بغية المستفيد في علم التجويد

ابن بَلْبَان، محمد بن بدر الدين

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1422 هـ - 2001 م دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع هاتف: 702857 - فاكس: 704963/ 009611 بيروت - لبنان ص ب: 5955/ 14 e-mail: [email protected]

تصدير المجموعة الثالثة

تصدير المجموعة الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنزل الفرقان في شهر رمضان، وجعله موسمًا لأهل التُّقى والإِيمان، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على سيّد ولد عدنان، الذي كان يُذاكر فيه مع جبريل القرآن، وعلى آله وصحبه ومَنْ تبعهم بإحسان، ما تلا تالٍ آيَ الذكر الحكيم وتعاقب المَلَوان. أما بعد: فعودًا حميدًا وأَوْبًا سعيدًا لمشروع رسائل لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام، وهي المجالس العلمية التي نعقدها مع جمع من الأحباب والعلماء وطلبة العلم، بصحن المسجد الحرام ليالي العشر الأواخر المباركة. وقد يسر الله تعالى في عامي 1419 هـ و 1420 هـ لخدمة مجموعة طيبة من الرسائل النافعة وإحياء تراث أمتنا التليد، وهي متوفرة ولله الحمد ولاقت قبول واستحسان أهل العلم والفضل في الحرمين الشريفين والعالم الإِسلامي كله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وقد وفق الله تعالى في موسم هذا العام 1421 هـ ويسر بمنّه وكرمه إلى تحقيق وإعداد الرسائل التالية: 1 - بغية المستفيد في علم التجويد، للشيخ محمد بن بلبان الحنبلي، بتحقيق الأخ الشيخ رمزي سعد الدين دمشقية. 2 - جزء فيه شروط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على النصارى، بعناية كاتب هذه السطور. 3 - نشر ألوية التشريف بالإِعلام والتعريف بمن له ولاية عَمارة ما سقط من البيت الشريف، للشيخ محمد ابن علاَّن الصديقي، بعناية الشيخ محمد أبو بكر عبد الله باذيب اليماني. 4 - الإِعلام الملتَزم بفضيلة زمزم، للشيخ أحمد بن علي الشافعي رئيس المحدثين بجامع أياصوفيا، بعناية الأستاذ الشيخ رمزي سعد الدين دمشقية. 5 - تحرير الأقوال في صوم السِّت من شوال، للحافظ قاسم بن قطلوبغا، تحقيق الدكتور الشيخ عبد الستار أبو غدة. 6 - إجازة الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ للشيخ أحمد بن عيسى النجدي والشيخ راشد بن عيسى البحريني، بعناية الشيخ المحقق محمد بن ناصر العجمي. 7 - رسالة لطيفة في شرح حديث: "أنت ومالُكَ لأبيك"، للعلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، عناية الأخ المربي مساعد سالم العبد الجادر. 8 - إفادة المبتدي المستفيد في حكم إتيان المأموم بالتسميع

وجهره به إذا بلَّغ وإسراره بالتحميد، للإِمام برهان الدين الناجي الشافعي، بعناية عبد الرؤوف بن محمد الكمالي. 9 - قطع الجدال في حكم الاستقبال، للشيخ محمد بن حسن العُجَيْمي، بعناية يوسف بن محمد الصبحي. 10 - مقدمة إملاء الاستذكار، للحافظ أبي طاهر السَّلَفي الأصبهاني. 11 - الانتهاض في ختم الشفا لعياض، للحافظ شمس الدين السخاوي، كلاهما بتحقيق عبد اللطيف بن محمد الجيلاني. نسأل الله أن تكون أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم، بعيدة عن كل شرك خفي ورياء وخيم، وأن يكون علمنا صحبةً لنا لا علينا آمين. وصلَّى الله وسلَّم وبارك وعظَّم على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم. قاله وكتبه خادم العلم والعلماء نظام محمد صالح يعقوبي المسجد الحرام ليلة 24 رمضان 1421 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم شيخ قراء الشام العلامة الشيخ محمد كريم راجح

تقديم شيخ قُرَّاء الشَّام العَلَّامَةِ الشَّيْخ محمد كريم راجح بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فقد استضافني الأستاذ الشيخ رمزي دمشقية في بيته في بلدة بحمدون، وفي هذه الاستضافة اغتنم فرصة الاجتماع فقرأ عليَّ الرسالة الموسومة: بـ "بغية المستفيد في علم التجويد" للشيخ محمد بن بلبان رحمه الله، وللشيخ رمزي تعليقات حَسَنة كريمة على هذا المؤلَّف. قرأها علي بتمامها فوجدتُها رسالةً مختصرة، وعلى أنها مختصرة رأيتها رسالة جامعة، جمع فيها مؤلفها من علم التجويد ما لا يستغني عنه قارئ القرآن، وما يستفيد منه أيُّ طالب علم يريد أن يطلع على مخارج الحروف في اللغة العربية وعلى صفاتها. وقد امتلأت هذه الرسالة بالشواهد من كتاب الله تعالى، فكان يأتي بالآيات لتكون شاهدًا

لما يقول. وقد جاءت هذه الرسالة في عبارة مختصرة ولكنها ظاهرة المعنى ليس فيها شيءٌ ما من الانغلاق، ولذلك أنصح كلَّ طالبٍ أن يقرأَ هذه الرسالة وأن يستفيدَ منها. ولنعلم أن الرسائل في علم التجويد أصبحت كثيرة جدًّا ومنتشرة جدًّا، ولكننا لا نستغني أبدًا مهما كثُرت هذه الرسائل عما كتب الأولون رحمهم الله تعالى، ففي كل رسالة من رسائلهم تجد فوائدَ جديدة وتطَّلع على تعبيرات كانوا قد اصطلحوا عليها، وهي تعبيرات عربية لغوية ربما كانت قد ضاعت في أيامنا هذه، ولكننا إذا قرأنا هذه الرسائل وأمثالها نعود إلى ما كانوا يكتبونه ويعبِّرون به من عباراتهم اللطيفة العربية المفيدة (¬1). لذلك يُشكر كل إنسان ينشر هذه الرسائل، ومن هؤلاء الإِخوة الكرام الذين ينشرون هذه الرسائل للأقدمين أخبرنا الشيخ رمزي دمشقية حفظه الله تعالى. ثم اطَّلعت على هذه التعليقات التي علَّقها فرأيتها مفيدة ضافية كاملة تامة، ورأيت أنَّ الرسالة بحاجة إلى هذه التوضيحات التي وضَّحها نفع الله به. وأنا أسأل الله تعالى أن يُثيب المؤلِّف خير الثواب على ما كتب، وأن ينفع بما كتب شبابنا، وأن يثيب الشيخ رمزي على ما علق وعلى ما نشر. ¬

_ (¬1) من هذه التعبيرات قول المؤلف ابن بلبان (ص 44 و 55): "التاء المجرورة"، ويريد بها التاء المبسوطة، وهو مصطلح لا يستعمل اليوم بل قد لا يُعرف.

ونحن بهذه المناسبة نحمَد الله سبحانه وتعالى أننا نجد شبابنا وشاباتنا مقبلين على بيوت الله عز وجل يتعلمون القرآن فيتقنونه حفظًا وتجويدًا وتفسيرًا، ويفتخرون ويتباهَون بأنهم من أهل القرآن ومن حفظة القرآن، وهذا ما يدعو الشيخ رمزي وأمثاله من الذين ينشرون هذه الكتب جزاهم الله تعالى خيرًا أن يكثروا من نشر هذه الكتب وأن يفتشوا في المخطوطات عن أمثالها من أجل أن يكون لشبابنا الحاضر صلةٌ واضحة متينة بماضيهم الإِسلامي وبعلمائهم الأقدمين الذين كان لهم القِدْح المعلَّى في فهم كتاب الله وفي حُسنِ قراءته وتجويده. على أنَّ هذه الرسائل وأمثالها لا تغني عن الرجوع إلى كتب الأقدمين كالإِمام أبي عمرو الداني والعلامة ابن الجَزَري رحمهما الله تعالى، وأيضًا لا تغني عن التلقِّي من فم الشيوخ المتقنين لأن القرآن في أدائه وتجويده إنما يؤخذ بالمشافهة، فإن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذه بالمشافهة عن جبريل، والصحابة رضي الله تعالى عنهم أخذوه بالمشافهة عن رسول الله، وهكذا إلى أن وصل إلينا. أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة وأن يجزي مؤلفها والمعلِّق عليها خير الجزاء، والحمد لله رب العالمين. يوم السبت في بحمدون 28/ 5/ 1422 هـ الموافق 18/ 8/ 2001 م قاله بفمه وأذن بكتبه ورقمه الشيخ محمد كريم راجح

مقدمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين على نعمائه، والصَّلاة والسَّلام على إمام المرسلين خاتم أنبيائه، وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام، ومَن أَحبَّهم واهتدى بهديهم وسار على دربهم. أمَّا بعد، فإنه من نِعَم الله وإفضاله ما منَّ به علينا من الاجتماع بإخوة أفاضل وعلماءَ أماثل في رحاب بيته العتيق وفي ظلال كعبته المشرفة كل عام في شهر الله المعظم رمضان، لقاءٌ حافزُه العبادة والتقرُّب إليه تعالى بالطاعات، وغايتُه رضى المولى الكريم ومغفرته والفوز بما أعدَّ لعتقائه في الجنات. وكان لإِحياء سَنَن العلماء السابقين بقراءة كُتب العِلم وسماعها ونَسْخها ومقابلتها الأثر الطيب في عَمَارة الأوقات في تلك البقعة المطهرة ولا سيما في شهر الخيرات والمبرَّات رمضان، نسأله تبارك وتعالى القبول والتيسير إلى المزيد بمنّه وكرمه .. آمين. وقد تسنى لي خلال زيارتي مكتبة مكة المكرمة -للقاء الشيخ الفاضل الفقيه الأديب الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان حفظه الله- الاطلاعُ على مخطوطات علوم القرآن الكريم بالمكتبة المذكورة،

