بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز

الفيروزآبادي

مقدمة المحقق

مقدمة المحقق مولد المؤلف ونشأته العلمية إِقليم فارس من أَقاليم إِيران، يقع في جنوبيِّها الغربي. ومن هذا الإِقليم كورة أَرْدَ شِير خُرَّة، وقصبتها شِيراز، وهى مدينة إِسلاميَّة مصَّرها العرب في سنة 64 هـ. وكانت قَصَبة الإِقليم كلِّه. وفى جنوبيّ شيراز تقع مدينة كارزين، وكانت من قبل قصبة كُورة قُباذ خُرَّة. ويقول فيها ياقوت: "كارزين بفتح الراء وكسر الزاي وياء ونون" وفى التاج أَن المشهور فيه كسر الراء، كما هو عند الصاغاني، وأَن السمعاني ضبطها بالفتح. وبذلك يعلم سند ياقوت في ضبطه. في هذه المدينة (كارِزين) وُلد مجد الدين الفيروز آبادي محمد ابن يعقوب. وقد صرَّح بذلك في مادة (كرز) من القاموس، ففيها: "وكارزين: د (بلد) بفارس، منه محمد بن الحسن مقرئ الحرم. وبه وُلدت. وإِليه ينسب محدِّثون وعلماء" وقد وقع عند كثير من المترجمين

له أَنه ولد بكازَرون. ويذكر صاحب التاج أَن هذا الوهم وقع فيه بعض الخاصَّة. ومصدر هذا الوهم أَن كازرون أَيضا قريبة من شيراز، وإِن كانت من كورة سابور. وكانت ولادة المجد في ربيع الآخر - وقيل: في جمادى الآخرة - سنة 729هـ (سنة 1329م) . ولا يعرف من أَخبار أُسرته إِلا أَن أباه كان من علماء اللغة والأَدب في شيراز. وقد توجّه إِلى حفظ القرآن فحفظه وهو ابن سبع سنين. وكان سريع الحفظ، واستمرَّ له ذلك في حياته. وكان يقول: لا أَنام حتى أَحفظ مائتي سطر. وقد بدأ ميله إِلى اللغة في زمن مبكِّر. فيذكر السخاوي أَنه نقل إِذ ذاك كتابين من كتب اللغة، والظاهر أَن هذا بتوجيه أَبيه. وقد انتقل في السنة الثامنة من حياته إِلى شيراز في طلب العلم. فأَخذ عن أَبيه اللغة والأَدب. ويدخل في ذلك النحو والصرف وعلوم البلاغة، وأَخذ عن القوام عبد الله بن محمود بن النجم. وتلقَّى الحديث عن محمد بن يوسف الزَّرَنْديّ الحنفيّ المدنيّ وكانت وفاته سنة بضع وخمسين وسبعمائة كما في الدرر الكامنة. ونجد أَن اتجاهه لعلوم المنقول، ولا نراه يتَّجه لعلوم المعقول كالمنطق والكلام، كما نرى ذلك في علامتي المعقول في عصره وبيئته: سعد الدين التفتازاني المتوفى سنة 792هـ، والسيد الشريف الجرجاني المتوفى سنة 816هـ.

ويفارق شيراز في سنة 745هـ إِلى العراق، فيدخل واسطا، ويقرأُ بها القراءات العشر على الشهاب أَحمد بن علىّ الديواني. ويدخل بغداد فيأْخذ عن التاج محمد بن السبّاك، والسراج عمر بن علىّ القزوينىّ، وعليه سمع الصحيح (الظاهر أَنه صحيح البخارى) ، ومشارق الأَنوار للصاغانىّ في الحديث، ويذكر ابن حجر في الدرر الكامنة هذا الرجل، فيصفه بأَنه محدّث العراق، ويقول: "ومات سنة 750. ورى عنه جماعة من آخرهم شيخنا مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازى صاحب القاموس" ويختصّ فيها بقاضى بغداد الشرف عبد الله بن بكتاش. وكان مدرّس النظاميّة، فيعمل مُعيدا عنده. ويمكثُ هكذا في بغداد سنين. وبعد هذا يدخل دمشق سنة 755هـ، فيأخذ عن علمائها ومحدِّثيها، كقاضى القضاة التقىّ السبكي المتوفى سنة 756، وابنه التاج عبد الوهاب المتوفى سنة 771هـ، ومحمد بن إِسماعيل المعروف بابن الخبَّاز مسِند دمشق المتوفى سنة 756هـ، وابن قيِّم الضيائيَّة عبد الله بن محمد ابن إِبراهيم المتوفى سنة 761هـ. وطاف في بلاد الشام يأخذ عن علمائها. واستقرَّ به المقام حينا من الدهر في بيت المقدس. فأَخذ عن صلاح الدين خليل بن كَيْكَلدِى العلائى، وكان مدرس المدرسة الصلاحية بالقدس من سنة 731هـ، وكانت وفاته سنة 761هـ بالقدس.

أستاذية المجد

أستاذية المجد ولى المجد فى بيت المقدس عدّة تداريس. ومعنى ذلك أَنه كان مدرّسا فى عدّة مدارس، يتقاضى من كل مدرسة نصيبه المخصَّص لدرسه فى الوقف. وهنا تبدأُ أُستاذيَّته، فيأْخذ عنه الناس وممن أَخذ عنه الصلاح الصفَدى المتوفى بدمشق سنة 764، وأَخذ هو أَيضاً عن الصلاح. وفى الضوءِ اللامع أَنه بقى فى القُدس عشر سنوات أَى إِلى سنة 765هـ. ولكنَّا نراه فى خلال هذه المدّة مرَّة فى القاهرة، كما يأْتى، فلا بدَّ أَنه فى أَثناءِ هذه المدّة كان يرحل إِلى جهات أَخرى، ويعود إِلى القدس. ولا يقنع المجد بمكانه فى القدس وتداريسه، فيرحل إِلى القاهرة، ويلقى علماءَها، كبهاءِ الدين عبد الله بن عبد الرحمن المشهور بابن عقيل شارح الأَلفيَّة المتوفى سنة 769، وجمال الدين عبد الرحيم الإِسنوىّ المتوفَّى سنة 772هـ، وابن هشام عبد الله بن يوسف النحوىّ المشهور، المتوفَّى سنة 761، ونرى من هذا أَنه جاءَ مصر قبل سنة 765، فإِذا صحّ أَنه استقرّ فى القدس عشر سنوات منذ سنة 755 فإِنه كان يحضر مصر فى رحلات ثم يعود إِلى القدس. ونرى فى العقد الثمين أَنه قدم مكَّة قبل سنة 760. وعلى حسب كلام السبخاوىّ يكون قدومه إِلى مكة من بيت المقدس. ثم يقول: إِنه قدمها بعد ذلك سنة 770هـ، وإِنه فى هذه المرة أَقام بها خمس سنين متوالية، أَو ست سنين - يشكُّ الفاسىُّ صاحب الكتاب - ثم رحل

رحلات المجد ووفادته على الملوك

عنها أَى فى سنة 775، أَو سنة 776، ولا يذكر الفاسيُّ إِلى أَين رحل. ثم يذكر أَنه عاد إِلى مكة غير مرَّة بعد التسعين، وكان بها مجاوراً سنة 792، ومجاورة الحرم أَن يظل فى مكة بعد الحجّ، ولا يعود إِلى بلده مع العائدين. ولا أَدرى لمَ لمْ يجعله مجاورا فى السنين الخمس المتوالية أَو السنين الست التى أَقامها بمكة. وقد رحل فى هذه المرة من مكة إِلى الطائف، واشترى فيها بستاناً كان لجدِّ الفاسىّ من جهة أُمِّه. ولا بدّ أَنه فى مكة كان يدرّس فى مدارس، ويتقاضى منها مرتبات يعيش بها. وقد أَخذ عنه الفاسىّ، ويلقبه بشيخنا. رحلات المجد ووفادته على الملوك تبيَّن القارئُ مما سبق كثرةُ رحلاته فى طلب العلم. وقد كان أَيضاً كثير الوفادة على الملوك والأُمراءِ لعهده. ويُذكر أَنه كان له حُظوة عندهم، فلم يدخل بلدا إِلا وأَكرمه متوليها. فنراه اتصل بالأَشرف سلطان مصر. والظاهر أَنه الأَشرف شعبان ابن حسين من ملوك المماليك الترك، وقد ولى ملك مصر سنة 764، وقتل سنة 778 وقد أَجازه الأَشرف ووصله، وفى النجوم الزاهرة: "كانت أيام الملك الأَشرف شعبان المذكور بَهجة، وأَحوال الناس فى أَيامه هادئة مطمئنَّة، والخيرات كثيرات ... . ومَشَى سوق أَرباب الكمالات فى زمانه من كل علم وفنّ، ونفقت فى أَيامه البضائع الكاسدة من الفنون

والمُلَح، وقصدته أَربابها من الأَقطار، وهو لا يكلّ من الإِحسان إِليهم فى شىء يريده، وشئ لا يريده، حتى كلَّمه بعض خواصّه، فقال - رحمه الله -: أَفعلُ هذا لئلا تموت الفنون فى دولتى وأَيَّامى". وفى سنة 792 كان المجد بمكة، فاستدعاه ملك بغداد أَحمد بن أُويس إِليها بكتاب "كتبه إِليه، وفيه ثناء عظيم عليه، من جملته: القائل القولَ لو فاه الزمان به ... كانت لياليه أَياما بلا ظُلَم والفاعل الفعلَة الغرَّاء لو مُزِجت ... بالنار لم يك ما بالنار من حُمَم وفيه بعد ذكر هديَّة من مستدعيه: ولو نطيق لَنهدى الفرقدين لكم ... والشمسَ والبدر والعيُّوق والفلكا وصدور هذا من سلطان لعالم منقبة كبيرة له، وقد ذهب إِلى بغداد مع الركب العراقىّ بعد الحجّ، ونال برَّه وخيره. وقد رحل إِلى الهند، ووصل إِلى دِهْلى. وفى العقد الثمين أَن دخوله لليمن من بلاد الهند، وقد دخل اليمن سنة 796، فيكون رحلته إِلى الهند، متَّصلة بهذا التاريخ، وكان هذا فى عهد السلطان سكندر شاه الأَول الذى ولى السلطان فى سنة 795، فإِن كان فى الهند قبل هذا التاريخ فإِنه يكون اتصل أَيضاً بالسلطان محمد شاه سلف هذا السلطان، وهما من بنى تغلق شاه.

مكانة المجد العلمية والثقافية

وذهب إِلى بلاد الروم (الأَناضول) ولقى فيها حُظوة عند السلطان بايزيد بن مراد الذى ولى السلطنة سنة 791؛ ومات سنة 804، وكانت حاضرة ملكة بُرُسَّا، إِذ لم تكن القسطنطينيَّة قد فتحت بعد. ووفد على تيمور لنك فى شيراز. ووصله تيمور بنحو مائة أَلف درهم. وقد تغلَّب تيمور على فارس والعراق وممكلة التتار، وقصد الشام وغلب عليها حيناً. وكان ظالماً غشوماً. ومع هذا كان يقرِّب العلماءَ والأَشراف وينزلهم منازلهم. وكان يجمع العلماء فى مجلسه ويأمرهم بالمناظرة ويسأَلهم ويعنِّتهم بالمسائل. وكانت وفاته سنة 807هـ. ووفد على شاه شجاع بن محمد بن مظفَّر اليزدى صاحب عراق العجم الذى يعرف بالجبال. وفى الدرر الكامنة فى ترجمته: "وقد اشتغل بالعلم واشتهر بحسن الفهم ومحبَّة العلماءِ. وكان ينظم الشعر ويحبُّ الأُدباءَ، ويجيز على المدائح، وقُصد من البلاد. ويقال: إِنه كان يقرئ الكشاف وكتب منه نسخة بخطِّه الفائق، ورأَيت خطه وهو فى غاية الجودة ... وله أَشعار كثيرة بالفارسية" وكانت وفاته سنة 787. وفى الضوءِ أَن وفادته كانت على شاه منصور بن شاه شجاع هذا. وشاه منصور ليس ابن شاه شجاع بل هو ابن أَخيه، كما يتبين من معجم الأَنساب والأُسرات الحاكمة ص 379، فالرواية الأُولى أَثبت وهى رواية ابن حجر العسقلانى. مكانة المجد العلمية والثقافية كان المجد واسع المعرفة، كثير الاستحضار للمستحسَن من الشعر والْحكايات، وقد أَعانه على ذلك قوَّة حفظه، وكان ذلك من أَسباب سعادته عند الملوك

والأُمراءِ. وكان يحسن اللسان الفارسىّ إِذ نشأَ فى بلاد فارس، وكان ينظم الشعر فى هذا اللسان، كما كان ينظم الشعر العربىّ. ومن شعره الذى مال فيه إِلى التجنيس قوله: أَحبتنا الأَماجد إِن رحلتم ... ولم ترعَوا لنا عهدا وإِلاَّ نودِّعْكم ونودعْكم قلوباً ... لعلَّ الله يجمعنا، وإِلاَّ فقوله:: إِلا" فى آخر البيت الأَول يريد به الحرمة والذِّمام، وقوله: "إِلاَّ" فى آخر البيت الثانى مركَّبة من إِن الشرطية ولا النافية، وفعل الشرط محذوف، أَى: وإِلا ترحلوا تمتعنا ببقائكم. ويحتمل أَن يكون المراد: وإِلاَّ يجمعنا الله أَضرّ بنا الوجدُ، أَو نحو ذلك. ويقول الفاسىُّ فى العقد الثمين: "وسمعت من ينتقد عليه قوله فى آخر البيت الثانى: (وإِلا) بما حاصله: أَنه لم يتقدَّم له ما يوطِّئ له وأَن مثل هذا لا يحسن إِلا مع تقديم توطئة للمقصود". وقد ساعده على سعة ثقافته كثرة كتبه "حتى نقل الجمال الخيَّاط أَنه سمع الناصر أَحمد بن إِسماعيل يقول: إِنه سمعه يقول: اشتريت بخمسين أَلف مثقال ذهباً كتباً. وكان لا يسافر إِلاَّ وصحبته منها عدَّة أَحمال، ويخرج أَكثرها فى كل منزلة فينظر فيها ثم يعيدها إِذا ارتحل". ويذكِّرنا هذا بالصاحب إِسماعيل بن عبَّاد، فقد ذكر عنه أَنه كان يحتاج فى نقل كتبه إِلى أَربعمائة جمل. على أَنه قد يمدّ يده

إِلى كتبه فيبيع منها، فقد ذكروا عنه أَنه كان مسرِفاً، وكان مع كثرة ثروته يمحقها بالإِسراف. وقد علمت مما مرَّ بك ميل المجد إِلى علوم الرواية، وتَطوافه فى البلاد للأَخذ عن علمائها، فكانت له مشيخة كثيرة، وقد كتب جمال الدين محمد بن موسى المراكشى المكىُّ كتابا ذكر فيه مشيخته، على عادة العلماءِ فى ذلك العهد. وقد قام برواية الحديث ونشره حين استوسق أَمره. وقد علمت عنايته باللغة منذ نعومة أَظفاره، وظل يجدُّ فيها، حتى كانت له اليد الطولى فى مباحثها. ويدلُّ ثبت كتبه الذى سيمر بك على تضلعه فى كل ما يتَّصل بالرواية. وكان على سعة معارفه تعوزه الدقَّة فى بعض تآليفه. فقد أَخذ عليه التقى الفاسىّ فى العقد الثمين أَنه أَلَّف كتابا فى فضل الحَجُون - وهو جبل بأَعلى مكَّة فيه مقبرة - فذكر من دُفن فيه من الصحابة. ويقول الفاسى: "ولم أَر فى تراجمهم فى كتب الصحابة التصريح بأنهم دُفنوا جميعا بالحجون، بل ولا أَن كلهم مات بمكَّة. فإِن كان اعتمد فى دفنهم أَجمع بالحجون على من قال: إِنهم نزلوا مكَّة فلا يلزم من نزولهم بها أَن يكون جميعهم دُفن بالحجون، فإِن الناس كانوا يدفنون بمقبرة المهاجرين، بأَسفل مكة، وبالمقبرة العليا بأَعلاها، وربما دفنوا فى دورهم".

ومن ذلك أَنه كان يتساهل فى رواية الأَحاديث الضعيفة والموضوعة، على علمه بوضعها وضعفها. وقد أَلَّف هو مجموعا فى الأَحاديث الضعيفة. وتراه فى كتاب البصائر يذكر فى فضائل السور حديث أُبَىّ بن كعب الطويل، فيذكر فى كل سورة ما يخصّها من هذا الحديث، وهو حديث موضوع تحاشاه المفسّرون إِلا الزمخشرى والبيضاوى فقد يأْتيان ببعضه، وأُخذ عليهما هذا. وكذلك حديث على المتناول لكل سورة، وفيه: يا على إِذا قرأْت سورة كذا كان لك كذا، فهو يوردُه مع التنبيه عليه فى بعض الأَحيان بأَنه واهٍ أَو ساقط. والمتحرِّى للدقة ينأَى عن هذا السبيل، وقد شدَّد العلماء فى رواية الموضوعات ووجوب تجنُّبها. ومن هذا أَنه جمع ما يروى فى التفسير عن ابن عباس، واعتمد على رواية محمد بن مروان عن الكلبى عن أَبى صالح عن ابن عباس. ويقول السيوطى فى الإِتقان فى النوع الثمانين الذى عقده لطبقات المفسرين: إِن أَوْهى الطرق عن ابن عباس طريق الكلبى عن أَبى صالح عنه، فإِن انضم إِلى ذلك رواية محمد بن مَرْوان السُدِّى الصغير فهى سِلسلة الكذب. وقد عابه النقَّاد بإِيمانه برَتن الهندىّ. وهو رجل ظهر بعد الستمائة من الهجرة، أَو ادَّعى ظهوره، وادَّعى صحبته للرسول عليه الصلاة والسلام، بل زعم أَنه أَسنّ منه، وروى عنه أَحاديث وأَحوالا. وقد ردّ هذه الدعوى الجهابذة. ويذكر الذهبىّ أَن هذه فرية مختلقة، وأَنه لا وجود له. ولكن المجد يصدّق بوجوده وصحبته وبقائه هذه المدة الطويلة، وينكر على الذهبىّ إِنكاره له. ويقول ابن حجر فى الإِصابة: "ولمّا اجتمعت بشيخنا مجد الدين الشيرازىّ

شيخ اللغة بزَبيد فى اليمن - وهو إِذ ذاك قاضى القضاة ببلاد اليمن - رأَيته ينكر على الذهبىّ إِنكار وجود رَتَن. وذكر لى أَنه دخل ضَيْعته لمَّا دخل بلاد الهند، ووجد فيها من لا يُحصى كثرة ينقلون عن آبائهم وأَسلافهم قِصَّة رَتَن ويثبتون وجوده". على أَنه فى الرواية البَحْت كان عَلَما مشهودا له. ويقول الخزرجىّ فيه حين كان يلقى دَرس البخارىّ فى زبيد: "وكان من الحفَّاظ المشهورين، والعلماء المذكورين. وهو أَحقّ الناس بقول أَبى الطيِّب المتنبى حيث يقول: أَدِيب رسَتْ للعلم فى أَرض صدره ... جبالٌ جبالُ الأَرض فى جنْبها قُفُّ وأَعود إِلى الحديث عن تبريزه فى اللغة. فيذكر صاحب الشقائق النعمانيّة أَن المجد آخر من مات من الرؤساء الذين انفرد كل منهم بفنّ فاق فيه أَقرانه على رأْس القرن الثامن الهجرى. وهم سوى الفيروز ابادى: 1- الشيخ سراج الدين البُلقينى، فى الفقه على مذهب الشافعى. وهو عمر بن رسلان مجتهد عصره. له تصانيف فى الفقه والحديث والتفسير، منها حواشى الروضة، وشرح البخارىّ، وشرح الترمذى. وولى تدريس التفسير بالجامع الطولونى. وكانت وفاته سنة 805.

2- والشيخ زَين الدين العراقىّ فى الحديث. وهو عبد الرحيم بن الحسين، حافظ العصر، وله الأَلفيَّة فى مصطلح الحديث وشرحها، وتخريج أَحاديث الإِحياء، وغيرها. مات سنة 806. 3- والشيخ سراج الدين بن الملقّن فى كثرة التصانيف فى فنّ الفقه والحديث. وهو عمر بن علىّ. اشتغل بالتصنيف وهو شابّ، حتى كان أَكثر أَهل العصر تصنيفا. ومن تصانيفه شرح البخارىّ، وشرح العمدة، وشرحان على المنهاج فى الفقه، وشرح الحاوى، وشرح التنبيه، وشرح منهاج البيضاوىّ فى الأُصول، والأَشباه والنظائر. وكانت وفاته سنة 804. 4- والشيخ شمس الدين الفنارىّ فى الاطلاع على كلّ العلوم العقليَّة والنقليَّة والعربية. وهو محمد بن حمزة من علماء الروم فى أَيام السلطان بايزيد بن مراد. وكانت وفاته سنة 834، وبهذا لا يكون المجد آخر من مات، كما يذكر صاحب الشقائق. وقد أَبدى هذا النقد اللكنوى فى كتابه "الفوائد البهيَّة فى تراجم الحنفية". 5- والشيخ ابن عرفة فى فقه المالكية بالمغرب. وهو محمد بن محمد ابن عرفة. توفى سنة 803.

مذهبه الفقهى وتصوفه

ويستدرك المقرّى فى أَزهار الرياض على صاحب الشقائق، فيقول: "قيل: ولو زاد ولىّ الدين بن خلدون فى التاريخ وطبائع العالَم لحسن". وابن خلدون أَشهر من أَن يعرَّف به. وكانت وفاته سنة 808. مذهبه الفقهى وتصوفه كان المجد شافعىّ المذهب، كأَكثر أَهل شيراز. ويذكر الفاسىّ أَن عنايته بالفقه غير قويَّة. وهو مع ذلك ولى قضاءَ الأقضية باليمن، وكان سلفه جمال الدين الرَّيمى من جِلَّة الفقهاء، وله شرح كبير على التنبيه لأَبى إِسحاق الشيرازى. وفى الحقّ أَنا لا نكاد نرى له تأليف فى الفقه خاصَّة. ونراه فى سفر السعادة يعرض لأحكام العبادات، ويذكر أَنه يعتمِد فيها على الأحاديث الصحيحة، فيذهب مذهب أَهل الحديث لا مذهب الفقهاءِ. وكانت له نزعة قويِّة إِلى التصوف، واسع الاطلاع على كتب الصوفيَّة ومقاماتهم وأَحوالهم. يبدو ذلك حين يعرض فى البصائر لنحو التوكل والإِخلاص والتوبة، فتراه ينحو نحو الصوفية، وينقل عنهم الشىء الكثير ونراه فى صدر سفر السعادة يتحدَّث عن الخَلْوة عند الصوفيَّة لمناسبة ذكر خلوة الرسول عليه الصلاة والسلام فى غار حراء. وحين كان فى اليمن انتشرت مقالة محيى الدين بن عربى فى وحدة الوجود وما إِليها فى زبيد. وكان يدعو إِليها الشيخ اسماعيل الجبرتى

الذى استوطن زبيد، وأَحرز مكانة عند السلطان؛ إِذ ناصره عند حصار الإِمام الزيدىّ للمدينة، فمال المجد إِلى هذه العقيدة. ويذكر ابن حجر فى إِنباءِ الغُمر أَنه كان يُدخل فى شرح صحيح البخارى من كلام ابن عربى فى الفتوحات المكية ما كان سببا لشَين الكتاب، ويقول: "ولم أَكن أَتَّهم الشيخ المذكور بمقالته (أَى بمقالة ابن عربى) ، إِلا أَنه كان يحبُّ المداراة. ولما اجتمعت بالشيخ مجد الدين أَظهر لى إِنكار مقالة ابن العربى وغضَّ منها" وكان اجتماع ابن حجر به فى زبيد عام 800. ولكنا نرى أَنه يمجّد ابن عربى، ويثنى على كتبه بما ينبئ عن صدق اعتقاده فيه، وأَنه أَدنى إِلى أَن يدارى ابن حجر الذى كان شديد الإِنكار على ابن عربى. فقد أَلَّف كتاباً بسبب سؤال رفع إِليه فى شأْن ابن عربى، وفى هذا الكتاب: "الذى أَعتقده فى حال المسئول عنه، وأَدين الله تعالى به أَنه كان شيخ الطريقة حالاً وعلما، وإِمام الحقيقة حقيقة ورسماً، ومحيى رسوم المعارف فعلاً واسماً. إِذا تغلغل فكر المرءِ فى طَرَف ... من بحره غرِقت فيه خواطره ثم يقول بعد الثناءِ الكثير: ومع علىَّ إِذا ما قلت معتقدى ... دع الجهول يظنّ العدل عدوانا والله والله والله العظيم ومَن ... أَقامه حجَّة للدين برهانا إِن الذى قلت بعض من مناقبه ... ما زدت إِلا لعلى زدت نقصانا

استقراره في اليمن

استقراره في اليمن بعد أَن طوَّف المجد فى البلاد انتهى به المطاف فى اليمن. فقد استدعاه صاحبها الأَشرف إِسماعيل بن العباس من آل رَسُول إِلى حضرته زَبيد فى سنة 796هـ، وكان قادماً من الهند. وأَمر عامله على عَدَن أَن يجهّزه بأَربعة آلاف درهم، ووصله حين وصل إِليه بأَربعة آلاف درهم أُخرى. وأَكرمه السلطان ونصبه للتدريس وصار يحضر دَرسه. وفى سنة 797 ولاَّه منصب قضاء الأَقضية، وكان شاغراً منذ وفاة جمال الدين محمد بن عبد الله الرَيْمىّ فى سنة 792، وكتب له منشور بذلك فى أَقطارِ المملكة. وظل يزاول التدريس، فقد سمع السلطان عليه فى رمضان من سنة 798 صحيح البخارىِّ، وكان ذا سَند عالٍ من طرق شَتَّى. ولقد لقى حظوة كبيرة عند السلطان الأَشرف، وتزوّج الأَشرف ابنته لفرط جمالها، فازداد المجد قربا منه وزُلفى لديه. ويُروى أَنه أَلَّف له كتابا وأَرسله إِليه محمولا على أَطباق فردَّها إِليه السلطان مملوءَة دراهم. وفى اليوم الخامش عشر من شهر شعبان من سنة 800هـ فرغ من كتابه "الإِصعاد" وكان ثلاثة مجلدات، فحمله ثلاثة رجال على رءوسهم إِلى السلطان، وسار أَمام حملة الكتاب الفقهاء والقضاة وسائر

الطلبة فلمّا دخل المجد على السلطان وقدَّم إِليه الكتاب أَجاره بثلاثة آلاف دينار. ولم تكن هذه الطريقة فى رفع الكتاب إِلى السلطان غريبة فى بلاد اليمن، فيحكى صاحب العقود اللؤلؤية أَن سلف المجد فى قضاء الأَقضية الجمال الريمىّ فى سنة 788 رفع كتاب "التفقيه فى شرح التنبيه" فى فروع الشافعية، إِلى السلطان - وكان فى أَربعة وعشرين جزءا - فحمله المتفقهِّة على رءوسهم إِلى باب السلطان. وقد حباه السلطان بثمانية وأَربعين أَلف درهم. وقد بلغ من اعتزاز الأَشرف به وحرصه أَلاَّ يفارقه أَبدا أَن طلب إِليه المجد أَن يأذن له بالسفر إِلى الحجّ، فرأَى أَن فى هذا حرمانا للبلاد من علمه وفضله، وعَزَم عليه أَن يبقى إِلى جانبه. فلقد كتب إِلى السلطان فى سنة 799 كتابا فيه: "وممّا يُنهيه إِلى العلوم الشريفة أَنه غير خاف عليكم ضعف أَقلّ العبيد، ورِقَّة جسمه، ودقَّة بنيته، وعلوّ سنّه. وقد آل أَمره إِلى أَن صار كالمسافر الذى تحزّم وانتعل، إِذ وهَنَ العظم، بل والرأْس اشتعل، وتضعضع السِّن، وتقعقع الشَنّ. فما هو إِلاّ عظام فى جراب، وبنيان مشرف

على خراب. وقد ناهز العَشر التى تسميها العرب دقَّاقة الرقاب. وقد مرّ على المسامع الشريفة، غير مرّة فى صحيح البخارىّ قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا بلغ المرء ستيّن سنة فقد أَعذر الله إِليه" فكيف من نيّف على السبعين، وأَشرف على الثمانين. ولا يَجمل بالمؤمن أَن تمضى عليه أَربع سنين ولا يتجدَّد له شوق وعزم إِلى بيت ربّ العالمين، وزيارة سيد المرسلين، وقد ثبت فى الحديث النبوىّ ذلك. وأَقلّ العبيد له ستّ سنين عن تلك المسالك. وقد غلب عليه الشوق، حتى جلَّ عمْره عن الطَوْق. ومن أَقصى أُمنيَّته أَن يجدّد العهد بتلك المعاهد، ويفوز مرة أُخرى بتقبيل تلك المشاهد. وسؤالُه من المراحم الحسَنيَّة الصدقة عليه بتجهيزه فى هذه الأَيام، مجرّدا عن الأَهالى والأَقوام، قبل اشتداد الحَرّ وغلبة الأُوام؛ فإِن الفصل أَطيب، والريح أَزْيب. ومن الممكن أَن يفوز الإِنسان بإِقامة شهر فى كل حَرَم، ويحظى بالتملّى من مهابط الرحمة والكرم. وأَيضا كان من عادة الخلفاء سَلَفا وخَلَفا أَنهم كانوا يُبردون البريد عَمْداً قصدا لتبليغ سلامهم إِلى حضرة سيد المرسلين

صلوات الله وسلامه عليه، فاجعلنى - جعلنى الله فداك - ذلك البريد، فلا أَتمنى شيئا سواه ولا أُريد. شوفى إِلى الكعبة الغرّاء قد زادا ... فاستحمل القُلُص الوخّادة الزادا واستأْذن الملك المنعام دام عُلاً ... واستودع الله أَصحابا وأَولادا فلما وصل الكتاب إِلى السلطان كتب إِليه: إِن هذا شئٌ لا ينطق به لسانى، ولا يجرى به قلمى. فقد كانت اليمن عمياءَ فاستنارت. فكيف يمكن أَن نتقدم، وأَنت تعلم أَن الله قد أَحيا بك ما كان ميّتا من العلم. فبالله عليك إِلاَّ ما وهبت لنا بقيَّة هذا العمر. والله يا مجد الدين يمينا بارَّة، إِنى أَرى فراق الدنيا ولا فراقك، أَنت اليمن وأَهله. وقد بقى فى اليمن مغمورا ببرّ الأَشرف إِسماعيل. ويظهر أَن المجد أَلحَّ عليه أَن يأْذن له فى الحج، فأَذن له. ففى سنة 802 حجّ، وأَقام بمكَّة بعد الحجّ، وبَنى له دارا على الصَّفا. ونراه يقول فى مادة (ص ف و) فى القاموس: "والصَفا من مشاعر مكَّة بلحف أَبى قُبَيْس. وابتنيت على مَتْنه دارا فيحاءَ". وفى هذه الدار أَتم القاموس، فهو يقول فى خاتمة هذا الكتاب: "وقد يسَّر الله - تعالى - إِتمامه بمنزلى على الصفا بمكَّة المشرَّفة، تجاه الكعبة المعظمة، زادها الله تعظيما وشرفا، وهيّأ لقُطَّان باحتها من بحابح الفراديس غرفا". ويذكر الفاسىّ فى العقد الثمين أَنه جعل هذه الدار مدرسة بامس الملك الأَشرف، ورتَّب فيها مدرسين للحديث، وفقه مالك وفقه الشافعى.

نسب المجد ولقبه، وما اشتهر به

وفعل مثل ذلك فى المدينة، ثم ذهب إِلى اليمن قاصدا الأَشرف، فمات الأَشرف قبل وصوله. والأَشرف هو إِسماعيل بن العباس، ولى الملك سنة 778، وكان كريما ممدَّحا مقبلا على العلم والعلماء، يكرم الغرباءَ ويبالغ فى الإِحسان إِليهم، اشتغل بفنون من الفقه والنحو والأَدب والتاريخ والأَنساب والحساب وغيرها، كما فى ترجمته فى الضوءِ اللامع، ومات بزبيد سنة 803هـ. وصحب المجد بعد الأَشرف ابنه السلطان الناصر أَحمد. ويظهر أَن المجد لم يلق فى عهده ما لقيه فى عهد أَبيه الأَشرف. ومن ثم أَبطل المدرستين فى مكة والمدينة اللتين جعلهما باسم الأَشرف. ويذكر السخاوى فى ترجمته أَنه فى أَيامه خرب غالب بلاد اليمن لكثرة ظلمه وعَسْفه وعدم سياسته. وكانت وفاته سنة 827هـ. نسب المجد ولقبه، وما اشتهر به أملى المجد نسبه، ورفعه إِلى أَبى إِسحاق الشيرازى إِبراهيم بن علىّ الذى كان علما فى فقه الشافعية، وهو صاحب التنبيه والمهذَّب. وكانت وفاته سنة 476هـ. وسياقه نسبه - كما فى الضوءِ اللامع -: محمد بن يعقوب بن إِبراهيم ابن عُمَر بن أَبى بكر بن أَحمد بن محمود بن إِدريس بن فضل الله ابن الشيخ أَبى إِسحاق إِبراهيم بن على بن يوسف بن عبد الله. ويذكر ابن حَجَر فى إِنباءِ الغُمر أَن شيوخه كانوا يطعنون فى رفع نسبه

إِلى أَبى إِسحاق مستندين إِلى أَن أَبا إِسحاق لم يُعقب. وفى الضوءِ أَن هذا القول مرجعه إِلى الظن لا إِلى اليقين. ويذكر ابن حَجَر أَيضاً أَن المجد بعد أَن ولى القضاءَ باليمن ارتقى درجة فصار يدّعى انتسابه إِلى أَبى بكر الصدِّيق رضى الله عنه، ويقول: "وزاد إِلى أَن قرأْت بخطِّه لبعض نوّابه فى بعض كتبه: كتبه محمد الصدِّيقى. ولم يكن مدفوعاً عن معرفة، إِلاَّ أَن النفس تأْبى قبول ذلك" وقد حاولت أَن أَقف على تمام نَسب أَبى إِسحاق، وأَن أَتعرَّف حال نسبته إِلى أَبى بكر رضى الله عنه، فلم أَهتد إِلى مرجع فى ذلك. واشتهرت نسبته "الفيروز ابادى" وهى نسبه إِلى فيروز اباد - بفتح الفاءِ وكسرها - وهى مدينة (جُور) فى جنوبىِّ شيروز، وفى شمالىِّ كارِزين. وفى خاتمة تاج العروس أَن فيروز اباد كان منها أَبوه وجَدّه. وهذا القول فى النفس منه شىء. فقد كان مولد المجد فى كارزين، وبقى فيها سنيه السبع الأُولى ثم ينتقل إِلى شيراز، ولا نرى له علاقة بفيروز اباد، وكذلك نرى أَباه من علماءِ شيراز، ولا نرى له ذكراً فى فيروز اباد. وقد يقال: إِن كارزين بلدة أُمّه، وإِن أَخبار أَبيه لم يبلغنا منها إِلا النزر اليسير. وفى ظنِّى أَن هذه النسبة أَتته من قبل انتسابه إِلى أَبى إِسحاق، فقد كان من فيروز اباد، وطلب العلم فى شيراز، واستقرّ به المقام فى بغداد. ويقال فى نسبه أَيضاً: الشيرازىّ، إِذ تلقى العلم فى مبدإِ أَمره فى شيراز. ونراه ينسب إِلى كارزين.

