسمعون منه ثم انتشر الخبر في الانصار فلقي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ستة نفر منهم عند العقبة فأسلموا ثم في قابلها اثني عشر رجلا فأسلموا وبايعوا بيعة النساء ثم في قابلها سبعين رجلا وبايعوا على ما سيأتى قريبا ان شاء الله تعالى ثم هاجر صلى الله عليه وآله وسلم اليهم فكانوا أهل حروبه وفتوحه ومغازيه وتمهدت لهم بصحبته الفضائل والسبق وكان منهم السادة النقباء والسادات الشهداء والقادة العلماء والكرماء النجباء والشعراء الفصحاء وسماهم الله الانصار حتى غلب عليهم هذا الاسم فلم يعرفوا بعد بغيره لنصرهم نبيه ودينه وورد في فضلهم من الآيات الكريمات والاحاديث النبويات ما لا ينحصر بالتعداد وينفذ دون بلوغ نهايته الاقلام والمداد. فسبحان من خصهم بذلك علي بعدهم وزواه عن غيرهم مع قربهم انه هو الخبير اللطيف الحكم العدل الذي لا يحيف: وفي الثامنة نزلت سورة الروم وسبب نزولها على ما ذكر المفسرون انه كان بين فارس والروم قتال وكان المشركون يحبون ظهور فارس لكونهم وإياهم أميين ولان الفرس كانوا مجوسا وكان المسلمون (قتلته الخزرج) كان الذي تولى ذلك المجذر بن زياد البلوى وكان حليفا للخزرج وأسلم المجذر رضى الله عنه وشهد بدرا واستشهد باحد كما سيأتى وكان الذي قتله الحارث بن سويد بابيه (وكانوا يرون) بالضم أي يظنون (انه قتل مسلما) فمن ثم عده ابن شاهين في الصحابة وكذا أبو الحسن العسكرى ثم قال أنا أشك في اسلامه (اياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية آخره مهملة (أبو الحيسر) بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء (البطحاء) هو الموضع المتسع (ولا يشكون انه مات مسلما) فمن ثم عده ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر في الصحابة (النقباء) جمع نقيب وهو رئيس القوم (بالتعداد) بفتح الفوقية وكسرها قال في الصحاح ان تفعالا بالفتح مصدر وبالكسر اسم (والمداد) بكسر الميم (لا يحيف) أى لا يظلم* ذكر سبب نزول سورة الروم وهي ستون آية مكية

يحبون غلبة الروم لكونهم وإياهم أهل كتاب وكانت الروم نصارى فالتقوا مرة في أدنى الارض على ما نطق به التنزيل أى أقرب أرض الشام الى فارس وهى أذرعات وكسكر فغلبت الروم فخزن المسلمون وفرح الآخرون وقالوا قد غلب اخواننا فلئن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ فخرج أبو بكر الصديق رضى الله عنه حينئذ وقال لهم لا تفرحوا فو الله لتظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما راه أبيّ بن خلف في ذلك وراهنه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلوا الأجل ثلاث سنين ثم أخبر ابو بكر النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بذلك فقال ما هكذا ذكرت انما البضع من الثلاث الى التسع فخرج أبو بكر فلقى أبيا فزايده في الخطر والاجل وكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره بذلك وذلك قبل تحريم القمار فجعلا الخطر مائة قلوص من كل واحد منهما والاجل في ذلك تسع سنين ولما خشى أبى خروج أبي بكر من مكة طالبه بكفيل فكفل له ابنه عبد الله بن أبى بكر وحين أراد أبي الخروج الى أحد لزمه عبد الله بن أبي بكر فكفل له فلما رجع من أحد ومات من جراحته التي أصابته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حين بارزه وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية على رأس سبع سنين من مناحبتهم وقيل كان ذلك يوم بدر فقهر (فالتقوا مرة) يعني فارس والروم. قال البغوي بعث كسرى جيشا الى الروم وأمر رجلا يقال له شهريار وبعث قيصر جيشا واستعمل عليهم رجلا يقال له نحيس فالتقيا فغلبت فارس الروم (اذرعات) بهمزة مفتوحة فمعجمة ساكنة فراء مكسورة فمهملة فالف ففوقية بلد في أقصى الشام مشهورة مصروفة وقد تمنع قاله في القاموس (وكسكر) بفتح الكافين بينهما مهملة ساكنة وفي آخره راء بوزن جعفر. قال في القاموس كورة قصبتها واسط كان خراجها اثني عشر الف مثقال كاصبهان (ألم) من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه والخلاف فيه منتشر (في أدنى الارض) أي أقرب الشام الى فارس وهي اذرعات وكسكر كما ذكر المصنف وهو قول عكرمة وقيل هي أرض الجزيرة وقيل الاردن وفلسطين (وهم) أى الروم (من بعد غلبهم) أى من بعد غلبة فارس اياهم (سيغلبون) فارس (في بضع سنين) البضع ما بين الثلاث الى التسع أو الى السبع أو هو ما دون العشرة أو من واحد الى أربعة أقوال أصحها الاول (فما راه) أى جادله (أبي بن خلف) قال البغوي قال له كذبت قال فقال انت كذبت باعدو الله فقال اجعل بيننا وبينك اجلا انا حبك عليه (وراهنه) أي خاطره وقامره (على عشر قلائص) جمع قلوص بالقاف والمهملة وهي الناقة الفتية كما مر (فكفل له ابنه) عبد الله هو ابن أبي بكر وكان يومئذ كافرا ثم أسلم بعد ذلك وحسن اسلامه وهو أخو أسماء لابويها مات في شوال سنة إحدي عشرة في أوّل خلافة ابيه وشهد الفتح وحنينا والطائف كما سيأتى (فكفل له) بالتشديد (من مناحبتهم) بالنون والمهملة والموحدة أى مفاخرتهم* ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم هو وأهله

الكلام على وفات عمه أبى طالب والسيدة خديجة وحزنه صلى الله عليه وسلم لذلك وما ناله من أذى قريش عقب ذلك

أبو بكر أبيا وأخذ الخطر من ورثته وجاء به الى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال له تصدق به* وفي التاسعة خرج صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هو وأهله من حصار الشعب ونقضت الصحيفة بتمالئ النفر الخمسة على نقضها حسبما تقدم. [الكلام على وفات عمه أبى طالب والسيدة خديجة وحزنه صلى الله عليه وسلم لذلك وما ناله من أذى قريش عقب ذلك] ولثمانية أشهر واحد عشر يوما من العاشرة مات عمه أبو طالب فاشتد حزنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عليه ثم ماتت خديجة رضي الله عنها بعده ثلاثة أيام فتضاعف حزنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكان الله له خلفا عنهما وعن كل أحد وثبت في الصحيحين من رواية سعيد بن المسيب عن ابيه من حصار الشعب (بتمالئ) بفتح الفوقية وتخفيف الميم وكسر اللام وهو التعاون بالشيء والتشاور فيه قبل فعله (النفر) هم عدة رجال من ثلاثة الى عشرة كما مر عن الجوهري (حسبما تقدم) بفتح السين أشهر من سكونها أي على قدره كما مر. ذكر موت أبي طالب وخديجة (مات عمه أبو طالب) كان موته في أوّل ذي القعدة أو النصف من شوال قولان وعمر بضعا وثمانين سنة (ثم ماتت خديجة بعده بثلاثة أيام) أو شهر أو شهر وخمسة أيام أو خمسين يوما أقوال. قال ابن الاثير ودفنت بالحجون ولم يصل عليها لان صلاة الجنائز كانت لم تشرع يومئذ وقيل ماتت قبل أبي طالب وكان عمرها خمسا وستين سنة وأقامت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما تزوجها أربعا وعشرين سنة وستة أشهر وكان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف. وقيل قبل الهجرة بسنة وقال عروة ما ماتت الا بعد الاسراء وبعد ان صلت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم (فاشتد حزنه) بفتح المهملة والزاي وبضم المهملة وسكون الزاي لغتان مشهورتان (سعيد بن المسيب) بفتح التحتية عن العراقيين وهو المشهور وبكسرها عن المدنيين قال ابن قرقول قال الصيدلاني دكر لنا ان سعيدا كان يكره أن يفتح الياء من اسم أبيه وأما غير والد سعيد فبفتح الياء بلا خلاف انتهى وهو سعيد بن المسيب بن حزن بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب والده وجده صحابيان أسلما يوم الفتح ولد سعيد لسنتين مضتا من خلافة عمر وقيل لاربع وكان يقال له سيد التابعين. قال بعضهم ان مراسيله حجة مطلقا لانها فتشت فوجدت مسندة. قال البيهقي والخطيب وغيرهما وليس كما قال فانه وجد فيها ما ليس بمسند وعلى الاول فقد نظر ابن الصلاح في القليل بانها فتشت فوجدت مسانيد بانها اذا ظهرت مسندة كان الاحتجاج بالمسند لا بالمرسل قال والتحقيق ان مراسيل سعيد كغيره وانما قال الشافعي ارسال سعيد عندنا حسن ولا يلزم من هذا ان يكون حجة وانما استحسنها لان سعيدا قل ما يرسل الا عن أبي هريرة فانه صهره فانه يرسل عمن لو سماه كان مقبولا. قال واستقراء مذهب الشافعي يدل على انه انما يحتج بما وجد مسندا من أحاديث سعيد مثل حديث بيع اللحم بالحيوان جاء مرسلا وجاء مسندا عن أبي سعيد وعن أبي هريرة وقل ما يرسله سعيد ولا يوجد مسندا انتهى. توفي سعيد سنة أربع وتسعين عن تسع وسبعين سنة وسميت سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها منهم وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغير اسم جده فقال انت سهل فقال لا أغير اسمى فما زالت الحزونة في ولده ففيهم سوء

انه لما احتضر أبو طالب جاءه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وعنده ابو جهل وعبد الله ابن أبى أمية فقال له أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله فقالا له يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به هو على ملة عبد المطلب فقال النبى لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى الآية ونزلت انك لا تهدي من أحببت وفي رواية لمسلم قال لولا أن تعيرنى قريش يقولون انما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك وان العباس ابن عبد المطلب قال للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ما أغنيت عن عمك فانه كان يحوطك ويغضب لك قال هو في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه تغلي منه أم دماغه* وهذا مطابق لقوله خلق (فائدة) اختلف في الافضل من التابعين هل هو سعيد أم أويس القرني وجمع النووي وغيره بين القولين بان كلا منهما أفضل من الآخر من حيثية فالاول من حيثية العلم والثاني من حيثية الزهد في الدنيا (قلت) وهذا الجمع محتاج الى أن يقال بافضلية أحدهما أو الى استوائهما ويظهران سعيدا أفضل من أويس على الاطلاق لان فضيلة العلم لا توازيها فضيلة الزهد على انا نقول بغلية الظن ان سعيدا شارك أويسا في تلك الفضيلة ولا عكس (احتضر) بالبناء للمفعول أي حضرته الوفاة (كلمة) بالنصب على انه بدل وبالرفع خبر مبتدإ محذوف (أحاج لك) أي أقيم لك بها الحجة عند الله عز وجل بالشهادة لك على انك قلتها ومنه يؤخذ صحة اسلام الكافر قبيل موته اذا كان قبل الغرغرة وهو كذلك (ما كان) أي ما ينبغى (ولو كانوا) الواو هنا حالية (انك لا تهدى) أي لا توفق وترشد فلا تنافيه الآية الاخرى وانك لتهدي الى صراط مستقيم اذ المراد هنا بالهداية الدلالة (من أحببت) قال النووي يحتمل من أحببته ومن أحببت هدايته (وهو أعلم بالمهتدين) أي بمن قدر له الهدى (الجزع) بفتح الجيم والزاي في جميع الاصول والروايات وذهب جماعة من أهل اللغة الى أنه بفتح المعجمة والراء وهو الضعف والخور وقيل الجزع الدهش واختار ذلك أبو القاسم الزمخشري. قال عياض ونبهنا غير واحد من شيوخنا على انه الصواب (لاقررت بها عينك) قال ثعلب أقر الله عينه معناه بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عينه أي تسكن فلا تشترف لشئ. وقال عبد الملك بن قريب بالقاف والراء مصغر ابن أصمع الاصمعي معناه أبرد الله دمعه لان دمعة الفرح باردة (يحوطك) أي يصونك ويمنعك من كل من أرادك بسوء (ضحضاح) بفتح المعجمتين بينهما مهملة وهو مارق من الماء على وجه الارض واستعير في النار (تغلى منه أم دغلمه) زاد مسلم وغيره ولولاي لكان في الدرك الاسفل من النار (تنبيه) لا خلاف بين العلماء في ان أبا طالب مات على الكفر ولم يأت في رواية يعتمد عليها فيه ما أتي في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى أحياهما له فآمنا به نعم ذكره القرطبي في التذكرة بلفظ وقد سمعت ان الله تعالى أحياله أبا طالب وآمن به والله أعلم (وهذا مطابق) أي موافق (الذنوب ثلاثة الى آخره) أخرجه الطبراني في الكبير من حديث سلمان بلفظ ذنب لا يغفر وذنب لا يترك وذنب يغفر فاما الذي لا يغفر

صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الذنوب ثلاثة ذنب يغفره الله وذنب لا يغفره الله وذنب لا يتركه الله وفسر الاول بظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين خالقهم والثانى بالشرك واستشهد عليه بقوله تعالى إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ والثالث مظالم العباد فيما بينهم وفي معناه ما ثبت في الصحيح من رواية أنس ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أين أبي قال في النار قال فلما قفا الرجل دعاه فقال ان ابى وأباك في النار ومثله ما روت عائشة قالت قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه قال لا ينفعه انه لم يقل يومارب اغفرلي خطيئتي يوم الدين رواهما مسلم. وروي عن ابن عباس ومقاتل في قوله وَهُمْ يَنْهَوْنَ فالشرك بالله وأما الذي يغفر فذنب العبد بينه وبين الله عز وجل وأما الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا وأخرجه في الاوسط من حديث أبى هريرة بلفظ ذنب يغفر وذنب لا يغفر وذنب يجازي به فاما الذى لا يغفر فالشرك بالله وأما الذي يغفر ففعلك بينك وبين ربك وأما الذي يجازى به فظلمك أخاك (ان الشرك) أي عبادة غير الله (لظلم عظيم) أي لان الظلم وضع الشيء في غير موضعه وهو صادق على الشرك لان المشرك وضع العبادة في غير موضعها (ان رجلا) لم يسم (فلما قفا) أي ولي قفاه (ان أبى وأباك في النار) هذا محمول على القول بايمان أبويه على ان المراد عمه كما تقدم أو على انه قال ذلك قبل احياء أبيه فيكون اخباره عن الحالة الراهنة (ابن جدعان) بالجيم ومهملتين بوزن عثمان واسمه عبد الله (في الجاهلية) هي زمن الفترة سموا بذلك لكثرة جهالاتهم (انه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) أي لم يؤمن فيقول ذلك لانه لا يقوله الا المؤمن المشفق من عذاب يوم القيامة وهذا من جملة دعاء ابراهيم كما في القرآن حكاية عنه (عن ابن عباس) هو عبد الله بن عباس ترجمان القرآن الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب اللهم فقهه في الدين كان يكنى أبا العباس بابيه أمه لبابة بنت الحارث بن حرب الهلالية وعلمه وفضله أشهر من أن يذكر ومناقبه أكثر من أن تحصر كان له حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة أو خمس عشرة سنة قولان توفي سنة ثمان وستين أو تسع وستين بالطائف وهو ابن سبعين أو احدى وسبعين أو ثلاث وسبعين سنة أقوال وكف بصره في آخر عمره فقال في ذلك بيتين كما مر (فائدة) كان للعباس رضي الله عنه من الولد عشرة سبعة منهم ولدتهم أم الفضل بنت الحرث الهلالية أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما وهم الفضل وعبد الله وعبيد الله ومعبد وقثم وعبد الرحمن وأم حبيب وعوف قال ابن عبد البر لم أقف على اسم أمه وتمام وكثيرا مهما أم ولد له والحارث أمه من هذيل كان أصغرهم تمام وكان العباس يحمله ويقول تموا بتمام فصاروا عشره ... يا رب فاجعلهم كراما برره واجعل لهم ذكرا وأنم الثمره وكل بني العباس لهم رواية وللفضل وعبد الله وعبيد الله سماع ورواية (ومقاتل) هو ابن سليمان البلخي المفسر

عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ انه أبو طالب كان ينهي الناس عن أذى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وينأى عن الايمان أي يبعد ويمنعهم. وروي في كتب السير ان العباس بن عبد المطلب نظر الى أبى طالب حين الموت وهو يحرك شفتيه فأصغي اليه بأذنه فقال يابن أخى والله لقد قال أخى الكلمة التي أمرته بها أن يقولها فقال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم أسمع والله أعلم ولكن لم يقلها العباس رضى الله عنه ولم تؤثر عنه بعد ان أسلم ولا يستقيم ذلك مع ما ثبت من النقل الصحيح الصريح انه مات على الشرك* قال السهيلي ومن باب النظر في حكمة الله تعالى ومشاكلة الجزاء للعمل ان أبا طالب كان مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بجملته متحزبا له الا انه كان مثبتا لقدمه على ملة عبد المطلب فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على ملة آبائه* اللهم ثبت قلوبنا على دينك حتى تميتنا عليه في غير محنة ولا فتنة وذكر في وصيته لقريش عند موته في أمر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والله لا يسلك أحد سبيله الا رشد ولا يأخذ أحد بهديه الاسعد ولو كان لنفسي مدة ولأجلى تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهى واشتهرت الاخبار بتوليه للنبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والمدافعة عنه والذب عنه وتحمل الضر لأجله* ومن أحسن ما روي عنه في ذلك انه قال والله لن يصلوا اليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذاك منك عيونا ودعوتني وعرفت انك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينا؟؟؟ صاحب الضحاك. قال الذهبي متروك وأما مقاتل بن حبان البلخي الخراز فقيه عالم صالح (ولم تؤثر) أي لم تنقل (ومشاكلة الجزاء) بالمعجمة كالمماثلة وزنا ومعنى (متحزبا له) بالزاي والموحدة أي ناصرا له فكان من حزبه (الارشد) بفتح الراء وكسر المعجمة أي اهتدى (بهديه) أي بطريقته كما مر (الاسعد) بفتح أوله وضمه كما في القرآن (الهزاهز) الاضطراب والتحرك. قال في القاموس الهزاهز تحريك البلايا والحروب وهزهزه ذلله وحركه انتهى ومعناه لا أدع أحدا يهزه ويزلزله (الدواهي) جمع داهية بالمهملة والتحتية كفاعله وهي كل أمر عظيم مفظع (بتوليه) بفتح الواو وتشديد اللام المكسورة أي بنصرته (والذب عنه) أي الطرد (الاصر) بكسر الهمزة هو العهد الثقيل كما مر (حتى أوسد) أي يجعل لي وسادة من التراب أو نحوه تحت راسي (دفينا) حال (غضاضة) بفتح أو له وبالاعجام أي نقص وازدراء (وابشر) بوصل الهمزة وفتح المعجمة من بشر

لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتنى سمحا بذاك مبينا ومن محاسن قصيدته الكبرى قوله كذبتم وبيت الله نترك مكة ... ونظعن الا أمركم في بلابل كذبتم وبيت الله نبزا محمدا ... ولما نطاعن حوله ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل وينهض قوم في الحديد اليكم ... نهوض الروايات تحت صل الصلاصل وحتى نرى ذا الضغن يركب ردغه ... من الطعن فعل الانكب المتحامل وانا لعمر الله ان جدما أرى ... لتلتبسن أسيافنا بالانامل بكفي فتى مثل الشهاب سميدع ... أخى ثقة حامي الحقيقة باسل بكذا يبشر بكسر الشين في الماضي وفتحها في المستقبل لغة فصيحة في ابشر يبشر (لولا الملامة) بالرفع أي اللوم ومعناه لولا خوف الملامة (أو حذار) بكسر المهملة مصدر كالحذر (مسبة) أي سب وهو الشتم بما ليس في الشخص (لوجدتنى سمحا) أي سامحا بما تطلبه منى* شرح ما ذكره المصنف من قصيدة أبى طالب المشهورة (الا أمركم) أي لكن أمركم (في بلابل) أي في هموم وأحزان (نبزا محمدا) بضم النون وسكون الموحدة وفتح الزاي أي نغلب عليه ونقهر (ونناضل) بالمعجمة أي نرامي بالسهام (ونسلمه) بضم عطف على نبزا (حتى نصرع) أي نقتل (والحلائل) أي الزوجات والسراري (قوم) أى جماعة من الرجال أو من الناس قولان لا واحد له من لفظه ولا يدخل فيه النساء على الاول (في الحديد) أراد الدروع وغيرها من أداة الحرب (نهوض) بالفتح مصدر (الروايا) بالراء جمع راوية وهي في الاصل البعير الذى يسقى عليه ثم قد يستعمل في غيره من الابل (الصلاصل) جمع صلصلة وهي الصوت المسموع عند ضرب الحديد بعضه بعضا وأراد هنا صوت خضخضة الماء في المرادات التي على الروايا (الضغن) بالمعجمتين الاولى مكسورة الحقد كما مر (ردغه) بفتح الراء وبالمعجمة ويجوز اهمالها أى ما يرشه من الدم (فعل الانكب) هو المتحامل مأخوذ من قولهم بعير انكب اذا كان يمشى في شق وقيل اذا طالت رجلاه وقصرت يداه (لعمر الله) أى وبقاء الله وحياته (ان جد) بجيم ومهملة أى ان مضي الامر بيننا وبينكم على ما هو عليه من الشقاق والمخالفة (لتلتبسن) بنون التوكيد الخفيفة فيكتب بالالف (بالانامل) جمع أنملة بتثليث الهمزة مع تثليث الميم فهذه تسع لغات (بكفي) تثنية كف (فتى) من أسماء الشباب كما مر (مثل) بالكسر (الشهاب) شعلة النار ومن أسماء النجم أيضا (سميدع) بفتح المهملة وكسر الميم وفتح الدال المهملة وهو السيد (أخي) أى ذي (ثقة) أي يوثق بقوله وأمانته (حامي الحقيقة) بالمهملة والقافين بوزن العظيمة. قال أهل اللغة حقيقة الرجل ما لزمه الدفع عنه من أهل بيته* قال عباس بن مرداس السلمي فلم أر مثل الحي حيا مصبحا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا أكر واحمي للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا (باسل) بالموحدة والمهملة

شهورا وأياما وحولا مجرما ... علينا وتأتى حجة بعد قابل وما ترك قوم لا أبالك سيدا ... يحوط الذمار غير ذرب مواكل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل لعمري لقد كلفت وجدا باحمد ... واخوته دأب المحب المواصل كفاعل أى شجاع (لا أبالك) قال في البحر كلمة تقولها العرب للحث على فعل الشيء ومعناه ان الانسان اذا كان له أب ووقع في شدة عاونه أبوه ورفع عنه بعض الكل فلا يحتاج من الجد والاهتمام الى ما يحتاج اليه حالة الانفراد وعدم الاب المعاون فاذا قيل لا أبا لك فمعناه جد في هذا الامر وشمر وتأهب تأهب من ليس له معاون وقد يقال لا أم لك كذلك أيضا (سيدا) مأخوذ من السؤدد وهو الرياسة والزعامة ورفعة القدر ويطلق السيد على الرب والمالك والرئيس الذي يتبع وينتهي الى قوله والمطيع لربه والفقيه والعالم والحليم الذى لا يغضبه شيء والكريم على الله والتقى والبريء من الحسد والفائق قومه في جميع خصال الخير والقانع بما قسم الله والسخي والنسيب (يحوط) أي يمنع (الذمار) بكسر المعجمة الهلاك أو الغضب قولان وفي راء الذمار تزحيف (ذرب) بمعجمة مكسورة فراء ساكنة فموحدة أي غير حديد اللسان فاحشه (مواكل) أى يكل أموره الى غيره غباوة منه وجهلا (وأبيض) بالفتح معطوف على قوله سيدا (يستسقى الغمام) أي السحاب (بوجهه) قال ذلك لما رأى في وجهه من علامات ذلك وان لم يشاهد وقوعه قاله الحافظ ابن حجر. قلت بل شاهد أبو طالب ذلك فقد أخرج ابن عساكر من حديث عرفطة قال قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادي وأجدب العيال فهلم فاستسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كانه شمس دجن تجلت عنه سحابة غيم وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب وألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام باصبعه وما في السماء قزعة فاقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق وأخصب النادي والبادي وفي ذلك يقول أبو طالب وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامي عصمة للرامل انتهى (ثمال اليتامي) بالنصب نعت لما تقدم وهو بكسر المهملة العماد أو الملجأ أو الكافي أو المغيث أو المعين أو مطعم الجائعين أقوال نظمتها فقلت عماد ملجأ كاف مغيث* ... معين مطعم ذاك الثمال (عصمة) أى ملاذ (للارامل) جمع أرملة وهي المرأة الفقيرة التي لا زوج لها (يلوذ به) أي يلجأ اليه (الهلاك) جمع هالك (فى نعمة) بفتح النون وكسرها ومعناه بالفتح المنعة والعيش الرغد وبالكسر واحد النعم (لقد كلفت) كملت وزنا ومعنى وهو مبنى للمفعول (وجدا) بفتح الواو أى حبا شديدا (باحمد) بالصرف لضرورة الشعر (واخوته) أراد بهم أولاد نفسه (دأب) أى عادة (المحب المواصل) اسم فاعل أو مفعول فهو بكسر المهملة

فمن مثله في الناس أى مؤمل ... اذا قاسه الحكام عند التفاضل حليم رشيد عادل غير طائش ... بوالى إلها ليس عنه بغافل فو الله لولا أن أجئ بسبة ... تجر على أشياخنا في المحافل لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدا غير قول التهازل لقد علموا ان ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعبا؟؟؟ بقول الاباطل فأصبح فينا أحمد في أرومة ... تقصر عها سورة المتطاول حدبت بنفسى دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذري والكلاكل وقال ابنه طالب بن أبى طالب فما إن جنينا في قريش عظيمة ... سوى ان حمينا خير من وطئ التربا أخا ثقة في النائبات مرزأ ... كريما نثاة لا بخيلا ولا ذربا يطوف به العافون يغشون بابه ... يؤمون نهرا لا نزورا ولا ضربا قال ابن اسحاق فلما مات ابو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله من الاذى مالم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا ودخل على أحدي بناته فجعلت تغسله وتبكى ورسول الله صلى الله عليه على الاول وفتحها على الثاني (مؤمل) بفتح الميم أى مرجو (حليم) أى لا يعجل بمكافأة ذى الشر (رشيد) أى عاقل مهتد (غير طائش) باهمال الطاء واعجام الشين أى خفيف (بسبة) بضم المهملة أى خصلة أسب بها (في المحافل) جمع محفل بالمهملة والفاء وهو المجمع (جدا) هو نقيض الهزل (التهازل) هو التفاعل من الهزل أى كنا اتبعناه جدا لا هزلا (لقد علموا) أى بالاختبار (ان ابننا) أطلق ذلك عليه مجازا (لا يعنى) أي لا يعتني وروى بالموحدة أى لا يبالي (في أرومة) بفتح الهمزة هى من أسماء الاصل كما مر (سورة المتطاول) بفتح المهملة أى مبالغته في التطاول (حدبت) مر شرحه (بالذري) جمع ذروة بكسر المعجمة وضمها وذروة كل شيء أعلاه (والكلاكل) هي عظام الصدر (وقال ابنه طالب) كاسم فاعل من الطلب وهو أكبر أولاده وبه كان يكنى وسيذكره المصنف فيما بعد (فما) نافية (ان) زائدة (عظيمة) أى جناية عظيمة (التربا) بالف الاطلاق والترب لغة في التراب (مرزأ) أى مسئولا وأصل الرزء النقص ثم استعمل في السؤال لانه ينقص به مال المسئول (يطيف به) بضم أوله رباعي (العافون) جمع عاف وهو الطالب لما يأكل (يغشون) بفتح الشين (يؤمون) أي يقصدون (نهرا) بسكون الهاء وفتحها لكنه في النظم بالسكون وهو مستعار لكثرة خيره صلى الله عليه وسلم ويروى عدا أي لا انقطاع له (لا نزورا) بفتح النون والنزور كثير النزر وهو زجر مع الغضب (ولا ضربا) أى

مطلب في خروجه صلى الله عليه وسلم لثقيف بالطائف وخبر ما لقي من أذاهم وخبر جن نصيبين

وآله وسلم يقول لها لا تبكي يا بنية فان الله مانع أباك ويقول بين ذلك ما نالت قريش مني ما نالت حتى مات ابو طالب* وذكر أيضا ان النفر الذين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجوار المنزل لم يسلم منهم أحد الا الحكم بن ابى العاص مع ان إسلامه كان مضطربا فكان أحدهم يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلى ويطرحها في برمته اذا نصبت له حتى اتخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حجرا يستتر به منهم اذا صلى وكان اذا طرحوا عليه ذلك خرج به على عود وقال يا بنى عبد مناف أى جوار هذا ثم يلقيه (قلت) وجميع ذلك انما هو أذى يتأذى به مع قيام العصمة لجملته ليناله حظه من البلاء وليحقق فيه مقام الصبر الذي أمر به كما صبر أولو العزم من الرسل الانبياء ومع ذلك فكل من قومه قد كان حريصا على الفتك به واستئصاله والفراغ منه لو يقدر على ذلك فسبحان من كفاه وقاه وآواه وأظهر دينه على الاديان كلها وأسماه* [مطلب في خروجه صلى الله عليه وسلم لثقيف بالطائف وخبر ما لقي من أذاهم وخبر جن نصيبين] ولثلاثة أشهر من موت أبى طالب خرج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الى ثقيف أهل الطائف وحده وقيل كان معه زيد بن حارثة فأقام بها شهرا يدعوهم فردوا قوله واستهزؤا به وسألهم أن يكتموا عليه اذ لم يقبلوا فلم يفعلوا وعند انصرافه عنهم أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون خلفه حتى اجتمع عليه الناس وألجؤه الى جنب حائط لعتبة وشيبة بنى ربيعة وكانا حينئذ هناك فلما اطمأن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ظله ورجع عنه عامة السفهاء دعا فقال اللهم انى أشكو اليك ضعف قوتى وقلة حيلتي وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى الى من ولا يضرب ضربا (ويقول بين ذلك) أى في أثنائه (ما نالت قريش مني ما نالت) ما الاولى نافية والثانية اسم أى الذي نالت (حجرا) بكسر المهملة وسكون الجيم أى شيأ يحتجر به عنهم أى يمتنع (على الفتك به) الفتك أن يأتي الرجل الى آخر ليقتله وهو غافل (واستئصاله) أى اذهابه من أصله* ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم الى ثقيف وهو جد هوازن. قال في القاموس واسمه قصى بن منبه بن بكر بن هوازن وهو مصروف (أهل) بالكسر على البدل (فردوا عليه) كان الراد عليه ثلاثة اخوة عبد ياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير وذلك ان أحدهم قال هو يمرط ثياب الكعبة ان كان الله أرسلك وقال الآخر اما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك كلمة أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول فانت أعظم خطر امن ان أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي ان أكلمك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم (ان يكتموا) بضم الفوقية (اللهم اني أشكو اليك ضعف قوتي الي آخره) أخرجه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن جعفر (انت رب المستضعفين) انما خصهم مع انه رب الكل لانهم لا يتشوفون

تكلنى الى بعيد يتجهمنى أو الى عدو ملكته أمري ان لم يكن بك غضب على فلا أبالي ولكن عافيتك هى أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بى غضبك أو يحل عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك ولما رأى ابنا ربيعة ما لقى تحركت له رحمهما وبعثا اليه غلاما لهما اسمه عداس بطبق عنب فلما وضعه بين يديه سمى وأكل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم سأل عداسا عن دينه وبلده فقال أنا نصرانى من أهل نينوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى فقال عداس وما يدريك فقال ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي فاكب عليه عداس يقبل رأسه ويديه ورجليه فقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده ولما جاءهم عداس سألاه فقال ما على الارض خير من هذا الرجل فقالا يا عداس لا يصرفنك عن دينك فانه خير من دينه (قال المؤلف كان الله له) وقد تعدد الحديث في صحيح مسلم من رواية عائشة عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ان هذا الموقف بالطائف أشد ما لقى في الى نصرة سواه بخلاف غيرهم (يتجهمني) بالجيم وتشديد الهاء أى يقابلنى بوجه غليظ (أو يحل) قال الجوهري حل العذاب يحل بالكسر أى وجب ويحل بالضم أى ينزل (العتبى) بضم المهملة على وزن العقبي أى لك على ان استرضيك (حتى ترضى) عني والعتبى الرضى واستعتبه أعطاه العتبي كاعتبه قاله في القاموس (عداس) بالمهملات بوزن كتاب قاله في القاموس أو بوزن غراب قاله غيره عده ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة (بطبق عنب) بالاضافة (نينوى) بنونين بينهما تحتية ساكنة الاولى منهما مكسورة والثانية مفتوحة ثم واو مفتوحة قرية بالشام (يونس بن متى) بتشديد الفوقية على وزن حتى وهي أمه ولم يشتهر نبى بأمه سوى عيسى ويونس قاله ابن الاثير في الكامل قال الشمني وان قيل قد ورد في الصحيح لا تفضلوني على يونس بن متي ونسبه الى أبيه وهو يقتضي ان متى أبوه. أجيب بأن ابن متى مدرج في الحديث من كلام الصحابي لبيان يونس بما اشتهر به لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولما كان ذلك موهما ان الصحابي سمع هذه النسبة من النبي صلى الله عليه وسلم دفع الصحابى ذلك بقوله ونسبه الى أبيه أى لا كما فعلت أنا من نسبته الى أمه انتهى. وقال عدة من الحفاظ ان متى أبوه وعليه اقتصر في القاموس وهو الصحيح اذ هو مدلول الحديث وتأويله بما مر تعسف لا يجدى (فاكب) أي أهوى (يقبل رأسه ويديه ورجليه) فيه ان ذلك لا بأس به لاهل الفضل كالعلماء والزهاد والعباد وأهل ذي نسب شريف تبركا واقتداء بالسلف (ولما جاء عداس سألاه) في سيرة ابن اسحق قالا له ويلك ما لك تقبل قدمى هذا الرجل قال يا سيداي (ما على الارض خير من هذا الرجل) لقد أخبرني بأمر ما يعلمه الا نبي (فقالا) ويحك يا عداس الى آخره (الموقف) بالنصب (أشد) بالرفع

ذلك والله أعلم بما لحقه من التعيير والتبكيت والاستهزاء وخيفة شماتة قريش وخشية أن ينالوه بمثلها ودعاؤه حينئذ مبين عما وقع في نفسه من الكرب العظيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضل الصلاة وأزكى التسليم وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يتأذى منهم بالقول أعظم من تأذيه بالفعل ولما عكسوا اسمه الكريم وسموه مذمما بدلا عن محمد قال ألا ترون ما يدفع الله عنى من أذى قريش يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يعني انهم يوقعون سبهم على وصف ولم يكن بذلك الوصف صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم انصرف من الطائف راجعا مغموما مهموما فلما بلغ قرن الثعالب وهو قرن المنازل أتاه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال واستأذنه أن يطبق على قريش الاخشبين وهما جبلا مكة فكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد تقدم الحديث في ذلك مستوفي ثم أخذ راجعا الى مكة حتى اذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر تسعة وقيل سبعة من جن نصيبين وهي مدينة بالشام مباركة وجنها سادات الجن وأكثر عددا وهم أوّل بعث بعثه ابليس حين بعث جنوده ليتعرفوا له الاخبار عن سبب منعهم من استراق السمع فلما سمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولوا الى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا لما سمعوا فقص الله على نبيه خبرهم فقال واذ صرفنا اليك نفرا من الجن الآية. وذكر من أسمائهم منشى وماشى وشاصر وماصر والاحقب وزوبعة وحكى أنهم من نصيبين قرية باليمن غير التي في العراق وقيل انهم من نينوى وان جن نصيبين أتوه بعد ذلك بمكة والصواب انه لم يرهم ليلتئذ (قال المؤلف كان الله له) هكذا ينقل عن ابن اسحق رحمه الله وتبعه غيره أن استماع الجن بنخلة كان عند مرجعه صلى الله عليه وآله وسلم (من التعيير) مصدر عيره بكذا اذا انتقصه به (والتبكيت) مصدر بكت يبكت بالموحدة وتشديد الكاف وفوقية وهو التوبيخ والملامة (شماتة قريش) بفتح المعجمة مصدر شمت يشمت بكسر الميم في الماضي وفتحها في المستقبل وهي فرح الضد بمصيبة ضده (مبين) مخفف ومثقل (أفضل الصلاة) الخلاف فيه مشهور (وأزكى) أى انمي (الا ترون) بفتح الفوقية (بنخلة) غير مصروف (نصيبين) بنون مفتوحة فمهملة مكسورة فتحتية ساكنة فموحدة مكسورة فتحتية ساكنة فنون بوزن قريبين بلد من بلاد الجزيرة (عن سبب منعهم من استراق السمع) أى برمي الشهب وظاهره انها لم تكن پرمي بها قبل ذلك والتحقيق انها كانت يرمي بها لكن مع قلة ثم كثرت لما بعث صلى الله عليه وسلم كما مر (منشي) كاسم المنشي الذي هو بمعنى المبتديء (وماشي) كاسم الماشي الذى هو ضد الراكب (وشاصر) باعجام الشين واهمال الصاد فراء كفاعل (وماصر) بالمهملة بوزن الاول (والاحقب) بالمهملة والقاف

فصل في الكلام على الجن واختلاف الناس فيهم

من الطائف وحده وثبت في صحيح البخارى عن ابن عباس ان ذلك كان عند انطلاقه في طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ فسمعوه وهو يصلى بهم صلاة الفجر وما ثبت فيه مقدم على غيره ويدل عليه ما رواه الترمذي عن ابن عباس وصححه أنهم لما رأوه يصلي بأصحابه وهم يصلون بصلاته ويسجدون معه تعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم وانه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا* وثبت في صحيح مسلم انه أتاه داعى الجن مرة أخرى بمكة وذهب معه وقرأ عليهم القرآن وسألوه الزاد فقال لهم لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوا بكم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فلا تستنجوا بهما فانهما طعام اخوانكم قال عكرمة وكانوا اثنى عشر ألفا من جزيرة الموصل ووردت أحاديث أخر تدل على تكرر اجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان ابن مسعود معه في احدى المرات والله أعلم. [فصل في الكلام على الجن واختلاف الناس فيهم] (فصل) واختلف في أصل الجن فقيل هم والشياطين ولد ابليس وقيل هم ولد الجان والشياطين ولد ابليس ثم انهم متجسمون محتاجون الى التغذية كالانس خلافا لمن أنكره من كفرة الاطباء والفلاسفة ويتصورون في الصور المختلفة وأكثر ما يتصورون حيات وعقارب وروي في حديث انهم ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات والموحدة على وزن الاغلب (وزوبعة) بالزاي والموحدة والمهملة بوزن صومعة وكان رئيسهم (فائدة) حكى عن أبي حمزة الثمالي انهم من بنى الشيصران بفتح المعجمة والمهملة بينهما تحتية ساكنة واختلف في اطلاق اسم الصحبة على من لقيه صلى الله عليه وسلم من الجن والصحيح الاطلاق فقد عد ابن شاهين وغيره جماعة من الجن في أسماء الصحابة (عكاظ) بضم المهملة وآخره معجمة سوق من أسواق الجاهلية وهو مصروف قال الازرقي وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء في عمل الطائف على بريد منها (طواعية) بفتح المهملة وتخفيف الواو وتشديد التحتية أى طاعة (وانه لما قام عبد الله) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يدعوه) الهاء ضمير الله عز وجل أي يعبده (كادوا يكونون عليه لبدا) أصل اللبد الجماعة بعضها فوق بعض أي يركب بعضهم بعضا ويزدحمون حرصا على استماع القرآن وقيل هو من قول النفر لما رجعوا إلى قومهم من الجن أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم واقتدائهم في الصلاة به. وقيل لما قام بالدعوة تلبدت الانس والجن وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذى جاء به ليطفؤا نور الله وأبى الله الا أن يتم نور هذا الامر وينصره على من ناواه (ذكر اسم الله عليه) قيل هذا خاص بمؤمنيهم وأما غيرهم فانما طعامهم فيما لم يذكر اسم الله عليه (الموصل) بفتح الميم وسكون الواو وكسر المهملة من جزائر الشام فصل واختلف في أصل الجن (والفلاسفة) بفاء مكررة وسين مهملة فرقة من الفرق الضالة يحكمون علم الفلك وينسبون القدرة الى النجوم وسموا فلاسفة وعملهم فلسفة اشتقاقا من فيلاسوفا ومعناه محب الحكمة (وورد في حديث انهم ثلاثة أصناف الي آخره) أخرجه الطبراني

وكلاب وصنف يحلون ويظعنون وسموا جنا لاستتارهم عن أعين الناس وجائز رؤيتهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثا اليهم كالانس قيل ولم يكن ذلك لنبي قبله والصواب ان مؤمنهم يدخل الجنة وكافرهم يدخل النار وروى انهم قبائل متكاثرة وأصناف متباينة وأهواء مختلفة حتى قيل ان فيهم قدرية ومرجئة ورافضة والله أعلم. ثم انهم يعمرون الاعمار الطويلة ومن أعجب ما روى في ذلك ما حكاه القاضى عياض عن غير واحد من المصنفين عن عمر بن الخطاب قال بينا نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم اذ أقبل شيخ ذو عصا فسلم على النبى والحاكم والبيهقي في الاسماء من حديث أبي ثعلبة الخشنى (قيل ولم يكن ذلك لنبي قبله) قاله مقاتل (والصواب ان مؤمنهم يدخل الجنة وكافر هم يدخل النار) ممن قال به الشافعي ومالك وابن أبي ليلى ورواه جويبر عن الضحاك وذكر النقاش في تفسيره حديثا انهم يدخلون الجنة فقيل هل يصيبون من نعيمها قال يلهمهم الله تسبيحه وذكره ويصيبون من لذته ما يصيب بني آدم من نعيم الجنة واستدل على ذلك بقوله تعالى لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. قال سمرة بن حبيب فالانسيات للانس والجنيات للجن وفي رؤيتهم الباري تعالى في الآخرة خلاف قال بعضهم ويكون الانس يرونهم في الآخرة وهم لا يرون الانس عكس ما كانوا في الدنيا وقيل ليس للجن ثواب سوى النجاة من النار وذهب اليه أبو حنيفة وحكى سفيان عن ليث قال الجن ثوابهم ان يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل البهائم وحكي عن أبي الزناد أيضا وقال عمر بن عبد العزيز ان مؤمنهم حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها (فائدة) أخرج أبو يعلى والطبراني في الكبير من حديث غريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجن لا يصل أحدا في بيته عتيق من الخيل (قدرية) بالنصب اسم ان. قال النووي وهم طائفة ينكرون ان الله سبحانه قدر الاشياء في القدم وقد انقرضوا وصار القدرية لقبا للمعتزلة لاسنادهم أفعال العباد الى قدرتهم وانكارهم القدر فيها (ومرجئة) لقبوا بذلك لارجائهم العمل عن النية أي تأخيرهم العمل في الرتبة عنها وعن الاعتقاد من ارجأه أخره وهو مهموز. وقيل لانهم يقولون لا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة فهم يعظمون الرجاء وعليه لا يهمز لفظ المرجئة (ورافضة) سموا به لرفضهم زيد بن علي بن زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم أي تركهم اياه قيل سببه انهم طلبوا منه أن لايقول بحقية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم فأبى وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بان هذا الاسم نبزلهم حيث قال لعلي يا أبا الحسن أنت وشيعتك في الجنة وان قوما يزعمون انهم يحبونك يظهرون الاسلام ثم يلفظونه يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية لهم نتن يقال لهم الرافضة فان أدركتبم فقاتلهم فانهم مشركون وفي رواية قالوا يا رسول الله ما العلامة فيهم قال لا يشهدون جمعة ولا جماعة ويطعنون على السلف أخرجه علي بن عمر الدارقطني من حديث على قال وله عنده طرق كثيرة (ما حكاه القاضى) هو عياض بن موسى اليحصبي (بينا نحن) أي بين أوقات جلوسنا كما مر (عصا) مقصورة منون

صلى الله عليه وآله وسلم فرد عليه وقال نغمة الجن من أنت قال أنا هامة بن الهيم بن الاقيس بن ابليس فذكرانه لقى نوحا ومن بعده في حديث طويل (رجعنا الى القصة) ولما بلغ صلى الله عليه وآله وسلم في مرجعه من الطائف حراء بعث الى الاخنس بن شريق ليجيره قال أنا حليف والحليف لا يجير فبعث الى سهيل بن عمر وفقال ان بنى عامر لا تجير على بنى كعب فبعث الى المطعم بن عدي فلبس سلاحه هو وأهل بيته وخرجوا الى المسجد وبعث الى رسول الله صلى الله عليه وآله (وقال نغمة الجن) بالمعجمة وهي مرفوعة على الخبر لمبتدأ محذوف أي هذه نغمة الجن أي صوتهم (انا هامة) بالتخفيف كلفظ الهامة الطائر المعروف (ابن الهيم) كاسم الجمع من الابل المهيومة (الاقيس) بقاف مكسورة فتحتية ساكنة وفي بعض النسخ بحذفها فمهملة (ابن ابليس) هذا مما يدل على ان الجن من ذرية ابليس وقد ذكر المصنف الخلاف في ذلك (فائدة) قال الكاشغرى عد أبو موسى الاصبهاني هامة في الصحابة قال ولما انتسب قال له النبي صلى الله عليه وسلم لا أرى بينك وبينه الا أبوين قال أجل قال كم أتى عليك قال أكلت عمر الدنيا الا أقلها كنت ليالي قتل قابيل هابيل غلاما وذكر أنه تاب على يد نوح ومن معه وانه لقى شعيبا وابراهيم الخليل ولقى عيسى فقال عيسى ان لقيت محمدا فاقرأه مني السلام فقد بلغت وآمنت بك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على عيسى السلام وعليك يا هامة السلام وعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سور من القرآن فقال عمر رضى الله عنه فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينعه لنا ولا أراه الا حيا انتهى. وفي شرح الفقه الاكبر لابى حنيفة تأليف أبي مطيع ما مثاله الشياطين خلقوا للشر الا واحدا منهم وهو هامة وانه أسلم ولقى النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه سورة الواقعة والمرسلات وعم يتساءلون واذا الشمس كورت وقل يا أيها الكافرون وسورة الاخلاص والمعوذتين فهو مخصوص بذلك من بين الشياطين انتهى (قلت) وهو شيطان النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر في الصحيح ان الله أعانه عليه فأسلم وقد وقع الخلاف في اسلامه هل هو حقيقي أم مجازي والصحيح الاول ويؤيده هذا الحديث وحديث فضلت على آدم بخصلتين كان شيطاني كافرا فأعاننى الله عليه حتى أسلم وكان أزواجى عونا لي وكان شيطان آدم كافرا وكانت زوجته عونا على خطيئته أخرجه البيهقي في الدلائل من حديث ابن عمر (حراء) مرضبطه (الى الاخنس) اسمه وسمى الاخنس لانه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم عده ابن شاهين في الصحابة وظاهر كلام البغوي في التفسير انه لم يسلم وان قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الآية نزلت فيه والله أعلم (ابن شريق) بالمعجمة والراء والقاف على وزن قتيل (الى سهيل بن عمرو) بن عامر بن عبد شمس بن عبدود ابن النضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وهو الذي جرى بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح يوم الحديبية أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه واستشهد يوم اليرموك وقيل يوم مرج الصفر وقيل مات في طاعون عمواس (الى المظعم بن عدي) هو بن نوفل بن عبد مناف كما مر (فلبس) بكسر الموحدة (وبعث الى رسول الله صلى الله عليه

مطلب في عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل لحمايته من أذى قريش وليتمكن من نشر دعوته وخبر ذلك

وسلم ان ادخل فدخل صلى الله عليه وسلم فطاف وانصرف الى منزله فلذلك قال صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر وكانوا سبعين لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمنى في هولاء النتني لتركتهم له ولذلك أيضا يقول حسان بن ثابت في المطعم حين رثاه أجرت رسول الله مهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبى مهل وأحرما فلو سئلت عنه معد باسرها ... وقحطان أو باقي بقية جرهما لقالوا هو الموفى بخفرة جاره ... وذمته يوما اذا ما تذمما وفي هذه السنة وهى سنة عشر من المبعث وخمسين من المولد تزوج صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة وبنى بها ثم عائشة بنت أبي بكر وبنى بها بالمدينة وسيأتى خبر تزويجها عند ذكر أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم [مطلب في عرض نفسه صلى الله عليه وسلم على القبائل لحمايته من أذى قريش وليتمكن من نشر دعوته وخبر ذلك] وفي سنة احدى عشرة اجتهد صلى الله عليه وسلم في عرض نفسه على القبائل في مجامعهم في المواسم منى وعرفات ومجنة وذى المجاز فكان من خبر وسلم ان ادخل فدخل) وكان دخوله لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذي القعدة ذكره ابن الاثير وغيره (قال النبي صلى الله عليه وسلم في اساري بدر الى آخره) أخرجه البخاري وغيره (النتني) جمع نتن بفتح النون وكسر الفوقية أراد بهم أسارى بدر وسماهم نتنى أي مستقذرين لكفرهم (لتركتهم له) أي بلا فداء مكافأة لما صنع (حسان) مصروف وممنوع (ابن ثابت) بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي ابن عمرو بن مالك بن النجار وهوتيم اللات بن ثعلبة بن عمرو النجاري يكنى أبا الوليد وأبا عبد الرحمن وأبا الحسام لمناضلته عن رسول الله صلي الله عليه وسلم مات في خلافة علي قبل الاربعين وقيل مات سنة خمس وخمسين وقيل سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة عاش ستين في الجاهلية وستين في الاسلام وكذلك أبوه وجده وجد أبيه كل منهم عاش كذلك (فائدة) ممن عاش كذلك من الصحابة سوى حسان حكيم بن حزام وسعد بن يربوع القرشي وحويطب بن عبد العزي ومخرمة بن نوفل والد المسور ونوفل بن معاوية الدئلى وحمير بن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف وأما من عاش مائة وعشرين منهم على الاطلاق فجماعة منهم حمل بن النابغة وعبد خير بن يزيد الهمداني وعدي بن حاتم في آخرين (فلو سئلت عنه) فيه التفات من الخطاب الى الغيبة (بخفرة جاره) بضم المعجمة وسكون الفاء أي بذمة* ذكر زواج سودة بنت زمعة احدى أمهات المؤمنين (سودة) بفتح المهملة وسكون الواو (زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم وقد يفتح ابن قيس العامرية وأمها الشموس بنت قيس النجارية (بنى بها) أي دخل عليها* ذكر عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل (وعرفات) بالصرف (ومجنة) بفتح الجيم مع فتح الميم وكسرها وبفتح الميم وكسر الجيم والنون مشددة وهي سوق أسفل مكة على بريد منها أرضها من أرض كنانة وهي التي أرادها بلال في شعره الآتي (وذي المجاز) بفتح الميم والجيم وبالزاي وهو سوق لهذيل

ذلك ما ذكره محمد بن اسحق انه لما رجع صلى الله عليه وسلم من الطائف وجد قومه اشد ما كانوا عليه فكان ممن عرض عليه كندة فلم تجبه ثم بنو عبد الله بطن من كلب وكان مما قال لهم قد أحسن الله اسم أبيكم فلم يقبلوا منه ثم بنو حنيفة فردوا أقبح رد وكان عمه أبو لهب يقفو أثره فكلما أتى قوما ودعاهم كذبه وحذرهم منه وممن دعا أيضا بنو عامر بن صعصعة فشارطوه على أن يكون لهم الأمر من بعده فقال الأمر لله يضعه حيث يشاء وذكر محمد بن الحسن الكلاعى في سيرته قبائل كثيرة. فممن ذكر زيادة على ما نقل بن هشام بنو كنانة وحين لم يجيبوا انصرف عنهم يتلو انك لا تهدى من أحببت ثم بنو فزارة فلم يجيبوا وانصرف عنهم يتلو انك لا تسمع الموتي ثم بنو تميم وحين أبوا انصرف عنهم يتلو قل يا قوم اعملوا على مكانتكم الآية ثم بنو أسيد فرد عليه رئيسهم طليحة الاسدى ردا قبيحا وانصرف عنهم يتلو فان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم الآية ثم أتى بكر بن وائل ومعه على وأبو بكر فكان لابى بكر مع دغفل بن حنظلة النسابة أخبار طريفة في الانساب ثم وقف على بنى شيبان فتلا عليهم «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ» الآية ثم استزادوه فتلا قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الى آخر الثلاث الآيات وكان له ولهم مراجعة حسنة طريفة لطيفة ثم وعدوه أن يمنعوه من جميع الجوانب الا ما يلى انهار كسرى فقال صلى الله عليه وسلم انه لا يقوم بأمر الله الا من منعه من جميع جوانبه وما أسأتم في الرد ولا تجهمتم في القول أفرأيتم ان لم يأت عليكم الا يسير حتى تستخدموا رجال القوم وتقسموا أموالهم اتعطون عهدا لتعبدنه ولا تشركن به شيئا فقال النعمان بن شريك وبدرهم الى القول نعم علينا بذلك عهد الله لنعبد ولا نشركن به شيئا فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم اللهم انصرهم فقال أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله على يمين عرفة على فرسخ منها (قد أحسن الله اسم أبيكم) أى حيث كان اسمه عبد الله (يقفو) أي يتبع (أثره) بالمثلثة والراء على وزن شجرة أو على وزن إبرة (بنو فزارة) بفتح الفاء وبزاي وراء (وبنو أسيد) بالتصغير (دغفل) بضم المهملة والفاء وبينهما معجمة ساكنة (النسابة) صفة مبالغة للعالم بالانساب كالعلامة والرواية وهو (بن حنظلة) الشيباني ويقال السدوسي بصري اختلف في صحبته ويقال انه عرف يوم دولاب من فارس في قتال الخوارج قال الكاشغري روى عنه قال مات النبى صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس وستين سنة (طريقة) بالمهملة والفاء بوزن عظيمة وهى التى لم يسمع بمثلها (النعمان) بضم النون (بن شريك)

مطلب في بدء اسلام الأنصار وقصة الإسراء

عنه أتينا قوما ذوي حجي يحسنون الجواب فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم ان لاهل الجاهلية احلاما ومقدرة على الكلام يتحاجزون بها ويدفع بها بعضهم عن بعض وانصرف عنهم وهو يقول فانما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون* [مطلب في بدء اسلام الأنصار وقصة الإسراء] وفي هذه السنة بدء اسلام الانصار وقد قدمنا عند ذكر وقعة بعاث سبب مقدمات اسلامهم وخبر سويد بن الصامت واياس بن معاذ وحين اراد الله سبحانه اعزاز نبيه وسياقة خير الدنيا والآخرة الى الانصار لقى النفر الستة الخزرجيين عند العقبة فعرض عليهم ما عرض على غيرهم فقالوا فيما بينهم والله انه للنبي الذي تواعدنا به اليهود فلا تسبقنا اليه ثم صدقوه وآمنوا بما جاء به وأخبروه انهم خلفوا قومهم وبينهم العداوة والبغضاء وقالوا ان جمعنا الله بك فلا رجل أعز منك وهم فيما ذكر ابن اسحق وغيره أبو امامة أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن عجلان وقطبة ابن عامر وعقبة بن عامر وجابر بن عبد الله بن رئاب ولما قدموا المدينة وأخبروا قومهم بذلك فشافيهم الاسلام فلم يبق دار من دورهم الا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم* ولتسعة أشهر من الثانية عشرة قبل الهجرة بسنة أسرى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام من بين زمزم والمقام الى المسجد الاقصى وهو بيت المقدس ثم الى السماوات العلى الى مالا يعلمه الا الله وفارقه بوزن عظيم الشيباني عده بن مندة وأبو نعيم في الصحابة (ذوي حجي) بكسر المهملة وفتح الجيم المخففة مقصور أي عقل (أحلاما) جمع حلم أي عقل (ومقدرة) بضم المهملة أي قدرا رفيعا (يتحاجزون) يتفاعلون من الحجز بالزاي أو الراء وهو المنع أي يمنع بعضهم بعضا* ذكر بدء اسلام الانصار (بدء) بفتح الموحدة وسكون المهملة ثم همزة أى ابتداء (سياقة) بكسر المهملة مصدر ساق يسوق (فلا رجل) بالفتح (أعز) بالضم هذا هو الافصح (أسعد) بالمهملات بوزن أحمد (ابن زرارة) بضم الزاي وتكرير الراء هو النجاري يقال له أسعد الخير مات في السنة الاولى من الهجرة في شوال. قال ابن عبد البر وغيره بمرض يقال له الريحة فكواه النبى صلى الله عليه وسلم (وعوف) بفتح المهملة وسكون الواو ثم فاء (ابن الحرث) وسيأتي ذكر تتمة نسبه في غزوة بدر وغيرها (ورافع) بن مالك (بن العجلان) بن عمر الزرقى يكنى أبا مالك وأبا رفاعة شهد العقبتين وبدرا (وقطبة) بضم القاف وسكون المهملة ثم موحدة (ابن عامر) بن حديدة السلمي يكنى أبا بدر شهد العقبتين وبدرا وما بعدها وكانت بيده راية بني سلمة يوم الفتح مات في خلافة عثمان (وعقبة) بوزن قطبة وهو أخوه شهد العقبة الاولى وبدرا واحدا (ابن رئاب) بن النعمان السلمي بفتحتين وهو غير جابر بن عبد الله ابن عمرو بن حرام شهد بدرا واحدا والخندق وسائر المشاهد مع النبى صلى الله عليه وسلم ورئاب بكسر الراء بعدها همزة* حديث الاسرا (قبل الهجرة بسنة) قاله مقاتل وغيره وجزم به النووي (الى المسجد الاقصى) سمى بذلك لانه أبعد المساجد الثلاثة (وهو بيت المقدس) ضبطوه على وزن المغرب وعلى وزن المهذب

جبريل وانقطعت عنه الاصوات وسمع صريف الاقلام في اللوح المحفوظ ثم سمع كلام المولى فأوحى اليه ما أوحى واتحفه بأنواع التحف والزلفي ورأى من آيات ربه الكبرى على ما نطق به الكتاب العزيز في قوله تعالى «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» وأثبت رؤيته لربه ليلتئذ جماهير الصحابة والعلماء من غير إدراك ولا إحاطة ولا تكييف بحد ولا انتهاء صلى الله عليه وآله وسلم أفضل ما صلى على احد من عباده الذين اصطفي وقيل كان الاسراء سنة ست أو خمس من المبعث وقيل لسنة وثلاثة أشهر منه والصواب ما قدمناه أولا وجزم النووي في شرح صحيح مسلم انه كان ليلة الاثنين ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الاول وكذلك في فتاويه وفي سيرة الروضة له انه كان في رجب وقال غيره في رمضان واختلف هل كان بروحه وجسده يقظة أو بروحه فقط مناما مع اتفاقهم ان رؤيا الانبياء وحي واختلافهم بحسب اختلاف الروايات في ذلك والصحيح الاول انه بالروح والجسد وطريقة الجمع بينهما أن يقال كان ذلك مرتين أولاهما مناما قبل الوحي كما في حديث شريك ثم اسرى به يقظة بعد الوحي تحقيقا لرؤياه والاشهر الاول (صريف الاقلام) بمهملة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية صوت جريانها على اللوح (فأوحي اليه ما أوحي) أوحي جبريل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أوحي اليه ربه هذا معنى ما روى عن ابن عباس قيل أوحي اليه ألم يجدك يتيما فآوى الى قوله وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ وقيل أوحي اليه ان الجنة محرمة على الانبياء حتى تدخلها انت وعلى الامم حتى تدخلها أمتك (وأتحفه) التحفة ما يهيأ للمسافر عند قدومه (والزلفى) هي القربة (والنجم) أي الثريا (اذا هوى) أي سقطت وغابت هذا ما في رواية عن ابن عباس وروى عكرمة عنه انها الرجوم من النجوم وهى التي ترمى بها الشياطين عند استراقهم السمع وروي عطاء عنه انه القرآن وقيل أراد النجوم كلها وقيل النجم النبت الذى لا ساق له كاليقطين وهويه سقوطه على الارض. وقال جعفر الصادق يعني محمدا صلى الله عليه وسلم اذ نزل من السماء ليلة المعراج (وأثبتت) ماض من الاثبات (رؤيته) بالنصب مفعول وفاعله جماهير (ليلتئذ) أى ليلة الاسراء (من غير ادراك ولا احاطة) هما هنا واحد والثانى تفسير للأوّل وفيه اشارة الى الرد على مانع الرؤية بقوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وسيأتي ما فيه (عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) يعني الانبياء والمرسلين (وقيل كان الاسراء) قبل البعثة كما في رواية شريك ابن أبي نمرو قيل (سنة ست أو خمس من المبعث وقيل لسنة) وشهرين وقيل (وثلاثة أشهر) وقيل وخمسة أشهر وقيل لسنة ونصف وقيل لثلاث سنين (انه كان في رجب) أى ليلة سبع وعشرين منه (وقال غيره) كالواقدي (في رمضان) وقال الماوردي في شوال (والصحيح الاول انه بالروح والجسد) أى لتواتر الاخبار الصحيحة بذلك وهو ظاهر القرآن (وطريقة الجمع بينهما ان يقال كان ذلك مرتين) بل ذكر أبو شامة ان مجموع أحاديث الاسراء وما فيها من الاختلاف يقتضي ان الاسراء كان أربع مرات (كما في حديث شريك)

كما رأى صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة قبل عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل في ذلك قوله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ الآية وتوسط آخرون فقالوا كان الاسراء بجسده الى بيت المقدس ومن هناك الى السموات بروحه. قال النووى في فتاويه ثبت انه صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالانبياء صلوات الله وسلامه عليهم ليلة الاسراء بيت المقدس ثم يحتمل انها قبل صعوده الى السماء ويحتمل انها بعده واختلف العلماء فيها فقيل هى الصلاة اللغوية وهي الدعاء والذكر وقيل الصلاة المعروفة ورجح الثاني وكانت الصلاة واجبة قبل ليلة الاسراء وكان الواجب منها قيام بعض الليل كما في سورة المزمل ثم نسخ ذلك ليلة الاسراء بافتراض الخمس وقد سبق ذلك ورأى رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ربه ليلة الاسراء بعيني رأسه هذا هو الصحيح وعليه أكثر الصحابة والعلماء وليس للمانع دليل ظاهر وانما احتجت عائشة بقوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ. وأجاب الجمهور ان الادراك هو الاحاطة والله سبحانه لا يحاط به ويراه المؤمنون في الآخرة بغير احاطة وكذلك رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة الاسراء انتهى ما ذكره مختصرا. قال القاضى عياض ومن خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم قصة الاسراء وما انطوت عليه من درجات الرفعة مما نبه عليه الكتاب العزيز وشرحته صحاح الاخبار. قال الله سبحانه سبحان بالمعجمة والراء بوزن عظيم هو ابن أبي نمر المزني الراوي عن أنس وابن المسيب قال ابن معين لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي ينسب الى جده واسم أبيه عبد الله (ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الاسراء بعينى رأسه) كما قاله أكثر العلماء منهم أنس والحسن وعكرمة وابن عباس قال ان الله اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم بالرؤية (وانما أحتجت عائشة) أى وغيرها من مانعي الرؤية (بقوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وقد ذكر المصنف نقلا عن النووى الجواب عن الآية بقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر وقد سأله هل رأيت ربك قال نور أنى أراه وفي رواية أخرى رأيت نورا وقد أجاب الماذري بان معناه ان النور منعني عن الرؤية كما جرت العادة باعشاء الانوار الابصار ومنعها من ادراك ما حالت بين الرائي وبينه فليس في ذلك الا منع الادراك المجاب عنه وهو أحسن من قول النووى حجابه نور فكيف أراه والمشهور في ضبطه نورمنون اني بفتح الهمزة وتشديد النون أراه بفتح الهمزة وروى نوراني أراه بفتح الراء وكسر النون وتشديد الياء أى خالق النور المانع من رؤيته فيكون من صفات الافعال قال عياض هذه الرواية لم تقع الينا ومن المستحيل أن يكون ذات الله نورا اذ النور من جملة الاجسام والله تعالى متعال عن ذلك علوا كبيرا (سبحان) تنزيه الله من كل

الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الآية وقال تعالى وَالنَّجْمِ إِذا هَوى الآيات فلا خلاف بين المسلمين في صحة الاسراء به صلى الله عليه وآله وسلم اذ هو نص القرآن وجاءت بتفصيله وشرح عجائبه وخواص نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيه أحاديث كثيرة منتشرة رأينا أن نقدم أكملها ونشير الى زيادة من غيره يجب ذكرها ثم ذكر حديث ثابت عن أنس من طريق مسلم قلت وقد اخترت ما اختاره القاضى لدرايته وتقدمه في هذا الشأن مع انى قد امتحنت الاحاديث غيره فوجدته من أعدلها متنا وأصحها سندا وها أنا اذا أذكره مقتصرا عليه وأحذف الزيادات من غيره اختصارا وهو ما رويناه بسندنا السابق الى مسلم. قال حدثنا شيبان بن فروخ ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت البنانى عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهي طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الانبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءنى جبريل باناء من خمر واناء من لبن فاخترت اللبن فقال اخترت الفطرة ثم عرج بنا الى السماء فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل فمن معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بآدم صلى الله عليه وسلم فرحب بى ودعا لى بخير ثم عرج بنا الى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال سوء ووصف له بالبراءة من كل نقص على المبالغة ويكون بمعنى التعجب الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم واسراؤه به معناه سيره بالليل (ليلا من المسجد الحرام) أي مسجد مكة وقيل من دار أم هانئ (لدرايته) بكسر الدال مصدر درى يدري (امتحنت) أى اختبرت (شيبان) بفتح المعجمة وسكون التحتية (ابن فروخ) بفتح الفاء وتشديد الراء في آخره معجمة هو أبو محمد بن أبى شيبة الحنطي مولاهم الايلي قال عبدان كان عنده خمسون الف حديث وقال أبو زرعة صدوق وقال أبو حاتم أضطر الناس اليه أخيرا (حماد ابن سلمة) بن دينار البصرى أبو سلمة ثقة عابد أثبت الناس في ثابت (البنانى) بضم الموحدة ونونين مخففين يكنى أبا محمد وبنانة هم بنو سعد بن لؤى (البراق) بضم الموحدة وخفة الراء كذا ضبطه الحافظ ابن حجر وغيره وكثيرا ما يقرأ بكسر الباء وهو خطأ (عند منتهى طرفه) بسكون الراء أي نظره ووقع في بعض الروايات خطوه من باب المجاز لانه مصدر وهو لا يتصف بالوضع (ثم خرجت فجاءني جبريل باناء من خمر واناء من لبن) وفي بعض الروايات واناء من عسل (فاخترت اللبن فقال) القائل جبريل (اخترت الفطرة) وفي رواية هي الفطرة التي انت عليها وأمتك وفي حديث أبى هريرة عند البخارى في الاشربة ولو أخذت الخمر

قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بابنى الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلى الله عليهما وسلم فرحبا بى ودعوا لي يخير ثم عرج بنا الى السماء الثالثة فذكر مثل الاول ففتح لنا فاذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم فاذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لى بخير ثم عرج بنا الى السماء الرابعة وذكر مثله واذا إدريس فرحب بى ودعا لى بخير قال الله تعالى وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا ثم عرج بنا الى السماء الخامسة فذكر مثله فاذا أنا بهارون فرحب بى ودعالى بخير ثم عرج بنا الى السماء السادسة فذكر مثله فاذا أنا بموسى فرحب بى ودعالى بخير ثم عرج بنا الى السماء السابعة فذكر مثله فاذا أنا بابراهيم مسندا ظهره الى البيت المعمور واذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون اليه ثم ذهب بى الى سدرة المنتهي فاذا ورقها كآذان الفيلة واذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع ان ينعتها من حسنها فأوحى الله الىّ ما أوحى ففرض على خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت الى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع الى ربك فاسئله التخفيف فان أمتك لا يطيقون ذلك فانى قد بلوت بني اسرائيل قبلك وخبرتهم قال فرجعت الى ربى فقلت يا رب خفف عن أمتى فحط عني خمسا فرجعت الى موسى فقلت حط عني خمس صلوات فقال ان أمتك لا يطيقون فارجع الى ربك وأسأله التخفيف فلم أزل ارجع بين ربى وبين موسى حتى قال يا محمد انهن خمس صلوات كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شئ فان عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتي انتهيت الى موسى فأخبرته فقال ارجع الى ربك فأسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رجعت الى ربى حتي استحييت منه انتهى الحديث ولما أصبح صلى الله عليه وآله وسلم وأخبر خبر ليلته وما جري له فيها كذبه كفار قريش ومقتوه غوت أمتك وعند البيهقي من حديث أنس ولو شربت الماء غرقت وغرقت أمتك (واذا ثمرها كالقلال) أي الجرة العظيمة وفي القاموس القلة بالضم الحب العظيم أو الجرة العظيمة (ولما أصبح صلى الله عليه وسلم وأخبر خبر ليلته وما جرى له فيها كذبه كفار قريش ومقتوه) في السيرة لابن هشام فلما أصبح غدا على قريش فاخبرهم الخبر فقال أكثر الناس هذا والله الإمر البين والله ان العير لتطرد شهرا من مكة الى الشام مدبرة وشهرا مقبلة أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع الى مكة قال فارتد كثير ممن كان أسلم وذهب الناس الى أبي بكر فكان من قوله لهم رضى الله عنه لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فو الله انه ليخبرنى ان

مطلب فى قدوم الأنصار اليه صلى الله عليه وسلم وخبر بيعة العقبة الأولى

واستبعد ذلك كثير من الناس حتى ارتد من ضعف ايمانه ورق دينه ثم استوصفوه بيت المقدس ولم يكن أثبت صفاته فكرب صلى الله عليه وآله وسلم كربا عظيما فرفعه الله له فجعل يخبرهم عنه وهو يبصره وفي رواية يونس بن بكير عن ابن اسحق انه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما أخبر قومه بالرفقة والعلامة في عيرهم قالوا متي تجئ قال يوم الاربعاء فلما كان ذلك اليوم وأشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم تجيء فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس صلى الله عليه وآله وسلم* [مطلب فى قدوم الأنصار اليه صلى الله عليه وسلم وخبر بيعة العقبة الأولى] وفي موسم هذه السنة وافاه من الانصار اثني عشر رجلا وهم أسعد بن زرارة وعوف ومعاذ ابنا عفراء ورافع بن العجلان وذكوان بن عامر وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة الخبر ليأتيه من الله من السماء الى الارض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أعجب مما تعجبون منه (ثم استوصفوه بيت المقدس ولم يكن أثبت صفاته) أي لم يكن عرفه حق المعرفة لان الاسراء وقع ليلا (فكرب صلى الله عليه وسلم كربا عظيما) فكان من اكرام الله تعالى له (فرفعه الله له) وفي السيرة ان أبا بكر قال يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم انك جئت بيت المقدس هذه الليلة قال نعم قال يا نبي الله فصفه لي فانى قد جئته قال الحسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي حتى نظرت اليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لابي بكر ويقول أبو بكر صدقت أشهد انك رسول الله قال حتى انتهى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي بكر وانت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه الصديق (يونس بن بكير) بن واصل الشيباني أبو بكر الجمال الكوفي صدوق يخطئ ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (يوم الاربعاء) بالمد وهو بتثليث الباء والاجود كسرها وقال ابن هشام فيه لغات فتح الهمزة وكسر الباء وكسر الهمزة وفتح الباء وكسرهما قال وهذه أفصح اللغات (وأشرفت قريش) أي أقبلت (وحبست عليه الشمس) أي ببطء تحركها وقيل توقفت وقيل ردت على ادراجها وحديث يونس هذا في حبس الشمس ذكره القاضي عياض في كتاب الشفاء في آخر فصل انشقاق القمر وحبس الشمس له صلى الله عليه وسلم ونوزع القاضي في هذا الباب والله أعلم بالصواب (وفي موسم هذه السنة) أي السنة العاشرة من البعثة أراد الله عز وجل اظهار دينه واعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وانجاز موعده له (وافاه من الانصار اثني عشر رجلا) فلقوه بالعقبة (وهم أسعد بن زرارة) ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار أبو امامة (وعوف ومعاذ) ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن النجار وهما (ابنا عفراء) وهؤلاء الثلاثة من بنى النجار ثم من بني مالك بن النجار (ورافع) بن مالك (بن العجلان) بن عمرو بن عامر بن زريق (وذكوان) بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد (بن عامر) بن زريق وذكوان هذا مهاجري انصارى قاله ابن هشام والسادس (عبادة ابن الصامت) بن قيس بن اصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم (و) السابع أبو عبد الرحمن (يزيد بن ثعلبة) بن

وعياش بن عبادة وعقبة بن عامر وقطبة بن عامر هؤلاء خزرجيون ومن الاوس أبو الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة فلقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعقبة وهى العقبة الاولى فبايعوه بيعة النساء أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا يزنوا الى آخر ما قص الله في آية بيعة المؤمنات وذلك قبل ان تفرض الحرب وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مصعب بن عمير العبدري يقرئهم القرآن ويعلمهم الاحكام فكانوا يسمونه المقريء وكان منزله عند أسعد بن زرارة ودخل به أسعد بن زرارة يوما حائطا لبني ظفر من الاوس واجتمع اليهما نفر ممن أسلم فقال سعد بن معاذ لا سيد بن حضير انطلق بنا الى هذين الرجلين اللذين أتيا ديارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما فلولا أن أسعد بن زرارة ابن خالتي لكفيتك فأخذ أسيد حربته وأقبل نحوهما وحين رأياه قال أسعد بن زرارة لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه فقال مصعب ان يجلس أكلمه فوقف عليهما متشتما فقال ما جاء بكما تسفهان ضعفاءنا اعتزلا ان كان لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب أو تجلس فتستمع فان رضيت أمرا قبلته وان كرهت أمرا كف عنك ما تكره قال أنصفت فركز حربته وجلس فتلا عليه القرآن ودعاه الى الاسلام فأسلم ثم قال لهما ان ورائى رجلا ان اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله اليكما فلما أقبل أسيد راجعا الى سعد قال سعد احلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به عنكم فلما وقف عليهم سأله سعد فقال والله ما رأيت بهما بأسا وقد حدثت ان بنى حارثة خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه فقام سعد خزمة بن اصرم بن عمرو بن عمارة من بنى غصينة من بلي حليف لهم (و) الثامن (عياش بن عبادة) كذا في الاصل وفي السيرة لابن هشام قال ابن اسحاق ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم العباس بن عبادة وفي الاصابة للحافظ ابن حجر العباس بن عبادة ابن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف الانصاري الخزرجى (و) التاسع (عقبة بن عامر) بن نابي بن زيد بن حرام (و) العاشر (قطبة بن عامر) بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد (وهؤلاء) جميعهم (خزرجيون و) شهدها (من الأوس أبو الهيثم بن التيهان) قال ابن هشام واسمه مالك والتيهان يخفف ويثقل كقوله ميت وميت قاله ابن حجر (وعويم) بصيغة التصغير ليس في آخره راء (ابن مساعدة) من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس (مصعب بن عمير) بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى بن كلاب (العبدري) أحد السابقين في الاسلام يكنى أبا عبد الله وكان ممن هاجر الى الحبشة الهجرة الاولى ثم رجع الى مكة ثم هاجر الى المدينة هجرته هذه (حائطا) أي بستانا (فركز حربته) الحربة بفتح الحاء آلة للحرب

مغضبا حتى وقف عليهما متشتما وقال لأسعد لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت ذلك منى تغشانا في ديارنا بما نكره فقالا له ما قالا لصاحبه وفعل مثل فعله ولما رجع سعد الى قومه. قال يا بنى عبد الاشهل كيف تعلمون أمري فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا قال فان كلام نسائكم ورجالكم على حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله فما أمسى في دارهم مشرك ثم فشا الاسلام في دور الانصار كلها الا ما كان من بنى أمية بن زيد وخطمة وواقف فانهم انتظروا باسلامهم اسلام أبى قيس بن الاسلت وكان شاعرا مطاعا فيهم فوقف بهم حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومضي بدر واحد والخندق وقال حين رأى الاسلام أرب الناس أشياء المت ... يلف الصعب منها بالذلول في أبيات له وقد كان أهل مكة قيل اسلام سعد بن معاذ سمعوا هاتفا يقول فان يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف مخالف يعني سعد بن معاذ من الحديد قصيرة محددة الرأس وركزها غرزها (الا ما كان من بني أمية بن زيد) في السيرة لابن هشام الا ما كان من دار بني أمية الخ (وخطمة) بخاء معجمة مفتوحة ومهملة ساكنة بطن من الانصار (وواقف) بكسر القاف المثناة وفاء بطن من الأوس وزاد ابن هشام بينهما ووائل بكسر التحتية بطن من الانصار أيضا (أبي قيس بن الأسلت) قال ابن حجر في الاصابة واسم الاسلت عامر بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس ابن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس الأوسي مختلف في اسمه فقيل صيفي وقيل الحارث وقيل عبد الله وسماه ابن هشام في السيرة صيفي قال ابن حجر وكان يعدل بقيس بن الخطيم في الشجاعة والشعر ومن محاسن شعره قوله في صفة امرأة وتكرمها جاراتها فيزرنها ... وتعتل من اتيانهن فتعذر (يلف) في بعض النسخ بالكاف بدل اللام من الكف وكلاهما بمعنى المنع (الذلول) الدمث الاخلاق (فى أبيات له) ذكرها ابن هشام في السيرة وهي ارب الناس اما ان ضللنا ... فيسرنا لمعروف السبيل فلولا ربنا كنا يهودا ... وما دين اليهود بذي شكول ولولا ربنا كنا نصارى ... مع الرهبان في جبل الخليل ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... حنيفا ديننا في كل جيل نسوق الهدى ترسف مذعنات ... مكشفة المناكب في الجلول (سعد بن معاذ) بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن البنيت بن مالك بن الأوس الانصاري الاشهلي سيد الأوس وأمه كبشة بنت رافع هاصحبة: يكنى أبا عمر وشهد بدرا

مطلب فى قدوم الأنصار اليه ثانية وبيعة العقبة الثالثة المتفق على صحتها

وسعد بن عبادة رضي الله عنهما* [مطلب فى قدوم الأنصار اليه ثانية وبيعة العقبة الثالثة المتفق على صحتها] وفي سنة ثلاث عشرة خرج حجاج الانصار من المسلمين مع حجاج قومهم من أهل الشرك فلما قدموا مكة واعدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق وهي العقبة الثالثة المتفق على صحتها وها أنا أذكرها مختصرة على معنى ما ذكره أهل السير مع مراعاة بعض الالفاظ كما أفعل في غيرها من القصص قالوا فلما كانت ليلة الميعاد باتوا مع قومهم فلما مضى ثلث الليل خرجوا مستخفين ولما اجتمعوا بالشعب عند العقبة جاءهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه العباس عمه وهو يومئذ مشرك فتكلم العباس وقال يا معشر الخزرج وكانت العرب تسمى الانصار أوسها وخزرجها الخزرج ان محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا فهو في عز ومنعة من قومه في بلده وقد أبى الا الانقطاع اليكم واللحوق بكم فان كنتم ترون أنكم وافون له باتفاق ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرا ثم انتقض جرحه فمات أخرج ذلك البخاري وذلك سنة خمس (سعد بن عبادة) بن دليم بن حارثة بن حرام بن خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة ابن كعب بن الخزرج الانصاري سيد الخزرج يكنى أبا ثابت وأمه عمرة بنت مسعود لها صحبة ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وشهد سعد العقبة الثالثة كما سيذكره المصنف قريبا واختلف في شهوده بدرا فأثبته البخاري وكان يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي فكان يقال له الكامل وكان مشهورا بالجود هو وأبوه وجده وولده مات بحوران سنة خمس عشرة وقيل سنة ست عشرة (أيام التشريق) الايام الثلاثة التي بعد يوم النحر (العقبة الثالثة المتفق على صحتها) من أهل السير والحديث (بالشعب) بكسر الشين وسكون المهملة قال الجوهري الطريق في الجبل وقال غيره ما انفرج بين جبلين فهو شعب (عند العقبة) بالتحريك وهو الجبل الطويل قال ياقوت العقبة التى بويع فيها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فهى عقبة بين منى ومكة بينها وبين مكة نحو ميلين وعندها مسجد ومنها ترمى جمرة العقبة (العباس بن عبد المطلب) بن هاشم بن عبد مناف كنيته أبو الفضل وأمه نتيلة بنت جناب بن كلب. ولد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين وضاع وهو صغير فنذرت أمه ان وجدته ان تكسو البيت فوجدته فكست البيت الحرير فهي أوّل من كساه ذلك وكان اليه في الجاهلية السفارة والعمارة (وهو يومئذ على دين قومه) قال ابن حجر في الاصابة حضر بيعة العقبة مع الانصار قبل ان يسلم وشهد بدرا مع المشركين مكرها فاسر فافتدى نفسه وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب ورجع الى مكة فيقال انه اسلم وكتم قومه ذلك وصار يكتب الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم بالاخبار ثم هاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وثبت يوم حنين وقال فيه صلى الله عليه وآله وسلم من آذى العباس فقد آذاني فانما عم الرجل صنو أبيه أخرجه الترمذي وقال البغوي كان العباس أعظم الناس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة يعترفون للعباس بفضله ويشاورونه ويأخذون رأيه ومات بالمدينة في رجب أو رمضان سنة اثنتين وثلاثين وكان

بما وعدتموه اليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم وإن كنتم مسلموه وخاذلوه فمن الآن فقالوا تكلم يا رسول الله وخذ لربك ولنفسك ما شئت فتكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتلى عليهم شيئا من القرآن ثم قال أبايعكم على ان تمنعوني بما تمنعون به أنفسكم ونساءكم وأبناءكم فقال البراء بن معرور نعم والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنك بما نمنع به أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن أهل الحلقة والسلاح ورثناها كابرا عن كابر فقال أبو الهيثم بن التيهان يا رسول الله ان بيننا وبين الناس حبالا وإنّا قاطعوها فهل عسيت ان فعلنا ذلك ثم أظفرك الله أن ترجع الى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال بل الأيد الأيد الدم الدم والهدم الهدم وأنتم منى وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اخرجوا الي منكم اثنى عشر نقيبا كفلاء على قومهم فاخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس ونقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النقباء أسعد بن زرارة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا الكفيل على قومي قالوا نعم فبايعوه ووعدهم على الوفاء الجنة طويلا جميلا أبيض (بما وعدتموه اليه) كذا في الاصل من الوعد وفي السيرة لابن هشام بما دعوتموه اليه من الدعوة (البراء) بموحدة ومهملة مخففتين (بن معرور) بمهملات بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد ابن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بمثناة فوقية بن جشم بن الخزرج هكذا ساق نسبه ابن هشام وفي الاصابة سابق بدل خنساء ويزيد بدل تزيد الانصاري الخزرجي السلمي ابو بشر أحد النقباء كما سيذكره المؤلف (أزرنا) بضم الهمزة والزاي وفتح ما بعدهما واحده ازار يذكر ويؤنث أي نساءنا وأهلنا (أهل الحلقة) بفتح الحاء المهملة وسكون اللام قال في اللسان قال ابن سيده الحلقة اسم لجملة السلاح والدروع وما أشبهها. وفي السيرة لابن هشام فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر (وبين الناس) المراد بالناس هنا اليهود (حبالا) كناية عن ما بين الحيين من العهود (الايد الايد) بفتح الهمزة واسكان الياء المثناة من تحت أى القوة ولم يذكرها ابن هشام (الدم الدم والهدم والهدم) قال في اللسان بعدان ساق الحديث يروي بسكون الدال وفتحها فالهدم بالتحريك القبر يعنى أقبر حيث تقبرون وقيل هو المنزل أي منزلكم منزلى أي لا افارقكم والهدم بالسكون وبالفتح أيضا هو اهدار دم القتيل يقال دماؤهم بينهم هدم أى مهدرة والمعنى ان طلب دمكم فقد طلب دمى وان اهدر دمكم فقد اهدر دمي لاستحكام الالفة بيننا ثم قال وهو قول معروف والعرب تقول دمي دمك وهدمي هدمك وذلك عند المعاهدة والنصرة ثم قال وكان ابو عبيدة يقول هو الهدم واللدم اللدم أي حرمتي مع حرمتكم وبيتي مع بيتكم وأنشد: - ثم الحقي بهدمي ولدمي- (نقيبا) أي عريفا للقوم والجمع نقباء والعريف شاهد القوم وضمينهم

مطلب في أسماء النقباء من الأوس والخزرج وطرفا من أحوالهم ومواخذة قريش لهم في ذلك

[مطلب في أسماء النقباء من الأوس والخزرج وطرفا من أحوالهم ومواخذة قريش لهم في ذلك] وأوّل من بايع البراء بن معرور ثم تتابع الناس وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين وقيل سبعين (أسماء النقباء) أبو امامة أسعد بن زرارة عبد الله بن رواحة سعد بن الربيع رافع بن مالك بن العجلان البراء بن معرور سعد بن عبادة عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر وكان اسلامه ليلتئذ والمنذر بن عمرو وعبادة بن الصامت هؤلاء من الخزرج ومن الاوس أسيد بن حضير وسعد بن خيثمة قوله (وامرأتين) هما نسيبة بنت كعب أم عمارة احدى نساء بنى مازن بن النجار واسماء بنت عمرو بن عدي ابن نابي احدى نساء بني سلمة وهي أم منيع (عبد الله بن رواحة) بالتخفيف ابن امرئ القيس بن عمرو بن امريء القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج كذا في السيرة لابن هشام وفي الاصابة ابن امريء القيس الاغر بن ثعلبة الى آخر النسب الانصاري الخزرجي الشاعر المشهور يكني أبا محمد ويقال كنيته ابو رواحة ويقال أبو عمرو أمه كبشة بنت واقد بن عمرو بن الاطنابة خزرجية أيضا وليس له عقب شهد بدرا وما بعدها الى أن استشهد بمؤتة. قال ابن سعد في الطبقات ولما نزلت والشعراء يتبعهم الغاوون قال عبد الله بن رواحة قد علم الله اني منهم فانزل الله الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية (وسعد بن الربيع) بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امريء القيس الى آخر الذي قبله الانصاري الخزرجي استشهد باحد باتفاق وفيه نزل قوله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الآية (عبد الله بن عمرو بن حرام) بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم وباقى النسب تقدم في ترجمة البراء بن معرور (والد جابر) بن عبد الله الصحابي المشهور شهد عبد الله بدرا واحدا فاستشهد رضي الله عنه وهو الذي جفر السيل عن قبره بعد ست واربعين سنة فوجد لم يتغير كانه مات بالامس (وكان اسلامه ليلتئذ) وذلك فيما رواه ابن اسحق عن معبد بن كعب أن أخاه عبد الله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه قال كعب ثم خرجنا الى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ايانا العقبة من أوسط أيام التشريق قال فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التى أوعدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا أخذناه معنا وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر انك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ثم دعوناه الى الاسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ايانا العقبة قال فاسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا اه (المنذر بن عمرو) بن خنيس قال ابن هشام ويقال بن خنبش بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الانصاري الخزرجي الساعدى قال في الاصابة ومنهم من أسقط حارثة من نسبه بدري استشهد يوم بئر معونة (اسيد بن حضير) بن سماك بن عتيك بن رافع ابن امريء القيس بن زيد بن عبد الاشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس الانصاري الاوسي الاشهلى قال في الاصابة يكنى ابا يحيى. وأبا عتيك وأبوه الحضير فارس الاوس ورئيسهم يوم بعاث وكان أسيد من السابقين إلي الإسلام أسلم على يد مصعب بن عمير كما تقدم وقيل على يد سعد بن معاذ واختلف في شهوده بدرا أرخ البغوي وفاته سنة عشرين وقال المدائني سنة احدى وعشرين (سعد بن خيثمة)

ورفاعة بن عبد المنذر وعد بعضهم بدل رفاعة أبا الهيثم بن التيهان وعلى ذلك عمل كعب بن مالك حيث يقول في جوابه لأبى بن خلف وأبى سفيان حين كتبا الى الانصار في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا فابلغ أبيا أنه فال رأيه ... وحان غداة الشعب والحين واقع أبا الله ما منتك نفسك انه ... بمرصاد أمر الناس راء وسامع وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لنا ... باحمد نور من هدى لاح ساطع فلا ترغبن في حشد أمر تريده ... وألب وجمع كل ما أنت جامع ابن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بالنون والمهملة بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امريء القيس ابن مالك بن الاوس الانصاري الاوسي يكنى أبا خيثمة ذكره ابن اسحاق وغيره فيمن شهد بدرا واستشهد. قال أبو جعفر بن جيب في قول حسان بن ثابت أرونى سعودا كالسعود التى سمت ... بمكة من أولاد عمرو بن عامر أقاموا عماد الدين حتى تمكنت ... قوائمه بالمرهفات البوائر قال أراد بالسعود سبعة أربعة من الاوس وثلاثة من الخزرج فمن الخزرج سعد بن عبادة وسعد بن الربيع وسعد بن عثمان أبو عبادة ومن الاوس سعد بن معاذ وسعد بن خيثمة وسعد بن عبيد وسعد بن زيد انتهى (رفاعة بن عبد المنذر) بن زنبر بزاي ونون وباء بموحدة كذا في السيرة لابن هشام ابن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس الانصاري الاوسى ثم قال ابن هشام وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولا يعدون رفاعة وساق أبيات كعب العينية كما سيذكرها المؤلف وقال ابن حجر في الاصابة رفاعة بن عبد المنذر أحد ما قيل في اسم أبي لبابة ثم قال في باب الكنى منه أبو لبابة بن عبد المنذر الانصاري مختلف في اسمه قيل بشير وزن عظيم بمعجمة وقيل بالمهملة أوله ثم التحتانية ثانيه كذا ثم قال وقال ابن اسحاق اسمه رفاعة وكذا قال ابن نمير وغيره ثم قال ذكره ابن عقبة في البدريين وقالوا كان أحد النقباء ليلة العقبة ونسبوه الى عبد المنذر بن زر بن زيد بن أمية الى آخر النسب المتقدم مات في خلافة على رضى الله عنهما ويقال عاش الى بعد الخمسين (ألا فابلغ) كذا في الاصل باثبات اداة الاستفتاح وفي السيرة لابن هشام من روايته عن أبي زيد سعيد بن أوس الانصاري أحد أئمة اللغة بحذفها و (أبيا) هو أبي بن خلف أحد أشداء قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وممن آذوه كثيرا قتل مشركا قتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم (وفال رأيه) أي خاب والرأى معروف (وحان) قرب (والحين) بفتح الحاء المهملة وسكون الياء الهلاك والعرب تقول والنفس قد حان حينها أى قرب هلكها (وأبلغ أبا سفيان) بن حرب بن أمية والد معاوية من مسلمة الفتح سيأتي له ذكر (بدا) ظهر (ساطع) سطع الصبح ارتفع يسطع بفتح العين في الماضى

ودونك فاعلم ان نقض عهودنا ... اباه عليك الرهط حين تبايع اباه البراء وابن عمرو كلاهما ... واسعد يأباه عليك ورافع وسعد اباه الساعدي ومنذر ... لانفك ان حاولت ذلك جادع وما ابن ربيع ان تناولت عهده ... بمسلمه لا يطمعن ثم طامع وأيضا فلا يعطيكه ابن رواحة ... واخفاره من دونه السم ناقع وفاء به والقوقلي ابن صامت ... بمندوحة عما يحاول باقع ابو هيثم أيضا وفيّ بمثلها ... وفاء لما أعطى من العهد خانع وما ابن حضير ان أردت بمطمع ... فهل أنت عن احموقة ألغي نازع وسعد اخو عمرو بن عوف فانه ... ضروح بما حاولت ملأ مر مانع أولاك نجوم لا يغبّك منهم ... عليك بنحس في دجى الليل طالع وأنشدنا فيهم الشيخ الصديق بن محمد المقرى المعروف والده بالمدوّح وكنت سألته ذلك فقال: سألتنى نظم أسامى النقبا ... الفاضلين الماجدين الأدبا رؤس أنصار النبى أحمد ... أهل السماح والحجى والسؤدد أعدادهم اثنى عشر نقيبا ... كالنقباء من بنى يعقوبا تبايعوا بالليل عند العقبه ... منقبة ما مثلها من منقبه والمضارع (الرهط) قوم الرجل وقبيلته والرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة قال الله تعالى وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ فجمع وليس له واحد من لفظه (والقوقلى) الشديد من الرجال (وابن الصامت) هو عبادة بن الصامت وتقدم نسبه وشيء من سيرته (بمندوحة) أى بسعة (باقع) بالموحدة والقاف أى حاذق داهية (وخانع) بالخاء المعجمة والنون أى خاضع ذليل (ضروح) الضروح بالمعجمة والمهملات شديد الدفع كذا في هامش السيرة لابن هشام وفي طرة نسخة من الاصل الضريح بفتح المعجمة البعد وهذا التفسير أشبه بالمعنى وقوله (ملأمر) أصله من الأمر حذفت النون وألف الوصل تخفيفا (لا يغبك) بالمعجمة أى لا يغيب عنك حتى يأتيك عائدا لا يزال طالعا عليك بالنحس دائما والكاف كاف الخطاب لابي سفيان وأبي بن خلف (الحجى) بالكسر والقصر العقل وقوله (كالنقباء من بني يعقوبا) يريد بهم الاسباط الاثني عشر من بني اسرائيل

فتسعة هم من رؤس الخزرج ... كاسعد نعم رجاء المرتجى ومنذر ورافع وسعد ... ابن الربيع والبرا ذى المجد وعد من عبادة أبوه ... سعد وعبد الله فانسبوه ذاك ابو جابر خير ثابت ... فى الحرب مع عبادة بن الصامت وإن تسلني عن شهيد مؤته ... فذاك عبد الله ان نسبته والأوس منهم واحد وثاني ... وثالث فاقت به المعانى فمنهم رفاعة وسعد ... وابن حضير من نماه المجد اسيد من قاموا له قياما ... لانه أبركهم إسلاما هم هؤلاء النقبا الاثنى عشر ... خيرة خلق الله من خير البشر هذا وصلى ربنا وسلما ... ما دامت الارض وما دام السما على النبي وآله وعظما ... ماشن سحب بامزان وما والآل والاصحاب والازواج ... ما غطمط العجاج بالامواج وروي ان جبريل كان الى جنب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند مبايعتهم وهو (عبادة) أصله غير مصروف وصرفه هنا لضرورة الشعر (شهيد مؤتة) هو عبد الله بن رواحة رضى الله عنه ومؤتة بالضم ثم واو مهموزة ساكنة وفوقية وبعضهم لا يهمزه قرية من قرى البلقاء في حدود الشام وقيل من مشارف الشام بعث النبى صلى الله عليه وآله وسلم اليها جيشا في سنة ثمان وأمر عليهم زيد بن حارثة مولاه وقال ان أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب الامير وان أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فساروا حتى اذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدو وانحاز المسلمون الى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فلقيتهم الروم في جمع عظيم فقاتل زيد حتى قتل فأخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل فاخذ الراية عبيد الله بن رواحة فكانت تلك حاله فاجتمع المسلمون الى خالد بن الوليد فانحاز بهم حتى قدم المدينة فجعل الصبيان يحثون عليهم التراب ويقولون يا فرار فررتم في سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا بالفرار لكنهم الكرار إن شاء الله. وقال حسان بن ثابت: فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا ... بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر وزيد وعبد الله هم خير عصبة ... تواصوا وأسباب المنية تنظر (غطمط) بمعجمة ومهملتين أى اضطرب وتحرك حتى سمع له صوت كصوت غليان القدر و (العجاج) بتشديد الجيم الذي يسمع له ضجيج أى صوت والمراد به البحر

يشير اليهم واحدا بعد واحد قال مالك وكنت أعجب كيف جاء هذا رجلان من قبيلة ورجل من أخرى ختى حدثت بهذا الحديث وأن جبريل هو الذي ولاهم وأشار بهم فعلمت* ولما تمت البيعة صاح ابليس لعنه الله صيحة منكرة مشبها صوته بصوت منبه بن الحجاج السهمى يا أهل منى هذا محمد وأهل يثرب قد اجتمعوا لحربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي عدوّ الله أما والله لافرغن لك ثم تفرقوا فلما أصبحوا غدت عليهم رؤساء قريش فقالوا يا معشر الخزرج بلغنا أنكم جئتم الى صاحبنا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا وانه والله ما حى من العرب أبغض الينا ان تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم فحلف له مشركو الانصار ما كان من هذا شئ ولا علمناه وصدقوا لم يعلموا هم وداروهم بالقول ثم تفرقوا وتفرق الناس من منى ثم فتشت قريش عن الخبر فوجدوه قد كان فخرجوا في طلب القوم ففاتوهم وأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو باذاخر فاعجزهم المنذر وادركوا سعدا فرجعوا به الى الى مكة أسيرا يضربونه فاستنقذه منهم جبير بن مطعم والحارث بن حرب بن أمية لصنائع وقوله (قال مالك) لعله كعب بن مالك الانصارى فان حديث العقبة مخرج عنه كما في السيرة لابن هشام (منبه بن الحجاج) بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم السهمى أحد صناديد قريش وممن كان يؤلب المشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل مشركا يوم بدر قتله أبو اليسر أخو بني سلمة (تنشب) أى تعلق من قولهم نشبت بكسر الشين المعجمة الحرب بينهم نشوبا اذا اشتبكت (ثم فتشت) أى بحثت (اذاخر) بالفتح والخاء المعجمة مكسورة كأنه جمع الجمع موضع بين مكة والمدينة (فاستنقذه منهم) أي فخلصه منهم وقصة ذلك كما ساقها ابن اسحاق. وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه الى عنقه بنسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير قال سعد فو الله أنى لفى أيديهم إذ طلع على نفر من قريش فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من الرجال. والشعشاع الطويل الحسن. قال قلت في نفسى ان يك عند أحد من القوم خير فعند هذا قال فلما دنا منى رفع يده فلكمني لكمة شديدة قال قلت في نفسى لا والله ما عندهم بعد هذا من خير قال فو الله اني لفي أيديهم يسحبوننى اذ أوى لي رجل ممن كان معهم فقال ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد قال قلت بلى والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجارة وامنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف قال ويحك فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما قال ففعلت وخرج ذلك الرجل اليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة فقال لهما ان رجلا من الخزرج الآن يضرب بالابطح ليهتف بكما ويذكران بينه وبينكما جوارا قالا ومن هو قال سعد بن عبادة قالا صدق والله إن كان ليجير لنا تجارنا ويمنعهم ان يظلموا ببلده قال فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم فانطلق وكان الذي لكم سعدا سهيل بن عمرو أخو بنى عامر بن لؤي وكان الرجل الذى أوي له أبا البختري بن

كانت في رقابهما. وقال ضرار بن الخطاب الفهرى يفتخر بما فعلوا بسعد وهو أوّل شعر قيل بعد الهجرة: تداركت سعدا عنوة فاخذته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا ولو نلته طلّت هناك جراحة ... وكان حقيقا أن يهان ويهدرا هشام اه (ضرار بن الخطاب) بن مرداس بن كثير بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشى الفهرى. قال ابن حبان له صحبة وكان فارسا شاعرا وكان أبوه رئيس بنى فهر في زمانه قاله الزبير قال وكان ضرار من الفرسان ولم يكن في قريش أشعر منه وبعده ابن الزبعرى وقال ابن سعد كان يقاتل المسلمين في الوقائع أشد القتال وكان يقول زوجت عشرة من أصحاب النبى صلى الله عليه وآله وسلم بالحور العين وله ذكر في أحد والخندق ثم أسلم في الفتح وقتل باليمامة شهيدا وقال الخطيب بل عاش الي ان حضر فتح المدائن ونزل الشام وقال ابن مندة في ترجمته له ذكر وليس له حديث وحكى عنه عمر بن الخطاب وتعقبه أبو نعيم بانه لم يذكره أحد في الصحابة ولا فيمن أسلم وتعقبه ابن عساكر بان الصواب مع ابن مندة وروى الذهلي في الزهريات من حديث الزهري عن السائب بن يزيد قال بينا نحن مع عبد الرحمن بن عوف في طريق مكة اذ قال عبد الرحمن لرياح بن المعترف غننا فقال له عمر فان كنت آخذا فعليك بشعر ضرار ابن الخطاب وقال أبو عبيدة كان الذى شهر وفاء أم جميل الدوسية من رهط أبي هريرة أن هشام بن الوليد بن المغيرة قتل أبا أزيهر الدوسي وكان صهر أبى سفيان فبلغ ذلك قومه فوثبوا على ضرار بن الخطاب ليقتلوه فسعى فدخل بيت أم جميل فعاذبها فرآه رجل فلحقه فضربه فوقع ذباب السيف على الباب وقامت أم جميل في وجوههم ونادت في قومها فمنعوه فلما قام عمر بالخلافة ظنت انه أخوه فاتته فلما انتسبت عرف القصة فقال لست باخيه الا في الاسلام وهو غاز وقد عرفنا منتك عليه فاعطاها على أنها ابنة سبيل فهذا صريح في اسلامه فلا معنى لتعقب أبي نعيم وذكر الزبير بن بكار أن التى أجارت ضرارا أم غيلان الدوسية وفيها يقول ضرار: جزى الله عنى أم غيلان صالحا ... ونسوتها اذ هن شعث عواطل وعوفا جزاه الله خيرا فما وني ... وما بردت منه لدي المفاصل قال وعوف ولدها وأنشد الزبير لضرار بن الخطاب يخاطب النبى صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح: يا نبي الهدى اليك لجا ... حي قريش ولات حين لجاء حين ضاقت عليهم سعة الارض ... وعاداهم اله السماء والتقت حلقتا البطان على القوم ... ونودوا بالصيلم الصلعاء ان سعدا يريد قاصمة الظهر ... باهل الحجون والبطحاء الابيات قال وكان ضرار قال لابي بكر نحن خير لقريش منكم أدخلناهم الجنة وأنتم أدخلتموهم النار (عنوة) بمهملة مفتوحة ونون ساكنة أي قسرا (طلت) بمهملة أي ذهب هدرا فلم تود يقال طل دمه وأطل دمه وطله الله تعالى وأطله أى اهدره (يهان) بتحتية من الهوان ضد الاحترام

الكلام على بدء الهجرة إلى المدينة وأول من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

فاجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه ولست الى سعد ولا المرء منذر ... اذا ما مطايا القوم أصبحن ضمرا فلولا ابو وهب لمرت قصائد ... الى شرف البرقاء يهوين حسرا أتفخر بالكتان لما لبسته ... وقد تلبس الانباط ريطا مقصرا فلا تك كالوسنان يحلم أنه ... بقرية كسرى أو بقرية قيصرا ولا تك كالثكلى وكانت بمعزل ... عن الثكل لو كان الفؤاد تفكرا ولا تك كالشاة التى كان ذبحها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا ولا تك كالعادى فاقبل نحره ... ولم يخشه سهم من النبل مضمرا فانا ومن يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرا الى أهل خيبرا [الكلام على بدء الهجرة الى المدينة وأول من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] ولما كان ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاصحابه ان الله قد جعل لكم (مطايا القوم) رواحلهم (أبو وهب) كنية جبير بن مطعم وقد ذكرنا نسبه قال البغوي أسلم جبير قبل فتح مكة ومات في خلافة معاوية وكان من أكابر قريش وعلماء النسب في الجاهلية والاسلام قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد أساري بدر فسمعه أي سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ والطور قال فكان ذلك أوّل ما دخل الايمان في قلبي روي ذلك البخارى في الصحيح (الى شرف البرقاء) الابرق والبرقاء والبرقة بضم الموحدة في الاخيرة كلها واحد قال الاصمعي الابرق والبرقاء وكذلك البرقة حجارة ورمل مختلطة وقال ابن الاعرابي جبل مخلوط برمل وكل شيء خلط من لونين فقد برق (حسرا) مكشوفات (الانباط) جمع نبطى والنبط اسم جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في اخلاط الناس وعوامهم وقال الليث ورجل نبطى ومنعه الاعرابي (والريط) بفتح المهملة واسكان التحتية الثوب الرقيق أو كل ملاءة ليست ذات لفقين (والوسنان) النائم (والحلم) ما يراه النائم في نومه (كسرى) بكسر الكاف قاله أبو عمرو بن العلاء وقيل بالفتح والكسر افصح وهو ملك الفرس (وقيصر) ملك الروم (والثكلي) من مات ولدها بفتح الثاء والاسم بضمها (ولاتك كالعادي) أي الساعي الى حتفه (مضمرا) منصوب على الحال عند من يجوز الحال بعد النكرة ويروي موترا أى مشدودا. ورواية البيت في السيرة لابن هشام ولاتك كالعاوي فاقبل نحره ... ولم يخشه سهم من النبل مضمرا والبيت الاخير من القصيدة ضربه مثلا وقوله فيه (ومستبضع) أي جاعل التمر بضاعة بكسر الباء أى مالا للتجارة من قولهم استبضعت الشئ جعلته بضاعة لنفسى وأبضعته غيري بالالف جعلته له بضاعة

إخوانا ودارا تأمنون فيها فأول من هاجر الى المدينة بعد بيعة العقبة ابو سلمة بن عبد الاسد ثم عامر بن ربيعة ثم عبد الله بن جحش ثم تتابعوا أرسالا آحادا وثلاثا فلقوا من الانصار دارا وجوارا وآثروهم على أنفسهم في أقواتهم وقاسموهم أموالا وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلفهم ينتظر الاذن في الهجرة ولم يتخلف معه أحد الا من حبس أو فتن الا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأبو بكر الصديق فانهما حبسا أنفسهما على صحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاما أبو بكر فصحبه في هجرته وأما أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضى الله عنه فتخلف عنه قليلا بأمره لأمر اقتضى ذلك بأمر ربه تعالى على ما سيأتي خبره ولما رأت قريش ما لقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طيب الحال وحسن الجوار من الانصار رهبوا ذلك وحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجتمعوا في دار (أبو سلمة) اسمه عبد الله (بن عبد الاسد) بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي (بعد بيعة العقبة) لعله أراد بيعة العقبة الاولى فقد حكى ابن هشام انه أوّل من هاجر الى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش من بني مخزوم أبو سلمة وذلك قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة فلما آذته قريش وبلغه اسلام من أسلم من الانصار خرج من المدينة مهاجرا وساق ابن هشام عن ابن اسحق قصة هجرته رضي الله عنه وقال الحافظ ابن حجر بعد ان ساق نسبه من السابقين الاولين الى الاسلام أسلم بعد عشرة أنفس وكان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة كما ثبت في الصحيحين وأمه برة بنت عبد المطلب فيكون ابن عمته صلى الله عليه وسلم مات بالمدينة بعد ان رجعوا من بدر وقال ابن زنجويه توفي أبو سلمة في سنة أربع بعد منصرفه من أحد انتقض به جرح كان أصابه باحد فمات منه وكذا قال ابن سعد انه شهد بدرا واحدا قال ابن حجر وقاله الجمهور وزوجه أم سلمة تزوجها بعده صلى الله عليه وسلم (ثم عامر بن ربيعة) حليف بني عدي بن كعب ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة وكان ممن هاجر بامرأته هذه إلي الحبشة. قال ابن حجر كان أحد السابقين الاولين شهد بدرا وما بعدها وكان صاحب عمر لما قدم الجابية واستخلفه عثمان على المدينة لما حج قال الواقدى كان موته بعد قتل عثمان بايام وقيل غير ذلك (ثم عبد الله بن جحش) بن رئاب كذا في ابن هشام بالهمز بعد الراء وفي الاصابة ابن رياب براء وتحتانية وآخره موحدة ابن يعمر الاسدي حليف بني عبد شمس أحد السابقين شهد بدرا واحدا ودعا الله ان يرزقه الشهادة فقتل يوم أحد وكان سيفه انقطع يوم أحد فاعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرجونا فصار في يده سيفا ودفن هو وحمزة في قبر واحد وكان له يوم قتل نيف واربعون سنة. وقال ابن هشام احتمل باهله وباخيه عبد بن جحش وهو أبو أحمد الضرير الشاعر وكانت عنده الفرعة ابنة أبي سفيان ابن حرب وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم فغلقت دار بنى جحش هجرة فمر بها عتبة بن

الندوة وتشاوروا في أمره فتصور لهم ابليس لعنه الله في صورة شيخ نجدى مشاركا لهم في الرأي فتحدثوا أن يربطوه في الحديد ويغلقوا دونه الابواب حتى يموت أو ان يخرجوه من بين أظهرهم فيستريحوا منه او ان يجمعوا من كل قبيلة رجلا فيقتلونه دفعة واحدة فيفترق دمه بين القبائل حتى يعجز قومه عن طلب الثأر وهو رأى أبى جهل فحسنه لهم الشيخ النجدى وتفرقوا على ذلك ولما قصدوا لذلك أخبر جبريل النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأمره أن يغير فراشه فقال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعلي نعم على فراشى وتسج ببردى هذا الحضرمي الاخضر فنم فيه فانه لن يخلص اليك شيء تكرهه ولما قعدوا على بابه لذلك خرج عليهم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وبيده حفنة من التراب فجعل ينثره على رؤسهم وهو يتلو صدر سورة يس فأتاهم آت فقال لهم ما تنتظرون قالوا محمدا قال لهم خيبكم الله قد خرج والله عليكم محمد ثم ما ترك رجلا منكم الا وقد وضع على رأسه ترابا فتفقدوا ذلك فوجدوه كما قال ثم نظروا الى الفراش فوجدوا عليا عليه السلام مسجي بالبرد فبقوا حينئذ متحيرين حتى أصبحوا فقام على عليه السلام فحين رأوه قالوا والله لقد صدقنا الذى حدثنا فنزل في ذلك قوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ وقوله تعالى أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبو جهل بن هشام بن المغيرة فنظر اليها عتبة تخفق أبوابها يبابا ليس فيها ساكن فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ثم قال: وكل دار وان طالت سلامتها ... يوما ستدركها النكباء والحوب (دار الندوه) هي دار قصى بن كلاب التى كانت قريش لا تقضي أمرا الا فيها (فتصور لهم ابليس في صورة شيخ نجدي) قال ابن اسحاق فيما يرويه عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لما أجمعوا لذلك واتعدوا ان يدخلوا في باب الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا فيه وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم ابليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل عليه بت له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى ان لا يعدمكم منه رأيا ونصحا قالوا أجل فادخل فدخل معهم لعنه الله وقد اجتمع فيها أشراف قريش ثم عدهم واحدا واحدا (تسج) أي تغط (ببردي هذا الحضرمي) بالفتح ثم السكون وفتح الراء نسبة إلي حضرموت بفتح الميم ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر وحولها رمال كثيرة تعرف بالاحقاف وقال أبو عبيدة حضرموت ابن قحطان نزل هذا المكان فسمي به فهو اسم موضع واسم قبيلة

الباب الرابع في هجرته صلى الله عليه وسلم وما بعدها إلى وفاته

[الباب الرابع في هجرته صلى الله عليه وسلم وما بعدها الى وفاته] الباب الرابع (في هجرته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وما بعدها الى وفاته) قال المؤلف زكى عمله وختم بخيرا جله اعلم رحمك الله واياى ان هذا الباب اوسع تاريخا من الابواب قبله لحلول الجهاد فيه وترادف الغزوات وانتشار اعلام النبوة وارتفاع صيتها وتوالى الفتوحات وخمول اهل البغي والعناد والجهالات ووفود العرب من الآفاق المتباينات وختام ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم* قال أهل التواريخ أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بالهجرة وفرض عليه الجهاد وذلك في سنة احدى من سني الهجرة وهى سنة أربع عشرة من النبوة واربعا وخمسين من المولد ومنها ابتداء التاريخ الاسلامي ففي ربيع الاول منها يوم الاثنين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم* وها أنا ان شاء الله اذكر حديث الهجرة مختصرا من الصحيحين مع زيادات من غيرهما معبرا عن تلك الزيادات بصيغة من صيغ التمريض كروي وحكي ونحوهما مع احتمال ان يكون بعضها لاحقا بدرجة الصحيحين والله المسدد فأول ذلك انه صلى الله عليه وسلم لما عقد البيعة مع الانصار ليلة العقبة أقام ينتظر أمر الله بالهجرة وبقوا منتظرين لوروده عليهم في كل حين وكان ابو بكر قد خرج قبل ذلك مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى اذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فحكى له ما لقى من قومه فقال له ابن الدغنة ان مثلك لا يخرج ولا يخرج ارجع فانا لك جار فرجع وارتحل معه حتي قدما مكة (الباب الرابع في هجرته صلى الله عليه وآله وسلم وما بعدها) أي بعد الهجرة (اعلام النبوة) الاعلام جمع علامة واعلام النبوة ما يدل على صدق النبى من الحوادث وقد ألف العلماء في ذلك كتبا كثيرة (صيت) بمهملة مكسورة وتحتية ساكنة الذكر الحسن كالصات والصوت والصيتة (الخمول) بمعجمة مضمومة بوزن حمول وهو السقوط يقال فلان خامل اذا كان ساقطا لا نباهة له (الوفود) جمع وافد القادم يقال وفد اليه وعليه يفد وفدا ووفودا ووفادة وافادة كذا في القاموس (التاريخ الاسلامي) أول ما بدأ التاريخ بالهجرة في خلافة عمر رضى الله عنه وقد بسط المؤرخون سبب ذلك (برك الغماد) بموحدة مكسورة وراء ساكنة ثم معجمة مكسورة وقد تضم الاخيرة والكسر أشهر موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر وقيل بلد باليمن والاول الصحيح وفي حديث عمار لو ضربونا حتى بلغوا بنا برك الغماد لعلمنا اننا على الحق وانهم على الباطل (ابن الدغنة) بفتح الدال المشددة وكسر الغين المعجمة وتخفيف النون وعليه عامة الرواة وأهل السير يقولون الدغنة بضم المهملة والمعجمة والنون مشددة وهو بفتح الدال وسكون الغين تقييد أهل اللغة واسمه ربيعة بن رفيع والدغنة أمه وهو من القارة سيد الاحابيش والدغنة الدجنة يقال دغن يومنا أي دجن (القارة) بقاف ممدودة فراء مخففة قبيلة وهم رماة وفي المثل انصف القارة من راماها (حتى قدما مكة) في رواية فارتحل ابن الدغنة ورجع مع أبي بكر فطاف ابن الدغنة في كفار قريش

فأنفذت له قريش جواره بشرط أن لا يعلن بقراءته ولا صلاته فعمل بشرطهم أياما ثم بدا له أن يعلن فأعلن فأخبرت قريش ابن الدغنة فقدم عليه ولازمه على شرطه الاول أو يرد عليه جواره فرد عليه أبو بكر ذمته ورضي بجوار الله عز وجل وتجهز أبو بكر قبل المدينة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رسلك وانى أرجو أن يؤذن لى فأحتبس أبو بكر لذلك وعلف را حلتين كانتا عنده الخبط أربعة أشهر. قالت عائشة فبينما نحن يوما جلوس في نحر الظهيرة قال قائل لابى بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدا له أبى وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة الا أمر. فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال لأبى بكر اخرج من عندك فقال انما هم أهلك قال فانى قد أذن لى في الخروج قيل بكى أبو بكر حينئذ فرحا. وقال بأبى أنت وأمى يا رسول الله فخذ احدى راحلتى هاتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالثمن قالت عائشة فجهزنا هما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها فربطت بها على فم الجراب فبذلك سميت- ذات النطاقين- واستأجرا رجلا فقال ان أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله اتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فانفذت قريش جواره وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ويصل مهما شاء وليقرأ مهما شاء ولا يؤذينا ولا يشنغلن بالصلاة والقراءة في غير داره ففعل ثم بدا لابي بكر فابتنى مسجدا في فناء داره فكان يصلي ويقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون اليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دموعه حين يقرأ القرآن فافزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا الى ابن الدغنة فأتاهم ورد عليه أبو بكر جواره (على رسلك) الرسل بكسر الراء الرفق والتؤدة كالرسلة والترسل (الخبط) بمعجمة وموحدة مفتوحتين ورق السمر (نحر الظهيرة) وقت زوال الشمس (متقنعا) منصوبه على الحال وفي القرآن الكريم وهذا بعلي شيخا ومتقنع ومقنع مغط وجهه ورأسه (الا أمر) أي الا أمر عظيم جليل فالتنوين للتعظيم كما في قولهم شر أهر ذا ناب أي شر عظيم جعله يهر (احث جهاز) أي أسرعه والجهاز بمعجمة مكسورة ما يحتاج اليه المسافر في طريقه من طعام وغيره (سفرة) بمهملة مضمومة والسفرة طعام المسافر وقد يراد بها الجلد الذى يجعل عليه الطعام (نطاقها) النطاق ككتاب شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها فترسل الاعلى على الاسفل الى الارض والاسفل ينجر على الارض ليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان (فبذلك سميت ذات النطاقين) في غير هذا الكتاب وذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر لانها شقت نطاقها ليلة خروج النبي صلى الله عليه وسلم الى الغار فجعلت واحدة لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاخرى عصاما

من بنى الدئل دليلا ماهرا قيل اسمه عبد الله بن أريقط وهو يومئذ كافر ولا يعرف له فيما بعد اسلام فأمناه ودفعا اليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال ثم لحقا بالغار فمكثا فيه ثلاثا يبيت عندهما عبد الله بن أبى بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتي يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبى بكر منحة من غنم فيريخها عليهما عشا وينعق بها من عندهم بغلس. قيل وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام اذا أمست بما يصلحهما وطلبهم المشركون بجميع وجوه الطلب ومروا على غارهما فلم يأبنوه بشئ ففى لقربته (الدئل) بمهملة مضمومة وهمزة مكسورة قبيلة معروفة والنسبة اليها دؤلي ودولى بفتح عينيهما (واستأجرا رجلا من بني الدئل دليلا ماهرا قيل اسمه عبد الله بن اريقط) تصغير أرقط والرقطة سواد يشوبه نقط بيض وجزم ابن هشام في السيرة بان اسمه عبد الله بن أرقط رجل من بني الدئل بن بكر وقال كانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو. وفي اللسان في رقط والارقيط دليل النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الاصابة عبد الله بن أريقط ويقال أريقد بالدال بدل الطاء المهملتين الليثي ثم الدئلى دليل النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر لما هاجرا الى المدينة ثبت ذكره في الصحيح فانه كان على دين قومه ولم أر من ذكره في الصحابة الا الذهبي في التجريد وقد جزم عبد الغنى المقدسي في السيرة له بانه لم يعرف له اسلاما وتبعه النووي في تهذيب الاسماء (غار ثور) الغار آخره راء مغارة في الجبل كأنه سرب وثور بلفظ الثور فحل البقر اسم جبل بمكة فيه الغار المذكور (عبد الله بن أبي بكر) شقيق أسماء بنت أبي بكر ذكره ابن حبان في الصحابة وقال مات قبل أبيه وثبت ذكره في البخاري في قصة الهجرة هذه قال ابن عبد البر لم أسمع له بمشهد الا في الفتح وحنين والطائف فان أصحاب المغازي ذكروا انه رمي بسهم فجرح ثم اندمل ثم انتقض عليه فمات في خلافة أبيه في شوال سنة احدى عشرة وذكره المرزباني في معجم الشعراء وقال أصابه حجر في حصار الطائف فمات شهيدا وذكر له شعرا في عاتكة وكان قد تزوجها وشغف بها (ثقف) بفتح المثلثة وكسر القاف الذي يفهم الحديث بسرعة (لقن) بوزن الذي قبله ومرادف له (يدلج) بالتشديد اذا خرج آخر الليل وأدلج وزان أكرم اذا سار الليل كله (كبائت) أي مثل البائت يظنه من لا يعرف حقيقة أمره انه بات بمكة لشدة تغليسه في رجوعه (يكادان به) أي يطلب لهما فيه المكروه من الكيد والاصل فيه كاده كيدا خدعه ومكر به (الاوعاه) أي حفظه وتدبره (عامر بن فهيرة) بالتصغير التيمى مولى أبي بكر الصديق قال ابن حجر أحد السابقين وكان ممن يعذب في الله له ذكر في الصحيح وقال ابن اسحاق كان عامر بن فهيرة مولدا من الأزد وكان للطفيل بن عبد الله بن سخبرة فاشتراه أبو بكر منه فاعتقه وكان حسن الاسلام استشهد ببئر معونة (منحة) المنحة بكسر أوله الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن هذا في الاصل ثم كثر استعماله حتى اطلق على كل عطاء (فلم يأبنوه)

البخارى عن أبي بكر قال رفعت رأسى فاذا أنا باقدام القوم فقلت يا رسول الله لو ان بعضهم طأطأ بصره رآنا قال اسكت يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما وبعد الثلاث جاءهم الدليل بالراحلتين فارتحلوا فكانوا ثلاثة ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر والدليل واردف أبو بكر خلفه عامر بن فهيرة ليخدمهما فأخذ بهم طريق السواحل وأخذت قريش عليهم بالرصد والطلب وجعلوا دية كل واحد منهما لمن أسره أو قتله قال أبو بكر أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة ثم رفعت لنا صخرة فآتيناها ولها شئ من ظل قال ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فروة كانت معى ثم اضطجع ثم انطلقت أنقض ما حوله فاذا أنا براع قد أقبل في غنيمة يريد من الصخرة مثل الذى أردنا فسألته لمن أنت يا غلام فقال أنا لفلان فقلت له فهل في غنمك من لبن قال نعم قلت هل أنت حالب لي قال نعم فأخذ شاة من غنمه فقلت له انفض الضرع قال فحلب كثبة من لبن ومعى اداوة من ماء عليها خرقة قد روّأتها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصببت على اللبن حتى برد أسفله ثم أتيت به النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم ارتحلنا بعد ما زالت الشمس والطب في أثرنا فاتبعنا سراقة بن مالك بن جعشم ونحن في جلد من الارض فقلت يا رسول الله آتينا قال لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه رسول الله فارتطمت به فرسه الى بطنها فقال انى قد علمت انكما قد دعوتما على فادعوا لي والله لكما ان أرد عنكما الطلب فدعا الله فنجا فرجع لا يلقى أحدا الا قال قد كفيتم ما هاهنا فلا يلقى أحد الا رده قال ووفى لنا. وروي أنهم مروا على خيمتى بتقديم الباء الموحدة على النون أي لم يظنوا أحد فيه (طريق السواحل) قال ابن هشام في السيرة قال ابن اسحاق فلما خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقط سلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل. قال ياقوت الساحل بعد الالف حاء مهملة وآخره لام موضع من أرض العرب بعينه كذا قال الازدي فيكون تعبير المؤلف بالسواحل جمع ساحل المراد به ساحل البحر غلطا وقد استوفي ابن هشام الطريق مكانا مكانا الى المدينة فانظره (كثبة) بضم الكاف قال أبو زيد الكثبة ملء القدح من اللبن (سراقة) بضم المهملة (بن مالك بن جعشم) بضم الجيم بن مالك بن عمرو بن تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة المدلجي الكناني وقد ينسب الى جده يكنى أبا سفيان ذكر البخاري قصته هذه أسلم يوم الفتح ومات في خلافة عثمان سنة أربع وعشرين (جلد من الارض) قال في اللسان أرض جلد صلبة مستوية المتن غليظة (فارتطمت به فرسه)

أم معبد الخزاعية ثم الكعبية فسألوها الزاد فلم يصيبوا عندها شيئا وكانوا مسنتين فنظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الى شاة في خيمتهم وسألها هل بها من لبن قالت هى أجهد من ذلك انما خلفها عن الغنم الجهد فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمسخ بيده ضرعها وسمى الله فدعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت ودعا باناء يربط الرهط فحلب وسقاها وسقى أصحابه وشرب آخرهم ثم ملأه وغادزه عندها وبايعها وارتحلوا عنها وأصبح صوت بمكة عال يسمعونه ولا يدرون من صاحبه قيل هو من الجن وهو يقول جزى الله رب العرش خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى فاهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فخار لا يجارى وسؤدد ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فانكم ان تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرة الشاة مزبد قيل ولما هبطوا العرج أبطأ عليهم بعض ظهرهم فحمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالطاء المهملة أي غاصت قوائمها في الارض (أم معبد) كنيتها واسمها عاتكة بنت خالد (فمسخ) بالخاء المعجمة مثل مسح بالحاء المهملة (باناء يربط الرهط) أي يرويهم (وبايعها) هذا يدل على أن اسلامها كان عند نزولهم بها وحكى الحافظ ابن حجر في ترجمتها عن الواقدي انها قدمت بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلمت وبايعت (قيل هو من الجن) عند ابن هشام ونصه حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بابيات من شعر غناء العرب وان الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلا مكة وهو يقول الابيات وقوله (قالا) من القيلولة وهى نومة الضحي ويروى حلا أي نزلا ورواية البيت الثاني عند ابن هشام هما نزلا بالبر ثم تروحا ... فأفلح من أمسى رفيق محمد (فيال قصي) يريد فيا آل قصى يعني بهم قريشا (ما زوى الله عنكم) زوي الشئ يزويه زيا وزويا فانزوي نحاه فتنحى يريد ما أبعد الله عنكم من الفخار الذي لا يجارى والسؤدد الذى لا يباري (سلوا اختكم) يريد بها أم معبد وقصة أم معبد أخرجها أصحاب المغازي جميعهم وهى احدى معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم التى تناقلتها الرواة (الصريح) الخالص (والضرة) لحمة الضرع ورواه بعضهم بالصاد المهملة والاول اليق بالمعنى (العرج) بفتح العين المهملة واسكان الراء قال ياقوت قرية جامعة في واد من نواحي الطائف وهي أوّل

مطلب في الكلام على وصوله صلى الله عليه وسلم المدينة

رجل يقال له أوس بن حجر على حمل له اسمه الرداح أو الرداء وبعث معه غلاما يقال له مسعود ابن هنيدة ثم سلكوا من العرج ثنية الغاير عن يمين ركوبة وهبطوا بطن ريم ثم قدموا قباء على بنى عمرو بن عوف. [مطلب في الكلام على وصوله صلى الله عليه وسلم المدينة] وفي صحيح البخارى انه لما سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة الى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة وانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا الى بيوتهم أو في رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر اليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يتمالك اليهودي أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون الى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بنى عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الاول قيل لثنتي عشرة منه وقيل لثمان وذلك في شهر أيلول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صامتا فطفق من جاء من الانصار ممن لم يكن ير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحيى أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك فلبث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع عشر ليلة وقيل ثلاثا وقيل خمسا وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل وكان مربدا تهامة وبينها وبين المدينة ثمانية وسبعون ميلا (أوس بن حجر) بضم المهملة واسكان المعجمة (على حمل له اسمه الرداح أو الرداء) الذي في السيرة لابن هشام على جمل له يقال له ابن الرداء (ثنية الغائر) بالغين المعجمة ويروى بالمهملة الثنية في الاصل كل عقبة في الجبل مسلوكة والغائر جبل بالمدينة وأورده ياقوت بالعين المهملة والمعجمة روايتان (ركوبة) بفتح أوله وبعد الواو باء موحدة وهى ثنية بين مكة والمدينة عند العرج صعبة. قال ياقوت سلكها النبى صلى الله عليه وآله وسلم عند مهاجرته الى المدينة قرب جبل ورقان (بطن ريم) بكسر الراء قال ياقوت وهمز ثانيه وسكونه وقيل بالياء مهموزة واد قرب المدينة يصب فيه ورقان ثم قال وقيل بطن ريم على ثلاثين ميلا من المدينة (ثم قدموا قباء) بالضم وهي مساكن بنى عمرو بن عوف من الانصار وألفه واو يمد ويقصر ويصرف ولا يصرف وأنكر البكري فيه القصر ولم يحك فيه القالى سوي المد وكذا في ابن هشام وأهل قباء يقولون ان مسجدهم هو الذي أسس على التقوى كما سيذكره الؤلف قريبا (يزول بهم السراب) السراب ما تراه نصف النهار في المفازة كأنه ماء وليس بماء ويزول يتحرك (مربدا) المربد بكسر الميم موضع تجعل فيه الابل والغنم وموضع للتمر ينشف فيه

لكلثوم بن الهدم وورد في فضله أحاديث كثيرة وكان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يأتيه في كل اثنين وخميس راكبا وماشيا ويصلى فيه وأثنى الله سبحانه وتعالى عليه وعلى أهله بالطهارة وهو أوّل مسجد بني في الاسلام قيل وكان نزوله بقباء على كلثوم بن الهدم وقيل على سعد بن خيثمة وسار من قباء يوم الخميس وقيل يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف فصلاها في بطن وادى رانوناء وكانت أوّل جمعة صلاها بالمدينة. قلت واتخذ موضع مصلاه مسجدا وسمى مسجد الجمعة وهو مسجد عتبان بن مالك الذى شكى الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه يحول بينه وبينه السيل ولما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قباء كان كلما حاذى أومر على دار من دون الانصار اعترضوه ولزموا بزمام ناقته يقولون هلم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى القوة والمنعة فيقول لهم خلوا سبيلها فانها مأمورة وقد أرخى لها زمامها وما يحركها وهى تنظر يمينا وشمالا والناس كنفتيها حتى بركت حيث بركت على باب مسجده ثم ثارت وهو عليها فسارت حتى بركت على باب أبى أيوب الانصاري ثم التفتت يمينا وشمالا ثم ثارت وبركت في مبركها الاول والقت جرانها بالارض وأرزمت فنزل عنها وقال هذا المنزل ان شاء الله تعالى فاحتمل أبو أيوب رحله وأدخله بيته فاختار الله له (كلثوم بن الهدم) بكسر الهاء وسكون الدال بن امريء القيس بن الحارث بن زيد بن مالك بن عوف بن مالك بن الاوس الأوسي الانصاري أوّل من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم مات بعده أسعد بن زرارة (سعد بن خيثمة) بن الحارث تقدم نسبه وذكره واختلف أصحاب المغازي على أيهما نزل صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقباء على كلثوم بن الهدم وكان اذا خرج منه جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة وكان يقال له بيت العزاب (عبان) بكسر أوله وقيل بالضم (ابن مالك) ابن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الانصاري الخزرجي السالمى قال ابن حجر بدرى عند الجمهور ولم يذكره ابن اسحاق فيهم وحديثه في الصحيحين وانه كان امام قومه بنى سالم وذكر ابن سعد ان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينه وبين عمر ابن الخطاب مات في خلافة معاوية وقد كبر (كنفتيها) الكنف بفتحتين الجانب واكتنفه القوم كانوا منه يمنة ويسرة (جرانها) بكسر الجيم مقدم عنق البعير من مذبحه الى منحره فاذا برك البعير ومد عنقه على الارض قيل القى جرانه بالارض (أبو ايوب) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار أبو أيوب الانصاري النجاري معروف باسمه وكنيته وامه هند بنت سعيد بن عمرو من بنى الحارث بن الخزرج وأبو أيوب هذا من السابقين شهد العقبة وبدرا وما بعدهما قال ابن حجر نزل عليه النبى

ما كان يختاره. فقد كان يحب النزول على بني النجار لنسبه فيهم وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال خير دور الانصار دار بني النجار فهم أوسط دور الانصار وأخوال عبد المطلب ولم يزل صلى الله عليه وآله وسلم في منزل أبى أيوب حتى ابتنى مسجده ومساكنه قيل كانت اقامته عنده شهرا ولما اطمأن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اشتد سرور الانصار به وأظهروا الاسف على ما فاتهم من نصره ففي ذلك يقول أبو قيس صرمة بن أبى أنس احد بنى عدي بن النجار ثوى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقي صديقا مواتيا ويعرض في أهل المواسم نفسه ... فلم يلق من يؤوى ولم يرداعيا فلما أتانا أظهر الله دينه ... فأصبح مسرورا بطيبة راضيا وألفى صديقا واطمأن به الثوى ... وكان له عونا من الله باديا يقص لنا ما قال نوح لقومه ... وما قال موسى اذ أجاب المناديا فأصبح لا يخشى من الناس واحدا ... قريبا ولا يخشى من الناس نائيا بذلنا له الاموال من جل مالنا ... وأنفسنا عند الوغى والتآسيا ونعلم ان الله لا شئ غيره ... ونعلم ان الله أفضل هاديا نعادي الذى عادى من الناس كلهم ... جميعا وان كان الحبيب المصافيا فو الله ما ندرى الفتى كيف يتقى ... اذا هو لم يجعل له الله واقيا صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة فاقام عنده حتى بني بيوته ومسجده وآخى بينه وبين مصعب بن عمير وشهد الفتوح وداوم الغزو واستخلفه علي المدينة لما خرج الي العراق ثم لحق به بعد وشهد معه قتال الخوارج ولزم الجهاد إلى ان توفي في غزاة القسطنطينية سنة خمسين وقيل احدي وخمسين وقيل غير ذلك وكان أمير الجيش يزيد بن معاوية ودفن أبو أيوب خارج القسطنطينية في قرية معروفة به وعليه جامع مكلف وللاتراك فيه عناية وقد أفردت مناقبه وسيرته بالتأليف (صرمة) بكسر الصاد المهملة (ابن أبي أنس) وقيل ابن أنس ويقال ابن قيس بن مالك بن عدى بن عامر بن غانم بن عدى بن النجار أبو قيس الأوسى مشهور بكنيته أنشد أبياته الآتية ابن اسحاق في المغازي لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وأمن بها هو وأصحابه قال المرزباني في معجم الشعراء عاش أبو قيس عشرين ومائة سنة وقال ابن اسحاق وهو الذي نزلت فيه وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر وقوله (ثوي) أي مكث (بضع عشرة حجة) الحجة العام أخرج الحاكم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال قلت لعروة كم لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال عشر سنين قلت فابن عباس يقول لبث بضع عشرة

فصل: في المسجد الشريف النبوى وعمارته

ولا تحمل النخل المقيمة ربها ... اذا أصبحت ريا وأصبح ثاويا وكان أبو قيس هذا قد ترهب في الجاهلية وهم بالنصرانية واعتزل من الجاهلية ودخل بيتا له واتخذه مسجدا وقال أعبد رب ابراهيم وقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو شيخ كبير فأسلم وحسن اسلامه وله أشعار حسان من محاسنها قوله. يقول أبو قيس وأصبح غاديا ... ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا وأوصيكم بالله والبر والتقى ... واعراضكم والبر بالله أوّل وان قومكم سادوا فلا تحسدونهم ... وان كنتم أهل الرياسة فاعدلوا وان نزلت احدى الدواهي بقومكم ... فأنفسكم دور العشيرة فاجعلوا وان ناب غرم فادح فارفدوهم ... وما حملوكم في الملمات فاحملوا وان انتم أمعرتم فتعففوا ... وان كان فضل الخير فيكم فافضلوا [فصل: في المسجد الشريف النبوى وعمارته] «فصل» اعلم ان المسجد الشريف في دار بنى غنم بن مالك بن النجار وهو حيث مبرك الراحلة وكان كما ورد في الصحيح مربدا للتمر لسهل وسهيل بني رافع بن عمرو غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة وكان يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بنى النجار فقال ثامنونى بحائطكم هذا فقالوا لا والله ما نطلب ثمنه الا الى الله ولما كان لليتيمين لم يقبله الا بالثمن قيل اشتراه بعشرة دنانير ذهبا دفعها عنه أبو بكر ثم ابتدأ صلى الله عليه وسلم حجة قال انما أخذه من قول الشاعر وذكر البيت (ثاويا) أي هالكا (غاديا) بمعجمة ممدودة من الغدو وهو الذهاب بكرة وقد يراد به مطلق الخروج أي وقت كان ويريد هنا بقوله غاديا الغدو الى القبر (وصاتي) الوصاة الوصية (فلا تحسدونهم) باثبات النون في تحسدونهم وكان حقها أن تسقط بلا الناهية الا انها قد تهمل حملا على أختها ما (فانفسكم) منصوب على انه مفعول لقوله فاجعلوا (غرم) بغين معجمة مضمومة فراء ساكنة هو ما يجب أداؤه كالدين ونحوه (فادح) ما يفدح حمله أي يشق حمله ومنه قولهم خطب فادح أي لا تطيقه النفوس ويشق عليها احتماله (أرفدوهم) من الرفد بكسر الراء العطاء (الملمات) جمع ملمة وهي الحادثة التى تلم بالانسان أي تنزل به (أمعرتم) بعين مهملة فراء أي افتقرتم يقال أمعر الرجل اذا خلت يده من المال (فضل) بالضاد المعجمة الفضل الزيادة يقول اذا افتقرتم فكونوا اعفة واذا كان عندكم في أموالكم فضل فتفضلوا بها على غيركم. (فصل) واعلم ان المسجد الشريف (حيث مبرك الراحلة) كما تقدم ذكره (ثامنونى) بمثلثة ممدودة أى اتفقوا معي على ثمنه في السيرة فقال له معاذ بن عفراء هو يا رسول الله لسهل وسهيل بني عمرو وهما

في بنائه واعانه عليه المسلمون وكان ينقل معهم اللبن ويقول هذا الحمال لاحمال خيبر ... هذا أبر ربنا واطهر فقال قائل من المسلمين لئن قعدنا والنبى يعمل ... لذاك منا العمل المضلل وأرتجز أمير المؤمنين على كرم الله وجهه في الجنة شعرا فقال لا يستوى من يعمر المساجدا ... يدأب فيها قائما وقاعدا ومن يرى عن الغبار حائدا قيل دخل عمار بن ياسر وقد اثقلوه باللبن فقال يا رسول الله قتلونى يحملون علىّ مالا يحملون فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض عنه التراب ويقول ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مربعا وجعل قبلته الى بيت المقدس وطوله سبعين ذراعا في ستين أو يزيد وجعل له ثلاثة أبواب ولم يسطحوه فشكوا الحر فجعلوا خشبه وسواريه جذوعا وظللوا بالجريد ثم بالخصف فلما وكف طينوه بالطين وجعلوا وسطه رحبة وكان جداره قبل أن يظلل قامة وأشبرا وبقي كذلك الى خلافة عمر فزاد فيه وقال بعضهم بناه حينئذ أقل من مائة في مائة فلما فتح خيبر زاد عليه مثله والله أعلم. وأما دار أبي أيوب الانصارى التي نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المطرى في تاريخه هي اليوم مدرسة للمذاهب الاربعة اشترى عرصتها الملك المظفر احد بنى أيوب بن شادي وبناها ووقفها على أهل المذاهب الاربعة من أهل السنة والجماعة ووقف عليها أوقافا بميافارقين. يتيمان لى وسأرضيهما فدفعها عنه أبو بكر (هذا الحمال) بكسر الحاء أي المحمول وهو اللبن وقوله (لاحمال خيبر) أى ما يحمل منها من تمر وزبيب وغير ذلك (يدأب) أي يستمر في عمله لا ينقطع عنه (حائدا) بمهملة ممدودة من حاد عن الشىء اذا ابتعد عنه ولم يتعرض له (انما تقتلك الفئة الباغية) الفئة الجماعة من الناس تقل وتكثر والباغية الخارجة عن سنن الاستقامة وقد قتلته فئة معاوية يوم صفين ويقال ان عليا رضى الله عنه كتب الى معاوية يحتج عليه بقتل عمار فكتب اليه انما قتله من أخرجه (الملك المظفر) هو السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي بالشين المعجمة والدال المهملة وفي هامش نسخة من الاصل بالشين والذال المعجمتين والاول حكاه السبكي في طبقات الشافعية ابن مروان الدويني الاصل التكريتى المولد المشهور بالسلطان صلاح الدين ولد سنة 532 وأقام في السلطنة 24 سنة يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله وكان ملكا عظيما عادلا شجاعا مظفرا صنف في سيرته القاضى ابن شداد وابن واصل وآخرون عدة مؤلفات (ميافارقين) بفتح أوله وتشديد ثانيه ثم فاء وبعد الالف راء وقاف مكسورة وياء ونون كذا ضبطه ياقوت في المعجم وقال هي أشهر مدينة بديار بكر

فصل: في ذكر منازل المهاجرين على الأنصار ومواساتهم لهم

[فصل: في ذكر منازل المهاجرين على الأنصار ومواساتهم لهم] (فصل) قد قدمنا قبلا عن أصحاب السير ان أوّل من هاجر ابو سلمة بن عبد الاسد وعبد الله بن جحش وعامر بن ربيعة وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضى الله عنهما قال أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير وابن ام مكتوم وكانوا يقرءون الناس فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشىء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونقل البخارى أولى قيل وحين قدومه صلى الله عليه وآله وسلم صعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان والخدم في الطرق ينادون جاء محمد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اما منازلهم في الانصار فنزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخى حسان بن ثابت فلذلك كان حسان يحب عثمان ويرثيه حين قتل ونزل العزاب على سعد بن خيثمة وكان سعد رجلا عزبا فنزل عليه العزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين نزل قباء يخرج الى بيته فيتحدث فيه مع أصحابه ونزل بنو جحش على عاصم بن ثابت ونزل الزبير وزوجته أسماء بنت أبى بكر على سفيان بن الحارث وولد لهما عبد الله بن الزبير في تلك السنة بقباء فكان أوّل مولود للمهاجرين بالمدينة وأوّل شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وفرح المسلمون به لأنهم قيل لهم ان اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم ونزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة وقيل على خبيب بن عدي وعبد الرحمن ابن عوف على سعد بن الربيع وسعد بن أبى وقاص على سعد اليمانى وطلحة بن عبيد الله على عمير ابن معبد وأبو سلمة وزوجته أم سلمة على عبادة رجل من بنى عبيد بن زيد وعياش بن أبى ربيعة (فصل) حكاية المؤلف رحمه الله في صحيح البخاري لا مناقضة بينها وبين ما حكاه قبلا عن أصحاب السير فان مقدم مصعب بن عمير المدينة كان بعد البيعة الاولى كما تقدم وحكاية أصحاب السير لاول من هاجر يريدون بذلك بعد بيعة العقبة الثالثة وبذلك يندفع التعارض (في عشرين) أي انسانا ممن لحق به من أهله وقومه وهم كما في السيرة لابن هشام أخوه زيد بن الخطاب وعمرو وعبد الله بنا سراقة بن المعتمر وخنيس بن حذافة السهمى وكان صهره على ابنته حفصة فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وواقد بن عبد الله التميمى حليف لهم وخولى بن أبي خولى ومالك بن أبي خولى حليفان لهم وبنو البكير أربعتهم إياس وعاقل وعامر وخالد حلفاؤهم من بنى سعد بن ليث (فكان أوّل مولود للمهاجرين بالمدينة) وأما أوّل مولود من الانصار بعد الهجرة فسلمة بنت مخلد وقيل اليعمر بن بشير (خبيب) بالتصغير بخاء معجمة ثم باء موحدة تليها تحتية وآخره باء موحدة

على أبي لبابة وعثمان بن مظعون وزوجته على خوات بن جبير وعمر بن الخطاب وأخوه زيد ومن معه من أصهاره وعشيرته على رفاعة بن عبد المنذر وحمزة وزيد بن حارثة ومن تبعهم على كلثوم بن الهدم ونزل أبو بكر على خارجة بن زيد ونزل على على عويم بن ساعدة وكان أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين هاجر أن يتخلف بعده ليؤدى عنه الامانات والودائع التي كانت عنده فتخلف ثلاثا ثم هاجر فأدرك النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بقباء ونزل عتبة بن غزوان على عباد بن بشر ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب وأخواه طفيل وحصين ومسطح ابن أثاثة في آخرين على عبد الله بن سلمة أخى بنى العجان فهؤلاء من سمى لنا من مشاهير المهاجرين وفي بعضهم خلاف وكان نزولهم عليهم بالقرعة كما في حديث أم العلاء الانصارية وهي من افراد البخارى ففيه ان عثمان بن مظعون طار لهم في السكنى حين أقرعت الانصار على سكنى المهاجرين ونزل كثير منهم الصفة وهو مظلل الى جانب المسجد كالسقيفة نزلها من كان خفيف الحال من لا يأوى الى أهل ولا مال فكانوا مرة تسعين ومرة أكثر من ذلك ولما نزل هؤلاء لفقرهم وغربتهم على هؤلاء مع قرارهم وثروتهم آخي النبى صلى الله عليه وآله وسلم (غزوان) بفتح المعجمة وسكون الزاى ابن جابر بن وهب المازني حليف بني عبد شمس أو بنى نوفل من السابقين الاولين هاجر الى الحبشة ثم رجع مهاجرا الى المدينة شهد بدرا وما بعدها وولاه عمر في الفتوح فاختط البصرة وفتح فتوحا وقدم على عمر يستعفيه من الامرة فابى فرجع في الطريق فمات وذلك سنة 18 وقيل سنة عشرين وقيل قبل ذلك (مسطح بن اثاثة) بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصى المطلبي. قال في الاصابة كان اسمه عوفا وأما مسطح فلقبه وهو ممن خاض مع أهل الافك مات سنة 34 في خلافة عثمان ويقال عاش الى خلافة علي وشهد معه صفين ومات في تلك السنة سنة سبع وثلاثين (أم العلاء الانصارية) قال ابن حجر قال أبو عمر هي من المبايعات حديثها عند أهل المدينة ثم قال ابن حجر ونسبها غيره فقال بنت الحارث بن ثابت الخزرجي يقال انها والدة خارجة بن زيد بن ثابت الراوي عنها روي حديثها الشيخان من رواية الزهرى عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء الانصارية (تتمة) نذكرها هنا لتعلقها بهذا الباب بذكر من آخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهم من أصحابه من المهاجرين والانصار. قال ابن اسحاق فيما بلغنا ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل تآخوا في الله أخوين أخوين ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال هذا أخي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وامام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أخوين* وكان حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين واليه

بينهم فآووهم في منازلهم وقاسموهم في أموالهم وآثروهم بأقواتهم وتلقوا المكاره دونهم وصار أحدهم أرأف وأرحم بنزيله وأخيه في الدين من أخيه في النسب واتخذوا ذلك الإخاء والحلف والولاء لحمة وسببا أعلى من كل سبب لذلك ما أثنى الله سبحانه على الفريقين في مواضع متعددة في كتابه العزيز وجماع ذلك في الآيات المعمّة لهم ولجميع السابقين واللاحقين من أوصى حمزة يوم احد حين حضر القتال ان حدث به حادث الموت* وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة ومعاذ بن جبل أخو بني سلمة أخوين (قال ابن هشام) وكان جعفر بن أبي طالب يومئذ غائبا بارض الحبشة* قال ابن اسحق وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابن أبي قحافة وخارجة بن زيد بن أبي زهير أخو بلحارث بن الخزرج أخوين* وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وعتبان بن مالك أخو بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج أخوين* وأبو عبيدة بن عبد الله بن الجراح واسمه عامر بن عبد الله وسعد بن معاذ بن النعمان أخو بني عبد الاشهل أخوين* وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخو بلحارث بن الخزرج أخوين* والزبير بن العوام وسلامة بن سلامة بن وقش أخو بنى عبد الاشهل أخوين ويقال بل الزبير وعبد الله بن مسعود حليف بنى زهرة أخوين* وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر أخو بنى النجار أخوين* وطلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك أخو بني سلمة أخوين* وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبي بن كعب أخو بنى النجار أخوين* ومصعب بن عمير بن هاشم وأبو أيوب خالد بن زيد أخو بنى النجار أخوين* وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعباد بن بشر بن وقش أخو بنى عبد الاشهل أخوين* وعمار بن ياسر حليف بنى مخزوم وحذيفة بن اليمان أخو بنى عبد عبس حليف بنى عبد الاشهل أخوين ويقال بل ثابت بن قيس بن الشماس أخو بالحارث بن الخزرج خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار بن ياسر أخوين* وأبو ذر وهو برير بن جنادة الغفارى والمنذر بن عمرو المعنق ليموت أخو بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج أخوين (قال ابن هشام) وسمعت غير واحد من العلماء يقول أبو ذر جندب بن جنادة* قال ابن اسحق وكان حاطب بن أبي بلتعة حليف بنى أسد بن عبد العزى وعويم بن ساعدة أخو بني عمرو بن عوف أخوين* وسلمان الفارسي وأبو الدرداء عويمر بن ثعلبة أخو بلحارث بن الخزرج أخوين (قال ابن هشام) عويمر بن عامر ويقال عويمر بن زيد* قال ابن اسحق وبلال مولى أبي بكر رضي الله عنهما مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي ثم أحد الفزع أخوين فهؤلاء من سمى لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخي بينهم من أصحابه فلما دون عمر ابن الخطاب الدواوين بالشام وكان بلال قد خرج الى الشام فأقام بها مجاهدا فقال عمر لبلال الى من نجعل ديوانك يا بلال قال مع أبي رويحة لا أفارقه أبدا للاخوة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينه وبيني فضم اليه وضم ديوان الحبشة الي خثعم لمكان بلال منهم فهو في خثعم الى هذا اليوم بالشام

فصل: في ان الله تعالى أوعد الوعيد العظيم على من أسلم قبل الهجرة ولم يهاجر والكلام على ذلك

مؤمنى هذه الامة فقال تعالى في بيان من له الحق في الفىء لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ثم قال في حق الانصار وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ثم قال في حق من تبعهم باحسان الى يوم القيامة وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ الآية. [فصل: في ان الله تعالى أوعد الوعيد العظيم على من أسلم قبل الهجرة ولم يهاجر والكلام على ذلك] «فصل» واعلم انه ما قبل الله اسلام أحد بعد هجرة النبى صلى الله عليه وآله وسلم الا بالهجرة واللحوق به وعاب على من أمكنه ذلك ولم يهاجر وأوعد عليه الوعيد العظيم فقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآية ثم استثنى وعذر من لم يمكنه فقال إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا قال ابن عباس رضي الله عنهما كنت انا وأمى من المستضعفين وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لهؤلاء فى قنوته فيقول اللهم انج عياش بن أبى ربيعة والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام اللهم انج المستضعفين من المؤمنين ولما فتحت مكة وصارت دار اسلام نسخت الهجرة الى المدينة فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا هجرة بعد الفتح وأما حكم الهجرة من غير مكة فقد قدمنا ذكره وما يتعلق به عند ذكر هجرة الحبشة ثم بعد الفتح لم يرخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاحد من مهاجرة مكة في الرجوع اليها للاستيطان بل كره لغيرهم من مهاجرة الآفاق الرجوع الى أوطانهم وقال اللهم امض لاصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم وشكى ورثي لمن مات منهم بمكة كسعد بن خولة ورخص لهم في حجهم وعمرتهم في إفاضة ثلاثة أيام بعد قضاء نسكهم وبهذا استدرك أصحابنا ان المسافر اذا نوى ببلد إقامة ثلاثة أيام غير يومى دخوله وخروجه لا يعد مقيما ولا ينقطع ترخصه في القصر وغيره ولم يطيب لهم أيضا الرجوع في دورهم التى اغتصبها المشركون وباعوها بعد مخرجهم حتى قال له أسامة عام الفتح يا رسول الله أين ننزل غدا انشاء الله تعالى قال وهل ترك لنا عقيل من منزل وكان عقيل تخلف عنهم في الاسلام والهجرة وباع دورهم فلم يرجع النبى صلى الله عليه وآله وسلم في شيء منها* وروى انه لما هاجر بنو جحش بأجمعهم باع أبو سفيان دارهم فذكر ذلك عبد الله بن جحش للنبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أما ترضى أن يعطيك الله

بها دارا خيرا منها في الجنة قال بلى قال فذلك لك ثم كلمه فيها ابو أحمد بن جحش عام الفتح فلم يرد عليه شيئا فقال الناس له ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يكره لكم ان ترجعوا في شيء من أموالكم أصيب منكم في الله فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وقال أبلغ أبا سفيان عن ... أمر عواقبه ندامه دار ابن عمك بعتها ... تقضي بها عنك الغرامه وحليفكم بالله رب ال ... ناس مجتهد القسامه اذهب بها اذهب بها ... طوقتها طوق الحمامه ولما دخل صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مكة عام الفتح عنوة ورفع عن قريش القتل وقد كانت الانصار ظنوا انه مستأصلهم قتلا لسالف اساءتهم فتوهموا رجوعه مكة واستيطانها فأخذهم من الغيرة (أبو أحمد بن جحش) الاسدي أخو أم المؤمنين زينب بنت جحش تقدم شىء من ذكره في ترجمة أخيه وان اسمه عبد بن جحش بغير اضافة كان من السابقين الاولين وقيل انه ممن هاجر الي الحبشة وأنكر البلاذري هجرته الى الحبشة. قال ابن اسحاق كان أبو أحمد ضريرا يطوف بمكة أعلاها وأسفلها بغير قائد وفي ذلك يقول حبذا مكة من واد ... بها أهلى وعوادي بها ترسخ أوتادي ... بها أمشى بلا هاد اختلف في موته فجزم ابن الاثير بانه مات بعد أخته زينب قال ابن حجر وفيه نظر وحكى ما يؤيد خلافه وحكي المرزباني في معجم الشعراء عنه انه أنشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد حلفت على الصفا أم أحمد ... ومروة بالله وبرّت يمينها لنحن الألى كنابها ثم لم نزل ... بمكة حتى كاد عنا سمينها الى الله نعود بين مثني وموحد ... ودين رسول الله والحق دينها (أبلغ أبا سفيان) هذه كنيته بهااشتهر واسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس والد معاوية ويكني أيضا أبا حنظلة (الغرامة) الدين والغريم الذى عليه الدين قال كثير: قضى كل ذى دين فوفي غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها (القسامة) بالفتح مصدر قسم الشئ فانقسم وبالكسر الحظ والنصيب والاسم منه القسمة وهي مؤنثة والقسم بفتحتين اليمين وهو المراد هنا (وطوق الحمامة) الطوق وأحد الاطواق معروف وطوقته فتطوق أى ألبسته الطوق والمطوقة الحمامة التى في عنقها الطوق وذلك ما يكون شبه الطوق في عنقها مخالفا للونها وهذا مثل فقوله طوقتها طوق الحمامة يعني البست هذه الغرامة وستوفيها ولا محالة كما ان الحمامة

فصل: فى مناواة يهود المدينة الاذي للنبى صلي الله عليه وسلم بعد ما قدم اليها

والوجد ما يأخذ مثلهم على مثله وقالوا أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته فأخبره جبريل بمقالتهم وحين قررهم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بذلك اعترفوا فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كلا انى عبد الله ورسوله وفي رواية قال ألا فما اسمي اذا ثلاث مرات أنا محمد عبد الله ورسوله هاجرت الى الله واليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم قالوا والله ما قلنا إلا ضنا بالله وبرسوله قال فان الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم رواه مسلم. [فصل: فى مناواة يهود المدينة الاذي للنبى صلي الله عليه وسلم بعد ما قدم اليها] (فصل) ولما تخلص رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه من اذى المشركين بمكة وصاروا بالمدينة وقعوا في محنة أخرى من اليهود ومنافقى الانصار بالشنآن والبغض والمقت والغيبة والسم والسحر والغوائل لكن من غير مجاهرة ولا مكابرة تتميما لامتحانهم ووفورا لاجورهم وتحقيقا لقوله تعالى وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً فكانت الغلبة لهم وكان أعداؤهم مكبوتين مقهورين يرون طوقت هذا الطوق ولا ينفك عنها (ضنا) بكسر الضاد أي شحا بك ان نفارقك ويختص بك غيرنا (فصل) (ولما تخلص رسول الله وأصحابه من أذى المشركين بمكة) أي ما وقع لهم من المعاداة والمناواة لاظهار دين الله ودين رسوله قبل الهجرة الى الفتح (في محنة أخرى) بكسر الميم واحدة المحن وهي ما يمتحن به الانسان من البلايا (الشنآن) بالشين المعجمة والمد مهموز والنون تفتح وتسكن من شنأه اذا أبغضه (والمقت) البغض أيضا (السم) الاسم منه مثلث السين معروف وقد سم صلى الله عليه وسلم وسيحكى المؤلف ذلك وما لاقاه من سمهم له صلى الله عليه وسلم وسحرهم إياه (الغوائل) الدواهى (من غير مجاهرة) أى كانوا يأتون ذلك سرا مبطنين ذلك غير مجاهرين به (مكبوتين) من كبته اذا أخزاه وصرفه فانه صلى الله عليه وسلم كان في كنف الله وحفظه بدليل قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فكان اليهود ومنافقو المدينة مخزيين في جميع ما ناووه فيه وكادوه به. ويجمل ان نذكر هنا أسماء أعدائه من رؤساء اليهود ومن انضاف اليهم من رجال الاوس والخزرج على ما حكاه ابن هشام عن ابن اسحاق قال ابن اسحق ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغيا وحسدا وضغنا لما خص الله تعالى به العرب من أخذه رسوله منهم وأضاف اليهم رجال من الاوس والخزرج ممن كان عسى على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث الا أن الاسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه فظهروا بالاسلام واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في السر وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وجحودهم الاسلام وكانت أحبار يهودهم الذين يسئلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسئلونه غنه الا قليلا من المسائل في الحلال والحرام وكان المسلمون يسئلون عنها منهم حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر

في طى الايام والليالى أنواع المكاره من ارتفاع شأن الاسلام والمسلمين وتجدد فتوحهم وعلو كلمتهم وظهور دينهم فمن ذلك قول عبد الله بن أبىّ رأس المنافقين وقد رد عليه بعض قومه بعض الاذى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ورأى منهم ما يكره فقال شعرا: ابن أخطب وجدى بن أخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع الاعور وهو الذي قتله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وعمرو بن جحاش وكعب بن الاشرف وهو من طيء ثم أحد بنى نبهان وأمه من بني النضير والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الاشرف وكردم بن قيس حليف كعب بن الاشرف فهؤلاء من بنى النضير* ومن بني ثعلبة بن الفطيون عبد الله بن صوريا الاعور ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وابن صلوبا ومخيريق وكان حبرهم* ومن بنى قينقاع زيد بن اللصيت ويقال ابن اللصيت فيما قال ابن هشام وسعد بن حنيف ومحمود بن سيحان وعزيز بن أبي عزيز وعبد الله بن صيف (قال ابن هشام) ويقال ابن ضيف* قال ابن اسحق وسويد بن الحرث ورفاعة بن قيس وفنحاص وأشيع ونعمان بن أضا وبحري ابن عمرو وشاس بن عدي وشاس بن قيس وزيد بن الحرث ونعمان بن عمرو وسكين بن أبي سكين وعدى ابن زيد ونعمان بن أبى أوفي أبو أنس ومحمود بن دحية ومالك بن الصيف (قال ابن هشام) ويقال ابن الضيف* قال ابن اسحق وكعب بن راشد وعازر ورافع بن أبي رافع وخالد وأزار بن أبي أزار (قال ابن هشام) ويقال آزر بن آزر* قال ابن اسحق ورافع بن حارثة ورافع بن حريملة ورافع بن خارجة ومالك بن عوف ورفاعة بن زيد بن التابوت وعبد الله بن سلام بن الحرث وكان حبرهم وأعلمهم وكان اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله فهؤلاء من بنى قينقاع* ومن بني قريظة الزبير بن باطا بن وهب وعزال بن سموأل وكعب بن أسد وهو صاحب عقد بني قريظة الذى نقض عام الاحزاب وسمويل بن زيد وجبل بن عمرو بن سكينة والنحام بن زيد وقردم بن كعب ووهب بن زيد ونافع بن أبى نافع وأبو نافع وعدي بن زيد والحرث بن عوف وكردم بن زيد واسامة ابن حبيب ورافع بن زميلة وجبل بن أبى قشير ووهب بن يهوذا فهؤلاء من بني قريظة* ومن يهود بنى زريق لبيد بن أعصم وهو الذى أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه* ومن يهود بنى حارثة كنانة بن صوريا* ومن يهود بنى عمرو بن عوف قردم بن عمرو* ومن يهود بني النجار سلسلة بن برهام فهؤلاء أحبار اليهود وأهل العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأصحاب المسئلة والنصب لامر الاسلام الشرور ليطفؤه الا ما كان من عبد الله بن سلام ومخبريق (وقد رد عليه بعض قومه) هو عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وهو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه ذات يوم وهو في قومه والنبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال اليك عني والله لقد آذانى نتن حمارك فقال عبد الله بن رواحة والله لنتن حمار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أطيب ريحا منك (ورأى منهم

فصل: فى ذكر ما أصاب المهاجرين من حمي المدينة ودعائه صلى الله عليه وسلم بان يصح هواءها ويجببها اليهم

متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل ... تذل ويصرعك الذى لا تضارع وهل ينهض البازي بغير جناحه ... وان جز يوما ريشه فهو واقع وقال سعد بن عبادة وقد شكى اليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يوما بعض أذاه فقال يا رسول الله اعف عنه واصفح فو الذى أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذى أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبونه بالعصابة فلما أتى الله بالحق الذى أعطاك الله شرق بذلك فلذلك فعل به ما رأيت ولما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدرا وأظفره الله قال ابن أبىّ ومن معه من المشركين هذا أمر قد توجه فاسلموا ظاهرا وبقى ناس على النفاق حتى ماتوا منهم عبد الله بن أبى. [فصل: فى ذكر ما أصاب المهاجرين من حمي المدينة ودعائه صلى الله عليه وسلم بان يصح هواءها ويجببها اليهم] (فصل) وقدم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه المدينة وهى أوبأ أرض الله تعالى فمرض منهم كثير فكان أبو بكر ومولياه عامر بن فهيرة وبلال مرضى في بيت واحد فكان أبو بكر اذا أصابته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدني من شراك نعله وكان عامر بن فهيرة يقول: لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... ان الجبان حتفه من فوقه كل امرئ مجاهد بطوقه ... كالثور يحمى جلده بروقه وكان بلال يقول: ألا ليت شعري هل ابيتن ليلة ... بواد وحولى إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لى شامة وطفيل ما يكره) أى عبد الله بن أبي (مولاك) يريد به ابن عمك قاله غير واحد من أهل السير (ويصرعك) من الصرع بفتح الصاد المهملة ويكسر الطرح على الارض (البازي) من سباع الطير معروف (وجز ريشه) الجز بالزاي المعجمة القطع المستأصل (البحيرة) المدينة قاله صاحب القاموس (شرق) بفتح المعجمة وكسر الراء أى غص وهو كناية عن الحسد (مصبح) بالرفع خبر كل (وشراك) بكسر المعجمة وتخفيف الراء والمعنى ان الموت أقرب الى الشخص من شراك نعله الذى برجله (ذوقه) بفتح الذال المعجمة معلوم (والحتف) الموت ومات فلان حتف أنفه أى من غير قتل ولا ضرب (وطوقه) طاقته (وروق) الثور قرنه (الوادى) مكة (إذخر وجليل) نبتان (ومجنة وشامة وطفيل) اسماء أماكن باعيانها بمكة وما

فصل ولما اطمأن برسول الله الدار وأعز الله جنده أذن له بقتال قريش ومن ناواه من غيرهم

ثم يقول اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا الى أرض الوباء قالت عائشة فذكرت ما سمعت منهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقلت له انهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها لنا وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة فبعد دعوته صلى الله عليه وآله وسلم طاب لهم الحال وانصرف عنهم البؤس والوباء والاقتار والاقلال وتم لهم موعد ربهم فاستخلفهم في الارض ومكن لهم في الدين الذي ارتضى لهم وأبدلهم من الخوف أمنا ومن الوحشة أنسا وكره اليهم وحظر عليهم الرجوع الى مكة فصاروا لا يأتونها الا حجاجا أو معتمرين أو مسافرين على قدم مستوفزين [فصل ولما اطمأن برسول الله الدار وأعز الله جنده أذن له بقتال قريش ومن ناواه من غيرهم] (فصل) ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة واستقر به القرار واقر الله عينه بالفة المهاجرين والانصار وأعز الله جنده باجتماع الكلمة والدار أذن الله له في الانتقام من أعدائه والانتصار فعقد صلى الله عليه وآله وسلم الألوية للامراء وجهز السرايا وشن الغارات على من داناه من مشركي العرب وحين فرغ منهم تطاول الى تخوم الشام وبلاد العجم مرة بنفسه كغزوة تبوك ومرة سراياه وبعوثه كغزوة مؤتة وحتى كتب آخرا الى ملوك الاقاليم يخوفهم ويتهددهم ويدعوهم الى طاعته فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشى وملوك اليمن وملك عمان ومنهم من هادنه واتحفه بالهدايا كهرقل وملك ايلة والمقوقس صاحب مصر ومنهم من يعصي فأظفره الله به ووفدت الوفود من حولها (يهذون) بالذال المعجمة من هذى يهذي تكلم بغير معقول (الجحفة) بالضم ثم السكون والفاء قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل وهى ميقات أهل مصر والشام ان لم يروا على المدينة ذكر ذلك ياقوت وقال روي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعس ليلة في بعض أسفاره إذ استيقظ فايقظ أصحابه وقال مرت بي الحمى في صورة امرأة ثائرة الرأس منطلقة الى الجحفة (الاقتار) الضيق في النفقة (مستوفزين) غير مطمئنين من قولهم استوفز في قعدته اذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن فيه وهو كناية عن العجلة (الالوية) جمع لواء وهو العلم (السرايا) جمع سرية بمهملة فراء الطائفة من الجيش تكون من خمسة أنفس الى ثلثمائة أو اربعمائة كذا في القاموس (شن) بمعجمة فنون أي صبها عليهم من كل وجه (داناه) قرب اليه (تطاول) أي امتد نظره (تخوم) جمع تخم بتاء فوقية مضمومة فخاء معجمة ساكنة الفصل بين الارض من المعالم والحدود (هادنه) من المهادنة وهى المصالحة

مطلب في كتبه صلي الله عليه وسلم الكتاب بين المهاجرين والأنصار ومواخاته بينهما وموادعته يهود المدينة

جميع الجهات وقال زويت لي الارض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لى منها وقال أتيت بمفاتيح خزائن الارض فوضعت في يدى فكان تمام ذلك على أيدى أصحابه الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين رضى الله عنهم أجمعين وها نحن نذكراهم حوادث ما بعد هجرته مرتبا على السنين كما سبق وبالله التوفيق* [مطلب في كتبه صلي الله عليه وسلم الكتاب بين المهاجرين والأنصار ومواخاته بينهما وموادعته يهود المدينة] ففي السنة الاولى بني صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مسجده ومساكنه وكتب الكتاب بين المهاجرين والانصار وفيه انهم أمة واحدة (زويت) طويت أي ان الله طوى لى الارض فاطلعنى منها على ما سيبلغه ملك أمتى (وكتب الكتاب) قال ابن اسحاق وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والانصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبى صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم انهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولي وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الحرث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولي وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الاوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وان المؤمنين لا يتركون مفرجا بينهم ان يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل (قال ابن هشام) المفرج المثقل من الدين الكثير والعيال قال الشاعر اذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة ... وتحمل أخرى أفرجتك الودائع ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن من دونه وان المؤمنين المتقين على من بغي منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو اثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وان أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن وان ذمة الله واحدة يحير عليهم أدناهم وان المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وانه من تبعنا من يهود فان له النصر والاسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم وان سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله الا على سواء وعدل بينهم وان كل غازية غزت معنا تعقب بعضها بعضا وان المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله وان المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه وان لا يجير مشرك ما لا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن وانه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فانه قود به الى ان يرضى ولى المقتول وان المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم الا قيام عليه

من دون الناس وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وما كان بينهم من حدث أو شجار يخاف فساده فان مرده الى الله والى محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم* وفيها وادع يهود وشرط عليهم ولهم والحق كل قبيلة منهم بحلفائهم من الانصار ثم آخى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بين المهاجرين فقال لهم تآخوا في الله أخوين أخوين ثم أخذ بيد أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه فقال هذا أخى ثم آخى أيضا بينهم وبين الانصار وجملة من تآخى من الفريقين تسعون رجلا وخمسة واربعون من المهاجرين ومثلهم من الانصار وانه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر ان ينصر محدثا ولا يؤويه وان من نصره أو آواه فان عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وانكم مهما اختلفتم فيه من شيء فان مرده الى الله عز وجل والى محمد صلى الله عليه وسلم وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاريين وان يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم الا من ظلم وأثم فانه لا يوتغ الا نفسه وأهل بيته وان ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بنى عوف وان ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني جشم مثل ما ليهود بنى عوف وان ليهود بنى الاوس مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف الا من ظلم وأثم فانه لا يوتغ الا نفسه وأهل بيته وان جفنة بطن من ثعلبة كانفسهم وان لبنى الشنطة مثل ما ليهود بني عوف وان البردون الاثم وان موالى ثعلبة كانفسهم وان بطانة يهود كانفسهم وانه لا يخرج منهم أحد الا باذن محمد صلى الله عليه وسلم وانه لا ينحجز على ثار جرح وانه من فتك فبنفسه فتك أهل بيته الا من ظلم وان الله على أبر هذا وان على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وان بينهم النصح والنصيحة والبردون الاثم وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وان النصر للمظلوم وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وان يثرب حرام جوفها لاهل هذه الصحيفة وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وانه لا تجار حرمة الا باذن أهلها وانه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث واشتجار يخاف فساده فان مرده الى الله عز وجل والى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان الله على أتقي ما في هذه الصحيفة وأبره وانه لا تجار قريش ولا من نصرها وان بينهم النصر على من دهم يثرب واذا دعوا الى صلح يصالحونه ويلبسونه فانهم يصالحونه ويلبسونه وانهم اذا دعوا الى مثل ذلك فان لهم على المؤمنين الا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذى قبلهم وان يهود الاوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لاهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة (قال ابن هشام) ويقال مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة* قال ابن اسحق وان البردون الاثم لا يكسب كاسب الا على نفسه وان الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وابره وانه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم وانه من خرج أمن ومن قعد أمن بالمدينة الا من ظلم أو اثم وان الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقيل جملتهم ثلاثمائة والله أعلم. وفيها بعث صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع مولييه الى مكة ليأتيا بيناته وزوجته سودة وبعث معهم أبو بكر عبد الله بن أريقط لعائشة وأمها وجاؤوا بهم وصحبهم طلحة بن عبد الله وفي سيرة ابن هشام ان زينب انما لحقت بأبيها بعد وقعة بدر وذلك ان زوجها أبا العاص بن الربيع استؤسر ببدر فأطلقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغير فداء وأخذ عليه ان يخلى سبيل زينب اليه وبعث صلى الله عليه وآله وسلم زيد ابن حارثة ورجلا من الانصار وقال لهما كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فلما قدم أبو العاص مكة بعث بها مع أخيه كنانة بن الربيع فالحقها بهما وسيأتى خبرهما ان شاء الله تعالى في ترجمتهما في فصل بناته صلى الله عليه وسلم* وفيها صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصومه وكانت اليهود في الجاهلية يصومونه فأمر صلى الله عليه وسلم بصومه وحض عليه وأكد (أبا رافع) القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقال اسمه ابراهيم ويقال أسلم وقيل سنان وقيل يسار وقيل صالح وقيل عبد الرحمن وقيل قرمان وقيل يزيد وقيل ثابت وقيل هرمز قال ابن حجر قال ابن عبد البر اشهر ما قيل في اسمه أسلم قيل كان مولى العباس بن عبد المطلب فوهبه للنبى صلى الله عليه وسلم فاعتقه لما بشره باسلام العباس بن عبد المطلب والمحفوظ انه أسلم لما بشر العباس بان النبى صلى الله عليه وسلم انتصر على أهل خيبر وذلك في قصة جرت وكان اسلامه قبل بدر ولم يشهدها وشهد أحدا وما بعدها قال الواقدى مات أبو رافع بالمدينة قبل عثمان بيسير أو بعده وقال ابن حبان مات في خلاف على رضي الله عنهم قوله (وفي سيرة ابن هشام) قلت وكذلك حكاه الواقدى ونقله عنه ابن حجر في الاصابة من ان أبا العاص شهد مع المشركين بدرا فاسر فقدم أخوه عمرو في فدائه وارسلت معه زينب قلادة من جزع كانت خديجة أدخلتها بها علي أبى العاص فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرفها ورق لها وذكر خديجة فترحم عليها وكلم الناس فاطلقوه ورد عليها القلادة واخذ على أبى العاص ان يخلى سبيلها ففعل قال الواقدى هذا أثبت عندنا. وزينب رضي الله عنها أكبر بناته صلى الله عليه وآله وسلم وأوّل من تزوج منهن ولدت قبل البعثة بمدة قيل انها عشر سنين وزوجها أبو العاص هذا ابن خالتها أمه هالة بنت خويلد قال ابن سعد في الطبقات ان زينب هاجرت مع أبيها يعنى عقب هجرته صلى الله عليه وسلم كما ذكره المؤلف وأبي زوجها ان يسلم فلم يفرق النبى صلى الله عليه وآله وسلم بينهما الى ان اسر فاجارته زوجه رضي الله عنها فامضي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون جوارها وسألته زينب ان يرد عليه ما أخذ منه ففعل وامره ان لا يقربها ومضي أبو العاص الى مكة فادى الحقوق لاهلها ورجع فاسلم فرد عليه زينب بالنكاح الاول اه وسيذكر المصنف ما هو أبسط من ذلك (وحض عليه وأكد) أى حث على صيامه وندب اليه قلت وما يروي فى فضائله مما يتخذ عبادة خلا صومه فانه غير وارد قال الشيرازى في خاتمة كتابه سفر السعادة فضائل

مطلب في مشروعية في الأذان

فلما فرض رمضان خف ذلك التأكيد وبقى مسنونا وقيل كان واجبا ثم نسخ برمضان* [مطلب في مشروعية في الأذان] وفيها شرع الأذان وكان أوّل مشروعيته أنهم لما قدموا المدينة تشاوروا فيما يجمعهم للصلاة فتوامروا ان يتخذوا ناقوسا أو قرنا أو بوقا أو يوروا نارا فقال عمر أولا تبعثون رجلا ينادى عاشوراء واستحباب صيامه وسائر الاحاديث في فضله وفضل الصلاة فيه والانفاق والخضاب والادهان والا كتحال وطبخ الحبوب وغير ذلك مجموعه موضوع ومفتري قال أئمة الحديث الاكتحال فيه بدعة ابتدعها قتلة الحسين ثم قال غير انه صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه وقال انه صومه تكفير سنة (وفيها شرع الاذان) قال ابن اسحق فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع اليه اخوانه من المهاجرين واجتمع أمر الانصار واستحكم أمر الاسلام فقامت الصلاة وفرضت الزكاة والصيام وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوّأ الاسلام بين أظهرهم وكان هذا الحى من الانصار هم الذين تبوّؤا الدار والايمان وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها انما يجتمع الناس اليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها أن يجعل بوقا كبوق يهود الذى يدعون به لصلاتهم ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة فبينا هم على ذلك إذ رأي عبد الله بن زيد ابن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول انه طاف بي هذه الليلة طائف مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت له يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس قال وما تصنع به قلت ندعو به الى الصلاة قال أفلا أدلك على خير من ذلك قال قلت وما هو قال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله الا الله فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انها لرؤيا حق ان شاء الله فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فانه أندى صوتا منك فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول يا نبى الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد على ذلك* قال ابن اسحق حدثنى بهذا الحديث محمد بن ابراهيم بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه عن أبيه (قال ابن هشام) وذكر ابن جريج قال قال لى عطاء سمعت عبيد بن عمير الليثى يقول ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة فبينما عمر بن الخطاب يريد ان يشتري خشبتين للناقوس اذ رأى عمر بن الخطاب في المنام لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة فذهب عمر الى النبى صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى وقد جاء النبى صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك قد سبقك بذلك الوحي* قال ابن اسحق وحدثني محمد ابن جعفر بن الزبير عن امرأة من بنى النجار قالت كان بيتى من أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن عليه للفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر فاذا رآه تمطي ثم قال اللهم انى

مطلب في إسلام عبد الله بن سلام وخبر ذلك

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قم يا بلال فناد بالصلاة وظاهر هذه انه مجرد اعلام ليس على صفة الاذان المشروع ثم رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه في منامه شخصا يؤذن بالاذان المشروع ويقيم فاخبر النبى صلى الله عليه وسلم فأمره النبى صلى الله عليه وسلم ان يلقيه على بلال فقال عمر والذي بعثك بالحق نبيا لقد رأيت مثل الذي رأى قال النووى فشرعه النبى صلى الله عليه وآله وسلم إما بوحى واما باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم على مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وآله وسلم وليس هو عملا بمجرد المنام هذا ما لا شك فيه بلا خلاف وورد في حديث مسندا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أريه ليلة الاسراء واستمعه مشاهدة ولذلك قال في رؤيا عبد الله بن زيد انه رؤيا حق والله أعلم* [مطلب في إسلام عبد الله بن سلام وخبر ذلك] وفيها أسلم عبد الله بن سلام الاسرائيلى وسلمان الفارسى وفيها مات من رؤساء الانصار أسعد بن زرارة أحمدك وأستعينك على قريش ان يقيموا على دينك قالت ثم يؤذن قالت والله ما علمته كان يتركها ليلة واحدة (عبد الله بن سلام) قال ابن اسحق وكان من حديثه كما حدثني بعض أهله عنه وعن اسلامه حين أسلم وكان حبرا عالما قال لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له فكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لى أعمل فيها وعمتى خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت فقالت لي عمتى حين سمعت تكبيرى خيبك الله والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت قال فقلت لها أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به قال فقالت أي ابن أخي أهو النبي الذى كنا نخبر انه يبعث مع نفس الساعة قال فقلت لها نعم قال فقالت فذاك إذ قال ثم خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلمت ثم رجعت الى أهل بيتى فأمرتهم فأسلموا قال وكتمت اسلامي عن يهود ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له يا رسول الله ان يهود قوم بهت واني أحب ان تدخلنى في بعض بيوتك وتغيبني عنهم ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا باسلامي فانهم ان علموا به بهتوني وعابونى قال فادخلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته ودخلوا عليه فكلموه وسألوه ثم قال لهم أي رجل الحصين بن سلام فيكم قالوا سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا قال فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم يا معشر يهود اتقوا الله وأقبلوا ما جاءكم به فو الله انكم لتعلمون إنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته فاني أشهد أنه رسول الله وأومن به وأصدقه واعرفه فقالوا كذبت ثم وقعوا بى فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور قال وأظهرت اسلامى واسلام أهل بيتى وأسلمت عمتى خالدة بنت الحارث فحسن اسلامها (سلمان) أبو عبد الله الفارسي ويقال له سلمان بن الاسلام وسلمان الخير وقال ابن حبان من زعم أن

مطلب في غزوة ودان وتحويل القبلة

والبراء بن معرور نقيبان وكلثوم بن الهدم ومن صناديد المشركين من قريش العاص بن وائل والوليد بن المغيرة. [مطلب في غزوة ودان وتحويل القبلة] «السنة الثانية» قال ابن اسحاق وفي صفر على رأس اثنى عشر شهرا من الهجرة غزا صلى الله تعالى عليه وآله وسلم غزوة ودّان يريد قريشا وبنى ضمرة من كنانة فوادعه سلمان الخير آخر فقد وهم أصله من رام هرمز وقيل من أصبهان وكان قد سمع بان النبى صلى الله عليه وآله وسلم سيبعث فخرج في طلب ذلك فأسر وبيع بالمدينة فاشتغل بالرق حتى كان أوّل مشاهده الخندق وشهد بقية المشاهد وفتوح العراق وولى المدائن وقال ابن عبد البر يقال انه شهد بدرا وكان عالما زاهدا روى عنه أنس وكعب بن عجرة وابن عباس وأبو سعيد وغيرهم من الصحابة ومن التابعين أبو عثمان النهدي وطارق بن شهاب وسعيد بن وهب وآخرون بعدهم قيل كان اسمه ما به بكسر الموحدة ابن بود قاله ابن مندة بسنده وساق له نسبا وقيل اسمه بهبود ويقال انه أدرك عيسى بن مريم وقيل بل أدرك وصي عيسي ورويت قصته من طرق كثيرة من أصحها ما أخرجه أحمد من حديثه نفسه واخرجها الحاكم من وجه آخر عنه أيضا واخرجه الحاكم من حديث بريدة وعلق البخارى طرفا منها وفي سياق قصته في اسلامه اختلاف يتعسر الجمع فيه وروي البخاري في صحيحه عن سلمان أنه تناوله بضعة عشر سيدا قال الذهبى وجدت الاقوال في سنه كلها دالة على أنه جاوز المائتين وخمسين والاختلاف انما هو في الزائد قال ثم رجعت عن ذلك وظهر لى أنه ما زاد على الثمانين* قلت لم يذكر مستنده في ذلك واظنه أخذه من شهود سلمان الفتوح بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتزوجه امرأة من كندة وغير ذلك مما يدل علي بقاء بعض النشاط لكن ان ثبت ما ذكروه يكون ذلك من خوارق العادات في حقه وما المانع من ذلك فقد روى أبو الشيخ في طبقات الاصبهانيين من طريق العباس بن يزيد قال أهل العلم يقولون عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة فاما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها قال أبو ربيعة الايادي عن أبى بريدة عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ان الله يحب من أصحابى أربعة فذكره فيهم وقال سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال آخي النبى صلى الله عليه وآله وسلم بين أبي الدرداء وسلمان ونحوه في البخاري من حديث أبى جحيفة في قصته ووقع في هذه القصة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابى الدرداء سلمان أفقه منك مات سنة ست وثلاثين في قول أبى عبيد أو سبع في قول خليفة وروى عبد الرزاق عن جعفر ابن سليمان عن ثابت عن أنس دخل ابن مسعود على سلمان عند الموت فهذا يدل على أنه مات قبل ابن مسعود ومات ابن مسعود قبل سنة أربع وثلاثين فكأنه مات سنة ثلاث أو سنة ثنتين وكان سلمان اذا خرج عطاؤه تصدق به وينسج الخوص ويأكل من كسب يده (ودان) قال ياقوت بالفتح كانه فعلان قرية جامعة من نواحي الفرع بينها وبين هرشي ستة أميال وبينها وبين الأبواء نحو من ثمانية أميال قرية من الجحفة وهي لضمرة وغفار وكنانة (وبنى ضمرة) بفتح الضاد المعجمة واسكان الميم بن بكر بن عبد مناة بن كنانة

مخشى بن عمرو الضمري ورجع وهى أوّل غزوة غزاها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم واستعمل على المدينة سعد بن عبادة وتسمى غزوة الأبواء وقال المحب الطبرى في خلاصة السير كانت لسنة من الهجرة وشهرين وعشرة أيام والله أعلم* وفيها حولت القبلة وكان تحويلها في صلاة الظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان وقيل في رجب على رأس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا من الهجرة وكان ذلك فى منازل بنى سلمة وذلك ان النبى صلى الله عليه وآله وسلم زار امرأة منهم يقال لها أم بشر قال ابن اسحاق فوادعته فيها بنو ضمرة وكان الذي وادعه تاركه وصالحه قال في المواهب وكانت نسخة الموادعة فيما ذكر ابن اسحاق بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبنى ضمزة بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وان لهم النصر على من رامهم ان لا يحاربوا في دين الله ما بلّ بحر صوفة وان النبي اذا دعاهم لنصر أجابوه عليهم بذلك ذمة الله ورسوله (مخشى) بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الشين المعجمتين ثم ياء مشددة (ابن عمر والضمري) قال ابن سحاق وكان سيدهم في زمانه (الابواء) بالفتح ثم السكون وواو وألف ممدودة قال قوم سمى بذلك لما فيه من الوباء قال ياقوت ولو كان كذلك لقيل الاوباء الا ان يكون مقلوبا. وقال غيره الابواء فعلاء من الابرة أو أفعال كانه جمع بوّ وهو الجلد الذى يحشى ترأمه الناقة فتدر عليه اذا مات ولدها أو جمع بوي وهو السواء والابواء قرية من أعمال الفرع من المدينة وقال السكرى جبل شامخ مرتفع ليس عليه شئ من النبات غير الخزام والبشام وهو لخزاعة وضمرة وبالابواء قبر آمنة بنت وهب أم النبى صلى الله عليه وسلم كما تقدم وسيأتي (وفيها حولت القبلة) أى الاستقبال لا ما يستقبله المصلى اذ لا يتعلق به تحويل (في صلاة الظهر) وذلك على ما رواه النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى وفي البخاري انها كانت صلاة العصر كذا حكاه القسطلاني في المواهب اللدنية (يوم الثلاثاء نصف شعبان) قاله محمد بن حبيب وجزم به النووي في الروضة (وقيل في رجب) في المواهب وقيل يوم الاثنين نصف رجب رواه الامام أحمد عن ابن عباس باسناد صحيح قال الواقدي وهذا أثبت قال الحافظ وهو الصحيح وبه جزم الجمهور (على رأس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا) هذه رواية البخاري والترمذي عن البراء بن عازب ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا بالشك وروى مسلم والنسائي عن البراء ستة عشر شهرا رواه البزار والطبراني من حديث ابن عباس وقيل ثمانية عشر شهرا رواه ابن ماجه عن البراء قال الحافظ وهذا الاخير شاذ وأما الروايات الاول فسهل الجمع بينها فان من جزم بستة عشر لفق من شهري القدوم والتحويل شهرا والغى الزائد ومن جزم بسبعة عدهما معا ومن شك تردد في ذلك وذلك ان القدوم كان في شهر ربيع الاول بلا خلاف وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح (بنى سلمة) بكسر اللام والنسبة اليها بالفتح على المشهور (أم بشر) بنت البراء بن معرور وتقدم ذكر البراء ونسبه. قال ابن حجر قيل اسمها خليدة وقيل السلاف والذي ظهر لى بعد البحث ان خليدة والدة بشر بن البراء ثم ذكر اختلافا في ذلك

فصنعت له طعاما فحانت صلاة الظهر فصلى بهم وأنزل عليه وهو راكع في الثانية قوله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ الآية فاستدار صلى الله تعالى عليه وآله وسلم واستدارت الصفوف خلفه وتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ثم صلى ما بقي من صلاته الى الكعبة ولم يستأنف فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين وأخبر أهل مسجد قباء بذلك وهم في صلاة الصبح فاستداروا كما هم الى الكعبة وبهذا استدل أصحابنا في جواز الصلاة الواحدة الى جهات متعددة بالاجتهاد وكان أمر القبلة اول منسوخ من أمور الشرع وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قبل الهجرة يصلي الى الكعبة فلما هاجر استقبل صخرة بيت المقدس ليكون أقرب الى تصديق اليهود واختلف العلماء هل كان ذلك بوحي أم اجتهاد ونقل القاضي عياض عن الاكثرين انه كان بسنة لا بقرآن ففيه دليل لمن يقول ان القرآن ينسخ السنة قلت بل الصواب والله أعلم ان توجهه الى بيت المقدس تلك الاشهر كان بوحي من الله بدليل قوله تعالى وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها مع ما ورد انه صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي الي بيت المقدس كان يقول لجبريل عليه السلام وددت لو حولنى ربي الى الكعبة فانها قبلة ابي ابراهيم فقال له جبريل عليه السلام انما انا عبد مثلك وأنت كريم على ربك فسل أنت ربك فانك عند الله بمكان وعرج جبريل الى السماء وجعل صلى الله عليه وآله وسلم يقلب طرفه الى السماء منتظرا فنزل في ذلك قوله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ الآية وكل هذا يدل على انه لم يكن باجتهاد ويحتمل ان يكون أوّل ذلك اجتهاد الموافقة اليهود رجاء اسلامهم ثم نزل الوحي بتقريره والله أعلم. وحين عدل صلى الله عليه وسلم قبلة مسجده اماط جبريل عليه السلام كل جبل بينه وبين الكعبة فعدلها وهو ينظر الى الكعبة وصارت قبلته الى الميزان ولما حولت القبلة وقع في ذلك القالة من اليهود وارتد من رق ايمانه وقالوا رجع محمد الى دين آبائه ونزل في ذلك قوله تعالى (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ) اى التحويلة (لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) وكان (وهم في صلاة الصبح) أي من اليوم الثاني وذلك الي ان وصلهم الخبر لانهم خارج المدينة. قال في المواهب وفي هذا ان الناسخ لا يلزم حكمه الا بعد العلم به وان تقدم نزوله لانهم لم يؤمروا باعادة العصر والمغرب والعشاء (وقع في ذلك القالة) أى القيل والقال كناية عن الارتياب والشك (من اليهود) وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها (وارتد) عن دينه (من رق إيمانه) من المنافقين فانزل الله في جوابهم قل لله المشرق

مطلب في مشروعية صيام رمضان

قد مات على القبلة الأولى ناس من المسلمين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالهم فى صلاتهم تلك فنزل قوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ اى في صلاتكم ان الله بالناس لرؤف رحيم* [مطلب في مشروعية صيام رمضان] وفي شعبان منها أيضا فرض الله رمضان قيل كان الواجب قبله صيام ثلاثة أيام في كل شهر وصوم عاشوراء ثم نسخ ذلك برمضان فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الى قوله فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ثم نزلت العزيمة في الصوم بقوله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فأوجبه الله على الصحيح المقيم وثبتت الرخصة في الاطعام للكبير العاجز وكان في ابتداء الأمر اذا أفطروا عند المغرب حل لهم كل شئ ما لم يصلوا العشاء أو يرقدوا قبلها فاذا صلوا أو رقدوا قبلها حرم عليهم كل شئ الى الليلة القابلة فشق ذلك عليهم ووقع جماعة منهم في المحظور منهم عمر بن الخطاب فنزل الترخيص في ذلك بقوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ الآية فأحل الله لهم ما كان حرم عليهم وتاب عليهم وعفى عما سلف منهم قال ابن عباس رضى الله عنهما أوّل ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم وقال الشيخ أبو القاسم هبة الله بن سلامة في كتابه الناسخ والمنسوخ اعلم ان اول النسخ في الشريعة أمر الصلاة ثم أمر القبلة ثم الصيام ثم الزكاة ثم الاعراض عن المشركين ثم الأمر بجهادهم ثم اعلام الله نبيه ما يفعل به ثم أمره تعالى بقتال المشركين ثم امره بقتال اهل الكتاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ثم ما كان عليه اهل العقود من الموارثة فنسخ بقوله تعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ثم هدم منازل الجاهلية وان لا يخالطوا المسلمين في حجهم ثم نسخت المعاهدة التي كانت بينه وبينهم بالاربعة الاشهر بعد يوم النحر قال فهذا أكمل الترتيب ونزول المنسوخ بمكة كثير وأكثر الناسخ مدني والله أعلم* [مطلب في بنائه صلى الله عليه وسلم بعائشة وتزويج علي بفاطمة رضى الله عنهم ومشروعية صدقة الفطر] وفي شوال منها دخل صلى الله عليه الآية (وفي) شهر (شعبان) أي على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدمة المدينة عليه الصلاة والسلام (فرض الله) صوم (رمضان) روى الواقدي عن عائشة وابن عمر وأبى سعيد الخدري قالوا نزل فرض شهر رمضان بعد ما حولت القبلة الى الكعبة بشهر في شعبان (في المحظور) أي من مباشرة النساء (أبو القاسم هبة الله بن سلامة) أحد أعلام المائة الخامسة المفسر الفقيه الشافعى وكتابه هذا من أجمع الكتب على اختصاره مشهور متداول (وأكثر الناسخ مدني) لانها دار قرار الاسلام وبها استجمع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره فاقتضت الحكمة الالهية أن ينسخ ما ينسح ويثبت ما يثبت (وفي شوال منها)

وآله وسلم بعائشة وهي بنت تسع سنين وكان عقد بها بمكة قبل ذلك وهي بنت ست وقيل سبع وعنها قالت تزوجت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في شوال وبنى بى في شوال وأي نساء رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كانت احظى عنده مني وكانت عائشة تستحب ان تدخل نساؤها في شوال رواه مسلم* وفي صفر منها تزوج أمير المؤمنين علي فاطمة رضى الله عنهما ولها خمس عشر سنة وخمسة أشهر ونصف وقيل ثمانية عشر سنة والله أعلم ولعلي يومئذ احدى وعشرون سنة ودخل بها في ذى الحجة بعد وقعة احد وسيأتي خبر تزويج فاطمة وعائشة في موضعه من هذا الكتاب* وفيها فرضت صدقة الفطر قيل والاصل في وجوبها من كتاب الله تعالى قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ذهب كثير من المفسرين الى ان المراد بذلك صدقة الفطر وصلاة العيد بعدها قلت وفيه حديث مرفوع خرجه الدار قطنى والله اعلم واعترض بعضهم على هذا بأن السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر قال الامام الحسين بن مسعود البغوي يحتمل ان يكون النزول سابقا على الحكم كما في غيره والله اعلم واما من السنة فما ثبت في الصحيحين وغيرهما من رواية ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أوصاعا من شعير على العبد والحر والذكر والانثى والكبير والصغير من المسلمين وأمر بها ان تؤدى أي من السنة الثانية والذي في الاصابة وكان دخوله بها في شوال في السنة الاولى كما أخرجه ابن سعد عن الواقدي عن أبي الرجال عن أبيه عن أمه عمرة عنها رضى الله عنها قالت اعرس بى على رأس ثمانية أشهر ثم حكى ما ذكره المصنف وسيأتى تفصيل ذلك عن المؤلف (ان تدخل نساؤها) كذا بالبناء للمجهول فيكون المعنى نساء ذويها وأقاربها (وفي) شهر (صفر منها) أى من السنة الثانية (تزوج) أى عقد عليها وفي الاصابة في أوائل المحرم وفي تاريخ الخميس عقد عليها في رجب على الاصح وقيل في رمضان (ودخل في ذى الحجة بعد وقعة أحد) حكى ذلك ابن عبد البر ووقعة أحد كانت في شوال سنة ثلاث اتفاقا ورده في الاصابة وسيأتى تفصيل ذلك كما وعد به المؤلف (وفيها) أي في هذه السنة (صدقة الفطر) في المواهب قبل العيد بيومين (ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب واذا أطلق لا يراد الا هو (صاعا) الخ وعند أبي داود وأحمد والترمذي وحسنه صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من زبيب أو صاع من برأي فمح وذكر أبو داود أن عمر بن الخطاب جعل نصف صاع من بر مكان هذه الاشياء وفي الصحيحين ان معاوية هو الذي قوم ذلك وعند الدارقطني عن عمر أمر صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم بنصف صاع من حنطة ورواه أبو داود والنسائي عن ابن عباس مرفوعا وفيه فقال علي اما اذا وسع الله فاوسعوا اجعلوه صاعا من بر وغيره

مطلب في إسلام سيدنا العباس والكلام على أول راية عقدها رسول الله

قبل خروج الناس الى الصلاة* [مطلب في إسلام سيدنا العباس والكلام على أول راية عقدها رسول الله] وفيها أسلم العباس رضى الله عنه وكان أسر ببدر وفادى نفسه وابنى اخوته عقيل بن أبى طالب ونوفل بن الحارث ثم أسلم عقيب ذلك وقد ذكرناه مستوفى فى ترجمته في كتابنا الرياض المستطابة والله أعلم* وفيها كان من الغزوات والسرايا سرية عبيدة ابن الحارث بن المطلب بن عبد مناف وهى أوّل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعقد قبلها لاحد قيل بعثه صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة الأبواء قبل أن يصل الى المدينة وكان عددهم ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم انصارى ولقوا جمعا من قريش بالحجاز فلم يكن بينهم قتال الا أن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه رمى بسهم فكان أوّل سهم رمي به فى سبيل الله ثم انصرفوا وللمسلمين حامية وفرّ الى المسلمين يومئذ المقداد بن عمرو البهرانى وعتبة بن غزوان المازنى وكانا من المستضعفين بمكة وكان على المشركين يومئذ عكرمة بن أبي جهل وقيل مكرز بن حفص. ثم سرية حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكبا من المهاجرين فلقى أبا جهل بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهنى وكان موادعا للفريقين ثم غزوة بواط من ناحية رضوى قال البكرى واليها انتهى النبى صلى الله عليه وآله وسلم في غزوته الثانية ولم يلق كيدا وذلك في شهر ربيع الأوّل واستعمل على المدينة السائب بن مظعون وروينا في صحيح مسلم عن جابر قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يطلب في غزوة بواط مجدي بن عمرو الجهنى وكان الناضح يعتقبه منا الخمسة والستة والسبعة ثم ساق فيها الحديث الطويل المشتمل (وفيها) أي في هذه السنة (كان من الغزوات) جمع غزوة (والسرايا) مثل عطايا جمع (سرية) بتشديد الياء مثل عطية القطعة من الجيش (عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة واسكان التحية فدال مهملة فهاء وهذه السرية بهذا التاريخ ذكرها ابن هشام في السيرة وأبو الربيع في كتاب الاكتفاء وقال في المواهب في شوال على رأس ثمانية أشهر (وهي أوّل راية عقدها) هذا مختلف فيه فان بعض الناس يقول راية حمزة أوّل راية لانها كانت على رأس سبعة أشهر في رمضان خلافا للمصنف (بسيف البحر) بكسر المهملة وسكون التحتية وبالفاء ساحل البحر من ناحية العيص قاله في المواهب وجزم بأن هذه السرية قبل سرية عبيدة ثم قال فلما تصافوا حجز (بينهم مجدي) بفتح الميم وسكون الجيم وكسر الدال المهملة وياء كياء النسب (بواط) بالضم وآخره طاء مهملة ورواه العذري والمستملى بفتح أوله والاول أشهر وقالوا هو جبل من جبال جهينة بناحية رضوى (السائب بن مظعون) هو أخو عثمان بن مظعون (الناضح) البعير

على معجزات ظاهرة باهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رجع منها أقام بالمدينة بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الاولى ثم غزا العشيرة وقال ابن سعد غزا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذا العشيرة في جمادى الأخرى على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره في خمسين ومائة وقيل مائتين من المهاجرين على ثلاثين بعيرا يعتقبونها وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب واستخلف على المدينة أبا سلمة المخزومى يطلب عيرا لقريش التي كانت وقعة بدر بسببها حين رجعت من الشام فبلغ ذا العشيرة من بطن ينبع وبين المدينة وينبع سبعة برد فوجد العير قد مضت الى الشام قبل ذلك بأيام فوادع بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة ثم رجع ولم يلق كيدا وفي صحيح البخارى عن زيد بن أرقم انها أوّل الغزوات وهو خلاف المشهور عن أهل النقل وجمع بينهم بأن زيدا زاد أوّل ما غزوت أنا معه ويضعفه رواية مسلم قلت فما أوّل غزوة غزاها قال ذات العشيرا أو العشيرة والله اعلم قال ابن اسحق وقد كان بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيما بين ذلك من غزوة سعد بن ابى وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز ثم رجع ولم يلق كيدا. ثم خرج صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في طلب كرز بن جابر الفهري وكان اغار على سرح المدينة وانتهى فيها الى واد يقال له سفوان من ناحية بدر وفاته كرز بن جابر وتسمى بدرا الاولى وفي مرجعه منها بعث ابن (العشيرة) بالتصغير واعجام الشين ووقع في رواية الصحيحين بحذف الهاء قال السهيلى والصواب بالهاء (برد) جمع يريد في الاصل البريد الرسول ثم استعمل في المسافة التى يقطعها وهى اثني عشر ميلا (أبا سلمة المخزومى) اسمه عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي أحد السابقين الي الاسلام (عيرا) بالكسر الاصل الابل تحمل الميرة ثم غلب استعماله فاطلق على كل قافلة (الخرار) بمعجمة مضمومة على ما في القاموس ومفتوحة على ما في المعجم والنهاية فراء آخره قال ياقوت موضع بالحجاز قرب الجحفة وقيل واد من أودية المدينة (ثم خرج صلى الله عليه وسلم) أي ولم يقم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة الا ليالى قلائل لا تبلغ العشر قاله ابن اسحاق واستعمل على المدينة زيد بن حارثة فيما قال ابن هشام (في طلب كرز) بضم الكاف وسكون الراء وبالزاي (ابن جابر الفهري) نسبة الي جده الاعلى فهر بن مالك بن النضر كان من رؤساء المشركين ثم أسلم وصحب وامر على سرية واستشهد في غزوة فتح مكة (سرح المدينة) بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملات الابل والمواشى التى تسرح للرعي بالغداة (سفوان) بفتح المهملة والفاء (وتسمى بدرا الاولى) وسماها ابن اسحاق غزوة سفوان باسم المكان الذي انتهى اليه صلى الله عليه وآله وسلم (وفي مرجعه منها) أى من سفوان في رجب فيما حكاه ابن

عمته عبد الله بن جحش الاسدي في ثمانية رهط من المهاجرين وكتب له كتابا أمره فيه أن ينزل ببطن نخلة بين مكة والطائف فيرصد بها عير قريش ولا يستكرهن أحدا من أصحابه وقال له لا تفتح الكتاب حتى تسير يومين فمضى عبد الله ومعه أصحابه لم يتخلف أحد منهم الا ان سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان تخلفا فوق الفرع في طلب بعير لهما أضلاه ولما نزلوا بنخلة مرت بهم عير لقريش تحمل تجارة وفيها عمرو بن الحضرمي وثلاثة معه فقتلوا ابن الحضرمي وأسروا اثنين وفروا حدو ذلك آخر يوم من جمادى وكانوا يرون انه من جمادى وهو من رجب وكان ذلك أوّل قتل وأسر في المشركين وأوّل غنيمة في الاسلام فقال المشركون قد استحل محمد الشهر الحرام وعيروا المسلمين بذلك فشق ذلك على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ووقف العير والاسيرين حتى نزل قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية فقسم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الغنيمة ووقف الاسيرين حتى قدم سعد وصاحبه وفاداهم. ثم غزا اسحاق وقيل في جمادى الآخرة على رأس سبعة عشر شهرا من مهاجره (في ثمانية رهط) وهم أبو حذيفة بن عتبة العبشمى. وعكاشة بن محصن الاسدي. وعتبه بن غزوان. وسعد بن أبي وقاص. وعامر بن ربيعة. وواقد بن عبد الله. وخالد بن البكير. وسهل بن البيضاء. وجميعهم (من المهاجرين) وقيل اثنا عشر رجلا حكاه في المواهب ليس فيهم من الانصار أحد يعتقب كل اثنين منهم بعيرا (تخلفا فوق الفرع) وفي السيرة حتي اذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران (تحمل تجارة) في السيرة والمواهب تحمل زبيبا وادما وزاد ابن هشام وتجارة (ابن الحضرمى) بمهملة ومعجمة ساكنة قال ابن هشام واسم الحضرمى عبد الله بن عباد (وثلاثة معه) وهم عثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة (فقتلوا ابن الحضرمى) رماه واقد بن عبد الله التميمى بسهم فقتله (وأسروا اثنين) عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان (وفرواحد) وهو نوفل بن عبد الله (آخر يوم من جمادى) الآخرة وفي السيرة وذلك في آخر يوم من رجب ويقال أوّل يوم من شعبان (فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم) لان القتال وقع في الشهر الحرام قال ابن اسحاق فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام (ووقف العير والاسيرين) ليتبين له الحكم في ذلك من ربه (فقسم صلي الله عليه وآله وسلم الغيمة) أى بعد نزول الآية (وقف الاسيرين) قال ابن هشام وبعثت اليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لانفديكموهما حتي يقدم صاحبانا يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان فانا نخشاكم عليهما فان قتلتموهما فقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة ففداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فاما الحكم فاسلم فحسن اسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا

مطلب فى غزوة بدر الكبري والكلام عليها تفصيلا

النبي صلى الله عليه وآله وسلم. [مطلب فى غزوة بدر الكبري والكلام عليها تفصيلا] غزوة بدر الكبرى وهي الرابعة من غزواته وكانت وقعتها يوم الجمعة السابع عشر من رمضان وذلك على رأس سنة من الهجرة وثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة وثبت في عدد المسلمين فيها ما رواه المحدثون في كتبهم واللفظ للبخاري عن البراء بن عازب قال كنا أصحاب محمد نتحدث ان عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه ولم يجاوز معه مؤمن الا بضع عشرة وثلاثمائة فسر البضع هنا بأربعة فمن المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا وبقيتهم من الانصار فمن سائر بطون الاوس ابن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر احد وستون ومن سائر بطون الخزرج بن حارثة مائة وسبعون وعد منهم من ضرب له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بسهمه وأجره ولم يحضرها فجعله كمن حضرها وكان معهم ثمانون بعيرا يعتقبونها وفرس واحد للمقداد بن الاسود قيل وآخران للزبير وابي مرثد الغنوي وعدد المشركين ما بين التسع المائة والالف (غزوة بدر الكبرى) وتسمى العظمى وبدر الثانية وبدر القتال لوقوعه فيها دون الاولى والثانية وتسمى أيضا بدر الفرقان وهى قرية مشهورة بين مكة والمدينة على نحو أربع مراحل من المدينة قاله النووى في تهذيب الاسماء واللغات وفي معجم ما استعجم للبكرى على ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة يذكر ولا يؤنث جعلوه اسم ماء وفي المعجم لياقوت بدر بالفتح ثم السكون ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء (وهى الرابعة من غزواته) التي غزاها صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه. قال في المواهب وكان خروجهم يوم السبت وعند ابن سعد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا ويقال لثمان خلون منه قاله ابن هشام واستخلف أبا لبابة وقيل رفاعة بن عبد المنذر الاوسى رده من الروحاء واليا على المدينة قاله ابن اسحاق وقال الحاكم لم يتابع على ذلك وقال ابن هشام واستعمل على الصلاة ابن أم مكتوم وقال ابن القيم استخلفه على المدينة والصلاة معا حتى رد أبا لبابة من الروحاء (وكانت وقعتها يوم الجمعة) أي القتال (بضع عشرة وثلاثمائة) هذا هو المشهور عند ابن اسحاق ورواه أحمد والبزار والطبرانى عن ابن عباس وللطبرانى والبيهقي عن أبي أيوب قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر فقال لاصحابه تعادوا فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ثم قال لهم تعادوا فتعادوا مرتين فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر وفي حديث عمر عند مسلم ثلاثمائة وتسعة عشر فمن المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا ذكرهم ابن اسحاق بأسمائهم وحلفائهم ومواليهم فبلغوا ذلك وزاد ابن هشام ثلاثة وسردهم وعند الواقدي خمسة وثمانين رجلا ولاحمد والبزار والطبراني عن ابن عباس ان المهاجرين ببدر كانوا سبعة وسبعين قال من تعقب ذلك فلعله لم يذكر من ضرب له بسهم ممن لم يشهدها حسا وقال الداودي كانوا على التحرير أربعة وثمانين ومعهم ثلاثة أفراس (وبقيتهم من الانصار) قال في المواهب وخرجت معه

قيل تسعمائة وخمسون وكان معهم ثمانون فرسا وجملة من استشهد بها من المسلمين أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الانصار وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون وتلخيص خبرها على ما ذكر ابن اسحق وغيره ان النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سمع بأبى سفيان صخر بن حرب خرج في تجارة الى الشام معه ثلاثون او أربعون رجلا فلما فاتته فى ذهابها طمع بها في إيابها وجعل العيون عليها فحين جاءه عينه بسيسة بن عمرو الجهنى بخبرها خرج بمن خف معه من المسلمين واستعمل على الصلاة ابن أم مكتوم وعلى المدينة أبا لبابة ودفع لواءه وكان أبيض الى مصعب بن عمير العبدري وكان له رايتان سوداوان إحداهما مع علي رضى الله عنه والأخرى بيد رجل من الانصار ثم ان أبا سفيان لما قارب الحجاز اشتد خوفه وجعل يتجسس الاخبار فلما أخبر بمخرج النبى صلى الله عليه وآله وسلم بعث الى قريش يستنفرهم فأوعبت قريش في الخروج فلم يتخلف من بطونها أحد الا بنو عدى ولا من أشرافها الا ان أبا لهب استأجر مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فقتل العاص فيمن قتل ولم تمتد حياة أبى لهب بعده رماه الله بالعدسة بعد مصاب أهل بدر بليال ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق وصح له نفير قريش استشار أصحابه في طلب العير وحرب النفير وكانت العير أحب اليهم كما قال الله تعالى وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم عمر فأعرض كذلك ثم المقداد فأحسن القول وأجاده وهو في كل ذلك يقول أشيروا وانما يريد الانصار لانهم العدد الكثير وأيضا فكان يتخوف منهم انهم لا يرون نصرته الا على من دهمه بالمدينة كما هو في أصل بيعتهم ليلة العقبة وكان اذ ذاك الايمان قد تمكن في قلوبهم وتحققوا وجوب طاعته فلو أمرهم بقتل آبائهم وأبنائهم لفعلوا فقام سعد بن عبادة وقال ايانا تريد يا رسول الانصار ولم تكن قبل ذلك خرجت معه (بسيسة) بضم الموحدة وبمهملتين بينهما تحتية ساكنة (يستنفرهم) الاستنفار طلب النصرة من الناس لينفروا معه الى مقصده ويساعدوه فيما ندبهم اليه (بالعدسة) بعين مهملة هي بثرة تشبه العدسة قل ان يسلم من يصاب بها يقال انها تشبه الطاعون والصحيح انها الجدري (وتودون أن غير ذات الشوكة) أي ترغبون ان تصادفوا العير لا الخيل التى خرجت لتدفع عنه كما مر (كما هو في أصل بيعتهم ليلة العقبة) قال أهل السير قالوا يا رسول الله انا نبرأ من ذمامك حتى تصل الى ديارنا فاذا وصلت الينا فانت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فلما استشهارهم أجابوه أحسن جواب بالموافقة التامة رضى الله عنهم قال النووي ففيه استشارة الاصحاب وأهل الرأي والخبرة (فقام سعد بن عبادة وقال الى آخره) للبغوي وغيره سعد بن معاذ وجمع بينهما بانهما قالا ذلك يومئذ (ايانا)

الله والذى نفسى بيده لو أمرتنا ان نخيضها البحر لاخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها الى برك الغماد لفعلنا فسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ونشطه ثم قال سيروا على بركة الله وابشروا فان الله وعدنى احدى الطائفتين والله لكانى أنظر الآن الى مصارع القوم ولما نزل صلى الله عليه وآله وسلم بدرا وكان بالعدوة الدنيا وهو شفير الوادى الادنى الى المدينة والمشركون بالعدوة القصوى وهو شفير الوادى الاقصى من المدينة وكان الركب حينئذ أسفل منهم الى ساحل البحر على ثلاثة اميال من بدر ولا علم عند أحد منهم بالآخر وقد حجب الوادى بينهم. وأوّل العلم بهم ماورد في صحيح مسلم أنها وردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسئلونه عن أبى سفيان وأصحابه فيقول مالى علم بأبى سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس فاذا قال ذلك ضربوه فقال نعم انا أخبركم هذا أبو سفيان فاذا تركوه فسئلوه قال مالى بأبى سفيان علم ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وامية بن خلف فاذا قال هذا ضربوه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي فلما رأى ذلك انصرف وقال والذي نفسى بيده لتضربونه اذا صدقكم وتتركونه اذا كذبكم وروى انهما غلامان وان النبى صلى الله عليه وسلم حين أخبراه قال لاصحابه هذه مكة قد ألقت اليكم افلاذ كبدها وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل بدرا نزل على أدنى ماء الى العدوة وترك المياه كلها خلفه بمشورة استفهام حذفت اداته (ان نخيضها) يعني الخيل (برك الغماد) بفتح الموحدة وكسرها وسكون الراء والغين معجمة مكسورة ويجوز ضمها موضع من وراء مكة بخمس ليال من ناحية الساحل وقيل بثمان وقيل موضع في اقاصي هجر وقيل مدينة بالحبشة كما مر آنفا قال النووى وقال ابراهيم الحربى برك الغماد وسمفات هجر كناية يقال فيما تباعد (الى مصارع القوم) أي مواضع سقوطهم قتلى (وأوّل العلم بهم ما في صحيح مسلم) وسنن أبي داود من حديث أنس (روايا قريش) جمع رواية وهي في الاصل البعير الذي يسقى عليه ثم استعمل توسعا في غيره (انصرف) أي سلم من صلاته (والذي نفسى بيده) فيه انه لا بأس بالحلف على تأكيد أمر وقد جمع بعضهم حلفه صلى الله عليه وآله وسلم على مثل هذا فناف على ثمانين (فيهم غلام اسود لبني الحجاج) سماه ابن سيد الناس في سيرته أسلم وكان حبشيا عده ابن شاهين في الصحابة (وروي) في كتب السير (انهما غلامان) واسم الثانى عريص أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد كما في سيرة ابن اسحاق (لتضربونه اذا صدقكم وتتركونه اذا كذبكم) فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم (أفلاذ كبدها) بالفاء والمعجمة وأصل الفلذة القطعة من كبد البعير قاله ابن السكيت وقال غيره القطعة من اللحم (بمشورة)

الحباب بن المنذر وبنى له عريش يستظل فيه بمشورة سعد بن معاذ ولما أصبحت قريش ارتحلت فلما رآها النبى صلى الله عليه وآله وسلم نصوب من العقنقل وهو الكثيب المتراكم الذي هبطوا منه الى الوادي قال اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتنى اللهم احنهم الغداة اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام لا تعبد في الارض وما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه. وفي صحيح البخارى ان أبا بكر أخذ بيده فقال حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبربل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر. وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا مصرع فلان ويضع يده على الارض هاهنا وهاهنا فما ماط أحد عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدّل الصفوف وأمر أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال اذا أكثبوكم فعليكم بالنبل واستبقوا نبلكم ثم رجع الى العريش ومعه أبو بكر فخفق خفقة ثم انتبه فقال يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا باسكان المعجمة وفتح الواو وبضم المعجمة وسكون الواو (والحباب) بضم المهملة وتخفيف الباء الموحدة (ابن المنذر) ابن الجموح بن زيد السلمي بفتحتين من بنى سلمة يكني أبا عمرو قال ابن عبد البر شهد بدرا ومات فى خلافة عمر رضى الله عنه (تصوب) بفتح الفوقية والمهملة والواو المشددة أصله تتصوب (من العقنقل) بمهملة قافين مفتوحات وبينهما نون ساكنة أصله كل رمل منعقد (يحادك) يشاقك وخالفك (اللهم فنصرك) بالفتح على المصدر (اللهم احنهم) أي أهلكهم والحين الهلاك (اللهم ان تهلك) بفتح أوله ورفع العصابة وبضمه ونصبها (وما زال يهتف) بكسر المثناة فوق أي يصيح ويستغيث بالدعاء وكان ذلك الدعاء مع استقبال القبلة (مادا يديه) كما في الصحيحين وغيرهما ففيه استحباب الاستقبال للدعاء ورفع اليدين وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء (ان أبا بكر أخذ بيده الى آخره) قال أحمد بن محمد بن ابراهيم الخطابي لا يجوز ان أحد يتوهم ان أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الحال بل الحامل له على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم لانه كان أوّل مشهد شهدوه فبالغ في التوجه والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك لانهم كانوا يعلمون ان وسيلته مستجابة فلما قال أبو بكر ما قال علم انه أستجيب له لما وجد عند أبي بكر من القوة والطمأنينة فكف عن ذلك (حسبك) أي كفاك وهو كذلك في رواية مسلم (فما ماط) بالمهملة أي ما عدل ففيه معجزة له صلى الله عليه وسلم (اذا أكثبوكم) بمثلثة فموحدة أي قربوا منكم ولابي داود يعنى غشوكم بمعجمتين قال في التوشيح وهو أشبه بالمراد (واستبقوا) بسكون الموحدة أمر من الاستبقاء أى طلب

جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع وفي رواية عليه اداة الحرب ولما تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض قال أبو جهل اللهم اقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة فكان هو المستفتح على نفسه وآخر ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفنة من الحصباء ورماهم بها وقال لاصحابه شدوا فكانت الهزيمة ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أمرهم أسرا وقتلا قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم من ينظر لنا ما صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد البقي أي لا تبادروا بالرمي حتى يقربوا منكم لئلا تضيع النبال في غير فائدة (بعنان) بكسر العين الحبل الذي يربط في اللجام من الجانبين (فرسه) اسمه حيزوم وكان ذكرا كما يدل عليه سياق الحديث والتي تقدم بها قبل فرعون كانت انثي وانما جاء راكبا ليكون على عادة امداد الجيوش رعاية لصور الاسباب كما سيأتي عن السبكى (النقع) بنون فقاف ساكنة فمهملة أي الغبار (اداة) الحرب بفتح الهمزة وتخفيف المهملة أي آلتها (اللهم اقطعنا) أي من كان اقطعنا كما في تفسير البغوى وغيره (وآتانا) بمد الهمزة على وزن أفعلنا للتفضيل (وكان هو المستفتح على نفسه) في الحقيقة لانه دعا على الاقطع للرحم والآتى بما لا يعرف وهذا الوصف له لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان اراده في دعائه فأنزل الله عز وجل «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا» أي تستنصروا «فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ» أى النصر وقيل الخطاب في الآية للمسلمين وذلك انهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا تدعو تستنصر لنا كما في حديث خباب رضي الله عنه (حفنة) بفتح المهملة واسكان الفاء ما علا الكفين من تراب عليه في تفسير البغوي وغيره من الحصا وفيه ان ذلك كان باشارة جبريل حين دعاه صلى الله عليه وسلم قل له خذ قبضة من تراب فارمهم بها (ورماهم بها) زاد البغوى وغيره وقال شاهت الوجوه أي قبحت فلم يبق منهم مشرك الا دخل في عينيه وفمه ومنخريه منها شئ وقال قتادة بن زيد ذكر لنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمي بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في مسيرة القوم وحصاة في اظهرهم وقال شاهت الوجوه فانهزموا ونزل قوله تعالى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ أى ما بلغت اذ رميت بقوتك لان ذلك ليس في وسعك وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى أي بلغ وقيل وَما رَمَيْتَ بالرعب في قلوبهم إِذْ رَمَيْتَ بالحصا وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى بالرعب في قلوبهم حتي انهزموا (من ينظر لنا ما صنع أبو جهل) أى هل قتل أم لا اللهم لا يعجزنك كما في سيرة ابن اسحاق عن عبد الله بن أبى بكر عن معاذ بن أبي عمرو بن الجموح قال معاذ فلما سمعتها جعلتها من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه قال فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي فاجهضتني وتمطيت بها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء وهو أخو الاول فضربه حتى أثبته وتركه وبه رمق (فوجده قد ضربه ابنا عفراء) المذكوران آنفا (حتي برد) بفتح الموحدة والراء أى مات أو حتى صار في حالة من سيموت وقيل معناه فتر وفي رواية لمسلم برك بالكاف أي سقط على

فأخذ بلحيته وقال أنت أبو جهل فقال وهل فوق رجل قتلتموه أو قال قتله قومه رواه الشيخان وفي رواية لهما قال فلو غير أكار قتلنى وروى انه قال لابن مسعود لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا قال ابن مسعود ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبى جهل فقال آلله الذي لا إله غيره وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت نعم والله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يديه فحمد الله تعالى وممن تبارز يومئذ حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعتبة وشيبة بنا ربيعة والوليد بن عتبة فقتل حمزة رضي الله عنه شيبة وعلي رضي الله عنه الوليد واختلف بين عبيدة وعتبة ضربتان كلاهما أثبت صاحبه فكر حمزة وعلي على عتبة فذففا عليه واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الارض (فأخذ بلحيته) إهانة له وفي سيرة ابن اسحاق أنه وضع رجله على عنقه وقال هل أخزاك الله (وقال أنت) بالاستفهام (أبو جهل) كذا للمستملى في صحيح البخارى والثابت في أكثر النسخ أبا جهل قال في التوشيح وهو علي لغة كنانة أو منصوب بأعني أو بالنداء أي أنت المقتول يا أبا جهل أقوال أصحها الثالث (وهل فوق رجل قتلتموه) أي لا عار على قتلكم إياي (أو قال قتله قومه) شك من التيمى زاد ابن اسحاق ثم قال أخبرنى لمن الدائرة قال قلت لله ولرسوله (فلو غير أكار قتلني) جواب لو محذوف أي لكان أحب الي والاكار الفلاح والزراع وهو عند العرب ناقص أشار الى أن الذين قتلوه من الانصار وهم أصحاب نخل وزرع (وروي أنه قال لابن مسعود لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا) ذكره ابن اسحاق في السيرة قال السهيلي وهو يعارض ما وقع في سيرة ابن شهاب وفي مغازى ابن عقبة أن ابن مسعود وجده جالسا لا يتحرك ولا يتكلم فسلبه درعه فاذا في بدنه نكت سود مثل سبيعة البيضة وهو لا يتكلم فاخترط سيفه يعني سيف أبي جهل فضرب به عنقه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين احتمل رأسه اليه عن تلك النكت السود التي رآها في بدنه فاخبره الرسول صلى الله عليه وسلم ان الملائكة قتلته وأن تلك آثار ضرب الملائكة له (آلله الذي لا اله غيره) بهمزة ممدودة للاستفهام والهاء مكسورة بتاء القسم المقدرة (وكانت) هذه اليمين (يمين) بالنصب خبر كانت (فحمد الله) سرورا بقتله (وممن تبارز يومئذ الى آخره) كان سبب المبارزة كما ذكره ابن اسحاق ان عتبة وشيبة والوليد دعوا الى المبارزة فخرج اليهم عوف ومعوذ بنا عفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا من أنتم فقالوا رهط من الانصار فقالوا حين انتسبوا أكفاء كرام ثم طلبوا ان يخرج اليهم أكفاؤهم من قومهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا على بن أبي طالب فلما دنوا قالوا من أنتم فذكروا قالوا نعم أكفاء كرام (وعبيدة بن الحرث بن عبد المطلب) صوابه ابن المطلب كما سبق ذكره (اثبت) فعل ماض من الاثبات أى ترك كل واحد صاحبه لا يتحرك ولا يزول من موضعه (وقد قطعت رجله) زاد

ألست شهيدا قال بلى فقال عبيدة لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن ابنائنا والحلائل وكان أبو ذر يقسم قسما ان هذه الآية نزلت فيهم (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال علي رضي الله عنه وأرضاه انا أوّل من يجثو بين يدي الرحمن عز وجل للخصومة يوم القيامة رواه البخاري وفيه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بأربعة وعشرين رجلا فقذفوا في القليب وكان اذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليالي فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا ما نراه ننطلق الا لبعض حاجته حتى قام على شفير الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ويقول أيسركم انكم أطعتم الله ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقال عمر يا رسول الله ابن اسحاق ومخها يسيل (الست شهيدا) كانه أيقن ان موته فيها لما يجده من الالم وعرف انه لا يموت فيها الآن بل بعد انقضاء الحرب فسأل هل يكون ذلك شهادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلي) وكان موته بالصفراء كما سبق. قال ابن عبد البر ويروى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مع أصحابه بالمأزمين قال له أصحابه انا نجد ريح مسك فقال وما يمنعكم وهاهنا قبر أبى معاوية يعنى عبيدة رضى الله عنه (لعلم أنا أحق منه) لانا مؤمنون وهو غير مؤمن (ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل هذا البيت معطوف على الذي قبله كذبتم وبيت الله نبزي محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناضل (كان أبوذر يقسم قسما ان) بكسر الهمزة (هذان خصمان اختصموا في ربهم) أي جادلوا في دينه وأمره والخصم اسم شبيه بالمصدر فلذلك قال اختصموا بلفظ الجمع وقال ابن عباس وقتادة نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب وقيل هم المؤمنون والكافرون كلهم وقيل هما الجنة والنار (أنا أوّل من يجثو) بالجيم والمثلثة أى يقعد على ركبتيه مخاصما قال في التوشيح والمراد بهذه الاولية تقييده بالمجاهدين لان هذه أوّل مبارزة وقعت في الاسلام (فقذفوا) أي رموا (فى القليب) بالقاف وهي البئر التى لم تطو. قال الواقدى وكان حفرها رجل من بنى النار فناسب ان يلقى فيها هؤلاء الكفار (ما نراه) بضم النون أى نظن (على شفير الركى) أى على طرف البئر وفي بعض نسخ البخارى شفة الركي وهو بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد آخره البئر التى لم تطو وفي صحيح البخارى قيل ذلك انهم القواطوي وهي البئر التي طويت وبنيت بالحجارة قال في التوشيح والجمع بين ذكر اللفظين فيما يظهر من تصرف الرواة (فجعل يناديهم باسمائهم واسماء آبائهم) يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتيبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة (فقال عمر) مستفيدا لا معترضا

ما تكلم من اجساد لا أرواح فيها فقال النبى صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده ما أنتم باسمع لما أقول منهم قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما وروى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له بعد الهزيمة هذه العير ليس دونها شيء فانهض في طلبها فناداه العباس وهو أسير لا يصلح ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم ذاك قال لان الله وعدك احدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقت. ولما انتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة الى المدينة يبشران قال أسامة فأتانا الخبر حين سوينا على رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التراب ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم راجعا فلما كان بمضيق الصفراء قسم النفل ولما كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنونه وأمر بقتل النضر بن الحارث بالصفراء وبقتل عقبة بن أبى معيط بعرق الظبية وقدم النبى صلى الله عليه وآله وسلم قبل الاسارى بيوم ولما قدم بالأسارى فرقهم بين الصحابة وقال استوصوا بهم خيرا واستمر فداؤهم على أربعة آلاف درهم ومنهم من نقص عنه ومنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بعضهم بغير فداء والله أعلم. (فصل) واعلم ان بدرا ملحمة شريفة عظيمة من ملاحم الجنة العظام وأوّل فتح (ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها) أي فما الفائدة في ذلك (ما أنتم باسمع لما أقول منهم) زاد مسلم غير انهم لا يستطيعون ان يردوا على شيأ ففيه تحقيق سماعهم ولا تعارض بينه وبين قوله تعالى فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى قال القرطبي في التذكرة لانه جائز ان يكونوا يسمعون في وقت ما أوفي حال ما فان تخصيص العموم ممكن وصحيح اذا وجد مخصص وقد وجد هنا على ان المراد بالموتي في الآية الكفار مجازا فلا تعارض فيها أصلا (وقال قتادة) هو ابن دعامة بكسر المهملة وفتحها السدوسي المفسر (بمضيق الصفراء) بفتح الميم وكسر المعجمة واسكان التحتية أي بالقرب منها (النفل) بفتح النون والفاء وهو لغة الزيادة سميت الغنائم نفلا لانها زيادة من الله تعالى لهذه الامة خاصة (وأمر بقتل النضر بن الحرث بالصفراء) فضرب عنقه عامر بن ثابت بن أبي الافلح وقيل عاصم أخوه ذكره ابن عبد البر وغيره (بعرق الظبية) بضم المعجمة واسكان الموحدة ثم تحتية قال الواقدي هى من الروحاء على ثمانية أميال مما يلي المدينة (واستمر فداؤهم على أربعة آلاف درهم) وقال ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم وأوّل من فدى بذلك يومئذ أبو وداعة بن ضميرة بن سعيد* (فصل) واعلم ان بدرا (ملحمة) بفتح الميمين والمهملة واسكان اللام وهي موضع القتال العظيم

مطلب فى خبر حاطب بن أبي بلتعة ومكاتبة لمشركي قريش

للمسلمين في غزوة الاسلام وأوّل قتال الملائكة عليهم أفضل الصلاة والسلام وفض عناد قلوب المشركين صدمتها حتى ورد في صحيح البخاري انه لم يظهر عبد الله بن أبى ومن معه من المنافقين الاسلام تقية الا بعدها وتظاهرت نصوص الكتاب والسنة على فضلها وعظم موقعها وفضل شاهديها ومزاياهم على بقية الصحابة والله أعلم. [مطلب فى خبر حاطب بن أبي بلتعة ومكاتبة لمشركي قريش] من ذلك قصة حاطب بن أبى بلتعة حيث كتب الى أهل مكة ينذرهم بمسير النبى صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح فاستأذن عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ضرب عنقه فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم أليس هو من أهل بدر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم فدمعت عين عمر وقال الله ورسوله أعلم. وعن أنس قال أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه الى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله قد عرفت (وأوّل قتال الملائكة عليهم الصلاة والسلام) قال السبكى سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم مع ان جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه فقلت وقع ذلك لارادة أن يكون الفعل للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الاسباب التي أجراها الله في عباده والله تعالى فاعل الجميع (وفض) بالفاء والمعجمة أى كسر (قلوب) مفعول (صدمتها) فاعل (تقية) بفتح الفوقية وكسر القاف وتشديد التحتية أى خوفا (قصة حاطب) بالمهملتين (ابن أبى بلتعة) بفتح الموحدة والفوقية والمهملة واسكان اللام. قال ابن عبد البر واسم أبي بلتعة عمرو بن راشد بن معاذ اللخمى وكان حاطب حليفا لقريش ويقال انه من مذحج وقيل هو حليف الزبير بن العوام وقيل بل كان عبدا لعبد الله بن جميل شهد بدرا والحديبية مات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه عثمان (حيث كتب الي أهل مكة) ستأتي قصته ان شاء الله تعالى (لعل) حرف ترج وهو هنا واجب وللحاكم من حديث أبى هريرة ان الله اطلع (اعملوا ما شئتم) فقد سبقت لكم العناية ومن سبقت له العناية لا تضره الجناية فبشرهم بحسن الخاتمة وكان الامر كذلك فلم يمت أحد منهم بحمد الله الا على أعمال أهل الجنة تحقيقا لقوله (فقد وجبت لكم الجنة) وقد ثبت أنه لم يشهدها الا مؤمن كما أنه لم يجاوز النهر مع طالوت الا مؤمن (فقد غفرت لكم) قال العلماء معناه الغفران لهم في الآخرة والا فلو توجه على أحد منهم حد أقيم عليه في الدنيا كما نقل عياض الاجماع عليه وضرب النبى صلى الله عليه وآله وسلم مسطحا الحد وكان بدريا وأقامه عمر أيضا على بعضهم (فدمعت عينا عمر) يحتمل أن يكون ذلك فرحا وأن يكون ذلك حزنا على مبادرته (حارثة) بالمهملة والمثلثة هو ابن سراقة الانصاري استشهد يوم حنين كما سيأتي (وهو غلام) ليس المراد أنه صبي بل العرب تطلق لفظ الغلام على غيره توسعا (أمه) هى الربيع بالتصغير بنت النضر بن أنس بن مالك وأخت أنس بن النضر (قد عرفت) بتاء الخطاب

فصل: وسمى يوم بدر باسم المكان

منزله حارثة منى فان يكن في الجنة فاصبر واحتسب وان تكن الاخرى ترى ما أصنع فقال ويحك أو هبلت أو جنة هي واحدة انها جنان كثيرة وانه في جنة الفردوس وعن رفاعة بن رافع الزرقي وكان بدريا قال جاء جبريل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة وروى جميعها البخارى وكان عطاء البدريين في ديوان عمر خمسة آلاف وقال عمر لأفضلنهم على من بعدهم وكان مدد فيها من الملائكة خمسة آلاف وقال ابن عباس ومجاهد لم تقاتل الملائكة في معركة الا يوم بدر وفيما سواه يشهدون القتال ولا يقاتلون انما يكونون عددا ومددا قيل كانت خيلهم يومئذ بلقا على خلق فرس المقداد وكانت سيماهم عمائم صفرا وقيل بيضا قد أرسلوها بين أكتافهم وعلموا بالعهن في نواصى الخيل وأذنا بها [فصل: وسمى يوم بدر باسم المكان] (فصل) وسمى يوم بدر باسم المكان الذي جرت فيه الوقعة وهو ماء معروف وقرية عامرة على نحو أربع مراحل من المدينة قال ابن قتيبة هي بئر لرجل سمى باسمه ومن (وإن تكن الاخري) هذا من جنس التصرف في العبارة (ويحك) من ذكرها وهى هنا كلمة زجر (وهبلت) بضم الهاء وفتحها وكسر الباء الموحدة أي ثكلت. قال في التوشيح وأصله موت الولد في الهبل وهو موضع الولد في الرحم فكان أمه وجع هبلها بموت الولد فيه وفسره الداودي بجهلت ولا يعرف في اللغة (وعن رفاعة بن رافع) ابن مالك بن عجلان بن عمرو (الزرقى) قال ابن عبد البر شهد بدرا والمشاهد كلها وهو أخو خلاد ومالك ابنى رافع (وكان المدد فيها من الملائكة خمسة آلاف) كان الامداد أولا بألف كما في سورة الانفال. قال البغوى فروي أن قول جبريل في خمسمائة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف كما في سورة آل عمران قاله قتادة (ومجاهد) هو ابن جبير بفتح الجيم وقيل جبير المخزومى مولى عبد الله بن السائب. قال ابن الانصاري رأي هاروت وماروت وكاد يتلف مات سنة مائة على الصحيح عن ثلاث وثمانين سنة (بلقا) بضم الموحدة واسكان اللام وبالقاف جمع ابلق وهو الذي بعضه أبيض وبعضه اسود (وكانت سيماهم) أي علامتهم (عمائم) لا تنصرف وجعله المصنف خبر كان وسيماهم اسمها ويجوز عكسه (صفراء) قاله هشام بن عروة والكلبي (وقيل بيضاء) قاله ابن عباس رضى الله عنهما وهو الصحيح ويؤيده قول البغوى ويروي أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر تسوموا فان الملائكة قد تسومت بالصوف الابيض في قلانسهم ومعافرهم (وعلموا بالعهن) قاله قتادة والضحاك وهو بكسر العين المهملة واسكان الهاء الصوف المندوف وعن مجاهد انهم جزوا أذناب خيلهم (فصل) وسمى يوم بدر (قال ابن قتيبة) والشعبي (هي بئر لرجل يسمى بدرا) أي ابن مخلد بن النضر بن كنانة وقيل بدر بن المحارب وقيل هي اسم البئر التى بها لاستدارتها ولصفاء مائها فكان البدر يري فيها

أسمائه في الكتاب العزيز يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ويوم اللزام ويوم البطشة الكبرى والله أعلم* الخامسة بعد بدر غزوة بنى قينقاع يهود المدينة رهط ابن سلام وكانوا أوّل ناقض للعهد من اليهود فحاصرهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلوا على حكمه فوهبهم في أنفسهم لحليفهم عبد الله بن أبى وأخذ أموالهم وكان لعبادة بن الصامت منهم من الحلف مثلما لعبد الله ابن أبى فتبرأ منهم قيل نزل فيه وفي ابن أبي قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآية* السادسة غزوة السويق وسببها ان أبا سفيان بعد بدر حلف ان لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا فخرج في مائتي راكب فلما كان على بريد من المدينة خرج فى الليل حتى أتى حيى بن اخطب فضرب بابه فخافه وابى ان يخرج اليه فانصرف الى سلام بن مشكم فأطعمه وسقاه وحادثه بالاخبار ثم خرج عنه واتى اصحابه فبعث رجالا منهم فوجدوا رجلا من الانصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم واستعمل على المدينة أبا لبابة الانصارى وانتهى النبى صلى الله عليه وآله وسلم الى قرقرة الكدر وفاته ابو سفيان وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم اصاب اذوادا كثيرة مما طرحها ابو سفيان واصحابه يتخففون عنها اكثرها السويق ولذلك سميت غزوة السويق* السابعة غزوة بنى سليم بالكدر على ثمانية برد من المدينة وكان لواء النبي صلى الله عليه وسلم مع على عليه السلام واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وغنم النبى صلى الله عليه وسلم فيها خمسمائة بعير فقسم اربعمائة على الغانمين فأصاب كل واحد بعيرين واخذ صلى الله عليه وآله وسلم مائة وكانت مدة غيبته عن المدينة خمس عشرة ليلة* الثامنة غزوة* والخامسة (بني قينقاع) بفتح القافين واسكان التحتية وفتح النون وضمها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى الآية وقيل نزلت فيمن قال من المسلمين يوم بدر انا الحق بفلان اليهودي أو النصراني وقيل نزلت في أبى لبابة* السادسة غزوة السويق (ان لا يمس رأسه ماء من جنابة) هذا دليل على انهم كانوا في الجاهلية يغتسلون منها (حيى) بضم الحاء المهملة وقد تكسر والتحتيتين على وزن أبى (أخطب) بالمعجمة فالمهملة فالموحدة على وزن أحمد (فخافه) بالمعجمة أي خاف من رؤية مكروه (سلام) بالتشديد على الصحيح (ابن مشكم) بكسر الميم واسكان المعجمة وفتح الكاف (فاطعمه) الطعام (وسقاه) الخمر وكان سلام حمارا في الجاهلية (قرقرة) بالقاف والمهملة المكررتين على وزن حيدرة والقرقرة الارض المطمئنة اللينة قاله في القاموس* السابعة غزوة بني سليم بالتصغير (بالكدر) بضم الكاف واسكان المهملة موضع على ثمانية برد من المدينة كما ذكره المصنف فيما بعد. قال السهيلى والقرقرة أرض ملساء والكدر طير في

مطلب في الكلام على قتل كعب بن الأشرف وأبي رافع بن أبى الحقيق

ذى امر وهي غزوة انمار بنجد يريد صلى الله عليه وسلم غطفان واستعمل على المدينة عثمان بن عفان وأقام صلى الله عليه وسلم بنجد شهر اثم رجع من غير قتال وهذه الاربع بعد بدر في بقية السنة الثانية. وفيما بين ذلك سرية زيد بن حارثة وكان من حديثها ان قريشا بعد بدر تجنبوا طريق الشام وسلكوا طريق العراق فبعث النبى صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة فلقى ابا سفيان في رفقة يحملون تجارة فيها فضة كثيرة فغنم زيد ما في العير واعجزه الرجال هربا ففي ذلك يقول حسان يعير قريشا بأخذهم تلك الطريق قال دعوا فلجات الشام قد حال دونها ... جلاد كافواه المخاض الاوارك بأيدى رجال هاجروا نحو ربهم ... وانصاره حقا وايدى الملائك اذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك وهنا ذكر ابن اسحق قتل كعب بن الطاى وأمه من بنى النضير وذكره غير واحد في الثالثة قبل غزوة بني النضير وكان من حديثه ان النبى صلى الله عليه وسلم لما انتصر ببدر اشتد حسده وبغضه وقدم مكة وجعل يحرضهم ويرثى من قتل منهم [مطلب في الكلام على قتل كعب بن الأشرف وأبي رافع بن أبى الحقيق] ثم رجع المدينة فشبب بنساء المسلمين فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم من لكعب بن الاشرف فانه قد آذى الله ورسوله قال محمد ابن مسلمة يا رسول الله اتحب ان اقتله قال نعم قال فاذن لى ان أقول شيئا قال قل فأتاه محمد بن مسلمة ألوانها كدرة عرف بها ذلك الموضع* الثامنة (ذي أمر) بفتح الهمزة والميم بعدها راء موضع من ديار غطفان خرج اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمع محارب قاله ابن الأثير (أنمار) بفتح الهمزة واسكان النون (غطفان) بفتح المعجمة والمهملة والفاء (فلجات) بالفاء والجيم جمع فلجة وهي الطريق بين الجبلين كالفج (جلاد) بكسر الجيم أي قوة (المخاض) جمع ماخض وهي قريبة العهد بالنتاج (الاوراك) نوع من الابل لونها أبيض (الغور) بفتح المعجمة (عالج) بالمهملة والجيم موضع ذو كثب وهنا ذكر ابن اسحق (من لكعب بن الاشرف فانه قد آذى الله ورسوله) أخرجه الشيخان وأبو داود لانه نقض عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعان عليه وبه قاله المازنى قال في التوشيح وفي الاكليل للحاكم فقد آذانا شعره وقوي المشركين (فشبب بنساء المسلمين) بالمعجمة والموحدة المكررة أي تغزل بهن وهجاهن في شعره وكان ممن شبب بها أم الفضل زوج العباس في أبيات رواها يونس عن ابن اسحق (أتحب أن أقتله قال نعم) زاد البغوى فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب الا ما تعلقت به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال لم تركت الطعام والشراب قال يا رسول الله انه لابد لنا من أن نقول قال قولوا ما بدا لكم فانتم في حل من ذلك (فاتاه محمد بن مسلمة) هو وأصحابه زاد البغوي فمشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال ان هذا الرجل قد سألنا صدقة وانه قد أعيانا وانى قد أتيتك استسلفك قال وأيضا والله لتملنه قال انا قد اتبعناه فلا نحب ان ندعه حتى ننظر الى أى شئ يصير شأنه وقد أردنا ان تسلفنا وسقا او وسقين فقال نعم ارهنونى نساءكم قال كيف ترهنك نساءنا وانت اجمل العرب قال فارهنوني ابناءكم قال كيف نرهنك ابناءنا فيسب احدهم فيقال رهن بوسق او وسقين هذا عار علينا ولكن نرهنك اللامة يعني السلاح فواعده ان يأتيه فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة وأبو عبس بن جبر والحرث بن أوس وعباد بن بشر فلما دعوه قالت امرأته أين تخرج هذه الساعة وقالت اسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم فقال انما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعى ابو نائلة ان الكريم اذا دعى الى طعنة بليل لاجاب فنزل اليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب فقال محمد ما رأيت كاليوم ريحا أطيب قال كعب عندى اعطر نساء العرب فقال أتأذن لي ان اشم راسك قال نعم فشمه ثم اشم اصحابه ثم قال أتأذن لي قال نعم فلما استمكن منه قال دونكم فقتلوه واتوا النبي صلى الله عليه وسلم واخبروه خرجه البخاري بهذا الى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في ليلة مقمرة (فقال ان هذا الرجل الي آخره) في تفسير البغوي انهم قدموا أبا نائلة وان الخطاب كان بينه وبينه فيحتمل ان الخطاب وقع له ولمحمد بن مسلمة أيضا (أعيانا) أي أتعبنا. قال النووى هذا من التعريض الجائز بل المستحب لان معناه في الباطن أدبنا بادب الشرع التى فيها تعب لكنها تعب في مرضاة الله تعالى وهو محبوب لنا وفهم منه المخاطب العناء الذى ليس بمحبوب (والله لتملنه) بفتح الفوقية والميم أي لتضجرن منه أكثر من هذا الضجر (وسقا أو وسقين) بفتح الواو واسكان المهملة والوسق ستون صاعا (كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب) زاد ابن سعد ولا نأمنك وأي امرأة تمتنع منك لجمالك (ولكن نرهنك اللأمة) بالهمز وأرادوا بذلك أن لا ينكر اذا جاؤا متسلحين (يعني السلاح) كذا عن الازهري ان اللأمة السلاح كله وقيل هي الدرع فقط. وقد استدل البخاري بذلك على جواز رهن السلاح من الحربي فقال باب رهن السلاح من الحربيين وساق القصة واعترض عليه ابن بطال بانه ليس في قولهم نرهنك اللامة ما يدل على جواز رهن الحربيين السلاح وانما ذلك من معاريض الكلام المباحة في الحرب وغيره (أبو نائلة) بالنون والتحتية اسمه سلكان بن سلامة. قال ابن عبد البر وسلكان لقب واسمه سعد (أخو كعب من الرضاعة) أي وأخو محمد بن مسلمة أيضا (وأبو عبس بن جبر) بالجيم والموحدة اسمه عبد الرحمن وقيل عبد الله ويقال ابن جابر. قال ابن عبد البر انصارى أوسى (قالت امرأته) اسمها عقيلة (اسمع صوتا يقطر منه الدم) زاد البغوي وغيره وانك رجل محارب وان صاحب الحرب لا يبرز في مثل هذه الساعة فكلمهم من فوق الحصن (فقال انما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعى أبو نائلة) وان هؤلاء لو وجدوني نائما ما أيقظونى (ينفح) بالفاء والمهملة (ان أشم) بفتح المعجمة (قال دونكم فقتلوه) لفظ البغوى ثم قال اضربوا

المعنى وذكر بعده قتل ابى رافع عبد الله بن ابى الحق تاجر اهل الحجاز وكان بخيبر وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويعين عليه فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقتله رجالا من الانصار وامر عليهم عبد الله بن عتيك فدنوا من حصنه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم فدخل عبد الله بن عتيك مع آخر من دخل من اهل الحصن فكمن داخل الباب وابصر المفاتيح حيث وضعت فلما هدأت الاصوات قام واخذ المفاتيح وجعل يفتح الابواب بابا بابا وكلما فتح بابا اغلقه عليه قال قلت ان القوم نذروا بى لم يخلصوا الي حتى اقتله قال فانتهيت اليه وهو في بيت مظلم وسط عياله لا ادري اين هو من البيت قلت ابا رافع قال من هذا فأهويت نحو الصوت فاضربه ضربة بالسيف وانا دهش فما اغنت شيئا وصاح فخرجت من البيت فامكث غير بعيد ثم دخلت عليه فقلت ما هذا الصوت يا ابا رافع فقال لأمك الويل ان رجلا فى البيت ضربنى قبل بالسيف قال فاضربه ضربة اثخنته فيها ولم اقتله ثم وضعت صبيب السيف في بطنه حتى اخذ في ظهره فعرفت اني قتلته فجعلت افتح الابواب بابا بابا حتى انتهيت الى درجة وقعت منها الى الارض فانكسرت رجلي فعصبتها بعمامة ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت لا اخرج الليلة حتى اعلم اقتلته ام لا فلما صاح الديك قام الناعي على السور فانطلقت الى اصحابى فقلت النجاء فقد قتل الله ابا رافع فانتهيت الى النبى صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال ابسط رجلك فبسطت رجلى فمسخ عدو الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيأ فذكر محمد بن مسلمة مغولا في سيفه فاخذه وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حوله حصن الا أوقدت عليه نارا فوضع المغول في ثندؤته ثم تحامل عليه حتى بلغ غايته ووقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح في رأسه أصابه بعض أسياف أصحابه فخرجوا وقد أبطأ عليهم الحارث بن أوس ونزفه الدم فوقفوا له ساعة ثم أتي يتبع آثارهم فاحتملوه فجاؤا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلموا عليه فخرج اليهم فأخبروه بقتل كعب وجاؤا برأسه اليه وتفل على جرح صاحبهم أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود من حديث جابر (رجال من الانصار) سمى منهم عبد الله بن أنيس وابن عيينة ومسعود بن سنان وخزاعي بن اسود واسود بن حرام وأبو قتادة (ابن أبي الحقيق) بمهملة وقافين مصغر (ابن عتيك) بالمهملة والفوقية والتحتية مكبر (وراح الناس) أى رجعوا (بسرحهم) بسين وحاء مهملتين أي مواشيهم التي ترعى (فكمن) بفتح الميم أي اختفي (نذروا بي) بكسر المعجمة أى علموا (فأهويت) أي قصدت (دهش) بكسر الهاء ثم معجمة (صبيب) بموحدتين بوزن رغيف وهو حرفه قال عياض بمهملة لابى ذر وكذا ذكره الحربي وهو طرفه ولابي بدر والنسفي بمعجمة وهو حرف طرفه وقال الخطابى الصواب ضبيبه وهو حرف حده (فانكسرت رجلي) في رواية للبخاري فانخلعت قال الداودي الخلع زوال المفصل من غير كسر وقد يتجوز بالتعبير باحدهما عن الآخر (النجاء)

عليها فكأنها لم اشكها قط خرجه البخاري من ثلاث طرق كلها عن البراء بن عازب وفي الفاظها اختلاف والله اعلم* قال ابن اسحق عقيب ذكره لقتل كعب بن الاشرف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على رجل من رجال يهود كان يلا بسهم فقتله فجعل حويصة اخوه يضربه ويقول اي عدو الله اقتلته اما والله لرب شحم فى بطنك من ماله فقال محيصة والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك قال والله ان دينا بلغ بك هذا لعجيب فأسلم حويصة* السنة الثالثة فيها تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمى البدرى توفي عنها بالمدينة. وفي صحيح البخارى وغيره انها لما تأيمت بعد وفاة زوجها عرضها أبوها علي عثمان فاعتذر له ثم على أبي بكر فصمت فلم يرجع اليه شيئا فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتذر اليه ابو بكر بأنه لم يمنعه من اجابته الى ما سأل الا انه علم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرها. وروى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم طلقها فقال له جبريل ان الله يأمرك أن تراجع حفصة فانها صوامة قوامه* وفيها تزوج عثمان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أختها رقيه. بالنصب أي اسرعوا (فكانما لم أشتكها قط) فيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه الى آخره) أخرجه أبو داود عن بنت محيصة (محيصة) بضم الميم وفتح المهملة وكسر التحتية المشددة بعدها صاد مهملة (على رجل من اليهود) اسمه شبيبة بمعجمة فموحدتين بينهما تحتية أو سنينة مصغرا أقوال (حويصة) بالمهملتين والتحتية على وزن أخيه* السنة الثالثة (حفصة بنت عمر بن الخطاب) هي شقيقة عبد الله أمها زينب بنت مظعون (خنيس) بمعجمة ونون آخره مهملة مصغر (ابن حذافة) بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم وهو أخو عبد الله بن حذافة السهمي (وفي صحيح البخاري وغيره) أخرجه النسائي أيضا كلاهما من حديث عمر (لما تأيمت) بفتح الهمزة وتشديد التحتية أي صارت أيما وهي التي مات زوجها أو فارقها وقيل التى لا زوج لها مطلقا (عرضها أبوها) فيه ندب عرض المولية على أهل الصلاح (وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم طلقها) مجازاة لها على ان أفشت سره الذي أسر اليها الى عائشة. زاد البغوي وغيره فلما بلغ ذلك عمر قال لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقل عن مقاتل بن حبان انه قال لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وانما هم بطلاقها فأتاه جبريل وقال لا تطلقها فانها صوامة قوامة لكن أخرج الحاكم عن أنس وعن قيس ابن زيد قال لي جبريل راجع حفصة فانها صوامة قوامة وانها زوجتك في الجنة وهذا يدل على انه طلقها (وفيها تزوج عثمان أم كلثوم) بضم الكاف اسمها كنيتها (بعد أختها رقية) فلذلك قيل له ذو النورين

الكلام على ولادة سيدنا الحسن بن على رضى الله عنهما

وروى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لو ان عندى أربعون بنتا لزوجت عثمان واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة وفي رواية مائة بدل أربعين* وفيها تزوج صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت خزيمة أم المساكين الهلالية ولبثت عنده شهرين أو ثلاثة وماتت. [الكلام على ولادة سيدنا الحسن بن على رضى الله عنهما] وفيها ولد الحسن بن على بن أبى طالب رضي الله عنهما في منتصف رمضان ولما ولد دعا به النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وطلا رأسه بالخلوق بعد أن عق عنه كبشا وتصدق بزنة رأسه ورقا وأعطى القابلة فخذ شاة ودينارا وكذلك فعل بأخيه الحسين. وروى الطبراني انه فعل ذلك يوم سابعهما وسماهما (وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كان عندي أربعون بنتا لزوجت عثمان واحدة بعد واحدة الى آخره) لم أقف على مخرجه (وفيها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة) بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معوية بن بكر بن هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خضفة بالمعجمتين والفاء بن قيس عيلان بن مضر وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش الاسدي. قال الشمنى تزوجها في شهر رمضان على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة (ولبثت عنده ثلاثة أشهر) أو شهرين أو ثلاثة أقوال أصحها الاول (وماتت) ودفنت بالبقيع وفيها ولد الحسن (اذن فى اذنه اليمنى) أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح والحكمة في ذلك ما أخرجه ابن السنى وأبو يعلي من حديث الحسين بن على من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان التابعة من الجن وليكون اعلامه بالتوحيد أوّل ما يقرع سمعه عند قدومه الى الدنيا كما يلقن عند خروجه منها ولما فيه من طرد الشيطان عنه فانه يدبر عند سماع الاذان كما ورد في الخبر (فائدة) في مسند رزين انه صلى الله عليه وسلم قرأ في اذن مولود سورة الاخلاص قال العلماء والمراد أذنه اليمنى قيدت قراءتها أيضا (بخلوق) بفتح المعجمة وهو طيب مجموع من الزعفران وغيره (بعد ان عق عنه كبشا) أخرجه أبو داود باسناد صحيح ولفظه عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا والعق لغة الشق وسميت عقيقة لان مذبحها يعق أى يشق وفي هذا الحديث أجاز العقيقة بشاة عن الذكر وان كان الشاتان أفضل لحديث عائشة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نعق عن الغلام شاتين متكافئتين وعن الجارية بشاة أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح (فائدة) استشكل الفقهاء ما تقرر معهم ان العقيقة تسن لمن عليه النفقة بعقه صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين. وتأوله النووي وغيره بان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أباهما بذلك وأعطاه ما عق به أو ان أبويهما كانا عند ذلك معسرين فيكونان في نفقة جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لعل ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم (وتصدق بزنة) أي بوزن شعر (رأسه ورقا) أي فضة وقيس بها الذهب (وأعطى القابلة فخذ شاة ودينارا) أخرج ذلك الحاكم وصححه ما عدا الدينار (وكذلك فعل بأخيه الحسين) أخرجه أبو داود كما مر آنفا (وروي الطبراني) والبيهقى باسناد حسن (انه فعل ذلك يوم

الكلام على غزوة أحد تفصيلا

حسنا وحسينا ولم يسم بذلك أحد قبلهما وروى انه سمى أولاد فاطمة حسنا وحسينا ومحسنا بأولاد هرون بن عمران النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وانما قدم مولد الحسن هنا وان كان في الحقيقة بعد أحد لاني اقدم غالبا حوادث السنة قبل غزواتها وسراياها وقد وقع في تاريخ تزويج على لفاطمة ودخوله بها ومولد ابنيها تردد يؤدى الى تغليط بعض النقلة والله أعلم. [الكلام على غزوة أحد تفصيلا] وفي هذه السنة كانت من الغزوات غزوة احد وهى التاسعة من غزواته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكانت وقعتها يوم السبت النصف من شوال وقيل السابع منه على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة وكان عدد المسلمين فيها سبعمائة لاخيل معهم والمشركين ثلاثة آلاف معهم مائتا فارس وكان على خيلهم خالد بن الوليد قال ابن اسحق وغيره من اهل السير وجملة من استشهد بها من المسلمين خمسة وستون (قلت) والصواب ما ثبت في صحيح للبخاري انهم سبعون وفي رواية له أخرى ان هذا العدد من الانصار دون المهاجرين فمن المهاجرين اربعة وبقيتهم من الانصار وقتل من المشركين يومئذ اثنان وعشرون تسعة قتلهم قزمان سابعهما وسماهما حسنا وحسينا) وأمر ان يماط عن رأسهما الاذى (ولم يسم) مبني للمفعول (محسنا) كاسم الفاعل من التحسين قيل انه مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلت أمه فاطمة الى أبيها تدعوه وتخبره ان صبيا لها في الموت والصحيح ان ذلك علي بن العاص بن الربيع والمرسلة أمه زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله الدمياطى وغيره (بأولاد هرون بن عمران) كان أسماؤهم بشرا بالمعجمة والموحدة فالراء بوزن حسن وشبيرا كذلك بوزن حسين ومبشرا كذلك بوزن محسن أخرج ذلك البغوي وعبد الغني في الايضاح وابن عساكر من حديث سلمان بلفظ سمى هرون ابنيه بشيرا وشبيرا وانى سميت ابنى الحسن والحسين كما سمي به هرون (وان كان في الحقيقة بعد أحد) باحد عشر شهرا (وفي هذه السنة) من الغزوات (احد) مصروف قال السهيلى سمى احدا لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هناك (فائدة) اخرج الزبير بن بكار في فضائل المدينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قبر هرون في احد قال وكان مر به هو وموسى حاجين أو معتمرين (وكانت وقعتها يوم السبت النصف من شوال) فيومها وشهرها يليان يوم وقعة بدر وشهرها لانها يوم الجمعة في رمضان كما مر (سبعمائة لا خيل فيهم) عد منهم ابن عبد البر في الاستيعاب نحو ثلثمائة ولا ينافيه ما أخرجه البيهقى في الدلائل انهم كانوا زهاء ألف وله في رواية أخرى انهم كانوا تسعمائة وخمسين لان من قال سبعمائة عد المتبوع فقط وغيره عد التابع والمتبوع (وكان على ميمنة خيلهم خالد بن الوليد) وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل قلت والصواب ما ثبت في صحيح البخاري انهم سبعون سيأتي ذكرهم فيما بعد ان شاء الله تعالى (قزمان) بضم القاف واسكان الزاي كعثمان هو ابن الحارث العبسى نسبا الظفرى حلفا

الكافر واثنان قتلهم عاصم بن ابي الاقلح الانصاري فلقزمان وعاصم نصف القتلى وكان من حديث احد ان أبا سفيان وأولاد من قتل ببدر تحاشدوا بينهم وأنفقوا الاموال في طلب الثأر بمن أصيب منهم ببدر وخرجوا لغزو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بظعنهم وبمن أطاعهم من الاحابيش وكنانة فلما نزلوا بأحد وهو شامي المدينة الى جهة المشرق قليلا على ثلاثة أميال منها أو نحوها ولما علم بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استشار أصحابه في الخروج اليهم والاقامة أو قال لهم انى رأيت في منامي ان في سيفى ثلمة وان بقرا لي تذبح وانى ادخلت يدي في درع حصينة وتأولها ان نفرا من أصحابه يقتلون وان رجلا من أهل بيته يصاب والدرع الحصينة المتينة أخرجه مسلم قال لهم ان رأيتم ان تقيموا بها وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام وان دخلوها قاتلناهم فيها فاختلفت آراؤهم في ذلك حتى غلب رأي من أحب الخروج فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلبس لأمته فخرج عليهم فوجدهم قد رجحوا رأى القعود فأبى عليهم وقال ما ينبغي لنبي اذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل فسار (الكافر) الذي اخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم انه من أهل النار فقتل نفسه (ابن أبي الاقلح) بالقاف والمهملة (الثأر) بالمثلثة والهمز (بظعنهم) بفتح العين واسكانها وقريء بهما في القرآن (فلما نزلوا باحد) كان ذلك يوم الاربعاء كما في سيرة ابن اسحاق (استشار أصحابه في الخروج اليهم والاقامة) زاد ابن اسحاق ودعا عبد الله بن أبى ولم يدعه قط قبلها فاستشارهم فقال ابن أبي واكثر الانصار يا رسول الله اقم بالمدينة لا تخرج اليهم فو الله ما خرجنا منها الى عدو قط الا أصاب منا ولا دخلها علينا الا أصبنا منه فكيف وانت فينا فدعهم يا رسول الله فان أقاموا أقاموا بشر مجلس وان دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم فان رجعوا رجعوا خائبين فاعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأي (وقال لهم انى رأيت في منامى) ذكر ابن عائذ ان تلك الرؤيا كانت ليلة الجمعة (ثلمة) بضم المثلثة أى كسرا (حصينة) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين أي منيعه قوية (وتأولها ان نفرا من اصحابه يقتلون) وهذا تاويل ما رآه يذبح من البقر (وان رجلا من أهل بيته يصاب) وهذا تأويل الثلمة في السيف قال العلماء لان سيف الرجل ولده أو والده أو عمه أو أخوه قال النووي وقد يدل السيف على انصار الرجل الذين يصول بهم كما يصول بسيفه وعلى الولاية أو الوديعة على لسان الرجل وحجته وقد يدل على سلطان جائر وكل ذلك بحسب قرائن تنضم تشهد لاحد هذه المعاني في الرأي أو في الرؤية (أخرجه مسلم) والبخارى أيضا (فاختلفت آراؤهم) فقال بعضهم اخرج بنا الى هذه الا كلب لا يرون انا حبنا عنهم وضعفنا (فلبس لامته) بالهمز ساكنا كما مر (فوجدهم قد رجحوا رأي القعود) وقالوا بئس ما صنعنا نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي ياتيه فقاموا واعتذروا اليه وقالوا اصنع ما رأيت (ما ينبغي لنبي اذا لبس لامته ان يضعها حتى يقاتل) اخرجه أحمد والدارمي

بهم وذلك بعد صلاة الجمعة وبعد ان صلي على ميت من الانصار واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ولما بلغوا الشوط انخزل عبد الله بن ابى بثلث الناس أنفة ان خولف رأيه وكان رأيه القعود وحينئذ هم بنو حارثة من الاوس وبنو سلمة من الخزرج بالرجوع من الفشل فتولاهم الله وثبتهم وفيهم نزلت اذهمت طائفتان منكم ان تفشلا والله وليهما وفي صحيح البخارى عن جابر قال فينا نزلت وما أحب انها لم تنزل لقوله وَاللَّهُ وَلِيُّهُما ونزل صلي الله عليه وسلم بالشعب من أحد على شفير وادى قناة وجعل ظهره الى احد ورتب أصحابه وبوأهم مقاعد للقتال وكانوا مشاة فجعل عبد الله بن جبير أخا خوات بن جبير على الرماة وهم خمسون رجلا واقعدهم على جبل عينين وقال لهم لا تبرحوا مكانكم ان غلبنا أو غلبنا وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ودفع اللواء الى مصعب بن عمير وتعبأت قريش وجعلوا على ميمنتهم وخيلهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل وقال أبو سفيان لبنى عبد الدار وكان اليهم لواء قريش انكم وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وانما يؤتى الناس من قبل راياتهم اذا زالت زالوا وكانت قريش قد سرحت رواعيها في زرع الانصار بقناة قال العلماء والمعنى فيه ان نزع الدرع قبل القتال أو ما يسقط به وجوب القتال مؤذن بالحين الناشئي عن ضعف اليقين المنافي لمقام النبوة (ولما بلغوا الشوط) بمعجمة وقيل بمهملة وسكون الواو آخره مهملة قال ابن حجر ويقال أيضا معجمة حائط عند جبل أحد بالمدينة (وبعد ان صلى على ميت من الانصار) اسمه مالك ابن عبيد النجارى هكذا سماه أبو الحسن العسكرى وغيره (بثلث الناس) للبغوي في تفسيره ورجع في ثلثمائة وقال علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعه أبو جابر السلمي فقال أنشدكم الله في بنيكم وفي أنفسكم فقال عبد الله بن أبي لو نعلم قتالا لاتبعناكم (والفشل) بفتح الفاء واسكان الشين الجبن (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ) أى خطر لهما ذلك وحدثت به أنفسهما لا عزمتا عليه كما قاله الزمخشرى والبيضاوى وغيرهما قال القاضي زكريا وهو اليق بحال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واوفق بقوله وَاللَّهُ وَلِيُّهُما (أَنْ تَفْشَلا) أي تجبنا وتضعفا وتتخلفا (وَاللَّهُ وَلِيُّهُما) أي ناصرهما وحافظهما (وادى قناة) بالقاف (وبواهم) أي انزلهم (مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) أي مواطن ومواضع (خوات) بفتح المعجمة وتشديد الواو آخره فوقية (ابن جبير) بن نعمان بن أمية من بني ثعلبة الاوسي يكني خوات أبا عبد الله وأبا صالح توفي بالمدينة سنة أربعين عن أربع وتسعين أو أربع وسبعين سنة قولان وكان يخضب بالحناء والكتم ولابنه جبير صحبة ورواية كما ذكره أبو موسى الاصبهانى (على جبل عينين) بفتح المهملة وكسرها تثنية عين جبل صغير قبلي مشهد حمزة (وظاهر صلى الله عليه وسلم بين درعين) أخرجه أبو داود عن السائب بن يزيد عن رجل ومعنى ظاهر لبس احداهما فوق الاخرى

فحميت الانصار لذلك وحمل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه على المشركين فهزموهم روينا في صحيح البخارى عن البراء بن عازب قال فانا والله رأيت النساء يعنى هندا وصواحباتها يشددن في الجبل يرفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة يا قوم الغنيمة ظهر اصحابكم فما تنتظرون وأقبلوا على الغنيمة وثبت عبد الله بن جبير في نفر دون العشرة فلما رأى خالد بن الوليد ذلك ورأى ظهور المسلمين خالية من الرماة صاح في خيله فحملوا على بقية الرماة فقتلوهم ثم اتى المسلمين من خلفهم وحالت الريح فصارت دبورا بعدان كان صبا فصرخ ابليس الا ان محمدا قد قتل فانفضت صفوف المسلمين وتزاحفت قريش بعد هزيمتها وبعد ان قتل على لوائها احد عشر رجلا من بنى عبد الدر وبقى لواؤهم صريعا حتى رفعته لهم عمرة بنت علقمة الكنانية فلاثوابه وخلص العدو الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورموه بالحجارة حتى وقع لشقه وكسر عتبة بن ابى وقاص رباعيته السفلى اليمنى وجرح شفته السفلي وجرح ابن قميئة الليثي وجهه فدخلت حلقتان من حلق المغفر (فحميت الانصار لذلك) أى غضبت (وروينا في صحيح البخاري عن البراء) وأخرجه أبو داود ايضا عنه (يشددن) بالمعجمة والفوقية أي يسرعن المشى وللكشميهني يسندن بضم أوله وسكون المهملتين بينهما نون مكسورة أي يصعدن (سوقهن) جمع ساق (الغنيمة) بالنصب على الاغراء (دبورا) هي الريح الغربية التي تأتي من دبر الكعبة (صبا) هي الرياح الشرقية التى تأني من قبلها وتسمى القبول أيضا (فصرخ ابليس لعنه الله) قال ابن عبد البر وكان يومئذ متصورا في صورة جعال ويقال جعيل بن سراقة الضمري رضي الله عنه وكان حينئذ قائما على جبل عينين قاله في القاموس (فانفضت) بالفاء (فلا ثوابه) بالمثلثة أي اجتمعوا اليه (وخلص العدو الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ضرب وجه النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف سبعين ضربة وقاه الله شرها كلها (عتبة بن أبي وقاص) هو أخو سعد بن أبى وقاص واختلف في اسلامه والصحيح انه لم يسلم وورد في حديث سنده صحيح لكنه مرسل انه صلى الله عليه وسلم دعا عليه وقال اللهم لا تحل عليه والحول حتي يموت كافرا فكان كذلك (رباعيته) بفتح الراء وتخفيف الموحدة والمثناة التحتية وهي السن التي بين الثنية والناب قال السهيلى ولم يولد لعتبة بعد ذلك من نسله ولد الا وهو ابخر واهتم فعرف ذلك في عقبة انتهى ولما فعل عتبة ما فعل جاء حاطب بن أبي بلتعة فقال يا رسول الله من فعل هذا بك فاشار الي عتبة فتبعه حاطب حتى قتله وجاء بفرسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الحاكم في المستدرك ولا منافاة بين هذا الحديث وبين الحديث الذي قبله فتأمله (وجرح ابن قميئة) بفتح القاف وكسر الميم وبالمد والهمز اسمه عبد الله رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه (وجهه فدخلت حلقتان) بفتح الحاء المهملة افصح من كسرها (من حلق) بفتحها وفتح اللام (المغفر)

في وجنته صلى الله عليه وآله وسلم وشجه ايضا عبد الله بن شهاب الزهرى وهشم البيضة على رأسه وكان هؤلاء ومعهم أبى بن خلف الجمحي تعاقدوا على قتله صلى الله عليه وآله وسلم أو ليقتلن دونه فمنعه الله منهم. وروينا في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كاشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد وهما جبريل وميكائيل وكان أوّل من عرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ان أشيع قتله كعب بن مالك الانصاري قال رأيت عينيه تزهران تحت المغفر فصحت يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأشار الى أن اسكت فعطف عليه نفر من المسلمين ونهضوا الى الشعب فأدركهم أبى خلف وهو يقول أين محمد لا نجوت ان نجا وقد كان يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حين افتدى يوم بدر عندي فرس أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم انا اقتلك ان شاء الله تعالى فلما رآه يوم أحد شد أبي علي فرسه فاعترضه رجال من المسلمين فقال النبى صلى الله عليه وسلم هكذا أي خلوا طريقه وتناول النبى صلى الله عليه وآله وسلم الحربة بكسر الميم واسكان المعجمة وفتح الفاء (في وجنته) أي جانب جبهته فانتزعهما عقبة بن وهب بن كلدة الغطفانى وقيل أبو عبيدة بن الجراح. قال ابن عبد البر قال الواقدي. قال عبد الرحمن بن أبى الزناد نرى انهما جميعا عالجاهما فاخرجاهما من وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات ابن قميئة كافرا وكان سبب موته انه نطحه تيس فتردى من شاهق فمات (عبد الله بن أبى شهاب) بن الحارث بن زهرة (الزهري) أسلم وحسن اسلامه وهو جد محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى شيخ الامام مالك. وقد سئل ابن شهاب عنه هل شهد بدرا فقال نعم ولكن كان من ذلك الجانب يعنى مع الكفار (أبي بن خلف) ابن وهب بن حذافة بن جمح (وروينا في صحيح البخاري) وفي صحيح مسلم أيضا (وهما جبريل وميكائيل) وللحاكم من حديث أبي هريرة لقد رأيتني يوم أحد وما في الارض قربى مخلوق غير جبريل عن يمينى وطلحة عن يساري (وكان أوّل) بالنصب خبر كان مقدم (كعب بن مالك) بالرفع اسمها مؤخر (تزهران) بالفوقية (فيعطف عليه نفر من المسلمين) زاد البغوي فلامهم النبي صلى الله عليه وسلم على الفرار فقالوا يا نبى الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا الخبر بانك قد قتلت فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين (اين محمد لا نجوت ان نجا) فكان هو المستفتح على نفسه (عندي فرس) اسمها العود بفتح المهملة وسكون الواو ثم دال مهملة (فرقا) بفتح الفاء والراء ويجوز اسكانها وهو بالفتح مكيال يسع ستة عشر رطلا وهى اثنى عشر مدا وثلاثة آصع عند أهل الحجاز وبالسكون مائة وعشرون رطلا قاله ابن الاثير في النهاية

من الحارث بن الصمة فانتفض بها انتفاضة تطايروا منه تطاير الشعراء عن ظهر البعير اذا انتفض ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن ظهر فرسه مرارا ورجع الى أصحابه وهو يقول قتلنى محمد وهم يقولون لا بأس بك فقال لو كان ما بى بجميع الناس لقتلهم أليس قد قال انا أقتلك والله لو بصق علي لقتلنى فمات بسرف. وفي هذا أدل دليل على شجاعته صلى الله عليه وآله وسلم وثبات قلبه ولم ينقل أنه قتل أحدا غير أبى والله أعلم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الله يعني الجهاد رواه مسلم وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم بالشهادة وكان المسلمون فيه أثلاثا ثلثا سليما وثلثا طريدا وثلثا جريحا وممن ابلى حينئذ وعظم نفعه طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام حتى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق طلحة هذا اليوم كله لطلحة وفدى سعدا والزبير بأبيه وأمه ولما لجأ النبى صلى الله عليه وسلم بمن معه الى الشعب هم بهم العدو فلم يجدوا اليهم مساغا روينا في صحيح البخاري من رواية البراء ابن عازب قال أشرف أبو سفيان فقال أفى القوم محمد فقال لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن أبي قحافة فقال لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن الخطاب فقال لا تجيبوه فقال ان هؤلاء قد قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه فقال كذبت يا عدو الله ابقي الله لك ما يحزنك فقال (ابن الصمة) بكسر المهملة وتشديد الميم انصاري من بني النجار (فانتفض بها انتفاضة) أي هزها هزا قويا (تطايروا عنه) أي نفروا (تطاير) بالنصب على المصدر (الشعراء) بفتح المعجمة وسكون المهملة ثم راء ثم همزة ممدودة قال في الصحاح الشعر ذبابة يقال هي التى لها ابرة. وقال القتيبي هى ذبابة حمراء تقع على الابل والحمير فتؤذيها (تدأدأ) بفتح الفوقية والمهملة ثم همزة ساكنة ثم مهملة أخري ثم همزة أي تدحرج (منها مرارا) زاد في الشفاء وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه (ورجع الى أصحابه) زاد البغوى وهو يخور كما يخور الثور (لو كان ما بى بجميع الناس) في تفسير البغوى لو كانت هذه الطعمه بربيعة ومضر (فمات بسرف) بفتح المهملة وكسر الراء بعدها فاء موضع على ستة أميال من مكة وقيل بل سبعة وقيل تسعة (قال صلى الله عليه وسلم) يوم أحد اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه هكذا ويشير الى رباعيته (اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في الجهاد رواه البخارى ومسلم) من حديث أبي هريرة واحترز بقوله في سبيل الله عمن يقتله في حد أو قصاص لان من يقتله في سبيل الله كان قاصدا قتل النبى صلى الله عليه وسلم (وكان يوم أحد) بالرفع اسم كان (يوم) بالنصب خبرها (تمحيص) أي تطهير من الذنوب (روينا في صحيح البخارى) من رواية البراء وأخرجه عنه أبو داود أيضا (أفي القوم محمد) زاد البغوى ثلاث مرات (أبقى الله لك ما يخزيك) بالمعجمة والتحتية أي ما يهينك

ابو سفيان اعل هبل فقال اجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله اعلا واجل قال ابو سفيان لنا العزي ولا عزى لكم فقال النبي قولوا الله مولانا ولا مولى لكم قال ابو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني وطفق نساء المشركين يمثلن بالقتلى وبنبقير البطون وقطع المذاكير وجدع الآذان والاناف لم يحترموا أحدا منهم غير حنظلة الغسيل فان اباه ابا عامر الراهب الذي سماه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الفاسق بدل الراهب كان مع المشركين فتركوه لذلك ولما نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى ذلك من عمه حمزة لم ينظر الى شيء قط كان أوجع لقلبه منه وترحم عليه وأثني وقال أما والله لئن أظفرنى الله بهم لامثلن منهم بسبعين فأنزل الله تعالى وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ فكان صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك ينهى عنها ويوصي من يبعث من السرايا أن لا يمثلوا ولما انصرفت قريش وعلم الله سبحانه وتعالى ما في قلوب أصحاب رسول الله صلى (اعل هبل) اسم صنم كانت تعبده قريش بمكة أى أظهر دينك (والحرب سجال) بكسر المهملة أي تكون لنا مرة ولكم مرة كما يكون للسبقين بالسجل بفتح المهملة وهى الدلو لهذا سجل ولهذا سجل (وتجدون) للكشميهني وستجدون (مثلة) بضم الميم وسكون المثلثة تشويه خلقة القتيل بجدع أو قطع من مثل بالقتيل اذا جدعه (ولم تسؤني) أي لم أكرهها زاد رزين فقال صلى الله عليه وسلم اجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا لا سوء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار (يمثلن) بالتشديد (المذاكير) جمع يطلق على الذكر والانثيين (والاناف) بكسر الهمزة كالانوف جمع انف زاد البغوي حتى اتخذت هند من ذلك قلائد وأعطتها وحشيا وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع تسيغها فلفظتها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما انها لو أكلتها لم تدخل النار أبدا حمزة أكرم على الله من ان يدخل شيئا من جسده النار (حنظلة) بالحاء المهملة والظاء المعجمة (الغسيل) بفتح الغين المعجمة أي الذي غسلته الملائكة كما سيأتى (أبا عامر الراهب) قال البغوى كان قد ترهب في الجاهلية وتنصر ولبس المسوح فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال له أبو عامر ما هذا الذي جئت به قال جئت بالحنيفية دين ابراهيم قال له أبو عامر فانا عليها فقال النبى صلى الله عليه وسلم لست عليها قال بلى ولكنك أنت أدخلت في الحنيفية ما ليس فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية فقال له أبو عامر أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا غريبا فقال النبي صلى الله عليه وسلم آمين وسماه أبا عامر (الفاسق) بدل الراهب (وترحم عليه) فقال رحمة الله تعالى عليك أبا السائب كما في تفسير البغوي (وأثنى) فقال انك ما علمت منك ما كنت الا فعالا للخيرات وصولا للرحم ولولا حزن من بعدك عليك ليسرني ان أدعك حتى تحشر من أفواج شتى (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) من غير زيادة (ولئن صبرتم) أي عفوتم (لهو خير للصابرين) أي للعافين زاد

فصل في فضل الشهادة ومزية شهداء أحد

الله تعالى عليه وآله وسلم من تراكم الغموم والهموم ومما أصابهم وخوف كرة العدو عليهم تفضل عليهم بالنعاس أمنة منه سبحانه للمؤمنين منهم واهل اليقين ولم يغش أحدا من المنافقين* وروينا في صحيح البخاري عن ابى طلحة قال غشينا النعاس ونحن في مصافنا فجعل سيفى يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه* وعنه قال رفعت رأسي فجعلت ما أرى أحدا الا وهو يميل تحت جحفته من النعاس قال الزبير والله انى لاسمع قول معتب بن قشير والنعاس يتغشانى ما اسمعه الا كالحلم يقول لو كان لنا من الامر شيء ما قتلنا هاهنا [فصل في فضل الشهادة ومزية شهداء أحد] (فصل في فضل الشهادة ومزية شهداء أحد) قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ الآية وقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الآيات وقال تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الآيات فتظاهرت الآيات الصريحة والاحاديث الصحيحة البغوي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نصبر وامسك عما أراد وكفر عن يمينه (أبي طلحة) اسمه زيد بن سهل (مصافنا) بالمد وتشديد الفاء (حجفته) أي ترسه (معتب) بضم الميم وفتح المهملة وكسر الفوقية ثم موحدة (بن قشير) بضم القاف وفتح المعجمة (كالحلم) باسكان اللام (فصل) في فضل الشهادة (ومزية) بفتح الميم وكسر المعجمة وتشديد التحتية أي فضيلة (شهداء أحد) جمع شهيد سمى به لانه مشهود له بالجنة فهو فعيل بمعنى مفعول أو لان الملائكة تشهده أو لان أرواحهم أحضرت دار السلام فهو بمعنى الشاهد أى الحاضر أو لسقوطه في الارض والارض الشاهدة أو لانه شهد على نفسه لله عز وجل حين لزمه الوفاء بالبيعة المذكورة في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الآية أو لانه شهد عند خروجه ما أعد له من الكرامة أو لانه شهد له بالامان من النار أو لانه الذى يشهد يوم القيامة بابلاغ الرسل أقوال (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) قال البغوي قال عمر ان الله بايعك وجعل الصفقتين لك وقال قتادة ثامنهم الله فاغلى لهم وقال الحسن فاسعوا الى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن وعنه انه قال ان الله أعطاك الدنيا فاشتر الجنة ببعضها قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الآيات قال البغوي نزل هذا حين قالوا لو نعلم أي الاعمال أحب الى الله لعملناها فجعل ذلك بمنزلة التجارة لانهم يربحون فيها رضى الله ونيل جنته والنجاة من النار وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ الآية قيل نزلت في شهداء أحد أخرجه الحاكم في المستدرك وفيل نزلت في شهداء بدر. قال القاضى زكريا وغيره وهو غلط انما نزلت فيهم آية البقرة وقيل في شهداء بئر معونة (والاحاديث الصحيحة) فى الصحيحين وغيرهما

على حياتهم وانهم يرزقون في الجنة من وقت القتل حتى كان حياة الدنيا دائمة لهم فانهم لا يجدون مس القتل الا كما يجد احدنا مس القرصة وانهم يتمنون على ربهم الرجوع الى الدنيا لتكرر لهم الشهادة* وفي النسائى ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم الا الشهيد قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة وفي صحيح البخاري عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى احد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر اخذا للقرآن فاذا أشير له الى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا وفيه عن جابر قال لما قتل أبي جعلت أبكي واكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهونى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينهنى وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تبكيه اولا تبكه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع وعن جابر أيضا قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله احيا اباك وكلمه كفاحا وما كلم احدا قط الا من وراء الحجاب قال يا عبدي تمن على اعطك فقال يا رب تردنى الى الدنيا (وانهم لا يجدون مس القتل الى آخره) رواه النسائي عن أبي هريرة والطبراني في الاوسط عن أبى قتادة (القرصة) بفتح القاف والمهملة واسكان الراء بينهما (وانهم يتمنون الرجوع الى الدنيا) رواه الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس (وفي سنن النسائي) هو أحمد بن شعيب مات سنة ثلاث وثلاثمائة (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) قال الترمذى الحكيم معناه انه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق كانوا اذا التقى الزحفان وبرقت السيوف فروا لان من شأن المنافق الفرار والروغان عند ذلك ومن شأن المؤمن البذل والتسليم لله نفسا وهيجان حمية الله والتعصب له لاعلاء كلمته فهذا قد ظهر صدق ما في ضميره حيث برز للحرب والقتل فلم يعد عليه السؤال في القبر (ولم يصل) بكسر اللام وفتحها. قال العلماء في ترك الصلاة على الشهداء شعار باستغنائه عن الدعاء (ولم يغسلهم) ابقاء لاثر الشهادة وروي أحمد وأبو داود وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر يومئذ بالشهداء ان ينزع عنهم الحديد والجلود وقال ادفنوهم بدمائهم وثيابهم (وفيه) أي في صحيح البخاري (عن جابر) وأخرجه عنه مسلم والنسائي أيضا (والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينهني) رحمة له وشفقة عليه لعلمه ان بكاه لم يكن فيه جزع ولا سخط لقضاء الله عز وجل (تبكيه أو لا تبكه) قيل هو تخيير وقيل شك من الراوي وفي بعض طرق الصحيحين ان التي بكته أخته فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيجمع بينهما بانه قال لهما معا (ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع) أي تزاحما عليه لصبره برضا الله عنه ما أعدله من الكرامة أو اكراما له وفرحا به أو اظلوه من حر الشمس لئلا يتغير ريحه أو جسمه أو لانه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله (كفاحا) بكسر الكاف وبالفاء والحاء المهملة أي من غير حجاب وهو عبارة عن

فصل فى الكلام من أكرم بالشهادة يوم أحد

فأقتل فيك ثانية فقال تعالى انه قد سبق مني أنهم اليها لا يرجعون قال يا رب فأبلغ من ورائى فأنزل الله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الآيات رواه ابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن غريب وروى ابن اسحق خارج عن رواية ابن هشام ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في قتلى احد يا ليتنى عذت مع أصحابي بحصن الجبل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أوّل دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب النار ويأمن من الفزع الاكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار ولياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه رواه ابن ماجه والترمذي وصححه قلت هكذا الرواية فيها ست خصال وهي في العدد سبع والله أعلم [فصل فى الكلام من أكرم بالشهادة يوم أحد] (فصل) ومن أعيان من أكرم الله بالشهادة يومئذ من السادة المهاجرين الاخيار المنتخبين أسد الله وأسد رسوله أبو يعلى عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخوه من الرضاعة السيد الاجل الحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قتله وحشى بن حرب الحبشى مولى جبير بن مطعم بعم مولاه طعيمة بن عدى بن الخيار وكان حمزة رضي الله عنه قتله ببدر والسيد القانت الاواب ختن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمته عبد الله بن جحش بن رئاب الاسدى رضي الله عنه ويعرف بالمجدع دفن مع خاله حمزة في قبر واحد ولا يعلم من قبور الشهداء غير قبريهما وعليهما قبة عالية وشاهدت حول مشهدهما ببطن الوادي آراما من حجارة متفرقة يقال انها قبور الشهداء والله أعلم* والسيد القرم قربه من الله تعالى (رواه ابن ماجه) محمد بن يزيد توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين (والترمذي) وغيرهما عن المقدام بن معديكرب (وصححه) قال حديث حسن صحيح غريب (بحصن الجبل) بكسر المهملة وضمها واسكان المعجمة أي أصله (وهي في العدد سبع) لعله صلي الله عليه وسلم قال ست خصال قبل ان يعلم بالسابعة ثم أعلم بها اثناء عد الست فنسقها عليها وزاد ابن ماجه وتحلي حلة الايمان فيكون العدد ثمانيا والجواب مامر (فصل) ومن أعيان (السيد الاجل حمزة) أخرج الحاكم من حديث جابر والطبرانى من حديث على سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب (وحشي) بفتح الواو واسكان المهملة وكسر المعجمة وتشديد التحتية (طعيمة) بالمهملتين مصغر (الخيار) بكسر المعجمة وتخفيف التحتية آخره راء (ابن رئاب) بكسر الراء ثم همزة ممدودة ثم موحدة (الاسدي) من أسد خزيمة كما سبق (القرم) بفتح القاف

الهمام قديم الهجرة والاسلام معلم الخير مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه قتله ابن قميئة الليثي أخزاه الله كان مصعب رضي الله عنه قبل الهجرة بمكة انهد فتى في قريش وأكثرهم رفاهية فحمله حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم على مفارقة ذلك فكان يلبس بالمدينة إهاب كبش وصار فيمن أخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قدوة للزاهدين ونهية للمترفهين كما ورد في صحيح البخارى وغيره ان عبد الرحمن بن عوف اتى بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني وكفن في بردة ان غطى رأسه بدت رجلاه وان غطى رجلاه بدا رأسه وأراه قال قتل حمزة وهو خير مني ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال اعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا ان تكون حسناتنا قد عجلت لنا ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام وروى البخارى أيضا عن خباب نحره* رابعهم البائع نفسه من مولاه غير مغبون ولا ملوم شهيد بني مخزوم شماس المخزومي رضي الله عنه* ومن السادة النجباء الابرار الجم الغفير واسكان الراء وهو السيد وأصله فحل الابل المكرم الذي لا يحمل عليه قال الخطابي معناه المقدم في المعرفة والرأى (الهمام) بضم الهاء وتخفيف الميم قال القاضي في حاشية البيضاوي وهو من أسماء الملوك لعظم همتهم أو لانهم اذا هموا بامر فعلوه (قتله ابن قميئة) وذلك انه لما أقبل يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذب مصعب بن عمير عن رسول الله عليه وسلم فقتله ابن قميئة وهو يري انه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفاهية) بفتح الراء وتخفيف التحتية أي رفاهة وهي السعة (اهاب) بكسر الهمزة أي جلد وروي الترمذي عن على رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ طلع علينا مصعب بن عمير ما عليه الابردة مرقعة بفروة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكا للذي كان فيه من النعمة ثم قال كيف بكم اذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة أخرى ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخري وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة قالوا يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم يكفي المؤمن ويتفرغ للعبادة فقال بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ (أخر) بالخاء المعجمة أي أخر له أجره في الآخرة ولم يعط منه في الدنيا شيئا (في صحيح البخاري) وصحيح مسلم أيضا وغيرهما (في بردة) بضم الموحدة واسكان الراء كساء مخطط وفي رواية في الصحيحين بدله نمرة بفتح النون وكسر الميم (ان غطى رأسه بدت رجلاه وان غطي رجلاه بدا رأسه) فامرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطى بها رأسه ونجعل على رجليه من الاذحر ففيه وجوب تعميم البدن كما هو أحد وجهين في مذهبنا وقد يستدل به على ان الواجب ستر العورة فقط قال النووي وذلك لانه لو وجب التعميم لوجب على المسلمين تتميمه (وأراه) بضم الهمزة أى أظنه (شماس المخزومي) بفتح المعجمة وتشديد الميم وآخره مهملة اسمه عثمان بن عثمان بن شريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ذكره ابن عبد البر وغيره (الجم الغفير) قال في الصحاح

والعدد الكثير فمنهم السيد النقيب العالي المقام أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام ذو المقامات العلية والكرامات الجلية روينا في صحيح البخارى عن جابر رضي الله عنه قال لما قتل أبي يوم أحد جعلت أبكى وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينهنى وقال صلى الله عليه وسلم لم تبكيه أو لا تبكه ما زالت الملائكة تظله باجنحتها حتى رفع وقد تقدم قريبا انه احياه الله وكلمه كفاحا وكفى بذلك شرفا وتنويها دفن هو وابن عمه عمرو بن الجموح في قبر واحد رضي الله عنهما ومنهم السيد الشريف الاواه المنيب سعد بن الربيع النقيب رضي الله عنه شهد بدرا واستشهد بأحد وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ينظر لنا ما فعل سعد بن الربيع فطلبه رجل فوجده وبه رمق فقال له ابلغ النبى صلى الله عليه وآله وسلم عنى السلام وقل له جزاك الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم لا عذر لكم عند الله ان خلص الى بيكم وعين منكم تطرف دفن هو وقريبه خارجة بن زيد في قبر واحد رضي الله عنهما. والسيد العلم المبرور الصادق ربه فيما عاهده عليه والمتبرى اليه مما صنعه المسلمون والمشركون والمعتذر اليه أنس ابن النضر عم أنس بن مالك رضى الله عنه غاب عن قتال بدر فاسف عليه وقال لئن اشهدنى الله قولهم جاؤا جما غفيرا والجماء الغفير وجماء الغفير بالمد في الجماء أى جاؤا بجماعتهم الشريف والوضيع ولم يتخلف أحد منهم وكان فيهم كثرة انتهى فالجم الغفير عبارة عن الكثرة (عبد الله بن عمرو بن حرام) بفتح المهملة والراء ابن عمرو بن زيد مناة بن عدى بن عمرو بن مالك بن النجار وهو تيم اللات بن ثعلبة ابن عمرو بن الخزرج قتله اسامة بن الاعور بن عبيد وقيل بل قتله سفيان بن عبد شمس أبوابي الاعور (وتنويها) بالتاء الفوقية والنون أي ارتفاع صيت وجميل ذكر (ودفن هو وابن عمه) في بعض طرق البخاري انهما كفنا أيضا في نمرة واحدة وفيه وفي غيره ان جابرا لم تطب نفسه ان يتركه مع الآخر فاستخرجه بعد ستة أشهر فاذا هو كيوم وضعه غير هنية في أذنه وللطبرانى الاهنية عند اذنه وللحاكم كيوم وضعته غير أذنه سقط منه لفظ هنية وهي تصغير هناة أي شيء (عمرو بن الجموح) بن زيد بن حرام (الاواه) الرجاع الى الله (المنيب) المقبل اليه (فطلبه رجل من الانصار) هو أبي بن كعب كما في الاستيعاب وفي سير الواقدي انه محمد بن مسلمة وفيها انه نادي في القتلى يا سعد بن الربيع مرة بعد مرة فلم يجبه أحد حتي قال يا سعد ان رسول الله أرسلنى انظر ما صنعت فاجابه حينئذ بصوت ضعيف وذكر الحديث (رمق) أي بقية من الروح (ان خلص) مبنى للمفعول (تطرف) بفتح أوله ثلاثى (خارجة بن زيد) بالخاء المعجمة والراء والجيم (العلم) بفتح العين واللام هو في الاصل من اسماء الجبل ثم صار يستعمل للمدح (فاسف) أي فخزن حزنا شديدا

قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم احد انكشف المسلمون فقال اللهم انى اعتذر اليك مما صنع هؤلاء يعنى أصحابه وأبرأ اليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال أى سعداني أجد ريح الجنة دون أحد قال فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد الا أخته ببنانه قال انس كنا نرى أو نظن ان هذه الآية نزلت فيه وفي اشباهه من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية رواه البخارى والنحب النذر والنحب الموت أيضا وكلاهما محتمل هنا لكن يؤيد الاول ما روى ان النبى صلى الله عليه وآله وسلم نظر الى طلحة بن عبيد الله فقال من اراد ان ينظر الى رجل يمشي على وجه الارض وقد قضى نحبه فلينظر الى هذا والله أعلم. والمسارع الي غرف الجنان السيد مالك ابن سنان والد أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه مص دم النبى صلى الله عليه وسلم حين شج فقال صلى الله عليه وسلم من مس دمه دمي لم تصبه النار ومنهم غسيل الملائكة الفرد المراقب السيد الجليل حنظلة ابن أبى عامر الراهب أصيب يومئذ فقال صلى الله عليه وآله وسلم رأيت الملائكة تغسله فسئلت زوجته فقالت لما سمع الهيعة خرج سريعا وهو جنب فلم يرجع ومنهم أميرا لرماه بعيد المرماه (ليرين الله) بفتح التحيتين والنون المؤكدة ومن رأى بضم التحتية الاولي وفتح الثانية والنون وكسر الراء من اري (إني أجدريح الجنة دون أحد) قال النووي هو محمول على ظاهره وان الله أوجد ريحها من موضع المعركة وقد ورد ان ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام. قال القرطبى ويحتمل انه قاله على معنى التمثيل أى ان القتل دون أحد موجب لدخول الجنة ولادراك ريحها ونعيمها (ومثل به المشركون) بالتشديد والتخفيف (الا اخته) الربيع بنت النضر (ببنانه) المشهور انه بموحدتين ونون أي طرف انامله (كنا نري) بضم النون (وفي اشباهه) أى كمصعب بن عمير وحمزة (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) أى قاموا بما عاهدوا الله عليه ووفوا به (رواه البخاري) ومسلم والترمذى من حديث انس (من أحب ان ينظر الى رجل الى آخره) أخرجه الترمذي والحاكم من حديث جابر (مالك بن سنان) بن عبيد ابن ثعلبة بن الابجر هو خدرة بن عوف بن الحرث بن الخزرج قتله عراك بن سفيان الكنانى (من مس دمه دمى لم تصبه النار) أخرجه بمعناه ابن حبان في الضعفاء (رأيت الملائكة تغسله) أخرجه ابن حبان والحاكم والطبراني من حديث ابن عباس وزاد ولم يغسله النبى صلى الله عليه وسلم (فسألوا امرأته) اسمها جميلة بنت أبى سلمان وكان ابتنى بها تلك الليلة وكانت عروسا عنده فرأت في النوم كأن بابا في السماء قد فتح له فدخله ثم أغلق دونه فعلمت انه ميت من يومه فدعت رجالا حين أصبحت من قومها فاشهدتهم على الدخول بها خشية ان يكون في ذلك نزاع ذكره الواقدي (لما سمع الهيعة) بفتح الهاء واسكان التحتية تليها

المسارع الى الخير عبد الله بن جبير أخو خوات بن جبير رضي الله عنهما حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت حيث رتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل هنالك ومنهم الحريص على الشهادة المغرر في طلبها بالجسد والروح عمرو بن الجموح كان قد كبرو عرج ومنعه بنوه من الخروج معهم فأبى عليهم الا الخروج وقال ارجوان اطأبعرجتى هذه في الجنة فخرج فاستشهد رضى الله عنه. ومنهم الذي رضيه مولاه فدخل الجنة بغير صلاة الصادق الولي الأصير الاشهلي رضي الله عنه كان مجانبا للاسلام فلما كان يوم أحد أسلم وخرج لفوره فاستشهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه من أهل الجنة* ومنهم السيد الاسد الضرغام عمير بن الحمام رضي الله عنه قال للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أرأيت ان قتلت فأين انا قال في الجنة فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل* ومنهم السبعة النجباء الذين عرضوا أرواحهم دون روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم المصطفى على ما ورد في صحيح مسلم ان النبى صلى الله عليه وآله وسلم أفرد يومئذ في سبعة من الانصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال من يردهم عنى وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الانصار فقاتل حتى قتل ثم كذلك واحدا بعد واحد حتى قتل جميع السبعة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبيه ما أنصفنا أصحابنا قيل كان آخرهم زياد بن السكن أو عمارة بن يزيد بن السكن أدرك وبه رمق فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدنوه منى فأدنوه منه فوسده قدمه الشريفة حتى مات وخده على قدم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم* ومنهم المتنافسان على الشهادة السابق لهما من الله تعالى خطبة السعادة اليمان العين المهملة الصوت عند حضور العدو (المغرر) بضم الميم وفتح المعجمة وكسر الراء أي المخاطر (الاصير) بالمهملة فالتحتية فالراء مصغر لقب واسمه عمرو بن ثابت (الضرغام) بكسر المعجمة واسكان الراء ثم غين معجمة أى الشديد الباس (عمير بن الحمام) بضم المهملة وتخفيف الميم (قال للنبى صلى الله عليه وسلم أرأيت ان قتلت فاين انا الى آخره) تقدم ان ابن عبد البر وغيره عد عمرا من شهداء بدر والصواب انه من شهدا أحدكما ذكره الخطيب وغيره (ما أنصفنا أصحابنا) بسكون الفاء وأصحابنا منصوب مفعول أى ما أنصفت قريش الانصار لكون القرشيين لم يخرجوا للقتال بل خرجت الانصار واحدا بعد واحد وروي بفتح الفاء والمراد على هذا الذين فروا من القتال فانهم لم ينصفوا لفرارهم (اليمان) لقب واسمه الحسل بضم الحاء وفتح السين المهملتين ويقال حسل بكسر الحاء بن مالك. ويقال بن جابر بن أسيد بضم الهمزة بن جابر ابن مالك ويقال بن عمرو بن ربيعة بن جروة بكسر الجيم ولقب جروة أيضا اليمان وانما قيل لحسل اليمان لانه نسب الى جده جروة هذا وانما قيل لجروة اليمان لانه أصاب في قومه دما فهرب الى المدينة فخالف

والد حذيفة وثابت بن وقش كانا قد كبرا وضعفا فرفعا في الآطام مع النساء فنزلا وما بينهما وأخذا سيفيهما وخرجا لوجوههما حتى تغمرا في المعركة فأصيب ثابت بأيدي المشركين وأصيب اليمان بأيدى المسلمين غلطا فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يديه فتصدق بها حذيفة رضي الله عنه فلما فرغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من بنى عبد الاشهل وهم من اليمن فسماه قومه اليمان لمحالفته اليمانية ابن عبس بالموحدة بن معيص بن رثب بن غطفان ثم من قيس عيلان بن مضر (ابن وقش) بالقاف الساكنة والشين المعجمة (تغمرا في المعركة) أى دخلا فى معظمها* ذكر من بقي من شهداء أحد نقلتهم من الاستيعاب أبو زيد الانصارى وأبو بشير بن أبى يزيد وأوس بن الارقم وثعلبة بن سعد بن مالك وثقف بن فروة بن الندي وحارثة بن عمرو الساعدى والحارث ابن قيس بن أخي سعد بن معاذ استشهد وهو ابن ثمان وعشرين سنة والحارث بن أوس الاوسي والحارث بن ثابت بن سفيان الخزرجي والحارث بن ضرار الخزرجي والحرث بن عدي بن خرشة الانصاري الخطمى وحبيب بن زيد بن تيم بن أسد البياضي والحباب وصيفى ابنا قيظى الانصاريان وخيثمة بن الحارث الاوسى والد سعد بن خيثمة الشهيد يوم بدر قتله هبيرة بن أبي وهب المخزومى وذكوان بن عبد قيس الزرقي قتله أبو الحكم بن الاخنس بن شريق ورافع بن مالك بن العجلان الزرقي النقيب وباقي الستة النقباء وذكر منهم المصنف سعد بن الربيع ورافع مولي غزية بن عمرو ورافع بن زيد الاشهلى ورفاعة بن عمرو بن زيد الخزرجى وزياد بن السكن ومالك بن اياس الانصارى الخزرجى ومالك بن ثابت بن غيلة المري ونوفل بن ثعلبة الخزرجي والنعمان بن عبد عمرو الانصارى النجاري والنعمان بن مالك القوقلى الخزرجى قتله صفوان بن أمية وصيفي بن قيظى قتله ضرار بن الخطاب وقد تقدم عند ذكر أخيه وضمرة بن عوف حليف لبني طريف بن الخزرج وعبد الله بن قيس بن خالد الانصاري النجاري وقيل توفي في خلافة عثمان وعبد الله بن سلمة العجلاني البلوى وحمل هو والمجذر ابن دثار على ناضح واحد في عباءة واحدة وعبيد بن المعلى بن لوذان الانصاري قتله عكرمة بن أبى جهل وعبيد بن التيهان قتله عكرمة أيضا وعبادة بن الخشخاش الانصاري حلف لهم من بلى ودفن هو والمجذر ابن دثار ومالك بن النعمان في قبر واحد قاله ابن اسحاق وعمرو بن معاذ أخو سعد قتله ضرار بن الخطاب وسنه اثنان وثلاثون سنة وعمرو بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الاشهل الانصارى النجارى يكنى أبا حمام وعمرو بن قيس بن عمرو الانصاري النجارى وابنه قيس بن عمرو وعمرو بن مطرف أو مطرف بن علقمة الانصارى وعمرو بن ثابت بن وقش الانصاري الاشهلى وعمارة بن أمية بن الخشخاش الانصارى النجاري وعامر بن مخلد الانصاري النجارى وعمارة بن زياد بن السكن الانصاري الاشهلى وقد ذكره المصنف والعباس بن عبادة بن نضلة العجلاني الخزرجى وعتبة بن ربيع الخدرى الانصارى وعنترة السلمى ثم الذكوانى قتله نوفل بن معاوية الدئلي وقيس بن مخلد بن ثعلبة النجارى الانصارى وقتادة بن النعمان بن