فوقفت على رسالتين لطيفتين مناسبتين لما يُقرأ في "لقاء العشر الأواخر" هما: "تحفة الأكياس في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} " لشهاب الدين الحَمَوي، والثانية: "بغية المستفيد في علم التجويد" لابن بلبان الحنبلي. فحرصت على اقتناء صورة منهما، وقد تكرم الدكتور عبد الوهاب رعاه الله بتصويرهما؛ فجزاه الله عنا خير الجزاء. وبعد قراءة رسالة ابن بلبان "بغية المستفيد" في الحرم كما سيأتي آخرها والعمل في تحقيقها إذا بالأخ المحب الشيخ أبي ناصر محمد العجمي يفاجئني بنسخة ثانية من الرسالة هي نسخة المتحف البريطاني بلندن، سعى بتصويرها بواسطة بعض الأحباب في تلك الديار على عادته في إتحاف طلبة العلم وأهله بصور المخطوطات العزيزة النادرة محبَّة لنشر العلم وحسبة لوجه الله الكريم، فجزاه الله عن العلم وأهله كل خير. وقد قمت بمقابلة النسختين والتعليق على الرسالة المذكورة بما يوضح عبارتها ويستكمل مباحثها، مستفيدًا مما كتبه الشيخ الجليل محمود خليل الحصري شيخ المقارئ المصرية رحمه الله في كتابه الجامع النافع "أحكام قراءة القرآن الكريم". وبعد إتمام العمل بهذه الرسالة المباركة أكرمني المولى عز وجل بقراءتها مع تعليقاتها على شيخنا الجليل علّامة دمشق وشيخ قرائها الشيخ محمد كريَّم راجح حفظه الله تعالى ونفع بعلومه، فأفدت من توجيهاته وتصويباته في ضبط كلماتها وتقويم تعليقاتها، ثم ألبسني تاج الفخار بتفضله بالتقديم لهذه الرسالة، فجزاه الله عني وعن مؤلفها خير الجزاء.

وصف النسختين المخطوطتين

وصف النسختين المخطوطتين: 1 - نسخة مكتبة مكة المكرمة (م) ورقمها (21111)، وتقع في 9 ورقات من الحجم المتوسط، وليس في آخرها اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ ومكانه. وخطها نسخي جيد إلَّا أن فيها بعض الأخطاء التي لحَظتُها عند قراءتها للمرة الأولى وقد وجدت حلها في النسخة الثانية. 2 - نسخة المتحف البريطاني (ب) ورقمها (6272) مخطوطات شرقية، وتقع في 27 ورقة من الحجم الصغير، وهي نسخة جيدة فيها بعض السقط، قال ناسخها في آخرها: "وقد نقلت هذه المقدمة من خط شيخنا مصطفى الغزالي، وقد نقلها شيخنا من خط مؤلفها من سادس في عصره وأوانه المحقق الشيخ محمد البلباني الحنبلي رحمه الله الملك الصمداني .. آمين". ولم يذكر ناسخها اسمه ولا تاريخ نسخها. وفي حواشي النسخة تصحيحات وإشارات لمقابلة النسخة بأصلها. هذا ما يسَّر الله تعالى لنشر هذه الرسالة النافعة المختصرة، راجيًا منه عزَّ وجل أن يتقبَّل عملنا ويعيننا على الإِخلاص فيه، إنه خير مسؤول وأكرم مجيب. بحمدون في 8/ 5/ 1422 هـ الموافق 29/ 7/ 2001 م وكتبه خادم الكتاب والعلوم القرآنية رمزي سعد الدين دمشقيّة

ترجمة المؤلف

ترجمة المؤلف (¬1) هو محمد بن بدر الدين بن بلبان البعليِّ الأصل الدمشقي الصالحي، الفقيه المُحدِّث الحنبلي المذهب المُعَمَّر، أحد الأئمة الزُّهّاد، من كبار أصحاب الشهاب ابن أبي الوفاء الوفائي الحنبلي في الحديث والفقه، ثم زاد عليه في معرفة فقه المذاهب زيادة على مذهبه، وكان يُقرئ في المذاهب الأربعة. وسمع ببعلبك وبدمشق على الشهاب العيثاوي والشمس الميداني، وأفتى مُدَّة عُمره، وانتهت إليه رئاسة العلم بالصَّالحية بعد وفاة الشيخ علي القبودي. وكان عالمًا ورعًا عابدًا، قَطَع أوقاته في العبادة والعلم والكتابة والدرس والطلب، حتى مكَّن الله تعالى منزلته من القلوب، وأحبَّه الخاص والعام، وكان دَيِّنًا صالحًا حَسَن الخُلُق والصحبة، متواضعًا حلوَ العبارة، كثير التحري في أمر الدِّين والدُّنيا، منقطعًا إلى الله تعالى. وكان كثيرًا ما يُورد كلام الحافظ أبي الحَسَنُ عَلي بن أحمد الزيدي -نسبة لزيد بن علي بن الحسين لأنه من ذريته- ويستحسنه ¬

_ (¬1) منقولة من كتاب "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" للمُحِبِّي 3/ 401 - 402، وينظر مصادر ترجمته في "معجم المؤلفين" لكحالة 9/ 100، و "الأعلام" للزركلي 6/ 51.

وهو قوله: اجعلوا النوافل كالفرائض، والمعاصي كالكفر، والشهوات كالسُّمِّ، ومخالطةَ الناس كالنَّار، والغذاءَ كالدواء. وكان في أحواله مستقيمًا على أسلوب واحد منذ عرف، فكان يأتي من بيته إلى المدرسة العُمرية في الصباح فيجلس فيها، وأوقاته منقسمة إلى أقسام: إما صلاة، أو قراءة قرآن، أو كتابة أو إقراء، وانتفع به خلق كثير. وأخذ عنه الحديث جَمعٌ من أعيان العلماء منهم: الإِمام المُحقِّق محمد بن محمد بن سليمان المغربي، والوزير الكبير مصطفى باشا بن محمد باشا الكُوبري، وابن عمِّه حسين الفاضل، وأشياخنا الثلاثة: أبو المواهب الحنبلي، وعبد القادر بن عبد الهادي، وعبد الحيّ العكري وغيرهم، وحضرتُهُ أنا وقرأتُ عليه في الحديث، واتفق أهل عصرنا على تفضيله وتقديمه. وله من التآليف مختصرٌ في مذهبه (¬1) صغير الحجم كثير الفائدة، وله محاسن ولطائف مع العلماء، وولي خطابة الجامع المظفَّري المعروف بجامع الحنابلة، وكان الناس يقصدون الجامع المذكور للصلاة خلفه، وبالجملة فقد كان بقيَّة السَّلف وبركة الخَلَف. وكانت وفاته في سنة ثلاث وثمانين وألف، ودفن بالسفح، وكانت جنازته حافلة جدًّا، رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) لعله يريد كتاب "أخصر المختصرات" فقد اعتنى به العلماء شرحًا وتدريسًا. وقد نشرته دار البشائر الإِسلامية مع حاشية ابن بدران الدمشقي عليه بتحقيق الأخ الشيخ محمد العجمي.

صورة الورقة الأولى من مخطوطة مكتبة مكة المكرمة

صورة الورقة الأخيرة من مخطوطة مكتبة مكة المكرمة

صورة الورقة الأولى من مخطوطة مكتبة المتحف البريطاني

صورة الورقة الأخيرة من مخطوطة مكتبة المتحف البريطاني

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي تفضَّل علينا بإنزال القرآن، وعلَّمه بقدرته الباهرة لمن شاء من الجنِّ والإِنسان، وتكرَّم على قارئه بوافر الأجور لا سيَّما مع التجويد والإِتقان؛ والصلاة والسلام على أفضل الأنام محمد سيِّد الأكوان (¬1)، وعلى آله وصحبه رؤساء أهل التحقيق والإِيمان. وبعد، فهذه مقدمة لطيفة تشتمل على جملة من أحكام التجويد، وذلك ما لا بدَّ منه مما يجب على قارئ كلام الله القديم المجيد، وهي كافية إن شاء الله تعالى لمن اقتصر عليها ولديه المزيد، وسمَّيتها: "بغية المستفيد في علم التجويد" واللهَ أسأل أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه برحمته قريب مجيب، وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب. ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): سيدنا محمد المنزه عن كل عيب ونقصان.

باب: مخارج الحروف وصفاتها

باب: مخارج الحروف وصفاتها مخارجها سبعة عشر على المختار وحصرُها فيها تقريبٌ، وإلاَّ فلكل حرف مخرج عند التحقيق. وإذا أردتَ أن تعلم مخرج الحرف فسَكِّنْه وأدخل عليه همزة الوصل ثم أَصغِ إليه، فحيث انقطع الصوت كان مخرجه. وأصول هذه المخارج خمسة، وهي: الجوف، والحلق، واللسان، والشفتان، والخيشوم. * فأما الجوف: وهو الخلاء داخل الفم والحلق، فهو مخرج لثلاثة أحرف، وهي: الألف، والواو، والياء المدِّيتان (¬1)، وهنَّ بالصوت أشبه، لكن يتميَّزن عنه بتصعُّد الألف وتسفُّل الياء واعتراض الواو (¬2). ¬

_ (¬1) فمخرج الألف جوف الحلق، ومخرج الياء جوف وسط اللسان، ومخرج الواو جوف الشفتين. (¬2) هي الألف الساكنة المفتوح ما قبلها، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها.