وفاة المجد

ومما يدخل فى هذا الفصل أَنه كان يحبُّ الانتساب إِلى الحرم المكَّىِّ: لإِقامته فيه مراراً، كما سبق. فكان يكتب: "الملتجئ إِلى حرم الله تعالى". وفى تاج العروس فى آخره أَنه وجد فى بعض النسخ: "قال مؤلفه الملتجئ إِلى حَرَم الله محمد بن يعقوب الفيروز ابادى ... " ويقول السخاوى وغيره: إِنه كان يقتدى فى هذا بالصاغانى الحسن بن محمد المتوفى فى بغداد سنة 650، أَى قبل سقوط بغداد واستيلاءِ التتار عليها بست سنوات. وقد كان المجد يقتدى بالصاغانى، ويعتمد عليه فى اللغة وغيرها. ونرى أَن الصاغانىّ الذى قدِّرت وفاته فى بغداد كان أَوصى أَن يدفن فى مكة، فنقل إِليها تنفيذاً لوَصِيَّته. وفاة المجد كانت وفاته فى ليلة الثلاثاءِ العشرين من شوال سنة 817هـ (أَول يناير سنة (1415) . ويقول الفاسى: "وما ذكرناه من تاريخ ليلة موته موافق لرؤية أَهل زَبِيد لهلال شوّال. وعلى رؤية أَهل عَدَن وغيرهم يكون موته فى ليلة تاسع عشر شوَّال" يريد أَن أَول شوَّال كان عند أَهل زبيد يوم الخميس، وعند غيرهم يوم الجمعة، وهو الموافق لما فى التوفيقات الإِلهامية. وقد مات ممتَّعا بسمعه وبصره، فقد قرأَ خطّاً دقيقاً قبل موته بيسير، ودفن بمقبرة الشيخ إِسماعيل الجبرتى فى زبيد.

مؤلفات المجد وآثاره

مؤلفات المجد وآثاره إِن ثبَت مؤلفاته طويل، وكلها فى التفسير والحديث والتاريخ، وما يتصل بهذه الأُمور. وقد فقد معظمها. وهاك هذا الثبت، وهو ليس حاصراً، وكان يختار لكتبه أَسماء حسنة، يلتزم فيها السجع. 1- بصائر ذوى التمييز، فى لطائف الكتاب العزيز. وهو الكتاب الذى نقدمه. 2- تنوير المقباس، فى تفسير ابن عباس. طبع فى مصر والهند. 3- تيسير فاتحة الإِهاب، فى تفسير فاتحة الكتاب. 4- الدرّ النظيم، المرشد إِلى مقاصد القرآن الكريم. 5- حاصل كُورة الخلاص، فى فضائل سورة الإِخلاص. 6- قُطبة الخَشَّاف، شرح خطبة الكشَّاف (الخَشَّاف: الماضى فى السير) . 7- شوارق الأَسرار العليَّة، فى شرح مشارق الأَنوار النبويَّة. (ومشارق الأَنوار فى الحديث للصاغانى) . 8- مَنْح البارى بالسيْح الفسيح الجارى، فى شرح صحيح البخارى. كمل منه عشرون مجلدة. وكان يقدَّر تمامه فى أَربعين مجلدة. 9- عدَّة الحُكَّام، فى شرح عمدة الأَحكام. وعمدة الأَحكام كتاب فى أَحاديث الأَحكام الشرعية للجماعيلى عبد الغنى بن عبد الواحد المتوفى سنة 600هـ، كما فى كشف الظنون.

10- امتصاص الشِّهاد، فى افتراض الجهاد (وفى الضوءِ اللامع وكشف الظنون: امتضاض السهاد) وما هنا عن العقد الثمين. 11- الإِسعاد، بالإِصعاد، إِلى مرتبة الاجتهاد. 12- النفحة العنبرية، فى مولد خير البريَّة. 13- الصِّلات والبُشَر، فى الصلاة على خير البَشَر. 14- الوصل والمُنَى، فى فضائل مِنى. 15- المغانم المُطَابة، فى فضائل طابة (وطابة هى المدينة المنورة) . 16- مهيّج الغَرام، إِلى البلد الحرام. 17- إِثارة الحَجُون، إِلى زيارة الحَجون (الحجون الأَول: الكسلان، والأَخير: جبل بأَعلى مكة) . 18- أَحاسن اللطائف، فى محاسن الطائف. 19- فَصل الدُرَّة من الخَرزة، فى فضل السَلامة على الخِبَزَة (والسلامة والخبزة: قريتان بالطائف) . 20- روضة الناظر، فى ترجمة الشيخ عبد القادر (والظاهر أَن المراد الشيخ عبد القادر الجيلانى) . 21- المِرقاة الوفية، فى طبقات الحنفية. 22- المرقاة الأَرفعيّة، فى طبقات الشافعية. 23- البُلغة، فى تراجم أَئمة النحاة واللغة. 24- الفضل الوفى، فى العدل الأَشرفى (الأَشرف اسماعيل الرسولى) . 25- نزهة الأَذهان، فى تاريخ أَصبهان.

26- تعيين الغُرفات، للمعين على عين عَرَفات. 27- مُنية السول، فى دعوات الرسول. 28- التجاريح، فى فوائد متعلقة بأَحاديث المصابيح - والمصابيح للبغوى. 29- تسهيل طريق الوصول، إِلى الأَحاديث الزائدة على جامع الأُصول. وجامع الأُصول لابن الأَثير. 30- الأَحاديث الضعيفة. 31- الدرّ الغالى، فى الأَحاديث العوالى. 32- سفر السعادة - وهو مطبوع. 33- المتفق وضعا، والمختلف صُقعْا. 34- اللامع المُعْلَم العُجاب، الجامع بين المحكم والعُباب - كمل منه خمس مجلدات. وكان يقدر تمامه فى ستين سفرا. 35- القاموس المحيط. 36- مقصود ذوى الأَلباب، فى علم الإِعراب. 37- تحبير الموسين، فيما يقال بالسين والشين. طبع فى الجزائر سنة 1327هـ. 38- المثلث الكبير. 39- المثلث الصغير. 40- تحفة القماعيل، فيمن تسمَّى من الملائكة والناس إِسماعيل (القماعيل جمع قِمْعال، وهو سيد القوم) . 41- الدُرَر الْمُبَثَّثة، فى الغُرر المثلثة.

خطبة الكتاب

42- أَسماء السراح فى أَسماء النكاح. 43- أَسماء الغادة، فى أَسماء العادة. 44- الجليس الأَنيس، فى أَسماء الخندريس. 45- أَنواء الغيث، فى أَسماء الليث. 46- ترقيق الأَسل، فى أَسماء العسل. 47- زاد المعاد، فى وزن بانت سعاد. 48- النُخَب الطرائف، فى النكت الشرائف. بصائر ذوى التمييز، فى لطائف الكتاب العزيز هذا هو الكتاب الذى أُقدّمه للقراء. وهو كما يظهر من اسمه يبحث فى أَشياء تتعلق بالقرآن الكريم الذى لا تنفد عجائبه، ولا تنتهى لطائفه. خطبة الكتاب إِن القارئ لخطبة الكتاب يرى أَن المؤلِّف يقدّم كتابا جامعا لمقاصد العلوم والمعارف فى عصره، حتى العلوم المدنية التى لم يكن للمؤلف بد فيها ولا بصربها، كالهندسة والموسيقى والمرايا المحرِقة. ويذكر فى الخطبة أَن الكتاب مرتَّب على مقدمة وستين مقصدا. والمقاصد الستون فى علوم العصر، كل مقصد فى علم منها. ونراه فى الخطبة يسرد عنوانات المقاصد؛ ليكون ذلك فهرسا إِجماليّا للكتاب. فالمقصد الأَول فى لطائف تفسير القرآن. والثانى فى علم الحديث

النبوى، ويستمر هكذا فى السَّرْد، حتى يصل إلى المقصد الخامس والخمسين فى علم قوانين الكتابة. ثم نرى: "المقصد السادس والخمسون فى علم ... " ولا نرى ما يضاف إليه (علم) ولا بقيّة المقاصد الستين؟ فهل هذا النقص من النساخ لما بين أَيدينا من النُسَخ؟ وهو يذكر أَن الذى رسم بتأْليف الكتاب على هذا النحو الجامع السلطان الأشرف إِسماعيل بن العباس الذى دعاه إِلى حضرته بزبيد، وولاَّه قضاء الأَقضية، كما سبق الكلام عليه. ونراه يقول: "قصد بذلك - نصره الله - جمع أَشتات العلوم وضمَّ أَنواعها - على تباين أَصنافها - فى كتاب مفرد؛ تسهيلا لمن أَراد الاستمتاع برائع أَزهارها، ويانع أَثمارها الغضّ المصون، فيستغنى الحائز له، الفائز به، عن حمل الأَسفار، فى الأَسفار ... ". وقد كان السلطان الأَشرف مضطلعا بالعلوم، كما وصفه من عاصره. وكان يبعث العلماءَ على التصنيف. وقد يضع منهج الكِتاب وخِطَّته، ويكل إِتمامه إِلى بعض العلماءِ. ويذكر السخاوىّ فى الضوءِ اللامع فى ترجمته "أَنه كان يضع وضْعا، ويحدّ حدّا، ثم يأْمر من يتمُّه على ذلك الوضع، ويعرض عليه. فما ارتضاه أَثبته، وما شذَّ عن مقصوده حذفه، وما وجده ناقصا أَتمَّه". وبعد هذا لا يعجب من وقف على حَيَاة المجد واقتصاره على علوم الرواية، من تعرضُّه للعلوم الفلسفيَّة والمدنيَّة، ووضع منهج الكتاب على أَن يذكر مقاصدها. فإِن الواضع للخطَّة الأَشرف إِسماعيل، وقد كان واسع المعرفة. ومما ذكر من العلوم التى كان يتقهنا الحساب، وقد يكون عارفا

عود إلى بصائر ذوى التمييز

بما هو من باب الحساب، كالهندسة والمرايا المحرقة، وما إِلى ذلك. وكان الملْك والعُمْران يقتضى هذه العلوم، بالإِضافة إِلى العلوم الدينية والعربية. ولكن كيف يكل الأَشرف إِعداد هذا المنهج الواسع إِلى الفيروز ابادى قاضى الأَقضية، وهو لا يحسن تلك العلوم التى كانوا يسمُّونها علوم الأَوائل؟ الظاهر أَنه كلَّفه هذا على أَن يستعين فيما لا يعرفه من يعرفه من أَهل الاختصاص؛ وله من خبرته ومنصبه ما يعينه على ذلك. وبعد هذا لا نرى من آثار هذا المنهج العام إِلا المقدّمة التى تتعلق بفضل العلم وتمييز العلوم، ثم المقصد الأَول، وهو لطائف التفسير الذى سمى فيما بعد: بصائر ذوى التمييز. فهذا الوضع الجامع لم يقدِّر للمجد أَن يتمَّه وحده، أَو مستعينا غيره. والظاهر أَن الأَشرف مات بعد تمام المقصد الأَول، ففترت همَّة المجد فى عهد ولده الناصر؛ إِذ كان لا يلقى من البرِّ والكرم، ما كان يلقاه فى عهد صهره السلطان الأَشرف، ولم يجد من المال ما يجزى به من يشتغل فى هذا العمل الوسَاع الجليل، وهذا مع أَنه قد علته كَبْرة، وأَدركه فتور الشيخوخة. عود إلى بصائر ذوى التمييز لا نرى هذا العنوان فى الكتاب. إِنما العنوان فى الكتاب فى الإِجمال والتفصيل: "المقصد الأَول فى لطائف تفسير القرآن العظيم". وقد أَصبح

منهج بصائر ذوى التمييز

هذا العنوان لا مكان له بعد عدول المجد عن بقية المقاصد، فكان من المستحسن أَن يكون له اسم يشعر باستقلاله، وأَنه ليس جزءًا من كتاب جامع. وكان المؤلف جعل عنوان كل بحث فى هذا المقصد: "بصيرة" فأَصبح الكتاب جملة بصائر، ومن هذا استمدَّ الاسم الجديد: "بصائر ذوى التمييز، فى لطائف الكتاب العزيز". وتراه غيّر "العظيم" بالعزيز ليسجِّع مع العبارة التى اجتلبها. وقد كان يحسن به أَن يعدل عن خطبة الكتاب الجامع، ويستأَنف خطبة خاصة بهذا الكتاب. وكأَنه كان يرجو أَن يقدَّر له يوما إِنجاز ما اعتزمه من المقاصد الستين، فأَبقى الخطبة على حالها الأَول. منهج بصائر ذوى التمييز يحتوى هذا الكتاب مقدمة فيها فضل القرآن، وشىء من المباحث العامة المتعلقة به، كالنسخ، ووجوه مخاطباته، ثم يأْخذ فى ذكر مباحث تتعلق بالقرآن سورة سورة، على ترتيبها المعروف فى المصحف ... فيذكر فى كل سورة مباحث تسعة 1- موضع النزول 2- عدد الآيات والحروف والكلمات 3- اختلاف القراءِ فى عدد الآيات 4- مجموع فواصل السورة 5- اسم السورة أَو أَسماؤها 6- مقصود السورة، وما هى متضمِّنة له 7- الناسخ والمنسوخ من السورة 8- المتشابه منها 9- فضل السورة. وبعد هذا يعقد بحثاً إِجمالياً فى عدد آيات القرآن، وعدد كلماته وحروفه، وما يجرى هذا المجرى؛ كعدد كل حرف من الحروف الهجائية فيه، فيذكر مثلاً أَن عدد اللامات فيه كذا.

أصول الكتاب

ثم يعرض لتفسير مفردات القرآن على نحو عمل الراغب فى مفرداته. ويصنِّفها باعتبار الحرف الأَول من الكلمة، فالمبدوءُ بحرف الأَلف فى حرف الأَلف، وهكذا. ويصدّر مباحث كل حرف بالكلام على وصف الحرف ومعناه لغة، والنسبة إِليه ونحو ذلك. ونراه قد يراعى الحرف الزائد فى الكلمة، فنرى الإِنزال فى حرف الأَلف. ويأْتى هذا القسم فى تسعة وعشرين بابا على عدد حروف الهجاءِ. ثم يأْتى الباب الثلاثون، فيذكر فيه الأَنبياءَ المذكورين فى القرآن، وأَعداءَهم وقصصهم، وما يدخل فى هذا الباب، وبهذا ينتهى الكتاب. أصول الكتاب اعتمدت فى نشر الكتاب على أَصلين مخطوطين: 1- نسخة كتبت بخطٍّ نسخى جميل، أَولها منقوش بالذهب والأَلوان. وهى مُجَدولة بالمداد الذهبى، وباللونين الأَحمر والأزرق، وعناوين المطالب مكتوبة بالحمرة. تقع فى 413 ورقة، وفى الصفحة 33 سطرا. وهى 13 × 21 سنتيمترا. وقد كتبها حسين بن عمر فى سنة 1172 هـ. وهى فى دار الكتب. وتحمل رقم 229 تفسير تيمور. وقد رمزت لها بالحرف - ا -. 2- نسخة بخطوط مختلفة، وأَكثرها بقلم تعليق دقيق، وبعضها بقلم النسخ. وعناوين المطالب مكتوبة بالحمرة. وقد قوبلت على نسخة

عملى في التحقيق

أُخرى، وفى حواشيها تصويبات وتعليقات كثيرة، ولا تحمل تاريخ كتابتها ... وتقع فى 361 صفحة، ومتوسط سطور الصفحة 40. وهى فى دار الكتب وتحمل رقم 259 تفسير تيمور. وقد رمزت لها بالحرف - ب -. عملى في التحقيق إِن الأَصلين فيهما كثير من التحريف، وقد يقع فى أحدهما سقط يختلّ به الكلام. فقمت بتقويم النص وردّ المحرف إِلى أَصله، بقدر استطاعتى، وإِكمال الناقص. ورجعت فى ذلك إِلى ما تَيَسَّر لى من أُصول الكتاب، كما يرَى القارئ إِن شاءَ الله فى التعليقات. وقد أَوردت فى التعليقات أَرقام الآيات وبيان سورها، وقمت بتخريج ما فيه من الأَحاديث والشواهد الشعرية ما استطعت إِلى ذلك سبيلا.

مقدمة المؤلف

مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى وقف دون إِدراك كُنْه عظمته العلماء الرّاسخون، وأَصبح العلماء الشُّهَماء عند حقيقة كمال كبريائه وهم متحيّرون. أَبدى شوارق مصنوعاته فى عَنان الظُلْمة، فبها إِلى وحدانيّته يهتدون. العظيم الَّذى لا يحوم حول أَذيال جلاله الأَفكار والظنون، الحىّ القيّوم المنزَّه ساحةُ حياته عن تَطَرُّق رَيْب المَنون. وأَشهد أَن لا إِله إِلاَّ الله وحده لا شريك له، شهادة تَسُرّ منَّا القلوبَ وتُقِرّ منَّا العيون، وأَشهد أَنَّ محمَّداً عبده (ورسوله) وصفيّه المبشَّر فى (نون) بأَجرٍ غير ممنون. المرفوع إِلى المصعد الأَعلى والملائكة المقرّبون حول ركابه يسيرون. النور الباهر الذى تلاشت عند ظهور براهينه وآياته المبطلون، وامَّحقَت

عند ظهور معجزاته المشبِّهة والمعطِّلون. صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأَصحابه الذين أَئمّةُ الهُدَى بهم يهتدون، وأَزِمَّة القُدَى بهم يَقتدون. وبعد: فهذا كتاب جليل، ومصنَّف حفيل، ايتمَرتْ بتأْليفه الأَوامر الشريفة، العالية المولية الإِماميَّة السُّلطانيَّة العلاَّميَّة الهُمَاميَّة الصَّمصاميَّة الأَعدليَّة الأَفضليَّة السَّعيديَّة الأَجلِّيَّة المَلَكيَّة الأَشرفية، ممهِّد الدُّنيا والدِّين، خليفة الله فى العالَمين، أَبو العبَّاس إِسماعيل بن العبَّاس بن على بن داود ابن يوسف بن عمر بن على بن رسول. خلَّد سلطانه، أَنار فى الخافقين برهانه. قصد بذلك - نصره الله - جَمْع أَشْتَاتِ العلوم، وضمّ أَنواعِها، على تباين أَصنافها، فى كتاب مفرد؛ تسهيلا لمن رام سَرْح النَّظر فى أَزاهير أَفنان الفنون، وتيسيراً لمن أَراد الاستمتاع برائع أَزهارها، ويانع ثمارها الغَضِّ المَصُون، وإِعانةً لمن قصد افتراع خرائدِها اللاتى كأَنهنَّ بَيض مكنون. فيستغنى الحائز (له الفائز) به عن حمل الأَسفار، فى الأَسفار حيث يجتمع له خزائن العلوم فى سِفْر مخزون، ومجموعةٍ

يتحلَّى من أَغاريد مُسمِعاتها القلبُ المحزون، ويمتلئُ من أَطراق أَطْيَابها الطَّبْع المودون. فاستعنت بتوفيق الله وتأْييده ورتَّبته على مقدِّمة وستين مقصداً: المقدمة فى تشويق العالِم إِلى استزادة العلم الَّذى طلبُه فرض، وتمييز العلوم بعضِها من بعض. المقصد الأَول: فى لطائف تفسير القرآن العظيم. المقصد الثانى: فى علم الحديث النبوىّ وتوابعه. المقصد الثالث: فى علوم المعارف والحقائِق. المقصد الرابع: فى علم الفقه. المقصد الخامس: فى علم أُصول الفقه. المقصد السادس: فى علم الجَدَل. المقصد السابع: فى علم اللغة.

المقصد الثامن: فى علم النحو. المقصد التَّاسع: فى علم الصّرف. المقصد العاشر: فى علم المعانى. المقصد الحادى عشر: فى علم البيان. المقصد الثانى عشر: فى علم البديع. المقصد الثالث عشر: (فى علم) العروض. المقصد الرابع عشر: فى علم القوافى. المقصد الخامس عشر: فى علم الطبيعيّات. المقصد السادس عشر: فى علم الطبّ. المقصد السابع عشر: (فى علم) الفِراسة. المقصد الثامن عشر: (فى علم) البَيْزرة والبَيْطرة. المقصد التَّاسع عشر: فى علم تعبير الرؤيا. المقصد العشرون: فى المحاضرات والمحاورات وما يجرى مَجراها. المقصد الحادى والعشرون: فى أَحكام النُّجوم. المقصد الثانى والعشرون: فى علم السِّحْر.

المقصد الثالث والعشرون: فى الطِّلَّسْمات. المقصد الرابع والعشرون: في السِّيميا. المقصد الخامس والعشرون: فى الكيمياءِ. المقصد السادس والعشرون: فى الفلاحة. المقصد السّابع والعشرون: فى علم التاريخ. المقصد الثَّامن والعشرون: فى المِلَل والنِّحل والمذاهب المختلفة. المقصد التاسع والعشرون: فى الهندسة. المقصد الثلاثون: فى علم عُقود الأَبنية.

المقصد الحادى والثلاثون: فى علم المناظرة. المقصد الثانى والثلاثون: فى علم المَرَايا المُحْرِقة. المقصد الثالث والثلاثون: فى علم مراكز الأَثقال. المقصد الرابع والثلاثون: فى علم البِنكانات. المقصد الخامس والثلاثون: فى علم الآلات الحربيَّة. المقصد السادس والثلاثون: فى علم الآلات الروحانيَّة. المقصد السابع والثلاثون: فى علم الزيجات والتقاويم. المقصد الثامن والثلاثون: فى علم المواقيت. المقصد التاسع والثلاثون: فى علم كيفيَّة الأَرصاد. المقصد الأَربعون: فى علم سطح الكُرَة.

المقصد الحادي والأَربعون: فى علم العَدَد. المقصد الثاني والأَربعون: فى علم الجبر والمقابلة. المقصد الثالث والأَربعون: فى علم حساب الخَطأَين. المقصد الرابع والأَربعون: فى علم الموسيقَى. المقصد الخامس والأَربعون: فى علم حساب التَخْت والميل. المقصد السادس والأَربعون: فى علم حساب الدَّور والوَصايا. المقصد السابع والأَربعون: فى علم الدرهم والدينار. المقصد الثامن والأَربعون: فى علم السِّياسة. المقصد التاسع والأَربعون: فى علم تدبير المنزل. المقصد الخمسون: فى علم الحساب المفتوح. المقصد الحادى والخمسون: فى علم الأَزمنة والأَمكنة.

المقصد الثانى والخمسون: فى علم المنطق. وكان مقتضى الترتيب ذكره مع العلوم الآلية، وإِنما أَخَّرناه لاختلاف العلماء. فمن قائل (بحرمة الاشتغال به، ومن قائل) بإِباحته، ومن قائل بوجوبه، لكونه آلة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ. المقصد الثالث والخمسون: فى علم الحشائش والنباتات ومنافعها. المقصد الرابع والخمسون: فى علم الحروف وخواصها. المقصد الخامس والخمسون: فى علم قوانين الكتابة. المقصد السادس والخمسون: فى علم.

بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أَنه لا شىء أَشنع ولا أَقبح بالإنسان، مع ما كرّمه الله وفضّله به: من الاستعدادات (و) القابليّة لقبول الآداب، وتعلّم العلوم والصّنائع، من أَن يغفُل عن نفسه ويُهملها، حتّى تبقى عارية من الفضائل. كيف وهو يشاهد أَنّ الدّوابّ والكلاب والجوارح المعلَّمة ترتفع أَقدارها، ويُتغالى فى أَثمانها. و (كفى فى العلم) شرفاً وفخراً أَنَّ الله عزّ شأْنه وَصَف به نفسه، ومنح به أَنبياءَه، وخصّ به أَولياءَه، وجعله وسيلة إِلى الحياة الأَبديّة، والفوز بالسّعادة السّرمديّة، وجعل العلماءَ قُرَناءَ الملائكة المقرَّبين فى الإِقرار بربوبيّته، والاختصاص بمعرفته، وجعلهم وَرَثة أَنبيائه. فالعلم أَشرف ما وُرِث عن أَشرف موروث. وكفاه فضلا، وحَسْبه نُبْلا قولُه تعالى: {الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ

لتعلموا} فجعل العلم غاية الجميع. وبيّن تعالى بقوله {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} أَنَّه ليس للجِنَان، ومنازل الرّضوان، أَهلٌ إِلا العالِمون، وأَمر أعلم الخَلْق وأَكملَهم، وأَعرف الأنبياء وأَفضلهم، بطلب الزيادة من العلم فى قوله {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} وعن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة". والأَحاديث والآثار فى فضل العلم وأَهله كثير جدّاً. وقد أَفردنا فى مصنّف، وأَوردنا أَيضا فى شرح صحيح البخارى ما فيه كفاية إِن شاء الله تعالى. وفى الجملة فالعلم كلّ أحد يؤثره ويحبّه، والجهل كلّ أحد يكرهه ويَنْفِر منه. وكأن الإِنسان (إِنسان) بالقوّة ما لم يعلم ويجهل جهلاً مركّباً، فإِذا حصل له العلم صار إِنساناً بالفعل عارفاً بربّه، أَهلاً لجِواره وقُرْبه. وإِذا جهل جهلاً مركّبا صار حيواناً، بل الحيوان خير منه. قال تعالى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} خُزَّان المال ماتوا وهم أَحياء، والعلماء باقون مابقى

الدّهر. وإِن ماتوا فأعيانهم مفقودة، وأَمثالهم فى القلوب موجودة. وإِذا مات العالِم انثلم بموته ثُلْمة فى الإِسلام. واعلم أَنّه تَبَيَّن فى علم الأَخلاق أَنّ الفضائل الإِنسانية التى هى الأُمّهات أَربع. وهى العلم، والشجاعة، والعفَّة، والعدل. وما عدا هذه فهى فروع عليها أَو تضاف إِليها. فالعلم فضيلة النَّفس (الناطقة. والشجاعة فضيلة النَّفس الغضبيَّة. والعفَّة فضيلة النَّفس) الشَّهْوانيَّة. والعدل فضيلة عامَّة فى الجميع. ولا شكَّ أَن النفس الناطقة أَشرف هذه النفوس، ففضيلتها أَشرف هذه الفضائل أَيضا، لأَن تلك لا توجد كاملة إِلاّ بالعلم، والعلم يتمُّ ويوجد كاملاً بدونها. فهو مستغنٍ عنها، وهى مفتقِرة إِليه، فيكون أَشرف. وأَيضا أَنَّ هذه الفضائل الثلاث قد توجد لبعض الحيوانات العَجماوات، والعلم يختصّ بالإِنسان، ويشاركه فيه الملائكة. ومنفعة العلم باقية خالدة أَبدا. وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إِلاّ من ثلاث: صدقةٍ جارية، أَو ولد صالح يدعو له، أَو علم يُنتفع به".

والعلم مع اشتراكها فى الشرف يتفاوت فيه. فمنه ما هو بحسب الموضوع؛ كعلم الطب؛ فإِن موضوعه بدن الإِنسان؛ ولا خفاء بشرفه. ومنه ما هو بحسب الغاية؛ كعلم الأَخلاق؛ فإِنَّ غايته معرفة الفضائل الإِنسانية، ونعمت الفضيلة. ومنها ما هو بحسب الحاجة (إِليه) كعلم الفقه؛ فإِنَّ الحاجة ماسَّة إِليه. ومنه ما هو بحسب وَثَاقة الحُجَج. فالعلوم الرياضية؛ فإِنها برهانيَّة يقينية. ومن العلوم ما يَقْوَى شرفُه باجتماع هذه الاعتبارات فيه أَو أَكثرها. فالعلم الإِلَهىّ المستفاد من كلام الله تعالى بالوحى الجلىِّ والخفىّ؛ فإِن موضوعه شريف، وغايته فاضلة، والحاجة إِليه عظيمة. واعلم أَنه لا شىء من العلوم - من حيث هو علم - بضارٍّ، بل نافع. ولا شىء من الجهل - من حيث هو جهل - بنافع، بل ضارّ؛ لأَنَّا سنبيِّن عند ذكر كلَّ علم منفعة: إِمَّا فى أَمر المعاد أَو المعاش. إِنَّما تُوهِّم فى بعض العلوم أَنه ضار أَو غير نافع؛ لعدم اعتبار الشروط

التى تجب مراعاتها فى العلم والعلماء. فإِن لكل علم حَدّاً لا يتجاوزه، ولكل عالِم ناموساً لا يُخِلّ به. فمن الوجوه المغلِّطَة أَن يُظَنَّ فى العلم فوق غايته؛ كما يُظَنّ بالطبّ أَنه يُبرئ جميع الأمراض؛ وليس كذلك، فإِن كثيرا من الأَمراض لا يبرأ بالمعالجة. ومنها أَن يُظنَّ بالعلم فوق مرتبته فى الشرف؛ كما يُظَنّ بالفقه أَنه أَشرف العلوم على الإِطلاق؛ وليس كذلك؛ فإِنَّ التوحيد والعلم الإِلهى أَشرف منه قطعاً. ومنها أَن يُقصد بالعلم غيرُ غايته؛ كمن يتعلَّم علماً للمال والجاه؛ فإِن العلوم ليس الغرض منها الاكتساب، بل الغرض منها الاطِّلاع على الحقائق، وتهذيب الخلائق. على أَنَّه مَن تعلَّم علماً للاحتراف لا يكون عالما، بل يكون شبيها بالعلماء. ولقد كوشف علماء ما وراء النهر بهذا العلم وفظِعوا به، لمّا بلغهم بناءُ المدارس ببغداد، وأَصفهان، وشيراز، أَقاموا مأْتم (العلم وقالوا: كان) العلم يشتغل به أَرباب الهمم العليّة، والأَنفس الزكيّة، الذين كانوا يقصدون العلم لشرفه، ولتحصيل الكمال به، فيصيرون علماء ينتفع

بهم، وبعلمِهم وإِذا صار عليه أُجرة تدانى إِليه الأَخِسّاءُ والكسالى، فيكون ذلك سبباً لارتفاعه. ومن هاهنا هُجِرت علوم الحكمة، وإِن كانت شريفة لذاتها؛ قال الله تعالى {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وفى الحديث "كلمة الحكمة ضالّة كلّ حكيم" وَفى لفظٍ "ضالّة المؤمنين، فاطلب ضالّتك ولو فى أَهل الشرك" أَى المؤمن يلتقطها حيث وجدها، لاستحقاقه إِياها. وفى بعض الآثار (من عرِف بالحِكْمة لاحظته العيون بالوقار) . ومن الأُمور الموجِبة للغلط أَن يُمتَهَن العلم بابتذاله إِلى غير أَهله؛ كما اتّفق فى علم الطبّ؛ فإِنه كان فى الزّمن القديم حكمة موروثة عن النبوّة، فهُزِل حتّى تعاطاه بعضُ سَفلة اليهود، فلم يتشرفوا (به) بل رَذُل بهم. وقد قال أَفلاطون: إِن الفضيلة تستحيل رذيلة فى النّفس الرَّذْلة؛ كما يستحيل الغِذاء الصَّالح فى البدن السَّقيم إِلى الفساد. والأَصل فى هذا كلمة النبوَّة القديمةُ (لا تُؤْتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أَهلها فتظلموهم) . ومن هذا القبيل الحال فى علم أَحكام النجوم؛ فإِنه ما كان يتعاطاه إِلاّ العلماء، تُشير به للملوك ونحوهم، فرذُل حتّى صار لا يتعاطاه

إِلاَّ جاهل ممخرق يروِّج أكاذيبه بسحت لا يسمن ولا يغنى من جوع. ومن الوجوه المتعيّنة أَن يكون العلم عزيز المنال رفيع المَرْقَى، قلَّما يتحصّل غايته، فيتعاطاه من ليس من أَكْفائه؛ لينال بتمويهه عَرضاً دنيئا؛ كما اتَّفق فى علم الكيمياء، والسيمياء، والسحر، والطِلَّسمات. وإِنى لأعجب ممَّن يقبل دعوى مَنْ يدَّعى علماً من هذه العلوم لدينه؛ فإِنَّ الفطرة السَّليمة قاضية بأَن مَن يطلع على ذَرَّة من أَسرار هذه العلوم يكتمها عن والده وولده؛ فما الدَّاعى لإِظهارها، وكشفها! أَو الباعثُ (عن) (إِيداعها) ونشرها! فلتعتبر هذه الأُمور وأَمثالها.

شروط التعلم والتعليم

شروط التعلم والتعليم وهى اثنا عشر شرطاً: - الأَول: أَن يكون الغرض إِنما هو تحقيق ذلك العلم فى نفسه إِن كان مقصوداً لذاته، أَو التوسّلُ به إلى ما وُضع له إِن كان وسيلة إِلى غيره، دون المال والجاه والمبالغة والمكاثرة؛ بل يكون الغرض تلك الغاية وثوابَ الله عزَّ وجلَّ. فكثيرٌ مَن نظر فى علم لِغرض، فلم يحصِّل ذلك العلم ولا ذلك الغرض، ولمَّا لزم الإِمامُ أَبو حامد الغزالىُّ الخلوة أَربعين يوماً رجاء لظهور ينابيع الحكمة من قلبه عملا بما بلغه من الخبر النَّبوىِّ "مَنْ أَخلص لله أَربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه" ولم ير ذلك، تعجب من حاله فرأَى فى منامه أَنه قيل (له) : إِنك لم تُخلص لله إِنَّما أَخلصت لطلب الحكمة. الثانى: أَن يقصد العلم الَّذى تقبله نفسه، ويميل إِليه طِباعه، ولا يتكلَّف غيره؛ فليس كلُّ الناس يصلحون لتعلّم العلم، (ولا كل صالح لتعلُّم العلم) يصلح لتعلُّم جميع العلوم. وكلٌّ ميسَّر لما خُلِق له.

الثالث: أَن يعلم أَوَّلاً مَرْتبة العلم الذى أَزمع عليه، وما غايته، والمقصود منه؛ ليكون على بيِّنةٍ من أَمره. الرابع: أَن يأْتى على ذلك مستوعِباً لمسائله من مبادئه إِلى غايته، سالكاً فيه الطَّريق الأَلْيق به، من تصور وتفهُّم واستثبات بالحُجَج. الخامس: أَن يقصد فيه الكتب المنتقاة المختارة؛ فإِن الكتب المصنَّفة على قسمين: علوم وغير علوم. وهذه - أَعنى الثانية - إِمَّا أَوصاف حسنة، وأَمثال سائرة، قيَّدَتْها التقفِية والوزن؛ وهى دواوين الشعراء - وهى طبقات - وإِمَّا عارية عن هذا القيد؛ وهى التواريخ وأَخبار الماضين وحوادث الحِدْثان، فيما تقدَّم من الأَزمان. وأَمَّا كتب العلوم فإِنها لا تحصى كثرة؛ لكثرة العلوم وتفنُّنها، واختلاف أَغراض العلماء فى الوضع والتأْليف. ولكن تنحصر من جهة المقدار فى ثلاثة أَصناف: مختصرة لفظُها أَوجزُ من معناها. وهذه تُجعل تَذكِرة لرءوس المسائل ينتِفع بها المنتهِى للاستحضار؛ وربَّما أَفادت بعض المبتدئين من الأَذكياء الشُّهماء؛ لسرعة هجومهم على المعانى من العبارات الدقيقة. ومبسوطة تقابل المختصرة؛ وينتفع بها للمطالعة.