مطلب في الكلام على غزوة حمراء الاسد

دفن الشهداء ورجع المدينة مر بامرأة من الانصار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها فلما نعوا اليها قالت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروها بسلامته قالت أرونيه فلما رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل تريد حقيرة ونعى الى حمنة بنت جحش أخوها عبد الله بن جحش وخالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت ثم نعي اليها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان زوج المرأة منها بمكان ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاء نساء الانصار على قتلاهم ذرفت عيناه وقال لكن الحمزة لا بواكي عليه فأمر سعد بن معاذ وأسيد بن حضير نساءهم ان يبكين على الحمزة ويتركن قتلاهم فخرج صلى الله عليه وآله وسلم وهن يبكين على باب المسجد قال ارجعن يرحمكن الله فقد آسيتن بأنفسكن ونهى عن النوح* [مطلب في الكلام على غزوة حمراء الاسد] غزوة حمراء الاسد وسببها ان قريشا لما انصرفوا من أحد وبلغوا الروحاء هموا بالرجوع لاستئصال من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد الاوسى الظفرى وقيل استشهد يوم الخندق وقرة بن عقبة بن قرة الانصاري الاشهلى حليف لهم وسعد بن سويد بن قيس بن عامر الخدرى وسعد بن سويد الخدري وسعد بن خولى المذحجي مولى حاطب بن أبي بلنعة وسليمان بن عمرو بن حديدة الانصاري الخزرجى وهو مولى عنترة المتقدم وسلمة ابن ثابت بن وقش الانصاري الاشهلى قتله أبو سفيان بن حرب قاله ابن اسحق وسهل بن قيس بن كعب الانصارى السلمي وقيس بن رومى بن قيس الانصاري الاشهلى ذكره الواقدي وسهل بن عدى بن ابن يزيد الخزرجى وسويبق بن حاطب الانصارى قتله ضرار بن الخطاب ويزيد بن السكن الانصاري الاشهلي وابنه عامر بن يزيد ويزيد بن حاطب الانصاري الاشهلى ويسار مولي أبي الهيثم بن التيهان وأبو هبيرة قتله خالد بن الوليد وأبو نمى مولى عمرو بن الجموح والله أعلم (ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة من الانصار) رواه ابن اسحاق ونقله عنه عياض في الشفاء ولم أقف على اسم المرأة وفي سيرة ابن اسحاق انها من بنى دثار (فاخبروها بسلامته) لفظ الشفاء هو بحمد الله كما تحبين (جلل) بجيم مفتوحة ولامين أي هين وصغير. قال الشمني ويطلق الجلل أيضا ويراد به العظيم فهو من الاضداد (فاسترجعت) أي قالت انا لله وانا اليه راجعون (وولولت) أي أعولت ودعت بالويل (ذرفت) بفتح الراء في الماضي وكسرها في المستقبل أي سالت (آسيتن) بالهمزة أي عاونتن (ونهي يومئذ عن النوح) وهو رفع الصوت بالندب والندب تعديد شمائل الميت* (غزوة حمراء الاسد) بفتح المهملة وسكون الميم ثم راء مع المد والاسد على لفظ الاسد المعروف وهو موضع على ثلاثة أميال من المدينة قاله في القاموس (وبلغوا الروحاء) بفتح الراء وبالمد قرية على مرحلتين من المدينة زاد البغوى

فلما علم بهم النبى صلى الله عليه وسلم ندب أصحابه للخروج موريا من نفسه القوة وقال لا يخرجن معنا الامن حضر يومنا بالامس فانتدب منهم سبعون رجلا فهم الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح فلما بلغوا حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة مربهم معبد الخزاعي وكانت خزاعة نصحاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسلمهم وكافرهم فعزى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمن أصيب من أصحابه ثم جاوزهم فلما انتهى الى قريش أخبرهم بمخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهول بجيوشه قال والله لقد حملنى ما رأيت على ان قلت شعرا كادت تهد من الاصوات راحلتي ... اذ مالت الارض بالجرد الابابيل فى أبيات أنشدها فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه على الرجوع ومر عليهم ركب من عبد القيس فجعل لهم أبو سفيان جعلا على أن يخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ندموا على انصرافهم وتلاوموا وقالوا لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم قتلتموهم حتى اذا لم يبق الا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم (موريا) باسكان الواو وبفتحها وتشديد الراء (من حضر يومنا) أي وقعتنا (سبعون رجلا) منهم العشرة وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وخالد بن عبد الله رضى الله عنهم (الذين استجابوا) أي أجابوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ أى نالهم (القرح) الجرح (معبد الخزاعي) أسلم بعد ذلك عده أبو الحسن العسكرى في الصحابة (عزى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال يا محمد والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا ان الله أعفاك فيهم كما في تفسير البغوي وغيره (فلما انتهى الى قريش) وهم حينئذ بالروحاء مجمعين الرجعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد أصبنا أصحابه وقادتهم فلنكر على بقيتهم فلنفرغن منهم فلما رأي أبو سفيان معبدا قال ماوراءك يا معبد قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم (وهول بجيوشه) وقال هذا جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على صنيعهم وفيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط قال ويحك ما تقول قال والله ما أراك ترتحل حتى تري نواصى الخيل قال فو الله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فانى انهاك عن ذلك (فو الله لقد حملني ما رأيت على ان قلت فيهم أبياتا) هذا لفظ البغوي (كادت) أى قربت (تهد) تدك (من) كثرة (الاصوات راحلتي اذ مالت) في تفسير البغوي اذ سالت (الارض بالجرد) جمع أجرد يقال فرس أجرد اذا رقت شعرته وقصرت وهو مدح في الخيل (الابابيل) أى الكثيرة المتفرقة التى يتبع بعضها بعضا قال أبو عبيدة أبابيل جماعات في تفرقة يقال جاءت الخيل الابابيل من هاهنا وهاهنا (فثنى ذلك أبا سفيان) أي أرجعه (ومر عليهم ركب من عبد القيس) زاد البغوي فقالوا اين تريدون قالوا نريد المدينة قالوا ولم قالوا نريد الميرة قال

مطلب فى الكلام على غزوة النضير

بأنهم يريدون الكرة عليهم فلما مر الركب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه وأصحابه بمقالة ابى سفيان قالوا كما حكي الله عنهم حسبنا الله ونعم الوكيل وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحمراء الاسد ثلاثة أيام ثم رجع* وفي هذه الغزوة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم معاوية بن المغيرة الاموي جد عبد الملك بن مروان ابا أمه وأبا عزة الجمحي الشاعر فأما معاوية فتشفع له عثمان فشفع فيه على انه ان وجد بعد ثلاثة قتل فوجد بعدها فقتل واما أبو عزة الجمحى فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسره ببدر ومن عليه بغير فدى لحاجة شكاها وعيال فأخذ عليه أن لا يعين عليه فنكث فلما وقع الثانية شكا مثلها فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمدا مرتين ان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وامر بضرب عنقه* [مطلب فى الكلام على غزوة النضير] وفيها غزوة بنى النضير بعد أحد وقال الزهري عن عروة كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد وكان من حديثهم انهم كانوا صالحوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم المدينة على أن لا يقاتلوا معه ولا يقاتلوه وهل أنتم مبلغون محمدا عنى رسالة فاحمل لكم إبلكم هذه زبيبا بعكاظ غدا اذا وافيتم قالوا نعم قال اذا جئتموه فاخبروه انا أجمعنا الرجعة اليه والى أصحابه لنستأصل بقيتهم وانصرف أبو سفيان الى مكة (حسبنا الله) أي كافينا (ونعم الوكيل) أى الموكول اليه الامور (فائدة) في صحيح البخاري عن ابن عباس حسبنا الله ونعم الوكيل قالها ابراهيم حين القى في النار وقالها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم وفي مسند الفردوس عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبي الله ونعم الوكيل أمان لكل خائف* وفي هذه الغزوة (الاموى) بضم الهمزة نسبة الى أمية بن عبد شمس (وأبا غزة) بفتح العين المهملة والزاى المعجمة اسمه عمرو بن عبد الله والذي أسره غير ابن عبد الله قال السهيلى كذا ذكر بعضهم واحسبه عبد الله بن عمران أحد بنى حذارة أو عبد الله بن عمير الحطمي اه (فنكث) أي نقض (ان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين) رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة ورواه أحمد وابن ماجه عنه وعن ابن عمرو لفظهم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين زاد مسلم واحد مرتين. قال القاضي يروي يرفع يلدغ على الخبر ومعناه المؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذى لا يستغفل فيخدع مرة بعد أخري ولا يفطن لذلك وقيل ان المراد الخداع في أمور الآخرة دون الدين وروي بالجزم على النهي على أن يؤتى من جهة الغفلة قال أبو عبيد معناه عندنا ينبغي لمن نكب من وجه ان لا يعود الى مثله وعد القاضى في الشفا هذه اللفظة من جملة الفاظه التى لم يسبق اليها صلى الله عليه وسلم والجحر بضم الجيم وسكون المهملة كل ثقب مستدير في الارض (فائدة) استنبط بعضهم من هذا الحديث أن المرء اذا أذنب وعوقب عليه في الدنيا أنه لا يعاقب عليه نانيا في الآخرة وهو استنباط حسن* (وفيها غزوة بنى النضير) بفتح النون وكسر المعجمة قبيلة من اليهود (وقال الزهري) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب (على أن لا يقاتلوا معه ولا يقاتلوه)

فنقضوا العهد وركب كعب بن الاشرف في أربعين راكبا الى قريش فخالفهم قيل كان ركوبه بعد بدر وقيل بعد احد وكان النبي صلى الله عليه وسلم قصدهم يستعينهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري حين افلت من غزوة بئر معونة فهموا بطرح حجر عليه من فوق الحصن فأخبره جبريل فانصرف راجعا عنهم وأمر بقتل كعب بن الاشرف وأصبح غاديا عليهم بالكتائب وكانوا بقرية يقال لها زهرة فوجدهم ينوحون على كعب فقالوا يا محمد واعية على أثر واعية ثم حشدوا للحرب ودس اليهم اخوانهم من منافقى الانصار ما حكاه الله سبحانه وتعالى عنهم لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ فحاصرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم احدى وعشرين ليلة وقطع نخيلهم وحرقها وهي البويرة وفيها يقول حسان ابن ثابت يوبخ قريشا ويعيرهم بذلك وهان على سراة بنى لؤي ... حريق بالبويرة مستطير فأجابه ابو سفيان بن الحرث أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في نواحيها السعير زاد البغوي وأن يعينوه في الديات (فحالفوهم) وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد فدخل أبو سفيان في أربعين من قومه وكعب بن الاشرف في أربعين من اليهود المسجد وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الاستار والكعبة (قصدهم يستعين الى آخره) زاد البغوى وخرج معه الحلفاء وطلحة وعبد الرحمن بن عوف (أفلت) بالفاء مبنى للمفعول (بئر معونة) بفتح الميم وضم العين المهملة ونون موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان (فهموا بطرح حجر عليه) كان الذى هم بذلك منهم رجل يقال له عمرو بن جحاش بجيم مفتوحة ومهملة مشددة وفي آخره معجمة. قال الشمنى قتل كافرا ووقع في الشفا ان ذلك كان في خروجه الى بني قريظة وهو خطأ (فانصرف راجعا عنهم) زاد البغوى ثم دعا عليا وقال لا تبرح من مقامك فمن خرج عليك من أصحابي فقل توجه الى المدينة ففعل ذلك حتى تناهوا اليه فتبعوه (بالكتائب) جمع كتيبة وهي الجماعة من الخيل سميت بذلك لاجتماعها (زهرة) بفتح المعجمة وفتح الهاء (واعية اثر واعية) زاد البغوي وباكية على اثر باكية قال نعم قالوا ذرنا نبكي سويعة ثم ائتمر امرك والواعية بالمهملة كالباكية وزنا ومعنى (من منافقى الانصار) عبد الله بن أبى وأصحابه (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) من المدينة (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) منها (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً) سألنا خذلانكم (أبدا فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم احدي وعشرين ليلة) وذلك بعد أن أرادوا الفتك به في اليوم الاول فارسلت امرأة منهم ناصحة الى أخيها رجل من الانصار مسلم فأخبرته بما أرادوا فاعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبح من الغد غاديا عليهم (وهي البويرة) بموحدة مضمومة قال في التوشيح تصغير بورة وهي الحفرة وهي هنا مكان بين المدينة وتيماء (وهان) في نسخة الكشميهنى لهان (سراة) جمع سرى وهو الرئيس الشريف (مستطير)

ستعلم أينا منها بنزه ... وتعلم أى أرضينا تضير رواه البخارى ولما أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم بقطع النخيل واحراقها ترددوا في ذلك فمنهم الفاعل ومنهم الناهي ورأوه من الفساد وعيرهم اليهود بذلك فنزل القرآن العظيم بتصديق من نهى وتحليل من فعل فقال تعالى ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ولما اشتد على أعداء الله الحصار قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصالحهم على الجلاء وان لهم ما أقلت الابل الا السلاح فخرجوا الى أذرعات واريحاء من الشام وخرج آخرون الى الحيرة ولحق آل بنى الحقيق وآل حيى بن أخطب بخيبر فكانوا أوّل من أجلى من اليهود كما قال أي مشتعل منتشر (بنزه) بنون مضمومة وزاى ساكنة أي ببعد يقال تنزه عن الشئ أى بعد عنه (أرضينا) بالتثنية (تضير) بفتح المثناة وكسر المعجمة من الضير وهو الضرر (تنبيه) في سيرة ابن سيد الناس عن أبي عمرو الشيبانى ان القائل لهان على سراة بني لؤي أبو سفيان والقائل أدام الله البيتين حسان عكس ما في الصحيح قال وهو الاشبه قال ابن حجر الذى في الصحيح أصح لان قريشا وعدوا بنى النضير بالمساعدة والمظاهرة فلما وقع لبني النضير ما وقع عير حسان بذلك قريشا وهم بنو لؤي فاجابه أبو سفيان بما أجاب إيذانا بقلة المبالاة بهم فان العداوة كانت بينهم وبين أهل الكتاب أيضا وأشار في جوابه الى أن خراب أرض بني النضير انما يضر الارض المجاورة لها وهى المدينة لا مكة (رواه البخاري) ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر زاد مسلم في رواية وفيها نزلت ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله (ولما أمر النبي صلي الله عليه وسلم بقطع النخيل واحراقها) خرج أعداء الله عند ذلك وقالوا زعمت أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجرة وقطع النخل وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الارض فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فسادا (ما قطعتم من لينة) هي أنواع التمر كلها الا العجوة وقيل كرام النخل وقيل كل النخل وقيل كل الاشجار وقيل ضرب من النخل شديد الصفرة يري نواه من خارج ثمر النخلة منها وهى أحب صنف اليهم منه (الجلاء) بفتح الجيم والمد هو الخروج من الوطن (أقلت الابل) أى ما حملت (الا السلاح) بالنصب وقال ابن عباس على أن يحمل أهل كل اثنين على بعير ما شاؤا من متاعهم وللنبى صلى الله عليه وسلم ما بقي وقيل أعطى كل ثلاثة نفر وسقا (أذرعات) بفتح الهمزة واسكان المعجمة وكسر الزاى بعدها مهملة فالف ففوقية (وأريحاء) بفتح الهمزة وكسرا الراء واسكان التحتية ثم مهملة ثم همزة ممدودة مواضع بقرب بلاد طي على ساحل البحر في أوّل طريق الشام من المدينة (الحيرة) بكسر المهملة ثم تحتية ساكنة مدينة معروفة عند الكوفة قال الشمنى وأخرى عند نيسابور (آل أبي الحقيق) بمهملة وقافين بينهما تحتية مصغر (بخيبر) بفتح المعجمة واسكان التحتية وفتح الموحدة على وزن حيدر مدينة على ثمانية برد من المدينة الى جهة

مطلب في الكلام على غزوة بدر الصغرى

تعالى لاول الحشر والحشر الثاني من خيبر في أيام عمر بن الخطاب فكانت أموال بنى النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقسمها بين المهاجرين لحاجتهم وفقرهم ولم يعط الانصار شيأ الاثلاثة نفر كانت لهم حاجة ابو دجانة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة فطابت بذلك أنفس الانصار واثنى عليهم بذلك العزيز الغفار فقال ولا يجدون في صدورهم يعنى الانصار حاجة اى حسدا مما أوتوا يعني المهاجرين رضي الله عنهم اجمعين* [مطلب في الكلام على غزوة بدر الصغرى] وفي ذى القعدة منها كانت غزوة بدر الثالثة وهي بدر الصغرى ذكرها النووى ورتبها قبل بني النضير وذكرها غير واحد فى الرابعة وهو موافق لما ذكر فيها انهم تواعدوا لها يوم احد العام القابل وكانت احد في الثالثة وسببها ان ابا سفيان حين انصرف من احد واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موسم بدر وكانت سوقا من أسواق الجاهلية يجتمعون اليها في كل عام ثمانية أيام فلما كان ذلك خرج أبو سفيان بمن معه حتى نزل مجنة من ناحية مر الظهران وقيل بلغ عسفان وبداله الرجوع وتعلل بمحل العام وعدم المرعي قيل وجعل جعلا لبعض العرب على أن يلقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويثبطوه فلما رجع أبو سفيان عيرهم أهل مكة وسموهم جيش السويق يقولون انما خرجتم لذلك وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه واستعمل على المدينة الشام سميت باسم رجل نزلها من العماليق (والحشر الثاني من خيبر في أيام عمر رضى الله عنه) وقيل نار تحشرهم من المشرق الى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا (أبو دجانة) بضم المهملة وتخفيف الجيم اسمه سماك كاسم النجم بن أوس بن خرشة بمعجمتين بينهما راء مفتوحات استشهد يوم اليمامة في الاصح وقيل عاش وشهد صفين (ابن حنيف) بالمهملة والنون فالتحتية فالفاء مصغر (ابن الصمة) بكسر المهملة وتشديد الميم كما مر (خاتمة) ذكر ابن عياض في تفسير سورة الحشر انه لم يسلم من بني النضير الارجلين أحدهما أبو سفيان بن عمير والثانى سعد بن وهب أسلما على أموالهما فاحرزاها نقله ابن شاهين في كتاب الصحابة (وفي ذى القعدة) بفتح القاف أشهر من كسرها ذكرها النووى في سير الروضة (مر الظهران) قرية على ستة عشر ميلا من مكة مما يلي الشام سميت بذلك لمرارة مائها قلت ماؤها الآن عذب وهو الموضع ألذى تسميه العامة وادى مر (عسفان) بضم العين واسكان المهملتين بئر قريبة من خليص بينها وبين مكة أربعة برد وسميت به لان السيول تعسفها (وبداله) بغير همز (بمحل العام) أى جدبه وهو بفتح الميم واسكان المهملة (وجعل جعلا) كان الجعل عشرا من الابل (لبعض العرب) هو نعيم بن مسعود الاشجعى الذى أسلم يوم الخندق (أن يلقوا) بفتح القاف (ويثبطوه) بالمثلثة فالموحدة فالمهملة أى يعوقوه ففعل نعيم بن مسعود ما قاله أبو سفيان فكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسى بيده لاخرجن ولو وحدى فاما الجبان فانه رجع وأما الشجاع فانه تأهب للقتال وقال

مطلب في سرية عاصم بن ثابت الأنصاري وخبر ذلك

عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول وجعل كفار العرب يلقونهم ويخبرونهم بجمع أبى سفيان فيقول حسبنا الله ونعم الوكيل حتى نزلوا بدرا ووافقوا السوق وأصاب الدرهم در همين وانصرفوا الى المدينة سالمين فذلك قوله تعالى فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ الآية وفي ذلك يقول عبد الله بن رواحة وقيل كعب بن مالك رضي الله عنهما وأرضاهما وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد ... لميعاده صدقا وما كان وافيا فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا ... لابت ذليلا وافتقدت المواليا تركنا بها أوصال عتبة وابنه ... وعمرا أبا جهل تركناه تاويا عصيتم رسول الله أف لدينكم ... وأمركم السئ الذى كان غاويا فاني وان عنفتمونى لقائل ... فدى لرسول الله أهلى وماليا أطعناه لم نعدله فينا بغيره ... شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا [مطلب في سرية عاصم بن ثابت الأنصاري وخبر ذلك] وفيها من السرايا سرية عاصم بن ثابت الانصارى قال ابن اسحق كانت بعد احد حسبنا الله ونعم الوكيل كما في تفسير البغوي وغيره (عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول) بتنوين أبى ويكتب ابن سلول بالالف وسلول لا ينصرف وهي أم عبد الله بن أبيّ (فانقلبوا) أى انصرفوا أورجعوا (بنعمة) أى بعافية (من الله وفضل) أى تجارة وربح وما أصابوا في السوق (لم يمسسهم) أى لم يصبهم (سوء) أى اذي ولا مكروه (واتبعوا رضوان الله) أي طاعته وطاعة رسوله لانهم قالوا هل يكون هذا غزوا فاعطاهم الله ثواب الغزو ورضى عنهم (وعدنا) أي واعدنا (وافيتنا) فيه التفات الى الخطاب (لابت) أى رجعت (وافتقدت) أي فقدت (المواليا) بالف الاطلاق وأراد بني العم (عتبة) بن ربيعة (وابنه) الوليد بن عتبة (تاويا) بالفوقية أى هالكا ويجوز بالمثلثة أي مقيما لم يبرح لهلاكه (أف) قال أبو عبيد هى كلمة كراهة وأصل الاف والتف الوسخ على الاصابع اذا فتلتها وقيل الاف ما يكون في المغابن من الوسخ والتف ما يكون في الاصابع وقيل الاف وسخ الاذن والتف وسخ الاظفار وقيل الاف وسخ الظفر والتف ما رفعت بيدك من الارض من شيء حقير ويستعمل جوابا عما يستقذر وعما يتضجر منه وفيها عشر لغات ضم الهمزة مع سكون الفاء وتشديدها بالحركات وبغير تنوين وباشباع الفتحة مع التشديد وبكسر الهمزة مع فتح الفاء المشددة وبفتح الهمزة وتشديد الفاء بعدها هاء منقلبة مفتوحة منونة أيضا (وأمركم السيء) بفتح المهملة ثم همزة أى الشئ حذف احدى يائيه للوزن (غاويا) بالمعجمة أى ضالا (عنفتموني) بالمهملة والنون والفاء أي لمتموني (فدى) بكسر الفاء مقصور (وماليا) بألف الاطلاق (شهابا) هو من أسماء النجم كما سبق* وفيها من السرايا (عاصم بن ثابت) هو ابن أبي الاقلح بالقاف والمهملة والاقلح لقب واسمه قيس بن غنيمة بن النعمان الاوسي عده ابن شاهين

وكان من حديثها ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في عشرة عينا فلما كانوا بالرجيع ماء لهذيل بين عسفان ومر الظهران وعسفان على مرحلتين من مكة ذكروا لبنى لحيان من هذيل فتبعهم منهم نحو من مائة رام فلما احس بهم عاصم واصحابه لجؤا الى مرتفع من الارض وأحاط بهم القوم وأعطوهم العهد ان استسلموا والقوا بأيديهم لا يقتلون منهم أحدا فقال عاصم اما انا فلا انزل في ذمة كافر ابدا اللهم اخبر عنا رسولك فرموهم حتى قتلوا عاصما في سبعة ونزل اليهم خبيب بن عدى وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق بالامان فربطوهم بأوتار قسيهم فقال عبد الله بن طارق هذا أوّل الغدر والله لا أصحبكم ابدا فقتلوه فانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما بمكة فاشترى خبيبا بنو الحرث بن عامر بن نوفل وكان قتل أباهم ببدر فمكث عندهم أسيرا أياما فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه صلي ركعتين وقال لولا في الصحابة وتبعه ابن الاثير (في عشرة) سمي منهم عاصم وحبيب بن عدي ومرثد بن أبي مرثد الغنوى وخالد بن بكير وعبد الله بن طارق وزيد بن الدثنة ومعتب بن عبيد بن اياس البلوي (عينا) أي يتجسسون له أخبار قريش وفي تفسير البغوي وغيره ان قريشا بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة انا قد أسلمنا فابعث الينا نفرا من علماء أصحابك يعلموننا دينك وكان ذلك مكرا منهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب السرية اليهم (بالرجيع) بالراء والجيم مكبر (لهذيل) بالمعجمة مصغر (فذكروا) ذكرتهم عجوز مرت بموضع نزولهم بالرجيع فابصرت نوى التمر وكانوا أكلوا عجوة فرجعت الى قومها فأخبرتهم ان قوما من أهل يثرب سلكوا الطريق كما في تفسير البغوي وغيره وفي صحيح البخارى فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب (لبني لحيان) بكسر اللام وقيل بفتحها وسكون الحاء المهملة (من نحو مائة رام) في رواية في البخاري من مائتي رام وفي تفسير البغوى فركب سبعون رجلا منهم معهم الرماح حتى أحاطوا بهم (الى مرتفع) في بعض روايات البخاري الى فدفد بفائين مفتوحتين ومهملتين الاولى ساكنة وهى الرابية المشرفة ولابي داود قردد بقاف وراء ومهملتين الموضع المرتفع (حتى قتلوا عاصما) بعد ان قتل منهم سبعة كما في تفسير البغوى وغيره (في سبعة) منهم مرثد وخالد (خبيب) بضم المعجمة ابن عدى بن مالك بن عامر الاوسي من البدريين (ابن الدثنة) بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة ثم نون قال ابن دريد هو من قولهم دثن الطائر اذا طار حول وكره ولم يسقط عليه (ابن طارق) بالمهملة والقاف آخره (قسيهم) جمع قوس (فباعوهما بمكة) قال ابن هشام بأسيرين كانا من هذيل (بنو الحارث) تولى شراءه منهم حجر بن أبى اهاب التميمي كما في سيرة ابن اسحاق (كان قتل أباهم يوم بدر) تعقبه الدمياطي بأن خبيبا لم يذكره أحد من أهل المغازي فيمن شهد بدرا وانما الذي قتل الحارث خبيب بن اساف وهو غير ابن عدى (صلى ركعتين) زاد البغوي وكان خبيب هو أوّل من سن

ان تروا ان ما بي جزع لزدت ثم قال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا وأنشد شعرا فلست أبالى حين أقتل مسلما ... على أى شق كان في الله مصرعى وذلك في ذات الاله وان يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قتلوه وصلبوه رحمة الله عليه قالت احدى بنات الحارث ما رأيت أسيرا قط خير امن خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ من ثمرة وانه لموثق في الحديد وما كان هو الا رزق رزقه الله خبيبا خرجه بكثير من ألفاظه البخاري واما زيد فاشتراه صفوان بن أمية فقتله بأبيه لكل مسلم قتل صبرا الصلاة (اللهم احصهم) بقطع الهمزة (بددا) روي بفتح الباء الموحدة أي متفرقين وبكسرها جمع بدة وهي القرحة والقطعة من الشيء المبدد ونصبه على الحال من المدعو عليهم قال السهيلي فان قيل هل أجيبت فيهم دعوة خبيب والدعوة على تلك الحال من مثل ذلك العبد مستجابة قلنا أصابت منهم من سبق في علم الله انه يموت كافرا ومن أسلم منهم فلم يعنه خبيب ولا قصده بدعائه ومن قتل منهم كافرا بعد هذه الدعوة فانما قتلوا بددا غير معسكرين ولا مجتمعين كاجتماعهم في أحد وقبل ذلك في بدر وان كان الخندق بعد قصة خبيب فقد قتل منهم آحاد متبددون ثم لم يكن لهم بعد ذلك جمع ولا معسكر غزوا فيه فنفذت الدعوة على صورتها فيمن أراد خبيب وحاشا له ان يكره ايمانهم واسلامهم (ولست أبالي) في رواية في الصحيحين ما أبالي (على أي جنب) وفي رواية على أى شق (وذلك في ذات الاله) فيه دليل على جواز اطلاق الذات عليه تعالى (على أوصال) أى أعضاء جمع وصل وهو العضو (شلو) بكسر المعجمة الجسد (ممزع) بزاى ثم مهملة أي مقطع وقيل مفرق (ثم قتلوه) وكان قتله بالتنعيم وتولى قتله أبو سروعة عقبة بن الحارث وقيل أخوه قال البغوى ويقال كان رجل من المشركين يقال له سلامان أبو ميسرة معه رمح فوضعه بين ثديي خبيب فقال له خبيب اتق الله فما زاده ذلك الا عتوا فطعنه فأنفذه (وصلبوه) أى بعد قتله كما يدل عليه ما يأتي وفي رواية للبغوي فصلبوه حيا فيحمل على انهم صلبوه حيا ثم قتلوه ثم صلبوه ثانيا (قالت احدى بنات الحارث) اسمها زينب كذا في التوشيح وفي مسند أبي القاسم البغوي انها مارية بالراء أو ماوية بالواو بنت حجر بن أبى اهاب (قطف عنب) بكسر القاف واسكان المهملة العنقود زاد البغوى في مسنده مثل رأس الرجل (أخرجه بكثير من ألفاظه البخاري) وأبو داود عن أبى هريرة وفي الحديث انهم لما أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها أي بحلق عانته فاعارته قالت فغفلت عن صبي لى فدرج اليه حتي أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعة حتي عرف ذلك منى وفي يده الموسى قال اتخشين ان أقتله ما كنت لافعل ذلك ان شاء الله تعالى والصبي هو أبو الحسين ابن الحارث (واما زيد فاشتراه صفوان بن أمية فقتله بأبيه) أخرجه ابن سعد وفي تفسير البغوي انه بعثه

وروى انهم حين قربوه للقتل قال له أبو سفيان أنشدك الله يا زيد أتحب ان محمدا الآن عندنا بمكانك يضرب عنقه وأنت في أهلك قال والله ما أحب ان محمدا الان في مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلى وأرسل أهل مكة لرأس عاصم فحمته الدبر وهي الزنابير من رسلهم فسمى حمى الدبر فلما أمسى من ليلته جاء سيل فاحتمله الى الجنة وكان أعطي الله عهدا ان لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك فأتم الله له ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه ايكم يحمل خبيبا على خشبته وله الجنة فخرج لذلك الزبير والمقداد فحمله الزبير على فرسه فأغار بعدهم الكفار فلما رهقوهم ألقاه الزبير فابتلعته الارض فسمى بليع الارض قال ابن عباس وفيهم نزل قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي مع مولى له يسمى نسطاس الى التنعيم فقتله (وروى انهم حين قربوه للقتل الى آخره) نقله البغوى في التفسير عن ابن اسحاق (أنشدك الله) بفتح الهمزة وضم الشين أى أسألك بالله (وأنا جالس في أهلى) زاد البغوى فقال أبو سفيان ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ثم قتله نسطاس (فائدة) ذكر ابن عقبة ان الذي قيل له أتحب هو خبيب بن عدى حين رفع الى الخشبة والجمع بينهما انهما قالوا لهما معا (وأرسل أهل مكة لرأس عاصم) وكان قتل عظيما من عظمائهم كما في الحديث والعظيم هو عقبة بن أبي معيط وفي تفسير البغوي فلما قتلوه أرادوا جز رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن سهيل وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر (فحمته) بفتح المهملة والميم أي منعته (الدبر) بفتح المهملة وسكون الموحدة (وهي الزنابير) وقيل ذكور النحل وقيل جماعة النحل (جاء سيل فاحتمله الى الجنة) زاد البغوي وحمل خمسين من المشركين الى النار (وكان أعطى الله عهدا ان لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك) وكان عمر يقول حين بلغه ان الدبر منعته عجبا لحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر ان لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع حال حياته (ايكم يحمل) وفي التفسير ينزل (خبيبا على خشبته) أي التي صلب عليها (فخرج لذلك الزبير) بن العوام (والمقداد) بن عمرو زاد البغوى فخرجا يمشيان بالليل ويكمنان بالنهار فأتيا التنعيم ليلا فاذا حول الخشبة أربعون رجلا من المشركين نيام نشاوي فأنزلاه فاذا هو رطب يتثني لم يتغير منه شئ بعد أربعين يوما ويده على جراحته وهي تبض دما اللون لون الدم والريح ريح المسك (فأغار بعدهم الكفار) وكانوا سبعين (فلما رهقوهما) بكسر الهاء أى غشوهما ودنوا منهما (فسمي بليع الارض) زاد البغوي فقال الزبير ماجرأكم علينا يا معاشر قريش ثم رفع العمامة عن رأسه فقال أنا الزبير بن العوام وأمي صفية بنت عبد المطلب وصاحبي المقداد بن الاسود أسدان رابضان يدفعان عن شبليهما فان شئتم ناضلتكم وان شئتم نازلتكم وان شئتم انصرفتم فانصرفوا الى مكة (قال ابن عباس) في رواية عنه والضحاك وفيهم نزلت (ومن الناس من يشري)

مطلب في سيرته بئر معونة وخبر ذلك

نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ وبعد مقتل خبيب واصحابه بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمرو بن أمية الضمرى وجبار بن صخر الانصاري ليقتلا أبا سفيان غيلة فقدما مكة لذلك في خفية فشهرا وخرجا هاربين ولم يقعا على ما أراد اذكره ابن هشام دون ابن اسحق* [مطلب في سيرته بئر معونة وخبر ذلك] وفيها أو في أوّل الرابعة سرية اصحاب بئر معونة وسببها انه قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر الكلابى العامرى ملاعب الاسنة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد ابعث رجالا من اصحابك الى أهل نجد يدعوهم الى أمرك وانا لهم جار فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا من خيار المسلمين قال أنس بن مالك كنا نسميهم القراء أي يبيع (نفسه ابتغاء) أي طلب (مرضاة الله) أي رضاه (والله رؤف بالعباد) وقيل نزلت في صهيب ابن بشار الرومي وقيل نزلت في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وروى عن ابن عباس أيضا (وجبار) بفتح الجيم وتشديد الموحدة (ابن صخر) بفتح المهملة واسكان المعجمة ثم راء ابن أمية السلمي بفتحتين يكني أبا عبد الله شهد العقبة ثم المشاهد (غيلة) بكسر المعجمة أى من حيث لا يشعر (فشهرا) مبني للمفعول وفيها أى الثالثة أو في أوّل الرابعة أى في شهر صفر على رأس أربعة أشهر من أحد كما قاله ابن اسحق (بئر معونة) بفتح الميم وضم المهملة ونون موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان وقال ابن اسحق أرض بين أرض بنى عامر وحرة بنى سليم (أبو براء) بفتح الموحدة والراء المخففة والمد (ملاعب الاسنة) أى الرماح قال السهيلي سمى بذلك يوم سونان وهو يوم كانت فيه وقعة في أيام جبله وهي أيام حرب كانت بين قيس وتميم وجبلة اسم لهضبة عالية قال وكان سبب تسميته ملاعب الاسنة يومئذ ان أخاه الطفيل فر وأسلمه فقال شاعر فررت وأسلمت ابن أمك عامرا ... ملاعب أطراف الوشيج المزعزع فسمى ملاعب الرماح وملاعب الاسنة انتهى (فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال البغوى أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فأبى أن يقبلها وقال لا أقبل هدية مشرك فأسلم ان أردت ان أقبل هديتك (وقال يا محمد) ان الذى تدعو اليه حسن جميل (ابعث رجالا) الى آخره (سبعين رجلا من خيار المسلمين) زاد البغوي منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء بن الصلت السلمى ونافع بن بديل ابن ورقاء الخزاعى وعامر بن فهيرة انتهى قلت ومنهم المنذر ابن عمرو الانصارى الساعدي وهو أمير القوم كما ذكره المؤلف أحد النقباء ومالك بن ثابت الانصارى ومسعود بن سعد الزرقى ومسعود بن سعد الزرقي وهو غير الاول والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة الاوسي وعابد بن ماعص الزرقى وقطبة بن عمرو بن مسعود الاشهلي وسعد بن عمرو بن ثقف واسم ثقف كعب بن مالك الانصاري الخزرجي وابنه الطفيل بن سعد وابن أخيه سهل بن عامر وسفيان بن ثابت الانصارى هو وأخوه مالك بن ثابت وسليم بن ملحان أخو

كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وامر عليهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم المنذر بن عمرو الانصارى الساعدى أحد النقباء فساروا حتي نزلوا ببئر معونة فلما نزلوها انطلق حرام بن ملحان الى رأس المكان عامر بن الطفيل ليبلغه رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاهم فجعل يحدثهم وأومأ الى رجل فأتاه من خلفه فطعنه بالرمح فقال حرام الله أكبر فزت ورب الكعبة فأخذ من دمه فنضحه على وجهه ورأسه فرحا بالشهادة وفخرا بها ثم استصرخ بني عامر فأبوا عليه وقالوا لن نخفر ابا براء في جواره فاستصرخ عليهم قبائل سليم وعصية ورعلان وذكوان فاجابوه وقتلوا أصحاب السرية عن آخرهم الاكعب بن زيد فانه بقى به رمق فعاش واستشهد يوم الخندق وفي صحيح البخارى قتلوهم كلهم لم يبق غير اعرج كان في رأس جبل وكان في سرحهم عمرو بن أمية الضمري وانصارى فلما راحا وجدا اصحابهما صرعى والخيل التي أصابتهم واقفة فقتلوا الانصارى واطلقوا عمرا حين أخبرهم انه من ضمرة فخرج عمرو حتي اذا كان بقناة أقبل رجلان فنزلا معه في ظل هو فيه حرام وأبو عبيدة بن عمرو الانصارى النجاري وعبيدة الانصارى وأبي بن معاذ بن أنس النجاري وأخوه أنس بن معاذ ذكر هؤلاء ابن عبد البر وغيره (كانوا يحتطبون) بالحاء المهملة (حرام بن ملحان) بالراء وهو أخو أم سليم وأم حرام بنتي ملحان بكسر الميم واسكان اللام ثم حاء مهملة (ليبلغه رسالة رسول الله) صلى الله عليه وسلم وكانت تلك الرسالة كتابا دفعه الى عامر بن الطفيل فابي ان ينظر اليه أخزاه الله وأبعده (فجعل يحدثهم) ويقول يا أهل بئر معونة انى رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله (وأومأ) بالهمز ويجوز تركه أي أشار (فاتاه من خلفه فطعنه بالرمح) فطعنه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر (فنضحه) بالمهملة ويجوز اعجامها أى رشه (لن نخفر) بالضم رباعي أي ننقض خفرته أى جواره (قبائل سليم) بالضم (عصية) بفتح العين وفتح الصاد المهملتين ثم تحتية مشددة بطن من بني سليم (ورعلا) بكسر الراء وسكون المهملة بطن (وذكوان) بالمعجمة بطن منهم أيضا (الا كعب بن زيد) بالنصب (غير أعرج) هو كعب بن زيد المذكور آنفا (وكان في سرحهم عمرو بن أمية الضمري وانصاري) هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح أحد بني عمرو بن عوف زاد البغوي فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما الا الطير تحوم في العسكر فقالا والله ان لهذه الطير لشأنا فاقبلا لينظرا فاذا القوم في دمائهم (فقتلوا الانصاري) وذلك انه قال لعمرو بن أمية ماذا تري قال أري ان نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره فقال الانصارى لكني ما كنت لارغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى قتل (وأطلقوا عمرا) بعد ان جز عامر بن الطفيل ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم انها كانت على أمه (بقناة) بالقاف

فتحدث معهما واخبراه انهما من بنى عامر فامهلهما حتي ناما فقتلهما وكان معهما عقد وجوار من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلم به فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره قال لقد قتلت قتيلين لأدينهما (قال المؤلف) في خبر بئر معونة تنازع واختلاف لمن تأمله من ذلك ان ابن اسحق وتبعه غيره ذكروا ان بئر معونة كانت في صفر سنة أربع وذكر النووي في غيره ان بنى النضير في الثالثة ثم روى اهل التواريخ جميعا ان سبب غزوة بنى النضير خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليهم يستعينهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى رجوعه من بئر معونة فتعين بذلك ان بئر معونة قبل بني النضير* ومنها ما ذكر اهل السير ان عددهم أربعون والوجه ما رواه البخارى والمحدثون انهم سبعون* ومنها ان البخارى روى عن انس ان رعلا وذكوان وعصية وبنى لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي رواية أخرى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثهم لحاجة والصواب ان خروجهم انما كان بسؤال ابي براء كما تقدم وان القبائل المذكورين انما استصرخهم عامر على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أبى منه بنو عامر وان بنى لحيان لم يكونوا معهم وانما قتلوا اصحاب سرية الرجيع ولما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر مصابهم قال هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا وشق على ابي براء اخفار عامر اياه وقال حسان بن ثابت يحرضه ويؤنبه في الطلب بني ام البنين ألم يرعكم ... وأنتم من ذوائب اهل نجد تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد الا أبلغ ربيعة ذا المساعي ... فما أحدثت في الحدثان بعدى ابوك ابو الحروب ابو براء ... وخالك ماجد حكم بن سعد ثم ان ربيعة بن أبى براء حمل على عامر بن الطفيل فطعنه طعنة أرداه عن فرسه فقال عامر (لا دينهما) بلام القسم ثم همزة ثم مهملة مكسورة ثم تحتية مفتوحة ثم نون التأكيد أي لاؤدين ديتهما (يحرضه) بالحاء المهملة والضاد المعجمة أي يحثه (بني أم البنين) اسمها ليلة بنت عامر وكنيت باولادها الاربعة قال لبيد (نحن بني أم البنين الاربعة) (ألم يرعكم) بفتح أوله وضم الراء أى لم يفزعكم ويفجعكم (ذوائب) جمع ذؤابة وهى طرف الشيء (تهكم عامر) أي تعييبه (الحدثان) بكسر الحاء واسكان الدال المهملتين أي القرب يقول كنت أعهدك قديما شجاعا فما أدري ما حدث لك في القرب هل أنت كما أعهد أولا (ماجد) أي كريم (أرداه عن فرسه) أي أسقطه عنه

فصل في شهداء بئر معونة وفضل الشهداء ومزيتهم

هذا عمل أبى براء ان أمت فدمي لعمي فلا يتبعن به وإن أعش فسأرى رأيى فيما أتي إلي وعاش عامر بعدها حتي قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأربد بن ربيعة وكانا قد تمالآ على الفتك به فحين منعهما الله من ذلك انصرفا متهددين فدعا عليهما النبى صلى الله عليه وآله وسلم فهلك اربد بالصاعقة وعامر بالطاعون قبل أن يصلا الى أهلهما والله أعلم [فصل في شهداء بئر معونة وفضل الشهداء ومزيتهم] (فصل) في فضل شهداء بئر معونة وفضل الشهداء ومزيتهم مما أخرجه الشيخان سوى ما تقدم في شهداء أحد قال الله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ الآيات قيل نزلت فيهم وقيل في شهداء أحد وقال أنس دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الذين قتلوا اصحاب بئر معونة ثلاثين غداة وفي رواية أربعين وانزل الله فيهم قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد منه بلغوا قومنا ان قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه رواه البخاري* وروي أيضا ان عامر بن الطفيل قال لعمرو بن امية الضمري من هذا واشار الى قتيل فقال هذا عامر بن فهيرة فقال لقد رأيته رفع الى السماء حتى انى لانظر الى السماء بينه وبين الارض ثم وضع فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما احد يدخل الجنة يحب ان (لعمى) يريد أبا براء (وعاش عامر بعدها) هذا هو الصواب ووقع في تفسير البغوي انه قتله وهو خطأ (حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم) سيأتى ذكر وفادتهما حيث ذكره المؤلف ان شاء الله تعالى (أربد) بالراء والموحدة والمهملة قال الشمني أخو لبيد بن ربيعة لابيه ولبيد بن ربيعة صحابى رضي الله عنه (تمالآ) أى تواطا (الفتك) أي الاخذ على غرة (فحين منعهما الله من ذلك) وذلك ان عامرا كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأربد يختله بالسيف فاخترط منه شبرا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على سله فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما صنع فقال اللهم اكفنيهما بما شئت وفي الشفا قال والله ما همت ان أضربه الا وجدتك بينى وبينه أفأضربك (متهددين) أي متوعدين (فهلك أربد بالصاعقة) زاد البغوي في يوم صحو قائظ (وعامر بالطاعون) وهو على ظهر فرسه (وقال أنس الى آخره) أخرجه عنه الشيخان وفيه ندب القنوت للنازلة (ونزل فيهم قرآن قرأناه) قال السهيلي ليس عليه رونق الاعجاز فيقال انه لم ينزل بهذا النظم بل بنظم معجز كنظم القرآن (ثم نسخ بعد) لا ينافيه انه خبر والخبر لا ينسخ اذ المنسوخ منه الحكم الثابت للقرآن فقط (وروي أيضا) مبنى للفاعل يعني البخاري (هذا عامر بن فهيرة) قتله جابر بن سلمة ثم أسلم بعد ذلك قال ابن عبد البر فكان يقول ما دعاني الى الاسلام الا اني طعنت رجلا منهم فسمعته يقول فزت والله فقلت في نفسى ما فاز أليس قد قتلته حتى سألت بعد ذلك عن قوله فقالوا الشهادة فقلت فاز نعم. والله (رفع الى السماء) قال في التوشيح وفي رواية الواقدي ان الملائكة وارته فلم يره المشركون وفي مصنف

يرجع الى الدنيا وله ما على الارض من شيء الا الشهيد يتمنى ان يرجع الى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة متفق عليه وقال صلى الله عليه وآله وسلم والذى نفسي بيده لولا ان رجالا من أمتي لا تطيب انفسهم ان يتخلفوا عني ولا اجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذى نفسي بيده لوددت انى اقتل في سبيل الله ثم احيا ثم اقتل ثم احيا ثم اقتل ثم احيا ثم اقتل ثم أحيا رواه البخارى ونحوه او اقرب منه في مسلم وقال صلى الله عليه وآله وسلم من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منال الشهداء وان مات على فراشه وقال صلى الله عليه وآله وسلم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق رواهما مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ما تعدون الشهيد فيكم قالوا يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال ان شهداء امتى اذا لقليل قالوا فمن هم يا رسول الله قال من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهو شهيد ومن مات في البطن فهو شهيد والغريق شهيد روياه وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق عبد الرزاق وغيره ان عامرا التمس يومئذ في القتلى ففقد فيروى ان الملائكة رفعته أو دفنته (متفق عليه) أي اتفق على تخريجه الشيخان وأخرجه أيضا الترمذي والنسائي من حديث أنس (والذي نفسي بيده الى آخره) أول الحديث تضمن الله تعالى لمن يخرج في سبيله لا يخرجه الا جهاد في سبيلي وتصديق برسلي فهو على ضامن ان أدخله الجنة أو أرجعه الى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة والذي نفسي بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله الا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلمه لونه لون دم وريحه ربح مسك (رواه البخاري ونحوه أو قريب منه في مسلم) وأخرجه مالك والنسائي كلهم عن أبي هريرة (من سأل الله الشهادة بصدق الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سهل بن حنيف (على شعبة من النفاق) أى على خلق من أخلاق المنافقين قال عبد الله بن المبارك فنرى بضم النون أى نظن ان ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي هذا الذي قاله يحتمل وقال غيره هو عام والمراد ان من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف وان لم يكن كافرا (ما تعدون الشهيد فيكم) أخرجه مالك ومسلم والترمذى من حديث أبي هريرة (ومن مات في البطن فهو شهيد) قال النووي المراد بالبطن الاسهال وقيل الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن وقيل الذى يشتكي بطنه وقيل الذي يموت بداء بطنه مطلقا قال في الديباج وهذا الآخر هو الذى جزم به القرطبي (والغريق شهيد) أى ان لم يغرق نفسه ولم يهمل الغرر فان فرط حتى غرق فهو عاص قاله القرطبي (الشهداء خمسة) قال في الديباج هم أكثر من ذلك وقد جمعتهم في كراسة فبلغوا ثلثين وأشرت اليهم في

مطلب في مشروعية قصر الصلاة وما يلحق ذلك من الأحكام

وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله أخرجه البخارى في ترجمة باب الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله وكأنه اشار الى ان الحديث المطابق للترجمة ليس على شرطه وقد خرجه مالك والنسائي بسند جيد فذكر المطعون والمبطون والغريق والحريق وصاحب ذات الجنب والذى يموت تحت الهدم والمرأة تموت بجمع وهى التى تميتها الولادة وقيل التي تموت بكرا والله اعلم* [مطلب في مشروعية قصر الصلاة وما يلحق ذلك من الأحكام] السنة الرابعة وما في طيها من الحوادث فيها قصرت الصلاة فنزل قوله تعالى شرح الموطأ انتهى قال القرطبي ولا تناقض ففى وقت أوحى اليه انهم خمسة وفي وقت آخر أوحى اليه اليه انهم أكثر وورد في اثران تعدد أسباب الشهادة خصوصية لهذه الامة ولم يكن في الامم السالفة شهيد الا القتيل في سبيل الله خاصة (أخرجه البخارى) ومالك ومسلم والترمذي (وصاحب الهدم) هو من يموت تحته ومحله ان لم يغرر بنفسه كما في الغريق قاله القرطبي (وقد أخرجه مالك والنسائي) وأحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث جابر بن عتيك (والحريق) هو الذى تحرقه النار ومنه الذي تحرقه الصاعقة ومحله كما مر عن القرطبي (وصاحب ذات الجنب) هى قروح تحدث في باطن الجوف فيكون معها السعال والحما الشديدة (بجمع) بكسر الجيم وضمها (وهى التي تميتها الولادة وقيل التي تموت بكرا) وقيل التى يموت ولدها في بطنها قد تم خلقه وقيل التى تموت قبل ان تحيض (تنبيه) ذكر المصنف من الشهداء ثمانية من مات في سبيل الله والمطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والحريق وذات الجنب والمرأة تموت بجمع واذا جعل المبطون نوعين والمرأة تموت بجمع أربعة أنواع صار العدد اثنى عشر وبقي منهم صاحب السيل خرجه أبو الشيخ من حديث عبادة بن الصامت والطبراني من حديث سليمان وأحمد من حديث راشد بن خنيس ومن قتل دون ماله ومن قتل دون دينه ومن قتل دون أهله ومن قتل دون دمه أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث سعيد بن زيد وقال الترمذى حديث حسن صحيح ومن قتل دون مظلمة أخرجه النسائي والضياء من حديث سويد بن مقرن وأخرجه أحمد من حديث ابن عباس ومن وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو افترسه سبع ومن صرع عن دابته والسريق أخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن عباس وعقبة بن مالك ومن مات غريبا أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس وأخرجه الدارقطني وصححه من حديث ابن عمرو أخرجه أبو بكر الخرائطي من حديث أنس وأبي هريرة وأخرجه الصابوني من حديث جابر والطبراني من حديث عنترة وصاحب الحما أخرجه الديلمى في مسند الفردوس من حديث أنس والميت على فراشه في سبيل الله أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة والميت في الحبس وقد حبس ظلما أخرجه ابن منده من حديث على بن أبي طالب والمتردي في نحو بئر أخرجه الطبراني من حديث ابن عنترة وابن مسعود ومن قتل دون جاره أخرجه ابن عساكر من حديث أنس والغيرى على زوجها والآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أخرجه ابن عساكر من حديث على ومن قال في مرض موته أربعين مرة لا إله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين كتب

وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ الآية وظاهرها يدل على ان رخصة القصر مشروطة بالخوف ودلت السنة على الترخيص مطلقا فقيل نزلت الآية على غالب اسفار النبى صلى الله عليه وآله وسلم فان أكثرها لم يخل عن خوف ثم لا يبعد ان يبيح الله الشئ في كتابه بشرط ثم يبيحه على لسان نبيه بانحلال ذلك الشرط وهو من باب نسخ القرآن بالسنة وظاهر الآثار يدل على ذلك روينا في صحيح مسلم عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب انما قال الله تعالى أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم له أجر شهيد أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث سعد بن أبى وقاص ومن مات عاشقا بشرط العفة والكتمان أخرجه الديلمى من حديث ابن عباس وأخرجه الخطيب من حديث ابن عباس وعائشة بسند فيه ضعف ومن قال حين يصبح أو حين يمسي ثلث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلث آيات من آخر سورة الحشر فانه اذا مات من يومه أو ليلته مات شهيدا أخرجه الترمذى عن معقل ابن يسار ومن قرأ آخر سورة الحشر في ليلة فمات من ليلته أخرجه الثعالبى عن أنس ومن مات متوضئا خرجه الآجري عن أنس أيضا ومن صلي الضحي وصام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يترك الوتر في حضر ولا سفر كتب له أجر شهيد أخرجه أبو نعيم من حديث ابن عمر ومن جاءه الموت وهو يطلب العلم أخرجه أبو نعيم أيضا والبزار من حديث أبي هريرة وأبي ذر ومن يسأل الله الشهادة بصدق أخرجه مسلم عن أنس والمؤذن المحتسب أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر فهؤلاء نيف وثلاثون* السنة الرابعة (واذا ضربتم في الارض) أي سافرتم (فليس عليكم جناح) أي حرج وإثم (ان تقصروا من الصلاة) من أربع ركعات الى ركعتين (ان خفتم ان يفتنكم) أي يقاتلكم ويقتلكم الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً أي بين العداوة (وقيل نزلت الآية على غالب أسفار النبى صلى الله عليه وسلم) فلا تكون تعليقية وقيل المراد القصر الى ركعة واحدة في الخوف كما عليه جماعة منهم الحسن والضحاك واسحاق ابن راهويه واستدلوا بالحديث في صحيح مسلم وغيره فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وأكثر أهل العلم على عدم جوازه وتأولوا الحديث على ان المراد ركعة مع الامام وركعة ينفرد بها كما في الاحاديث الصحيحة في صلاته صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف (وروينا في صحيح مسلم) وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن يعلى) بفتح التحتية واللام واسكان المهملة بينهما (ابن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية هو أبوه وأمه اسمها منية بضم الميم واسكان النون هو الخبطى يكني أبا صفوان أسلم يوم الفتح وشهد حنينا والطائف وتبوك (عجبت مما عجبت منه) في بعض نسخ مسلم عجبت ما بحذف من (صدقة) بالرفع خبر هذه مقدر (تصدق الله بها عليكم) فيه جواز قول تصدق الله علينا أو اللهم تصدق علينا قال النووي وقد كرهه بعض السلف وهو غلط ظاهر

فاقبلوا صدقته وروينا في موطأ مالك عن رجل من آل خالد بن أسيد انه سأل عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن انا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر فقال ابن عمر يابن أخي ان الله تبارك وتعالى بعث الينا محمدا ولا نعلم شيئا فانا نفعل كما رأيناه يفعل وقال آخرون ثم الكلام عند قوله أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ وقوله إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا متصل بما بعده من صلاة الخوف وروى عن أبى أيوب الانصاري ان بين نزولهما حولا وهذا لا يبعد ان صح به نقل ومثله قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ ثم قال تعالى اخبارا عن يوسف ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ وأما مسافات القصر فقال الشافعى ومالك وفقهاء المحدثين هى مرحلتان معتدلتان وذلك ثمانية وأربعون ميلا والميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون أصبعا معترضة والأصبع ست شعيرات معترضات وقدر الميل أيضا بأربعة آلاف خطوة أو اثنى عشر ألف قدم والله أعلم* وللقصر شروط احدها أن تكون الصلاة رباعية ومؤداة وان يكون سفره في غير معصية وان ينوي القصر (وفي موطأ مالك) ونحو منه في سنن النسائي (عن رجل من آل خالد) هو عبد الله بن خالد كما في النسائي (ابن أسيد) بفتح الهمزة (انا نجد صلاة الخوف) يعني بها القصر للخوف (وصلاة الحضر) هي في القرآن مفهومة (ولا نجد صلاة السفر) يعني القصر مع الامن (فانا نفعل كما رأيناه يفعل) فيه ما كانوا عليه من اتباعه صلى الله عليه وسلم (أبى أيوب) اسمه خالد بن زيد (الآن حصحص الحق) أي ظهر وتبين (ذلك ليعلم) أي العزيز (اني لم أخنه) في امرأته (بالغيب) أى في حال غيبته (قال مالك والشافعي) وأحمد (وفقهاء المحدثين) كاسحق بن راهويه والحسن والزهري (ثمانية وأربعون ميلا) هاشمية تنسب الى بني هاشم (والاصبع ست شعيرات معترضات) والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون (بأربعة آلاف خطوة) والخطوة ثلاثة أقدام فهو اثنى عشر ألف قدم فمسافة القصر بالاقدام خمسمائة ألف وستة وسبعون ألفا وبالاذرع مائتا ألف وثمانية وثمانون ألفا وبالاصابع ستة آلاف ألف وتسعمائة ألف واثني عشر ألفا وبالشعيرات أحد وأربعون ألف ألف وأربعمائة ألف واثنان وسبعون ألفا وبالشعرات مائتا ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمانمائة ألف واثنان وثلاثون ألفا وللقصر شروط سبعة (أن تكون الصلاة رباعية) قال العلماء انما قصرت الرباعية لان عدد ركعاتها يتشطر واذا تشطر بقى أقل العدد وهو ركعتان وهما أقل الفرائض وهو الصحيح بخلاف المغرب لعدم تشطر ركعاتها والصبح لانها لا يبقى فيها أقل الفرض بعد الشطر (ومؤداة) أو فائتة سفر فيجوز قصرها ولو في سفر آخر لا فائتة حضر فلا تقصر في السفر للزومها تامة ولا فائتة سفر في حضر لانه ليس محل قصر (وان يكون سفره في غير معصية) طاعة كان كحج أو غيرها وان كره كسفر تجارة وسفر منفرد فخرج نحو آبق وناشزة (وان ينوي القصر)

مطلب في الكلام زواج رسول الله عليه وسلم بأم سلمة

مع الاحرام فاذا كانت مسافته مسافة قصر جاز له ان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت ايهما شاء والسنة اذا كان سائرا في وقت الاولى أن يؤخرها الى الثانية والا قدم الثانية اليها ويجوز للحاضر ان يجمع في المطر في وقت الاولى منهما [مطلب في الكلام زواج رسول الله عليه وسلم بأم سلمة] وفيها تزوج النبى صلى الله عليه وسلم أم سلمة هند بنت أبى أمية المخزومية وكانت قبله عند أبى سلمة عبد الله بن عبد الاسد المخزومى روينا فى صحيح مسلم عنهما قالت لما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ان أبا سلمة قد مات قال قولى اللهم اغفر لي وله واعقبني منه عقبي حسنة فقلت فاعقبنى الله من هو خير لي منه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه أيضا عنها من روايات أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما تزوجها اقام عندها ثلاثا فلما أراد ان يخرج أخذت بثوبه فقال انه ليس بك على أهلك هو ان ان شئت سبعت لك وان سبعت لك سبعت لنسائى وان شئت ثلثت ثم درت قالت ثلث وقيل ان ذلك حق للمرأة فيثبت لها ذلك سواء كان عند جازما خلافا لابي حنيفة ومنه ما لو نوي الظهر مثلا ركعتين قاله الامام وما لو قال أؤدي صلاة السفر قال المتولى فان أطلق أتم وجوبا لانه الاصل ومحل نية القصر (مع الاحرام) كنية الصلاة ولا تجب استدامتها بل الانفكاك عما يخالف الجزم وان يعلم جوازه والا كان متلاعبا وان يدوم سفره يقينا حتى يسلم وان لا يقتدي بمتم (فاذا كانت مسافته مسافة قصر) وكان السفر مباحا (جاز له) خلافا لابى حنيفة (الجمع بين الظهر) ومثله الجمعة (والعصر والمغرب والعشاء) لا جمع الصبح مع غيرها ولا العصر مع المغرب لانه لم يرد (في وقت أيهما شاء) أي تقديما وتأخيرا الا الجمعة فلا يتأتي تأخيرها (والسنة اذا كان سائرا في وقت الاولى ان يؤخرها إلى الثانية والاقدم الثانية اليها) لانه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك أخرجه الشيخان عن أنس والترمذي والبيهقي من حديث ابن عمر وأسامة بن زيد ومعاذ بن جبل وافهم كلام الشيخ انه لو كان واقفا عند الاولى ندب التقديم وان كان واقفا عند الثانية أيضا وكذا لو كان سائرا فيهما فيما يظهر (ويجوز للحاضر ان يجمع في المطر في وقت الاولى منهما) لانه صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سفر أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما الا من غير خوف ولا سفر فلمسلم قال الشافعي كمالك أرى ذلك في المطر قال النووى هذا مردود برواية في مسلم من غير خوف ولا مطر قال وأجاب البيهقى بان الاولى رواية الجمهور فهي أولى وقد روينا عن ابن عباس وابن عمر الجمع بالمطر وهو يؤيد التأويل وأجاب غيره بان المراد ولا مطر كثير ولا مطر مستدام فلعله انقطع أثناء الثانية (فائدة) اختار النووي من حيث الدليل جواز الجمع بالمرض تقديما وتأخيرا وتبعه السبكى والاسنوى والبلقينى وغيرهم ثم للجمع شروط وتتمات مبسوطة في كتب الفقه* وفيها تزوج النبى صلى الله عليه وسلم (الاسد) بالمهملة وقيل بالمعجمة كما مر (وفيه أيضا) وفي سنن أبي داود والنسائى (انه ليس بك على أهلك هوان) أى لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك شئ بل

الكلام على ولادة سيدنا الحسين وخبر ابن ابيرق

الزوج غيرها أم لا ونقله ابن عبد البر عن الجمهور واختاره النووي وقيل انما يثبت هذا للجديدة اذا كان عنده غيرها أما المنفردة فلا يتصور في حقها ذلك ورجحه القاضي وبه جزم البغوي من أصحابنا وقد تقرر من حديث أم سلمة وغيرها ان الثيب الداخلة على غيرها مخيرة بين ثلاث بلا قضاء وسبع بالقضاء والبكر تستحق سبعا بلا قضاء والله اعلم* [الكلام على ولادة سيدنا الحسين وخبر ابن ابيرق] وفيها ولد الحسين بن علي السبط رضي الله عنهما قيل حملته أمه بعد موته أخيه الحسن بخمسين ليلة وولد لخمس خلون من شعبان وقيل غير ذلك والله أعلم* وفيها أمر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم زيد بن ثابت ان يتعلم له كتاب يهود ليكتب له كتبهم ويقرأ له كتبهم* وفيها نزل قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً في شأن ابن ابيرق وكان من خبر ذلك ان ابن أبيرق أو بنى ابيرق سرقوا درعا لقتادة بن النعمان او لعمه رفاعة بن زيد وألقوا تهمتها على زيد بن السمين اليهودى فلما وجدت عنده قال دفعها الى طعمة بن ابيرق ففشا ذلك وكبر على قومه بني ظفر وجاؤا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول تأخذينه كاملا ثم بين حقها وانها مخيرة بين ثلث بلا قضاء وسبع بالقضاء فاختارت الثلاث لكونها بلا قضاء وليقرب عوده اليها (واختاره النووي) في شرح مسلم وقال انه الاقوى (وبه جزم البغوي من أصحابنا) في فتاويه* وفيها ولد الحسين (لخمس خلون من شعبان) وعليه فجملة حمله تسعة أشهر تحديدا وفيها نزل إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ بالامر والنهى والفصل لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ أي بما علمك الله وأوحى اليك وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ طعمة بن أبيرق (خصيما) أي معينا (ابيرق) بضم الهمزة وفتح الموحدة واسكان التحتية وكسر الراء ثم قاف غير مصروف (أو بني أبيرق) كانوا ثلاثة بشر وبشير ومبشر (سرقوا) بفتح الراء في الماضى وكسرها في المستقبل (درعا) زاد الترمذي عن قتادة بن النعمان وسيفا وطعاما (تهمتها) بفتح الهاء الاولى أفصح من اسكانها (على زيد بن السمين) وذلك ان الدرع والسلاح كان في جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى الى الدار ثم خباها عنده كما في تفسير البغوي وغيره وفي سنن الترمذي انهم ألقوا التهمة على لبيد بن سهل رجل منهم له صلاح واسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال أنا أسرق والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبين هذه السرقة فقالوا اليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها (طعمة) مثلث الطاء والكسر أفصح كذا وقع في كتب التفاسير انه طعمة وفي كتب الحديث بشير وقال ابن اسحق هو بشير أو طعمة قال السهيلي فليس طعمة اذا اسم له وانما هو كنيته (ففشا) أي ظهر (وكبر) بضم الموحدة أي عظم (على قومه بني ظفر) بفتح المعجمة والفاء (وجاؤا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في سنن الترمذي انهم أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه

الله ذهب هؤلاء الى أهل بيت منا اهل صلاح فرموهم بالسرقه وكرروا عليه ذلك حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قتادة بن النعمان وعمه وهم أن يجادل عن بني أبيرق على ظاهر الامر فأنزل الله تعالى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ الآيات فتضمنت التشريف للنبى صلى الله عليه وسلم وحفظه عن الهم والتفويض اليه والتقويم له على الجادة في الحكم والتأنيب له فيما هم به قيل ولما افتضح ابن أبيرق هرب الى مكة ثم الى خيبر فنقب بيتا للسرقة فسقط عليه فمات مرتدا* وفيها توفي عبد الله بن عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان بلغ ست سنين ونقره ديك في عينه فكانت سبب موته* وفيها توفيت فاطمة بنت أسد رحمها الله أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهي أوّل هاشميه ولدت هاشميا ولدت لابي طالب عقيلا وجعفرا وعليا رضي الله عنه وأم هانىء وجمانة وكان بين كل واحد من بنيها الرجال وبين أخيه عشر سنين وكانت محسنة الى النبي صلى الله عليه وسلم اذ كان في حجر عمه أبي طالب فلما ماتت تولى دفنها واضطجع في قبرها وأشعرها قميصه وقال اضطجعت في قبرها في ذلك فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار (حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتادة بن النعمان) زاد الترمذي فقال عمدت الى أهل بيت ذكر منهم اسلام وصلاح ترميهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال فرجعت ولوددت اني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأتاني عمي فقال ما صنعت يابن أخي فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله المستعان فلم يلبث ان نزل القرآن (ان يجادل) أى يخاصم (على الجادة) بالجيم والدال المهملة المشددة أى الطريق (والتأنيب) بالفوقية فالهمزة الساكنة فالنون فالتحتية فالباء الملامة والتوبيخ ولم يكن في ذلك له صلى الله عليه وسلم ملامة ولا توبيخ وقد قال بعض المفسرين ان الخطاب معه والمراد به غيره كما في كثير من آيات القرآن (هرب الى مكة) زاد البغوى فنزل على رجل من بنى سليم يقال له الحجاج ابن علاط فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع الدخول ولا الخروج فاخذ ليقتل فقال بعضهم دعوه فانه قد لجأ اليكم فتركوه وأخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام فنزلوا منزلا فسرق بعض متاعهم وهرب فطلبوه وأخذوه فرموه بالحجارة حتى قتلوه فصار قبره بتلك الحجارة وقيل ركب سفينة الى جدة فسرق كيسا فيه دنانير فاخذ فالقي في البحر وقيل عبد صنما بجدة الى ان مات وفي الروض الانف انه نزل بمكة على سلامة بنت سعد بن سهيد فقال فيها حسان بن ثابت بيتا يعرض فيه بها فقالت انما أهديت الى شعر حسان وأخذت رجله وطرحته خارج المنزل فهرب الى خيبر ثم انه نقب بيتا ذات ليلة فسقط الحائط عليه فمات ذكر هذا الحديث بكثير من ألفاظه الترمذي ومن رواية يونس ان الحائط الذي سقط عليه كان بالطائف لا بخيبر وان أهل الطائف قالوا حينئذ ما فارق محمدا من أصحابه من فيه خير (وفيها توفي عبد الله بن عثمان) وكانت ولادته بأرض الحبشة كما أخرجه رزين عن ابن عباس رضي الله عنهما (فاطمة بنت أسد) بن هاشم بن عبد مناف (وجمانة) بالجيم وتخفيف الميم وبالنون (في حجر عمه) بفتح الحاء أفصح من كسرها (واشعرها قميصه) أي

مطلب في الكلام على غزوة ذات الرقاع ومشروعية صلاة الخوف

لا خفف عنها من ضغضة القبر والبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة* [مطلب في الكلام على غزوة ذات الرقاع ومشروعية صلاة الخوف] وفيها كان من الغزوات غزوة ذات الرقاع الى نجد يريد غطفان واختلف في تسميتها بذلك على أقوال أصحها ما ثبت فى صحيح البخارى عن أبى موسى الاشعرى ان أقدامهم نقبت فلفوا عليها الخرق ولهذا قال البخارى انها بعد خيبر لان أبا موسى الاشعرى انما جاء بعد خيبر وانتهى صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الخوف* وروى ابن عباس وجابر أن المشركين لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا الى صلاة الظهر يصلون جميعا ندموا أن لا كانوا أكبوا عليهم فقالوا دعوهم فان لهم بعدها صلاة هى أحب اليهم من آبائهم وأبنائهم يعني صلاة العصر فاذا قاموا فيها فشدوا عليهم فاقتلوهم فنزل جبريل بصلاة الخوف رواه البغوي في تفسيره* وجملة القول في صلاة الخوف ان العدوّ اذا كان في غير جهة القبلة فرقهم الامام فرقتين فرقة في وجه العدوّ والاخرى تصلى معه ركعة واذا قام الى الثانية فارقته وأتمت لنفسها وذهبت الى وجه العدوّ ثم جاء الواقفون فاقتدوا به وصلى بهم الثانية فاذا جلس للتشهد قاموا فأتموا ألبسها اياه وجعله شعارا لها وهو الثوب الذى يلى الجسد (ضغطة) بمعجمتين الاولى مفتوحة والثانية ساكنة ثم مهملة أي ضمة (لتلبس) بالبناء للمفعول (وفيها) أى الرابعة وقيل في الخامسة ولم يذكر النووى في شرح مسلم غيره وقال البخاري انها بعد خيبر كما سيأتي (كان من الغزوات غزوة ذات الرقاع) بكسر الراء بعدها قاف مكان من نجد بارض غطفان (لان أرجلهم نقبت فلفوا عليها الخرق) وقيل باسم شجرة هناك وقيل باسم جبل فيه بياض وحمرة وسواد يقال له الرقاع وقيل لانهم رقعوا ثيابهم وقيل الارض التى نزلوها ذات ألوان تشبه الرقاع وقيل لترقيع صلوتهم فيها ويحتمل ان هذه الامور كلها وجدت فيها كما قاله النووي (انها بعد خيبر لان أبا موسى انما جاء) من أرض الحبشة (بعد خيبر) وقد ثبت انه شهد غزوة ذات الرقاع (وصلى بهم النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف) وشرعت يومئذ وقيل في غزوة بني النضير (الى نخل) بالمعجمة هو مكان من المدينة على يومين (اكبوا) أي أقبلوا عليهم (اذا كان في غير جهة القبلة) أو فيها وثم ساتر يمنع المسلمين من رؤيتهم (فرقهم) بالتخفيف والتشديد (والاخري تصلى معه ركعة) في الصبح وثنتين في غيرها (فاذا قام الي الثانية) في الصبح أو الى الثالثة في غيرها (فارقته) بالنية (وأتمت لنفسها) ركعة في الصبح والمغرب وان لم يجئ لصلاة المغرب كيفية في الحديث كما سيأتي عن ابن حجر وركعتين في غيرهما (وذهبت الى وجه العدو) وينتظر الامام الفرقة الثانية في ثانية الصبح وثالثة غيره (ثم جاء الواقفون فاقتدوا به) ويندب ان يطيل القراءة الى أن يلحقوا (وصلى بهم الثانية) من الصبح والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من غيرهما (فاذا جلس للتشهد فاموا فاتموا ثانيتهم) فى الصبح وثالثتهم في المغرب وثالثتهم

ثانيتهم ولحقوه وسلم بهم أو يصلى بكل فرقة مرة وهاتان الكيفيتان رواهما الشيخان فاذا كان العدوّ في جهة القبلة صلى بهم جميعا فاذا سجد سجد معه صف سجدتيه وحرس الآخر فاذا قاموا سجد من حرس ولحقوه وسجد معه في الثانية من حرس أولا وحرس الآخر فاذا جلس للتشهد سجد من حرس وسلم بهم جميعا رواهما مسلم فالاولى صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذات الرقاع ببطن نخل والثالثة بعسفان وهذه الثلاث من أصح وأشهر ما روي في صلاة الخوف ووراء ذلك من الكيفيات المتباينات والخلافات المتعددات بحسب اختلاف الروايات ما يطول ذكره ويعز حصره قال الامام أبو بكر بن العربى المالكي روي عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم انه صلى صلاة الخوف أربعا وعشرين مرة وما ذكرنا من الكيفيات هو فيما اذا كان الخوف متراخيا أما اذا ورابعتهم في غيرهما (ولحقوه) متشهدا (وسلم بهم) لانهم كانوا في حكم القدوة (أو يصلي بكل فرقة مرة) فتكون الثانية له نافلة (وهاتان الكيفيتان رواهما) معا (الشيخان) والنسائي الاولى عن سهل بن أبي حثمة والثانية عن جابر وروي الاولى عن سهل أيضا مالك وأبو داود والترمذي (وان كان العدو في جهة القبلة) ولا حائل يمنع من رؤيتهم وكان في المسلمين كثرة (صلى بهم جميعا) بعد ان يجعلهم صفين فيقرأ ويركع بالجميع (فاذا سجد سجد معه صف) سجدتيه ويسن ان يكون الاول (وحرس الآخر) حتى يقوم الامام من السجود (فاذا قاموا سجد من حرس ولحقوه) فى القيام (وسجد معه في الثانية) صف والافضل ان يكون (من حرس أولا) بعد ان يتقدم الى موضع الصف الاول (وحرس الآخر) بعد ان يتأخر الى موضع الصف الآخر (فاذا جلس) للتشهد سجد من حرس وسلم بهم جميعا (رواه مسلم) وأبو داود والنسائي عن أبي عياش الزرقى (فالاولى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع) وفيها كيفية أخرى وهو ان يصلي باحدي الطائفتين ركعة واحدة والطائفة الاخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والترمذى والنسائي عن ابن عمر قال العلماء وجاز ذلك مع كثرة الافعال بلا ضرورة لصحة الخبر فيه ولا معارض لان احدي الروايتين كانت في يوم والاخري في يوم آخر قال القاضى زكريا ودعوي النسخ باطلة لاحتياجه لمعرفة التاريخ وتعذر الجمع وليس هنا واحد منهما (والثانية ببطن نخل) مكان من نجد بأرض غطفان وقد مرانه من المدينة على يومين (والثالثة بعسفان) في صلاة العصر كما في حديث أبي عياش الزرقي وفيه انه كان على المشركين يومئذ خالد بن الوليد وقد مر انها بئر بقرب خليص (وهذه الثلاث) مع الرابعة التي رواها ابن عمر (أصح وأشهر) أى في الاستعمال والا فأكثر أنواع صلاة الخوف جاءت من طرق مثل هذه في الصحة (المتباينات) أي المختلفات والتباين الاختلاف (أربعا وعشرين مرة) قال النووى وقد روي أبو داود وغيره وجوها أخر

تتمة في الكلام علي تارك الصلاة

التحم القتال فيصلي كل منهم على حسب حاله كيف أمكنه رجالا وركبانا مستقبلي القبلة ومستدبريها مع الكر والفر والضرب المتتابع* قال علماؤنا رحمهم الله وله ذلك في كل قتال مباح للفرار من أمر يخافه على روحه [تتمة في الكلام علي تارك الصلاة] (قال المؤلف) غفر الله زلته وأقال عثرته ففى هذا أدل دليل على أن الصلاة لا رخصة في تركها ولا تحويلها عن وقتها الموقت لها إذ لو كان ذلك لكان هؤلاء المجاهدون لعدو الاسلام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق بذلك وبهذا تميزت عن سائر العبادات اذ كلها تسقط بالاعذار ويترخص فيها بالرخص وتدخلها النيابات ولا يحل القتل في ترك شئ منها وتارك الصلاة كسلا يقتل حدا ولا يحقن دمه اسلامه ثم ان وجوبها منوط بالعقل لا بالقدرة في صلاة الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجها وذكر ابن القصاب المالكي ان النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في عشرة مواطن انتهي قال في التوشيح وقال العراقى أصحها سبعة عشر وقال ابن القيم أصولها ست صفات وبلغها بعضهم أكثر وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وانما هو من اختلاف الرواة قال ابن حجر والامر كما قال وقال الخطابي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة باشكال متباينة يتحرى منها ما هو الاحوط للصلاة والا بلغ للحراسة فهى على اختلاف صورها متفقة المعنى قال ابن حجر ولم يقع في شيء من الاحاديث المروية في صلاة الخوف تعرض لكيفية المغرب (التحم) أي نشب بعضهم في بعض ولم يجدوا مخلصا (فيصلي كل منهم على حسب) أي على قدر (حاله كيف أمكنه رجالا وركبانا) قال تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً (مستقبلي القبلة ومستدبريها) كما قاله ابن عمر في تفسير الآية قال نافع لا أراه الا مرفوعا أخرجه البخاري بل قال الشافعي ان ابن عمر رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم (فى كل قتال مباح) خرج به العاصي بالقتال كالبغاة فلا يصلونها كذلك لان الرخص لا تناط بالمعاصى (يخافه على روحه) أو غيرها من اعضائه كسيل ونار وسبع وغريم وهو معسر ولم يكن له بينة ولم يصدقه (وتارك الصلاة كسلا يقتل حدا) لقوله تعالى فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وقال صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فاذا فعلوا ذلك فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذى وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقال السيوطي وهو متواتر والدليل على عدم كفره بمجرد الترك قوله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيأ كان له عند الله عهد ان يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ان شاء عذبه وان شاء أدخله الجنة وفي رواية ان شاء الله غفر له وان شاء عذبه أخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وصححه هو وغيره والحاكم والبيهقي في السنن من حديث عبادة بن الصامت وجه الدلالة انه لو كفر لم يدخل تحت المشيئة (ولا يحقن دمه) مفعول (اسلامه) فاعل (منوط) أي معلق (بالعقل) سمي به لانه يعقل صاحبه

بدليل ما ذكروا ان العاجز عن القيام يصلى قاعدا فان عجز فمضطجعا على جنبه الايمن فان عجز فمستلقيا على قفاه ويوميء بطرفه ولهذا أشبهت الايمان الذي لا يسقط بحال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم وقال العهد الذي بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الترمذي وصححه والاحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة ولو تتبعتها لبلغت كراريس وسأورد منها طرفا ان شاء الله تعالى صالحا في فصل الصلاة من قسم الشمائل قال العلماء لو جاء محرم من شقة بعيدة مكابدا ان يدرك عرفة قبل طلوع الفجر ليلة النحر وكان حينئذ لم يصل العشاء عن القبائح (بدليل ما ذكروا) أي العلماء مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين وكان مبسولا صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وزاد فان لم تستطع فمستلقيا لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أي طاقتها (ان العاجز عن القيام) بأن لحقته منه مشقة كخوف غرق ودوران رأس لراكب سفينة (يصلي قاعدا) والافضل كونه مفترشا ويكره مقعيا للنهي عنه رواه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري والاقعاء كيفيتان مشهورتان في كتب الفقه احداهما تسن بين السجودين وان كان الافتراش أفضل (فان عجز) عن القعود كما مر (فمضطجعا على جنبه) ويسن ان يكون على (الايمن) فيكره على الايسر بلا عذر (فان عجز) كما مر (فمستلقيا على قفاه) واخمصاه للقبلة ورأسه أرفع ليتوجه به للقبلة (ويوميء) برأسه للركوع والسجود ويكون السجود أخفض فان عجز أومأ (بطرفه) أي بصره فان عجز عن الايماء بطرفه الى أفعال الصلاة أجراها على قلبه وهي صلاة تامة فلا تجب عليه اعادتها ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتا لوجود مناط التكليف (أشبهت الايمان) لانهما قول وعمل واعتقاد (بين العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم) وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر وأخذ بظاهره أحمد وهو عند غيره محمول على تركها جحدا أو على التغليظ أو المراد به استوجب عقوبة الكافر وهو القتل جمعا بين الادلة (العهد الذي بيننا وبينهم الى آخره) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والترمذى وصححه (كراريس) جمع كراسة قال النحاس وهي الورق الذي ألزق بعضه الى بعض من قولهم رسم مكرس أي الصقت الريح التراب به وقال الخليل من اكراس النعم حيث تقف وهى ان تقف في موضع شيئا بعد شيء حتى يتلبد (في فصل الصلاة) بالمهملة (قسم) بكسر القاف (من شقة) بضم الشين المعجمة أى المسافة البعيدة سميت بذلك لمشقتها على النفس وقيل المشقة الغاية التي تقصد (مكابدا) بالموحدة والمهملة أي متحملا الشدائد والكبد لغة الشدة (عرفة) سمى بذلك لان جبريل كان يرى ابراهيم المناسك ويقول له عرفت فيقول عرفت وسمي ذلك المكان عرفة واليوم عرفة أو لان آدم وحواء تعارفا فيها بعد ان أهبط بالهند وهي بجدة أو لان

وبقى من وقتها مالو اشتغل بادائها فاته الحج قالوا ليس له تركها ولا ان يصليها صلاة شدة الخوف على الاصح لانها أفضل من الحج ووقتها مضيق والحج موسع بالعمر ومن اخلاق العامة عظيم انكارهم على المفطر في رمضان من غير عذر وتركهم النكير على تارك الصلاة وليسا في التغليظ سواء ومن اخلاقهم أيضا انكارهم على تارك الجمعات ولا ينكرون على تارك الجماعات وشأنهما واحد وما أجدر تارك الصلاة بأن يجنب مساجد المسلمين ومحاضرهم الكريمة ويستقذر مواكلته ومناكحته ويبكت ويقرع ويعرف سوء حاله وانه مباح الدم فربما ينزجر عن ذلك الناس يعترفون فيها بذنوبهم أو من العرف وهو الطيب أقوال (قالوا ليس له تركها) بل يصلي وان فاته الحج وهذا ما قال الرافعي في الشرح والمحرر وقرره النووى في المنهاج (ولا ان يصليها صلاة شدة الخوف على الاصح) لانه طالب لافار فلا يقاس عليها وصحح الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد انه يصليها كذلك وبقى في المسئلة وجه ثالث لم يذكره المصنف وهو وجوب تأخير الصلاة ليدرك الحج وهذا الوجه هو الذى رجحه الامام النووي في الروضة وقال انه الصواب وجزم به القاضي حسين في تعليقه وجرى عليه ابن الرفعة والاسنوي وغيره من المتأخرين وهو المعتمد وذلك لان قضاء الحج صعب بخلافها وقد عهد تأخيرها للجمع وتجرى الاوجه كما قال الجزري وغيره في الاشتغال بانقاذ غريق وصلاة على ميت خيف انفجاره (ووقتها مضيق والحج موسع بالعمر) هذا عند النووي وموافقيه منقوضة بأنه اذا فاته الحج يضيق عليه قضاؤه (وليسا في التغليظ سواء) وان كان ترك كل منهما كبيرة بدليل القتل بتركها (الجمعات) بضم الجيم والميم جمع جمعة بضم الميم واسكانها وفتحها وحكي كسرها وكانوا في الجاهلية يسمونها عروبة والسبت شبارا والاحد أوّل والاثنين اهون والثلثاء دبارا والاربعاء جبارا والخميس مؤنسا قال الشاعر أؤمل ان أعيش وان يومي ... بأول أو بأهون أو دبار أو الثاني جبار فان أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شبار (وشأنهما واحد) أى من حيث ان التسامح بالجماعة يدل على قلة المبالاة بالفضائل والا فليس شأنهما واحدا في الاثم بالترك الاعلى القول بان الجماعة فرض عين وذلك عندنا وجه ضعيف أما على القول بانها سنة كما قاله الغزالى والبغوي والرافعى وغيرهم فلا يخفى الحكم وأما على القول بانها فرض كفاية كما هو الاظهر وعليه الاكثرون وصححه النووى في جميع كتبه فلا يتأتى ذلك الا اذا تركت أصلا فان قام بها بعض الناس سقط الحرج عن غيره كما هو شأن فرض الكفاية (وما أجدر) أي ما أحق وأحرى (تارك) بالنصب على التعجب (يجنب) أي يؤمر باجتناب (مساجد المسلمين ومحاضرهم) أى مواضع حضورهم (فيبكت) بالموحدة وآخره فوقية (ويقرع) بالقاف فالراء فالمهملة والتبكيت والتقريع والتوبيخ والتثريب الملامة (التوفيق) خلق قدرة الطاعة في العبد وضده الخذلان والعياذ بالله قال بعض العلماء من عزة التوفيق لم يذكر في القرآن بمعناه الا في موضع واحد وهو قوله تعالى وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ وذكر في موضعين آخرين بغير معناه وهو قوله تعالى إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما وقوله إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً

استطراد لذكر قصة غوث بن الحارث

والله ولي التوفيق* [استطراد لذكر قصة غوث بن الحارث] وفي هذه الغزوة كانت قصة غورث بن الحارث وهو ما روينا في صحيح البخارى عن جابر انهم لما قفلوا نزلوا منزلا وتفرقوا في الشجر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه قال جابر فنمنا نومة ثم اذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فأجبناه فاذا عنده اعرابى جالس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال لى من يمنعك منى قلت الله فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أن السيف سقط من يده وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك مني قال كن خير آخذ فتركه وعفي عنه فجاء الي قومه فقال جئتكم من عند خير الناس وأسلم [الكلام على حديث جابر وشراء النبى صلى الله عليه وسلم جمله منه] وفي هذه الغزوة ذكر ابن هشام بروايته عن ابن اسحق حديث جابر في شراء النبي صلى الله عليه وسلم جمله وذلك مخالف لاحدى روايات مسلم عن جابر ان ذلك كان في اقبالهم من مكة الى المدينة قلت وحديث جابر هذا جامع لانواع من الفوائد وقد خرجه الشيخان بألفاظ تتفق وتفترق وقد جمع بينهما الحفاظ وردوا بعضها الى بعض* روينا في صحيحيهما وَتَوْفِيقاً* وفي هذه الغزوة (غورث) بغين معجمة مفتوحة وقد تضم فواو ساكنة فراء مفتوحة فثاء مثلثة وقيل بالكاف بدلها مكبر ورواه الخطابى بالتصغير وبالشك في اعجام الغين واهمالها قال الشمنى أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك انتهى وقد ذكر اسلامه البغوى أيضا والمصنف كما سيأتى ولم يذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (فى صحيح البخاري) ورواه مسلم أيضا (لما قفلوا) بالقاف قبل الفاء أي رجعوا ومنه سميت القافلة لكن استعملت توسعا في الذاهبة أيضا (سمرة) بفتح المهملة وضم الميم (فعلق بها سيفه) أى بغصن من أغصانها كما في رواية (اخترط) أى سل (وأنا نائم) في تفسير البغوى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم متقلد سيفه فقال يا محمد أرني سيفك فأعطاه اياه (صلتا) بفتح المهملة وضمها واسكان اللام وفوقية أى مجردا من غمده (ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية في الصحيح وكان ملك قومه فانصرف حين عفا عنه وقال والله لا أكون في قوم هم حرب لك (وروي ان السيف سقط من يده) حكاه عياض في الشفاء بهذه الصيغة (وقال من يمنعك مني الى آخره) رواه البغوى في التفسير وفي رواية فيه انه جعل يضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه قال في الشفاء وقد حكيت مثل هذه الحكاية انها جرت له يوم بدر وقد انفرد عن أصحابه لقضاء حاجته فتبعه رجل من المنافقين وذكر مثله وقد روى انه وقع له مثلها في غزوة غطفان بذي أمر مع رجل اسمه دعبور بن الحارث وان الرجل أسلم فلما رجع الى قومه الذين أغروه وكان سيدهم وأشجعهم قالوا له أين ما كنت تقول وقد أمكنت فقال إنى نظرت الى رجل أبيض طويل دفع في صدرى فوقعت لظهرى فسقط السيف فعرفت انه ملك وأسلمت* وفي هذه الغزوة (وقد أخرجه) مالك والشيخان وأبو داود والترمذى

واللفظ للبخاري عن جابر بن عبد الله قال كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزاة فابطأبى جملي واعيا فأتى علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال جابر قلت نعم قال ما شأنك قلت أبطأ على جملى واعيا فتخلفت فنزل فحجنه بمحجنه ثم قال اركب فركبت فلقد رأيته اكفه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تزوجت قلت نعم قال أبكرا ام ثيبا قلت بل ثيبا قال أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك قلت ان لي اخوات فأحببت ان اتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن قال اما انك قادم فاذا قدمت فالكيس الكيس ثم قال أتبيع جملك قلت نعم فاشتراه مني بأوقية ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلى وقدمت (أبطأ) تأخر (فاعيا) تعب والاعياء التعب (جابر) منادى حدفت أداته (بمحجنه) بكسر الميم وهو عصا معوج الرأس يلتقط بها الراكب ما سقط منه وفي رواية بعنزة وهي بفتح النون عصا نحو نصف الرمح في أسفلها زج وفي رواية في الصحيح فزجره ودعا له (فلقد رأيته أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لئلا يتقدم بين يديه وفي رواية فما زال بين يدى الابل فقال لى كيف ترى بعيرك فقلت بخير قد أصابته بركتك (أتبيع جملك) زاد في رواية في الصحيح فاستحييت ولم يكن لنا ناضح غيره (قال فقلت نعم) فبعته اياه على ان لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة (بكرا) هي التي لم توطأ (ثيبا) هي التي قد وطئت وزالت بكارتها واسم هذه المرأة التي تزوجها سهيلة بنت مسعود الاوسية (فهلا جارية) بالنصب أى تزوجت جارية (تلاعبها وتلاعبك) في رواية فاين أنت من العذراء ولعابها بكسر اللام ووقع لبعض رواة البخاري بضمها وأما الرواية في كتاب مسلم فبالكسر لا غير قاله عياض وهو من الملاعبة مصدر لاعب وقيل أي على رواية الضم انه من اللعاب وهو الريق وفي رواية فهلا تزوجت بكرا تضاحكك وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها (لى أخوات) كن اخواته تسعا أوستا روايتان جمع بينهما بانهن كن تسعا منهن ثلاث متزوجات فلم يعدهن في رواية لاستغنائهن عنه وعدهن في أخري ولم يسم منهن واحدة (وتمشطهن) بضم المعجمة أي تسرح رؤسهن بالمشط (فالكيس الكيس) بفتح الكاف واسكان التحتية ثم مهملة وهو منصوب على الاغراء أى جامع جماعا كيسا قال بعضهم هذا أصل عظيم في تحسين الهدي في الجماع زاد ابن خزيمة عن جابر فدخلنا حين أمسينا فقلت للمرأة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنى ان أعمل عملا كيسا قالت سمعا وطاعة فدونك فبت حتى أصبحت (باوقية) بضم الهمزة واسكان الواو وكسر القاف وتشديد التحتية وفيه لغة أخري صحيحة حذف الهمزة مع فتح الواو (ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) قبلى في رواية في الصحيح انه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التقدم الى المدينة لكونه عروسا فاذن له قال فلما أتيت المدينة لقينى خالى فسألنى عن البعير فاخبرته بما صنعت فيه فلامني وظاهر هذه انه تقدم الناس جميعا الى المدينة الا ان يحمل على ان النبى صلى الله عليه وسلم تقدم الناس أيضا فاستأذنه جابر في التقدم معه وأمر غيره بالتخلف لامر اقتضي ذلك فلما قدما

بالغداة فجئنا الى المسجد فوجدته على باب المسجد فقال الآن قدمت قلت نعم قال فدع جملك وادخل وصل ركعتين فدخلت فصليت وامر بلالا ان يزن لي أوقية فوزن لي بلال فأرجح في الميزان فانطلقت حتى وليت فقال ادع لي جابرا فقلت الآن يرد على الجمل ولم يكن شيء أبغض الىّ منه قال خذ جملك ولك ثمنه فهذه احدى روايات البخاري وباقي رواياته ورواية مسلم تزيد وتنقص وها أنا اذكر ما سنح من فوائد مجموع رواياته ان شاء الله تعالى من ذلك اختلافهم في أصل اليمن من أوقية الى ست أواقي زاد البخارى بثمان مائة درهم وفي رواية بعشرين دينارا وأكثر الروايات أوقية كما نقله البخارى عن الشعبي وعليهما حملوا باقي الروايات ومنها ان في احدى رواياته انه اشترط حملانه الى المدينة ففيه حجة لمالك واحمد ومن وافقهم في جواز مثل ذلك ومنعه الشافعي وأبو حنيفة لحديث النهى عن بيع وشرط والنهي عن بيع الثنيا وتأولوا قصة جابر بأنها قصة عين يتطرق اليها احتمالات كثيرة* ومنها ان في وكانا بقرب المدينة دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله ولم أر من قاله (قال الآن) بقطع الهمزة للاستفهام (وأدخل وصل ركعتين) فيه ندب صلاتها بالمسجد للقادم من السفر وان صلاة النهار مثنى كصلاة الليل وقد روي أحمد وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل والنهار مثنى مثني (وأمر بلال) فيه جواز التوكيل في قضاء الدين واداء الحقوق (سنح) بالمهملتين بينهما نون مفتوحات أي عرض (من أوقية) المراد بها من الذهب كما فسره في رواية سالم عن جابر وهى أكثر الروايات كما نقله البخاري عن الشعبي (الى ست أواقى) اي من الفضة وهى بقدر أوقية الذهب في ذلك الوقت قال النووي فيكون الاخبار باوقية الذهب عما وقع به العقد وعن أواقى الفضة عما حصل به الايفاء ولا يتغير الحكم ويحتمل أن يكون هذا زيادة على الاوقية كما قال فما زال يزيدني ورواية أربعة دنانير محمولة على ان أحدهما وقع به البيع والاخري زيادة كما في رواية وزادنى أوقية (وفي رواية بعشرين دينارا) محمولة على دنانير صغار كانت لهم ورواية أربع أواق شك فيها الراوي فلا تعتبر (الشعبي) بفتح المعجمة واسكان المهملة اسمه عامر بن شراحيل وقيل شرحبيل (حملانه) بضم المهملة أي الحمل عليه (ففيه حجة لمالك) في جواز ذلك اذا كانت مسافة الركوب قريبة وحمل الحديث على هذا (وأحمد ومن وافقهما في جواز ذلك) مطلقا (وأبو حنيفة) اسمه النعمان بن ثابت توفي ببغداد سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة وقد تقدم ذكر الشافعى ومالك وأحمد أوّل الكتاب (النهى عن بيع وشرط) رواه الشيخان وغيرهما (والنهي عن بيع الثنيا) رواه مسلم والترمذى وزاد الا ان تعلم وهي بضم المثلثة واسكان النون ثم تحتية مفتوحة الاستثناء في البيع (يتطرق اليها احتمالات كثيرة) منها انه صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطيه الثمن ولم يرد حقيقة البيع ومنها انه يحتمل ان الشرط لم يكن في نفس العقد بل كان

رواية ان النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما ماكسه وطلب منه البيع قال جابر فان لرجل علىّ اوقية ذهب فهو لك بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذته بها ففيه دليل على ان البيع ينعقد بلفظه وبما يؤدي معناه من الكنايات وقد يحتج به من يمنع انعقاده بالمعاطاة ولا حجة فيه فان المختار انعقاد البيع بها وانما يجوز مع حضور العوضين فيعطى ويأخذه* ومنها ان في احدى رواياته امهلوا حتى يدخلوا ليلا أى عشاء كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة ففيه استعمال مكارم الاخلاق والشفقة على المسلمين والنهى عن تتبع العورات وليس فيه معارضة لحديث النهى عن الطرق ليلا لانه فيمن جاء بغتة واما هؤلاء فقد تقدم خبر مجيئهم والكيس كلمة مشتركة لمعان والمراد هنا حثه على طلب الولد وفيه من الفوائد جواز الوكالة فى أداء الدين واستحباب ارجاح الوزن والزيادة في القضاء لأن في رواية انه زاد قيراطا فقال جابر لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحفظه حتى أصيب منه يوم الحرة ففيه التبرك بآثار الصالحين وفيه جواز طلب البيع ممن لم يعرض سلعته والمماكسة له سابقا فلم يؤثر ثم تبرع صلى الله عليه وسلم باركانه (ماكسه) أي ناقصه من ثمنه قال أهل اللغة المماكسة المكالمة في النقص من الثمن وأصلها النقص ومنه مكس الظالم (ففيه دليل على ان البيع الى آخره) موضع الدليل قول جابر هو لك وقول النبى صلى الله عليه وسلم قد أخذته بها (وقد يحتج به من يمنع انعقاده بالمعاطاة) وانه لا بد من الايجاب والقبول وهو الذي قاله الجمهور (فان المختار) عند جماعة منهم البغوي والمتولى والنووي (انعقاد البيع بها) في كل ما يعده الناس بيعا وخص الرويانى وابن شريح وغيرهما ذلك بالمحقرات كرطل خبز وعلى ما قاله الجمهور قال الغزالى في الاحياء يتملك البائع الثمن الذي قبضه ان ساوى قيمة ما دفعه هذا كله في الدنيا أما في الآخرة فلا مطالبة لطيب النفس بها واختلاف العلماء (وانما يجوز مع حضور العوضين فيعطي ويأخذ) هذا قاله النووي في شرح مسلم وغيره وظاهره اشتراط حضور العوضين وان يعطي ويأخذ والذي نقلوه عن الذخائر ان صورة المعاطاة ان يتفقا على الثمن والمثمن ثم يعطى المشتري من غير ايجاب ولا قبول وظاهر هذا عدم اشتراط ذلك قال في الايضاح للناشرى والظاهر ان الجميع معاطاة وهو متجه (وتستحد) الاستحداد ازالة الشعر بالحديدة وهى الموسى والمراد هنا ازالته كيف ما كانت (المغيبة) بضم الميم وكسر المعجمة وسكون التحتية أى التى غاب زوجها (والكيس) بفتح الكاف واسكان التحتية كما سبق (والمراد هنا حثه على طلب الولد) كما فسره البخاري وفسره ابن حبان بالجماع وفسره بعضهم بالرفق وحسن التأني (يوم الحرة) كانت سنة ست وثلاثين من الهجرة وكان فيها قتال ونهب من أهل الشام وقتل بها ابنان لعبد الله بن العباس بن عبد المطلب وهما صغيران بين يدي أمهما وهما قثم وعبد الرحمن وسببها ان أهل المدينة خلعوا يزيد بن معاوية لفسقه فارسل جيشا استباحوا المدينة وقتلوا

مطلب في الكلام على غزوة بنى المصطلق وهي غزوة المريسيع

ففي رواية ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له أتراني ما كستك لآخذ جملك الجمل والثمن لك وفيه استحباب نكاح الابكار وجواز ملاعبة النساء وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث انبعث جمل جابر بعد ان أعيا وكل فصار أنشط الابل وفيه منقبة لجابر حيث ترك حظ نفسه لما يصلح بحال أخواته* [مطلب في الكلام على غزوة بنى المصطلق وهي غزوة المريسيع] وفيها كانت غزوة بني المصطلق من خزاعه وهي غزوة المريسيع قال موسى بن عقبة كانت سنة أربع وقال ابن اسحق سنة ست والصواب الاول بدليل ان فيها حديث الافك وجرى فيه ذكر سعد بن معاذ وسعد أصيب يوم الخندق والخندق على الاصح سنة أربع فعلم بهذا ان المريسيع قبلها وكان من خبر بنى المصطلق انهم أجمعوا الحرب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحين علم بهم خرج واستعمل على المدينة اباذر الغفاري رضي الله عنه فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمريسيع من ناحية قديد فهزم الله بنى المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت وأصيب يومئذ هشام بن صبابة من المهاجرين بأيدي المسلمين خطأ فقدم أخوه مقيس من مكة وأظهر الاسلام من وجوه المهاجرين والانصار ألفا وسبعمائة ومن أخلاط الناس عشرة آلاف سوي النساء والصبيان وكان جابر خرج يومئذ يطوف في أزقة المدينة وهو أعمي والبيوت تنهب وهو يعثر في القتلي ويقول تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له قائل ومن أخاف رسول الله فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخاف المدينة فقد أخاف ما بين جنبي فحملوا عليه ليقتلوه فاجاره مروان وأدخله بيته ويقال لهذه الحرة حرة زهرة وقد وقف بها النبى صلى الله عليه وسلم وقال ليقتلن بهذا المكان رجال هم خيار أمتي بعد أصحابى ذكر ذلك الزبير بن بكار في أخبار المدينة (منقبة) أى فضيلة* وفيها كانت غزوة (بني المصطلق) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وقاف لقب خزيمة بن عمرو قال في القاموس سمى به لاجل صوته وكان من أوّل من غني من خزيمة (المريسيع) بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتيتين بينهما مهملة مكسورة وآخره مهملة ويجوز اعجامها ماء بالحجاز لبني خزاعة (قال موسى بن عقبة كانت سنة أربع) كذا نقله البخارى عنه وهو سبق قلم والدى في مغازيه انها سنة خمس (انهم أجمعوا الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البغوي وكان قائدهم الحرث بن أبى ضرار أبو جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أباذر الغفاري) اسمه جندب بن جنادة على الاصح في اسمه واسم أبيه (قديد) بئر عند عقبة خليص (ونفل) بالتشديد (يا) حرف نداء (منصور) منادي (أمت أمت) أمر من الاماتة (تنبيه) غزوة بنى المصطلق رواها الشيخان عن عبد الله بن عمر (ابن صبابة) الاكثرون على انه بمهملة مضمومة وعن ابن أبى الصيف أنه باعجامها ثم موحدة ثم ألف ثم موحدة (مقيس) بضم الميم وكسرها واسكان القاف وفتح التحتية ثم مهملة

الكلام علي سبب نزول سورة المنافقين

فأمر له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدية أخيه ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ورجع الى مكة مرتدا ففى ذلك يقول شفى النفس ان قد بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الاخادع وكانت هموم النفس من قبل قتله ... تلم فتحمينى وطاء المضاجع حللت به وتري وأدركت ثورتى ... وكنت الى الاوثان أوّل راجع ثم قتل عام الفتح وهو متعلق بأستار الكعبة ونزل فيه قوله تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ الآية* [الكلام علي سبب نزول سورة المنافقين] وفي هذه الغزاة سبب نزول سورة المنافقين وذلك أنه اقتتل مهاجرى وأنصاري فتداعى الفريقان فأنف عبد الله بن أبىّ وقال لقومه (فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه) في تفسير البغوي انه وجده قتيلا في بنى النجار فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رجلا من بني فهر الى بني النجار انهم ان علموا قاتل هشام بن صبابة دفعوه الي مقيس فيقتض منه وان لم يعلموه ان يدفعوا اليه ديته فقالوا سمعا وطاعة ما نعلم له قاتلا ولكن نؤدي ديته فأعطوه مائة من الابل ثم انصرفا راجعين الى المدينة فأتي الشيطان مقيسا فوسوس اليه فقال تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة أقتل الذى معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية فتغفل الفهري فرماه بصخرة فشدخه ثم ركعب بعيرا وساق بقيتها راجعا الى مكة كافرا انتهى (ثم عدا على قاتل أخيه فقتله) هذا خلاف ما ذكره ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر انه انما قتل زهير بن عياض المرسل معه الي بنى النجار وقاتل أخيه خطأ منهم (تلم) بضم أوله (وتري) بكسر أوله وفتحه ثم فوقية يعنى الوجل الذي في قلبه بسبب قتل أخيه والموتور الذي قتل له قتيل لم يدرك بدمه (ثورتى) بفتح المثلثة واسكان الواو وفتح الراء أى ثأرى (ثم قتل عام الفتح) قتله تميلة بالفوقية بن عبد الله ذكره ابن عبد البر عن ابراهيم بن سعد عن ابن اسحاق قال وكان رجلا من قومه (ونزل فيه) أي بسببه (قوله تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها الآية) فلا حجة فيه للمعتزلة وغيرهم ممن يقول بتخليد أهل الكبائر في النار لما تقرر انها نزلت في قاتل هو كافر ولا لمن يقول بعدم قبول توبة القاتل لذلك أيضا وقيل ان الآية نزلت في القاتل المستحل لانه حينئذ مرتد وقيل معنى قوله فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ أي اذا جازاه ولكنه تحت المشيئة ودلائل أهل السنة على قبول توبة القاتل وعدم التخليد في النار بالكبائر كثيرة شهيرة وفي هذه الغزوة (اقتتل مهاجرى) اسمه جهجاه بن سعيد أو ابن قيس الغفاري كان أجيرا لعمر رضى الله عنه يقود له فرسه ومات بعد قتل عثمان اخذته الاكلة في ركبته فمات منها قال السهيلى وكان كسر بركبته عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب بها وذلك انه انتزعها من عثمان حين أخرج من المسجد ومنع من الصلاة فيه فكان أحد المعينين عليه حتى كسر العصما على ركبته فيما ذكروا فابتلى بما ابتلى به من الاكلة والعياذ بالله (وانصارى) اسمه سنان بن وبرة الجهني حليف لبنى عوف بن الخزرج وكان اقتتالهم بسبب حوض شربت منه ناقة الانصاري كما في تفسير ابن مردويه (فتداعي الفريقان) فصرخ الجهنى يا معشر الانصار وصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين فاعان جهجاها الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال وكان فقيرا (فانف عبد الله بن ابي) زاد البغوى عن ابن اسحاق وغيره وقال قد

لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا يقول انما حملهم على هذا نفقاتكم التى تنفقونها عليهم فلو تركتموهم لاحتاجوا وانفضوا من حوله وقال لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الاعز منها الاذل في كلام كثير قاله فحمل زيد بن أرقم الانصارى مقالته الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعاتبه النبى صلى الله عليه وسلم فحلف ما قال شيأ من ذلك وان زيدا لكاذب وصدقه من حضر من الانصار وكذبوا زيدا ولاموه حتي استحي وندم ووقع الخوض في ذلك فارتحل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسار بهم يومهم وليلتهم وصدرا من يومهم الثانى ثم نزل بهم فلم يكن الا أن وجدوا مس الارض وقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغلهم عن الحديث الذي كانوا فيه بالامس ولما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزلت عليه سورة المنافقين فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باذن زيد وقال يا زيد ان الله عز وجل قد صدقك وأوفى باذنك وكان عبد الله بن أبى بقرب المدينة فلما أراد دخولها منعه ابنه عبد الله بن عبد الله وقال والله لا تدخلها الا باذن رسول نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قال القائل سمن كلبك ياكلك (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتي ينفضوا) قال البغوى أقبل ابن أبي على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل طعام لم يركبوا رقابكم ولتحولوا الى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد (وقال لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل) زاد البغوي يعني بالاعز نفسه وبالاذل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد بن ارقم أنت والله الذليل القليل البغيض في قومك ومحمد في عز من الرحمن ومودة من المسلمين فقال عبد الله بن أبي اسكت فانما كنت ألعب (فحمل زيد بن أرقم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته) وذلك بعد فراغه من الغزو زاد البغوي وعنده عمر بن الخطاب فقال دعنى أضرب عنقه يا رسول الله فقال فكيف يا عمر اذا يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه ولكن آذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس (فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم) وقال له أنت صاحب الكلام الذى بلغني (فحلف) فقال والذي أنزل عليك الكتاب (ما قلت شيأ من ذلك وان زيدا لكاذب) زاد البغوى وكان عبد الله في قومه شريفا عظيما (فصدقه من حضره من الانصار) وقالوا يا رسول الله عسى ان يكون هذا الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبى صلى الله عليه وسلم (وكذبوا زيدا ولاموه) زاد البغوى وقال له عمه ما زدت الا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ومقتوك (حتى استحي) بعد ذلك ان يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأوفى باذنك) بفتح الهمزة والذال المعجمة أي صدقك فيما قلت انك سمعته والاذن بالفتح الاستماع (ولتعلمن اليوم من الاعز من الاذل) زاد البغوى فشكا عبد الله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان خل عنه فقال له أما اذ جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعم (حتى ينفضوا)

تتمة في زواج رسول الله بجويرية بنت الحارث من سبايا بنى المطلق واسلامهم

الله صلى الله عليه وسلم ولتعلمن اليوم من الاعز ومن الاذل فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان خل عنه فلم يلبث عبد الله بن أبى بعدها الا قليلا ومات على نفاقه قالوا ولما نزلت السورة قيل لعبد الله بن أبي قد نزل فيك آيات شديدة فاذهب الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لك فألوى برأسه استكبارا فنزل قوله تعالى وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ ونزل قوله تعالى هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي فلا يعطى أحد احدا شيئا الا باذن الله ولا يمنعه الا بمشيئته قيل لحاتم الاصم من أين تأكل فقال وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقال الجنيد بن محمد البغدادي خزائن السموات الغيوب وخزائن الارض القلوب وكان أبو بكر الشبلي يقول ولله خزائن السموات والارض فأين تذهبون ولكن المنافقين لا يفقهون انه اذا أراد أمرا يسره* [تتمة في زواج رسول الله بجويرية بنت الحارث من سبايا بنى المطلق واسلامهم] وكان من سبايا بنى المصطلق ام المؤمنين جويرية بنت الحرث بن أبي ضرار وكان أبوها قائد الجيش يومئذ وصارت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وكاتبته أى يتفرقوا (لحاتم الاصم) هو عبد الرحمن حاتم بن عنوان وقيل حاتم بن يوسف الاصم قال القشيري عبد الكريم بن هوازن كان من أكابر مشايخ خراسان وكان تلميذ شقيق وهو استاذ أحمد بن حضرويه قيل لم يكن به صمم وانما تصامم مرة فسمى به مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين ثم روي عن أبي على الدقاق انه قال جاءت امرأة فسألت حاتما عن مسئلة فاتفق انه خرج منها في تلك الحالة صوت فخجلت قال حاتم ارفعي صوتك فأرى من نفسه انه أصم فسرت المرأة بذلك وقالت انه لم يسمع الصوت فغلب عليه اسم الصمم (الجنيد بن محمد البغدادي) قال السبكي في الطبقات هو ابو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد الجزار القواريري الزاهد أصله من نهاوند ومنشأه ومولده بالعراق شيخ الطريقة سيد الطائفة تفقه على أبي ثور وكان يفتي بحلقته وله من العمر عشرون سنة انتهى صحب السري والحارث المحاسبي ومحمد بن على القصاب ومن كلامه نفع الله به العارف من نطق عن سرك وأنت ساكت ومنه ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وترك المألوفات والمستحسنات ومنه لو أقبل صادق على الله بقلبه ألف ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله ومنه من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا تقتدوا به في هذا الامر لان علمنا مقيد بالكتاب والسنة توفي سنة سبع وتسعين ومائتين ودفن بالشونيزية عند خاله السرى نفع الله بهما ورحمهما (أبو بكر الشبلى) اسمه دلف بضم المهملة وفتح اللام ثم فاء ابن جحدر بجيم فمهملة فراء قال القشيري في الرسالة بغدادي المولد والمنشأ أصله من أشر وسنة صحب الجنيد ومن عاصره وكان نسيج وحده حالا وطرقا وعلما مالكى المذهب عاش سبعا وثمانين سنة ومات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وقبره ببغداد (جويرية) تصغير جارية بالجيم والتحتية كان اسمها قبل ذلك برة فغيره رسول الله كراهية التزكية (ضرار) بكسر المعجمة وتخفيف الراء (وصارت في سهم ثابت بن قيس) الى قوله

الكلام على رخصة التيمم وسببها وأحكامه

وجاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستعينه في كتابتها وكانت ملاحة من رآها أحبها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهل لك في خير من ذلك أقضى كتابتك واتزوجك قالت نعم قال قد فعلت فتزوجها فلما شاع في الناس خبر تزويجه لها ارسلوا ما بأيديهم من سبي بني المصطلق وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فما أعلم امرأة كانت على قومها أعظم بركة منها فلقد أعتق بسببها مائة أهل بيت وبعد ان اسلم بنو المصطلق بعث اليهم النبي صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ليأتى بصدقاتهم فتلقوه بالاكرام فخافهم ورجع وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم انهم أرادوا قتله فجاؤا خلفه وحلفوا ما أرادوا ذلك ثم بعد ذلك بعث اليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد وأمره ان يخفي عنهم عسكره حتى يتبين أمرهم فوجدهم طائعين مؤدين قيل ونزل في الوليد بن عقبة قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ الى نادِمِينَ [الكلام على رخصة التيمم وسببها وأحكامه] وفي هذه الغزاة نزلت رخصة التيمم وسببها ما رويناه في الصحيحين وغيرهما بألفاظ تختلف وتأتلف عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه (فلقد أعتق بسببها مائة أهل بيت) أخرجه أبو داود عن عائشة وشماس بتشديد الميم (وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها) فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث وانه كان من أمرى مالا يخفي عليك واني وقعت في سهم ثابت بن قيس وأني كاتبت على نفسي وجئتك تعينني (وكانت ملاحة) بضم الميم وتشديد اللام أي بارعة الجمال وهذا البناء للمبالغة في الملاحة في سنن أبي داود بعد ذلك لها في العين حقا قالت عائشة فلما قامت على الباب ورأيتها كرهت مكانها وعرفت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيري منها مثل الذى رأيت (من ذلك) بكسر الكاف قالت وما هو قال (اقضى) فى رواية أبي داود أؤدي (عنك كتابتك) أي المال الذي كاتبت عليه (وأتزوجك) فيه جواز التصريح بالخطبة للخلية من الزوج وعدة الغير (قالت نعم) لفظ أبى داود قالت قد فعلت (حتى يستبين أمرهم) بفتح الراء وضمها (فوجدهم طائعين مؤدين) في تفسير البغوى وسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء (قيل ونزل في الوليد بن عقبة) جزم به البغوي ولم يذكر غيره (فاسق) يعنى الوليد بن عقبة (بنبأ) بخبر (فتبينوا) قريء من التبين ومن التثبت (ان تصيبوا) كيلا تصيبوا بالقتل والقتال (قوما) برآء بجهالة منكم لبراءتهم (فتصبحوا على ما فعلتم) من اصابتكم اياهم خطأ (نادمين) وفي هذه الغزوة أي غزوة بنى المصطلق كما قاله ابن سعد وابن حبان وابن عبد البر وأغرب الداودي فقال كانت في غزوة الفتح (رخصة) أفاد المصنف ان التيمم رخصة فيقضي العاصى بسفره وقيل عزيمة (التيمم) لغة القصد يقال تيممت فلانا ويممته وياممته أي قصدته ومنه قوله تعالى وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وشرعا ايصال التراب الى الوجه واليدين بشرائط مخصوصة وهو ثابت كتابا

وسلم حتى اذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس الى أبى بكر رضى الله عنه فقالوا الا ترى ما صنعت عائشة اقامت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذى قد نام فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فعاتبنى أبو بكر وقال ما شاء الله ان يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعنى من التحرك الامكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذى فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا فقال اسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبى بكر قالت عائشة فبعثنا البعير الذى كنت عليه فوجدنا العقد تحته: اختلفوا في آية التيمم المذكورة في حديث عائشة فقيل آية المائدة وقيل آية النساء قال ابن العربى هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء يعنى قول عائشة فنزلت آية التيمم قلت والاقرب انها آية النساء وله دلائل كثيرة وسنة واجماعا ومن خصائص هذه الامة (بالبيداء) بفتح الموحدة أوله والمد (أو بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون التحتية واعجام الشين موضعان بين المدينة وخيبر كذا جزم به النووى قال ابن حجر واستبعد ذلك بعض شيوخنا أي كما مر ان ذلك وقع في غزوة بنى المصطلق وهي غزوة المريسيع والمريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل قال وما جزم به النووي مخالف لما جزم به ابن التين فانه قال البيداء هى ذو الحليفة وقال أبو عبيد البكري البيداء أدنى الى مكة من ذي الحليفة وهو المشرف الذي قدام ذي الحليفة من طريق مكة قال وذات الجيش من المدينة على بريد وبينها وبين العقيق سبعة أميال والعقيق من طريق مكة لامن طريق خيبر فاستقام ما قال ابن التين انتهى ويؤيده ما في مسند الحميدي ان القلادة سقطت بالابواء والابواء بين مكة والمدينة وفي رواية لجعفر القرناني في كتاب الطهارة انها سقطت بمكان يقال له الصلصل بضم المهملتين بينهما لام ساكنة جبل عند ذى الحليفة قاله البكري فعرف تصويب ما قاله ابن التين (عقد) بكسر العين كلما يعقد ويعلق في العنق (لى) اضافته اليها لكونه في يدها والا فهو ملك اسماء استعارته منها كما في الصحيح (على التماسه) أى على طلبه (فخذي) بكسر المعجمة واسكانها في العضو وباسكانها فقط في القبيلة ويجوز لغة كسر الفاء مع كسر الخاء وسكونها (يطعن) بضم العين في الحسى وفتحها في المعنوى على المشهور فيهما (في خاصرتى) باعجام الحاء واهمال الصاد وهي الجنب أو الوسط (حتى أصبح) هذا لفظ البخاري في الفضائل ولفظه في التيمم فقام حين أصبح قال في التوشيح والمعنى متقارب لان كلا منهما يدل على ان قيامه من نومه كان عند الصبح (فتيمموا) فعل ماض وليس أمرا (أسيد بن حضير) مر انهما مصغران وان حضيرا بالمهملة فالمعجمة (ما هي باول بركتكم) أي بل هي مسبوقة بغيرها من البركات والبركة كثرة الخير (يا آل أبي بكر) أي أهله وعياله ويروي بحذف الهمزة والالف من الآل تخفيفا (معضلة) بالمهملة ثم المعجمة والداء العضال هو الذي لا دواء له (قلت والاقرب انها آية النساء وله دلائل كثيرة) قلت بل هي

والله أعلم ويستفاد من حديث عائشة هذا بعد المقصود الاكبر وهو التيمم جواز عارية الخلي وغيره والمسافرة به باذن المعير في ذلك لان في احدى رواياته ان العقد كان لاسماء اعارته عائشة وفيه الاعتناء بحفظ حقوق الناس وان قلت ولحق مشقة في حفظها وفيه تأديب الرجل ابنته وان كانت كبيرة مزوجة خارجة عن بيته واعلم ان التيمم مما خصت به هذه الامة توسعة عليها وشرفا لها لشرف نبيها قال صلى الله عليه وسلم فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الارض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا* اما احكام التيمم فانه يجزى عن كل حدث وشرائطه خمس وجود العذر من سفر أو مرض ودخول الوقت وطلب الماء أو تعذر استعماله آية المائدة كما في بعض روايات البخارى (فضلنا على الناس بثلث الى آخره) رواه أحمد ومسلم والنسائي من حديث حذيفة (جعلت صفوفنا) في الصلاة وفي الحرب (كصفوف الملائكة) عند ربها (وجعلت لنا الارض كلها مسجدا) نصلي فيه حيث نشاء ولا تتعين علينا المساجد لصحة الصلاة كما كانت على بني اسرائيل (وجعلت تربتها) أى ترابها (لنا طهورا) اذا لم نجد الماء كما في صحيح مسلم قال النووى قال العلماء المذكور هنا خصلتان لان قضية الارض في كونها مسجدا وطهورا خصلة واحدة وأما الثالثة فمحذوفة هنا ذكرها النسائي وأحمد فقال أوتيت الآيات خواتم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبى قبلى (يجزي) بفتح أوله بلا همز من جزي أى كفى وبضم أوله مع الهمز من أجزأ (عن كل حدث) أصغر أو أكبر وعن الاطهار المسنونة أيضا (من سفر) أى من فقد ماء فعبر بالسفر لان الفقد يكون فيه غالبا وشرطه ان لا يكون معصية والا تيمم وقضي والفقد الشرعى كان وجد ماء مسبل للشرب كالحسي (أو مرض) ولو حضرا لقوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أي وخفتم من استعمال الماء محذورا فَتَيَمَّمُوا بقرينة تفسير ابن عباس المرض بالجرح والجدري ونحوهما فيتيمم مريض خاف من استعمال الماء على نفس أو عضو أو منفعته أو خوف مرض مخوف أو زيادة فيه أو في مدته أو حصول شين فاحش في عضو ظاهر ولو باخبار طبيب مقبول الرواية كعبد وامرأة أو عرف ذلك من نفسه والاتيمم وقضى كما جزم به البغوى فى فتاويه وأيد بنص الشافعى ان المضطر اذا خاف من الطعام المحضر اليه انه مسموم جاز له تركه والانتقال الى الميتة فما جزم به النووي في التحقيق ونقله في الروضة عن أبي على السخي وأقره غير معتمد (ودخول الوقت) يقينا للصلاة ولو نافلة فهو قبل دخول الوقت باطل لانه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبل دخول الوقت فلا تيمم للصلاة على ميت الا بعد طهره ولا لصلاة الاستسقاء الا بعد تجمع المصلين أو معظمهم ولا لفائتة الا بعد تذكرها لان ذلك وقتها كما رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أنس (وطلب الماء) لقوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ولا يقال لم يجد الا بعد الطلب ويشترط كون الطلب في الوقت يقينا أيضا وطلب نائبه كطلبه وكيفية الطلب مستوفاة في كتب الفقه (أو تعذر استعماله) بان حال بينه وبينه نحو سبع أو كان

والتراب الطاهر وفرائضه اربع نية الفرض ومسح الوجه واليدين الى المرفقين بضربتين فصاعدا والترتيب وسننه التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى والموالاة ويبطله ما يبطل الوضوء ووجود الماء ثم عطشان محترم (والتراب الطاهر) فلا يجوز التيمم بغير التراب ولا به وقد خالطه نحو دقيق وان قل ولا به نجسا لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أى اقصدوا ترابا طاهرا ولا به مستعملا قياسا على الماء ولا بما لا غبار له كرمل أو فيه غبار ولكن الرمل يلصق بالمحل وعده التراب شرطا كما صنعه الرافعى أحسن مما في أصل الروضة من عده ركنا اذلو حسن عد التراب ركنا في التيمم لحسن عد الماء ركنا في الطهر به (وفرائضه) أي أركانه (أربعة) على ما قاله المصنف وذلك لانه حذف النقل وهو معدود من الاركان لان الآية أمرت بالتيمم وهو القصد والنقل طريقه (نية الفرض) لقوله صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عمر وأبو نعيم والدار قطنى عن أبي سعيد وابن عساكر عن أنس والعطار عن أبى هريرة ويجب قرنها بالنقل لانه أوّل الاركان واستصحابها ذكرا الي مسح شئ من الوجه ولا يجزي الابنية الاستباحة لانية التيمم ولا فرضه أو فرض الطهر أو التيمم المفروض لانه طهارة ضرورة فلا يصلح مقصدا وبهذا فارق الوضوء نعم تكفيه نية التيمم بدلا عن طهر مسنون (ومسح الوجه واليدين الى) أي مع (المرفقين) لقوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ويجب كونه (بضربتين) لخبر الحاكم والطبرانى عن ابن عمر التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين الي المرفقين وهذا الحديث وان صح وقفه على ابن عمر فقد روى أبو داود انه صلى الله عليه وسلم تيمم بضربتين لكن قال في المجموع ان هذا الحديث فيه راو ليس بالقوى عند أكثر المحدثين ومع هذا صحح وجوبهما وقال انه المعروف من المذهب وصحح الرافعي الاكتفاء بضربة واحدة لحديث عمار لما أجنب وتمرغ في التراب لعدم الماء قال له صلى الله عليه وسلم انما كان يكفيك ان تقول بيدك هكذا ثم ضرب بيديه الارض ضربة واحدة ثم نفضهما ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه رواه الشيخان وجواب النووى عنه بان المراد بيان صورة الضرب للتعليم لا بيان جميع ما يحصل به التيمم لا يخفى ضعفه كما قال الزركشى (فصاعدا) منصوب على الحال وظاهره عدم كراهة الزيادة على الضربتين وليس مرادا نعم ان لم تكفيا فالزيادة واجبة (والترتيب) كالوضوء وان كان حدثه أكبر وان تمعك بخلاف الغسل منه لان البدن فيه واحد فهو كعضو في الوضوء وأما الوجه واليدان في التيمم فمختلفان (وسننه التسمية) ولوجنبا (وتقدم اليمنى على اليسري) وأعلى الوجه كالوضوء وان اقتضت عبارة الجمهور انه لا استحباب في البداءة بشيء من الوجه دون شيء (والموالاة) بين المسحين بتقدير التراب ماء وبينه وبين الصلاة خروجا من خلاف من أوجبه ومن السنن الاتيان في مسح اليدين بالكيفية المشهورة وامرار التراب على كل العضو وتخفيف التراب والسواك والذكر المأثور بعده وصلاة ركعتين عقبه وكل سنة من سنن الوضوء تتأتي هنا (ويبطله ما أبطل الوضوء) . وهو الخارج من السبيلين وزوال العقل واللمس بشرطه والمس بشرطه (ووجود الماء) أو توهمه وان لم

الكلام على حديث الإفك وخبر ذلك

فى غير الصلاة وصاحب الجبائر يمسح عليها ولا يعيد ان كان وضعها على طهر ولا يصلي بتيمم واحد أكثر من فريضة ويتنفل ما شاء والله اعلم وهذا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وسيأتى كيفية تيممه صلى الله عليه وآله وسلم وما اختاره المحدثون من ذلك في قسم الشمائل إن شاء الله تعالى والله ولى التوفيق* [الكلام على حديث الإفك وخبر ذلك] وفي هذه الغزوة جرى حديث الافك* وقد اتفق على تخريجه الشيخان وألفاظهم فيه متقاربة وقد كفاناها ابو عبد الله الحميدى في الجمع بين الصحيحين له فرواه عنهما من حديث الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن أبى وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكف بلا مانع كسبع وعطش محترم (في غير الصلاة) أي قبل الدخول فيها بخلافه بعده كما لو شرع المكفر في الصوم ثم وجد الرقبة نعم يسن قطعها ليتوضأ خروجا من خلاف من أوجبه (ويحرم ان ضاق الوقت) فلا يبطل حتي يسلم وله تسليم الثانية معا نعم ان وجب قضاء فرضها كأن تيمم بمحل يغلب فيه وجود الماء بطل التيمم برؤية الماء أو توهمه بشرط ولو بعد الدخول فيها ومن مبطلات التيمم الردة ودخول الوقت كما في المجموعة (وصاحب الجبائر) جمع جبيرة وهى أخشاب تربط على الكسر والاختلاع ومثلها اللصوق بفتح اللام وهو ما على الجرح من نحو خرقة يجب عليه نزعها الا ان يخاف منه ما مر فحينئذ (يمسح عليها) كلها بالماء أبدا بعد غسل ما تحت أطرافها من صحيح ببل خرقة وعصرها وقت غسل العضو ويتيمم أيضا وقت غسل الوضوء ليكون التيمم بدلا عن غسل العليل ومسح الساتر بدلا عن غسل ما تحت أطرافه من الصحيح ثم ان كان الساتر بمحل التيمم وهو الوجه واليدان وجبت الاعادة مطلقا لنقصان البدل والمبدل وان كان في غيره أعاد إن وضعها على حدث (ولا يعيد ان كان وضعها على طهر) لعدم أمر المستحوج بها (ولا يصلى بتيمم واحد أكثر من فريضة) مكتوبة أو طواف أو منذورة لقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الى قوله فَتَيَمَّمُوا فاقتضى وجوب الطهر لكل صلاة فخرج الوضوء بدليل فبقى التيمم على مقتضاه ولانه طهارة ضرورة فيتقدر بقدرها (ويتنفل) مع الفريضة وبدونها (ما شاء) لان النفل يكثر فتشتد المشقة باعادة التيمم لها فخفف أمرها (تنبيه) خطبة الجمعة كالفرض لوجوبها واشتراط الطهارة لها وصلاة الجنازة وان تعينت كالنفل لانها كهو في جواز الترك في الجملة وانما وجب القيام فيها لانه قوامها لعدم ركوع وسجود فيها فتركه يمحو صورتها* وفي هذه الغزوة (الافك) بكسر الهمزة واسكان الفاء على المشهور وهو الكذب وقيل أسوأه (وقد اتفق على تخريجه الشيخان) وأبو داود والترمذي والنسائى (الحميدي) مصغر (ابن المسيب) بفتح الياء وكسرها كما مر ومران من عداه بالفتح لا غير (وعلقمة بن أبي وقاص) قال ابن عبد البر وغيره ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل انه شهد الخندق فهو مختلف في صحبته ومات بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان (وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) هو الاعمى الفقيه أحد فقهاء المدينة السبعة ومعلم عمر بن عبد العزيز

حين قال لها أهل الافك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا قال الزهري وكلهم حدثنى طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى له من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذى حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا قالوا قالت عائشة كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم اذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه فأيهن خرج سهمها خرج بها معه قالت فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج فيها سهمى فخرجت معه بعد ان أنزل الحجاب فأنا احمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى اذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأنى أقبلت الى الرحل فلمست صدرى فاذا عقد لى من جزع أظفار صغار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى فاحتملوا هو دجى فرحلوه على بعيرى الذى كنت أركب وهم يحسبون أنى فيه وكان وكان من بحور العلم مات سنة سبع وتسعين (أوعى) أي أحفظ (وأثبت له اقتصاصا) أي أحسن ايرادا (هودجى) بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة آخره جيم محمل عليه قبة تستر بنحو الثياب يركب فيه النساء (آذن) بالمد مع التخفيف وبالقصر مع التشديد أي أعلم (فلمست) بفتح الميم (عقد لى) ولمسلم عقدى وهو القلادة ونحوها (تنبيه) مر سقوط العقد في قصة التيمم ومر عن ابن سعد وابن حبان وابن عبد البر انها في هذه الغزوة أيضا فان صح ذلك حمل على انه سقط منها مرتين في تلك السفرة قاله ابن حجر قال في التوشيح والصواب تأخر قصة التيمم عن قصة الافك لما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الافك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدى حتى حبس الناس على التماسه فقال لى أبو بكر أى بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس فأنزل الله الرخصة في التيمم قال ابن حبيب سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق وقد اختلف في أيهما كانت أوّل (من جزع) بفتح الجيم وسكون الزاى ومهملة خرز فيه سواد وبياض وهو مفرد وقيل جمع جزعة بالفتح (اظفار) بفتح الهمزة واسكان المعجمة كذا للبخارى في التفسير ولمسلم والبخارى في الشهادات عند الكشميهني ظفار بفتح المعجمة وكسر الراء بلا تنوين قال في التوشيح وهو المعروف في اللغة فان ظفار مدينة باليمن ينسب اليها الجزع فان ثبتت رواية اظفار بالالف فلعله كان من الظفر أحد أنواع القسط (وأقبل الرهط) هم الجماعة دون العشرة سمى منهم عند الواقدى أبو موهوبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا قال ابن حجر وذكره البلاذرى فقال أبو مويهبة (يرحلون) بالتخفيف فقط في رواية مسلم وبه وبالتشديد في رواية البخارى وكذا قوله فرحلوه أى شدوا عليه الرحل (بي) هكذا في بعض نسخ مسلم وفي أكثرها لى قال النووى

النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ومنهم من قال لم يهبلن ولم يغشهن اللحم انما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوا ثقل الهودج ومنهم من قال خفة الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدى بعد ما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد ومنهم من قال فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلى الذى كنت به وظننت أنهم سيفقدونى ويرجعون الى فبينما أنا جالسة غلبتنى عيناى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد انسان نائم فأتانى فعرفنى حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهى بجلبابى وو الله ما يكلمنى بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى اناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها فانطلق يقود واللام أجود (لم يثقلن) بمعنى (لم يهبلن) ضبط بضم التحتية وفتح الهاء والموحدة المشددة أي يثقلن باللحم والشحم وبفتح التحتية والباء الموحدة وسكون الهاء وبفتح التحتية وضم الموحدة وسكون الهاء قال النووي ويجوز ضم أوله واسكان الهاء وكسر الموحدة (العلقة) بضم المهملة واسكان اللام وقاف أي القليل وهو البلغة أيضا (فلم يستنكر القوم خفة الهودج وثقل الهودج) الاول ما في صحيح البخارى في التفسير والثاني ما فيه في الشهادات قال في التوشيح وموردهما واحد والذي هنا في التفسير أوضح (حديثة السن) كان لها ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة على الخلاف في غزوة بنى المصطلق هل هي سنة أربع أو خمس من الهجرة (فبعثوا) أثاروا (فتيممت) وللبخارى في رواية فاممت مخفف ومشدد وكلها بمعنى قصدت (ابن المعطل) بفتح الطاء المهملة المشدة بلا خلاف قال النووي كذا ضبطه أبو هلال العسكرى والقاضي في المشارق ابن ربيعة بن خزاعى بن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن نهبة بن سليم (عرس) بتشديد الراء والتعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة هذا هو المشهور وقيل التعريس النزول أى وقت كان قال السهيلي وكان صفوان على الساقة يلتقط ما يسقط من متاع الجيش ليرده اليهم قال وقد روي في تخلفه سبب آخر وهو انه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس قال ويشهد لصحة هذا حديث أبي داود ان امرأة صفوان اشتكت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أشياء منها انه لا يصلى الصبح فقال صفوان يا رسول الله انى امرؤ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاذا استيقظت فصل قال وقد ضعف البزار حديث أبي داود هذا في مسنده انتهي (فادلج) بتشديد الدال مع الوصل والاد لاج سير آخر الليل وبقطعها مع سكون الدال سير أوّل الليل (سواد انسان) أي شخصه (فاستيقظت) أي انتبهت (باسترجاعه) أي بقوله إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (فخمرت وجهي) أي غطيته (ما يكلمني) عبرت بالمستقبل لارادة الاستمرار (حتى أناخ) للكشميهني حين

بى الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين وفي رواية صالح بن كيسان وغيره موغرين في نحر الظهيرة قالت فهلك من هلك في شأنى وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فأشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الافك ولا أشعر وهو يريبني في وجعي اني لا أرى من النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين اشتكى انما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم ثم ينصرف فذلك يريبنى ولا أشعر بالشر حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الاول في التبرز قبل الغائط وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فاقبلت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبى رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبى بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب حين فرغنا من شأننا نمشي فعثرت أم مسطح (صالح بن كيسان) بفتح الكاف وسكون التحية ثم مهملة هو المدنى ادرك ابن عمر ورآه وسمع عروة والزهري وكان ثقة جامعا للحديث والفقه والمروة قال أحمد هو أكبر من الزهري (موغرين) بضم الميم وكسر المعجمة والراء أي نازلين في وقت الوغرة بفتح الواو وسكون المعجمة وهي شدة الحر حين تكون الشمس في كبد السماء ومنه وغر الصدر وهو توغره غيظا بالحقد ولمسلم في رواية بالعين المهملة من وعرت الي فلاة كذا أي نفذت قال النووي وهو ضعيف قال في التوشيح وروى مغورين بتقديم الغين وتشديد الواو والتغوير النزول وقت القائلة (نحر الظهيرة) أي وقت القائلة وشدة الحر وقيل أولها (تولى كبره) بكسر الكاف على القراءة المشهورة وقريء شاذا بضمها وهي لغة وكبر الشيء معظمه (يفيضون) بضم أوله رباعي أى يخوضون (يريبنى) بفتح أوله ثلاثي وبضمه رباعي أى يوهمنى ويشككنى (اللطف) بضم اللام وسكون الطاء ويقال بفتحهما معا وهو البر والرفق (تيكم) بكسر الفوقية أشارة الى المؤنث كذلكم للمذكر (نقهت) بفتح القاف وكسرها قال النووي والفتح أشهر واقتصر عليه جماعة والناقه الذي أفاق من المرض وبرئ منه وهو قريب عهد به لم يتراجع اليه كمال صحته (أم مسطح) اسمها سلمى ومسطح لقب واسمه عامر وقيل عوف قال النووى كنيته أبو عباد وقيل أبو عبد الله توفي سنة سبع وثلاثين وقيل أربع وثلاثين (المناصع) بفتح الميم موضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيه (أمر العرب الاول) بفتح الهمزة وتشديد الواو صفة أمر فيكون مرفوعا وبضمها والتخفيف صفة العرب فيكون مجرورا (في التبرز) لمسلم في التنزه أي طلب النزهة بالخروج في الصحراء (الغائط) في الاصل اسم للمطمئن من الارض ثم سمى به الخارج للمجاورة (الكنف) بضمتين جمع كنيف وهو المكان المهيأ لقضاء الحاجة (رهم) بضم الراء وسكون الهاء (وأمها) اسمها رائطة (بنت صخر بن عامر) بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة (خالة أبي بكر) وأمه تكنى أم الخير واسمها سلمى (بن اثاثة) بضم الهمزة ومثلثة مكررة والاولى مخففة (فعثرت) بمهملة ومثلثة مفتوحة (مرطها) بكسر الميم وبالطاء المهملة أي في ازارها (تعس) بفتح الفوقية وكسر المهملة وفتحها

في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت يا هنتاه ألم تسمعي ما قال قلت وما قال فأخبرتني بقول أهل الافك فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت الى بيتي دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم وقال كيف تيكم فقلت أتأذن لى ان آتى أبوي قالت وأنا حينئذ أريد ان أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيت أبوي فقلت لامي يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به فقالت يا بنية هونى على نفسك الشأن فو الله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر الا أكثرن عليها فقلت سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبى طالب واسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق اهله قالت فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم فقال أسامة هم أهلك يا رسول الله ولا نعلم بهم والله إلا خيرا وأما علي بن أبى طالب كرم الله وجهه فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لغتان ومعناه عثر وقيل هلك وقيل لزمه الشر وقيل سقط لوجهه خاصة (يا) وفي بعض النسخ أى وكلاهما حرف نداء (هنتاه) بفتح الهاء والفوقية بينهما نون ساكنة وقد يضم أى يا هذه وقيل يا امرأة وقيل يا بلهاء (فازددت) مرضا على مرض زاد أبو عوانة وهممت ان آتى قليبا فأطرح نفسي فيه (وضيئة) بالمد والهمز على وزن عظيمة أي جميلة حسنة ولابن ماهان في مسلم حظية من الحظوة وهي الوجاهة وارتفاع المنزلة (ضرائر) جمع ضرة سموا بذلك لان كل واحدة تتضرر بالاخرى بالغيرة والقسم وغيره (اكثرن) ولمسلم كثرن وكذا للكشميهني في البخاري بالتشديد أي كثرن القول في عيبها ونقصها (سبحان الله) قالته تعجبا ونزل القرآن على مقتضى تعجبها في فقال تعالى سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (لا يرقأ) بقاف بعدها همزة أى لا ينقطع (ولا اكتحل بنوم) أي لا أنام (استلبث الوحي) بالرفع أى طال لبث نزوله وبالنصب أى استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم نزوله واستلبث لازم ومتعد يقال استلبث الشيء واستلبثت الشىء (أهلك) بالرفع أي هم أهلك كما في رواية أخري أى هي العفيفة اللائقة بك (والنساء سواها كثير) زاد الواقدي طلقها وانكح غيرها قال النووي رأى علي ان ذلك هو المصلحة في حق النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من قلقه وانزعاجه فأراد اراحة خاطره بفراقها قال بحرق في سيرته قلت ومما يدل على انهم كانوا يرون انزعاج خاطره أشد عليهم من كل أمران عمر لما قال للانصاري جاغسان «1» قال بل أشد اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فدعا رسول الله صلي عليه وسلم اى بريرة قال الزركشى قيل ان هذا وهم وان بريرة انما اشترتها عائشة وأعتقتها بعد ذلك ولهذا لما عتقت واختارت نفسها جعل زوجها يطوف وراءها ويبكي فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم لو راجعتيه فقالت أتأمرني فقال انما انا

_ (1) كذا في الأصل فلينظر.

بريرة فقال أى بريرة هل رأيت فيها شيأ يريبك فقالت له بريرة لا والذى بعثك بالحق نبيا ان رأيت منها امرا اغمصه عليها اكثر من انها جارية حديثة السن تنام عن عجين اهلها فتأتى الداجن فتأكله قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن ابى ابن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر من يعذرنى من رجل بلغني أذاه فى اهل بيتى فو الله ما علمت في اهلى الا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا وما كان يدخل على أهلى الا معي قالت فقام سعد بن معاذ احد بني عبد الاشهل فقال يا رسول الله انا والله أعذرك منه ان كان من الاوس ضربنا عنقه وان كان من اخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه امرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه شافع فقالت لا إذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس الا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها له والعباس انما قدم المدينة بعد الفتح والملخص من هذا الاشكال ان تفسير الجارية ببريرة مدرج في الحديث من بعض الرواة ظنا منه انها هي انتهى وأجيب عن ذلك بأن بريرة كانت تلازم بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم للخدمة قبل أن تشتريها ذكره ابن السبكي وقواه ابن حجر (فقال أي بريرة الى آخره) زاد أبو عوانة ثم ضربها على زاد ابن اسحاق ضربا شديدا وفي مسلم فانتهرها بعض أصحابه يريد عليا (ان رأيت) أي ما رأيت (اغمصه) بفتح الهمزة وكسر الميم وبالصاد المهملة أى اعيبهابه (تنام عن عجين أهلها) معناه انها لا شيء فيها مما يسألون أصلا ولا فيها عيب من غيره سوى نومها عن العجين وفي مسند أبي أسامة وصحيح مسلم في رواية فقالت والله ما علمت عليها عيبا الا انها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها فانتهرها بعض أصحابه فقال أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت سبحان الله والله ما علمت عليها الا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الاحمر (الداجن) بالمهملة والجيم الشاة التى تألف البيوت ولا تخرج الى المرعى وقيل كل ما يألف البيوت شاة أو طيرا (فاستعذر) أي طلب من يعذره منه أي ينصفه (من عبد الله بن أبى ابن سلول) بتنوين أبى ويكتب ابن سلول بالالف كما سبق (وهو على المنبر) لعله منبر كان يوضع له يقعد عليه وليس المراد منبر الخطبة لانه كان أذ ذاك لم يعمل (من يعذرني) قال في التوشيح قال الخطابى يحتمل ان يكون معناه من يقوم بعذره فيما رمى به أهلي من المكروه ومن يقوم بعذري ان انا عاقبته على سوء ما صدر منه ورجح النووي الثانى وقيل معناه من ينصرني والعذير الناصر وقيل من ينتقم لي منه (فقام سعد بن معاذ) استدل به عياض على ان غزوة المريسيع التى فيها قصة الافك كانت قبل قصة الخندق وان سعدا مات في اثر غزوة الخندق من الرمية التي اصابته قال النووى وهو صحيح وما في سيرة ابن اسحق ان المراجعة أولا وثانيا انما كانت بين اسيد بن حضير وسعد بن عبادة مبنى على تاريخه ان غزوة بني المصطلق كانت سنة ست وغزوة الخندق سنة أربع وما فيها لا يقاوم ما في الصحيح قال ابن حجر الراجح ان الخندق والمريسيع كانتا في سنة واحدة سنة خمس وكانت المريسيع قبلها في شعبان والخندق في شوال وبهذا

من فخذه وكان رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية ومنهم من قال أجتهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال معاذ لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين فتبادر الحيان الاوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لى دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح عندى أبواى وقد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن ان البكاء فالق كبدى قالت فبينماهما جالسان عندي وأنا أبكى إذ استأذنت امرأة من الانصار فأذنت لها فجلست تبكي معى فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم ثم جلس قالت ولم يجلس عندي من يوم قيل لى ما قيل قبلها وقد مكث شهرا لا يوحى اليه في شأنى بشيء فتشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فانه بلغنى عنك كذا وكذا فان كنت بريئة فسيبرئك الله وان كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبى اليه فان العبد اذا اعترف بدنبه ثم تاب تاب الله عليه قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقالته قلص دمعى حتى ما أحس قطرة وقلت لابى أجب عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما قال قال والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لامي أجيبى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قالت أمي والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن فقلت يرتفع الاشكال (من فخذه) الفخذ هو الجماعة من الاقارب دون البطن والقبيلة وهو بسكون الخاء لا غير بخلاف الفخذ الذي هو للعضو فانه يسكن ويكسر قاله ابن فارس (احتملته) بمهملة ثم فوقية ثم هاء اى اغضبته (ومنهم من قال اجتهلته) هى رواية مسلم في اكثر النسخ وهو بجيم ثم فوقية ثم هاء أي حملته على الجهل ولابن ماهان اجهلته كما في صحيح البخاري (كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك) هذا دليل علي ما مر فان سعد بن معاذ إنما قال امرتنا ففعلنا فيه بامرك وذلك واجب على كل مؤمن (فثار الحيان) اى نهض بعضهم الى بعض من الغضب للنزاع والعصبية (فبكيت) كذا اللكشميهنى وفي بعض النسخ فمكثت (ان كنت الممت بذنب فاستغفري الله) قال الداودي لم يأمرها بالستر كغيرها لانه لا ينبغي أن يكون عنده امرأة أتت ذنبا ومعنا الممت اي وقع منك على خلاف العادة وهذا حقيقة الالمام (قلص دمعى) بفتح القاف واللام ومهملة أى استمسك نزوله وانقطع قال النووى لاستعظام ما بغتنى من الكلام وقال القرطبي سببه ان الحزن والغضب اذ أخذا مأخذهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة (أحس) بضم الهمزة وكسر المهملة

انى والله لقد علمت انكم سمعتم ما تحدث الناس به حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت انى بريئة والله يعلم أني لبريئة لا تصدقونى بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم اني منه بريئة لتصدقنى فو الله ما أجد لى ولكم مثلا الا أبا يوسف إذ قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله أعلم أنى بريئة وان الله مبرئي ببراءتي ولكن ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسى كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ومنهم من قال فلأنا أحقر في نفسى من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئنى الله بها فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى انه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يضحك فكان أوّل كلمة تكلم بها أن قال يا عائشة احمدى الله ومنهم من قال أبشرى يا عائشة أمّا الله فقد برأك فقالت لى أمي قومي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت لا والله لا أقوم اليه ولا أحمد الا الله هو الذى أنزل براءتى اي أجد (الا أبا يوسف) في بعض روايات البخاري الا يعقوب (مبرئى) قال في التوشيح بلا نون في جميع الروايات وزعم ابن التين أنه وقع عنده مبرئني بنون الوقاية على حد* امسلمني الى قومى سراح* (رام) فارق ومصدره الريم (البرحاء) بضم الموحدة وفتح الراء ومهملة ومدة هي شدة الكرب (ليتحدر) أى لينصب (الجمان) بضم الجيم وتخفيف الميم وهو الدر وقيل حب يعمل من الفضة كاللؤلؤ شبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم به في الصفاء والحسن (شات) بالمعجمة أوله والفوقية آخره بينهما الف أي شديد البرد (فسرى) بضم المهملة وكسر الراء المشددة مبني للمفعول أى كشف وأزيل (وهو يضحك) سرورا بما نزل من براءتها (فكان أوّل) بنصب اللام على الخبر والاسم في قوله ان قال وبرفعه على الاسم والخبر في ان قال أيضا نظيره ليس البر أن تولوا وجوهكم (أما الله فقد برأك) أى فلا تكترثى ان لم يبرئك غيره لان براءته عز وجل هي المقصودة (فقالت لى أمى قومى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فاحمديه وقبلي رأسه (لا أقوم اليه ولا احمد الا الله) قالت ذلك إدلالا كما يدل الحبيب على حبيبه قاله ابن الجوزى او لما خامرها من الغضب حيث لم يبادروا الى تكذيب من قال فيها ما قال مع تحققهم حسن طريقتها وجميل أحوالها وارتفاعها عن هذا الباطل (الذي أنزل براءتي) زاد أبو أسامة لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه وللسهيلى في الروض وفي المسند من حديث عائشة أنه لما أنزل الله براءتها قام اليها أبو بكر فقبل رأسها فقالت له هلا كنت عذرتني فقال أى سماء تظلني وأي أرض تقلني ان قلت بما لا أعلم قال بعض المفسرين

فأنزل الله عز وجل «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» العشر الآيات فلما أنزل الله هذا فى براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره والله لا أنفق على مسطح شيأ أبدا بعد ما قال لعائشة ما قال فأنزل الله تعالى «وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ» الى قوله «غَفُورٌ رَحِيمٌ» فقال أبو بكر بلى والله إني لاحب أن يغفر الله لى فرجع الى مسطح الذي كان يجرى عليه وقال والله إنى لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمرى فقال يا زينب ما علمت ما رأيت قالت يا رسول الله أحمي سمعى وبصرى والله ما علمت عليها الا خيرا قالت عائشة وهى التي كانت تساميني من أزواج النبى صلى الله عليه وآله وسلم فعصمها الله بالورع قالت وطفقت أختها حمنة تجاوب لها فهلكت وكان نزول براءة عائشة بعد قدومهم المدينة بسبع وثلاثين ليلة (وأنزل الله عز وجل الى آخره) قال في التوشيح قال الزمخشري لم يقع في القرآن من التغليظ في معصية ما وقع في قصة الافك بأوجز عبارة وأشبهها لاشتماله على الوعيد الشديد والعتاب البليغ والزجر العنيف واستعظام ذلك واستبشاعه بطرق مختلفة وأساليب متفقة كل واحد منها كاف في بابه بل ما وقع من وعيد عبدة الاوثان الا بما هو دون ذلك وما ذاك الا لاظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويظهر من هو منه بسبيل إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ أي بالكذب سمى افكا لكونه مصروفا عن الحق (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) أى جماعة (العشر الآيات) الى قوله وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (فائدة) قال بحرق في سيرته لا يخفي ان بين حديث نزول سورة المنافقين وحديث الافك مناسبة من وجوه منها انهما وقعا معا في الرجوع من غزوة واحدة ومنها ان سورة المنافقين في براءة زيد بن أرقم عن الافك وهو الكذب المتهم به وحديث الافك في براءة عائشة مما قذفت به انتهى قلت ومنها تقاربهما في عدد الآي ومنها تكذيب ابن أبى فيها فقال تعالى في الافك فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ وقال في سورة المنافقين وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (وكان ينفق على مسطح الى آخره) قال في التوشيح يؤخذ منه مشروعية تلك المؤاخذة بالذنب ما دام احتمال عدمه موجودا لان أبا بكر لم يقطع نفقته عن مسطح الا بعد تحقق ذنبه فيما وقع منه (فانزل الله ولا يأتل) أي لا يحلف والالية اليمين قال ابن المبارك هذه أرجى آية في كتاب الله (فرجع) أي رد (أحمي سمعى بصري) من الحماية أي لا أقول سمعت ولم أسمع وأبصرت ولم أبصر (تسامينى) تعاليني من السمو وهو العلو أى تطلب ما أطلب من العلو والرفعة والحظوة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابن اسحاق في السيرة تناصبنى من المناصبة بالنون والمهملة والموحدة قال السهيلى والمعروف في الحديث انه بالتحتية بدل الموحدة من المناصاة وهى المساواة (فطفقت) بكسر الفاء على المشهور وحكي فتحها أي جعلت وشرعت (حمنة) بفتح المهملة وسكون الميم وكانت تحت طلحة بن عبيد الله تزوجها بعد مصعب بن عمير (تجاوب لها) أي تجادل وتغضب لاختها وتذكر حديث الافك لتنحط منزلة عائشة وتعلو منزلة أختها (فهلكت)

فصل: في فوائد هذا الحديث بعد مقصوده الأعظم

فيمن هلك من أصحاب الافك قال ابن شهاب فهذا الذى بلغنى من حديث هؤلاء الرهط* قلت ووراء ذلك زيادات كثيرة ففي رواية قالت عائشة والله ان الرجل الذى قيل فيه ما قيل ليقول سبحان الله فو الذي نفسى بيده ما كشفت عن كنف أنثي قط قالت ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله قيل كان حصورا لا يأتى النساء وفي رواية ان الذى تولى كبره منهم عبد الله بن أبيّ وفي أخرى أنه حسان والذي سمى من عصبة أهل الافك عبد الله بن أبيّ وحسان ومسطح وحمنة* وروى البخاري في كتاب الاعتصام من جامعه معلقا وأسنده أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلدهم الحد يعني ثمانين [فصل: في فوائد هذا الحديث بعد مقصوده الأعظم] (فصل) فى فوائد هذا الحديث بعد مقصوده الاعظم وهو تبرئة عائشة وبراءتها عن قول أهل الافك قال النووى وهى براءة قطعية بنص القرآن فلو تشكك فيها انسان والعياذ بالله صار كافرا باجماع المسلمين قال ابن عباس وغيره لم تزن امرأة نبى قط ففيه منقبة ظاهرة لعائشة وفضيلة لابيها وأمها وفيه فضيلة لسعد بن معاذ وأسيد بن حضير أي أثمت (ما كشفت عن كنف أنثي) بفتح الكاف والنون أى ثوبها الذي يسترها وهو كناية عن عدم جماع النساء ومخالطتهن (ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله) في غزاة أرمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة ذكره ابن اسحق وقيل بارض الروم في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين قال السهيلي واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها وهى منكسرة حتي مات وذلك بالجزيرة بموضع يقال له سمطاط (ان الذى تولى كبره منهم عبد الله بن أبي) زاد البغوي والعذاب الاليم هو النار في الآخرة وروي ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة في حديث الافك قالت ثم ركبت وأخذ صفوان بالزمام فمررنا بملأ من المنافقين وكانت عادتهم ان ينزلوا منتبذين من الناس فقال عبد الله بن أبىّ رئيسهم من هذه قالوا عائشة قال والله ما نجت منه ولا نجا منها وقال امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت (وفي أخري انه حسان بن ثابت) والعذاب الاليم هو العمى كما في رواية مسروق عن عائشة قالت فاى عذاب أشد من العمى واسند أبو داود والترمذى عن عائشة لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وذكر ذلك وتلا القرآن وأمر بامرأتين ورجل فجلدوا الحد ثمانين (فصل) في فوائد هذا الحديث (قال النووي) وغيره (قطعية) أى مقطوع بها (فائدة) قال البغوى مسروق اذا روى عن عائشة رضي الله عنها يقول حدثتنى الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من السماء (صار كافرا باجماع المسلمين) لمخالفته صريح القرآن العظيم (وفيه فضيلة لسعد بن معاذ) حيث سارع الى اجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما طلب (وأسيد بن حضير) حيث رد على سعد بن عبادة رضي الله عنهم عصبيته لاجل المنافق وفيه جواز سب المغضب وقوله انك منافق

وزينب بنت جحش وصفوان بن المعطل وأم مسطح بن أثاثة وفيه من الفوائد جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة عن كل منهم قطعة مبهمة اذا كان كل منهم بصفة العدالة وفيه ثبوت القرعة وقد ثبت أصلها من الكتاب والسنة فصارت كالاجماع وفيه أنه يستحب أن يستر عن الانسان ما يقال فيه اذا لم يكن فيه فائدة وفيه حسن الادب عند الموجدة بحيث يقلل من من اللطف المعهود منه ليتفطن له وفيه كراهة الانسان صديقه اذا آذى أهل الفضل كما صنعت أم مسطح وفيه فضيلة البدريين وتعظيمهم في قلوب الناس وفيه ان الزوجة لا تذهب الى بيت أبيها الا باذن زوجها وفيه جواز البحث عن كل أمر يتعلق بالباحث وأما غيره فمنهى عنه وهو تجسس وفضول وفيه جواز الاستشهاد بالآيات في الامور العارضات وفيه استحباب صلة الارحام مع إساءتهم وأنه يستحب اذا حلف على القطيعة أن يكفر* وفيه اكرام حبيب الحبيب كما ورد في رواية أن عائشة كانت تكرم حسان وترد على من ينهاها الى آخره أي تفعل فعلهم ولم يرد حقيقته (وزينب بنت جحش) حيث تورعت وقالت احمي سمعى وبصري (وصفوان بن المعطل) لان الله برأه كما برأ عائشة ووعده كما وعدها فقال لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم (ومسطح بن اثاثة) حيث أمر الله أبا بكر باعادة النفقة اليه وشهد له بالمسكنة والمهاجرة في سبيل الله ويكفيه فضيلة انه شهد بدرا أيضا (وفيه جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة الي آخره) أى كما فعل الزهرى في حديث سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة وعبيد الله بن عبد الله قال النووى ولا كراهة فيه أيضا لانه قد بين ان بعض الحديث عن بعضهم وبعضه عن بعضهم وهؤلاء أئمة حفاظ ثقات من أجل التابعين (وفيه ثبوت القرعة) ووجوبها بين النساء عند ارادة السفر ببعضهن (وقد ثبت أصلها في الكتاب) في قوله تعالى فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ وفي قوله يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ (و) من (السنة) فى هذا الموضع وغيره كاقتراع الانصار على المهاجرين في السكنى (وفيه انه يستحب ان يستر عن الانسان ما يقال فيه الى آخره) أى كما كتموا عن عائشة هذا الامر شهرا ولم تسمعه بعد ذلك الا بعارض عرض وهو قول أم مسطح تعس مسطح (وفيه حسن الادب عند الموجدة) بكسر الجيم أى الغضب كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انما كان يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم (كما صنعت أم مسطح) فقالت تعس مسطح (وفيه فضيلة البدريين وتعظيمهم في قلوب الناس) لقول عائشة تسبين رجلا شهد بدرا (وفيه ان الزوجة لا تذهب الى بيت أبويها الاباذن زوجها) لقول عائشة ائذن لى الى بيت أبوى (وفيه جواز البحث عن كل أمر يتعلق بالباحث) كما فعل صلى الله عليه وسلم فسأل زينب وسأل بريرة (وهو تجسس) بالجيم (وفيه جواز الاستشهاد بالآيات في الامور العارضات) لقول عائشة اني لا أجد لى ولكم مثلا الى آخره (وفيه استحباب صلة الارحام مع اساءتهم) لفعل أبي بكر مع مسطح (وانه يستحب ان اذا حلف على القطيعة ان يكفر) ليس في حديث الافك تصريح بوجوب التكفير (تنبيه) بقى من

فصل: اما أحكام القذف

بأنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه سب المتعصب لباطل كما فعل سعد ابن معاذ بسعد بن عبادة رضي الله عنهما [فصل: اما أحكام القذف] (فصل) أما أحكام القذف فان كل من رمي غيره بالزنا وجب عليه الحد وذلك بثمان روابط ثلاث في القاذف وهو أن يكون بالغا عاقلا غير والد للمقذوف وخمس في المقذوف وهو أن يكون مسلما عاقلا بالغا حرا عفيفا ويسقط حد القذف بأربعة أشياء اقامة البينة أو عفو المقذوف أو اقراره أو اللعان للزوجة ويعزر قاذف غير المحصن وتقبل شهادة القاذف اذا تاب عند الاكثرين* فائدة روى أهل السير أن صفوان بن المعطل عدا على حسان فضربه بالسيف فوثب ثابت بن قيس بن شماس على صفوان فجمع يديه الى عنقه بحبل وانطلق الفوائد جملة وقد عدها النووي في شرح مسلم أربعا وخمسين منها قبول توبة القاذف (فصل) أما أحكام (القذف) وهو لغة الرمي بالحجر والخذف بالمعجمة الرمى بالحصي وشرعا رمي الشخص بالزنا (كل من رمي غيره بالزنا) صريحا كزنيت أو كناية كزنأت ان نوى (ثلاث في القاذف ان يكون بالغا) فلا حد على الصبي لرفع القلم عنه لكن يعزر (عاقلا) فلا حد على المجنون لذلك أيضا (غير والد للمقذوف) فلا حد على الوالد وان علا بقذف الولد قياسا على القصاص وبقي شرط رابع وهو الاختيار فلاحد على المكره على القذف بشرطه (وخمس في المقذوف ان يكون مسلما) فلا يحد قاذف كافر لانه غير محصن (بالغا) فلا يحد قاذف صبي بل يعزر لذلك أيضا (عاقلا) فلا يحد قاذف مجنون بل يعزر (حرا) فلا يحد قاذف من فيه رق لعدم الاحصان أيضا (عفيفا) عن وطء يوجب الحد فمن زنى ولو مرة سقطت حصانته وان تاب وحسنت حاله وكذا من وطئ امرأة محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة اذا علم التحريم وان كان لا يجب عليه الحد على الاصح تبطل به الحصانة لدلالته على قلة مبالاته كذا من وطيء زوجته أو أمته في دبرها تسقط حصانته وان لم يجب عليه الحد لدلالته على قلة المبالاة أيضا (باربعة أشياء) أي باحد أربعة (اقامة البينة) لقوله تعالى ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فأفهم سقوط الحد عنهم اذا أتوا بهم (أو عفي المقذوف) أو وارثه الاهل كغيره من الحقوق (أو اقراره) لانه أبلغ من اقامة الشهود في تصديق القاذف (او اللعان للزوجة) لقوله تعالى وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ الآية (ويعذر قاذف غير المحصن) لانه عصى معصية لاحد فيها فشأنها التعزير بما يراه الامام لائقا بالمعزر من حبس ولوم وغيرهما وله الترك أيضا إن رآه (وتقبل شهادة القاذف اذا تاب عند الاكثرين) منهم عمرو بن عياش وسعيد ابن جبير ومجاهد وعطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبى وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والشافعي رضي الله عنهم والثانى قول النخعى وشريح وأصحاب الرأى (فائدة) روي أهل السير عن عائشة (عدا على حسان فضربه) ثم قال تلق ذباب السيف عنك فاننى ... غلام اذا هوجيت لست بشاعر

به يقوده فلقيه عبد الله بن رواحة فنهاه وانطلقوا به الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستوهب من حسان ما أصابه وأعاضه عن ذلك حائطا ووهبه سيرين أمة قبطية وهي أم ولده عبد الرحمن وقال حسان بن ثابت يعتذر مما قاله: حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل عقيلة حيّ من لؤى بن غالب ... كرام المساعى مجدهم غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل فان كنت قد قلت الذي قد زعمتم ... فلا رفعت سوطى الىّ انامل وكيف وودي ما حييت ونصرتى ... لآل رسول الله زين المحافل له رتب عال على الناس كلهم ... تقا صرعنها سورة المتطاول فانّ الذى قد قيل ليس بلائط ... ولكنه قول امرئ بي ماحل وفي المتفق عليه من حديث مسروق بن الاجدع قال دخلت على عائشة وعندها حسان ذكره ابن عبد البر نقلا عن ابن اسحاق (سيرين) بكسر السين المهملة والراء واسكان التحتية المكررة آخره نون وهى بنت شمعون أخت مارية أم ابراهيم (أمة قبطية) وكانت من هدايا المقوقس كما في حديث حاطب بن أبي بلتعة حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه ففيه قال فاهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوارى منهن مارية أم ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي جهم بن حذيفة وأخرى وهبها لحسان بن ثابت ذكره ابن عبد البر وغيره قال السهيلى وكان عبد الرحمن بن حسان يفخر بأنه ابن خالة ابراهيم ولسيرين هذه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنه رأى خللا في قبر ابراهيم ابنه فأصلحه وقال ان الله يحب من العبد اذا عمل عملا أن يتقنه (حصان) بفتح أوله أي محصنة عفيفة (رزان) براء فزاي مفتوحتان أى كاملة العقل (ما تزن) بزاى مفتوحة أي ماتتهم (غرني) بفتح المعجمة واسكان الراء وبالمثلثة أي جائعة (من لحوم الغوافل) لانها لا تغتابهم فتأكل لحمهم والغوافل العفيفات (عقيلة) بفتح المهملة وكسر القاف هي كريمة الحى (مجدهم) كرمهم (مهذبة) منقاة (خيمها) بكسر المعجمة أي طبيعتها (المحافل) الجموع (له رتب) بفتح الراء والفوقية قال السهيلى والرتب ما ارتفع من الارض وعلا والرتب أيضا قوة في الشيء وغلظ فيه (سورة) بفتح المهملة مضي ذكرها (بلائط) بالطاء المهملة أي لاصق وفي بعض النسخ بلائق بالقاف (ما حل) بالمهملة مبغض (فلا رفعت سوطي الى أنا ملى) هذا دعاء على نفسه وهو يؤيد قول من قال ان حسان لم يجلد في الافك ولا خاض فيه (مسروق) سمي بذلك لانه سرق في صغره (ابن الاجدع) بالجيم والمهملة ابن مالك بن أمية بن عبد الله بن مرة ابن سلمان بن الحارث بن سعد بن عبد الله بن وداعة بن عمرو بن عامر الهمدانى الكوفي التابعى الكبير قال

الكلام على غزوة الخندق وخبرها تفصيلا

ينشدها شعرا فقال: حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فقالت له عائشة لكنك لست كذلك قال مسروق فقلت لها أتأذنين له أن يدخل عليك وقد قال الله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ قالت وأى عذاب أشد من العمى وقالت انه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم* [الكلام على غزوة الخندق وخبرها تفصيلا] وفي هذه السنة وقيل في الخامسة كانت غزوة الخندق وسببها على ما ذكروا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أجلى بني النضير جعل حيى بن أخطب يسعى بالغوائل وذهب الى مكة في رجال من قومه ودعوا قريشا الى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واخبروهم بأنهم اهدى سبيلا منه وفيهم نزل قوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الآية فلما اجابتهم قريش تقدموا الى قبائل ابن الانصاري صلى خلف الصديق وسمع عمر وعائشة وغيرهما وروى عنه خلق من التابعين فمن بعدهم منهم أبو وائل وهو أكبر منه وامامته وجلالته وثقته متفق عليها قال الشعبى ما علمت أن أحدا كان يطلب العلم في أفق من الآفاق مثله وقال مرة الهمدانى ما ولدت همدانية مثله وقال ابن المديني ما أقدم عليه واحدا من أصحاب عبد الله وكان أفرس فارس باليمن وهو ابن أخت معد يكرب وقال له عمر ما إسمك قال مسروق بن الاجدع فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاجدع شيطان أنت مسروق بن عبد الرحمن وقال الشعبي فرأيته في الديوان مسروق بن عبد الرحمن وقال العجلي كان من أصحاب عبد الله الذين يقرؤون القرآن ويعلمون السنة علقمة بن الاسود وعبيدة ومسروق والحارث بن قيس وعمرو بن شراحيل مات سنة ستين وقيل ثلاث وستين انتهى قلت حديث الاجدع شيطان رواه عن عمر أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم (ينشدها شعرا) بضم أوله وكسر ثالثه رباعي وفي مسلم يشبب بأبيات له أى يتغزل (ينافح) بالفاء والمهملة أي يدافع ويناضل (أو) للشك (يهاجي) بالجيم بدون همزة* وفي هذه السنة أى الرابعة (وقيل في الخامسة) وهو الصواب كما مر عن الحافظ ابن حجر وذلك في شوال كما مر أيضا (بالغوائل) بالمعجمة جمع غائلة وهى كل أمر يعمل سرا (في رجال من قومه) سمى منهم في سيرة ابن أسحق سلام بن ابى الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق وهوذة ابن قيس وأبو عمار الوائلي في نفر من بنى النضير ونفر من بني وائل (ودعوا قريشا الى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البغوي عن أبن اسحاق وقالوا انا سنكون معكم حتى نستأصله (وأخبروهم أنهم أهدى سبيلا منه) وذلك انهم قالوا لهم يا معشر يهود انكم أهل الكتاب الاول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد فديننا خير أم دينه فقالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولي بالحق منه (وفيهم نزل الى آخره)

قيس عيلان فدعوهم الى مثل ذلك فاجابوهم فسارت تلك القبائل ولما علم بهم النبي صلى الله عليه وسلم شرع في حفر الخندق بمشورة سلمان الفارسي وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فجهدوا انفسهم في حفره متنافسين في الثواب لا ينصرف احد منهم لحاجة الا باذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو صلى الله عليه وسلم يكابد معهم* روينا في صحيح البخارى عن البراء ابن عازب قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه وكان كثير الشعر وجعل يرتجز شعر ابن رواحة والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الاقدام ان لاقينا ان الأولى قد بغوا علينا ... اذا أرادوا فتنة أبينا ويرفع بها صوته أبينا أبينا ولما رآهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحملون التراب على متونهم وما بهم من النصب والجزع قال* اللهم ان العيش عيش الآخرة فاغفر للانصار والمهاجره فقالوا مجيبين له نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا ابدا وقيل بل في كعب بن الاشرف وقيل في كعب بن أسد والجبت والطاغوت صنمان كان المشركون يعبدونهما وفيهما أقوال أخر (قيس عيلان) بالمهملة من مضر (بمشورة سلمان) باسكان المعجمة وفتح الواو ويجوز العكس وهى النصح بالصواب زاد البغوى وكان أوّل مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حر (فائدة) أول من خندق الخنادق منو شهر بن أبرح على رأس ستين سنة من بعث موسى ذكره الطبرى وغيره (وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا) رواه محمد بن جرير الطبرى والطبراني والحاكم عن عمرو بن عوف وزادوا فاحتج المهاجرون والانصار في سلمان وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقال الانصار سلمان منا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت جاهدوا أنفسهم أي بلغوا منها غاية الجهد (متنافسين) والتنافس الرغبة في الشئ يقال نافسه منافسة اذا رغب فيما رغب فيه (وروينا في صحيح البخارى عن البراء) وأخرجه عن مسلم أيضا (فانزلن) بنون التأكيد الخفيفة (سكينة) فعيلة من السكون (وثبت الاقدام) أى أنزل النصر (ان لاقينا) العدو (ان الاولى) بضم الهمزة الاولى مع المد أي الذين وهو محذوف الصلة أي الذين سبق منهم ما سبق (قد بغوا) أي ابتدؤا بالقتال (أبينا) روي بالمثناة من الاتيان أى أتينا للقتال وبالموحدة من الاباء أي أبينا الفرار والامتناع (متونهم) بالفوقية جمع متن وهو الظهر (النصب) التعب وزنا ومعنى (ان العيش عيش الآخره) وفي رواية لا عيش الاعيش الآخره أي لا عيش باق ومطلوب سواه وفيه ندب قول ذلك عند

ومرة ارتجزوا باسم رجل من المسلمين كان اسمه جعيلا فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمرا فقالوا سماه من بعد جميل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا فيجيبهم صلى الله عليه وسلم في قول ظهرا عمرا وجرى في اثناء حفر الخندق معجزات باهرة وبركات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كحديث جابر وأبى طلحة وضيافتهما وخبر الكدية التي عرضت لهم في الخندق وغير ذلك مما ستراه مثبتا فى قسم المعجزات من هذا الكتاب ان شاء الله تعالى ولما فرغوا من الخندق أقبلت جموع الاحزاب كما قال تعالى إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أى من قبل المشرق وهم أسد وغطفان في ألف عليهم عوف بن مالك النصرى وعبينة بن حصن الفزارى في قبائل أخر ونزلوا الى جانب احد ومن أسفل منكم وهم قريش وكنانة والاحابيش ومن ينضاف اليهم من أهل تمامة عليهم أبو سفيان بن حرب في عشرة آلاف فنزلوا برومة من وادى العقيق وخرج صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة آلاف وجعل ظهره الى سلع والخندق بينه وبين العدو وأمر بالنساء والذرارى فرفعوا في الآطام ولما نزل جموع الاحزاب منازلهم اشتد الحصار على المسلمين ونجم النفاق واضطرب ضعفاء الدين كما قال الله تعالى وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ رؤية ما يكره (جعيل) بضم الجيم ذكره ابن عبد البر وابن مندة وأبو نعيم ولم ينسبوه وليس في الصحابة من يسمى جعيلا غير هذا سوى جعيل بن زياد الاشجعي وجعيل بن سراقة العمري وقيل في كل منهما جعال (فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أخرجه بن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر في كتب الصحابة (للبائس) للفقير (ظهرا) بالمعجمة أى مستند استند اليه (الكدية) بضم الكاف واسكان المهملة هي القطعة الغليظة وللفاسي والاصيلى في صحيح البخاري كبدة بفتح الكاف وكسر الموحدة قال ابن حجر ويروى بالنون أي بدل الموحدة وبالتحتية أيضا وفي بعض كتب السير فعرضت له عبلة بالمهملة فالموحدة قال السهيلي وهي الصخرة الصماء إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أى من فوق الوادي من قبل المشرق (النصرى) بالنون المفتوحة والمهملة في قبائل اخر منهم بنو أسد عليهم طليحة بن خويلد وبنو قريظة عليهم حيي بن أخطب (ونزلوا الى جانب أحد) بموضع يقال له ذنب نقمى (ومن أسفل منكم) يعني من بطن الوادي من قبل المغرب (أبو سفيان بن حرب) وأبو الاعور عمرو بن سفيان السلمي (فنزلوا برومة) بضم الراء وكان نزولهم بمجتمع الاسيال منها (سلع) بمهملتين بينهما لام ساكنة جبل في غربي المدينة (الآطام) بفتح الهمزة مع المد وبكسرها مع القصر أي الحصون (الحصار) بكسر الحاء المحاصرة (ونجم النفاق) بالجيم المخففة أي ظهر (وَإِذْ زاغَتِ) أي مالت وشخصت (الْأَبْصارُ) من

وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وما بعدها من الآيات الى قوله وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً: وزاد الأمر اشتدادا أن تقدم حيى بن أخطب الى كعب بن اسد سيد بنى قريظة وسئله ان ينقض العهد الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأبى عليه فلم يزل يخادعه بقول الزور ويمينه امانى الغرور حتى سمح له بالنقض على ان أعطاه العهد لئن رجعت تلك الجموع خائبة ان يرجع معه الى حصنه يصيبه ما أصابه ولما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر نقض بني قريظة بعث اليهم سعد بن معاذ وكانوا حلفاء في الجاهلية وبعث معه سعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير وقال لهم ان وجدتموهم ناقضين فالحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفهمه الناس وان وجدتموهم على الوفاء فأخبرونى ظاهرا فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم وشاتموهم فلما رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخوف (وبلغت القلوب الحناجر) أى زالت عن أماكنها حتي بلغت الحناجر من الفزع (وتظنون بالله الظنون) بحذف الالف وصلا ووقفا أهل البصرة وحمزة وباثباتها وصلا ووقفا أهل المدينة والشام وأبو بكر بن عاصم وباثباتها وقفا وحذفها وصلا الباقون ومعناه اختلفت الظنون وظن المنافقون استئصال محمد وأصحابه وظن المؤمنون النصر والظفر لهم (هنالك) أي عند ذلك (ابتلي المؤمنون) أي اختبروا بالحصر والقتال ليتبين المخلص من المنافق (وزلزلوا) حركوا (زلزالا شديدا) حركة شديدة (واذ يقول المنافقون) معتب بن قشير وقيل عبد الله بن أبي وأصحابه (والذين في قلوبهم مرض) شك وضعف اعتقاد ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً هو قول المنافقين يعدنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع ان يجاوز رحله هذا والله الغرور (وزاد الأمر) بالنصب مفعول والفاعل في قوله ان تقدم ويجوز الرفع على انه فاعل (وسأله ان ينقض العهد فابى) زاد البغوى وقال لست بناقض ما بيني وبينه ولم أرمنه الاوفاء وصدقا (فلم يزل يخادعه بقول الزور الى آخره) لفظ البغوى عن ابن اسحق فلم يزل يقبله في الذروة والغارب (فالحنوا لى) بهمزة وصل وفتح المهملة أى تكلموا بكلام افهمه دون غيرى إذا للحن في الاصل ازالة الكلام عن جهته وأراد صلى الله عليه وسلم ان لا يحصل في قلوب أصحابه حين يسمعون نقضهم خوف كما في سيرة ابن اسحاق ولا تفتوا أعضاد الناس أى ولا تكسروها (فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم) زاد البغوي عن ابن اسحق وقالوا لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد (وشاتموهم) فيه أيضا ان الذين شاتمهم سعد بن عبادة وكان رجلا فيه حدة فقال سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربي من المشاتمة

قالوا عضل والقارة ثم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث الى عيينة بن حصن الفزارى والحارث بن عوف المري قائدى غطفان وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على ان يفرقا الجمع وبعد المراوضة في ذلك استشار صلى الله عليه وسلم السعدين سيدي الانصار فقالا يا رسول الله امر أمرك الله به لا بد منه أم امر تحبه فتصنعه لنا قال بل رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فأردت ان أكسر شوكتهم فقال سعد بن معاذ قد كنا نحن وهؤلاء على الشرك وهم لا يطمعون بتمرة منا الا قرى أو بيعا أفحين اكرمنا الله بالاسلام واعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم الا السيف فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انت وذاك وترك ما كان هم به من ذلك ثم اقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعدو ليس بينهم قتال الا الرمي بالنبل والحصا ومرة جاء عكرمة بن أبى جهل وعمرو بن عبدود في فوارس من قريش فلما وقفوا على الخندق قالوا ان هذه لمكيدة ما كان العرب تكيدها ثم اقحموا خيولهم مهزما من الخندق وجالوا في السبخة فخرج عليهم أمير المؤمنين علي بن أبى طالب في نفر من المسلمين فأخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا منها وأقبلت خيل قريش نحوهم فقتل على عليه السلام عمرو بن عبدود وألقى (بعث الي عيينة بن حصن) واسم عيينة حذيفة وسمى عيينة لشين كان بعينيه (وقالوا) امتثالا لامره صلى الله عليه وسلم (عضل) بفتح المهملة ثم المعجمة ولام (والقارة) بالقاف وعضل بطن من بني الهون والقارة أكمة سوداء فيها حجارة نزلوا عندها وهم أصحاب سرية الرجيع الذين قتلوا عاصما وأصحابه ومعناه وجدنا عندهم غدرا كغدر عضل والقارة (المرى) بضم الميم نسبة الي مرة القبيلة المعروفة ابن غطفان (غطفان) بفتح المعجمة فالمهملة (فاعطاهما ثلث ثمار المدينة) فيه جواز اعطاء المال للعدو لمصلحة المسلمين وقد صالح معاوية ملك الروم على الكف عن ثغور الشام بمال دفعه اليه ذكره أبو عبيد (وبعد المراوضة) بالراء والمعجمة وكانوا قد كتبوا الكتاب ولم يقع الشهادة كما في تفسير البغوي (شوكتهم) أى قوتهم (بتمرة) بالفوقية واسكان الميم (قرى) أى ضيافة (نعطيهم أموالنا) زاد البغوى مالنا بهذا من حاجة (والله ما نعطيهم الا السيف) حتى يحكم الله بيننا وبينهم (وترك ما هم به من ذلك) فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا (عكرمة) بكسر المهملة والراء وسكون الكاف أسلم عام الفتح (ابن عبدود) بضم الواو وفتحها وزاد البغوي وهبيرة بن أبى وهب المخزومي ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب (لمكيدة) بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية أى مكر وحيلة (مهزما) بالزاي أى مكانا ضيقا (السبخة) يعني سبخة المدينة (الثغرة) بتثليث المثلثة (فقتل على عمرو بن عبدود) قال البغوي وكان عمرو قاتل يوم بدر حتي أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق جاء معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال له على يا عمرو انك كنت عاهدت الله ان لا يدعوك رجل من قريش الى خلتين الا أخذت منه احداهما قال أجل

عكرمة بن أبى جهل رمحه وولوا منهز مين ففى ذلك قال حسان: فرّ والقى لنا رمحه ... لعلك عكرم لم تفعل ووليت تعدو كعدو الظليم ... ما إن يحور عن المعدل ولم تلق ظهرك مستأنسا ... كأن قفاك قفا فرعل وسقط نوفل بن عبد الله المخزومي في الخندق فنزل على كرم الله وجهه فقتله وأصيب يومئذ سعد بن معاذ رماه حبان بن العرقة بسهم في اكحله فقال سعد اللهم ان كنت أبقيت من حرب قال على بن أبي طالب فاني أدعوك الى الله والى رسوله والى الاسلام قال لا حاجة لى بذلك قال فاني أدعوك الى النزال قال ولم يابن أخي فو الله ما أحب أن أقتلك قال على والله لكني أحب ان أقتلك فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عمرو عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه ثم أقبل على على فتنازلا وتجاولا فقتله على وخرجت خيله منهزمة (عكرم) مرخم فيجوز فتح ميمه وضمها كما في نظائره (الظليم) بفتح المعجمة وكسر اللام ذكر النعام ويسمى هلقا وهقلا وخفيددا ونقيقا وصعلا (ما) نافية (ان) زائدة (يحور) يرجع (تلق) بضم الفوقية وبالقاف آخره (فرعل) بضم الفاء والمهملة وبينهما راء ساكنة ولد الضبع وقيل ولد الذئب منه (وسقط نوفل بن عبد الله المخزومي في الخندق) فرموه بالحجارة فقال يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه (فنزل اليه على فقتله) زاد البغوى فغلب المسلمون على جسده فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبيعهم جسده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في جسده وثمنه فشأنكم به فخلا بينهم وبينه (وأصيب يومئذ سعد بن معاذ) قال البغوى قالت عائشة كنا يوم الخندق في حصن بني الحارثة وكان من أحرز حصون المدينة وكانت أم سعد بن معاذ معنا في الحصن وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد بن معاذ وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربة وهو يقول: لبث قليلا يلحق الهيجا حمل ... لا بأس بالموت اذاحان الاجل فقالت أمه الحق يا بني والله لقد أخرت قالت عائشة فقالت لها يا أم سعد لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هى قالت وخفت عليه حيث أصاب السهم منه قلت وهذا البيت لحمل بن سعدانة الكلبى وتمثل به سعد رضي الله عنه (حبان) بكسر المهملة وبالموحدة (فائدة) كل ما في الصحيحين على هذه الصورة فهو بفتح الحاء وبالتحتية الاستة فبالحاء والموحدة منهم ثلاثة بفتح الحاء وهم حبان بن منقذ وحبان بن يحيى وحبان ابن هلال وثلاثة بكسرها وهم حبان بن موسى وحبان بن عطية (وحبان بن العرقة) بفتح العين المهملة وكسر الراء وقاف وهي أمه واسمها قلابة بالقاف المكسورة والموحدة بنت سعد بن هلهل وهى من عبد مناف ابن الحارث سميت العرقة لطيب رائحتها وأبوه أبو قيس بن علقمة بن عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن بغيض ابن عامر بن لؤى بن غالب وفي تفسير البغوى وغيره انه قال حين رماه خذها مني وأنا ابن العرقة فقال سعد عرق الله وجهك في النار وقيل ان القائل له ذلك أبو بكر رضي الله عنه وجمع بينهما بانهما قالاه معا (في أكحله) بفتح

قريش شيأ فأبقنى لها وان كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة* ومن دعائه صلى الله عليه وآله وسلم على الاحزاب اللهم منزل الكتاب سريع الحساب أهزم الاحزاب اللهم أهزمهم وزلزلهم* وقال أيضا ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس رواه البخاري ثم كان من مقدمات اللطف أن جاء نعيم بن مسعود الغطفاني ثم الأشجعي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاسلم وقال يا رسول الله ان قومي لم يعلموا باسلامي فمرني بما شئت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فانما الحرب خدعة والمعنى ان المماكرة هنا انفع من الهمزة والمهملة بينهما كاف ساكنة عرق في وسط الذراع وهو عرق الحياة وفي كل عضو منه شعبة لها اسم اذا قطع لم يرقأ الدم (فابقنى) بقطع الهمزة (لها) أى للحرب وفي بعض نسخ البخاري له والحرب تذكر وتؤنث وللكشميهني لهم أي لقريش زاد البغوي فانه لا قوم أحب الى أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه (تقر عينى) بضم أوله رباعي متعد وبفتحه ثلاثى لازم وقد تقدم معنى قرة العين (ملأ الله) في بعض روايات مسلم حشا الله بيوتهم وقبورهم في رواية لمسلم بدله وقلوبهم (عن صلاة الوسطى) هو من باب مسجد الجامع أي صلاة الصلاة الوسطى أو فعل الصلاة الوسطى زاد مسلم في رواية صلاة العصر وبه استدل أصحابنا على ان العصر هي الصلاة الوسطى أو فعل الصلاة الوسطى زاد مسلم في رواية صلاة العصر وبه استدل أصحابنا على ان العصر هي الصلاة الوسطى وفي الديباج عن بعضهم ان التفسير مدرج قال ولهذا سقط في رواية البخاري وفي رواية أبي داود يعنى العصر وهو صريح في الادراج انتهى ثم صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العشائين وكان ذلك قبل نزول صلاة الخوف وكان الاشتغال بالعدو عذرا في تأخير الصلاة وفي الموطأ ان الفائتة الظهر وفي غيره انه أخر أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمع الحفاظ بينهما بان وقعة الخندق بقيت أياما فكان هذا في بعض الايام وهذا في بعضها (فائدة) اختار السيوطي ان الوسطى هي الظهر قال في الديباج وقد أوضحت ذلك في حواشى الروضة وقررت فيها الادلة على ما قررته من ان الوسطى الظهر ثم أفردت في ذلك تأليفا (اللطف) بضم اللام واسكان الطاء وبفتحهما كما مر (نعيم) بالتصغير (ابن مسعود) بن عامر (الغطفاني ثم الاشجعي) قال ابن عبد البر سكن المدينة ومات في خلافة عثمان على الصحيح (ان الحرب خدعة) رواه أحمد عن جابر وأنس ورواه الشيخان عن جابر وأبي هريرة ورواه أبو داود عن جابر وكعب بن مالك ورواه الترمذي عن جابر ورواه ابن ماجه عن ابن عباس وعائشة ورواه البزار عن الحسين ورواه الطبرانى عن الحسن وزيد بن ثابت وعبد الله بن سلام وعوف بن مالك ونعيم بن مسعود والنواس بن سمعان ورواه ابن عساكر عن خالد بن الوليد فهؤلاء أربعة عشر صحابيا وخدعة بفتح المعجمة واسكان الدال المهملة على الافصح قال ثعلب وغيره وهي لغة النبى صلى الله عليه وسلم وبضم المعجمة واسكان المهملة وبضم المعجمة وفتح المهملة وهي أمر باستعمال الحيلة فيه ما أمكن قال في التوشيح وقال ابن المنذر معناه الحرب الكاملة في مقصودها البالغة انما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة

المكاثرة وكما قالوا رب حيلة انفع من قبيلة ثم ان نعيم بن مسعود جاء الى اليهود وأخبرهم ان قبائل العرب ينصرفون ويتركونكم ومحمدا ولا طاقة لكم به فيرجع الشؤم والوبال عليكم فاتخذوا منهم رهائن لئلا ينصرفوا حتى يناجزوا محمدا فصدقوه في ذلك وتصادقوه ثم جاء الى قريش وأخبرهم ان اليهود قد ندموا وباطنوا محمدا ووعدوه أن يتخذوا منكم رهائن فيلقوا بهم اليه فيقتلهم وأخبر غطفان بمثل ذلك في كلام كثير زخرفه وزوقه وأوهم كلا منهم في الآخر ولما أصبحوا حشدت العرب للحرب وأرسلوا الى اليهود لينهضوا معهم فاعتذروا بأنه يوم سبتهم وانهم لا ينطلقون معهم حتى يعطوهم رهائن تدعوهم للمناجزة فصدقوا نعيم بن مسعود فيما كان حدثهم به ووقع في قلوبهم الوهن والتخاذل فافترقت عزائمهم وأرسل الله عليهم ريح الصبا في برد شديد فزلزلتهم وقلقلتهم واسقطت كل قائمة لهم وجالت الخيل بعضها فى بعض وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حى يقول يا بني فلان هلم فاذا اجتمعوا عنده قال النجاء النجاء اتيتم* ففى صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وآله وسلم نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وفيه أيضا نصرت بالرعب مسيرة شهر وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر انتهى وجوازها مقيد بان لا يكون في ذلك نقض عهد ومنها الكذب فيجوز في الحرب حقيقة خلافا للطبرانى وتعريضا والاقتصار عليه أفضل (المكاثرة) بالمثلثة ويجوز بالموحدة (جاء الى اليهود) زاد البغوى وكان لهم نديما في الجاهلية (الشؤم) بالهمز نقيض اليمن (والوبال) الخزي والهوان (فصدقوه) أي قالوا صدقت (وتصادقوه) أي رأوا انه صديق ناصح (زخرفه وزوقه) أى حسنه وزينه (بأنه يوم سبت) زاد البغوى وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث بعضنا فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم (الوهن) الضعف (ريح الصبا) هى التى نأتي من قبل الكعبة كما مر (النجاء النجاء) بالمد والقصر أي أسرعوا أسرعوا (أتيتم) مبنى للمفعول أى أتاكم القوم (ففي) مسند أحمد و (صحيح البخاري) وصحيح مسلم من حديث ابن عباس (نصرت بالصبا) زاد الشافعى عن محمد بن عمرو مرسلا وكانت عذابا على من كان قبلي (وفيه أيضا) وفي سير النسائى عن جابر (نصرت بالرعب) زاد أحمد عن أبي إمامة يقذف في قلوب أعدائى (مسيرة شهر) بالنصب ولفظ رواية ابن عمرو وعند النسائى نصرت على العدو بالرعب ولو كان بينى وبينهم مسيرة شهر وفي الطبراني عن ابن عباس نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيرة شهرين وأخرج عن السائب بن يزيد مرفوعا فضلت على الانبياء بخمس بعثت على الناس كافة ودخرت شفاعتى لامتى ونصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفى وجعلت لى الارض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي وللبيهقي من حديث أبي امامة ونصرت بالرعب

وفيه أيضا عن جابر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير انا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا فقال من يأتينا فقال الزبير انا قال ان لكل نبي حواريا وحوارى الزبير وكان آخر رسول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان كما روينا ذلك في صحيح مسلم عن ابراهيم التيمى عن ابيه قال كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت فقال له حذيفة أنت كنت تفعل ذلك لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الاحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معى يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال قم يا حذيفة وأتنا بخبر القوم فلم أجد بدا إذ دعانى باسمى ان أقوم قال اذهب فأتنى بخبر القوم ولا تذعرهم على فلما وليت من عنده جعلت كأنى امشي في حمام حتى اتيتهم فرأيت ابا سفيان يصطلى على النار فوضعت سهما في كبد القوس فاردت ان ارميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تذعرهم مسيرة شهرين تسير بين يدي (وفيه أيضا) وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي (عن جابر) وأخرجه الترمذي أيضا وابن ماجه من حديث على (ان لكل نبى حواريا) أي صفيا مختصا به أو ناصرا أو وزيرا أو خليلا أو خالصا أو مخلصا أو ناصحا أو مجاهدا أو من يصحب الكبير أو من لا يصلح للخلافة غيره أقوال (وحواريي الزبير) بفتح الياء وكسرها كمصرخى (فائدة) استشهد الزبير يوم الجمل وهو ابن أربع وستين سنة قتله عمرو بن جرموز اليمنى وقال له على سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بشر قاتل ابن صفية بالنار وقتله بعد ان نزع عن الحرب وانصرف (عن ابراهيم التيمى) ثقة ثبت مات سنة ثلاث وخمسين ومائة (عن أبيه) هو سالم أبو النصر (فقال رجل) زاد البغوي من أهل الكوفة (قاتلت معه فأبليت) لفظ البغوي والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الارض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه ولفعلنا وفعلنا (أنت) بهمزة الاستفهام (وقر) بضم القاف أي برد (جعله الله معى يوم القيامة) أي رفيقى في الجنة كما في البغوى أدخله الله الجنة (ثم قال) أى متراخيا ولهذا عبر بثم وفي البغوي ثم صلى هونا من الليل ثم التفت الينا فقال مثله في الزبير (ولا تذعرهم على) بفتح أوله واعجام الذال أي لا تفزعهم ولا تحركهم على ثم قال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته (يصطلي) أي يستدفى وفي مسلم يصلي بفتح أوله وسكون الصاد (في كبد القوس) أي في مقبضها (فلما أتيته) زاد البغوي عن ابن اسحاق وهو قائم يصلي فلما سلم

عليّ ولو رميته لاصبته فرجعت وانا امشي في مثل الحمام فلما اتيته فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت فألبسنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان ورواه ابن اسحق بزيادات وفيه فلما رأى أبو سفيان ما فعل الريح وجنود الله بهم لا تقر لهم قدرا ولا بناء قام فقال يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو قال حذيفة فأخذت بيد جليسي فقلت من أنت فقال سبحان الله اما تعرفني انا فلان بن فلان فاذا رجل من هوازن فقال أبو سفيان يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فانى مرتحل ثم قام الى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله الا وهو قائم فسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين الى بلادهم وذكر تمام الحديث* ولما انتهى الى النبى صلى الله عليه وسلم خبر انصرافهم قال الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير اليهم وكان يقول في كثير من المواطن شكرا لله وتذكرا لما أولاه لا إله إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الاحزاب وحده ولا شيء بعده وكان مدة حصارهم الخندق بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر وقيل خمسة عشر (أخبرته خبر القوم) زاد البغوي فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل (قررت) بضم القاف وكسر الراء أي بردت زاد البغوي وذهب عنى الدفء فأدناني النبى صلى الله عليه وسلم فأنامنى عند رجليه وألقي على طرف ثوبه والتزق صدرى ببطن قدمه (عباءة) بفتح المهملة وبالمد كساء ذو خمل (يا نومان) بفتح النون وسكون الواو وهو كثير النوم (لا تقر لهم قدرا) بكسر القاف هو التور من الحجارة (فأخذت يد جليسي) انما فعل ذلك لئلا يتفطنوا له (فاذا رجل من هوازن) ولابن عائذ قبض حذيفة على يد رجل عن يمينه فقال من أنت قال معاوية بن أبي سفيان وقبض على يد آخر عن يساره فقال من أنت قال أنا فلان فلعل الرجل من هوازن هو هذا (بدار مقام) في سيرة ابن اسحق بدار قرار (لقد هلك الكراع) بضم الكاف فيها أيضا لقد هلك الخف والحافر (ولقينا) باسكان التحتية (فما أطلق عقاله الا وهو قائم) لشدة عجلته ومبادرته (فانشمروا) بالنون الساكنة فالمعجمة أى ارتفعوا (وذكر تمام الحديث) يعنى رجوع حذيفة الى النبى صلى الله عليه وسلم وما بعده (أولاه) أعطاه وصنع اليه (أعز جنده) المؤمنين (ونصر عبده) محمدا صلى الله عليه وسلم (ولا شيء بعده) قال في التوشيح ان جميع الاشياء بالنسبة الى وجوده كالمعدوم أو كلها يفنى وهو الباقى فهو بعد كل شئ ولا شئ بعده انتهى وفيه جواز ترجيز الذكر والدعاء اذا لم يكن فيه تكلف (حم لا ينصرون) كان ذلك بامره صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبى داود والترمذى وغيرهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة الخندق. ان نمتم الليلة فقولوا حم أى والله لا ينصرون انتهى وكأن لا ينصرون

الكلام علي غزوة بني قريظة وسببها

يوما وكان شعار المسلمين فيهاحم لا ينصرون واستشهد من المسلمين ستة نفر وقتل من المشركين ثلاثة* وممن أسلم في هذا العام نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمى وقيل أسلم ببدر وكان من أسراها ونوفل هذا ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين واعانه بالخروج اليها بثلاثة ألاف رمح* [الكلام علي غزوة بني قريظة وسببها] وفيها غزوة بني قريظة وسببها ان النبى صلى الله عليه وسلم لما أصبح من ليلة منصرف الاحزاب وكان وقت الظهر وضع السلاح واغتسل أتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال وضعت السلاح والله ما وضعناه اخرج اليهم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأين فأشار الى بني قريظة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة وقدّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم برايته أمير المؤمنين على ابن أبي طالب ثم سار خلفه قال أنس كأني أنظر الى الغبار ساطعا في زقاق بنى غنم موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى بني قريظة رواه البخاري وأدركتهم صلاة العصر في الطريق فصلاها قوم أخذوا بمفهوم اللفظ وامتنع آخرون فلم يصلوها تفسير لحم (واستشهد يومئذ من المسلمين ستة نفر) وهم أنس بن أويس بن عتيك الانصاري رماه خالد بن الوليد بسهم فقتله وعبد الله بن سهل بن زيد الاوسي والطفيل بن مالك بن النعمان الانصاري السلمي قتله وحشى ابن حرب وعبد الله بن سهل الانصارى حليف لبنى عبد الاشهل وقتادة بن النعمان وقيل استشهد باحد وسعد ابن معاذ مات من الرمية بعد الخندق بشهر وبعد قريظة بليال هذا كلام ابن عبد البر (وقتل من المشركين ثلاثة) عمرو بن عبدود ونوفل بن عبد الله كما مر ومنبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمكة (نوفل) بفتح النون والفاء وسكون الواو بينهما مات نوفل بالمدينة سنة خمس عشرة* وفيها أي في الرابعة أو الخامسة على الخلاف في غزوة الخندق غزوة بنى قريظة وكانت في آخر ذى القعدة (واغتسل) كان اغتساله عند زينب بنت جحش كما في تفسير البغوي ولا يستشكل بما يأتي ان زواج زينب كان في الخامسة اذ قد قيل ان الخندق فيها أيضا بل هو الصواب كما مر وبتقدير انها في الرابعة فقد قيل ان زواج زينب كان في الثالثة (أتاه جبريل) زاد البغوى معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة شهباء عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج (وهو) أى جبريل (ينفض رأسه) أى رأس نفسه وفي تفسير البغوى فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه وعن وجه فرسه (والله ما وضعناه) زاد البغوي منذ أربعين ليلة وما رجعت الآن الا من طلب القوم (أخرج اليهم) فاني قد قطعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال (لا يصلين أحد العصر) كذا في صحيح البخارى ولمسلم الظهر وجمع النووى بينهما بانه قال العصر لبعضهم والظهر لبعضهم واتفق أهل المغازى على انها العصر (برايته) هى اللواء (ساطعا) مرتفعا (زقاق) بضم الزاي وهو الطريق الضيق (بنى غنم) بفتح المعجمة واسكان النون (موكب) بالرفع على انه خبر

الا في بني قريظة ليلا آخذين بظاهره فلم يعنف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا منهم ولما نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بساحتهم واشتدت وطأته أرسلوا اليه أن أرسل الينا ابا لبابة فأرسله اليهم فلما جاءهم تلقاه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم لولاء له منهم فقالوا أترى ان ننزل على حكم محمد فقال نعم وأشار بيده الى حلقه يعني أنّ حكمه القتل ثم ندم ابو لبابة وعلم أنه قد خان الله ورسوله فلم يرجع الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم بل راح الى المسجد وربط نفسه بسارية وأقام على ذلك سبعة أيام لا يذوق ذواقا حتى خرمغشيا عليه فتاب الله عليه ونزل فيه أولا يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول الآية وآية توبته وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا الآية ولم يطأ بلد بني قريظة بعدها وكان له بها أموال وأشجان وقد كان بنو قريظة سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقبل منهم ما قبل من اخوانهم بني النضير فأبى عليهم فحين تبين لهم انه غير قابل منهم وانسدت عليهم أبواب الحيل وانقطع رجاؤهم من كل أمل نزلوا على حكمه فجاء حلفاؤهم الاوس شافعين مبتدأ محذوف وبالنصب على تقدير أعني (فلم يعنف) أى لم يلم (ولما نزل صلى الله عليه وسلم بساحتهم) كان نزوله على بئر من آبارهم في ناحية من أموالهم كما في تفسير البغوي والساحة من أسماء البقعة (وطأته) أي نزوله وبأسه (أبا لبابة) اسمه بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر زاد البغوي نستشيره في أمرنا (أتري) بفتح التاء (ان ننزل على حكم محمد) فى تفسير البغوي في سورة الانفال على حكم سعد بن معاذ (ذواقا) بفتح المعجمة (فتاب الله عليه) زاد البغوي وقيل له يا أبا لبابة قد تيب عليك فقال لا والله لا احل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده ثم قال أبو لبابة من تمام توبتى ان أهجر دار قومى التى أصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى كله صدقة فقال النبى صلى الله عليه وسلم يجزيك الثلث ان تتصدق به (فائدة) جاء في حديث ذكره السهيلى من حديث حماد بن سلمة عن على بن زيد عن على بن الحسين ان فاطمة أرادت حله حين نزلت توبته فقال قد أقسمت ان لا يحلني الا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم ان فاطمة مضغة مني قال السهيلي فهذا حديث يدل على ان من سبها فقد كفر وان من صلى عليها فقد صلى على أبيها انتهى وهذا القول عجيب ولا يؤخذ من هذا الحديث ما ذكره فليتأمل (ولا تخونوا الله) بترك فرائضه (والرسول) بترك سننه (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) قال ابن عباس نزلت في عشرة منهم أبو لبابة وقيل خمسة هو منهم وقيل ثمانية هو منهم وقيل سبعة هو منهم وقيل ان الآية نزلت في تخلفه عن غزوة تبوك (ما قبل من اخوانهم بني النضير) وهو أخذ أموالهم وأجلاؤهم (فجاء حلفاؤهم الاوس شافعين) زاد البغوى فقالوا يا رسول الله انهم موالينا

فيهم كما شفعت الخزرج في حلفائهم بني قينقاع* وكان الاوس والخزرج متغايرين لا تصنع احداهما شيأ الا صنعت الاخرى مثلها من ذلك لما قتلت الاوس كعب بن الاشرف بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألت الخزرج قتل أبى رافع فقتلوه فلما شفعت الاوس في بني قريظة قال لهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلا قال فذلك الى سعد بن معاذ وقد كان سعد جعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خيمة فى جانب مسجده ليعوده من قريب فأتاه قومه فاحتملوه على حمار وأقبلوا به وهم يقولون له يا أبا عمرو أحسن في مواليك فقال لهم قد أنى لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فحينئذ أيس قومه من بنى قريظة ونعوهم الى أهليهم قبل أن يحكم* ولما أقبل النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن عنده قوموا الى سيدكم وقيل اراد بها الانصار خاصة وقيل عم الكل فحكم سعد بقتل الرجال وقسمة الأموال وسبي الذراري والنساء فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد حكمت بحكم الله وربما قال بحكم الملك فحبسهم النبي صلى الله عليه وسلم في بيت واحد وخدّ لهم أخاديد في موضع سوق المدينة وخرج بهم ارسالا تضرب أعناقهم ثم يلقون في الاخاديد دون الخزرج وقد فعلت في موالى الخزرج بالامس ما قد فعلت (كما صنعت الخزرج في حلفائهم من بني قينقاع) فوهبهم لعبد الله بن أبي (فى خيمة) زاد البغوى لامرأة من المسلمين يقال لها رفيدة كانت تداوى الجرحي وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين (فاحتملوه على حمار) ووطؤا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما (أحسن في مواليك) زاد البغوي فان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ولاك لتحسن فيهم (فقوموا الي سيدكم) فيه استحباب القيام لاهل الفضل وتلقيهم اذا أقبلوا (فقيل أراد بها الانصار خاصة وقيل عم الكل) حكاه القاضي عياض زاد البغوي بعد ذلك فقالوا يا أبا عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ان الحكم فيها ما حكمت قالوا نعم قال وعلى من هنا في الناحية التى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم (لقد حكمت بحكم الله) زاد البغوي من فوق سبعة أرقعة والارقعة جمع رقيع بالقاف وهو من أسماء السماء سميت بذلك لانها رقعت بالنجوم قال السهيلي وفي غير رواية البكائى انه عليه الصلاة والسلام قال في حكم سعد بذلك طرقني الملك سحرا (بحكم الملك) بكسر اللام وهو الله سبحانه وضبطه بعضهم في صحيح البخارى بالكسر والفتح قال القاضى فان صح الفتح فالمراد به جبريل وتقديره بالحكم الذى جاء به الملك عن الله (في بيت واحد) لبنت الحارث امرأة من بني النجار واسمها كبشة بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس التى كانت تحت مسيلمة الكذاب ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز (ارسالا) أفواجا (تضرب أعناقهم) وكان

وترك منهم من لم ينبت فممن ترك لعدم الانبات عطية القرظي جد محمد بن كعب القرظى المفسر الذي قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم في حقه يخرج من الكاهنين رجل يدرس القرآن درسا لم يدرسه احد قبله ولا يدرسه أحد بعده وحين كانوا يخرج بهم للقتل قالوا لكعب بن أسد أين يذهب بنا فقال أفي كل موطن لا تعقلون اما ترون الداعي لا ينزع وان من ذهب منكم لا يرجع هو والله القتل ولما خرجوا بحيى بن أخطب نظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يخذله الله يخذل ففي ذلك قال جبل بن جوال التغلبي: لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكنه من يخذل الله يخذل لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها ... وقلقل يبغي العز كل مقلقل وكان عدد من قتل منهم ستمائة أو سبعمائة وقيل بين الثمان المائة والتسع المائة وكان مدة حصارهم خمسا وعشرين ليلة او احدى وعشرين ليلة ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم متولى ذلك علي والزبير رضى الله عنهما (وترك منهم من لم ينبت) وكان متولى كشف عوراتهم ليعرف ذلك مسلم بن بجرة الانصارى ذكر ذلك ابن شاهين (فممن ترك لعدم الانبات عطية القرظي) كما رواه ابن حبان والحاكم والترمذى وقال حسن صحيح عن عطية قال كنت من سبي بنى قريظة وكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل وكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت واستدل به الفقهاء على ان نبات شعر العانة الخشن دليل البلوغ في الكفار وانه يجوز كشف العورة للحاجة وهو (جد محمد بن كعب المفسر) الثقة الحجة سمع من علي وابن مسعود ومات سنة سبع عشرة أو ست عشرة ومائة (لا ينزع) أى لا ينتهي (حيى بن أخطب) زاد البغوي عليه حلة فقاحية قد شققها عليه بقدر الانملة من كل موضع لئلا يسلبها مجموعة يداه الى عنقه بحبل والفقاحية منسوبة الى الفقاح بتقديم الفاء المضمومة على القاف وآخره مهملة قال السهيلي وهو الزهر إذا انشقت أكمته وانصرفت براغيمه ونصفت أخفيته فيقال له حينئذ فقح وهو فقاح (جبل) بالجيم والموحدة المفتوحتين قال في القاموس صحابي (ابن جوال) بفتح الجيم والواو المشددة بن صفوان بن بلال الشاعر كان يهوديا فأسلم وكانت مقالته قبل ان يسلم (لعمرك) وحياتك (من يخذل الله) قيده السهيلي بنصب الهاء من اسم الله واستدل له بخبر ذكره في الروض (لجاهد) هي لام القسم (وقلقل) بالقافين حرك وفي البغوي انه قال أيها الناس انه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني اسرائيل ثم جلس فضربت عنقه وقتل يومئذ الزبير بالتكبير ابن باطيا والد عبد الرحمن ابن الزبير الصحابي بعد ان استوهبه ثابت بن قيس بن شماس من النبي صلى الله عليه وسلم واستوهب منه أهله وماله أيضا ليد كانت له عنده من يوم وقعة بعاث ثم سأل عن جماعة من بني قريظة منهم كعب بن أسد ما فعلوا فأخبر بأنهم قتلوا فقال لثابت فاني أسألك بيدى عندك الا ما ألحقتنى بالقوم فو الله ما في العيش بعد

الكلام على موت سعد بن معاذ ومناقبه رضي الله عنه

أموالهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما واخرج منها الخمس وكان نساؤهم وذراريهم سبعمائة وخمسين وقيل تسعمائة وبعث النبى صلى الله عليه وسلم ببعضهم الى نجد ليشتري له بها خيل وسلاح [الكلام على موت سعد بن معاذ ومناقبه رضي الله عنه] ولما انقضى شأن بني قريظة استجاب الله دعوة سعد فانفجر جرحه فلم يرعهم وهم في المسجد الا والدم يسيل اليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الدم الذي يأتينا من قبلكم فاذا سعد يغذو جرحه دما قالت عائشة فو الذي نفسي بيده انى لا أعرف بكاء أبى بكر من بكاء عمر* وروي أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له من هذا الميت الذى فتحت له أبواب السماء واهتز له عرش الرحمن فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه مسرعا فاذا سعد قد قبض وفي هذا المعنى أنشدوا: وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به الا لسعد ابي عمرو هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله قبلة دلو ناضح حتى ألقى الاحبة فضرب عنقه (للفارس ثلاثة أسهم) زاد البغوى وكانت الخيل ستا وثلاثين فرسا وكان أوّل فيء وقع فيه السهمان (وبعث النبي صلى الله عليه وسلم) سعد بن زيد الانصاري (ببعضهم الى نجد ليشترى له بها خيل وسلاح) زاد البغوى وكان قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خصافة فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها انتهى قلت وفي هذا نظر «فائدة» لم يستشهد يوم بني قريظة سوى خالد بن سويد الخزرجي القت عليه امرأة قال الواقدى اسمها بناتة امرأة الحكم القرظي رحا فقتلته وقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم به وأخرج ابن مندة وأبو نعيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان له أجر شهيدين قالوا ولم يا رسول الله قال لان أهل الكتاب قتلوه قلت فيؤخذ منه ان مقتول أهل الكتاب له أجر شهيدين والله أعلم بالحكمة في ذلك وأخرجه أبو داود من رواية ثابت بن قيس بن شماس (فانفجر جرحه) لابن سعدانه مرت به عنز وهو مضطجع فاصاب ظلفها موضع الجرح وكان انفجاره من لبته كما في الصحيحين وغيرهما وهو بفتح اللام وتشديد الموحدة موضع القلادة وفي بعض نسخ مسلم من ليته بكسر اللام ثم تحتية ساكنة والليت صفحة العنق وفي بعضها من ليلته قال القاضي قالوا وهو الصواب انتهى وفي التوشيح ان هذه الثالثة تصحيف (فلم يرعهم) بضم الراء أي يفزعهم والمعنى انهم بيناهم في حال طمأنينة اذ أفزعتهم رؤبة الدم فارتاعوا له قال الخطابي وقال غيره المراد بهذا اللفظ السرعة لا نفس الفزع (يغذو) بمعجمتين أى يسيل وفي بعض نسخ الصحيحين يغذ بكسر الغين وتشديد الذال المعجمتين ومعناه يدوم سيلانه (اني لاعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر) وكانوا كما قال الله رحماء بينهم (من هذا الذى فتحت له أبواب السماء) أخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عمر (واهتز له عرش الرحمن) أخرجه أحمد ومسلم من حديث أنس وأخرجه أحمد والشيخان والترمذى وابن ماجه من حديث جابر وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد واسيد بن حضير ورميثة بنت عمرو قال السهيلي والعجب لما روى عن مالك من انكاره للحديث وكراهيته للتحدث به مع صحة نقله وكثرة الرواة له ولعل هذه الرواية

وفي حديث انه نزل في جنازته من الملائكة سبعون ألفا ما وطئوا الارض قبل ذلك ولما احتملوا نعشه ندبته امه كبيشة بنت رافع الخدرية فقالت: ويل أم سعد سعدا ... صرامة وحدا وسؤددا ومجدا وفارسا معدا ... سدّ به مسدا يقد هاما قدا قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان للقبر لضمة لو كان احد منها ناجيا لكان سعد بن معاذ ومناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه كثيرة ساد قومه على حداثة سنه وحين أسلم قال لهم كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تسلموا فأسلموا جميعا من يومهم وشهد بدرا واحدا والخندق وما قبلها وله في نصرة الاسلام مقامات جليلة ومشاهد لم تصح عند مالك واهتزاز العرش تحركه فرحا وسرورا بقدوم روح سعد جعل الله في العرش تمييزا حصل به هذا وهذا هو المختار كما قال النووي لان العرش جسم من الاجسام يقبل الحركة والسكون قال المازري لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك الا ان يقال ان الله جعل حركته علامة للملائكة على موته وقيل المراد أهل العرش أى حملته وغيرهم من الملائكة فحذف المضاف والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول وقال الحربي هو كناية عن استعظام شأن وفاته كما تقول العرب أظلمت لموت فلان الارض وقامت له القيامة وفيه قول باطل يذكر للتنبيه على بطلانه وهو ان المراد اهتزاز سرير الجنازة وهو النعش (وفي حديث انه نزل في جنازته الى آخره) أخرجه النسائي من حديث ابن عمر (كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة ثم معجمة (ويل أم سعد) بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة فالويل الهلكة أي وأهلكت أم سعد بعده (صرامة) بفتح الصاد المهملة أى قطعا (وحدا) بالمهملة (يقدهاما) بالتنوين (قدا) مصدر «فائدة» أخرج ابن سعد في الطبقات من حديث محمود بن لبيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل نائحة تكذب الا أم سعد (قالت عائشة) فيما رواه أحمد (ان للقبر لضمة الي آخره) وأخرجه النسائى من حديث ابن عمر أيضا وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن عباس فيه اثبات عذاب القبر وانه حق يجب الايمان به وفي حديث النسائى ان سعدا ضم ضمة ثم فرج عنه وهى آخر ما يلحق المؤمن من الشدائد التى يكفر الله بها الذنوب أو يرفع بها الدرجات وذكر أبو سعد الاعرابي في كتاب الملحمة عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت يا رسول الله ما انتفعت بشيء منذ سمعتك تذكر ضغطة القبر وضمه فقال يا عائشة ان ضغطة القبر على المؤمن أو قال ضمة القبر على المؤمن كضمة الام الشفيقة يديها على رأس ابنها يشكو اليها الصداع وصوت منكر ونكير كالكحل في العين ولكن يا عائشة ويل للشاكين أولئك الذين يضغطون في قبورهم ضغط البيض على الصخر ولابن إسحاق من حديث أمية بن عبد الله قال قلت لبعض أهل سعد بن معاذ ما بلغكم في هذا يعني الضمة التي انضمها القبر عليه قال كان يقصر في بعض الطهور من البول بعض التقصير قلت في النفس من صحة هذا الحديث شيء (ومناقب سعد كثيرة) منها ما أخرجه الشيخان والترمذي عن البراء رضى الله عنه قال

مطلب في الكلام على مشروعية تحريم الخمر وسبب ذلك

جميلة وختم الله له بالشهادة فمات حميدا شهيدا فقيدا رضي الله عنه* [مطلب في الكلام على مشروعية تحريم الخمر وسبب ذلك] قال اهل التواريخ وحرمت الخمر بعد الاحزاب بأيام وقيل بعد أحد وكان تحريمها على التدريج قيل والحكمة فيها انها قد كانت من افضل معايشهم وأشربتها قلوبهم فلو فجئهم تحريمها والعزيمة فى تركها دفعة واحدة لاستعظموه فنزل اولا بمكة ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ثم نزل بالمدينة جوابا لمن سأل عنها ويسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس فمنهم من شربها بعد ذلك ومنهم من تركها ثم صنع عبد الرحمن ابن عوف طعاما ودعا رجالا وسقاهم الخمر وحضرت الصلاة وصلى بهم احدهم بقل يا أيها الكافرون أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها وفي رواية ثوب حرير فجعلنا نلمسه ونتعجب منه فقال والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا ومنها ما أخرجه الترمذي عن أنس قال لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما أخف ما كانت يعنون لحكمه في بني قريظة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان الملائكة كانت تحمله (فقيدا) أى لا أهل له (قال أهل التواريخ الخمر) أسماؤها كثيرة منها المدام والقهوة والراح والرحيق والسلاف والخندريس والعقار والاسفنط والمقذية والصهباء (على التدريج) أي قليلا قليلا (فجئهم) بكسر الجيم ثم همزة مفتوحة بغتهم (ومن ثمرات النخيل والاعناب) أى ولكم أيضا عبرة فيما نسقيكم ونرزقكم من ثمرات النخيل والاعناب (تتخذون منه) الكناية عائدة الى ما محذوفة أى ما يتخذون منه (سكرا) قال قوم منهم ابن مسعود وابن عمر هو الخمر وكان ذلك قبل تحريمها وقيل السكر ما يشرب وعن ابن عباس هو الخل بلغة الحبشة وقيل هو النبيذ المسكر وهو قول من يبيح شرب النبيذ ومن حرمه قال المراد الاحبار لا الاحلال (ورزقا حسنا) قيل هو الخل والدن والتمر والزبيب وقيل ما أكل منه وقيل هو ما أحل والسكر ما حرم (جوابا لمن سأل) وكان من السائلين عمر ومعاذ ونفر من الانصار قالوا يا رسول الله افتنا في الخمر والميسر فانهما مذهبة للعقل مسلبة للمال فانزل الله عز وجل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وهو شرعا اسم لكل مسكر (والميسر) وهو القمار قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ زاد البغوي فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى تقدم في تحريم الخمر (ثم صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من حديث على (وحضرت الصلاة) أي صلاة المغرب كما في سنن أبى داود (فصلى بهم أحدهم) هو سيدنا على رضى الله عنه كما فيهما قال صنع لنا ابن عوف طعاما فدعانا فأكلنا واسقانا خمرا قبل ان تحرم الخمر فاخذت منى وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ اعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون فخلطت فنزلت لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتى تعلموا ما تقولون وعند أبي داود ان رجلا من الانصار دعاه عبد الرحمن بن عوف وفيه فأتاهم على رضى الله عنه فامهم وذكر الحديث

وحذف منها لا في جميعها فنزل قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى» فكانوا بعدها يشربونها بعد العشاء فيصبحون وقد صحوا ثم صنع عبد الرحمن بن عوف وقيل عتبان بن مالك طعاما ودعا رجالا فأكلوا وشربوا الخمر وتناشدوا الشعر وتطاول كل منهم على الآخر فأخذ أنصاري لحي بعير وضرب به رأس سعد بن أبي وقاص فشجه فأنزل الله العزيمة في تحريمها بقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ» وفي أثناء ذلك من مخازيها ما اشتهر في صحيح البخاري وغيره من قصة حمزة مع علي رضي الله عنهما في أمر الشارفين وقد كان قبل تحريمها والتشويش فيها تركها كثيرون من أجل فقد العقل واللب تكرما لا تدينا ثم أجمع المسلمون على تحريم الخمر ووجوب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) من شرب الخمر ونحواها وقيل أراد به سكر النوم (فيصبحون وقد صحوا) زاد البغوى ويشرب بعد صلاة الصبح فيصحو اذا جاء وقت الظهر (وقيل عتبان) بكسر العين المهملة وقيل بضمها (فشجه) زاد البغوى فانطلق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكى اليه وروى أصحاب السنن عن عمر انه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التى في البقرة فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في النساء فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التى في المائدة فقرئت عليه فقال انتهينا انتهينا (والانصاب) الاوثان (والازلام) القداح التى كانوا يستقسمون بها (رجس) خبث مستقذر (من عمل الشيطان) من تزيينه (فاجتنبوه) والكناية الى الرجس (في صحيح البخارى) وصحيح مسلم (في قصة حمزة مع على في أمر الشارفين) القصة انه شرب الخمر فسكر وقعد في بيت مع قينة تغنيه فقال: ألا يا حمز للشرف النواء ... فهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء وعجل من اطايبها لشرب ... قديدا من طبيخ أو شواء فثار اليهما حمزة بالسيف فجب أسنمتهما وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما فجاء علىّ النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فاخبره الخبر فخرج فدخل على حمزة فتغيظ عليه فرفع حمزة بصره وقال هل أنتم الا عبيد لابي فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر حتى خرج عنهم هذا لفظ احدي روايات مسلم الا الابيات فانه ليس في الصحيحين سوي نصف البيت الاول والشارف بالمعجمة والفاء الناقة المسنة (تركها كثيرون) منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وقيس بن عاصم وعباس بن مرداس الاسلمي كما في الاستيعاب وغيره قال السهيلي وقبل هؤلاء حرمها على نفسه عبد المطلب بن هاشم وورقة بن نوفل وابن جدعان وشيبة بن ربيعة والوليد بن الوليد بن المغيرة ومن قدماء الجاهلية عامر بن الظرب العدوانى

مطلب في الكلام على مشروعية الحج

الحد في شربها ولو جرعة واحدة لا تسكر وجلد صلى الله عليه وسلم بالجريد والنعال وكذلك أبو بكر فلما كان عمر ووقع الرخاء وتتايع الناس فيها استشار الناس فقال له عبد الرحمن بن عوف أرى أن نجعلها كأخف الحدود يعني حد القذف فجلد ثمانين قال الشافعي رحمه الله الذي لا بد منه أربعون وما زاد على ذلك موقوف على رأى الامام. واعلم ان الخمر من الكبائر الجالبة للدوائر قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم كل مسكر حرام إن حتما على الله أن لا يشربه عبد في الدنيا الاسقاه الله يوم القيامة من طينة الخبال هل تدرون ما طينة الخبال قالوا لا قال عرق أهل النار. وقال أيضا لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبايعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة اليه وآكل ثمنها. وقال جعلت المعاصى كلها في بيت وجعلت مفتاحها الخمر. [مطلب في الكلام على مشروعية الحج] السنة الخامسة وما انطوت عليه فيها وقيل في السادسة أو التاسعة أو العاشرة افترض (وجلد صلى الله عليه وسلم في شربها بالجريد والنعال الى آخره) رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى عن أنس والنعال بكسر النون (وتتايع الناس) بالتحتية كتتابع بالموحدة وزنا ومعنى الا ان التتابع بالتحتية لا يكون الا في الشر (فقال له عبد الرحمن بن عوف) لا ينافيه ما في الموطأ عن ثور بن زيد الديلى ان عمر استشار في حد الخمر فقال له على أري ان تجعله ثمانين فاذا شرب سكر واذا سكر هذى واذا هذي افترى لاحتمال انهما أشارا عليه معا (أري) بفتح الهمزة لا غير (كاخف الحدود) المذكورة في القرآن وهي حد السرقة بقطع اليد وحد الزنا بجلد مائة وحد القذف وفيه جواز القياس واستحباب مشاورة الامام ونحوه أصحابه وحاضري مجلسه في الاحكام (الذى لا بد منه أربعون) لانه فعله صلى الله عليه وسلم وقال على وهذا أحب الي يعنى الاربعين وهذا بالنسبة الي الحر وأما من فيه رق فيجلد عشرين لما في مؤامرة فعل عمر ويكون الزائد على الاربعين تعزيرا حتى ان أفضي الضرب الي الهلاك وجب الضمان على عاقلة الوالى (تنبيه) ما في سنن أبي داود والنسائي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه الى الرابعة فاقتلوه منسوخ اجماعا كما حكاه الترمذي وغيره (كل مسكر حرام) رواه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن أبى موسى وأحمد والنسائى عن أنس وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر وأحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة وابن ماجه عن ابن مسعود وأحمد ومسلم وأصحاب السنن عن ابن عمر وأبو داود والشيخان عن عائشة والطبرانى عن تميم الداري (الخبال) بفتح المعجمة وتخفيف الموحدة (لعن الله) الخمر (الي آخره) رواه أبو داود والحاكم عن عمر وفيه جواز لعن أرباب المعاصى (وجعل مفتاحها شرب الخمر) هو على طريق التمثيل لان صاحبها يسكر فيفعل المعاصى فسمي الشرب مفتاحا* السنة الخامسة (فيها) أى في الخامسة وجزم به الرافعي في الحج (وقيل في السادسة) وصححه الرافعي في السير وتبعه في الروضة ونقله في المجموع عن الاصحاب ونسبه

الحج فنزل قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وقد كان قبل ذلك مما تدين به الجاهلية مع أحداث أحدثوها فيه خلاف ملة ابراهيم صلى الله عليه وسلم وقد حج معهم النبى صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وخالفهم فيما خالفوا من شرع ابراهيم صلوات الله عليه* واعلم ان الحج من اركان الاسلام ودعائمه العظام بدليل قوله عليه أفضل الصلاة والسلام بني الاسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان رواه الأئمة واللفظ للبخاري ورووا أيضا واللفظ لمسلم عن أبي هريرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم ثم قال ذرونى ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فاذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شىء فدعوه. ثم ان وجوبه اجماع وانكرته الملحدة حيث عرضوا أفعاله على عقولهم السخيفة كالتجرد عند الاحرام والوقوف والرمى والرّمل فحين لم يعرفوا وجه الحكمة والمراد بها جانبوه جملة فكفروا وجهلوا إذ لم يعلموا أن الواجب على العبيد امتثال أحكام المولى فيما يريده وانقياد أهل العقول لما جاء به الرسول عرف وجه الحكمة في ذلك أو جهل فى التوشيح الي الاكثر بن قال لان فيها نزول وأتموا الحج والعمرة لله وقيل فرض قبل الخامسة أيضا (الحج) بكسر الحاء وفتحها لغتان وهو لغة القصد وشرعا قصد البيت بالنسك المعلوم (وَلِلَّهِ) واجب (عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) قريء بالفتح والكسر (مَنِ اسْتَطاعَ) أى أطاق (إِلَيْهِ سَبِيلًا) طريقا (مع أحداث أحدثوها) منها النسيء ومنها الوقوف بمزدلفة (وقد حج معهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة) قال الحبر الطبرى حجتين (بنى الاسلام على خمس الى آخره) رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن ابن عمر (شهادة) بالجر على البدل وبالرفع على الابتداء وكذا ما بعده (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج إلى آخره) رواه مسلم والنسائى (فقال رجل أكل عام) هو الاقرع بن حابس (لو قلت نعم) فيه دليل على جواز قول لو بلا كراهة والنهى عنها ليس هذا محله (ولما) هي لام القسم دخلت على ما النافية (ذرونى) اتركوني (فانما هلك) الذي في أكثر نسخ صحيح مسلم فانما أهلك مع حذف التاء من كثرة سؤالهم ورفعه ورفع اختلافهم وفي بعض النسخ كما هنا (فاذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) هذا الحديث من جملة قواعد الاسلام موافق لقوله عز وجل وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الملحدة) جمع ملحد والالحاد لغة الميل سموا به لميلهم عن الحق وعدولهم عنه (السخيفة) بفتح المهملة وكسر المعجمة واسكان التحتية وفتح الفاء أي الضعيفة (والمراد بها) بالنصب

ولذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول في تلبيته لبيك حقا حقا تعبدا ورقا لبيك إله الحق ولا يجب الحج في العمر إلا مرة واحدة وكذلك العمرة وقال قوم يجب في كل خمسة أعوام مرة لحديث إن عبدا وسعت عليه في الرزق لم يفد الىّ في كل خمسة أعوام لمحروم وهو حديث لا يصح ويرده الاجماع أيضا. واعلم ان وجوبه بعد الاستطاعة على التراخى وقال بعض المالكية على الفور وقال بعضهم ان أخره بعد ستين فسق وردت شهادته لقوله صلى الله عليه وآله وسلم اعمار أمتى ما بين الستين الى السبعين فكأنه في هذه العشر قد تضايق عليه الخطاب قلت وهذا قول حسن ويؤيده قوله تعالى أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ قال علي وابن عباس هو ستون سنة (لبيك حقا حقا تعبدا ورقا) رواه ابن الصلاح وغيره في علوم الحديث بصيغة تمريض فقال وروي عن محمد بن سيرين عن أخيه يحيي عن أخيه أنس عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبيك حقا حقا تعبدا ورقا انتهى وفي الحديث لطيفة وهو ان فيه ثلاثة اخوة يروى بعضهم عن بعض وروي النسائى عن أبي هريرة قال كان في تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبيك اله الحق) ومعنى لبيك أي أنا مقيم على طاعتك اقامة بعد اقامة مأخوذ من قولهم ألب بالمكان اذا قام به وقيل معناها اتجاهي وقصدي اليك من قولهم داري تلب دارك أى تواجهها وقيل محبتي لك مأخوذ من قولهم امرأة لبة اذا كانت محبة ولدها عاطفة عليه وقيل معناها اخلاصى لك من قولهم حسب لباب أى خالص محض ومنه لب الطعام ولبابه قال القاضى قيل هذه الاجابة لقوله تعالى لابراهيم وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ واختلفوا في لبيك هل هو مثنى أم مفرد والصحيح تثنيته أى اجابة لك بعد اجابة (ولا يجب الحج في العمر الامرة) لخبر مسلم والنسائي السابق (وكذا العمرة) بضم العين مع ضم الميم واسكانها وبفتح العين واسكان الميم وهي لغة الزيارة وقيل القصد الي مكان عامر وشرعا زيارة البيت للنسك المعلوم أي لا تجب في العمر الا مرة وللعلماء في وجوب العمرة خلاف وللشافعي قولان أظهرهما وجوبها لقوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ولخبر ابن ماجه والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة عن عائشة قالت قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد قال نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة وأما خبر الترمذي عن جابر سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي قال لاوان تعتمروا فهو أفضل وفي رواية وان تعتمر فهو خير لك ضعيف باتفاق الحفاظ قال النووى ولا يغتر بقول الترمذى فيه حديث حسن صحيح قال وقال أصحابنا ولو صح لم يلزم منه عدم وجوبها مطلقا لاحتمال ان المراد ليست واجبة على السائل لعدم استطاعته (ان عبدا وسعت عليه الرزق الى آخره) أخرجه ابن حبان في صحيحه (علي التراخي) لان الحج وجب سنة خمس أوست على الصحيح كما مر وأخره صلى الله عليه وسلم الى سنة عشر بلا مانع وقيس به العمرة وقد يجبان فورا لعارض نذرأ وخوف غضب أو قضاء (وقال بعض المالكية) بل قاله مالك وأبو حنيفة وأحمد وآخرون كما نقله النووي في شرح مسلم (أعمار أمتي ما بين الستين الى السبعين) وأقلهم من يجوز ذلك أخرجه الترمذى من حديث أبى هريرة وأخرجه أبو يعلي من حديث أنس (قال على وابن عباس هو ستون سنة) وقيل البلوغ وقيل ثماني عشرة سنة وقيل أربعون

وروينا في صحيح البخاري عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعذر الله الى امريء أخر أجله حتى بلغ ستين سنة. وأحسن مما قالوا أن يقال انه بعد الستين يتضيق عليه الأمر ويتوجه عليه اللوم ولا يبقى حاله فيما بعدها كما قبلها من غير تعد الى الفسق والجرح لأنّ جرح من صحت عدالته عسير والله أعلم قال العلماء رحمهم الله تعالى لوجوبه خمسة شروط الاسلام والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة اما الكافر والمجنون فلا يجب عليهما ولا يصح منهما واما العبد والصبي فلا يجب عليهما ويصح منهما تطوعا ولا يسقط به فرض الاسلام (اعذر الله الى امريء) أى بلغه سنا لا يكون له عند الله عذران لم يعمل بطاعته قال أهل اللغة يقال اعذر في الامر اذا بالغ فيه أى اعذر غاية الاعذار الذى لا اعذار بعده (لوجوبه) أى الحج وكذا العمرة (خمسة شروط) الاول الاسلام فلا تجبان على كافر اصلى وجوب مطالبة نعم المقرر انه مخاطب بالفروع فيعذب على تركهما في الآخرة زيادة على عذاب الكفر (و) الثاني (البلوغ) فلا تجبان على صبى كسائر الفروض (و) الثالث (العقل) فلا تجبان على مجنون كذلك (و) الرابعة (الحرية) فلا تجبان على من فيه رق لان منافعه مستحقة للسيد فليس مستطيعا (و) الخامس (الاستطاعة) فلا تجبان على غير المستطيع لمفهوم الآية (ولا يصح منهما) اما الكافر فمطلقا لافتقار النسك الى النية وليس من أهلها وأما المجنون فلا يصح منه المباشرة كسائر العبادات ومثله الصبى الذي لا يميز ويجوز لولي مالهما الاحرام عنهما والنيابة في ذلك وكذا لسيد العبد غير المميز ويقع تطوعا في مسلم وأبى داود عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لقى ركبا بالروحاء ففزعت امرأة فاخذت بعضد صبي صغير فاخرجته من محفتها فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال نعم ولك أجر وجه الدلالة ان الصبي الذي يحمل بعضده ويخرج من المحفة لا يكون مميزا وقيس به المجنون ولا دلالة له في الحديث على ان الام تحرم عن الولد اذ لا تصريح فيه بذلك وقوله ولك أجر لعله أراد به أجر الحمل والنفقة وبتقدير احرامها عنه فلعلها كانت وصية أو مأذونة للولى (وأما العبد والصبي) المميزان فالولى مخير ان شاء أذن لهما فباشرا الاحرام فيصح منهما المباشرة كسائر العبادات وان شاء أحرم عنهما على الاصح في أصل الروضة وما في شرح مسلم عن الاصحاب انه لا يجوز غير معتمد وان نقل مقتضاه في المجموع عن الشافعى والاصحاب (لا يسقط به فرض الاسلام) لخبر ايما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى رواه البيهقى باسناد جيد كما قاله في المجموع ورواه الخطيب والضياء عن ابن عباس وزاد وأيما اعرابي حج ثم هاجر فعليه ان يحج حجة اخري وهذا يحتاج الي تأويل ولان النسك لا يجب في العمر الامرة فاعتبر لوقوعه حال الكمال فلو تكلفه غير مستطيع وقع عن فرضه لكمال حاله بخلاف غير المكلف ومن فيه رق نعم لو وقف الصبى أو المجنون أو القن كاملا أجزأه عن فرض الاسلام فان كان سعي بعد طواف القدوم قبل كماله وجب عليه اعادة السعي

وغير المستطيع لا يجب عليه ويصح منه ويجزيه عن الفرض. والمستطيع نوعان مستطيع بنفسه ومستطيع بغيره فالمستطيع بنفسه من قدر على الذهاب ووجد مؤنته ذهابا وإيابا فاضلة عمن تلزمه نفقتهم وعن دينه والمستطيع بغيره أن يكون عاجزا لكبر أو مرض لا يرجي برؤه وله مال فيلزمه أن يستأجر من يؤدي عنه فرضه ولو لم يكن له مال ووجد من يطيعه لزمه أن يأمره. وأركان الحج خمسة الاحرام والوقوف وطواف الافاضة (وغير المستطيع لا يجب عليه) لما مر (ويصح منه) لانه من أهل العبادة (ويجزيه عن الفرض) لكمال حاله كما مر (من قدر على الذهاب) والاياب (ووجد مؤنته) زادا وراحلة (فاضلة عمن تلزمه نفقتهم) وكسوتهم اللائقة به (وعن دينه) ولو مؤجلا أو أمهل به ولو الى الاياب وعن مسكن وخادم يحتاجهما لكن محل اعتبار الراحلة لمن على مرحلتين من مكة أو دونهما وهو ضعيف وإلا وجب عليه المشى اذ لا ضرر عليه بخلاف القادر عليه بزحف أوحبو ويعتبر لمن يتضرر بالراحلة ان يجد شق محمل بشراء أو اجارة وشريكا ليداوله ولو باجرة فان تضرر بالمحمل فكنيسة وهي أعواد مرتفعة بجوانب المحمل عليها ستر يدفع الحر والبرد ويجب صرف رأس مال تجارة وثمن ضيعة ذلك ونفيس عبد ودار لا يليقان به ان كفاه الزائد على اللائق ومن كان يكسب في يوم كفاية أيام لزمه النسك ان قصر سفر والدين الحال على ملئ مقرا أو عليه بينة كالحاصل والمال الموجود بعد خروج القافلة كالعدم وبقى للاستطاعة شروط أخر مستوفاة في كتب الفقه (والمستطيع بغيره ان يكون عاجزا) عن النسك (لكبر أو مرض لا يرجي برؤه) وأيس من قدرته على الحج والعمرة (وله مال فيلزمه ان يستأجر من يؤدي عنه فرضه) لحديث ابن عباس في الصحيحين ان امرأة من خثعم قالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يثبت على الراحلة أفاجج عنه قال نعم (ولو لم يكن له مال ووجد من يطيعه لزمه ان يأمره) ان كان قد سقط عنه فرض الاسلام ويلزمه ان يلتمس ذلك منه ان توسم فيه الطاعة وسوي الاجنبى والبعض الا اذا كان البعض فقيرا وماشيا وهو على مرحلتين من مكة فلا يجب على المغصوب القبول منه (وأركان الحج خمسة) الاول (الاحرام) وهو الدخول في النسك بالنية ويسن التلفظ والتلبية سمى بذلك لاقتضائه دخول الحرم أو لاقتضائه تحريم الاشياء المحرمة على المحرم (و) الثانى (الوقوف) بعرفة لقوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج أيام مني ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه رواه أحمد وأصحاب السنن الاربعة والحاكم والبيهقي في السنن عن عبد الرحمن بن يعمر ويكفي الحضور باى جزء منها لقوله صلى الله عليه وسلم وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف رواه مسلم وحدودها معروفة ويكفى المرور بها في طلب نحو آبق وان لم يعلم انها هى ووقته ما بين زوال عرفة بالاتفاق الى فجر النحر لما مر في الحديث ولو غلط الجم الغفير فوقفوا العاشر جاز لما في وجوب القضاء من المشقة (و) الثالث (طواف الافاضة) قال تعالى وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ

والسعي والحلق وواجباته ستة الاحرام من الميقات والجمع بين الليل والنهار بعرفات والمبيت بمزدلفة ليلة النحر والمبيت ليالى مني المرمي والرمي وطواف الوداع. ويسقط عن الحائض والنفساء فمن ترك ركنا لم يصح حجه ولا يحل من احرامه حتى يأتى به. وثلاثة منها لا تفوت مادام حيا وهي الطواف والسعي والحلق. واما الواجبات فمن ترك منها شيئا صح حجه وعليه دم. وواجبات الطواف وسننه مستوفاة في كتب الفقه (و) الرابع (السعي) بين الصفا والمروة لحديث الصحيحين عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة سبعا وقال صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم ولحديث الدار قطنى والبيهقي باسناد حسن كما في المجموع يا أيها الناس اسعوا فان السعي قد كتب عليكم وهو مستوفي ثم أيضا (و) الخامس (الحلق) أى ازالة شعر الرأس به أو بنتف أو افراق أو قص أو تقصير وبقى ركن سادس وهو ترتيب المعظم فيجب تأخر الوقوف عن الاحرام وتأخر طواف وحلق عنه وتأخر سعي عن طواف افاضة ان لم يكن سعى بعد طواف القدوم (وواجباته ستة) الاول (الاحرام من الميقات) للاتباع (و) الثانى (الجمع بين الليل والنهار بعرفات) بان لا يفيض حتى تغرب الشمس والاظهر ان ذلك سنة (و) الثالث (المبيت بمزدلفة) وهي ما بين وادي محسر ومأزم عرفة للاتباع المعلوم من الاحاديث الصحيحة وانما يجب مبيت جزء بعد مضي النصف لان الدفع بعد نصف الليل جائز للحديث الصحيح وهم لا يصلون مزدلفة غالبا الا بعد مضى ربع الليل ويسقط المبيت بعذر (و) الرابع (المبيت ليالى) بالنصب على الظرف (منى) للاتباع ويحصل ذلك بمبيت معظم الليل ويسقط بعذر أيضا لحديث ابن عباس في سقاية العباس وحديث عدى ابن عاصم في رعاة الابل روى الاول الشيخان والثاني أصحاب السنن الاربعة وصححه الترمذي (و) الخامس (الرمي) أي رمي يوم النحر والرمي أيام التشريق وواجباته وسننه مستوفاة ثم أيضا (و) السادس وليس من خصائص الحج ولا من المناسك (طواف الوداع) للاتباع ولا يجب الا على من أراد سفر مرحلتين من مكة فاكثر (ويسقط عن الحائض والنفساء) لانه صلى الله عليه وسلم أمر صفية حين حاضت ان تنقل؟؟؟ بلا وداع كما في الصحيحين وغيرهما وفيهما عن ابن عباس أمر الناس ان يكون آخر عهدهم بالبيت الا انه خفف عن الحائض وقيس بها النفساء (ولا يحل من احرامه حتى يأتي به) ان كان المتروك الحلق مع الطواف والسعى أو أحدهما أو الرمي مع الطواف والسعى أو أحدهما فان كان المتروك الحلق فقط أو الطواف أو السعي فقط حل التحلل الاول وبقي التحلل الثاني فلا يحل له الجماع ولا مقدماته ولا عقد النكاح على ما حكاه في العزيز عن الاكثرين وجري عليه في الروضة والمنهاج خلافا لما في الشرح الصغير والمحرر من جواز المقدمات وعقد النكاح قبل التحلل الثانى (وأما الواجبات فمن ترك منها شيئا لزمه دم) كدم التمتع وهو ذبح شاة جذعة ضأن أو ثنية معز وتفرق لحمها على مساكين الحرم فان عجز صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجع الي وطنه (تنبيه) لم يذكر

مطلب في قدوم ضمام بن ثعلبة أخي بني سعد بن بكر وإسلامه

واما سننه وتفاصيل أعماله ومحظوراته فهي واسعة ليس هذا موضع بسطها وستأتي جمل من ذلك في حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع والله أعلم [مطلب في قدوم ضمام بن ثعلبة أخي بني سعد بن بكر وإسلامه] ومن حوادث هذه السنة قدوم ضمام بن ثعلبة أخى بني سعد بن بكر أهل رضاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقيل كان فدومه سنة سبع أو تسع وقد روينا حديثه في الصحيحين بألفاظ ومعان مختلفة وحملنى ذلك على ان آتي بكل منهما على حدته اما رواية البخارى فقال حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث عن سعيد المقبرى عن شريك بن عبد الله بن ابي نمر انه سمع أنس بن مالك يقول بينما نحن جلوس مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبى صلى الله عليه وسلم متكيء بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل المتكيء الأبيض فقال له الرجل يابن عبد المطلب فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اجبتك فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم انى المصنف أركان العمرة وهى ما عدا الوقوف من أركان الحج (محظوراته) بالظاء المعجمة أى ممنوعاته من الحظر وهو المنع ومن قوله تعالى وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً أي ممنوعا (موضع) بكسر الضاد وبالفتح خبر ليس (حجة الوداع) بالكسر بدل من الاول ومن حوادث هذه السنة (ضمام) بكسر المعجمة وتخفيف الميم (أهل رضاع) بالكسر بدل من بنى (أو تسع) وهو الصواب كما جزم به ابن اسحاق وأبو عبيدة وغيرهما (وقد روينا حديثه في الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي والنسائي كلهم عن أنس ورواه النسائي عن أبي هريرة أيضا (على حدته) أى على انفراده كما مر أوّل الكتاب (عبد الله بن يوسف) هو أبو محمد الدمشقى السيسى الكلاعي الحافظ قال ابن معين ما بقى في الموطأ أوثق منه توفي سنة سبع عشرة ومائتين (عن سعيد) هو ابن أبى سعيد كيسان قال أحمد ليس به بأس توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة (المقبرى) بضم الباء وفتحها كان ينزل المقبرة فنسب اليها (شريك) بالمعجمة والراء مكبر (ابن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم المدنى قال ابن معين لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي وأبو نمر جده صحابى لا يعرف اسمه (فأناخه) أي بركه في المسجد فيه جواز ادخال البهائم المساجد ان لم يفض الى تنجيسها (متكئ) بالهمز أى مرتفق على احدي يديه (بين ظهرانيهم) بفتح المعجمة والراء والنون واسكان الهاء والالف والمثناة أي بينهم قال في التوشيح وزيد فيه الف ونون ليدل على ان ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه وهو محفوف بهم من جانبيه والالف والنون فيه للتأكيد قاله صاحب الفائق وقال غيره هو مما أريد به بلفظ التثنية معنى الجمع (الابيض المتكئ) للنسائى من رواية أبي هريرة هذا الامغر المرتفق والامغر بالمعجم الابيض المشرب بحمرة (يابن عبد المطلب) في أكثر نسخ الصحيح بحذف حرف النداء مع فتح الهمزة ولم ينسبه الى أبيه لما سيأتي عنه الكلام على قوله

سائلك فمشدد عليك في المسئلة فلا تجد علي في نفسك فقال سل عما بدالك فقال أسألك بربك ورب من قبلك الله ارسلك الى الناس كلهم فقال اللهم نعم فقال أنشدك بالله آلله امرك ان تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله آلله امرك ان تصوم هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال انشدك بالله الله امرك ان تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم نعم فقال الرجل آمنت بما جئت به وانا رسول من ورائى من قومي وانا ضمام بن ثعلبة اخو بني سعد بن بكر واما رواية مسلم فقال رحمه الله حدثنى عمرو بن محمد بن بكير الناقد حدثنا هاشم بن القاسم بن النضر حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن انس بن مالك قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا ان يجيئ الرجل من اهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من اهل البادية فقال يا محمد اتانا رسولك فزعم لنا انك تزعم ان الله ارسلك قال صدق قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الارض قال الله قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال فبالذى خلق السماء وخلق الارض ونصب هذه الجبال آلله ارسلك قال نعم قال وزعم رسولك ان علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذى ارسلك آلله امرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك بأن علينا زكاة في صلى الله عليه وسلم أنا ابن عبد المطلب (فلا تجد) أي لا تغضب قال في التوشيح ومادة وجد متخدة في الماضي والمضارع مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني فيقال في الغضب موجدة وفي المطلوب وجودا وفي الضالة وجدانا وفي الحب وجدا وفي المال وجدا بالضم وفي الغنى جدا بالكسر وتخفيف الدال المفتوحة وقالوا في المكتوب وجادة وهي مولدة انتهى (آلله) بالهمز على الاستفهام (اللهم نعم) حرف عدة وتصديق وجواب للاستفهام قال بعض العلماء ذكر الله تعالى ليكون أبلغ وأوقع في نفس السائل وأنجع وليعلم انه على يقين من إيراده وتصبره في اثباته قد جعل نفسه في معرض من أقبل على الله ليجيب عما سأله ولا شك ان من كان هذا حاله لا يتكلم الا بصدق ويقين وحق مبين (أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين أي أسألك (ان تصلى) روي بالتاء فيه وفيما بعده وبالنون وهو أوجه قاله عياض (البادية) ما عدا الحاضرة (آمنت بالذي جئت به) قيل خبر وقيل إنشاء (رسول من ورائي) بفتح من واضافة رسول اليه (عمرو بن محمد بن بكير) بالتصغير (الناقد) بالنون والقاف والمهملة هو أبو عثمان البغدادي الحافظ نزيل الرقة توفي في ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين ومائتين (هاشم بن القاسم) هو الحافظ يلقب بقيصر ثقة ثبت صاحب سنة عاش ثلاثا وسبعين سنة مات سنة سبع وعشرين ومائة (سليمان بن المغيرة) هو أبو سعيد بصرى جليل قال شعبة هو سيد أهل البصرة وقال أحمد ثبت ثبت توفي سنة خمس عشرة ومائة (ان علينا خمس)

تتمة فى الكلام على فوائد حديث ضمام

أموالنا قال صدق قال فبالذى ارسلك آلله امرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك ان علينا صوم شهر رمضان في سنتنا قال صدق قال فبالذى ارسلك آلله امرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك ان علينا حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال صدق قال ثم ولى وهو يقول والذى بعثك بالحق نبيا لا ازيد عليهن ولا انقص منهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لئن صدق ليدخلن الجنة* [تتمة فى الكلام على فوائد حديث ضمام] فمن فوائد هذا الحديث حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه فانه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو ثم أقسم عليه به ان يصدقه في كونه رسولا للصانع ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر الى عقل رصين قاله صاحب التحرير قال ابن الصلاح وفيه دلالة على صحة ما ذهب اليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون وانه يكفى منهم مجرد اعتقاد الحق جزما من غير شك وتزلزل خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة وذلك انه صلى الله عليه وآله وسلم قرر ضماما على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه ومجرد اخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك ولا قال يجب عليك معرفة ربك بالنظر في المعجزات والاستدلال بالادلة القطعية قال أبو عبد الله البخاري واحتج بعضهم بالقراءة على العالم بحديث ضمام بن ثعلبة قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم آلله أمرك أن تصلى الصلوات قال نعم قال فهذه قراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه وفيه بالنصب اسم ان وكذا ما بعده (لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن) في رواية البخاري في الصيام لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا (لئن صدق ليدخلن الجنة) في رواية لهم من طريق طلحة ابن عبيد الله أفلح ان صدق ولمسلم وأبي داود أفلح وأبيه فان قيل اما فلاحه اذا لم ينقص فواضح واما بان لا يزيد فكيف يصح اجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لانه أتي بما عليه وليس فيه انه اذا أتى بزائد لا يكون مفلحا وحلفه صلى الله عليه وسلم بابيه مع نهيه عنه بقوله ان الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم إما لكون هذا صدر قبل النهي أو لكونه ليس حلفا وانما هى كلمة جرت عادة العرب بادخالها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف كقولهم تربت يداه وثكلته أمه وويل له وقاتله الله (وترتيبه) بالجر (ان يصدقه) بفتح أوله وضم ثالثه (الى عقل رصين) بالراء والمهملة أى قوي ثابت (ابن الصلاح) هو عثمان ابن عبد الرحمن بن عثمان (القطعية) بفتح القاف واسكان المهملة وتشديد التحتية أي التي يقطع بصحتها (قال أبو عبد الله البخاري) في باب القراءة والعرض على المحدث (واحتج بعضهم) هو أبو سعيد الجرار أخرجه البيهقى في المعرفة والحميدي كما قاله ابن حجر (أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه) بالزاى أي قبلوه منه وليس في الحديث الذي ساقه البخاري ان ضماما أخبر قومه بذلك وانما وقع ذلك من

مطلب في تزويج الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية وخبر ذلك

الا كتفاء بخبر الواحد وفيه غير ذلك والله أعلم. [مطلب في تزويج الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية وخبر ذلك] وفي هذه السنة أو في الثالثة زوج الله نبيه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الاسدية وهي أبنة عمته أميمة بنت عبد المطلب نطق بذلك التنزيل وكان لزواجها شأن جليل. روى المفسرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان خطبها أو لا لمولاه زيد بن حارثة الكلبي وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتقه وتبناه فكرهته زينب وترفعت عليه بنسبها وجمالها وتبعها أخوها عبد الله بن جحش على ذلك فأنزل الله عز وجل فيهما وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ فلما سمعا ذلك رضيا وجعلا الأمر الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانكحها رسول الله زيدا وأعطاها عشرة دنانير وستين درهما وحمارا ودرعا وازارا وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر فمكثت عند زيد حينا ثم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوها ويستشيره في طلاقها فقال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وكان النبى صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبره ربه تبارك وتعالى قبل ذلك انها ستكون من أزواجه ففى ذلك نزل قوله تعالى وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أى بالاسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أى بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ واخفى في نفسه طريق أخرى عن ابن عباس عند أحمد وأبي داود وغيرهما قال ابن عباس ما سمعنا بوافد قط كان أفضل من ضمام وفي هذه السنة أي الخامسة (أميمة) بالتصغير (شأن) أمر (جليل) عظيم (خطبها أولا لمولاه) زاد البغوي فلما خطبها رضيت وظنت انه يخطبها لنفسه (أعتقه وتبناه) بمكة وهو صغير وذلك انه دخل به المسجد فقال يا معشر قريش اشهدوا ان زيدا ابني خمسا ذكره ابن عبد البر وغيره بعد ان قدم أبوه يلتمسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه وخيره بينه وبين أبيه فاختاره صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا براجعه لكم بعد ان اختارني قال في التوشيح فأسلم أبوه يومئذ ولم يذكر ابن عبد البر اسلامه (وترفعت عليه بنسبها وجمالها) فقالت انا ابنة عمك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي وكانت بيضاء جميلة فيها حدة (ما كان) ينبغي (لمؤمن) يعني عبد الله بن جحش (ولا مؤمنة) يعنى زينب (اذا قضى الله ورسوله أمرا) وهو نكاح زيد لها (ان يكون) بالتحتية لاهل الكوفة وبالفوقية للباقين (لهم الخيرة من أمرهم) الاختيار أي ما كان لهم ان يريدوا غير ما أراد الله ورسوله (وأعطاها عشرة دنانير الى آخره) هذا لفظ البغوي في التفسير بحروفه (خمارا) بكسر المعجمة هو ما تجعله المرأة على رأسها (ودرعا) أى قميصا (وملحفة) بكسر الميم أي ثوبا يلتحف به (حينا) هو القطعة من الزمان يطلق على الطويل والقصير منه ولم أرى التصريح بقدره هنا (يشكوها) فقال انها تتعظم على بشرفها وتؤذينى بلسانها (ويستشيره في طلاقها) فقال يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتى فقال مالك أرابك منها شئ قال والله يا رسول الله ما رأيت منها الا خيرا (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) يعني زينب (وَاتَّقِ اللَّهَ) في أمرها ولا تفارقها

ما كان الله اعلمه به من انها ستكون زوجته فعتب الله عليه يقول لم قلت امسك عليك زوجك وقد علمت أنها ستكون من أزواجك هذا معنى ما روى عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهم وهو أسد الاقاويل وأليقها بحال الانبياء وأكثرها مطابقة لظاهر التنزيل لأن الله سبحانه وتعالى قال وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ولم يبد سبحانه وتعالى غير تزويجها منه فقال زوجناكها وانما أخفاه صلى الله عليه وآله وسلم استحياء من زيد وخشية أن يجد اليهود والمنافقون بذلك سبيلا الى التشنيع على المسلمين حيث يقولون تزوج محمد زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الابناء فعاتبه الله على ذلك ونزهه عن الالتفات اليهم فيما أحله له كما عاتبه على مراعاة رضى أزواجه في قوله تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ» فهذا معنى قوله «وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم أنا أخشاكم لله واتقاكم له. وقد خطأ القشيري (ستكون زوجته) بالنصب خبر كان والاسم مضمر (هذا ما روي عن زين العابدين) قال البغوي روى سفيان ابن عيينة عن على بن زيد بن جدعان قال سألني على بن الحسين زين العابدين ما يقول الحسن في قول الله تعالى وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قلت يقول لما جاء زيد الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله اني أريد ان أطلق زوجتى أعجبه ذلك فقال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ فقال على بن الحسين ليس كذلك ثم ذكر كلامه (أسد الاقاويل) بالمهملة أى أصوبها (مطابقة) موافقة (ولم يبد) بضم أوله بلا همز (الى التشنيع) بفوقية مفتوحة فمعجمة ساكنة فنون مكسورة فتحتية ساكنة فمهملة النسبة الى الشناعة وهى القبيح (أنا أخشاكم لله وأتقاكم له) رواه الشيخان والنسائي عن أنس قال جاء ثلاثة رهط الى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسئلون عن عبادته فلما أخبروا كأنهم تقالوها قالوا أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم اما أنا فاصلى الليل أبدا وقال الآخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر وأنا اعتزل النساء ولا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله اني لاخشاكم لله وأتقاكم له ولكنى اصوم وأفطر وأصلى وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى وهؤلاء الثلاثة قال ابن حجرهم ابن مسعود وأبو هريرة وعثمان بن مظعون وقيل هم سعد بن أبي وقاص وعثمان بن مظعون وعلى بن أبي طالب وفي مصنف عبد الرزاق من طريق سعيد بن المسيب ان منهم عليا وعبد الله بن عمرو بن العاص انتهى قلت يشبه ان الاول وهم فان أبا هريرة لم يدرك عثمان بن مظعون لانه مات في أوّل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأبو هريرة كان اسلامه بعد خيبر كما سيأتى (وقد خطأ) بتشديد الطاء نسب الى الخطأ (القشيري) هو الشيخ الامام الاوحد العارف بالسنة العالم الرباني المحقق ناصر السنة وقامع البدعة أبو

والقاضي عياض وغيرهما من روى من المفسرين ان النبي صلى الله عليه وسلم لما رآها أعجبته ووقع في قلبه حبها واحب طلاق زيد لها قال القشيرى وهذا اقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبفضله وكيف يقال يراها فأعجبته وهي ابنة عمته ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم وهو الذى زوجها لزيد قال القاضي عياض ولو كان ذلك لكان فيه أعظم الجرح ومالا يليق به من مد عينيه الى ما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا ولكان هذا نفس الحسد المذموم الذى لا يرضاه الله ولا يتسم به الاتقياء فكيف سيد الانبياء ولما طلقها زيد وانقضت عدتها منه بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليخطبها له قال زيد فلما رأيتها عظمت في صدرى حتى ما استطيع ان أنظر اليها حين علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرها فوليتها ظهرى ونكصت على عقبى فقلت يا زينب أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيأ حتى أوامر ربى فقامت القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري نسبة الى قشير بالتصغير ابن كعب صحب أبا على الدقاق وكان شيخه في طريق القوم وجمع علوما شتى وله على مذهب الامام الاشعري كلام في غاية البلاغة وتفقه في مذهب الشافعي على الاستاذ أبي اسحاق الاسفراينى وفي الحديث على أبي بكر بن فورك توفي سنة خمس وستين وأربعمائة ودفن بنيسابور بجنب شيخه أبي على الدقاق (والقاضى عياض) في الشفاء (وغيرهما) كالسبكي وصاحب الانوار (ولكان هذا نفس) بالفتح خبر كان (يتسم) بتشديد الفوقية يقال اتسم بالشى اذا جعله سمة أي علامة (تنبيه) ما قاله القشيرى والقاضى وغيرهما من تنزيهه صلى الله عليه وسلم عن ما ذكر لاشك انه في غاية الحسن لكن قال البغوى وغيره القول الآخر وهو انه اخفاء محبتها أو نكاحها لو طلقها زيد لا يقدح في حال الانبياء لان العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الاشياء ما لم يقصد فيه المأثم لان الود وميل النفس من طبع البشر وقوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ أمر بالمعروف وهو حسنة لا إثم فيه انتهى قال الغزالى ولعل الحكمة فيه من جانب الزوج امتحان ايمانه بتكليفه النزول عن أهله ومن جانبه صلى الله عليه وسلم الابتلاء ببلية البشرية يعنى ميل القلب الى تزوج المرأة عند وقوع بصره الشريف عليها وبالمنع من الاضمار المخالف للاظهار (صلى الله عليه وسلم ليخطبها له) فيه انه لا بأس ان يبعث الرجل لخطبة المرأة من كان زوجا لها اذا علم عدم كراهيته لذلك كما كان حال زيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (عظمت في صدري الى آخره) أى هيبتها وعظمتها من أجل (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها) وأن بفتح الهمزة (ونكصت) أي رجعت (على عقبى) بالتثنية وذلك انه جاء ليخطبها وهو ينظر اليها وكان ذلك قبل نزول الحجاب فغلب عليه الاجلال فولاها ظهره لئلا يسبقه النظر هذا معنى كلام النووى (حتي أوامر) أي استخير (ربى) فيه استحباب صلاة الاستخارة وهو موافق لما في البخارى عن جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

مطلب في الكلام على مشروعية الحجاب وسببه

الى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخل عليها بغير اذن رواه مسلم قال أنس كانت زينب تفتخر على أزواج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم تقول زوجكنّ أهاليكن وزوجنى الله من فوق سبع سموات وقال الشعبي كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم اني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن جدي وجدك واحد وهو عبد المطلب وانكحنيك الله من فوق سبع سموات وان السفير جبريل عليه السلام. ومن مناقبها أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم لازواجه أسرعكن لحوقا بى أطو لكن يدا يعني الصدقة فكانت أولهن موتا بعده. وقال أنس ما أولم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب فقال له ثابت البناني بم أولم قال أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه رواه مسلم* [مطلب في الكلام على مشروعية الحجاب وسببه] اما شأن الحجاب فروينا في صحيح البخاري يعلمنا الاستخارة في الامور كلها الى آخره قال النووى ولعلها استخارت لخوفها من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم (الى مسجدها) أي موضع صلاتها من بينها (ونزل القرآن) يعنى قوله تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (فدخل عليها بغير اذن) قال النووى لان الله زوجه اياها بهذه الآية (رواه مسلم) والنسائي عن أنس وللبخاري والترمذي بمعناه (أهاليكن) جمع أهل على غير قياس (لأدل) بضم الهمزة وكسر الدال المهملة (جدي) أبوامي (وجدك واحد) وهو عبد المطلب (وانكحنيك الله) بقوله عز وجل زَوَّجْناكَها وفي تفسير ابن اسحاق ان الذي أنكحه اياها أخوها أبو أحمد بن جحش وهو مردود بما في الصحيحين (في السماء) هو على مقتضى قوله تعالى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ وقوله صلى الله عليه وسلم للجارية أين الله قالت في السماء تعالى الله عن الجهة والمكان (وان السفير) أي بفتح المهملة وكسر الفاء أى الرسول (اسرعكن بي لحوقا) تمييز (أطولكن زيدا) رواه الشيخان والحاكم عن عائشة وتتمته فكن يتطاولن أيهن أطول فكانت أطولنا يدا زينب لانها كانت تعمل بيدها وتتصدق معنى الحديث انهن فهمن انه يريد باليد الجارحة فكن يذر عن أيديهن بقصبة كما في رواية الحاكم فكنا اذا اجتمعنا في بيت احدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فكانت سودة أطولهن جارحة وكانت زينب أطولهن يدا في الصدقة وفعل الخيرات يقال فلان طويل اليد والباع اذا كان سمحا جوادا وضده قصير اليد والباع وجعد الانامل ووقع في البخاري في باب الزكاة ما يوهم ان أسرعهن لحوقا سودة وهو وهم باطل اجماعا (فكانت أولهن موتا بعده صلى الله عليه وسلم) ماتت في خلافة عمر وماتت سودة في شوال سنة أربع وخمسين (أكبر وأفضل مما أولم على زينب) يحتمل ان سببه الشكر لنعمة الله في تزويجه اياها بالوحي لا بولي ولا شهود بخلاف غيرها قاله النووي (البناني) بضم الموحدة وتخفيف النون (رواه) البخاري (ومسلم) وأبو داود وفي رواية أولم بشاة (في صحيح البخاري) ورواه بمعناه أيضا مسلم والترمذي وابن ماجه

عن أنس انه كان ابن عشر سنين مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة قال فكان أمهاتي يواظبنني على خدمته فخدمته عشر سنين وتوفي وأنا ابن عشرين سنة فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل وكان أوّل ما أنزل في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقى رهط عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأطالوا المكث فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه حتى اذا دخل على زينب فاذاهم جلوس لم يقوموا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت معه حتى اذا بلغ عتبة حجرة عائشة فظن انهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فاذا هم قد خرجوا فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيني وبينه الستر وأنزل الحجاب قال أبو عثمان عن انس فدخل يعنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم البيت وأرخى الستر وانى لفي الحجرة وهو يقول «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ» الى قوله «وَاللَّهُ (فكان امهاتي) يريد أمه وخالته (فخدمته عشر سنين) في رواية في مسلم تسع سنين قال النووي فمعناه أنها تسع سنين وأشهر فانه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين تحديدا وخدمه أنس اثناء السنة الاولي ففى رواية التسع لم يحسب الكسر وفي رواية العشر حسبه سنة عاشرة قال ابن النحوى قال المهلب فيه جواز استخدام اليتيم الحر الصغير الذي لا يجوز أمره وفيه وجوب خدمة العالم والامام على المسلمين وان ذلك شرف لمن خدمهما لما يرجي من بركة ذلك (توفي وأنا ابن عشرين سنة) وتوفي أنس سنة تسع وثمانين عن مائة سنة الا سنة وقيل سنة احدا أو اثنين أو ثلاث أو سبع أو تسع وقيل سنة مائة قال ابن عبد البر واصح ما قيل فيه الاول وكان موته في قصره بالطف على فرسخين من البصرة قال أبو اليقظان وصلى عليه قطن بن مدرك الكلابي ودفن هناك (في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب) أي دخوله عليها (عروسا) بفتح العين يطلق على الذكر والانثي (رهط) جماعة لا واحد له من لفظه (عتبة) على وزن خشبة لفظا ومعنى (أبو عثمان) هذا اسمه الجعد بن دينار أبى عثمان النهدى عبد الرحمن ابن مل مثلث الميم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) الا ان تدعوا (إِلى طَعامٍ) فيؤذن لكم فتأكلوه (غَيْرَ ناظِرِينَ) أى غير منتظرين (إِناهُ) ادراكه ووقت نضجه وعن ابن عباس أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام الى ان يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون وكان صلى الله عليه وسلم يتأذي منهم فنزلت الآية

لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ» وعن أنس قال صنعت أمي ام سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا أنس اذهب بهذا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقل بعثت بهذا اليك أمي وهي تقرئك السلام وتقول ان هذا لك منا قليل يا رسول الله قال فذهبت بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ان أمي تقرئك السلام وتقول ان هذا لك منا قليل يا رسول الله فقال ضعه ثم قال اذهب فادع لي فلانا وفلانا وفلانا وفلانا ومن لقيت وسمى قال فدعوت من سمى ومن لقيت فقلت لانس عددكم كانوا قال كانوا زهاء ثلثمائة وقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أنس هات التور قال فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتحلق عشرة بعشرة وليأكل كل انسان مما يليه قال فأكلوا حتى شبعوا قال فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم فقال لي يا أنس ارفع قال فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت وجلس منهم طوائف يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه (صنعت) أي (أم سليم) بالتصغير واختلف في اسمها على ثمانية أقوال كما مر (حيسا) بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة وهو الاقط والسمن والتمر يخلط ويعجن (تور) بفتح الفوقية هواناء نحو القدح يصنع من الحجر (اذهب بهذا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه استحباب بعث الطعام الى المتزوج معاونة له في وليمته (وهى تقرئك السلام) فيه ندب ارسال السلام ولو من امرأة لرجل اما اذا كان بينهما محرمية كما نقل النووي الاتفاق عليه في أم سليم وأختها بالنسبة اليه صلى الله عليه وسلم فظاهر وأما مع عدم المحرمية فلأ من الفتنة (تنبيه) قال السبكي ما نقله النووى من الاتفاق على ان أم حرام وأم سليم كانتا محرما له صلى الله عليه وسلم ليس بصحيح قال ومن أحاط علما بنسب النبي صلى الله عليه وسلم وبنسب أم حرام وأم سليم علم انه لا محرمية بينهما قال وقد بين ذلك شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي في جزء قرأته عليه (ان هذا لك منا قليل) فيه ندب الاعتذار الى المبعوث اليه وتحقير الهدية ما أمكن فان ذلك من مكارم الاخلاق (فادع لى فلانا وفلانا وفلانا وفلانا) لعلهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ولم أقف على من قاله وفيه جواز الاذن للرسول في ناس معينين وفي مبهمين لقوله (ومن لقيت) من أردت (عدد) بالفتح خبر كان مقدم (كم) فى موضع جر بالاضافة (زهاء) بالفتح خبر كانوا مضمر وهو بضم الزاي وفتح الهاء والمد أي نحو (هات) بكسر التاء قال النووى للأمر كما يكسر الطاء من اعط (الصفة) بضم المهملة وتشديد الفاء الظلة قدام البيت (ليتحلق) مجزوم بلام الأمر أي ليستدر (عشرة عشرة) أى كل عشرة على حدة (وليأكل كل انسان مما يليه) فيه ان ذلك سنة في غير نحو الرطب وهو مشهور في حديث عمر بن أبي سلمة (حين رفعت) بفتح الراء والفاء واسكان العين أي أنا وبضم الراء وكسر الفاء وفتح العين مبنى للمفعول وكذا (حين رفعت) وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتكثير الطعام (طوائف) لا ينصرف

مطلب في شرح الفوائد التى تضمنت خير زواج السيدة زينب

وآله وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وزوجته مولية وجهها الى الحائط وساق حديث الحجاب متفق عليه واللفظ لمسلم وفي احدى رواياته ان ذلك كان في زواج زينب وقد سبق انه أولم عليها بشاة قال القاضي عياض هو وهم من بعض الرواة وتركيب قصة على أخرى وقال غيره بل يصح فلعله اجتمع فيها الامران. [مطلب في شرح الفوائد التى تضمنت خير زواج السيدة زينب] قال المؤلف غفر الله ذلته: واقال عثرته وفي هذه الجملة السابقة من شأن زواج زينب رضي الله عنها جمل من الفوائد منها التنويه بقدر المصطفى والابانة عن عظيم مكانته عند ربه تعالى وانه يحب ما أحب ويكره ما كره وقد قالت لهم عائشة عند نزول قوله تعالى «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ» ما أرا ربك الا يسارع في هواك وفيه عظيم حيائه صلى الله عليه وسلم حيث دخل وخرج ارادة أن يخرجوا وأبى أن يواجههم بما يكرهون حتى نطق الحق عنه بالحق وحرم على الخلق اذاه وأوجب عليهم تعزيزه وتوقيره وإيثاره فيما يحبه ويهواه وسيأتى انشاء الله تعالى في قسم الخصائص ما ذكره علماؤنا انه صلى الله عليه وسلم متي رغب في نكاح امرأة فان كانت متزوجة وجب على زوجها مفارقتها له وان كانت خلية وجب عليها الاجابة وفيه مناقب جمة لزينب بنت جحش وفضيلة لاخيها أيضا وفيه منقبة ظاهرة لزيد بن حارثة رضي الله عنه حيث ذكره الله سبحانه وتعالى في كلامه القديم مرتين مرة بالاشارة التي تنوب (وزوجته) كذا في جميع نسخ مسلم بالتاء وهى لغة قليلة والمشهور حذفها (متفق عليه) أي رواه الشيخان ورواه أيضا الترمذى وابن ماجه (واللفظ لمسلم) في غيره فجعلته في برمة بدل التنور وفيه فوضع يده فيه وتكلم بما شاء الله (وقد سبق انه أولم عليها بشاة) لم يذكره المصنف وهو مذكور في الصحيح كما مر (التنويه) الصيت والذكر الجميل كما مر (والابانة) مصدر بابن يبين ابانة (ما أرى) بفتح الهمزة (ربك الا يسارع في هواك) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى عن عروة عن عائشة قالت كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها لرجل فلما نزلت ترجي من تشاء منهن وتؤوى اليك من تشاء قلت يا رسول الله ما أرى ربك الا يسارع في هواك أى في رضاك وقال النووى معناه يخفف عنك ويوسع عليك الامور فلهذا خيرك وهذا القول برز من الدلال والغيرة والا فلا يجوز اضافة الهوى اليه صلى الله عليه وسلم لكن الغيرة يغتفر لاجلها اطلاق مثل ذلك قاله القرطبي (تعزيزه) عونه ونصرته (وتوقيره) تعظيمه وتفخيمه (قسم) بالكسر اسم كما مر (وجب على زوجها مفارقتها) لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (مناقب جمة) أى كثيرة أعظمها ان الله سماها مؤمنة مع مامر في طى القصة (وفضيلة لاخيها أيضا) لان الله سماه مؤمنا (مرة بالاشارة) وهو قوله وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ

مطلب في الكلام على غزوة دومة الجندل

مناب التصريح ومرة بالتصريح باسمه العلم وجعله قرآنا يتلي في المحاريب على تداول القرون ولم يكن هذا لغيره من الصحابة رضي الله عنهم ومنها ان الأدب لباعث الهدية ان يعتذر ويحقرها عند المبعوث اليه ومنها تأكيد سنة الوليمة وان لا تهمل وان دقت ووجوب اجابة داعيها ومنها نزول الحجاب وفيه مصالح جليلة وعوائد في الاسلام جميلة ولم يكن لاحد بعده النظر الى أجنبية بشهوة أو بغير شهوة وعفى عن الفجاءة والله أعلم* [مطلب في الكلام على غزوة دومة الجندل] ومن حوادث هذه السنة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب فرسا الى الغابة فسقط عنه فجحش فخذه الايمن وأقام في البيت أياما يصلي قاعدا وعاده أصحابه فصلوا خلفه قعودا ثم نسخ ذلك ففي مرض موته صلى الله عليه وسلم صلى قاعدا والناس خلفه قياما وفيها غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة دومة الجندل واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ورجع صلى الله عليه وسلم من الطريق قبل أن يصل اليها وفيها غزوة بنى لحيان بن هذيل بن مدركة بعد بنى وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (باسمه العلم) وهو قوله فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ (ويحقرها) بفتح أوله واسكان ثانيه مخفف وبضم اوله وفتح ثانيه مشدد (مصالح) لا تنصرف (الفجاء) بضم الفاء وفتح الجيم والمد البغتة ومن حوادث هذه السنة (الغابة) بالمعجمة والموحدة موضع من عوالى المدينة (فجحش) بضم الجيم ثم حاء مهملة مكسورة أي خدش (فخذه الايمن) في رواية للبخارى فجحشت ساقه أي كتفه وفي الصحيحين من طريق الزهري عن أنس فجحش شقه الايمن وللاسماعيلى انفكت قدمه (فاقام في البيت) للبخاري وغيره وآلى من نسائه شهرا واعتزل في مشربة بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الواو ويجوز فتحها وهي الغرفة المرتفعة (فصلوا خلفه قعودا) أي بعد ان صلاه وراءه قوم قياما فلما قضى الصلاة قال انما جعل الامام ليؤتم به فاذا كبر كبروا واذا ركع فاركعوا واذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد وفي رواية ولك واذا صلى قائما فصلوا قياما واذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى عن أبى هريرة وأخرجه الشيخان عن أنس أيضا وسمى ممن صلى وراءه قائما أبو بكر وعمر وجابر وأنس (ثم نسخ ذلك في مرض موته) لما خرج وأبو بكر يصلي بالناس جاء فجلس عن يسار أبي بكر فكان يصلي بالناس (جالسا) وأبو بكر (والناس) يصلون خلفه (قياما) كما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة هذا هو الصواب انه صلى الله عليه وسلم كان هو الامام كما هو صريح الحديث الذى سقته وهو لفظ مسلم عن أبي بكر بن أبى شيبة باسناده عن عائشة وقال أحمد والاوزاعي بظاهر الحديث الاول ومالك لا يجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد لا قائما ولا قاعدا وفيها غزاة (دومة الجندل) بضم الدال المهملة وفتحها وفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة ولام مدينة من الشام مما يلى العراق وكان دليله اليها رجل من عذرة يقال له مذكور ذكره أبو الشيخ اليعمرى وغيره (سباع) بكسر المهملة وتخفيف الموحدة وآخره عين مهملة (عرفطة) بضم المهملة والفاء بينهما راء ساكنة وبعد الفاء طاء مهملة وفيها غزوة (بني لحيان) بكسر اللام كما مر (هذيل) بضم الهاء وفتح

الكلام على مشروعية الاستسقاء وصلاة الكسوف وشرح ذلك

قريظة بثلاثة أشهر وكانت لطلب الثأر بخبيب بن عدى وأصحابه وخرج صلى الله عليه وآله وسلم فيها موريا بطريق الشام فلما بلغ البتراء صفق ذات اليسار فلما بلغ منازلهم وجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤس الجبال فأخذ راجعا* [الكلام على مشروعية الاستسقاء وصلاة الكسوف وشرح ذلك] السنة السادسة وتواريخها مما ذكر فيها الاستسقاء والكسوف وقد ثبتت مشروعيتهما وكونهما سنة بالاحاديث الصحيحة الصريحة اما الاستسقاء فثبت في الصحيحين عن عبد الله بن زيد بن عاصم الانصارى المازنى قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستسقى واستقبل القبلة وقلب رداءه ثم صلي ركعتين زاد البخاري جهر فيهما بالقراءة زاد أبو داود باسناد حسن وقلب رداءه المعجمة (الثأر) بالمثلثة والهمز (موريا) من التورية وهى الستر كانه لخروجه لغير الجهة التى يريدها ستر ما يريد (البتراء) بفتح الموحدة واسكان الفوقية والمد موضع بقربه مسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق تبوك (صفق) بالتشديد أي رجع (حذروا) بكسر المعجمة (وتمنعوا) بالنون* السنة السادسة (الاستسقاء) لغة طلب السقيا وشرعا طلب سقيا العباد من الله تعالى عند حاجتهم اليها يقال سقاه وأسقاه بمعنى ثلاثي ورباعي قال تعالى وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً وقال تعالى لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً وقد جمعهما لبيد في قوله سقى قومي بنى مجد وأسقى ... نمير او القبائل من هلال ويقال سقاه ناوله الشرب وأسقاه جعل له سقيا ويقال سقاه لنفسه وأسقاه لما شيته وأرضه وقيل سقاه لسقيه وأسقاه دله على الماء (والكسوف) لغة التغير الى السواد يقال كسف وجهه وكسفت الشمس اسودت وذهب شعاعها (وكونهما سنة) أما الكسوف فاجماعا وأما الاستسقاء فكذلك ما عدا الصلاة لها فان أبا حنيفة يقول بعدم سنيتها وخالفه سائر العلماء من السلف والخلف والتابعين فمن بعدهم (المازني) بالزاي نسبة الى مازن فخذ من الانصار وقد مرانه غير صاحب الاذان عبد الله بن زيد بن عبد ربه اذ ذاك من بلحارث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه ندب الخروج الى الصحراء لانه أبلغ في الافتقار والتواضع ولانها أوسع للناس (فاستسقى) أي طلب السقيا (واستقبل القبلة) فيه ندب ذلك أيضا وقد مر قال النووى ويلتحق بالدعاء الوضوء والغسل والتيمم والقراءة والاذكار وسائر الطاعات الا ما خرج بدليل كالخطبة (وقلب رداءه) أى حوله زاد أحمد وحول الناس معه قال العلماء الحكمة فيه التفاؤل بانقلاب الحال من الضيق والجدب الي السعة والخصب قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وروى الدارقطني عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد بن على الباقر نفعنا الله بهم انه صلى الله عليه وسلم حول رداءه ليتحول القحط وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن كما رواه الشيخان وغيرهما عن أنس «فائدة» قال في التوشيح ذكر الواقدي ان طول ردائه صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع وطول ازاره أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر كان يلبسهما في الجمعة والعيدين انتهى قال شيخنا الشهاب ابن حجر ولم يثبت في طول عمامته شيء (ثم صلى ركعتين) فيه ان صلاتها ركعتان وهي كذلك باجماع المثبتين لها

وجعل ما على الايمن على الايسر وما على الايسر على الايمن وقلبه ظهرا لبطن وفي رواية له أيضا انه كان عليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه جعلها على عاتقه قال العلماء اذا أجدبت الارض أمر الامام الناس بالتوبة والخروج من المظالم وصيام ثلاثة أيام قال بعضهم ينحتم هذا الصيام ويجب واستدل بقوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت ولا يبعد أن يقاس عليه جميع ما يأمر به الامام من المصالح ثم يخرج بهم في اليوم الرابع صياما لانه قد ورد ان دعوة الصائم لا ترد ويخرجون في ثياب بذلة واستكانة ويصلى بهم ركعتين كالعيد (وفي رواية له) لابي داود وللحاكم في صحيحه انها (خميصة) بفتح المعجمة وكسر الميم كساء مخطط (فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه) فهمه بذلك دال على استحبابه وتركه للسبب المذكور (بالتوبة والخروج من المظالم) دما وعرضا ومالا وبفعل الخير من عتق وصدقة وغيرهما لان ذلك أرجا للاجابة ويعم بذلك من يريد الحضور وغيره وكذا الامر بالصوم قاله الفقيه الصالح أحمد بن موسى بن عجيل وقال الفقيه اسماعيل الحضرمى يختص الامر بالصوم بمن يريد الحضور قال تعالى اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وقال إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ الآية وقال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا الآية ولا شك في دخول الخروج من المظالم في التوبة وكليهما في فعل الخيرات وانما أفرادا بالذكر لعظم أمرهما وكونهما أرجا للاجابة وفي الصحيح عن أبي هريرة قال كيف أنتم اذا لم تجبوا دينارا ولا درهما قالوا وتري ذلك يا أبا هريرة قال نعم والذى نفسي بيده عن الصادق المصدق قالوا وبم ذلك ياأبا هريرة قال تنتهك ذمة الله وذمة رسوله فيمسك الله القطر عن أهل الارض فيمسك الله بأيديهم (وصيام ثلاثة أيام) متتابعة مع يوم الخروج لانه معين على الرياضة والخشوع (قال بعضهم) كابن عبد السلام في قواعده والنووى في فتاويه والاسنوي في المهمات (ينحتم) بسكون النون وكسر الفوقية وبفوقية مكررة مفتوحة مع تشديد الثانية أى يجب حتي يجب تبييت النية كما قاله الاسنوي وان خالفه الاذرعي في التبييت وادعي ان فيه نزاعا للمتأخرين (واستدل) القائلون بالوجوب (بقوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وفي المراد بأولى الامر خلاف للمفسرين (قلت ولا يبعد ان يقاس عليه جميع ما أمر به الامام من المصالح) كما قال الاسنوى في شرحه انه القياس وهو ظاهر كلام الفقهاء في باب الامامة (لانه ورد ان دعوة الصائم لا ترد) أخرجه أحمد والترمذى وحسنه وابن حبان وصححه وابن ماجه عن أبي هريرة والبيهقى عن أنس (بذلة) بكسر الموحدة وسكون المعجمة الثياب التى تلبس حال الشغل ومباشرة الخدمة وتصرف الانسان في بيته (واستكانة) أى خضوع وظاهره ندب ذلك ولو كان يوم عيد وبه صرح الناشري في الايضاح (كالعيد) للاتباع كما مر فينادي لها الصلاة جامعة ويكبر في الاولى سبعا بين الافتتاح والتعوذ وفي أوّل الثانية خمسا ويرفع يديه ويقف بين كل تكبيرة مسبحا حامدا مهللا مكبرا ولا يخطب ان كان منفردا ويقرأ جهرا في الاولى ق وفي الثانية اقتربت أو سبح والغاشية قياسا لا نصا وما رواه الدارقطني عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قرأ في الاولي

ثم يخطب بهم خطبتين ويجعل مكان التكبير فيهما الاستغفار فيقول استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه ويكثر من الاستغفار ويكرره مرارا فمدار الاستسقاء عليه ويقول في الخطبة الاولى اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا عاما طبقا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم انا نستغرك انك كنت سبح وفي الثانية هل أتاك ضعيف كما قاله في المجموع وقيل يقرأ في الثانية انا أرسلنا قال الشافعى ان قرأ في الثانية انا أرسلنا كان حسنا وليس فيه أيضا أفضل من اقتربت بل معناه انه مستحسن لا كراهة فيه ولا يتعين لها وقت لكن يسن كونها وقت العيد لخبر أبى داود والحاكم وابن حبان عن عائشة قالت شكى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه قالت فخرج حين بدا حاجب الشمس الحديث (ثم يخطب بهم) لخبر أبي داود هذا ففيه فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال انكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله تعالى أن تدعوه ووعدكم ان يستجيب لكم ثم قال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لا إله إلا هو يفعل ما يريد أللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغنى ونحن الفقراء انزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت قوة وبلاغا الي حين ثم رفع يديه حتى بدا بياض ابطيه ثم حول الى الناس ظهره وحول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس فنزل وصلى ركعتين فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت باذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم الي الكن ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال أشهد أن الله على كل شيء قدير وأنه عبده ورسوله قلت انما جئت بهذا الحديث بتمامه لما اشتمل عليه من الفوائد النفية منها جواز تقديم الخطبتين واستفتاح الخطب والمواعظ ونحوهما بشىء من القرآن وسرعة اجابته صلى الله عليه وسلم وانه لا بأس بالضحك تعجبا اذا لم يكن فيه نوع استهزاء ولم يخف انكسار قلب المضحوك منه (خطبتين) كالعيد ويكفي خطبة لاطلاق الخطبة في الاحاديث (ويجعل مكان التكبير فيهما) وهو تسع في أوّل الاولى وسبع في أوّل الثانية (الاستغفار الى آخره) لانه أليق بالحال ويبدل أيضا ما يتعلق بالفطرة والاضحية بما يتعلق بالاستسقاء (ويكرره) أى الاستغفار حتى يكون أكثر دعائه (أللهم اسقنا) بوصل الهمزة وقطعها (غيثا) مطرا (مغيثا) منقذا من الشدة (هنيئا) بالهمز والمد أى طيبا لا تنغيص فيه (مريئا) بوزن هنيئا أى محمود العاقبة (مريعا) بوزنه أى ذاريع وهو النماء والزيادة وروى مربعا بضم الميم وبالموحدة مأخوذ من قولهم أربع البعير اذا أكل الربيع وروى أيضا بالفوقية مأخوذ من قولهم ارتعت الماشية اذا أكلت ما شاءت وأرتع الغيث اذا أنبت ما ترتع فيه الماشية (غدقا) بفتح المعجمة والمهملة والقاف أي كثير الخير (مجللا) بضم الميم وفتح الجيم وكسر اللام أى يجلل الارض فيعمها بالوقوع عليها أو يجلل وجهها أي يستره بالنبات (سحا) بمهملتين الثانية مشددة أى شديد الوقوع في الارض (طبقا) بفتح المهملة والباء أى يطبق الارض فيعمها حتى يصير كالطبق لها (دائما) الى انتهاء الحاجة لان دوامه فوق ذلك عذاب (القانطين)

غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا اللهم ان بالخلق من اللأواء والضنك ما لا يشكون الا اليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الارض روى جميع ذلك الشافعى عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم ويستحب للعامة أن يلحوا على صلاحهم وأئمتهم أن يسئلوا الله لهم في المكتوبات والجمع وجميع الاحوال لما ورد في الصحيحين عن أنس ان سليكا الغطفانى دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يخطب فقال يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم الآيسين (مدرارا) أي كثير الدر أي القطر (اللاواء) بتشديد اللام واسكان الهمزة وفتح الواو هي الشدة وكذا الجهد (والضنك) بفتح المعجمة وسكون النون الضيق (بركات السماء) المطر النافع قال الازهرى وهو في الآية السحاب (بركات الارض) ما يخرج منها (روى جميع ذلك الشافعي) تعليقا (عن) سالم بن عبد الله (بن عمر) عن أبيه (عن النبى صلى الله عليه وسلم) ووراء ذلك أدعية كثيرة مستوفاة في كتب الاذكار (يلحوا) بضم أوله وبالحاء المهملة أى يطلبوا مع مبالغة في الطلب (لما ورد في الصحيحين) عن أنس وأخرجه عنه مالك وأبو داود والنسائي أيضا (ان سليكا) بضم المهملة مصغر هو ابن عمرو أو ابن هدبة قولان ولم يقع تسميته الا في صحيح مسلم وابن حبان في حديث الامر بالتحتية وتوهم منه المصنف وغيره انه هو المستسقى وليس كذلك اذ المستسقى لم يسم كما قاله الحافظ ابن حجر وغيره قال ابن حجر وقد قيل هو كعب بن مرة وقيل العباس بن عبد المطلب وقيل أبو سفيان بن حرب قال وكل ذلك غلط ممن قاله لمغايرة كل من الاحاديث الثلاثة للقصة التي ذكرها أنس قال ثم وجدت في دلائل البيهقى في رواية مرسلة ما يدل على انه خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى أخو عيينة بن حصن فهذا هو المعتمد انتهى (دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب) زاد البخاري في رواية فقعد وجاه المنبر (هلكت المواشي) في رواية في الصحيح هلكت الاموال وفي أخرى هلك المال وضاع العيال (وانقطعت) وللاصيلى في البخارى وتقطعت (السبل) الطرق وذلك لضعف الابل عن السفر لقلة القوت أو لانها لا تجد في الطريق ما يقيمها (أن يغيثنا) كذا لابي ذر في البخاري ولغيره يغيثنا فيكون مرفوعا على الخبر والمبتدأ مقدر أى فهو يغيثنا وفي أوله الضم من أغاث والفتح من غاث بمعنى قال ابن القطاع غاث الله عباده سقاهم المطر وأغاثهم أجاب دعاءهم وقال عياض عن بعضهم هو بالضم بمعنى المعونة (فرفع يديه) وكان ذلك بظهر الكفين كما في مسلم وأبي داود فاشار بظهر كفه الى السماء ففيه ندب ذلك اذا كان الدعاء لرفع بلاء فان كان لسؤال شىء وتحصيله جعل بطونهما الى السماء وما في الصحيحين وغيرهما عن أنس كان لا يرفع يديه في شىء من دعائه الا في الاستسقاء حتى يري بياض ابطيه نفى لرفع خاص وهو الرفع بظهر الكفين أو نفي للرفع البليغ بحيث يرى بياض ابطيه أو نفي لرؤيته ذلك وقد رآه غيره فيقدم المثبتون قال النووي وقد ثبت رفع

اسقنبا قال أنس فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيأ ولا بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال والله ما رأينا الشمس سبتا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال يا رسول الله هلكت الاموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء وهي أكثر من ان تحصر انتهى قال في التوشيح قد ثبت رفع اليدين في الدعاء في مائة حديث أفردتها بجزء (فلا والله) كذا لابى ذر وفي صحيح البخاري وغيره بالواو (سحاب) أى مجتمع (ولا قزعة) بفتح القاف والزاي وهي القطعة من السحاب قال أبو عبيد وأكثر ما يكون ذلك في الخريف (ولا شيئا) من علامات المطر من ريح وغيره وانتصب عطفا على موضع الجار والمجرور (سلع) بفتح المهملة وسكون اللام جبل بالمدينة قال النووي مراده بهذا الاخبار عن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم كرامته على ربه سبحانه وتعالى بانزال المطر سبعة أيام متوالية متصلا بسؤاله من غير تقدم سحاب ولا قزع ولا سبب آخر لا ظاهر ولا باطن وهذا معنى قوله ولا بيننا وبين سلع من بيت ولا دار أي نحن مشاهدون له فلم يكن هناك سبب للمطر أصلا (من ورائه) أى سلع (مثل الترس) بضم الفوقية وآخره مهملة أى مستديرة (ثم أمطرت) قال النووى هذا دليل للمذهب المختار أنه يقال مطرت وأمطرت لغتان في المطر خلافا لمن قال لا يقال أمطرت الا في العذاب (سبتا) بلفظ اليوم قال النووى أى قطعة من الزمان وقال في التوشيح كناية عن الاسبوع من باب تسمية الشىء باسم بعضه كما يقال جمعة قال صاحب النهاية ان ذلك كان اصطلاح اليهود لان السبت أعظم الايام عندهم وتبعهم الصحابة في هذا الاطلاق لمجاورتهم لهم وللحموي والمستملي في تصحيح البخارى سبتا بكسر المهملة ثم فوقية مشددة لانها كانت ستة أيام ويوما ملففا من الجمعتين فلم يعد وفي رواية للبخارى سبعا وللفاسى سبتنا بالاضافة كما يقال جمعتنا (ثم دخل رجل) هو الذي جاء في الجمعة الاولي كما اقتضته احدى روايات البخارى لكن في أخرى فقام ذلك الرجل أو غيره وفي رواية شريك بن أبى نمر فسألت أنسا هو الرجل الاول قال لا أدرى (هلكت الاموال وانقطعت السبل) أى لتعطل الرعى وعدم سلوك الطريق من كثرة الماء (يمسكها) بالرفع والجزم وللكشميهني في صحيح البخارى أن يمسكها والضمير للامطار أو السحاب أو السماء (اللهم حوالينا) في بعض نسخ مسلم حولينا قال النووي وهما صحيحان وفيه ندب الدعاء بالرفع عند الحاجة (ولا علينا) قال في التوشيح قال الطيبي في ادخال الواو هنا معنى لطيف وذلك لانه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط ودخول الواو يقتضى ان طلب المطر على المذكورات ليس مقصودا لعينه ولكن ليكون وقاية لاذى المطر فليست الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل وهو كقولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فان الجوع ليس مقصودا

اللهم على الآكام والجبال والظراب والأودية ومنابت الشجر فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس هذا لفظ البخاري وفي رواية له حتى سال وادى قناة شهرا قال فلم يجىء أحد من ناحية الا حدث بالجود وفي أخرى لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته صلى الله عليه وآله وسلم وفي أخرى عن ابن عمر وربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر الى وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستسقى فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل وروي انه صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره فقال له بعض أصحابه كانك يا رسول الله أردت قوله * وأبيض يستسقى الغمام بوجهه* قال أجل* ويستحب للامام أن ينصب الصلحاء من أقرباء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن غيرهم عند الاستسقاء كما اشتهر في صحيح البخاري وغيره ان عمر كان يستسقى بالعباس فيقول اللهم انا كنا نتوسل اليك بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتسقينا وانا نتوسل اليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون ومما روي من دعاء العباس حينئذ اللهم انه لم ينزل بلاء من السماء الا بذنب لعينه ولكن لكونه مانعا من الرضاع باجرة اذ كانوا يكرهون ذلك انتهي (الآكام) بكسر الهمزة مع القصر وبفتحها مع المد ومثلها الآطام والآجام وهي جمع أكمة بفتحات التراب المجتمع أو الجبل الصغير أو ما ارتفع من الارض أقوال ويقال في جمع الاكمة أكم بفتح الهمزة والكاف وبضمهما وبضم الهمزة وسكون الكاف قال ابن سيدة زاد ابن جنى وأكوم بوزن أفلس (والظراب) بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء وهى الرابية الصغيرة قاله الجوهرى واقتصر عليه النووي وقيل هو الجبل المنبسط ليس بالعالي (والاودية) ولمسلم وبطون الاودية جمع واد قال في التوشيح ولم يسمع افعلة جمع فاعل سواه (فاقلعت لي آخره) فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم باجابة دعائه متصلا كما كان في الاستسقاء (وفي رواية له) ولمسلم أيضا (وادى قناة) بفتح القاف اسم لواد من أودية المدينة فهو على حد مسجد الجامع وربيع الاول وفي رواية للبخارى وسال الوادي قناة على البدل وفي أخري له وسال الوادى وادي قناة (الجود) بفتح الجيم واسكان الواو وهو المطر الكثير (قول الشاعر) هو أبو طالب (يجيش) بالجيم والمعجمة أي ينصب (وأبيض) بالفتح مجرور برب مقدرة أو منصوب عطفا على سيدا في قوله في البيت قبله وما ترك قوم لا أبا لك سيدا ... يحوط الذمار غير ذرب مواكل (يستسقي الغمام بوجهه الي آخره) الى آخر البيت تقدم شرحه (وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال الي آخره) لم أقف على مخرجه وهو مذكور بهذه الصيغة في كتب السير (أجل) بتخفيف اللام أى نعم ويرادفها جير (ينصب) بكسر الصاد (ومن غيرهم) كما استشفع معاوية بيزيد بن الاسود فقال اللهم انا نستسقى

ولم يكشف الا بتوبة وقد توجه بي القوم اليك لمكانى من نبيك صلى الله عليه وآله وسلم وهذه أيدينا اليك بالذنوب مملوءة ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي فلا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فاغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فانه لا ييأس من روحك الا القوم الكافرون فما أتم كلامه حتى أزجت السماء مثل الجبال وفي ذلك يقول حسان بن ثابت سأل الخليفة إذ تتابع جدبه ... سقيا الغمام بغرة العباس عم النبي وصنو والده الذي ... ورث الثناء بذاك دون الناس أحيا المليك به البلاد فأصبحت ... مخضرة الاجناب بعد الياس وجاء في الاستسقاء بالصلحاء أخبار كثيرة ويستحب تكرير الاستسقاء ما لم يسقوا ولا يستبطؤا الاجابة ففي الصحيحين يستجاب لاحدكم ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب بخيرنا وأفضلنا اللهم انا نستسقي بيزيد بن الاسود يا يزيد ارفع يديك الي الله تعالى فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فثارت سحابة من المغرب كانها ترس وهب لها ريح فسقوا حتي كاد الناس ألا يبلغوا منازلهم (مضيعة) باسكان الضاد وفتح التحتية وبكسر الضاد واسكان التحتية أى موضع ضياع (ضرع) بفتح المعجمة وكسر الراء وضمها آخره مهملة أي ضعف ومنه مالى أرى أجسام بنى أخي ضارعة (ازجت) بالزاى والجيم أى انشأت (الجبال) بالجيم والموحدة أي قطعا عظيمة من السحاب (الخليفة) عمر (تتابع) بالموحدة ويجوز ابدالها مثناة تحتية كما مر (سقيا) مصدر سقي يسقي (بغرة العباس) أى بالعباس والغرة صلة (المليك) بفتح الميم وكسر اللام يعنى الله عز وجل (الاجناب) جمع جنب أي مخضرة النواحي (الياس) بالتحتية أى القنوط أي بعد مقاربتهم الياس ويجوز بالموحدة والبأس والبؤس والباساء الشدة (فائدة) قال اليافعي في الارشاد روي الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الشاذلى عن شيخه أبي العباس المرسى عن شيخه أبى الحسن الشاذلى قدس الله أرواحهم انه قال لاصحابه من كانت له حاجة الي الله فليتوسل اليه بالامام أبى حامد الغزالى انتهى ويستحب أيضا لكل أحد ان يتشفع بما فعله من خير لان ذلك لائق بالشدائد في حديث الثلاثة الذين أووا الى الغار وهو في الصحيحين وغيرهما ولا نظر الى نظر بعض المتأخرين فيه ولا الى قول الطبرى ان ذلك من رؤية العمل اذ محل الرؤية القلب لا اللسان فليتأمل واذا تهيؤا للاستسقاء فسقوا قبله خرجوا وصلوا شكرا لله عز وجل وخطب بهم أيضا (ويستحب) اذا لم يسقوا (تكرير الاستسقاء) ولا يتوقفون للصوم وقيل يتوقفون وهما نصان للشافعى ففى حديث ضعيف ان الله يحب الملحين في الدعاء أخرجه الحاكم والطبراني والبيهقي من حديث عائشة وفي (الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة (يستجاب لاحدكم ما لم يعجل) بفتح أوله واسكان ثانيه وقوله (فيقول دعوت) الى آخره تفسير للعجلة قالوا وعدم الاستجابة اما بكون الوقت الذي قدر الله فيه حصول المسؤل لم يأت بعد أو لان العجلة تدل على عدم التفويض الكلي