* وأما الحلق

* وأمَّا الحلق: ففيه ثلاثة مخارج لستة أحرف: الأول منها: أقصاه، ويخرج منه الهمزة ثم الهاء. والثاني: وَسَطه، ويخرج منه العين ثم الحاء المهملتان. والثالث: أدناه، ويخرج منه الغين ثم الخاء المعجمتان. * وأمَّا اللسان: ففيه عَشَرة مخارج لثمانية عشر حرفًا: الأول منها: أقصاه مع ما يحاذيه من الحَنَك الأعلى، ويخرج منه القاف فقط. الثاني: كذلك، لكنه أسفل من الأول، ويخرج منه الكاف فقط (¬1). الثالث: وَسَطه مع ما يقابله من شَجْر الفم، وهو سقف الحنك الأعلى، ويخرج منه الجيم ثم الشين المعجمة ثم الياء غير المدِّية (¬2). الرابع: حافَتُه، أي جانبه مع ما يليها من الأضراس اليسرى أو اليمنى أو هما، ويخرج منه الضاد المعجمة فقط. ¬

_ (¬1) رُبَّ قائل يقول: لِمَ جُعل أقصى اللسان مخرجين لحرفين، ولَمْ يجعل مخرجًا واحدًا لحرفين كأقصى الحلق؟. ويُجاب: بأن هناك فرقًا بين أقصى اللسان وأقصى الحلق. فإن أقصى اللسان فيه طُول، وبين موضِعَيْ القاف والكاف بُعْد، فنظرًا لبُعْد الموضعين اعتبر كل منهما مخرجًا خاصًا لحرف خاص؛ بخلاف أقصى الحلق ففيه قِصَر، وبين موضِعَيْ الهمزة والهاء قُرْب شديد، فلذلك اعتبر أقصى الحلق مخرجًا واحدًا لحرفين، اهـ. النجوم الطوالع ص 206. (¬2) الياء غير المدّية: هي المتحركة بالضم أو الفتح أو الكسر أو الساكنة بعد الفتح.

الخامس: أول حافَتِه إلى آخرها مع ما يليها من حافَة الحَنَك الأعلى فويق الضاحك والناب والرَّباعية والثنية (¬1)، ويخرج منه اللام فقط. السادس: طرفه مع ذلك تحت مخرج اللام ويخرج منه النون فقط. السابع: يقاربه لكنه أدخل إلى ظهر اللسان قليلًا ويخرج منه الراءُ فقط. الثامن: طرفه مع أصول الثنيتين العُلييين (¬2)، ويخرج منه الطاء ثم الدال المهملتان ثم التاء المثناة فوق. ¬

_ (¬1) يراجع الشكل لمعرفة مواضع الأسنان في الفم: (¬2) في الأصل المخطوط: (العليتين)، ولعله من تصحيف النُّساخ؛ لأن اللغة تقتضي أن المثنى المقصور المتجاوز ثلاثة حروف يقلب ألفًا، مثل: حبلى حبليان، قال ابن مالك في ألفيته (شرح ابن عقيل 2/ 442): آخِرَ مقصُور تُثَنِّي اجعلهُ يَا ... إنْ كانَ عن ثَلاثَةٍ مُرتَقِيَا =

* وأما الشفتان

التاسع: طرفه وبين الثنيتين العلييين (¬1)، ويخرج منه الصاد والسين المهملتان والزاي. العاشر: طرفه وطرف الثنيتين العلييين (1)، ويخرج منه الظاء المُشالة (¬2) ثم الذال المعجمة ثم الثاء المثلثة. * وأمَّا الشفتان: ففيهما مخرجان لأربعة أحرف. الأول منهما: بطن الشفة السفلى مع طرف الثنيتين العلييين، ويخرج منه الفاء فقط. والثاني: بين الشفتين، ويخرج منه الواو غير المدينة (¬3) والباء الموحدة والميم، لكن تخرج الواو بانفتاحهما والباء والميم بانطباقهما. * وأمَّا الخَيْشوم: فيخرج منه الغنَّة فقط ويأتي الكلام عليها. فهذه السبعة عشر مخرجًا على التفصيل. ¬

_ = ويُنظر: "شذا العَرْف في فنِّ الصَّرف" للشيخ أحمد الحملاوي ص 120 (طبعة مؤسسة الريان - بيروت). (¬1) يُنظر التعليق السابق في ص 26. (¬2) الظاء المشالة: أي المعجمة، سُمِّيت مشالة تفريقًا بينها وبين الضاد المعجمة، والشَّوْل لغة: الرَّفع، يقال: شالت الناقة ذَنَبَها: إذا رفَعَتْه. فكتابة الألف عند أطراف الظاء بمثابة الشول. (¬3) أي المضمومة أو المفتوحة أو المكسورة أو الساكنة بعد فتح.

فصل: في الصفات

فصل: في الصِّفات وبها يحصل التمييز بين الحروف المشتركة (¬1). والمشهور منها تسع عشرة صفة، وهي: همس، وجهر، وشِدَّة، ورَخَاوة، وبين الرَّخاوة والشدَّة، واستعلاء، واستِفَال، وانطباق، وانفتاح، وإصْمَات، وذَلَق، وصفير، وقلقلة، ومدّ، ولين فقط، وانحراف، واستطالة، وتَفَشّ، وتكرار. فأما الهَمْس: فيوصف به عشرة أحرف يجمعها أحرف: "فحثَّه شخصٌ سَكَت". وأمَّا الجَهْر: فيوصف به تسعة عشر حرفًا، وهي ما عدا العشرة المذكور. وأمَّا الشدَّة: فيوصف بها ثمانية أحرف يجمعها أحرف: "أَجِدُ قَطٍ بَكَت". وأمَّا الصفة التي بين الرخاوة والشِّدَّة: فيوصف بها خمسة أحرف يجمعها أحرف: "لِنْ عُمَر". ¬

_ (¬1) أي المشتركة في المخرج، قال الإِمام المحقِّق ابن الجَزَري: "كل حرف شارك غيره في مخرج فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلَّا بالصفات، وكل حرف شارك غيره في صفاته فإنه لا يمتاز عنه إلَّا بالمخرَج". النشر في القراءات العشر 1/ 214.

وأمَّا الرَّخَاوة: فيوصف بها ستة عشر حرفًا، وهي ما عدا الثلاثة عشر المذكورة. وأمَّا الانطِبَاق: فيوصف به أربعة أحرف، وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء. وأمَّا الانفِتَاح: فيوصف به خمسة وعشرون حرفًا، وهي ما عدا الأربعة المذكورة. وأمَّا الذَّلَق: فيوصف به ستة أحرف يجمعها أحرف: "فَرَّ مِنْ لُبِّ". وأمَّا الإِصْمَات: فيوصف به ثلاثة وعشرون حرفًا، وهي ما عدا الستَّة المذكورة. وأمَّا الانحِرَاف: فيوصف به حرفان، وهما: اللام، والراء. وأما التفَشِّي: فيوصف به الشين المعجمة فقط. وأما الاستطالة: فيوصف بها الضاد المعجمة فقط. وأما التكرار: فيوصف به الراء فقط، ومعنى وصفه به: كونه قابلًا له، أي فيجب التحرُّز منه. فهذه ثلاث عشرة صفة وسيأتي ذكر باقي الصفات مع حروفها مفصَّلة في مواضعها (¬1)، مع ذكر بعض صفات ناشئة عن بعض هذه الصفات إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) يأتي ذكر صفتي الاستعلاء والاستفال في ص 48، كما يأتي ذكر صفة القلقلة ص 50، وصفة الصفير ص 51.

باب: المد والقصر

باب: المدّ والقصر المدّ لغةً: الزيادة، واصطلاحًا: إطالة الصوت بالحرف الممدود. والقصر لغةً: الحبس، واصطلاحًا: ترك المد وهو الأصل. واعلم أنَّ حروف المد ثلاثة: الألف الساكنة ولا يكون ما قبلها إلَّا مفتوحًا، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها. والمدّ قسمان: أصلي، وفرعي. فأما الأصلي: فهو الذي لا تقوم ذات حرف المدَّ إلَّا به ولا يتوقف على سبب، وهو المسمَّى عندهم بالطبيعي، سُمِّي بذلك لأنَّ صاحب الطبيعة السليمة لا ينقصه عن حدِّه ولا يزيد عليه، وحدُّه مقدار أَلِف (¬1). مثاله على الألف: {مَن قَالَ}، والواو {مَن يَقولُ}، والياء: {مِنَ الْعَالَمِينَ} درجًا (¬2) وما أشبهها. ومثله مدُّ البدل من الهمزة عند الجمهور، نحو: {آدَمَ} و {آزَرَ}، و {إِيمَانًا}، و {أُوتُوا الْعِلْمَ}، سُمِّي بذلك لأنه يُبدل الهمزة الثانية من جنس حركة ما قبلها. ¬

_ (¬1) الأَلِفُ: حركتان، والحركة بمقدار قَبْض الإِصْبَع أو بَسْطه. (¬2) أي عند الوصل.