ومتوسِّطة لفظها بإِزاء معناها؛ ونفعها عامّ. وسنذكر من هذه الأَقسام عند كلّ علم ما هو مشهور ومعتبَر عند أَهله من ذلك. والمصنِّفون المعتبرة تصانيفهم فريقان: الأَول: من له فى العلم ملكة تامَّة، ودرْبة كافية، وتجارب وثيقة، وحدْس ثاقب صائب، واستحضار قريب، وتصانيفهم عن قوَّة تبصرة، ونفاذ فِكر، وسَدَاد رأى، تَجمع الى تحرير المعانى وتهذيب الأَلفاظ. وهذه لا يستغنى عنها أَحد من العلماء؛ فإِن نتائج الأَفكار لا تقف عند حَدّ، بل لِكلّ عالم ومتعلِّم منها حظّ. وهؤلاء أَحسنوا إِلى الناس، كما أَحسن الله إِليهم، زكاة لعلومهم، وإِبقاءً للذِّكر الجميل فى الدُّنيا، والأَجر الجزيل فى الأُخرى. الثانى: مَن له ذهن ثاقب، وعبارة طَلْقة، ووقعت إِليه كتب جيِّدة جَمة الفوائد، لكنها غير رائقة فى التأْليف، والنّظم، فاستخرج دُررها (وأَحسن) نضْدها ونظمها، وهذه ينتفع بها المبتدئون، والمتوسطون. وهؤلاء مشكورون على ذلك محمودون. الشرط السادس: أَن يقرأَ على شيخ مرشِد أَمين ناصح، ولا يستبِدّ طالب بنفسه؛ اتكالا على ذهنه، والعلم فى الصّدور لا فى السطور. وهذا

أَبو على بن سينا - مع ثقابة ذهنه، وما كان عليه من الذكاء المفرط والحذق البالغ - لما اتَّكل على نفسه، وثوقاً بذهنه، لم يسلم من التصحيفات. ومن شأْن الأُستاذ أَن يرتِّب الطالب الترتيب الخاصّ بذلك العلم، ويؤدبه بآدابه، وأَن يقصد إِفهام المبتدئ تصوّر المسائل، وأَحكامها فقط، وأَن يُثبتها بالأَدلَّة إِن كان العلم مما يختجُّ إِليه عند من يستحضر المقدمات. وأَما إِيراد الشبه إِن كانت، وحَلُّها، فإِلى المتوسِّطين المحقِّقين. الشرط السَّابع: أَن يذاكر به الأَقران والنُّظراء؛ طلباً للتحقيق والمعاونة، لا المغالبة والمكابرة، بل لغرض الاستفادة (والإِفادة) . الشرط الثامن: أَنه إِذا حَصَّل علماً ما، وصار أَمانة فى عنقه، لا يُضيعه بإِهماله وكتمانه عن مستحقِّيه؛ فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَلِم علماً نافعاً وكتمه أَلجمه الله يوم القيامة بلجام من نار"، وأَلاَّ يُهينَه بإِدلائه إلى غير مستحقِّه؛ فقد ورد فى كلام النبوَّة الأولى "لا تعلِّقوا

الدُّرر فى أَعناق الخنازير" أَى لا تؤتوا العلم غير أَهلها، وأَن يُثبت فى الكتب لمن يأتى بعده ما عَثَر عليه بفكره، واستنبطه بممارسته وتجاربه، مما لم يُسبق إليه، كما فعله مَن قبله، فمواهب الله لا تقف عند حدٍّ، وألاَّ يسئ الظَّن بالعلم وأَهله، ففعله ممَّا لا يليق بالعلماء. الشرط التاسع: أَلاَّ يعتقد فى علم أَنَّه حَصَل منه على مقدار لا تمكن الزِّيادة عليه، فذلك جهل يوجب الحرمان - نَعوذ بالله منه - فقد قال سيِّد العلماء وخاتم الأَنبياء: "لا بورك لى فى صبيحة لا أَزداد فيها علماً". الشرط العاشر: أن يعلم أَن لكلِّ علم حدّاً لا يتعدَّاه، فلا يتجاوز ذلك الحدّ، كما يقصد إِقامة البراهين على علم النحو، ولا يقصر بنفسه عن حدِّه، فلا يقنع بالجَدَل فى الهيئة. الشرط الحادى عشر: أَلاَّ يُدخل علماً فى علم، لا فى تعليم ولا فى مناظرة؛ فإِن ذلك مشوّش. وكثيراً ما خلَّط الأَفاضل بهذا السبب؛ كجالينوس وغيره. الشرط الثانى عشر: أن يراعى حَقّ أُستاذ التعليم؛ فإِنَّه أَب. سئل الإِسكندر عن تعظيمه معلِّمه أكثر من تعظيمه والده، فقال: هذا أَخرجنى

إِلى العناءِ والفناء، ومعلِّمى دلَّنى على دار الهناء والبقاء. والرَّفيق فى التعلُّم أَخ، والتلميذ ولد، ولكلٍّ حقٌّ يجب القيام به. واعلم أَن على كل خير مانعا. فعلى العلم موانع، وعن الاشتغال به عوائق. منها الوثوق بالزَّمان المتَّصل، وانفساح الأَبد فى ذلك. [أ] وَلا يعلم الإِنسان أَنه إِن انتهز الفرصة، وإِلاَّ فاتت: وليس لفواتها قضاءٌ البتَّة. فإِن أَسباب الدُّنيا تكاد تزيد على الخُطَّاب من ضروريات وغيرها، وكلّها شواغل، والأمور التى بمجموعها يتم التحصيل إِنما تقع على سبيل الحثِّ، وإِذا تولَّت فهيهات عَوْدُ مثلها. ومنها الوثوق بالذكاء، وأَنَّه سيحصِّل الكثير من العلم فى القليل من الزمان متى شاء، فيحرمه الشواغلُ والموانع. وكثير من الأَذكياءِ فاتهم العلم بهذا السبب. ومنها الانتقال من علم إلى علم آخر قبل أَن يحصّل منه قدرا يُعتَدّ به، أَو من كتاب إلى كتاب قبل خَتمه. فذلك هدم لما بنى (ويعزّ مثلُه) . (ومنها) طلب المال والجاه، أَو الركون إلى اللذَّات البهيمية والعلم أَعزُّ أن يُنال مع غيره، أَو على سبيل التبعيَّة. بل إِذا أَعْطَيت العلم كلّك أَعطاك العلمُ بعضه.

القول في حصر العلوم

ومنها ضيق الحال، وعدك المعونة على الاشتغال. ومنها إِقبال الدُّنيا، وتقلُّد الأَعمال، وولاية المناصب، وهذا من أَعظم الموانع. ثم اعلم أَنَّ للعلم عَرْفاً ينُمُّ على صاحبه، ونوراً يُرشد إِليه، وضياء يشرق عليه؛ فحامل المسك لا تخفى روائحه: معظَّم عند النفوس الخيِّرة، محبّب إلى العقلاء، وجيه عند ذوى الوجوه، تتلقَّى القلوبُ أَقواله وأَفعاله بالقبول. ومن لم يظهر أَمارات علمه فهو ذو بطانة، لا صاحب إِخلاص. القول في حصر العلوم كل علم فإِمّا أَن يكون مقصوداً لذاته أَو لا. والأَوَّل العلوم الحِكْميّة الإلهية. والمراد بالحكمة هاهنا استكمال النَّفش الناطقة قوَّتيْها: النظريّة، والعلميّة بحسب الطَّاقة الإِنسانيّة. والأَوَّل يكون بحصول الاعتقادات اليقينيّة فى معرفة الموجودات وأَحوالها. والثانى يكون بتزكية النفس باقتنائها الفضائل، واجتنابها الرَّذائل. وأَمَّا الثانى - وَهو ما لا يكون مقصوداً لذاته، بل يكون آلة لغيره فإِمَّا للمعانى - وَهو علم المنطق - وإِمَّا لما يتوصَّل به إِلى المعانى، وهو اللفظ والخَطّ: وهو علم الأَدب. والعلوم الحِكْميّة النظريَّة تنقسم إلى أَعلى - وهو علم الإلهى - وأَدنى - وَهو علم الطَّبيعىِّ - وأَوسط وهو العلم الرياضىّ.

ومن المعلوم أَن إِرسال الرُّسل عليهم السلام إِنما هو لُطْف من الله تعالى بخَلْقه، ورحمة لهم، ليتمّ لهم معاشُهم، ويتبيَّن لهم حالُ مَعادهم. فتشتمل الشريعة ضرورةً على المعتقَدات الصَّحيحة الَّتى يَجب التصديق بها، والعباداتِ المقرِّبة إلى الله - عزَّ شأْنه (ممَّا يجب القيام به، والمواظبة عليه. والأَمر بالفضائل والنهى - عن الرذائل - مما يجب) قبوله، فينتظم من ذلك ثمانية علوم شرعيَّة: علم تفسير الكتاب المنزل على النبى المرسل، علم القرآن، علم رواية الحديث، علم دراية الحديث؛ علم أَصول الدِّين، علم أَصول الفقه، علم الجَدَل، علم الفقه. فى لطائف تفسير القرآن العظيم اعلم أَنا رتَّبنا هذا المقصد الشريف على أَغرب أُسلوب. وقدّمنا أَمامه مقدَّمات ومواقف: أَمَّا المقدمات ففى ذكر فضل القرآن، (ووجهِ إِعجازه وعَدّ أَسمائه، وما لا بدَّ للمفسرين من معرفته: من ترتيب نزول سور القرآن) واختلاف أَحوال آياته؛ وفى مواضع نزوله، وفى وجوه مخاطباته، وشئ من بيان الناسخ والمنسوخ، وأَحكامه، ومقاصده، من ابتداءِ القرآن إِلى انتهائه. وأَذكر فى كلّ سورة على حِدة سبعة أَشياءَ: موضع النّزول، وعدد

الآيات، والحروف، والكلمات. وأَذكر الآيات التى اختلَف فيها القُرَّاءُ، ومجموعَ فواصل آيات السّورة، وما كان للسّورة من اسم، أَو اسمين فصاعداً، واشتقاقه، ومقصود السورة، وما هى متضمِّنة له، وآيات النّاسخ والمنسوخ منها، (والمتشابه منها) وبيان فضل السُّورة ممّا ورد فيها من الأَحاديث. ثم أَذكر موقِفا يشتمل على تسعة وعشرين باباً، على عدد حروف الهجاء. ثم أَذكر فى كل باب من كلمات القرآن ما أَوله حرفُ ذلك الباب. مثاله أَنِّى أَذكر فى أَول باب الأَلفِ الأَلِفَ وأَذكر وجوهه، ومعانيه، ثم أُتبعه بكلمات أَخرى مفتتحة بالأَلف. وكذلك فى باب الباءِ، والتاءِ إِلى أخر الحروف. فيحتوى ذلك على جميع كلمات القرآن، ومعانيها، على أَتمِّ الوجوه. وأَختم ذلك بباب الثلاثين، أَذكر فيه أَسماءَ الأَنبياءِ ومتابعيهم، من الأَولياءِ، ثم أَسماءَ أَعدائهم المذكورين فى القرآن، واشتقاق كل ذلك لغةً، وما كان له فى القرآن من النظائر. وأَذكر ما يليق به من الأَشعار والأَخبار. وأَختم الكتاب بذكر خائم النَّبيِّين. وجعلت أَوَّل كل كلمة بالحُمْرة (بصيرة) اقتباساً من قوله تعالى: {هاذا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} وقوله: {قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ} وقوله: {قُلْ هاذه سبيلي أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ} .

الباب الأول - الطرف الأول - المقدمات

الباب الأول - الطرف الأول - المقدمات الفصل الأول - في فضائل القرآن ومناقبه قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآن العظيم} وقال {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ} وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} وسيأْتى تفصيل أَسماءِ القرآن بعد هذا. وأَمّا الخبر فأَشرف الأَحاديث فى ذلك ما صحّ عن النبى صلى الله عليه وسلم أَنه حدَّث عن جبريل عليه السّلام عن الربّ تبارك وتعالى أَنه قال "مَن شغله قراءَة كتابى عن مسأَلتى أَعطيته أَفضل ما أُعطِى

الشاكرين" وفى رواية (السّائلين) . وعن أَنس عن النبى صلى الله عليه وسلم أَنه قال "إِن لله أَهلين من الناس. فقيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: أَهل القرآن. هم أَهل الله وخاصّته" وعن ابن عباس يرفعه "أَشراف أُمّتى حَمَلةُ القرآن، وأَصحاب الليل" وعنه أَيضا يرفعه "مَن أُعطِى القرآن فظنّ أَنّ أَحداً أُعْطِى أَفضلَ ممّا أُعْطى فقد عظَّم ما حقّر الله وحقّر ما عظَّم الله" وقال "من أَوتى القرآن فكأَنما أُدْرجتِ النبوّة بين جنبيه، إِلاَّ أَنّه لم يوحَ إِليه" وسئل النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل مَن أَفضل النّاس؟ فقال "الحالّ المرتحل. قيل: ومن الحالّ المرتحل؟ قال: صاحب القرآن كلَّما حلّ ارتحل" أَى كلَّما أَتمّ ختْمة استأنف ختمة أخرى. وعن عليٍّ رضى الله عنه "قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم الفتنة. قلنا يا رسول الله: وما المَخْرج منها؟ قال: كتاب الله. فيه نبأ ما قبلكم، وفَصْل ما بينكم، وخَبر ما بعدكم. وهو الفصل ليس بالهَزْل. مَن تركه من جَبَّار قصمه الله. ومن ابتغى الهُدَى فى غيره

أَضلَّه الله، وهو (حبل الله) المتين. وهو الذكر الحكيم، وهو الصِّراط المستقيم، وهو الذى لا يتلبِس له الأَلسُن، ولا يزيغ به الأَهواءُ، ولا يَخْلُق عن كثرة الرَّدّ، ولا يشبع منه العلماءُ، ولا ينقضى عجائبه، هو الَّذى لم يلبثِ الجِنُّ إِذْ سمعته أَن قالوا: إِنَّا سمعنَا قرآناً عجباً. من قال به صَدَق، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به هُدِى إِلى صراط مستقيم" وعن ابن مسعود عن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم أَنَّه قال "إِن هذا القرآن مَأَدُبَةُ الله فى أَرضه، فتعلَّموا مَأْدبته ما استطعتم. وإِن هذا القرآن هو حبل الله، فهو نوره المبين، والشِّفاءُ النافع، عِصْمة لمن تمسك به، ونجاة من تبعه. "لا يَعْوجُّ فيقوَّم، ولا يزيغ فيُستَعتَبَ، ولا ينقضى عجائبه، ولا يَخْلقُ عن كثرة الردِّ فاقرءُوه؛ فإِنَّ الله يأْجُركم بكلِّ حرف عشر حسنات. أَمَا إِنى لا أَقول: الم عشر، ولكن أَلف، ولام، وميم ثلاثون حسنة" وعن أَبى هريرة أَنًَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: "فَضْل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خَلْقه" وعن أَبى الدرداءِ يرفع إِلى النبىّ صلى الله عليه وسلم: القرآن أَفضل من كل شىء دون الله. فمن وَقَّر القرآن فقد وقَّر الله، ومن لم يوقِّر القرآن فقد استخفّ بحرمة الله. حرمة القرآن على الله كحرمة الوالد على ولده" وعن أَبى أُمامة أَنَّ

النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأَ ثُلث القرآن أُوتى ثُلث النبوَّة. ومن قرأَ نصف القرآن أُوتى نصف النبوَّة. ومن قرأَ ثُلثى القرآن أُوتى ثُلثى النبوَّة. ومن قرأَ [القرآن] كلَّه أُوتى النبوّة كلها، ثم يقال له يوم القيامة: اقرأْ وارْقَ بكُّل آية درجةً حتَّى يُنجز ما (معه من) القرآن. ثم يقال له: اقبض فيقبِض، فيقال: هل تدرى ما فى يديك؟ فإِذا فى اليمنى الخُلْد، وفى الأُخرى النعيم". وعن عائشة رضى الله عنها عن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم أَنَّه قال: "حَمَلة القرآن محفوفون برحمة الله، الملْبَسون نورَ الله، المعلِّمون كلام الله. فمن عاداهم فقد عادى الله. ومن والاهم فقد والى الله. يقول الله عز وجل: يا حَمَلة كتاب الله تَحَبَّبوا إِلى الله بتوقير كتابه يزدكم حُبّاً، ويحبِّبكم إِلى خَلْقه. يُدفع عن مستمع القرآن شرّ الدنيا، ويدفع عن تالى القرآن بَلْوَى الآخرة. ولَمُستمع آية من كتاب الله خير من ثَبير ذهباً. ولَتَالى آيةٍ من كتاب الله خير مما تحت العرش إِلى تُخُوم الأَرض السفلى" وعن أَبى بُرَيدة

قال: كنت عند النبىّ صلَّى الله عليه وسلم فسمعته يقول: إِنَّ القرآن يَلْقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقّ عنه قبرُه كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفنى؟ فيقول: ما أَعرفك. فيقول: أَنا صاحبك القرآنُ الذى أَظمْأْتُك فى الهواجر، وأَسهرت ليلتك. وإِن كل تاجر من وراءِ تجارته، وإِنك اليوم من وراءِ كل تجارة. قال: فيعطى المُلْك بيمينه، والخُلْد بشِماله، ويوضع على رأْسه تاجُ الوقار، ويُكْسَى والداه حُلَّتَين لا يقوم لهما أَهل الدنيا. فيقولان: بِم كُسِينا هذا؟ فيقال لهما: بأَخْذ ولدكما القرآن. ثم يقال له: اقرأْ واصعد فى دَرَج الجنَّة وغُرَفها. فهو فى صُعُود ما دام يقرأُ، هذّاً كان أَو ترتيلا". وعن مُعَاذ قال: "كنت فى سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله حدِّثنا بحديث يُنتفع به، فقال: إِن أَردتم عيش السُّعداء أَو موت الشهداء، والنجاةَ يوم الحشر، والظِّلّ يوم الحَرُور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن؛ فإِنَّه كلام الرَّحمن، وحَرس من الشيطان، ورُجْحان فى الميزان" وعن عُقْبة بن عامر قال "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن فى الصُّفَّة، فقال: أَيّكم يحبُّ أَن يغدو كلَّ يوم إِلى بُطْحان أَو العَقيقِ، فيأتىَ بناقتين كَوْماوَين زهراوين فى

غير إِثم ولا قطيعة رَحم؟ قلنا كلّنا يا رسول الله يحبُّ ذلك. قال: لأَن يغدو أَحدكم كلَّ يوم إِلى المسجد فيتعلَّم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاثٌ خير له من ثلاث ومِن أَعدادهنَّ من الإِبل" وعن عائشة قالت "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البررة. والذى يَتَتَعْتع فيه له أَجران" وروى عن أَبى ذرّ "أَنَّه جاءَ إِلى النبىِّ صلِّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إِنِّى أَخاف أَن أَتعلَّم القرآن ولا أَعمل به. فقال صلَّى الله عليه وسلم: "لا يعذِّب الله قلباً أَسكنه القرآن" وعن أنس عن النبي صلَّى الله عليه وسلم أَنَّه قال: "مَن علَّم آية من كتاب الله كان له أَجرها ما تليت" وعن ابن مسعود أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أَراد علم الأَوَّلين والآخرين فليتدبَّر القرآن مؤثراً؟ فإِن فيه علم الأَولين والآخرين؛ أَلم تسمعوا قوله: ما فرطنا فى الكتاب من شَىْءٍ" عن واثلة بن الأَسْقع أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أُعطيت السَّبع الطِّوال مكان التوراة، وأُعطِيت المائدة مكان الإِنجيل وأُعطيت المثانى مكان الزَّبور وفُضِّلت بالمفصَّل" وعن عثمان بن عفَّان أَنَّه قال: "خيركم من

تعلَّم القرآن وعَلَّمه" قال ابن عبَّاس: افتخرت السماءُ على الأَرض فقالت: أَنا أَفضل، فِىَّ العرش، والكرسيُّ، واللَّوح، والقلم. وفيَّ الجنَّة المأوى وجنَّة عَدْن، وفىَّ الشمس، والقمر، والنجوم. ومنِّى تنزَّلُ أَرزاق الخَلْق. وفىَّ الرَّحمة. فقالت الأَرض وتركتْ أَن تقول: فىَّ الأَنبياء والأَولياءُ وفىَّ بيت الله بل قالت: أَليس تنقلب أضلاعُ حَمَلة القرآن فى بطنى: فقال الله: صَدَقْتِ يا أَرض. وكان افتخارها على السَّماءِ أَن قال لها الرَّب صدقتِ. وعن أَبى موسى الأَشعرىّ عن النبىّ صلى الله عليه وسلم مَثَل الذى "يقرأُ القرآن ويعمل به مثل الأُتْرُجَّة: طعمها طيّب وريحها طيب ومثلُ الذى لا يقرأُ القرآن ويعمل به مثل التَمْرة: طعمها طيِّب، ولا ريح لها. ومثل الذى يقرأُ القرآن ولا يعمل به كمثل الرَّيحانة: لها رائحة، وطعمها مُرٌّ. ومثل الذى لا يقرأُ القرآن ولا يعمل به مثل الحَنْظَلة. لا طعم لها، ولا رائحة". وسئل النبى صلى الله عليه وسلم من أَحسن النَّاس صوتاً؟ قال من إِذا سمعته يقرأُ خشية تخشى الله" وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأَصحابه: "اقرءُوا القرآن بحزن؛ فإِنه نزل بحزن" وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هذه القلوب

لتصدأُ كما يصدأُ الحديد. قيل فما جِلاؤها يا رسول الله؟ قال: ذكر الموت وتلاوة القرآن: أَلم تسمعوا قوله تعالى {وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور} وقال عليه السَّلام: "القرآن هو الدَّواءُ" وقال "لا فاقة بعد القرآن، ولا غنى دونه" وقال: " ما آمن بالقرآن من استحلَّ محارمه" (وقال) "القرآن شافع، أَو ما حِلٌ مصدَّق" وقال: "من قرأَ القرآن وعمل بما فيه لم يُرَدَّ إِلى أَرذل العمر" وقال فى قوله {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} قال يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه ويكِلون ما أَشكل عليهم إِلى عالِمه" ويرى أَنَّ امرأَة مرَّت بعيسى بن مريم فقالت طوبى لبطن حملتك وثدى أَرضعك فقال عيسى لا بل طوبى لمن قرأَ القرآن وعمل به.

الفصل الثاني - في ذكر اعجاز القرآن وتمييزه بالنظم المعجز عن سائر الكلام

الفصل الثاني - في ذكر اعجاز القرآن وتمييزه بالنظم المعجز عن سائر الكلام فى ذكر إِعجاز القرآن وتمييزه بالنظم المعجز عن سائر الكلام. اعلم أَن الإِعجاز إِفعال من العَجْز الَّذى هو زوال القدرة عن الإِتيان بالشىء من عمل أَو رأْى أَو تدبير. والَّذى يظهر على الخلق من هذا المعنى ثلاث درجات: مَخْرقة وكرامة (ومعجزة) . وبين المَخْرقة والمعجزة فروق كثيرة. منها أَنَّ المَخْرقة لا بقاءَ لها، كعِصِىّ سَحَرة فرعون، والمعجزة باقية، كعصا موسى. ومنها أَنَّ المَخْرقة لا حقيقة لها، ولا معنى؛ لأَنَّ بناءَها على الآلات، والحِيل؛ والمعجزة لا آلة لها، ولا حيلة. ومنها أَنَّ العوامَّ يعجزون عن المَخْرقة، وأَمَّا الحُذَّاق والأَذكياءُ فلا يعجِزون عنها. وأَمَّا المعجزة فالخواصّ والعوامّ على درجة واحدة فى العجز عنها. ومنها أَنَّ المَخْرقة متداولة بين النَّاس فى جميع الأَزمان غير مختصَّة بوقت دون وقت، وأَمَّا المعجزة فمختصَّة بزمان النبوّة، خارجة عن العُرْفِ، خارقة للعادة.

ومنها أَنَّ المَخْرقة يمكن نقضها بأَضدادها، ولا سبيل للنَّقض إِلى المعجزة. وأَمَّا الفرق بين المعجزة والكرامة فهو أَنَّ المعجزة مختصَّة بالنبىّ دائما، [و] وقت إِظهارها مردَّد بين الجواز والوجوب، ويُقرن بالتحدِّى، وتحصل بالدُّعاءِ، ولا تكون ثمرةَ المعاملات المَرْضِيَّةِ، ولا يمكن تحصيلها بالكسب والجهد، ويجوز أَن يحيل النبىّ المعجزة إِلى نائبه، لينقلها من مكان إِلى مكان كما فى شمعون الصَّفا الَّذى كان نائباً عن عيسى فى إِحياءٍ الموتى، وأَرسله إِلى الرُّوم، فأَحيا الموتى هناك. وأَيضاً يكون أَثر المعجزة باقيا بحسب إِرادة النبىّ، وأَمَّا الكرامة فموقوفة على الولىِّ، ويكون كتمانها واجباً عليه، وإِن أَراد إِظهارها وإِشاعتها زالت وبطلت. وربما تكون موقوفة على الدعاءِ والتضرع. وفى بعض الأَوقات يعجز عن إِظهارها. وبما ذكرنا ظهر الفرق بين المعجزة والكرامة والمَخْرقة. وجملة المعجزات راجعة إِلى ثلاثة معان: إِيجاد معدوم، أَو إِعدام موجود، أَو تحويل حال موجود. إِيجاد معدوم كخروج الناقة من الجبل بدعاءِ صالح عليه السلام. وإِعدام الموجود كإِبراءِ الأَكمه والأَبرص بدعاءِ عيسى عليه السلام. وتحويلُ حال الموجود كقلب عصا موسى ثعباناً.

وكلُّ معجزة كانت لنبىٍّ من الأَنبياءِ فكان مثلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إِظهارها له ميسَّراً مسلماً. وأَفضل معجزاته وأَكملها وأَجلُّها وأَعظمها القرآن الذى نزل عليه بأَفصح اللُّغات، وأَصحِّها، وأَبلغها، وأَوضحها، وأَثبتها، وأَمتنها، بعد أَن لم يكن كاتباً ولا شاعراً ولا قارئاً، ولا عارفاً بطريق الكتابة، واستدعاءٍ من خطباءِ العرب العرباءِ وبلغائهم وفصحائهم أَن يأْتوا بسورة من مثله، فأَعرضوا عن معارضته، عجزاً عن الإِتيان بمثله، فتبيَّن بذلك أَن هذه المعجزة أعجزت العالَمِين عن آخرهم. ثم اختلف الناس فى كيفيَّة الإِعجاز. فقيل: لم يكونوا عاجزين عن ذلك طبعاً، إِلاَّ أَنَّ الله صَرَف همَّتهم، وحبس لسانهم، وسلبهم قدرتهم، لُطْفاً بنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم، وفضلاً منه عليه. وذلك قوله {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً} . وهو قول مردود غير مرضىٍّ.

وقال آخرون: لم يكن عجزهم عن الإِتيان بمثل لفظه، وإِنما كان عن الإِتيان بمثل معناه. وقيل: لم يعجزوا عنهما، وإِنَّما عجزوا عن نظم مثل نظمه؛ فإِن أَنواع كلامهم كانت منحصرة فى الأَسجاع، والأَشعار، والأَراجيز، فجاءَ نظم التنزيل على أُسلوب بديع لا يشبه شيئاً من تلك الأَنواع، فقصُرت أَيدى بلاغاتِهم عن بلوع أَدنى رُتْبَةٍ من مراتب نظمه. ومذهب أَهل السُّنة أَنَّ القرآن معجز من جميع الوجوه: نظماً، ومعنى، ولفظا، لا يشبهه شىء من كلام المخلوقين أَصلاً، مميَّز عن خُطَب الخطباءِ، وشعر الشعراء، باثنى عشر معنى، لو لم يكن للقرآن غير معنى واحد من تلك المعانى لكان معجِزاً، فكيف إِذا اجتمعت فيه جميعاً. ومجملها إِيجاز اللفظ، وتشبيه الشىءِ بالشىءِ، واستعارة المعانى البديعة؛ وتلاؤم الحروف، والكلمات، والفواصل، والمقاطع فى الآيات، وتجانس الصِّيغ، والأَلفاظ، وتعريف القِصَص، والأَحوال، وتضمين الحِكَم، والأَسرار، والمبالغةُ فى الأَمر، والنهى، وحسن بيان المقاصد، والأَغراض، وتمهيد المصالح، والأَسباب، والإِخبار عما كان، وعما يكون. أَمّا إِيجاز اللفظ مع تمام المعنى فهو أَبلغ أَقسام الإِيجاز. ولهذا قيل: الإِعجِاز فى الإِيجاز نهاية إِعجاز. وهذا المعنى موجود فى القرآن إِمّا على سبيل الحذف، وإِما على سبيل الاختصار.

فالحذف مثل قوله تعالى {وَسْئَلِ القرية} أَى أَهلها {ولاكن البر مَنْ آمَنَ بالله} أَى برّ من آمن. والاختصار {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ} هذه أَربع كلمات وستة عشرة حرفاً يتضَّمَّن ما ينيِّف على أَلف أَلف مسأَلة، قد تصدَّى لبيانها علماءُ الشريعة، وفقهاءُ الإِسلام فى مصنَّفاتهم؛ حتَّى بلغوا أُلوفاً من المجلَّدات، ولم يبلغوا بعدُ كنهَها وغايَتَها. وأَمَّا تشبيه الشىءِ بالشىءِ فنحو قوله تعالى {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} وقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} وكلُّ مَثَل من هذه الأَمثال دُرْج جواهر، وبُرْج زواهر، وكنز شرف، وعالَم عِلم، وحُقُّ حقائق، وبحار دُرَر دِراية، ومصابيح سالكى مسالك السنَّة. ولهذا يقال: الأَمثال سُرج القرآن. وأَمَّا استعارة المعنى فكالتعبير عن المضىِّ والقيام بالصَّدع {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} أَى قُم بالأَمر، وكالتعبير عن الهلاك، والعقوبة بالإِقبال والقدوم {وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ} ، وكالتعبير عن تكوير الليل والنهار بالسَّلخ {وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} ولا يخفى ما فى أَمثال هذه الاستعارات من كمال البلاغة، ونهاية الفصاحة. يحكى أَنَّ أَعرابيّاً سمع

{فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فلم يتمالك أَن وقع على الأَرض وسجد، فسئل عن سبب سجدته فقال، سجدت فى هذا المقام، لفصاحة هذا الكلام. وأَما تلاؤم الكلمات والحروف ففيه جمال المقال، وكمال الكلام؛ نحو قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ} {ياأسفى عَلَى يُوسُفَ} {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} {فأدلى دَلْوَهُ} {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} ونظائرها. وأَمَّا فواصل الآيات ومقاطعُها فعلى نوعين: إِمَّا على حرف كطه؛ فإِنَّ فواصل آياتها على الأَلف، وكاقتربت؛ فإِنَّ مقاطع آياتها على الراء، وإِمَّا على حرفين كالفاتحة؛ فإِنَّها بالميم والنُّون: {الرحمان الرحيم مالك يَوْمِ الدين} ونحو {ق والقرآن المجيد} فإِنَّها بالباءِ والدَّال. وأَمَّا تجانس الأَلفاظ فنوعان أَيضاً: إِمَّا من قبيل المزاوجة؛ كقوله {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ} {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} {يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً} {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} وإما من قبيل المناسبة كقوله {ثُمَّ انصرفوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار} .

وأَمَّا تصريف القِصَص والأَحوال فهو أَنَّ الله تعالى ذكر بحِكَمهِ البالغة أَحوال القرون الماضية، ووقائع الأَنبياءِ، وقصصهم، بأَلفاظ مختلفة، وعبارات متنوِّعة، بحيث لو تأَمّل غوّاصو بحار المعانى، وخوَّاضو لُجَج الحُجَج، وتفكّروا فى حقائقها، وتدبَّروا فى دقائقها، لعلموا وتيقَّنوا (وتحققوا) وتبيَّنوا أَنَّ ما فيها من الأَلفاظ المكرَّرة المعادات، إِنَّما هى لأَسرار، ولطائف لا يرفع بُرْقع حجابها من الخاصَّة إِلاَّ أَوحدُهم وأَخصُّهم، ولا يكشف سِتر سرائرها من النحارير إِلاَّ واسِطتهم وقصهم. وأَمَّا تضمين الحِكَم والأَسرار فكقولنا فى الفاتحة: إِن فى {بِسْمِ} التجاءَ الخَلْق إِلى ظلِّ عنايته، وكلمة الجلالة تضمَّنت آثار القدرة والعظمة، وكلمة الرحمن إِشارة إِلى أَنَّ مصالح الخَلْق فى هذه الدَّار منوط بكفايته. وكلمة الرَّحيم بيان لاحتياج العالَمين إِلى فيض من خزائن رحمته. والنِّصف الأَوَّل من الفاتحة يتضمَّن أَحكام الرُّبوبيَّة. والنصف الثَّانى يقتضى أَسباب العبوديَّة. وخُذْ على هذا القياس. فإِنَّ كلَّ كلمة من كلمات القرآن كنزُ معانٍ، وبحر حقائق. ومن جوامع آيات القرآن قوله تعالى: {خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} فإِنها جامعة لجميع مكارم الأَخلاق، وقوله: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} مستجمعة لجميع أَسباب السِّياسة والإِيالة. وقوله:

{أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا} محتوية على حاجات الحيوانات كافَّة. وقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إِلى آخر الثلاث الآيات جامعة لجميع الأَوامر والنَّواهى، ومصالح الدُّنيا والآخرة، وقوله: {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} يشتمل على أَمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين. وأَمَّا المبالغة فى الأَسماءِ والأَفعال فالأَسماءُ {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} ، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} ، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} ، {الملك القدوس} ، {وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم} ، {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء} ، {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} . والأَفعال {أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً} ، {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ} ، {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً} ، {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} ، {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} ، {وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً} ، {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} . وَأَمَّا حُسْن البيان فلتمام العبارة: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ، ولبيان فصل الخصومة والحكومة {إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً} ،

وللحجّة للقيامة {يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، وللنَّصيحة والموعظة {ياأيها الناس قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} ، ولثبات الإِيمان والمعرفة: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان} ، ولبيان النعت والصِّفة {بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيم} ، {عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِير} ، ودليلاً لثبوت الرِّسالة {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} ، وإِظهاراً للعمل والحكمة {وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} ، وللرَّحمة السَّابقة واللاحقة {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} ، وبرهاناً على الوَحْدانيَّة والفَرْدانيَّة {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} ، وتحقيقا للجنَّة والنَّار {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ، {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينْ} ، وتحقيقاً للرُّؤية واللِّقاءِ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، وتمهيداً لمصالح الطَّهارات {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً} ، وللصَّلاة {وَأَقِيمُواْ الصلاة} ولِلزكاة والصيام والحجّ {وَءَاتُوْا الزَّكَاةَ} ، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ، {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} ، وللمعاملات {أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} ، وللصِّيانة والعِفَّة {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} ، وللطلاق والفراق بشرط العِدَّة {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، ولرعاية مصلحة النفوس {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ}

ولكفَّارة النُّذور والأَيمان {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} . وعلى هذا القياس جميع أَحكام الشريعة تأيَّدت بالآيات القرآنية وأَمَّا الإِخبار عمَّا كان وعمَّا يكون: أَمَّا المتقدِّم فكتخليق العرْش، والكُرْسىّ، وحال الحَملة والخَزنَة، وكيفيَّة اللَّوح والقلم، ووصف السِّدْرة، وطوبى، وسَيْر الكواكب، ودَوْر الأَفلاك، وحكم النيِّرين، والسَّعدين، والنحسين، وقران العُلويَّين والسُّفليين، ورفع السَّماءِ، وتمهيد الأَرض، وتركيب الطَّبائع، والعناصر، وترتيب الأجسام والأَجرام، وحكم المشرق، والمغرب، من الأُفُق الأَعلى إِلى ما تحت الثَرى ممَّا كان، ومما هو كائن، وممَّا سيكون: من أَحوال آدم، وعالَمَىِ الجنِّ، والإِنس، والملائكة، والشياطين. ففى القرآن من كلِّ شىءٍ إِشارة وعبارة تليق به. وأَمَّا المتأَخر فكأَخبار الموت، والقبر، والبعث، والنَشْر، والقيامة، والحساب، والعقاب، والعَرْض، والحوض، والسؤال، ووزن الأَعمال، والميزان، والصراط والجَنَّة، والنَّار، وأَحوال المتنعمين، والمعذَّبين فى الدَركات، وأَحوال المقرَّبين فى الدَّرجات، ما بين مُجْمَل ومفصَّل، لا إِجمالا يعتريه شَكّ، ولا تفصيلاً يورث كلالة وملالة. كلُّ ذلك على هذا الوجه مذكور فى القرآن، فلا غَرْو أَن يترقَّى هذا الكلام عن إِدراك الأَفهام، وتناول الأوهام، ويُعجز الفصحاءَ والبلغاءَ عن معارضته، ومقابلته.