لي قال بعضهم يستحب الالحاح والتكرار فان لم تصلح نياتهم فعسى يسقون لتحريهم سنة نبيهم واحيائهم لها ويستحب أن يحسروا أثوابهم لما روى مسلم عن أنس قال أصابنا مطر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحسر صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه حتى أصابه المطر فقلت يا رسول الله لم صنعت هذا فقال انه حديث عهد بربه ويستحب أن يغتسل ويتوضأ فى السيل لأنه صلى الله عليه وسلم كان اذا سال الوادي قال اخرجوا بنا الى هذا الذى جعله الله طهورا فيتطهر منه ويحمد الله عليه قال البيهقي رواه الشافعى باسناد منقطع ويستحب الدعاء عند نزول المطر والتسبيح عند الرعد والبرق وترك الاشارة الى البرق والودق فعدم الاجابة لاختلال شرط من شروطها (والتكرار) بفتح التاء مصدر وبكسرها اسم كما مر (لتحريهم) بفتح الفوقية والمهملة وكسر الراء المشددة أى قصدهم (فحسر) أى كشف (حديث عهد بربه) أي بتكوينه وبتنزيله وروي الحاكم عن أنس أيضا قال كان اذا أمطرت السماء حسر ثوبه عن ظهره حتى يصيبه المطر وسئل ابن عباس عن فعل ذلك فقال للسائل أو ما قرأت وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأحب ان ينالني من بركته ولا فرق بين المطر أوّل السنة وغيره ولكنه في أوّل مطر السنة آكد (ان يغتسل ويتوضأ) قال في المهمات وهل هما عباداتان فتشترط فيهما النية أولا فيه نظر والمتجه الثاني الا ان صادف وقت وضوء أو غسل لان الحكمة فيه هى الحكمة في كشف البدن ليناله أوّل مطر السنة وبركته (البيهقي) بفتح الموحدة واسكان المثناة وفتح الهاء ثم قاف هو أبو بكر أحمد بن الحسين ولد سنة أربع وثمانين وثلثمائة ومات بنيسابور في جمادى الاولي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ونقل الى بيهق فدفن بها (رواه الشافعي) في الام والبيهقي في السنن عن يزيد بن الهاد (باسناد منقطع) أي مرسل لان يزيد بن الهاد تابعي (ويستحب الدعاء عند نزول المطر) وشكر الله تعالى بعده روي الشافعى خبر الطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش واقامة الصلاة ونزول الغيث وروي البيهقى خبر تفتح السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف وعند نزول الغيث وعند اقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة (والتسبيح عند البرق والرعد) روي مالك في الموطأ عن عبد الله بن الزبير انه كان اذا سمع الرعد ترك الحديث وقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وعن ابن عباس قال كنا مع ابن عمر في سفر فأصابنا رعد وبرق وبرد فقال كعب من قال حين يسمع الرعد سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي من ذلك فقلنا فعوفينا وقيس بالرعد البرق والمناسب ان يقول عنده سبحان من يريكم البرق خوفا وطمعا فايده نقل الشافعى في الام عن الثقة عن مجاهد ان الرعد ملك والبرق أجنحته يسوق بها السحاب قال الاسنوي فيكون المسموع صوته أو صوت سوقه على اختلاف فيه وأطلق الرعد عليه مجازا (وترك الاشارة بيده الى البرق والودق) لما روي الشافعي عن عروة بن الزبير انه قال اذا رأي أحدكم البرق أو الودق فلا يشر اليه والودق باسكان المهملة المطر وزاد الماوردي الرعد فقال وكان السلف الصالح يكرهون الاشارة الي

وان لا يتبع بصره الكوكب اذا انقض لأحاديث وآثار وردت في ذلك والله أعلم* وأما الكسوف فروينا في صحيحى البخارى ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد من الخلق ولا لحياته فاذا رأيتم ذلك فادعوا الله تعالى وكبروا وتصدقوا* وأما صفة صلاتها فهى ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان وسجودان الرعد والبرق ويقولون عند ذلك لا إله الا الله وحده لا شريك له سبوح قدوس فنختار الاقتداء بهم في ذلك (وان لا يتبع بصره الكوكب اذا انقض) روى النهى عن ذلك ابن السني وانقض بالقاف والمعجمة سقط (لاحاديث) لا ينصرف (وآثار وردت في ذلك) سبق ذكرها ويكره سب الريح كما روى النهى عنه ابو داود والله أعلم (وأما الكسوف) يقال كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف وكسفا بضمها وانكسفا وخسفا وخسفا وانخسفا بمعنى وقيل بالكاف للشمس وبالخاء للقمر (في) موطأ مالك و (صحيحى البخاري ومسلم) وسنن أبي داود والترمذي والنسائي (ان الشمس والقمر الى آخره) أخرجه البخارى والنسائى من حديث أبي بكرة وأخرجه الشيخان والنسائي من حديث ابن مسعود وابن عمرو وأخرجه الشيخان من حديث المغيرة وأخرجه البخارى من حديث ابن عباس وأبي موسي وأخرجه مسلم من حديث جابر وأخرجه النسائي من حديث عمر والنعمان بن بشير وقبيصة وأبي هريرة وأخرجه الطبراني من حديث عقبة بن عامر وبلال قال في التوشيح قال ابن حجر فهذه طرق تفيد القطع عند من اطلع عليها من أهل الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فيجب تكذيب من زعم ان الكسوف علامة على موت أحد أو حياته وسبب الحديث ما جاء في بعض طرقه أن ابن النبى صلى الله عليه وسلم مات فكسفت الشمس فقالوا كسفت لموت ابراهيم فقال صلى الله عليه وسلم ذلك ردا عليهم ولابن النجار من طريق انس أن الشمس والقمر اذا رأي أحدهما من عظمة الله شيئا حاد عن مجراه فانكسف وكان هذا الكلام في خطبته بعد الصلاة قال العلماء كان بعض الجاهلية يعظمون الشمس والقمر فبين صلى الله عليه وسلم انهما مخلوقان لله لا صنع لهما وكان بعض الضلال من المنجمين وغيرهم يقول لا يكسفان الا لموت عظيم فتبين ان هذا باطل لئلا يغتر بقولهم سيما وقد وافق موت ابراهيم (فائدة) كان موت ابراهيم عاشر ربيع الاول كما ذكره الزبير بن بكار في انسابه ورواه البيهقي عن الواقدى فبطل قول علماء الهيئة ان الشمس لا تنكسف إلا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين واشتهر انها كسفت يوم قتل الحسين وكان يوم عاشوراء (وأقلها ركعتان) لخبر قبيصة انه صلى الله عليه وسلم صلاها بالمدينة ركعتين وخبر النعمان انه صلى الله عليه وسلم جعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتي انجلت رواهما أبو داود باسنادين صحيحين (في كل ركعة قيامان وركوعان وسجودان) أى بأن يزيد قياما على القيام المفروض وركوعا على الركوع المفروض وأما السجود فلا يزاد بحال للاتباع كما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة وجابر وابن عباس وابن عمر وهو أصح ما في الباب قاله ابن عبد البر وما في مسلم في رواية عن عائشة وعن ابن عباس وعن جابر ركعتين في كل

والاكمل أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة البقرة وفي الثانى دون ذلك والثالث دونهما والرابع دونهن ويطيل التسبيح في كل ركوع دون القيام الذى قبله ويطول السجدة الاولى كنحو الركوع الاول والثانية كالثانى ويجهر في كسوف القمر لا الشمس ويخطب خطبتين كالجمعة* ركعة ثلاث ركوعات وفي رواية ابن عباس وعلى ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات قال الحفاظ الروايات أصح رواتها احفظ واضبط وفي رواية لابى داود من حديث أبى ابن كعب ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات قال جماعة من أصحابنا الفقهاء المحدثين هذا الاختلاف في الروايات بحسب اختلاف الكسوف انتهي وهو يشير الى تعدد الكسوف ويخالفه ما قاله البيهقي في المعرفة الاحاديث كلها ترجع الى صلاته صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس يوم مات ابراهيم يعني فلم تتعدد الواقعة وقد نقل التعدد عن جماعة من أئمة الحديث منهم ابن المنذر وقالوا بصحة الروايات كلها وان الجميع جائز (والاكمل) فيه نصان للشافعي الاول ما نص عليه في الام والمختصر وفي موضع من البويطي وعليه الاكثرون (ان يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة البقرة وفي الثاني دون ذلك) أي كمائتي آية منها (والثالث دونهما) أي كمائة وخمسين (والرابع دونهن) أي كمائة والمراد من آياتها الوسط والثاني ما نص عليه في موضع من البويطي ان يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة كالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة قال في الروضة وليسا على الاختلاف المحقق بل الأمر فيه على التقريب (ويطيل التسبيح الي آخره) للاتباع رواه الشيخان وغيرهما ويكون تسبيحه في الركوعات والسجودات الاول قدر مائة آية من البقرة وفي الثاني قدر ثمانين وفي الثالث قدر سبعين وفي الرابع قدر خمسين تقريبا وظاهر كلامهم كما قال الاذرعى استحباب هذه الاطالة وان لم يرض المأمومون قال وقد يفرق بينها وبين المكتوبة بالندرة أو بأن الخروج منها وتركها الى خيرة المقتدى بخلاف المكتوبة وفيه نظر ويجوز أن يقال لا يطيل بغير رضاء المحصورين لعموم الخبر اذا صلى أحدكم بالناس فليخفف وتحمل اطالته صلى الله عليه وسلم على انه علم رضى أصحابه وان ذلك مغتفر لبيان تعظيم الا كمل بالفضل ويظهر انهم لو صرحوا له بعدم الرضي بالاطالة لا يطيل وقد يتوقف فيه انتهى (ويجهر في) صلاة (كسوف القمر) لانها ليلية (لا) صلاة كسوف (الشمس) لانها نهارية وما رواه الشيخان عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف في قراءته والترمذي عن سمرة قال صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم في كسوف لا نسمع له صوتا وقال حسن صحيح يجمع بينهما كما في المجموع بان الاسرار في كسوف الشمس والجهر في خسوف القمر ويثبته رواية الطبرانى باسناد جيد عن ابن عباس صليت الى جنب النبي صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس فلم أسمع له قراءة وقد أخذ بظاهر حديث عائشة جماعة منهم أبو يوسف ومحمد وأحمد واسحاق فقالوا يجهر في كسوف الشمس أيضا قال في الديباج قلت وهو المختار عندى كالعيد والاستسقاء انتهي وقال ابن جرير الجهر والاسرار سواء (ويخطب) للاتباع (خطبتين) قياسا على العيد فلا تكفي خطبة خلافا لما فهمه ابن الرفعة من كلام حكاه البندنيجي عن نص البويطي من إجزاء خطبة واحدة (كالجمعة) في الاركان وهي خمسة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله وهذه الثلاثة أركان في الخطبتين ولا يجب

الكلام على مشروعية حكم يمين الظهار وسببه

واعلم أن الظاهر في مذهب الشافعى انه لا يطول السجود ولا يصح ذلك فقد ثبت في الاحاديث الضحيحة الصريحة في الصحيحين وغيرهما اطالته ونص الشافعي رحمه الله في البويطي ما لفظه يسجد سجدتين تامتين طويلتين يقيم في كل سجود نحو ما أقام في الركوع هذه عبارته فحينئذ لا يصح نسبة عدم التطويل الى الشافعى مع انه قد تقدم في ذلك وأنصف كل الانصاف حيث قال مذهبي الحديث وإذا صح الحديث فاتركوا قولي وقد كان له في الحديث اليد الطولي والسابقة الأولى وثبت في صحيح مسلم تطويل الاعتدال أيضا فينبغى العمل به فان الزيادة من الثقة مقبولة والله أعلم قال أصحابنا ولو صلاها بالفاتحة وحدها أو ركعتين من غير تكرر جاز والله أعلم* [الكلام على مشروعية حكم يمين الظهار وسببه] ومن حوادث هذه السنة نزول حكم الظهار وسببه على ما ذكر المفسرون وغيرهم ان ترتيبها كما رجحه النووى وقراءة آية مفهمة باحداهما والدعاء للمؤمنين في الثانية باخروى ولا يجب فيها القيام وكذا الطهارة والستر كما نقله البندنيجي عن النص وان كرهت وجزم في المجموع بندب الجلوس بينهما وندب الوضوء لخطبتى غير الجمعة فعلم عدم اشتراط الشروط قال القاضي زكريا لكن لا يخفي انه يعتبر في اداء السنة الاسماع والسماع وكون الخطبة عربية (انه لا يطول السجود) ورجحه الرافعى وجماعة (فقد ثبت في الاحاديث الصريحة في الصحيحين وغيرهما) عن أبي موسي وعائشة وأسماء (اطالته) ولفظ حديث أبى موسي في الصحيحين فصلي بأطول قيام وركوع وسجود ما رأيته قط يفعله في صلاة ولفظ حديث عائشة عند البخارى في الركعة الاولى يسجد سجودا طويلا وفي الثانية ثم سجد وهو دون السجود الاول وعند مسلم ما ركعت ركوعا قط ولا سجدت سجودا قط كان أطول منه وفي حديث البخاري عنها أيضا ثم سجد سجودا طويلا وفي حديث عنده أيضا عن اسماء في كل من الركعتين ثم سجد فأطال السجود (ونص الشافعي رحمه الله في) موضعين من (البويطى الى آخره) وقول صاحب المهذب ان الشافعي لم يذكره يعنى تطويل السجود ولا نقل عنه ممنوع أو من حفظ حجة على من لم يحفظ (ولا يضح نسبة عدم التطويل الي الشافعي) بل ينسب اليه التطويل كما قاله الخطابي (اذا صح الحديث فاتركوا قولي) في رواية عنه اذا صح الحديث فاضربوا بمذهبي عرض الحائط (وثبت في صحيح مسلم) وغيره (تطويل الاعتدال الي آخره) وصح أيضا تطويل الجلوس بين السجدتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة والحاكم قال في الروضة ولصحته ينبغي ان يكون هو المذهب واختاره في الاذكار (قال أصحابنا) كما نقله عن مقتضى كلامهم في المجموع (لو صلاها بالفاتحة وحدها) جاز لمفهوم خبر لا صلاة لمن لا يقرأ بها (أو) صلاها (ركعتين) كسنة الظهر أى (من غير تكرر جاز) وكان تاركا للافضل لظاهر حديث قبيصة انه صلى الله عليه وسلم صلاها بالمدينة ركعتين (خاتمة) ذكر ابن حبان في تاريخه ان خسوف القمر وقع في السنة الخامسة وانه صلى الله عليه وسلم صلى عند ذلك ركعتين والله أعلم* ومن حوادث هذه السنة (الظهار)

خولة بنت مالك بن ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت فأرادها للجماع فأبت منه فقال انت عليّ كظهر أمي وكان الظهار والايلاء من طلاق الجاهلية فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة تغسل رأسه فقالت يا رسول الله ان زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة ذات مال وجمال وأهل حتى اذا أكل مالى وأفني شبابى وتفرق أهلي وكبرت سني ظاهر مني وقد ندم فهل من شيء يجمعنى واياه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أراك الا قد حرمت عليه فجعلت تشكو وتردد ذلك فاذا ذكر لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التحريم هتفت وقالت أشكو الى الله فاقتي وشدة حالي وان لي صبية صغارا ان ضممتهم اليه ضاعوا وان ضممتهم اليّ جاعوا وجعلت ترفع رأسها الى السماء وتقول اللهم أشكو اليك فانزل الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة لم ترفع الغسل بعد فقالت لها عائشة اقصري اما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات فلما قضى الوحي قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ادعى زوجك فدعته فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن قالت عائشة تبارك الذى وسع مأخذه لفظ الظهر اذ أصل صورته أنت علىّ كظهر أمي (خولة) بفتح المعجمة وسكون الواو (أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو وآخره مهملة (صامت) بالمهملة أوله والفوقية آخره هو ابن قيس بن أصرم الخزرجى أخو عبادة بن الصامت شهد بدرا ومات بعدها ويرد هذا ما سيأتى ان المظاهر سلمة أو سلمان بن صخر البياضي الا ان يجمع بوقوع ذلك لكل منهما ولا يخفى بعده قال البغوى وكانت امرأته أى أوس حسنة الجسم وكان به لمم أى بعض جنون (أنت على ظهر كامي) زاد البغوى ثم ندم على ما قال (وكان الظهار والايلاء من طلاق الجاهلية) مطلقا واختلف هل عمل بهما في أوّل الاسلام والاصح لا وقيل كانا طلاقين في الجاهلية من وجه دون وجه كان أحدهم اذا كره المرأة وأراد ان لا ينكحها غيره آلى منها أو ظاهر فبقيت محبوسة لا ذات زوج ولا خلية (فهل من شيء يجمعنى واياه) زاد البغوي تنعشنى به (ما أراك) بفتح الهمزة من الرؤية وبضمها من الظن (الا قد حرمت عليه) زاد البغوى لم أومر في شانك بشىء زاد (فجعلت تشكو وتردد) وتقول والله يا رسول الله ما ذكر طلاقا وهو ابن عمي وأحب الناس الىّ (وكبرت) بكسر الموحدة (أشكو الى الله فاقتى) أى حاجتى ووحدتي وقد طالت له صحبتي ونفضت له بطني (ان ضممتهم اليه ضاعوا) أى من عدم الحضانة والتربية لان الرجل لا يتولاها كالنساء (وجعلت ترفع رأسها الى السماء) يؤخذ منه ان لا بأس بذلك في الدعاء (أللهم اني أشكو اليك) زاد البغوي أللهم ما نزل على لسان نبيك وكان هذا أوّل ظهار نزل في الاسلام (اقصرى) بهمزة قطع وكسر المهملة أي اتركى (السبات) بضم المهملة وتخفيف الموحدة وآخره فوقية وهو النوم الثقيل (قالت عائشة تبارك) لابي داود والنسائي الحمد لله (الذي وسع)

سمعه الاصوات كلها انى ليخفى على بعض كلامها هذا معنى ما ذكر البغوى في تفسيره ورواه أبو داود على غير هذا الوجه متضمنا لذكر الكفارة ففيه ان النبى صلى الله عليه وسلم قال يعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول الله انه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قال فاني سأعينه بعرق من تمر قالت يا رسول الله وانا سأعينه بعرق آخر قال احسنت اذهبي فاطعمى بها عنه ستين مسكينا وارجعي الى ابن عمك والعجب لم يروياه في الصحيحين وقد نطق به القرآن المبين وانما رويا حديث المحترق المجامع في نهار رمضان وقصته شبيهة بهذه من حيث اتحاد الكفارة فيهما وتصدق النبى صلى الله عليه بكسر المهملة في الماضى وفتحها في المضارع (سمعه) فاعل (الاصوات كلها) مفعول مؤكد (ورواه أبو داود) وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم من حديث خولة بنت مالك بن ثعلبة (انه شيخ كبير ما به من صيام) للبغوي والذي بعثك بالحق لو كلفته ثلاثة أيام ما استطاع (فاني ساعينه بعرق) بفتح المهملة والراء وللبغوي قال مريه فليذهب الى فلان بن فلان فقد أخبرني ان عنده سطر تمر صدقة فليأخذه صدقة عليه ثم ليتصدق به على ستين مسكينا وسيأتى تسمية هذا الرجل في التنبيه الآتي (والعجب لم يروياه في الصحيحين الى آخره) قلت لا عجب في ذلك لانهما انما تركاه لانه ليس على شرطهما وان كان مذكورا في القرآن فكم أشياء مذكورة في القرآن روي أسبابها أصحاب السنن وغيرهم وليست في الصحيحين (المحترق) سمى بذلك لانه جاء وهو يقول احترقت احترقت وهو سلمة بن صخر كما أخرجه ابن أبي شيبة وابن الجارود وبه جزم عبد الغنى أو سلمان بن صخر البياضي كما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب (تنبيه) قال ابن عبد البراظن تسميته سلمة أو سلمان بن صخر في حديث المحترق وهما وانما هو المظاهر في رمضان انتهى قلت وحديثه مروى في سنن الترمذي بسند حسن أخرجه من طريق يحيي بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن يونان ان سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضى رمضان فلما مضى نصف رمضان وقع عليها ليلا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتق رقبة فقال لا أجد قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال اطعم ستين مسكينا قال لا أجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لفروة بن عمرو اعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا فأطعم به ستين مسكينا قال الترمذى ويقال سلمان بن صخر وأخرجه أيضا بسند حسن صحيح من طريق عكرمة عن ابن عباس وفيه وما حملك على ذلك يرحمك الله قال رأيت خلخالها في ضوء القمر انتهي قال الحافظ ابن حجر والسبب في ظنهم يعني من سماه سلمة أو سلمان انه المحترق ان ظهاره من امرأته كان في رمضان وجامع ليلا كما هو صريح في حديثه وأما المحترق ففى رواية أبي هريرة أي في صحيح البخاري انه اعرابي وانه جامع نهارا فتغايرا نعم اشتركا في قدر الكفارة وفي الاتيان بالتمر وفي الاعطاء وفي قول كل واحد منهما أعلى أفقر منا والله أعلم (وقصته شبيهة بهذه) قصته انه جاء الي

الكلام على صلح الحديبية وصد قريش لرسول الله ومن معه عن مكة

وسلم عليهما* واعلم ان الظهار محرم في الجملة لقوله تعالى الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ الى قوله مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وقد كان طلاقا في الجاهلية فنقل حكمه وبقي محله واما أحكامه في الاسلام فان من ظاهر من زوجته بان قال أنت على كظهر أمي أو شبه عضوا من أعضائها بعضو من أعضاء أمه أو محارمه الذي لم يطرأ تحريمهن ولم يتبعه بالطلاق من فوره صار عائدا ولزمته الكفارة ولا يحل له وطؤها حتى يكفر هذا مقتضى مذهب الشافعي وفيه خلاف لغيره وتفريعات ليس هذا موضع بسطها والله أعلم [الكلام على صلح الحديبية وصد قريش لرسول الله ومن معه عن مكة] واتفق في هذه السنة من الحوادث العظيمة الشان الفتح المبين بصلح الحديبية وبيعة الرضوان وذلك ما أخبرنا به شيخنا الامام المسند ذو التصانيف العديدة المفيدة أبو الفتح النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال ما أهلكك قال وقعت على أهلى وأنا صائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها قال لا قال فهل تستطيع ان تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تجد اطعام ستين مسكينا قال لا قال فاجلس قال فبينما نحن على ذلك اذ أتي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر قال أين السائل قال أنا قال خذ هذا فتصدق به قال على أفقر مني فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اطعمه أهلك والعرق الزنبيل أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي وأبو عوانة وزاد في مجيئه وهو ينتف شعره ويدق صدره والدارقطني وزاد وهو يدعو ويله ويحثو على رأسه التراب وفيه جواز هذا الفعل لمن وقعت منه معصية ويفرق بين مصيبة الدنيا والدين لما يشعر به الحال من شدة الندم وصحة الاقلاع ورواه أحمد وزاد وفي العرق خمسة عشر صاعا كلهم عن أبي هريرة (الذين يظاهرون) قرأ عاصم يظاهرون بضم التحتية وتخفيف المعجمة بعدها الف وكسر الهاء وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح الياء والهاء وتشديد الظاء والف والباقون كذلك بغير الف (منكرا) ينكره الشرع (وزورا) كذبا (أو شبه عضوا من اعضائها) كيدها وشعرها ومثله الجزء الشائع كنصفها وربعها (لم يطر أنحريمهن) خرج بذلك نحو صهرة الرجل وربيبته ومرضعته لحلهن له قبل ذلك بخلاف مرضعة نحو أبيه (ولم يتبعه بالطلاق) ولا وقع عقبه ما يقطع النكاح (صار عائدا) هذا تفسير الشافعي رحمه الله تعالى العود في الآية وذلك ان تشبيهها يقتضى أن لا يمسكها زوجة فاذا أمسكها زوجة فقد عاد فيما قال وفسره مالك وأحمد بالعزم على الوطء وأبو حنيفة بالوطء وهما قولان في القديم ولزمته الكفارة بالعود وان لم يرد الوطء وليست الكفارة عليه كحرمة خلافا لابى حنيفة حيث يقول بعدم وجوبها بل ان أراد الاستباحة كفر (ولا يحل له وطؤها) ولا الاستمتاع بها بما بين السرة والركبة كالحائض هذا ما قال في المحرر انه الاولى ورجح في المنهاج جواز ما عدا الجماع وهو المحكي عن الأكثرين وظاهر كلام المصنف (العظيمة الشأن) باضافة غير المحضة (الفتح) بالرفع فاعل اتفق (الحديبية) بحاء مضمومة فمهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فموحدة مكسورة فتحتية ثانية مخففة وقيل مشددة اسم لبئر في طريق جدة سميت بشجرة حدباء هناك قال الفاسي يقال انها المعروفة الآن ببئر شميس وقيل هي على ثمانية عشر ميلا من مكة وقيل احد عشر (وببيعة الرضوان) سميت بذلك لقوله تعالى

المدنى اجازة ومناولة من يده سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بروايته لذلك عن جمال الدين ابراهيم بن محمد اللخمي وبرهان الدين ابراهيم بن محمد بن صديق الدمشقى قال انا المسند المعمر أحمد بن أبي طالب الحجار انا أبو عبد الله الزبيدى انا ابو الوقت عبد الاول الصوفي السجزي انا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودى انا أبو محمد عبد الله بن أحمد الحموي قال انا أبو عبد الله الفربري قال انا أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخارى قال حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر أخبرني الزهري قال حدثنا عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حتى اذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم ان خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فو الله ما شعر بهم خالد حتى اذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلأت القصوى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ الآية (أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري) ورواه أبو داود أيضا (معمر) أبو عروة معمر بن أبي بكر راشد النجدانى الازدى قال ابن الانصارى شهد جنازة الحسن البصري مات باليمن سنة أربع أو ثلاث أو اثنين وخمسين عن ثمان وخمسين سنة وقيل مات سنة خمسين ومائة وقيل فقد هو وسلم بن أبي الذيال فلم ير لهما أثر (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان خروجه يوم الاثنين مستهل ذي القعدة زاد البغوي وساق معه سبعين بدنة والناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن سبعة نفر وبعث عينا له من خزاعة بخبر عن قريش وهذا العين اسمه بسر بضم الموحدة وسكون المهملة ابن سفيان ذكره ابن عبد البر وغيره وكان دليله اليها عمرو بن عبد تميم الاسلمى ذكره العسكري وابن شاهين (حتى اذا كانوا ببعض الطريق) هو محل يسمى غدير الاشطاط بمهملتين جمع شط وهو الشام وشط الوادى أيضا جانبه قال السهيلي وبعضهم يقول فيه الاشظاظ بالظاء المعجمة وهو ماء بقرب عسفان وفيه لقيه عتبة الخزاعى واخبره بجمع قريش له فاستشار الناس فقال أبو بكر يا رسول الله انما جئت عامدا هذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله (بالغميم) بفتح المعجمة موضع بقرب الجحفة (طليعة) بفتح المهملة وكسر اللام هي مقدم الجيش (فخذوا) بضم الخاء أمر وفتحها خبر حذفت منه الالف (بقترة) بفتح القاف والفوقية والراء الغبار الاسود (بالثنية) هي الطريق المرتفع في الجبل وهي ثنية المرار طريق بالجبل مشرف على الحديبية (حل حل) بفتح المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة اذا بركت لتسير وهي من أسماء الاصوات (فألحت) بفتح الهمزة واللام والحاء المهملة المشددة أي اصرت (خلأت) بفتح المعجمة واللام اي اعيت حتى مدت خلاءها بالمعجمة والمد وهو للابل كالجران للخيل (القصوى) بفتح

فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصوى وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسى بيده لا يسألونى خطة يعظمون فيها حرمات الله الا أعطيتهم اياها ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتي نزل باقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتربضه الناس تربضا فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكى الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم ان يجعلوه فيه فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينماهم كذلك اذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل تهامة فقال اني تركت كعب بن لؤى وعامر بن لؤى نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال القاف وصاد مهملة تمد وتقصر اسم ناقته صلى الله عليه وسلم لان طرف اذنها كان مقطوعا والقصو قطع طرف الاذن وقيل لانها كانت لا تسبق كان عندها اقصى الجري (بخلق) أي عادة (حبسها حابس الفيل) زاد ابن اسحاق عن مكة اى حبسها الله عن دخولها كما حبس الفيل عن دخولها وهو فيل ابرهة الذي قصد به البيت ليخربه فحبسه الله عنه (خطة) بضم المعجمة أي خصلة (يعظمون فيها حرمات الله) أي من ترك القتال في الحرم (الا اعطيتهم اياها) أي اجبتهم اليها (فوثبت) اي قامت بسرعة (ثمد) بفتح المثلثة والميم الحفرة فيها الماء القليل لا مادة له وبذلك سميت ثمود (ويتبرضه الناس) بالموحدة وتشديد الراء وضاد معجمة اي يأخذونه قليلا قليلا وقيل التبرض جمع الماء بالكفين (يلبثه الناس) بضم اوله وسكون اللام من الالباث وبفتح اللام من التلبيث أي لم يتركوه يلبث أي يقيم (نزحوه) بالنون فالمعجمة فالمهملة والنزح أخذ الماء شيئا بعد شيء الى ان لا يبقى منه شىء (وشكى) بضم اوله وللبغوي وشكي الناس (فانتزع) أى اخرج (كنانته) بكسر الكاف ونونين اي جعبته (ثم أمرهم أن يجعلوه فيه) وكان الذى نزل في البئر فجعله فيه ناجية بن اعثم اخرجه ابن سعد في الطبقات من طريق ابي مروان قال حدثني أربعة عشر رجلا من الصحابة بذلك وقيل هو ناجية بن جندب وقيل البراء ابن عازب وقيل عباد بن خالد حكى ذلك الواقدي ووقع في الاستيعاب خالد بن عبادة (يجيش) بفتح اوله وكسر الجيم آخره معجمة أي يفور (بالري) بكسر الراء وفتحها (صدروا عنه) أي رجعوا بعد ورودهم (بديل) بموحدة ومهملة مصغر (ورقاء) بالقاف والمد ابن عمرو بن ربيعة الخزاعي اسلم بمر الظهران يوم الفتح وقيل قبله وشهد هو وابنه عبد الله حنينا والطائف وتبوك وكان من كبار مسلمة الفتح ومات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه قال في التوشيح سمي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية وخارجة بن كريز (عيبة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح الموحدة هو موضع سرك وامانتك كعيبة الثياب التي يوضع فيها المتاع (من أهل تهامة) قال في التوشيح لبيان الجنس لان خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة وتهامة بكسر المثناة مكة وما حولها أصله من التهم وهو شدة الحرور كود الريح (كعب بن لؤي وعامر بن) لؤى انما اقتصر على ذكرهما لان جميع قريش الذين كانوا بمكة ترجع انسابهم اليهما (أعداد) بفتح الهمزة جمع عد بكسر المهملة وتشديد الدال وهو الماء الذي لا انقطاع له (العوذ) بضم المهملة واسكان الواو ثم معجمة جمع عائذ وهي ذات اللبن من النوق (المطافيل) بفتح الميم والطاء المهملة المخففة أي الامهات التي معها اطفالها معناه انهم خرجوا

صلى الله عليه وآله وسلم إنا لم نجيء لقتال أجد ولكنا جئنا معتمرين وان قريشا قد نهكتهم الحرب واضرب بهم فان شاؤا ماددنهم مدة ويخلوا ما بيني وبين الناس فان اظهر فان شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا والا فقد جموا وان هم أبوا فو الذي نفسي بيده لاقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتى ولينفذن الله أمره قال بديل فسابلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا قال انا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فان شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشىء وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال أى قوم ألستم بالوالد قالوا بلى قال أولست بالولد قالوا بلى قال فهل أنتم تتهموننى قالوا لا قال ألستم تعلمون اني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا على جئتكم باهلي وولدى ومن أطاعني قالوا بلي فقال فان هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آتيه قالوا إئته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم بذوات الالبان من الابل ليتزودوا بالبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه من دخول مكة قال في التوشيح وكني بذلك عن النساء معهن الاطفال أي خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لارادة طول المقام (نهكتهم) بفتح النون وكسر الهاء وفتحها اضعفتهم وأثرت فيهم (ماددتهم) أي جعلت بيني وبينهم مدة نترك فيها القتال (فان اظهر فان شاؤا) هذا شرط بعد الشرط وتقديره فان ظهر غيرهم على كفاهم المؤنة وان اظهر انا على غيرهم فان شاؤا اطاعونى والا فلا تنقضي مدة الصلح الا وقد (جموا) بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي استراحوا وقووا (على أمري هذا) يريد الاسلام (حتى) اقتل و (تنفرد سالفتي) بمهملة وكسر اللام بعدها فاء أي صفحة عنقي وكني بذلك عن القتل لان القتيل تنفرد مقدمة عنقه (ولينفذن) بضم أوله وفتح النون وكسر الفاء المشددة وسكون النون مع التخفيف أي ليمضين الله أمره في نصر دينه (فقال سفاؤهم) أى ذوو العقول السخيفة منهم قال في التوشيح سمى منهم الحكم بن أبي العاص وعكرمة بن أبي جهل (هات) بكسر التاء كما مر (عروة بن مسعود) الثقفي هو الذي قتله قومه حين اسلم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبره فقال ان مثله في قومه كمثل صاحب يس وسيذكر المصنف ذلك فيما بعد (الستم بالوالد والست بالولد) هذا هو الصواب لان أم عروة سبيعة بنت عبد شمس منهم ووقع لابي ذر في صحيح البخارى الستم بالولد والست بالوالد وهو خطأ (استنفرت) أى دعوت لنصركم (عكاظ) فيه الصرف وتركه كما مر (بلحوا) بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم حاء مهملة مضمومة أى امتنعوا علي وتباعدوا بي والتبلح التمنع من الاجابة (عرض عليكم) للكشميهنى في صحيح البخارى لكم (خطة) بضم المعجمة أى خصلة كما مر (رشد) أى خير وصلاح وانصاف (آتيه) باثبات الياء على الرفع وحذفها

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت ان استأصلت قومك هل سمعت أحدا من العرب اجتاح أهله قبلك وان تكن الأخرى فانى والله لأرى وجوها وانى لأرى أشوابا من الناس خليقا ان يفرا ويدعوك فقال له أبو بكر الصديق امصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندى لم أجزك بها لاجبتك قال وجعل يكلم النبى صلى الله عليه وآله وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبى صلى الله عليه وآله وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده الى لحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عيله وآله وسلم فرفع رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر الست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال على الجزم جوابا للامر (نحوا) أى قريبا (أستأصلت قومك) أى قطعتهم من أصلهم أراد ان قتلتهم من أصلهم هل لك اسوة في ذلك بأحد قبلك (اجتاح) بجيم وآخره مهملة أهلك (أهله) بالكلية (وان تكن الاخرى) أى وان تكن الغلبة لهم عليه والجزاء محذوف أي فلا آمنهم أن يفعلوا بك فعلا لم يفعله قبلهم أحد من قتل ومثلة ونحوهما وذلك لاني لا أرى لك منعة انما أرى (اشوابا) بتقديم المعجمة هم الاخلاط من أنواع شتى وللكشميهني في صحيح البخاري أوباشا وهم الاخلاط من السفلة والرعاع فهم أخص من الاشواب (خليقا) بفتح المعجمة وكسر اللام وبالقاف أي حقيقا ويراد فهما حري وجدير وقمن (ويدعوك) أى يتركوك (فقال أبو بكر الصديق) غضبا وحمية للمسلمين حيث نسبهم الى الفرار (أمصص) بهمزة وصل ومهملتين الاولى مفتوحة وخطأ ابن التين الفاسي في ضمها (بظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة القطعة التي تبقى بعد الختان في فرج المرأة وقيل ما تقطعه الخافضة (اللات) اسم صنم كانوا يعبدونه وكان هذا شتما قبيحا عند العرب يدور على ألسنتهم (انحن نفر عنه وندعه) استفهام انكار وتعظيم لذلك (يد) أى نعمة (لم اجزك) لم اكافك بها (لاجبتك) أي ولكن سأجعل صبرى على ما اسمعتني من القبيح مكافأة ليدك (والمغيرة) بضم الميم وحكي كسرها (ابن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبو عبد الله اسلم عام الخندق وشهد الحديبية ومات بالكوفة وهو أميرها سنة خمسين وهو ابن اخي عروة بن مسعود (بنعل السيف) بالنون المهملة وهو ما يكون أسفل القراب من فضة وغيرها (أي غدر) بوزن عمر معدول عن غادر وهو بناء للمبالغة في الوصف بالغدر (الست اسعى في غدرتك) أي في دفع شرها ولابن اسحاق وهل غسلت سوءتك الا بالامس (وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية) الى آخره كان ذلك ان المغيرة توجه مع نفر من بني مالك من ثقيف ايضا الى المقوقس فاعطاهم ولم يعط المغيرة فلما رجعوا جلسوا في موضع فشربوا وسكروا وامتنع المغيرة من الشرب معهم فقام المغيرة بعد ان ناموا

النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الاسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء ثم ان عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعينيه قال فو الله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقنتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ما يحدون النظر اليه تعظيما له فرجع عروة الى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله ما رأيت ملكا قط يعظمه اصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله ان تنخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا امره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده وما يحدون النظر اليه تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعونى آتيه فقالوا أئته فلما أشرف على النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى فقتلهم كلهم وأخذ ما معهم وكانوا ثلاثة عشر رجلا فتحمل عروة ثلاث عشرة دية ذكر ذلك الواقدي وروى عبد الرزاق عن معمر قال سمعت انه لم ينج منهم الا الشريد بن سويد فلذلك سمى الشريد وكان قبل ذلك اسمه مالك (أما الاسلام فاقبل) مضارع أى أقبله (فلست منه في شيء) أى لا أتعرض له لكونه أخذ غدرا (يرمق) بضم الميم يلحظ (نخامة) هي البصقة من أقصى الحلق (الا وقعت في كف رجل منهم) أى لمبادرتهم الى تلقفها فيه التبرك ببصاق أهل الفضل ومسارعة الى الخيرات (أمره) أي الشيء الذي أمرهم بفعله أولا (كادوا) قربوا (على وضوئه) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به يعنى لمسابقتهم الى احضاره أو لمزاحمتهم على فضل وضوئه للتبرك به (يحدون) بضم أوله وكسر المهملة أي ما يدعون النظر اليه ولا يملؤن أعينهم منه هيبة واجلالا (ان رأيت) أي ما رأيت (رجل من بني كنانة) لم يسم وما في فتح البارى عن الزبير بن بكار وتبعه في التوشيح انه الحليس بمهملتين مصغر ابن وهم فالحليس انما أرسل بعد الرجل الذي من بني كنانة كما في تفسير البغوي وغيره وفيه ان الحليس كان سيد الاحابيش يومئذ وانه لما جاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من قوم يتألهون وقال في الرجل من بني كنانة هذا من قوم يعظمون البدن وفيه ان الحليس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظاما لما رأى فقال يا معشر قريش انى قد رأيت مالا يحل صده الهدى في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا له اجلس انما أنت رجل اعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك فقال يا معشر قريش ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم ان تصدوا عن البيت الحرام من جاء معظما له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وأصحابه وبين ما جاء له أولا نفرن بالاحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له كف عنا

الله عليه وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع الى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعونى آتيه فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو قال معمر فأخبرنى أيوب عن عكرمة انه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم قد سهل الله لكم من أمركم قال معمر قال الزهري في حديثه وجاء سهيل بن عمرو فقال هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبى صلى الله عليه وسلم الكاتب قال النبي صلى الله عليه وسلم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فو الله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله ما تكتبها الا بسم الله الرحمن الرحيم قال النبي صلى الله عليه وسلم أكتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سهيل والله لو كنا نعلم انك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله اني لرسول الله وان كذبتمونى أكتب محمد بن عبد الله قال الزهري يا حليس حتى نأخذ لانفسنا ما نرضي به (فابعثوها) أى انثروها دفعة واحدة (مكرز) بكسر الميم مع كسر الراء وفتحها وسكون الكاف آخره زاى (فاجر) هو المائل عن الحق المكذب به وكل انتصاب في شر فجور (سهيل) بضم السين (ابن عمرو) بن عبد شمس بن عبدود العامري أخو السكران بن عمرو زوج سودة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مر أسلم سهيل يوم الفتح واستشهد يوم اليرموك وقتل يوم الظفر وقيل مات في طاعون عمواس (قد سهل عليكم من أمركم) فيه التفاؤل بالاسم الحسن (الكاتب) هو كما في صحيح مسلم وتفسير البغوى وغيره فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب (اكتب باسمك اللهم) هى كلمة كانت تقولها قريش وذكر المسعودى ان أوّل من قالها أمية بن أبي الصلت تعلما من رجل من الجن في خبر طويل (قاضي) فاعل من قضيت الشيء اذا فصلت الحكم فيه (ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك) ولابن اسحاق من طريق البراء ما منعناك شيئا (اكتب محمد بن عبد الله) ولابن اسحاق ثم قال لعلي امح رسول الله قال لا أمحوك أبدا قال فأرنى اياه فمحاه النبى صلى الله عليه وسلم بيده وكذا رواه مسلم من طريق البراء كما ذكره المصنف فيما بعد وفي رواية لابن اسحاق أيضا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ولمسلم كتب ابن عبد الله قال في الديباج قيل معناه أمر

وذلك لقوله لا يسألونى خطة يعظمون فيها حرمات الله الا أعطيتهم إياها فقال له النبى صلى الله عليه وسلم على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل والله لا تتحدث العرب انا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام القابل فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك رجل منا وان كان على دينك الا رددته الينا فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد الى المشركين وقد جاء مسلما فبينماهم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أوّل ما أقاضيك عليه ان ترده الىّ فقال النبى صلى الله عليه وسلم انا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله اذا لا أصالحك على شيء أبدا قال النبي صلى الله عليه وسلم فأجزه لي قال ما أنا بمجيز ذلك لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجزناه لك قال ابو جندل أي معشر المسلمين أرد الى المشركين وقد أتيت مسلما الا ترون ما قد لقيت وقد كان عذب عذابا شديدا في بالكتابة وقيل هو على ظاهره قلت لا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم انا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الحديث اذ لا يبعد ان تجرى يد القدرة يده الكريمة بما شاء الله من غير قصد الى الكتابة ويكون ذلك معجزة اذ هو خرق عادة في حقه وقد قال تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما ينبغى له ومع ذلك كان ربما جري على لسانه اللفظ متزنا نحو (أنا النبي لا كذب* أنا ابن عبد المطلب) فائدة قال الجوزي في بعض مصنفاته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولو أراد لقدر ولكن أخذ القلم وأراد ان يكتب باسم الله فوقع ظل يده على اسم الله تبارك وتعالى فقال لا أكتب حتى لا يقع ظل يدي على اسم الله فقال الله تعالى يا محمد لاحترامك اسمى رفعت ظلك عن الارض حتى غلب نورك نور الشمس مكافأة لما فعلت (على أن تخلوا بيننا وبين البيت) وذكر بعده ان اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض كما في كتب السير (يتحدث) بالفوقية والتحتية (ضغطة) بضم الضاد وسكون الغين المعجمة ثم طاء مهملة أي قهرا (سبحان الله) تعجبا من فعله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ابن اسحاق أتكتب هذا قال نعم انه من ذهب منا اليهم فابعده الله ومن جاء منهم الينا سيجعل الله له فرجا ومخرجا (أبو جندل) اسمه العاص وقيل عبد الله وجندل بالجيم والنون بوزن جعفر (يرسف) بفتح أوله وضم السين المهملة وفاء أي يمشى مشيا بطيئا بسبب القيد (بعد) بالضم (اذا لا أصالحك) بالفتح (فاجزه) بالجيم والزاي أمر من الاجازة أي اجعله لى جائزا وروي بالراء بدل الزاى أى اجعله في جوارى وحمايتى (بلي فافعل) كذا للكشميهني في البخاري ولغيره بل (أرد إلى المشركين الى آخره) زاد ابن اسحاق وغيره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل احتسب فان الله تعالى جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا انا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا وصلحا وانا لا نغدر فوثب عمر يمشى الى جنب أبي جندل ويقول اصبر فانما هم المشركون ودم أحدهم دم كلب ويدني

الله فقال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبى الله حقا قال بلى قال ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا اذا قال انى رسول الله ولست اعصيه وهو ناصري قلت اوليس كنت تحدثنا انا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرتك انا نأتيه العام قلت لا قال فانك آتيه ومطوف به قال فأتيت ابا بكر فقلت يا ابا بكر اليس هذا نبى الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا اذا قال يا ايها الرجل انه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فو الله انه على الحق قلت أليس كان يحدثنا انا سنأتى البيت فنطوف به قال بلى قال فأخبرك انك تأتيه العام قلت لا قال فانك آتيه ومطوف به قال الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالا كثيرة فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال قائم السيف منه أراده ان يأخذه ويضرب به أباه فضن الرجل بأبيه (الست نبي الله حقا) زاد البغوي قال عمر ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ (الدنية) بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتية أى القضية الدنية التى لا يرضى بها (أو ليس) بفتح الواو (بغرزه) بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها زاي وهو للابل بمنزلة الركاب للفرس والمراد التمسك بامره وترك مخالفته كالمتمسك بركاب الفارس لا يفارقه (فائدة) في مواطأة جواب سيدنا أبي بكر رضى الله عنه جواب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سر عظيم هو أن مقام الصديقين أقرب المقامات الى النبوة فما يفضيه الله الى الانبياء من بحر الاسرار يستاثر الصديقون بالعزيز منه قال العلماء هذا من أوضح الادلة على ان أهل الالهام يخطؤن ويصيبون فلا بد من عرض ما وقع في قلوبهم على الكتاب والسنة كما يخطيء أهل الاجتهاد ويصيبون هذا سيدنا أمير المؤمنين عمر أخطأ في أماكن كهذا الموطن وفي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو المشهود له بقوله صلى الله عليه وسلم ما لقيك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك وبقوله لقد كان فيمن قبلكم من الامم محدثون أى ملهمون فان يك في أمتى فانه عمر رواهما الشيخان وفي رواية لقد كان فيمن قبلكم رجال يتكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فان يك في أمتي أحد فعمر ولهذا يوافق الوحى كثيرا قال عمر فعجبت من مطابقة كلام أبي بكر لكلام النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلى أن مقام الهام الصديقة فوق مقام أهل الالهام (فعملت لذلك أعمالا) أى صالحة من صدقة وصوم وصلاة وعتق ليكفر عنى جراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرح في رواية ابن اسحاق والواقدى لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا (فلما فرغ من قضية الكتاب) أشهد عليه رجال من المسلمين ورجال من المشركين كما في سيرة ابن اسحاق منهم أبو بكر وعمر وعلى وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي

فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقى من الناس فقالت له ام سلمة يا نبي الله اتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا بحالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ الآية حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر امرأتين كانتا في الشرك فتزوج احداهما معاوية ابن أبى سفيان والاخرى صفوان بن أمية ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة وقاص ومحمود بن مسلمة وعبد الله بن سهل ومكرز بن حفص وهو مشرك (فو الله ما قام منهم رجل) واحد سبب ذلك انهم رجوا ان يحدث الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك أمر اخلاف ما اشار به فيتم له النسك فلما رأوا انه نحر وحلق علموا ان لا غاية وراء ذلك تنتظر فبادروا الي الاتباع (فذكر لها ما لقي من الناس) فيه مشاورة النساء وقبول قولهن اذا أصبن (فقالت أم سلمة يا نبي الله الى آخره) قال الزركشي قال الامام في النهاية ما أشارت امرأة بصواب الا أم سلمة في هذه القصة (ودعا حالقه فحلقه) هو خراش بالمعجمة أوله وآخره بن أمية بن ربيعة الكليبي بضم الكاف قال ابن عبد البر منسوب الى كليب بن حبيبة وفي صحيح البخاري وغيره حلق النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم وفي طبقات ابن سعد من حديث أبي سعيد ان الصحابة حلقوا الا ابا قتادة وعثمان رضي الله عنهم (يقتل بعضا غما) اي ازدحاما (ثم جاء) في أثناء المدة (نسوة) سمي منهم اميمة بنت بشر وأم الحكم بنت أبي سفيان وسروع بنت عقبة وعبدة بنت عبد العزى وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وسبيعة بالتصغير بنت الحارث الاسلمية وكان مجيئها عقب الفراغ من الكتاب قال البغوي فاقبل زوجها مسافر من بني مخزوم وقال مقاتل هو صيفى بن الراهب في طلبها وكان كافرا فقال يا محمد ارجع على امرأتى فانك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد (فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) من دار الكفر الى دار الاسلام (فامتحنوهن) أي استحلفوهن ما خرجن لبغض زوج ولا عشقا لرجل من المسلمين ولا رغبة عن أرض الى أرض ولا بحدث احدثنه ولا لالتماس دنيا ولا خرجن الا رغبة في الاسلام وحبا لله ولرسوله قاله ابن عباس (فطلق عمر يومئذ امرأتين) احداهما قريبة بضم القاف بنت أبي أمية بن المغيرة وهى التي تزوجها معاوية والاخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبيد الله بن عمر وهي التي تزوجها صفوان وفي تفسير البغوي في سورة الممتحنة وبعض روايات البخاري ان الذي تزوجها أبو جهم فلعل أحدهما تزوجها ثم طلقها فتزوجها الآخر (ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة) وذلك في المحرم واتفق له في رجوعه انه سحر في بئر ذى أروان وهى بئر في بنى

فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذى جعلت لنا فدفعه الى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من ثمر لهم فقال أبو بصير لاحد الرجلين والله انى لارى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله انه لجيد فقد جربت به ثم جربت به قال أبو بصير أرنى أنظر اليه فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى الى النبى صلى الله عليه وسلم قال قتل والله صاحبي واني لمقتول فجاء ابو بصير فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك فقد رددتني اليهم ثم أنجانى الله منهم قال النبي صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف انه سيرده اليهم فخرج حتى أتى سيف البحر وينفلت منهم ابو جندل فلحق بأبى بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم الا لحق زريق سحره لبيد بن الاعصم اليهودي ذكر ذلك ابن سعد بسند مرسل وقصة السحر مشهورة في الصحيحين وغيرهما (أبو بصير) بفتح الموحدة وكسر المهملة اسمه عبيد وقيل عتبة بن أسد بن حارثة قال ابن عبد البر قرشي وقيل ثقفي وقيل زهري حليف لهم (رجلين) هما جحيش بن جابر من بني عامر بن لؤي سماه موسى بن عقبة وغيره وهو المقتول كما جزم به البلاذري وابن سعد لكن قالا خنيس بن جابر والآخر مولى له اسمه كريز وهو الذي رجع الى المدينة وقيل اسمه مرثد بن حمران والذى كتب فيه أزهر بن عبد عوف والاخنس بن شريق كما رواه بن سعد وغيره (العهد) بالرفع والنصب (الذى جعلت لنا) زاد البغوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح في ديننا الغدر وان الله جاعل لك ولمن معك من المؤمنين المستضعفين فرجا ومخرجا (فاستله) أى اخرجه من غمده (فأمكنه منه) كذا للكشميهني وتفرد به (برد) بفتح الراء جمدت حواسه كناية عن الموت لان الميت تسكن حركته وأصل البرد السكون (ذعرا) بضم المعجمة أى خوفا (فجاء أبو بصير) زاد البغوي متوشحا السيف (ويل امه) بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة كلمة تقال للمدح ولا يقصد معنى ما فيها من الذم (مسعر حرب) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة منصوب على التمييز وأصله من سعر الحرب يسعرها كأنه يصفه بالاقدام في الحرب والتسعير لنارها (لو كان له أحد) ان ينصره ويعضده (سيف البحر) بكسر المهملة وسكون التحتية وفاء ساحله وكان نزوله بمكان يسمى العيص قريب من بلاد بنى تميم وروى معمر عن الزهرى أن أبا بصير كان يصلي باصحابه هناك حتى جاءهم أبو جندل فقدموه لانه قرشى (وينفلت) عبر بصيغة المستقبل اشارة الى ارادة مشاهدة الحال وفي تفسير البغوى وغيره

بابي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش الى الشام الا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما ارسل اليهم فمن أتى منهم فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم اليهم فأنزل الله عز وجل وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ حتى بلغ حمية الجاهلية وكانت حميتهم انهم لم يقروا انه نبي الله ولم يقروا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وحالوا بينه وبين البيت انتهى ما رواه البخاري عن المسور بن مخرمة ومرار بن الحكم من طريق شيخه ومولاه عبد الله بن محمد المسندي ورواه عنهما من طرق أخر وهذه أتمها وأوعبها وصرح في طريق يحيى بن بكير بأنهما أخبرا بذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم* وروي مسلم أطرافا منه وصرح بسبب نزول الآية السابقة وهو ما روي عن أنس ان ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فأخذهم سلما فاستحياهم فأنزل الله تعالى فانفلت بصيغة الماضى (عصابة) جماعة وفي مغازي عروة انهم بلغوا سبعين وفي الروض الانف فلم يزل اصحابه يعنى أبا بصير يكثرون حتى بلغوا ثلثمائة (بعير) أى بخبر عير بكسر المهملة أى قافلة (فأرسلت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال السهيلى فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم كتابا فورد وأبو بصير في الموت فأعطى الكتاب فجعل يقرأه ويسر به حتى قبض والكتاب على صدره فبني عليه هناك مسجد (لما) بفتح اللام وتخفيف الميم (المسندى) بضم الميم وفتح النون وبالنسبة قال في القاموس نسب كذلك لتتبعه المسانيد دون المراسيل (وروي مسلم اطرافا منه) جمع طرف وفيه انهم جاؤا وعلى البئر خمسون شاة لا ترويها فقعد صلى الله عليه وسلم ملاصقا الركية فاما دعا واما بصق فيها فجاشت فسقينا واستقينا ولا ينافيه ما مر انه انتزع سهما من كنانته فغرزه ولا ما في رواية للبخارى عن البراء انه دعا باناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها الى آخره لامكان انه فعل ذلك كله في مرة أو مرات (ان ثمانين رجلا) وله من طريق سلمة وجاء عمير عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده الى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس محفف في سبعين من المشركين وللبغوى عن عبد الله بن مغفل فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم نبى الله فأخذ الله بأبصارهم فقمنا اليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جئتم في عهد أو هل جعل لكم أحد أمانا قالوا اللهم لا فخلي سبيلهم فأنزل الله الآية (التنعيم) هو المعروف الآن بمسجد عائشة بينه وبين مكة ثلاثة أميال وقيل أربعة سمي بذلك لان على يمينه جبلا يقال له نعيم وعن يساره آخر يقال له ناعم والوادى نعمان (غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر المعجمة وتشديد الراء أي غفلته (فأخذهم سلما) بفتح المهملة واللام وبسكون اللام مع كسر العين وفتحها أى بغير

مطلب فى الكلام على بيعة الرضوان

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ الآية وفيه من رواية سلمة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه وصرح فيه من رواية البراء بن عازب ان كاتب الكتاب على بن أبى طالب رضي الله عنه وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئله ان يمحو اسم الرحمن الرحيم واسم الرسالة حين ابوا منها فاستعظم ذلك وحلف ان لا يمحوها فمحاها النبى صلى الله عليه وآله وسلم بيده [مطلب فى الكلام على بيعة الرضوان] (فصل) وكان صلح الحديبية في ذي القعدة وكان عدد المسلمين ألفا وأربعمائة وساقوا سبعين بدنة واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم في مخرجه ذلك على المدينة تميلة بن عبد الله الليثي وكان سبب بيعة الرضوان ان النبى صلى الله عليه وآله وسلم بعث عثمان الى مكة فأشيع قتله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما والله لئن قتلوه لأناجزنهم فدعا الناس الى البيعة فبايع بعضهم على الموت وبعضهم قتال (بدء الفجور) بالهمز أي ابتداؤه (وثناه) بكسر المثلثة وروى وثناه بضم المثلثة أي عوده ثانية (فصل) وكان صلح الحديبية (الفا وأربعمائة) في رواية البخاري خمس عشرة مائة قال في التوشيح والجمع انهم كانوا الفا وأربعمائة وزيادة لا تبلغ المائة فالاول الغى الكسر والثاني جبره ومن قال الفا وثلثمائة فعلى حسب اطلاعه وقد روى الفا وستمائة والفا وسبعمائة وكانه على ضم الاتباع والصبيان ولابن مردويه عن ابن عباس كانوا الفا وخمسمائة وخمسة وعشرين وهذا تحرير بالغ انتهى ومر عن البغوي انهم كانوا سبعمائة وانهم (ساقوا سبعين بدنة) لتكون كل بدنة عن سبعة فان صح حمل على انهم كانوا كذلك أوّل خروجهم ثم لحقهم من لحق بعد ذلك (تميلة) بضم الفوقية وفتح الميم (بعث عثمان الى مكة) وكان بعثه بمشورة عمر بن الخطاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد بعثه قبله فقال انى أخاف قريشا علىّ وليس بمكة من بنى عدى أحد يمنعنى وقد عرفت قريش عداوتي اياها وغلظتي عليها فدله على عثمان وسبب ذلك كله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحديبية أرسل خراش بن أبى أمية الخزاعي الى مكة وحمله على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ اشرافهم عنه ما جاء له فعقروا جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وارادوا قتله فمنعهم الاحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب ما ذكره ابن اسحاق وغيره عن أهل العلم (فاشيع قتله) قال ابن اسحاق لما خرج عثمان الى مكة لقيه ابان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته وحمله بين يديه ثم ردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت عظماء قريش لعثمان حين فرغ من اداء الرسالة ان شئت أن تطوف بالبيت فطف به قال ما كنت لافعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قتله (فبايع بعضهم على الموت) قال ابن اسحاق قال بكر بن الاشج بايعوه على الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل على ما استطعتم (وبعضهم) بايع (على ان

على أن لا يفروا المعنى واحد وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم احدى يديه على الأخرى وقال هذه لعثمان وبايع سلمة بن عمرو بن الاكوع ثلاث مرات متفرقات وبايع عبد الله بن عمر قبل أبيه وذلك ان أباه بعثه وهو يستلئم للقتال ليأتيه بخبر النبى صلى الله عليه وسلم فوجده يبايع الناس فبايع ثم رجع فأخبر أباه وكان أوّل من بايع سنان بن وهب الاسدي ولم يتخلف أحد ممن حضر عن البيعة الا الجد بن قيس السلمى قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه فكانى أنظر اليه لاطئا بابط ناقته مستترا بها* وأما الشجرة المذكورة فكانت سمرة وطلبت من العام المقبل يفر) وكان جابر بن عبد الله ومعقل بن يسار ممن بايع هذه البيعة (والمعنى) كما قال أبو عيسى الترمذي (واحد) بايعه جماعة على الموت أي لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل وبايعه آخرون وقالوا لا نفر (فضرب صلى الله عليه وسلم باحدى يديه على الاخرى وقال هذه لعثمان) أخرجه البخاري والترمذي عن عثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم والهاء عن عبد الله بن عمرو وفي رواية فقال بيده هذه يد عثمان أي بدلها في رواية الترمذي وكانت يسري رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيمانهم لهم قلت فيه اشارة الى انه صلى الله عليه وسلم علم عدم قتله والا لم ينب عنه في المبايعة فحينئذ يعد عثمان من أهل بيعة الرضوان كما يعد من البدريين وفي كلا المشهدين قد شهد له صلى الله عليه وسلم بذلك أما في بدر فبقوله ولك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما هنا فالمبايعة المذكورة (سلمة) بفتح اللام (ابن) عمرو ابن (الاكوع) إسم الاكوع جد سلم سنان ذكره ابن عبد البر وغيره (ثلاث مرات متفرقات) كما رواه مسلم عنه قال دعانا للبيعة في أصل الشجرة فبايعته في أوّل الناس ثم بايع وبايع حتي اذا كان في وسط الناس قال بايع يا سلمة قلت قد بايعتك في أوّل الناس يا رسول الله قال وأيضا ورآني اعزل فأعطاني حجفة ثم بايع حتى اذا كان في آخر الناس قال ألا تبايعنى يا سلمة قلت قد بايعتك يا رسول الله في أوّل الناس وفي أوسط الناس قال وأيضا فبايعته الثالثة وذكر تمام الحديث وفي مبايعته صلى الله عليه وسلم لسلمة ثلاث مرات اشارة الى أنه سيحضر ثلاثة مشاهد ويكون له في كل منها غناء وكان الامر كذلك فاتصل بالحديبية غزوة ذي قرد واتصل بها فتح خيبر (يستلئم) أي يلبس لامته (وكان أوّل) بالنصب خبر كان مقدم (من بايع سنان) بالرفع اسمها مؤخر ويجوز عكسه (ابن وهب الاسدى) كذا وقع هنا والصواب كما قال الواقدي أبو سنان قال السهيلي واسمه وهب بن محصن الاسدى أخو عكاشة بن محصن ثم نقل عن الواقدي وموسى بن عقبة انه كان أسن من أخيه عكاشة بعشرين سنة شهد بدرا وتوفي يوم بنى قريظة والذى ذكره المصنف انما هو ابنه وهو بدرى أيضا توفي سنة ثلاث وثمانين ولابن منده وأبي نعيم انه وهب بن عبد الله بن محصن وهو خلاف الصواب أيضا (الجد) بفتح الجيم (السلمي) بفتح اللام نسبة الى بني سلمة بكسرها (لاطئا) بكسر المهملة ثم همزة أي لاصقا (بابط) بقطع الهمزة المكسورة (وطلبت من العام المقبل

مطلب في الكلام علي الشجرة التى كانت البيعة عندها

فلم يقدر عليها وكانوا يتحدثون انها رفعت قال معقل بن يسار لقد رأيتني رافعا غصنا من أغصانها عن رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [مطلب في الكلام علي الشجرة التى كانت البيعة عندها] (فصل) ثم انه قد ثبت لشاهديها المزايا العظام والتنوية على سائر مشاهد الاسلام قال الله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وروينا في صحيح البخاري عن جابر بن عبد رضي الله عنهما قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية أنتم اليوم خير أهل الارض وكنا ألفا وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم لاريتكم مكان الشجرة وعنه أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة رواه البغوي فلم يقدر عليها) قال البغوي قال سعيد بن المسيب حدثنى أبي وكان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل طلبناها فلم نقدر عليها (فيتحدثون انها رفعت) قال البغوى روى ان عمر بن الخطاب مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال أين كانت فجعل بعضهم يقول هاهنا وبعضهم يقول هاهنا فلما كثر اختلافهم قال سيروا فقد ذهبت الشجرة (معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف (يسار) بفتح التحتية وبالسين المهملة (فصل) ثم انه (على سائر مشاهد الاسلام) ما عدا مشهد بدر ثم أحد (لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك) بالحديبية على ان يناجزوا قريشا ولا يفروا (تحت الشجرة) هي اسم لكل ما قام من النبات على ساق ويسمى غيره نجما (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) يا محمد بالحديبية على عدم الفرار (إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ) لانهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة بالوفاء بما وعدهم من الخير (فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) قال ابن عباس وقال السدي كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه ويد الله فوق أيديهم في المبايعة وقيل نعمة الله عليهم بالهداية فوق ما صنعوا من البيعة وفي الشفاء يد الله قوته وقيل ثوابه وقيل منته وقيل عقده وهذه استعارة وتجنيس في الكلام وتأكيد لعقد بيعتهم اياه وعظم لشأن المبايع صلى الله عليه وسلم (أنتم اليوم خير أهل الارض) هذا من العام الذي أريد به الخاص فان بعض البدريين والاحديين لم يشهد بيعة الرضوان (ولو كنت أبصر الى آخره) من كلام جابر رضي الله عنه (لا يدخل النار أحد) زاد مسلم في رواية جابر عن أم مبشر الانصارية ان شاء الله قال النووى قال العلماء هو للتبرك لا للشك لانه لا يدخلها أحد منهم قطعا (رواه البغوي) في التفسير مسندا عن أبي سعيد الشريحي عن أبى اسحاق الثعلبي عن ابن فيحويه عن على بن أحمد بن نصرويه عن ابي عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني عن محمد بن رمح عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قلت ورواه مسلم كما مرت الاشارة اليه وفيه ان حفصة قالت بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت حفصة وان منكم الا واردها فقال النبي صلى الله عليه

مسندا وقال الشعبي في قوله تعالى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ هم الذين شهدوا بيعة الرضوان وذهب اكثر المفسرين في قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً انه صلح الحديبية وذلك انها نزلت في منصرفهم منها وهم مخالطهم الحزن والكآبة فقال صلى الله عليه وآله وسلم لقد أنزلت علي آية هي احب الى من الدنيا جميعها ولما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فأقرأه إياها فقال يا رسول الله أو فتح هو قال نعم فطابت نفسه ورجع رواه مسلم. وروينا في صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية قال الزهري لم يكن فتح أعظم منه قال العلماء ووجه ذلك ان المشركين اختلطوا بالمسلمين في تلك الهدنة وسمعوا منهم احوال النبى صلى الله عليه وسلم الباهرة ومعجزاته المتظاهرة وحسن سيرته وجميل طريقته وشاهدها كثير منهم فمالت انفسهم الى الايمان وأسلم في تلك الايام خلق كثير وسلم ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا قال النووى مقصود حفصة الاسترشاد لارد مقالته صلى الله عليه وسلم قال والصحيح ان المراد بالورود في الآية المرور على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون انتهى وروي الحديث أيضا أبو داود والترمذي (الشعبي) عامر بن شراحيل أو شرحبيل كما مر (هم الذين شهدوا بيعة الرضوان) قال سعيد بن المسيب وقتادة وابن سيرين وجماعة هم الذين صلوا الي القبلتين وقال عطاء هم أهل بدر (وذهب أكثر المفسرين) منهم أنس وابن عامر في رواية عنهما (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) انه صلح الحديبية وسمى فتحا لان الصلح مع المشركين بالحديبية كان مغلقا حتى فتحه الله وفي رواية عن أنس انه فتح مكة وقال مجاهد وفتح خيبر والتحقيق ان قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً المراد به الحديبية لانها كانت مبدأ الفتح لما ترتب على الصلح الذى وقع من الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى من الدخول في الاسلام للوصول الى المدينة وقوله تعالى وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً المراد به فتح خيبر وقوله فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً المراد به الحديبية أيضا وقوله إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ الفتح المراد به فتح مكة (انها نزلت في منصرفهم منها) كما رواه الشيخان والترمذى عن أنس قال نزل على النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ مرجعه من الحديبية فالفتح المبين هو فتح الحديبية فقالوا هنيئا مريئا لك يا رسول الله لقد بين الله تعالى لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الآية (الحزن والكآبة) بالمد مترادفان (أو فتح) هو بهمزة الاستفهام الداخلة على واو العطف أو واو الابتداء (الهدنة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة بعدها نون وهى لغة المصالحة وشرعا مصالحة الكفار على الكف عن قتالهم وسبيهم والتعارض لتجارهم مجانا ويسمى موادعة ومعاهدة (سيرته) بكسر المهملة وسكون التحتية وطريقته مترادفان

الكلام على اسلام خالد بن الوليد وعمرون بن العاص وخبر ذلك

ولذلك أجبرهم صلى الله عليه وسلم على الصلح وقد كان رأي اكثرهم المناجزة وقرب لهم القول حيث قال لهم اما من ذهب منا اليهم فأبعده الله وأما من جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا هذا وقد قال اهل التحقيق والنظر الدقيق بجواز احتمال المفسدة اليسيرة لدفع اعظم منها او لتحصيل مصلحة عظيمة تتوقع باحتمالها ثم ان مذهب الشافعى أنه يجوز مصالحة الكفار عند الحاجة في مدة لا تزيد على عشر سنين واستدل بصلح الحديبية فانه كان على عشر سنين وذلك مصرح به في كتب السير وهذا اذا لم يكن الامام مستظهرا فان كان مستظهرا لم يزد على أربعة اشهر وقال مالك رحمه الله لا حد لذلك بل هو منوط برأي الامام والله اعلم* [الكلام على اسلام خالد بن الوليد وعمرون بن العاص وخبر ذلك] ومن حوادث هذه السنة اسلام خالد بن الوليد المخزومي وعمرو بن العاص السهمي وخبر ذلك ما روي عن عمرو بن العاص انه لما رجع مع جموع الاحزاب ذهب الى النجاشي ليقيم عنده مترقبا ما يكون من خبر النبى صلى الله عليه وسلم وقومه قال عمرو فقدم علينا عمرو بن أمية الضمري رسولا من النبي صلى الله عليه وسلم الى النجاشي فلما خرج عمرو بن أمية من عند النجاشي دخلت خلفه وسألته قتله فغضب النجاشي واستشاط وقال سألتني ان اعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الاكبر فقلت ايها الملك أكذلك هو قال يا عمرو أطعني واتبعه فانه والله على الحق وليظهرن علي من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده فأسلم عمرو حينئذ علي يدي النجاشي ثم خرج عامدا الى النبي صلى الله عليه وسلم قال فلقيت (أجبرهم) بالجيم اكرههم (رأي) يجوزان يكون ماضيا فيكون (أكثرهم) فاعلا والمناجزة مفعوله وان يكون اسما لكان والمناجزة خبرها (في مدة لا تزيد) في عقد واحد (على عشر سنين) فان اقتضت المصلحة الزيادة على عشر افردت بعقد بعد إيقاع عقد العشر ولو قبل انقضائه كما صرح به الفوراني وغيره (وانه كان على عشر سنين) ولم يكن الاسلام قويا اذ ذاك (مستظهرا) مستفعلا من الظهور وهو الغلبة والقوة (لم يزد على أربعة أشهر) لقوله تعالى (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) وكان ذلك أقوى ما كان النبى صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من تبوك كما قال الشافعى واحتج أيضا بانه صلى الله عليه وسلم هادن صفوان بن أمية عام الفتح أربعة أشهر مع استظهاره عليه لكن فعل ذلك لرجاء اسلامه فأسلم قبل مضيها (منوط) بفتح الميم وضم النون آخره مهملة أي معلق (خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة (وعمرو بن العاص) بن وائل بن هشام بن سعيد بضم السين ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب (فائدة) أخرج أبو بكر الخطيب باسناد يرفعه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقدم عليكم الليلة عمرو بن العاص مهاجرا (ما روى) في كتب السير (مترقبا) منتظرا (واستشاط) بالمعجمة أى علته حرارة الغضب (الناموس)

الكلام على اسلام عقيل بن أبى طالب رضى الله عنه

خالد بن الوليد وهو مقبل من مكة فقلت أين يا ابا سليمان قال والله لقد استقام الميسم وان الرجل لنبي اذهب اليه فأسلم فحتى متى فقال ما جئت الا لذلك قال فلما قدمنا المدينة على النبى صلى الله عليه وسلم تقدم خالد بن الوليد فاسلم وبايع ثم دنوت فقلت يا رسول الله إني أبايعك على أن يغفر لى ما تقدم من ذنبى وما تأخر فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم بايع وأسلم فان الاسلام يجب ما قبله وان الهجرة تجب ما قبلها قيل وكان معهما عثمان بن طلحة العبدري ولما رآهم النبى صلى الله عليه وسلم مقبلين قال لاصحابه رمتكم مكة بافلاذ كبدها وكان اسلامهم بعد الحديبية وقبل خيبر والفتح* [الكلام على اسلام عقيل بن أبى طالب رضى الله عنه] وفيها اسلام عقيل بن أبى طالب الهاشمى ولما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا يزيد اني أحبك حبين حبا لقرابتك مني وحبا لما أعلم من حب عمى أبي طالب اياك روي عقيل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثين وسكن البصرة ومات بالشام في خلافة معاوية* [الكلام على غزوة ذي قرد وتسمى غزوة الغابة] وفي هذه السنة كانت غزوة مر ذكره في بدء الوحي (استقام الميسم) بكسر الميم بعدها تحتية أى ظهرت لنا علامات النبوة فلم يبق فيها خفاء وروى المنسم بفتح الميم وسكون النون وكسر السين وهو العلامة والطريق والمذهب لكن الرواية الاولى أصوب قاله ابن الاثير (فحتي متى) عبارة عن استبطاء الأمر والتسويف به أى قولك أي لا أومن مثلا حتى يكون كذا وكذا الى متى ذلك (يجب) أى يقطع (ما قبله) ولمسلم يهدم ما قبله أي يسقطه ويمحو أثره (قيل وكان معهما عثمان بن طلحة) بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان ابن عبد الدار بن قصى (العبدرى) نسبة الى بني عبد الدار وبذلك جزم النووى في شرح مسلم وقال أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في هدنة الحديبية وشهد فتح مكة ودفع النبى صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة اليه والي شيبة بن عثمان بن أبى طلحة وقال خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ثم نزل المدينة فأقام بها الي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحول الى مكة وأقام بها حتى توفي سنة اثنين وأربعين وقيل انه استشهد يوم أجنادين بفتح الدال وكسرها وهو موضع بقرب بيت المقدس كانت غزوته في أوائل خلافة عمر انتهى وفيها اسلام عقيل (اني أحبك) فيه انه يندب للشخص اذا أحب أحد ان يعلمه كما في الحديث الصحيح إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه انه يحبه رواه أحمد والبخاري في الادب وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن المقدام بن معدي كرب ورواه ابن حبان أيضا عن أنس ورواه البخاري في الادب عن رجل من الصحابة ورواه أحمد أيضا عن أبي ذر (حبين) أي لسببين اقتضيا أن أحبك زيادة على المحبة التي هي لله عز وجل (حبا لقرابتك مني) وشأن القريب محبة قريبة غالبا وحبا بما أعلم من حب عمي ابي طالب (اياك) ومن شأن المحب محبة حبيب الحبيب ولانه بقى عليه من حق التربية أن يحب من كان يحبه (روى عقيل حديثين) أخرجهما عبد الله بن أحمد بن حنبل كلاهما في النهي عن الدعاء بالرفاء والبنين للمتزوج (البصرة)

الغابة وتسمى أيضا غزوة ذي قرد للموضع الذى جرى فيه القتال وكان سببها ان لقاح النبي كانت ترعي بالغابة وهي على بريد من المدينة من ناحية الشام فأخذها بنو فزارة من غطفان في أربعين فارسا عليهم عيينة بن حصن وعبد الرحمن الفزاريان وكان أبو ذر وابنه في اللقاح فجاء الصريخ الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعث الطلب في آثارهم وأمر على الطلب سعد بن يزيد الانصارى ثم لحقهم صلى الله عليه وسلم في بقية الناس فجاء وقد استنقذوا اللقاح وقتلوا من قتلوا ولم يجئ الطلب الا وقد فعل سلمة ابن الاكوع الافاعيل وكان ممن ابلى يومئذ أبو قتادة وعكاشة بن محصن والمقداد بن عمرو والاخرم الاسدي قلت قد روى البخاري ومسلم حديث غزوة ذى قرد فروياها عن سلمة بألفاظ ومعان مختلفة ونحن نرويها من طريق مسلم حيث روى ذلك عن سلمة متصلا بحديث الحديبية فقال سلمة ثم قدمنا المدينة يعني من الحديبية فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه وخرجت معه بفرس طلحة انديه مع الظهر فلما اصبحنا اذا عبد الرحمن الفزارى قد اغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه اجمع وقتل راعيه فقلت يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله واخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان المشركين قد اغاروا على سرحه قال ثم قمت على اكمة واستقبلت المدينة فناديت يا صباحاه ثم خرجت في آثار القوم ارميهم بالنبل وارتجزوا قول بفتح الباء ويجوز في النسبة اليها كسرها* وفي هذه السنة (الغابة) بالمعجمة والموحدة كما مر (ذى قرد) بفتح القاف والراء ودال مهملة هذا هو الصواب ويروى بضمتين حكاه البلاذرى ماء على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان (لقاح) بكسر اللام وتخفيف القاف ومهملة ذوات اللبن من الابل واحدتها لقحة بالكسر والفتح وكانت عشرين لقحة (فزارة) بفتح الفاء والزاى المخففة قبيلة من غطفان (الافاعيل) جمع افعال والافعال جمع فعل (ابلى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح اللام والابلاء بذل الجهد في العمل (أبو قتادة) الحارث بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر المهملة ثم تحتية مشددة (عكاشة) بتشديد الكاف أشهر من تخفيفها (محصن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الصاد المهملة ثم نون (اخرم) بالمعجمة والراء لقب واسمه المحرز بن نضلة (الاسدي) من بنى أسد بن خزيمة (بظهره) الظهر من الابل ما يعد للركوب والحمل (رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة آخره حاء مهملة (أنديه) بضم الهمزة وفتح النون وكسر المهملة المشددة أي اسقيه قليلا ثم ارده الى المرعى وروى بالموحدة بدل النون بوزنه أي اخرجه الى البادية وابرزه الى موضع الخلاء (على سرحه) أي سائمته (اكمة) هي الرابية ونحوها كما مر (يا صباحاه) هي كلمة

انا ابن الاكوع ... واليوم يوم الرضع فالحق رجلا منهم فاصك سهما في رحله حتى خلص نصل السهم الى كعبة قال قلت خذها وانا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع قال فو الله ما زلت ارميهم واعقر بهم فاذا رجع الى فارس اتيت شجرة فجلست في اصلها ثم رميته فعقرت به حتى اذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه علوت الجبل فجعلت ارديهم بالحجارة قال فما زلت كذلك اتبعهم حتي ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاخلفته وراء ظهري وخلوا بينى وبينه ثم اتبعهم ارميهم حتي القوا اكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفون ولا يطرحون شيئا الا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه حتى اتوا متضايقا من ثنية فاذا هم قد اتاهم فلان بن بدر الفزارى فجلسوا يتصبحون يعني يتغدون وجلست على رأس قرن قال الفزاري ما هذا الذى ارى قالوا لقينا من هذا البرح والله ما فارقنا منذ غلس يرمينا حتى انتزع كل شىء في ايدينا قال فليقم اليه نفر منكم اربعة قال فصعد الى منهم أربعة في الجبل قال فلما امكنونى من الكلام قال قلت هل تعزفونني قالوا لا ومن انت قلت انا سلمة بن الاكوع والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم الا ادركته ولا يطلبنى فيدركنى قال احدهم انا اظن قال فرجعوا فما برحت مكاني حتي يقال عند استنفار من هو غافل عن عدوه (واليوم يوم الرضع) أي يوم هلاكهم وهم اللئام الواحد راضع قيل وأصله ان رجلا كان شديد البخل فكان اذا أراد أن يحلب ناقته ارتضع من ثديها كيلا يحلبها فيسمعه جيرانه أو يتبدد شيء من اللبن حتى قالوا في المثل فلان الأم من راضع وقيل معناه اليوم يعرف من ارتضع بالحرب من صغره وتدربها ممن ليس كذلك وقيل معناه هذا يوم شديد عليكم تفارق فيه المرضعة من أرضعته ويجوز رفع اليوم ويوم على الابتداء والخبر ونصب الاول على الظرف ورفع الثاني قاله السهيلي وغيره وقال أهل اللغة يقال رضع الصبي بالكسر يرضع بالفتح رضاعا وفي اللؤم رضع بالفتح يرضع بالضم رضاعة (فاصك) أي فاضرب والصك الضرب (في رحله) بفتح الراء وبالحاء المهملة أي في كور ناقته وأضافه اليه لركوبه عليه وروى بكسر الراء والجيم (تضايق الجبل) أي دنا وقرب (في تضايقه) أي في أصله كي يستتروا به عنه (بردة) هي ضرب من ثياب اليمن كما مر (يستخفون) أي يريدون الخفة (آراما) بمد الهمزة وبالراء أي اعلاما (رأس قرن) بفتح القاف وسكون الراء وهو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير (البرح) بفتح الموحدة وسكون الراء الشدة (منذ غلس يرمينا) بتنوين المهملة وفي بعض النسخ منذ غلس يومنا وهو تصحيف (فيدركني) بفتح الكاف على جواب النفي

رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخللون الشجر قال فاذا اولهم الاخرم الاسدى وعلى أثره أبو قتادة الانصاري وعلى أثره المقداد بن الاسود الكندى قال فأخذت بعنان الاخرم قال فولوا مدبرين قال قلت يا اخرم احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه قال يا سلمة ان كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم ان الجنة حق والنار حق فلا تحل بينى وبين الشهادة قال فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن قال فعقر لعبد الرحمن فرسه فطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعبد الرحمن فطعنه فقتله فو الذى أكرم وجه محمد لتبعتهم اعدو على رجلى حتي ما أرى ورائى من أصحاب محمد ولا غبارهم شيئا حتى يعدلوا قبل غروب الشمس الى شعب فيه ماء يقال له ذوقرد ليشربوا منه وهم عطاش قال فنظروا اليّ أعد ووراءهم فحليتهم عنه فماذا قوا منه قطرة قال فيخرجون فيسندون في ثنية قال فأعدو قال فالحق رجلا فأصكه بسهم في نغض كتفيه قال قلت خذها وأنا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع فيقول قائل يا ثكلته أمه أكوعنا بكرة قال قلت نعم يا عدو الله أكوعك بكرة قال وأردوا فرسين على الثنية قال فجئت بهما أسوقهما الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ولحقنى عامر يعني عمه بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على الماء الذي حليتهم عنه فاذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذ تلك الابل وكل شئ استنقذته من المشركين وكل رمح وبردة واذا بلال نحر ناقة من الابل التي استنقذت (يتخللون الشجر) أى يدخلون من خلالها أى منها (أثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما لغتان (لا يقتطعوك) أي لا يأخذوك وينفردوا بك (فطعنه عبد الرحمن فقتله) في الاستيعاب ان الذي قتله مسعدة بن حكمة فان صح حمل على ان عبد الرحمن حين طعنه أرداه عن فرسه وهو جريح فذفف مسعدة عليه (شعب) بكسر المعجمة الفرجة بين جبلين (يقال له ذو قرد) في نسخة من صحيح مسلم ذا (فحليتهم) بحاء مهملة ولام مشددة ثم تحتية غير مهموز أى طردتهم (يسندون) بضم أوله ثم مهملة ثم نون أى يصعدون وفي بعض النسخ يشتدون أي يعدون (نغض كتفه) بضم النون وسكون الغين المعجمة وضاد معجمة وهو العظم الدقيق على طرف الكتف (ثكلته أمه) أى فقدته (أكوعنا بكرة) بضم العين ونصب بكرة على الظرف بلا تنوين أي أنت الأكوع الذى كنت بكرة النهار (سطيحة) هى اناء يعمل من الجلود يسطح بعضها على بعض (مذقة) بفتح الميم وسكون المعجمة وبالقاف أى شئ قليل (الذى حليتهم) في بعض النسخ هنا حلأتهم والهمز الاصل والتسهيل منه (من الابل التى) هكذا الصواب وفي بعض نسخ مسلم الذى

من القوم واذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كبدها وسنامها قال قلت يا رسول الله خلنى فانتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته فضحك صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النار فقال يا سلمة اتراك كنت فاعلا قلت نعم والذي أكرمك قال انهم الآن ليقرون في أرض غطفان قال فجاء رجل من غطفان قال نحر لهم فلان جزورا فلما كشفوا جلدها رأوا غبارا فقالوا أتاكم القوم فولوا هاربين فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة قال ثم أعطانى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعتهما اليّ جميعا ثم أردفنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلفه على العضباء راجعين الى المدينة قال ابن عباس رضي الله عنهما صلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذي قرد رواه البخارى واستشهد في هذه الغزاة وقاص بن مجزز المدلجي وبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك أخاه علقمة طالبا بثاره فلما كان ببعض الطريق اذن لعبد الله بن حذافة في طائفة من الجيش فأمرهم فأوقدوا نارا ثم أمرهم بدخولها فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبرهم (فانتخب) بالنصب على جواب الامر والانتخاب الاختيار والانتقاء (نواجذه) بالذال المعجمة أي أنيابه وقيل أضراسه (اتراك) بضم التاء أى أتظنك (ليقرون) أي أى ليضافون والقرى الضيافة وفي ذلك معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم حيث وقع الامر كما قال (جزورا) بفتح الجيم البعير ذكرا كان أو أنثي (كان خير) بالنصب خبر كان مقدم واسمها (أبو قتادة) هكذا الرواية ويجوز من غير الرواية عكسه (العضباء) بالمد مشقوقة الاذن ولم تكن ناقة النبى صلى الله عليه وسلم كذلك وانما هو لقب لزمها وهي القصوي التى مر ذكرها (وقاص بن مجزز) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الزاى الاولي وكسرها هذا هو الاشهر سمى به لانه جز نواصى قوم ذكره ابن الاثير وغيره وقيل انه بالحاء المهملة بدل الجيم وبالراء بدل الزاي الاولي وقيل بفتح الزاي وهو ولد القائف المذكور في حديث اسامة (المدلحى) بكسر اللام نسبة الى بني مدلج قبيلة من بنى كنانة (لعبد الله بن حذافة) بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم السهمي هو حامل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الى كسرى وكان من مهاجرة الحبشة في قول ابن اسحاق قيل وشهد بدرا وحديثه مروى في الصحيحين وسنن أبى داود والنسائي عن على وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم عن عمران والحكم بن عمرو الغفارى لكن في رواية البخاري فاستعمل عليهم رجلا من الانصار قال الحفاظ وهو غلط من بعض الرواة (فأمرهم) فقال اجمعوا حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فأوقدوها فقال أدخلوها فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون انما فررنا الى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتي خمدت النار بفتح الميم

مطلب في الكلام علي قصة العرنيين

فقال لو دخلوها ما خرجوا منها الى يوم القيامة [مطلب في الكلام علي قصة العرنيين] قصة العرنيين وكانت بعد ذي قرد بستة أشهر وذكرها البخارى قبلها وقد رويناها فى الصحيحين من طرق عديدة عن أنس حاصلها قال ان نفرا من عكل أو عرينة ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا واستوخموا المدينة فأمرهم رسول الله أن يخرجوا في ابل الصدقة فيشربوا من أبوالها والبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا وحكي كسرها أى طفئت فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم (فقال لو دخلوها ما خرجوا منها الى يوم القيامة) لا طاعة في معصية الله وانما الطاعة في المعروف قال بعض العلماء انما أمرهم بدخول النار مداعبة منه ليختبرهم واشارة الى ان مخالفته توجب النار لتضمنها مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف يصبرون على النار الكبرى اذا لم يصبروا على هذه ولو رأي منهم الجد في ولوجها لمنعهم وقوله صلى الله عليه وسلم لو دخلوها ما خرجوا منها أى لبقوا معذبين على قتلهم أنفسهم مع علمهم عدم وجوب الطاعة في المعصية وقوله لا طاعة في معصية الله أى واجبة ولا مندوبة بل محرمة اذا لم يفض الامر الى الاكراه والا أباحها غالبا وانما الطاعة الواجبة في المعروف واجبا كان أو مندوبا كما مر في الاستسقاء. قصة العرنيين (وكانت بعد ذي قرد بستة أشهر) في جمادي الاخرى قاله ابن اسحاق (وقد رويناها في الصحيحين من طرق عديدة عن) أنس وقد رواها عنه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي (أن نفرا) وفي رواية للبخاري وغيره ان ناسا (من عكل أو عرينة) كذا للبخاري في الطهارة والشك فيه من حماد وجزم بالاول في الجهاد وبالثاني في الزكاة وفي المغازى من عكل وعرينة بواو الجمع العاطفة قال في التوشيح وهو الصواب فعند أبي عوانة من طريق أنس قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل وللبخاري في الديات انهم كانوا ثمانية وكان الثامن من غير القبيلتين أو كان من اتباعهم فلم ينسبه وعكل بضم المهملة وسكون الكاف قبيلة من تيم الرباب قال في القاموس واسم عكل عوف بن عبد مناة حقنته أمه بدماء عكل فلقب به (وعرينة) بالعين والراء المهملتين والنون مصغر مرة بن بجيلة (واستوخموا المدينة) أي وجدوها وخيمة أي وبئة وفي رواية في الصحيح فاجتووا المدينة بالجيم والاجتواء كراهة المقام في البلد قاله الخطابي وقال ابن العربي الجواء داء يصيب الجوف من الربا وذلك انهم عظمت بطونهم كما في رواية عند أبي عوانة أو ورمت صدورهم كما في رواية لمسلم وللبخاري في الطب ان ناسا كان بهم سقم فلما صحوا قالوا ان المدينة وخمة فالمراد بالسقم الاول الجوع كما في رواية أبى عوانة كان بهم هزال شديد (فى ابل الصدقة) كذا في صحيح مسلم وغيره وفي البخاري وغيره وانها لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي وكلاهما صحيح فان بعض الابل للصدقة وبعضها للنبي صلى الله عليه وسلم قال فان قيل كيف اذن لهم في شرب لبن ابل الصدقة فالجواب أن ألبانها للمحتاجين من المسلمين وهم منهم قال وذكر ابن سعد في طبقاته انها كانت

وقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطلب في آثارهم فما ترجل النهار حتى جيء بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم ولم يحسموا وكحلت أعينهم وطرحوا بالحرة يستسقون فلا يسقون وكان أحدهم يكدم الارض بفيه حتى ماتوا قال أبو قلابة قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله وسعوا في الارض فسادا قلت وروى خارج الصحيحين انهم كحلوا الرعاة وقد ترجم البخارى عليه قال سعيد بن جبير ونزل في ذلك قوله تعالى «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً» الآية قال الليث بن سعد هي معاتبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعليم خمس عشرة وانها فقدت منها واحدة (راعيها) اسمه يسار بالتحتية والمهملة (واستاقوها) أي ساروا بها سيرا عنيفا (فبعث النبي صلى الله عليه وسلم الطلب) سمى منهم كرز بن جابر الفهري وسعيد بن زيد وكان أمير السرية كرز ذكر ذلك ابن سعد أو سعيد بن زيد حكاه موسى بن عقبة وروي الطبري من حديث جرير ابن عبد الله انه كان أمير السرية ولا يصح وسيأتي في ذلك كلام عند ذكر اسلام جرير (فما ترجل النهار) بالجيم المشددة أي استوى (فقطعت أيديهم وأرجلهم) زاد الترمذي (من خلاف لم يحسموا) بالحاء المهملة والحسم قطع مادة الدم بجعل المقطوع في نحو زيت مغلى كيلا ينزفه الدم (وكحل أعينهم) قال الخطابى الكحل فقء العين بميل أو مسمار محمى وفي الصحيح سمرت بتشديد الميم وتخفيفها ولمسلم باللام مع التخفيف والسمر فقء العين بأي شيء كان قاله الخطابي وزعم الواقدي انهم صلبوا قال ابن حجر والروايات الصحيحة ترده قال في التوشيح لكن في رواية أبي عوانة من طريق انه صلب اثنان وقطع اثنان وسمل اثنان قال فان صح ذلك فهو أوّل صلب وقع في الاسلام (بالحرة) الارض ذات الحجارة السوداء (يستسقون فلا يسقون) لانهم محاربون مرتدون فلا حرمة لهم في سقى الماء ولا غيره وقول القاضي وقد اجمع المسلمون ان من وجب عليه القتل اذا استسقى لا يمنع الماء قصدا فيجتمع عليه عذابان محله في المسلم (يكدم) بكسر الدال المهملة أي يعضها باسنانه (أبو قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام اسمه عبد الله بن زيد الجرمى بالجيم والراء ساكنة (وروي خارج الصحيحين انهم كحلوا الرعاة) بل ذلك في صحيح مسلم من طريق أنس ورواه أيضا الترمذي وابن اسحاق وموسي بن عقبة وأهل السير (قال سعيد بن جبير ونزل في ذلك قوله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية) وقال الضحاك نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا وقطعوا السبيل وأفسدوا في الارض وقال الكلبي نزلت في قوم هلال بن عويمر كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هدنة مشروط فيها أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن مر بهلال الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو آمن فمر قوم من بني كنانة يريدون الاسلام بناس من قوم هلال ولم يكن شاهدا فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزلت الآية في ذلك (قال الليث بن سعد هى معاتبة الى آخره) حكاه عنه البغوى في التفسير وروى أبو داود والنسائي عن أبي الزناد واسمه عبد الله بن ذكوان قال لما قطع النبى صلى الله عليه وسلم الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله تعالى في ذلك ونزل إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية

له يقول انما كان جزاؤهم هذا لا المثلة فلذلك ما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا الا نهى عن المثلة قلت وثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان اذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ثم اختلف العلماء في ترديد أو في الآية الكريمة فقال مالك هى على التخيير فيتخير الامام بين هذه الامور الا القاتل فيتحتم قتله وقال أبو حنيفة الامام بالخيار وان قتلوا وقال الشافعي أوهنا للتقسيم فان قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا وان قتلوا وأخذوه صلبوا مع القتل وان أخذوه ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وان اخافوا الطرق ولم يأخذوا عزروا وهو النفي عنده قال أصحابنا فكما تفاوت ضررها اختلفت عقوبتها وفي هذا الحديث حجة لمالك وأحمد حيث (يقول انما كان جزاؤهم هذا) أى القتل وما بعده (لا المثلة) وحاصل كلام الليث وابي الزناد ان فعله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ذلك كان قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهى عن المثلة وان ذلك منسوخ والصحيح ما مر انه صلى الله عليه وسلم انما فعل ذلك بهم قصاصا (أو سرية) هى قطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع اليه قال ابراهيم الحربي هى الخيل تبلغ اربعمائة ونحوها سميت سرية لانها تسرى بالليل وتخفي ذهابها فعلية بمعنى فاعلة من سرى وأسرى اذا ذهب ليلا (في خاصته) في ذات نفسه (ولا تغدروا) بكسر الدال (ولا تقتلوا وليدا) فيه تحريم الغدر والغلول وقتل الصبيان اذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة واستحباب وصية الامام الامير والجيش بتقوى الله والرفق بتباعهم وتعريفهم ما يحتاجون اليه في غزوهم وما يجب عليهم وما يحل لهم وما يكره وما يستحب (وقال أبو حنيفة الامام بالخيار وان قتلوا) انما نقل البغوى هذه المقالة عن سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وأما أبو حنيفة فمذهبه في ذلك كمذهبنا نعم عنده فيما اذا قتل وأخذ المال الامام مخير بين القطع من خلاف والقتل وبين القتل والصلب (وقال) قتادة والاوزاعي و (الشافعي أوهنا) أى في الآية للتقسيم لا للتخيير (فان قتلوا) قتلا يوجب قودا (ولم يأخذوا المال قتلوا) حتما قودا فان عفى ولى الدم فحدا (وان قتلوا) قتلا يوجب قودا (وأخذوا) المال وقدره ربع دينار كالسرقة (صلبوا مع القتل) فقيل يصلبون أحياء ثلاثة أيام ثم يقتلون وهو قول ابن عباس والليث بن سعد وذهب اليه أبو حنيفة ومذهب الشافعى ان الصلب يكون بعد القتل وبعد ان يغسلوا ويصلى عليهم (وأخذوه) أى المال (ولم يقتلوا) أو قتلوا قتلا لا يوجب قودا (قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف) فيقطع في المرة الاولى كوع اليد اليمنى ورجله اليسري أو ما بقى منهما وفي المرة الثانية كوع اليد اليسرى ورجله اليمني أو ما بقى منهما (ولم يأخذوا عزروا وهو النفى) المذكور في قوله تعالى أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ (عنده) أى الشافعي وكذا عند موافقيه ويجب رد المال الى أهله ومن تاب من قطاع الطريق قبل الظفر به سقط عند الحد الذى لله تعالى

يقولان بطهارة بول ماكول اللحم وروثه وأجاب الشافعى والاكثرون بأن هذا للتداوي وهو جائز بكل النجاسات سوى الخمر والمسكرات* وفيها غزا زيد بن حارثة بني فزارة فأصيب أصحابه ونجا زيد جريحا فحلف أن لا يغتسل من جنابة حتى يغزوهم فغزاهم ثانية فظفر بهم وقتل أم قرفة وكانت في بيت شرف من قومها وتقول العرب أعز من أم قرفة قيل كان يعلق في بيتها خمسون سيفا كلهم ذو محرم لها* وفي هذه السنة ماتت أم رومان زوجة أبى بكر وأم ولديه عائشة وعبد الرحمن ويقال ماتت أم رومان سنة أربع وهو وهم من حيث انه جرى ذكرها في حديث الافك في الصحيحين والافك بعد ذلك ووهم كثيرون أيضا ممن ادعي موتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتصريح مسروق في صحيح البخارى بالسماع منها وقوله سألت أم رومان وقال الآخرون صوابه سئلت بالياء والله أعلم ولما ماتت دخل النبي صلى وبقي غيره وهو مستثنى في ذلك من سائر حدود الله فلا يسقط منها شىء بالتوبة (سوي الخمر) لقوله صلى الله عليه وسلم انه ليس بدواء ولكنه داء رواه مسلم قال السبكى وما تقوله الاطباء في التداوى بها فشئ كان قبل التحريم وأما بعده فان الله قادر على كل شىء سلبها ما كان فيها من المنافع وقيس بها سائر (المسكرات) نعم ان أفضي الامر الي الهلاك وجب شربها كما يجب على المضطر أكل الميتة نقله الامام عن اجماع الاصحاب وفيها غزا زيد بن حارثة (أم قرفة) بكسر القاف وسكون الراء ثم فاء اسمها فاطمة بنت حذيفة بن بدر قال الواقدي كنيت بابنها قرفة قتله النبي صلى الله عليه وسلم وما في الكتاب كسيرة ابن اسحاق ان زيدا هو الذي قتلها هو الصحيح لا ما في سيرة الواقدى انها قتلت يوم بزاخة مع بنيها حكمة وجبلة وشريك ووالان ورمل وحصن قال السهيلي وذكر الدولابي ان زيدا حين قتلها ربطها بفرسين ثم ركضهما حتى ماتت لسبها رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي وفي هذه السنة (أم رومان) بضم الراء زينب وقيل كما سبق (من حيث انه) بكسر الهمزة (ووهم) الخطيب (وكثيرون) من الحفاظ (ادعي وفاتها) سنة ست (فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم) تبعا للواقدى وذلك (لتصريح مسروق) هو ابن الاجدع (في صحيح البخارى) فى غزوة انمار وغيرها (وقوله سألت أم رومان) وفي أخرى أيضا حدثتنى أم رومان فكيف يسألها أو تحدثه اذا كانت ماتت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يأت المدينة الا بعد وفاته فتعين تأخر وفاتها عن وفاته صلى الله عليه وسلم اذ جاء ذلك في الاسانيد الصحيحة ويدل عليه ما في الصحيح ان آية التخيير لما نزلت قال لا تعجلي حتى تؤامري أبا بكر زاد أحمد في مسنده أبا بكر وأم رومان ولمسلم حتى تستشيري أبويك وكان نزولها سنة تسع وقد نظر البخاري في تاريخه الاوسط والصغير في مقالة الواقدى وتباعه وروى ذلك فيهما عن على بن زيد عن القاسم قال في التوشيح وقد جزم الحربي بان مسروقا سمع منها وله خمس عشرة سنة (وقال الآخرون صوابه سئلت) بالبناء للمفعول يرده

مطلب في ارسال رسول الله بكتبه إلى ملوك الاقاليم الجبابرة

الله عليه وآله وسلم في قبرها واستغفر لها مراعاة لابي بكر وعائشة وقضاء لحقها حيث انها ختنته* [مطلب في ارسال رسول الله بكتبه الى ملوك الاقاليم الجبابرة] وفي ذى الحجة منها جهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكتبه الى ملوك الاقاليم الجبابرة يرغبهم ويرهبهم فبعث دحية بن خليفة الكلبى الى قيصر وعبد الله بن حذافة السهمى الى كسرى وعمرو بن أمية الضمري الى النجاشى وحاطب بن أبي بلتعة الى المقوقس وشجاع ابن وهب الى الحارث بن أبى شمر الغسانى وسلط بن عمرو العامرى الى هوذة بن علي الحنفى فمما اشتهر من ذلك واتفق عليه الصحيحان كتابه الى هرقل وهو قيصر وقد فرقه البخارى في مواضع وأتى به مسلم في موضع واحد كما هي عادته وكلاهما يرويه عن أبى سفيان صخر بن حرب وليس له في الصحيحين غيره ثم انهما يرويانه من رواية عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس قال حدثني أبو سفيان من فيه الى فيّ قال انطلقت في المدة التى كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينما انا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى هرقل قال وكان دحية الكلبي جاء به فدفعه الى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى الى هرقل قال فقال هرقل هل هاهنا من أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم انه نبى قالوا نعم قال فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال ايكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذى ما في الرواية الثانية حدثتني أم رومان (ختنته) أى طهرته. وفي ذي الحجة (دحية) بكسر الدال وفتحها وسكون الحاء المهملة (فائدة) أخرج الحارث في مسنده من حديث دحية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ينطلق بكتابي هذا الى قيصر وله الجنة قالوا وان لم يقتل يا رسول الله قال وان لم يقتل فانطلق به رجل يعنى دحية وذكر الحديث (حاطب) بالمهملتين (بلتعة) بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الفوقية ثم مهملة (المقوقس) بضم الميم وقافين الاولى مفتوحة والثانية مكسورة بينهما واو ساكنة وآخره مهملة (وشجاع) بضم المعجمة (شمر) بكسر المعجمة وسكون الميم ثم راء (وسليط) بالمهملتين مكبر (هوذة) بفتح الهاء وسكون الواو ثم معجمة (هرقل) اسم علم له وهو (قيصر) لقبه (من فيه الى في) تأكيد لسماعه وياء في مشددة (عظيم بصري) هو الحرث بن أبي شمر الغساني الذي أرسل اليه شجاع بن وهب (وبصرى) مدينة بين المدينة الشريفة ودمشق وهي بضم الموحدة والقصر (فدفعه عظيم بصري الى هرقل) اي ارسله اليه مع عدى بن حاتم كما في واية ابن السكن في معجم الصحابة في نفر من قريش أي من الركب الذين جاؤا معه وكانوا نحو عشرين كما في رواية ابن السكن أو ثلاثين كما رواه الحاكم في الاكليل قال ابن حجر ولعل ذلك ثانيا جمعا بين الروايتين وكان منهم المغيرة بن شعبة كما في مصنف ابن أبي شيبة بسند مرسل (أقرب نسبا) ضمن أقرب

يزعم انه نبي قال أبو سفيان فقلت انا فاجلسونى بين يديه واجلسوا أصحابى خلفي ثم دعا بترجمانه فقال قل لهم انى سائل هذا عن هذا الرجل الذى يزعم انه نبي فان كذبني فكذبوه قال أبو سفيان وأيم الله لولا ان يأثروا علىّ الكذب لكذبت ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم قال قلت هو فينا ذو حسب قال فهل كان من آبائه من ملك قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال قلت لا قال فهل تبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم قال قلت بل ضعفاؤهم قال ايزيدون أم ينقصون قلت لابل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد ان يدخل فيه سخطة له قال قلت لا قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف كان قتالكم اياه قال قلت يكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه قال فهل يغدر قال قلت معنى أوصل ومن ثم عداه بالباء (فقال بهذا) وفي البخارى في التفسير من هذا وفي الجهاد الى هذا وهو على الاصل وانما سأل قريب النسب لانه يكون أعلم بحاله وابعد من أن يكذب في نسبه وغيره (واجلسوا أصحابى خلفي) أي لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب اذا كذب كما صرح به الواقدى في روايته (بترجمانه) كذا للاصيلي وغيره في صحيح البخاري وهو كذلك في مسلم أيضا ومعناه أرسل اليه رسولا أحضره صحبته وفي كثير من النسخ بحذف التاء والترجمان بفتح الفوقية وضم الجيم ويجوز ضم أوله اتباعا ويجوز فتح الجيم المعبر عن لغة بلغة وهو معرب وقيل عربي والتاء فيه اصلية وقال الجوهري زائدة وانكروا عليه (كذبني) بالتخفيف أي نقل الي الكذب ويتعدي الى مفعولين فيقال كذب زيد عمر الحديث وأما بالتشديد فالى مفعول واحد وكذا صدق (قال أبو سفيان) سقط اسمه في بعض نسخ البخاري فاشكل ظاهره (يأثروا) أى ينقلوا والأثر النقل والمأثور المنقول أي لولا خوفي أن رفقتى ينقلوا (عني الكذب) الي قومى ويتحدثوا به بمكة (لكذبت عليه) أي على أوصافه صلى الله عليه وسلم وعبته لبغضى اياه ومحبتي مخالفته وفي رواية ابن اسحاق فو الله لو كذبت ما ردوا علىّ ولكني كنت أميرا سيدا اتكرم عن الكذب ففيه دليل على ان الكذب كان قبيحا في الجاهلية كما هو في الاسلام (كيف حسبه) أي نسبه كما في رواية في الصحيح أي ما حاله هو من اشرافكم أم لا (ذو حسب) عظيم والتنكير فيه للتعظيم ولابن اسحاق قلت في الذروة وهى بكسر المعجمة وضمها اعلاما في البعير من السنام أي هو من اعلانا نسبا (من ملك) كذا في بعض نسخ البخاري فتكون من جارة وملك بكسر اللام اسم مجرور بها ولابن عساكر وغيره بفتح من وملك بفتح اللام فعل ماض وفي بعض نسخ البخارى وجميع نسخ مسلم بحذف من (فاشراف الناس) المراد بهم أهل النخوة والكبر لاكل شريف والا لورد مثل أبي بكر وعمر وفي رواية ابن اسحاق تبعه منا الضعفاء والمساكين والاحداث وأما ذوو الاسنان والشرف فما تبعه أحد (سخطة) بضم السين وفتحها أى كراهة وعدم رضا به (سجالا) بكسر السين وتخفيف الجيم أى نوبة لنا ونوبة له كمساجلة المستقين بالسجل وهو الدلو (يصيب منا ونصيب منه) جملة مفسرة لقوله سجالا (فهل يغدر) أى يتقض العهد وهو بكسر الدال

لا ونحن منه في هذه المدة لا ندرى ما هو صانع فيها قال فو الله ما أمكننى من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه قال فهل قال هذا القول احد قبله قلت لاثم قال لترجمانه قل له اني سألتك عن حسبه فيكم فزعمت انه فيكم ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في احساب قومها وسألتك هل كان في آبائه ملك فزعمت ان لا فقلت لو كان في آبائه ملك لقلت رجل يطلب من ملك أبيه وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت بل ضعفاؤهم وهم اتباع الرسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت انه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله وسألتك هل يرتد احد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له فزعمت أن لا وكذلك الايمان اذا خالط بشاشة القلوب وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت انهم يزيدون وكذلك الايمان حتى يتم وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فيكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه وكذلك الرسل تبتلي ثم تكون لهم العاقبة وسألتك هل يغدر فزعمت انه لا يغدر وكذلك الرسل لا نغدر وسألتك هل قال هذا أحد قبله فزعمت ان لا فقلت لو كان قال هذا القول احد قبله قلت رجل ائتم بقول قيل قبله ثم قال بم يأمركم قال قلت يأمرنا بالصلاة (ما أمكننى من كلمة أدخل فيها شيئا) أتنقصه به (غير هذه) بالكسر صفة كلمة ويجوز الفتح زاد ابن اسحاق فو الله ما التفت هرقل اليها أى الى هذه الكلمة منى (فهل قال هذا القول أحد) زاد البخاري في رواية قط واستعمالها بغبر اداة نفي نادر قال في التوشيح ويحتمل تقديره أي أولم يقله أحد قط (قبله) فى بعض نسخ البخاري مثله (تبعث في احساب قومها) ليكون ابعد من انتحاله الباطل وأقرب الي الانقياد له (وهم اتباع الرسل) كما حكا الله عن قوم نوح قالوا أنؤمن لك واتبعك الارذلون وذلك لانفة الاشراف من تقدم غيرهم عليهم بخلاف الضعفاء فيسرعون الي الانقياد واتباع الحق (اذا خالط بشاشة القلوب) بنصب بشاشة واضافته الى القلوب أى اذا خللط الايمان انشراح الصدر وروي بشاشة بالرفع فاعل والقلوب بالنصب مفعول أي اذا خالط بشاشة الايمان وهو شرحه القلوب التى يدخل فيها وفي رواية ابن السكن زيادة تزداد بها عجبا وفرحا وفي رواية ابن اسحاق وكذا حلاوة الايمان لا تدخل قلبا فيخرج منه (وكذلك الرسل تبتلي) ليعظم لهم الاجر بكثرة صبرهم وبذلهم وسعهم في طاعة الله تعالى (ثم تكون لهم العاقبة) كما كانت لنوح وهود وصالح وابراهيم ولوط وشعيب وموسي وغيرهم من الانبياء على قومهم قال تعالي كتب الله لاغلبن أنا ورسلي (وكذلك الرسل لا تغدر) لان مطلوبهم وجه الله تعالى والدار الآخرة ولا محل للغدر في ذلك انما محله طلب حظوط الدنيا لانه يتوصل اليها به (ائتم) وتاسى وأتسى اقتدي وكلها جاءت في الصحيح

والزكاة والصلة والعفاف قال ان يك ما تقول حقا فانه نبي وقد كنت أعلم انه خارج ولم أك اظنه منكم ولو أعلم اني اخلص اليه لاحببت لقاءه وفي رواية للبخاري لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى* أما بعد فانى أدعوك بدعاية الاسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله اجرك مرتين (والصلة) يعني ما أمر الله به أن يوصل من رحم وغيره وذلك بالبر والاكرام وحسن المراعاة (والعفاف) الكف عن المحارم وخوارم المروءة (ان يك ما تقول حقا فانه نبى) أخذ ذلك من التوراة وغيرها من الكتب القديمة ففيها كهذا أو قريب منه من علاماته صلى الله عليه وسلم وأما الدليل القاطع على النبوة فهو المعجزة الظاهرة والخارقة للعادة قاله المازرى وغيره (اخلص) بضم اللام أى أصل (لتجشمت) بالجيم والمعجمة أي تكلفت وهو أصح معنى من رواية مسلم لا حببت لقاءه (لغسلت عن قدميه) مبالغة في الطاعة له (ما تحت قدمي) بالتثنية (بدعاية الاسلام) بكسر الدال أى دعوته ولمسلم بداعية الاسلام أي بالكلمة الداعية اليه وهي شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله والباء بمعنى الى (اسلم تسلم) هذا من جوامع كلمه وبدائع حكمه التي لا توازى فصاحة ولا تتراءي بلاغة وفيه نوع من الجناس (اسلم يؤتك الله أجرك مرتين) كما وعد في كتابه العزيز فقال الذين آتيناهم الكتاب الى أن قال أولئك يؤتون أجرهم مرتين موافق لقوله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وادرك النبى صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله اجران وعبد مملوك ادى حق الله وحق سيده فله اجران ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم اعتقها وتزوجها فله أجران رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي موسى قوله رجل من أهل الكتاب يشمل اليهود والنصارى لان الآية نزلت في عبد الله بن سلام ورفاعة القرظي وهما يهوديان خلافا لما نقله الزركشى عن الداودي في اختصاص ذلك بالنصارى وذلك مستمر الى يوم القيامة وفاقا للبلقينى وخلافا للكرمانى والانثي كالذكر في ذلك وبقيت خصال أخرى توجب تضعيف الاجر تنيف على ثلثين نظمها السيوطي في شرح الموطأ فقال وجمع أتى فيما رويناه انهم ... ينالهم أجر حووه محققا فأزواج خير الخلق أولهم ومن ... على زوجها أو للقريب تصدقا وفاز بجهد ذو اجتهاد أصاب ... والوضوء اثنتين (7) والكتابى صدقا وعبد أتي حق الاله وسبد ... وعامر يسري مع غنى له تقا ومن أمة يشري فأدب محسنا ... وينكحها من بعده حين اعتقا ومن سن خيرا أو أعاد صلاته ... كذاك جبان اذ يجاهد ذا شقا

فان توليت فان عليك اثم الاريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الا الله ولا نشرك به شيأ ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الاصوات عنده وكثر اللغط فأمر بنا فأخرجنا قال فقلت لاصحابى حين خرجنا لقد أمر أمر ابن أبى كبشة كذاك شهيد في البحار ومن أتى ... له القتل من أهل الكتاب وألحقا وطالب علم مدرك ثم مسبع ... وضوء لذى البرد الشديد محققا ومستمع في خطبة قد دنا ومن ... تأخر صف أوّل مسلما وقا وحافظ علم مع امام مؤذن ... ومن كان في وقت الفساد موفقا وعامل خير مخفيا ثم ان بدا ... يري فرحا مستبشرا بالذي التقى ومغتسل في جمعة عن جنابة ... ومن فيه حقا قدغدا متصدقا وماش يصلي جمعة ثم من أتى ... بذا اليوم خيرا ما فضعفه مطلقا ومن حتفه قد جاءه من سلالة ... ونازع نعل ان لخير تسبقا وماش لدى تشييع ميت وغاسل ... يدا بعد أكل والمجاهد حققا ومتبع ميتا حياء من أهله ... ومستمع القرآن فيما روى التقا وفي مصحف يقرا وقاريه معربا ... بتفهيم معناه الشريف محققا (اثم الاريسيين) هم الا كارون الفلاحون والزراعون كما في رواية المدائني من طريق مرسلة فان عليك اثم الفلاحين وقيل هم العشارون يعنى أهل المكس أخرجه الطبراني في الكبير من طريق الليث بن سعد عن يونس فان صح فالمراد المبالغة في الاثم كقوله تعالى في المرأة التى اعترفت بالزنا لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له قال ابن حجر واحدهم أريسي منسوب الى أرئس وقد قلبت همزته ياء كما جاءت به رواية في الصحيحين وغيرهما وقال ابن السكن هم اليهود والنصاري والمعنى ان عليك اثم رعاياك واتباعك ممن صددته عن الاسلام فاتبعك على كفرك وقيل هم اتباع عبد الله بن اريس الذى وحد الله عند ما تفرقت النصاري قال الخطابي أراد ان عليك اثم الضعفاء والاتباع اذا لم يسلموا تقليدا له لان الاصاغر اتباع الاكابر وقيل هم الملوك الذين يقودون الناس الي المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها (ويا أهل الكتاب) سقطت الواو من رواية الاصيلى وأبي ذر في صحيح البخارى وعليه فهى داخلة على مقدر معطوف على قوله أدعوك بدعاية الاسلام وأقول لك ولاتباعك امتثالا لقول الله تعالى يا أهل الكتاب (لقد أمر) بفتح الهمزة وكسر الميم (أمر) شأن (ابن أبى كبشة) نسبوه الي غير نسبه المشهور عداوة له صلى الله عليه وسلم لان عادة العرب اذا انتقصت نسبت الى جد غامض قال أبو الحسن الجرجاني في انسابه ثم اختلف في أبي كبشة الذي نسب اليه من هو فقيل رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى مخالفا للعرب فنسبوه اليه لمخالفته اياهم كمخالفة أبى كبشة فعلى هذا لم يريدوا عيبه انما أرادوا مجرد التشبيه كما روى عن الزبير بن بكار في كتاب الانساب وقيل كان جده وهب أبو آمنة يكني

فصل: في فوائد خبر هرقل وما تضمنه من الآداب والأخلاق

انه ليخافه ملك بني الاصفر قال فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سيظهر حتى أدخل الله علي الاسلام زاد البخاري قال الزهري فدعا هرقل بطارقة الروم فجعلهم في دار له فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد الى آخر الابد وان يثبت لكم ملككم قال فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الابواب فوجدوها قد أغلقت قال علي بهم فدعا بهم فقال انى اختبرت شدتكم على دينكم فقد رأيت منكم الذي أحببت فسجدوا له ورضوا عنه وفي صحيح البخاري زوائد أخر تركتها اختصارا [فصل: في فوائد خبر هرقل وما تضمنه من الآداب والأخلاق] (فصل) في فوائد هذا الحديث قال الخطابى اذا تأملت معانى ما استقراه هر قل يعني من أوصافه صلى الله عليه وسلم تبينت قوة ادراكه ولله دره من رجل لو ساعد معقوله مقدوره بذلك وعمرو بن زيد أبو سلمي أم عبد المطلب وأبو قيلة أم وهب أبي آمنة والدته وهو الذي خالف العرب فعبد الشعرى والحرث بن عبد العزى أبوه من الرضاعة قيل وعمرو والد حليمة مرضعته صلى الله عليه وسلم (انه ليخافه) بكسر الهمزة استئنافا لا بفتحها لما في رواية انه لتخافه ولام الابتداء لا تدخل الاعلى ان المكسورة (بني الاصفر) هم الروم نسبوا الى الاصفر بن الروم بن العيص بن اسحاق بن ابراهيم قاله ابن اسحاق والحربى وغيرهما قالوا وهو أشبه وقال ابن الانباري انما سموا بذلك لان جيشا من الحبشة غلبوا على بلادهم في وقت فوطئوا نساءهم فولد الاولاد صفرا بين سواد الحبشة وبياض الروم وقال ابن هشام انما لقب الاصفر لان جدته سارة زوجة الخليل حلته بالذهب (فما زلت موقنا) زاد في حديث عبد الله بن شداد عن أبي سفيان فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت نقله في التوشيح (حتي أدخل الله على الاسلام) لم يقل حتي أسلمت اشارة الى ان الاسلام دخل عليه في ابتداء الامر كرها (الفلاح) النجاة (والرشد) بضم الراء وسكون الشين وبفتحها (آخر الآية) بالنصب بنزع الخافض أي الى آخر الآية زاد البخارى في رواية فتبايعوا هذا النبى صلى الله عليه وسلم من المبايعة بالموحدة فالتحتية وللكشميهني من المتابعة بالفوقية فالموحدة (فحاصوا) بالمهملتين أى نفروا (حيصة حمر الوحش) أنما شبههم بها دون غيرها من الوحوش لمناسبة الجهل وعدم الفطنة (فصل) فى فوائد هذا الحديث (استقرأه) بالهمز طلب من القراءة (لله دره) كلمة تقال في التعجب وربما قالوا در دره بمعناه ويقولون في الدعاء على الشخص لا در دره أي لاكثر خيره قال الفراء اختصوا الدر بذلك لان العرب تفصد الناقة وتشرب لبنها ويشربون ماء كرشها فاللبن أفضل هذا المشروب وقيل أصله أن الرجل تكون له اللقحة النفيسة فيجعل درها لله أي لبنها فلا يحلبها ولا يركبها فيعجب الناس ذلك ويقولون لله دره ثم كثر حتى صار في موضع التعجب من كل شيء (مفعوله) مفعول (مقدوره) فاعل أي لو قدر الله له فوافق القدر ما أداه اليه عقله حتى قال وان الرجل لنبي لكان آمن وعاد أمره الى ما قدر له في الازل من السعادة واما اذا قدر له في الازل الشقاوة فليس مجرد عقله نافعا له فمن ثم آل أمره الى ما قدر له من

قال غيره وانما شح بالملك وأخلد الى الرياسة فآثرها على الاسلام ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة* اللهم انا نسألك التوفيق ونعوذبك من الخذلان والتعويق وهرقل بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف كدمشق وهو اسم علم له لا ينصرف للعلمية والعجمة وأما قيصر فهو لقب لكل من ملك الروم كما يقال لملك الفرس كسرى والحبشة النجاشي والترك خاقان والقبط فرعون وحمير قيل واليمن تبع وفي هذا الحديث انه يستحب تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم أو الحمد لله وكل سنة وفيه ان الكاتب يبدأ باسم نفسه ثم باسم المكتوب اليه قال قوم هذا في الكتاب أما في العنوان فبالعكس والصواب لا فرق ومن فوائده أنه يستحب في المكاتبات التوقى من المجازفات وخطاب كل على حسب ما يقتضيه حاله فلا يفرط ولا يفرط وخيار الامور أوسطها فقد أتى صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كتابه هذا مع ما فيه من الزجر والردع بنوع من الاكرام والتلطف الشقاوة فمات على نصرانيته كما روي أحمد في مسنده قال كتب هرقل من تبوك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اني مسلم فقال صلى الله عليه وسلم كذب بل هو على نصرانيته قلت لعله أراد الاسلام اللغوى فكذبه النبي صلى الله عليه وسلم في الاسلام الحقيقي وشذ من قال انه آمن وفي رواية عبد الله بن شداد عن أبي سفيان لو علمت انه هو لمشيت اليه فهذا يدل على انه بقي معه شك في أمره صلى الله عليه وسلم (قال غيره) كالبخاري في التصحيح (شح) بخل والشح أسوأ البخل (وأخلد) ركن ومال (وما زالت عنه الرياسة) بل كانت تزداد بالاسلام (وهرقل بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف كدمشق) في الاشهر وقيل بسكون الراء وكسر القاف على وزن خروع (خاقان) بالمعجمة والقاف اسم لكل ملك خقنته الترك على أنفسهم أي ملكوه ورأسوه (القبط) بكسر القاف وسكون الموحدة ثم طاء مهملة (ومن ملك حمير القيل) بفتح القاف وسكون التحتية وقيل القيل أقل درجة من الملك ومن ملك اليمن (تبع) ومن ملك مصر العزيز ومن ملك المسلمين يقال له أمير المؤمنين قال المطرز وابن خالويه وآخرون (ببسم الله) أي يكتب بسم الله (والحمد لله) بالرفع على الحكاية (وكل سنة) وان كان المكتوب اليه كافرا فيه (وان الكاتب يبدأ باسم نفسه ثم باسم المكتوب اليه) فيقول من زيد الى عمرو مثلا وهو الصحيح الذي اجمع عليه الصحابة وقاله اكبر العلماء كما نقله عنهم أبو بكر بن النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال ورخص جماعة في ان يبدأ باسم المكتوب اليه فيقول الى عمرو من زيد مثلا وروي بسنده ان زيد بن ثابت كتب الى معاوية مبتدأ باسمه (العنوان) بضم العين ثم نون ما يكتب على ظهر الكتاب من اسم المكتوب اليه (المجازفات) بالجيم والزاي والفاء أي المبالغات في الوصف لترتب الكذب عليها غالبا (فلا يفرط) بالتخفيف لا يجاوز الحد (ولا يفرط) بالتشديد لا يقصر (وخيار الامور) كلها (أوساطها) ولذلك شواهد مشهورة

ممتثلا لما امر به من الانة القول والدعاء الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة مع التوقى من المجازفة حيث قال عظيم الروم ولم يقل ملكهم لانه لا ملك له ولا لغيره بحكم الاسلام وفي هذا الحديث دليل على ان من كان سببا لضلالة قوم كان اثمه كاثم جميعهم فلذلك قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم فان توليت فعليك اثم الاريسيين وهم اتباعه الذين يترتب اسلامهم على اسلامه ومن ذلك قوله تعالى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وفيه غير ذلك والله أعلم وأما كتاب كسرى ففي صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عبد الله بن حذافة أن يدفعه الى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين الى كسرى فلما قرأه مزقه فحسب ابن المسيب قال فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق قيل هلك منهم عند ذلك اربعة عشر ملكا في سنة حتى ملكوا امرهم امرأة ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال لن يفلح قوم ملكوا أمرهم امرأة ثم اندرس أمرهم الى آخر الابد فلم يبق لهم ملك ولا مملكة كما بقي للروم ولقد أجاد القول في ذلك محمد بن سعيد الابوصيري حيث يقول في فصل مولده صلى الله عليه وسلم وبات ايوان كسرى وهو منصدع ... كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم في الكتاب والسنة (الانة) بكسر الهمزة مصدر ألان الكلام يلينه الانة وهو ضد الخشونة (لا ملك له ولا لغيره بحكم) دين (الاسلام) ولا سلطان لاحد الا لمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ولاه من أذن له وان ما ينفذ من تصرفات الكفار لا ينفذ الا لضرورة (وفيه غير ذلك) كاستحباب أما بعد وتحريم قتال من لم تبلغه الدعوة والعمل بخبر الواحد وجواز السفر الى أرض الكفار بآية أو اثنتين ضمن كتاب وجواز حمل الحديث انه أو آيات يسيرة مع غير القرآن كذا قال النووي والصواب أن يقال لم يكتب له رأسه واستحباب البلاغة والايجاز وتحري الالفاظ الجزلة والله أعلم (تنبيه) وقع في شرح السهيلي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى هرقل من تبوك في غزوتها وهو وهم مردود بما في أثناء القصة أن أبا سفيان ومن معه كانوا يومئذ هناك في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم وكان يومئذ كافرا وتبوك انما كانت سنة تسع بعد الفتح وكان اسلام العباس يوم الفتح والله أعلم (الى عظيم البحرين) تثنية بحر وعظيم البحرين المنذر بن ساري العبدي بالمهملة وفتح الراء الممالة (كسرى) بفتح الكاف وكسرها قال السهيلى وغيره هوا برويز بن هرمز (لن يفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة) رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن أبي بكرة (الابوصيري) تقدم ضبطه (في فصل مولده) بالصاد المهملة (منصدع) منشق (كشمل) هو ما يجتمع من الانسان ويتفرق (غير ملتئم) غير مجتمع والشاهد من البيت كشمل أصحاب كسري غير

تتمة في خبر النجاشي وتكريمه لكتابه صلى الله عليه وسلم وعودة مهاجري الحبشة

قيل سقط من الايوان ليلتئذ من الشرفات بعدد من ملك منهم بعد ذلك والله أعلم* [تتمة في خبر النجاشي وتكريمه لكتابه صلى الله عليه وسلم وعودة مهاجري الحبشة] وأما النجاشي رضى الله عنه فقد كان اسلم وانما بعث اليه النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري في تزويج أم حبيبة رملة بنت ابى سفيان بن حرب وان يرسل اليه جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين فلما ورد الكتاب على النجاشي وضعه على عينيه ونزل عن سرير ملكه اجلالا له ثم سارع الى ذلك وأرسل الى أم حبيبة على يد مولاته أبرهة بأربعمائة دينار فأعطتها أم حبيبة خمسين دينارا فردتها وقالت امرني الملك ان لا آخذ منك شيأ وقالت انا صاحبة دهن الملك وثيابه ولقد آمنت بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وحاجتي منك أن تقرئيه مني السلام وقد أمر الملك لنسائه أن يبعثن اليك ما عندهن من عود وعنبر وولت أم حبيبة أمرها في التزويج خالد بن سعيد بن العاص ثم وجه النجاشى جميع من عنده من المسلمين في سفينتبن بجميع ما يحتاجون اليه قالت أم حبيبة خرجنا الى المدينة فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فخرج من خرج اليه فأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله ملتئم وأما انصداع ايوان كسري فانما كان ليلة مولده صلى الله عليه وسلم كما مر (وأما النجاشي فكان قد أسلم) هو الذى صلى عليه النبى صلى الله عليه وسلم وما في صحيح مسلم من طريق يوسف بن حماد وليس بالنجاشى الذى صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فرواية شاذة تخالفها روايات الجمهور (رملة) بفتح الراء وسكون الميم (أبرهة) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الراء (باربعمائة دينار) كذا في تفسير البغوي وغيره ولا ينافيه ما في سنن أبى داود والنسائى انه أمهرها أربعة آلاف درهم من حساب الدينار بعشرة دراهم وما في الصحيح ان صداقه صلى الله عليه وسلم لازواجه كان اثني عشر أوقية ونشا وذلك خمسمائة درهم لا ينافي ذلك لان هذا القدر تبرع به النجاشى من ماله اكراما له صلى الله عليه وسلم لا انه صلى الله عليه وسلم أداه وعقد به قاله النووى (انا صاحبة دهن الملك وثيابه) أى المتولية حفظ ذلك (عنبر) وهو نبت في البحر طيب الرائحة يقذفه البحر وهو نوعان سالم ومبلوع فالسالم ما خرج على هيئته والمبلوع ما يبتلعه الحوت ثم يخرجه وتنقص بذلك قيمته لنقص رائحته زاد البغوى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عليها وعندها فلا ينكر انتهى أي ففيه دليل على طهارته (خالد بن سعيد بن العاص) بن أمية بن عبد شمس لكونه ابن عم ابيها وقيل عثمان بن عفان بن العاص بن أمية لذلك أيضا وقيل النجاشى لكونه أمير الموضع وسلطانه حكى هذه الاقوال القاضى عياض قلت ويؤيد الثالث ما في سنن أبى داود والنسائي فزوجها النجاشي من النبى صلى الله عليه وسلم والجمهور على انها زوجت بأرض الحبشة وقيل بالمدينة بعد قدومها «تنبيه» في صحيح مسلم عن ابن عباس أن أبا سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث أعطنيهن يا رسول الله قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجملها أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال ومعاوية

الكلام على فتح خيبر وخبر الشاة المسمومة التي أهديت اليه صلي الله عليه وسلم

صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه وكان يسألنى عن النجاشي وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم* وأما المقوقس فقارب وهادن وبعث أنواعا من الهدايا وسيأتى خبر رسله صلى الله عليه وآله وسلم الى الملوك وعددهم في فصل منفرد فيما بعد انشاء الله [الكلام على فتح خيبر وخبر الشاة المسمومة التي أهديت اليه صلي الله عليه وسلم] السنة السابعة من الهجرة وهى الستون من مولده صلى الله عليه وآله وسلم اتفق فيها فتح خيبر. وخيبر اسم جامع لجملة من الحصون والقرى وبينها وبين المدينة ثلاث مراحل تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وتأمرنى حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم ففيه أشكال من حيث أن أبا سفيان انما أسلم يوم الفتح سنة ثمان بلا خلاف وما ذكر من تزوج أم حبيبة كان سنة ست وقيل سنة سبع حمل القاضي عياضا على استغرابه وابن حزم على ان قال بوضعه قال والآفة فيه من عكرمة بن عمار قال ابن الصلاح وهذا من جسارته لانه كان هجوما على تخطئة الائمة الكبار واطلاق اللسان فيهم وحمل ذلك على انه سأله عقد النكاح تطييبا لقلبه لانه كان ربما يرى ذلك غضاضة من رياسته ومسبة ان تزوج بنته بغير رضاه أو ظن ان اسلام الاب في مثل هذا يقتضى تجديد العقد قال النووى ليس في الحديث ان النبى صلى الله عليه وسلم جدد العقد ولا قال لابي سفيان انه يحتاج الى تجديد ففعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله نعم أى ان مقصودك حصل وان لم يكن فيه حقيقة عقد (وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه مشروعية الرد على النساء قال المفسرون ونزل في تزويج أم حبيبة قوله تعالى عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ منهم مودة يعنى تزويج أم حبيبة قال البغوى وغيره ولما بلغ أبا سفيان تزويج أم حبيبة قال هو الفحل لا يقرع أنفه (وبعث أنواعا من الهدايا) قال يوسف بن عبد البر في الاستيعاب روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال حدثني يحيي ابن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المقوقس ملك الاسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزلني في منزله فاقمت عنده ليالى ثم بعث الى وقد جمع بطارقته فقال انى سأكلمك بكلام أحب ان تفهمه عنى قلت هلم قال أخبرني عن صاحبك اليس هو نبيا قال قلت بلى هو رسول الله قال فما له حيث هكذا لم يدع على قومه حين أخرجوه من بلدته الى غيرها قال فقلت له فعيسي بن مريم اتشهد انه رسول الله فما له حيث أخذه قومه فارادوا صلبه الا يكون دعا عليهم بان يهلكهم الله حتى رفعه الله الي السماء الدنيا قال أحسنت أنت حكيم جابمسن عند حكيم هذه هدايا ابعث بها معك الى محمد وأرسل معك من يبلغك الى مأمنك قال فاهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن أم ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي جهم ابن حذيفه وأخري وهبها لحسان بن ثابت وارسل اليه بكتاب مع طرف* السنة السابعة (خيبر) سميت باسم رجل نزل بها من العماليق كما مر وهو خيبر بن قاينه بن مهلاييل قاله البكري (ثلاث مراحل) الى جهة الشام

وكان من خبرها ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من الحديبية وقد وعده الله فتح خيبر إثابة عما لحقهم من الانكسار يومئذ فقال تعالى وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الى قوله تعالى وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ الآية فقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة في ذي الحجة وسار في المحرم الى خيبر فصبحها بكرة على غرة روينا في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس وركب نبى الله صلى الله عليه وآله وسلم وركب أبو طلحة وانا رديف أبي طلحة فأجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زقاق خيبر وان ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وانحسر الازار عن فخذ نبى الله صلى الله عليه وآله وسلم واني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل وفي التوشيح وغيره انها على ثمانية برد وذلك أربع مراحل ولعل الكل تقريب (وَعَدَكُمُ اللَّهُ) يا معشر المؤمنين (مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) وهي الفتوح التي تفتح عليهم الى يوم القيامة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) المغانم التي أصبتم بخيبر (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) يعني القبائل من أسد وغطفان الذين هموا ان يغيروا على المسلمين وذراريهم بالمدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم الى خيبر فكف الله أيديهم بالقاء الرعب في قلوبهم وقيل يعني أهل مكة بالصلح (غرة) أي غفلة من أهلها (صلاة الغداة) قال النووى فيه دليل على عدم كراهية تسميتها بذلك (بغلس) وهو بفتح اللام بقية ظلام الليل (أبو طلح) اسمه زيد بن سهل كما مر (وانا رديف أبى طلحة) فيه جواز الارداف اذا اطاقته الدابة وقد فعله صلى الله عليه وسلم كثيرا (فاجرى نبي الله) فيه ان ذلك لا يخرم المروءة ولا يخل بمراتب أهلها سيما عند الحاجة (فى زقاق خيبر) بضم الزاى وبالقاف المكررة هي الطريق الضيقة بين الابنية (وان ركبتى لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) استدل به أحمد على جواز كشف اليسير من العورة وأبو حنيفة على جواز كشف قدر درهم من السوأتين وقدر أربع دراهم من غيرها وأصحاب مالك وغيرهم ممن يقول ان الفخذ ليس بعورة وذلك عند أصحابنا محمول على العذر كما تقتضيه قرينة الحال جمعا بينه وبين حديث ابن عباس عند أحمد والترمذى والحاكم غط فخذك فان فخذ الرجل من عورته وحديث جرهد بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء ثم مهملة عند مالك والترمذي وابن حبان غط فخذك فان الفخذ من العورة وحديث محمد بن عبد الله بن جحش وهو صحابى ابن صحابي عند احمد والحاكم غط فخذك فان الفخذ عورة (وانحسر الازار) أي انكشف وللبخارى ثم حسر الازار وهو مبنى للفاعل وللاسماعيلي أندحر الازار أي سقط (فائدة) انما كرر أنس ذكره صلى الله عليه وسلم ظاهرا ولم يأت بالضمير قاصدا الالتذاذ بذكره صلى الله عليه وسلم ومعظما لشأنه ومبينا لمحبته له صلى الله عليه وسلم الشديد لان ذكر الحبيب يحلو في لسان المحب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في حديث

القرية قال الله أكبر خربت خيبر انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات قال وقد خرج القوم الى أعمالهم فقالوا محمد والخميس يعنون الجيش فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم سار من تلك النواحي من قبائل أسد وغطفان ليظاهروا اليهود فألقى الله الرعب في قلوبهم فرجعوا ثم هموا أن يخالفوا الى المدينة فأعجزهم الله تعالى وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين اليهود وذلك قوله تعالى وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حصون خيبر يفتحها حصنا حصنا فافتتح أولا حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه رحا فقتلته ثم الغموص حصن بنى ابى الحقيق ومن سباياه صفية بنت حيى جاء بها بلال وبأخرى معها فمر بهما على القتلى فلما رأتهم التى مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اعزبوا عني هذه الشيطانة وقال يا بلال أنزعت منك الرحمة حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ثم افتتح صلى الله عليه وآله وسلم حصن الصعب بن معاذ ومنه شبع الجيش طعاما وودكا بعد مخمصة شديدة ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى حصنيهم الوطيح والسلالم وكانا آخر حصونهم افتتاحا وأوسعها أموالا وأكثرها قتالا فحاصرهم النبي ضعيف من أحب شيئا أكثر من ذكره رواه الديلمي في مسند الفردوس عن عائشة (الله أكبر) فيه ندب التكبير وذكر الله تعالى في الحرب امتثالا لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً (خربت خيبر) قيل هو دعاء أي أسأل الله خرابها وقيل أخبار بخرابها على الكفار وفتحها على المسلمين (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) فيه جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن وانما يكره من ذلك ما كان على ضرب الامثال في المحاورات والمزح ولغو الحديث كما قاله النووى والساحة العرصة التى تحيط بها الدور وتسمى باحة بالموحدة ورحبة (قالها ثلاث مرات) امتثالا لقوله تعالى كَثِيراً فيؤخذ منه أن الثلاث كثير قاله النووى (والخميس) على لفظ اليوم سمى الجيش خميسا لانه خمسة أقسام مقدمة وساقة وقلب وجناحان وقيل (الخميس الغنائم) وأبطلوه بان هذا الاسم كان معروفا في الجاهلية ولم يكن يومئذ غنائم قاله النووى (يعنى الجيش) هذا تفسير من عبد العزيز بن صهيب أو ممن دونه من الرواة (ليظاهروا اليهود) أي ليعاونوهم (فافتتح أولا حصن ناعم) بالنون والمهملة والصرف (الغموص) بالغين المعجمة المفتوحة وقد تبدل قافا وآخره مهملة (الحقيق) بالتصغير (فصكت وجهها) ضربته بيدها (اعزبوا) بهمزة قطع وكسر الزاي ابعدوا (وودكا) بفتح المهملة أي دهنا (الوطيح) بمهملتين بينهما تحتية ساكنة مكبر سمى باسم الوطيح بن مازن رجل من ثمود قاله البكري قال السهيلى ولفظه مأخوذ من الوطح وهو ما تعلق باظلاف الدواب ومخالب الطير من الطين (السلالم) بكسر المهملة وكسر اللام (وروى ان النبي

صلى الله عليه وآله وسلم بضع عشرة ليلة وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت وروي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أخذته شقيقة فلم يخرج الى الناس فأخذ الراية أبو بكر وقاتل قتالا شديدا ثم رجع ولم يفتح عليه ثم عمر كذلك فتقدم أمير المؤمنين على بن أبى طالب وكان الفتح على يديه رضي الله عنه وروينا في الصحيحين من طرق ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان قد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر وكان به رمد فقال انا اتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج فلحق بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم فلما كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها قال عمر بن الخطاب ما أحببت الامارة الا يومئذ فتساورت لها رجاء أن ادعى لها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اين على بن أبي طالب فقالوا هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فارسلوا اليه فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كان لم يكن به وجع وفي رواية عن سلمة فاذا نحن بعلى بن أبي طالب وما نرجوه فقالوا هذا على فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراية ففتح الله عليه وروى انه لما دنا من صلى الله عليه وسلم كان قد أخذته الشقيقة) رواه البغوي في التفسير عن جماعة منهم سهل بن سعد وأبو هريرة وأنس والشقيقة وجع يكون في احد جانبي الرأس (ثم عمر كذلك) ولفظ البغوى فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه (أنا أتخلف) قال ذلك استعظاما فلما كان (مساء) بالرفع والنصب (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) هكذا هو في رواية في الصحيحين وغيرهما بواو العطف وفي بعض الروايات بأو التى للشك ومحبة الله للعبد المراد بها توفيقه وهدايته وهي في حق المخلوق ميل القلب تنزه الله عن ذلك (يدوكون) بضم الدال المهملة وبالواو أى يخوضون ويتحدثون في ذلك فقائل منهم أراد فلانا وقائل أراد فلانا وفي بعض نسخ صحيح مسلم بالذال المعجمة وبالراء (ما أحببت الامارة الا يومئذ) أي لما دلت عليه من محبة الله ورسوله ومحبتهما له والفتح على يديه (فتساورت لها) بالمهملة ثم واو ثم راء أى تطاولت لها كما في رواية في صحيح مسلم أي حرصت عليها وأظهرت وجهي متصديا لذلك ليتذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتى به) بالبناء للمفعول وكان المرسل اليه والآتي به يقوده سلمة بن الاكوع كما في صحيح مسلم (فبرأ حتي كان لم يكن به وجع) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم يومئذ ومنها اعلامه ان الله يفتح على يدي على (فاذا نحن بعلى وما نرجوه) لا ينافي ما مر انه جاءبه يقوده لامكان انهم رأوه من بعد فارسلوا سلمة له فجاء به يقوده

حصنهم أشرف عليه رجل من اليهود فقال من أنت فقال علي بن أبي طالب فقال اليهودى علوتم وما أنزل على موسى وروينا في صحيح مسلم انه خرج اليه مرحب وهو يقول قد علمت خيبر اني مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرب اذا الحروب اقبلت تلهب فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنا الذي سمتن أمى حيدره ... كليث غابات كريه المنظره أو فيهم بالصاع كيل السندره فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه وكان مرحب قبل ذلك قد بارز عامر بن الاكوع فرجع سيف عامر عليه فقتله فقال الناس حبط علمه قال سلمة (قد علمت خيبر) أي أهلها (مرحب) بفتح الميم والمهملة وسكون الراء بينهما وآخره موحدة بن الحارث (شاكي السلاح) أي تامه (بطل) أى شجاع (مجرب) بفتح الراء أى بالشجاعة وقهر الفرسان (انا الذي سمتن أمي حيدره) بفتح الحاء والدال المهملتين وسكون التحتية بينهما وهو من أسماء الاسد سمي بذلك لغلظه والحادر الغليظ القوي وكان على سمته أمه أسدا باسم أبيها يوم ولد وكان أبوه غائبا فلما قدم سماه عليا قال في الديباج وغيره وكان مرحب قد رأى في منامه ان أسدا يقتله فذكره على بذلك ليخيفه ويضعف نفسه (غابات) جمع غابة وهى عرين الاسد ويسمي غيلا بالمعجمة المكسورة ثم تحتية ساكنة (المنظره) بفتح المعجمة (أو فيهم بالصاع كيل السندره) أى أقتل الاعداء قتلا واسعا ذريعا والسندرة بالمهملتين بينهما نون مكيال واسع وقيل هي العجلة أى أقتلهم عاجلا وقيل مأخوذ من السندرة وهي شجرة قوية يعمل منها القسى والنبل (فضرب رأس مرحب) زاد البغوي فقد الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الاضراس (وكان مرحب قبل ذلك) قد خرج يخطر بسيفه بكسر الطاء أي يرفعه مرة ويضعه أخري ويقول شعره المذكور فتقدم اليه عامر بن الاكوع عم سلمة وأخوه من الرضاعة كما قاله النووي فقال قد علمت خيبر اني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر بالغين المعجمة أي يركب غمرات الموت وشدائدها ويلقي نفسه فيها فاختلفا بضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له (فرجع سيف عامر عليه) فقطع أكحله وكانت فيها نفسه وكان عامر قبل ذلك وهم اثناء الطريق قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعنا من هنياتك أى أراجيزك فقال والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الاقدام ان لاقينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر لك ربك يا عامر وما استغفر رسول الله لرجل يخصه الا استشهد فقال عمر رضي الله عنه لولا أمتعتنا بعامر أي وددنا انك أخرت الدعاء بهذا الى وقت لنستمتع به مدة روي ذلك الشيخان واللفظ لمسلم في احدى رواياته (فقال الناس) سمي منهم البخارى في الادب أسيد بن حضير (حبط عمله)

فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال كذب من قال ان له أجرين وجمع بين أصبعيه انه لجاهد قل عربي مشى بها مثله وروى ان عليا عليه السلام يومئذ بارز يهوديا مرحبا أو غيره فضرب اليهودى ترس على فطرحه من يده فتناول على بابا كان عند الحصن فتترس به فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه قال أبو رافع لقد رأيتني في سبعة نفر أنا منهم نجهد أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه ثم برز بعد مرحب أخوه ياسر يرتجز فخرج اليه الزبير فقالت صفية بنت عبد المطلب أيقتل ابنى يا رسول الله قال ابنك يقتله ان شاء الله تعالى فقتله الزبير قلت في سيرة ابن هشام رواية عن ابن اسحق ان قاتل مرحب محمد بن سلمة الانصارى ولا يصح ذلك فما ثبت في الصحاح أولى والله أعلم فلما أيقن أهل الوطيح والسلام بالهلكة استسلموا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحقن دماءهم ففعل فسمع بهم أهل فدك فأرسلوا يطلبون ذلك ففعله لهم أيضا فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ثم عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود على خيبر بشطر ما يخرج منها أي لانه قتل نفسه كما في رواية في مسلم (فاتيت النبى صلى الله عليه وسلم) وأنا أبكي كما في رواية في مسلم (ان له لاجرين) في رواية مسلم بل له أجره مرتين (انه لجاهد) بكسر الهاء أي جاد في أمره مرتكب المشاق في الله (مجاهد) بضم الميم لاعداء الله وهذه الجملة لبيان سبب حصول الاجرين له وروي لجاهد بفتح الهاء فعل ماض مجاهد بفتح الميم وكسر الهاء وهي محال الجهاد (مشابها) ضبط بوجهين أحدهما فتح الميم على انه فعل ماض من المشى وبها جار ومجرور والضمير للارض أو للحرب والثاني ضم الميم وتنوين الهاء على انه كلمة واحدة اسم فاعل من المشابهة أى مشابها لصفات الكمال في القتال أو في غيره فيكون منصوبا بفعل محذوف أي رأيت والمعنى قل عربي يشبهه في جميع صفات الكمال وفي البخاري نشأ بها بالنون والهمز أى شب وكبر قال عياض وهو أوجه الروايات (وروى) في بعض كتب السير (ان عليا يومئذ بارز يهوديا) ولم أطلع على اسم اليهودى وقد حصل الشك فيه هل هو مرحب أو غيره (نجهد) بفتح النون والهاء أي نتكلف (ياسر) بتحتية فالف فمهملة مكسورة فراء (بل ابنك يقتله) بكسر اللام ووصل الهمزة وفيه معجزة ظاهرة له صلي الله عليه وسلم اذ وقع الامر كما أخبر وقوله (ان شاء الله) للتبرك ولامتثال قوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (فدك) بفتح الفاء والدال المهملة بلد قريبة من خيبر (فكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لانها فيء وكان له فيه أربعة أخماسه مع خمس الخمس (بشطر) أى بنصف (ما يخرج منها) من تمر وزرع على ان يكلفوا العمل وبه استدل على جواز المزارعة تبعا للمساقاة وحديث النهي عنها في صحيح مسلم محمول على ما اذا لم يكن تبعا لكن استشكل حمل قصة خيبر على المزارعة بانه لم ينقل انه صلى الله عليه وسلم كان يدفع لهم بذرا وتقدم ورود لفظ المزارعة في شئ من طرق الحديث

وقال نقركم على ذلك ما شئنا وبقوا على ذلك الى خلافة عمر واحدثوا احداثا فاجلاهم عمر الى تيماء واريحاء ولما حاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر واعمالها أخذ قسم المغانم الجليلة ويعطي العطيات الجزيلة ورد المهاجرون الى الانصار منائحهم وحدث لهم رحاء لم يكن معهم قبل ذلك روينا في صحيح البخارى عن عائشة قال فلما افتتح خيبر قلنا الآن نشبع من التمر وفيه عن ابن عمر قال ما شبعنا حتى فتحنا خيبر وقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه وما ينزل به من الامور المهملة ونصفا بين المسلمين وجملتها ستة وثلاثون سهما وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم الرجال أربع عشرة مائة والخيل مائتا فرس فكان لكل فرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل سهم وكانت أصول السهام ثمانية عشر سهما وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرق رؤساء أصحابه سبعة عشر رأسا واضاف الى كل واحد منهم مائة والثامن عشر سهم اللفيف وهو سهم جمع قبائل شتي ولم يغب أحد من أهل الحديبية عن خيبر الا جابر بن عبد الله فاسهم له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كمن حضروا اسهم صلى الله عليه وسلم لمهاجرة الحبشة ولم يحضروا ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية ودست له فيها سما واكثرت في الذراع لما أخبرت انها تعجبه فوضعت بين يديه ومعه بشربن البراء فأكلا فاما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يسغ لقمته واما بشر فأساغها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا العظم بل الظاهر انهم كانوا يزرعون من مالهم فهم مخابرون ومن ثم اختار النووي تبعا لابن المنذر والخطابي وغيرهما جواز المزارعة والمخابرة وحملوا أحاديث النهي على ما اذا اشترط لاحدهما زرع قطعة معينة وللآخر أخري بدليل حديث رافع بن خديج كان أحدنا يكرى ارضه فيقول هذه القطعة لى وهذه لك فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (تيماء) بفتح التاء المثناة وسكون التحتية والمد (وأريحاء) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون التحتية ومهملة ومد موضعان بقرب بلاد طي على البحر في أوّل طريق الشام الى المدينة (لنوائبه) جمع نائبة وهى كل أمر مهم (أللفيف) بفائين بينهما تحتية ساكنة مكبر سمي به من اللف وهو الجمع (شتى) متفرقة (زينب بنت الحارث) هى أخت مرحب كما في سنن أبي داود (سلام) بالتشديد كما مر (مصلية) مشوية وزنا ومعنى (وبشر بن البراء) بن معرور في الشفا من طريق ابن عبد البر وأكل القوم فدل على أنهم أكلوا كلهم معه (ان هذا العظم) يعني الذراع في رواية في الشفا فانها أخبرتني انها مسمومة وفي رواية فيه ان فخذها تكلمني انها مسمومة وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في نطق الجمادات له واختلف

ليخبرنى انه مسموم ثم دعاها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت ان كان ملكا استرحت منه وان كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها فلما مات بشر بن البراء قتلها قصاصا قال أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت عائشة كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت منه بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم خرج الشيخان أكثره وجملة من استشهد من المسلمين بخيبر أربعة عشر رجلا وقيل قريبا من عشرين رجلا قال ابن هشام وذكر سفيان بن عيينة أئمة أهل السنة فيه وفي أمثاله فمنهم من يقول هو كلام يخلقه الله في الجماد وحروف وأصوات يحدثها الله فيه ويسمعها منه دون تغير شكله ونقله عن هيئته ومنهم من يقول يوجد الله الحياة فيها أولا ثم يوجد فيها الكلام وقال الجبائي من المعتزلة له يخلق الله في الجماد حياة ويخلق له فما ولسانا وآلة يمكنه بها الكلام قال عياض لو كان هذا لكان نقله والتهمم به اكد من التهمم بنقل تسبيحه أو حنينه (على ذلك) بكسر الكاف (فتجاوز عنها) كما قاله ابن اسحاق في السيرة وهى احدي روايتين عن أبي هريرة وفي أخرى عنه فامر بها فقتلت والجمع بين ذلك انه صلى الله عليه وسلم تجاوز عنها أولا (فلما مات بشر بن البراء) بعد أن اعتل سنة كما قاله السهيلي دفعها لاولياء بشر فقتلوها كما في حديث ابن عباس وفي كتاب شرف المصطفي انه (قتلها) وصلبها وذكر الصلب غريب (اعرفها) أي الأكلة يعنى أثرها (لهوات) بثلاث فتحات جمع لهاة وهي اسم اللحمة المعلقة في أقصى الفم (يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام) في سيرة ابن اسحاق انه قال ذلك لام بشر بن البراء لما دخلت تعوده في مرض موته فقال يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التى أكلت مع ابنك تعادني (فهذا أوان انقطاع أبهري) ومعنى تعادني يراجعنى ويعاودني ألم سمها قال الداوودي الالم الذى حصل له صلى الله عليه وسلم من الاكلة هو بعض الاذوقة قال ابن الأثير وليس ببين لان بعض الذوق ليس بألم (أبهري) بفتح الهمزة وسكون الموحدة عرق يكتنف الصلب والقلب اذا انقطع مات صاحبه (من ذلك) بكسر الكاف زاد ابن اسحاق وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى به من النبوة قال الشمني فان قيل ما الجمع بين قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وبين هذا الحديث المقتضى ان موته صلى الله عليه وسلم بالسم الصادر من اليهودية والجواب ان الآية نزلت عام تبوك والسم كان بخيبر قبل ذلك «فائدة» أخرج الطبراني عن عمار بن ياسر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الهدية حتي يأمر صاحبها ان يأكل منها للشاة التى أهديت له (أربعة عشر رجلا وقيل قريبا من عشرين) وهم عامر بن الاكوع ومحمود بن الربيع كما في الكتاب وباقيهم كما في الاستيعاب وغيره أنيف بن حبيب قال في الاستيعاب ذكره الطبري وواثلة ذكره ابن اسحاق وأوس بن الفاكه الانصارى وأوس بن عائذ وأوس ابن حبيب وثابت بن واثلة وثعلبة بن عنمة بفتح المهملة والنون وقيل استشهد يوم الخندق والحارث بن حاطب

مطلب في زواجه صلي الله عليه وسلم بصفية بنت حي

عن الاجلح عن الشعبي ان جعفر بن أبي طالب قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين عينيه والتزمه وقال ما أدرى بايهما أسر أكثر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر وقدم بقدوم جعفر أبو موسى الاشعري ورفقته الاشعريين وقد سبق ذلك في حديث أسماء بنت عميس في فضلهم عند ذكر هجرتهم قال اهل السيرة ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف الى وادى القرى فحاصر اهله وفتحه الله عليه وأصيب به مولاه مدعم فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال النبى صلى الله عليه وسلم بل والذي نفسي بيده ان الشملة التي أصابها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا [مطلب في زواجه صلي الله عليه وسلم بصفية بنت حي] ولما انتهى صلى الله عليه وسلم في مرجعه من وجهه ذلك الى سد الصهباء حلت له صفية بنت حيى فجهزتها له أم سليم ثم ضربت له قبة فدخل بها فيها فلما أصبح أمر بالأنطاع فبسطت ثم دعا بفضولات الأزواد فأتى بها فحاسوا حيسا ثم دعا المسلمين فأكلوا الانصاري ورفاعة بن سروج الاسدي من أسد خزيمة وربيعة بن أكثم بن سخبرة الاسدي قتله الحارث اليهودي بالبطاة وهى اسم اطم بخيبر ومسعود بن سعد الزرقي وقيل استشهد ببئر معونة وعبد الله بن أبي الهيب بن أهيب بن سحيم السعدي الليثي وعمارة بن عقبة الغفارى أصابه سهم فمات وعروة بن مرة بن سراقة الانصارى الأوسي وعدى بن مرة بن سراقة البلوى وسليم بن ثابت بن قيس بن زغبة بن راعوى بن عبد الاشهل وأبو الصباح الاوسي واسمه اميمة وقيل عمير بن ثابت وأبو سفيان بن الحارث بن قيس الانصارى فهؤلاء عشرون (الاجلح) بتقديم الجيم لقب بذلك لجلحة كانت به واسمه يحيي (فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه والتزمه) أى عانقه كما في رواية عن جابر ففيه ندب تقبيل القادم ومعانقته حتى من الفاضل للمفضول بشرط أن لا يكون أمرد خلافا لمالك حيث خصه برسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أدرى بأيهما أسر أكثر) وفي رواية ما أنا (بفتح خيبر) أسر منى (بقدوم جعفر) والمعنى أن فتح خيبر وقدوم جعفر متقاربان في النفع لفئة الاسلام أما خيبر فلما فتح الله عليهم منها وأما جعفر فبنجدته وشجاعته (وادى القرى) مر ذكره (مدعم) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين (سد الصهباء) بفتح السين المهملة وضمها مكان على بريد من خيبر (حلت له صفية) أى طهرت من الحيض فجهزتها أي زينتها وجملتها على عادة العروس بما ليس بمنهي عنه من نحو وشم زاد مسلم وأهدتها له أى زفتها له من الليل ففيه أن الزفاف ليلا لا بأس به كهو نهارا (بالانطاع) جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وسكونها افصح من كسر النون مع فتح الطاء وجمع على نطوع أيضا (ثم دعا بفضولات لا زواد) أي ببواقيها فقال من كان عنده شيء فليجيء به فجعل الرجل يجيئ بالاقط وجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن (فحاسوا حيسا) أى خلطو الاقط والسمن والتمر وعجنوه في هذا الحديث ادلال الكبير على أصحابه وطلب طعامهم وفيه كون

فكانت وليمته على صفية. قيل لأنس يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وجعل عتقها صداقها وقال الناس لا ندري أتزوجها أم اتخذها ام ولد قالوا ان حجبها فهى امرأته وان لم يحجبها فهى ام ولد فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير فعرفوا انه قد تزوجها وكان صلى الله عليه وسلم يضع ركبته لها اذا أرادت ان تركب فتضع صفية رجلها على ركبته ثم تصعد قال أنس فانطلقنا حتى اذا رأينا جدر المدينة هششنا اليها فرفعنا مطينا ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته قال وصفية خلفه قد اردفها فعثرت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرع وصرعت وليس احد من الناس ينظر اليه ولا اليها حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترها قال فأتيناه فقال لم نضر قال فدخلنا المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن لصرعتها روى ذلك في الصحيحين قال ابن عمر ما زال رسول الله صلى لوليمة وانها بعد الدخول وان جازت قبله (فكانت) اسمها مستتر فيها (وليمته) بالنصب على الخبر (قيل لانس) القائل له ثابت البناني كما في رواية في الصحيحين (يا ابا حمزة) بالحاء والزاي (وجعل عتقها صداقها) قال النووي اختلف العلماء في معناه والذي اختاره المحققون انه أعتقها تبرعا بلا عوض ولا شرط ثم تزوجها برضاها بلا صداق وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقيل معناه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت فلزمها الوفاء به وقيل معناه أعتقها وتزوجها على قيمتها وكانت مجهولة وكل ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفيه ندب اعتاق الأمة ثم تزوجها (أي حجبها فهي امرأته) استدل به مالك والزهرى وموافقوهم على صحة النكاح بلا شهود اذا أعلن وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين (عجز) بفتح العين وضم الجيم (يضع ركبته الى آخره) فيه ملاطفة النساء والتودد لهن وحسن المعاشرة لهن وذلك من خلقه العظيم الذى أثني الله عز وجل عليه به (هششنا) بكسر الشين الاولى وسكون الثانية وفي بعض النسخ هشنا بفتح الهاء وتشديد الشين ثم نون وهي علي حد هزت بسيفى ومعناهما نشطنا وخففنا وانتعشت نفوسنا اليها وشينه مضمومة في المضارع مكسورة في الماضى ورواه بعضهم في مسلم هشنا بكسر الهاء وسكون الشين وهي من هاش بمعنى هش (فعثرت) بفتح الثاء أى سقطت (فصرع وصرعت) أي سقط وسقطت (قال لم نضر) زاد مسلم فجعل يمر على نسائه فيسلم على كل واحدة منهن سلام عليكم كيف أنتم يا أهل البيت فيقولون بخير يا رسول الله كيف وجدت أهلك فيقول بخير ففيه ندب السلام على المرأة والاهل وان يجيء في السلام بلفظ الجمع ليتناول المسلم عليه وملائكته وفيه سؤال الرجل أهله عن حالهم وفيه ندب سؤال الرجل عن حاله بعد الدخول على أهله (جواري نسائه) أي صغيرات الاسنان فيهن (يتراءينها) أى ينظرن اليها (يشمتن) بفتح الميم في المضارع وكسرها في الماضي وأصل الشماتة فرح العدو بمصيبة

الله عليه وسلم يعتذر الى صفية في قتل ابيها ويقول يا صفية ان أباك ألب علىّ العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من نفسها. قال أهل السير وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق ان قمرا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما هذا الا انك تمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها لطمة أخضرت عيناها منها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه فأخبرته بذلك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع فسأله عن كنز بنى النضير وكان عنده فجحده فدفعه الى الزبير يعذبه حتى يخبرهم فأبى ثم بعد ذلك دفعه الى محمد بن مسلمة فقتله بأخيه والله أعلم* وروينا في صحيح مسلم عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة خيبر سار ليله حتى اذا عدوه (الب) بتشديد اللام أي جمع وجيش وحرض قالوا واصله من قولهم فلان البه مع فلان أى صفوه وميله (عن كنز بني النضير) قال القاضي نقلا عن أبي عبيد وغيره كان بنو الحقيق صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط عليهم أن لا يكتموه كنزا فان كتموه فلا ذمة لهم فسألهم عن كنز حيي ابن اخطب فكتموه وقالوا اذهبته النفقات ثم عثر عليه عندهم فانتقض عهدهم فسباهم فهذا يدل على ان الكاتمين كانوا جماعة من بنى الحقيق سوى كنانة والذى هنا هو الذي في سيرة ابن اسحاق (فجحده) زاد ابن اسحاق وقال لا علم لى بمكانه فجيء برجل من اليهود فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم اني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة أرأيت ان وجدناه عندك انقلك قال نعم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت فاخرج منها بعض كنزهم ثم سألهم ما بقى فابى أن يؤديه (فدفعه الى الزبير يعذبه) وكان يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه (فقتله باحيه) لابن اسحاق فضرب عنقه (فائدة) كانت صفية من نسل هرون بن عمران فمن ثم لما بلغها أن حفصة قالت انها بنت يهودي بكت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكى قال ما يبكيك قالت قالت لى حفصة أنت ابنة يهودى فقال النبى صلى الله عليه وسلم انك لابنة نبى وان عمك لنبي فبم تفخر عليك ثم قال اتقي الله يا حفصة أخرجه الترمذي وصححه والنسائي عن أنس (في صحيح مسلم) وغيره (قفل) بقاف ثم فاء أي رجع والقفول الرجوع (من غزوة) قال النووي يقال غزوة وغزاة (خيبر) هذا ما في أكثر أصول صحيح مسلم وهو الصواب كما قاله الباجي وأبو عمر بن عبد البر وغيرهما وقال عياض هذا قول أهل السير وهو الصحيح قال وقال الاصيلي انما هي حنين بالمهملة والنون وهذا غريب ضعيف ولابي داود من حديث ابن مسعود ان ذلك كان في منصرفهم من الحديبية وفي مصنف عبد الرزاق عن عطاء بن يسار مرسلا ان ذلك كان بطريق تبوك ونحوه للبيهقي في الدلائل من حديث عقبة بن عامر وفي رواية لابي داود ان ذلك كان في جيش الأمراء قال في التوشيح وتعقبه ابن عبد البر بان تلك غزوة مؤتة ولم يشهدها النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما قال انتهى قلت مسلم انه لم يشهدها لكنه خرج ممدا لهم حين بلغه قتل الأمراء فاتفق له ذلك بالطريق كما نقله عياض في الشفاء عن الطبرى والله أعلم وذهب جماعة منهم النووي الى تعدد وقوع

أدركه الكرى عرس وقال يا بلال إكلأ لنا الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال الى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عيناه وهو مستند الى راحلته فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أي بلال فقال بلال أخذ بنفسي الذى أخذ بأبى أنت وأمي يا رسول الله بنفسك فقال النبى صلى الله عليه وسلم ذلك جمعا بين الروايات لا سيما وفي سياق الاحاديث اختلاف وفي بعضها ان الذى كلأ الفجر بلال وفي بعضها ذو مخبر (الكرا) بفتح الكاف وتخفيف الراء النعاس وقيل النوم قال النووي ويقال منه كرى بفتح الكاف وكسر الراء يكرى بفتحها كراء فهو كر وامرأة كرية بتخفيف الياء التحتية (عرس) بتشديد الراء والتعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة قاله الخليل والجمهور وقال أبو زيد هو النزول مطلقا يدل عليه ما في حديث الافك فنزلوا معرسين في نحر الظهيرة (إكلأ لنا الفجر) أى ارقبه واحفظه واحرسه وهو بهمزة وصل أوله وهمزة ساكنة آخره ومصدره كلأ بكسر الكاف والمد قاله الجوهرى وكلاه بزيادة هاء وفيه ندب مراقبة الاوقات والمحافظة عليها (استند) أى ألقى ظهره (مواجه الفجر) بالنصب على الحال أى حال كونه جاعلا وجهه في جهة الفجر (فغلبت بلالا) مفعول (عيناه) فاعل أي غلبه النوم وأضاف الفعل الى العينين لانهما محله (ضربتهم الشمس) أي أثر فيهم حرها (تنبيه) لا ينافى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ان عيني تنامان ولا ينام قلبي اذ القلب انما يدرك الحسيات المتعلقة به كحدث وألم ونحوهما ولا يدرك ما يتعلق بالعين كطلوع الفجر والعين حينئذ لم تدرك لكونها نائمة وان كان القلب يقظان وهذا الجواب أصح وأشهر وجواب آخر قال النووي انه ضعيف وهو انه كان له حالان أحدهما ينام فيه القلب وصادف فيه هذا والثاني لا ينام (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم) بالفتح خبر كان (استيقاظا) لا ينافيه ما في صحيح مسلم وغيره عن عمران بن حصين فكان أوّل من استيقظ أبو بكر وكنا لا نوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه اذا نام حتى يستيقظ أى لما كانوا يتوقعونه من الايحاء اليه في المنام ثم استيقظ عمر فقام عند نبى الله صلى الله عليه وسلم فجعل يكبر ويرفع صوته حتي استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لان ذلك كان في نوم آخر في هذه السفرة أو في غيرها قاله النووي وغيره (ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي انتبه وقام بسرعة اهتماما بشأن الصلاة وخوفا أن يكون منه في ذلك تقصير (فقال أي بلال) كذا في أكثر النسخ بحرف النداء قال النووي فكذا هو في روايتنا وضبطه جماعة أين بلال بحرف الاستفهام عن المحل نقله عياض (فقال بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بأبي وأمي أنت بنفسك) سبب قول بلال هذا أنه خاف اذ دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه انما دعاه ليعنفه على ما فعل فقال ما قال معتذرا وقوله بنفسك متعلق باخذ

ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة ثم قال من نسى الصلاة فليصلها اذا ذكرها فان الله تعالى قال أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي وكان ابن شهاب يقرؤها للذكرى انتهى ملفقا عن ابي هريرة قال العلماء والحكم في الفائتة بالنوم وغيره من الأعذار ايضا كذلك فقد قال في حديث أبى قتادة الطويل المشتمل على معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ناموا عن صلاتهم قال فجعل بعضنا يهمس الى بعض ما كفارته ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا فقال صلى الله عليه وسلم اما لكم فيّ اسوة ثم قال انه ليس في اليوم تفريطا انما التفريط على من وقوله بأبي أنت وأمي كلام معترض بينهما (ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته) هذا ما في رواية أبي حازم عن أبي هريرة ورواية سعيد بن المسيب عنه قال اقتادوا فاقتادوا رواحلهم يؤخذ منه ان قضاء الفائتة بعذر لا يجب فورا (فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان) أي فكان حضوره سببا لنومنا عن الصلاة فيه كراهة الصلاة في هذا الوادى وفي كل محل ورد أنه مأوى الشياطين (ثم صلى سجدتين) أى ركعتين وهما راتبة الفجر ففيه قضاء السنن الراتبة اذا فاتت (ثم أقيمت الصلاة) وفي رواية ابن المسيب وأمر بلالا بالاقامة فاقام الصلاة ففيه ثبوت الاقامة للفائتة وفيه اشارة الى عدم الاذان لها وهو الجديد من قولى الشافعي والقديم وهو الاظهر ثبوت الاذان لها ففي حديث أبي قتادة ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى الغداة والجواب عن حديث أبي هريرة كما قال النووى أنه لا يلزم من عدم ذكره أنه لم يؤذن فلعله أذن وأهمله الراوى أو لم يعلم به أو لعله ترك الاذان في هذه لبيان جواز تركه واشارة الى عدم وجوبه سيما في السفر (فصلى الغداة) فيه عدم كراهية تسميتها بذلك وفي رواية ابن المسيب فصلى بهم ففيه استحباب الجماعة في الفائتة (من نسى الصلاة الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى والنسائى من حديث أنس ومسلم من حديث أبي هريرة أيضا (فليصلها اذا ذكرها) هذا محمول على الاستحباب اعني استحباب المبادرة بها كما هو قضية الفاء (أقم الصلاة لذكري) أي لتذكرني فيها قاله مجاهد وقال مقاتل اذا تركت صلاة ثم ذكرتها فاقمها وهو ظاهر استدلاله صلى الله عليه وسلم بها (ابن شهاب) محمد بن مسلم (يقرؤها للذكرى) مصدر ذكر يذكر (في حديث أبى قتادة الطويل) هو في صحيح مسلم عقب حديث أبي هريرة هذا (بهمس) بفتح الياء وكسر الميم آخره مهملة والهمس الكلام الخفي (انه ليس في النوم تفريط) أي لان النائم ليس مكلفا كما أجمع عليه العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلي حتى يبرأ وفي رواية وعن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن الصبى حتى يكبر وفي رواية حتي يحتلم رواه أحمد والحاكم عن عمر وعلى وعائشة ومسلم عن عمر وعلى وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن عائشة وانما وجب عليه القضاء بامر جديد علي المذهب الصحيح وقيل بالخطاب السابق وأما وجوب ضمان ما أتلفه نائما فهو لان غرامة التلفات لا يشترط لها تكليف اجماعا ومن ثم أوجب الله في كتابه الدية

مطلب في إسلام أبي هريرة رضي الله عنه وبعض خبره

لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها قالوا والفائتة لغير عذر كذلك أيضا في وجوب القضاء وانما يختلفان في جواز التأخير فيجوز تأخير الفائتة لعذر على الصحيح ولا يجوز تأخير الفائتة لغير عذر على الاصح وقال بعضهم لا يجوز تأخير واحدة منهما واستدل بهذه الاحاديث وهي حجة قوية وحملها الجمهور على الاستحباب وشذ بعض الظاهرية فقال لا يجب قضاء الفائتة لغير عذر وزعم انها اعظم من أن يخرج من وبال معصيته بالقضاء والله اعلم* [مطلب في إسلام أبي هريرة رضي الله عنه وبعض خبره] وممن اسلم بخيبر ابو هريرة واسمه عبد الرحمن بن صخر على الاصح من نحو ثلاثين قولا كما قاله النووي وكنى بهريرة كان يربيها* روينا في صحيح البخارى عنه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما افتتحها فقلت يا رسول الله اسهم لى فقال بعض بنى سعيد بن العاص لا تسهم له يا رسول الله فقال ابو هريرة هذا قاتل ابن قوقل قال ابن سعيد بن العاص واعجباه لوبر تدلى علينا من قدوم ضأن ينعى على قتل رجل مسلم والكفارة علي من قتل مؤمنا خطأ مع عدم اثمه اجماعا (حتي يجيء وقت الصلاة) فيه امتداد وقت كل صلاة الى دخول وقت الاخري وخرجت الصبح بقوله من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح رواه الشيخان والاربعة عن أبي هريرة والمغرب فيها قولان أظهرهما امتداد وقتها الى العشاء (فليصلها حين ينتبه لها) تمامه فاذا كان الغد فليصلها عند وقتها ومعنى ذلك أنه اذا قضاها لا يتحول وقتها ويتغير في المستقبل بل يبقى كما كان فيصليها في الغد في وقتها لا أنه يقضي الفائتة مرتين مرة في الحال ومرة في الغد على الصواب قال النووي وقد اضطربت أقوال العلماء فيه واختار المحققون ذلك (والفائتة بغير عذر كذلك في وجوب القضاء) لانه اذا وجب القضاء على ذى العذر فغيره أولى بالوجوب (فيجوز تأخير الفائتة بعذر على الصحيح) وفيه وجه حكاء البغوي وغيره انه لا يجوز وعلى الاول لو مات بعد التمكن من القضاء فلم يقض عصى (ولا يجوز تأخير الفائتة بغير عذر على الاصح) لان توبته لا تصح الا بفعلها وقيل لا تجب على الفور بل له التأخير (واستدل بهذه الاحاديث) يعنى قوله فليصلها اذا ذكرها والفاء للتعقيب (وحملها الجمهور على الاستحباب) كما قدمته (وشذ) بالمعجمتين (بعض الظاهرية) نقله النووي (فقال لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر) هذا خطأ من قائله وجهالة قاله النووي (ابن قوقل) بقافين مفتوحتين بينهما واو ساكنة بوزن جعفر واسمه النعمان بن مالك بن ثعلبة وقوقل لقب لثعلبة الخزرجي وكان النعمان استشهد يوم أحد أثخنه صفوان بن أمية وذفف عليه أبان بن سعيد (لوبر) بفتح الواو وسكون الموحدة آخره راء دابة صغيرة كالسنور وحشية وأراد أبان بذلك أن يحقره وأنه ليس في مقام من يشير بعطاء ولا منع (تدلى) نزل من أعلى الى أسفل وفي رواية تحدر وهو بمعناه وفي أخري تدأدأ بمهملتين بينهما همزة ساكنة من الدأدأة وهى صوت الحجارة في السيل وللمستملى في صحيح البخاري بدل الدال الثانية راء ويروي تردى بمعنى تحدر (من قدوم) بفتح القاف وضمها طرف (ضأن) في رواية الضأن بلام التعريف وهو بهمزة رأس الجبل لانه موضع الغنم غالبا وقيل بلا همز جبل لقومه دوس (ينعي عليّ) يذكر لى (قتل رجل) في رواية في الصحيح

أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه قال فلا ادري اسهم له أولم يسهم له ورواه البخاري في موضع آخر أبين من هذا على غير هذا الوجه لكن رواه معلقا بصيغة التمريض فقال ويذكر عن الزبيدي عن الزهري قال أخبرني عنبسة بن سعيد انه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من المدينة قبل نجد قال أبو هريرة فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحها وان حزم خيلهم الليف قال أبو هريرة قلت يا رسول الله لا تقسم لهم قال أبان وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبان اجلس فلم يقسم لهم* قلت وأبان هذا هو أبان بن سعيد بن العاص وهو الذي أجار عثمان يوم الحديبية حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم الى مكة وأسلم بعيد ذلك وعن أبي هريرة قال لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نحّت قال وابق مني غلام في الطريق قال فلما قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم فبايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا غلامك يا أبا هريرة قلت هو حر لوجه الله فأعتقته وروينا في صحيح مسلم عنه قال كنت أدعو أمي الى الاسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قلت يا رسول الله اني كنت أدعو أمي الى الاسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فاسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهدأم أبى هريرة ينعي على امرأ (أكرمه الله علي يدى) أى بالشهادة وفي رواية بيدي (ولم يهنى) بضم أوله رباعي أي لم يخزني (علي يديه) بان يقتلني فأموت على الكفر (لكن رواه معلقا بصيغة التمريض) قلت أسنده في باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيشدد فقال حدثنى الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري قال أخبرني عنبسة ابن سعيد أنه سمع أبا هريرة فذكره وعنبسة بالمهملة فالنون فالموحدة فالمهملة بوزن علقمة (أبان) بالصرف على الاشهر (حزم) بالمهملة فالزاي مضمومتين جمع حزام (الليف) في بعض نسخ الصحيح لليف (من رأس ضال) بالمعجمة واللام الخفيفة وهو السدر البري (وهو الذي اجار عثمان الى آخره) كما قاله ابن اسحاق في سيرته وغيره (بعيد ذلك) بالتصغير أي عقبه (وعنائها) تعبها ومشقتها (طلع الغلام) بفتح المهملة واللام أى ظهر (كنت أدعو امي) قال في سلاح المؤمن اسمها أميمة بنت صفيح بضم المهملة وفتح الفاء آخره مهملة هذا هو الصحيح المشهور وقيل اسمها ميمونة (فادع الله أن يهدى أم أبي هريرة) في هذا وما يأتي بعده ندب طلب الدعاء ممن يتوسم فيه الخير وفي قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اهد أم أبى هريرة)

فخرجت مستبشرا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جئت فصرت الى الباب فاذا هو مجاف فسمعت أمي خشفة قدمى فقالت مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها وفتحت الباب ثم قالت يا أبا هريرة اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح قال قلت يا رسول الله ابشر فقد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا قال قلت يا رسول الله ادعو الله أن تحببني انا وأمي الى عباده المؤمنين ويحببهم الينا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم حبب عبيدك هذا يعنى أبا هريرة وأمه الى عبادك المؤمنين وحبب اليهم المؤمنين فما خلق الله مؤمنا سمع بي ولا يرانى الا أحبنى ومع تأخر اسلامه فقد روى العدد الكثير وروى عنه الجم الغفير حتى لا يعلم فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احفظ منه ولا أوسع منه رواية وذلك بخصيصة خاصة حصلت له وهى ما رويناه في الصحيحين عنه واللفظ لمسلم قال يقولون ان أبا هريرة قد أكثر والله الموعد ويقولون ما بال المهاجرين والانصار لا يحدثون بمثل أحاديثه وقوله اللهم حبب عبيدك هذا الى آخره دليل علي جواز التحصين بالدعاء (مجاف) بضم الميم وتخفيف الجيم آخره فاء خفيفة أي مغلق واجاف الباب اذا أغلقه (خشفة قدمى) بمعجمتين الاولى مفتوحة والثانية ساكنة والخشف والخشفة صوت حركة ليست شديدة (مكانك) بالنصب علي الاغراء أى الزم (خضخضة) بمعجمتين مكررتين أى صوت تحريكه (ولبست) بكسر الموحدة (درعها) أي قميصها (وعجلت عن خمارها) مبادرة منها الى اخبار أبي هريرة بما يشرح له صدره (أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمد عبده ورسوله) فيه سرعة استجابة دعائه صلى الله عليه وسلم بعين ما سأل وذلك من اعلام النبوة (فحمد الله الى آخره) فيه استحباب حمد الله والثناء عليه عند حصول النعم (فقد روى العدد الكثير) في كتب الامهات وغيرها حتى قال سعيد بن أبي الحسن وابن حنبل انه أكثر الصحابة حديثا وهو ظاهر (حتى لا يعلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم احفظ ولا أوسع رواية منه) روي عنه انه قال أنا أكثر الصحابة حديثا الا ما كان من عبد الله بن عمرو فانه كان يكتب ولا أكتب وظاهر هذا مساواة عبد الله له لكن ما نقل وروي من حديث أبى هريرة أكثر (فائدة) قال أحمد بن حنبل ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر والرواية عنه عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وابن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله وابن عباس وأنس انتهى (وهي ما روينا في الصحيحين) وسنن الترمذي وطبقات ابن سعد (قد أكثر) أي أكثر الحديث وجاء بأحاديث لم نسمعها (والله) بالرفع (الموعد) بفتح الميم وكسر المهملة أي فيحاسبنى ان كنت تعمدت كذبا على رسوله

وسأخبركم عن ذلك ان اخواني من المهاجرين والانصار كان يشغلهم الصفق بالاسواق وكنت ألزم رسول الله على ملء بطني فأشهد اذا غابوا واحفظ اذا نسوا ولقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثى هذا ثم يجمعه الى صدره فانه لم ينس شيئا سمعه فبسطت بردة كانت على جنى حتى فرغ من حديثه ثم جمعتها الى صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثنا به فلولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا أبدا «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى» الى آخر الآيتين ومع ذلك فقد امسك عن بعض ما أسمع خشية الفتنه وان لا تبلغه الافهام روي عنه قال اعطانى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الله عليه وسلم ويحاسب من ظن بي سوءا (وسأخبركم) (عن) سبب (ذلك) أي كوني أكثرهم حديثا (شغلهم) بفتح أوله وحكى ضمه قال النووى وهو غريب (الصفق) بفتح المهملة وسكون الفاء وهو ضرب اليد على اليد كناية عن التبايع لجريان عادة المتبايعين بضرب يده على يد صاحبه (بالاسواق) جمع سوق يؤنث ويذكر وسميت به لقيام الناس فيها على سوقهم (القيام على أموالهم) وللبخاري العمل في أموالهم ولمسلم في رواية أخرى عمل أرضهم (على ملء بطنى) وللبخارى وأن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطنه ولمسلم في أخرى كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطنى ومعناه كما قال النووي اقنع بقوتى ولا أجمع مالا لذخيرة ولا غيرها ولا أزيد على قوتها والمراد من حيث حصل القوت من الوجوه المباحة وليس هو من الخدمة بالاجرة وفي حديث أبي هريرة هذا دليل على ذكر جواز الشخص نفسه بفضله اذا ترتب على ذلك مصلحة (فاشهد اذا غابوا واحفظ اذا نسوا) وللبخاري ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون (أيكم يبسط ثوبه) للبخاري اني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه قال ابسط رداءك (فبسطت بردة كانت على جنبي) زاد الترمذي فحدثني كثيرا يؤخذ من ذلك ندب بسط رداء عند قراءة القرآن والحديث والدعاء ثم جمعه الى الصدر وللبخاري فغرف بيده ثم قال ضمه فضممته قال في التوشيح لم يذكر المغترف منه وكأنها كانت اشارة محضة انتهى وانما غرف صلى الله عليه وسلم في الرداء ليجمع به البركة من كفيه صلى الله عليه وسلم (حتى فرغ من حديثه) وكان ذلك الحديث ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا مما فرض الله عز وجل فيتعلمهن ويعلمهن الا دخل الجنة أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق الحسن عن أبي هريرة (فما نسيت إلي آخره) فيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) نزلت فيمن كتم من اليهود صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم وغيرها من الاحكام التى كانت في التوراة (الى آخر الآيتين) وللبخارى الي قوله الرحيم (روى عنه قال أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) رواه البخاري بلفظ حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين أى نوعين من العلم قال في التوشيح من اطلاق المحل على الحال (أما

مطلب في غزوة زيد بن حارثة جذام وذكر سببها

وعائين اما احداهما فبثثته واما الآخر فلو أخرجته قطع مني البلعوم وحكي عن أحمد بن حنبل قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقلت يا رسول الله ما روى أبو هريرة عنك حق قال نعم وقد ذكرنا نبذا من مناقبه في كتابنا الرياض المستطابة والله أعلم [مطلب في غزوة زيد بن حارثة جذام وذكر سببها] وذكر البخاري بعد غزوة خيبر غزوة زيد بن حارثة وهي التي أغار فيها على جذام وسببها ان دحية بن خليفة الكلبى جاء بتجارة من الشام وذلك مرجعه من عند قيصر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه اليه فلما كان ببلاد جذام أغار عليه الهنيد الجذامي ثم الصليعي وأخذ جميع ما معه وكان رفاعة بن زيد الجذامي قد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية فأسلم وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب أمن لقومه فقدم على قومه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم كثير منهم فلما سمع المسلمون منهم بفعل الهنيد أغاروا عليه وحاربوه واستنقذوا ما كان لدحية وردوه عليه فلما قدم دحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقاه دم الهنيد أحدهما) ففيه معرفة الحلال والحرام وجميع الاحكام الشرعية (فبثثته) زاد الاسماعيلي في الناس ومعنى بثثته أذعته ونشرته وأظهرته خوفا من لحوق الوعيد في كتمانه (وأما) الوعاء (الآخر) فلا يترتب عليه شيء من ذلك انما فيه اسماء أمراء الجور وأحوالهم وذمهم وفساد الزمان وتراكم الفتن المضلة واختلاف الاهواء فمن ثم كان أبو هريرة يكني عن بعض ذلك ولا يصرح به خوفا على نفسه كقوله في قوله صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش رواه أحمد والشيخان لو شئت لسميتهم لك وكقوله أعوذ بالله من رأس الستين وامارة الصبيان يشير الى خلافة يزيد فانها كانت سنة ستين قال في التوشيح فاستجاب الله دعاءه فمات قبلها بسنة وقال بعض علماء الصوفية المراد بالوعاء الثانى علم الاسرار المصون عن الاغيار المختص بالعلماء بالله تعالى من أهل العرفان قال بعضهم وهو نتيجة الخدمة وثمرة الحكمة لا يظفر به الا من غاص في بحار المجاهدات ولا يسعد به الا المصطفين بأنوار المشاهدات وهى أسرار كامنة في القلوب لا تظهر الا بالرياضة قال الكرمانى وأقول نعم يشترط أن لا تدفعه القواعد الاسلامية ولا تنفيه القوانين الايمانية اذ ما بعد الحق الا الضلال (قطع مني البلعوم) بضم الباء كناية عن القتل وللمستملى لقطع هذا يعنى رأسه (عن احمد) بن محمد (بن حنبل) بفتح المهملة وسكون النون بعدها موحدة مات ببغداد في ربيع الآخر سنة احدى وأربعين ومائتين ولد سنة أربع وستين ومائة (فائدة) روي عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال رأيت أبا هريرة في النوم وأنا بسجستان أصنف حديث أبى هريرة فقلت اني لاحبك فقال أنا أوّل صاحب حديث كان في الدنيا (وذكر البخارى رحمه الله الى آخره) لم يذكرها صريحا وانما ذكر بعث النبى صلى الله عليه وسلم اسامة وقوله ان طعنتم في امارته فقد طعنتم في امارة أبيه من قبل (ببلاد جذام) بضم الجيم ومعجمة وهي قبيلة تنسب الى جذام بن عدي أخي لخم (الهنيد) مصغر (الصليعي) بالاهمال مصغر أيضا منسوب الى الصليعا موضع (استسقاه دم الهنيد) أى استأذنه في قتله

الكلام على غزوة ذات السلاسل وشرح ذلك

فجهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة فقتل الهنيد وابنه ورجالا من قومه وجمع السبايا والأموال من بلاد جذام ممن كان قد أسلم ولحقه امان رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترضه رجال من جذام واخبروه باسلامهم فصدقهم وأمر الجيش أن لا يهبطوا واديهم ثم سألوه السبايا التي عنده فهم أن يردها عليهم ثم صرفه عن ذلك تهمة سمعها منهم فانطلقوا الى رفاعة بن زيد وكل ذلك لم يعلم به فقالوا له انك تحلب المعزا ونساء جذام أسارى فسار مشتكيا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركب معه رجال من قومه فقطعوا الطريق في ثلاث ليال فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الناس الاح اليهم بيده أن تعالوا فدفع رفاعة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابه الذي قد كان كتبه له وقال دونك يا رسول الله قديما كتابه حديثا غدره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقرأ يا غلام واعلن فقرأه ثم استخبرهم فأخبروه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع بالقتلى ثلاث مرات فقال رفاعة أنت أعلم يا رسول الله لا يحرم عليك حلالا ولا يحل لك حراما فقال أبو زيد بن عمرو الجذامى اطلق لنا يا رسول الله من كان حيّا ومن قتل فهو تحت قدمي هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدق أبو زيد اركب معهم يا على فقال على كرم الله وجهه ان زيدا لا يطيعني فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيفه فلما خرجوا اذا رسول زيد قد استقبلهم على ناقة من ابلهم فأخذوها ثم تقدموا فلقوا زيدا بفيفاء الفحلتين فأخذوا كل شئ معه من ما لهم والله أعلم [الكلام على غزوة ذات السلاسل وشرح ذلك] وفي هذه السنة وقيل في الثامنة غزوة ذات السلاسل سميت بذلك لأن المشركين ارتبط (تهمة) بفتح الهاء واسكانها (تحلب المعزى) بكسر الميم مقصور وممدود ما عدا الضأن من الغنم كالمعز والمعيز والأمعوز والمعازو واحدها ماعز (قديما كتابه حديثا غدره) بنصب قديما وحديثا باضمار كان (فهو تحت قدمي هذه) أى ساقط ليس فيه شيء (بفيفاء) بفتح الفاء بينهما تحتية آخره همزة ممدودة ويقصر الارض المستوية والمفازة لا ماء فيها (الفحلتين) بالفاء والمهملة تثنية فحلة. وفي جمادى الاخرى من (هذه السنة) أي التاسعة (وقيل في الثامنة) وهو الصحيح بل لم يذكر النووي غيره غزوة ذات السلاسل رواها الشيخان عن أبي عثمان النهدي وعن أبي عمرو وهى بفتح السين المهملة على المشهور (سمي بذلك لان المشركين ارتبط بعضهم ببعض خشية أن يفروا) أو لانه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة قولان وقيل ان أوله بالضم ذكره ابن الاثير وغيره قال النووى

بعضهم ببعض خشية أن يفروا وقيل سميت باسم ماء انتهت غزوتهم اليه في أرض بني عذرة وكان أميرها عمرو بن العاص بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستنفر العرب الى الاسلام فلما كان بأرض بني عذرة من جذام خاف وأرسل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستمده فأمده بأبى عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين فيهم أبو بكر وعمر فكان عمرو يصلي بهم حتى انصرفوا وفي هذه الغزوة جرى حديث رافع بن أبى رافع الطائي وقوله لابى بكر الصديق حين صحبه انما صحبتك لينفعنى الله بك فانصحنى وعلمنى فأمره أبو بكر بجمل من شرائع الاسلام ونهاه عن الامارة فأجاب بالطواعية في كل ما أمره به حتى قال واما الامارة يا أبا بكر فانى رأيت الناس لا يشرفون عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعند الناس الا بها فلم تنهاني عنها قال انما استجهدتني لاجهد لك وسأخبرك عن ذلك إنشاء الله تعالى ان الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الدين فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه طوعا وكرها فلما دخلوا كانوا عواذا لله وجيرانه في ذمته فاياك أن تخفر الله في جيرانه فيتبعك الله في خفرته فان أحدكم يخفر في جاروه فيضل نائيا عضله غضبا لجاره إن أصيب له شاة أو بعير فالله أشد غضبا لجاره قال ففارقته على ذلك فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّر أبو بكر على الناس قال قدمت عليه فقلت له يا أبا بكر ألم تك نهيتنى أن أتأمر على اثنين قال بلى وانا الآن انهاك عن ذلك قال فقلت له فما حملك على أن تلي أمر الناس قال لا اجد من ذلك بدا وخشيت على أمة وأظنه استنبطه من كلام الجوهرى في الصحاح ولا دلالة فيه فهو بمعنى السلسال أى السهل (قيل سميت باسم ماء) يقال له السلسل وهو ماء لبنى حذام وراء وادي القرى على عشرة أميال من المدينة (عذرة) بضم المهملة وسكون المعجمة بعدها راء قبيلة من جذام (فكان أميرها) بالنصب خبر كان مقدم (عمرو بن العاص) بالرفع اسمها ويجوز عكسه (يستنفر الغرب) يطلب منهم البعير الي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بأبي عبيدة) عامر ابن عبد الله (بن الجراح) ومر ذكر نسبه (الطائي) نسبه الى طيء القبيلة وهي مهموزة (وقوله لابي بكر) بالرفع (فانصحني) قال الخطابى النصيحة كلمة جامعة معناه خياره الخطة للمنصوح وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفي بها العبارة غير معناها كما انه ليس في كلامهم كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة من لفظ الفلاح قالوا واحدها من نصح الثوب اذا خاطه شبه فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب وقيل من نصح العسل وهو تصفيته من الشمع شبه به تخليص القول من الغش (بالطواعية) بفتح المهملة وتخفيف التحتية وتشديدها أي الطاعة (عواذ الله) بضم المهملة وتشديد الواو وبعدها ذال معجمة أي في عصمة الله ومنعه (في ذمته) أي في أمانه وضمانه وحرزه (تخفر الله) بضم أوله أي تنقض أمانه وضمانه وعهده (نائيا) بالهمز وتركه أي بارزا ظاهرا (عضله) بالمهملة فالمعجمتين المفتوحتين أي عصب وجهه وحلقه كني بذلك عن شدة

مطلب في الكلام الإمارة والتنفير من التعرض للرياسة والوعيد لأهلها

محمد الفرقة. قلت وفي معنى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لابى ذر يا أبا ذر انى أراك ضعيفا وانى أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرني على اثنين ولا تولين مال اليتيم. وعنه قال قلت يا رسول الله ألا تستعملنى فضرب بيده على منكبي فقال يا أباذر انك ضعيف وانها امانة وانها يوم القيامة حسرة وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها رواهما مسلم. [مطلب في الكلام الإمارة والتنفير من التعرض للرياسة والوعيد لأهلها] وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انكم ستحرصون على الأمارة وستكون ندامة يوم القيامة رواه البخارى وقال صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة فانك ان اعطيتها من غير مسئلة أعنت عليها وان أعطيتها عن مسئلة وكلت اليها واذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك روياه. والاحاديث في التنفير من التعرض للرياسة والوعيد لاهلها وأمرهم بالاستقامة كثيرة فى الصحاح وغيرها من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته الا حرم الله عليه الجنة متفق عليه وفي رواية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة وفي رواية لمسلم ما من أمير يلى أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم الا لم يدخل معهم الجنة وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا يقول اللهم من ولي من أمر أمتى شيئا فرفق بهم فأرفق به رواه مسلم ودخل عايذ بن عمرو الغضب فانه يبلغ من الشخص هذا المبلغ وأصل العضل كل لحمة مكتنزة غليظة (انك ضعيف) أي عن القيام بوظائف الولايات (لا تأمرن) بحذف تاء الفعل ونون التأكيد المشددة (ولا تولين) كذلك أيضا (رواهما مسلم) وأبو داود قال النووي هذا الحديث أي وما أشبهه أصل عظيم في اجتناب الولايات (انكم ستحرصون) بكسر الراء ويجوز فتحها (على الامارة) هذا من اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إذ وقع الأمر كما أخبر (وستكون ندامة) وحسرة (يوم القيامة) فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة (رواه البخارى) والنسائي (الامارة) بكسر الهمزة الولاية (وكلت اليها) أي أسلمت اليها ولم يكن معك اعانة وفي أكثر نسخ الصحيحين أكلت بالهمزة (واذا حلفت على يمين الى آخره) فيه دليل على جواز تقديم الكفارة على الخنث وهو كذلك ان كفر باطعام أو عتق أو كسوة بخلاف الصوم قال في التوشيح وعلى زائدة أو بمعنى الباء (روياه) أى الشيخان ورواه أيضا أبو داود والترمذي والنسائى (فلم يحطها) بفتح أوله وبمهمتين الأولى مضمومة والثانية ساكنة أي لم يراعها (ثم لا يجهد) أى يتحمل المشاق فيما يصلحهم (الا لم يدخل معهم الجنة) للبيهقى في السنن عن أبى هريرة ما من أمير عشرة الا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتى يفكه العدل أو يوثقه الجور وللطبراني في الكبير من حديث ابن عباس ما من أمير يؤمر على عشرة الاسئل عنهم يوم القيامة (عايذ) بالمهملة والتحتية والذال المعجمة (ابن عمرو) هو

على عبيد الله بن زياد فقال أي بني انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن شر الرعاء الحطمة فاياك ان تكون منهم متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بنو اسرائيل تسوسهم الانبياء كلما هلك نبى خلفه نبي وانه لا نبي بعدى وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا به قال فوا ببيعة الأوّل ثم اعطوهم حقهم واسئلوا الله الذي لكم فان الله يسئلهم عن استرعائهم رواه البخاري ومسلم ودخل ابو مريم الأزدي على معاوية فقال له سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ولاه الله شيئا من امور الناس فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس رواه ابو داود والترمذي وعن ابي سعيد وابي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة الا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصمه الله رواه البخارى وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله الانصاري (على عبيد الله بن زياد) كان واليا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية (الحطمة) بضم الحاء وفتح الطاء المهملتين وهو العنيف الذي لا يرفق سمي بذلك لحطمه الناس بجوره أى كسره اياهم والحطم الكسر ومن ثم سميت النار الحطمة (متفق عليه) انما رواه احمد ومسلم وليس في البخاري وتتمته فقال اجلس فانما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهل كان لهم نخالة انما النخالة بعدهم وفي غيرهم والنخالة بضم النون السقط (بنو اسرائيل) هم أولاد يعقوب (يسوسهم) يقوم بامورهم كما يقوم سائس الدابة بأمرها (كلما هلك نبى) كموسى (خلفه نبي) كيوشع (وانه لا نبي بعدي) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في الاخبار بالمغيبات وكذا قوله (وسيكون بعدي خلفاء) والخلفاء جمع خليفة وهو كل امام عادل (فوا) بضم الفاء أمر من الوفاء (بيعة الاول) بالباء الجارة وفي بعض نسخ الصحيح أوفوا من الايفاء بيعة بغير باء (أبو مريم) اسمه عبد الله بن زياد (الازدى) بسكون الزاي ينسب الى أزد شنوءة ويقال فيه الاسدي بالسين المهملة بدل الزاي ساكنة أيضا (على معاوية) بن أبي سيفان صخر بن حرب وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة (فقال له) أبو مريم بعد أن قال معاوية ما انعمنا بك أبا فلان قال قلت حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من ولاه الله) يستدل به لمذهب أهل السنة أن الخير والشر منه جل وعلا ووجه ذلك نسبة الولاية اليه عز وجل مطلقا في العادل والجائر (خلتهم) بفتح المعجمة أي حاجتهم (فجعل معاوية) رجلا لم يسم (على حوائج الناس) أي خوفا مما ذكر له أبو مريم (رواه أبو داود والترمذي) وللطبرانى في الكبير من حديث ابن عمر من ولي شيئا من أمور المسلمين لم ينظر الله في حاجته حتى ينظر في حوائجهم (بطانتان) تثنية بطانة بكسر الموحدة وبطاء مهملة ونون وبطانة الرجل خاصته وموضع سره

عليه وسلم اذا اراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق ان نسى ذكره وان ذكر اعانه واذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء ان نسى لم يذكره وان ذكر لم يعينه رواه أبو داود باسناد جيد على شرط مسلم. ومما ينخرط في هذا السلك قوله صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته والامام راع ومسؤل عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤل عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤلة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤل عن رعيته وكلكم راع ومسؤل عن رعيته رواه البخارى ومسلم. اما اذا عدل الوالى وسدد وقارب فقد قال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل الا ظله امام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا (وزير صدق) أى معين له على الخير (وان أراد به غير ذلك) أي أراد به شرا (وزير سوء) بضم المهملة مع المد ويفتحها مع القصر (رواه أبو داود) والبيهقى في الشعب (ينخرط) بخاء معجمة وطاء مهملة أى يدخل (السلك) بكسر المهملة وسكون اللام (كلكم راع) أى حافظ مؤتمن ملتزم صلاح ما هو قائم به وما هو تحت نظره (رواه البخاري ومسلم) وأبو داود والترمذي عن ابن عمر (سبعة يظلهم الله في ظله) أى ظل عرشه كما في رواية لمسلم ولسعيد بن منصور قال القاضي واضافة الظل الى الله تعالى اضافة ملك وكل ظل فهو لله وملكه وخلقه وسلطانه (يوم لا ظل) يقى من حر الشمس لقربها من الرؤس والجام العرق (الاظله) وهو ظل العرش كما مر إذ لا ظل هناك شيء الا له قاله النووي قال وقد يراد به ظل الجنة وهو نعيمها والسكون فيها كما قال تعالى وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا وقال ابن الأنباري المراد بالظل هناك الكرامة والكنف والكن من المكاره في ذلك الموقف وليس المراد ظل الشمس قال القاضي وما قاله معلوم في اللسان يقال فلان في ظل فلان أي مكان كنفه وحمايته قال وهو أولى الاقوال ويكون اضافته الي العرش اضافة تشريف لانه في التقريب والكرامة والا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفي ظله (امام) قال القاضي وهو كل من اليه نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه (عادل) وفي بعض نسخ الصحيحين الامام العادل وفي بعضها الامام العدل قال في التوشيح وهو الذي يتبع أمر الله يوضع كل شيء في موضعه بلا افراط ولا تفريط (وشاب نشأ في عبادة الله) ولمسلم بعبادة الله أي نشأ متلبسا بالعبادة أو مصاحبا لها أو متصفا بها قاله النووي ويحتمل أن يكون بمعنى في كما في غير مسلم قاله القرطبى زاد الجوزقى حتى توفي على ذلك ومن حديث سلمان أفني شبابه ونشاطه في عبادة الله تعالى قلت انما كان الشاب المتصف بذلك في ظل الله لانه في الدنيا استتر بظل التقوى عن حر الشهوات الهائلة أيام الشباب الحاملة على جمل من المعاصي (ورجل قلبه معلق) وفي بعض نسخ الصحيحين متعلق بزيادة التاء (في المساجد) وفي رواية لمسلم في المسجد ولأحمد بالمساجد وللجوزقى كأنما قلبه معلق في المسجد زاد سليمان من حبها ومعناه أنه كثير الملازمة للمسجد بقلبه وان كان جسده خارجا قال النووى ومعناه أنه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها وليس معناه دوام القعود في المسجد (ورجلان تحابا)

فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال انى اخاف الله عز وجل ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه أحب كل منهما الآخر (في الله عز وجل) أى لارياء ولا سمعة ولا لغرض دنيوي (اجتمعا عليه) في بعض نسخ البخارى على ذلك أى كان هو السبب في اجتماعهما (وتفرقا عليه) أى استمرا على ذلك حتى افترقا من مجلسهما وهما صادقان في حب كل واحد منهما لله تعالى وفي حال اجتماعهما وافتراقهما قال النووى في هذا الحديث الحث على التحاب في الله وبيان عظيم فضله وهو من المهمات فان الحب في الله والبغض في الله من الايمان وهو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس أو من وفق له وعد هذه الخصلة واحدة لأن المحبة لا تتم الا من اثنين (ورجل دعته) وللبخارى طلبته (امرأة ذات منصب) أي حسب وشرف وخصها بكثرة الرغبة وعثر حصولها زاد ابن المبارك الى نفسها أي عرضت نفسها عليه ليزني بها على الصحيح قال القاضى ويحتمل أنها دعته لنكاحها فخاف العجز عن القيام بحقها أو لأن الخوف من ألله تعالى شغله عن لذات الدنيا وشهواتها (فقال) بلسانه أو بقلبه ليزجر نفسه عما دعته اليه (اني أخاف الله) زادت كريمة في صحيح البخاري رب العالمين (فأخفاها) ولا حمد فأخفى وللاصيلى في صحيح البخارى اخفاء مصدر أو حال كونه مخفيا فيه فضل صدقة السر اذا كان تطوعا لأنها أقرب الى الاخلاص وابعد من الرياء (حتى لا تعلم) بالرفع والنصب (شماله ما تنفق يمينه) هذا هو الصواب ووقع في صحيح مسلم حتى لا يعلم يمينه ما ينفق شماله قال في التوشيح وهو مقلوب وهم فيه يحيى القطان أي لأن المعروف في النفقة ان محلها اليمين والقصد المبالغة في الاخفاء فضرب المثل باليمين والشمال لقربهما وملازمتهما ومعناه لو قدرت الشمال رجلا متيقظا لما علمت بصدقته لشدة الاخفاء وقيل المراد من على يمينه وشماله من الناس قال في الديباج قال القرطبى وقد سمعنا من بعض المشايخ أن ذلك أن يتصدق على الضعيف في صورة المشترى منه فيدفع له درهما في شىء يساوي نصف درهم فالصورة مبايعة والحقيقة صدقه قال وهو اعتبار حسن (ورجل ذكر الله) بلسانه أو بقلبه حال كونه (خاليا) من الخلق ومن الالتفات الى غير الله ولو كان في ملا (ففاضت عيناه) زاد البيهقي من خشية الله تعالى والمراد فاضت دموع عينيه فهو مجاز كجرى الميزاب وقال القرطبي فيض العين بكاؤها وهو على حسب حال الذاكر وبحسب ما ينكشف له من أوصافه تعالى فان انكشف له غضبه وسخطه فبكاؤه عن خوف وان انكشف جماله وجلاله فبكاؤه عن محبة وشوق وهذا لتلون الذاكر بتلون ما يذكر من الأسماء والصفات قال وهذا الحديث جدير بان ينعم فيه النظر ويستخرج ما فيه من اللطائف والعبر انتهى (فائدة) بقيت خصال أخرى تقتضى الظل وصلها الحافظ ابن حجر الى ثمانية وعشرين وجلال الدين السيوطي الى سبعين منها رجل كان في سرية فلفوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجا ونجوا واستشهد رواه ابن زنجويه عن الحسن مرسلا وابن عساكر عن أبي هريرة. ورجل غض عينيه عن محارم الله وعين حرست في سبيل الله رواه البيهقي في الاسماء من حديث أبى هريرة والتاجر الامين. والامام المقتصد. وراعى الشمس بالنهار أخرجه في الثلاثة الحاكم في تاريخه والديلمى في مسند الفردوس من حديث

رواه البخاري ومسلم فقدم الامام عليهم. وقال صلى الله عليه وسلم أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط موفق ورجل رحيم القلب لكل ذي قربى ومسلم عفيف متعفف ذو عيال رواه مسلم وقال الامام كبير الشان رفيع الذكر أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن البصري رحمه الله تعالى الناس في هذه الدنيا على خمسة أصناف العلماءهم ورثة الأنبياء والزهاد هم الأدلاء أبي هريرة. ومن انظر معسرا أو وضع عنه أخرجه أحمد من حديث أبي البشر كعب بن عمرو. ورجل حيث توجه علم أن الله معه أخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث أبي أمامة. وواصل الرحم. وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتاما صغارا فقالت لا ابرح أقيم على أيتامى حتي يغنيهم الله. وعبد صنع طعاما فاضاف ضيفه فاحسن نفقته فدعا عليها اليتيم والمسكين فاطعمهم لوجه الله عز وجل أخرجه في الثلاثة أبو الشيخ في الثواب والاصبهاني والديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس. ومن عزى الثكلى أخرجه ابن السنى في عمل اليوم والليلة من حديث أبي بكر وعمران بن حصين. وحملة القرآن أخرجه أبو نصر عبد الكريم الشيرازي في فوائده والديلمي في مسند الفردوس وابن النجار بسند ضعيف من حديث على. ورجل لم تأخذه في الله لومة لائم. ورجل لم يمد يده الى ما لا يحل له أخرجه الاصبهاني في ترغيبه من حديث ابن عمر. ومن نفس عن غريمه أو محاعنه رواه أحمد عن أبي قتادة. والشهداء رواه العقيلى من حديث أبي هريرة. (فائدة) أخرى قال في التوشيح لا مفهوم للرجال في هذا الحديث فالنساء كذلك الا في الامامة انتهى قلت لكن بالنسبة الى تعلق القلب بالمسجد يكون المراد بالنسبة اليها مسجد بيتها لأن صلاتها فيه أفضل من المسجد فهو اليها كالمسجد بالنسبة الي الرجل وكذلك يقال وامرأة دعاها رجل ذو منصب وجمال فقالت انى أخاف الله (رواه) أحمد و (البخارى ومسلم) والنسائي عن أبي هريرة ورواه مسلم عن أبى سعيد وسعد بن منصور عن سلمان (فقدم) في هذا الحديث (الامام) العادل (عليهم) لما مر (مقسط) أى عادل (ومسلم) بالجر عطفا على ذي قربى (أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن) يسار (البصرى) الانصاري مولاهم أمه خيرة مولاة أم سلمة أم المؤمنين ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وكانت دائما ترضعه أم سلمة فيرون أن فصاحته وحكمته من بركة ذلك نشأ بوادى القرى ورأي طلحة بن عبيد الله وعائشة ولم يسمع منهما وحضر الدار وله أربع عشرة سنة فسمع ابن عمر وأنسا وجندب بن عبد الله وغيرهم وأدرك من الصحابة مائة وثلاثين وكان يوم بوبع لعلي ابن أربع عشرة سنة قال ابن سعد كان جامعا عالما رفيقا فقيها ثقة مأمونا عابدا ناسكا كثير العلم جميلا فصيحا وسيما مات سنة عشر ومائة ومات محمد بن سيرين بعده بثلاثة أشهر واحد عشر يوما (العلماء هم ورثة الانبياء) هو حديث رواه الشيخان وغيرهما زاد ابن النجار عن أنس يحبهم أهل السماء وتستغفر لهم الحيتان في البحر اذا ماتوا الى يوم القيامة (والزهاد) جمع زاهد وحقيقة الزهد ترك ما سوى الحاجة وجاء في الحديث الزهد في الدنيا ليس بتحريم الحلال ولا اضاعة المال ولكن الزهادة في الدنيا ألا تكون بما في يديك أوثق منك بما في يد الله وان تكون في ثواب المصيبة اذا أنت أصبت أرغب منك

والغزاة هم أسياف الله والتجارهم امناء الله والملوك رعاة الخلق فاذا أصبح العالم طامعا وللمال جامعا فبمن يقتدى واذا أصبح الزاهد راغبا فبمن يستدل ويهتدى واذا أصبح الغازى مرائيا والمرائي لا عمل له فمن يظفر بالعدى واذا كان التاجر خائنا فمن يؤمن ويرتضى واذا أصبح الملك ذئبا ضاريا فمن يحفظ الغنم ويرعى والله ما أهلك الناس الا العلماء المداهنون والزهاد الراغبون والغزاة المراؤن والتجار الخائنون والملوك الظالمون وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون. وفي معنى ذلك أنشد الشيخ الامام العالم العامل ذو السياحات والرياضات والبركات عبد العزيز الديريني الدميري لنفسه اذا ما مات ذو علم وتقوى ... فقد ثلمت من الاسلام ثلمه فيها لو انها أبقيت لك رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي ذر (والغزاة) المجاهدون (هم أسياف الله) ينتقم بهم من أعدائه (والتجارهم أمناء الله) استأمنهم على ما خولهم لينظر أيحفظون الامانة أم يضيعونها بالبخل ومنع الزكاة وطلب الرزق من غير حله (والملوك رعاة الخلق) لقوله في الحديث الامام راع (واذا أصبح الغازى مرائيا) غير مخلص عمله لله تعالى وجاء في الحديث الشرك الخفي ان يعمل الرجل لمكان الرجل رواه الحاكم عن أبي سعيد وللحاكم من طريق ابن عباس الشرك في أمتى أخفي من دبيب النملة على الصفا وللحاكم وأبي نعيم في الحلية عن عائشة الشرك أخفى في أمتى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلما وأدناه ان يحث على شىء من الجور ويبغض على شئ من العدل وهل الدين الا الحب في الله والبغض في الله قال الله تعالى فان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله (فائدة) روى الحاكم عن أبي بكر ان من قال اللهم اني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم واستغفرك لما لا أعلم يقولها ثلاث مرات اذهب الله عنه صغار الشرك وكباره وقال الفضيل ترك العمل لأجل الناس ريا والعمل لاجل الناس شرك والاخلاص أن يعافيك الله منهما (والمرائي لا عمل له) مقبول (فمن يظفر بالعدى) اذا كانت العاقبة للمتقين والرياء ينافي التقوى (واذا أصبح الملك) بكسر اللام يأكل الناس أكلا ذريعا فمثله كراعي غنم أصبح (ذئبا) بالهمز وتركه (ضاريا) إلفا معتادا (ما أهلك الناس) بالنصب (الا العلماء المداهنون) بالدال المهملة والنون وحقيقة المداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا وليست المداراة مداهنة وحقيقتها بذل الدنيا لصلاح الدين أو دنيا (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) نزلت في المشركين الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي منقلب) مرجع (ينقلبون) يرجعون قال ابن عباس الى جهنم والسعير (عبد العزيز) بن سعيد (الديرينى) بفتح المهملة وسكون التحتية وكسر الراء ونون نسبة الى ديرين محلة بمصر (الدميري) بفتح المهملة وكسر الميم وثلمت (بالمثلثة) مبني للمفعول كسرت (من) دين (الاسلام ثلمه) كسرة وأو لها مثلث والضم أشهر (فائدة) قال عطاء وجماعة في قوله

تتمة في بعث عمرو بن العاص أميرا على جيش ذات السلاسل وذكر بعض مناقبة والكف عن ذكر أصحاب رسول الله إلا بخير

وموت العابد المرضي نقص ... ففى مرآه للأسرار نسمه وموت العابد الملك المولى ... بحكم الحق منقصة وفصمه وموت الفارس الضرغام هدم ... فكم شهدت له بالنصر عزمه وموت فتى كثير الجود محل ... فان بقاءه خصب ونعمه فحسبك خمسة يبكى عليهم ... وموت الغير تخفيف ورحمه ولبعضهم أيضا اذا جار الأمير وكاتباه ... وقاضى الأرض داهن في القضاء فويل ثم ويل ثم ويل ... لقاضى الأرض من قاضى السماء ومن آفات الرياسة ان يتصدى لها ويدخل فيها قبل الاستعداد والتأهل فيعرض نفسه للفتن والاحن ويفتضح ولا يفلح وأنشد بعضهم: الكلب أحسن عشرة ... وهو النهاية في الخساسه ممن ينازع في الرئاسة ... قبل أوقات الرئاسه [تتمة في بعث عمرو بن العاص أميرا على جيش ذات السلاسل وذكر بعض مناقبة والكف عن ذكر أصحاب رسول الله إلا بخير] وقال بعضهم من تصدر قبل أوانه تصدى لهوانه وقد تمادى بنا الكلام في هذه الغزاة رجاء الفائدة ولم يذكر البخارى فيها غير حديث واحد وخرجه مسلم أيضا وهو ما رويا تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها» أن ذلك موت العلماء وذهاب الفقهاء (ففى مرآه) بفتح الميم وسكون الراء ومد الهمزة أي منظره (منقصة) أي نقص (وفصمه) بالفاء والمهملة أي انقطاع (الفارس الدرغام) بكسر المعجمة أي شديد البأس (عزمه) جد واجتهاد وصبر على مقاساة أحوال الحرب (وموت فتى كثير) بالكسر (الجود) والكرم والسخاء والسماحة مترادفة قال في الشفاء وقد فرق بعضهم بينهما بفروق فجعل الكرم الانفاق بطيب النفس فيما يعظم خطره ونفعه وسموه أيضا حرية وهو ضد النذالة والسماحة التجافي عما يستحقه المرء عند غيره بطيب نفس وهو ضد الشكاسة والسخاء سهولة الانفاق وتجنب اكتساب ما لا يحمد وهو الجود وهو ضد التقتيز (محل) بفتح الميم وسكون المهملة جدب (فان بقاءه خصب) بكسر المعجمة وسكون المهملة (فحسبك) أي يكفيك (فويل) شدة عذاب قاله ابن عباس أو واد في جهنم قاله سعيد بن المسيب وجاء في الحديث الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم من حديث أبى سعيد الخدري (الرئاسة) بكسر الراء أن يصير الشخص رئيسا (أن يتصدى) أي يتعرض (ويدخل) بالفتح وكذا ما بعده (ولا يفلح) أي لا ينجو (عشرة) مثلث العين والكسر أشهر أي معاشرة (من تصدر) أي ترأس (قبل أوانه) أي وقته (تصدى لهوانه)

عن أبى عثمان النهدى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أى الناس أحب اليك قال عائشة قلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من قال غمر فعد رجالا فسكت مخافة ان يجعلني في آخرهم وفي هذا الحديث منقبة لعائشة وأبيها وعمر بن الخطاب فأما عمرو بن العاص فانه وان لم يكن هذا مقامه فلا يلزم من ذلك حط مرتبته ولا نقص من منزلته فقد وردت له فضائل منها تأمير النبى صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الغزوة على كثير من جملة المهاجرين الأولين فكان يصلى بهم حتى رجعوا وقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أسلم الناس وآمن عمرو ومنها ما روينا في صحيح مسلم عن ابن شماسة المهرى قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه الى الجدار فجعل ابنه يقول ما يبكيك اما بشرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكذا فأقبل بوجهه فقال ان أفضل ما نعد شهادة أن لا إلا إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انى كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتنى لخزية وفضيحة (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وتشديد اللام (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء ينسب الى نهد قبيلة معروفة (أيّ الناس أحب اليك) زاد ابن عساكر فاحببه (منقبة لعائشة وأبيها وعمر) قال النووي وفيه دلالة تنبيه لأهل السنة في تفضيل أبو بكر ثم عمر على جميع الصحابة (وان لم يكن هذا) المقام أي مقام أبى بكر ثم عمر (مقامه) بالنصب خبر يكن ويجوز بالضم اسمها والخبر هذا (أسلم الناس وآمن عمرو) بن العاص أخرجه الترمذي من حديث عقبة بن عامر فشهد له صلى الله عليه وسلم بالايمان فهو أخص من الاسلام اذ حقيقته التصديق بالقلب والاسلام الاقرار باللسان واظهار شرائع الايمان بالابدان وذلك لا ينفع دون التصديق بالقلب والاخلاص قال تعالى (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) وقال صلى الله عليه وسلم اذ قال له سعد بن مالك عن فلان والله اني لاراه مؤمنا قال أو مسلما ثلاث مرات وفلان هذا هو جعيل بن سراقة الضمرى وكان من خواص المؤمنين وانما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تعليما لسعد ان اطلاق المسلم على من لم يختبر حاله الخبرة الباطنة أولي من اطلاق المؤمن لأن الاسلام معلوم بحكم الظاهر بخلاف الايمان (ابن شماسة) بفتح المعجمة أوله وضمها وتخفيف الميم آخره سين مهملة وهاء اسمه عبد الرحمن (المهرى) بفتح الميم وسكون الهاء وبالراء (حضرنا) بسكون الراء (عمرو بن العاص) مفعول (سياقة الموت) بكسر المهملة وتخفيف التحتية وبالقاف أي حال حضوره وكان ذلك بمصر ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين أو أحد وخمسين قولان أصحهما الأوّل (فجعل ابنه) عبد الله (أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) أى بأنك مؤمن (ان أفضل ما نعد) بضم أوله رباعي أى ما نهيء (شهادة) بالرفع خبران (على اطباق) أى أحوال ومنه لتركبن طبقا عن طبق فمن ثم أنث (ثلاث) اراده لمعنى اطباق (لقد رأيتنى) بضم

وما أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منى ولا أحب اليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الاسلام فى قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدى قال مالك يا عمرو قال قلت أردت أن أشترط قال تشترط بماذا قلت أن يغفر الله لى قال اما علمت ان الاسلام يهدم ما قبله وان الهجرة تهدم ما قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله وما كان أحد أحب اليّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق ان أملأ عيني منه اجلالا ولو شئت ان أصفه ما أطقت لانى لم أكن املأ عينى منه ولو مت على تلك الحالة لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالى فيها فاذا أنامت فلا تصحبني نائحة ولا نار فاذا دفنتموني فشنوا على التراب شنا ثم أقيموا حول قبرى قدر ما يذبح جزور ويقسم لحمها حتى استأنس بكم وانظر ماذا رجع به رسل ربى «نصيحة عرضت» وهى ان ثم من يقع في عمرو بن العاص ومعاوية وغيرهما من أجلاء الصحابة أو من شمله اسم الصحبة التي لا يوازيها عمل وان جل ويتسببون لسبهم لهنات صدرت منهم مما تقدم الفوقية (وما) نافيه أحد اسمها (أشد) خبرها (فلا بايعك) أى فاني جئت لابايعك (تشترط بماذا) الباء زائدة للتأكيد أو ضمن تشترط معنى تحتاط قاله النووى (يهدم) أي يمحق ويذهب ولابن سعد من طريق الزبير وجبير بن مطعم الاسلام يجب (ما كان قبله) من الذنوب وان عظمت قال تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (وان الحج) اذا لم يرفث ولم يفسق (يهدم ما كان قبله) وقال صلى الله عليه وسلم من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه رواه أحمد والبخارى والنسائى وابن ماجه والدار قطنى وزاد واعتمر كلهم عن أبي هريرة والرفث يراد به الجماع ويراد به التعريض بالجماع ويطلق على الفحش في القول وهو المراد هنا وفاؤه مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح في الماضى والضم في المضارع والفسق معلوم ولم يذكر الجدال في الحديث اما من باب الاكتفاء أولد خوله في الرفث والفسوق وقوله كيوم الافصح بناؤه على الفتح ثم المراد تكفير الصغائر دون الكبائر والتبعات على ما اعتمده النووى وغيره لكن قال في التوشيح ورد في حديث آخرانه يكفر ذلك فيكون من خصائص الحج (أحد) اسم كان (أحب) خبرها (ولا أجل) أعظم (في عينيّ) بالتثنية (اجلالا) اعظاما (فلا تصحبني نائحة ولا نار) زاد ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر في الاستيعاب وشدوا على ازاري فاني مخاصم (فشنوا على التراب شنا) بالمعجمة والمهملة أي صبوا وقيل السن بالمهملة الصب من سهولة وبالمعجمة التفريق زاد من مر آنفا فان جنبى الأيمن ليس أحق بالتراب من جنبي الايسر ولا تجعلن في قبري خشبة ولا حجرا (جزور) بفتح الجيم من الابل (لا يوازيها) بالزاي والتحتية أي لا يماثلها (لهنات) بهاء فنون

اليهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم بالكلام فيها وأخبر بوقوعها منهم ثم نهى عن سبهم على الاطلاق فقال لا تسبوا أحدا من أصحابى فان أحدكم لو انفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه وقال خيركم قرني وقال لا يبلغنى أحد عن اصحابى شيئا فانى أحب أن أخرج اليهم مفتوحتين آخره فوقية جمع هنة وهي الخصلة وهى هنا الأمور التى جرت بين الصحابة رضوان الله عليهم (وأخبر بوقوعها منهم) كقوله لعمار تقتلك الفئة الباغية وكقوله سيكون بعدي هنات وهناآت (لا تسبوا أحدا من أصحابي) رواه البخاري عن أبي سعيد الخدرى ومسلم عن أبي هريرة وأبو عوانة عن أبى سعيد وأبى هريرة وخاطب صلى الله عليه وسلم بذلك الصحابة لانه نزل الساب منهم لتعاطيه ما لا يليق به منزلة غير الصحابة وقال السبكى الظاهر ان الخطاب فيه لمن صحبه آخرا بعد الفتح وقوله أصحابى المراد بهم من أسلم قبل الفتح قال ويرشد اليه قوله لو أنفق الى آخره مع قوله تعالى (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ الآية) قال ولا بد لنا من تأويل بهذا أو بغيره ليكون المخاطبون غير الاصحاب الموصي بهم انتهى وأورد الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الاصول ان سبب هذا الحديث ان خالد بن الوليد تناول عبد الرحمن بن عوف أي سبه فشكاه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لخالد هل أنتم تاركون لى أصحابى فو الذى نفسي بيده لو ان أحدكم أنفق مثل احد ذهبا الحديث فقيل المراد بقوله أصحابى أصحاب مخصوصون وهم السابقون على المخاطبين في الاسلام وعليه لا يلزم من ذلك ان النهي مختص بالسابقين لعموم اللفظ فلا يكون السبب مخصصا اذ قد يتعلق الحكم بسبب مخصوص ثم يكون عاما ونقل السبكى عن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الشاذلي انه قال في مجلس وعظه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجليات يرى فيها من بعده فيكون الكلام منه صلى الله عليه وسلم في تلك التجليات خطابا لمن بعده في حق جميع الصحابة الذين قبل الفتح وبعده انتهي وسبهم رضى الله عنهم كبيرة يكفر مستحلها بغير تأويل (لو أنفق مثل أحد) الجبل المعروف بالمدينة (ذهبا) زاد البرقانى كل يوم (ما أدرك) ثوابه (مداحدهم) أي ثوابه (ولا نصيفه) أي نصف المد والنصيف لغة في النصف وهو مثلث النون فيكون فيه أربع لغات نقله القاضى في المشارق عن الحطابى ففى هذا الحديث تفضيل الصحابة رضي الله عنهم على جميع من بعدهم وفيه ان الطاعات تشرف بشرف عاملها وقال القاضى سبب ذلك أن نفقتهم كانت وقت ضرورة وضيق حال وفي نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده قال وجميع طاعتهم في ذلك كالنفقة (وقال خيركم قرنى) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكونوا بعدهم قوم يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى عن عمران بن حصين قال في التوشيح القرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في الامور المقصودة والاصح انه لا ينضبط بمدة فقرنه صلى الله عليه وسلم الصحابة وكانت مدتهم من المبعث الى آخر من مات من الصحابة مائة وعشرين سنة وقرن التابعين من سنة مائة الى نحو سبعين وقرن اتباع التابعين من ثم الي العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت الاحوال تغيرا شديدا ولم يزل الأمر في نقص الى الآن فظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم (لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئا إلى آخره) أخرجه أبو داود

وانا سليم الصدر واعتذر عن حاطب وقد بدرت منه عظيمة وعن مالك بن الدخشم وقد تعرض قوم لسبه على ظاهر الحال ولم يرخص لبعضهم في بعض ابدا وقال تعالى بعد ان أثنى عليهم أحسن الثناء «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا» فليت من جاء بعدهم اذ لم يستغفروا لهم ويترحموا عليهم لم يسبوهم وليتهم اذا لم يصيبوا أجرهم لم يقعوا في شرهم ووكلوا أمورهم الى عام سرائرهم فهو أعلم بهم قال تعالى «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ» وقال تعالى «فَما بالُ والترمذي من حديث ابن مسعود وهو بالجزم على النهي (واعتذر عن حاطب) هو ابن أبى بلتعة بقوله أليس من أهل بدر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم أو فقد وجبت لكم الجنة (وقد بدرت منه) معصية (عظيمة) اذ كتب الى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح (و) اعتذر أيضا (عن مالك بن الدخشم) بضم المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمتين مكبر ومصغر بالنون آخره وبالميم وقصته مروية في الصحيحين عن عتبان بن مالك يوم جاء النبى صلى الله عليه وسلم الى بيته فصلى له فيه قال فثاب رجال من أهل البيت حولنا حتى اجتمع في البيت رجال ذووا عدد فقال قائل منهم أين مالك بن الدخشم فقال بعضهم ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال لا تقل له ذلك الا تراه قال لا إله الا الله يبتغي بذلك وجه الله ولابن عبد البر من حديث أبي هريرة بسند حسن أليس قد شهد بدرا قال قالوا الله ورسوله اعلم فانا نرى وجهه ونصيحته للمنافقين قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الله قد حرم على النار من قال لا إله الا الله يبتغي بذلك وجه الله قال النووي في الحديث الذب عمن ذكر بسوء وهو يرى منه وفيه أنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد وفيه غير ذلك (وقد تعرض قوم لسبه) قيل منهم عتبان بن مالك ذكره ابن حجر وغيره (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي بعد المهاجرين والانصار الى يوم القيامة يدعون لانفسهم ولمن سبقهم بالايمان بالمغفرة (يقولون) يا (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا) في الدين (الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا حسدا وغشا وبغضا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) قال البغوي وغيره وكل من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فانه ليس ممن عناه الله بهذه الآية لأن الله رتب المؤمنين على ثلاث منازل المهاجرين والانصار والتابعين الموصوفين بما ذكر فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من أقسام المؤمنين وقال ابن أبي ليلى الناس على ثلاث منازل الفقراء المهاجرين والذين تبوء الدار والايمان والذين جاؤا من بعدهم فاجهدان لا تكون خارجا من هذه المنازل (تِلْكَ أُمَّةٌ) جماعة (قَدْ خَلَتْ) مضت (لَها ما كَسَبَتْ) من الاعمال (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) أي يسأل كل عن عمله لا عن عمل غيره (قالَ) فرعون (فَما بالُ) ما حال

الْقُرُونِ الْأُولى قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى» وقال تعالى «قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» وقال صلى الله عليه وآله وسلم لا تسبوا الأموات فانهم قد افضوا الى ما قدموا وقد حذر علماء السنة المحتاطون لدينهم من النظر في الكتب الحاكية تشاجر الصحابة لما فيه من المفسدة وعدم الفائدة* وافترضت هاهنا مسئلة لا ينكرها الا مباهت وهى أن يقول رجل علمنا توحيده وأشيع فسقه وبدعته شيوعا يكاد يبلغ القطع فصار الناس فرقتين فرقة تجترئ عليه بالسب واللعن وتوقفت الأخرى فمن أقرب الى السلامة من الفرقتين فيقول ان المجترئين داخلون في الخطر والوبال على كل حال فان الساب مناقش ومحاسب حتى يخرج مما قال في يوم لا قصاص فيه الا بالحسنات والسيئات فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في جواب الذى سئله عن الغيبة فقال يا رسول الله أفرأيت ان كان في أخي ما أقول (الْقُرُونِ الْأُولى) أي القرون الماضية والامم الخالية كقوم نوح وعاد وثمود فيما يدعوني اليه فانها كانت تعبد الأوثان وتنكر البعث (قالَ) موسى (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) فان أعمالهم محفوظة عنده وسيجازيهم بها قيل انما رد موسى علم ذلك الى الله لانه كان لم يعلم ذلك لأن نزول التوراة انما كان بعد هلاك فرعون وقومه (فِي كِتابٍ) وهو اللوح المحفوظ (لا يَضِلُّ رَبِّي) لا يخطئ ولا يغيب عنه شئ (وَلا يَنْسى) ما كان من أمرهم بل يجازيهم باعمالهم (قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ) خالق (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ) وهو كل ما غاب عن البصر (وَالشَّهادَةِ) أي أن المغيبات والمشاهدات في علمه سواء (أَنْتَ تَحْكُمُ) تقضي (بَيْنَ عِبادِكَ) يوم القيامة (فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) في الدنيا وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون أهدنى لما اختلف فيه من الحق بأمرك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة (لا تسبوا الاموات الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري والنسائي من حديث عائشة وأخرج أحمد والترمذي من حديث المغيرة لا تسبوا الاموات فتؤذوا الاحياء ففيه تحريم سب الموتي ان كان يفضى الى إيذاء حي مخترم مطلقا والا فمحل النهى في غير الكفار ومتظاهر بفسق أو بدعة اذ يجوز سبب الموتى اذ هؤلاء والينا عليهم بالشر للتحذير من طريقهم والاقتداء بآثارهم والتخلق باخلاقهم وبه يعلم الجمع بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن اثنيتم عليه شرا وجبت له النار أئتم شهداء الله في الارض أخرجه أحمد والشيخان والنسائي من حديث أنس (قد افضوا) بالفاء المعجمة أي وصلوا (الى ما قدموا) أي عملوا من خير وشر (تشاجر الصحابة) أى الاختلاف الذى وقع بينهم (وافترضت) قدرت (مباهت) بالموحدة والفوقية مفاعل من البهت وسنذكره (فقد قال صلى الله عليه وسلم) أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكر أحدكم أخاه بما يكره فقال رجل (أفرأيت ان كان في أخي ما أقول) أي الشين الذى

الكلام على عمرة القضاء وزواجه صلى الله عليهو سلم بميمونة بنت الحارث الهلالية

فقال ان كان فيه ما تقول فقد أغتبته وان لم يكن فقد بهته والفرق المتوقفة سالمة على كلا الحالين فانك لو لم تلعن وتسب من علم كفره وشقاوته في دهرك لما خفت أن تعاقب على ذلك ولا خطر فيه وانما الخطر والوبال أن تصوب ضالا في ضلالة وتحسن فعله كفعل يزيد وشيعته بالحسين وآله عليهم السلام لا أن تصون لسانك عن لعنهم وسبهم وقد قال صلى الله عليه وسلم ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذى انتهت النصيحة على حد القصور والتقصير فاذا تحققت أيها الناظر ما ذكرنا فاختر لنفسك ما فيه صلاحك وفلاحك والله ولي التوفيق. [الكلام على عمرة القضاء وزواجه صلى الله عليهو سلم بميمونة بنت الحارث الهلالية] وفي القعدة من هذه السنة اعتمر صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء فلما سمع المشركون به مقبلا سببته به وظن السائل ان ذلك ليس بغيبة (قال ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته) واستوجبت الوعيد المذكور في الغيبة (وان لم يكن فيه ما تقول) بل كذبت عليه (فقد بهته) أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة والبهت الكذب والافتراء على الانسان فهو أعظم من الغيبة لان فيه كذبا وغيبة (أن يصوب) بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه أي ينسب الى الصواب (كفعل يزيد) بن معاوية بن أبي سفيان (وشيعته) فرقته وجماعته (بالحسين) بن على (وآله) أهله وذلك انهم قتلوهم يوم الجمعة وقيل يوم السبت وقيل يوم الأحد لعشر خلون من محرم سنة احدى وستين بكربلاء بقرب موضع يقال له الطف بفتح المهملة وتشديد الفاء وهو المحل الذي أخبر صلى الله عليه وسلم انه سيقتل به كما رواه أبو على سعيد بن عثمان بن السكن من حديث أنس بن الحارث وأخرجه أحمد من حديث أنس بن مالك قال الزبير بن بكار قتل سيدنا الحسين وعليه جبة خزد كناء وهو ابن ست وخمسين سنة وسمى عام قتله عام الحزن وقتل معه اثنان وثمانون أو سبعة وثمانون رجلا من أصحابه مبارزة ومن ولده واخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلا وتولي قتله سنان بن أبي سنان النخعي أو شمر بن أبى الجوشن أو خولى بن يزيد الاصبحي من حمير أو عمر بن سعد بن أبي وقاص أو اشترك الكل في قتله أقوال وخولى بن يزيد هو الذى احتز رأسه وأتي به عبيد الله بن زياد وقيل بل بشر بن مالك الكندى فضرب ابن زياد عنقه وقيل بل يزيد بن معاوية وحمل الرأس المكرم الى المدينة الشريفة فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة على الاصح كما قاله الزبير بن بكار وغيره وقيل أعيد الى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوما وقيل بعسقلان وقيل بالقاهرة (تتمة) يجوز لعن قاتل الحسين ومن رضي قتله ومن أمر بقتله اجمالا ويحرم عندنا تفصيلا وذهب أحمد وغيره الى جوازه (ليس المؤمن بالطعان الي آخره) أخرجه أحمد والبخارى في الادب والترمذي وابن حبان والحاكم من حديث ابن مسعود أي ان هذه الصفات ليست من صفات أهل الايمان ففى ذلك تحريم الطعن في الانساب من غير علم وتحريم اللعن والفحش في القول والبذاءة* تاريخ عمرة القضاء وتسمي عام القضية والمراد بالقضاء والقضية الكتاب الذي وقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ووهم من ظن ان المراد قضاء العمرة التي تحللوا منها اذ لا يجب القضاء على المحصر وتسمي عمرة الصلح قاله الحاكم في الاكليل وتسمى عمرة القصاص لنزول قوله تعالى الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ قاله السهيلي وحديثها أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى

خرجوا عنه فدخل صلى الله عليه وسلم ومعه عبد الله بن رواحة آخذا بخطام ناقته وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير في رسوله يا رب انى مؤمن بقيله ... أعرف حق الله في قبوله وقال المشركون انه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمي يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ان يرملوا الأشواط الثلاثة وان يمشوا ما بين الركنين وكان المشركون من قبل قعيقعان ولم يمنعه ان يأمرهم ان يرملوا الاشواط كلها الا الأبقاء عليهم وكان الناس يظنون ان الرمل خاص بتلك السنة فلما رمل في حجة الوداع علموا ان السنّة مضت على ذلك ولما أقام صلى الله عليه وسلم ثلاثا أتي المشركون عليا فقالوا قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل فخرج صلى الله عليه وسلم فتبعتهم أمامة بنة حمزة تنادى وغيرهم عن البراء بن عازب (وعبد الله بن رواحة آخذا بخطام ناقته يقول الى آخر الابيات) أخرج ذلك الترمذى وأبو يعلى والطبراني عن انس ولفظ الترمذي رحمه الله تعالى خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله فقال له عمر يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول شعرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهي أسرع فيهم من نضح النبل (وفي هذه السنة) مرّ الخلاف فيها هل هى الثامنة أو السابعة والصحيح أنها الثامنة وأن عمرة القضاء وقعت في التاسعة (فائدة) استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في خروجه اليها عويف بن الاضبط بن ربيعة الدئلي وكان أسلم عام الحديبية (يقدم) بفتح الدال (وهنتهم) بتخفيف الهاء أي أضعفتهم (حمى يثرب) بالمثلثة اسم كان للمدينة في الجاهلية وفي رواية لمسلم وأبي داود قالوا ان محمدا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال (يرملوا) بضم الميم والرمل الجنب مع مقاربة الخطا (الاشواط) جمع شوط بفتح الشين المعجمة وسكون الواو آخره مهملة قال في التوشيح الجري مرة الى الغاية والمراد هنا الطواف حول الكعبة وفي ذلك كما قال النووي دليل على جواز تسمية الطوفة شوطا بلا كراهة وان نقل أصحابنا أن مجاهدا والشافعي قالا بالكراهة (وكان المشركون من قبل قعيقعان) كما رواه أبو داود وهو بتكرير القاف والعين المهملة مصغر جبل بمكة من جهة الشام (الا الابقاء) بالرفع فاعل يمنعه وهو بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق والشفقة (فلما رمل في حجة الوداع) وقال لتأخذوا عنى مناسككم (علموا أن السنة مضت على ذلك) أي على استحبابه في كل طواف يعقبه سعي وما ذهب اليه ابن عباس من اختصاص الرمل بعمرة القضاء خالفه فيه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم بل قال ابن الزبير يسن في الطوفات السبع والحسن البصري والنووي وعبد الملك بن الماجشون المالكي يلزم بتركه دم وقال بوجوب الدم بتركه مالك ثم رجع عنه (أمامة) بضم الهمزة (ابنة حمزة) وقيل اسمها عمارة وقيل سلمى وقيل عائشة

يا عم يا عم فتناولها على فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك بنت عمك فاحمليها فاختصم فيها على وزيد وجعفر فقال على أنا أخذتها وهى ابنة عمى وقال جعفر ابنة عمى وخالتها تحتى وقال زيد بنت أخى فقضى بها النبى صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الام وقال لعلى أنت منى وأنا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقى وقال لزيد أنت أخونا ومولانا وقال على ألا تتزوج بنت حمزة قال انها بنت أخى من الرضاعه وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره هذا ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوجها بسرف وهو مقبل الى مكة ودخل بها فيه في رجوعه وماتت أيضا بعد موته صلى الله عليه وسلم واختلف هل تزوجها وهو محرم أو حلال وقيل فاطمة وقيل أمة الله وقيل بعلي وتكنى أم الفضل (يا عم يا عم) تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم (دونك) اسم فعل أي خذى (بنت عمك) بالفتح (أحمليها) في بعض نسخ البخاري حملتها فعل ماض وللكشميهنى حمليها بتشديد الميم والتحتية أمر ولابي داود والنسائى فحملتها (فاختصم فيها على وزيد وجعفر) زاد أحمد والحاكم بعد ان قدموا المدينة (وخالتها تحتى) يعني اسماء بنت عميس (وقال زيد بنت أخى) يعنى من الرضاعة (الخالة بمنزلة الام) أخرجه الشيخان والترمذي من حديث البراء وابو داود من حديث على ولابن سعد عن محمد بن على مرسلا الخالة والدة (أنت مني وأنا منك) أى قرابة وموالاة ومناصرة ومصاهرة وغير ذلك من الفضائل ولم يرد مجرد القرابة والا فجعفر شريكه فيها (أشبهت خلقي وخلقى) أى خلقتى وطبيعتى زاد ابن سعد فقام جعفر فحجل حول النبى صلى الله عليه وسلم أو دار عليه فقال النبى صلى الله عليه وسلم ما هذا قال شئ رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم قال في التوشيح وفي رواية أن الثلاثة كلهم فعلوا ذلك والحجل الرقص بهيئة مخصوصة انتهي ومنه يؤخذ جواز ذلك عند الفرح والاستبشار سيما بفضيلة دبينة (فائدة) الذين كانو يشبهونه صلى الله عليه وسلم غير جعفر الحسن بن على كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بين الرأس الى الصدر والحسين يشبهه بالاسافل كما أخرجه الترمذي وابن حبان عن على وفاطمة وابنه ابراهيم وابنا جعفر عبد الله وعون وقثم ابن العباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومسلم ومحمد ابنا عقيل بن أبي طالب والسائب بن يزيد جد الشافعي وعبد الله بن عامر بن كريز العبشمي وكايس بن ربيعة بن عدى وعبد الله بن الحارث بن نوفل الملقب ببه قال في التوشيح وممن كان يشبه به أيضا مسلم بن معتب بن أبي لهب وعبد الله بن أبى طلحة الخولاني في آخرين من التابعين انتهى ولا ينافي ذلك ما في شمائل الترمذي عن على في وصفه صلى الله عليه وسلم لم ار قبله ولا بعده مثله لان المنفي هنا عموم الشبه (أنت أخونا) أي من الرضاعة (ومولانا) أى عتيقنا وفي الحديث فضيلة لعلى وجعفر وزيد* تاريخ تزويج ميمونة (وتزوج في سفره هذا ميمونة) زوجه اياها العباس بأمرها لان أختها كانت تحته كما رواه ابن حبان وأبو الاسود في مغازيه وذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم (سرف) بفتح المهملة وكسر الراء آخره فاء واد بين خليص وعسفان (وماتت به) أى بسرف (أيضا) كما في سنن الترمذي عن يزيد بن الاصم قال ودفناها في الظلة التى بنا بها فيها وكان موتها سنة ثلاث أوست وستين أو احدى وخمسين أقوال (واختلف هل تزوجها وهو محرم أو حلال) ففى رواية في الصحيحين عن ابن

مطلب فى الكلام على وفد عبد القيس وخبر سيدهم الأشج العصري

وبحسب ذلك اختلفوا في صحة نكاح المحرم وأسد الاقوال انه تزوجها وهو محرم وان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفي عمرة القضاء نزل قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ الآية في شان الحطيم البكرى والله أعلم* [مطلب فى الكلام على وفد عبد القيس وخبر سيدهم الأشج العصري] السنة الثامنة وما اتفق فيها من عيون الحوادث فيها قدوم وفد عبد القيس ومعنى الوفد أن تختار القبيلة جماعة منهم للقاء الكبراء في الأمور المهمات وكان جملة وفد عبد القيس أربعة عشر راكبا رئيسهم الاشج العصري واسمه المنذر بن عايذ عباس انه صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم وأكثر الروايات عن ابن عباس ايضا انه كان حلالا وفي مسلم وغيره عنها قالت تزوجني النبى صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف وقال أبو رافع تزوجها وهو حلال وكنت السفير بينهما رواه الترمذي وحسنه (وبحسب ذلك اختلفوا) يعنى العلماء (في صحة نكاح المحرم) بنسك فقال أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم لا يصح وقال أبو حنيفة والكوفيون يصح (وان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم) على أصح الوجهين والثاني انه حرام في حقه كغيره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ) الآية شعائر الله مناسك الحج قاله ابن عباس ومجاهد أو الهدايا المشعرة قاله أبو عبيد الله (في شأن) أمر (الحطيم) بالحاء والطاء المهملتين مصغر لقب له واسمه شريح بالمعجمة والحأ ابن ضبيعة بالمعجمة والموحدة والعين المهملة مصغر (البكرى) ينسب الى بكر بن وائل وكانت قصته كما ذكر البغوى وغيره انه جاء المدينة وخلف خيله خارجها ودخل وحده على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله الى ما تدعو فاخبره انه يدعو الي الاسلام واقام الصلاة وايتاء الزكاة فقال حسبي ان لى أمراء لا أقطع أمري دونهم ولعلي أسلم وآتي بهم وقد كان أخبر صلى الله عليه وسلم أصحابه انه يدخل عليهم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان ثم خرج فاعلمهم النبى صلى الله عليه وسلم انه لا يسلم فمر بسرح المدينة فاستاقه وانطلق فاتبعوه فلم يدركوه فخرج في العام القابل حاجا في حجاج قومه ومعه تجارة عظيمة وقد قلدوا الهدي فاستأذن المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فأبى عليهم وأنزل الله الآية بتصديقه* ذكر حوادث السنة الثامنة (فيها قدم وفد عبد القيس) وقيل في التاسعة وقيل في العاشرة وقيل كانا وفدين في كل عام وفد (ومعنى الوفد) كما قاله النووي (ان يختار القبيلة جماعة منهم للقاء الكبراء في الامور المهمات) وواحدهم وافد قال النووي وكانوا (أربعة عشر راكبا) سما منهم صاحب البحرين الاشج ومنقذ بن حبان ومربذة ابن مالك وعمرو بن مرحوم والحارث بن شعيب وعبيد بن همام والحارث بن جندب وصحار بصاد مضمومة وحاء مهملتين ابن العباس زاد ابن حجر وعقبة بن عروة وقيس بن النعمان والجهم والرستم وجويرة والزارع فهؤلاء أربعة عشرة وقد روى الدولابي عن أبى جبرة الصنابحى قال كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد القيس وكنا اربعين رجلا قال ابن حجر ولعل الاربعة عشر هم رؤوس الوفد قال في التوشيح وممن سمى منهم غير من سبق مطر اخوا الزارع وابن أخيه ولم يسم ومشمرخ وجابر ابن الحارث وخزيمة بن عبد عمرو وهمام بن ربيعة وجارية بالجيم بن جابر ونوح بن مخلد فهؤلاء بضعة وعشرون انتهى وعد منهم ابن مندة حسان بن حسان العبدي (الاشج) سمى بذلك لشجة كانت في وجهه (العصرى) بفتح المهملتين منسوب الى بنى العصر قبيلة من عبد القبس (واسمه المنذر بن عايذ) بالتحتية والمعجمة أو

وكان سبب وفادتهم ان منقذ بن حيان رجلا منهم قدم المدينة تاجرا فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما فنهض اليه منقذ وسمع كلامه فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أشراف قومه رجل رجل بأسمائهم فأسلم وتعلم الفاتحة وسورة اقرأ باسم ربك وكتب معه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى قومه وكانوا ينزلون البحرين الخطي وأعيانها وسرة القطيف والسفارة والظهران الى الرمل الى الأجرع ما بين هجر الى قصر وبينونه ثم الجوف والعيون والاحساء الى حد أطراف الدهناء فلما قدم منقذ على قومه كتمهم الكتاب فطفق يصلي ويقرأ فقالت زوجته وهى بنت الاشج لأبيها انى أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب انه يغسل أطرافه ويستقبل الجهة يعني القبلة فيحني ظهره مرة ويضع جبينه مرة ذلك ديدنه منذ قدم فتلاقيا فأخبره الخبر فأسلم الاشج ثم ثار على قومه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم من أسلم منهم ثم تجهزوا وافدين وذلك قبل الفتح ولما دنوا من المدينة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجلسائه أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق وفيهم الاشج العصري وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الاشج لأثر كان في وجهه. أما خطابهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففي الصحيحين من روايات حاصلها أنهم لما دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عايذ بن المنذر أو عبد الله بن عوف أو المنذر بن الحارث أو ابن عامر أو ابن عبيد أقوال أصحها الأوّل (ابن حبان) بالتحتية (البحرين) تثنية بحر وهو أقليم معلوم (الخط) بفتح المعجمة وآخره مهملة موضع بتهامة (وسرة) بضم المهملة (القطيف) بالقاف والمهملة بوزن الرغيف بلد البحرين (والسفارة) بالمهملة المفتوحة والفاء والراء قرية بالبحرين (والظهران) بفتح المعجمة تثنية ظهر ناحية ببلد طي (الى الرمل) بفتح الراء وسكون الميم (الى الاجرع) بالجيم والراء والعين المهملة (هجر) بفتح الهاء والجيم لا ينصرف وهو اسم لجميع أرض البحرين قاله في القاموس (الى قصر) بفتح القاف وسكون الصاد المهملة (وبينونة) بفتح الموحدة وسكون التحتية ونونين الاولى مضمومة والثانية مفتوحة بينهما واو ساكنة قرية بالبحرين (ثم الجوف) بفتح الجيم وسكون الواو وفاء (والعيون) جمع عين (والأحسا) بالمهملتين (الدهنا) بفتح المهملتين وسكون الهاء فنون (ويستقبل الجمة) بضم الجيم وتشديد الميم لغة في القبلة (فيحنى ظهره) بالحاء المهملة (دندنه) بالدال المهملة والنون المكررتين أى دأبه وعادته (ففي الصحيحين) والنسائي من حديث ابن عباس وأبي سعيد ورواه الطبراني في الاوسط من حديث نافع العبدى وفيه وأنا غليم لا أعقل

مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا النداما قالوا يا رسول الله انا حي من ربيعة وبيننا وبينك كفار مضر ولا نقدر عليك الا في الاشهر الحرم فمرنا بأمر نأمر به من ورائنا وندخل به الجنة اذا نحن أخذنا به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع أعبدو الله ولا تشركوا به شيأ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان أمسك جمالهم (مرحبا) اى صادفتم رحبا بضم الراء أي سعة وأوّل من قالها سيف بن ذى يزن قاله العسكرى (بالقوم أو) قال (بالوفد) شك من بعض الرواة اما من أبي حمزة الراوي عن ابن عباس أو ممن دونه قال ابن حجر وأظنه من شعبة فانه في رواية قرة وغيره بلا شك وأغرب من قال انه من ابن عباس (غير) بالنصب على الحال وحكى الكسر على الصفة قال في الديباج والمعروف الاول ويدل عليه ما في البخارى مرحبا بالقوم الذين جاؤا غير (خزايا) جمع خزيان وهو الذي أصابه خزي وقيل المستحيي وقيل الذليل المهان (ولا النداما) كذا في أصول مسلم باللام في النداما وروى في غيره باللام فيهما وبالحذف فيهما والنداما جمع ندمان من الندم كنادم حكاه الجوهرى وغيره أو ندمان خاص بالمنادمة ونادم بالندم وجمعه نادمون فعدل عنه لمكان خزايا كالعشايا والعذارى وفي النسائى مرحبا بالوفد ليس بالخزايا ولا النادمين قال ابن حجر عن أبي حمزة بشرهم بالخير عاجلا وآجلا لان الندامة انما تكون في العاقبة (اناحي) في صحيح مسلم انا هذا الحى وهو منصوب على الاختصاص والخبر من ربيعة قاله ابن الصلاح والحي اسم لمنزل القبيلة لان بعضهم يحيى ببعض قاله صاحب المطالع (الا في الاشهر الحرم) كذا في صحيح البخاري في المغازى وفيه في المناقب الا في كل شهر حرام وفيه في باب اداء الخمس الا في الشهر الحرام فقيل اللام للجنس وقيل للعهد والمراد رجب وصرح به عند البيهقي لان مضر كانت تبالغ في تعظيمه ولهذا أضيف اليهم في حديث أبي بكرة حيث قال ورجب مضر وللاصيلي وكريمة ثم في شهر الحرام وهي رواية مسلم وهي من اضافة الشئ الى نفسه على حد جانب الغربي ومسجد الجامع ونساء المؤمنات وفيه كما مر مذهبان فمذهب الكوفيين هو من اضافة الي الموصوف ومذهب البصريين على حذف مضاف تقديره شهر الوقت الحرام (فمرنا بأمر) بالتنوين لا بالاضافة زاد البخاري ومسلم وغيرهما فصل أى فاصل بين الحق والباطل بين واضح لا اشكال فيه (نأمر به) بالجزم جوابا وبالرفع صفة وفي رواية تخبربه (من ورائنا) بفتح لا غير (ويدخل) بالوجهين وروي بلا واو فليس سوى الجزم ورفع بخبر (آمركم باربع) هي في العدد خمس فقيل أولها اقامة الصلاة وقدم الشهادتين تبركا لان سؤالهم انما كان عن الاعمال والا فقد تقدم ايمانهم ومن ثم سقط ذكر الشهادتين في بعض طرق الحديث وقيل هى ما عدا اداء الخمس كانه أعلمهم أولا بقواعد الاسلام وفروض الاعيان ثم أعلمهم بالواجب عليهم في ما غنموه اذا وقع لهم جهاد وحصلت لهم غنيمة وقيل وعد باربع فلما وفا زاد ولا يدع في ذلك وقيل عد الصلاة والزكاة خصلة واحدة لان الله قرنهما في القرآن وقيل اداء الخمس داخل في اداء الزكاة بجامع انهما اخراج مال معين في حال دون حال ولم يذكر الحج لانه لم يكن فرض يومئذ لكن وقع في سنن البيهقى ومسند أحمد وتحجوا البيت الحرام (وأقيموا الصلاة) فى تقديمها دليل على انهما أفضل أركان الاسلام (وصوموا رمضان) سقط ذكر صوم رمضان في احدى روايات مسلم قال ابن الصلاح

وأعطوا الخمس من الغنائم وأنهاكم عن أربع عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير قالوا يا نبي الله ما علمك بالنقير قال بلا جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعا أو التمر ثم تصبون فيه من الماء حتى اذا سكن غليانه شربتموه حتى ان أحدكم ليضرب ابن عمه بالسيف وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك قال وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا ففيم نشرب يا رسول الله قال في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها قالوا يا نبي الله والنووي اغفالا من الراوي (واعطوا الخمس) بضم الميم واسكانها (عن الدبا) بضم المهملة وتشديد الموحدة والمد وحكي القصر القرع اليابس وأراد الوعاء منه وفيه حدف أى أنهاكم عن شرب ماء ينتبذ في الدبا الى آخره وصرح به النسائى في رواية (والحنتم) بفتح المهملة وسكون النون وفتح الفوقية الجرار الخضر كما فسره الاكثرون من اللغويين وأهل الغريب والمحدثين والفقهاء وفيه خمسة أقوال أخر (والمزفت) بفتح الزاي وتشديد الفاء هو المطلى بالزفت وهو القار وربما قال المقير بدل المزفت (والنقير) بفتح النون وكسر القاف أصل النخلة تنقر فيتخذ منه وعاء وانما نهي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في هذه الاوعية لانها يسرع اليها اسكار فربما يشرب منها من لا يشعر بذلك ثم نسخ ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن الاشربة الا في ظروف الادم فاشربوا في كل وعاء غير ان لا تشربوا مسكرا أخرجه مسلم وابن ماجه من حديث بريدة (قالوا يا رسول الله ما علمك بالنقير) أى مع عدم رؤيتك له (قال بلا جذع الى آخره) في مسند الطيالسى بسند حسن كما قاله في التوشيح عن أبى بكرة وأما النقير فان أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة ثم ينتبذون الرطب والبسر ثم يدعونه حتى يهدر ثم يموت وفيه وأما أهل الدبا فان أهل الطائف كانوا يأخذون القرع فيطرحون فيه العنب ثم يدفنونه حتى يهدر ثم يموت وأما الحنتم فجرار خضر كانت يحمل الينا فيها الخمر وأما المزفت فهذه الاوعية التى فيها الزفت (تقذفون) بفوقية مفتوحة فقاف ساكنة فمعجمة مكسورة ففاء فنون أى تلقون وترمون وفي رواية لمسلم من طريق ابن المثنا وابن يسار وتذيفون فيه من القطيعا والتمر والماء وتذيفون بفتح الفوقية ويروى بضمها وكسر المعجمة ويروي بالاهمال بعدها تحتية ساكنة وفاء مضمومة من ذاف يذيف بالمعجمة كباع يبيع وداف يدوف بالمهملة كقال يقول واذاف يذيف اعجاما واهمالا ومعناه على جميع الاوجه خلط (من القطيعا) بضم القاف وفتح المهملة والمد وهو نوع من التمر صغار (سكن غليانه) بفتح المعجمة واللام والتحتية (حتى ان أحدكم) أو ان أحدهم كما في مسلم وهو شك من الراوى (ليصرب) لسكره وذهاب عقله وهيجان الشربة (ابن عمه) الذى هو اليه من أحب أحبابه (بالسيف) خصه بالذكر لانه اذا ضرب بالسيف الذى هو أعظم ضرب بما دونه من باب أولى (وفي القوم رجل) اسمه الجهم بن قثم (أصابته جراحة كذلك) كانت الجراحة في ساقه (وكنت أخبؤها) أي أخفيها وألف عليها طرف ازارى (في أسقية الأدم) بفتح الهمزة والدال جمع أديم وهو الجلد بعد تمام دباغه (التى ثلاث) بالتحتية المضمومة وضبطه العبدري بالفوقية وتخفيف اللام ومثلثة خفيفة أى يلف الخيط (على افواهها) ويربط به وعلى ضبط

ان أرضنا كثيرة الجرذان ولا تبقى بها أسقية الأدم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وان أكلتها الجرذان وان أكلتها الجرذان وان أكلتها الجرذان وقال للاشج ان فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة انتهت روايتهما ومعظمه لمسلم وانما أثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الاشج بالحلم والأناة لما روى انهم لما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتدروا اليه وتركوا ركابهم فجمعها الاشج وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه فلما جاء أجلسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى جنبه ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبايعونا على أنفسكم وقومكم فقال القوم نعم وقال الأشج يا رسول الله انك لم تزاول الرجل على شيء أشد عليه من دينه نبايعك على أنفسنا وترسل اليهم من يدعوهم فمن اتبعنا كان منا ومن أبى قاتلناه قال صدقت ان فيك خصلتين يحبهما الله قال يا رسول الله أكانتا في أم حدثتا قال بل قديم قال الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله وكان أوّل من دان بالدين وأقام شرائعه من الآفاقيين قبائل عبد القيس روينا في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أوّل جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد عبد القيس بجواثا من البحرين ثم لما مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وارتدت العرب لم يكن يسجد لله تعالى في بسيط الأرض العبدرى تلف الأسقية على افواهها (ان أرضنا كثيرة) وروي كثير (الجرذان) بدونها والتقدير عليه أرضنا مكانا كثير الجرذان قاله ابن الصلاح (وان أكلتها الجرذان) مكرر ثلاث مرات (ان فيك لخصلتين الى آخره) أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما من حديث ابن عباس (الحلم) بكسر الحاء المهملة وسكون اللام العقل (والأناة) بفتح الهمزة وبالقصر التثبت وترك العجلة (لما روى أنهم لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم الى آخره) أخرجه الطبراني في الاوسط عن موسى بن هارون عن اسحاق بن راهويه عن سليمان ابن نافع العبدي عن أبيه ولفظه قال له النبي صلى الله عليه وسلم رأيت منك ما لم أر من أصحابك قلت وما رأيت منى يا نصر الله قال وضعت سلاحك ولبست ثيابك وتدهنت ان فيك لخصلتين الى آخره (أنك لم تزاول الرجل) بضم الفوقية وفتح الزاي وكسر الواو أي ولم تحاوله وتعالجه وتطالبه (نبايعك على أنفسنا ونرسل اليهم) قال عياض فهذا من الأناة حيث تربص حتى نظر في مصالحه ولم يعجل كأصحابه قال والحكم في هذا القول الذي قاله الدال على صحة عقله وجودة نظره للعواقب (أكانتا في) بتشديد الياء (أم حدثتا الى آخره) أخرجه أبو يعلى في مسنده وهذا لفظه وللطبراني في الاوسط قلت يا رسول الله أشىء جبلت عليه أم شئ أحدثته قال النبي صلى الله عليه وسلم لابل شئ جبلت عليه (الحمد لله) فيه الحمد على حصول النعم كما مر (الذي جبلنى) أي خلقنى والجبلة الخلقة (على خلقين يحبهما) زاد الطبراني فقال النبى صلى الله عليه وسلم أسلم وفد عبد القيس طوعا وأسلم الناس كرها فبارك الله في عبد القيس وموالي عبد القيس (بجواثا)

مطلب في وفات السيدة زينب أكبر بناته صلى الله عليه وسلم وخبر ذلك

الا في ثلاثة مساجد مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد عبد القيس ففي ذلك يقول شاعرهم مفتخرا: والمسجد الثالث الشرقي كان لنا ... والمنبران وفصل القول في الخطب أيام لا منبر للناس تعرفه ... الا بطيبة والمحجوج ذي الحجب وكان هؤلاء من ربيعة محصورين ببلدهم الى أن قتل الله كبش الردة مسيلمة وفتح على المسلمين فقال شاعرهم مستنجدا بأبي بكر الصديق والمسلمين: الا بلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا فهل لكم الى قوم كرام ... قعودا في جواثا محصرينا كأن دماءهم في كل فج ... دماء البدن يعشي الناظرينا توكلنا على الرحمن إنا ... وجدنا النصر للمتوكلينا [مطلب في وفات السيدة زينب أكبر بناته صلى الله عليه وسلم وخبر ذلك] وفي هذا العام مات أكبر بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم زينب وهي زوجة أبى العاص بن الربيع ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن أم عطية قالت لما ماتت زينب بنت رسول بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة قال في التوشيح وكان هذا التجميع في عهده صلى الله عليه وسلم (والمنبران) تثنية منبر وانما ثناه ليتزن البيت أو لأن عادة الشعراء تثنية الواحد كقولهم خليلي وما أشبهه أو أراد منبر الجمعة ومنبر العيد وكانا لهم يومئذ احتمالات (أيام) بالنصب على الظرف (لا منبر) بالتنوين لضرورة الشعر (تعرفه) بالفوقية (والمحجوج) بالكسر عطفا على بطيبة (كبش الردة) بفتح الكاف وسكون الموحدة آخره معجمة أى رأسها ويسمى رئيس القوم كبشهم (مسيلمة) بضم الميم وفتح المهملة وسكون التحتية وكسر اللام ابن كثير بن حبيب بن الحارث الكذاب يكنى أبا ثمامة (مستنجدا) أي مستنصرا (وفتيان) بكسر أوله وضمه جمع فتى وهو من اسماء الشباب كما مر (اجمعينا) بالف الاطلاق وكذا ما بعده (فهل لكم) باشباع ضم الميم (الى قوم كرام) أى هل لكم في نصرتهم وانقاذهم من الحصر (محصرينا) بفتح الصاد المهملة أى ممنوعين من الخروج (في كل فج) أي طريق (دماء البدن) بالضم خبر كان (يعشى) بضم أوله وسكون المهملة وكسر المعجمة من العشى وهوداء يصيب العين فيذهب البصر بالليل وأراد أن الدماء لكثرتها وشدة حمرتها يذهب نور البصر ويعشيه وإنما قال ذلك مبالغة (توكلنا) بفتح الكاف وسكون اللام أي اعتمدنا وفوضنا (انا) بكسر الهمزة (وجدنا) بالاختيار (النصر) انما يكون (للمتوكلينا) غالبا* ذكر موت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن أم عطية) قال النووي كانت أم عطية غاسلة للميتات وكانت من فاضلات الصحابيات أنصارية واسمها نسبية بضم النون وقيل بفتحها انتهى وليس في أحاديث غسل الميت أعلا من حديثها قاله ابن المنذر (لما ماتت زينب) كذا جاء تسميتها في رواية في مسلم وهو الصواب كما قاله الجوهرى

الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا واجعلن في الخامسة كافورا فاذا غسلتها فأعلمنني قالت فأعلمناه فأعطانا حقوه فقال أشعرنها إياه قالت وضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث قرنيها وناصيتها وقال لهن أبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها وبعد وفاتها تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم* فاطمة بنت الضحاك ولما نزلت آية التخيير واختارت الدنيا ففارقها صلى الله عليه وآله وسلم وكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول أنا الشقية اخترت الدنيا وفيها وقع غلاء في المدينة فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال ان الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق واني لأرجو ان القى الله وليس أحد منكم يطالبنى فما نقله القاضى عن بعض أهل السير انها أم كلثوم فخطأ (اغسلتها وترا ثلاثا أو خمسا الى آخره) المراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فان احتيج الى زيادة عليها للانقاء فليكن سبعا وهكذا أبدا قاله النووي قال وحاصله ان الايتار مأمور به والثلاث مأمور بها فان أنقت الثلاث لم يزد والازيد حتي يحصل الانقاء ويكون وترا انتهي ويسقط الفرض بغسلة واحدة (بماء وسدر «1» ) فيه ندب السدر في غسل الميت وليكن في غير المرة الواجبة وقيل يجوز فيها (واجعلن في الخامسة كافورا) في رواية مسلم في الاخيرة وفيه استحباب الكافور وبه قال جمهور العلماء محتجين بهذا الحديث ولانه يطيب الميت ويشتد بدنه ويمنع اسراع افساده ويتضمن اكرامه وقال أبو حنيفة لا يستحب ولا حجة له (فاعلمننى) للبخارى فأذننى بوزنه ومعناه (فاعطانا حقوه) قال النووي بكسر الحاء وفتحها لغتان واقتصر في التوشيح على الفتح وسكون القاف أصله معقد الازار ويطلق على الازار مجازا قال النووي وجمعه أحق وأحقا (أشعرنها اياه) أى اجعلنه شعارا لها وهو الثوب الذي يلي الجسد سمى شعارا لانه يلي شعر الجسد وفعل صلى الله عليه وسلم ذلك لينالها بركة أثره صلى الله عليه وسلم ففيه التبرك بآثار الصالحين ولباسهم وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل (وضفرنا شعرها) بضاد ساقطة وفاء خفيفة وفي رواية لمسلم فمشطناها بتخفيف الشين ففى ذلك استحباب مشط رأس الميت وضفره وهو مذهب الشافعي وأحمد واسحاق وقيل لا يستحب المشط ولا الضفر بل يرسل الشعر الى الجانبين مقرقا وبه قال الاوزاعى والكوفيون (أبدأن) فى غسلكن (بيمامنها) فيه استحباب التيامن في غسل الميت كسائر الطهارات قال النووى في حديث أم عطية دليل لأصح الوجهين عندنا ان النساء أحق بغسل الميتة من زوجها وقد يمنع دلالته حتى يتحقق ان زوج زينب كان حاضرا في وقت وفاتها لا مانع له في غسلها وانه لم يفوض الأمر الي النسوة (ولما نزلت آية التخيير اختارت الدنيا الى آخره) هذا منكر لا أصل له ولم تخير واحدة من أزواجه صلى الله عليه وسلم الدنيا ويدل على بطلانه ما ذكره البغوي وغيره من المفسرين انه لم يكن في عصمة النبى صلى الله عليه وسلم يوم نزول آية التخيير سوي نسائه اللاتى مات عنهن (غلا) بفتح المعجمة والمد (سعر لنا) أي عين لنا قدرا من الثمن لقدر من المبيع (ان الله هو المسعر) أي هو الذي يغلي ان شاء ويرخص؟؟؟ ان شاء (القابض الباسط) يوسع الرزق ويقدره يبسطه برحمته ويقبضه بحكمته وقيل معناه الذي يقبض الارواح بالموت ويبسطها عند الحياة وينبغى كما قاله غير واحد من الأئمة ان يقرن بين الاسمين ولا يفصل بينهما ليكون أنبأ على القدرة وأدل على الحكمة كقوله تعالى وَاللَّهُ

_ (1) ذكر الماء والستر لم يرد في نسخة المتن فليحرر

مطلب في اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر وخبر حنين الجذع

بمظلمة في دم ولا مال رواه أبو داود* وروي أيضا ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سعرلنا قال بل أدعو ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله سعر لنا فقال بل الله يخفض ويرفع وانى لارجو ان القي الله وليس لاحد عندي مظلمة* [مطلب في اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر وخبر حنين الجذع] وفيه اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فكان من حديثه ما رويناه في صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما ان امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله الا اجعل لك شيئا تقعد عليه فان لى غلاما نجارا قال ان شئت قال فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذى صنع فصاحت النخلة التى كان يخطب عليها عندها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها اليه فجعلت تئن كأنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت قال بكت على ما كانت تسمع من الذكر رواه البخاري أيضا عن سهل ابن سعد وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم سألها ذلك قيل والجمع بينهما انها سألت النبي يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ فمن قال القابض مفردا قصر الصفة على المنع والحرمان ومن جمع أثبت الصفتين (بمظلمة) بفتح الميم وكسر اللام أي ظلم (في دم ولا مال) في ذلك عظيم خوفه صلى الله عليه وسلم من ربه تبارك وتعالى سيما فيما كان من حقوق المخلوقين وفيه حرمة التسعير وان المسعر يسمى ظالما (رواه) أحمد (وأبو داود) وغيرهما وصححه الترمذي عن أنس (وروي) مبنى للفاعل يعنى أبا داود* تاريخ اتخاذ المنبر (وفيه) أي في هذا العام يريد سنة ثمان من الهجرة وقيل كان اتخاذه سنة سبع (اتخذ صلى الله عليه وسلم منبرا) ففيه ندب اتخاذ المنبر والخطبة عليه والمنبر مشتق من النبر وهو الارتفاع (في صحيح البخاري) ورواه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وغيرهم (ان امرأة من الانصار) اسمها فاطمة كما ذكره ابن الانصاري أو عائشة كما ذكره البرماوي وذكر المصنف فيما بعد عدم وقوفه على اسمها (فلما كان يوم الجمعة) بالفتح والضم (فصاحت النخلة) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في نطق الجمادات وسيأتي الكلام على ذلك في المعجزات ان شاء الله تعالى (فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها) قال في الشفاء وذكر الاسفرايينى ان النبي صلى الله عليه وسلم دعاه الى نفسه فجاءه يخرق الارض فالتزمه ثم أمره فعاد الى مكانه (تئن) بفتح الفوقية وكسر الهمزة (أنين) بالفتح (الصبي) الصغير (الذي يسكت) بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الكاف وفي رواية في الصحيح سمعنا للجذع مثل أصوات العشار وهى بكسر المهملة بعدها معجمة خفيفة جمع عشر بالضم ثم الفتح مع المد وهي الناقة الحامل التى مضت لها عشرة أشهر قاله ابن زيد أو التى قاربت الولادة قاله الخطابي (بكت على ما كانت تسمع من الذكر) قال بعضهم انما قال ذلك صلى الله عليه وسلم سترا للقضية والا فبكاؤها انما كان تحزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرحت به الرواية (ورواه) البخارى ومسلم أيضا عن سهيل بن سعد صحابي ابن صحابي تأمر في غزوة بدر عن الواقدي أن سعدا أبا سهل كان ممن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأخره والجمع بينهما كما قاله النووى في شرح مسلم (أنها سألت النبي

صلى الله عليه وآله وسلم أولا ثم اضربت فكأنها لم تفهم منه الرضى فلما رآه النبي صوابا استنجزها وعدها واسم هذا النجار مينا وقيل باقوم أو باقول وقيل غير ذلك ولم أقف على اسم المرأة والله أعلم وذكر أهل التواريخ ان عدد درجات هذا المنبر ثلاث بالمقعد وان سماءه ذراعان وثلاث أصابع وان عرضه ذراع في ذراع وتربيعه سوى وطول رمانتيه التى كان يمسكهما النبي صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين اذا جلس شبر وأصبعان وانه بقى كذلك في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاربعة الخلفاء فلما كان في زمن معاوية ابن أبي سفيان زاد من أسفله ست درجات وكساه قطيفة فلما كان زمن المهدى بن المنصور هم أن يعيده الى حاله الاول فقال له الامام مالك بن انس انما هو من طرفاء وقد شد الى هذه العيدان وسمر فمتى نزعته خفت أن يتهافت فتركه ثم ذكر أنه تهافت على طول الزمان فجدده بعض الخلفاء العباسيين واتخذ من بقايا أعواءه منبر النبي صلى الله عليه وسلم أمشاطا للتبرك بها ثم لما احترق المسجد الشريف واحترق ما فيه واشتغل الناس عنه صلى الله عليه وسلم) ذلك (ثم أضربت) بالمعجمة تركت (استنجزها وعدها) طلب منها تنجيز ما وعدته به (واسم هذا النجار) ميمون على الاصح وقيل (ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية بعدها نون مع المد (وقيل باقوم وقيل باقول) بالموحدة والقاف المضمومة فيهما والثاني باللام بدل الميم وهي رواية عبد الرزاق (وقيل) اسمه غير (ذلك) فقيل ابراهيم وقيل صباح بضم المهملة وتخفيف الموحدة وقيل قبصة وقيل قصبية بتقديم الصاد وقيل كلاب مولى العباس وقيل تميم الدارى وروي الواقدى من حديث أبي هريرة ان تميما الدارى أشار به فعمله كلاب مولى العباس وجزم البلاذري بان الذى عمله أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن (عدد درجات هذه المنبر ثلاث بالمقعد) كما ورد في صحيح مسلم وغيره (وسماءه) أى ارتفاعه في السماء أي سمكه (ذراعان وثلاثة أصابع) تقريبا (وعرضه) بفتح العين لا غير (رمانتيه) بضم الراء وتشديد الميم تثنيقلة رمانة (فلما كان زمن معاوية) كتب الى مروان وكان عامله بالمدينة ان يحمل المنبر اليه وهو بالشام فأمر به مروان فقلع فاظلمت ارجاء المدينة وكسفت الشمس حتى رؤيت النجوم فخرج مروان فخطب فقال انما أمرنى أمير المؤمنين ان أرفعه (فدعا نجار وزاد من أسفله ست درجات وكساه قطيفة) وقال انما زدت فيه حين كثر الناس أخرج ذلك الزبير بن بكار في أخبار المدينة من طرق (المهدى بن المنصور) العباسي (انما هو من طرفاء) بالمد وهو الاقل كما في رواية صحيح البخارى وغيره من أثل الغابة وهي بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة وأصلها الشجر الملتف (ان تتهافت) أى تتساقط (فجدده بعض الخلفاء العباسيين) لم أقف على اسمه والذى ذكره ابن النجار انه استمر على بناء مرون الى ان احترق (ثم احترق المسجد الشريف واحترق ما فيه) احترق حينئذ المنبر قال في التوشيح وكان في ذلك اشارة الى زوال دولة أهل البيت النبوي العباسيين فانها

ذكر فضل المنبر المنيف وما بينه وبين القبر الشريف

باستيلاء التتار على البلاد وقتل الخليفة أبي أحمد عبد الله المعتصم بالله وذلك سنة ست وخمسين وستمائة أرسل الملك المظفر اليمني منبرا رمانتاه من الصندل فنصب مكان المنبر الأوّل النبوي وبقى الى أن حوله الملك الظاهر بيبرس وذلك سنة ست وستين وستماية والله أعلم [ذكر فضل المنبر المنيف وما بينه وبين القبر الشريف] ذكر فضل المنبر المنيف وما بينه وبين القبر الشريف- روينا في الصحيحين من روايات ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتى ومنبري انقرضت عقب ذلك بقليل في فتنة التتار انتهى واحترق في هذه النار جميع الحرم حتى اذابت الرصاص الذى العمد عليها فوقعت ولم يبق غير السور واقفا وكان قد خرج قبل هذه النار نار عظيمة وكان بدؤها زلزلة ليلة الاربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة الى صحي النهار يوم الجمعة ثم سكنت الزلزلة وظهرت النار بالحجاز وغيره الى أن وصلت الى قرب المدينة الشريفة وكان يأتي المدينة من جهتها نسيم بارد ببركته صلى الله عليه وسلم وكان يشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر وانتهت الى قرية من قري اليمن فاحرقتها وهي النار التي أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجها من ارض الحجاز تضىء لها أعناق الابل ببصرى أي مدينة حوران كما في الصحيحين وغيرهما وأخرجه ابن عدي في الكامل بلفظ حتى يسيل واد من أودية الحجاز بالنار يضيء الى آخره قال السيوطى وهو منطبق على هذه النار فانها سال منها واد مقدار أربعة فراسخ وكان خروجها زمن الامام النووي كما ذكره في شرح مسلم (باستيلاء التتار) بفوقيتين خفيفتين آخره راء وهم نوع من الترك استولوا في ذلك الزمن (على البلاد) كان استيلاؤهم يومئذ على بغداد وكانت عمود الاسلام وقتلوا من كان من أهل الاسلام وسبوهم فانتشر حينئذ الخوف وعظم الكرب وعم الرعب جميع البلاد (وقتل الخليفة) مصدر مضاف الى الخليفة وهو عطف على قوله باستيلاء (أبي أحمد المعتصم بالله) وكان آخر من ولي من العباسيين (أرسل) كما قاله ابن النجار (الملك المظفر) بفتح المعجمة والفاء المشددة (وبقى) منبر المظفر (الى ان حوله) بعد عشر سنين (الملك الظاهر) بالمعجمة (بيبرس) بفتح الموحدتين وسكون التحتية بينهما والراء آخره سين مهملة وقيل معجمة ولم يزل كذلك الى سنة عشرين وثمانمائة فارسل الملك المؤيد منبرا فلم يزل الى سنة سبع وستين وثمانمائة فأرسل المجاهد خشقدم منبرا* ذكر فضل المنبر الشريف (روينا في الصحيحين) ومسند أحمد وسنن النسائي (من روايات) بعضها عن عبد الله بن زيد المازنى وبعضها عن على وبعضها عن أبي هريرة (ما بين بيتى) يريد قبره كما نقله الطبرى عن زيد بن أسلم ويؤيده رواية ابن عساكر ما بين قبرى بدل بيتي أو يريد بيت سكناه على ظاهره وروي ما بين حجرتى والقولان متفقان لان قبره في حجرته وهي بيته قال الطبري والمراد بيت عائشة رضى الله عنها (ومنبرى) الصحيح ان المراد به منبره الذي كان يخطب عليه للجمعة وبينه وبين بيته ثلاثة وخمسون

الكلام على غزوة مؤتة وخبر مقتل زيد حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة

روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضى. وفي حديث خارج عنهما ما بين قبري ومنبري وفي حديث ما بين حجرتي الى منبري روضة من رياض الجنة وان منبري على ترعة من ترع الجنة والروايات متفقة فبيته صلى الله عليه وسلم ومنبره وحجرته واحد وبينها وبين المنبر ثلاثة وخمسون ذراعا. وروي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال قوائم منبري رواتب في الجنة وسيأتي خبر الجذع وجماع الروايات فيه في قسم المعجزات انشاء الله تعالى* [الكلام على غزوة مؤتة وخبر مقتل زيد حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة] وفي جمادى الاولى من هذا العام كانت غزوة مؤته وهي قرية من قرى البلقاء دون دمشق انتهت غزوتهم اليها روينا في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد ابن حارثة في غزوة مؤته وقال ان قتل زيد فجعفر وان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال ذراعا وقيل المراد خبره بمصلى العيد خارج سور المدينة ذكره السمهودي في تاريخ المدينة وغيره (روضة) هى في الاصل البستان الذي في غاية النضارة والحسن (من رياض الجنة) أي هو كرومه في نزول الرحمة وحصول السعادة أو ان العبادة فيه وكثرة ملازمته يؤدي الى الجنة أو ان ذلك الموضع ينقل بعينه في الآخرة الى الجنة أو انها نقلت من الجنة الى الدنيا كالحجر الاسود ومقام ابراهيم أقوال أظهرها الاخير وعليه فانتفاء أوصاف أهل الجنة عنهما في الصورة الظاهرة انما هو لقصور أهل هذه الدار عن درك تلك الحقائق كما قاله بعض العلماء العارفين قال وأما وقوع نحو الجوع بها مما ينافي روضة الجنة فهو انما يمنع في دار الجنة لا فيما نقل منها لغيرها تبركا به عملا باصل الدار الدنيوية وانما آيلة الى الفناء (ومنبري) قال أكثر العلماء كما نقله عياض المراد منبره بعينه الذى كان في الدنيا ينقل يوم القيامة ثم ينصب على الحوض ثم تصير قوائمه رواتب في الجنة كما في حديث الطبراني وقيل ان له منبرا هناك (على حوضى) سوى هذا الذى في الدنيا وقيل ان قصد منبره والحضور عنده لملازمة الاعمال الصالحة تورد صاحبها الحوض ويقتضى شربه منه في هذا الحديث ترغيب تام في العبادة في ذلك المحل (وان منبرى على ترعة الى آخره) رواه أحمد عن سهل بن سعد وابى هريرة ولفظه منبري هذا علي ترعة من ترع الجنة وفسر الترعة بالباب وهي بضم الفوقية وسكون الراء وعين مهملة (قوائم منبرى رواتب في الجنة) رواه احمد والنسائى وابن حبان عن أم سلمة ورواه الطبرانى والحاكم عن أبي واقد والرواتب جمع راتبة بالفوقية والتاء وهي الدعامة ونحوها مما تشد به البناء* تاريخ غزوة مؤتة (وفي جمادي الاولى) قبل غزوة ذات السلاسل كما مر انها كانت في جمادي الأخرى قال النووى قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر كانت ذات السلاسل بعد مؤتة فيم ذكره أهل المغازى الا ابن اسحاق فقال قبلها (البلقاء) بالموحدة والقاف والمد عند الكرك في طرف الشام (دمشق) بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون المعجمة على مرحلتين من بيت المقدس وكانت أوّل غزو وقع لبلد الروم (روينا في صحيح الخاري عن ابن عمر) وعن قيس بن أبي حازم وفيه وفي سنن النسائي عن أنس وفي مسلم وأبي داود عن قيس بن مالك الاشجعي (زيد بن حارثة) فيه فضيلة لزيد حيث قدم على جعفر وغيره من أشراف قريش والانصار (مؤتة) بضم الميم وسكون الواو بهمز ودونه (ان قتل زيد فجعفر) قال في التوشيح

عبد الله كتب معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وتسعين ما بين طعنة ورمية وكان من خبرهم في غزوتهم أنهم لما بلغوا معان بلغهم ان هرقل نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة لخم وجذام والفين وبهرا وبلي وكان المسلمون ثلاثة آلاف فتشاوروا أن يراجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرهم بأمره فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم انما هي احدى الحسنيين اما نصرا واما شهادة فقال الناس صدق عبد الله فمضوا حتى التقوا بمؤتة فقاتل زيد بالراية حتى قتل ثم أخذها جعفر وقاتل قتالا شديدا ثم نزل عن فرسه فعقرها فكان أوّل من عقر في الاسلام وجعل يقول: يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها ثم قاتل حتى قطعت يمينه فأخذ الراية بشماله فقطعت أيضا فاحتضنها بعضديه فعوضه الله عن ذلك جناحين يطير بهما في الجنة. وروينا في صحيح البخاري ان ابن عمر كان اذا حيا يؤخذ منه جواز ولاية الوظائف تعليقا وهو دليل قوى جدا (بضعا وسبعين) في بعض نسخ الصحيح وتسعين بدل سبعين زاد في رواية ليس منها شىء في دبره (معان) بضم الميم وتخفيف العين المهملة كذا ذكره أبو بحر والبكري وقال هو اسم جبل قال السهيلى وأصلحه علينا القاضى حسين الشماع معان بفتح الميم قال وهو اسم موضع (مآب) بفتح الميم ومد الهمزة آخره موحدة (من المستعربة) هم كل عربى ليس من ولد اسماعيل والعاربة أولاد اسماعيل (لخم) بفتح اللام وسكون المعجمة قبيلة تنسب الى لخم بن عدى بن الحارث بن مرة بن ازد (وجذام) بضم الجيم ومعجمة قبيلة تنسب الى جذام بن عدي أخى لخم كما مر (والقين) بفتح القاف وسكون التحتية (وبهرا) بفتح الموحدة وسكون الهاء وراء مقصورة وممدودة (وبلي) بالموحدة على وزن علىّ والثلاثة بطون من قضاعة (فشجع الناس) أي جرأهم (أحد الحسنيين) تثنية حسنى (أما نصر) بالضم (وأما شهادة) كذلك وهذا تفسير الحسنيين (فكان) جعفر اسمها مستتر (أول) بالنصب خبرها (يا حبذا) بففتح المهملة والموحدة ثم دال معجمة قال في القاموس حبذا الأمر أي هو حبب جعل حب وذا كشئ واحد وهو اسم وما بعده مرفوع به (الجنة) بالرفع (طيبة وبارد) يجوز رفعهما على ان طيبة خبر مبتدأ محذوف وبارد مبتدأ خبره (شرابها) ويجوز ضمهما على الحال أى حال كون الجنة طيبة وشرابها باردا (فاحتضها) بالحاء المهملة والضاد المعجمة أي أخذها بحضنيه (فعوضه الله عن ذلك جناحين الى آخره) أخرج الترمذي والحاكم من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جعفر بن

ابن جعفر قال سلام عليك يا ابن ذي الجناحين وقتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة أو احدى وأربعين ثم أخذ الراية بعدهما عبد الله بن رواحة وجعل يقول: يا نفس ألا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليتي وما تمنيت فقد أوليتي ... ان تفعلى فعلهما هنيت ثم قاتل حتى قتل ثم اصطلح الناس بعدهم على خالد بن الوليد فأخذ الراية وقاتل قتالا شديدا ودافع عن المسلمين حتى انحازوا. روينا في صحيح البخاري عن ابن حازم قال سمعت خالد بن الوليد يقول لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقى في يدي الا صفيحة يمانية وكان جميع من استشهد بموتة ثمانية رجال فيما ذكر ابن اسحاق وذكر ابن هشام عن الزهري أربعة أيضا أخوين وأخوين. روينا في صحيح البخاري عن انس ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم اخبرهم فقال أخذ الراية زيد أبي طالب يطير في الجنة ملكا مع الملائكة ومر في بدء الوحي عن السهيلى ما حاصله ان ذلك معنوي وليس بحسى قال الحافظ ابن حجر وما ذكره في مقام المنع اذ لا مانع من حمله على الظاهر كيف وقد ورد أن جناحي جعفر من ياقوت أخرجه البيهقي في الدلائل وأجنحة جبريل من اللؤلؤ أخرجه ابن مندة (فائدة) أخرج أبو القاسم الحربي في أماليه من حديث على سيد الشهداء جعفر بن أبي طالب معه الملائكة لم ينحل ذلك أحد ممن مضي من الامم غيره شيء أكرم الله به محمدا يا نفس ألا تقتلي تموتي ... قبل هذا البيت هل أنت الا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت وكانت قد أصيبت أصبعه وقيل ان هذين البيتين للوليد بن الوليد بن المغيرة وقد تمثل بهما صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره (هذا حمام الموت) أي قدرة وحم الأمر قدر (قد صليتى) قد دخلت فيه (وما تمنيت) من الشهادة (فقد أعطيت) في بعض النسخ فقد لقيت (ان تفعلي فعلهما) أي زيد وجعفر (هنيت) بفتح الهاء وكسر النون مخفف وبضم الهاء وتشديد النون مشدد مبنى للمفعول وفي بعض النسخ بدله هديت (حتى انحازوا) بهمزة وصل فنون ساكنة فمهملة فالف فزاي أى انزوى بعضهم الى بعض (صفيحة) هي العريضة من السيوف (يمانية) بتخفيف الياء (ثمانية رجال) هم جعفر وزيد بن حارثة وابن رواحة ومسعود بن سويد العدوى وعبد الله بن سعيد بن العاص وعبادة بن قيس الانصاري ووهب ابن سعيد بن أبي سرح وحبيب بن الحارث بن حبيب (أخوين وأخوين) وهم سويد بن عمرو وسراقة ابن عمرو الانصاريان وأبو كلاب بن أبي صعصعة وجابر بن أبي صعصعة الانصاريان (روينا في صحيح البخارى) وسنن النسائي وغيرهما (قبل أن يأتيهم خبرهم) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من المغيبات

فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها ابن رواحة فأصيب وعيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليه وفي رواية أخرى قال حتى أخذها خالد بن الوليد من غير أمرة ففتح الله له وقال ما يسرنا أو قال ما يسرهم أنهم عندنا وعيناه تذرفان. ويذكر أن أبا بكر لما قال صلى الله عليه وآله وسلم ان أصيب فلان ففلان قال حسبك يا رسول الله فلولم يقلها وتتابع القول لأصيبوا عن آخرهم. وروي عن اسماء بنت عميس زوجة جعفر قالت لما أصيب جعفر دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم فاستدعى بني فأتيته بهم فتشممهم وذرفت عيناه فقلت يا رسول الله بأبي وأمي أنت ما يبكيك أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء قال نعم أصيبوا هذا اليوم وقالت فقمت أصيح واجتمع الى النساء وخرج صلى الله عليه وآله وسلم الى أهله فقال لا تغفلوا عن آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد (وعيناه تذرفان) بكسر الراء يسيل دمعهما وقد مضي فيه مزيد كلام (سيف من سيوف الله) فيه فضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد حيث سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف الله ولم يزل يعرف بهذا الاسم فيما بعد وروى الترمذي عن أبي هريرة قال نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فجعل الناس يمرون فيقول من هذا يا أبا هريرة فاقول فلان فيقول نعم عبد الله هذا ويقول من هذا فاقول فلان فيقول بئس عبد الله هذا حتى مر خالد بن الوليد فقال من هذا فقلت خالد بن الوليد فقال نعم عبد الله هذا سيف من سيوف الله وأخرج البغوى من حديث عبد الله بن جعفر خالد بن الوليد سيف من سيوف الله وأخرج أيضا ابن عساكر من حديث عمر وزاد سله الله على المشركين وأخرجه أحمد من حديث أبي عبيدة وزاد ونعم فتى العشيرة وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس وزاد وسيف رسوله (ما يسرهم انهم عندنا) أي لما رأوا من كرامة الله عز وجل (ويذكر أن أبا بكر إلى آخره) ذكر ذلك أهل السير (وروى عن اسماء الى آخره) رواه عنها الشيخان وغيرهما (زوجة جعفر) كذا وقع والصواب زوج بحذف الهاء (فاستدعا) أى طلب من يدعو (بنيّ) بتشديد الياء (فتشممهم) أى شمهم وفعله صلى الله عليه وسلم شفقة ورحمة (لا تغفلوا عن آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما) وللترمذي وحسنه والحاكم وصححه واحمد وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن جعفر اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم وأخرج الزبير بن بكار من حديث عبد الله بن جعفر أن سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدت الى شعير فطحنته ثم آدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا قال عبد الله فأكلت منه وحبسنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اخوتي في بيته ثلاثة أيام ففيه ندب تهيئة طعام لأهل الميت والالحاح عليهم في أكله لئلا يضعفوا بتركه وتهيئته لنحو نائحه حرام لانه اعانة على معصية وأما تهيئة أهل الميت طعاما وجمع الناس عليه فبدعة وروى ابن ماجه والامام

شغلوا بأمر صاحبهم وروينا في الصحيحين عن عائشة قالت لما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل زيد بن حارثة وجعفر بن ابي طالب وعبد الله بن رواحة وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن قالت وانا انظر من صاير شق الباب فأتاه رجل فقال يا رسول الله ان نساء جعفر وذكر بكاءهن فأمره أن يذهب فينهاهن وذهب فأتاه وذكر انهن لم يطعنه فأمره الثانية فذهب ثم أتاه فقال والله لقد غلبننا يا رسول الله قال فزعمت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اذهب فاحث في أفواههن التراب قالت عائشة فقلت ارغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما تركت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العناء لفظ مسلم ولمادنوا من المدينة راجعين تلقاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعبد الله بن جعفر بين يديه والمسلمون معه فعيرهم الناس بالفرار فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى احمد باسناد حسن عن جرير بن عبد الله قال كنا نعد ذلك من النياحة (وروينا في الصحيحين عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو داود والنسائى (رسول الله) مفعول (قتل زيد) فاعل (يعرف فيه) أي في وجهه كآبة عن غير مذكور أو في ذاته صلى الله عليه وسلم (الحزن) بضم المهملة وسكون الزاي وبفتحهما (من صاير الباب) بالمهملة والتحتية قال النووي قال بعضهم لا يقال صاير وانما يقال صير الباب بكسر الصاد وسكون الياء والصاير فسر في الحديث بقوله (شق الباب) وهو بفتح المعجمة الموضع الذي ينظر منه قال ابن حجر والظاهر أن هذا التفسير من قول عائشة ويحتمل أن يكون ممن بعدها (فأتاه رجل) لم يسم (فأمره أن يذهب فينهاهن) عن البكاء أما لانه كان فيه نحو نوح أو كان تمني تنزيه وأدب لا للتحريم ومن ثم أصررن عليه متأولات قولان (اذهب فاحث) بهمزة وصل وضم المثلثة من حثا يحثو وكسرها من حثي يحثي لغتان (في أفواههن التراب) لمسلم من التراب (أرغم الله أنفك) بالراء والغين المعجمة أي الصقه بالرغام بفتحتين مخفف أي التراب قال النووي وهو اشارة الى اذلاله واهانته (والله ما تفعل) وللبخاري في رواية لم تفعل وفي أخري ما أنت بفاعل قال في التوشيح لم تفعل من تصرف الرواة (وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم) معنى كلام عائشة كما قال النووي أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الانكار لنقصك وتصبرك ولا تخبر النبى صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك وتستريح (من العناء) بفتح العين المهملة والنون وبالمد المشقة والتعب هذا (لفظ مسلم) فى احدى رواياته وله أخري وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العي بكسر المهملة وتشديد التحتية أي التعب وفي أخرى الغى بفتح المعجمة وتشديد التحتية ضد الرشد قال عياض وهو تصحيف (فعيرهم المسلمون الى آخره) أخرجه ابن اسحاق في السير (بالفرار) بكسر الفاء وتخفيف الراء مصدر فريفر (ليسو بالفرار) بضم الفاء وتشديد الراء جمع فرأي هارب (ولكنهم الكرار) بوزن الأوّل جمع كار أي طالب (ان شاء الله تعالى) قالها صلى

ورثاهم حسان وكعب بن مالك بمراث منها قول حسان في جعفر: ولقد بكيت وعز مهلك جعفر ... حب النبي على البرية كلها ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي ... من للجلاد لدى العقاب وظلها بالبيض حين تسل من أغمادها ... ضربا وأنهال الرماح وعلها بعد ابن فاطمة المبارك جعفر ... خير البرية كلها وأجلها رزءا وأكرمها جميعا محتدا ... وأعزها متظلما وأذلها للحق حين ينوب غير تنحل ... كذبا وأبداها يدا وأقلها الله عليه وسلم للتبرك وامتثال أمر ربه في قوله ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله كما مر ولفظ ابن اسحاق ولكنهم العكارون أى الكرارون وزاد وقال أنا فئتكم أي والمتحيز الى فئة المسلمين لا حرج عليه (ورثاهم) بتشديد المثلثة (بمراث) بتخفيف الراء آخره مثلثة جمع مرثية وهي عد محاسن الميت نظما ونثرا وقد اطلقها الجوهري على عد محاسنه مع البكاء وعلى نظم الشعر فيه وفي ذلك دليل لجواز ترثية الميت وقد رثت فاطمة رضي الله عنها أباها صلى الله عليه وسلم ورثاه غيرها كما سيأتي وفعله كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء وما ورد من النهى عنها محمول على ما يظهر فيه تبرم أو على فعله مع الاجتماع له أو على الاكثار أو على ما يجدد الحزن (وعز مهلك) بفتح اللام مع ضم الميم وفتحها وبكسر اللام مع فتح الميم (حب التى) بكسر الحاء أى محبوبه (على البرية) متعلق بعز (من للجلاد) أي الفرسان الاقوياء (لدى) عند (العقاب) بضم المهملة وتخفيف القاف آخره موحدة على لفظ العقاب الطائر المعروف وهي الراية وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمي بذلك كما سيأتي (وظلها) أي ظل العقاب (بالبيض) أي السيوف (وانهال الرماح) بكسر الهمزة أي سقيها بدماء الاعداء أوّل مرة (وعلها) بفتح المهملة وتشديد اللام أي سقيها مرة ثانية (خير البرية كلها) وهذا عام أريد به الخاص فان قلت لم قال حسان ذلك في حق جعفر وقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم في حق نفسه مع انه خير البرية قلت لعل ذلك كان قبل النهى او بعده ولم يعلم به أو علم منه وفهم ان ظاهره غير مراد لانه صلى الله عليه وسلم انما نهى عنه بالنسبة الى نفسه هضما لها وتواضعا (وأجلها رزأ) تعلق آخر البيت باوله ضعيف عند أرباب الفصاحة ورزأ بضم الراء وسكون وسكون الزاي ثم همزة مفتوحة أى أعظم نقصا (وأكرمها) أفضلها (محتدا) أصلا كما مر (وأعزها) حال كونه (متظلما) معناه ان يظلمه اذا شكي ظلم أحد يكون مع عزة دالة على شهامة النفس لا يحمله على رد الحق وعدم الانقياد له بل يؤخذ للحق ذليلا وعلى الباطل عزيزا رضي الله عنه (غير تنحل) أي منتحل اقام المصدر مقام الاسم (كذبا) أى لا يرضى الكذب له نحلة أي مذهبا (ابداها) بالباء الموحدة والمهملة أي أطولها (يدا) وكنى بذلك عن كثرة الصدقة وفعل المعروف كما في الحديث أو لكن لحوقا بى أطو لكن يدا يريد الصدقة (واقلها

الكلام على غزوة سيف البحر وخبر ذلك

فحشا وأكثرها اذا ما يجتدى ... فضلا وأنداها ندى وأطلها بالعرف غير محمد لا مثله ... حي من أحياء البرية كلها [الكلام على غزوة سيف البحر وخبر ذلك] ومما ذكر في هذا السنة قبل الفتح غزوة سيف البحر وكان من خبرها ما رواه جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثمائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عير قريش فأقمنا بالساحل نصف شهر فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فسمي ذلك الجيش جيش الخبط فألقى لنا البحر دابة الظرب يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر وأدهنا من ودكه حتى ثابت الينا أجسامنا فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه وأخذ رجلا وبعيرا فمر تحته وكان رجل في القوم نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم ان أبا عبيدة نهاه رواه البخاري والرجل قيس بن سعد بن عبادة فحشا) بضم الفاء في قوله وفعله (يجتدى) بالجيم والفوقية أي يطلب جدواه والجدي العطية ويجوز باهمال الحاء واعجام الذال بمعناه (وانداها) بالنون والمهملة أي أكثرها (ندا) بالنون أى عطاء (وأطلها) بالمهملة أى أغزرها طلا والطل أضعف المطر (بالعرف) بضم العين أى المعروف (من احياء) بوصل الهمزة لضرورة الشعر* تاريخ غزوة سيف البحر (في هذه السنة) أي الثامنة (غزوة سيف البحر) بكسر المهملة وسكون التحتية ساحله وكان ذلك في أرض جهينة كما في رواية في صحيح مسلم (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ثلاثمائة راكب) زاد مسلم نحمل ازوادنا على رقابنا (أبو عبيدة) اسمه عامر كما مر (نرصد) نرقب (الخبط) بفتح المعجمة والموحدة ورق السمر (فسمى) مبنى للمفعول ذلك (الجيش) بالرفع والجيش عند أهل اللغة ما زاد على ثلاثمائة وسمى هؤلاء جيشا توسعا والسرية عندهم من مائة الى خسمائة ثم يسرى الى ثمانمائة ثم جيش الى أربعة آلاف ثم جحفل (جيش الخبط) بالنصب (الظرب) بفتح المعجمة القائمة وحكي ابن التين أسقاطها وكسر الراء وقيل بسكونها وموحدة وهي الجبل الصغير وقال الجوهري الرابية الصغيرة ولمسلم كهيئة الكثيب الضخم (يقال له العنبر) قال الازهري هي سمكة كبيرة طولها خمسون ذراعا قال ابن حجر وقد ورد أنه كان على صورة البعير (فأكلنا منه نصف شهر) ولمسلم في احدي رواياته فأقمنا عليه شهرا بعد ان قال أبو عبيدة ميتة ثم قال لابل نحن رسل رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا وله في أخرى فأكل منها الجيش نمانى عشرة ليلة (واد هنا من ودكه) في رواية لمسلم ولقد رأيتنا نغترف بالاقداح من وقب عينه القلال الدهن ونقتطع منه القدر كالثور أو كقدر الثور والودك بفتح الواو والدال الشحم (حتى ثابت) بالمثلثة والباء الموحدة قبل التاء الفوقية أي رجعت الى القوة (فأخذ أبو عبيدة ضلعا) لمسلم قبله فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه والضلع بكسر الضاد وفتح اللام (من اضلاعه) هذا هو الصواب وللمستملى من أعضائه (ثم أخذ رجلا وبعيرا) ولمسلم ثم رحل أعظم بعير معنا (رواه) مالك (و) البخاري (ومسلم)

الكلام على فتح مكة ويسمى فتح الفتوح

ففي صحيح البخاري من رواية أخرى ان قيس بن سعد قال لأبيه كنت في الجيش فجاعوا قالوا انحر قال نحرت قال ثم جاعوا قالوا انحر فنحرت قال ثم جاعوا قالوا انحر فنحرت قال ثم جاعوا قالوا انحر قال نهيت* [الكلام على فتح مكة ويسمى فتح الفتوح] وفي رمضان من هذه السنة كان فتح مكة وسمي فتح الفتوح لأن العرب كانت تنتظر باسلامها اسلام قريش ويقولون هم أهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فان غلبوا فلا طاقة لأحد به فلما فتح الله مكة دخلوا في دين الله أفواجا قبائل على جملتها بعد ان كانوا يدخلون أفرادا ولم يقم للشرك قائمة بعده* روينا في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا ابنا مثله فقال انه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعانى معهم فما رأيت انه دعاني يومئذ إلا ليريهم قال ما تقولون في قول الله عز وجل إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذ فتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا فقال لى أكذلك تقول يابن عباس فقلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلمه له قال اذا جاء نصر الله والفتح وذلك علامة أجلك فسبح بحمد وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم عن جابر وفي الحديث انه صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر لم يجد لهم غيره وكان أبو عبيدة يعطيهم تمرة تمرة فكانوا يمصونها ثم يشربون عليها الماء وانهم وجدوا فقدها لما فنيت وفيه أنهم تزودوا من لحمه فلما قدموا المدينة ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو رزق أخرجه الله تعالى لكم فهل معكم من لحمه فأرسلوا اليه منه فأكل فيؤخذ من الحديث طلب الصبر على الجوع ونحوه سيما في الغزو ونحوه من الطاعات وانتظار الفرج وسرعة اذهاب العسر باليسر وان رزق المتقين من حيث لا يحتسبون وفيه التأنى والتثبت في الاجتهاد وفيه طهارة ميتة البحر وحل أكلها (فائدة) روى مسلم في صحيحه عن جابر وقوع مثل هذه القصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط وقد شكى الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال عسى الله ان يطعمكم قال فأتينا سيف البحر فزجر البحر زجرة فألقي دابة فأورينا على شقها النار فأطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا قال جابر فدخلت أنا وفلان وفلان حتى عد خمسة في حجاج عينها ما يرانا أحد حتى خرجنا وأخذنا ضلعا من أضلاعه فقوسناه ثم دعونا بأعظم رجل في الركب وأعظم جمل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحته ما يطأطيء رأسه* تاريخ غزوة الفتح (كان) تامة (ويسمى) هذا الفتح (فتح الفتوح روينا في صحيح البخاري) وسنن الترمذي (قال بعضهم) هو عبد الرحمن بن عوف (ولنا ابنا) بالصرف (مثله) بالرفع (انه ممن قد علمتم) أي فضله بالعلم وقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرنا) مبني للمفعول (اذا فتح علينا) مبنى للفاعل وفي الحديث فضيلة ظاهرة لابن عباس ولعمر أيضا حيث عرف فضيلته ووافقه

ربك واستغفره انه كان توابا فقال عمر ما أعلم منها الا ما تقول وكان سبب غزوة الفتح على ما ذكر أهل السير انه كان بين خزاعة وبني بكر عداوة وترات وقد كانت خزاعة دخلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية ودخلت بنو بكر في عهد قريش فمكثوا على ذلك ثمانية عشر شهرا ثم بيتت بنو بكر خزاعة على ماء لهم يسمى الوتير ناحية عرنة وأعانتهم قريش مختفين في سواد الليل فقتلوا رجالا من خزاعة فلما كان ذلك منهم ركب عمرو بن سالم الخزاعي الكعبي الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوقف عليه وهو في المسجد بين ظهرانى الناس فأنشد: يا رب اني ناشد محمدا ... حلف أبينا وابيه الأتلدا قد كنت والدا وكنا ولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا فانصر هداك الله نصرا أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا في هذا التأويل (وترات) جمع ترة وهي لغة النقص وأراد أنهم كانت بينهم حروب (ثم تبيتت) أي جاءت بياتا أي ليلا (بنو بكر) زاد البغوي ومعهم نوفل بن معاوية الدئلي في بنى الدئل مع بني بكر (الوتير) بفتح الواو وكسر الفوقية ما بين عرفة الى ادام قال في القاموس والوتير في اللغة الورد الابيض قاله السهيلى (عرنة) بضم المهملة وفتح الراء كما مر (وأعانتهم قريش) بالسلاح وحضر معهم صفوان بن أمية وعكرمة ابن أبى جهل وسهيل بن عمرو مع عبيدهم (مختفين في سواد الليل) أى ظلمته ففيه ان عقد الهدنة ينتقض بنقض بعض الكفار مع سكوت الباقين (فقتلوا رجلا «1» من خزاعة) لم أقف على اسمه (عمرو بن سالم الخزاعى) عده ابن عبد البر وغيره في الصحابة (يا رب) وللبغوي في التفسير لاهم أى اللهم (اني ناشد) سائل مع رفع صوتي (حلف أبينا وأبيه) بكسر الحاء المحالفة أي اني سائله عن الحلف الذي كان بيننا وبينهم هل هم باقون عليه أم لا (الأتلدا) بالفوقية وألف الاطلاق أي الاقدم (قد كنت والدا وكنا ولدا) وللبغوى كنت لنا أبا وكنا ولدا وأراد بذلك عقد المحالفة فانه كان في الجاهلية بهذه المثابة حتى كانوا يتوارثون به وكان كذلك الى أوّل الاسلام ثم نسخ بقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» وذكر السهيلي انه انما قال ذلك لان بني عبد مناف أمهم من خزاعة وكذلك قصي أمه فاطمة بنت سعد الخزاعية (ثمت) أي ثم (أسلمنا) أراد الاسلام اللغوي دون الحقيقى لانهم كانوا لم يسلموا يومئذ (ولم ننزع) ولم نخرج (يدا) عن طاعتك ولم تنقض الحلف الذى كان بيننا وبينك (نصرا اعتدا) ضبط بضم الهمزة وسكون المهملة وكسر الفوقية أي أحصر وهي من الشيء العتيد وهو المهيأ الحاضر وضبط بهمز وصل مع فتح الفوقية أى نصرا تاما متعديا الينا (مددا)

_ (1) نص المتن رجالا خلافا للشارح فليحرر.