وأما الفرعي: فهو الزائد على الطبيعي، وهو أربعة أقسام: لازم، وواجب، وجائز، وعارض. وله سببان: أحدهما: همز يقع بعد حرف المد. والثاني: سكون كذلك. فالهمز سبب للواجب والجائز، والسكون سبب للازم والعارض. فأما اللازم: فهو الذي جاء بعد حرفِ مدِّهِ حرفٌ لازم السكون في حالتي الوصل والوقف، وهو قسمان: كَلِمي، وحرفي. فالأول نحو: {الْحَاقَّةُ}، و {الصَّاخَّةُ}، و {الطَّامَّةُ}، و {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ}. والثاني نحو: {الم}، و {المص}، و {ق}، و {ن}، وما أشبهها من حروف الهجاء التي بُنْيَتُها على ثلاثة أحرف، أوسطها حرف مد إلَّا عين، فيجوز فيها التوسُّط أيضًا. وسُمِّي لازمًا للزوم سببه وصلًا ووقفًا، ولزوم مدِّه لجميع القرَّاء. وأمَّا الواجب: فهو أن يجتمع حرف المدِّ والهمز في كلمة واحدة، ويسمَّى متَّصلًا أيضًا لاتِّصال الهمز بكلمة حرف المد (¬1)، وسُمِّي واجبًا لوجوب مدِّه عند جميع القرَّاء، مثاله: {جَاءَ}، و {وَجِيءَ}، و {هَنِيئًا}، و {مَرِيئًا}، و {سَوَاءٌ}، و {السُّوءَ}، {أُولَئِكَ}. ¬

_ (¬1) وتشمل هذه العبارة سواء جاء الهمز بعد حرف المدّ في وسط الكلمة وفي آخرها، مثاله: {الْمَلَائِكَةِ} و {يَشَاءُ}.

وتفصيل قدر المد مع اختلاف القرَّاء فيه لا يحتمله هذا المختصر، لكن لا يجوز أن ينقص اللازم عن ألفين (¬1)، ولا المتصل عن ألف ونصف (¬2)، وحيث قيل بالمد فلا تجوز الزيادة على ثلاث ألفات، واعتبار ذلك كله بعد الأصلي. وأمَّا الجائز: فهو أن يأتي حرف المد منفصلًا عن الهمزة بأن يكون آخر كلمة والهمزة أولَ أخرى بعدها، نحو: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}، و {قُوا أَنْفُسَكُمْ}، و {بَنِي إِسْرَائِيلَ}، ويسمَّى منفصلًا أيضًا لانفصال الهمز عن كلمة حرف المد، وسُمِّي جائزًا لعدم الاتِّفاق على وجوب مدّه، فإنَّ مِن القرَّاء مَنْ يرى فيه القصر فقط، ومنهم مَنْ يرى فيه المد فقط، ومنهم من يرى فيه الوجهين، ومنهم من يرى فيه التوسُّط فقط، وذلك كله محقق في المطولات فلا نطؤَل بذكره هنا. وأما العارض: فهو الذي يعرض له السكون لأجل الوقف، سواء كان الحرف الموقوف عليه مكسورًا أو مفتوحًا أو مضمومًا، نحو: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، و {نَسْتَعِينُ}، و {الْمُفْلِحُونَ}، ويسمَّى جائزًا أيضًا لأنه لا يجب مدّه عند أحد من القرَّاء، بل يجوز فيه عند الجميع المد والقصر والتوسط. وحيث قيل بالقصر في كلمة فلا يجوز أن يُخرَج بها عن المد ¬

_ (¬1) الراجح في رواية حفص عن عاصم لزوم مد اللازم ست حركات، أي ثلاث ألفات. (¬2) المدّ المتصل في رواية حفص عن عاصم يُمَدّ وجوبًا أربع أو خمس حركات.

الأصلي؛ إذ الخروج عنه خطأ لأنه لا يُتوصل إليه إلَّا بإسقاط حرف من القرآن وهو غير جائز. فائدة: الواو والياء إذا سكنا وانفتح ما قبلهما فهما حرفا لِيْن، أي بلا مد (¬1)، فلا يمد عليهما حينئذ وصلًا، نحو: {عَلَيْهِمْ}، و {إِلَيْهِمْ}، و {يَوْمَ}، و {نَوْمٌ}، و {حُنَيْنٍ}، و {خَوْفٌ}. ويجوز المد وقفًا إذا وقع بعدهما ساكن، نحو: {خَوْفٌ}، و {يَوْمَ}، و {حُنَيْنٍ}، وإنما سُمِّيا بذلك لأنهما يخرجان في لين وعدم كلفة على اللسان. وللمدّ أنواع أُخَر ضربنا عنها. لدخول بعضها تحت ما ذكرنا، ولعروض بعضها بسبب الخلاف في القراءة. ¬

_ (¬1) يريد إذا لم يكن ما بعدهما ساكنًا.

باب: أحكام النون الساكنة والتنوين

باب: أحكام النون الساكنة والتنوين حد النون الساكنة: نون ساكنة تَثبُت لفظًا وخطًا ووصلًا ووقفًا، وتكون في الاسم والفعل والحرف. وحد التنوين: نون ساكنة زائدة تلحق الآخِر لفظًا لا خطًّا لغير توكيد. واعلم أنَّ النون الساكنة والتنوين لهما عند حروف المعجم أربعة أحكام: إظهار، وإدغام، وإقلاب، وإخفاء؛ وستأتي مفصَّلة إن شاء الله تعالى: الحكم الأول: الإِظهار: وهو عبارة عن إظهار النون الساكنة أو التنوين عند أحد حروف الحلق. وهي ستة يجمعها أوائل قول القائل: "أَخِي هَاكَ عِلْمًا حَازَهُ غَيْرُ خَاسِرٍ". ويكوِن عند النون في كلمة، نحو: {يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}، و {أَنْعَمْتَ}، و {وَانْحَرْ}، و {فَسَيُنْغِضُونَ}، و {وَالْمُنْخَنِقَةُ}. وفي كلمتين، نحو: {مَنْ آمَنَ}، {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، {مِنْ هَادٍ}، {مِنْ عَلَقٍ}، {مِنْ حَسَنَةٍ}، {وَإِنْ خِفْتُمْ}، {مِنْ غِلٍّ}، ونحوها.

الحكم الثاني: الإدغام

وعند التنوين لا يكون إلَّا في كلمتين، نحو: {عَذَابٌ أَلِيمٌ}، {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ}، {حَقِيقٌ عَلَى}، {نَارٌ حَامِيَةٌ}، {ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، {فَظًّا غَلِيظَ}. الحكم الثاني: الإِدغام: وهو لغةً: إدخال الشيء في الشيء، واصطلاحًا: إدخال حرف ساكن في حرف متحرك بحيث يصيران حرفًا واحدًا مشددًا. والمراد به هنا: إدغام النون الساكنة أو التنوين في أحد حروف الإِدغام، وهي ستة يجمعها أحرف: "يرملون". فيدغمان (¬1) في اللام والراء إدغامًا لازمًا بلا غنة اتِّفاقًا، نحو: {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، {وَأَلَّوِ (¬2) اسْتَقَامُوا}، {أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا}، {بَشَرًا رَسُولًا}. ويدغمان في الياء والواو والميم والنون بغنَّة كاملة، بخلافٍ في الياء والواو، نحو: {مَنْ يَقُولُ}، {قَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}، {جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}، {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، {مِنْ نَذِيرٍ}، {حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ} وشبهها. تنبيه: محل ذلك إذا كان المُدغم في كلمة والمُدغم فيه في كلمة أخرى، أما إذا كانا في كلمة واحدة فلا يجوز الإِدغام بل يتعين ¬

_ (¬1) أي النون الساكنة والتنوين. (¬2) أصلها: أن لو، أدغمت النون الساكنة في اللام، ورسمت في المصحف هكذا {أَلَّوِ}.

الحكم الثالث: الإقلاب

الإِظهار خوفًا من الالتباس بالمضاعف، وذلك نحو: {صِنْوَانٌ}، {قِنْوَانٌ}، {الدُّنْيَا}. فائدة: الحروف من حيث هي قسمان: قمرية وشمسية. فالقمرية يجمعها حروف قولك: "ابغ حجك وخف عقيمه"، وحكمها إظهار لام التعريف عندها، نحو: {وَالْفَجْرِ}، {وَالْقَمَرَ}، {وَالْعَادِيَاتِ}. والشمسية ما عداها، وحكمها إدغام لام التعريف فيها، نحو: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}، {وَالشَّمْسِ} وشبهها. الحكم الثالث: الإِقلاب (¬1): وهو عبارة عن قلب النون الساكنة أو التنوين ميمًا ثم إخفائها بغنَّة عند الباء فقط (¬2)، ويكون في كلمة نحو: {أَنْبِئْهُمْ}، وفي كلمتين نحو: {أَنْ بُورِكَ}، {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} وشبهها. ¬

_ (¬1) هكذا تعبير المجوِّدين: إقلاب، وفي اللغة: قلب، فلا يقال: أقلب، بل: قَلَب. وهكذا عبَّر الإِمام ابن الجزري في النشر 2/ 26. (¬2) وما شاع من عدم إطباق الشفتين بعضهما على بعض يتجافى عن التلقي الذي عُرف عن كبار المجودين في دمشق مثل الشيخ أحمد الحلواني الكبير وتلامذته جميعًا، وكما عُرف عن قُراء مصر كالشيخ علي محمود والشيخ علي هاشم والشيخ محمد رفعت والشيخ محمد الصيفي والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي وأشرطتهم مسجلة. ومن هؤلاء القراء الكبار في دمشق الدكتور الشيخ سعيد الحلواني وأشرطته تشهد بذلك. فما شاع وابتدع على ألسنة المُحْدَثين من القراء اليوم فهو مخالف للتلقي، ولا يحتج ببعض العبارات لأن التلقي حجَّة على العبارة، وليست العبارة حجة على التلقي. قاله وكتبه: الشيخ محمد كريِّم راجح رعاه الله.