وبلغنى عن الأَئمة الرَّاسخين، والعلماء المحققين أَنَّ الَّذى اشتمل عليه القرآن من الدَّقائق، والحقائق، والمبانى، والمعانى، سبعون قسماً. وهى المحكم، والمتشابه، والنّاسخ، والمنسوخ، والحقيقة، والمجاز، والمنع، والجواز، والحذف، والزّيادة، والبيان، والكناية، والمقلوب، والمستعار، والإِظهار، والإِضمار، والإِيجاز، والاختصار، والإِخبار، والاستخبار، والخاصّ، والعامّ، والحدود، والأحكام، والتحليل، والتَّحريم، والسَبْر، والتقسيم، والأَمر، والنَّهى، والجحد، والنَّفى، والقَصَص، والأَمثال، والتفصيل، والإِجمال، والزّجر، والتأْديب، والترغيب والترهيب، والوعد، والوعيد، والعطف، والتوكيد، والتحكُّم، والتهديد، والوصف، والتّشبيه، والكشف، والتنبيه، والتقديم، والتأْخير، والتأْويل، والتفسير، والتكرار، والتقرير، والتعريض، والتصريح، والإِشارة، والتلويح، والتجنيس، والتقريب، والتعجيب، والسؤال، والجواب، والدّعاء، والطَّلب، والبِشارة، والنِّذارة، والفاتحة والخاتمة. ولكُّل قسم من ذلك نظائر وشواهد فى القرآن لا نطوِّل بذكرها. والغرض من ذكر هذا المجمل التَّنبيه على أَنَّ الكلمات القرآنية كُّل كلمة منها بحر لا قعر له، ولا ساحل، فأَنَّى للمعارض الماحل. يحكى أَنَّ جماعة من أَهل اليمامة قدِموا على الصِّديق الأَكبر رضى الله عنه، فسأَلهم عن مُسيلمة، وعَمَّا يدَّعيه أَنه من الوحى النازل عليه، فقرءُوا عليه منه هذه السُّورة (يا ضفدع نِقِّى نِقِّى إِلى كم تَنِقِّين، لا الماءَ تكدِّرين،

ولا الطِّين تفارقين ولا العُذُوبةَ تمنعين) فقال الصِّدِّيق رضى الله عنه: والله إِنَّ هذا الكلام لم يخرج من إِلّ. ويحكى عن بعض الأَشقياءِ أنه سمع قوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ} فقال مستهزئاً: انظر إِلى (هذا الدَّعوى المُعرَّى) عن المعنى. الَّذى يدَّعيه محمَّد يأَتينا به المِعْوَل والفئوس. فانشقت فى الْحال حَدَقتاه، وتضمخَت بدم عينيه خَدَّاه، ونودى من أَعلاه، قل للمِعْول والفئوس، يأتيان بماءِ عينيك. وذكر أَنَّ بعض البلغاء قصد معارضة القرآن، وكان ينظر فى سورة هود، إِلى أَن وصل إِلى قوله تعالى {ياأرض ابلعي مَآءَكِ وياسمآء أَقْلِعِي} الآية فانشقَّت مرارته من هيبة هذا الخطاب، ومات من حينه. ودخل الوليد بن عُقْبة على النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم وقال يا محمد اقرأْ علىَّ شيئاً ممَّا أُنزِل عليك فقرأَ قوله تعالى {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} الآية فقال الوليد: إِنَّ لهذا الكلام لحلاوة، وإِن عليه لطلاوة، وإِنَّ أَسفله لمغدِق، وإِنَّ أَعلاه لمثمر،

وإِنَّ لى فيه نظرا، ولا يقول مثل هذا بشر. وفى الآثار أَنه ما نزلت من السَّماءِ آية إِلاَّ سُمع من السَّماءِ صَلصَلة كسِلسِلة جُرَّت فى زجاجة، ولم يبق فى السَّماءِ مَلَك مُقَرَّب إِلاَّ خرُّوا لله ساجدين. وأُغمى على النبىَّ صلَّى الله عليه وسلم من ثقل بُرَحاءٍ الوَحْى. وكان إِذا سُرِّى عنه ارتعدت مفاصله فَرَقاً، وتَصَبَّب وجهه عَرَقاً. فهذا طَرَف ممَّا ذكر فى إِعجاز لفظ القرآن.

الفصل الثالث - في شرح كلمات لابد من معرفتها قبل الخوض في شرح وجوه التفسير

الفصل الثالث - في شرح كلمات لابد من معرفتها قبل الخوض في شرح وجوه التفسير اعلم أَنَّ الكلمات الَّتى يُحتاج إِلى معرفتها فى مقدَّمة هذا النَّوع من العلم خمسة عشر كلمة. وهى التأويل، والتفسير، والمعنى، والتَّنزيل، والوحي، والكلام، والقول، والكتاب، والفرقان، والقرآن، والسُّورة، والآية، والكلمة، والمصحف، والحرف. أَمَّا التفسير فمن طريق اللغة: الإِيضاح والتَّبيين. يقال: فسَّرت الحديث أَي بيَّنته وأَوضحته. واختلف فى اشتقاقه. فقيل: من لفظ التَفْسِرة، وهو نظر الطبيب فى البول لكشف العلَّة والدواءِ، واستخراج ذلك. فَكذلك المفسِّر ينظر فى الآية لاستخراج حكمها ومعناها. وقيل: اشتقاقه من قول العرب: فسَرت الفرس وفسَّرته أَى أَجريته وأَعديته إِذا كان به حُصْر، ليستطلِق بطنُه. وكأَن المفسِّر يجرى فرس فكره فى ميادين المعانى ليستخرج شرح الآية، وَيُحلَّ عقْد إِشكالها.

وقيل: هو مأْخوذ من مقلوبه. تقول العرب: سفَرت المرأَةُ إِذا كشفت قِناعها عن وجهها، وسفرتُ إِذ كَنَسته ويقال للسَّفَر سفَر لأَنه يَسِفر ويكشف عن أَخلاق الرجال. ويقال للسُّفرة سُفْرة لأَنها تُسفَر فيظهر ما فيها؛ قال تعالى: {والصبح إِذَآ أَسْفَرَ} أَى أَضاءَ. فعلى هذا يكون أَصل التفسير التسفير على قياس صعق وصقع، وجذب وجبذ، وما أَطيبه وأَيطبه، ونظائِره؛ ونقلوه من الثلاثىّ إلى باب التفعيل للمبالغة. وكأَنَّ المفسِّر يتتبع سورة سورة، وآية آية، وكلمة كلمة، لاستخراج المعنى. وحقيقته كشف المتغلق من المراد بلفظه، وإِطلاق المحتبس عن الفهم به. وأَمَّا التأْويل فصرف معنى الآية بوجه تحتمله الآية، ويكون موافقا لما قبله، ملائماً لما بعده. واشتقاقه من الأوْل وهو الرُّجوع. فيكون التأْويل بيان الشىء الَّذى يرجع إِليه معنى الآية ومقصودها. وقيل التأويل إِبداءُ عاقبة الشىءِ. واشتقاقه من المآل بمعنى المرجِع والعاقِبة. فتأْويل الآية ما تئول إِليه من معنى وعاقبة. وقيل: اشتقاقه من لفظ الأَوّل. وهو صرف الكلام إِلى أَوَّله. وهذانِ القولانِ متقاربان. ولهذا قيل: أَوَّل غرض الحكيم آخر فعله.

وقيل اشتقاقه من الإِيالة بمعنى السياسة. تقول العرب: (أُلْنا وإِيل علينا) أَى سُسْنا وسِيس علينا، أَى ساسنا غيرنا. وعلى هذا يكون معنى التأويل أَن يسلِّط المؤوِّل ذهنه وفكره على تتبّع سِرِّ الكلام إِلى أَن يظهر مقصودُ الكلام، ويتَّضح مراد المتكلِّم. والفرق بين التفسير والتأويل أَن التفسير هو البحث عن سبب نزول الآية، والخوض فى بيان موضع الكلمة، من حيث اللغة. والتأويل هو التفحُّص عن أَسرار الآيات، والكلمات، وتعيين أَحد احتمالات الآية. وهذا إِنَّما يكون فى الآيات المحتملة لوجوه مختلفة، نحو {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} وكقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} ، وكقوله: {والشفع والوتر} ، وكقوله: {وشَاهِدٍ وَمَشْهُود} فإِن هذه الآيات ونظائرها تحتمل معانى مختلفة، فإِذا تعيَّن عند المؤوّل أَحدها، وترجَّح، فيقال حينئذ: إِنَّه أَوَّل الآية. وأَمَّا المعنى فمن طريق اللغة: المقصد. يقال: عَنَاه يعنيه أَى أَراده وقصده. فيكون معنى الآية: ما به يظهر حكمةُ الحكيم فى نزول الآية. ويكون قصد من يروم سرّ الآية إِلى خمسة. وقيل اشتقاق المعنى من العناية، وهى الاهتمام بالأَمر، يقال: فلان

مَعْنّى بكذا أَى مهتمٌّ به. فيكون المعنى أَنَّ الباحث عن الآية يصرف عنايته واهتامه إِلى أَن ينكشف له المراد من الآية. وقيل اشتقاقه من الْعَنَاءِ، وهو التَّعب والمشقَّة. والمعنى لا يمكن الوصول إِليه إِلاَّ بكدّ الخاطر ومشقَّة الفكر؛ لما فيه من الدقَّة والغموض. وأَمَّا التنزيل فتفعيل من النزول، وقد يكون بمعنى التكليم: قال فلان في تنزيله: في تكليمه، لأَنَّ المتكلّم يأتى به نَزْلة بعد نزلة. والنزلة هى المرَّة، قال تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى} أَي مَرَّة أُخرى. وقد يكون بمعنى الإِنزال {وَنَزَّلْنَا مِنَ السمآء مَآءً مُّبَارَكاً} أَي وأَنزلْنا، {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} فقرىءَ بالتشديد والتخفيف. وقيل للقرآن: تنزيل من ربّ العالمين لأَنه تكليم من الله الجليل، وإِنزال على لسان جبريل. وأَمَّا الوحى فلغةً: الرِّسالة والإِلهام، والإِشارة بالحواجب، والكتابة بالقلم. وَحَى يَحى وَحْياً، فهو واح. وجمع الوحى وُحِىّ كحَلْى وحُلِىّ. ويقال: إِنَّ الوحى مختصّ برسالة مقترِنة بخفَّة وسرعة. فسمّى التنزيل وَحْياً لسرعة جبريل فى أَدائه، وخِفَّة قبوله على الرَّسول. وإِن جعلته من معنى الإِشارة فكأَنَّ الرَّسول اطَّلع على المراد بإِشارة جبريل. وإِن جعلته من معنى الكتابة فكأَنَّ جبريل أَثبت آيات القرآن فى قلب النبىّ، كما

يثبت المكتوب في اللّوح بالكتابة. قال تعالى {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين عَلَى قَلْبِكَ} . وأَمَّا الكلامُ فإِنَّه اسم لما يصحّ به التكلّم، وضدّه الْخَرَس. والكلام والتكليم مصدران على قياس السلام والتسليم. وقد يطلق الكلام على التكلّم والتكليم. وقيل للقرآن: كلام فى نحو قوله تعالى {حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله} وقولِه {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ الله} لأَنَّه تكليم وتكلُّم. وأَيضاً هو ما يصحّ به التكلّم. وقيل: الكلام ما اشتمل على أَمر ونهى وإِخبار واستخبار. وقيل: هو معنى قائم بالنَّفس، والعبارات تدلُّ عليه، والإِشارات تجرّ إِليه. وقيل: هو ما ينافى السُّكوت والبهيمية. وأَمَّا الكلمة فمشتقة من الكَلْم بمعنى الجرح. وجمعها كَلِم وكَلْم وكلمات. يقال: كَلَمت الصّيد أَى جرحته. فالكلام (والكلمة على قول: ما يؤثِّر في قلب المستمِع بواسطة سماع الآذان كتأثير الكَلْم) فى الصَّيد. وقد يكون الكَلْم بمعنى القطع، فيكون الكلمة اسماً لجمع من الحروف متَّصل بعضها ببعض منقطع عن غيرها من الكلمات. وسيأْتي شرح الكلام والكلمة فى باب الكاف بأَتمَّ من هذا إِن شاءَ الله تعالى. وأَمَّا القول ففي أَصل اللغة: النُّطق. وحقيقته من حيث المعنى: كلام مهذَّب مرتَّب على مسموع مفهوم، مؤدًّى بمعنى صحيح. وعلى

هذا يصحّ إِطلاق القول على القرآن، فإِنه يتضمَّن التَّهذيب والترتيب، لفظه مسموع، ومعناه مفهوم. وأَمَّا الكِتَاب فيكون اسماً - وجمعه كُتُب -، ويكون مصدراً بمعنى الكتابة، فسُمِّى به الْقرآن، لأَنه يُكتب، كما سمِّى الإِمام إِمامَا لأَنَّه يؤتمّ به. ويقال: إِن مادَّة كتب موضوعة بمعنى الْجمع: كتبتُ الْبلغةَ إِذا جمعت بين شُفريها بحلْقة. ويقال للعسكر: الْكتيبة لاجتماع الأَبطال. فسُمِّى الْقرآن كتاباً لأَنه مجتمع الْحروف والْكلمات والسُّوَرِ والآيات. فسيأْتى شرحه فى باب الْكاف. وأَمَّا الْفُرقان فاسم على زنة فُعْلان مشتقٌّ من الْفَرْق، وهو الْفصل. والفُرق بالضمّ لغة فيه، قال الراجز: ومُشْرِكيٍّ كافر بالْفُرْق والْفِرق بالكسر: قَطيع من الغنم يتفرَّق من سائرها، وسمِّى الْقرآن فرقاناً لأَنه نزل من السماءِ نجوماً متفرِّقة، ولأَنَّه يَفرق بين الْحقّ والْباطل. وقد يكون الفرقان بمعنى النُّصْرة، قال تعالى: {يَوْمَ الفرقان يَوْمَ التقى الجمعان} أَى يوم النُصرة. فقيل للقرآن: فرقان لما فيه من نُصرة الدِّين وأَهله. وقد يكون الفرقان بمعنى الخروج من الشكِّ والشُّبهة، قال تعالى: {إِن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} فالقرآن فرقان بمعنى أَنَّه تقوية وهداية، يحصل به الخروج من ظلمات الضَّلالات، والشكوك، والشبهات.

وأَمَّا القرآن فاسم لما يُقْرَأُ؛ كالْقرْبان: اسم لما يُتقرَّب به إِلى الله. ويقال أَيضاً: إِنه مصدر قرأَ يقرأ (قَرْأ وقِراءَة) وقرآناً. وفي الشرع اسم للكتاب المفتَتح بفاتحة الكتاب، المختَتم بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} وفيه لغتان: الهمز وتركه. المهموز من القُرْء - بالفتح والضَّم - بمعنى الحيض، والطُّهر. سُمى به لاجتماع الدَّم فيه. والقرآن سمِّى به لاجتماع الحروف، والكلمات، ولأَنه مجتمع الأَحكام، والحقائق، والمعانى، والحكم. وقيل اشتقاقه من القِرَى بمعنى الضيافة؛ لأَن القرآن مَأْدُبة الله للمؤمنين، وقيل القران - بغير همز - مشتقّ من القِرْن بمعنى القرين لأَنه لَفظ فصيح قرِين بالمعنى البديع. وقيل: القرآن اسم مرتجل موضوع، غير مشتقٍّ عن أَصل؛ وإِنَّما هو عَلَم لهذا الكتاب المجيد؛ على قياس الجلالة فى الأَسماء الحسنى. وأَمَّا سُورة - بالهمز وبتركه - فبغير الهمز من سَوْرة الأَسد، وسَورة الشراب، بمعنى القُوة؛ لأَنَّ قوَّة السُّورة أَكثر من قوّة الآية؛ أَو من السُّور بمعنى الجماعة: يقال. لفلان سُور من الإِبل أَى جماعة؛ لأَنَّ السُّورة مشتمِلة على جماعة الآيات، أَو من السُّور المحيط بالأَبنية؛ لأَن السُّورة محيطة بالآيات، والكلمات، والحروف، مشتملة على

المعانى: من الأَمر والنَّهى، والأَحكام. وإذا قلت بالهمز فيكون من سُؤر الكأْس - وهو ما يبقى فيه من الشراب - لأَن كلَّ سُورة من القرآن بقيَّة منه. ويقال: إِنَّ السُور (بلا همز) بمعنى الرَّفعة والمنزلة، وسُوَر القرآن هكذا: متفاوتة: بعضها فوق بعض من جهة الطُّول، والقصر، وفى الفضل، والشرف، والرُّتبة، قال النَّابغة: أَلم تر أَنَّ الله أَعطاك سُورة أَى شرفاً ورفعة. وأَمَّا آية ففى أَصل اللغة: بمعنى العَجَب، وبمعنى العلامة، وبمعنى الجماعة. سمِّيت آيةُ القرآن آية لأَنها علامة دالَّة على ما تضمَّنته من الأَحكام، وعلامة دالَّة على انقطاعه عمَّا بعده وعمَّا قبله، أَو لأَن فيها عجائب من القِصَص، والأَمثال، والتفصيل، والإِجمال، والتميُّز عن كلام المخلوقين، ولأن كلَّ آية جماعةٌ من الحروف، وكلامٌ متَّصل المعنى إِلى أَن ينقطع، وينفرد بإِفادة المعنى. والعرب تقول: خرج القوم بآياتهم أَى بجماعتهم. وقال شاعرهم:

خرجنا من النقبين لا حَىَّ مثلُنا ... بآيتنا نُزْجى اللقاح المَطافلا وقال فى معنى العلامة: إِذا طلعت شمس النهار فسلِّمى ... فآية تسليمى عليكِ طلوعُها وأَصلها أَيَيَة على وزان فَعَلة عند سيبويه، وآيِيَة على مثال فاعلة عند الكسائى، وأَيِيَه على فِعلَة عند بعض، وأَيَّة عند الفرَّاء، وأَأْية بهمزتين عند بعض. وأَمَّا الحرف فقد جاءَ لمعان: منها طَرَف الشيىء، وحَدّ السَّيف، وذُروة الجبل، وواحد حروف الهجاء، والنَّاقةُ السَّمينة القويّة، والناقة الضعيفة، وقَسِيم الاسم والفعل. فقيل للحرف: حرف لوقوعه فى طَرَف الكلمة، أَو لضعفه فى نفسه، أَو لحصول قوَّة الكلمة به، أَو لانحرافه؛ فإِن كلَّ حرف من حروف المعجم مختصّ بنوع انحراف يتميَّز به عن سائر الحروف. وأَمَّا المصحف فمثَّلثه الميم. فبالضمّ: اسم مفعول من أَصحفه إِذا جمعه، وبالفتح: موضع الصُّحُف أَى مجمع الصَّحائف، وبالكسر: آلة تجمع الصحف.

والصَّحائف جمع صحيفة، كسفينة وسفائن. والصُّحف (جمع صحيف) كسفين وسُفُن. وقيل للقرآن مصحف لأَنَّه جُمع من الصَّحائِف المتفرِّقة فى أيدى الصِّحابة، وقيل: لأَنَّه جَمَع وحوَى - بطريق الإِجمال - جميع ما كان فى كتب الأَنبياء، وصُحُفهم، (لا) بطريق التفصيل. هذا بيان الكلمات الَّتى لا بدَّ من معرفتها قبل الخوص فى التفسير. والله ولى التَّيسير.

الفصل الرابع - فى ذكر أسماء القرآن

الفصل الرابع - فى ذكر أسماء القرآن اعلم أَنَّ كثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمَّى، أَو كمالِه فى أَمر من الأمور. أَما ترى أَن كثرة أَسماءِ (الأسد دلَّت على كمال قوُّته، وكثرةَ أَسماء القيامة دلَّت على كمال شدته وصعوبته، وكثرة أَسماء) الدَّاهية دلت على شِدة نِكايتها. وكذلك كثرة أَسماء الله تعالى دلَّت على كمال جلال عظمته؛ وكثرة أَسماء النبى صلى الله عليه وسلم دَلَّت على علّو رتبته، وسموِّ درجته. وكذلك كثرة أَسماء القرآن دلَّت على شرفه، وفضيلته. وقد ذكر الله تعالى للقرآن مائة اسم نسوقها على نَسَقٍ واحد. ويأْتى تفسيرها فى مواضعها من البصائر. الأول: العظيم {سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآن العظيم} . الثانى: العزيز {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} . الثالث: العليِّ {لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ} . الرابع: المجِيد {بَل هُوَ قُرءانٌ مَجِيد} .

الخامس: المُهَيمِن {ومُهَيمِناً عَلَيه} . السادس: النور {واتَّبَعُوا النُّوْرَ الَّذِى أُنْزِلَ مَعَهُ} . السابع: الحقّ {وَقَدْ جَآءَكُمُ الْحَقُّ} . الثامن: الحكيم {يس والقرآن الحكيم} . التاسع: الكريم {إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَريمٌ} . العاشر: المُبين {حموالكتاب المبين} . الحادى عشر: المنير {وَالْكِتَابِ الْمُنِير} . الثانى عشر: الهُدَى {هُدًى لِلْمُتَّقِين} . الثالث عشر: المبشِّر {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} . الرابع عشر: الشفاءُ {وَشِفَآءٌ لِمَا فِي الصُّدُرِ} . الخامس عشر: الرّحمة {وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ} . السادس عشر: الكتاب {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ} . السابع عشر: المبارك {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} . الثامن عشر: القرآن {الرحمان عَلَّمَ القرآن} .

التاسع عشر: الفرقان {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان} . العشرون: البرهان {بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} . الحادى والعشرون: التبيان {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} . الثانى والعشرون: البيان {بَيَانٌ لِلْنَّاسِ} . الثالث والعشرون: التَّفصيل {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} . الرابع والعشرون: المفصَّل {الْكِتَابُ مُفَصَّلاً} . الخامس والعشرون: الفَصْل {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْل} . السادس والعشرون: الصِّدق {والذي جَآءَ بالصدق} . السابع والعشرون: المصدِّق {مُّصَدِّقُ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} . الثامن والعشرون: ذكرى {وذكرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} . التاسع والعشرون: الذكر {وهاذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ} . الثلاثون: التذكرة {إِنَّ هاذه تَذْكِرَةٌ} . الحادى والثلاثون: الحُكْم {أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} . الثانى والثلاثون: الحِكْمَةُ {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} .

الثالث والثلاثون: محكمة {سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} . الرابع والثلاثون: الإِنزال {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ} . الخامس والثلاثون: التنزيل {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ} . السادس والثلاثون: التَّصديق {ولاكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} . السابع والثلاثون: المنزَّل {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} . الثامن والثلاثون: التبصرة {تَبْصِرَةً وذكرى} . التاسع والثلاثون: البصائر {هاذا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} . الأربعون: الموعظة {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} . الحادى والأربعون: البيِّنة {بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} . الثانى والأربعون: البشير {بَشِيرًا وّنَذِيرًا} . الثالث والأربعون: الوَحْي {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} . الرابع والأربعون: الرِّسالة {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} . الخامس والأربعون: النَّبَأ {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} .

السادس والأربعون: القيِّم {قَيِّماً لِيُنْذِرَ} . السابع والأربعون: قَيِّمَةٌ {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} . الثامن والأربعون: الرُّوح {رُوْحاً مِنْ أَمْرِنَا} . التاسع والأربعون: الكلام {حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} . الخمسون: الكلمات {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} . الحادى والخمسون: الكلمة {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} . الثانى والخمسون: الآيات {تِلْكَ آيَاتُ اللهِ} . الثالث والخمسون: البَيِّنَاتُ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} . الرابع والخمسون: الفضل {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ} . الخامس والخمسون: القول {يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} . السادس والخمسون: القيل {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً} . السابع والخمسون: الحديث {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} . الثامن والخمسون: أَحسن الحديث {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} . التاسع والخمسون: العربيُّ {قُرْآناً عَرَبِيّاً} .

الستون: الحَبْل {واعتصموا بِحَبْلِ الله} . الحادى والستون: الخير {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً} . الثانى والستون: البلاغ {هاذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} . الثالث والستون: البالغة {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} . الرابع والستون: الحقّ {وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليقين} . الخامس والستون: المتشابه والمثاني {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ} . السادس والستون: الغيب {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} . السابع والستون: الصِّرَاط المستقيم {اهدنا الصراط المستقيم} . الثامن والستون: المبين {قُرْآنٌ مُبِينٌ} . التاسع والستون: الحُجَّة {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة} . السبعون: العروة الوثقى {فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} . الحادى والسبعون: القَصَص {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ} . الثانى والسبعون: المثل {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً} .

الثالث والسبعون: العَجَب {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} . الرابع والسبعون: الأَثارة {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ} أَى ما يُؤثَر عن الأَوَّلين، أَى يُرْوى عنهم. الخامس والسبعون: القِسط {فاحكم بَيْنَهُمْ بالقسط} . السادس والسبعون: الإِمام {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} . السابع والسبعون: النجوم {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم} . الثامن والسبعون: النعمة {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} . التاسع والسبعون: الكوثر {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر} . الثمانون: الماء {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} . الحادى والثمانون: المتلُوّ {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} .

الثانى والثمانون: المَقروء {لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ} . الثالث والثمانون: العدل {كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} . الرابع والثمانون: البشرى {وَهُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ} . الخامس والثمانون: المسطور {وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} . السادس والثمانون: الثقيل {قَوْلاً ثَقِيلاً} . السابع والثمانون: المرتَّل {وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً} . الثامن والثمانون: التفسير {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} . التاسع والثمانون: المثبِّت {مَا نُثَّبِتُ بِهِ فُؤَادَكَ} . ومنها الصُحُف، والمكرَّم: والمرفوع، والمطهّر {فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ} . ومن أَسماءِ القرآن الواردة فى الحديث النَّبوى القرآن، حَبْل الله المتين، وشفاؤه النَّافع، بحر لا ينقضى عجائبه، والمرشد: مَن عمِل به رَشَد، المعدِّل: من حكم به عَدَل. المعتَصم الهادى: من اعتصم به هُدِى إِلى صراط مستقيم. العِصْمة: عِصْمة لمَن تمَّسك به. قاصم الظَّهر: من بدّله من جَبَّار قصمه الله: مأَدُبة الله فى أَرضه. النجاة. "ونجاة لمن اتَّبعه"

النبأُ والخَبَر: "فيه نبأُ ما قبلكم وخَبَر ما بعدكم" الدَّافع: يدفع عن تالى القرآن بَلْوَى الآخرة. صاحب المؤمن (يقول القرآن للمؤمن يوم القيامة: أَنا صاحبك) كلام الرحمن. الحَرَس من الشيطان. الرُّجحان في الميزان. فهذا الكتاب الذى أَبَى الله أَن يُؤتى بمثله ولو كان النَّاس بعضهم لبعض ظهيراً. وذلك لأَنَّه كتاب جاءَ من غيب الغيب، بعالَم من العِلْم، وصل إِلى القول، ومن (القول إِلى القلم، ومن القلم إِلى صفحة اللوح، إِلى حدِّ الوحى ومن) الوحى إِلى سفارة الرُّوح الأَمين، ومن سفارته إِلى حضرة النبُّوة العظمى. واتَّصل منها إِلى أَهل الولاية، حتى أَشعلوا سُرُج الهداية، وظفروا منها بكاف الكفاية، فلم يزل متعلِّقةً بحروفها وكلماته الرَّاحةُ، فالرَّحمة، والعزَّة، والنعمة، ففي حال الحياة للمؤمن رقيب، وبعد الوفاة له رفيق، وفى القبر له عَدِيل؛ وفى القيامة له دليل، وميزان طاعته به ثقيل. وفى عَرَصات الحشر له شفيع وكفيل، وعلى الصِّراط له سائق ورَسِيل وفى الجنَّة أَبد الآبدين له أَنيس وخليل. جعله الله لنا شفيعاً، ومَنْزِلنا بالعلم والعمل بما فيه رفيعاً.

الفصل الخامس - فى ترتيب نزول سور القرآن

الفصل الخامس - فى ترتيب نزول سور القرآن للعلماءِ فى عدد سوره خلاف. والَّذي انعقد عليه إِجماع الأَئمة واتِّفق عليه المسلمون كافَّة، أَن عدد سوره مائة وأَربعة عشر سورة، الَّتى جمعها عثمان رضى الله عنه، وكتب بها المصاحف، وبعث كلَّ مصحف إِلى مدينة من مدن الإِسلام. ولا مُعَرَّجَ إِلى ما روى عن أُبَىّ أَنَّ عددها مائة وستَّة عشرة سورة، ولا على قول من قال: مائة وثلاثة عشرة سورة، بجعل الأَنفال وبراءَة سورة. وجَعَل بعضهم سورة الفيل وسورة قريش سورة واحدة. وبعضهم جعل المعوِّذتين سورة. وكلُّ أَقوال شاذَّة لا التفات إِليها. وأَمَّا ترتيب نزول السُوَر فاعتمدنا على ما نقله الماورديّ وأَبو القاسم النِّيسابوريّ في تفسيرهما، ولنبتدئ بالسُّور المكِّية.

اتَّفقوا على أَنَّ أَوّل السُّور المكِّية {اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ} ، ثمَّ {ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ} ، ثمَّ سورة المزمِّل، ثمَّ سورة المدَّثِّر، ثمَّ سورة تبَّت، ثم {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، ثم {سَبِّحِ اسْمِ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، ثمَّ {والليل إِذَا يغشى} ، ثم {وَالفَجْرِ} ، ثم {وَالضُّحَى} ، ثمَّ {أَلَمْ نَشْرَح} وَزعمت الشِّيعة أَنَّهما واحدَة، ثمَّ {وَالعَصْرِ} ، ثم {وَالعَادِيَّاتْ} ، ثم الكوثر، ثم أَلهاكم، ثم أَرأَيت، (ثم الكافرون) ثمَّ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ} ، ثم الفلق، ثم الناس، ثم قل هو الله أَحد، ثمَّ {وَالنَّجْم} ، ثم عَبَس، ثم القَدر، ثمَّ {والشمس وَضُحَاهَا} ، ثم البروج، ثم {وَالتِّينِ} ، ثم {لإِيلاَفِ} ، ثم القارعة، ثم {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} ، ثم {ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} ، ثم {وَالمُرْسِلاَتِ} ، ثم {ق والقرآن المجيد} ، ثم {لاَ أُقْسِمُ بهاذا البلد} ، ثم {والسمآء والطارق} ، ثم {اقْتَرَبَتِ السَّاعَة} ، ثم ص، ثم الأَعراف، ثم {قُلْ أُوْحِىَ} ، ثم يس، ثم الفرقان، ثم الملائكة، ثم مريم، ثم طه، ثم الواقعة، ثم الشعراءُ، ثم النمل، ثم القَصَص، ثم بني إِسرائيل، ثم يونس، ثم هود، ثم يوسف، ثم الحِجْر، ثم الأَنعام، ثم الصَّافَّات، ثم لقمان، ثم سبأ، (ثم الزمر) ، ثم المؤمن، ثم (حَم السجدة) ،

ثم (حَم عسق) ، ثم الزخرف، ثم الدُّخَان، ثم الجاثية، ثم الأَحقاف، ثم الذاريات، ثم الغاشية، ثم الكهف، ثم النَّحل، ثم سورة نوح، ثم سورة إِبراهيم، ثم سورة الأَنبياءِ، ثم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون} ، ثم (الم السَّجدة) ، ثم الطور، ثم (تبارك الملك) ، ثم الحاقَّة، ثم سأَل سائل، ثم {عَمَّ يَتَسَآءَلُون} ، ثم النازعات، ثم {إِذَا السمآء انفطرت} ، ثم {إِذَا السمآء انشقت} ، ثم الرُّوم، ثم العنكبوت، ثم المطفِّفين. فهذه خمس وثمانون سورة نزلت بمكة. (وأَوَّل ما نزل بالمدينة سورة البقرة، ثم سورة الأَنفال، ثم سورة آل عمران، ثم الأَحزاب، ثم الممتحِنة، ثم النساءُ، ثم زلزلت، ثم الحديد، ثم سورة محمد صلَّى الله عليه وسلم، ثم الرعد، ثم الرحمن، ثم {هَلْ أتى عَلَى الإنسان} ثم الطلاق، ثم لم يكن، ثم الحشر، ثم إِذا جاءَ نصر الله، ثم النور؛ ثم الحج، ثم المنافقون، ثم المجادلة، ثم الحجرات، ثم المتحرِّم، ثم الجمعة، ثم التغابن، (ثم الصف) ثم الفتح، (ثم التوبة) ، ثم المائدة. فهذه جملة ما نزل بمكة من القرآن، وما نزل بالمدينة. ولم نذكر الفاتحة لأَنَّه مختلَف فيها: أُنزلت بمكة، وقيل بالمدينة؛ وقيل بكلٍّ مرة.