فيهم رسول الله قد تجردا ... ان سيم خسفا وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجرى مزبدا ... ان قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا ... وجعلوا لى في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصرت يا عمرو بن سالم وعرصت سحابة في السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب وغير بعيد أن جاء أبو سفيان يبتغي تأكيد العهد والمزايدة في المدة فأبى عليه رسول الله صلى بفتح الميم أى يمدانهم (قد تجردا) بألف الاطلاق أى خرج من العلائق المانعة له من المسير (ان سيم) بكسر المهملة وسكون التحتية أى طلب (خسفا) بفتح المعجمة وسكون المهملة أى أمرا دنيا (تربدا) بألف الاطلاق وهو بالمهملة أي انه صلى الله عليه وسلم لا يرضى النقص بل يتربد منه (وجهه) أي يتغير ويتكدر ويعلوه ربدة بكسر الراء وهي لون بين السواد والغبرة قاله أبو عمر أولون كدر قاله ابن دريد (في فيلق) متعلق بقوله قد تجردا والفيلق بفتح الفاء واللام وسكون التحتية بينهما آخره قاف الجيش العظيم كالجحفل وجمعه فيالق (في كداء) بفتح الكاف وبالمد اسم لا على مكة (وزعموا ان لست أدعو) أي أعبد (أحدا) أشار الى قول نوفل بن معاوية الدئلى حيث قال له بنو بكر يا نوفل انا دخلنا الحرم أي وقتلنا خزاعة فيه إلهك إلهك أي خف منه فقال انه لا إله له اليوم أصبوا آثاركم فيه ذكره البغوي (هجدا) بضم الهاء وفتح الجيم المشددة وهو نصب على الحال أي حال كوننا هجدا أي نياما جمع هاجد أي نائم (يا عمرو بن سالم) بنصب ابن وفي عمرو الرفع والنصب كنظائره (وعرضت سحابة) وللبغوي عياب بفتح العين وهو السحاب أيضا (ليستهل) من الاهلال وهو رفع الصوت (بنصر بنى كعب) زاد البغوي وهم رهط عمرو بن سالم (وغير بعيدن) بفتح الهمزة (جاء أبو سفيان الي آخره) وتقدم قبل مجيء أبى سفيان مجيء بديل بن ورقاء الخزاعي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من خزاعة معلما له بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم انصرفوا فلقيهم أبو سفيان بعسفان فسألهم هل أتوا محمدا فجحد بديل فقال أبو سفيان لئن كان الدئلى جاء المدينة لقد علف بها النوى فلما ارتحل بديل جاء أبو سفيان الى مبرك ناقته ففت من بعرها فاذا فيه النوى فحلف لقد جاء بديل محمدا ذكر معنى ذلك البغوى وغيره وذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان قد قال للناس كأنكم بأبى سفيان قد جاء يشدد العقدة ويزيد في المدة ففيه معجزة له صلى الله عليه وسلم وذكر أيضا انه لما جاء المدينة دخل على ابنته أم حبيبة فطوت عنه فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يجلس عليه فقال أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني فقالت بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وانت رجل مشرك نجس فلم أحب أن تجلس عليه فقال والله لقد أصابك

مطلب في كتابة حاطب بن أبي بلتعة لقريش بمسير رسول الله اليهم وإخبار جبريل له بذلك

الله عليه وآله وسلم ولم يجبه بشيء يعمل عليه فانصرف كمن لم يجيء ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس بالجهاز فآذن من حوله من الأعراب وقال اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها [مطلب في كتابة حاطب بن أبي بلتعة لقريش بمسير رسول الله اليهم وإخبار جبريل له بذلك] ثم ان حاطب بن أبي بلتعة كتب كتابا الى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليهم فنزل جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك. روينا في صحيح البخاري عن علي كرم الله وجهه قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام وفي رواية والمقداد بعدى يا بنية شر (ولم يجبه) من الاجابة (بشىء) وذكر البغوي انه جاء الي ابي بكر ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبي ثم عمر فأبى وقال لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم به ثم علي بن أبي طالب فقال لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ أمر ما استطيع أن أكلمه فيه فسأل فاطمة أن تأمر حسنا أن يجيز بين الناس فقالت ما بلغ من أمر ابني أن يفعل ذلك فاستشار عليا فأشار عليه أن يجيز بين الناس ثم يذهب الى مكة فقام في المسجد وقال يا أيها الناس اني قد أجزت بين الناس ثم انصرف الى مكة (كمن لم يجيء) فلما أتى مكة سألوه ما فعل فأخبرهم بانه أجاز بين الناس بمشورة على قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا فو الله ما زاد على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت قال لا والله ولكن ما وجدت غير ذلك (ثم أمر الناس بالجهاز) بفتح الجيم كما مر في حديث الهجرة قال البغوي فدخل ابو بكر على ابنته عائشة وهى تصلح في بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أي بنية أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بان تجهزوه قالت نعم فتجهز قال أين ترينه يريد قالت لا أدري وفي سيرة ابن اسحاق من رواية الشيباني عن عائشة قالت دخل أبو بكر وأنا أغربل حنطة فسألني قال السهيلي وفيه من الفقه أكلهم البر وان كان أغلب أحوالهم أكل الشعير اذ لا يقال حنطة الا للبر (وآذن) بفتح الهمزة اعلم (من حوله من الأعراب) انه يريد الخروج الى مكة (حتى نبغتها) أى يأتيها بغتة أى فجأة واستجاب الله عز وجل دعوته فلم يعلم به أحد حتى نزل مر الظهران بالمهملتين والظاء المشالة كما مر (بلتعة) بالموحدة فاللام فالفوقية فالمهملة بوزن علقمة كما مر والبلتعة في اللغة التظرف قاله ابو عبيد في الغريب (كتب كتابا) صورته أما بعد يا معشر قريش فان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل وو الله لو جاءكم وحده لنصره الله وانجزله وعده فانظروا لانفسكم والسلام حكاه السهيلي وغيره وروى الواقدي ان صورته ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد وقال البغوى صورته من حاطب بن ابي بلتعة الى أهل مكة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم وفي تفسير ابن سلام ان صورته ان محمدا قد نفر فاما اليكم واما الى غيركم فعليكم الحذر (وروينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن ابى داود والترمذى (وابا مرثد) بفتح الميم والمثلثة وسكون الراء بينهما (الغنوي) بفتح المعجمة والنون منسوب الى غنى حي من غطفان واسمه كناز بتشديد النون كما مر (وفي رواية المقداد) وفي

وكلنا فارس قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة الى المشركين فأدركناها علي بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا أخرجى الكتاب فقالت ما معنى الكتاب فأنحناها فالتمسنا فلم نر كتابا قلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت الى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته. وفي رواية انها أخرجته من عقاصها فانطلقا بها الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عمر يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعنى فلأضرب عنقه فقال ما حملك على ما صنعت قال والله ما بى أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله أردت أن يكون لى عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالى وليس أحد من أخرى للبغوى وعمار أو طلحة (روضة خاخ) بخائين معجمتين على الصواب ووقع في البخارى من رواية أبي عوانة حاج بمهملة وجيم وهو غلط من أبى عوانة بالاتفاق قال النووى وانما اشتبه عليه بذات حاج بالمهملة والجيم وهي موضع من المدينة والشام على طريق الحجيج وأما روضة خاخ فموضع بقرب المدينة في طريق مكة بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلا هذا هو الصواب وقال الصايرى هى بقرب مكة قال النووي في ذلك معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم وفيه هتك استار الجواسيس وقراءة كتبهم ولو كانت امرأة وفيه هتك ستر المفسدة لمصلحة (فان بها ظعينة) بالنصب اسم ان والظعينة هذه اسمها سارة وقيل كنود مولاة لعمران بن أبي صفي بن هاشم بن عبد مناف وذلك أنها أتت المدينة وشكت حاجة شديدة فاعطوها نفقة وكسوة وحملوها على بعير ذكره البغوي عن المفسرين وقيل كانت مولاة للعباس والظعينة في الاصل المرأة مادامت في الهودج ثم جعلت المرأة المسافرة ظعينة ثم جعلت المرأة ظعينة سواء سافرت أم أقامت (ما معنى الكتاب) أي ما أردتم بالكتاب موهمة أنها لا تعرف معناه وفي بعض نسخ الصحيح ما معنى كتاب (لتخرجن الكتاب) بضم الفوقية وسكون المعجمة وكسر الراء والجيم وتشديد النون واللام فيه للقسم (أو لنجردنك) أي من ثيابك كما في رواية في الصحيح أو لنلقين الثياب زاد البغوي أو لأضربن عنقك (الجد) بكسر الجيم نقيض الهزل (حجزتها) أي معقد ازارها (وفي رواية) في الصحيح (أنها أخرجته من عقاصها) بكسر العين والصاد المهملتين وبالقاف وهو الخيط الذي تشد به المرأة أطراف ذوائبها والمعنى أنها أخرجت الكتاب من ضفائرها المعقوصة ويجمع بينه وبين الاول بأنها أهوت أولا الى حجزتها ثم أخرجته من عقاصها فتوهم من أي المحلين أخرجته فروى هذا تارة وهذا تارة (فانطلقنا بها) أى بالصحيفة المكتوبة وفي رواية في الصحيح فاتينا به أى بالكتاب (فدعنى فلأضرب عنقه) فيه استئذان الامام في الحدود والتعزيرات قاله النووي (قال والله ما بي أن لا اكون مؤمنا بالله ورسوله) أى لم يحملني ما فعلت عدم الايمان بل (أردت ان يكون لى عند القوم يدا) أى نعمة (يدفع الله بها عن أهلي ومالي) انما قال ذلك لانه لم يكن له بمكة أهل ولا عشيرة انما كان ملصقا في

أصحابك الاله هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدق ولا تقولوا له الاخيرا فقال عمر انه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعنى فلأضرب عنقه فقال أليس من أهل بدر فقال لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم هذه احدى روايات البخاري وباقي رواياته وروايات مسلم مقاربة لها ونزل في أمر حاطب قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» الآيات. وتضمنت منقبة لحاطب حيث خوطب بالايمان وهو أمر باطن ففيه دليل على أن كبائر الذنوب لا تسلب الايمان ولا يكفر أهلها. وثبت لحاطب أيضا منقبة أخرى وهى ما روينا في صحيح مسلم عن جابر رضى الله عنه ان عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليشكوا حاطبا فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذبت لا يدخلها فانه شهد بدرا والحديبية قريش أى حليفا ولم يكن من أنفسها ومضي ذكر نسبه في غزوة بدر وفي مسند الحارث ان حاطبا قال يا رسول الله كنت عزيزا في قريش أى غريبا وكانت أمى بين ظهرانيهم فأردت ان يحفظوني فيها أو نحو هذا (صدق ولا تقولوا له الا خيرا) فيه جواز ترك تعزير من استحق التعزير لكونه ذاهيئة أو صلاح وان ذلك منوط بنظر الامام وفيه ان الجاسوس المسلم لا يحل قتله كما ذهب اليه الشافعى وقال بعض المالكية يقتل ما لم يتب وقال بعضهم بل وان تاب وقال مالك يجتهد فيه الامام (لعل الله اطلع على أهل بدر) وللحاكم عن أبي هريرة ان الله اطلع ولابي داود عنه اطلع الله وبه يعلم ان لعل هنا واجبة وقد مضي الكلام عليه في غزوة بدر (أو) قال (فقد غفرت لكم) شك من الراوى وللحاكم وأبي داود فقد غفرت لكم بلا شك (ونزل في شأن حاطب) كما رواه الشيخان وغيرهما (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله بالله ورسوله (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) في الآية حرمة موالاة الكفار (تلقون اليهم بالمودة) أى المودة والبا زائدة على حد ومن يرد فيه بالحاد وقال الزجاج تلقون اليهم أخبار النبى صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التى بينكم وبينهم (ففيه دليل) لما ذهب اليه أهل السنة (ان كبائر الذنوب لا تسلب) عن صاحبها (اسم الايمان) الذي المراد منه التصديق بل يكون مطيعا بايمانه عاصيا بفسقه وذلك لان الاعمال عندهم ليست جزأ من الايمان نعم ينقص عندهم بالمعاصى كما يزيد بالطاعات وقال المعتزلة الفسق يزيل اسم الايمان بمعنى ان الفسق واسطة بين الكفر والايمان بناء على زعمهم ان الاعمال جزء من الايمان (ان عبدا لحاطب) اسمه سعد ذكره ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (كذبت لا يدخلها) قال النووي فيه ان لفظة الكذب هي الاخبار عن النبي على خلاف ما هو عمدا كان أو سهوا سواء كان الاخبار عن ماض أو مستقبل وخصته المعتزلة بالعمد وهذا يرد عليهم (فانه شهد بدرا و) شهد (الحديبية)

رجعنا الى القصة. قال أهل السير ثم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرغ من جهازه وخرج لعشر مضين من رمضان واستعمل على المدينة كلثوم بن حصين الغفارى فلما بلغ الحجفة لقيه عمه العباس مهاجرا ببنيه وقد كان بعد اسلامه مقيما بمكة على سقايته وعذره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقيه أيضا ببعض الطريق أبو سفيان بن الحارث وعبد الله ابن أبى أمية وكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك فقال لا حاجة لى بهما اما ابن عمى فهتك عرضي واما ابن عمتى وصهرى فانه قال لي بمكة ما قال فقال أبو سفيان والله لتأذنن لى أو لآخذن بيد بنيى هذا ثم لنذهبن في الارض حتى نموت عطشا وجوعا فرق له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلا عليه واسلما وأنشد أبو سفيان قصيدته التى يقول فيها: لعمرك انى يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد ومن شهد أحدهما فقط لا يدخل فكيف بمن شهدهما معا (ابارهم) «1» بضم الراء وسكون الهاء (كلثوم) بضم الكاف والمثلثة وسكون اللام بينهما (ابن حصين) بالاهمال والتصغير بن عبيد بن بني غفار بن مليل بالتصغير شهد احدا والشجرة ذكره ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (ولقيه أيضا بعض الطريق) أي بالابواء كما ذكره ابن عبد البر وغيره وقيل بين سقيا والعرج (أبو سفيان بن الحارث) بن عبد المطلب (وعبد الله بن أبي أمية) حذيفة وهو أخو أم سلمة (ابن عمك) يريد أبا سفيان واسمه المغيرة (وابن عمتك) يريد عبد الله بن أبي أمية (وصهرك) يريد عبد الله أيضا لانه أخوها وفي رواية ذكرها ابن عبد البر قالت لا يكن ابن عمك وأخى ابن عمتك أشقا الناس بك (اما ابن عمي فهتك عرضي) أي بما ينسبني به من الهجاء في شعره قيل انه بعد اسلامه ما رفع رأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لما كان يهجوه (واما ابن عمتي وصهري فانه الذي قال لى بمكة) والله ما أومن بك أبدا حتى تتخذ الى السماء سلما ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت ان لا أصدقك وكفا صلى الله عليه وسلم عن هذه المقالة بقوله (ما قال) استعظاما لها واستبشاعا لصورتها القبيحة (بيد بني) بالتصغير وأراد ابنه جعفرا فانه كان معه يومئذ (فرق له رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لان له ورحمه لما ذكر من الذهاب في الارض وروى ابن عبد البران علي بن أبي طالب قال لابي سفيان بن الحارث أئت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال أخوه يوسف تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فانه لا يرضى ان يكون أحد أحسن قولا منه ففعل ذلك أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين وقبل منهما فأسلما (لتغلب) بلام كي (خيل اللات) أي خيل عابدى اللات يعني الصنم

_ (1) كذا في الأصل.

الكلام على إسلام أبو سفيان بن حرب وإكرام النبي صلى الله عليه وسلم وله

لكا لمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدى واهتدى هدانى هاد غير نفسى ونالنى ... مع الله من طردت كل مطردى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت طردتني كل مطرد فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكديد أفطر وأمر الناس بذلك ثم مضى حتى نزل مر الظهر ان في عشرة آلاف [الكلام على إسلام أبو سفيان بن حرب وإكرام النبي صلى الله عليه وسلم وله] ثم ان العباس لحقته رأفة بقريش فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجاء أن يصادف أحدا يبعثه اليهم فيستأمنوا فلقى أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل ابن ورقاء وقد كانوا خرجوا يتجسسون الأخبار فأخبرهم الخبر فقال له أبو سفيان فما الحيلة قال اركب خلفى حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك فردفه ورجع صاحباه (لكالمدلج) اللام فيه لام الابتداء الداخلة على معمول ان والمدلج السائر بالليل وهو بسكون الدال اسما وفعلا ومصدرا (الحيران) المتحير الذي لا يهتدي الى طريق (فهذا أواني) الاوانّ الوقت والحين (حين أهدى) مبنى للمفعول أي أدل على طريق الحق (واهتدى) اليها فأسلكها (هداني هاد) يعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم (غير نفسي) بضم الراء (ونالني مع الله) أى لحقني وأدركني اذ كنت كالشارد عنه وفي بعض النسخ ودلني على الله (من) أي الذي (طردت) بتشديد الراء أي بعدت (كل مطرد) مبالغة في ذلك (فائدة) قال في الاستيعاب قال عروة كان سبب موت أبي سفيان انه حج فلما حلق الحالق رأسه قطع اثلولا كان في رأسه فلم يزل مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج الى المدينة سنة عشرين ودفن في دار عقيل بن أبي طالب وصلى عليه عمر بن الخطاب وقيل بل مات بالمدينة بعد أخيه نوفل بأربعة أشهر الا ثلاثة عشر ليلة وكان هو الذي حفر قبر نفسه قبل ان يموت بثلاثة أيام وكانت وفاة نوفل سنة خمس عشرة (الكديد) بفتح الكاف وبالمهملة المكررة والتحتية الساكنة قال البغوي ما بين عسفان وانج وللمستملي في صحيح البخاري ما بين عسفان وقديد قال النووي بينه وبين مكة اثنان وعشرون ميلا وفي رواية في الصحيح حتى اذا بلغ كراع الغميم بفتح المعجمة وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال وكان الكديد وكراع الغميم متقاربان فمتهم من يذكر هذا ومنهم من يذكر هذا قال النووي وقد غلط بعض العلماء فتوهم ان الكديد وكراع الغميم فريب من المدينة (مر الظهران) مضى ذكره (في عشرة آلاف من المسلمين) زاد البغوي ولم يتخلف عنه من المهاجرين والانصار أحد (فيستأمنوا) أى يطلبوا الامان (بديل) بالموحدة والمهملة والتحتية مصغر (ابن ورقاء) بفتح الواو والقاف وسكون الراء والمد (فأخبرهم الخبر) قال البغوي قال العباس سمعت أبا سفيان يقول والله ما رأيت كالليلة نيرانا قط فقال له بديل هذه والله نيران خزاعة حمستها الحرب فقال أبو سفيان خزاعة الأم من ذلك وأذل فعرفت صوته فقلت أنا حنظلة فعرف صوتي فقال أبو الفضل قلت نعم قال مالك فداك أبي وأمي قلت ويحك يا أبا سفيان هذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبحك قد جاء بمالا قبل لكم به قال (فما الحيلة) قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك

فلما مر به العباس على منزل عمر لحقه عمر محرشا عليه ومذكرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سالف اساءته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس اذهب به الى رحلك فاذا أصبحت فأتنى به فلما أصبح جاء به فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام فتلكأ قليلا ثم أسلم فقال العباس يا رسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا فقال نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن. روينا في صحيح البخاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار قال للعباس احبس أبا سفيان عند حطم الخيل وفي رواية عند خطيم الجبل حتى ينظر الى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم تمر كتيبة كتيبة على أبى سفيان فمرت كتيبة فقال يا عباس من هذه قال هذه غفار قال مالى ولغفار ثم مرت جهينة قال مثل ذلك ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك ثم مرت سليم فقال مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلهم قال من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة (فلما مر به العباس على منزل عمر) ولم يعرفه أحد من المسلمين قبله (محرشا) مغريا ومحرضا (ومذكرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سالف أساءته) قال البغوي فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد دعني أضرب عنقه فقال العباس يا رسول الله اني قد أجرته وقال العباس مهلا يا عمر فو الله ما تصنع هذا الا انه رجل من بني عبد مناف ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس فو الله لا سلامك يوم أسلمت كان أحب الىّ من اسلام الخطاب لو أسلم (فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام) فقال له يا أبا سفيان ألم يأن لك ان تعلم أنه لا إله الا الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لا غنى عنى شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك ان تعلم اني رسول الله حق فقال واما هذه ففى النفس منها شيء حتى الآن (فتلكأ) توقف وزنا ومعنا فقال له العباس أسلم قبل ان تضرب عنقك (فأسلم) حينئذ كرها (فاجعل له شئأ) يفتخر به (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن الى آخره) زاد أبو داود عن ابن عباس ومن القى سلاحه فهو آمن (روينا في صحيح البخاري) عن عروة بن الزبير (حطم) بحاء وطاء مهملتين (الخيل) بمعجمة وبتحتية ساكنة أى محل ازدحامها (وفي رواية) للبيهقى في صحيح البخارى (خطم) بمعجمة وطاء مهملة أى أنف (الجبل) بالجيم والموحدة أى طرفه وللبغوي احتبسه بمضيق الوادي عن حطم الخيل (فحبسه العباس) حيث أمره النبى صلى الله عليه وسلم (كتيبة) هي القطعة من الجيش سميت بذلك لاجتماعها (مالى ولغفار) أى ما كان بيني وبينهم من حرب كما ورد في رواية (سعد بن هذيم) بالذال المعجمة والتصغير (ثم مرت سليم) زاد البغوي ثم مرت مزينة (اليوم يوم الملحمة) بفتح الميم والحاء المهملة وسكون اللام بينهما أى يوم حرب

اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهى أقل الكتائب يعنى أقلهم عددا وهى أجلهم قدرا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله وأصحابه وراية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الزبير فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبى سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسي فيه الكعبة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تركز رايته بالحجون وقال عبد الله بن مغفل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجع فيها انتهت رواياتنا عن البخاري. وروى ان أبا سفيان لما مرت به القبائل وكانت قد أوعبت في تلك الغزاة فألفت مزينة وسبعت سليم وقيل ألفت وفي كل القبائل عدد قال للعباس يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما قال العباس فقلت له ويحك انها النبوة قال فنعم اذا قلت الحق الآن بقومك فحذرهم فخرج سريعا فقال لهم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن قالوا وما يغني عنا دارك قال ومن دخل المسجد فهو عظيم لا مخلص منه أو يوم المقتلة العظيمة يوم (تستحل الكعبة) أراد الاستحلال اللغوي أو أراد تستحل بزعمك (حبذا الذمار) أى يوم الهلاك وقيل يوم الغضب وهو بكسر المعجمة وتخفيف الميم (وراية رسول الله صلى الله عليه وسلم) كانت يومئذ بيضاء كما أخرجه أبو داود والترمذي عن جابر (مع الزبير) وكان قد قدمه بها وأمره أن يركزها بأعلا مكة بالحجون وقال لا تبرح حتى آتيك ودخلها صلى الله عليه وسلم من جهة الحجون وهناك ضربت قبته (فقال كذب سعد) فيه دليل لما مر ان الكذب الاخبار عن الشىء على خلاف ما هو عمدا أو سهوا زاد البغوي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي أدركه فخذ الراية منه فكن أنت الذى تدخل بها (بالحجون) بفتح المهملة وضم الجيم أعلا مكة كما مر وكداء بفتح الكاف وبالمد غير مصروف قال في التوشيح وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي انتهى وكان دخوله صلى الله عليه وسلم يومئذ منها قال ابن اسحاق وغيره وسببه ان أبا سفيان قال للعباس لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء فقال العباس ما هذا قال شئ طلع بقلبي وان الله لا يطلع الخيل هناك أبدا قال العباس فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل وأخرج البيهقي من حديث عمر قال قال النبى صلى الله عليه وسلم لابي بكر كيف قال حسان فأنشده: عدمت بنيتي ان لم تروها ... تثير النقع مطلعها كداء فتبسم وقال ادخلوها من حيث قال حسان (ابن مغفل) بفتح المعجمة والفاء المشددة هو المزني (يقرأ سورة الفتح) يعني اذا جاء نصر الله والفتح واتسمى سورة النصر وتسمى سورة التوديع (وروى ان أبا سفيان الى آخره) رواه البغوى في التفسير (أوعبت) جمعت (فألفت مزينة) كانت الفا (وسبعت) سليم كانت سبعمائة (ويحك) مضى ذكرها (وما يغني عنا دارك) أى ما ينفعنا

آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فتفرق الناس ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعلا مكة ولم يعرض له قتال وأمر خالد بن الوليد في عدد من المسلمين فدخلوا من أسفلها فعرض لهم عكرمة بن ابي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو بالخندمة فهزمهم خالد بن الوليد وقتل منهم اثنى عشر أو ثلاثة عشر رجلا ولم يقتل من خيل خالد الاسلمه بن الميلاء الجهني واما كرز بن جابر الفهري وحبيش بن الاشعر فشذا عن خالد وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد الى امرائه ان لا يقتلوا إلا من قاتلهم الا انه أمر بقتل جماعة سماهم وان كانوا تحت استار الكعبة فقتل بعضهم واستؤمن لبعضهم (ولم يعرض) بكسر الراء وضمها (بالخندمة) بالمعجمة والنون والدال المهملة بوزن الملحمة جبل بمكة (سلمة) بفتح اللام (ابن الميلاء) بفتح الميم وكسرها وبالمد (واما كرز) بضم الكاف وسكون الراء آخره زاى (وحبيش) مصغر وهو بالمهملة فالموحدة آخره معجمة أو بمعجمة فنون آخره مهملة قولان أصوبهما الاول قاله أبو الوليد (ابن الاشعر) بالشين المعجمة والعين المهملة والأشعر لقب واسمه خالد بن حنيف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم ابن خبس بن حرام بن حبيشة بن كعب بن عمرو الخزاعي وهو أبو أم معبد التى مر ذكرها في حديث الهجرة (شذا) بمعجمتين خرجا وبقي من شهد الفتح حبلة بن الاشعر أخو حبيش ذكره ابن عبد البر وخالد الاشعري الخزاعي ذكره الواقدي (الا انه أمر بقتل جماعة) كانت لهم سالف اساآت وكانوا يؤذونه صلى الله عليه وسلم (سماهم) وهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح بفتح المهملة وسكون الراء وكان مسلما ثم ارتد وعبد الله بن خطل وسيأتى ضبطه لانه كان مسلما فبعثه صلى الله عليه وسلم مصدقا وكان له مولى يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا وأمره ان يذبح له تيسا ويصنع له طعاما فنام فاستيقظ ولم يصنع له شيأ فقتله ثم ارتد وكانت له قينتان يغنيان بهجائه صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه والحويرث بن نفيذ بن وهب كان ممن يؤذيه صلى الله عليه وسلم ومقيس بن صبابة لانه قتل الانصاري الذي قتل أخاه خطأ ورجع الى مكة مرتدا كما مر وسارة مولاة لبعض بني المطلب وكانت ممن يؤذيه صلى الله عليه وسلم وعكرمة بن أبي جهل (وان وجدوا تحت استار الكعبة) فيه دليل لجواز استيفاء العقوبات في الحرم سواء كانت لله تعالى أم لآدمي لان قتله لا يوجب ضمانا وكان كالفواسق الخمس هذا مذهب الشافعي رحمه الله لكن يشكل عليه عدم جواز استيفاء ذلك في المسجد ان خيف تلويثه ويجاب بانه صلى الله عليه وسلم خاف من التأخير الى اخراجهم ما يمنع قتلهم من أمان أو هرب أو نحوهما وكان في قتلهم مصلحة للمسلمين عامة فانهم كانوا أعداء الدين ورؤساء المفسدين فقدم صلى الله عليه وسلم المصلحة العامة على ذلك (فقتل بعضهم) كابن خطل وسيأتي قريبا ذكر من قتله ومقيس بن ضبابة قتله تميله بالفوقية والتصغير رجل من قومه والحويرث ابن نفيذ قتله علي بن أبي طالب واحدى قينتى ابن خطل (واستؤمن لبعضهم) كابن أبي سرح استأمن له عثمان وكان أخاه من الرضاعة ثم جاء به وقت البيعة حتى وقفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال

مطلب في دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة ورد مفتاحها لبني شيبة وكسر ما فيها من الأصنام

[مطلب في دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة ورد مفتاحها لبني شيبة وكسر ما فيها من الأصنام] ولما انتهى صلى الله عليه وآله وسلم الى البيت طاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده وهو منكس رأسه تواضعا لله تعالى ولما فرغ من طوافه دعا بالمفتاح وكان في يد عثمان بن طلحة بن ابى طلحة الحجبي العبدري وبيد عمه شيبة بن عثمان بن ابى طلحة فأتى به ففتح ودخل وركع ركعتين يا نبي الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر اليه ثلاثا كل ذلك يأبى ان يبايعه ثم بايعه بعد الثالثة ثم أقبل على أصحابه فقال ما كان فيكم رجل رشيد يقوم الى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله فقالوا ما ندري ما في نفسك ألا كنت أو مأت الينا بعينك فقال ما ينبغي لنبي ان يكون له خائنة عين أخرجه أبو داود والنسائي عن سعد وعكرمة بن أبي جهل أسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام ثم استأمنت له وكان قد هرب الى اليمن فأدركته وأتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم واحدى قينتى ابن خطل وسارة استؤمن لهما صلى الله عليه وسلم فأمنهما وعاشت الى زمن عمر فأوطأها رجل من المسلمين فرسا بالابطح فقتلها (طاف به سبعا على راحلته) هذا خلاف ما في الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس ان ذلك انما كان في حجة الوداع لا يوم الفتح وركب صلى الله عليه وسلم بيانا للجواز أو لأن يراه الناس وليسألوه كما في صحيح مسلم أو لانه صلى الله عليه وسلم كان مريضا كما في سنن أبى داود وترجم عليه البخاري فقال باب المريض يطوف راكبا (يستلم الركن) فيه ندب استلام الركن وانه اذا عجز عن استلامه بيده استلمه بعود ونجوه لانه صلى الله عليه وسلم كان يستلمه يومئذ (بمحجن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم وهي عصى محنية الرأس يتناول بها الراكب ما يسقط له ويحرك بطرفها بعيره للمشى والحجن لغة الاعوجاج (في يده) زاد مسلم ويفتل المحجن (دعا بالمفتاح) لمسلم في رواية دعا بالمفتح بحذف الف مع كسر الميم قال النووى وهما لغتان (بيد عثمان) بن طلحة (بن أبي طلحة) قال النووى واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ومر انه أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو ابن العاص في يوم واحد في هدنة الحديبية (الحجبي) بفتح المهملة والجيم نسبة الى حجابة الكعبة وهي ولايتها وفتحها واغلاقها وخدمتها (العبدري) نسبة الى عبد الدار كما مر (فأتى به) مبني للمفعول أو للفاعل والمراد به نسبته وفي الصحيحين عن ابن عمر ان عثمان ذهب الى أمه فأبت ان تعطيه المفتاح فقال والله لتعطينيه أو ليخرجن هذا السيف من صلبي فأعطته اياه وفي تفسير البغوى وغيره ان عثمان أبا عليّ المفتاح وقال لو علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه المفتاح فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب (ودخل) البيت فيه ندب دخوله وقد روى ابن أبي عدى والبيهقي في الشعب عن ابن عباس مرفوعا دخول البيت دخول في حسنة وخروج من سيئة وروى أبو داود والترمذي عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي وهو مسرور ثم رجع وهو كئيب فقال اني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها اني أخاف ان أكون قد شققت على أمتى ولفظ الترمذي وددت اني لم أكن فعلت اني أخاف ان أكون قد أتعبت أمتى من بعدي (وركع ركعتين) كما رواه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر رضى الله عنهما انه سأل

وكسر ما فيه من الاوثان وطمس الصور واحرج (1) مقام ابراهيم ونزل عليه جبريل بقوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» فخرج صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتلوها قال عمرو ما كنت سمعتها منه فدعا عثمان والشيبة واعطاهم المفتاح وقال خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم وكان العباس سئله أن يجمع له السدانة الى السقاية قال ابن مسعود ودخل صلى الله عليه وآله وسلم وحول البيت ستون وثلاثمائة بلالا هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم بين العمودين اليمانيين وي رواية وذهب عني ان أسأله كم صلى وفي أخرى قال سألت بلالا حين ما خرج ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم قال جعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه والبيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى وفي أخرى صلى ركعتين بين الساريتين اللتين عن يسارك اذا دخلت ثم خرج وصلى في وجه الكعبة ركعتين ولا يعارض ذلك رواية ابن عباس عن أسامة في الامهات انه صلى الله عليه وسلم دخل ولم يصل فقد أجمع أهل الحديث كما قاله النووى على الاخذ برواية بلال لانه ثبت ومعه زيادة علم فوجب ترجيحه واما نفي أسامة لها فسببه كما قال النووى اشتغاله بالدعاء في ناحية من نواحى البيت غير التي كان فيها صلى الله عليه وسلم فلم يره لتخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة ولظلمة البيت فانه كان مغلقا عليهم وحينئذ فنفي الصلاة عملا بظنه وكان بلال قريبا منه صلى الله عليه وسلم فتحققها ففى ذلك جواز الصلاة داخل البيت اذا توجه الى جدار منه أو الى بابه مردودا بل بديها وبه قال الجمهور وفيه خلاف للسلف قال النووي وفيه دليل لمذهب السلف والجمهور ان تطوع النهار يستحب ان يكون مثنى وقال أبو حنيفة أربعا (وكسر) أى أمر بكسر (ما فيه من الاوثان) قبل ان يدخل كما في صحيح البخاري عن ابن عباس وفيه انهم أخرجوا صورة ابراهيم واسماعيل في أيديهما الازلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم الله اما والله لقد علموا انهما لم يستقسما بها قط والذي تولى كسرها واخراجها عمر بن الخطاب أخرجه أبو داود من حديث جابر (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها) سبب نزولها ان العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم ان يعطيه المفتاح ويجمع له بين السقاية والسدانة فأنزل الله الآية (فدعى عثمان وشيبة) وللبغوى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ان يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر اليه ففعل ذلك علي فقال له عثمان أكرهت وآذيت ثم جئت برفق فقال لقد أنزل الله في شأنك وقرأ عليه الآية فقال عثمان أشهد أن محمدا رسول الله وأسلم زاد الزمخشري فهبط جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان السدانة في أولاد عثمان أبدا انتهى قال القاضي زكريا ويخالف قوله ان السدانة في أولاد عثمان أبدا قول ابن كثير في تفسيره ان عثمان دفع المفتاح الى أخيه شيبة فهو في ولده الى اليوم (خذها) يعني السدانة (خالدة) دائمة (تالدة) بالفوقية بوزن خالدة أى يتعاقبونه ولدا بعد ولد (لا ينزعها منكم الا ظالم) قال العلماء فيحرم ان ينزعها أحد منهم لانها ولاية لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبقى دائمة لهم لا ينازعون فيها ولا يشاركون ما دام فيهم

فصل: فى ذكر شيء من الواردات يوم الفتح مما ذكره البخاري ومسلم

نصب فجعل يطعنها بعود ويقول جاء الحق وزهق الباطل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد روياه. وقام صلى الله عليه وآله وسلم على باب الكعبة وقال لا إله الا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده الا أن اكل مأثرة أو دم أو مال يدّعى فهو تحت قدمي هاتين الاسدانة البيت وسقاية الحاج يا معشر قريش ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآبآء الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى الآية ثم قال يا معشر قريش ما ترون انى فاعل بكم قالوا خير أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فانتم الطلقاء فلذلك سمي مسلمة الفتح الطلقاء وكان فتح مكة لعشر بقين من رمضان. [فصل: فى ذكر شيء من الواردات يوم الفتح مما ذكره البخاري ومسلم] (فصل) في ذكر شيء من الواردات يوم الفتح مما ذكره أبو عبد الله البخاري وكثير صالح لذلك (نصب) بضم النون والمهملة واحد الانصاب وهو كل منصوب للعبادة من دون الله زاد في الشفاء عن ابن عباس مثبتة الأرجل بالرصاص في الحجارة (يطعنها) بضم العين كما مر (بعود) وفي الشفاء عن ابن عباس جعل يشير بقضيب في يده اليها ولا يمسها فما أشار الى وجه صنم الا وقع لقفاه ولا الى قفاه الا وقع لوجهه وفي ذلك معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم (ونصر عبده) محمدا صلى الله عليه وسلم (وهزم الاحزاب) الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وحده) من غير قتال (كل مأثرة) بالهمز وضم المثلثة أي أمر يستأثر (فهو تحت قدمي) بالتثنية أي باطل لا مطالبة به (الا سقاية الحاج) بالنصب (وسدانة) بكسر السين (البيت) فانهما باقيان لاهلهما كما مر (يا معشر قريش) للبغوى يا معشر الناس (نخوة الجاهلية) بفتح النون وسكون المعجمة أي شرفها وكبرها (وتعظمها) تكبرها (بالآباء) فيقول هذا أبي فلان بن فلان ويقول هذا كذلك فهذا باطل بحكم الاسلام ولم يرد ابطال النسب وانما أراد ابطال التشرف به لان التشرف الحقيقي في حكم الاسلام للمتقين (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ) وهو آدم (وأنثي) وهي حوى نزلت هذه في ثابت بن قيس قال لرجل لم يتفسح له يا ابن فلانة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنظر في وجوه القوم فنظر فقال ما رأيت قال رأيت أبيض وأحمر واسود قال فانك لا تفضلهم الا بالدين والتقوى وقيل بل في جماعة من قريش قالوا أيوم الفتح وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا ان يؤذن اما وجد محمد غير هذا الغراب الاسود مؤذنا (يا معشر قريش) للبغوي يا أهل مكة (ما) ذا (ترون) بضم الفوقية أى تظنون (فأنتم الطلقاء) بضم المهملة وفتح اللام والمد جمع طليق وهو الذى أطلق الأسر عنه أساره (سمى) مبني للمفعول (مسلمة الفتح) بالرفع (الطلقاء) بالنصب زاد البغوي بعد ذلك ثم اجتمع الناس للبيعة فجلس اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا وعمر أسفل منه يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا ثم بايع النساء* ذكر شئ من الواردات يوم الفتح (وكثير

من ذلك خبر أم هانيء وقد اجارت ابن هبيرة فاجاز صلى الله عليه وسلم جوارها

منها في مسلم. [من ذلك خبر أم هانيء وقد اجارت ابن هبيرة فاجاز صلى الله عليه وسلم جوارها] من ذلك ما روى عن أم هانئ قالت ذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلمت عليه فقال من هذه قلت انا ام هانيء ابنة أبي طالب فقال مرحبا يا أم هانيء فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد قالت فقلت يا رسول الله زعم ابن أمى علىّ انه قاتل رجلا قد أجرته فلان ابن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اجرنا من اجرت يا أم هانئ قالت وذلك ضحى. وعن انس ان منها في) صحيح (مسلم) وغيره من كتب السنن (عن أم هانئ) بالهمز اسمها فاختة وقيل هند وكنيت بابن لها يسمى هانئا (وفاطمة) ابنته (تستره) قال النووى فيه جواز الاغتسال بحضرة امرأة من محارمه اذا كان مستور العورة عنها وجواز سترها اياه بثوب ونحوه (فقال من هذه) فيه كما قال النووي انه لا بأس بالكلام حال الاغتسال والوضوء لا بالسلام عليه بخلاف البائل (أنا أم هانيء) فيه ان المستأذن اذا سأله المستأذن عليه يقول فلان باسمه ولا يقول أنا ونحوه فقد ورد النهي عنه وفيه انه لا بأس ان يكنى الشخص نفسه اذا اشتهر بالكنية على سبيل التعريف (قال مرحبا) فيه استحباب قول مرحبا ونحوه من الفاظ الاكرام والملاطفة ومعناها صادفت رحبا وسعة (فصلى ثماني ركعات) فيه ان أكثر الضحى ثماني ركعات كما قاله جمهور العلماء من أصحابنا وغيرهم (في ثوب واحد) فيه جواز الصلاة في الثوب الواحد وان وجد غيره (زعم) قال النووي معناه هنا ذكر أمرا لا أعتقد موافقته فيه (ابن أمي) وللحموى في صحيح البخاري ابن أبي وكلاهما صحيح لانه شقيقها (انه قاتل) بالتنوين (رجلا قد أجرته) قال النووي جاء في غير مسلم أى وغير البخارى فرآني رجلان من أحمائي (فلان ابن هبيرة) بالنصب على البدل والرفع على الخبر قال النووي هو الحارث بن هشام المخزومي وقيل عبد الله بن أبي ربيعة وقال الازرقي الاحارث يومئذ رجلين الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة وقال الزبير بن بكار هو الحارث بن هشام وقال ابن هشام هو الحارث أو زهير بن أبى أمية ففي الرواية على هذا حذف أو تحريف كما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني أى فلان ابن عم هبيرة أو قريب هبيرة لان من سمى الازرقي والزبير بن بكار وابن هشام كل منهم ابن عم هبيرة لأنه مخزومي وما قيل انه جعد بن هبيرة تعقب كما في التوشيح بانه ان كان ابن هبيرة من أم هانئ لم يتجه ذلك لصغر سنه والحكم باسلامه فكيف يقتله علي أو يحتاج الى اجارة ولا يعرف لهبيرة ولد من غير أم هانئ (أجرنا من أجرت) استدل به جمهور من العلماء من أصحابنا وغيرهم على جواز أمان المرأة وتقدير الحديث حكم الشرع صحة جواز من أجرت وقال بعضهم لا حجة فيه لاحتماله ابتداء الامان (قالت وذلك ضحى) قال عياض لا دلالة فيه على ان هذه صلاة الضحى لانها أخرت عن وقت صلاته لا عن نيتها فلعلها كانت صلاة شكر لله على الفتح وما قاله فاسد قال النووي فقد روى أبو داود في سننه بسند صحيح عن أم هانئ ان النبى صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى صبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين (و) روى مالك والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي (عن أنس) هو ابن مالك

ومن ذلك قضاء رسول الله لابن من وليدة زمعة بان الولد للفراش

النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال ابن خطل متعلق باستار الكعبة فقال اقتله [ومن ذلك قضاء رسول الله لابن من وليدة زمعة بان الولد للفراش] وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان عتبة بن ابي وقاص عهد الى اخيه سعد بن ابي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه اليك قالت فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال ابن اخى قد عهد الي فيه فقام عبد الله بن زمعة فقال اخي وابن وليدة ابى وليد على فراشه فتساوقا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد الى فيه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال النبي صلى الله (المغفر) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء زاد الدار قطنى وكان من حديد وفي رواية في السير انه كان يومئذ معتما بعمامة سوداء (ابن خطل) بالمعجمة فالمهملة مفتوحتين اسمه عبد الله كما مر وقيل عبد العزى (فقال أقتله) زاد ابن حبان فقيل والذي قتله سعيد بن زيد رواه الحاكم أو سعد بن أبي وقاص رواه البزار أو الزبير بن العوام رواه الدار قطنى أو سعيد بن حريث رواه ابن مندة وابن أبى شيبة والبيهقى في الدلائل ورواه أبو نعيم أيضا لكن صحفه فقال ابن ذؤيب أو أبو برزة الاسلمي رواه أبو سعد النيسابوري أو عمار بن ياسر رواه الحاكم قال ابن حجر ويجمع بأنهم كلهم ابتدروا الى قتله والذي باشر قتله منهم هو سعيد بن حريث قال وقال البلاذري ان الذى باشر قتله أبو برزة الاسلمي وفي تفسير البغوي ان سعيد بن حريث وأبا برزة الاسلمي اشتركا في دمه قال في التوشيح وفي أخبار مكة لعمرو بن شيبة بسند جيد عن السائب بن مزيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن خطل فضرب عنقه ضحا بين زمزم ومقام ابراهيم (وعن عائشة) كما روى الشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه وعن أبي هريرة كما رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائى وابن ماجه وعن عثمان كما رواه أبو داود وعن ابن مسعود وابن الزبير كما رواه النسائى وعن عمرو بن أبى ايامة كما رواه ابن ماجه (عتبة بن أبي وقاص) هو الذي كسر رباعيته صلى الله عليه وسلم يوم أحد (ابن وليدة) أي جارية (زمعة) بفتح الزاى وسكون الميم ومهملة (منى) واسم الوليد عبد الرحمن سماه ابن عبد البر وغيره قال عياض كانت عادة الجاهلية الحاق النسب بالزنا وكانوا يستأجرون الاماء للزنا فمن اعترفت الام انه له الحقوه به فجاء الاسلام بابطال ذلك والحاق الولد بالفراش الشرعي لما تخاصم عبد بن زمعة وسعد بن أبى وقاص وقام سعد بما عهد اليه أخوه عتبة من سنن الجاهلية ولم يعلم سعد بطلان ذلك في الاسلام ولم يحصل الحاقه في الجاهلية اما لعدم الدعوى واما لكون الام لم تعترف به لعتبة واحتج عبد بن زمعة بانه ولد على فراش أبيه فحكم له به النبى صلى الله عليه وسلم (فأقبضه) بكسر الموحدة (فلما كان عام الفتح) بالرفع والنصب (عهد الى فيه) أي أوصاني به (عبد بن) بابدال ابن من عبد (أخي وابن وليدة أبي) فيه حجة لمن قال بجواز استلحاق الوارث الجائر أو كل الورثة بشرطه خلافا لمالك وموافقيه (فتساوقا) بالمهملة والقاف أى سارا بسرعة

ومن ذلك خبر المخزومية التي سرقت وإقامة الحد عليها

عليه وسلم هو لك يا عبد زمعة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقى الله عز وجل. [ومن ذلك خبر المخزومية التي سرقت وإقامة الحد عليها] وعن عائشة ان قريشا اهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في غزوة الفتح فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ومن يجتريء عليه الا اسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه اسامة فقال رسول الله صلى (هو لك يا عبد بن زمعة) بنصب ابن وفي عبد النصب والرفع كنظائره وقال النووي كان فراش زمعة ثابتا اما باقراره في حال حياته واما بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك (الولد للفراش) معناه اذا كان للرجل زوجة أو أمة قد صارت فراشا له وأتت بولد يمكن كونه منه لحقه وجري بينهما التوارث وغيره من الاحكام سواء كان موافقا له في الشبه أم مخالفا خلافا لابي حنيفة في عدم اشتراط الامكان ولا تصير الأمة فراشا الا بالوطيء وقال أبو حنيفة لا تصير فراشا الا اذا ولدت ولدا واستلحقه (وللعاهر) وهو الزاني يقال عهر أى زنا وعهرت أى زنت والعهر بفتح المهملة وسكون الهاء الزنا (الحجر) بفتحتين أي الخيبة ولا حق له في الولد وعادة العرب تقول له الحجر وهو التراب ونحو ذلك أى له الخيبة وضعف النووي وغيره قول من قال المراد بالحجر الرجم لانه ليس كل زان يرجم ولانه لا يلزم من رجمه نفى الولد عنه (احتجبى منه) أمرها بالاحتجاب ندبا واحتياطا وورعا (لما رأى) بكسر اللام وتخفيف الميم (من شبهه بعتبة) قال النووي فيه دليل على ان الشبه وحكم القافة انما يعتمد اذا لم يكن أقوى منه كالفراش وجاء مثل ذلك في قصة المتلاعنيين قال واحتج أبو حنيفة والاوزاعي والثوري وأحمد بهذا الحديث على ان الوطيء بالزنا له حكم الوطئ بالنكاح في حرمة المصاهرة ووجه احتجاجهم أمر سودة بالاحتجاب قال النووي وهذا احتجاج باطل وعجب من ذكره لأن هذا على تقدير كونه من الزنا فهو أجنبي من سودة لا يحل الظهور له سواء الحق بالزاني أم لا فلا تعلق لها بالمسئلة المذكورة وفي هذا الحديث ان حكم الحاكم لا يحل الأمر في الباطن لانه صلى الله عليه وسلم حكم انه أخو سودة واحتمل بسبب التشبه ان يكون من عتبة فلو كان الحكم يحل الباطن لما أمرها بالاحتجاب قاله النووى (وعن عائشة) كما رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي (المرأة المخزومية) اسمها فاطمة بنت الاسود (سرقت) بفتح الراء (حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء أى محبوبه (فكلم أسامة) زاد مسلم في رواية فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم انها عادت بأم سلمة (أشفع في حد من حدود الله) استفهام انكار وتعظيم لما فعل زاد مسلم فقال أسامة استغفر لي يا رسول الله ففيه حرمة الشفاعة في حدود الله تعالى بعد بلوغها الى الامام وهو اجماع ويجوز قبل بلوغها الى الامام اذا لم يكن المشفوع له صاحب شر واذاء للناس عند أكبر العلماء واما التعزيرات فيجوز الشفاعة

ومن ذلك حرمة مكة وان دخلوها عنوة يوم الفتح كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم

الله عليه وآله وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب ثم قال انما أهلك الذين من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. [ومن ذلك حرمة مكة وان دخلوها عنوة يوم الفتح كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم] وعن أبى شريح الخزاعي الكعبي انه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث الى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناى حين تكلم به انه حمد الله وأثنى عليه ثم قال ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقولوا له ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب خرجاه متفقين على لفظه وانما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا القول حين قتلت خزاعة رجلا من هذيل بمكة ثانى يوم الفتح فوداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومما سبق به من الشعر قبل الفتح قول حسان ردا على أبي سفيان بن الحارث: الا أبلغ أبا سفيان عني ... فانت مجوف نجب هواء مطلقا بل يستحب اذا لم يكن المشفوع فيه صاحب اذاء ونحوه (ثم قام) زاد مسلم من العشى (الذين قبلكم) يعنى بني اسرائيل (وأيم الله) فيه جواز الحلف من غير استحلاف بل ندبه اذا كان فيه تفخيم أمر مطلوب كما مر وللعلماء خلاف الحلف بأيم ومذهبنا انه كناية وتتمة الحديث ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها فقال يونس قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتي بعد ذلك فارفع حاجتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم (تنبيه) ما جاء في رواية لمسلم عن عائشة وفي سنن أبي داود والنسائى عن ابن عمر ان امرأة مخزومية كانت تستعير المناع زاد النسائي عن ألسنة جاراتها وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها المراد كما نقله النووي عن العلماء انها قطعت بالسرقة وذكر العارية للتعريف بوصفها لا ان العارية سبب القطع وقد صرحوا في سائر الروايات بأنها سرقت وقطعت بسبب السرقة فتعين حمل هذه الرواية على ذلك جمعا بين الروايات فانها قضية واحدة مع ان جماعة من الحفاظ قالوا بشذوذ هذه الرواية والشاذ لا يعمل به وأخذ أحمد واسحاق بظاهر الحديث فأوجبا القطع على من جحد العارية (وعن أبي شريح الى آخره) روى حديثه الشيخان والترمذي والنسائي ومضى الكلام على حديثه في فضل مكة (قتلت خزاعة) وهم حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (رجلا من هذيل) بضم الهاء وفتح المعجمة كما مر ولمسلم رجلا من بني ليث فقتل منهم

هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمدا برا حنيفا ... رسول الله شيمته الوفاء أتهجوه ولست له بكفؤ ... فشركما لخير كما الفداء فان أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وفاء ثكلت بنيتي ان لم تروها ... تثير النقع من كنفى كداء ينازعن الأعنة مصعدات ... على أكتافها الاسل الظماء قتلوه* شعر حسان الذي ردبه على أبي سفيان بن الحارث (برا) أى واسع الخير والنفع وقيل منزها عن المآثم (حنيفا) قيل أي مستقيما والاصح انه المائل الى الخير وقيل هو المتبع ملة ابراهيم وفي بعض النسخ بدله تقيا (شيمته) بكسر المعجمة وسكون التحتية وفتح الميم أى خلقه وسجيته (ولست له بكفؤ) أى بمثل وهو هنا بسكون الفاء مع الهمزة لا غير وقرئ في القرآن بضمها مع الهمز وتركها وسكونها مع الهمز (فشركما لخيركما الفداء) ان قلت في ظاهر هذا اللفظ ما يستبشع من حيث ان أفعل الذي للتفضيل تدل على الاشتراك في الوصف فقولك فلان شر من فلان دال على ان في كل منهما شرا فالجواب ان دلالة أفعل على الاشتراك في الوصف ليست مطردة عند اللغويين فقد أجاز سيبويه قولك مررت برجل شر منك اذا نقص عن ان يكون مثلك فبذلك يندفع الاستبشاع لا سيما وهو على حد قوله صلى الله عليه وسلم في صفوف الرجال وشرها آخرها يريد نقصان حظهم عن حظ الصف الاول ذكر معنى ذلك السهيلي وغيره (فان أبي ووالده وعرضي) احتج به ابن قتيبة لمذهبه ان عرض الانسان هو نفسه لا اسلافه لذكره عرضه واسلافه بالعطف وقال غيره عرض الانسان هي أموره كلها التى يحمد بها ويذم من نفسه واسلافه وكلما لحقه نقص يعيبه (ان لم تروها) يعنى الخيل كناية عن غير مذكور (تثير) بضم أوله رباعي أى تهيج (النقع) بفتح النون وسكون القاف أى الغبار (من كنفى) بفتح النون والفاء أى جانبى (كداء) بفتح الكاف مع المد وهى ثنية على باب مكة قال النووي وعلى هذه الرواية هذا البيت أقوال مخالف لباقيها أى لان باقيها مضموم وحق هذا الجر بالاضافة وفي بعض النسخ غايتها وفي بعضها موعدها وفي بعضها موردها وللبيهقي مطلعها (فائدة) كدى بضم الكاف مع القصر موضع عند باب الشبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان قال العدوي وبمكة موضع ثالث يقال له كدى بالضم والتصغير يخرج منه الى جهة اليمن (يبارين) بالموحدة وكسر الراء قال عياض هذه رواية الأكثرين ومعناها انها لصرامتها وقوة نفوسها يبارى أعنتها بقوّة جندها لها وهى ومنازعيها لها أيضا كما روى ينازعن (الاعنة) جمع عنان وروى الاسنة جمع سنان وهو الرمح قال عياض فمعناه يضاهين قوامها واعتدالها (مصعدات) أى مقبلات اليكم ومتوجهات يقال أصعد في الارض اذا ذهب فيها مبتدئا ولا يقال للراجع (على أكتافها) بالفوقية (الاسل) بفتح الهمزة والسين المهملة ولام أى الرماح (الظماء) أى الرقاق فكأنها لعلة مائها عطاش وقيل المراد العطاش لدماء

الكلام على غزوة حنين وشرح خبر ذلك

تظل جيادنا متمطرات ... يلطمهن بالخمر النساء فان أعرضتم عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء والا فاصبروا لضراب يوم ... يعز الله فيه من يشاء وقال الله قد أرسلت عبدا ... يقول الحق ليس به خفاء وقال الله قد سيرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء تلاقى كل يوم من معد ... سباب أو قتال أو هجاء فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدماء فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء رواه مسلم الا الثالث والثالث عشر فمن سيرة ابن هشام قال وبلغني عن الزهري انه قال لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم الى أبى بكر رضي الله عنه وقال قد سيرت جندا وفي رواية قد يسرن جندا ولم تصح الرواية بيسرت* [الكلام على غزوة حنين وشرح خبر ذلك] واتصل بالفتح غزوة حنين وكان من خبرها ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من الفتح أخبر ان هوازن أقبلت لحربه وكان الذي جمعها عوف بن مالك النصري فاجتمع اليه الاعداء وروى الاسد الطماء بالمهملة أي الشجعان العطاش الى دمائكم (تظل جيادنا) أى خيولنا (متمطرات) بالمهملة أى مسرعات يسبق بعضها بعضا يقال جاءت الخيل متمطرة اذا جاءت كذلك (يلطمهن) بالمهملة أي يمسحهن ليزلن عنهن الغبار لعزتها وكرامتها عندهم (بالخمر) بضم المعجمة والميم جمع خمار هذا هو المعروف وهو أبلغ في اكرامها وحكى عياض انه روى بالخمر بفتح الميم جمع خمرة قال النووي وهو صحيح المعنى (وقال الله قد سيرت جندا) من السير هذه رواية ابن هشام ورواه مسلم بشرت من التبشير وهو التهنئة والارصاد (عرضتها) بضم المهملة أى مطلوبها ومقصودها وهمتها (اللقاء) أي لقاء العدو للحرب (فنحكم) بضم أوله رباعي أى ترد وتدفع مشتق من حكمة الدابة ومعناه يقتحم ويحرس من هجانا (بالقوافي) جمع قافية (ليس له كفاء) بكسر الكاف أي مماثل ولا مقاوم (رواه مسلم) عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هجاهم حسان فشفي واشتفى وقال حسان فذكره (الا الثالث) بالنصب (قال) يعنى ابن هشام* تاريخ غزوة حنين (حنين) بالتصغير والصرف واد الى جنب ذي المجاز قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات قال البكري سمى باسم حنين بن ثابت بن مهلائيل وقد تقدم انه قال في خيبر مثل هذا والله أعلم (ابن مالك النصري) بفتح النون وسكون المهملة وكان عوف يومئذ على هوازن

ثقيف ونصر وجشم وسعد بن بكر وقليل من بني هلال ولم يشهدها أحد من قيس عيلان الا هؤلاء وجملتهم أربعة آلاف وساروا ومعهم دريد بن الصمة الجشمى متيمنين برأيه ومعرفته بالحرب وكان قد قارع الخطوب وأبلي في الحروب وله مائة وستون أو مائة وعشرون سنة كان أشار بتمنيع الذراري والأموال ولقاء الرجال بالرجال وقال ان المنهزم لا يرده شيء فأبى عوف الا المسير بهم فقال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتني وأنشد: يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها واضع ولما أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسير اليهم أرسل الى صفوان بن أمية ابن خلف يستعير منه السلاح وكان صفوان بن أمية حينئذ مشركا فقال أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة قال ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ثم خرج صلى الله عليه وآله وسلم بجيش الفتح وألفين من الطلقاء واستخلف على مكة عتاب بن أسيد (ثقيف ونصر) مصروفان (وجشم) بالجيم والمعجمة بوزن عمر غير مصروف وجشم حى من ثقيف قال البغوي وكان على ثقيف كنانة بن عبد ياليل الثقفى (قيس عيلان) بفتح المهملة وسكون التحتية (دريد) بالتصغير (ابن الصمة) بكسر المهملة وتشديد الميم ابن بكر بن علقمة بن خزاعة بن عدن بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن يكنى أبا قرة قاله السهيلى (متيمنين) بزعمهم أي متبركين (قارع) بالقاف (الخطوب) جمع خطب وهو الأمر العظيم (مائة وستون) كما روى أبو صالح عن الليث (أو مائة وعشرون سنة) كما روي عن ابن اسحاق (الا المسير بهم) بالنصب (لم أشهده) أي لعدم سماع رأيه فيه كأنه لم يشهده (ولم يفتني) أي لحضوره فيه بنفسه (يا ليتني فيها) أى في هذه الحرب (جذع) بسكون العين للزجر وأصل الجذع للدواب ثم استعير للشاب القوي وتمنى كونه جذعا ليبالغ في الحرب ويمعن فيها (أخب) الخب ضرب من السير يكون مع الاسراع ومقاربة الخطا (وأضع) بالضاد المعجمة والعين المهملة أي أسرع (أرسل الى صفوان بن أمية) كما روى أبو داود عنه قال استعار مني رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا يوم حنين فقلت أغصبا يا محمد قال لا بل عارية مضمونة قال أهل السير وكان صفوان يوم الفتح هرب الى جدة ليركب منها البحر الى اليمن فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه. فأعطاه عمامته التي دخل بها مكة فخرج ولحقه وجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اجعلني في أمري بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة أشهر (عارية مضمونة) هذا أصل في ضمان العارية (بجيش الفتح) أى وهم عشرة آلاف (وألفين من الطلقاء) وكان جملتهم اثني عشر الفا وقال عطاء ستة عشر الفا وقال الكلبي كانوا عشرة آلاف وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا قط (عتاب) بفتح المهملة وتشديد الفوقية (ابن أسيد) بفتح الهمزة وكسر المهملة بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم

الاموي فكانت مدة اقامته بمكة بعد الفتح الى ان خرج لحنين خمسة عشر أو سبعة عشر أو ثمانية عشر أو تسعة عشر يوما يقصر الصلاة لذلك. قال أصحابنا ان المسافر اذا دخل بلدا ونوى الخروج منها في كل وقت قصر الى ثمانية عشر يوما ثم يتم وقال بعضهم يقصر أبدا مادام على هذه النية وتعليله متجه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقفت حاجته على هذه المدة والظاهر أنه لو زادت حاجته لبقى على ترخصه يؤيده أيضا ما روى أبو داود وصححه ابن حبان عن جابر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة ويروى أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى حنين وهو واد بين مكة والطائف وكان المشركون قد سبقوا اليه فكمنوا في أحنائه وشعابه فلما تصوب المسلمون اليه في عماية الصبح شدوا عليهم شدة رجل واحد فاشتمر المسلمون راجعين لا يلوى أحد على أحد وكان رجل من المسلمين قد قال حين رأى رأي في المنام أسيدا أباه واليا على مكة مسلما فمات كافرا وكانت الرؤيا لولده عتاب حين أسلم فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن احدى وعشرين سنة ورزقه كل يوم درهما وكان يقول لا أشبع الله بطنا جاع على درهم في كل يوم حكاه السيهلي عن أهل التعبير (الأموي) بضم الهمزة نسبة الى أمية على غير قياس (خمسة عشر) كما رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي عن ابن عباس (أو سبعة عشر) كما في رواية أخرى لابي داود (أو ثمانية عشر) وقيل الى تسعة عشر يوما واختاره ابن الصلاح والسبكي وغيرهما لقول البيهقي انها أصح الروايات وقيل لا يعارض بل من روي ثمانية عشر أسقط يومي الدخول والخروج ومن روى تسعة عشر أسقط أحدهما وقدموا هاتين الروايتين على رواية سبعة عشر وخمسة عشر لأنهما أرجح وقيل لا يترخص الا أربعة لان الترخص اذا امتنع عليه بنية إقامتها فباقامتها أولى وحكاه في الشرح والروضة قولا (وقال بعضهم يقصر أبدا) وحكى الترمذي الاجماع عليه (أقام بتبوك عشرين يوما) هي على الاول محمولة على انه عد يومي الدخول والخروج (باذربيجان) بفتح الهمزة بغير مد وسكون الذال المعجمة وفتح الراء وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها جيم فألف فنون على الأشهر وقيل بمد الهمزة وفتح المعجمة والراء وكسر الموحدة وفتحها هو اقليم معروف وراء العراق غربي ارمينية (فكمنوا في أحيائه) بالمهملة والتحتية أي معاطفه (في عماية الصبح) بفتح المهملة أي ظلمة الصبح الباقية من ظلمة الليل (شدوا) يعني الكفار (عليهم) أى على المسلمين قال البغوى ما معناه كان المشركون قد انهزموا وخلوا عن الذراري ثم نادوا يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا (فاشتمر المسلمون) بالمعجمة أي رجعوا منهزمين قال البغوي وقال قتادة ذكر لنا ان الطلقاء انجفلوا يومئذ بالناس فلما انجفل القوم هربوا (وكان رجل من المسلمين)

تكاثر الجيش لن نغلب اليوم عن قلة فلم يرض الله قوله ووكلوا الى كلمته وولوا مدبرين هذا معنى ما ذكر ابن اسحق وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب وقد سأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفر كان في هوازن رماة وانا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بغلته البيضاء وان أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول- أنا النبي لا كذب- وفي رواية- أنا ابن عبد المطلب- وفي اسمه سلمة بن سلامة بن وقش (لن نغلب اليوم من قلة) قال التفتازاني هو نفى للقلة واعجاب بالكثرة يعني ان وقع مغلوبية فليس عن القلة كما قال صلى الله عليه وسلم لن تغلب اثنا عشر الفا من قلة رواه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس وقد توهم بعضهم من هذا الحديث ان القائل يوم حنين لن نغلب اليوم عن قلة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشا فان هذا الحديث خرج مخرج الخبر على العموم أفكل جيش يبلغ اثنى عشر ألفا لا يغلب عن قلة وهو طرف من حديث أوله خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يغلب اثنا عشر ألفا عن قلة وسبب التوهم أنهم كانوا يوم حنين اثني عشر ألفا فظن انه صلى الله عليه وسلم قالها لخصوص ذلك الجيش وليس كذلك والقرآن العظيم يدل على ان قائل تلك المقالة كان معجبا بالكثرة وهو المواجه بالخطاب في أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ الى آخر الآية ثم قال ثم انزل الله سكينه على رسوله ولو كان الخطاب في الآية الاولى موجها اليه صلى الله عليه وسلم لقال ثم أنزل الله سكينته عليكم بل ولو كان الخطاب كذلك لما لزم منه انه صلى الله عليه وسلم قالها يومئذ والله أعلم (وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب) ورواه عنه أيضا مسلم والترمذي (لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر) وللترمذي أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم انه ما ولى (فاستقبلونا بالسهام) ولمسلم فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد (على بغلته البيضاء) قال النووي هي التي تسمى الدلدل ولا يعرف له صلي الله عليه وسلم بغلة سواها انتهى وسيأتي الكلام على ذكر البغال في محله ان شاء الله تعالى (أنا النبي لا كذب) أي حقالا أفر ولا أزول فيه جواز قول ذلك في الحرب ومثله قول سلمة- انا ابن الاكوع- وفيه ان الكلام الموزون بلا قصد لا يسمى شعرا بدليل وما علمناه الشعر وما ينبغي له مع تلفظه صلى الله عليه وسلم بذلك وقد وقع في القرآن كثير من ذلك نحو لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم وجفان كالجوايى وقدور را أسيات (انا ابن عبد المطلب) هو على عادة العرب في الانتساب الى الجد اذا كان أشهر من الاب وقيل لان عبد المطلب كان قد سر به صلى الله عليه وسلم وبظهوره فأراد صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم بذلك زاد الترمذى اللهم انزل نصرك ثم صفهم وزاد الطبراني عن أبي سعيد بعد قوله انا ابن عبد المطلب أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد

رواية فما رئي في الناس يومئذ أشد منه. وروينا في صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها ارادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عباس ناد أصحاب السمرة وكان العباس رجلا صيتا فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة فاني يأتيني اللحن (فما رئى في الناس يومئذ أشد) بالرفع (منه) ففيه دليل على قوة شجاعته صلى الله عليه وسلم وثبات جأشه وقوة ثقته بربه سبحانه وفي رواية في الصحيح قال البراء كنا اذا احمر البأس نتقي به وان الشجاع منا للذي يحاذى به (فلزمت أنا وأبو سفيان) المغيرة (بن الحارث) بن عبد المطلب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) مفعول (فلم نفارقه) قال النووي في هذا عطف الاقارب بعضهم على بعض عند الشدائد وذب بعضهم عن بعض (فروة) بفتح الفاء وسكون الراء (ابن نفاثة) بضم النون وتخفيف الفاء وبعد الالف مثلثة هذا هو الصحيح المعروف وفي رواية لمسلم بن نعامه بالعين والميم. قال الطبري أسلم وقال غيره لم يسلم وفي صحيح البخاري أهداها له ملك ايلة يحنه بن رؤية وانما قبل هدية الكفار هنا مع قوله في حديث آخر هدايا العمال غلول رواه أحمد والبيهقي في السنن عن أبي حميد الساعدى وأبو يعلي عن حذيفة مع رده بعض هدايا المشركين وقوله انا لا نقبل شيأ من المشركين رواه أحمد والحاكم عن حكيم بن حزام لاختصاصه صلى الله عليه وسلم بالفئ بخلاف غيره فقبل صلى الله عليه وسلم ممن طمع في اسلامه لمصلحة يرجوها للمسلمين لان الهدية توجب المحبة والمودة وأما غيره صلى الله عليه وسلم من العمال والولاة فلا يحل له قبولها لنفسه والا كانت فيئا للمسلمين عند جمهور العلماء لانه لم يهدها اليه الا لكونه امامهم وان كانت من قوم هو محاصرهم فغنيمة (فطفق) بكسر الفاء أشهر من فتحها (يركض بغلته) في هذا كما قال النووي دليل أيضا على قوة شجاعته وثباته حيث يركض بغلته الى جمع المشركين وقد فر الناس عنه وفي رواية أخرى في صحيح مسلم انه نزل الى الارض حين غشوه للمبالغة في الثبات والشجاعة والصبر أو ليواسي من كان نازلا على الارض من المسلمين (وأنا آخذ) بضم المعجمة بلا تنوين فعل مضارع وبكسرها مع التنوين اسم فاعل (ناد أصحاب السمره) هى الشجرة التى بايعوا تحتها بيعة الرضوان وأراد صلى الله عليه وسلم ان يذكرهم ما بايعوا عليه يومئذ لانهم بايعوا يومئذ على أن لا يفروا (وكان العباس رجلا صيتا) أي شديد الصوت بحيث انه كان يقف على سلع فينادى غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم وبين سلع وبين الغابة ثمانية أميال ذكر ذلك الحازمي في المؤتلف (اين أصحاب السمره) زاد البيضاوي

قال فو الله لكأن عطفتهم على حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيك يا لبيك فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بنى الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها الى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهنّ في وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب محمد قال فو الله ما هو الا أن رماهم بحصياته فما زلت أري حدهم كليلا وأمرهم مدبرا* وروي أن العباس لما ناداهم جعل الرجل منهم يثني بعيره فلم يقدر عليه فيقتحم عنه ويؤم الصوت حتى اجتمع منهم مائة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل ألف فاستعرضوا الناس وساروا قدما حتى فتح الله عليهم وكانت الهزيمة ونزل في ذلك قوله تعالى وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ وغيره اين أصحاب سورة البقرة أراد المذكورين في قوله آمَنَ الرَّسُولُ قاله الطيبي (لكان عطفتهم على حين سمعوا صوتي) فيه دليل على عدم بعد فرارهم وعدم حصوله من جميعهم بل من الطلقاء ونحوهم ممن لم يستقر الايمان في قلبه (عطفة البقر) بالضم خبر كان المشددة (فاقتتلوا والكفار) بالنصب مفعول معه لا غير (والدعوة) بفتح الدال أي الاستغاثة والمناداة (في الانصار) أي اليهم (ثم قصرت) بفتح القاف وضم المهملة (هذا حين حمى الوطيس) بفتح الواو وكسر المهملة وسكون التحتية آخره سين مهملة وهو التنور أو شبهه فيه قولان يضرب مثلا لشدة الحرب الذى يشبه حرها حره وقال الاصمعي هى حجارة مدورة اذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها وقيل هو الضراب في الحرب وقيل هو الوطس الذي يطس الناس أي يدقهم قال العلماء هذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذى لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم (ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات) في رواية أخرى لمسلم فقبض قبضة من تراب الارض ثم استقبل بها وجوههم (انهزموا ورب محمد) في الرواية الأخرى فيه شاهت الوجوه أي قبحت ففي كلا الحديثين كما قال النووى معجزتان ظاهرتان احداهما فعلية والاخرى خبرية ثم الجمع بينهما انه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب فرمى بذامرة وبذامرة أو أخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب (فما زلت أرى حدهم كليلا) بفتح الحاء أى ما زلت أرى قوتهم ضعيفة (وروى ان العباس الى آخره) رواه ابن اسحق في سيرته وغيره (يثنى بعيره) يلويه وزنا ومعنى (فيقتحم عنه) أى يزل (ويؤم الصوت) أي يقصده (قدما) بضم القاف أي يقدم بعضهم بعضا وهذا وصف الشجعان (وكانت الهزيمة) تامة لا تحتاج الى خبر (ويوم حنين) أي ونصركم يوم حنين لانه معطوف على قوله لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ اشارة الى قول من قال لن نغلب اليوم عن قلة (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) لأن الظفر لا يكون بالكثرة وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي برحبتها وسعتها ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ منهزمين

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ قال سعيد بن جبير أمده الله يومئذ بخمسة آلاف من الملائكة مسومين. قيل لم تقاتل الملائكة يومئذ وانما نزلت لتجبين الكفار وتشجيع المسلمين* وروى انه لما انهزم المسلمون شمت كثير من الطلقاء وانجفلوا بالناس وقال كلدة بن حنبل الآن بطل السحر فقال له أخوه صفوان بن أمية اسكت فض الله فاك فو الله لأن يربنى رجل من قريش احب الي من أن يربني رجل من هوازن. قال الزهري وبلغنى ان شيبة ابن عثمان يعنى الحجبي فال استدبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وأنا أريد قتله بطلحة بن طلحة وعثمان ابن طلحة وكانا قد قتلا يوم أحد فأطلع الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما في نفسي فالتفت الي وضرب في صدري وقال أعيذك بالله يا شيبة فأرعدت فرائصى فنظرت اليه فاذا هو أحب الىّ من سمعي وبصري فقلت أشهد أنك رسول الله وبأن الله قد أطلعك على ما في (ثم) بعد الهزيمة (أنزل الله سكينته) هى فعيلة من السكون أي أمنته وطمأنينته (على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل) من السماء (جنودا لم تروها) يعني الملائكة قال البغوى قيل لا للقتال ولكن لتجبين الكفار وتشجيع المسلمين لانه يروي ان الملائكة لم تقاتل الا يوم بدر انتهى ومر الكلام في ذلك في غزوة أحد (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والاسر وسبي العيال وسلب الاموال (وَذلِكَ) التعذيب (جَزاءُ الْكافِرِينَ) بالله ورسوله (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) فيهديه للاسلام (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال سعيد بن جبير) كما نقله البغوى في التفسير (مسومين) بفتح الواو وكسرها كما مر في غزوة بدر قال البغوي وفي الخبران رجلا من بنى النصر قال للمؤمنين بعد القتال اين الخيل البلق والرجال عليهم ثياب بيض ما كنا نراكم فيهم الا كهيئة الشامة وما كان قتلنا الا بأيديهم فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تلك الملائكة (لتحبين الكفار) أى نخذيلهم (وتشجيع المسلمين) أي تجرئتهم (وروي) في كتب السير (شمت) بفتح المعجمة وكسر الميم والشماتة فرح العدو بمصيبة ضده (انجفلوا بالناس) بهمز وصل وسكون النون وفتح الجيم والفاء أى هربوا بسرعة (كلدة) بفتح الكاف واللام والمهملة (ابن حنبل) بفتح المهملة والموحدة وسكون النون بينهما (فقال له أخوه) من أمه (فض الله فاك) أى كسر أسنانك (لان يربني) بضم الراء وتشديد الموحدة أى يتولى على (قال الزهري وبلغني ان شيبة بن عثمان الى آخره) أخرجه أبو بكر أحمد بن أبى خيثمة في تاريخه من حديث شيبة (فالتفت الى) فيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم حيث اطلع على ما في نفسه وفي حديث ابن أبي خيثمة قال فلما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من حديد فالتفت الى آخره (فارعدت) مبنى للمفعول (فرائصى) جمع فريصة

نفسي* وروينا في الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابي قتادة رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين نظرت الى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله فأسرعت الى الذي من ورائه يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها ثم أخذنى فضمنى اليه ضما شديدا حتى تخوفت ثم برك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فاذا عمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس فقال أمر الله ثم تراجع الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه فقمت لا لتمس بينة على قتيلي فلم أر أحدا يشهد لى وجلست ثم بدا لى فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكره عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله اذن لا تعطه أصيبع من قريش وتدع أسدا بالفاء والراء والمهملة مكبرة وهي لحمة بين الثدي والكتف ترعد عند الفزع (وروينا في) الموطا و (الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي (عن أبي قتادة) اسمه الحارث بن ربعى كما مر ورواه أيضا أحمد وأبو داود عن أنس ورواه أحمد وابن ماجه عن سمرة (لما كان يوم حنين) بالنصب والرفع (يختله من ورائه) بفتح أوله وسكون المعجمة وكسر الفوقية أي يريد ان يأخذه على غفلة (فضمنى اليه ضما شديدا) زاد مسلم حتى وجدت ريح الموت (ثم برك) بالموحدة للاكثر ولبعضهم بالفوقية (فتحلل) بالمهملة أى انفك مني (فقال أمر الله) أى حكمه وقضاؤه (على قتيل) وللبيهقى في السنن على أسير (فله سلبه) قال العلماء يستحق القاتل ولو ناقصا ومثله من أزال منعته حال الحرب وكذا الاسير جميع السلب من سلاح معه كسيف ورمح ودرع ومغفر وما عليه للزينة كطوق وسوار ومنقطة وخاتم وفرسه أيضا وكذا نفقته ونفقة مركوبه وما عليه من سرج ولجام ومقود وغيرها والجنيبة لانه قد يحتاج اليها ويستحق من الجنائب واحدة واما الحقيبة وهي بفتح المهملة وكسر القاف الوعاء الذي يجمع فيه المتاع ويجعل خلف الراكب فليست من السلب على اشكال فيها وقد اختار السبكي وغيره دخولها (فقال رجل من جلسائه) قال ابن حجر لم يسم الا انه قرشى وعند الواقدي انه أوس بن خزاعي الاسلمي (فارضه منه) بقطع الهمزة وكسر المعجمة وفي بعض نسخ البخاري فارض منه (فقال أبو بكر) ولاحمد فقال عمر وجمع بأن كلا قال (لاها الله اذن) قال الخطابي صوابه لاها الله ذا بغير الف زادها فيه بمعنى الواو التي يقسم بها فهو بمعنى لا والله ذا معناه لاها الله ذا بمعنى أو ذا قسمى قاله المازنى أو هي زائدة قاله أبو زيد وها بالقصر والمد وهي جارة كالواو ولا يقال ها والله بجمعهما وأنكر الطيبي قول الخطابي وقال بل الرواية صحيحة ومعناها والله اذا لا أفعل قال ويحتمل ان اذا زائدة وقال القرطبي اذن هنا حرف جواب وقد وردت كذلك في عدة من الاحاديث أفيظن بوارد الرواة جميعها الغلط والتحريف معاذ الله قال النووي في هذا الحديث دليل على ان هذه اللفظة تكون يمينا قال أصحابنا ان نوى بها اليمين كانت يمينا والا فلا لانها ليست متعارفة في اليمين (لا تعطه) نهى (اصيبع) رواية القابسي في صحيح

مطلب في ذكر من ثبت مع رسول الله يوم حنين

من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه الي فاشتريت به خرافا فكان أوّل مال تأثلته في الاسلام* وروينا في صحيح مسلم عن سلمة بن الاكوع قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فاعلوا ثنية قاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتواري عني فما دريت ما صنع فنظرت الى القوم فاذاهم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقواهم وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأرجع منهزما وعلى بردتان متزرا بأحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق أن أرى فجمعتهما جمعا ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأى ابن الاكوع فزعا فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق الله منهم انسانا الا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين* [مطلب في ذكر من ثبت مع رسول الله يوم حنين] وممن ثبت يومئذ مع البخاري والسمرقندي في صحيح مسلم باهمال الصاد واعجام العين قال النووى وصفه بذلك لتغير لونه وقيل حقره وذمه لسواد لونه وقيل معناه انه صاحب لون غير محمود وقيل وصفه بالمهانة والضعف قال الخطابي الاصيبغ نوع من الطين قال ويجوز انه شبهه بنبات ضعيف يقال له الصغا أو ما يطلع من الارض ويكون ما يلى الشمس منه أصفر ورواية غيرهما باعجام الصاد واهمال العين وهو تصغير ضبع على غير قياس كأنه لما وصف أبا قتادة بأنه أسد صغر هذا بالاضافة اليه فشبه بالضبع لضعف افتراسها وما يوصف به من العجز والحمق وفيه رواية ثالثة ذكرها بعض شراح البخاري وهى اهمال الصاد والعين معا فان صحت فمعناه انه شبهه بالاصبع الصغيرة لقصره وضعفه (من أسد الله) بضم الهمزة مع ضم السين واسكانها (خرافا) بكسر المعجمة وفي رواية في الصحيحين وغيرهما مخرفا بفتح الميم والراء وروي بكسر الراء وهي البستان وقيل السكة من النخل يكون صفين يخترف من أيهما شاء وقيل هى الجنينة الصغيرة وقيل هي نخلات يسيرة قال النووي وأما المخرف بكسر الميم وفتح الراء فهو الوعاء الذي يجعل فيه ما يخترف من الثمار أي يجتني (فكان أوّل) بنصب أوّل على الخبر واسم كان مضمر فيها (تأثلته) بمثلثة بين مثناتين فوقيتين أى أفنيته وتأصلته واثلة الشيء أصله (ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال كونى (منهزما) لا حال كونه صلى الله عليه وسلم اذ لا يجوز عليه الانهزام (شاهت الوجوه) قبحت يومئذ كما مر في غزوة بدر (فما خلق الله منهم انسانا الى آخره) جملة من عدهم المصنف ثمانية ونقل البغوي عن الكلبي ان الذين ثبتوا يومئذ ثلاثمائة قال وقال آخرون لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير العباس بن عبد المطلب

الكلام على غزوة أوطاس ومقتل أبي عامر الأشعري رضى الله عنه

رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بيته علي بن أبى طالب والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأيمن ابن أم أيمن أخو أسامة بن زيد* ومن رؤساء المهاجرين أبو بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين قال ابن اسحق فلما هزمت هوازن استجر القتل من ثقيف في بني مالك فقتل منهم تحت رايتهم سبعون رجلا وتفرق المشركون في الهزيمة فلحق عوف بن مالك في آخرين بالطائف وتركوا أولادهم وأموالهم واحتبس كثير منهم بأوطاس على أموالهم وتوجه بعضهم نحو نخلة وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخله ولم تتبع من سلك الثنايا فأدرك ربيعة بن رفيع السلمى دريد بن الصمة وهو في شجار له فأناخ به ثم ضربه فلم تغن شيئا فقال بئس ما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ثم أضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فاني كنت كذلك أضرب الرجال ثم اذا أتيت أمك فاخبرها اني قتلت دريد فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك ويقال انه أنشد حين تحقق الهزيمة: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد وما أنا الا من غزية إن غوت ... غويت وان ترشد غزية أرشد [الكلام على غزوة أوطاس ومقتل أبي عامر الأشعري رضى الله عنه] «غزوة أوطاس» ثم ان النبى صلى الله عليه وسلم أمّر ابا عامر الاشعري على جيش من المسلمين وبعثه في آثار من توجه قبل أوطاس فأدرك بعض من انهزم فناوشوه القتال فقتل أبو عامر وأخذ الراية بعده ابن أخيه أبو موسى الاشعري رضي الله عنه ففتح الله عليه وقتل قاتل أبى عامر وهزمهم وغنم أموالهم. روينا في صحيح البخاري عن أبي موسى الاشعري رضي الله وأبي سفيان بن الحارث وأيمن ابن أم أيمن (استجر القتل) بالجيم أي انجر (ربيعة بن رفيع) بالتصغير ابن أهبان بن ثعلبة (سلمى) بضم السين (في شجار له) بكسر المعجمة قال الحريري هي المحفة ما لم تكن مظللة والا فهى هودج (بئسما سلحتك) أي أعطتك من السلاح (من مؤخر الرحل) بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء ويقال بفتح الهمزة والخاء المشددة ويقال موخرة بالهاء آخره وهي العود الذي في آخر الرحل (أمرتهم أمري) باشباع ضمة الميم (بمنعرج اللوى) بكسر الراء أي منعطفه (الا من غزية) بفتح المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية (غوت) بكسر الواو في الماضي وفتحها في المضارع* غزوة أوطاس وهو واد في ديار هوازن (أبا عامر الاشعري) اسمه عبيد بالتصغير (قبل) بكسر القاف وفتح الباء الموحدة (أوطاس) لا ينصرف (فناوشوه القتال) بالنون والمعجمة قال في القاموس المناوشة المنازلة في القتال (وقيل) أي أبو موسى (قاتل) بالنصب (روينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن الترمذي (لما رمى)

عنه قال لما رمي أبو عامر قلت يا عم من رماك فأشار اليّ أبي موسى قال ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما رآنى ولى مدبرا فأتبعته وجعلت أقول له ألا تستحيي الا تثبت فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبى عامر قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء قال يابن أخي أبلغ النبي صلى الله عليه وسلم السلام وقل له أستغفر لى واستخلفنى أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل وما عليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبى عامر وقوله قل له استغفر لى فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيدك أبي عامر ورأيت بياض ابطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك مبنى للمفعول (ذاك قاتلى الذي رماني) قال ابن اسحاق في المغازي يزعمون ان سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر وقال ابن هشام حدثني من أثق به ان الرامي له العلاء بن الحارث الجشمى وأخوه أو في فأصاب أحدهما قلبه وآخر ركبته فقتلاه فقتلهما أبو موسى فرثاهما بعضهم بأبيات منهما * هما القاتلان أبا عامر* (فنزعته) قال المهلب فيه جواز نزع السهام من البدن وان خيف من نزعها الموت قلت ولا يخلو من نظر (فنزا منه الماء) بالنون والزاي أى صب وظهر وارتفع وجرى ولم ينقطع (على سرير مرمل) بضم الميم الاولى وفتح الثانية وسكون الراء بلا تشديد وبفتح الراء مع التشديد أي معمول برمال وهي الحبال التى يضفر بها الاسرة يقال منه أرملته فهو مرمل ورملته بالتشديد فهو مرمل قال النووي وحكى رملته فهو مرمول (عليه فراش) قال القابسى الذي أحفظه في غير الصحيحين ما عليه فراش قال وأظن لفظة ما سقطت لبعض الرواة وتابعه عياض وغيره على ذلك قالوا وقد جاء في حديث عمر في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه هذا ملخص ما نقله النووى قلت ومعلوم ان رواية أثبات الفراش ان صحت لا ينافي نفيه في حديث عمر ولا ينافي تأثير الرمال بالجنب اذ ربما أثرت مع الفراش لعدم ثخانته (رمال) بكسر الراء وضمها (بظهره وجنبه) فيه قوة زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا وعدم اتباع ملاذها وشهواتها (فدعا بماء فتوضأ) فيه ندب الوضوء للدعاء كما في حديث جريج وحديث الاعمى الذى جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله ان يعافيني ففيه فأمره ان يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو (ثم يرفع يديه) فيه ندب رفع اليدين في الدعاء والمبالغة في رفعها ومر في الاستسقاء الكلام على نفى أنس له قال النووى قد ثبت الرفع في مواطن كثيرة فوق ثلاثين موطنا قلت منها يوم بدر وفي الاستسقاء وفي هذا الحديث وفي حديث أبي حميد الساعدى في الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية؟؟؟ الى ان قال فرفع يديه حتى رأينا عفرة ابطيه وقال اللهم هل بلغت ثلاثا وفي حديث الدعاء لدوس كما رواه أبو عوانة في مسنده الصحيح وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة وفي حديث خالد اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد

أو من الناس فقلت ولى فاستغفر فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما قال أبو بردة احداهما لابى عامر والأخرى لابى موسى. وروي ابن هشام عمن يثق به من أهل العلم ان أبا عامر الاشعري لقى يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين فحمل عليه احدهم فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر ثم كذلك واحدا بعد واحد حتى قتل تسعة وبقي العاشر فحمل على أبى عامر فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم أشهد عليه فقال الرجل اللهم لا تشهد كما رواه البخارى والنسائي عن ابن عمرو في كسوف الشمس كما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن سمرة وعلى الصفا يوم فتح مكة كما رواه مسلم وأبو داود عن أبى هريرة وفي البقيع اذ جاء جبريل فقال ان ربك يأمرك ان تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ففيه ثم رفع يديه ثلاث مرات كما رواه البخارى ومسلم والنسائي وابن ماجه عن عائشة وفي حديث صاحب الطفيل بن عمرو الذي قطع براجمه فشخبت حتى مات ففيه انه صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال اللهم وليديه فاغفر كما رواه مسلم والبخاري في كتاب رفع اليدين وابن حبان في صحيحه عن جابر وفي قوله اللهم أمتي أمتي وبكى رفع يديه كما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو ابن العاص وفي دعائه لسعد بن عبادة يوم زاره في منزله كما رواه أبو داود والنسائي عن قيس بن سعد ويوم شكى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر كما رواه أبو داود والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن عائشة وعند عزوراء بين مكة والمدينة كما رواه أبو داود عن سعد بن أبي وقاص وفي مرض موته وهو يدعو لاسامة كما رواه الترمذي وحسنه عن أسامة وفي مرض موته رفع يديه يقول اللهم لا تمتني حتى تريني عليا وكان علي غائبا رواه الترمذي وحسنه عن أم عطية وفي استسقائه عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء كما رواه البخاري في كتاب رفع اليدين وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحه عن عمير مولى آبي اللحم وفي قوله صلى الله عليه وسلم انما أنا بشر أيما رجل من المؤمنين آذيته الى آخره كما رواه البخاري في كتاب رفع اليدين عن عائشة وفي حديث الوليد لما شكته امرأته رفع يديه وقال اللهم عليك بالوليد كما رواه البخاري في كتاب رفع اليدين عن علي وفي غزوة تبوك لما أصابهم العطش رفع يديه فلم يرجعهما حتى حالت السماء كما رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عباس وفي دعائه لاهل بيته كما رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن جعفر وفي دعائه لعائشة كما سيأتي ذكره المحب الطبري في الخلاصة (من خلقك أو من الناس) شك من الراوي (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه) فيه جواز الدعاء بالمغفرة للحي ليضمنها الدعاء له بحسن الخاتمة وفي جوازها لعموم المسلمين خلاف والاصح كما قاله ابن عبد السلام الجواز نعم يكره ذلك لجميع الخلق اذ يدخل فيه المخلدون في النار (مدخلا كريما) بضم الميم وفتحها (قال أبو بردة) هو ابن أبي موسى واسمه الحارث وقيل عامر

الكلام على غزوة الطائف وحصاره

علىّ فكف أبو عامر عنه فأفلت ثم أسلم بعد فحسن اسلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رأه قال هذا شريد أبي عامر واستشهد من المسلمين يوم حنين وأوطاس أيمن بن عبيد الهاشمي وهو ابن أم أيمن قتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن زمعة بن الأسود الاسدي جمح به فرسه الذي يقال له الجناح فقتل وسراقة بن الحارث الانصاري وأبو عامر الأشعرى أربعة رجال ولأبي الفضل عباس بن مرادس السلمى في يوم حنين جملة من الشعر وكان اسلامه قبيل ذلك ولا سلامه خبر عجيب سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر سبايا هوازن وأموالها فحبست له بالجعرانة وجعل عليها مسعود بن عمر والغفارى وقيل أبا سفيان بن حرب الاموى وقيل أبا جهم حذيفة العدوى وكانت سباياهم ستة آلاف رأس ومن الابل والشاء مالا يعد* [الكلام على غزوة الطائف وحصاره] ومن توابع الفتح أيضا غزوة الطائف وكان من خبرها ان النبى صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الفتح وحنين وأوطاس تحصن شراد حنين بالطائف توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوهم في عدد وعدة ففى ذلك يقول كعب (فافلت ثم أسلم) بقطع الهمزة وفتحها وفتح اللام وسكون الفاء أي غلبني وهرب (أيمن) بفتح الهمزة والميم بينهما تحتية ساكنة (ابن عبيد) اسم أبي أيمن (الهاشمي) مولاهم (وزيد بن زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم كما مر قال ابن عبد البر وقيل استشهد بالطائف (جمح به) أي غلبه وفر به (يقال له الجناح) على لفظ جناح الطائر (وسراقة بن الحارث) هو أبو حارثة بن سراقة الذي استشهد يوم بدر (وأبو عامر الاشعري أربعة رجال) وبقي منهم ثقف بكسر المثلثة وسكون القاف ابن عمر الاسلمي والحويرث بن عبد الله بن خلف الغفاري ومرة بن سراقة ومسعود بن عبد سعد الانصاري (عباس) بالموحدة والمهملة (مرداس) بكسر الميم وسكون الراء ثم مهملتين بينهما ألف مصروف (السلمي) بضم السين منسوب الى سليم القبيلة وهو عباس بن مرداس بن أبي وأبي هذا ابن حارثة بن عبد بن عباس بن رفاعة بن الحارث بن نهبة بن سليم قال السهيلي كان أبوه صاحبا لحرب بن أمية وقتلتهما الجن في خبر مشهور (فحبست بالجعرانة) بكسر الجيم وسكون المهملة وتخفيف الراء وقيل بكسر العين وتشديد الراء وعليه عاما المحدثين وعده الخطابى من تصحيفهم وقال صاحب المطالع كلا اللغتين صواب وهو موضع بين الطائف ومكة بينه وبين مكة ثمانية عشر ميلا أو اثنى عشر قولان سميت باسم امرأة من تميم وقيل من قريش وبها ماء شديد العذوبة قال الفاكهي يقال انه صلى الله عليه وسلم حفر موضعه بيده الشريفة المباركة فانبجس فشرب منه وسقي الناس أو غرز رمحه فنبع (وقيل أبا جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء اسمه عامر وهو غير أبي الجهيم بالتصغير عبد الله بن الحارث بن الصمة الانصاري (وكانت سباياهم) من الآدميين (ستة آلاف) بالنصب على الخبر (ومن الابل) كما قال الشمني نحو أربعة وعشرين ألفا (ومن) الشاء فوق أربعين ألفا ومن الفضة أربعة آلاف أوقية* غزوة الطائف (شراد حنين) جمع شارد أي هارب (في عدد) بفتح العين أي جمعه (وعدة) بضمها أي آلات الحرب

ابن مالك في قصيدة له: قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبر ثم اجممنا السيوفا تخبرنا ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوسا أو ثقيفا فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على قرن مهل أهل نجد ثم على وادى لية وابتنى به مسجدا وقتل هناك رجلا من بنى ليث بقتيل قتله من هذيل وهو أوّل دم اقيد به في الاسلام وأمر بحصن مالك بن عوف النصرى فهدم ثم سلك من لية على ثجب ونزل تحت سدرة تسمى الصادرة وخرب حائط رجل من ثقيف ثم ارتحل فنزل على حص الطائف فقتل جماعة من أصحابه وانتقل بعيدا منه وضرب هناك قبتبين لعائشة وأم سلمة وصلى بينهما وهو موضع مسجده الذي بالطائف اليوم وفي ركنه الأيمن القبلى قبر حبر الأمة أبا العباس عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ثم حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقطع أعنابهم ورماهم بالمنجنيق ودخل ناس من أصحابه تحت دبابة ثم زحفوا تحتها الى جدار الحصن فرمتهم ثقيف بالنار فاحترقت الدبابة فخرجوا من تحتها فرموهم بالنبل رويناه في الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمرو أو ابن عمرو رضى الله عنهما قال لما وحاصر رسول الله صلى الله عليه (وخيبر) أي ومن خيبر (ثم أجمعنا) بالجيم أرحنا (السيوفا) بألف الاطلاق من القتال بها (قواطعهن) من قواطع أي هن قواطع وهو في محل التنوين فمن ثم نصب (دوسا) بفتح الدال المهملة (قرن) بفتح القاف وسكون الراء وغلطوا من فتحها وهو جبل بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان وتسمى قرن المنازل (مهل أهل نجد) أي محل إهلالهم أي احرامهم وهو بضم الميم وفتح الهاء (وادي لية) بكسر اللام وتشديد التحتية وهو واد بثقيف أو جبل بالطائف أعلاه لثقيف وأسفله لنصر بن معاوية قاله في القاموس (من بني ليث) بفتح اللام وبالمثلثة قبيلة معروفة (على ثجب) بفتح المثلثة وسكون الجيم فموحدة وهو جبل بنجد لبني كلاب عنده معدن ذهب ومعدن جزع أبيض قاله في القاموس (الصادرة) باهمال الصاد والدال (فقتل جماعة) بالبناء للمفعول (حبر الامة) بفتح الحاء وكسر الهاء أي عالمها (وقطع أعنابهم) أي أشجار عنبهم (ورماهم بالمنجنيق) فيه جواز رمي الكفار به وقد مر ضبطه وأوّل من رمى به في الاسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما في الجاهلية فجذيمة الابرش ذكره السهيلي ويذكر انه أوّل من أوقد الشمع (تحت دبابة) بمهملة مفتوحة وموحدة مكررة الاولى منهما مشددة بينهما ألف قال في القاموس آلة تتخذ للحروب فتدفع في أصل الحصن فينقبون وهم في جوفها (ابن عمر) بن الخطاب هذا هو الصواب وقد زاد الحميدي في مسنده ابن الخطاب فاوضح ذلك (أو ابن عمرو) بن العاص كما للاصيلى وغيره في

وآله وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا قال انا قافلون انشاء الله تعالى فثقل عليهم فقالوا نذهب ولا نفتحه فقال اغدوا على القتال فغدوا فأصابهم جراج فقال انا قافلون غدا انشاء الله تعالى فأعجبهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم* وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رؤيا فقصها على أبى بكر فقال أبو بكر ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا لا أرى ذلك* وروي ان خولة بنت حكيم السلمية سألته ان فتح الله عليه الطائف حلى بادية بنت غيلان أو الفارعة بنت عقيل فقال لها وان كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة فأخبرت عمر بذلك قال عمر أفلا اؤذن بالرحيل يا رسول الله قال بلى فأذن عمر بالرحيل ويقال انما انصرف عنهم حين هل ذو القعدة وهو شهر حرام وكان مدة حصارهم بضعا وعشرين ليلة ويقال سبعة عشرة واستشهد بها من المسلمين اثنى عشر أو ثلاثة عشر رجلا سبعة من قريش وأربعة من الأنصار وواحد من بنى ليث وعد منهم عبد الله بن أبى بكر الصديق وكان أصابه سهم فمات منه بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم ختن النبي صحيح البخارى (الطائف) بلد على مرحلتين أو ثلاث من مكة من جهة المشرق قال في التوشيح قيل ان أصلها ان جبريل اقتلع الجنة التي كانت لاصحاب الصريم فصار بها الى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حول الطائف فسمى الموضع بها وكانت أولا بنواحي صنعاء (قافلون) أى راجعون الى المدينة (ان شاء الله) قالها تبركا وامتثالا لأمر ربه كما مر (فضحك النبى صلى الله عليه وسلم) تعجبا من أمرهم حيث كانوا أولا لا يحبون الرجوع فلما أصابهم ما أصابهم أحبوه وكرهوا ما كانوا يحبونه أولا لاجبنا وجزعا بل ضعفا جليا (وأنا لا أرى) بضم الهمزة أي لا أظن (خولة) بفتح المعجمة وسكون الواو (السلمية) بضم السين (بادية) بموحدة ودال مهملة وتحتية وقيل بدلها نون قال ابن حجر والاول أرجح قال وقد تزوجها عبد الرحمن بن عوف بعد ذلك (بنت غيلان) بفتح المعجمة وسكون التحتية هو الذى أسلم على عشر نسوة (أو) حلي (الفارعة) بالفاء (بنت عقيل) مكبر (سبعة من قريش) نسبا أو حلفا وهم عبد الله بن أبي بكر الصديق كما ذكره المصنف وعبد الله بن أبي أمية كما ذكره أيضا وجليحة بن عبد الله بن الحارث والحباب بن جبير الاموى حليف لهم وعبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي حليف لهم وعبد الله بن الحارث السهمى وسعيد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس (وأربعة من الانصار) بل هم خمسة وهم الحارث بن سهل بن أبي صعصعة النجاري وثابت بن أبى الجعد الانصارى السلمى ورقيم بن ثابت الانصارى الاوسي والمنذر بن عباد الانصاري الساعدى والمنذر بن عبد الله الانصارى الساعدى (وواحد من بنى ليث)

مطلب المخنثون على عهد رسول الله أربعة

صلى الله عليه وسلم وابن عمته عبد الله بن أبى أمية المخزومي وهو الذي قال له هيت المخنث يا عبد الله ارأيت ان فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم رواه البخاري زاد السهيلي بعد قوله تدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان وثدي كالرمان اذا قامت تثنت واذا قعدت تبنت وان تكلمت تغنت وهي هيفاء شموع نجلاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم قاتلك الله هذا بعينه النظر وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نفاه لروضة خاخ فقيل له انه يموت بها جوعا فأذن له أن يدخل المدينة كل جمعة يسأل الناس [مطلب المخنثون على عهد رسول الله أربعة] وكان المخنثون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة هيت وهرم وماتع وأنة ولم يكن واحد منهم يرتكب الفاحشة الكبرى وانما هو التشبه بالنساء فقط وفي الصحيح ان أبا بكرة نفيع بن الحارث تدلى من حصن الطائف على بكرة ونزل الى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد أهل الطائف وهو عرفطة بن الحباب بن جندب فهؤلاء ثلاثة عشر (وهو الذى قال له هيت) بكسر الهاء وسكون التحتية ومثناة فوق وقيل بفتح الهاء وقيل بنون وموحدة وهو مولى لفاختة المخزومية (المخنث) بكسر النون وفتحها وهو الذي يشبه النساء في اخلاقه وكلامه وحركاته خلقة مأخوذ من التكسر في المشى وغيره (فانها تقبل باربع) أى باربع عكن من كل ناحية ثنتان (وتدبر بثمان) لان لكل واحدة من الاربع طرفين فاذا أدبرت صارت الاطراف ثمانية وأنشدوا عليه قول كعب ابن زهير بنت أربعا منها على ظهر أربع ... فهن تحسب بهن ثمانى «1» (زاد السهيلى) وابن الكلبى (مع ثغر) أى فم (كالاقحوان) بضم الهمزة والمهملة وسكون القاف بينهما وهو نبت طيب الرائحة حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر يشبه به الثغر اذا كان أبيض (ان قامت تثنت) بالمثلثة أى تمايلت (وان قعدت تبنت) بالموحدة أي جلست جلسة المفترش لانها ألطف الجلسات (وان تكلمت) تغنت وصفها بقوة الفصاحة (وهى هيفاء) أى ضامرة البطن (شموع) بفتح المعجمة وآخره مهملة أى كثيرة المزاح (نجلاء) بالمد واسعة العين زاد ابن الكلبى وبين رجليها كالاناء المكفوء (قاتلك الله) فيه جواز سب أرباب المعاصى ولم يرد صلى الله عليه وسلم لعنك الله وانما كانت كلمة يدعمون بها كلامهم لا يقصدون معناها (نفاه لروضة خاخ) أو الى الجمى ذكره الواقدى أو الى حمراء الاسد كما ذكره أبو منصور الماوردى وانما أخرجه صلى الله عليه وسلم لانه كان يظن انه من غير أولى الاربة وكان منهم ويتكتم بذلك ولوصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال (وهرم) بفتح الهاء وكسر الراء (وماتع) بالمثناة وقيل بالنون (وانة) على وزن جنة (ألفاحشة الكبرى) أى اللواط (نفيع) بالنون والفاء صغر (بن الحارث) هذا هو الصواب وقيل ان اسمه مسروح (ثالث ثلاثة وعشرين من عبيد أهل الطائف)

_ (1) كذا في الأصل.

الكلام على غنائم حنين وتقسيمها

وروي ان اهل الطائف لما أسلموا كلموا النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فقال هؤلاء عتقاء الله وجعل ولاءهم لهم* وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف قيل له ادع عليهم قال اللهم اهد ثقيفا وائت بهم* [الكلام على غنائم حنين وتقسيمها] خبر غنائم حنين ولما رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الطائف ونزل الجعرانة قسم بها الغنائم فأعطا الطلقاء ورؤساء العرب ومن ضعف إيمانه يتألفهم ويتألف بهم ووكل آخرين الى إيمانهم ويقينهم من الأنصار* وروينا في صحيح مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والاقرع بن حابس كل انسان منهم مائة من الابل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال شعرا: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن يخفض اليوم لا يرفع فاتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الابل وذكر خارج الصحيحين جماعة من أهل المئين سوى هؤلاء وآخرين دون ذلك وأعطى من الشاء بغير عدد وفي الحديث أن اعرابيا سأله فاعطاه غنما بين جبلين فلما رجع الى قومه قال أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة وقد أتى على هذا المعنى في مدحه صلى الله عليه وسلم أحد المحبين عفيف الدين عبد الله بن جعفر التميمى رحمه الله فقال: سمي منهم ابن اسحق في غير رواية ابن هشام الازرق عبد للحارث بن كلدة والدابي بكرة والمنبعث عبد لعثمان بن عامر بن معتب وكان اسمه المضطجع فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبعث ويحنس النبال؟؟؟ عبد لبعض آل يسار وورد ان عبد لعبد الله بن ربيعة بن حرشة وابراهيم بن جابر عبد لحرشة أيضا قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء هؤلاء العبيد لساداتهم حين أسلموا وزاد ابن عبد البر نافع بن الحارث أخا أبى بكرة وزاد ابن سلام نافعا مولى عيلان بن سلمة (اللهم اهد ثقيفا) أخرجه الترمذى من حديث جابر فلفظه قالوا يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع عليهم فقال اللهم أهد ثقيفا* خبر غنائم حنين (ونهب العبيد) اسم فرسه وهو مصغر وباؤه موحدة (فما كان بدر) في رواية حصن وكلاهما صحيح لانه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ونسب الى بدر لشهرته (يفوقان) يفضلان (مرداس) بترك الصرف لضرورة الشعر (وفي الخبران اعرابيا) هو صفوان بن أمية (من لا يخشي الفاقة) أى الحاجة

القاسم الآبال رب هنيدة ... بحنين جاد بها على العربان والقاسم الاغنام لا عدد لها ... الا بما يطيف به الجبلان ولما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقاسم الجليلة وأعطى العطايا الحفيله استشره جفاة العرب واجفوه في المسئلة حتى اضطروه الى سمرة فخطفت رداءه فقال اعطوني ردائى فلو كان لى عدد هذه العضاءة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدونى بخيلا ولا كذابا ولا جبانا وحتى قال له الاعرابى الا تنجز لى ما وعدتني فقال أبشر فقال أكثرت على من قول أبشر وقال له الآخر ان هذه القسمة ما أريد بها وجه الله فقال رحم الله موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر وقال له آخر اعدل يا محمد قال ويحك ومن يعدل ان لم أعدل (القاسم الابال) بالكسر على الاضافة غير المحضة والابال جمع ابل (رب هنيدة) بالتصغير اسم للمائة من الابل كما ان الذود اسم لما بين والثلاث الي العشر والضرمة اسم لما بين العشرة الى الاربعين والهجمة اسم لما فوق ذلك والعكرة اسم لما بين الخمسين الى السبعين (بحنين) بلا صرف لضرورة الشعر (العربان) بضم العين (والقاسم الاغنام) جمع غنم وهو بالجر كما مر (لا عدد) بالتنوين لضرورة الشعر (يطيف به) بضم أوله رباعي أى يحيط به (الحفيلة) بفتح الحاء المهملة وكسر الفاء أي الكثيرة المجموعة والحفل كما في الصحاح الاجتماع (استشره) تطلع (جفاة العرب) أي أجلافهم (واجفوه) بفتح الفاء أي ألحوا عليه (حتى اضطروه) بهمزة وصل وتشديد الراء أى الجأوه (فخطفت) بكسر الطاء (هذه العضاءة) بالمهملة فالمعجمة على وزن المساة كما سبق (ثم لا تجدوني الى آخره) لمسلم انهم خيروني بين ان يسألوني بالفحش أو يبخلوني ولست بباخل أي انهم ألحوا على في السؤال لضعف ايمانهم والجأوني بمقتضي حالهم الى السؤال بالفحش أو نسبتى الى البخل ولست ببخل فينبغى احتمال واحد من الامرين قال النووي في الحديث مداراة أهل الجهالة والقسوة وتألفهم اذا كان فيه مصلحة وجواز دفع المال اليهم لهذه المصلحة (وحتي قال له الاعرابي) قيل هو الاقرع بن حابس (وقال له الاخر) هو معتب بن قثير سماه الواقدى وغيره (ان هذه القسمة ما أريد بها وجه الله) قال عياض حكم الشرع تكفير من سبه صلى الله عليه وسلم وقتله ولم يقتل هذا الرجل قال المازرى لانه لم يفهم منه الطعن في النبوة وانما نسبه الى ترك العدل في القسمة أو لعله صلي الله عليه وسلم لم يسمعه بل نقله عن واحد وشهادة الواحد لا يراق لها الدم قال وهذا الأويل باطل يدفعه قوله في الحديث اتق الله يا محمد واعدل يا محمد فانه خاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتى استأذن عمر وخالد النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فقال معاذ الله ان يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه فهذه هي العلة وسلك معه مسلك غيره من المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما يكرهه (وقال له آخر) هو ذو الخويصرة واسمه حرقوص بن زهير (فمن يعدل ان لم اعدل) في رواية ان لم يعدل الله ورسوله بين فيها

تتمة في مؤاخذة النبي صلي الله عليه وسلم الأنصار حين بلغه موجدتهم لتقسيمه غنائم حنين في قريش

[تتمة في مؤاخذة النبي صلي الله عليه وسلم الأنصار حين بلغه موجدتهم لتقسيمه غنائم حنين في قريش] ولما لم يصب الانصار من هذه المقاسم قليل شيء ولا كثيره وجدوا وجدا عظيما ووقع في أنفسهم ما لم يقع قبل ذلك وقالوا يغفر الله لرسول الله يعطى قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم وقالوا اذا كانت شديدة فنحن ندعى وتعطى الغنيمة غيرنا فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر موجدتهم جمعهم فخطبهم فقال يا معشر الانصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمنّ قال ما يمنعكم ان تجيبوا رسول الله كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال لو شئتم لقلتم جئتنا كذا وكذا أما ترضون ان يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم الى رحالكم لولا الهجرة لكنت أمر أمن الانصار ان فعله ذلك بأمر من الله عز وجل وتتمة الحديث خبت وخسرت ان لم اعدل وهو بضم التاء فيهما ومعناه ظاهر وبفتحها على الاشهر ومعناه ان جرت لزم ان تجور أنت لأنك مأمور باتباعي فتخيب وتخسر باتباعك الجائر قال القرطبي هذا معنى ما قاله الائمة قال ويظهر لى وجه آخر وهو انه كان قال له لو كنت جائرا لكنت أنت أحق الناس بان يجار عليك ويلحقك بادرة الجور الذى صد عنك فتعاقب عقوبة معجلة في نفسك ومالك يخسر كل ذلك بسبها لكن العدل هو الذى منع من ذلك وتلخيصه لولا امتثال أمر الله تعالى في الرفق لك لادركك الهلاك والخسار قال في الديباج فاقول الذي عندي ان هذه الجملة اعتراضية للدعاء عليه والاخبار عنه بالحيبة والخسران وليس قوله ان لم اعدل معلقا بها بل بالاول وهو قوله ومن يعدل وما بينهما اعتراض انتهي قلت ايضاح هذا انه صلى الله عليه وسلم كأنه قال ومن يعدل ان لم اعدل خيبك الله وزادك خسرانا وما قاله محتمل لكن تأويل غيره أليق بمقام النبوة وانزه عن مكافأة ذى الشر بمثله وأعظم مدحا له صلي الله عليه وسلم بالحلم والصبر واحتمال الأذى ومقابلته بالعطاء (لم يصب الانصار) بالنصب (قليل شيء) بالرفع (وجدوا) بفتح الجيم (وجدا) بفتح الواو وقد مر ان مصدر الوجد الذى هو بمعنى الغضب موجدة بفتح الميم وسكون الواو وكسر الجيم (وسيوفنا تقطر من دمائهم) قال السيوطى وغيره فيه قلب أى ودماؤهم تقطر من سيوفنا أو من بمعنى الباء (اذا كانت شديدة) أي حرب شديدة (وتعطى) بالفوقية مبنى للمفعول (الغنيمة) بالرفع (غيرنا) بالنصب وروي ويعطي بالتحتية مبني للمفعول الغنيمة بالنصب غيرنا بالرفع وبالتحتية مبنى للفاعل الغنيمة غيرنا بنصبهما (فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب (خبر) بالرفع (موجدتهم) أي غضبهم ومرضبطها آنفا (جمعهم) زاد مسلم في رواية فقال أفيكم أحد من غيركم قالوا لا الا ابن اخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أخت القوم منهم قال النووي استدل به من يورث ذوى الارحام وأجاب المانعون بانه ليس في هذا اللفظ ما يقتضي توريثه وانما معناه ان بينه وبينهم ارتباطا وقرابة ولم يتعرض للارث وسياق الحديث يقتضى ان المراد انه كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك (ألم أجدكم ضلالا) بالتشديد جمع ضال (وعالة) بالمهملة وتخفيف اللام أي فقراء (الله ورسوله أمن) بتشديد النون افعل تفضيل من المن (الى رحالكم) بالمهملة أي بيوتكم (لولا الهجرة لكنت أمرا من الانصار) أراد بذلك ان يطيب قلوبهم حيث رضى بان يكون واحدا منهم أي لولا أمر الهجرة التى لا يمكن تبديلها والمعنى

ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادى الانصار وشعبها الانصار شعار والناس دثار انكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض روي جميع ذلك البخاري. وفي رواية فيه انه صلى الله عليه وسلم جمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما حديث بلغنى عنكم فقال فقهاء الانصار اما رؤساؤنا يا رسول فلم يقولوا شيئا واما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم أما ترضون ان يذهب الناس بالاموال وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم الى رحالكم والله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله قد رضينا وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون ان يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيوتكم قالوا بلى وفيها قال هشام لأنس يا أبا حمزة وأنت شاهد ذلك اليوم قال وأين أغيب عنه* وروي خارج الصحيحين ان سعد بن عبادة وحسان بن ثابت لولا ان النسبة التي لا يسعني تركها لانتسبت اليكم وتسميت باسمكم لكن خصوصية الهجرة سبقت فمنعت من ذلك وهي أعلا وأشرف فلا تبدل بغيرها هذا معنى ما ذكره الخطابي (واديا) أي مكانا منخفضا وقيل الوادي مجري الماء المتسع (أو شعبا) بكسر المعجمة وسكون المهملة ثم موحدة وهو الفرجة بين الجبلين قاله الخليل أو الطريق في الجبل قاله ابن السكيت (الانصار شعار) بكسر المعجمة الثوب الذي يلى الجسد استعاره لشدة قربهم منه وانهم بطانته وخاصته وألصق به من غيرهم (والناس دثار) بكسر المهملة ومثلثة الثوب الذي فوق الشعار (ستلقون بعدى أثرة) بضم الهمزة مع سكون المثلثة وبفتحهما وهو الاشهر والافصح وهو الاستئثار بالمشرك يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق وهذا من اعلام النبوة فقد وقع الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم (روى جميع ذلك) أحمد و (البخارى) ومسلم وأصحاب السنن عن أنس وعن عبد الله بن زيد وعن أسيد بن حضير (من أدم) أي جلود (ولم يدع معهم) روى من الدعاء ومن الودع وهو الترك (فاني اعطى رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم) عد منهم المجد في القاموس الاقرع بن حابس وجبير بن مطعم والحارث بن قيس والحارث بن هشام وحكيم بن حزام وحكيم بن طليق وحويطب بن عبد العزي وخالد بن أسيد وخالد بن قيس وزيد الخيل وسعيد بن بربوع وسهيل بن عمرو بن عبد شمس العامرى وسهيل بن عمرو الجمحى وصخر بن أمية وصفوان بن أمية الجمحي والعباس بن مرداس وعبد الرحمن بن يربوع والعلاء بن حارثة وعلقمة بن علاثة وأبو السنابل بن عمرو بن بعكك وعمرو بن مرداس وعمير بن وهب وعيينة بن حصن وقيس بن عدى وقيس بن مخرمة ومالك ابن عوف ومخرمة بن نوفل ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن الحارث والنضر بن الحارث بن علقمة وهشام بن عمرو

انطلقا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه بموجدة الانصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة هل وجدت في نفسك كما وجد قومك فقال والله يا رسول الله ما أنا الا رجل من قومي فأطرق صلى الله عليه وسلم فبينما هو يفكر إذ اندفع حسان يقول هام الشجي فدمع العين ينحدر ... سحا على وجنتيه هاطل درر وجدا بسلمى وقد شط المزار بها ... وغيرتها نوي في صرفها غير غراء واضحة الخدين خرعبة ... ما عابها أود فيها ولا قصر كأن ريقتها من بعد رقدتها ... مسك يداف بخمر حين يعتصر فدع سليمة اذ شط المزار بها ... واصرف مديحك فيمن فيه تفتخر ائت الرسول رسول الله أكرمنا ... ومن بطلعته يستنزل المطر ائت الرسول وقل ياخير منتخب ... وزين من يرتجي جودا وينتظر علام تعطي قريشا وهى نازحة ... انفال قوم هم أو واوهم نصروا سماهم الله أنصارا لنصرهم ... دين الهدى وعوان الحرب تستعر هم بايعوك وأهل الارض كلهم ... في حالة الشرك لا سمع ولا بصر * شعر حسان (هام) أي ذهب لوجهه (الشجي) بالمعجمة والجيم بوزن القوي وهو الذي يعرض له الشجا في حلقه فيغص (ينحدر) يسيل من أعلا الى أسفل (سحا) منصوب على المصدر أو على الحال والسح في الاصل المطر العزير (على وجنتيه) وهما جانبا الجبهة وفي هاء وجنتيه تزحيف (هاطل) سائل وزنا ومعنى (درر) بفتح المهملة وكسر الراء كثير (بسلمى) بفتح السين (شط المزار) أي بعد (وغيرتها نوي) أى بعد (في صرفها) بفتح المهملة وسكون الراء أى الحادث فيها من الكروب (غير) بكسر المعجمة وفتح التحتية قال الشمني اسم من قولك غيرت الشيء فتغير (غراء) بالمد والغرة البياض في وجه الفرس واستعير هنا (واضحة الخدين) أي ظاهرتهما (خرعبة) بضم المعجمة والمهملة وسكون الراء بينهما وبالموحدة وهى البيضاء الناعمة ويقال لها الرعبوبة أيضا (أود) أي انحناء يصفها بانتصاب القامة (من بعد رقدتها) خص ذلك الوقت لأن الريق حينئذ يجف وينتن فاذا كان وصف ريقها بعد الرقدة ما ذكر فكيف اذا كانت لم ترقد والريقة أخص من الريق لانها القليل منه (يداف) يخلط به ويذاف بالمعجمة والمهملة (فدع) اترك (سليمة) بالتصغير (ائت الرسول) أمر من الاتيان (نازحة) بعيدة في الموالاة وان قويت في النسب (لنصرهم) بضم الهاء والميم وكسرهما وكسر الهاء وضم الميم وفي الميم تزحيف وفي بعض النسخ لنصرتهم (وعوان الحرب) أي الحرب العوان بفتح المهملة أي العظيمة (تستعر) تشتعل وزنا ومعنى (وأهل الارض كلهم) فيه ما في لنصرتهم (لا سمع ولا بصر)

نحن الحماة لدين الله ننصره ... بالمشرفية والاكباد تنفطر نجالد الناس لا نخشى غوائلهم ... ولا نهاب العدى يوما وان كثروا وقد رأيت ببدر والسيوف لها ... وقع تطير له من حره الشرر ونحن جندك يوم الشعب من أحد ... بالمشرفية ما في عودنا خور والناس الب علينا فيك ليس لنا ... الا السيوف وأطراف القناوزر لا ننثنى عن لقا الاعداء كلهم ... وليس يزجرنا عن حربهم زجر ويوم سلع وقد خانت وقد نكلت ... من خوف أسيافنا لما أتت مضر وكم مقام لنا في الحرب تعلمه ... قمنا وأوجهنا في ذاك تزدهر ما ان ضجرنا ولا رابت كتائبنا ... عن العداة وأهل الشرك قد ضجروا صخر وعمرو وصفوان وعكرمة ... وآخرون وقوم ما لهم خطر فكيف قدمتهم يا خير مؤتمن ... وقد تبين منا فيهم الأثر الا العطاء الذي قدمته لهم ... ولم يكن لك في سادتنا نظر معنويان (بالمشرفية) جمع مشرفي بفتح الميم والراء وسكون المعجمة بينهما ثم فاء ثم تحتية مشددة منسوب الى مشارف الشام وهى قري من أرض العرب تدنو من الريف قاله في القاموس (والاكباد) بالموحدة (تنفطر) بالفاء تنشق (نجالد الناس) بالجيم أى نصابرهم في الحرب من الجلد وهو الصبر والقوة (غوائلهم) جمع غائلة بالمعجمة والتحتية وهى كل امر يفضي الى الفساد والشر (ولا نهاب) لا نحاف وزنا ومعنى (العدا) بكسر المهملة الأعداء (وقد رايت) بياء المتكلم يريد نفسه أو بياء الخطاب يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما في عودنا) بضم المهملة أي فينا (خور) بفتح المعجمة والواو أي ضعف (والناس إلب علينا) بكسر الهمزة وسكون اللام أي متألبون مجتمعون (فيك) أي بسببك (الا السيوف) بالرفع (واطراف القنا) يعني الرماح (وزر) بضم الواو والزاى جمع وزير أي معين (لا ننثنى) أى لا نرجع (يزجرنا) ينهانا (زجر) بفتح الزاى والجيم أي زاجر كحاكم (ويوم سلع) يريد يوم الخندق (وقد نكلت) بالنون وفتح الكاف أي امتنعت من الحرب (وكم) خبرية (مقام) مجرور بها (تعلمه) بالفوقية (ما) نافية (ان) زائدة (ضجرنا) بكسر الجيم مللنا وزنا ومعنا (ولا رابت) أي خافت (كتائبنا) جمع كتيبة وهي الخيل المجتمعة (صخر) يعني أبا سفيان بن حرب (وعمرو) يعني بن مرداس أو ابن بعكك أبا السنابل فكلاهما كان ممن أعطاه يومئذ كما مر (وصفوان) بالصرف لضرورة الشعر يعنى ابن أمية (وعكرمة) بالصرف كذلك أيضا يعني ابن أبي جهل (ما لهم خطر) بالمعجمة فالمهملة أي قدر يقال فلان عظيم الخطر أي القدر ويحتمل

الكلام على وفد هوازن واستعطافهم النبي صلى الله عليه وسلم في سباياهم

هذا ما ذكره محمد بن الحسن الكلاعى في سيرته وحذفت بعض القصيدة اختصارا وقد ذكر ابن اسحق شيأ من ذلك وتشاركا في بعض الألفاظ وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك بكي وأمر سعدا ان يجمع قومه فجمعهم ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فكلمهم بما قدمناه والله أعلم. [الكلام على وفد هوازن واستعطافهم النبي صلى الله عليه وسلم في سباياهم] ثم ان وفد هوازن جاؤوا مسلمين ومناشدين للنبي صلى الله عليه وسلم برضاعه فيهم فقال له قائلهم يا رسول الله لو أنا ملحنا للحارث بن أبى شمر الغساني أو النعمان بن المنذر ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين وأنشده أحد سراتهم وهو زهير بن صرد الجشمى السعدي أمنن علينا رسول الله في كرم ... فانك المرء نرجوه وننتظر أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مشتت شملها في دهرها غير يا خير طفل ومولود ومنتجب ... في العالمين اذا ما حصل البشر ان لم تداركهم نعم تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأه من محضها درر انه أراد الخطر الذي بمعنى الخوف أي قوم لا يخاطرون معك ولم يلقوا الشدائد دونك (الكلاعي) بفتح الكاف وتخفيف اللام منسوب الى كلاع موضع بالاندلس* خبر مجىء وفد هوازن (ملحنا) بتخفيف اللام ثم مهملة أي أرضعنا (ابن أبي شمر) بكسر المعجمة وسكون الميم (الغسانى) بفتح المعجمة وتشديد المهملة نسبة الى غسان القبيلة المشهورة وأصله ماء نزل عليه الأزد فنسبوا اليه (أو النعمان) بضم النون (وأنشده أحد سراتهم) بفتح المهملة وتخفيف الراء وبالفوقية أى ساداتهم (زهير بن صرد) بضم الصاد المهملة وفتح الراء على لفظ الصرد الطائر المعروف وهو صحابى كما ذكره ابن عبد البر وغيره ويكنى أبا جرول وروي ابياته هذه الطبرانى في الصغير كما سيأتي (امنن) بضم الهمزة والنون أي انعم وقيل أنعم نعمة عظيمة (رسول الله) منادى حذفت أداته (فانك المرء) بفتح الميم وسكون الراء ثم همزة أي الرجل الذي (نرجوه) باشباع ضمة الهاء (على بيضة) بفتح الموحدة وسكون التحتية ثم معجمة أي جماعة (قد عاقها) بالمهملة والقاف أى شغلها عن الايمان بك قبل ان ينزل بها (قدر) قدره الله علها (مشتت) مفرق (شملها) هو ما يجتمع من الشخص ويتفرق (غير) بالمعجمة والتحتية ومضى ذكره أيضا في كلام حسان (ومنتجب) بالجيم (حصل) بالبناء للمفعول أى جمع (البشر) لمعرفة خبرها (ان لم تداركهم) بفتح الفوقية وحذف تاء الاستقبال أى تتداركهم وميمه مشبع الضمة (نعم) بالرفع فاعله (على نسوة) أراد حليمة ومن يقرب منها من النساء اللاتي ينسب اليهن صلى الله عليه وسلم نسب الرضاع أو أراد مرضعة أخرى من بني سعد لم تسم فجمع لوقوع الجمع على اثنين (ترضعها) بفتح الضاد في المستقبل وكسرها في الماضى على الافصح (اذفوك) بضم الفاء اى فمك (من محضها) باهمال الحاء واعجام الضاد أي لبنها الخالص (درر) بكسر الدال وفتح

لا تجعلنها كمن شالت بعامته ... واستبق منا فانا معشر زهر اذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... واذ يزينك ما تأتى وما تذر انا لنشكر للنعمى اذا كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك ان العفو مشتهر يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج اذا ما استوقد الشرر انا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هادي البريئة اذ تعفو وتنتصر فاغفر عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة اذ يهدي لك الظفر فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وقالت قريش ما كان لنا فهو لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وروينا ذلك من عوالى شيخنا الامام الحافظ تقى الدين الراء جمع در بكسر الدال وهي كثرة اللبن (كمن شالت) باعجام الشين أي تفرقت (نعامته) بفتح النون وتخفيف المهملة يقال شالت نعامة القوم اذا رحلوا وتفرقوا أي لا تجعلنا كمن ارتحل عنك وتفرق ويكني به أيضا عن الموت وذلك لارتفاع القدم بالموت والنعامة باطن القدم قاله أبو البقاء وقال الشاعر فليتما أمنا شالت نعامتها ... اما الى جنة اما الى نار والمعنى على هذا لا تجعلنا كمن مات فلا ينتفع به في الحرب وغيرها والنعامة أيضا الظلم فيجوز أن يكون قوله شالت نعامتهم منه كما يقال زال سواده ومحي ظله اذا مات قاله السهيلى (واستبق) بكسر القاف (معشر) جماعة (زهر) بضم الزاى والهاء (واذ يزينك) بفتح أوله وكسر ثانيه من زان بمعنى زين (وما تذر) تترك (من امهاتك) اراد ما ذكرته على قوله على نسوة (من مرحت) بالمهملة وفتح الراء أي مشت مختالة (كمت) بضم الكاف وسكون الميم جمع كميت وهو من الخيل الشديد الحمرة قال في كفاية التحفظ ولا يقال كميت حتى يكون عرفه وذنبه أسودين فان كانا أحمرين فهو أشقر والورد ما بين الكميت والاشقر (الجياد) جمع جواد وهو الفرس الكريم السريع ويقال له اليعبوب أيضا (عند الهياج) جمع هيجاء بالمد والقصر وهي الحرب (استوقد الشرر) أى أوقدت نار الاشتعال للحرب (تلبسه) بضم أوله من ألبس (البريئة) بالنصب وهو بالهمز من قولهم برأ الله الخلق وبتركه في الاستعمال مع التشديد (راهبه) خائفه (يهدى) مبني للمفعول (الظفر) الفلاح (ما كان لى ولبني عبد المطلب فهو لكم الى آخره) فيه ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأسى به وايثار ما يهواه صلى الله عليه وسلم وفيه صلة من هو منه بسبيل صلى الله عليه وسلم (من عوالى شيخنا) أي أسانيده العالية (تقى الدين) بالفوقية كما

محمد بن فهر القرشى الهاشمى العلوي كان الله له قراءة مني عليه لجميعها بالمسجد الحرام سنة خمس وثلاثين وثمانمائة يروي ذلك بسنده الى الحافظ أبى القاسم الطبرانى قال حدثنا عبد الله بن رماجس القيسى من زمكة بزيادة رملة سنة أربع وسبعين ومائتين قال حدثنا أبو عمرو زياد بن طارق وكان قد أتت عليه عشرون ومائة سنة قال سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمى فذكر الشعر وما بعده وذكر ما قبله ابن اسحق ولم يذكر الشعر في رواية ابن هشام عنه وذكره في رواية ابراهيم بن سعد عنه وفيه زيادة ونقص وقد اخترنا من ذلك البيت الثالث بدلا عن بيت أخرجناه من رواية شيخنا* وروينا في الصحيحين عن المسور بن مخرمة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين يسئلونه أن يرد اليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم ان معي من ترون وأحب الحديث الى أصدقه فاختاروا احدى الطائفتين اما المال واما السبي وفد كنت استأنبت لكم وفي رواية وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين أقبل من الطائف فلما تبين لهم أن النبى مر (ابن فهر) بفتح الفاء وسكون الهاء كما مر (الطبراني) هو الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد منسوب الي طبرية بفتح المهملة والموحدة وهي قصبة الاردن قاله في القاموس (رماجس) بفتح الراء وتخفيف الميم وكسر الجيم ثم سين مهملة غير مصروف وهو في الاصل الشجاع الجريء (القيسي) بفتح القاف وسكون التحتية نسبة الى قيس القبيلة المشهورة (من زمكة) بفتح الزاى بلد معروفة قريبة من مصر (بزيادة) بكسر الزاي وتخفيف التحتية (طارق) بالطاء المهملة وكسر الراء والقاف وهو ابن زهير بن صرد (أبا جرول) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الواو مصروف قال العلماء وهذا من ثلاثيات الطبرانى وفيه لطيفة وهي ان عبيد الله بن رماجس عاش بعد الامام الشافعي رحمه الله سبعين سنة وأكثر وأدرك بعض التابعين وهو زياد ابن طارق لانه تابعى رأي زهير بن صرد وهو صحابي كما مر (ما قبله ابن اسحق) عن محمد بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (وقد أخترنا من ذلك البيت الثالث) وهو يا خير طفل ومولود ومنتجب ... فى العالمين اذا ما حصل البشر (عن بيت أخرجناه من رواية شيخنا) وهو أبنت لنا الدهر هنانا على حزن ... على قلوبهم العمى والغمر «1» (وروينا في) مسند أحمد و (الصحيحين عن المسور بن محرمة) ومروان (وأحب الحديث) بالرفع ويجوز النصب بان المقدرة (الى) بتشديد التحتية (أصدقه) فيه فضيلة الصدق وكونه من شيم الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم (اما المال واما السبي) بكسر همزة اما ونصب المال والسبي (استأنيت) من الاناة أي انتظرت مجيئكم وأخرت قسمة السبي لتحضروا فابطأتم على وكان صلى الله عليه وسلم ترك

_ (1) كذا بالاصل والبيت فاسد كما لا يخفى ولم تقف على اصابه بعد البحث الشديد فليحرر

صلى الله عليه وسلم غير راد اليهم الا احدى الطائفتين قالوا فانا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فان اخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين واني قد رأيت ان أرد اليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أوّل ما يفىء الله علينا فليفعل فقال الناس طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم في ذلك انا لا ندري من أذن ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع الينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا من شأن بني هوازن وروي أنه كان في السبى الشيماء بنت الحرث وهي بنت حليمة فجاءت النبى صلى الله عليه وسلم فتعرفت له بالاخوة. فلما عرفها بسط لها رداءه ووهبها عبدا وجارية فزوجت العبد الجارية فلم يزل فيهم من نسلها بقية وقال أبو الطفيل وهو آخر الصحابة موتا رأيت النبى صلى الله قسمة السبي حتى توجه الى الطائف فحاصرها ثم رجع فقسمها (بكم) للكشميهنى في صحيح البخارى لكم (غير راد) بالرفع خبران (يطيب) بضم أوله وفتح المهملة وكسر التحتية المشددة أي يعطى عن طيب نفس بلا عوض (على حظه) أي نصيبه (يفىء) بضم أوله رباعي من أفاء (انا لا ندري من أذن ممن لم يأذن) فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شدة الورع حيث لم يقنع بظاهر الحال حتى يتحقق رضي جميعهم (عرفاؤكم) جمع عريف وهو الرئيس الذي يدور عليه أمر الرعية ويتعرف أحوالهم وفي ذلك ثبوت العرافة وانها لا باس بها وجاء في الحديث التحذير منها نحو لا بد من العريف والعريف في النار أخرجه أبو نعيم في المعرفة عن معاوية بن زياد وأخرج الطيالسي عن أبي هريرة العرافة أولها ملامة وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة وهو محمول على من لم يقم بحق الرعية في النظر لمصالحهم ودرء مفاسدهم كالامارة (فهذا الذى بلغنا) هو من كلام الزهرى (وروى انه كان في السبي) ذكره عياض في الشفاء بصيغة جزم فقال ولما جيء باخته الشما الى آخره (الشيماء) بفتح المعجمة وسكون التحتية والمد قال المحب الطبرى ويقال لها الشماء بغير ياء قال وكانت تربى النبي صلى الله عليه وسلم مع امها حليمة وقد عدها ابن الاثير في الصحابة (بنت الحارث) أبي النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة قال المحب الطبرى أدرك الاسلام وأسلم بمكة (بالاخوة) بضم الهمزة والمعجمة وتشديد الواو (وقال أبو الطفيل الى آخره) واسم أبي الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمير بن جابر بن خمس بن سعد بن ليث بن بكر بن مناة بن كنانة بن خزيمة (وهو) على الاطلاق (آخر الصحابة) رضى الله عنهم (موتا) وكانت وفاته عام مائة من الهجرة على الصحيح قال الحافظ عبد الرحيم العراقى في ألفيته ومات آخرا بغير مرية ... أبو الطفيل مات عام مائة

عليه وسلم وأنا غلام اذ أقبلت امرأة حتى دنت منه فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت من هذه قالوا أمه التي أرضعته فلما انصرف وفد هوازن قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخبروا مالك بن عوف انه ان أتاني مسلما رددت اليه أهله وماله وأعطيته مائة من الابل فلما أخبروه خرج من الطائف ولحق بالنبى صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة فأعطاه ما كان وعده به وأسلم وحسن اسلامه وقال حين أسلم ما ان رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم كمثل محمد أو في وأعطى للجزيل اذا اجتدى ... ومتى تشأ يخبرك عما في غد واذا الكتيبة عردت أنيابها ... بالسمهري وضرب كل مهند ومن شعره رضى الله عنه وبقيت سهما في الكنانة مفردا ... سيرمي به أو يكسر السهم كاسر لكن أورد على ذلك عكراش بن ذؤيب فانه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وشهد الجمل مع عائشة وقال الاحنف كأنكم به قد أتي به قتيلا أو به جراحة لاتفارقه حتى يموت فضرب يومئذ ضربة على أنفه فعاش بعدها مائة سنة وأثر الضربة به وذكر ذلك ابن دريد فعلى هذا تكون وفاته سنة خمس وثلاثين ومائة وعكراش لا خلاف في صحبته وأجيب بان هذه الحكاية لم يطلع لها على اسناد يثبت بمثله ذلك وأما آخر من مات بالمدينة فجابر بن عبد الله كما روي عن قتادة وقيل سهل بن سعد وقيل السائب بن يزيد وبمكة عبد الله بن عمر وقيل جابر وذكر ابن المدينى ان أبا الطفيل مات بمكة فيكون الآخر بها موتا وبالبصرة أنس وبالكوفة عبد الله بن أبي أو في وبالشام عبد الله بن بسر وقيل أبو امامة وبمصر عبد الله بن الحرث بن حزن وبفلسطين أبو أبي ابن أم حرام وبدمشق واثلة بن الاسقع وبحمص عبد الله بن بشر وباليمامة الهرماس بن زياد وبالجزيرة العرس بن عميرة وبافريقية رويقع بن ثابت وبالبادية سلمة بن الاكوع قال ابن عبد البر وقال غيره مات رويقع بحاضرة برقة وسلمة بالمدينة بعد نزوله من البادية بليال (اذا قبلت امرأة الى آخره) أخرج أبو داود من حديث عمرو ابن السائب انه بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت امه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه قال المحب الطبري وهذا الحديث معضل لان عمرو بن السائب يروي عن التابعين (فبسط لها رداء الى آخره) في ذلك وفيما سيأتي عقبه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم قاله عياض (ما) نافية (ان) زائدة (كلهم) فيه ما مر في قصيدة حسان (اذا اجتدي) بالجيم والمهملة أي طلب جداوة أى عطية وباهمال الحاء واعجام الذال أي سئل منه أن يحذي أى يعطى (عردت أنيابها) بالعين المهملة أي قدت وقطعت (بالسمهري) بفتح المهملة وسكون الميم وفتح الهاء أي الريح الشديد الصلب أو منسوب الى سمهر زوج ردينة كان يثقف الرماح أو الى قرية بالحبشة أقوال (كل مهند) بضم الميم وفتح الهاء وتشديد النون أى سيف منسوب الى الهند

مطلب ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام

فكأنه ليث على أشباله ... وسط الهباء خادر في مرصد فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فحارب بهم ثقيفا حتى ضيق عليهم ففي ذلك يقول أبو محجن الثقفي هابت الأعداء جانبنا ثم يغزونا بنو اسلمه ثم خرج النبى صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الى المدينة وانقطعت الهجرة واستعمل على أهل مكة عتاب بن أسيد وخلف مع معاذ ابن جبل يفقه الناس ويعلمهم أمر دينهم فحج عتاب ذلك العام بالناس وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في آخر ذي القعدة أو في أوّل ذي الحجة وبقى أهل الطائف على شركهم الى رمضان من سنة تسع وأوفدوا قوما منهم باسلامهم على ما سيأتي في تواريخ السنة التاسعة ان شاء الله تعالى [مطلب ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام] * ومما اتصل بالفتح بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة من كنانة وذلك ما رويناه في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى بني جذيمة فدعاهم الى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل لان السيوف كانت تعمل بها (فكأنه ليث) أى أسد (اشباله) بالمعجمة والموحدة أولاده وزنا ومعنى (وسط) بسكون السين (الهباء) بفتح الهاء والموحدة والمد وهى الاجمة وهي الشجر الملتف (خادر) بالمعجمة أى متخذ الهباء خدرا (أبو محجن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم قال ابن عبد البر اسمه مالك بن حنيف على الصحيح (هابت) بالموحدة من الهيبة (بنو سلمة) بكسر اللام (من الجعرانة معتمرا) وبه استشهد أصحابنا على تفضيل الاحرام بالعمرة منها على التنعيم قال الواقدي لمجاهد وكان احرامه صلى الله عليه وسلم بها من المسجد الاقصى الذي تحت الوادى بالعدوة القصوي قال وكان ليلة الاربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذى القعدة قال شيخنا الشهاب ابن حجر في حاشية الايضاح ولا يقال انما اعتمر بها مجتازا في رجوعه من الطائف أى فلا يستدل بذلك لتقديمها على التنعيم لما صح انه صلى الله عليه وسلم خرج من مكة ليلا معتمرا ثم عاد وأصبح كبائت (عتاب بن أسيد) تقدم في غزوة حنين ذكره (في آخر ذي القعدة) بفتح القاف أشهر من كسرها (ذى الحجة) بكسر الحاء أشهر من فتحها يوم الاثنين اليوم الخامس منه وهذا هو الصحيح بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة (ومما اتصل بالفتح من البعوث بعث خالد بن الوليد) وكان في شهر شوال عقب الفتح (بنى جذيمة) بجيم ومعجمة بوزن عظيمة قبيلة من عبد القيس والنسبة اليها جذمي بفتح المعجمة مع فتح الجيم وضمها قال السهيلى وتعرف تلك الغزوة بالغميصاء اسم ماء لبنى جذيمة (ما رويناه في صحيح البخارى) وسنن النسائي (بن عمر) بن الخطاب (صبأنا صبأنا) بالهمز وتركه والصابئ الخارج

مطلب ومما اتصل بالفتح إرسال البعوث إلى هدم أصنام العرب

خالد يقتل ويأسر ودفع الى كل رجل منا أسيره حتى اذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيرى ولا يقتل أحد من أصحابى أسيره حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه فرفع يديه فقال اللهم انى أبرأ اليك مما صنع خالد مرتين قال أهل السير ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن ابى طالب كرم الله وجهه في الجنة ليتلافي خطأ خالد وبعث معه بمال فودى لهم الدماء والاموال حتى ميلغة الكلب ثم بقي من المال بقية فقال أعطيكم هذا احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يعلم ولا تعلمون فلما رجع علي الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر قال أصبت وأحسنت وانما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم ثم عذره في اسقاط القصاص لأن هذا ليس تصريحا في قبولهم الدين وقد سأل عمر أبا بكر في خلافته قتل خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويرة فقال لا أفعل لأنه متاول ثم سأله عزله فقال لا أغمد سيفا سله الله على المشركين ولا أعزل واليا ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم* [مطلب ومما اتصل بالفتح إرسال البعوث الى هدم أصنام العرب] ومما ذكر هنا أيضا بعث خالد بن الوليد لهدم العزى وكانت بنخلة وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من بنى سليم فهدمها خالد من دين الى دين (وياسر) بكسر السين (اذا كان يوم) بالتنوين وكان تامة (لتلافى خطأ خالد) أى تداركه وهو بالفوقية والفاء (فودى لهم) أى أدي الدية (حتى ميلغة الكلب) بكسر الميم وفتح اللام الاناء الذى يلغ فيه وهذا وصف مبالغة في انه ضمن لهم كل فائت لهم (قال) له (اصبت وأحسنت) فيه منقبة لعلى كرم الله وجهه ورضي عنه حيث استحسن صلى الله عليه وسلم ما فعله من الاحتياط (قتل مالك بن نويرة) بالنون والتصغير هو اليربوعي وله أخ اسمه متمم بن نويرة ورثاه يومئذ فقال وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسري وتبعا فلما تفرقنا كانى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا (لانه متأول) وكان تأوله انه كان يقول له قال صاحبكم كذا وكذا يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأول خالد انه غير مصدق بنبوته صلى الله عليه وسلم ولا تغتر بما ذكره ابن عبد السلام في قواعده انه انما قتله ليتزوج امرأته ثم تزوجها بعد ذلك فليس هذه طريق تحسين الظن باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم* بعث خالد لهدم العزي (وكانت بنخلة) لا ينصرف قال البغوي وكانت لسليم وغطفان وجشم وضعها لهم على ما قاله الضحاك سعد بن ظالم العطفاني وكانت شجرة قاله مجاهد أو حجرا من الصفا أو حجرا من المروءة وثلاثة أحجار جعل التي من الصفا الصفا والتى من المروة المروة وثلاثة أحجار أسندها الى شجرة وقال هذه ربكم قاله الضحاك وقال ابن دريد كانت بيتا بالطائف (سدنتها) جمع سادن بالمهملتين والنون وهو متولي خدمتها (بنو شيبان) بفتح المعجمة وسكون التحتية فالموحدة (فهدمها خالد) قال البغوي

ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى سواع صنم هذيل فهدمه* وروينا في صحيح البخاري عن ابن عباس قال صارت الأوثان التى كانت تعبد في قوم نوح عليه السلام في العرب بعد. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبنى غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان. وأما نسر فكانت لحمير لآل ذى الكلاع وكانت للعرب أصنام أخر فاللات لثقيف ومناة لقديد جعل يضربها بالفاس ويقول يا عزى كفرانك لا سبحانك اني رأيت الله قد أهانك فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها (ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البغوي وأخبره بذلك فقال تلك العزي ولن تعبد أبدا (الى سواع) مصروف (صنم هذيل) بدل من سواع (بعد) مبني على الضم (اماود) بفتح الواو وضمها (فكانت لكلب) بالصرف (بدومة الجندل) بضم الدال وفتحها وفتح الجيم وسكون النون فمهملة فلام قال في التوشيح مدينة بالشام مما يلى العراق (يغوث) لا ينصرف (فائدة) ذكر ابن الاثير ان سادن يغوث اسمه العوام بن جهبذ سمع هاتفا يقول ادخل على اسم الله والتوفيق رحلة لاوان ولا مسبوق الى فريق خير ما فريق الى النبي الصادق المصدوق فرمى الصنم وأسلم (فكانت لمراد) بالصرف وهو أبو قبيلة سمى به لانه تمرد قاله في القاموس (لبني غطيف) باعجام الغين واهمال الطاء والتصغير (بالجوف) بفتح الجيم وسكون الواو وللكشميهني بالجرف بضم الجيم والراء وللنسفى بالجون بالجيم وواو ونون (يعوق) لا ينصرف (لهمدان) بسكون الميم واهمال الدال القبيلة المعروفة (نسر) بالصرف (لحمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتية قبيلة من اليمن (لآل ذي الكلاع) بفتح الكاف وتخفيف اللام ومهملة اسمه أنفع بن باكورا ويقال اسميفع بفتح الهمزة والميم والفاء وسكون المهملة والتحتية وتتمة الحديث وكلها أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم التى كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها باسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتي اذا هلك أولئك ونسخ العلم وللكشميهنى ونسخ عبدت انتهى الحديث وروي عن ابن عباس انها دفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل كذلك حتى أخرجها اللعين لمشركى العرب (فاللات) كانت بالطائف قاله قتادة أو بنخلة قاله زيد ابن أسلم وفي صحيح البخارى كان اللات رجلا يلت سويق الحاج قال الاسماعيلى وهذا على قراءة اللات بتشديد التاء وهى قراءة ابن عباس في مجاهد وأبي صالح (لثقيف) يعبدها وعبدتها قريش معهم أيضا (ومناة) بالقصر غير مهموز وقرأ ابن كثير بالمد والهمز وكانت بالمشلل بفتح المعجمة واللام المشددة وهو جبل (لقديد) بقاف ومهملة مصغر مكان بين مكة والمدينة بقرب خليص وكانت مناة يعبدها خزاعة قاله قتادة أوهم وهذيل قاله الضحاك أو كانت تعبده بنو كعب قاله ابن زيد وجاء في الحديث قالت عائشة رضي الله عنها في الانصار كانوا يصلون لمناة وكانت حذو قديد (فائدة) قال البغوي اختلف القراء في الوقف على اللات ومناة فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء وقال بعضهم ما كتب في المصحف بالتاء وقف عليه بالتاء وما

مطلب في مقدم كعب بن زهير مسلما وانشاده قصيدته المشهورة

واساف ونائلة وهبل لاهل مكة وذو الخلصة لخثعم ودوس فهدمها صلى الله عليه وسلم جميعا ومما ذكر أيضا اسلام عباس بن مرداس ذكره ابن هشام عقيب فراغه من قصة الفتح وكان من خبره انه كان لأبيه مرداس صنم يعبده يقال له ضمار فأوصاه به عند موته وقال له اعبد ضمارا فانه ينفعك ويضرك فبينما عباس يوما عنده اذ سمع مناديا من جوفه يقول قل للقبائل من سليم كلها ... أودى ضمار وعاش أهل المسجد ان الذى ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى أودى ضمار وكان يعبد مرة ... قبل الكتاب الى النبى محمد فحرقه عباس ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم [مطلب في مقدم كعب بن زهير مسلما وانشاده قصيدته المشهورة] ومما ذكر هنا أيضا قصة كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى وكان ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤذيه وكان كتب بالهاء وقف عليه بالهاء (اساف) بكسر الهمزة وتخفيف المهملة وبالفاء مصروف (ونائلة) بالنون وكسر الهمزة والمد غير مصروف (و) كذا (هبل) بالموحدة بوزن عمر (وذوا الخلصة) بفتح المعجمة واللام على المشهور وحكى عياض ضم المعجمة مع فتح اللام وحكى أيضا فتح المعجمة وسكون اللام (الخثعم) بفتح المعجمة والمهملة بينهما مثلثة ساكنة بوزن جعفر أبو قبيلة من معد* ذكر اسلام عباس بن مرداس (وكان من خبره انه كان لابيه مرداس صنم يعبده الى آخره) ظاهر كلام المصنف ان تكلم ضمار كان هو السبب في اسلام عباس بن مرداس وأخرج بن أبى الدنيا في سبب اسلامه من حديثه انه كان في لقاح له نصف النهار فطلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بيض فقال لى يا عباس بن مرداس ألم تر ان السماء كفت احراسها وان الحرب جوعت أنفاسها وان الجعال وضعت أحلاسها وان الذى نزل عليه البر والتقى يوم الاثنين ليلة الثلثاء صاحب الناقة القصوى قال فخرجت مرعوبا قد راعني ما رأيت وسمعت حتي جئت وثنا لنا يقال له ضمار وذكر القصة (ضمار) بكسر المعجمة مصروف وقيل بفتح المعجمة وبنائه على الكسر كحذام وقطام (أودي) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح المهملة أى سري الداء في كله (ضمار) بلا صرف لضرورة الشعر (قبل الكتاب) أى قبل نزوله (فحرقه عباس) بالنار (ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم) زاد ابن أبي الدنيا في ثلثمائة من قومه وفيه انهم لما قدموا المدينة دخلوا المسجد فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم تبسم وقال يا عباس كيف اسلامك فقص عليه القصة فقال صدقت وأسلم هو وقومه قال عياض في الشفاء لما تعجب من كلام ضمار صنمه وانشاده الشعر الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم اذا طائر سقط فقال يا عباس أتعجب من كلام ضمار ولا تعجب من نفسك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الى الاسلام وأنت جالس فكان ذلك سبب اسلامه* ذكر قصة كعب بن زهير (بن أبي سلمى) بضم السين واسم أبى سلمى

أخوه بجير قد أسلم ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير الى كعب يخبره ان النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه فان كان لك في نفسك حاجة فطر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لا يقتل أحدا جاءه تائبا وكان كعب قد كتب الى بجير أبياته التي يقول فيها الا أبلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويلك هل لكا سقاك بها المأمون كأسا روية ... فانهلك المأمون منها وعلكا وخالفت أسباب الهدى وتبعته ... على أي شيء ويب غيرك دلكا على مذهب لم تلف أما ولا أبا ... عليه ولم تدرك عليه أخا لكا فلما جاءت بجيرا أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع قوله المأمون قال صدق وانه لكذوب انا المأمون وكانت قريش تسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الامين والمأمون وصدقه أيضا في البيت الآخر فقال أجل لم تلف عليه أباه ولا أمه ثم ان بجيرا كتب الى كعب أبياتا يخوفه فيها فلما بلغته ضاقت به الارض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره فسار حتى قدم المدينة فنزل على صديق له من جهينه فذهب به الى النبى صلى الله عليه وسلم فوافقوه في صلاة الصبح فلما انقضت الصلاة قال له الجهني هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام كعب فجلس بين يديه ووضع يده في يده وقال يا رسول الله ان كعب بن زهير قد جاء مسلما تائبا فهل أنت قابل منه ان جئتك به فقال رسول الله صلى ربيعة بن رباح أحد بنى مزينة قاله السهيلى (أخوه بجير) بضم الموحدة وفتح الجيم (فطر) أمر من الطيران أى سر سيرا سريعا (بها المأمون) الذى لابن اسحاق ولغيره المحمود (كأسا) هى من أسماء الخمر وهي هنا استعارة (روية) بفتح الراء وكسر الواو وتشديد التحتية أي شديدة الارواء (فأنهلك) سقاك نهلا وهو الشرب الاول (وعلكا) بالف الاطلاق وكذا ما بعده أي سقاك عللا وهو الشرب الثانى (ويب) بفتح الواو وسكون التحتية ثم موحدة بمعنى ويل قال في القاموس يقال ويبك وويب بك وويب لزيد وويبا له وويب له وويبه وويب غيره وويب زيد وويب فلان بكسر الباء ورفع فلان عن ابن الاعرابي ومعنى الكل ألزمه الله ويلا (لم تلف) بالضم من الفى أى وجد (اما ولا أبا) قال ذلك لان أمهما واحدة واسمها كبشة بنت أبى عمار السجمية نقله ابن الاعرابي عن ابن الكلبي (فلما جاءت) الابيات (بحيرا) مفعول (وأشفق) أى خاف (وارجف) بالجيم والفاء أي أكثروا الكلام عليه يخيفونه بذلك (فوافوه) أي وافقوه* شرح

الله عليه وسلم نعم قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير فقال رجل من الانصار يا رسول الله دعني أضرب عنقه فقال دعه فانه قد جاء تائبا ثم أنشد القصيدة في المسجد بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم اثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين اذ برزت ... الا أغن غضيض الطرف مكحول هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... لا يشتكي قصر فيها ولا طول تجلو عوارض ذي ظلم اذا ابتسمت ... كانه منهل بالراح معلول شجت بدي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول تنفى الرياح القذا عنه وأفرطه ... من صوب عادية بيض يعاليل قصيدته المشهورة (بانت) أي فارقت والبين الفراق (سعاد) غير مصروف (متبول) بتقديم الفوقية على الموحدة أي سقيم من بتله الحب أى أسقمه (متيم) مستعبد للحب (مكبول) بالموحدة مقيد والكبل بفتح الكاف وسكون الموحدة القيد الضخم (البين) الفراق كما مر (اذ برزت) للرحيل وفي بعض النسخ اذ رحلوا وعليها التخميس (الا أغن) أى مثل أغن حذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه والاغن بالمعجمة وتشديد النون ولد البقرة الوحشية (غضيض) بالاعجام أى فاتر (الطرف) أي النظر (مكحول) هو الذي غشى عينيه سواد مثل الكحل من غير اكتحال (هيفاء) بفتح الهاء وسكون التحتية وبالفاء والمد وهي مهضومة البطن والخاصرة (عجزاء) بالمد عظيمة العجز (تجلو) تكشف (عوارض) ثعر (ذي ظلم) والعوارض الانياب والضواحك التي تلى الانياب بينها وبين الاضراس والظلم بفتح المعجمة وسكون اللام ماء الاسنان (كانه) أي الثغر الموصوف (منهل) بضم الميم وفتح الهاء أى مسقى (بالراح) أي الخمر أوّل مرة (معلول) بالمهملة مسقى بها مرة أخرى (شجت) بالمعجمة والجيم مبني للمفعول أى مزجت (بذي) أى بماء ذي (شبم) بفتح المعجمة والموحدة أي برد والشبم بالكسر الماء البارد ولا يجوز الكسر هنا لان ذا لذى بمعنى صاحب لا يضاف الا الى أسماء الاجناس وهو بالفتح جنس وبالكسر صفة (من ماء محنية) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون وهو منعطف الوادى (بابطح) وهو المسيل المتسع (أضحى) وقت الضحي كاصبح وقت الصباح (وهو مشمول) بالمعجمة أى اصابته ريح الشمال وهى رياح باردة تقابل الجنوب واذا كان الماء بهذه الصفات فهو من أبرد الماء وأصفاه (القذا) بفتح القاف وتخفيف المعجمة ما سقط (وأفرطه) بالفاء والمهملة أي ملأه (من صوب) بفتح المهملة وسكون الواو أي مطر (عادية) هى السحابة التى تأتى نهارا وفي بعض النسخ سارية وهي التى تأتي ليلا (يعاليل) بالتحتية فالمهملة جمع يعلول بفتح التحتية وهو السحاب الراوي (ويل امها) مضى شرحه على قوله صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب وفي

سقيا لها خلة لو انها صدقت ... موعودها أو لوان النصح مقبول لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع واخلاف وتبديل فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول ولا تمسك بالوعد الذى زعمت ... الا كما تمسك الماء الغرابيل كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيده الا الأباطيل أرجوا وآمل ان تدنوا مودتها ... وما أخال لدينا منك تنويل فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... ان الاماني والأحلام تضليل أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... الا العتاق النجيبات المراسيل بعض النسخ بدله سقيا لها أى سقاها الله سقيا (خلة) بضم المعجمة وتشديد اللام وهي الخليل ويقع على الذكر والانثى والتثنية والجمع لانه في الاصل مصدر (أولوان) بوصل ألف القطع ونقل حركته الي الواو لضرورة الشعر (سيط) بكسر المهملة واشمامها ثم تحتية ساكنة ثم مهملة أي خلط ومزج (من دمها) أى به وعدل عنه الى من ليتزن البيت (فجع) بفتح الفاء وسكون الجيم ثم مهملة أى افجاع ويقال فجعته المصيبة أى أوجعته (وولع) بالمهملة بوزن الاول أى كذب (فما تقوم) في بعض النسخ فما تدوم (كما تلون) أى تتلون فحذف تاء الاستقبال (في أثوابها) بالمثلثة والموحدة أى صفلتها (الغول) بضم المعجمة ما يغتال الانسان ويهلكه وقيل أراد السعالى وهي نوع من الجن في صفات مختلفة (ولا تمسك) بفتح الفوقية والسين أى تتمسك وبضم الفوقية وكسر السين بمعناه (بالوعد) هى اليمين والموثق والذمة (الذى زعمت) أي قالت (الماء) مفعول (الغرابيل) فاعل وهو جمع غربال بكسر المعجمة وبالموحدة وهو المنخل (عرقوب) بالصرف لضرورة الشعر وهو بضم المهملة والقاف وسكون الراء آخره موحدة ابن معبد بن أسد من العمالقة أتاه أخاله يسأله فقال اذا طلع نخلى فجاءه للوعد فقال اذا أبلح فجاءه للوعد فقال اذا أزهى فجاءه للوعد فقال اذا أرطب فجاءه للوعد فقال اذا صار تمرا فلما صار تمرا أخذه ليلا ولم يعطه شيأ فضربت به الامثال في خلف الوعد قال وعدت وكان الوعد منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب (الاباطيل) جمع باطل على غير قياس (ان يعجلن) أى يسرعن (في أمد) أى مدة قريبة وفي بعض النسخ ان تدنو مودتها (اخال) أي وهو بكسر الهمزة عند المحدثين وبفتحها عند اللغويين (الدهر) بالنصب على المصدر (تعجيل) وفي بعض النسخ وما اخال لدينا منك تنويل أى عطاء (ما منت) أي منتك به من الوصل والوفاء والاماني جمع أمنية وهو ما يتمني الانسان مما ليس عنده ولا يقدر عليه (الاحلام) جمع حلم بضم المهملة وسكون اللام وهو رؤيا النوم (تضليل) ينسب الي الضلال وجعل ذلك مثلا لتمنيه له ووعدها اياه بالوصل والوفاء (الى العتاق) جمع عتيقة بالفوقية والقاف وهى الفرس السابقة يقال عتقت الفرس اذا سبقت ونجت (النجيبات) جمع نجيبة بمعناه (المراسيل) بمعنى مرسال بكسر الميم وهي الناقة السهلة

ولن يبلغها إلا عذافرة ... فيها على الأين ارقال وتبغيل من كل نضاحة الذفري اذا عرفت ... عرضتها طامس الاعلام مجهول ترمى النجاد بعين مفرد لهق ... اذا توقدت الحزان والميل ضخم مقلدها فعم مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل غلباء وجناء علكوم مذكرة ... في دفها سعة قدامها ميل وجلدها من أطوم لا يؤيسه ... طلح بضاحية المتنين مهزول السريعة (الاعذافرة) بضم المهملة وتخفيف المعجمة فالف ففاء مكسورة فراء خفيفة وهي الناقة الشديدة السريعة (على الاين) بالتحتية إلعناء والتعب (إرقال) بالقاف أي اسراع (وتبغيل) بالموحدة والمعجمة وهو مشى فيه اختلاف بين سير العنق والهملجة يشبه مشية البغل (نضاحة) بتشديد المعجمة وتخفيف الحاء المهملة مشتق من النضح وهو العرق ويجوز اعجام الحاء لأن معناه العين الغزيرة (الذفرا) بكسر المعجمة وسكون الفاء وفتح الراء الموضع الذي يعرق من البعير خلف اذنه (عرضتها) بضم المهملة همتها (طامس الاعلام) أى الطريق الذي اعلامه طامسة أي دارسة لبعده وقلة سالكيه والاعلام العلامات التى يستدل بها على الطريق (مجهول) لا يعلم لدروس علاماته (النجاد) بكسر النون جمع نجد وهو ما أشرف من الارض ويقال في جمعه أيضا أنجد وأنجاد ونجود ونجد وفي بعض النسخ ترمى الغيوب وهو ما غاب عنها من الارض وبعد وصفها بحدة بصرها (بعين مفرد) أى بعين كعين مفرد وهو بضم الميم وسكون الفاء وفتح الراء ثور الوحش (لهق) بفتح اللام وكسر الهاء وفتحها ثم قاف صفة للثور أي أبيض (الحزان) بكسر المهملة ويجوز ضمها وتشديد الزاي جمع حزن وهو ما غلظ من الارض (والميل) بكسر الميم وسكون التحتية جمع ميلاء وهي العقدة الضخمة من الرمل (ضخم) بالمعجمتين غليظ (مقلدها) بضم الميم وفتح اللام موضع القلادة وهو العنق (فعم) بالفاء والمهملة أي ممتلئ (مقيدها) بوزن مقلدها وهو موضع القيد من الرجل (في خلقها عن بنات الفحل تفضيل) أي انها تشبه الذكر لعظم حسنها (غلباء) بفتح المعجمة وسكون اللام ثم موحدة ثم المد وهو غلظ الرقبة (وجناء) بالجيم والنون بوزن غلباء أي عظيمة الوجنتين (علكوم) بضم المهملة والكاف وسكون اللام أي ضخمة (مذكرة) تشبه الذكر لعظمها (في دفها) بفتح الدال المهملة ثم فاء أى جنبها (قدامها) مبتدأ (ميل) خبر شبه مقدم رأسها بميل الكحل في ملاسته واستوائه أو اراد أنها بحدة نظرها تنظر نظرا يدرك به الميل وهو القدر المعلوم من الارض (من اطوم) بفتح الهمزة وضم المهملة وهى السلحفاة البحرية شبه جلدها في قوته بالذيل الذى يتخذ منه السواد وهو ظهر السلحفاة لملاسة وبرها (لا يؤيسه) بفتح الهمزة وكسر التحتية ثم مهملة أي لا يؤثر فيه (طلح) بكسر المهملة وسكون اللام ثم مهملة أى قراد (بضاحية المتنين) أى ما برز منهما للشمس والمتنان مكتنفا الصلب من يمين وشمال من عصب ولحم (مهزول) عجيف يريدان القراد الجائع المهزول

حرف أخوها أبوها من مهجنة ... وعمها خالها قوداء شمليل يمشى القراد عليها ثم تزلقه ... عنها لبان وأقراب زهاليل عيرانة قذفت بالنحض عن عرض ... مرفقها عن بنات الزور مفتول كأنما قاب عينيها ومذبحها ... من خطمها ومن اللحيين برطيل قنواء في حرتيها للبصير بها ... عتق مبين وفي الخدين تسهيل تمر مثل عسيب النخل ذا خصل ... في غارز لم تخونه الاحاليل لا يؤثر في جلدها ولا يثبت عليه لملاستها (حرف) بفتح المهملة وسكون الراء ثم فاء وهي الناقة القوية الصلب شبهت بحرف الجبل (أخوها أبوها وعمها خالها) صورتها ان بعيرا نزى على بنته فجاءت ببعيرين فنزى أحدهما على أمه فجاءت بناقة فهى هذه الموصوفة (من مهجنة) بضم الميم وفتح الهاء والجيم المشددة والنون نسبة الى الابل الهجان وهي البيض وأكثر ما تكون النجابة فيها (قوداء) أى سلسلة القياد (شمليل) بكسر المعجمة أى حقيقة (ثم تزلقه) بالزاى أي تدحضه (لبان) بفتح اللام وهو الصدر (واقراب) جمع قرب بضم القاف مع ضم الراء وسكونها وهي الخاصرة (زهاليل) بالزاي جمع زهلول وهو الاملس أى انها لملاسة وبرها لا يثبت عليها القراد (عيرانة) بفتح العين والراء والنون وسكون التحتية وهي الصلبة شبهها بعير الوحش في صلابته ونشاطه (قذفت) مبني للمفعول أي رمت (بالنحض) بضم النون وسكون المهملة ثم معجمة وهو اللحم المكتنز اراد انها سمينة (عن عرض) بضم المهملة والراء أي عن كل جانب يقال خرجوا يضربون الناس عن عرض أي عن كل ناحية كيفما اتفق لا يبالون من ضربوا (مرفقها) بكسر الميم وفتح الفاء وعكسه (عن بنات) بتقديم الموحدة على النون (الزور) بفتح الزاي وسكون الواو ثم راء وهو أعلا الصدر وبناته الاضلاع المتصلة به (مفتول) بالفاء أى مرفقها متباعد عن جنبها يقال مرفق أفتل ومفتول اذا كان كذلك (قنواء) أي محدودبة الأنف (حرتيها) تثنية حرة بضم المهملة وتشديد الراء وهو موضع محل القرط من الاذن وهو أسفلها وأراد بالحرتين الاذنين (للبصير بها) أى العارف الخبير بالابل (عتق مبين) بكسر العين سبق بين ومعناها ان الخبير بالابل اذا نظر لاذنيها عرف عتقها وكونها سابقة (وفي الخدين تسهيل) ملاسة واستواء وطول (كأنما قاب) أى قدر (عينيها) فيه حذف تقديره كأنما قاب بين عينها (ومذبحها) أي موضع الذبح وهو مقدم العنق وهو مرفوع عطفا على قاب ويكون فيه حذف مضاف تقديره وقاب مذبحها ويجوز الكسر عطفا على عينيها (من خطمها) بفتح المعجمة وسكون المهملة وهو مقدم الأنف والفم (برطيل) بفتح الموحدة وكسر المهملة أي حجر طويل شبه رأسها من عينيها ومذبحها الى خطمها بالبرطيل (تمر) بالضم من أمر (مثل عسيب النخل) أى ذنبا حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه والمعنى انها تمر ذنبها يمينا وشمالا وعسيب النخل جريده (ذا خصل) بضم المعجمة وفتح المهملة وهي لفائف الشعر الواحدة خصلة (في) ناقة (غارز) باعجام الغين وتقديم الراء على الزاي وهى الناقة القليلة اللبن يقال غرزت الناقة اذا قل لبنها (لم تخونه) بفتح الفوقية وحذف تاء الاستقبال أي لم تتخونه لم تتعهده والهاء عائدة على الذنب لدلالة الصفة عليه (الاحاليل) جمع احليل بكسر الهمزة وسكون المهملة وهو مخرج اللبن من الضرع والمعنى أن

تخدي على يسرات وهى لاهية ... ذوابل وقعهن الارض تحليل سمر العجايات يتركن الحصى زيما ... لم يبقهن رؤس الاكم تنعيل يوما يضل به الحرباء مرتبيا ... كان ضاحيّه بالنار مملول وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن الحصى قيلوا كان أوب ذراعيها اذا عرقت ... وقد تلفع بالقور العساقيل أوب يدى فاقد شنطاء معولة ... قامت فجاوبها نكد مثاكيل الناقة اذا قل لبنها وفر شعر ذنبها وحسن والاتمزق (تخدى) تسير بسرعة وفي بعض النسخ بجدي بمعجمة فمهملة والجدي ضرب من السير سريع يقال جدي يجدي جديا وجدوا (على يسرات) بفتح التحتية والمهملة والراء ثم ألف ثم فوقية وهى القوائم الخفاف (وهي لاهية) من اللهو أى غير مبالية وفي بعض النسخ لاحقة أى مدركة (ذوابل) جمع بالصرف لضرورة الشعر وهي بالمعجمة والموحدة أي ضامرة صفة لليسرات (وقعهن الارض) أى على الارض (تحليل) أى حقيقة لسرعتها في السير مأخوذ من نحلة القسم اذا فعل الحالف قدر ما يحلل به عن يمينه ولم يبالغ (سمر العجايات) السمر الذي يخالط بياضها أدنى جزء من السواد حتى يكون كلون الحنطة والعجايات بضم العين وبالجيم والتحتية جمع عجاية وهى عصبة في خف البعير (زيما) زيما بكسر الزاي وفتح التحتية أى متفرقا (رؤوس) مفعول (الاكم) بضم الهمزة وسكون الكاف جمع اكمة على غير قياس (تنعيل) فاعل يبقهن والتنعيل ان تجعل للدابة نعال تقيها من الحجارة ومعناه انها لا تحتاج الى تنعيل لصلابتها وإلفها السفر ودوس الحجر (الحرباء) بكسر المهملة وسكون الراء وهو ذكر أم حنين (مرتبيا) مرتفعا وزنا ومعنى أى غير نازل الى الارض خوفا من ان تحرقه الشمس وفي بعض النسخ بدله مصطخدا بضم الميم وسكون المهملة واهمال الطاء واعجام الخاء وفتحهما أى محرقا (كان ضاحيه) أى ما برز منه للشمس (مملول) أي تحرك بالملة وهي الرماد الحار وانما خص الحرباء لانها لا تزال متعلقة بأغصان الشجر من اقبال الشمس تنظر اليها من حين تطلع الى ان تغرب فاذا غربت انتشر في طلب المعاش (حاديهم) أى سائق أبلهم (ورق الجنادب) الورق التي يخالط سوادها بياض فيكون كلون الرماد والجنادب شبه الجراد يطير في شدة الحر ويصيح وهى الصرارة (يركضن الحصى) أى يسرن عليها بارجلهن يطلبن الظل (قيلوا) أمر من القائلة وهو النزول وقت القائلة (كأن أوب) أي رجوع (ذراعيها) أى ذراعي يديها وأراد رجوع يديها الى الارض بعد رفعهما في السير (وقد تلفع) بالفاء والمهملة أى اشتمل وتغطي (بالقور) بضم القاف جمع قارة وهي الجبل الصغير أو الاسود (العساقيل) بفتح المهملتين وكسر القاف وهو السراب وفي الكلام قلب تقديره وقد تلفعت القور بالعساقيل (أوب) بالرفع خبر كان (يدي) تثنية يد (فاقد) أى امرأة فاقدة ولدها لموته (شمطاء) سائبة (معولة) صائحة من العويل وهو الصياح وفي بعض النسخ شد النهار ذراعا عيطل نصف وشد النهار منصوب على الظرف وذراعا تثنية ذراع وارتفع لكونه خبر كان المشددة والعيطل المرأة الطويلة العنق والنصف المرأة اذا جاوزت الاربعين الى الخمسين (نكد) بضم النون وسكون الكاف فمهملة وهن اللاتي لا يعيش لهن ولد (مثاكيل) بالمثلثة اللاتي فقدن

نواحة رخوة الضبعين ليس لها ... لما نعى بكرها الناعون معقول تفري اللبان بكفيها ومدرعها ... مشقق عن تراقيها رعابيل تسعى الغواة بجنبيها وقيلهم ... انك يا ابن أبي سلمى لمقتول وقال كل صديق كنت آمله ... لا ألهينك اني عنك مشغول فقلت خلوا سبيلى لا أبالكم ... فكل ما قدر الرحمن مفعول كل ابن أنثى وان طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول أنبئت ان رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال ... قرآن فيه مواعيظ وتفصيل لا تأخذنى بأقوال الوشاة ولم ... أذنب ولو كثرت في الاقاويل لقد أقوم مقاما لا يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل أولادهن شبه سرعة خبط ذراعى هذه الناقة بسرعة خبط يدي امرأة على هذه الصفة وخص الشابة لان الشابة تستحى من ذلك (نواحة) كثيرة النياحة وهي البكاء مع رفع الصوت (رخوة) بكسر الراء وهي السهلة المسترسلة (الضبعين) بفتح المعجمة العضدين (بكرها) بكسر الباء الموحدة أوّل أولادها (معقول) عقل (تفرى) تقطع (اللبان) بفتح اللام الصدر كما مر (ومدرعها) قميص مهنتها (تراقيها) جمع ترقوة بفتح الفوقية وسكون الراء وضم الكاف وهى العظم الذي ما بين ثغرة النحر والعاتق (رعابيل) بالراء والمهملة والموحدة أى ممزق (الغواة) في بعض النسخ الوشاة وهو جمع واش وهو الساعي بالكلام الى من يخاف وأراد الذين أخبروه وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم (بجنبيها) الكناية عائدة على الناقة (وقيلهم) بالنصب على المصدر أي ويقولون قيلهم وهو عطف جملة على جملة كانه قال يمشي الغواة بجنبيها ويقولون انك يا ابن أبي سلمي ويجوز الرفع على الابتداء وخبره الجملة التى بعده (كل صديق) أى صاحب صادق الود وفي بعض النسخ بدله خليل (لا الهينك) أي لا أشغلنك بما يلهيك عما أنت فيه من الهم (خلوا سبيلى) أى طريقى (لا أبالكم) في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف وتقديره لا أبالكم موجود وقد مضى شرح معناه (على آلة) أراد بها النعش (حدباء) مرفوعة على مناكب الرجال من الحدب وهو ما ارتفع من الارض (أوعدني) يقال في الشر أوعدني ووعدني في الخير (مهلا) منصوب على المصدر أى أمهل مهلا (نافلة القرآن) النافلة عطية التطوع وهو عز وجل لا يجب عليه لاحد شئ وكل عطاء منه نافلة (فيه مواعيظ) جمع موعظة على غير قياس وهي النصح والتذكير (وتفصيل) تبيين (الوشاة) من ذكرهم آنفا (الاقاويل) جمع أقوال وهي جمع قول (لقد أقوم مقاما) بفتح الميم وفي هذا البيت تقديم وتأخير وحذف وتقديره لقد أقوم مقاما أري فيه واسمع ما لو يقوم به الفيل ويرى ما فيه ويسمع وخصه دون غيره

لظل ترعد من خوف بوادره ... ان لم يكن من رسول الله تنويل حتى وضعت يمينى لا أنازعها ... في كف ذي نقمات قيله القيل فكان أخوف عندى أن أكلمه ... وقيل انك منسوب ومسئول من ضيغم بضراء الارض مخدره ... ببطن عثر غيل دونه غيل يعدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من القوم معفور خراديل اذا يساور قرنا لا يحل له ... ان يترك القرن الا وهو مفلول منه تظل سباع الجو طائرة ... ولا تمشى بواديه الا راجيل ولا يزال بواديه أخو ثقة ... مطرح البز والدرسين مأكول من الدواب لقوته وعظم جثته (ترعد) بضم الفوقية وفتح المهملة أى تضطرب وتتحرك (بوارده) بالباء الموحدة ومضي ذكرها وفي بعض النسخ لظل يرعد الا أن يكون له (ننويل) عطاء (لا انازعها) أى اليمين يعني لا انزعها وفي بعض النسخ لا انازعه يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذي نقمات) بفتح النون مع فتح القاف وكسرها وهى العقوبات (قوله القيل) أى كل قول يخالف قوله فباطل (منسوب) أى مسؤل عن نسبك (ومسؤول) عما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك (من) أسد (ضيغم) بفتح المعجمتين وسكون التحتية أى شديد البأس وفي بعض النسخ من خادر ومضى ذكره (بضراء الارض) جمع ضار وفي بعض النسخ من ليوس الاسد (مخدره) موضع خدره وفي بعض النسخ منزله (ببطن عثر) بفتح المهملة وتشديد المثلثة وهو موضع أسده خبيثة (غيل) بكسر المعجمة وسكون التحتية شجر ملتف (دونه غيل) أي انه لا يقنع بالشجر المتطرف بل يتوغل فيه ويبعد عن الطرف وهذا وصف الخبيث (يعدو) بالمهملة يثب الى الفريسة (فيلحم) أي يطعم اللحم (ضرغامين) بكسر المعجمة أسدين شديدين (معفور) بالعين المهملة والفاء أي ممرغ بالتراب يقال عفره بالتراب أي مرغه فيه مأخوذ من العفر بالتحريك وهو التراب (خراديل) باعجام الحاء واهمال الدال أي مقطوع قطعا صغارا يقال خردل اللحم اذا قطعه كذلك (اذا يساور) بالمهملة والراء أي يواثب والمساورة المواثبة (قرنا) بكسر القاف وسكون الراء مثله في الشجاعة يقال فلان قرن فلان اذا كان مثله في الشجاعة (لا يحل له أن يترك القرن) لما كان لا بد له من أكل قرنه عبر عن ذلك بقوله لا يحل له (مفلول) بالفاء مكسور (سباع الجو) هى حمير الوحش كما في نسخة وهو الفراء بكسر الفاء والمد الواحد فرا بفتح الفاء والراء وهو مهموز مقصور وربما حذفت الهمزة تخفيفا (ولا تمشي) بضم أوله مع كسر الشين وبفتحهما (بواديه) أضاف الوادي اليه لسكونه الاودية كثيرا لما فيها من الشجر الملتف (الاراجيل) جمع أرجل وهي جمع رجل (أخو ثقة) هو الواثق بنفسه في القوة والشجاعة (مطرح) باهمال الطاء والحاء أي مطروح (البز) بالزاي السلاح وروي مضرج بالمعجمة والجيم أي ملطخ بالدماء (والدرسين) بكسر المهملة تثنية درس وهو الثوب وثناهما لان الغالب أن الشخص يلبس ثوبين ازار او رداء (مأكول) بالرفع ووجهه انه أضمر في قوله ولا يزال ضمير الشأن فيكون أخو ثقة مبتدأ ومطرح

ان الرسول لنور يستضاء به ... وصارم من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا زالوا فما زال انكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل مغازيل يمشون مشى الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب اذا عرّد السود التنابيل شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل بيض سوابغ قد شكت لها حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول لا يفرحون اذ نالت رماحهم ... قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا لا يقع الطعن الا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل البز خبره ومأكول خبر بعد خبر وتكون هذه الجملة في موضع نصب خبر ولا يزال وضمير الشأن اسمها (وصارم) هو في الاصل السيف القاطع واستعاره لشجاعته وشدة بأسه وفي بعض النسخ مهند وهو من نعوت السيف كما مر (في عصبة) وهم من الرجال من العشرة الى الاربعين (من قريش) هم ولد النضر ابن كنانة سموا بذلك من القرش وهو الجمع أو من القرش الذي في البحر كما مر (قال قائلهم) وهو سيدنا عمر رضى الله عنه (زولوا) أي هاجروا الى المدينة (انكاس) بفتح الهمزة جمع نكس بكسر النون وهم السفلة من الناس مشتق من السهم الذي انكسر فوقه بضم الفاء موضع الوتر من السهم فنكسه صاحبه في الجعبة ليلا يغلط اذا رمي عدوا أو صيدا في حال العجلة (ولا كشف) بضم الكاف والمعجمة والفاء جمع اكشف وهو الذي لا تتريس معه وشين كشف أصلها السكون كاحمر وحمر لكن حرك لضرورة الشعر (ولا ميل) بكسر الميم وسكون التحتية جمع أميل وهو الذي لا يستوي على السرج (معازيل) بالمهملة والزاى جمع معزال وهو الضعيف الاحمق والمعزال أيضا الذى لا سلاح له (الجمال الزهر) جمع أزهر وهو الابيض النير (يعصمهم) أي يمنعهم من العصمة وهي المنعة (عرد) بالعين المهملة أى قد وقطع كما مر (التنابيل) بالفوقية فالنون فالموحدة القصار واحدهم تنبال بكسر أوله (شم) بضم المعجمة وتشديد الميم جمع اشم وهو مرتفع قصبة الانف مع استواء أعلاها (العرانين) بالمهملة والنون جمع عرنين وهو الانف (أبطال) جمع بطل وهو الشجاع (لبوسهم) بفتح اللام (من نسج داود) لا على الحقيقة بل العرب يسمون دروع الحديد نسج داود وان لم يكن نسجه (في الهيجا) الحرب كما مر (سرابيل) أراد بها دروع الحديد (سوابغ) تامات وافرات (قد شكت) مبني للمفعول أى أدخل بعضها في بعض (لها حلق) بفتح المهملة وكسرها وفتح اللام جمع حلقة بفتح المهملة وسكون اللام (القفعاء) بفتح القاف وسكون الفاء ثم المهملة وهي شجر له نور احمر وثمره مقنع من تحت ورقه يشبه به حلق الدروع (مجدول) صفة لحلق وهو المحكم (ليسوا مفاريح) جمع مفراح بكسر الميم وهو كثير الفرح (مجازيعا) بالصرف لضرورة الشعر وهو جمع مجزاع وهو كثير الجزع (عن حياض الموت) أي محاله ومواطنه (تهليل) أى

تتمة في الكلام على كعب هذا وشىء من شعره في مدح النبى صلى الله عليه وسلم

ستر الذي خار من ألفاظه كملا ... فالهم مجتمع والقلب مشغول هذا ما ذكره ابن هشام من هذه القصيدة وزاد على ما رواه عن ابن اسحاق سبعة أبيات وقد اختلفت النسخ في ضبطها وكثر اعتناء الفضلاء بها ما بين شارح وموشح ومعارض فشرفت بشرف من صنعت فيه وأنشدت بين يديه وذكر انه لما أتى حين انشاده على قوله ان الرسول لنور يستضاء به ... وصارم من سيوف الله مسلول نظر النبي صلى الله عليه وسلم الى أصحابه كالمعجب لهم من حسن القول وجودة الشعر وانه صلى الله عليه وسلم خلع عليه بردته وقال له لولا ذكرت الانصار بخير فانهم أهل لذلك فقال أبياتا بعد فيها مناقب الانصار [تتمة في الكلام على كعب هذا وشىء من شعره في مدح النبى صلى الله عليه وسلم] وكان كعب هذا وأبوه وأولاده من فحول الشعراء ومن قوله في النبي صلى الله عليه وسلم تحدي به الناقة الا دماء معتجرا ... بالبرد كالبد رجلى ليلة الظلم ففي عطا فيه أو أثناء بردته ... ما يعلم الله من خير ومن كرم ومما يستجاد من قوله لو كنت أعجب من شئ لا عجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر يسعى الفتى لامور ليس يدركها ... فالنفس واجدة والهم منتشر والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهى العين حتى ينتهى الأثر ومنه أيضا تنكيل وجبن يقال نكل فما حمل أى فما جبن (شارح) متكلم على جميعها بعبارة متسعة (وموشح) باعجام الشين واهمال الحاء متكلم على ما يحتاج الكلام منها فقط مأخوذ من الوشاح الذي تجعله المرأة في خلقها (ومعارض) منشد على قافيتها (فشرفت) بفتح المعجمة وضم الراء (وذكر انه لما أتاه حين انشاده الى آخره) ذكر ذلك أهل السير (وجودة الشعر) بفتح الجيم وضمها (خلع عليه بردته) مكافأة لما قاله ففيه جواز كسوة الشاعر واعطائه شيأ من المال ما لم يكن في ذلك اعانة على شعر محرم (لولا) أى هلا (فانهم أهل لذلك) هذا من جملة مناقبهم اذ شهد النبي صلى الله عليه وسلم باهليتهم للخير (فقال أبياتا) أولها من سره كرم الحياة فلا يزل ... في مغنم من صالحى الانصاري (الادماء) بالمد السوداء (معتجرا) بالمهملة والجيم والراء أي شادا وسطه (ففى عطا فيه) بكسر العين تثنية عطف وهو الجانب (وهو مخبوء) بالهمز مرصد من حيث لا يشعر

مطلب في الكلام على قصة محلم بن جثامة الليثى وخبرها

مقالة السوء الى أهلها ... أسرع من منحد رسائل ومن دعا الناس الى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل [مطلب في الكلام على قصة محلم بن جثامة الليثى وخبرها] ومن النوازل في سفر الفتح قصة محلم بن جثامة الليثى وخبرها ان النبى صلى الله عليه وسلم قد كان بعث عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى في جيش فلما كانوا ببطن إضم مر بهم عامر بن الاسبط الاشجعي فسلم عليهم فكف القوم عنه فحمل عليه محلم فقتله لعداوة كانت بينهما وذلك قبل الفتح فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه عظم ذلك عليه ونزل في ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً الآية فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين جاءه عيينة بن حصن يطلب القود من محلم لكونه يومئذ رئيس غطفان وجاءه الاقرع بن حابس يدافع عن محلم لكونه وإياه من خندف فاختصما في ذلك وجعل صلى الله عليه وسلم يشير بالدية فقال عيينة والله لا أدعه حتي أذيق نساءه من الحر ما أذاق نسائى فقام رجل يقال له مكيتل أو مكيتر فقال يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل مثلا في غرة الاسلام الا كغنم وردت فرمت أولاها فنفرت أخراها أسنن اليوم وغير عدا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال بل يأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين اذا رجعنا فقبلوا فقام محلم فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنته بالله ثم قتلته ثم رفع رسول الله صلى الله عليه (مقالة السوء الى أهلها الى آخره) هو رابع بيت من قصيدة له أولها ان كنت لا ترهب ذمي لما ... تعرف من صفحى عن الجاهل فاخش سكوتي إذ أنا منصت ... فيك لمسموع خنا القائل فالسامع الذم شريك له ... ومطعم المأكول كالآكل قصة محلم بن جثامة وهو بضم الميم وفتح المهملة وكسر اللام المشددة وجثامة بفتح الجيم وتشديد المثلثة وهو أخو الصعب بن جثامة قال السهيلي مات في حمص أيام ابن الزبير انتهي ويرده سياق القصة (ابن أبى حدرد) بحاء مهملة مفتوحة فدالين مهملتين الاولى ساكنة بينهما راء مفتوحة مصروف (ببطن إضم) بكسر الهمزة وفتح المعجمة وتخفيف الميم واد بين مكة واليمامة (ابن الاضبط) باعجام الضاد واهمال الطاء بينهما موحدة (رئيس غطفان) بالنصب خبر كان وغطفان بفتح المعجمة والمهملة والفاء (خندف بكسر) المعجمة وسكون النون وكسر المهملة وفتحهما كما مر (من الحر) بالمهملة والراء أى الحرقة وهى المصيبة (مكيتل أو مكيتر) بتقديم التحتية على الفوقية مصغرا ويكبر كالاول الا ان فيه ابدال اللام (في غرة الاسلام) بضم المعجمة وتشديد الراء أي في الاسلام والغرة صلة (اسنن) أمر من السنن (وغير) أمر من التغيير

وسلم يديه وقال اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ثلاثا فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه فمكث بعدها سبعا ومات فدفنوه ثلاث مرات فلم تقبله الارض فألقوه بين جبلين فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبره قال ان الارض لتقبل من أشر منه ولكن الله أراد ان يعظكم به في جرم ما بينكم بما أراكم منه رواه ابن اسحق وأبو داود وابن عبد البر وتفاوتت ألفاظهم فيه وروي كثير من المفسرين في سبب نزول الآية غير هذا ولا خلاف ان الذي لفظته الارض محلم بن جثامة والله أعلم* وفي هذه السنة ولد ابراهيم بن محمد صلى الله عليه وسلم وكان مولده في ذي الحجة مرجع أبيه من سفر الفتح وكانت قابلته سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه مارية بنت شمعون القبطية من هدايا المقوقس واسترضع عند أبي سيف (اللهم لا تغفر لمحلم) انما دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم زجرا وتنكيلا له ولغيره عن الجرأة على اراقة الدماء ولا يلزم من الدعاء عليه بعدم المغفرة عدم كونه مسلما ولا صحابيا لان عدمها انما يقتضى التعذيب على ذلك الذنب الصادر منه ثم ربما كان في الدنيا والآخرة وربما كان في أحداهما فقط وكان تعذيب محلم عدم قبول الارض له ولا يلزم من ذلك نفي صحبته وعدالته اذ قرينة الحال دالة على انه جاء تائبا (فمكث) مثلث الكاف والضم والفتح أشهر (بعدها) أى بعد هذه القصة قال في الشفاء كان مكثه (سبعا) أي سبعة أيام وهذا يرد ما مر آنفا عن السهيلي ثلاث مرات وفي الشفاء مرات بعد ذكر ثلاث (بين جبلين) وفي الشفاء بين صدين بضم الصاد وفتحها وتشديد الدال المهملتين والصد جانب الوادى (في جرم) بضم الجيم وسكون الراء (رواه) محمد (ابن اسحق) فى السيرة (وأبو داود) في السنن (و) ساق ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن عباس رضى الله عنهما (وروي كثير من المفسرين في سبب نزول الآية غير هذا) وهو انها انما نزلت في شأن اسامة بن زيد حين قتل مرداس بن نهيك بعد ان قال لا اله الا الله محمد رسول وقصته مشهورة أو فى نفر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مر عليهم رجل من بنى سليم معه غنم فسلم عليهم فقالوا ما سلم عليكم الا ليتعوذ منكم فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله الآية رواه الشيخان وأبو داود والترمذى عن ابن عباس (لفظته) بكسر الفاء أي أخرجته* تاريخ ولادة ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان مولده في) يوم الاربعاء آخر يوم من (ذي الحجة) بكسر الحاء أشهر من فتحها كما مر (وكانت قابلته) بالفتح خبر كان و (سلمى) اسمها ويجوز عكسه وسلمى بفتح السين المهملة وسكون اللام بلا خلاف (مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقيل مولاة صفية عمته وهي زوجة أبي رافع وداية فاطمة الزهراء (مارية) بوزن حارثة (بنت شمعون) بفتح المعجمة وسكون الميم وضم المهملة (القبطية) نسبة الي القبط (المقوقس) بضم الميم وفتح القاف الاولى وكسر الثانية بينهما واو ساكنة كما مر (واسترضع) مبني للمفعول فيه كما قال النووي جواز الاسترضاع (أبي سيف) اسمه البراء بن أوس

القين وامرأته أم سيف وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب اليه فيزوره عنده وفي الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ولد لى الليلة ولد فسميته باسم أبى ابراهيم وانه دخل عليه في مرضه فوجده يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله فقال يا ابن عوف انها رحمة ثم اتبعها بأخرى فقال ان العين يدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضى ربنا وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزون وكان عمره سبعين ليلة (القين) بفتح القاف وسكون التحتية ثم نون الحداد (و) عند (امرأته أم سيف) اسمها خولة بنت المنذر (وكان يذهب اليه فيزوره عنده) كما روى مسلم عن أنس قال ما رأيت أحدا كان ارحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابراهيم مسترضعا له في عوالى المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وانه ليدخلن وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع انتهي قال النووي فيه استتباع العالم والكبير بعض أصحابه اذا ذهب الى منزل قوم ونحوه وفيه الادب مع الكبار وفيه بيان كريم خلقه صلى الله عليه وسلم ورحمته للعيال وفيه فضيلة رحمة العيال والاطفال وتقبيلهم (وورد في الحديث الصحيح) فى مسند أحمد والصحيحين وسنن أبى داود عن أنس (ولد) فى بعض الروايات غلام (فسميته باسم أبي ابراهيم) ففيه كما قال النووى جواز تسمية المولود يوم ولادته وجواز تسميته بأسماء الانبياء وانما سماه باسم ابراهيم مع ان التسمية بعبد الله وعبد الرحمن ونحوهما أفضل احياء لاسم ابراهيم بأمر من الله عز وجل ويرشد الى ذلك قوله باسم ابراهيم ولم يقل فسميته ابراهيم (يجود بنفسه) أى يخرجها ويدفعها كما يجود الانسان بماله ولمسلم يقيد بنفسه بفتح الياء وكسر القاف وهو بمعناه (تذرفان) بفتح الفوقية وسكون المعجمة وكسر الراء أى يجري دمعهما ولمسلم فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه جواز البكاء على المريض والحزن وان ذلك لا ينافي الرضى بالقدر بل رحمة جعلها الله في قلوب عباده وانما المحرم الندب ونحوه من القول الباطل ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقول الا ما يرضى ربنا (وأنت يا رسول الله) قال في التوشيح معطوف على مقدر في المعنى أي الناس لا يصبرون وأنت تفعل كفعلهم ولابن سعد عن عبد الرحمن بن عوف فقلت يا رسول الله تبكى أو لم تنه عن البكاء فقال انما نهيت عن صوتين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان انما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم وله عن محمود بن لبيد انما أنا بشر وعن عبد الرزاق من مرسل مكحول انما انه الناس عن النياحة ان يندب الرجل بما ليس فيه (ثم اتبعها) أى اتبع الدمعة الاولى (باخرى) وقيل اتبع الكلمة بكلمة أخري (فقال ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الاما) أي الذى (يرضي ربنا وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزون) ولمسلم والله يا ابراهيم انا بك لمحزونون زاد ابن سعد في الطبقات لولا انه أمر حق ووعد صدق وسبيل مأتية وان آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا (وكان عمره سبعين ليلة) كما في سنن أبي داود لان وفاته كانت يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الاول كما مر عن الواقدي

وقيل سبعة أشهر وقيل ثمانية عشر شهرا وقال صلى الله عليه وسلم ان له مرضعا في الجنة وكسفت الشمس يوم مات فقال الناس كسفت لموت ابراهيم فنهاهما النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته. والزبير ابن بكار في الكسوف (وقيل) ستة عشر شهرا وقيل (سبعة أشهر) صوابه سبعة عشر شهرا واقتصر على ذلك النووي في شرح مسلم (وقيل ثمانية عشر شهرا) وقال ابن حزم سنتان الاشهرين (وقال النبي صلى الله عليه وسلم ان له مرضعا) وفي رواية ظئران تكملان رضاعه (في الجنة) رواه مسلم عن أنس والظئر بكسر المعجمة وسكون الهمزة وراء هي المرضع ولد غيرها ويسمى زوجها ظئرا أيضا ويكون هذا الاتمام عقب موته نقله النووى عن صاحب التحرير فيدخل الجنة متصلا بموته فيتم بها رضاعه كرامة له ولابيه صلي الله عليه وسلم وظاهر هذا الكلام أنها خصوصية لابرهيم قال في الديباج وقد أخرج ابن أبى الدنيا في العزاء من حديث ابن عمر مرفوعا كل مولود يولد في الاسلام فهو في الجنة شبعان ريان يقول يا رب أورد على ابوى وأخرج ابن أبي الدنيا وابن ابى حاتم في تفسيره عن خالد بن معدان قال ان في الجنة لشجرة يقال لها طوبي كلها ضروع فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى وحاضنهم ابراهيم خليل الرحمن وأخرج ابن أبى الدنيا عن عبيد بن عمير قال ان في الجنة لشجرة لها ضروع البقر يغذى منها ولدان أهل الجنة فهذه الاحاديث عامة في اولاد المؤمنين ويمكن أن يقال وجه الخصوصية في السيد ابرهيم كونه له ظئران اي مرضعان من خلقة الآدميات اما من الحور العين أو غيرهن وذلك خاص به فان رضاع سائر الاطفال انما يكون من صروع شجرة طوبي ولا شك ان الذى للسيد ابراهيم اكمل وأتم واشرف واحسن وآنس فان الذى يرضع من مرضعتين يكرمانه ويربيانه ويؤنسانه ويخدمانه ليس كالذى يرضع مرضع شجرة او ضرع بقرة ويمكن ان يكون له خصوصية أخرى وهو ان يدخل الجنة عقب الموت بجسده وروحه ويرضع بهما معا وسائر الاطفال انما يرضعون عقب الموت في الجنة بأرواحهم لا بأجسادهم فتنزل كلام صاحب التحرير على هذا وقد نص على ما يؤخذ منه ذلك البيهقي في كتاب عذاب القبر (وكسفت الشمس الى آخره) مضي الكلام عليه في الكسوف (فائدة) الحكم في موت ابرهيم وسائر ولد النبي الذكور في حياته صلى الله عليه وسلم ما رواه الماوردى عن أنس وابن عساكر عن جابر وابن عباس وابن ابى اوفي عنه صلي الله عليه وسلم قال لو عاش ابراهيم لكان صديقا نبيا وروى ابن سعد عن مكحول مرسل لو عاش ابراهيم مارق له خال وروي أيضا عن الزهرى مرسلا لو عاش ابراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطى. تم بتوفيق الله وعونه طبع الجزء الاول من كتاب بهجة المحافل وشرحه ويتلوه الجزء الثاني وأوله فصل اذكر فيه شيئا من السرايا والبعوث الخ وكان ذلك في أواخر شهر شوال سنة 1330 هجرية وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

الجزء الثاني

الجزء الثاني بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [تتمة القسم الأول في تلخيص سيرته] [تتمة الباب الرابع في هجرته صلى الله عليه وسلم وما بعدها إلى وفاته] [فصل في السرايا والبعوث التي جهل زمنها وكان ذلك قبل الفتح] (فصل) اذكر فيه شيأ من السرايا والبعوث مما جهل موضعه من الزمان وعلم بأدنى قرينة وقوعه قبل الفتح حرصا على تمام الفائدة ولئلا يشذ شىء منها من كتابنا والله ولى التوفيق* من ذلك ما روينا فى صحيح البخاري عن أبى هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن اثال فربطوه بسارية من سوارى المسجد فخرج اليه النبى صلى الله عليه وسلم فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندي خير (فصل) اذكر فيه شيأ من السرايا والبعوث (لئلايشذ) بالمعجمتين يخرج (في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن أبي داود (خيلا) أي فرسانا (ثمامة) بضم المثلثة (بن أثال) بضم الهمزة وبعدها مثلثة خفيفة وهو مصروف (من سواري المسجد) فيه جواز ربط الاسير وحبسه وجواز ادخال الكافر المسجد وقال عمر ابن عبد العزيز وقتادة ومالك لا يجوز لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ونحن نقول ان ذلك خاص بالمسجد الحرام (ما عندك ياثمامة) في الحديث انه كرر ذلك ثلاث مرات ففيه تأليف القلوب وملاطفة من يرجي اسلامه من الاشراف الذين يتبعهم على الاسلام خلق كثيرون قاله النووي

يا محمد ان تقتل تقتل ذا دم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فتركه حتى كان الغد ثم قال ما عندك يا ثمامة فقال عندى ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى اذا كان بعد الغد فقال له ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك قال اطلقوا ثمامة فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله والله يا محمد ما كان على وجه الارض وجه أبغض الىّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه اليّ والله ما كان دين أبغض الىّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين الىّ والله ما كان من بلد ابغض الىّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد اليّ وان خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأمره ان يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال بلى ولكن أسلمت مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتي يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ثمامة هذا من رؤساء (ان تقتل) وفي رواية لمسلم ان تقتلنى (تقتل ذادم) بالمهملة وتخفيف الميم قيل معناه صاحب دم خطير لدمه وقع يستشفى قاتله بقتله ويدرك ثاره أي لكونه رئيسا فاضلا وقيل معناه من عليه دم هو مطلوب به ومستحق عليه فلا عتب عليك في قتله قال عياض ورواه بعضهم فى سنن أبى داود وغيره ذاذم بالمعجمة وتشديد الميم وهي رواية الكشميهنى في البخاري أي ذاذمام وحرمة في قومه ومن اذا عقد ذمة وفي بها قال وهذه الرواية ضعيفة لانها نقلت المعنى فان من له حرمة لا يستوجب القتل انتهى وقال النووي يمكن تصحيحها ويحمل على معنى التفسير الاول أى تقتل رجلا جليلا يحتفل به قاتله لفضله بخلاف ما اذا قتل ضعيفا مهينا فانه لا فضيلة في قتله ولا يدرك به قاتله ثاره (اطلقوا ثمامة) وكان ذلك بعد ان قال أكلة من جزور أحب الى من دم ثمامة ذكره السهيلي وفيه جواز المن على الاسير وهو ما ذهب اليه جمهور العلماء (فانطلق الى نخل) بالمعجمة ولابي الوقت فى صحيح البخاري بالجيم والنجل الماء القليل النابع (فاغتسل) فيه غسل الكافر اذا أسلم وهو واجب ان كان قد أجنب في الشرك وان اغتسل فيه لعدم صحة نيته وقال بعض أصحابنا يكفيه الغسل حال الشرك وقال بعضهم وبعض المالكية لا غسل واجب على الكافر وان كان قد أجنب بل يسقط كالذنوب وخص هذا بالوضوء فانه يجب اجماعا وان لم يكن أجنب حال الشرك فالغسل مستحب وينوي به الغسل للاسلام قال أحمد واخرون بوجوبه ويحل الغسل بعد الاسلام وأما قوله فى قصة ثمامة (ثم دخل المسجد فقال الي آخره) أى المقتضي ان الغسل تقدم الاسلام فأجابوا عنه بانه أسلم قبل الغسل ثم ذهب فاغتسل ثم جاء فأعلنه (فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي أي بما حصل له من الخير العظيم بالاسلام وان الاسلام يهدم ما كان قبله (ثم أمره) أمر استحباب (أن يعتمر) أى ليراغم أهل مكة ويغيظهم بذلك (قال له قائل صبوت) هي لغة فصيحة في صبأت وفي هذا وما بعده القرينة التي أشار اليها المصنف الدالة على ان مكة يومئذ لم تفتح والا لما قال له القائل

بنى حنيفة. وروى انه لما جاؤا به أسيرا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتدرون من أسرتم هذا تمامة بن اثال احسنوا إساره وهو أول من دخل مكة ملبيا بالتوحيد وفي ذلك يقول شاعر بني حنيفة مفتخرا ومنا الذي لبي بمكة معلنا ... برغم أبي سفيان في الاشهر الحرم ولما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وارتد بنو حنيفة قام فيهم مقاما حميدا وأطاعه منهم ثلاثة آلاف فانحاز بهم الى المسلمين. وذكر بعضهم ان أمير هذه السرية التي اسرت ثمامة العباس بن عبد المطلب رضى الله وذكر ابن اسحق أيضا ان ثمامة هذا هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن يأكل في معا واحد والكافر في سبعة أمعاء ولا يستقيم شىء من ذلك والله أعلم. ومن ذلك سرية غالب بن عبد الله الليثي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في جيش صبوت ولا قال ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة (بنى حنيفة) قال في التوشيح قبيلة كبيرة تنزل اليمامة (قام فيهم مقاما حميدا) قال السهيلي وذلك انه قام فيهم خطيبا وقال يا بنى حنيفة أين عزبت قلوبكم بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب أين هذا من يا ضفدع نقى كم تنقين لا الشراب تكدرين ولا الماء تمنعين مما كان يهذي به مسيلمة (فأطاعه منهم ثلاثة آلاف فانحاز بهم الى المسلمين) ففت ذلك في أعضاد بنى حنيفة (وروي) في كتب السير (اتدرون من أسرتم) استفهام تعظيم له (احسنوا اساره) بكسر الهمزة أي أسره (برغم أبى سفيان) بفتح الراء وضمها أصله الصاق الانف بالرغام بفتح الراء وهو التراب (في الاشهر الحرام) بالوقف (وذكر ابن اسحق ان ثمامة هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم الى آخره) وذلك بعد ان أضافه فشرب حلاب سبع شياه ثم أسلم من الغد فشرب حلاب شاة ولم يتم حلاب ثانية وقيل ان ذلك جهجاه الغفاري وقيل نضرة بن أبي نضرة الغفارى وفي الدلائل للبيهقى ان اسمه نضلة (المؤمن يأكل في معا واحد الى آخره) رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن ابن عمرو ورواه أحمد ومسلم عن جابر ورواه أحمد والشيخان وابن ماجه عن أبي هريرة ورواه مسلم وابن ماجه عن أبي موسى ولاحمد ومسلم والترمذي في رواية المؤمن يشرب بدل يأكل والمعا بكسر الميم مقصور بوزن الرضى وهذا مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا فليس المراد حقيقة المعا ولا خصوص الاكل وقيل لانه يأكل الحلال وهو أقل من الحرام وقيل حض المؤمن على قلة الاكل اذ علم ان كثرته صفة الكافر فان نفس المؤمن تنفر من الانصاف بصفة الكافر وقيل خرج مخرج الغالب وقيل المراد بالمؤمن تام الايمان لكثرة فكره وشدة خوفه فيمنعانه من استيفاء شهوته كحديث من كثر فكره قل طعمه ومن قل فكره كثر طعمه وقيل لان المؤمن لا يشركه الشيطان لانه يسمى فيكفيه القليل (والكافر يأكل فى سبعة امعاء) مثل لحرص الكافر وشدة رغبته في الدنيا وقيل لان الكافر يأكل الحرام

وامره ان يشن الغارة على بنى الملوح وهم بالكديد فبيتوهم ليلا وقتلوا من قتلوا واستاقوا نعمهم فلما أصبحوا اغاروا خلفهم فلما أدركوهم جاء وادي قديد بسيل عظيم فحال بينهم وبينهم فانطلقوا على مهلهم حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم* ومن ذلك غزوة عبد الله بن رواحة لقتل اليسير بن رزام وكان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في نفر من أصحابه منهم عبد الله ابن أنيس فلما قدموا عليه قربوا له القول ووعدوه ان يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معهم فلما كانوا بالقرقرة ندم ففطن له عبد الله بن انيس وهو يريد السيف فاقتحم به وكان رديفه ثم ضربه بالسيف فقطع رجليه وضربه اليسير في رأسه فأمه ثم مالوا على أصحابه من اليهود فقتلوهم الا رجلا فر على رجليه فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل على شجة عبد الله بن أنيس فلم تقح* ومن ذلك غزوة عبد الله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان وهو أكثر من الحلال وقيل ان كثرة الاكل من صفات الكافر يدل عليه قوله تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وقيل المراد شخص بعينه كما مر فاللام عهدية وقيل خرج مخرج الغالب وحقيقة السبعة غير مرادة وقيل ان الشيطان يشركه لعدم تسميته قال النووي المختار ان المرادان بعض المؤمنين يأكلون في معا واحد وان أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ولا يلزم ان يكون كل من السبعة مثل معا المؤمن ويدل على تفاوت الامعاء ما ذكره عياض عن أهل الطب ان أمعاء الانسان سبعة المعدة ثم ثلثة أمعاء متصلة بها الثواب ثم القائم ثم الرقيق والثلثة دقاق ثم اعورو القولون والمستقيم وكلها غلاظ فيكون المعنى ان الكافر لا يشبعه الاملء تلك الامعاء السبعة والمؤمن يشبعه ملء واحد قال النووي وقيل المراد بالسبعة سبع صفات الحرص والشره وطول الامل والطمع والحسد وسوء الطبع والسمن وبالواحد من المؤمن سدخلته* سرية عبد الله بن غالب الليثي (ان يشن) بالمعجمة يفرق (بني الملوح) بضم الميم وفتح اللام وفتح الواو المشددة ثم مهملة (وهم بالكديد) بفتح الكاف ومهملتين الاولى منهما مكسورة بينهما تحتية ساكنة ماء بينه وبين مكة اثنان وأربعون ميلا (وادي قديد) بالتصغير مر ذكره (على مهلهم) بفتح الميم والهاء والمهلة الهينة والسكون ويقال فيه مهلة بالهاء والفوقية والقرينة الدالة على كون هذه السرية قبل الفتح انها كانت بين مكة والمدينة ولم يبق بينهما بعد الفتح مشرك* غزوة عبد الله بن رواحة (اليسير) بالتحتية والمهملة مصغر (ابن رزام) بتقديم الراء على الزاي المخففة (ابن أنيس) بالنون والمهملة مصغر (بالقرقرة) بتكرير القاف والراء وهي قرقرة الكدر كما مر (ففطن) بكسر الطاء اشهر من فتحها (فاقتحم) بالقاف والفوقية وثب بسرعة (وكان) اسمها مستتر فيها أى اليسير (رديفه) خبرها (فأمه) بفتح الهمزة وتشديد الميم أي أصاب ام دماغه (وتفل) بالفوقية والفاء (فلم تقح) بفتح الفوقية وكسر القاف من اقاح الجرح صار فيه قيح ولعياض في

الهذلى وكان بنخلة يجمع الناس لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عبد الله بن أنيس لا يعرفه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم تعريفه فقال انك اذا رأيته اذكرك الشيطان وآية ما بينك وبينه انك اذا رأيته وجدت له قشعريرة فلما انتهى اليه وجد العلامة التي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له جئتك حين سمعت بجمعك لهذا الرجل قال أجل انا في ذلك قال عبد الله فمشيت معه ساعة حتى اذا أمكنني حملت عليه بالسيف فقتلته فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني قال أفلح الوجه ثم أدخلني بيته فأعطانى عصا فخرج بها عبد الله ثم رجع فقال يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا قال آية ما بيني وبينك يوم القيامة فصحبها عبد الله حتى مات وأمر بها أن تدفن معه وفى ذلك يقول عبد الله بن أنيس رضى الله عنه تركت ابن ثور كالحوار وحوله ... نوائح تفري كل جيب مقدد وقلت له خذها بضربة ماجد ... حنيف على دين النبي محمد وكنت اذا هم النبى بكافر ... سبقت اليه باللسان وباليد ومن ذلك غزوة عيينة بن حصن بني العنبر من تميم فأصاب منهم ناسا وسبي منهم سبيا ثم قدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم يطلبون مفاداتهم وجعلوا الشفا فلم يمد بوزنه ومعناه والقرينة الدالة على كون هذه الغزوة قبل الفتح ان فتح مكة انما كان بعد خيبر وهذه قبل فتح خيبر. غزوة عبد الله بن أنيس (الشيطان) بالنصب مفعول (وآية ما بينك وبينه) أي علامة (قشعريرة) بتثليث القاف والفتح والضم أشهر وسكون المعجمة وفتح المهملة وكسر الراء الاولى وفتح الثانية بينهما تحتية ساكنة وهى تحرك الجلد وانقباضه من الفزع ونحوه (وأمر بها ان تدفن معه) فيه التبرك بآثار الصالحين (ابن ثور) بالمثلثة (كالحوار) بضم المهملة وتخفيف الواو ولد الناقة ما دام يرضع مشتق من الحور وهو الرجوع سمى بذلك لرجوعه الى أمه ونردده اليها (نولئح) جمع نائحة (تفرى) تقطع (ماجد) كريم (حنيف) مائل الى دين الاسلام والقرينة الدالة على ان هذه الغزوة قبل الفتح انه كان بنخلة ولم يبق بنخلة بعد الفتح مشرك (بنى العنبر) قبيلة (من تميم) على لفظ العنبر الذي فى البحر (وسبي منهم سبيا) وذلك لانهم هربوا وتركوا عيالهم لما علموا انه توجه اليهم كما في تفسير البغوي (فجاء بعد ذلك رجالهم) قال البغوي كان قدومهم المدينة وقت الظهيرة فوافقوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلا في أهله فلما رأتهم الذراري اجهشوا الى آبائهم أي تهيؤا للبكاء وكان لكل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة فعجلوا قبل ان يخرج اليهم

ينادون رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلف الحجاب يا محمد أخرج الينا وهم الذين نزل فيهم قول الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» ثم خرج اليهم النبي صلى الله عليه وسلم ففادى نصفهم وأعتق نصفهم وقال مقاتل في قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ أي كنت أعتقت جميعهم وذكر ابن اسحق فيمن قدم بسبب السبايا القعقاع بن معبد وقيس بن عاصم والاقرع بن حابس وفي ذلك قال الفرزدق وعند رسول الله قام ابن حابس ... بخطة سوّار الى المجد حازم له أطلق الاسرى التي فى حباله ... مغللة أعناقها في الشكائم وروى البخارى في سياق هذه الغزاة عن عبد الله بن الزبير انه لما قدم ركب من بنى تميم فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد بن زرارة وقال عمر بل أمر الاقرع بن حابس قال ابو بكر ما اردت الاخلافي قال عمر ما اردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت اصولتهما فنزل في ذلك قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» الآية والتى بعدها* ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادون من خلف الحجر يا محمد اخرج الينا حتي ايقظوه من نومه فخرج اليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا فنزل جبريل فقال ان الله تعالى يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أترضون أن يكون بينى وبينكم سبرة بن عمرو وهو على دينكم قالوا نعم قال سبرة لا أحكم بينهم الا وعمي شاهد وهو الاعور بن بشامة فرضوا به فقال الاعور أري ان تفادي نصفهم وتعتق نصفهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رضيت ففادي نصفهم واعتق نصفهم (فانزل فيهم قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) وصفهم بالجهل وقلة العقل وقال قتادة نزلت في أناس من اعراب بني تميم جاؤا الى النبى صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب (القعقاع) بفتح القافين وبتكرير المهملة الاولى ساكنة (ابن معبد) بالمهملتين والموحدة بوزن احمد وهو ابن زرارة (قال الفرزدق) بفتح الفاء والراء والمهملة وسكون الزاي آخره قاف الشاعر المشهور واسمه همام بن غالب بن صعصعة (بخطة) بضم المعجمة وتشديد المهملة أي خصلة (سوار) بالمهملة وثاب وزنا ومعنى (حازم) بالمهملة والزاي (الاسرى) بفتح الهمزة وسكون السين جمع أسير لغة في الاسارى قرئ بها في القرآن (في حباله) بالمهملة والموحدة (مغللة أعناقها) أى جعل في أعناقها الغل بضم المعجمة (في الشكائم) وهى الحبال التي ربط بعضها ببعض (وروى) البخاري والترمذي والنسائى (أمر القعقاع) أمر من الامارة (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا) قرئ من التقديم وهو لازم بمعني التقدم وقرأ يعقوب لا تقدموا أي لا تتقدموا من التقدم قال ابو عبيد تقول العرب لا تقدم بين يدى الامام أي لا تعجل بالامر والنهى دونه* سرية زيد بن حارثة الى مدين وهي بفتح الميم والتحتية

باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات السنة التاسعة من الهجرة وتسمى سنة الوفود

ذلك سرية زيد بن حارثة الى مدين وما رواه عبد الله بن الحسن المثني عن أمه فاطمة بنت الحسين رضى الله عنهم قالت ان رسول الله صلي الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين فأصاب سبيا من أهل مينا وهي السواحل وفيها جماع من الناس فبيعوا ففرق بينهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال ما لهم فقيل يا رسول الله فرق بينهم فقال صلى الله عليه وسلم لا تبيعوهم الا جميعا يعني الاولاد والامهات قال ابو عبد الله البخاري [باب بعث النبي صلى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد إلى الحرقات السنة التاسعة من الهجرة وتسمى سنة الوفود] (باب) بعث النبى صلى الله عليه وسلم اسامة بن زيد الى الحرقات من جهينة ثم روى بسنده عن اسامة قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف الانصارى عنه وطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا أسامة اقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله فقلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت انى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم وذكر بعده غزوة الفتح ورواه مسلم أيضا وزاد قال قلت يا رسول الله انما قالها خوفا من السلاح فقال أفلا شققت وسكون المهملة بلدة على ثمانية أيام من مصر سميت باسم مدين ابراهيم (عبد الله بن الحسن المثني) بن الحسن بن علي بن أبي طالب (أمه فاطمة بنت الحسين) بن علي ومن ثم كان يسمي المحض أى الخالص (مينا) بكسر الميم وسكون التحتية ثم نون مقصور (جماع) بكسر الجيم أي جمع كبير (لا تبيعوهم الا جميعا) فيه حرمة التفريق بين الولد الذى لم يميز وبين أمه بنحو البيع ونقل ابن المنذر وغيره الاجماع على بطلان العقد لامتناع التسليم شرعا ففى مسند أحمد وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة حسنه الترمذي وصححه الحاكم وللطبرانى في الكبير عن معقل بن يسار من فرق فليس منا (الحرقات) بضم المهملة والراء بعدها قاف نسبة الى حرقة واسمه خميس بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة (الى الحرقة) بضم الحاء والراء أيضا (فصبحنا) القوم بتشديد الموحدة جئناهم وقت الصباح (أنا ورجل من الانصار) قال ابن حجر قيل هو أبو الدرداء (رجلا منهم) قال البغوي وابن بشكوال وغيرهما هو مرداس بن مهيك رجل من بنى مرة بن عوف قال البغوى وكان من أهل فدك وكان مسلما لم يسلم من قومه غيره (فلما غشيناه) بكسر الشين أي قربنا منه قربا كليا (قال لا إله الا الله) زاد البغوي محمد رسول الله السلام عليكم (حتى قتلته) زاد البغوي وأستقت غنمه (بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم) زاد البغوى فوجد وجدا شديدا (فقلت كان متعوذا) بكسر الواو معتصما (حتى تمنيت اني لم اكن اسلمت قبل ذلك اليوم) ولمسلم اني أسلمت يومئذ أي ابتدأت الاسلام الآن وانه لم يكن تقدم اسلامي ليمحو عنى ما تقدم قال ذلك من عظم ما وقع فيه زاد البغوي ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لي بعد ثلاث وقال اعتق رقبة (ورواه مسلم أيضا) في كتاب الايمان (أفلا شققت

عن قلبه حتى تعلم اقالها خوفا أم لا وفيها قال سعد بن أبى وقاص والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة ومعنى ذلك ما رواه ابن اسحق عن أسامة قال قلت انظرنى يا رسول الله انى أعاهد الله ان لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله أبدا قال تقول بعدى يا أسامة قال قلت بعدك ولهذا اعتزل أسامة رضى الله تعالى عنه الحروب التي جرت بين الصحابة رضى الله عنهم فلم يخالط شيئا منها وذكر ابن اسحق ان أمير هذه السرية غالب بن عبد الله الكلبى والله أعلم وهذا الحديث وما سبق قبله من قصة خالد مع بني جذيمة من أعظم الزواجر على الاجتراء على اراقة الدماء مع قوله تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً وقال صلي الله عليه وسلم لا يزال المرء عن قلبه) استفهام توبيخ وتقريع (حتى تعلم أقالها) أي القلب (ذو البطين) تصغير بطن لان أسامة كان له بطن (انظرني) بقطع الهمزة مع كسر المعجمة وبوصل الهمزة مع ضمها أى أمهملنى (قال تقول بعدى) اشارة منه صلى الله عليه وسلم الى الهنات التى وقعت بعده (ولهذا اعتزل اسامة الحروب) وممن اعتزلها من الصحابة محمد بن مسلمة وأبو بكرة وعبد الله بن عمر وأبو ذر وحذيفة وعمران بن الحصين وأبو موسى وأهبان بن صيفى وسعد ابن ابى وقاص وغيرهم ومن التابعين شريح والنخعي وغيرهما (غالب بن عبد الله الكلبي) وفي تفسير البغوي انه غالب بن فضالة الليثي (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) وهو أن يقصد الفعل والانسان بما يقتل غالبا ولم يكن ممن رفع عنه القلم ذلك اكبر الكبائر بعد الكفر كما نص عليه الشافعي (فجزاؤه جهنم) ان أراد أن يجازيه ولكنه ان شاء عذبه بذنبه وان شاء غفر له بكرمه فانه وعدانه يغفر لمن يشاء وليس اخلاف الوعيد خلفا وذما عند العرب بل اخلاف الوعد وأنشدوا عليه واني ان أوعدته أو وعدته ... لمخلف ايعادي ومنجز موعدي فليس في الآية دليل على عدم قبول توبة القاتل وما رواه الطبراني في الكبير والضيا في المختارة عن أنس ابي الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة وما رواه أبو داود عن أبي الدرداء وأحمد والنسائي والحاكم عن معاوية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل ذنب عسى الله ان يغفره إلا من مات مشركا أو قتل مؤمنا متعمدا وما رواه الشيخان عن ابن عباس من عدم قبول توبته فتشديد ومبالغة في الزجر فقد روى البيهقى في سننه عنه انه ان لم يقبل يقال لا توبة لك وان قتل ثم جاء يقال لك توبة وروى ذلك عن سفيان بن عيينة أيضا (خالدا فيها) نزلت في مقيس بن صبابة حيث قتل وارتد كما مر وبتقدير عمومها محمولة على من قتل مستحلا أو المراد بالخلود فيها المكث الطويل أو خرج مخرج الزجر البليغ فبطل استدلال المعتزلة ونحوهم بالآية على عدم قبول توبة القاتل وتخليد أهل الكبائر فى النار (لا يزال المرء الى آخره) أخرجه

ذكر وفد بنى تميم وبني حنيفة وأهل نجران

في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما وانظر كيف لم يعذر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هؤلاء وقد كان فعلهم فى نصر دين الاسلام وقبل تقرر الاحكام وتأولوا انما قيلت في هذه الحال خوفا من القتل وهو الذي يقرب الى الافهام فلم يعذرهم بشىء من ذلك صلي الله عليه وسلم بل قال لاسامة أفلا شققت عن قلبه ومعناه لو فعلت لم يفد ذلك ولم يكن ذلك سبيلا الى معرفة ما هناك فلم يبق الا ان يبين عنه لسانه ففي هذا ان الاحكام الشرعية تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر والله سبحانه أعلم* [ذكر وفد بنى تميم وبني حنيفة وأهل نجران] السنة التاسعة وسميت سنة الوفود لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة أيقنت العرب بظهوره فبعثت كل قبيلة جماعة من رؤسائهم باسلامهم وأصح أحاديث الوفود حديث وفد عبد القيس ووفد بنى تميم ووفد بني حنيفة وأهل نجران: اما حديث عبد القيس فسبق في قصته وحديث بني تميم أيضا مر قريبا فى ذكر سرية عيينة بن حصن وذكر البخاري في ترجمة وفد بنى تميم حديثا واحدا وهو ما روي عن عمران بن الحصين قال أتى نفر من بنى تميم النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال اقبلوا البشرى يا بنى تميم فقالوا يا رسول الله قد بشرتنا فاعطنا فرئ ذلك فى وجهه فجاء نفر من اليمن فقال اقبلوا البشرى اذ لم يقبلها بنو تميم فقالوا قد قبلنا يا رسول الله: وذكر أهل السير لوفد بني تميم جملة من الاخبار منها أنه لما قام خطيبهم وشاعرهم البخاري من حديث ابن عمر وأخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي الدرداء (في فسحة) بتثليث أوله والضم أشهر ثم مهملتين الاولى ساكنة أي سعة (من دينه) بالمهملة فالتحتية فالنون أي لا يزال دينه واسعا لا يضيق عليه وقال ابن العربي الفسحة في الدين سعة الاعمال الصالحة حتي اذا جاء القتل ارتفع القبول وللكشميهنى في البخاري بالمعجمة فالنون والموحدة أي لا يزال المؤمن في استراحة من ذنبه وفى رواية لابي داود لا يزال عفيفا صالحا (ما لم يصب دما حراما) زاد أبو داود فاذا أصاب دما حراما بلح بالموحدة والمهملة وتشديد اللام أي اعيا وانقطع قاله الهروي (تناط) بالنون والمهملة مبني للمفعول أي تعلق والنوط التعليق (بالمظان) بفتح الميم وتخفيف المعجمة وتشديد النون جمع مظنة بفتح الميم وكسر المعجمة وتشديد النون وهي المحل الذي يظن حصول الشيء فيه. السنة التاسعة (وتسمى) هذه (سنة) بالنصب (وأهل نجران) بفتح النون وسكون الجيم ثم راء ثم ألف ثم نون جبال من جبال اليمن على سبع مراحل من مكة سمى بنجران بن دبران بن سبا (قد بشرتنا فاعطنا) قائل ذلك الاقرع بن حابس (فريء في وجهه) بكسر الراء والمدلغة في رؤى (فقالوا قد قبلنا يا رسول الله) هذا من جملة فضائل أهل اليمن (وذكر) المفسرون (وأهل السير) كابن اسحق وابن سيد الناس ومغلطاي وغيرهم (جملة من الاخبار منها) انهم لما جاؤا رسول الله صلى الله عليه وسلم نادوا على الباب اخرج الينا يا محمد فان مدحنازين

قام ثابت بن قيس بن شماس وحسان بن ثابت فأجاباهم فقال الاقرع بن حابس ان محمدا لمؤتى له خطب خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أحسن من شاعرنا ثم أسلم فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ما يضرك ما كان قبل هذا* وذكر فى وفدهم عطارد بن حاجب وهو صاحب الحلة التى جرى ذكرها في الصحيح وكان أبوه حاجب بن زرارة وفد على كسرى فكساه إياها وظهر من متفقات الاحاديث ان مجييء بني تميم مرات والله اعلم وذمناشين فخرج النبى صلى الله عليه وسلم اليهم وهو يقول انما ذلكم الله الذى مدحه زين وذمه شين فقالوا نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا ليشاعرك ويفاخرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بالشعر بعثت ولا بالفخر أمرت ولكن هاتوا فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه ثم (قام ثابت بن قيس) فاجاب خطيبهم (وحسان بن ثابت) فأجاب شاعرهم فقال الاقرع بن حابس (ان محمدا لمؤتي له) بضم الميم وفتح الهمزة وتشديد الفوقية وتأتى له الامر اى تهيأ (ثم أسلم) فقال أشهد أن لا إله الا الله وانك رسول الله (ما يضرك ما كان قبل هذا اليوم) من المعاصي والذنوب لانهدامه بالاسلام زاد البغوى بعد هذا ثم أعطاهم أموالهم ونساءهم وكان قد تخلف في ركابهم عمرو بن الاهتم بالفوقية لحداثة سنة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم (وذكر في وفدهم) بالبناء للمفعول (عطارد) بضم العين وكسر الراء مهمل مصروف (زرارة) بضم الزاي (صاحب الحلة) بضم الحاء المهملة وتشديد اللام قال أهل اللغة الحلة ثوبان غير لفيفين سميا بذلك لان كل واحد يحل محل الآخر قال الخليل ولا يقال حلة لثوب واحد (التى جرى ذكرها في) الحديث (الصحيح) فى الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي عن ابن عمر رضى الله عنهما قال رأى عمر حلة من استبرق وفي رواية حلة سيراء تباع وفي رواية رأي عمر عطارد التميمى يقيم بالسوق حلة أى يعرضها للبيع فأتي النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول ابتع هذه فتجمل بها للعيد وللوفود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما هذه لباس من لا خلاق له أو قال انما يلبس هذه من لا خلاق له ثم لبث عمر ما شاء الله ان يلبث فارسل اليه بحلة ديباج فاتي عمر رضى الله عنه فقال يا رسول الله قلت انما هذه لباس من لا خلاق له ثم أرسلت الىّ بهذه فقال صلى الله عليه وسلم اني لم أرسلها اليك لتلبسها ولكن لتبيعها وتصيب بها حاجتك (وفد على كسري) صاحب العراق ملك الفرس قاله عياض وسبب وفادته ان أباه حاجبا أتي كسرّي في جدب أصابهم يستأذنه لقومه أن يصيروا في ناحية من بلاده حتى يحيوا فقال انكم معاشر العرب ان أذنت لكم أفسدتم البلاد وأغرتم على العباد قال حاجب اني ضامن للملك أن لا يفعلوا قال فمن لى بان تفي قال أرهنك قوسي فضحك من حولهما فقال كسري ما كان ليسلمها أبدا فقبلها منه واذن لهم ثم مات حاجب ووفد عطارد ابنه علي كسرى فطلب قوس ابيه فردها عليه وكساه الحلة المذكورة ذكر ذلك المجد الشيرازي وغيره فمن ثم جاء في الصحيح حلة كسر وانية بكسر الكاف وفتحها* وفد بني حنيفة قال السهيلى واسم أبي حنيفة اياد بن

وأما وفد بني حنيفة ففى صحيح البخارى عن ابن عباس قال قدم مسيلمة الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يقول ان جعل لى محمد الامر بعده تبعته وقدمها فى بشر كثير من قومه فاقبل اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال لو تسألنى هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وانى لاراك الذى أريت فيه ما أريت وهذا ثابت يجيبك عنى ثم انصرف عنه قال ابن عباس فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لأراك الذى أريت فيه ما أريت فأخبرنى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيت في يدى سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحى الى الله في المنام ان انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذا بين نجيم بن صعب بن على بن بكر بن وائل (ففى صحيح البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (مسيلمة) بالتصغير وهو ابن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هنان بن ذهل بن دول بن خليفة (وقدمها) أى المدينة (فأقبل اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال العلماء انما أقبل اليه تألفا له ولقومه من رجاء إسلامهم ولتبليغ ما أنزل الله اليه ويحتمل كما قاله عياض انه فعله صلى الله عليه وسلم مكافأة له اذ قصده من بلده وكان إذ ذاك يظهر الاسلام وانما أظهر الكفر بعد ذلك قال عياض وقد جاء في حديث آخر انه هو أتي النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل انهما مرتين (ولن تعدو أمر الله فيك) روى بالنون وهو معنى رواية مسلم ولن أتعد أمر الله فيك وبالفوقية أيضا قال عياض وهما صحيحان فمعني الاول لن أعدو أنا أمر الله فيك من اني لا أحبيبك الى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة ومن اني أبلغك ما أنزل الى وادفع أمرك بالتي هي أحسن ومعنى الثاني ولن تعدو أنت أمر الله في خيبتك مما أملت من النبوة وهلاكك دون ذلك أو فيما سبق من قضاء الله تعالي وقدره من شقاوتك (ولئن أدبرت) عن طاعة الله ورسوله (ليعقرنك) بكسر القاف ليقتلنك (الله) تعالى وقتله الله يوم اليمامة كما سيأتي قال النووي وهذا من معجزات النبوة (وهذا ثابت يجيبك عنى) أى لان وظيفته اجابة الوفود عن خطبهم وسرفهم كما مر (واني لاراك) بالضم أي أظنك (الذى أريت) بضم الهمزة مبني للمفعول (رأيت في يدي) بالتشديد تثنية يد (سوارين) تثنية سوار بكسر السين وضمها وفي رواية اسوارين تثنية أسوار بضم الهمزة وكسرها وهو لغة في السوار (فاهمني) أي أتعبني (شأنهما) أمرهما وفي رواية فى الصحيح ففظعتهما بفاء ومعجمة مكسورة من الامر الفظيع أى الشديد (فاوحي إليّ في المنام) فيه دليل على ان رؤيا الانبياء وحي (ان انفخهما) بضم الفاء وسكون المعجمة (فنفختهما فطارا) فيه كما قال النووي دليل لاعجافهما واضمحلال أمرهما وذهاب أثرهما وكان كذلك وهو من المعجزات (فاولهما كذابين) ووجه مناسبة الذهب للكذاب انه يغر بصورته الحسنة أكثر الناس ويعمى بصائرهم عن التفكر فى

يخرجان بعدى احدهما العنسى والآخر مسيلمة فاما مسيلمة فعظم أمره بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكان داعية أهل الردة فندب أبو بكر لقتاله خالد بن الوليد فقتله وافنى قومه قتلا وسبيا وقتل وهو ابن مائة وخمسين سنة وكان مولده قبل عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم وسمي رحمن اليمامة فكان ذلك من أعظم أسباب فتنته وكان صاحب تبرجات وتمويهات واختلاق وتزوج بسجاح فاختلط الكذابان واسلمت سجاح في خلافة عمر واما العنسي واسمه الاسود ولقبه عبهلة فاتبعه قبائل من مذحج واليمن وغلب العواقب لما يبدو لهم من الزينة فيه وكان باطنه وهو كونه صار عاليا خلاف ظاهره فمن هنا ناسب الكذاب الذى يغر ظاهرا بكذبه ويعمي البصائر عن التفكر في شأنه بما يبدي لهم من زخرف القول (يخرجان بعدى) قال العلماء المراد بقوله بعدى ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة والا فقد كانا في زمنه صلى الله عليه وسلم (أحدهما العنسي) بفتح العين وكسر السين المهملتين بينهما نون ساكنة لقب زيد بن مالك بن أدد (فندب أبو بكر) أى أمر خالد (بن الوليد) زاد البغوى في جيش كثير (فقتله) خالد بن الوليد ظاهره انه تولى قتله وهو مخالف لما في تفسير البغوى وغيره ان قتله كان على يد وحشي بن حرب وكان يقول قتلت بهذه الحربة خير الناس في الكفر يريد حمزة وشر الناس في الاسلام يريد مسيلمة وشاركهما أيضا خداش بن بشير بن الاصم ذكره ابن الاثير وغيره (صاحب تبرجات) بفتح الفوقية وسكون الموحدة وضم الراء وبالجيم والفوقية ويقال تبريجات بالتحتية بدل الواو ونيرنجات بكسر النون وسكون الياء وفتح الراء وسكون النون ونيرنجيات بفتح النون ثم سكون النون وكسر الجيم وتشديد التحتية وكلها بمعني الكذب والتمويه (وتمويهات) وهي اظهار شيء وابطان خلافه ما خوذ من تمويه الاناء وهو ان يطلى ظاهره (واختلاق) بالقاف أى كذب (وتزوج) أيضا (بسجاح) بفتح المهملة وتخفيف الجيم آخرها مهملة قال الحريري مبنية على الكسر مثل حذام وقطام لانه معدول واشتقاقه من السجاحة وهى السهولة ومنه ملكت فاسجح وسجاح هذه هى بنت المنذر امرأة من بنى تميم من بني يربوع بن حنظلة كانت كاهنة ثم ادعت النبوة (فاختلط الكذابان) قال صاحب شمس العلوم سألت سجاح مسيلمة عما أوحي اليه فقال ألم تر الى ربك كيف خلق الخلق أخرج منها نسمة تسعي بين صفاق وحشا قالت ثم ماذا قال أوحي ان الله خلق النساء أفواجا وخلق الرجال لهن أزواجا فيولجون فيهن ايلاجا ثم يخرجون اذا شاؤا اخراجا قالت أشهد انك نبي فقال لها هل لك ان أتزوجك قالت نعم فتزوجها لعنه الله ولعن من أوحي اليه (وأسلمت سجاح في خلافة عمر) بعد أن أقرت بالكذب والضلال (وأما العنسي) بفتح المهملة وسكون النون منسوب الى عنس وهو يزيد بن مذحج بن ادد (واسمه الاسود) بن كعب وكان يقال له ذو الحمار بالمهملة وانما قيل له ذو الحمار لانه كان له حمار يقول له قف فيقف وسر فيسير قاله التفتازانى قال وكان نساء أصحابه يتعطرن بروث حماره وقيل كن يعقدن روثه بخمرهن فسمي ذو الخمار بالمعجمة (عبهلة) بفتح المهملة وسكون الموحدة وفتح الهاء واللام والجمع عباهلة قال في الصحاح عباهلة اليمن ملوكهم الذين أقروا على ملكهم لا يزولون عنه (من مذحج) بفتح الميم وسكون المعجمة وكسر المهملة ثم جيم بوزن مسجد وهو أبو قبيلة من اليمن وهو مذحج

على صنعاء فقتله فيروز الديلمى غيلة بمواطأة من زوجته وكانت مسلمة وكانت تحدث انه لا يغتسل من جنابته وبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتله في مرض موته ومسيلمة والعنسى وابن صياد أول الدجاجلة الذين أشار اليهم صلى الله عليه وسلم بقوله لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله* وأما أهل نجران فانما جاؤا للمحاجة في نبوة عيسي ابن بحاير بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ قال سيبويه الميم فيه من نفس الكلمة وفي القاموس كمجلس اكمة ولدت مالكا وطيئا أمهما عندها فسموا مذحجا (على صنعاء) بالمدوهي قصبة اليمن ويقال انها أول بلد بنيت بعد طوفان نوح (فقتله فيروز) بفتح الفاء وضم الراء آخره زاى (الديلمي) بفتح المهملة واللام وسكون التحتية بينهما زاد البغوى عن ابن عمر فاتي الخبر النبي صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التى قتل فيها فقال صلى الله عليه وسلم قتل الاسود البارحة قتله رجل مبارك قيل ومن هو قال فيروز فاز فيروز وذكر الدولابي ان قيس بن مسوج ودادونه رجل من الابناء شاركا في قتله (غيلة) بكسر المعجمة وسكون التحتية أي خفية وكان ذلك انهم دخلوا عليه سربا صنعته لهم امرأته فوجدوه سكران فضربوه باسيافهم ذكره الدولابى أيضا وذكر ابن اسحاق ان امرأته سقته البنج تلك الليلة واحتفرت السرب (بمواطأة من زوجته) اسمها كما ذكره السهيلى المرزبانة وكانت من أجمل النساء فمن ثم اغتصبها (وكانت تحدث) بحذف الاستقبال وفتح الحاء مع الدال أى تتحدث وبضمها مع كسر الدال «فائدة» كان قتل فيروز له عقب ان وقعت له مع أبي مسلم عبد الله بن ثوب بضم المثلثة وفتح الواو ثم موحدة الخولاني قصة القاه الاسود العنسي بسببها في النار فلم يحترق فتركه فجاء مهاجرا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالطريق (وبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتله في مرض موته) وللبغوي انه بشرهم بقتله ثم مات من الغد وأتي مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الاول بعد مخرج اسامة فكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رضى الله عنه (ابن صياد) اسمه صاف وقصته مشهورة في الصحيحين وغيرهما (لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون) رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة ودجالون جمع دجال ويطلق على كل كذاب وقيل الدجال المموه (قريبا) من ثلثين ولابي نعيم في الحلية عن حذيفة سبعة وعشرون منهم أربع نسوة وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ولا ينافي هذا الحديث ما رواه الطبرانى عن ابن عمرو لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا لان الدجال أخص من الكذاب فلعل الاول من عظمت فتنته كمسيلمة قال عياض لوعد من تنبأ من زمن النبي صلى الله عليه وسلم الى الآن ممن اشهر بذلك وعرف واتبعه جماعة على ضلالته لوجد هذا العدد فيهم ومن طالع كتب الاخبار والتواريخ عرف صحة هذا* وفد نجران: قال الكلبي والربيع بن أنس كانوا سبعين راكبا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلا دخلوا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر عليهم ثياب الحبرات فحانت صلاتهم فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المشرق ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم الى الاسلام فقال السيد والعاقب قد أسلمنا مثلك فقال كذبتما (وانما جاؤا للمحاجة في نبوة عيسي) فأنكروا كونه

ونزل بسببهم قوله تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ الآية ونزل فيهم أيضا آية المباهلة وهي قوله فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ولما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه وعلىّ خلفهما وهو يقول لهم ان أنا دعوت فامنّوا وهو معنى قوله تعالى ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ أي نتضرع في الدعاء والبهل اللعن أيضا فلما فعل ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تلاوموا بينهم وقالوا ان فعلتم اضطرم عليكم الوادي نارا ثم قالوا له أما تعرض علينا سوى هذا فقال الاسلام أو الجزية أو الحرب نبيا وزعموا انه ابن الله فحجهم النبي صلى الله عليه وسلم بان عيسى ياتى عليه الفناء ويطعم ويشرب ويحدث كغيره من المخلوقين والله عز وجل منزه عن ذلك وحجتهم انما هي كونه لا أب له (ونزل بسببهم) صدر سورة آل عمران الي قوله (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ) في كونه خلق من غيراب (كَمَثَلِ آدَمَ) في كونه خلق من غيراب ولا أم (خَلَقَهُ) الله (مِنْ تُرابٍ) وأنتم موافقون في ان آدم ليس ابنا لله مع عدم الاب والام معا فكيف لا توافقون على ان عيسى ليس كذلك وهو انما فقد الاب فقط وقال العلماء قسم الله الآدميين أربعة أقسام آدم خلقه من غير ذكر ولا انثى وحواء من ذكر بغير أنثي وبنو آدم من ذكر وأنثى وعيسي من أنثي بغير ذكر اظهارا للقدرة العالية (فَمَنْ حَاجَّكَ) جادلك وماراك (فِيهِ) أي في عيسى أو في الحق (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) بكون عيسى عبد الله ورسوله (فَقُلْ تَعالَوْا) وأصله تعاليوا بتحتية بعد اللام المفتوحة فاستثقلت الضمة على الياء فخذفت قال الفراء معني تعالى ارتفع أى لانه مشتق من العلو (نَدْعُ) مجزوم بالجزاء وعلامته سقوط الواو (أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) قيل أراد بابنائنا الحسن والحسين ونسائنا فاطمة وأنفسنا يعني نفسه وعليا وقيل هو على العموم لجماعة أهل الدين (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) أي نتضرع قاله ابن عباس أو تجتهد ونبالغ في الدعاء قاله الكلبي أو نلتعن قاله الكسائى وأبو عبيدة (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) منا ومنكم في أمر عيسى (جاء النبى صلى الله عليه وسلم بالحسن) آخذا بيده (والحسين) محتضنا له (وفاطمة تمشى خلفه وعلى خلفهما) وانما أخر عليا عنها ليسترها من ورائها (والبهل اللعن أيضا) يقال عليه بهلة الله أي لعنته (فلما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم تلاوموا بينهم) أى لام بعضهم بعضا وقال لهم العاقب لقد عرفتم يا معشر النصاري ان محمدا نبى مرسل والله ما لاعن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم ذلك لتهلكن فان أبيتم الا الاقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا الي منازلكم وقال أسقفهم يا معشر النصاري اني لاري وجوها لو سألوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني الي يوم القيامة أخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق محمد بن مروان السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال القاضى في حاشية البيضاوي وابن مروان متروك متهم بالكذب ثم روي أبو نعيم وغيره نحوه مرسلا (الاسلام أو الجزية أو الحرب)

من الوفود وفد طىء ورئيسهم زيد الخيل

فصالحوه على الجزية في كل عام الف حلة في صفر والف حلة في رجب وروينا في صحيح البخاري عن حذيفه رضي الله عنه قال جاء السيد والعاقب صاحبا نجران الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريدان أن يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل فو الله لئن كان نبيا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا انا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا امينا ولا تبعث معنا الا امينا فقال لا بعثن معكم رجلا أمينا حق أمين حق أمين فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قم يا أبا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا أمين هذه الامة* [من الوفود وفد طىء ورئيسهم زيد الخيل] ومن الوفود وفد طىء ورئيسهم زيد الخيل وسمي بذلك لخمسة افراس كانت له مشهورة وسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم زيد الخير وقال ما ذكر لى رجل ثم جاءنى الا رأيته دون ما يقال فابوا الاسلام وقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على ان لا تغزونا ولا يجينونا ولا تردنا عن ديننا على ان نؤدي اليك في كل عام ألفي حلة (ألف حلة في) شهر (صفر وألف حلة في) شهر (رجب) رواه أبو داود عن ابن عباس وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم على ان لا يهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا قال البغوي فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والذي نفسي بيده ان العذاب قد تدلى على أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاشتعل نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولا حال الحول على النصاري حتى يهلكوا باجمعهم (جاء السيد) قال البغوي وهو ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه الايهم وقيل شرحبيل (والعاقب) بالمهملة والقاف وكان أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون الاعن رأيه واسمه عبد المسيح قال ابن سعد واسلما بعد ذلك (ولا تبعث معنا الا أمينا) قال النووي وهو الثقة المرضى (حق أمين الى آخره) صفة مبالغة لقوة أمانته (فاستشرف لها) أى تطلع ورغب في البعث حرصا على ان يكون هو الامين الموعود به في الحديث (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولمسلم فاستشرف لها الناس (هذا أمين هذه الامة) وللبخارى من حديث أنس ان لكل أمة أمينا وان أمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح قال النووى قال العلماء الامانة مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة لكن النبي صلى الله عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليهم وكانوا بها أخص* وفد طيء بالهمز بوزن مسجد كما مر (وزيد الخيل) باضافة زيد وكانت هذه الاضافة جاهلية (سمى بذلك لخمسة أفراس كانت له) وفي القاموس انه سمى بذلك لشجاعته وقيل سمى بذلك لان كعب بن زهير اتهمه بأخذ فرس له (وسماه النبى صلى الله عليه وسلم زيد الخير) لانه بمعناه ولما علم ما فيه من الخير ففيه تغيير الاسم الذي ليس بقبيح باحسن منه ما لم يخف على صاحبه مفسدة العجب (ما ذكر لي رجل الى آخره) رواه ابن سعد في الطبقات

خبر عدى بن حاتم الطائى

فيه الازيد الخيل فانه لم يبلغ كل ما فيه وكتب له باقطاع أرضين ولما انصرف راجعا قال النبي صلى الله عليه وسلم أى رجل ان لم تدكه ام كلبة فمات منها بالطريق. [خبر عدى بن حاتم الطائى] واما عدى بن حاتم الطائى فانه لما سمع بخيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطئت أطراف بلادهم ارتحل بنيه فلحق بأهل دينه من النصارى وترك أخته في الحي فجاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبحتهم فاحتملوا ابنة حاتم وجعلوها في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامتن على من الله عليك قال ومن وافدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله فمن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساها واعطاها نفقة فلما قدمت على أخيها طفقت تصخب عليه وتلومه أن تركها خلفه وتلومه أيضا على تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عدي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكرمه وذهب به الى بيته وأخبره بأشياء فيما يستقبل من الزمان ولم يرو البخارى في ترجمة وفد طىء غير حديث واحد وهو ماورى بسنده عن عدي بن حاتم قال أتينا عمر في وفد فجعل يدعونا رجلا رجلا يسميهم فقلت اما تعرفني يا أمير المؤمنين قال بلى أسلمت اذ كفروا واقبلت اذ أدبروا ووفيت اذغدروا وعرفت اذ نكروا فقال عدى لا أبالي اذا وفي رواية مسلم ان أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيء حيث جيء بها الى رسول الله صلى الله عن أبي عمر الطائي (الازيد الخيل) ولفظ ابن سعد الا ما كان من زيد (فانه لم يبلغ) بضم أوله وفتح ثالثه مبني للمفعول (كل) بالرفع (ما) أى الذى فيه من الفضائل الدينية والدنيوية وذلك لكثرتها فيه وعدم احاطة علم الناس بها وفيه منقبة عظيمة له رضى الله عنه (باقطاع أرضين) فيه جواز ذلك للامام وفيه تفصيل مستوفي في كتب الفقه (أي رجل) وصف له بقوة الشجاعة ونصر الاسلام (ان لم تدركه أم كلبه) بفتح الكاف وسكون اللام ثم موحدة قال في القاموس هى الحمى (فمات منها بالطريق) هو من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في الاخبار بالغيب (عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التحتية (حاتم) بالمهملة والفوقية قال الشمني هلك على نصرانيته وهو الذي تضرب به الامثال في الجود وسيأتي له مزيد ذكر فيما بعد (وترك أخته) قال السهيلي أحسب اسمها سفانة بفتح المهملة وتشديد الفاء والنون وهى الدرة قال الدولابي وجدت في خبر عن أمراة حاتم تذكر فيه من سخائه قالت فاخذ حاتم عديا يعلله من الجوع وأخذت أنا سفانة (في حظيرة) بفتح المهملة وكسر المعجمة (تصخب) تصيح (ان تركها) بفتح الهمزة (فقدم عدي) قال الشمني في شهر شعبان (غير حديث) بالنصب (بيضت) بالضاد المعجمة وهو كناية عن شدة الرضا

ومن شر الوفود وفادة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس

عليه وآله وسلم* [ومن شر الوفود وفادة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس] ومن شر الوفود وفادة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وكانا تمالآ على الفتك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما منعهما الله من ذلك ولم يجبهما النبى صلى الله عليه وآله وسلم الى ما سألا قال عامر لاملانها عليك خيلا ورجلا ولاربطن بكل نخلة فرسا فجعل أسيد بن حضير يضرب في رؤسهما ويقول أخرجا ايها الهجرسان فقال عامر ومن أنت قال أسيد بن حضير قال أحضير بن سماك قال نعم قال أبوك كان خيرا منك فقال بل أنا خير منك ومن أبى يعنى بالاسلام وقد سبق شيء من ذلك وخير ميتتهما في ذكر بئر معونة والله أعلم. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفود اليمن ارسالا وفيهم. قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة* وفادة عامر بن الطفيل (وأربد) بالموحدة والمهملة بوزن أحمد بن قيس وللبغوى ابن ربيعة وربيعة زوج أمه نسب اليه قال الشمني وهو أخو لبيد بن ربيعة لامه (تمالآ) تواصيا وزنا ومعنى (على الفتك به) أى قتله على غرة كما مر قال البغوي قال عامر يا محمد مالى ان اسلمت قال لك ما للمسلمين قال تجعل لى الامر بعدك قال ليس ذلك الى انما ذاك الى الله يجعله حيث يشاء قال فتجعلنى على الوبر وأنت على المبدر قال لا قال فماذا تجعل لى قال أعنة الخيل تغزو عليها قال أو ليس ذلك الى اليوم قم معي أكلمك فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أومأ الى اربد بن ربيعة اذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف فجعل عامر يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار اربد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربه فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على سله وجعل عامر يوميء اليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى اربد وما صنع بسيفه فقال اللهم اكفنيهما بما شئت انتهى ولابن اسحق قال اربد لعامر لما كلمه في ذلك والله ما هممت ان أضربه الا وجدتك بينى وبينه أفاضربك وفي رواية غيره الا رأيت بيني وبينه سورا من حديد (ولا ربطن بكل نخلة فرسا) زاد البغوى قال النبي صلى الله عليه وسلم يمنعك الله من ذلك وابنا قيلة يريد الاوس والخزرج وقيلة بفتح القاف وسكون التحتية جدة الانصار (أيها الهجرسان) تثنية هجرس بكسر الهاء والراء وسكون الجيم بينها وآخره سين مهملة هو ولد الثعلب ويسمى الثعل ايضا قال ابن الاثير ويقال انه القرد قال في القاموس والقرد والثعلب أو ولده واللئيم والدب أو كل ما يعسعس بالليل مما كان دون الثعلب وفوق اليربوع (ميتتهما) بكسر الميم* وفود اليمن (اتاكم أهل اليمن الى آخره) رواه الشيخان والترمذي عن أبى هريرة (هم الين قلوبا وأرق أفئدة) قال ابن الصلاح المشهور ان الفؤاد هو القلب فكرره بلفظين ووصفه بوصفين الرقة والضعف والمعني انها ذات خشية واستكانة سريعة الاجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الشدة والقسوة والغلظ الذي وصف به قلوب غيرهم وقيل الفؤاد غير القلب فقيل عينه وقيل باطنه وقيل غشاوة زاد ابن شاهين من حديث فروة

الايمان يمان والحكمة يمانية فمنهم فروة بن مسيك المرادى اليمنى ولما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم وهو يوم كان لهمدان علي مراد قال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوؤه ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما ان ذلك لم يزد قومك في الاسلام الاخيرا واستعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فأقام عنده حتى توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن قول فروة بن مسيك في يوم الردم فان نغلب فغلابون قدما ... وان نغلب فغير مغلبينا وما ان طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا كذاك الدهر دولته محال ... تكر صروفه حينا فحينا ابن خراش الازدى وهم انصار دين الله وهم الذين يحبهم الله ويحبونه (الايمان يمان) فيه نوع من انواع البديع وهو على ظاهره والمراد به اليمن وأهله حقيقة وصفوا بذلك لان من اتصف بشيء وقوى قيامه به نسب ذلك الشيء اليه استعارة لتميزه به وكان حالة فيه من غير نفي عن غيرهم زاد مسلم والفقه يمان (والحكمة يمانية) بتخفيف الياء التحتية والحكمة ما تكمل به النفوس من المعارف والاحكام وهي السنة أو القرآن أو فهمه أو الفقه في الدين أو العلم أو العمل به أو كل صواب من القول أو وضع الاشياء مواضعها أقوال قال النووي وقد صفى لنا من هذه الاقوال انها عبارة عن العلم المتصف بالاحكام المشتمل على المعرفة بالله تعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك وقال ابن دريد كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك الى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهى حكمة ومن الحديث أن من الشعر حكمة وفي ذلك منقبة لاهل اليمن والمراد الموجودون في زمنه صلى الله عليه وسلم من أهل اليمن لا كل أهل اليمن في كل زمان قال النووي والسيوطي وغيرهم (فمنهم فروة) على لفظ الفروة الكساء المعروف (ابن مسيك) بالتصغير (المرادي) بضم الميم وبالراء نسبة الى مراد (يوم الردم) بفتح الراء وسكون المهملة قرية بالبحرين (مثل ما) بالرفع (وزبيد) بالتصغير بطن من مذحج (فان نغلب) مبنى للفاعل (فغلابون) جمع غلاب وهو من يغلب كثيرا (وان نغلب) مبني للمفعول (فغير مغلبينا) بالف الاطلاق فيه وفي البيت الذى بعده (فما) نافية (ان) زائدة (طبنا) بالمهملة فالموحدة فالنون مفتوحات أي أمرضنا وصيرنا مجبنين كالرجل المطبوب أي المسحور قال ابن الانباري الطب من الاضداد يقال لعلاج الداء طب ويقال للداء طب وبكسر الطاء وفتحها مع ضم الموحدة أي عادتنا (جبن) خور وضعف بنا أي لم يكن سبب قتلنا ذا الجبن (ولكن) تلك (منايانا) حان أجلها (ودولة) بضم الدال وفتحها قوم (آخرينا) علينا بعد ان كانت الدولة لنا عليهم (محال) بكسر الميم قوية وفي بعض النسخ سجال وهي أنسب بالكلام وان كانت الاولى صحيحة

خبر وفد كندة وعليهم الأشعث بن قيس

ومنهم عمرو بن معدى كرب الزبيدي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع ثم ارتد زمن الردة وأسلم بعد ذلك وكان له المقامات المشهورة في وقت عمر بن الخطاب وهلك بأرض فارس بعد ان عمر كثيرا ومنهم صرد بن عبد الله الازدى قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاسلم ثم سار على أهل جرش فحاصرهم قريبا من شهر ثم انصرف عنهم راجعا فتبعوه فكرّ عليهم فقتلهم قتلا شديدا وكان رجلان منهم بالمدينة فنعى اليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قومهما في ذلك الحين فسألاه أن يدعو الله لهم فقال اللهم ارفع عنهم ثم قدم وفد جرش بعد ذلك فاسلموا وحمى لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى حول قريتهم والله أعلم* [خبر وفد كندة وعليهم الأشعث بن قيس] ومنهم وفد كندة وهم ثمانون أو ستون راكبا عليهم الاشعث بن قيس فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسجده وقد رجلوا جممهم وتكحلوا ولبسوا جياد الحبرات مكففة بالحرير فقال لهم ألم تسلموا قالوا بلى قال فما بال هذا الحرير فنزعوه ثم قال الاشعث يا رسول الله نحن بنو آكل المرار وأنت ابن آكل المرار فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال ناسبوا بهذا النسب ربيعة بن الحرث والعباس بن عبد المطلب وكانا تاجرين فكانا اذا سارا في أرض العرب فسئلا ممن أنتما قالا بنو آكل المرار ليتعززا بذلك في العرب لان بنى آكل المرار من كندة كانوا ملوكا ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا منا ولا ننتفي من أبينا المعنى (ابن معدي كرب) بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملة وسكون التحتية وفتح الكاف وكسر الراء ثم موحدة لا ينصرف لانهما اسمان مركبان (الزبيدي) بالتصغير وكتب عمر بن الخطاب الى سعد بن أبي وقاص وهو على الصائفة ان استعن في حربك عمرو بن معدي كرب وطليحة الاسدى ولاتولهما من الامر شيئا فان كل صانع أعلم بصنعته وكان عمرو من فرسان العرب وشجعلنهم وفصحائهم (جرش) بضم الجيم وفتح الراء ثم معجمة قرية من قري اليمر (وفد كندة) بكسر الكاف وسكون النون ثم مهملة قال في القاموس لقب ثور بن عفير أبى حي من اليمن لانه كند أباه النعمة ولحق باخواله والكند القطع انتهى (الاشعث) بالمعجمة والمثلثة بينهما عين (ولبسوا) بكسر الباء (جياد الحبرات) أى فاخرها والحبرات جمع حبرة بكسر المهملة وفتح الموحدة نوع من برود اليمن (نحن بنو آكل المرار) بمد همزة آكل والمرار بضم الميم وتخفيف الراء شجر قال في القاموس من أفضل العشب واضخمه اذا أكلته الابل قلصت مشافرها فبدت أسنانها وانما قيل له آكل المرار لكشر كان به انتهي (ربيعة بن الحرث) بن عبد المطلب (لانقفوا منا) أي لا نتبع (ولا ننتفي من أبينا) كما كان يقوله العباس وربيعة وذلك لحرمة الانتساب الى غير الاب لان العباس وربيعة بن الحارث كانا يقولان نحن بنو آكل المرار

وفود همدان وفيهم مالك بن نمط ذو المشعار

[وفود همدان وفيهم مالك بن نمط ذو المشعار] ومنهم همدان فيهم مالك بن نمط ذو المشعار واوفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرجعه من تبوك عليهم الحبرات والعمائم العدنية على المهرية والارحبية وهم يرتجزون همدان خير سوقة وأقيال ... ليس لها في العالمين أمثال محلها الهضب وفيها الابطال ... لها اطابات بهاوأ كال اليك جاوزن سواد الريف* في هبوات الصيف والخريف* مخطمات بالحبال الليف ثم قال مالك بن نمط يا رسول الله نضية من همدان من كل حاضر وباد اتوك على قلاص نواج متصلة بحبال الاسلام لا تأخذهم في الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام لان ام عبد المطلب من الانصار وهم كندة من أولاد سبأ فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الانتساب انما يكون الي الأب لا إلى الام أو لان دعدا بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث الكندي المذكور كانت أم كلاب بن مرة قاله السهيلى (وفد همدان) بسكون الميم واهمال الدال كما مر (ابن نمط) بفتح النون فالميم فالمهملة (ذو المشعار) بكسر الميم وسكون المعجمة ثم مهملة وقيل معجمة بعدها ألف ثم راء (علي المهرية) بفتح الميم وسكون الهاء نوع من الابل ينسب الى مهرة قبيلة من قضاعة (والارحبية) بفتح الهمزة والمهملة وسكون الراء بينهما وكسر الموحدة وتشديد التحتية ابل كريمة منسوبة الي بني أرحب من همدان (وهم يرتجزون) والرجز نوع من الشعر سمي بذلك لتقارب أجزائه وقلة حروفه وزعم الخليل انه ليس بشعر وانما هو انصاف أبيات وأثلاث والارجوزة كالقصيدة منه وجمعها أراجيز قاله في القاموس (سوق) بضم المهملة وسكون الواو ثم قاف الرعاع ومن دون أشراف الناس (واقبال) جمع قيل بفتح القاف وسكون التحتية وهو دون الملك الاعظم (ليس لها في العالمين أمثال) أي في النجدة والشجاعة وشدة البأس وانما قالوا ذلك لغلبة أحوال الجاهلية من التفاخر عليهم وعدم معرفة أحكام الاسلام (الهضب) بفتح الهاء وسكون المعجمة الجبال المستطيلة على الارض والواحدة هضبة (الابطال) جمع جمع بطل وهو الشجاع (لها اطابات) بكسر الهمزة وتخفيف الطاء ثم الفين بينهما موحدة خفيفة آخره فوقية جمع اطاب والاطاب جمع أطبة بفتح الهمزة وقد تبدل واوا وأصلها الحيس يجمع التمر البرني والاقط المدقوق والسمن وهو هنا استعارة وأراد أن لهم مآكل حسنة رائقة لينة (وأكال) بفتح الهمزة وضمها فعلي الاول هو صفة مبالغة لمن كثر أكله وعلى الثانى جمع أكل والمراد ان لهم رعاة يأكلون الرباع وغيره مما يأكله الولاة من الرعية (الريف) بكسر الراء وسكون التحتية ثم فاء الارض المخصبة (هبوات) جمع هبوة بتثليث الهاء وسكون الموحدة والهبوة الغبرة يقال يوم هبوة ويوم راح وريح اذا كان ذا ريح (مخطمات) يعني الابل التى جاؤا راكبين عليها وهي المرادة بقوله جاوزن (الليف) المراد به ليف النخل (نضية) بفتح النون وكسر المعجمة وتشديد التحتية وهى الخيار من القوم وجمعها أنضاء واناض قاله في القاموس أو هو الهزيل (قلاص) جمع قلوص وهي الناقة الفتية الشابة ويقال في جمعها قلائص وقلص (نواج) جمع ناجية بالنون والجيم والتحتية وهى السريعة في السير (مخلاف) بكسر الميم وسكون المعجمة آخره فاء وهو الاقليم بلغة اليمن (خارف) بالمعجمة والراء المكسورة والفاء مصروف بطن من همدان ينسب الى خارف بن الحارث (ويام) بالتحتية مصروف أيضا بطن آخر أيضا

وشاكر اهل السود والقود أجابوا دعوة الرسول عهدهم لا ينقض ما أقامت لغلع وما جرى اليعفور بصلع وكتب لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كتابا فيه هذا كتاب من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لمخلاف خارف ويام اهل جناب الهضب وحقاف الرمل ان لهم فراعها ووهاطها يأكلون علافها ويرعون عفاءها ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم بذلك عهد الله وشاهدهم المهاجرون والانصار ومن قول مالك بن نمط رضي الله عنه حلفت برب الراقصات الى مني ... صوادر بالركبان من أرض قردد ينسب الى يام بن أصنى (وشاكر) بالمعجمة مصروف (أهل السود) بفتح المهملة (والقود) بفتح القاف أي انهم سادة قادة (لعلع) جبل من جبال المدينة غربي سلع الى جانبه مسجد القبلتين (اليعفور) بفتح التحتية وسكون المهملة ثم فاء ثم واو ثم راء وهو ولد الظبية ويسمى الشادن والغزال والطلاء والخشف (بصلع) بضم المهملة وتشديد اللام ثم مهملة الفضاء الواسع الاملس ويسمى السملق والسنى (بسم الله الرحمن الرحيم) فيه طلب استفتاح الكتب بها كما مر (جناب الهضب) بفتح الجيم وتخفيف النون أي جانبه (وحقاف الرمل) جمع حقف بكسر المهملة وسكون القاف وهو ما استطال من الرمل ويقال في جمعه احقاف أيضا (فراعها) بكسر الفاء وتخفيف الراء واهمال العين هو العالي من الارض وفي الحديث كانت سودة تفرع النساء طولا أي تعلوهن (ووهاطها) بالطاء المهملة بوزن فراعها جمع وهط بفتح الواو وسكون الهاء وهو المطمئن من الارض ويسمى الخبث والغائط والقاع (علافها) بكسر المهملة وتخفيف اللام والفاء هو جمع علف بفتح اللام يقال علف وعلاف كحمل وحمال قاله الهرويّ (عفاءها) بفتح المهملة وتخفيف الفاء والمدهوما لا ملك فيه قاله الهروي وزاد عياض في الشفاء بعد هذا لنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والامانة ولهم من الصدقة الثلث والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوري وعليهم فيها الصالغ والقارع انتهي والدفء بكسر المهملة وسكون الفاء ثم همزة والصرام بكسر المهملة وتخفيف الراء معناه من ابلهم وغنمهم قيل وسماها دفئا لانها يتخذ من أصوافها وأوبارها ما يدفؤن به قاله الهروى والناب بالنون والموحدة آخره هي الناقة الهرمة التي طال بابها وذلك من علامة الهرم والفارض بالفاء والراء والمعجمة المسن من الابل والداجن الدابة التي تألف البيوت كما مر والحورى بفتح المهملة والواو وكسر الراء وتشديد التحتية منسوب الى الحور وهو جلود تتخذ من جلود الضان قاله ابن الاثير في النهاية وقيل المدبوغ من الجلود بغير قرظ وهو أحد ما جاء على أصله ولم يعل وقال الكاشغرى الحورى المكوى منسوب الى الكية الحوراء وهي كية مدورة يقال حوره اذا كواه هذه الكية والصالغ باهمال الصاد واعجام العين وكسر اللام وهو من البقر والغنم الذى كمل السنة الخامسة ودخل في السنة السادسة ويقال بالسين بدل الصاد قاله ابن الاثير في النهاية والفارح بالقاف والراء والمهملة هو الفرس القارح قاله ابن الاثير وهو من الحافر بمنزلة البازل من الابل قاله في القاموس (الراقصات) بالقاف والمهملة المتحركات في السير بسرعة كالراقص وهو الزافر (صوادر) جمع صادرة وهي ضد الواردة وهو منصوب على الحال (قردد) بفتح القاف

خبر موافاته صلى الله عليه وسلم، مقدمه من تبوك، كتاب ملوك حمير بإسلامهم

بأن رسول الله فينا مصدق ... رسول أتى من عند ذي العرش مهتدى فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أشد على أعدائه من محمد وأعطى اذا ما طالب العرف جاءه ... وامضى بحد المشرفي المهند [خبر موافاته صلى الله عليه وسلّم، مقدمه من تبوك، كتاب ملوك حمير بإسلامهم] ووافاه أيضا مقدمه من تبوك كتاب ملوك حمير باسلامهم فكتب اليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان أما بعد ذلك فاني أحمد الله اليكم الذى لا إله الا هو قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من ارض الروم وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين ثم كتب لهم نصب الزكاة والفريضة التي افترضها الله تعالى عليهم فيها فقال فمن زاد فهو خير له وكتب الى زرعة بن ذي يزن أن اذا أتاكم رسلى فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك ابن عبدة وعقبة بن نمير ومالك بن مرارة واصحابهم وان اجمعوا ما عندكم من الجزية من مخالفيكم وأبلغوها رسلي وان أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن الا راضيا* روينا في صحيح البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل وسكون الراء وتكرير المهملة وهو المكان الصلب وقيل المرتفع (العرف) بضم المهملة وسكون الراء أى المعروف (المشرفي) من أسماء السيف كما تقدم ضبطه (المهند) من أسمائه كما مر أيضا (فائدة) روى أبو داود عن عامر بن شهر قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لي همدان هل انت آت هذا الرجل ومرتاد لنا فان رضيت لنا شيأ رضيناه وان كرهت شيئا كرهناه قلت نعم فجئت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضيت أمره وأسلم قومي وكتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الى عمير ذى مران قال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مرارة الرهاوي الى اليمن جميعا قال فاسلم عك ذو خيوان قال فقيل لعك انطلق الي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذ منه الامان على بلدك ومالك فقدم فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم لعك ذي خيوان ان كان صادقا في أرضه وماله ورفيقه فله الامان وذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب خالد بن سعيد ابن العاص* كتابه صلى الله عليه وسلم لملوك (حمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتية غير مصروف قبيلة من اليمن (بن عبد كلال) بضم الكاف وتخفيف اللام (والنعمان) بضم النون (قيل) بفتح القاف وسكون التحتية كما مر (ذي رعين) بالراء والمهملة والنون مصغر (معافر) بفتح الميم وتخفيف المهملة وكسر الفاء ثم راء (وقع بنا) أى وافقنا (منقلبنا) مرجعنا نصب (الزكاة) جمع نصاب (والفريضة) بالنصب عطفا على نصب (زرعة) بضم الزاي وسكون الراء وفتح المهملة (ابن ذى يزن) بفتح التحتية والزاي فنون غير مصروف (معاذ بن جبل) بالرفع بدل من رسل (ابن نمر) بفتح النون وكسر الميم ثم راء (ابن مرارة) بضم الميم وتكرير الراء (روينا في صحيح البخارى)

حين بعثه الى اليمن انك ستأتى قوما اهل كتاب فاذا جئتهم فادعهم الى ان يشهدوا ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فان هم اطاعوا لك بذلك فأخبرهم ان الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم أطاعوا لك فأخبرهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فان أطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب وروينا فيه أيضا عن أبى بردة عن أبى موسى قال بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل الى اليمن وبعث كل واحد منهم على مخلاف قال واليمن مخلافان ثم قال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا فانطلق كل واحد منهما الى عمله قال وكان كل واحد منهما اذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبى موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى اليه واذا هو جالس وقد اجتمع اليه الناس فاذا رجل عنده قد جمعت يداه الى عنقه فقال له معاذ يا عبد الله وصحيح مسلم وغيرهما (حين بعثه الي اليمن) قال في التوشيح اختلف هل بعثه واليا أو قاضيا فجزم الغساني بالاول وابن عبد البر بالثاني وكان بعثه سنة عشر في ربيع الآخر وقيل سنة تسع بعد تبوك وقيل سنة ثمان ولم يزل بها الي ان قدم في عهد أبي بكر (ان يشهدوا أن لا إله الا الله الى آخره) فيه تقديم الاهم فالاهم من العبادات اذ الشهادتان أهم من الصلاة والصلاة أهم من الزكاة ولم يقع في هذا الحديث ذكر الصوم والحج مع كونهما قد فرضا يومئذ تقصيرا من بعض الرواة قاله ابن الصلاح (أطاعوا لك) قال في التوشيح عدي باللام لتضمنه معني انقادوا (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) استشهد به أكثر أصحابنا علي حرمة نقل الزكاة وهو عند غيرهم محمول علي فقراء المسلمين (اياك) بمعني احذر (وكرائم أموالهم) بالنصب فيه دليل علي عدم جواز أخذ الكريمة من النعم وعدم وجوب اخراجها (واتق دعوة المظلوم) أى تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم (ليس بينها وبين الله حجاب) أى ليس لها صارف يصرفها ولا مانع يمنعها ولأحمد من حديث أبى هريرة دعوة المظلوم مستجابة وان كان فاجرا ففجوره على نفسه وللخطيب بسند ضعيف عن على اتق دعوة المظلوم فانما سأل الله تعالي حقه وان الله لم يمنع لذى حق حقه وللطبراني في الكبير والضيا بسند صحيح عن خزيمة بن ثابت اتقوا دعوة المظلوم فانها تحمل على الغمام يقول الله عز وجل وعزتي وجلالى لانصرنك ولو بعد حين وللحاكم بسند صحيح عن ابن عمر اتقوا دعوة المظلوم فانها تصعد الى السماء كانها شرارة ولاحمد وأبي يعلي والضيا بسند صحيح عن انس اتقوا دعوة المظلوم وان كان كافرا فليس دونه حجاب (وروينا فيه أيضا) وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائى (عن أبي بردة) اسمه عامر على صحيح (يسرا ولا تعسرا) هذا من بديع كلامه صلى الله عليه وسلم وشدة فصاحته وبلاغته وفيه ندب التبشير والتحذير من التنفير (وبشرا) أمر من

وفود بني نهد من غور تهامة

ابن قيس ايما هذا قال هذا رجل كفر بعد اسلامه قال لا انزل حتى يقتل فأمر به فقتل ثم نزل فقال يا عبد الله كيف تقرأ القرآن قال اتفوقه تفوقا قال فكيف تقرا انت يا معاذ قال انام اول الليل فأقوم وقد قضيت من النوم حزبى فأقرأ ما كتب الله لى فاحتسب نومتي كما احتسب قومتي وروينا فيه ايضا عن عمرو بن ميمون ان معاذ بن جبل لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ واتخذ الله ابراهيم خليلا فقال رجل من القوم لقد قرت عين ام ابراهيم [وفود بني نهد من غور تهامة] ومنهم بنو نهد قالوا يا رسول الله جئناك من غورى تهامة بأكوار الميس ترتمى بنا العيس وشكوا له جدب بلادهم فقال اللهم بارك لبنى نهد في محضها ومخضها ومذقها وابعث راعيها في الدثر وافجر لهم الثمد وبارك لهم في المال والولد من اقام الصلاة كان مسلما ومن آتى الزكاة التبشير زاد في رواية وتطاوعا ولا تختلفا (ايما هذا) بفتح الهمزة وتشديد التحتية للاصلى ولابي ذر بسكونها وتخفيف الميم كلمة استفهام قال الحربي هي اي وما صلة قال تعالى أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ وقال تعالى أَيًّا ما تَدْعُوا (اتفوقه) تفوقا بالفاء قبل القاف أي ألازم قراءته ليلا ونهارا شيأ بعد شيء وحينا بعد حين مأخوذ من فواق الناقة وهو ان تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب (حزبي) بكسر المهملة وسكون الزاي ثم موحدة أي حظي الذي كتب لي من النوم (عمرو بن ميمون) معدود من المخضرمين بالمعجمة وفتح الراء مشتق من الخضرمة وهى القطع (الاودي) بفتح الهمزة وسكون الواو ثم مهملة ثم ياء النسبة الى أود بن مصعب من سعد العشيرة من مذحج (خليلا) قال عياض قيل الخليل المنقطع الى الله الذي ليس في انقطاعه اليه ومحبته اياه اختلال وقيل الخليل المختص وقال بعضهم أصل الخلة الاستصفاء وسمى ابراهيم خليل الله لموالاته فيه ومعاداته فيه وخلة الله نصره وجعله اماما لمن بعده وقيل الخليل أصله الفقير المحتاج المنقطع مأخوذ من الخلة وهى الحاجة فسمى بها ابراهيم لانه قصر حاجته على ربه وانقطع اليه بهمة ولم يجعله قبل غيره اذ جاءه جبريل وهو في المنجنيق ليرمي به في النار فقال ألك حاجة فقال اما اليك فلا وقال أبو بكر بن فورك الخلة صفاء المودة التى توجب الاختصاص بتحمل الاسرار وقال بعضهم أصل المحبة الخلة ومعناها الاسعاف والالطاف والترفيع والتشفيع (وفد بنى نهد) بفتح النون وسكون الهاء ثم مهملة (من غوري تهامة) بفتح المعجمة وسكون الواو وفتح الراء بوزن سكرى وهو كل ما انحدر مغربا من تهامة قاله في القاموس (الاكوار) جمع كور وهو مقدم الرحل (الميس) بكسر الميم جمع مائسة أي متحركة من سرعة السير (ترتمي) تسير بنا سيرا عنيفا (العيس) بكسر المهملة وسكون التحتية ثم مهملة وهي من الابل التي يخالط بياضها شيء من شقرة يقال جمل أعيس وناقة عيساء (في محضها) باهمال الحاء واعجام الضاد أي اللبن الخالص (ومخضها) بالمعجمتين ما مخض من اللبن وأخذ زبده (ومذقها) بفتح الميم فمهملة ساكنة فقاف أى لبنها المخلوط بالماء (في الدثر) بفتح الدال المهملة وسكون المثلثة ثم راء المال الكثير قال ابن الاثير ويقع على الواحد والاثنين والجماعة (وافجر لهم الثمد) بفتح المثلثة والميم واهمال الدال الماء القليل (كان مسلما) لان

وفد ثقيف وما كان من حديثهم

كان محسنا ومن شهد ان لا إله إلا الله كان مخلصا لكم يا بني نهد ودائع الشرك ووضائع الملك لا تلطط في الزكاة ولا تلحد في الحياة ولا تتثاقل عن الصلاة ولاهل اليمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبار طويلة فيما قالوا وقيل لهم. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب كل وفد بلغتهم ويجاوبهم على مقتضى فصاحتهم [وفد ثقيف وما كان من حديثهم] وممن وافاه مقدمه من تبوك وفد ثقيف وكان من حديثهم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما انصرف عنهم تبعه عروة بن مسعود فأدركه قبل ان يصل الى المدينة فأسلم واخذ راجعا الى قومه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة لا يقيمها الا المسلمون (كان محسنا) أي الاحسان الذي هو العطاء وليس المراد الذي هو بمعنى المراقبة (كان مخلصا) أى لان من شهد بالوحدانية لله فقد أخلص (ودائع الشرك) قال السمني أى عهوده ومواثيقه يقال أعطيته وديعا أي عهدا وقيل ما كانوا استودعوه من أموال الكفار الذين لم يدخلوا في الاسلام أراد انها حلال لهم لانها مال كافر قدر عليه من غير عهد ولا شرط (ووضائع) بواو ومعجمة مفتوحتين فتحتية فمهملة قال الشمني جمع وضيعة وهي الوضيعة على الملك وما يلزم الناس في أموالهم من الصدقة والزكاة يعنى ان لا نجاوزها معكم ولا نزيد فيها وقيل معناه لا نأخذ منكم ما كان يأخذه ملوككم عليكم بل هو لكم والاول يناسبه (الملك) بكسر الميم والثاني بضمها (لا تلطط) بضم الفوقية وسكون اللام وكسر المهملة تعقبها أخرى واللط والالطاط المنع يقال لط الغريم والطه أي منعه والضمير في قوله لا تلطط للقبيلة (ولا تلحد) بضم الفوقية وسكون اللام وكسر الحاء وبالدال المهملتين أي لا يحصل منكم ميل عن الحق ما دمتم أحياء قاله ابن الاثير (ولاهل اليمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار طويلة) منها انه كتب لكم في الوظيفة العريضة ولكم الفارض والفريش وذو العنان الركوب والفلو الضبيس لا يمنع سرحكم ولا يعضد طلحكم ولا يحبس دركم ما لم تضمروا الرماق وتأكلوا الرباق من أقر فله الوفاء بالعهد والذمة ومن أبى فعليه الربوة ذكر ذلك عياض في الشفاء والعريضة من الابل المسنة الهرمة قاله ابن الاثير وكذا الفارض وفي بعض نسخ الشفاء العارض بالمهملة قال الشمنى وهي الناقة يصيبها كبر أو مرض فتنحر والفريش بالفاء والمعجمة مكبر هي التي وضعت حديثا كالنفساء من النساء قاله الهروى أو التي حمل عليها الفحل بعد النتاج بسبع قاله الاصمعي والعنان بكسر المهملة سير اللجام والركوب بفتح الراء الفرس الذلول قاله ابن الاثير والفلو بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو المهر ويقال له فلو بكسر أوله وسكون ثانيه وتخفيف ثالثه والضبيس بالمعجمة فالموحدة فالتحتية فللهملة مكبر وهو العسر الصعب قاله الهروى والسرح بفتح المهملة وسكون الراء الماشية والعضد القطع والطلح شجر عظام من شجر العضاه والرماق بكسر الراء وتخفيف الميم آخره قاف هو النفاق والرباق كالاول الا انه بالموحدة بدل الميم جمع ربق بكسر الراء الحبل فيه عري شبه ما يلزم الاعناق من العهد بالرق واسعار الاكل لنقض العبد فان البهيمة اذا أكلت الربق خلصت من الشدة قاله ابن الاثير والربوة بفتح الراء وفتحها أى الزيادة في الفريضة الواجبة عقوبة عليه (وفد ثقيف) بالصرف وهو أبو قبيلة

انهم قاتلوك فقال يا رسول الله انا أحب اليهم من أبصارهم وكان محببا اليهم مطاعا فيهم فلما جاءهم دعاهم الى الله تعالى فرموه بالنبل من كل ناحية فأصابه سهم فقتله فقال لهم ادفنونى مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فلما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم خبره قال ان مثله في قومه كمثل صاحب يس ثم أقامت ثقيف بعد قتله اشهرا وسقط في أيديهم ورأوا ان لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب فأوفدوا جماعة منهم باسلامهم ولما نزلوا قناة الفوا بها المغيرة بن شعبة يرعي الابل وكان يوم نوبته فلما رآهم ترك الركاب وانصرف مسرعا مبشرا فلقيه أبو بكر رضى الله عنه فأخبره فقال له أبو بكر أقسمت عليك بالله لا تسبقني بخبرهم ففعل فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم ثم خرج المغيرة فتلقاهم وعلمهم التحية فلم يفعلوا الا بتحية الجاهلية ثم ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في المسجد فكان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم اللات ثلاث سنين فأبى عليهم ثم سألوه شهرا فأبى عليهم ثم سألوه أن يعفيهم من الصلاة وان لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال لهم اما كسر الاوثان فسنعفيكم واما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه وثقيف لقب له واسمه قيس بن منبه بن بكر بن هوازن (انهم قاتلوك) هذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم (فلما بلغ النبي) بالنصب (خبره) بالرفع (كمثل صاحب يس) اسمه حبيب بن مرى النجار قال السهيلى ويحتمل انه أراد اليسع صاحب الياس فان الياس يقال في اسمه يس أيضا قال الطبرى هو الياس بن يس (وسقط في أيديهم) أي ندموا قال البغوي تقول العرب لكل نادم على أمر سقط في يده (قناة) بالقاف والنون الوادى المشهور بالمدينة (وكان يوم) بالنصب واسم كان مستتر فيها (وعلمهم التحية) يعنى السلام (بتحية الجاهلية) وهى الانحناء (ثم ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في المسجد) كما رواه الى آخره أبو داود عن عثمان بن أبى العاص قال وانما أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم ففيه جواز ادخال الكفار المسجد كما سبق (ان يعفيهم) بضم أوله وسكون المهملة وكسر الفاء أى يتركهم منها وفي سنن أبى داود فاشترطوا ان لا يعشروا ولا يحشروا (لا خير في دين لا صلاة فيه) في أبي داود ولا ركوع فيه وهو من باب التعبير بالبعض عن الكل والمراد بالحشر جمعهم للجهاد والنفر اليه والعشر أخذ العشور وحاصله انهم سألوه صلى الله عليه وسلم الاعفاء من الزكاة والجهاد والصلاة فاعفاهم مما عدا الصلاة قال الخطابي وانما أعفاهم من الجهاد والزكاة لعدم وجوبهما بعد في العاجل لان الصدقة لا تجب الا بانقضاء الحول والجهاد لا يجب الا اذا حضر العدو قال وأما الصلاة فهى راتبة فلم يجز شرط تركها انتهي وروى أبو داود أيضا عن وهب قال سألت جابرا عن شأن ثقيف اذ بايعت قال اشترطت ان لا صدقة عليها ولا جهاد وانه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيتصدقون ويجاهدون اذا أسلموا

فقالوا فسنؤتيكها وان كانت دناءة ثم أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص وكان من احدثهم سنا وانما أمره عليهم لانه رآه أكثرهم سؤالا عن معالم الدين وبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمان اللات وكان قدومهم على النبى صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان مرجعه من تبوك روى عن بعض وفدهم قال كان بلال يأتينا بعد ان اسلمنا بسحورنا وانا لنقول ان الفجر قد طلع فيقول قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر ويأتينا بفطورنا وانا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يضع يده في الجفنة فيلقمهم منها وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم (بسم الله الرحمن الرحيم) من محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى المؤمنين ان عضاه وج وصيده لا تعضد من وجد يفعل من ذلك شيئا فانه يجلد وتنزع ثيابه (فسنؤتيكها) فسنعطيكها وزنا ومعنى (وان كانت دناءة) وضعة أى لما فيها من وضع الجباه التى هى أشرف الاعضاء بالارض وانما قالوا ذلك لغلبة الجهل وبقاء آثار الكفر عليهم وعدم الفهم لها واعتيادهم ما فيها من الخيرات والفتوح الربانية (من أحدثهم سنا) أى أصغرهم (أكثرهم) بالنصب (معالم الدين) جمع معلم وهو في الاصل الجبل الذى يهتدى به في القفار ويسمى علما أيضا (أبا سفيان) بن حرب (بسحورنا) بفتح السين اسم لما يتسحر به (وانا لنقول ان الفجر قد طلع) أي من شدة تاخير السحور كما هو السنة (بفطورنا) بالفتح أيضا اسم لما يفطر به (ما نري الشمس) بالضم أي ما نظنها (غربت) أي من شدة تعجيل الفطر كما هو السنة (الجفنة) بضم الجيم وسكون الفاء ثم نون وهي اسم لاعظم القصاع ثم تليها القصعة وهي تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع نحو الخمسة ثم المئكلة بكسر الميم ثم همزة ثم فتح الكاف تشبع الرجلين والثلاثة (ان عضاه وج وصيده الي آخره) رواه بمعناه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه عن الزبير رضى الله عنه وذكر الذهبي ان الشافعي صححه والعضاه بمهملة مكسورة وضاد معجمة كل شجر له شوك كالطلح والعوسج ووج واد بين الطائف ومكة سمي بوج بن عبد الحى من العمالقة ويقال فيه واج (لا يعضد) لفظ أبي داود حرم محرم لله تعالى قال الخطابى ولا أعلم لتحريمه معني الا أن يكون على سبيل الحما لنوع من منافع المسلمين أو انه حرم وقتا مخصوصا ثم أحل يدل عليه قول صاحب جامع الاصول قبل نزوله الطائف لحصار ثقيف ثم عاد الامر فيه الى الاباحة انتهى وذهب الشافعي رحمه الله الى تحريمه لكن هل يجب عليه جزاء قولان القديم نعم لقوله في الحديث (ومن وجد يفعل من ذلك شيئا فانه يجلد وتنزع ثيابه) فالجلد تعزير على الفعل أو الجزاء في مقابلة ما أتلف وعليه فالضمان بالسلب كما في الحديث وقيل كحرم مكة وعلى الاول يسلب كسلب الكفارة وقيل يترك له ساتر العورة وضححه في المجموع وصوبه في زوائد الروضة والجديد عدم الضمان لعدم كونه محلا للنسك فاشبه

مطلب في غزوة تبوك وهي المسماة بساعة العسرة

وكتب خالد بن سعيد بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد على ذلك علي وابناه الحسن والحسين وذكر ان المغيرة لما أراد هدم اللات قام أهل بيته دونه خشية أن يصيبه ما أصاب عروة ولما شرع في الهدم صاح وخر مغشيا عليه مستهزأ بهم فارتجت المدينة فرحا فقام المغيرة يضحك منهم ويقول ياخبثاء ما قصدت الا الهزء بكم ثم أقبل على هدمها حتى أستأصلها وأخذ مالها وحليها وفرغ من أمرها* [مطلب في غزوة تبوك وهي المسمّاة بساعة العسرة] وممن ذكر في وفود هذه السنة وفد فزارة بضعة عشر رجلا ووفد تجيب ثلاثة عشر رجلا ووفد بني أسد قيل وفيهم نزل قوله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ووفد كلاب ووفد الداريين من لخم وهم عشرة ووفد سعد هذيم. غزوة تبوك وهي الفردة لانها لم يكن في عامها غيرها ولم يغز صلى الله عليه وسلم بعدها حتى توفي وسماها الله تعالى ساعة العسرة لوقوعها في شدة الجدب والحر الحما والكلام في حرم المدينة كهو في وج الطائف (وابناه الحسن والحسين) يستدل به على جواز تحمل الشهادة مع كون الشاهد ليس أهلا لها عند التحمل لانهما كانا صبيين (وذكروا ان المغيرة الي آخره) وذكره ابن اسحاق وغيره (يا خبثاء) بضم المعجمة وفتح الموحدة ثم ثلاثية مع المد جمع خبيث كغرباء وغريب وبفتح المعجمة وسكون الموحدة كغرقي (الا الهزء) بضم الهاء والزاي ثم همزة تبدل واوا وهو الاشهر (فزارة) بفتح الفاء ثم زاي ثم الف ثم راء ثم هاء (تجيب) بضم الفوقية وكسر الجيم وسكون التحتية بعدها موحدة كذا يقوله المحدثون وكثير من الادباء وقيل ان أوله بالفتح والباء عند هؤلاء أصلية وهم قبيلة من كندة (بنى أسد) بن خزيمة (قيل وفيهم نزل قوله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) قال البغوي وذلك انهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة جدبة فاظهروا الاسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر فافسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون وبروحون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون أتتك العرب بانفسها على ظهور رواحلها وجئناك بالاثقال والذراري والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان يمنون على النبي صلى الله عليه وسلم ويريدون الصدقة ويقولون اعطنا فانزل الله هذه الآية وقال السدي نزلت في اعراب جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار لما تخلفوا عن الحديبية بعد ان استنفروا لها قلت وقول السدي غير مرضي (ووفد كلاب) على لفظ جمع الكلب مع الصرف (الداربين) ينسبون الى جدلهم اسمه الدار هديم فغلبه عليه (غزوة تبوك) بفتح الفوقية والموحدة مكان من المدينة على أربعة عشر مرحلة جاءها النبى صلى الله عليه وسلم وهم ينزفون ماءها بقدح فقال ما زلتم تبوكونها فسميت حينئذ تبوك ذكره القتيبي وغيره (ساعة) بالنصب (العسرة) أي الشدة قال البغوي وكان جيشها يسمى جيش العسرة (لوقوعها في شدة الجدب) وهو نقيض الخصب (والحر) الشديد روى الحاكم في المستدرك بسند صحيح علي شرط الشيخين عن ابن عباس أنه قال لعمر بن الخطاب حدثنا

وقلة الزاد والظهر وكان من خبرها ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من جهاد العرب أمر الناس بالتهيئ لغزو الروم وحث المياسير على اعانة المعاسير فأنفق عثمان بن عفان رضى الله عنه فيها ألف دينار وحمل على تسعمائة وخمسين بعيرا وخمسين فرسا لذلك قيل له مجهز جيش العسرة وقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ارض عن عثمان فانى عنه راض وقال ماضر عثمان ما فعل بعد اليوم ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جدّبه الجد فضرب معسكره على ثنية الوداع وأوعب معه المسلمون فكان عددهم سبعين ألفا وقيل ثلاثين ألفا وتخلف عبد الله بن ابيّ ومن معه جبنا ونفاقا ودخلا وفيهم نزلت عن شأن ساعة العسرة فقال عمر خرجنا الى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا ان رقابنا ستنقطع حتى ان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ثم يجعل ما بقى على كبده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله ان الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله قال أنحب ذلك قال نعم فرفع يده فلم يرجعهما حتى خالت السماء فأظلت ثم سكبت فملؤا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر انتهى وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم في استجابة الدعاء وفيه منقبة ظاهرة لسيدنا أبي بكر رضى الله عنه حيث أشار على النبى صلى الله عليه وسلم بذلك واستشاره صلى الله عليه وسلم (وقلة الزاد) قال البغوي كان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير وكان النفر منهم يخرجون ما معهم الا التمرات بينهم فاذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها صاحبه فيمصها فيشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى تأتي على آخرهم فلا يبقي من التمرة الا النواة (و) قلة (الظهر) أي الحمولات قال البغوي قال الحسن كان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد يعتقبونه يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك (المياسير على المعاسير) جمع موسر ومعسر على غير قياس (فانفق عثمان رضي الله عنه) كما رواه الترمذى عن عبد الرحمن ابن سمرة (الف دينار) نثرها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم (وحمل على تسعمائة بعير وخمسين فرسا) هذا خلاف ما في سنن الترمذى انه قال يا رسول الله علىّ مائة بعير باحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم قال علي ثلثمائة بعير باحلاسها وأقتابها في سبيل الله (مجهز) بالضم (فقال النبى صلى الله عليه وسلم) وهو بارك على المنبر (ماضر عثمان) بالنصب (ما عمل) أي الذي عمله من الذنوب قبل أن يتصدق بما تصدق به فانه (بعد اليوم) مكفر عنه بصدقته (الجد) بالكسر الجهد والمبالغة في الامر (معسكره) بضم الميم موضع اجتماع العسكر (على ثنية الوداع) وهي شامي المدينة عن يسار مسجد الراية سميت بذلك لان الخارج من المدينة الى الشام يمشي معه المودعون اليها (وأوعب) أى جمع (وكان عددهم سبعين الفا) قاله أبو زرعة الرازى (وقيل ثلاثين الفا) قاله ابن اسحاق. قال النووى وهذا أشهر قال وجمع بينهما بعض الائمة بان أبا زرعة عد التابع والمتبوع وابن اسحاق عد المتبوع فقط وفي صحيح مسلم يزيدون على عشرة آلاف مع عدم تبيين قدر (وتخلف عبد الله بن أبي ومن معه) قال البغوى «1» ولم يقل ناقل العسكرين (ودخلا بالمهملة والمعجمة)

_ (1) في ابن هشام وضرب عبد الله بن أبي معه على حدة عسكره اسفل منه نحو ذباب وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين اهـ

سورة براءة وسماها ابن عباس الفاضحة قال ما زالت تنزل فيهم ومنهم حتى ظنوا انه لم يبق أحد منهم الا ذكر فيها وتخلف آخرون لا عن نفاق وريبة إخلادا الى الظل وكسلا وهم الذين تاب الله عليهم وتخلف آخرون ممن عذر الله تعالى في قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى الآية وفيهم قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك ان بالمدينة أقواما ما قطعنا واديا ولا شعبا الا وهم معنا فيه حبسهم العذر وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الخميس وكان يحب ان يخرج فيه وذلك لخمس خلون من رجب واستخلف على خاصته ومن ترك علي بن ابي طالب فعيره المنافقون بالتخلف فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقال مفتوحتين وهى الخيانة والخديعة واظهار الوفاء وابطان النقض (سورة براءة) وهي مدنية وخصت من بين السور بعدم كتب بسم الله الرحمن الرحيم أولها لان البسملة أمان وهي نزلت لرفع الامن بالكف وقد سأل ابن عباس عثمان عن ذلك فقال لما كانت قصتها شبيهة بقصة الانفال قرنت بينهما ولم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم كما رواه أبو داود والترمذى وهذا يدل على ان ذلك كان باجتهاد من عثمان لا بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم لكن أخرج الحاكم حديثا يؤخذ منه ان ذلك بتوقيف (وسماها ابن عباس الفاضحة كما رواه الشيخان) عن سعيد بن جبير ومن أسمائها انها سورة التوبة وسورة البحوث بفتح الموحدة وضم المهملة آخره مثلثة والمسرة والمتغيرة والمقرة وسورة العذاب (اخلادا) مصدر أخلد بمعنى سكن وقال ويقال خلد أيضا قاله الزجاج قال واصله من الخلود وهو الدوام والمقام ويقال اخلد فلان بالمكان اذا أقام به (ليس على الضعفاء) يعني الزمنى والمشايخ والعجزة قاله ابن عباس وقيل هم الصبيان وقيل النساء (ولا على المرضى) كعابد بن عمرو وأصحابه كان بهم مرض يومئذ وكابن أم مكتوم كان أعمى (ولا على) الفقراء (الذين لا يجدون ما ينفقون) في الغزو ليس عليهم (حرج) اثم ولا ضيق في القعود عن الغزو لكن (اذا نصحوا لله ورسوله) في مغيبهم وأخلصوا الايمان والعمل لله وبايعوا الرسول (ما على المحسنين من سبيل) أي طريق للعقوبة (والله غفور) كثير المغفرة (رحيم) بالمؤمنين (ان بالمدينة أقواما الى آخره) رواه البخارى وأبو داود عن أنس ورواه مسلم عن جابر (الا وهم معنا) أى مشاركوننا في الثواب كما في رواية لمسلم الا شركوكم في الاجر انهم انما (حبسهم العذر) عن النفر معنا ولو لاه لنفروا ففيه ان الطاعات من جهاد وغيره يكتب ثوابها لتاركها بعذر وقد روى أحمد والبخاري عن أبي موسى اذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من الاجر ما كان يعمل صحيحا مقيما وروى ابن عساكر عن مكحول مرسلا اذا مرض العبد يقال لصاحب الشمال ارفع عنه القلم ويقال لصاحب اليمين اكتب له أحسن ما كان يعمل فاني أعلم به وأنا قيدته (واستخلف على خاصته ومن ترك علي ابن أبي طالب) رواه الشيخان والترمذى وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص زاد الحكم في الاكليل فقال يا علي اخلفني في أهلى فاضرب وخذ واعط ثم دعا نساءه فقال اسمعن لعلي واطعن (وكان يحب أن يخرج يوم الخميس) روى أبو داود عن كعب بن مالك قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الى سفر الا يوم الخميس