الحكم الرابع: الإخفاء

الحكم الرابع: الإِخفاء: وهو عبارة عن إخفاء النون الساكنة والتنوين عند باقي حروف الهجاء بغنَّة ألطف من غنَّة الإدغام. والحروف الباقية خمسة عشر حرفًا قد جمعها بعضهم في أوائل هذه الكلمات: ضَحِكَتْ زَيْنَبٌ فَأَبْدَتْ ثنايَا ... تَرَكَتْنِي سَكْرَانَ دُوْنَ شَرَابِ طَوَّقَتْنِي ظُلْمًا قَلاَئِدَ ذُلٍّ ... جَرَّعَتْنِي جُفُونُهَا كَأْسَ صَابِ واعلم أنَّ الجيم من "جفونها" مكررة لإِقامة الوزن، ولذلك لم تُمَيَّز بالأحمر (¬1) كغيرها. ويكون في كلمة وفي كلمتين، نحو: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}، {وَانْصُرْنَا}، {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ}، ونحو: {وَلَمَنْ صَبَرَ}، {رِيحًا صَرْصَرًا}، {نَفْسًا زَكِيَّةً}، {فَإِنْ زَلَلْتُمْ}، {فَإِنْ فَاءُوا} ونحوها. فائدة: الغنَّة صوتٌ أغنّ لا عمل للسان فيه، وهي صفة متابعة للنون والميم الساكنتين والتنوين حيث لا إظهار، ومخرجها الخيشوم، وهو أقصى الأنف، ولهذا لو أُمسِك لم يمكن خروجها. وينبغي المحافظة على إظهارها من الميم والنون المشددتين مطلقًا، نحو: {وَلَمَّا}، و {ثُمَّ}، {وَأَنَّ}، و {الْجَنَّةَ}، {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) يريد المؤلف أن أوائل الحروف من كلمات البيتين أعلاه كتبت في الأصل المخطوط باللون الأحمر تمييزًا لها.

فصل: في أحكام الميم الساكنة

فصل: في أحكام الميم الساكنة وهي ثلاثة: حالة إدغام، وحالة إخفاء، وحالة إظهار (¬1). فالأولى: أن يقع بعدها ميم (¬2)، فيجب أن تُدغم فيها بغنَّة كاملة، نحو: {وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ}، {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا}، {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} وشِبْهَه. والثانية: أن يقع بعدها باء موحدة (¬3)، فيجب أن تُخفى عندها على المختار بغنَّة (¬4)، نحو: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ}، {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ}، {مَا لَهُمْ ¬

_ (¬1) وتسمَّى: إدغامًا شفويًا، وإخفاءً شفويًا، وإظهارًا شفويًا، وذلك لخروج حرف الميم من الشفتين. (¬2) ولا يتحقَّق هذا الحكم إلَّا في كلمتين. (¬3) ولا يتحقَّق هذا الحكم أيضًا إلَّا في كلمتين. (¬4) وينبغي إطباق الشفتين دون إدخالهما إلى الفم ودون فتحهما، كما مرّ في قلب النون الساكنة والتنوين. وأزيد هنا نصيحة للذين يخالفون ذلك بأن القرآن الكريم تلقي من فم سيدنا جبريل عليه السلام مشافهة، ومن فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا مشافهة، وهكذا أخذه القراء والعلماء مشافهة، أما القواعد وكتب التجويد فجاءت بعد ذلك لضبط هذه المشافهة بقدر ما يمكن. أما العبارة فإنها مهما كانت دقيقة فإنها لا تُعبِّر عن الحرف كما هو، فأي كاتب =

بِهِ مِنْ عِلْمٍ} ونحو ذلك. والثالثة: أن يقع بعدها غير الحرفين المذكورين فيجب إظهارها عنده. ويكون في كلمة، نحو: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، {تُمْسُونَ}. وفي كلمتين، نحو: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ}، {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} وشبهها. وتكون أشد إظهارًا إذا وقع بعدها واو وفاء (¬1) {عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. ¬

_ = يستطيع أن يضبط حرف (p) بعبارة تحدها مهما كان فصيحًا، ولكن عندما تنطق أمامه فإنه ينطق بها كما سمعها. وهذا مثال، وللقرآن المثل الأعلى. فليتَّقِ الله الذين يقرؤون القرآن أو يقرؤونه، ومنهم من أخذوا عني وعن إخواني من القراء، ومنهم من أخذوا عن شيوخي وشيوخ إخواني وقد ماتوا، ولكن ما أدري لماذا خالفوا التلقي. فليعُد هؤلاء الذين يقرؤون على غير مثال التلقي وليتقوا الله، والله ولي التوفيق. قاله وكتبه: شيخ قراء الشام الشيخ محمد كريِّم راجح حفظه الله. (¬1) وذلك لاتحاد الميم والواو في المخرج، وتقارب مخرج الميم والفاء، فقد يؤدي هذا إلى سَبْق لسان القارئ إلى إخفاء الميم عند الواو والفاء، لذا نبَّه علماء الأداء إلى وجوب تحقيق إظهار الميم عند الواو والفاء.

فصل: في إدغام المتماثلين والمتجانسين

فصل: في إدغام المتماثلين والمتجانسين أما المتماثلان: فهما ما اتفقا صفةً ومخرجًا، كالباءين والذالين واللامين، ونحو ذلك. وأما المتجانسان: فهما ما اتفقا مخرجًا لا صفةً، كاللام والراء إن تقدَّمت اللام على الراء، وإن تأخَّرت عنها وجب الإِظهار عند الأكثر، وكالتاء المثناة فوق والدال المهملة والذال المعجمة والظاء المشالة ونحو ذلك. وحاصله أنه متى التقى حرفان متماثلان أو متجانسان وسكن الأول منهما ولو سكونًا عارضًا وجب إدغام الساكن في المتحرك، ولا فرق بين أن يكونا في كلمة أو كلمتين. أمثلة المتماثلين: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}، {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}، {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}، {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ}، {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} ونحو ذلك. والمتجانسين، نحو {وَإِنْ أَرَدْتُمْ}، {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ}، و {إِذْ ظَلَمُوا} {قُلْ رَبِّ}، {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (¬1) وشبهها. ¬

_ (¬1) في قراءة حفص عن عاصم هنا سكتة لطيفة فلا يكون إدغام.

تنبيه: محل ذلك إذا لم يكن أول المتماثلين حرف مد، فإن كان فلا يجوز الإِدغام وتعين الإِظهار، نحو: {قَالُوا وَأَقْبَلُوا}، و {فِي يَوْمَيْنِ} وأمثالهما. وعلَّة ذلك المحافظة على المد الأصلي لئلا يذهب بالإِدغام (¬1). وأما ما اختُلف فيه من إدغام قال (قد) وذال (إذ) ولام (هل) و (بل) وتاء التأنيث الساكنة ونحوها في حروف مخصوصة فليس مما نحن فيه، بل ذلك كله من إدغام المتقاربين المختلف فيه كما هو مفصل في محله ولا يليق تفصيله هنا، والله أعلم. ¬

_ (¬1) ويستثنى كذلك ما إذا كان أؤَل المثلين هاء سَكْت نحو: {مَالِيَهْ (28) هَلَكَ}، ففيها الوجهان: الإِدغام والإِظهار، والإِظهار لا يكون إلَّا مع سكتة لطيفة.

فصل

فصل وعلى القارئ أن يبيِّن إطباق الطاء من قوله تعالى: {أَحَطْتُ}، ومن {بَسَطْتَ} ونحوهما، لئلا تشتبه بالتاء؛ لكون الطاء سابقة للتاء المجانسة لها بسبب اتحاد المخرج. وطريق ذلك أن تُدغم الطاء في التاء ذاتًا لا صفة؛ لأنَّ الإِدغام قسمان: كامل وناقص. فالكامل: إدراج الحرف الأول في الثاني ذاتًا وصفةً، كالإِدغام بلا غنَّة. والناقص: إدراج الأول في الثاني ذاتًا لا صفةً، كإدغام الطاء في التاء، من نحو: {أَحَطْتُ}، و {بَسَطْتَ}، وكالإدغام بغنَّة. واختلف أهل الأداء في إبقاء صفة استعلاء القاف وإذهابها مع اتفاقهم على الإدغام في {نَخْلُقْكُمْ} (¬1)، من قوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} في المرسلات. ¬

_ (¬1) وهذا في غير قراءة السوسي عن أبي عمرو، أما عنده فالإدغام الكامل متعين.

فصل

فصل الضاد المعجمة والظاء المشالة إذا التقيا يلزم القارئ بيان مخرج كل منهما، نحو: {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ}، و {يَعَضُّ الظَّالِمُ}. وكذلك عليه بيان الضاد المعجمة من الطاء المهملة من نحو قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ}، وبيان الظاء المشالة من التاء من نحو قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ}، وبيان الضاد المعجمة من التاء من نحو قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ}، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، وبيان اللام الساكنة عند النون من نحو قوله تعالى: {قُلْ نَعَمْ}، و {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ}، وبيان الحاء الساكنة عند الهاء من نحو قوله تعالى: {فَسَبِّحْهُ}، وبيان الغين عند القاف من نحو قوله تعالى: {لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا}، وبيان اللام عند التاء من نحو قوله تعالى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ}، وبيانها أيضًا من نحو: {جَعَلْنَا}، و {ضَلَلْنَا}. وعلى القارئ أيضًا تمييز الضاد المعجمة من الظاء المشالة مطلقًا (¬1) نحو {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ}، والله أعلم. ¬

_ (¬1) وذلك لتقارب مخرجهما فيخشى إن لم يُميِّز أن تتداخلا، كما يحصل ذلك للأعاجم.