الفصل السادس - فيما لابد من معرفته فى نزول القرآن

الفصل السادس - فيما لابد من معرفته فى نزول القرآن اعلم أَن نزول آيات القرآن، وأَسبابَه، وترتيب نزول السُّور المكِّية، والمدنِيَّة، من أَشرف علوم القرآن. وترتيب نزول الخواصَّ فى التفسير أَن يَفْرقُ بين الآية التي نزلت: بمكة وحكمُها مدنى، والتى نزلت بالمدينة وحكمها مكى، والتى نزلت بالمدينة فى حق (أَهل مكَّة، والتى نزلت بمكة فى حقّ) أَهل المدينة، والتى نزلت بالْجُحفة، والتى نزلت ببيت المقدس، (والتى نزلت بالطائف) والتى نزلت بالحُدَيْبية، والتى نزلت بالليل، والتى نزلت بالنهار، والآية المكية التى فى سورة (مدنية، والآية المدنية التى فى سورة) مكيةَ؛ والتى حُمِلت من مَكَّة إِلى المدينة، والتى حملت من المدينة إِلى (مكة، أَو حملت من المدينة إِلى) أَرض الحَبَشة، والتى اختُلِف فيها: فذهب بعضهم إِلى أَنَّها مكية، وبعضهم إِلى أَنَّها مدنِيَّة. أَمَّا التى نزلت بمكَّة وحكمها مدني ففي سورة الحجرات {ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} نزلت يوم فتح مكَّة، لكن حكمها

مدنى؛ لأَنَّها فى سورة مَدَنيَّة وفى سورة المائدة {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} نزلت يوم عرفة. نزلت فى حال الوقفة والنبى صلَّى الله عليه وسلم على ناقته العَضْباءِ، فسقطت العضباءُ على ركبتيها، من هَيْبة الوحى بها، وسورة المائدة مدنية. وأَمَّا التى نزلت بالمدينة وحكمها مكيّ فـ {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} نزلت فى حق حَاطب، خطاباً لأَهل مكَّة. وسورة الرعد مدنية والخطاب مع أَهل مكَّة، وأَول سورة براءَة إِلى قوله {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} خطاب لمشركى مكَّة والسُّورة مدنية. وأَما التى نزلت بالجُحْفة فقوله تعالى {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن} فى سورة طس القصص. وأما التى نزلت ببيت المقدس ففى سورة الزُخرف {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} نزلت ليلة المعراج، لمَّا اقَتدى به الأَنبياءُ في الصلاة في المسجد الأَقصى، وفرغ من الصَّلاة، نزل جبريل بهذه الآية. وأما التى نزلت بالطائف ففى سورة الفرقان {أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ

مَدَّ الظل} ، وفى سورة الانشقاق {بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} يعني كفار مكَّة. وأَما التى نزلت بالحدَيْبِية ففى سورة الرعد {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمان} لما أَمر النبى صلى الله عليه وسلم أَن يكتب فى أَوَّل كتاب الصُّلح: بسم الله الرحمن الرحيم قال سُهَيل بن عَمرْو: لا نعرف الرحمن إِلاَّ رحمن اليمامة، فنزل قوله تعالى {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمان} . وأَمَّا ابتداءُ سورة الحج فنزلت فى غزوة بنى المُصْطَلِق. وقوله تعالى {واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} نزلت فى بعض الغَزَوات لما قال صلى الله عليه وسلم: من يحرسني الليلة؟ فنزلت الآية. وفى سورة القصص {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} نزلت بالليل وهو فى لِحاف عائشة رضى الله عنها وعن أَبيها. وأَمَّا السّور والآيات التى نزلت والملائكة يشيِّعونها ففاتحة الكتاب. نزل بها جبريل وسَبْعمائة أَلف مَلَك يشيِّعها. بحيث امتلأَ منهم ما بين السماءِ والأَرض، طبَّقوا العالم بزَجَل تسبيحهم، وخرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لهَيْبة ذلك الحال، وهو يقول في سجوده: سبحان الله والحمد لله.

ونزلت سورة الأَنعام وسبعون ألفَ ملَك يشيِّعها. ونزلت سورة الكهف واثنا عشر ألفَ مَلَك يشيِّعها. ونزلت آية الكرسيّ وثلاثون أَلف مَلَك يشيِّعها. ونزلت يس واثنا عشر ألف مَلَك يشيِّعها. وأَما الآيات المَدَنية التى فى سورة مكيَّة فسورة الأَنعام: مكِّية، سوى ست آيات {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} الآيتين {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} نزلت فى عبد الله بن سعد، وفى مسيلمة الكذاب، و {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} إلى آخر الثلاث الآيات نزلت بالمدينة أيضا، وسورة الأَعراف مكِّية، سوى ثلاثِ آيات {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} إلى آخر الثلاث الآيات. وسورة إِبراهيم مكِّيّة، سوى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله} إِلى آخر الآيتين. وسورة النَّحل مكِّيَّة إِلى قوله {والذين هَاجَرُواْ فِي الله} وباقة السُّورة مدنى، وسورة بنى إِسرائيل مكِّيَّة، سوى {وَإِنْ كَادُوْا لَيَفْتِنُوْنَكَ} . وسورة الكهفِ

مكيَّة سوى قوله: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} ، وسورة القصص، مكيَّة سوى قوله: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب} نزلت فى أَربعين رجلاً من مؤمنى أَهل الكتاب، قدِموا من الحبشة وأَسلموا مع جعفر. وسورة الزُّمَر مكيّة، سوى قوله {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} والحواميم كلَّها مكية، سوى هذه الآية فى الأَحقاف {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ} نزلت فى عبد الله بن سَلاَم. وأَمَّا الآيات المكيّة فى السِّور المدنية ففي سورة الأَنفال {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} يعنى أَهل مكَّة. وسورة التوبة مدنيّة، سوى آيتين مِن آخرها {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلُ} إِلى آخر السُّورة. وسورة الرَّعد مدنيَّة؛ غير قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض} . وسورة الحجِّ مدنيَّة سوى أَربع آيات {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ} إِلى آخر الأَربع الآيات. وسورة الماعون مكيَّة إِلى قوله {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين} . ومنها إِلى آخر السُّورة مدنيَّة. وأَمّا الَّذى حُمِل من مكة إِلى المدينة فسورة يوسف أَوَّل سورة حُمِلت

من مكّة، ثمّ سورة {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} ، ثمّ مِن سورة الأَعراف هذه الآية {ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} إِلى قوله {يَعْدِلُوْن} . وَأَمَّا الَّذى حُمِل من المدينة إِلى مكَّة فمن سورة البقرة {يَسْئَلُوْنَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ} ، ثم آية الرِّبا فى شأْن ثَقِيف، ثم تسع آيات من سورة براءَة، أُرسِل بها إِلى مكَّة صحبة على رضى الله عنه، فى ردَّ عهد الكفار عليهم فى الموسم. ومن سورة النِّساءِ {إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ} إِلى قوله {غَفُوراً رَحِيماً} فى عُذْر تَخلُّف المستضعفين عن الهجرة. وأَمَّا الَّتى حُمِلت من المدينة إِلى الحبشة فهى ستُّ آيات من سورة آل عمران، أَرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى جعفر، ليقرأَها على أَهل الكتاب {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ} إِلى آخر الآيات الستّ. فكان سبب إِسلام النجاشى. وأَمَّا الآيات المجملة فهى مثل قوله فى سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} ، وفى سورة هود: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ القرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} وفى سورة الحجّ: {وافعلوا الخير لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، وقوله: {ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ

جَمِيعاً} وقوله: {وَتُوْبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} . وأَمَّا الآيات المفسَّرة فمثل قوله: {واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية} و (قوله) {التائبون العابدون} و {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} و {ياأيها الذين آمَنُواْ اركعوا واسجدوا} . ومن وجه آخر {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد} تفسيره {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وقوله {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً} تفسيره {إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} . وأَمَّا الآيات المرموزة فمثل طه. قيل: هو الرّجل بلغة عَكٍّ. وقيل: معناه: طُوبَى وهاوية ... . وقيل: معناه: طاهر، يا هادى. وقوله: يس قيل: معناه: يا إِنسان. وقيل: يا سيِّد البشر. وقيل: يا سَنِىَّ القَدْر. وعلى هذا القياس جميع حروف التهجىِّ المذكورة فى أَوائل السُّور. وقال عُرْوة بن الزُّبَير: كلّ سورة فيها ضَرْب المِثال، وذكر القرون الماضية فهى مكِّيّة، وكلّ سورة تتضمَّن الفرائض، والأَحكام، والحدود،

فهى مدنيَّة، وكلّ عبارة فى القرآن بمعنى التوحيد، ويا أَيُّها النَّاس خطاب لأَهل مكَّة. ويا أَيُّها الَّذين آمنوا خطاب لأَهل المدينة. و (قُل) خطاب للنبىِّ صلَّى الله عليه وسلم. هذه جملة ما لا بدَّ من معرفته قبل الشروع فى التفسير. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الفصل السابع - في أصناف الخطابات والجوابات التي يشتمل عليها القرآن

الفصل السابع - في أصناف الخطابات والجوابات التي يشتمل عليها القرآن فى أَصناف الخطابات والجوابات التى يشتمل عليها القرآن. ولهذا الفصل طرفان: الأَوَّل فى فنون المخاطبات. والثانى فى الابتداءَات والجوابات. أَمَّا المخاطَبات فإِنها تَرد فى القرآن على خمسة عشر وجهاً: عامّ، وخاصّ، وجنس، ونوع، وعَين، ومدح، وذمّ، وخطاب الجمع بلفظ الواحد، والواحدِ بلفظ الجمع، وخطاب الجمع بلفظ الاثنين، (وخطاب الاثنين) بلفظ الواحد، وخطاب كَرَامة، وخطاب هوان، وخطاب عَيْن والمراد به غيره، وخطاب تلوّن. أَمَّا خطاب العام {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} . وأَما الخِطاب الخاصّ كقوله: {هاذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} ، {فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ} ، وخطاب الجنس: يا أَيها الناس، وخطاب النوع: يا بنى آدم. وخطاب العين: يا آدم، ويا نوح، ويا إبراهيم: (وخطاب المدح: يأَيها الذين آمنوا. وخطاب الذم: يأَيها الذين كفروا)

وخطاب الكرامة: يأَيها الرسول، يأَيها النبىّ. وخطاب الهوانِ لإِبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى} ولأَهل النار. {اخْسَئُوْا فِيْهَا} ، ولأَبى جهل {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيْزُ الكُرِيمُ} . وخطاب الجمع بلفظ الواحد {ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ} ، {ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ} . وخطاب الواحد بلفظ الجمع {رَبِّ ارْجِعُون} أَى ارجعنى {ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} وهو خطاب نبيّنا صلى الله عليه وسلَّم. وخطاب الواحد والجمع بلفظ التثنية {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ} . وخطاب الاثنين بلفظ الواحد {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوْسَى} . وأَمّا الخطاب العينى الذى يراد به الغير: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ} {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني} ، {أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ} . وأَمّا التلوّن فعلى وجوه: أَمّا الأَول فقوله: {هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر} ، ثم قال {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة} ، وكقوله: {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً} ، ثم

قال {فأولائك هُمُ المضعفون} ، وكقوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر} ثم قال {أولائك هُمُ الراشدون} . الثانى أَن ينتقل من الخَبَر إِلى الخطاب، كقوله: {الْحَمْدُ للهِ} ثم قال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، وقوله {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيّاً} ثم قال {وَإِنَّ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} وقوله: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} ثم قال: {إِنَّ هاذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً} ، وقوله: {فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ} ثم قال: {هاذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} . الثالث أَن يكون الخطاب لمعين، ثم يُعدَل إِلى غيره، كقوله: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} ثم قال: {لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} . الطرف الثانى من هذا الفصل فى الابتداءَات والجوابات. ويسمى تراجُعَ الخطاب. والجواب يكون انتهاء، والسؤال يكون ابتداءً. والسؤال يكون ذَكَراً، والجواب يكون أُنثى، فإِذا اجتمع الذَّكَر والأُنثى يكون منه نتائج وتولُّدات. وترد أَنواع الجوابات في نصّ القرآن على أَربعة عشر وجهاً: جواب موصول بابتداءٍ، جواب مفصول عنه، (جواب) مضمر فيه، (جواب) مجرد عن ذكر ابتداءٍ، جوابان لابتداءٍ واحد، جواب واحد لابتداءَين،

جواب محذوف، جواب إِلى فصل غير متصل به، جواب في ضمن كلام، (جواب في نهاية كلام) ، جواب مُدَاخَل في كلام؛ جواب موقوف على وقت، جواب بفاء، جواب الأَمر والنهي وغيرهما، جواب شرط، جواب قَسَم. أَما الجواب الموصول بابتداءٍ فقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ، {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو} ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ} ، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى} . وأَما الجواب المفصول عن الابتداءٍ فنوعان: أَحدهما أَن يكون الابتداءُ والجواب فى سورة واحدة، كقوله في الفرقان {وَقَالُواْ مَالِ هاذا الرسول يَأْكُلُ الطعام} جوابه فيها: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام} ، وكقوله فى البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} جوابه فيها {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . والثانى أَن يكون الابتداء فى سورة، والجواب فى سورة أُخرى، كقوله فى الفرقان: {قَالُواْ وَمَا الرحمان} جوابه {الرحمان عَلَّمَ القُرْءَان}

، وفى الأَنفال، {لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هاذا} جوابه فى بنى إِسرائيل {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ} الآية، وفى سورة القَمَرَ {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِر} جوابه فى الصَّافات {مَالَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونْ} . وأَما الجواب المضمر ففى سورة الرَّعد {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتى} جوابه مضمر فيه أَى (لكان هذا القرآن) . وأَما الجواب المجرَّد عن ذكر الابتداءِ فكما فى سورة المائدة: {لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ} فإِنه فى جواب الصحابة: فكيف من شرب الخمر قبل تحريمها ومات. وفى سورة البقرة {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} فى جواب أُناس قالوا كيف: بمن صلَّى إِلى بيت المَقْدِس قبل تحويل القبلة. وأَمَّا جوابان لسؤال واحد كقوله فى الزخرف {لَوْلاَ نُزِّلَ هاذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} فله جوابان: أَحدهما {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا} والثانى فى سورة القصص: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} ، ونحو قوله {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً} أَحد جوابيْه {يس والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} وثانيهما {ياأيها النبي إِنَّآ

أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} وفى سورة الفتح {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} ، وكقوله: {وَقَالُوْا مُعَلَّمٌ مَجنُونٌ} جوابه فى السورة {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجنُونٌ} وجواب ثان فى سورة ن {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجنُونٍ} وجواب ثالث فى سورة الأَعراف: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ} . وأَما جواب واحد لابتداءَين فكقوله فى سورة النور {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وابتداءُ هذين الجوابين حديث الإِفك. ونظير هذا فى سورة الفتح "لولا رجال مؤمنون" إلى قوله "لو تَزيَّلُوا" وابتداؤُه صَدُّ الكفار المسلمين عن المسجد الحرام. وأَما الجواب المحذوف فكقوله في سورة البقرة {وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} جوابه {كَفَرُوْا بِهِ} وهو محذوف ومثل قوله: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} جوابه محذوف أَى حال هذا الرَّجل كحال مَن يريد زينة الحياة الدُّنيا. وأَمَّا الجواب الَّذى يكون راجعاً إِلى فصل غير متَّصل بالجواب فكقوله

فى سورة العنكبوت {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} جوابه {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أَوْ حَرِّقُوهُ} وهذا فى يس: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} جوابه {وَيَقُولُونَ متى هَذَا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} وعلى هذا القياس مناظرة موسى وفرعون فى سورة الشعراءِ فى قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين} . وأَمّا الجواب الَّذى يكون فى ضمن كلام فكما فى سورة (ص) لمَّا زعم الكفار أَنّ محّمداً غير رسول بالحق نزلت الآية مؤكَّدة بالقسم لتأْكيد رسالته {ص والقرآن ذِي الذكر} إِلى قوله {وعَجِبُوْا} وكذا قال {ق والقرآن المجيد} الى قوله {إِنَّ هاذا شَيْءٌ عَجِيبٌ} وهكذا فى سورة المُلْك {أَمَّنْ هاذا الذي يَرْزُقُكُمْ} جوابه في ضمن هذه الآية {قُلْ هُوَ الرحمان آمَنَّا بِهِ} وأَما الجواب الذى يكون فى نهاية الكلام فكقوله {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر لَمَّا جَآءَهُمْ} جوابه فى منتهى الفصل {أولائك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} وفي سورة الحج {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} جوابه {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} وفى سورة الكهف {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ} جوابه {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} وفى سورة الأَنعام {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ}

إِلى قوله {مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى} جوابه {قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ} . وأَمَّا الجواب المُداخَل ففي سورة يوسف {مَّاذَا تَفْقِدُونَ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك} وفى قصة إِبراهيم {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} . وأَما الجواب على وقف الوقت فكقوله {ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فقالت الصحابة: متى وقت إِجابة الدعاءِ؟ فنزلت {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} وأَيضاً لمَّا نزلت {استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} قالوا: متى وقت الاستغفار؟ فنزلت: {والمستغفرين بالأسحار} . وأَما جواب الشرط والجزاءُ بغير فاءٍ فمجزوم كقوله {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ، من يَغْزُ يغنم، من يكظم غيظاً يأْجره الله. وأَما جواب الشرط بالفاءِ فمرفوع {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} {فَمَنْ يُؤْمِنُ بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً} . وأَما جواب الأَمر والنهى والدعاءِ والتمنِّى والاستفهام والعرْض بغير فاءٍ فمجزوم، وبالفاءِ منصوب. والأَمر كقوله {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} لا تضربي أَشتِمْك، اللَّهمَّ أَعطني أَشكرْك وكذا في غيره.

وأَمَّا بفاءٍ فكقولك زرني فأَكرمَك، {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} ، {ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} وكذا فى غيرها لا جواب النفى، فإِنه إذا كان بلا فاءٍ فمرفوع كقوله {مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى} . وأَمَّا جواب القسم فأَقسام القرآن ثلاثة (أَنواع: إِما قَسم بأَسماءِ) الله تعالى، كقوله: {فَوَرَبِّكَ} وإِمَّا بمفعولاته كقوله: {وَالْفَجْرِ} ، {وَالشَّمْسِ} ، {وَالعَصْرِ} . وإِما بأَفعاله كقوله: {والسمآء وَمَا بَنَاهَا والأرض وَمَا طَحَاهَا} . ولا بد للقسم من جواب إِما بإِثبات أَو بنفى. وتأْكيد الإِثبات يكون بإِنّ وباللاَّم أَو بهما. أَمَّا بإِنَّ فكقوله {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} وقوله: {وَالفَجْرِ} إِلى قوله {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد} . وأَمَّا بهما فكقوله {فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ} . هذه فنون الجوابات، وأَنواع الخطابات التى نطق بها القرآن.

الفصل الثامن - فيما هو شرط من معرفة الناسخ والمنسوخ

الفصل الثامن - فيما هو شرط من معرفة الناسخ والمنسوخ اعلم أَن معرفة النَّاسخ والمنسوخ باب عظيم من علوم القرآن. ومن أَراد أَن يخوض فى بحر التفسير ففَرْضٌ عليه الشروعُ فى طلب معرفته، والاطِّلاع على أَسراره، ليسلَم من الأَغلاط، والخطإِ الفاحش، والتأْويلات المكروهة. والكلام فى ذلك على سبيل الإِجمال من عشرة أَوجه: الأَوَّل فى أَصل النسخ ومذاهبِ النَّاس فيه. الثانى فى حَدّ النسخ ومعناه. الثالث في حقيقته من حيث اللُّغة. الرّابع فى حكمته الحقّ، والسرّ فى نسخ أَمرٍ بأَمرٍ. الخامس فى بيان ما يجوز نسخه. السَّادس في سبب نزول آية النسخ. السَّابع فى وجوب معرفة النَّاسخ والمنسوخ. الثامن فى أَنواع ما فى القرآن من المنسوخ التَّاسع فى ترتيب نَسْخ أَحكام القرآن أَوَّلا فأَوَّلاً. العاشر فى تفصيل سُوَرِ القرآن الخالية عن الناسخ والمنسوخ. أَمَّا أَصل النسخ فالنَّاسَ على مذهبين: مثبتون ومنكِرون. والمنكرون صنفان: صنف خارج على مِلَّة الإِسلام. وهم اليهود فإِنهم أَجمعوا على أَنَّه

لا نسخ فى شريعة موسى، وحكمُ التوراة باقٍ إِلى انقراض العالَم. وقالوا: إِنَّ النسخ دليل على البداءِ والنَّدامة، ولا يليق بالحكيم ذلك. هذا مقالهم، وتحريف التوراة فعالهم. يحرِّفون الكلِم عن مواضعه، ويلبِسون الحقَّ بالباطل، ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً: ولهذا قال تعالى فى حقّهم: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} . وصنف ثانٍ من أَهل الإِسلام. وهم الرافضة فإِنهم وافقوا اليهود فى هذه العقيدة، وقالوا: ليس فى القرآن ناسخ ولا منسوخ، وقبيح بالحكيم أَن يبطل كلامه. فهم بكلامه يُوَادُّون من حادَّ الله {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود} . وأَمَّا أَهل السنَّة وجماهير طوائف المسلمين فقد أَثبتوا النسخ، وأَنّ القرآن مشتمِل على الناسخ والمنسوخ، وأَنَّ الحكمة الرَّبانية تقتضى ذلك، لأَنَّ الله تعالى ربُّ الأَرباب، ومالك الملوك، ومتصرِّف فى الأَعيان، متحكِّم فى الأَشخاص، ونعتُه وصفته: أَحكم الحاكمين، وطبائع الخَلْق مختلِفة؛ والأَزمنة، والأَوقات متفاوِتة، وبناءُ عالَم الكَوْن والفساد على التغيير والتحّول. وأَىُّ حكمة أَبلغُ وأَتمُّ من حكمة عدل على وفق طبائع الناس

بناءً على رعاية مصالحهم بحسب الوقت، والزَّمان، كسائر التَّصرُّفات الإلهية فى العالَم: من تكوير الليلِ والنَّهار، وتغيير الفصول والأَيَّام، بالبَرْد والحَرِّ، والاعتدال، وتبديل أَحوال العباد بالإِغناء، والإِفقار، والإِصحاح، والإِعلال، وغير ذلك: من أَنواع التصرُّفات المختلفة الَّتى فى كلِّ فرد من أَفرادها حكمة بالغة، وإِذا كان تصرُّفه تعالى فى مِلكه ومُلكه يقتضى الحكمة، ولا اعتراض لمخلوق، فكذلك الأمر فى الشرائع والفرائض: تارة يأْمُر، وتارة ينهى، ويكلِّف قوماً بشرع ثقيل، كبنى إِسرائيل، وآخرين بشرع خفيف كالأُمَّة المحمَّدية. وهو فى كلِّ هذه التصرُّفات مقدَّس الجناب منزَّه الحَضْرة عن لائمة المعترِضين، وسؤال المتعرِّضين. ولما كان محمَّد خاتم الرُّسل، والقرآن خاتم الكتب، وشَرْع القرآن خاتم الشرائع، نُسخ فى عهده بعضُ القرآن ببعض، لِما عند الله من الحكمة البالغة فى ذلك، ولِما يتضمَّن من رعاية ما هو أَصلح للعباد، وأَنفع للمَعَاد. وأَيضاًَ كان النبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُنسخ بعضُ شرعه ببعض بواسطة الوحى السَّماوى، والسُّنَّة تَقْضِى على القرآن والقرآن لا يَقضى على السُنّة. وأَمَّا بعد ما استأْثر اللهُ به (صَلَّى الله عليه وسلَّم) فقد صار القرآن والسنة محروسين من النَّسْخ، والتغيير، بدليل قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .

وأَمَّا حَد النسخ (من حيث المعنَى) فهو رفْع حكم ثابت من قولهم: نسخَت الرِّياحُ الأَثَر إِذا دَرَسَتْه. وقيل "النسخ" قَصْر حُكم على لفظ يختصُّ بأَهل زمان خاصّ؛ كما أَنَّ التخصيص قصر حكم لفظ على بعض الأَشخاص. وقيل "النَّسخ" التَّحويل، والأَجود أَن يقال "النسخ" بيان نهاية تعبُّد بأَمر، أَو نهى مجدَّد، فى حكم خاصّ، بنقله إِلى حكم آخر. وللنَّاسخ والمنسوخ خمسة شروط: أَحدها أَن يكون كلٌّ منهما شرعيّاً. الثَّانى أَن يكون النَّاسخ متأَخِّراً عن المنسوخ. الثالث أَن يكون الأَمر بالمنسوخ مطلقاً غير مقيَّدٍ بغاية. والرَّابع أَن يكون النَّاسخ كالمنسوخ فى إِيجاب العلم والعمل. الخامس أَن يكون النَّاسخ والمنسوخ منصوصين بدليل خطاب (أَو بمفهوم خطاب) . وأَمَّا حقيقة النسخ لغة فقد جاءَ بمعنيين: أَحدهما النقل، كما يقال للكتابة نَسْخ. قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وعلى هذا يكون جميع القرآن منسوخاً، بمعنى أَنه مكتوب نُقِل من اللَّوح المحفوظ إِلى صُحف مرفوعة مطهَّرة، بأَيدى سفرة كرام بررة، ولمَّا نزل من السَّماءِ بواسطة الوحى كتبه الصَّحابة، ونسخوه فى صُحُفهم، ثمَّ لما يزل يُنْسَخ، وينقل إِلى يوم القيامة.

والقول الثانى أَن يكون لغة بمعنى الرفع والإِزالة. يقال: نسخت الشَّمسُ الظلّ إِذا أَبطلته، ونسخت الريحُ الأَثر إِذا أَذهبته. وعلى هذا قيل لرفع حكم بحكم آخر: نَسْخ، لأَنه إِبطال حكم، وإِثبات حكم مكانه، كالشَّمس مكان الظِّل. وأَمَّا الحكمة فى النسخ فذكروا فيها وجوهاً. أَوَّلها وأَجلُّها إِظهار الرُّبوبيَّة، فإِنَّ بالنَّسخ يتحقَّق أَن التَّصرُّف فى الأَعيان إِنَّما هو له تعالى: يفعل ما يشاءُ، ويحكم ما يريد. الثَّانى بيان لكمال العبوديَّة، كأنَّه منتظِر لإِشارة السيِّد، كيفما وردت وبأَىِّ وجه صدرت. وإِنَّما يظهر طاعةُ العبيد بكمال الخضوع، والانقياد. والثالث امتحان الْحرِّيَّة، ليمتاز مَن المتمرِّد من المنقاد، وأَهلُ الطَّاعة من أَهل العناد فالدارُ دار الامتحان، والذهب يُجَرَّب بالذَوَبان، والعبد الصَّالح بالابتلاءِ والهوان. الرَّابع إِظهار آثار كُلْفة الطَّاعة، على قدر الطَّاقة، {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} . الخامس التيسير، ورفع المشقَّة عن العباد، برعاية المصالح {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} . السادس نقل الضعفاءِ من درجة العسر إِلى درجة اليسر {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر} .

وأَمَّا أَنَّ النسخ فيماذا يجوز فالصَّحيح أَنَّ النسخ يتعلَّق بالأَمر والنَّهى فقط. وأَمَّا الأَخبار فمصونة عن النسخ، لأَنَّ المخبِر الصادق يصير بنسخ خبره كاذباً. وقيل: النَّسخ فى الأَمر، والنَّهى، وفى كل خبر يكون بمعنى الأَمر والنَّهى. فالنَّهى مثل قوله تعالى: {الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً} . والأَمر مثل قوله: {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً} أَى ازرعوا. وشذَّ قوم أَجازوا النسخ فى الأَخبار مطلقا. وأَمَّا سبب نزول آية النَّسخ فهو أَنَّ كفَّار مكَّة ويهودَ المدينة لَمَّا صرَّحوا بتكذيب النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم، وقالوا: إِنَّ هذا الكلام مختلَق، لأَنَّه يأْمر بأمر، ثم ينهى عنه، ويقرِّر شرعاً، ثمَّ يرجع عنه، فما هو إِلاَّ من تِلقاءِ نفسه، فنزلت {وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ووردت الإِشارة إِلى النسخ فى الآية الأُخرى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَى قادر على إِنفاذ قضائه وقَدَره، فيقدِّم من أَحكامه ما أَراد، ويؤخِّر منها ما أَراد، ويثقِّل الحكم على من شاءَ، ويخفَّفه عمَّن شاءَ، وإِليه التَّيسير والتعسير، وبيده التقدير والتقرير، ولا يُنسب فى شىء إِلى العجز والتقصير، ولا مجال لأَحد فى اعتراض وتغيير، إِنَّه حكيم خبير، وبيده التصريف والتدبير، أَلا له الخَلْق والأَمر تبارك الله ربُّ العالمين.

وأَمَّا وجوب معرفة النَّاسخ والمنسوخ فقال ابن عبَّاس: مَن لم يعرف النَّاسخ من المنسوخ خلط الحلال بالحرام. وعن النبىِّ صلى الله عليه وسلَّم أَنَّ محرِّم الحلال الخ وقال أَيضاً "ما آمن بالقرآن من استحلَّ محارمه" ولمَّا رأَى علىٌّ رضى الله عنه عبد الله بن دَأْب فى مسجد الكوفة وهو يجيب عن المسائل، فقال له: هل تعرف النَّاسخ من المنسوخ قال: لا؛ قال: فما كنيتك؟ قال أَبو يحيى. قال: أَنت أَبو اعرفونى بالجهل. ثمَّ أَخذَ بأُذُنه، وأَقامه عن مجلسه. فقال: لا يحلُّ لك روايةُ الحديث فى هذا المسجد، ولا الجلوس فى مثل هذا المجلس حتَّى تَعْلم النَّاسخ من المنسوخ. وأَمِّا أَنواع منسوخات القرآن فثلاثة: أَحدها ما نُسخ كتابتُه وقراءَته. قال أَنس كانت سورةٌ طويلة تقارب سورة براءَة، كنَّا نقرؤها على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فنُسخت بكلِّيتها، لم يبق بين المسلمين منها شئ، سوى هذه الآية: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إِليهما ثالثا، ولو كان ثالثاً

لابتغى رابعاً. ولا يملأُ جوفَ ابن آدم إِلاَّ التراب، ويتوب الله على مَن تاب. وقال ابن مسعود: لقَّننى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم آية حفِظتها وأَثبتُّها فى المصحف، فأَردتُ فى بعض اللَّيالى أَن أَقرأَها، فلم أَذكُرها، فرجعت إِلى المصحف فوجدت مكانها أَبيض، فأَتيت النبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَخبرته بذلك، فقال: يا عبد الله، قد نُسخت تلك الآية. فحزِن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيث لم يذكرها، فنزل جبريل بقوله تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} وقيَّدهُ بالمشيئة لئلا يأْمن بالكلِّية فنزلت {إِلاَّ مَا شَآءَ الله} . الثَّانى ما نُسِخ خَطُّه، وكتابته، وحكمه باقٍ؛ مثل (الشيخُ والشيخة إذا زَنَيا فارجموهما البتَّةَ نكالاً من الله والله عزيز حكيم) . الثالث ما نُسخ حكمه وخَطّه ثابت. وذلك فى ثلاثة وستين سورة. وسيأْتى ترتيبه إِن شاءَ الله. وأَمَّا ترتيب المنسوخات فأَوّلها الصّلوات الَّتى صارت من خمسين إِلى خمس، ثمّ تحويل القبلة من بيت المقدس إِلى الكعبة {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ثم صوم يوم عاشوراء، ثم صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر، نُسِخا بفرض صيام رمضان، ثم حكم الزكاة إِلى ربع العشر بعد أَن كان الفاضل عن قُوت العيال، صدقةً، وزكاة، ثمّ الإِعراض عن المشركين والصّفح

عنهم نُسخ بآية السّيف: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً} . ثم الأَمر الخاصّ بقتال أَهل الكتاب {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} الى قوله {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ، ثمّ نُسخ ميراث الوَلاَء بتوريث ذوى الأَرحام، ونسخ ميراث ذوى الأَرحام بالوصيّة، ثمّ نُسخ الوصيّة بآية المواريث وهى قوله {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ} ثمّ نفى المشركين من الحَرَم والمسجد الحرام {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هاذا} ثمّ نسخ عهد كان بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين المشركين رَدّه عليهم على لسان علىّ يومَ عرفة فى أَوّل سورة براءَة {فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} إِلى قوله {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} . فهذا ترتيب المنسوخات الأَوّل فالأَوّل. وأَمَّا تفصيل السّور (التى فيها الناسخ والمنسوخ والتى ما فيها [نسخ] . فالسُوَر الخالية عن الناسخ والمنسوخ) ثلاثة وأَربعون سورة: فاتحة الكتاب، سورة يوسف، يس، الحجرات، الرَّحمن، الحديد، الصَّف، الجمعة، المتحرّم، المُلْك، الحاقَّة، سورة نوح، المرسَلات، سورة

الجِنّ، النبأ، والنَّازعات، الانفطار، التطفيف، الانشقاق، البروج، والفجر، البلد، والشمس، والَّيل، والضحى، أَلم نشرح، القلم، القَدْر، لم يكن، زلزلت، والعاديات، القارعة، التكاثر، الهُمَزة، الفيل، لإِيلاف، أَرأَيت، الكوثر، النصر، تبَّت، الإِخلاص، الفلق، النَّاس. والسُّور الَّتى فيها الناسخ وليس فيها المنسوخ ستٌّ: سورة الفتح، الحشر، المنافقون، التَّغابن، الطَّلاق، الأَعلى. والَّتى فيها المنسوخ وليس فيها ناسخ أَربعون سورة: الأَنعام، الأَعراف، يونس، هود، الرَّعد، الحِجْر، النَحْل، إِسرائيل، الكهف، طه، المؤمنون، النَّمل، القَصصَ، العنكبوت، الرُّوم، لقمان، المضاجع، الملائكة، الصَّافَّات، ص، الزُّمر، المصابيح، الزُّخرف، الدُّخان، الجاثية، الأَحقاف، سورة محمد صلى الله عليه وسلم، (5) ق، والنَّجم، القمر، الممتحِنة، (5) ن، المعارج، القيامة، الإِنسان، عبس، الطَّارق، الغاشية، والتِّين، الكافرون. والسُّوَر الَّتى اجتمع فيها النَّاسخ والمنسوخ خمس وعشرون سورة: البقرة، آل عمران، النِّساء، المائدة، (5) الأنفال، التَّوبة، إِبراهيم، مريم، الأَنبياء، الحجّ، النور، الفرقان، الشعراء، الأَحزاب، سبأ،

المؤمن، الشُورى، والذَّاريات، والطُّور، الواقعة، المجادلة، المزَّمل، المدثر، التكوير، والعصر. وجملة الآيات مئتا آية وأَربع آيات على التفصيل الَّذى ذكرناه. هذه الجملة الَّتى لا بدَّ من معرفتها من أَمر الناسخ والمنسوخ. "*" الطرف الثانى من هذا الباب فى المقاصد المشتملة على جميع سور القرآن من أَوَّله إِلى آخره. كلَّ سورة تشتمل على ثمانية متعلِّقة بالسُّورة. الأَول موضع نزولها. الثانى عدد آياتها، وكلماتها، وحروفها، والآيات المختلف، فيها. الثالث بيان مجموع فواصلها. الرَّابع ذكر اسمها، أَو أَسمائه ا. الخامس بيان المقصود من السُّورة، وما تتضمّنه مجملاً. السَّادس بيان ناسخها ومنسوخها. السَّابع فى متشابهها. الثامن فى فضلها وشرفها.