كتابه صلى الله عليه وسلم ليحنة بن روبة في صلحه وذمته

اتخلفني في النساء والصبيان قال الا ترضى ان تكون منى بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبى بعدى ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجهه فلما مر بالحجر ديار ثمود قال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا انفسهم ان يصيبكم ما أصابهم الا ان تكونوا باكين ثم قنع رأسه واسرع السير حتى اجاز الوادى فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك وهي ادنى بلاد الروم اتاه يحنة بن روبه واهل جربا واذرح فصالحهم على الجزية [كتابه صلى الله عليه وسلّم ليحنة بن روبة في صلحه وذمته] وكتب ليحنة بسم الله الرحمن الرحيم هذا امنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن روبه واهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من اهل الشام واليمن واهل البحر (أتخلفني في الصبيان والنساء) استفهام استعظام (الا ترضي) وفي رواية في الصحيح اما ترضى (أن تكون نازلا منى بمنزلة) الباء زائدة ولمسلم انت منى بمنزلة (هرون) بن عمران بن نظهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم (من) أخيه لابيه وأمه (موسي) هذا الحديث من أقوى شبه الروافض والامامية وسائر فرق الشيعة القائلين بان الخلافة كانت حقا لعلي وانه أوصى له بها قال عياض وهذا الحديث لا حجة فيه لهم لانه صلى الله عليه وسلم انما شبهه بهرون في انه صلى الله عليه وسلم استخلفه في هذه الغزاة كما استخلف موسى هرون حين ذهب لميقات ربه فهو تشبيه خاص قال ويؤيد هذا ان هرون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى بل توفي في حياة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الاخبار والقصص (الا انه لا نبي بعدي) بعثة منشأة بشريعة مستقلة قال العلماء ففيه دليل على ان ابن مريم اذا نزل ينزل حكما من حكام هذه الامة يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم (فلما مر بالحجر ديار ثمود الى آخره) رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر وديار بدل من حجر وهى أرض ثمود بين المدينة والشام (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم) فيه ندب البعد عن أماكن الكفار وأهل المعاصي وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شدة الخوف على أمته وقوله (أن تصيبكم) منصوب باضمار خشية (الا أن تكونوا باكين) ففيه ان البكاء من خشية الله وعذابه ربما كان سببا للامان (ثم قنع رأسه) أرخي الثوب عليه (وأسرع السير) فيه ندب ذلك في كل محل غضب على أهله ومنه وادى محسر كما مر (حتى أجاز الوادي) أى قطعه وخرج منه وهو رباعي وثلاثي وفي الصحيحين انه نهاهم عن استعمال مياهها وان يستقوا من بئر الناقة والنهى عنه للتنزيه (يحنة) بضم التحتية وفتح المهملة وتشديد النون ثم هاء تنقلب في الدرج فوقية (ابن روبه) بضم الراء وسكون الواو ثم موحدة ثم هاء كذلك (جربا) بجيم مفتوحة فراء ساكنة فموحدة فالف مقصورة على الصواب المشهور (واذرح) بهمزة ثم معجمة ساكنة فراء مضمومة فمهملة على الصواب المشهور وقيل بالجيم بدلها وهو تصحيف قال النووى هي مدينة في طرف الشام في قبلة السويك بينها وبينه نحو نصف يوم وهى في طرف السراة بفتح المعجمة في طرفها الشمالى وتبوك في قبلة أذرح (ايلة) بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فلام مفتوحة مدينة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين المدينة الشريفة ودمشق. قال الحازمي قيل هي آخر الحجاز وأول الشام (ومحمد)

خبر إرساله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر صاحب دومة الجندل

فمن احدث منهم حدثا فانه لا يحول ماله دون نفسه فانه طيب لمن اخذه من الناس وانه لا يحل ان يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر [خبر إرساله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر صاحب دومة الجندل] ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك خالد بن الوليد الى اكيدر بن عبد الملك الكندى صاحب دومة الجندل وقال انك تجده يصيد البقر فمضى خالد حتى اذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة أقام وجاءت بقر الوحش حتى حكت قرونها بباب القصر فخرج اليهم اكيدر في جماعة من خاصته فلقيتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذوا اكيدر وقتلوا اخاه حسان فحقن رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه وصالحه على الجزية وكان نصرانيا واقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزهم ثم اخذ راجعا الى بالكسر عطف على ذمة الله (لا يحول ماله دون نفسه) أي لا يؤخذ من ماله فداء عن نفسه بل قتله حلال لمن أراده لانتقاض ذمته بالاحداث (ان يمنعوا) بالبناء للمفعول (اكيدر) بهمزة مضمومة وكاف مفتوحة فتحتية ساكنة فمهملة مكسورة فراء لم يسلم بلا خلاف عند أهل السير قال ابن الاثير ومن قال انه أسلم أى كالخطيب البغدادى وابن منده وأبي نعيم فقد أخطأ خطأ فاحشا انتهي وأكيدر هذا هو الذى أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فاعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم (دومة الجندل) بضم المهملة وفتحها كما مر عرفت بدومة ابن اسماعيل فيما ذكر (انك تجده يصيد البقر) هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم والمراد به بقر الوحش (بمنظر) بفتح المعجمة ومنظر (العين) موضع ادراك نظرها (وصالحه على الجزية وكان نصرانيا) قال ابن الاثير فلما صالحه النبي صلى الله عليه وسلم عاد الى حصنه وبقى فيه ثم حاصره خالد بن الوليد في زمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقتله مشركا نصرانيا يعنى لنقضه العهد وذكر البلاذري انه قدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم وعاد الى دومة فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد فلما سار خالد من العراق الى الشام قتله انتهى وفي سيرة ابن اسحق انه صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا فيه عهد وأمان وكانت صورته على ما حكاه البيهقي عن أبي عبيد بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لا كيدر حين أجاب الى الاسلام وخلع الانداد والاصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل واكنافها ان لنا الضاحية أى أطراف الارض والبور والمعافي أى المجهول من الارض واغفال الارض أي مالا أثر فيه من عمارة والحلقة والسلاح والحافر والحصن ولكم الضامية من النخل أي الداخلة في بلدكم والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم أي لا تحشر الى المصدق ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات أي لا تمنعون من الرعي حيث شئتم تقيمون الصلاة لوقتها وتؤدون الزكاة بحقها عليكم بذلك عهد الله والميثاق ولكم بذلك الصدق والوفاء شهد الله ومن حضر من المسلمين قال أبو عبيد انا قرأته أتاني به شيخ هناك في قضم بالقاف والمعجمة أى صحيفة وهذا يؤيد ما ذكره البلاذرى من اسلامه

خبر موت ذي البجادين المزني

[خبر موت ذي البجادين المزني] المدينة ولما كان ببعض الطريق مات ذو البجادين المزنى ليلا قال ابن مسعود فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حفرته وهو يقول لابي بكر وعمر ادليا الى اخاكما فدلياه اليه فلما هيأه لشقه قال اللهم قد امسيت راضيا عنه فارض عنه قال ابن مسعود حينئذ ياليتني كنت صاحب الحفرة وعن أبي امامة الباهلى رضي الله عنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وهو بتبوك فقال يا محمد اشهد جنازة معاوية بن معاوية المزنى فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل عليه السلام في سبعين ألفا من الملائكة فوضع جناحه الايمن على الجبال فتواضعت ووضع جناحه الايسر على الارض فتواضعت حتى نظر الى مكة والمدينة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة عليهم السلام فلما فرغ قال يا جبريل بم بلغ معاوية هذه المنزلة قال بقراءته قل هو الله أحد قائما وراكبا وماشيا رواه ابن السني والبيهقي ولما نزل (ذو البجادين) بموحدة مكسورة فجيم خفيفة فدال مهملة تثنية بجاد وهو كساء من أكسية الاعراب مخطط قال ابن عبد البر اسمه عبد الله بن عبد وقيل ابن سهم عم عبد الله بن مغفل قال وسمى ذا البجادين لانه حين أراد المسير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعت أمه بجادها وهو كساء شقته باثنتين فاتزر بواحد وارتدي بالآخر وقد روى حديث ابن اسحق وغيره عن عبد الله بن مسعود (يا ليتني صاحب هذه الحفرة) . أي ليصيبني بركة دعوته صلى الله عليه وسلم (وعن أبى امامة) اسمه صدي ابن عجلان (معاوية بن معاوية) اختلفت الآثار في اسم والده معاوية هذا قاله ابن عبد البر وله في رواية معاوية بن مقرن (المزني) ويقال الليثى قاله ابن عبد البر (فصلي عليه) زاد ابن عبد البر وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك وله في أخري ستون ألف ملك (قائما وراكبا وماشيا) لابن عبد البر في رواية عنه قل هو الله أحد وقراءته لها ذاهبا وجائيا وقائما وقاعدا وعلى كل حال (رواه ابن السني والبيهقي) وابن عبد البر في الاستيعاب بروايات بعضها عن أنس وبعضها عن أبى امامة واسم ابن السنى أحمد بن محمد بن اسحق (تنبيه) قد يوهم كلام المصنف ان معاوية المذكور هو ذو البجادين وليس كذلك فذو البجادين مات بطريق تبوك ودخل النبي صلى الله عليه وسلم حفرته كما مر واما معاوية ابن معاوية المزني فانما مات بالمدينة كما صرحت به رواية ابن عبد البر عن أنس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بها فيما مضي فاتاه جبريل فقال له يا جبريل مالي أرى الشمس طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت بها فيما مضى قال ذلك ان معاوية الليثي مات اليوم في المدينة فبعث الله اليه سبعين ألف ملك وذكر تمام الحديث قال وأسانيد هذه الاحاديث ليست بالقوية ولوانها في الاحكام لم يكن في شيء منها حجة ومعاوية بن معاوية لا أعرفه بغير ما ذكرت

خبر مسجد الضرار وهدمه وإحراقه

[خبر مسجد الضرار وهدمه وإحراقه] النبى صلى الله عليه وسلم بذي اوان قريبا من المدينة اتاه جبريل بخبر اهل مسجد الضرار وكانوا اثنى عشر رجلا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وأخاه عويمرا وعامر بن السكن ووحشى بن حرب قاتل حمزة وقال لهم انطلقوا الى هذا المسجد الظالم اهله فاهدموه وحرقوه فخرجوا سراعا حتى أتوه وفيه اهله فحرقوه وهدموه وتفرق عنه اهله واتخذ موضعه كناسة تلقى فيها الجيف وقدم صلى الله عليه وسلم المدينة في شهر رمضان ولما قدمها بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين وكانت تلك عادته ثم جلس للناس [حديث الثلاثة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك وتوبتهم] وجاءه المخلفون يعتذرون اليه بالباطل ويحلفون له فقبل منهم ووكل سرائرهم الى خالقهم وفيهم نزل قوله تعالى يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ الآية وما بعدها حديث الثلاثة الذين خلفوا وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع قال بعض الشارحين اول أسمائهم مكة وآخر أسماء آبائهم عكة روينا في الصحيحين واللفظ للبخاري عن كعب بن مالك في هذا الكتاب وفضل قل هو الله أحد لا ينكر وبالله التوفيق (بذى أوان) بهمزة مفتوحة فواو خفيفة فالف فنون واد بينه وبين المدينة ثلاثة فراسخ من جهة الشام (أتاه جبريل) بعد ان جاء الذين بنوه فسألوه ان يأتي مسجدهم فدعا بقميص ليلبسه ويأتيهم فنزل القرآن (بخبر أهل مسجد الضرار) الذين بنوه ليضاروا به مسجد قبا (وكانوا) أى الذين بنوه (اثني عشر رجلا) وهم كما قال البغوي وديعة بن ثابت وخذام بن خالد قال البغوي ومن داره أخرج هذا المسجد وثعلبة بن حاطب وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد ومعتب ابن قشير وعباد بن حنيف أخو سهل وأبو حبيبة بن الازعر ونبتل بن الحارث وبجاد بن عثمان ورجل يقال له بحزج (بن الدخشم) تقدم ذكره (ومعن) بفتح الميم وسكون المهملة ثم نون (وأخاه) لم يذكره البغوي (السكن) بفتح المهملة والكاف آخره نون (الظالم) بالكسر بدل من هذا (فحرقوه) وكان الذي جاءهم بالنار مالك بن الدخشم (كناسة) قمامة وزنا ومعنى (تلقى فيها الجيف) جمع جيفة وذلك بامره صلى الله عليه وسلم (عادته) بالنصب خبر كانت (المخلفون) أي الذين خلفهم الله تعالى عن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم* حديث الثلاثة الذين خلفوا (كعب بن مالك) بن أبي كعب واسم أبي كعب عمرو بن القين ابن كعب بن سواد بن عمرو بن كعب بن سلمة بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم ابن الخزرج (وهلال بن أمية) ابن عامر بن قيس بن عبد الاعلم بن عامر بن كعب بن واقف واسم واقف مالك بن امرئ القيس بن مالك بن أوس (ومرارة) بضم الميم وتخفيف الراء المكررة (ابن الربيع) كما في صحيح البخاري أو ابن ربيعة كما في صحيح مسلم قال ابن عبد البر يقال بالوجهين (أول أسمائهم مكة) لان الميم أول اسم مرارة والكاف أول اسم كعب والهاء أول اسم هلال (وآخر أسماء آبائهم عكة) فالعين آخر اسم الربيع والكاف آخر اسم مالك والهاء آخر اسم أمية (وروينا في الحصيحين) وسنن أبى داود والترمذي والنسائي (عن) ابن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن (كعب بن مالك) ان عبد الله

رضى الله عنه قال لم اتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها الا غزوة تبوك غير اني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها انما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الاسلام وما احب ان لي بها مشهد بدر وان كانت بدر اذكر في الناس منها كان من خبرى اني لم اكن قط اقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة الاورّى بغيرها حتى كان تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز وعدوا كثير فجلا للمسلمين امرهم ليتأهبوا اهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذى يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان قال كعب فما رجل يريد ان يتغيب الا ظن انه سيخفي له ذلك ما لم ينزل فيه وحي الله وغزا رسول الله صلى الله ابن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي زاد مسلم وأهل السنن وكان أعلم قومه وأوعاهم لاحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليلة العقبة) التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصار فيها على الاسلام وان يقوّوه وينصروه قال النووي وهي العقبة التى في طرف منى التي يضاف اليها جمرة العقبة وكانت بيعتها مرتين في سنتين كانوا في الاولى اثنى عشر وفي الثانية سبعين كما مر (حين تواثقنا على الاسلام) أي تبايعنا عليه وتعاهدنا وأخذ بعضنا على بعض الميثاق (وما أحب ان لى بها) الضمير لليلة العقبة (مشهد بدر) بالنصب اسم ان أي ما أحب اني شهدت بدرا ولم أشهدها قال ذلك لما ظهر له بحسب نظره ان ليلة العقبة كانت أفضل لانها وقعت قبل الهجرة والمسلمون قليل والاسلام ضعيف (وان كانت بدر أذكر) بالنصب أشهر عند (الناس) بالفضيلة (الاورى بغيرها) أي أوهم غيرها زاد أبو داود وكان يقول الحرب خدعة (في حر شديد) يخاف من الهلاك (ومفاوز) جمع مفازة بفتح الميم. قال النووي قيل انه من قولهم فوز الرجل اذا هلك وقيل هو على سبيل التفاؤل بفوزه ونجاته منها كما يقال للديغ سليم (وعدوا) في بعض نسخ الصحيح وعددا بتكرير الدال (فجلا) بتشديد اللام وتخفيفها أي أوضح وبين وعرفهم ذلك على وجهه بلا تورية (أهبة) بهمزة مضمومة فهاء ساكنة كل ما يحتاج اليه في السفر والحرب (غزوهم) بالمعجمتين وللكشميهني في صحيح البخاري عدوهم بالمهملتين وتشديد الواو (بوجهه) ولمسلم وغيره بوجههم أي مقصدهم (كتاب حافظ) روي في صحيح البخاري بتنوينهما وفي مسلم بالاضافة قال ابن شهاب (يريد) كعب بالكتاب الحافظ (الديوان) وهو بكسر المهملة على المشهور وحكى فتحها فارسي معرب وقيل عربي كما مر أول الكتاب (فما رجل) لمسلم فقل رجل (ان يتغيب) أي يغيب (الا ظن انه سيخفي) ووقع في مسلم حذف الا والصواب

عليه وسلم تلك الغزة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت اغدو لكي اتجهز معهم فأرجع ولم اقض شيأ فأقول في نفسى انا قادر عليه فلم يزل يتمادى بى حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيأ فقلت أتجهز بعده بيوم او يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لا تجهز فرجعت ولم أقض شيأ فلم يزل بى حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهمت ان ارتحل فأدركهم وليتنى فعلت فلم يقدر لي ذلك فكنت اذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزننى أني لا أرى الا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب فقال رجل من بني سليم يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه فقال معاذ بن جبل بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه الا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب بن مالك فلما بلغني انه توجه قافلا حضرنى همى وجعلت أتذكر الكذب وأقول اخرج به من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما راح عنى الباطل وعرفت انى لم أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله اثباتها (حين طابت الثمار) أينعت ونضجت وآن وقت أكلها (و) طابت (الظلال) زاد مسلم فأنا اليها أصعر بالاهمال أي أميل والصعر الميل (من جهازي) بفتح الجيم وكسرها أي أهبة سفري (حتى أسرعوا) باهمال السين وصحف الكشميهني في صحيح البخاري فرواها بالاعجام مع حذف الالف (وتفارط) بفاء وراء وطاء مهملة فات وسبق الغزو (مغموصا) باعجام الغين واهمال الصاد أي مطعونا عليه في دينه ومتهما بالنفاق (تبوك) بالصرف في أكثر الروايات. قال النووي وكانه صرفها لارادة الموضع دون البقعة (فقال رجل من بني سلمة) قال الواقدى في المغازى اسمه عبد الله بن أنيس (حبسه برداه والنظر في عطفيه) أى جانبيه اشارة الى اعجابه بنفسه ولباسه (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فبينما هو على ذلك رأي رجلا مبيضا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فاذا هو أبو خيمثة الانصارى وهو الذى تصدق بصاع التمر حين أمره المنافقون انتهت الزيادة والمبيض لابس الابيض واسم أبي خيثمة هذا عبد الله بن خيثمة وقيل مالك بن قيس ولهم أبو خيثمة صحابى آخر اسمه عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي واللمز العيب (حضرني همي) ولمسلم بثي بالموحدة فالمثلثة المشددة والبث أشد الحزن (قد أظل) بالمعجمة أى أقبل ودنا كانه ألقى على ظله (زاح عني الباطل) أى ذهب ويقال انزاح أيضا والمصدر زيوحا قاله الاصمعي وزيحانا قاله الكسائي (فأجمعت صدقه) أى عزمت عليه وجزمت

صلى الله عليه وسلم قادما وكان اذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون اليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم الى الله تعالى فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشى حتى جلست بين يديه فقال لي ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت بلى والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت ان سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكنى والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى عني ليوشكن الله ان يسخطك على ولئن حدثتك حديث صدق تجد على فيه انى لارجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط اقوى ولا ايسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما هذا فقد صدق فقم حتى يقضى الله فيك فقمت وثار رجال من بنى سلمة فاتبعونى فقالوا لي والله ما علمنا عليك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت ان لا تكون اعتذرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر اليه المخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فو الله ما زالوا يؤنبوننى حتى اردت أن ارجع فأكذب نفسى ثم قلت لهم هل بقى معى أحد قالوا رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع العمرى وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لى ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا ايها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسى الارض فما هى (لقد أعطيت جدلا) أى فصاحة وقوة كلام وبراعة بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب الي اذا أردت (المغضب) بفتح المعجمة أى الغضبان (قد ابتعت) أى اشتريت (ظهرك) أى حمولتك (ليوشكن) بكسر المعجمة أى ليسر عن (تجد علي) بكسر الجيم أى تغضب (كافيك ذنبك) بالنصب والفاعل استغفار (يؤنبونني) بالهمزة فالنون فالموحدة أي يلوموننى أشد اللوم (العمرى) بفتح المهملة واسكان الميم نسبة الى بني عمرو ابن عوف هذا هو الصواب ووقع في مسلم العامري وهو غلط (الواقفي) بقاف ثم فاء نسبة الى واقف بن امريء القيس الذى مر ذكره في نسب هلال (فيهما) لي (أسوة) اقتداء (أيها الثلاثة) قال عياض بالرفع موضعه نصب على الاختصاص (تنكرت في نفسي الارض) أى تغير على كل شيء حتى الارض فانها توحشت

التي اعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباى فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان واما انا فكنت اشب القوم وأجلدهم وكنت اخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين واطوف في الاسواق ولا يكلمني احد وآتى رسول الله وأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة واقول في نفسى هل حرك شفتيه برد السلام ام لا ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فاذا اقبلت الى صلاتى اقبل الى واذا التفت نحوه اعرض عنى حتى اذا طال على ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط ابي قتادة وهو ابن عمى وأحب الناس الى فسلمت عليه فو الله مارد على السلام فقلت يا أبا قتادة انشدك الله هل تعلمنى احب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته فقال الله ورسوله اعلم ففاضت عيناى وتوليت حتى تسورت الجدار قال فبينا انا أمشى بسوق المدينة اذا نبطى من انباط اهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى اذا جاءنى دفع الى كتابا من ملك غسان فاذا فيه أما بعد فانه قد بلغني ان صاحبك جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنانواسك فقلت لما قرأتها وهذا ايضا من البلاء فتيممت به التنور فسجرته بها حتى اذا مضت اربعون ليلة من الخمسين اذا برسول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني ويقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تعتزل امرأتك فقلت اطلقها أم ماذا افعل فقال لابل اعتزلها ولا تقربنها علي وصارت كاني لا أعرفها قبل ذلك (فاستكانا) أي خضعا (أشب القوم) أي أصغرهم سنا (وأجلدهم) أي أقواهم (فأسارقه) بالفاء والمهملة أي انظر اليه نظرا خفيا (جفوة الناس) بفتح الجيم وضمها وسكون الفاء أي اعراضهم (أنشدك) بالهمزة وضم المعجمة أي أسألك كما مر (نبطى) بفتح النون والموحدة وهو بالمعجمة الفلاح (ملك غسان) باعجام العين واهمال السين وتشديدها قيل انه جبلة بن الايهم وجزم به السيوطي وقال ابن حجر هو الحرث بن أبي شمر (ولا مضيعة) بكسر المعجمة مع سكون التحتية بوزن قرينة وبسكون المعجمة مع فتح التحتية بوزن علقمة لغتان أى في موضع وحال يضاع فيه حقك (نواسك) مجزوم بجواب الامر وفي بعض نسخ مسلم نواسيك بلا جزم. قال النووى وهو صحيح أى ونحن نواسيك وقطعه عن جواب الامر والمواساة بالمهملة المشاركة أى الحق بنا حتى تشاركنا فيما عندنا فنكون فيه سواء (فتيممت) أي قصدت ولمسلم فتياممت وهي لغة (فسجرته) بالمهملة فالجيم أي أوقدته (بها) أنث الكتاب على معنى الصحيفة ولمسلم فسجرتها أى أحرقتها (أربعون من الخمسين) زاد مسلم واستلبث الوحي (اذا رسول) بالتنوين (لرسول الله) باللام وفي رواية رسول بالاضافة وهذا الرسول خزيمة بن ثابت بينه

وارسل الى صاحبى مثل ذلك فقلت لامرأتى الحقى بأهلك فتكونى عندهم حتى يقضي الله في هذا الامر قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لرسول الله ان هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن اخدمه قال لا ولكن لا يقربنك قالت انه والله ما به حركة الى شيء والله ما زال يبكى مذ كان من أمره ما كان الى يومه هذا فقال لى بعض أهلى لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما اذن لامرأة هلال ابن أمية ان تخدمه فقلت والله لا استأذنت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استأذنته فيها وانا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليالى حتى كملت لنا خمسون ليلة وانا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت على نفسى وضاقت على الارض بما رحبت سمعت صارخا أو في على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك ابشر قال فخررت ساجدا لله وعرفت ان قد جاء الفرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الصبح فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل الى فرسا وسعي ساع من أسلم فأوفي على الجبل وكان الصوت اسرع من الفرس فلما جاءني الذى سمعت صوته يبشرنى نزعت له ثوبي فكسوته اياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانى الناس فوجا فوجا يهنؤنني بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك قال كعب حتى دخلت المسجد فاذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام الي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة الواقدى في روايته (الى صاحبي) بالتثنية (فقلت لامرأتي) قال ابن حجر اسمها خيرة (امرأة هلال) اسمها خولة بنت عاصم قاله ابن حجر وقيل اسمها عمرة بنت عمرو بن صخر الانصارية ذكرها ابن عبد البر وغيره (وأنا رجل شاب) أى أقدر على خدمة نفسي وأخاف عليها من حدة الشباب ان أقع على امرأتي فأقع في محذور آخر (فكملت) مثلت الميم (بما رحبت) أى ضاقت علي الارض مع انها رحبة أى واسعة ومن ضاقت عليه الارض ماذا يسعه (سمعت صارخا) قال في التوشيح هو أبو بكر الصديق (أوفي) صعد وارتفع (يا كعب بن مالك) بنصب ابن وفي كعب الضم والنصب كما مر له نظائر (فخررت) بكسر الراء أى وقعت من أعلى لاسفل (وآذن) بالمد والقصر أى أعلم (وركض رجل) قال في التوشيح هو الزبير بن العوام وقال ابن حجر يحتمل أن يكون أبا قتادة لانه كان فارس النبي صلى الله عليه وسلم (وسعي ساع) قال ابن حجر هو حمزة بن عمرو الاسلمي (واستعرت ثوبين) قال الواقدى من أبي قتادة (فوجا) جماعة (ليهنك) بكسر النون وأوله تحتية أو فوقية مفتوحة (يهرول) يسعى بين المشي والعدو (وهنأني) قال ابن النحوي بالهمز (ولا أنساها لطلحة)

قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله ان من توبتى أن انخلع من مالى صدقة الى الله والى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فاني أمسك سهمى الذى بخيبر فقلت يا رسول الله ان الله إنما نجاني بالصدق وان من توبتى ألا أحدث الا صدقا ما بقيت فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث احسن مما أبلانى وما تعمدت مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومي هذا كذبا واني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ولمسلم وكان كعب لا ينساها لطلحة (أبشر بخير يوم) أراد بخير ساعة فعبر باليوم لانه محل البشارة (أمن عندك يا رسول الله) أي بغير وحي بل بدلائل عرفت بها (ذلك منه) للكشميهني فيه أى في وجهه (انخلع) باعجام الخاء واهمال العين أي أخرج منه وأتصدق به (من مالي) أراد من الارض والعقار فلا ينافي قوله فيما مر والله ما أملك غيرهما يومئذ لانه أراد من الثياب ونحوها مما يخلع ويليق بالتبشير (صدقة) حال أو مصدر أو مفعول على تضمين انخلع معني اتصدق (أبلاه الله) أي أنعم عليه والبلاء الا بلاء يطلق على الشر ولا يقال في الخير الا مقيدا فمن ثم قال أحسن مما أبلاني (كذبا) ولمسلم كذبة بسكون المعجمة وكسرها (وأنزل الله على رسوله) وهو في بيت أم سلمة حين بقي الثلث الاخير من الليل كما نقله البغوي عن اسحاق ابن راشد عن الزهري (لَقَدْ تابَ اللَّهُ) أي تجاوز وصفح (عَلَى النَّبِيِّ) انما افتتح الكلام به لانه كان سبب توبتهم (وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فِي ساعَةِ) أي وقت (الْعُسْرَةِ) أي الشدة (مِنْ بَعْدِ) متعلق باتبعوه (ما كادَ) أى قرب (يَزِيغُ) بالتحتية لحمزة وحفص وبالفوقية لغيرهم أي يميل الى التخلف والانصراف (قُلُوبُ فَرِيقٍ) جماعة (مِنْهُمْ) هموا بالتخلف ثم نفروا (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) قبل توبتهم ومن قبل توبته لم يعذبه أبدا قاله ابن عباس (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَ) تاب أيضا (عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) أرجيء أمرهم عن توبة أبي لبابة وأصحابه (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أى برحبها (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) هما وغما (وَظَنُّوا) أي أيقنوا (أَنْ لا مَلْجَأَ) أي لا مفزع (مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) ليستقيموا على التوبة ويدوموا عليها (إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ) القابل توبة عباده (الرَّحِيمُ) بهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) في اتيان أوامره واجتناب نواهيه

فصل في ذكر الفوائد التي تضمنت حديث كعب أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن تبوك

[فصل في ذكر الفوائد التي تضمنت حديث كعب أحد الثلاثة الذين تخلّفوا عن تبوك] الى قوله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فو الله ما أنعم الله علىّ من نعمة قط بعد إذ هداني للاسلام أعظم في نفسى من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا اكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فان الله قال للذين كذبوا حين انزل الوحى شر ما قال لأحد فقال الله عز وجل سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ الى قوله فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ. (فصل) واعلم ان في حديث كعب هذا فوائد منها استحباب ردغيبة المسلم كما فعل معاذ رضى الله عنه ومنها ملازمة الصدق وان شق فان عاقبته الى خير ومنها استحباب ركعتين في المسجد عند القدوم من السفر قبل كل شيء ومنها انه يستحب للقادم من سفر اذا كان مقصودا ان يجلس لمن يقصده في موضع بارز كالمسجد ونحوه ومنها جريان أحكام الناس على الظاهر والله يتولى السرائر ومنها هجران اهل البدع والمعاصى الظاهرة وترك السلام عليهم تحقيرا لهم وزجرا ومنها استحباب بكائه على نفسه اذا بدرت منه بادرة معصية وحق له ان يبكي ومنها جواز احراق ورقة فيها ذكر الله تعالى لمصلحة كما فعل عثمان رضى الله عنه ومنها ان كنايات الطلاق كقوله الحقى بأهلك لا يقع الا بالنية (وَكُونُوا مَعَ) محمد وأصحابه (الصَّادِقِينَ) في ايمانهم الباذلين أنفسهم وأموالهم في نصر دين الاسلام (أن لا أكون كذبته) هكذا هو في جميع نسخ مسلم وأكثر روايات البخاري ولا زائدة على حد ما منعك الا تسجد (فاهلك) بكسر اللام على الفصيح المشهور (سيحلفون بالله لكم) لانهم لا يعظمونه لنفاقهم (اذا انقلبتم) أى رجعتم (اليهم) من غزوتكم (لتعرضوا) لتصفحوا (عنهم) فلا تلومونهم (فاعرضوا عنهم) أى فدعوهم ونفاقهم (انهم رجس) نجس أى عملهم قبيح (ومأواهم) في الآخرة (جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) من المعاصي والنفاق (يحلفون لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضي عن القوم الفاسقين) الخارجين عن أمر الله بالنفاق والآيتان نزلتا في الجد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما وكانوا ثمانين رجلا من المنافقين قاله ابن عباس أو في عبد الله بن أبىّ قاله مقاتل. (فصل) عقده المصنف لد فوائد من حديث كعب (منها استحباب رد غيبة المسلم) بل وجوبها بالقول ما لم يخف منه فتنة والا وجب مفارقة ذلك المجلس (ان يجلس لمن يقصده) كما فعل صلى الله عليه وسلم (ومنها استحباب ركعتين) وكونهما (في المسجد عند القدوم) من السفر ويحصلان بما تحصل به التحية (ومنها هجران أهل البدع الى آخره) ولا تتقيد بثلاثة أيام (ومنها جواز احراق ورقة) ونحوها (فيها ذكر الله) صيانة لها لا اهانة ومحل الاخذ (كما فعل عثمان) حيث احرق المصاحف بعد ان استنسخ منها نسخا وجهها الى الآفاق خوفا من التباس القرآن والاختلاف فيه (لا يقع الابالنية) أى نية الطلاق مقارنة لاول اللفظ وان عزبت قبل آخره كما هو نص المختصر ورجحه كثيرون ولا يكفي اقترانها بآخر اللفظ دون أوله خلافا لما في أصل الروضة ولا يشترط مفارنتها لجميع اللفظ خلافا للمنهاج كالمحرر

خبر نزول آية الحجاب

ومنها جواز خدمة المرأة زوجها من غير الزام ووجوب ومنها استحباب سجود الشكر عند حصول نعمة أو اندفاع نقمة ظاهرتين والتصدق عند ذلك ومنها استحباب التبشير والتهنئة واكرام المبشرين بكسوة ونحوها ومنها استحباب القيام للوارد اكراما له اذا كان من أهل الفضل بأى نوع كان وجواز سرور المقوم له بذلك كما سر كعب بقيام طلحة رضى الله عنهما وليس بمعارض بحديث من سره ان يتمثل له الرجال قياما فليتبوء مقعده من النار لأن هذا الوعيد للمتكبرين ومن يغضب ان لم يقم له وقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم لفاطمة سرورا بها وتقوم هي له كرامة وكذلك كل قيام أثمر الحب في الله تعالى والسرور لأخيه بنعمة الله والبر بمن يتوجه بره والأعمال بالنيات والله سبحانه وتعالى أعلم* [خبر نزول آية الحجاب] وفي هذا العام وقيل فيما قبل ثم على المعتمد المراد أول لفظة الكناية كما صرح به الماوردي والروياني والبندنيجي خلافا لما صرح به الرافعى تبعا لابن الصباغ وصاحب البيان من ان المراد الهمزة من أنت مثلا (و) منها (جواز خدمة المرأة زوجها) كما فعلت امرأة هلال (ومنها استحباب سجود الشكر) لله تعالى (عند حصول نعمة) دينية نعمة كعب وصاحبيه أو دنيوية كحدوث ولد أو جاه أو مال أو قدوم غائب أو نصر على عدو (أو اندفاع نقمة) كذلك وكنجاة من نحو غرق وبرء من مرض ولا يسن سجود الشكر لاستمرارها لتأديته الي استغراق العمر في السجود وقيد النووي في المجموع نقلا عن الاصحاب النعمة والنقمة بكونهما ظاهرتين ليخرج الباطنتين كالمعرفة وستر العورات وقيدهما في الروضة والمحرر بقوله مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أى يدري ونقل ذلك في المهمات واطلاق الاصحاب يقتضى عدم الفرق بين أن يتسبب فيه أم لا ومن ثم لم يذكره في المجموع (و) منها (التصدق عند ذلك) مع سجود الشكر (والتهنئة) بالهمز وتركه (من سره ان يتمثل له الرجال الى آخره) رواه أحمد والترمذى عن معاوية (ان لم يقم له) مبني للمفعول (أثمر) أى ولد (والاعمال) كلها (بالنيات) قال صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امريء ما نوي فمن كانت هجرته الي الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن عمر بن الخطاب ورواه أبو نعيم في الحلية والدار قطنى في غرائب مالك عن أبي سعيد ورواه ابن عساكر في اماليه عن أنس ورواه العطار في جزء من تخريجه عن أبي هريرة قال العلماء وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الاسلام وعليه تدور أكثر الاحكام وأفاد بقوله وانما لكل امريء ما نوي اشتراط تعيين العمل بالنية قاله الخطابى وقوله أو امرأة ينكحها قيل انه ورد على سبب وهو ان رجلا هاجر من مكة الى المدينة لا يريد بذلك فضل الهجرة بل ليتزوج امرأة اسمها أم قيس فمن ثم خص ذكر المرأة في الحديث ذكر ذلك ابن دقيق العيد وغيره. قال في التوشيح وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور في سننه بسند على شرط

الحجاب اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فكان من خبر ذلك ما رويناه في الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى فيهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما حتى حج وحججت معه وعدل وعدلت معه باداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت يا امير المؤمنين من المرأتان من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى فيهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال وا عجبا لك يابن عباس هما عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال كنت انا وجار لي من الأنصار الشيخين عن ابن مسعود قال من هاجر يبتغي شيئا فانما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس وجاء في الشق الاول بذكر الله وبرسوله ظاهرين لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شأنهما وجاء في الشق الثاني بالضمير اشعارا بالحث عن الاعراض عن ذكر المرأة والدنيا (تنبيه) بقى من فوائد هذا الحديث اباحة الغنيمة لقوله يريدون عير قريش وفضيلة أهل بدر والعقبة وجواز الحلف من غير استحلاف في غير الدعوى عند القاضى وندب التورية في الغزو والتأسف على الفائت من الخير لقول كعب فياليتنى فعلت وعدم بطلان الصلاة بمسارقة النظر والالتفات فيها وان السلام يسمى كلاما حتى يحنث به من حلف لا يكلم شخصا فسلم عليه ابتداء وجوابا ووجوب إيثار طاعة الله ورسوله على مودة الصديق والقريب وغيرهما كما فعل أبو قتادة وان الكلام عند شخص حلف لا يكلمه لا يكون تكليما ان قصد غيره واخفاء ما يخاف من اظهاره مفسدة واتلافه لتحريق كعب الكتاب الذى جاءه واستحباب الكناية في ألفاظ الاستمتاع بالنساء بقوله يأمرك ان تعتزل امرأتك ومجانبة ما يخاف منه الوقوع في منهى عنه وجواز تخصيص اليمين بالنية وجواز العادية واستعارة الثياب واستحباب اجتماع الناس عند الامام والكثير في الامور المهمة واستحباب المصافحة عند التلاقي واستحباب سرور الامام وكبير القوم بما يسر أصحابه وترك التصدق بجميع المال لمن لا يصبر على الاضافة واستحباب نهى من أراد فعل ذلك والاشارة عليه ببعضه والمحافظة على ما كان سببا للتوبة من الخير كما لازم كعب الصدق ذكر معنى ذلك النووي* اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه (في الصحيحين) وغيرهما (ان تتوبا الى الله) من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم (فقد صغت) زاغت ومالت (قلوبكما) فيه جمع الاثنين (فسكبت على يديه) قال النووي فيه جواز الاستعانة في الوضوء لكنها لغير عذر خلاف الاولى (واعجبا لك يا ابن عباس) تعجب منه كيف خفي عليه هذا مع شهرته بعلم التفسير وحرصه عليه ومداخلته كبار الصحابة وأمهات المؤمنين قال ابن حجر ويجوز في عجبا التنوين وتركه بالمنون اسم فعل بمعني اعجب وغيره مصدر أضيف الى الياء ثم قلبت ألفا قاله في التوشيح (وجار لى) هو أوس بن خولى أو عتبان بن مالك قولان أرجحهما الاول فقد

في بني امية بن زيد وهم من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وانزل يوما فاذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره فاذا نزل فعل مثل ذلك وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار اذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من آداب نساء الأنصار فصخبت على امرأتي فراجعتنى فانكرت ان تراجعني فقالت ولم تنكر ان اراجعك فو الله ان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وان احداهن لتهجره اليوم حتى الليل فافزعني ذلك وقلت قد خاب من فعل ذلك منهن ثم جمعت علىّ ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها أي حفصة اتغاضب احداكن النبي صلى الله عليه وسلم حتى الليل قالت نعم قلت قد خبت وخسرت افتأمنين ان يغضب الله تعالى لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي لا ابا لك لا تستكثري النبى صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسلينى ما بدا لك ولا يغرنك ان كانت جارتك أوضأ واحب الى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة وكنا نتحدث ان غسان تنعل الخيل لغزونا فنزل صاحبى يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابى اخرج ابن سعد في طبقات النساء من حديث عائشة كان عمر مؤاخيا لاوس بن خولى لا يسمع شيأ الاحدثه ولا يسمع عمر شيأ الاحدثه فلقيه عمر يوما فقال هل كان من خبر فقال أوس نعم عظيم قال عمر لعل الحارث ابن أبي شمر سار الينا قال أوس أعظم من ذلك فذكر الحديث (في بني امية بن زيد) قبيلة من الانصار (وكنا نتناوب) فيه ما كانوا عليه من حرصهم على طلب العلم وتناوبهم (واذا نزل فعل مثل ذلك) فيه قبول خبر الواحد وفيه أخذ العلم من المفضول (من أدب) بالدال المهملة أي من سيرة (نساء الانصار) وطريقتهن في البخارى في المظالم ارب أى من عقلهن (فصخبت) بالصاد للكشميهني وبالسين لغيره والصخب والسخب الزجر من الغضب (على امرأتي) اسمها زينب بنت مظعون أم حفصة وعبد الله (لتهجره اليوم) بالنصب (حتى الليل) به وبالجر (فافزعنى ذلك) بفتح الكاف (من فعل ذلك) بكسرها لانه يخاطب امرأته (لا تستكثري) أي تطلبي الكثير (ان) بفتح الهمزة (كانت جارتك) فيه الخطاب بالالفاظ الجميلة قال النووي والعرب تستعمل هذا لما في لفظ الضرة من الكراهة (أوضأ) بالهمز من الوضاءة وهي الحسن ولمسلم أوسم والوسامة الجمال (ان غسان) الاشهر ترك صرفه والمراد ملكهم وهو جبلة بن الايهم كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس ولا ينافيه ما مر من حديث عائشة انه الحارث بن أبى شمر لانه كان الملك الاعظم وجهز جبلة اليهم (تنعل) بفتح أوله من نعل وبضمه من انعل واقتصر النووى على الثاني (الخيل) اسم جمع لا واحد له من لفظه وللبخاري في المظالم ينعل النعال قال في التوشيح أى يستعملها ويحتمل كونه

ضربا شديدا وقال أنائم هو ففزعت فخرجت اليه وقال حدث أمر عظيم قلت ما هو أجاءت غسان قال لا بل أعظم منه وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون فجمعت علىّ ثيابى فصليت صلاة الفجر مع النبى صلى الله عليه وسلم فدخل مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فاذا هي تبكى قلت ما يبكيك أو لم أكن حذرتك أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدرى هو ذا في المشربة فخرجت فجئت المنبر فاذا حوله رهط يبكى بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبنى ما أجد فجئت المشربة التى هو فيها فقلت لغلام له أسود استأذن لى فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فذكر مثله فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن لعمر فذكر مثله فلما وليت منصرفا فاذا الغلام يدعونى قال أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه فاذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئ على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم طلقت نساءك فرفع بصره الى فقال لا فقلت الله أكبر ثم قلت وأنا قائم أستانس يا رسول الله لو رأيتنى وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمن على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت لو رأيتنى ودخلت على بموحدة ومعجمة بقرينة ذكر الخيل هنا (نائم) أي هنا (هو) يريد عمر (أجاءت غسان) ولمسلم أخا الغساني (بل أعظم) ولمسلم أشد (من ذلك) قال النووى فيه ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه من الاهتمام باحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم والقلق التام بقلقه أو بغضبه (خابت حفصة وخسرت) ولمسلم رغم أنف حفصة (فجمعت علىّ ثيابي) فيه استحباب التجمل للقاء الكبار قاله النووي (مشربة) بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الراء وفتحها والجمع مشارب ومشربات فيه انه لا بأس باتخاذها ولا ينافي التقلل من الدنيا والزهد فيها (فقلت لغلام اسود) اسمه وباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة كما صرحت به رواية في مسلم (استأذن لى الى آخره) فيه استحباب الاستئذان وتكريره ثلاثا (ومال حصير) بكسر الراء وقد تضم نسج الحصير وضلوعه المتداخلة بمنزلة الخبوط في الثوب (قد أثر الرمال بجنبه) فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا والتقلل منها وعدم الميل الى فاخر الملبوسات والمفروشات (وسادة) مخدة (من أدم) جلد (ليف) من النخل (الله أكبر) فيه التكبير عند السرور (استأنس) جملة خبرية حالية وحوز القرطبى ان تكون استفهامية استئذانا لباقى الحديث والانبساط

فصل في ذكر الفوائد التي تضمنت خبر الحجاب

[فصل في ذكر الفوائد التي تضمنت خبر الحجاب] حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هى أوضأ منك وأحب الى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة فتبسم أخرى فجلست حين رأيته تبسم ثم رفعت بصرى في بيته فو الله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة فقلت أدع الله فليوسع على أمتك فان فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان متكئا فقال أو في هذا أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت يا رسول الله استغفر لى فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة الى عائشة وكان قد قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة انك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وانا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسع وعشرون قالت عائشة فانزلت آية التخيير فبدأ بى أول امرأة فقال انى ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلى حتى تستأمرى أبويك قالت قد أعلم أن أبوى لم يكونا يأمراني بفراقك ثم قال ان الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الى قوله عَظِيماً قلت افي هذا استأمر ابوىّ فاني اريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة (فصل) في هذا الحديث من الفوائد بيان الآية التى عاتبه بها ربه (يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم) فقد اختلف العلماء في الذى حرمه على نفسه وعوتب على (فتبسم أخرى) بتشديد السين المهملة وللكشميهني في البخاري تبسمة (غير أهبة ثلاثة) وللكشميهني ثلاثة أهب وهي بفتحتين وضمتين جمع اهاب على غير قياس وهو الجلد قبل الدبغ قاله الا كثرون وقيل الجلد مطلقا (فان فارس والروم) ولمسلم فان كسرى وقيصر (أو في هذا أنت يا ابن الخطاب) استفهام انكار (أولئك قوم عجلوا طيباتهم) ولمسلم في رواية عجلت لهم طيباتهم وله في أخرى أما ترضى ان يكون لهما وفي بعض النسخ لهم الدنيا ولك الآخرة وفي رواية ولنا وكله صحيح قال عياض هذا مما يحتج به من تفضيل الفقر على الغنى لما في مفهومه ان بمقدار ما يتعجل من طيبات الدنيا يفوته في الآخرة ما كان مدخرا له لو لم يستعمله قال وقد تأوله الآخرون بان المراد ان حظ الكفار هو ما نالوه من نعيم الدنيا ولاحظ لهم في الآخرة والله أعلم (استغفر لى) أي من مقالتى هذه وفيه طلب الاستغفار من أهل الفضل والصلاح (من أجل ذلك الحديث) وهو تحريم مارية أو العسل (موجدته) أي غضبه (فبدأبها) فيه فضيلة لعائشة رضى الله عنها (الشهر) أى هذا الشهر (تسع وعشرون) وللنسائى عن أبي هريرة الشهر يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين (آية التخيير يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) الآية وسيأتي ان وجوب التخيير من خصائصه

فصل في ذكر الأحكام التي تترتب على يمين اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه

تحريمه كما اختلف في سبب حلفه وكلّ ذكر ما عنده من الرواية وأصحها ما ثبت في الصحيحين من تظاهر عائشة وحفصة غيرة منهما عليه صلى الله عليه وسلم أن شرب عند زينب ابنة جحش عسلا ومكث عندها فتواطأت عائشة وحفصة على أن أيتهما دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير انى أجد منك ريح مغافير وهو شيء تشبه رائحته رائحة الخمر فدخل على حفصة فقالت له ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا ولكنى كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ولن أعود له وقد حلفت لا تخبرى بذلك أحدا وفي غير الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت حفصة بذلك فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم اكتمى علىّ وقد حرمت مارية على نفسى فافشت حفصة الى عائشة فغضبت عائشة حتى حلف النبى صلى الله عليه وسلم انه لا يقربها شهرا وقيل سبب يمينه بحكمهن وأصحها الأول ثم الثانى وعليه أكثر المفسرين لكنه لم يخرج في الصحيح وسنده مرسل واختلفوا أيضا في الحديث الذى أسره اليها فقيل ما ذكر وقيل اخبارها بأن أباها وأبا بكر يليان الأمر من بعده صلى الله عليه وسلم [فصل في ذكر الأحكام التي تترتب على يمين اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلّم نساءه] (فصل) في الأحكام التى تترتب على هذه اليمين اذا حرم الانسان على نفسه طعاما أو ما هو من صلى الله عليه وسلم وكان سبب التخيير سؤالهن له النفقة كما في صحيح مسلم وغيره (وأصحها ما ثبت في الصحيحين) وسنن أبي داود والنسائي عن عائشة (تظاهر عائشة وحفصة) كما في رواية أو عائشة وسودة كما في أخرى (غيرة) بفتح المعجمة (ان) بفتح الهمزة (شرب عند زينب) كما في رواية أو عند حفصة كما في أخرى (أكلت مغافير) بفتح الميم وبمعجمة وفاء بعد الفاء تحتية على الصواب وقد تحذف في بعض النسخ وهي جمع مغفور وهو حلو كربه الرائحة لكراهة ريح شجرته وهى العرفط بضم المهملة والفاء وهو عند أهل اللغة كل شجر له شوك (وهو شيء تشبه رائحته رائحة الخمر) أو رائحة النبيذ وكان صلى الله عليه وسلم يكره ان يوجد منه رائحة كريهة (تحكمهن) أي تغليظهن (وأصحها الاول) وهو تحريمه للعسل لثبوته في الصحيحين وغيرهما (ثم الثانى) وهو تحريمه مارية (وعليه أكثر المفسرين) كما نقله البغوي وغيره (لكنه لم يخرج في الصحيح) كذا قاله عياض وردوه بان النسائي والحاكم روياه من طريق صحيحة (وسنده مرسل) عند أبي داود وقد وصله الحاكم والنسائي عن أنس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها على نفسه فنزل لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ الآية (واختلفوا أيضا في الحديث الذى أسره) بحسب اختلاف الروايات (واخبارها بان أباها وأبا بكر يليان الامر بعده) قال الكلبى وميمون بن مهران ونقله سعيد بن جبير عن ابن عباس* ذكر ما يترتب على هذه الجملة من الاحكام (اذا حرم الانسان على نفسه طعاما) أو ثوبا أو دخول مكان أو كلام شخص وسائر ما يحرمه

نوعه لم يحرم بذلك شيء ولا شيء عليه وان حرم أمته ان نوى عتقها عتقت وان نوى تحريم ذاتها أو جملتها واطلق فعليه كفارة يمين بنفس اللفظ هذا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وحكى القاضي عياض في تحريم الزوجة اربعة عشر مذهبا اما التخيير فان مذهب الجمهور ان من خير زوجته أو ازواجه فاختارته لا يكون ذلك شيأ ولو اختارت نفسها وقعت طلقة وحكي عن بعضهم انه يقع به طلقة بائنة وان اختارته ولا حجة لهم واما الايلاء المذكور في هذا الحديث فليس بالايلاء المذكور في القرآن وليس له ماله من الأحكام غير الحليلة (لم يحرم بذلك شيء) لاصل الحل خلافا لابي حنيفة (ولا شيء عليه) عندنا وعند أبي حنيفة تجب الكفارة كالحليلة (وان حرم أمته) فمذهبنا انه (ان نوي عتقها عتقت) عملا بنيته (وان نوي تحريم ذاتها أو جملتها) لزمه كفارة يمين ولا يكون يمينا (وان أطلق) فلم يقصد شيئا فعليه كفارة يمين على الصحيح في المذهب وقال مالك هذا في الامة لغو ولا يترتب عليه شيء نقله عياض وان حرم زوجته فان نوى به الطلاق أو الظهار وقع ما نواه عملا بنيته (وان نوي تحريم ذاتها الي آخره) قياسا على الامة بجامع ان كلا منهما تحريم فرج حلال بما لم يحرم به (بنفس اللفظ) من غير توقف على الاصابة لان الله فرض الكفارة من غير شرط الاصابة (أربعة عشر مذهبا) أحدها المشهور من مذهب مالك وقوع ثلاث مطلقا الا اذا نوى دونها فيقبل في غير المدخول بها وبهذا قال على وزيد والحكم والحسن الثاني كالاول ولا يقبل منه ادعاء نية أقل مطلقا وبه قال ابن أبي ليلى وعبد الملك بن الماجشون المالكي الثالث يقع على المدخول بها ثلاثا وعلى سواها واحدة قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الملك المالكيان الرابع يقع به طلقة واحدة بائنة مطلقا وهى رواية عن مالك الخامس انها رجعية قاله عبد العزيز بن أبي سلمة المالكي السادس يقع ما نوي ولا يكون أقل من طلقة قاله الزهري السابع ما نوى والا فلغو قاله سفيان الثوري الثامن كذلك الا انه اذا لم ينو شيئا لزمه كفارة يمين قاله الاوزاعى وأبو ثور التاسع مذهبنا وقد مر العاشر ان نوى الطلاق فطلقة وكذا ان نوي ثنتين وان نوي ثلاثا فثلاث وان لم ينو شيئا فيمين وان نوى الكذب فلغو قاله أبو حنيفة وأصحابه الحادي عشر كذلك الا انه ان نوي ثنتين وقعتا قاله زفر الثانى عشر يجب به كفارة ظهار قاله اسحق بن ابراهيم بن راهويه الثالث عشر يمين تجب به كفارة يمين قاله ابن عباس وبعض التابعين الرابع عشر كتحريم نحو الطعام فيلغو قاله مسروق والشعبى وأبو سلمة وأصبغ المالكيان (فاختارته) بان قالت اخترتك أو اخترت زوجي أو الزوج أو النكاح (لا يكون ذلك شيأ) بدليل تخييره صلى الله عليه وسلم نساءه (ولو اختارت نفسها) أو زيدا مثلا (وقعت طلقة) ان قصد بقوله اختاري تفويض الطلاق اليها والا فلغو (وحكى عن بعضهم) كعلى وزيد بن ثابت والحسن والليث بن سعد (انه يقع) بنفس التخيير (طلقة ثانية) مطلقا (ولا حجة لهم) بل ذلك مذهب ضعيف مردود بالاحاديث الصحيحة قال عياض ولعل القائلين به لم تبلغهم هذه الاحاديث (وأما الايلاء المذكور في هذا الحديث فليس بالايلاء) الشرعى (المذكور في القرآن) في قوله تعالى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ الآية (وليس له ما له من الاحكام) من ضرب المدة

خبر الملاعنة التي كانت بين أخوي بني العجلان وأحكام الملاعنة

وانما المعنى هنا اليمين فقط والله أعلم* [خبر الملاعنة التي كانت بين أخوي بني العجلان وأحكام الملاعنة] وفي هذه السنة لا عن النبي صلى الله عليه وسلم بين أخوى بنى العجلان ثم نقل القاضى عياض عن ابن جرير الطبري ان قصة اللعان في شعبان منها ولا وجه له فقد ذكر أهل السير انه صلى الله عليه وسلم خرج لغزوة تبوك في رجب ولم يرجع الا في رمضان وكان من حديث العجلانيين ما رويناه في صحيح مسلم عن ابن شهاب الزهري ان سهل بن سعد الساعدي أخبره ان عويمر العجلاني جاء الى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له أرأيت يا عاصم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل سل لى عن ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع عاصم الى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول وهي أربعة أشهر والتخيير بعدها بين الفيئة والطلاق (وانما المعني) بكسر النون وتشديد التحتيه (هنا) الايلاء اللغوي وهو (اليمين فقط) فانها تسمي في اللغة ايلاء والية والله سبحانه وتعالى أعلم. ذكر قصة اللعان ولفظه مشتق من اللعن وهو الابعاد من الخير وهو شرعا كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر الى قذف من لطخ فراشه وألحق به العار سمى لعانا لقول الرجل لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين واعتبر لفظ اللعنة دون لفظ الغضب ولفظ الشهادة لتقدمه في الآية ولقوة جانب الرجل لتقدمه ولانه قد ينفك لعانه عن لعانها ولا عكس (عن ابن جرير الطبرى) هو الحافظ محمد بن جرير أحد العلماء الاعلام توفي سنة عشر وثلاثمائة (ان قصة اللعان) وقعت (في شعبان منها) أي من السنة التاسعة ولفظ النووي في شرح مسلم قالوا وكانت قصة اللعان في شعبان سنة تسع من الهجرة وممن نقله القاضي عن ابن جرير انتهى وهو يفهم ان غير ابن جرير قاله أيضا (خرج في رجب ولم يرجع الا في رمضان) فكيف تقع الملاعنة في شعبان بالمدينة وهو لم يكن يومئذ بها فتعين كونها في شعبان من سنة غير التاسعة أو في التاسعة في شهر غير شعبان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم الى تبوك أو بعد مجيئه منها (ما رويناه في) صحيح البخارى و (صحيح مسلم) وسنن أبى داود والترمذي (ان عويمرا) بالتصغير وهو ابن أبيض بن محصن (أيقتله) بغير أن يقيم بينة (فتقتلونه) قودا (أم كيف يفعل) فانه اذا صبر صبر على أمر عظيم فكيف طريقه وجمهور العلماء على ان من قتل رجلا زعم انه وجده يزنى بامرأته لا يصدق بل يلزمه القصاص ما لم يثبت حصانته وزناه هذا في الظاهر وأما فيما بينه وبين الله تعالى فان كان صادقا فلا شيء عليه وعن بعض السلف انه يصدق ان ادعا انه زنا بامرأته وقتله لذلك وهو قول متروك (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها) انما كرهها لعدم الاحتياج اليها ظاهرا سيما وفيها هتك ستر مسلم واشاعة فاحشة وشفاعة على مسلم ولم يعلم صلى الله عليه وسلم حينئذ بوقوع القصة على ان البغوى روى عن ابن عباس ومقاتل ان عاصما سأل النبي صلى الله عليه وسلم قبل وقوع القصة في

الله صلى الله عليه وسلم قال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها قال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال صلى الله عليه وسلم قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين وخرج البخاري بمعناه وزاد ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظروا فان جاءت به أسحم ادعج العينين عظيم الاليتين خدلج الساقين فلا أحسب عويمرا الا قد صدق عليها وان جاءت به احيمر كأنه وحرة فلا أحسب عويمرا الا قد كذب عليها فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر الجمعة الاولى وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الآية (وسط الناس) بسكون السين (فيك وفي صاحبتك) أى زوجك وكانت بنت عمه واسمها خولة بنت قيس بن محصن (فتلاعنا وأنا مع الناس) فيه ان اللعان يكون بحضرة الامام والقاضي ومجمع من الناس وهو أحد تغليظ اللعان (فطلقها ثلاثا قبل ان يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية لمسلم انه لاعن ثم لاعنت ثم فرق بينهما وفي رواية قال لا سبيل لك عليها وفي رواية (قال ابن شهاب فكانت تلك سنة) بالفتح (المتلاعنين) بالتثنية أي طريقتهم المفروضة وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم ذاكم التفريق بين كل متلاعنين ففي مجموع ذلك ثبوت الفرقة باللعان وسيأتي الكلام عليها وأخذ أصحابنا من قوله فطلقها ثلاثا عدم حرمة جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد وموضع الدليل عدم انكاره صلى الله عليه وسلم اطلاق لفظ الثلاث عليه قال النووى وقد يعترض على هذا بانه انما لم ينكر عليه لانه لم يصادف الطلاق محلا مملوكا له قال ويجاب بانه لو كان الثلاث محرما لانكر عليه ارسال لفظ الثلاث مع حرمته (اسحم) بمهملتين أي اسود (ادعج) بمهملتين وجيم أى شديد سواد العين ولمسلم قضيء (العينين) بالقاف والمعجمة والهمز والمد بوزن سبيل أى فاسدهما بكثرة دمع أو حمرة (خدلج الساقين) بمعجمة فمهملة فلام مشددة مفتوحات فجيم أي عظيمهما ولمسلم خدلا بفتح المعجمة وسكون المهملة وهو الممتلئ الساق وفي أخري له خمش الساقين بفتح المهملة وسكون الميم واعجام الشين أى دقيقهما (فلا أحسب) أي أظن (احيمر) تصغير احمر (كانه وحرة) بالاهمال بوزن سحرة دويبة حمراء كالعظاة شبه به في الحمرة (من تصديق عويمر) وتكذيب امرأته وذلك من اعلام البنوة وفيه ان الامور الشرعية مبنية على الظاهر وان الكشف مثلا لا يبطلها اذ حكم صلى الله عليه وسلم بما حكم ظاهرا

فصل في ذكر اختلاف العلماء في سبب نزول آية الملاعنة

وكان بعد ذلك ينسب الى أمه هذه احدي الروايات في الصحيحين وهي أتمها وثم زيادات فيهما حذفتها اختصارا* [فصل في ذكر اختلاف العلماء في سبب نزول آية الملاعنة] فصل واختلف العلماء في نزول آية اللعان هل هي بسبب عويمر العجلاني أم بسبب هلال بن أمية الواقفي مع اتفاقهم انه لم يلاعن في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم غيرهما وفي متن الحديثين دلالة على الأمرين والأكثرون على انها نزلت بسبب هلال بن أمية والداعي الى اللعان أن يقذف الرجل زوجته بالزناء ويعجز عن اقامة البينة فيجب عليه حد القذف ثمانون جلدة فيلاعن لدفعه فيقول عند الحاكم في ملأ من الناس أربع مرات ويتحرى لهما شرف الزمان والمكان أشهد بالله اني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنا ويقول في الخامسة وعلىّ لعنة الله ان كنت من الكاذبين ويتعلق بلعانه خمسة من غير التفات لما علمه بعلم الباطن ومن ثم قال لولا ما مضي من كتاب الله لكان لى ولها شأن (فكان بعد) بالضم (ينسب الى أمه) وللبغوى وكان بعد أميرا بمصر لا يدرى من أبوه. (فصل) عقده لبيان حكم اللعان (هل هي بسبب عويمر) لقوله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك (أم بسبب هلال بن أمية) كان في حديثه وكان أول رجل لاعن في الاسلام وحديثه مروي في صحيح البخاري وسنن أبى داود والترمذى عن أنس وابن عباس واسم امرأته خولة بنت عاصم واسم المرمي به شريك بن سحماء ووهم من زعم انه المرمى في حديث عويمر (والا كثرون على انها نزلت بسبب هلال) وممن ذكره من أصحابنا الماوردى في الحاوي وابن الصباغ في الشامل قال النووى ويحتمل انها نزلت في شأنهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما فسبق هلال باللعان فيصدق انها نزلت في ذا وذاك وان هلالا أول من لاعن (ان يقذف الرجل زوجته) صريحا أو كناية مع النية (ويعجز عن اقامة البينة) ليس العجز عن اقامتها شرطا لجواز اللعان بل له اللعان مع القدرة عليها (فتلا عن لدفعه) أي لدفع حد القذف وهذا أحد أسباب اللعان ومثله تعزير اللعان بان قذفها وهى غير محصنة فعليه التعزير فتلاعن لدفعه بشرط ان يقع قذفها وهى زوجه ولو في عدة رجعة والا فلا لعان لانها أجنبية بخلاف اللعان لنفي النسب فانه جائز ولو من غير الزوجة كالموطوءة بشبهة (فيقول عند الحاكم) بعد ان يلقنه كلمات اللعان وجوبا (ويتحري) أى يقصد (لهما) ندبا (أشرف الزمان) كبعد عصر الجمعة أو عصر غيره (و) أشرف (المكان) كعند منبر الجامع وعليه بالمدينة الشريفة وعند بابه لحائض فان كان بمكة فبالحطيم وهو ما بين الركن والمقام وان كانا ببيت المقدس فعند الصخرة فان كانا غير المسلمين ففي الاماكن التى يعظمونها كالكنيسة والبيعة لليهود والنصاري وبيت النار للمجوس (اشهد) هي بمعني احلف فمن ثم انكسر ما أتى بعدها والفاظ اللعان عندنا ايمان مؤكدة بالشهادة وعند أبي حنيفة بالعكس (تالله اني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتى فلانة) أو هذه ان كانت حاضرة (من الزنا) واذا أثبتت عليه بالقذف قال فيما أثبتت على من رمي اياها بالزنا (والخامسة ان لعنة الله عليه) الى آخره ويشترط الاتيان بياء المتكلم

فصل ومن حوادث هذه السنة قصة الغامدية

أحكام سقوط حد القذف عنه ووجوب حد الزنا عليها وزوال الفراش ونفي الولد إن كان والتحريم المؤبد ويسقط الحد عنها بأن تلاعن فتقول أشهد بالله ان فلانا هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا أربع مرات وتقول في الخامسة وعلىّ غضب الله ان كان من الصادقين ويسن ان يعظهما الحاكم ويبالغ عند الخامسة ويعرفهما انها الموجبة قال العلماء وجوّز اللعان لحفظ الانساب ودفع المعرة عن الأزواج قالوا وليس شيء تتعدد فيه اليمين ويكون في جانب المدعي الا اللعان والقسامة والله أعلم* [فصل ومن حوادث هذه السنة قصة الغامدية] ومن حوادث هذه السنة قصة الغامدية وقد رواها مسلم متصلة بقصة ماعز بن مالك فروى بسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ان ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله في على وتائه في ان كنت والموالاة بين كلماته فان طال فصل بطل ما مضى (سقوط حد القذف عنه) لها ولمن رماها به واحدا كان أو جمعا ان ذكره في لعانه والافله ان يعيد اللعان وتذكره ليسقط حقه (ووجوب حد الزنا عليها) لقوله تعالى وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ الآية (ونفي الولد ان كان) ونفاه في لعانه والافله اعادة اللعان لنفيه (والتحريم المؤبد) ظاهرا وباطنا صادقا كان الزوج أو كاذبا لحديث المتلاعنان لا يجتمعان أبدا رواه الدارقطني والبيهقى من حديث ابن عمر ومن حديث سهل بن سعد بلفظ ففرق بينهما وقال لا يجتمعان أبدا ولابى داود بلفظ مضت السنة بعد في المتلاعنين ان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان والفرقة هذه فرقة فسخ لاطلاق (بان تلاعن) بعد لعان الزوج لانه لا سقاط حد الزنا عنها وهو لا يجب الا بلعانه (ويسن ان يعظمها الحاكم) فيقول عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قاله صلى الله عليه وسلم لكل من هلال بن أمية وامرأته كما في الصحيحين وغيرهما (ويعرفهما انها الموجبة) توجب اللعنة ان كان كاذبا والغضب لها ان كانت كاذبة لانه صلى الله عليه وسلم قالها عند الخامسة كما رواه أبو داود ويندب أيضا ان يأمر رجلا يضع يده على فم الرجل عند الخامسة وامرأة تضع يدها على فم المرأة عندها فقد أمر صلى الله عليه وسلم بذلك كما رواه أبو داود والنسائي وبقى لذلك سماة مستوفاة في كتب الفقه (قال العلماء) كما نقله عنهم النووي في شرح مسلم (ودفع المعرة) أى النقص وهي بفتح الميم واهمال العين وتشديد الراء* قصة الغامدية باعجام الغين واهمال الدال منسوبة الى غامد أبى قبيلة واسمه عمر بن عبد الله ولقب غامدا لاصلاحه أمرا كان في قومه (وقد رواها مسلم) عن أبي سعيد وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وابن عباس ورواها أيضا هو وأبو داود عن بريدة وعن عمران بن الحصين ورواها عن عمران أيضا الترمذي والنسائي (بقصة ماعز) وقد روي البخارى قصة ماعز فقط (بريدة) بالموحدة مصغر بن الحصيب بالمهملتين وآخره موحدة مصغر أيضا ابن الحارث الاسلمي أسلم قبل بدر ولم يشهدها وقيل أسلم بعدها وشهد خيبر وتوفي بمرو سنة اثنين أو ثلاث وستين (ماعز) بكسر المهملة بعدها زاى (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا في أكثر الروايات وفي رواية في صحيح مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لماعز أحق ما بلغنى عنك قال

اني قد ظلمت نفسي وزنيت وانى أريد ان تطهرني فرده فلما كان من الغدأتى فقال يا رسول الله اني قد زينت فرده الثانية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قومه فقال هل تعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا فقالوا ما نعلمه الا وفيّ العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل اليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم وما بلغك عني قال بلغني انك وقعت بجارية آل فلان قال نعم والجمع بينهما انه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم لنفر عنده فلما جاء قال له أحق ما بلغني عنك فقال نعم (اني قد ظلمت نفسى وزنيت الي آخره) انما لم يقنع ماعز والغامدية بالتوبة مع تحصيلها الغرض من سقوط الاثم بل اختارا الحد لان التوبة ربما لم تكن نصوحا أو يختل بعض شروطها فارادا حصول البراءة بطريق متيقن وهي الحد (فرده) مع تكرير الرد ثلاثا لعله يرجع عن الاقرار ولقنه ذلك فقال لعلك قبلت أو غمزت ففيه جواز التعريض للمقر بعقوبة لله تعالى بالانكار وقبول رجوعه عنه وبناء عقوبة الله على المساهلة والدرء بخلاف ما لآدمي فلا يجوز التعريض له بانكاره (تعلمون) استفهام حذفت أداته (ان بعقله بأسا) قال ذلك مبالغة في تحقيق حاله وصيانة لدم المسلم قال النووى وفيه اشارة الى ان اقرار المجنون باطل وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم سأله فقال ابك جنون فقال لا فقال هل احصنت قال نعم ففيه المبالغة في تحقيق شروط الرجم من احصان وغيره وفيه المؤاخذة بالاقرار وجاء في رواية في صحيح مسلم فقال أشرب خمرا فقام رجل فاستنهكه فلم يجد منه ريح خمر وظاهر ذلك عدم صحة اقرار السكران وهو خلاف الصحيح في مذهبنا قال النووي السؤال عن شربه محمول عندنا على انه لو كان سكرانا لم يقم عليه حال سكره انتهي قلت أو محمول على السكر بلا تعد فانه حينئذ أعماله لا تصح معه اقرار ولا غيره وليس في قوله اشرب خمرا ما يقتضى شربها تعديا (وفي العقل) أى كاملة (فيما ترى) بالفتح والضم (فلما كانت الرابعة) احتج به أبو حنيفة وأحمد وغيرهما علي ان الاقرار بالزنا لا يثبت حتى يقر أربع مرات زاد ابن أبي ليلى وغيره في أربعة مجالس وقال الشافعي ومالك وغيرهما يثبت بمرة بدليل واغد يا أنيس علي امرأة هذا فان اعترفت فارجمها وبحديث الغامدية اذ ليس فيه اقرارها أربع مرات (حفر له حفرة) استدل به القائلون بالحفر للزانى سواء كان ذكرا أو انثى ثبت زناه ببينة أو باقراره وهي رواية عن أبى حنيفة وقال بها قتادة وأبو يوسف وأبو ثور وفي رواية عن أبى حنيفة لا يحفر لواحد منهما وهو قول مالك وأحمد وقال بعض أصحاب مالك يحفر لمن يرجم بالبينة فقط وقال أصحابنا لا يحفر للرجل مطلقا وأجابوا عن هذا الحديث بانه معارض بحديث أبى سعيد في مسلم فما أوثقناه ولا حفرنا له ويؤيد عدم الحفر له هربه حين اذلقته الحجارة فرواية بريدة محمولة على الحفر اللغوي وهو الايقاع في عظيمة قاله النووى قلت أو لعلهم حفروا له ليرجموه في الحفرة ظنا منهم ندبها له ثم لم يرجم فيها اما لنهي عن ذلك أو لعدم اتفاق دخوله الحفرة فروي بريدة الحفر لانه كان نسيبه وأبو سعيد عدمه لانه كان حالة الرجم حاضرا سيما وقد قال في رواية بريدة (ثم أمر به فرجم) ولم يقل فيها وأما المرأة فحاصل الاصح في مذهبنا انه يحفر لها ان ثبت زناها

قال فجأت الغامدية فقالت يا رسول الله اني قد زنيت فطهرني وانه ردها فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تردني لعلك أن تردني كما رددت ماعزا فو الله انى لحبلى قال إما لا فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت هذا قد ولدته قال اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى الى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها الى صدرها وأمر الناس برجمها بالبينة لا ان ثبت بالاقرار وسيأتي ما فيه وكان رجم ماعز بمصلي الجنائز بالبقيع ففيه دليل على ان المصلى اذا لم يوقف مسجدا لا يثبت له حكم المسجد والا يجتنب الرجم فيه وتلطيخه بالدماء والميتة كما نقله النووي عن البخارى وغيره من العلماء ونفي للحديث بتمامه منها انه لما اذ لقته الحجارة بالمعجمة والقاف أي اصابته بحدها هرب حتى انتهى الى عرض الحرة فانتصب لهم فرموه بجلاميدها حتى سكت زاد أبو داود والنسائى فاخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهربه فقال هلا تركتموه ففيه ندب ترك المقر اذا هرب لعله يرجع والا فلا ضمان لعدم ايجابه عليهم ومنها ان الناس كانوا فيه فرقتين قائل يقول لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول ما توبة أفضل من توبة ما عز جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده ثم قال اقتلني بالحجارة قال فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال استغفروا الله لما عز بن مالك فقالوا غفر الله لما عز بن مالك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم (فائدة) كان من جملة الراجمين لماعز أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال ابن سعد وكان رأس الذى رجموه وعمر حكاه الحاكم عن ابن جريج وعبد الله بن أنيس ذكره ابن حجر قال وهو الذي أدرك ماعزا فقتله حين هرب (فجاءت الغامدية) نسبة الي غامد بطن من جهينة وتقدم ضبطه قريبا (فلما كان الغد) بالنصب والضم (إمّالا) بكسر الهمزة وتشديد الميم وبالامالة أى اذا ثبت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعى عن قولك (فاذهبي حتى تلدى) ففيه تحريم رجم الحامل سواء كان من زنا أو غيره وكذا جلدها وذلك مجمع عليه (اذهبى فارضعيه حتى تفطميه الي آخره) فيه ان حدود الله تعالى لا يجوز استبقاؤها من المرأة الا بعد ما ذكر من الفطام لبنيانها على المساهلة بخلاف حد الآدمي لا ينتظر به الا الوضع فقط هذا مذهبنا ومذهب أحمد واسحاق ومشهور مذهب مالك وفي رواية عنه يرجم اذا وضعت من غير انتظار حصول مرضعة وكافل وهو مذهب أبي حنيفة (فلما فطمته) أي قطعته من الرضاع لاستغنائه عنه (كسرة خبز) بكسر الكاف (فدفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصبي الى رجل من المسلمين) كان قد طلبه فقال الىّ رضاعه يا رسول الله وكان ذلك الرجل أيضا زنا كما في صحيح مسلم وفي رواية انه قيل له قد وضعت الغامدية فقال اذا لا يرجمها ويدع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فلما قال الانصاري اليّ رضاعه رجمها وظاهر هذه انه رجمها عقب ولادتها ويجب كما قال النووي تأويلها على وفق الاولى لانها قصة واحدة والروايتان صحيحتان فيؤول قول الانصاري الى رضاعه على انه قاله بعد الفطام واراد بالرضاع الكفالة والتربية فاطلق عليه الرضاع مجازا (فخفروا لها الى صدرها) ففيه ندب الحفر للمرأة وان ثبت زناها بالاقرار وهو ما صححه البلقينى لصحة الحديث به وقال لا يحل أن يثبت في مذهب الشافعى ما يخالف السنة (وأمر الناس برجمها) أى لانها كانت محصنة وان لم يصرح بذلك في الحديث

فصل في تقبيح الزنا وأحكام الزانيين

فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمي رأسها فتنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع نبى الله صلى الله عليه وسلم بسبه إياها فقال مهلا يا خالد فو الذي نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت وفي رواية فقال له عمر تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله. [فصل في تقبيح الزنا وأحكام الزانيين] (فصل) واعلم أن الزنا فاحشة من أقبح الذنوب الداعية الى سخط علام الغيوب قال تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) وقال تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وقد خلقك قلت ثم أي قال ان تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك قلت ثم أي قال ان تزنى بحليلة جارك وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى لان الحديث الصحيح والاجماع متطابقين على عدم رجم غير المحصن وفي هذا الحديث ونحوه دلالة على انه لا يجب الحضور على الامام وقت الرجم نعم بسن له ذلك خروجا من خلاف أبى حنيفة وأحمد (فيقبل) فعل مستقبل حكاية للحال (فانتضح الدم) بالمهملة كما قاله الا كثرون وبالمعجمة أي ترشش وانصب (فسبها) فقال يا زانية (فقال مهلا) أى امهل مهلا (لقد تابت توبة) عظيمة لا يحل ان تسب بالزنا بعدها (لو تابها صاحب مكس) بفتح الميم وسكون الكاف ثم مهملة وهو جابي الاموال وأخذها بغير حقها (لغفر له) مع ان المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات موجب لكثرة مطالبات الناس له بظلاماتهم المتكررة عنده وفي الحديث عدم سقوط حد الزنا لتوبة كغيره من حدود الله تعالى الا قطع الطريق (فصلى عليها) بالبناء للفاعل عند جماهير الرواة وعند الطبرى في صحيح مسلم بالبناء للمفعول قال عياض وكذا في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود قال وفي رواية لابي داود فامرهم ان يصلوا عليها (وفي رواية) صريحة في مسلم انه صلى الله عليه وسلم صلى عليها (فقال له عمر) استكثارا (يصلى عليها) استفهام حذفت أداته ففيه وفي حديث صلاته على ماعز عند البخارى دليل على ان نحو الامام يصلي على نحو المرجوم كما ذهب اليه الشافعي وما أول به أصحاب مالك من انه أمر بالصلاة ودعى اليها فتسمى صلاة على مقتضاها في اللغة ومن ان رواية صلاته صلى الله عليه وسلم ضعيفة لانها لم يذكرها أكثر الرواة فتأويلان مردودان كما قاله النووي بان التأويل انما يصار اليه عند اضطراب الادلة الشرعية الى ارتكابه ولم يوجد ذلك هنا فوجب حمل الحديث على ظاهره وبان رواية انه صلى عليه ثابتة في الصحيح وزيادة الثقة مقبولة (لوسعتهم) بكسر السين (ان) بفتح الهمزة (فصل) عقده للتحذير من الزنا قال العلماء وتحريمه باتفاق الملل (ندا) بكسر النون وتشديد المهملة أى ميلا (ثم أي) بالوقف بلا تنوين (يطعم) بفتح الياء أى يأكل (ان تزني) ولمسلم تزانى (بحليلة جارك)

الله عليه وسلم لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن قال عكرمة قلت لابن عباس كيف ينزع الايمان منه قال هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فان تاب عاد اليه هكذا وشبك بين أصابعه رواهما البخاري والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومة ثم انه ثبت في الكتاب والسنة ان التوبة الصادقة والحد يكفرانه وحد المحصن الرجم حتى يموت وغير المحصن حده جلد مائة وتغريب عام وشرائط الاحصان اربعة البلوغ والعقل والحرية ووجود الوطء في نكاح صحيح وهي بالمهملة زوجته سميت بذلك لكونها تحل له أو لكونها تحل معه وخصها لان الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه وقد امر الشارع باكرام الجار فاذا قابل ذلك بالزنا بامرأته كان في غابة القبح مع تضمنه أيضا زيادة على الزنا هى افساد المرأة على زوجها واستمالة قلبها الى الزاني (لا يزني العبد حين يزنى الى آخره) محمول على نفي كمال الايمان الباعث على كمال المراقبة المانعة على تعاطى ما ذكر كذا تأوله الجمهور وامتنع سفيان من تأويل مثل هذا بل يطلق كما أطلقه الشارع لقصد الزجر والتنفير قال في الديباج وعليه السادة الصوفية نفع الله بهم وكذا قال الزهرى هذا الحديث وما أشبهه نؤمن بها ونمرها كما جاءت ولا نخوض في معناه فانا لا نعلمه (ولا يقتل وهو مؤمن) ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة بضم النون ما ينتهب ذات شرف بالمعجمة والفاء أي ذات قدر عظيم وقيل ذات استشراف يستشرف الناس لها ناظرين اليها يرفع الناس اليه فيها أبصارهم وهو مؤمن قال عياض نبه بهذا الحديث على جميع أنواع المعاصى فبالزنا على جميع الشهوات وبالسرقة على الرغبة في الدنيا والحرص على الحرام وبالخمر على جميع ما يصد عن الله ويوجب الغفلة عن حقوقه وبالقتل والنهبة على الاستخفاف بعباد الله وترك توقيرهم والحياء منهم وجمع الدنيا من غير وجهها (رواهما البخارى) ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم (وحد المحصن) بفتح الصاد المهملة وكسرها والاحصان لغة المنع وقد ورد في كتاب الله تعالى لمعان منها الاسلام والعقل والبلوغ وفسر بكل منها قوله تعالى فَإِذا أُحْصِنَّ ومنها الحرية وهي المراد بقوله تعالي فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ومنها التزويج وهى المراد بقوله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ومنها العفة عن الزنا وهي المراد بقوله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ومنها الاصابة في النكاح الصحيح وهي المراد بقوله تعالى مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وهذا هو المراد هنا (جلد مائة) لقوله تعالى فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (وتغريب عام) لقوله صلى الله عليه وسلم خذوا عنى خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرحم رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن عبادة بن الصامت وانما ترك الجمع بين الجلد والرجم لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز والغامدية واليهوديين فدل على نسخ الجلد الواقع في حديث عبادة وقوله في الحديث البكر بالبكر ليس على سبيل الاشتراط لان البكر يجلد ويغرب وان زنا بثيب والثيب يرجم وان زنا ببكر فهو شبيه بالتقييد الخارج على الغالب (البلوغ وما بعده) خرج به الصبي والمجنون ومن

مطلب في أن الرجم مما نسخ لفظه من القرآن وبقي حكمه وفيه خطبة عمر بن الخطاب في حديث السقيفة

وحد المملوك نصف حد الحر ودل مجموع الكتاب والسنة على ان حده الجلد في الحالين ولا يثبت الحد الا باقرار الزانى أو البينة وبينته أربعة ذكور عدول يشهدون برؤية الفرج في الفرج كالميل في المكحلة وهذا الحكم ثابت في التوراة والانجيل والفرقان فجعل الله سبحانه وتعالى شهادة الزنا أربعة خاصة له تغليظا على مدعيه وزجرا له على تعاطيه رحمة للعباد والستر عليهم ولو لم يكمل نصاب الشهادة حد الشهود وبرئ المقذوف وقد كان في صدر الاسلام عقوبة الزنا الامساك في البيوت وهو الحبس حتى يتوفاهن الموت ثم نسخ بالأذى وهو التوبيخ والتعيير ثم نسخ بالجلد والرجم وتقرر الحكم وصار اجماعا. أما الجلد فصريح في آية النور [مطلب في أن الرجم ممّا نسخ لفظه من القرآن وبقي حكمه وفيه خطبة عمر بن الخطاب في حديث السقيفة] وأما الرجم فانه مما نسخ لفظه من القرآن وبقى حكمه وبينته السنة. روينا في صحيح البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كنت اقريء رجالا من المهاجرين منهم عبد الله بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها اذ رجع الى عبد الرحمن فقال لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو فيه رق ومن لم يطأ في نكاح صحيح وكذا لو وطيء فيه وهو غير كامل لرق أوصبا ولا يشترط للاحصان الاسلام فقد رجم صلى الله عليه وسلم اليهوديين كما رواه الشيخان وأبو داود وابن حبان وغيرهم (وحد المملوك) أى من فيه رق وان قل (نصف حد الحر) وهو خمسون ونصف تغريبه وهو نصف عام قال تعالى في الاماء (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) وقيس بهن العبيد (ودل مجموع الكتاب والسنة على ان حد الجلد في الحالين) وذلك لعدم تصور تنصيف الرجم (أربعة ذكور عدول) متصفين بالحرية والعقل والبلوغ والبصر والنطق وعدم الفسق واختلال المرؤة والعداوة بينهم وبين المشهود عليه قال تعالى فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ وقال تعالى لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ (برؤية الفرج في الفرج) ولا يشترط في الشهادة التصريح بالرؤية بل يكفي الشهادة بالادخال نعم لا يجوز اسنادها الا الى رؤية حقيقة (كالميل) التى يكحل به العين (في المكحلة) بضم الميم والمهملة لانهم قد يظنون نحو المفاخذة زنا ولا بد من ذكر المزني بها في الشهادة إذ قد يظنون وطيء الشبهة بوطيء امة الابن والمشتركة زنا (شهادة الزنا أربعة) ومثله اللواط واثنان البهيمة والاستمناء (ولو لم يكمل نصاب الشهادة حد الشهود) لان سيدنا عمر رضي الله عنه حد أبا بكرة ونافعا وسئل ابن معبد حين شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا كما رواه الحاكم في المستدرك والبيهقى وأبو نعيم في المعرفة بخلاف ما لو تم النصاب ثم ردوا لا لرق وكفر فانه يسقط عنهم حد القذف (التوبيخ والتعيير) مترادفان (روينا في صحيح البخارى) وبعض الحديث في صحيح مسلم وسنن أبى داود والترمذي وابن ماجه (هل لك في فلان) هو الزبير بن العوام أخرجه البلاذرى في الانساب باسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري لقد (بايعت فلانا) هو طلحة بن عبيد الله كما في مسند البزار والجعديات باسناد

قد مات عمر لبايعت فلانا فو الله ما كان بيعة أبي بكر الا فلتة فتمت فغضب عمر ثم قال اني انشاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم قال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاهم وانهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس واني أخشى ان تقوم فتقول مقالة يطير بها عنك كل مطير وان لا يعوها وان لا يضعوها على مواضعها فامهل حتى تقدم المدينة فانها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وباشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا فيعى أهل العلم والفقه مقالتك ويضعونها على مواضعها فقال أما والله ان شاء الله لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا الى ركن المنبر فجلست حوله تمسّ ركبتى ركبته فلم أنشب أي البث ان خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف فانكر علىّ فقال ما عسيت ان تقول ما لم تقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فاثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فاني قائل لكم مقالة قد قررت لي ان أقولها لا أدرى لعلها بين يدي أجلى فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ضعيف أو علىّ كما في الانساب للبلاذرى بالاسناد المار آنفا (فلتة) بفتح الفاء وسكون اللام ثم فوقية أى فجأة قال في التوشيح وأصلها الليلة التى هي من المحرم أو صفر أو هل هي من رجب أو شعبان وكانوا لا يشهرون السلاح في شهر حرام فكان من له ثأر يتربص فاذا جاء تلك الليلة أشهر الفرصة من قبل أن يتحقق انسلاخ الشهر فيتمكن ممن يريد ايقاع الشربه وهو آمن فيترتب على ذلك الشر الكثير وقد أطلق هنا على الفرصة التى وقا الله شرها (ان يغصبوهم) باعجام الغين واهمال الصاد أي يأخذوا عليهم قهرا (رعاع الناس) بفتح الراء وتكرير المهملة أي جهلتهم ورذالهم (وغوغاهم) بفتح المعجمتين بينهما واو ساكنة مع المد وهو سفلتهم المسرعون الى الشر وأصل الغوغاء صغار الجراد حين يبدأ في الطيران فاسفر هنا لمن ذكر ففيه صيانة الكلام الذى يخاف من ظاهره عن أراذل الناس وغير المنتفعين به واظهاره لغيرهم (على قربك) بقاف مضمومة وموحدة وخطاؤا الكشميهنى حيث ضبطها بكسر القاف والنون (يطرها) بضم أوله أي يشيعها ويظهرها وللسرخسي يطير بها بفتح أوله يحملونها على غير وجهها (كل مطير) بفتح التحتية صفة مبالغة (عقب ذى الحجة) بفتح المهملة وكسر القاف وبضم المهملة وسكون القاف فالثاني يقال لما بعد التكملة والاول لما قرب منها (فلما كان يوم الجمعة) بالنصب والرفع (زاغت) أي مالت (ما عسيت) بفتح السين وكسرها (لعلها بين يدي أجلى) هذا من جملة كرامات عمر رضي الله عنه فان الأمر وقع كما قال فطعن

ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد ان يكذب علىّ ان الله بعث محمدا بالحق وانزل عليه الكتاب وكان فيما انزل الله عليه آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فاخشى ان طال بالناس زمان يقول قائل والله ما أجد آية الرجم في كتاب الله فيصلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنا اذا أحصن من الرجال والنساء اذا قامت البينة او كان الحبل أو الاعتراف ثم كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ان لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن ابائكم وان كفرا بكم ان ترغبوا عن آبائكم ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطرونى كما أطرى عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله ثم انه بلغنى ان قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرأ ان يقول انما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وانها قد كانت كذلك ولكن الله وقاشرها وليس فيكم من يقطع الاعناق اليه مثل ابى بكر من بايع رجلا من عقب ذلك قبل مجيء الجمعة الاخرى (آية الرجم) بالرفع (ووعيناها) زاد أبو داود وابن ماجه وهي الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم وقد فسر الشيخ والشيخة والمحصن والمحصنة (اذا احصن) بفتح الهمزة والصاد وبضمها وكسر الصاد (اذا قامت البينة) وهي أربعة كما مر (أو كان) بأمة (الحبل) تبع سيدنا عمر رضي الله عنه على مذهبه هذا مالك رحمه الله فاوجب الحد على من حبلت اذا لم يعلم لها حليل ولا اكراه ما لم تدع انه من زوج أو سيد وكانت غريبة طارئة قال ولا يقبل منها دعوى الاكراه الا ادا اشيعت في ذلك قبل ظهور الحمل وخالف مالك في ذلك جماهير العلماء (لا ترغبوا) في الانتساب (عن آبائكم) فتستوجبوا اللعنه في قوله صلى الله عليه وسلم من ادعى الى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة الى يوم القيامة رواه أبو داود عن أنس ولاحمد والشيخين وأبي داود أيضا وابن ماجه عن سعد وأبي بكرة من ادعي الي غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام (فانه كفر) للنعمة قائم (بكم) أي مصاحب لكم (لا تطروني) بالطاء المهملة رباعي والاطراء المبالغة في الوصف (كما اطرى) مبني للمفعول (عيسى بن مريم) فقالت النصاري هو ابن الله (قد كانت كذلك) فيما ظهر لكم ولم يرد انها كذلك حقيقة (وفي شرها) أي وقاهم ما في العجلة غالبا من الشر لان من المعتاد ان عدم الاطلاع على الحكم في شيء باعث على عدم الرضاء بفعله بغتة (وليس فيكم) من سبق في الفضل وبلغ غايته بحيث (تقطع الاعناق اليه) هذا مثل يقال للفرس الجواد تقطعت أعناق الخيل دون لحاقه وقيل ان الناظر الى السابق يمد عنقه لينظر حتى يغيب السابق عن النظر فعبر عن امتناع نظره بانقطاع عنقه أي فلا يطمع طامع ان يقع له (مثل) ما وقع (لابى بكر) من المتابعة له أولا في ملأ يسير ثم اجتمع عليه الناس بعد ولم يختلفوا (من بايع) بالموحدة والتحتية (من غير

غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة ان يقتلا وانه قد كان من خيرنا حين توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم. ان الانصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا على والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون الى ابى بكر فقلت لابي بكر يا أبا بكر انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد اخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم ان تقربوهم اقضوا امركم فقلت والله لنأتيهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بنى ساعدة فاذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا قال هذا سعد بن عبادة فقلت ماله قال يوعك فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله تعالى بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة من قومكم فاذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وان يحضنونا من الأمر فلما سكت أردت ان اتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتنى أريد ان أقدمها بين يدى أبى بكر وكنت أدرى منه بعض الحد فلما أردت ان اتكلم قال لى أبو بكر على رسلك فكرهت ان أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أعلم منى وأوقر والله ما ترك من مشورة) بضم المعجمة وسكون الواو وسكونها وفتح الواو كما سبق مرارا (تغرة) بفوقية مفتوحة فمعجمة مكسورة فراء مشددة وهاء تأنيث مصدر غرر به أى حذرا (ان يقتلا) ومعناه ان من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضها للقتل (من خبرنا) بفتح الموحدة وللمستملي في صحيح البخاري بتحتية ساكنة أى وقد كان أبو بكر من خيرنا فعلي هذا (ان الانصار) بكسر الهمزة وعلى الاول بفتحها (لقينا) بفتح التحتية (رجلان صالحان) وهما معن بن عدى وعويمر بن ساعدة سماهما البخارى في غزوة بدر وكذا أخرجه البزار في مسند عمر قال ابن حجر وفيه رد على من زعم ان عويمر بن ساعدة مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (قال عليا لقوم) أي اتفقوا (مزمل) بالزاى أي مدثر ملفف (يوعك) أى ينزل به المعد وهى الحمي وقيل تفثها (شهد خطيبهم) قال ابن حجر قيل هو ثابت بن قيس بن شماس (رهط) أي قليل (دفت) بمهملة وفاء مشددة ففوقية جاءت (ذاته) أي عدد قليل (أي يختزلونا) بخاء معجمة وزاي أي يقتطعونا من الامر ويستبدونه دوننا (وان يحضنونا) باهمال الحاء واعجام الضاد أي يخرجونا والحضن الاخراج وللكشميهنى في صحيح البخارى يحصونا بضم الحاء وتشديد الصاد المهملتين ولابن السكن تحصونا بفتح الفوقية وتشديد الصاد المهملة أي يستأصلونا وللدار قطنى يحفظونا بالامر دوننا (قد زورت) بتقديم الزاى على الراء أي هيأت وحسنت (بعض الحد) بفتح المهملة أى الحدة (ان اغضبه) بمعجمتين من الغضب

كلمة اعجبتنى في تزويرى الا قال في بديهة مثلها أو أفضل منها حتى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن نعرف هذا الأمر الا لهذا الحى من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فتبايعوا أيهما شئتم فاخذ بيدى وبيد ابى عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم اكره مما قال غيرها كان والله ان أقدم فيضرب عنقى لا يقربنى ذلك من اثم احب الى من أن اتأمر على قوم فيهم أبو بكر الا ان تسول لى نفسى عند الموت شيئا لا أجده الآن فقال قائل الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعته المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة وللكشميهنى في صحيح البخاري بمهملتين من المعصية (في بديهة) أى على الفوردون فكر ولا روية (ما ذكرتم فيكم من خير فانتم له أهل) فيه الاعتراف بالفضل لاهله وذلك من شيم أهل الفضل فقد قال صلى الله عليه وسلم انما يعرف أهل الفضل لاهل الفضل أخرجه أحمد في المناقب بسند صحيح والخطيب عن أنس وأخرجه ابن عساكر عن عائشة (هم) أي قريش (أوسط العرب) أي أفضلهم نسبا (ودارا) المراد بها مكة (وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين) قال العلماء انما قال ذلك مع علمه انه أحق بالخلافة فرارا من ان يزكي نفسه (ان اقدم) بفتح الهمزة (أحب الى) بالفتح على انه خبر كان والاسم في ان اقدم وعكسه (اللهم الا ان تسول لى نفسى عند الموت الى آخره) معني ذلك انه حلف على ما في نفسه الآن انه يختار الموت على ان يتأمر على قوم فيهم أبو بكر ثم استثنى ما عسي أن يقع في النفس عند الموت من اختيار الحياة ولو مع التأمر المذكور علي عادتها في الفرار من الموت وعدم الرضى به (فقال قائل من الانصار) هو الحباب بن المنذر أخرجه مالك وغيره (انا جذيلها) بجيم ومعجمة مصغر جذل بكسر الجيم وسكون المعجمة وهو العود (المحكك) بفتح الكاف المشددة أي المنصوب للابل الجرباء تحتك به (وعذيقها) باهمال العين واعجام الذال مصغر عذق بالفتح وهو النخلة (المرجب) بفتح الجيم المشددة آخره موحدة هو الذي جعل له رجبة بضم الراء وسكون الجيم وهي بناء تحاط به النخلة خوفا من سقوطها من الرياح ولا يفعل ذلك الا بالنخلة الكريمة الطويلة والتصغير يراد به هنا الكثير قاله الميدانى والمعنى انه رجل يستشفي برأيه وعقله زاد ابن اسحاق وغيره بعد هذا لنعيدنها جذعة (منا أمير ومنكم أمير) زاد أهل السير فان عمل المهاجري في الانصاري شيأ رد عليه الانصاري وان عمل الانصارى في المهاجرى شيأ رده المهاجري (فرقت) بكسر الراء خفت (ونزونا) بنون وزاي مفتوحة أي رأينا (فقال قائل) ولابن اسحق وغيره فقالت الانصار (قتلتم سعد بن عبادة) أي عملتم عملا أغضبتموه غضبا له وقع ويعبر بالقتل عن ذلك

مطلب ثم كانت بيعة علي لأبي بكر بعد موت فاطمة رضي الله عنها

[مطلب ثم كانت بيعة عليّ لأبي بكر بعد موت فاطمة رضي الله عنها] قال عمر وانا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة ابي بكر خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة ان يبايعوا رجلا منهم فاما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو لا والذى بايعه تغره أن يقتلا وروينا فيه أيضا عن الزهرى قال أخبرنا أنس بن مالك انه سمع خطبة عمر الاخيرة حين جلس على المنبر ذلك الغد حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد وابو بكر جالس صامت لا يتكلم قال كنت أرجو ان يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا يريد بذلك ان يكون آخرهم فان يكن محمدا قد مات فان الله عز وجل قد جعل بين اظهركم نورا تهتدون به هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم وان أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين وانه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر قال أنس بن مالك سمعت عمر يقول لأبى بكر يومئذ اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة قال القاسم بن محمد فما كان من خطبتهما من خطبة الا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس وان فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذى عليهم وخرجوا به يتلون وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الى الشَّاكِرِينَ* ثم كانت بيعة علي بن أبي طالب رضى الله عنه ومن معه بعد موت فاطمة وعاشت فاطمة بعد موت أبيها ستة أشهر ولما ماتت أرسل علي الى أبى بكر أن ائتنا فأتاهم فتشهد عليّ بن أبى طالب ثم قال انا قد (وذلك الغد) بالنصب (حتى يدبرنا) باهمال الدال وضم الموحدة (صاحب) بالنصب والرفع (ثانى اثنين) بسكون التحتية علامة للرفع (وكانت بيعة العامة على المنبر) في المسجد زاد أهل السير فسمع على والعباس التكبير ولم يفرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس هذا ما كنت قلت لك يا على (قال القاسم بن محمد) ابن أبي بكر الصديق (من خطبتهما) أي أبي بكر وعمر ومن تبعيضية أو بيانية (من خطبة) من زائدة (لقد بصر) بالموحدة وتشديد المهملة (قد خلت) مضت كلمة تامة (بيعة على) بالرفع (عاشت فاطمة بعد أبيها) صلى الله عليه وسلم (ستة أشهر) على الصحيح المشهور وقيل ثلاثة أشهر وقيل ثمانية وقيل شهرين وقيل سبعين يوما وكانت وفاتها رضى الله عنها لثلاث مضين من شهر رمضان سنة احدى عشرة (أن اثنتا) زاد مسلم في رواية ولا يأتينا معك أحد كراهية يحضر عمر فقال عمر لابي بكر والله لا تدخل عليهم وحدك وانما كرهوا محضر عمر كما قال النووي لعلمهم شدته وصدعه بما يظهر له فخافوا ان ينتصر لابي بكر فيتكلم بكلام يوحش قلوبهم على أبي بكر وكانت قلوبهم قد طابت عليه وانشرحت له فخافوا أن يكون حضور عمر

عرفنا يا أبا بكر فضيلتك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله اليك ولكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نحن نري لنا حقا لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبا بكر فلما سكت تكلم أبو بكر قال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الي أن أصل من قرابتي وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فانى لم آل فيها على الحق ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها الا صنعته فقال علي لأبى بكر موعدك العشية فلما صلى ابو بكر صلاة الظهر رقى ابو بكر على المنبر فتشهدو ذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر اليه ثم استغفر وتشهد علي بن أبى طالب كرم الله وجهه فعظم حق ابى بكر وانه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبى بكر ولا إنكار الذي فضله الله به ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا فسر بذلك المسلمون وقالوا أصبت وكان المسلمون الى على قريبا حتى راجع الأمر المعروف رواه مسلم* وانما ذكرت الحديث الأول متمما بيان حكم الرجم وكانت الدلالة على ذلك تتم دون تمامه لما فيه وفي الحديثين بعده من الدلالة على أصل بيعة ابى بكر وانها كانت اجماعا من الصحابة الذين تقررت عصمتهم من الاجتماع على الضلال والخطأ والتمالئ عليهما وانه قد كان من على رضي الله عنه بعض تردد سببا لتغييرها وعمر انما قال لا تدخل عليهم وحدك خوفا عليه من اغلاظهم عليه في المعاتبة وعدم جواب أبى بكر والانتصار لنفسه لقوة لينه وصبره وخاف تغير قلب أبي بكر فيترتب على ذلك مفسدة خاصة أو عامة وبحضور عمر يمتنعون من ذلك هذا معنى ما ذكره النووي قال وفي دخول أبي بكر وحده مع حلف عمر انه لا يدخل كذلك دليل علي ان ابرار القسم المأمور به في الاحاديث الصحيحة محله اذا أمكن احتماله بلا مشقة ولم يكن فيه مفسدة وهذا ظاهر (ولم ننفس عليك) بفتح الفاء أي لم نحسدك يقال نفس بكسر الفاء في الماضى تنفس بفتحها في المضارع (ولكنا كنا نري) بضم النون وفتحها (لنا في هذا الامر نصيبا) وذكر جماعة من أهل السير ان أبا بكر قال يا علي أكرهت امارتي قال لا لكن ابيت ان لا اخرج بعد موته صلى الله عليه وسلم حتى احفظ القرآن فعليه حبست نفسى (شجر بينى وبينكم) أى اختلفنا فيه وتنازعنا (لم آل) بمد الهمزة أى لم اقصر (موعدك العشية) بالنصب والضم قال أهل اللغة العشية والعشى من زوال الشمس الى الغروب (رقى) بكسر القاف في الماضي وفتحها في المستقبل كعلم يعلم (وعذره) بفتح العين والذال فعل ماض وبضمها وسكون الذال أي وذكر عذره (نفاسة) بفتح النون أى حسدا (من الدلالة علي أصل بيعة الصديق) لمبايعة من تيسر حضوره يومئذ من اهل الحل والعقد له (قد كان من علي رضى الله عنه بعض تردد) غير قادح في صحة البيعة اذ لا يجب على كل أحد اتيان الامام ووضع يده في يده ومبايعته بل يلزمه

أول الأمر ثم شرح الله صدره فاعتذر في تخلفه تلك الايام وبايع وتابع فادّ الطاعة لأبى بكر والخلفاء بعده الى ان انتهت النوبة اليه وتعين القيام عليه فقام بها على أحسن الوجوه واكملها وأعدلها وقاتل من غلا في محبته كما قاتل من خرج عن طاعته ولم يعنف من تخلف عن نصرته وختم الله له بالسعادة والشهادة هذا وقد تعصب قوم له وادعوا له الخلافة ابتداء وان النبي أوصى اليه وتعاموا عن دلائل كثيرة صحيحة صريحة أو كالصريحة على خلافة أبى بكر اقواها بعد الاجماع إنابته اياما في الصلاة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمحضر من على رضى الله عنه وكانت الصلاة اعظم شعار في الاسلام واول امرأ حوج الى النيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال علي رضي الله عنه رضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا واعظم ما وقع فيه هؤلاء من الأخطار تفسيقهم للصحابة ونسبتهم الى الخطأ ولزم من ذلك دخول علي معهم حيث القى بيديه ودخل في بيعة لا يعتقد صحتها وألزم نفسه طاعة الانقياد له وعدم اظهار خلاف ولا شق عصا وكان ذلك شأن علي في مدة تخلفه ولم يظهر على أبي بكر خلافا ولا شق العصا بل كان لعذر ولم يكن انعقاد البيعة متوقفا على حضوره فلم يجب عليه الحضور لذلك ولا لغيره ولم ينقل عنه قدح في بيعة أبى بكر رضي الله عنه ولا مخالفة نعم بقي في نفسه عتب مما لا يعصم منه البشر فتأخر الى ان زال وكان عتبه انه رأى أن لا يبرم أمرا الا بمشورته وحضوره ولكن كان أبو بكر وعمر وسائر الصحابة معذورين في الاستبداد علي علىّ لانهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم المصالح وخافوا من تأخرها خلافا يترتب عليه مفاسد عظيمة ومن ثم أخروا دفن النبى صلى الله عليه وسلم حتى عقدت البيعة كيلا يقع نزاع في موضع دفنه أو في غسله أو الصلاة عليه أو غير ذلك وليس لهم حاكم يفصل أمرهم فيها وان تقديم البيعة أهم الاشياء هذا معني ما ذكره النووى (بايع) بالموحدة والتحتية (وتابع) بالفوقية والموحدة (وختم الله له بالسعادة والشهادة) فقتله عبد الرحمن بن ملجم الحميرى ثم المرادى قاتله الله وذلك يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان سنة ست وأربعين علي الصحيح عن ثلاث وستين سنة على أسد الاقوال ودفن في قصر الامارة بالكوفة ليلا وغيب قبره وقيل في رحبة بالكوفة وقيل بنجف الحرة وغسله ابناه الحسن والحسين وصلى عليه الحسن وكبر أربع تكبيرات على الصحيح (وقد تعصب قوم له) كالروافض والامامية وسائر فرق الشيعة (وبمحضر) بفتح الضاد (تفسيقهم للصحابة ونسبتهم الى الخطأ) وهذا قول الامامية وبعض المعتزلة وأما الروافض كلاب النار فانهم يكفرون سائر الصحابة في تقديمهم غير على وكفر بعضهم أيضا عليا لانه لم يقم في طلب حقه بزعمهم. قال القاضى وهؤلاء أسخف مذهبا وأفسد عقلا من ان يرد قولهم ويناظروا قال ولا شك في كفرهم لان من كفر الامة كلها والصدر الاول فقد أبطل نقل الشريعة وهدم

مطلب ومن حوادث هذه السنة موت أم كلثوم ابنته صلى الله عليه وسلم

من لا يستحقها وقد كان له من قوة الجنان واشتداد الاركان ما لو اجتمعت الأمة بأسرها في جانب باطل لم يتابعهم وقد جهل قدره من ظن به ذلك ومن عظيم خطائهم اعتقادهم ان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الى علىّ بالخلافة فخالفوه وجرى الأمر على خلاف ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشا فلم يوجد في جميع ما أخبر عنه من المغيبات خلف ولا تغيير وما ينطق عن الهوى ان هو الاوحى يوحى وبالجملة فهذا أمر قد انطوى بساطه وفرغ منه على ما انطوى عليه وما أسعد من أحب عليا لما مهد الله له من الفضائل وعرف لبقية الصحابة حقهم وأنزلهم منازلهم وأخسر من لا يصفوا له حبه الا بالتناول من غيره وعلى كل تقدير فالواقع على جانب من الخسر والوبال والساكت يسالم على كل حال وطريقة السلامة واضحة لمن ارتادها والعوائد السنية لازمة لمن اعتادها والله ولى التوفيق* [مطلب ومن حوادث هذه السنة موت أم كلثوم ابنته صلى الله عليه وسلم] ومن الحوادث في هذه السنة موت أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي الثانية من زوجتي عثمان بن عفان روينا في صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال شهدنا موت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان فقال هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة أنا قال فانزل في قبرها فنزل في قبرها صحح ابن عبد البر انها أم كلثوم ولا يصح قول من زعم انها رقية لأن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب ببدر والله أعلم* ومعنى لم يقارف أي لم يكسب ذنبا وقيل لم يجامع وأنكره الطحاوي الاسلام (الجنان) بفتح الجيم وتخفيف النون القلب (الا بالتناول) أي السب وهو بتقديم الفوقية على النون (أرتادها) أي طلبها (والعوائد) جمع عائدة وهى ما يعود علي الشخص نفعه (السنية) بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتية السامية* (موت أم كلثوم) رضى الله عنها وهي بضم الكاف والمثلثة وسكون اللام (وهى الثانية من زوجتى عثمان) قيل ولا نعلم رجلا تزوج ابنتى نبى سواه ومن ثم قيل له ذو النورين (فائدة) حضر غسلها من النساء أم عطية كما في سنن الترمذي قال ابن حجر وأسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب وليلي بنت قانف (لم يقارف) بقاف وفاء (فقال أبو طلحة) اسمه زيد بن سهل كما مر (فانزل في قبرها فنزل) فيه جواز ادخال الاجنبى المرأة القبر ولو مع حضور زوجها وأبيها مثلا (من زعم) أى قال (ومعنى لم يقارف) قيل (لم يكسب ذنبا وقيل لم يجامع) وهذا هو الصحيح (و) ان (أنكره الطحاوي) باهمال الطاء والحاء واسمه أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة وهو منسوب الي طحا قرية من قرى الصعيد وكان امام الحنفية وحافظ مذهبهم قال في التوشيح وذكر في حكمه انه حينئذ يأمن من ان يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة وفي المستدرك ان عثمان تنحا قال ابن حبيب لانه جامع بعض جواريه لتلك الليلة

مطلب في خبر وفاة النجاشي بالحبشة والصلاة عليه

وقال معناه لم يقاول الليلة لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء* [مطلب في خبر وفاة النجاشي بالحبشة والصلاة عليه] وفي رجب منها توفي النجاشي واسمه أصخمة ومعناه بالعربية عطية. روينا في صحيح البخاري عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فضلوا عليه قال فصففنا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن صفوف قال جابر كنت في الصف الثاني وفي رواية في الصحيحين انه كبر عليه أربع تكبيرات. قال القاضى عياض اختلفت الآثار في ذلك فجاء من رواية ابن أبي خيثمة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا حتى مات النجاشى وكبر عليه أربعا وثبت على ذلك حتى توفي صلى الله عليه وسلم قال أصحابنا فان خمس لم تبطل في الاصح واتخذ (لم يقال) بالقاف يفاعل من القول فائدة روي الحاكم في المستدرك عن أبي امامة رضى الله عنه قال لما وضعت أم كلثوم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله فلما بنى عليها لحدها طفق يطرح اليهم الجبوب ويقول سدوا خلال اللبن ثم قال اما ان هذا ليس شيء ولكن يطيب نفس الحي انتهى والجبوب بضم الجيم والموحدة القطعة من الطين* موت النجاشي وقد مر ضبطه وضبط أصخمة (روينا في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (قد توفي اليوم) فيه المعجزة الظاهرة له صلى الله عليه وسلم واستحباب الاعلام بالميت لا على صورة نعى الجاهلية بل مجرد اعلام للصلاة عليه وتشيعه وانما المنهى عنه النعي المشتمل على ذكر المفاخرة وغيره من شعار الجاهلية (رجل صالح) هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد وفيه منقبة عظيمة للنجاشي (من الحبش) بضم المهملة وسكون الموحدة وبفتحهما (فهلم فصلوا) قال النووي فيه وجوب الصلاة على الميت وهى فرض كفاية بالاجماع (كنت في الصف الثاني) في رواية في الصف الثالث وفيه ندب جعل المصلين على الميت ثلاثة صفوف قال الاصحاب وكلهم في الفضل سواء (كبر عليه أربع تكبيرات) فيه ان تكبيرات الجنازة أربع وهو مذهبنا ومذهب الجمهور (قال القاضى) عياض كما نقله عنه النووى في شرح مسلم (وثبت على ذلك) أى على الاربع (حتى توفي) قال عياض واختلف الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات الى سبع وروي عن علىّ انه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى سائر الصحابة خمسا وعلى غيرهم أربعا قال يوسف بن عبد البر ثم انعقد الاجماع بعد على أربع وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالامصار على ذلك للاحاديث الصحيحة وما سوى ذلك عندهم شاذ لا التفات اليه قال ولا يعلم أحد من فقهاء الامصار كان يخمس الا ابن أبى ليلى (قال أصحابنا) في كتبهم الفقهية (فان خمس) أو زاد على الخمس كما قاله الحيلى فان كان ناسيا (لم تبطل) صلاته قطعا أو عامدا فكذا (في الاصح) لانها زيادة ذكر وقد أخرج مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال

مطلب في موت عبد الله بن أبي بن سلول واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم له ونهي ربه عن ذلك

العلماء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشى أصلا في الصلاة على الغائب وقال الخطابي من أصحابنا لا يصلي عليه الا اذا كان في موضع لا يصلي عليه كما وقع للنجاشى واستحسنه الرويانى في البحر والكلام في الغائب عن البلد أما الحاضر فلا يصلي عليه صلاة غائب سواء كبرت البلد أو صغرت والله اعلم. [مطلب في موت عبد الله بن أبيّ بن سلول واستغفار النبي صلى الله عليه وسلّم له ونهي ربّه عن ذلك] وفيها مات عبد الله بن ابي بن سلول وذلك بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه وهو مريض فقال أهلك حب يهود ولما مات أتاه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أدخل فأمر به فاخرج فوضعه على ركبته ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه رواه البخاري عن جابر وروي أيضا عن عمر قال لما مات عبد الله بن أبي دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت اليه فقلت له يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا اعدد عليه قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخرعنى يا عمر فلما أكثرت عليه قال اني خيرت فاخترت كان زيد بن أرقم يكبر على الجنائز أربعا وانه كبر على جنازة خمسا فسألته قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرها ومقابل الاصح تبطل بالزيادة كزيادة ركعة خامسة ولا يتابع المأموم الامام فيها بل يسلم أو ينتظره ليسلم معه في الاصح ومقابلة تتابعه لتأكيد المتابعة فان قلنا الزيادة مبطلة فارقه جزما (وقال الخطابي) اسمه حمد بفتح المهملة وسكون الميم بن محمد بن ابراهيم بن خطاب قال الشمني هو الامام الحافظ السبتي قال والخطابي نسبة الى جده ويقال انه من نسل زيد بن الخطاب (الروياني) بضم الراء وسكون الهمزة اسمه عبد الواحد بن اسماعيل منسوب الى رويان بلد بطبرستان (والكلام في الغائب عن البلد) سواء كان في جهة القبلة أو في غيرها (اما الحاضر فلا يجوز) ان (يصلى عليه صلاة غائب) اذ لم يرد ذلك والحضور عنده سهل* موت عبد الله بن أبي (روى ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه وهو مريض) نقل ذلك البغوى عن أهل التفسير وقال ما معناه سبب ذلك انه بعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءه (قال أهلكك حب يهود) لا ينصرف زاد البغوى فقال يا رسول الله انى لم أبعث اليك لتؤنبني ولكن بعثت اليك لتستغفر لى وسأله ان يكفنه في قميصه ويصلى عليه (ولما مات) وكانت وفاته في ذى القعدة (وروي) البخارى (أيضا) وكذا مسلم والترمذي والنسائى (دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكان الداعي ابنه عبد الله بن عبد الله وهو الذي سأل من النبي صلى الله عليه وسلم ان يلبس أباه قميصه الذي يلي جلده كما نقله البغوي وغيره عن يزيد بن هارون (وثبت اليه) أي قمت بسرعة (وقد قال يوم كذا كذا وكذا) لاصحاب السنن وقد نهاك ربك ان تصلى عليه (اني خيرت فاخترت) فان قيل كيف فهم

لو أعلم اني ان زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم انصرف فلم يمكث الايسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ والله ورسوله أعلم. قيل فعل به النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل اكراما لولده حيث سأله ذلك وما سئل شيئا قط فقال لا وأما القميص فألبسه اياه مكافأة له لأنه ألبس العباس يوم بدر قميصا* خاتمتها صلى الله عليه وسلم من الآية التخيير والمفهوم من الآية انما هو التسمية بين الاستغفار وتركه كما فهمه عمر واقتضاه سياق القصة أجيب بأن قوله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا الى آخره تأخر نزوله عن أول الآية ففهم صلى الله عليه وسلم من ذلك القدر النازل ما هو الظاهر حينئذ من ان أو للتخيير وان عدد السبعين له مفهوم فاندفع الاستشكال الحامل لجماعة من الأكابر على الطعن في هذا الحديث منهم أبو بكر الباقلاني وامام الحرمين والغزالى والحديث لا مطعن فيه فقد اتفق الشيخان وسائر الذين خرجوا الصحيح على تصحيحه (لو أعلم انى ان زدت على السبعين الى آخره) لاصحاب السنن وسأزيد على السبعين (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ) ظاهر الحديث تأخر نزول هذه الآية عن القصة وما في تفسير البغوي مما يقتضي نزولها في حياة عبد الله بن أبي مردود بما في الصحيح وفي الآية تحريم الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة والقيام على قبره (الى قوله وَهُمْ فاسِقُونَ) زاد الترمذى فترك الصلاة عليهم (من جرأتي) أى اقدامي (اكراما لولده) قيل واظهارا لحلمه عن من يؤذيه أو لرحمته إياه عند جريان القضاء عليه (ما سئل شيئا قط فقال لا) كما رواه الحاكم عن أنس كان لا يسأل شيئا الا أعطاه أو سكت (ان) بفتح الهمزة (ألبس العباس يوم بدر قميصا) ولم يكن للعباس يومئذ ثوب فوجدوا قميص عبد الله تقدر عليه فكساه إياه كما رواه البغوى عن جابر بصيغة وروى قال وقال ابن عيينة كانت له عند رسول الله يد فأحب ان يكافئه قال وروي ان النبى صلى الله عليه وسلم كافأ فيما فعل بعبد الله بن أبى فقال النبى صلى الله عليه وسلم ما يغنى عنه قميصي وصلاتى من الله والله ان كنت أرجو ان يسلم به ألف من قومه وروى انه أسلم بعد موته ألف من قومه لما رأوه تبرك بقميص النبي صلى الله عليه وسلم انتهي وفي هذا الحديث كما قال النووي بيان عظيم مكارم اخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقد علم ما كان من هذا المنافق من الايذاء وقابله بالحسنى فألبسه قميصه كفنا وصلى عليه واستغفر له قال تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ انتهى وفي هذا الحديث منقبة جليلة لعمر رضي الله عنه حيث وافق ربه (فائدة) قال ابن العربي وافق عمر ربه تلاوة ومعنى في احد عشر موضعا منها هذه القصة وفي قوله عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ وفي قوله وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وفي الحجاب وفي اساري بدر وكل هذه في الصحيح وفي آية المؤمنين كما رواه أبو داود الطيالسى من حديث على بن زيد وافقت ربى لما نزلت ثم أنشأناه خلقا آخر فقلت انا تبارك الله أحسن الخالقين فنزلت وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أنس وفي

مطلب في حج أبي بكر تلك السنة وإردافه بعلي يؤذن ببراءة في الحج

[مطلب في حج أبي بكر تلك السنة وإردافه بعلي يؤذن ببراءة في الحج] حج ابو بكر الصديق وكان من خبر ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من تبوك في رمضان أقام بالمدينة الى ذي القعدة وأراد الحج فذكر مخالطة المشركين وما اعتادوه من الجهالات في حجهم وان الأشهر الحرم والعهود التي لهم تمنع من منعهم فساءه ذلك وأمر أبا بكر على الحجاج وبعث معه بسورة براءة حاصلها التبرأ من عهود المشركين والتأجيل لهم أربعة أشهر ذهابا في الأرض اينما شاؤا ومن كان له عهد الى مدة ولم ينقص المسلمين شيئا ولم يظاهروا عليهم أحدا كبعض بني بكر فهو الى مدته فيما تضمنته أربعون آية من صدر سورة براءة ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعده على بن ابي طالب على ناقته العضباء تحريم الخمر كما روي أصحاب السنن والحاكم ان عمر قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تحريمها وفي قوله تعالى مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ الآية ذكره البغوى وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث عبد الرحمن بن أبى ليلى قلت ومنها قصة الاستغفار للمنافقين كما روي الطبرانى من حديث ابن عباس قال لما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستغفار لقوم من المنافقين قال عمر سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ومنها آية لما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج الى بدر أشار عمر بالخروج فنزل كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الآية ذكره أهل السير ومنها انه لما استشاره صلى الله عليه وسلم في فراق عائشة يوم الافك قال عمر من زوجكها يا رسول الله قال الله قال أفتظن ان ربك دلس عليك فيها سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت كذلك ومنها ما أخرجه أحمد وغيره انه لما جامع امرأته في رمضان ليلا بعد الانتباه وكان ذلك محرما أول الاسلام فنزل أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ الآية ومنها ما أخرجه ابن مردويه وابن أبي حاتم وغيرهم عن أبي الاسود قال اختصم رجلان الى النبى صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما فقال الذى قضي عليه ردنا الى عمر فقال أكذلك قال نعم فقال عمر مكانكما حتى أخرج اليكما فخرج اليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا الى عمر فقتله وأدبر الآخر فقال يا رسول الله قتل عمر والله صاحبي فقال ما كنت أظن ان يجترئ عمر على قتله مؤمن فأنزل الله عز وجل فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية فاهدر دم الرجل وبرأ عمر من قتله وله شاهد موصول وفي تفسير البغوي ان المقتول كان منافقا وخصمه يهوديا ومنها الاستئذان في الدخول وذلك انه دخل عليه غلامه وكان نائما فقال اللهم حرم الدخول فنزلت آية الاستئذان ذكره بعض المفسرين ومنها موافقته لقوله تعالى ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ الاية أخرجه ابن عساكر في التاريخ عن جابر* حج أبي بكر الصديق (وما أعتادوه من الجهالات ك) كطوافهم بالبيت عراة (فثناه ذلك) أي رجعه (أمر) بالتشديد (على الحجاج) بضم الحاء (بسورة براءة) أى باربعين آية من صدرها ليقرأها على أهل الموسم كما سيذكره المصنف (ولم ينقص المسلمين) بالمهملة (من صدر سورة براءة) الى قوله وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ كما في رواية ابن جرير (العضباء) باهمال العين واعجام الضاد

وأمره ان يتولى نبذ العهود ويقرأ على الناس صدر سورة براءة فلما أدرك علي عليه السلام أبا بكر قال ابو بكر امير أم مأمور فقال بل مأمور ثم مضيا ويقال ان ابا بكر لما لحقه علي رجع فقال يا رسول الله بأبى أنت وأمي أنزل في شأني شيء قال لا ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا الارجل من اهلي اما ترضى يا ابا بكر انك كنت معي في الغار وانك صاحبي على الحق ايضا قال بلى فكان ابو بكر أمير الناس وعلي يؤذن ببراءة ويؤذن المؤذنون بها عن امره روينا في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال بعثني ابو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وروي عنه انه قال امرني علي بن ابي طالب ان اطوف في المنازل من منى ببراءة وكنت اصيح حتى صحل حلقى فقيل له بم كنت تنادي قال بأربع أن لا يدخل الجنة الا مؤمن وان لا يحج بعد العام مشرك وان لا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد فله اجل أربعة أشهر ثم لا عهد له قال العلماء وكان السبب في بعث علي عليه السلام بعد أبي بكر انه كان في عرف العرب ان لا يتولى عقد العقود ونقضها الا سيدهم أو رجل من رهطه فبعث عليا ازاحة للعلة لئلا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه واراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أن يأتى حجه من قابل على امر قد تقرر وتمهد فنسخ الله سبحانه وتعالى بابتداء سورة التوبة عهد كل ذي عهد بالشرط السابق ومن لم يكن له عهد فاحله انسلاخ شهر الله المحرم وذلك قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ثم موحدة مع المد (نبذ العهود) من طرحها وابطالها (ويقال ان أبا بكر) ذكر ذلك البغوي بصيغة جزم (بابى أنت وأمي) افديك (أنزل في شأنى شيء) قال ذلك من شدة خوفه لله عز وجل وخشية أن يكون ليس أهلا للتأمير (وانك صاحبي) بفتح الهمزة (روينا في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي (بعثني أبو بكر في الحجة) قال الطحاوى كيف بعث أبو بكر أبا هريرة والمأمور بالتأذين علىّ وأجيب بان أبا بكر كان هو الامير وكان لعلى التأذين فقط ولم يطقه وحده فاحتاج الي من يعينه على ذلك فارسل معه أبو بكر رضى الله عنه أبا هريرة وغيره ليساعدوه (في مؤذنين) قال في التوشيح سمى منهم سعد ابن أبى وقاص وجابر (ولا يطوف) بالنصب (وروي عنه قال أمرني على) رواه النسائي بمعناه (إزاحة) بكسر الهمزة وبالزاى والمهملة والتنوين أي اماطة وتنحية (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) أى انفضت ومضت قيل هي الاشهر الاربعة رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وقيل هى شهور العهد سميت حرما لأن الله

السنة العاشرة وفيها كان إسلام أبي عبد الله جرير البجلي سيد بجيلة

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ وهذه الآية من اعاجيب القرآن لأنها نسخت من القرآن مائة واربعا وعشرين آية ثم نسخت بقوله تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ* [السنة العاشرة وفيها كان إسلام أبي عبد الله جرير البجلي سيد بجيلة] السنة العاشرة في رمضان منها تعالي حرم فيها على المؤمنين دماء أهل الشرك والتعرض لهم (فاقتلوا المشركين) أي الكفار (حيث وجدتموهم) أي ولو في الحرم (وخذوهم واحصروهم) أى احبسوهم وقال ابن عباس يريد ان تحصنوا فاحصروهم أى امنعوهم الخروج وقيل امنعوهم دخول مكة والتصرف في بلاد الاسلام (واقعدوا لهم كل مرصد) أي على كل طريق (وان أحد من المشركين) الذين أمرت بقتلهم (استجارك) أي استأمنك بعد انسلاخ الاشهر الحرم (فاجره) فاعذه وأمنه (حتى يسمع كلام الله) فيما له وعليه من الثواب والعقاب (ثم ابلغه مأمنه) أى المحل الذى يأمن فيه وهو دار قومه ثم ان قاتلك بعد وقدرت عليه فاقتله* السنة العاشرة (ذكر اسلام جرير) بن عبد الله (في رمضان منها) كما جزم به ابن حبان والبغوي وأكثر الحفاظ المتأخرين وغلط الطحاوى ابن عبد البر وغيره ممن قال ان اسلامه قبل موت النبى صلى الله عليه وسلم باربعين يوما لما في الصحيحين وغيرهما عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع استنصت لى الناس نعم يؤيد ما قاله ابن عبد البر ما روي عن جرير قال ما كان اسلامي الا بعد نزول المائدة وقد علم ان قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ انما نزلت بعرفات في حجة الوداع وهى من جملة آياتها والجواب عنه انه أراد بعد نزول معظمها وكان قبل حجة الوداع ومن ذلك آية الوضوء منها وهي نزلت قبل غزوة تبوك بزمن طويل فان قيل قد روي الطبرانى في الاوسط والكبير بسند صحيح غريب عن جرير رضى الله عنه قال لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيته فقال لى يا جرير لاى شيء جئتنا قلت لاسلم على يديك يا رسول الله فالقي لى كساه ثم أقبل على أصحابه فقال اذا أتاكم كريم قوم فاكرموه وهذا يدل على ان مجيء جرير كان في أول البعثة فالجواب ان جريرا لم يرد بقوله لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتيته انه أتي بعد البعثة فورا والا للزم من ذلك انه أسلم بمكة ولا قائل به ومما يقوى هذا ما في تتمة الحديث في المعجم الكبير فدعانى الى شهادة أن لا اله الا الله وانى رسول الله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتؤمن بالقدر خيره وشره وذلك لان الصلاة المكتوبة انما فرضت ليلة الاسراء وهو بعد البعثة بمدة كما مر والزكاة انما فرضت بالمدينة بلا توقف فحينئذ هذا اللفظ متروك الظاهر فلا يستدل به علي قدم اسلام جرير فان قيل ففي معجم ابن نافع من حديث شريك عن أبي اسحق عن الشعبي عن جرير قال لمانعى النجاشى قال النبي صلي الله عليه وسلم ان أخاكم النجاشى هلك فاستغفروا له فهذا يدل على تقدم اسلام جرير عن رمضان لان وفاة النجاشى كانت في رجب سنة تسع كما مر فالجواب انه ليس في حديث جرير انه كان مسلما يومئذ لجواز أن يكون حديثه من مراسيل الصحابة وأما ما رواه الطبري عن جرير قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في أثر العرنيين الدال لتقدم اسلام جرير لان قصة العرنيين كانت سنة ست أو تسع فجوابه ان سند هذا

اسلم سيد بجيلة ابو عبد الله جرير بن عبد الله البجلي الأحمسي رضي الله عنه. روينا في الصحيحين عنه قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على اقام الصلاة وايتاء الزكاة والنصح لكل مسلم وفيهما ايضا عنه قال ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اسلمت ولا رآنى الاضحك وكان عمر يسميه يوسف هذه الامة لفرط جماله وكان طوالا يقتحم في ذروة البعير وكان نعله ذراعا ومع تأخر اسلامه فقد اخذ في نصر الاسلام بحظ وافر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزيه مرة ويبعثه اخرى. روينا في الصحيحين واللفظ لمسلم الحديث ضعيف فيه موسي بن عبيدة اليزيدي كذا أجاب الحفاظ قلت وبتقدير صحته فلا دلالة فيه اذ لم يصرح بانه كان مسلما يومئذ فلعله صلى الله عليه وسلم استعان به يومئذ وهو علي كفره (فائدة) حديث اذا أتاكم كريم قوم فأكرموه رواه ابن ماجه بسند صحيح عن ابن عمر ورواه البزار وابن خزيمة وابن أبى عدي والبيهقى في الشعب عن جرير أيضا ورواه البزار أيضا عن أبى هريرة ورواه ابن أبى عدى عن معاذ وأبي قتادة ورواه الحاكم عن جرير ورواه الطبراني في الكبير أيضا عن ابن عباس وعبد الله بن حمزة ورواه ابن عساكر عن أنس وعدى بن حاتم ورواه الدولابي في الكنى وابن عساكر عن أبي راشد عبد الرحمن بن عبد الله بلفظ شريف قوم (بجيلة) بفتح الموحدة وكسر الجيم حي من اليمن من معد وهو أخو خعثم وهما من قحطان أو من ربيعة بن نزار قولان (جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الاولى (ابن عبد الله) بن جابر (الاحمسي) نسبة الى أحمس بهمزة مفتوحة فمهملة ساكنة فميم مفتوحة فسين مهملة بظن من بجيلة (وروينا في الصحيحين) وسنن ابن حبان ومعجم الطبراني (علي اقام الصلاة وايتاء الزكاة) زاد البخاري في البيوع وعلى السمع والطاعة (والنصح لكل مسلم) زاد ابن حبان فكان جرير اذا اشترى شيأ أو باع يقول لصاحبه اعلم ان ما أخذنا منك أحب الينا مما أعطيناكه وللطبراني حتى انه أمر مولاه أن يشتري له فرسا بثلاثمائة درهم وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن فقال جرير لصاحب الفرس فرسك خير من ثلاثمائة ثم اشتراه بثمانمائة درهم فقيل له في ذلك فقال انى بايعت النبى صلى الله عليه وسلم علي النصح لكل مسلم وانما بايع جريرا على ما ذكر لانه صلى الله عليه وسلم كان يبايع أصحابه بحسب ما يحتاج المبايع اليه من تجديد عهد أو توكيد امر فمن ثم اختلفت ألفاظهم في مبايعتهم قاله القرطبي (وفيهما أيضا) وفي سنن الترمذى (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى ما منعني الدخول عليه في وقت من الاوقات ولم يرد انه كان يدخل على أزواجه (ولا رآني الاضحك) أي تبسم كما في رواية أخرى في صحيح مسلم وغيره وفي الحديث استحباب البشاشة واللطف والاكرام للوارد وفيه فضيلة جرير (يوسف) بالفتح (لفرط جماله) ورد في حديث ضعيف انه صلى الله عليه وسلم قال كان على وجه جرير مسحة ملك (طوالا) بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو صفة مبالغة للطويل (ذروة) بكسر المعجمة وفتحها أعلا سنام (البعير) زاد في الرياض المستطابة الظهر أي طويل الظهر (روينا في الصحيحين)

قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جرير الا تريحنى من ذي الخلصة بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية قال فتقرب اليه في خمسين ومائة فارس وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بيده في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قال فانطلق فحرقها بالنار ثم بعث جرير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشره يكنى ابا أرطاة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله ما جئك حتى تركتها كأنها جمل اجرب فبرّك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل احمس ورجالها خمس مرات ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم الى اليمن قبل موته فلقى بها ذا كلاع وذا عمر وقال جرير فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لى ذو عمرو لئن كان الذي تذكره من أمر صاحبك لقد مر على أجله منذ ثلاث قال وأقبلا معي حتى اذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة فسئلناهم فقالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون فقالا اخبر صاحبك انا قد جئنا ولعلنا سنعود انشاء الله ورجعت الى اليمن فاخبرت أبا بكر بحديثهم قال أفلا جئت بهم قال فلما كان بعد قال لي ذو عمر ويا جرير وسنن أبي داود والنسائى (من ذي الخلصة) اختلف هل كان هذا الاسم للبيت أو الصنم وقد مر ضبطها (بيت) بالجر بدل من ذى (لحثعم) من بلاد دوس كانوا يحجون اليه ويطوفون به ويبخرون عنده يشبهون به الكعبة المكرمة قال السهيلي وفي موضعها مسجد جامع بموضع يسمى الغيلان (تدعى كعبة) بالنصب (اليمانية) بالتخفيف وباضافة كعبة الى اليمانية من باب اضافة الموصوف الى صفته وفي رواية لمسلم كان يقال له الكعبة اليمانية والكعبة الشامية وفي بعض النسخ الكعبة الشامية بلا واو قال النووي وفي هذا اللفظ المام والمرادان ذا الخلصة كانوا يسمونه الكعبة اليمانية وكانت الكعبة الكريمة تسمى الكعبة الشامية فرقوا بينهما للتمييز هذا هو المراد فتأول اللفظ عليه وتقديره يقال له الكعبة اليمانية ويقال للتى بمكة الشامية ومن رواه الكعبة اليمانية الكعبة شامية بحذف الواو فمعناه كل يقال هذان اللفظان أحدهما لموضع والآخر لآخر (فنفرت) أي خرجت للقتال (فضرب بيده في صدرى) زاد النسائي وغيره حتى رأيت أثر يده في صدري (هاديا) أى دالا على طريق الهدى (مهديا) مدلولا عليها وموفقاها زاد في رواية فما وقعت عن فرس بعد (رجلا يبشره) فيه كما قال النووي استحباب ارسال البشير بالفتوح ونحوها (أبا أرطاة) بفتح الهمزة وسكون الراء ثم مهملة واسمه حصين كما في نسخ صحيح مسلم وهو الموجود في نسخة ابن هامان وحسين كما في أكثرها وذكر عياض الوجهين والصواب الصاد (جمل اجرب) أي اسود كالمطلى بالقطران لجربه قال النووى فيه النكاية بآثار الباطل والمبالغة في ازالته (فبرك) يتشديد الراء (على خيل احمس ورجالها) أي قال بارك الله فيهم (خمس مرات) هذا أصل في تكرير الدعاء خمس مرات (ذا كلاع) تقدم ضبطه وذكر اسمه

وفد بني الحارث بن كعب وفيهم قيس بن الحصين ذي الغصة

ان لك علىّ كرامة واني مخبرك خبرا انكم يا معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم اذا ما هلك أمير تأمرتم في آخر فاذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك ويرضون برضا الملوك رواه البخاري وذكر ان ذا الكلاع لما أتاه جرير أسلم وأعتق ثمانية عشر ألف عبد وقيل اثنى عشر الف بنت والله أعلم* [وفد بني الحارث بن كعب وفيهم قيس بن الحصين ذي الغصة] وفي شوال منها قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني الحارث بن كعب بأهل نجران وفيهم قيس بن الحصين ذي الغصة سمى بذلك لغصة كانت في حلقه وفيه قال عمر بن الخطاب يوما وقد خطب الناس لا تزاد امرأة في صداقها على كذا وكذا ولو كانت بنت ذي الغصة فيهم يزيد بن عبد المدان وآخرون وكان سبب وفادتهم ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث اليهم خالد بن الوليد وأمره أن يدعوهم ثلاثة أيام ثم يقاتلهم بعدها فلما قدم عليهم خالد أسلموا فكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدم بهم معه فقدم بهم خالد فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا نشهد انك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله ثم قال رسول (كرامة) بالنصب (تأمرتم في آخر) بمد الهمزة وقصرها أى تشاورتم (فاذا كانت) أي امارة (بالسيف) أى بالقهر والغلبة كانوا أي المراد* تتمة من فضائل جرير ما روي الطبرانى في الكبير وابن أبي عدي عن على كرم الله وجهه ورضي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير منا أهل البيت ظهرا لبطن اما تاريخ وفاته فقد قال ابن عبد البر وغيره نزل جرير رضي الله عنه الكوفة واعتزل حروب الصحابة ثم تحول الي الجزيرة ونواحيها ومات بقرقيسيا بكسر القافين والسين المهملة وسكون الراء وتخفيف التحتية يقصر ويمد سنة احدى وخمسين وقيل بعدها انتهى* ذكر وفد بنى الحارث بن كعب (ابن الحصين) بالمهملتين والتصغير (ذي الغصة) بضم المعجمة وتشديد المهملة (علي كذا وكذا) أي على خمسمائة درهم (يزيد) بالتحتية والزاى (بن عبد المدان) بفتح الميم وتخفيف الدال واسم عبد المدان عمرو بن الرباب بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة الحارثي وكان من أشراف اليمن تضرب به الامثال في الشرف والمدان في الاصل الصنم من دان بمعنى أطاع (ان يقدم) بفتح الهمزة (كأنهم رجال الهند) أى في الطول والجمال وكثرة الشعر (نشهد أنك لرسول الله وان لا اله الا الله) قد يستدل به على عدم وجوب الترتيب بين كلمتى الشهادة لصحة الاسلام وهو خلاف ما نقله أصحابنا عن القاضي أبي الطيب وقرروه من اشتراط الترتيب وعليه فالجواب عن ذلك أنهم كانوا قد أسلموا ببلادهم

مطلب في قصة تميم بن أوس الداري ونزول قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم الآية) .

الله صلى الله عليه وسلم أنتم الذين اذا زجروا استقدموا كررها عليهم ثلاثا كل ذلك لا يجيبونه فقال له يزيد بن عبد المدان في الرابعة أن نعم يا رسول الله نحن الذين اذا زجروا استقدموا قالها ثلاث مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن خالدا لم يكتب انكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رؤوسكم تحت أقدامكم فقال يزيد بن عبد المدان أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا قال فمن حمدتم قالوا حمدنا الله الذي هدانا بك قال صدقتم ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية قالوا نغلب من قاتلنا يا رسول الله انا كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدأ أحدا بظلم قال صدقتم وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ذي الغصة ولم يمكثوا بعد ان رجعوا الى قومهم الا أربعة اشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان انصرفوا من عنده بعث اليهم عمرو بن حزم وكتب له كتابا فيه جمل من الأحكام* [مطلب في قصة تميم بن أوس الداري ونزول قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الآية) .] وفي هذه السنة نزل قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الآية الى الْفاسِقِينَ وما بعدها في قصة مشهورة وهو انه خرج تميم بن أوس الداري وعدي بن بداء النصرانيان في تجارة لهما الى الشام وخرج معهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلما فمرض بديل فأوصى اليهما وكتب جميع ما معه في رقعة وجعلها في جوالقه ولم يخبرهما بذلك فمات فلما مات أخذا من متاعه اناء من فضة منقوشا بالذهب ثم قدما حتى جاءهم خالد كما هو مصرح به في كتب السير (أنتم الذى اذا زجروا) أي سيقوا يقال زجرت البعير اذا أستقته (استقدموا) أي كفاهم الزجر من غير احتياج الى ضرب وغيره وهذا مثل ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم حيث آمنوا بمجرد ان جاء اليهم خالد من غير احتياج الى قتال (ابن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاى* سبب نزول قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الآية (في قصة مشهورة) رواها البخاري وأبو داود مختصرة والترمذي مطولة عن ابن عباس وقال ليس اسنادهما بصحيح (تميم ابن أوس) بن خارجة (الداري) نسبة الى دار بن هانيء بن حبيب بن انمار بن لخم بن عدي بن كهلان بن سبأ ويقال في نسبة الديري منسوب الى دير كان يتعبد فيه توفي ببيت المقدس سنة أربعين ولم يعقب سوى ابنته رقية التى يكني بها (ابن بداء) بفتح الموحدة وتشديد المهملة والمد مصروف (بديل) بالموحدة والمهملة مصغر وهو رجل من بنى سهم كما في البخاري وسنن أبي داود والترمذى والمراد مولاهم لانه (مولي عمرو بن العاص) كما في تفسير البغوى وغيره (في جوالقه) بالجيم المضمومة والقاف اما من جلود أو ثياب أو غيرهما فارسى معرب (اناء من فضة) للبخارى وأبي داود والترمذى جاما بالجيم وتخفيف الميم وأصله الصورة من العاج ثم استعير لغيره (منقوشا بالذهب) ولهم مخوصا باعجام الخاء واهمال الصاد أي جعل عليه صفائح من

مطلب خبر إسلام فروة بن عمرو الخزامي

ببقية المتاع على اهله ففتشوه فوجدوا الكتاب ففقدوا مما ذكر فيه الاناء الذي اخذه الوصيان فسئلوهما عنه فجحداه فاختصموا الى النبي صلى الله عليه وسلم فأصرا على الانكار وحلفا فأنزل الله تعالى هذه الآية واختلف المفسرون في حكمها فقال جماعة منهم كانت شهادة اهل الذمة مقبولة فنسخت وناسخها قوله تعالى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وذهب قوم الى انها ثابتة وانه اذا لم يجد مسلمين فيشهد كافرين ولما نزلت الآية دعا النبي صلى الله عليه وسلم تميما وعديا واستحلفهما بعد صلاة العصر عند المنبر فحلفا وخلا سبيلهما ثم ظهر الاناء بعد ذلك بمكة فرفعوهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في ذلك قوله تعالى فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً اي اثما بخيانتهما وأيمانهما الكاذبة فآخران من أولياء الميت يقومان مقامهما يعنى مقام الوصيين من الذين استحق عليهم أي فيهم ولأجلهم الاثم وهم ورثة الميت استحق الحالفان بسببهم الاثم وعلى بمعنى في والأوليان هما هنا نعت لقوله فَآخَرانِ ففيه جواز نعت المعرفة للنكرة وهما تثنية الأولى والأولى هو الأقرب ولما نزلت الآية بانتقال اليمين الى أولياء الميت قام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهيمان فخلفا ودفع الاناء اليهما وكان تميم الداري بعد ما أسلم يقول صدق الله ورسوله أنا أخذت الاناء فأنا أتوب الى الله وأستغفره وانما انتقلت اليمين الى الأولياء لأن الوصيين حين وجدا الاناء ادعيا انهما ابتاعاه منه وهذا الحكم مستمر والله أعلم. [مطلب خبر إسلام فروة بن عمرو الخزامي] وفيها بعث فروة بن عمرو الخزامى الى رسول الله صلى الله عليه ذهب كخوص النخل زاد البغوى فيه ثلاثمائة مثقال فضة (فقال جماعة) منهم النخعى (وذهب قوم الى أنها ثابتة) اذا فقد مسلمين وكان مسافرا في الوصية فقط وبهذا قال شريح القاضي (ثم ظهر الاناء بعد ذلك بمكة) مع اناس ادعوا انهم اشتروه من تميم وعدى كما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال آخرون بل لما طالت المدة أظهره تميم وعدى مدعيين انهما اشترياه من بديل (فان عثر) أي اطلع (على أنهما) أي الوصيان (استحقا اثما) أى استوجباه (من الذين استحق) قراءة العامة بالبناء للمفعول وقرأ حصين بالبناء للفاعل أي حق ووجب عليهم الاثم يقال حق واستحق بمعنى (عليهم الاوليان) ولحمزة وأبي بكر عن عاصم الاولين بالجمع بدل من الذين (ابن أبي وداعة) بفتح الواو والمهملتين (فخلفا) زاد البغوى بعد العصر (ودفع الاناء اليهما) زاد البغوي والى أولياء الميت (لان الوصيين حين وجدا الاناء ادعيا انهما ابتاعاه منه) فكانت البينة في جهتهما واليمين في جهة الورثة لانهما يدعيان البيع والورثة ينكرونه (وهذا الحكم مستمر) ان البينة على المدعي واليمين على من أنكر كما رواه الترمذى والبيهقى في السنن وابن عساكر عن ابن عمر وروى أحمد والشيخان وابن ماجه الشق الاخير عن ابن عباس* اسلام فروة بن عمرو الخزامي ويقال

إرسال علي بن أبي طالب خلف خالد بن الوليد إلى نجران وقصة الجارية التي وقعت لعلي في الخمس

وسلم رسولا باسلامه وأهدى له فرسا وبغلة وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان ولما بلغ الروم خبر اسلامه أخذوه فحبسوه حينا ثم ضربوا عنقه ولما قدموه للقتل أنشد. أبلغ سراة المسلمين بأنني ... سلم لربي أعظمى ومقامي [إرسال علي بن أبي طالب خلف خالد بن الوليد إلى نجران وقصة الجارية التي وقعت لعلي في الخمس] وفيها بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبى طالب الى نجران خلف خالد بن الوليد روينا في صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد الى اليمن قال ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه قال فغنمت أواقا ذوات عدد. وروينا فيه أيضا عن بريدة بن الحصين الأسلمي قال بعث النبى صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام الى خالد ليقبض منه الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى الى هذا فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت له ذلك فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم فقال لا تبغضه فان له في الخمس أكثر من ذلك ومعنى ذلك انه رآه أخذ جارية من المغنم واغتسل منها فظن انه غلّ فلما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم انه أخذ أقل من حقه أحبه وكان بريدة بعدها ممن يحب عليا ويتولاه. وروي خارج الصحيحين ان الجارية وقعت في الخمس ثم خمس فصارت في سهم ذوي القربى ثم صارت في سهم علىّ وبهذا يزول الاشكال ابن عامر وابن بغائة وأنس بنائه واسم بقاء ابن نعامة ومر ذكر الخلاف في اسلامه وكان اهداؤه البغلة قبل حنين كما سبق (وكان عاملا للروم الى آخره) ذكر ذلك ابن مندة وأبو نعيم وابن عبد البر (ثم ضربوا عنقه) بماء لهم يقال له عقرى بفلسطين وقال في ذلك: الاهل أتي سلمي بان خليلها ... على ماء عقرى فوق احدي الرواحل على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... مسندة أطرافها بالمناخل (سراة) جمع سرى وهو السيد كما مر (سلم) بكسر السين وسكون اللام وبفتحهما* ذكر بعث على بن أبي طالب الى نجران (ان يعقب) بفتح العين وتشديد القاف أي يرجع الى اليمن اذ التعقيب ان يعود بعض العسكر بعد الرجوع عسي يصيبون من العدو غرة وقيل التعقيب ان يرجع في غزاة من كان في غزاة أخرى قبلها (فليقبل) بضم التحتية وكسر الباء (اتبغض عليا) فيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث اطلع على ما في نفس بريدة (أكثر) بالنصب اسم ان (اخذ جارية) كما في رواية الاسماعيلي في صحيح البخارى فاصطفي على منها سبية أى أمة مسبية (وبهذا يرول الاشكال) الحاصل في استبداد على بها لكن مع زيادة انه صلى الله عليه وسلم قد فوض

خبر الذهيبة التي قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر

فعليّ كرم الله وجهه في الجنة أتقى وأزهد وأورع من أن تستفزه غلبة الشهوة على ارتكاب محارم الله وقد اجتمع فيه من الدين المتين والورع الحاجز والزهادة في الدنيا وجماع الفضائل ما لم يجتمع لأحد سواه وقد أبغضته فرقة تسمى الناصبة ففرطوا في دينهم وشقوا بسببه وأحبه آخرون فأفرطوا حتى أبغضوا بسببه كثيرا من الصحابة وقد تقدم اليه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال يا علىّ ان فيك مثلا من عيسى ابن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبه النصارى حتى انزلوه المنزلة التي ليس بها ونكب اهل السنة والجماعة عن الطرفين فاحبوا وتولوا جميعهم ونشروا محاسنهم وجنبوا معايبهم وكذبوا نقلتها واعتذروا على ما صح منها فالمؤمن يتحرى المعاذير والمنافق يتتبع العورات ومن سلم سلم ومن اطلق لسانه بالثلب ندم ومن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله ولى التوفيق. [خبر الذهيبة التي قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أربعة نفر] روينا في صحيح البخاري عن ابى سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث على الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع اما علقمة أو عامر بن الطفيل اليه أمر القسمة ثم يبقى الاشكال الحاصل في عدم استبرائها وجوابه ان سيدنا على كرم الله وجهه ورضي عنه لم يطأها بل استمتع بها بمادون الوطئ ولابدع ان يغتسل من ذلك لامكان انه أنزل به والاستمتاع بالمسبية بما دون الوطء جائز ولو صرحت رواية بانه وطئها فجوابه انه لعلها كانت بكرا وكان يري عدم وجوب استبراء البكر (يستفزه) يستخفه ويحمله (الحاجز) بالزاى المانع (وجماع الفضائل) بكسر الجيم (تسمى الناصبة) بالنون والمهملة والموحدة (ففرطوا) قصروا (وشقوا) بضم القاف (فافرطوا) غلوا وجاوزوا الحد (حتى بهتوا) بالموحدة والفوقية كما مر أى رموها بالزنا (فانزلوه المنزلة التي ليس بها) هو قولهم عيسى ابن الله (المعاذير) باهمال العين واعجام الذال جمع معذرة (ومن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه) هو حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه عن أبى هريرة ورواه أحمد والطبراني في الكبير عن الحسين بن على ورواه الحاكم في الكنى عن أبي بكر ورواه الشيرازى عن أبي ذر ورواه الحاكم في تاريخه عن على ورواه الطبراني في الاوسط عن زيد بن ثابت ورواه ابن عساكر عن الحارث بن هشام (روينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (بذهيبة) تصغير ذهبة وهي تأنيث الذهب وكانه ذهب به الى معني القطعة وفي رواية لمسلم بذهبة مكبر (في أديم) أى جلد (مقروظ) أي مدبوغ بالقاف والظاء شجر يدبغ به (لم تحصل) مبني للمفعول (من ترابها) أى لم يميز من تراب المعدن (اما) بكسر الهمزة (علقمة) هو ابن علاثة بضم المهملة وبمثلثة كما في رواية (واما عامر بن الطفيل) قال العلماء ذكر عامر هنا وهم ظاهر لانه توفي قبل ذلك بسنين كما مر ذكر وفاته والصواب

فقال رجل من أصحابه كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألا تأمنوننى وأنا أمين من في السماء يأتينى خبر السماء صباحا ومساء قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الازار فقال يا رسول الله اتق الله قال ويلك أو لست أحق اهل الأرض ان يتقى الله قال ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد يا رسول الله الا أضرب عنقه قال لا لعله ان يكون يصلي فقال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني لم أومر ان انقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال ثم نظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقف فقال انه يخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من انه علقمة بن علاثة كما هو مجزوم به في كثير من روايات مسلم (وأنا أمين من في السماء) قال في الديباج يحتمل ان يريد به الله تعالى على حد قوله أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أو الملائكة لانه أمين عندهم معروف بالامانة انتهى قلت يؤيد الاول قوله (يأتيني خبر السماء) أي ان ربي استأمنني على خبر السماء وعلى الوحى الذي يوحيه الي فكيف لا تأمنوني أنتم على قسمة عرض من اعراض الدنيا ليس لي فيه غرض (فقام رجل) هو ذو الخويصرة اليمنى كما مر (غائر) بالمعجمة والتحتية منخفض (مشرف الوجنتين) أي مرتفعهما تثنية وجنة مثلثة الواو وهي لحم الخد (ناشز الجبهة) بالمعجمة والزاي أي مرتفعها من النشز وهو المكان المرتفع ولمسلم ناتيء الجبين وهو جانب الجبهة وللانسان جنبان يكتنفان الجبهة (كث) بفتح الكاف وتشديد المثلثة أى كثير (اللحية) بكسر اللام أشهر من فتحها (أحق) بالنصب (قال خالد بن الوليد) وفي أخرى لمسلم فقال عمر ابن الخطاب دعني يا رسول الله اقتل هذا المنافق قال النووي ليس فيهما تعارض بل كل واحد منهما استأذن فيه انتهى (قلت) هما قصتان فلعل عمر استأذن في قصه وخالد في الاخري (انقب) بضم الهمزة وفتح النون وكسر القاف المشددة وروي بفتح الهمزة وسكون النون وضم القاف أي أشق واكشف (عن قلوب الناس) أي بل امرت ان احكم بما ظهر لى من الاحوال وأكل علم الباطن الى الكبير المتعال كما قال فاذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله وقال هلا شققت عن قلبه (وهو مقف) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء أي مول قد أعطانا قفاه ضئضئى بكسر المعجمتين وسكون الهمزة الاولى وللكشميهني في صحيح البخارى بمهملتين فمعناه النسل والعقب وهو من أسماء الاصل كما مر (يتلون كتاب الله رطبا) فيه أقوال نقلها القرطبي أحدهما انه الحذق بالتلاوة والمعني انهم يأتون به على أحسن أحواله والثاني أنهم يواظبون على تلاوته فلا تزال ألسنتهم رطبة به والثالث ان يكون من حسن الصوت بالقراءة وفي رواية لمسلم يتلون كتاب الله لينا بالنون في بعض النسخ أى سهلا أو بحذف النون في كثير منها قال عياض ومعناه سهلا لكثرة حفظهم وقيل لما يلون ألسنتهم به يحرفون معانيه وتأويله قال ابن قتيبة وقد يكون من اللي في الشهادة وهو الميل (لا يجاوز حناجرهم) كناية عن عدم قبوله والانتفاع به (يمرقون) بالراء المضمومة والقاف أي

خبر قدوم رسولي مسيلمة بكتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

كما يمرق السهم من الرمية واظنه قال لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل ثمود ووافي علىّ مقدمه من اليمن النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع فقال له النبى صلى الله عليه وسلم بم أهللت فان معناه أهلل قال أهللت بما أهلّ به النبي صلى الله عليه وسلم قال أمسك فان معناه هديا رواه البخاري. [خبر قدوم رسولي مسيلمة بكتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم] وفي آخر هذه السنة قدم رسولا مسيلمة بكتابه وفيه من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله السلام عليك أما بعد فانى اشتركت في الأمر معك ولنا نصف الارض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسوليه فما تقولان أنتما قالا نقول كما قال فقال أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت اعناقكما ثم كتب اليه من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى أما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وممن ذكر في هذه السنة من الوفود وفد الرهاويين ووفد عبس ووفد خولان وهم عشرة* [مطلب في ذكر حجّة الوداع] خاتمتها حجة الوداع وسميت بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها وقال خذوا عني مناسككم فانى لا ادري لعلي لا أحج بعد عامي هذا قال ابن عمر وكنا نتحدث بحجة الوداع يخرجون (كما يمرق السهم) النافذ (من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية وهى الصيد المرمي فعيلة بمعني مفعولة (لاقتلنهم قتل ثمود) أى قتلا عاما مستأصلا وفي رواية في صحيح مسلم قتل اد والجمع بينهما كما قاله القرطبي انه صلى الله عليه وسلم قال كليهما فذكر أحد الرواة أحدهما وذكر الآخر الاخري وفي الحديث معجزة له صلى الله عليه وسلم فقد وقع الامر كما أخبر فخرجوا زمن علىّ وقاتلهم وأبو سعيد الخدرى راوى هذا الحديث معه كما رواه مسلم وغيره وقد يستدل بهذا الحديث من يكفر الخوارج وخلاف أهل الاصول في ذلك منتشر والله أعلم (فان معناه أهلل) بالنصب (رواه البخاري) ومسلم وأبو داود والترمذي عن جابر ورواه أبو داود والترمذي عن البراء* ذكر قدوم رسولا مسيلمة لعنه الله (لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) رواه البخاري وصحح اسناده ففيه تحريم قتل رسول الكفار الى المسلمين وكذا استرقاقه سواء كان في الرسالة مصلحة لنا أو لا كوعيد وتهديد خلافا لما قاله الماوردي وحكاه الشيخان أوائل الجزية عن الروياني من انه ان كان فيه وعيد أو تهديد فلا أمان له حتى استرقاقه قال النووى في الروضة ما قاله غير مقبول بل هو آمن مطلقا (وفد الرهاويين) بضم الراء وتخفيف الهاء وكسر الواو وتشديد التحتية الاولى (ووفد عبس) بالموحدة والمهملة (ووفد خولان) بفتح المعجمة وسكون الواو* حجة الوداع (خذوا عنى مناسككم الي آخره) رواه مسلم عن جابر (لعلى لا أحج بعد عامي هذا) هذا

والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ما ندري ما حجة الوداع رواه البخاري وكان جملة من حضرها من الصحابة أربعين ألفا وقد اختلفت روايات الصحابة في صفة حجته صلى الله عليه وسلم هل كان قارنا أو مفردا أو متمتعا وبحسب ذلك اختلاف من بعدهم قال الامام محيى الدين النووى رحمه الله تعالى وطريق الجمع بين الروايات انه صلى الله عليه وسلم كان أولا مفردا ثم صار قارنا فمن روى الافراد فهو الأصل ومن روى القران اعتمد آخر الأمر ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق وقد ارتفق بالقران كارتفاق المتمتع وزيادة وهو الاقتصار على فعل واحد قال وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها قال القاضي عياض رحمه الله قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث فمن مجيد منصف ومن مقصر متكلف ومن مطيل مكثر ومن مقصر مختصر قال وأوسعهم في ذلك نفسا ابو جعفر الطحاوي الحنفي فانه تكلم في ذلك في زيادة على الف ورقة. قال القاضى عياض وأولى ما يقال في هذا على ما فحصناه من كلامهم واخترنا من اختياراتهم مما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث أن النبى صلى الله عليه وسلم أباح للناس فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدل على جواز جميعها إذ لو أمر بواحد منها لكان غيره يظن انه لا يجزيء فأضيف الجميع اليه وأخبر كل واحد بما أمر به وأباحه له ونسبه الى النبي صلى الله عليه وسلم إما لأمر به وإما لتأويل من اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم اذ وقع الامر كما أخبر (ما ندرى ما حجة الوداع) أي حتى توفي صلى الله عليه وسلم عقبها فعلمنا المراد حينئذ (وكان جملة من حضرها من الصحابة أربعين ألفا) كما نقله الحفاظ عن أبي زرعة الرازي (وبحسب ذلك اختلف من بعدهم) فقال الشافعي ومالك وكثيرون أفضلها الافراد ثم التمتع ثم القران لما في الصحيحين عن جابر وعائشة انه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ورواه مسلم عن ابن عباس أيضا وقال أحمد وآخرون أفضلها التمتع لما في الصحيحين عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم أحرم متمتعا وقال أبو حنيفة أفضلها القران لما في الصحيحين عن أنس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجا وهذان المذهبان قولان آخران للشافعى وحكي الاخير عن المزنى وأبى اسحق المروزي (قال الامام النووى) في شرح مسلم (اللغوي) بضم اللام (وقال القاضى عياض) كما نقله النووى عنه ثم (في زيادة على الف ورقة) زاد النووي عنه وتكلم معه في ذلك أيضا أبو جعفر الطبري ثم أبو عبد الله ابن أبي صفرة ثم الملهب والقاضى أبو عبد الله بن المرابط والقاضي أبو الحسن القصار البغدادى والحافظ أبو عمر بن عبد البر وغيرهم (فحصناه) بالفاء والمهملتين والفحص المبالغة في البحث

عليه وأجمع الأحاديث في سياق حجة الوداع حديث جابر وهو من ما انفرد به مسلم باخراجه فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واسحق بن ابراهيم جميعا عن حاتم قال أبو بكر حدثنا حاتم ابن اسماعيل المدينى عن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى الىّ فقلت أنا محمد بن علي بن الحسين فاهوى بيده الى رأسى فنزع ذرى الأعلى ثم نزع ذرى الأسفل ثم وضع كفه بين ثديي وانا يومئذ غلام شاب فقال مرحبا بك يا ابن أخى سل عن ما شئت فسألته وهو أعمى وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفا بها كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها اليه من صغرها ورداءه الى جنبه على المشجب فصلى بنا فقلت أخبرنى عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بيده فعقد (واجمع الاحاديث) أي أكثرها جمعا لفوائد الحديث (حديث جابر) قال النووي هو حديث عظيم مشتمل على جمع من الفوائد ونفائس من مهمات القواعد (وهو مما انفرد مسلم) عن البخاري (باخراجه) في الصحيحة وقد رواه أبو داود أيضا كرواية مسلم (أبو بكر بن أبي شيبة) اسمه عبد الله بن محمد بن ابراهيم (اسحق بن ابرهيم) هو بن راهوية هي أمه وابراهيم أبوه (حاتم) بالمهملة والفوقية (المديني) بفتح الميم وكسر المهملة وسكون التحتية ثم نون ثم ياء النسبة (عن جعفر) الصادق (بن محمد) الباقر بن على بن زين العابدين بن الحسين ابن على بن أبي طالب (فسأل عن القوم) فيه ندب السؤال عن الواردين من الزوار والضيفان ونحوهم لينزلهم منازلهم كما جاء في حديث عائشة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم (فاهوي بيده الى رأسى الى آخره) فيه اكرام أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وملاطفة الزائر بما يليق به وتأنيسه (وأنا يومئذ شاب) نبه بذلك على ان سبب فعل جابر ذلك التأنيس لكونه صغيرا (مرحبا بك) فيه استحباب الترحيب بالزائر والضيف ونحوهما (فصلى بنا) فيه جواز امامته للبصر وذلك اتفاق وانما الخلاف في الافضل وفيه ثلاثة مذاهب وثالثها وهو أيهما سوى التعادل فضيلتهما هو الاصح عند الاصحاب وهو نص الشافعى وفيه ان صاحب البيت أحق من غيره لانه امهم يومئذ (في نساجة) بفتح النون وتخفيف المهملة وجيم وتنوين قال النووي كذا في نسخ بلادنا قيل ومعناه ثوب ملفق وقال عياض هى رواية الفارسي وهو خطأ وتصحيف ورواية الجمهور ساجة بحذف النون وهو الطيلسان وقيل الاخضر خاصة وقال الازهري هو طيلسان مقور انتهى قال النووي قلت ليست الاولى تصحيفا بل كلاهما صحيح ويكون ثوبا ملفقا على هيئة الطيلسان وفي الحديث جواز الصلاة في ثوب واحد مع امكان الزيادة عليه (على المشجب) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الجيم ثم موحدة اسم لاعواد يوضع عليها الثياب ومتاع البيت (عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء وفتحها والمراد حجة الوداع (فقال بيده) هو

تسعا فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم آذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة كثير كلهم يلتمس ان يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله فخرجنا معه حتى اذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر فارسلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع قال اغتسلى واستثفرى بثوب واحرمي فصلى ركعتين يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى اذا استوت به ناقته على البيداء نظرت الى مد بصرى بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به فاهلّ بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة من باب اطلاق القول الفعل (مكث تسع سنين لم يحج) يريد بعد الهجرة (آذن) بالمد والقصر اعلم فيه انه يستحب للامام ايذان الناس بالامور المهمة ليتأهبوا لها (أن يأتم) أي يقتدي (برسول الله صلى الله عليه وسلم) قال عياض هذا يدل على أنهم كلهم أحرموا بالحج لانه صلى الله عليه وسلم احرم بالحج وهم لا يخالفونه ومن ثم قال جابر ما عمل من عمل عملناه ومثله توقفهم عن التحلل بالعمرة حتى اغصبوه واعتذر اليهم ومثله تعليق على وأبي موسى احرامهما على احرامه (اغتسلى) فيه ندب الغسل للاحرام للنفساء (واستثفري بثوب) بمثلثة قبل الفاء وهو أن تشد في وسطها شيئا وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على موضع الدم وتشد أطرافها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها وهي شبيهة بثفر الدابة (واحرمي) فيه صحة احرام النفساء وهو اجماع (فصلى ركعتين) فيه استحباب ركعتى الاحرام (في المسجد) فيه ندب صلاتهما فيه ان كان بالميقات مسجد (القصواء) بفتح القاف وسكون المهملة والمد اسم ناقة النبي صلى الله عليه وسلم قال عياض ووقع في رواية العذري القصوى بضم القاف والقصر وهو خطأ ثم قال جماعة وهى الجدعاء والعضباء اسم لناقة واحدة وقال ابن قتيبة هن ثلاث نوق له صلى الله عليه وسلم قال ابن الاعرابي والاصمعي القصوى هي التي قطع طرف أذنها والجدع أكبر منه فان جاوز الربع فهو عضبا وقال أبو عبيدة القصوى المقطوعة الاذن عرضا والعضباء المقطوعة النصف فما فوقه وقال الخليل العضباء المشقوقة الاذن (البيداء) هى المفازة (نظرت مد بصرى) أي منتهاه (قال النووى) وأنكر بعض أهل اللغة مد بصري وقال الصواب مدى بصري وليس هو بمنكر بل هما لغتان المد أشهر (من راكب وماش) فيه جواز الحج راكبا وماشيا وهو اجماع وفي الافضل منهما خلاف للعلماء وجمهورهم على تفضيل الركوب للاتباع ولانه أعون له على وظائف النسك (وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله) ومعناه الحث على التمسك بما أخبركم عن فعله في حجته تلك (فاهل بالتوحيد) أى لبيك لا شريك لك مخالفة لما كانت الجاهلية يقولونه من تلبيتها من الشرك

لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به اليوم فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته قال جابر لسناننوى إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى اذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم الى مقام ابراهيم فقرأ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبى يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع الى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب الى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبد أبما بدأ الله به فبدأ بالصفي فرقى عليه (وأهل الناس بهذا الذى يهلون اليوم) أي كقول ابن عمر لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرهوبا منك مرعوبا اليك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل (ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته) قال عياض قال أكثر العلماء المستحب الاقتصار على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (لسنا نعرف العمرة) فيه دليل لمن قال يترجح الافراد (حتى اذا أتينا البيت) فيه ندب دخول مكة قبل الوقوف للحاج (استلم الركن الى آخره) فيه ندب طواف القدوم لمن دخل مكة قبل الوقوف وفيه ان الطواف سبع وفيه ندب الرمل في الثلاث الاول من طواف يعقبه سعي ومشي الاربع الاخيرة ويندب فيه الاضطباع لصحة الحديث به في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما (ثم تقدم الى مقام ابراهيم) فيه ندب ركعتين للطواف وكونهما خلف المقام ثم في الحجر ثم في المسجد ثم في مكة ثم في الحرم ثم حيث شاء متي شاء (كان ابى يقول) قائل ذلك جعفر بن محمد (ولا اعلمه) الضمير لابيه (ذكره) أي ذكر قرأ السورتين (الا عن النبي صلى الله عليه وسلم) أى ان جابرا رواه من فعله صلى الله عليه وسلم لا من فعل نفسه وقوله لا اعلمه الى آخره ليس هو شكا في ذلك اذ لفظه العلم تباين الشك بل جزم برفعه الى النبى صلى الله عليه وسلم وقد روى البيهقى بسند صحيح على شرط مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى ركعتين وقرأ فيهما قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أى في الثانية (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) أى في الاولى وفيه استحباب قراءة هاتين السورتين فيهما (ثم رجع الى الركن) أي الذى فيه الحجر الاسود (فاستلمه) أي الحجر ففيه استحباب استلامه لمن طاف طواف القدوم بعد فراغه منه ومن صلاته خلف المقام (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ) أي من اعلام دينه (ابدأ بما بدأ الله به) في كتابه الكريم وهذا أصل عظيم في البداءة بما بدأ الله به في القرآن لفظا ما لم تبين السنة ان الترتيب غير مراد أو ينعقد الاجماع على ذلك فخرج قوله مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ وقوله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ الآية (فرقى) بكسر القاف كما مر (عليه الى آخره) فيه ندب الرقى على الصفا وكذا على المروة حتى يري البيت ان أمكنه وذلك خاص بالذكر وان يقف على الصفا مستقبل القبلة ذاكر الله تعالى بهذا الدعاء المأثور ويدعو ويكرر الذكر والدعاء ثلاثا على المشهور عند الاصحاب وقيل

حتي اذا رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله الا الله وحده انجز وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل الى المروة حتى أنصبت قدماه في بطن الوادى حتى اذا صعدنا مشى حتى اذا أتى المروة وفعل كما فعل على الصفا حتي اذا كان آخر طوافه على المروة قال لوانى استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله العامنا هذا أم للأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الاخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين ألا بل لأبد الأبد وقدم يكرر الذكر ثلاثا والدعاء مرتين (حتى اذا انصبت) بهمز وصل وسكون النون وتشديد الموحدة والانصاب النزول من الصب وهو الموضع المرتفع (في بطن الوادى) قال عياض كذا الرواية في صحيح مسلم وفيه اسقاط لفظة لا بد منها وهي حتى اذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي فسقطت لفظة رمل ولا بد منها وقد ثبتت هذه اللفظة في غير رواية مسلم وكذا ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين وفي الموطأ حتى اذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعي حتى خرج منه وهو بمعنى رمل انتهى* قال النووي وقد وقع في بعض نسخ صحيح مسلم حتى اذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى كما وقع في الموطأ وغيره وفي الحديث ندب السعى الشديد في الموضع الذي سعى فيه صلى الله عليه وسلم والمشي بتؤدة في الموضع الذي مشى فيه في كل مرة من المرات السبع لكن يختص السعى بالذكر (آخر طوافه على المروة) فيه دليل على ان الذهاب من الصفا الى المروة مرة والرجوع من المروة الى الصفا ثانية وهكذا فيكون ابتداء السعي من الصفا وآخرها من المروة وهذا اجماع الا ما حكي عن ابن بنت الشافعي وأبي بكر الصيرفي ان الذهاب الى المروة والرجوع الى الصفا مرة واحدة فيكون آخر السبع على الصفا وذلك مردود بهذا الحديث الصحيح والاجماع العملي (لو استقبلت من أمرى ما استدبرت الى آخره) انما قال ذلك تطييبا لقلوب من لم يسق الهدي من أصحابه فامرهم بفسخ الحج الى العمرة واتمام عملها ثم الاحرام بالحج يوم التروية عند التوجه لعرفة فاخبرهم صلى الله عليه وسلم انه لو لم يسق الهدي لفعل كما أمرهم (فائدة) روى الحارث بن بلال عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرأيت فسخ الحج الى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة فقال بل لكم خاصة أخرجه أبو داود (العامنا هذا) فقط فيحتاج الى عمرة أخري غير هذه التى فسخنا الحج اليها (أم) هي (للابد) فلا يحتاج الى غيرها (دخلت العمرة في الحج) أي صار حكمها حكمه فكما انه لا يجب في العمر الامرة كذلك هى (فائدة) أخرج الطبراني بسند حسن من حديث ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قال أتانى جبريل في ثلاث بقين من ذي القعدة فقال دخلت العمرة في الحج الي يوم القيامة وهذا أصل في التاريخ كما قاله السيوطي (بل لأبد الابد) فيه دليل على ان العمرة لا تجب في العمر الامرة

علىّ من اليمن ببدن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فانكر ذلك عليها فقالت أبى أمرنى بهذا قال فكان على يقول بالعراق فذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة الذى صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه وأخبرته أنى أنكرت ذلك عليها فقال صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم انى أهل بما أهل به رسولك قال فان معي الهدى فلا تحل وكان جماعة الهدى الذى قدم به علىّ من اليمن والذى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة قال فحل الناس كلهم فحلقوا وقصروا الا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى فلما كان يوم التروية توجهوا الى منى فاهلوا بالحج فركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر كالحج (ولبست) بكسر الباء (صبيغا) أي مصبوغا فعيل بمعني مفعول (فانكر عليها) قال النووي فيه انكار الرجل على زوجته ما رآه منها من نقص في دينها لانه ظن ان ذلك لا يجوز فانكره (فقالت أبى) بفتح الهمزة ثم موحدة مكسورة ثم تحتية ساكنة يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم (محرشا) باهمال الحاء واعجام الشين وكسر الراء المشددة أى مغريا (صدقت صدقت) هكذا هو مكرر للتأكيد وهو بفتح القاف والياء ضمير لفاطمة (فرضت الحج) أي أوجبته على نفسك بالاحرام (اللهم اني أهل بما أهل به رسولك الى آخره) فيه جواز تعليق الاحرام وانه يكون محرما بما أحرم به ذاك (الهدي) بالنصب اسم ان وهو بسكون المهملة وتخفيف الياء وبكسر المهملة وتشديد الياء (مائة) ثلاثة وستون جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وسبعة وثلاثون جاء بها على رضي الله عنه (فحل الناس كلهم) أى معظمهم أو عائشة لم تحل ولم تهد (وقصروا) ولم يحلقوا مع كونه أفضل لانهم أرادوا ابقاء الشعر ليحلقونه في الحج وحينئذ التقصير أفضل ليحصل في النسكين ازالة شعر (الا النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب لانه مستثنى من موجب (كان يوم) بالرفع والنصب (التروية) هو ثامن ذي الحجة سمى بذلك لان الناس يتروون فيه الماء أى يستقون أو لأن ابراهيم تروى ذلك اليوم أي فكر في رؤياه التي رآها هل هي من الله أم من الشيطان خلاف (واهلوا بالحج) فيه ان الافضل ان كان بمكة وأراد الاحرام بالحج ان يؤخره الى يوم التروية وهذا مذهبنا وفيه خلاف للعلماء (فركب النبي صلى الله عليه وسلم) فيه ان الركوب في تلك الاماكن أفضل من المشي كما في جملة الطريق وقال بعض أصحابنا الافضل في جملة الحج الركوب الا في مواطن المناسك وهي مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد فيها (فصلى بها الظهر الى آخره) فيه ندب المبيت بمنى ليلة التاسع وفعل الصلوات الخمس بها وأن لا يخرج منها حتى تطلع الشمس (وأمر بقبة من شعر) فيه جواز اتخاذ القباب وكونها من

خطبة في حجة الوداع

ضربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش الا انه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فاجاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتي عرفة فوجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها حتى اذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فاتي بطن الوادى [خطبة في حجة الوداع] فخطب الناس وقال ان دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أصنع من دمائنا دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بنى سعد فقتله هذيل وربا الجاهلية موضوع كله وأول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد شعر (ضربت له بنمرة) فيه جواز الاستظلال للمحرم وهو للنازل بالاجماع وكرهه مالك وأحمد للراكب وفيه استحباب النزول بنمرة وأن لا يدخلوا عرفات الا بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر جمعا بشرطه ويندب أيضا الغسل بها للوقوف قبل الزوال فقد جاء في غير هذا الحديث (ونمرة) بفتح النون وكسر الميم وبسكون الميم مع فتح النون وكسرها موضع الى جانب عرفات وليس منها (واما المشعر الحرام) فجبل بالمزدلفة يقال له قزح بقاف مضمومة فزاى مفتوحة فمهملة كانت قريش تقف عليه في الجاهلية فظنوا انه صلى الله عليه وسلم سيقف به يومئذ فلم يفعل الا كما أمره الله في قوله ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ أي سائر العرب غير قريش (حتى أتي عرفة) أى قريبا منها (فرحلت) بتخفيف الحاء أى جعل عليها الرحل (ثم أتى بطن الوادي) أي وادى عرنة بضم المهملة وفتح الراء ثم نون وليست عرنة من أرض عرفات خلافا لمالك (فخطب الناس) فيه استحباب الخطبة يومئذ وذلك بالاتفاق خلافا له (كحرمة يومكم الى آخره) معناه متأكدة التحريم شديدته قال النووى وفيه دليل لضرب الامثال والحاق النظير بالنظير قياسا انتهي وقال بعضهم المشبه به هنا اخفض رتبة من المشبه وذلك خلاف القاعدة وجوابه ان تحريم اليوم والشهر والبلد لما كان ثابتا في نفوسهم مقررا عندهم بخلاف الانفس والاموال والاعراض فكانوا يستبيحونها في الجاهلية ورد التشبيه بالمقرر عندهم اذ مناطه ظهوره لنبأ السامع (تحت قدمى) اشارة الى ابطاله (ودماء الجاهلية موضوعة) أى باطلة (دم ابن ربيعة) بن الحارث بن عبد المطلب واسم هذا الابن اياس أو حارثة أو ثمام أو آدم أقوال لكن قال الدارقطني في الاخير هو تصحيف من دم قال عياض ورواه بعض رواة مسلم دم ربيعة بن الحارث قال وكذا رواة أبو داود قيل وهذا وهم لان ربيعة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم الى زمن عمر وتأوله أبو عبيد بانه انما قال دم ربيعة لانه ولى الدم فنسبه اليه قال الزبير بن بكار وكان هذا الابن المقتول طفلا صغيرا يحبو بين البيوت فاصابه حجر في حرب كانت بين بنى سعد وبنى ليث (وربا الجاهلية) أي الزائد عن رأس المال كما قال تعالى وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ (موضوع) باطل

المطلب فانه موضوع كله واتقوا الله في النساء فانكم أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسئلون عنى فما أنتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فقال باصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها الى الناس اللهم أشهد اللهم أشهد ثلاث مرات ثم أذّن ثم أقام الصلاة وصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتي الموقف فجعل بطن ناقته القصوى الى الصخرات مردود لصاحبه (واتقوا الله في) أمر (النساء) راعوا حقوقهن وعاشروهن بالمعروف (بامانة الله) في أكثر أصول مسلم بامان الله أى ان الله ائتمنكم عليهن فيجب حفظ الامانة وصيانتها بمراعاة حقوقها (بكلمة الله) وهي قوله فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ أو المراد كلمة التوحيد اذ لا تحل مسلمة لغير مسلم أو المراد اباحة الله والكلمة قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ أو المراد بالكلمة الايجاب والقبول أقوال قال بالاول الخطابى والهروى وغيرهما وصحح النووى الثالث (ولكم) واجب (عليهن ان لا يوطئن فرشكم) أي لا يأذن في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم (أحدا) سواء كان رجلا أجنبيا أو امرأة أو أحد محارم الزوجة ان كنتم (تكرهونه) أى تكرهون دخوله فخرج من علمت الزوجة رضى الزوج بدخوله فلها أن تأذن له هذا معني ما ذكره النووى وقال المازري قيل المراد بذلك أن لا يستخلين بالرجال ولم يرد زنا لان ذلك يوجب حدها ولانه حرام وان لم يكرهه الزوج قال عياض كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء ولم يكن ذلك عيبا ولا ريبة عندهم فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك (غير مبرح) بالموحدة فالمهملة أى غير شديد شاق والبرح المشقة وفي الحديث جواز ضرب الرجل امرأته تأديبا فان ضربها الضرب المأذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب ووجبت الكفارة في ماله (كتاب الله) بالنصب والرفع (وينكتها الى الناس) بضم الكاف بعدها فوقية هكذا الرواية قال عياض وهو بعيد المعني وصوابه ينكبها بالموحدة ومعناه يردها ويقلبها الي الناس مشيرا اليهم انتهى وقال القرطبى روايتى وتقييدي على ما اعتمده من الائمة بضم التحتية وفتح النون وكسر الكاف مشددة وضم الموحدة أى يعدلها الي الناس قال وروينا مكتها بالفوقية وهي أبعدها (فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر) فيه مشروعية الجمع بين الظهر والعصر ثم يومئذ وهو اجماع وسببه الشك عند أبى حنيفة وبعض أصحابنا والصحيح عندنا ان سببه السفر فنحو المكي لا يجمع يومئذ كما انه لا يقصر وفيه ان الجامع يصلى الاولى أولا ويؤذن لها ويقيم لكل واحدة منهما ويوالى بينهما وكل ذلك متفق عليه عندنا (ثم ركب) قال النووى فيه تعجيل الذهاب الي الموقف بعد الصلاة وان الوقوف راكبا أفضل كما هو أحد أقوال ثلاثة (الى الصخرات) جمع صخرة وهي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي يوسط جبل عرفات وفي

وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف اسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصوى الزمام حتى ان رأسها ليصيب مورك رجله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتي جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتي المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء باذان واحد واقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع الحديث ندب الوقوف بذلك المحل فان عجز ففيما قرب منه (جبل المشاة) روى بالمهملة وسكون الموحدة أى صفهم ومجتمعهم من جبل الرمل وهو ما طال منه وضخم وروي بالجيم وفتح الموحدة أي طريقهم وحيث مسلك الرجالة قال غياض والاول أشبه بالحديث (واستقبل القبلة) فيه استحباب استقبالها في الوقوف (حتى غربت الشمس) فيه انه ينبغي أن لا يخرج من أرض عرفات حتى يتحقق غروب الشمس فلو أفاض قبل الغروب اراق دما وجوبا أو استحبابا قولان للشافعي أظهرهما الثانى (حتى غاب القرص) قال عياض لعل صوابه حين غاب القرص قال النووي يوؤل بانه بيان لقوله غربت الشمس فان هذه قد يطلق مجازا على مغيب معظم القرص فازال ذلك الاحتمال به (واردف اسامة) فيه جواز الارداف اذا كانت الدابة مطيقة وقد تظاهرت به الاحاديث قاله النووي (وقد شنق) بفتح المعجمة والنون الخفيفة ثم قاف أى ضم وضيق (مورك رجله) بفتح الميم وكسر الراء هو الموضع الذي يعطف الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل اذامل الركوب وضبطه عياض بفتح الراء قال وهو قطعة أدم يتورك عليها الراكب يجعل في مقدم الرحل تشبه المخدة الصغيرة (السكينة السكينة) مكرر منصوب أي الزموا السكينة وهى الرفق والطمأنينة ففيه استحباب السكينة في الدفع من عرفات فاذا وجد فرجة أسرع (جبلا من الجبال) بالمهملة وسكون الموحدة لا غير والجبل التل اللطيف من الرمل الضخم (حتى تصعد) بفتح أوله مع فتح العين وضمه مع كسرها من صعد وأصعد (المزدلفة) سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب لازدلاف الحجاج اليها اذا أفاضوا من عرفة أو لمجىء الناس اليها في زلف أي ساعات من الليل قولان ويسمى جمعا بفتح الجيم وسكون الميم لاجتماع الناس (فصلى بها المغرب والعشاء) فيه ندب تأخير المغرب له ليلئذ بنية الجمع ليصليها مع العشاء بمزدلفة والخلاف في سببه كما سبق (باذان واقامتين) هذا دليل الصحيح في مذهبنا وهو مذهب أحمد وأبي ثور وقال به عبد الملك بن الماجشون المالكي والطحاوى الحنفي وحكي عن عمرو بن مسعود انه يصليهما باذانين واقامتين وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف باذان واقامة واحدة ولنا كاحمد قول انه يصلى كل واحدة باقامة بغير اذان وحكى عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وحكي أيضا عن ابن عمر انه يصليهما باقامة واحدة وهو مذهب الثوري (ولم يسبح) أي لم يصل ففيه استحباب الموالاة في جمع التأخير (ثم اضطجع

رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلي الفجر حين تبين له الصبح باذان واقامة ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس خلفه وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر اليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الكريمة على وجه الفضل فحول الفضل وجهه الى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) قال النووي فيه ان المبيت بمزدلفة نسك وللعلماء خلاف فيه والصحيح عندنا انه واجب يجبر تركه بدم والثاني انه سنة والثالث انه ركن (حتى طلع الفجر) فيه انه يستحب أن يبقي بها حتى يصلى بها الصبح الا للضعفة فالسنة لهم الدفع قبل الفجر وأقل ما يجزي في هذا المبيت ساعة بعد نصف الليل على الصحيح عندنا (فصلى الفجر حين تبين له الصبح) فيه استحباب التبكير بها في هذا الموضع متأكدا أكثر من تأكده في غيره لكثرة وظائف هذا اليوم فيتسع الوقت لها (باذان واقامة) فيه استحبابهما في السفر كالحضر وقد تظاهرت به الاحاديث الصحيحة (حتى أتى المشعر الحرام) فيه استحباب الوقوف به وفيه حجة للفقهاء على انه قزح وقال المحدثون والمفسرون وأهل السير انه جميع مزدلفة (حتى اسفر) الضمير الى الفجر المذكور أولا (جدا) بكسر الجيم أي اسفارا بليغا (وسيما) أى حسنا جميلا (ظعن) بضم الظاء والمهملة ويجوز اسكان العين جمع ظعينة وأصلها البعير الذى يكون عليه امرأة ثم سميت به مجازا لملابسها له كالراوية (يجرين) بفتح أوله من جري قال القرطبي ويضمه من أجري فالاول لازم والثاني متعد (فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل) فيه الحث على غض البصر عن الاجنبيات وغضهن عن الرجال الاجانب وللترمذى وغيره فلوى عنق الفضل فقال له العباس لويت عنق ابن عمك فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما (بطن محسر) بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين سمى بذلك لان الفيل الذى جاء به ابرهة ليهدم البيت حسر فيه أي أعيا وكل (فحرك قليلا) فيه استحباب الاسراع من هذا الوادي فيحرك الراكب دابته ويسرع الماشى قدر رمية حجر (ثم سلك الطريق الوسطي) فيه استحباب سلوكها في الرجوع من عرفات وهي غير الطريق الذي ذهب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا سنة في كل عبادة كما مر (فرماها) فيه استحباب البداءة برمى الجمرة ويكون ذلك قبل نزوله (بسبع حصيات) فيه تعيين الحجر للرمى كما هو مذهب الجمهور وجوزه أبو حنيفة بكل ما كان من آجر الارض (يكبر) فيه ندب التكبير (مع كل حصاة) أى رمية وفيه وجوب التفريق بين الحصيات حتى لورمى باكثر من

مثل حصى الخذف يرمي بطن الوادى ثم انصرف الى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فاكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب صلى الله عليه وسلم فافاض الى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال انزعوا بنى عبد المطلب فلولا ان يغلبكم النأس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه انتهى حديث جابر وهو عظيم الفوائد وقد اشتمل على جمل من مهمات القواعد قال القاضى عياض وقد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزأ كبيرا وخرج فيه من الفقه مائة ونيفا حصاة دفعة بحسب الازمنة (مثل حصى الخذف) بالمعجمتين فيه استحباب كون حصى الرمي كذلك وهي قدر حبة الباقلاء وان أجزأ (من بطن الوادى) فيه استحباب الرمي منه بحيث يكون منى وعرفة والمزدلفة عن يمينه ومكة عن يساره هذا في رمي يوم النحر وأما غيره فيندب استقبال القبلة فيه (ثلاثا وستين بيده) الكريمة ولابن ماهان بدله بدنة وكلاهما صواب والاول أصوب قاله عياض وفيه استحباب الاستكثار من الهدي وان ينحر أو يذبح بنفسه (ثم أعطى عليا فنحر ما غبر) بالمعجمة أي ما بقى وهو سبع وثلاثون ففيه جواز الاستنابة في ذبح الهدى وهو اجماع اذا كان النائب مسلما فان كان كافرا تحل ذبيحته فكذلك عندنا لكن النية على صاحب الهدي لعدم تأهل النائب لها قال النووي وفيه استحباب تعجيل ذبح الهدايا وان كانت كبيرة في يوم النحر ولا يؤخر بعضها الي أيام التشريق (واشركه في هديه) ظاهره انه كان شريكا في نفس الهدى قاله عياض وعندى انه لم يكن شريكا حقيقة بل أعطاه قدرا ينحره قال والظاهر انه صلى الله عليه وسلم نحر البدن التى جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثا وستين كما جاء في رواية الترمذى وأعطا عليا البدن التي جاءت معه من اليمن وهي سبعة وثلاثون (ثم أمر من كل بدنة الى آخره) قال العلماء لما كان الاكل من كل بدنة سنة وفي الاكل من لحم كل واحدة بانفرادها كلفة جعلت في قدر ليكون قد أكل من مرق الجميع الذي فيه جزء من كل واحدة ويأكل من اللحم المجتمع في المرق ما تيسر والاكل من هدية التطوع وأضحيته سنة ليس بواجب اجماعا (بضعة) بفتح الموحدة لا غير القطعة من اللحم (فافاض الى البيت) أي طاف به طواف الافاضة وهو ركن من أركان الحج اجماعا (فصلي بمكة الظهر) لا ينافي هذا ما في صحيح مسلم عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر وصلى الظهر بمني اذقد جمع بينهما بانه لما عاد الى منى أعاد صلاة الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك (فاتي بنى عبد المطلب) أي بعد فراغه من طواف الافاضة (وهم يسقون على زمزم) يغرفون في الدلاء ويصبونه في الحياض ونحوها لشرب الناس (انزعوا) بكسر الزاى أى اسقوا بالدلاء وانزعوها بالرشا (فلولا ان يغلبكم الناس) أى فلولا اني أخاف ان يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم

فصل ومن الواردات في حجة الوداع نزول قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم

وخمسين نوعا قال ولو تقصى لزيد على هذا العدد قريب منه والله أعلم. [فصل ومن الواردات في حجّة الوداع نزول قوله تعالى اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] «فصل» ومن الواردات في حجة الوداع نزول قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً وكان نزولها بعد العصر يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء فحين نزولها كاد عضد الناقة أن يندق من شدة ثقلها فبركت روينا في صحيح البخارى عن طارق بن شهاب قال قالت اليهود لعمر إنكم تقرؤن آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا فقال عمرانى لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت أنزلت يوم الجمعة وانّا والله بعرفة قال ابن عباس كان ذلك اليوم خمسة أعياد جمعة وعرفة وعيد اليهود وعيد النصارى والمجوس ولم يجتمع أعياد أهل الملل في يوم قبله ولا بعده وروى هرون بن عنترة عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية بكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا عمر قال بكائى انا كنا في زيادة من ديننا فاما اذا كمل فانه لم يكمل شيء الا نقص قال صدقت فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ولا شيء من الفرائض والأحكام وعاش بعدها النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها أحد وثمانون يوما عن الاستقاء فتزول الخصوصية به الثابتة لكم لاستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الاستقاء (ولو تقصي) بضم الفوقية والقاف وتشديد المهملة المكسورة مبني للمفعول أي قصواه أى غايته «فصل» في الواردات في حجة الوداع (اليوم أكملت لكم دينكم) أي الفرائض والسنن والحدود والاحكام والحلال والحرام قاله ابن عباس ويروى عنه انه الذى نزلت بعدها وقال سعيد بن جبير وقتادة أكملت لكم دينكم فلم يحج معكم مشرك وقيل أظهرت دينكم وأمنتكم من العدو (واتممت عليكم نعمتي) أى وأنجزت وعدى في قولى ولأتم نعمتي عليكم فكان من تمام نعمته ان دخلوا مكة آمنين وعليها ظاهرين وحجوا مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين (ورضيت لكم الاسلام دينا) لا أرتضى لكم غيره فلا تستبدلوا به وأكرموه بالسخاء وحسن الخلق (وكان نزولها بعد العصر الي آخره) ذكره البغوى في التفسير (عضد الناقة) من المرفق الى رأس الكتف (ان يندق) أى ينحطم وينفت (فبركت) بالموحدة (روينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن الترمذى والنسائي (طارق) بالمهملة والراء والقاف (قالت اليهود لعمر) قال ابن حجر وغيره كان القائل منهم ذلك كعب الاحبار (أنزلت يوم عرفة) أشار عمر الى ان ذلك اليوم كان عيدا لنا لان العيد لغة السرور العائد فكل يوم شرع تعظيمه يسمى عيدا وللترمذي نزلت يوم عيدين لانه وافق يوم الجمعة وهو عيد المسلمين (قال ابن عباس كان ذلك اليوم خمسة أعياد) كما نقله عن البغوي (بن عنترة) بالمهملة فالنون فالفوقية بوزن حيدرة واسمه هرون قال الذهبي وغيره ثقة وأبو عنترة الشيبانى عده ابن شاهين في الصحابة (احدى وثمانين يوما) كما في تفسير البغوى وذلك مبنى على ان وفاته كانت في ربيع

فكأنها كانت في معنى النعي له صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما روينا في الصحيحين واللفظ للبخارى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال عادنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بى من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثنى الا بنت لى واحدة أفأتصدق بثلثي مالى قال لا قلت فاتصدق بنصف مالى قال لا قلت والثلث قال والثلث كثير وانك ان تذر ورثتك أغنياء خير من ان تذرهم الاول وسيأتى الخلاف فيه (النعي) الاعلام بالموت وهو بفتح النون وسكون العين وتخفيف الياء وبضم النون وكسر العين وتشديد الياء (ومن ذلك ما رويناه في) الموطأ ومسند أحمد و (الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عادني (النبي صلى الله عليه وسلم) فيه استحباب العيادة للامام كغيره (أشفيت منه) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الفاء ثم تحيته ساكنة أشرفت (من الوجع) قال ابراهيم الحربي الوجع اسم لكل مرض وفيه جواز ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح وانما المكروه ما كان على سبيل التسخط وهو الذي يقدح في أجر المريض (وأنا ذو مال) قال الووي فيه اباحة جمع المال لان هذه الصفة لا تستعمل في العرف الا للمال الكثير (ولا يرثنى الا ابنة لى) أراد من الولد وخواص الورثة والا فقد كان له عصبة وقيل أراد من أهل الفروض وهذه الابنة هي أم الحكم الكبري ولم يكن له سواها يومئذ وأمها بنت شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة وهي شقيقة اسحق الاكبر الذى كان يكنى به سعد بن أبي وقاص قال ابن حجر وهم من قال هي عائشة لانها لا صحبة لها وليست لسعد ابنة أخري اسمها عائشة (أفأتصدق بثلثى مالى) قال النووي يحتمل انه أراد بالصدقة الوصية ويحتمل أنه أراد بالصدقة المنجزة وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء الا ما زاد على الثلث لا ينفذ الا برضاء الوارث وخالف أهل الظاهر فقالوا للمريض مرض الموت ان يتصدق بكل ماله ويتبرع به كالصحيح ودليل الجمهور قوله (الثلث والثلث كثير) مع حديث الذى أعتق ستة أعبد في مرضه فاعتق النبى صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة انتهي قال عياض يجوز نصب الثلث الاول على الاعزي «1» وعلى تقدير افعل واعط ورفعه على تقدير يكفيك فهو فاعل أو على انه مبتدأ حذف خبره أو خبر حذف مبتداؤه وضبط كثير بالمثلثة وبالموحدة وكلاهما صحيح قال النووي وفي الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصية وقال العلماء ان كانت الورثة أغنياء استحب استغراق الثلث بالوصية والا استحب ان ينقص وأما الزيادة عليه فمحرمة اركان يقصد حرمان الوارث والا فلا يحرم ولا ينفذ الا باجازته سواء كان له وارث خاص أم لا وروى عن على وابن مسعود جوازه فيمن لا وارث له وذهب اليه أبو حنيفة واسحاق وكذا أحمد في احدي الروايتين عنه (أن) بفتح الهمزة (تذر) منصوب بان وروي أيضا بكسر الهمزة وجزم تذر

_ (1) كذا في الأصل.

عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله الا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك قلت يا رسول الله اخلف بعد أصحابي قال انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغى به وجه الله الا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون اللهم امض لأصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة بالشرط قال النووى وكلاهما صحيح (عالة) أي فقراء (يتكففون الناس) أي يسألونهم باكفهم وفي الحديث الحث على صلة الرحم والاحسان الى القريب والشفقة على الوارث وان صلة القريب الاقرب أفضل من الابعد قال النووي واستدل به بعضهم على ترجيح الغني على الفقير انتهي وفي الاستدلال به نظر (ولست تنفق نفقة) فيه الحث على الانفاق في وجوه الخير (تبتغي بها وجه الله) أي لا رياء فيها ولا سمعة ولا تريد عليها جزاء دنيويا (حتى اللقمة) بالنصب والضم (في في امرأتك) فيه ان المباح يصير طاعة بالنية وذلك لان زوج الانسان من أخص حظوظه الدنيوية وملاذه المباحة ووضع اللقمة في فيها انما يكون عادة عند المداعبة ونحوها وهذه الحالة أبعد الاشياء من الطاعة وأمور الآخرة فغير هذه الحالة أولى بحصول الاجر مع النية كذا قاله النووى (اخلف) استفهام حذفت ادانه (بعد أصحابي) أي بعد خروجهم الى المدينة اخلف عنهم بمكة وانما قال ذلك خوفا من موته بمكة لكونه هاجر منها وتركها لله كما صرحت به رواية في مسلم أو خوفا من بقائه بمكة بعد انصرافه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الى المدينة بسبب المرض وكانوا يكرهوا الرجوع فيما تركوه لله تعالى لا كمن جاء في رواية أخرى اخلف عن هجرتى قال عياض قيل كان حكم الهجرة باقيا بعد الفتح لهذا الحديث وقيل انما ذلك لمن هاجر قبل فاما من هاجر يعده فلا (انك لن تخلف) أراد بالتخلف هنا طول العمر والبقاء في الدنيا بعد جماعات من أصحابه (الا أزددت به درجة الى آخره) فيه فضيلة طول العمر للازدياد من الطاعات وفيه الحث على ارادة وجه الله تعالى بها (ولعلك تخلف) حرف ترج وهو هنا واجب (حتى ينتفع) في بعض نسخ مسلم حتى ينفع مبني للمفعول كقوله (ويضربك آخرون) وفي الحديث معجزة له صلى الله عليه وسلم فان سعدا عاش حتى فتح العراق وغيره وانتفع به قوم في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار كذلك وتوفي رضي الله عنه في قصره بالعقيق وحمل الى المدينة وعليها يومئذ مروان بن الحكم قيل وكان آخر المهاجرين موتا بالمدينة سنة ثمان أو خمس وخمسين وعن بعض بضع وستين سنة (اللهم امض لاصحابى هجرتهم) أي أتمها لهم ولا تبطلها (ولا تردهم على أعقابهم) أي بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالتهم المرضية واستدل به من قال ان بقاء المهاجرين بمكة كيف كان قادح في هجرته قال عياض ولا دليل فيه عندى لاحتمال انه دعا لهم دعاء عاما (لكن البائس) أى الفقير الذى عليه أثر البؤس أي الفقر (سعد بن خولة) هو زوج سبيعة الا سليمة وخولة بفتح المعجمة وسكون الواو وفي صحيح البخاري في الوصايا يرحم الله ابن عفراء قال ابن حجر يحتمل أن يكون خولة اسم أبيه وعفراء أمه وهو من بنى عامر بن لؤي واختلف في قصته فقيل لم يهاجر من مكة حتى مات بها وذكر البخاري انه هاجر وشهد بدرا ثم انصرف الى مكة ومات بها وقال ابن هشام هاجر الى الحبشة الهجرة الثانية وشهد

رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفي بمكة ومنها ما رويناه في صحيح البخارى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لجرير استنصت الناس فقال لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وقال أيضا الا ان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنى عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان بدرا وغيرها وتوفي بمكة في حجة الوداع سنة عشر وقيل سنة سبع في الهدنة خرج مختارا من المدينة الى مكة فعلى هذا وعلى الاول سبب بؤسه موته بمكة على أى حال كان لفوت الثواب الكامل بالموت في دار هجرته قال عياض وقد روي في هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم خلف مع سعد بن أبي وقاص رجلا وقال إن مات بمكة فلا تدفنه بها (يرني) بالمثلثة أي يتوجع (له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان) بفتح الهمزة (مات بمكة) هذا كله من كلام الراوى وانتهى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله لكن البائس سعد بن خولة والتفسير من كلام سعد بن أبي وقاص أو من كلام الزهري قولان قلت ينبغى للقاريء ان يفصل بين الحديث والتفسير بقال وقد ثبت لفظه قال في نسخة من نسخ صحيح مسلم بخط الحافظ الصريفيني كما نقله السيوطى في الديباج (ما رويناه في) مسند أحمد (وصحيح البخارى) وصحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجه قال (لجرير) ورواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمرو رواه البخارى والنسائي عن أبي بكر ورواه البخاري والترمذي عن ابن عباس (لا ترجعوا بعدى) أى بعد وفاتي (كفارا) أى تتشبهوا بهم في قتل بعضكم بعضا (يضرب) بالرفع فقط ومن جزم احال المعني قاله عياض (وقال أيضا) فيما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي بكرة (ان الزمان) يعني السنة (قد استدار كهيئته) أى عاد مثل حالته وكان ذلك تاسع ذى الحجة في الوقت الذي حلت فيه الشمس برج الحمل حيث يستوى الليل والنهار وكانت العرب يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا (منها) أى من السنة (أربعة حرم) سميت بذلك لحرمتها حتى ان الجهاد كان محرما فيها أول الاسلام ثم نسخ بفعله صلى الله عليه وسلم يوم حنين اذ دخل عليه شهر ذي القعدة وهو في جهاد ثم وقال عطاء وآخرون ان ذلك غير منسوخ ونقل عنه ابن جريج انه كان يحلف ما يحل للناس ان يقروا في الحرم ولا في الاشهر الحرم ولا ان يقاتلوا فيها وما يستحب (ذو القعدة الي آخره) فيه دليل لمن يقول ان الادب المستحب في غير هذه الاشهر ان يبدأ بذي القعدة ويختم برجب وهو الصحيح وقيل يبدأ بالمحرم ويختم بذي الحجة ليكون الاربعة من سنة واحدة (فالمحرم) هذا الاسم له اسلامي كما مر وكانوا في الجاهلية يسمونه صفر الاول وهو أفضل الاشهر الحرم وثلاثة رجب ثم ذو الحجة ثم ذو القعدة (ورجب مضر) انما أضافه اليهم ليمكنهم في تعظيمه أكثر من غيرهم أو لانهم كان بينهم وبين ربيعة اختلاف فيه فكانت مضر تجعله هذا المعروف وربيعة تجعله رمضان قولان (الذي بين جمادي وشعبان) قال النووي انما قيده هذا التقييد مبالغة في ايضاحه وازالة اللبس عنه وذلك لان العرب كانت

أيّ شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه فقال أليس ذا الحجة قلنا بلى يا رسول الله قال وأي بلد هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه قال أليس هذه البلدة مكة قلنا بلى قال فأى يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه قال أليس هذا يوم النحر قلنا بلى قال فان دماؤكم وأموالكم قال محمد وأحسبه قال واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدى ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ولعل بعض من لم يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ألا هل بلغت ألا هل بلغت ألا هل بلغت- ومعنى استدارة الزمان أنهم كانوا في الجاهلية ينسئون الشهر الحرام أى يؤخرونه اذا احتاجوا الى القتال فيه فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا آخركما يجعلون المحرم صفر فاذا احتاجوا الى تأخير تحريم صفر أخروه الى ربيع هكذا شهرا بعد شهر حتى استدار التحريم الى السنة تسمى رجب وشعبان الرجبين وسمى شعبان بذلك نتشعب العرب فيه للحرب أي تفرقهم وخروجهم في كل وجه (أى شهر هذا الى آخره) قال النووي هذا السؤال والسكوت والتفسير أراد به التقدير والتفخيم والتنبيه على عظم مزية هذا الشهر والبلد واليوم وقول الصحابة (الله ورسوله أعلم) من حسن أدبهم فانهم عرفوا انه صلى الله عليه وسلم لا يخفي عليه ما يعرفونه من الجواب فعلموا انه ليس المراد مطلق الاخبار بما يعرفون (أليس ذا الحجة) بالنصب خبر ليس واسمها مستتر فيها وكذا ما بعده (قال محمد) هو ابن سيرين (وليبلغ الشاهد) أي الحاضر (الغائب) فيه وجوب تبليغ العلم بحيث يتيسر وذلك فرض كفاية (فلعل بعض) النصب اسم لعل (من تبلغه) بفتح أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه (أوعى له من بعض) ولمسلم ممن (سمعه) قال النووى احتج العلماء لجواز رواية الفضلاء وغيرهم عن الشيوخ الذين لا علم عندهم ولا فقه اذا ضبط ما يحدث به (الاهل بلغت) ففي كلامه صلى الله عليه وسلم وما قبله اعتراض (ومعني استدارة الزمان) كما قاله أبو عبيد (انهم كانوا ينسئون أى يؤخرون) وقيل هو من النسيان الواقع على المنسي وهو المتروك (الشهر الحرام) اسم جنس والمراد الاشهر الحرم والعرب كانت تعظمها كلها وذلك من جملة ما تمسكت به من دين ابراهيم (تنبيه) اختلف المفسرون في أول من نسأ فقيل بنو مالك من كنانة فقام الاسلام والذى نسؤا أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أمية الكناني وقيل أول من فعله نعيم بن ثعلبة رجل من كنانة وقيل أول من فعل ذلك رجل من كنانة يقال له القلمس بفتح القاف واللام والميم المشددة ثم مهملة وفيه يقول شاعرهم* ومنا ناسيء الشهر القلمس* وقيل أول من فعله عمرو بن طي (اذا احتاجوا الى القتال فيه)

السنة المخترمة بوفاته صلى الله عليه وسلم

كلها وتحولت الشهور عن اماكنها فوافق حجة الوداع شهر الحج المشروع وهو ذو الحجة فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم ان أشهر الحج قد تناسخت باستدارة الزمان وعاد الامر الى ما وضع الله عليه حساب الاشهر يوم خلق السموات والأرض وأمرهم بالمحافظة عليه لئلا يتبدل في مستأنف الزمان* [السنة المخترمة بوفاته صلى الله عليه وسلّم] ومن ذلك ما روى ابن اسحق وغيره ومعناه في الصحيحين عن عمرو ابن خارجة قال بعثني عتاب بن أسيد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة فبلغته ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان لعابها ليقع على رأسى فسمعته وهو يقول أيها الناس ان الله قد أدى إلى كل ذى حق حقه وانه لا يجوز وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر ومن ادعى الى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وصدر النبي صلى الله عليه وسلم من حجته وقد أدى الناس مناسكهم وعلمهم معالم دينهم وحذر وأنذر فكانت حجة البلاغ وحجة الوداع والله أعلم. السنة المخترمة بوفات النفس الزكية المكرمة وهى سنة احدى عشرة من الهجرة وثلاث وعشرين من النبوة وثلاث وستين من المولد وكأنها آخر الدنيا قال ابن اسحق ثم قفل أو الى الصيد (حجة الوداع) بالنصب (شهر الحج) بالرفع ويجوز عكسه (ما روى ابن اسحاق) وكذا البيهقي قال الذهبي بسند صالح (فان لعابها يقع على رأسى) يستدل به على طهارة نحو لعاب الحيوان الطاهر (لا يجوز وصية لوارث) زاد الدارقطني والبيهقى عن ابن عباس الا ان يسأل الورثة وللبيهقي من طريق عمرو بن خارجة الا ان يجيزها الورثة ففيه ان الوصية للوارث باى سبب كان لا تصح حتى يجيزها باقى الورثة أي مطلق التصرف منهم اما نحو السفيه فلا يجوز الاجازة منه ولا من وليه ولا من الحاكم كما صرح به الماوردي قال أصحابنا ويكفي من الورثة لفظ الاجازة لانها تنفيذ لا ابتداء عطية (من ادعي) بهمز وصل والبناء للفاعل (فعليه لعنة الله) أى عذابه الذى يستحقه على ذلك الذنب والطرد عن الجنة أول الأمر وليست كلعنة الكفار الذين يبعدون عن رحمة الله ابعادا كليا (لا يقبل الله منه صرفا) بفتح المهملة وسكون الراء أي فريضة (ولا عدلا) أي نافلة وقيل عكسه وقيل الصرف التوبة والعدل القربة قال عياض قيل معناه لا يقبل ذلك منه قبول رضي وان قبل قبولا آخر قال وقد يكون القبول هنا بمعني تكفير الذنب بهما قال وقد يكون معنى القربة هنا انه لا يجد في القيامة أحدا يفدي به بخلاف غيره من المذنبين الذين يتفضل الله عليهم بان يفديهم من النار باليهود والنصاري كما ثبت في الحديث الصحيح (وصدر) أي رجع (فكانت) مبينة (حجة) بالنصب خبرها* ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم (المخترمة) بالمعجمة (وثلاث وستين من المولد) كما رواه مسلم من رواية أنس وعائشة وابن عباس ومعاوية وهى أصح وأشهر ولمسلم رواية انه توفي

ذكر تجهيز جيش أسامة بن زيد إلى الشام

رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى من حجة الوداع وأقام بالمدينة بقية ذى الحجة والمحرم وصفر وضرب على الناس بعثا الى الشام وأمّر عليهم اسامة بن زيد بن حارثة مولاه وأمره النبى صلى الله عليه وسلم ان يوطئ الخيل تخوم البلقاء والدروم من أرض فلسطين وروى كثيرون ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره ان يغير على ابنى صباحا وان يحرق وابنى هي القرية التى عند مؤتة حيث قتل أبوه زيد وانما أمره ليدرك ثأره وطعن ناس في أمارته لكونه مولى ولحداثة سنه وكان اذ ذاك ابن ثمانى عشرة سنة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان تطعنوا في أمارته فقد كنتم قبل تطعنون في أمارة أبيه من قبل وأيم الله ان كان لخليقا للامارة وان كان لمن أحب الناس اليّ وان هذا لمن أحب الناس الىّ بعده [ذكر تجهيز جيش أسامة بن زيد إلى الشام] رواه البخارى وروى ابن اسحق عن رجاله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد وهو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقد كان وهو ابن ستين سنة وأخرى وهو ابن خمس وستين وهما متواليان فرواية الستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس والستين حصل فيها اشتباه وقد أنكر فيها عروة على ابن عباس ونسبه الى الغلط وانه لم يدرك أول النبوة ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين واتفقوا على ان اقامته بالمدينة كانت عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة الا ما حكي عياض عن ابن عباس وسعيد بن المسيب انها كانت ثلاثا وأربعين وهى رواية شاذة وانما اختلفوا في قدر اقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة والصحيح انه ثلاث عشرة سنة كما مر عند ذكر قصيدة أبي قيس بن الاسلت صرمة بن أبي أنس (بعث بعثا الى الشام) أى لقتال الروم وكان أمير الروم يومئذ شرحبيل بن عمرو الغساني ذكره البلاذري (تخوم) بضم الفوقية والمعجمة أي جوانب (البلقاء) بالمد (والدروم) بضم المهملة والراء (فلسطين) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين وكسر الطاء المهملتين ثم تحتية ساكنة ثم نون وهى بلاد بيت المقدس وما حولها (يغير) بضم أوله رباعي (أبنى) بهمزة مضمومة فموحدة ساكنة فنون مفتوحة مع القصر قال ابن الاثير اسم موضع من فلسطين بين عسفان والرملة ويقال انها يبنى بالتحتية بدل الهمزة (ثأره) بالمثلثة والهمزة وقد يسهل (فطعن) بفتح العين في الماضي والمستقبل معا ان أريد الطعن المجازى فان أريد الحقيقى ضم العين في المستقبل على المشهور (ناس) وللبخاري بعض الناس والطاعن هذا هو عباس بن أبي ربيعة المخزومى أفاده البلاذرى (ابن ثماني عشرة سنة) وقيل ابن عشرين (لخليقا) بالمعجمة والقاف أى حقيقا و (وللامارة) ولمسلم بلا مرة بكسر الهمزة وسكون الميم وهما لغتان وفي الحديث جواز امارة العتيق وتقديمه على الغير وتولية الصغير وتولية المفضول على الفاضل للمصلحة وفضيلة ظاهرة لاسامة وأبيه زيد (رواه البخاري) ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عمر (عن رجاله)

فصل في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم

الناس قالوا أمر غلاما على جلة المهاجرين والانصار فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس انفذوا بعث أسامة فلعمرى لئن قلتم في أمارته لقد قلتم في أمارة أبيه من قبله وانه لخليق للامارة وان كان أبوه لخليقا لها ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكمش الناس أي أسرعوا في جهازهم واستعر برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فخرج أسامة بجيشه حتى نزل الجرف من المدينة على فرسخ فضرب به عسكره وتتامّ اليه الناس وأقاموا ينتظرون ما الله قاض في رسوله قال أسامة لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معى الى المدينة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يضعها علىّ أعرف انه يدعو لى ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشتغل أبو بكر بعد انتظام أمر الخلافة الا بتجهيز جيش أسامة وكلم في استبقاء الجيش حتى ينتسق أمر الناس أو ان يولي عليهم غير أسامة فقال والله لو لعبت الكلاب بخلاخيل نساء المدينة ما رددت جيشا أنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عزلت واليا ولاه. [فصل في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم] (فصل) في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته وما ورد في ذلك من الروايات مما أكثره في الصحاح قال الله تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً الآية وقال أى رجال سنده (على جلة) بكسر الجيم وتشديد اللام أي معظم (انفذوا) بهمزة قطع وكسر الفاء أى لا تؤخروه (فلعمرى) انما اقسم به اقتداء بربه جل وعلا اذ أقسم به فقال لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون (وانكمش الناس) بهمز وصل وسكون النون وفتح الكاف والميم والمعجمة أى اسرعوا والانكماش في المشي الاسراع فيه (واستعر) بالعين المهلة وتخفيف الراء أي هاج (الجرف) بضم الجيم والراء (وتتام) بفتح الفوقية المكررة والمد وتشديد الميم (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) رواه الترمذى عن اسامة وحسنه (أصمت) بضم الهمزة وكسر الميم (استبقاء) بالموحدة والقاف (ينتسق) أي ينتظم (لو لعبت الكلاب الى آخره) أي لو سلط على أهل المدينة من يدخلها ويفعل فيها ما ذكره من انتهاك الحرمة ولم يمكن دفع ذلك الا باستبقاء جيش اسامة وترك تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت ذلك وفيه فضيلة ظاهرة لسيدنا أبى بكر رضى الله عنه (والخلاخيل) جمع خلخال وهو السوار الذى تجعله المرأة في رجلها. (فصل) عقده لبيان صفة مرضه صلى الله عليه وسلم ووفاته (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) وسيمضى هو بعدهم أيضا أفتظنون دوام حياته (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) رجعتم (عَلى أَعْقابِكُمْ) أي الى دينكم الاول نزلت هذه الآية فيمن قال يوم أحد إذ أشيع قتله صلى الله عليه وسلم من

تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وقال تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وقال تعالى وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وخرج الدارمي في مسنده ان العباس رضى الله عنه قال لأعلمن ما بقاء النبي صلى الله عليه وسلم فينا فقال يا رسول الله انى أراهم قد آذوك وآذاك غبارهم فلو اتخذت عريشا تكلمهم منه فقال لا أزال بين أظهرهم يطؤن عقبي وينازعونى ردائى حتى يكون الله هو الذي يخرجنى منهم قال فعلمت ان بقاؤه فينا قليل قال أهل التواريخ ابتدأ بالنبى صلى الله عليه وسلم مرضه في أول شهر ربيع الأول وأول ذلك انه خرج من جوف الليل الى البقيع فدعا لهم واستغفر وتضرع كالمودع للأموات وأصبح مريضا من يومه قالت عائشة لما رجع من البقيع وجدني وأنا أقول وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك فقلت واثكلتاه والله اني لأظنك تحب موتى ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا بعض أزواجك فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل الى أبي بكر وابنه فاعهد ان يقول القائل أو يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون رواه البخاري وروي مسلم أيضا عن عائشة قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ادعى لى أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فاني أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر وهذان الحديثان أهل النفاق ان محمدا قد قتل فالحقوا بدينكم الاول (وَلا تَدْعُ) أي لا تعبد (مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ) الخطاب معه صلى الله عليه وسلم والمراد غيره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ) فان (إِلَّا وَجْهَهُ) أي الا هو والوجه صلة (لَهُ الْحُكْمُ) الفعل والقضاء حيث قضى هلاك كل من سواه (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر (فقال يا رسول الله انهم قد آذوك الى آخره) كان ذلك يوم قسم غنائم حنين وأوطاس (ذاك) بگسر الكاف (في أول شهر ربيع الاول) يوم الاثنين أو يوم السبت أو يوم الاربعاء أقوال (وا ثكلتاه) بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام (اني لاظنك تحب موتي) كانها فهمت من قوله تمنى الموت لها (لظللت) بكسر اللام الاولى (معرسا) بسكون العين (بل انا وارأساه) فيه انه لا بأس بقول ذلك ونحوه مما ليس هو على وجه التضجر كما مر قال بعضهم وفيه اشارة الى بقاء عائشة بعده (لقد هممت أو أردت) شك من الراوي (روى) البخاري (ومسلم) أيضا (وأخاك) انما طلب أخاها ليكتب الكتاب ووقع في رواية البخارى لقد هممت ان أوجه الي أبي بكر وابنه ولبعض رواة البخارى فاتيه من الاتيان وصوب هذا بعضهم قال عياض وليس كما صوب بل الصواب ابنه وهو أخو عائشة المذكور في رواية مسلم (فاني أخاف ان يتمنى متمن) فيه اشارة الى انه سيقع نزاع وكان كذلك (أنا أولى)

مطلب وكان وجعه صلى الله عليه وسلم عرق في الكلية

من أدل الدلائل على خلافة أبى بكر وقد ثبت أصلهما من الصحيحين كما ترى [مطلب وكان وجعه صلى الله عليه وسلّم عرق في الكلية] وكان وجعه صلى الله عليه وسلم وهو عرق في الكلية اذا تحرك أوجع صاحبه وقيل الصداع وروي البخارى عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذى مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر فهذا أو ان وجدت انقطاع ابهرى من ذلك السم وغير مدافع انه قد كان مع ذلك حمى فيحتمل ان يكون مع وجودها تداعت أسباب هذه الاوجاع كلها وكان وجعه صلى الله عليه وسلم شديدا روينا في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك بأن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه اذى شوكة فما فوقها الا كفر الله بها سيآته كما تحط الشجرة ورقها وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل وكان صلى الله عليه وسلم في مرضه يدور على أزواجه وهن يومئذ تسع حتى اشتد به المرض في يوم ميمونة أى أحق بالخلافة ورواه بعضهم في مسلم انا بالتخفيف أولا بفتح الهمزة والواو المشددة أى الاحق أولا وبعضهم انا بالتخفيف ولى بكسر اللام أى الخلافة وبعضهم انا بالتخفيف ولاه أي انا الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم انا بتشديد النون ولاه أي كيف ولاه قال عياض أجود هذه الروايات الاولى (من أدل الدلائل على خلافة أبي بكر) وثبوتها باجماع الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه وليس فيه نص صريح على خلافته والا لما وقعت منازعة من الانصار وغيرهم ولذكر حافظ النص ما معه ولرجعوا اليه (الخاصرة) باعجام الخاء واهمال الصاد (الكلية) بضم الكاف وسكون اللام (الصداع) وجع الرأس (وروى البخارى الى آخره) تقدم الكلام عليه في غزوة خيبر (كلها) بالرفع والنصب (فمسسته) بكسر السين (وعكا) بفتح الواو وسكون العين وقد يفتح والوعك الحمي وقيل معلها (أجل) بتخفيف اللام أي نعم (ما من مسلم يصيبه أذى الى آخره) فيه تكفير الخطايا بالبلايا كما ذهب اليه أهل السنة (سيآته) بكسر التاء علامة للفتح (كما تحط) تلقى وتسقط (أشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل) رواه أحمد والبخاري والترمذى وابن ماجه عن سعد رضي الله عنه وتتمته يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وان كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض وما عليه خطيئة انتهي والامثل الافضل وانما شدد البلاء على من ذكر لانهم لقوة دينهم لا يخاف منهم الجزع والتسخط بالقضاء الماحق لاجر البلاء فابتلوا بما تزداد به درجاتهم ولا تنقص به حسناتهم بخلاف غيرهم اذ يخاف عليه غلبة الجزع ونحوه فيبطل ثوابه ولا ينتفع بالبلاء فكان بلاء كل على قدر دينه رجمة من الله عز وجل بعباده ونظرا لهم بالاصلح الانفع فله الحمد والثناء على ما تفضل به وأسدى (في يوم ميمونة) وكان ابتداء مرضه ببيتها

مطلب في حديث السبع قرب لم تحل أوكيتهن وخروجه صلى الله عليه وسلم إلى الناس

فدعاهن فاستأذنهن ان يمرض في بيت عائشة فأذنّ له فخرج صلى الله عليه وسلم ويده على عليّ عليه السلام والاخرى على الفضل بن عباس. [مطلب في حديث السبع قرب لم تحل أوكيتهن وخروجه صلى الله عليه وسلّم إلى الناس] وروينا في الصحيحين عن عائشة ان النبى صلى الله عليه وسلم قال بعد ما دخل بيتها واشتد وجعه أهريقوا علىّ من سبع قرب لم تحل أوكيتهن لعلي أعهد الى الناس فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبى صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير الينا بيده ان قد فعلتن قالت ثم خرج الى الناس فصلي بهم وخطبهم وروى أهل السير ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس وقد شد رأسه بعصابة دسماء فرقي المنبر فجلس عليه مصفر الوجه وأمر بلالا فنادى في الناس أن اجتمعوا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا كبيرهم وصغيرهم وتركوا أبواب بيوتهم مفتحة وغص المسجد بمن فيه ثم قام فخطبهم خطبة بليغة فكان أول ما تكلم به صلى على قتلى أحد واستغفر لهم روينا في صحيح البخارى عن عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للاحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال انى بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم وان موعدكم الحوض وانى لأنظر اليه من مقامي هذا وانى لست اخشى عليكم ان تشركوا ولكنى أخشى عليكم الدنيا ان تنافسوا فيها قال فكانت آخر نظرة نظرتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أيضا ما رويناه في صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال ان عبدا خيره الله بين ان يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وبكى فقال أو ببيت زينب أو ريحانة أقوال (فأذن له) بتشديد النون (أهريقوا) بفتح الهمزة مع فتح الهاء وسكونها (من سبع قرب) قيل الحكمة في هذا العدد ان فيها سرا وخاصية في دفع السم والسحر (مخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين ثم موحدة اناء نحو المركن يغتسل فيه (وروي أهل السير) عن أنس (دسماء) بفتح الدال وسكون السين المهملتين مع المد والدسمة لون بين الغبرة والسواد (مصفر الوجه) بالنصب على الحال (وغص) بالمعجمة ثم المهملة أي ضاق كما يضيق حلق الغاص باللقمة (صلى على قتلى أحد) أي دعا لهم (فرط) أى سابق اتقدمكم الى الآخرة (تنافسوا فيها) بحرف الاستقبال أي يتحاسدوا عليها (آخر نظرة) بالنصب خبر كانت واسمها مستتر (ما رويناه في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وسنن الترمذي (ان عبدا خيره الله) قال النووي انما ابهم ليظهر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق (من زهرة الدنيا) أى نعيمها وأعراضها وحظوظها (فبكي أبو بكر وبكى) كلاهما بتخفيف الكاف أي كرر البكاء لانه علم المخير صلى الله عليه

فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أمنّ الناس علىّ بماله وصحبته أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الاسلام لا يبقين في المسجد خوخة الاخوخة أبى بكر وأوصى يومئذ بانفاذ جيش أسامة وأوصى بالانصار فقال يا معشر المهاجرين استوصوا بالانصار خيرا فان الناس يزيدون وان الانصار على هيئتها لا تزيد وانهم كانوا عيبتي وسلم فبكا حزنا على فراقه وانقطاع الوحي وغير ذلك من الخيرات (فديناك بآبائنا) فيه دليل لجواز التفدية وقد قاله صلى الله عليه وسلم (هو المخير) بالنصب خبر كان وهو عماد وصلة (أعلمنا به) بالنصب خبر كان (ان أمن الناس على في ماله وصحبته أبو بكر) قال العلماء معني أكثرهم جودا وسماحة لنا بنفسه وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لانه أذى مبطل للثواب ولان المنة لله تعالي ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قبول ذلك وغيره (لو كنت متخذا خليلا) غير ربى (لا اتخذت أبا بكر خليلا) ولكن محبة ربي استولت على جميع قلبي فلم يبق فيه وسع لغيره لان معني الخليل أن لا يتسع قلبه لغير خليله وللعلماء خلاف في معنى الخلة كما سبق قال ابن فورك الخلة صفاء المودة بتخلل الاسرار وقيل أصلها المحبة وللعلماء خلاف هل المحبة أرفع أم الخلة أم هما سواء فقالت طائفة لا يكون الحبيب الا خليلا وعكسه وقيل المحبة أرفع اذهي صفة نبينا صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث حسن الا وأنا حبيب الله وهو أفضل من الخليل وقيل الخلة أرفع فقد ثبتت لنبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وقد نفا ان يكون له خليل سوى الله مع اثبات محبته لخديجة وعائشة وأبيها وأسامة وأبيه وفاطمة وابنيها قال النووي وغيره ولا ينافي هذا الحديث قول أبي هريرة وغيره من الصحابة سمعت خليلى صلى الله عليه وسلم اذ تحسن لغيره صلى الله عليه وسلم الانقطاع اليه ولا عكس (ولا يبقين) بنون التأكيد الثقلية (خوخة) بفتح المعجمة المكررة وسكون الواو وهي الباب الصغير بين البيتين والدارين ونحوه وفيه ان المساجد تصان عن تطرق الناس اليها الا من أبوابها الا لحاجة مهمة قاله النووي (الا خوخة أبي بكر) أي فلا تسدوها وكان سبب ذلك انه رأى عليها نورا كما رواه الطبراني وذلك اشارة الى خلافته ولاحمد والنسائي وغيرهما باسانيد حسنة انه أمر بسد الابواب الا باب علىّ والجمع بينهما كما قاله الطحاوي والكلاباذي والحافظ ابن حجر وغيرهما ان الامر بسد الابواب وقع مرتين ففي الاولى استثنى عليا حيث قال لا يحل لاحد ان يستطرق هذا المسجد غيرى وغيرك وذلك قبل مرضه بمدة وفي الثانية استثنى أبا بكر وذلك في مرض موته وكانت الثانية في الخوخ والاولى في الابواب فكانهم لما أمروا بسد الابواب سدوها وأحدثوا خوخا واخطأ ابن الجوزي حيث زعم ان حديث على موضوع وضعته الرافضة ليقابلوا به حديث أبي بكر (استوصوا بالإنصار خيرا) فيه رمز الى ان الخلافة لا تكون فيهم والا لاوصاهم ولم يوص بهم (ان الانصار على هيئتها لا تزيد) فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم فانهم صاروا من أقل الناس كما قال في رواية انهم يقلون حتى يكونوا كالملح في الطعام (عيبتي) أي خاصتى الذين أثق بهم واعتمد عليهم في

فصل في أمره صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس

التي أويت اليها فاحسنوا الى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتامّ به وجعه ولم يخطب خطبة بعدها. [فصل في أمره صلى الله عليه وسلّم أبا بكر أن يصلي بالناس] (فصل) وأول عجزه عن الخروج الى الصلاة اجتمع الناس في المسجد وآذنوه بها فهم بالخروج فعجز فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت له عائشة ان أبا بكر اذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة لحفصة قولى له ان أبا بكر اذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكن لانتن كصواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت حفصة لعائشة ما كنت لا صيب منك خيرا رواه الشيخان وفي رواية فيهما ان عائشة قالت لقد راجعت رسول الله في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته الا انه لم يقع في قلبى ان يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا وانى كنت أرى انه لن يقوم مقامه أحد الا تشاءم الناس به فأردت ان يعدل ذلك رسول الله صلى أمورى والعيبة بفتح المهملة وبالموحدة وعاء معروف أكبر من المخلاة يحفظ الانسان فيها متاعه فضربها لهم مثلا لانهم محل سره وخفي أحواله (فأحسنوا الى محسنهم) أى واجهوه باللطف والبر (وتجاوزوا) اعفوا (عن مسيئهم) في بعض أصول مسلم سيئهم وذلك في غير حدود الله تعالي قاله النووي* فصل في أول عجزه عن الخروج (مروا أبا بكر فليصل بالناس) فيه ان الامام اذا عرض له عذر عن حصول الجماعة استخلف من يصلي بهم ولا يستخلف الا أفضلهم وفيه فضيلة أبي بكر رضى الله عنه على جميع الصحابة وتنبيه على انه أحق بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت له عائشة الى آخره) فيه جواز مراجعة أولي الأمر على سبيل العرض والمشاورة والاشارة بما يظهر انه مصلحة وتكون تلك المراجعة بعبارة لطيفة (فمر عمر) يؤخذ منه أفضلية عمر على غيره بعد أبي بكر فمن ثم اشارتا به ويؤخذ ذلك أيضا من قول أبى بكر يا عمر صل بالناس ولم يقل لاحد سواه (انكن لانتن كصواحبات يوسف) أي في التظاهر على ما ترون والالحاح في طلبه وقيل في اظهاركن خلاف ما أبطنتن ووجه التشبيه ان عائشة أظهرت انها إنما تريد صلاة عمر لان أبا بكر رجل رقيق اذا قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمع الناس من البكاء وأبطنت ما أخبرت به بعد انها خافت التشاؤم بمن يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما حفصة فلانها أظهرت ما أظهرته عائشة وأبطنت محبة تقديم أبيها على غيره فاشبهن صواحب يوسف حيث أظهرن أنهن قعدن ليأكلن وهن انما يردن النظر الى يوسف (رواه الشيخان والترمذي وابن ماجه) عن عائشة ورواه الشيخان أيضا عن أبي موسي ورواه البخاري فقط عن ابن عمر ورواه ابن ماجه عن ابن عباس وعن سالم بن عبيد (كنت أري) بضم الهمزة أي أظن

الله عليه وسلم عن أبي بكر ورياوه أيضا باسناد واحد عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود قال دخلت على عائشة فقلت لها ألا تحدثينى عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت بلى ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لى ما في المخضب قال ففعلنا فاغتسل به ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال أصلى الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الأخيرة قالت فأرسل رسول الله عليه وآله وسلم الى أبى بكر أن يصلى بالناس فأتاه الرسول فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تصلى بالناس فقال أبو بكر وكان رقيقا يا عمر صل بالناس فقال عمر أنت أحق بذلك قال فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس والثانى علىّ لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (ذهب لينوء) بفتح التحتية وضم النون ثم همزة ممدودة أي ليقوم وينهض (فاغمى عليه) فيه جواز الاغماء على الانبياء قال النووى ولا شك في جوازه فانه مرض والمرض يجوز عليهم بخلاف الجنون فانه لا يجوز عليهم لانه نقص (فاغتسل) أى توضأ من الاغماء لانه ناقض كذا حمله عياض على الوضوء لكن الصواب كما قال النووي ان المراد غسل جميع البدن اذ هو ظاهر اللفظ ولا مانع يمنع منه لان الغسل من الاغماء مستحب بل في وجه شاذ لبعض أصحابنا انه واجب وفي تكرير النبي صلى الله عليه وسلم الاغتسال دليل على استحباب تكرير الغسل اذا تكرر الاغماء لكن لو اغتسل مرة بعد تكرر الاغماء كفت (وهم ينتظرونك يا رسول الله) فيه ندب انتظار الامام اذا تأخر عن أول الوقت ورجى مجيئه عن قرب (والناس عكوف) بضم العين والكاف أي مجتمعون منتظرون خروجه صلى الله عليه وسلم (العشاء الآخرة) في صحة قول الشخص العشاء الآخرة وهو الصواب فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ذلك وكذا عائشة وأنس والبراء وجماعة وان أنكره الاصمعى (أنت أحق بذلك) فيه الاعتراف بالفضل لاهله وان المفضول لا يقبل رتبة عرضها عليه الفاضل بل تدعى له وفيه جواز الثناء في الوجه لمن آمن عليه نحو العجب قال النووى وأما قول أبي بكر لعمر صل بالناس فقالوا للعذر المذكور قال وقد تأوله بعضهم على انه قاله تواضعا والمختار ما ذكرناه (بين رجلين أحدهما العباس) والآخر اما على بن أبى طالب كما قاله ابن عباس أو الفضل ابن العباس كما في طريق آخر في مسلم أو اسامة بن زيد كما في رواية أخرى في غير صحيح مسلم والجمع بين هذه الروايات كما قاله النووي وغيره انهم كانوا بتناوبون الاخذ بيده الكريمة وهؤلاء خواص أهل بيته الرجال الكبار وكان العباس أكثرهم ملازمة وادام الاخذ بيده وتناوب الباقون في اليد الاخرى وأكرموا العباس باختصاصه بيد لماله من السن والعمومة فمن ثم ذكرته عائشة مسمى وأبهمت الآخر اذ لم يكن أخذ الثلاثة الباقين ملازما في كل الطريق

فصل في آخر ما أوصى به صلى الله عليه وسلم

بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب يستأخر فأومئ اليه النبى صلى الله عليه وسلم ان لا يتأخر وقال لهما اجلسانى الى جنبه فأجلسناه الى جنب أبى بكر فكان أبو بكر يصلى وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبى بكر والنبى صلى الله عليه وسلم قاعد وقالت أم الفضل بنت الحارث سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله تعالى رواه البخارى. [فصل في آخر ما أوصى به صلى الله عليه وسلّم] وآخر أحواله في الصلاة ما رويناه في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس بن مالك ان أبا بكر كان يصلى بهم في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه حتى اذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم سترة الحجرة فنظر الينا وهو قائم كان وجهه ورقة مصحف ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا قال فبهتنا ونحن في الصلاة من الفرح بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة فأشار اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ان أتموا صلاتكم قال ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر قال فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك وفي رواية قال أنس فكانت آخر نظرة نظرتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم روى خارج الصحيحين ان آخر ما أوصى به صلى الله عليه وسلم بأن قال الصلاة وما ملكت أيمانكم حرك بها لسانه وما يكاد يبين قال أراد بما (اجلسانى الى جنبه) فيه جواز وقوف مأموم واحد بجنب الامام لحاجة أو مصلحة (وقالت أم الفضل) سمها لبابة بنت الحارث زوج العباس رضي الله عنهما (بالمرسلات عرفا) أى بسورة المرسلات وهي الرياح أو الملائكة قولان والعرف المتتابع أو الكثير قولان (رواه) مالك و (البخاري) ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه (سترة الحجرة) بكسر السين (كان وجهه ورقة مصحف) بتثليث الميم وهذا عبارة عن الجمال البارع وحسن السيرة وصفاء الوجه واستنارته (ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى فرحا بما رأى من اجتماعهم على الصلاة واتباعهم لامامهم واقامتهم شريعته واتفاق كلمتهم واجتماع قلوبهم وهذا هو السبب في استنارة وجهه قال النووي وفيه معنى آخر وهو تأنيسهم واعلامهم بحاله في مرض وقيل يحتمل انه صلى الله عليه وسلم خرج ليصلى بهم فرأي من نفسه ضعفا فرجع انتهى (قلت) أو لعله أراد توديعهم وان يملاؤا نظرهم منه صلى الله عليه وسلم وكان ذلك بعد ان علم انه سيموت في ذلك اليوم وكان ذلك سبب تبسمه واستنارة وجهه فرحا بلقاء ربه (فبهتنا) مبنى للمفعول أي غشينا بهتة أي حيرة من سورة الفرح (ونكص) أى رجع (على عقبيه) أي الي ورائه قهقرا (وكانت) اسمها مستتر (آخر) خبرها (ثم روي خارج الصحيحين) في سنن أبي داود وابن ماجه عن على (الصلاة) بالنصب على الاغراء أى الزموا

فصل في ذكر أمور عرضت في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم

ملكت أيمانكم الرفق بالمملوك وقيل أراد الزكاة. * [فصل في ذكر أمور عرضت في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم] (فصل) * في ذكر أمور عرضت في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما رواه الشيخان عن عروة عن عائشة قالت دعى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة في شكواه التى قبض فيها فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت فسألتها عن ذلك فقالت سارنى أبى صلى الله عليه وسلم انه يقبض في مرضه الذى وفي فيه فبكيت ثم سارنى فأخبرنى انى أول أهله يتبعه فضحكت وروينا أيضا من حديث مسروق بن الاجدع عن عائشة قالت كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده لم تغادر منهن واحدة فأقبلت فاطمة رضى الله عنها تمشى ما تخطئ مشيتها عن مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فلما رآها رحب بها وقالت مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت فقلت لها خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيننا بالسر ثم انت تبكين فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها ما قالت لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصل) في ذكر أمور عرضت في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم (في شكواه التى قبض فيها) لا ينافيه ما في سنن الترمذي عن أم سلمة ان ذلك وقع عام الفتح فلعله قال لها ذلك يومئذ وأم سلمة حاضرة وقال لها ذلك في مرضه في بيت عائشة وهي حاضرة فاخبرت كل واحد منهما عما حضرته (فسارها شيء) ليس في هذا الحديث انه استأذن عائشة في المسارة فلعل غيرها كان حاضرا اما يريده غيرها أو استأذنها فلم يذكر الاستئذان لان وجوبه معلوم من غير هذا الحديث أو يكون ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم لانه معصوم من المحذور في المسارة (انه يقبض في وجعه) في هذا وفي قولها (فاخبرني انى أول أهله يتبعه) معجزتان له صلى الله عليه وسلم وقولها (فضحكت) أي سرورا بسرعة اللحاق به ففي ذلك ما كانوا عليه من إيثار الآخرة والسرور بالانتقال اليها والخلوص من دار النكد (لم تغادر) أي لم تترك (منهم واحدة) كن كلهن مجتمعين عنده يومئذ (مشيتها) بكسر الميم (مرحبا بابنتي) فيه ندب الترحيب سيما بالبنت ونحوها ممن يستهجن ذلك بالنسبة اليها لما فيه «1» من ضرر النفس سباط الاتباع (عن يمينه أو عن شماله) شك من الراوي (سألتها ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم) انما سألتها لما رأته من العجب في سرعة الضحك عقب البكاء (ما كنت لا فشي) بضم الهمزة أى أظهر (على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره) فيه ندب كتمان السر وهو من الخصال المحمودة والشيم المرضية وربما كان الكتم واجبا ككتم سر

_ (1) . كذا بالاصل الى آخر العبارة

قلت عزمت عليك بمالى عليك من الحق لما حدثتيني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أما الآن فنعم أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني ان جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة وانه عارضه الآن مرتين وانى لا أرى الأجل الا قد اقترب فأتقي الله واصبرى فانه نعم السلف أنا لك قالت فبكيت بكائى الذي رأيت فلما رأى جزعي سارنى الثانية فقال يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو سيدة نساء هذه الأمة قالت فضحكت ضحكي الذي رأيت هذا لفظ مسلم وليس لفاطمة في الصححين غير هذا الحديث وهو داخل في مسند عائشة والله أعلم* ومنه ما روياه واللفظ لمسلم عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت يا أبا عباس وما يوم الخميس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال إئتونى اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع وقالوا ما شأنه أهجر استفهموه الزوجة المتعلق بالجماع وما خاف من اشاعته مفسدة (لما حدثتينى) بفتح اللام (اما الآن فنعم) فيه ان افشاء السر بعد موت صاحبه لا بأس به اذا كان فيه مصلحة وكانت المصلحة في هذا بيان المعجزة وبيان فضيلتها على نساء العالمين (لا أري) بضم الهمزة أى لا اظن (السلف) هو المتقدم أى انا قدامك فتردين على (اما ترضين) هذا هو المشهور في اللغة وجاءت به أكثر الروايات وفي رواية لمسلم ترضى بحذف النون قال النووى وهو لغة (سيدة نساء العالمين) وللترمذى من طريق أم سلمة أخبرني اني سيدة نساء أهل الجنة الا مريم بنت عمران أى فانها سيدتهم مثلك وان كنت أفضل (وما يوم الخميس) معناه تفخيم أمر يوم الخميس وتعظيمه في الشدة والمكروه فيما يعتقده ابن عباس وهو امتناع الكتاب كذا قال النووي قلت أو عظم لاشتداء وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه (ائتوني) بهمز وصل (اكتب) بالجزم جواب الامر (لكم كتابا لا تضلوا بعدي) قيل أراد ان ينص على خلافة أبي بكر كيلا يقع نزاع وفتن ثم ترك ذلك اعتمادا على علمه من تقدير الله تعالى ذلك كماهم بالكتاب في أول مرضه حين قال وارأساه ثم ترك الكتاب فقال يأبي الله والمؤمنون الا أبا بكر ثم نبه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه اياه في الصلاة حكي ذلك القول عن سفيان ابن عيينة عن أهل العلم قبله وقيل أراد أن يكتب كتابا فيه مهمات الاحكام ملخصة ليحصل الاتفاق على المنصوص عليه وكان ذلك بوحى أو باجتهاد ثم تركه بوحي أو باجتهاد ونسخ الأمر الاول (اهجر) بهمزة استفهام للجميع رواه البخارى قال النووي وهو استفهام انكار على من قال لا تكتبوا أى أهذا انه منزه عن ذلك وهذه أحسن من رواية هجر ويهجر في مسلم قال وان صحت تلك فلعلها صدرت بغير تحقيق من قائلها وخطأ منه لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من هذه الحالة الدالة على وفاته صلى الله عليه وسلم وعظيم المصاب به وخوف الفتن المقبلة بعده وأجرى الهجر مجري شدة الوجع

قال فدعونى فالذي أنا فيه خير أوصيكم بثلاث اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم قال وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها انا وفي رواية أخرى عن عبيد الله بن عبد الله قال فكان ابن عباس يقول ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ان يكتب لهم الكتاب من اختلافهم ولغطهم* ومنه ما رواه البخاري (دعوني) أي اتركوني من النزاع واللغط الذى شرعتم فيه (فالذي أنا فيه) أى من طلب الكتابة (خير) من عدمها كذا قال في التوشيح وأحسن منه ما قاله النووى أي الذي أنا فيه من مراقبة الله والتأهب للقائه والفكر في ذلك ونحوه خير مما أنتم فيه (اخرجوا المشركين من جزيرة العرب) الصحيح انها مكة والمدينة واليمامة واليمن وقال الاصمعي هي ما بين أقصى عدن الى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها الى أطراف الشام عرضا وقال أبو عبيد هي ما بين حفر أبى موسي الي أقصى اليمن طولا وما بين رمل يبرين الى منقطع السماوة عرضا وفي الحديث وجوب اخراج الكفار من هذه الجزيرة مطلقا عند مالك وخص الشافعي ذلك بالحجاز وهى مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها وأعمالها دون اليمن وغيره بدليل آخر مشهور في كتبه وكتب أصحابه ولا يمنع الكافر من التردد في الحجاز لنحو تجارة بشرط أن يخرج لدون أربعة أيام صحاح نعم يمنع عندنا في الحرم المكي ويجب اخراجه منه فان مات ودفن به بشرط ما لم يتغير وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم أيضا (وأجيزوا) أى اعطوا الجائزة (الوفد) الذي يفدون اليكم ضيافة واكراما وتطييبا لقلوبهم وترغيبا للمؤلفة ونحوهم واعانة على سفرهم ونقل عياض عن العلماء عدم الفرق بين أن يكون مسلما أو لا لان الكافر انما يفد غالبا لما يتعلق بمصالحنا ومصالحهم (قال) سعيد بن جبير (وسكت) ابن عباس (عن الثالثة أو قالها) ابن عباس (فنسيتها انا) شك سعيد بن جبير في ذلك كذا قال النووي وقال ابن حجر القائل ابن عيينة والساكت شيخه سليمان الاحول والثالثة الوصية بالقرآن قاله الداوودي وابن التين أو تنفيذ جيش أسامة قاله المهلب وابن بطال أو النهى عن اتخاذ قبره وثنا يعبد أو الصلاة وما ملكت أيمانكم قالهما عياض قال وقد ذكر مالك في الموطأ معناه مع اجلاء اليهود من حديث عمر (فكان ابن عباس يقول ان الرزية) أي النقص (كل الرزية) تأكيد لعظمها (ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ان يكتب لهم) ذلك (الكتاب) قال ذلك بحسب اجتهاده رضي الله عنه ان الكتب كان أصوب من الترك وخالف اجتهاد عمر ذلك حيث قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله قال البيهقى كان عمر قد علم ان بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فيها حاصل بقوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فاستدل بذلك على انه لا يقع واقعة الا وفي كتاب الله أو سنة رسوله بيانها نصا أو دلالة فآثر عمر بسبب ذلك التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه الوجع ولئلا ينسد باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط فتفوت فضيلة الاجتهاد وعدم انكاره صلى الله عليه وسلم على عمر دليل استصواب رأيه قال الخطابى ما معناه خاف عمر أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة فيه فيجد المنافقون بذلك سبيلا الى الكلام في الدين قال ولا يجوز ان يحمل قول عمر على انه توهم الغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ظن به غير ذلك مما لا يجوز عليه (ما رواه البخاري) ومسلم مسندا فقول

تعليقا عن عائشة قالت لددناه في مرضه تعني النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يشير الينا ان لا تلدونى فقلنا كراهية المريض للدواء فقال لا يبقين أحد في البيت الالد وأنا أنظر إلا العباس فانه لم يشهدكم وانما لدوه لأنهم ظنوا به ذات الجنب فلدوه بالقسط لقوله صلى الله عليه وسلم فيه سبعة أشفية يلد به من ذات الجنب ويستعط به من العذرة واللدود جعل الدواء في جانب الفم ويحركه بالأصبع قليلا* ومنه ما رواه الشيخان عن عائشة وابن عباس قال لما نزلت برسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اعتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى المصنف (تعليقا) بحسب ما فهمه من سياق كلام البخارى حيث قال حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا يحيي بن سعيدنا سفيان حدثني ابن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وعائشة ان أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت قال وقالت عائشة لددناه الى آخره وانما قال وقالت عائشة لينبه على انفرادها بذكر اللدود عن ابن عباس بعد أن شاركها في أول الحديث فكأنه قال انتهي حديث ابن عباس الي قوله وهو ميت وزادت عليه عائشة ما ذكر (تعنى) بالفوقية ضمير عائشة (كراهية) بالرفع خبر مبتدا محذوف (لا يبقى أحد في البيت الالد) أى تعزيرا لهم حيث خالفوا أمره قال بعضهم فيه ان التعزير يجوز أن يكون من جنس نسبته (الا العباس فانه لم يشهدكم) هذا يرد ما في سيرة ابن اسحاق أن العباس كان فيمن ذكره وقيل أن أسماء بنت عميس هى التي لدته (بالقسط) بضم القاف وسكون السين ثم طاء مهملتين وهو العود الهندى وتسمى كستا بالفوقية بدل الطاء (لقوله صلى الله عليه وسلم فيه سبعة أشفية) رواه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن أم قيس ثلاث محضن أخت عكاشة واسمها آمنة (يلد به من ذات الجنب ويستعط به من العذرة) بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وهو وجع يعرض في الحلق من كثرة الدم قال الزهري بين لنا اثنتين ولم يبين لنا خمسا قال النووي اطنبوا الاطباء في كتبهم على أنه يدر الطمث والبول وينفع من السموم ويحرك شهوة الجماع ويقتل الدود التي في الامعاء اذا شرب بعسل ويذهب الكلف اذا طلى به عليه وينفع من ضعف المعدة والكبد وبردهما ومن حمي الورد والدمع وغير ذلك قال وهو صنفان بحرى وهندى والبحرى هو القسط الابيض وقيل هو أكثر من صنفين ونص بعضهم أن البحري أفضل من الهندي وهو أقل حرارة منه قال وانما عددنا منافع القسط من كتب الاطباء لانه صلى الله عليه وسلم ذكر منها عددا مجملا (اللدود) بضم اللام ومهملتين ان أريد الفعل وان أريد الدواء فبالفتح (لما نزل) مبني للمفعول أى نزل به ملك الموت وروي في صحيح مسلم نزلت بفتحتان وبالتأنيث الساكنة أي حضرت المنية والوفاة (خميصة) هى كساء وأعلام (لعنة الله على اليهود والنصاري) ولمسلم قاتل الله يهود وهو بمعني لعنهم وقيل قتلهم وأهلكهم وفي الحديث جواز لعن الكفار اجمالا وكذا يجوز

اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا* ومنه ما روياه أيضا عن عائشة ان النبى صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وامسح بيده نفسه لبركتها* ومنه ما رواه البخاري عن عبد الله بن كعب بن مالك ان ابن عباس أخبره ان علىّ بن أبى طالب خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس يا أبا حسن كيف اصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له انت والله بعد ثلاث عبد العصا وانى والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفي من وجعه هذا انى لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت اذهب بنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر ان كان فينا علمنا ذلك وان كان في غيرنا علمناه فأوصي بنا فقال علىّ إنا والله لأن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعنا لا يعطيناها الناس بعده وانى والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل وكان العباس قبل ذلك بيسير رأي ان القمر رفع من الأرض الى السماء فقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له هو ابن اخيك* ومنه ما روياه واللفظ للبخاري ان عائشة كانت تقول ان من نعم الله علىّ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وان الله جمع بين ريقى وريقه عند موته دخل علىّ عبد الرحمن وبيده سواك وانا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من مات منهم بخلاف الحي فانه قد يسلم (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) أي يصلون اليها ففيه تحريم الصلاة الى قبور الانبياء كما قاله أصحابنا (يحذر ما صنعوا) من كلام عائشة وابن عباس (ينفث) بضم الفاء وكسرها والنفث النفخ اللطيف (بالمعوذات) بكسر الواو والمراد الاخلاص والمعوذتان (ثقل) بالمثلثة والقاف أى اشتد وجعه (بارئا) اسم فاعل من برأ أي خلص من المرض (عبد العصا) أي ستصير تابعا لغيرك ليس لك من الامر شيء (لارى) بالفتح والضم (هذا الامر) يعني الخلافة (هو ابن أخيك) يعنى نفسه (ومنه ما روياه) أي الشيخان ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه أيضا (بين سحرى) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين والسحر الرئة وما يعلوبها وأرادت به الصدر قال السهيلى وروي أيضا بين شجرى بالمعجمة فالجيم قال وسئل عمارة بن عقيل عن معناه فشبك بين أصابعه وضمها الى نحره (ونحرى) بوزن الاول موضع النحر وللبخارى في رواية مات بين حلقنتي وذاقنتي والحاقنة بالمهملة والقاف والنون الوهدة بين الترقوتين من الحلق والذاقنة الذقن وقيل طرف الحلقوم وقيل ما تناله الذقن من الصدر قاله ابن الاثير (عبد الرحمن) بن أبى بكر (وبيده سواك) جاء في رواية صحيحة انه كان من جريد النخل وفي أخري كذلك انه كان أراكا وجمع بينهما انه

فرأيته ينظر اليه وعرفت انه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه ان نعم فتناولته فاشتد عليه وقلت ألينه لك فأشار برأسه ان نعم فلينته فأمرّه وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه الماء فيمسح بهما وجهه يقول لا إله إلا الله ان للموت سكرات ثم نصب يديه فجعل يقول في الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت يده وفي رواية عنها قالت فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى البخاري عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح انه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير بين الدنيا والآخرة فلما نزل به ورأسه على فخذي غشى عليه ثم أفاق فأشخص بصره الى سقف البيت ثم قال اللهم الرفيق الأعلى فقلت اذا لا يختارنا وعرفت انه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح قالت فكانت آخر كلمة تكلم بها اللهم الرفيق الأعلى دخل مرتين كان السواك في مرة أراكا وفي أخرى نخلا ولم يطلع راوى الاراك بالقضية الاخري ولا عكسه فقال كل راو بحسب علمه (آخذه لك) استفهام حذفت اداته وكذا ما بعده (فامره) بتشديد الراء أي اداره في فمه وللقابسي في صحيح البخاري بامره قال ابن حجر والاول أوجه وفيه كما قال السهيلي التنظف والتطهر للموت ومن ثم يستحب نحو الاستحداد ولان الميت قادم على الله عز وجل فشرع له كما شرع التنظف للمصلي لاجل مناجاة ربه (ركوة) بفتح الراء وضمها وكسرها إناء يصنع من الجلود (العلبة) بضم المهملة وسكون اللام ثم موحدة هى الغمر والقدح الضخم يتخذ من جلود الابل يحلب فيه أواناء أسفله جلد وأعلاه خشب مدور كاطار الغربال وهو الدائرة أواناء كله من خشب أو حقبة يحلب فيها أقوال (ان للموت لسكرات) وللترمذي الهم أعنى على غمرات الموت وسكرات الموت (نصب يده) أقامها مستترا بها (في الرفيق الاعلي) ولمسلم اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الاعلى وهم الملائكة أو المذكورون في قوله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الآية أو المكان الذى يحصل فيه مرافقتهم وهي الجنة أو السماء أو المراد به الله جل جلاله لانه من أسمائه أقوال يؤيد الثاني منها ما جاء في الحديث الصحيح فجعل يقول مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وانما اختار هذه الكلمة ليضمنها التوحيد والذكر بالقلب حتى يستفاد منه الرخصة لغيره ان لا يشترط منه الذكر باللسان قاله السهيلى قال وقد وجدت في بعض كتب الواقدي أن أول كلمة تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة الله أكبر وآخر كلمة تكلم بها في الرفيق الاعلى وروى الحاكم من حديث أنس كان آخر ما تكلم به «1» حلال دين الرفيع فقد بلغت ثم قضى (فاشخص بصره) رفعه الى السماء (اللهم الرفيق الاعلي) بالنصب باضمار اختار (لا يختارنا) بالنصب

_ (1) هكذا بالاصل

فصل في دهش الصحابة عند قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم

وروي البخاري أيضا عن أنس بن مالك قال لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة وا كرباه فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه اجاب ربا دعاه يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه أتى جبريل ينعاه فلما دفن قالت فاطمة رضى الله عنها يا أنس أطابت انفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب [فصل في دهش الصحابة عند قبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم] (فصل) ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفعت الرنة عليه دهش اصحابه دهشة عظيمة وركت عقولهم وطاشت احلامهم وافحموا واختلطوا وصاروا فرقا وكان ممن اختلط عمر فجعل يصيح ويحلف ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتهدد من قاله وكأنه لم يتقرر قبل عنده موته واقعد علي فلم يستطع حراكا واخرس عثمان فكان يذهب به ويجاء ولا يستطيع كلاما واضنى عبد الله بن أنيس حتى مات كمدا واضطرب الأمر وجل الخطب وفدحهم هول مصيبته وحق لهم ولم يكن فيهم اثبت من العباس وأبو بكر روينا في صحيح البخاري عن عائشة قالت مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وقال عمر ما كان يقع في نفسي الا ذاك وليبعثه الله فليقطعن أيدي الرجال وأرجلهم فجاء أبو بكر وكشف عن رسول الله صلى الله جواب اذا (وروي البخاري أيضا) والنسائي (أنى جبريل) وقال في التوشيح قال سبط ابن الجوزي الصواب نعاه (فصل) في ذكر ما بعد وفاته (الرنة) بفتح الرا والنون المشددة الصيحة (دهش) بكسر الهاء (وركت) بالراء وتشديد الكاف أي ضعفت والتركيك التضعيف (فطاشت) باهمال الطاء واعجام الشين أي خفت (أحلامهم) عقولهم (وافحموا) بالفاء والمهملة مبنى للمفعول أى غلبهم الجزع والمفحم المغلوب والباكي الى ان ينقطع نفسه (وتهدد) توعد وزنا ومعني (قبل) بالضم (موته) بالرفع فاعل يتقرر (وأضنى) أصابه الضنا وهو المرض المتولد من وجع القلب (ابن أنيس) بالنون والتحتية والمهملة مصغر وهو الجهني الانصاري حلفا (حتى مات) سنة أربع وخمسين من الهجرة (كمدا) والكمد داء يتولد في القلب من شدة الحزن (وجل) عظيم (الخطب) أي الشأن والامر (وفدحهم) بالفاء والمهملتين أى أثقلهم وفوادح الدهر خطوبه افدح الأمر واستفدحه وجده فادحا أى مثقلا صعبا (اثبت) بالرفع (بالسنح) بضم المهملة وسكون النون آخره مهملة هي منازل بنى الحارث بن الخزرج (طبت حيا وميتا) زاد السهيلى في شرح السيرة وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الانبياء من النبوة فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ولو أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس ولولا انك نهيت عن البكاء لانفدنا عليك ماء الشؤون فاما ما لا نستطيع نفيه فكمد وادناف يتحالفان لا يبرحان اللهم فابلغه عنا اذكرنا يا محمد عند

عليه وسلم وقبّله وقال بأبى أنت وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين ابدا ثم خرج فقال ايها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال ألا من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حى لا يموت وقال انك ميت وانهم ميتون وقال وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين قال فنشج الناس يبكون وروينا فيه من رواية عائشة وابن عباس وعمر ان أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشي بثوب حبرة فكشف عن وجهه فأكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبي وأمي انت والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها ثم خرج وعمر يكلم الناس قال اجلس يا عمر فأبي عمر أن يجلس فأقبل الناس اليه وتركوا عمر فقال ابو بكر اما بعد من كان منكم يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد الله فان الله حي لا يموت قال الله وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآية الى الشَّاكِرِينَ قال ابن عباس والله لكأن الناس لم يعلموا ان الله أنزل هذه الآية حتى تلاها ابو بكر فتلقاها الناس منه كلهم فما سمع بشرا من الناس إلا يتلوها قال عمر والله ما هو الا ان سمعت ابا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى اهويت الى الارض حين سمعته تلاها علمت ان النبي صلى الله عليه وسلم قد مات كل هذا من ابي بكر وعيناه تهملان ربك وليكن ممالك فلولا ما خلفت من السكينة لم نقم لما خلفت من الوحشة اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا (لا يذيقك الله الموتتين أبدا) أي أنت أكرم على الله من أن يذيقك موتة أخرى كما أذاق الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت وكما أذاق الذي مر على قرية وأشار بهذا الى الرد على عمر وغيره ممن زعم انه يتخير وليقطعن أيدى رجال وأرجلهم اذ لو صح ذلك للزم منه أن يموت موتة أخرى (على رسلك) بفتح الرا وكسرها أي آمهل (فنشج الناس) بفتح الشين المعجمة وبالجيم يقال شج الباكي أى غص بالبكاء في حلقه (فتيمم) أى قصد (بثوب حبرة) باضافة ثوب الى حبرة وهى بكسر المهملة وفتح الموحدة نوع من برود اليمن (فأبى عمر أن يجلس) أي لما غلبه من الجزع (فعقرت) بفتح العين أي سقط الى الارض من قامته وحكاه يعقوب عفر بالفاء كانه من العفر وهو التراب وصوب ابن كيسان الروايتين انتهى (ما تقلني) بضم الفوقية وكسر القاف أي ما تحملني (حتى أهويت) وللكشميهنى هويت بلا ألف (وعيناه تهملان) بضم الميم تسيلان

فصل في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلم

وزفراته تتردد في صدره وغصصه تتصاعد* وروي ان ابا بكر لما فرغ يومئذ من خطبته التفت الى عمر وقال له اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم كذا كذا وكذا فقال عمر أشهد ان الكتاب كما نزل وان الحديث كما حدث وان الله تبارك وتعالى حي لا يموت إنا لله وانا اليه راجعون وقال فيما كان منه: لعمري لقد أيقنت أنك ميت ... ولكن ما ابدى الذي قلته الجزع وقلت يغيب الوحي عنا لفقده ... كما غاب موسى ثم ترجع كما رجع وكان هواي ان تطول حياته ... وليس لحي في بقا ميّت طمع [فصل في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلّم] (فصل) في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلم قال انس لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه اظلم منها كل شيء وما نفضنا ايدينا عن التراب وانا لفي دفنه حتى انكرنا قلوبنا رواه الترمذي في الشمائل وابن ماجه في السنن وروي ابن ماجه ايضا عن عمر قال كنا نتقي الكلام والانبساط الى نسائنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن ينزل فينا القرآن فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمنا وأسند أيضا عن أم سلمة ما معناه قالت كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام المصلون لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه فلما كان أبو بكر لم يعد بصر أحدهم موضع جبهته فلما كان عمر لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة فلما كان عثمان أو كانت الفتنة التفت الناس شمالا ويمينا* وروينا في صحيح مسلم عن أنس قال قال أبو بكر بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر انطلق بنا الى أم أيمن نزورها كما (وزفراته) جمع زفرة وهى ما يسمع من جوف الباكى من الازيز (وغصصه) جمع غصة وهى ما يعرض للباكى من حلقه من الشجا (يتصاعد) يتعالى ويرتفع (وروي) في كتب السير (قال يوم كذا كذا وكذا) أي كل ما يدل على موته صلى الله عليه وسلم فكيف تحلف انه ما مات (أشهد أن الكتاب) يعنى القرآن (كما نزل) أراد قوله أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ وقوله إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (كما حدث) مبني للفاعل يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجزع) بالوقف وكذا ما بعده (كما غاب موسى) يوم خر صعقا (ثم ترجع) بسكون العين لضرورة الشعر (هواى) أى مقصودي (في بقا) بالقصر لضرورة الشعر «فصل» في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلم (وما نفضنا) بالفاء والمعجمة (انكرنا قلوبنا) أي لم نرلنا قلوبا لما غشينا من الهم (أن ينزل) مبني للفاعل والمفعول (لم يعد) بفتح أوله وسكون ثانيه أي لم يتعد ولم يتجاوز (موضع) بكسر الضاد (فلما كان) تامة وكذا كان عمر وكان عثمان وكانت الفتنة (انطلق بنا الى أم أيمن نزورها كما

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها فلما انتهينا اليها بكت فقالا لها ما يبكيك ما عند الله خير لرسوله قالت ما أبكي أن لا أكون أعلم ما عند الله خير لرسوله ولكنى أبكي ان الوحي قد انقطع من السماء فهيجتنا على البكاء فجعلا يبكيان معها وروي عنه صلى الله عليه وسلم من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها من أعظم المصائب ولما ذكر صلى الله عليه وسلم البشارة لمن تقدم بين يديه فرطا من الأولاد فقالت له عائشة ومن لم يكن له فرط قال أنا فرطه يا موفقة قال السهيلي وكان موته صلى الله عليه وسلم خطبا كالحاورزءا لاهل الاسلام فادحا كاد تهدله الجبال وترجف منه الارض ويكسف النيران لانقطاع خبر السماء وفقد مالا عوض منه مع ما آذن به موته من اقبال الفتن السحم والحوادث الدهم والكرب المدلهمة والهزاهز المعضلة فلولا ما انزل الله تعالى من السكينة على المؤمنين واسرج في قلوبهم نور اليقين وشرح صدورهم في فهم كتابه المبين لا نقصفت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها) فيه كما قال النووى فضيلة زيارة الصالحين وزيارة الفاضل المفضول والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وزيارة الرجل للمرأة الصالحة وسماع كلامها واستصحاب نحو العالم صاحبا له في الزيارة والعبادة ونحوهما والبكاء حزنا عند فراق الصالحين والاصحاب وان كانوا قد انتقلوا الى أفضل مما كانوا عليه (من أصيب بمصيبة الي آخره) رواه ابن عدي والبيهقي في الشعب عن ابن عباس ورواه الطبراني في الكبير عن سابط الجمحى قال أصحابنا يجب على من مات له ميت ولدا كان أو والدا أو غيرهما ان يكون حزنه على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر منه وذلك لان الحزن فرع المحبة ومحبته صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة فرض لقوله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من ولده ووالده والناس أجمعين رواه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه عن أنس (بي) بالموحدة وتخفيف التحتية (ولما ذكر) بالبناء للفاعل أي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال من كان له فرطان من أمتي دخل الجنة بهما قالت عائشة ومن كان له فرط قال ومن كان له فرط قالت فمن لم يكن له فرط من أمتك قال أنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلى أخرجه الترمذي عن أنس وعباس (تقدم) بفتح القاف وتشديد الدال المكسورة (انا فرطه يا موفقة) هو على العموم فانه فرط كل أمته كما في هذا الحديث (كالحا) بالمهملة أى شديدا (ورزءا) بضم الراء وسكون الزاى ثم همزة أى نقصا (فادحا) بالفاء والمهملتين أى ثقيلا كما مر (النيران) يعني الشمس والقمر (آذن) بمد الهمزة أي أعلم (السحم) بضم السين وسكون الحاء المهملتين (الدهم) بضم المهملة بوزن الاول وكل من السحم والدهم لون يضرب الى السواد يوصف بهما كل أمر عظيم (المدلهمة) بضم الميم وسكون المهملة وفتح اللام وكسر الهاء وتشديد الميم المظلمة يقال أدلهم الليل اذا اشتد ظلامه (والهزاهز) بتكرير الزاي (المعضلة) باهمال العين واعجام الضاد أي الضيقة الشديدة يقال اعضلت المرأة اذا نشب ولدها في بطنها فضاق عليه الخروج (وأسرج) بالمهملة والجيم أى أشاع (لا نقصفت) بالقاف والمهملة والفاء أى انكسرت (ولعاقهم) بالمهملة والقاف أي شغلهم

للجزع عن تدبير الأمور فقد كان الشيطان أطلع اليهم رأسه ومد الى إغوائهم مطامعه فأوقد نار الشنآن ونصب راية الخلاف فأبى الله الا أن يتم نوره ويعلي كلمته وينجز موعده حيث قال هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فأطفأ نار الردة وحتم مادة الخلاف والفتنة على يد أبي بكر ولذلك قالت عائشة توفي رسول الله ونزل بأبى ما لو نزل بالجبال لها ضها ارتدت العرب واشرأب النفاق وقال أبو هريرة لولا أبو بكر لهلكت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد نبيها ولقد كان من قدم المدينة عقيب موت النبى صلى الله عليه وسلم سمع لأهلها ضجيجا وللبكاء في جميع أرجائها عجيجا حتى صحلت الحلوق ونزفت الدموع وحق لهم ذلك ولمن يأتي بعدهم الى يوم الدين كما روي عن أبى ذؤيب الهذلي قال بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل فاستشعرت حزنا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها فظلت أقاسى حزنا طولها حتى اذا كان قرب السحر أغفيت فهتف بى هاتف وهو يقول: خطب أجل أناخ بالاسلام ... بين النخيل ومعقد الآطام قبض النبي محمد فعيوننا ... تذرى الدموع عليه بالتسجام وذكر خبرا طويلا قال فيه وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج اذا (اطلع الهم رأسه) أشرف برأسه الهم كناية عن شدة طمعه في إغوائهم (الا أن يتم نوره) أي يظهر دينه (ويعلى كلمته) أى قول لا إله الا الله (هو الذي أرسل رسوله) محمدا صلى الله عليه وسلم (بالهدي) أى بالهداية من الضلالة وعبادة من سوى الله (ودين الحق) أى دين الاسلام (وحسم) بالمهملتين قطع (مادة) بالمد وتشديد الدال محل الامداد والاعانة على الخلاف (ونزل بأبي) تريد أبا بكر (لها ضها) بالمعجمة كسرها وفتتها (اشرأب) بهمزة وصل وسكون المعجمة وفتح الراء والهمزة وتشديد الموحدة أي أشرف متطلعا (ضجيجا) بالمعجمة وتكرير الجيم أى صوتا عاليا (عجيجا) بالمهملة وتكرير الجيم هو الصوت العالى أيضا (صحلت) بفتح الصاد وكسر الحاء المهملتين ابتحت (ونزفت) بفتح النون وكسر الزاى ثم فاء أي فرغت (أبى ذؤيب) بضم المعجمة وفتح الهمزة اسمه خويلد بن خالد (فاستشعرت) أي أضمرت (لا ينجاب) بالجيم أي لا يذهب (ديجورها) شدة ظلامها (أقاسى) أي أعاني (كان قرب) بالفتح والضم (أغفيت) بالمعجمة والفاء أي نمت نوما خفيفا (أناخ) بالنون والمعجمة أى وقع (ومعقد) بفتح القاف كسرها (تذرى) بالمعجمة ثلاثي ورباعى ويقال تذروا بالواو أي تسيل (بالتسجام) بفتح الفوقية مصدر

مطلب في ذكر بعض المراثي التي قيلت فيه صلى الله عليه وسلم

أهلوا بالاحرام فقلت لهم مه فقالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت المسجد فوجدته خاليا فأتيت باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته خاليا ووجدت بابه مرتجا وقيل هو مسجى قد خلا به أهله فقلت أين الناس فقيل في سقيفة بني ساعدة فجئتهم فتكلمت الأنصار فاطالوا الخطاب وأكثروا الصواب فتكلم أبو بكر فلله دره لم يطل الكلام ويعلم مواقع فصل الخطاب والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع الا انقاد له ومال اليه ثم تكلم عمر دون كلامه فمد يده فبايعه وبايعوه ورجع أبو بكر ورجعت معه [مطلب في ذكر بعض المراثي التي قيلت فيه صلى الله عليه وسلّم] قال أبو ذؤيب فشهدت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت دفنه ثم أنشد ابو ذؤيب يبكى النبى صلى الله عليه وسلم: ولما رأيت الناس في علاتهم ... ما بين ملحود له ومضرح متبادرين فشرجع باكفهم ... نض الرقاب لفقد أبيض أروح فهناك صرت الى الهموم ومن يبت ... جار الهموم يبيت غير مروح كسفت لمصرعه النجوم وبدرها ... وتزعزعت آطام بطن الابطح وتزعزعت آطام يثرب كلها ... ونخيلها لحلول خطب مفدح ولقد زجرت الطير قبل وفاته ... بمصابه وزجرت سعد الاذبح وبكسرها اسم (مه) هي هنا بمعنى الاستفهام (مرتجا) بالفوقية والجيم أى مغلقا (مسجي) أي مدثر (فلله دره) كلمة تستعمل للمدح وقد تقدم الكلام فيها في قصة هرقل (مواقع فصل الخطاب) أي مواضع وقوعه (يبكي) يرثى وزنا ومعني (علات) بمهملتين جمع علة وهي اختلاف الناس بعضهم الى بعض وترددهم قاله في القاموس (ملحود له) أى محفور له في جانب القبر (ومضرح) باعجام الضاد واهمال الحاء وفتح الراء أي محفور له في وسط القبر (فشرجع) بمعجمة فراء فجيم فمهملة بوزن جعفر من أسماء النعش والجنازة (نض الرقاب) بضم النون وتشديد المعجمة أي منضوضون والرقاب صلة والمنضوض من دهمه أمر مكروه (أروح) بالراء والمهملة أى واسع الخلق (جار الهموم) أي ملازما لها كملازمة الجار لجاره (مروح) بفتح الراء والواو المشددة (كسفت) أي تغيرت (وتزعزعت) بتكرير الزاي المهملة أي تحركت واضطربت (بطن الابطح) يعني مكة فمن ثم ذكر يثرب بعدها (كلها) تأكيد لآطام أو ليثرب فعلى الاول يكون مرفوعا وعلى الثاني مجرورا (ونخيلها) بالرفع معطوف على آطام (مفدح) بالفاء والمهملتين المقطع وزنا ومعنى (ولقد زجرت الطير) أي نهيتها عن النعيق حين سمعت منها ما تشاءمت به وعرفت به موته صلى الله عليه وسلم (وزجرت سعد الاذبح) أي سعد الذابح وهو أحد المنازل المشهورة وسمى الذابح لكوكب

وقالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تبكى أباها وقد اجتمع اليها النساء بعد دفنه: أغبّر آفاق السماء وكورت ... شمس النهار وأظلم العصران والارض من بعد النبي كئيبة ... أسفا عليه كثيرة الرجفان فلتبكه شرق البلاد وغربها ... ولتبكه مضر وكل يمانى وليبكه الطود المعظم جوه ... والبيت ذو الاستار والاركان يا خاتم الرسل المبارك وصفه ... صلى عليك منزل الفرقان وقالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبى صلى الله عليه وسلم ترثيه رضى الله عنها: ألا يا رسول الله كنت رجاؤنا ... وكنت بنابرا ولم تك جافيا وكنت رحيما هاديا ومعلما ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا لعمرك ما أبكى النبي لفقده ... ولكن لما أخشى من الهرج آتيا أفاطم صلى الله رب محمد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا بين يديه يقال هي شاته التي يذبحها وتشاءم به لما في اسمه من الذبح كأنه لما علم بمرضه صلى الله عليه وسلم وأراد المسير من محله الى المدينة نظر فاذا الطالع النجم المذكور فتشاءم به وعرف بذلك موته صلى الله عليه وسلم (اغبر) أى اسود (آفاق) جمع أفق وهي الناحية (وكورت) أظلمت وذهب ضوءها (شمس النهار) اضافتها اليه لانها لا ترى الا فيه (واظلم العصران) تثنية عصر وهو ما بين وقت الظهر الى غروب الشمس وانما ثنته لضرورة الشعر أو لان العرب تثنى الواحد في الشعر كقولهم خليلى وما أشبهه (كئيبة) بالهمز والموحدة حزينة وزنا ومعنى (أسفا) أي حزنا (الرجفان) بفتح الراء والجيم مصدر رجف يرجف أى كثيرة الزلزلة والحركة (مضر) بالصرف لضرورة الشعر لانها أرادت مضر المعروف (الطود) بفتح المهملة وسكون الواو وهو الجبل (المعظم) أى العظيم وأرادت به والله أعلم أبا قبيس أو حراء أو ثورا (جوه) أي ارتفاعه في الجو وهو اسم لما بين السماء والارض (المبارك) بالرفع (منزل الفرقان) أي القرآن الفارق بين الحلال والحرام وهذا من جملة أسماء القرآن المذكور فيه وجملتها ثلاثة وسبعون اسما كذا قاله بعض القراء منها الكتاب والفرقان والوحي والقرآن والتنزيل والروح والذكر والشفاء والهدى والموعظة والرحمة والبيان والتبيان والمهيمن والمبارك والحبل والعهد والصراط المستقيم والقيم والحكم والمبين والبشري والبصائر والبرهان والمصدق والعروة الوثقى (ليبك) بلام الأمر (من الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء آخره جيم أى من الفتن والاختلاط (افاطم) بالترخيم والميم مفتوح على أصله ويجوز ضمه كنظائره (جدث) بالجيم والمهملة والمثلثة أي قبر والاجداث القبور (ثاويا) بالمثلثة وألف الاطلاق أي ماكثا

فدى لرسول الله أمي وخالتي ... وعمى وآباي ونفسي وماليا صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليب العود أبلج صافيا فلو أن رب الناس أبقا نبينا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا عليك من الله السلام تحية ... وادخلت جنات من الله راضيا أرى حسنا أيتمته وتركته ... يبكي ويدعو جده اليوم نائيا وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم يبكيه: أرقت فبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلت ... عشية قيل قد قبض الرسول وأضحت أرضنا مما عراها ... يكاد بنا جوانبها تميل فقدنا الوحى والتنزيل فينا ... يروح به ويغدوا جبرئيل وذاك أحق ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كربت تسيل نبى كان يجلو الشك عنا ... بما يوحى اليه وما يقول ويهدينا فما يخشى ضلالا ... علينا والرسول لنا دليل (وماليا) فيه التفات الي الخطاب (صليب العود) أى منبض الجسم كالسيف الصلت أى المصلت من غمده والعود بضم العين يكنى به عن الجسم (أبلج) بفتح الهمزة واللام وسكون الموحدة آخره جيم أي مشرق (صافيا) أى لا يكدره سواد (السلام تحية) يجوز كسر ميم السلام فتكون صفة لله وتحية بالرفع ورفعه وتحية بالنصب على الحال ويجوز رفعهما أيضا على انها بدل من السلام (راضيا) نصب على الحال (يبكى) أى من رآه بكى (نائيا) أي بعيدا وهو نصب على الحال أيضا (ابن عم) بالرفع بدل من أبي سفيان ويكتب بالالف (أرقت) بالراء والقاف سهدت وزنا (أخى المصيبة) باضافة أخى الى المصيبة أى صاحب المصيبة (فيه طول) أي فيما يظهر للمصاب والا فهو علي هيئته لا تغيير لكن أوقات الشدائد تستطال لان الشخص يتمنى زوالها وكل ما تمني زواله ظهر طوله (وأسعدني البكاء) أي وافقنى ويقال فيه ساعدنى أيضا (عشية) منصوب على الظرف (قيل) مبنى للمفعول (عراها) بالمهملة وتخفيف الراء أى دهمها وغشيها ويقال اعتري أيضا (سالت) بالمهملة أي خرجت (أو كربت) بفتح الكاف وكسر الراء أى قربت ويقال كرب اذا قرب قربا بالغا ومنه سمى الكروبيون بتخفيف الراء سادات الملائكة لانهم مقربون (بما يوحى اليه وما يقول) أى الكتاب

أفاطم ان جزعت فذاك عذر ... وان لم تجزعي ذاك السبيل فقبر أبيك سيد كل قبر ... وفيه سيد الناس الرسول وقال بعضهم الجزع عند المصاب مذموم وتركه أحمد إلا على احمد صلى الله عليه وسلم وأنشد في هذا المعنى: فالصبر يحمد في المصائب كلها ... الا عليه فانه مذموم وقد كان يدعى لا بس الصبر حازما ... فاصبح يدعى حازما حين يجزع وقال حسان بن ثابت شاعر النبى صلى الله عليه وسلم يرثيه: ما بال عينك لا تنام كأنها ... كحلت أماقيها بكحل الأرمد جزعا على المهدي أصبح ثاويا ... يا خير من وطئ الحصى لا تبعد وجهي يقيك الترب لهفي ليتنى ... غيبت قبلك في بقيع الغرقد بأبى وأمي من شهدت وفاته ... في يوم الاثنين النبي المهتدي فظللت بعد وفاته متبلدا ... متلددا يا ليتنى لم أولدى أأقيم بعدك بالمدينة بينهم ... يا ليتنى صبحت سم الاسود اوحل امر الله فينا عاجلا ... في روحه من يومنا او في غد والسنة (فذاك) بكسر الكاف (ذاك السبيل) أي الطريق المرضية (لابس الصبر) أى متخذه سجية لازمه كملازمة لابس الثوب له (حازما) بالمهملة والزاي أى محتاطا لنفسه (حين يجزع) أي عليه صلى الله عليه وسلم (ما بال عينك) أي ما شأنها (أماقيها) بمد الهمزة وكسر القاف وسكون التحتية أي جفونها (بكحل الارمد) أى فاصابها الرمد بطريق العدوى (المهدي) بفتح الميم وكسر الدال وتشديد التحتية أى الموفق (ثاويا) بالفوقية أي هالكا وبالمثلثة أى مستقرا لا يبرح لموته (لا تبعد) بفتح الفوقية وضم العين (لهفي) أي يا لهفي قال في القاموس كلمة يتحسر بها على فائت ويقال يا لهفي عليك ويا لهف ويا لهفا أرضي وسمائي عليك ويا لهفاه ويا لهفياه (غيبت) بالمعجمة مبنى للمفعول (وبقيع) بالموحدة وهو مقبرة المدينة (الغرقد) بالمعجمة والقاف وهو ما عظم من العوسج كما مر اضيف اليه البقيع لانه كان كثيرا (بابي وأمى) أى أفدى (النبي) منصوب بأفدى المقدرة (فظللت) بكسر اللام (متبلدا) بالفوقية فالموحدة آخره مهملة والتبلد التحير والتلهف قاله في القاموس (متلددا) أي الوى لديدى عنقى وهما صفحتاه على هيئة الفاقد لالفه (صبحت) أى أتيت صباحا (سم الاسود) نوع من الحيات فيه سواد وهو أخبثها

فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا ... محضا ضرائبة كريم المحتد يابكر آمنة المبارك بكرها ... ولدته محصنة بسعد الاسعد لو يعلموا ان الوصى من بعده ... أوصى ونطفته قسيمة احمد نورا تتنقل من خلاصة هاشم ... إذا بايعوه هدوا لدين محمد نورا أضاء على المدينة كلها ... من يهد للنور المبارك يهتدي يا رب فاجمعنا معا ونبينا ... في جنة تثنى عيون الحسد في جنة الفردوس فاكتبها لنا ... يا ذا الجلال وذا العلى والسوددي يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيّب في سواء الملحد ضاقت بالانصار البلاد فأصبحت ... سودا وجوههم كلون الإثمد والله أسمع ما حييت بهالك ... الا بكيت على النبي محمد ولقد ولدناه وفينا قبره ... وفضول نعمته بنا لم تجحد والله أكرمنا به وهدى به ... أنصاره في كل ساعة مشهد صلى الاله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك أحمد (فتقوم ساعتنا) يعنى القيامة (فنلقي طيبا) يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعني ذلك لعلمه أنه لا سبيل الى لقائه الا يوم القيامة (محضا) باهمال الحاء واعجام الضاد أي خالصا (ضرائبة) جمع ضريبة قال في القاموس هي الطبيعة (كريم المحتد) أي الاصل كما مر (يابكر آمنة) بكسر الباء أي أول ولدها وكان هو الاول والآخر صلى الله عليه وسلم (المبارك بكرها) برفعهما (محصنة) أى عفيفة (نورا) منصوب على الحال (من يهد) بضم أوله مبني للمفعول أي من يرشد ويوفق (يهتدى) يسلك طريق الهدى (ونبينا) بالنصب (تثني عيون الحسد) أى يرجعها لعدم استطاعة النظر اليها لما يترتب عليه من الحزن كما هو شأن الحسود يحزنه سرور المحسود (ما حييت) أي عشت (في سواء) بفتح المهملة والمد (الملحد) بضم الميم وفتح الحاء أى في اللحد المستوى بالتراب (ضاقت بالانصار) بحذف الهمزة لضرورة الشعر (سودا) بضم السين وبالتنوين جمع اسود (كلون الاثمد) بكسر الهمزة والميم وسكون المثلثة وهو الكحل المعروف (ولقد ولدناه) أى لان أم جده عبد المطلب منا فافتخر بذلك فناهيك بهما فخرا (وفضول) بضم الفاء والمعجمة أي زوائدا (بنا) أي فينا (مشهد) محضر وزنا ومعنى (ومن يحف بعرشه) من ملائكته المقربين (والطيبون) يعني المؤمنين (أحمد) بالكسر لضرورة الشعر

فصل في ذكر اليوم الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم

[فصل في ذكر اليوم الذي توفّي فيه صلى الله عليه وسلمّ] (فصل) اتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين في ربيع الأول قيل لليلتين خلت منه ورجحه كثيرون وقيل لثنتى عشر ورجحه الاكثرون وذلك حين اشتد الضحى قيل في الساعة التي دخل فيها المدينة وقال ابن عباس رضي الله عنهما ولد نبيكم يوم الاثنين وخرج من مكة يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وكانت مدة مرضه اثنى عشر يوما وتوفي صلى الله عليه وسلم وقد بلغ من السن ثلاثا وستين سنة وقيل خمسا وستين وقيل ستين والأول أصح قيل ومن عجائب الاتفاقات في التاريخ انه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثا وستين سنة وأبو بكر وعمر وعلي مثله ونحر صلى الله عليه وسلم بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة وأعتق في عمره ثلاثا وستين رقبة وحين أرادوا غسله سمعوا قائلا يقول غسلوه في ثيابه فغسلوه في قميصه وكانوا يرون القائل لهم الخضر وعزاهم (فصل) في ذكر وقت وفاته (اتفقوا) يعنى الحفاظ أى أجمعوا (ورجحه كثيرون) منهم ابن الكلبي وأبو مخنف حكاه عنهما الطبري وقيل لثنتى عشرة (ورجحه الاكثرون) مع عدم امكانه للاجماع على أن تاسع عرفة تلك السنة كان الجمعة فآخره الجمعة أن ثم والا فالخميس وأول المجرم اما الجمعة واما السبت وأول صفر اما السبت واما الاحد واما الاثنيين وأول ربيع الاول اما الاحد واما الاثنين واما الثلاثاء واما الاربعاء وايما كان فلا يكون ثانى عشره الاثنين ثم رأيت السهيلي ذكر نحو ذلك ونقل عن الخوارزمي أنه توفي أول يوم منه قال وهو أقرب في القياس مما ذكره الطبرى عن ابن الكلبي وأبي مخنف (وكانت مدة مرضه) ثلاثة عشر يوما كما قاله الاكثرون وقيل أربعة عشر وقيل (اثني عشر) وقيل عشرة أيام (وقد بلغ من السن ثلاثا وستين سنة) تقدم الكلام عليه في أول الوفاة (مثله) برفع اللام ونصبها (وحين أرادوا غسله) قالوا والله ما ندري أيجرد من الثياب كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقي الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل الا وذقنه في صدره فكلمهم مكلم من ناحية البيت الذى هو فيه اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه (فغسلوه في قميصه) يصبون الماء فوق القميص ويد لكونه بالقميص دون أيديهم أخرجه أبو داود عن عائشة (الخضر) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين اسمه بليا بن ملكان على الصحيح كما سبق (وعراهم حينئذ) كما روى الحاكم في المستدرك عن أنس قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدقوا به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فخطى رقابهم فبكي ثم التفت الى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فقال ان في الله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت وخلفا من كل هالك فالى الله فانيبوا والى الله فارغبوا ونظره اليكم في البلاء فانظروا فانما المصاب من لم يجز فانصرف فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل قال أبو بكر وعلى نعم هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طرق

مطلب في ذكر من تولى غسله ودفنه وما كفن فيه

حينئذ فقال السلام عليكم يا أهل البيت ان في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فأرجوا فان المصاب من حرم الثواب* [مطلب في ذكر من تولى غسله ودفنه وما كفن فيه] وكان الذي تولى غسله صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه والعباس والفضل وقثم ابنا العباس وأسامة بن زيد وشقران مولياه وحضرهم أوس بن خولي الأنصاري ونفضه علىّ حين الغسل فلم يخرج منه شيء ولا تغيرت له رائحة على طول المكث وكان غسله من بئر لسعد بن خيثمة يقال لها بئر الغرس كلها صحاح (عزاء) بالنصب اسم ان والعزاء لغة الصبر (وخلفا) بالمعجمة والفاء أي عوضا (ودركا) أى ثوابا مدروكا (فثقوا) أمر من الوثوق (فان المصاب) حقيقة (من حرم الثواب) الموعود على المصائب بترك الصبر الجميل واتباع دواعي الجزع بترك الانقياد والاستسلام لأمر الله (فائدة) روى الحاكم في المستدرك أيضا باسناد صحيح عن جابر بن عبد الله قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عزتهم الملائكة يسمعون الحس ولا يرون الشخص فقالت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ان في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل فائت فبالله ثقوا واياه فارجوا فانما المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وفي الحديث الاول فضيلة لابي بكر وعلى رضى الله عنهما حيث عرفا الخضر دون غيرهما وفيه وفي الحديث الثاني ندب التعزية وذلك مجمع عليه فقد عزي النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل بابن له توفي كما رواه الحاكم في المستدرك بسند حسن غريب وأبو بكر بن مردويه عن معاذ وروي الترمذي عن أبى بردة من عزي ثكلى كسي بردا في الجنة وروي أيضا وابن ماجه عن ابن مسعود من عزى مصابا فله مثل أجره وصفة التعزية ومن ينبغي تعزيته وما يحصل به مستوفاة في كتب الفقه (وكان الذي تولي غسله على) كان غاسلا حقيقة وكذا الفضل بن عباس (و) أما (العباس) وكان واقفا ثم كما أخرجه ابن ماجه وغيره (وقثم) بضم القاف وفتح المثلثة كان ربما ناب عن الفضل (واسامة بن زيد) كان يناول الماء كما أخرجه أبو داود وابن ماجه (وشقران) بالمعجمة والقاف بوزن عثمان كان ربما ناب عن اسامة في المناولة (أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو ثم مهملة (ابن خولى) بفتح المعجمة وسكون الواو وكسر اللام وتشديد التحتية (ونفضه على) كما رواه ابن اسحاق وغيره والنفض بالفاء والمعجمة وهو اخراج ما في البطن قال المطرزي ويكنى به عن الاستنجاء (من بئر لسعد بن خيثمة) كما رواه أحمد عن على قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على اذا أنامت فاغسلني من بئر غرس بسبع قرب لم تحلل أو كيتهن (يقال لها بئر الغرس) بفتح المعجمة وسكون الراء آخره مهملة هذا هو الصواب ويقال بضم العين أيضا وهي بئر بقباء شامي مسجد الفضيح الذي يقال له اليوم مسجد الشمس ينزل الى مائها بدر حنين شامي وغربي وعندها دكة يغسل أهل المدينة موتاهم عليها تأسيا به صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يأتيها ويشرب منها ويتوضأ وقد صب ماء وضوئه فيها وبصق فيها أيضا كما رواه أحمد وغيره وأخرج ابن سعد عن عمران بن

وثبت في الصحيح أنه كفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة وكان في حنوطه المسك وخبأ منه علي شيء لنفسه وخرج ابن ماجه باسناد جيد عن ابن عباس انهم لما فرغوا من جهاز النبي صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وضع على سرير في بيته ثم دخل الناس ارسالا يصلون عليه حتى اذا فرغوا أدخلوا النساء حتى اذا فرغوا أدخلوا الصبيان ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وفي سبب ذلك أقوال لا تحقيق فيها الا ان مثل هذا لا يكون الا عن توفيق والله أعلم* واختلف أصحابه في قبره فقال قوم يدفنه في البقيع الحكم مرسلا نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة وماؤها أطيب المياه (وثبت في) الحديث (الصحيح) في البخاري ومسلم وسنن أبي داود وغيرهما (في ثلاثة أثواب) زاد أبو داود بحراسة الحلة ثوبان وقميصه الذي مات فيه ولابن سعد في الطبقات عن الشعبي ازار ورداء ولفافة (بيض) زاد البيهقي جدد (سحولية) بمهملتين أولاهما مضمومة وقيل مفتوحة كما هو الاشهر نسبة الى سحول بفتح السين وحكي ابن الاثير الضم أيضا قرية باليمن أو جمع سحل وهو الثوب الابيض النقى فيكون بالضم لا غير زاد في رواية في الصحيح من كرسف وهو بضم الكاف والمهملة بينهما راء ساكنة وهو القطن (ليس فيها) أي الثلاثة (قميص) ان قلت قد مر أن أبا داود قال وقميصه الذي مات فيه فالجواب انه حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لابن يزيد ابن أبى زياد أحد رواته مجمع على ضعفه سيما وقد خالف بروايته الثقاة قاله النووى رحمه الله وفي الحديث وجوب التكفين وهو اجماع وفيه ندب كون الكفن أبيض ففي الحديث الصحيح البسوا الثياب البيض فانها أظهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم رواه أحمد والترمذي والنسائى وابن ماجه والحاكم عن سمرة ومن القطن ويجوز غيره لكن في الحرير كما قال ابن المنذر وغيره يحرم للذكر كما قاله أصحابنا وفيه استحباب كون الاكفان ثلاثة للذكر وأن لا يزاد عليها كما قاله أصحابنا لظاهر قوله ليس فيها قميص ولا عمامة وتأول مالك وأبو حنفية الحديث على ان معناه ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة وانما هما زائدان عليها ولا يخفي ضعف هذا التأويل سيما ولم يثبت انه صلى الله عليه وسلم كفن في قميص ولا عمامة الا ما مضي من رواية أبى داود بما فيها (في حنوطه) بفتح المهملة وضم النون واهمال الطاء طيب مجموع قال الازهري يستعمل على الكافور والصندل الاحمر وذريرة القصب (المسك) بالضم اسم كان (وخبأ منه) بالمعجمة والموحدة والهمز أي سرا وانما فعل على ذلك تبركا (وخرج ابن ماجه) ومالك بلاغا (ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد) كما رواه البيهقي وغيره (وفي سبب ذلك أقوال) قال الشافعى لعظم تنافسهم في ان لا يتولى الامامة عليه أحد في الصلاة وقال غيره لعدم تعين امام يؤم القوم فلو تقدم واحد في الصلاة لصار مقدما في كل شيء وتعين للخلافة وقيل لعدم اتساع المكان للجماعة (قلت) أو لانه صلى الله عليه وسلم حي فجعلوا ذلك فرقا بين الصلاة على الحي والصلاة على الميت (عن توقيف) بتقديم القاف على الفاء أى بامر من الشارع صلى الله عليه وسلم بذلك ووصيته به وقد أخرج الوصية بذلك البزار من طريق قرة بن مسعود

وقال آخرون في المسجد وقال قوم يحبس حتى يحمل الى أبيه ابراهيم فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي الا حيث يموت أخرجه ابن ماجه ومالك في الموطأ وغيرهما واختلفوا هل يلحد له أم لا وكان بالمدينة حافران أحدهما يلحد وهو أبو طلحة والآخر لا يلحد وهو أبو عبيدة فأرسلوا اليهما وقالوا اللهم اختر لنبيك واتفقوا على ان من جاء منهما أولا عمل عمله فجاء أبو طلحة ثم روي عنه صلى الله عليه وسلم قال اللحد لنا والشق لغيرنا فحفر له صلى الله عليه وسلم حول فراشه في بيت منزل عائشة ودخل قبره علي والعباس وابناه الفضل وقثم وشقران قيل وأدخلوا معه عبد الرحمن بن عوف وقيل ان أوس ابن خولي الانصاري ناشد عليا بالله كما ناشده عند الغسل فادخله معهم وفرش شقران في القبر الكريم قطيفة قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها فدفنها معه وقال والله لا يلبسها أحد بعدك وكان المغيرة بن شعبة يزعم انه أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله وأخرجه الطبري أيضا (في المسجد) أي عند المنبر كما في رواية مالك (ما دفن نبى الا حيث يموت) فمن ثم دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها لانه مات فيها فائدة أخرج ابن سعد والبيهقى في الدلائل عن عائشة قالت رأيت في حجرتى ثلاثة أقمار فاتيت أبا بكر فقال ما أولها قلت أولها ولدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت أبو بكر حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خير أقمارك ذهب به ثم كان أبو بكر وعمر دفنا جميعا في بيتها (اللحد لنا والشق لغيرنا) رواه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس ورواه أحمد عن جرير وزاد من أهل الكتاب ففي الحديث تفضيل اللحد على الشق بشرطه وهو كون الارض صلبة واللحد بفتح اللام وضمها ان يحفر حائط القبر من أسفل مائلا عن استوائه قدر ما يوضع فيه الميت في جهة القبلة والشق بفتح الشين ان يحفر في وسط القبر كالنهر ويبني حافتاه بنحو لبن ويوضع الميت بينهما ويسقف عليه بنحو اللبن (ودخل قبره على والعباس وابناه الفضل وقثم وشقران) كما رواه ابن حبان وصححه أو على والفضل (وعبد الرحمن بن عوف واسامة) ونزل معهم خامس كما رواه أبو داود أو على والعباس واسامة كما في رواية للبيهقي أو على والفضل (وقثم) بن عباس (وشقران) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل معهم خامس كما في أخرى للبيهقى أيضا (وقيل ان أوس بن خولي الانصاري ناشد عليا بالله كما ناشده حين الغسل فادخله معهم) ولعله الرجل المبهم في الروايتين (وفرش شقران في القبر) الكريم (قطيفة) حمراء كما أخرجه الترمذى والنسائي عن ابن عباس إلا ذكران الذى فرش شقران فرواه الترمذي عن محمد بن على بن الحسين ومع ذلك فقد قال أصحابنا يكره ان يوضع تحت الميت نحو فراش وأجابوا عن هذا الحديث بان فعل شقران لم يكن بعلم الصحابة ولا برضاهم هذا وقد قال ابن عبد البر ان القطيفة أخرجت

فصل عن الدارمي في خبر الملائكة الذين حفوا بقبره صلى الله عليه وسلم

عليه وسلم وذلك انه أسقط خاتما من يده في القبر فنزل يلتمسه وأنكر علي رضي الله عنه ذلك وقال أحدث الناس عهدا به قثم بن العباس وأطبق عليه صلى الله عليه وسلم تسع لبنات ودفن صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وقيل ليلة الأربعاء وذلك في شهر إيلول روي ابن اسحاق وغيره مسندا عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل فقيل لم أخر دفنه صلى الله عليه وسلم وقد كان ينهى عن ذلك قيل لعدم اتفاقهم على موته فقد قال فريق منهم انما أخذه ما كان يأخذه حال الوحي وسيفيق وقيل لاختلافهم في موضع قبره كما سبق وقيل لانهم اشتغلوا بما وقع بين المهاجرين والانصار من الخلاف وخشوا تفاقم الأمر فنظروا فيها حتى اتسق الأمر وانتظم الشمل واستقرت الخلافة في نصابها فبايع أبا بكر بعضهم ثم بايعوه من الغد على ملأ منهم ورضاء وكشف الله الكربة وطفئت نار الخلاف وهذا ما استحضرته من الاخبار المتلقية بالقبول في الابانة عن موت الرسول صلى الله عليه وسلم ومعظمها من الصحاح وقد لفق بعض جهلة القصاص في ذلك أخبارا ركيكة قدر كراسة وجاء فيها بما يعلم ببديهة العقل وضعه والله أعلم. [فصل عن الدارمي في خبر الملائكة الذين حفوا بقبره صلى الله عليه وسلّم] (فصل) خرج الدارمي أن كعبا دخل على عائشة فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بقبر النبي صلى الله عليه وسلم يضربون باجنحتهم ويصلون عليه حتى اذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك حتى اذا انشقت الارض خرج في سبعين الفا من الملائكة يزفونه قبل اهالة التراب ولو سلم انها لم تخرج فهذا خاص به صلى الله عليه وسلم كما نقله الدار قطنى عن وكيع (اسقط) بفتح الهمزة والقاف (وأطبق عليه صلى الله عليه وسلم بتسع لبنات) كما نقله ابن عبد البر وغيره (ودفن يوم الثلاثاء) كما رواه مالك بلاغا (ايلول) بفتح الهمزة وسكون التحتية وضم اللام من أشهر الروم (المساحي) بفتح الميم جمع مسحاة بكسرها سميت بذلك لانها يمسح بها الارض قال الجوهرى ولا يكون الا من حديد أي فهي أخص من المجرفة لانها ربما كانت من غيره (تفاقم الأمر) بتقديم الفاء على القاف أي اشتداده وامتداده في الشر وعدم جريانه على الاستوى (اتسق الامر) أى اجتمع (الشمل) بفتح المعجمة ما يجتمع من الانسان ويتفرق (نصابها) أي محلها اللائق بها (عن ملأ) أي جماعة (الابانة) مصدرا بان يبين وهي نقيض الاخفاء (لفق) أي جمع شيئا الى شيء (القصاص) جمع قاص بالمد وتشديد المهملة المخبر بالقصص (فصل) (خرج الدارمي) اسمه عبد الله بن عبد الرحمن منسوب الى دارم جد قبيلة قال المجد ذكره في باب ما أكرم الله به نبيه بعد موته عن نيشة بن وهب (يحفوا) أى يحدقوا ويحيطوا

فصل في ميراثه صلى الله عليه وسلم وأمواله

وفيه ايضا ان اهل المدينة قحطوا قحطا شديدا فشكوا الى عائشة فقالت انظروا قبر النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوى الى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا فمطروا مطرا شديدا حتى نبت العشب واسمنت الابل حتى تفتقت من الشحم فسمى عام الفتق. [فصل في ميراثه صلى الله عليه وسلّم وأمواله] (فصل) في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت امواله من ثلاثة اوجه الصفي والهدية تهدي اليه في غير غزو وخمس خيبر وما افاء الله عليه بالمدينة وفدك روينا في صحيح البخاري عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا الا بغلته البيضاء وسلاحه وارضا جعلها صدقة ونحوه في صحيح مسلم عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء وفي المتفق عليه عنها ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان الى أبي بكر في ميراثهن فقالت عائشة أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا نورث (قحطوا) بضم القاف وفتحها كما مر في الاستسقاء (كوي) بضم الكاف وتخفيف الواو مع القصر والتنوين جمع كوة (العشب) بضم المهملة وسكون المعجمة الرطب من الكلأ (تفتقت) أي تكسرت عكنها بعضها على بعض من السمن. (فصل) في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصفي) بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتية اسم لمكان يصطفيه أي يختاره صلى الله عليه وسلم من الغنيمة قبل القسمة فعيل بمعنى المفعول (والهدية تهدى اليه في غير غزو) منها حوائط سبعة في بنى النضير أوصى له بها مخيريق اليهودي عند اسلامه ومنها ما أعطاه الانصار من أرضهم وهو ما لا يبلغه الماء (وخمس خيبر) وكذا ما افتتح منها عنوة (وما أفاء الله على رسوله بالمدينة) كارض بني النضير حين أجلاهم (و) كذلك نصف أرض (فدك) التي صالح أهلها عليها بعد فتح الجهة وكذا ثلث وادي القرى أخذها صلحا وكذا الوطيح والسلالم من حصون خيبر (وروينا في صحيح البخارى) وسنن النسائى (ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أى صهره وهو أخو ميمونة رضى الله عنها لم يخرج البخارى له سوى هذا الحديث قال ابن عبد البر وكانت وفاته بعد الخمسين قال الشمنى له ولابيه صحبة (ولا أمة) أخذ منه العلماء أخذ عتق المستولدة بموت المستولد وفي الحديث ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا والتقلل منها واجتبائه الفقر (ونحوه في صحيح مسلم) وسنن أبى داود والنسائى (وفي المتفق عليه عنها) كما أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والنسائي (لا نورث) بالنون يعنى نفسه