باب: الترقيق والتفخيم

باب: الترقيق والتفخيم فصل: في أحكام الراء اعلم أنَّ الراء لا يخلو إما أن تكون متحركة أو ساكنة، فإن كانت متحركة فلا يخلو إما أن تكون حركتها ضمة أو فتحة أو كسرة، فإن كانت ضمة أو فتحة فليس إلَّا التفخيم. وإن كانت كسرة فليس إلَّا الترقيق، أصلية كانت الكسرة أو عارضة، تامة أو ناقصة بسبب روم أو اختلاس أو إمالة، سواء سكن ما قبلها أو تحرك، وسواء وقع بعدها حرف مُستَعِل أو مُستَفِل (¬1)، وسواء كانت في اسم أو فعل. وأمثلة ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {رِزْقًا لِلْعِبَادِ}، {رِجَالٌ يُحِبُّونَ}، {وَفِي الرِّقَابِ}، {وَالْغَارِمِينَ}، {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}، {وَأَنْذِرِ النَّاسَ}، {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ}، {وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ} في قراءة النقل (¬2)، و {رَأَى كَوْكَبًا} في قراءة ¬

_ (¬1) يُنْظَر كلام المؤلف على حروف الاستعلاء والاستفال ص 48. (¬2) وتقرأ هكذا: وانحرِنّ شانئك.

الاختلاس (¬1)، و {الذِّكْرَى} في قراءة الإِمالة. هذا حكمها وصلًا، وأما حكمها وقفًا فلا يخلو إما أن تقف بالروم أو السكون، فإن وقفتَ بالروم فكالوصل، وإن وقفتَ بالسكون فلا يخلو إما أن يكون قبلها حرف ممال أو لا، فإن كان الأول فمرققة، نحو: {الْغَارِ}، و {الْقَرَارُ}، وكذا إن كان قبلها كسرة، نحو: {وَلَا نَاصِرٍ}، و {قُدِرَ}، و {أَشِرٌ}، أو ياء ساكنة، نحو: {ضَيْرَ}، و {خَيْرٌ}، و {غَيْرِ}، و {بَصِيرٌ} و {خَبِيرٌ}، وكذا إذا حجز بين الكسرة والراء حاجز ليس بحصين، وهو الحرف الساكن ترقق، نحو: {الذِّكْرَ}، و {السِّحْرُ} وشبههما. أما إذا كانت ساكنة سكونًا لازمًا أو عارضًا متوسطة كانت أو متطرفة في الوصل أو الوقف فإنها ترفق بشرط أن يكون قبلها كسرة لازمة، أو تكون الكسرة والراء في كلمة واحدة وأن لا يكون بعدها حرف استعلاء، وذلك نحو: {مِرْيَةٍ}، و {الْإِرْبَةِ}، و {فِرْعَوْنَ}، و {لَشِرْذِمَةٌ} وما أشبه ذلك. فقولنا كسرة لازمة احترازًا عن الكسرة العارضة التي في نحو: {ارْكَعُوا}، و {ارْجِعُوا}، عند الابتداء. وقولنا: أن تكون الكسرة والراء في كلمة واحدة، احترازًا عن نحو: {أَمِ ارْتَابُوا}، و {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} وصلًا. وقولنا: أن لا يكون بعدها حرف استعلاء، احترازًا عن نحو: ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل، والصواب: الإِمالة أو التقليل.

{مِرْصَادًا}، و {فِرْقَةٍ}، و {قِرْطَاسٍ}، ولم يقع في القرآن العظيم بعدها من حروف استعلاء إلَّا الصاد والطاء والقاف. فأما الراء في قوله تعالى: {كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}، فمن القرَّاء من فخَّمها لكون (¬1) بعدها حرف استعلاء، ومنهم من رقَّقها لوقوعها بين كسرتين. وإنما أطلنا الكلام عليها لكثرة أحكامها وقصدًا لإِتقانها. فائدة: ترقيق الحرف: إنحافه. وتفخيمه: تسمينه. والأصل في الراء التفخيم. تنبيه: مما يجب على القارئ إخفاء تكرير الراء لأنه حرف قابل له، ويتأكد ذلك إذا كانت مشددة؛ لأنَّ القارئ إذا لم يتحرَّز (¬2) من ذلك جعل من الحرف المشدد حروفًا، ومن المخفف حرفين، وكل ذلك غير جائز. وطريق السلامة من هذا المحذور أن يُلصق اللافظ ظهر لسانه على حنكه لصوقًا محكمًا مرة واحدة بحيث لا يرتعد؛ لأنه متى ارتعد حدث من كل رِعدة (¬3) حرف. ¬

_ (¬1) في هامش نسخة (م): الأولى في التعبير لكون حرف الاستعلاء بعدها، إلَّا أن يقال أنَّ الظرف فاصل بين الكون وما أُضيف إليه فتنبَّه. اهـ. كاتبه. (¬2) كذا في نسخة (ب)، وفي (م): يتحرَّى. (¬3) في نسخة (م): مرَّة.

فصل: في أحكام اللام من اسم الله تعالى

فصل: في أحكام اللام من اسم الله تعالى اعلم أنَّ الاسم الجليل لا يخلو إما أن يكون قبله فتحة أو ضمة أو كسرة. فإن كان قبله ضمة أو فتحة وجب التفخيم سواء زيدت عليه ميم أو لا، وسواء كانت الضمة والفتحة متصلتين به أو لا، نحو: (قَالَ الله)، و {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ}، و {قَالُوا اللَّهُمَّ}. وإن كان قبله كسرة وجب الترقيق سواء كانت متصلة أو منفصلة، أصلية أو عارضة، نحو: {بِاللَّهِ}، و {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}، و {قُلِ اللَّهُمَّ} ونحو ذلك (¬1). ¬

_ (¬1) والأصل في اللام الترقيقُ عكسَ الراء، ولا تُفخَّم إلَّا لموجِب. وأما لام غير لفظ الجلالة فيجب ترقيقُها مطلقًا عند حفص عن عاصم.

فصل

فصل ومما يفخَّم أيضًا حروف الاستعلاء، وهي سبعة، يجمعها أحرف: "خُصَّ ضَغْطٍ قِظْ"، لكن أحرف الإِطباق تكون أقواها تفخيمًا، نحو: {قَالَ اللَّهُ}، {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}، و {الْحُطَمَةِ}، و {تَضْلِيلٍ}، و {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} ونحوها. وأما الحروف المستفلة -وهي ما عدا المستعلية- فتكون إذًا اثنين وعشرين حرفًا، فحكمها الترقيق إلَّا الراء ولام الجلالة ففيهما تفصيل، وتقدَّم الكلام عليهما، والألف سيأتي حكمها. واحذر تفخيم اللامين من قوله تعالى: {وَلْيَتَلَطَّفْ}، والحاءين من {حَصْحَصَ}، والحاء من {الْحَقَّ}، والباء من نحو {وَبَاطِلٌ}، و {بَرِقَ}، واللامين من نحو: {عَلَى اللَّهِ}، {وَلَا الضَّالِّينَ}، وخو ذلك. تنبيه: الألف إذا وقعت بعد حرف مُرقَّق رُقِّقت، نحو: {الْعَالَمِينَ}، و {وَالْعَاكِفِينَ}، و {الْحَاكِمِينَ}، و {وَمِنْهَاجًا} وشبهها، وإذا وقعت بعد حرف مفخَّم فُخِّمت، نحو: {الصَّابِرِينَ}، و {الصَّادِقِينَ}، و {الْقَانِتِينَ}، و {الرَّاحِمِينَ}، و {الضَّالِّينَ}، و {الظَّالِمِينَ} وما أشبهها.

وأما الهمزة فهي مرققة مطلقًا، أي سواء جاء بعدها أو قبلها حرف مرقَّق أو مفخَّم، وسواء كانت متطرفة أو متوسطة، نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، {وَاهْدِنَا}، {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}، و {أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}، و {طَائِعِينَ}، و {خَائِفِينَ} ونحو ذلك.

فصل: في حروف القلقلة

فصل: في حروف القلقلة ويقال: لَقْلَقَة أيضًا، وهي خمسة، يجمعها أحرف: "قطب جد". وحقيقة القلقلة: إظهار نَبْرة (¬1) لطيفة حالة النطق بالحرف المقلقل. وهذه الأحرف لا يخلو إما أن تكون متحركة أو ساكنة، فإن كانت متحركة فليست حروف قلقلة، وإن كانت ساكنة فهي حروف قلقلة. وحاصله أنه متى سكن حرف من هذه الحروف الخمسة وجب أن يقُلقل، ويقلقل في الوقف أكثر (¬2)، أمثلة ذلك: {الْحَرِيقِ}، {يَقْطَعُونَ}، {مُحِيطٌ}، {فِطْرَتَ اللَّهِ}، {قَرِيبٌ}، {أَبْصِرْ بِهِ}، {مَرِيجٍ}، {يَجْعَلُونَ}، {بِالْعِبَادِ}، {الْوَدْقَ}، وما أشبه ذلك. ¬

_ (¬1) وفي نسخة (م): بترة، وهو تصحيف. (¬2) ويقلقل أكثر في الحرف المشدد الموقوف عليه لأن الحرف المشدد بحرفين فكأنك تقلقل مرتين، نحو: {الْحَقُّ} و {وَتَبَّ}.