الباب الأول - الطرف الثاني - المواقف

الباب الأول - الطرف الثاني - المواقف بصيرة في الحمد اختلف العلماءُ فى موضع نزولها. فقيل: نزلت بمكَّة وهو الصحيح، لأَنَّه لا يعرف فى الإِسلام صلاة بغير فاتحة الكتاب. وقيل: نزلت بالمدينة مرّة، وبمكة مرّة. ولهذا قيل لها: السّبع المثانى؛ لأَنها ثُنِيت فى النّزول. وأَمّا عدد الآيات فسبع بالإِجماع؛ غير أَنَّ منهم من عدّ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} دون البسملة؛ ومنهم مَنْ عكس. وشذَّ قوم وقالوا: ثمان آيات. وشذَّ آخرون فجعلوها ستّ آيات. عدد كلماتها خمس وعشرون. عدد حروفها مائة وثلاثون وعشرون. وفواصل الآيات (م ن) . أسماؤها قريبة من ثلاثين: الفاتحة، فاتحة الكتاب، الحمد، سورة الحمد، الشافية، الشفاء، سورة الشفاء، الأَساس، أَساس القرآن، أُمّ القرآن، أُمّ الكتاب، الوافية، الكافية، الصّلاة، سورة الصّلاة، قال الله تعالى "قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين" الحديث،

يعنى فاتحة الكتاب، السّبع المثانى؛ لأنها تُثْنَى فى كل صلاة، أَو لاشتمالها على الثَّناء على الله تعالى، أَو لتثنية نزولها، سورة الفاتحة، سورة الثناء، سورة أُمّ القرآن، سورة أُم الكتاب، سورة الأًساس، الرُّقْية، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وما أَدراك أَنّها رُقْية". المقصود من نزول هذه السّورة تعليم العباد التيمُّن والتبّرك باسم الله الرحمن الرحيم فى ابتداء الأُمور، والتّلقين بشكر نعم المنعم؛ والتوكُّل عليه فى باب الرّزق المقسوم، وتقوية رجاء العبد برحمة الله تعالى، والتّنبيه على ترقُّب العبد الحسابَ والجزاءَ يوم القيامة، وإِخلاص العبوديّة عن الشرك، وطلب التوفيق والعصمة من الله، والاستعانة والاستمداد فى أَداء العبادات، وطلب الثبات والاستقامة على طريق خواصّ عباد الله، والرَّغبة فى سلوك مسالكهم، وطلب الأَمان من الغَضب، والضلال فى جميع الأَحوال، والأَفعال، وختم الجميع بكلمة آمين، فإِنها استجابة للدعاء، واستنزال للرَّحمة، وهى خاتَم الرَّحمة الَّتى خَتَم بها فاتحة كتابه. وأَمَّا النَّاسخ والمنسوخ فليس فيها شئ منهما. وأَمَّا المتشابهات فقوله (الرحمن الرَّحيم ملك) فيمن جعل البسملة منها، وفى تكراره أَقوال. قيل: كرّر للتَّأْكيد. وقيل: كُرِّر لأَن المعنى: وجب الحمد لله لأَنه الرَّحمن الرَّحيم. وقيل: إِنما كُرِّر لأَن الرحمة هى الإِنعام على المحتاج

وذكر فى الآية الأَولى المنعِم ولم يذكر المنعَم عليهم، فأَعادها مع ذكرهم، وقال: ربِّ العالمين، الرحمن بهم أَجمعين الرحيم بالمؤمنين خاصَّة يوم الدين، ينعم عليهم ويغفر لهم، وقيل: لمَّا أَراد ذكر يوم الدين لأَنه مِلكه ومالكه، وفيه يقع الجزاءُ، والعقاب، والثواب وفى ذكره يحصل للمؤمن مالا مزيد عليه: من الرعب والخشية، والخوف، والهيبة. قدَّم عليه ذكر الرَّحمن الرحيم تطميناً له، وتأميناً، وتطييباً لقلبه، وتسكيناً، وإِشعاراً بأَن الرَّحمة سابقة غالبة، فلا ييأَس ولا يأْسى فإِن ذلك اليوم - وإِن كان عظيماً عسيراً - فإِنما عُسْره وشِدّته على الكافرين؛ وأَمَّا المؤمن فبَيْن صفتى الرَّحمن الرَّحيم من الآمنين. ومنها قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كرّر (إِياك) ولم يقتصر على ذكره مرّة كما اقتصر على ذكر أَحد المفعولين فى {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى} وفى آيات كثيرة؛ لأَن فى التقديم فائدة وهى قطع الاشتراك، ولو حُذف لم يدلّ على التقدّم؛ لأَنك لو قلت: إِيّاك نعبد ونستعين لم يظهر أَن التّقدير: إِياك نعبد وإِيّاك نستعين. وكرّر {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لأَنّه يقرب ممَّا ذكرنا فى {الرحمان الرحيم} . وذلك بأَن الصّراط هو المكان المهيَّأ للسّلوك، فذَكر فى الأَوّل المكان ولم يَذكر السّالكين، فأَعاده

مع ذكرهم، فقال: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهم النبيّون والمؤمنون. ولهذا كرّر أَيضاً فى قوله {إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ الله} لأَنّه ذكر المكان المهيّأ وقوله {عَلَيْهِم} ليس بتكرار لأَنّ كلّ واحد منهما متَّصل بفعل غير الآخر، وهو الإِنعام والغضب، وكلّ واحد منهما يقتضيه، وما كان هذا سبيليه فليس بتكرار، ولا من المتشابِه. والله أعلم. وأَمَّا فضلها وشرفها فعن حُذَيفة يرفعه إلى النبىّ صلَّى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ القوم ليبعث الله عزَّ وجلَّ عليهم العذاب حتماً مقضيَّا فيقرأ صبىّ من صبيانهم فى الكُتَّاب: الحمد لله ربِّ العالمين، فيسْمَعه الله عزَّ وجلَّ، فيرفع عنهم بذلك العذابَ أَربعين سنة" وروى عن الحسن أَنه قال: أَنزل الله مائة وأَربعة كتب من السَّماء، أَودع علومها أَربعة منها: التَّوراةَ والإِنجيلَ والزَّبورَ والفرقانَ، ثمَّ أَودع علوم القرآن المفصَّل، ثم أَودع علوم المفصَّل فاتحة الكتاب. فمَنْ علِم تفسيرها كان كمن علم تفسير كُتُب الله المنزَّلة. ومَنْ قرأَها فكأنَّما قرأَ التَّوراة، والإِنجيل، والزَّبور، والفُرقان، وقال جبرئيل عند نزوله بهذه السّورة: يا محمَّد، ما زلت خائفاً على أُمَّتك حتَّى نزلتُ بفاتحة الكتاب؛ فأَمِنت

بها عليهم. وقال مجاهد سمعت ابن عبّاس يقول: أَنَّ إِبليسُ أَربع أَنَّات: حين لُعن، وحين أُهبِط من الجنَّة، وحين بُعِث محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، وحين أُنزلتْ فاتحة الكتاب. وعن أَبى هريرة، عن النبى صلَّى الله عليه وسلم، عن الرَّبِّ تبارك وتعالى، أَنه قال: "إِذا قال العبد بسم الله الرحمن الرَّحيم يقول الله تعالى: سمَّانى عبدى. وإِذا قال: الحمد لله ربِّ العالمين يقول الله: حمِدنى عبدى. وإِذا قال: الرَّحمن الرَّحيم يقول الله: أَثْنَى علىَّ عبدى. وإِذا قال: مالك يوم الدِّين يقول الله مجَّدنى عبدى. وإِذا قال: إِيَّاك نعبد وإِيَّاك نستعين يقول الله: هذا بينى وبين عبدى نصفين. وإِذا قال: اهدنا الصِّراط المستقيم إِلى آخر السُّورة يقول الله: هذا لعبدى ولعبدى ما سأل. وَروَى علىّ رضى الله عنه عن النبىِّ صلى الله عليه وسلَّم انَّه قال: يا علىّ مَنْ قرأَ فاتحة الكتاب فكأَنَّما قرأَ التوراة، والإِنجيل، والزَّبور، والفرقان، وكأَنَّما تصدَّق بكل آية قرأَها مِلْءَ الأَرض ذهباً فى سبيل الله، وحرم الله جسده على النار، ولا يدخل الجنَّة بعد الأَنبياء أَحدٌ أَغنى منه.

بصيرة.. فى ألم. ذلك الكتاب

بصيرة.. فى ألم. ذلك الكتاب هذه السّورة مَدنيَّة. وهى أَول سورة نزلت بعد هجرة النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم إِلى المدينة. وعدد آياتها مائتان وست وثمانون آية (فى عدِّ) الكوفيِّين، وسبع (فى عدِّ) البصريِّين، وخمس (فى عدِّ) الْحجاز، وأَربع (فى عدِّ) الشاميِّين. وأَعلى الرّوايات وأَصحُّها العَدّ الكوفىُّ، فإِنَّ إِسناده متَّصل بعلىّ بن أَبى طالب رضى الله عنه. وعدد كلماته ستَّة آلاف كلمة، ومائة وإِحدى وعشرون كلمة. وحروفها خمس وعشرون أَلفاً وخَمْسمائة حرف. وآياتها المختلَف فيها اثنتا عشرة آية: أَلم، {عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، مصلحون، خائفين، و {قَوْلاً مَعْرُوفاً} ، {مَاذَا يُنْفِقُوْن} ، {تَتَّفَكَّرُونَ} ،

خَلق، {ياأولي الألباب} ، {الحي القيوم} ، {مِّنَ الظلمات إِلَى النور} ، {وَلاَ شَهِيد} . مجموع فواصل آياتها (ق م ل ن د ب ر) ويجمعها (قم لندّبر) . وعلى اللاَّم آية واحدة {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل} ، وعلى القاف آية واحدة {وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ} آخر الآية المائتين. وأَمَّا أَسماؤُها فأَربعة: البقرة، لاشتمالها على قِصَّة البقرة. وفى بعض الروايات عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: السورة التى تذكر فيها البقرة. الثَّانى سورة الكرسىِّ، لاشتمالها على آية الكرسىِّ التى هى أَعظم آيات القرآن. الثالث سَنَام القرآن، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: " إِنَّ لكلِّ شىءٍ سَنَاماً وسَنَام القرآن سورة البقرة". الرَّابع الزَّهراءُ، لقوله: "اقرءُوا الزَّهراوَيْن البقرة وآل عمران". وعلى الإِجمال مقصود هذه السُّورة مدح مؤمنى أَهل الْكتاب، وذمّ الكفَّار كفَّارِ مكَّة، ومنافقى المدينة، والرّدّ على منكرى النبوّة، وقصة التخليق، والتعليم، وتلقين آدم، وملامة علماءِ الْيهود فى مواضع عدَّة، وقصَّة موسى، واستسقائه، ومواعدته ربّه، ومنَّته على بنى إِسرائيل، وشكواه منهم، وحديث البقرة، وقصة سليمان، وهاروت وماروت،

والسحرة، والرّدّ على النَّصارى، وابتلاء إِبراهيم عليه السَّلام، وبناء الكعبة، ووصيَّة يعقوب لأَولاده، وتحويل القبلة، وبيان الصبر على المصيبة، وثوابه، ووجوب السَّعى بين الصفا والمروة، وبيان حُجَّة التَّوحيد، وطلب الحلال، وإِباحة الميتة حال الضرورة، وحكم القِصاص، والأَمر بصيام رمضان، والأَمر باجتناب الحرام، والأَمر بقتال الكفار، والأَمر بالحجِّ والعُمْرة، وتعديد النعم على بنى إِسرائيل وحكم القتال فى الأَشهر الحُرُم؛ والسؤال عن الخمر والْمَيْسِر ومال الأَيتام، والحيض؛ والطلاق؛ والمناكحات، وذكر العِدّة، والمحافظة على الصلوات، وذكر الصَّدقات والنَّفقات، ومُلْك طالوت، وقتل جالوت؛ ومناظرة الخليل عليه السَّلام؛ ونمْرُود، وإِحياء الموتى بدعاءِ إِبراهيم، وحكم الإِخلاص فى النفقة، وتحريم الربا وبيان (الزَّانيات) ، وتخصيص الرّسول صلَّى الله عليه وسلم ليلة المعراج بالإِيمان حيث قال: {ءَامَنَ الرَّسُولُ} إِلى آخر السُّورة. هذا معظم مقاصد هذه السُّورة الكريمة. وأَمَّا بيان النَّاسخ والمنسوخ ففى ستّ وعشرين آية {إِنَّ الذين آمَنُواْ

والذين هَادُواْ} م {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً} ن {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} م {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ن وقيل: محكمة {فَاعْفُوْا وَاصْفَحُوْا} م {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} إِلى قوله {حتى يُعْطُواْ الجزية} ن {فَاَيْنَمَا تُوَلُّوْا} م {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} ن {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ} م {إِلاَّ الذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ} ن {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} م أُحلَّت لنا ميتتان ودمان، من السُّنة ناسخها ن {الْحَرُّ بِالْحَرِّ} م {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ن {الوصية لِلْوَالِدَيْنِ} م (آية المواريث) ن {كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ} م {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام} ن {وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} م {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ن {وَلاَ تَعْتَدُوْا} م {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا} ن

{وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً} ن {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام} م {فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم} ن {فَإِنِ انتهوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} م بآية السَّيف ن {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ} م {بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} ن {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} م {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ} ن {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام} م {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ن {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} م {إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه} ن {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو} م {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} ن {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات} م {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} وقوله {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} ن {الطلاق مَرَّتَانِ} م {فَإِنْ طَلَّقَهَا} ن {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن

تَأْخُذُواْ} م {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا} ن {والوالدات يُرْضِعْنَ} م {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً} ن {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الحول} م {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} ن {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} م آية السَّيف ن {وأشهدوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} م {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً} ن {وَإِن تُبْدُواْ مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} م {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً} وقوله {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر} ن. المتشابهات: (الم) تكررت فى ستّ سور فهى من المتشابه لفظاً. وذهب كثير من المفسِّرين فى قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} إِلى أَنَّها هذه الحروف الَّتى فى أَوائل السُّور، فهى من المتشابه لفظاً ومعنًى والموجب لذكره أَوَّلَ البقرة هو بعينه الموجِب لذكره فى أَوائل سائر السُّور. وزاد فى الأَعراف صاداً لما جاءَ بعده {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} ولهذا قال بعض المفسِّرين: المص: ألم نشرح لك صدرك. وقيل: معناه: المصوِّر. وزاد فى الرعد راء لقوله بعده {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ} .

قوله {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} وفى يس {وَسَوآءٌ عَلَيْهِمْ} بزيادة واو، لأَن ما فى البقرة جملة هى خبر عن اسم إِنَّ، وما فى يس جملة عُطِفت على جملةٍ. قولُه {آمَنَّا بالله وباليوم الآخر} ليس فى القرآن غيره [و] تكرار العامل مع حرف العطف لا يكون إِلاَّ للتأكيد، وهذا حكاية كلام المنافقين وهم أَكَّدوا كلامهم، نَفْياً للرِيبة، وإِبعادا للتُّهمة. فكانوا فى ذلك كما قيل: كاد المُرِيب أَن يقول خذونى. فنفى الله عنهم الإِيمان بأَوكد الأَلفاظ، فقال: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِين} ويكثر ذلك مع النفى. وقد جاءَ فى القرآن فى موضعين: فى النّساء {وَلاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} ، وفى التوبة {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} . قوله {يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ} ليس فى القرآن غيره؛ لأَنَّ العبادة فى الآية التوحيد، والتوحيد فى أَول ما يلزم العبدَ من المعارف. وكان هذا أَول خطاب خاطب اللهُ به الناس، ثم ذكر سائر المعارف، وبنى عليه العبادات فيما بعدها من السُور والآيات. قوله {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} بزيادة (مِن) هنا، وفى غير هذه السورة بدون (من) لأَن (مِن) للتبعيض، وهذه السورة سَنَام القرآن،

وأَوّله بعد الفاتحة، فحسُن دخول (مِن) فيها، ليعلم أَن التحدّى واقع على جميع سور القرآن، من أَوله إِلى آخره، وغيرُها من السور لو دخلها (من) لكان التحدى واقعاً على بعض السور دون بعض. والهاء فى (مثله) يعود إِلى القرآن، وقيل: يعود إِلى محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، أَى فأْتوا بسورة من إِنسان مثلِه. وقيل: إِلى الأَنداد، وليس بشئ. وقيل: مثله التوراة، والهاءُ يعود إِلى القرآن، والمعنى: فأْتوا بسورة من التوراة التى هى مثل القرآن لتعلموا وفاقهما. قوله {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر} ذكر هذه هاهنا جملة، ثم ذكر فى سائر السور مفصَّلا، فقال فى الأعراف: {إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ الساجدين} وفى الحِجْر {إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} وفى سبحان {إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} وفى الكهف {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن} وفى طه {إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى} وفى ص {إِلاَّ إِبْلِيسَ استكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين} . قوله {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة وَكُلاَ} بالواو، وفى الأَعراف {فَكُلاَ} بالفاء. اسكن فى الآيتين ليس بأَمر بالسُّكون الذى ضده الحركة، وإِنما الذى فى البقرة سكون بمعنى الإِقامة، فلم يصحّ إِلا بالواو؛

لأَن المعْنى: اجمعا بين الإِقامة فيها (والأَكل من ثمارها) ، ولو كان الفاء مكان الواو لوجب تأْخير الأَكل إِلى الفراغ من الإِقامة، لأَن الفاء للتَّعقيب والترتيب، والذى فى الأَعراف من السُّكنى التى معناها اتخاذ الموضع مسكنا؛ لأَنَّ الله تعالى أَخرج إِبليس من الجنة بقوله: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً} . وخاطب آدم فقال {وَيَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} أَى اتَّخذاها لأَنفسكما مسكناً، وكُلاَ من حيث شئتما، وكان الفاء أَولى، لأَن اتّخاذ المسكن لا يستدِعى زمانا ممتدّا، ولا يمكن الجمع بين الاتخاذ والأكل فيه، بل يقع الأَكلُ عقِيبه. وزاد فى البقرة {رَغَدَا} لما زاد فى الخبر تعظيما: (وقلنا) بخلاف سورة الأَعراف، فإِن فيها (قال) . وذهب الخطيب إِلى أَن ما فى الأَعراف خطاب لهما قبل الدّخول، وما فى البقرة بعده. قوله {اهْبِطُوْا} كرّر الأَمر بالهبوط لأَن الأَول {مِنَ الْجَنَّةِ} والثانى من السماءِ. قوله {فَمَنِ اتَّبَعَ} ؛ وفى طه {فَمَنِ اتبع} ؛ وتبع واتَّبع بمعنى، وإِنما اختار فى طه (اتَّبع) موافقة لقوله {يَتَّبِعُونَ الدَّاعِى} .

قوله {وَلاَ يَقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} قدَّم الشَّفاعة فى هذه الآية، وأَخَّر العَدْل، وقدَّم العدل فى الآية الأُخرى من هذه السورة وأَخر الشفاعة. وإنِما قدم الشفاعة قطعَا لطمع من زعم أَن آباءَهم تشفع لهم، وأَن الأَصنام شفعاؤُهم عند الله، وأَخرها فى الآية الأُخرى لأَنَّ التقدير فى الآيتين معاً لا يقبل منها شفاعة فتنفعها تلك الشفاعة؛ لأَنَّ النفع بعد القبول. وقدَّم العدل فى الآية الأُخرى ليكون لفظ القبول مقدَّما فيها. قوله: {يُذَبِّحُونَ} بغير واو هنا على البدل من {يَسُوْمُوْنَكُمْ} ومثله فى الأَعراف {يُقَتِّلُونَ} وفى إِبراهيم {وَيُذَبِّحُوْنَ} بالواو لأَن ما فى هذه السورة والأَعراف من كلام الله تعالى، فلم يرد تعداد المِحَن عليهم، والَّذى فى إِبراهيم من كلام موسى، فعدّد المِحَن عليهم، وكان مأْموراً بذلك فى قوله {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} . قوله {ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} هاهنا وفى الأعراف، وقال فى آل عمران {ولاكن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} لأَنَّ ما فى السّورتين إِخبار عن قوم فَاتوا وانقرضوا [وما فى آل عمران] حكاية حال. قوله {وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هاذه القرية فَكُلُواْ} بالفاء، وفى الأَعراف {وَكُلُوْا} بالواو؛ لأَن الدّخول سريع الانقضاء فيعقبه الأَكل، وفى

(الأَعراف) {اسْكُنُوا} والمعنى: أَقيموا فيها، وذلك ممتدّ، فذكر بالواو، أَى اجمعوا بين السكنى والأَكل، وزاد فى البقرة {رَغَداً} لأَنه تعالى أَسنده إِلى ذاته بلفظ التعظيم، بخلاف الأَعراف؛ فإِنَّ فيه {وَإِذْ قِيْلَ} وقدّم {ادْخُلُوْا البَابَ سُجَّدًا} فى هذه السّورة وأَخرها فى الأَعراف لأَن السابق فى هذه السورة {ادْخُلُوْا} فبيّن كيفيّة الدّخول، وفى هذه السّورة {خَطَايَاكُمْ} بالإِجماع وفى الأَعراف {خَطِيئَاتِكُمْ} لأَن خطايا صيغة الجمع الكثير، ومغفرتها أَليق فى الآية بإِسناد الفعل إِلى نفسه سبحانه، وقال هنا (وسنزيد) (بواو، وفى الأَعراف سنزيد) بغير واوٍ؛ لأَنَّ اتصالهما فى هذه السّورة أَشدّ؛ لاتّفاق الَّلفظين، واختلفا فى الأعراف؛ لأَنّ اللائِق به (سنزيد) بحذف الواو؛ ليكون استئنافاً للكلام [وفى هذه السورة {الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً} وفى الأَعراف {ظَلَمُوْا مِنْهُم} موافقة لقوله {ومِنْ قَوْمِ مُوْسَى} ولقوله {مِنْهُمُ الصَّالِحُوْنَ ومِنْهُم دُوْنَ ذَلِكَ} ] . وفى هذه السّورة {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِين ظَلَمُوْا} وفى الأَعراف {فَأَرْسَلْنَا} لأَن لفظ الرّسول والرسالة كثرت فى الأَعراف، فجاءَ ذلك على طِبق ما قبله، وليس كذلك فى سورة البقرة.

قوله {فَانْفَجَرَت} وفى الأَعراف {فَانْبَجَسَتْ} لأَن الانفجار انصباب الماء بكثرة، والانبجاس ظهورُ الماء. وكان فى هذه السورة {وَاشْرَبُوا} فذكر بلفظ بليغ؛ وفى الأَعراف {كُلُوا} وليس فيه {وَاشْرَبُوا} فلم يبالغ فيه. قوله {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق} فى هذه السّورة؛ وفى آل عمران {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ حَقٍّ} ؛ وفيها وفى النساءِ {وَقَتْلِهِمُ الأنبيآء بِغَيْرِ حَقٍّ} لأَن ما فى البقرة إِشارة إِلى الحقّ الذى أَذِن الله أَن يُقتل النفسُ فيه وهو قوله {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ} ؛ وكان الأَولى بالذكر؛ لأَنه من الله تعالى؛ وما فى آل عمران والنساءِ نكرة أَى بغير حَقّ فى معتقَدهم ودينهم؛ فكان بالتنكير أَولى. وجمع {النَّبِيِّينَ} فى البقرة جمع السّلامة لموافقة ما بعده من جمعَى السلامة وهو {الَّذِينَ} {وَالصَّابِئِينَ} . وكذلك فى آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ} و {نَاصِرِين} و {مُعْرِضُون} بخلاف الأَنبياء فى السّورتين. قوله {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والنصارى والصابئين} وقال فى الحج {والصابئين والنصارى} وقال فى المائدة {والصابئون والنصارى} لأَن النصَّارى مقدَّمون على الصَّابئين فى الرُتْبة؛ لأَنهم أَهل الكتاب؛

فقدَّمهم فى البقرة؛ والصَّابئون مقدَّمون على النصارى فى الزمان؛ لأَنهم كانوا قبلهم فقدَّمهم فى الحج، وراعى فى المائدة المعنيين؛ فقدَّمهم فى اللفظ، وأَخرهم فى التقدير؛ لأَن تقديره: والصّابئون كذلك؛ قال الشاعر: فمن كان أَمسى بالمدينة رَحْلُه ... فإِنى وقَيَّارٌ بها لغرِيب أَراد: إِنى لغريب بها وقيَّارٌ كذلك. فتأَمّل فيها وفى أَمثالها يظهر لك إِعجاز القرآن. قوله {أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} وفى آلِ عمران {أَيَّاماً مَّعْدُودَات} لأَنَّ الأَصل فى الجمع إِذا كان واحده مذكَّرا أَن يُقتصَر فى الوصف على التأنيث؛ نحو: سرر مرفوعة وأَكواب موضوعة. وقد يأتى سُرُر مرفوعات (على تقدير ثلاث سرر مرفوعة) وتسع سرر مرفوعات؛ إِلا أَنه ليس بالأَصل. فجاءَ فى البقرة على الأَصل، وفى آل عمران على الفرع. وقوله: {فِي أَيَّاماً مَّعْدُودَات} أَى فى ساعات أَيام معدودات. وكذلك {فِي أَيَّاماً مَعْلُوْمَاتٍ} . قوله {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} وفى الجُمُعة {وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ} لأَن دعواهم فى هذه السّورة بالغة قاطعة، وهى كون الجَنَّة لهم بصفة الخلوص، فبالغ

فى الردّ عليهم بلَنْ، وهو أَبلغ أَلفاظ النفى، ودعواهم فى الجمعة قاصرة مترددة، وهى زعمهم أَنهم أَولياءُ الله، فاقتصر على (لا) . قوله {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وفى غيرها {لاَ يَعْقِلُوْنَ} {لاَ يَعْلَمُوْنَ} لأَن هذه نزلت فيمَن نقض العهد من اليهود، ثم قال {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ؛ لأَن اليهود بين ناقض عهد، وجاحد حق، إِلا القليلَ، منهم عبدُ الله بن سَلاَم وأَصحابُه، ولم يأت هذان المعنيان معا فى غير هذه السُّورة. قوله: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العلم} وفيها أَيضاً {مِنْ بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العلم} فجعل مكان قوله: (الَّذى) (ما) وزاد (من) ؛ لأَنَّ العلم فى الآية الأُولى عِلْم بالكمال، وليس وراءَه علم؛ لأَنَّ معناه: بعد الذى جاءَك من العلم بالله، وصفاته، وبأَنّ الهدى هدى اللهِ، ومعناه: بأَنَّ دين الله الإِسلام؛ وأَنَّ الْقرآن كلام الله، (وكان) لفظ (الذى) أَليق به من لفظ (ما) لأَنه فى التعريف أَبلغ؛ وفى الوصف أَقعد؛ لأَن (الذى) تعرِّفه صلتُه، فلا ينكَّر قطٌّ، ويتقدَّمه أَسماء الإِشارة؛ نحو قوله {أَمَّنْ هاذا الذي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} {أَمَّنْ هاذا الذي يَرْزُقُكُمْ} فيكتنف (الَّذى) بيانان: الإِشارةُ، والصلة، ويلزمُه الأَلِف واللاَّم، ويثنَّى ويُجمع. وأَمَّا (ما) فليس له شىء من ذلك؛ لأَنه يتنكَّر مَرّة، ويتعرّف أُخرى، ولا يقع وصفاً لأَسماءِ الإِشارة، ولا يدخله الأَلِف

واللام، ولا يثنَّى ولا يجمع. وخُصَّ الثَّانى بـ (ما) لأَنَّ المعنى: من بعد ما جاءَك من الْعلم بأَن قِبلة الله هى الكعبة، وذلك قليل من كثير من الْعلم. وزيدت معه (من) الَّتى لابتداءِ الْغاية؛ لأَن تقديره: من الوقت الذى جاءَك فيه الْعلم بالْقبلة؛ لأَن الْقبلة الأُولى نُسِخت بهذه الآية، وليس الأَوّل موقَّتاً بوقت. وقال فى سورة الرّعد: {بَعْدَ مَا جَاءَكَ} فعَبَّر بلفظ (ما) ولم يزد (من) لأَن الْعلم هاهنا هو الْحكم الْعربىّ أَى الْقرآن، وكان بعضاً من الأَوّل، ولم يزد فيه (من) لأَنه غير موقَّت. وقريب من معنى الْقبلة ما فى آل عمران {مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم} فلهذا جاءَ بلفظ (ما) وزيد فيه (من) . قوله: {واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} هذه الآية والَّتى قبلها متكررتان. وإِنما كُرِّرتا لأَن كل واحدة منهما صادفت معصية تقتضى تنبيهاً ووعظاً؛ لأَن كلّ واحدة منهما وقعت فى غير وقت الأُخرى. قوله {رَبِّ اجعل هاذا بَلَداً آمِناً} وفى إِبراهيم {هاذا البلد آمِناً} لأَن (هذا) إِشارة إِلى المذكور فى قوله {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} قبل بناء الكعبة، وفى إِبراهيم إِشارة إلى البلد بعد البناء. فيكون (بلداً) فى هذه السُّورة المفعول الثانى (و (آمِنا) صفة؛ و (البلد) فى إِبراهيم المفعول الأَول

و (آمنا) المفعول الثانى) و (قيل) : لأنَّ النكرة اذا تكرَّرت صارت معرفة. وقيل: تقديره فى البقرة: هذا البلد (بلدا) آمناً، فحذف اكتفاءً بالإِشارة، فتكون الآيتان سواء. قوله {وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا} فى هذه السُّورة وفى آل عمران (علينا) لأَنَّ (إِلى) للانتهاء إِلى الشىء من أَىّ جهة كان، والكُتُب منتهِية إِلى الأَنبياء، وإِلى أُمّتهم جميعاً، والخطاب فى هذه السُّورة للأُمَّة، لقوله تعالى: (قولوا) فلم يصحَّ إِلاَّ (إِلى) ؛ و (على) مختصّ بجانب الفَوْق، وهو مختصّ بالأَنبياء؛ لأَنَّ الكتب منزَّلة عليهم، لا شِركة للأُمة فيها. وفى آل عمران (قل) وهو مختصّ بالنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم دون أَمَّته؛ فكان الَّذى يليق به (على) وزاد فى هذه السُّورة (وما أُوتى) وحُذف من آل عمران (لأَنَّ) فى آل عمران قد تقدَّم ذكر الأَنبياء حيث قال {لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} . قوله {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} كُرِّرت هذه الآية لأَن المراد بالأَول الأَنبياء، وبالثانى أَسلاف اليهود والنَّصارى. قال القَفَّال: الأَول لإِثبات مِلَّة إِبراهيم لهم جميعاً؛ والثانى لنفى اليهوديَّة والنصرانية عنهم.

قوله {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ} هذه الآية مكرَّرة ثلاث مرات. قيل: إِنَّ الأَولى لنسخ القبلة (والثانية للسبب، وهو قوله: {وَإِنَّهُ لِلْحَقِّ مِنْ رَبِّكَ} والثالثة للعلَّة، وهو قوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} . وقيل: الأُولى فى مسجد المدينة، والثانية (خارج المسجد، والثالثة) خارج البلد. وقيل فى الآيات خروجان: خروج إِلى مكان تُرى فيه القبلة، وخروج إِلى مكان لا تُرى، أَىِ الحالتان فيه سواءَ. وقيل: إِنما كُرر لأَن المراد بذلك الحالُ والزمان والمكان. وفى الآية الأَولى [ {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} وليس فيها] {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} [وفى الآية الثانية {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} ] وليس فيها {حَيْثُ مَا كُنْتُمْ} فجمع فى الآية الثالثة بين قوله {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} وبين قوله {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} ليُعلم أَن النبى والمؤْمنين سواء. قوله {إِلاَّ الذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ} ليس فى هذه السورة {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} وفى غيرها {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} لأَن قبله {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَاهُ} فلو أَعاد أَلْبَس.

قوله {لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} خص العقل بالذكر؛ لأَنه به يُتوصَّل إِلى معرفة الآيات. ومثله فى الرعد والنحل والنور والروم. قوله {مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ} فى هذه السورة وفى المائدة ولقمان (ما وجدنا) لأَن أَلْفيت يتعدى إِلى مفعولين، تقول: أَلفيت زيداً قائماً، ووجدت يتعدى مرة إِلى مفعول واحد: وجدت الضالة؛ ومرة إِلى مفعولين: وجدت زيداً قائماً؛ فهو مشترك. وكان الموضع الأَول باللفظ الأَخصّ أَولى؛ لأَن غيره إّذا وقع موقعه فى الثانى والثالث عُلم أَنه بمعناه. قوله {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً} وفى المائدة {لاَ يَعْلَمُوْنَ} لأَنَّ العِلم أَبلغ درجةً من العقل، ولهذا يوصف تعالى بالعلم، لا بالعقل؛ وكانت دعواهم فى المائدة أبلغ؛ لقولهم {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِءَابَآءَنَا} فادَّعَوا النهاية بلفظ (حَسْبنا) فنفى ذلك بالعلم وهو النِّهاية، وقال فى البقرة: {بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ} ولم يكن النِّهايةَ، فنفى بما هو دون العلم؛ ليكون كلُّ دعوَى منفيّة بما يلائمها. قوله {وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} قدَّم (به) فى هذه السورة، وأَخّرها فى المائدة، والأَنعام، والنحل؛ لأَن تقديم الباءِ الأَصلُ؛ فإِنها

تجرى مَجْرى الأَلِف والتشديدِ فى التَّعدِّى، وكان كحرف من الفعل، وكان الموضع الأَول أَوْلى بما هو الأَصل؛ ليُعلم ما يقتضيه اللفظُ، ثم قدم فيما سواها ما هو المُسْتنكر، وهو الذبح لغير الله، وتقديمُ ما هو الغرض أَولى. ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل، والحال على ذى الحال، والظرف على العامل فيه؛ إِذا كان (أَكثر فى) الغرض فى الإِخبار. قوله {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (بالفاءِ وفى السور الثلاث بغير فاء) لأَنه لمّا قال فى الموضع الأَوّل: {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} صريحاً كان النفى فى غيره تضميناً؛ لأَنّ قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} يدلّ على أَنه لا إِثم عليه. قوله {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، وفى الأَنعام {فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لأَن لفظ الرب تكرر فى الأَنعام (مرات ولأَن فى الأَنعام) قولَه {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جَنَّاتٍ} الآية وفيها ذكر الحُبُوب والثمار وأَتبعها بذكر الحيوان من الضأْن والمَعْز والإِبل والبقر وبها تربية الأَجسام (وكان) ذكر الرب بها أَليق.