ما خلفناه صدقة وروينا في كتاب الشمائل لأبي عيسي الترمذي وغيره عن أبي هريرة قال جاءت فاطمة الى أبي بكر فقالت من يرثك فقال أهلي وولدي فقالت مالى لا أرث أبى فقال أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه وروينا في صحيح البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة وروينا فيه أيضا عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد الاشطر شعير في رف لى فأكلت منه حتى طال علىّ فكلته ففنى وروينا في الصحيحين عن عائشة قالت كانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة وسائر الانبياء بدليل رواية النسائي انا معاشر الانبياء لا نورث (ما تركنا) موصول وصلته مبتدأ أى الذي نتركه بعد موتنا فهو (صدقة) بالرفع خبر ما تركنا وصحفه بعض الشيعة ويؤخذ من قوله صدقة زوال الملك عنه وهو المشهور من وجهين حكاهما الامام وصوب في الروضة الجزم به وقيل ان ما تركه باق على ملكه لان الانبياء احياء وصححه الامام* فائدة الحكمة في ان الانبياء لا يورثون انهم خزان الله والخازن لا يملك الا قوتا وغيرهم مرتزقون فمن اعطي رزقا ملكه فاذا مات الخازن لم ترثه ورثته واذا مات المرتزق ورثوه لان المرتزق أعطى ليتصرف تصرف المالك لمنافع نفسه والخازن أعطى ليصرفه في نوائب الخلق فاذا مات لم تخلفه ورثته لعدم قيامهم مقامه الا أن يكون الذي خلفه نبي فهو أمين الله بعده ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم انما أنا خازن والله يعطي قاله الحكيم الترمذي ونقل النووي عن العلماء ان الحكمة في ذلك انه لا يؤمن أن يكون في الورثة من يتمنى موته فيهلك ولئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لوراثهم فيهلك الظان وينفر الناس عنهم (وروينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (لا تقسم ورثتى) هذا خبر لا نهى ففيه معجزة له صلى الله عليه وسلم (ما تركت بعد نفقة نسائى) قال الخطابى كان سفيان بن عيينة يقول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات لانهن لا يجوز لهن النكاح أبدا فجرت عليهن النفقة وتركت حجرهن لهن وذلك أيضا لعظم حقهن في بيت المال لفضلهن وقدم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين (ومؤنة عاملي) المراد به القائم على هذه الصدقات والناظر فيها وقيل المراد كل عامل للمسلمين من خليفة وغيره لانه عامل النبي صلى الله عليه وسلم والنائب عنه في أمته (وروينا في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وغيرهما (شطر شعير) قال الترمذي الاشى من شعير وقيل هو نصف مكوك وقيل نصف وسق وقيل شطر وشطير كنصف ونصيف (في رف) بفتح الراء وتشديد الفاء وهو شبه الطاق قاله في الصحاح (فكلته ففني) أى فرغ والحكمة في ذلك ستر السر النبوي وعدم بقاء معجزة محسوسة بعده صلى الله عليه وسلم سوى القرآن (وروينا في الصحيحين عن عائشة) ورواه عنها أيضا أبو داود والنسائي (كانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها) وذلك لان الحديث لم

فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به الاعملت به انى أخشى ان تركت شيئا من أمره ان أزيغ فأما صدقته فدفعها عمر الى علىّ والعباس وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما الى من ولىّ الأمر قال فهما على ذلك الى اليوم* وروينا فيهما أيضا من رواية مالك بن أوس بن الحدثان ان عليا والعباس استأذنا على عمر وعنده عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبى وقاص فقال العباس يا أمير المؤمنين اقضي بينى وبين هذا وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير فقال الرهط عثمان وأصحابه يا عمر اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر قال عمر تئدكم أنشدكم الله الذي باذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركناه صدقة يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال الرهط قد قال ذلك قال يبلغها أو بلغها وتأولته كما نقله عياض عن بعضهم قال وفي ذلك تركت فاطمة منازعة أبى بكر بعد احتجاجه بالحديث عليها التسليم للاجماع على القضية وانها لما بلغها الحديث وتبين لها التأويل تركت رأيها ثم لم يكن منها ولا من ذريتها بعد ذلك طلب وجاء في تتمة الحديث ان فاطمة هجرت أبا بكر فلم تكلمه حتى توفيت قال النووي المراد أنها لم تكلمه في هذا الامر أى لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت الى لقائه فتكلمه ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته (ان أزيغ) أى أميل عن الحق (قال فهما على ذلك الى اليوم) هذا من كلام الزهرى (ابن الحدثان) بفتح المهملتين (اقض بيني وبين هذا) زاد مسلم الكاذب ومعناه الكاذب ان لم ينصف قاله جماعة وقال المازري هذا اللفظ الذى وقع لا يليق ظاهره بالعباس وحاشي لعلي أن يكون فيه بعض هذه الاوصاف ولسنا نقطع بالعصمة الا للنبى صلى الله عليه وسلم أى لجميع الانبياء اسكنا مأمورون بحسن الظن بالصحابة ونفي كل رذيلة عنهم قال وقد حمل هذا بعض الناس على ان أزال هذا اللفظ من نسخته تورعا ولعله حمل الوهم على رواته قال واذا كان لا بد من أتيانه فاجود ما حمل عليه انه صدر من العباس على وجه الادلال على ابن أخيه لانه بمنزلة أبيه (تئدكم) بفتح التاء الفوقية وكسر التحتية المهموزة وفتح الدال من التؤدة وهي الرفق وللاصيلي في صحيح البخاري بكسر أوله وضم الدال اسم فعل كرويد أي على رسلكم ولمسلم إتئدا بكسر الهمزة والتحتية وفتح الفوقية أى أصبر أو امهل (هل يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الى آخره) هذا تقرير من عمر عليهما انهما يعلمان ذلك كغيرهما من الحاضرين وأن ذلك حديث مشهور سمعه منه صلى الله عليه وسلم كثيرون من الصحابة وانما سألا ذلك ومع علمهما بالحديث لما سيأتي انهما انما طلبا القيام عليه لا الارث الذي منعه الشارع صلى الله عليه وسلم

عمر فانى أحدثكم عن هذا الأمر ان الله خص رسوله من هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره ثم قرأ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ الى قوله قَدِيرٌ فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما اختارها دونكم ولا استأثرها عليكم قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقى منها هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقى فيجعله مجعل مال الله فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حياته أنشدكم الله هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم قال لعلي والعباس أنشدكما الله هل تعلمان ذلك قال عمر ثم توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أنا ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم انه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفي ابو بكر فكنت انا ولى ابو بكر فقبضتها سنتين من امارتى أعمل فيها بما عمل رسول الله وبما عمل فيها ابو بكر والله يعلم اني لصادق بارّ راشد تابع للحق ثم جئتمانى تكلمانى وكلمتكما واحدة وامركما واحد جئتني يا عباس تسئلنى نصيبك من ابن أخيك وجاءنى هذا يعنى عليا يريد نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال معاشر الأنبياء لا نورث ما خلفناه صدقة فلما بدالى ان أدفعه اليكما قلت ان شئتما دفعتها اليكما ان عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها ابو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها فقلتما ادفعها (والله ما أختارها) بمهملة وزاي وللكشميهنى في صحيح البخارى بمعجمة وراء (وبثها) بالموحدة فالمثلثة أى نشرها ثم قرأ (ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ الآية) قال عياض في معنى ذلك احتمالان أحدهما تحليل الغنيمة له ولامته الثاني تخصيصه بالفيء كله أو بعضه حسب اختلاف العلماء قال وهذا الثاني أظهر لاستشهاد عمر عليه بالآية (فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أى خاصة له (ينفق على أهله نفقة سنتهم) أي يعدل لهم نفقتها ثم نفقته قبل انقضاء السنة في وجوه الخير ولا يتم السنة فمن ثم توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة في شعير استدانه لاهله قال البغوي وفيه جواز ادخار قوت سنة وجواز الادخار للعيال وان هذا لا يقدح في التوكل (مجعل مال الله) ولمسلم في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله والكراع بضم الكاف الخيل (فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم فرأيتماه كاذبا غادرا خائنا وكذلك في عمر فرأيتماني كاذبا غادرا خائنا قال المازري المراد أنكما تعتقدان ان الواجب أن يفعل في هذه القصة خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر فنحن على مقتضى رأيكما لو أتينا ما أتينا ونحن معتقدان ما تعتقدانه لكنا بهذه الاوصاف أو نكون معناه ان الامام انما يخالف اذا كان على هذه الاوصاف ومتهم في قضاياه فكأن مخالفتكما لنا تشعر من رأها أنكما تعتقدان ذلك فينا (بدالي) بغير همز أى ظهر (عهد الله وميثاقه) بفتحهما (وليتهما) بفتح الواو وتخفيف

فصل في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم

الينا فبذلك دفعتها اليكما فأنشدكم بالله هل دفعتها اليهما بذلك فقال الرهط نعم ثم أقبل على علي والعباس فقال أنشدكما بالله هل دفعتها اليكما بذلك قالا نعم قال افتلتمسان مني قضاء غير ذلك فو الله الذي باذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك فان عجزتما عنها فادفعاها الى فانى أكفيكماها هذا لفظ البخاري فيها* فائدة قال ابو داود ما معناه انما سئل العباس وعلي من عمر ان يصيره بينهما نصفان وينفرد كل بنصيبه لأنهما جهلا الحكم فكره عمر أن يجري عليهما اسم القسم فيتوهم الملك قال الخطابى وما أحسن ما قاله ابو داود في هذا وما تأوله وقد زاد البرقانى من طريق معمر قال فغلب علي عليها فكانت بيده ثم بيد ابنه الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم الحسن بن الحسين ثم زيد بن الحسن قال معمر ثم بيد عبد الله بن الحسن ثم وليها بنو العباس والله أعلم. [فصل في رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم في النوم] (فصل) في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم روينا في صحيح البخاري ومسلم عن أبى هريرة قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول من رآنى في المنام فسيرانى في اليقظة اللام (وينفرد كل بنصيبه) يتفقان بها على حسب ما ينفعهما به الامام (لا أنهما جهلا الحكم) وهو كونه صلى الله عليه وسلم لا يورث (فكره عمر أن يجرى عليها اسم القسم فيتوهم الملك) أرى مع تطاول الزمان وأنهما ورثاه وقسمه الميراث بين البنت والعم نصفان فيلتبس ذلك ويظن أنه ملك بالارث قال أبو داود ولما صارت الخلافة لعلي لم يغيرها عن كونها صدقة وبنحو هذا احتج السفاح فانه لما خطب أول خطبة قام بها قام اليه رجل معلق في عنقه المصحف فقال أنا شدك الله ألا ما حكمت بيني وبين خصمي بهذا المصحف فقال من هو خصمك فقال أبو بكر في منعه فدك قال أظلمك قال نعم قال فمن بعده قال عمر قال أظلمك قال نعم وقال في عثمان كذلك قال فعلي ظلمك فسكت الرجل فاغلظ له السفاح (البرقاني) بضم الموحدة وسكون الراء ثم قاف (ثم على بن الحسين) زين العابدين (ثم الحسن) المثني (بن الحسن) بن على (ثم زيد بن الحسن) المثني (ثم بيد عبد الله بن الحسن) المثنى (فصل) في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم (روينا في صحيح البخاري ومسلم) وسنن أبى داود (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) بفتح القاف قيل والمراد بهذا الحديث أهل عصره والمعنى من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفق للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة عيانا وقيل معناه انه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وقيل معناه سيراني في الدار الآخرة أى رؤية خاصة من القرب منه وحصول شفاعته وبحق ذلك مما يمتاز به عن رؤية جميع أمته له يومئذ ذكر هذه الاقوال النووي قال في الديباج وحمله ابن أبي جمرة وطائفة على انه يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه وأن ذلك كرامة من كرامات الاولياء ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم مناما ثم رأوه بعد ذلك يقظة وسألوه عن أشياء كانو منها متخوفين فأرشدهم الى طريق تفريجها قال والحديث عام في أهل التوفيق وأما

أو كأنما رآنى في اليقظة لا يتمثل الشيطان بي وفي صحيح البخاري عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من رآنى في المنام فقد رآني فان الشيطان لا يتمثل بى ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وفيه أيضا عن ابى سعيد الخدرى انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من رآنى فقد رأى الحق فان الشيطان لا يتكونني وروينا في صحيح غيرهم فعلى الاحتمال فان خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الاملاء والاغواء كما تقع للصديق بطريق الكرامة والاكرام وانما تحصل التفرقة بينهما بالاتباع انتهي واستشكل الحافظ ابن حجر ما قاله ابن أبي جمرة بانه يلزم من ذلك كون هؤلاء صحابة وتبقى الصحابة الى يوم القيامة وان جمعا ممن رآه في المنام لم يروه في اليقظة وخبره لا يتخلف انتهى وأجيب عن الاول بمنع الملازمة اذ شرط الصحبة رؤيته صلى الله عليه وسلم وهو في عالم الدنيا لا في عالم البرزخ وعن الثانى بان الظاهر ان من لم يبلغ درجة الكرامة ومات من المؤمنين تحصل له رؤيته قرب موته عند طلوع روحه فلا يتخلف الحديث وقد وقع ذلك لجماعة قال في الديباج أما أصل رؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة فقد نص على امكانها ووقوعها جماعة من الائمة منهم حجة الاسلام الغزالي والقاضى أبو بكر بن العربى والشيخ عز الدين بن عبد السلام وابن أبي جمرة وابن الحاج واليافعي في آخرين (أو كانما رآني في اليقظة) أى للعلة الذى ذكرها وهو أن الشيطان لا يتمثل أى لا يتشبه به والمعني أن رؤيته صلى الله عليه وسلم حق قطعا ثم قال عياض ان هذا خاص برؤياه في صورته التى كان عليها والا كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة وضعفه النووي وقال بل الصحيح انه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري انتهي وأيده الحافظ ابن حجر بما أخرجه ابن أبى عاصم بسند ضعيف عن أبي هريرة مرفوعا من رآنى في المنام فقد رآني فانى في كل صورة قلت فلعله يحال ما رأي فيه صلى الله عليه وسلم من خلاف صفته على ضبط النائم وعدم تكيفه كما ذكروه فيما لو رآه يأمر عن منهي أو ينهى عن مأمور في شريعته وربما كانت رؤياه له بحسب ثباته في دينه فمن كان ذادين كامل واتباع وافر رآه في صورته المعروفة بعين القلب السالمة من عوارض الغشاء ونحوه والا كانت رؤيته له بحسب ضعف نظره (فائدة) قال عياض اتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى مناما وصحتها وان رآه على صفة لا تليق بجلاله من صفات الاجسام لان ذلك المريء غير ذات الله تعالى اذ لا يجوز عليه التجسيم ولا اختلاف الاحوال وقال ابن الباقلاني رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلوب وهي دلالات للرائى على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات (ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزأ من النبوة) سبق الكلام عليه في بدأ الوحي (وفيه أيضا) أي في صحيح البخارى (عن أبي سعيد) وفي رواية له أخري عن أبي قتادة وقد رواه عن أبي قتادة أيضا أحمد والترمذى (فان الشيطان لا يتكونني) لا يكون على هيئتي وشكلى قال النووي قال بعض العلماء خص الله سبحانه النبى صلى الله عليه وسلم بان رؤيا الناس إياه صحيحة وكلها صدق ومنع الشيطان ان يتصور في خلقه لئلا يتدرع بالكذب على لسانه في النوم كما خرق الله تعالى العادة للانبياء بالمعجزة دليلا على صحة حالهم وكما استحال تصور الشيطان في صورته في اليقظة اذ لو وقع لاشتبه الحق بالباطل ولم يوثق

مسلم عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رآنى في المنام فقد رآنى فانه لا ينبغى للشيطان ان يتمثل في صورتى وقال اذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام قال ابن الباقلانى معنى هذه الاحاديث ان رؤياه صلى الله عليه وسلم صحيحة ليست باضغاث بما جاء من جهة النبوة مخافة من هذا التصور فحماها الله من الشيطان ونزغه ووسوسته والقائه وكيده على الانبياء وكذا حمى رؤياهم أنفسهم ورؤيا غير النبي للشيء عن تمثل الشيطان بذلك لتصح رؤياه في الوجهين ويكون طريقا الى علم صحيح لا ريب فيه (وقال اذا حلم أحدكم الى آخره) رواه مسلم وابن ماجه عن جابر وحلم بفتح المهملة واللام والميم أي رأي رؤيا مكروهة (فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام) في رواية أخرى للشيخين وأبى داود والترمذي عن أبي قتادة الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فاذا رأي أحدكم شيأ يكرهه فلينفث حين يستيقظ عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شرها زاد في رواية وليصل ركعتين فانها لا تضره ولمسلم عن أبي قتادة أيضا الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأي رؤيا فكره منها شيأ فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فانها لا تضره ولا يحدث بها أحدا فان رأي حسنة فليسر ولا يحدث بها الا من يحب ففي مجموع هذه الاحاديث سنن ينبغي أن يعمل بها كلها فاذا رأي ما يكره نفث عن يساره ثلاثا قائلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شرها وليتحول الى جنبه الآخر وليصل ركعتين قال النووي فان اقتصر على بعضها أجزاه في دفع ضررها باذن الله كما صرحت به الاحاديث الصحيحة ولا يحدث بها أحدا لانه ربما عبرها عبرا مكروها على ظاهر صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله تعالى وأما قوله في الرؤيا الحسنة ولا يخبر بها الا من يحب فسببه كما قال النووى وغيره انه اذا أخبر بها من لا يحب قد يحمله البغض والحسد على عبرها بمكروه فقد يقع كذلك والا فيحصل له النكد والحزن من سوء عبرها (فائدة) قال الامام المازري مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا ان الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة فاذا خلق هذه الاعتقادات فكانه جعلها علما على أمور اخر فحققها في ثاني الحال لو كان قد خلقها فاذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فاكثر ما فيه انه اعتقد أمرا على خلاف ما هو فيه فيكون ذلك الاعتقاد علما على غيره كما خلق الله تعالى الغيم علما علي المطر والجميع خلق الله تعالي ولكن خلق الرؤيا التى جعلها علما علي غير ما يسر بغير حضرة الشيطان وما هو علم على ما تضر بحضرته فنسبت الى الشيطان مجازا لحضوره عندها وان كان لا فعل له حقيقة انتهي قال النووى وقال غير المازري أضاف الرؤيا المختارة الى الله تشريفا بخلاف المكروهة وان كانتا جميعا من خلق الله تعالي وتدبيره وارادته ولا فعل للشيطان فيها انتهى وروى الطبراني في الكبير والضياء عن عبادة بن الصامت مرفوعا رؤيا المؤمن كلام يكلم به العبد ربه في المنام ورواه في نوادر الاصول عن عبادة أيضا لكن بسند ضعيف (قال ابن الباقلانى) كما نقله عنه النووى في شرح

أحلام ولا من تشبهات الشيطان وقيل المراد ان من رآه فقد ادركه حقيقة فلا مانع يمنع من ذلك والعقل لا يحيله فيضطر الى صرفه عن ظاهره قالوا وقد نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلاف صفته أو في مكانين معا وذلك غلط في صفاته وتخيل لها على خلاف ما هي عليه فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية فالادراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة ولا كون المرئي مدفونا في الأرض ولا ظاهرا عليها وانما يشترط كونه موجودا ولا يقيم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الأحاديث الصحيحة ما يقتضي بقاءه مع جميع الأنبياء وورد أيضا أنهم يصلون في قبورهم وتجري لهم أعمال البر كحياتهم وزاد أيضا أن سعيد بن المسيب في أيام الحرة حين هجر المسجد النبوي كان لا يعرف وقت الصلاة الا بهمهمة كان يسمعها من داخل الحجرة المقدسة ولا يبعد أن يكون ذلك خاصا لهم ولمن شاء الله من خواص عباده والله أعلم* قال العلماء ولو رأى صلى الله عليه وسلم يأمر أو ينهى بخلاف ما تقرر في شرعه ورواه عنه الاثبات الثقات يقظة لم يعمل به وليس ذلك لشك في الرؤيا وانما هو لانحطاط درجة النائم عن حالة الضبط والتيقظ المشترط في رواية الحديث والله أعلم مسلم (ولا من تشبيهات الشيطان) لقوله فقد رأي الحق أى الرؤية الحقيقية قال وان كان قد يراه الرائى بخلاف صفته المعروفة كما يراه أبيض اللحية وقد يراه الشخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ويراه كل واحد منهما في مكانه (وقيل المراد من رآه الى آخره) نقل ذلك الماذرى عن جماعة (والعقل لا يحيله) أي لا يجعله مستحيلا لا يتصور (فيضطر) بالنصب جواب النفي (تحديق الابصار) أي النظر بالحدقتين (بل جاء في الاحاديث الصحيحة ما يقتضي بقاء من جميع الانبياء) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أوس بن أوس ولفظهم ان من أفضل أيامكم يوم الجمعة فاكثروا علي من الصلاة فان صلاتكم معروضة على قالوا كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يقولون بليت قال ان الله حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء (وورد انهم يصلون في قبورهم) رواه أبو يعلى عن أنس (وورد أيضا ان سعيد بن المسيب في أيام الحرة الى آخره) ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (بهمهمة) أى صوت (ان يكون ذلك خاصا لهم) مستثني من عموم حديث اذا مات العبد انقطع عمله (ولمن شاء الله من خواص عباده) كرامة لهم فقد حكى ان بعض أهل الكشف اطلع على الشيخ الولى الكبير محمد بن أبي بكر الحكمي أحد العشرة المشار اليهم في رؤيا الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي وهو يصلى في

الباب الخامس في ذكر بنيه صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأعمامه وعماته إلى آخره

[الباب الخامس في ذكر بنيه صلى الله عليه وسلّم وأزواجه وأعمامه وعمّاته إلى آخره] (الباب الخامس) في ذكر بنيه صلى الله عليه وسلم وبناته وازواجه وأعمامه وعماته ومرضعاته وأخواته من الرضاعة واخوته وذكر مواليه وخدمه من الاحرار ومن كان يحرسه ورسله الى الملوك وكتّابه ورفقائه العشرة النجباء وأصحابه النقباء وأهل الفتوى في حياته: وفيه فصول حسبما تضمن من التراجم. [فصل في ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم] (الفصل الاول في ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم) وكان له من الولد القاسم وبه كان يكنى وعبد الله وهو الطيب والطاهر وقيل اسمه الطيب فقط والطاهر آخر وابراهيم والبنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وهلك البنون قبل النبوة الا ابراهيم وماتوا وهم يرضعون وقيل بلغ القاسم ان يركب على الدابة ويسير على النجيبة. وأما البنات فأدركن الاسلام وهاجرن وتوفين بالمدينة وأكبر بنيه صلى الله عليه وسلم القاسم ثم الطيب ثم الطاهر ثم ابراهيم وأكبر بناته زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة وفيه خلاف واسع والله أعلم وكل أولاده من خديجة الا ابراهيم فانه من مستولدته مارية القبطية وكلهم مات قبله الا فاطمة فانها عاشت بعده ستة أشهر لم تفتر فيها ضاحكة وكانت زينب تحت أبى العاص بن الربيع العبشمي وهو ابن خالتها وفرق الاسلام بينهما فلما أسلم أبو العاص ردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول وهذا موضع تنازع بين العلماء في كيفية رده صلى الله عليه وسلم لزينب على أبى العاص بن الربيع لان تلاحقهما قبره فقال له الى الآن تصلى فقال أو قد آمنت* الباب الخامس- (وذكر مواليه) بالكسر (ورسله) بالكسر أيضا فيه وفيما بعده* ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم (كان له من الولد الى آخره) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أولاد ذكور أربعة من خديجة عبد الله وهو أكبرهم والطاهر وقيل هو عبد الله فهم ثلاثة والطيب والقاسم وابراهيم من مارية وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع بنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة أخرجه رزين (وتوفين بالمدينة) ودفن كلهن بالبقيع كما مر (وأكبر بنيه القاسم) هذا خلاف ما أخرجه رزين عن ابن عباس انه عبد الله (الا ابراهيم) بالنصب (لم تفتر) بالفاء وتشديد الراء أى لم تتبسم (وهو ابن خالتها) هالة بنت خويلد (العبشمى) نسبة الى بني عبد شمس كما مر (لان تلاحقهما

في الاسلام كان بعد انقضاء العدة وزمن طويل قدر ست سنين والصحيح انه ردها عليه بنكاح جديد وتأولوا الحديث الوارد في ردها عليه بالنكاح الأول ان معناه على مثله والله أعلم وولدت زينب من أبى العاص أمامة وعلى وكان علىّ بن أبى طالب تزوج أمامة بعد موت خالتها فاطمة وكانت رقية وأم كلثوم تحت عتبة وعتيبة ابني أبى لهب فطلقاهما في خبر يطول ذكره وتزوجهما عثمان واحدة بعد واحدة وماتا عنده وتزوج البتول فاطمة الوصى على ابن أبى طالب رضى الله عنهما فنشر منهما الخير الكثير ولا يعلم للنبى ذرية الا من جهتهما وقد ذكرت أولادهم وتنزيل بطونهم في كتابى الرياض المستطابة في جملة من روي في الصحيحين من الصحابة. في الاسلام (كان بعد انقضاء العدة) والنكاح ينفسخ بانقضائها أى يتبين به الانفساخ من يوم اختلاف الدين قال ابن شهاب لم يبلغنا ان امرأة هاجرت الى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر الا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها الا ان يقدم زوجها مهاجرا قبل ان تنقضى عدتها وانه لم يبلغنا ان امرأة فرق بينها وبين زوجها اذا قدم وهي في عدتها (والصحيح انه ردها عليه بنكاح جديد) قال المحققون لا حاجة الى هذا التأويل لان النكاح يومئذ لم يكن موقوفا على انقضاء العدة لان هذا الحكم انما شرع بانه تحريم المسلمات على المشركين بعد صلح الحديبية فلما نزلت الآية توقف نكاح زينب على انقضاء عدتها من حين نزول الآية فلم يلبث أبو العاص بعد ذلك الايسيرا حتى جاء مسلما قبل انقضاء العدة من حين نزول الآية وان كان بين اسلامها وهجرتها ست سنين (امامة) بضم الهمزة وهي التي كان يحملها صلى الله عليه وسلم في الصلاة (وعليا) وهو الذي مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه ونفسه تقعقع كأنها في شنة (وكان على بن أبي طالب تزوج امامة بعد موت خالتها فاطمة) بوصية من فاطمة رضى الله عنها وتزوجت بعد على المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بوصيته من على (عتبة) بضم المهملة وسكون الفوقية ثم موحدة (وعتيبة) بالفوقية والموحدة مصغر واختلف في الذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم ان يسلط الله عليه كلبا من كلابه هل هو عتبة أو عتيبة والمشهور انه عتيبة وأما عتبة فاسلم هو وأخوه معتب يوم الفتح ولم يهاجرا من مكة وعلى الاول بنى عياض كلامه في الشفاء (البتول) بفتح الموحدة وضم الفوقية سميت بذلك لتبتلها وانقطاعها عن النساء بالفضيلة وتسمى الزهراء أيضا وسبب تسميتها بذلك انها لم تحض أخرجه الغساني والخطابي بلفظ ابنتى فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث (فنشر) بالنون والمعجمة (منهما الخير الكثير) كان أولاد على من فاطمة ثلاثة ذكور حسن وحسين ومحسن وبنتين زينب وأم كلثوم وكلهم أعقبوا ما عدا محسنا وكانت زينب تحت عبد الله بن جعفر وأم كلثوم زوجها على من عمر رضى الله عنهما كما أخرجه رزين عن ابن عباس وأمهرها عمر أربعين ألف دينار وذكر ابن المعلى ان عمر

فصل في ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم

[فصل في ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم] (فصل) في ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم وقد تقدم ذكر كثير منهم متفرقا في حوادث السنين ونذكرهم هنا جملة وبالله التوفيق* أولهن وأولاهن بالذكر خديجة بنت خويلد الأسدية وأمها فاطمة بنت زائدة العامرية تزوجها وهي بكر عتيق بن عايذ المخزومى فولدت له جارية ثم هلك عنها فتزوجها بعده أبو هالة النباش ابن زرارة التميمى فولدت له ابنا وبنتا ثم هلك عنها فتزوجها بعده رسول الله صلى الله عليه وسلم وماتت عنده في التاريخ المتقدم ولم يتزوج عليها حتى ماتت ومذهب المحققين انها أفضل من عائشة وان فاطمة أفضل من الجميع* ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعدها سودة بنت زمعة العامرية وكانت قبله تحت السكران بن عمر والغامري أخى سهيل بن عمرو وانفردت بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد موت خطبها الى على فقال هي صغيرة فقال عمر أريدها فارسل اليه بها وقال قد زوجته ان قبل فلما أقبلت اليه رفع طرف ثوبها فقالت أرسل الثوب فلولا انك أمير المؤمنين للطمت وجهك قال وكانت وفاتها هى وابنها زيد بن عمر في يوم واحد وكانت ولادتها في حياته صلى الله عليه وسلم (تنبيه) في تزويج سيدنا عمر اياها مع كونها صغيرة اشكال من حيث ان الاب لا يزوج الصغيرة جبرا الا بكفوء وسيدنا عمر وان كان أفضل منها بل ومن أبيها فليس كفؤ لها من حيث النسب والجواب انهما كانا يريان صحة النكاح ثم تخير بعد البلوغ كما ذهب اليه كثير من العلماء وهي لما بلغت لم تخير الفسخ أو كانا يريان صحة التزويج مطلقا بحسب اجتهادهما (فصل) في ذكر أزواجه (بنت زائدة) بالزاي والتحتية (عتيق بن عايذ) بالتحتية والمعجمة بن عمران بن مخزوم (المخزومي) أخو عمرو بن عائذ أبي فاطمة أم عبد الله والد النبى صلى الله عليه وسلم (فولدت له جارية) اسمها هند قاله الزبير بن بكار وولدت له ذكرا يسمي عبد مناف بن عتيق قاله ابن أبي خيثمة (أبو هالة) قال السهيلى اسمه هند بن زرارة بن النباش ولقبه النباش بالنون والموحدة المشددة والشين المعجمة أيضا (النباش) اسمه هند قال السهيلي مات بالطاعون طاعون البصرة وقد مات ذلك اليوم نحو من سبعين ألفا فشغل الناس بجنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها فصاحت نادبته واهبل بن هنداه واربيب رسول الله فلم يبق جنازة الا تركت وحملت جنازته على أطراف الاصابع ذكره الدولابي (و) ولدت له أيضا بنتا قال السهيلي اسمها هالة وولدت له أيضا ابنا آخر اسمه الطاهر لم يذكره المصنف (ومذهب المحققين انها أفضل من عائشة) استدل له أبو بكر بن أبي داود بان خديجة جاءها السلام من ربها وعائشة من جبريل (وأن فاطمة أفضل من الجميع) لحديث فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبنى رواه البخاري عن المسور وروى أحمد والحاكم عنه فاطمة بضعة منى يقبضنى ما يقبضها وينشطني ما ينشطها وأن الانساب تنقطع يوم القيامة غير نسبى ونسبتى وصهرى وقد مر حديث أما ترضين أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة (سودة بنت زمعه) بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نضر بن مالك بن حسان ابن عامر بن لوئ (السكران) بفتح المهملة وسكون الكاف وهو أحد الذين ماتوا على القبلة الاولى بمكة كما

خديجة ثلاثة أعوام ولما أحست ان النبي صلى الله عليه وسلم رغب عنها وأراد طلاقها وهبت نوبتها من القسم لعائشة تبتغي بذلك مرضات رسول الله صلى الله عليه وسلم والبقاء في عصمة نكاحه فكانت احدى التسع التى مات عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت في خلافة عمر وقيل ماتت سنة خمس وخمسين وهو الصحيح* وتزوج صلى الله عليه وسلم أم عبد الله عائشة بنت أبى بكر التيمية وكان عقد بها قبل الهجرة وهى بنت ست سنين وقيل سبع ودخل بها المدينة وهى ابنة تسع سنين ودفع أبو بكر في صداقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة أوقية ونشا وتوفي صلى الله عليه وسلم عنها وهى ابنة ثمانية عشرة سنة وكانت أحظى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده ولم يتزوج بكرا غيرها وعنها قالت تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتني أمى فأدخلتني الدار فاذا نسوة من الانصار في البيت فقلن لى على الخير والبركة وعلى خير طائر فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى رواه البخاري توفيت بالمدينة سبق (وهبت نوبتها) كما رواه الشيخان وغيرهما (من القسم) بفتح القاف وسكون المهملة مصدر (لعائشة) زاد المحب الطبري وقالت لا رغبة لى في الرجال وانما أريد أن أحشر في أزواجك (تبتغي بذلك مرضات رسول الله صلى الله عليه وسلم) فكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة (وهي بنت ست سنين وقيل بنت سبع) هما روايتان في الحديث والاولى أكثر قال النووي الجمع بينهما انه كان لها ست وكسر فاقتصرت في رواية على الست وعدت الكسر في الاخرى وفي الحديث جواز تزويج الاب الصغيرة بشرطه والجد كالاب عندنا (وهي بنت تسع) أخذ أحمد وأبو عبيد بظاهره فقالا يجبر الولى علي تسليم بنت تسع سنين دون من دونها وذلك عندنا كمالك وأبي حنيفة منوط باقامة الجماع وذلك مختلف باختلاف النساء ولا ينضبط بسن قال الداوودي وكانت عائشة يومئذ قد شبت شبابا حسنا (اثنتى عشر أوقية ونشا) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عن عائشة وفيه أنها قالت للسائل أتدرى ما النش قال قلت لا قالت نصف أوقية وهو بفتح النون وتشديد المعجمة ومقدار ذلك خمسمائة درهم لان الاوقية اربعون درهم قال العلماء يستحب أن لا يزاد علي هذا القدر وأن لا ينقص من عشرة دراهم وما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا عندنا لما روى الطبراني ولو قضيبا من اراك وقدره أبو ثور وأبو حنيفة ومالك بنصاب السرقة وهو عند أبي ثور خمسة وعند أبي حنيفة عشرة وعند مالك ثلاثة (احظى) باهمال الحاء واعجام الظاء أى أرفع منزلة (فاتتني أمى) أم رومان زاد في رواية في الصحيح واني لفي أرجوحة ومعى صواحب لى فاتيتها لا أدري ما تريد مني فاخذت بيدى فأوقفتنى علي باب الدار (فاذا نسوة من الانصار في البيت فقلن علي الخير والبركة وعلى خير طائر) فأسلمتنى اليهن فأصلحن من شأنى (فلم يرعنى الا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحي) فأسلمتنى اليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين (رواه البخارى) ومسلم وأبو داود والنسائي وفي هذا الحديث ندب الدخول

سنة ثمان وخمسين عن خمس وستين سنة ودفنت في البقيع ليلا وصلى عليها أبو هريرة قيل انها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا ولا يصح ذلك وانما كناها النبي صلى الله عليه وسلم بابن أختها عبد الله بن الزبير كما رواه أبو داود وكانت قد تبنته ودعاها أما والله أعلم* وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمى البدري توفي عنها بالمدينة وقد سبق ان النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فأمره جبريل بمراجعتها توفيت سنة خمس وأربعين وقيل توفيت حين بويع لمعاوية وذلك سنة احدى وأربعين وصلى عليها مروان ونزل في قبرها أخواها عبد الله وعاصم وابن أخيها سالم* وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة رملة بنت ابى سفيان الاموية وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش الاسدي وهاجرت معه الى الحبشة وتنصر هناك وأتم لها الله هجرتها وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بأرض الحبشة وأصدقها عنه النجاشى قيل كان المتولى نكاحها عثمان بن عفان وقيل خالد بن سعيد بن العاص وكانا من عشيرتها وقيل النجاشى وكان للنبي صلى الله عليه وسلم خصائص في النكاح لا تختص لغيره ثم جدد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها ثانيا من في شوال فان ذلك في الصحيحين وغيرهما وكذا التزويج لانه صلى الله عليه وسلم تزوجها في شوال وفيه استحباب الدعاء بالخير والبركة لكل من الزوجين وفيه يستحب تنظيف العروس وزينتها لزوجها واجتماع النساء لذلك وفيه جواز الزفاف نهارا وفيه جواز اللعب باللعب المسمي بالبنات ففي رواية زفت اليه وهي بنت تسع سنين ولعبها معها وأما الارجوحة وهي بضم الهمزة أحسبه يلعب عليها يكون وسطها على مكان مرتفع ويجلسون على طرفيها ويحركونها فيرتفع جانب وينزل آخر ومعنى قولها لم يرعني بالراء أي لم يفاجأني ويأتيني بغتة الا هذا (توفيت بالمدينة سنة ثمان وخمسين) وقيل سنة ست وخمسين (قيل أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا) فسمي عبد الله وكنيت به كما خرج ابن الاعرابي في ذلك حديثا مرفوعا ولا يصح ذلك الحديث قال السهيلى لانه يدور على داود بن المحبر وهو ضعيف (خنيس) باعجام الخاء واهمال السين وبالنون مصغر (وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها) كما رواه أبو داود والنسائى عن عمر (فأمره جبريل أن يراجعها) كما في تفسير البغوى فراجعها قال المحب الطبري ولما بلغ عمر طلاقها حثي على رأسه التراب وقال ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد هذا (توفيت سنة احدى وأربعين) وقيل سنة خمس وأربعين وقيل غير ذلك (رملة) بفتح الراء وسكون الميم (وأصدقها عنه النجاشى) أربعمائة دينار كما مر (ثم جدد النبى صلى الله عليه وسلم نكاحها) أخذ ذلك من ظاهر سؤال أبي سفيان ذلك كما في صحيح مسلم قال

ابيها أبى سفيان تطييبا لقلبه والله أعلم توفيت أم حبيبة بالمدينة سنة أربع وأربعين* وتزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة هند ابنة ابى امية بن المغيرة المخزومية وكانت قبله تحت ابى سلمة عبد الله ابن عبد الاسد المخزومي وولدت له عمر وسلمة وزينب ودرة وتوفي عنها بالمدينة وثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله انا لله وانا اليه راجعون اللهم أجرنى في مصيبتي واخلف لى خيرا منها الا أخلف الله له خيرا منها قالت فلما مات أبو سلمة قلت أي المسلمين خير من أبى سلمة أول بيت هاجر الى الله ثم انى قلتها فأخلف الله لى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأرسل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة يخطبني له فقلت ان لى بنتا واني غيور فقال اما ابنتها فتدعو الله ان يغنيها عنها وادعو الله ان يذهب بالغيرة عنها وتوفيت ام سلمة بالمدينة سنة اثنين وستين وقيل سنة تسع وخمسين ودفنت بالبقيع وتزوج* صلى الله عليه النووي ولم ينقل وقد مضي الكلام على ذلك في محله (وتزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة) قال ابن اسحاق وأصدقها محبسه وهي الرحبى وذكر مع «1» الرجى أشياء لا تعرف قيمتها منها خفيه وفراش وأخرج البزار من حديث أنس أصدقها متاعا قيمته عشرة دراهم قال ويروى أربعون درهما (درة) بضم المهملة وتشديد الراء وصحف من أعجم الذال (فيقول ما أمره الله) فيه دليل على أن المندوب مأمور به لانه صلى الله عليه وسلم سماه مأمورا به والا أنها يقتضى ندبه (اللهم أجرنى) بالقصر على المشهور وحكى صاحب الافعال المد أيضا أى اعطنى أجر صبري على هم المصيبة (واخلف لى) بقطع الهمزة وكسر اللام اي رد على يقال اخلف لمن ذهب له ما يتوقع حصول مثله وخلف بغير الف لما لا يتوقع مثله كأب (وأنا غيور) بفتح المعجة ويقال في المرأة غيرى أيضا (أن يذهب بالغيرة) يقال ذهب الله بالشيء قال تعالي ذهب الله بنورهم وأذهبه والغيرة بفتح المعجمة الانفة (ودفنت بالبقيع) وهى آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتا (فائدة) أخرج النسائي عنها قالت لما انقضت عدتي بعث الىّ أبو بكر يخطبني فلم أتزوجه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يخطبها عليه فقالت أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انى امرأة غيرى واني مصبية وليس أحد من أوليائي شاهد فذكر ذلك له فقال ارجع اليها فقل لها أما غيرتك فسأدعو الله تعالى أن يذهبها عنك وأما صبيتك فستكفين أمرهم وأما أولياؤك فليس أحد منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت لابنها يا عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه واستدل بهذا الحديث الأئمة الثلاثة والمزني على ان الابن يزوج أمه بالبنوة وأجاب عنه أصحابنا بان عمر كان صغيرا يومئذ لانه ولد بارض الحبشة للسنة الثانية من الهجرة وزواج النبى صلى الله عليه وسلم بامه كان في الرابعة ولو صح انه زوجها وانه كان بالغا فانما ذلك ببنوة العم فانه ابن ابن عم ابنها مع أن نكاحه صلى الله عليه وسلم لا يفتقر الى

_ (1) كذ في الاصل وكذا عند قوله والا انها يقتضى ندبه

وسلم زينب بنت جحش الاسدية وهى ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة وكان لزواجها الشأن العظيم والخطب الجسيم وقد سبق ذكر ذلك توفيت بالمدينة سنة عشرين* وتزوج صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار الخزاعية المصطلقية وكان اسمها برة فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها جويرية وكانت قبله عند مسافع بن صفوان الخزاعى وكانت حين سبيت وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها فأدى عنها وتزوجها وذلك سنة ست من الهجرة توفيت بالمدينة في ربيع الأول سنة خمس أوست وخمسين** وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حي بن أحطب النضرية وأمها برة بنت سموال أخت رفاعة بن سموال وهي من سبط لاوي بن يعقوب ثم من ولد هرون بن عمران أخي موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم عليهما وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم تحت كنانة بن أبي الحقيق فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر واصطفاها لنفسه وأعتقها وتزوجها وقد تنوزع في كيفية زواجها توفيت سنة ست وثلاثين وقيل سنة خمس وثلاثين* وتزوج صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث الهلالية وكانت قبله تحت أبى رهم العامري وهي خالة ابن عباس وخالد بن الوليد وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها في عمرة القضاء بسرف ودخل بها فيه وماتت ودفنت فيه سنة احدى وخمسين فهؤلاء غير خديجة جملة من مات عنهن النبي صلى الله عليه وسلم* وتزوج صلى الله عليه وسلم أم المساكين زينب بنت خزيمة الهلالية وأقامت عنده شهرين أو ثلاثة وماتت معه وكانت قبله تحت عبد الله ولي وأجاب ابن الجوزي بانها أرادت عمر بن الخطاب فظن بعض الرواة أنها أرادت ابنها (أميمة) بالتصغير (توفيت بالمدينة سنة عشرين) في خلافة عمر رضى الله عنه (جويرية بنت الحارث) قال ابن اسحاق أسلم الحارث وأسلم ابناه وهما الحارث وعمرو بن الحارث (وكان اسمها برة) كما كان اسم زينب أيضا وهو بفتح الموحدة وتشديد الراء (وسماها جويرية) تفاديا من التزكية في برة (مسافع) بضم الميم واهمال السين والعين وكسر الفاء (توفيت بالمدينة سنة خمس أوست وخمسين) أو سنة خمسين أقوال أصحها الثالث (بنت سموال) بكسر المهملة بوزن غربال (لاوى بن يعقوب) بكسر الواو وتخفيف التحتية (تحت كنانة بن أبي الحقيق) وكانت قبل كنانة تحت سلام بن مشكم (توفيت سنة ست وثلاثين) وقيل سنة خمسين في امارة معاوية وهذا هو الصحيح (تحت ابى رهم) بضم الراء وسكون الهاء (سنة احدى وخمسين) على الصحيح وقيل سنة تسع

ابن جحش وقيل الطفيل بن الحارث* وتزوج صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك ولما نزلت آية التخيير فارقها وكانت ممن اختارت الدنيا ثم ندمت فلم يحل لها الرجوع اليها: قيل وتزوج صلى الله عليه وسلم اساف أو شراف بنت خليفة أخت دحية بن خليفة ولم تقم عنده الا يسيرا حتى توفيت وقيل هلكت قبل أن يدخل بها* وذكر في أزواجه صلى الله عليه وسلم عالية بنت ظبيان وطلقها حين أدخلت عليه* وذكر في أزواجه خولة وقيل خويلة بنت حكيم يقال هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل الواهبة أم شريك ويجوز أن يكونا معا* وذكر فيهن بنت الصلت وماتت قبل أن يدخل بها* وتزوج امرأة من بنى غفار فلما نزعت ثيابها رأى بها بياضا فقال الحقى بأهلك واتفقوا على نكاح الجونية ثبت في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل عليها قال هبي نفسك لى قالت وهل تهب الملكة نفسها لسوقة فأهوى بيده ليضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال عذت بمعاذ وثلاثين (أساف) كاسم الصنم (أو شراف) بفتح المعجمة وتخفيف الراء آخره فاء (عالية) بالمهملة والتحتية (بنت ظبيان) بفتح المعجمة وضمها وتقديم الموحدة على التحتية (وطلقها حين أدخلت عليه) لانه رأي بكشحها بياضا أي بجنبها كذا قال ابن باطيس أنها هي وسيأتي الخلاف فيها (خولة) بفتح المعجمة وسكون الواو (وقيل خويلة) بالتصغير (وقيل الواهبة) ميمونة بنت الحارث وقيل زينب امرأة من الانصار وقيل (أم شريك) بنت دودان ويقال بنت جابر وأخرج ذلك النسائي عن عائشة وأم شريك بفتح المعجمة وكسر الراء اسمها غزية وقيل غزيلة (بنت الصلت) بفتح المهملة وسكون اللام ثم فوقية (وتزوج امرأة من بنى غفار) قال الحاكم اسمها أسماء بنت النعمان الغفارية (رأى بها) أى بكشحها (بياضا) أي برصا فردها على أهلها (فقال الحقي باهلك) وقال لاهلها دلستم علىّ رواه أبو نعيم في الطب والبيهقي والحاكم باسناد ضعيف ففي ذلك ثبوت الخيار في النكاح بالبرص وان قل قال أصحابنا ولم يذكر الشافعي هذا الحديث لانه ضعيف وبتقدير صحته فيحتمل انه ردها بطلاق لافسخ وانما ذكر بسند صحيح الى عثمان ايما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص الى آخره (علي نكاح الجونية) اسمها أسماء وقيل عميرة وقيل أميمة بنت النعمان وقيل بنت يزيد وقيل بنت كعب بن الجون بن شراحيل وقيل ابن الاسود بن الحارث بن شراحيل بن النعمان من كندة (ثبت في صحيح البخاري) وسنن النسائي عن عائشة (وهل تهب الملكة نفسها لسوقة) بضم المهملة وسكون الواو بعدها قاف يقال ذلك للواحد من رعية والجمع سموا سوقة لان الملك يسوقهم قال ابن المنير وهذا من بقية ما كان من عزهم في الجاهلية يسمون من ليس بملك سوقة وقيل إنها لم تعرفه (فأهوى بيده) اى امال بها (فقال قد عذت) أي استعذت (بمعاذ) بفتح الميم اسم لما يستعاذ به وفي رواية أخرى في الصحيح لقد عذت بعظيم ألحقى باهلك وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم انه يجب عليه مفارقة من كرهت

فصل في ذكر الأعمام والعمات

ثم قال صلى الله عليه وسلم يا أبا أسيد أكسها رازقتين وألحقها بأهلها قيل وكان قولها ذلك على تعليم زواجه قلن لها انه يحب ذلك* وخطب صلى الله عليه وسلم امرأة فقال أبوها ازيدك انها لم تمرض يصفها بذلك فتركها* وخطب امرأة الى أبيها فقال ان بها برص ولم يكن بها وجع فرجع فاذا هى برصاء (وذكر ابن هشام) وغيره تبعا لابن اسحاق ان جملة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة زوجة ست قرشيات وسبع عربيات واسرائيلية وذكر ابن سعد في شرف النبوة ان جملتهن احدى وعشرون واتفقوا على انه صلى الله عليه وسلم دخل باحدى عشرة مات ثنتان قبله وتوفي عن تسع وكان يقسم لثمان وكان أكثر صداق عقد به صلى الله عليه وسلم لنفسه وبناته خمسمائة درهم فهى سنة فينبغى تحريها والوقوف عليها والارتسام بها والله أعلم [فصل في ذكر الأعمام والعمات] (فصل) في ذكر الأعمام والعمات: ولم يذكر أحد له صلى الله عليه وسلم خالة ولا خالات ولا اخوة وكان عمومته صلى الله عليه وسلم أحد عشر ذكر وست نسوة (أولاهم بالذكر) أولا أسد الله وأسد رسوله وأخوه من الرضاعة أبو يعلي وقيل أبو عمارة حمزة بن المقام عنده (يا أبا أسيد) بالتصغير واسم أبي أسيد مالك بن ربيعة (أكسها) بضم الهمزة والسين (رازقتين) برا فزاي فقاف والرازقية نياب بيض طوال من الكتان يكون في لونها زرقة في هذا الحديث وجوب المتعة للمفارقة قبل الدخول كما قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ الى قوله فَمَتِّعُوهُنَّ وفيه جواز كونها من غير النقد وجواز التوكيل في ادائها (وألحقها) بفتح الهمزة وكسر الحاء (أزبدك) في وصفها (فتركها) زاد المحب الطبري وقال ما لهذه عند الله من خير (فاذا هى برصاء) بالمد (مات ثنتان قبله) وهما خديجة وزينب بنت خزيمة (وتوفي عن تسع) وهي عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وأم سلمة هند بنت أبى أمية المخزومية وجويرية بنت الحارث وميمونة بنت الحارث وسودة بنت زمعة وصفية بنت حي وقد نظمتهم فقلت توفي خير الخلق عن تسع نسوة ... فخذ عدهن نظما واصغ له السمعا فناة أبي بكر وحفصة زينب ... ورملة هند ثم ميمونة تدعا جويرية مع سودة وصفية ... كملن بهذا النظم يا سائلي تسعا وكان يقسم لثمان وهن ما عدا سودة وقع في مسلم ما عدا صفية وهو وهم بالاتفاق (تحريها) بالمهملة وتشديد الراء أى قصرها (والارتسام بها) أي الاحتباس عندها لا تتجاوزها. (فصل) في ذكر الاعمام والعمات (أسد الله وأسد رسوله) سماه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الديلمى في مسند الفردوس عن ابن عباس (وأخوه من الرضاعة) من ثويبة ومن حليمة أيضا فقد أخرج ابن سعد عن ابن عباس وأم سلمة حمزة بن عبد المطلب أخي من الرضاعة (أبو عمارة) بضم العين شهد مع

عبد المطلب أسلم قديما وعز الاسلام باسلامه وشهد بدرا وأبلى فيها واستشهد بأحد ولم يخلف الا ابنة واحدة ذكر ذلك المحب الطبري ولا يصح ذلك فقد ذكر مصعب الزبيرى ان ابنه يعلى الذى كنى به أعقب خمسة من البنين ثم انقرضوا وذكر غيره ان له ابنة اسمها عمارة كنى بها أيضا وجرى ذكرها في العتق في سنن الدار قطنى ولها قصة وابنته أمامة وهى التى جرى ذكرها في عمرة القضاء وتنازع فيها على وجعفر وزيد وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم الا تتزوج بنتا الحمزة والله أعلم (ثانيهم) أبو الفضل العباس كان اسن من النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين أسلم يوم بدر وقيل لم يتعين وقت اسلامه لانه كان من أول أمره مسددا مقاربا شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وشهد له العقد مع الانصار ولما أسلم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له مقامك بمكة خير لك فكان عونا للمستضعفين من المسلمين وكان يكتب الى النبى صلى الله عليه وسلم بأخبار المشركين ثم لقى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا في سفر الفتح فرجع معه فشهد معه الفتح وحنينا وابلى فيها وكان النبى صلى الله عليه وسلم يعظمه ويبجله وكذلك الخلفاء بعده مات سنة اثنين وثلاثين في خلافة عمر بعد ان كف بصره وكان له من الولد عشرة بنين وثلاث بنات وعد من الصحابة منهم الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد ولا يعلم بنو أم تباعدت قبورهم كبني العباس فقبر الفضل باليرموك من أرض الشام وعبد الله بالطائف وعبيد الله بالمدينة وقثم بسمرقند ومعبد بأفريقية رضى الله عنهم أجميعن (ثالثهم أبو طالب) واسمه عبد مناف وهو أخو عبد الله ابى النبي صلى الله عليه وسلم لامه أمهم وأم عاتكة فاطمة بنت عمرو المخزومية وله من الولد أبو طالب وعقيل وجعفر وعلىّ كلهم صحابيون الا طالبا اختطفته الجن فذهب ولم يعلم باسلامه قيل ومن العجائب ان بين كل واحد منهم وبين أخيه في السن عشر سنين وكان له من البنات النبى صلى الله عليه وسلم العقبة وهو على دين قومه كما مر (ومات) بالمدينة الشريفة ليلة الجمعة لثنتى عشر خلت من ربيع الاول (سنة اثنين وثلاثين) أو أربع وثلاثين عن ثمان وثمانين سنة (في خلافة عثمان) وكان هو الذي صلى عليه (وكان له من الولد عشرة بنين) وقد سبق ذكرهم (باليرموك) بالتحتية (بافريقية) بكسر الهمزة والراء والقاف وسكون الفاء وتشديد التحتية (عاتكة) بالمهملة والفوقية اختلف في اسلامها

أم هانئ واسمها فاختة وقيل هند وذكر من بناته أيضا جمانة والله أعلم* رابعهم الحارث وهو أكبرهم في السن وانما قدمت حمزة والعباس عليه لشرف الاسلام وقدمت أبا طالب لشرف كفالة النبي صلى الله عليه وسلم ولا مزية لبقيتهم ومن ولد الحارث أبو سفيان أسلم في سفر الفتح وحسن اسلامه وعاد يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان كان يهجوه ولم يكن له عقب ونوفل بن الحارث أسلم أيام الخندق وهاجر وله عقب وعبد شمس بن الحارث وسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله عقبه بالشام* خامسهم قثم بن عبد المطلب مات صغيرا وهو أخو الحارث لامه* سادسهم الزبير وكان من أشرف قريش وهو الذي سعي في حلف الفضول وابنه عبد الله بن الزبير شهد حنينا وثبت يومئذ واستشهد بأجنادين وجد الى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتل ومن ولده ضباعة بنت الزبير صحابية وأم الحكم لها صحبة ورواية* سابعهم عبد الكعبة* ثامنهم الغيداق سمى بذلك لسخائه وجوده* تاسعهم حجل واسمه المغيرة* عاشرهم ضرار أخو العباس لأمه* الحادي عشر أبو لهب واسمه عبد العزى كنى بأبى لهب لحسن وجهه وكان من أسوأ أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم حالا فيه وكفاه من الذم ما ورد في حقه في التنزيل وفي صحيح البخاري انه أريه بعض أهله بشر هيئة أي حال فقال (أم هاني) اسمها فاختة وقيل هند تزوجها هبيرة ابن أبي وهب بن عايذ بن عمرو بن مخزوم فولدت له جعدة وهانئا وماتت في زمن معاوية (جمانة) بضم الجيم وتخفيف الميم (أبو سفيان) اسمه المغيرة على الصحيح كما مر ابن الحارث بن عبد المطلب سبق ذكره عند ذكر اسلامه وقيل قال النبي صلى الله عليه وسلم أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة رواه الحاكم بسند صحيح عن عروة مرسلا (ونوفل) بفتح النون والفاء بينهما واو ساكنة (قثم) بضم المقاف وفتح المثلثة (الزبير) وهو شقيق عبد الله وأبي طالب كما مر (باجنادين) بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها نون فألف فمهملة مفتوحة ومكسورة موضع بقرب بيت المقدس كانت غزوته في أوائل خلافة عمر رضى الله عنه (ضباعة) بضم المعجمة بعدها موحدة واهمال العين هى التى قال لها النبى صلى الله عليه وسلم احرمي وأشترطى وقولى اللهم محلي حيث حبستنى (وأم الحكم) بفتح الحاء والكاف اسمها كنيتها (الغيداق) بفتح المعجمة وسكون التحتية بعدها مهملة (سمى بذلك لسخائه وجوده) مأخوذ من الماء الغدق وهو الكثير ويسمى كريم الخلق غيداقا قاله في القاموس (حجل) بمهملة مفتوحة فجيم ساكنة كذا في القاموس وضبطه ابن عبد البر بتقديم الجيم وصححه ابن الاثير (واسمه المغيرة) ولقب جحلا بتقديم الجيم لحسنه وعظمه (ضرار) بكسر المعجمة (أخو العباس لامه) واسمها نتيلة بالنون والفوقية مصغر بنت حباب النمرية قيل وهى أول اعرابية كست الكعبة الحرير وسببه أن العباس ضاع وهو صغير فنذرت ان وجدته أن تكسوها (ان أريه بعض أهله) هو العباس كما مر (هيئة) بفتح المهملة وكسرها وتقديم التحتية على الهمزة

لم ألق بعدكم خيرا لكني شفيت في هذه يعني نقرة الابهام بعتقى ثويبة وقد سبق ذكر ذلك مبينا عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم ومن أولاد أبى لهب عتبة ومعتب ثبتا مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم حنين ودرة صحابية أيضا وأما عتيبة فقتلته الأسد بالزوراء من أرض الشام على كفره بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم. وأما العمات فست أولهن صفية أم الزبير وهى أخت حمزة لامه أسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة في خلافة عمر ثانيتهم عاتكة اختلف في اسلامها وهى صاحبة الرؤيا في يوم بدر وكانت عند أبى أمية المخزومي فولدت له أم المؤمنين أم سلمة وعبد الله وله صحبة وزهيرا وقريبة الكبرى. ثالثتهم أروى وكانت تحت عمير بن وهب العبدرى فولدت له طليب بن عمير وكان من المهاجرين الأولين شهد بدرا واستشهد بأجنادين ولا ولد له. رابعتهم أميمة كانت تحت جحش بن رباب فولدت له زينب أم المؤمنين وعبد الله واستشهد بأحد ودفن مع خاله الحمزة وأبا أحمد الأعمى الشاعر وأم حبيبة وحمنة كلهم لهم صحبة وعبيد الله أسلم ثم تنصر بالحبشة ومات بها. خامستهم برة وكانت عند عبد الاشهل بن هلال المخزومي فولدت له أبا سلمة زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم. سادستهم أم حكيم واسمها البيضاء وهى تؤمة عبد الله أبى النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عند كريز بن ربيعة العبشمى فولدت له أروى بنت كريز أم عثمان ابن عفان. (درة) بضم المهملة وتشديد الراء (بالزوراء) بتقديم الزاى على الراء وبالمد (بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم) قال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وقد مر الخلاف فيه هل هو عتبة أو عتيبة (أخت حمزة لامه) وهي هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة (ابي أمية المخزومى) اسمه حذيفة كما مر مرات (وعبد الله) الذى أسلم هو وأبو سفيان بن الحارث في غزوة الفتح (وزهيرا) عده ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة وكان من المؤلفة وهو أحد الخمسة المتمالئين على نقض الصحيفة كما مر (وقريبة) بالقاف والموحدة مصغر (أروى) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الواو والقصر (عمير بن وهب) بالتصغير بن عبد مناف بن عبد الدار (طليب) باهمال الطاء مصغر (وأبا أحمد) قال ابن عبد البر اسمه عبد بن جحش (وأم حبيبة بنت جحش) لا يعرف اسمها (وحمنة) بفتح المهملة والنون بينهما ميم ساكنة (برة) بفتح الموحدة والراء المشددة (عبد الاسد) بالمهملة وقيل بالمعجمة كما مر (أم حكيم) بفتح الحاء وكسر الكاف (اسمها البيضاء) بالمد سميت بذلك لفرط جمالها (كريز) بتقديم الراء على الزاى مصغر (ابن ربيعة) بن عبد شمس وهو أخو عتبة وشيبة ابنا ربيعة (أروي) تقدم ضبطها قريبا (أم عثمان بن عفان) وأم الوليد وخالد وعمارة وأم كلثوم بنى عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو ابن أمية بن عبد شمس.

فصل في مرضعاته وأخواته من الرضاعة

[فصل في مرضعاته وأخواته من الرضاعة] (فصل) في مرضعاته وأخواته من الرضاعة أرضعته أولا ثويبة مولاة أبى لهب فكان اخوته منها عمه حمزة وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وعبد الله بن جحش وابنها مسروح وهو صاحب اللبن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ذلك لثويبة ويصلها من المدينة ولما افتتح مكة سأل عنها وعن ابنها مسروح فأخبر أنهما ماتا فسأل عن قرابتها فلم يجد أحدا منهم حيا وسبق قريبا ما حصل لأبى لهب بعتقه ثويبة ثم أرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية وكان بنوها اخوته وهم عبد الله والشيماء وأنيسة بنو الحارث بن عبد العزى أسلموا كلهم وبسبب هذا الرضاع أعتق صلى الله عليه وسلم سبي هوازن وكانوا ستة آلاف وذكر أهل السير ان حليمة ردته الى أمه صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس سنين وشهر ثم لم تره بعدها الا مرتين احداهما بعد تزويجه لخديجة جاءته تشكو اليه جدب بلادهم فاستوهب لها من خديجة عشرين رأسا من الغنم وبكران والثانية يوم حنين وذكر بعضهم في اخوته من حليمة ابن عمه أبا سفيان بن الحارث والله أعلم. (فصل) في ذكر مواليه صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء أما الذكور فأحد وثلاثون. أولهم زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي وكان من سبى العرب فاشتراه حكيم ابن جزيمة لعمته خديجة ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه وتبناه فكان يدعى زيد ابن محمد وفيه نزل قوله تعالى ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ وثبت له منقبة لم تثبت لغيره من الصحابة وهي انه ذكر في القرآن العظيم باسمه العلم فقال تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها وقد سبقت الاشارة الى ذلك مع ما ثبت له في الاسلام من المشاهد الجميلة الجليلة وختم الله له بالشهادة فاستشهد بمؤتة سنة ثمان رضي الله عنه. ثم ابنه اسامة بن زيد حبّ رسول الله (فصل) في مرضعاته (وابنها مسروح) بالمهملة أو بالجيم كما مر (وأنيسة) بالنون وبالتحتية والمهملة مصغر وبقي من مرضعاته خمس بعد أمه ذكرتهم أول الكتاب عند ذكر رضاعه صلى الله عليه وسلم. (فصل) في ذكر مواليه (الكلبي) سبق ذكر نسبه في بدء الوحي (زيد بن محمد) بالفتح (فلما قضي زيد منها) أى من زينب وقد تقدم ذكر زيد وترجمته وفائدة تتضمن كرامة له في أول الكتاب (حب رسول الله)

صلى الله عليه وسلم وابن حبه وابن أمه وابن أمته الخليق للامارة ابن الخليق لها توفي اسامة بوادي القرى وحمل الى المدينة سنة أربع وخمسين وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله عشرون سنة. ثم ثوبان بن بجدد قيل انه من حمير أصابه سبأ في الجاهلية فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه ولازمه حتى توفي وبعده انتقل الى الشام وتوفي سنة خمس وأربعين وقيل سنة أربع وخمسين. ثم أبو كبشة وكان من مولدى مكة وقيل أرض «1» دوس اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه وشهد بدرا توفي أول يوم استخلف عمر. ثم أنيسة من مولدى السراة اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه. ثم شقران واسمه صالح قيل ورثه من أبيه وقيل اشتراه من عبد الرحمن بن عوف وأعتقه. ورباح اسود نوبى اشتراه من وفد عبد القيس وأعتقه. ثم يسار توفي أيضا أصابه في بعض الغزوات وهو الذى قتله العرنيون ومثلوا به وحمل الى المدينة ميتا. ثم أبو رافع القبطى واسمه أسلم وقيل ابراهيم وهبه العباس للنبى صلى الله عليه وسلم فأعتقه حين بشره باسلام العباس وزوجه مولاته سلمى فولدت له عبيد الله كاتب على توفي ابو رافع بعد عثمان وحديثه مع أبى لهب في خبر يوم بدر وانتصار أم الفضل له مشهور والله أعلم. أبو مويهبة من مولدى مزينة اشتراه صلى الله عليه وسلم وأعتقه. فضالة نزل الشام ومات بها. رافع كان لسعيد بن العاص فورثه ولده فأعتقه بعضهم بكسر الحاء أي محبوبة (وابن أمه) الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لانه كان يقول أم أيمن أمى بعد أمي كما رواه ابن عساكر عن سلمان بن أبي سلخ مفصلا (الخليق) بالمعجمة والقاف الحقيق وزنا ومعنى (توفي أسامة) بالمدينة أو (بوادي القري) أو بالجرف (وحمل الى المدينة) أقوال وكانت وفاته (سنة أربع وخمسين) أو سنة أربعين بعيد على قولان وقال ابن عمر عجلوا بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع الشمس كما نقله ابن عبد البر وغيره (وله عشرون سنة) وقيل دون ذلك ثم ثوبان بفتح المثلثة والموحدة بينهما واو ساكنة وآخره نون (ابن بجدد) بموحدة مضمومة فجيم ساكنة فمهملة مكررة الاولى منهما مضمومة مصروف (ولازمه) حضرا وسفرا (انتقل الى الشام) فنزل الرملة ثم انتقل الى حمص فابتنى بها دارا (أبو كبشة) بفتح الكاف والمعجمة بينهما موحدة ساكنة لا يعرف اسمه (ثم أنيسة) بالنون والتحتية والمهملة مصغر (السراة) بفتح المهملة والراء آخره هاء مثقلة موضع بنجد اليمن (شقران) بضم المعجمة وسكون القاف كما مر (رباح) بفتح الراء والموحدة (نوبي) بضم النون وكسر الموحدة وتشديد التحتية (يسار) بتحتية فمهملة مفتوحتين (ومثلوا به) بالتخفيف والتشديد قال المحب الطبرى قطعوا يديه ورجليه وغرزوا في عينيه الشوك (أبو رافع اسمه أسلم) بوزن أحمد (وقيل ابراهيم) وقيل ثابت وقيل هرمز (سلمى) بفتح السين كما مر (أبو مويهبة) بالموحدة مصغر لا يعرف اسمه (فضالة) بفتح الفاء والمعجمة

_ (1) كذا في الاصل.

وتمسك بعضهم فوهب له النبي صلى الله عليه وسلم ما أدى قيمته فكان يقول أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مدعم وهبه له رفاعة بن زيد الجزامي فقتل بوادى القرى وهو الذى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ان الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارا. كركرة وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم وكان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي فأعتقه. زيد جد هلال بن يساف ابن زيد. عبيدة. طهمان. مأبور القبطى من هدايا المقوقس وكان خصيا وهو ابن عم مارية أم ابراهيم. واقد أبو واقد. هشام بن ضميرة كان من الفيء فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. عسيب واسمه أحمر. أبو عبيد. سفينة واسمه مهران وكنيته أبو أحمد لقب سفينة لانه حمل متاع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأسفار قيل وعبر بها بعض الانهار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انما أنت سفينة قال فلو حمل على بعدها وقر سبعة أبعرة ما ثقل علي الا ان تحفو وجرى له مع الأسد معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك انه ركب سفينة فانكسرت قال فركبت لوحا منها فطرحنى الى الساحل فلقيني الأسد فقلت يا أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فطأطأ رأسه وجعل يرفعني بجنبه حتى (مدعم) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين (وهبه له رفاعة بن زيد الخزامي) وهو أحد بني الضبيب بضم المعجمة وفتح الموحدة ثم تحتية ساكنة ثم موحدة كما في الصحيحين وغيرهما (فقيل بوادي القرى) عند انصرافهم من خيبر رمي بسهم وهو يحل رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيه حتفه فقال الناس هنيئا له الشهادة يا رسول الله (وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم) جوابا لما قالوا كلا والذي نفس محمد بيده (ان الشملة التى غلها) بخيبر لم تصبها المقاسم (لتشتعل عليه نارا) كذا في الموطأ انه مدعم وفي صحيح البخاري في رواية انه مدغم وفي أخرى انه كركرة وفي هذا الحديث تغليظ حرمة الغلول وانه ينفي عن الشهيد اسم الشهادة بالنسبة الي الآخرة وفيه ان الشهادة لا تكفر تبعات الخلق وهو كذلك كما جاء في الحديث الصحيح الا الذين كذلك قال لي جبريل (كركرة) بكسر الكاف الثانية مع كسر الاولى وفتحها (هوذة) بفتح الهاء والمعجمة بينهما واو ساكنة (ابن على الحنفي) صاحب اليمامة (ابن يساف) بفتح التحتية والمهملة آخره فاء وربما ابدلوا أوله بهمزة مكسورة (عبيدة) بالتصغير (طهمان) بفتح المهملة وسكون الهاء (مأبور) بالموحدة (واقد) بالقاف (أبو واقد) كذلك أيضا (حنين) بالتصغير (عسيب) على لفظ عسيب النخل (سفينة) على لفظ السفينة المعروفة (واسمه مهران) بكسر الميم وقيل بجران بالموحدة المضمومة وسكون الجيم (الا ان تحفو) أي تعظم حفيه (وجري له مع الاسد معجزة) ذكرها عياض في الشفاء بصيغة تمريض فقال ومن هذا الباب ما روى من تسخير الاسد سفينة (فطرحنى الى الساحل) وفي الشفاء فخرج الي جزيرة (يرفعنى) بضم

أوقفني على الطريق وهمهم وظننت انه يودعني وكان سفينة من مولدى العرب وقيل من أبناء فارس اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه وقيل أعتقته ام سلمة وشرطت عليه خدمة النبي صلى الله عليه وسلم مات سفينة مع جابر بعد سبعين من الهجرة ذكر البخارى في التاريخ انه بقى الى زمن الحجاج وفيه نظر. ابو هند ابتاعه النبي صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الحديبية واعتقه وهو الذى قال في حقه زوجوا ابا هند وتزوجوا اليه. انجشه حادى القوارير. انسة وكان حبشيا فصيحا شهد بدرا وما بعدها واعتقه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومات في خلافة ابى بكر. ابو لبابة كان لبعض عماته فوهبته له فأعتقه. رويفع سباه من هوازن فأعتقته هؤلاء من ذكر المحب الطبرى وفي بعضهم تجوز وقد زدنا في تراجم بعضهم ونقصنا من بعضهم والله أعلم: وأما الاماء فسبع احداهن سلمى أم رافع وسلمى هي قابلة فاطمة وابراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم ولد أبى رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم. بركة أم أيمن وهي أم اسامة بن زيد ورثها من أبيه فحضنته بعد وفات أمه فلما كبر صلى الله عليه وسلم أعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة وكانت قبله عند عبيدة الحبشي فولدت له أيمن الذى كنيت به وله في الاسلام مشاهد جميلة وهو الذى قال فيه حسان يوم خيبر معتذرا حين تغيب عن أوله وفتح الراء وكسر الفاء المشددة (وهمهم) أى صوت علي هيئة المتنحنح (وظننت انه يودعني) في رواية في الشفاء ان هذه القضية وقعت له اذ وجهه النبي صلى الله عليه وسلم الى معاذ باليمن في ذهابه وفي منصرفه أيضا (وشرطت عليه خدمة النبى صلى الله عليه وسلم) زاد المصنف في الرياض عشر سنين (أبو هند) بكسر الهاء وسكون النون (أنجشة) بفتح الهمزة والجيم والمعجمة وسكون النون بوزن علقمة كان حبشيا يكنى أبا مارية (حادى القوارير) الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم رويدك بالقوارير وفي رواية لمسلم لا تكسر بالقواير وظاهر كلامه ان المراد بالقوارير في الحديث الابل وهذا ضعيف والصواب ان المراد بالقوارير النساء شبههن بقوارير الزجاج في ضعفها واسراع الانكسار اليها ومقصود الحديث الرفق في السير لان الابل تسرع في المشي عند سماع الحداء مستلذة به فيخاف منها ازعاج الراكب واتعابه فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لان النساء يضعفن عن شدة الحركة ويخاف ضررهن وقيل كان انجشة حسن الصوت وكان يحدو وينشد شيأ من القريض والرجز وما فيه تشبيب فلم يأمن صلى الله عليه وسلم تعنيهن بحسن صوته ويقع في قلوبهن حداؤه فامره بالكف عن ذلك ومن أمثالهم الغثاء رقية الزنا وهذا ما قال عياض انه أشبه بمقصوده صلى الله عليه وسلم وبمقتضي اللفظ وجزم به الهروى وصاحب التحرير في الآخرين (أنسة) بفتح الهمزة والنون والمهملة بوزن حسنة (أبو لبابة) بضم اللام وتكرير الموحدة (رويفع) بالراء والفاء والعين المهملة مصغر (عبيد الحبشى)

خيبر وعيرته أمه فقال: على حين ان قالت لا يمن أمه ... جبنت ولم تشهد فوارس خيبر وأيمن لم تجبن ولكن ممهرة ... أضرّ به شرب المديد المخمر ولام أيمن مناقب جليلة منها انها حضنت النبى صلى الله عليه وسلم ونشأ في حجرها وكان يقول أم أيمن أمي بعد أمى وهاجرت على قدميها من مكة الى المدينة منفردة في حر شديد وعطشت فسمعت خفيقا فوق رأسها فالتفتت فاذا دلو قد أدليت اليها من السماء فشربت منها فلم تظمأ أبدا وكان لها على النبى صلى الله عليه وسلم بسطة وادلال كثير وكان يزورها الى بيتها وكذلك أصحابه بعده وكانت أول أهله لحوقا به بعد فاطمة ولم يحصل لامامة وابنه الحظوة من النبي صلى الله عليه وسلم الا بسببها ومناقبها كثيرة شهيرة وكان أصلها من سبي الحبشة أصحاب الفيل والله أعلم* مارية القبطية من هدايا المقوقس وهي أم ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ست عشر في خلافة عمر* ريحانة بنت عمر والقرظية اصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم من سبي بنى قريظة* ميمونة بنت سعد* خضرة* رضوى بالتصغير (جبنت) بفتح الجيم وتثليث الموحدة أى ضعف قلبك وعلاك الخورك (مهرة) هو الفتى من الخيل (المديد) بفتح الميم وكسر المهملة وسكون التحتية (المخمر) بالمعجمة والمديد ما يحسن من الحنطة أي وغيرها من الحبوب ثم يبل ويترك حتى يخمر ثم يسقى الخيل (خفيقا) باعجام الخاء وتقديم الفاء على القاف أى صوتا (فاذا دلو قد أدليت اليها من السماء) ذكر ذلك الواقدى وغيره من أهل السير وفيه اثبات كرامات الاولياء وقد روي مثل قصتها عن أم شريك الرومية انها عطشت في سفر فلم تجد ماء الا عند يهودى وأبا أن يسقيها الا أن تدين بدينه فأبت الا أن تموت عطشا فدليت اليها دلو من السماء فشربت ثم رفعت الدلو وهى تنظر ذكر قصتها ابن اسحاق في السيرة من غير رواية ابن هشام (فلم تظمأ أبدا) قال السهيلي وكانت تتعمد الصوم في حراره القيظ لتظمأ فلا تظمأ ولا ينافي ذلك ما رواه ابن جريج عنها أنها قامت ذات ليلة وهى عطشا فشربت بوله صلى الله عليه وسلم وهي لا تعلم اذ لعل ذلك كان بمكة قبل الهجرة (وادلال) بكسر الهمزة وسكون المهملة أي اجترأ (وكان يزورها الى بيتها) قضاء لما عليه لها من حق التربيه (وكانت) أم أيمن (أول أهله) بالنصب خبر كانت (وأبيه) زيد (خضره) بفتح المعجمة والراء بينهما ضاد معجمة مكسورة (رضوي) بتثليث الراء والضم أشهر وسكون المعجمة وفتح الواو

فصل في ذكر خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم

[فصل في ذكر خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم] (فصل) في ذكر خدمه من الأحرار صلى الله عليه وسلم وهم أحد عشر أولهم أولاهم بالذكر أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجى أهدته أمه أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم فقبله وخدمه من حين قدم المدينة الى أن توفي. روي عنه قال خدمته تسع سنين فما قال لى لشيء فعلته يا أنس لم فعلته وقالت أمه أم سلمة يا رسول الله خادمك أنس فادع الله له فقال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته قال فانى لمن أكثر الانصار مالا وحدثتني أمينة ابنتي انه قال دفن لصلبي الى مقدم الحجاج خمس وعشرون وماية سوى ولد ولدي وان نخلى لتثمر في العام مرتين وعمر كثيرا وكان له وجه عند الخلفاء وغيرهم بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جرى له مع الحجاج واقعة تضمنت منقبة لعبد الملك بن مروان وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكثر وتوفي بالبصرة سنة تسعين وقيل احدى وتسعين وقيل ثلاث وتسعين وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين* هند وأسماء ابنا حارثة الأسلميان* ربيعة بن كعب الاسلمى (فصل) في ذكر خدمه من الاحرار (روى عنه قال خدمته تسع سنين) في أكثر الروايات في الصحيحين وغيرهما عشر سنين وكلتا الروايتين صحيح لانه خدمه تسع سنين وأشهرا ففي رواية التسع العي الكسر وفي رواية العشر حسب الكسر سنة (فما قال لى لشيء فعلته الى آخره) فيه بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته وحلمه (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) في الحديث فضيلة لانس رضى الله عنه وفيه جواز الدعاء بالدنيا ونحوها لكن لمن لا يخاف عليه منها فتنة ومنه اذا دعى بشيء له تعلق بالدنيا يضم الى دعائه طلب البركة فيه ليكون رحمة وخيرا ونفعا لا ضرر فيه دنيوى ولا أخروي (أمينة) بالنون مصغر (الى مقدم الحجاج) البصرة وكان مقدم الحجاج سنة خمس وسبعين (خمس وعشرون ومائة) في رواية البخارى عشرون ومائة هذا وقد ولد له بعد مقدم الحجاج أولاد كثيرة وكان من أكثر الناس أولادا لصلبه ومثله المهلب بن أبي صفرة فانه وقع الى الارض من صلبه ثلاثمائة ولد قاله ابن قتيبة وقال ابن خلكان ان المعمر بن ادريس خلف مائة ذكر وستين انثي (وان نخلي لتثمر في العام مرتين) زاد الترمذي وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك (وعمر كثيرا) كان عمره مائة سنة وثلاث سنين أو وعشر سنين أو وسبع سنين أو بضعا وتسعين سنة أقوال قال ابن عبد البر وأصح ما فيه ان عمره مائة سنة الا سنة (حتى جرى له مع الحجاج واقعة) وذلك انه ختم في عنقه بالحديد أراد ان يذله بذلك (تضمنت منقبة لعبد الملك بن مروان) حيث كتب الى الحجاج يأمره بفك أنس ويذكره انه كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكان (وقيل ثلاث وتسعين) وهو الصحيح كما قاله خليفة بن خياط وغيره وقال مورق العجلي يوم موته ذهب اليوم نصف العلم كان أهل الاهواء اذا خالفونا في الحديث قلنا لهم هلم الى من سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم (ابنا حارثة) بالمهملة والمثلثة (ربيعة بن كعب الاسلمى) هو الذى سأل النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته

كان من أصحاب الصفة توفي سنة ثلاث وستين* عبد الله بن مسعود الهذلى وكان صاحب نعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام ألبسه اياهما واذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم وكذلك كان يخبأله سواكه حتى يحتاجه وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعرى قال قدمت أنا وأخى من اليمن فمكثنا حينا ما نرى ابن مسعود وأمه الا من أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم من كثرة دخوله ودخول أمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات عبد الله بالكوفة وقيل بالمدينة سنة ثلاثين عن بضع وستين سنة عقبة بن عامر الجهني كان صاحب نعل النبى صلى الله عليه وسلم يراعيه ويقود به في الأسفار وتنبل بذلك فيما بعد فصار من سادة الصحابة أميرا شريفا ولى مصر لمعاوية ومات بها سنة ثمان وخمسين بلال بن رباح ويقال له أيضا ابن حمامة وهى أمه اشتراه أبو بكر حين كان يعذب في الله وأعتقه فخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازمه حضرا وسفرا وتولى الأذان وهو أول من أذن في الاسلام في الجنة فقال أعنى على نفسك بكثرة السجود (كان من أصحاب الصفة) زاد في الرياض ولزم النبي صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا روى عنه قال كنت أتيت على باب النبى صلى الله عليه وسلم وأعطيه الوضوء فاسمعه الهون من الليل يقول سمع الله لمن حمده واسمعه الهون من الليل يقول الحمد لله رب العالمين (توفي سنة ثلاث وستين) بعد الحرة (وكان صاحب نعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي صحيح البخاري أليس فيكم صاحب النعلين والوسادة أو قال والسواد بكسر المهملة أي السوار والمطهرة (وفي الصحيحين) وسنن الترمذى (أنا وأخي) سبق ذكر اخوته عند ذكر مجيئهم (فمكنا حينا) أي قطعة من الزمان (ما نرى) بالضم أي ما يظن (ابن مسعود وأمه) اسمها أم عبد بنت عبدود هذلية أيضا (ولزومهم له) فيه جمع الاثنين وهو جائز بالاتفاق قال فقد صغت قلوبكما بل الاثنان أقل الجمع عند طائفة من أهل اللغة لكن الجمهور يقولون أقل الجمع ثلاثة وعليه فجمع الاثنين مجاز وكان قصيرا جدا كما مر وركب يوما شجرة فضحك الصحابة من حموشة ساقيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لساقه في الميزان أثقل من أحد (سنة ثلاثين) أو اثنين وثلاثين أو ثلاثة وثلاثين سنة أقوال (عن بضع وستين سنة) ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان أو الزبير أو عمار أقوالا وخلف تسعين ألف دينار ما عدا المواشى والرقيق (عقبة) بضم المهملة وسكون القاف (ابن عامر) بن عبس (الجهنى) القضاعي (وتنبل) بفوقية فنون فموحدة أى صار تنبلا أي عظيما قال الذهبى فيه صحابى كبير أمير شريف فصيح مقري فرضى شاعر ولي غزو البحر وقال ابن حجر اختلف في كنيته على سبعة أقوال أشهرها أبو حماد (ولى مصر) لمعاوية سنة أربع وأربعين وكان قبل ذلك بدمشق (ابن رباح) بن خلف الجمحي بفتح الراء والموحدة (ابن حمامة) على لفظ الحمامة الطائر المعروف ووقع في الصحاح بن حمام وهو وهم (اشتراه أبو بكر) من أمية بن خلف الجمحي بخمس أواق

وكان المؤذنون سواه ابن أم مكتوم وأبا مخدورة قال عمر أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب الى الشام للجهاد وقدم مرة المدينة زائرا فطلبوا منه ان يؤذن لهم فأذن ولم يتم أذانه فلم ير باكيا أكثر من ذلك اليوم مات بدمشق سنة عشرين عن أربع وستين سنة سعد مولى أبى بكر ذو مخمر ويقال ذو مخبر ابن اخى النجاشى وقيل ابن اخته بكير بن شداخ الليثي أبو ذر الغفارى سيد الصحابة وأصدقهم بلفظ المصطفي اسلم رضي الله عنه قديما وقصة اسلامه مشهورة في الصحيح ثم رجع الى بلده فأقام بها حتى مضت الخندق وما قبلها ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمه حتى توفي سيره عثمان الى الربذة ومات بها سنة اثنين وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود رضى الله عنهم أو ببردة وعشر أواق أو بغلام اسمه بسطاس وكان كافرا أقوال (ابن أم مكتوم وأبا مخدورة) وسعيد القرط كما سبق (قال عمر) هنا لنفسه وتواضعا (أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا) يعني بلالا رواه البخارى عن جابر قال في التوشيح السيادة لا تقتضى الافضلية فقد قال ابن عمر ما رأيت أسود من معاوية مع انه رأي أبا بكر وعمر (بدمشق) بكسر الدال وفتح الميم وسكون المعجمة بعدها قاف (سنة عشرين) أو احدي وعشرين عن أربع وستين أو ثلاث وستين ودفن بباب الصعيد أو بباب كيسان ولم يعقب قال في الاستيعاب ولبلال أخ اسمه خالد وأخت اسمها عفيرة وهى مولاة عبد الله مولا عفيرة (ذو مخمر) بفتح الميمين بينهما معجمة ساكنة (ذو مخبر) كالاول الا ان فيه بدل الميم الثانية موحدة (بكير) مصغر (ابن شداخ) بفتح المعجمة وتشديد المهملة آخره معجمة أيضا ويقال بكسر أوله مخفف (أبو ذر) اسمه جندب وقيل بربر بتكرير الراء مصغر واسم أبيه جنادة أو عبد الله أو السكن أقوال (في) الحديث (الصحيح) في الصحيين وغيرهما (سيره عثمان) من المدينة (الى الربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة وهو مكان بين مكة والمدينة وكان نزول أبي ذر الربذة باختياره وذلك ان عثمان أمره أن يخرج من المدينة لرفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه وهو تحريم امساك ما فضل عن الحاجة من الاموال ووجوب التصدق به فاختار هو الربذة لانه كان يأتيها في زمنه صلى الله عليه وسلم فسيره عثمان اليها وكان المغضبون على عثمان تسعون عليه بنفي أبى ذر حتى ان ناسا من أهل الكوفة قالوا لابى ذر وهو بالربذة ان هذا الرجل فعل بك وفعل هل أنت ناصب لنا راية يعني فنقاتله قال لا لو أن عثمان سير بي من المشرق الى المغرب لسمعت وأطعت أخرجه ابن سعد في الطبقات وقيل له بعد ان قتل عثمان ألا ترجع الى المدينة قال لا والله لا طيعنه حيا وميتا وليس لابي ذر رضى الله عنه عقب

فصل فيمن كان يحرسه صلى الله عليه وسلم في غزواته

[فصل فيمن كان يحرسه صلى الله عليه وسلم في غزواته] (فصل) فيمن كان يحرسه صلى الله عليه وسلم في غزواته وهم ثمانية سعد بن معاذ سيد الانصار وأبركهم اسلاما حرسه يوم بدر حين نام في العريش ذكوان بن عبد الله بن قيس محمد بن مسلمة الانصاري حرسه بأحد الزبير بن العوام حرسه يوم الخندق عباد بن بشير سعد بن أبي وقاص أبو أيوب الانصار حرسه بخيبر حين دخل بصفية بلال حرسه بوادي القرى قال عبد الله بن شقيق عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فلما نزلت أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنى الله. [فصل في رسله صلى الله عليه وسلم الى الملوك] (فصل) في رسله صلى الله عليه وسلم الى الملوك وهم أحد عشر وقد سبق بعضهم في تاريخ السنة السادسة وذكرنا هناك ما ثبت من ذلك في الصحيح ونذكرهم هنا جملة لتتم الفائدة* ذكر ابن اسحاق في خبر متداخل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية فقال أيها الناس ان الله بعثني رحمة وكافة فأدوا عنى يرحمكم الله ولا تختلفوا على كما اختلفت الحواريون على عيسى بن مريم قالوا يا رسول الله وكيف كان اختلافهم على عيسى بن مريم قال دعاهم لمثل ما دعوتكم له فأما من قرب به فأحب وأسلم وأما من بعد به فكره وأبي فشكى ذلك عيسى منهم الى الله عز وجل فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذى وجه اليهم* فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري الى النجاشي وقد سبق انه لما ورد عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن سريره وأنصف كل الانصاف وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه يوم مات وروي انه لا يزال يرى على قبره النور* وأرسل دحية بن خليفة الى قيصر وقد قدمنا (فصل) فيمن كان يحرسه (في العريش) الذى ضرب له ببدر ومحله الآن مسجد يسمى مسجد العريش (ذكوان) بفتح المعجمة (محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام ابن سلمة (الانصاري) الاوسي الحارثى توفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين وهو في عشر الثمانين (ابن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (ابن شقيق) بفتح المعجمة وكسر القاف الاولى (عن عائشة) أخرجه عنها الترمذي في السنن (تحرس) زاد الترمذي ليلا (حتى نزلت هذه الآية) وكان نزولها عام تبوك كما مر (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ) أى يحفظك ويمنعك (مِنَ النَّاسِ) من ان يقتلوك وقيل والله يخصك بالعصمة من بين الناس. (فصل) في رسله الى الملوك (يرحمكم الله) بالجزم على جواز الأمر ويجوز الرفع على القطع (من قرب به) أي رزق القرب الى الله عز وجل بسببه (وأما من بعد به) أي شقى بالبعد من الله بسببه

ما ثبت من ذلك في الصحيح وانه قارب الاسلام فلما رأى نفرة الروم غلب عليه حب الرئاسة فتقعدد اليها. وروى انه وضع كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصبة من ذهب فهم يتوارثونه ويستفتحون به وروى انه أرسل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع دحية اني مسلم ولكنى مغلوب فكذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم* وبعث صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة الى كسرى فمزق كتابه فدعى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق واسم كسرى الذي مزق الكتاب أبرويز بن هرمز بن أنوشروان ومعنى أبرويز بالعربية المظفر. وروي ابن هشام عن الزهرى ما معناه أن كسرى كتب الى باذان عامله على صنعاء وهو الرابع من ملوكها وهو يأمره أن يسير الى النبي صلى الله عليه وسلم ويستتيبه فان تاب والا بعث اليه برأسه فبعث باذان بكتاب كسرى الى النبى صلى الله عليه وسلم فكتب اليه النبي صلى الله عليه وسلم ان الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا فلما ورد الكتاب على باذان فوقف مترقبا صدق ذلك فقتله ابنه شبرويه في ذلك اليوم فحينئذ بعث باذان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه واسلام من معه والله أعلم* وبعث حاطب بن أبي بلتعة اللخمى الى المقوقس واسمه جريج ابن مينا وهو والى مصر والاسكندرية وكان متحكما لهرقل ولما ورد عليه حاطب قال له انه قد كان قبلك رجل يزعم انه الرب (نفرة) بتثليث النون وسكون الفاء أي نفورهم (فتقعدد) يتعلل من القعود أي اخلد وركن (وروى انه وضع كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصبة من ذهب فهم يتوارثونه ويستفتحون به) ذكر ذلك السهيلى وزاد حتى كان عند ادنوس الذي تغلب على طليطلة وما أحد أخذها من بلاد الاندلس ثم كان عند ابن نبيه المعروف بالسلطتين قال وحدثنى بعض أصحابنا انه حدثه من سأله رؤيته من قواد أجناد المسلمين كان يعرف بعبد الملك بن سعيد قال فاخرجه الى فاستعرت وأردت تقبيله فاخذ بيدي ومنعنى عن ذلك صيانة له وضنا به على انتهى (ابرويز) بفتح الهمزة والراء بينهما تحتية ساكنة وبكسر الواو وسكون التحتية الثانية آخره زاي كذا ذكره السهيلي وغيره وقيل فيه برويز بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر الواو (انوشروان) بالنون وفتح المعجمة كما مر (باذان) بالموحدة والمعجمة (وهرز) بفتح الواو وسكون الهاء وكسر الراء ثم زاي (شبرويه) بفتح المعجمة وسكون الموحدة فيه الوجهان اللذان قرأ في نفطويه وريحويه وسحنويه وراهويه (جريج) بالجيمين مصغر (ابن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية ثم نون ثم مد (قبلك رجل) يريد فرعون

الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثم أنتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك فان لك دينا لن تدعه الا لما هو خير منه وهو الاسلام الكافي به الله فقد ما سواه ان هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له اليهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى الا كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله والأنبياء أجمعين وما دعانا إياك الى القرآن الا كدعائك أهل التوراة الى الانجيل وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فانت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به فلما قال له ذلك قارب وسدد وأهدى أنواعا من الهدايا وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى الجلندي وأخيه ملكي عمان وهما من الازد فقال الجلندى بعد ان وعظه عمرو وأبلغ انه والله قد دلني على هذا النبي الأمي انه لا يأمر بخير الا كان أول من أخذ به ولا ينهى عن شر الا كان أول تارك له وانه يغلب ولا يبطر ويغلب فلا يضجر ثم أسلما وخليا بين عمرو وبين الصدقة والحكم فيما بينهم فلم يزل عندهم حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو العامرى الى هوذة بن على الحنفي فلما ورد عليه أكرمه وكتب الى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن ما تدعوا اليه وأجمله وأنا خطيب قومي وشاعرهم فاجعل لى بعض الامر فابى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم ومات زمن الفتح وبعث صلى الله عليه وسلم شجاع ابن وهب الاسدي الى الحارث بن أبي شمر الغسانى ملك البلقى قال شجاع انتهيت اليه وهو بغوطة دمشق فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمى به وقال أنا سائر اليه وعزم على ذلك فمنعه قيصر. ثم بعث أيضا شجاع بن وهب الى جبلة بن الايهم الغسانى فقال جبلة والله لوددت ان الناس اجتمعوا على هذا النبي الامى اجتماعهم على خلق السموات والارض ولقد سرنى اجتماع قومي له وأعجبني قتل أهل الاوثان واليهود واستبقاء النصاري ولقد (نكال) عقوبة (فانتقم به) من بني اسرائيل (ثم انتقم منه) فاغرقه في اليم (ولا يعتبر) بالنفي والنهى (أشدهم) خبر كان (قريش) اسمها (الجلندى) بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون وفتح المهملة (عمان) بضم المهملة مخفف صقع عند البحرين وقال السهيلي قرية باليمن سميت بنعمان بن سنان (يبطر) بالموحدة والمهملة أي لا ناشر (فلا يضجر) أي لا يمل (سليط ابن عمرو) بالمهملتين مكبر (شجاع بن وهب) بضم المعجمة (بغوطة دمشق) بضم الغين المعجمة واهمال الطاء وصحف من اعجمها وهي بلدة بدمشق قال

دعاني قيصر الى قتال الصحابة يوم مؤته فابيت عليه فانتدب ملك بن رافلة من سعد العشيرة فقتله الله ولكني لست أرى حقا ينفعه ولا باطلا يضره والذى يمدنى اليه أقوي من الذي يختلجنى عنه وسأنظر وأسلم جبلة بعد ثم تنصر من أجل لطمة حاكم فيها الى أبى عبيدة فحكم عليه بالقصاص فانف واستكبر ومات على نصرانيته وله في ذلك خبر يطول وكان طول جبلة اثنى عشر ذراعا وكان يمسح برجليه الارض وهو راكب. وبعث صلى الله عليه وسلم المهاجر ابن أبي أمية المخزومى الى الحارث بن عبد كلال الحميري أحد مقاولة اليمن فقال له المهاجر يا حارث انك كنت أول من عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم فحظيت عنه وكنت أعظم الملوك قدرا فاذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك واذا سرك يومك فخف غدك وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها عاشوا طويلا وأملوا بعيدا وتزودوا قليلا منهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم فتردد الحارث ولم يسلم وبعث النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمى الى المنذر بن ساوى العبدى ملك البحرين فدفع اليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له يا منذر ان هذه المجوسيه شر دين تنكحون ما يستحى من نكاحه وتأكلون ما يتكرم عن أكله وتعبدون في الدنيا نارا تاكلهم في الآخرة فقال المنذر قد نظرت في هذا الدين الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا فما يمنعنى من دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت ولقد عجبت أمس ممن يقبله وعجبت اليوم ممن يرده ثم أسلم. وبعث صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل الى اليمن داعيين الى الاسلام فأسلم عامة اليمن ملوكهم وسوقتم طوعا من غير قتال الواحدى جنان الارض أربع غوطة دمشق وشعب بوان وايلة البصرة وسعد سمرقند (ابن رافلة) بالراء والفاء المكسورة (العشيرة) بفتح المهملة وكسر المعجمة (يختلجنى) بالمعجمة قبل الجيم أي يأخذني عنه ويمسكني (ومات على نصرانيته) كما قاله الجمهور وقالت طائفة عاد الى الاسلام (المهاجر) على صفة اسم الفاعل (مقاوله) بفتح الميم والقاف وكسر الواو (كنت) اسمها مضمر (أول) بالنصب خبرها (فحظيت) باهمال الحاء واعجام الظاء أى كنت ذا رتبة علية عند الناس من الحظوة (العلي) بفتح المهملة والمد (ابن ساوي) باهمال السين والامالة في أكدا (أمنية الحياة) أي ما يتمنى ويشتهي فيها (أمس) مبنى على الكسر

فصل في كتابه صلى الله عليه وآله وسلم

[فصل في كتّابه صلى الله عليه وآله وسلم] (فصل) في كتّابه صلى الله عليه وآله وسلم وهم خمسة وعشرون علي وأبو بكر وعمر وعثمان وعامر بن فهر وعبد الله بن الأرقم وأبى بن كعب وثابت بن قيس بن شماس وخالد بن سعيد ابن العاص واخوه حبان وحنظلة بن أبي عامر الاسيدى وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن عبد الله بن أبىّ بن سلول والزبير بن العوام ومعيقيب بن أبى فاطمة الدوسى والمغيرة بن شعبة وخالد بن الوليد والعلاء بن الحضرمي وعمرو بن العاص وجهيم بن الصلت وعبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سعد بن ابى سرح. (فصل) في رفقائه صلى الله عليه وسلم العشرة النجباء الذي اخبر انهم في الجنة هم ابو بكر عبد الله بن عثمان التيمى ابو حفص عمر بن الخطاب العدوى ابو عمرو عثمان بن عفان الاموي ابو الحسن على بن ابى طالب الهاشمي أبو محمد طلحة بن عبد الله التيمى أبو عبد الله الزبير بن العوام الاسدي أبو اسحاق سعد بن أبى وقاص مالك بن أهيب (فصل) في كتابه (ابن الارقم) بالقاف (وأبى بن كعب) كان أول من كتب له بالمدينة (الأسيدي) بضم الهمزة وفتح المهملة وكسر التحتية المشددة واسكانها مخففة منسوب الى بني أسد بطن من علم (وشرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة وكسر الموحدة ثم تحتية (ابن حسنة) بفتح المهملتين والنون (ومعيقيب) بضم الميم وفتح المهملة وسكون التحتية وكسر القاف بعدها تحتية ثم موحدة هو الذي أصابه علة الجذام (وجهيم) بالتصغير (وعبد الله بن سعد بن أبي سرح) . (فصل) في رفقائه العشرة (أخبر أنهم في الجنة) أى جمعهم كلهم في حديث وهو ما رواه أحمد بسند صحيح والضياء عن سعيد بن زيد ورواه الترمذى عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلى في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ولا ينافي ما أخبر به بالنسبة الى غيرهم كعبد الله بن سلام والحسن والحسين وأبي سفيان بن الحارث وفي هذا الحديث تفضيل هؤلاء العشرة على من سواهم من الصحابة وأفضلهم الخلفاء الاربعة بترتيبهم المشهور عند أهل السنة ثم باقيهم في الفضل سواء (التيمى) نسبة الى تيم بن مرة ويشاركه في هذا النسب طلحة أيضا كما مر (العدوى) نسبة الى عدى بن كعب ويشاركه في ذلك سعيد بن زيد (الاموي) نسبة الى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (الهاشمى) نسبة الى هاشم بن عبد مناف فعبد مناف يجمع عثمان وعليا (الاسدي) نسبة الى أسد بن عبد العزى بن قصى يسمونه أسد قريش ليفرقوا بذلك بينه وبين أسد

فصل في أنصاره الإثني عشر النقباء

الزهري أبو محمد عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري وقد جمعهم بعض الفضلاء في بيتين فقال: علىّ والثلاثة وابن عوف ... وسعد منهم وكذا سعيد كذاك أبو عبيدة فهو منهم ... وطلحة والزبير ولا مزيد وأنشدنا فيهم أيضا الفاضل الناسك الأصيل أبو بكر محمد الصوفي فقال: عتيق والفتى عمر النقى ... وعثمان ومولانا علىّ وطلحة وابن عوف وابن زيد ... وسعد من بهم فخرت لؤي كذاك أبو عبيدة فهو منهم ... وليثهم الحواري الكمىّ أولاك السابقون الى المعالى ... فدع قول الروافض فهو غي [فصل في أنصاره الإثني عشر النقباء] (فصل) في أنصاره الاثني عشر النقباء وقد سبق ذكرهم وما قيل فيهم من الشعر وقد جمعهم أيضا الشيخ الهمام سيد الحفاظ وقدوة النبهاء الايقاظ علىّ بن أبى ذكريا الداودى الحسينى فقال: أبيات شعر في أسامي النقبا ... أنصار هذا الدين لما نصبا عينهم جبريل للرسول ... كذا عن الزهرى في المنقول فاسعد نقيبهم لا يجهل ... فتى ذرارة فذاك الأول خزيمة الذي ينسب اليه عبد الله بن جحش (الزهري) نسبة الى زهرة بن كلاب ويشاركه في ذلك عبد الرحمن بن عوف (أبو الاعور) بالراء (الفهري) نسبة الى فهر بن مالك فهم تيميان وعدويان ومنافيان وزهريان وأسدى وفهري وقد نظمتهم على مقتضي هذا فقلت: أبو بكر وطلحة نجل تيم ... وفاروق سعيد من عدى وعثمان التقى كذا على ... لعبد مناف ذي الشرف العلي وسعد ذو الفضائل وابن عوف ... لزهرة وهو صاح أخو قصى ومن أسد زبير وابن جرا ... حهم من فهر فاحفظ يا أخي (والثلاثة) يعني أبا بكر وعمر وعثمان (ولا مزيد) بالضم لضرورة الشعر (أبو بكر) كنيته و (محمد) اسمه و (الصوفي) لقبه وهو من بنى عبد الرحمن سكنه القراض (عتيق) سمى بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم له أنت عتيق الله من النار أخرجه الترمذى عن عائشة (فاسعد) بالصرف لضرورة الشعر

فصل في ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير

وابن الربيع وفتى رواحه ... ورافع بن مالك جناحه ثم ابن معرور وذاك البرا ... ثم أبو جابر فيهم ذكرا ثم عبادة سليل الصامت ... الخزرجي زاكي المنابت وابن عبادة وذاك سعد ... والمنذر بن عمرهم من بعد وابن حصين ثم سعد خيثمه ... ثم رفاعة أتت منظمه فالتسعة الاولى صميم الخزرجي ... تليهم الأوس كرام المهج [فصل في ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير] (الباب السادس في ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير) ونعمه وغنمه وسلاحه وبيوته وملبوساته وغير ذلك من أنواع الآته. وفيه عدد سراياه وغزواته صلى الله عليه وسلم (فصل) في ذكر دوابه من الخيل والبغال والحمير: كان له صلى الله عليه وسلم عشرة أفراس السّكب كان أدهم وهو أول فرس ملكه اشتراه من أعرابي من بني فزارة بعشر أواقى وكان تحته يوم أحد وكان اسمه عند الاعرابى الضّرس بفتح الضاد وكسر الراء المهملة كالشرس وزنا ومعنى فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم السكب وكان أغر محجلا طلق اليمين مسبحة وكذا زرارة (جناحه) بفتح الجيم ثم نون ثم حاء ثم هاء الضمير وهو منصوب على الحال (ثم أبو جابر) بترك الصرف لضرورة الشعر (ثم عبادة) بالصرف لذلك أيضا (سعد خيثمة) باضافة سعد (صميم) بالمهملة أي خالص (كرام المهج) جمع مهجة وهي القلب وقيل دم القلب (تنبيه) سقط على المصنف ذكر أهل الفتوى في حياته صلى الله عليه وسلم مع انه قد ترجم لهم وهم كما قال المحب الطبري في كتاب مناقب العشرة الخلفاء الاربعة وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار بن ياسر وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وسلمان الفارسي وأبو موسي الاشعرى لكن لم يفت منهم بحضرته صلى الله عليه وسلم سوي أبو بكر رضي الله عنه. (الباب السادس) في ذكر دوابه (عشرة أفراس) المتفق عليهم سبعة السكب واللحيف وسبحة والضرب ولزاز والمرتجز والورد وفي باقيها الخلاف (السكب) بفتح المهملة وسكون الكاف وقد يضم سمي بذلك لانسكابه في الجرى كما ينسكب الماء (اغر) أى ذاغرة في وجهه (طلق اليمين) بفتح المهملة وسكون اللام الثانى (سبحة) بفتح المهملتين بينهما موحدة ساكنة اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم من رجل من جهينة بعشرين من الابل وسميت بذلك لحسن مديدها في الجري اذا

وهو الذى سابق عليه فسبق ففرح به المرتجز اشتراه من سواء بن الحارث المحاربى وانطلق لينقده ثمنه فأعطى أكثر من ذلك فجحد بيع النبي صلى الله عليه وسلم فطلب شاهدا من النبي صلى الله عليه وسلم وقال هلم شاهدا يشهد لك انى بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يشهد لى فقال خزيمة بن ثابت أنا فقال كيف تشهد ولم تحضر فقال نصدقك في خبر السماء ولا نصدقك فيما في الأرض فقال صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه فسمي ذو الشهادتين وثبت لخزيمة منقبة أخرى وهي انه رأى انه يسجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فاضطجع له وسجد على جبهته رواه الامام أحمد بسند جيد وروى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد الفرس على الأعرابي وقال لا بارك الله لك فيها فأصبحت شائلة برجلها. لزاز من هدايا المقوقس وكان يعجبه ويركبه في أكثر غزواته. اللحيف أهداه له ربيعة بن البراء فأثابه فرائض من نعم بني كلاب. الظرب أهداه له فروة بن عمرو الجذامي. الورد أهداه له تميم الدارى فأعطاه عمر فحمل عليه عمر في سبيل الله ثم أضاعه الذى حمل عليه عمرو أخرجه للبيع فأراد عمر ان يشتريه فقال له النبى صلى الله عليه وسلم لا تشتره وان اعطاكه بدرهم فان العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه. والورد جرت (فسبق) مبنى للفاعل (المرتجز) زاد الطبراني عن ابن عباس قال وكان اشقر وذكره الحاكم والبيهقى أيضا عن على سمي بذلك لحسن صهيله (سواء بن الحارث) مثلث السين والفتح أشهر وهو ممدود (المحاربي) نسبة الى بني محارب بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء (فجحد بيع النبي صلى الله عليه وسلم وقال هلم شاهدا يشهد اني بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يشهد لى الى آخره) رواه أبو داود والنسائي (وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رد الفرس) ذكره عياض في الشفا (شايلة) بالمعجمة والتحتية رافعة وزنا ومعنى (لزاز) ذكره البيهقي عن سهل بن سعد وهو بكسر اللام ثم زاى مكررة سمي به لقوة نزعه في الجرى كانه يلز الارض أي يجمعها بقوائمه (اللحيف) ذكره الشيخان عن سهل بن سعد أيضا وهو بمهملة مصغر وقيل مكبر بوزن رغيف سمي بذلك لطول ذنبه فعيل بمعني فاعل كانه يلحف الارض بذنبه وقال البخاري في صحيحه وقال بعضهم اللخيف أي بالمعجمة مصغر ومكبر أيضا (فرائض) جمع فريضة بالفاء والمعجمة وهي الهرمة من الابل (الظرب) ذكره البيهقي في السنن عن سهل أيضا وهو بفتح المهملة وكسر الراء سمى بذلك لعظم جنبيه كالطرب وهو الخيل الصغير والرائية ويقال فيه الضرب بالضاد لغة رديئة في الطرب ويقال الطرب بالمهملة مشتق من الطرب كانه لا يسأم من كثرة المشى (الورد) بفتح الواو وسكون الراء (فحمل عليه عمر) أى تصدق به على من يركبه (في سبيل الله) أي في الجهاد (العائد في هبته الى آخره) رواه أحمد

من ألوان الخيل الذى لونه بين الكميت والشقر. الصرم بفتح أوله وكسر ثانيه. ملاوح وكان لأبى بردة بن نيار. البحر اشتراه من تجار قدموا من البحرين فسبق عليه ثلاث مرات فمسح صلى الله عليه وسلم وجهه وقال ما أنت الا بحر. وثبت في الصحاح انه وقع فزع في المدينة ليلا فركب صلى الله عليه وسلم فرسا لأبى طلحة عريا يقال له مندوب وكان بطيئا فاستبرأ الخبر فرجع فتلقاه الناس وقال ما وجدنا من فزع وان وجدناه لبحرا فكان بعد ذلك لا يجارى والله أعلم: وكان له صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء يقال له دلدل من هدايا المقوقس وهي أول بغلة ركبت في الاسلام وعاشت بعده حتى كبرت وزالت أضراسها فكان الصحابة يضيفونها ويجشون لها الشعير وبقيت الى زمن معاوية وماتت بينبع وذكر بعضهم الاجماع على ان الدلدل كان ذكرا والله أعلم: وكان له صلى الله عليه وسلم بغلة أخرى يقال لها فضة وهبها من أبى بكر. وبغلة أخرى يقال لها الايلية أهداها له ملك ايلة. وبغلة أخري والشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن ابن عباس (الكميت) الفرس الشديد الحمرة (والاشقر) كذلك لكن يكون عرف الكميت وذنبه أسودين والاشقر كله أحمر (الصرم) بالمهملة والراء سمى به لصرامته أي حدته (ملاوح) بضم الميم وكسر الواو آخره مهملة سمي بذلك لكثرت الضرب بذنبه يمينا وشمالا (لابي بردة) اسمه هاني (بن نيار) بكسر النون ثم تحتية (البحر) سمي به لاتساعه في الجرى (وثبت في) الاحاديث (الصحاح) في الصحيحين وغيرهما (عريا) أي ليس عليه سرج ولا غيره من الاداة ويقال في الآدميين عريان (مندوب) بالنون والمهملة (يطيئا) في رواية في الصحيح قطوفا وهو الذي يقارب خطاه وقيل الضيق المشى يقال قطفت الدابة تقطف بكسر الطا وضمها قطافا (فاستبرأ الخبر) أى تحققه (يجارى) بضم أوله أي لا يسابق في الجري وفي الحديث ما يدل على قوة شجاعته صلى الله عليه وسلم وثبات جأشه وانه من ذلك بالمقام الاعظم وفيه جواز ركوب الخيل من غير اداة عليها وأن ذلك غير مكروه وفيه طهارة عرق الفرس ونحوه من كل حيوان طاهر وفيه المعجزة الظاهرة له صلى الله عليه وسلم حيث صار الفرس بركوبه اياه لا يجارى وكان قبل ذلك بطيئا بالبناء للفاعل (شهباء) كما رواه البيهقي في السنن عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا (دلدل) بضم المهملة المكررة وسكون اللام مصروف كذا قال المحب الطبرى أنه اسم للبغلة التى أهداها له المقوقس وفي شرح مسلم للنووى أن الدلدل اسم للبغلة التي أهداها له فروة بن نفاثة الخزامي (ويجشون) بضم الجيم وتشديد المعجمة أى يقحفون (يقال لها فضة) سميت بذلك لصفاء لونها (وهبها) بضم الواو وكسر الهاء (الايلية) بفتح الهمزة ثم تحتية وبقي من البغال على ما ذكره مغلطاى في سيرته بغلة أهداها له ابن العلماء بفتح المهملة وسكون اللام مع المد وأخرى أهداها له كسري وأخري من دومة الجندل

فصل في ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم

أهداها له فروة بن نفاثة الجذامى وكانت بيضاء وهى التي ركبها يوم حنين ولما أخذ القبضة التي رمى بها وجوه الكفار تطأطأت به حتى بلغ بطنها الارض. وكان له حمار يقال له اليعفور أهداه له فروة بن عمرو الجذامي مات في حجة الوداع وقيل بقى بعده والقى نفسه في بئر يوم موته صلى الله عليه وسلم وعفير أهداه له المقوقس. واما الحمار الذي ذكر انه أصابه بخيبر وكلمه بكلام طويل وانه بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام تردى في بئر فقال الحفاظ هو حديث منكر اسنادا ومتنا. [فصل في ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم] (فصل) في ذكر نعمه صلى الله عليه وسلم ولم يذكر انه اقتنى من البقر شيئا. كان له صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة يراح له منها كل ليلة بقربتين عظيمتين لبنا* منهن الحناء والسمراء والعديس والعدثة والبغوم والنسيرة والرناء وبردة ومهرية. وكانت ناقته التي يركبها القصواء وهي الجدعاء والعضباء وكل هذه الالقاب لنقص يكون في الأذن ولم يكن بناقة النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك وانما هي ألقاب لزمتها وكان النبى صلى الله عليه وسلم اذا نزل عليه الوحى غيرها. وثبت في سبب ملكها ما رويناه في صحيح مسلم ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسروا رجلا من بنى عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق فقال يا محمد بما أخذتنى وبما أخذت سابقة الحاج فقال أخذتك بجريرة حلفائك من ثقيف وذكر الحديث وفيه قصة. وقال وأخرى أهداها له النجاشي (يقال له يعفور) ذكره البيهقي في السنن عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا ورواه الطبراني عن ابن عباس وهو بفتح التحتية وسكون المهملة وضم الفاء (وعفير) بالمهملة والفاء مصغر رواه أحمد عن على والطبراني عن ابن مسعود قال مغلطاي في سيرته يقال أن يعفور وعفيرا واحد قال وكان للنبى صلى الله عليه وسلم حمارا آخر أعطاه سعد بن عبادة. (فصل) في ذكر نعمه (لقحة) بكسر اللام وسكون القاف وهي ذات اللبن من الابل (الحناء) بفتح المهملة وتشديد النون مع المد سميت له لكثرة حنينها (والسمراء) سميت بذلك لان لونها كان أسمر (والعديس) بالمهملات مصغر (والبغوم) بفتح الموحدة وضم المعجمة (والنسيرة) بالنون والمهملة مصغرة (والرنا) بفتح الراء وتشديد النون (وبردة) بضم الموحدة وسكون الراء (ومهرية) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الراء وتشديد التحتية نسبة الى مهرة قبيلة من قضاعة كما مر في ذكر وفود اليمن (ما رويناه في صحيح مسلم) وسنن أبي داود عن عمران بن الحصين وأخرج الترمذى منه طرفا يسيرا (من بني عقيل) بضم المهملة وفتح القاف وانما أسروه لان ثقيفا كانت حلفاء لبنى عقيل فاسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (سابقة الحاج) يعني ناقته العضباء (بجريرة) بالجيم وتكرير الراء أى جناية (حلفائك) يعنى ثقيفا حيث أسروا الرجلين (وذكر الحديث) تتمته ثم انصرف عنه فناداه يا محمد يا محمد وكان صلى الله عليه وسلم رحيما

فصل في ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم

آخرون دل تعدد الاسماء على تعدد المسميات وان القصوى ابتاعها من أبي بكر يوم الهجرة والله أعلم وكان له صلى الله عليه وسلم مائة من الغنم لا يريد عليها زيادة فاذا راح الراعى بسخلة ذبح مكانها أخرى. صلى الله عليه وسلم شاة يختص بها يشرب لبنها تدعى عيبة. وكان له ديك أبيض. [فصل في ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم] (فصل) في ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم كان له أربعة أرماح ثلاثة أصابها من سلاح بنى قينقاع وواحد يقال له المثنى. وكان له صلى الله عليه وسلم عنزة وهي حربة دون الرمح كان يمشى بها في يده وتحمل بين يديه في العيدين تركز أمامه فتكون سترته. وكان له محجن قدر الذراع يتناول به الشيء وكان له مخصرة تسمى العرجون. وقضيت يسمى الممشوق. رقيقا فرجع اليه فقال ما شأنك قال اني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح قال اني جائع فاطعمني فظمآن فاسقنى قال هذه حاجتك فابتديء بالرجلين قال وأسرت امرأة من الانصار وأصيبت العضباء فكانت امرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدى بيوتهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فاتت الابل فجعلت اذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى انتهت الى العضباء فلم ترغ وهي ناقة منوقة أى مدربة وروى مدرية وروى مجرسة قال فقعدت في عجزها ثم ضربتها فانطلقت ونذروا بها فطلبوها فاعجزتهم قال ونذرت لله ان نجاها لتنحرنها فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فقال سبحان الله شر ما جزتها نذرت ان نجاها الله عليها لتنحرنها لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد انتهي الحديث وفيه من الفوائد عدم جواز أسر الكافر فقط وأنه لو أسلم بعد الاسر حقن دمه وبقي الخيار بين الاسترقاق والمن والفداء وفيه جواز المفاداة وفيه عدم صحة نذر المعصية وعند أحمد تجب كفارة يمين وفيه عدم صحة النذر فيما لا يملك الشخص اذا أضافه الى معين نحو ان شفا الله مريضي فلله على عتق عبد فلان وفيه جواز سفر المرأة وحدها اذا كان سفر ضرورة كالهجرة وهذه المرأة التى أسرت هي امرأة أبي ذر قال السهيلى واسمها ليلى والناقة مدربة بالمهملة والموحدة المؤدبة المخرجة التي ألفت المشى في الدروب والمجرسة بالجيم والمهملة المجربة في السير أيضا (سخلة) بفتح المهملة وسكون المعجمة الصغيرة من ولد الغنم (عيبة) بفتح المهملة والموحدة بينهما تحتية ساكنة سميت بذلك كأنها عبية اللبن أي وعاء إذا لعيبة وعاء يحفظ فيه المسافر المتاع وكان له ديك أبيض أفرق ثم صار بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى على وورد في الامر باتخاذه أحاديث ضعيفة (فصل) في ذكر سلاحه (يقال له المثنى) سمى بذلك لانه كان يثنى لينا (وكان له عنزة) بفتح النون والزاى أهداها له النجاشى كما في طبقات ابن سعد وكان اسمها النمر كما رواه الطبراني عن ابن عباس وروى أيضا عنه انه كان له حربة أخرى تسمى النبعاء بالنون فالموحدة والمهملة (مخصرة) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح المهملة وهي ما تتخصر عليه أى يتكأ (وقضيب) بالقاف والمعجمة من شوحط (يسمى الممشوق)

وكان له صلى الله عليه وسلم أربعة قسى اثنان من شوحط يسميان الروحاء والبيضاء. وأخرى من نبع تسمى الصفراء وأخرى تسمى الكتوم كسرت يوم بدر* وكان له صلى الله عليه وسلم جعبة تسمى الكافور وكان له صلى الله عليه وسلم ترس عليه تمثال عقاب أهدى له فوضع يده عليه فاذهبه الله* وكان له صلى الله عليه وسلم تسعة أسياف ذو الفقار تنقله يوم بدر وهو الذى رأى فيه الرؤيا وكان قبله لمنبه بن الحجاج السهمى* وثلاثة أسياف من سلاح بنى قينقاع أحدهم سيف قلعى وآخر يدعي البتار وآخر يدعي الحتف. وكان له سيف يدعى المخذم وسيف يسمى الرسوب وآخر ورثه من. أبيه وكان له صلى الله عليه وسلم سيف يقال له العضب أعطاه إياه سعد بن عبادة وسيف يدعي القضيب وهو أول سيف تقلده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أنس كان نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة وقبيعته فضة وما بين ذلك حلق الفضة. وكان له صلى الله عليه وسلم تسعة أدراع أحدهما يسمى الخرنق سميت به للينها بالمعجمة والقاف رواه الطبرانى عن ابن عباس والممشوق الطويل الدقيق قاله في القاموس (من شوحط) بفتح المعجمة والمهملة بينهما واو ساكنة آخره طاء مهملة شجر له شوك (الروحاء) بفتح الراء والمد بينهما واو ساكنة (من نبع) بفتح النون وسكون الموحدة ثم مهملة (الصفراء والكتوم) بفتح الكاف وضم الفوقية سميت بذلك لعدم ظهور صوت لها عند الرمى كانها تكتمه وفي القاموس قوس كتم وكتوم وكاتم وكاتمة لا صدع في نبعها وللطبراني عن ابن عباس أن قوسه كانت تسمى ذا السداد كانت له جعبة بفتح الجيم وضمها وسكون المهملة ثم موحدة أى كنانة (تسمى الكافور) سميت به من الكفر وهو الستر لانها تستر السهام وللطبراني في الكبير عن ابن عباس أنها كانت تسمى ذا الجمع فلعلها كانت تسمى بالاسمين معا (وكان له ترس) بضم الفوقية وسكون الراء بعدها مهملة كما رواه الطبرانى عن ابن عباس (عقاب) الطائر المعروف (فوضع يده عليه) ليذهب لحرمة التمثيل (فاذهبه الله) بمجرد ان وضع يده عليه ففيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم (ذو الفقار) كان محليا قائمته من فضة ولعله من فضة وفيه حلق من فضة وهو بفتح الفاء قبل القاف سمى بذلك كما قال السهيلى لحفر صغار فيه نحو ثماني عشرة (تنقله يوم بدر) وكان للعاص بن المنبه فقتل يومئذ قاله في القاموس (وهو الذي رأي فيه الرؤيا) يوم أحد (يدعي البتار) بفتح الموحدة وتشديد الفوقية أي القطاع والبتر القطع (الحتف) بفتح المهملة وسكون الفوقية بعدها فاء والحتف الموت وسمي به من باب اطلاق المسبب على السبب (المخذم) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الذال المعجمتين وهو من أسماء السيوف ونعوته والخذم القطع (الرسوب) بفتح الراء وضم المهملة سمى به كان اذا ضرب به رسب في الجلد أي نشب بالموحدة (العضب) بفتح المهملة وسكون المعجمة وهو من أسماء السيف (الخرنق) بكسر المعجمة والنون بينهما

فصل وكان له صلى الله عليه وسلم يوم مات تسعة أبيات

وأخرى تسمى البتراء لقصرها. وذات الفضول لطولها وهى التى مات وهى مرهونة* وذات الوشاح وذات الحواشى وفضة والسعدية قيل وهى درع داود التى كانت عليه حين قتل جالوت ودرعان أصابهما من بنى قينقاع ذكر ذلك الكمال الدميرى. قلت ودرعه الخطمية التي سلحها عليا وأمره أن يجعلها صداقا لفاطمة. وروي أنه أمر أن يبيعها في جهازها فباعها باربعمائة وثمانين درهما وظاهر صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين بين درعين وكان له صلى الله عليه وسلم مغفر يقال له السبوغ. ومنطقة من أديم فيها ثلاث حلق فضة وكانت له راية سوداء مخملة يقال لها العقاب وكان له لواء أبيض وربما جعل الألوية من خمر نسائه صلى الله عليه وسلم [فصل وكان له صلى الله عليه وسلم يوم مات تسعة أبيات] (فصل) وكان له صلى الله عليه وسلم يوم مات تسعة أبيات وكان بعضها من جريد مطين بالطين وكان بعضها من حجار مرضومة بعضها فوق بعض وسقف الجميع من جريد النخل وكان سماؤها قامة وبسطة وكان لكل بيت حجرة من أكسية الشعر مربوطة في خشب عرعر. وبعد وفات أمهات المؤمنين خلط الوليد بن عبد الملك البيوت والحجر راء ساكنة آخره قاف وهو في الاصل الفتى من الارانب أو ولد الارنب قاله في القاموس (وأخرى تسمى البتراء) بفتح الموحدة وسكون الفوقية بعدها راء ثم مد (وذات الفضول) بضم الفاء والمعجمة أى الزوائد (وذات الوشاح) سميت به لانها كانت موشحة بنحاس كما رواه الطبراني عن ابن عباس (وذات الحواشى) بفتح المهملة وكسر المعجمة (وفضة) سميت به لصفائها (الخطمية) بفتح المعجمة وكسر الميم وتشديد التحتية (يقال له السبوغ) بفتح المهملة وضم الموحدة سميت به لانها كانت سابغة أي تامة (منطقة) بكسر الميم وسكون النون وفتح المهملة ما يتمنطق به أى يحتزم (وكانت له راية سوداء) كما رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس ورواه أبو داود والترمذى عن البراء ابن عازب وزاد وكانت مربعة من نمرة والنمرة برد من الصوف يلبسه الاعرابى ولابي داود عن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم قال رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء وهى محمولة على التعدد (مخملة) بضم الميم الاولى وتشديد الثانية بينهما معجمة مفتوحة أي ذات خمل أى اهداب (العقاب) بضم المهملة كما مر (وكان له لواء أبيض) كما رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس وهو الذى دخل به مكة يوم الفتح كما رواه الترمذى عن جابر (خشب عرعر) بتكرير المهملتين بوزن جعفر شجر السرو. (فصل) كان له يوم مات (مرضومة) باعجام الضاد أي مطروح بعضها فوق بعض (وكان سماؤها) أي كثرة ارتفاعها في السماء (عرعر) بتكرير المهملة والراء خشب طيب الرائحة يشبه الصندل

فصل في ملبوساته صلى الله عليه وسلم وغيرها من أنواع آلاته

في المسجد ولما ورد كتابه بذلك ضج أهل المدينة بالبكاء كيوم وفاته صلى الله عليه وسلم وكان ذلك على يدي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه [فصل في ملبوساته صلى الله عليه وسلم وغيرها من أنواع آلاته] (فصل) في ملبوساته صلى الله عليه وسلم وغيرها من أنواع آلاته ترك صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبى حبرة وازارا عمانيا ورداء أخضر حضرميا يشهد فيه العيدين طوله أربعة أذرع وشبر وعرضه ذراعين وثوبين صحاريين وقميصا صحاريا وقميصا سحوليا وجبة يمنية وخميصة وكساء أبيض ملبدا وقلانس صغارا لا طية ثلاثا أو أربعا وإزارا طوله خمسة أشبار وملحفة مورسة وكان له عمامة سوداء وأخرى يقال لها السحاب كساها عليا وكان يلبس ما وجد مرة شملة ومرة حبرة يمانية ومرة جبة ومرة قباء وتوشح مرة بثوب قطري ومرة ببرد نجرانى غليظ الحاشية وكان أحب الثياب اليه القميص والحبرة وقال البسوا البياض فانه اطهر وأطيب وكفنوا فيه موتاكم وأهدي له النجاشى خفين سادجين فلبسهما وأهدى له أيضا دحية الكلبي خفين فلبسهما حتى تخرقا وكان له نعلان جردوان لهما قبالان (فصل) في ملبوساته (ثوبي حبرة) بكسر المهملة وفتح الموحدة نوع من برود اليمن (عمانيا) بضم العين وتخفيف النون نسبة الى عمان بلدة باليمن كما مر (صحاريين) بضم الصاد وفتح الحاء المهملة نسبة الى صحار بلدة باليمن أيضا (لاطية) بكسر المهملة وهى نوع من أنواع القلانس معروف (وملحفة) أى لحاف (مورسة) أى مصبوغة بالورس والزعفران كما رواه الخطيب عن أنس قال وكان يدور بها على نسائه فاذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء واذا كانت ليلة هذه رشتها وفيه بيان انه صلى الله عليه وسلم انها اتخذها لنسائه وانه كان لا يلبسها فلا ينافيه تحريم لبس المزعفر ونحوه على الرجل (كساء ملبدا) بفتح الموحدة المشددة قال النووى هو المرقع وقيل هو الذى ثخن وسطه حتى صار كاللبد (وكان له عمامة سوداء) وهى التى دخل بها يوم الفتح على رأسه (يقال لها السحاب) سميت بذلك لانها تظل لابسها كما يظل السحاب (قطري) بكسر القاف وسكون المهملة وكسر الراء ثم ياء النسبة الى قطر بلدة بين القطيف وعمان معروفة (وكان أحب الثياب اليه القميص) كما رواه أبو داود والترمذى والحاكم عن أم سلمة (والحبرة) كما رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أنس (البسوا البياض الى آخره) رواه أحمد والترمذى والنسائي وابن ماجه والحاكم عن سمرة بن جندب (سادجين) بفتح المهملتين والجيم والسادج من الحقاق ذو الطبعتين (جرداوين) بفتح الجيم والمهملة والواو وسكون الراء والالف المكررة أى لا شعر عليهما وكان (لهما قبالان) كما أخرجه الترمذي عن أنس والقبال بكسر القاف ثم موحدة الدمام الذى يجرى بين

مثنى شراكهما. واتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم نبذه ولم يراجعه وكان له خاتما من ورق نقشه محمد رسول الله وهو الذي كان يختم به وكان بيد ابو بكر بعده ثم بيد عمر السبابة والوسطي والذمام القبال الذى يجري بين السبابة والابهام (مثني شراكهما) أي معطوف باثنتين والشراك الخيط الصغير الذي يشد به رأس القبال الى النعل ويسمى شسعا أيضا (واتخذ خاتما من ذهب) حين كان مباحا (ثم نبذه) من يده لما حرم وقال والله لا ألبسه أبدا رواه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وتحريمه على الرجال اجماع الا ما حكي عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حرم انه أباحه وعن بعضهم انه مكروه كراهة تنزيه قال النووى وهذان النقلان باطلان وقائلهما محجوج بالاحاديث الصحيحة (وكان له خاتم من ورق) بفتح الواو وكسر الراء أى من فضة وكان فصه حبشيا كما رواه مسلم عن أنس والحبشي حجر من جزع أو عقيق فان معدنهما بالحبشة واليمن وقيل لونه حبشى أي أسود وللبخارى عن أنس أيضا ان فصه كان منه ففيه جواز جعل الخاتم فص من فضة ويحرم من الذهب ولابى داود والنسائي ان خاتمه كان من حديد ملونا عليه فضة وهو محمول على التعدد (نقشه محمد رسول الله) فيه جواز نقش الخاتم ونقش اسم صاحبه ونقش اسم الله تعالى وذكر الزبير بن بكار ان نقش خاتم أبي بكر نعم القادر الله وقال غيره كان نقش خاتمه عبد ذليل لرب جليل وروى ان نقش خاتم الامام مالك كان حسبي الله ونعم الوكيل وكان نقش خاتم الشافعى هو الله يعني محمد بن ادريس (فائدة) في طبقات بن سعد عن ابن سيرين مرسلا ان نقش الخاتم كان بسم الله محمد رسول الله ولم يتابع على هذه الزيادة ولابي الشيخ من حديث أنس لا اله الا الله محمد رسول الله قال في التوشيح وهي زيادة شاذة قلت وكذلك كان نقش خاتم سليمان ابن داود أخرجه أبو بكر الخطيب من حديث جابر وللدار قطني في الافراد عن يعلى بن أمية انه الذى صاغ الخاتم ونقشه وقد جاء في صحيح البخاري ان صفة النقش محمد سطر ورسول سطر والله سطر قال الاسنوي في المهمات وفي حفظى انها كانت تقرأ من أسفل فصاعدا ليكون اسم الله فوق الجميع قال الحافظ ابن حجر ولم أر التصريح بذلك في شيء من الاحاديث وورد في الصحيحين وغيرهما النهى عن أن ينقش أحدا على نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم وسبب النهي انه انما اتخذ الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل قال في التوشيح وهذا يفهم اختصاص ذلك بحياته صلى الله عليه وسلم وفي الديباج انه نهى تحريم مؤبد الى يوم القيامة وليس ذلك بظاهر وجاء فيهما أيضا انه كان يجعل فصه مما يلى كفه أى ليكون أبعد من التزين وفي رواية لابي داود وجعل فصه في ظهر كفه فان صحت فلعله كان يعمل هذا البيان نادرا لجواز وجاء فيهما أيضا انه كان يختم في اليد اليمني ووردت أحاديث اخر انه كان يلبسه في اليسار قال البيهقي والبغوى وغيرهم الاول منسوخ فقد أخرج ابن أبى عزي وغيره من حديث ابن عمرو بن عساكر من حديث عائشة انه صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه ثم حوله الى يساره وكره مالك التختم

ثم بيد عثمان حتى سقط في بئر أريس فنز حوها فلم يوجد ومن بعد ذلك اختلف الناس عليه ورأي صلى الله عليه وسلم على رجل خاتما من شبه فقال مالى أجد منك ريح الاصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتما من حديد فقال مالى أرى عليك حلية اهل النار فطرحه فقال يا رسول الله من أي شيء أتخذه قال اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا وكان له ربعة فيها مرآة تسمي المدلة ومشط عاج ومكحلة ومقراض وسواك وكان له وسادة من أدم حشوها ليف وكان له صلى الله عليه وسلم سرير مرمل بشريط وكان له قبة يضربها في اسفاره تسع واربعين رجلا وكان له سفرة يأكل عليها وكان له قصعة يقال لها الغراء يحملها اربعة رجال لها اربع حلق وكان له قدح من خشب بثلاث ضبات من فضة وقيل من حديد وفيه حلق حلقة تعلق بها وكان بعده عند انس ثم عند بنته بعد وكان له قدح من زجاج وقدح آخر يدعي الريان وتور من في اليمني وهذا كله يخالف ما صححه معظم أصحابنا ان اليمين أفضل لانه زينة واليمين أحق بها لشرفها (بئر اريس) براء وسين مهملة بوزن عظيم مصروف وهي بئر في حديقة قرب مسجد قبا (فنزحوها) بالنون والزاي كما مر في غزوة الحديبية (واختلف الناس عليه) لأن الخاتم كان فيه شيء من السر الذي في خاتم سليمان فمن ثم انتقض الأمر على عثمان وخرج عليه الخارجون لما فقد الخاتم النبوي كما ذهب ملك سليمان لما فقد خاتمه قاله بعض العلماء (ورأي صلى الله عليه وسلم على رجل خاتما من شبه الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي عن بريدة قال النووي وغيره هو حديث ضعيف فمن ثم جازت الزيادة في الخاتم على المثقال ما لم يجاوز العادة والشبه بفتح المعجمة والموحدة صفر أبيض يشبه الفضة يسمي اللجين (كان له ربعة) بفتح الراء والمهملة بينهما موحدة ساكنة إناء من الخشب (مرآة) بكسر الميم وسكون الراء ومد الهمزة وكانت (تسمى المدلة) كما رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس سميت بذلك للاستدلال بها على الصور (ومشط) بضم الميم مع ضم المعجمة وفتحها (ومكحلة) بضم الميم والمهملة بينهما كاف ساكنة كان يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه كما أخرجه الترمذى وابن ماجه عن ابن عباس (ومقراض) بالقاف والمعجمة أى مقص كان يسمى الجامع كما أخرجه الطبراني عن ابن عساكر (وكان له وسادة) أى مخدة (من أدم) أي جلد (حشوها ليف) من النخل وهى التي كان ينام عليها بالليل كما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عائشة (وكان له قصعة تسمى الغراء الي آخره) رواه أبو داود عن عبد الله بن بشر ورواه الطبراني عن عبد الله بن زيد (وكان له قدح من خشب) كما رواه البخاري عن عاصم الاحول وقال في صفته وهو قدح عريض من نضار والنضار بفتح النون وتخفيف المعجمة قال معمر هو شجر بنجد وقيل هو خشب إثل يكون بالغور (مضيب ثلاث ضبات من فضة) استدل به أصحابنا على جواز التضبيب بالفضة بشرطه (وكان له قدح من زجاج) يشرب فيه كما رواه ابن ماجه عن ابن عباس وقال من قوارير (يدعي الريان) سمى بذلك لانه يروى فيه (وتور) بفتح الفوقية وهو القدر من الحجر

فصل في عدد الغزوات والسرايا

حجارة ومخضب من شبه يكون فيه الحناء والكتم يوضع على رأسه اذا وجد حرا وكان له مغتسل من صفر وصاع يخرج به فطرته صلى الله عليه وسلم [فصل في عدد الغزوات والسرايا] (فصل) في عدد الغزوات والسرايا وبين علماء التواريخ في عددها تنازع واختلاف وأقل ما قيل في ذلك ما روى في الصحاح عن زيد بن أرقم أنهن تسع عشرة وعن بريدة انهن ست عشرة وأكثر ما قيل انهن سبع وعشرون وفيما بين العددين خلاف واسع وليس في ذكر الاقل نفي الاكثر والله أعلم. وكان القتال في تسع منها وهي بدر وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر والفتح وحنين والطائف وعد بعضهم وادى القرى والغابة. والسرايا والبعوث ست وخمسون وقيل خمسون وقيل ثمانية وثلاثون والله أعلم. وقد تم قسم السيرة الغراء وعيون الواردات على سنى عمر المصطفي على أحسن وجوه (الحناء) بالمد (والكتم) بفتح الكاف والفوقية نبت يخلط بالوسيمة يختضب به (خاتمة) كان له صلى الله عليه وسلم برد يلبسه في العيدين والجمعة أخرجه البيهقى في السنن عن جابر وكان له سرج يسمى الراج بالمهملة والجيم وكان له بساط يسمى الكز بالكاف والزاى وكان له ركوة تسمى الصادر أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس وكان له قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن أميمة بنت رقيقة وهو الذي شربت منه أم أيمن بوله صلى الله عليه وسلم والعيدان بفتح المهملة جمع عيدانة وهى النخلة الطويلة (فصل) في عدد الغزوات والسرايا (انهن سبع عشرة) «1» وهي الابواء وبواط والعسرة وبدر والنضير وأحد وحمراء الاسد والاحزاب وقريظة والمصطلق وخيبر ووادى القرى وذات الرقاع ومكة وحنين والطائف وتبوك (وعن بريدة انهن ست عشرة) لعله خفي عليه واحدة وعن جابر احدى وعشرين أخرجه أبو نعيم بسند صحيح عنه فلعل زيد بن أرقم خفي عليه ثنتان وعن ابن المسيب أربع وعشرون أخرجه عبد الرزاق عنه (وأكثر ما قيل) كما عده يوسف بن سعد ان التي خرج فيها صلى الله عليه وسلم بنفسه (سبع وعشرون) غزوة (وكان القتال في تسع) المتفق عليه سبع وهي بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والطائف على ما قاله المحب الطبري في خلاصة السير قال وفي خمس الخلاف وهى الفتح وحنين والغابة ووادي القرى والنضير (و) اما (السرايا والبعوث) فهي (ست وخمسون) على ما رجحه النووى أو ست وثلاثون على ما قاله ابن اسحاق (أو ثمان وثلاثون) أو ثمان وأربعون على ما قاله الواقدي أو ستون على ما قاله المسعودي أو أكثر من سبعين على ما قاله العراقي أو أكثر من مائة على ما قاله الحاكم في الاكليل ولعله أراد بضم المغازي اليها قاله الحافظ ابن حجر (السير) بكسر المهملة وفتح التحتية جمع سيرة وهي الحالة لكنها أطلقت على أبواب الجهاد لانها متلقاة من أحواله صلى الله عليه وسلم في غزواته (سني عمر المصطفي) بتخفيف الياء وحذفت النون للاضافة

_ (1) هكذا في الاصل ورواية المتن تسع عشرة

القسم الثانى في اسمائه الكريمة وخلقته الوسيمة وخصائصه ومعجزاته وباهر آياته

الاختصار متضمنا لصحيح الاخبار مما أغفله قدماء المؤرخين ونقله أئمة الحديث بعدهم مع ذكر جمل من أصول الاحكام وبيان الحلال والحرام والفوائد التوام وقد تركت كثيرا مما علم وروده قطعا وجهلت محله زمانا لا خلاله بشرطى وهو أني لا أخرج إلا ما علمت محله من السنين ولو مع الخلاف والله اعلم. [ (القسم الثانى) في اسمائه الكريمة وخلقته الوسيمة وخصائصه ومعجزاته وباهر آياته] وفيه اربعة أبواب كما سبق [الباب الاول الاسماء وما تضمنت من المناسبات] «الباب الاول الاسماء وما تضمنت من المناسبات» اعلم رحمك الله وإياى ان هذا الباب واسع جدا وقد أفرده غير واحد بالتصنيف فمن أوعب التصانيف في ذلك كتاب الشيخ الفاضل أبى الحسين الحرانى المغربى فانه جاء بتسعة وتسعين أسما مبنية عن أوصاف جميلة وشرحها شافيا وأنا أنقل منه ومن غيره مستعينا بالله وبالله التوفيق فمن أجل الاسماء وأعظمها مطابقة للمسمى وأحقها بالتقديم ما ثبت في القرآن العظيم وهو اسمه أحمد ومحمد صلى الله عليه وسلم وكلاهما متضمنا للمدحة وعظيم المنحة أما أحمد فافعل مبالغة من صفة الحمد ومحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد وتكرره مرة بعد مرة مثل ممدوح ثم أنه لم يكن محمد حتى كان أحمد وذلك انه حمد ربه ونبّاه وشرفه وذلك تقدم فذكر في الكتب السابقة باحمد فكان حمده لربه قبل حمد الناس له فكان صلى الله عليه وسلم أجل من حمد ربه وأتم من القى عليه الحمد في نفسه فهو أحمد المحمودين واحمد الحامدين وهذا من عظيم العناية أن تضمنت أسماء الثناء عليه فمن مناسبات هذين الاسمين أن انزلت عليه سورة الحمد (والفوائد التوام) جمع تامة أى كاملة. (القسم الثاني) في أسمائه الكريمة (وهو اسمه أحمد) قال تعالى وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (ومحمد) قال تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ وقال تعالي وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وقال تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ الآية (للمدحة) بكسر الميم أى المدح (والمنحة) أى العطية (أجل) بالنصب (أحمد المحمودين) أي أفضل من استوجب ان يحمد ويثنى عليه بخصال الكمال (وأحمد الحامدين) أي أفضل وأكثر من حمد الله تعالى وأثنى عليه فان حمده ربه جل وعلا حسب معرفته به وبصفاته وهو أفضل من عرف الله تعالى وعرف ما ينبغي ان يئني عليه به (ان تضمنت) بفتح الهمزة (أنزلت عليه سورة الحمد) وهي الفاتحة وتسمى سورة الشكر أيضا وفاتحة الكتاب وام القرآن وسورة الكنز والوافية والكافية وسورة الدعاء وتعليم المسئلة والصلاة لوجوب قراءتها

وجعل بيده لواء الحمد وخص بالمقام المحمود الذى تحمده فيه الاولون والآخرون ويفتح عليه من المحامد ما لم يؤت غيره وشرع له ولامته والحمد عند افتتاح الامور وختامها وعند تجدد النعم وتطاور النقم ولذلك ورد وصفهم في كتب الله القديمة بالحمادين لله على كل حال ولم يزل مولاه يرقيه في محامد الاخلاق ومكارم الشيم حتى بلغ اعلاها مرتبة وتكاملت له المحبة من الخالق والخليقة وظهر معنى اسمه فيه على الحقيقة فهو اللبنة التى استتم بها البناء وقد أتي على هذا المعنى عباس بن مرداس حيث يقول فيه: ان الاله بنا عليك محبة ... من خلقه ومحمدا سماكا وقال ابو جعفر: سمي محمد أنّ الحمد مجتمع ... فيه وفي الاسم للاخلاق تأويل ثم انه قد ظهر من هذين الاسمين اشتقاق من اسم مولاه فمن اسمائه جل وعلا الحميد ومعناه المحمود ومحمد بمعني محمود وكذا وقع اسمه في الزبور واحمد بمعنى اكثر من حمد واجل من حمد وقد اشار الى هذا المعني حسان حيث يقول: وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد ثم ان تسمية اهله له بهذا الاسم على جاهليتهم وجهالتهم لم يكن إلا من عنية فيها والشافية والشفاء والسبع المثاني والقرآن العظيم والنور والرقية وسورة المناجاة وسورة التفويض وفاتحة القرآن وأم الكتاب وسورة الحمد الاولى وسورة الحمد القصري وسورة السؤال (وجعل بيده) يوم القيامة (لواء الحمد) الذي يكون تحته آدم فمن بعده من النبيين (وخص بالمقام المحمود) سبق أول الخطبة الخلاف فيه (وتطاور النقم) اختلافها وتقلبها (ومكارم الشيم) جمع شيمة وهى الخلق أيضا (فهو اللبنة) بفتح اللام وكسر الباء ويجوز اسكانها مع فتح اللام وكسرها (استتم) أي تم وكمل (بها البناء) أشار بذلك الى ما رواه الشيخان عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلى ومثل الانبياء قبلى كمثل رجل بنا بيتا فاحسنه واجمله الا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فانا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين (سماكا) بالف الاطلاق (وقال) عبد الله (ابن جعفر) هو الجحفي (سمى) مبني للمفعول آخره سكون لضرورة الشعر (محمد) بترك التنوين لذلك أيضا (ان الحمد) بفتح الهمزة (وفي الاسم) بقطع الهمزة لذلك أيضا (أكثر من حمد) مبني للفاعل (وأجل من حمد) مبني للمفعول (من اسمه) بقطع الهمزة لذلك أيضا (عنية) بتثليث العين والكسر أشهر

فصل ومن أسمائه وصفاته في القرآن العظيم

ربانية وحكمة إلهية قيل ان امه رأت قائلا يقول لها انك قد حملت بسيد هذه الامة فسميه محمدا. ثم من عجائب خصائصه أن منع الله هذين الاسمين على شهرتهما في كتبه القديمة فلم يسم بهما قبل زمانه لئلا يدخل لبس أو شك على ضعفاء القلوب الى ان شاع قبيل وجوده على السنة الاحبار والرهبان والكهان ان نبيا قد اظل زمانه اسمه محمد فسمى قوم من العرب ابناءهم بذلك ولم يدع ممن تسمى بها النبوة ولا ادعاها له احد وصار بعضهم من اصحابه واتباعه [فصل ومن أسمائه وصفاته في القرآن العظيم] (فصل) ومن اسمائه وصفاته في القرآن العظيم الرؤف الرحيم ورحمة للعالمين ومزكيهم ومعلمهم الكتاب والحكمة وهاديهم الى صراط مستقيم والمزمل والمدثر والرسول الكريم والنور والمنذر والشاهد والمبشر والنذير والداعى الى الله باذنه والسراج المنير وعبد الله ورسوله وخاتم النبيين والرسول النبى الأمى وطه ويس والنجم الثاقب والشهيد والرسول المبين وسكون النون أعينا (قد أظل زمانه) بالمهملة أي أشرف ويجوز اعجامها (فسمى قوم من العرب أبناءهم بذلك) أى رجاء ان يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالاته قال في الشفاء وهو محمد بن أحيحة بن الجلاح الاوسي ومحمد بن مسلمة الانصارى ومحمد بن البراء البكرى ومحمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمران الجعفي ومحمد بن خزاعي السلمي لا سابع لهم قال ويقال أول من سمى بذلك محمد بن سفيان واليمن تقول بل محمد بن اليحمد من الازد انتهى وليس هذا من الذين ذكرهم عياض فهم به سبعة وبقى منهم على ما في سيرة ابن مغلطاى محمد بن عزي بن ربيعة بن مسعد المنقري ومحمد بن عثمان السعدي ومحمد الاسرى ومحمد الفقيمى ومحمد بن عيّوارة الليثي ومحمد بن حرمان العمري ومحمد بن خولة الهمداني ومحمد بن يزيد بن ربيعة ومحمد بن اسامة بن مالك (وصار بعضهم من اتباعه وصحابته) منهم ابن أحيحة كما ذكره ابن عبد البر وأبو موسي وغيرهما ومحمد بن براء كما عده أبو موسي أيضا في الصحابة ومحمد بن سفيان على خلاف فيه ومحمد بن مسلمة شهد بدرا وغيرها ومات بالمدينة (الرؤف الرحيم) قال تعالى بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وهذان الاسمان من جملة ما سماه الله به من أسمائه الحسني وقد عقد لها عياض في الشفاء فصلا ذكر فيه جملة من الاسماء (ورحمة للعالمين) قال تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (ومزكيهم) أى مطهرهم وقيل يزكيهم يوم القيامة حين يشهدون للرسل (وهاديهم الى صراط مستقيم) وهو دين الاسلام (والمزمر والمدثر) روي النقاش عنه صلى الله عليه وسلم قال في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد ويس وطه والمدثر والمزمل وعبد الله (والمنذر) أي المخوف (والنور) أي الذي يهتدى به من ظلام الشرك والاهواء (والشاهد) على أمته يوم القيامة (والمبشر) للمطيع بالجنة (والنذير) للعاصى بالنار (والداعى الى الله) أي الي توحيده (باذنه) أي بأمره (وخاتم النبيين) بفتح الفوقية وكسرها (والامي) سمي به لانه كان أميالا يحسب ولا يكتب ولا يقرأ وهو منسوب الى الام أى هو على ما ولدته أمه وقيل منسوب الي أم القرى وهي مكة (وطه) سمى به لطهارته وهدايته (ويس) سمي به لانه سيد البشر وللمفسرين في تأويل طه ويس تأويلات أخر (والنجم الثاقب)

فصل ومن اسمائه في كتب الله القديمة

وقدم الصدق ونعمة الله والعروة الوثقى والرسول الامين. قال شيخنا الحافظ برهان الدين ابراهيم بن حسن النحوى أخبرنى شيخي الامام الحافظ على بن احمد الزينبي فيما قرأته عليه ان شاء الله تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعى في السماء احمد وفي الارض محمد وقيل في القرآن محمد وفي الانجيل أحمد وفي التوراة ابو القاسم والله أعلم. [فصل ومن اسمائه في كتب الله القديمة] (فصل) ومن اسمائه في كتب الله القديمة المتوكل والمختار ومقيم السنة والمقدس وقثم وهو الجامع وصاحب القضيب وهو السيف ويحتمل ان القضيب الممشوق الذى يمسكه وصاحب الهراوة وهي العصا وصاحب التاج وهي العمامة وروح الحق وهو معنى البار قليط في الانجيل قيل وهو الذى يفرق بين الحق والباطل وماذ ماذ ومعناه طيب طيب وحمطايا والخاتم والخاتم الاول بكسر الناء والثانى بفتحها ومعناه بالفتح أحسن الانبياء خلقا وخلقا ويسمى بالسريانية مشقح والمنحمنا واسمه في التوراة أحيد وفي أول سفر منها في وصف أي المضئ المستنير (وقدم صدق) سمي به لانه أول الصادقين في اخلاص العبادة لربه جل وعلا (والعروة الوثقى) سمي به لانه السبب في الوصول الى رضا الله تعالي (الزينبي) بفتح الزاي والنون وسكون التحتية وكسر الموحدة بعدها ياء النسبة (يدعي في السماء أحمد) بالفتح (وفي الارض محمدا) بالنصب والتنوين (فصل) ومن أسمائه في كتب الله تعالى القديمة (وقثم) بالمثلثة (وهو الجامع الكامل) في خلقه وخلقه قال ابن الاثير ومنه الحديث أتاني ملك فقال أنت قثم وخلقك قثم أى مستقيم (وصاحب الهراوة) بكسر الهاء (وهى العصا) التى كانت تغرز بين يديه فيصلى اليها (وصاحب التاج) بالفوقية والجيم (البار قليط) بموحدة فالف فراء مكسورة فقاف ساكنة فلام مكسورة فتحتية ساكنة بعدها طاء مهملة (وهو الذى يفرق بين الحق والباطل) وقيل هو الحماد وقيل الحامد وقيل الحمد وقيل المخلص (ماذ ماذ) بفتح الميم بعدها ألف غير مهموزة فذال معجمة وقيل انه بميم مضمومة واشمام الهمزة ضمة بين الواو والالف (وحمطايا) بمهملة مفتوحة فميم مشددة فمهملة فالف فتحتية فالف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال معناه يحمي الحرم ويمنع من الحرام ويوطيء الحلال (والخاتم) بالمعجمة (والحاتم) بالمهملة وزعم المصنف ان كليهما بالمعجمة (الاول بكسر التاء والثاني بفتحها) وليس ما زعمه بصحيح بل الكسر والفتح لغتان في الخاتم (بالسريانية) بضم المهملة (مشقح) بميم مضمومة فمعجمة مفتوحة فقاف مكسورة مشددة فمهملة أي ميزت اعلام الهدي بعد اخفائها (و) يسمي بالريحانية «1» (المنحمنا) هو بمعنى محمد قاله أبو الفتح اليعمري في سيرته وهو بميم مفتوحة فنون ساكنة فمهملة مفتوحة فميم مكسورة فنون مشددة مفتوحة فالف (أحيد) بضم الهمزة وسكون المهملة وفتح التحتية وكسرها آخره مهملة وهو بمعنى محمد

_ (1) كذا بالاصل.

اسمعيل وسيدا عظيم الأمة عظيمة وفيها أيضا يا أيها النبى انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرز للأميين انت عبدي ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق ولا تدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بان يقولوا لا إله الا الله ويفتح به اعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وفي حديث آخر ولا صخب في الاسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للخنا أسدده لكل جميل واهب له كل خلق كريم واجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى امامه والاسلام ملته وأحمد اسمه أهدى به بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأسمى به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وألف به بين قلوب مختلفة واهواء متشتتة وأمم متفرقة وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس. (فصل) ومن أسمائه التي سمي بها نفسه ما رواه مسلم وغيره عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان لى خمسة اسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحى الذي يمحو الله بي الكفر وقيل معناه يحيد أمته عن النار أي يوقفهم عنها (وفيها أيضا) كما رواه البخارى (وحرزا) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي أى حفظا (للأميين) هم العرب لان الكتابة عندهم قليلة والأمي من لا يحسن الكتابة (ليس بفظ) أي سيء الخلق (ولا غليظ) أي شديد القول (ولا صخاب) بالمهملة فالمعجمة المشددة من الصخب وهو رفع الصوت ولغة ربيعة فيه بالشين بدل الصاد (الملة) يعني ملة ابراهيم (العوجاء) أى التى غيرتها العرب عن استقامتها فصارت كالعوجاء (وقلوبا غلفا) جمع اغلف وهو ما كان في غلاف وغشاء بحيث لا يوصل اليه (صخب) هو بمعنى صخاب (للخنا) بفتح المعجمة والنون مع القصر وهو الفحش في الكلام (والهدي امامه) بكسر الهمزة (اهدى) بفتح الهمزة أى ارشد (واعلم) بضم الهمزة وتشديد اللام (بعد الجهالة) بفتح المعجمة أى بعد السقوط (واسمى) بضم الهمزة وتشديد الميم (واغنى) بضم الهمزة وسكون المعجمة (بعد العيلة) بفتح المهملة أي الفقر. (فصل) ومن أسمائه التى سمى بها نفسه (ما رواه) البخارى و (مسلم) والترمذى والنسائي (وانا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر) قال العلماء المراد محوه من مكة والمدينة وبلاد العرب وما زوى له من الارض ووعدان يبلغه ملك أمته أو المراد المحو العام وذلك بظهور الحجة والغلبة وجاء في حديث آخر تفسير الماحى في بابه يمحى به سيئات من اتبعه فيكون المراد بمحو الكفر محو ما كان فيه من المعاصى

وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمى وأنا العاقب الذى ليس بعده أحد. وروي في حديث آخر عشرة أسماء وذكر هذه الخمسة وزاد وأنا رسول الرحمة ورسول الراحة ورسول الملاحم وأنا المقفي قفيت النبيين وأنا قيم. وروينا في صحيح مسلم أيضا عن أبى موسى الاشعري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى لنا نفسه اسماء فقال أنا أحمد وأنا محمد والمقفي والحاشر ونبيّ التوبة ونبيّ الرحمة ومن ذلك القاسم وأبو القاسم كما ورد في الصحاح النهى عنهما لغيره فقال انما بعثت قاسما أقسم بينكم وفي رواية فأنا أبو القاسم أقسم بينكم المغفورة بالاسلام (وانا الحاشر) باهمال الحاء واعجام الشين (الذى يحشر الناس على قدمى) بتخفيف الياء على الافراد وتشديدها على التثنية ولما في رواية على عقبي ومعنى ذلك انهم يحشرون على أثره صلى الله عليه وسلم وزمان نبوته ورسالاته لانه خاتم الانبياء لا نبي يبعث بعده وقيل المراد انهم يتبعوه (وأنا العاقب الذى ليس بعده نبي) قال ابن الاعرابى العاقب والعقوب الذى يخلف في الخير من كان قبله ومن ثم سمى ولد الرجل عقبه (وروى في حديث آخر) ذكره في الشفاء وغيره (لى عشرة اسماء) أي موجودة في كتب الله المتقدمة مشهورة عند الامم السالفة فلا ينافي ان له أسماء كثيرة سواها (وأنا رسول الرحمة) أى بعثت بالتراحم قال تعالي رحماء بينهم. وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (قلت) أو لانه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين للمؤمنين في الدارين وللكفار في الدنيا بتأخير العذاب عنهم (ورسول الرحمة) سمى بذلك لان الله جعل ملته حنيفية سهلة سمحة ليس فيها شيء من الآصار والاغلال التي كانت على من قبلنا من بنى اسرائيل (ورسول الملاحم) سمي بذلك لانه بعث بقتال الكفار عموما (وأنا المقفي) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء (قفيت النبيين) بتشديد الفاء أيضا قال ابن الاعرابي أي هو المتبع للاشياء يقال قفوته أقفوه مخفف وقفيته أقفيه مشدد اذا اتبعته فقافية كل شيء آخره (وأناقيم) بفتح القاف وكسر التحتية مشددة وهو الجامع الكامل قال عياض كذا وجدته ولم أروه وأري ان صوابه قثم بضم القاف وفتح المثلثة قال وهو أشبه بالتفسير قال وقد وقع قيم بالتحتية في كتب الانبياء قال داود اللهم ابعث لنا محمدا مقيم السنة بعد الفترة فيكون القيم بمعناه (ونبى التوبة) سمى بذلك لانه جاء بالتوبة التى لم تكن مقبولة قبله الابان يقتل الشخص نفسه أو نحو ذلك مما كان في التوراة من التغليظ وان قلت عندهم كما هى عندنا فقصة الذى قتل تسعة وتسعين نفسا فعلى ندور وقلة (كما ورد في) الاحاديث الصحاح (النهى عنهما لغيره) بقوله تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه عن أنس ورواه أحمد والشيخان وابن ماجه عن جابر (انما بعثت قاسما اقسم بينكم في رواية فانا أبو القاسم اقسم بينكم) وفي اخرى انما أنا قاسم والله يعطي من يشاء قال عياض هذا يشعر بان الكنية انما تكون نسب وصف صحيح في المكني أو نسب اسم أبيه قال ابن بطال معناه لم استأثر من مال الله تعالى شيء دونكم وقاله تطييبا لقلوبهم حين فاضل في العطاء فقال هو الله الذى يعطيكم

وللعلماء في جواز التسمي بالقاسم والتكني بأبى القاسم مذاهب كثيرة أقربها الى الصواب ان النهى مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم لئلا يشتبه اسمه باسم غيره فينادى بذلك عند النداء وذلك مصرح به في الحديث ومن ذلك الأمين والمأمون والولى وسيد ولد آدم وسيد الناس يوم القيامة ودعوة ابراهيم وأول من تنشق عنه الارض كما ورد ذلك في أحاديث متفرقة انه تسمى بها. لا أنا وانما أنا قاسم فمن قسمت له شيئا فذلك نصيبه قليلا كان أو كثيرا (وللعلماء في جواز التكنى بابي القاسم مذاهب كثيرة) أحدها عدم الجواز مطلقا لظاهر هذا الحديث ثانيها ان النهي منسوخ لان هذا الحكم كان لمعنى مذكور في الحديث وهوان رجلا بالبقيع نادى يا أبا القاسم فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى لم اعنك انما دعوت فلانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى وقد زال ذلك المعنى ثالثها ان النهى غير منسوخ ولكن النهى للتنزيه والادب لا للتحريم رابعها ان النهي عن النكنى بابي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر سنذكره خامسها انه ينهى عن التكني بابى القاسم مطلقا وعن التسمية بالقاسم كيلا يكنى أبوه بابي القاسم سادسها ان التسمية بمحمد ممنوعة مطلقا وجاء فيه حديث عنه صلى الله عليه وسلم تسمون أولادكم محمدا ثم تلعنونهم رواه البزار وأبو يعلي والحاكم عن أنس (أقربها الى الصواب) كما قال النووي ما ذهب اليه مالك وهو أحد ثلاثة مذاهب للشافعي (ان النهى مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم) دون ما بعده كيلا يجد الكفار سبيلا الى أذاه صلى الله عليه وسلم (وذلك مصرح به في الحديث) كما ذكرته أولا وورد في حديث صحيح ان اليهود يكنوا وكانوا ينادون أبا القاسم فاذا التفت النبى صلى الله عليه وسلم قالوا لم نعنك والمذهب الثانى عدم الجواز مطلقا والثالث الجواز لمن ليس اسمه محمد دون غيره ودليله ما رواه ابن حبان عن جابر من تسمى باسمي فلا يكنى بكنيتى ومن تكنى بكنيتى فلا يسمي باسمى قال البيهقى اسناده صحيح (ومن ذلك الامين والمأمون) سمى بذلك لما اشتهر بامانته عند قريش وغيرهم وسماه الله أمينا على القول بانه المراد في قوله تعالى مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وسمى بذلك نفسه فقال وأنا أمين من في السماء يأتينى خبر السماء صباحا ومساء (والولى) سمى بذلك لقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وقال تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وقال صلى الله عليه وسلم أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم (وسيد ولد آدم) كما روى انه صلى الله عليه وسلم قال أنا سيد ولد آدم رواه أحمد والترمذى وغيرهما عن أبي شعبة والمراد بالحديث انه سيد آدم وولده وسائر الخلق وانما لم يقل سيد آدم تأدبا مع آدم واذا كان سيد ولد آدم وفي ولده من هو أفضل منه فلأن يكون سيده أولي (وسيد الناس يوم القيامة) كما رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة (ودعوة ابراهيم) وهو قوله رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ (وأول من تنشق عنه الارض) كما رواه الشيخان وروى الترمذى والحاكم أنا أول من تنشق عنه الارض ثم أبو بكر ثم عمر ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معى ثم انتظر أهل مكة

فصل ومما اشتهر على ألسنة الأمة

[فصل ومما اشتهر على ألسنة الأمة] (فصل) ومما اشتهر على ألسنة الامة وروته الخلف عن السلف المصطفي والمجتبى والشفيع والمشفع والمتقى والمصلح والطاهر والصادق والمصدوق وامام المتقين وقائد الغر المحجلين وحبيب رب العالمين وصاحب الحوض المورود واللواء المعقود والمقام المحمود والمحضر المشهود وصاحب الازواج الطاهرات والعلو والدرجات العربي القرشى التهامي المكى المدنى الأبطحي وسيد المرسلين شفيع المذنبين قائد الوافدين على رب العالمين هذا وجميل صفاته وجليل أسمائه باب واسع لا يوقف على نهاية وتكبو خطباء الافكار دون بلاغ غاياته نقل أبو بكر العربى في كتابه الأحوذى في شرح الترمذي عن بعضهم ان لله ألف اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم أيضا* وذكر القاضى عياض فيما منح الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من أسمائه الحسنى ووصفه به من صفاته العلى فصلا مستقلا جاء فيه بنحو من ثلاثين اسما وذكر انه لم يسبق الى مثل ذلك ثم ذيلها بفصل آخر رأينا اثباته جملة لما فيه من عظيم الفائدة. قال رحمه الله وها أنا أذكر نكتة أذيل بها هذا الفصل وأختم بها هذا القسم وأزيح بها الاشكال فيما تقدم عن كل ضعيف الوهم سقيم الفهم تخلصه من مهاوى التشبيه وتزحزحه عن شبه التمويه وهو ان يعتقد ان الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسن أسمائه وعلي صفاته لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبّه به وانّ ما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق وعلى المخلوق فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقى اذ صفات القديم بخلاف صفات المخلوق فكما ان ذاته تعالى لا تشبه الذوات كذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين اذ صفاتهم لا تنفك عن الاعراض والاغراض (فصل) ومما اشتهر على السنة الامة (والصادق) فيما قاله (والمصدوق) فيما يأتيه له من الوحى (والمحضر) بفتح المعجمة محل الحضور (سماته) بكسر المهملة وبالفوقية جمع سمة أى علامة (وتكبو) بفتح الفوقية وسكون الكاف وضم الموحدة أى يقف يقال كبا الفرس يكبو اذا استقام ولم يبرح (ألف اسم) بالفتح (جاء فيه بنحو من ثلاثين اسما) وهي الحميد والرؤف الرحيم والحق المبين والنور والشهيد والكريم والاكرم والعظيم والجبار والخبير والفتاح والشكور والعليم والاول والآخر والقوي وذو القوة المتين والصادق والولي والمولى والعفو والهادى والمؤمن والمهيمن وطه ويس (ثم ذيلها) بفتح المعجمة والتحتية المشددة أى جعل لها ذيلا أى طرفا كذيل الثوب (وأزيح الاشكال) بضم الهمزة وكسر الزاي وفي آخره مهملة أى أبعد وأنحى وأزيل (من مهاوى) جمع مهواة وهى المحل الذي يهوي فيه من أعلي لاسفل ويخاف على صاحبه الهلاك (التشبيه) أي تشبيه الباري جل وعلا بغيره (وتزحزحه) أى تؤخره وتنحيه (عن شبه) بضم المعجمة جمع شبهة (وعلو صفاته) بضم المهملة وفتح اللام وبفتحها وكسر اللام وتشديد التحتية (صفات المخلوقين) بكسر التاء علامة الفتح (لا تنفك) أي لا تخلو (عن الاعراض والاغراض) كلاهما باعجام الضاد مع اهمال عين الاول

وهو تعالى منزه عن ذلك بل لم يزل بصفاته وأسمائه وكفي في هذا قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ولله در من قال من العلماء العارفين المحققين التوحيد اثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة عن الصفات وزاد هذه النكتة الواسطى رحمه الله بيانا وهي مقصودنا فقال ليس كذاته شيء ولا كاسمه اسم ولا كفعله فعل ولا كصفته صفة الا من جهة موافقة اللفظ اللفظ وجلت الذات القديمة أن تكون له صفة حديثة كما استحال أن تكون للذات المحدثة صفة قديمة وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. وقد فسر الامام أبو القاسم القشيرى قوله هذا ليزيده بيانا فقال هذه الحكاية تشتمل على مسائل التوحيد وكيف تشبه ذاته ذات المحدثات وهي بوجودها مستغنية وكيف يشبه فعله فعل الخلق وهو لغيرها جلب أنس أو دفع نقص حصل ولا بخواطر واغراض وجد ولا بمباشرة ومعالجة ظهر وفعل الخلق لا يخرج عن هذه الوجوه قال وقال آخر من مشايخنا ما توهمتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم فهو محدث مثلكم وقال الاملم أبو المعالى الجويني من اطمأن الى موجود انتهى اليه فكره فهو مشبه ومن اطمأن الى النفي المحض فهو معطل وان قطع بموجود اعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد. وما أحسن قول ذى النون المصري حقيقة التوحيد ان تعلم ان قدرة الله في الاشياء بلا علاج وصنعه له بلا مزاج وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه وما تصور في وهمك فالله بخلافه وهذا كلام عجيب نفيس محقق والفصل الآخر تفسير لقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ والثانى تفسير لقوله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ والثالث تفسير لقوله إِنَّما واعجام عين الثاني وعكسه (الواسطى) هو أبو بكر محمد بن موسى خراساني الاصل من فرغانة قال القشيري صحب الجنيد والثورى وكان عالما كبيرا وأقام بمرو ومات بها بعد العشرين وثلاثمائة (ولا بخواطر واغراض) بالغين المعجمة (وجد) بضم الواو وكسر الجيم ثم مهملة (الامام أبو المعالى الجويني) هو إمام الحرمين عبد الملك النيسابوري جاور بمكة والمدينة أربع سنين فمن ثم قيل له امام الحرمين ثم عاد الى نيسابور ومات بها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة (وما أحسن قول ذى النون) ثوبان ابن ابراهيم الاخميمي (المصري) قال القشيري كان أبوه نوبيا قال ومن كلامه مدار الكلام على أربعة اضرب حب الجليل وبغض القليل واتباع التنزيل وخوف التحويل توفي سنة خمس وأربعين ومايتين وكان سبب مقالته هذه انه قام رجل بين يديه فقال أخبرني عن التوحيد ما هو فقال أن تعلم أن قدرة الله الى آخره (ولا علة لصنعته) زاد القشيري في الرسالة وليس في السموات العلى ولا في الارضين السفلى مدبر غير الله عز وجل (والفصل الآخر) وهو قوله ما تصور في وهمك فالله بخلافه لانه عز وجل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (والثاني) وهو قوله علة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه فلا يسئل عما يفعل لان الشيء اذا لم يكن له علة فلا معنى للسؤال عنه (والثالث) وهو قوله أن يعلم أن قدرة الله في الاشياء بلا علاج بل

الباب الثاني في صفة خلقه وخلقه

قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ثبتنا الله واياك على التوحيد والاثبات التنزيه وجنبنا طرفي الضلالة والغواية عن التعطيل والشبيه بمنه وكرمه ورحمته. [الباب الثاني في صفة خلقه وخلقه] (الباب الثاني في صفة خلق سيد المرسلين وخلقه الوسيم وتناسب) «أعضائه واستواء أجزائه وما جمع الله فيه من الكمالات» اعلم رحمك الله وإياي انه ورد في كثير من الاحاديث عن جمع من الصحابة دخل حديث بعضهم في بعض انه صلى الله عليه وسلم كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد الدانى وليس بالابيض الأمهق ولا بالآدم أزهر اللون وفي رواية أبيض مشربا بحمرة وسيما قسيما في عينيه دعج وفي بياضهما عروق رقاق حمرا نجل أهدب الاشفار أبلج أزج الحواجب سوابغ من غير قرن بينهما عرق يده الغضب أقني أفلج أشنب هى يقول كن (التعطيل) هو تعطيل الباري جل وعلا من صفاته كما تقوله المعتزلة. (الباب الثاني) في صفة خلقه الوسيم (عن جمع من الصحابة) منهم على وأنس بن مالك وأبو هريرة والبراء وعائشة وابن أبي هالة وأبو جحيفه وجابر بن سمرة وأم معبد وابن عباس ومعرض بن معيقيب وأبو الطفيل والعداء بن خالد وحذيم بن فاتك وحكيم بن حزام (كان ربعة) بفتح الراء وسكون الموحدة وفتحها أى مربوعا متوسطا وسمي مقصدا أيضا (البائن) الخارج في الطول عن حد الاعتدال لان فرط الطول مما يذم به الشخص وكذا فرط القصر وجاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سجد شكرا لرؤية رجل قصير (الامهق) بالقاف هو الناصع البياض كلون البرص (ولا بالآدم) بمد الهمزة أي الاسمر وهذا الحديث يرد ما في رواية عن أنس أنه كان أسمر فان هذه الرواية عن أنس أيضا أزهر اللون أي نيره وحسنه ومشرقه (مشربا) بضم الميم وسكون المعجمة وفتح الراء مخلوط (وسيما) أي حسنا جميلا (قسيما) بالقاف بوزن الاول ومعناه (في عينيه دعج) بفتح المهملتين ثم جيم والدعج شدة سواد الحدقة (أنجل) بفتح الهمزة والجيم بينهما نون ساكنة أي واسع العينين حسنهما (أهدب) بالمهملة (الاشفار) أي أشفار العينين وهي حروف أجفانهما والمعنى انه كان كثير الاهداب وهي الشعر النابت على حرف العين (أبلج) بفتح الهمزة واللام بينهما موحدة ساكنة آخره جيم أي مشرق الوجه نقي الشعر بين الحاجبين (أزج الحواجب) بفتح الهمزة والزاى والجيم أي مقوسمها مع طول فيهما وامتداد ودقة (سوابغ) أي توام (من غير قرن) بفتح القاف والراء أي من غير أن يتصل شعر حاجبيه والقرن ضد البلج وهذا الحديث مقدم على حديث أم معبد انه كان أقرن (بينهما) أى بين الحاجبين (عرق) مستطيل (يدره) بضم أوله وكسر المهملة وتشديد الراء أي يظهره (اقنى) أى محدودب (الأنف) لارتفاع وسطه على طرفيه (افلج) بالفاء والجيم أي متباعد ما بين الثنايا (أشنب) بالمعجمة والنون الموحدة أي أبيض الفم نيره

سهل الخدين مدور الوجه واسع الجبين ظاهر الوضاءة معتدل الأجزاء ليس بمطهم ولا مكلثم كث اللحية تملأ صدره عظيم الهامة رجل الشعر كانه مشط فتكسر قليلا يبلغ مرة الى منكبيه ومرة الى أصول أذنيه ومرة الى فروعهما ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء يواريهن الدهن في صوته صحل وفي عنقه سطع كانه جيد دمية في صفاء الفضة بادنا متماسكا ويفتر عن مثل البرق أو عن مثل حب الغمام يخرج نور من بين ثناياه اذا تكلم تلألأ وجهه نورا تلألأ القمر ليلة البدر وان صمت فعليه الوقار وان تكلم سماه وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نذر ولا هذر كان منطقه خرزات نظمن دقيق المسربة من لبته الى سرته كالخط أو كالقضيب أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصدر سواء البطن والصدر مسيح الصدر (سهل الخدين) أى أملسهما ليس فيهما نتو ولا انخفاض (مدور الوجه) أي مستديره (واسع الجبين) وهو جانب الجبهة (ظاهر الوضاءة) بفتح الهمزة والواو والمعجمة ومد الهمزة أي الحسن والجمال (ليس بمطهم) بضم الميم وفتح المهملة والهاء المشددة وهو المنتفخ الوجه والفاحش السمن قولان (ولا مكلثم) بضم الميم وفتح الكاف والمثلثة وسكون اللام وهو القصير الحنك الناتيء الجهة (كث) أى كثير شعر (اللحية) بكسر اللام أشهر من فتحها (رجل الشعر) بفتح الراء وكسر الجيم وفتحها قال في الصحاح الشعر الرجل الذي ليس شديد الجعودة ولا سبطا (يواريهن الدهن) أي يسترهن فلا يبدين معه (صحل) بفتح المهملتين أي بحه (سطع) أى ضوء (كأنه جيد) بكسر الجيم وسكون التحتية ثم مهملة أي عنق (دمية) بضم المهملة وسكون الميم ثم تحتية وهو الصورة من العاج (بادنا) بالنون أى ذا لحم ليس بنحيف ولكن كان (متماسكا) أى يمسك بعضه بعضا يعني أنه مع كونه كبير الجثة ليست خارجة عن حد الاعتدال في العظم (يفتر) أى يبدى اسنانه (عن مثل سنا البرق) بفتح المهملة والنون أي نوره (حب الغمام) هو البرد (فعليه الوقار) أي الهيبة (وعلاه البهاء) بفتح الموحدة أي الجمال (وابهاه) أى ابهاهم قال أبو حاتم وغيره هكذا تقول العرب فأنهاه يريدون وأنهاهم ومنه الحديث خير نساء ركبن الابل نساء قريش أشفقه على ولد واعطفه على زوج (فصل) بفتح الفاء وسكون المهملة أي بين ليس بهذا لا يفهم (لا نذر) بفتح النون وسكون الزاي ثم راء أى ليس قليلا يدل على عدم القدرة على الكلام (ولا هذر) بوزن الاول أي كثيرا بغير حاجة بل كان كلامه وسطا بين القليل وغير المفيد والكثير الممل كما في حديث آخر لا فضول فيه ولا تقصير (دقيق المسرية) بفتح الميم وسكون المهملة وضم الراء وفتح الموحدة وهي حبة الشعر بين الصدر والسرة (من لبته) بفتح اللام والموحدة المشددة بعدها فوقية واللبة المنحر وجمعه لبات ولبت وموضع القلادة من الصدر (شعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر) أي كثير الشعر في هذه الاماكن بخلاف الابط والعانة فانه لم يكن له شعر بهما (سواء البطن والظهر) أي مستويهما والسواء بالفتح والمد (مسيح الصدر) بالمهملتين والتحتية بوزن عظيم

ضخم العظام عبل العضدين والذراعين والاسافل بعيد ما بين المنكبين طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين واسعهما مسح القدمين ينبو عنهما الماء اذا زال زال تقلعا ويخطو تكفوأ ويمشى هونا ذريع المشية اذا مشى كانما ينحط من صبب قال أبو هريرة إنا لنجهد أنفسنا وانه غير مكترث نظره الى الأرض أطول من نظره الى السماء جل نظره الملاحظة واذا التفت التفت جميعا اذا عرق انحدر مثل الجمان في رائحة المسك من رآه بديهة هابه وفرق لرؤيته ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله. قال البراء بن عازب ما رأيت من ذي لمة سوداء في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة ما رأيت شيأ أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه واذا ضحك تلألأ وجهه كالبدر. وقال جابر بن سمرة قال رجل كان وجهه صلى الله عليه وسلم مثل السيف فقال لا بل مثل الشمس والقمر وكان مستديرا وقال أنس ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط كانت أطيب من رائحة أى ممسوح الصدر مستوبه (ضخم العظام) عظمها (عبل) بفتح المهملة وسكون الموحدة بمعني ضخم (والاسافل) يعنى الفخذين والساقين (الزندين) بفتح الزاى وسكون النون عظم الذراعين (رحب) بفتح الراء وسكون المهملة أى واسع (شثن) بفتح المعجمة وسكون المثلثة قال في النهاية معناه أن كفيه وقدميه يميلان الى الغلظ والقصر وقيل هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر وذلك محمود في الرجال (مسح القدمين) أي أملسهما فمن ثم قال (ينبو عنهما الماء) بفتح التحتية وسكون النون وضم الموحدة أى يرتفع ويزول لملاستهما وقيل معناه انه ليس له أخمص وقيل لا لحم عليهما (اذا زال) اذا مشى (زال تقلعا) بفتح الفوقية والقاف وضم اللام المشددة بعدها مهملة والتقلع رفع الرجل بقوة (ويخطو تكفوأ) بفتح الفوقية والكاف وضم الفاء ثم همزة أي يتمايل الى قدام وقال شمر مال يمينا وشمالا كما تتكفأ السفينة وخطأه الازهري وقال ان هذه مشية المختال وقال عياض لا بعد فيما قاله شمر اذا كان خلقة وجبلة والمذموم منه ما كان مستعملا مقصودا قال ابن الاثير ويروي أيضا غير مهموز وذلك لانهم تركوا الهمزة منه تخفيفا فالتحق بالفعل المعتل نحو تمشا تمشيا واثبات الهمزة هو القياس (ويمشى هونا) بفتح الهاء وسكون الواو أي مع رفق ووقار (ذريع المشية) باعجام الذال واهمال العين أى واسع الخطو يرفع رجليه بسرعة ويمد خطوه خلاف مشية المختال مع رفق ونثبت دون عجلة (كانما ينحط من صبب) بفتح المهملة وتكرير الموحدة أى مكان مرتفع (غير مكترث) بالمثلثة أي غير مبال (جل) بضم الجيم وتشديد اللام أى معظم (مثل الجمان) بضم الجيم وتخفيف الميم حب اللؤلؤ (ذى لمة) بكسر اللام وتشديد الميم الجمة سميت بذلك لا لمامها بالمنكبين (في حلة) بضم المهملة وتشديد اللام وهي الثوبان غير لفيفين ازار ورداء (ما مسست) بكسر السين الاولى على الاشهر (ولا شممت) بكسر الميم الاولى على الاشهر أيضا

رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر ينشد عند رؤيته: أمين مصطفي بالخير يدعو ... كضوء البدر زايله الظلام وقد أسلم غير واحد لبديهة رؤيته. وقد قال نفطويه في قوله تعالى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ انه مثل ضربه الله لنبيه يقول كان منظره يدل على نبوته وان لم يتل قرآنا كقول ابن رواحة: لو لم يكن فيه آيات مبينة ... لكان منظره يأتيك بالخبر وكان عمر ينشد بين جلسائه قول زهير بن أبي سلمى في هرم بن سنان: لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنور ليلة البدر ثم يقول عمر وجلساؤه كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن كذلك غيره وقيل ان امرأة استأذنته في المدح فأذن لها فقالت: وأفطن منك لم تر قطّ عيني ... وأحسن منك لم تلد النساء حسنت طرفا وشرفت قدرا ... كأنك قد خلقت كما تشاء وقالت عائشة بأبي وأمى أنت لو رآك الشاعر لعلم انك أحق بقوله: ومبرأ من كل غبّر حيضة ... وفساد مرضعة وداء معضل واذا نظرت الى أسرة وجهه ... برقت كمثل البارق المهّلل وقال شرف الدين الا بوصيري: (زايله) بفتح الزاى والتحتية واللام أي زال عنه وذهب (انه مثل) بكسر الهمزة (منظره) بفتح المعجمة (لو لم يكن فيه آيات مبينة ... لكان منظره يأتيك بالخبر) قبل هذا البيت نفسي الفداء لمن أخلاقه شهرت ... بانه خير مبعوث الى البشر عمت فضائله كل الانام كما ... عم البرية ضوء الشمس والقمر (هرم) بفتح الهاء وكسر الراء (ابن سنان) بكسر المهملة بعدها نون (وافطن) بالنصب ويجوز الضم (طرفا) بفتح المهملة وسكون الراء ثم فاء (غبر) بضم المعجمة وتشديد الموحدة أى بقايا (معضل) هو الذي أعيا الاطباء (أسرة وجهه) بفتح الهمزة وكسر المهملة وتشديد الراء وهي الخطوط التى في الوجه (المتهلل) المستضئ

أكرم بخلق نبي زانه خلق ... بالحسن مشتمل بالبشر مبتسم كالزهر في ترف والبدر في شرف ... والبحر في كرم والدهر في همم كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف ... من معدنئ منطق منه ومبتسم وقال أيضا منزه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم وقال أيضا أقسمت بالقمر المنشق أن له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم والأخبار والأشعار في نعوت خلقته الجليلة كثيرة منتشرة ولو ذهبت في تتبعها لخرجت عن المقصود فسبحان من جمع له المحاسن التامة وجعله رحمة للناس عامة وقرن محبته بمحبته وطاعته بطاعته وجعل صلاح الدارين منوطا باتباعه ولقد أحسن من قال: هذا هو المجد الذي قدغدا ... لا يصل الكل الى بعضه سماؤه في أرضه وهى لم ... تكن لتعلو سوى أرضه فكل من قام به حبّه ... قام بفرض الله في فرضه عين رضى الله رضاه فمن ... أراد يرضي الله فليرضه (فصل) في صفة خاتم النبوة فهو من جملة أجزائه الخلقية صلى الله عليه وآله وسلم وأوله ان الملكين لما شقا قلبه ولأماه وضعا الخاتم حينئذ والحكمة فيه انه لما ملئ حكمة وإيمانا ختم (مشتمل) بالخير صفة نبي (بالبشر) بكسر الموحدة (مبتسم) بالفوقية فالمهملة أي متخلق (في ترف) بفتح الفوقية والراء ثم فاء أي في لين (في شرف) بفتح المعجمة والراء ثم فاء أي علو (المكنون) المحفوظ في الصدف (في صدف) بفتح المهملتين بعدهما فاء (من معدني منطق منه ومبتسم) حاصله تشبيه كلامه صلى الله عليه وسلم في كونه فصلا باللؤلؤ المنظوم في تتابعه وتشبيه مبسمه به في صفائه (غير منقسم) على غيره بل هو مستأثر به لم يقاسمه فيه أحد (إن له) بكسر الهمزة (من قلبه نسبة) أي كما أن قلبه شق صلى الله عليه وسلم كذلك شق له البدر مناسبة (وقرن محبته بمحبته) فقال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (وطاعته بطاعته) قال تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (المجد) الكرم (من قام به) أي وجد فيه (حبه) أى حب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قام بفرض الله) أى بواجب الله (في فرضه) أي في اتخاذ محبة نبيه صلى الله عليه وسلم. (فصل) في صفة خاتم النبوة (وأوله أن الملكين لما شقا قلبه ولأماه وضعا الخاتم الى آخره) سبق أول الكتاب أن هذا قول عياض رحمه الله وأن النووى قال أنه ضعيف باطل وذكرت الجمع بينهما

عليه كالوعاء المملوء مسكا اودرا ثم يختم عليه ومحله أسفل من غضروف كتفه اليسرى وهو الموضع الذى يوسوس منه الشيطان من غيره وهو بضعة ناشزة لونها كلون جسده عليها خيلان والخلاف في صفته منتشر نحو من عشرين قولا منها كزر الحجلة وكبيضة الحمامة وكالسلعة وكالجمع وكأثر المحجمة القابضة على اللحم وكالتفاحة وقد سبق انه لم يكن لنبي قبله وان فيه اشارة انه خاتم النبيين. ثم (غضروف) بضم الغين وسكون الضاد المعجمتين وضم الراء وسكون الواو ثم فاء وهو العظم الدقيق الذي على طرف الكتف وسمى ناغضا ونغضا بالمعجمتين وقيل الناغض أعلى الكتف (بضعة) بفتح الموحدة وسكون المعجمة ثم عين مهملة أى قطعة من لحم (ناشزة) أى مرتفعة (خيلان) بكسر المعجمة وسكون التحتية جمع خال وهي الشامة في الجسد منها انه كان (كزر الحجلة) كما في الصحيحين وغيرهما وزرها بزاي ثم راء والحجلة بفتح المهملة والجيم وهي واحدة الحجال وهى البشخانة وهي بيت كالقبة لها ازرار كبار وعري هذا هو الصواب المشهور الذى قاله الجمهور وقيل الحجلة الطائر وزرها بيضها وروي بتقديم الراء على الزاي وعليه فيكون المراد البيض يقال أرزت الجرادة بفتح الراء وتشديد الزاي اذا كبست ذنبها في الارض فباضت ومنها انه كان (كبيضة الحمامة) كما في صحيح مسلم وغيره (و) منها انه كان (كالسلعة) بكسر السين وسكون اللام رواه قاسم بن ثابت في دلائله وأسنده أحمد أيضا (و) منها انه كان (كالجمع) بضم الجيم وسكون الميم وهو صورة الكف بعد جمع الاصابع وضمها رواه مسلم في صحيحه أيضا (و) منها انه كان (كأثر المحجمة القابضة) رواه أحمد وابن هشام في السيرة وغيرهما (و) منها انه كان (كالتفاحة) رواه أحمد والترمذي وغيرهما ومنها انه كان كركبة عنز رواه ابن عبد البر في الاستيعاب ومنها انه كان من نور رواه يحيى بن مالك ومنها انه كان بضعة ناشزة من لحم كما مر في كلام المصنف ذكره الترمذى وابن اسحاق وغيرهما وعزاه النووي وغيره الى رواية البخاري أيضا ومنها انه كان ثلاث شعرات مجتمعة رواه أبو بكر بن أبى خيثمة ومنها انه كان شامة بين كتفيه خضراء منحفرة في اللحم قليلا رواه ابن أبي خيثمة أيضا ومنها انه كان خيلانا مجتمعة رواه ابن أبى خيثمة أيضا ومنها انه كان كثبة صغيرة تضرب الي الدهمة رواه الحاكم في تاريخ نيسابور عن عائشة واتفقت الروايات كلها على انه كان في الجانب الايسر الا ابن أبي خيثمة فقال كان الخاتم مما يلى منكبه الايمن فيه شامة سوداء تضرب الي الصفرة حولها شعرات متواليات كأنها من عرف فرس وللترمذي الحكيم في باطنه الله وحده لا شريك له وفي ظاهره توجه حيث شئت فانك المنصور وأنكر ذلك ابن دحية في كتاب الآيات البينات (خاتمة) روي الحاكم في تاريخ نيسابور عن عائشة انها قالت لمسته حين توفي فوجدته قد رفع ونحوه في دلائل البيهقي عن أسماء بنت عميس.

الباب الثالث في خصائصه صلى الله عليه وسلم

[الباب الثالث في خصائصه صلى الله عليه وسلم] (الباب الثالث في خصائصه صلى الله عليه وسلم وهى نوعان حسبما تقدم) [النوع الأول فيما اختص به صلى الله عليه وسلم هو وأمته من الفضائل وأنواع الكرامات] النوع الاول فيما اختص به صلى الله عليه وسلم هو وأمته من الفضائل وأنواع الكرامات وهذا الباب واسع يستدعى الكلام فيه الى مجلدات ومحله التتبع والنقل ونحن نذكر طرفا صالحا من عيونه ان شاء الله تعالى [فمن ذلك شفاعته العظمى في اراحة الناس من موقف القيامة] فمن ذلك شفاعته العظمى في اراحة الناس من موقف القيامة حين يموج الناس بعضهم في بعض ويذهب عرقهم في الارض سبعين ذراعا ويلجم بعضهم الجاما فتفزع اليه الأولون والآخرون بعد فزعهم الى الانبياء قبله واعتذار كل واحد منهم وقوله نفسى نفسى اذهبوا الى غيري حتى يقول آخرهم عيسى صلوات الله عليه لست لها ولكن عليكم بمحمد عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتون محمدا فيقول أنا لها ويخر ساجدا شافعا فيقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فيوضع الصراط ويحاسب الناس ويراحون وهذا هو المقام المحمود الذي وعده يحمده فيه الأولون والآخرون. روينا في صحيح البخاري عن آدم بن على قال سمعت ابن عمر يقول ان الناس يصيرون يوم القيامه حتى كل أمة تتبع نبيها فيقولون يا فلان اشفع لنا يا فلان اشفع لنا حتى تنتهى الشفاعة الى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم أنا سيد الناس يوم القيامة وتدرون لم ذاك يجمع الله الأولين والآخرين وذكر حديث الشفاعة ودل متفرقات الاحاديث على ان له صلى الله عليه وسلم سوى هذه الشفاعة شفاعات أربعا احداهن في تعجيل من لا حساب عليه من أمته الى الجنة وهم سبعون ألفا مع كل ألف (الباب الثالث في خصائصه) (يموج الناس) أى يختلط بعضهم ببعض (ويلجم) بالجيم أى يصير موضع اللجام (عبد) بالجر بدل من محمد (جثا) بضم الجيم وفتح المثلثة المخففة جمع جثوة وهي الشيء المجموع قاله ابن الاثير وروى بتشديد المثلثة جمع جاث وهو الجالس على ركبتيه (أنا سيد الناس يوم القيامة) انما خص يوم القيامة مع كونه سيدهم في الدنيا والآخرة لان سودده يظهر يومئذ لكل أحد فلا يبقى منازع ولا مشارك ولا معاند بخلاف الدنيا فقد وجد ذلك فيها وهذا على حد قوله تعالى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وقوله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ مع أن الملك له جل وعلا قديما وأخيرا لكن كان في الدنيا من يدعي الملك ويضاف اليه مجازا فانقطع كل ذلك في الآخرة (شفاعات اربعا) بل أكثر سنذكره اختص ببعضها وشورك في الباقي (احداهن في تعجيل من لا حساب عليه من أمته) كما في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة فارفع رأسى فاقول أمتي يا رب أمتى يا رب فيقال يا محمد ادخل من أمتك

ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أول الناس خروجا حين البعث

سبعون ألفا. الثانية فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم. الثالثة فيمن قال لا إله الا الله الرابعة في رفع درجات ناس في الجنة. وورد في حديث لا أزال أشفع حتى يقول خازن النار يا محمد ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة* [ومنها أنّه صلى الله عليه وسلّم أول الناس خروجا حين البعث] ومن خصائصه يوم القيامة ما رواه الترمذي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول الناس خروجا اذا بعثوا وأنا قائدهم اذا وفدوا وأنا خطيبهم اذا أنصتوا وأنا شفيعهم اذا حبسوا وأنا مبشرهم اذا أبلسوا لواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر ويطوف علىّ ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم في ذلك المقام غيري وعن أبى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه الا تحت لوائى وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لى فأدخلها فيدخلها معي فقراء المهاجرين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر. وفي حديث آخر ما ترضون أن يكون ابراهيم من لا حساب عليهم من الباب الايمن من أبواب الجنة وهذه من خصائصه كالتى في فصل القضاء (الثانية فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم) وحديثها مروي في الصحيحين وغيرهما من وجوه متعددة بطرق كثيرة وهذه ليست من خصائصه نعم قال عياض ان شفاعته لاخراج من في قلبه مثقال حبة من ايمان مختصة به (الثالثة فيمن قال لا اله الا الله) لا يحسن عد هذه شفاعة مستقلة بل هي من جملة الاولى (الرابعة في رفع درجات ناس في الجنة) قال مجد الدين الشيرازى وما لذلك عندنا من دليل صريح غير انه يستأنس له بحديث أنس عن مسلم يرفعه أنا أول شفيع في الجنة انتهي وبقي من الشفاعات شفاعته في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلوها أخرج حديثها أحمد من حديث أنس وأخرجه البيهقي من حديث ابن عباس وشفاعته في تخفيف العذاب عمن استحق الخلود في النار كابي طالب ونسبه انها من خصائصه وشفاعته في فتح باب الجنة أخرج حديثها أحمد ومسلم من حديث أنس وهي من الخصائص وشفاعته لمن مات بالمدينة وشفاعته لمن صبر على لأوائها وجهدها وكل هذه مروية في الاحاديث الصحيحة وشفاعته لمن أجاب المؤذن ثم صلى عليه وسأل له الوسيلة وشفاعته في أطفال المشركين حتى يدخلوا الجنة ذكرها القاضي عن بعضهم وشفاعته لجماعة من صلحاء المؤمنين فيتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات ذكرها القزويني في العروة الوثقي وشفاعته في زائريه رواها ابن حبان عن أنس (اذا حبسوا) مبنى للمفعول (اذا أبلسوا) بالموحدة أي يئسوا كما في بعض نسخ الترمذى (بيدى) بكسر المهملة وتخفيف التحتية على الافراد روي أحمد والترمذي (عن أبى سعيد)

ومنها اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالوسيلة والحوض والكوثر

وعيسى فيكم يوم القيامة ثم قال أنهما في أمتي يوم القيامة أما ابراهيم فيقول أنت دعوتي وذريتي فاجعلنى في أمتك وأما عيسى فالانبياء اخوة بنو علات أمهاتهم شتى وان عيسى أخى ليس بيني وبينه نبى وأنا أولى الناس به. [ومنها اختصاصه صلى الله عليه وسلّم بالوسيلة والحوض والكوثر] ومن خصائصه في الجنة اختصاصه بالوسيلة وهى أعلا درجة في الجنة قال صلى الله عليه وسلم من سأل الله لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة. ومن ذلك اختصاصه بالحوض والكوثر وهو نهر يسيل في حوضه حافتاه قباب اللؤلؤ ومجراه على الدر والياقوت سعد بن مالك بن سنان كما مر (بنو علات) بفتح المهملة وتشديد اللام جمع علة وهي الضرة سميت بذلك لان الرجل يتزوجها على ولاء كانت قبلها فكانه عل منها والعلل الشرب الثاني فبنو العلات أولاد الرجل من نسوة ومعنى هذه ان الانبياء كلهم متفقون على أصول الشريعة متباينون في فروعها بخلاف عيسى فانه موافق شريعته صلى الله عليه وسلم أصولا وفروعا لانه سيقضي بها بعد نزوله (فائدة) الاخوة اذا كانوا من نساء شتي فهم بنو العلات وان كانوا من أب أو أم فهم بنو اعيان وان كانوا من أم واحدة وآباؤهم شتى فهم بنو أخياف بالمعجمة والتحتية والفاء (وأنا أولي الناس به) وذلك لما ذكر من عدم الواسطة بينهما ولانه من اتباعه كما مر ولما أخرجه الترمذى عن عبد الله بن سلام قال مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه قال أبو داود المدنى قد بقي في البيت موضع قبر (قال صلى الله عليه وسلم) في حديث آخر أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى (من سأل الله لى الوسيلة) هذا طرف من حديث أوله اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علىّ فانه من صلى علىّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لى الوسيلة فانها منزلة في الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو (حلت عليه الشفاعة) أى وجبت له (بالحوض) هو الذى يشرب منه المؤمنون عند خروجهم من القبور (والكوثر) يشربون منه بعد دخولهم الجنة كما ذكره القرطبي وغيره وما ذكره من الاختصاص غير صحيح فقد أخرج الترمذي عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل نبي حوضا ترده أمته وانهم يتباهون ايهم أكثر وارده قال الترمذي حسن غريب وقال البكرى لكل نبي حوض الا صالحا فان حوضه ذرع ناقته واعلم ان أحاديث الحوض صحيحة والايمان به فرض وهو عند أهل السنة على ظاهره وحديثه متواتر بالنقل رواه خلائق من الصحابة رضي الله عنهم منهم أبو بكر الصديق وعمر وابن عمر وأبو سعيد وسهل بن سعد وجندب وعبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وام سلمة وعقبة بن عامر وثوبان وأنس وجابر بن سمرة وزيد بن أرقم وأبو امامة وعبد الله بن زيد وأبو ندرة وسويد بن جبلة وعبد الله الصنابجي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبى بكر وخولة بنت قيس وأبو هريرة وعائذ بن عمرو وأبو ذر وغيرهم وخرجه من الحفاظ أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم بروايات متعددة وصفات متنوعة (حافتاه) بالمهملة والفاء والفوقية أي جانباه (قباب) بالقاف والموحدة جمع قبة (ومجراه على الدر والياقوت)

وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج ومن خصائصه ما روي أبو ذر وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبو هريرة انه قال أعطيت خمسا وفي بعضها ستا لم يعطهن نبي قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا فايما رجل من أمتى وتربته أطيب ريحا من المسك كما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر (وأبيض) أى أشد بياضا كما جاء في كثير من الروايات وهذا الحديث يدل على صحة التعجب بافعل فيما زاد ماضيه على ثلاثة أحرف وكان لغة قليلة وهو خلاف ما يقوله النحويون انه انما يتعجب من مصدره ويبنى له فعل ثلاثي فلا يجوز عندهم ما أبيض زيدا مثلا بل ما أشد بياضه (من الثلج) وفي رواية من الورق أى الفضة وفي أخري من اللبن وكل ذلك على جهة التمثيل لشدة بياضه فذكر صلى الله عليه وسلم مرة الثلج ومرة الورق ومرة اللبن فروي كل ما سمعه ومن تتمة حديث الحوض ان كيزانه وفي رواية أكوزه وفي أخري آنيته كنجوم السماء من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا زاد الترمذي والحاكم عن ثوبان أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا يفتح لهم السدد وان عرضه كما بين صنعاء والمدينة وفي رواية مسيرة شهر وفي أخرى من عدن الى عمان البلقاء وفي أخرى كما بين ايلة والجحفة وفي أخرى بين ناحيتيه كما بين جرنا وأذرح وفي اخرى ما بين الكعبة الى بيت المقدس قال عياض وغيره وهذا الاختلاف في قدر عرض الحوض ليس موجبا للاضطراب فانه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الروايات عن جماعات من الصحابة سمعوها في مواطن مختلفة ضربها النبي صلى الله عليه وسلم في كل منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته وقرب ذلك من الافهام لبعد ما بين البلاد المذكورة لا على التقدير بل للاعلام بعظم بعد المسافة فيهن تجتمع الروايات انتهي قال النووي وليس في القليل من هذه المسافاة منع الكثير فالكثير ثابت على ظاهر الحديث ولا معارضة (فائدة) خرج صاحب الغيلانيات من حديث حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان على حوضي أربعة أركان فاول ركن منها في يد أبي بكر والركن الثاني في يد عمر والركن الثالث في يد عثمان والركن الرابع في يد على فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عمر ومن أحب عثمان وأبغض عليا لم يسقه عثمان ومن أحب عليا وأبغض عثمان لم يسقه على (أعطيت خمسا) هذه رواية في الصحيحين وسنن النسائى (وفي بعضها ستا) في رواية لمسلم عن أبى هريرة (نصرت بالرعب) زاد أحمد من حديث أبي امامة يقذف في قلوب أعدائي (مسيرة شهر) بالنصب وللطبراني عن أبن عباس نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيره شهرين وأراد شهرا أمامه وشهرا خلفه كما أخرجه الطبراني عن السائب بن بريد مرفوعا والمراد مسيرة شهر من أول بلاد الكفر المتصلة ببلاد الاسلام على الصحيح (وجعلت لي الارض) زاد أحمد عن أبي امامة ولأمتي (مسجدا) أى موضع سجود أى صلاة زاد ابن عمر وفي رواية وكان من قبلى انما يصلون في كنائسهم (وطهورا) ولمسلم من حديث حذيفة وجعلت تربتها لنا طهورا اذا لم يجد الماء ونحوه لاحمد عن على واستدل به أصحابنا على تعين التراب للتيمم (فانما) ما زائدة وما مبتدا (رجل) بالجر باضافة

أدركته الصلاة فليصل وأحلت لى الغنائم ولم تحل لنبي من قبلي وبعثت الى الناس كافة وأعطيت الشفاعة وفي رواية وقيل لى سل تعطه وفي أخرى وعرض علىّ أمتى فلم يخف على التابع من المتبوع وفي حديث نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم وبينا أنا نائم أذجئ بمفاتيح خزائن الارض فوضعت في يدي وفي رواية وختم بي النبيون. وفي حديث عن أبى وهب انه قال قال تعالى سل يا محمد فقلت ما أسأل يا رب اتخذت ابراهيم خليلا وكلمت موسي تكليما واصطفيت نوحا وأعطيت سليمان ملكا لا ينبغى لأحد من بعده فقال الله تعالى ما أعطيتك خير من ذلك أعطيتك الكوثر وجعلت اسمك مع اسمي ينادى به في جوف السماء وجعلت الأرض طهورا لك ولامتك وغفرت لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر فأنت تمشي في الناس مغفورا لك ولم أصنع ذلك لأحد قبلك وجعلت قلوب أمتك مصاحفها وخبأت لك شفاعتك ولم أخبأها لنبى غيرك. وفي حديث أعطاني ربى ان لا تجوع أمتى ولا تغلب وأعطانى النصر والعزة والرعب يسعى بين يدى أمتى شهرا وأحل لنا كثيرا أي اليه (أدركته الصلاة فليصل) أى لان عنده طهوره ومسجده كما لاحمد عن أبي امامة ونحوه وللبيهقي عنه (وأحلت لي الغنائم) وللكشميهني في البخاري المغانم وأراد المأخوذ من مال الكفار فيأ كان أو غنيمة (ولم يحل) بالبناء للمفعول وللفاعل والاول أحسن من أجل أحلت (لنبى) في رواية لاحد (قبلى) أي لان أكثرهم لم يؤذن له في الجهاد ومن أذن لهم فيه كانوا اذا غنموا شيئا لم يحل لهم أكله فتجئ نار بيضاء من السماء فتحرقه وبعثت الى الناس كافة في رواية عامة ولمسلم الي كل أحمر وأسود وكان غيره من الانبياء يبعث الى قومه خاصة واستشكل ذلك بنوح حيث دعا على جميع أهل الارض فاهلكوا بالغرق الا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا اليهم لما أهلكوا وأجيب عن هذه الجوابات أحسنها ما قاله الحافظ ابن حجر أنه لم يكن في الارض عند ارسال نوح الا قومه فبعثه خاصة لكونها الى قومه فقط لعدم وجود غيرهم لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا اليهم قال في التوشيح وترشحه أمران أحدهما قرب مدته من آدم فكان النسب بينه وبين الموجودين شيأ قريبا غير بعيد وهو المراد بالقوم والثانى طول مدته فان الف سنة الا خمسين عاما يتيسر فيها من عشيرة الانسان ما يملأ الارض (في يدى) بالافراد والتثنية (أعطيتك الكوثر) يعنى الثانى الذي في الجنة فهو من خصائصه وانما شاركه الانبياء في الاول (وجعلت قلوب أمتك مصاحفها) أي يقرؤن القرآن عن ظهر غيب وهو معني حديث آخر اناجيلهم في صدورهم وكان من سبق لا يقرأ الكتاب المنزل الا الفذ منهم قال أهل التفسير لم يقرأ التوراة الا أربعة موسى ويوشع وعزير وعيسي (غيرك) بالجر والنصب (أن لا تجوع أمتى) أى لا يعمهم الجوع حتى يجتاحهم بل اذا أجذبت جهة أخضبت أخري (ولا تغلب) أي لا يسلط عليهم الكفار حتى يغلبوهم ويقهروهم (وأحل لنا) مبنى للفاعل وكذا

مما شدد على من قبلنا ولم يجعل علينا في الدين من حرج. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم ان جعل الله أمته خير الامم ونسخ بشريعته جميع الشرائع فلا يسع أحد بعدها التمسك بغيرها وجعل الله معجزته القرآن وحفظه من التحريف والتبديل وجعله معجزة باقية تبقى ببقاء الدنيا وسائر معجزات الأنبياء ذهبت للحين ولم يشاهدها الا الخاص لها ومعجزة القرآن يقف عليها قرن بعد قرن عيانا لا خبرا الى يوم القيامة وعصم الله أمته من الاجتماع على الضلال وجعلت صفوفهم كصفوف الملائكة. ومن خصائصه انه كان لا ينام قلبه اذا نامت عيناه ولا ينتقض وضوءه بالنوم ويرى من وراء ظهره كما ترى من أمامه وتطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما في الثواب ويتعين على المصلى اجابته ولا تبطل الصلاة بخطابه مما شدد (من حرج) أي ضيق (جعل الله أمته خير الامم) قال تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ (التمسك) بالرفع (وعظم) أى حفظ (الله أمته من الاجتماع على الضلال) فمن ثم كان الاجماع عندنا حجة قال صلى الله عليه وسلم ان أمتى لن تجتمع على ضلالة فاذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الاعظم أخرجه الترمذي وابن ماجه عن أنس وفي سنده ضعف لكن أخرج الحاكم له شواهد منها في الصحيحين لا يزال من أمتى أمة قائمة بامر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك (ومن خصائصه) كغيره من الانبياء (انه لا ينام قلبه اذا نامت عيناه) في الصحيحين وغيرهما عن عائشة ان عيني تنامان ولا ينام قلبي زاد البخاري في خبر الاسراء عن أنس وكذلك الانبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم وفي هذا اشكال وجوابه مر في حديث نومه صلى الله عليه وسلم بالوادي ومن فروع هذا أنه (لا ينتقض وضوءه) ولا غيره من الانبياء (بالنوم) لان النوم ليس ناقضا لذاته بل لانه مظنة للنقض بخروج شيء عند ذهاب الحس وهذا مفقود فيمن قلبه يقظان وقد نام صلى الله عليه وسلم حتى نفخ ثم قام فصلي ولم يتوضأ أخرجه الشيخان عن عائشة وينتقض وضوءهم بالاغماء كغيرهم (ويرى من وراء ظهره) ادراكا حقيقة فيه خلاف سبق والاحاديث الواردة في الصحيحين وغيرهما مقيدة بحالة الصلاة فهى مقيدة لقوله لا أعلم ما وراء جدارى هذا هكذا قاله الشهاب ابن حجر قال زكريا وفيه نظر إذ ليس فيها أنه كان يري من وراء الجدار وقياس الجدار على جسده صلى الله عليه وسلم فاسد كما لا يخفي (وتطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما في الثواب) بخلاف غيره فان صلاته قاعدا على النصف من صلاة القائم وصلاته مضطجعا على النصف من صلاة القاعد ودليل ذلك ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى من حديث ابن عمر وصلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة ولكني كنت كاحد منكم وانما كان تطوعه كذلك لانه صلى الله عليه وسلم مشرع ولان الباعث على القعود بالنسبة لغيره هو الكسل والتثاقل عن الصلاة وذلك مفقود فيه (ويتعين) أى يجب (على المصلي) ولو فرضا (اجابته) لما روي البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد بن المعلى بضم الميم وفتح المهملة واللام قال كنت أصلى في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجبته ثم أتيته فقلت يا رسول الله انى كنت أصلي فقال ألم يقل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ وروي الترمذي عن أبي هريرة مثل هذه القصة لابي بن كعب (ولا تبطل الصلاة) باجابته بالقول وكذا بالفعل ولو كثيرا كما

النوع الثانى فيما اختص به من دون غيره من أمته من الواجبات والمباحات والمحرمات

وكان يتبرك ويستشفي ببوله ودمه ويقرر ذلك ولا ينكره وبهذا استدل على طهارتهما منه ويكفر شانئه ومؤذيه ويقتل ولا يستتاب بخلاف غيره والله أعلم. [النوع الثانى فيما اختص به من دون غيره من أمته من الواجبات والمباحات والمحرمات] النوع الثانى فيما اختص به من دون غيره من أمته من الواجبات والمباحات والمحرمات وجرى عادة كثير من أصحابنا بذكرها في أول كتاب النكاح لأن أكثر الخصائص فيه وأول سابق الى ذلك المزنى ذكر في كتابه المختصر ومنع أبو على بن جبران الكلام في الخصائص قال لأنه أمر تقضى فلا معنى للكلام فيه وخالفه سائر الأصحاب واستحسنوا الكلام فيه لما فيه من زيادة العلم قال النووي الصواب الجزم بجواز ذلك بل باستحبابه ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيد الا انه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتة في الحديث فعمل بها أخذا بأصل التأسى فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها قال وأي فائدة أهم أكثر من هذه رجحه الاسنوي وغيره وطرد بعضهم ذلك في عيسى أيضا يوم نزوله ولا تبطل الصلاة بقول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي وكذا لو خاطبه في غير التشهد (وكان يتبرك ويستشفي ببوله ودمه) وسائر فضلاته أخرج الدارقطني بسند فيه ضعف أن أم أيمن شربت بوله فقال اذا لا تلج النار بطنك وروى ابن حبان في الضعفاء أن غلاما حجم النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجامته شرب منه فقال ويحك ما صنعت بالدم قال عممته في بطنى قال اذهب فقد أحرزت نفسك من النار وهذا الغلام هو أبو طيبة واسمه نافع بن دينار قال الشمني وعاش ماية وأربعين سنة (فائدة) ممن شرب دمه صلى الله عليه وسلم مالك بن سنان وذلك يوم أحد وعبد الله بن الزبير كما رواه الحاكم والبيهقى والطبراني والدارقطني وسالم ابن الحجاج وسفينة مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البيهقي وعلى بن أبي طالب ذكره الرافعي في فتح القدير (ويكفر شانئه) بضم أوله وفتح الكاف والفاء المشددة أي يحكم بكفره وبفتح أوله وسكون الكاف وضم الفاء بالبناء للفاعل وشانئه مهموز كما جاء في القرآن ويكفر (مؤذيه) بشتم أو قذف أو غيرهما وكذا غيره من الانبياء وذلك اجماع كما يؤخذ من كلام عياض وغيره وقد روى الدارقطني والطبرانى عن على من سب نبيا فاقتلوه ومن سب أصحابي فاضربوه وهذا الحديث وان كان في اسناده ضعف فقد اعتضد بالاجماع (ويقتل) حدا (ولا يستتاب) بل لو تاب لم يسقط قتله كذا قاله أبو بكر الفارسي من أصحابنا في كتاب الاجماع وادعى فيه الاجماع ووافقه القفال لكن رجح الغزالي في الوجيز ما نقله عن أبي اسحاق المروزي أنه كسائر المرتدين يستتاب فان تاب لم يقتل وهذا هو الاصح (ومنع أبو على) الحسين بن صالح بن (جيران) بفتح المعجمة وسكون التحتية هو البغدادي قال الشمني طلبه الوزير ابن الفرات للقضاء من الخليفة فامتنع فوكل عليه بوابه وحتم عليه سبعة عشر يوما حتى احتاج الى الماء فلم يقدر عليه الا بمناولة بعض الجيران فبلغ الخبر الوزير فافرج عنه وتوفي سنة عشرين وثلاثمائة (قال النووى) في الروضة (باصل التأسي) أى الاقتداء

فأول ذلك ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الواجبات والحكمة فيه زيادة الزلفي والدرجات قال صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه لن يتقرب الىّ عبدي بمثل اداء ما افترضت عليه وفي حديث ان ثواب الفرض يزيد على النفل بسبعين درجة فمن ذلك ركعتا الضحى والاضحية والوتر والسواك والمشاورة والتهجد وهو ان يصلي بالليل وان قل والارجح انه غير الوتر وانه نسخ عنه صلى الله عليه وسلم كما نسخ عن غيره ومنه مصابرة العدو وان كثر عددهم لانه معصوم ومنه قضاء دين الميت المعسر وفي وجه كان يجب عليه اذا رأى شيأ يعجبه ان يقول لبيك ان العيش عيش الآخرة أما النكاح فقد أوجب الله عليه تخيير نسائه كما حكته الآية الكريمة والمعنى فيه انه صلى الله عليه وسلم آثر الفقر وصبر عليه فامر بتخييرهن لئلا يكن مكرهات على ما صبر عليه ولما اخترنه كافأهن الله على حسن صنعهن فحرم عليه التزوج عليهن والتبدل بهن فقال تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ثم نسخ ذلك لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى يا أَيُّهَا (زيادة الزلفي) أي القربى (ركعتا الضحى والاضحية والوتر والسواك) وسنة الصبح لحديث أحمد والحاكم عن ابن عباس ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوع الوتر وركعتا الضحى والفجر ولاحمد والبيهقى الفجر والوتر وركعتى الضحي وللبيهقي عن عائشة الوتر والسواك وقيام الليل وهذه الاحاديث صعفها الحفاظ فمن ثم قال البلقيني وابن العراقى والزركشى وغيرهم إن في إيجاب ما ذكر عليه صلى الله عليه وسلم نظرا ورد بان الحديث يعتضد بما يصيره حسنا وخرج من ذلك قيام الليل بدليل ونفي غيره والواجب من ذلك أقل ما جرى فيه ففي الضحي ركعتان وفي الوتر ركعة والواجب في السواك ما يستحب لنا أو عند كل صلاة أو عند نزول الوحي احتمالات أوجهها الثاني (والمشاورة) لذوى الرأى في أمر الحرب وغيره من أمور الدنيا والدين قال تعالى وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وحكمته تطييب قلوبهم والتنبيه لهم على طرق الاجتهاد وليتأسى به الحكام ونحوهم والا فقد كان غنيا بالوحي بل وبالاجتهاد الذي لا يخطيء (والتهجد) على ما قاله الرافعي (والارجح) كما قاله النووى (أنه غير الوتر) الواجب عليه ولا يكفي عنه الوتر بخلاف غيره (وأنه نسخ عنه صلى الله عليه وسلم) وان قال الجمهور بوجوبه ففي كلام عائشة حيث قالت صار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ما نزل عليه قاله النووى (ومنه قضاء دين الميت) من المسلمين (المعسر) لحديث الصحيحين وغيرهما أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه ووجه الخصوصية ان كان القضاء من ماله ظاهر كما هو مقتضى كلامهم وان كان من مال المصالح على ما في شرح مسلم أى ان اتسع المال أنه لا يجب على الائمة بعده والاصح انه كان تحرم عليه الصلاة على المدين المعسر الا ان كان له ضامن ثم نسخ فصار يصلى عليه مطلقا ثم يقضيه (كما حكته الآية الكريمة) في قوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها الآية

النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ الآية وصحح كثيرون انه صلى الله عليه وسلم لم يحرم عليه طلاقهن بعد ما اخترنه ومما يجب على الغير لاجله انه يجب على زوج من رغب النبي صلى الله عليه وسلم في نكاحها ان يطلقها له. قال الغزالى ولعل السير فيه امتحان الزوج من جهة ايمانه ومن جهة النبى صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه ببلية البشر ومنعه من الاضمار الذي يخالف الاظهار. وقد سبق فيه كلام عند ذكر زواج زينب أحسن من هذا وأليق بحال النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على من خطبها وهى خلية اجابته ويحرم على غيره خطبتها ويجب على الخلق اجتناب ما يؤذيه مطلقا وان كان في مباح كما في قصة علىّ رضى الله عنه وخطبته على فاطمة رضى الله عنهما. أما المحرمات فقد كان صلى الله عليه وسلم محرما عليه الزكاة وكذا الصدقة على أظهر القولين ويحرم على أقربائه ومواليهم الزكاة فقط ويكره له الاكل متكئا وأكل الثوم وما في معناه وقيل يحرم ومنع من الخط والشعر فكان لا يحسنهما وكان يكره اذا لبس لامة الحرب ان ينزعها حتى يقاتل فقيل هى كراهة تحريم وقيل تنزيه وهذا على ما علق قولهم انه لا يبتدئ تطوعا الا لزمه اتمامه وذلك معارض بدخوله في الصوم تطوعا (كما في قصة على وخطبته) بنت أبى جهل (على فاطمة) فخطب صلى الله عليه وسلم وقال في خطبته والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله في عصمة رجل وقال انما فاطمة بضعة منى يؤذيني ما أذاها كما في الصحيحين وغيرهما عن المسور بن مخرمة (محرما عليه الزكاة) المفروضة لقوله ان هذه الصدقات انما هي أوساخ الناس فلا تحل لمحمد ولا لآل محمد رواه مسلم وغيره (وكذا الصدقة) تطوعا لابانتها عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه فابدل بها الفيء الذى هو بالعكس (ويحرم على أقربائه) وهم بنو هاشم وبنو المطلب (ومواليهم) أى عتقاؤهم لقوله صلى الله عليه وسلم ان مولي القوم منهم صححه الترمذي وغيره (الزكاة) المفروضة (فقط) ولا يحرم عليهم صدقة التطوع لما رواه الشافعى عن ابراهيم بن محمد عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر انه قال انما حرم علينا الصدقة المفروضة وهو مرسل اعتضد بقول أكثر أهل العلم ومثل الزكاة المفروضة الكفارة والجزاء وكذا النذر على المعتمد (ويكره له الاكل متكئا) لقوله اما أنا فلا آكل متكئا والاتكاء ان يجلس جلسة متمكنة على هيئة من يريد الاستكثار ومثله في كراهة الاتكاء غيره (وأكل النوم) بضم المثلثة (وما في معناه) كبقل وكراث لانه نياجى الملائكة (والشعر) قال تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ (وكان يكره) للبناء للفاعل (اذا لبس لامة الحرب) بالهمز (ان ينزعها حتى يقاتل) حيث أمكن القتال بان لم ينهزم العدو وذلك لاحاديث منها حديث أحمد والدارمي انه ليس لنبى اذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل ومر معني ذلك في غزوة أحد (فقيل هى كراهة تحريم وقيل) كراهة (تنزيه)

ثم أفطاره أثناء نهاره. وكان يحرم عليه مد عينيه بالاستحسان الى متع الدنيا الفانية. وكان يحرم عليه الايماء بالعقوبة خلاف ما يظهر وهي خائنة الاعين لمشابهته الخيانة ولا يحرم ذلك على غيره الا في محرم وكان صلى الله عليه وسلم يخدع في الحرب ويعمي عن وجه مقصده ومنع صلى الله عليه وسلم من المن ليستكثر ومعناه ليعطى شيئا ليأخذ أكثر منه. ومن المحرمات في النكاح ان يمسك من كرهته وان ينكح كتابية أو أمة مسلمة أما المباحات والتخفيفات فقد كان صلى الله عليه وسلم يواصل في الصوم ويختار الصفي من الغنيمة ومنهن صفية بنت حي وكان له خمس الخمس من الغنيمة وأربعة أخماس من الفيء وكان له دخول مكة بغير احرام ولم يورث صلى الله عليه وسلم قيل كان ما خلفه باقيا على ملكه وقيل صدقة وهو ظاهر الخبر وأقر نساءه بعده على مساكنهن وأجرى عليهن النفقة لانهن أمهات المؤمنين ومحرمات على التأبيد ولأنهن كالمعتدات وكان له صلى الله عليه وسلم ان يشهد لنفسه ويقبل شهادة من شهد له ويحكم لنفسه وولده لثبوت عصمته وكان له صلى الله عليه وسلم ان يأخذ الطعام والشراب عند الضرورة عن من هو محتاج اليهما ويفدى بنفسه نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وكان يحل له في النكاح الزيادة على أربع ولا ينحصر على تسع على الاصح والأصح ان طلاقه ينحصر في ثلاث كغيره وان نكاحه ينعقد بلفظ الهبة والصحيح الاول (وكان يحرم عليه مدعينيه الى آخره) لقوله تعالى لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية (الى متع) بضم الميم وفتح الفوقية جمع متعة (وكان يحرم عليه الايماء بالعقوبة خلاف ما يظهر) ويسمى ذلك خائنة أعين لشبهه بالخيانة من حيث خفاؤه ولا يحرم الايماء لغيره الافي محظور والاصل في ذلك قصة عبد الله بن سعد ابن سرح يوم الفتح حيث أمسك صلى الله عليه وسلم عن متابعته ليقتله بعض أصحابه فقالوا بعد ذلك هلا أو مأت الينا بعينك فقال انه لا ينبغي لنبي ان يكون له خائنة الاعين رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم (ومنع من المن ليستكثر) أى حرم عليه ذلك قال تعالى وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وحاصل ذلك حرمة البذل للجزاء مطلقا سواء طلب أكثر أو أقل أو مساويا (وان يمسك من كرهته) لخبر ابنة الجون (وان ينكح كتابية) لكراهتها صحبته ويجوز له تسريها على الاصح (أو أمة) مطلقا لانه معصوم لا يخاف العنت (كان يواصل في الصوم) مع حرمته على غيره لحديث الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقيل يا رسول الله انك تواصل فقال اني لست كهيئتكم اني أطعم واسقي والمواصلة صوم يومين مع عدم تناول مفطر بالليل بينهما (ويختار الصفي) بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتية (وكان له دخول مكة بغير احرام) واجب عليه على القول بوجوبه على غيره كذا نقله صاحب التلخيص وغيره والاصح جواز ذلك

الباب الرابع فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات

وكان يجوز له عقد النكاح وهو محرم على المختار. قال الرافعى والخلاف مبني على ان النكاح في حقه صلى الله عليه وسلم هل هو كالتسرى في حقنا ان قلنا نعم وهو الذى قطع به صاحب البحر لم ينحصر عدد المنكوحات والطلاق والعقد بلفظ الهبة وبمعناها وبلا ولى وشهود ومهر ولم يجب القسم وان قلنا لا انعكس الحكم والاصح ان القسم كان واجبا عليه [الباب الرابع فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات] (الباب الرابع فيما أيده الله به من المعجزات وخرق العادات) اعلم ان هذا الباب بحر واسع لا يعلم قدره ولا يبلغ قعره وكل سابح فيه حرى ان ينسب نفسه الى التقصير لتعلقه بأجل المقادير وأطول من علمت فيه باعا وأقوى اتساعا القاضى عياض فانه جاء بجمل متكاثرات من أمهات ضروب المعجزات مع مقدمة قدمها وقواعد مهدها أبان فيها عن قوة علمه وبراعة فهمه جدير بمصنفي هذا الفن ان يجعلوها في فاتحة كتبهم كالعنوان أو كالتاج على ذى سلطان وها أنا أذكر محاسنها مع ان كلها عندى حسن وأزيد ما تيسر من ذكر عيون المعجزات بعدها وبالله التوفيق. قال اعلم ان الله تعالى جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده والعلم بذاته وأسمائه وصفاته وجميع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء كما حكى عن سنته في بعض الأنبياء وجائز ان يوصل اليهم جميع ذلك بواسطة وتكون تلك الواسطة اما من غير البشر كالملائكة مع الأنبياء أو من جنسهم كالانبياء مع الامم ولا مانع لهذا من حيث دليل العقل واذا جاز هذا ولم يستحيل وجاءت الرسل بما دل على صدقهم من معجزاتهم وجب تصديقهم في جميع ما أتوا به لأن المعجزة مع التحدى من النبى صلى الله عليه وسلم قائمة مقام قول الله صدق عبدى فأطيعوه واتبعوه فشاهده على صدقه فيما يقوله قال وهذا كاف واختلف العلماء هل النبي والرسول بمعنى أو بمعنيين فقيل هما سواء وقيل مفترقان من وجه اذ قد اجتمعا في النبوة التى هى لغيره أيضا (والاصح ان القسم) بين الزوجات في المبيت (كان واجبا عليه) كغيره لقوله اللهم هذه قسمتى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك رواه ابن حبان وغيره وصححه الحاكم على شرط مسلم ومقابله وجه انه لا يجب عليه لقوله تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ الآية وبقى من الخصائص ما ينيف على مائتين وليس هذا محل بسطها وقد استوفاها السيوطي في انموذج اللبيب في خصائص الحبيب وفي أصله أيضا. (الباب الرابع فيما أيده الله به من المعجزات) (مع التحدى) باهمال الحاء والدال أي الاستعجاز بطلب مثله

الاطلاع على الغيب والاعلام بخواص النبوة وحوز درجتهما وافترقا في زيادة الرسالة وهو الامر بالانذار والاعلام وذهب بعضهم الى أن الرسول من جاء بشرع مبتدأ ومن لم يأت به فنبي غير رسول وان أمر بالابلاغ والانذار والصحيح والذى عليه الجم الغفير ان كل رسول نبيّ وليس كل نبي رسولا وأول الرسل آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وفي حديث أبى ذر رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم ان الانبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي. وذكر ان الرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر هذا ملخص ما ذكر القاضى قلت ورأيت نظما لبعضهم في أصحاب الشرائع منهم فقال الناظم: ألا ان أصحاب الشرائع خمسة ... من الانبياء والمرسلين الى الورى فأولهم نوح وبعد محمد ... وموسى وعيسى والخليل بن آزر وخمستهم في آية قد جمعتهم ... وفي آية الشورى تبين لمن قرا وذو الملك منهم خمسة قد جمعتهم ... فاصخ وكن ندبا أديبا مشهرا سليمان وداود ويوسف يافتى ... وموسى وهرون وقف ناقة السرا وأصحاب الشرائع منهم هم أولوا العزم وقد جمعهم بعضهم في بيت واحد فقال أولوا العزم نوح والخليل كلاهما ... وموسى وعيسى والنبي محمد (ان كل رسول نبي) لانه شارك النبى في حده وزاد عليه بالرسالة فهو أخص منه لانه ربما أوحي اليه ولم يؤمر بالتبليغ (وأول الرسل آدم وآخرهم محمد) هو حديث أخرجه الحكيم عن أبى ذر وتتمته وأول أنبياء بني اسرائيل موسي وآخرهم عيسى وأول من خط بالقلم ادريس (وثلاثة عشر) والمذكورن منهم في القرآن باسم العلم خمسة وعشرون متفق عليهم وهم محمد صلى الله عليه وسلم وآدم وادريس ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب وداود وسليمان وأيوب وموسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسي والياس واليسع ويونس وذو الكفل وثلاثة مختلف في نبوتهم وهم عزير وذو القرنين ولقمان (في آية جمعتهم) وهى واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسي وعيسي ابن مريم (وفي سورة الشوري) وهى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً الآية (فاصخ) باهمال الصاد واعجام الخاء أى اصغ (وكن ندبا) بفتح النون وسكون المهملة بعدها موحدة والندب الظريف الاديب قاله في القاموس (أديبا) بالموحدة أي فطنا حاذقا (داود) بالصرف لضرورة الشعر (وهرون) بالصرف أيضا لذلك

فصل وسميت المعجزة معجزة لعجز الخلق عن الإتيان بمثلها

[فصل وسميت المعجزة معجزة لعجز الخلق عن الإتيان بمثلها] (فصل) وسميت المعجزة معجزة لعجز الخلق عن الاتيان بمثلها وهى نوعان نوع في مقدور البشر فعجزوا عنه وتعجيز الله لهم عنه دال على صدق نبيه كصرفهم عن تمني الموت وعن الاتيان بمثل القرآن على رأي من رأى انه كان في مقدورهم وان الله صرفهم عنه. النوع الثانى خارج عن قدرتهم كاحياء الموتى وقلب العصى حية واخراج ناقة من صخرة وغيرهما مما لا يمكن ان يفعله أحد الا الله فيتحدي النبي صلى الله عليه وسلم من يكذبه ان يأتى بمثله تعجيزا له وقد كانت معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم من النوعين معا وهى بكثرتها لا يحيط بها ضبط فان واحدا منها وهو القرآن لا يحصي عدد معجزاته بألف ولا بألفين ولا أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحداهم بسورة منه فعجزوا واقصر السور انا أعطيناك الكوثر فكل آية أو آيات منه بعددها وقدرها معجزة ثم فيها نفسها معجزات ثم معجزاته صلى الله عليه وسلم على قسمين قسم منها قطعي كالقرآن فلا مرية فيه ولا خلاف بمجىء النبي به وظهوره من قبله وانكار معانديه كانكار وجود محمد في الدنيا ثم انه قد علم على الجملة ضرورة انه صلى الله عليه وسلم جرى على يديه جمل من الآيات وخوارق العادات كما يعلم ضرورة جود حاتم وشجاعة عنترة وحلم أحنف وان كان تفاصيل أخبارهم لا يبلغ هذا المبلغ وقسم آخر (فصل) في تسمية المعجزة (واخراج ناقة من صخرة وغيرها) ككلام الشجر ونبع الماء وانشقاق القمر (جود حاتم) هو ابن عبد الله الطائى والدعدي الصحابى هلك على كفره وبه ضربت الامثال في الجود وكان اذا اشتد البرد أمر غلامه يسارا فاوقد نارا في بقاع من الارض ليهتدي بها من ضل عن الطريق فيعمد نحوها ومن قوله في ذلك أو قد فان الليل ليل قر ... والريح يا واقد ريح صر على بدا نارك من يمر ... ان أجلبت ضيفا فانت حر قالوا ولم يكن حاتم يمسك شيئا ما عدا فرسه وسلاحه فانه كان لا يجود بهما واخباره في الجود أكثر من أن يحاط بها (وشجاعة عنترة) بتقديم النون على التاء الفوقية هو ابن معاوية بن شداد العبسى بالموحدة فالمهملة كان شديد السواد وأمه اسمها زبيبة كانت أمة سوداء لابيه وكان عنترة من أشهر فرسان العرب وأشدهم بأسا وكان يقال له عنترة الفوارس (وحلم أحنف) هو ابن قيس أبو بحر واسمه الضحاك وقيل صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة بن النوال بن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمر بن كعب بن زيد مناة بن تميم دار وهو أحنف والاحنف الاعرج والحنف الاعوجاج في الرجل وهو اقبال احدي الابهامين من احدي الرجلين على الاخري وقيل الذي يمشي على ظهر قدميه من شقها الذي يلى

فصل في إعجاز القرآن وفيه وجوه

لا يبلغ مبلغ الضرورة والقطع وهو على نوعين نوع مشتهر منتشر وهو ما جرى وقوعه في المحافل والمجموع المتكاثر من الصحابة ونقله الينا عنهم الجمم الغفير والعدد الكثير ونوع آخر احتفل به الآحاد ولم يشتهر اشتهار ما قبله لكنه اذا جمع الى مثله اتفقا في المعنى واجتمعا على الاتيان بالمعجز ولحق بالمشتهر المنتشر من هذا الوجه والله أعلم قال القاضى عياض رحمه الله [فصل في إعجاز القرآن وفيه وجوه] (فصل) في اعجاز القرآن اعلم ان كتاب الله العزيز منطو على وجوه من الاعجاز كثيرة وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه [أولها حسن تأليفه والتئام كلمه] أولها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه ايجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب وذلك انهم كانوا أرباب هذا الشأن وفرسان الكلام قد خصوا من البلاغة والحكم ما لم يخص به غيرهم من الامم وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت انسان ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب جعل الله ذلك طبعا وخلقة وفيهم غريزة وقوة يأتون منه على البديهة بالعجب ويدلون به الى كل سبب فيخطبون بديها في المقامات وشديد الخطب ويرتحزون به بين الطعن والضرب ويمدحون ويقدحون ويتوسلون ويتوصلون ويرفعون ويضعون فيأتون بذلك بالسحر الحلال ويطوقون من أوصافهم أجمل من سمط اللآل فيجدعون الألباب ويذللون الصعاب ويذهبون الاحن ويهيجون الدمن خنصرها قالوا وكانت أمه ترقصه في صغره وتقول والله لولى حنف في رجله ... ما كان في الحي فتى كمثله أسلم في زمنه صلى الله عليه وسلم ودعا له فقال اللهم اغفر للاحنف ولم يتفق له روية مات بالكوفة سنة سبع وستين في امارة بن الزبير (المحافل والجموع) مترادفان (والتئام) بكسر الفوقية وفتح الهمزة أى توافق (كلمه) بفتح الكاف وكسرها وهاء الضمير (وفصاحته) بالرفع معطوف على حسن (والحكم) بكسر الحاء وفتح الكاف جمع حكمة (ذرابة اللسان) حدته وهى بفتح المعجمة وتخفيف الراء والموحدة (يقيد الالباب) يمسكها ويحبسها من القيد (ويدلون) بضم أوله وسكون المهملة مأخوذ من أدلي دلوه اذا أوردها في البئر (وشديد الخطب) بالمعجمة (ويقدحون) بالقاف يرمون (سمط اللآل) بكسر السين المهملة وسكون الميم ثم مهملة والسمط الخيط ما دام فيه الخرز ونحوه والا فهو سلك قاله في الصحاح (ويذهبون الاحن) جمع احنة بكسر الهمزة وسكون المهملة وهي الحقد كما مر (ويهيجون) بضم أوله وفتح الهاء وكسر التحتية المشددة بعدها جيم ويجوز كسر الهاء وسكون التحتيتين مع التخفيف (الدمن) جمع دمنه

ويجرؤن الجبان ويبسطون يد الجعد البنان ويصيرون الناقص كاملا ويتركون النبيه خاملا منهم البدوى ذو اللفظ الجزل والقول الفصل والكلام الفخم والطبع الجوهرى والمنزع القوى ومنه الحضرى ذو البلاغة البارعة والالفاظ الناصعة والكلمات الجامعة والطبع السهل والتصرف في القول القليل الكلفة الكثير الرونق الرقيق الحاشية وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجة البالغة والقوة الدامغة والقدح الفالج والمهيع الناهج لا يشكون ان الكلام طوع مرادهم والبلاغة ملك قيادهم قدحو وافنونها واستنبطوا عيونها ودخلوا من كل باب من أبوابها وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها فقالوا في الخطير والمهين وتفننوا في الغث والسمين وتقاولوا في القل والكثر وتساجلوا في النظم والنثر فما راعهم الا رسول كريم بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أحكمت آياته وفصلت كلماته وبهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول وتظافر ايجازه واعجازه وتظاهرت حقيقته ومجازه وتبارت بكسر المهملة وسكون الميم وهى الجهد أيضا (ويجرؤن) بالهمز من الجرأة (الجعد) بفتح الجيم وسكون العين ثم دال مهملتين قال الجوهري وغيره من أهل اللغة يقال للكريم من الرجال جعد فان قيل جعد اليدين أو جعد الانامل أو جعد (البنان) بفتح الموحدة وتخفيف النون فهو النحيل والبنان هنا مجرور بالاضافة غير الحضة (النبيه) بالنون فالموحدة بوزن العظيم وهو من له صيت وذكر (خاملا) بالمعجمة ساقطا لا ذكر له (البدوي) الذي يسكن البادية (الجزل) بفتح الجيم وسكون الزاي نقيض الركيك (والقول الفصل) أي المفصول الذى تبينه به من سمعه ولا يشكل عليه وهو بمعني الفاصل الذى يفصل بين الصواب والخطأ (والكلام الفخم) بفتح الفاء وسكون المعجمة أي العظيم (الحضري) الذى يسكن القرى (والالفاظ الناصعة) بالنون والمهملتين أي الخالصة (القليل الكلفة) باضافة القليل الى الكلفة وهي غير محصية وكذا ما بعده (والقدح) بكسر القاف وسكون الدال ثم حاء مهملتين هو السهم قبل أن يراش ويجعل فيه نصله (الفالج) بالفاء واللام المكسورة والجيم هو الفائز والظاهر والمفلح بالحاء (والمهيع) بفتح الميم والتحتية وسكون الهاء آخره مهملة هي الطريق (الناهج) بالنون والجيم السالك (ملك) بكسر الميم (قيادهم) بكسر القاف بعدها تحتية أى ان البلاعة تنقاد لهم ولا تستصعب (فنونها) أنواعها (واستنبطوا) استخرجوا (عيونها) جمع عين وهي الماء الجاري (صرحا) أى بناء عاليا ومنه قوله تعالى ابْنِ لِي صَرْحاً (في الخطير) باعجام الخاء واهمال الطاء أى العظيم القدير (والمهين) الضعيف الذي لا خطر له (في الغث) أي الهزيل وهو بفتح المعجمة وتشديد المثلثة (وتقاولوا) بالقاف (في القل والكثر) بضم القاف والكاف مصدر قل يقل قلا وكثر يكثر كثرا ويقال قلة وكثرة بكسر القاف وفتح الكاف (وتساجلوا) بالمهملة والجيم أي تفاخروا والمساجلة المفاخرة وأصلها ما مر في قولهم الحرب سجال (فما راعهم) أي أفزعهم (مقول) بفتح الميم وضم القاف (وتبارت) من المباراة بالموحدة والراء قال

في الحسن مطالعه ومقاطعه وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه واعتدل مع ايجازه حسن نظمه وانطبق على كثرة فوائده مختار لفظه وهم افصح ما كانوا في هذا الباب مجالا وأشهر في الخطابة رجالا وأكثر في السجع والشعر ارتجالا وأوسع في الغرايب واللغة مقالا بلغتهم التى بها يتحاورون ومنازعهم التي عنها يتناضلون صارخا بهم في كل حين ومقرعا لهم بضعا وعشرين عاما على رؤوس الملأ أجمعين أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ الى قوله وَلَنْ تَفْعَلُوا قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ الآية قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ. ولم يزل صلى الله عليه وسلم يقرعهم أشد التقريع ويونجهم اشد التوبيخ ويسفه احلامهم ويحط اعلامهم ويشتت نظامهم ويذم آلهتهم وآباءهم ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته محجمون عن مماثلته مخادعون أنفسهم بالتشغيب بالتكذيب والاعتراء بالافترى وقولهم ان هذا الا سحر يؤثر. وسحر مستمر. وافك افتراه. وأساطير الاولين. والمباهتة والرضى بالدنية كقولهم قلوبنا غلف وفي أكنة مما تدعونا اليه. وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ولا تسمعوا لهذا الجوهري المباراة المعارضة وفلان يباري فلان أى يعارضه (الخطابة) بكسر المعجمة مصدر خطب (في السجع) بفتح المهملة وسكون الجيم وهو في الاصل هدير الحمام ونحوها قال الشمنى يحتمل أن يكون مصدرا وهو يوافق الالفاظ الواقعة في أواخر الفقر وأن يكون جمع سجعة وهي الكلمة الاخيرة من العقيرة باعتبار كونها موافقة للكلمة الاخيرة من العقيرة الاخرى (ارتجالا) بهمز وصل وسكون الراء وكسر الفوقية ثم جيم والارتجال التكلم على البديهة من غير فكر ولا روية (يتحاورون) بالمهملة يتجاوبون (يتناضلون) بالمعجمة أى يترامون (ومقرعا) بالقاف والمهملة أي موبخا (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي اختلق محمد القرآن وجاء به من تلقاء نفسه (قُلْ) ان كان في وسع البشر الاتيان بمثله (فَأْتُوا) أنتم (بِسُورَةٍ) وفي الآية الاخرى بعشر سور (مِثْلِهِ) الضمير للقرآن (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ) يظاهرونكم ويعينونكم على ذلك (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ان محمد افتراه وانكم لو شئتم قلتم مثله (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أي في شك (مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) محمد صلى الله عليه وسلم (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) أى القرآن والا فاستدلوا بعجزكم مع بلاغتكم وفصاحتكم على أنه نبي حق وأن القرآن كتاب منزل ليزول بذلك عنكم الريب (ويسفه أحلامهم) أى ينسب عقولهم الى السفه أي الضعف (ويشتت) يفرق وزنا ومعنى (ناكصون) بالنون والمهملة أي راجعون (محجمون) بتقديم المهملة على الجيم ويجوز تأخيرها أى متوقفون (بالتشغيب) بالمعجمتين الصراخ (الاعترا) بالمهملة والفوقية (وقولهم) بالجر معطوف على التشغيب (سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أى ينقل (وأَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أى ما يسطر في كتب الاولين (والمباهتة) بالموحدة والفوقية (بالدنيئة) بالهمز وقد يسهل أى الخصلة الخبيثة (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) أى صمم

القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون والأدعاء مع العجز بقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا وقد قال لهم الله ولن تفعلوا فما فعلوا ولا قدروا ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم وسلبهم الله ما ألفوه من فصيح كلامهم والا فلم يخف على أهل الميز منهم انه ليس من نمط فصاحتهم ولا جنس بلاغتهم بل ولوا عنه مدبرين وأتوا مذعنين من بين مهتد وبين مفتون هذا وقد أسلم كثير منهم عند بديهة سماعه وسجد آخرون دهشة لقوته وبكى أناس منهم فرقا واعترتهم روعة لمفاجأته وكلهم ممن لم يفهم معناه ولا تفسيره روي أن نصرانيا سمع قارئا فوقف يبكي فقال بكيت للشجا والنظم وان اعرابيا سمع قارئا يتلو فاصدع بما تؤمر فخرّ ساجدا وقال سجدت لفصاحته وفي الصحيح عن جبير بن مطعم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ الى قوله الْمُصَيْطِرُونَ كاد قلبي أن يطير وكلم عتبة بن ربيعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه فتلا عليه حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ الى قوله مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فامسك عتبة بيده على في النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف. قال القاضى عياض وأنت اذا تأملت قوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ وقوله (والادعا) بالكسر أيضا (عواره) بضم المهملة وقد يفتح قال الجوهرى العوار العيب (الفوه) بكسر اللام وضم الفاء أي اعتادوه ويجوز سكون الواو مع فتح الفاء أي موجدوه بفتح الميم وسكون التحتية ثم زاى مصدر ماز يميز بمعني ميز يميز تمييزا (وقد أسلم كثير منهم عند بديهة سماعه) قال عياض في الشفاء حكي أن عمر ابن الخطاب كان يوما نائما في المسجد فاذا هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق فاستخبره فاعلمه انه من بطارقة الروم ممن يحسن كلام العرب وغيرها وأنه سمع رجلا من أسري المسلمين يقرأ آية في كتابكم فتأملتها فاذا هي قد جمع فيها ما أنزل الله على عيسى بن مريم من أحوال الدنيا والآخرة وهي قوله تعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ الآية (فرقا) أي خوفا (للشجا) بفتح المعجمة والجيم والمد يقال شجاه يشجوه اذا أحزنه واذا أطربه أيضا (وقال سجدت لفصاحته) ذكر ذلك عياض في الشفا عن أبي عبيد القاسم بن سلام بالتشديد وفي الحديث (الصحيح) في البخاري وغيره (حم كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ الى آخره) قد سبق ذكر هذه القصة (وَلَكُمْ فِي) وجوب (الْقِصاصِ) على الجاني عمدا (حَياةٌ) وذلك لانه اذا علم أنه سيقتص منه ترك القتل فحي هو ومن أراد قتله وقيل في المثل القتل انفي للقتل وقيل في المثل القتل قلل

الوجه الثاني من اعجازه سورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب

وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وقوله ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وقوله يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي الآية وقوله فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً الآية وأشباهها من آلاى بل أكثر القرآن حققت ما بينته من ايجاز الفاظها وكثرة معانيها وديباجة عبارتها وحسن تأليف حروفها وتلاؤم كلمها وان تحت كل لفظة منها جملا كثيرة وفصولا جمة وعلوما زواخر ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها وكثرت المقالات في المستنبطات عنها ثم هو في سرد القصص الطوال وأخبار القرون السالفة التى يضعف في عادة الفصحاء عندها الكلام ويذهب ماء البيان آية لمتأمله من ربط الكلام بعضه ببعض والتئام سرده وتناصف وجهه كقصة يوسف على طولها ثم اذا ترددت قصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها حتى تكاد كل واحدة تنسى في البيان صاحبتها وتناصف في الحسن وجه مقابلتها ولا نفور للنفس من ترديدها ولا معاداة لمعادها [الوجه الثاني من اعجازه سورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب] الوجه الثاني من اعجازه سورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها الذى جاء عليه ووقفت مقاطع آيه وانتهت فواصل كلماته اليه ولا يوجد قبله ولا بعده نظير له ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه بل القتل (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ فَزِعُوا) لرأيت أمرا يعتبرنه (فَلا فَوْتَ) أي لا يفوتوننى كقوله وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وقيل لا فوت ولا نجاة اذ فزعوا عند الموت (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي من تحت أقدامهم أو من بطن الارض الى ظهرها وأراد بالمكان القريب عذاب الدنيا وهو يوم بدر قاله الضحاك أو خسف يكون بالبيداء قاله ابن ابزي (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي أصبر عند الغضب واحلم عند الجهل واعف عند الاساءة قاله ابن عباس فاذا فعلت ذلك خضع لك عدوك وصار (الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) كابي سفيان بن حرب (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ) قريب (حَمِيمٌ) صديق (وقيل) بعد تناهى أمر الطوفان (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) الذى على وجهك (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) اتركي صب الماء (فَكُلًّا) من كفار الامم السالفة (أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) من غير أن يفوتونا (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) أى ريحا تحمل الحصباء وهي الحصا الصغار وهؤلاء قوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) وهم ثمود (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) وهم قارون وأصحابه (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) وهم قوم نوح وفرعون وقومه (بل أكثر) بالنصب (القصص) بكسر القاف جمع قصة (آية لمتأمله) بمد الهمزة وتحتية (سرده) بفتح المهملة وسكون الراء ثم مهملة أي يتابعه يقال سرد الحديث سرده سردا اذا تابعه وجاء به شيأ بعد شيء (صاحبتها) بالنصب (لمعادها) بضم ما أعتد منها (والاسلوب) بضم الهمزة واللام وسكون المهملة والواو بعدها موحدة أى الفن (آية)

حارت فيه عقولهم وتدلهت دونه أحلامهم ولم يهتدوا الى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر ولهذا ما روي عن الوليد بن المغيرة وقد سئل عنه فقال والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني والله ما يشبه الذى يقول شيئا من هذا وقال عتبة بن ربيعة يا قوم قد علمتم انى لم اترك شيئا الا وقد علمته وقرأته وقلته والله لقد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ونحوه ما روى في اسلام أبى ذر رضى الله عنه وقول أخيه أنيس له لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ولقد وضعته على اقراء الشعر فلم يلتئم وما يلتئم على لسان أحد بعدي انه شعر وانه لصادق وانهم لكاذبون والأخبار في هذا صحيحة كثيرة ومع ذلك فقد كانوا أحرص شيء على معارضته واخفاء ظهوره واطفاء نوره لقيام التحدى فما جلوا في ذلك خبيئة من بنات شفاههم ولا أتوا بنطفة من معين مياههم مع طول الأمد وكثرة العدد وتظاهر الوالد وما ولد بل أبلسوا فما نبسوا ومنعوا فانقطعوا هذا وقد كانوا أعظم قرون الدنيا في الفصاحة والبلاغة وتوابعهما وكان ذلك همتهم وقصاراهم فكانوا يجتمعون في مواسمهم ومجامعهم للتفاخر بالخطابة والشعر وهذا كما قالوا ان الله سبحانه وتعالى لم يبعث رسولا الا جعل معجزته بحسب الفن الذي يعظمه أهل زمانه وبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وحمله معارف العرب وعلومها. اربعة. الخطب والشعر. والخبر. والكهانة. فانزل الله عليه القرآن الخارق لهذه الاربعة فلم يهتدوا في المنظوم بمد الهمزة وهاء الضمير جمع آية (حارت) بالمهملة أي تحيرت (وتدلهت) باهمال الدال وتشديد اللام من التدله وهو ذهاب العقل من الهوي (ولا بالكهانة) بكسر الكاف وفتحها وهو نوع من أنواع السحر يزعم صاحبها معرفة ما سيحدث في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الاسرار وأن له تابعا من الجن ورئيا يلقى اليه الاخبار والعراف من يزعم معرفة الامور باسباب يستند بها من كلام من سأله أو من فعله أو حاله كمن يدعى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة قاتل الله متعاطي ذلك وزاعمه (ونحوه ما روى) في الصحيحين وغيرهما (أنيس) بالنون والمهملة مصغر (اقرأ الشعر) بفتح الهمزة والراء وسكون القاف والمد وهى طرق الشعر وأنواعه كما قاله الهروى (فما جلوا) بفتح الجيم واللام أي ما أخرجوا (خبية) بالمعجمة فالموحدة فالتحتية المشددة فعلية بمعنى مفعولة (من بنات) جمع بنت بالباء فالنون فالفوقية (بنطفه) بالمهملة والفاء أي شيء يسير وفي بعض نسخ الشفاء بنقطه بالقاف بمعناه (من معين) بالمهملة بوزن عظيم وهو الماء الكثير الجاري (ابلسوا) بالموحدة يئسوا (فما نبسوا) بنون فموحدة تخفف وتشدد مفتوحتين فمهملة مضمومة قال الجوهرى يقال ما نبس بكلمة أي ما تكلم (وقصاراهم) بضم القاف وتخفيف المهملة أي غاية أمرهم (الخارق)

الى طريقه ولا علموا في اساليب الا وذان منهجه واكبر على الكوائن والاحداث ومخبآت الضمائر بما ظهر فيه صدقه واعترف المخبر عنه بصحة ذلك وان كان اعدى الاعادي وابطل الكهانة التى تصدق مرة وتكذب عشرا ثم اجتثها من اصلها برجم الشهب ورصد النجوم وجاء من الاخبار عن القرون السالفة وانباء الانبياء والامم البائدة والحوادث ما يعجز من تفرغ لهذا العلم عن بعضه على ما سيأتي في الوجهين الآخرين ان شاء الله تعالى الوجه الثالث من اعجازه على يد النبي صلى الله عليه وسلم ما انطوى عليه من الاخبار بالمغيبات وما لم يكن ولم يقع فوجد كما ورد على الوجه الذي اخبر كاخباره عن الفتح وعن غلبة الروم واستخلاف الله المؤمنين في الارض وقوله سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وغير ذلك من كشف اسرار المنافقين واليهود وهتك استارهم الى غير ذلك مما اخبر به من الكوائن والاحداث في العصور الآتية ومن آية ذلك انه لم يمرّ عصر ولا زمن الا ويظهر فيه صدقه بظهور مخبره على ما اخبر فيتجدد الايمان ويتظاهر البرهان وليس الخبر كالعيان والمشاهدة زيادة في اليقين والنفس أشد طمأنينة الى عين اليقين منها الى علم اليقين وان كان كل واحد عندها حقا وسائر معجزات الانبياء صلوات الله عليهم انقرضت بانقراضهم وعدمت بعدم ذواتها ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم لا تبيد ولا تنقطع وآياته تجدد ولا تضمحل والى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله ما من نبي من الانبياء الا أعطي من الآيات ما مثله أمن عليه البشر وانما كان ما أوتيت وحيا أوحاه الله اليّ فارجو ان اكون أكثرهم تابعا يوم القيامة. الوجه الرابع من اعجازه ما أنبأ به بالمعجمة والقاف (الى طريقه) بهاء الضمير (ثم اجتثها) بهمز وصل وسكون الجيم وفتح الفوقية وتشديد المثلثة أى قطعها (ورصد النجوم) بفتح الصاد (البائدة) بالموحدة والتحتية والمهملة الهالكة ويجوز ابدال الدال راء بمعناه (وقوله) بالجر معطوف على كاخباره (مخبره) بضم الميم وفتح الموحدة أى ما أخبر به (ليس الخبر كالعيان) هو حديث أخرجه الطبرانى في الاوسط عن أنس وأخرجه الخطيب عن أبي هريرة وأخرجه أحمد والطبراني في الاوسط أيضا والحاكم عن ابن عباس وزاد وان الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الالواح فلما عاين ما صنعوا ألقى الالواح فانكسرت (والنفس أشد طمأنينة الى عين اليقين منها الى علم اليقين) فمن ثم سأل ابراهيم ربه ان يريه كيف يحيى الموتي وكان في أعلا درجات العلم بقدرة الله تعالى على الاشياء (ولا تضمحل) باعجام الضاد واهمال الحاء أى لا تذهب (ما من نبي من الانبياء الا أعطى من الآيات الى آخرها) أخرجه الشيخان وغيرهما (وانما كان ما) أي الذى (أوتيت وحيا أوحاه الله الي) وانما

من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الدائرة مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة الا الفذ من اخبار أهل الكتاب الذى قطع عمره في تعلم ذلك وقد علم انه صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولا مثافنة وقد كان علماء الكتاب يقترحون عليه السؤالات فينزل الوحى باخبارهم كقصص الانبياء مع قومهم وخبر موسى والخضر ويوسف واخوته وأصحاب الكهف وذى القرنين ولقمان وابنه واشباه ذلك مما صدقه فيه علماء الكتاب وأذعنوا له ولم يحك عن أحد منهم مع شدة عداوتهم وحسدهم انه كذبه في شيء من ذلك ولا أظهر خلاف قوله من كتبه ولا أبدى صحيحا ولا سقيما من صحفه قال الله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الآيتين هذا تلخيص ما ذكره القاضي من الوجوه الاربعة مع تقديم وتأخير وزيادة في بعض الألفاظ ونقص من بعضها وذكر هو وغيره وراء ذلك من براهينه وآياته وبركاته وجوها (منها) ان الله سبحانه حافظه من التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص على تطاول الدهور وانقضاء الفصول وكثرة الحاسد والمعاند قال الله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وقال لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (ومنها) الروعة التي تعترى سامعيه من الابرار والفجار فاما الفاجر فيستثقله خصه مع ان له معجزات كثيرة أخر لانه أعظم المعجزات ولبقائه بعده صلى الله عليه وسلم (الا الفذ) بفتح الفاء وتشديد المعجمة أى الفرد الواحد (ولا مثافنة) بالمثلثة قبل الالف والنون بعد الفاء قال الجوهرى يقال ثافن فلانا أي جالسه ويقال اشتقاقه من الثفنة واحده ثفنات بالقصر وهي ما يقع على الارض من اعضائه اذا استناخ كالركبتين كانك الصقت ثفنة ركبتك بثفنة ركبته (وابنه) أى ابن لقمان واسمه أنعم أو مسكم قولان (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) يعنى القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) قال بعض العلماء تولى الله عز وجل حفظ كتاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه فلم يجد المعاندون سبيلا الي تحريفه ولا تبديله وسائر الانبياء استحفظوا كتبهم كما قال الله تعالي بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وشأن المخلوق العجز فمن ثم وصل اليها التحريف والتبديل (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) أى الشيطان قاله قتادة والسدي (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي لا يستطيع أن يغيره ولا ان يزيد فيه ولا ينقص قال الزجاج انه محفوظ من النقص فيأتيه الباطل من بين يديه ومن الزيادة فيه فيأتيه الباطل من خلفه وقال مقاتل لا يأتيه تكذيب من الكتب السالفة ولا يأتى بعده

الوجه الثالث وردت بتعجيز قوم في قضايا خاصة بمن هو في مقدورهم

ويزيده نفورا وأما المؤمن فيقشعر جلده ويكسبه ذلك هشاشة وبشاشة وقد مات كثير من الصلحاء عند سماعه واعترت جماعة ممن رام معارضته روعة وهيبة حملتهم على التوبة [الوجه الثالث وردت بتعجيز قوم في قضايا خاصة بمن هو في مقدورهم] (ومنها) أي وردت بتعجيز قوم في قضايا خاصة بمن هو في مقدورهم فلم يقدروا كقصة تمنى الموت والمباهلة [الوجه الرابع انه لا يزال غضا طريا لا تمجه الاسماع ولا تستثقله الطباع] (ومنها) انه لا يزال غضا طريا لا تمجه الاسماع ولا تستثقله الطباع وغيره من الكلام لو بلغ في الحسن أي مبلغ يمل مع الترديد ويعادي اذا أعيد (ومنها) جمعه لعلوم معارف لم يحط بها أحد من علماء الامم ولا أحاطت بها كتبهم فجمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طريق الحجج العقليات والرد على فرق الأمة ببراهين قوية وأدلة بينة سهلة الالفاظ موجزة المقاصد كقوله تعالى أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ. وقل يحييها الذي أنشأها أول مرة. لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا الى ما حواه من علوم السير وأنباء الأمم والمواعظ والحكم وأخبار الدار الآخرة ومحاسن الاداب والشيم «قال الله جلّ اسمه» ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وقال صلى الله عليه وسلم ان الله أنزل هذا القرآن آمرا وزاجرا وسنة خالية ومثلا مضروبا فيه نباؤكم وخبر ما كان قبلكم ونباء ما بعدكم كتاب فينسخه (وقد مات كثيرون من الصلحاء عند سماعه) أو عند تلاوته منهم زرارة بن أوفا مات عند تلاوة قوله تعالى فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ الآية وروي القشيري في الرسالة عن ابن الجلاء قال كان بالمغرب شيخان كل له أصحاب وتلامذة يقال لاحدهما حبلة والثاني رزيق فزار رزيق يوما جبلة في أصحابه فقرأ رجل من أصحاب رزيق شيأ فصاح واحد من أصحاب جبلة ومات فلما أصبحوا قال جبلة لرزيق أين الذي قرأ بالامس فليقرأ آية فقرأ فصاح جبلة صيحة فمات القارئ فقال جبلة واحد بواحد والبادى أظلم وأسند أيضا الى عبد الواحد بن علوان قال كان شاب يصحب الجنيد فكان اذا سمع شيأ يتغير ويضبط نفسه حتى كانت كل شعرة من بدنه تقطر بدم فسمع يوما من الايام قارئا يقرأ فصاح صيحة تلفت نفسه وكان ابن أبي الجوارى اذا قريء عنده القرآن يصيح ويصعق وفي روض الرياحين لليافعي ذكر جماعة ممن مات لذلك (كقصة تمني الموت) قال تعالى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وقال صلى الله عليه وسلم والله لو تمنوا الموت لنص كل بريقه وما بقي على وجه الارض يهودي الامات أخرجه البيهقي في الدلائل (غضا) بالمعجمتين أي رطبا (موجزة) بضم الميم وسكون الواو وفتح الجيم بعدها زاي أى مختصرة (ان الله أنزل هذا القرآن الى آخره) أخرجه بمعناه الترمذى عن على (آمرا) بمد الهمزة اسم فاعل (وزاجرا) أي ناهيا وأقسام القرآن جمعها مجد الدين الشيرازى فقال ألا انما القرآن تسعة أحرف ... أتيت بها في بيت شعر بلا خلل

وحكم ما بينكم لا يخلقه طول الرد ولا تنقضى عجائبه هو الحق ليس بالهزل من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن خاصم به فلج ومن قسم به أقسط ومن عمل به أجر ومن تمسك به هدى الى صراط مستقيم ومن طلب الهدى من غيره أضله الله ومن حكم بغيره قصمه الله هو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم وحبل الله المتين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضى عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد (ومنها تيسير) حفظه لمتعلميه وتقريبه على متحفظيه قال الله تعالى وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وقال الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ وكتب الله القديمة كان لا يحفظها الا الواحد الفذ من أهلها والقرآن تيسر حفظه للغلمان في أقرب مدة (ومنها) مشاكلة بعض أجزائه بعضا وحسن ائتلاف أنواعها والتئام أقسامها وحسن التخلص من قصة الى أخري والخروج من باب الى غيره على اختلاف معانيه وانقسام السورة الواحدة على أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد واثبات نبوءة وتوحيد وتعزير وترغيب وترهيب الى غير ذلك من فوائده وعوارفه ولطائفه التي لا تحصى ولا تعد ولا تستقصى* قال بعضهم جميع كلمات القرآن نحو من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف وأقل ما وقع به التحدى سورة حلال حرام محكم متشابه ... بشير نذير قصة عظة مثل (لا يخلقه) بضم أوله وكسر تاليه لا غير أي لا تبليه ويصير خلفا (فلج) بالجيم وفتحات أى ظهر وفاز (أقسط) رباعى أي عدل وأما الثلاثي فمعناه جار وحكي انه من الاضداد يأتى بمعنى جار وبمعنى عدل (قصمه الله) بالقاف والمهملة أي أهلكه (وحبل الله) قال ابن الاثير حبل الله نور هداه وقيل عهده وأمانه الذى يؤمن به من العذاب والحبل العهد والميثاق (المتين) بالفوقية أي القوى (فيقوم) بالنصب جواب النهي (فيستعتب) بالنصب أيضا (ولا يخلق) بفتح أوله وضم ثالثه وبضم أوله وكسر ثالثه أى لا يبلى والمراد انه لا تذهب جلاوته وجلالته زاد البغوي في رواية ولا تلتبس به الالسنة ولا يشبع منه العلماء هو الذي لم تدريه الجن اذ سمعته حين قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد زاد في رواية أخرى من حديث عبد الله ابن مسعود فاتلوه فان الله يأجركم على تلاوته بكل حرف منه عشر حسنات اما اني لا أقول ألم حرف ولكن الالف حرف واللام حرف والميم حرف (قال بعضهم جميع كلمات القرآن نحو من سبعة وسبعين أنف كلمة ونيف) وهو تسعمائة وأربع وثلاثون كما روي عن ابن مسعود هذه الكلمات وأما الحروف فروي عنه أيضا ثلثمائة ألف وأربعة آلاف وسبعمائة وأربعون واخرج الطبراني في الاوسط عن عمر القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأ صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين (التحدي) بفتح الفوقية والحاء وكسر الدال المهملتين وهو الاستعجاز يقال فلان يتحدى فلانا أي ينازعه ليغلبه

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ وكلماتها عشر ونسبتها من القرآن أزيد من سبعة آلاف جزء كل واحد منهما معجز في نفسه ثم اعجاز كل جزء بوجهين بطريق النظم وطريق البلاغة فيتضاعف العدد من هذا الوجه الى غير ذلك من وجوه التضعيف التي تفهم بمن حاول احصاؤها انها صفة من صفة الله لا تشبه الصفات كما ان ذاته سبحانه لا تشبه الذوات ولقد أحسن صاحب البردة حيث يقول في وصف آيات القرآن العظيم وفي تحقيق معنى ما قدمناه أيضا: آيات حق من الرحمن محدثة ... قديمة صفة الموصوف بالقدم لم تقترن بزمان وهى تخبرنا ... عن المعاد وعن عاد وعن إرم دامت لدينا ففاقت كل معجزة ... من النبيين اذ جاءت ولم تدم محكمات فما تبقين من شبه ... لدى شقاق وما تبقين من حكم ما حوربت قط إلا عاد من حرب ... أعدى الا عادي اليها ملقى السلم ردت بلاغتها دعوى معارضها ... رد الغيور يد الجانى على الحرم لها معان كموج البحر في مدد ... وفوق جوهره في الحسن والقيم فما تعد ولا تحصي عجائبها ... ولا تسام على الاكثار بالسأم قرت بها عين قاريها فقلت له ... لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم ان تتلها خيفة من حر نار لظى ... أطفأت نار لظي من ورده الشبم كأنها الحوض تبيض الوجوه به ... من العصاة وقد جاؤه كالحمم (وكلماتها عشر) باسقاط البسملة (محدية) أى ابدالا وهو معني قوله تعالى ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ان أريد بالذكر القرآن فان أريد ما يترتب عليه من الذكر فظاهر (صفة) الله عز وجل (الموصوف بالقدم) وجل قديم الذات ان يكون صفاته محدثة (دامت) أى بقيت (لدينا) أي عندنا (ففاقت) أي فضلت (كل معجزة من) معجزات (النبيين اذ جاءت) معجزاتهم (ولم تدم) كدوام القرآن بل ذهبت بذهابهم (محكمات) بالتشديد وهو بمعنى محكمات بالتخفيف (ما يتعين) أى ما يطلبن (من حكم) زيادة على ما فيهن بل حزن الحكم جميعها (من حرب) بفتح المهملة والراء أى هلاك (ملقى) بالنصب على الحال (رد الغيور) بفتح المعجمة أى الذي يغير به الغيرة وهي الانفة (عن الحرم) بضم المهملة وفتح الراء كموج (البحر) أي في الكثرة (وفوق جوهره) أى جوهر البحر (بالسام) أي بالملل (من وردها) بكسر الواو أى مائها (الشبم) بفتح المعجمة وكسر الموحدة أى النادر (كالحمم) بضم المهملة وفتح الميم جمع حممة وهى الفحم (معدلة) بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملتين أى عدلا

فصل ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم سوى القرآن الآيات السماوية

وكالصراط وكالميزان معدلة ... فالقسط من غيرها في الناس لم يقم لا تعجبن بحسود راح ينكرها ... تجاهلا وهو غير الحاذق الفهم قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم [فصل ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم سوى القرآن الآيات السماوية] (فصل) ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم سوى القرآن الآيات السماوية [فمن ذلك انشقاق القمر] فمن ذلك انشقاق القمر وهو ما أثبته القرآن العظيم ورواه العدد الكثير من الصحابة قال الله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. روينا في صحيح البخاري عن ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا* وعن أنس قال سئل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم ان يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين حتى رأوا حراء بينهما قال بعضهم وفي انشقاق القمر له مناسبة لشق قلبه حين شقه الملكان ولذلك قال صاحب البردة: (فصل) ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم (اقتربت الساعة وانشق القمر) ما ساقه المصنف من ان المراد بانشقاق القمر انشقاقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما عليه جمهور العلماء من المفسرين وغيرهم قال القرطبي ومن العلماء من قال معني وانشق القمر أى ينشق كقوله تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ أي يأبي ونقل عن الحليمى انه قال رأي الهلال وهو ابن ليلتين منشقا نصفين عرض كل منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ومازلت أنظر اليهما حتى اتصلا كما كانا ولكنهما في شكل اترجة ولم أمل طرفي عنهما الي ان غابا وكان معى ليلتئذ جمع من الناس وكلهم رأي ما رأيت وأخبرني من أثق به انه رأي الهلال وهو ابن ثلاث منشقا نصفين قال الحليمى فقد ظهر ان قول الله تعالى وَانْشَقَّ الْقَمَرُ انما خرج علي الانشقاق الذي هو من اشراط الساعة دون الذي جعله الله تعالى آية لرسوله (روينا في صحيح البخارى) وصحيح مسلم وسنن الترمذي وغيرهم (عن ابن مسعود) وقد روي ذلك جماعة من الصحابة سوى ابن مسعود منهم أنس وابن عباس وابن عمر وحذيفة وعلى وجبير بن مطعم (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد الاعمش عن ابن مسعود ونحن بمنى ومسروق عنه ونحن بمكة وزاد فقال كفار قريش سحركم ابن أبي كبشة فقال رجل منهم ان محمدا ان كان سحر القمر فانه لا يبلغ من سحره ان يسحر الارض كلها فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا مثل هذا فاتوا فسألوهم فاخبروهم انهم رأوا مثل ذلك (مرتين) زعم بعضهم أخذا بظاهر هذا الحديث ان الانشقاق وقع مرتين وليس كذلك كما قاله ابن قيم الجوزية وانما المراد بمرتين فلقتين وان كانت المراة أكثر ما يستعمل في الافعال فقد يستعمل في الاعيان أيضا قال عياض في الشفاء أكثر طرق أحاديث انشقاق القمر صحيحة والآية مصرحة به ولا يلتفت الى اعتراض مخذول بانه لو كان هذا لم يخف على أهل الارض ثم دفع حجتهم باجوبة منها ان القمر ليس في حد واحد لجميع أهل الارض فقد يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين أو يحول بينهم وبينه حائل وأيضا عادة الناس بالليل الهدو والسكون

ومن ذلك احتباس الشمس

أقسمت بالقمر المنشق أن له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم [ومن ذلك احتباس الشمس] ومن ذلك احتباس الشمس وذلك انه صلى الله عليه وسلم أخبر قريشا بقدوم غيرهم من الشام يوم الاربعاء فولى النهار ولم تجئ فدعى فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس ومن ذلك ما روت اسماء بنت عميس انه صلى الله عليه وسلم أوحى اليه ورأسه في حجر على وفوّت علىّ صلاة العصر لمراعاته فلما أفاق صلى الله عليه وسلم قال اللهم انه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت اسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ووقفت على الجبال والارض وذلك بالصهباء في خيبر. وايجاف الابواب وقطع البصر ولا يكاد يعرف من أمور السماء شيأ الا من رصد ذلك (فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس) كما رواه ابن اسحاق في السيرة ورواه غيره أيضا ومعناه أوقفت له حتى تقدم العير قبل غروبها كما أخبر (ومن ذلك ما) أخرجه الطحاوي في مشكل الحديث من طريقين ثابتين ورواتهما ثقات قال (روت أسماء بنت عميس) الى آخره (فلما أفاق صلى الله عليه وسلم) قال أصليت يا على قال لا (اللهم انه كان في طاعتك) الى آخره (ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت) قال بعضهم هذا ابلغ في المعجزة من وقوفها المذكور في الحديث الاول وقال آخرون بل ذاك أبلغ لان طلوع الشمس من مغربها أمر سيكون بخلاف وقوف الشمس في مجراها فانه لم يعهد ولا يكون وكانت صلاة سيدنا على هذه اداء والا لما كان رجوعها بعد غروبها بالنسبة اليه (فائدة) وان كان فيه اظهار المعجزة الا ان سياق القصة يقتضى ان عودها كان سببه (وذلك بالصهبا) بفتح المهملة والموحدة وبالمد موضع على مرحلتين من خيبر قال عياض في الشفا وحكي الطحاوي ان أحمد ابن صالح كان يقول لا ينبغي لمن سبب له العلم التخلف عن حديث اسما لانه من علامات النبوة انتهى (قلت) وفي حديثها من الفوائد تقديم الاهم عند تعارض المصالح فمن ثم ترك سيدنا على الصلاة مراعاة له صلى الله عليه وسلم وذلك من خصائصه ان من فوت شيأ من الصلاة بسببه يكون معذورا ومنها ان محل الوعيد في تفويت العصر لمن فوتها لغير عذر وذلك ظاهر ومنها انه لا بأس بان يجعل نحو الامام رأسه في حجر بعض اتباعه سيما مع علم محبتهم ذلك وبلوغه رتبة من يتبرك به وفيه فضيلة لسيدنا على كرم الله وجهه ورضي عنه حيث ردت الشمس بسببه (فائدة) قد حبست الشمس لنبينا صلى الله عليه وسلم في بعض أيام الخندق كما ذكره عياض في الشفاء وغيره وقد حبست الشمس ليوشع بن نون حيث قال لها انك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست وذكر الخطيب في كتاب النجوم بسند ضعيف انها حبست لداود وردت لسليمان بعد ان توارت بالحجاب أى غربت كما حكاه البغوى وغيره من المفسرين عن على فيحصل في الشمس معجزتان رجوعها بعد غروبها ووقوفها في مجراها وجمعنا لنبينا صلى الله عليه وسلم ولم يحصل لغيره سوي واحدة منهما

فصل ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير القليل من الطعام ونبع الماء من بين أصابعه

[فصل ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير القليل من الطعام ونبع الماء من بين أصابعه] (فصل) ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير القليل من الطعام ونبع الماء من بين أصابعه وتفجيره وتكثيره ببركته من ذلك حديث أبى طلحة المشهور في الصحاح واطعامه صلى الله عليه وسلم ثمانين أو سبعين رجلا من أقراص شعير حملها أنس تحت ابطه ومنه حديث جابر انه ذبح عناقا وطحنت زوجته صاعا من شعير ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بجميع اهل الخندق وهم الف فبصق صلى الله عليه وسلم في عجينهم وبرمتهم وبرك قال جابر فاقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانخرفوا وان برمتنا لتغط كما هي وان عجيننا لنخبزه. قلت هذا ما صخ من حديث جابر واما ما اولع به المداح من احياء بسطية وشاته فهو مختلق لا اصل له والله اعلم. ومن ذلك حديث ابى هريرة حين اشتد به الجوع وجلس في طريق المسجد يتعرض لمن مر به ويستقريهم الآيات فلم يقعوا على حاجته فلما مر صلى الله عليه وسلم ضحك في وجهه ثم استتبعه فوجد في بيته قدح لبن قد اهدى له فقال ادع لى اهل الصفة قال ابو هريرة قلت ما هذا اللبن فيهم كنت احق به ان اصيب منه بشربة أتقوى بها ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد قال فدعوتهم فشربوا حتى رووا أجمعون ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم اشرب فشرب وما زال يقولها حتى قال والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا فأخذ صلى الله عليه وسلم القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. ومنه حديث سمرة بن جندب قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها لحم فتعاقبوها من غدوة حتى الليل يقوم قوم ويقعد آخرون. ومنه حديث عبد الرحمن بن ابى بكر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائه وذكر في الحديث انه عجن صاع من (فصل) ومن معجزاته تكثير القليل من الطعام (المشهور) في الاحاديث (الصحاح) في الصحيحين وغيرهما (ومنه حديث جابر) في الصحيحين أيضا (انه ذبح عناقا) في رواية بهيمة (وبرك) أي دعا بالبركة (حتى تركوه) أي من الشبع (وانحرفوا) أى رجعوا (لغط) بفتح أوله وكسر المعجمة ثم مهملة أي يعلي ويسمع لها صوت قال النووي قد تضمن حديث جابر علمين من اعلام النبوة أحدهما تكثير الطعام القليل والثاني علمه صلى الله عليه وسلم بان هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس سيكثر ويكفي ألفا وزيادة فدعا له ألف قبل أن يصل اليه وقد علم انه صاع وبهيمة (مختلق) كذب (ومن ذلك حديث أبي هريرة) وهو في البخاري والترمذى (مسلكا) بفتح الميم واللام أى مساغا (الفضلة) بفتح الفاء وسكون المعجمة الباقى وفي هذا مع المعجزة ندب كون ساقي القوم آخرهم شربا كما جاء في روايات متعددة (حتى الليل) بالكسر (حديث عبد الرحمن بن أبي بكر) في الصحيحين أيضا

طعام وصنعت شاة فشوى سواد بطنها قال وأيم الله ما من الثلاثين ومائة الا وقد حزله حزة من من سواد بطنها ثم جعل منها قصعتين فأكلنا أجمعون وفضل من القصعتين فحملته على البعير ومنه حديث سلمة بن الاكوع وأبو هريرة وعمر بن الخطاب ذكروا ان الناس أصابهم مخمصة شديدة في بعض الغزوات فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ببقية الازواد فجاء الرجل بالحثية من الطعام وفوق ذلك وأعلاهم من جاء بالصاع من التمر فجمع على نطع قال سلمة فحزرته كربطة العنز فما بقى في الجيش وعاء الا ملؤه وبقى منه. ومنه حديث أبي أيوب الانصارى في أول الهجرة انه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ادع ثلاثين من أشراف الانصار فدعاهم فأكلوا حتى تركوه ثم قال ادع ستين وكان مثل ذلك ثم قال ادع سبعين فأكلوا حتى تركوا وما خرج فيهم أحد حتى أسلم وبايع قال أبو أيوب فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا وعن ابى هريرة قال امرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ادعو له اهل الصفة فتتبعتهم حتى جمعتهم فوضعت بين ايدينا صحفة فأكلنا ما شئنا وفرغنا وهى مثلها حين وضعت الآن فيها اثر الاصابع* وعن علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وكانوا اربعين منهم قوم يأكلون الجذعة ويشربون الفرق فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا وبقى كما هو ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا وبقى كانه لم يشرب وامر صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ان يزودوا اربعمائة راكب من احمس من قليل تمر قدر الفصيل الرابض فزودهم منه وبقى على حاله ومن ذلك حديث جابر وشكى (حزة) بضم المهملة وتشديد الزاى أي قطعة (في بعض الغزوات) في صحيح مسلم انها في غزوة تبوك (على نطع) فيه أربع لغات أشهرها كسر النون مع فتح المهملة والثانية بفتحهما والثالثة فتح النون مع سكون الطاء والرابعة كسر النون مع سكون الطاء (أهل الصفة) للبخاري من حديث أبي هريرة لقد رأيت سبعين من أهل الصفة وعد أبو نعيم في الحلية منهم مائة وسبعا وفي عوارف المعارف انهم كانوا نحو أربعمائة (كربضة) بالموحدة والمعجمة أي محل ربوض والاشهر في الراء الفتح وقال ابن دريد الكسر (العنز) بالمهملة فالنون فالزاى (أبي أيوب) اسمه خالد بن زيد كما مر (زهاء) بضم الزاي مع المد أي قرب (حين وضعت) بالبناء للمفعول (أثر الاصابع) بالنصب (بعس) بضم العين وتشديد السين المهملتين وهو قدح ضخم (ومن ذلك حديث جابر) في البخارى وسنن أبي داود

الى النبي صلى الله عليه وسلم اشتداد غرماء أبيه عليه في ديونهم وكان بذل لهم اصل ماله فلم يقبلوه وكان ثمره لا يفي بخلاصهم سنين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ان يجدّ تمره وان يبدر كل نوع على حدته ففعل فجلس النبي صلى الله عليه وسلم حول أعظمها بيدرا وأمره أن يوفيهم منه فاوفاهم الذي لهم وبقى كانه لم ينقص منه تمرة وسلمت البيادر كلها. ومنه حديث أبى هريرة قال أصاب الناس مخمصة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من شيء قلت نعم شيء من التمر في المزود قال فأتني به فادخل يده فاخرج قبضة فبسطها ودعا بالبركة ثم قال ادع عشرة فاكلوا حتى شيعوا ثم عشرة كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا قال خذ ما جئت به وادخل يدك واقبض منه ولا تكبه فقبضت على أكثر مما جئت به فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر الى أن قتل عثمان فانتهب منى فذهب وفي رواية قال فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله وهذا الباب واسع وأكثره من الصحاح وكذلك معجزاته في الماء* فمنها حديث الاستسقاء وآيته عظيمة وسبق ذكره في تواريخ السنين. ومنها حديث أنس قال جاءت صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم باناء فيه ما يغمر أصابعه أو لا يكاد يغمر فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الاناء يده وأمر الناس ان يتوضؤا والنسائى (اشتداد غرماء أبيه) في الشفاء انهم كانوا يهود فعجبوا من ذلك (ان يجد) بالمعجمة والمهملة أى يقطع (وان يبدر) بضم أوله أوله وفتح الموحدة وسكون التحتية وكسر المهملة بعدها راء يصير بيدرا بفتح الموحدة والمهملة بينهما تحتية ساكنة (وبقي كانه لم ينقص منه تمرة) زاد أبو داود فاتا جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجده يصلى العصر فلما انصرف أخبره بالفضل قال أخبر بذلك ابن الخطاب فذهبت اليه فاخبرته فقال عمر قد علمت حين مشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن فيها (ومنه حديث أبى هريرة) في سنن الترمذى (مخمصة) أى مجاعة (المزود) بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الواو ثم مهملة الاناء الذي يتزود فيه (ولا تكبه) كذا في الشفاء وفي سنن الترمذى ولا تنبزنبزا فقوله هنا تكبه تصحيف (وأطعمت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر) زاد الترمذى وكان لا يفارق حقوي (فانتهب) وللترمذى فانقطع زاد رزين فخرنت عليه (وفي رواية) في الشفاء وغيره (فقد حملت من ذلك الثمر الى آخره) زاد في الشفاء وذكرت مثل هذه الحكاية في غزوة تبوك وان التمر كان بضع عشرة تمرة وكذلك معجزاته في الماء (ومنها حديث أنس) في الصحيحين وسنن الترمذى والنسائي (وحانت) أي جاء (حينها) أى وقتها (الوضوء) بفتح الواو على المشهور وهو الماء الذي يتوضأ به (ما يغمر أصابعه أو لا يكاد يغتمر)

منه قال فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم قال له قتادة كم كنتم قال زهاء من ثلاثمائة ومثله عن ابن مسعود وعن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة فتوضأ منها واقبل الناس نحوه وقال ليس عندنا الا ما في ركوتك فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كامثال العيون قال سالم بن أبى الجعد لجابركم كنتم قال لو كنا مائة الف لكفانا كنا خمس عشر مائة ونحوه عن جابر أيضا في غزوة بواط وذكر حديثها الطويل وفيه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا جابر ناد بالوضوء فأتى بقطرة في عزلاء شجب فغمزه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفه وتكلم بشيء لا أدرى ما هو وقال ناد بجفنة الركب فأتيتها فوضعتها بين يديه وبسط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في الجفنة وفرق بين اصابعه وصب جابر عليه وقال بسم الله قال فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ثم فارت الجفنة واستدارت حتى امتلئت وامر الناس بالاستسقاء فاستقوا حتى رووا فقلت هل بقى احد له حاجة فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهى ملآنة قال الترمذي وفي الباب عن عمران بن حصين. واما تفجير الماء روي المهلب انه كان بمقدار وضوء رجل واحد (فرأيت الماء ينبع) بتثليث الموحدة أى يخرج من بين (أصابعه) حكي عياض في كيفية هذا النبع قولين أحدهما وهو ما قاله أكثر العلماء ان الماء كان يخرج من نفس أصابعه الكريمة وينبع من ذاتها ويؤيد هذا رواية فرأيت الماء ينبع من أصابعه والثانى يحتمل ان الله تعالي كثر الماء في ذاته فصار يفور من بين الاصابع لا من ذاتها ولا شك ان كليهما معجزة ظاهرة (من عند آخرهم) من هنا بمعنى الى وهو لغة (زهاء ثلاثمائة) في رواية لمسلم عن أنس ما بين الستين الى الثمانين وقال الحفاظ هما قضيتان جرتا في وقتين (عن ابن مسعود عن جابر) في الصحيحين (كنا خمس عشرة فانه) سبق الكلام على الخلاف في كميتهم يومئذ مع الجمع بين الاقوال في غزوة الحديبية فراجعه (ونحوه عن جابر أيضا) في آخر في صحيح مسلم (ناد بالوضوء) بفتح الواو (بقطرة) بفتح القاف أي شيء يسير من الماء (في عزلاء) بفتح المهملة وسكون الزاي وبالمد أي في فم (شجب) بفتح المعجمة وسكون الجيم ثم موحدة وهو السقاء (فغمزه) بالمعجمة والزاي أى عصره (بكفه) ليس هذا في صحيح مسلم بل في نسخة بيديه وفي أخرى بيده (وتكلم بشيء) لعله دعا الله عز وجل بالبركة (ناد بحفنة الركب) بفتح الجيم (بسم الله) أي توضؤا قائلين ذلك ففيه ندب التسمية للوضوء وان هذا أقلها وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم (قال الترمذى وفي الباب عند عمران بن حصين) أي له حديث أيضا في تكثير الماء وان الناس شكوا الى

فروي معاذ بن جبل في قصة غزوة تبوك انهم وردوا العين وهى تبض بشيء من ماء مثل الشراك فغرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه ثم اعاده فيها فانخرق من الماء ماله حس كحس الصواعق ثم قال يوشك يا معاذ ان طالت بك حياة ان ترى ماء ها هنا قد ملأ جنانا ونحوه في غزوة الحديبية من رواية سلمة بن الاكوع والبراء بن عازب وفي الحديث انهم وجدوا في بئرها ماء قليل فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على جباها وأتى بدلو فبصق ودعا فيها فجاشت فروا أنفسهم وركائبهم وفي رواية أنه أخرج سهما من كنانته فوضع في قعر قليب ليس فيه ماء فروى الناس حتى ضربوا بعطن ومن المشهور في الصحيح حديث ميضأة ابن أبى قتادة وحديث صاحبة المزادتين. رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش في بعض أسفاره فدعا بالميضاء فجعلها في سننه ثم التقم فمها فالله أعلم نفث فيها أم لا فشرب الناس حتى رووا وملأوا كل أناء معهم فخيل الى انها كما أخذها مني وكانوا اثنين وسبعين رجلا وروى مثل هذه القصة لابي قتادة أيضا (فروي معاذ بن جبل) في الموطأ وصحيح مسلم (وهي تبض) بفتح الفوقية وكسر الموحدة وتشديد المعجمة وروي باهمالها أي تبرق (مثل الشراك) بكسر المعجمة وهو سير النعل والمعني ماء قليل جدا (فانخرق) بالمعجمة والقاف (ماء له حس كحس الصواعق) هذا لفظ ابن اسحاق في السيرة ولفظ مسلم فجرت العين بماء منهمر أى كثير (قدملا جنانا) جمع جثة وهي البستان وهذا أيضا من المعجزات (ونحوه في غزوة الحديبية) وسبق الكلام عليه ثم (ميضأة أبي قتادة) روي حديثها مسلم في أبواب الصلاة عند ذكر نومه صلى الله عليه وسلم بالوادي وفيه أنه قال لابي قتادة احفظ على ميضأتك فانه سيكون لها نباء والميضأة بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المعجمة الاناء الذى يتوضأ منه قال عياض في الشفاء وذكر الطبري حديث أبي قتادة على غير ما ذكره أهل الصحيح وأن النبى صلى الله عليه وسلم خرج بهم ممدا لاهل مؤتة عند ما بلغه قتل الامراء (وصاحبة المزادتين) حديثها مروى في الصحيحين وغيرهما عن عمران بن حصين حاصله مع الاختصار أنه صلى الله عليه وسلم وجد عليا وعمران بعد أن أصابهم عطش شديد وأعلمها أنهما يجدان امرأة بمكان كذا معها بعير عليه مزادتان فوجداها وأتيا بها الى النبى صلى الله عليه وسلم فجعل في اناء من مزادتيها فقال فيه ما شاء الله ان يقول ثم أعاد الماء في المزادتين ثم فتحت عداليهما وأمر الناس فملؤا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيأ الا ملاؤه ثم جمع للمرأة من الازواد حتى ملأ ثوبها وقال اذهبى فانا لم نأخذ من مائك شيأ ولكن الله هو الذى سقانا (خاتمة) ذكر عياض في الشفاء عن عمرو بن شعيب أن أبا طالب قال للنبى صلى الله عليه وسلم وهو رديفه بذي المجاز عطشت وليس عندي ماء فنزل النبي صلى الله عليه وسلم وضرب بقدمه الارض فخرج الماء فقال اشرب.

فصل في نطق الجمادات له صلى الله عليه وسلم

[فصل في نطق الجمادات له صلى الله عليه وسلم] «فصل» في نطق الجمادات له صلى الله عليه وسلم [من ذلك قصة حنين الجزع] من ذلك قصة حنين الجزع وهو حديث مشتهر منتشر متواتر رواه من الصحابة بضع عشرة ورواه عنهم اضعافهم من التابعين وقد قدمنا ذكره عند ذكر المنبر وفي الخبر عنه انه كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عليه فلما اتخذ المنبر وعدل عنه سمعوا له صوت كصوت العشار وارتج المسجد لخواره وكثر بكاء الناس لما رأوا ما به فوضع صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكت وقال ان هذا بكى لما فقد من الذكر والذى نفسى بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا الى يوم القيامة تحزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر وفي احدى رواياته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان شئت ان أردك الى الحائط الذى كنت فيه ينبت لك عروقك ويكمل خلقك وان شئت اغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك ثم اصغي اليه النبي صلى الله عليه وسلم يستمع ما يقول فقال بل تغرسني في الجنة فيأكل منى أولياء الله وأكون في مكان لا أبلى فيه فسمعه ما يقول من يليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد فعلت ثم قال اختار دار البقاء على دار الفناء وكان الحسن البصرى اذا حدث بهذا الحديث بكى وقال يا عباد الله الخشبة تحن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا اليه لمكانه من الله فانتم أحق أن تشتاقوا الى لقائه (فصل) في نطق الجمادات (رواه من الصحابة بضعة عشر) زاد في الشفاء منهم أبى بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسهل بن سعد وأبو سعيد الخدري وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبي وداعة (ورواه عنه أضعافهم من التابعين) قال في الشفاء رواه عن جابر حفص بن عبيد الله بن حفص وأيمن وأبو نضرة وابن المسيب وسعيد بن أبى كرب وكريب وأبو صالح ورواه عن أنس ابن مالك الحسن وثابت واسحاق بن أبي طلحة ورواه عن ابن عمر نافع وأبو حسن ورواه عن أبى سعيد أبو نضرة وأبو الوداك ورواه عن ابن عباس عمار بن أبى عمار ورواه عن سهل بن سعد ابنه عباس بن سهل وأبو حازم ورواه عن المطلب كثير بن زيد ورواه عن بريدة ابنه عبد الله ورواه عن أبى ابنه الطفيل (وارتج) بهمز وصل وسكون الراء وفتح الفوقية وتشديد الجيم أى سمع رجة أي صوت (لخواره) يضم المعجمة وتخفيف الواو وهو صوت الشاة والظبي والبقر وبضم الجيم وفتح الهمزة صوت الناس والبقر (تحزنا) بفتح الفوقية والمهملة وضم الزاى ثم نون تفعلا من الحزن (فدفن تحت المنبر) قال السهيلى انما دفنه صلى الله عليه وسلم لانه صار حكمه حكم المؤمن لحبه وحنينه الى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ينضم الى قوله تعالى كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ الآية والى قوله صلى الله عليه وسلم في النخلة مثلها كمثل المؤمن (وفي احدي رواياته) وهى رواية بريدة بن الحصيب الاسلمي (من ثمرك) بفتح المثلثة والميم وروي البخاري والترمذي والنسائي

ومنه تكليم الذراع له واخباره بأن فيه السم

وعن عبد الله بن مسعود قال كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه وقال أنس أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من حصى فسبحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا التسبيح ثم صبهن في يد أبى بكر فسبحن ثم في أيدينا فما سبحن* [ومنه تكليم الذراع له واخباره بأن فيه السم] ومنه تكليم الذراع له واخباره بأن فيه السم وقال أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه في الجنة كنا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج الى بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل الا قال السلام عليك يا رسول الله وقال صلى الله عليه وسلم انى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل أن أبعث انى أعرفه الآن وحديث العباس اذ اشتمل عليه النبى صلى الله عليه وسلم وعلى بنيه بملاءة ودعا لهم بالستر من النار كستره اياهم بملاءته فامنت اسكفة الباب وحوائط البيت آمين آمين* ويقرب من هذا رجفان أحد وحراء به وباصحابه وسقوط الاصنام التى كانت حول البيت لاشارته وقد كانت مشدودة بالرصاص وروي ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر وَما قَدَرُوا (وعن عبد الله بن مسعود) قال كنا نعد الآيات وأنتم تعدونها نحونا كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال أطلبوا فضلة من ماء فجاؤا باناء فيه ماء قليل فادخل يده فيه ثم قال حي على الطهور المبارك والبركة من الله تعالى قال فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابعه ولقد (كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه) الضمير للطعام ففي رواية ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل (ثم صبهن في يد أبي بكر فسبحن) زاد في الشفاء من حديث أبي ذر اذ لم يصرح يبقي ذلك بالنسبة الى عمر وعثمان بل لو صرح بذلك في حديثه لما كان فيه نفي ذلك عنهما لاحتمال أن أبا ذر سمع دونه أوان ذلك كان في قصة أخري (وقال على) كما حكاه عنه عياض في الشفاء بهذه الصيغة أخرجه أحمد ومسلم والترمذي عن جابر ابن سمرة كما مر مع الكلام عليه (انى لاعرف حجرا بمكة الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي عن جابر ابن سمرة كما مر مع الكلام عليه (وحديث العباس) هو ما روي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس يا عم اذا كان غداة الاثنين فأتنى أنت وولدك أدعو لك بدعوة ينفعك الله بها وولدك قال فغد او غدونا معه فألبسنا كساء ثم قال اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا اللهم احفظه في ولده أخرجه الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه وزاد رزين في في رواية واجعل الخلافة باقية في عقبه وما ذكره المصنف هو لفظ الشفاء (بملآة) بضم الميم مع المد وهى الملحفة وجمعها ملاء (أسكفة الباب) عتبته السفلى وهى بضم الهمزة والكاف بينهما مهملة ساكنة وتشديد الفاء ويقال فيها أسكوفة (آمين آمين) فيها لغات أشهرها مد الهمزة وتليها مدها مع الامالة وتليها القصر مع تخفيف الميم وتليها المد مع تشديد الميم وتليها القصر مع تشديد الميم وهي اسم فعل معناه اللهم استجب وقيل

وأما المعجزات في الشجر وشهادتها له وانفيادها لأمرة

اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ثم قال يمجد الجبار نفسه أنا الجبار أنا الجبار أنا الكبير المتعال فرجف المنبر حتى قلنا ليخرن عنه. [وأما المعجزات في الشجر وشهادتها له وانفيادها لأمرة] وأما المعجزات في الشجر وشهادتها له وانفيادها لأمرة ففي الصحيح عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فلم يرى شيئا يستتر به فاذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أحدهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي باذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده وفعل بالأخرى كذلك حتى اذا كان بالمنصف قال التئما علىّ باذن الله فالتأمتا وفي رواية أنه أمر جابرا أن يأمر احداهما ان تلحق بصاحبتها ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته رجعت الى منبتها وأمر صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد أن يأتى الى نخلات واحجار فيأمرهن ان يتقاربن لقضاء حاجته فأمرهن قال اسامة فو الذي بعثه بالحق نبيا لقد رأيت النخلات يتقاربن حتى اجتمعن والحجارة تتعاقدن حتى صرن ركاما خلفهن فلما قضي حاجته قال لى قل لهن يفترقن فو الذي نفسي بيده لرأيتهن يفترقن حتى عدن الى افعل كذلك يكون وقيل لا تخيب رجاءنا وقيل غير ذلك (يمجد) أى يعظم (الجبار) سمى بذلك قيل لانه يجير خلقه على ما أراد وقيل من قولهم جبرت الكسر اذا أصلحته (الكبير) هو ذو الكبرياء وهى كمال الذات والصفات (المتعالى) هو بمعني العلى مع نوع من المبالغة والعلي هو الذى لا رتبة فوق رتبته وجميع المراتب منحطة عنه (ليخرن) أى ليقعن واللام لام القسم ففي الحديث (الصحيح) في صحيح مسلم (عن جابر بن عبد الله) في حديثه الطويل في غزوة بواط (كالبعير المخشوش) باعجام الخاء والشين المكررة هو الذى يحصل في أنفه خشاش بكسر أوله وهو نحو عود يجعل في أنف البعير الصعب ويشد فيه حبل ليذل وينقاد (الذى يصانع قائده) بالمهملتين والنون أى الذى يذهب برأسه عن قائده يمينا وشمالا لصعوبته (بالمنصف) بفتح الميم والمهملة بينهما نون ساكنة وفي آخره فاء وهو نصف المسافة (التئما) بفتح الفوقية وكسر الهمزة أي اجتمعا (رجعت كل واحدة منهما الى منبتها) من تتمة الحديث انه لما انتهي الى جابر قال يا جابر هل رأيت مقامي قال قلت نعم يا رسول الله قال فانطلق الى الشجرتين فاقطع من كل منهما غصنا فاقبل بهما حتى اذا قمت من مقامي فارسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك قال جابر فقمت فاخذت حجرا فحسرته فاندلق لى قال فاتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يمينى وغصنا عن يسارى ثم لحقت فقلت قد فعلت يا رسول الله نعم ذاك قال اني مررت بقبرين يعذبان فاحببت بشفاعتي ان يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين (نخلات) جمع نخلة (والحجارة) بالنصب

مواضعهن* ومنه عن يعلي بن مرة وغيلان بن سلمة الثقفي وفي خبر الجن أنهم قالوا له من شهد لك قال هذه الشجرة تعالى يا شجرة فجاءت تجر عروقها لها قعاقع ونحوه في اعرابي قال له من يشهد لك قال هذه الشجرة فاقبلت تخد الارض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت انه كما قال ثم رجعت الى مكانها وسئله اعرابى آية فامره أن يدعوا له شجرة هنالك فتمايلت من كل جانب فتقطعت عروقها ثم جاءت تخد الارض تجر عروقها مغيرة حتي وقعت بين يديه فقالت السلام عليك يا رسول الله قال الاعرابي مرها فلترجع الى منبتها فرجعت فدلت عروقها فاستوت فقال الاعرابي أتأذن لى أن أسجد لك قال لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها قال فاذن لى ان أقبل يدك ورجلك فاذن له. وذكر انه صلى الله عليه وسلم سار في غزوة الطائف ليلا وهو وسن فاعترضته سدرة فانفرجت له نصفين حتى جاز بينهما وبقيت على ساقين وأصلهما واحد. وقال صلى الله عليه وسلم لأعرابي أرأيت ان دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله قال (عن يعلي بن مرة) ويقال له ابن سيابة بفتح المهملة وتخفيف التحتية وبعد الالف موحدة وهي أمه ومرة أبوه ولهم أيضا يعلى بن أمية التميمى هو ابن منبه بضم الميم وسكون النون ثم تحتية وهي أمه أيضا وأمية أبوه (غيلان) بفتح المعجمة وسكون التحتية مات في آخر خلافة عمر قال المزي وغيره من الحفاظ ليس في الرواة عيلان بالمهملة الا في قيس عيلان بن ضمر (ابن سلمة) بفتح اللام (وفي خبر الجن) كما نقله عياض في الشفاء عن ابن مسعود (تعالى) بفتح اللام (لها قعاقع) بتكرير القاف والمهملة بوزن منابر أي صوت كصوت السلاح (ونحوه في اعرابي) رواه في الشفاء مسندا عن ابن عمر (قال هذه الشجرة) زاد في الشفاء السمرة (وسأله اعرابى آية الى آخره) رواه الحاكم عن بريدة (تخد الارض) أى تشقها وهو باعجام الخاء واهمال الدال المشددة (مغيرة) أى مسرعة (لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها) رواه الترمذي عن أبى هريرة ورواه أحمد عن معاذ ورواه أبو داود والحاكم عن قيس بن سعد بلفظ لا مرت النساء أن يسجدن لازواجهن لما جعل لهم عليهم من الحق وفي الحديث تحريم السجود بلا سبب مطلقا وكذا الركوع وفيه تأكد حق الزوج على المرأة (فاذن له) فيه انه لا بأس بتقبيل يد العلماء والصلحاء وتقبيل أرجلهم تبركا وتعظيما لحرمات الله لا رياء ولا سمعة (وذكر انه صلى الله عليه وسلم سار في غزوة الطائف الى آخره) حكاه عياض في الشفاء عن ابن فورك (وسن) بفتح الواو وكسر المهملة أي نعسان (وبقيت على ساقين) زاد في الشفاء عن ابن فورك الي وقتنا وهي هناك معروفة معظمة (وقال صلى الله عليه وسلم لاعرابى الى آخره) أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال حديث صحيح (العذق) بكسر المهملة

فصل فيما جاء به من المعجزات في ضروب الحيوانات

نعم فدعاه فجعل ينقز حتى أتاه فقال ارجع فعاد الى مكانه. [فصل فيما جاء به من المعجزات في ضروب الحيوانات] (فصل) فيم جاء به من المعجزات في ضروب الحيوانات من ذلك ما روت عائشة قالت كان عندنا داجن فاذا كان عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قر وثبت مكانه فلم يجىء ولم يذهب فاذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وذهب وروي عن عمر بن الخطاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في محفل من أصحابه إذ جاء اعرابى قد صاد ضبا فقال من هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب وطرحه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا ضب فأجابه بلسان عربى مبين لبيك وسعديك يا زين من وافي القيامة قال من تعبد قال الذى في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عذابه قال فمن أنا قال رسول رب العالمين وخاتم النبيين قد أفلح من صدقك وخاب من كذبك فأسلم الاعرابى. ومنه قصة كلام الذئب المشهورة عن أبى سعيد الخدري وغيره وفيها طول واختلاف بين الرواة وسكون المعجمة ثم فاء وهي الكناسة قال الجوهري وهو من التمر بمنزلة العنقود من العنب (ينقز) بضم القاف بعدها زاى أى يثب (فصل) في معجزاته في الحيوانات (ما روت عائشة) كما أسنده عنها عياض في الشفاء (داجن) بالمهملة والجيم المكسورة وهى ما تألف البيت من الحيوانات كما مر (ضبا) هو بفتح المعجمة وتشديد الموحدة دويبة شبه الورل ذكروا من عجائبه ان له ذكرين في أصل واحد وانه يعيش نحو سبعمائة سنة ولا يشرب الماء بل يكتفي بالنسيم ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن وذكر الزركشى في شرح البخارى على قوله صلى الله عليه وسلم لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه انه انما خص الضب لان العرب تقول هو قاضي الطيور والبهائم وانها اجتعت اليه لما خلق الله الانسان فوصفوه له فقال الضب وصفتم خلقا ينزل الطير من السماء ويخرج الحوت من البحر فما كان ذا جناح فليطر وما كان ذا مخلب فليحتفر (أو) بمعنى حتى (يؤمن) بالنصب بها (عن أبي سعيد وغيره) كابى هريرة (وفيها طول) حاصلها ان الذئب لما عرض للراعي وأخذ شاة من الغنم استنقذها الراعي منه فاقعى الذئب وقال للراعى ألا تتقى الله حلت بينى وبين رزقى قال الراعى العجب من ذئب يتكلم بكلام الانس فقل الذئب الا أخبرك باعجب من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يحدث الناس بانباء من قد سبق فاتي الراعي النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال قم فحدثهم ثم قال صدق (واختلاف بين الرواة) في اللفظ فقط ففي حديث أبي هريرة فقال الذئب أنت أعجب واقف بين غنمك وتركت نبيا لم يبعث الله نبيا قط أعظم منه قدرا قد فتحت له أبواب الجنة وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم وما بينك وبينه الا هذا الشعب فتصير في جنود الله وفي الحديث ان الذئب حفظ الغنم للراعي

قال ابن عبد البر كلم الذئب من الصحابة رافع بن عميرة وسلمة بن الاكوع وأهبان بن أوس السلمى قلت وكلم أيضا أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية حين كانا مشركين ومثله لابى جهل بن هشام ويتضمن كلام كلهم معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتنبيها لكل منهم على نبوئته وحثا على اتباعه. ومنه حديث الجمل وهو حديث مشهور اخرجه الحاكم وصححه ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثعلبة بن مالك وجابر بن عبد الله ويعلى ابن مرة وعبد الله بن جعفر قال وكان لا يدخل أحد الحائط الا شد عليه الجمل فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم دعاه فوضع مشفره في الارض وبرك بين يديه فخطمه وقال ما بين السماء والأرض شيء الا يعلم انى رسول الله الاعاصى الجن والانس وفي رواية أنه جاء وعيناه تذرفان وفي أخرى انه سجد وأخرى قال أتدرون ما يقول زعم انه خدم مواليه أربعين وفي أخرى عشرين حتى كبر فنقصوا من علفه وزادوا في عمله حتى اذا كان لهم غرض أرادوا ان ينحروه غدا فأمرهم أن يحسنوا اليه حتى يأتى أجله. ومثله انقياد الفحلين له وقد تغلبا على صاحبهما فلما جاء صلى الله عليه وسلم بركا بين يديه فخطمهما ودفعهما اليه أخرجه ابو نعيم الحافظ. ومنه ما روى انه صلى الله عليه وسلم لما اراد ان ينحر البدن ازدلفن اليه بأيهن يبدأ. وروي أن حمام حتي ذهب فاسلم ثم رجع فوجدها كما هى لم يأخذ الذئب منها شيأ (ابن عميرة) بفتح المهملة وكسر الميم (وسلمة ابن) عمرو بن (الاكوع) زاد عياض وانه كان صاحب هذه القصة وسبب اسلامه (واهبان) بضم الهمزة وسكون الهاء ثم موحدة (ابن أوس) زاد عياض وانه كان صاحب القصة والمحدث بها وتكلم الذئب (السلمى) بضم السين (أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية) نقله في الشفاء عن ابن وهب (حين كانا مشركين) وكانت القصة انهما وجدا ذئبا قد أخذ ظبيا فدخل الظبى الحرم فانصرف الذئب فعجبا من ذلك فقال الذئب أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم الى الجنة وتدعونه الى النار (و) وقع (مثله) أي مثل هذا المحكي (لابي جهل بن هشام) حكاه عياض في الشفاء بصيغة روى (مشفره) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء قال الجوهري المشفر للبعير كالجحفة للفرس وهي لذى الحافر كالشفة للانسان (من علفه) بفتح اللام اسم ما يعلف به وبالسكون المصدر (تغلبا) أى امتنعا من السير وغلباه (اخرجه أبو نعيم) اسمه أحمد بن عبد الله الاصبهاني ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ومات في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة باصبهان (ومنه ما روي) عن صدقة بن قرظ بضم القاف وفتح الراء ثم معجمة قال ابن عبد البر كان اسمه في الجاهلية شيطانا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله (فازدلفن) بالزاي والفاء أي تفدين (وروى ابن حمام

فصل في كلام الموتي والصبيان صلى الله عليه وسلم

مكة اظلت عليه يوم الفتح فدعا لها بالبركة وان حما متين وقفنا على فم الغارحين طلبه المشركون ونسجت على فم الغار العنكبوت. ومنه حديث الظبية وقد اخرجه الدارقطني والطبراني والبيهقى بالفاظ مختلفة وحاصلها ان النبي صلى الله عليه وسلم وجدها موثقة قد صادها أعرابى فسألته ان يطلقها حتى ترضع أولادها وترجع فاطلقها فذهبت ورجعت فاوثقها الاعرابى فشفع اليه في اطلاقها فاطلقها فخرجت تعدو في الصحراء وتقول أشهد أن لا اله الا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنه قصة الاسد مع سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قصة مشهورة وقصة العضباء ونداء الوحوش ها إنك لمحمد وروي أنها لم تأكل بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى ماتت. وكلام الحمار الذي أصابه بخيبر وقوله اسمي يزيد بن شهاب فسماه النبي صلى الله عليه وسلم يعفورا وكان يوجهه الى دور أصحابه فيستدعيهم له وروى انه لمات النبي صلى الله عليه وسلم تردى في بئر جزعا وحزنا فمات. وحديث الناقة التي شهدت لصاحبها عند النبي صلى الله عليه وسلم انه ما سرقها وأنها ملكه. والشاة التي حلبها لعسكره وهم زهاء ثلاثمائة فاروتهم ثم قال لرافع اربطها وما أراك فربطها فوجدها قد ذهبت فقال ان الذي جاء بها هو الذي ذهب بها ونزل عن فرس له ليصلي وقال له لا تذهب بارك الله فيك فما حرك عضوا وأخذ صلى الله عليه وسلم باذن شاة فبقى اثريده كالميسم وكان في دراريها. [فصل في كلام الموتي والصبيان صلى الله عليه وسلّم] «فصل» في كلام الموتي والصبيان روي أنس ان شابا من الأنصار توفى وله أم عجوز عمياء قال فسجيناه وعزيناها به فقالت مات ابني قلنا نعم فقالت اللهم ان كنت تعلم اني هاجرت اليك والى نبيك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا تحملني على هذه المصيبه فما مكة الى آخره) ذكره في الشفاء عن ابن وهب (ومنه حديث الظبية) وهو حديث صحيح كما قاله الزركشى والقاضي زكريا وغيرهما (وقد رواه الدار قطنى والطبراني والبيهقى) كلهم عن أم سلمة (وقصة العضباء) ذكرها عياض في الشفاء عن الاسفرائيني (لم تأكل) زاد في الشفاء ولم تشرب (وكلام الحمار الذى أصابه بخيبر) رواه في الشفاء عن ابراهيم بن حماد بسنده (اسمى يزيد) وقيل زياد ومن كلامه كان في ابائى ستون حمارا كلهم ركبه نبي وأنت نبي الله فلا يركبني أحد بعدك ذكره السهيلى في كتاب التعريف (ما أراك) بالضم أى ما أظنك (لا تذهب بارك الله فيك) زاد عياض في الشفاء وجعله قبلته (كالميسم) بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المهملة. (فصل) في كلام الموتي (روي أنس) كما ذكره عنه في الشفاء (فلا تحملن) بفتح أوله وسكون ثانيه

فصل في ابراء المرضى وذوى العاهات.