فصل: في أحرف الصفير

فصل: في أحرف الصفير وهي ثلاثة: الصاد والسين المهملتان، والزاي المعجمة، سُمِّيت بذلك لصوت يخرج معها بصفير (¬1) يشبه صفير الطائر (¬2). وأقواها في ذلك الصاد للإِطباق، وتليها الزاي للجهر، ثم السين أضعفها صفيرًا (¬3). ¬

_ (¬1) لأنها تخرج من بين الثنايا وطرف اللسان، فينحصر الصوت هناك إذا سكنت ويأتي كالصفير. (¬2) وقد شبهوها للطائر فقالوا: الصاد تشبه صوت الإِوَز، والزاي صوت النَّحل، والسين صوت الجراد أو العصفور. (¬3) لذا ينبغي العناية بصفيرها زيادة على الصاد والزاي نظرًا لضَعْفها بالهمس والرَّخاوة، وقوتهما بالجهر.

باب: الوقف والابتداء

باب: الوقف والابتداء الوقف لغةً: الكفُّ، واصطلاحًا: قطع الكلمة عما بعدها بسكتة طويلة. واعلم أنَّ التجويد لا يحصل للقارئ إلَّا بمعرفة مواضع القطع على الكلم والابتداء بما بعده، وما يُجْتَنَب من ذلك لبشاعته وقبحه. والأصل في الوقف السكون، والابتداء لا يكون إلَّا بالحركة. والوقف ثلاثة أقسام: اختباري (¬1): بالباء الموحدة ومتعلقه الرسم لبيان المقطوع من الموصول، والثابت من المحذوف، والمجرور (¬2) من المربوط (¬3). ¬

_ (¬1) وسُمِّي اختباريًّا لأنه يُوقف عليه لسؤال ممتَحنٍ أو تعليم قارئ كيف يقف، كان يأمر الأستاذ تلميذه مثلًا بالوقف على كلمة ليختبره في حكمها: من قطع أو وصل، أو إثبات أو حذف، أو وقف عليها بالتاء أو بالهاء. (¬2) المراد المبسوط، مثل: {رَحْمَتَ}. (¬3) وحكم هذا الوقف: الجواز، على أن يعود إلى الكلمة التي وقف عليها فيبدأ بها ويَصِلها بما بعدها إن صلح البدء بها، وإلاَّ بدأ من كلمة قبلها من الكلمات التي يصح البدء بها.

واضطراري

واضطراري: ومتعلقه ضِيْق النفس والعيّ (¬1). واختياري: بالياء المثناة تحت، وهو المقصود هنا، وهذا إما قبيح أوغيره؛ لأنَّ اللفظ الموقوف عليه إما أن يستقلَّ بمعنًى أو لا، الثاني القبيحِ، ويأتي. الأوَّل: ثلاثة أقسام: تام، وكاف، وحسن. فأما التام (¬2): فهو الذي يَحسُن الوقوف عليه والابتداء بما بعده، وهذا إنما يكون على لفظ لم يتعلق بشيء مما بعده ولا ما بعده به، بأن يكون منقطعًا عما بعده لفظًا ومعنًى. وأكثر ما يوجد في الفواصل ورؤوس الآي وانقطاع الكلم وانتهاء القصص، نحو: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ونحو ذلك. وقد يوجد قبل انقضاء الفاصلة، نحو: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)}، فـ {أَذِلَّةً} هو آخر كلام بِلْقيس، و {يَفْعَلُونَ} هو رأس الآية (¬3). وقد يوجد بعد انقضائها، نحو: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ}، فـ {مُصْبِحِينَ} هو رأس الآية، و {وَبِاللَّيْلِ} هو تتمة الكلام. ¬

_ (¬1) فيجوز للقارئ الذي عرض له ما ذُكر الوقف على آية كلمة وإن لم يتم المعنى، ثم يجب عليه أن يعود إلى الكلمة التي وقف عليها فيبتدئ بها إن صلح الابتداء بها وإلَّا بما قبلها. (¬2) سُمَّي تامًّا: لتمام المعنى وكماله عند الكلمة الموقوف عليها، وعدم الاحتياج إلى ما بعدها لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى. (¬3) بل هو ذيلها.

وكذلك: {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا}، فرأس الآية {يَتَّكِئُونَ}، وتمام الكلام {وَزُخْرُفًا}؛ لأنه معطوف على {سُقُفًا}. ويقاس على هذا ما يشبهه. والوقف التام من قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ابتداء كلام آخر. وأما الكافي: فهو الذي يُكتفى بالوقف عليه والابتداء بما بعده، وذلك بأن يكون اللفظ الموقوف عليه متعلقًا بما بجده من حيث المعنى لا من حيث اللفظ (¬1)، نحو قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ}، ونحو: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬2)، ونحو: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)} (¬3)، وأمثالها. وأما الحَسَن: فهو الذي يَحسُن الوقوف عليه ولا يَحسُن الابتداء بما بعده، بأن يكون اللفظ الموقوف عليه متعلقًا بما بعده لفظًا ومعنًى (¬4)، نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، فالوقف عليه حَسَن؛ لأنَّ المعنى مفهوم، ولا يحسن الابتداء بما بعده (¬5) لكونه تابعًا لما قبله لفظًا ومعنًى. ¬

_ (¬1) وحكمه كالوقف التام: أنه يَحسُن الوقف عليه والابتداء بما بعده، والوقف عليه أولى من الوصل. (¬2) فما بعدها: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}، فهي مرتبطة بها معنىً لا لفظًا. (¬3) فما بعدها: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} فهي أيضًا مرتبطة بها معنىً لا لفظًا. (¬4) ينبغي أن يُعلَم أنه يلزم من التعلق اللفظي التعلق في المعنى ولا عكس، فلا يلزم من التعلق بالمعنى التعلق في اللفظ. (¬5) وهو: {رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)}.

ومَحَلُّ النهي عن ذلك إذا لم يكن رأس آية، فإن كان فيجوز الوقف عليها والابتداء بما بعدها ولو كان التعلُّق المذكور موجودًا فيها لورود السنَّة بالوقف (¬1) على نحو: {الْعَالَمِينَ (2)}، والابتداء {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}، ولأنَّ رؤوس الآي فواصل بمنزلة فواصل السجع والقوافي، فلا بأس بالوقف عليها مع ذلك إن أُمِن اللَّبْسُ. تنبيه: المراد بالتعلُّق المعنوي أن يتعلَّق المتأخِّر بالمتقدِّم من حيث المعنى لا الإِعراب، كالإِخبار عن حال المؤمنين والكافرين، أو تمام قصة ونحو ذلك. وباللفظي أن يتعلَّق به من حيث معنى الإِعراب لا المعنى؛ لكونه صفة له أو معطوفًا عليه، ونحو ذلك. وأما القبيح: فهو الوقف على اللفظ الذي لم يستقل بمعنى، كالوقف على المضاف دون المضاف إليه، وعلى الرافع دون مرفوعه، وعلى الناصب دون منصوبه، وعلى أداة الشرط دون شرطها، وعلى الشرط دون جزائه، وعلى الموصوف دون صفته إذا لم يَتِمَّ معناه ¬

_ (¬1) وذلك لما روته السيدة أمُّ سَلَمة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَطِّع قراءته يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يقف، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} ثم يقف، وكان يقرؤها: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}. الحديث رواه الترمذي ح (2927)، ورواه وأبو داود بلفظ قريب ح (4001). قال الإِمام المقرئ أبو عمرو الداني في كتابه "المكتفى في الوقف والابتدا" ص 147: ولهذا الحديث طرق كثيرة، وهو أصلٌ في هذا الباب. وقال الإِمام ابن الجَزَري في "النشر" 1/ 224: رواه أبو داود ساكتًا عليه، والترمذي، وأحمد، وأبو عبيدة، وغيرهم، وهو حديث حَسَن وسنده صحيح.

بدونها، وكذا المعطوف عليه دون المعطوف. لكن إذا اضطُرَّ القارئ لعيٍّ أو غيره إلى الوقف على شيء من ذلك فيجوز له، ولكن ينبغي له أن يبدأ بما قبله. وأقبح من الوقف على ما ذُكِر الوقف على بعض حروف الكلمة، وأقبح منه الوقف على قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا}، وعلى قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى}، فإن وقف عليهما مضطرٌ فلا بأس، لكن لا يبتدئ بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}، ولا بقوله: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}، بل يبتدئ بما قبله فإن لم يفعل فقد أخطأ خطأ فاحشًا. تنبيه: جميع ما ذُكِرَ في الوقف والابتداء إنما هو على سبيل السُنَّة لا على سبيل الوجوب، فليس شيء منه واجبًا يحنث القارئ بتركه ولا حرامًا يأثم بفعله، بل المقصود منه تحسين القراءة وترتيلها وإعرابها؛ لأن الوقف والابتداء لا يدلاَّن على معنى حتى يأثم القارئ بذهابهما، اللَّهُمَّ إلَّا أن يكون لذلك سبب يستدعي تحريمه، كأن يقصد الوقف على {وَمَا مِنْ إِلَهٍ}، و {إِنِّي كَفَرْتُ}، ونحوهما من غير ضرورة، إذ لا يفعل هذا مسلم. فإن لم يقصد ذلك لم يَحرُم، لكن الأحسن اجتناب مثل هذا المحذور للإِيهام الحاصل به.