قوله {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أولائك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النار} الآية هنا على هذا النسق، وفى آل عمران {أولائك لاَ خَلاَقَ لَهُمْ} لأَنَّ المنْكَر فى هذه السّورة أَكثر، فالتوعد فيها أَكثر: وإِن شئت قلت: زاد فى آل عمران {وَلاَ يُنْظَرُ إِلَيْهِمْ} فى مقابلة {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ} . قوله فى آية الوصيَّة {إِنَّ اللهَ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ} خُصَّ السَّمع بالذكر لما فى الآية من قوله {بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} ؛ ليكون مطابقاً. وقال فى الآية الأُخرى بعدها {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لقوله {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} فهو مطابق معنًى. قوله {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} (قيد) بقوله (منكم) وكذلك {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} ولم يقيَّد فى قوله {وَمَنْ كَانَ مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ} اكتفى بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ} ؛ لاتَّصاله "به". قوله {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا} ؛ وقال بعدها: {تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوْهَا} لأَن (حدود) الأَول نَهْى، وهو قوله: {وَلاَ تُبَاشِرُوْهُنَّ} وما كان من الحدود نهياً أَمر بترك المقاربة، والحدّ الثَّانى أَمْر وهو بيان

عدد الطلاق، بخلاف ما كان عليه العرب: من المراجعة بعد الطلاق من غير عدد، وما كان أَمراً أَمر بترك المجاوزة وهو الاعتداء. قوله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة} جميع ما فى القرآن من السؤال وقع الجوابُ عنه بغير فاء إِلاَّ فى قوله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا} فَإِنَّه بالفاء؛ لأَن الأَجوبة فى الجميع كانت بعد السّؤال؛ وفى طه قبل السّؤال؛ فكأَنه قيل: إِن سُئِلْت عن الجبال فقل. قوله {وَيَكُونَ الدين للَّهِ} فى هذه السّورة، وفى الأَنفال {كُلَُهُ للهِ} ؛ لأَن القتال فى هذه السُّورة مع أَهل مكَّة، وفى الأَنفال مع جميع الكفار، فقيّده بقوله (كلّه) . قوله {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} وفى آل عمران {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} الآية وفى التوبة {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} الآية الأُولى للنبى والمؤمنين، والثانى للمؤمنين، والثالث للمجاهدين. قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدنيا والآخرة} وفى آخر السّورة {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} ومثله فى الأَنعام، لأَنّه لمَّا بيّن فى الأوّل مفعول التفكّر

وهو قوله {فِي الدنيا والآخرة} حذفه ممّا بعده للعلم. وقيل (فى) متعلقه بقوله {يُبَيِّنُ الله} . قوله {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات} بفتح التاء والثّانى بضمّها، لأَن الأَول من (نكحت) والثانى مِن (أنكحت) ، وهو يتعدّى إِلى مفعولين والمفعول الأَول فى الآية (المشركين) والثانى محذوف وهو (المؤمنات) أَى لا تُنكحوا المشركين النسّاء المؤمنات حتى يؤمنوا. قوله {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ} أَجمعوا على تخفيفه إِلاَّ شاذّاً. وما فى غير هذه السورة فرئ بالوجهين، لأَن قبله {فَأَمْسِكُوهُنَّ} وقَبْل ذلك (فإِمساك) يقتضى ذلك التخفيف. قوله {ذلك يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ} وفى الطَّلاق {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ} الكاف فى ذلك لمجرّد الخطاب، لا محلّ له من الإِعراب فجاز الاقتصار على التَّوحيد، وجاز إِجراؤه على عدد المخاطبين. ومثله {عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} . وقيل: حيث جاء مُوَحَّدا فالخطاب للنبىّ صلَّى الله عليه وسلم. وخُصَّ بالتَّوحيد فى هذه الآية لقوله: {مَنْ كَانَ مِنْكُمْ} ، وجُمع فى الطَّلاق لمّا لم يكن بعدُ (منكم) . قوله {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بالمعروف} وقال فى

الأُخرى {مِنْ مَعْرُوْفٍ} ؛ لأَن تقدير الأَوَّل فيما فعلن فى أَنفسهنّ (بأَمر الله وهو المعروف والثانى فيما فعلن فى أَنفسهنّ) من فعل من أَفعالهنَّ معروف، أَى جاز فعله شرعاً. وقوله {وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم} ثمّ قال {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوْا} فكرّر تأْكيداً. وقيل ليس بتكرار؛ لأَن الأَوّل للجماعة، والثانى للمؤمنين. وقيل: كَرّره تكذيبا لمن زعم أَنَّ ذلك لم يكن بمشيئة الله. قوله {وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} بزيادة (من) موافقة لما بعدها؛ لأَن بعدها ثلاث آيات فيها (مِن) على التوالى؛ وهو قوله: {وَمَا تُنْفِقُوْا مِنْ خَيْرٍ} ثلاث مرات. قوله {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} (يغفر) مقدَّم هنا، وفى غيرها إِلا فى المائدة؛ فإِنَّ فيها {يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} لأَنها نزلت فى حقِّ السارق والسارقة، وعذابُهما يقع فى الدنيا فقُدّم لفظ العذاب، وفى غيرها قدّم لفظ المغفرة رحمة منه سبحانَه، وترغيباً للعباد فى المسارعة إِلى موجِبات المغفرة، جَعلَنا منهم آمين.

فضل السورة عن أَبى بُرَيدة عن أَبيه أَنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: "تعلَّموا البقرة؛ فإِن أَخذها بركة، وتركها حسرة، ولن يستطيعها البَطَلة". وقال صلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيطان لا يدخل بيتاً يُقرأُ فيه سورة البقرة" وعن عكرمة قال: أَول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة، مَنْ قَرأَها فى بيته نهاراً لم يدخل بيتَه شيطانٌ ثلاثة أَيّام. ومن قرأَها فى بيته ليلاً لم يدخله شيطان ثلاث ليال. ورُوى أَنَّ من قرأَها كان له بكلّ حرف أَجرُ مرابِطٍ فى سبيل الله. وعن أَنس قال [كان] الرّجل إِذا قرأَ سورة البقرة جَدّ فينا، أَى عَظُم فى أَعيننا. وعن ابن مسعود قال: كنَّا نعدّ من يقرأُ سورة البقرة مِن الفحول. وقد أَمَّرَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فتى على جماعة من شيوخ الصحابة كان يحسن سورة البقرة. وقال صلى الله عليه وسلم: "اقرءُوا الزّهراوين: البقرة وآل عمران فإِنَّهما يأْتيان يوم القيامة كأَنهما غَمَامتان أَو غَيَايتان أَو فِرْقان من طير صوافّ يحاجَّان عن

صاحبهما" وعنه صلَّى الله عليه وسلم أَنه قال: "يا علىُّ مَنْ قرأَ سورة البقرة لا تنقطع عنه الرحمة ما دام حيّا، وجعل الله البركة فى ماله: فإِن فى تعلّمها أَلفَ بركة، وفى قراءَتها عشرة آلاف بركة، ولا يتعاهدها إِلا مؤمن من أَهل الجنة، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ شِيث بن آدم عليهما السّلام. فمن مات من يوم قرأَها إِلى مائة يوم مات شهيداً".

بصيرة فى الم. الله

بصيرة فى الم. الله من أَسمائها سورة آل عمران، والسُّورة التى يذكر فيها آل عمران، والزَّهراء. وعمران المذكور هو عمران والد موسى وهارون عليهما السّلام وهو ابن يصهر بن فاهث بن لاوى بن يعقوب. وأَما عمران والد مريم فهو ابن ماتان بن أَسعراد بن أَبى ثور. وهذه السّورة مَدَنية باتِّفاق جميع المفسرين. وكذلك كلُّ سورة تشتمل على ذكر أَهل الكتاب. وعدد آياتها مئتان بإِجماع القُرَّاء. وكلماتها ثلاثة آلاف وأَربعمائة وثمانون. وحروفها أَربعة عشر أَلفاً وخمسمائة وخمسة وعشرون حرفاً. والآيات المختلف فيها سبع: الم، {الإِنْجِيل} الثانى، {أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} {وَرَسُولاً إِلَى بَنِى إِسْرَاءِيل} ، {مِمَّا تُحِبُّونَ} ، {مَقَامَ إِبْرَاهِيم} ، والإِنجيل الأَول فى قوله بعضهم.

مجموع فواصل آياتها (ل ق د اط ن ب م ر) يجمعها قولى: (لقد أَطنب مُرّ) والقاف آخر آية واحدة {ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} والهمز آخر ثلاث آيات {لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء} {إِنَّكَ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ} {كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} . ومضمون السّورة مناظرة وَفْد نجران، إِلى نحو ثمانين آية من أَوّلها، وبيان المحكَم، والمتشابِه، وذمٌّ الكفَّار، وَمَذَمَّة الدنيا، وشَرَفُ العُقْبى، ومدح الصَّحابة، وشهادة التَّوحيد، والرَّد على أَهل الكتاب، وحديث ولادة مَرْيم، وحديث كَفَالة زكريا، ودعائه، وذكر ولادة عيسى، ومعجزاته، وقصة الحَوَاريّين، وخبر المباهلة، والاحتجاج على النَّصارى، ثمّ أَربعون آية فى ذكر المرتدِّين، ثم ذكر خيانة علماء يهودَ، وذكر الكعبة، ووجوب الحج، واختيار هذه الأُمّة الفُضْلى، والنَّهى عن موالاة الكفار، وأَهل الكتاب، ومخالفى المِلَّةِ الإِسلامية. ثم خمس وخمسون آية فى قصّة حَرْب أُحُدٍ، وفى التخصيص، والشكوى من أَهل المركز، وعذر المنهزِمين، ومنع الخَوض فى باطل

المنافقين، (وتقرير قصّة الشهداء، وتفصيل غَزْوَة بدر الصغرى، ثم رجع إِلى ذكر المنافقين) فى خمس وعشرين آية، والطَّعن على علماء اليهود، والشكوى منهم فى نقض العهد، وترك بيانهم نعتَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المذكور فى التَّوراة، ثم دعواتِ الصحابة، وجدهم فى حضور الغزوات، واغتنامهم درجة الشهادة. وختم السورة بآيات الصبر والمصابرة والرِّباط. وأَمّا الناسخ والمنسوخ فى هذه السورة فخمس آيات: {وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ} . م بآية السّيف ن {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إِلى تمام ثلاث آيات م {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوْا} ن نزلت فى الستة الذين ارتدوا ثم تابوا وأَسلموا {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} {وَجَاهِدُوْا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ} م {فاتقوا الله مَا استطعتم} ن.

وأَما المتشابهات فقوله: {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} وفى آخرها {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد} فعَدَل من الخطاب إِلى لفظ الغَيبة فى أَول السورة، واستمر على الخطاب فى آخرها؛ لأَن ما فى أَول السورة لا يتصل بالكلام الأَول، كاتصال ما فى آخر السورة به؛ فإِن اتصال قوله {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} بقوله {إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيْهِ} معنوىّ، واتصال قوله {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد} بقوله {رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدْتَنَا} لفظىّ ومعنوىّ جميعاً؛ لتقدم لفظ الوعد. ويجوز أَن يكون الأَول استئنافاً، والآخر من تمام الكلام. قوله {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ الله} كان القياس: فأَخذناهم لكن لما عدل فى الآية الأُولى إِلى قوله {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} عدل فى هذه الآية أَيضا لتكون الآيات على منهج واحد. قوله {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إلاه إِلاَّ هُوَ} ثم كرّر فى آخر الآية، فقال: {لاَ إلاه إِلاَّ هُوَ} لأَن الأَول جَرَى مَجْرى الشهادة، وأَعاده ليجرى الثانى مجرى الحكم بصحّة ما شهد به الشهود. قوله {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} كرّره مرتين؛ لأَنه وعيد عُطف عليه وعيد آخر فى الآية الأُولى، فإِن قوله {وَإِلَى اللهِ الْمَصِيْر} معناه: مَصِيركم إِليه، والعقاب مُعَدٌّ له، فاستدركه فى الآية الثانية بوعد وهو قوله {وَاللهُ

رَءُوْفٌ بِالْعِبَادِ} والرأْفة أَشد من الرحمة. قيل: ومِن رأْفته تحذيرُه. قوله {قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر وامرأتي عَاقِرٌ} قدم فى السورة ذكر الكِبَر واخر ذكر المرأَة، وقال فى سورة مريم {وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً} فقدم ذكر المرأة لأَن فى مريم قد تقدم ذكر الكِبَر فى قوله {وَهَنَ العَظْمُ مِنِي} ، وتأَخر ذكر المرأَة فى قوله {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً} ثم أَعاد ذكرهما، فأَخر ذكر الكِبَر ليوافق (عتيا) ما بعده من الآيات وهى (سَويّاً) و (عشيّاً) و (صبيّاً) . قوله {قَالَتْ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} وفى مريم {قَالَتْ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} لأَن فى هذه السورة تقدم ذكرُ المسيح وهو ولدها، وفى مريم تقدم ذكر الغلام حيث قال {لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً} . قوله {فَأَنْفُخُ فِيْهِ} وفى المائدة (فيها) قيل: الضمير فى هذه يعود إِلى الطير، وقيل إِلى الطين، وقيل إِلى المهيَّأ، وقيل إِلى الكاف فإِنه فى معنى مثل. وفى المائدة يعود إلى الهيئة. وهذا جواب التذكير والتأنيث، لا جواب التخصيص، وإِنما الكلام وقع فى التخصيص وهل يجوز أَن يكون كل واحد منهما مكان الآخر أَم لا. فالجواب أَن يقال: فى هذه السُّورة إِخبار قبل الفعل، فوحَّده؛ وفى المائدة خطاب من الله له

يوم القيامة، وقد سَبَق من عيسى عليه السلام الفعلُ مرّات والطير صالح للواحد والجمع. قوله {بِإِذْنِ اللهِ} ذكره هنا مرتين، وفى المائدة {بِإِذْنِي} أَربعَ مرات لأَن ما فى هذه السُّورة من كلام عيسى، فما تصور أَن يكون من قِبَل البشر أَضافه إِلى نفسه، وهو الخَلْق الَّذى معناه التقدير، والنفخ الذى هو إِخراج الريح من الفم. وما [لا] يتصوّر أَضافه إِلى الله وهو قوله {فَيَكُوْنُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وأُبْرِئُ الأَكْمَهُ وَالأَبْرَصَ} مما [لا] يكون فى طوق البشر، فإِن الأَكمه عند بعض المفسرين الأَعمشُ، وعند بعضهم الأَعشى، وعند بعضهم من يولد أَعمى، وإِحياء الموتى من فعل الله فأَضافه إِليه. وما فى المائدة من كلام الله سبحانه وتعالى، فأَضاف جميع ذلك إلى صنعه إِظهاراً لعجز البشر، وأَن فعل العبد مخلوق الله. وقيل (بإِذن الله) يعود إِلى الأَفعال الثلاثة. وكذلك الثانى يعود إِلى الثلاثة الأُخرى. قوله {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ} وكذلك فى مريم و [فى] الزخرف فى هذه القصَّة {إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} بزيادة (هو) قال تاج القُراء إِذا قلت: زيد قائم فيحتمل أَن يكون تقديره: وعمرو قائم. فإذا قلت زيد هو القائم خصصت القيام به، وهو كذلك فى الآية. وهذا مثاله لأَن

(هو) يذكر فى هذه المواضع إِعلاماً بأَن المبتدأَ مقصور على هذا الخبر (وهذا الخبر) مقصور عليه دون غيره والذى فى آل عمران وقع بعد عشر آيات نزلت فى قصة مريم وعيسى، فاستغنت عن التأكيد بما تقدم من الآيات، والدَّلالة على أَن الله سبحانه وتعالى ربّه وخالقه لا أَبواه ووالده كما زعمت النصارى. وكذلك فى سورة مريم وقع بعد عشرين آية من قصتها. وليس كذلك ما فى الزخرف فإِنه ابتداء كلام منه فحسن التأكيد بقوله (هو) ليصير المبتدأ مقصوراً على الخبر المذكور فى الآية وهو إِثبات الربوبيَّة ونفى الأُبوّة، تعالى الله عند ذلك علوّاً كبيرًا. قوله {بِأَنَّا مُسْلِمُوْنَ} فى هذه السورة، وفى المائدة {بِأَنَّنَا مُسْلِمُوْنَ} لأَن ما فى المائدة أَول كلام الحَوَاريين، فجاءَ على الأَصل، وما فى هذه السورة تكرار كلامهم فجاز فيه التخفيف (لأَن التخفيف) فرع والتكرار فرع والفرع بالفرع أَولى. قوله {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُنْ} وفى البقرة {فَلاَ تَكُونَنَّ} لأَن ما فى هذه السورة جاءَ على الأَصل، ولم يكن فيها ما أَوجب إِدخال نون التأكيد [فى الكلمة؛ بخلاف سورة البقرة فإن فيها فى أَول القصة {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ] بنون التأكيد فأَوجب الازدواجُ إِدخال النون فى الكلمة فيصير التقدير: فلنولِّينَّك قبلة ترضاها فلا تكوننَّ من الممترين.

والخطاب فى الآيتين للنبى صلى الله عليه وسلم والمراد (به) غيره. قوله {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} وفى البقرة {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} [الهدى] فى هذه السورة هو الدين، وقد تقدم فى قوله {لِمَنْ تَبِعَ دِيْنَكُمْ} (وهدى الله الإِسلام، وكأَنه قال بعد قولهم {وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} قل إِن الدين عند الله الإِسلام كما سبق فى أَول السورة. والذى فى البقرة معناه القبلة لأَن الآية نزلت فى تحويل القبلة، وتقديره أَن قبلة الله هى الكعبة. قوله {مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً} ليس هاهنا (به) ولا واو العطف وفى الأَعراف {مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً} بزيادة (به) وواوِ العطف لأَنَّ القياس من آمن به، كما فى الأَعراف؛ لكنها حُذفت فى هذه السورة موافقة لقوله {وَمَنْ كَفَرَ} فإِن القياس فيه أَيضاً (كفر به) وقوله {تَبْغُونَهَا عِوَجاً} هاهنا حال والواو لا يزيد مع الفعل إِذا وقع حالاً، نحو قوله {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} و {دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ} وغير ذلك، وفى الأَعراف عطف على الحال؛ والحال قوله (توعدون) و (تصُدون) عطف عليه؛ وكذلك {تَبْغُونَهَا عِوَجاً} . قوله: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله العزيز الحكيم} هاهنا بإِثبات (لكم) وتأخير (به) وحذف

(إن الله) وفى الأَنفال بحذف (لكم) وتقديم (به) وإِثبات (إِن الله) لأَن البُشْرى للمخاطبين؛ فبين وقال (لكم) وفى الأَنفال قد تقدم لكم فى قوله {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} فاكتفى بذلك؛ وقدم (قلوبكم) وأَخر (به) إِزواجاً (بين المخاطبين "فقال إِلى بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به" وقدم "به" فى الأنفال إِزدواجاً) بين الغائبين فقال {ومَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ} وحذف (إِن الله) هاهنا؛ لأَن ما فى الأَنفال قصةُ بدر؛ وهى سابقة على ما فى هذه السورة، فإِنها فى قصة أُحد فأَخبر هناك أَن الله عزيز حكيم، فاستقر الخبر. وجعله فى هذه السورة صفة، لأَن الخبر قد سَبَق. قوله: {وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} بزيادة الواو لأَن الاتصال بما قبلها أَكثر من غيرها. وتقديره: ونعم أَجر العاملين المغفرةُ، والجنات، والخلودُ. قوله {رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} بزيادة الأَنفس، وفى غيرها {رَسُوْلاً مِنْهُمْ} لأَن الله سبحانه مَنَّ على المؤمنين به، فجعله من أَنفسهم؛ ليكون موجبُ المِنَّة أَظهر. وكذلك قوله: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} لمَّا وصفه بقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} جعله من أَنفُسهم ليكون موجب الإِجابة والإِيمان به أَظهر، وأَبين.

قوله {جَآءُوا بالبينات والزبر والكتاب المنير} هاهنا بباء واحدة، إلا فى قراءة ابن عامر، وفى فاطر {بالبينات وبالزبر وبالكتاب} بثلاث باءَات؛ لأَن ما فى هذه السورة وقع فى كلام مبنى على الاختصار، وهو إِقامة لفظ الماضى فى الشرط مُقام لفظِ المستقبل، ولفظُ الماضى أَخفُّ، وبناءُ الفعل بالمجهول، فلا يُحتاج إِلى ذكر الفاعل. وهو قوله: {فَإِنْ كَذَّبُوْكَ فَقَدْ كُذِّبَ} . [ثم] حذف الباءَات ليوافق الأَوّل فى الاختصار بخلاف ما فى فاطر فإِنَّ الشَّرط فيه بلفظ المستقبل والفاعل مذكور مع الفعل وهو قوله: {وَإِنْ يَكَذِّبُوْكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ثمّ ذكر بعده الباءَات؛ ليكون كله على نَسق واحد. قوله: {ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} وفى غيره: {ومَأْوَيهمْ جَهَنَّمُ} لأَن ما قبله فى هذه السورة {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ فِي البلاد مَتَاعٌ قَلِيلٌ} (أَى ذلك متاع فى الدنيا قليل) ، والقليل يدل على تراخٍ وإن صغر وقل، و (ثم) للتراخى وكان موافقا. والله أَعلم.

فضل السّورة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم: "تعلموا البقرة وآل عمران؛ فإِنَّهما الزهراوان، وإِنَّهما يأتيان يوم القيامة فى صُورة ملكين، يشفعان لصاحبهما، حتَّى يُدخِلاه الجنة" وتقدّم فى البقرةِ (يأتيان كأَنَّهما غَمامتان، أَو غيايتان، أَو فِرْقان من طير صوافّ، يُظِلاَّن قارئهما، ويشفعان) ويُروى بسند ضعيف: من قرأَ سورة آل عمران أُعطِى بكل آية منها أَماناً على جسر جهنَّم، يزوره فى كلِّ جمعة آدمُ ونوح وإِبراهيم وآل عمران، يَغْبطُونه بمنزلته من الله، وحديثُ علىٍّ (رَفعه) : من قرأَها لا يخرج من الدُّنيا حتَّى يرَى ربّه فى المنام؛ ذُكِر فى الموضوعات.

بصيرة فى.. يأيها الناس اتقوا ربكم

بصيرة فى.. يأيها الناس اتقوا ربكم هذه السّورة مدنيّة بإِجماع القُرَّاءِ. وعدد آياتها مائة وخمس وسبعون، فى عدّ الكوفىّ، وستّ فى عدِّ البصرىّ، وسبع فى عدّ الشَّامىّ. وكلماتها ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وأَربعون. وحروفها ستَّة عشر أَلفاً وثلاثون حرفاً. والآيات المختلف فيها {أَن تَضِلُّواْ السبيل} ، {عَذَابًا أَلِيْمًا} . مجموع فواصل الآيات (م ل ان) يجمعها قولك (مِلْنَا) فعلى اللاَّم آية واحدة (السّبيل) وعلى النُّون آية واحدة (مهين) وخمس آيات منها على الميم المضمومة، وسائر الآيات على الأَلف. واسم السّورة سورة النِّساءِ الكبرى، واسم سورة الطَّلاق سورةُ النِّساءِ الصّغرى.

وأَمّا ما اشتملت عليه السّورة مجملاً فبيان خِلْقة آدم وحوَّاءَ، والأَمر [بصلة] الرّحم، والنَّهى عن أَكل مال اليتيم، وما يترتَّب عليه من عظم الإِثم، والعذاب لآكليه، وبيان المناكحات، وعدد النساءِ، وحكم الصَّداق، وحفظ المال من السّفهاءِ، وتَجربة اليتيم قبل دفع المال إِليه، والرِّفْق بالأَقارب وقت قسمة الميراث، وحكم ميراث أَصحاب الفرائض، وذكر ذوات المحارم، وبيان طَوْل الحُرَّةِ، وجواز التَّزَوُّج بالأَمَة، والاجتناب عن الكبائر، وفضل الرّجال على النِّساءِ، وبيان الحقوق، وحكم السّكران وقت الصلاة، وآية التيُّمم، وذمّ اليهود، وتحريفهم التوراة، وردّ الأَمانات إِلى أَهلها، وصفة المنافقين فى امتناعهم عن قبول أَوامر القرآن، والأَمر بالقتال، ووجوب رَدِّ السّلام، والنَّهى عن موالاة المشركين، وتفصيل قَتْل العمد والخطأ، وفضل الهجرةِ، ووزْر المتأَخِّرين عنها، والإِشارة إِلى صلاة الخوف حال القتال، والنَّهى عن حماية الخائنين، وإِيقاعُ الصّلح بين الأَزواج والزَّوجات، وإِقامة الشهادات، ومدح العدل، وذمّ المنافقين، وذمّ اليهود، وذكر قَصْدهم قتل عيسى عليه السّلام، وفضل الرّاسخين فى العلم، وإِظهار فساد اعتقاد النَّصارى، وافتخار الملائكة والمسيح بمقام العبوديّة، وذكر ميراث الكلالة، والإِشارة إِلى أَنَّ الغرض من بيان الأَحكام صيانةُ الخَلْق من الضَّلالة، فى قوله {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوْا} أَى كراهة أَن تضلُّوا. وأَمّا النَّاسخ والمنسوخ فى هذه السّورة ففى أَربع وعشرين آية {وَإِذَا

حَضَرَ القسمة} م {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ} ن {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ} الآية م {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً} ن {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً} م {قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} ن {واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ} م (الثَّيِّب بالثيب) ن {واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ} م {الزانية والزاني فاجلدوا} ن {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله} بعض الآية م {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات} ن والآيتان مفسّرتان بالعموم والخصوص {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء كَرْهاً} م والاستثناء فى قوله {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفْ} ن وقيل الآية مُحكمة {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ} م والاستثناء فى قوله {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} ن {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ

النسآء} م والاستثناء فى قوله: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} ن وقيل الآية محكمة {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين} م والاستثناء منه ن فيما مضى {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ} م {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} وقول النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "أَلا وإِنى حَرَّمت المُتْعَة" ن {لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} م {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ} ن أَراد مؤاكلتهم {والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} م {وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} ن {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ} م آية السّيف ن {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُوْلُ} م {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِر لَهُمْ} ن {خُذُوْا حِذْرَكُمْ} م {لِيَنْفِرُوْا كآفَّة} ن {فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} م آية السّيف ن {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} م {فَاقْتُلُوْا الْمُشْرِكِينَ} ن {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ

عَدُوٍّ لَّكُمْ} م {بَرَآءَةٌ مِّنَ الله} ن {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً} م {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} ن وقوله {والذين لاَ يَدْعُونَ} إِلى قوله {وَمَنْ تَابَ} ن {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} م {إِلاَّ الذين تَابُواْ} ن {فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ} وقوله {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} م آية السّيف ن. المتشابهات فى هذه السورة: {والله عَلِيمٌ حَلِيمٌ} ليس غيره أَى عليم بالمُضارة، حليم عن المُضارة. قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا وذلك الفوز العظيم} بالواو، وفى براءَة (ذلك) بغير واو، لأَنَّ الجملة إِذا وقعت بعد أَجنبيَّة لا تحسن إِلاَّ بحرف العطف. وإِن كان بالجملة الثانية ما يعود إِلى الجملة الأَولى حسن إِثبات حرف العطف، وحسن الحذف؛ اكتفاءً بالعائد. ولفظ (ذلك) فى الآيتين يعود إِلى ما قبل الجملة، فحسن الحذف والإِثبات فيهما. ولتخصيص هذه السّورة بالواو وجهان لم يكونا فى براءَة: أَحدهما موافقة

ما قبلها، وهى جملة مبدوءَة بالواو، وذلك قوله {وَمَنْ يَطِعِ الله} ؛ والثانى موافقة ما بعدها، وهو قوله: (وَلَهُ) بعد قوله: {خَالِداً فِيهَا} وفى براءَة [أَوعد] أَعداءَ الله بغير واو، ولذلك قال (ذلك) بغير واو. وقوله: {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} فى أَوّل السّورة، وبعدها {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} وفى المائدة {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ} لأَنَّ ما فى أَوّل السورة وقع فى حقِّ الأَحرار المسلمين، فاقتُصِر على لفظ {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} والثانية فى الجوارى، وما فى المائدة فى الكتابيّات فزاد {وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ} حرمة للحرائر المسلمات، ولأَنهنَّ إِلى الصّيانة أَقرب، ومن الخيانة أَبعد، ولأَّنَّهنَّ لا يتعاطين ما يتعاطاه الإِماءُ والكتابيَّات من اتِّخاذ الأَخدان. قوله: {فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} فى هذه السّورة وزاد فى المائدة (منه) لأَنَّ المذكور فى هذه بعضُ أَحكام الوضوءِ والتيمّم، فحسن الحذف؛ والمذكور فى المائدة جميع أَحكامهما، فحسن الإِثبات والبيان. قوله: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} ختم الآية مرة بقوله (فقد افترى) ومرّة بقوله (فقد ضلَّ) لأَنَّ الأَوّل نزل فى اليهود، وهم الَّذين افتروْا على الله ما ليس فى كتابهم، والثَّانى نزل فى الكفار، ولم يكن لهم كتاب فكان ضلالهم أَشدّ.

قوله {يَا أَيُّهَآ الذين أُوتُواْ الكتاب} وفى غيرها (يأهل الكتاب) لأَنَّه سبحانه استخفَّ بهم فى هذه الآية، وبالغ، ثمّ ختم بالطمس، وردِّ الوجوه على الأَدبار، واللَّعن، وأَنَّها كلَّها واقعة بهم. قوله {دَرَجَة} ثمّ فى الاية الأُخرى {دَرَجَات} لأَنَّ الأُولى فى الدُّنيا والثانية فى الجنة. وقيل: الأُولى بالمنزلة، والثانية بالمنزل. وهى درجات. وقيل: الأُولى على القاعدين بعُذْر، والثانية على القاعدين بغير عذر. قوله: {وَمَن يُشَاقِقِ الرسول} بالإِظهار هنا وفى الأَنفال، وفى الحشر بالإِدغام، لأَنَّ الثانى من المثلين إِذا تحرّك بحركة لازمة وجب إِدغام الأَوّل فى الثانى؛ أَلا ترى أَنَّك تقول ارْدُدْ بالإِظهار، ولا يجوز ارْدُدَا وارددوا وازددى، لأَنها تحركت بحركة لازمة (والأَلف واللام فى "الله" لازمتان، فصارت حركة القاف لازمة) و (ليس) الأَلف واللاَّم فى الرّسول كذلك. وأَمَّا فى الأَنفال فلانضمام (الرّسول) إليه فى العطف لم يدغم؛ لأَنَّ التقدير فى القاف أَن قد اتَّصل بهما؛ فإِنَّ الواو يوجب ذلك. قوله {كُونُواْ قَوَّامِينَ بالقسط شُهَدَآءَ للَّهِ} ، وفى المائدة: {قَوَّامِينَ

للَّهِ شُهَدَآءَ بالقسط} لأَنَّ (الله) فى هذه السّورة متصل ومتعلِّق بالشَّهادة، بدليل قوله: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} أَى ولو تشهدون عليهم، وفى المائدة متَّصل ومتعلِّق بقوّامين، والخطاب للولاة بدليل قوله: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ} الآية. قوله: {إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوْهُ} وفى الأَحزاب {إِن تُبْدُواْ شَيْئاً} لأَنَّ هنا وقع الخير فى مقابلة السّوءِ فى قوله: {لاَ يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسَّوْءِ} والمقابلة اقتضت أَن يكون بإِزاءِ السُّوءِ الخيرُ، وفى الأَحزاب بعد (ما فى قلوبهم) فاقتضى العموم، وأَعمُّ الأَسماءِ شىءٌ. ثم ختم الآية بقوله: {فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا} . قوله: {وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} وباقى ما فى هذه السّورة {مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} لأَنَّ الله سبحانه ذكر أَهلَ الأَرض فى هذه الآية تبعاً لأَهل السّماوات، ولم يفردهم بالذكر لانضمام المخاطَبين إِليهم ودخولهم فى زُمْرتهم وهم كفَّارُ عبدة الأَوثان، وليسوا المؤْمنين ولا من أَهل الكتاب لقوله {وَإِنْ تَكْفُرُوْا} فليس هذا قياساً مُطَّرِداً بل علامة. قوله {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء} بواو العطف وقال فى آخر السّورة {يَسْتَفْتُونَكَ} بغيرواو، لأَنَّ الأَوّل لمّا اتَّصل بما بعده وهو قوله: {فِي النسآء} وصله بما قبله بواو العطف والعائد جميعاً، والثَّانى لَمَّا انفصل عمّا

بعده اقتصر من الاتِّصال على العائد وهو ضمير المستفتين و [ليس] فى الآية متَّصل بقوله: {يَسْتَفْتُونَكَ} لأَنَّ ذلك يستدعى: قل الله يفتيكم فيها أَى فى الكلالة، والذى يتَّصل بيستفتونك محذوف، يحتمل أَن يكون (فى الكلالة) ، ويحتمل أَن يكون فيما بدالهم من الوقائع. فضل السّورة رُوى عن النبى صلَّى الله عليه وسلَّم: مَنْ قرأَ سورة النِّساءِ فكأَنَّما تصدّق على كلِّ مَن ورثَ ميراثاً، وأُعطى من الأَجر كمن اشترى محرَّراً، وبرئ من الشرك، وكان فى مشيئة الله مِن الَّذين يتجاوز عنهم. وعنه صلَّى الله عليه وسلَّم منْ قرأَ هذه السّورة كان له بعدد كلِّ امرأَة خلقها الله قنطاراً من الأَجر، وبعددهنَّ حسناتٍ ودرجات، وتزوّج بكلِّ حرف منها زوجةً من الحُور العين. ويروى: يا علىّ، مَنْ قرأَ سورة النِّساءِ كُتب له مثلُ ثواب حملة العرش، وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب مَن يموت فى طريق الجهاد. هذه الأَحاديث ضعيفة جدًّا وبالموضوعات أَشبه والله أَعلم.

بصيرة فى.. يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود

بصيرة فى.. يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود اعلم أَنَّ هذه السّورة مَدَنيَّة بالإِجماع سوى آية واحدة {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فإِنَّها نزلت يوم عَرَفة فى الموقف، ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم راكب على ناقته العضباءِ، فسقطت الناقةُ على ركبتيها من ثِقَل الْوَحْى، وشرف الآية. عدد آياتها مائة وعشرون فى عدّ الكوفىّ، واثنتان وعشرون فى عَد الحجاز والشأْم، وثلاث وعشرون فى عَدِّ البصرىّ. وكلماتها أَلفان وثمان مائة وأَربع، وحروفها أَحَدَ عشر أَلفاً، وتسع مائة وثلاثة وثلاثون حرفاً. المختلف فيها ثلاث: العقود، {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} ، {فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} . وفواصل آياتها (ل م ن د ب ر) يجمعها (لم ندبّر) اللام فى ثلاث كلّها سبيل. واسمها سورة المائدة، لاشتمالها على قِصّة نزول المائدة من السّماءِ، وسورةُ

الأَحبار؛ لاشتمالها على ذكرهم فى قوله: {والربانيون والأحبار} وقوله: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الربانيون والأحبار} . وجملة مقاصد السّورة المشتملة عليها: الأَمرُ بوفاءِ العهود، وبيان ما أَحلَّه الله تعالى من البهائم، وذكر تحريم المحرّمات، وبيان إِكمال الدِّين، وذكر الصيد، والجوارح، وحِلّ طعام أَهل الكتاب، وجوازُ نكاح المحصنات منهن، وتفصيل الغُسْل، والطَّهارة، والصّلاَة، وحكم الشهادات، والبيّنات وخيانة أَهل الكتاب القرآنَ، ومن أُنزل عليه، وذكر المنكرَات من مقالات النصارى، وقصّة بنى إِسرائيل مع العمالقة، وحبس الله تعالى إِيَّاهم فى التِّيه بدعاءِ بلْعَام، وحديث قتل قابيل أَخاه هابيل، وحكم قُطَّاع الطريق، وحكم السّرقة، وحَدّ السُّرَّاق، وذمّ أَهل الكتاب، وبيان نفاقهم، وتجسسهم وبيان الحكم بينهم، وبيان القِصاص فى الجراحات، وغيرها، والنَّهى عن موالاة اليهود والنَّصارى، والرّدّ على أَهل الرّدّة، وفضل الجهاد، وإِثبات ولاية الله ورسوله للمؤْمنين، وذمِّ اليهود (فى) قبائح أَقوالهم، وذمّ النّصارى بفاسد اعتقادهم، وبيان كمال عداوة الطَّائفتين للمسلمين، ومدح أَهل الكِتاب الَّذين قدِموا من الحبشة، وحكم اليمين، وكفَّارتها، وتحريم الخمر، وتحريم الصّيد على المُحْرم، والنهى عن السؤالات الفاسدة،

وحكم شهادات أَهل الكتاب، وفَصل الخصومات، ومحاورة الأُمم رسلَهم فى القيامة، وذكر معجزات عيسى، ونزول المائدة، وسؤال الحقِّ تعالى إِيّاه فى القيامة تقريعاً للنصارى، وبيان نفع الصدق يوم القيامة للصّادقين. الناسخ والمنسوخ: فى هذه السّورة تسع آيات {لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله} م [ {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ن {إِنَّمَا جَزَآءُ الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} م] {إِلاَّ الذين تَابُواْ} ن للعموم {فَإِن جَآءُوكَ فاحكم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} م {وَأَنِ احكم بَيْنَهُم} ن للتخيير: وقيل: هى محكمة {مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ} م آية السّيف ن {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} م آخر الآية ن جُمع فيها الناسخ [والمنسوخ] وهى من نوادر آيات القرآن {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} فى السّفر من الدين م {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ن نسخت لشهاداتهم فى السّفر والحضر {فَإِنْ عُثِرَ} م ذَوَىْ عدل منكم ن {ذلك أدنى أَن يَأْتُواْ بالشهادة} م شهادة أَهل الإِسلام ن. المتشابهات: قوله {واخشون اليوم} بحذف الياءِ، وكذلك {واخشون وَلاَ

تَشْتَرُواْ} وفى البقرة وغيرها {وَاخْشَوْنِى} بإِثبات الياءِ، لأَنَّ الإِثبات هو الأَصل، وحذف و {واخشون اليوم} من الخطِّ لمَّا حذف من اللفظ، وحذف {واخشون} و (لا) موافقة لما قبها. قوله: {واتقوا الله إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} ثمّ أَعاد فقال: {واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} لأَنَّ الأَوّل وقع على النِّيَّة، وهى ذات الصّدور، والثانى على العمل. وعن ابن كَثير أَنَّ الثانية نزلت فى اليهود، وليس بتكرار. قوله: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} وقال فى الفتح {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وقع ما فى هذه السّورة موافقة لفواصل الآى، ونصب ما فى الفتح موافقة للفواصل أَيضاً، ولأَنَّه مفعول (وعد) ، وفى مفعول (وعد) فى هذه السّورة أَقوال: أَحدها محذوف دلَّ عليه (وَعَد) ، خلاف ما دل عليه أَوْعَدَ أَى خيراً. وقيل: محذوف، وقوله: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} تفسيره. وقيل: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} جملة وقعت مَوْقع المفرد، ومحلَّها نصب، كقول الشَّاعر: وجدنا الصَّالحين لهم جزاءٌ ... وجنَّات وعينا سلسبيلاً فعطف (جنَّات) على (لهم جزاءٌ) . وقيل: رفع على الحكاية، لأَنَّ الوعد قول؛ وتقديره قال الله: لهم مغفرة. وقيل: تقديره: أَن لهم مغفرة، فحذف (أَنَّ) فارتفع ما بعده.