برحنا أن كشف الثوب عن وجهه فطعم وطعمناه واستشهد ثابت بن قيس بن شماس باليمامة فلما أدخل القبر سمعوه يقول محمد رسول الله صدق أبو بكر الصديق عمر الشهيد عثمان البر الرحيم* وحسر زيد بن حارثة الثوب عن وجهه بعد الموت وقال محمد رسول الله النبي الامي وخاتم النبيين ذلك في الكتاب الاول ثم قال صدق صدق وذكر أبا بكر وعمر وعثمان ثم قال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ثم عاد ميتا* وأما كلام الاطفال فمنه حديث مبارك اليمامة وفيه انه كلم النبى صلى الله عليه وسلم يوم ولد ثم لم يتكلم بعدها حتى شب فكان يسمى مبارك اليمامة* ومنه حديث الصبية التى طرحها أبوها بواد وأضلها فانطلق معه النبي صلى الله عليه وسلم الى الوادى وناداها يا فلانة اجيبي باذن الله فخرجت وهى تقول لبيك وسعديك فقال لها ان أبويك قد أسلما فان أحببت ان أردك عليهما فقالت لا حاجة لى بهما وجدت الله خيرا لى منهما. [فصل في ابراء المرضى وذوى العاهات.] (فصل) في ابراء المرضى وذوى العاهات. من ذلك ما روى أهل الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم تفل في عيني على كرم الله وجهه في الجنة يوم خيبر وبه رمد شديد فبرأ من حينه ولم يرمد بعدها. ورد صلى الله عليه وسلم عين قتادة بن النعمان يوم أحد وقد برزت على خده وكسر ثالثه (واستشهد ثابت بن قيس الى آخره) حكاه عياض في الشفاء عن عبد الله بن عبيد الله الانصارى وانه كان فيمن دفنه (باليمامة) كانت وقعتها في خلافة الصديق رضى الله عنه (وحسر زيد بن حارثة الي آخره) حكاه عياض عن النعمان بن بشير وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب قال الذهبي زيد بن حارثة المتكلم بعد الموت على الصحيح وقيل المتكلم بعد الموت أبوه وذلك وهم لانه قتل يوم أحد (حديث مبارك اليمامة) أخرجه البيهقى في الدلائل عن معرض بن معيقيب (انه كلم النبي صلى الله عليه وسلم يوم ولد) وذلك في حجة الوداع قال له النبي صلى الله عليه وسلم من أنا قال رسول الله قال بارك الله فيك (تنبيه) مبارك اليمامة هذا آخر من تكلم في المهد وهم عشرة نبينا صلى الله عليه وسلم كما ذكره الواقدي في السير وابراهيم كما ذكره الثعلبي وغيره وعيسي كما هو مشهور ويحيى كما أخرجه الثعلبي عن الضحاك وصاحب جريج قال له من أبوك قال فلان الراعى كما في الصحيحين وغيرهما والطفل المراضع لامه حين مر برجل ذي هيئة فقالت اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدى وقال اللهم لا تجعلنى مثله الى آخره كما في الصحيحين أيضا وفي قصة أصحاب الاخدود وجيء بامرأة لتلقى في النار لتكفر ومعها صبي يرضع فتقاعست فقال يا أماه اصبرى فانك على الحق كما في مسلم وشاهد يوسف وابن ماشطة فرعون كما أخرجهما أحمد والحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا (ومنه حديث الصبية الى آخره) ذكره عياض عن الحسن البصرى (فصل) في ابراء المرضى (ورد صلى الله عليه وسلم عين قتادة بن النعمان الى آخره) رواه ابن اسحاق في السير عن عاصم بن عمر بن قتادة وأخرجه مالك في الموطأ من حديث جابر وفيه قال ان لى امرأة

وكانت أحسن عينيه ففي ذلك يقول أحد بنيه مفتخرابه: أنا ابن الذى سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفي أحسن الرد وروى الدارقطني أن عينيه سقطتا معا. ومنه حديث الاعمى الذى امره أن يتوضأ ويصلى ركعتين ويتوجه الى الله به صلى الله عليه وسلم ففعل فرد الله عليه بصره. وأصاب ابن ملاعب الاسنة استسقاء فبعث الى النبى صلى الله عليه وسلم فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده حثوة من الارض وتفل عليها ثم أعطاها رسوله فأتاه بها وهو على شفا حفرة فشربها فشفاه الله. وانكسرت رجل عبد الله بن عتيك حين قتل أبا رافع فلما انتهى الى النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها قال فكأنها لم أشتكها قط. ونفث صلى الله عليه وسلم على ضربة بساق سلمة بن الاكوع أصيبها يوم خيبر فبرئت. وأثقل خالد بن الوليد بالجراحة يوم حنين فجاء صلى الله عليه وسلم يعوده ويقول من يدلنى على رحل خالد فجاء وقد أسند الى مؤخرة رحله فنفث على جرحه فبرأ. وجاءته امرأة بابن لها به جنون فمسح صدره فثع ثعة فخرج من صدره مثل الجر والاسود فشفي. أحبها واخشى ان رأتنى تقذرني فاخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وردها الى موضعها وقال اللهم اكسه جمالا فكانت أحسن عينيه واحدهما نظرا وكانت لا ترمد اذا رمدت الاخرى (ففي ذلك يقول أحد بنيه) أي أحد ذريته (مفتخرا) بعد ان وفد على عمر بن عبد العزيز فسأله عمر من أنت فقال (أنا ابن الذى سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفي أحسن الرد) تتمته فعادت كما كانت لاول أمرها ... فياحسن ما عين ويا حسن مارد فوصله عمر بن عبد العزيز وقال تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا (وروي الدار قطنى) ومالك في الموطأ (ان عينيه سقطتا) لكن قال الدار قطنى هذا حديث غريب عن مالك تفرد به عمار بن نصر وهو ثقة ورواه عن ابراهيم الحربي عن عمار بن نصر (ومنه حديث الأعمي) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم كلهم عن عثمان بن حنيف وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث أبى جعفر وهو غير الخطمى (وأصاب ابن ملاعب الاسنة الى آخره) أخرجه بن منده وأبو نعيم وذكره عياض في الشفاء بصيغة روي واسم ملاعب الاسنة هذا عمرو بن مالك واسم ابنه مالك (ثم أعطاها رسوله) زاد في الشفاء فاخذها متعجبا يري أن قد هزئ به (على شفا) بفتح المعجمة والقصر يقال أشفا المريض على الموت وما بقى منه الاشفاء أي قليل (ونفث على ضربة بساق سلمة بن الاكوع) كما أخرجه البخارى في أحد ثلاثياته وأبو داود عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة (وأثقل خالد بن الوليد بالجراحة الى آخره) أخرجه الكشي (وجاءته امرأة الى آخره) ذكر في الشفاء عن ابن عباس (فثع ثعة) بالمثلثة والفاء أى قاء (مثل الجر والاسود) هذا

فصل في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم

وكانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة فمنعته القبض على السيف وعنان الدابة فعركها صلى الله عليه وسلم بكفه حتى ارتفعت فلم يبق لها أثر. وسألته صلى الله عليه وسلم جارية طعاما وهو يأكل فناولها من بين يديه وكانت قليلة الحياء فقالت انما أريد الذى في فيك فناولها ما في فيه ولم يكن صلى الله عليه وسلم يسأل شيئا فيمنعه فلما استقر في جوفها ألقى عليها من الحياء ما لم يكن بالمدينة امرأة أشد حياء منها. [فصل في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم] * (فصل) * في اجابة دعائه صلى الله عليه وسلم. قال حذيفة كان صلى الله عليه وسلم اذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولده وولد ولده. فمن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم لانس ابن مالك وقد سبق ذلك. ومنه دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة فاشتهر من يساره ما اشتهر حتى صولحت احدى زوجاته الاربع وهي التى طلقها في مرضه على نيف وثمانين ألفا وأوصى بخمسين ألفا بعد هذا وعدا صدقاته ألفاشية ونفقاته في سبيل الله ألوافية أعتق يوما واحدا ثلاثين عبدا وتصدق مرة بتسعمائة بعير بما تحمل من الخيرات وباقتابها وأحلاسها. ودعى لسعد بن أبى وقاص أن يكون مستجاب الدعوة فما دعا سعد لاحد أو عليه الا استجيب له. ودعا بعز الاسلام بعمر أو بابى جهل بن هشام فاستجيب له في عمر. وقال للنابغة لا يفضض تصحيف وانما هو مثل الخرء الاسود (شرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة وقيل ان اسمه شراحيل ذكره في القاموس (الجعفي) بجيم فمهملة ففاء بوزن الكرسى منسوب الى جعفي بوزن كرسى ابن سعد العشيرة الى حي باليمن قاله في القاموس (سلعة) بكسر المهملة وسكون اللام وفتح المهملة زيادة تحدث في الجسد كالغدة تكون من قدر الحمصة الى قدر البطيخة قاله الشمنى فعركها بفتح العين المهملة في المضارع كالماضي (فيمنعه) بالفتح جواب فلم يكن (أشد حياء) بالفتح خبر يكن (فصل) في اجابة دعائه (قال حذيفة) كما أخرجه عنه أحمد (دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة) سبب الدعاء انه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم باربعة آلاف درهم فقال كان عندي ثمانية آلاف فامسكت أربعة لنفسى وعيالى وأربعة أقرضتها ربي فقال صلى الله عليه وسلم بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت رواه ابن عبد البر وغيره (على نيف وثمانين ألفا) وقيل مائة ألف (اعتق يوما واحدا الى آخره) من جملة تصدقاته الارض التى تصدق بها على أمهات المؤمنين فبيعت باربعين ألفا أخرجه الترمذي وصححه عن عائشة (وأوصى بخمسين ألفا) في سبيل الله كما نقل عن عروة بن الزبير قال الشمنى وقال الزهرى أوصى عبد الرحمن لمن بقي من أهل بدر لكل رجل باربعمائة دينار وكانوا مائة فاخذوها وأخذ عثمان ممن أخذوا وأوصي بالف فرس في سبيل الله (وقال للنابغة) بالنون والموحدة والمعجمة هو الجعدي واسمه قيس بن

فصل في كراماته وبركاته وانقلاب الأعيان له فيما لمسه أو باشره صلى الله عليه وسلم

الله فاك فعاش عشرين ومائة سنة لم يسقط له سن. وقال لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل فسمى بعد ذلك البحر وترجمان القرآن. ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقة يمينه فما اشترى شيئا الاربح فيه. ودعا بمثل ذلك للمقداد وبمثله لعروة بن الجعد البارقى. قال البخارى وكان لو اشترى التراب ربح فيه. ودعا لعلى أن يكفي الحر والقر فكان يلبس ثياب الشتاء في الصيف وعكسه ولا يبالى. ودعا لفاطمة ابنته أن لا يجيعها الله قالت فما جعت بعد ذلك. ودعا على مضر بسبع كسبع يوسف فاخذتهم سنة حصّت كل شيء حتى استعطفوه فعطف عليهم. ودعا على كسرى أن يمزق الله ملكه كل ممزق فلم تبق له باقية ولا بقيت لفارس رئاسة. وقال لرجل رآه يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال لا أسطعت فلم يرفعها الى فيه. ودعا على عتيبة بن أبى لهب أن يسلط الله عليه كلبا من كلابه فافترسه الاسد. ودعا على قريش حين وضعوا السلا على رقبته وسمى سبعة منهم قال ابن مسعود فلقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم ألقوا في القليب. وكان الحكم بن ابى العاص يختلج بوجهه ويغمز النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه فقال كذلك كن فلم يزل يختلج حتى مات. ودعا على محلم بن جثامة فلم تقبله الارض يوم مات. [فصل في كراماته وبركاته وانقلاب الأعيان له فيما لمسه أو باشره صلى الله عليه وسلم] (فصل) في كراماته وبركاته وانقلاب الاعيان له فيما لمسه أو باشره صلى الله عليه وسلم. من ذلك الآية الباهرة والعبرة الظاهرة وهو ما ثبت في الصحاح من خبر فرس أبى طلحة وجمل جابر. وخفق صلى الله عليه وسلم فرسا لجعيل الاشجعي بمخفقة كانت معه فلم يملك رأسها عبد الله وقيل بالعكس قال الشمنى قال الشعر ثم بقي ثلاثين سنة لا يقوله ثم نبغ فيه فسمى النابغة (فعاش عشرين ومائة سنة) زاد في الشفاء وقيل أكثر (لم يسقط له سن) في رواية في الشفاء وكان أحسن الناس ثغرا اذا سقطت له سن نبتت له أخرى (البحر وترجمان) بنصبهما (ودعا بمثل ذلك للمقداد) زاد في الشفاء وكان عنده غرائب من المال (البارقي) بالموحدة والقاف نسبة الى بارق بطن من الازد نزلوا الى جنب جبل يسمى بارقا فنسبوا اليه وحديثه مشهور في الصحيحين وغيرهما (كان لو اشترى التراب ربح فيه) قال في الشفاء فقال عروة لقد كنت أقوم بالكناسة فما ارجع حتى اربح أربعين ألفا (القر) بضم القاف وتشديد الراء البرد (حصت) بفتح الحاء وتشديد الصاد المهملتين أي أذهبت (وقال لرجل يأكل بشماله) قال الخطيب هو بسر بن راعى العير الاشجعي صحابي مشهور وغلط من زعم نفاقه وبسر بضم الموحدة وسكون المهملة كما قاله جلال الدين المحلى وغيره وحديثه في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع (ودعا على عتيبة) بالتصغير على الصواب كما سبق (فافترسه) بالمهملة (يختلج) بالمعجمة أي يميل. (فصل) في كراماته (لجعيل) مصغر وهو ابن سراقة الضمري (بمخفقة) بكسر الميم وسكون

نشاطا وباع من بطنها باثني عشر ألفا. وركب حمارا قطوفا لسعد بن عبادة فكان بعد لا يساير وكانت شعرات من شعره في قلنسوة خالد بن الوليد فكان يستفتح بها في حروبه فيفتح عليه وأعطى الحسن والحسين لسانه فمصاه وكانا يبكيان عطشا فسكتا. وكان يتفل في أفواه الصبيان المراضع فيكفيهم ريقه الى الليل وكاتب سلمان الفارسى مواليه على ثلاثمائة ودية يغرسها ويعمل عليها حتى تطعم وعلى أربعين أوقية من ذهب فغرسها صلى الله عليه وسلم بيده فأطعمت من عامها الا واحدة غرسها غيره فقلعها صلى الله عليه وسلم ثم غرسها فاجدت وأعطاه مثل بيضة الدجاجة من الذهب بعد أن أدارها على لسانه فوزن منها أربعين أوقية وبقى عنده مثل الذى أعطاهم وقال حنش بن عقيل سقانى رسول الله صلى الله عليه وسلم شربة من سويق شرب أولها وشربت آخرها فما برحت أجد شبعها اذا جعت وريها اذا عطشت وبردها اذا ظمئت. وانكسر سيف عكاشة يوم بدر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذل حطب فصار في يده سيفا صارما يشهد به الحروب الى أن استشهد في قتال أهل الردة وكان هذا السيف يسمى العون. ودفع صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش يوم أحد عرجونا فرجع في يده سيفا ومن بركته صلى الله عليه وآله وسلم درة الحوائل كشاة أم معبد وغنم حليمة وشارفها وشاة المقداد. ومسح صلى الله عليه وسلم على رأس قيس بن زيد الجذامي ودعا له فمات وهو ابن مائة سنة ورأسه أبيض وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود فكان يسمى الاغر. ومسح صلى الله عليه وسلم على بطن عتيبة بن فرقد وظهره فكان له طيب يعدل طيب نسائه. وسلت الدم على وجه عامر بن عمرو وكان جرح يوم حنين فكانت له غرة كغرة الفرس. ومسح وجه قتادة بن ملحان فكان لوجهه بريق يتراءي فيه كالمرآة. ونضح المعجمة وفتح الفاء ثم قاف وهي الدرة التي يضرب بها (وكاتب سلمان الفارسي) روي قصته الدارمي وابن عبد البر (ودية) بفتح الواو وكسر المهلة وتشديد التحتية هي صغار النخل (أوقية) بضم الهمزة على المشهور وبحذفها في لغة وهي أربعون درهما (فغرسها غيره) روى البخاري في صحيحه ان الذي غرسها سلمان وروي ابن عبد البر ان الذي غرسها عمر وجمع بينهما بانهما غرساها معا فاضاف الراوي مرة غرسها لهذا ومرة لهذا (فاجدت) بالمعجمة والمهملة كما مر نظيره (مثل) بالرفع (حنش) علي لفظ الجنس المعروف (ابن عقيل) مكبر (عكاشة) بتشديد الكاف أشهر من تخفيفها (جذل) بفتح الجيم وسكون المعجمة (العون) بفتح المهملة وسكون الواو (عرجونا) هو أصل العذق الذي يقطع منه الشماريخ فيبقي علي النخل يابسا (وشاة المقداد) زاد في الشفاء وشاة عبد الله بن مسعود وكانت لم ينز عليها فحل (الاغر) بالنصب (ملحان) بكسر الميم وسكون

الماء في وجه ربيبته زينب بنت أم سلمة فاكسبها ذلك جمالا عظيما. وأمر آدر أن ينضحها من عين مج فيها ففعل فبرئ ومج في دلو وصبت في بئر فكان يشم منها رائحة المسك وأحاديث هذا الفصل واسعة وبركاته صلى الله عليه وسلم عظيمة عميمة. روينا في سنن أبي داود والترمذى باسناد جيد عن أبى جرىّ جابر بن سليم الهجيمى قال رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيأ الا صدروا عنه قلت من هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت عليك السلام يا رسول الله مرتين قال لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية الموتي قل السلام عليك قلت انت رسول الله قال أنا رسول الله الذي اذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك واذا أصابك عام سنة فدعوته انبتها لك وان كنت بأرض قفراء وفلاة فضللت راحلتك فدعوته ردها عليك قال قلت أعهد الى قال لا تسبن أحد قال فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة قال ولا تحقرن من المعروف شيئا وان تكلم أخاك وأنت منبسط اليه بوجهك ان ذلك من المعروف وارفع أزارك الى نصف الساق فان أبيت وإياك فالى الكعبين وإياك واسبال الازار فانها من المخيلة وان الله لا يحب المخيلة وان أمرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه فانما وبال ذلك عليه وفي اللام بعدها مهملة (فاكسبها ذلك جمالا عظيما) لفظ الشفاء فما يعرف كان في وجه امرأة من الجمال ما بها (آدر) بمد الهمزة ثم مهملة ثم راء من به الادرة وهو انتفاخ الخصيتين (أبى جرى) بضم الجيم وفتح الراء وتشديد التحتية (ابن سليم) بالتصغير الهجمى نسبة الى بنى الهجم بضم أولها وفتح الجيم قبيلة معروفة (لا تقل عليك السلام) هو نهي تنزيه وتعليم للاكمل والا فهو ينادي به أصل السنة (تحية) بالرفع ووهم من فتحه ظنا انه اسم ان (الموتى) أخذ بهذا القاضي والمتولى فقال اذا سلم على الميت قال عليكم السلام ولا يقول السلام عليكم لانهم ليسوا أهلا للخطاب واستدل الجمهور بما في مسلم ومسند أحمد وغيرهما ان التسليم على الميت كهو على الحي وأجابوا عن الاول بانه اخبار عن عادتهم لا تعليم لهم وبان اخبار السلام عليكم أصح وأكثر وقول القاضي والمتولى ليسوا أهلا للخطاب ممنوع وقد أخرج ابن عبد البر باسناد حسن ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن يعرفه في الدنيا فيسلم عليه الا عرفه ورد عليه السلام (قلت) هذا التعليل عجيب فان عليك السلام كالخطاب في السلام عليك (أنت رسول الله) بمد الهمزة للاستفهام (عام) بالاضافة (سنة) مجرور بها والسنة عند العرب الجدب (بارض) بالتنوين (قفر) بفتح القاف وسكون الفاء أى خالية (اعهد الي) أي أوصني (واسأل) منصوب على التحذير (من المخيلة) بفتح الميم وكسر المعجمة وسكون التحتية أى الخيلاء وهي العجب بالنفس

فصل وأما ما أخبر به من الغيوب فأمر مشتهر والخبر به متواتر والأتيان بجميعه متعذر

معنى حديث ابى جرى قول العفيف بن جعفر حيث يقول: لذ بالنبي اذا نابتك نائبة ... فعقدها برسول الله محلول [فصل وأما ما أخبر به من الغيوب فأمر مشتهر والخبر به متواتر والأتيان بجميعه متعذر] «فصل» وأما ما أخبر به من الغيوب فأمر مشتهر والخبر به متواتر والأتيان بجميعه متعذر. روينا في سنن أبى داود عن حذيفة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك الى قيام الساعة الا حدث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه اصحابى هؤلاء وانه ليكون منه الشيء فاعرفه واذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل اذا غاب عنه ثم اذا رآه عرفه ثم قال حذيفة ما ادري انسي اصحابى ام تناسوا والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة الى ان تنقضى ايام الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا الا وقد سماه لنا باسمه واسم ابيه وقبيلته وقد خرج اهل الصحاح من ذلك اخبارا واسعة من ذلك اخباره أصحابه بالظهور على أعدائهم وفتح مكة وبيت المقدس واليمن والشام والعراق وفتح خيبر على يد علىّ في غد يومه واختلاف أمته وافتراقهم على نيف وسبعين فرقة الناجية منها واحدة واخباره ان أمته اذا مشوا المطيطاء وخدمتهم بنات فارس والروم رد الله بأسهم بينهم وسلط الله شرارهم على خيارهم وقوله صلى الله عليه وآله وسلم زويت لى الارض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتى بما زوى لى منها وامتد ملكهم في المشرق (فصل) في ذكر ما أخبر به من الغيوب (في سنن أبي داود عن حذيفة) وخرجه عنه الشيخان أيضا (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما) قد جاهد المقام مبينا في حديث عمرو بن أخطب قال صلي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر فصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فاخبر بما كان وما هو كائن فاعلمنا احفظنا خرجه مسلم وللترمذي من حديث أبى سعيد صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بنهار ثم قام فخطبنا فلم يدع شيأ يكون الى يوم القيامة الا اخبرناه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه (واختلاف أمته الى آخره) خرجه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة باسانيد صحيحة قال بعضهم أصول هذه الفرق ست الحرورية والقدرية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية وكل فرقة منهم تنقسم الى اثني عشرة فهذه اثنان وسبعون سوي الناجية (الناجية منها) سئل عنها صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا عليه وأصحابي (اذا مشوا المطيطاء الى آخره) أخرجه الترمذى عن ابن عمر وقال حديث غريب والمطيطاء بضم الميم وفتح الطاء المكررة وسكون التحتية قال ابن الاثير يمد ويقصر وقال الجوهرى بالمد فقط مشية فيها تبختر والمد لليدين ماخوذ من مطيمط اذا مد (زويت لى الارض الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود

والمغرب أعظم من امتداده في الشام واليمن واخباره بملك بني أمية واتخاذهم مال الله دولا وعباده خولا وخروج ولد العباس بالرايات السود وملكهم أضعاف ما ملكوا وخروج المهدى وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم وقوله صلى الله عليه وسلم لعلى ان أشقاها الذى يخضب هذه من هذه يعني لحيته من رأسه بالدم وان فيه مثلا من ابن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا والترمذى عن ثوبان وزويت بالزاي أي ضمت وجمعت (واخباره بملك بنى أمية) أخرجه الرويانى وابن عساكر عن أبي ذر (وخروج ولد العباس بالرايات السود) من خراسان حتى تنصب بايليا أخرجه الترمذى عن أبي هريرة (وخروج المهدي) أخرجه احمد وأبو داود عن على وأخرجه أبو داود عن ابن مسعود وقال حديث حسن صحيح وأخرجه أبو داود وعبد الرزاق والترمذى عن أبي سعيد وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة وعن ثوبان وعن عبد الله بن الحارث بن جزء باسانيد صحيحة (تنبيه) أحاديث خروج المهدى معارضة بما أخرجه ابن ماجه ثنا يونس بن عبد الاعلى ثنا محمد بن ادريس الشافعي قال حدثنى محمد بن خالد الجندي عن ابان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزداد الامر الاشدة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الاعلى شرار الخلق ولا مهدي الا عيسى بن مريم وخرجه أبو الحسن الآجرى أيضا وأجاب عنه الحفاظ بانه حديث لا يصح لانه انفرد بروايته محمد بن خالد الجندى وهو مجهول كما قاله البخارى واختلف عليه في اسناده فتارة يرويه عن ابان عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا مع ضعف وتارة برويه عن ابان عن الحسن عن أنس والاحاديث في خروج المهدى ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لما دونه (فائدة) كان أهل البيت يزعمون أن محمد بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن هو المهدي وذلك بمواطأة اسمه واسم أبيه اسمه صلى الله عليه وسلم واسم أبيه ولولا عدم اجتماع علامات المهدى فيه لقطع به سيما وهو كان يسمى المهدى ويسمى النفس الزكية لان حديث يدفن هاهنا رجل من أهل بيتى نفس زكية فدفن حيث أشار صلى الله عليه وسلم وذلك بالمدينة الشريفة قتله جند العباسيين حين قام على المنصور سنة مائة وخمسين من الهجرة (ان أشقاها) أي البرية (الذي يخضب هذه) يريد لحيته (من هذه) يريد ناصيته وهذا الحديث أخرجه ابن عبد البر وغيره عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على تدرى من أشقى الاولين قال الذي عقر ناقة صالح قال صدقت قال تدري من أشقى الآخرين قال الله ورسوله أعلم قال الذى يضربك على هذه وأشار الي نافوخه بالمعجمة فيبتل منها هذه وأخذ بلحيته وذهب ابن عبد البر وغيره أن عليا كان عند تراكم الفتن يقول والله لوددت أن لو بعث أشقاها (وأن فيه مثلا من ابن مريم) أخرجه بن عبد البر وغيره عن على (بهتو

أمه وأحبه النصارى حتى أنزلوه المنزلة التى ليست له وأخبر بقتال الزبير له وهو ظالم له وبأن عمار تقتله الفئة الباغية وقال لعبد الله بن الزبير ويل لك من الناس وويل للناس منك وقال في قزمان وكان قد أبلى مع المسلمين وأعجب المسلمون بنفعه انه من أهل النار فقتل نفسه وقال لجماعة من اصحابه آخركم موتا في النار فكان آخر أولئك موتا سمرة بن جندب احترق في نار ومات واخبر ان في ثقيف كذابا ومبيرا وان مسيلمة يعقره الله وان فاطمة اول اهله لحوقا أمه) أى كذبوا عليها ونسبوها الى الفجور قاتلهم الله (حتى أنزلوه المنزلة التي ليس بها) فقالوا هو ابن الله سبحان الله عن الصاحبة والولد وقد ظهر مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فقد تدينت الناصبة وأشبهاههم ببغضه حتى أنهم يلعنونه ويسبونه على منابرهم انتقم الله منهم له وأحبته فرق الشيعة حتى غلا بعضهم في محبته وادعي له النبوة وزاد بعضهم في الغلو فادعي له الربوبية وكلا الفرقتين كافر باجماع من يعتبر به (وأخبر بقتال الزبير له وهو ظالم له) خرجه بن عبد البر في الاستيعاب وذكر أن عليا نادى الزبير يوم الجمل يا عبد الله ادن الى أذكرك كلاما سمعته أنا وأنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علىّ الامان فقال عليك الامان فبرز فاذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وقد وجدهما يضحكان بعضهما الى بعض أما انك ستقاتل عليا وأنت له ظالم فقال الزبير اللهم اني ما ذكرت هذا الا هذه الساعة وثناعنان فرسه (وبأن عمارا تقتله الفئة الباغية) كما أخرجه الشيخان وغيرهما وقد مر (وقال لعبد الله ابن الزبير الى آخره) أخرجه الدار قطنى في السنن (ويل لك) عذاب يأتيك في الدنيا (من الناس) يعني الحجاج بن يوسف الثقفي (وويل) في الآخرة (للناس) للحجاج (منك) أى بسببك فقتل الحجاج عبد الله وصلبه كما أخرجه مسلم عن أبي نوفل (قزمان) بضم القاف وسكون الزاي هو ابن على الظفرى وقصته مشهورة في الصحيحين وغيرهما (وكان قد أبلي مع المسلمين) يوم خيبر (آخركم) موتا (في النار) أخرجه بن عبد البر في الاستيعاب (احترق في نار ومات فيها) قال ابن عبد البر أصاب سمرة مرض فكان يعالج بالقعود على قدر مملوه ماء حارا فسقط ذا يوم في القدر فمات فيها وذلك بالبصرة سنة ثمان أو سبع وخمسين (وأخبر ان في ثقيف الى آخره) أخرجه مسلم عن أسماء بنت أبي بكر وأخرجه الترمذي عن ابن عمر وأخرجه الطبراني عن حذيفة (كذابا) هو المختار بن أبي عبيد بالاتفاق قال النووى ومن أقبح كذبه دعواه أن جبريل يأتيه قال الشمنى وكان المختار واليا على الكوفة وكان يلقب بكيسان واليه تنسب الكيسانية وكان خارجيا ثم صار زيديا ثم صار شيعيا وكان يدعو الى محمد بن الحنفية ومحمد يتبرأ منه وكان أرسل ابن الاشتر بعسكر الى ابن زياد قاتل الحسين فقتله وقتل من كان في قتل الحسين ممن قدر عليه ولما ولى مصعب بن الزبير على البصرة من جهة عبد الله ابن الزبير قاتل المختار بن عبيد وقتله (ومبيرا) بضم الميم وكسر الموحدة ثم تحتية ساكنة ثم راء أى مهلكا والبوار الهلاك قال تعالى وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً أي هلكا وهذا المبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي بالاتفاق أيضا وروى الترمذي عن هشام بن حسان قال أحصى من قتل الحجاج صبرا فوجد مائة ألف وعشرون ألفا

به وبان الخلافة بعده ثلاثون سنة ثم تكون ملكا فكانت كذلك بمدة الحسين وقال للحسن بن على ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين واخبر بقتل الحسين بالطف واخرج بيده تربة وقال فيها مضجعه واخبر بشأن اويس القرنى وبأن الانصار يستأثر عليهم بالدنيا وبأنهم يقلون حتى يكونوا كالملح في الطعام واخبر بكتاب حاطب الى اهل مكة ينذرهم واخبر عمه العباس حين اسر ببدر بماله الذى تركه عند زوجته أم الفضل ولم يعلم به أحد وأخبر أنه يقتل أبي بن خلف فقتله بيده واعلم بمصارع كفار بدر فما ماط أحد عن موضع يده وقال لسعد لعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون وأخبر بقتل أهل مؤتة يوم قتلوا وبموت النجاشى وان اسرع ازواجه لحقوقا به اطولهن يدا فكانت زينب وكان طول يدها (وبأن الخلافة بعده ثلاثون سنة ثم تكون ملكا) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنة وأبو يعلى وابن حبان عن سفينة فكانت خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر وخلافة عمر عشر سنين وثلاثة أشهر وخلافة عثمان إحدي عشر سنة وإحدى عشر شهرا وخلافة على خمس سنين وخلافة الحسن سبعة أشهر وبها تمت الخلافة وهذا اصح ما قيل ووراء ذلك أقوال أخر (أن أبنى هذا سيد الي آخره) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي بكرة (ولعل الله) هي هنا واجبة ففي رواية خارج الصحيح وسيصلح الله (به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) في الحديث أن البغي لا يزيل اسم الاسلام والمراد به هنا الايمان ليوافق قوله تعالى وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا الآية وقد ظهر مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وذلك أن سيدنا الحسن رضي الله عنه سار من العراق الى معاوية وسار اليه معاوية ومع كل منهما كتائب أمثال الجبال فلما تقاربا وذلك بناحية الانبار من أرض السواد ورأي الحسن تكاثر الجيوش تحنن عليهم وأخذته رأفة المسلمين فقال عمرو بن العاص اني لاري كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها فقال معاوية أي عمرو ان قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لى بامور المسلمين من لى بضيعتهم فكتب معاوية بالصلح على أن يسلم له الحسن الامر ويكون له من بعده فرضي بذلك وافترق الجمع حسب ما ذكره ابن عبد البر وغيره (وأخبر بقتل الحسين الى آخره) أخرجه أحمد عن أنس بن مالك وأخرجه بن السكن عن أنس بن الحارث وزاد فمن أدركه منكم فلينصره فقتل أنس بن الحارث مع الحسين بن على (بالطف) بفتح المهملة وتشديد الفاء موضع بناحية الكوفة (وأخرج بيده تربة وقال فيها مضجعه) كما زاده أحمد وفيه أن أم سلمة أخذت التربة فصرتها في خمارها قال ثابت بلغنا أنها كربلاء وأخرج الترمذى عن سلمي امرأة من الانصار قالت دخلت على أم سلمة رضى الله عنها وهي تبكي فقلت ما يبكيك قالت رأيت الآن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب وهو يبكى فقلت مالك يا رسول الله قال شهدت قتل الحسين آنفا (وأخبر بشأن إويس) بن عامر (القرني) كما أخرجه مسلم عن أسد بن جابر والقرني بفتح القاف والراء نسبة الي قرن بن ردمان ابن ناجية بن مراد قال الكلبي ومراد اسمه جابر بن مالك بن أدد بن يشجب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن

الصدقة وقال في يزيد بن صوحان سبقه عضو منه الى الجنة فقطعت يده في الجهاد واخبر بامارات القيامة وأشراطها فمنها ان تلد الأمة ربتها وان ترى الحفاة الرعاة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان وتقارب الزمان وقبض العلم وظهور الفتن والهرج وذهاب الامثل فالأمثل من الناس وخروج ثلاثين دجالا كذابا آخرهم الدجال الأعظم وقال ويل للعرب من شر قد اقترب الى ما اخبر به من اسرار المنافقين وهتك استارهم حتى قال بعضهم لصاحبه اسكت فو الله لو لم يكن عنده من يخبره لأخبرته حجارة البطحاء الى ما اخبر به من احوال يوم القيامة وتطوره واحداثه والله اعلم. وقال القاضى رحمه الله: سبأ وغلط الجوهرى فقال أنه منسوب الى قرن المنازل (ابن صوحان) بالصاد المضمومة والحاء المهملتين (بامارات القيامة) أى علاماتها (ان تلد الامة ربتها) للبخارى في التفسير ربها زاد مسلم يعني السرارى ولاحمد أن تلد الاماء أربابهن والمراد بالرب المالك أو السيد قال الخطابى معناه اتساع الاسلام واستيلاء أهله على بلاد الترك وسبي ذراريهم واتخاذهم سرارى فاذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة سيدها لانه ولده ونقل النووي ذلك عن الاكثرين قال في التوشيح ويقدر من هذا قول وكيع في تفسيره ان تلد العجم العرب ويوجه بان الاماء تلد الملوك فتصير الام من جملة الرعية والملك سيد رعيته وقيل معنى ذلك كثرة العقوق في الاولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الاهانة والضرب والسب والاستخدام فاطلق عليه ربها مجازا وحقيقة بمعنى المربي (العالة) أي الفقراء (رعاء) بكسر الراء مع المد (الشاء) بالمد أيضا (يتطاولون) أي يتفاخرون (في) طول (البنيان) والمراد الاخبار عن تبدل الحال بان يستولى أهل البادية على الامر ويتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم الى تشييد البنيان والتفاخر «1» ذكر معنى ذلك (والهرج) بفتح الهاء وسكون الواء ثم جيم هو القتل (وذهاب الامثل فالامثل) كما أخرجه أحمد والبخارى عن مرداس الاسلمي الامثل الفاضل الخيار (وويل للعرب الى آخره) أخرجه البخاري عن زينب بنت جحش وأخرجه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة وزاد أفلح من كف يده قال القرطبي والمراد بالويل في هذا الحديث الحرب قاله ابن عرفة فأخبر صلى الله عليه وسلم بما يكون بعده من أمر العرب وما يستقبلهم من الويل والحرب وقد وجد ذلك بما استؤثر عليهم به من الملك والدولة والاموال والامارة وصار ذلك في غيرهم من الترك والعجم وتشتتوا في البوادي بعد أن كان العز والملك والدنيا لهم ببركته عليه الصلاة والسلام ولما جاءهم به من الدين والاسلام فلما لم يشكروا النعمة سلبها الله منهم ونقلها الى غيرهم ومن ثم قالت زينب في سياق هذا الحديث أنهلك وفينا الصالحون قال نعم اذا كثر الخبث.

_ (1) بياض في الاصل

فصل ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم

[فصل ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم] (فصل) ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم وخصه به من الاطلاع على جميع مصالح الدنيا والدين ومعرفته بأمور شرائعه وقوانين دينه وسياسة عباده ومصالح امته وما كان في الامم قبله وقصص الانبياء والرسل والجبابرة والقرون الماضية من لدن آدم الى زمنه وحفظ شرائعهم وكتبهم ووعى سيرهم وسرد أنبائهم وأيام الله فيهم وصفات أعيانهم واختلاف أرائهم والمعرفة بمددهم واعمارهم وحكم حكامهم ومحاجة كل أمة من الكفرة ومعارضة كل فرقة من أهل الكتابين بما في كتبهم واعلامهم باسرارها ومخبآت علومها واخبارهم بما كتموه من ذلك وغيروه الى الاحتواء على لغات العرب وغريب الفاظ فرقها والاحاطة بضروب فصاحاتها والحفظ لايامها وأمثالها وحكمها ومعاني أشعارها والتخصيص بجوامع كلمها الى المعرفة بضرب الامثال الصحيحة والحكم البينة لتقريب التفهيم للغامض والتبيين للمشكل الى تمهيد قواعد الشرع الذى لا تناقض فيه ولا تخاذل مع اشتمال شريعته عن محاسن الاخلاق ومحامد الآداب وكل شيء مستحسن مفضل لم ينكر منه ملحد ذو عقل سليم شيأ الا من جهة الخذلان بل كل جاحد وكافر من الجاهلية به اذا سمع ما يدعوا اليه صوبه واستحسنه دون طلب اقامة برهان عليه ثم ما أحل لهم من الطيبات وحرم عليهم من الخبائث وصان به أنفسهم واعراضهم وأموالهم من المعاقبات والحد ودعا جلا والتخويف بالنار آجلا الى الاحتواء على ضروب العلوم وفنون المعارف كالطب والعبارة والفرائض والحساب والنسب وغير ذلك من العلوم مما اتخذ أهل هذه المعارف كلامه صلى الله عليه وسلم فيها قدوة وأصولا في علمهم كقوله صلى الله عليه وسلم الرؤيا لاول عابر وهي على رجل طائر (فصل) ومن معجزاته الباهرة (أحل لهم) بفتح الهمزة مبنى للفاعل وكذا وحرم (والعبارة) بكسر المهملة ثم موحدة هي تعبير الرؤيا (والفرائض) جمع فريضة بمعنى مفروضة (الرؤيا لاول عابر) ليس هذا على الاطلاق كما قاله النووى وانما ذلك اذا أصاب وجهها فمن ثم قال صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر حين عبر الرؤيا أصبت بعضا وأخطأت بعضا وفي قوله تعالى قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ دليل لذلك فان الرؤيا كانت رؤيا صحيحة على حسب ما فسره سيدنا يوسف ولو كانت لاول عابر مطلقا لما أخطأ أبو بكر في بعض ما عبر ولكانت الرؤيا التى عبرها يوسف أضغاث أحلام (وعلى رجل طائر) تتمة الحديث فاذا عبرت وقعت ولا تقصها الا على وادّ أودى رأي أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم عن ابن رزين ومعنى قوله على رجل طائر كما قاله الهروى على قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وقال ابن قتيبة أراد انها غير مستقرة يقال للشيء اذا لم يستقر هو على رجل

واذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وقوله عليه السلام أصل كل داء البردة أي التخمة وخير ما تداويتم به السعوط واللدود والمشي والحجامة وخير الحجامة يوم تسع عشرة وسبع عشرة واحدى وعشرين وفي العود الهندي سبعة اشفية وفي الحبة السوداء شفاء من كل داء الا السام وقوله من يصبح سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر وقوله في السنا طائر وعلى قرن ظبي وبين مخالب طائر (اذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب) تتمة الحديث وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا أخرجه الشيخان وابن ماجه عن أبي هريرة والمراد اذا قارب الزمان ان يعتدل ليله ونهاره قاله الخطابي وغيره وقيل المراد اذا قارب القيامة والاول أشهر قاله النووي وقوله وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا هو على الاطلاق ونقل عياض عن بعض العلماء ان هذا يكون في آخر الزمان اذا انقطع العلم ومات العلماء والصالحون ومن يستدل بقوله وعمله فجعله الله له جابرا وعوضا ومنبها لهم قال النووي والاول أظهر لان غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل الي رؤياه (أصل كل داء البردة) أخرجه الدار قطنى بسند ضعيف عن أنس وأخرجه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن على وأبي سعيد وعن الزهرى مرسلا والبردة بفتح الموحدة والراء والمهملة قال الشمني هى التخمة وثقل الطعام على المعدة لان ذلك يبرد المعدة (خير ما تداويتم به الى آخره) أخرجه بمعناه أحمد والطبراني والحاكم عن سمرة وأخرجه أحمد والنسائي عن أنس وأخرجه أبو نعيم في الطب عن على (السعوط) بمهملات وفتح السين ما يتداوى به في الانف وهو الانتشاق أيضا (واللدود) بتكرير المهملة وفتح اللام ومر ذكره في الوفاة (والمشي) بفتح الميم وكسر المعجمة وتشديد التحتية قال ابن الاثير هو الدواء المسهل الذي يحمل صاحبه على المشي والتردد الى الخلاء (وخير الحجامة يوم سبع عشرة الى آخره) أخرجه البزار وأبو نعيم في الطب عن ابن عباس ولابن سعد والطبرانى وابن عدى من حديث معقل بن يسار الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء الداء سنة (عليكم بالعود الهندي الى آخره) قد تقدم الكلام عليه في الوفاة (وفي الحبة السوداء شفاء من كل داء الا السام) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي هريرة والحبة السوداء هو الشونيز بضم المعجمة وفتحها وكسر النون وسكون التحتية ثم زاى قال النووي هذا الصواب المشهور الذي ذكره الجمهور وقيل انها الخردل وقيل الحبة الخضراء وهي البطم والعرب تسمى الاخضر أسود وقوله من كل داء قيل هو على عمومه وانها تدخل في كل دواء بالتركيب وقيل هو من العام الذى أريد به الخاص أي من كل داء يقبل العلاج بها والسام بالمهملة بلا همز وهو الموت (من يصبح سبع تمرات عجوة الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص وأراد تمر المدينة فقط كما جاء في الاحاديث الصحيحة قال النووي تخصيص عجوة المدينة دون غيرها وعدد السبع مما علمه الشارع صلى الله عليه وسلم ولا نعلم نحن حكمتها فيجب الايمان بها واعتقاد فضلها والحكمة وهي كاعداد الصلوات ونصب الزكاة وغيرها (سم) مثلث السين والفتح أفصح (وقوله في السناء) بفتح المهملة مع المد والقصر قال في القاموس بنت مسهل

انه حار بارد وسئل عن سبأ ارجل هو أم امرأة أم أرض فقال رجل ولد عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة الحديث بطوله وقال حمير رأس العرب ونابها ومذحج هامتها وغلصمها والازد كاهلها وجمجمتها وهمدان غاربها وذروتها وتعليمه لكاتبه تصوير الحروف باسمائها مع كونه اميالا يكتب وأما جوابه لوفود العرب على اختلافهم وخطاب كل منهم بلغته وتكلمه بالرطانة في بعض الاحيان فامر شائع هذا كله. وهو امي لا يحسب ولا يكتب ولا علّم ولا نقل انه اشتغل بمدارسة كتب ولا بمجالسة احد مما علمها قال تعالى وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ وقال تعالى وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً وهذا تلخيص ما ذكره القاضى مع زيادات زدتها والحق بالمعجزات ايضا كفاية الله له وعصمته من الناس في حال اجتماعه وانفراده وكثرة المحاسد والمعاند قال الله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وقال واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا وقال للصفراء والسوداء والبلغم (انه حار بارد) ولابن ماجه والحاكم عن عبد الله بن أم حرام عليكم بالسناء والسنون فان فيهما شفاء من كل داء الا السام والسنون بفتح المهملة وضم النون أو كسر المهملة وفتح النون وسكون الواو ثم فوقية العسل (وسئل عن سبأ) كما نقله البغوي عن أبى سبرة النخعى عن فروة بن مسيك القطيعي (كان رجلا من العرب) هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (تيامن منهم ستة) وهم كندة والاشعريون والازد ومذحج وانمار وحمير (وتشآم منهم أربعة) وهم عاملة وجراد ولخم وغسان (حمير) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتية (ونابها) بالنون والموحدة (ومذحج) بفتح الميم وسكون المعجمة وكسر المهملة بعدها جيم كما مر ذكر نسبه (وغلصمها) بفتح المعجمة وسكون اللام وكسر المهملة هو رأس الحلقوم وهو الموضع الثانى في الحلق (وكاهلها) هو ما بين الكتفين (وهمدان) بسكون الميم واهمال الدال كما سبق (وغاربها) ما بين السنام والعنق (وذروتها) بضم المعجمة وكسر التاء أعلاها (ولا علم) بتخفيف اللام (وما كنت تتلو من قبله) أي قبل القرآن (تنبيه) ترك المصنف من المعجزات كثيرا مما ذكره عياض في الشفاء فليراجع فان فيه اشياء من المعجزات وخوارق العادات في كل فنّ من هذه الفنون التى ذكرها المصنف ولولا خوف الاشهار والتطويل في ذكرها لذكرتها (خاتمة) قال ابن الجوزى في المنتخب شارك نبينا صلى الله عليه وسلم الانبياء في مناصبهم وزاد سبطه قوله: أين انشقاق البحر من انشقاق القمر أين انفجار الماء من الحجر من انفجاره من الاصابع أين التكليم عند الطور من قاب قوسين أين تسبيح الجبال في أماكنها من تسبيح الحصا في الكف اين علو سليمان بالريح من ليلة المعراج أين احياء عيسى الموتي من تكليم الذراع قال ونقل الرازي عن البيهقى ان الامام الشافعى قيل له ان الله أعطي عيسى احياء الميت فقال الشافعي حنين الجذع أعظم منه ان احياء الخشبة أعظم من احياء الميت وقال فلق القمر أعظم من فلق البحر لان فلق القمر سماوي وخروج الماء من الحجر معتاد بخلاف الاصابع فان خروجه من اللحم والدم أعجب والله أعلم.

القسم الثالث في شمائله وفضائله وأقواله وأفعاله في جميع أحواله

اليس الله بكاف عبده وقال انا كفيناك المستهزئين وقال واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين والاخبار في اذى الكفار له صلى الله عليه وسلم وحرصهم على الفتك به وتظاهرهم على ذلك واسعة شائعة فلا نطول بسردها والله اعلم. [القسم الثالث في شمائله وفضائله وأقواله وأفعاله في جميع أحواله] «القسم الثالث في شمائله وفضائله واقواله وافعاله في جميع احواله» قال المؤلف كان الله له لا خفاء على من مارس شيئا من علوم النقل وزينه الله بادنى مسكة من عقل انه صلى الله عليه وسلم قد كان مجبولا على اكرم الخصال واحمدها في المآل وانه قد كان يأتى منها على البديهة بما يشق على غيره وذلك من غير تأديب ولا تعليم فطرة من العزيز العليم وكفي في تعزيز ذلك قوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ويتلخص الكلام من هذه الجملة في ثلاثة ابواب حسب ما تقدم [الباب الأول في عادته وسجيته في المباحثات والمعتادات الضروريات صلى الله عليه وسلم] «الباب الاول» في عادته وسجيته في المباحثات والمعتادات الضروريات صلى الله عليه وسلم وهى لا حقة في حقه بالطاعات وفي حق غيره من قرنها بالنيات الصالحات. فمن ذلك عادته في الغذاء والنوم ولم تزل الحكماء والعلماء اهل الفطن السليمة يتمادحون بالتقلل منهما ويذمون بضده لما يتولد منه من الاذي عاجلا وآجلا وأيضا فان الدواعي الباعثة على التوسع فيهما رديئة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذا في ذلك بالطريقة المثلى وما هو أو في أما الطعام فكان يتناول منه على حد الضرورة وقوام الجسد من غير تنطع ولا تشبع (القسم الثالث) (مارس) بالراء والمهملة أي خالط (مسكة) مثلث الميم والضم أشهر وسكون المهملة العقل الوافر قاله في القاموس (المآل) بمد الهمزة المرجع (شق) بضم المعجمة وكسرها (من غير تأديب) من أحد من الخلق بل تأديب ربه جل وعلا كما روى السمعاني في أدب الاملاء بسند ضعيف عن ابن مسعود أدبنى ربى فاحسن تأديبي (وانك لعلى خلق عظيم) قال بعض العارفين حقيقة الخلق انه صورة الانسان الباطنة وهي النفس وأوصافها ومعانيها وللنفس أوصاف قبيحة وحسنة وللثواب والعقاب تعلق بتلك الاوصاف الباطنة أكثر مر تعلقها باوصاف الصورة الظاهرة وسبق الكلام أول الخطبة على الخلق العظيم التي أرادها جل وعلا وأثنى على حبيبه صلى الله عليه وسلم بها. (الباب الاول) (في الغذاء) بكسر الغين وفتح الذال المعجمتين والمد ما يتغذى به من الطعام والشراب (رديئة) بالهمز وتركه (بالطريقة المثلى) بضم الميم وسكون المثلثة تأنيث الامثل (تنطع) بفتح الفوقية

قالت عائشة لم يمتل جوف النبى صلى الله عليه وسلم شبعا قط وكان في أهله لا يسألهم طعاما ولا يتشهّاه ان أطعموه أكل وما أطعموه قبل وما سقوه شرب وكان أحب الطعام اليه ما كان على ضفف أي كثرة الايدى (وروى) المقداد بن معدي كرب عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم من أكلات يقمن صلبه فان كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. وفي المتفق عليه عنه صلى الله عليه وسلم طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الاربعة وفي رواية لمسلم وطعام الاربعة يكفي الثمانية. وروى أبو داود عن وحشى بن حرب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله انا نأكل ولا نشبع قال فلعلكم تتفرقون قالوا نعم قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه. وكان صلى الله عليه وسلم يجلس على الطعام مستوفزا مقعيا وربما جثى على ركبتيه ويقول انما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد. وقال له اعرابى ما هذه الجلسة قال ان الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا. وقال والنون وضم الطاء ثم عين مهملتين أي مبالغة (لم يمتل) كذا الرواية بلا همز وهو في الاصل مهموز (على ضفف) بفتح المعجمة والفاء الاولى قاله عياض في الشفاء (أى كثرة الايدي) وهذا قول الخليل بن أحمد وفسره أبو زيد بالضيق والشدة وفسره الاصمعي بان يكون الا كلة أكثر من الطعام (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه الي آخره) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وأبو نعيم كلهم عن المقدام بن معدي كرب (حسب ابن آدم) بفتح الحاء وسكون السين المهملتين أي يكفيه وابن مجرور باضافة حسب اليه (اكلات) بضم الهمزة وفتح الكاف جمع أكلة بضم الهمزة وسكون الكاف وهى اللقمة وزنا ومعنى وأما الاكلة بفتح الهمزة فهي المرة من الاكل كالغدوة والعشوة وأكلات بالضم فاعل حسب (فان كان لا محالة) له عن الاستكثار والزيادة على قدر ما يقوم به الجسد (فثلث) بالرفع أى فحسبه ثلث بضم اللام وسكونها (لنفسه) بفتح الفاء (وفي المتفق عليه) ما رواه الشيخان والترمذي عن أبى هريرة (طعام الاثنين يكفي الثلاثة) وقبله لاحمد ومسلم والترمذى والنسائى عن جابر طعام الواحد يكفي الاثنين (وفي رواية لمسلم) واحمد والترمذي والنسائي عن جابر (وطعام الاربعة يكفي الثمانية) زاد الطبرانى عن ابن عمر فاجتمعوا عليه ولا تفرقوا وفي هذه الاحاديث الحث على المواساة في الطعام وانه وان كان قليلا يحصل منه الكفاية المقصودة ويقع فيه بركة تعم الحاضرين لخصوصية الاجتماع (وروى أبو داود عن وحشى بن حرب) وقد رواه عنه أيضا احمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم بسند صحيح قالوا وليس لو حشى في كتب السنة سوى هذا الحديث (يبارك) مجزوم بجواب الامر (مقعيا) بضم الميم وسكون القاف وكسر المهملة أى جالسا على وركيه محتفزا مستوفزا قاله النضر بن شميل (ويقول انما أنا عبد الي آخره) أخرجه ابن سعد وأبو يعلي عن عائشة (ان الله) تعالى (جعلنى عبدا كريما الى آخره) أخرجه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن بسر بالموحدة واهمال السين (عنيدا) بالنون أي معرضا عن الحق

أما انا فلا آكل مثكئا وكان صلى الله عليه وسلم يأمر مواكليه بحسن الأدب في الاكل كما قال لربيبه عمر بن أبى سلمة وكانت يده تطيش في الصحيفة سم الله يا غلام وكل بيمينك وكل مما يليك وقال البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه. وأكل عنده رجل بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا استطعت ما منعه الا الكبر فما رفعها بعد الى فيه رواه مسلم ونهى المتواكلين عن القران في التمر الا أن يستأذن الرجل أخاه. وكان من أدب أصحابه معه اذا وضع الطعام لا يضعون أيديهم حتى يضع يده. وحضروا معه مرة على طعام فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها ثم جاء أعرابى كانما يدفع فاخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر عليه اسم الله وانه جاء بهذه الجارية يستحل بها فاخذت بيدها فجاء بهذا الاعرابى يستحل به فاخذت بيده والذي نفسي بيده ان يده في يدى مع أيديهما مجانبا له (اما انا فلا آكل متكئا) أخرجه بهذا اللفظ الترمذى عن أبى حنيفة بسند صحيح قال في الشفاء الاتكاء التمكن للاكل في الجلوس والتقعدد له كالتربع وشبهه من تمكن الجلسات التي يعتمد فيها الجالس على ما تحته والجالس على هذه الهيئة يستدعى الاكل ويستكثر منه وليس معني الحديث في الاتكاء الميل على شق عند المحققين (وقال لربيبه عمر بن أبي سلمة) كما أخرجه الشيخان والترمذى والنسائي عنه (تطيش) باهمال الطاء واعجام الشين أى يتحرك ويضطرب ويمتد الي نواحى الصحفة ولا يقتصر على موضع واحد (سم الله) فيه ندب التسمية أثناء الطعام اذا ترك في أوله قالوا ولعل ذلك كان قبل أن يسمى غيره ممن حضر الطعام والا كان قد حصلت سنة التسمية لانها سنة كفاية كذا قاله النووى وغيره (قلت) أو لعله أراد تعليمه آداب الاكل وسننه المستحبة مطلقا فمن ثم قال (وكل بيمينك) ولم يكن حينئذ يأكل الا بها (وكل مما يليك) محله في غير الرطب كما ورد في الحديث الصحيح (بركة تنزل من وسط الطعام الى آخره) أخرجه أحمد والبيهقي في السنن عن ابن عباس ولابي داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن بسر كلوا من حواليها وذروا ذروتها يبارك فيها ولابن ماجه من حديث واثلة بن الاسقع كلوا باسم الله من حواليها واعفوا رأسها فان البركة تأتيها من فوقها (ونهى المتواكلين عن القران في التمر الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن ابن عمر والنهي للكراهة إن تيقن رضاهم والا فللتحريم وبهذا يجمع بين ما نقله عياض عن أهل الظاهر انه للتحريم وعن غيرهم انه للكراهة (لا يضعون أيديهم حتى يضع يده) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن حذيفة (كأنها تدفع) أي لشدة اسراعها (يستحل الطعام) أي يتمكن منه (أن لا يذكر) بضم أوله وفتح الكاف مبنى للمفعول (مع أيديهما) في بعض نسخ مسلم مع يدها وفي أخري مع يدهما ولابي داود مع

ثم ذكر الله فيها وأكل رواه مسلم. وروي أبو داود والنسائى عن أمية بن مخشى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يأكل فلم يسم الله حتى لم يبق من طعامه الا لقمة فلما رفعها الى فيه قال بسم الله أوله وآخره فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر الله استقاء ما في بطنه. وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاما في ستة من أصحابه فجاء اعرابى فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما انه لو سمي الله لكفاكم رواه الترمذي وصححه. وكان صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال اذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان. وأمرنا أن نسلت القصعة أيديهما (رواه مسلم) وأبو داود والترمذى عن حذيفة الا قوله ثم ذكر الله تعالى وأكل فلمسلم فقط (وروي أبو داود) واللفظ له (والنسائي) والحاكم في المستدرك والدارقطني (عن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية قال الدارقطني لم يسند عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث (ابن مخشي) بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الشين المعجمتين وتشديد التحتية (أوله وآخره) بنصبهما (استقاء ما في بطنه) هو على وجه ضرب المثل لعود البركة المفقودة لفقد التسمية وقد يؤخد منه ندب التسمية لتاركها عقب الفراغ لقصد عود البركة كما قاله بعضهم ويجاب عنه بان الشارع صلى الله عليه وسلم انما أخبر بذلك في محل بقاء شيء من الطعام الذى تركت عليه التسمية لاشعار ذكرها آخر الطعام بعدم استغراق الغفلة لهذا الشخص عن ذكر الله عز وجل وشكره على ما أنعم به فناسب أن تعود له البركة المعبر عنها باستقاء الشيطان بخلاف من ترك التسمية حتى أكل الطعام فان تركها مشعر باستغراق الغفلة فناسب أن يحرم عود البركة المذكورة (أما) بفتح الهمزة مخفف (انه) بكسر الهمزة (رواه الترمذى) وحسنه (وصححه) ورواه أيضا النسائي وابن حبان في صحيحه (كان يأكل بثلاث أصابع) رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن كعب بن مالك ورواه الطبراني عن عامر بن ربيعة وزاد ويستعين بالرابعة وهذه الثلاثة التي كان يأكل بها السبابة والوسطى والابهام (وقال أنس) كما أخرجه البخارى عنه وأخرجه مسلم وأحمد وأبو داود عن كعب بن مالك (لعق) بكسر العين في الماضى وفتحها في المضارع (أصابعه الثلاث) كان يبدأ بالوسطي ثم بالسبابة ثم بالابهام كما أخرجه الطبراني من حديث كعب بن عجرة (اذا سقطت لقمة أحدكم) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه عن جابر (فليمط) بضم التحتية وكسر الميم ثم مهملة أى فلينزل (عنها الاذى) ظاهر الحديث عدم الفرق بين كونه نجسا أو طاهرا لكن ازالة الاول لا تكون الا بالماء (ولا يدعها للشيطان) تتمة الحديث ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها أو يلعقها فانه لا يدري في أى طعامه البركة (أن نسلت) بفتح النون وسكون المهملة وضم اللام ثم فوقية أي نمسح (القصعة) أخرج أحمد والترمذي

وقال انكم لا تدرون في أي طعامكم البركة رواه مسلم. وكان يجب الدباء ويتتبعه من حوالى الصحفة ويحب الحلواء والعسل ويثني على الثريد والخل قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الادام الخل وقالت أم هانئ دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعندك شيء فقلت لا الا خبز يابس وخل فقال هاتى ما أقفر بيت من ادم فيه خل وكان يحب من الشاة ذراعها ولذلك سم فيه وقال أطيب اللحم لحم الظهر. وكان يسمى أول الطعام ويحمد آخره فيقول الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودّع ولا مستغنى عنه ربنا وقال من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمنى هذا الطعام ورزقنيه من غير حول منى ولا وابن ماجه عن شيبة الهذلى من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة (كان يحب الدباء) أخرجه أحمد والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجه عن أنس (ويتتبعه من حوالي القصعة) أخرجه الشيخان وغيرهما عن أنس والدباء بضم المهملة والمد على المشهور وحكى عياض القصر أيضا هو اليقطين (ويحب الحلواء والعسل) أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر (قالت عائشة) أخرجه عنها مسلم والترمذى وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن جابر (نعم) بكسر النون وسكون المهملة (الادام) بكسر الهمزة ما يؤدم به (وقالت أم هانيء) أخرجه عنها الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية وأخرجه الحاكم عن عائشة (ما) نافية (أقفر) بضم الهمزة والفاء بينهما قاف ساكنة أي ما خلي من الأدم مأخوذ من الارض القفر وهى الخالية (الأدم) بضم الهمزة وسكون الدال جمع إدام (كان يحب من الشاة ذراعها) أخرجه أبو داود عن ابن مسعود وأخرجه أبو نعيم في الطب وابن السنى عن أبي هريرة وزاد أو كتفها (أطيب اللحم لحم الظهر) أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقى في الشعب عن عبد الله ابن جعفر (وكان يسمى أول الطعام) كما أخرجه البخاري والترمذي عن أبي هريرة في قصة شرب اللبن (ويحمد آخره) بفتح الميم (الحمد لله حمدا كثيرا الى آخره) أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي (غير مكفي) بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد التحتية من الكفاية على الصحيح والضمير فيه عائد الى الله تعالى قاله الخطابي ومعناه أنه تعالى غير مكفي رزق عباده بل هو الذي يكفيهم لا يكفيهم أحد غيره وقال الفراء الضمير للعبد ومعناه أنا غير مكف بنفسى عن الكفاية وقال صاحب المطالع وغيره الضمير للطعام ومكفي بمعنى مقلوب من الاكفاء وهو القلب لانه لا يكفي الا بالاستغناء عنه قال ابن بطال على هذا معناه أنه غير مردود عليه انعامه (غير مودع) بضم الميم وفتح الواو والدال ثم عين مهملتين أى متروك زاد البخارى في رواية ولا مكفور أى مجحود فضله ونعمه (ولا مستغنى) بفتح النون مع التنوين (ربنا) بالرفع خبر مبتدا محذوف أو مبتدا خبره ما سبق وبالنصب باضمار أعنى أو على الاختصاص أو النداء وبالجر على البدل من الضمير في عنه أو من الله (وقال من أكل طعاما فقال الحمد لله الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط البخاري

قوة غفر له ما تقدم من ذنبه. وحث على غسل اليد قبل الطعام وبعده وربما مسح يده بالمنديل من غير غسل. وكان يحب الثفل من الطعام يعنى البقايا وأخذ كسرة من خبز الشعير فوضع عليها تمرة وقال هذه ادام هذه وأكل صلى الله عليه وسلم البطيخ بالرطب بكلتا يديه وقال هما الأطيبان. وقال برد هذا يعدل حر هذا وحر هذا يعدل برد هذا. واكل القثاء بالملح وكان يشتد عليه ان توجد منه رائحة كريهة فلم يأكل ثوما ولا بصلا ولا كراثا قط الا مطبوخا. وكان يعاف اكل ما لم يتعوده ومع ذلك فلم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه وربما مدحه رافعا عنه علة التحقير كما ورد انه كان يعظم النعمة وان دقت وكان صلى الله عليه وسلم ربما يأتى عائشة فيقول أعندك غدا فتقول لا فيقول انى صائم قالت فأتي يوما فقلت يا رسول الله اهدي لنا هدية قال وما وقال الترمذي حسن غريب ومن تتمته ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر والحكمة في مغفرة ما تأخر في حديث اللباس دون الطعام أن اللباس أعظم نفعا في الدين من الطعام فكان الشكر عليه أعظم من الشكر على الطعام فزيد في جزائه على جزاء الشكر على الطعام (وحث على غسل اليد قبل الطعام وبعده) بقوله بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن سلمان والمراد الوضوء اللغوي وهو غسل اليد (بالمنديل) بكسر الميم (وكان يحب النفل) أخرجه أحمد والترمذي في الشمائل والحاكم عن أنس والثفل بضم المثلثة وسكون الفاء (وأكل البطيخ بالرطب) اخرجه ابن ماجه عن سهل بن سعد وأخرجه الترمذي عن عائشة وأخرجه الطبراني عن عبد الله بن جعفر وأخرجه عنه أيضا أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه بلفظ كان يأكل القثاء بالرطب والقثاء بكسر القاف على المشهور وحكي ضمها (بكلتا يديه) وكان القثاء باليمين والرطب في الشمال فكان يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة كما أخرجه الطبراني في الكبير وأخرج في الاوسط والحاكم وأبو نعيم في الطب عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره فيأكل الرطب بالبطيخ وكان أحب الفاكهة اليه ولا تعارض بين الروايتين بل مرة فعل هذا وأخرى فعل هذا (برد هذا يعدل حر هذا الى آخره) أخرجه أبو داود والبيهقي في السنن عن عائشة بلفظ يكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا (وكان يشتد عليه أن توجد منه رائحة كريهة) أخرجه البخاري عن عائشة (فلم يأكل ثوما الى آخره) أخرجه أبو نعيم في الحلية والخطيب عن أنس (وكان يعاف أكل ما لا يتعوده) كالضب وحديثه مشهور في الصحيحين وغيرهما كالمرارة والمثانة والحيا والذكر والانثيين والغدة كما أخرجه الطبراني في الاوسط عن ابن عمر وأخرجه البيهقي في السنن عن ابن عباس وكالكليتين كما أخرجه ابن السني في الطب عن ابن عباس (ذواقا) بفتح المعجمة أى طعاما سمى به لانه يذاق أي يطعم (غداء) بفتح المعجمة مع المد اسم لما يؤكل قبل الزوال (انى صانم) أخذ منه أصحابنا

فصل وأما الشراب

هى قلت حيس قال أما انى أصبحت صائما ثم أكل وكان يحب الهدية ولا يحقرها ويكافيء عليها ويجيب من دعاه الى الطعام ولو كان صائما فربما أكل وربما لم يأكل وكان اذا دعى الى طعام في عدد معين فتبعهم غبرهم استأذن له. وكان ربما يغشى بعض حوائط الانصار عند الحاجة فيستضيفهم ويؤثر بذلك من يتأهل له. قال جابر بن عبد الله اتانا النبي صلى الله عليه وسلم في منزلنا فذبحنا له شاة فقال كأنهم علموا انا نحب اللحم. وكان في صفة أكله اللحم ربما رفع العضو الى فيه فانتهس منه وربما احتز بالسكين وأكل الدجاج والحبارى وجاء الحسن بن علي وابن عباس وابن جعفر الى سلمى مولات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها اصنعي لنا طعاما مما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحسن أكله فقالت يا بني لا يشتهنّه اليوم قالوا بلى اصنعيه لنا قال فقامت فطحنت شعير وجعلته في قدر وصبت عليه شبئا من الزيت ودقت عليه الفلفل والتوابل وقربته اليهم وقالت هذا ما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم. [فصل وأما الشراب] «فصل» وأما الشراب ففي الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم كان يتنفس فيه ثلاثا. ونهى. ان يتنفس في الاناء وفي جامع الترمذى عنه صلى الله عليه وسلم قال لا تشربوا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا اذا أنتم شربتم وأحمدوا اذا أنتم جواز صوم النفل منه قبل الزوال بشرط عدم تقدم مفطر (أما اني أصبحت صائما ثم أكل) فيه جواز الخروج من صوم النفل وعدم وجوب اتمام الصوم عليه بعد شروعه فيه (كان يحب الهدية الى آخره) كما رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة (فانتهس) بالمهملة أكل بمقدم أسنانه وبالمعجمة بالاضراس (احتز) أي قطع (الدجاج) مثلث الدال والفتح أشهر (الحبارى) بضم المهملة ثم موحدة ثم ألف ثم راء مفتوحة طائر معروف قال في القاموس يقع على الذكر والانثى والواحد والجمع وألفه للتأنيث. وغلط الجوهري اذ لو لم يكن. للتأنيث لا نصرفت وجمعه. حبارات (وجاء الحسن بن على الي آخره) أخرجه البخاري وغيره (ويحسن أكله) بضم أوله وفتح الحاء (الفلفل) بضم الفائين وكسرهما (والتوابل) بتقديم الفوقية على الموحدة واحدتها تابل كصاحب وتابل كهاجر وتوبل كجوهر وهى ابزار الطعام قاله في القاموس. (فصل) في صفة شربه (كان يتنفس فيه ثلاثا) كما أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس ورواه الطبرانى وابن السنى عن ابن مسعود وزاد يسمى عند كل نفس ويشكر في آخرهن وللترمذي وابن ماجه عن ابن عباس كان اذا شرب تنفس زاد مسلم ويقول هو أروى وأمرأ وابرأ ومعنى أروى أكثر ريا ومعني ابرأ أي من ألم العطش وقيل أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد ومعني أمرأ أي اكمل انسياغا (ونهى أن يتنفس في الاناء) أي داخله وذلك لانه

رفعتم. وكان صلى الله عليه وسلم اذا شرب أعطى من على يمينه وان كان مفضولا وربما استأذنه لكون الحق له فان أذن والا أعطاه ونهى عن الشرب من في السقاء وربما شرب منه نادرا لبيان الجواز ونهى عن النفخ في الشراب فقال رجل القذاة أراها في الاناء قال أهرقها قال فانى لأروي بنفس واحد قال فابن القدح اذا عن فيك رواه الترمذي وصححه. وروي مسلم عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى ان يشرب قائما قيل لأنس فالأكل قال ذلك أشر وأخبث وفي رواية فيه عن أبى هريرة لا يشربن أحدكم قائما فان نسى فليستقئ ثم ان النهي هنا للتنزيه وتعليم الأفضل والأكمل وقد شرب صلى الله عليه وسلم قائما في بعض الاحوال يقذره (أعطى من على يمينه وان كان مفضولا) كما أعطى الاعرابي وأبو بكر عن يساره (وربما استأذن) كما استأذن ابن عباس رضى الله عنهما وكان خالد بن الوليد عن شماله وذلك في بيت ميمونة وقد جاءتهم باناء من لبن كذا جاء مبينا في رواية أبي داود والترمذي وابن ماجه قال الترمذي حديث حسن وقد أخرج ذلك الشيخان مع ابهام من على يمينه وشماله قال العلماء انما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس في هذا الحديث ولم يستأذن الاعرابي في الحديث الاول لان الاعرابي ربما لم يعرف الحكم عند الاستئذان وهو كراهة الايثار في القرب فيحمله الاستئذان على الايثار المكروه وابن عباس علم صلى الله عليه وسلم ما عنده من العلم بهذا الحكم كغيره فاستأذنه ليظهر هذه السنة من قبله ويكون له بذلك فضيلة على غيره (نهي عن الشرب من في السقاء) أخرجه البخاري وأبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عباس بهذا اللفظ وأخرجه مسلم بمعناه وسبب ذلك أنه يقذره وربما كان في السقاء ما يؤذيه فيدخل جوفه من حيث لا يشعر وفي هذا ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والرحمة (ونهي عن النفخ في) الطعام و (الشراب) أخرجه أحمد عن ابن عباس وأخرجه الترمذي عن أبي سعيد من غير ذكر الطعام وأخرجه الطبرانى عن زيد بن ثابت بلفظ نهي عن النفخ في السجود وعن النفخ في الشراب والمعني في ذلك أنه يقذره (فاني لا أروى بنفس واحد) معناه أن عادته أنه يشرب بنفس فلا يروي فقال له (فأبن القدح اذا عن فيك) فانك إذا فعلت ذلك حصل لك الرى لما ذكره في التنفس أنه اهنأ وامرأ وابرأ وأبن بفتح الهمزة وكسر الموحدة أي أزل القدح مأخوذ من الابانة وهي القطع رواه الترمذي وصححه ورواه سمويه في فوائده وحسنه والبيهقى في الشعب عن ابن سعيد وزاد ثم تنفس (وروي مسلم) والضياء (نهى أن يشرب قائما) زاد الضياء أو يؤكل ولمسلم (قيل لانس فالاكل) وظاهرها أن النهى عن الاكل موقوف عليه والنهي في كل منهما للتنزيه كما سيأتى (أشر وأخبث) كذا في أصول مسلم بالالف وهى لغة (فان نسى فليستقئ) هذا أمر ندب وارشاد من جهة الطب وذلك لانه يورث الاستسقاء (وقد شرب صلى الله عليه وسلم في بعض الاحوال قائما) كما في صحيح البخاري أنه شرب من زمزم كذلك

وكان صلى الله عليه وسلم اذا سقى أصحابه بدأ بهم قبل نفسه فربما قالوا له لو شربت قال ساقى القوم آخرهم شربا. ودخل صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار فقال له ان كان عندك ماء بات في شنة والا كرعنا رواه البخاري وكان أحب الشراب اليه الحلو البارد وكان رجل من الانصار يبرد له الماء في أشجاب له على حمارة له من جريد وربما استعذب له الماء من السقيا وهى عين بينها وبين المدينة يومان. وكان أحب الشراب اليه اللبن وقال من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال ليس شيء يجزيء مكان الطعام والشراب غير اللبن وشرب مرة لبنا ثم دعا بماء فمضمض وقال انّ له دسما. وكان صلى الله عليه وسلم ينبذله غدوة فيشربه عشيا وينبذ عشيا فيشربه غدوة وربما شرب منه ثلاثة أيام ثم يسقى الخدم أو يهراق والظاهر ان تغيره بعد يوم وليلة يختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف وحسن المنبوذ قال أنس سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القدح الشراب كله الماء والنبيذ والعسل واللبن فلولا انى رأيت (ساقي القوم آخرهم) أخرجه أحمد والبخارى في التاريخ وأبو داود عن عبد الله بن أبي أوفي وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي قتادة وأخرجه الطبراني في الاوسط والقضاعي عن المغيرة. (بات في شنة) بفتح المعجمة وتشديد النون وهى الحلقة والحكمة في طلب البائت انه أبرد وأصفي (والا كرعنا) الكرع بفتح الكاف وسكون الراء شرب الماء بالفم من غير اناء ولا كف وقال ابن دريد لا يكون الكرع كرعا الا اذا خاض الماء بقدميه فشرب منه وفي سنن ابن ماجه النهى عنه وهاهنا لبيان الجواز وذلك محمول على ما اذا بطح الشارب على بطنه (وكان أحب الشراب اليه الحلو البارد) أخرجه أحمد والترمذى عن عائشة (وكان رجل من الانصار يبرد له الماء الى آخره) أخرجه مسلم عن جابر في حديثه الطويل (في اشجاب) بفتح الهمزة وسكون المعجمة جمع شجب وهو السقاء الخلق البالى (على حمارة) بكسر المهملة وتخفيف الميم والتنوين وهى أعواد تعلق عليها أسقية الماء (وربما استعذب له الماء من السقياء) وفي رواية يستسقي له الماء العذب من بئر السقياء أخرجه أحمد وأبو داود عن عائشة والسقياء بضم المهملة وسكون القاف ثم تحتية مع المد (وكان أحب الشراب اليه اللبن) أخرجه أبو نعيم في الطب عن عائشة وأحب بالنصب خبر كان واللبن مرفوع اسمها ويجوز عكسه (من أطعمه الله طعاما الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عباس (يجزي) بفتح أوله أى يكفي (غير) بالنصب والرفع (وشرب مرة لبنا الى آخره) أخرجه البخاري وابن ماجه عن ابن عباس وسهل بن سعد مضمضوا من اللبن (ان له دسما) بفتح المهملتين أى لزوجة كلزوجة اللحم والسمن ونحوه مما يخاف على صاحبه مس الجن وقيل المراد المضمضة منه للصلاة وهو ظاهر تبويب البخاري (نبذله عدوة الى آخره) أخرجه

فصل وأما النوم

أصابعه في هذه الحلقة لجعلت عليها الذهب والفضة. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وقال الذى يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة انما يجرجر في بطنه نار جهنم [فصل وأما النوم] «فصل» وأما النوم فدلت الاحاديث الصحيحة الصريحة انه كان صلى الله عليه وسلم فيه على حد الاعتدال والاقلال ومن تأمل حاله في الغذاء علم ذلك ضرورة وكان ينام على الجانب الأيمن استظهارا على قلة النوم لأن القلب والأعضاء الباطنة منوطة بالجانب الأيسر فاذا نام على الأيمن تعلقت ومنع ذلك الاستغراق ومع ذلك فقد قال ان عيني ينامان ولا ينام قلبي وكان فراشه من أدم حشوه ليف. وسئلت حفصة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك قالت مسح نثنيه بثنيتين فينام عليه فلما كان ذات ليلة قلت لو ثنيته باربع ثنيات كان أوطأ له فثنيناه باربع فلما أصبح قال ما فرشتم لى الليلة قلنا هو فراشك الا انا ثنيناه باربع قال ردوه بحاله الاول فان وطأته منعتني صلاتى الليلة وكان أحيانا ينام على سرير مرمول بشريط بغير فراش. وكان صلى الله عليه وسلم اذا نام نفخ ولا يغط غطيطا الشيخان وغيرهما (لولا اني رأيت أصابعه في هذه الحلقة) أى وأحببت التبرك باثرها (نهي عن الاكل والشرب الي آخره) أخرجه بهذا اللفظ النسائي عن أنس (الذى يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة الى آخره) أخرجه الشيخان وابن ماجه عن أم سلمة الا أو يشرب فمن زيادة مسلم (يجرجر) بضم أوله وفتح الجيم الاولى وكسر الثانية بينهما راء ساكنة مكررة من الجرجرة وهى صوت يردده البعير في حنجرته اذا هاج قال في التوشيح وضبطه بعض الفقهاء بفتح الجيم الثانية للمفعول ولا يعرف في الرواية (نار جهنم) زاد الطبراني عن أم سلمة الا ان يتوب ونار بالنصب مفعول والفاعل ضمير الشارب وبالرفع فاعل يجرجر على ان النار هى التى تصوت في البطن أو على انه خبران وما موصولة وسمى المشروب نارا لانه يؤول اليها كما قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً. (فصل) في صفة نومه (كان ينام على الجانب الايمن) أخرجه أحمد والترمذى والنسائي عن البراء وأخرجه أحمد والترمذى عن حذيفة وأخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود (منوطة) بالمهملة أي معلقة (الاستغراق) بالنصب مفعول (وسئلت حفصة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) أخرجه الترمذي في الشمائل (مسحا) بكسر الميم وسكون السين ثم حاء مهملتين أى لباسا (كان اذا نام نفخ) أخرجه أحمد والشيخان عن ابن عباس وأخرجه أحمد عن عائشة (ولا يغط) بكسر المعجمة وتشديد المهملة

فصل فيما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم في النكاح والتعطر

واذا رأى في منامه ما يروعه قال هو الله ربى لا شريك له. وقال اذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذى كان عليه وكان اذا أخذ مضجعه استقبل بوجهه القبلة ووضع كفه تحت خده وقال رب قني عذابك يوم تبعث عبادك اللهم باسمك أموت وأحيا واذا استيقظ قال الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور. [فصل فيما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم في النكاح والتعطر] «فصل» فيما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم في النكاح والتعطر قال صلى الله عليه وسلم حبب الى من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرة عينى في الصلاة فاما النكاح فلم يزل التمادح به عند الفضلاء والعقلاء عادة جارية وسنة مأثورة وحسبك في ذلك ما خص الله به نبيه أى يشخر (واذا رأي في منامه ما يروعه الى آخره) أخرجه النسائي عن ثوبان (كان اذا أخذ مضجعه الى آخره) أخرجه أحمد والترمذى والنسائي عن البراء وأخرجه أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود (فصل) في عادته في النكاح (حبب الىّ من دنياكم الى آخره) أخرجه أحمد والنسائى والحاكم والبيهقي في السنن عن أنس وفي قوله صلى الله عليه وسلم من دنياكم تصريح بان التزوج والتطيب بالنسبة اليه ليس من حظوظ دنياه هو وان كانت من حظوظ دنيا غيره بل للفوائد الاخروية المترتبة على التزوج كتحصينهن وقيامته بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته اياهن وأما الطيب فللقاء الملائكة ولانه مما يعين على الجماع ويحض عليه وتحرك أسبابه هذا معنى ما ذكره عياض في الشفاء (ثلاث) زيادة ثلاث ليست في الحديث بل من تصرف بعض الرواة ثم درج عليه من درج كالغزالى في الاحياء وعياض في الشفاء في بعض النسخ والزمخشرى في الكشاف ثم قال وطوي ذكر الثالث أي ان قرة عينى في الصلاة كلام مبتدأ قصد به اعراض عن ذكر الدنيا وليست عطفا على الطيب والنساء كما يسبق الى الفهم لانها ليست من الدنيا قاله التفتازاني والكلام على حذف ثلاث ظاهر (وجعلت قرة عينى في الصلاة) أي لانها محل الحب الحقيقي ومحل مشاهدة جبروت المولى ومناجاته تعالى فمن ثم ميز بين حب النساء والطيب وبين حب الصلاة بقوله وجعلت قرة عيني الى آخره ولم يقل النساء والطيب والصلاة ونقل ابن فورك عن بعض العلماء ان معنى قوله وجعلت قرة عينى في الصلاة أى في صلاة الله وملائكته علىّ وأمره أمتي بالصلاة علىّ الى يوم القيامة ويؤيد الاول ما أخرجه أحمد عن ابن عباس قال لى جبريل قد حببت اليك الصلاة فخذ منها ما شئت (فائدة) أخرج الشيخ أبو محمد النيسابورى ان أبا بكر رضي الله عنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام قال وأنا حبب الىّ من الدنيا ثلاث القعود بين يديك والصلاة عليك وانفاق مالى لديك فقال عمر رضي الله عنه وأنا حبب الىّ من الدنيا ثلاث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واقامة حدود الله تعالى فقال عثمان وأنا حبب الىّ من الدنيا ثلاث اطعام الطعام وافشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام فقال على كرم الله وجهه ورضي عنه وأنا حبب اليّ من الدنيا ثلاث الضرب بالسيف والصوم في الصيف

صلى الله عليه وسلم من القوة والعدد مما سبق ذكره في قسم الخصائص وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما خير هذه الامة أكثرها نساء مشيرا اليه صلى الله عليه وسلم حتى لم يره العلماء مما يقدح في الزهد وقال سهل بن عبد الله التسترى قد حببن الى سيد المرسلين فكيف يزهد فيهن وقد كان زهاد الصحابة رضى الله عنهم أجمعين كثيرى الزوجات والسرارى وقد كره غير واحد أن يلقى الله تعالى عزبا. قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن احدى عشرة يغسل واحد وكنا نتحدث وقرى الضيف فنزل جبريل فقال وأنا حبب الىّ من الدنيا ثلاث النزول على النبيين وتبليغ الرسالة للمرسلين والحمد لله رب العالمين ثم عرج ثم رجع فقال يقول الله تعالي وهو حبب اليه من عباده ثلاث لسان ذاكر وقلب شاكر وجسم على بلائه صابر (وقال ابن عباس) أخرجه عنه البخاري (خير هذه الامة) رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو (الذى هو أكثرها نساء) هذا هو الارجح انه كان (مشيرا اليه صلى الله عليه وسلم) ولم يرد العموم وبتقدير ارادته فلم ير الخبرية العامة بل المترتبة على التزوج من التحصين ونحوه (سهل بن عبد الله) قال القشيرى في الرسالة أحد أئمة القوم ولم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع وكان صاحب كرامات توفي كما قيل سنة ثلاث وثمانين ومايتين وقيل سنة ثلاث وسبعين (التستري) بفوقية مضمومة وأخرى مفتوحة بينهما مهملة ساكنة منسوب الى تستر مدينة بخوزستان قاله النووى وقال ابن خلكان هي بلدة من كورة الاهواز ويقول الناس لها سستر (يزهد فيهن) بفتح النون مبني للفاعل وبضم التحتية مبني للمفعول وقد قال ابن عيينة كما قاله سهل حكاه عنه في الشفاء (كثيرى الزوجات والسرارى) زاد في الشفاء وحكي في ذلك عن على والحسن وابن عمر وغيرهم غير شيء والسراري جمع سرية بضم المهملة وكسر الراء المشددة ثم تحتية مشددة أشتقاقها من السرر وأصله السر وهو الجماع أطلق عليها ذلك لكتمان أمرها عن الزوجة غالبا (وقد كره غير واحد) من السلف (ان يلقي الله عزبا) اذ في الحديث شراركم عزابكم وأرذل موتاكم عزابكم أخرجه أحمد عن أبي ذر وأخرجه أبو يعلى عن عطية بن بشر وعلة ذلك ان العزوبة سبب للمعاصي المترتبة على هذه الشهوة التي هي أعظم فتنة على الانسان فربما جاء الموت وهو غير تائب من النظر المحرم ونحوه هذا بالنسبة الي عوام الخلق وأما الخواص فيخافون مجيء الموت والقلب مشغول بغير الله عز وجل وهذه الشهوة من أعظم الشواغل عنه (قال أنس) فيما أخرجه البخاري والنسائى عنه قال في الشفاء وروي عنه عن أبي رافع (وهن احدي عشرة) في رواية اخري في صحيح البخارى وهن تسع وجمع بينهما بانه عد في الحديث الاول مع نسائه جاريتيه مارية وريحانة واقتصر في الحديث الثاني على نسائه التسع وقال ابن حبان حكى عن أنس هذا النقل في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة وجاريتان ولا يعلم انه اجتمع عنده احدي عشرة امرأة بالتزوج (بغسل واحد) لا يعارضه ما في الشفاء عن سلمي قالت طاف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة على نسائه التسع وتطهر من كل واحدة قبل أن يأتي

أنه أعطى قوة ثلاثين وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم فضلت على الناس باربع بالسخاء والشجاعة وكثرة الجماع وقوة البطش قالت عائشة ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه الا مقنعا يرخى الثوب على رأسه وما رأيته منه ولا رآه مني. وأمر من بنى بامرأة أن يأخذ بناصيتها ثم ليقل اللهم اني أسألك من خيرها وخير ماجبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه. وقال لو ان أحدكم اذا أراد ان يأتى أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا. وكانت سيرته صلى الله عليه وسلم مع أزواجه يلطف بهن ويلاطفهن ويحتمل منهن على وجه الغيرة ما يعظم خطره في حق غيرهن فربما تصاخبن وتشاتمن بمحضره ومنظره وربما اغتابت احداهن الاخري فينهاها الاخري وقال هذا أطهر وأطيب بل هما قصتان بين صلى الله عليه وسلم في الاولي الجائز وفي الاخري الاكمل (أعطى قوة ثلاثين) رجلا ولابي نعيم في الحلية عن مجاهد أعطي قوة أربعين رجلا كل منهم بقوة سبعين رجلا وصححه ويروي بقوة مائة رجل وقال صحيح غريب قال في التوشيح وقد قيل ان كل من كان أتقي لله فشهوته أشد لان من لا يتقي تتفرق شهوته بالنظر وغيره (وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم) أخرجه الطبرانى في الاوسط والاسماعيلى في معجمه عن أنس (بالسخاء) بفتح المهملة والمعجمة والمد (وقالت عائشة) كما أخرجه البخاري وغيره عنها (مقنعا) بفتح القاف والنون المشددة والمهملة (وما رأيته منه ولا رآه مني) كناية عن غير مذكور لدلالة الكلام عليه وارادة الفرج (وأمر من بنى بامرأة ان يأخذ بناصيتها الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على ما ذكرناه من رواية الأئمة الثقات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (لو أن أحدكم اذا أراد ان يأتى أهله الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن ابن عباس (بسم الله) فيه ندب التسمية للجماع (اللهم جنبنا الشيطان) انما شرع التعوذ منه حينئذ لما روي عن جعفر بن محمد ان الشيطان يقعد على ذكر الرجل فاذا لم يسم الله ولم يتعوذ أصاب معه امرأته وأنزل في فرجها كما ينزل الرجل حكاه عنه البغوي وغيره وذلك منه لا يكون من قبل الرأي (لم يضره) بتثليث الراء والضم أحسن اتباعا للضمة (الشيطان) قال عياض لم يحمل هذا الحديث أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والاغواء بل المراد انه لا يصرعه أولا يطعن فيه عند ولادته كغيره قولان (وربما تصاخبن) أي رفعن أصواتهن (بمحضره ومنظره) كفعل عائشة وزينب وهو في صحيح مسلم وغيره (وربما اغتابت احداهن الاخري) كذكر عائشة خديجة وقولها له صلى الله عليه وسلم ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين الي آخر ما ذكرته وهو في الصحيحين وغيرهما (فنهاها) كقوله لحفصة اتقي الله يا حفصة حين قالت في صفية انها ابنة يهودي وهو في سنن الترمذى

وأهدت اليه أم سلمة قصعة من ثريد وهو عند عائشة فضربت عائشة يد الخادم فسقطت القصعة وانكسرت وتبدد الخبز فجعل صلى الله عليه وسلم يجمع الخبز ويقول غارت أمكم غارت أمكم ثم جلّس الرسول وأعطاه قصعة غيرها. وسهر ليلة معهن فقالت احداهن كان الحديث حديث خرافة فقال صلى الله عليه وسلم أتدرون ما خرافة ان خرافة كان رجلا من بني عذرة اسرته الجن في الجاهلية فمكث فيهم دهرا ثم ردوه الى الانس فكان يحدث بما رأى فيهم من الاعاجيب فقال الناس حديث خرافة. وقال لعائشة كنت لك كأبى زرع لام زرع. واما الطيب فقد كان صلى الله عليه وسلم طيب الجملة وطابت منه الفضلات التى تستقذر من غيره ومع ذلك فقد كان يتطيب ليقتدى به وللقاء الملائكة ولانه من أقوي الاسباب المعينة على الجماع قال أنس كنا نعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أقبل بطيب رائحته وما عرض عليه طيب فرده وكان يطلب الطيب في جميع رباع نسائه وعن عائشة قالت كان أحب الطيب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم العود وكان يتبخر به مع والنسائي (واهدت له أم سلمة قصعة الى آخره) أخرجه البخاري من غيران يذكر اسمها (غارت أمكم) قال الداودى يعنى سارة زوج ابراهيم يعنى لا تعجبوا مما وقع من عائشة من الغيرة فقد غارت تلك قبل ذلك ورد ذلك العلماء بان المخاطبين لم يكونوا من أولاد سارة اذ ليسوا من بني اسرائيل وجزموا بان المراد عائشة أم المؤمنين (ثم جلس) بالتشديد أي أمر بالجلوس (وأعطاه) من بيت عائشة (قصعة غيرها) تطييبا لقلب أم سلمة وكلتا القصعتين ملكه صلى الله عليه وسلم فلا ينافي ان المتقوم لا يضمن بمثله ولو ثبت ان القصعة ملك لام سلمة وان الضمان حقيقي فضمان المتقوم بمثله جائز مع الرضا (خرافة) بضم المعجمة وتخفيف الراء فائدة اخرج المفضل الضبى من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله خرافة انه كان رجلا صالحا (وقال لعائشة) في الحديث المشهور بحديث أم زرع هي بنت أكهل بن ساعدة كذا في التوشيح زاد الهيثم في الالفة والرفاه لافي الفرقة والجلاء زاد الزبير بن بكار الا انه طلقها وأنا لا أطلقك فقالت عائشة بابى أنت وأمى لانت خير لي من أبى زرع* وأما الطيب (وما عرض عليه طيب فرده) كما رواه أحمد والبخاري والترمذى والنسائى عن أنس بل نهي عن ذلك بقوله لا تردوا الطيب وقد ورد انه كان لا يرد أشياء جمعها شيخ شيوخنا وجيه الدين الديبع في قوله قد كان من سنة خير الورى ... صلى عليه الله طول الزمن أن لا يرد الطيب والمتكي ... والتمر والدهن كذا اللبن (رباع) بكسر الراء ثم موحدة جمع ربعة وهى اناء من خشب يجعل فيه الطيب (أحب) بالنصب (العود) بالرفع

الكافور وكان يتطيب بأطيب ما يجد عنده اذا أراد أن يحرم وقال طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه وقال اذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فانه خرج من الجنة وكان يتطيب بالغالية والمسك حتى يرى وبيصه في مفارقه. وكان صلى الله عليه وسلم يكتحل بالاثمد عند النوم في كل عين ثلاثا وربما اكتحل في اليمين ثلاثا واثنان في اليسار وربما اكتحل وهو صائم وقال عليكم بالاثمد فانه يجلو البصر وينبت الشعر. وقال خيرأ كحالكم الاثمد. وكان يكثر دهن رأسه ولحيته ويسرحهما ويكثر القناع حتى كأن ثوبه ثوب زيات. ونهى عن الترجل الاغبا قال ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ادهن بزيت غير مفتت. وكان صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله وكانت يمينه لطهوره وطعامه وكان اليسرى لخلائه وما كان من اذا. وكان صلى الله عليه ويجوز عكسه (طيب الرجال ما ظهر ريحه الى آخره) أخرجه الترمذى عن أبي هريرة وأخرجه الطبرانى وأيضا عن أنس (وطيب النساء) ان أردن الخروج الى المسجد (ما ظهر لونه وخفي ريحه) وذلك لما يخاف من ظهور ريح الطيب من الفتنة اما اذا تطيبت المرأة في بيتها لزوجها فتطيب بما شاءت (اذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده الى آخره) أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في مراسيله والترمذى عن أبى عثمان النهدى والمراد بالريحان جميع الطيب (بالغالية) بالمعجمة والتحتية طيب مركب من أنواع من الطيب (وبيصه) بالموحدة فالتحتية فالمهملة أي بريقه ولمعانه (كان يكتحل بالاثمد كل ليلة) رواه ابن أبى عدي عن عائشة وتتمته ويحتجم كل شهر ويشرب الدواء كل سنة (وربما اكتحل وهو صائم) أخرجه الطبراني والبيهقى عن أبى رافع وفعل ذلك لبيان الجواب (عليكم بالاثمد الى آخره) أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس وأخرجه ابن ماجه عن جابر وأخرجه ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر وزاد عند النوم وأخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن على بلفظ عليكم بالاثمد فانه منبتة للشعر مذهبة للقذا مصفاة للبصر (كان يكثر دهن رأسه ولحيته) أخرجه البيهقي في الشعب عن سهل بن سعد (ويكثر القناع الي آخره) أخرجه الترمذى في الشمائل والبيهقي في الشعب عن أنس والقناع بكسر القاف تغطية الرأس بالرداء (ثوب زيات) بالزاى وتشديد التحتية وهو بياع الزيت ومعناه انه كان يكثر دهن رأسه ويكثر التقنيع بثوبه عليه فيكسب الثوب من الدهن (ونهي عن الترجل) بالجيم أي مشط شعر الرأس واللحية (الاغبا) بكسر المعجمة وتشديد الموحدة أى بعد أيام بحسب الحاجة اليه لا كل يوم كعادة المترفين (غير مقتت) بالقاف وتكرير الفوقية أي غير مخلوط بغيره (كان يحب السمن الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة والسمن بتشديد الميم لغة في السامن (في ترجله) أي تسريح رأسه (وتنعله) أي لبسه النعال (وطهوره) بضم الطاء أي غسله ووضوئه (وفي شأنه كله) أي مما كان من باب التكريم كالاكتحال والحلق ونتف الابط وقص

فصل وكان صلى الله عليه وسلم يحتجم بالأخدعين وبين الكتفين

وسلم ينظر وجهه في المرآة وربما نظر وجهه في الماء وسواه ويقول اللهم كما حسنت خلقى فأحسن خلقى وحرم وجهى على النار الحمد لله الذي سوى خلقى فعدله وأحسن صورتي وزان منى ما شان من غيري. وكان صلى الله عليه وسلم لا يفارقه في أسفاره قارورة الدهن والمكحلة والمرآة. والمشط والمقراض. والسواك والخيوط. والابرة. وكان صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه بالسدر ويخضبه بالحناء والكتم. [فصل وكان صلى الله عليه وسلم يحتجم بالأخدعين وبين الكتفين] «فصل» وكان صلى الله عليه وسلم يحتجم بالأخد عين وبين الكتفين واحتجم على ظهر قدميه وهو محرم وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة واحدى وعشرين وقال ان أفضل ما تداويتم به الحجامة. ونهى عن كسب الحجام غير محرمة وكان اذا احتجم واخذ من شعره أو ظفره بعث به الى البقيع فدفنه فيه. وروى ان عبد الله بن الزبير شرب من دم حجامته. فلم ينكر ذلك عليه وأمر صلى الله عليه وسلم بالتداوى وقال ان لكل داء دواء فاذا أصيب دواء الداء برئ باذن الله. ونهى عن التداوى بالخمر وقال ليس بدواء ولكنه داء الشارب وتقليم الاظفار والمصافحة والاخذ والعطاء (ويقول اللهم كما حسنت خلقى الي آخره) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن مسعود وأخرجه البيهقى عن عائشة وأخرجه أبو بكر بن مردويه عن أبي هريرة وعائشة (شان) بالمعجمة أى قبح (كان لا يفارقه في اسفاره الى آخره) أخرجه العقيلي عن أنس ولفظه لا يفارقه في الحضر ولا في السفر (يغسل رأسه بالسدر) أخرجه ابن سعد عن أبى جعفر مرسلا وأوله كان يسعط بالسمسم. (فصل) في حجامته (يحتجم) في الاخدعين والكاهل وهو المراد بقول المصنف (وبين الكتفين) أخرجه الترمذى والحاكم عن ابن عباس (احتجم على ظهر قدميه وهو محرم) أخرجه البخاري وغيره (كان يحتجم لسبع عشرة الى آخره) هو تتمة حديث كان يحتجم في الاخدعين فرواته رواته (قلت) وكان يحتجم على هامته أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أبي كبشة وأخرجه الخطيب عن ابن عمر وزاد ويسميها أم مغيث (ونهي عن كسب الحجام) أخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود وللنسائى عن رافع بن خديج شر الكسب مهر البغى وثمن الكلب وكسب الحجام (غير محرمة) بدليل اعطائه أبا طيبة أجرة حجامته وفي هذا الحديث كراهة أكل ما اكتسب بالحجامة ونحوها من النجاسات بالنسبة الي الحر (ان لكل داء دواء الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم عن جابر وللحاكم عن أبي سعيد ان الله تعالى لم ينزل داء الا انزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله الا السام وهو الموت (فاذا أصاب الدواء الداء برئ باذن الله) فان قال قائل نحن نجد كثيرين من المرضى يداوون فلا يبرأون فالجواب كما قال النووي انما هو لفقد العلم بحقيقة المداواة لا لفقد الدواء (ولكنه داء) زاد الطبراني عن أم سلمة ان الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم قال

وقال ان كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار وما أحب أن اكتوى. وبعث الى أبى بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه. وقال الحمى من فيخ جهنم فأبردوها بالماء. وقال التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب بعض الحزن. وقد سبق السبكى ما يقوله الاطباء في التداوى بالخمر فشيء كان قبل التحريم وأما بعده فان الله قادر على كل شيء سلبها ما كان فيها من المنافع وقوله فيما حرم عليكم خاص بالخمر ونحوها وذلك لما يترتب عليها من السكر المترتب عليه جمل من المفاسد الدينية بخلاف غيرها من المحرمات (ان كان في شيء من أدويتكم الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان والنسائى عن جابر (ففي شرطة محجم الى آخره) قال النووي هذا من بديع الطب عند أهله لان الامراض الامتلائية دموية أو صفراوية أو سوداوية أو بلغمية فان كانت دموية فشفاؤها اخراج الدم وان كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالاسهال بالمسهل اللائق بكل خلط منها وكأنه نبه بالعسل على المسهلات وبالحجامة على اخراج الدم بها وبالفصد وذكر الكي لانه يستعمل عند عدم نفع الادوية المشروبة ونحوها فآخر الطب الكى والشرطة بفتح المعجمة وسكون الراء شق الجلد لوضع المحجمة (لذعة) باعجام الذال واهمال العين (وما أحب أن اكتوي) وذلك لان الكي احراق بالنار وتعذيب بها وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من فتنة النار وعذاب النار وفي الاكتواء تعجيل لالم ما استعاذ منه. وقال النووي فيه اشارة الى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر اليه لما فيه من استعجال الالم الشديد في دفع ألم قد يكون أخف من ألم الكى انتهي ولا بدع ان يبيح الشارع صلى الله عليه وسلم شيأ لامته ولا يفعله وذلك كاكل الضب ونحوه (وبعث الي أبيّ بن كعب طبيبا) هذا بخلاف ما في الصحيحين عن جابر ان سبب الكي انه رمي يوم الاحزاب على أكحله اذ لعل القطع كان بعد الرمي (ثم كواه عليه) ولمسلم فحسمه بالمهملتين بمعني كواه (الحمى من فيح جهنم الي آخره) هذا الحديث رواه من الصحابة ابن عباس وابن عمر وعائشة ورافع بن خديج وأسماء بنت أبي بكر وأخرجه من الحفاظ أحمد والشيخان والترمذي والنسائى وابن ماجه ولابن ماجه من حديث أبى هريرة الحمى كنز من كنز جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد وللطبراني عن أبي امامة وأبي ريحانة الحمي كنز من جهنم فهى نصيب المؤمن من النار وللطبراني في الاوسط من حديث أنس الحمي حظ أمتي من جهنم ولابن قانع من حديث أسد بن كرز الحمى تحت الخطايا كما تحت الشجرة ورقها وقوله من فيح جهنم قيل هو على الحقيقة وقيل بل على جهة التشبيه قال في التوشيح والاول أولى (فابردوها) بهمز وصل وضم الراء وحكي الكسر يقال بردت الحمى أبردها بردا بوزن أقتل قتلا أى سكنت حرارتها وفي لغة ابردته حكاها عياض بقطع الهمزة وكسر الراء من أبرد الشيء اذا عالجه فصيره باردا (بالماء) زاد ابن ماجه البارد وفي رواية لاحمد والنسائى وابن حبان والحاكم بماء زمزم فقيل خاص به وقيل عام وليس المراد الغسل بل الرش كما في حديث أسماء فان تفسير الراوى اذا كان صحابيا مقدم على غيره سيما أسماء التي هى ممن يلازم بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال التلبينة مجمة الفؤاد المريض الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان عن عائشة والتلبينة بفتح الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة حساء يجعل في دقيق أو نخالة وربما جعل فيها عسل وسميت تلبينة لشبهها باللبن في بياضها ورقتها (مجمة لفؤاد المريض) بفتح الميم والجيم ويقال بضم الميم

فصل في صفة جلسته صلى الله عليه وسلم منفردا ومع أصحابه

قوله في القسط والحبة السوداء. وأكل معه عليّ تمرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مه يا على فانك ناقه فكف عنه علىّ ثم جىء اليه بمطبوخ سلق وشعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا علىّ من هذا فأصب فانه أوفق لك ودنا ليأكل معه مرة رطبا وهو أرمد فقال له صلى الله عليه وسلم أتأكل الحلو وأنت ارمد فتنحى علىّ ناحية فرمى اليه النبي صلى الله عليه وسلم برطبة ثم اخرى حتى بلغ سبعا ثم قال حسبك فانه لا يضر من التمر ما أكل وترا [فصل في صفة جلسته صلى الله عليه وسلم منفردا ومع أصحابه] «فصل» في صفة جلسته صلى الله عليه وسلم منفردا ومع أصحابه قال أبو سعيد الخدري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جلس في المجلس احتبى بيديه وكذلك أكثر جلوسه محتبيا فربما احتبى بيديه وربما احتبى بثوبه وفي حديث قيلة بنت مخرمة قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القر فصاء فلما رأيته أرعدت من الفرق وذكر الحديث وفي حديث جابر بن سمرة انه صلى الله عليه وسلم تربع قال أهل الغريب الحبوة بضم الحاء وكسرها وقد تبدل الياء من الواو وهو ان يعقد الثوب على مجموع ظهره وركبتيه وربما احتبي صلى الله عليه وسلم بيديه وربما عقده على الركبتين فقط والقرفصاء بضم القاف والفاء مع المد وبكسرهما مع القصر وفسرها البخاري بالاحتباء باليد والتربع ان يخالف قدميه بين يديه ويجلس على وركيه متوطئا وكان صلى الله عليه وسلم ربما أسند الى جدار أو سارية وربما اتكأ على أحد جانبيه وربما استلقى على قفاه ووضع إحدى يديه على الأخرى. وفي حديث جبريل حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم انه أسند ركبتيه الى ركبتيه كالتشهد. قال المؤلف دل مجموع هذه الاحاديث على ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس كيف ما تيسر وعلى حسب وكسر الجيم أى تريح فؤاده وتزيل عنه الهم وتنشطه (مه) بمعني أكفف (ناقه) بالنون والقاف وهو المعني من المرض الذي قربت عهدته لم يتراجع اليه كمال صحته (سلق) بكسر السين وسكون اللام ثم قاف. (فصل) في صفة جلوسه (قال أبو سعيد) أخرجه عنه أبو داود والبيهقى في السنن (قيله) بفتح القاف وسكون التحتية (بنت مخرمة) بفتح الميم والراء وسكون المعجمة عنزية على الصحيح وقيل عدنية (أرعدت) أى علتني رعدة أي ارتعاش (الفرق) أي الخوف وذلك من وقاره صلى الله عليه وسلم وهيبته (وذكرت الحديث) هو قوله صلى الله عليه وسلم يا مسكينة عليك السكينة (القر فصاء) بضم القاف والفاء مع المد وبكسرهما مع القصر كذا قاله الفراء وقال ابن قرقول يمد ويقصر ويقال بكسر القاف والفاء (وفسرها البخاري) والجوهري في الصحاح (بالاحتباء باليد) مكان الثوب زاد الجوهري ويلصق فخذه ببطنه وقال أبو المهدى هو أن يجلس على ركبتيه متكئا ويلصق بطنه بفخذيه ويعابط كفيه وهي جلسة الاعراب (وربما استلقى على قفاه الي آخره)

ما اتفق وان أكثر جلوسه الاحتباء كما سبق فدل ذلك على ان الاحتباء من أمثل الجلسات المختارة في الوحدة والجماعات ولهذا اختارها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند حديثهم عنه كما ورد في صحيح البخاري ان ابن عباس أمر ابنه عليا ومولاه عكرمة ان يقصدا أبا سعيد الخدرى ليسمعا منه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤا وهو يعمل في حائط له فلما كلماه في ذلك ترك العمل واحتبي وجعل يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا وقد كره قوم الحبوة في مجالس الحديث والعلم وحال الأذان ومنهم الصوفية في حال السماع ولا أعلم له دليلا بالنقل ولا مقبحا من العقل نعم روى أبو داود ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة في يوم الجمعة والامام يخطب ثم روى أبو داود بعده عن شداد ابن أوس قال شهدت مع معاوية ببيت المقدس فجمع بنا فنظرت فاذا جل من في المسجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبيين والامام يخطب قال أبو داود وكان ابن عمر يحتبى والامام يخطب وأنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد ابن المسيب وابراهيم النخعى ومكحول واسمعيل بن محمد بن سعيد ونعيم بن سلامة قال ولا بأس بها ولا يبلغنى ان أحدا كرهها إلا عبادة بن نسىء. قلت وعلى تقرير النهي فقد قال الخطابى في شرح السنن انما نهى عنه في ذلك الوقت لأنه يجلب النوم ويعرض الطهارة للانتقاض فنهى عن ذلك وأمر بالاستغفار وقد تبعه النووى على ذلك فقال لانه يجلب النوم فتفوت استماع الخطبة ويخاف انتقاض الوضوء ففسر النهى بذلك وقد تتبعت الكلام عليه فلم أجد للنهى فائدة سوى ذلك وهو اللائق الموافق فلم يكن صلى الله عليه وسلم يلازم ما يكره أو يقبح أو ما هو خلاف الاولى والأدب وكأن مدار من كرهها على الاستحسان العرفي الذى يختلف الامر فيه باختلاف البلدان والازمان ولا معول عليه فانه ربما استقبح أخرجه البخارى والنهى عن مثل ذلك محمول على ما اذا خيف انكشاف العورة (من أمثل) أى أفضل (الوحدة) بفتح الواو أشهر من كسرها وضمها (وحال الاذان) بالفتح والكسر (نعم روي أبو داود والترمذى) وأحمد والحاكم عن معاذ بن أنس (نهى عن الحبوة يوم الجمعة والامام يخطب) زعم جماعة منهم السيوطى أن ذلك منسوخ بل نسبه السيوطي الى الجمهور (شداد) بفتح المعجمة وتشديد المهملة وتكريرها (وشريح) باعجام الشين واهمال الحاء مصغر هو القاضي كاتب على (صعصعة) بتكرير المهملتين بوزن علقمة (ابن صوحان) بمهملتين الاولى مضمومة كما مر (ونعيم) بالنون والمهملة مصغر (ابن سلامة) بفتح المهملة واللام الخفيفة (عبادة) بضم المهملة وتخفيف الموحدة (ابن نسىء) بفتح النون وسكون المهملة ثم همزة منونة (وكان) بفتح الهمزة وتشديد النون

أهل زمن أو بلد شيئا وهو مستحسن عند غيرهم وقد يكون ما استحسنه الشارع صلى الله عليه وسلم وتكرر منه كما ورد انه صلى الله عليه وسلم كان يردف خلفه على الحمار رجلا في المدينة من غير سفر ولا مشقة ويركب الفرس عريا ولو فعل هذا في قطرنا آحاد الناس فضلا عن الاعيان لاستنكر منهم والمستقبح حقيقة هو ما استقبحه الشارع صلى الله عليه وسلم وليس بدعا ان يستنكر منهم الناس ما خالف عاداتهم فقد صح في صحيح مسلم عن طاووس قال قلنا لابن عباس انا لنراه جفاء بالرجل يعني الاقعاء في الجلوس بين السجدتين فقال بل هى سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد فهمت مما تقدم كيف كان الحال وان لا دليل على الكراهة وأما الحديث المذكور في الاحتباء يوم الجمعة فقد سبق تأويل العلماء له وان النهى ليس لنفس الحبوة ولذلك لم يقولوا لانها جلسة تكبر وتجبر بل قالوا لانها جلسة وطيئة قد تجلب النوم فتفوت سماع الخطبة التي يتحتم سماعها على الحاضرين مع ان الحديث في نفسه ليس مما يقطع بصحته ويغلب على صحاح الاحاديث وقد جعله الترمذى في حيز الحسان. وقال بعض من قبح الحبوة وان كان قد ورد في الاحتبى أثر فانما هو دليل الجواز واذا تأملت ما تقدم صدر هذا الفصل وقولهم أكثر جلوسه محتبيا فهمت خلل هذا الكلام وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل الواجب والمندوب والمباح ولا يفعل المحرم ولا المكروه فان فعل شيئا مما كره تنزيها فانما يفعله مرة لبيان الجواز وطريقة الانصاف أن يقال استعمال الجلسات الواردات عنه صلى الله عليه وسلم لا يوصف منها شيء بكراهة الا ما دل عليه دليل ويغلب منها ما كان غالب أحواله صلى الله عليه وسلم وأقرب الجلسات الى التواضع جلسة الجائى (كان يردف خلفه على الحمار) كما في قصة أبي هريرة وقوله لا والذي بعثك بالحق لا صار عنك الثالثة (ويركب الفرس عريا) بل والحمار كما أخرجه الحاكم في المستدرك عن أنس (وليس بدعا) أي عجيبا (في صحيح مسلم) وفي صحيح البخارى أيضا (انا لنراه) بضم النون وفتحها (جفاء بالرجل) بفتح الراء وضم الجيم أى الانسان وضبطه ابن عبد البر بكسر الراء وسكون الجيم ولم يصوبه الجمهور (يعني الاقعاء) بكسر الهمزة وسكون القاف مع المد وهو نوعان أحدهما أن يلصق اليتيه بالارض وينصب ساقيه ويضع يديه على الارض كاقعاء الكلب وهذا النوع مكروه ورد فيه النهى في سنن الترمذى عن على وفي سنن ابن ماجه عن أنس وفي مسند أحمد عن سمرة وأبي هريرة والثاني أن يجعل أليتيه على عقبيه وهذا الثاني سنة (في الجلوس بين السجدتين) وان كان الافتراش أفضل لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقد نص على هذا الشافعي في البويطي والاملاء (وطيئة) بالهمز على وزن عظيمة (في حيز) بفتح المهملة وكسر

فصل في صفة نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصاحته وسكوته

على ركبتيه كهيئة التشهد والله أعلم بالصواب* وأما الآداب المذكورة في مجالس الحديث وأكثرها عن مالك وأصحابه فما أحسن استعمالها لكن في بعضها افراط في التغليظ وقد كانت مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم معمورة بالوحى والتنزيل لحضور جبريل وميكائيل ثم ان بها جماع الفوائد والمراشد مبنية على أكمل الآداب وأتم العوائد ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم ربما قام من مجلسه لورود من يتأهل للقيام وربما عرض بعض الجفاة في مجلسه بكلام ينافي آداب المجالسة فلم يعنفه وربما كان في كلام متسق فعرض غيره فقطع كلامه. حتى ورد ان قتلة ابن أبى الحقيق اليهودي انتهوا اليه وهو في خطبة الجمعة فأقبل اليهم يسئلهم ثم عاد الى خطبته* وان الحسن والحسين جاؤا وهو يخطب الناس وعليهما قميصان وهما يعثران ويقومان فنزل صلى الله عليه وسلم وضمهما اليه ثم قال معتذرا عن ذلك أيها الناس صدق الله انما أموالكم وأولادكم فتنة لم أملك نفسي حين رأيت هذين الولدين يعثران ويقومان حتى فعلت بهما الذي رأيتم وقد كان أموره صلى الله عليه وسلم كلها مبنية عن القصد والاعتدال لا افراط ولا تفريط وقال خير الأمور أوسطها وبعثت بالحنيفية السمحة وقال تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ والمعول على الآداب القلبية وصلاح النية وكل شيء بعدها مغتفر والله ولى التوفيق. [فصل في صفة نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصاحته وسكوته] «فصل» في صفة نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصاحته وسكوته قالت عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس اليه. وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه واذا أتى قوما سلم عليهم ثلاثا. وقال أبو الدرداء كان رسول الله صلى التحتية المشددة ثم زاي أي جانب (وقولهم) بالنصب (مبنية) بالنصب (بالجفاة) جمع جاف وهو الجلف من سكان البادية (يعثران) بضم المثلثة يسقطان وزنا ومعنى (كلها) بالضم تأكيد لاموره (مبنية) بالنصب خبر كانت (القصد) أى التوسط (بعثت بالحنيفية السمحة) فمن خالف سنتى فليس منى أخرجه الخطيب عن جابر (من حرج) أى ضيق. (فصل) في صفة نطقه صلى الله عليه وسلم (وعن أنس) كما أخرجه عنه الترمذى والحاكم (واذا أتي قوما سلم عليهم ثلاثا) ولاحمد وأبي داود عن عبد الله بن بشر يقول السلام عليكم السلام عليكم مرتين وهذا ينبهك على أن تكريره انما كان لعدم سماع المسلم عليهم فان كان اذا سمعوا سلامه في أول مرة لم يرد

الله عليه وسلم اذا حدث بحديث تبسم في حديثه. وفي حديث ابن أبى هالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكر ليست له راحة طويل السكت لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلام فصلا لا فضول فيه ولا تقصير دمثا ليس بالجافي ولا المهين اذا أشار أشار بكفه كلها واذا تعجب قلبها واذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى بطن ابهامه اليسرى. وفيه أيضا كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع على الحلم والحذر والتقدير والتفكير. فاما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس. وأما تفكره ففي ما يبقى ويفنى* وأما فصاحته صلى الله عليه وسلم فمن تأمل حديثه وسيره وجوامع كلمه وأدعيته وبديهات خطبه ومخاطبته مع وفود العرب على اختلاف لغاتها وجواب كل منهم على نحو أو في المرة الثانية لم يزد عليها (متواصل الاحزان) قال ابن قيم الجوزية هذا الحديث لا يثبت وفي إسناده من لا يعرف وكيف يكون متواصل الاحزان وقد صانه الله تعالى عن الحزن في الدنيا واشباهها ونهاه عن الحزن على الكفار وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فمن أين يأتيه الحزن بل كان دائم البشر ضحوكا انتهي وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة كان من أضحك الناس وأطيبهم نفسا وقال ابن تيمية ليس المراد بالحزن في حديث أبي هالة الألم على فوت مطلوب أو حصول مكروه فان ذلك منهي عنه ولم يكن من حاله وانما المراد الاهتمام والتيقظ لما استقبله من الامور انتهى (قلت) ما ذكره ابن القيم الجوزية مبتعد اذ ليس من لازم كونه مغفورا له مع ما ذكره أن لا يعتريه الحزن صلى الله عليه وسلم الذي هو من سمات البشر فليس في حديث هند هذا أن حزنه كان للذنوب المنزه عنها ولا على الكفار بل حزنه صلى الله عليه وسلم لاجل أمته كما هو في الحديث بل لو قيل أن حزنه صلى الله عليه وسلم كان خوفا من ربه جل وعلا لم يناقض كونه مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقد قال والله اني لاخشاكم لله واتقاكم له فاذا حزن وخاف من هو دونه في الحسنة فما ظنك به صلى الله عليه وسلم الحالّ باعلا الدرجات منها ويلزم على ما قاله ابن قيم الجوزية أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يبكى وبكاؤه صلى الله عليه وسلم حتى كان يسمع لجوفه أزيزكأزيز المرجل مشهور في الاحاديث الصحيحة وان كان البكاء ربما كان فرحا الا أن قرينة الحال تقتضى انه كان خوفا أو شوقا له جل وعلا أما اذا كان فلا بد معه من الحزن ولا ينافي هذا ما جاء في حديث الطبراني الذي ذكرته آنفا لان ذلك كان سيرته مع أصحابه بسطا لهم وايناسا وعملا بقوله لا تحقرن من المعروف شيئا الحديث (السكت) بفتح الفوقية وسكون الكاف أى السكوت (دمثا) بفتح المهملة وكسر الميم ثم مثلثة من الدمائة وهي سهولة الخلق (ولا المهين) قال الشمنى بفتح الميم وضمها من الاهانة أى لا يهين أحدا من الناس وبالفتح من المهانة أى الحقارة (اذا أشار أشار بكفه كلها) قال ابن الاثير ما معناه كانت اشارته صلى الله عليه وسلم مختلفة فما كان في ذكر التوحيد والتشهد كان بالمسبحة فقط وما كان في غير ذلك كان بكل الكف فرقا بين الاشارتين (وفيه أيضا) أى في حديث هند بن أبي اهالة (والحذر)

فصل في صفة ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكائه وعلامة رضائه وسخطه

لغته ومنزع بلاغته علم ذلك ضرورة وحقيقة معرفة وكذلك كمل الله له ولجميع الانبياء الجوارح البدنية كما أتم لهم المحاسن المعنوية. من ذلك ما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه وبه فسر قوله تعالى «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» . وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يستوي في نظره الضوء والظلمة وأنه كان يرى من الثريا أحد عشر نجما. وكان موسى صلى الله عليه وسلم نبينا وعليه وسلم بعد تجلى الله له يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ. وصارع صلى الله عليه وسلم ركانة وهو أشد أهل وقته فصرعه وصارع أبى ركانة ثلاث مرات كل ذلك يصرعه صلى الله عليه وسلم. [فصل في صفة ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكائه وعلامة رضائه وسخطه] «فصل» في صفة ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكائه وعلامة رضائه وسخطه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضحك وجل ضحكه التبسم. وغايته أن تبدو نواجذه بفتح المهملة والمعجمة (كان يستوى في نظره الضوء والظلمة) أخرجه البيهقى في الدلائل عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي عدى عن عائشة (كان يرى من الثريا الى آخره) ذكره عياض في الشفاء بصيغة حكى (أحد عشر نجما) قال السهيلي الثريا اثنا عشر نجما وكان صلى الله عليه وسلم يراها كلها جاء ذلك في حديث ثابت من طريق العباس فقول القرطبى أنها لا تزيد على سبعة فيما يذكرون لا يقدح في هذا لان ذلك بحسب ما يظهر للناس والا فمن أين أخذ حصرها سبعة (وكان موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم بعد تجلي الله له الى آخره) أسنده عياض في الشفاء عن أبي هريرة (عشرة فراسخ) جمع فرسخ قال الجوهرى وهو فارسي معرب ومر قدره في القصر (ركانة) بضم الراء وتخفيف الكاف قال الشمني أسلم يوم الفتح وتوفي بالمدينة سنة أربعين (وصارع أبا ركانة) كلاهما ذكره عياض في الشفاء وصارع أيضا أبا الاسد بن الجهمى ذكره السهيلي ويزيد بن ركانة أو ركانة بن زيد رواه البيهقي هكذا على الشك وأبو داود في مراسيله (فصل) في صفة ضحكه وبكائه (كان كثير الضحك) وقد ورد النهى عن كثرته والجمع بينهما يؤخذ من حديث أخرجه هناد عن الحسن مرسلا الضحك ضحكان ضحك يحبه الله وضحك يمقته الله فأما الضحك الذي يحبه الله فالرجل يكشر في وجه أخيه حداثة عهد وشوقا الى رؤيته وأما الضحك الذي يمقته الله تعالى عليه فالرجل يتكلم بالكلمة ألحق والباطل ليضحك أو يضحك يهوي بها في جهنم سبعين خريفا (قلت) الحاصل أن النهى عن كثرة الضحك محله اذا كان فيه قهقهة أو صوت فاحش أو استهزاء بمسلم أو يترتب عليه ذم أو استغراق مشعر بشدة الغفلة عن الله عز وجل والامن من مكره أو كان في المسجد فقد ورد في حديث ضعيف أن الضحك فيه ظلمة في القبر أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس وفي بعض هذه يحرم كما لا يخفي وما عدا ذلك من الضحك فتارة يكون سنة وهي ما اذا ترتب عليه إيناس صاحب ونحوه أو تطييب لقلبه كان حدث بحديث مباح يقتضى التعجب فينبغى استدعاء الضحك تطييبا له وتارة يكون مباحا وهو ما ليس في حيز الاول ولا في حيز الثاني وهذا كله محله اذا استدعاه أما اذا غلبه الضحك فلا محذور اذ الله عز وجل أضحك وأبكى و (جل) ضحكه بضم الجيم أي معظمه

قالت عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته انما كان يتبسم وسبق من حديث ابن أبى هالة أنه كان يفتر على مثل سنا البرق أو مثل حب الغمام وهو البرد وكان يرى كالنور يخرج من بين ثناياه* وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فثبت عن عبد الله بن الشخير قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ولجوفه أزيزكأزيز المرجل من البكاء وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ علىّ فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال انى أحب ان أسمعه من غيرى فقرأت سورة النساء حتى بلغت «وجئنا بك على هؤلاء شهيدا» قال حسبك الآن فالتفت فرأيت عينيه تهملان صلى الله عليه وسلم. وفي حديث الاستسقاء صلى الله عليه وسلم سجد فجعل ينفخ ويبكى ويقول رب ألم تعدنني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ألم تعدنني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك وثبت انه صلى الله عليه وسلم بكى عند ما رفع اليه ابنه ابراهيم وهو يجود بنفسه وعند موت ابن بنته وعند تقبيله لعثمان بن مظعون وهو ميت وعند نعي الصحابة أهل غزوة مؤتة وكله من غير صوت. وروي انه لما أصيب زيد بن حارثة انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الى منزله فلما رأته ابنته أجهشت في وجهه فانتحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بعض أصحابه ما هذا يا رسول الله فقال هذا شوق الحبيب الى حبيبه* وأما علامة رضاه صلى الله عليه وسلم فكان اذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر وتبرق أسارير وجهه سرورا* وأما علامة سخطه ففي حديث وصف ابن أبى هالة انه صلى الله عليه وسلم كان بين حاجبيه عرق يدره الغضب وانه كان اذا غضب أعرض وأشاح بوجهه واذا فرح غض طرفه. وانه كان (مستجمعا) أى مستغرقا في الضحك (لهواته) جمع لهاة بفتح اللام وتخفيف الهاء وهي اللحمة المعلقة في أقصى الحنك (ابن الشخير) بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين صحابي نزل البصرة (ازيز) بتكرير الزاي على وزن عظيم أى صوت من البكاء وقيل هو أن يحبس صوته فيغلى البكاء كغليان (المرجل) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم هو القدر (وعن عبد الله بن مسعود) أخرجه عنه البخاري وغيره (أقرأ عليك) بمد الهمزة للاستفهام وهو استفهام تعجب (اني أحب أن أسمعه من غيري) أى لقوة المستمع على التدبر أكثر من القاريء ونفسه أحلى وأبسط للتدبر من القاريء لاشتغاله بالقراءة وأحكامها قاله ابن بطال (فانتحب) بالمهملة أى سمع له صوت (وكان اذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر) أخرجه الشيخان عن كعب بن مالك في حديث الثلاثة (وتبرق أسارير وجهه) كما في حديث عائشة يوم دخل عليها بعد أن سمع المدلجى وهو يقول في زيد وابنه أسامة لا إله الا الله ان هذه الاقدام بعضها من بعض والاسارير بالمهملة خطوط الوجه (وأشاح) باعجام

فصل في صفة لباسه صلى الله عليه وسلم وما كان يلبسه

تتغافل عما لا يشتهى ولا يؤيس منه. وفي غيره انه كان صلى الله عليه وسلم اذا غضب احمر وجهه حتى كأنه الصرف وربما خسف لونه واسود ويكثر عند غضبه من مس لحيته. وعن علىّ كرم الله وجهه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال واذا رأى ما يسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. [فصل في صفة لباسه صلى الله عليه وسلم وما كان يلبسه] (فصل) في صفة لباسه صلى الله عليه وسلم. الازار والقميص والرداء والعمامة والخاتم والنعل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة ثم يسميه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء ثم يقول اللهم لك الحمد كما كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وكان اذا ائتزر يضع صنفة أزاره على فخذه اليسرى وكان ازاره الى نصف ساقه. قال حذيفة بن اليمان أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقى او ساقه فقال هذا موضع الازار فان أبيت فاسفل فان أبيت فلا حق للازار في الكعبين. الشين واهمال الحاء والمشح من شحي وجهه عن الشيء قاله الخليل بن أحمد وقال الاكثرون المشح الحذر الجاد في الامر وقيل المقبل وقيل الهارب وقيل المقبل اليك المانع لما وراء ظهره واما هنا فالمراد به الاول الذى قاله الخليل بقرينة قوله أعرض (لا يشتهي) مبنى للفاعل (ولا يؤيس) بضم أوله وسكون الهمزة وكسر التحتية أي لا يبعد بعدا كليا بحيث ييأس منه من تكلم بالكلمة التى لا يشتهيها ولا يمكنه مراجعته بل يبقى قريبا منه (كانه الصرف) بكسر المهملة وسكون الراء ثم فاء صبغ أحمر يصبغ به الجلود ويسمى الدم أيضا صرفا (فخسف) أي تغير (ويكثر من مس لحيته) كعادة المتفكر وللشيرازى من حديث أبي هريرة كان اذا اغتم أخذ لحيته ينظر فيها وكان اذا غضب احمرت وجنتاه كما أخرجه الطبراني عن ابن مسعود وعن أم سلمة وكان اذا غضب وهو قائم جلس واذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه كما أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب عن أبي هريرة وكان اذا غضب لم يجترئ عليه أحد الا علىّ كما أخرجه أبو نعيم في الحلية والحاكم عن أم سلمة (وعن على) وعائشة كما أخرجه ابن ماجه (على كل حال) أي وان كان حالا مكروها (الذي بنعمته تتم الصالحات) أى وما رأيت الآن من جملة نعمه فهذا وجه المناسبة للفرق بين الحمد على ما يكرهه والحمد على ما يسره. (فصل) في صفة لباسه (القميص) بالنصب وكذا ما بعده (كان اذا استجد ثوبا الى آخره) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري وقال الترمذي حديث حسن وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم الا (يوم الجمعة) فمن رواية الخطيب عن أنس (كما كسوتنيه) لفظهم أنت كسوتنيه (صنفة) بفتح المهملة وكسر النون (بعضلة) بفتح المهملة والمعجمة وهي في الاصل كل لحمه مكتنزة (أو ساقه)

فصل وأمر صلى الله عليه وسلم باحفاء الشارب وأعفاء اللحا

وكان قميصه فوق الكعبين مطلق الازرار وكمه الى الرسغ وكان يتقنع بردائه وربما خالف بين طرفيه على عاتقه الايسر وكان اذا اعتم يدير كور العمامة على رأسه ويعرشها من ورائه ويرخى لها ذؤابة بين كتفيه. وكان يتختم في يمينه ويقول اليمنى أحق بالزينة من الشمال وكان يجعل فص الخاتم في باطن كفه وربما تختم في شماله. وكان يبدأ في لبس نعليه وخفيه باليمين وفي الخلع باليسار ونهى عن المشى في نعل واحدة أو خف واحدة وان ينتعل الرجل قائما. [فصل وأمر صلى الله عليه وسلم باحفاء الشارب وأعفاء اللحا] «فصل» وأمر صلى الله عليه وسلم باحفاء الشارب وأعفاء اللحا فكان يجز شاربه ويقلم شك من الراوي (وكان قميصه فوق الكعبين) وكان كمه مع الاصابع أخرجه الحاكم عن ابن عباس (وكمه الى الرسغ) أخرجه أبو داود والترمذي عن أسماء بنت يزيد (وربما خالف بين طرفيه) وهو الاضطباع (كان يدير كور العمامة على رأسه الي آخره) أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر وكور العمامة بضم الكاف وسكون الواو ثم راء (ذؤابة) بضم المعجمة وفتح الهمزة المخففة أى عذبة قال السيوطى وأقل ما ورد في قدرها أربع أصابع وأكثر ما ورد ذراع وبينهما شبر (كان يتختم في يمينه) قد سبق الكلام على ذلك في ذكر ملبوساته (نهي عن المشى في نعل واحدة) لما فيه من المثلة وخرم المرؤة (وأن ينتعل الرجل قائما) لانه يخاف عليه السقوط لانقلاب النعل ونحو ذلك. (فصل) في ذكر بعض خصال الفطرة (وأمر باحفاء الشوارب الي آخره) فقال احفوا الشوارب واعفوا للحاء أخرجه مسلم والترمذي والنسائى عن ابن عمر وأخرجه ابن أبي عدى عن أبى هريرة وأخرجه الطحاوي عن أنس وزاد ولا تشبهوا باليهود وأخرجه ابن أبى عدي والبيهقي في الشعب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزاد وانتفوا الشعر الذي في الاناف واحفاء الشوارب بكسر الهمزة وسكون المهملة ثم فاء هو استئصال أخذ شعرها يقال أحفا وحفا شاربه اذا استأصل أخذ شعره رباعى وثلاثي والفعل على الاولى بقطع الهمزة وعلى الثاني بوصلها وليس المراد هنا استئصال الشارب من أصله بل المراد إحفاء ما طال على الشفتين قال النووى المختار أنه يقص جانبيه وطرف الشفة انتهى وأخذ المزني بظاهر الحديث فكان يستأصل شاربه (وإعفاء اللحا) بكسر الهمزة وسكون المهملة وفتح الفاء ثم مد وهو ثلاثى ورباعي كالاعفاء يقال منه أعفيته وعفوته والمراد به توفير اللحية خلاف عادة الفرس من قصها ولمسلم في رواية وأوفوا اللحا وهو بمعنى اعفوا وفي اخري وارخوا بالمعجمة من الارخاء ولابن ماهان بالجيم بمعناه أيضا من الارجاء وهو التأخير وأصله ارجئوا بالهمز فحذف تخفيفا وحاصل الحديث النهى عن توفير الشوارب وقص اللحا لان فيه تشبها باليهود نعم لا بأس بقصن ما زاد من اللحية على قبضة فقد كان ابن عمر يفعله وأخرج الترمذي عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها وهو محمول على ذلك (كان يجز شاربه الى آخره) أخرجه البيهقى في الشعب عن أبى هريرة الا ذكر حلق العانة

فصل ولم يحلق صلى الله عليه وسلم رأسه الا لحج أو عمرة

أظفاره ويحلق عانته ويتحرى لذلك يوم الجمعة ووقّت لهم في ذلك ان لا يتركوا أكثر من أربعين يوما فكان اذا احتجم أو أخذ من شعره أو من ظفره بعث به الى البقيع فدفنه. [فصل ولم يحلق صلى الله عليه وسلم رأسه الا لحج أو عمرة] «فصل» ولم يحلق صلى الله عليه وسلم رأسه الا لحج أو عمرة ووفر في سائر أحواله فالحلق وان كان مباحا على الجملة فالتوفير أفضل منه ولم يكن عادتهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الحلق الا للأطفال وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج انه قال سيماهم التحليق وقد صار الغالب على القضاة والفقهاء والاعيان في هذه الاعصار في كثير من الامصار الحلق وهو خارج عن نمط التسنن وأما ما اعتاد الناس أخذه من جانب الوجه وهو الذي يسمى التحذيف ومنهم من يديره على الرأس كله فهو عادة سيئة وبدعة قبيحة ان لم يكن حراما كان مكروها فقد صحح العلماء ان موضع التحذيف من الرأس وصح ان النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وانه رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فقال احلقوه كله أو اتركوه كله وقد قال النووي في رياض الصالحين والجز بالجيم والزاى القص وكذا التقليم (ووقت لهم في ذلك أن لا يتركوا أكثر من أربعين يوما) أخرجه مسلم بلفظ وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي أن لا يترك تركا يتجاوز به أربعين ليلة لا انه وقت لهم الترك أربعين. (فصل) في بيان انه صلى الله عليه وسلم كان عادته توفير الشعر (ووفر) بتشديد الفاء أي ترك الشعر وافرا (فالتوفير أفضل منه) أي من الحلق ومحل ذلك اذا علم انه يقوم باكرام الشعر بالدهن والطيب وغيرهما والا كان الحلق أفضل (عادتهم) بالرفع اسم كان (الحلق) بالنصب خيرها ويجوز عكسه (وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم) في صحيح مسلم وغيره (في وصف الخوارج انه قال سيماهم) أي علامتهم (التحليق) ولفظ مسلم التحالق أى حلق الرؤس قال النووي استدل به بعض الناس على كراهة حلق الراس ولا دلالة فيه لانه ذكر علامة والعلامة قد تكون بمباح (الغالب) بالرفع اسم صار (الحلق) بالنصب خبرها ويجوز عكسه (عن نمط) أى نوع (التسنن) أي الاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم (التحذيف) باهمال الحاء واعجام الذال أي اشتقاقه من الحذف وهو الازالة (سيئة) بالتحتية فالهمز (فقد صحح العلماء) أي جمهورهم والا فقد صحح الرافعى في المحرر انه من الوجه (نهي عن القزع) كما أخرجه الشيخان وأبو داود عن ابن عمر زاد أبو داود وهو أن يحلق الصبي ويترك له ذؤابة وهو بفتح القاف والزاى ثم مهملة وعلة النهى ما فيه من تشويه الخلقة أو لانه زى أهل الشر والشطارة أوزي اليهود وقد قال هذا في رواية لابي داود (احلقوه كله أو تركوه كله) أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عمر

باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض ففسره بذلك وأما ما أفتى به الشيخ برهان الدين العلوي بأنه لا بأس به للمتزوج وكأنه أدخله في باب تحسن الرجل لزوجته وجوزه لهذا المعنى فلا يتابع على ذلك ولا دليل له فان النساء هن اللاتي محل التحسن والتطرية للحسن وأبيح لهن في ذلك ما لا يباح للرجال وقد نهين عن الزيادة في شعورهن أو أخذ شيء منها لاجتلاب الحسن. وصح في الصحاح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله الواصلة والمستوصلة وانه لعن الواشمات والمستوشمات والناصمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فاذا تقرر عندك ذلك فهمت ان الاجزاء الخلقية لا يقدم على تغيير شيء منها بمثل هذا الخيال الفاسد مع انه قد قام الدليل على المنع من حلق البعض وترك البعض وقد قال صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ونهى عن نتف الشيب (وهو حلق بعض الرأس دون بعض) ومنهم من قال هو حلق مواضع متفرقة منه والصحيح الاول وهو تفسير نافع مولى ابن عمر راوى الحديث قال النووي وهو غير مخالف للظاهر موجب العمل به (والتطرية) بفتح الفوقية وسكون المهملة وكسر الراء ثم تحتية مخففة هى التحسين (وصح في) الاحاديث (الصحاح) في مسند أحمد والصحيحين وسنن أبي داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر (لعن الله) أي أبعد عن رحمته ابعادا ليس بكلى (الواصلة) هي التى تصل شعر المرأة بشعر آخر (والمستوصلة) هى التى تطلب من يفعل بها ذلك وفي الحديث تحريم وصل شعر المرأة مطلقا ومحله في الحلية أو من وصلت بشعر آدمى ولو روجها أو شعر نجس أو كان بغير اذن حليلها (وانه لعن الواشمات الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود والواشمة بالمعجمة هي التى تفعل الوشم وهو غرز نحو ابرة في بدن المرأة حتى يسيل الدم ثم تحشو ذلك الموضع بكحل أو نورة فيخضر (والمستوشمة) هى التي تطلب فعل ذلك بها والوشم حرام على كل من الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة لذلك قال أصحابنا ويصير هذا الموضع نجسا فيجب ازالته على تفصيل مشهور (والنامصات) بالنون والمهملة التي تزيل الشعر من الوجه (والمتنمصات) بتقديم الفوقية على النون على المشهور ورواه بعضهم بالعكس وهي التى تطلب فعل ذلك بها قال النووي وهذا الفعل حرام الا اذا ثبت للمرأة لحية أو شارب فلا يحرم ازالتها بل يستحب عندنا وقال ابن جرير يحرم مطلقا حتى في اللحية ونحوها وعندنا ان النهى خاص بالحواجب وما في أطراف الوجه (والمتفلجات) بالفاء والجيم هي التى تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات ويسمى ذلك وشرا بالمعجمة والراء ومنه لعن الواشرة والمستوشرة (للحسن) خرج بذلك ما اذا فعلته لحاجة كعلاج أو عيب في السن فلا بأس به (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم عن عائشة ومعنى قوله فهو رد أي مردود على فاعله غير مقبول منه وهو مصدر وموضع المفعول على حد الدرهم ضرب فلان (ونهى عن نتف الشيب)

فصل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه

وتغييره بالسواد تطرية للحسن وايهاما للشباب وأمر بتغييره بالصفرة والحمرة فانهما وان غيرا لونه فقد أفهما ان ثم شيبا. [فصل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه] «فصل» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو عض بها صوته وحمد وقال اذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فان الشيطان يدخل وقال ان الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فاذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى أخرجه الترمذي والنسائى عن ابن عمر وعلة النهى ما أخرجه البيهقى في الشعب عن ابن عمر والشيب نور المؤمن لا يشيب رجل شيبة في الاسلام الا كان له بكل شيبة حسنة ورفع بها درجة ولابن عساكر من حديث أنس الشيب نور من خلع الشيب فقد خلع نور الاسلام (و) نهى أيضا عن (تغييره بالسواد) وقال من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة أخرجه الطبراني في الكبير عن أبى الدرداء والخضاب بالسواد حرام على الصحيح الا للمجاهدين (وأمر بتغييره بالصفرة والحمرة) أخرج الشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن أبي هريرة ان اليهود والنصاري لا يصبغون فخالفوهم واخرج ابن أبي عدي عن ابن عباس بسند ضعيف اخضبوا لحاكم فان الملائكة تستبشر بخضاب المؤمن واخرج ابن عساكر عن واثلة عليكم بالحناء فانه ينور رؤسكم ويطهر قلوبكم ويزيد في الجماع وهو شاهد في القبر قال عياض اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب فقال بعضهم ترك الخضاب أفضل ورووا فيه حديثا مرفوعا في النهي عن تغيير الشيب وروى هذا عن عمر وعلى وأبي وآخرين وقال آخرون الخضاب أفضل وخضب جماعة من الصحابة وقال الطبرى الاحاديث بالخضاب والنهى عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض ولا ناسخ ولا منسوخ بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبى قحافة والد أبى بكر والنهي لمن شمط فقط قال واختلاف فعل السلف في الامرين بحسب اختلاف أحوالهم ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض انتهي كلام الطبرى وقال غيره هو على حالين فمن كان في موضع عادة أهله الصبغ أو الترك فخروجه عن العادة شهرة مكروه والثاني انه يختلف باختلاف نظافة الشيب فمن كان شيبه نقيا حسنا فترك الخضب في حقه أولي ومن كان مستبشعا فالصبغ أولى انتهى وقال النووي الاصح الا وفق للسنة وهو مذهبنا استحباب حضاب الشيب للرجل والمرأة بحمرة أو صفرة. (فصل) في كيفية عطاسه (وكان اذا عطس الى آخره) أخرجه أبو داود والحاكم والنسائى عن أبي هريرة وأخرج الحاكم والبيهقى عنه اذا عطس أحدكم فليضع يده على وجهه وليخفض صوته و (اذا تثاءب أحدكم الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن أبي سعيد (فان الشيطان يدخل) هو على ضرب المثل لكون التثاؤب مبنى على الكسل والتثاقل عن الطاعات وذلك من تثبيط الشيطان وهو معنى قوله والتثاؤب من الشيطان (وحمد الله) ولو بنحو الحمد لله ويندب زيادة رب العالمين قالت الملائكة

وكان صلى الله عليه وسلم يتوكأ على العصا وقال التوكؤ عليها من أخلاق الأنبياء

كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول يرحمك الله وأما التثاؤب فانما هو من الشيطان فاذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فان أحدكم اذا تثاءب ضحك منه الشيطان رواه البخارى وفي رواية فيه فليقل يعني العاطس لمن شمته يهديكم الله ويصلح بالكم. [وكان صلى الله عليه وسلّم يتوكأ على العصا وقال التوكؤ عليها من أخلاق الأنبياء] وكان صلى الله عليه وسلم يتوكأ على العصا وقال التوكؤ عليها من أخلاق الانبياء وربما اتكأ على غيره لضرورة ولا ينفك من عصا يحملها معه فربما حمل عسيبا او عرجونا او عنزة او محجنا. وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيرة رحمك الله وللبخاري في الادب عن على موقوفا عليه من قال عند كل عطسة سمعها الحمد لله رب العالمين على كل حال كان لم يجد وجع الضرس ولا الاذن أبدا قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح البارى هذا موقوف رجاله ثقات ومثله لا يقال من قبل الرأى فله حكم المرفوع (كان حقا) أي مستحبا متأكدا (التثاؤب من الشيطان) أي من وسوسته وكيده ومكره ليثبط عن الطاعات ويكسل عنها (رواه البخارى) وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ولمسلم فان أحدكم اذا قال هاضحك منه الشيطان وللترمذى وابن سنى عن أبي هريرة واذا قال آه آه فان الشيطان يضحك من جوفه وللترمذى عن دينار العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة والحيض والقيء والرعاف من الشيطان (لمن شمته) باعجام الشين واهمالها فعلى الاول أصله الدعاء بحفظ الشوامت وهي التى بها قوام الشيء وذلك لان العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق فاذا قيل له يرحمك الله كان معناه يعطيك رحمة يرجع بها كل عضو الى حاله قبل العطاس وعلى الثانى أصله الدعاء بان يرجع كل عضو الى سمته الذى كان عليه (يهديكم الله ويصلح بالكم) أو يرحمنا الله واياكم أو يغفر الله لنا ولكم كما كان يقوله ابن عمر أخرجه مالك عن نافع عنه (أو عنزة) بالمهملة فالنون فالزاي مفتوحات وهى عصا أقصر من الرمح لها سنان وقيل هي الحربة القصيرة (كان يحب الفأل) كما في الصحيحين والمستدرك عن عائشة وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة والفأل بالهمز ويجوز تركه وجمعه فؤول كفلس وفلوس ويقال منه تفال بالمد مع التخفيف ويقال بالتشديد قال النووي والتشديد الاصل والاول مخفف منه مقلوب عنه قال وقال العلماء يكون الفأل فيما يسر وفيما يسؤ والغالب في السرور فقد قال صلى الله عليه وسلم حين قالوا ما الفأل قال الكلمة الطيبة الصالحة يسمعها أحدكم وانما أحبه لما فيه من تأميل الفوائد من الله عز وجل وفضله فهو على خير في الحال وان غلط في جهة الرجاء فالرجاء له خير فقد جاء في الحديث انتظار الفرج بالصبر عبادة أخرجه ابن أبي عدي والخطيب عن أنس وأخرجه القضاعى عن ابن عمر وعن ابن عباس وأخرجه ابن عساكر عن على قال النووى ومن أمثله التفاؤل ان يكون له مريض فيسمع من يقول يا سالم أو يكون طالب حاجة فيسمع من يقول يا واجد (ويكره الطيرة) بالمهملة فالتحتية بوزن الغيبة على الصحيح المشهور. وحكى عياض عن ابن الاثير سكون الياء وهو مصدر يطير طيرة ولم يجيء له نظير الاتخير خيرة والطيرة التشاؤم وأصله كل مكروه وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء

وكان إذا أهمه أمر رفع رأسه إلى السماء

ويقول ما منا الا من يجد في نفسه ولكن الله يذهبه بالتوكل وكان اذا جاءه ما يحب قال الحمد لله رب العالمين واذا جاءه ما يكره قال الحمد لله على كل حال. وكان صلى الله عليه وسلم يتمثل بالشعر ويستنشده من غيره ويستزيده. [وكان إذا أهمه أمر رفع رأسه الى السماء] وكان اذا أهمه أمر رفع رأسه الى السماء فقال سبحان الله العظيم واذا اجتهد في الدعاء قال يا حى يا قيوم واذا استصعب عليه أمر. قال اللهم لا سهل الا ما جعلته سهلا وانت تجعل الحزن اذا شئت سهلا. وقال ما يمنع احدكم اذا عسر عليه امر معيشته ان يقول اذا خرج من بيته بسم الله على نفسي ومالى وديني اللهم رضني بقضائك وبارك لى فيما قدرت لى حتى لا احب تعجيل ما اخرت ولا تأخير والطيور فان أخذت ذات اليمين تبركوا به او ذات الشمال تشاءموا وتركوا ما أرادوه من نحو سفر فنفي الشارع ذلك وابطله ونهى عنه وأخبر انه ليس بشيء بل جاء في الحديث الطيرة شرك أخرجه أحمد والبخاري في الادب وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه والحاكم عن ابن مسعود قال النووى أى اعتقاد انها تنفع وتضر اذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك انتهي قال العلماء ولا تكون الطيرة الا فيما يسوء وقد يستعمل مجازا في السرور وانما كرهت لما فيها من سوء الظن وتوقع البلاء ففيها قطع الرجاء والامل من الله تعالي (الا من يجد في نفسه) قال ذلك على سبيل هضم النفس والتواضع والا فمن حل بادني محل من التوكل لا يجد فكيف بمن حل ذروته وفي قوله (ولكن الله يذهبه بالتوكل) أي لان من قام في مقام التوكل والتفويض لمولاه لا يلتفت لشيء سواه (كان يتمثل بالشعر) كقوله* ويأتيك بالاخبار من لم تزود* أخرجه الطبراني عن ابن عباس وأخرجه الترمذي عن عائشة ولابن سعد في الطبقات عن الحسن مرسلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بهذا البيت* كفا بالاسلام والشيب للمرء ناهيا* (ويستنشده من غيره) كقوله لعامر بن الاكوع في طريق خيبر اسمعنا من هنياتك أخرجه الشيخان وغيرهما عن سلمة (ويستزيده) أخرج مسلم عن عمرو بن الشريد قال ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء قلت نعم قال هيه فانشدته بيتا فقال هيه حتى انشدته مائة بيت قال أن كان ليسلم (كان اذا دهمه أمر رفع رأسه الى السماء) لما قيل انها قبلة الدعاء (فقال سبحان الله العظيم) وللحاكم من حديث ابن مسعود يا حي يا قيوم برحمتك استغيث وأخرجه الترمذي من حديث أنس وأخرجه النسائي من حديث ربيعة بن عامر (واذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم) أخرجه النسائي والحاكم في المستدرك عن على قال الحاكم صحيح الاسناد ليس في اسناده مذكور يخرج (واذا استصعب عليه أمر الى آخره) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أنس (الحزن) بفتح المهملة وسكون الزاي نقيض السهل (لا أحب)

ما عجلت. وكان صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين اعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه ويقول لهما ان اباكما يعني ابراهيم كان يعوذ بهما اسماعيل واسحاق صلى الله عليه وسلم وعليهم اجمعين. وكان صلى الله عليه وسلم اذا خاف ان يصيب شيئا بعينه قال اللهم بارك فيه ولا تضره وقال ما انعم الله على عبد نعمة في اهل ومال وولد فقال ما شاء الله لا قوة الا بالله فيرى فيها آفة دون الموت. وقال اذا رأى احدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه فان العين حق بالنصب والضم (يعوذ) بضم أوله وفتح المهملة وكسر الواو المشددة وبفتح أوله وضم العين وتخفيف الواو (اعيذ كما بكلمات الله) فيه دليل على ان القرآن وجميع كلمات الله ليست مخلوقة والا لما عوذهما بمخلوق كما استدل به أحمد وغيره والمراد بكلمات الله كلامه مطلقا وقيل أقضيته وقيل مواعيده (التامة) هي الكاملة أو النافعة أو الشافية أو المباركة أو الماضية التى تمضى وتستمر ولا يردها شيء ولا يدخلها نقص ولا عيب أقوال (وهامة) بالتشديد وجمعها هوام وهي ذوات السموم (عين لامه) أى داء وآفة قلم بالانسان من جنون ونحوه قال أبو عبيد هي من الممت الماما يعنى انها تأتي وقتا بعد وقت قاله ابن الانباري قال والاصل ملمة وانما قال لامه لمواجهة هامه (وقال ما أنعم الله على عبد الى آخره) أخرجه أبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أنس (دون الموت) يحتمل أن يكون دون بمعنى الا ويحتمل انها بمعني فعل (اذا رأى أحدكم ما يعجبه الى آخره) أخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم عن عامر بن ربيعة (العين حق) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن أبى هريرة زاد أحمد والطبراني والحاكم من حديث ابن عباس تستنزل الحالق وزاد أحمد ومسلم عنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين واذا استغسلتم فاغسلوا وزاد الكجي في سننه عن أبى هريرة يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم ولابن أبي عدي وأبي نعيم في الحلية عن جابر العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر وأخرجه ابن أبي عدي أيضا عن أبى ذر قال المازري أخذ جماهير العلماء بظاهر هذا الحديث وأنكره طوائف من المبتدعة والدليل على فساد قولهم ان كل معني ليس مخالفا في نفسه ولا يؤدي الي قلب حقيقة ولا افساد دليل فانه من مجوزات العقول فاذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه قال ومذهب أهل السنة ان العين تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى الله العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص آخر وقوله واذا اغتسلتم فاغسلوا قال المازرى كيفيته عند العلماء ان يؤتي بقدح ماء ولا يوضع في الارض فيأخذ العائن منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه ثم يأخذ بشماله ما يغسل به كفه اليمنى ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الايسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين ثم يغسل قدمه اليمني ثم اليسرى ثم ركبته اليمني ثم اليسري على الصفة المتقدمة وكل ذلك في القدح ثم داخل ازاره وهو المتدلى الذي يلى الايمن واذا استكمل هذا صبه من خلفه على رأسه وهذا المعني لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع المعلومات فلا يدفع هذا بان لا يعقل معناه قال وهو أمر وجوب يجبر

فصل في مزاحه صلى الله عليه وسلم

وكان صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبياز حين يولدون فيحنكهم بريقه مع التمر ويدعو لهم ويسميهم وأمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق قال العلماء السنة لمن أراد العق أن يؤخر التسمية ولغيره تقديمها جمعا بين الأحاديث وذكر انه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة. [فصل في مزاحه صلى الله عليه وسلم] «فصل» في مزاحه صلى الله عليه وسلم قال العلماء المزاح فيه مباح ومذموم والمذموم ما دوّم عليه وكان فيه افراط في الضحك وان كثرته تقسي القلب وتورث الغفلة وتسقط المهابة والوقار واليه الاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه وأما المباح فهو ما كان على النذور لتطييب نفس وايناس ويلحق بالطاعات عليه العائن على الصحيح قال ولا يبعد الخلاف فيه اذا خشى على المعين الهلاك وكان وصف العائن مما جرت العادة بالبر منه أو كان الشرع اخبر به خبرا عاما ولم يمكن زوال الهلاك الابه فانه يصير من باب من تعين عليه احياء نفس مشرفة على الهلاك وقد تقرر انه يجبر على بذل الطعام للمضطر فهذا أولى (فائدة) نقل عياض عن بعض العلماء انه اذا عرف أحد بالاصابة بالعين يجتنب ويحترز منه وينبغي للامام منعه من مداخلة الناس ويأمره بلزوم بيته فان كان فقيرا رزقه ما يكفيه ويكف اذاء عن الناس فضرره أشد من ضرر اكل الثوم والبصل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم دخول المسجد لئلا يؤذى المسلمين ومن ضرر المجذوم الذى منعه عمر والخلفاء بعده الاختلاط بالناس (وكان يؤتي بالصبيان حين يولدون فيحنكهم) كما في قصة ابى طلحة ومجيء انس به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيحين وغيرهما (وأمر بتسمية المولود الى آخره) اخرجه الترمذى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (قال العلماء السنة لمن أراد العق ان يؤخر التسمية) الى السابع (ولغيره تقديمها) يوم الولادة (جمعا بين الاحاديث) التي فيها أن التسمية تكون يوم الولادة لحديث انس في الصحيحين ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة حين ولد الى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه انه صلى الله عليه وسلم حنكه بتمر وسماه عبد الله والتى فيها أن التسمية يوم السابع كحديث الترمذي المار آنفا وأول من جمع بهذا البخاري رحمه الله قال الحافظ ابن حجر انه لطيف لم أره لغيره (عق عن نفسه بعد النبوة) اخرجه البيهقى وهو حديث باطل قاله النووي في المجموع (فصل) في مزاحه (المهابة) (والوقار) مترادفان (لا تمار أخاك ولا تمازحه الى آخره) أخرجه الترمذي عن ابن عباس واخرج ابو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن معاذ اذا احببت احدا فلا تماره ولا تشاره ولا تسأل عنه أحدا فعسى ان توافي له عدوا فيخبرك بما ليس فيه فيفرق ما بينك وبينه (فتخلفه بالنصب

ومكارم الأخلاق بحسب المقاصد وكذلك كان مزاحه صلى الله عليه وسلم. وروينا في كتاب الترمذي عن أبى هريرة قال قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم انك تداعبنا قال انى لا أقول الا حقا فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأخى أنس وكان له نغير يلعب به فمات فحزن عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له يا أبا عمير ما فعل النغير وكان يقول لأنس يا ذا الأذنين. وأتاه رجل يستحمله فقال انى حاملك على ولد الناقة فقال يا رسول الله وما أصنع يولد الناقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تلد الإبل الا النوق وجاءته امرأة فقالت يا رسول الله ان زوجى مريض وهو يدعوك فقال لعل زوجك الذي في عينيه بياض فأخبرت زوجها فقال ويحك وهل أحد الا وفي عينيه بياض. وجاءته امرأة أخرى فقالت يا رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة فقال يا أم فلان لا يدخل الجنة عجوز فولت المرأة وهي تبكي فقال صلى الله عليه وسلم اخبروها انها لا تدخل الجنة وهى عجوز ان الله تعالى يقول إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً قالت عائشة سابقته صلى الله عليه وسلم أولا فسبقته فلما كثر لحمى سابقته فسبقنى فضرب كتفي وقال هذه بتلك. وكان رجل من أهل البادية اسمه زاهر بن حزام وكان قصيرا جدا وكان يهدى للنبى صلى الله عليه وسلم من طرف البادية فيجهزه بمثلها من الحاضرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان زاهرا باديتنا ونحن حاضروه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويداعبه فجاء يوما وهو يبتع متاعا له في السوق فاحتضنه من خلفه ووضع يده على عينيه فلما عرف انه النبى صلى الله عليه وسلم على جواب النهى (وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة) وفي معجم الطبرانى الكبير عن ابن عمر وفي ادب البخاري عن انس (تداعبنا) تمازحنا وزنا ومعنى (لاخي انس) من امه وهو ابن ابي طلحة الذى مات وهو غائب (نغير) بضم النون وفتح المعجمة نوع من أنواع العصافير (يا أبا عمير) قال النووى فيه جواز تكنية من لم يولد له وجواز تكنية الصغير وعمير مصغر (النغير) بضم النون وفتح المعجمة وسكون التحتية (وما اصنع بولد الناقة) معناه انه ظن ان سيحمله على الجواز الصغير الذى لا يطيق الحمل (الابل) بالنصب مفعول (الا النوق) بالضم فاعل (فاخبرت زوجها) ظنا منها انه أراد بياضا في سواد عينه (لا يدخل الجنة عجوز) متصفة بالعجز حال دخولها (وهي تبكي) تظن من اتصفت به في الدنيا (عربا) متحببات الى ازواجهن (اترابا) متساويين في السن (قالت عائشة) اخرجه عنها احمد وابو داود (زاهر) بالزاى أوله والراء آخره قال ابن عبد البر اشجعي شهد بدرا (ابن حزام) بكسر الحاء وبالزاي وقيل بفتحها وبالراء (من طرف) بضم المهملة وفتح الراء جمع طرفة وهي الهدية التي لم يعط مثلها يقال

جعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري مني العبد فقال الرجل يا رسول الله اذا تجدنى كاسدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكنك عند ربك لست بكاسد. ووجد الحسن بن علىّ مع الصبيان فطلبه وجعل الحسن يفر ها هنا وها هنا وهو يضاحكه حتى أخذه فجعل أحدى يديه تحت ذقنه والاخرى فوق رأسه. وكان ربما دخل على عائشة والجواري عندها فينقمعن منه فيسر بهن اليها وقال لها يوما وهي تلعب بلعبها ما هذا يا عائشة قالت حيل سليمان بن داود فضحك وطلب الباب فابتدرته واعتنقته وكان ربما أدلع لسانه للحسن بن على فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش اليه وأكل صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه تمرا فجاء صهيب وقد غطى على عينيه وهو أرمد فسلم وأهوى الى التمر يأكل فقال صلى الله عليه وسلم تأكل الحلو وأنت أرمد فقال يا رسول الله صلى الله عليك انى آكل بشق عيني الصحيحة فضحك صلى الله عليه وسلم. وكان أصحاب رسول الله يتمازحون بالقول والفعل فربما تراموا بالبطيخ وتحاملوا الحجر لاختبار قوتهم. اطرف فلان فلانا اذا اهدى له كذلك ويقال اطرافنا من كلامك أي اسمعنا ما لم نسمع به (لا يألو) لا يقصر (اذا تجدنى) بالنصب (كاسدا) أي بائرا وزنا ومعنى (فينقمعن) بالنون والقاف أي تجنبن حياء وهيبة (فيسر بهن اليها) بفتح المهملة وتشديد الراء أي يرسلهن نحوها (بلعبها) بضم اللام وفتح المهملة واللعب هى المسماة بالبنات (واعتنقته) زاد المحب الطبري في الخلاصة فقال مالك يا حميراء فقالت بابى أنت وامي أدع الله ان يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر قالت فرفع يديه حتى رأيت بياض أبطيه وقال اللهم اغفر لعائشة بنت أبي بكر مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا ولا تكسب بعدها اثما وقال فرحت عائشة فقالت «1» والذي بعثك بالحق فقال أما والذي بعثني بالحق ما خصصتك بها من بين أمتى وانها كصلاتي لامتى في الليل والنهار فيمن مضى منهم ومن بقي ومن هو آت الى يوم القيامة وانما ادعو لهم والملائكة يؤمنون على دعائى (ادلع) بالمهملتين (فيهش) بفتح الهاء (وأكل هو واصحابه تمرا) زاد المصنف في الرياض وهم بقباء (صهيب) بالمهملة والموحدة مصغر هو ابن سنان بن مالك النمري نسبة الى النمر بن قاسط فخذ من ربيعة بن نزار قال ابن عبد البر كان والد صهيب وعمه عاملين لكسري وكانت منازلهم على دجلة عند الموصل وقيل كانوا بناحية الجزيرة واغارت عليهم الروم فاخذوا صهيبا وهو صغير فنشأ فيهم ونسب اليهم فابتاعه قوم من كلب منهم فباعوه من عبد الله بن جدعان فاعتقه وولد صهيب يزعمون انه لما كبر في الروم وعقل عقله هرب منهم ثم قدم مكة وحالف ابن جدعان (الحلو) بضم المهملة وكسرها وسكون اللام (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في الرياض حتى بدت نواجذه

_ (1) . كذا بالاصل وفيه نقص فليحرر

الباب الثانى في الأخلاق المعنويات

(فصل) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بملاعبة الزوجة والولد وتأديب الفرس وتعلم الرمى والسباحة وحث على ذلك ورخص في اللعب بالدف للعرس والعيد وقرر الجواري على اللعب بالأرجوحة والتلعب بالبنات لعلة التدريب وقرر الحبشة أيضا على لعبهم بالحراب والدرق في المسجد وقام طويلا ليستر عائشة وهى تنظر اليهم فلما ملت قالت حسبي قال فاذهبي اذا والله أعلم. [الباب الثانى في الأخلاق المعنويات] (الباب الثانى في الاخلاق المعنويات) التي حمدت شرعا وعقلا وشرف المتخلق بها أو بالوا حد منها عرفا وعادة كالعلم والحلم والصبر والشكر والعدل والزهد والتواضع والعفو والعفة والجود والشجاعة والحياء والمروءة والصمت والتؤدة والوقار والرحمة وحسن الأدب والمعاشرة وأخواتها وهي التى جماعها حسن الخلق الذى عظمه الله من نبيه وأصلها العقل الذى يحمل صاحبه على اقتناء الفضائل وتجنب الرذائل وبه ظهر شرف الحيوان الانسانى على سائر الحيوانات وبتفاوته «فصل» في ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بملاعبة الزوجة (وأمر بملاعبة الزوجة) كقوله لجابر هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك وجاء فيه وفي تأديب الفرس وتعلم الرمى حديث حسن اخرجه احمد والترمذي والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارموا واركبوا وان ترموا أحب الى من ان تركبوا كل شيء يلهو به الرجل باطل الارمي الرجل بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته امرأته فانهن من الحق ومن ترك الرمى بعد ما علمه فقد كفر الذى علمه (والسباحة) اخرج النسائى عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير كل شيء ليس من ذكر الله لهو ولعب الا ان يكون أربعة ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الفرضين وتعليم الرجل السباحة (وحث على ذلك) كقوله عليكم بالرمي فانه من خير لهوكم اخرجه البزار عن سعد واخرجه عنه أيضا الطبراني في الاوسط بلفظ فانه من خير لعبكم (ورخص في اللعب بالدف) بل أمر به فقال اعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف أخرجه الترمذي عن عائشة واخرج احمد والترمذى وابن ماجه عن محمد ابن حاطب (فصل) ما بين الحلال والحرام ضرب الدفوف والصوت في النكاح وأخرج عبد الله بن احمد بن حنبل في زوائد مسند أبيه عن أبي حسن المازني قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره نكاح السر حتى يضرب بدف والدف بضم الدال وفتحها (للعرس) بضم الراء وسكونها (والعيد) والحديث فيه مشهور في الصحيحين. (الباب الثانى) في الاخلاق المعنويات (والصمت) بفتح المهملة وكسرها (والتوءدة) بضم الفوقية وفتح الهمزة ثم مهملة وهي التأنى (جماعها) أي الجامع لها (اقتناء) اكتساب وزنا ومعنا

فصل اعلم أن الأخلاق الحميدة تكون غريزة ومكتسبة

تتفاوت درجات الرجال وقد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه منزلا لا يقدر قدرها ولا يرام سبرها قال وهب بن منبه قرأت في أحد وسبعين كتابا فوجدت في جميعها ان الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا الى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلم الا كحبة رمل بين رمال الدنيا. [فصل اعلم أن الأخلاق الحميدة تكون غريزة ومكتسبة] (فصل) * اعلم ان الاخلاق الحميدة تكون غريزة ومكتسبة ومع الاكتساب لا بد أن يكون في أصل الجبلة شعبة من أصولها فتكون جالبة لبقيتها ثم انها قد تكون دنيوية اذا لم يرد بها وجه الله ولكنها تعد محاسن على كل حال باتفاق الفضلاء وقد كان صلى الله عليه وسلم محتويا على كمالها مجبولا عليها في أصل خلقته وأول فطرته وكذلك سائر الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يحصلوه بممارسة ولا رياضة بل بجود إلهي وخصوصية ربانية* قال القاضي عياض وقد نجد غيرهم على بعض هذه الأخلاق دون بعض جميعها ويولد عليها فيسهل عليه اكتساب تمامها عناية من الله تعالى كما نشاهد من خلقة بعض الصبيان على حسن الصمت والشهامة وصدق اللسان والسماحة وقد نجد بعضهم على ضدها فبالاكتساب يكمل ناقصها وبالرياضة والمجاهدة يستجلب معدومها ويعتدل محترفها وكل ميسر لما خلق له (لا يقدر) أى لا يعبر عنه بقدر لخروجه عن التقدير (سبرها) بفتح المهملة وكسرها وسكون الموحدة وهى قدرها أيضا (وهب) بفتح الواو وسكون الهاء ثم موحدة (ابن منبه) بالنون فالموحدة كأسم الفاعل ابن سيج بكسر المهملة وقيل بفتحها وسكون التحتية ثم جيم قال الشمني تابعى جليل مشهور بمعرفة الكتب الماضية (كحبة رمل بين رمال الدنيا) وعن كعب الاحبار قال خلق الله العقل ألف جزء فقسم جزأ بين الخلائق كلها وأعطى نبيه محمدا تسعمائة وتسعة وتسعين. (فصل) في بيان ان الاخلاق الحميدة هل هى مكتسبة أو غريزية (غريزية) بفتح المعجمة وكسر الراء والزاى بينهما تحتية ساكنة وتحتية مشددة وهى ما جبل عليه الشخص وكان في أصل خلقته (الجبلة) بكسر الجيم والموحدة وتشديد اللام أى الخلقة (شعبة) بضم المعجمة وسكون المهملة ثم موحدة أي فرقة وقطعة (لم يرد) مبنى للمفعول وللفاعل فعلى الاول (وجه الله) مرفوع وعلى الثانى منصوب (محاسن) بالنصب (باتفاق العقلاء) زاد في الشفاء وان اختلفوا في موجب حسها وتفضيلها (محتويا) يقال احتوي على الشيء اذا استأثر به دون غيره (حسن السمت) بفتح المهملة وسكون الميم وهي الطريقة وهيئة الحسن (والشهامة) بفتح المعجمة قال الشمنى مصدر شهم الرجل بضم الهاء فهو شهم أى جلد ذكي الفؤاد (وكل ميسر لما خلق له) هو حديث أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن عمران بن حصين وأخرجه الترمذى عن عمر وأخرجه أحمد عن أبي بكر.

فصل في علمه وحلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى الله عليه وسلم

وهذا حين أذكرها مفصلة من نبينا صلى الله عليه وسلم. [فصل في علمه وحلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى الله عليه وسلم] «فصل» في علمه وحلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى الله عليه وسلم أما العلم فقال الله تعالى وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً. وقال تعالى وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً. كلت الألسن عن وصف قدر منحته من العلم وأمر بسؤال الزيادة عليها وقال تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى . قال القاضي عياض ولما كان ما كاشفه من ذلك الجبروت وشاهد من عجائب الملكوت لا تحيط به العبارات ولا تستقل لحمل سماع أدناه العقول رمز عنه تعالى بالايماء والكناية الدالة على التعظيم فقال فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى وقال في قوله تعالى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى. انحصرت الافهام عن تفصيل ما أوحى وتاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى. قال المؤلف واذا أردت ان تعلم مكانته صلى الله عليه وسلم من العلم فانظر الى ما تضمنته شريعته من الأصول والفروع ودقائق الاحكام وأسرار المعانى التي جهل وجه الحكمة في أكثرها ولزم الخلق (فصل) في علمه وحلمه (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ) يعنى القرآن (وَالْحِكْمَةَ) يعني القضاء بما أوحي اليه (وَقُلْ رَبِّ) أي يا رب (زِدْنِي عِلْماً) أى بالقرآن ومعانيه أو علما الى علمى قال البغوى وكان ابن مسعود رضى الله عنه اذا قرأ هذه الآية قال اللهم زدنى ايمانا ويقينا (كلت الالسن) أى ضعفت وأعيت (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وكان الذي أوحاه اليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى الى قوله وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قاله سعيد بن جبير وقال ابن عباس وأكثر المفسرين أوحى الله الى جبريل وجبريل الى محمد وذكر عن جعفر بن محمد الصادق قال أوحي الله اليه بلا واسطة وذكر مثله عن الواسطي وحكي عن ابن مسعود وابن عباس والاشعري وقيل أوحي اليه ان الجنة محرمة على الانبياء حتى تدخلها أنت وعلى الامم حتى تدخلها أمتك (قال القاضي) عياض في الشفاء (الجبروت) بفتح الجيم والموحدة وضم الراء ثم واو ثم فوقية هي مقلوب من الجبر وهو القهر (الملكوت) فعلوت من الملك وكذلك الرهبوت من الرهبة والرحموت من الرحمة (ولا تستقل) أى لا تحمل (أدناه) بفتح الهمزة وسكون المهملة (رمز عنه) أي أشار اليه والرمز الاشارة ومنه قوله تعالى أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) قال في الشفاء وهذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد والبلاغة بالوحي والاشارة وهو عندهم أبلغ أبواب الايجاز (لَقَدْ رَأى) هذه لام القسم أى والله لقد رأي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء جملة (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) أي العظام وأراد ما رآه في مسيره تلك الليلة وعوده بدليل لنريه من آياتنا وقيل معناه لقد رأي من آيات ربه الكبري وأخرج البخاري عن ابن مسعود رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء (انحسرت) أى كلت وانقطعت (وتاهت) تحيرت (ولزم الخلق) بالنصب

الانقياد لها والتسليم فقال تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً الى علمه صلى الله عليه وسلم بكتب الله القديمة وحكم الحكماء وسير الامم الخالية وفنون العلم الثابتة كالعبارة والطب والحساب والفرائض والنسب وغير ذلك مما قدمنا الاشارة اليه في باب المعجزات* وأما الحلم والاحتمال والعفو مع القدرة والصبر على ما يكره ومعانيها متقاربة وهى مما يلقاها صلى الله عليه وسلم عن أمر ربه بالقبول والاقبال وبلغ فيها أعلى درجات الكمال فقال تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه سأل جبريل عن تأويلها فقال له (الانقياد) بالرفع (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الآية) سبب نزولها ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن الزبير انه خاصم رجلا من الانصار قد شهد بدرا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سراج الحرة كانا يسقيان به كلاهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير يا زبير اسق يا زبير ثم أرسل الى جارك فغضب الانصاري فقال يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر الحديث وهذا الرجل هو حاطب بن أبي بلتعة وهو لخمي أو مذحجي قولان ولكن كان له حلف في قريش وفي الانصار فمن ثم نسب في هذا الحديث الى الانصار وقوله تعالى فَلا أي ليس الامر كما زعموا انهم مؤمنون بك ثم لا يرضون بحكمك وقوله وَرَبِّكَ استئناف قسم قال البغوى ويجوز أن تكون لا صلة كقوله لا أُقْسِمُ (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) أي يجعلوك حكما (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) أى اختلف واختلط من أمرهم والتبس حكمه عليهم وسمى الشجر لالتفاف اغصانه بعضها الى بعض (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) من حكمك أى شكا قاله مجاهد أو ضيقا قاله غيره أو اثما بانكارهم قضاءك قاله الضحاك (وَيُسَلِّمُوا) أى ينقادوا الحكمك (تَسْلِيماً) أي انقيادا (وحكم) جمع حكمة (والحلم) قال في الشفاء الحلم حالة توقر وثبات عند الاسباب المحركات (والاحتمال) قال هو حبس النفس عند الآلام والمؤذيات ومثله الصبر (والعفو) قال هو ترك المؤاخذات (ومعانيها متقاربة) لكن يظهر أن الاحتمال أبلغ من الحلم لان من حبس نفسه عند الآلام والمؤذيات سهل عليه التوقر والثبات عند الاسباب المحركات اذ هذا حبس النفس أيضا ولا شك ان العفو أبلغ منهما لان الحليم والمحتمل ربما عاقب بخلاف العفو (خُذِ الْعَفْوَ) أي من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسن وذلك مثل قبول العذر والعفو والمساهلة وترك البحث عن مالا يعنى قاله ابن الزبير ومجاهد او معناه خذ ما عفي لك من الاموال وهو الفضل عن العيال ثم نسخ بفرض الزكاة قاله ابن عباس والسدى والضحاك والكلبي (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي بالمعروف وهو كل ما يعرفه الشرع أو لا إله الا الله قولان (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) كابي جهل وأصحابه نسختها آية القتال (روي ان النبي صلى الله عليه وسلم الى آخره) هكذا هو في تفسير البغوى والشفاء

فصل وأما جوده وكرمه وسخاؤه وسماحته صلى الله عليه وسلم

حتى اسئل العالم ثم ذهب فأتى فقال يا محمد ان الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعف عمن ظلمك وقال تعالى (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وقال تعالى (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) فغير خاف على من تأمل أحواله وأقواله وحققها معرفة أنه صلى الله عليه وسلم قد نزل من هذه الاخلاق منزله لا ترتقى وامتطى منها مطية لا تمطى وانه كان لا يستخفه كثرة الأذي ولا طيش الجهال وفي بعض كلام عمر بن الخطاب الذى بكى به النبي صلى الله عليه وسلم بأبى أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون. [فصل وأما جوده وكرمه وسخاؤه وسماحته صلى الله عليه وسلم] «فصل» وأما جوده وكرمه وسخاؤه وسماحته صلى الله عليه وسلم وبين هذه الألفاظ فروق لطيفة ويجمعها بذل المال على وجه التكرم وغير مدافع ان النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة (حتى أسئل العالم) بكسر اللام يعنى الله عز وجل (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من الاذى وهذه احدى الجمل الاربع التي أمر لقمان ابنه بها وهي اقامة الصلاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر (فَإِنَّ ذلِكَ) المذكور وهى الخصال الاربع (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أى من الامور التي يعزم عليها لوجوبها (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) أي ذو والحزم قاله ابن عباس أو ذو والجد والصبر قاله الضحاك ومر ذكر أولى العزم والكاف في قوله كما هي لسبقية أصل الصبر بالصبر والا فمقدار صبره صلى الله عليه وسلم لا يبلغه مقدار صبرهم أو معناه اصبر صبرا يناسب حالك كما صبر أولو العزم صبرا يناسب حالهم (فائدة) أخرج أبو الشيخ في مسنده عن عائشة قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ان الدنيا لا ينبغي لمحمد ولآل محمد يا عائشة ان الله لم يرض من أولى العزم الا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ولم يرض الا ان كلفني ما كلفهم فقال فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وانى والله ما يدمن طاعته والله لا صبرن كما صبروا واجهدن ولا حول ولا قوة الا بالله (وامتطى) بهمز وصل وسكون الميم وفتح الفوقية والمهملة والامتطاء الركوب على مطاء الدابة بفتح الميم فالمهملة أى ظهرها (رَبِّ لا تَذَرْ) أي لا تترك (دَيَّاراً) أي دائرا في الارض يذهب فيها ويجيء فيقال من الدوران وقال القتيبي أصله من الدار أي نازل دارا (مثلها) بالنصب (لهلكنا من عند آخرنا) كما هلك الذين دعا عليهم نوح من آخرهم (وطيء ظهرك) هذا مثل لمن يجترأ عليه ويهان ولعله أراد ما فعله عقبة بن أبي معيط من وضع السلا على رقبته. (فصل) في جوده وكرمه وسخائه وسماحته (فروق لطيفة) فرق بها بعضهم فقال الكرم الانفاق بطيب النفس فيما يعظم خطره ونفعه ويسمى حرية وهو ضد الندالة والسخاء سهولة الانفاق وتجنب اكتساب

فصل في شجاعته ونجدته صلى الله عليه وسلم

خص من هذه الخلق بأتمها وأعمها وانه ما سئل شيئا قط فقال لا وأشتهرت الأخبار بجوده وعطاياه في حنين المائتين من الأبل ورده يومئذ على هوازن سباياها وكانوا ستة آلاف رأس وأعطى العباس عمه من الذهب ما لا يطيق حمله وأعطى رجلا يسئله غنما بين جبلين فرجع الى قومه فقال اسلموا فان محمدا يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة وحمل اليه تسعين ألف درهم فوضعت على حصير فما قام وثم منها درهم والأخبار في ذلك واسعة وقد قال صلى الله عليه وسلم انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. [فصل في شجاعته ونجدته صلى الله عليه وسلم] «فصل» في شجاعته ونجدته صلى الله عليه وسلم لا خلاف انه صلى الله عليه وسلم قد كان أشجع الناس وأشدهم شكيمة وانه قد شهد جملة من الحروب وأبلى فيها وحفظت لكل من كماة أصحابه جولة سواه. قال علىّ كرم الله وجهه كنا اذا اشتد البأس واحمرت الحدق أتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب من العدو منه ولقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ به وهو أقربنا الى العدو وقال أنس بن مالك كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس واجود الناس واشجع الناس لقد فزع اهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم الى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبى طلحة ما لا يحمد وهو الجود وهو ضد التقتير والسماحة التجافي غما يستحقه المرء عند غيره بطيب نفس وهو ضد الشكاسة (فغير مدافع) بفتح الفاء (ما سئل شيأ قط فقال لا) للحاكم من حديث أنس كان لا يسأل شيأ الا أعطاه أو سكت معناه ان كان عنده أعطاه وان لم يكن عنده سكت (فما قام وثم منها درهم) لفظ عياض في الشفاء فما رد سائلا حتى فرغ منها واخرج الترمذى ان رجلا سأله فقال ما عندى شيء ولكن ابتع على فاذا جاءنا شيء قضيناه فقال له عمر ما كلفك الله ما لا تقدر عليه فكره مقالة عمر فقال له رجل من الانصار يا رسول الله انفق ولا تخش من ذى العرش اقلالا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف البشر في وجهه وقال بهذا أمرت (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق) أخرجه ابن سعد والبخارى في الادب والحاكم والبيهقى في الشعب عن أبي هريرة. (فصل) في شجاعته ونجدته قال في الشفاء الشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل والنجدة ثقة النفس عند استرسالها الي الموت حيث يحمد فعلها دون خوف (شكيمة) بالمعجمة بوزن عظيمة وهي أن يكون الانسان شديد النفس أنفا أبيا كما مر في ذكر اسلام حمزة (جولة) بفتح الجيم أي نفور وانهزام (البأس) بالهمز الحرب (واحمرت الحدق) كناية عن اشتداد الحرب وتغير حدق الاعين من الفشل (اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم) أى جعلناه واقيا وحاجزا بيننا وبين العدو (فما يكون أحد) بالرفع (أقرب) بالنصب (وقال أنس) أخرجه عنه الشيخان والترمذي وابن ماجه (لن تراعوا) أي لن

فصل وأما حياؤه وإغضاؤه صلى الله عليه وسلم

عرى والسيف في عنقه وهو يقول لن تراعوا وقصة قتله لأبى بن خلف مبينة عن ثبات قلبه وقوة جأشه وقد سبق ذكرها في قسم السير. [فصل وأما حياؤه وإغضاؤه صلى الله عليه وسلم] «فصل» واما حياؤه واغضاؤه صلى الله عليه وسلم فقد كان اشد الناس حياء واكثرهم عن العورات اغضاء قال الله تعالى إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وعن ابى سعيد الخدرى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشد حياء من العذارى في خدرها وكان اذا كره شيئا عرفناه في وجهه وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه احدا بما يكره ولا يثبت بصره في وجه احد خافض الطرف نظره الى الأرض اطول من نظره الى السماء جل نظره الملاحظة وكان يكني عما اضطره الكلام اليه مما يستحى من ذكره كقوله تتبعي بها أثر الدم في نظائر له كثيرة قالت عائشة ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط. [فصل في حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لأصحابه وحسن أدبهم معه] «فصل» في حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لأصحابه وحسن أدبهم معه كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس كرامة لأصحابه يؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم يأتيكم روع أو فزع (جأشه) بالجيم والمعجمة والهمز أى قلبه (فصل) في حياته (واما حياؤه) وهو رقة تعترى وجه الانسان عند فعل ما يتوقع كراهته أو ما يكون تركه خيرا من فعله قاله في الشفاء (واغضاؤه) بكسر الهمزة وسكون الغين ثم ضاد معجمتين مع المد وهو التغافل عما يكره الانسان بطبيعته قاله فيه أيضا (أشد) بالنصب خبر كان واسمها مضمر وكذا وأكثرهم (وعن أبي سعيد الخدرى) أخرجه عنه أحمد والشيخان وابن ماجه (العذراء) بفتح المهملة مع المد هي المرأة التى لم تتزوج (في خدرها) بكسر الخاء أى سترها (كان اذا كره شيأ عرفناه في وجهه) أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في الاوسط عن أنس (كان لا يواجه أحدا بما يكره) أخرجه أحمد والبخارى في الادب وأبو داود والنسائي عن أنس (ولا يثبت) بضم أوله وسكون المثلثة وكسر الموحدة (بصره) بالنصب (جل نظره) أي معظمه (يكنى) بفتح أوله وسكون ثانيه ويجوز ضم أوله وفتح ثانيه مشددا (كقوله) للسائلة عن دم الحيض وهي أسماء بنت يزيد بن السكن ووقع في مسلم انها فاطمة بنت شكل (تتبعى بها) أي بالفرضة الممسكة (أثر الدم) أي اجعليها في فرجك فكنى عن ذلك بقوله تطهرى بها قالت كيف اتطهر بها يا رسول الله قال سبحان الله تطهرى بها قالت عائشة فاخذتها الى وقلت يعنى تتبعي بها أثر الدم أخرجه الشيخان والنسائى عن عائشة وتتبعي بها أثر الدم من لفظها لا من لفظه صلى الله عليه وسلم فقول المصنف كقوله نظرا الى المعنى لا الى اللفظ. (فصل) (في حسن عشرته) وهي بكسر المهملة أشهر من ضمها وسكون المعجمة المخاطبة والعشير المخالط

ويحذر الناس ويحترس منهم من غير ان يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه ويعطى كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه ان أحدا أكرم عليه منه. من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ومن سأله حاجة لم يرده الا بها أو بميسور من القول قد وسع بسطه الناس وخلقه وصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء بهذا وصفه ابن أبى هالة قال وكان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ وبذلك وصفه ربه فقال فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وقال تعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وكان صلى الله عليه وسلم يمازحهم ويخالطهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره ويعود مرضاهم ويشهد موتاهم ويقبل عذر المعتذر منهم ويكنيهم ويدعوهم بأحب أسمائهم اليهم ويقبل هداياهم ويكافئ عليها ويجيب من دعاه الى طعام أو الى وليمة ويذهب اليها وكان يشيع مسافرهم ويودعهم ويوصيهم ويتلقى قادمهم واذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته فيتحملهم بين يديه وخلفه وكان يتحمل لأصحابه فضلا عن تحمله لاهله فاذا أراد أن يخرج اليهم نظر في الماء والمرآة وسوى شعره وعدل عمامته ويقول ان الله يحب من عبده اذا خرج الى اخوته ان يتهيأ اليهم ويتجمل وكان يتفقد أصحابه فمن خاف ان يكون وجد في نفسه شيئا قال لعل فلانا وجد علينا في شي أو رأى منا تقصير اذهبوا بنا اليه فينطلق الى منزله وكان ينزل الناس منازلهم فيكرم أهل الشرف من غير تقصير في حق غيرهم وكان لا يدع أحدا يمشى ولا يجلس خلفه ويقول خلوا ظهري للملائكة ولا يمد رجليه بينهم ويوسع عليهم اذا ضاق المكان ولا يقدم ركبتيه أمام ركبهم (ويحذر الناس) بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه (الشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (لا يحسب) بالرفع والضم (أكرم) بالرفع (قاربه) بالموحدة (هو المنصرف) بالفتح وهو صلة (الناس) بالنصب (بسطه وخلقه) بالرفع (سواء) بالنصب (ابن أبي هالة) اسمه هند كما مر (فيما رحمة من الله) أي فبرحمة وما صلة (لنت لهم) أى سهلت اخلاقك لهم واحتملتهم ولم تسرع اليهم بالمعاقبة فيما كان منهم يوم أحد من الفرار (ولو كنت فظا) أي جافيا سيء الخلق قليل الاحتمال (غليظ القلب) قاسيه (لانفضوا) أي لنفروا (من حولك) وتفرقوا عنك (في حجره) بفتح المهملة وكسرها (كان يتجمل) بالجيم (فضلا) أى زيادة (وجد) أى غضب (خلوا ظهري للملائكة) أخرجه ابن سعد عن جابر

فصل وأما شفقته ورأفته ورحمته بجميع الخلق

ولا يدع أحدا منهم يمشى معه وهو راكب حتى يحمله فان أبى قال له تقدمني الى المكان الذى يريد وركب صلى الله عليه وسلم حمارا عريا الى قبا وأرادان يردف خلفه أبا هريرة فاستمسك برسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعا جميعا ثم أراد ان يركب ثانية فاستمسك برسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعا جميعا ثم عرض عليه الثالثة فقال لا والذي بعثك بالحق لا صرعتك ثالثا. وكان صلى الله عليه وسلم يكرم الداخل عليه وربما بسط له ثوبه وآثره بالوسادة وكان صلى الله عليه وسلم لا يجلس اليه أحد وهو يصلى إلا خفف صلاته وسأل عن حاجته وكان له صلى الله عليه وسلم خدم وعبيد واماء فكان لا يترفع عليهم في مأكل ولا ملبس ويخدم من خدمه* قال أنس خدمته نخوا من عشر سنين فكانت خدمته لى أكثر من خدمتى له وأمر صلى الله عليه وسلم في بعض الاسفار باصلاح شاة فقال رجل على ذبحها وقال آخر على سلخها فقال صلى الله عليه وسلم وعلى جمع الحطب فقالوا نحن نكفيك فقال قد علمت انكم تكفونى ولكنى أكره ان أتميز عليكم ثم قام وجمع الحطب وذهب مرة ليعقل ناقته فقالوا نحن نكفيك فقال لأن يستغنى أحدكم من الناس ولو في قضمة من سواك. وأما أدب أصحابه معه صلى الله عليه وسلم فسبق في حديث صلح الحديبية قول عروة بن مسعود لقريش أي قوم لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر والنجاشى وكسرى والله ان رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد والله ان تنخم نخامة الا وقعت في كف رجل الا ذلك بها وجهه وجلده فاذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون اليه النظر تعظيما له. [فصل وأما شفقته ورأفته ورحمته بجميع الخلق] (فصل) وأما شفقته ورأفته ورحمته بجميع الخلق فقال تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وقال وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فمن شفقته صلى الله عليه وسلم تألفه العرب ورؤساء القبائل بالعطايا حتى كان (ولو في قضمة) بفتح القاف وسكون المعجمة والجواب محذوف أى لكان خيرا له. (فصل) في بيان شفقته ورحمته ورأفته (لقد جاءكم رسول) هو محمد صلى الله عليه وسلم (من أنفسكم) تعرفون حسبه ونسبه وقال السدى من العرب من بنى اسماعيل وقد مر أول الكتاب انه قرئ بفتح الفاء (عزيز عليه) أي شديد وعظيم (ما عنتم) قيل ما صلة أى عنتكم وهو دخول المشقة عليكم والمضرة لكم وقال القتبي ما أعنتكم وقال ابن عباس ما ضللتم وقال الكبى ما اثمتم (حريص عليكم) أى على هدايتكم وصلاحكم أو على ضالكم ان يهديه الله (بالمؤمنين رؤف رحيم) قيل رؤف بالمطيعين رحيم بالمذنبين (كان

سبب اسلامهم وفلاحهم قال صفو ان بن أمية والله لقد أعطانى ما أعطانى وانه لا بغض الخلق الى فما زال يعطينى حتى انه لاحب الخلق الى وأعطى اعرابيا عطاء ثم قال له أحسنت اليك قال الاعرابى لا ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا اليه فأشار اليهم ان كفوا فزاده شيأ ثم قال له أحسنت اليك قال نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا فأمره ان يخبرهم بذلك فأخبرهم ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها الا نفورا فناداهم صاحبها خلوا بينى وبين ناقتى فانى أرفق بها منكم واعلم فتوجه لها بين يديها فأخذ لها من قمام الارض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها وانى لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار وقال صلى الله عليه وسلم لا يبلغني أحد منكم على أحد من أصحابي شيأ فانى أحب ان أخرج اليهم وأنا سليم الصدر ومن شفقته صلى الله عليه وسلم سؤاله ربه التخفيف عن أمته وتركه أشياء خشية ان تفرض عليهم فيعجزوا عنها فيقعوا في الحرج. وكان صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة يريد اطالتها فيسمع بكاء الصبي فيخفف خشية ان يشق على أمه وربما أصغى الاناء للهرة فما يرفعه حتى تروى. وروي انه صلى الله عليه وسلم لما تناها اذى قريش وحرج صدره سبب) بالفتح (ولا اجملت) بالجيم أي ولا فعلت جميلا (فامره أن يخبرهم بذلك) لفظ الشفاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انك قلت ما قلت وفي أنفس أصحابى من ذلك شيء فان أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدى حتى يذهب ما في صدورهم عليك قال نعم فلما كان الغداة وقال العبشمى جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا الاعرابي قال ما قال فرددناه فزعم انه رضي أكذلك قال نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا (من قمام الارض) بضم القاف وتخفيف الميم جمع قمامة وفي ذلك من بديع المثل تمثيل عرض الدنيا التى دفعها للاعرابى بالقمامة (وقال لا يبلغنى أحد الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود (سؤاله) بالرفع (ربه) مفعول (التخفيف) مفعول ثان (عن أمته) أي من الصلاة من خمسين الي خمس وغير ذلك (وتركه) بالرفع (أشياء) منها قيام رمضان وترك قول نعم للاقرع بن حابس حين قال له في الحج أكل عام يا رسول الله وغير ذلك (وكان يدخل في الصلاة يريد اطالتها الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه عن أنس (فيسمع بكاء الصبى) أى وتكون أمه في المصلين خلفه صلى الله عليه وسلم (فيخفف) كى تسرع الانصراف الى ولدها وهو معنى التجوز في رواية اخرى (حسنة ان يشق على أمه) في رواية اخري مما اعلم من شدة وجد أمه من بكائه (وربما أصغى الاناء للهرة الى آخره) للطبراني في الاوسط وأبي نعيم في الحلية من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصغي للهرة الاناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها (وروى انه صلى الله عليه وسلم لما تناهي أذى قريش الي آخره) أخرجه

فصل وأما خلقه صلى الله عليه وسلم في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم

لذلك ناداه ملك الجبال وسأله ان يطبق عليهم الاخشبين فأبى صلى الله عليه وسلم وقال أرجو ان يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيأ وقال ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا. [فصل وأما خلقه صلى الله عليه وسلم في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم] (فصل) وأما خلقه صلى الله عليه وسلم في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم فقد حاز السبق فيها وأبرز خافيها حتى ورد في الصحاح انه كان يكرم صدائق خديجة ويصلهم ويرتاح لهم فسئل عن ذلك فقال ان حسن العهد من الايمان. ومن ذلك فعله صلى الله عليه وسلم بأمه وأخته من الرضاعة كما سبق في غزوة حنين وأعتق بسببهم ستة آلاف رأس ومنه ما روي عن عبد الله بن أبى الحمساء قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ببيع قبل ان يبعث وبقيت له بقية فوعدته ان آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فاذا هو في مكانه فقال يافتى لقد شققت على انا هنا منذ ثلاث انتظرك ولقد صدقت فراسة خديجة فيه حيث قالت في ابتداء الوحى ابشر فو الله لا يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق. الشيخان وغيرهما وقد مر في صدر الكتاب (وقال ابن مسعود) أخرجه عنه البخارى وغيره (يتخولنا) بالمعجمة وتشديد الواو ثم لام أى يتعهدنا وقال أبو عمرو بن العلاء الصواب ينحو بنا بالنون ومعناه يتعهدنا وقال أبو عمرو الشيباني الصواب يتحولنا بالمهملة واللام أي يتطلب أحوالنا التي يبسط فيها للموعظة والصواب من حيث الرواية كما قاله الحافظ ابن حجر في الاول وقد صح المعني فيه (مخافة) كذا في موضع من صحيح البخاري وفي آخر كراهة وزعم في التوشيح انه من تصرف الرواة (السآمة) بالمهملة على وزن المخافة وهى الفتور والملال (علينا) هو ظاهر على رواية مخافة وكذا على رواية كراهة اذهى بمعنى مخافة. (فصل) في بيان خلقه (السبق) بفتح المهملة وسكون الموحدة مصدر سبق يسبق سبقا وأما بفتح الموحدة فهو المال المبذول في السبق (وابرز) أى أظهر (خافيها) ياؤه في الاصل مفتوحة لانه مفعول ويجوز أن تسكن لمجاورة فيها (وورد في) الاحاديث (الصحاح) في الصحيحين وغيرهما عن عائشة (ويرتاح) أي يستأنس (حسن العهد من الايمان) أخرجه الحاكم عن عائشة (ومنه ما روي) في سنن أبي داوود وغيرها (ابن أبي الحمساء) بفتح المهملة وسكون الميم ثم مهملة مع المد ووقع في بعض النسخ الشفاء الخنساء بالمعجمة والنون قال الشمنى وهو تصحيف وفي بعضها عن أبي الحمساء وهو غلط اذ ابو الحمساء لم يسلم (فراسة) بكسر الفاء والمهملة وهو النظر بالفعل والتدبر به وربّما كانت فيه زيادة قوة بحسب صفاء القلب وكدورته فيصل بسبب التفرس شيء يقع في القلب تسميه أهل الطريقة مكاشفة وفي الحديث اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله أخرجه البخاري في التاريخ والترمذى عن أبى سعيد وأخرج الحكيم وسيبويه

فصل وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم على علو منصبه

[فصل وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم على علو منصبه] «فصل» وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم على علو منصبه فانه منتشر والخبر به مشهور وحسبك انه خيّر بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا فقال له اسرافيل فان الله قد أعطاك بما تواضعت له انك سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق عنه الارض وأول شافع. وكان صلى الله عليه وسلم يجيب من دعاه وان كان دنيا بلبيك ويعود المساكين ويسلم على الصبيان اذ امر عليهم ويجالس الفقراء ويجلس بين أصحابه محيطا بهم حيث ما انتهى به المجلس ويعجب مما يعجبون ويضحك مما يضحكون. وقالت عائشة كان في بيته في مهنة أهله يفلى ثوبه ويحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويقم البيت ويعقل البعير ويهنئه ومر بغلام يسلخ شاة وما يحسن فقال له تنح حتى أريك فادخل يده صلى الله عليه وسلم بين اللحم والجلد فدحس حتى دخلت الى الابط وكان يذبح أضحيته وبدنه ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن مع أزواجه ويحمل بضاعته من السوق ودخل عليه صلى الله عليه وسلم رجل فارتعد من هيبته فقال هون عليك فانى لست بملك انما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد ودخل صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح مطأطئا رأسه حتى كاد يمس عثنونه قادمة الرحل والطبراني وابن أبى عدى عن أبي امامة وأخرجه ابن جرير عن ابن عمر. (فصل) في تواضعه صلى الله عليه وسلم (وحسبك أنه خير الي آخره) هذا لفظ عياض في الشفاء (ويسلم على الصبيان) فيه استحباب السلام على الصبى المميز وذكر أبو نعيم في كتابه عمل اليوم والليلة أن صفة السلام على الصبيان السلام عليكم يا صبيان (في مهنة أهله) أي خدمتهم وهو بفتح الميم وحكي أبو زيد والكسائي الكسر وانكره الاصمعي وعن المزي أن كسر الميم أحسن ليكون على الخدمة وزنا ومعني (وكان يفلي ثوبه) أخرجه أبو نعيم في الحلية عن عائشة. قال الشمنى قيل إنه عليه الصلاة والسلام لم يقع عليه ذباب قط ولم يكن القمل يؤذيه تكريما له وتفخيما (ويحلب شاته) أخرجه أبو نعيم أيضا عنها وكذا قوله ويخدم نفسه (ويرقع ثوبه ويخصف نعله) أخرجه أحمد عنها والخصف باعجام الخاء واهمال الصاد هو الخرز (ويقم) بضم القاف أي يكنس (البيت) زاد أحمد ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم (ويهنئه) بالنون بوزن يلزمه أى يطلبه بالبناء بالهمز والمد وهو القطران (فدحس) بمهملات (وكان يذبح أضحيته) بيده أخرجه أحمد عن أنس (ناضحه) باعجام الضاد واهمال الحاء أي بعيره وأصل الناضح الذي يستقى عليه ثم استعمل في غيره توسعا (فارتعد من هيبته) ولعياض في الشفاء فاصابته من هيبته رعدة (تأكل) بالفوقية (القديد) اللحم المقدد أي المقطع (عثنونه) بضم المهملة والنون المكررة وسكون المثلثة بينهما قال في القاموس العثنون اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو نبت على الذقن وتحته سفلى أو هو طولها أو شعرات

وذلك حين عجب النفوس وحج في حجة الوداع على رحل رث عليه قطيفة ما تساوى أربعة دراهم. وقال اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة واهدى فيها مائة بدنة وعن أنس ان امرأة كان في عقلها شيء جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ان لى اليك حاجة قال اجلسى يا أم فلان في أى طرق المدينة شئت اجلس اليك قال وكانت الامة تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت وقال أبو هريرة اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراويل من السوق فذهبت لاحملها عنه فقال صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله ولما جاء أبو بكر بابيه يوم الفتح قال له صلى الله عليه وسلم لم عنيت الشيخ الا تركته حتى أكون انا آتيه في منزله وكان صلى الله عليه وسلم يقول لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى انما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وقال لا تفضلوا بين الانبياء ولا تفضلونى على يونس بن متى ولا تخيرونى على موسى ونحن أحق بالشك من ابراهيم طوال تحت حنك البعير (رث) بتشديد المثلثة أي خلق بال (وقال) تعليما لامته (اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة) أخرجه ابن ماجه عن أنس (حاجة) بالنصب (يا ام فلان) هي ام زفر بضم الزاى وفتح الفاء ثم راء ماشطة خديجة واسمها شعيرة الحبشية (وقال أبو هريرة) كما أخرجه عنه الطبراني في الاوسط وابن عساكر (سراويل) قال الشمنى لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم لبسها ولكنه اشتراها ولم يلبسها وفي الهدى لابن قيم الجوزية انه لبسها قالوا وهو سبق قلم قال واشتراها باربعة دراهم وفي الاحياء أنه اشتراها بثلاثة دراهم (ألا تركته) بالتخفيف على العرض وبالتشديد بمعن هلا (لا تفضلوا بين الانبياء) قال العلماء هو محمول على تفضيل يؤدي الى تنقيص المفضول أو يؤدي الى الخصومة والفتنة كما هو سبب الحديث أو مختص بالتفضيل في نفس النبوة ولا تفاضل فيها وانما التفاضل بالخصائص وفضائل اخرى. قال النووي ولا بد من اعتقاد التفضيل بعد ما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ (لا تخيروني على موسى) قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل منه أو هضما لنفسه وتواضعا (لا تفضلوني على يونس) في رواية اخرى في الصحيحين من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب وفي الاخرى ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى فاما على الرواية الاولى فالكلام عليه كما سبق في قوله لا تخيرونى على موسى وكذلك في الروايتين الأخيرتين ان قلنا ان الضمير في اناله صلى الله عليه وسلم وأما ان قلنا الضمير للقائل فمعناه لا يقول ذلك بعض الجاهلين المجتهدين في نحو العبادة فانه لو بلغ من الفضائل ما بلغ لم يبلغ درجة النبوة (نحن أحق بالشك من ابراهيم) قال في التوشيح قيل هو شك كان قبل النبوة وقال ابن جرير سببه حصول وسوسة من الشيطان لكنها لم تستقر ولا زلزلت الايمان الثابت والمختار خلاف ذلك وأن معنى الحديث نفي ذلك الشك عنه أى لم يحصل لابراهيم شك حين قال ربى أرني كيف تحيى الموتى وأنه لا أعظم من ذلك ولو شك لكنا نحن أحق منه بذلك قال ذلك تواضعا منه أي وقد علمتم اني لم أشك وابراهيم لم يشك وانما أراد طمأنينة القلب بالترقى الى مرتبة عين اليقين التى هي أبلغ من علم اليقين وقيل سأل ذلك

فصل وأما عدله صلى الله عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته

ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاء الداعى لاجبته. [فصل وأما عدله صلى الله عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته] (فصل) وأما عدله صلى الله عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته فكان صلى الله عليه وسلم آمن الناس واعدل الناس واعف الناس واصدقهم لهجة منذ كان اعترف به محادوه وعداه وكانوا يسمونه الأمين ولذلك رضوه حكما بينهم في وضع الحجر الاسود وفي سؤال هرقل لابى سفيان هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال قال لا وقال ابو جهل للنبى صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وفي وصف على له أصدق الناس لهجة وأليتهم عريكة. وكان صلى الله عليه وسلم أعف الناس لم تمس يده يد امرأة قط لا يملك رقها أو نكاحها أو تكون استئنافا ومحبة للمشاهدة حيث استدل بذلك نمروذ في قوله رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وقيل المراد ليطمئن قلبى بالخلة وقيل باجابة دعائي انتهى قال البغوى قيل لما نزلت هذه الآية يعنى قوله وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ الآية قال قوم شك ابراهيم ولم يشك نبينا صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم هذا القول تواضعا منه وتقديما لابراهيم (ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف) وهو اثنتي عشرة سنة (لاجبت الداعي) الذى أرسله الملك ليأتي بيوسف فقال ارجع الى ربك ولم يبادر بالخروج مع طول مدة حبسه وحاصل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وصف يوسف بقوة الصبر وذلك منه أيضا على سبيل التواضع (فصل) في عدله وأمانته (آمن الناس) بمد الهمزة وفتح الميم (وأصدقهم لهجة) قال الجوهري اللهجة اللسان قال وقد يحرك فيقال فلان فصيح اللهجة بفتح الهاء واللهجة بسكونها (محادّوه) بالحاء والدال المشددة المهملتين أي مخالفوه (وعداه) بكسر المهملة وضمها والقصر أى أعداءه (يسمونه الامين) بالنصب (رضوه) بضم المعجمة وأصله رضوء فاستثقلت الكسرة مع الياء (وقال أبو جهل) فيما حكاه ناجية بن كعب (انا لا نكذبك) فانك نشأت فينا صغيرا الى أن كبرت وبلغت أشدك فلم نجرب عليك قط كذبا قال البغوي قال السدي التقى الاخنس بن شريق وابو جهل بن هشام فقال الاخنس لابي جهل يا أبا جهل اخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فانه ليس هنا أحد يسمع كلامك غيري فقال أبو جهل والله ان محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن اذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فانزل الله عز وجل قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ انك كاذب (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) قرأ نافع والكسائي من الاكذاب وهو أن يتخذ الشخص كاذبا وقرأ غيرهم من التكذيب وهو النسبة الى الكذب يعنى انهم لا يكذبونك في السر لانهم قد عرفوا صدقك فيما مضى (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين (بِآياتِ اللَّهِ) ومنها ان جعلك نبيا (يَجْحَدُونَ) ظاهرا مع اعترافهم اذ هذا حقيقة الجحد (عريكة) بالمهملة

فصل وأما وقاره صلى الله عليه وسلم وصمته وتؤدته ومروءته وحسن هديه

ذارحم محرم وفي وصف عائشة له ما خير بين أمرين الا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فان كان إثما كان أبعد الناس منه. قال المبرد قسم كسرى أيامه فقال يصلح يوم الريح للنوم ويوم الغيم للصيد ويوم المطر للشرب واللهو ويوم الشمس للحوائج قال ابن خالويه ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم جزأ نهاره ثلاثة اجزاء جزأ لله وجزأ لاهله وجزأ لنفسه ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس فكان يستعين بالخاصة على العامة ويقول ابلغونى حاجة من لا يستطيع ابلاغى فانه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع ابلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة. [فصل وأما وقاره صلى الله عليه وسلم وصمته وتؤدته ومروءته وحسن هديه] (فصل) وأما وقاره صلى الله عليه وسلم وصمته وتؤدته ومروءته وحسن هديه فكان صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه مجلسه مجلس حلم وحياء وخير وامانة لا ترفع فيه الاصوات ولا تؤبن فيه الحرم واذا مشى مشى مجتمعا يعرف في مشيته والراء طبيعة وزنا ومعنى (ما خير بين أمرين الا اختار أيسرهما) قال عياض يحتمل ان يكون تخييره من الله تعالى فيخيره فيما فيه عقوبتان أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة والاقتصاد فكان يختار الايسر في هذا كله واما قولها (ما لم يكن اثما) فانما يتصور اذا خيره الكفار والمنافقون أو يكون التخيير من الله او من المسلمين ويكون الاستثناء منقطعا (فايدة) أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم قال ما خير عمار بين أمرين الا اختار أيسرهما قلت لعله يشير الى قصته التى وقعت له من الاكراه فانهم خيروه بين الكفر وبين أن يقتلوه فاختار الكفر ظاهرا وكان هو الايسر لانه سلم من القتل ومن الكفر (المبرد) بضم الميم وفتح الموحدة والراء المشددة ثم مهملة اسمه محمد بن يزيد (ابن خالويه) بالمعجمة وفيه ما مر أول الكتاب في يعطونه ونحوه (يستعين بالخاصة على العامة) قال ابن الاثير أى ان العامة لم تكن تقدر على الوصول اليه في هذا الوقت فكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه فكأنه أوصل الفوائد الى العامة بالخاصة (ويقول أبلغوني حاجة من لا يستطيع ابلاغي الى آخره) أخرجه الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء بلفظ أبلغوا حاجة من لا يستطيع ابلاغ حاجته (ثبت الله قدميه) زاد الطبراني على الصراط (يوم القيامة) فيه عظيم فضل معاونة المؤمن وموازرته ولو بنحو ما ذكر. (فصل) في وقاره (كان أوقر الناس في مجلسه الى آخره) أخرجه أبو داود في مراسيله عن خارجة ابن زيد (ولا تؤبن) بضم الفوقية وسكون الهمزة وفتح الموحدة ثم نون قال الجوهري فلان يؤبن بكذا أى يذكر بقبيح وفي مجلسه صلى الله عليه وسلم لا يؤبن فيه الحرم أى لا تذكر بسوء انتهى وكذا فسره عياض في الشفاء فما ذكر بعض شراحه أنه بالمثلثة والزاى من الاثر وهو الرمي أو بالموحدة والراء من أبرته العقرب أي لدغته بابرتها وان كان صحيحا في المعني فليس في الرواية زاد عياض بعد هذا ولا تثني فلتاته وهو بالنون

انه غير غرض ولا وكل ان صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البهاء. وقال عبد الله بن مسعود ان أحسن الهدي هدى محمد وفي وصف ابن ابى هالة انه صلى الله عليه وسلم كان يحسن الحسن ويصوبه ويقبح القبح ويوهنه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة ان يغفلوا او يميلوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه الى غيره الذين يلونه من الناس خيارهم وافضلهم عنده اعمهم نصيحة واعظمهم عنده منزلة احسنهم مواساة ومؤازرة وسبق في سيرته مع اصحابه كثير مما يدخل في هذا الفصل. (فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ازهد الناس ويكفيك في تعريف ذلك ان فقره صلى الله عليه وسلم كان فقر اختيار لا فقر اضطرار لانه صلى الله عليه وسلم فتحت عليه الفتوح وجلبت اليه الاموال ومات ودرعه مرهونة عند يهودى في نفقة عياله وهو يدعو اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا. وقالت عائشة ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله ولو شاء لا عطاه الله ما لا يخطر ببال. وعنها قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا شاة ولا درهما ولا بعيرا ولقد مات وما في بيتى شيء يأكله ذو كبد الاشطر شعير في رق لى وقال لى انى عرض على ربي أن يجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب أجوع يوما وأشبع يوما فاما اليوم الذى أجوع فيه فأتضرع اليك وأدعوك وأما اليوم الذى أشبع والمثلثة أى لا يتكلم بغليان أي لم يكن في مجلسه فان كانت من أحد سترت (غير غرض) بفتح الغين المعجمة وكسر الراء ثم معجمة أي غير ضجر ولا قال من الغرض بفتحتين وهو الضجر والملال (ولا وكل) بفتح الواو وكسر الكاف أى عاجز يكل امره الى غيره ويتكل عليه ويقال وكله ويكله ومواكل (ان أحسن الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة أي الطريقة وبضم الهاء وفتح المهملة (يحسن الحسن) بالتشديد (ويوهنه) بالتحتية والنون أى يضعفه (عتاد) بفتح المهملة وتخفيف الفوقية والعتاد ما يهيء للشيء ويعدله (فصل) في بيان زهده (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) أخرجه مسلم والترمذى وابن ماجه عن أبى هريرة ومعنى قوتا كفافا كما جاء في رواية والكفاف الذى لا زيادة فيه عن قدر الحاجة (ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخره) أخرجه مسلم عن عائشة (تباعا) بكسر أوله أى متتابعة (ما لم يخطر) بكسر المهملة أى يحدث ويجوز ضمها أي يمر (اني عرض على ربى أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا الى آخره) أخرجه أحمد والترمذى عن أبي امامة وفي حديث آخر أن جبريل نزل عليه فقال له ان الله يقرئك السلام ويقول لك أتحب أن أجعل لك هذه الجبال ذهبا وتكون معك حيث ما كنت فاطرق ساعة ثم قال يا جبريل ان الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له أخرجه أحمد والبيهقي في الشعب

فصل وأما خوفه صلى الله عليه وسلم لربه وطاعته له وشدة عبادته فعلى قدر علمه به

فيه فأحمدك وأثنى عليك. وعنها قالت ان كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد نارا ان هو الا التمر والماء. وعنها قالت لم يمتل جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعا قط ولم يبث الى أحد شكوى وكانت الفاقة أحب اليه من الغنى وان كان ليظل جائعا يلتوي طول ليلته من الجوع فلا يمنعه من صيام يوم ولو شاء سأل ربه جميع كنوز الارض وثمارها ورغد عيشها ولقد كنت أبكى له رحمة مما أرى به وأمسح بيدي على بطنه مما به من الجوع وأقول نفسى لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بما يقوتك فيقول يا عائشة مالى وللدنيا اخوانى أولوا العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم وأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم وأجدنى أستحى ان ترفهت في معيشتى ان يقصرنى غدا دونهم وما من شيء هو أحب الى من اللحوق باخوانى واخلائى قالت فما أقام بعد الاشهرا ثم توفي صلى الله عليه وسلم. [فصل وأما خوفه صلى الله عليه وسلم لربه وطاعته له وشدة عبادته فعلى قدر علمه به] (فصل) وأما خوفه صلى الله عليه وسلم لربه وطاعته له وشدة عبادته فعلى قدر علمه به ولذلك قال فيما رواه أبو هريرة رضى الله عنه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا زاد في رواية أبى ذر رضي الله عنه انى أرى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء عن عائشة مرفوعا وأخرجه البيهقي في الشعب أيضا عن ابن مسعود موقوفا (آل محمد) اختصاص (ان هو) أي ما هو أي مأكولنا الذى نأكله (لم يبث) بالموحدة (الفاقة) بالرفع وهي الحاجة (أحب) بالنصب (الغنى) بكسر المعجمة مقصور (وثمارها) بالنصب عطفا على جميعها وبالجر عطفا على كنوز (ورغد) بفتح المعجمة (يقوتك) بضم أوله وفتح القاف وكسر الواو والمشدد (مآبهم) بمد الهمزة وبالموحدة مرجعهم (أن يقصر) بالبناء للمفعول (هو أحب) بالنصب والرفع. (فصل) في بيان خوفه (فيما روي أبو هريرة عنه) وأخرجه عنه البخاري وغيره وأخرجه أيضا أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس (لو تعلمون ما أعلم لضحتكم قليلا ولبكيتم كثيرا) أي لازددتم خوفا من الله عز وجل ولكان حالكم ما ذكر لان خوف المرء على قدر علمه بربه جل وعلا قال تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ وأنشد بعضهم: على قدر علم المرء يعظم خوفه ... فلا عالم الا من الله خائف فآمن مكر الله بالله جاهل ... وخائف مكر الله بالله عارف (زاد في رواية أبي ذر) عند الترمذي (اني أرى ما لا ترون) يعني مواقع الفتن (وأسمع ما لا تسمعون) يعنى قوله (أطت السماء الى آخره) وهو بفتح الهمزة والمهملة المشددة ثم فوقية قال ابن الاثير أطيط الاقتاب وأطيط الابل أصواتها وحنينها أي ان كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت وهذا على

وحق لها ان تئط ما فيها موضع أربع أصابع الا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم الى الصعدات تجأرون الى الله بالدعاء ومن خوفه صلى الله عليه وسلم بكاؤه عند تلاوة القرآن وفي تهجده وعند سماعه من غيره كما ورد في جملة من الاحاديث وفي حديث ابن أبى اهالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الاحزان دائم الفكر ليست له راحة وقال إنى لاستغفر الله في اليوم مائة مرة وجماع خلقه صلى الله عليه وسلم فيما رواه على كرم الله وجهه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سنته فقال المعرفة رأس مالى والعقل أصل دينى ضرب المثل لكثرة الملائكة وان لم يكن ثم أطيط وانما هو كلام للتقريب أريد به تقريب عظمة الله تعالى (وحق لها) بضم المهملة وفتح القاف ولابن مردويه من حديث أنس ويحقها (أن تئط) والذى نفسي بيده (ما فيها موضع) شبر بدل (أربع أصابع) في حديث أبي ذر وكلاهما على وجه المثل لكثرة الملائكة قاله صلى الله عليه وسلم مرتين قال في مرة أربع اصابع فسمع ذلك ابو ذر فرواه وقال في اخرى موضع شبر فسمعه انس فرواه (ساجدا لله تعالى) زاد ابن مردويه يسبح الله ويحمده (ولبكيتم كثيرا) زاد الحاكم من حديث أبى ذر ولما ساغ لكم الطعام ولا الشراب (الصعدات) بضم الصاد والعين ثم دال مهملات أي الطرقات جمع صعد والصعد جمع صعيد كطريق وطرق وطرقات وقيل جمع صعدة الظلمة وهي فناء الباب وممر الناس بين يديه (تجأرون) بالجيم فالهمز فالراء بوزن يعلمون أي يرفعون أصواتهم والجؤار رفع الصوت (الى الله تعالى) زاد الطبرانى في الكبير والحاكم والبيهقى في الشعب من حديث أبي الدرداء لا يدرون أينجون أو لا ينجون وللحاكم من حديث أبي هريرة لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكتيم كثيرا يظهر النفاق وترتفع الامانة وتقبض الرحمة ويتهم الامين ويؤتمن غير الامين اناخ بكم الشر والجور الفتن كامثال الليل المظلم (وقال) صلى الله عليه وسلم انه ليغان على قلبي (واني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عن الاغر المزني قالوا وليس له في الكتب الستة سوي هذا الحديث وقوله ليغان على قلبى بالمعجمة قال السيوطي المختار ان هذا من المتشابه التى لا يخاض في معناه وقد سئل عنه الاصمعي فقال لو كان قلب غير النبي صلى الله عليه وسلم لتكلمت عليه ولكن العرب تزعم أن الغين الغيم الرقيق واخرج البخاري والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والله انى لاستغر الله وأتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مرة وأخرج البخاري في الادب من حديث ابن عمر توبوا الى الله فاني أتوب اليه كل يوم مائة مرة (عن سنته) أي طريقته اللازمة له (والمعرفة) بالله عز وجل (رأس مالي) أى لان من عرف الله عز وجل وعرف أنه هو المتكفل بارزاق العباد وان لا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع وثق به جل وعلا كما يثق صاحب التجارة برأس ماله (والعقل) أراد به الذي ينظر به الشخص في عواقب الامور (أصل ديني) أي لانه الباعث

والحب اساسي والشوق مركبى وذكر الله انيسى والثقة كنزى والحزن رفيقى والعلم سلاحى والصبر زادى والرضى غنيمتى والعجز فخرى والزهد حرفتي واليقين قوتى والصدق شفيعى والطاعة حسبى والجهاد خلقى وقرة عيني في الصلاة وفي حديث آخر وثمرة فؤادي في ذكره وغمى لاجل أمتى وشوقى الى ربى. «فصل» قال القاضى عياض اذا كانت خصال الكمال والجلال ما ذكرنا ووجدنا الواحد منا يشرف بواحدة منها أو اثنتين ان اتفقا له في كل عصر حتى يعظم قدره وتضرب باسمه الامثال فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الخصال الى ما لا يأخذه عدّ ولا يعبر عنه مقال ولا ينال بكسب ولا حيلة الا بتخصيص الكبير المتعال من فضيلة النبوة والرسالة والخلة والمحبة والاصطفاء والاسراء والرؤية والقرب والدنو والوحى والشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود والبراق والمعراج والبعث الى الاحمر والاسود والصلاة بالانبياء والشهادة بينهم وبين أممهم وسيادة ولد آدم ولواء الحمد والبشارة والنذارة والمكانة عند ذى العرش والطاعة ثم الامانة والهداية ورحمة للعالمين واعطاء الرضا والسؤال والكوثر وسماع القول واتمام النعمة والعفو عن ما تقدم وما تأخر وشرح الصدر ووضع الوزر على الاعمال الصالحة وترك ما يسخط الباري تعالى من المعاصي والخلود الى الدنيا الفانية (والحب) لله عز وجل (أساسي) أي أصلي كأساس البناء يعني أن خلقتى ركبت في الاصل على المحبة لا أحتاج فيها الى تكلف (والشوق) الى ربي (مركبي) الذى أقطع عليه الطريق اليه سبحانه وتعالى وأراد أن شوقى اليه يعيننى على التقرب اليه بطاعته ومجانبة سخطه (وذكر الله أنيسي) الذى آنس به أي لان ذاكر الله تعالى واقف على درجات القرب ومقام المشاهدة والحضور وكيف يدخل الخوف ممن سوى الله على من هو كذلك (والثقة) بالله (كنزي) الذي لا أخاف عليه نفادا كما يخافه صاحب الكنز (والحزن) أى لاجل امتى (رفيقي) أي لا يفارقني (والعلم) بالله واحكامه (سلاحى) الذي أسطوبه على ابليس وجنوده فلا يستطيع أحد منهم أن يكيدني (والصبر) بانواعه (ردائى) أي خلقى وسجيتى فعبر عن ذلك بالرداء (والرضى) بقضاء الله (والزهد) في الدنيا وفيما في أيدي الناس (والصدق) في القول والعمل (والطاعة) لله في اتيان ما أمر به واجتناب ما نهي عنه (حسبي) أي كفايتى (والجهاد) للكفار (وغمي) هو الحزن الذى يأخذ بالنفس. (فصل) قال القاضي (ووجدنا الواحد) في بعض نسخ الشفاء ورأينا (والخلة) بضم المعجمة (ووضع)

الباب الثالث في شماله صلى الله عليه وسلم في العبادات المتكررات

ورفع الذكر وعزة النظر ونزول السكينة والتأييد بالملائكة وايتاء الكتاب والحكمة والسبع المثانى والقرآن العظيم وتزكية الامة والدعاء الى الله تعالى وصلاة الله وملائكته عليه والحكم بين الناس بما آتاه الله ووضع الاصر والاغلال عنهم والقسم باسمه واجابة دعوته وتكليم الجمادات والعجم واحياء الموتى واسماع الصم ونبع الماء من بين أصابعه وتكثير القليل وانشقاق القمر ورد الشمس وقلب الاعيان والنصر بالرعب والاطلاع على الغيب وظل الغمام وتسبيح الحصا وأبراء الآلام والعصمة من الناس الى ما لا يحويه محتفل ولا يحيط بعلمه الا مانحه ذلك ومفضله به لا إله غيره الى ما اعدله في الدار الآخرة من منازل الكرامة ودرجات القدس ومراتب السعادة والحسني والزيادة التي تقف دونها العقول ويحاردون درايتها الوهم [الباب الثالث في شماله صلى الله عليه وسلم في العبادات المتكررات] (الباب الثالث في شماله صلى الله عليه وسلم في العبادات المتكررات) اعلم علمنا الله واياك ان مما يذم في التقليد التعصب للمذاهب والجمود عليها واستثقال كل بخلاف ما وطن نفسه عليه من تبعية امامه ولا يقبل غيره وان قام الدليل على خلافه حتى كأن الحق منحصر فيه أو كأن امامه نبيه وكل ذلك لعدم الانصاف ولقد انصف الشافعى حيث قدم الى أصحابه ما معناه اذا صح الحديث فاعملوا به ودعوا قولى اشفاقا منه عليهم ان توقعهم العصبية في المخالفة وقد كان له تضلع في علم الحديث فلم يقم الدليل على خلاف مذهبه الا باداء مما لا يعصم البشر عن وقوع مثله وربما اعتل بعض المقلدين عند قيام الحجة الاصر وهو العهد والذنب والثقل (ونزول السكينة) هي فعيلة من السكون وهى الرحمة أو الطمأنينة أو الوقار أو ما يسكن اليه الشخص أقوال (والاغلال) أي المواثيق اللازمة لزوم الغل للعنق (وتكليم الجمادات) جمع جماد وهو ما ليس بحيوان (والعجم) بضم المهملة وسكون الجيم جمع أعجم وهو من لا يقدر على الكلام أصلا (محتفل) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الفوقية وكسر الفاء والمحتفل بالشيء هو المعتنى به والمبالغ فيه (ما أعدله) مبنى للفاعل والمفعول (الباب الثالث) في شمائله في العبادات (التعصب) بالفتح (والجمود) بضم الميم أى الوقوف كوقوف الشيء الجامد (كان الحق) بفتح الهمزة وتشديد النون (اذا صح الحديث فاعملوا به ودعوا قولي) وفي رواية اخرى عنه فهو مذهبي وفي اخرى عنه فاضربوا بمذهبي عرض الحائط (تضلع) باعجام الضاد واهمال العين أى صار ضليعا أي عظيما (اعتل) بهمز وصل وسكون المهملة وفتح الفوقية وتشديد اللام

فصل في عادته صلى الله عليه وسلم في الوضوء

عليه قال لعل امامي علم في ذلك ما لم اعلمه أو يرى من ينهه عن ذلك لا يتأهل للترجيح والاجتهاد وكل ذلك قصور وتقصير فقد نص جهابذة العلماء على ان الاجتهاد يتجزأ وان يجوز ان يكون الانسان محتهدا من حج في مسئلة أو باب دون غيره ومظنة الترجيح عليه الظن بعد البحث في وجوه الادلة وسيأتي في طي هذا الباب ما يفهمك فائدة تقديم هذه القاعدة جعلنا الله ممن يقبل الهدي أينما كان وعلى لسان من ظهر واصفين منصفين آمين* اعلم رحمك لله واياى ان هذا الباب واسع جدا موضع بسطه الحديث ومبسوطات كتب الفقه وانما أذكر نكتا وعيونا من أسرار عوائده التي واظب عليها صلى الله عليه وسلم وكادت لكثرة التسهيل والاهمال ان يذهب أكثرها فأنبه على ذلك على وجه الاختصار والايجاز مستعينا بالله وسائلا منه التوفيق [فصل في عادته صلى الله عليه وسلم في الوضوء] فمن ذلك عادته صلى الله عليه وسلم في الوضوء كان في غالب الأحوال يتوضأ لكل فريضة وقال من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات قال العلماء وانما يحصل هذا الثواب لمن استعمل الوضوء الأول وربما صلى في بعض الأوقات بوضوء واحد عددا من الصلوات وكان صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع بالمد ونهى عن كثرة استعمال الماء وقال لسعد بن أبى وقاص لا تسرف وان كنت على نهر جار وقال ان للوضوء شيطانا يقال له الولهان واعتل بكذا معناه جعله علة له (لا يتأهل) أي لا يصير أهلا (جهابذة) جمع جهبذ بكسر الجيم والموحدة بينهما هاء ساكنة وآخره معجمة النقاد الخبير قاله في القاموس (كان في غالب الاحوال يتوضأ لكل فريضة) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن أنس (من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات) أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمرو ذلك لان هذا الوضوء من جملة الحسنات وهي مضاعفة الى ما ذكر (وانما يحصل هذا الثواب) ان صح كون الوضوء الثانى عبادة ولا يكون ذلك الا (لمن استعمل الوضوء الاول) أى صلى به صلاة ما ولو ركعة لا سجدة تلاوة ونحوها وليس الطواف في ذلك كالصلاة لان للصلاة أثرا عظيما في هذا الدين فكانت سببا لضعف الوضوء المحوج الى التجديد بخلاف غيرها هذا ان قلنا ان سنية التجديد معقولة وان قلنا تعبدية فكذلك أيضا لان التجديد انما ورد فيها ولا يقاس عليها العظمها (وربما صلى في بعض الاوقات بوضوء واحد عددا من الصلوات) كما فعل يوم الخندق صلى أربع صلوات بوضوء واحد وصلى أيضا يوم فتح مكة الخمس بوضوء واحد (كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد) أخرجه الشيخان وأبو داود عن أنس ولمسلم من حديث سفينة كان يغسله الصاع ويوضئه المد والمد رطل وثلث وهو ربع الصاع وأخرج أبو داود باسناد حسن انه صلى الله عليه وسلم توضأ باناء فيه قدر ثلثى مد (ان للوضوء شيطانا الى اخره) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبىّ بن كعب (الولهان) بفتح الواو واللام

فاتقوا وساوس الماء وقال انه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون بالطهور والدعاء ففي هذه الأخبار ذم الاسراف في صب الماء فانه من الشيطان وقد صحت الأخبار عن محمد المختار انه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وغالب أحواله ثلاثا ثلاثا وكره الزيادة عليها والنقصان منها فكأنها حد بين الاقلال والاكثار وقد كانت أموره صلى الله عليه وسلم على حد الاعتدال ويصلح لمن كان على بعض أعضائه اذى أن يغسله قبل الوضوء ثم يتوضأ ليتم له الاقتصار على التثليث مع انه قد صحح الأكثرون ان غسلة واحدة تنوب عنهما وربما ثلث صلى الله عليه وسلم في بعض الأعضاء ونقص في بعضها وربما ثلث في الكل وغسل الرجلين بغير عدد وأما الرأس فأكثر الروايات وأصحها على التوحيد في مسحه وروي التثليث في حديث حسن فينبغي التثليث من أجله وكان صلى الله عليه وسلم يعم جميع رأسه بالمسح ويقبل بيديه ويدبر وحيث ما اقتصر على بعضه لعمامة ونحوها كمل بالمسح عليها ولم يقتصر (وسواس الماء) بفتح الواو (سيكون في هذه الامة قوم يعتذرون الى آخره) أخرجه أبو داود عن عبد الله بن معقل المزني وأخرجه أيضا عن سعد بدون ذكر الطهور (في الطهور) بضم الطاء (والدعاء) قال الخطابي ليس معني الاعتداء الاكثار وانما هو مثل ما روي عن سعد يعنى انه سمع ابنه يقول اللهم اني اسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا وأعوذبك من النار وسلاسلها واغلالها وكذا وكذا أي ومثل ما روي عن عبد الله بن معقل انه سمع ابنه يقول اللهم إنى أسألك القصر الابيض عن يمين الجنة اذا دخلتها وقال ابن جريج من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصياح وقال عطية الذين يدعون على المؤمنين فيما لا يحل فيقولون اللهم اخزهم اللهم العنهم وقال أبو مجلزهم الذين يسألون منازل الانبياء (وقد صحت الاخبار) في صحيح البخاري وغيره (وكره الزيادة عليها) أى الثلاث (والنقصان منها) بقوله هكذا الوضوء فمن أزاد أو نقص فقد أساء وظلم أخرجه أبو داود باسانيد صحيحة وفي رواية للنسائى فقد أساء وتعدي وظلم قال امام الحرمين أساء معناه ترك الافضل وتعدى السنة وظلم أى وضع الشيء في غير موضعه (ويصلح) بمعني ويسن (اذي) طاهرا كان أو نجسا (صحح الاكثرون) ومنهم النووي وكذا الرافعي في غير النجس (ان غسلة واحدة تنوب عنهما) ما لم تكن نجاسة عينية أو غير نجاسة وصعب وصول الماء الى المحل أولم يمنعه ولكنها غيرته تغيرا يخرج به الماء عن كونه طهورا (وروي التثليث في حديث) أخرجه أبو داود باسناد حسن (و) كان (يقبل بيديه ويدبر) اخرج الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن زيد انه صلى الله عليه وسلم مسح بيديه فاقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما الى قفاه ثم ردهما الى المكان الذي بدأ منه قال العلماء واستحباب الرد يختص بمن له شعر ينقلب بالذهاب والرد ليصل البلل الى جميعه والا اقتصر على الذهاب (كمل بالمسح عليها) كما أخرجه مسلم عن المغيرة بن شعبة بلفظ فمسح بناصيته وعلى العمامة ففيه ندب استيعاب

على بعض مسح الرأس من غير تتميم على العمامة أبدا وأما المضمضة والاستنشاق فأصح الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بثلاث غرفات يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها بيمينه ويستنثر بشماله قال ابن الصلاح ولم يثبت في الفصل شيء. قلت رواه أبو داود بسند لم يضعفه فهو حجة عنده والله أعلم. وكان صلى الله عليه وسلم يمسح الاذنين ظاهرهما وباطنهما قال شيخ شيوخنا القاضي مجد الدين الشيرازي ولم يثبت في مسح الرقبة حديث (تنبيه) في سنن أبى داود من رواية ابن عباس رضى الله عنهما عن علىّ كرم الله وجهه حين أراه كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ففيه انه أدخل يده في الاناء جميعا فغسل وجهه ثلاثا وهو فعل حسن يعرف حسنه بالمشاهدة وفيه انه بعد غسل الوجه أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته فتركها تشتر على وجهه وكأنه والله أعلم فعل ذلك استظهارا على غسل مقدم الوجه فهاتان سنتان قل من يعمل بهما ويثابر عليهما وفيه انه غسل رجليه في النعلين وفتلهما ليصل الماء الى ما تحت السيور* قال ابن عباس قلت وفي النعلين قال وفي النعلين قال ذلك ثلاثا ففيه تأييد لقوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة وقد كان صلى الله عليه وسلم ربما صلى في نعليه وقال تفقدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم وقد صحح جماعة من أصحابنا جواز الصلاة في الخف المتنجس أسفله اذا دلكه بالارض حتى تذهب العين وكان صلى الناصية ثم التتميم (جمع بينهما بثلاث غرفات الي آخره) أخرجه الشيخان عن عبد الله بن زيد بن عاصم (ويستنثر) بفوقية فنون فمثلثة أى يستخرج الماء من انفه واشتقاقه من النثرة وهي طرف الانف (رواه أبو داود) عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده (بسند لم يضعفه) لكن ضعفه غيره (كان يمسح الاذنين ظاهرهما وباطنهما) أخرجه أبو داود عن ابن عباس وصححه الترمذى وابن حبان وكان يمسحهما بماء خلاف الماء الذي لرأسه أخرجه البيهقى عن عبد الله بن زيد (لم يثبت في مسح الرقبة حديث) وأما خبر مسح الرقبة امان من الغل وأثر ابن عمر من توضأ ومسح عنقه وقى الغلى يوم القيامة فقال النووي وغيره الخبر المذكور موضوع والاثر غير معروف ومسح الرقبة بدعة وتعقب بعض المتأخرين كلام النووي بان الخبر روى بسند ضعيف أي وهو يعمل به في الفضائل وقد صحح الرافعي في الصغير انه سنة (قبضة) بضم القاف اسم للشيء المقبوض وبالفتح المرة من القبض (تشتر) بالمعجمة أي تنصب متفرقة (يثابر) بالمثلثة والموحدة يحافظ وزنا ومعني (وفتلهما) بالفاء أى ادارهما يعنى رجليه (وربما صلى في نعليه) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى عن أنس (تفقدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم) أخرجه أبو نعيم في الحلية عر أنس (وقد صحح جماعة من أصحابنا) أحد قولى الشافعي وهو (جواز الصلاة في الخف المتنجس أسفله) نجاسة جافة لا جرم لها ولم يتعمدها (اذا دلكه بالارض حتى تذهب العين) وذلك بالقياس على موضع الاستنجاء والثاني وهو الاصح لا تجزئه كما لو مسح النجاسة عن ثوبه وصلى فيه وفارق الاستنجاء بانه

الله عليه وسلم يرفّع في غسل أعضاء الوضوء وقال ان أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم ان يطيل غرته وتحجيله فليفعل أخرجه الشيخان والغرة مقدم الرأس مع الوجه والتحجيل غسل بعض العضدين مع الذراعين وبعض الساقين مع الرجلين وغايته استيعاب العضد والساق فكان صلى الله عليه وسلم يسمى الله أوله ووردت أحاديث تدل على التحتم في التسمية وكلها مؤولة أو ضعيفة وكان يقول في أثنائه ما رواه النسائي وابن السنى باسناد صحيح عن أبى موسى الأشعري قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يقول اللهم اغفر لى ذنبى ووسع لى في داري وروى في ذاتى وبارك لى في رزقى فقلت يا رسول الله سمعتك تدعو بكذا وكذا قال وهل تركن من شيء وكان يقول بعد فراغه ما رواه عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء رواه مسلم وزاد الترمذى فيه اللهم اجعلني يتكرر بخلاف هذا (غرا) بضم المعجمة جمع أغر والغرة بياض يكون في وجه الفرس (محجلين) أى بيض الاوجه والايدى والارجل (أخرجه الشيخان) عن أبي هريرة ولمسلم عنه أيضا أنتم الغر المحجلون الى آخره (مقدم الرأس مع الوجه) وكذا صفحة العنق (استيعاب العضد) بان يغسل الى المنكب (والساق) بان يغسل الى الركبة (فكان يسمى الله أوله) أخرجه النسائي بسند جيد كما في المجموع عن أنس قال طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوأ فلم يجدوا فقال صلى الله عليه وسلم هل مع أحد منكم ماء فاتي بماء فوضع يده في الاناء الذى فيه الماء ثم قال توضؤا بسم الله وهذا اقل مجزى فيها والاكمل كما في المجموع بسم الله الرحمن الرحيم لحديث كل أمر ذى بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع أخرجه الخطيب (وورد أحاديث تدل على التحتم في البسملة) كحديث لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبرانى والحاكم عن أبي هريرة وأخرجه ابن ماجه عن سعيد بن زيد وأبى سعيد وسهل بن سعد (وكلها مؤولة) بان المراد نفي كمال الوضوء كحديث لا صلاة بحضرة طعام (أو ضعيفة) يرد هذا ان الحاكم صحح اسناده وقال الترمذى قال محمد بن اسماعيل يعنى البخاري أحسن شيء في هذا الباب هذا الحديث (ما رواه النسائي وابن السنى باسناد صحيح) لكن فيه عباد بن عباد بن علقمة وقد وثقه أيضا أبو داود ويحيى بن معين وابن حبان واسم ابن السنى أحمد بن محمد بن اسحاق (عن أبي موسى الاشعرى) وأخرجه الترمذي من حديث أبى هريرة ولم يذكر الوضوء (وروي في ذاتي) بالمعجمة والفوقية أى اجعل ذاتي واسعة لا ضيق فيها (وهل تركن من شيء) ينبغى الدعاء به من امور الدنيا والآخرة (من توضأ) زاد أبو داود والنسائى فاحسن الوضوء (فقال) زاد ابن ماجه من حديث أنس ثلاث مرات (الثمانية) بالرفع (رواه مسلم) وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (وزاد الترمذي) من حديث أبي ادريس الخولاني وأبى عثمان النهدى عن

فصل في تيممه صلى الله عليه وسلم

من التوابين واجعلنى من المتطهرين زاد النسائى سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب اليك. وأما الدعاء المفرق على الأعضاء فقد ادعى الامام النووي رحمه الله انه لا أصل له واستدرك عليه في هذه العبارة فقد روى فيه ابن حبان حديثا من جهة عباد بن صهيب. وقد قال أبو داود فيه انه صدوق والله أعلم. [فصل في تيممه صلى الله عليه وسلم] (فصل) في تيممه صلى الله عليه وسلم أصح الاحاديث في كيفيته ما اتفق الشيخان على تخريجه عن عمار بن ياسر قال بعثنا النبى صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال انما يكفيك ان تضرب بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه وفي رواية لهما وضرب بيديه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه ففي هذا الحديث أدل دليل على انه لا يشترط فوق ذلك ولا يجزئ دونه لأنه خرج مخرج التعليم والارشاد الى القدر الكافي في التيمم وبه أخذ عامة المحدثين قيل ولا يعلم في حديث يقطع بصحته اشتراط ضربتين ولا مجاوزة الكفين في المسح وبلوغ المرفقين عمر (فقد ادعى النووى انه لا أصل له) كذا قاله في الروضة والمنهاج ومراده أنه لم يرد فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به في الاذكار والتنقيح (فقد روي فيه ابن حبان) في التاريخ وابن أبى حاتم في العلل وجمع فيه ابن عساكر جزأ. (فصل) في تيممه (كما تتمرغ) للبخاري بحذف تاء الاستقبال (ففي هذا الحديث أدل دليل على) ما في القديم واختاره النووي في المجموع والشيخ من حيث الدليل (أنه لا يشترط) بمعنى لا يجب (فوق ذلك) أى فوق مسح اليدين الى الكوعين فقط (ولا يعلم في حديث يقطع بصحته اشتراط ضربتين) الا ما أخرجه الطبراني والحاكم عن ابن عمر موقوفا عليه التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين الى المرفقين وأخرج أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم تيمم بضربتين مسح باحداهما وجهه وبالاخرى ذراعيه لكن فيه راو ليس بالقوي عند أكثر المحدثين ذكره في المجموع فمن ثم صحح ان الضربتين انما هما سنة لكن الثاني هو المعروف من مذهب الشافعى (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته اشتراط (مجاوزة الكفين في المسح وبلوغ المرفقين) الا ما مر في حديث الطبراني والحاكم لكن قال الشافعى صح عنه صلى الله عليه وسلم مسح وجهه وذراعيه قال وهذا الذى منعنا أى في القول الجديد أن نأخذ برواية عمار قال وهذا أحفظ وأشبه بالقرآن فانه تعالى أوجب طهارة الاعضاء الاربعة في الوضوء في أول الآية ثم أسقط منها عضوين في التيمم في آخر الآية فبقى العضوان في التيمم على ما ذكر في الوضوء اذ لو اختلفا لبينهما انتهى قال الخطابي الاقتصار على الكفين أصح رواية ووجوب مسح الذراعين أشبه في

فصل في عادته صلى الله عليه وسلم في الصلوات

ولا التحتم في التيمم لكل فريضة ولأنه لا يجزى غير التراب الذى له غبار بل قال النبى صلى الله عليه وسلم جعلت لى الارض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل وفي حديث آخر فحيث ما أدركت رجلا من أمتى الصلاة فعنده مسجده وطهوره والله أعلم. [فصل في عادته صلى الله عليه وسلم في الصلوات] (فصل) في عادته صلى الله عليه وسلم في الصلوات وما اشتملت عليه صلاته من الكيفيات المختلفات والاسرار الخفيات. اعلم ان الصلاة أعظم شعائر الاسلام ولم يعبد بها أحد غير الله ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم اسلام أحد دونها ولهذا ما ورد ان أهل الطائف سألوه ان يقبل اسلامهم ويحط عنهم الصلاة فأبى عليهم وقال لا خير في دين ليس فيه ركوع وقال أول ما يحاسب به العبد الصلاة فهى في هذا الدين كالعنوان أو كأساس البنيان لذلك ما ذكر في أصل مشروعيتها من عظيم الشأن وترديد النبي صلى الله عليه وسلم بين موسى وربه في التحطيط منها حتى رجعت من خمسين الى خمس قال تعالى هي خمس وهن خمسون يعني في الثواب كما هو في أم الكتاب ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد. وقد نطق القرآن العظيم بفضلها وعظم موقعها وجلالة قدرها وجاءت السنة بأضعاف ذلك فمن مجموع ذلك انها معينة على قضاء الاصول وأصح في القياس (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته (التحتم في التيمم لكل فريضة) أراد حديثا مرفوعا اليه صلى الله عليه وسلم والا فقد أخرج البيهقي باسناد صحيح عن ابن عمر قال يتيمم لكل صلاة وان لم يحدث واستدل لذلك بقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الى أن قال فَتَيَمَّمُوا فاقتضى وجوب الطهر لكل صلاة خرج الوضوء بالسنة فبقى التيمم على مقتضاه وعلله الاصحاب بانه طهارة ضرورة فتتقدر بقدرها (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته (أنه لا يجزي) بفتح أوله بلا همز وضمه مع الهمز (غير التراب الذي له غبار) بل أخذ أصحابنا من قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أى اقصدوا ترابا طاهرا كما نقل عن تفسير ابن عباس وغيره (جعلت لي الارض مسجدا وطهورا) أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود عن أبي ذر وهو عام خصصه رواية مسلم وتربتها لنا طهورا ورواية الدارقطني وأبي عوانة عن حذيفة وترابها وزيادة الثقة مقبولة. (فصل) في عادته في الصلاة (غير الله) بالرفع والنصب (أول ما يحاسب به العبد الصلاة) فان صلحت صلح له سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله أخرجه الطبراني في الاوسط والضياء عن أنس ولا يعارض هذا الحديث ما أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء لان هذا فيما بين العباد وذاك فيما بين العبد وبين الله تعالى قاله النووي ويؤيد قول النووى ما أخرجه النسائي

الحاجات المهمات لقوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ومنه قوله تعالى فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتضاعف الحسنات وتغسل ادران الذنوب وترفع الدرجات وجاء فيها انها نور مطلق وشافعة للمصلى عند ربه ومسهلة عليه المرور على الصراط وكاشفة لكربه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه شيء فزع الى الصلاة ثم انها جالبة للرزق كما في قوله تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى وجاء انها شفاء من وجع البطن قم فصل فان الصلاة شفاء وفضلها أجل من ان يحصر وأشهر من ان يذكر ولأجل ما استجمعت من الخيرات ودفع المكروهات قال النبي صلى الله عليه وسلم وجعلت قرة عيني في الصلاة. وفي رواية الجائع يشبع والظمآن يروى وأنا لا أشبع من حب الصلاة وقال أقم الصلاة يا بلال وأرحنا بها* وقد قدمنا ما يلحق مفوتها من الوبال والخزي والنكال في صلاة الخوف في طى غزوة ذات الرقاع. ونشرع الآن في مهمات من وجوه تحسينها والأمور المؤدية الى قبولها فركنها الأعظم بعد النية وأعمالها الطاهرة التي لا تصلح الا بها الخشوع والتدبر والخضوع* قال الله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وقال تعالى من حديث ابن مسعود أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضي بين الناس في الدماء (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) أي نادت زكريا (فِي الْمِحْرابِ) أى في الغرفة (وتغسل أدران) بالمهملة والراء أي أو ساخ (الذنوب) ففي الحديث الصحيح أرأيتم لوان نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقي من درنه شيء قالوا لا قال كذلك الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا لفظ مسلم (وجاء فيها أنها نور مطلق) أخرجه القضاعى وابن عساكر عن أنس (وكان اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة) أخرجه أحمد وأبو داود عن حذيفة وحزبه بالمهملة فالزاى أهمه وانما كان يفزع الي الصلاة امتثالا لامر ربه في قوله وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (قم فصل فان في الصلاة شفاء) أخرجه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة (وأرحنا بها) أي ادخل علينا الروح والراحة التى نجدها في الصلاة ومناجاة الله تعالى (الخشوع) هو غض البصر وخفض الصوت ومحله القلب وعن علي أن الخشوع أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا وعن ابن جبير أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره وعن عمرو بن دينار هو السكون وحسن الهيئة وعن ابن سيرين هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك وعن عطاء هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة وقيل هو جمع الهيئة والاعراض عما سوى الصلاة (والتدبر) فيما يجرى على لسانه من القراءة والذكر وأصل التدبر اتباع الدبر أي القفا فكان المتدبر يتقفي ما يلفظ به لسانه فيتعقل معناه (والخضوع) قال البغوي هو قريب من الخشوع الا أن الخضوع في البدن والخشوع في القلب (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) أى مخبتون أذلاء قاله ابن عباس

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ قال بعضهم وان كانت الآية في سكر الخمر ففي قوله تعالى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ تنبيه على سكر الدنيا فكم من مصل لم يشرب الخمر وهو لا يعلم ما يقول ولا يدري كم صلى من استغراق همه بالوساوس الدنيوية وربما كانت في معصية فيكون الوبال فيها أعظم. ومثل من انطوت صلاته على هذه القاذورات مثل من اتخذ صناديق المصاحف وعاء للخمر والنجاسات. وروي عنه صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله الى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه وروي عن الحسن البصرى كل صلاة لم يحضر فيها القلب فهى الى العقوبة أسرع وقد أتى على هذا المعنى الفقيه الفاضل صفي الدين اسماعيل بن أبى بكر المقري في قصيدته الواعظة المشهورة فقال ذنوبك في الطاعات وهى كثيرة ... اذا عددت تكفيك عن كل زلة تصلى صلاة يعلم الله أنها ... بفعلك هذا طاعة كالخطيئة وقد مثلت الصلاة في صورة حيوانية روحها النية والاخلاص وحضور القلب ويديها الاعمال كالقيام والقعود. ورأسها الركوع والسجود والاركان التى لا بد منها. وجوارحها ووجوه تحسينها يجرى مجرى الابعاض والسنن ومثلوا المصلى في توجهه بها الى ربه كمثل من يهدي جارية الى ملك معظم فان أداها بلا نية فهو كمن أهدى الجارية ميتة وان أداها فاقدة الاركان فهى كمن أداها مقطوعة الاعضاء وان أداها فاقدة الابعاض والآداب فهى كمن أداها مشوهة فيكون المهدى في جميع ذلك مستحقا للعقوبة لا للمثوبة لان هديته لمن يعظم قدره ممن هو بهذه الصفات المذمومة فيه نوع استهزاء وتهاون بقدر المهدى اليه. وروى البيهقى وغيره عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فابلغ الوضوء ثم قام الى الصلاة فاتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت حفظك الله كما حفظتنى ثم يصعد بها الى السماء ولها ضوء ونور فتفتح أبواب السماء حتى ينتهى بها الى الله تعالى فتشفع لصاحبها واذا لم يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة قالت ضيعك الله كما ضيعتنى ثم يصعد بها الى السماء وعليها ظلمة فتغلق دونها أبواب السماء ثم تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب أو خائفون قاله الحسن وقتادة أو متواضعون قاله مقاتل أو ما مر من الأقوال (وان كانت الآية في شرب الخمر) على ما قاله الأكثرون أو في النوم على ما قاله الضحاك (لا ينظر الله) أي لا يقبل (لا للمثوبة) بفتح الميم وضم المثلثة أي الثواب (لمن يعظم) بفتح الياء وسكون المهملة وضم المعجمة (المهدى اليه)

بها وجه صاحبها. وخرج أيضا عن أبى هريرة ذكرت السرقة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أى السرقة تعدون أقبح. قالوا الرجل سرق من أخيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أقبح السرقة الذى سرق صلاته قالوا وكيف يسرق أحدنا صلاته قال لا يتم ركوعها وسجودها ولا خشوعها. ومن تخريجه أيضا مرفوعا من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها اذا خلا فتلك استهانة استهان بها ربه. ومن تخريجه أيضا مرفوعا ان الرجل ليصلى الصلاة ماله منها الا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها يعنى بمقدار ما استحضر منها وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ميزان فمن أوفا استوفي ونحوه عن سلمان موقوفا الصلاة مكيال فمن وفا أوفي له ومن نقص فقد علمتم ما للمطففين. وقال عبادة بن الصامت رضى الله عنه أشهد انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهدا أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهدا ان شاء غفر له وان شاء عذبه رواه أبو داود وغيره. وروي عن عمر بن الخطاب انه قال وهو على المنبر الرجل لتشيب عارضاه في الاسلام وما أكمل الله له صلاة قيل وكيف ذلك قال لا يتم خشوعها وتواضعها واقباله على الله تعالى فيها. وكان الحسن البصري يقول يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك اذا هانت عليك صلاتك. وقال أيضا تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء في الصلاة والذكر وقراءة القرآن فان وجدتم والا فاعلموا ان الباب مغلق والاحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة معلومة فانظر يا أخى عظم موقع الصلاة من الدين وما ورد في أصل تفويتها من الوعيد الشديد المفضى الى شقاوة الدارين والعياذ بالله ثم ما ورد في التساهل في أفعالها والتهاون بها من الخسران والخيبة والحرمان والله المستعان فينبغى للعاقل المتصف بالسنة أن يحيط بعلومها بضم الميم وسكون الهاء وفتح الدال المهملة (ومن تخريجه) أي البيهقى عن ابن مسعود (مرفوعا) الى رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحسن الصلاة الى آخره) وأخرجه عن ابن مسعود أيضا أبو يعلى وعبد الرزاق في الجامع (استهانة) أي اختيارا (ومن تخريجه أيضا) عن عمار بن ياسر (ان الرجل ليصلى الصلاة الى آخره) وأخرجه أيضا أبو داود وأحمد وابن حبان (تسعها) بضم ثانيه وسكونه وكذا ما بعده الا نصفها فليس فيه سوى السكون (يعنى بمقدار ما استحضر منها) مدرج من كلام الراوي (وروي أيضا) البيهقى في الشعب (فقد علمتم ما للمطففين) وهو الويل المذكور في القرآن (رواه أبو داود وغيره) كالبيهقي في السنن (المفضي) بضم الميم وسكون الفاء وكسر المعجمة أى الموصل

وان يفرغ وسعه في تقويمها ويتعرف الآيات الواردة في فضلها والحث عليها ويراجع تفسيرها ويتأمل المأثور من صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فبذلك يتجوهر باطنه ويتزين بالشرع ظاهره ويتروح بالعبادات وتخف على قلبه كلف المجاهدات كما قال بعض السادة جاهدت للصلاة عشرين سنة وتنعمت بها بقية العمر وهذا المقام الذي أشار اليه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله قرة عينى في الصلاة ويا بلال أقم الصلاة وارحنا بها. واعلم ان التفريط والتساهل في أفعال الصلاة ان جرى من العلماء المقتدي بهم الذى تلاحظ العامة أفعالهم عظم خطره وعم ضرره لانهم سبب الهداية والضلال وطباع الناس الى المتابعة في الافعال أميل منها الى المتابعة في الاقوال ومثل من يأمر بالاستقامة وينحرف عنها كمن يكذب بعضه بعضا ويتبع ابرامه نقضا ويحل عليه مقت الله تعالى قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ. قال ابن السماك وعظت الناس يوما فأعجبنى وعظي فسمعت هاتفا يقول يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فاذا انتهت عنه فأنت حكيم لاتنه عن خلق وتأنى مثله ... عار عليك اذا فعلت عظيم وقال صاحب البردة: أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت فما قولى لك استقم (وأن يفرغ وسعه) أى يبذل طاقته (يتجوهر باطنه) أى يصبر كالجوهر صافيا لا كدر فيه (ويتروح بالعبادات) أي يستريح بها (كلف) بضم الكاف وفتح اللام جمع كلفة وهي المشقة (ويتبع ابرامه) بالنصب والا برام الاحكام (نقضا) بالنصب مفعول ثان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) نزلت حين قالوا لو علمنا أحب الاعمال الى الله تعالى لعملناه ولبذلنا أنفسنا وأموالنا فأنزل الله عز وجل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين قاله أكثر المفسرين أو لأن الله أخبر رسوله بثواب شهداء بدر قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية قاله محمد بن كعب القرظي أو نزلت فيمن قال قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب قاله الضحاك أو نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين بان ينصرون وهم كاذبون قاله ابن زيد (كبر) أي عظم (مقتا) أي بغضا شديدا (ان تقولوا ما لا تفعلون) أي ان تعدوا من أنفسكم شيأ ثم لم توفوا به (ابن السماك) بفتح المهملة وتشديد الميم (وتأتي مثله) بالنصب على جواب النهي (ائتمرت)

وأعظم ما في ذلة العالم من الخطر ان تبقى سنة مأثورة بعده ويدخل في قوله صلى الله عليه وسلم من سن في الاسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة وطوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه ولذلك قيل ان الصغائر من العلماء كالكبائر من العامة وقال صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه وان كان التساهل في الصلاة والاخلال جرى من العامة الجهال فينبغى للعلماء تعريفهم لما أخذ الله على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه وقد ردد النبي صلى الله عليه وسلم المسئ صلاته ثلاث مرات كل ذلك يقول له ارجع فصل فانك لم تصل وانما لم يعلمه اول مرة ليكون أبلغ في التبكيت وأوقع في النفس. وقال صلى الله عليه وسلم لرجل ممن صلى خلفه يا فلان ألا تحسن صلاتك ألا تنظر المصلى اذا صلى كيف يصلى فانما يصلى لنفسه. انى والله لأبصر من ورائى كما أبصر من بين يدى. ورأى حذيفة رجلا يصلى لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال حذيفة منذكم صليت قال منذ أربعين سنة قال له حذيفة ما صليت ولو قدمت مت على غير الفطرة التى فطر الله عليها محمد صلى الله عليه وسلم كل ذلك مروي في الصحيحين. وقال ميمون بن مهران مثل الذي يرى الرجل يسيء صلاته فلا ينهاه مثل الذي يرى النائم تنهشه حية فلا يوقظه* واعلم ان العالم الذي تنجع موعظته وتؤثر كلمته هو الذي صلحت منه النية وحاز الوراثة النبوية وصدقت عليه الأوصاف الرسولية وصدق عليه المثل الأول من أمثال الغيوب السماوية وكان مقامه في الخلق مقام الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والتسليم ولذلك صار موته ثلمة في الاسلام قال بعضهم اذا صدرت الموعظة من القلب وقعت في وسط القلب واذا صدرت من ظاهر اللسان لم تجاوز الآذان وقيل لبعضهم ما بال علماء السلف كانت تؤثر موعظتهم وليس كذلك علماء الوقت فقال سبب ذلك ان علماء السلف كانوا ايقاظا والناس نياما والمستيقظ يوقظ النائم وعلماء الوقت نيام بياء المتكلم (من سن في الاسلام الى آخره) أخرجه الشيخان وغيرهما (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) أخرجه الطبراني في الصغير وابن أبى عدى والبيهقى في الشعب بسند ضعيف عن أبي هريرة (المسىء صلاته) هو خلاد بن رافع الزرقي أخو رفاعة بن رافع (ورأي حذيفة رجلا يصلي) أخرجه البخاري معلقا وأخرجه أحمد مسندا (لا يتم الركوع والسجود) زاد أحمد (فقال له حذيفة منذ كم صليت قال منذ أربعين سنة) قال في التوشيح هذه الزيادة اما شاذة أو وهم وذلك لان حذيفة مات سنة ست وثلاثين والصلاة لم تفرض قبل هذه المدة باربعين سنة انتهى (قلت) لعل حذيفة قال له ذلك قرب موته والصلاة فرضت قبل هذا بسبع وثلاثين سنة فقال منذ أربعين تقريبا لا تحديدا (مقام الانبياء) بالنصب

فصل فيما ذكر من صلاة سلف الصالحين رحمهم الله

والناس موتى والنائم لا يوقظ الميت اللهم انا نسئلك التوفيق ونعوذ بك من الخذلان. [فصل فيما ذكر من صلاة سلف الصالحين رحمهم الله] (فصل) فيما ذكر من صلاة سلف الصالحين رحمهم الله من ذلك ما روي ان زين العابدين علىّ بن الحسين رضى الله عنهم كان يتغير عند كل وضوء ويصغر لونه فاذا قام الى الصلاة أخذته رعدة فقيل له في ذلك فقال ما تدرون بين يدى من أقوم ووقعت نار في بيت وهو ساجد فيه فجعلوا يصيحون به فلم يرفع رأسه حتى وقعت النار في جانب البيت ولم تتعداه فلما رفع رأسه كلموه في ذلك فقال الهتني عنها النار الآخرة* وقال عبد الرزاق ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج يركد كأنه اسطوانة ولا يلتفت يمينا ولا شمالا وكان عبد الله بن الزبير اذا سجد تنزل العصافير على ظهره لا تحسبه الا جذم حائط من طول السجود وقال سعد بن معاذ رضى الله عنه ثلاث أنا فيهن رجل وما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شيأ قط الا علمت انه الحق من عند الله لا شك فيه ولا صليت صلاة قط فحدثت نفسى بغيرها حتى أفرغ منها ولا شهدت جنازة قط فحدثت نفسى بغير ما هى قائلة أو مقول لها. وقال الزهرى رحمه الله وسعدا أن كان لمؤتمنا على ما قال ولقد بلغنى انها خصال لا يعطاهن الا نبي أو من كان شبيها بنبي. وقال أبو بكر الوراق ربما أصلى فأنصرف منها وأنا أستحى من الله حياء رجل انصرف من الزنا. وحكي عن محمد بن يوسف الفرغانى انه رأى حاتم الأصم واقفا يعظ الناس فقال يا حاتم أراك تعظ الناس فتحسن ان تصلى قال نعم قال كيف تصلى قال أقوم بالأمر وأمشى بالسكينة وأدخل بالهيبة وأكبر بالعظمة وأقرأ بالترتيل وأجلس للتشهد بالتمام وأسلم على السنة وأسلمها الى ربى وأحفظها أيام حياتى وأرجع (فصل) (فيما ذكر من صلاة السلف الصالحين) (على بن الحسين) بن على بن أبى طالب كان رضي الله عنه نهاية في العلم غاية في العبادة قال الزهرى ما رأيت قرشيا أفضل منه توفي سنة ثلاث وتسعين وجميع الحسنيين من نسله وأمه أم ولد واسمها سلافة قال السهيلى وهى بنت كسرى يزدجرد (رعدة) بكسر الراء كما مر (الهتني) أي شغلتني (اسطوانة) أى دعامة (جذم حائط) بكسر الجيم وسكون المعجمة أي أصل حائط (وقال سعد بن معاذ) أخرجة ابن عبد البر بسنده عن ابن عباس قال قال سعد فذكره (وقال أبو بكر) اسمه محمد بن عمر (الوراق) بفتح الواو وتشديد الراء آخره قاف الترمذى قال القشيري أقام ببلخ وصحب أحمد ابن حصرويه وغيره وله تصانيف في الرياضات (أصلى فانصرف الي آخره) قال ذلك لعظم الادب عنده ومعرفة كل انسان بأدب الصلاة على قدر حظه من القرب قاله السهروردى في عوارف المعارف (الفرغاني) بفتح الفاء وسكون الراء ثم معجمة وبعد الالف نون منسوب الى فرغانة ناحية بالشرق (بالترتيل) أي بالتنزيل

باللوم على نفسى وأخاف ان لا تقبل مني وأرجو أن تقبل مني وأنا بين الرجاء والخوف وأشكر من علمني وأعلمها من سألني وأحمد ربى إذ هداني. قال له محمد بن يوسف مثلك يصح ان يكون واعظا فرحم الله حاتما ما أحسن ما وصف من حال صلاته ولقد صدق عليه وعلى أمثاله قوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ. وقال الشيخ الصالح القانت عبد الله بن خليل المقدسى سمعت بعض العلماء المحدثين يثنى على والدى بأنه يحسن الصلاة قال فتغير باطني لها لما علمت من جلالة قدر والدى وغزارة علمه ومعرفته بالله تعالى ثم بعد ذلك ظهر لى انه قد أبلغ في الثناء. قلت وتصديق ذلك عن بعض المحققين انه قال للصلاة ستمائة أداب ولا يحيط بذلك الا من زين الله باطنه بالمراقبة والخشوع وظاهره باتباع السنة والآن نرجع الى ما نحن بصدده من تسيير صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحر المعارف ومعدن اللطائف فنذكرها على الولاء من التحريم الى السلام ثم ما يتبعها من الاذكار عنه عليه أفضل الصلاة والتسليم وبالله التوفيق وقبل ذلك انه صلى الله عليه وسلم كان اذا فرغ المؤذن من الاقامة وقام الى الصلاة لا بد ان يتخذ سترة بين يديه شيأ خطا أو غيره وكان المقصود من ذلك والله أعلم تهيئة حريم للصلاة حتى يمنع من مرّ دونها ويسكن في حركاته اليها وينكف بصره عليها ثم يأمرهم بتسوية الصفوف وتعديلها والتراص فيها ووصلها وسد الفرج وتقاربها ويحض على ذلك ويبالغ فيه بالقول والفعل والترغيب والترهيب والوعد والوعيد والتهديد على من خالف ذلك حتى ورد انه صلى الله عليه وسلم كان يتخلل الصف من ناحية الى ناحية ويمسح بيده الشريفة مناكبهم وصدورهم ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم (مثلك) بكسر الميم وسكون المثلثة (والذين يؤتون ما أتوا) وقرائة عائشة والذين يأتون ما أتوا أى يعملون ما عملوا من اعمال البر (وقلوبهم وجلة) أى خائفة ان ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وان أعمالهم لا تقبل منهم (انهم الي ربهم راجعون) لانهم يوقنون بالرجوع اليه تعالى قال الحسن عملوا والله بالطاعات واجتهدوا وخافوا ان يرد عليهم وأخرج الثعلبى عن عائشة قالت قلت يا رسول الله والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه (من خال) بالمعجمة مكبر (من تسيير) بتقديم المهملة على التحتية المكررة (لا بد أن يتخذ سترة) أخرج الطبراني عن عصمة بن مالك قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حربة تسمى بها بين يديه فاذا صلى ركزها بين يديه (وكان المقصود) بالتشديد (والتراص فيها) بفتح الفوقية والراء وتشديد الصاد المهملة أى التلاصق (وسد الفرج) جمع فرجة وهى الخلل في الصف (ويقول) استوواو (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) أخرجه

وانه عدلهم مرة فلما أراد ان يكبر رأي رجلا باديا صدره من الصف فقال عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم ووجوهكم حتى كان أحدهم يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه والاحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة منتشرة فهي من السنن المؤكدة التى حض النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها ولم يرخص في تركها وواظب عليها الخلفاء الراشدون بعده ولما اتسعت دائرة الاسلام في خلافة عمر اتخذ معدلين للصفوف ولا يكبر حتى يخبروه باستوائهم وكذلك فعل عثمان وكان علىّ كرم الله وجهه يقول تقدم يا فلان تأخر يا فلان فينبغى للأئمة الاهتمام بذلك والحرص على الاقتداء برسول الله صلى عليه وسلم وامتثالا لأمره وفرارا من نهيه وأن لا يكبروا حتى يستكمل تعديل الصف كما ورد انه صلى الله عليه وسلم كان اذا رأى ان قد استووا كبر ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم منطوقا ولا مفهوما انه تلفظ بالنية ولا بالمنوى ولا دخل في الصلاة بغير التكبير واماما اعتاده الناس أمام التكبير من الشغل بالالفاظ التى تشترط نيتها كقصد فعل الصلاة وتعيينها ومفروضها فلا بأس به وقد قال العلماء يستحب ان يساعد بلسانه قلبه ولا كلام انه ان تكلم بلسانه من غير نية لم يجزه وان نوى بقلبه وتكلم بالتكبير فقط كما هو المنقول عنه صلى الله عليه وسلم أجزأه وبعض الناس يزيد في التحريم ألفاظا فيذكر النية واستقبال القبلة وعدد الركعات في تطويل وتهويل أحدثوه ما لم يرد به كتاب ولا سنة ولا أثر عمن تتم به أحمد ومسلم والنسائي عن ابن مسعود ولاحمد والشيخين وأبي داود والنسائى بن حديث أنس سووا صفوفكم فان تسوية الصف من اقامة الصلاة وللطبرانى في الاوسط وأبى نعيم في الحلية منه استووا تسووا قلوبكم تماسوا تراحموا وللدارمي من حديث البراء سووا صفوفكم لا تختلف قلوبكم والمراد بالتسوية اعتدال القائمين على سمت واحد ويطلق أيضا على سد الفرج التى في الصف وقوله فتختلف بالنصب على جواب النهى ومعنى اختلاف القلوب مسخها والعياذ بالله وتحويلها عن صورها وايقاع العداوة والبغضاء بينهم واختلاف القلوب كما يقال بغير وجه فلان على أى ظهر لى من وجهه الكراهة لى وتغير قلبه على وذلك لان مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظواهر وهي سبب لمخالفة البواطن (عباد الله لتسون صفوفكم الى آخره) أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير وأخرجه ابن ماجه عنه أيضا بلفظ سووا صفوفكم الى آخره وقوله لتسون بضم الفوقية وفتح المهملة وضم الواو المشددة وتشديد النون وللمستملي في صحيح البخارى لتساوون بواوين واللام لام القسم (أو يخالفن الله بين قلوبكم ووجوهكم) فيه القولان في اختلاف القلوب ويؤيد كونه حقيقيا حديث أحمد أو ليطمسن الوجوه (يلزق) يلصق (امام التكبير) بفتح الهمزة (قلبه) بالنصب

فصل في الموسوسين واستحكام إبليس عليهم

القدوة ومما أحدث أيضا وعم العمل به حتى توهم كثير من الناس انه سنة أو واجب ما اعتاده المأمومون بأجمعهم من التكبير لتكبير احرام امامهم ثم يعيدون ينظمون الالفاظ ويكررونها لا حرام أنفسهم حتى يطول الفصل ويفوتهم فضيلة ادراك تكبيرة احرام الامام وأما حسن تلك التكبيرة الزائدة لو كانت تكبيرة عقد احرامهم وادركوا بها الفضيلة فقد قال محيى الدين النووى رحمه الله تعالى وادراك تكبيرة الاحرام فضيلة وانما تحصل بالاشتغال بالتحريم عقيب تحريم امامه [فصل في الموسوسين واستحكام إبليس عليهم] ثم ان طائفة من الموسوسين استحكم عليهم تلبيس ابليس وعدلوا عن المعلوم الى الموهوم وجانبوا المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتحققت منهم طاعة اللعين. وصيرتهم الى سنة المجانين. فترى أحدهم يلعب بيديه عند التكبيرة في الهوى ونارة يعركها ويتلجي ويبلو نفسه في تردد عبارة الاحرام ويتلوي حتى كانه يحاول أمرا فادحا أو يتسوغ أجاجا مالحا حتى تفوته فضيلة تكبيرة احرام الامام جملة وربما فاتته الفاتحة فلم يطلقه شيطانه الا على رأس الركوع وربما فاتته الركعة الاولى أو الصلاة جملة فيقع في الخيبة والحرمان ويتحقق عليه استيلاء الشيطان. حتى تتأتى منه التكبيرة بمشقة وصوت فاحش يتآذي به من حوله وربما أذاهم وشوش عليهم بالجهر بالالفاظ السرية ولا يري انه يسمع نفسه الا بذلك فيتضاعف وزره مع مخالفته للسنة* ومنهم من أنكر العيان ومسموع الاذان حتى أنكر شيأ صدر مفعول يساعد (باجمعهم) بضم الميم (تلك التكبيرة) بالنصب على التعجب (لو كانت) اسمها مضمر فيها (عقد احرامهم) خبرها فقد (قال الامام محيى الدين النووي) وهذا لفظه في المنهاج (وادراك تكبيرة الاحرام) مع الامام (فضيلة) لورود الحث على ذلك عن السلف الصالح وأخرج الترمذى بسند منقطع من صلى أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الاولى كتبت له ثوابان برآة من النار وبرآة من النفاق (وانما يحصل) بشيئين بحضوره تكبيرة الامام و (بالاشتغال بالتحريم عقب تحريم امامه) من غير تراخ ولا وسوسة ظاهرة كما قاله في المجموع فافهم ان الوسوسة اليسيرة لا تمنع الادراك ودليل اشتراط الحضور يؤخذ من حديث الترمذي المار آنفا لان من أحرم الامام وهو غائب لا يسمى مدركا وكذا من أحرم في حضوره ولم يعقبه ويدل عليه فاذا كبير فكبروا والفاء للتعقيب ومن خشى فوات التكبيرة لم يسن له الاسراع ليدركها بل يمشى بسكينة كما لو لم يخف فوتها لقوله صلى الله عليه وسلم اذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم بالسكينة والوقار فما. أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن أبي هريرة وكذا لو خشي فوت الجماعة على المنقول خلافا للفارقي وابن أبي عصرون وقضيته كلام الرافعي (استحكم) أى غلبت (تلبيس ابليس) تخليطه وتشكيكه

منه وسمعه غيره وشاهده فضلا عنه حتى اشبه بذلك مذهب السوفسطائية الذين أنكروا حقائق الموجودات والامور المحسوسات الضروريات وربما عظم الضرر باخذ الموسوسين حتى عجز عن النطق ضرورة قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي في كتابه الذي سماه كتاب ذم الوسواس وأهله قال لى انسان منهم قد عجزت عن قول السلام عليكم فقلت له قل مثل ما قلت الآن وقد استوحت ونحو هذا وأوصافهم كثيرة قال وقد بلغ الشيطان منهم الى أن أغواهم في الدنيا وأخرجهم عن اتباع نبيهم المصطفي وأدخلهم في جملة المتنطعين الغالين في الدين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا* واعلم ان مبادئ الوسواس ومنشأ سببه اما ضعف في العقل أو جهل بالسنة واقتدى الجاهلين بالمهملين. وروينا عن السيد الجليل أحمد بن عطاء الروذرباى رحمه الله ونفع به قال كان في استقضي في أمر الطهارة وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببت من الماء ولم يسكن قلبي فقلت يا رب عفوك عفوك فسمعت هاتفا يقول العفو في العلم فزالت عنى ذلك ونعم لقد صدق رحمه الله فلو تأمل طائفة الموسوسين أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تعرفوها (الى شبه) بكسر المعجمة وسكون الموحدة (السوفسطائية) بضم المهملة وسكون الواو وفتح الفاء ثم مهملتين وبعد الالف نون فتحتية واشتقاق اسمهم من سوفسطا اسم للحكمة المموهة والعلم المزخزف لان سوفا معناه العلم والحكمة وسطا معناه المزخرف (الذين ينكرون حقائق الموجودات) ويزعمون انها اوهام وخيالات باطلة وهذه فرقة منهم تسمى العبادية ومنهم فرقة تسمى العبدية ينكرون ثبوت الامور ويزعمون انها تابعة للاعتقادات حتى ان اعتقدنا الشيء جوهرا فجوهر أو عرضا فعرض أو قديما فقديم أو حادثا فحادث ومنهم أخرى تسمى اللادرية ينكرون العلم بثبوت شيء ولا بثبوته ويزعم انه شاك وشاك في انه شاك وهلم جرا (والامور) بالنصب عطفا على حقائق وبالجر عطفا على الموجودات (ابن قدامة) بضم القاف ثم مهملة (المقدسى) نسبة الى بيت المقدس (المتنطعين) بالفوقية فالنون فالمهملتين وهم الغالون في الدين المجاوزون حد الاعتدال المبالغون المشددون في غير محل التشديد (الذين ضل سعيهم) أى بطل عملهم الذى عملوه (في الحياة الدنيا) وهم اليهود والنصاري قاله ابن عباس وسعد ابن أبي وقاص أوهم أهل حروراء قاله على بن أبي طالب وقيل هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع (وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) أي عملا أي يحسبون ان عملهم حسن فاتعبوا أنفسهم فيه يرجون نوالا فنالوا هلاكا وبواوا ووبالا كمن اشترى سلعة يرجو فيها ربحا فخسر وخاب سعيه (أحمد بن عطاء) يكني أبا عبد الله قال القشيري هو ابن اخت أبي على الروذباري شيخ الشام في وقته مات بصور سنة تسع وستين وثلاثمائة (الروذبارى) بضم الراء وسكون الواو وفتح المعجمة والموحدة فالف فراء نسبة الى روذبار مدينة بالشام (كان في) بتشديد الياء (عفوك عفوك)

اذا لم يعلموها من غيرهم وعرفوا يسيره وتيسيره وانه كان يؤاكل الصبيان ويأكل طعام عامة المسلمين وأهل الكتاب والذميين ويتوضأ في آنيتهم من غير بحث ويغتسل هو والمرأة من نسائه من الجنابة في اناء واحد دفعة واحدة تختلف أيديهم فيه وانه صلى مرة وهو حامل امامة بنت أبى العاص بن الربيع على ظهره اذا قام حملها واذا سجد وضعها فانه كان يتوضأ باسار الدواب ويصغى الاناء للهرة حتى تشرب منه وتوضأ هو وأصحابه من مزادة مشتركة وانه لم ينقل انه تردد في التكبير ولا تلفظ بقول أصلى وما بعده وقد أوجب الله علينا اتباعه في الأفعال والأقوال على كل حال فقال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال تعالى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وقال تعالى وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ وأخبرنا تعالى ان الشيطان يقعد لنا في طرق الطاعات كما سيوصله لنا في المخالفات فقال تعالى مخبرا عنه لاقعدن لهم صراطك المستقيم منصوب باضمار أسألك (كان يغتسل هو والمرأة من نسائه الى آخره) أخرجه بهذا اللفظ أحمد والبخارى عن أنس (وانه صلى مرة وهو حامل امامة الى آخره) أخرجه الشيخان وغير هما قال العلماء فيه دليل لتغليب الاصل على الظاهر كما هو أحد قولى الشافعى وذلك لان الغالب نجاسة ثوب الصبي وغيره من بدنه وفيه جواز ادخال الصبي غير المميز المسجد اذا أمن منه التنجيس وفيه عدم بطلان الصلاة بالعمل القليل وفيه اللطف بالصغار والرفق بهم (ويصغي) أى يميل (وضوء) بفتح الواو (وتوضأ هو وأصحابه) في حديث ذات المزادتين (من مزادة) بفتح الميم ثم زاى هي القربة العظيمة سميت بذلك لانه يجعل في رأسها زيادة (قُلْ) يا محمد لليهود والنصارى الذين زعموا انهم أبناء الله وأحباؤه أو لقريش الذين زعموا انهم انما يعبدون الاصنام حبا لله تعالى وتقربا اليه (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) فعلامة محبته اتباعي (فَاتَّبِعُونِي) أي اتبعوا شريعتى وسنتي (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فاني رسوله اليكم وحجته عليكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بين ذلك كيفية محبته وانها ليست ميل القلب الذي تنزه عنه تعالي وانما المراد ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم (وَأَنَّ) بكسر الالف وتشديد النون على الاستئناف للكسائي وبفتحها لغيره ما عدا ابن عامر فانه يقرأ بكسر الهمزة وتخفيف النون وعلى قراءة الاكثر قال الفراء واتل عليكم ان (هذا) يعنى دين الاسلام (صِراطِي) أى طريقي وديني (مُسْتَقِيماً) أي مستويا لا عوج فيه (فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أى الطرق المختلفة التى عدا هذه الطريق كسائر ملل الكفر وقيل أراد الاهواء والبدع (فَتَفَرَّقَ) أى فتتفرق أي تميل (بِكُمْ) وتتشتت (عَنْ سَبِيلِهِ) أي طريقه ودينه الذى ارتضى وبه أوصى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أي لا جلسن لبني آدم (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أى دينك القائم

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ وقد عظمت عنية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في الاعتناء بسنته وحملهم أنفسهم على هديه وطريقته فربما عرض لاحدهم عارض من باب التغليظ في الطهارة والتشديد في الدين ثم تركه لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله* فروينا عن عمر انه كان يهم بالأمر ويعزم عليه واذا قيل له لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى عنه حتى قال لقد هممت أن أنهى عن لبس الثياب المصبوغة فانه بلغنى انها تصبغ ببول العجائز فقيل له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبسها ولبست في زمانه فصدق ذلك وترك وقال مرة لابنه أو لغلامه أبغني ثوبا لخلائى غير ثوب صلاتى فانى رأيت الذباب ربما يقع على الخلاء ثم يقع على الثوب ثم انتبه فقال ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الا ثوب واحد وترك ما هم به* وروى مثل ذلك لزين العابدين على ابن الحسين رضي الله عنهم وهذا ما تأملوه وفهموه من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم على قربهم منه مع اعتبار قوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السهلة وقوله صلى الله عليه وسلم ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق ولا تبغض الى نفسك عبادة الله تعالى (ثم لآتينهم من بين أيديهم) أى قبل الآخرة فاشككهم فيها (ومن خلفهم) أى ارغبهم في دنياهم (وعن أيمانهم) أشبه عليهم أمر دينهم (وعن شمائلهم) اشهى لهم المعاصى قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس وروي عطية عنه من بين أيديهم من قبل دنياهم يعنى أرمها في قلوبهم ومن خلفهم أي من قبل الآخرة فاقول لا بعث ولا جنة ولا نار وعن أيمانهم من قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيآتهم وقال الحكم من بين أيديهم من قبل الدنيا يزينها لهم ومن خلفهم من قبل الآخرة يثبطهم عنها وعن أيمانهم من قبل الحق يصرفهم عنه وعن شمائلهم من قبل الباطل يزينه لهم وقال قتادة من بين أيديهم أخبرهم ان لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من قبل الدنيا فزينها لهم ودعاهم اليها وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها وعن شمائلهم زين لهم السيآت والمعاصى ودعاهم اليها أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير انه لم يأتك من فوقك لم يستطع ان يحول بينك وبين رحمة ربك وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا يبصرون (ولا تجد أكثرهم شاكرين) قال الخبيث ذلك ظنا فاصاب قال تعالى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ (عنية) أي اعتناء واهتماما (بهم) بفتح التحتية وضم الهاء وتشديد الميم (ابغني ثوبا) بالوصل ثلاثى أي اطلب لي وبالقطع من الرباعى أى أعني على الطلب (وقوله صلى الله عليه وسلم) بالجر (ان هذا الدين متين الى آخره) أخرجه أحمد عن أنس والمتين بالفوقية القوى يعنى انه لقوته يغلبك كما في الحديث الصحيح لن يشاد الدين أحد الاغلبه (فاوغل) بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر المعجمة أي ادخل فيه جادا مجتهدا لكن برفق أى معه فلا تشدد حتى تخرج

فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث حدثا ليس عليه أمرنا فهو رد* وقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة* وقوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس منى* وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى عند النزاع بالرجوع الى الكتاب والسنة فقال تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* وقال تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية وقال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فانظر كيف حتم الله على الخلق اتباعه في أحكام شريعته وحمل الانفس وان لم تقتضيه هواها على هديه وسنته كما قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به وقال السيد كبير الشأن الجنيد ابن محمد البغدادى الطرق كلها مسدودة الاعلى من اقتفى أثر النبي صلى الله عليه وسلم وقال الزهري كان من مضي من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة وقال حسان بن عطية ما ابتدع قوم بدعة في دينهم الا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها اليهم الى يوم القيامة فاذا فهمت أيها الموسوس ما قررناه وحررناه وتقرر عندك ان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاة أصحابه وصلاة الطبقة الأولى من التابعين قد كانت خالية عن مثل ما استحدثه جهلك أو بسوء رأي من اقتديت به وعلمت بالنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مبادئ ذلك من الشيطان كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان شيطان الوضوء اسمه الولهان وشيطان الصلاة اسمه خنزب علمت الي حد الغلو (فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي) والمنبت بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وتشديد الفوقية قال ابن الاثير يقال للرجل اذا انقطع في السفر وعطبت راحلته أنبت من البت وهو القطع يريد انه بقى في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب ظهره فمثل صلى الله عليه وسلم للغالى في الدين بهذا المنبت المنقطع وذلك ان الغالى بمدرج أي يمل وينقطع عمله فيعطب في الطريق اليه تعالى ولا يصل وهذا من بديع الامثال عند أرباب اللسان (وقوله) بالجر أيضا (كل بدعة ضلالة) هذا من العام الذي أريد به الخاص (وقوله) بالجر أيضا (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) أي اختلفتم (فِي شَيْءٍ) من أمر دينكم (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) أي الى كتابه (وَالرَّسُولِ) مادام حيا وبعد وفاته الي سنته قال البغوي فالرد الى كتاب الله والسنة واجب ان وجد فيهما فان لم يوجد فسبيله الاجتهاد وقيل الرد الى الله والرسول ان يقول لما لا يعلم الله أعلم (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فهذه سبيل أهل الايمان (ذلِكَ) أي الرد الى الله والرسول (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أى مآلا وعاقبة ومرجعا (وَما آتاكُمُ) أي أعطاكم (الرَّسُولُ) من الفيء والغنيمة (فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ) من الغلول وغيره (فَانْتَهُوا) قال المفسرون الآية نازلة في أموال الفيء وهي عامة في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه (هواها) مقصور (خنزب) بكسر المعجمة وسكون النون وفتح الزاي وكسرها ويقال أيضا بفتح المعجمة وضمها مع فتح الزاي

ركاكة الحال وماذا بعد الحق الا الضلال وأى خير في صلاة اشتملت على بدعة أو خلاف سنة قال تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ* وروينا في مسند الدارمي عن هشام بن حجير قال كان طاووس يصلى ركعتين بعد العصر فقال له ابن عباس اتركها قال اتنهى عنها ان يتخذ سلما قال ابن عباس فانه قد نهى عن صلاة بعد العصر فلا أدري أتعذب عليها أم تؤجر لأن الله تعالى يقول وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ* وقال رجل لسعيد بن المسيب وقد نهاه عن ذلك يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة قال لا ولكن يعذبك بخلاف السنة وكم مريد للخير لم يصبه ومتقرب الى الله بما يباعده عنه ومتحبب اليه بما يبغضه عليه قال الله تعالى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً أعاذنا الله من ذلك وبصرنا بعيوبنا وجعلنا ممن يأمر ويأتمر وينهى وينتهى ويقول ويفعل متبعين غير مبتدعين بجاه سيد المرسلين وخاتم النبيين وفيما ذكرنا وسطرنا كفاية لمن وفق وشرح الله صدره فاما من أشرب هواه واتبع أولاه أخراه وحرج صدره فلم يتبع غير مهواه فيري نفسه وشيطانه قد تظاهرا عليه وحسنا له ما يدعو انه اليه فيعنف واعظه ويبذ عليه ويرى انه أسدى اليه سيئة فيكافئه بمثلها ويقول لمثلى تقول هذا فيشبه حينئذ بوصف من قال الله فيه واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد وكان طريقة السلف رحمهم الله اذا وعظ أحدهم فوضح له وجه الصواب شكر واعظه ورجع فيهما (ركاكة الحال) أى ضعفه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أى تأس واقتداء (ابن حجير) بالمهملة فالجيم مصغر (سلما) بضم المهملة وفتح اللام المشددة (وكم) خبرية (مريد) مجرور بها (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) أي زين له الشيطان ذلك بالوسواس نرلت في أبي جهل ومشركى مكة قاله ابن عباس وفي أصحاب الاهواء والبدع قاله سعيد بن جبير قال قتادة منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وأما أهل الكبائر فليسوا منهم لانهم لا يستحلونها ومعنى زين شبه له وموه عليه وحسن له سوء عمله أي قبيحه (فَرَآهُ حَسَناً) وفي الآية حذف أي من كان كذلك يكون كمن هداه الله فرأى الحق حقا والباطل باطلا وهذا استفهام نفي أي ليس هو كمن ذكر (اشرب هواه) مبنى للمفعول (واتبع أولاه) أي ما كان قبل الموعظة (أخراه) أى ما كان بعدها أي ان حاله سواء ان وعظ وان لم يوعظ (وحرج صدره) أي ضاق (فيعنف واعظه) أي يلومه (ويبذ عليه) بالموحدة فالمعجمة أي يفحش لسانه (أسدي اليه) بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الدال المهملتين أي اصطنع (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ) أي خفه (أَخَذَتْهُ) أي حملته (الْعِزَّةُ) وحمية الجاهلية والعزة التكبر والمنعة (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) أى كافية (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) أي الفراش قال البغوى قال عبد الله بن مسعود ان من أكبر الذنب عند الله ان يقال للعبد اتق الله فيقول عليك

فصل في رقية الوسواس

على نفسه باللوم والعتاب وكان عمر بن الخطاب يقول رحم الله من أهدى الىّ عيوبى واعترضته امرأة في كلام تكلم به في ملأ من الناس فصاح على نفسه بالخطأ. وقال شيخ جهل وامرأة علمت فانظر يا أخى كيف كان حالهم في اقتدائهم بسنة نبيهم ورجوعهم الى الحق بعد معرفته وذلك لقوة ايمانهم وضعف قوى أنفسهم عند ظهور الحق واخناس شيطانهم فدن الله بما دانوا ومت على ما ماتوا تنج وتسلم وتغنم وبالله التوفيق* أما الوسواس في النية التي نحن بصددها فقد قال الشيخ الامام عبد الله بن قدامة المقدسى اعلم ان النية هى القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلا ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه في النية لفظا بحال ولا سمعنا عنهم ذلك وهذه العبارات التي حدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة وجعلها الشيطان معتركا لأهل الوسواس يحبسهم عندها ويعذبهم فيها ويوقفهم في طلب تصحيحها فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في اللفظ بها حتى كأنه يحمل ثقلا يدفعه وليست من الصلاة أصلا وانما النية قصد فعل الشيء وكل عازم على فعل شيء فهو ناوله فمن قصد الوضوء فقد نواه ومن قصد الصلاة فقد نواها ولا يكاد عاقل يقصد شيئا من عباداته ولا غيرها بغير نية فالنية أمر لازم لافعال الانسان المقصودة لا يحتاج الى تعب ولو أراد اخلاء أفعاله عنها لعجز عن ذلك ولو كلفه الله تعالى الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيقه ولا يدخل تحت وسعه وما كان هكذا فما وجه التعب في تحصيله وان شك في حصولها منه فهو نوع جنون فان علمه بحال نفسه أمر يقيني فكيف يشك فيه عاقل هذا معني كلامه. [فصل في رقية الوسواس] (فصل) في رقية الوسواس روينا في صحيح مسلم عن عثمان بن أبى العاص قال قلت يا رسول الله ان الشيطان قد حال بيني وبين صلاتى وقراءتى يلبسها على فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك شيطان يقال له خنزب فاذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ففعلت ذلك بنفسك وروي انه قيل لعمر بن الخطاب اتق الله فوضع خده على الارض تواضعا لله عز وجل (ورجوعهم الى الحق) بالضم عطفا على حالهم وبالكسر عطفا على اقتدائهم (قوى) بضم القاف وفتح الواو والقصر القوة (واخناس شيطانهم) بالمعجمة فالنون (فدن) أمر من دان يدين بمعنى أطاع (تنج) بالجزم على جواب الامر وكذا ما بعده (ذكر ذلك) بالنصب (معتركا) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الفوقية والراء. (فصل) في رقية الوسواس (حال بيني وبين صلاتي) أى منعنى لذتها والفراغ للخشوع فيها (يلبسها على)

فصل في كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم من ابتدائه في تكبيره الإحرام إلى تشهده

فاذهبه الله تعالى وقال الامام القطب محيى الدين النووى قال بعض العلماء يستحب قول لا إله الا الله لمن ابتلى بالوسوسة في الوضوء والصلاة واشباههما فان الشيطان اذا سمع الذكر خنس والله أعلم. [فصل في كيفية صلاته صلى الله عليه وسلّم من ابتدائه في تكبيره الإحرام إلى تشهده] (فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتدائه في تكبيرة الاحرام يرفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ويحاذى بأطرافهما أذنيه ويستقبل ببطونهما القبلة فاذا فرغ من التكبير أرسلهما باناة وقبض بيمينه على ظهر يساره وجعلهما تحت صدره ثم ان كانت الصلاة جهرية سكت سكتة طويلة يأتى فيها بدعاء الاستفتاح وثبت في مجموعة أحاديث كثيرة بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه أي يخلطها على ويشككنى فيها (سمع الذكر خنس) أي تأخر (فائدة) من رقية الوسواس قراءة قوله تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أخرجه أبو داود عن ابن عباس. (فصل) في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتدائه في تكبيرة الاحرام الي آخره) اخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما كان اذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر فاذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك واذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك ولا يفعله حين يرفع من السجود زاد البخارى ولا يفعل ذلك حين يسجد واذا قام من الركعتين رفع يديه وفي رواية لمسلم كان اذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما فروع أذنيه أى اعاليهما ولابي داود من حديث وائل ابن حجر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع ابهاميه في الصلاة الي شحمة أذنيه وجمع الشافعي بين الروايات بانه كان يحاذي بكفيه منكبيه وبابهاميه شحمتي أذنيه وبرؤس أصابعه أعلاهما (باناة) أى برفق (وقبض بيمينه على ظهر يساره) أخرج مسلم من حديث وائل بن حجر انه وضع يده اليمنى على اليسري زاد البزار عند صدره ولابن خزيمة على صدره ولابي داود وضع كفه اليمني على ظهر كفه اليسري والرسغ والساعد وحكمته تسكين اليدين وليجاور بهما القلب الذى خشوعهما بالسكون فرع خشوعه بالمهابة والخشية (ثم ان كانت الصلاة جهرية) وكذا سرية (سكة سكتة) أى ترك الجهر بالاستفتاح ولم يرد السكوت الحقيقى (يأتي فيها بدعاء الافتتاح) أخرج مسلم قال كان اذا افتتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي للذى فطر السموات والارض حنيفا زاد ابن حبان مسلما وما أنا من المشركين الى قوله وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (وثبت في مجموعه أحاديث كثيرة) منها سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم عن أبي سعيد وأخرجه الطبراني عن ابن مسعود وعن واثلة بن الاسقع وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن عائشة ومنها اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب الى آخره أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة ومنها اللهم أنت الملك لا اله الا أنت الى آخره أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى عن علي ومنها الحمد

يستحب الاتيان بجميعها ومن آثر الاختصار لغرض فيحسن اقتصاره على قوله وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وهذه احدى سكتاته الاربع صلى الله عليه وسلم ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم* قال النووي المختار ان يتعوذ في كل ركعة سرية في حال الجهر والاسرار ثم يقول بسم الله الرحمن الرحيم وكان صلى الله عليه وسلم ربما جهر بها وربما أخفي وبين العلماء تنازع في وجوبها والجهر بها والأسرار ثم يقرأ الفاتحة ويرتلها ويقف عند آخر كل آية منها ويمد آخر الكلمة. قال أصحابنا وفيها أربع عشر تشديدة يتعين الاتيان بجميعها ويقول بعد الفراغ منها آمين يجهر بها في موضع الجهر ويسر بها في لله حمدا كثيرا طيبا مباركا أخرجه مسلم وأبو داود عن أنس ومنها الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا أخرجه مسلم والترمذي والنسائى عن ابن عمر (يستحب الاتيان بجميعها) لمنفرد وامام محصورين راضيين بالتطويل لم يطرأ عليهم غيرهم ولم يتعلق باعتنائهم حق ولم يكن المصلى مطروقا (وجهت وجهى) أي أخلصت عبادتي (ونسكى) أي عبادتي (ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أخرجه أبو داود والحاكم وابن ماجه وابن حبان وابن عساكر عن جبير بن مطعم (ثم يقول بسم الله الرحمن الرحيم) أخرجه ابن خزيمة والحاكم من حديث أم سلمة بلفظ عد البسملة أنه من الفاتحة وللدار قطني من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال اذا قرأتم الْحَمْدُ لِلَّهِ فاقرؤا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أنها ام القرآن وام الكتاب وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ احدى آياتها (وبين العلماء) رحمهم الله (تنازع في وجوبها) بحسب تنازعهم في أنها آية من الفاتحة أم لا والقائلون بانها ليست من الفاتحة يستدلون بحديث الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك قال قمت وراء أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فكلهم كانوا لا يقرؤن بسم الله الرحمن الرحيم اذا افتتح الصلاة (و) بهذا يستدل أيضا من قال بعدم (الجهر بها) ومذهب الشافعى والثوري وابن المبارك وطوائف من السلف والخلف أن البسملة آية من الفاتحة وأنه يجهر بها حيث يجهر بالفاتحة وذلك لما مر ولانها كتبت في المصحف باتفاق الصحابة واجماعهم على أن لا يثبتوا فيه بخط القرآن سوى القرآن وأجمع بعدهم المسلمون على ذلك وأجمعوا على أنها ليست في أول برآة وأنها لا تكتب فيها وأجابوا عن حديث أنس بان أصل روايته وكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين يريد سورة الفاتحة وما ذكر في بعض الاحاديث من نفي البسملة فتضرف من بعض الرواة ظنا منه انه المراد فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين يريد سورة الفاتحة أي لا يأتون بالبسملة (ثم يقرأ الفاتحة) أخرج الشيخان وغيرهما لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ولابن خزيمة والدار قطنى لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها الرجل بفاتحة الكتاب (ويرتلها) امتثالا لقوله تعالى وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ (يتعين الاتيان بجميعها) أي التشديدات لان المشدد حرفان فاذا خفف بطل حرف (ويقول بعد الفراغ منها آمين يجهر بها الى آخره) أخرجه أبو داود من

فصل وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد التأمين سكتة طويلة

موضع الاسرار. واعلم ان التأمين مستحب للامام والمنفرد داخل الصلاة وخارجها وردت أحاديث كثيرة في فضله وعظيم أجره والسنة ان يؤمن المأمومون بأسرهم لقراءة أمامهم ويقترن تأمينهم بتأمين امامهم لا قبله ولا بعده لانه صح ان الملائكة تؤمن لقراءة الامام فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وليس في الصلاة موضع يستحب ان يقترن فيه قول المأموم بقول الامام الا في التأمين واما باقى الاقوال فيتأخر قول المأموم عن قول الامام والسنة ان يسكت بين الفاتحة والتأمين سكتة لطيفة ليعلم ان أمين ليست من الفاتحة. [فصل وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد التأمين سكتة طويلة] (فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد التأمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة فهى سنة قل من الأئمة من يستعملها فهى من السنن المهجورة. (فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح والأولين من باقى حديث وائل بن حجر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقال آمين رفع بها صوته (مستحب للامام) لما مر أنه صلى الله عليه وسلم رفع بها صوته (و) المأموم لما أخرجه البيهقى عن عطاء قال أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد اذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين سمعت لهم رجة بآمين وفي البخاري معلقا آمين أمن الزبير ومن خلفه حتى أن للمسجد للجة (والمنفرد) قياسا (ووردت أحاديث كثيرة في فضله وعظيم أجره) كقوله صلى الله عليه وسلم وقد سمع داعيا يدعو وجب إن ختم فقال رجل من القوم بأي شيء يختم فقال بآمين فانه ان ختم بآمين فقد أوجب أخرجه أبو داود عن أبى زهير النميرى وأمن صلى الله عليه وسلم على دعاء زيد بن ثابت ورجل آخر وأبي هريرة وهم في المسجد يدعون أخرجه النسائي والحاكم عن زيد بن ثابت وأمن صلى الله عليه وسلم على المنبر ثلاثا أخرجه الحاكم في المستدرك عن كعب بن عجرة وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن مالك بن الحويرث ودعا صلى الله عليه وسلم بدعاء طويل وأمن في تفاصيله أخرجه الحاكم من حديث أم سلمة وأخرج ابن أبي عدي والطبراني من حديث أبي هريرة آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده وأخرج ابن شاهين في السنة من حديث علي أمنوا اذا قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (باسرهم) بفتح الهمزة أى باجمعهم (لانه صح) عنه صلى الله عليه وسلم (ان الملآئكة تؤمن لقراءة الامام الى آخره) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبى هريرة (فمن وافق قوله قول الملائكة) أى وقتا وزمانا أو صفة وخشوعا واخلاصا قولان والمراد بالملآئكة الحفظة او غيرهم لقوله في الحديث الآخر قول أهل السماء قولان (غفر له ما تقدم من ذنبه) المراد غفران الصغائر كما في نظائره زاد الجرجانى في الامالى وما تأخر (الا في آمين) فانه يستحب اقتران قول الامام والمأموم (فهى) أي سكتة الامام بعد التأمين (سنة) قال أصحابنا لكن يشتغل فيها بقراءة وهي أولى أو ذكر فليس هذا سكوتا حقيقيا. (فصل) في قراءته صلى الله عليه وسلم السورة (كان يقرأ في صلاة الصبح والاولتين من باقي

الفرائض سورة بعد الفاتحة فيجعلها في الصبح والظهر من طوال المفصل وفي العصر والعشاء من أوساطه وفي المغرب من قصاره وهذا غالب حالاته في الصلوات وربما غيرها بحسب الحاجات والضرورات فثبت انه صلى الله عليه وسلم ربما دخل في الصلاة يريد اطالتها فيسمع بكاء الصبى وأمه من المقتدين به فيخفف مخافة ان يشق على أمه وغضب على معاذ غضبا شديدا حين طول في العشاء وعين له سورة والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الاعلى والليل اذا يغشى وقال اذا أم أحدكم الناس فليخفف فان فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة فاذا صلى وحده فليصل كيف شاء* وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يطول في الاولى مالا يطول في الثانية ويبالغ في الاسرار في موضعه حتى لا يعلمون قراءته الا باضطراب لحيته وربما أسمعهم الآية أحيانا وكره صلى الله عليه وسلم للمأمومين الجهر بالقراءة خلف أمامهم فثبت في الصحيح انه صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فلما سلم قال أيكم قرأ خلفي سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال بعضهم انا ولم أرد بها الا الخير قال قد علمت ان بعضكم خالجنيها أى نازعنيها لهذا الحديث. قال العلماء تستحب السورة التى بعد الفرائض سورة الى آخره) أخرجه الشيخان في غير المغرب وأخرجه النسائي فيه باسناد حسن وكان يقرأ في غير الاولتين أيضا كما أخرجه الشيخان في الظهر والعصر ومالك في المغرب ومن ثم كان للشافعى قول بسنية السورة في جميع الصلاة وفي ترجيح الاصحاب القول الثاني وهو القراءة في الاوليين فقط تقديم للدليل النافي على الدليل المثبت عكس الراجح في الاصول وجمع بعضهم بينهما بان ذلك بحسب اختلاف المأمومين فحيث آثروا التطويل قرأ السورة في غير الاوليين وحيث كثروا تركها والاوليان تثنية اولى (من طوال) بكسر الطاء فقط (المفصل) سمي بذلك لكثرة فصوله أى لقصر سوره وغير ذلك (وفي العصر والعشاء من أوساطه وفي المغرب من قصاره) وحكمة ذلك أن الصبح والظهر يكونان عقب النوم غالبا فشرع صلى الله عليه وسلم التطويل ليدرك من قام من النوم وأن المغرب ضيقة الوقت فشرع لها القصار وأما العصر والعشاء فلأن المذكور في محل التطويل والاختصار لم يوجد فيهما فاختصا بالوسط وآخر المفصل آخر القرآن وفي أوله عشرة أقوال للسلف أصحها انه من الحجرات وقيل من الصافات وقيل من الجاثية وقيل من الفتح وقيل من سورة محمد وقيل من قاف وقيل من الحديد وقيل من الصف وقيل من تبارك الملك (اذا أم أحدكم الناس فليخفف الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى عن أبي هريرة (العصر) بالنصب وكذا ما بعده (فليصل كيف شاء) في رواية اخرى فليطول ما شاء (وكان يطول في الاولى) زاد أبو داود وغيره فطننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الاولى (خالجنيها) بالمعجمة فالجيم وللترمذي

الفاتحة للمأموم كما تستحب للامام والمنفرد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه في رفع صوته لا في أصل القراءة وهذا كله فيما يسر به الامام أما ما يجهر به فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة فان لم يسمع قراءة الامام أو سمع هينمة لم يفهمها استحب له السورة بحيث لا يشوش على غيره واعتاد كثير من الناس من الموسوسين وغيرهم الجهر بالقراءة خلف الامام والتشويش على من بقربهم من المصلين وهى عادة سيئة وربما علم بعضهم النهي عن ذلك فلم ينته فيصير علمه حجة عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم علم لا يعمل به ككنز لا ينفق منه أتعب صاحبه نفسه في جمعه ثم لم يصل الى نفعه. (فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد الفراغ من القراءة سكتة لطيفة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهويّ الى الركوع ثم يكبر رافعا يديه كاحرامه ثم يركع فيضع كفيه على ركبتيه ويفرق بين أصابعه ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويسوي ظهره ورأسه من غير ترفيع ولا تنكيس وينصب ساقيه ولا يثني ركبتيه ثم يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا باسناد حسن مالي انازع القرآن أما (ما يجهر به) الامام (فلا يزيد المأموم فيه على) قراءة (الفاتحة) لقوله تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (هينمة) بفتح الهاء والنون بينهما تحتية ساكنة هي الصوت الذي لا يفهم (استحب له السورة) لانه اذا لم يسمع الامام فأي معنى لسكوته (علم لا يعمل به ككنز لا ينفق منه) أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة بلفظ لا ينتفع به وله عن ابن عمر لا يقال به وللقضاعي عن ابن مسعود علم لا ينفع ككنز لا ينفق منه. (فصل) في سكوته بعد الفراغ من الفاتحة (سكتة لطيفة) بقدر سبحان الله (الهوى) بضم الهاء وفتحها وكسر الواو وتشديد التحتية (رافعا يديه كاحرامه) كما مر تخريجه (فيضع كفيه على ركبتيه) أخرجه البخاري من حديث أبى حميد الساعدي وأخرج هو ومسلم عن سعد بن أبي وقاص كنا نطبق في الركوع فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب والتطبيق جعل بطن احدى الكفين على بطن الاخرى ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه وهو منسوخ بحديث سعد هذا عند الجمهور بل قالوا بكراهيته ومذهب ابن مسعود وصاحبيه علقمة والاسود أنه غير منسوخ (ويفرق بين أصابعه) أخرجه الحاكم والبيهقي عن وائل بن حجر (ويجافي مرفقيه عن جنبيه) أخرجه بمعناه البيهقي من حديث البراء بن عازب (ويسوي ظهره ورأسه) أخرجه مسلم عن عائشة (من غير ترفيع) هو معنى قولها لم يشخص رأسه (ولا ينكس) هو معنى قولها ولم يصوبه وأخرج ابن ماجه من حديث وابصة كان اذا ركع سوى ظهره حتى لوصب عليه الماء لاستقر وأخرجه الطبرانى في الكبير عن ابن عباس وأبي برزة وعن أبى مسعود (وينصب ساقيه ولا يثنى ركبتيه) أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقى (ثم يقول سبحان ربي العظيم) وبحمده (ثلاثا)

فقد جاء في كتب السنن انه صلى الله عليه وسلم قال اذا قال أحدكم سبحان ربى العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه* وثبت في صحيح مسلم انه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح* وثبت في غيره بأسانيد صحيحة عن عوف ابن مالك قال قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة الا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب الا وقف وتعوذ قال ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة واذكار الركوع واسعة وذهب الامام أحمد بن حنبل وجماعة الى أن الذكر في الركوع واجب فينبغي المحافظة عليه للخروج من الخلاف ولحديث أما في الركوع فعظموا فيه الرب* واعلم ان الركوع ذمام الصلاة وبادراكه تدرك الركعة وبفواته تفوت ولهذا قال العلماء يستحب للامام اذا أحس بداخل وهو راكع أن ينتظره ويمكث حتى يعلم منه الاحرام والركوع والطمأنينة ولا ينتظره فيما بعده من الاركان الا في التشهد الاخير أخرجه أبو داود عن عقبة بن عامر (اذا قال أحدكم سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه) وأخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عقبة بن عامر لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الاعلى قال اجعلوها في سجودكم (وثبت في صحيح مسلم) وسنن أبي داود والنسائي عن عائشة (سبوح قدوس) بضم أولهما على المشهور ومعناهما مسبح ومقدس والمسبح المبرأ من كل النقائص ومن الشريك في الملك والخلق وكل مالا يليق بالباري تعالى (رب الملائكة والروح) قال الخطابي فيه قولان أحدهما أنه جبريل خص بالذكر تفضيلا له على سائر الملائكة والثاني أنه خلق من الملائكة يشبهون الانس في الصور وليسوا انسا وقيل هو ملك عظيم أعظم من الملائكة خلقا انتهى (فائدة) الروح تطلق على القرآن كما قال تعالى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الآية وعلى عيسى قال تعالى وَرُوحٌ مِنْهُ وعلى روح الانسان وعلى جبريل وعلى ملك آخر من الملائكة قيل وهو المراد بقوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ وعلى صنف من الملائكة (وثبت في غيره) أي في سنن أبي داود والترمذي في الشمائل والنسائى (وذهب الامام أحمد) بن محمد (ابن حنبل وجماعة) من المحدثين (الى ان الذكر في الركوع) والسجود (واجب) آخذا بظاهر الحديث في الامر به مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني اصلي أخرجه البخاري وغيره وذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة والجمهور الى عدم وجوبه محتجين بحديث المسىء صلاته فانه صلى الله عليه وسلم لم يأمره به وأجابوا بان الامر بالتسبيح محمول على الاستحباب (أما الركوع فعظموا فيه الرب) أخرجه مسلم وغيره عن ابن عباس أى سبحوه ونزهوه ومجدوه (زمام الصلاة) بكسر الزاى أى من أدركه فقد أدرك الصلاة كما أن من أدرك زمام الدابة فقد أدركها (ولهذا قال العلماء يستحب للامام الى آخره) اعلم أن في الانتظار قولين للشافعي أرجحهما ينتظر

فصل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال رفعه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده

فانه يستفاد بادراكه صلاة الجماعة [فصل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال رفعه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده] (فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال رفعه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده ويرفع يديه كما يرفعهما للاحرام. فاذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملأ السموات والارض وملأ ما بينهما وملأ ما شئت من شيء بعد ووردت عنه صلى الله عليه وسلم في الاعتدال عن الركوع اذكار كثيرة وهذا أقل ما يقتصر عليه. قال النووى فان بالغ في الاقتصار اقتصر على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد فلا أقل من ذلك. واعلم أنه قد صحح كثيرون من أصحابنا ان الاعتدال ركن قصير وهو خلاف المنقول فقد ثبت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قال سمع الله لمن حمده وقام بشروط معروفة وفي حكاية القولين طرق أشهرها طريقان أحدهما أن القولين في الكراهة وعدمها وحكاه الرافعى عن المعظم والثاني أنها في الاستحباب وجرى عليه النووى في زوائد الروضة واقتصر كلامه في المجموع على ترجيحه ومشى عليه في المنهاج ودليل استحباب الانتظار القياس على استحباب ابتداء فعلها لتحصيل الجماعة للغير الثابت في حديث من يتصدق على هذا فيصلي معه وقد قال تعالى وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى (فصل) في رفعه من الركوع (كان يقول سمع الله لمن حمده) أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة وأخرجه مسلم أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفي وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي من حديث رفاعة بن رافع ومعنى سمع هنا أجاب ومعناه أن من حمده تعالى متعرضا للثواب استجاب له باعطاء ما تعرض له فانا أقول (ربنا لك الحمد) ليحصل ذلك (حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه) هذا لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله بل سمع رجلا قاله فلما انصرف قال من المتكلم قال أنا قال رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والطبراني عن رفاعة بن رافع الا قوله بضعة وثلاثين ملكا ففي مسلم بدله اثني عشر ملكا وللطبراني ثلاثة عشر وزاد النسائي كما يحب ربنا ويرضى وهذا الرجل المبهم هو رفاعة بن رافع راوي الحديث كما جاء مصرحا به في رواية النسائي (فائدة) قال النووي وغيره الحكمة في هذا العدد المذكور في البخاري أنه مطابق لعدد الحروف في الذكر المذكور والعدد المذكور في مسلم مطابق لعدد كلماته (ملأ) بالنصب وهو أشهر والرفع وحكى عن الزجاج عدم جواز غيره قال العلماء معناه حمدا لو كان جسما لملأ السموات والارض (وملأ ما بينهما) هذه الزيادة أخرجها مسلم من حديث على ومن حديث ابن عباس (وملأ ما شئت من شيء بعد) أي كالعرش والكرسي وغيرهما مما استأثر تعالى بعلمه (أذكار كثيرة) منها اللهم طهرنى بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الا بيض من الوسخ أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن أبي أوفي ولمسلم في رواية من الدرن بدل الوسخ وفي أخرى من الدنس ومنها أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبدا لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد أخرجه مسلم وأبو داود

فصل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من أذكار الاعتدال هوى ساجدا

حتى يقول القائل قد أوهم وصححه النووى في التحقيق انه ركن طويل والله أعلم. واعلم أن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة ثابتة رواها العدد الكثير من الصحابة منهم العشرة المبشرة ورواها عنهم الجم الغفير من التابعين ومع ذلك فقل من يستعملها ويواظب عليها والله المستعان. واختلفت عبارات العلماء في الحكمة في رفع اليدين في تكبيرة الاحرام وما بعدها وأحسنها ما روي الشافعي انه قال فعلته اعظاما لله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. [فصل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من أذكار الاعتدال هوى ساجدا] (فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من أذكار الاعتدال هوى ساجدا مكبرا فيضع ركبتيه أولا ثم يديه وربما وضع يديه أولا رواه البخاري معلقا موقوفا على ابن عمر ورواه ابن خزيمة والبيهقى موصولا مرفوعا وهو أيسر استعمالا وأليق حالا ثم يضع جبهته وأنفه وكان يضع يديه حذو منكبيه مضمومة الاصابع بخلاف الركوع. وصح انه صلى الله عليه وسلم كان اذا سجد جنح وفي رواية خوّى. وفي رواية فرج بين يديه حتى يرى وضح أبطيه. وفي رواية حتى لو شاءت بهيمة أن تمر لمرت فلهذا قال العلماء يسن للمصلى أن يفرق بين ركبتيه ويجافي مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه قالوا والحكمة فيه انه أشبه بالتواضع وأبعد والنسائي عن أبي سعيد (قد أوهم) بفتح الهمزة والهاء وسكون الواو أي تشكك (فعلته أعظاما لله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) جمع الشافعي رحمه الله في هذا الكلام بين الاشارة الى ان الرفع معلل وهو معنى قوله اعظاما لله لان شأن المعظم له تعالى ان يرفع يده الى السماء وبين الاشارة الى انه يقتدي وهو معنى قوله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لان الاتباع مقصود في ذاته وان لم يعقل معناه وقيل ان حكمة الرفع ان المصلى يجمع بين ما يكنه القلب من اعتقاد دعاء وكبرياء لله وعظمته وبين الترجمة عنه باللسان والاظهار بما يمكن اظهاره من الاركان وقيل الاشارة الى طرح ما سوي الله سبحانه والاقبال بالكلية على عبادته ويقرب من هذا قول من قال الاشارة الي طرح اعراض الدنيا ونبذها وراء ظهره والاقبال على صلاته. (فصل) في هويه للسجود (ربما وضع يديه أولا) هذا منسوخ على ما قيل (رواه البخارى معلقا موقوفا على ابن عمر ورواه) عنه (ابن خزيمة والبيهقي موصولا مرفوعا) وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث وائل بن حجر وصححه ابن خزيمة (ثم يضع) ممكنا (جبهته وأنفه) أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي حميد (وصح) في صحيح مسلم وغيره (جنح) بفتح الجيم والنون المشددة ثم مهملة (خوي) بالمعجمة بوزن جنح (فرج) بالفاء والجيم بوزن ما قبله وللبيهقى من حديث البراء بن عازب وتفاج بفتح الفوقية والفاء وبعد الالف جيم مشددة ومعنى هذه الالفاظ باعد بين مرفقيه وعضديه عن جنبيه (حتى يري) بالبناء للمفعول وبالنون بالبناء للفاعل (وضح) بفتح الواو فالمعجمة فالمهملة أى بياض (أبطيه) وكان أبيض الابط غير متغير اللون أى لا شعر عليه (بهيمة) تصغير بهيمة قال الجوهرى من

فصل في السجود والقيام واختلاف العلماء في أيهما أفضل

من هيئة الكسالى وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف. وينبغي للمتصف بالسنة أن يحرص على سنة المجافاة ويحمل نفسه على فعلها حتى يعتادها فيأتيها بغير مشقة فليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا استعمالها والله الموفق. (فصل) وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن يزيد الخطمى. قال حدثني البراء بن عازب وهو غير كذوب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده فقيه دليل طول الطمأنينة وتأخر أفعالهم عن فعله صلى الله عليه وسلم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا ركع فاركعوا دليل على ذلك والله أعلم. [فصل في السجود والقيام واختلاف العلماء في أيهما أفضل] (فصل) اعلم انه ورد في فضل السجود أحاديث كثيرة واختلف العلماء فيه وفي القيام في الصلاة أيهما أفضل فمذهب الشافعى ان القيام أفضل وذهب غيره الى ان الركوع والسجود أفضل وقال احمد بن حنبل ورد فيه حديثان ولم يقض فيه بشيء وأما أذكاره فوردت فيه أحاديث كثيرة أولاد الضأن وتطلق على الذكر والانثى قال والسخال أولاد المعز (الخطمى) بفتح المعجمة وسكون المهملة منسوب الى خطمة فخذ من الانصار (لم يحن) بفتح التحتية وسكون المهملة وكسر النون ويجوز ضمها. (فصل) في فضل السجود (ورد في فضل السجود أحاديث كثيرة) منها أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة (فمذهب الشافعي أن القيام أفضل) وأن تطويله أفضل من تطويل الركوع والسجود لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طول القنوت أخرجه أحمد ومسلم والترمذى عن جابر وأخرجه الطبراني عن أبي موسى وعن عمر ابن عبسة وعن عمير بن قتادة الليثي والمراد بالقنوت القيام ولان ذكر القيام القراءة وذكر الركوع والسجود التسبيح ولانه نقل عنه صلى الله عليه وسلم تطويل القيام أكثر من تطويل الركوع والسجود (وذهب غيره) كابن عمر (الى أن الركوع والسجود أفضل) من القيام وتطويلهما أفضل من تطويله وذلك للحديث المار آنفا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قال العلماء وذلك لان السجود أعظم أركان الصلاة تواضعا فان الانسان يضع فيه أشرف أعضائه في مواطيء الاقدام والنعال والقائل بتفضيل الركوع يقول هو زمام الصلاة فبادراكه وفواته تدرك الركعة وتفوت وقال اسحاق بن راهويه تكثير الركوع والسجود أفضل نهارا وتطويل القيام أفضل ليلا الا أن يكون له بالليل حزب يأتى عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يقرأ حزبه ويربح كثرة الركوع والسجود (ولم يقض) بفتح أوله وسكون القاف ثم معجمة (أما اذكاره) أي السجود (فوردت فيه أحاديث كثيرة) منها سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي

وأدنى الكمال من ذلك سبحان ربى الاعلى ثلاثا* روينا في صحيح مسلم عن عائشة قالت افتقدت بالنبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فتحسست فاذا هو راكع أو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله الا أنت. وفي رواية وقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم انى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. قال الخطابى وفيه معنى لطيف وذلك انه استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضى والسخط ضدان متقابلان وكذلك المعافاة والمعاقبة. فلما صار الى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه استعاذ به منه لا غير. وله شرح طويل* واعلم ان ركن السجود الاعظم الدعاء كما أن ركن الركوع أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة ومنها سبوح قدوس رب الملائكة والروح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عنها ومنها اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره وعلانيته وسره أخرجه مسلم وأبو داود عن أبى هريرة ودقه وجله بكسر أولهما أى قليله وكثيره ومنها سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائى في الشمائل عن عوف ابن مالك الاشجعى ومنها سبحان ذى الملك والملكوت سبحان ذى العزة والجبروت سبحان الحي الذي لا يموت أخرجه الحاكم في المستدرك عن عمر بن الخطاب وقال صحيح على شرط البخاري ومنها اللهم سجد لك سوادي وخيالى وبك آمن فؤادى أبؤ بنعمتك علىّ وهذا ما جنيت على نفسى يا عظيم يا عظيم اغفر لي فانه لا يغفر الذنوب العظيمة الا الرب العظيم أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود (وأدني الكمال من ذلك) ما يستحب لكل من المنفرد والامام مطلقا والمأموم وهو (سبحان ربي الاعلى) ونحوه (ثلاثا) وأكثره احدى عشر فيسن للمنفرد وللامام محصورين بشرطه (وروينا في صحيح مسلم) وسنن النسائي (افتقدت) في رواية اخرى في مسلم فقدت (فتحسست) بالمهملة (وفي رواية) في مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي (فوقعت يدى على بطن قدميه) فيه دليل لابي حنيفة وغيره ممن يقول ان اللمس لا ينقض الوضوء (أعوذ برضاك من سخطك) قال النووى فيه دليل لاهل السنة في جواز اضافة الشر الى الله تعالى كما يضاف اليه الخير (لا احصي ثناء عليك) أي لا اطيقه ولا آتي به وقيل لا أحيط به وقال مالك لا أحصى نعمتك واحسانك والثناء بها عليك وان اجتهدت في الثناء عليك (أنت كما أثنيت على نفسك) قال النووى اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء وانه لا يقدر على بلوغ حقيقته فرد الثناء الى الجملة دون التفصيل والاحصاء والتعيين فوكل ذلك الى الله سبحانه المحيط بكل شيء جملا وتفصيلا وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه لان الثناء تابع للمثنى عليه وكل ثناء اثنى به عليه وان كثر وطال وبالغ فيه فقدر الله تعالى أعظم وسلطانه أعز وصفاته أكثر وأكبر وفضله وديم احسانه أسبغ وأوسع (الاعظم)

فصل في كيفية رفع رأسه صلى الله عليه وسلم من السجود

تعظيم الرب والله سبحانه وتعالى أعلم وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ونهى أن يكف شعره أو ثيابه وفيه أيضا عنه انه رأى ابن عباس عبد الله بن الحارث يصلى ورأسه معقوص من ورائه فقام فجعل يحله فلما انصرف أقبل الى ابن عباس فقال مالك ولرأسى فقال انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما مثل هذا مثل الذي يصلى وهو مكتوف فانظر الى قوة ايمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيرهم وانكارهم لما رأوه مخالفا لهديه ومبالغتهم مرة بالقول ومرة بالفعل بحسب الحال والمقدرة نفع الله بهم. [فصل في كيفية رفع رأسه صلى الله عليه وسلّم من السجود] (فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رفع رأسه من السجود رفع مكبرا حتى يستوى جالسا ويفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وربما يجلس مقعيا فيجعل اليتيه على عقبيه وكل سنة وكان يجعل يديه بقرب ركبتيه منشورتين ثم يقول أرب اغفر لى وارحمنى واجبرنى وارفعنى وارزقني واهدنى وعافني* واعلم ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل مقصود ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم تطويله نحو الركوع والسجود وفي حديث انه كان يطوله حتى يظن انه قد نسى ولهذا اختار المحدثون من الفقهاء تطويله والله أعلم. بالنصب صفة ركن (وفي صحيح) البخاري وصحيح (مسلم عن ابن عباس) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة) هكذا رواية مسلم عن ابن عباس والمراد سبعة أعظم كما في رواية أخري فيه وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه وهى الجبهة واليدان والرجلان وأطراف القدمين (ونهى ان يكف شعره أو ثيابه) وهي نهي تنزيه اجماعا كما حكاه محمد بن جرير الطبرى وحكي ابن المنذر وجوب اعادة الصلاة اذا صلى كذلك عن الحسن البصرى قال النووي ومذهب الجمهور النهي مطلقا وقال الدراوردي يختص من فعل ذلك للصلاة والمختار الصحيح الاول والحكم فيه ان الشعر وأطراف ثيابه يسجد معه (وفيه أيضا) أي في صحيح مسلم (عنه) أي عن ابن عباس وأخرجه أيضا عنه أحمد والطبراني (ورأسه معقوص) بالقاف والمهملة أى مربوط (انما مثل هذا مثل الذي يصلى وهو مكتوف) فكما ان المكتوف لا تسجد معه يداه كذلك هذا لا يسجد معه شعره وهو جزء منه بمثابة اليدين ولا ثيابه التي هي ملحقة بالجزء منه في وجوب تطهيرها وعدم جواز السجود عليها (وانكارهم لما رأوه مخالفا لهديه) أى وان لم يكن محرما ومبادرتهم الي ذلك. (فصل) في رفعه من السجود (وكل سنة) لكن الافتراش أفضل كما مر (رب اغفر لى وارحمنى الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس الا اجرني فمن رواية الحاكم (واعلم ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل) كما نقله النووي في الروضة عن الجمهور وفي المجموع عن الاكثرين لكن رجح في الروضة والمنهاج كاصلهما انه ركن قصير وفي سجود السهو انه طويل (انه قد نسى) بفتح النون

فصل في جلسته للاستراحة وقيامه من السجدة الثانية وافتراشه في التشهد الأول

[فصل في جلسته للاستراحة وقيامه من السجدة الثانية وافتراشه في التشهد الأول] (فصل) ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بعد السجدة الثانية حتى يستوي جالسا والفقهاء يسمونها جلسة الاستراحة وجعلها بعضهم مسنونة وحملها بعضهم على الحاجة ومعناه انها لا تسن في حق من لم يحتج اليها والصواب الأول فقد ثبت في صحيح البخاري عن مالك بن الحويرث انه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فاذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتمونى أصلى قال في التتمة ويكون جلوسه فيها بقدر الجلوس بين السجدتين والصواب دون ذلك فقد قالوا الصحيح انه يمد التكبير في الرفع من السجود الى أن يستوي قائما ولا يتصور ذلك مع التطويل قالوا ويسن فيها الافتراش لانها جلسة أستفزاز والله أعلم. (فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام من السجدة الثانية ومن كل جلوس في الصلاة اعتمد على يديه قال العلماء وكيفيته أن يجعل بطونهما على الأرض فاذا استوى قائما شرع في القراءة وكان يصلى الثانية كالأولى الا أن الأولى تختص بتكبيرة الاحرام ودعاء الاستفتاح وزيادة في تطويل القراءة والله أعلم. (فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يفترش في التشهد الاول ويخففه حتى ورد في حديث انه كان اذا صلى جلس فيه كأنما يجلس على الرضف فاذا قام منه قام مكبرا وتخفيف المهملة وبضمها وتشديد المهملة. (فصل) في جلوسه (والصواب الاول) أى ندب جلسة الاستراحة ولو لمن لم يحتج اليها لان الأصل فيما فعله صلى الله عليه وسلم التشريع (فقد ثبت في صحيح البخارى عن مالك بن الحويرث) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذى (قال) المتولى (في التتمة) وما قاله جري عليه أكثر الاصحاب في كتبهم الفقهية (بقدر الجلوس بين السجدتين) أى بقدر الواجب منه (ولا يتصور ذلك) أى مدة التكبيرة (مع التطويل) الذي ذكره في التتمة واطلاق منع التصور مردود لانه اذا انقطع نفسه أثناء التكبيرة تنفس ثم عاد الى التكبير ثانيا (جلسة) بفتح الجيم وكسرها. (فصل) في اعتماده على يديه في القيام من السجود وغيره (اعتمد يديه) كما في صحيح البخاري في رفعه من السجود وقاس عليه أصحابنا القيام عن القعود (وكيفيته ان يجعل بطونهما على الارض) قال في المجموع بلا خلاف وقال وسواء في الاعتماد القوى والضعيف والرجل والمرأة. (فصل) في صفة جلوسه في التشهد الاول (كان يفترش في التشهد الاول) كما أخرجه البخارى وأبو داود والترمذي عن أبي حميد الساعدي (الرضف) بفتح الراء وسكون المعجمة هو الحجارة المحماة.