فصل: في كيفية الوقف

فصل: في كيفية الوقف اعلم أنَّ الكلمة الموقوف عليها لا يخلو إما أن تكون متحركة أو ساكنة. فإن كانت ساكنة فليس الوقف عليها إلَّا بالسكون كالوصل، نحو: {وَاصْبِرْ}، {وَاسْجُدْ}، {وَاقْتَرِبْ}، {وَانْحَرْ} وشبهها. وإن كانت متحركة فلا يخلو إما أن تكون منوَّنة أو لا. فإن كانت منوَّنة فلا يخلو إما أن تكون حركتها حركة رفع أو نصب أو خفض. فإن كانت حركتها حركة رفع أو خفض وقف عليها بالسكون أيضًا، نحو: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ}، {مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} وشبهها. وإن كانت حركة نصب وقف عليها بالألف، نحو: {وَكِيلًا}، {شَهِيدًا}، {رَحِيمًا} وما أشبهها. وإن كانت متحركة غير منوَّنة وقف عليها بالسكون، سواء كانت حركتها ضمة أو فتحة أو كسرة، نحو: {لَا رَيْبَ فِيهِ}، {رُسُلُ اللَّهِ}، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وشبهها.

فائدة: الاسم اللاحقة له تاء التأنيث المتحركة إما أن يكون منوَّنًا أو لا. فإن كان منونًا وقف عليها بالهاء، سواء كان مرفوعًا أو منصوبًا أو مخفوضًا. وكذلك إن لم يكن منونًا وكانت التاء مربوطة، مثالها: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}، و {الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}. أما نحو: {وَأَمْوَاتًا}، و {مُقِيتًا}، فيوقف عليه بالألف كما تقدَّم؛ لأنَّ التاء فيه ليست للتأنيث، بل هي من نفس الكلمة. وإن كانت غير منونة وهي مرسومة مجرورةً (¬1) فقد جاء عن بعض القرَّاء الوقف عليها بالتاء رعاية للرسم، وعن بعضهم بالهاء على الأصل، وذلك نحو: {شَجَرَتَ الزَّقُّومِ}، و {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ}، و {امْرَأَتُ عِمْرَانَ}، ونحوها مما رسم بالتاء المجرورة في مصحف الإِمام. فائدة: ويجوز الوقف بالروم على غير المنصوب والمفتوح، وهو الإِتيان ببعض الحركة، لكن المحذوف منها أكثر؛ وبالإشمام على المرفوع والمضموم فقط، وهو ضم الشفتين بعد الإِسكان إشارة إلى ¬

_ (¬1) كل هاء كتبت تاء مجرورة أي مبسوطة فإن الإِمام أبا عمرو، وابن كثير، والكسائي يقرؤونها بالهاء المربوطة، ويقرؤها بقية القراء السبع بحسب ما رسمت تاء مجرورة أي مبسوطة. قال الشاطبي: إذا كُتِبتْ بالتَّاءِ هَاءُ مُونَّثٍ ... فَبِالهاءِ قِفْ حقًّا رضًى ومُعوِّلا

الضم وترك بعض انفراج بينهما ليخرج منه النَّفَس (¬1). والإِشمام لا يدركه الأعمى بخلاف الروم فإنه يدركه القريب المصغي مطلقًا. ولا روم ولا إشمام في حركة عارضة، ولا في حركة ميم الجمع في مذهب من ضمها (¬2)، ولا في هاء التأنيث التي ترسم تاء مجرورة. ¬

_ (¬1) لا يوجد في قراءة حفص عن عاصم روم وإشمام إلَّا في قوله تعالى في سورة يوسف: {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا}. (¬2) أي عند الوصل كقراءة ابن كثير وأبي جعفر.

فصل: في همزة الوصل

فصل: في همزة الوصل وهي التي تَثْبُت في الابتداء وتُحذف في الوصل، وسُمِّيت بذلك لأنه يُتوصَّل بها إلى النطق بالساكن. واعلم أنَّ للقارئ حالتين: حالة ابتداء وحالة وقف، فكما أنَّ الأصل في الوقف السكون، فالابتداء لا بدَّ أن يكون بالحركة. وهمزة الوصل تكون في الاسم والفعل. وأما الفعل: فلا يخلو إما أن يكون أوَّله متحركًا أو ساكنًا، فإن كان متحركًا فلا يحتاج إلى همزة وصل، وإن كان ساكنًا احتاج إليها. ومن شأنها أنها لا تكون في مضارع مطلقًا، ولا في حرف غير لام التعريف، ولا في ماضٍ على ثلاثة أحرف، كـ {أَكَلَ} و {أَذِنَ}، و {أَمِنَ} ولا في ماض على أربعة، كـ (أكرم) و {أَحْسَنَ} و {أَحْكَمُ} ونحوها، ولا في أمر رباعي: كـ {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} ونحوهما. فالهمزة في هذه المواضع كلها همزة قطع مفتوحة مطلقًا إلَّا في مضارع رباعي فمضمومة مطلقًا. وتكون همزة الوصل في الماضي الخماسي كـ (انطلق)، والسداسي كـ (اسْتَخْرَج)، وفي أمرهما كـ (انطَلِق) و (اسْتَخْرِج) وأمر

الثلاثي كـ {اضْرِبْ} و (اعلم) وحكمهما في الماضي الكسر. وأما الأمر ففيه تفصيل، وهو أنه إذا كان ثالثه مضمومًا ضمًّا لازمًا، نحو: {انْظُرْ} و {اخْرُجْ}، ابتُدئ بها مضمومة. وإن كان ثالثه مكسورًا كسرًا لازمًا أو مفتوحًا ابتدئ بها مكسورة فيهما، نحو: {اضْرِبْ}، و {اذْهَبْ} و (اعلم) وشبهها. فإن كان الضم عارضًا كسرت أيضًا، نحو: {امْشُوا}. وإن كان الكسر عارضًا، نحو: (اغزي يا هند)، ففي الابتداء بهمزة الوصل وجهان: الضم الخالص وإشمامه بالكسر. وأما الاسم: فهمزة الوصل فيه نوعان: قياسي، وسماعي. فأما القياسي: ففي مصدر الخماسي والسداسي كـ (الانطِلاَق) و (الاستِخْرَاج) (¬1). وأما السماعي: فهي عشرة ألفاظ محفوظة، وهي: اسم وابنت وابن وابنم وابنة وامرأة وامرؤ واثنان واثنتان وايمن الله المخصوص بالقسم؛ وحكم هذه الهمزة عند الابتداء الكسر إلَّا مع لام التعريف فإنَّ حكمها الفتح، والله أعلم بالصواب. وليكن هذا آخر ما تيسَّر جمعُه في هذه الرسالة، ومن أراد أكثر من ذلك فعليه بالمطوَّلات. والله المسؤول أن ينفع بها كما نفع بأصلها إنه قريب سميع مجيب ¬

_ (¬1) مثال الخماسي في المصحف: {اخْتِلَافِ} في قوله تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}. ومثال السداسي نحو: {اسْتِكْبَارًا} في قوله تعالى: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ}.

الدعوات، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمَّد سيِّد السادات، وعلى آله وجميع أصحابه أولو (¬1) الفضل والعنايات، ونسأل الله أن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ولا يفضحنا، إنه غافر الزلاَّت وساتر العورات وراحم العَبَرات وكاشف العَثَرات، والحمد لله رب العالمين (¬2). [وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين .. آمين. وقد نقلت هذه المقدمة من خط شيخنا مصطفى الغزالي، وقد نقلها شيخنا من خط مؤلفها من سادس (¬3) في عصره وأوانه المحقق الشيخ محمد البلباني الحنبلي رحمه الله الملك الصمداني .. آمين، (¬4)] (¬5). ¬

_ (¬1) هكذا جاءت في المخطوط، وهي خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم. (¬2) هذه خاتمة نسخة المتحف البريطاني، وجاء آخر نسخة مكتبة مكة المكرمة: وهذا ما تيسَّر جمعه في هذه المقدمة، ومن أراد أكثر من ذلك فعليه بالمطوَّلات، والله المسؤول أن ينفع بها إنَّه رب الأرض والسماوات، وصلَّى الله على سيِّدنا ونبيّنا محمَّد سيِّد السادات، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والكرامات، والحمد لله رب العالمين أوَّلًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا. (¬3) هي كذلك في المخطوطة، والذي يبدو أنه لا معنى لها. والظاهر أن السين زائدة، والصواب: (ساد)، والله أعلم. (¬4) ما بين المعقوفين من نسخة المتحف البريطاني ويظهر أنها من زيادة الناسخ. (¬5) تمت القراءة لهذه الرسالة المباركة النافعة على نسخة مكتبة مكة المكرمة بعد صلاة المغرب من ليلة 26 رمضان المبارك سنة 1421 هـ في مكاننا المعهود في الصحن من الحرم تجاه الكعبة بقراءتي ومتابعة الشيخ نظام يعقوبي على الأصل المخطوط وبحضور وسماع ومتابعة من الأستاذ الدكتور عبد الله محارب والأخ العزيز عاشق الكتب الشيخ محمد بن ناصر العجمي، يسَّر المولى الكريم إخراجها بما يليق بها. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = - وتمت القراءة الثانية لهذه الرسالة ضبطًا لمتنها وهوامشها على شيخ قراء الشام وعين عيون خطبائها وعلمائها الشيخ محمد كريِّم راجح حفظه المولى ونفع بعلومه، وذلك في منزلنا الصيفي ببلدة بحمدون في جبل لبنان، قبيل غروب شمس يوم السبت 28 جمادى الأولى سنة 1422 هـ، وبحضور وسماع الإِخوة الأفاضل: الدكتور حسَّان الطيَّان، والدكتور يحيى مِيْر عَلَم، والأستاذ بسام الجابي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على إمام الهدى ونور الدُّجى، وعلى الآل والصَّحب ومَنْ تَبِعَ وسار على الدرب ومشى. وكتبه رمزي سعد الدين دمشقية

§1/1