فصل في اقتصاره على الفاتحة في الثالثة والرابعة وأنه كان يكبر في كل خفض ورفع وتوركه في التشهد الأخير

رافعا يديه ويمد التكبير الى أن يستوي قائما ورفع اليدين هنا وان لم يقل به أكثر الفقهاء فقد ثبت انه سنة وصح في صحيح البخارى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهو الموضع الرابع من مواضع الرفع باعتبار تكبيرة الاحرام وقد صنف البخارى تصنيفا عظيما قرر فيه سنة الرفع في هذه المواضع ورد فيه على منكريه وذكر انه رواه سبعة عشر صحابيا وان لم يثبت عن أحد من الصحابة عدم الرفع وقد سبق نحو ذلك قريبا والله أعلم. [فصل في اقتصاره على الفاتحة في الثالثة والرابعة وأنّه كان يكبر في كل خفض ورفع وتوركه في التشهد الأخير] (فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتصر على الفاتحة في الثالثة والرابعة وقد يقرأ فيهما سورة مختصرة على سبيل الندور وثبت فيه حديث في صحيح مسلم والله أعلم. (فصل) ثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة الا رفعه من الركوع وجملة التكبيرات في صلاة الصبح احدى عشرة وفي المغرب سبعة عشرة وفي الرباعية اثنتان وعشرون والسنة أن يجهر الامام بجميع التكبيرات بحيث يسمعه المأمومون ويسن للمأموم بحيث يسمع نفسه والسنة في جميعها المد ومحله بعد اللام من الله ويبالغ في المدالى أن يصل الى الركن الذى بعده لئلا يخلو جزء من صلاته عن الذكر وأما تكبيرة الاحرام فلا تمد ولا تمطط بل يقولها مدرجة مسرعا والله أعلم. (فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتورك في التشهد الاخير بخلاف سائر الجلسات قبله وسببه انه جلوس لا يتبعه حركة ولا قيام بل يسن بعده المكث للتسبيحات والدعاء للحاضرين وانصراف النسوة ونحو ذلك وافترق الأئمة الاربعة في صفة جلوسه صلى (فصل) في قرائته في الركعتين الاخيرتين (وثبت فيه حديث في صحيح مسلم) وغيره كما مر. (فصل) في تكبيره (كان يكبر في كل خفض ورفع) أخرجه مسلم عن أبى هريرة وأخرجه أحمد والترمذى والنسائي عن ابن مسعود (الارفعه) بالنصب (وجملة التكبيرات) في الصبح احدى عشرة ست في الاولى وخمس في الثانية وفي المغرب سبع عشرة ست في الاولي وخمس في الثانية وخمس في الثالثة وتكبيرة الانتقال من التشهد الاول الى القيام وفي الرباعية اثنتان وعشرون لان فيها زيادة ركعة على المغرب وفيها خمس تكبيرات الي سبع عشرة التي في الثلاث وهذا الذي ذكره بالنسبة الي الامام والمنفرد اما المأموم فيتصور فيه أكثر لاجل المتابعة. (فصل) في صفة جلوسه في التشهد الاخير (كان يتورك في التشهد الاخير) أخرجه البخاري وغيره عن أبي حميد ورفعه قبل (وسببه انه جلوس) الى آخره ولان ذلك أقرب الى عدم اشتباه عدد الركعات ولأن المسبوق اذا رأى الامام علم في أي التشهدين هو وصفة الافتراش والتورك مشهور في كتب الفقه (وافترق الائمة الاربعة في صفة جلوسه) فذهب مالك وطائفة الى التورك فيهما وذهب أبو حنيفة وطائفة الى

فصل في الأحاديث الواردة في ألفاظ التشهد

الله عليه وسلم في التشهدين على أربعة أحوال المختار منها ما قررناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يفترش في الاول ويتورك في الثانى وهو الموافق للاحاديث الصحيحة واليه ذهب الشافعي وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان اذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم. وصفة هذا العقد عند الحساب أن يقبض أصابع يمناه ما عدا المسبحة ويجعل الابهام تحت المسبحة وروى البيهقى انه صلى الله عليه وسلم عقد في جلوسه للتشهد الخنصر والبنصر وحلق الوسطى بالابهام وأشار بالسبابة رواه ابن حبان مثله. [فصل في الأحاديث الواردة في ألفاظ التشهد] (فصل) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في لفظ التشهد أحاديث كثيرة في الصحيحين الافتراش فيهما وذهب أحمد وطائفة الى التورك في الاول والافتراش في الثاني (اذا قعد في التشهد) وغيره اذ رواية مسلم اذا قعد في الصلاة (وعقد ثلاثة وخمسين) شرطه عند أهل الحساب كما قال النووي ان يضع طرف الحنصر على البنصر وليس ذلك مرادا بل المراد انه يضع الحنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين (عند الحساب) بضم الحاء وتشديد السين المهملتين جمع حاسب (وحلق) بفتح المهملة واللام المشددة. (فصل) في تشهده (التشهد) تفعل من شهد سمي بذلك لانه مشتمل على الشهادتين تغليبا لهما على سائر اذكاره لشرفهما (أحاديث كثيرة) منها التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود وفي رواية للنسائي سلام بالتكبير وله في أخرى وان محمدا واخرج البيهقى هذا أيضا عن عائشة ومنها التحيات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي موسي ولفظ النسائي أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله ومنها التحيات الطيبات والصلوات والملك لله أخرجه أبو داود عن سمرة بن جندب ومنها بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله واسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك عن جابر ومنها التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبى ورحمة الله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخرجه مالك في الموطأ والحاكم في المستدرك عن عمر موقوفا عليه وقد عد ابن الملقن التشهدات الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في تخريج أحاديث الرافعى فبلغت

وغيرهما وأفضلها عند الشافعى حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال الرافعى والمنقول انه كان ثلاثة عشر تشهدا (وأفضلها عند) الامام (الشافعي حديث ابن عباس) الذى أخرجه عنه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (التحيات) جمع تحية وهي الكلام الذي يحيى به الملك قال في التوشيح قال ابن قتيبة لم يكن يحيى الا الملك خاصة وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جمعت فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله وقال غيره لم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقيل التحيات لله أي انواع التعظيم له (المباركات) أي المحقق فيه بانواع البركات (الصلوات) اي الخمس وأعم منها من الفرائض والنوافل في كل شريعة والمراد العبادات كلها أو الدعوات أو الرحمة أو التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية أقوال (الطيبات) هي العبادات المالية أو كل ما طاب من الكلام وحسن ان يثني به على الله او هي الاعمال الصالحة أقوال (السلام عليك أيها النبى) قال في التوشيح الحكمة في ذكر التحيات منه بلفظ الغيبة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الخطاب انه كان بين أظهرهم ففي الاستئذان من الصحيح عن ابن مسعود بعد ان ساق حديث التشهد قال وهو بين ظهر انينا فلما قبض قلنا السلام على النبي وكذا أخرجه أبو عوانة وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم قال السبكى وهذا دليل على ان الخطاب غير واجب فيقال السلام على النبي وكذا قال الاسنوي وغيره وقال ابن حجر ولهذا الحديث شاهد قوى قال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج اخبرنى عطاء ان الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي السلام عليك أيها النبى فلما مات قالوا السلام على النبي واخرج سعيد ابن منصور عن ابن عباس قال انما كنا نقول السلام عليك أيها النبى اذ كان حيا انتهي (السلام علينا) فيه استحباب البداءة بالنفس في الدعاء (وعلى عباد الله الصالحين) الاشهر في تفسير الصالح انه القائم بالواجب عليه من حقوق الله وحقوق العباد ويتفاوت درجاته قال الترمذي الحكيم من أراد أن يحيط بهذا السلام الذي سلمه الخلق في صلاتهم فليكن عبدا صالحا والاحرم هذا الفضل العظيم قال الفاكهى ينبغى أن يستحضر في هذا المحل جميع الانبياء والملائكة والمؤمنين وفي فتاوى القفال ان تارك الصلاة يضر بجميع المسلمين لاخلاله بذكر السلام عليهم (فائدة) قال الترمذى وغيره أصح حديث ورد في التشهد حديث ابن مسعود والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وقال به سفيان الثوري وابن المبارك واحمد واسحق قالوا لانه روى عنه من نيف وأربعين طريقا ولان الرواة عنه من الثقاة لم يختلفوا في الفاظه بخلاف غيره ولانه تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا ولانه ورد بصيغة الأمر ولانه صلى الله عليه وسلم أمره أن يعلمه الناس أخرجه احمد وانما رجح

صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده وانى رسول الله ذكره في كتاب الأذان. واختلف العلماء في وجوب التشهدين فقال جمهور المحدثين هما واجبان لان النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليهما وقد قال صلوا كما رأيتموني أصلى وقال أبو حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء هما سنتان ومذهب الشافعي ان الاول سنة والثانى واجب وهو أقواها دليلا لان النبي صلى الله عليه وسلم قام عنه في بعض صلواته ولم يعد اليه وجبره بسجود السهو وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الاخير فاوجبها الشافعى وأحمد واسحاق وبعض أصحاب مالك وخالفهم الجمهور فجعلوها سنة وقد تتبعت دليل الوجوب فلم يظهر لى كل الظهور وجميع روايات التشهد خالية عن ذكرها والله أعلم ولا يجب في الاول بلا خلاف فاما الدعاء بعد التشهد فيثبت كونه سنة بالاحاديث الصحيحة الصريحة وهو السابع من المواطن التى يسن فيها الدعاء في الصلاة ويجوز الدعاء بأمور الآخرة والدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم حين علمهم التشهد ثم ليختر من الدعاء أعجبه اليه وفي رواية ما شاء ومن المأثور فيه اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا انت الشافعى حديث ابن عباس لانه أجمع اذ فيه زيادة المباركات وهو الموافق للفظ القرآن (كان يقول في تشهده واني رسول الله) وقال غيره بل المنقول انه كان يقول وان محمدا (فقال جمهور المحدثين هما واجبان) وذهب اليه احمد وطائفة (فاوجبها الشافعى واحمد) في أحد الروايتين عنه (واسحاق وبعض أصحاب مالك) واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم اذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم ليصل على النبى صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء أخرجه أبو داود والترمذى وابن حبان والحاكم والبيهقى عن فضالة بن عبيد وبحديث ابن مسعودان بشير بن مسعد قال للنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا الله ان نسلم عليك فكيف نصلى عليك قال قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد أخرجه الشيخان الا صدره فاخرجه مسلم وفي رواية لاحمد وصحيحا ابن حبان والحاكم كيف نصلي عليك اذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال قولوا الى آخره وهذا يدل على ان فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة كان معروفا عندهم وزعم عياض في الشفاء ان الشافعي شدد في ذلك قال ولا سلف له في هذا القول ولا شبه يتبعها قال وقد بالغ في انكار هذه المسئلة عليه لمخالفته فيها من تقدمه جماعة وسعوا عليه الخلاف فيها منهم الطبري والقشيرى وغير واحد انتهى قال النووى نقل أصحابنا فريضة الصلاة في التشهد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ونقله الشيخ ابو حامد عن ابن مسعود وأبى سعيد الخدرى ورواه البيهقي عن الشعبى (فائدة) لا بأس بزيادة سيدنا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لما تقرر انه سيد ولد آدم هذا هو المعتمد وخبر لا تسيدوني في الصلاة لا أصل له (ما قدمت) من الذنوب قبل ان أسئل (وما أخرت) أى اذا وقع منى ذنب بعد ذلك ولا مانع من طلب مغفرة ما سيقع اذا وقع

رواه مسلم ومنه اللهم انى اعوذ بك من عذاب القبر واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم انى اعوذ بك من المأثم والمغرم رواه الشيخان. وفي سنن ابو داود باسناد صحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل كيف تقول في الصلاة قال أتشهد واقول اللهم انى أسألك الجنة وأعوذ بك من النار أما انى لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبى صلى الله عليه وسلم حولها يدندون* قال العلماء وهذا كله في التشهد الآخر اما الاول فيكره فيه الدعاء لانه مبني على التخفيف قالوا ويسن أن لا يزيد الدعاء على قدر التشهد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم. (فصل) ثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد التشهد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرتين يلتفت في الاولى على جانبه الأيمن حتى يرى خده الايمن وكذا في الجانب الايسر وبه يخرج من الصلاة وعلى هذا لازم واستمر عمله عليه حتى توفاه الله. ورواه عنه العدد الكثير من الصحابة وعليه واظبوا. ثم ان مذهب الشافعي انه لا يجب الا تسليمة واحدة والثانية سنة وعنده أيضا ان الالتفات الى الجانبين مسنون غير واجب وقال مالك وآخرون تسن تسليمة واحدة* وقال أبو حنيفة لا يجب السلام وعنده يحصل التحلل من الصلاة بكل شيء كقول الشخص اللهم ان فعلت ذنبا فاغفره لى فلا يحتاج الي تأويل (رواه مسلم) وابو داود والترمذي والنسائي عن أنس عن على (فتنة المحيا) ما يعرض للانسان في حياته من الفتنة بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها أمر الخاتمة عند الموت اعاذنا الله من سوء الخاتمة بمنه وكرمه (و) فتنة (الممات) أي الفتنة عند الممات أو فتنة القبر احتمالان (المأثم) هو الاثم (والمغرم) هو الدين (رواه الشيخان) وأبو داود والنسائي عن عائشة وللنسائي فقالت له عائشة ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال ان الرجل اذا غرم حدث فكذب ووعد فاخلف وهو في غير رواية النسائي مع ابهام السائل قال السيوطى سر دعائه صلى الله عليه وسلم بذلك تعليم أمته وسلوك طريق التواضع واظهار العبودية والتزام خوف الله تعالى واعظامه والافتقار اليه والرغبة (وفي سنن أبى داود باسناد صحيح) عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وروى الحديث ابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن أبى صالح عن أبي هريرة (قال لرجل) قال الخطيب هو سليم الانصاري السلمي (دندنتك) بفتح الدال المهملة المكررة والنون الثانية والفوقية وبين الدالين نون ساكنة قال الهروى قال أبو عبيد هو أن يتكلم الرجل بالكلام يسمع نغمته ولا يفهم وهو مثل الهينمة والهيلمة الا انها ارفع قليلا منها حولها أى حول هذه الدعوة (خاتمة) من اذكار التشهد اللهم انى ظلمت نفسى ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى انك أنت الغفور الرحيم أخرجه الشيخان والترمذي والنسائى وابن ماجه عن أبى بكر

فصل في أن جميع الأدعية المروية عنه صلى الله عليه وسلم رويت بلفظ التوحيد

ينافيها وينبغى الاحتياط واستعمال السلام مرتين والالتفات فيها الى الجانبين فهو المنقول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دواما وقد روي البخاري انه صلى الله عليه وسلم قال صلوا كما رأيتمونى أصلي* وقال الله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فقال صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير وتحليلها تسليم السلام والله أعلم. [فصل في أن جميع الأدعية المروية عنه صلى الله عليه وسلّم رويت بلفظ التوحيد] (فصل) جميع الأدعية المروية عنه صلى الله عليه وسلم في نفس الصلاة رويت بلفظ التوحيد* قال شيخ شيوخنا القاضى مجد الدين الشيرازي فان قيل ورد انه صلى الله عليه وسلم قال لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فان فعل فقد خانهم ثم نقل عن ابن خزيمة انه قال قال هذا الحديث موضوع وقال بعض العلماء ان ثبت هذا الحديث فيكون المراد به دعاء ورد بلفظ الجمع. قلت وظهر لي والله أعلم ان كل دعاء يدعو به الامام ويدعو المأموم بمثله يكون بلفظ الافراد وكل دعاء يؤمن فيه المأموم لدعاء أمامه يكون بلفظ الجمع فان أفرد وقع في النهى وهذا أولى مما ذكره القاضى مجد الدين لأن الحديث الذي نقل عن ابن خزيمة وضعه خرجه أبو داود والترمذى وقال حديث حسن. [فصل وكان صلى الله عليه وسلّم ربما سها في صلاته بزيادة أو نقص] (فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما سهى في صلاته بزيادة أو نقص ولا يمنعه من البناء ما فعله على وجه السهو فيثبت من حديث ذى البدين انه صلى الله عليه الصديق وقوله كثيرا ورد في مسلم بالمثلثة وبالموحدة فينبغي الاتيان بهما ومعني قوله من عندك أي بفضلك وان لم يكن أهلا لها يعمل ومنها التعوذ من عذاب جهنم أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائى عن أبي هريرة ومنها اللهم اني أسئلك بالله الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ان تغفر لى ذنوبي انك أنت الغفور الرحيم أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن محجن بن الاذرع ومنها اللهم حاسبنى حسابا يسيرا أخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة وقال صحيح على شرط مسلم فصل في السلام (تحريمها التكبير وتحليلها تسليم السلام) أخرجه الترمذي وصححه. (فصل) في بيان كيفية دعائه صلى الله عليه وسلم (فيخص) بفتح الصاد على جواب النهي (هذا الحديث موضوع) أى مختلق كذب (المراد) اسم كان (دعا) خبرها (خرجه أبو داود والترمذي) وابن ماجه عن ثوبان (وقال) الترمذى (حديث حسن) وأخرجه أبو داود أيضا من حديث أبي هريرة (فصل) في بيان انه صلى الله عليه وسلم كان يسهو في الصلاة (ربما سهي في صلاته بزيادة) كصلاته الظهر خمسا أخرجه الشيخان وغيرهما (أو نقص) كسلامه من ركعتين في إحدى صلاتي العشاء أخرجه الشيخان وغيرهما أيضا (ذي اليدين) سمي بذلك لطول يديه أو لأنه كان يعمل بهما جميعا واسمه الخرباق

فصل وكان إذا سلم من صلاته استغفر ثلاثا

وسلم سلم في الرباعية من اثنتين ومشى الى الجذع وخرج السرعان ودخل منزله وخرج فلما ذكر رجع وبنى على صلاته وأتمها* قال النووى عند الكلام على هذا الحديث والمشهور في المذهب يعني مذهب الشافعى ان الصلاة تبطل بذلك قال وهذا مشكل وتأويل الحديث صعب على من أبطلها والله أعلم. [فصل وكان إذا سلّم من صلاته استغفر ثلاثا] (فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم استغفر ثلاثا ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والاكرام وكان يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وقال من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر ثلاثا وثلاثين وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده بكسر الخاء وسكون الراء فالموحدة وبعد الالف قاف ابن عمرو (في الرباعية) وكانت صلاة العصر على الصحيح (من اثنتين) في رواية لمسلم عن عمران بن حصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم في ثلاث ركعات قال النووي هي قضية ثالثة في يوم آخر (وخرج السرعان) بفتح السين والراء قيل بسكون الراء وقيل بضم السين وسكون الراء جمع سريع وهم المسرعون الي الخروج (وبني على صلاته وأتمها) وسجد للسهو قبل السلام (ان الصلاة تبطل بذلك) أي بالعمل الكثير ولو مع عذر من جهل أو نسيان (وتأويل الحديث صعب على من أبطلها) فمن ثم اختار في التحقيق عدم بطلان الصلاة بالعمل الكثير مع العذر. (فصل) في اذكاره بعد السلام (كان اذا سلم) ولفظ الحديث كان اذا انصرف من صلاته (استغفر ثلاثا إلى قوله والاكرام) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن ثوبان زاد البزار بعد قوله استغفر ثلاثا ومسح بيده اليمنى قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي استغفاره صلى الله عليه وسلم عقب الفراغ من الصلاة استغفار من رؤية الصلاة (اللهم أنت السلام) أى هذا من جملة أسمائك الحسني التى أمرتنا ان ندعوك بها ومنك السلام أي نطلب منك السلام وقيل منك السلام على أوليائك في الجنة واليك يعود أي يرجع السلام أي منشأه ومبدأه من قبلك لا يرجي الا منك (يا ذا الجلال) كذا بحرف النداء لمسلم عن عائشة ولغيره بحذفها (لا اله الا الله وحده لا شريك له الى قوله قدير) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عن عبد الله بن الزبير وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى عن المغيرة بن شعبة مع زيادة (اللهم لا مانع لما أعطيت الى آخره) زاد البخارى والنسائي انه كان يقول التهليل وحده ثلاث مرات (ذا الجد) بفتح الجيم أي ذا الحظ والغنى (منك الجد) أى لا ينفعه منك جده أي حظه وغناه وروي بكسر الجيم وهو بمعنى الهرب أى لا ينفع ذالهرب منك هربه (من سبح الله دبر كل صلاة الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة وللنسائي من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة وكبر مائة

لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت له خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وكان يقول في دبر كل صلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة الا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد الا اياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون وكان يتعوذ في دبر كل الصلوات بهؤلاء الكلمات. اللهم انى أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك ان أرد الى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر كل هذه الأحاديث مروية في الصحيحين أو في أحدهما فينبغى الاعتماد عليها وأجلها حديث التسبيح ثلاثا وثلاثين لكونه ورد في الصحيحين من طرق عديدة بوعود مختلفة وأحاديث هذا الباب واسعة ليس هذا موضع بسطها والله أعلم* ويستحب الدعاء عقيب الصلاة لما روى عن أبى امامة قال قيل يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات* قال الترمذى حديث حسن. وروى معاذ بن جبل قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى وقال يا معاذ والله انى لأحبك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة. اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك رواه أبو داود والترمذى باسناد صحيح. قال المؤلف كان الله له وهذا ما يسر الله ذكره من شرح صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاختصار والافهى تحتمل مجلدا ضخما بل مجلدات والذى قصدنا وهلل مائة وحمد مائه غفرت ذنوبه وان كانت أكثر من زبد البحر وهو وسخة (لا اله الا الله وحده لا شريك له الى قوله الكافرون) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن الزبير (الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة الخور والضعف (أرذل العمر) أضعفه والسن التى ينتهي فيها الشخص الى الهرم والخرف (اللهم اني أعوذ بك من فتنة الدنيا الى آخره) أخرجه البخارى والترمذي والنسائى عن سعد بن أبي وقاص (وأحاديث هذا الباب واسعة) منها قراءة المعوذات أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان عن عقبة بن عامر وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ومنها لا اله الا الله عشر مرات أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال حسن غريب ومنها قراءة آية الكرسى أخرجه النسائي عن أبي امامة ومنها رب قنى عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن البراء وأخرجه أيضا أبو عوانة عنه وعنده يوم تبعث من غير شك ومنها اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله الا أنت أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه عن على وأخرجه مسلم مختصرا (رواه أبو داود والترمذى) والنسائي والحاكم وابن حبان (باسناد صحيح) قال الحاكم على شرط الشيخين (ضخما) بفتح الضاد وسكون الخاء المعجمتين أى

فصل أذكر فيه أنواعا من الصلوات وأقدم عليه فيما اتفق عليه الشيخان

التعريف بالعادات النبوية في الصلوات وما أهمل الناس فيها فهي من السنن المأثورات. [فصل أذكر فيه أنواعا من الصلوات وأقدم عليه فيما اتفق عليه الشيخان] (فصل) اذكر فيه أنواعا من الصلوات وأقدم عليه ذكر شيء من رواياته المكتوبات فمنه ما اتفق عليه الشيخان انه صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين خفيفتين قبل الفجر وركعتين قبل الظهر وكذا بعدهما وركعتين بعد المغرب والعشاء والجمعة. وروى البخارى عن عائشة انه صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعا قبل الظهر. وروى مسلم عنها انه كان يصليهن في بيته وروى الترمذى انه صلى الله عليه وسلم كان يصليهن وقال انها ساعة تفتح فيها أبواب السموات وأحب ان يصعد لى فيها عمل صالح. وروى غيره انهن يعدلن بصلاة السحر وانهن ليس بينهن تسليم. وقال صلى الله عليه وسلم من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار رواه الترمذي والحاكم وصححه. وروي الترمذى وحسنه انه صلى الله عظيما (التعريف) بالرفع خبر الذي (خاتمة) أخرج العقيلى بسند فيه ضعف عن أبى سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم من الصلاة قال ثلاث مرات سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين واخرج أبو داود والنسائي عن زيد بن أرقم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر الصلاة اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد انك الرب وحدك لا شريك لك اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد ان محمدا صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك أنا شهيد ان العباد كلهم اخوة اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلنى مخلصا لك وأهلى في كل ساعة في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والاكرام اسمع واجب الله الاكبر الاكبر الاكبر الله نور السموات والارض الله الاكبر الاكبر الاكبر حسبى الله ونعم الوكيل الله الاكبر الاكبر الاكبر وأخرج النسائي والحاكم في المستدرك بسند صحيح على شرط مسلم عن أبى بكرة انه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة اللهم انى أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر واخرج الحاكم في المستدرك عن أبي أيوب الانصارى قال ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وسلم الا سمعته حين ينصرف من صلاته يقول اللهم اغفر لى خطاياي وذنوبي كلها اللهم العشنى واحيني وارزقني واهدنى لصالح الاعمال والاخلاق انه لا يهدى لصالحها ولا يصرف سيئها الا أنت. (فصل) في ذكر أنواع من الصلوات (ما اتفق عليه الشيخان) عن ابن عمر وأخرجه عنه أيضا مالك وأبو داود والنسائى (والجمعة) في رواية وكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين في بيته (وروى البخاري عن عائشة) أخرجه عنها أبو داود والترمذي (أربعا قبل الظهر) تتمته وركعتين قبل الغداة (وروي غيره انهن يعدلن بصلاة السحر) أخرجه الطبراني في الاوسط عن أنس بلفظ أربع قبل الظهر كعدلهن بعد العشاء وأربع بعد العشاء كعدلهن من ليلة القدر (وانهن ليس بينهن تسليم) أخرجه أبو داود والترمذى في الشمائل وابن ماجه وابن خزيمة عن أبي أيوب (حرمه الله على النار) أي لا يدخلها أبدا فان دخلها لم يخلد ففي ذلك بشارة له بحسن الخاتمة (رواه) أبو داود و (الترمذي) والنسائى وابن ماجه (والحاكم)

عليه وسلم كان يصلى أربعا قبل العصر يفصل بينهما بالتسليم. وروى هو وأبو داود انه صلى الله عليه وسلم قال رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا حسنه الترمذى وصححه ابن حبان وسكت عنه أبو داود. وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل المغرب فروى البخارى انه صلى الله عليه وسلم قال صلوا قبل صلاة المغرب قالها ثلاثا فقال في الثالثة لمن شاء كراهة ان يتخذها الناس سنة قال المحدثون المراد بالسنة هى الطريقة اللازمة لا المعنى المصطلح عليه. ورواه أبو داود ولفظه صلوا قبل المغرب ركعتين وفي الصحيحين ان كبار الصحابة كانوا يبتدرون السواري لهما اذا أذن للمغرب. وفي رواية لمسلم حتى ان الغريب ليدخل المسجد فيحسب ان الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها وفيهما أيضا حديث بين كل أذانين صلاة وهو ثابت في الصحيحين وهو دليل أيضا على استحباب ركعتين قبل العشاء وبين يدي كل صلاة مكتوبة. قال العلماء شرطهما أن لا تصليا بعد شروع المؤذن في الاقامة ولا يفوتا فضيلة تحرم الامام. قلت تسن المواظبة ما دكرنا أولا مما أتفق عليه الشيخان فهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم من صلى ثنتى عشرة ركعة في يوم وليلة بنى له بهن بيت في الجنة رواه مسلم. وفي رواية له أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وبعد العشاء وقبل صلاة الفجر وأخرج ركعتى الجمعة وهو موافق لهذا العدد أيضا والله أعلم. ومنه الوتر وقد حض النبى صلى الله عليه وسلم عليه فقال ان الله وتر يحب الوتر فاوتروا يا أهل القرآن وقال ان الله قد أمركم بصلاة هى خير وصححه عن أم حبيبة (كان يصلي أربعا قبل العصر) أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان عن على ولابي داود عن على أيضا كان يصلي قبل العصر ركعتين ولا معارضة بينهما بل كان يفعل هذا تارة وهذا اخرى (وروى هو) أى الترمذي (وأبو داود) وابن حبان عن ابن عمر (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) للطبراني من حديث ابن عمر ومن صلى قبل العصر أربعا حرمه الله على النار (فروى البخاري) عن عبد الله بن معقل المزنى (يبتدرون السواري) أى يصلونهما بجنبها (فيحسب ان الصلاة قد صليت) أي وان الناس يصلون راتبة المغرب المؤخرة (بين كل أذانين) يعني بين الاذان والاقامة (شرطهما) أي شرط كونهما مطلوبتين وليس المراد بشرط صحتهما (تصليا) بالفوقية (بعد شروع المؤذن في الاقامة) أو قريبة من الشروع لان ما قارب الشيء أعطى حكمه (ثنتي عشرة ركعة) تطوعا (بنى له بهن بيت) في رواية بنى الله له بيتا (رواه) أحمد و (مسلم) وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أم حبيبة (ومنه الوتر) بفتح الواو وكسرها (فأوتروا يا أهل القرآن) الحكمة في تخصيصهم طلب التيقظ منهم بالليل لدراسته وتلاوته في وترهم (قد أمركم) في رواية أمدكم بالمهملة من الامداد وفي أخرى قد زادكم رواهما أبو داود

فائدة يشرع القنوت في الفجر والوتر

لكم من حمر النعم وهى الوتر فاجعلوها فيما بين العشاء الى طلوع الفجر رواهما أبو داود والترمذى. واختلفت عادات النبي صلى الله عليه وسلم في وقته فروت عائشة قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ومن أوسطه وآخره وانتهى وتره الى السحر متفق عليه. وعن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل رواه مسلم. واختلف العلماء في عدده بحسب اختلاف الروايات من ركعة الى ثلاث عشرة وغالب الاحوال ثلاث وعليه العمل أكثر واختلفوا هل الوتر التهجد الذى أمر الله نبيه به أم هو غيره والصواب أنه غيره وانما هما صلاتان مهما سمي أحدها باسم الآخر توسعا وأطلق على ذلك أكثر الروايات. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما فصله وربما وصله والفصل أكثر. ومذهب الشافعى ان أفضل الرواتب الوتر ثم ركعتا الفجر وقد قال بعض العلماء بوجوبهما وثبت في صحيح مسلم ان النبى صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل [فائدة يشرع القنوت في الفجر والوتر] (فائدة) يشرع القنوت في الفجر والوتر وفي سائر المكتوبات للنازلة (والترمذى) عن على وروي الاول أيضا ابن ماجه عن ابن مسعود ورواه أبو نصر عن أبي هريرة وعن ابن عمر (ربما فصله) قالت عائشة كان يوتر بخمس لا يجلس الا في آخرها وفي رواية اخرى يصلى تسع ركعات لا يجلس الا في الثامنة ولا يسلم ثم يقوم فيصلى التاسعة ثم يسلم أخرجهما مسلم (وربما وصله) كما في حديث ابن عباس ليلة بات عند خالته ميمونة وفي الصحيحين من حديث عائشة كان يصلى ما بين ان يفرغ من صلاة العشاء الي الفجر احدي عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة (أفضل الرواتب الوتر) للخلاف في وجوبه (ثم ركعتا الفجر) كقوله صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما عليها أخرجه مسلم والترمذى والنسائي عن عائشة ثم باقى الرواتب (وثبت في صحيح مسلم) وسنن أبي داود والترمذى والنسائى وابن ماجه عن أبي هريرة وفي مسند الرويانى والطبراني في الكبير عن جندب (أفضل الصلاة لغير المكتوبة صلاة الليل) تتمته وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم والحديث في صلاة الليل محمول على النفل المطلق (فائدة) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر في الركعات الثلاث سبح اسم ربك الاعلى في الاولى والكافرون في الثانية والاخلاص والمعوذتين في الثالثة أخرجه أبو داود والترمذى وحسنه النسائي والدار قطنى عن أبيّ بن كعب (يشرع القنوت في) صلاة (الفجر) للاتباع كما أخرجه أحمد في مسنده عن أنس وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبى هريرة وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن الحسن (و) في (الوتر) لحديث الحسن بن على الآتي (وفي سائر) أى باقى (المكتوبات للنازلة) ففي الصحيحين عن أنس قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا في الصلاة يدعو على احياء من العرب رعل

فائدة فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم بعد الوتر

ومحله قبل الركوع عند مالك وبعده عند الشافعى ولكليهما حجة ثابتة في الصحيحين وقد اختار بعض المحدثين ان يقنت في الفجر بعد الركوع وفي الوتر قبله عملا بالأمرين ثم ان مذهب الشافعى أنه لا يندب في الوتر الا في النصف الثانى من رمضان والمختار استمراره في جميع السنة لاطلاق حديث الحسن بن على عن جده صلى الله عليه وسلم وهو ما رواه الحفاظ بالاسناد الصحيح عن الحسن بن على رضى الله عنهما. قال علمنى جدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر اللهم اهدنى فيمن هديت وذكر الحديث قال الترمذي ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيأ أحسن من هذا. قال محمد بن الحنفية وهو الذى كان يدعو به في صلاة الفجر [فائدة فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلّم بعد الوتر] (فائدة أخرى) رواه ابو داود وغيره باسانيد صحيحة ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد الوتر ثلاث مرات سبحان الملك القدوس ويرفع صوته بالثالثة. واذا قد فرغنا من المكتوبات ورواتها فنشرع الآن في ذكر الصلوات وذكوان وعصية وهم الذين قتلوا السبعين ببئر معونة وأخرجه أبو داود عن ابن عباس والدعاء كان لدفع تمرد القاتلين على المسلمين لا بالنظر الى المقتولين اذ لا يمكن تداركهم (ولكليهما حجة ثابتة في الصحيحين) وغيرهما (لا يندب في الوتر الا في النصف الثاني من رمضان) لان عمر رضى الله عنه جمع الناس على أبيّ بن كعب في التراويح فلم يقنت الا في النصف الثاني أخرجه أبو داود وأخرج المنذري في تخريج أحاديث المهدى وصححه عن عمر قال السنة اذا انتصف رمضان ان يلعن الكفرة في الوتر بعد ما يقول سمع الله لمن حمده (والمختار) في التحقيق وهو أقوي من حيث الدليل قال في المجموع (وهو ما رواه الحفاظ) أبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه (كلمات أقولهن في الوتر) ولاحمد بن الخواس في قنوت الوتر زاد الحاكم اذا رفعت رأسى ولم يبق الا السجود (اللهم اهدنى فيمن هديت وذكر الحديث) أي وعافنى فيمن عافيت وتولنى فيمن توليت وبارك لى فيما أعطيت وقنى شر ما قضيت انك تقضي ولا يقضي عليك وفي الترمذى واحدى روايات النسائي فانك بالفاء وانه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت وزاد النسائي فيه ولا يعز من عاديت وفي رواية له وصلى الله على النبي (وقال محمد بن) على بن (الحنفية) وهي امه واسمها خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة (كان أبي) يعنى عليا (رواه أبو داود وغيره باسانيد صحيحة) عن أبيّ بن كعب وأخرجه عنه أيضا النسائي والدار قطنى في السنن (ويرفع صوته) للدار قطني ويمد صوته (في الثالثة) زاد ويقول رب الملائكة والروح وأخرج أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه عن على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره اللهم انى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك أعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك قال الترمذى حسن غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة وللنسائي في احدى رواياته اذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه

المتفرقات التى وعدنا بذكرها أولاهن بالذكر أولا الجمعة وقد أمر الله بها وحض النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها وأوعد العقوبة على تركها وأطنب في وصف يومها. عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فاحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغى. وعنه عن النبي صلى وفيها لا أحصي ثناء عليك ولو حرصت ولكن أنت كما أثنيت على نفسك (الجمعة) بضم الميم وسكونها وفتحها وكسرها والاشهر الاول ثم ما يليه على الترتيب سمى بذلك لان كمال الخلائق جمع فيه أخرجه أبو حذيفة والبخاري في المبتدا بسند فيه ضعف أو لجمع خلق آدم فيه أخرجه أحمد وابن خزيمة من حديث سلمان وله شاهد أخرجه ابن أبي حاتم بسند قوي عن أبي هريرة موقوفا وأخرجه عنه أحمد مرفوعا لكن بسند فيه ضعف وأول من سماه بذلك الانصار حين جمع بهم أسعد بن زرارة ذكره عبد بن حميد عن ابن سيرين أو كعب ابن لؤي أخرجه الزبير بن بكار في كتاب النسب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مقطوعا أو قصي ذكره تعلب في اماليه او لاجتماع الناس للصلاة فيه ذكره ابن حزم وقال انه اسم اسلامي لم يكن في الجاهلية وانما كان يسمي العروبة ورد هذا بان أهل اللغة ذكروا ان العروبة اسم قديم كان في الجاهلية قيل وأول من سماه العروبة كعب بن لؤى ذكره الفراء وغيره والاكثرون على انها فرضت بالمدينة وبه جزم البغوي في التفسير لكن الصحيح ما قاله الشيخ أبو حامد انها فرضت بمكة زاد غيره ليلة الاسراء مع فرض الصلوات الخمس ويدل عليه حديث أبي داود وابن خزيمة عن كعب بن مالك كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة وانما لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة لعدم التمكن من ذلك فقد كانوا يستخفون بالصلاة فضلا عنها (وقد أمر الله بها) في قوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الآية (عن أبي هريرة) أخرجه عنه مسلم (من توضأ) فيه دليل على عدم وجوب غسل الجمعة مع قوله من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائى عن سمرة بن جندب وحسنه الترمذي وصححه أبو حاتم الرازى (فاحسن الوضوء) فيه طلب تحسين الوضوء قال النووى ومعنى احسانه الاتيان ثلاثا ثلاثا وذلك الاعضاء واطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والاتيان بسننه المشهورة (فاستمع) أي اصغ (وأنصت) أى سكت وفي بعض نسخ مسلم أنتصت بزيادة فوقية وكذا نقله عياض عن الباجي وآخرين ثم قال وهو وهم قال النووي ليس وهما بل هي لغة صحيحة يقال أنصت ونصت وانتصت بمعني (وزيادة) بالنصب (ثلاثة أيام) قال العلماء لان الحسنة بعشر أمثالها وفعله ما ذكر في يوم الجمعة حسنة فضوعفت الى عشر من الجمعة الى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام (ومن مس الحصي فقد لغي) أخرج هذه الزيادة أيضا ابن ماجه عن أبي هريرة قال النووى فيه النهى عن مس الحصى ونحوه من أنواع العبث في حالة الخطبة وفيه اشارة الى اقبال القلب والجوارح على الخطبة والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود انتهي (وعنه) أى عن أبى هريرة

الله عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنبت الكبائر. وعنه وعن ابن عمر أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين. وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها. وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله تعالى شيئا الا أعطاه اياه وأشار (الصلوات الخمس الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي (والجمعة الي الجمعة) أي في حق من صلاها وفيمن تركها لعذر قولان (ورمضان الى رمضان) أي في حق من صامه وفيمن تركه لعذر قولان أيضا (اذا اجتنبت الكبائر) ليس المراد ان اجتناب الكبائر شرط لتكفير الصغائر بل المراد ان الكبائر لا تكفر بذلك بل الصغائر فقط هذا هو الصحيح نعم قال النووي اذا لم يكن له صغائر رجونا أن يخفف عنه من الكبائر (فائدة) قال النووي قد يقال اذا كفر الذنوب الوضوء فماذا تكفر الصلوات والجمعات ورمضان وصوم عرفة وعاشوراء وتأمين الملائكة قال والجواب ما أجاب به العلماء ان كل واحد من المذكورات صالح للتكفير فان وجد ما يكفره من الصغائر كفره وان لم يصادف كبيرة ولا صغيرة كتبت به حسنات ورفعت به درجات (وعنه) أي عن أبي هريرة (وعن ابن عمر) أخرجه عنهما مسلم وأخرجه النسائي عن أبي هريرة فقط (لينتيهن) هى لام القسم (ودعهم) بفتح الواو وسكون المهملة أى اتركهم (أو ليختمن الله على قلوبهم) أي ليطبعن عليها ويعطبها والرين مثل الطبع وقيل الرين أيسر من الطبع والطبع أيسر من الاقفال قال عياض اختلف المتكلمون في هذا اختلافا كثيرا فقيل هو اعدام اللطف وأسباب الخير وقيل خلق الكفر في صدورهم وهو قول أكثر متكلمى أهل السنة وقال غيرهم هو الشهادة عليهم وقيل علامة جعلها الله في قلوبهم يعرفهم بها الملائكة (ثم ليكونن) بضم النون (وعنه) أي عن أبى هريرة (خير يوم طلعت عليه الشمس الى آخره) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وابن حبان في صحيحه (فيه خلق آدم الى آخره) قال عياض الظاهر ان هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلة لان اخراج آدم من الجنة وقيام الساعة لا تعد فضيلة وانما هو بيان ما وقع فيه من الامور العظام وما يشفع لتأهب العبد فيه بالاعمال الصالحة لينل رحمة الله تعالى ودفع نقمته وقال ابن العربى في الاحوذي الجمع بين الفضائل وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود الرسل والانبياء والصالحين والاولياء ولم يخرج منها طردا بل لقضاء أو طار ثم يعود اليها وأما قيام الساعة مسبب لتعجيل جزاء النبيين والصديقين والاولياء وغيرهم واظهار كراماتهم وشرفهم (وعنه) أى عن أبي هريرة أخرجه عنه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه (لا يوافقها) أي يصادفها (وهو قائم) حال منه مرادفة أى مبدأ حاله (يصلى) حال من ضمير يوافقها (سأل الله) حال من ضمير قائم أو جملة تفسيرية لقائم أو بدل منه (شيئا) للمحاري في الطلاق خبرا ولابن ماجه ما لم يسأل حراما ولاحمد ما لم يسأل انما أو قطيعة رحم (وأشار)

بيده يقلبها روى جميعها مسلم والاحاديث في هذا المعنى كثيرة معلومة وبالجملة فهو يوم مشتمل على فوائد وخصائص لا توجد في غيره. ذكر بعضهم في خواصه اثنتين وثلاثين خاصية واختلف العلماء فيه وفي يوم عرفة أيهما أفضل وذلك فيما لو قال لزوجته أنت طالق في أفضل الايام. واختلفوا أيضا في تعين ساعة الاجابة فيه على أحد عشر قولا أرجحهما ما ثبت في صحيح مسلم أنها ما بين أن يجلس الامام على المنبر الى ان يقضى الصلاة ويتلوه في الرجحان ما ثبت في يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه مالك من رواية أبي مصعب (يقللها) ولمسلم في رواية وهي ساعة حقيقة (روي جميعها مسلم) وغيره ممن ذكرته (ذكر بعضهم) هو ابن قيم الجوزية (اثنتين وثلاثين خاصية) وهى هيئتها وانها يوم عيد ولا يضام منفردا وقراءة الم تنزيل وهل أتي في صبيحتها والجمعة والمنافقين فيها والغسل لها والتطيب والسواك ولبس أحسن ثيابه وتبخير المسجد والتكبير والاشتغال بالعبادة حتى يخرج الخطيب والخطبة والانصات وقراءة الكهف ونفي كراهة النافلة وقت الاستوى ومنع السفر قبلها وتضعيف أجر الذاهب اليها بكل خطوة أجر سنة ونفي حر جهنم في يومها وساعة الاجابة وتكفير الآثام وانها يوم المزيد والشاهد والمدخر لهذه الامة وخير أيام الاسبوع ويجتمع فيه الارواح ولا تخص ليلتها بقيام وقراءة الجمعة والمنافقين في عشاء ليلتها والكافرين والاخلاص في مغرب ليلتها والامان من عذاب القبر لمن مات في يومها وليلتها واختصاص صلاتها بفرض الجماعة في الاولى والعدد المختلف فيه انتهى وفي هذه التى ذكرها أشياء ليست من خصائصها وهي كراهة صوم يومها منفردا فان السبت والاحد مشاركا لها في ذلك والغسل فان العيد والكسوف والاستسقاء وغيرهما مما يحصل فيه الاجتماع يشاركونها فيه والسواك فانه سنة لكل صلاة ولبس أحسن ثيابه كذلك وساعة الاجابة فان الليل فيه ذلك أيضا (ايهما أفضل) والقائلون بتفضيل الجمعة يستدلون بحديث خير يوم طلعت عليه الشمس الى آخره (فيما لو قال لزوجته أنت طالق في أفضل الايام) وفيه وجهان للاصحاب أصحهما انها تطلق يوم عرفة ما لم يقصد يوم الجمعة والا وقعت فيه أما اذا قال أنت طالق في أفضل أيام السنة تطلق يوم عرفة قطعا (واختلفوا أيضا) في ساعة الجمعة هل رفعت أو هي باقية والصحيح الثاني وعليه هل هي في جمعة واحدة من كل سنة أو في كل جمعة والصحيح الثاني وعليه هل هى مبهمة أو معينة والصحيح الثاني وعليه هل يستوعب الوقت أو يبهم فيه والصحيح الثانى وعليه ما ابتداؤه وما انتهاؤه وهل يستمر أو ينتقل وعليه هل يستغرق الوقت أو بعضه (على أحد عشر قولا) بل على نحو خمسة وأربعين قاله في التوشيح قال وقد بسطتها في شرح الموطأ وأقرب ما قيل في تعيينها انها عند أذان الفجر أو من طلوع الفجر الي طلوع الشمس أو أول ساعة بعد طلوع الشمس أو آخر الساعة الثالثة من النهار أو عند الزوال أو عند أذان صلاة الجمعة أو من الزوال الى خروج الامام أو منه الى احرامه بالصلاة أو الى غروب الشمس أو ما بين خروج الامام الى أن تقام الصلاة أو (ما ثبت في صحيح مسلم) عن أبي موسى مرفوعا (انها ما بين ان يجلس الامام على المنبر الى أن يقضى الصلاة) أو ما بين أول الخطبة والفراغ منها أو عند الجلوس بين الخطبتين أو عند

فائدة فيما ذكر من أوقات الإجابة وأماكنها

حديث آخر صحيح انها بعد صلاة العصر وأنها آخر ساعة من النهار وعلى هذا اكثر الصحابة والتابعين والله أعلم [فائدة فيما ذكر من أوقات الإجابة وأماكنها] (فائدة) حصر الشيخ الامام الحافظ ابو الخير الجزري في كتابه العدة اوقات الاجابة واحوالها واماكنها فقال ليلة عرفة ويوم عرفة وليلة القدر وشهر رمضان وليلة الجمعة ويوم الجمعة وساعة الجمعة وهى ما بين أن يجلس الامام على المنبر الى أن يقضى الصلاة قال والأقرب انها عند قراءته الفاتحة حتى يؤمن وجوف الليل ونصفه الثانى ونصفه الآخر ووقت السحر. وعند النداء بالصلاة وبين الاذان والاقامة وبعد الحيعلتين للمخبت المكروب وعند الاقامة وعند الصف في سبيل الله وعند التحام القتال ودبر الصلوات المكتوبات وفي السجود وعقيب تلاوة القرآن لا سيما الختم وعند قول الامام ولا الضالين وعند شرب ماء زمزم وصياح الديكة واجتماع المسلمين وفي مجالس الذكر وعند تغميض الميت وعند نزول الغيث وبين جلالتي سورة الانعام وعند رؤية الكعبة وفي المساجد الثلاثة وفي الطواف وعند الملتزم وفي داخل البيت وعند زمزم وعند نزول الامام من على المنبر أو عند اقامة الصلاة أو من اقامة الصلاة الي تمامها وورد في سنن الترمذى مرفوعا أو هى الساعة التى كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى فيها الجمعة أو من صلاة العصر الى غروب الشمس أو في صلاة العصر أو بعد العصر الى آخر وقت الاختيار أو من حين اصفرار الشمس الى أن تغيب (ما ثبت في حديث آخر صحيح) أخرجه ابو داود والحاكم عن جابر مرفوعا وأصحاب السنن عن عبد الله بن سلام موقوفا (انها آخر ساعة من النهار) أو اذا تدلي نصف الشمس للغروب أخرجه البيهقى وغيره عن فاطمة مرفوعا قال في التوشيح فهذه خلاصة الاقوال وباقيها يرجع اليها انتهى وقال المحب الطبرى أصح الاحاديث فيها حديث أبي موسي وأشهر الاقوال قول عبد الله بن سلام واختلف السلف في ترجيح القولين فرجح البيهقي وابن الغربى والقرطبي الاول قال النووى وهو الصحيح أو الصواب ورجح الثاني ابن حنبل واسحاق بن راهويه وابن عبد البر وجماعة وقد اورد ابو هريرة على عبد الله بن سلام انها ليست ساعة صلاة وقد ورد النص بالصلاة فاجابه ان منتظر الصلاة في حكم المصلي وهذا كما قاله في التوشيح وارد على حديث ابي موسي أيضا اذحال الخطبة ليس ساعة صلاة قال العلماء (فائدة) ابهامها كليلة القدر واسم الله الاعظم بعث الدواعى على التأهب بالاكثار من الصلاة والدعاء وان يدعى الله بجميع أسمائه الحسنى والا لا تكل الناس على ذلك وتركوا ما عداه (ابو الخير) اسمه محمد بن محمد (الجزرى) منسوب الي جزيرة ابن عمر لانه ولد بها وكانت وفاته بشيراز سنة ثلاث وثلاثين وثماثمائة (في العدة) أى عدة الحصن الحصين (ليلة عرفة ويوم عرفة الى آخر ما ذكره) احاديث ذلك مشهورة فلا نطيل بسردها (للمخبت) بالمعجمة فالموحدة فالفوقية (لا سيما) بالتشديد والتخفيف فالواو هي لاولوية ما بعدها بالحكم مما قبلها لا مستثنى بها والا فصح جرما بعدها وتقديم لا عليها بل قال المحققون حذفها لحن والسي لغة الميل وما صلة (وصياح) بضم اوله وكسره (الديكة) جمع الديك وهو بوزن العنبة

فرع في تعيين وقت الجمعة

الصفا والمروة وخلف المقام وفي عرفات والمزدلفة ومنى وعند الجمرات الثلاث وعند قبور الانبياء ولا يصلح قبر نبي بعينه سوى قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقط بالاجماع وقبر ابراهيم عليه الصلاة والسلام داخل السورة من غير تعيين. قال وجرب استجابة الدعاء عند قبور الصالحين بشروط معروفة [فرع في تعيين وقت الجمعة] (فرع) وقت الجمعة وقت الظهر وكان صلى الله عليه وسلم يبكر بالخروج اليها وكان خروجه متصلا بالزوال وذلك بعد انقضاء الساعة السادسة وحض على التكبير فرواه أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الاولى فكانما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكانما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكانما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكانما قرب بيضة فاذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر أخرجه البخارى ومسلم قال مالك وبعض أئمة الشافعية (بشروط معروفة) وفي الخشوع والخضوع واستعمال الادب بترك العبث ونحوه وكمال الاعتقاد واستحضار كونه واسطة بينه وبين ربه (وقت الجمعة وقت الظهر) عند سائر العلماء من الصحابة فمن بعدهم الا ابن حنبل واسحاق فجوزاها قبل الدخول مستدلين بحديث سهل بن سعد ما كنا نقيل ولا سعدا الا بعد الجمعة وهو في الصحيحين وغيرهما وهذا الحديث وما أشبهه من الاحاديث محمول عند الجمهور على المبالغة في تعجيلها وانهم كانوا يؤخرون الغداة والقيلولة في هذا اليوم الى ما بعد صلاة الجمعة لانهم ندبوا الى التكبير فلو اشتغلوا شيئا من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التكبير اليها (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) قال النووى أى كغسل الجنابة في الصفات هذا هو المشهور في تفسيره وقال بعض أصحابنا في كتب الفقه المراد غسل الجنابة حقيقة قالوا ويستحب له مواقعة زوجته ليكون أغض لبصره وأسكن لنفسه انتهي قال في الديباج فيه حديث مشهور في شعب الايمان من حديث أبى هريرة مرفوعا أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل جمعة فان له أجرين اثنين اجر غسله وغسل امرأته (ثم راح) أي ذهب أول النهار كما في الموطأ في الساعة الاولى وراح يستعمل في جميع الاوقات بمعنى ذهب قاله الازهري وأنكر على من قال لا يكون الرواح الا بعد الزوال (قرب بدنة) أى تصدق بها متقربا الى الله تعالى أوساقها هديا الى البيت والبدنة هي البعير ذكرا كان أو أنثى والهاء للوحدة لا للتأنيث (كبشا أقرن) انما وصفه بذلك لانه أكمل وأحسن صورة ولان قرنه ينتفع به (دجاجة) بتثليث الدال يقع على الذكر والانثى (بيضة) يقرب ان المراد بها بيضة الدجاجة (حضرت الملائكة يستمعون الذكر) لمسلم في رواية طوو الصحف زاد النسائى فلم يكتبوا أحدا (أخرجه) مالك (والبخاري ومسلم) والنسائى زاد في رواية بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي أخرى بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة اسنادهما صحيح (وبعض أئمة الشافعية)

المراد بالساعات هي لحظات لطيفة بعد الزوال ومذهب الجمهور أنها من أول النهار وانها من طلوع الفجر لا من طلوع الشمس وفي هذا الحديث تأكيد غسل الجمعة وانه يعم الرأس وجميع البدن كغسل الجنابة وقد أوجبه بعض الصحابة وكثيرون من السلف ومذهب الجمهور انه سنة مؤكدة ولكل المذهبين دليل ظاهر من الحديث والله أعلم. ثم اختلف العلماء في العدد الذي ينعقد بهم الجمعة وأين تقام على أقوال كثيرة منتشرة غاية الانتشار مع اتفاقهم انها لا تصح الا في جماعة وبلد جامع قال ابن الصلاح وغيره من أئمة المحدثين لم يثبت في تقدير عدد الجمعة خبر ثابت وأفتى كثيرون من متأخرى أصحاب الشافعى باقامتها بدون أربعين وهو قول قديم للشافعى اختار جماعة منهم ان تصلى جمعة ثم تعاد ظهرا وهو النهاية في الاحتياط والله أعلم (فائدة) يستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة كالقاضي حسين وامام الحرمين (المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد الزوال) وعلى ذلك جرى في أهل الروضة لئلا يستوى فيها رجلان جاء في طرفي ساعة ولانه لو أريد ذلك لاختلف الامر في اليوم الثاني في الصائف (ومذهب) الشافعى و (الجمهور انها من أول النهار وانها من طلوع الفجر لا من طلوع الشمس) وعلى ذلك جرى النووي في شرح المهذب ومسلم قال لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الاخير وبدنة المتوسط متوسطة كما في درجات صلاة الجماعة القليلة والكثيرة أي فالمراد ساعات النهار الفلكية اثنا عشر ساعة زمانية صيفا كان أو شتاء والعميرة بخمس ساعات منها طال الزمان أو قصر قال الغزالى الساعة الاولى الى طلوع الشمس والثانية الى ارتفاعها والثالثة الى انبساطها حتى يرمض العضال والرابعة والخامسة الى الزوال (فائدة) أول من قدر النهار اثنى عشرة ساعة وكذا الليل نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام حين كان في السفينة أخرجه ابن عساكر في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عباس (وقد أوجبه بعض الصحابة) وبه قال أهل الظاهر (وكثيرون من السلف) كما حكاه بن المنذر عن مالك وحكاه الخطابى عنه وعن الحسن البصرى (ومذهب الجمهور) من السلف والخلف (انه سنة مؤكدة) ليس بواجب (ولكل المذهبين دليل ظاهر من الحديث) اما الاول فدليله نحو قوله غسل الجمعة واجب على كل محتلم واما دليل الثاني فقد مر والجواب عن الاول ان الاحاديث الواردة في الامر محمولة على الاستحباب جمعا بين الادلة وقوله واجب أي متأكد (ثم اختلف العلماء في العدد) فعند الشافعى وجماعة يشترط أربعون وعند مالك وجماعة اثنا عشر وعند أبي حنيفة وجماعة يجوز باثنين (لم يثبت في تقدير عدد الجمعة خبر ثابت) انما استدل الشافعي بما في سنن أبي داود عن كعب بن مالك قال أول من صلى بنا الجمعة في بقيع الخصمان أسعد ابن زرارة وكنا أربعين صححه ابن حبان وغيره (يستحب) سورة (الكهف) والاستكثار منها (في يوم الجمعة) لما أخرجه الحاكم والبيهقى في السنن عن أبي سعيد من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة اضاءله النور

مطلب في صلاة الجماعة وفضيلتها

وليلتها وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما وان يقول قبل صلاة الغداة في يومها أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب اليه ثلاث مرات وان يجتهد في الدعاء في جميع يومها رجاء مصادفة ساعة الاجابة ويقرأ بعد صلاتها الفاتحة وقل هو الله أحد والمعوذتين سبعا سبعا وقد جاء في جميع ذلك أحاديث نبوية تركتها اختصارا والله أعلم. [مطلب في صلاة الجماعة وفضيلتها] صلاة الجماعة اعلم ان صلاة الجماعة سنة مؤكدة وقيل فرض كفاية للرجال وسنة للنساء وقيل فرض عين وهذان الأخيران قويان من حيث الدليل وعلى كل حال لا رخصة في تركها بالاعذار التى ترخص في ترك الجمعة دليله ما رويناه في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس قائد يقودنى الى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال له هل تسمع النداء فقال نعم قال فأجب. وروي أبو داود باسناد حسن ان ابن أم مكتوم الأعمى ما بين الجمعتين قال الحاكم صحيح الاسناد (وليلتها) لما أخرجه الدارمى موقوفا عن أبي سعيد من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاءله من النور ما بينه وبين البيت العتيق (وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها) لحديث أكثروا من الصلاة على في كل يوم جمعة أخرجه البيهقى عن أبى امامة وأخرجه عن أنس وزاد وليلة الجمعة (ويقرأ بعد صلاتها الفاتحة وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين سبعا سبعا) فقد ورد ان من فعل ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أخرجه أبو سعيد القشيري في الاربعين عن أنس وأخرجه ابن السنى من حديث عائشة بدون الفاتحة وقال أعاذه الله بها من السوء الى الجمعة الاخري (صلاة الجماعة سنة مؤكدة) لحديث صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة أخرجه أحمد ومالك والشيخان والترمذى والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر ولاحمد والبخارى وابن ماجه من حديث أبي سعيد بخمس وعشرين وكذا لمسلم من حديث أبي هريرة ولا يعارض بين الروايتين وليس في نفي الاقل نفي الاكثر كما في نظائره وعلى هذا وهو كونه سنة جري الرافعى في المحرر (وقيل فرض كفاية) لحديث ما من ثلاثة في قرية الآتي (وقيل فرض عين) كالجمعة لحديث لقد هممت ان آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب فاحرق عليهم بيوتهم بالنار أخرجه الشيخان وغيرهما وعلى الصحيح فالجواب من هذا مستوفا من كتب الفقه (رجل أعمي) هو ابن أم مكتوم الا آتى في رواية أبى داود (فرخص له الى آخره) استدل بهذا من قال ان الجماعة فرض عين وأجاب الجمهور بانه سأل هل له رخصة في ان يصلي في بيته ويحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقال لا قال النووي ويؤيد هذا ان حضور الجماعة يسقط بالعذر بالاجماع واما ترخيصه له ثم رده وقوله فاجب فبوحى نزل في الحال أو باجتهاد أو رخص

قال يا رسول الله ان المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمع حى على الصلاة حى على الفلاح فحى هلا. وفي الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لقد هممت ان آمر بحطب فيحطب ثم أمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف الىّ رجال فأحرق عليهم بيوتهم. وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال من سره ان يلقى الله تعالى غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فان الله عز وجل شرع لنبيكم سنن الهذى ولوانكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المخالف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولو رأيتنا وما يتخلف عنها الا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف رواه مسلم. وفي رواية له عنه أيضا قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى وان من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. وعن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من ثلاثة في قرية ولا بلدة لا تقام فيهم الصلاة الا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فانما يأكل الذئب القاصية من الغنم رواه أبو داود باسناد صحيح حسن وكل هذه الأحاديث في الصحيح وما يقاربه وكلها تدل على الحرج والضيق وعدم الرخصة هذا وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة بوعود جليلة وفي صلاة الصبح والعشاء زيادة تخصيص من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء له أولا في دفع الوجوب تم ندبه الى الافضل احتمالات (الهوام) بتشديد الميم ما يدب على الارض من نحو الحية والعقرب (فحي هلا) بتنوين هلا وقيل بلا تنوين أي عليك بالاجابة (فاحرق عليهم بيوتهم) ذكر بعضهم ان الحديث ورد على ما كان في أول الامر من العقوبة بالمال لان تحريق البيوت عقوبه مالية وقد نسخت قال في الديباج وقال بعض المحققين ان هذا الحديث ونحوه باق فيما اذا احتاج انكار المنكر الى ردع شديد لانهماك الناس في الفساد وعدم رجوعهم بما دون ذلك وقد حرق عمر بن الخطاب قصر سعد وحانوت الخمار وغير ذلك واستمر عليه ولاة الامور من بعده انتهى (سنن الهدى) بضم السين وفتحها ومعناهما متقارب أى طريق الهدى والصواب (يهادي بين الرجلين) أى يمسكه رجلان من جنبيه بعضديه يعتمد عليهما (الصلاة) بالنصب اسم ان (استحوذ) أي غلب (القاصية) البعيدة (من الغنم) التى نظر الراعى ليس عليها وشبه النبي صلى الله عليه وسلم تارك الجماعة لبعده عن محل رعاية الله تعالى الحاصلة للجماعة بسبب الاجتماع وتسلط ابليس عليه بالشاة البعيدة التي يتسلط عليها الذئب ويتمكن من أخذها (رواه) أحمد و (أبو داود باسناد حسن)

مطلب في صلاة الليل وتهجده صلى الله عليه وسلم

جماعة فكأنما قام الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله رواه مسلم. وعن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لا توهما ولو حبوا متفق عليه [مطلب في صلاة الليل وتهجده صلى الله عليه وسلّم] صلاة الليل قال الله تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً وقال تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ الآية وقال تعالى كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وقال تعالى وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فانه والنسائي وابن حبان والحاكم (ومن صلى الصبح في جماعة فكانما) قام نصف الليل فبانضمامه الى النصف الحاصل بصلاة العشاء في جماعة كانه (صلي الليل كله) هذا هو الصحيح في تأويله وقيل بل يحصل له بصلاة الصبح فقط قيام الليل كله حتى ان من صلى العشاء والصبح معا في جماعة كانه قام ليلة ونصفا (رواه) أحمد و (مسلم) عن عثمان بن عفان وللطبرانى من حديث أبي امامة من صلى العشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر (لو يعلمون ما فيهما) أي من الفضل والخير (لاتوهما) ان لم يستطيعوا المشي يحبون (حبوا) ولم يفوتوا جماعتهما في المسجد صلاة الليل (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) أى قم بعد الهجود وهو النوم (نافِلَةً) أي زيادة (لَكَ) وجه تخصيصه مع كونها نافلة له ولغيره على الصحيح ان نوافل غيره كفارة لذنبه وهو صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت نوافله رفع درجات (عَسى) هي من الله واجب (أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ) يوم القيامة (مَقاماً مَحْمُوداً) هو مقام الشفاعة الذي يحمده فيه الاولون والآخرون (تَتَجافى) أي ترتفع (جُنُوبُهُمْ) جمع جنب (عَنِ الْمَضاجِعِ) جمع مضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه يعني الفراش وهو هم المتهجدون بالليل ونزلت هذه الآية في الانصار كانوا يصلون المغرب فلا يرجعون الي رحالهم حتى يصلوا العشاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فيمن يصلي صلاة الاوابين بين المغرب والعشاء روي عن أنس أيضا وقال به أبو حازم وابن المنكدر أو هم الذين لا ينامون حتى يصلون عشاء الآخرة قاله عطاء أو هم الذين يصلون العشاء والصبح في جماعة حكي عن أبي الدرداء وأبي ذر وعبادة بن الصامت والاشهر قول الحسن ومجاهد ومالك والاوزاعي وجماعة أن المراد الصلاة بالليل (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) أي ينامون والهجوع النوم بالليل دون النهار وما صلة أي كانوا يهجعون قليلا من الليل أى يصلون أكثره أو معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا قاله ابن جبير عن ابن عباس معنى كانوا أقل ليلة تمر بهم الا صلوا فيها شيأ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ) في الليل (سُجَّداً) على وجوههم (وَقِياماً) وعلى أقدامهم قال ابن عباس من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجدا وقائما عليكم (بقيام الليل الى آخره) أخرجه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقى في السنن عن بلال وأخرجه الترمذى والحاكم عن أبي امامة وأخرجه ابن عساكر عن أبي الدرداء وأخرجه الطبراني في الكبير عن سلمان وأخرجه بن السنى

دأب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم الى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الاثم وقال صلى الله عليه وسلم من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين ومن صلى بمأتى آية فانه يكتب من الفائزين المخلصين رواهما الحاكم. وقال الأول على شرط البخارى والثانى على شرط مسلم والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة معلومة في الصحيحين وغيرهما ونشرع الآن في ذكر بيان وقته وعدده والمتلو فيه مع فوائد تتعلق بذلك كثيرة. أما الوقت ففي الصحيحين عن عائشة قالت من كل ليلة قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ومن أوسطه ومن آخره وانتهى وتره الى السحر وقد سبق ذلك قريبا وموضع الدلالة منه ان وتره صلى الله عليه وسلم كان ملازما لتهجده وأفضل الاجزاء الليلية لذلك السدس الرابع والخامس باعتبار قسمة الليل ستة أجزاء لقوله صلى الله عليه وسلم أحب الصلاة الى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه رواه الشيخان. وأما العدد فاختلفت الروايات عنه صلى الله عليه وسلم واختلافها يدل على تغاير أحواله صلى الله عليه وسلم وذلك بحسب اختلاف الأوقات والأحوال وأغلب العادات النبوية في ذلك ما رويناه في الصحيحين عن عائشة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على أحد عشر ركعة تصلي أربعا فلا يسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا يسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله أتنام قبل ان توتر فقال يا عائشة ان عيني تنامان ولا ينام عن جابر (دأب الصالحين) أي عادتهم (قبلكم) يؤخذ منه ان قيام الليل من الشرائع القديمة (ومكفرة) بفتح الميم والفاء وسكون الكاف ولفظ من مر وتكفير (للسيئات) قال تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ بعد ان قال وَزُلَفاً أى ساعات من الليل (ومنهاة عن الاثم) ان من خاصية الليل تجلى نفحات البارى تعالى على أهل القيام ونزول الرحمة عليهم وشهودهم قربه فيحبب اليهم الطاعات ويبغض اليهم الاثم زاد من مر ومطردة للداء عن الحسد وحكمة ذلك قلة أكلهم وايثار الجوع الذى هو سبب نقلة النوم الذي ألفوه وقد علم ان أصل كل داء الاستبطان وامتلاء المعدة (رواهما الحاكم) اما الاول فقد مر من رواه معه وأما الثاني فاخرجه الحاكم عن أبي هريرة وأخرجه أحمد والنسائي عن تميم بلفظ من قرأ مائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة (المتلو فيه) أى ما يتلى أي يقرأ فيه (رواه) أحمد و (الشيخان) وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو (ما كان يزيد الى آخره) قال في التوشيح فيه دلالة ظاهرة على انه لم يصلي التراويح عشرين ركعة (فلا تسأل) أنت (عن حسنهن وطولهن) أى انهن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات بظهور

قلبي وورد في كثير من الروايات ثلاث عشرة وأكثر الروايات عن عائشة خمس عشرة وقد كان للسلف عادات في التهجد منهم من كان ورده مائة ركعة وآخرون ألف ركعة ومنهم من قدره بقوته فلا يزال يتهجد حتى يعجز فيأتى فراشه حبوا ذكره ابن خليل في التحفة قلت وهذا الأخير مذموم شرعا وقد ورد في جملة من الأحاديث النهى عنه وتخطئة فاعله فينبغى للانسان ان يأخذ نفسه بالتدريج أولا بركعتين فقد ورد في الحديث انهما خير من الدنيا وما فيها ثم يدرجها في العمل حتى ينتهى الى احدى عشرة أو عدد يقدر عليه فيلازمه ويتخذه وردا يعتاده ويطالب نفسه بأدائه ويتمرن على العمل به وان فات عليه لعارض أصبح مهموما عليه وتدارك قضاءه في النهار فقد روينا في صحيح مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل رواه مسلم فينبغي للانسان أن لا يهمل حظه من الليل ولو ركعتين فقد سبق قريبا ما ورد فيهما ومن لم يدرك الخير كله فلا يتركه كله والقليل يجر الكثير والله ولى التوفيق وليحذر كل الحذر أن يستحكم على رأسه عقد الشيطان يبول في أذنيه فيمضى عليه كل الليل بفوائده العظيمة وخيراته العميمة حسنهن وطولهن عن ان يسأل عنهن (ورد في كثير من الروايات) كحديث ابن عباس (ثلاث عشرة) كانه عد الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتتح بهما صلاة الليل قال عياض لا خلاف انه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه بل صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الاجر وانما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه (وأكثر الروايات عن عائشة خمس عشرة) فقيل الاختلاف منها وقيل من الرواة عنها قال النووي فيحتمل ان اخبارها باحدي عشرة على الاغلب والباقي ربما كان يقع نادرا في بعض الاوقات (يعجز) بكسر الجيم مضارعا وفتحها ماضيا أشهر من عكسه (فيأتي) بالنصب (خير من الدنيا وما فيها) زاد ابن نضر عن حسان بن عطية مرسلا ولولا ان أشق على أمتي لفرضتها عليهم وللديلمي في مسند الفردوس من حديث جابر ركعتان في جوف الليل يكفران الخطايا (فيلازمه) بالنصب (صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة) قال النووى فيه دليل على استحباب المحافظة على الاداء وانها اذا قامت تقضى (من نام عن جزبه) ولأحمد وأصحاب السنن والحاكم عن وبرة (كانما قرأه من الليل) ولهم فليصله اذا ذكره (ويبول في أذنه) أشار الى الحديث المروي في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح فقال ذاك رجل بال الشيطان في أذنه وذكره المصنف

ويصبج فقيرا منها خبيث النفس كسلان لا ينبسط ولا ينكف عن شر* روينا في الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم اذا هو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد فان استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة وان توضأ انحلت عقدة فان صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس والا أصبح خبيث النفس كسلان* وروينا فيهما أيضا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح فقال ذلك بال الشيطان في أذنيه أو قال في أذنه وليحذر كل الحذر أيضا من ترك تهجدا اعتاده والاعراض عنه بالكلية فيكون أسوأ حالا ممن لم يتهجد رأسا وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحور بعد الكور في ما بعد وهو على حقيقته أو كناية عن سد الشيطان اذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر أو أن الشيطان ملأ سمعه بالاباطيل فحجبه عن الذكر أو المراد أن الشيطان ازدراه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول أقوال وانما خص الاذن بالذكر مع أن الغير أنسب بالنوم اشارة الى ثقل النوم فان المسامع موارد الانتباه وخص البول لانه أسهل مرحلا في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الاعضاء فيحصل التثبيط عن القيام للصلاة قاله الطبي (الشيطان) هو حقيقة أو كناية عن تثبيط قولان (قافية) بالقاف قبل الفاء (رأس أحدكم) أى مؤخره اذا (هو نام) هو على عمومه أو خصوصه بمن نام قبل صلاة العشاء قاله الملوي وابن حجر زاد ابن حجر ويمكن أن يخص منه أيضا من قراءة آية الكرسي عند نومه فقد ثبت انه تحفظ من الشيطان (يضرب) أي بيده على العقدة تأكيدا لها واحكاما قائلا ذلك أو معناه تحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ قولان (على كل عقدة مكانها) قال في التوشيح وقد اختلف في هذا العقد فقيل على حقيقته وانه كما يعقد الساحر من سحره فيأخذ خيطا يعقد فيه عقدة ويتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها ولابن ماجه على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد ولابن حبان عن جابر ما من ذكر ولا أنثي الا على رأسه جرير معقود حين يرقد وفي فوائد المخلص عن أبى سعيد ما أحد ينام الا ضرب صماخيه بجرير معقود والجرير بالجيم الحبل وقيل مجاز شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور بجامع المنع من التصرف (عليك ليل طويل) لمسلم في أكثر الاصول بالنصب على الاغراء (انحلت عقده) بلفظ الجمع (طيب النفس) أى من سر صلاة الليل فاقل ما يحصل به حل عقد الشيطان ركعتان لحديث ابن خزيمة فحلو عقد الشيطان ولو بركعتين فمن ثم استحب استفتاح صلاة الليل بركعتين حقيقية للامرية في صحيح مسلم مبادرة الى حل العقد وفي فوائد المخلص عن أبي سعيد وان استيقظ ولم يتوضأ ولم يصلى أصبحت العقد كلها كهيئتها وبال الشيطان في أذنه قال في التوشيح فيستفاد منه وقت بول الشيطان (رأسا) على لفظ الرأس أي أصلا (وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحور بعد الكور) أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه

فصل وأما ما يقرأ في صلاة الليل

وهو النقص بعد الزيادة والرجوع من حال سنى الى حال دنئ نعوذ بالله من ذلك وقال لعبد الله ابن عمرو بن العاص يا عبد الله لا تكون مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل متفق عليه. [فصل وأما ما يقرأ في صلاة الليل] وأما ما يقرأ في صلاة الليل فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهجد بالقرآن درسا ويطيل ويجهر ويخفي ويراعى في كل وقت ما يناسبه وأطول ما ورد في ذلك ما رويناه في صحيح مسلم عن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح البقرة فقلت يقف على المائة ثم مضي فقلت يصلى بها ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا اذا مر بآية فيها تسبيح سبح واذا مر بسؤال سأل واذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربى العظيم وكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربى الاعلى فكان سجوده عن عبد الله بن سرخس والحور بفتح المهملة الرجوع والكور بفتح الكاف آخره راء كما في رواية العذري في صحيح مسلم وكذلك هو عند الترمذي أو نون كما هو في رواية الاكثر وزعم الحربى ان عاصما وهم فيه وانما هو الكور بالراء (وهو النقص بعد الزيادة) يقال فيه حار بعد ما كار (والرجوع من حال سنى) كايمان واستقامة وصلاح (الى حال دني) ككفر وخلل وفساد أعاذنا الله من ذلك بمنه ويمنه. ما يقرأ في صلاة الليل (ما رويناه في صحيح مسلم عن حذيفة) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (فقلت يقف على المائة) زاد النسائي فمضي فقلت يركع عند المائتين (ثم مضى فقلت يصلي بها ركعة) قال النووى معناه ظننت انه يسلم بها فيقسمها على ركعتين وأراد بالركعة الصلاة بكمالها وهى ركعتان قال ولا بد من هذا التأويل لينتظم الكلام بعده وعلى هذا فقوله ثم مضي معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظنى انه لا يركع الركعة الاولى الا في آخر البقرة فحينئذ قلت يركع الركعة الاولى بها فجاوز وافتتح النساء (ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران) قال عياض فيه دليل لمن يقول ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف وانه لم يكن من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم بل وكله الى أمته بعده وهذا قول مالك وجمهور العلماء واختاره أبو بكر الباقلاني وقال هو أصح القولين مع احتمالها والذى يقوله أن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التلقين ولا في التعليم وانه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص ولا حسد يحرم مخالفته وكذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان قال فاما على قول من يقول ان ذلك بتوقيف حدده لهم كما استقر في مصحف عثمان وانما اختلف في المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف فتأول قراءته صلى الله عليه وسلم هنا انه كان قبل التوقيف وكانت هاتان السورتان كذا في المصحف أبي ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالي على ما هى عليه الآن في المصحف وهكذا نقلته الامة عن نبيها صلى الله عليه وسلم (مترسلا)

قريبا من قيامه* قال الامام محيى الدين النووى واما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمنهم عثمان بن عفان وتميم الدارى وسعيد بن جبير قلت واستمر فعل كثير من السلف والخلف على سبع القرآن كل ليلة في ركعات التهجد واحسن ما يمكن الدوام عليه بغير ملل ولا اخلال ويطيقه كل أحد في عموم الأحوال اعتياد ختمتين في كل شهر أحداهما في صلاته بالليل لكل ليلة جزء والأخرى خارج الصلاة والله ولى التوفيق هذا في حق من يحفظ القرآن وأما غيره فيقرأ من السور القصار وما أمكنه وأحسن الأوراد له قراءة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثا فقد ورد في الصحاح ان من قرأها ثلاثا فكأنما قرأ القرآن كله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما قرأ السورة في ركعة واقتصر عليها وربما قرأ سورتين أو أكثر في ركعة كما في حديث حذيفة السابق وحديث أبى لأعرف النظائر الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين من المفصل أي مرتلا (من قرأها ثلاثا فكانما قرأ القرآن كله) أخرجه بهذا اللفظ العقيلى عن رجاء الغنوي وللضياء من حديث أبي هريرة من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فكانما قرأ ثلث القرآن ولمالك وأحمد والبخاري وأبى داود والنسائى من حديث أبي سعيد قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وأخرجه البخاري أيضا من حديث قتادة بن النعمان وأخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء وأخرجه الترمذى وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه النسائي من حديث أبى أيوب وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث أبي مسعود الانصارى وأخرجه الطبرانى من حديث ابن مسعود ومعاذ وأخرجه أحمد من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأخرجه البزار من حديث جابر وأخرجه أبو عبيد من حديث بن عباس وأخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر وزدا وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن ولمسلم في رواية ان الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزأ من أجزاء القرآن والمراد انها تعدل بثلث القرآن في الثواب وقيل ان القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات الله تعالى وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ متمحضة للصفات فهى ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء وقيل هذا من متشابه الحديث الذى لا يدري تأويله فائدة ورد في يس ان من قرأها مرة فقد قرأ القرآن عشر مرات أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وورد في اذا زلزلت انها تعدل نصف القرآن أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس قال الحاكم صحيح الاسناد وورد في اذا جاء نصر الله انها تعدل ربع القرآن كقل يا أيها الكافرون أخرجه الترمذى من حديث أنس بن مالك وقال حديث حسن (وحديث أبى لا عرف النظائر الي اخره) قاله ابن مسعود للرجل الذى قال لابي لا قرأ المفصل في ركعة والرجل هو نهيك بن سنان كما عند مسلم (يقرن) بضم الراء على الصحيح وفي لغة بكسرها (عشرين من المفصل) أى معظمها فلا ينافي ما في رواية

في عشر ركعات وربما غشيه البكاء في تهجده وخنقته العبرة وقام ليلة حتى أصبح بقوله إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وروى مثل ذلك عن عمر انه صلى بالناس صلاة الصبح فلما أتى على قوله تعالى نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ خنقته العبرة فبكى حتى سمع نشيجه المأمومون وقام تميما الدارى بقوله تعالى. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ . وقام سعيد بن جبير بقوله تعالى. وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أخرى في مسلم ثمانية عشر من المفصل وسورتين من آل حم قال النووي وفيه دليل على ان المفصل ما بعد آل حم والمراد بآل حم السورة التى أولها حم كقولك فلان من آل فلان قال عياض ويجوز أن يكون المراد حم نفسها كما قال في الحديث من مزامير آل داود أي داود نفسه انتهي قال العلماء القرآن السبع الطوال ثم رواية المائين وهو ما كان في السورة منها مائة آية ونحوها ثم الثاني ثم المفصل وقد سبق الخلاف في أوله وورد بيان هذه السور في رواية عند أبى داود من طريق أبي اسحاق عن علقمة والاسود عنه وفي أخري عند ابن خزيمة من طريق أبي خالد الاحمر عن الاعمش عنه الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والطور والذاريات في ركعة والواقعة ونون في ركعة وسأل سائل والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم والمرسلات في ركعة والدخان واذا الشمس كورت في ركعة وليس في هذه الرواية من آل حم سورة (في عشر ركعات) قال عياض هذا صحيح موافق لرواية عائشة وابن عباس ان قيام النبي صلى الله عليه وسلم كان احدي عشرة بالوتر (بقوله تعالى) حكاية عن قول عيسي يوم القيامة (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ) أي على معاصيهم (فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) ولا اعتراض على المالك فيما يصنع بالعبيد (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) ما دون الشرك أو هو بان توفقهم للاسلام (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الملك (الْحَكِيمُ) في القضاء وقرأ ابن مسعود الغفور الرحيم ليناسب وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ وعلى قراءة الجمهور فيه تقديم وتأخير تقديره إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (فلما أتى على قوله تعالى) حكاية عن قول يعقوب (َّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي) هما مترادفان لان البث أشد من الحزن فهو أخص منه فمن ثم قدمه ومعناه انما أشكو حزني الشديد على يوسف وحزني الذى على بنيامين أخيه لان حزنه عليه كان دون حزنه على يوسف كذا ظهر لى (أَمْ حَسِبَ) أى احسب والميم زائدة (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) أي اكتسبوا (السَّيِّئاتِ) أي المعاصى (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال المفسرون نزلت هذه الآية في نفر من قريش قالوا للمؤمنين لئن كان ما يقولون حقا لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا في الدنيا (وَامْتازُوا) أي اعتزلوا من الصالحين قاله مقاتل أو تميزوا قاله أبو العالية أو كونوا على حدة قاله السدى أو انفردوا عن المؤمنين قاله الزجاج والخلاف لفظى والمعني كله متقارب (الْيَوْمَ) يعنى يوم القيامة (أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) أى الكافرون قال الضحاك ان لكل كافر بيتا في النار يدخل ذلك البيت ويردم بابه

تنبيه كره العلماء قيام كل الليل خشية الانقطاع

وقام النووى بقوله تعالى. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ. وهذا على قدر ما يظهر لهم بدقائق الافكار من لطائف المعارف وعجائب الاسرار قال السيد الجليل ابراهيم الخواص رضي الله عنه دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين [تنبيه كره العلماء قيام كل الليل خشية الانقطاع] (تنبيه) قال العلماء يكره قيام كل الليل خشية أن يمل وينقطع عنه كله* روينا في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ألم أخبر انك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وافطر وقم ونم وذكر الحديث قالوا ويكره تخصيص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى لما ثبت في صحيح مسلم عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تخصوا ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالى ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الايام الا ان يكن في صوم يصومه احدكم قال* محيى الدين النووى بالنار فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى ولا يرى (وَقِفُوهُمْ) أي أحبسوهم عند الصراط لان السؤال يكون عنده (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) أي عن جميع أقوالهم وأفعالهم أو عن لا اله الا الله روايتان عن ابن عباس (ابراهيم) بن أحمد (الخواص) قال القشيري من أقران الجنيد والثورى وله في التوكل والرياضات حظ كبير مات بالري سنة احدى وتسعين ومائتين كان مبطونا فكان كلما قام توضأ ودعا الى المجلس في المسجد يصلى ركعتين فدخل مرة بيت الماء فمات فيه رحمه الله ونفع به (وخلاء البطن) يعني بقليل الطعام والاقتصار على ما يحصل به استمساك البدن لا اخلاؤه أصلا (التضرع) هو الدعاء وأصله الدعاء بجبر الضرع وهو ضعف الجسد ثم استعمل في الدعاء كله ومن كلامه رضي الله عنه ليس العلم بكثرة الرواية وانما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وان كان قليل العلم (قال العلماء) من الصحابة والتابعين فمن بعدهم (يكره) لمن يجد مشقة يخاف منها محذورا (قيام كل الليل) دائما لحديث عبد الله بن عمر الآتي وأما من لا يجد مشقة فلا يكره له بل يستحب لا سيما المتلذذ بمناجات ربه سبحانه ولا يكره احياء بعض الليالى كلها كالعشر الاخيرة من رمضان وليلتى العيد بل يندب (كله) بالجر تأكيد للضمير (وذكر الحديث) تتمته فان لنفسك عليك حقا وان لزوجك عليك حقا وان لزورك عليك حقا وان لولدك عليك حقا فاعط كل ذى حق حقه وفي حديث عبد الله بن عمر وهذا فوائد ليس هذا محل بسطها (ويكره تخصيص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى) وما في الاحياء من استحباب قيامها حمل على قيامها مضافا الى أخري قبلها أو بعدها كالصوم وخص بعضهم الكراهة بمن يضعف بذلك عن وظائف الجمعة (لا تخصوا) الذي في أصول مسلم لا يختصوا في الاول ولا يخصوا في الثاني (ولا تخصوا يوم الجمعة الى آخره) قال العلماء الحكمة في ذلك ان يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة فاستحب الفطر فيه ليكون أعون على وظائفه وهو نظير الحاج في

في شرحه لمسلم عند الكلام على هذا الحديث احتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها بأنها بدعة منكرة من البدع التي هى ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصى هذا كلامه بحروفه وله عليها في فتاويه كلام طويل قلت اشتد نزاع العلماء في هذه الصلاة وصلاة ليلة النصف من شعبان وطريق الانصاف البعيدة عن الاعتساف أن يتجنب صلاة الرغائب لمصادمتها هذا الحديث الصحيح الذى لا محيص عنه ولا معزل الا بحديث يقاومه في الصحة ولا سبيل اليه فقد نص جهابذة المحدثين أهل النقد والصناعة في هذا الفن ان الحديث المذكور فيها باطل موضوع لا اصل له وانها لم تحدث الا في آخر القرن الخامس ببيت المقدس واهل كل فن يسلم لهم في فنهم وان يشاركهم غيرهم فيه فاذا تحققت ذلك فلا تلتفت على من صلاها أو ذكرها فان القدوة لا تتم الا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكل احد يؤخذ من قوله ويترك غيره صلى الله عليه وسلم وما يؤمن ان يحرص الانسان على طاعة فيقع في خلاف سنة فلا تقاوم احداهما الأخرى وقد قدمنا عن سعيد بن المسيب انه قيل له يا ابا محمد أيعذبنى الله على الصلاة قال لا ولكن يعذبك الله بخلاف السنة فاذا تحققت ذلك فاختر لنفسك ما يترجح لك فيه النجاة والسلامة والله يقول الحق وهو يهدى السبيل* واما صلاة النصف يوم عرفة وظاهر هذا عدم كراهة أفراده لمن لا يضعف بالصوم عن الوظائف وبه أخذ بعض أصحابنا وقيل الحكمة خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به قال النووي وهو ضعيف منقوض بصلاة الجمعة وقيل لئلا يعتقد وجوبه وهذا ضعيف منقوض بيوم الاثنين والخميس (الصلاة المبتدعة) وهي ثنتا عشر ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة وقال الجزرى خمس من رجب (الرغائب) جمع رغباء بفتح الراء مع المد وبضمها مع القصر وحكى فيها الفتح مثل شكوي والرغباء الطلب والمسألة (ومخترعها) أي مبتدعها (ودلائل قبحها) بالرفع مبتدأ خبره أكثر (وصلاة ليلة النصف من شعبان) وهي مائة ركعة (الاعتناء) هو التكلف (والصناعة) بفتح المهملة (وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك) هو حديث يروى عن ابن عباس موقوفا عليه ما من أحد الا يؤخذ من قوله ويدع (غيره) بالجر بدل من أحد وبالنصب على الاستثناء (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) أي قوله الحق (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أى يرشد الى طريق الحق وسبيل النجاة

مطلب في صلاة التراويح وقيام رمضان

من شعبان فلا يتعلق فعلها بمأثم لخلوها عن النهى والأولى لمن رغب فيها أن يصليها منفردا لأن مثل هذا الشعار الظاهر لا يقوم الا بدليل ظاهر والله أعلم بالصواب. [مطلب في صلاة التراويح وقيام رمضان] صلاة التراويح وقيام رمضان اعلم ان قيام رمضان سنة بالاجماع وللعشر الاواخر منه زيادة تخصيص. روينا في الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه* وروينا فيهما أيضا عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر. أما أصل استحبابها على هذا الوجه الذى يفعله الناس اليوم فانه ورد في الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم في رمضان ليالى في المسجد وكانوا في كل ليلة يتزايد جمعهم فلما رأى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم أبى أن يخرج اليهم وصلى بقية الشهر في بيته واعتذر اليهم فقال انى خشيت ان تفرض عليكم فتعجزوا عنها. قال في صحيح البخاري فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبى بكر وصدرا من خلافة عمر معناه استمر الأمر في هذه المدة على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضي صدرا من خلافة عمر ثم جمعهم عمر على أبى بن كعب فاستقر الامر على ذلك والصحابة صلاة التراويح (وقيام) بالضم عطفا على صلاة (روينا في الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن أبى هريرة) وفي السنن وعن جندب (ايمانا) أي تصديقا بأنه حق معتقدا فضيلة (واحتسابا) أى يريد به الله تعالى وحده ولا يقصد روية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الاخلاق (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد النسائي وغيره وما تأخر (وروينا فيهما أيضا عن عائشة) وأخرجه عنها أيضا أبو داود والنسائى وابن ماجه وللبيهقى في الشعب عنها كان اذا دخل شهر رمضان شد مئزره ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ وأخرج أيضا عنها كان اذا دخل رمضان تغير لونه وكثرت صلاته وابتهل في الدعاء وأشفق لونه (أحيا الليل) أي سهره فأحياه بالعبادة وأحيا نفسه بالسهر فيه (وأيقظن أهله) أى للصلاة وغيرها من العبادات (وشد المئزر) بكسر الميم مهموز أى الازار وهذا كناية عن اعتزال النسا أو عن الجد في العبادة والتشمير لها قولان الاول أولى قاله القرطبي قال لانه قد ذكر الجد والاجتهاد أولا فحمل هذا على فائدة مستنجدة أولى زاد البيهقى وابن أبي شيبة واعتزل النساء وهو يؤيد التفسير الاول (ليالى) بالنصب على الظرف (قال في صحيح البخارى) وفي صحيح مسلم أيضا (والامر على ذلك) كذا للكشميهنى ولغيره والناس على ذلك (ثم جمعهم) أى الرجال (على أبى ابن كعب) وأما النساء فعلى سليمان بن أبى خيثمة كما أخرجه البيهقي وفيه وفي الموطأ انه كان يصلي بهم عشرين ركعة وفي رواية في الموطأ ثلاثا وعشرين وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث قال في التوشيح ووردت روايات أخر بخلاف ذلك ففي رواية احدى عشرة وفي أخري ثلاث

متوافرون من غير انكار من أحد منهم ثم ان مذهب الشافعى والجمهور استحبابها جماعة وقال مالك وأبو يوسف وبعض أصحاب الشافعى والافضل فرادي في البيت والصواب الاول لما ذكرناه من فعل عمر واجماع الصحابة وقد قال صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى. وقال أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وأما عددها وتسميتها بالتراويح فرواه البيهقى بالاسناد الصحيح عن فعل عمر والصحابة وتسمى كل تسليمتين منها ترويحة لانهم كانوا اذا صلوا تسليمتين استروحوا ساعة. قال الحليمى في منهاجه ما حاصله ان الافضل في وقتها بعد مضي ربع الليل فصاعدا سواء أخر العشاء اليها أو صلاها ثم نام قال فاما اقامة العشاء لأول وقتها ووصل القيام بها فذلك من بدع الكسالى والمترفين وليس من القيام المسنون في شيء قال أصحابنا ولا يصح التراويح بنية مطلقة بل ينوي في كل ركعتين سنة التراويح أو قيام رمضان. قال النووي وأما القراءة فيها فالمختار الذى قاله الاكثرون وأطبق الناس على العمل به أن يقرأ الختمة بكمالها في التراويح في جميع الشهر فيقرأ في كل ليلة نحو جزء من ثلاثين ويستحب أن يرتل القراءة ويبينها وليحذر من التطويل عليهم بقراءة عشرة وفي أخرى احدى وعشرين (استحبابها جماعة) لفعل الصحابة رضى الله عنهم (وأبو يوسف) هو من أصحاب أبي حنيفة (والافضل فرادا في البيت) لحديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته الا المكتوبة أخرجه النسائى والطبراني من حديث زيد بن ثابت (وسنة الخلفاء الراشدين) تتمة الحديث عضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل بدعة ضلالة (أصحابي كالنجوم) أخرجه رزين في جامعه وعبد بن حميد والدار قطنى قال المزني وغيره من أهل النظر المراد في النقل لان جميعهم عدول انتهى قال ابن عبد البر وليس المراد في الفتوى والا لما احتاج ابن عباس الى اقامة التنبيه على دعواه حيث قال للمسور بن محرمة يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل فأرسل ابن عباس الى أبي أيوب يسأله بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت نجم فبأينا اقتدى من بعدنا كفاه انتهى. قلت بل المراد انهم قدوة فيما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ولم يكن فيه نص من كتاب أو سنة والذي يمارى فيه ابن عباس والمسور فيه نص من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستدل به على ما ذكره ابن عبد البر كيف وقد رجع المسور الي ما قاله ابن عباس فلم يكن بينهما اختلاف (وأما عددها) وهو عشرون قال الحليمى والسر فيه ان الرواتب في غير رمضان عشر ركعات فضو عفت لأنه وقت جد وتشمير قال أصحابنا لاهل المدينة فعلها ستا وثلاثين لعله مشهورة في كتب الفقه (الحليمي) بفتح المهملة وكسر اللام يكني أبا عبد الله اسمه الحسين بن محمد بن الحسن منسوب الى حليم بن وضاح قاله في القاموس (ان الافضل) بكسر الهمزة (المترفين) بضم الميم وسكون الفوقية وفتح الراء المنعمين (وليس من القيام المسنون في شيء) هذا ضعيف لم يقله أحد غير

مطلب في صلاة الاستخارة ودعاء الاستخارة.

أكثر من جزء هذا كلامه. قلت ومما يتعين الاعتناء به والتنبيه عليه ما اعتاده كثيرون من أئمة المصلين بالناس في التراويح من الادراج في قراءتها والتخفيف من أركانها وحذف أذكارها وقد قال العلماء صفتها كصفة باقى الصلوات في الشروط والآداب وجميع الاذكار كدعاء الافتتاح فاذكار الاركان والدعاء بعد التشهد وغير ذلك ومن ذلك طلبهم لآيات الرحمة حتى لا يركعوا الا عليها وربما أداهم ذلك الى تفويت أمرين مهمين من آداب الصلاة والقراءة وهما تطويل الركعة الثانية على الاولى والوقوف على الكلام المرتبط بعضه ببعض ويسبب جميع ذلك اهمال السنن واندراسها لقلة الاستعمال صار المستعمل لها مجهلا عند كثير من الناس بمخالفته ما عليه السواد الاعظم وذلك لفساد الزمان وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة. حتى يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا فعليك بلزوم السنة طالب بها نفسك وأمر بها من أطاعك تنج وتسلم وتغنم. قال السيد الجليل ابو على الفضيل بن عياض رضى الله عنه لا تستوحش طرق الهدى لقلة اهلها ولا تغتر بكثرة الهالكين. [مطلب في صلاة الاستخارة ودعاء الاستخارة.] (صلاة الاستخارة) اعلم انه ورد في الاستخارة احاديث كثيرة وأصحها في هذا الباب ما رويناه في صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول اذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم انى استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك واسئلك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم ان كنت تعلم ان هذا الأمر خير لى الحليمى ولا مانع يمنع من تسميته قياما فان الليل كله محل للقيام وانما يتفاوت فضيلته (مجهلا) بضم الميم وفتح الجيم والهاء المشددة أي مستويا الى الجهل وعدم العلم (الفضيل بن عياض) قال القشيري خراساني من ناحية مرو وقيل انه ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد ومات بمكة في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة ثم روي بسنده الى أبي عمار قال كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين ابيورد وبين سرخس وكان سبب توبته انه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران اليها اذ سمع تاليا يتلو الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله الآية فقال يا رب قد آن فرجع فأواه الليل الى خربة فوجد فيها رفقة فقال بعضهم نرتحل وقال قوم حتى يصبح فان فضيلا على الطريق يقطع علينا فأتي الفضيل وامنهم وجاور الحرم حتى مات. صلاة الاستخارة (ما رويناه في صحيح البخاري عن جابر) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (من غير الفريضة) هذا محمول على الندب والا فهي ينادى بغيرها من فرض أو سنة ما لم ينقص عن ركعتين كالتحية كما سيأتي (استخيرك) أي أسألك ان تختار لى (بعلمك) أى بما تعلمه لى من الخير (واستقدرك) أي أسألك تقدير الخير وفي احدى الروايات للنسائي

في ديني ومعاشى وعاقبة أمري أو قال عاجل أمرى وآجله فاقدره لى ويسره لى ثم بارك لى فيه وان كنت تعلم أن هذا الأمر شر لى في ديني ومعاشى وعاقبة أمري أو قال عاجل أمرى وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لى الخير حيث كان ثم أرضنى به قال ويسمى حاجته. قال العلماء يحصل ركعتاها براتبة وتحية وغير ذلك والاستقلال بسبب الاستخارة أو لا يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد قال بعضهم ويقرأ أيضا بعد قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ الآية وبعد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وهذا لا بأس به وفيه مناسبة حسنة ولو تعذرت عليه الصلاة في الحال استخار بالدعاء. ويستحب افتتاحه وختمه بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أدب في جميع الأدعية. ويستحب أن يقول اللهم خرلى واخترلى فقد روينا ذلك في حديث مرفوع في جامع الترمذى وضعفه ويقرأ بعد الصلاة والدعاء أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ثم يمضى بعد ذلك لما ينشرح له صدره فلا شك أن الخير فيه وان ظهر له منه شر فلا شك أن في طيه خير فان الخير ما هو عند الله خير لا ما يظهر للناس قال تعالى وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. ويستحب أن تكون الصلاة والدعاء سبع مرات فقد روينا في كتاب ابن السنى بسند فيه مجاهيل عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس اذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر الى الذى سبق الى قلبك فان الخير فيه وينبغي أن لا تترك الاستخارة في كل الأمور وان كانت طاعة كالحج ونحوه واستشهدك (أو قال عاجل أمرى وآجله) شك من الراوى وينبغى للمستخير الاتيان بجميعه (واقدر) بهمز وصل وضم المهملة بمعنى قدر (ثم أرضني به) وللنسائي بقضائك (قال ويسمى حاجته) وللحاكم في المستدرك من حديث أبي أيوب الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اكتم الخطيبة ثم توضأ فاحسن وضوءك ثم صل ما كتب الله لك ثم احمد ربك ومجده ثم قل اللهم انك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فان رأيت في فلانة تسميها باسمها خيرا لى في دينى ودنياي وآخرتي فاقدرها لى وان كان تأخيرها خير الى في دينى ودنياي وآخرتي فاقدرها لى (فالحمد) بالرفع على الحكاية (ويستحب ان يقول اللهم خر لى واخترلي)

للحديث السابق ولما رواه البيهقى ابه صلى الله عليه وسلم قال من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله عليه ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله. «صلاة حفظ القرآن» روينا في جامع الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال بابى أنت وأمي يا رسول الله تفلّت هذا القرآن من صدرى فما أجدنى أقدر عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينتفع بهن من علمته ويثبت ما تعلمت في صدرك فقال أجل يا رسول الله فعلمنى قال اذا كان ليلة الجمعة فان استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فانها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب وقد قال أخي يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يقول حتى تأتى ليلة الجمعة فان لم يستطع فقم في وسطها فان لم تستطع ففي أولها وصل أربع ركعات تقرأ في الركعة الاولى بفاتحة الكتاب وسورة يس وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان. وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل فاذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصلى علىّ وعلى آلى وأحسن على سائر النبيين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولاخوانك الذين سبقوك بالايمان ثم قل في آخر ذلك اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقيتنى وارحمني ان أتكلف ما لا يعنينى وارزقنى حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع السموات والارض ذا الجلال والاكرام والعزة التى لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتنى وارزقني أن أتلوه على النحو الذى يرضيك عني اللهم بديع السموات والارض ذا الجلال والاكرام والعزة التى للاتباع أخرجه الترمذى من حديث أبي بكر (ولما رواه) الترمذى و (البيهقى) والحاكم بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص* صلاة حفظ القرآن (في جامع الترمذي عن ابن عباس) بسند حسن غريب (تفلت) بفتح الفوقية فالفاء فاللام المشددة فالفوقية أى تغلب على وخرج (من صدري) كما تفلت الدابة (كان ليلة) بالرفع والنصب (ساعة مشهودة) أى يشهدها الملائكة وتنزل فيها رحمة البارى تعالى وبركاته (في وسطها) بفتح السين (اللهم ارحمني بترك المعاصى) يؤخذ منه ان المعاصى ربما كانت سببا لنسيان القرآن وغيره من العلوم واخرج أحمد عن ابن مسعود موقوفا عليه قال قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا قوله تعالى فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً الآية (يعنيني) بفتح أوله (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى مبتدعهما

مطلب في صلاة التسابيح التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس

لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصرى وأن تطلق به لسانى وأن تفرج به عن قلبي وأن تشرح به صدرى وأن تستعمل به بدنى فانه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتينيه الا أنت ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم قال يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تجاب إن شاء الله تعالى والذى بعثني بالحق نبيا ما أخطأ مؤمنا قط. قال ابن عباس رضى الله عنهما ما لبث عليا خمسا أو سبعا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس فقال يا رسول الله انى كنت فيما خلا لا آخذ الا أربع آيات ونحوهن فاذا قرأتهن على نفسى تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها فاذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عينىّ ولقد كنت أسمع الحديث فاذا رددته تفلّت على وأنا اليوم اسمع الاحاديث فاذا تحدث بها لم أخرم منها حرفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن. قال الترمذى هذا حديث غريب لا نعرفه الا من حديث الوليد بن مسلم. قلت وخرجه الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين وادعى انه على شرطهما وشهد على صحته ما صح منه بالتجربة والله أعلم. [مطلب في صلاة التسابيح التي علّمها النبي صلى الله عليه وسلّم عمّه العباس] (صلاة التسبيح) التى علمها النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس وقال له عند ذلك يا عباس يا عم ومخترعهما على غير مثال سابق (لا يرام) أى لا يطلب لليأس من ادراكها (ان تلزم) بضم أوله وكسر ثالثه (على النحو) أي السنن والطريق (وان تفرج) بفتح الفوقية وسكون الفاء وضم الراء وبضم الفوقية وفتح الفاء وكسر الراء مع تشديدها (وان تشرح) أي توضع (وان تستعمل به بدنى) كذا وخص في بعض نسخ الترمذى من الاستعمال وبعضها بغسل من الغسل (غيرك) بالضم ويجوز النصب (ثلاث جمع) بالصرف (ما أخطأ) أي هذا الدعاء (مؤمنا) منصوب لوقوع اخطأ عليه (حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنصب رسول لانه مفعول جاء والفاعل مستتر وهو على (فيما خلا) أي مضى وسلف (أربعين آية أو نحوها) (فائدة) أخرج الزهري عن عمر موقوفا عليه تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فان جبريل نزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس آيات خمس آيات (بين عينى) بالتثنية أى كأنما اقرأه في مصحف (لم اخرم) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر الراء أي لم انقص (مؤمن ورب الكعبة) أى لما مر في قوله ما أخطأ مؤمنا وفيه فضيلة لسيدنا على كرم الله وجهه ورضي الله عنه حيث شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالايمان وقد سماه الله تعالى بذلك في كتابه العزيز حيث قال إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا قال أكثر المفسرين المراد على كرم الله وجهه ورضى عنه (ما صح عنه بالتجربة) ان أراد تجربة غير سيدنا على فظاهر وان أراد تجربة سيدنا على فذلك عن الحديث فكيف يشهد بصحة نفسه صلاة التسبيح (علمها عمه العباس) أخرجه

ألا أصلك ألا أحبوك الا أنفعك فقال بلى يا رسول الله قال يا عم صل أربع ركعات وذكر الحديث وقال في آخره فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج غفر الله تعالى ذلك لك وفي رواية قال اذا أنت فعلت ذلك غفر لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته قال في احدى رواياتها ان استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل وان لم تفعل ففي كل جمعة مرة فان لم تفعل ففي كل شهر مرة فان لم تفعل ففي كل سنة مرة فان لم تفعل ففي عمرك مرة واعلم ان صلاة التسبيح قدرواها جماعة من الحفاظ بطرق عديدة ووعود متداخلة وضعفوا طرقها وممن ضعفها أبو الفرج بن الجوزى في كتابه الموضوعات وأبو بكر بن العربي المالكي في كتابه الاحوذى في شرح الترمذى وصحهها آخرون منهم الحافظ على بن عمر الدار قطنى والحاكم في المستدرك وابن خزيمة وعلى الجملة فقد تلقاها الناس بالقبول وعمل بها أكابر العلماء لانها وان لم يقطع بصحتها فهي مرتفعة عن نوع الموضوع. وقد قالوا فضائل الاعمال يعمل فيها بالضعيف ما لم يتعلق بنهى حديث أصح منه واختار كثيرون من رواياتها رواية عبد الله بن المبارك وهى ما رواها الترمذى فقال حدثنا احمد بن عبدة الضبي قال حدثنا ابن وهب قال سألت ابن المبارك عن الصلاة التى يسبح فيها قال يكبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ثم يتعوذ ويقرأ الفاتحة وسورة ثم يقول عشر مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ثم يركع فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد الثانية فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا يصلى أربع ركعات على هذا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة يبدأ بخمس عشرة ثم يقرأ ثم يسبح عشرا قال فان صلى ليلا فأحب أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس (الا احبوك) أي نعطيك والحباء العطية وهو بالمهملة فالموحدة (فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج الى آخره) أخرجه الطبراني وفيه مثل زبد البحر (غفر لك) بالبناء للمفعول (وصححها آخرون) وحسنها ابن الصلاح والنووى في تهذيب الاسماء واللغات لكنه ضعفها في المجموع والتحقيق (عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلى التميمي مولاهم المروزي قال ابن الانصارى ولد سنة ثمانى عشرة ومائة ومات في رمضان سنة احدي وثمانين وقبره بهيت مدينة على شاطيء الفرات سميت بذلك لانها في هوة اي منخفض وقبره يزار بها (الضبي) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة منسوب الى ضبة بن أدغم بن تميم بن مر (ابن وهب) اسمه عبد الله (يسبح فيها) بالبناء للمفعول (ثم يقول خمس عشرة مرة) في رواية غير ابن المبارك انه لا يسبح قبل قراءة الفاتحة ويسبح بعدها خمس عشرة ويسبح عشرا في جلسة الاستراحة ويسن في الاولى بعد الفاتحة الهاكم وفي الثانية والعصر وفي الثالثة الكافرون وفي الرابعة الاخلاص قاله الشيخ

مطلب في صلاة الضحى

الىّ أن يسلم في كل ركعتين وان صلى نهارا فان شاء سلم وان شاء لم يسلم. [مطلب في صلاة الضحى] (صلاة الضحى) وبيان فضلها ووقتها وأقلها وأكثرها روينا في الصحيحين عن أبى هريرة قال أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتى الضحى وأن أوتر قبل ان انام وعن ابى ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحي رواه مسلم. وروى أيضا عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى أربعا ويزيد ما شاء وفي الصحيحين عن أم هانئ ما معناه قالت ذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل فلما فرغ من غسله صلى ثمانى ركعات وذلك ضحى سماها الجوزى وغيره صلاة الفتح ومعناهم انها تسن عند الفتوحات والظفر. وروي البيهقى وغيره باسناد فيه مقال ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لابى ذر ان صليت الضحى ثنتى أبو حامد في الرونق (فان شاء سلم وان شاء لم يسلم) والتسليم أفضل فقد اخرج أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه صلاة الليل والنهار مثنى مثني صححه ابن حبان* صلاة الضحى (وبيان) بالرفع عطفا على صلاة (وركعتي الضحي) فيه ان اقلها ركعتان (وان أوتر قبل ان أنام) هذا محمول على انه صلى الله عليه وسلم علم منه عدم التيقظ آخر الليل (سلامى) بضم المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم وأصلها عظام الاصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن وجمعها سلاميات بضم السين وتخفيف التحتية وجملة هذه السلاميات ستون وثلاثمائة كما جاء في مسلم أيضا (صدقة) سبب ذلك الشكر لله عز وجل كما أصبح معافا على نعمة الاسلام (ويجزيء من ذلك) بضم أوله مع الهمزة من أجزي وبفتحه بغير همز من أجزي بمعنى كفي (يركعهما) بالتحتية أي أحدكم (رواه مسلم) وأبو داود (وروى) مسلم (أيضا عن عائشة) وأخرجه عنها أيضا أحمد (كان يصلى الضحي أربعا) قال النووي وغيره هذا صريح في ان عائشة قصدت بقولها وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحي قط واني لا سبحها نفي رؤيتها له لا نفي صلاته بالكلية قالوا وسبب عدم رؤيتها انه صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عندها في وقت الضحي الا نادرا من الاوقات بل قد يكون مسافرا أو حاضرا ولكنه في المسجد أو في موضع آخر وان كان عند نسائه فلما كان لها يوم من تسعة أيام أو من سبعة فصح قولها ما رأيته يصليها ويكون قد علمت بخبره أو بخبر غيره ان صلاها (ويزيد ما شاء) فيه دليل لما اختاره السيوطي وغيره ان صلاة الضحي لا تنحصر في عدد مخصوص قال في الديباج وقد نبه الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي على ذلك وانه ليس في الاحاديث الواردة في اعدادها ما ينفي الزائد ولا يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم انها تنحصر في عدد بحيث لا يزاد عليه (ان صليت الضحى

عشرة ركعة بني الله لك بيتا في الجنة وهذا بيان أكملها ونقل النووى في شرح المهذب عن الاكثرين ان أكثرها ثمان وذكر فيه ان ادنى الكمال أربع وافضل منه ست وانه يسلم من كل ركعتين وينوي ركعتين من الضحى. واما وقتها فقال العلماء وقتها من حين ترتفع الشمس كرمح الى الزوال وهذا ما جزم به الرافعى في شرحه وتبعه على ذلك النووى في شرحه المهذب وفي كتابه التحقيق وخالف في الروضة فقال ان الأصحاب قالوا يدخل وقتها بالطلوع وان التأخير الى الارتفاع مستحب والصواب ان صلاتها عند الطلوع مكروهة وان النهى عن الصلاة لا يزول لنفس الطلوع بل لا بد من طلوعها طلوعا حسنا بيضاء نقية وقدر العلماء ذلك برمح وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن عبسة في حديثه الطويل صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فدل ذلك على أن النهى لا يزول بنفس الطلوع. وذكر القاضى عياض أحاديث النهى وجمع ألفاظها ثم قال وهذا كله يبين ان المراد بالطلوع يعنى في الروايات المطلقة ارتفاعها واشراقها واضاءتها لا مجرد ظهور قرصها قال النووي في شرع مسلم وهذا الذي قاله القاضى صحيح متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات والله أعلم. وذكر النووى في شرح المهذب والتحقيف ان وقتها المختار حين يمضى ربع النهار وكأنه تبع في ذلك الغزالى فانه ذكر ذلك في كتابه الاحياء وقال حتى لا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة. قلت والدليل على استحباب ذلك ما روينا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم انه رأى قوما يصلون من الضحى فقال أما قد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل أن ثنتى عشر ركعة بني الله لك بيتا في الجنة) أول الحديث ان صليت الضحي ركعتين لم تكتب من الغافلين أو أربعا كتبت من المحسنين أوستا كتبت من القانتين أو ثمانيا كتبت من الفائزين أو عشرا لم يكتب عليك ذنب ذلك اليوم (حسنا) بفتح الحاء والسين المهملتين والتنوين أي طلوعا حسنا (نقية) بفتح النون وكسر القاف وتشديد التحتية أى صافية لا يخالط بياضها شيء (ابن عبسة) بمهملتين بينهما موحدة بوزن شجرة (في حديثه الطويل) في مسلم وغيره (ثم اقصر) بقطع الهمزة وكسر المهملة أى اترك (ارتفاعها) بالضم وكذا ما بعده (ما روينا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم) وأخرجه عنه أحمد أيضا وأخرجه عبد

مطلب في صلاة الضر والحاجة

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الأوابين حين ترمض الفصال «فائدة» قال بعض العلماء ينبغي لمن صلى الضحى ركعتين أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة بالشمس وضحاها وَالضُّحى وان صلاها أربعا قرأ في الآخرتين بقل يا أيها الكافرون وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وهذا لا بأس به ولكن لم يصح في هذا الباب شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم. [مطلب في صلاة الضر والحاجة] «صلاة الضر والحاجة» اعلم ان صلاة الحاجة رواها جماعة من المحدثين على وجوه كثيرة فمن ذلك ما رواه الترمذى عن عبد الله بن أبى أوفي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له الى الله حاجة أو الى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل لا إله الا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسئلك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لى ذنبا الا غفرته ولا هما الا فرجته ولا حاجة هى لك رضى الا قضيتها يا أرحم الراحمين* وروي أيضا ان رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله لى أن يعافينى قال ان شئت دعوت وان شئت صبرت فهو خير لك قال فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء اللهم انى أسئلك واتوجه اليك بنبيك محمد صلى ابن حميد وميمونة من حديث عبد الله بن أبى أوفي (ان) بكسر الهمزة (صلاة الأوابين) هم الرجاعون الى الله عز وجل بالتوبة وانما سميت بذلك لحديث لا يحافظ على الضحى الا أواب وهي صلاة الاوابين أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وأخرجه عنه أيضا الديلمى بلفظ صلاة الضحى صلاة الأوابين وهذا الاسم مشترك بين صلاة الضحي وبين صلاة الغفلة التي بين المغرب والعشاء (حين ترمض) بفتح الميم أي تصيب اخفافها حر الرمضاء (الفصال) جمع فصيل وهو ولد الناقة ما دام صغيرا (لكن لم يصح في هذا الباب شيء) قلت بل أخرج البيهقي في السنن والديلمي في مسند الفردوس بسند يعمل به في الفضائل عن عقبة بن عامر صلوا ركعتى الضحى سورتهما والشمس وضحاها والضحى* صلاة الضر والحاجة (ما رواه الترمذى عن عبد الله بن أبي أوفي) وصححه لكن أخرجه عنه أيضا الحاكم في المستدرك (موجبات رحمتك) أي الاعمال الذي من فاز بها استوجب ان يرحم (وروى) الترمذي (أيضا) عن عثمان بن حنيف ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي (ضرير البصر) أي أعمى وهو كذلك في رواية عند الترمذى (ان شئت) بتاء الخطاب (دعوت) بتاء المتكلم (وان شئت صبرت) بتاء الخطاب فيهما (قال فادعه) بضم العين والهاء الضمير لله عز وجل فهى متحركة ويحتمل انها هاء السكت فهي ساكنة (ان يتوضأ فيحسن وضوءه) زاد النسائى في بعض طرقه

الله عليه وسلم نبى الرحمة يا محمد انى توجهت بك الى ربك في حاجتي هذه لتقضى لى اللهم فشفعه فيّ. وروى البيهقى انه صلى الله عليه وسلم قال تصلى اثنتى عشرة ركعة من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فاذا جلست في آخر صلاتك فأثني على الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر وأسجد وأقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسى سبع مرات وقل هو الله أحد سبع مرات ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ثم قل اللهم انى أسئلك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وأسألك باسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك وسلم عن يمينك وشمالك واتق السفهاء ان يعلموها فيدعون ربهم فيستجاب لهم قال البيهقى انه كان قد جرب فوجد سببا لقضاء الحاجة قال الواحدى التجربة فيه عن جماعة من العلماء على ان في سنده من لا نعرفه* قلت وفي النفس منه شيء من قبل قراءة القرآن في السجود وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال نهيت ان أقرأ القرآن وأنا ساجد وراكع والله أعلم* وقد رأينا ان نختم هذه الصلوات بصلاة التوبة تفاؤلا ان يختم الله لنا بها. اعلم انه قد ورد فيها أحاديث منها ما روينا في الصحيحين عن عثمان بن عفان انه توضأ وضوءا متمما ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئى هذا ثم قال من توضأ نحو وضوئى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بكلام غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن ذلك ما رواه أبو داود والنسائى وأحمد بن حنبل عن أبى بكر الصديق عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلى فتوضأ ثم صلى ركعتين (اللهم فشفعه في) زاد الحاكم فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر وياء في مشددة (بمعاقد العز) أى جمل انعقاده وتمكنه (فيدعون) صوابه فيدعوا وذاك جائز على القطع* صلاة التوبة (من توضأ نحو وضوئي) قال النووى لم يقل مثل وضوئي لان حقيقة ما يأتيه صلى الله عليه وسلم لا يقدر أحد عليها وفي بعض رواة مسلم مثل وضوئي قال في التوشيح وهو من تصرف الرواة (لا يحدث فيها نفسه) زاد الطبراني لا يخبر وللحكيم الترمذى لا يحدث نفسه من أمور الدنيا والمراد كما قال النووي ما يسترسل ويمكن المرء وطبعه فاما ما يطرأ من الخواطر العارضة غير المستقرة فلا يمنع حصول هذه الفضيلة (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد ابن أبي شيبة في مصنفه والبزار وما تأخر ولا حمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبى أيوب وعقبة بن عامر من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمله وقد مر ان المراد الصغائر فقط أو بعض الكبائر اذا لم تكن له صغيرة (ما رواه أبو داود والنسائى وأحمد بن حنبل عن أبي بكر الصديق)

ثم يستغفر الله الا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ الآية* واعلم ان قد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة واجماع الأمة على وجوب التوبة قال الله تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ولها شروط ثلاثة. احدها ان يقلع عن المعصية. الثانى أن يندم على فعلها. والثالث أن يعزم على أن لا يعود اليها أبدا فان تعلقت بآدمي زاد شرط رابع وهو رد المظالم الى أهلها فان كانت مالية ردها وان كانت عرضية استحل منها وهل يشترط أن يعلمه بها فيه خلاف* قلت وقد علم من ظواهر الأحاديث الصحيحة انه اذا صح الندم باطنا قبل الله توبة العبد ورضى عنه ووهب له حقه وأرضى عنه خلقه لحديث الذي قتل وأخرجه عنه أيضا أبو عوانة والترمذي (والذين اذا فعلوا فاحشة) أى خارجة عما أذن الله فيه والفاحشة الزنا قاله جابر قال (أو ظلموا أنفسهم) ما دون الزنا من نحو قبلة أو لمس أو الفاحشة من دون الزنا والظلم اتيان الصغائر قاله مقاتل والكلبى وقيل الفاحشة الفعل والظلم القول (ذكروا الله) أي ذكروا وعنده وانه ليسألهم في الآخرة أو ذكروا الله بالنسيان عند الذنوب قاله مقاتل (فاستغفروا لذنوبهم) بألسنتهم وقلوبهم (التوبة) هي لغة الرجوع يقال فلان تاب أي رجع وشرعا الرجوع عن المذموم شرعا الى المحمود (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً) من التقصير الواقع في أمره ونهيه وقيل راجعوا طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في سورة النور (أَيُّهَا) ولابن عامر انه بضم الهاء ويقف بلا ألف (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تنجون من العذاب غدا (ان يقلع عن المعصية) أي يرتفع عنها ويتركها ولا يحصل ذلك في ترك الامور الا بالاتيان به فيقض ما فاته من نحو الصلاة (وان يعزم) أى ينوي نية جازمة (ان لا يعود اليها أبدا) ويشترط وجود ذلك قبل الغر غرة وطلوع الشمس من مغربها (فان كانت مالية ردها) اليه ثم الى وارثه فان لم يوف وارثا بعد وارث حتى ماتوا فالمطالبة في الآخرة لصاحب الحق أولا على الصحيح ويجب في القصاص وحد القذف ان يأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء ليستوفي منه أو يبرئه فان لم يعلم وجب في القصاص ان يعلمه وكذا في القذف على الصحيح (وان كانت عرضية) كغيبة (استحل) من هتك عرضه منها ان بلغته كما قاله صاحب الانوار ونقله في العزيز عن فتاوى الحناطى والاكفاه الندم والاستغفار وظاهر كلام الجمهور وجوب استحلاله وإن لم يبلغه قال الصادي والحسد كالغيبة وصوب في الروضة عدم الوجوب تبعا للرافعي (وهل يشترط ان يعلمه بها) أى يعين الغيبة أو يكفي ان يشعره بدون ان يعلمه (فيها خلاف) جزم النووي في الاذكار بالاشتراط ومقتضي كلام الحليمي وغيره عدم الاشتراط وزعم الاذرعى انه الاصح (انه اذا صح الندم باطنا قبل الله توبة العبد الى آخره) والدليل عليه مع ما ذكره المصنف قوله صلى الله عليه وسلم الندم توبة الي آخره أخرجه أحمد والبخاري في التاريخ وابن ماجه والحاكم من حديث ابن مسعود وأخرجه الحاكم والبيهقي من حديث أنس وأخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية من

تسعة وتسعين نفسا ثم كمل المائة والرجلين الذين جثوا بين يدى الله تعالى والله أعلم ثم ان مذهب أهل السنة ان العبد اذا تاب من بعض الذنوب دون جميعها صحت توبته من ذلك الذنب وبقى عليه الباقى واذا تاب ثم عاد لا تهدم توبته السابقة لأن السيئات لا تذهب الحسنات وانما نطق القرآن بعكس ذلك وخرج الحاكم من حديث عقبة أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أحدنا يذنب قال يكتب عليه قال ثم يستغفر منه قال يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا. وقال صلى الله عليه وسلم ما أصر من استغفر وان عاد في اليوم سبعين مرة رواه الترمذي. وفي الصحيحين مرفوعا أذنب عبد ذنبا فقال رب انى عملت ذنبا فاغفر لى فقال الله تعالى علم عبدى ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدى ثم أذنب ذنبا آخر الى ان قال في الرابعة فليعمل عبدى ما شاء* أما الاستغفار بغير ندم ولا عقد قلب فهو ذكر من الاذكار لا تعلق له بالتوبة لكنه داع وقد قال صلى الله عليه وسلم واعلموا ان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه* وقال الفضيل بن عياض رحمه الله استغفار بلا اقلاع توبة الكذابين. وسئل بعضهم عن ذلك فقال احمدوا الله على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته والداء العضال الذي يتوقع منه سوء المآل أن يستغفر من ذنب هو مقيم عليه في حال استغفاره فيكون استغفاره استهزاء كما خرحه ابن أبي الدنيا حديث أبي سعيد الانصارى وظاهر هذا الحديث عدم اشتراط الاقلاع والعزم على عدم العود وحمل ذلك العلماء على انه صلى الله عليه وسلم انما نص على معظم أركانها على حد قوله الحج عرفة أي معظم أركانه قال القشيرى ومن أهل التحقيق من قال يكفي الندم في تحقيق ذلك لان الندم يستتبع الركنين فانه يستحيل تقدير أن يكون نادما على ما هو مصر عليه أو عازم على الاتيان بمثله (ولا يمل الله) أى لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم بره ولا يقبل توبتكم (حتى تملوا) أنتم وتسأموا والملل الذى بمعنى السآمة يستحيل في حقه تعالى (ما أصر) أي ما أقام على الذنب (من استغفر) تائبا منه (وان عاد في اليوم سبعين مرة) أو أكثر وخص السبعين لان الغالب انه لا يأتي الشخص في يوم واحد بذنب ثم يعاوده في ذلك اليوم سبعين مرة (رواه) أبو داود و (الترمذي) عن أبي بكر (وفي الصحيحين) وغيرهما عن أبى هريرة (فليعمل عبدى ما شاء) أي فان الذنوب لا تضره ما دام يتوب منها لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له (واعلموا ان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل) أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبى هريرة بسند صحيح وأول الحديث ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة (استغفار بلا اقلاع توبة الكاذبين) وقال بعضهم توبة الكذابين على أطراف ألسنتهم يعنى قول استغفر الله (كما أخرجه ابن أبي الدنيا) والبيهقى في الشعب وابن عساكر من حديث ابن عباس

فصل في ذكر شيء من منهيات الصلاة نهى صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة

مرفوعا التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه. وقالت السيدة الجليلة رابعة العدوية رحمها الله استغفارنا يحتاج الى استغفار كثير. [فصل في ذكر شيء من منهيات الصلاة نهى صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة] (فصل) في ذكر شيء من منهيات الصلاة نهى صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة وقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد. وسئل الامام احمد بن حنبل عن حديث انه صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة ولا يلتفت فغضب غضبا شديدا وقال هذا حديث ليس له اسناد لكن قد ثبت انه صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته كان قد بعث شخصا الى العدو ثم اشتغل بالصلاة فجعل يلتفت الى جهته وهذا نادر في نافلة لمصلحة عامة فهو من باب تداخل العبادات وتقديم أهمها. وقد قال عمرانى لا جهز جيشى وأنا في الصلاة ونهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن والصفد في الصلاة فالصفن رفع أحد الرجلين (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وأخرجه هذا ابن السنى أيضا وابن ماجه من حديث ابن مسعود وأخرجه الحكيم من حديث أبى سعيد وأخرجه القشيري في الرسالة وابن النجار من حديث أنس وزادا واذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب (والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزيء بربه) زاد البيهقي وابن عساكر ومن آذى مسلما كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل (وقالت السيدة الجليلة رابعة العدوية) ويحكى مثل مقالها عن الحسن البصري (استغفارنا) الذى هو بمجرد اللسان فقط (يحتاج) في نفسه (الى استغفار) لانه ذنب وهذا صدر منها ومن الحسن على سبيل التواضع وهضم للنفس قال العلماء ومع كون هذا الاستغفار يحتاج إلي استغفار لا ينبغى تركه لان اللسان اذا ألف الذكر أو شك ان يألفه القلب وما أحسن قول ابن عطاء الله في الحكم لا يمنعك من الذكر عدم حضورك مع الله فيه فان غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك مع وجود ذكره فعساه يرفعك عن ذكر مع وجود غفلة الى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور الى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز (خاتمة) سقوط الاثم بالتوبة ظنى عند الفقهاء وقطعى عند مشايخ الطريق وظاهر الكتاب والسنة تدل عليه بل على تبديل سيئاتهم حسنات كما هو نص القرآن. (فصل) في ذكر شيء من المنهيات في الصلاة (نهي عن الالتفات في الصلاة) كما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عائشة (هو اختلاس) هو الاخذ بسريقة مع الهرب (يختلسه الشيطان) هذا على وجه المجاز لان الالتفات في الصلاة منه فاذا التفت المصلى في الصلاة فقد اعرض عن ربه تعالى فتقص صلاته بذلك فكان ما نقص اختلسه الشيطان لانه كان سببا للالتفات الذي كان سبب النقص (وقال عمر) كما ذكره عنه البخارى في صحيحه معلقا وأخرجه ابن أبي شيبة مسندا (انى لاجهز جيشى وأنا في الصلاة) زاد ابن أبي شيبة واني لا حسب جزية البحرين وأنا في الصلاة (وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن الى آخر ما ذكر) دلائل ذلك مشهورة في كتب الفقه فلا نطيل بذكرها والصفن بفتح المهملة وسكون الفاء ثم نون والصفد كذلك الا ان بدل النون مهملة (رفع أحد الرجلين) مع رفع ما عدا الاصابع من الثانية والا فلا يكره لان هذه

وفي معناه الاعتماد على احدى الرجلين وتقديم الاخرى فقد قال العلماء كما يكره لك أن تقدم رجليك على أخيك في الصف كذلك لا تقدم أحد رجليك على الأخرى وأما الصفد فهو اقتران القدمين معا متلاصقين بل المندوب أن يفرج بينهما قليلا وقدر ذلك بأربع أصابع في القيام وفي السجود بشبر. ونهى صلى الله عليه وسلم عن الكفت والسدل فأما الكفت فهو ضم الثياب والشعر ومنعهما من السجود معه وقد سبق في فضل السجود حديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة ونهى أن يكف شعره أو ثيابه وسبق هناك فعل ابن عباس بابن الحارث وحله لرأسه وهو يصلى كله من رواية مسلم. وفي سنن أبى داود ان أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم مر بالحسن بن على رضي الله عنهما وهو يصلى قائما وقد غرز ضفرة في قفاه فحلها أبو رافع فالتفت الحسن اليه مغضبا فقال أبو رافع اقبل على صلاتك ولا تغضب علىّ فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك كفل الشيطان يعني مقعد الشيطان وأما السدل فهو أن يضع الثوب على رأسه أو على كتفيه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله بل ينبغي أن يتلفع به ويخرج يديه من ثيابه كلها ونهى صلى الله عليه وسلم عن الصلب في الصلاة وهو أن يضع يديه على خاصرتيه. ونهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه مراوحة بين القدمين وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعلها في الصلاة (كذلك يكره تقديم احدى رجليه على الاخري) لانه مخالف لما أمر به من الاستوى (باربع أصابع) في القيام (في السجود بشبر) ليكون أعون على الاتيان بهيئة السجود (الكفت) بفتح الكاف وسكون الفاء ثم فوقية (والسدل) بفتح السين وسكون الدال المهملتين (في فضل السجود) بالمهملة (وقد غرز) بفتح المعجمة فالراء فالزاى (صفرة) بفتح الضاد المعجمة ووهم من جعلها طاء وسكون الفاء (مغضبا) بفتح الضاد المعجمة (كفل الشيطان) بكسر الكاف وسكون الفاء ثم محل النهي عن عقص الشعر للرجل وأما المرأة ففي الامر بنقضها الضفائر مشقة وتغيير لهيئها المنافية للتجمل وصرح بذلك الغزالى في الاحياء وينبغى الحاق الخنثى بها قاله الزركشى (ان يتلفع) بالفاء فالمهملة أي يشتمل (ويخرج يديه من ثيابه) وذلك لانه اذا أتاه ما يتوقاه لا يمكنه اخراج يديه بسرعة ويكره أيضا الاضطباع واشتمال الصماء وهو ان يجلل يديه بالثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الايسر واشتمال اليهود وهو ان يجلل بدنه بالثوب دون رفع (عن الصلب) بفتح المهملة وسكون اللام ثم موحدة (وهو ان يضع يده على خاصرتيه) ويسمى اختصارا وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة نهى ان يصلى الرجل مختصرا ولاحمد وأبي داود والترمذى نهى عن الاختصار في الصلاة قال العلماء الصحيح ان معناه ويده على خاصرته وقيل هو ان يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها وقيل ان يختصر السورة فيقرأ من أولها آية أو ثنتين وقيل ان يحذف

فصل في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم

بالحيوانات فقال لا تبركوا بروك البعير ولا تلتفتوا التفات الثعلب ولا تفترشوا افتراش السبع ولا تقعوا إقعاء الكلب ولا تنقروا نقر الغراب ولا ترفعوا أيديكم في حال السلام كأذناب الخيل الشمس وهذا الباب واسع وقد رأينا أن نقتصر على هذا القدر وبالله سبحانه التوفيق. [فصل في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم] «فصل» في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت في الصحاح انه صلى الله عليه وسلم حض على السحور وكان يؤخره جدا فكان بين سحوره وبين الفجر قدر خمسين آية وكان يعجل الفطر وحض على ذلك فقال لا تزال أمتى بخير ما عجلوا الفطر قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلى على رطبات فان لم يكن رطبات فتمرات فان لم يكن تمرات حسا حسوات منها ما لا بد من قيامها وركوعها وسجودها وحدودها وعلى الاول قال النووى وجه النهي انه فعل اليهود وقيل فعل الشياطين وقيل فعل المتكبرين وقيل ان ابليس اهبط كذلك (لا تبركوا بروك البعير) يعنى في السجود وذلك بتقديم اليدين على الركبتين (افتراش السبع) هو بسط الذراعين حال السجود وقد مر الكلام على الاقعاء (ولا تنقروا) بالقاف في السجود (نقر الغراب) وذلك بالرفع منه بدون طمأنينة فيه والعود اليه بدون طمأنينة في الجلوس بين السجدتين (شمس) بضم المعجمة وسكون الميم ثم مهملة. (فصل) في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم (وحض على السحور) بقوله تسحروا فان في السحور بركة أخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أنس وأخرجه النسائي من حديث أبي هريرة وابن مسعود وأخرجه أحمد من حديث أبي سعيد وأخرجه الطبراني من حديث عقبة ابن سعيد وأبي الدرداء بلفظ تسحروا من آخر الليل هذا الغداء المبارك ولابى يعلى من حديث أنس تسحروا ولو جرعة من ماء ولابن عساكر من حديث سراقة بن عبد الله ولو بالماء ولابن أبى الدنيا من حديث على تسحروا ولو بشربة من ماء وأفطروا ولو على شربة من ماء ولاحمد من حديث أبي سعيد السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو ان يجرع أحدكم جرعة من ماء فان الله وملائكته يصلون على المتسحرين ولاحمد ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي من حديث عمرو بن العاص فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر قال القرطبى هذا الحديث يدل على ان السحور من خصائص هذه الامة ومما خفف به عنهم والسحور بفتح السين اسم لما يتسحر به وضمها اسم للفعل (كان بين سحوره وبين الفجر قدر خمسين آية) أخرجه الشيخان وغيرهما عن زيد بن ثابت وفي الحديث ضبطه القدر ما يحصل سنة التأخير (وكان يعجل الفطر) كما في الصحيحين عن زبد بن ثابت (لا تزال أمتى بخير ما عجلوا الفطر) وأخروا السحور أخرجه أحمد وابى ذر ولاحمد والشيخين والترمذي من حديث سهل بن سعد لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر (قال أنس كان يفطر قبل أن يصلى على رطبات الى آخره) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى (رطبات) بضم الراء وفتح المهملة جمع رطبة (فتمرات) بفتح الفوقية والميم جمع تمرة (حسا) بالمهملتين (حسوات) بفتحات جمع حسوة وهي ملأ الكف من الماء

من الماء وقال اذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فان سابه أحد أو قاتله فليقل انى صائم وقال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. وكان صلى الله عليه وسلم ربما أدركه الفجر وهو جنب ثم يغتسل ويصوم قالت عائشة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان فانه كان يصوم شعبان كله وفي رواية انه كان يصوم شعبان الا قليلا وظاهر الخبر نزل على ان السنة لا تحصل بدون الثلاث من الرطب والتمر أو الحسوات ونصه في حرملة بقبضة (اذا كان يوم صوم أحدكم الى آخره) أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والنسائى من حديث أبي هريرة (فلا يرفث) بضم الفاء وكسرها من الرفث وهو فاحش القول (ولا يصخب) الصخب رفع الصوت بالمشاتمة ولمسلم فلا يجهل قال النووي فالجهل قريب من الرفث وهو خلاف الحكم وخلاف الصواب من القول والفعل (فان سابه أحد) ولمسلم فان من شاتمه ومعناه سبه وشتمه متعرضا لسبه وشتمه (أو شاتمه) اي نازعه ودافعه (فليقل) أى بلسانه ليسمعه الساب والشاتم والمقاتل فينزجر غالبا أو يحدث به نفسه ليمنعها من مسابقته ومشاتمته ومقاتلته ويحرس صومه عن المكروهات أو باللسان في صوم الفرض وبالقلب في صوم النفل أقوال قال النووى ولو جمع بين الأمرين كان حسنا (اني صائم) زاد البخاري مرتين أى لانه أكد في الزجر ولمسلم انى صائم (من لم يدع قول الزور الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبى هريرة ومعنى لم يدع لم يترك والزور الكذب (فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه) معنى ذلك التحذير من الزور وما ذكر معه وليس معناه انه يؤمر بالاكل والشرب قاله ابن بطال وهذا على حد قوله من باع الخمر فليذبح الخنازير اذ معناه التحذير والتعظيم لا اثم بائع الخمر لا انه مأمور بذبحها وقوله حاجة أي ارادة لانه تعالى لا حاجة له في شيء أو كناية عن عدم القبول كقول من غضب على من أهدى له لا حاجة لى في هديتك أي مردودة عليه ومقتضى هذا الحديث ان فاعل ذلك لا يثاب على صومه كما قاله ابن العربي وغيره (كان ربما أدركه الفجر وهو جنب ثم يغتسل ويصوم) أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة وأم سلمة وفي الحديث قضية (كان يصوم شعبان كله) أخرجه هو والحديث الآتي بعده الشيخان وغيرهما عن عائشة (كان يصوم شعبان الا قليلا) قال النووى الحديث الثاني تفسير للاول وبيان ان قولها كله أي غالبه وقيل كان يصومه في وقت وأكثره في سنة أخرى لئلا يتوهم وجوبه والحكمة في تخصيص شعبان بكثرة الصوم ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة من حديث اسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الاعمال الى رب العالمين فأحب ان يرفع عملي وأنا صائم وقيل كان يقضي فيه ما فات عليه من صيام الايام الثلاثة من كل شهر سفرا وغيره وأخرج هذا الطبراني بسند ضعيف عن عائشة وقيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان كما أخرجه الترمذي قال النووي فان قيل جاء في الحديث ان أفضل الصوم بعد رمضان شهر المحرم فكيف أكثر منه في شعبان فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم الا في الحياة

وصام صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصومه وقال صيامه يكفر السنة الماضية وقال لئن بقيت الى قابل لأصومن التاسع والعاشر وقال من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل على فيه وقال تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى يوم الاثنين ويوم الخميس وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية وسئلت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قالت نعم قيل لها من قبل التمكن من صومه أو لعله كان تعرض له فيه أعذار كفر أو مرض (وصام عاشوراء وأمر بصومه) أخرجه بهذا اللفظ عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد مسند أبيه من حديث علي وعاشوراء بالمد عاشر المحرم (وقال صيامه يكفر السنة الماضية) رواه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث أبي قتادة (لئن بقيت الى قابل لا صومن التاسع) أخرجه مسلم وأبو داود من حديث عبد الله بن عباس ومن تتمة الحديث فمات قبله وقابل مصروف والتاسع المراد به تاسوعاء بالمد وهو تاسع المحرم (من صام رمضان الى آخره) أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب ولاحمد عن رجل من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال والاربعاء والخميس دخل الجنة (ستا) بكسر المهملة وتشديد الفوقية ولم يقل ستة مع كون المعدود مذكرا لانه اذا حذف جاز فيه الوجهان وعن الدارقطني ان أبا بكر الصولي صحفه في أماليه فضبطه شيأ بالمعجمة فالتحتية (وشوال) بالصرف (كان كصيام الدهر) زاد أحمد والنسائي وابن حبان عن ثوبان صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة واستشكل هذا بأنه يلزم منه مساواة ثواب النفل للفرض وأجيب بأنه انما صار كصيام سنة بالنصف وذلك محض فضل من الله تعالى (تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس الى آخره) أخرجه الترمذي وغيره من حديث عائشة وأبى هريرة ولمسلم من حديث أبي هريرة تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن الا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا وأخرجه الطبرانى من حديث اسامة بن زيد بلفظ تعرض الاعمال على الله تعالى يوم الاثنين والخميس فيغفر الا ما كان من متشاحنين أو قاطع رحم وأخرجه الحاكم من حديث والد عبد العزيز وزاد وتعرض على الانبياء والآباء والامهات يوم الجمعة فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا واشراقا فاتقوا الله ولا تؤذوا أمواتكم (يوم عرفة) هو تاسع ذي الحجة (يكفر سنة الماضية والباقية) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث أبى قتادة وأخرجه أبو الشيخ في الثواب وابن النجار من حديث ابن عباس وأخرجه الطبراني في الاوسط من حديث أبي سعيد وأخرجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي قتادة وأخرجه بمعناه ابن ماجه من حديث قتادة بن النعمان وللبيهقي من حديث عائشة صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم (كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام) زاد الترمذي من

أى شهر كان يصوم قالت لم يكن ببالى من أي شهر كان يصوم وقال صلى الله عليه وسلم لأبى ذر اذا صمت من الشهر ثلاثا فصم ثلاثة عشرة ورابع عشرة وخامس عشرة وكان صلى الله عليه وسلم لا يفطرهن في حضر ولا سفر وسئل أنس عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يصوم من الشهر حتى يرى انه لا يريد أن يفطر ويفطر حتى يرى أنه لا يريدان يصوم وكنت لا تشاء ان تراه من الليل مصليا الا رأيته مصليا ولا نائما الا رايته نائما ونحوه عن عائشة وابن عباس رضى الله عنهما واعلم ان الصوم من افضل العبادات وأسرار المجاهدات وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة أجلها ما اتفق عليه الشيخان عن ابي هريرة بروايات وهذه احدى روايات مسلم كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائه ضعف قال الله تعالى الا الصوم فانه لى وانا أجزى به حديث ابن مسعود وقل ما كان يفطر يوم الجمعة ولاحمد وأبي داود والنسائي من حديث حفصة أول اثنين من الشهر والخميس والاثنين من الجمعة الاخرى وللترمذي من حديث عائشة من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والاربعاء والخميس وهذا يدل على اختلاف عادته في صومها (وقال لابي ذر اذا صمت الى آخره) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان وصححه وللنسائي وأبي يعلي والبيهقي في الشعب من حديث جرير صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وهى أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشره وخمس عشره ولأبى ذر الهروي من حديث قتادة بن ملحان صوموا أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة من كنز الدهر (وكان لا يفطرهن في حضر ولا سفر) أخرجه الطبرانى في الكبير من حديث ابن عباس (وسئل أنس الى آخره) أخرجه الشيخان وغيرهما (حتى يرى) بالضم بمعنى يظن (وكنت لا تشأ) بتاء الخطاب (ان تراه من الليل مصليا الى آخره) معناه انه كان لا يقيم كل الليل بل يرقد ويقوم نصفه فمن أحب ان يأتى وهو نائم جاء في وقت نومه أو وهو يصلي جاء في وقت صلاته (ما اتفق عليه الشيخان عن أبى هريرة) وأخرجه عنه أحمد والنسائي أيضا (فانه لى وأنا أجزي به) اختلف في معناه فان الاعمال كلها لله عز وجل وهو الذي يجزي بها فقيل لانه لا يظهر من ابن ادم ولا يطلع عليه ويؤيده حديث الصيام لا رياء فيه أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبى هريرة وقيل معناه ان جزاء الصوم كثير لم يكشف لاحد عن مقدار ثوابه بخلاف غيره من العبادات فانها تضاعف الى سبعمائة ضعف كما في الحديث وقيل معناه انه أحب العبادات الى الله تعالى والمقدم عليها وقيل لانه لم يعبد به غير الله وقيل لان جميع العبادات يوفي منها مظالم العباد سواء وقيل لانه ليس للصائم ونفسه فيه وقيل لأن الاستغناء عن الطعام والشراب من صفاته تعالى فيقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وان كانت صفاته تعالى لا يشبهها شيء وقيل هي اضافة تشريف كقوله عبادي وبيتي وقيل كل الاعمال ظاهرة للملائكة فتكتبها الا الصوم فانما هو نية وامساك

يدع طعامه وشهواته من اجلى. للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. واما اذكاره فانه قد ورد انه صلى الله عليه وسلم كان اذا أفطر قال ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر ان شاء الله تعالى. وكان يقول ايضا اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. وكان يقول أيضا الحمد لله الذى اعانني فصمت ورزقني فأفطرت. وكان يقول اللهم لك صمنا وعلى رزقك افطرنا فتقبل منا انك أنت السميع العليم. وكان صلى الله عليه وسلم اذا افطر عند قوم دعا لهم فقال افطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة. وينبغي للصائم ان يجتهد في الدعاء عند فطره لأنه ورد انه صلى الله عليه وسلم قال ان للصائم عند فطره لدعوة ما ترد قال ابن ابي مليكة سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص اذا افطر يقول اللهم انى اسئلك برحمتك التي وسعت كل شيء ان تغفر لى. فالله تعالى يعلمه ويتولى جزاؤه (وشهواته) زاد ابن خزيمة وزوجته (من أجلى) قال القرطبى فيه تنبيه على الجهة التي بها يستحق الصوم ان يكون كذلك وهو الاخلاص الخاص به (فرحة عند فطره) أي بزوال جوعه وعطشه أو بتمام عبادته وسلامتها عما يفسدها (وفرحة عند لقاء ربه) أي لما يراه من جزيل الثواب (ولخلوف) بضم المعجمة وصحف من فتحها وهو تغير ريح الفم من الصوم (أطيب عند الله) زاد مسلم في رواية وأحمد وابن حبان يوم القيامة ولا يتوهم من هذا انه تعالى يستطيب الروائح ويستلذها فان هذا محال عليه تعالى (من ريح المسك) هو على ظاهره بان يأتي يوم القيامة ونكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي الشهيد وريح دمه يفوح مسكا أو كناية عن الرضاء والقبول وانه أكثر ثوابا من استعمال المسك المندوب اليه في الجمعة ونحوها أو لان الطاعات يوم القيامة تكون ريحا يفوح والصيام فيها من بين العبادات كالمسك أو المراد ان ذلك في حق الملائكة وانهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك وهو مجاز واستعارة لتقريبه من الله تعالى أقوال قال في التوشيح ويؤخذ من الحديث تفضيل الخلوف على دم الشهيد لان دم الشهيد شبه بريح المسك والخلوف وصف بانه أطيب (كان اذا أفطر قال الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عمر وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين (الظمأ) بالقصر والهمز (وكان يقول أيضا اللهم لك صمت الى آخره) أخرجه أبو داود عن معاذ بن زهرة مرسلا وأخرجه الطبراني وابن السني من حديث ابن عباس وزاد فتقبل منى انك أنت السميع العليم (الحمد لله الذى أعانني فصمت الى آخره) أخرجه ابن السني والبيهقي في الشعب من حديث معاذ (كان اذا افطر عند قوم الى آخره) أخرجه أحمد والبيهقى في السنن من حديث أنس وأخرجه الطبراني وأبو يعلى من حديث ابن الزبير ولم يذكر وأكل طعامكم الابرار (وصلت عليكم الملائكة) زاد الدميرى في شرح المنهاج وذكركم الله فيمن عنده وليس في الحديث (ان الصيام عند فطره الى آخره) أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث ابن عمر (دعوه) اسم (ان ابن أبي مليكة) اسمه عبد الله ومليكة بالتصغير (سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول الى آخره) أخرجه ابن ماجه والحاكم في المستدرك

فصل في دعائه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن

[فصل في دعائه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن] «فصل» في دعائه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن وكيف كان سمته وخشوعه حال قراءته واستماعه من غيره كان له صلى الله عليه وسلم في الدرس كل يوم وظيفة معينة لا يتركها وأما رمضان فكان جبريل ينزل عليه في كل ليلة منه فيدارسه القرآن وكان اذا أراد القراءة قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما أمره الله تعالى وربما زاد من همزه ونفثه ونفخه وكان حسن الصوت في صوته صحل قال البراء بن عازب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه وكان يرتل قراءته ويبينها حرفا حرفا ويقف عند آخر الكلام ويكمل المد في موضعه وكان يقرأ في كل حال لا يمنعه من ذلك الا الجنابة وكان يحب سماعه من غيره كما رويناه فيما اتفق عليه الشيخان عن عبد الله بن مسعود قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ القرآن فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال انى أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت هذه الآية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال حسبك الآن فالتفت فاذا عيناه تذرفان. وقال صلى الله عليه وسلم لأبى بن كعب ان الله أمرنى أن أقرأ عليك (فصل) في دعائه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن (سمته) بفتح المهملة وسكون الميم أي طريقه وهديه (وظيفة) بالظاء المعجمة والفاء بوزن عظيمة هى كل ما يقدر كل يوم من عبادة أو طعام أو رزق وأما رمضان فكان جبريل ينزل عليه كل ليلة منه الى آخره أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس (فيدارسه القرآن) أى يقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل يستمع لانه ورد ان الملائكة لا يقرؤن القرآن وقيل ان جبريل وحده يقرؤه وعليه فالمدارسة على بابها ان يقرأ هذا على هذا مرة وذاك عليه أخري (وكان اذا أراد القراءة الى آخره) أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم وابن حبان في صحيحه من حديث جبير ابن مطعم وأخرجه بن عساكر من حديث جبير بن مطعم وعمرو بن مرة (أعوذ بالله) أى اعتصم به وامتنع من نفثه ونفخه (وهمزه) تتمة الحديث قال نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموته ويسمى الشعر نفثا لانه كالشيء ينفث من الفم كالرقية ويسمي الكبر نفخا لان الشيطان يوسوس في النفس فيعظمها عنده ويحقر الناس في عينيه حتى يدخله الزهو قاله أيضا عاني في العباب والموتة بضم الميم وسكون الواو بلا همزة وفتح الفوقية هي الحبون (كان يرتل قراءته) أخرجه بهذا اللفظ أبو داود من حديث جابر (الا الجنابة) بالرفع (وقال لابيّ ابن كعب) أخرجه الشيخان والترمذى (ان الله أمرنى) أن اقرأ عليك قال العلماء حكمة ذلك التقييد على جلالة أبىّ بن كعب وانه اقرأ الامة وما من أحد من رؤس الصحابة رضي الله عنهم الا وقد خص بخصوصية وهذه خصوصية أبي ابن كعب لم يكن الذين كفروا قال النووي خصت هذه الصورة لانها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين وفروعه

القرآن قال أبى وسمانى لك قال وسماك لى فبكى أبى وقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة لم يكن. وأمر صلى الله عليه وسلم بتحسين الصوت بالقراءة فقال زينوا القرآن بأصواتكم وقال من لم يتغن بالقرآن فليس منا. وقال ما أذن الله لشيء ما أذن لنبى حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن ويجهر به* قال العلماء والناس بالتغني والتحسين على ضربين ضرب تسمع طبائعهم بذلك بديهة من غير تلكّ ولا تمرين وربما ازدادوا بالتغني والتحسين حسنا كما قال أبو موسى الأشعري وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم لو رأيتني وان أستمع الى قراءتك البارحة فقال لو شعرت انك تسمع لحبرته تحبيرا فهذا الضرب ان بقوا على طبائعهم فحسن وان تكلفوا بزيادة تحسين فقد أمروا بذلك والضرب الثانى من لا يحصل له ذلك لسماجة الطبع بل بتكلف وعلاج فينبغي له أن يتكلف ذلك ما استطاع ما لم يخرج الى حد التمطيط والتقعير ومهماته والاخلاص وتطهير القلوب وكان الوقت يقتضي الاختصار (فبكاء أبي) قيل فرحا وقيل خوفا من التقصير في شكر هذه النعمة العظيمة والخصوصية الجسيمة (زينوا القرآن بأصواتكم) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث البراء بن عازب وأخرجه أبو نصر الشجري في الابانة من حديث أبي هريرة وأخرجه الدار قطنى في الافراد والطبرانى من حديث ابن عباس وأخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث عائشة زاد الحاكم في رواية من حديث البراء فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا (من لم يتغن بالقرآن فليس منا) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة وأخرجه مسلم من حديث سعد وأخرجه أبو داود من حديث أبي لبابة وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس وعائشة قال ومعنى التغني عند الشافعى وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون تحسين صوته وعند ابن عيينة يستغنى به قيل عن الناس وقيل عن غيره من الاحاديث والكتب* قال عياض والقولان منقولان عن سفيان يقال تغنيت بمعنى استغنيت وقال الشافعى وموافقوه معناه تحزين القراءة وترقيقها بدليل زينوا القرآن بأصواتكم وأنكر أبو جعفر الطبري تفسير من قال يستغنى به وخطأه لغة في معناه والصحيح ان المراد تحسين الصوت انتهي زاد في التوشيح من تغنى بالمكان اذا قام فيه وقيل المراد التلذذ والاستحالة كما يستلذ أهل الطرب بالغناء وقيل يجعله هجيراه كما يجعل المسافر والفارغ هجير الغناء فيكون معنى الحديث الحث على ملازمة القرآن وأن لا يتعدى الى غيره (ما أذن الله لنبي الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى عن أبي هريرة ولمسلم لشيء بدل لنبى ومعنى بوزن علم اسمع قالوا ولا يجوز حمله على الاصغاء لانه محال عليه يقال ولان سماعه يقال لا يختلف فيؤول على انه مجاز وكناية عن تقرير القارئ وأجزال ثوابه كأذنة بفتح الهمزة والذال مصدر أذن يأذن اذنا كفرح يفرح فرحا قال مسلم غير ان ابن أيوب في روايته قال كأذنة أي بكسر الهمزة وسكون الذال وهى بمعنى الحث على ذلك والامر به (لنبى) لابي ذر في صحيح البخارى للنبي بزيادة لام قال في التوشيح للجنس لا للعهد (يجهر به) هو أحد تفسيرات التغنى (صوت) بالجر على البدل والرفع على الابتداء (البارحة) اسم لليلة الماضية (لحبرته) أي زدته (تحبيرا) أي حسنا والحبر

فصل حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاجتماع على قراءة القرآن

المنهي عنه والله أعلم. [فصل حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاجتماع على قراءة القرآن] «فصل» حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاجتماع على قراءة القرآن فقال ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة والوقار وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده* وروي عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في قراءة سور وآيات مخصوصة لأوقات معلومة ومطلقة من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه لا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان. ومن قرأ يس في يوم وليلة ابتغاء وجه الله غفر الله له. وقال اقرأوها على موتاكم. وقال قلب القرآن يس. وقال من قرأ سورة الدخان في ليلة وفي رواية ليلة الجمعة أصبح مغفورا له. ومن قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة. وكان صلى الله عليه وسلم لا ينام في كل ليلة حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ وتبارك الملك. وقال من قرأ آية بفتح المهملة وسكون الموحدة الحسن والتقعير بالقاف فالمهملة يرادف التمطيط وهو الزيادة في الله على حد لا يراه أحد من القراء المتفق عليهم والله أعلم (فصل) (في فضيلة الاجتماع لقراءة القرآن ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود من حديث أبى هريرة (السكينة) المراد بها هنا الرحمة وقيل الطمأنينة والوقار (وحفتهم الملائكة) أي أحدقوا بهم واستداروا (وذكرهم الله فيمن عنده) يعنى الملائكة وهو على حد قوله وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ الآية زاد مسلم بعد هذا ومن بطأبه عمله لم يسرع به نسبه أي من كان عمله ناقصا لم يلحقه نسبه برتبة أصحاب الاعمال فلا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في الاعمال الصالحة (الآيتان من آخر سورة البقرة الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه من حديث ابن مسعود (من قرأهما) زاد العسكري في ثواب القرآن بعد العشاء الآخرة (كفتاه) أي أجزياه من قيام الليل بالقرآن أو وقياه شر الشيطان أو كل سوء أقوال قال النووى وغيره أو الجميع (لا يقرأن في دار الى آخره) أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحه من حديث النعمان بن بشير وهو آخر حديث أوله ان الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والارض بالفي عام وهو عند العرش وانه أنزل آيتين ختم بهما سورة البقرة (فلا تقرأن) بضم الفوقية ومد الهمزة (فيقربها شيطان) بالنصب على جواب النفي (من قرأ يس الى آخره) أخرجه البيهقى في الشعب من حديث أبي هريرة وابن مسعود ومعقل بن يسار (فاقرؤها على موتاكم) هذه الزيادة في حديث البيهقى عن معقل ابن يسار وليست في حديثه عن أبي سعيد وأبي هريرة (قلب القرآن يس) أخرجه الدارمي والترمذى من حديث أنس وأخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجه والحاكم في المستدرك من حديث معقل بن يسار (من قرأ سورة الدخان الخ) أخرجه الترمذى من حديث أبى هريرة وأخرجه بن الضريس عن الحسن مرسلا وللطبراني من حديث أبى امامة من قرأ حم الدخان في ليلة جمعة بنى الله له بيتا في الجنة (ومن قرأ سورة الواقعة الخ) أخرجه البيهقي في الشعب من حديث بن مسعود لم تصبه فاقة أى حاجة زاد البيهقى أبدا (كان لا ينام حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ وتبارك الملك)

الكرسي وأول حم غافر عصم ذلك اليوم من كل سوء. ومن قرأ خاتمة سورة التوبة حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ كفاه الله ما أهمه من أمر آخرته ودنياه صادقا كان أو كاذبا. وأمر صلى الله عليه وسلم سرية بعثها ان يقرؤا اذا أصبحوا وامسوا أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ الى آخر السورة فقرأوها فغنموا وسلموا. وقال صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسى فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ الى قوله وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ادرك ما فاته من يومه. وقال صلى الله عليه وسلم تعلموا تبارك الملك فانها المنجية تنجى من عذاب القبر. وقال من قرأها في ليلة فقد اكثر واطيب. وعن ابى هريرة يرفعه من قرأ في ليلة إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ كانت كعدل نصف القرآن ومن قرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ كانت له كعدل ربع القرآن ومن قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كانت له كعدل ثلث القران وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن حبيب اقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين حين تصبح وحين تمسى ثلاث مرات يكفيك الله من كل شيء والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة معلومة وقد التقطت مجموع الآيات التي ورد لها ذكر وجمعتها في نحو كراسة استوعبت فيها جميع ذلك وانما ذكرنا هنا هذا الطرف تبريكا للكتاب وتتميما للفائدة وبالله سبحانه التوفيق «فصل» في ذكره صلى الله عليه وسلم عند الصباح والمساء كان يقول اذا أصبح اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيى وبك نموت واليك النشور واذا أمسى قال اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيى وبك نموت واليك المصير وسأله أبو بكر أن يعلمه أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث جابر وزاد ان قراءتهما كل ليلة أمان من فتنة القبر ولاحمد والترمذي والحاكم من حديث عائشة كان لا ينام حتى يقرأ بني اسرائيل والزمر (من قال حين يصبح وحين يمسى فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ الخ) أخرجه أبو داود عن ابن عباس (تعلموا تبارك الملك الى قوله فقد أكثر وأطيب أخرجه الحاكم) في المستدرك من حديث عبد الله بن مسعود وقال صحيح الاسناد وقوله وأطيب بالتحتية قبل الموحدة أي جاء من العمل بما يصير به طيبا (كعدل) بفتح العين هو الميل وما عادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عاد له من جنسه وكان نظيره وقال البصريون هما لغتان وهما الميل (ابن حبيب) بالمهملة فالموحدة بوزن عظيم (يكفيك) كذا الرواية باثبات الياء وهي على القطع أى فهي تكفيك ويجوز حذفها للجزم على جواب الامر (فصل) في ذكره عند الصباح والمساء (كان يقول اذا أصبح الى قوله) واليك المصير أخرجه أبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وأبو عوانة في مسنده للصحيح عن أبي هريرة قال الترمذي وهذا حديث حسن صحيح قلت والاتيان بقوله وَإِلَيْهِ النُّشُورُ في الصباح يناسب الاستيقاظ من النوم (وسأله أبو بكر ان يعلمه ذكر الصباح والمساء الخ) أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي والحاكم في

ذكر الصباح والمساء قال قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد ان لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسى وشر الشيطان وشركه قال له قلها اذا أصبحت واذا أمسيت واذا أخذت مضجعك وقال له رجل يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا لم يضرك وقال صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبؤلك بنعمتك عليّ وأبؤ بذنبى فاغفر لى فانه لا يغفر الذنوب الا أنت من قالها في النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسى فهو من أهل الجنة ومن قالها بالليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع أسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث المستدرك وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أيضا قال الحاكم صحيح الاسناد (اللهم فاطر) أى يا فاطر (من شر نفسى وشر الشيطان) تقديم الاستعاذة من شر النفس دليل على ان فتنتها أعظم من فتنته (وشركه) روى بكسر المعجمة وسكون الراء وبفتحهما قال الخطابى ومعناه على الاول ما يدعو اليه الشيطان ويوسوس به من الاشراك بالله تعالى وعلى الثاني المراد حبائل الشيطان ومصائده قال جلال الدين المحلى والاول هو المشهور قلت وينبغي للداعى الاتيان بهما زاد الترمذى في طريق آخر بعد هذا وان نقترف على أنفسنا سوءا أو نجره الي مسلم (وقال له رجل يا رسول الله ما لقيت من عقرب الي اخره) . أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبى هريرة (لدغتني) باهمال الدال واعجام الغين (بكلمات الله) قال الهروى وغيره هي القرآن (التامات) الكاملات وسبق الكلام عليها في تعويذ الحسن والحسين (موقنا) أى مخلصا من قلبه ومصدقا بثوابها (لم يضرك) بالضم أحسن من غيره كما مر وللترمذي في رواية من قال حين يمسي ثلاث مرات أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره حمة تلك الليلة وقال حديث حسن والحمة بضم المهملة وتخفيف الميم فوعة السم أي حدته وحرارته وقيل السم نفسه حمة (سيد الاستغفار اللهم أنت ربي الي اخره) أخرجه أحمد والبخارى والترمذي والنسائي عن شداد بن أوس قالوا وليس له في الصحيحين سوي حديثين أحدهما هذا والآخر في مسلم ان الله كتب الاحسان على كل شيء الحديث ومعني سيد الاستغفار أى أفضله وأعمه وذلك لما فيه من توحيد البارى تعالى ونفي الشركاء عنه والاعتراف له بالربوبية وبانه هو الخالق والاعتراف من نفسه بالعبودية والتبري من الحول والقوة والتعوذ به من شر ما صنع والاقرار بنعمه تعالى والاقرار على نفسه بالذنب وبان المغفرة منه لا غير فقد حاز جملا من أنواع العبودية ان يقول زاد النسائي العبد (عهدك ووعدك) أى على ما عاهدتك عليه وواعدتك يوم أخذ الميثاق من الايمان بك وتمحيض الطاعة لك (ابؤلك) بفتح الهمزة وضم الموحدة والمد أى ارجع اليك بالاقرار والاعتراف وأصله من بؤت بكذا اذا احتملته (ما من عبد يقول في صباح كل يوم الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه

مرات لم يضره شيء وفي روايه لم تصبه فجأة بلا وقال من قال حين يصبح أو يمسى اللهم انى أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك أنت الله لا إله إلا أنت وان محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين اعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا اعتق الله ثلاثة أرباعه من النار ومن قالها أربعا اعتقه الله من النار وقال من قال حين يصبح اللهم ما اصبح بى من نعمة او بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد ولك الشكر فقد ادى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسى فقد أدى شكر ليلته وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسى من حديث عثمان بن عفان قال الترمذي حسن غريب صحيح وقال الحاكم صحيح الاسناد (لم يضره) لفظهم فيضره (شيء) تتمة الحديث وكان ابان قد أصابه طرف فالج فجعل الرجل ينظر اليه فقال له ابان ما تنظر اما ان الحديث كما حدثتك ولكني لم اقله يومئذ ليمضى الله على قدر (فجأة) بضم الفاء مع المد أى بغتة (من قال حين يصبح أو يمسي الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أنس بن مالك (اللهم اني أصبحت) هذا في الصباح وأما في المساء فيقول أمسيت واقتصر على الاول لفهم الثاني بالفحوى أو علي حد سرابيل تقيكم الحر أي والبرد (أشهدك) بضم الهمزة وكسر الهاء (حملة عرشك) انما خصهم وذكرهم أولا مع دخولهم في عموم الملائكة تشريفا لهم لانهم من جملة الكروبيين الطائفين بالعرش وهم سادات الملائكة وحملة العرش الآن أربعة قال البغوي وجاء في الحديث لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ولكل واحد منهم أربعة أجنحة جناحان على وجهه مخافة أن ينظر الى العرش فيصعق وجناحان يخفق بهما ليس لهم كلام الا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد فاذا كان يوم القيامة أمدهم الله باربعة اخري فصاروا ثمانية أملاك على صورة الاوعال من اظلافهم الى ركبهم كما بين السماء والارض قال شهر بن حوشب أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد علي حلمك بعد علمك وأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك انتهي والمراد هنا الاربعة أو الثمانية أو حملة العرش ومن يطوف به من الملائكة احتمالات (وملائكتك) بالنصب عطفا على جملة (لا إله إلا أنت) زاد النسائى وحدك لا شريك لك (ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار) حاصل ذلك الحض على الاتيان بها أربعا وحكمته فيها ظهر لي منا سبقه لعدد من أشهدهم وأثابهم بواو العطف (من قال حين يصبح الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائى من حديث عبد الله بن غنام البياضي وهو بالمعجمة فالنون المشددة والبياضي نسبة الى بياضة فخذ من الانصار وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس (ما أصبح بي من نعمة) زاد النسائى وابن حبان أو بأحد من خلقك (وقال عبد الله بن عمر) رضى الله عنهما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه قال الحاكم صحيح الاسناد لا (يدع) يترك

وحين يصبح اللهم انى أسئلك العافية في الدنيا والآخرة اللهم انى أسئلك العفو والعافية في ديني ودنياى واهلى ومالى اللهم استر عوراتى وآمن روعاتى اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالى ومن فوقى وأعوذ بعصمتك ان اغتال من تحتي وشكى ابو امامة الى النبي صلى الله عليه وسلم الدين فقال قل اذا أصبحت واذا أمسيت اللهم انى اعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال ففعلت ذلك فأذهب الله همى وقضي عني دينى وقال صلى الله عليه وآله وسلم لابنته فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به تقولى اذا اصبحت واذا امسيت يا حي يا قوم بك أستغيث فأصلح لى شأنى كله ولا تكلنى الى نفسي طرفة عين وقال لها ولعلي وكانت سألته خادما الا ادلكما على ما هو خير لكما من خادم اذا أويتما الى فراشكما وأخذتما مضاجعكما (العافية في الدنيا) من كل بلية ومصيبة (والآخرة) من عذاب جهنم وأهوال الآخرة (استر عوراتي) كذا بالجمع لعثمان بن أبى شيبة ولغيره عورتي بالتوحيد (وآمن) بوزن حاكم (روعاتي) جمع روعة وهي الخوف أو الشدة احتمالا (اللهم احفظني) أي من الشيطان ومن كل سوء (ومن فوقى) أي من السوء فقط فان الشيطان لا يستطيع اتيان ابن آدم من فوقه كما مر (ان اغتال) أي ان يأتينى غيلة أى خفية من حيث لا أشعر (من تحتى) قال أبو داود قال وكيع وهو ابن الجراح يعني الخسف والعياذ بالله (وشكي أبو امامة الى النبى صلى الله عليه وسلم الدين الى آخره) أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فاذا برجل من الانصار يقال له أبو امامة فقال له يا أبا امامة ما لى أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة قال هموم لزمتنى وديون يا رسول الله قال أفلا أعلمك كلاما اذا قلته أذهب الله همك وقضى دينك قال قلت بلى يا رسول الله فذكره (من الهم والحزن) هما مترادفان عند الاكثر وقيل الهم لما سيقع والحزن لما وقع (من العجز) هو عدم القدرة على الخير وقيل هو عدم فعله والتسويف به (والكسل) هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه مع امكانه (والبخل) بضم الموحدة وسكون المعجمة وبفتحهما لغتان (وقهر الرجال) شرع التعوذ من قهرهم لما فيه من الضعف في النفس والمعاش (وقال لابنته فاطمة ما يمنعك الى آخره) أخرجه النسائي والحاكم في المستدرك من حديث أنس بن مالك وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين (تقولى) للنسائي والحاكم تقولين ولكليهما وجه (فأصلح لي) لهما أصلح (شأني) أي أمري (طرفة عين) بفتح الطاء زاد البزار من حديث ابن عمر ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني (وقال لها ولعلى وكانت سألته خادما الى اخره) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث على وللبخارى في رواية ان فاطمة شكت ما تلقى في يدها من الرحاء فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري فذكره (أويتما) بالقصر لازم لا يتعدي الا بحرف الجر وهو بالمد متعد فمن الاول قوله تعالى إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ

فصل في أذكار ودعوات كان يقولها صلى الله عليه وسلم لأمور عارضات

فكبرا ثلاثا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين هذا خير لكما من خادم وشكى اليه صلى الله عليه وسلم الرجل انه تصيبه الآفات فقال له قل اذا اصبحت بسم الله على نفسي واهلي ومالى فانه لا يذهب لك شيء فقالهن الرجل فذهبت عنه الآفات وقال صلى الله عليه وسلم من قال اذا اصبح اللهم اصبحت منك في نعمة وعافية وستر فأتم نعمتك علىّ وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة ثلاث مرات اذا اصبح واذا أمسى كان حقا على الله أن يتم وعده له. وقيل لابى الدرداء قد احترق بيتك فقال ما احترق لم يكن الله ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسى ومن قالهن آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح اللهم أنت ربى لا اله الا انت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم اعلم ان الله على كل شيء قدير وان الله قد أحاط بكل شيء علما اللهم انى اعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم فهذه جملة الاحاديث المنتخبة من كتب الاحاديث المعتمدة فيها الصحيح والحسن وما يقاربهما وليس فيها حديث موضوع والله أعلم. [فصل في أذكار ودعوات كان يقولها صلى الله عليه وسلم لأمور عارضات] «فصل» في أذكار ودعوات كان يقولها صلى الله عليه وسلم لامور عارضات كان يقول عند الكرب لا اله الا الله العظيم الحليم لا اله الا الله رب العرش العظيم لا اله الا الله رب إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ومن الثانى وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (وسبحا ثلاثا وثلاثين) قال البخاري وعن شعبة عن خالد عن ابن سيرين قال التسبيح أربعا وثلاثين وله في أخرى قال سفيان احداهن أربعا وثلاثين وفي بعض طرق النسائى التحميد أربع وثلاثون (واحمدا ثلاثا وثلاثين) زاد أبو داود في بعض طرقه قال على رضيت عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير لكما من خادم) أى لأن عمل الآخرة أفضل من أمور الدنيا وقيل في هذه الاعداد خاصية للقوة على أمر الدين والدنيا لانها مائة والمائة في حساب الجمل القاف والقاف أول حروف القوة وتتمة الحديث قال على فما تركتها بعد قيل ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين وهو كما مر بكسر المهملة والفاء المشددة موضع قريب من الفرات كانت به الوقعة المشهورة بين على ومعاوية رضى الله عنهما والقائل لعلي ولا ليلة صفين هو عبد الله بن الكواء (قل اذا أصبحت بسم الله علي نفسى الي آخره) أخرجه ابن السنى في عمل يوم وليلة من حديث ابن عباس ولابن عساكر من حديث ابن مسعود على ديني ونفسي وولدى وأهلى ومالى (وسترك) بالكسر اسم لما يستتربه وبالفتح مصدر (وقيل لابي الدرداء قد احترق بيتك الي آخره) أخرجه أبو داود والنسائي. (فصل) في أذكار ودعوات كان يقولها الامور عارضات (كان يقول عند الكرب الى آخره) أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو عوانة من حديث عبد الله بن عباس (لا اله الا الله العظيم الحليم) للبخارى

السموات ورب الارض ورب العرش الكريم يا حى يا قيوم برحمتك استغيث. وكان اذا راعه شيء قال هو الله ربى لا شريك له. وكان اذا خاف قوما قال اللهم انا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. وقال لعلي اذا وقعت في ورطة فقل بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فان الله تعالى يصرف بها ما شاء من أنواع البلاء. وكان اذا لقى العدو قال يا مالك يوم الدين اياك اعبد واياك استعين. وأمر عند توقع البلاء وغلبت الامور بقول حسبي الله ونعم الوكيل على الله توكلنا وأمر من تعثرت معيشته ان يقول اذا خرج من بيته بسم الله على نفسي وأهلي ومالى وذريتى اللهم رضنى بقضائك وبارك لى فيما قدرت لى حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت. وقال ما انعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فقال ما شاء الله لا قوة الا بالله فيرى فيها آفة دون الموت. وقال ليسترجع احدكم في كل شيء حتى بشسع نعله فانها من المصائب. وامر من وجد الوسواس ان يقول آمنت بالله ورسوله هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. وامر ان يرقى في اللديغ والمعتوه بالفاتحة. وكان صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين اعيذكما بكلمات الله التامه من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه ويقول ان ابا كما كان يعوذ بها اسماعيل واسحاق صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين. وكان في رواية هو العليم الحليم مع الاتيان بلفظة هو في الثلاث (ورب العرش الكريم) زاد أبو عوانة ثم يدعو (كان اذا خاف قوما الي آخره) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما من حديث أبي موسي قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وفي رواية لابن حبان كان اذا أصاب قوما (في نحورهم) بالنون والمهملة أي نستقبلهم بحولك وقوتك ونردهم بك كما يرد من أصابه شيء في نحره (وقال لعلي اذا وقعت في ورطة الى آخره) أخرجه عنه ابن السنى في عمل يوم وليلة والورطة بفتح الواو والطاء المهملة بينهما راء ساكنة الهلكة وكل أمر يقع فيه وتعسر النجاة وجمعها وراط قاله في القاموس (يقول حسبي الله ونعم الوكيل) أخرجه الترمذى من حديث أبى سعيد وأخرجه ابن مردويه من حديث أبي هريرة (ما أنعم الله على عبد نعمة الى آخره) أخرجه أبو يعلى والبيهقي في الشعب من حديث أنس (ليسترجع أحدكم الى آخره) أخرجه ابن السنى في عمل يوم وليلة من حديث أبي هريرة والاسترجاع قول انا لله وانا اليه راجعون (بشسع نعله) بكسر المعجمة وسكون السين ثم عين مهملتين أحد سيور النعل (والمعتوه) هو الذي أصابه العته بفتح المهملة والفوقية ثم هاء وهو نوع من الجنون (بالفاتحة) أخرج القصة في اللديغ الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدرى وأخرجها في المغيرة أبو داود والنسائي من حديث خارجة بن الصلت عن عمه واسمه علاقة بكسر المهملة وتخفيف اللام ثم قاف ابن صحار بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملتين وقيل

عادته صلى الله عليه وسلم في عيادة المرضى يضع يده المباركة على المريض ويقول لا بأس طهور ان شاء الله ثم يرقيه يقول اللهم رب الناس اذهب الباس اشف انت الشافي لا شفاء الا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ثم يسأله عن حاله وعن ما يشتهيه وان ذكر شيئا طلبه له. وقال لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فان الله يطعمهم ويسقيهم. وقال اذا دخلت على مريض فمره فليدع لك فان دعاؤه كدعاء الملائكة. وقال عائد المريض في مخرفة الجنة. وقال لقنوا موتاكم لا اله الا الله من كان آخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة. وقال ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول انا لله وانا اليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتى واخلف لى خيرا منها الا أجره الله تعالى في مصيبته واخلف له خيرا منها. وقال يقول الله عز وجل ما لعبدي المؤمن عندي جزاء اذا قبضت صفيه من أهل الدنيا عبد الله (ويقول لا بأس طهور ان شاء الله تعالى) أخرجه البخارى والنسائى من حديث ابن عباس وطهور بفتح الطاء أي مكفر للذنوب (اللهم رب الناس الى آخره) أخرجه الشيخان والنسائى من حديث عائشة (اذهب الباس) أي المرض وهو بالموحدة والهمز لكن يخفف هنا لمجاورته الناس (أشف) بهمز وصل (شفا) بالنصب علي المصدر (لا يغادر) أى لا يترك (سقما) بضم السين مع سكون القاف وبفتحهما (لا تكرهوا مرضا كم الى آخره) أخرجه الترمذى وابن ماجه والحاكم عن عقبة بن عامر لكن قال النووي في المجموع انه ضعيف (فان الله يطعمهم ويسقيهم) هذا على سبيل المجاز والكناية عن عدم اشتهائهم الطعام والشراب كالشبعان الروي (اذا دخلت على مريض فمره ان يدعو لك الى آخره) أخرجه ابن ماجه بسند ضعيف من حديث عمر (عائد المريض في مخرفة الجنة) حتى يرجع أخرجه مسلم من حديث ثوبان ولاحمد والطبراني من حديث أبى امامة عائد المريض يخوض في الرحمة فاذا جلس عنده غمرته الرحمة ومن تمام عيادة المريض ان يضع أحدكم يده على وجهه أو على يده فيسأله كيف هو وتمام تحيتكم بينكم المصافحة انتهى والمخرفة بفتح الميم والراء (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه من حديث أبى سعيد وأخرجه مسلم وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأخرجه النسائي من حديث عائشة والمراد به من حضره الموت (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم من حديث معاذ والمراد بقوله دخل الجنة أي دخولا يختص فيه بزيادة على سائر من يدخلها من المؤمنين الذين لم يكن آخر كلامهم لا إله إلا الله اما ان يكون من السابقين الذين يدخلون الجنة بغير حساب أو نحو ذلك من الفضائل (ما من عبد تصيبه مصيبة الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود والحاكم من حديث أم سلمة وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي سلمة (اللهم اجرنى) بالقصر عند أكثر أهل اللغة من آجره الله بأجره اذا أعطاه أجره وحكى المد (واخلف لى) بفتح الهمزة وكسر اللام (الا أجره) بالقصر على الاشهر (صفيه) أي من يصطفيه لمحبته

ثم احتسبه الا الجنة وقال ان الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يراحم واشار الى لسانه. وبرئ صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة والشاقة ولعن النائحة والمستمعة وقال من عزي مصابا فله مثل اجره ومن عزى ثكلى كسي بردة في الجنة وقال اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم. وقال من غسل ميتا فكتم عليه غفر له اربعين مرة. وقال ايما مسلم شهد له اربعة بخير أدخله الله الجنة قال عمر قلنا ثلاثة قال وثلاثة فقلنا واثنان قال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد. وكان صلى الله عليه وسلم يعلمهم عند زيارة القبور أن يقول قائلهم السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين وانا انشاء الله بكم لاحقون اسأل الله لنا ولكم العافية. وكان صلى الله عليه وسلم اذا عصفت الريح من فرع أو أصل أو زوج أو أخ أو صديق (الا الجنة) بالرفع (وبريء من الصالقة الى آخره) أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى والصالقة بالمهملة وفيها لغة بالسين هي التى ترفع صوتها عند المصيبة أو التى تضرب وجهها قولان الصحيح الاول (والحالقة) هى التي تحلق رأسها (والشاقة) هي التى تشق ثوبها (ولعن النائحة والمستمعة) أخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي سعيد ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي امامة لعن الله الخامشة وجهها والشاقة حبيبها والداعية بالويل والثور ولاحمد ومسلم من حديث أبي مالك الاشعري النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب (من عزى مصابا فله مثل أجره) أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود ومعنى التعزية الحمل على العزاء بفتح المهملة والمد وهو الصبر (من عزى ثكلى كسى رداء في الجنة) أخرجه الترمذي من حديث أبي برزة الاسلمي والثكلى بفتح المثلثة واللام وسكون الكاف هي التي مات ولدها (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم) أخرجه أبو داود والترمذي وضعفه والحاكم والبيهقي في السنن من حديث ابن عمر قال العلماء محل النهى في غير المبتدع والمتظاهر بفسق فيجوز ذكر مساويهم للتحذير من طريقهم (من غسل ميتا فكتم عليه الى آخره) أخرجه الحاكم وصححه على شرط مسلم (أربعين مرة) أي لو أذنبها (أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة) قال النووى الصحيح المختار انه على عمومه واطلاقه وان كل مسلم مات فألهم الله الناس الثناء عليه أو معظمهم أي أو اثنان منهم كما في هذا الحديث كان ذلك دليلا على انه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضى ذلك أم لا ويكون في الثناء دليل على ان الله تعالى قد شاء المغفرة له قال وقيل ان محل هذا لمن أثني عليه أهل الفضل وكان ثناؤهم مطابقا لافعاله والا فليس مراد الحديث وهذا ضعيف (وكان يعلمهم عند زيارة القبور الى آخره) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه من حديث بريدة بن الخصيب (السلام عليكم أهل الديار) وفي رواية أخرى في مسلم السلام على أهل الديار (وانا ان شاء الله) قال النووى هي للتبرك وقيل عائد الى تلك التربة بعينها (أسأل الله لنا ولكم العافية) زاد النسائى أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع زاد مسلم وابن ماجه من حديث عائشة اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم (كان اذا عصفت الريح الى آخره) أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من حديث عائشة

فصل في أذكاره صلى الله عليه وسلم في السفر.

قال اللهم اني أسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به اللهم لقحا لا عقيما وكان اذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل وان كان في صلاة ثم يقول اللهم انى اعوذ بك من شرها فان مطر قال اللهم صيبا نافعا. وقال صلى الله عليه وسلم اذا وقعت عظيمة أو هاجت ريح عظيمة فعليكم بالتكبير فانه تجلى العجاج الاسود. وكان صلى الله عليه وسلم اذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا بعذابك وعافنا قبل ذلك. [فصل في أذكاره صلى الله عليه وسلم في السفر.] اذكاره صلى الله عليه وسلم في السفر. كان صلى الله عليه وسلم يركع قبل الخروج في بيته ركعتين وقال ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا ثم اذا قدم من سفره بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين. وكان يقول لمن يودعه استودع الله دينك وامانتك وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وعصفت معناه اشتدت (أسألك من خيرها) لفظ من مسلم اسألك خيرها بدون من (وشر ما أرسلت به) زاد الطبراني اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا وللترمذى والنسائي من حديث أبى بن كعب لا تسبوا الريح فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به قال الترمذي حديث حسن صحيح (اللهم لقحا لا عقيما) أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث سلمة بن الاكوع ولقحا بفتح اللام مع فتح القاف وسكونها وهي التي تحمل السحاب والعقيم بضدها (وكان اذا رأى ناشئا الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة والناشيء السحاب (في أفق) أي ناحية (ترك العمل) أي اهتماما بشأنه (اللهم صيبا) بفتح المهملة وكسر التحتية المشددة والمراد المطر يقال صاب المطر صوبا وأصاب بمعنى أنصب ومطر صوب وصيب وصيوب ولابي داود ومن ذكره سيبا بفتح المهملة وسكون التحتية والسيب العطاء (نافعا) فيها انه كرر ذلك مرتين ومن تتمة الحديث وان كشفه الله ولم يمطر حمد الله على ذلك (العجاح) بفتح المهملة وتخفيف الجيم الغبار العظيم (وكان اذا سمع الرعد والصواعق الى آخره) أخرجه الترمذي والنسائى والحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن عمر وأخرج مالك في الموطأ من حديث ابن الزبير موقوفا عليه كان اذا سمع الرعد ترك الحديث وقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته* اذكاره في السفر (ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين) أخرجه ابن أبي شيبة عن المطعم بن المقدام مرسلا (ثم اذا قدم من سفره بدأ بالمسجد الى آخره) أخرجه الشيخان وغيرهما عن كعب بن مالك كما مر زاد الطبراني في الكبير والحاكم من حديث أبى ثعلبة ثم يثنى بفاطمة ثم يأتي أزواجه (وكان يقول لمن يودعه الي آخره) أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمر وأخرجه أبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن يزيد

وخواتيم عملك وكان يقول لمن تخلف استودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه وقال ان الله اذا استودع شيئا حفظه. وجاءه رجل فقال يا رسول الله انى اريد سفرا فزودنى قال زودك الله التقوى قال زدني قال وغفر ذنبك قال زدنى قال ويسر لك الخير حيث ما كنت. وقال له آخر انى أريد أن أسافر فاوصني قال عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف فلما ولى الرجل قال اللهم أطوله البعيد وهون عليه السفر. وقال عمر استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فاذن لى فقال لا تنسانى يا أخي من دعائك فقال كلمة ما يسرنى أن لى بها في الدنيا. وكان صلى الله عليه وسلم اذا استوى على بعيره خارجا الى سفر كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخرلنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوي ومن العمل ما تحب وترضى اللهم هون علينا سفرنا واطوعنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الاهل والمال والولد واذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. وكان هو وجيوشه اذا علوا الثنايا كبروا واذا هبطوا سبحوا. وقال صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات مستجابات الخطمي (لا تضيع) بفتح الفوقية وكسر المعجمة (وقال ان الله اذا استودع شيأ حفظه) أخرجه النسائي من حديث ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال لقمان الحكيم ان الله اذا استودع شيئا حفظه (وجاءه رجل فقال يا رسول الله اني أريد سفرا فزودني) أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك من حديث أنس وقال الترمذي حسن غريب (قال زدني) زاد في المرة الثالثة بأبي أنت وأمى (وقال له آخر انى أريد أن أسافر فاوصني الخ) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقال الترمذى حديث حسن واوصني بفتح الهمزة وقطعها (على كل شرف) بفتح المعجمة والراء هو المكان المرتفع (اللهم اطوله البعيد) بهمز وصل (وقال عمر استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة الخ) أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح (يا أخى) روي بالتكبير وبالتصغير (كلمة) بالنصب والضمير في قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم (كان اذا استوى على بعيره خارجا الى آخره) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عمر (مقرنين) أي مطيعين (آيبون) أى راجعون (وكان هو وجيوشه الى آخره) رواه أبو داود (علوا الثنايا) بفتح المهملة واللام وضم الواو أي صعدوها (كبروا واذا هبطوا سبحوا) ذكر في حكمة التكبير للصعود انه تعالى لا أكبر منه ولا أعظم ولا أعلا وفي التسبيح للهبوط تنزيه للباري تعالى عن الانحطاط والنزول من تتمة الحديث فوضعت الصلاة على ذلك (ثلاث دعوات الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري في الادب وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة وللعقيلي والبيهقي في الشعب من حديثه أيضا دعوة الصائم ودعوة المسافر ودعوة المظلوم (مستجابات)

لا شك فيهن دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده. وقال أمان لامتى من الغرق اذا ركبوا يعني السفينة أن يقولوا بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الآية. وقال صلى الله عليه وسلم اذا انفلتت دابة أحدكم في فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا فان لله عز وجل في الارض حاضرا يستحبسه. وكان اذا أشرف على قرية يريد دخولها قال اللهم انى أسئلك من خير هذه القرية وخير ما جمعت فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها اللهم ارزقنا حياها وأعذنا من وباها وحببنا الى أهلها وحبب صالحى أهلها الينا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سافر فاقبل الليل قال يا أرض ربى وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق عليك وشر ما يدب عليك وأعوذ بك من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد. وقال من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رجع من سفره فدخل على أهله قال توبا توبا أوبا بالرفع بدل من ثلاث وبالكسر بدل من دعوات (ودعوة الوالد على ولده) لابي الحسن بن مردويه في الثلاثيات والضياء من حديث أنس لولده وكل صحيح (أمان لامتى اذا ركبوا يعني السفينة الى آخره) أخرجه أبو يعلى في مسنده وابن السني من حديث الحسين بلفظ امان لامتي من الغرق اذا ركبوا البحر (اذا انفلتت دابة أحدكم الى آخره) أخرجه أبو يعلى وابن السنى والطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود والانفلات بالفاء والفوقية الهرب (فان لله عز وجل حاضرا) أي من الجن (يستحبسه) زاد من مر عليكم (وكان يقول اذا أشرف على قرية الى آخره) أخرجه النسائي والحاكم وابن حبان من حديث صهيب (اللهم ارزقنا حياها) بفتح المهملة والتحتية مع القصر أي خصبها ونعيمها وضبطه الجزري بفتح الجيم والنون والاول هو المعروف (وباها) أصله الهمز لكنه يترك هنا لمؤاخاة حياها (وكان اذا سافر فاقبل الليل الى آخره) أخرجه أبو داود والنسائى والحاكم في المستدرك من حديث ابن عمر وقال الحاكم صحيح الاسناد (يدب) بكسر المهملة أي يمشى (أعوذ بك) للنسائى أعوذ بالله (من أسد) هو الاسد المعروف (واسود) بوزن أحمد والاسود هو الشخص وقيل العظيم من الحيات الذي فيه سواد (وساكن البلد) قال الخطابي هم الجن الذين هم سكان الارض قال والبلد من الارض ما كان مأوي الحيوان وان لم يكن فيه بناء ومنازل (ووالد) هو ابليس (وما ولد) هم الشياطين كذا قاله الخطابي (من نزل منزلا الي آخره) أخرجه مسلم والترمذى والنسائي وابن ماجه من حديث خولة بنت حكيم السلمية قالوا وليس لخولة في الصحيحين سوي هذا الحديث (توبا توبا) مصدر تاب يتوب أى تبت توبا (أوبا) بوزن الاول مصدر آب

فصل فيما كان يأمر به عند نهاق الحمير وصياح الديك ونباح الكلاب وغير ذلك

أوبا لا يغادر حوبا. وقال صلى الله عليه وسلم اذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له صاحبه أو أخوه يرحمك الله فاذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم. وقال اذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه واذا لم يحمد الله فلا تشمتوه. [فصل فيما كان يأمر به عند نهاق الحمير وصياح الديك ونباح الكلاب وغير ذلك] «فصل» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فانها رأت شيطانا واذا سمعتم صياح الديكة فاسئلوا الله من فضلة فانها رأت ملكا. وقال اذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير فتعوذوا بالله فانهم يرون ما لا ترون. وقال اذا رأيتم الحريق فكبروا فان التكبير يطفئه وقال من جلس في مجلس كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله الا أنت استغفرك وأتوب اليك الا غفر له ما كان في مجلسه ذلك. وقيل ما كان يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات بين أصحابه اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا والآخرة اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل نأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا اذا رجع (لا يغادر) أى لا يترك (حوبا) بضم المهملة وفتحها أى اثما. (فصل) فيما يقول من سمع نهاق الحمير وصياح الديكة (اذا سمعتم نهاق الحمير الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذى والنسائى من حديث أبي هريرة (وقال اذا سمعتم نباح الكلاب الى آخره) أخرجه أحمد والبخاري في الادب وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث جابر وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم (فانهم يرون ما لا ترون) تتمة الحديث وأقلوا الخروج اذا هدأت الرجل فان الله عز وجل يبث في ليلة من خلقه ما يشاءوا جيفوا الابواب واذكروا اسم الله عليها فان الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه وغطوا الجرار وأوكوا القرب واكفتوا الآنية (اذا رأيتم الحريق فكبروا الى آخره) أخرجه ابن السني وابن أبي عدي وابن عساكر بسند ضعيف من حديث ابن عمرو (من جلس في مجلس الخ) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما من حديث أبى هريرة وأخرجه النسائي والحاكم من حديث عائشة (سبحانك اللهم وبحمدك) في بعض طرق النسائي قبله سبحان الله وبحمده (الا غفر له ما كان في مجلسه ذلك) وللنسائي والحاكم من طريق عائشة ان تكلم بخير كان طابعا عليهن الى يوم القيامة وان تكلم بغير ذلك كان كفارة له (اللهم اقسم لنا من خشيتك الخ) أخرجه الترمذي والحاكم من حديث ابن عمر بسند صحيح (واجعله الوارث منا) أى يبقى الى أن نموت والوارث منصوب (واجعله ثأرنا) بالمثلثة والهمز كما مر

ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا وقال ما جلس قوم مجلسا لم يذكر الله عز وجل فيه ولم يصلوا على نبيهم الا كانت عليهم ترة فان شاء عذبهم وان شاء غفر لهم. وقال صلى الله عليه وسلم من رأى مبتلى فقال الحمد لله الذى عافانى مما ابتلاك به وفضلنى على كثير ممن خلق تفضيلا لم بصبه ذلك البلاء. وقال من دخل السوق فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له الف الف حسنة ومحى عنه الف الف سيئة ورفع له الف الف درجة. وقال اذا طنت أذن أحدكم فليذكرنى وليصل علىّ وليقل ذكر الله بخير من ذكرنى. وقال من صنع اليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء وقال انما جزاء السلف الحمد والاداء وقال صلى الله عليه وسلم لابى أيوب الانصارى وقد تناول من لحيته اذا مسح الله عنك يا أبى أيوب ما تكره لا يكن بك السوء يا أبا أيوب لا يكن بك السوء. وكان صلى الله عليه وسلم (أكبرهمنا) بالموحدة (ما جلس قوم مجلسا الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان من حديث أبي هريرة وأبى سعيد وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وللطبراني في الكبير والبيهقى في الشعب والضياء من حديث سهل بن الحنظلية ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون حتي يقال لهم قوموا فقد غفر الله لكم ذنوبكم وبدل سيئاتكم حسنات (ترة) بكسر الفوقية وتخفيف الراء بوزن سمة والترة النقص وللحاكم الا كانما تفرقوا عن جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة زاد النسائي وابن حبان وما مشى أحدكم ممشا لم يذكر الله فيه الا كان عليه ترة (من رأى مبتلى فقال الى آخره) أخرجه الترمذي من حديث أبى هريرة وقال حسن غريب (من دخل السوق الى آخره) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث عمر بن الخطاب (ورفع له ألف ألف درجة) زاد الترمذى في رواية أخري وبني له بيتا في الجنة وفي بعض رواية الحاكم ان محمد بن واسع أحد رواته قال فاتيت قتيبة بن مسلم فقلت أتيتك بهدية فحدثته بالحديث فكان قتيبة بن مسلم يركب في مركبة حتى يأتى السوق فيقولها ثم ينصرف (وقال اذا طنت اذن أحدكم الي آخره) أخرجه الحكيم وابن السنى والطبراني والعقيلى وابن أبي عدي من حديث أبي رافع والطنين بالطاء المهملة الصوت المسموع من الاذن (وقال من صنع اليه معروف الى آخره) أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان في صححه من حديث اسامة بن زيد وقال الترمذي حسن جيد غريب (فقد ابلغ في الثناء) أى بلغ فيه نهايته (وقال انما جراء السلف الى آخره) أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه من حديث عبد الله بن أبى ربيعة (الحمد) أي الثناء على من أسلفه (والاداء) لفظهم والوفاء (وقال لابي أيوب الى آخره) أخرجه عنه ابن السني (لا يكن بك السوء) هو دعاء بلفظ النهي (وكان

فصل فيما ورد عنه من فضل حلق الذكر والذاكرين الله تعالى

اذا أتى بباكورة ثمر قال اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا بركة مع بركة ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان وفي رواية أنه كان يضعه على عينيه ثم على شفتيه. وكان اذا خاف أن يصيب شيئا بعينيه قال اللهم بارك لنا فيه ولا تضره. وقال اذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه فان العين حق. وقال العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين واذا استغسلتم فاغسلوا قالت عائشة كان يؤمر العائن أن يتوضأ ثم يغسل منه المعين. وقال اذا رأيتم من الطيرة شيء تكرهونه فقولوا اللهم لا يأتى بالحسنات الا أنت ولا يذهب بالسيئات الا أنت ولا حول ولا قوة الا بالله. وكان صلى الله عليه وسلم اذا أتى اليه بمولود أذن في أذنه اليمني وأقام في اليسرى وذلك حين ولادته ووضعه في حجره وحنكه بتمر ودعا له وبرك عليه. وقال صلى الله عليه وسلم لمن قال له رأيت رؤيا خيرا رأيت وخيرا يكون وفي رواية خيرا تلقاه وشرا توقاه وخيرا لنا وشرا على أعدائنا والحمد لله رب العالمين. ولمن رآه يضحك أضحك الله سنك. ولمن رأى عليه ثوبا جديدا تبلى ويخلف الله أبل واخلق ثم أبل واخلق. ولمن قال له غفر الله لك قال ولك فهذه أطراف من أذكار النبي صلى الله عليه وسلم المتفرقة وهي أجل من أن تستوعب أو يحيط بها مكتتب. [فصل فيما ورد عنه من فضل حلق الذكر والذاكرين الله تعالى] (فصل) فيما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من فضل حلق الذكر وما لملازميها من عظيم الثواب والغفران ولمجانبيها من الوبال والحرمان. روينا في صحيحى البخارى ومسلم عن أبى اذا أتى) بالبناء للمفعول (بباكورة ثمر الى آخره) أخرجه مسلم والترمذى والنسائي وابن ماجه من حديث أبى هريرة (في ثمرنا) بفتح المثلثة والميم (ولمن رأى عليه ثوبا جديدا الخ) أخرجه البخاري وأبو داود من حديث أم خالد بنت خالد بن أسد واسمها أمة وليس لها في الكتب الستة سوى حديثين أحدهما هذا والثاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر أخرجه البخاري والنسائي (ويخلف الله) بضم أوله رباعى (أبل) بفتح الهمزة وسكون الموحدة (واخلق) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر اللام ثم قاف من اخلاق الثوب وتقطيعه ويروي بالفاء من العوض والبدل (ولمن قال له غفر الله لك قال ولك) أخرجه النسائي من حديث عبد الله بن سرخس ولمسلم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما أو قال ثريدا قال فقلت له استغفرلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم ولك ثم تلى هذه الآية وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ قالوا وليس لعبد الله بن سرخس في مسلم سوي ثلاثة أحاديث أحدها هذا (مكتتب) بفتح الفوقية المكررة. (فصل) في فضل حلق الذكر (روينا في صحيح البخاري ومسلم) وسنن الترمذى

هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فاذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى ينادوا هلموا الى حاجاتكم فيحفونهم باجنحتهم الى سماء الدنيا فيسئلهم ربهم وهو أعلم بهم ما يقول عبادي قالوا يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك فيقول هل رأونى فيقولون لا والله ما رأوك فيقول كيف لو رأونى قالوا يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد تحميدا وأكثر تسبيحا فيقول فما يسألونى قال يقولون يسئلونك الجنة قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول كيف لو رأوها قال يقولون إنهم لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون قالوا يتعوذون من النار قال فيقول وهل رأوها قال فيقولون لا والله ما رأوها فيقول كيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فأشهدكم انى قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم انما جاء لحاجته قال هم الجلساء لا يشقى جليسهم. وروينا فيهما أيضا عن ابي واقد الحارث بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه اذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأي فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم عن الثلاثة أما أحدهم فآوى الى الله. فآواه الله (ان الله تعالى ملائكة) زاد مسلم سيارة فضلا بفتح الفاء والمعجمة وبضمهما وسكون الضاد مع ضم الفاء وفتحها وبضم الفاء وفتح الضاد والمد جمع فاضل ومعناه على جميع الروايات انهم زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم الا حضور حلق الذكر (يلتمسون) لمسلم يتبعون بالمهملة من الاتباع وبالمعجمة من الابتغاء وهو الطلب (فيحفونهم باجنحتهم) أي يدنون أجنحتهم حولهم والتاء للتعدية ولمسلم وحف بعضهم بعضا وروى فيه وحض أى حث على الحضور والاستماع وروى أيضا وحط بالمهملة أى أشار بعضهم على بعض بالانحطاط والنزول (يتعوذون من النار) ولمسلم يستجيرونك من نارك أى يطلبونك الامان منها (فلان ليس منهم) لمسلم فيهم فلان عبد خطاء أي كثير الخطايا (هم القوم لا يشقي) بهم (جليسهم) قال النووى في الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وان لم يشاركهم وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم انتهي قال عياض واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب قال النووي فلت الصحيح انهم يكتبون (فآوي الى الله) بالمد

مطلب في أذكار منتقاة من الصحاح

واما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فاعرض فاعرض الله عنه. وروينا في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدرى وابى هريرة انهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده. وروينا فيه أيضا عن معاوية قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال ما أجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للاسلام ومنّ به علينا قال آلله ما أجلسكم إلا ذاك اما اني لم أستحلفكم تهمة ولكنه اتاني جبريل فاخبرنى ان الله تعالى يباهى بكم الملائكة. وروينا في صحيحهما عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى انا عند ظن عبدى بى وانا معه اذا ذكرنى فان ذكرنى في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرنى في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. وروينا في جامع الترمذى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة قال حلق الذكر فهذا ما ورد في الصحيحين من هذا المعنى. [مطلب في أذكار منتقاة من الصحاح] وقد رأيت ان اختم ذلك بخمسة اذكار منتقاة من الصحاح عظيمة الارباح مفصحة يوم القيامة وعودها باليمن والصلاح. أولها لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو (فاستحيا الله منه) أى عامله معاملة المستحيين من اللطف به اذ هو تعالي منزه عن الاستحياء الذى هو رقة الوجه (فاعرض الله عنه) كناية عن غضبه (وروينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد) أخرجه عنهما أيضا الترمذي وابن ماجه وسبق الكلام على هذا الحديث قريبا (وروينا فيه أيضا عن معاوية) أخرجه عنه أيضا الترمذي والنسائي وهو داخل في مسند أبي سعيد (آلله ما اجلسكم الا ذاك) زاد الترمذي بعد قوله صلى الله عليه وسلم آلله ما اجلسنا الا ذاك (تهمة لكم) بضم الفوقية مع فتح الهاء وسكونها واشتقاقها من الوهم والتاء بدل من الواو (ان الله يباهى بكم الملائكة) قال النووى معناه يظهر فضلكم لهم ويريهم حسن عملكم ويثنى عليكم عندهم قال البهاء الحسن والجمال (وروينا في صحيحهما عن أبى هريرة) أخرجه عنه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه (انا عند ظن عبدي بي) معناه ان ظن بي انى ذو رحمة واسعة ومغفرة تامة كنت كذلك بالنسبة اليه وفي ضمن الحديث النهى عن القنوط من رحمة الله (روينا في جامع الترمذي عن ابن عمر) ولاحمد والترمذي في رواية والبيهقي في الشعب عن أنس (قال حلق الذكر) وللطبرانى من حديث ابن عباس قال مجالس العلم وللترمذي من حديث أبي هريرة قال المساجد وزاد قيل وما الرابع قال سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر (لا اله الا الله وحده لا شريك له الى آخره) جاء في الحديث ان من قالها عشر مرات كان كمن اعتق أربعة أنفس من ولد اسماعيل أخرجه الشيخان والترمذى والنسائي من

على كل شيء قدير. ثانيها سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. ثالثها سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. رابعها رب اغفر لى وتب علىّ انك أنت التواب الرحيم. خامسها اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد محيد فهذه الخمسة الاذكار قد جمعت أفضل أنواع التهليل وأفضل أنواع التسبيح ومن أفضل أنواع الاستغفار في اختصار وأخصر كيفيات الصلاة على النبي صلى حديث أبي أيوب خالد بن زيد (سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر) جاء في الحديث ان الله اصطفي من الكلام أربعا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر أخرجه النسائي والحاكم في المستدرك من حديث أبى هريرة وأبى سعيد قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأخرجا أيضا من حديث أبي هريرة انه صلى الله عليه وسلم قال خذوا حسبكم قالوا يا رسول الله من عدو قد حضر قال لا ولكن حسبكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر فانهن يأتين يوم القيامة محسنات ومعقبات وهن الباقيات الصالحات قوله محسنات بفتح النون أي مقدمات امامكم وقوله ومعقبات بكسر القاف أى مؤخرات يعقبونكم من ورائكم وأخرج ابن السنى من حديث ابن عباس انهن في ذنب المسلم مثل الاكلة في جنب ابن آدم وأخرج ابن النجار والديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت فذكرهن ولمسلم والنسائى وابن ماجه من حديث سمرة بن جندب أحب الكلام الى الله أربع فذكرهن زاد النسائى وهن من القرآن (ولا حول ولا قوة الا بالله) جاء في الحديث انها كنز من كنوز الجنة أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبى موسى وأخرجه النسائي أيضا من حديث أبى هريرة وزاد فيه ولا ملجأ من الله الا اليه قال الخطابي يعنى الكنز في هذا أى وفيما يشبهه من الاحاديث الاخر الذي يحرزه قائله والثواب الذي يدخر له فيه (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) جاء في الحديث انهما كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن أخرجه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقوله (وبحمده) الواو فيه للحال أي اسبحه تسبيحا متلبسا بحمدى له وقدم التسبيح على التحميد لان التسبيح تنزيه عن صفات النقص والثانى ثناء بصفات الكمال والتخلية بالمعجمة مقدمة على التحلية بالمهملة قال الكرماني التسبيح اشارة الى الصفات السلبية أي التي يجب سلبها عن الله وتنزيهه عنها والحمد اشارة الى الصفات الوجودية أي التى يجب أثباتها له تعالى والثناء عليه بها وكرر في هذا الحديث التسبيح تأكيدا للاعتناء بجميع التنزيه من جهة كثرة المخالفين والواصفين له تعالى بما ليس بلائق في حقه بخلاف صفات الكمال فلا نزاع في ثبوتها له تعالى (رب اغفر لى وتب على انك أنت التواب الرحيم) جاء في الحديث ان كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لى وتب على انك أنت التواب الرحيم أخرجه أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر وقال الترمذي حسن صحيح غريب وهذا لفظ أبي داود وللترمذي والنسائي وابن ماجه التواب الغفور وفي أخري للنسائي اغفر لى وارحمنى وتب على انك أنت التواب الغفور

الباب الرابع في فضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته

الله عليه وعلى آله وسلم في تمام ولكل منها شرح طويل مما يقطع الحجة فهذه أفضل الاذكار بعد القرآن فينبغي لكل متدين ملازمتها كل يوم واتخاذها وردا يطالب بها نفسه ويأسف عليها ان فاتته وينبغي له أن يأتي بكل ذكر منها مائة مرة وان يأتى بها أول نهاره ليكون له حرزا يقيه يومه وأرجو أن من وفق للعمل بها واثبتت كل يوم في صحيفة أعماله أن يكون ممن لقاه الله اليمن والبركة وجنبه الشؤم والهلكة وغلبت حسناته سيئاته وبالله سبحانه التوفيق. [الباب الرابع في فضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته] (الباب الرابع في فضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن يعظم لاجله وفضل حديثه ومحدثيه وختامه بفضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وفيه خمسة فصول) [الفصل الأول في فضل أهل بيت النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم] «الفصل الأول» في فضل أهل بيت النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (أن يأتي بكل ذكر منها مائة) ففي الحديث من قال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بافضل مما جاء به الا أحد عمل أكثر من ذلك أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبى هريرة زاد مسلم والترمذي والنسائي ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر وقد مضى التقدير بها في الاستغفار (تنبيه) في ظاهر هذا يفضل التسبيح على التهليل لان في التهليل ومحيت عنه مائة سيئة وقد قال في التسبيح ولم يأت أحد بافضل مما جاء به وأجاب عياض بان التهليل أفضل ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من فضل عتق الرقاب وكونه حرزا من الشيطان زائدا على ما في التسبيح من تكفير الخطايا انتهى قال النووي واطلاق التقدير بالمائة يقتضى حصول الاجر سواء قالها متوالية أو متفرقة لكن الافضل ان يأتي بها متوالية (وان يأتي بها اول نهاره ليكون حرزا له يقيه يومه) من الشيطان ووسوسته ومن كل سوء. (الباب الرابع) (ومن يعظم) بضم أوله وفتح العين والظاء المشددة أي من ينبغى تعظيمه (الا المودة في القربي) أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس انه سئل عن قوله تعالى إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد فقال ابن عباس عجلت ان النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش الا كان له فيهم قرابة فقال الا أن يصلوا ما بيني وبينكم من القرابة قال البغوي وروي الشعبي وطاوس عنه يعنى ان يحفظوا قرابتى ويودوني ويصلوا رحمى وقال عكرمة لا أسألكم على ما أدعوكم اليه أجرا الا أن تحفظونى في قرابتى بيني وبينكم وليس كما يقول الكذابون وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في معنى الآية الا ان يوادوا الله ويتقربوا اليه بطاعته وهو قول الحسن قال هو القربى الى الله يقول الا التقرب الى الله والتودد له بالطاعة والعمل الصالح وقال بعضهم معناه الا ان توادوا قرابتي وعترتى وتحفظونى فيهم وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وادعا قوم نسخ هذه الآية بقوله تعالى قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وقال تعالى وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ وقال تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ. وعن يزيد بن حيان قال انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم الى زيد بن أرقم فلما جلسنا اليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغدوت معه وصليت خلفه لقد رأيت يا زيد خلقا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بنى أخى والله لقد كبرت سني وقدم عهدى ونسيت بعض الذي كنت أعى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثني عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس انما أنا بشر مثلكم عَلَى اللَّهِ وبقوله قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وغيرهما من الآيات وممن قال بهذا الضحاك بن مزاحم والحسين ابن الفضل قال البغوى وغيره وهذا قول غير مرضى لأن مودته صلى الله عليه وسلم وكف الاذى عنه ومودة أقاربه والتقرب الى الله بالعلم والعمل الصالح من فرائض الدين (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) هو الاثم قاله مقاتل أو عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضى قاله ابن عباس أو السوء قاله قتادة أو الشك قاله مجاهد (أَهْلَ الْبَيْتِ) يعنى نسائه صلى الله عليه وسلم لانهن في بيته قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه وتلي قوله تعالي وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ الآية أو يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين قاله أبو سعيد ومجاهد وقتادة وجملة التابعين ويؤيده انها لما نزلت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى فاطمة وعلى والحسن والحسين وجللهم بكساء ثم قال هؤلاء أهل بيتى وحامتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أخرجه الترمذى والحاكم من حديث أم سلمة وقال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ) أي اعلام دينه (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) أي ان تعظيمها من تقوي القلوب (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه ووجوب طاعته عليهم (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) أي في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأبيد وفي قراءة أبي بن كعب وهو أب لهم واختلف هل كن أمهات النساء المؤمنات كالرجال والصحيح لا فقد روي الشعبي عن مسروق ان امرأة قالت لعائشة يا أماه فقالت لست لك بأم انما أنا أم رجالكم (وعن يزيد) بالتحتية فالزاي (ابن حيان) بفتح المهملة وتشديد التحتية (وحصين) بالمهملتين مصغر (ابن سمرة) بفتح المهملة وسكون الموحدة (لقد كبرت) بكسر الموحدة (وقدم) بضم المهملة (أعي) أي احفظ كانه جعله في وعائها أى بموضع فيه ماء (يدعي) أي سمي (خما) بضم المعجمة وتشديد الميم اسم تغيطة على ثلاثة أميال من الحجفة عندها غدير مشهور يطاف الى الغيطة فيقال غدير خم

يوشك أن يأتى رسول ربى فاجيب وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله فاستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال ليس نساؤه من أهل بيته ولكن من حرم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال كل هؤلاء حرم الصدقة قال نعم رواه مسلم وروى البخاري عن ابن عمر عن أبى بكر موقوفا عليه انه قال ارقبوا محمد في اهل بيته وقال والذى نفسى بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الى من ان اصل قرابتي وقال صلى الله عليه وآله وسلم معرفة حق آل محمد براءة من النار وحب آل محمد جواز على الصراط والولاية لآل محمد أمان من العذاب قال بعضهم معرفتهم هي معرفة مكانهم من النبي صلى الله عليه وسلم فاذا عرفهم بذلك عرف وجوب حقهم وحرمتهم بسببه وعن عمرو بن ابى سلمة قال لما نزلت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وذلك في بيت ام سلمة دعا النبى صلى الله عليه وسلم فاطمة والحسن والحسين فجللهم بكساء وعلى رضى الله عنه خلف ظهره ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتى فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وكذلك لما نزلت آية المباهلة دعاهم أيضا وقال اللهم هؤلاء أهلى وقال صلى الله عليه وسلم في على من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقال فيه لا يحبك الا مؤمن ولا (وانا تارك فيكم الثقلين) قال العلماء سميا ثقلين لعظمهما وكبر شأنهما وقيل لثقل العمل بهما وقيل لتقاسيهما وخطرهما والعرب تقول لكل نفيس خطر ثقيل (قال نساؤه من أهل بيته) في رواية أخرى في مسلم فقلنا من أهل بيته نساؤه قال لا قال النووي هذا دليل لابطال قول من قال انهم قريش كلها فقد كان في نسائه قرشيات قال وهاتان الروايتان في مسلم ظاهرهما التناقض والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم انه قال نساؤه ليس من أهل بيته فتناول الرواية الاولى على ان المراد انهن من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم وأمر باحترامهم واكرامهم وسماهم ثقلا ووعظ في حفظ حقوقهم وذكر فنساؤه داخلات في هذا كله ولا يدخلن فيمن حرم الصدقة وقد أشار الى هذا بقوله نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة فاتفقت الروايتان (من حرم الصدقة) بضم المهملة وتخفيف الراء المكسورة (رواه أحمد ومسلم) وعبد بن حميد كلهم عن زيد بن أرقم (ارقبوا محمدا) أي احفظوه وراعوه واحترموه (معرفة حق آل محمد براءة من النار الى آخره) ذكره كذلك عياض في الشفاء (من كنت مولاه فعلى مولاه) أخرجه أحمد وابن ماجه من حديث البراء وأخرجه أحمد أيضا من حديث بريدة وأخرجه الترمذي والنسائى

يبغضك الا منافق. وقال للعباس والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبكم لله ورسوله. وقال من آذى عمى فقد آذانى وانما عم الرجل صنو أبيه. وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ الحسن بن على والحسين صنوه ويقول اللهم انى أحبهما فأحبهما. وقال صلى الله عليه وسلم من أحبنى وأحب هذين وأشار الى الحسن والحسين وأباهما وأمهما كان معى في درجتى يوم القيامة. وقال مثل أهل بيتى فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى وعن عقبة بن الحارث قال قال رأيت أبا بكر جعل الحسن على عنقه وهو يقول بابى شبيها بالنبي ليس شبيها بعلى وعلىّ يضحك. وروى عن عبد الله بن الحسن قال أتيت عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه في حاجة فقال يا عبد الله اذا كان لك حاجة فأرسل الىّ أو أكتب فانى أستحى من الله أن يراك على بابى. وروى ان زيد بن ثابت أراد أن يركب بغلة له فاخذ ابن عباس بركابها وقال هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء فقبل زيد يد ابن عباس وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. وروي أن المنصور أراد أن يقيد مالكا والضياء من حديث زيد بن أرقم ولاحمد والنسائي والحاكم في طريق أخرى من حديث بريدة من كنت وليه فعلى وليه وللمحاملى في أماليه من حديث ابن عباس على بن أبي طالب مولى من كنت مولاه وللحاكم من حديث على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رحم الله عليا اللهم ادر الحق معه حيث دار (من آذى عمى فقد آذاني الى آخره) أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عباس بلفظ من آذى العباس فقد آذاني ولأحمد والبخاري في التاريخ من حديث عمرو بن ساس من آذى عليا فقد آذاني ولابن عساكر من حديث على من آذى شعرة منى فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (اللهم انى أحبهما فأحبهما) أخرجه الترمذى من حديث البراء واسامة بن زيد في الحسن والحسين وفي الحسن واسامة وقال حسن صحيح زاد في رواية اسامة وأحب من يحبهما وقال حسن غريب (من أحبنى وأحب هذين الى آخره) أخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفنة نوح الى آخره) أخرجه البزار من حديث ابن عباس وابن الزبير وأخرجه الحاكم من حديث أبى ذر (وعن عقبة بن الحارث الي آخره) أخرجه عنه البخاري (ليس شبيها) الواقع في صحيح البخاري شبيه بالرفع قال ابن مالك على ان ليس حرف عطف ويجوز كونه اسمها والخبر ضمير متصل حذف استغناء شبيه عن لفظه (وروى عن عبد الله بن الحسن) هو المثني ابن الحسن بن على وكان عبد الله هذا يقال له المحض أي الخالص ويقال له الديباجه والكامل أمه فاطمة بنت الحسين فمن ثم قيل له المحض ومات هو واخوته في سجن المنصور العباسى سنة خمس وأربعين ومائة (وروي ان زيد بن ثابت الى آخره) حكاه في الشفاء عن الشعبي قال صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه ثم قربت له بغلته ليركبها فذكره (هكذا أمرنا) بالبناء للمفعول (ان يقيد) بضم أوله وكسر القاف أى

من جعفر بن سليمان وكان ضربه حتى غشى عليه فقال أعوذ بالله والله ما ارتفع منها سوط عن جسمى الا وقد جعلته في حل لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو بكر بن عياش لو أتاني أبو بكر وعمر وعلى في حاجة لبدأت بحاجة على قبلهما وذلك لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن أخر من السماء الى الأرض أحب الى من أن اقدمه عليهما* قال المؤلف ففي جملة هذه الاخبار والآثار تنويه بقدر أهل المختار ورفع لمنزلتهم وتنبيه على عظيم مكانتهم فينبغى أن يعرف لهم ذلك ويقدموا في الامور ويوسعوا في الصلة ويقابلوا بالتبجيل والتعظيم ويلحقوا نبيهم في الصلاة والتسليم ففي ذلك امتثال لأمر الله وصلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وينبغى لمن قصده أحد من أهل بيت رسول الله متعرضا لمعروفه متعرفا اليه بالقرابة النبوية أن يصله ولا يطالبه بالبينة على نسبه فيقع في المحذور فقد روى أن بعض المثريين اعترضه بعض فقراء أهل البيت عليهم السلام متعرفا اليه باتصاله برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يشهد لك على ذلك وأعرض عنه فرأى ذلك الرجل أن القيامة قامت وغشيه كربها فلجأ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم متعرفا اليه بأنى رجل من أمتك فقال صلى الله عليه وسلم من يشهد لك على ذلك وفي الكلام قصة. ومما يتعين التحذير منه الغلو في حب أهل البيت حتى يتناول بسببهم كثيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يحب أفعالهم الصادرة منهم حسنها وسيئها لا يقبح منها شيئا فكل من أحبهم على هذا الوجه خسر ولا يقاوم خيره شره وقد روينا بالسند الثابت عن الفضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن المثني يقول لرجل ممن يغلو فيهم ويحكم أحبونا لله فان أطعنا الله فأحبونا وان عصينا الله فابغضونا فقال له رجل انكم ذو قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فقال ويحكم لو كان الله نافعا بقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب نأخذ له بالقود (من جعفر بن سليمان) ابن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسين (الا وقد جعلته في حل) زاد في الشفاء فسئل عن ذلك فقال خشيت ان أموت فألقى النبى صلى الله عليه وسلم فاستحيى ان يدخل بعض آله النار بسببى (ابن عباس) بالتحتية والمعجمة (ولان اخر من السماء أحب الي الى آخره) يعنى ان النفس تحب تقديمهما عليه لفضلهما ويختار ان يخركما ذكر ولا يقدمه عليهما ومع ذلك سأقدمه عليهما وأخالف نفسي نظرا لما له من فضيلة القرابة (المثريين) بضم الميم وسكون المثلثة بعدها راء فتحتية فنون جمع مثر وهو كثير المال (حتى يتناول) أي يسب (خيره) فاعل (شره) مفعول (ابن مرزوق)

الفصل الثانى في فضل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

اليه منا أباه وأمه والله انى أخاف أن يضاعف للعاصى منا العذاب ضعفين والله اني لارجو أن يؤتى المحسن منا أجره مرتين. ونحو منه ما روى عن الحسن بن على وهو الناصر الاطروش رضى الله عنهما. وما ورد في قوله تعالى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وقوله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا مبين عن ذلك والله اعلم. [الفصل الثانى في فضل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] (الفصل الثانى) في فضل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ الى آخر السورة وقال تعالى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وقال لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وقال مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ والآيات في هذا المعنى كثيرة وتقدم كثير منها ومن الاحاديث في هذا الكتاب وسنزيد هنا تكرارا وبيانا عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل اصحابى كمثل الملح لا يصلح الطعام الا به وقال صلى الله عليه وسلم اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقال الله الله في اصحابى لا تتخذوهم غرضا بعدى فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم ومن آذاهم بتقديم الراء على الزاى (عن الحسن بن على) بن الحسين بن على بن عمر الاشرف بن زين العابدين بن على ابن الحسين (وهو الناصر) لقب له (الاطروش) بضم الهمزة والراء بينهما مهملة ساكنة آخره معجمة أى الاصم والطرش الصمم (الفصل الثاني) محمد رسول الله قال البغوي تم الكلام هاهنا قال ابن عباس شهد له بالرسالة ثم قال مبتدئا (والذين معه) وهذه واو الاستئناف أى والذين معه من المؤمنين (أشداء على الكفار) أي غلاظ عليهم لا يأخذهم فيهم رأفة (رحماء بينهم) أي متعاطفون متوادون يود بعضهم بعضا كالوالد مع الولد (والسابقون الاولون من المهاجرين) وهم الذين صلوا لى القبلتين أو من شهد بدرا أو من شهد بيعة الرضوان أقوال (و) السابقون الاولون من الانصار هم الذين بايعوا ليلة العقبة (لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك) بالحديبية على ان يناجزوا قريشا ولا يفروا (تحت الشجرة) وكانت سمرة كما سبق (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) أي قاموا بما عاهدوا الله عليه ووفوا به (تكرارا) بفتح التاء مصدر وكسرها اسم قال الحريرى وجميع المصادر التى جاءت على بفعال بفتح التاء الا قولهم تبيان وتلقاء (مثل أصحابي كمثل الملح الى آخره) أخرجه ابن ماجه من حديث أنس (وقال أصحابي كالنجوم) أخرجه رزين من حديث عمر وأوله سألت ربي عز وجل عن اختلاف أصحابي من بعدي فأوحي الي يا محمد ان أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أقوى من بعض ولكل نور فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى قال وقال أصحابي كالنجوم الى آخره (الله الله في أصحابي الى آخره) أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن معقل المزني وقوله الله الله بالنصب باضمار اتقوا واحذروا (عرضا)

فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك ان يأخذه. وقال لا تسبوا اصحابى فلو انفق احدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه. وقال من سب أحد اصحابى فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وقال اذا ذكر أصحابى فامسكوا وقال مالك وغيره من بغض الصحابة وسبهم فليس له فيء المسلمين نصيب ونزع بآية الحشر وقال من غاظه أصحاب محمد فهو كافر وقال الله تعالى لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وقال عبد الله بن المبارك خصلتان من كانتا فيه نجا الصدق وحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقال أيوب السختيانى من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برىء من النفاق ومن أبغض واحدا منهم فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح وأخاف ان لا يصعد له عمل الى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه سليما. وقال صلى الله عليه وسلم أيها الناس ان الله غفر لاهل بدر والحديبية أيها الناس احفظوني في أصحابى وأصهارى واختانى لا يطالبنكم أحد منهم بمظلمة فانها مظلمة لا توهب في القيامة غدا. وقال رجل للمعافي بن عمران ابن عمر بن عبد العزيز من معاوية فغضب وقال بفتح المعجمة والراء هو الهدف الذى يرمي اليه أي لا تجعلوهم مواقع لسهام سبكم (يوشك) يقرب (ان يأخذه) أي يخذله ولا يوفقه لخير يقال فلان مأخوذ اذا كان كذلك (لا تسبوا أصحابي) سبق الكلام عليه في غزوة ذات السلاسل (من سب أحد أصحابى الى آخره) أخرجه البيهقى من حديث ابن عباس (اذا ذكر أصحابي فامسكوا) تتمته واذا ذكرت النجوم فامسكوا واذا ذكر القدر فامسكوا أخرجه الطبراني بسند حسن من حديث ابن مسعود وثوبان وأخرجه ابن أبى عدى من حديث عمر (ونزع) أي أخذ منه ألفيء (بآية الحشر) أى قوله يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الآية فثبت ألفىء لمن اتصف ممن جاء من بعدهم بالدعاء لهم ومحبتهم دون من أبغضهم وسبهم (وقال أيوب) هو أبو بكر بن أبى تميمة واسمه كيسان بصري تابعي ولد سنة ست أو ثمان وستين ومات سنة احدى وثلاثين ومائة وانما قيل له السختياني نسبة الي عمل السختيان وبيعه وهو الجلود الضانية قاله السمعاني وقال الصاغاني في العباب السختيان جلد الماعز المدبوغ فارسي معرب وهو بفتح المهملة وسكون المعجمة وكسر الفوقية ويقال بفتحها أيضا ويقال أيضا بفتح السين وضمها (أيها الناس ان الله غفر لاهل بدر والحديبية الى آخره) أخرجه البغوي والطبراني وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر من حديث عياض الانصاري (واختانى) بالمعجمة والفوقية والنون أى اصهاري (للمعافي) بضم الميم وفتح الفاء (ابن) بفتح الهمزة وسكون التحتية (عمران ابن عبد العزيز من معاوية)

الفصل الثالث في تعظيم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

لا يقاس بأصحاب النبى أحد معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحى الله عز وجل وقال كعب ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا وله شفاعة يوم القيامة وقال سهل بن عبد الله التسترى لم يؤمن بالرسول من لم يوقر أصحابه. وقال القاضى عياض ومن توقيره صلى الله عليه وسلم توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم والاقتداء بهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والامساك عما شجر بينهم ومعادات من عاداهم والاضراب عن اخبار المؤرخين وجهلة الرواة وضلال الشيعة والمبتدعين القادحة في أحد منهم. وان يلتمس لهم فيما نقل من مثل ذلك وفيما كان بينهم من الفتن أحسن التأويلات ويخرج لهم أصوب المخارج اذ هم أهل لذلك ولا يذكر أحد منهم بسوء ولا يغمص عليه أمر بل يذكر حسناتهم وفضائلهم وجميل سيرهم ويسكت عما وراء ذلك والله أعلم. [الفصل الثالث في تعظيم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] (الفصل الثالث) في تعظيم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عظمه ومحبتهم لما أحبه من ذلك ما قدمنا روايته ان أبا بكر كان يقول لعمر اذهب بنا الى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها وذكر الحديث. ولما فرض عمر بن الخطاب الا عطية فرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف ولأسامة بن زيد ثلاثة آلاف وخمس مائة قال عبد الله لم فضلته علىّ فو الله ما سبقنى الى مشهد فقال له لأن زيدا كان أحب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابيك واسامة أحب اليه منك فآثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبي* وروي ان حليمة السعدية وفدت على أبى بكر وعمر فصنعا بها كما كان يصنع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأي ابن عمر محمد بن اسامة وكأنه كره منه شيأ فقال ليت هذا عندي فقيل له هذا محمد بن اسامة فطأطأ أين عمر رأسه ونقر بيده الارض وقال لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه ولما وفدت بنت اسامة على عمر بن عبد العزيز معناه تفضيل عمر على معاوية (وقال كعب) أي كعب الاحبار (وضلال) بضم المعجمة وتشديد اللام جمع ضال (القادحة) بالقاف أى المتنقصة (وان يلتمس) بالبناء للمفعول (أحسن التأويلات) بالرفع (ولا يغمص) أى لا يعاب ولا يذكر بسوء (الفصل الثالث) (ولما فرض عمر الاعطية الي آخره) أخرجه الترمذى من حديث ابن عمر (فآثرت حب) بكسر الحاء أى محبوب وبضمها أيضا (على حبي) بالكسر والضم أيضا (ورأى ابن عمر محمد بن اسامة الى آخره) أخرجه البخارى وغيره (ليت هذا عندى) بالنون أى حتى أنصحه واعظه وروى عبدى بالموحدة من العبودية لانه كان أسود اللون فيما قيل

رضى الله عنه تلقاها وجلس بين يديها وما ترك حاجة لها الا قضاها أما محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له وحملهم أنفسهم على ما شاهدوه من جميل سيرته وحسن طريفته والتأسى به في عموم أحوالهم فأمر لا يحكى وقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم بذلك وانتشرت بذلك الأخبار ولولا خشية الا طالة لذكرت منها ذكرا واسعا وانما ذكرت هذا الطرف في ذكر محبتهم لمن أحب لأن فيه تنبيها على قدر محبتهم له فان ذلك من باب أولى ويكفي في تحقيق ذلك أنهم هجروا في محبته خير البلاد ومحاب الأهل والأولاد واتخذوهم أعدى الأعادى وصار حبه طبعا وعادة عندهم حتى في المباحات وشهوات النفس كما قال أنس رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من نواحى القصعة فلم أزل أحب الدباء من يومئذ ونقيضه في الكراهة قول أبى أيوب وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوم احرام هو قال لا ولكنى أكرهه لأجل ريحه قال فأنا أكره ما كرهت ومثل هذا عن الحسن بن علىّ وأصحابه أتوا سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوها ان تصنع لهم طعاما مما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ابن عمر يلبس النعال السبتية ويصبغ بالصفرة اذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. (الفصل الرابع) في فضل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحدثيه وما نقل عن السلف من تعظيمهم لذلك من ذلك ما رواه الدارقطني عن ميمون قال اختلفت الى ابن مسعود سنة فما سمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا انه حديث يوما فجرى على لسانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم علاه كرب حتى رأيت العرق ينحدر عن جبهته ثم قال هكذا ان شاء الله أو فوق ذا أو مادون ذا وما هو قريب من ذا وقد سبق من رواية البخاري ان ابن عباس رضي الله عنهما أمر ابنه عليا ومولاه عكرمة ان يأتيا أبا سعيد الخدري رضى الله عنه فيسمعا عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا وهو يعمل في حائط له فلما كلموه في ذلك ترك العمل وأخذ رداء واحتبى ثم أقبل يحدثهم. ومر مالك بن أنس على أبى حازم وهو يحدث الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (النعال) بكسر النون (السبتية) بكسر المهملة والفوقية بينهما موحدة ساكنة وبعد الفوقية تحتية مشددة هي التي لا شعر عليها (ويصبغ) بضم الموحدة أشهر من فتحها (الفصل الرابع) (عن أبي حازم) وهو الاشجعى يروي عن أبي هريرة واسمه سلمة بن دينار ولهم آخو يروي عن سهل بن سعد واسمه

فاجتاز بمجلسه وقال اني لم أجد موضعا أجلس فيه وكرهت ان أجد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم. وسئل ابن المسيب عن حديث وهو مضطجع فجلس فقال له السائل وددت انك لم تتعن فقال انى كرهت ان أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع. وكان ابن سيرين ربما يعرض له بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فيخشع وقال مطرف قال كان اذا أتى الناس مالكا خرجت اليهم الجارية فتقول لهم يقول لكم الشيخ تريدون الحديث أو المسائل فان قالوا المسائل خرج اليهم وان قالوا الحديث دخل مغتسله واغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وتعمم ووضع على رأسه رداء ويلقى له منصة يجلس عليها وعليه الخشوع ولا يزال يتطيب بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له في ذلك فقال انى أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به الا على طهارة متمكنا ولم يكن يجلس على تلك المنضة الا اذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل انه لدغته عقرب ستة عشرة مرة فلم يقطع حديثه وسأله جرير بن عبد الحميد عن حديث وهو قائم فأمر بحبسه فقيل له انه قاض فقال القاضي أحق من أدب. وكان اذا رفع أحد صوته في مجلسه زبره ويقول قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانما رفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم. وسئل أبو عمرو اسمعيل بن نجيد واحمد بن حمدان وكانا عبدين صالحين بأى شيء اكتب الحديث فقال الستم ترون عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة قال نعم قال فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الصالحين وروينا بالسند الصحيح الى الشافعي قال كلما رأيت رجلا من اصحاب الحديث فكأنما رأيت رجلا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابو ايوب السختيانى ان الرجل من اهل السنة ليموت فكأنما مات بعض اعضائى ابشروا يا اهل السنة برحمة سلمان (فاجتاز) بهمز وصل وبالجيم والزاي أى مرو لم يقف (لم تتعن) بتشديد النون أي تتعب (ابن سيرين) هو محمد (يعرض) بضم أوله وفتح العين وتشديد الراء (مطرف) بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء ثم فاء هو ابن عبد الله بن مطرف (فان قالوا المسائل) بالنصب باضمار يريد (جددا) بضم الجيم والدال الاولى (منصة) بكسر الميم وفتح النون وتشديد المهملة سرير العروس قاله ابن الاثير ونحوه في القاموس (جرير) بالجيم وتكرير الراء بوزن عظيم (زبره) بفتح الزاي والموحدة والراء أي نهاه وزجره (ابن نجيد) بالنون فالجيم فالتحتية فالمهملة مصغر (ابن حمدان) بفتح المهملة (ألستم ترون) بضم التاء وفتحها

الله ورضوانه اليوم على السنة وغدا في الجنة واجمع علماء الامة الذين يعتد بهم في قوله صلى الله عليه وسلم لا يزال من امتى امة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتى امر الله تعالى انهم اهل الحديث وقال الامام ابو عمرو بن الصلاح هذا وان علم الحديث من افضل العلوم الفاضلة وانفع الفنون النافعة يحبه ذكور الرجال وفحولهم ويعني به محققوا العلماء وكملتهم ولا يكرهه من الناس الا رذالهم وسفلتهم وهو من اكثر العلوم تولجا في (لا تزال) بالفوقية (من أمتى أمة قائمة بأمر الله الى آخره) أخرجه الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة وأخرجه الترمذى من حديث معاوية بن قرة عن أبيه قال النووي ويحتمل ان هذه الطائفة معروفة في المؤمنين فمنهم قائم بالجهاد ومنهم قائم بالعلم ومنهم قائم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنهم قائم بأنواع أخرى من الخير انتهى وهذا يخالف ما ذكره المصنف من الاجماع نعم حكى ذلك الترمذي في صحيحه عن على بن المدينى قلت ما قاله النووي رواية أبي داود من حديث عمران بن حصين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يقاتل آخرهم المسيخ الدجال فهذا الحديث يظهر في المجاهدين ولمسلم لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق والغرب بالمعجمة وسكون الراء والمراد الغرب لاختصاصهم بالغرب غالبا وهى الدلو الكبيرة أو المراد أهل القوة والشدة والحرب وغرب كل شيء حده أو المراد الغرب من الارض الذي هو ضد الشرق أقوال وعلى الثالث فالمراد أهل الشام أو هم وما وراء ذلك أو أهل بيت المقدس قال القرطبي في شرح مسلم أول الغرب بالنسبة الى المدينة النبوية هو الشام وآخره حيث تنفقع الارض من الغرب الاقصى وما بينهما كل ذلك يطلق عليه مغرب فهل المراد المغرب كله أو أوله كل ذلك محتمل انتهي قال أبو بكر الطرسوسى في رسالة كتبها الى أقصى المغرب الله أعلم هل أرادكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث أو أراد به جملة أهل المغرب لما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة وطهاراتهم من البدع والاحداث في الدين والا فيقال فاز من مضى من السلف الصالح انتهى قال السيوطي في الديباج ومما يؤيد ان المراد الغرب من الارض رواية عبد بن حميد وبقى بن مخلد لا يزال أهل المغرب ورواية الدارقطني لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم الساعة قال ولا يبعد ان يراد بالمغرب مصر واستشهد له بأحاديث منها يكون فتنة أسلم الناس فيها الجند العربي أخرجه الطبراني والحاكم وصححه من حديث عمرو بن الجموح فلذلك قدمت عليكم مصر زاد محمد بن الربيع الحيري في مسنده من دخل مصر من الصحابة وأنتم الجند العربي* قال السيوطي فهذه منقبة لمصر في صدر المسئلة واستمرت قليلة الفتن معافاة طول المسئلة لم يعترها ما اعترى غيرها من الاقطار وما زالت معدن العلم والدين ثم صارت في آخر الامر دار الخلافة ومحط الرجال ولا بلد الآن في سائر الاقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر (ويعنابه) أى يتعب في تحصيله (رذا لهم) بضم الراء وتشديد المعجمة جمع رذل وهو الدون والخسيس والردىء من كل شيء ويقال في جمعه ارذال ورذول ورذل وأرذلون (وسفلتهم) بكسر (تولجا) تفعلا من الولوج

فنونها لا سيما الفقه الذى هو انسان عيونها ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء وظهر الخلاف في كلام المخلين به من العلماء وقال في موضع آخر علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الاخلاق ومحاسن الشيم وينافر مساوى الاخلاق ومشائن الشيم وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا ومما قيل من الشعر في هذا المعنى قول ابن الانبارى رحمه الله: أهلا وسهلا باللذين أودهم ... وأحبهم في الله ذى الآلاء أهلا بقوم الصالحين ذوى التقى ... خير الرجال وزين كل ملاء يسعون في طلب الحديث بعفة ... وتوقر وسكينة وحياء لهم المهابة والجلالة والعلى ... وفضائل جلت على الاحصاء ومداد ما تجرى به أقلامهم ... أزكى وأفضل من دم الشهداء يا طالبي علم النبى محمد ... ما أنتم وسواكم بسواء ومما قيل فيه أيضا قول أبى زرعة الرازى: دين النبي محمد آثاره ... نعم المطية للورى أخباره لا تغفلن عن الحديث وأهله ... فالرأى ليل والحديث نهاره ولربما غلط الفتى سبل الهدي ... والشمس واضحة لها أنواره ومنه قول أبى الحسن المقرى: في الشيء وهو الدخول في معظمه (انسان عيونها) على لفظ الانسان الآدمي وهو من العين الصبى الذى في وسط السواد وهو محل النظر (العاطلين) ان الذين ليس معهم منه شيء (وينافر) بالنون والفاء والراء أى يباين (ابن الانبارى) بفتح الهمزة وسكون النون ثم موحدة وبالراء اسمه محمد بن الحسين بن عبدويه منسوب الى سكة الانبار بمرو (ذى الآلاء) أى النعم وفي واحدها وواحد الايا أربع لغات الا بكسر الهمزة مع التنوين بوزن معاء والا بفتحها بوزن حصاء وألو بفتح الهمزة وسكون اللام ثم واو بوزن دلو والى بكسر الهمزة وسكون اللام ثم تحتية بوزن لحيا (كل ملاء) بالمد لضرورة الشعر (ومداد ما تجري به أقلامهم الى آخر البيت) جاء معنى هذا البيت في حديث بوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء أخرجه الشيرازي من حديث أنس وأخرجه المرهبى من حديث عمران بن حصين وأخرجه ابن عبد البر من حديث أبي الدرداء وأخرجه ابن الجوزي من حديث النعمان ابن بشير (أبى زرعة الرازي) اسمه عبد الله بن عبد الكريم (للورى اخباره) بالرفع خبر مبتدأ محذوف

أفق واطلب لنفسك مستواها ... ودع عصبا قد اتبعت هواها وسنة أحمد المختار فالزم ... فعظمتها وعظم من رواها وان رغمت أنوف من اناس ... فقل يا رب لا ترغم سواها ومنه قول ابى الحسن على بن احمد النيسابورى: احاديث الرسول شفاء قلبي ... وقرة ناظرى وجلاء همى فدت نفسى ثقاة قد رووهم ... وما ملكت يدى وابى وعمي اعاذلتي عليه اليك عني ... فان اليهم قصدى وأمى لمن ولاهم حبي ومدحى ... لمن عاداهم بغضى وذمى ولبعضهم في ذلك: كل العلوم سوى القرآن زندقة ... الا الحديث والا الفقه في الدين والعلم متبع ما قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين وروي هذه الاشعار جميعها بأسانيدها الحافظ ابو الفتوح الطائى في كتابه الاربعين التى خرجها عن أربعين صحابيا ويعلق بها جمل من الفوائد ومما رواه شيخنا شيخ الاسلام ابو الفتح العثمانى المدنى عن شيخه جلال الدين عرف بابن الخطيب داريا لنفسه: لم اسع في طلب الحديث لسمعة ... أو لاجتماع قديمه وحديثه لكن اذا فات المحب لقاء من ... يهوى تعلل باستماع حديثه (وله ايضا) يا عين ان بعد الحبيب وداره ... ونأت منازله وشط مزاره فلك الهناء فقد ظفرت بطائل ... ان لم تريه فهذه آثاره أى هم الاخبار ولا بد من هذا والا صار بيت أقوى مخالفا للقافية لانها كلها على الرفع (أفق) أمر من الافاقة (عصبا) بضم العين وفتح الصاد المهملتين جمع عصبة (وسنة) بالنصب (رغمت) بكسر المعجمة أى زلت والتصقت بالرغام وهو التراب حسدا (انوف) جمع انف (ثقاة) جمع ثقة وهو من يوثق بقوله وأمانته وهو بالكسر علامة للفتح (وأبي) بفتح الهمزة هو بمعنى قصدي ايضا (الا الحديث والا الفقه) بالنصب (لم اسع) بفتح العين علامة لحرف الالف بالجزم (حديثه) أى حادثه فعيل بمعنى فاعل (يا عين) بكسر النون

الفصل الخامس في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحكمها ومواطنها

[الفصل الخامس في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحكمها ومواطنها] (الفصل الخامس) في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحكمها ومواطنها قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وروينا في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى علىّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا. وروينا في كتاب الترمذى ومسند البزار عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أولى الناس بى يوم القيامة اكثرهم على صلاة قال الترمذي حديث حسن. وروى ابو داود والنسائى وابن ماجه بأسانيد صحيحة عن أوس بن اويس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من افضل ايامكم يوم الجمعة فاكثروا علىّ من الصلاة فيه فان صلاتكم معروضة علىّ فقالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال يقول بليت قال ان الله عز وجل حرم على الارض اجساد الانبياء. وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله وضمها* الفصل الخامس (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) قال البغوى قال ابن عباس أراد ان الله يرحم النبي والملائكة يدعون له وعن ابن عباس أيضا يصلون يبركون وقيل الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين التضرع والدعاء وقال أبو العالية صلاة الله عليه ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) أي ادعوا له بالرحمة على الوجه المطلوب منكم وقرأ الحسن البصري فصلوا عليه بزيادة الفاء قال المجد وذلك لما دخل في الكلام من معنى الشرط لانه انما وجبت الصلاة منا عليه من أجل ان الله تعالى قد صلى عليه فجرى ذلك مجرى قولك قد زرتك فزرني أي وجبت زيارتي عليك لاجل زيارتى اياك (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) قال البغوي أى حيوه بتحية الاسلام فان قلت لم أكد السلام بالمصدر ولم يؤكد الصلاة وهي أولى بذلك اذهي كالاصل والسلام تابع فالجواب ان الصلاة أكدت باخباره تعالى بصلاته وملائكته عليه فلم يحتج مع ذلك الي تأكيد آخر لان أنفس المؤمنين تبادر وتسارع الى موافقة البارى تعالى وملائكته المقربين في الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم وخلا السلام عن هذا المعنى فاكد بالمصدر (وروينا في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو) وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة (صلي الله عليه وسلم بها عشرا) قال عياض معناه اتساع رحمته وتضعيف أجره كقوله مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها قال وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهرها تشريفا له بين الملائكة المقربين كما في الحديث وان ذكرنى في ملاء ذكرته في ملاء خير منهم انتهى وزاد أحمد في مسنده وملائكته سبعين (وروينا في كتاب الترمذي ومسند البزار عن ابن مسعود) أخرجه عنه أيضا البخارى في التاريخ وابن حبان في صحيحه (أولى الناس بى) يحتمل أن يريد بالقرب منى ويحتمل ان يريد بشفاعتي كما في حديث آخر (وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه باسانيد صحيحة عن أوس بن أوس) أخرجه عنه أيضا أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم (أرمت) بفتح الهمزة

عليه وسلم لا تجعلوا قبرى عيدا وصلوا على فان صلاتكم تبلغنى حيث كنتم. وعنه أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من أحد يسلم على الا رد الله علىّ روحى حتى أرد عليه السلام رواهما أبو داود باسناد صحيح. وعنه أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علىّ وعن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البخيل من ذكرت عنده ولم يصل على رواهما الترمذي وقال في الاول حسن وفي الثانى حسن صحيح وعن عامر بن ربيعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى علىّ صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى على فليقلل عند ذلك أو ليكثر رواه أبى صخر في فوائده* وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى علىّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات رواه النسائى وفي حديث وكتب له عشر حسنات وروى مسلم والنسائى عنه أيضا عن عبد الله بن عمر وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول وصلوا علىّ فانه من صلى على مرة صلى الله والراء أي صرت رميما أي بالياء وأصله ارممت فحذفت احدي الميمين تخفيفا كما قالوا في أحسست وطللت أحست وطلت (عيدا) بكسر المهملة وسكون التحتية هو بمعنى لا تتخذوا قبري وثنا يعبد يعني لا تطوفوا به وتصلوا اليه كما مر (فان صلاتكم تبلغنى) أي بتبليغ الملائكة كما سيأتي (الا رد الله على روحي) ان قلت أليس قلتم ان الانبياء أحياء فما معنى رد الروح في هذا الحديث قلت ذكر عنه جوابان أحدهما ان المعنى الا وقد رد الله على روحي أي انه صلى الله عليه وسلم بعد ما مات ودفن رد الله عليه روحه لاجل سلام من يسلم عليه واستمرت في جسده صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك البيهقى والثاني انه رد معنوي بعد ان كانت روحه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة الالهية والملأ الاعلى عن هذا العالم فاذا سلم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم ليدرك سلام من يسلم عليه ويرد عليه ذكره المجد عن أبي الحسين بن عبد الكافي (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على) تتمته ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ ولم يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة (البخيل) الذي يستحق عقوبة البخل من الحرمان والعياذ بالله (من ذكرت عنده فلم يصل على) لان عدم صلاته حينئذ دليل على عدم قوة محبته صلى الله عليه وسلم التى هى من الايمان (رواهما الترمذي) عن أبي هريرة وأخرجه الحاكم أيضا والثاني عن الحسين بن على وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم عنه أيضا (فليقلل عند ذلك أو ليكثر) أمر بالاكثار لان من سمع الوعد الحاصل في الصلاة لم يقتصر على القليل منها وهذا من بديع الكلام وفصيحه (رواه النسائي) ورواه أحمد والبخاري في الادب والحاكم عن أنس أيضا وللطبراني من حديث أبى الدرداء من صلى على حين يصبح عشرا وحين يمسى عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة ولعبد الرزاق من

عليه عشرا ثم سلوا لى الوسيلة فانها منزلة في الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله وأرجو ان أكون أنا هو فمن سأل لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة. وروى الترمذى عن فضالة بن عبد الله رضي الله عنه قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا اذ دخل عليه رجل فصلى فقال اللهم اغفر لى وارحمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجلت أيها المصلى اذا صليت فقعدت فأحمد الله بما هو أهله وصل على ثم أدعه ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أيها المصلى ادع تجب. وروى أيضا عن عمر قال ان الدعاء موقوف بين السماء والارض لا يصعد منه شيء حتى تصلى على نبيك صلى الله عليه وسلم ونحوه عن على رضي الله عنه مرفوعا. وخرج عبد الرزاق عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجعلونى كقدح الراكب فان الراكب يملأ قدحه ثم يصعد ويرفع متاعه فان احتاج الى شراب شربه أو لوضوء توضأ والا اهراقه ولكن اجعلونى أول الدعاء وأوسطه وآخره. وقال ابن عطاء للدعاء اركان واجنحة وأسباب وأوقات فان وافق أركانه قوى وان وافق اجنحته طار في السماء وان وافق مواقيته فاز وان وافق أسبابه نجح فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع وتعلق القلب بالله وقطعها عن الاسباب واجنحته الصدق ومواقيته الاسحار وأسبابه الصلاة على محمد وآله صلى الله عليه وسلم وفي حديث الدعاء بين الصلاتين علىّ لا يرد. وروى الترمذي وغيره عن ابن كعب رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ذهب ربع الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا حديث على من صلى على صلاة كتب الله له قيراطا والقيراط مثل أحد (عن فضالة) بفتح الفاء والمعجمة المخففة (ثم ادعه) بهاء الضمير وبهاء السكت كما مر نظيره (وروي أيضا) يعنى الترمذي (ونحوه عن على) أخرجه عنه أبو الشيخ ولفظه الدعاء محجوب عن الله حتى يصلي على محمد وأهل بيته ولابن بشكوال من حديث عبد الله بن بسر الدعاء كله محجوب حتى يكون أوله ثناء على الله عز وجل وصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ثم يدعو فيستجاب لدعائه (وخرج عبد الرزاق عن جابر) وأخرجه عنه أيضا الطبراني والضياء والبيهقى في الشعب (كقدح الراكب) بفتح القاف والدال أراد لا تؤخروني في الذكر كالراكب يعلق قدحه في آخر رحله ويجعله خلفه قاله الهروى (والا أهراقه) بفتح الهمزة والهاء أى صبه في الارض (وقال ابن عطاء) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الآدمى بفتح الهمزة والدال قال القشيرى من كبار مشايخ الصوفية وعلمائهم وكان الخراز يعظم شأنه وهو من اقران الجنيد صحب ابراهيم المارستانى مات سنة تسع وثلاثمائة (وروى الترمذي وغيره عن ابن كعب) أخرجه عنه الامام أحمد وابن أبي عاصم واسماعيل

الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه فقال ابى بن كعب يا رسول الله انى اكثر الصلاة عليك فكم اجعل لك من صلاتى قال ما شئت قال الربع قال ما شئت وان زدت فهو خير لك قال الثلث قال ما شئت وان زدت فهو خير لك قال النصف قال ما شئت وان زدت فهو خير لك قال الثلثين قال ما شئت وان زدت فهو خير لك قال يا رسول الله فاجعل صلاتى كلها لك قال اذا تكفي همك ويغفر ذنبك. وأخرج البزار في مسنده عن رويفع بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى على محمد وقال اللهم انزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتى. وخرج أيضا عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله وكل بقبرى ملكا أعطاه اسماع الخلائق فلا يصلى على أحد الى يوم القيامة الا بلغنى باسمه واسم أبيه هذا فلان بن فلان صلى عليك. وروى ابن وهب ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من سلم عشرا فكأنما اعتق رقبة. وفي بعض الاخبار ليردن على أقوام ما أعرفهم الا بكثرة صلاتهم علىّ. وفي آخر أنجاكم يوم القيامة في مواطنها اكثركم على صلاة. وعن أبى بكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمحق للذنوب من الماء البارد للنار والسلام عليه أفضل من عتق الرقاب وروى القشيرى بسنده عن ابن عباس قال أوحى الله تعالى الى موسى صلى الله عليه وسلم انى خلقت فيك عشرة آلاف سمع حتى سمعت كلامى وعشرة آلاف لسان حتى احبتنى وأحب ما يكون الى واقربه اذا اكثرت من الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم. وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى على في كتاب لم القاضى وأخرجه بمعناه الطبراني من حديث حبان بن منقذ (قال الربع) بالنصب باضمار اجعل وكذا ما بعده (تكفي) أنت (همك) بالنصب (ويغفر) بالنصب عطفا على تكفي وهو في موضع نصب باذن (وأخرج البزار في مسنده عن رويفع بن ثابت) وأخرجه عنه أيضا الطبراني في المعجم الكبير (المقعد المقرب) وهو الوسيلة والمقام المحمود وجلوسه على العرش أو المنزل العالى والقدر الرفيع احتمالات (ان الله وكل بقبري ملكا) أخرج أبو سعيد في الوفاء من حديث على ان اسمه صلصائيل وانه في صورة ديك متن غفر عنه «1» تحت العرش ومخالبه في تخوم الارض السابعة له ثلاثة أجنحة جناح بالمشرق وآخر بالمغرب وآخر على قبره صلى الله عليه وسلم (وعن أبي بكر الصديق) أخرجه عنه مجد الدين الشيرازي في كتابه الصلات والبشر (وعن أبي هريرة قال من صلى على في كتاب الى آخره) أخرجه ابن بشكوال بسند قال المجد ليس بالقائم لكن أخرجه أبو عبد الله النميري بسند لا بأس به وأخرجه الخطيب أيضا (ابن وهب) اسمه عبد الله (ليردن) بلام القسم ونون التأكيد المشددة (أنجاكم) أى أكثركم نجاة أو أقربكم الى النجاة (وروي القشيري) في الرسالة

_ (1) كذا في الاصل

تزل الملائكة تستغفر له ما بقى اسمى في ذلك الكتاب. وعن على بن أبى طالب عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة صلاتكم على مجوزة لدعائكم ومرضاة لربكم وذكره لا بدانكم. وقال عبد الله بن الحكم رأيت الشافعى في النوم فقال ما فعل الله بك قال رحمني ربى وغفر لى وزفني الى الجنة كما تزف العروس ونثر على كما ينثر على العروس فقلت بما بلغت هذا الحال فقال لى قائل بما في كتاب الرسالة من الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم فقلت وكيف ذاك قال وصلى الله على محمد عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون قال فلما اصبحت نظرت الى الرسالة فوجد الامر كما رأيت. وقال أحمد بن عطاء الروذبارى سمعت أبا القاسم عبد الله المروزى يقول كنت أنا وأبى نقابل بالليل الحديث فرأيت في الموضع الذى كنا نقابل فيه عمودا من نور مبلغ عنان السماء فقلت ما هذا النور فقيل صلاتكما على رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ نقابلا. وقال ابن شهاب الزهرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكثروا على من الصلاة في الليلة الزهراء واليوم الازهر فانهما يؤديان عنكم فهذه جملة من أحاديث فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ووراء ذلك أحاديث كثيرة أما كيفيتها فأفضلها كما قال محيى الدين النووى رحمه الله اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الامي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من رواية كعب بن عجرة وأبى حميد الساعدى وأبى مسعود الانصارى وغيرهم والله أعلم والافضل ان يجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما وقد قدمنا عند ذكر الاذكار الخمسة كيفية موجزة في تمام والله أعلم* (مجوزة) بضم الميم وفتح الجيم وكسر الواو أى مجبرة ورافعة له (عنان السماء) بفتح العين ما عن لك منها أى ظهر (يؤديان) الضمير لليوم والليلة (كما صليت على ابراهيم) قال في التوشيح استشكل التشبيه مع ان المشبه هنا أفضل من المشبه به والقاعدة خلافه* وأجيب باوجه منها ان ذلك قبل أن يعلم فضيلته على ابراهيم ومنها ان التشبيه انما هو لاصل الصلاة لا للمقدار ونظيره كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ومنها ان التشبيه بالمجموع وفي آل ابراهيم انبياء فكثرتهم تقابل بصفات فضائل محمد صلى الله عليه وسلم ومنها ان الكاف للتعليل انتهى (قلت) وأحسن من هذا ما قيل ان معناه صل على محمد صلاة تناسب فضيلته لذلك وهذا القول قريب من قول من قال التشبيه لاصل الصلاة لا للمقدار (ابن عجرة) يضم المهملة وسكون الجيم وفتح الراء (وأبي حميد) اسمه عبد الرحمن على الصحيح (وأبى مسعود) اسمه عقبة بن عمرو (والأفضل أن يجمع بين الصلاة والتسليم) بل افراد أحدهما مكروه (موجزة) بضم الميم وسكون الواو

مطلب في حكم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

[مطلب في حكم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم] وأما حكمها فهى واجبة اجماعا للآية الكريمة لكنه غير محدد بوقت ولا عدد وقال الشافعى رحمه الله المفترض من ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير وما سوى ذلك سنة وندب وخالفه الجمهور والله أعلم ثم أجمع من يعتد به على جواز الصلاة واستحبابها على سائر الانبياء والملائكة استقلالا ويجوز على غيرهم تبعا لهم كالصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم ثم يترضى على الصحابة والسلف الصالح ويترحم عنهم والظاهر ان هذا الباب واسع لا يوصف منه شيء بالتحريم والمنع ولا يقوم دليل على ذلك والله أعلم* [مطلب في مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم] وأما مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فتقدم كثير منها في ضمن الاحاديث السابقة وقد استوعبها نظما القاضى الفاضل العلامة وجيه الدين عبد الغني بن أبى بكر المعلم فقال: الحمد لله العظيم القاهرى ... ذى النعم البواطن الظواهرى ثم الصلاة بعد والتسليم ... على نبي دينه قويم محمد الهادي صفىّ ربه ... وآله من بعده وصحبه وبعد فاسمع ان تكن ذاهن ... ما قد نظمت قائلا من لسن خذها باتقان وفهم ثاقب ... تظفر بنيل السول والمطالب مواضعا فيها الصلاة تستحب ... على النبى العربي المنتخب وهي ثلاثون ذكرن موضعا ... وواحد في العد يتلوها معا بعد انتها اجابة المؤذن ... وبعد ألفاظ القنوت المتقن وبعد اتمامك للتشهد ... وعند يأتي ذكره في مشهدى واهتف بها بين الصفا والمروة ... منافسا فيها وبعد الخطبة وقبل ما تشرع في الاقامه ... تفز بها في موقف القيامه وليلة الجمعة واليوم معا ... ومن دعا جاء بها قبل الدعا وآخرا في سائر الدعاء ... والطرفين الصبح والمساء وفتح الجيم أي مختصرة (واستحبابها على سائر الانبياء) وفي ذلك حديث أخرجه البيهقى في الشعب من حديث أبي هريرة واخرجه الخطيب من حديث أنس وهو صلوا على أنبياء الله ورسله فان الله بعثهم كما بعثني وآخر أخرجه الشاشى وابن عساكر من حديث وائل بن حجر صلوا على النبيين اذ ذكر تموني فانهم قد بعثوا كما بعثت (من لسن) بكسر اللام وسكون السين أى من كلامى (باتقان) بالفوقية أيضا المحكم (وقبل ما تشرع) بالفوقية أي أنت (في الاقامه) ويس بعدها أيضا (وليلة الجمعة) بالنصب على الظرف (وآخرا)

مطلب في معنى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

ومن يريد السؤال والمفازه ... صلى اذا صلى على الجنازه وصل يا صاح على محمد ... عند الخروج أو دخول المسجد وارفع بها سمعا أتم السمع ... عند دخول السوق بين الجمع وائت بها في ختمة القرآن ... بعد وعند النوم والنسيان وبعد هذا فعقيب التلبيه ... أعنى بها فهى الصلاة المعنيه واسع بها في طلب الحاجات ... ذاك لها من أحسن الاوقات وادفع بها ضر البلا والوهن ... وائت بها عند طنين الاذن وائت بها في خطبة النكاح ... وان عطست فأتى بها يا صاح وهاتها عند الوضوء معلنا ... وفي الدياجى ائت فرادا وثني ومن يكن ذا فطنة منتبها ... اذا انبرى كتابة جاء بها ومن يقم من مجلس محتفل ... صلى على خير جميع الرسل وان دخلت البيت صلى يافتى ... يكن لك الفوز هنا مثبتا وان تجد هذا النبي الطاهرا ... أثر في قلبك من كل الورى فاذكره عند الخدر لا محال ... تطلق كالبعير من عقال فهذه جملة من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد زدت على ما نظم الناظم المذكور البيتين الأخيرين في ذكر خدر الرجل فصارت الجملة اثنين وثلاثين موضعا. [مطلب في معنى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم] وأما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتفسيرها فقال ابن عباس في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً معناه ان الله وملائكته يباركون على النبى وقال القشيرى الصلاة من الله لمن دون النبي رحمة وللنبى صلى بمد الهمزة وكسر المعجمة (يا صاح) ترخيم يا صاحب وهو شاذ عند النحاة لان المضاف لا يرخم (وارفع بها) أي صوتك (في ختمة) بكسر المعجمة وفتحها (ضر البلا) بالقصر لضرورة الشعر (والوهن) بفتح الواو والهاء أي الضعف (اذا انبري) بهمز وصل وسكون النون وفتح الموحدة فالراء أى اذا فرغ كتابه وانختم (محتفل) بالمهملة والفاء مجتمع وزنا ومعنى (الخدر) بفتح المعجمة وسكون المهملة ضرب عروق الرجل وصكها (لا محال) بالكسر وهذا أقواء مخالف للقافية لان حقه النصب بلا (خاتمة) زاد المجد علي ما ذكرنا هنا من مواطن الصلاة بها عند المصافحة ووقت السحر ولكل أمر ذى بال وفي

الله عليه وسلم تشريفا وزيادة تزكية. وقال غيرهم الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين الدعاء وأما الصلاة المذكورة في حديث أبى بن كعب رضى الله عنه وقوله كم أجعل لك من صلاتى فقيل معناه كم أجعل لك من أوقاتى بعد اداء فرائضي ومهمات دينى ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يوقفه على حد حتى قال أجعل لك صلاتى كلها فأجابه صلى الله عليه وسلم بكفاية المهمات وغفران الزلات كذا تلقيته عن بعض مشايخى ويدل عليه ما ذكره الامام الحافظ أحمد بن معد التجيبى في الاربعين التى ألفها في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فانه قال فان جعلت الصلاة على نبيك من عبادتك فقد كفاك الله هم دنياك وآخرتك ثم أتى بالحديث وظهر لى فيه معنى آخر وهو ان الصلاة معناها الدعاء ومنه قوله تعالى وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ أى ادع لهم فالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم دعاء له وفيه معنى التعظيم ومعناه والله أعلم كم أجعل لك من دعائى وهو كل دعاء عرض لى وأردت ان أدعو به ولم يرد صلى الله عليه وآله وسلم ان يوقفه على حد معلوم حتى قال اجعل كل دعاء أردت ان أدعو به لنفسى دعاء لك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اذا تكفي همك ويغفر ذنبك ومعناه اذا جعلت الصلاة علىّ بدلا عن دعائك لنفسك أعطاك الله كل شيء طلبته مكافأة لك على ان آثرتنى على حظ نفسك وتصديق ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى انه قال من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشتملة على ذكر الله وذكر رسوله فهى أفضل الاذكار وفيها موافقة للعزيز الجبار والملائكة الابرار وامتثالا لما أمر به المؤمنين الاخيار صلى الله عليه وسلم وعلى آله الاطهار وصحبه الاخيار صلاة دائمة التكرار ما أقبل الليل وأدبر النهار وسلم. قال المؤلف كان الله له وهنا انتجز الكلام على الوجه الذى الموقف يوم عرفة وعند استلام الحجر الاسود وفي قيام رمضان وفي الوتر وعند الخروج الى السفر والقدوم منه وعند القيام في الليل (التجيبى) نسبة الى تجيب بضم الفوقية وكسر الجيم ثم تحتية ثم موحدة (وهنا انتجز) بالجيم والزاى أي تقضى نسأل الله أن يقضي حوائجنا في الدارين وان يكشف عن قلوبنا ما علاها من الرين وان يحشرنا في زمرة هذا النبي الكريم وأن يدخلنا يوم القيامة في ظل رحمته العميم بمنه وكرمه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله الا أنت واستغفرك وأتوب اليك فاغفر لى وتب على انك أنت التواب الرحيم اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون

شرطناه والأمر الذي التزمناه حاويا للسير الموشحة بالاحاديث الصحيحة والمعجزات الباهرة والشمائل النيرة وغير ذلك من مستحسنات العلوم ومستلذات الفهوم وأنا أسأل من بيده الخفض والرفع والضر والنفع والاعطاء والمنع ان يجعله من جملة الاعمال الزكية والحسنات التامة وان يجعلنا ممن تولى هذا النبى الكريم وشغف بحبه وحشر يوم القيامة في سربه وان يهب لنا بجميل عفوه وواسع كرمه ما تخلل تأليفه من شوائب النيات ويعظم الأجر لقارئه وسامعيه وكاتبيه ومكتبيه انه هو الرب المعبود والا له المقصود لا رب سواه ولا معبود إلا إياه وهو حسبي ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير قال مؤلفه الفقيه يحيى بن أبي بكر العامري فرغت منه يوم الاحد الرابع عشر من شهر رمضان المعظم سنة خمس وخمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما (وجد في الاصل ما نصه) (قال مؤلفه غفر الله له وأعاد علينا من بركاته وبركات علومه) وكان الفراغ من تسويد هذا الكتاب المبارك ليلة الجمعة سادس عشر شهر رجب الحرام الذى هو أحد شهور سنة خمس وسبعين وتسعمائة من الهجرة النبوية على شارعها أفضل الصلاة والسلام (وكان الفراغ من نسخة هذا الشرح المبارك ضحى يوم الاثنين من شهر شوال سنة 1139 من الهجرة النبوية على شارعها أفضل الصلاة والسلام والحمد لله رب العالمين)

وجد في آخر نسخة الشرح ما نصه: (قال الصنو العزيز الفقيه العالم الصالح الفالح جمال الدنيا والدين محمد بن المساوى ابن الطاهر المؤذن الحضرمى كمل الله توفيقه وسهل الى كل خير من الخيرات طريقه آمين: أقول وأنا الفقير الحقير المعترف بالعجز والتقصير محمد بن المساوي بن الطاهر بن أبي بكر بن عبد الله بن اسماعيل المؤذن الحضرمي لطف الله بهم آمين) الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيئين وعلى آله وصحبه أجمعين (أما بعد) فان الشيخ الامام الهمام علم العلماء الاعلام محمد بن أبى بكر الاشخر شيخنا بل الله ثراه بوابل رحمته وأسكنه بحبوحة جنته آمين صنف هذا الشرح المبارك وشرع في تبييضه ولم يتمه ومحل حد تبييضه معروف ومات رحمه الله قبل تمامه فدعت الحاجة اليه فاستخرت الله تعالى في تحصيله وتبييضه مع عسره فشرح الله صدرى لذلك مع مشورة بعض الاخوان الفاضلين الصالحين المحبين للعلم وأهله الملتمسين من فضله فكتبته وتحريت لفظ الشيخ برمته من غير زيادة ولا نقصان الا ان فيه بعض أشياء تكررت من غير حاجة اليها ولا تعويل عليها ولابناء كلام يدخل فيها فخذفتها إيثار للاختصار ونبهت على انها قد تقدمت في محالها ليزول التكرار وأظن بل أقطع ان الشيخ رحمه الله لوتم له تبييضه لحذفها لذلك لاني قد رأيت فيما بيضه أشياء تكررت فخذفها من هنالك هذا وقد بلغت فيه جهدي واستفرغت ما عندي فيما لم يكل عنه حدى وجدي مع قصوري عن الخوض في هذه البحار التى الخوض فيها من أخطر الاخطار لكن أردت بذلك تحصيل النفع لى ولاخوانى ولمن أراد الله له ذلك والله تعالى اسأل ان يوفقنى لما يحب ويرضى من القول والعمل ويعصمني واخوانى وجميع المسلمين من الشك والزيغ والزلل انه جواد كريم رؤف رحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين قال مصححه سامحه الله وغفر له: تم بحمد الله وتوفيقه طبع هذه البهجة المباركة وشرحها ولم آل جهدا في تصحيحها مع معاناة سقم نسخة الشرح وكان ذلك في أوائل العشر الثالث من شهر محرم الحرام افتتاح سنة 1331 هجرية وذلك بالمطبعة الجمالية الكائنة بحارة الروم بمصر وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

فهرست الجزء الثاني من كتاب بهجة المحافل- صحيفة 2 فصل في السرايا والبعوث التي جهل زمنها وكان ذلك قبل الفتح 2 من ذلك سرية العباس بن عبد المطلب وأسر ثمامة بن أثال النجدي وإسلامه 4 مطلب في سرية غالب بن عبد الله الليثي وإغارته على بني الملوح بالكديد 5 مطلب في غزوة عبد الله بن رواحة لقتل اليسير بن رزام بخيبر 5 مطلب في غزوة عبد الله بن أنيس لقتال خالد بن سفيان الهذلي 6 مطلب في غزوة عيينة بن حصن بني العنبر من تميم 7 مطلب في سرية زيد بن حارثة إلى مدين 7 باب بعث النبي صلى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد إلى الحرقات السنة التاسعة من الهجرة وتسمى سنة الوفود 10 ذكر وفد بني تميم وفيه خبر عطارد بن حاجب صاحب الحلة 12 ذكر وفد بني حنيفة وبعض خبر مسيلمة الكذاب 14 وفد أهل نجران ومحاجتهم في نبوة عيسى عليه السّلام 16 ذكر وفد طيء ورئيسهم زيد الخيل وتسميته بزيد الخيل 17 خبر عدي بن حاتم 18 مطلب في وفادة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وأنهما شر الوفود 19 وفود أهل اليمن واستعمال فروة بن مسيك المرادي عليهم 20 خبر عمرو بن معدي كرب الزبيدي 20 خبر وفد كندة وعليهم الأشعث بن قيس 21 وفود همدان وفيهم مالك بن نمط ذو المشعار 23 خبر موافاته صلى الله عليه وسلّم، مقدمه من تبوك، كتاب ملوك حمير بإسلامهم 25 وفود بني نهد من غور تهامة

صحيفة 26 وفد ثقيف وما كان من حديثهم 29 مطلب في غزوة تبوك وهي المسمّاة بساعة العسرة 32 كتابه صلى الله عليه وسلّم ليحنة بن روبة في صلحه وذمته 33 خبر إرساله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر صاحب دومة الجندل 34 خبر موت ذي البجادين المزني 35 خبر مسجد الضرار وهدمه وإحراقه 35 حديث الثلاثة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك وتوبتهم 42 فصل في ذكر الفوائد التي تضمنت حديث كعب أحد الثلاثة الذين تخلّفوا عن تبوك 43 خبر نزول آية الحجاب 47 فصل في ذكر الفوائد التي تضمنت خبر الحجاب 48 فصل في ذكر الأحكام التي تترتب على يمين اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلّم نساءه 50 خبر الملاعنة التي كانت بين أخوي بني العجلان وأحكام الملاعنة 52 فصل في ذكر اختلاف العلماء في سبب نزول آية الملاعنة 53 فصل ومن حوادث هذه السنة قصة الغامدية 56 فصل في تقبيح الزنا وأحكام الزانيين 58 مطلب في أن الرجم ممّا نسخ لفظه من القرآن وبقي حكمه وفيه خطبة عمر بن الخطاب في حديث السقيفة 63 مطلب ثم كانت بيعة عليّ لأبي بكر بعد موت فاطمة رضي الله عنها 66 مطلب ومن حوادث هذه السنة موت أم كلثوم ابنته صلى الله عليه وسلم 66 مطلب في خبر وفاة النجاشي بالحبشة والصلاة عليه 67 مطلب في موت عبد الله بن أبيّ بن سلول واستغفار النبي صلى الله عليه وسلّم له ونهي ربّه عن ذلك 70 مطلب في حج أبي بكر تلك السنة وإردافه بعلي يؤذن ببراءة في الحج 73 السنة العاشرة وفيها كان إسلام أبي عبد الله جرير البجلي سيد بجيلة 74 إرسال جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الخلصة (كعبة اليمانية) وطرف من مناقب جرير 75 وفد بني الحارث بن كعب وفيهم قيس بن الحصين ذي الغصة 76 مطلب في قصة تميم بن أوس الداري ونزول قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الآية) . 77 مطلب خبر إسلام فروة بن عمرو الخزامي 78 إرسال علي بن أبي طالب خلف خالد بن الوليد إلى نجران وقصة الجارية التي وقعت لعلي في الخمس

§1/1