قوله: {يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ} وبعده {يُحَرِّفُونَ الكلم مِنْ بَعْدِ مَّوَاضِعِهِ} لأَنَّ الأُولى فى أَوائل اليهود، والثَّانية فيمن كانوا فى زمن النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلم، أَى حرّفوها بعد أَن وضعها الله مواضعها، وعرفوها وعملوا بها زماناً. قوله: {وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} كرّر لأَنَّ الأُولى [فى اليهود] والثانية فى حَقِّ النَّصارى. والمعنى: لن ينالوا منه نصيباً. وقيل: معناه: تركوا بعض ما أُمروا به. قوله: {يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ} ثمّ كرّرها، فقال: {يَا أَهْلَ الكتاب} لأَنَّ الأُولى نزلت فى اليهود حين كتموا (صفات النبى صلى الله عليه وسلم، وآية الرجم من التوراة، والنصارى حين كتموا) بشارة عيسى بمحمّد صلَّى الله عليه وسلم فى الإِنجيل، وهو قوله: {يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب} ثمّ كرّر فقال: {وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ} فكرّر {يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ} أَى شرائعكم فإِنكم على ضلال لا يرضاه الله، {عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} أَى على انقطاع منهم ودُرُوس ممّا جاءُوا به. قوله: {وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} ،

ثم كرّر فقال: {وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ المصير} لأَنَّ الأُولى نزلت فى النَّصارى حين قالوا: إِنَّ الله هو المسيح بن مريم، فقال: ولله ملك السّماوات والأَرض وما بينهما ليس فيهما معه شريك، ولو كان عيسى إلهاً لاقتضى أَن يكون معه شريكاً، ثمّ من يذُبّ عن المسيح وأُمِّه وعَمّن فى الأَرض جميعاً إِن أَراد إِهلاكَهم، فإِنَّهم مخلوقون له، وإِنَّ قدرته شاملة عليهم، وعلى كل ما يريد بهم. والثانية نزلت فى اليهود والنصارى حين قالوا: نحن أَبناءُ الله وأَحبّاؤُه فقال: ولله ملك السّماوات والأَرض وما بينهما، والأَب لا يملك ابنه ولا يعذِّبه، وأَنتم مصيركم إِليه، فيعذِّب من يشاءُ منكم، ويغفر لمن يشاءُ. قوله: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا} وقال فى سورة إِبراهيم {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا} لأَنَّ تصريح اسم المخاطب مع حرف الخطاب يدُلُّ على تعظيم المخاطب به و [لمَّا] كان ما فى هذه السّورة نِعماً جساماً ما عليها من مزيد وهو قوله {جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن العالمين} صرّح، فقال: يا قوم، ولموافقة ما قبله وما بعده من النداءِ وهو {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا} {ياموسى إِنَّ فِيهَا} {ياموسى إِنَّا} ولم يكن ما فى إِبراهيم بهذه المنزلة فاقتصر على حرف الخطاب.

قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله} كرّره ثلاث مرّات، وختم الأُولى بقوله: الكافرون، والثانية بقوله: الظَّالمون، والثالثة بقوله: الفاسقون، قيل: لأَنَّ الأُولى نزلت فى حكَّام المسلمين، والثانية فى اليهود، والثالثة فى النَّصارى. وقيل: الكافر والظَّالم والفاسق كلَّها بمعنى واحد، وهو الكفر، عُبِّر عنه بأَلفاظ مختلفة؛ لزيادة الفائدة، واجتناب صورة التكرار. وقيل: ومن لم يحكم بما أَنزل الله إِنكاراً له فهو كافر، ومن لم يحكم بالحقِّ جهلاً وحَكمَ بضدّه فهو فاسق، ومن لم يحكم بالحق مع اعتقاده وحكم بضدّه فهو ظالم، وقيل: ومن لم يحكم بما أَنزل الله فهو كافر بنعمة الله، ظالم فى حكمه، فاسق فى فعله. قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ} {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} كرّر لأَنَّ النَّصارى اختلفت أَقوالهم، فقالت اليعقوبيّة: الله تعالى ربّما تجلَّى فى بعض الأَزمان فى شخص، فتجلَّى يومئذ فى شخص عيسى، فظهرت منه المعجزات، وقالت الملكانيّة الله اسم يجمع أباً وابنا وروح القدس، اختلف بالأَقانيم والذاتُ واحدة. فأَخبر الله عزَّ وجلَّ أَنَّهم كلَّهم كفَّار. قوله: {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً

رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذلك الفوز العظيم} ذكر فى هذه السّورة هذه الخلال جملة؛ لأَنها أَوّل ما ذكِرت، ثمّ فُصِّلت. فضل السّورة عن ابن عمر أَنَّه قال: نزلت هذه السّورة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وهو على راحلته، فلم يستطع أَن تحمله، حتى نزل عنها. ويروى بسند ضعيف: من قرأَ هذه السّورة أُعطى من الأَجر بعَدَد كلِّ يهودىّ ونَصرانىّ فى دار الدّنيا عشر حسنات، ومُحى عنه عشرُ سيّئات، ورُفع له عشرُ درجات. وفى رواية: مَنْ قرأَ هذه السّورة أُعطى بكل يهودىّ ونصرانىّ على وجه الأَرض ذَرّات، بكلِّ ذرّة منها حسنةٌ، ودرجات كلُّ درجة منها أَوسع من المشرق إِلى المغرب سبعمائة أَلف أَلف؛ ضعيف. ويروى أَنَّه قال: يا علىّ مَن قرأَ سورة المائدة شَفَع له عيسى، وله من الأَجر مثل أُجور حَوَاريىّ عيسى، ويُكتب له بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب عُمَّار بيت المَقْدِس.

بصيرة فى.. الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض

بصيرة فى.. الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض هذه السورة مكّيّة، سوى ستّ آيات منها: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} إِلى آخر ثلاث آيات {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} إلى آخر ثلاث آيات. هذه الآيات السّت نزلت بالمدينة فى مرّتين، وباقى السّورة نزلت بمكة دفعة واحدة. عدد آياتها مائة وخمس وستون آية عند الكوفيّين، وستّ عند البصريّين والشَّأْميّين، وسبع عند الحجازىّ. وعدد كلماتها ثلاثة آلاف واثنتان وخمسون كلمة وعدد حروفها اثنا عشر أَلفاً ومائتان وأَربعون. والمختلف فيها أَربع آيات {الظلمات والنور} {بِوَكِيلٍ} {كُنْ فَيَكُوْن} {إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} . فواصل آياتها (ل م ن ظ ر) يجمعها (لمَ نظر) .

ولهذه السّورة اسمان: سورة الأَنعام، لما فيه من ذكر الأَنعام مكرّراً {وَقَالُواْ هاذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ} {وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشاً} {وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا} ، وسورة الحُجّة؛ لأَنَّها مقصورة على ذكر حُجّة النبوّة. وأَيضاً تكرّرت فيه الحجّة {وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ} {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة} . مقصود السّورة على سبيل الإِجمال، ما اشتمل على ذكره: من تخليق السّماوات والأَرض، وتقدير النُّور والظلمة، وقضاءِ آجال الخَلْق، والرّد على منكِرى النبوّة، وذكر إِنكار الكفَّار فى القيامة، وتمنّيهم الرّجوع إِلى الدّنيا، وذكر تسلية الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم عن تكذيب المكذِّبين، وإِلزام الحجّة على الكفار، والنَّهى عن إِيذاءِ الفقراءِ، واستعجال الكفَّار بالعذاب، واختصاص الحقّ تعالى بالعلم المغيّب، وقهره، وغلبته على المخلوقات، والنَّهى عن مجالسة النَّاقضين ومؤانستِهم، وإِثبات البعث والقيامة، وولادة الخليل عليه السلام، وعرْض الملَكوت عليه، واستدلاله، حال خروجه من الغار، ووقوع نظره على الكواكب، والشمس، والقمر، ومناظرة قومه، وشكاية أَهل الكتاب، وذكرهم حالة النزع، وفى القيامة، وإِظهار بُرْهان التَّوحيد ببيان البدائع والصّنَائع،

والأَمر بالإِعراض عن المشركين، والنَّهى عن سبِّ الأَصنام، وعُبّادها، ومبالغة الكفَّار فى الطّغيان، والنَّهى عن أَكل ذبائح الكفَّار، ومناظرة الكفار، ومحاورتهم فى القيامة، وبيان شَرْع عَمْرو بن لُحىّ فى الأَنعام بالحلال والحرام، وتفصيل محرّمات الشريعة الإِسلامية، ومُحْكَمَات آيات القرآن، والأَوامر والنَّواهى من قوله تعالى {قُلْ تَعَالُوْا} إِلى آخر ثلاث آيات، وظهور أَمارات القيامة، وعلاماتها فى الزَّمن الأَخير، وذكر جزاءِ الإِحسان الواحد بعشرة، وشكر الرّسول على تبرّيه من الشرك، والمشركين، ورجوعه إِلى الحق فى مَحياه ومَمَاته، وذكر خلافة الخلائق، وتفاوت درجاتهم، وختم السّورة بذكر سرعة عقوبة الله لمستحِقِّيها، ورحمته، ومغفرته لمستوجبيها، بقوله {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيْمٌ} . النَّاسخ والمنسوخ الآيات المنسوخة فى السّورة أَربعَ عشرة آية {إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} م {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} ن {قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} م آية السّيف ن {وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ} إِلى قوله {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُوْنَ} م {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ} ن {وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ} م {قَاتِلُواْ

الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} ن {قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ} م آية السّيف ن {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} م آية السّيف ن {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله} م آية السّيف ن {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} م آية السّيف ن {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَليه} م {اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} ن {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} م آية السّيف ن {إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} م آية السّيف ن. المتشابهات قوله: {فَقَدْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ} وفى الشعراءِ {فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ} لأَنَّ سورة الأَنعام متقدّمة فقيّد التكذيب بقوله: {بالحق لَمَّا جَآءَهُمْ} ثمّ قال: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ} على التمام، وذكر فى الشعراءِ {فَقَدْ كَذَّبُواْ} مطلقا؛ لأَن تقييده فى هذه السّورة يدلّ عليه، ثمّ اقتصر على السّين هناك بد (فسوف) ليتَّفق اللفظان فيه على الاختصار. قوله {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا} فى بعض المواضع بغير واو؛ كما فى هذه السّورة، وفى بعضها بالواو، وفى بعضها بالفاءِ؛ هذه الكلمة تأتى فى القرآن على وجهين: أَحدهما متَّصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة، فذكره بالأَلف

والواو، ليدلّ الألف على الاستفهام، والواو على عطف جملة على جملة قبلها، وكذا الفاءُ، ولكنَّها أَشدّ اتِّصالاً بما قبلها، والثانى متَّصل بما الاعتبارُ فيها بالاستدلال، فاقتُصِر على الأَلف دون الواو والفاءِ، ليجرى مَجْرَى الاستئناف؛ ولا يَنْقُصُ هذا الأَصلَ قوله {أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير} فى النَّحل؛ لاتِّصالها بقوله {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} وسبيله الاعتبار بالاستدلال، فبنى عليه {أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير} . قوله {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض [ثُمَّ انظروا} فى هذه السورة فحسب. وفى غيرها: {سِيرُواْ فِي الأرض] فَاْنظُرُواْ} لأَنَّ ثُمَّ للتراخى، والفاءَ للتعقيب، وفى هذه السّورة تقدّم ذكرُ القرون فى قوله {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} ثمّ قال {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًاءَاخَرِيْنَ} فأُمِرُوا باستقراءِ الدِّيار، وتأَمُّل الآثار، وفيها كثرة فيقع ذلك (فى) سير بعد سير، وزمان بعد زمان، فخصّت بثمّ الدّالة على التَّراخى بعد الفعلين، ليُعلَم أَنَّ السّير مأمور به على حِدَة؛ ولم يتقدّم فى سائر السّور مثلُها، فخُضّت بالفاءِ الدَّالة على التعقيب. قوله {الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ليس بتكرار لأَنَّ الأَوّل فى حقِّ الكفَّار، (والثانى) فى حقِّ أَهل الكتاب.

قوله {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ [لاَ يُفْلِحُ الظالمون} وقال فى يونس (فمن) بالفاءِ، وخَتم الآية بقوله {إِنَّهُ] لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُوْنَ} لأَنَّ الآيات الَّتى تقدّمت فى هذه السّورة عُطِف بعضها على بعض بالواو، وهو قوله {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هاذا القرآن لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ ... وَإِنَّنِي بَرِيءٌ} ثمّ قال: {وَمَنْ أَظْلَمُ} وخَتَم الآية بقوله: {الظالمون} ليكون آخر الآية [موافقا للأَول. وأَما فى سورة يونس فالآيات التى تقدمت عطف بعضها على بعض بالفاءِ وهو قوله: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ثم قال: فمن أَظلم (بالفاءِ وختم الآية] بقوله: {المجرمون} أَيضاً موافقة لما قبلها وهو قوله: {كذلك نَجْزِي القوم المجرمين} فوصفهم بأَنَّهم مجرمون، وقال بعده {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض مِن بَعْدِهِم} فختم الآية بقوله: المجرمون ليعلم أَنَّ سبيل (هؤُلاءِ سبيل) مَن تقدّمهم. قوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} وفى يونس {يَسْتَمِعُونَ} لأَنَّ ما فى هذه السّورة نَزَل فى أَبى سفيان، والنَّضْر بن الحارث، وعُتْبَة، وشَيْبَةَ، وأُمَيَّةُ، وأُبىّ بن خَلَفَ، فلم يكثروا ككثرة قوله (مَن) فى يونس لأَنَّ المراد بهم جميع الكفَّار، فحمل هاهنا مرَّة على لفظ (مَنْ) فوُحِّدَ؛

لقلًَّتهم، ومرَّة على المعنى، فجمع؛ لأَنَّهم وإِن قَلُّوا جماعةٌ. وجُمع ما فى يونس ليوافق اللَّفظ المعنى. وأَمَّا قوله فى يونس: {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} فسيأْتى فى موضعه إِن شاءَ الله تعالى. قوله: {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار} ثمّ أَعاد فقال: {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ} لأَنَّهم أَنكروا النَّار فى القيامة، وأَنكروا الجزاءَ والنَّكال، فقال فى الأُولى: {إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار} ، وفى الثَّانية {عَلَى رَبِّهِمْ} أَى جزاءِ ربِّهم ونكالِه فى النار، وختم بقوله: {فَذُوْقُوْا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُوْنَ} . قوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} ليس غيره. وفى غيرها بزيادة (نموت ونحيا) لأَنَّ ما فى هذه السّورة عند كثير من المفسرين متَّصل بقوله ولو رُدُّوا لعادوا لما نُهوا عنه وقالوا إِن هى إِلاَّ حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ولم يقولوا ذلك، بخلاف ما فى سائر السُّوَر؛ فإِنهم قالوا ذلك؛ فحكى الله تعالى عنهم. قوله: {وَمَا الحياة الدنيآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} قدّم اللَّعب على اللَّهو فى موضعين هنا، وكذلك فى القتال، والحديد، وقدّم اللَّهو على اللَّعب فى الأَعراف، والعنكبوت، وإِنما قدّم اللَّعب فى الأَكثر لأَنَّ

اللعب زمانه الصبا واللهو زمانه الشباب، وزمان الصبا مقدّم على زمان الشباب. يُبَيِّنه ما ذكر فى الحديد {اعْلَمُوْا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ} كلعب الصبيان {وَلَهْوٌ} كلهو الشبَّان {وَزِيْنَةٌ} كزينة النِّسوان {وَتَفَاخُرٌ} كتفاخر الإِخوان {وَتَكَاثُرٌ} كتكاثر السُّلطان. وقريب من هذا فى تقديم لفظ اللعب على اللَّهو قوله {وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ} وقدّم اللَّهو فى الأَعراف لأَنَّ ذلك فى القيامة، فذكر على ترتيب ما انقضى، وبدأَ بما به الإِنسان انتهى من الحالتين. وأَما العنكبوت فالمراد بذكرها زمانُ الدُّنيا، وأَنَّه سريع الانقضاءِ، قليل البقاءِ، وإِنَّ الدَّار الآخرة لهى الحيوان أَى الحياة الَّتى لا بداية لها، ولا نهاية لها، فبدأَ بذكر اللهو؛ لأَنَّه فى زمان الشَّباب، وهو أَكثر من زمان اللعب، وهو زمان الصِّبا. قوله: {أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة} ثمّ قال: {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} وليس لهما ثالث. وقال: فيما بينهما {أَرَأَيْتُمْ} وكذلك فى غيرها، ليس لهذه الجملة فى العربيّة نظير، لأَنَّه جمْع بين علامَتَى خطاب، وهما التاءُ والكاف، والتَّاءُ اسم بالإِجماع، والكاف حرف عند البصريين يفيد الخطاب فحسْبُ، والجمع بينهما يدلُّ على أَن ذلك تنبيه على شىء، ما عليه من مزيد، وهو ذكر

الاستئصال بالهلاك، وليس فيما سواهما ما يدلّ على ذلك، فاكتُفِىَ بخطاب واحد والله أَعلم. قوله {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُوْنَ} فى هذه السورة، وفى الأَعراف: {يَضَّرَّعُوْنَ} بالإِدغام لأَنَّ هاهنا وافق ما بعده وهو قوله: {جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوْا} ومستقبل تضرَّعوا يتضرَّعون لا غير. قوله: {انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات} مكرّر؛ لأَنَّ التقدير: انظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصْدِفُونَ عنها؛ فلا نُعرض عنهم بل نكرّرها لعلهم يفقهون. قوله: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله ولا أَعْلَمُ الغيب ولا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} فكرّر {لَكُمْ} وقال فى هود {وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} فلم يكرّر {لَكُمْ} لأَنَّ فى هود تقدّم {إِنِّيْ لَكُمْ نّذِيْرٌ} وعَقِبه {وَمَا نَرَى لَكُمْ} وبعده {أَنْ أَنْصَحُ لَكُمْ} فلمّا تكرّر {لَكُمْ} فى القصّة أَربع مرَّات اكتفى بذلك. قوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى لِلْعَالَمِينَ} فى هذه السّورة، وفى سورة يوسف: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} منوَّناً؛ لأَنَّ فى هذه السّورة تقدّم {بَعْدَ} {وَلَكِنْ ذِكْرَى} فكان {الذِّكْرَى} أَليقَ بها. قوله: {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} فى هذه السّورة؛ وفى آل عمران: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحي}

وكذلك فى الرّوم، ويونس {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} لأَنَّ [ما] فى هذه السّورة وقعت بين أَسماءِ الفاعلين وهو فالق الحبّ، فالق الإِصباح وجاعل اللَّيل سكناً، واسم الفاعل يُشْبه الاسم من وجه، فيدخله الأَلفُ واللاَّم، والتنوينُ، والجرُّ (من وجه) وغير ذلك، ويشبه الفعل من وجه، فيعمل عمل الفعل، ولا يثنى و (لا) يجمع إِذا عمل، وغير ذلك. ولهذا جاز العطف عليه بالاسم نحو قوله: الصّابرين والصّادقين، وجاز العطف عليه بالفعل نحو قوله: {إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ الله قَرْضاً حَسَناً} ، ونحو قوله: {سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} فلمّا وقع بينهما ذكر {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} بلفظ الفعل و {وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} بلفظ الاسم؛ عملاً بالشّبَهَين وأُخِّر لفظ الاسم؛ لأَنَّ الواقع بعده اسمان، والمتقدّم اسم واحد، بخلاف ما فى آل عمران؛ لأَنَّ ما قبله وما بعده أَفعال. وكذلك فى يونس والرّوم قبله وبعده أَفعال. فتأَمّل فيه؛ فإِنّه من معجزاتِ القرآن. قوله {قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ثمّ قال: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيات

لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} وقال بعدهما {إِنَّ فِي ذلكم لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأَنَّ مَن أَحاط علماً بما فى الآية الأُولى صار عالِماً، لأَنَّه أَشرف العلوم، فختم بقوله: يعلمون؛ والآية الثانية مشتملة على ما يَستدعى تأمُّلاً وتدبُّراً، والفقه علم يحصل بالتفكُّر والتدبُّر، ولهذا لا يوصف به الله سبحانه وتعالى، فختم الآية بقوله: {يَفْقَهُونَ} ومَنْ أَقَرَّ بما فى الآية الثالثة صار مؤمناً حَقّاً، فختم الآية بقوله {يُؤْمِنُوْنَ} وقوله {ذلكم لآيَاتٍ} فى هذه السّورة، لظهور الجماعات وظهور الآيات (عمّ جميع) الخطاب وجُمع الآيات. قوله: {أَنْشَأَكُمْ} ، وفى غيرها {خَلَقَكُمْ} لموافقة ما قبلها، وهو {أَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ} وما بعدها {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ} . قوله: {مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} ، وفى الآية الأُخرى {مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} لأَنَّ أَكثر ما جاءَ فى القرآن من هاتين الكلمتين جاءَ بلفظ التَّشابه، نحو قوله: {وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} {إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا} {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فجاءَ {مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} فى الآية الأُولى و {مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} فى الآية الأُخرى على تلك القاعدة. ثمّ كان لقوله "تشابه" معنيان: أَحدهما الْتَبس، والثانى تساوى، وما فى

البقرة معناه: الْتبس فحَسْب، فبيّن بقوله: {مُشْتَبِهاً} ومعناه: ملتبساً أَنَّ ما بعده من باب الالتباس أَيضاً، لا من باب التساوى والله أَعلم. قوله: {ذلكم الله رَبُّكُمْ لا إلاه إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فى هذه السورة، وفى المؤمن {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إلاه إِلاَّ هُوَ} ؛ لأَنَّ فيها قبله ذكر الشركاء، والبنين، والبنات، فدفع قول قائله بقوله: لا إِله إِلاَّ هو، ثمّ قال {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وفى المؤْمن قبله ذكر الخَلْق وهو {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} لا على نفى الشَّريك، فقدم فى كل سورة ما يقتضيه ما قبله من الآيات. قوله: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} وقال فى الآية الأُخرى من هذه السّورة: {وَلَوْ شَآءَ الله مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} لأَنَّ قوله: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ} وقع عقِيب آيات فيها ذِكر الرّب مرّات وهى {جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ} الآيات ... فختمها بذكر الرّب؛ ليوافق {أُخْرَاهَا أُوْلاَهَا} . قوله: {وَلَوْ شَآءَ الله مَا فَعَلُوهُ} وقع بعد قوله {وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ} فختم بما بدأَ. قوله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ} وفى ن: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} بزيادة الباء، ولفظ الماضى؛ لأَنَّ

إِثبات الباء هو الأَصل؛ كما فى {ن والقلم} وغيرها من السّور؛ لأَن المعنى لا يعمل فى المفعول به، فقُوَّى بالباءِ. وحيث حُذفت أَضِمرَ فعل يعمل فيما بعده. وخصّت هذه السّورة بالحذف موافقة لقوله: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وعُدِل إِلى لفظ المستقبل؛ لأَنَّ الباءَ لمّا حُذِفتْ الْتبس اللفظ بالإِضافة - تعالى الله عن ذلك - فنبّه بلفظ المستقبل على قطع الإِضافة؛ لأَنَّ أَكثر ما يستعمل بلفظ (أَفعل مَنْ) يستعمل مع الماضى؛ أَعلم مَن دَبّ ودَرَجَ، وأَحسن مَن قام وقعدَ، وأَفضل من حجّ واعتمر. فتنبّهْ فإِنَّه مِن أَسرار القرآن. قوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَ} بالفاءِ حيث وقع، وفى هود {سَوْفَ تَعْلَمُوْنَ} بغير فاء؛ لأَنَّه تقدّم فى هذه السورة وغيرها (قل) فَأَمرهم أَمْرَ وعيد بقوله (اعملوا) أَى اعملوا فستجزَونَ، ولم يكن فى هود (قل) فصار استئنافاً. وقيل: {سَوْفَ تَعْلَمُوْنَ} فى سورة هود صفة لعامل، أَى إِنّى عامل سوف تعلمون، فحَذَف الفاءَ. قوله {سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} ، وقال فى النحل: {وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا

مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ ولا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} فزاد {مِن دُونِهِ} مرّتين، وزاد (نحن) لأَنَّ لفظ الإِشراك يدل على إِثبات شريك لا يجوز إِثباته، ودلَّ على تحريم أَشياءَ، وتحليل أَشياءَ من دون الله، فلم يحتج إِلى لفظ {مِن دُونِهِ} ؛ بخلاف لفظ العبادة؛ فإِنَّها غير مستنكرة، وإِنَّما المستنكرة عبادة شىء مع الله سبحانه وتعالى ولا يدل على تحريم شئ مما دلَّ عليه (أَشرك) ، فلم يكن بُدٌّ (من تقييده بقوله: "من دونه". ولَمَّا حذف "من دونه" من الآية مرَّتين حذف معه (نحن) لتطَّرد الآية فى حكم التَّخْفيف. قوله: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وفى سبحان {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} على الضِّدّ؛ لأَنَّ التقدير: من إِملاق [بكم] نحن نرزقكم وإِياهم وفى سبحان: خشية إِملاق يقع بهم نحن نرزقهم وإِيَّاكم. قوله: {ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وفى الثانية {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وفى الثالثة {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ} لأَنَّ الآية (الأُولى) مشتملة على خمسة أَشياء، كلُّها عظام جسَام، وكانت الوصيّة بها من أَبلغ الوصايا، فختم الآية بما فى الإِنسان من أَشرف السّجايا (وهو العقل) الَّذى امتاز به

الإِنسان عن سائر الحيوان؛ والآية الثانية مشتملة على خمسة أَشياء يقبح تعاطيها وارتكابها، وكانت الوصيّة بها تجرى مجْرَى الزَّجر والوعظ، فختم الآية بقوله: {تَذَكَّرُونَ} أَى تتَّعظون بمواعظ الله؛ والآية الثالثة مشتملة على ذكر الصّراط المستقيم، والتَّحريض على اتباعه، واجتناب مُنافيه، فختم الآية بالتَّقوى الَّتى هى مِلاك العمل وخير الزَّاد. قوله: {جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرض} فى هذه السّورة، وفى يونس والملائكة {جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض} لأَنَّ فى هذه العشر الآيات تكرّر ذكر المخاطبين مرَّات، فعرّفهم بالإِضافة؛ وقد جاءَ فى السّورتين على الأَصل، وهو {جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِيْنَ فِيْهِ} . قوله: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العقاب وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال فى الأَعراف {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} لأَنَّ ما فى هذه السّورة وقع بعد قوله {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} وقوله: {وَهُوَ الَّذِيْ جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرض} فقُيِّد قوله: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} بالَّلام ترجيحاً للغفران على العقاب. ووقع ما فى الأَعراف بعد قوله: {وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} وقوله: {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} فقيّد العقاب بالَّلام لما تقدّم من الكلام، وقيّد المغفرة أَيضا بها رحمةً منه للعباد؛ لئلاَّ يترجّح جانب الخوف على الرّجاءِ. وقدّم {سَرِيْعُ الْعِقَابِ} فى الآيتين مراعاة لفواصل الآى.

فضل السّورة عن النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: "نزلت علىَّ سورةُ الأَنعام جملةً واحدة يُشيّعها سبعون أَلفَ مَلَك، لهم زَجَل بالتسبيح، والتحميد فمن قرأَ سورة الأَنعام صلَّى عليه أَولئك السّبعون أَلف مَلَك، بعدد كل آية من الأَنعام، يوماً وليلة، وخلق الله من كلِّ حرف مَلكاً يستغفرون له إِلى يوم القيامة" وعنه صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: "مَنْ قرأَ ثلاث مرّات من أَوّل سورة الأَنعام إِلى قوله: {وَنَعْلَمُ مَا تَكْسِبُوْنَ} وَكل الله به أَربعين أَلف مَلَك، يكتبون له مثل عبادتهم إِلى يوم القيامة، ونزل مَلَك من السّماءِ السّابعة، ومعه مِرْزَبَّة من حديد، فإِذا أَراد الشيطان أَن يوسوس ويوحى فى قلبه شيئاً ضربه بها ضربة كانت بينه وبينه سبعون حجاباً، فإّذا كان يوم القيامة يقول الرّب تبارك وتعالى: عِشْ فى ظلِّى وكُلْ من ثمار جنَّتى، واشرب من ماءِ الكوثر، واغتسل من ماءِ السّلسبيل، وأَنت عبدى، وأَنا ربّك". وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "من قرأَ هذه السّورة كان له نور من جميع الأَنعام الَّتى خلقها الله فى الدّنيا ذَرّاً بعدد كل ذرٍّ أَلفُ حسنة ومائة أَلف درجة" ويروى أَنَّ هذه السّورة معها من كلِّ سماءِ أَلفُ أَلف مَلَك لهم زَجَل بالتَّسبيح والتَّهليل، فمن قرأَها تستغفر له تلك اللَّيلة. وعن جعفر الصّادق أَنَّه قال:

من قرأَ هذه السّورة كان من الآمنين يوم القيامة. وإِن فيها اسم الله [فى] تسعين موضعاً. فمن قرأَها يغفر له سبعين مرّة. وعن النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم: "يا علىّ مَنْ قرأَ سورة الأَنعام كُتِب اسمه فى ديوان الشهداءِ، ويأْخذ ثواب الشُّهداءِ، وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب الراضين بما قسم الله لهم". وقال كعب الخير فُتحت التوراة بقوله (الحمد لله الذى خلق السماوات والأَرض) وختمت بقوله {الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} .

بصيرة فى.. ألمص

بصيرة فى.. ألمص هذه السّورة نزلت بمكة إِجماعاً. وعدد آياتها مائتان وستُّ آيات فى عدّ قرّاءِ كوفة والحجاز، وخمس فى عدّ الشَّام والبصرة. وكلماتها ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمس وعشرون كلمة. وحروفها أَربعة عشر أَلفا وثلاثمائة وعشرة أَحرف. والآيات المختَلف فيها خمس: المص {بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} {ضِعْفاً مِّنَ النار} على بنى إِسرائِيل. مجموع فواصل آياته (م ن د ل) على الدّال منها آية واحدة: المص، وعلى اللاَّم واحدة: آخرها إِسرائيل. ولهذه السّورة ثلاثة أَسماء: سورة الأَعراف، لاشتمالها على ذكر الأَعراف فى {ونادى أَصْحَابُ الأعراف} وهى سُور بين الجنَّة والنَّار. الثَّانى سورة الميقات؛ لاشتمالها على ذكر ميقات موسى فى قوله: {وَلَمَّا جَآءَ

موسى لِمِيقَاتِنَا} . الثالث سورة الميثاق؛ لاشتمالها على حديث الميثاق فى قوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} وأشهرها الأَعراف. مقصود السّورة على سبيل الإِجمال: تسليةُ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم فى تكذيب الكفَّار إِيَّاه (و) ذكر وزن الأَعمال يوم القيامة، وذكر خَلْق آدم، وإِباءُ إِبليس من السّجدة لآدم، ووسوسته لهما لأَكل الشّجرة، وتحذير بنى آدمَ من قبول وسوسته، والأَمر باتِّخاذِ الزِّينة، وستر العورة فى وقت الصّلاة، والرّد على المكذِّبين، وتحريم الفواحش ظاهراً وباطناً، وبيان مَذَلَّة الكُفَّار فى النَّار، ومناظرة بعضهم بعضاً، ويأسهم من دخول الجنَّة، وذكر المنادِى بين الجنَّة والنَّار، ونداء أَصحاب الأَعراف لِكلا الفريقين وتمنِّيهم الرّجوع إِلى الدّنيا، وحُجّة التوحيد، والبرهان على ذات الله تعالى وصفاته، وقصة نوح والطُّوفان، وذكر هود وهلاك عاد، وحديث صالح وقهر ثمود، وخبر لوط وقومه، وخبر شُعَيْب وأَهل مَدْيَن، وتخويف الآمنين من مكر الله، وتفصيل أَحوال موسى (وفرعون والسّحرة، واستغاثة بنى إِسرائيل، وذكر الآيات المفصَّلات، وحديث خلافة هارون، وميقات موسى) ، وقصّة عِجْل السّامِرىّ فى غَيْبَةِ موسى و (رجوع موسى) إِلى قومه، ومخاطبته لأَخيه هارون، وذكر النبى الأُمِّىّ العربىّ صلى الله عليه وسلم، والإِشارة إِلى ذكر الأَسباط، وقصّة أَصحاب السّبْت، وأَهْل أَيْلة، وذم علماءِ أَهل الكتاب، وحديث الميثاق ومعاهدة الله تعالى الذَّرية وطرد

بَلْعام بسبب ميله إِلى الدنيا، [و] نصيب جهنَّم من الجنِّ والإِنس، وتخويف العباد بقرب يوم القيامة، وإِخفاء علمه على العالمين، وحديث صحبة آدم وحواء فى أَوّل الحال، وذمّ الأَصنام وعُبّادها وأَمر الرّسول بمكارم الأَخلاق، وأَمر الخلائق بالإِنصات والاستماع لقراءَة القرآن، وخُطْبة الخطباءِ يوم الجمعة، والإِخبار عن خضوع الملائكة فى الملكوت، وانقيادهم بحضرة الجلال فى قوله: {يُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} . المتشابهات: قوله: {مَا مَنَعَكَ} هنا، وفى ص {ياإبليس مَا مَنَعَكَ} وفى الحِجْر {قَالَ ياإبليس مَالَكَ} بزيادة {ياإبليس} فى السورتين؛ لأَن خطابه قَرُب من ذكره فى هذه السّورة وهو قوله: {إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ} فحسن حذف النِّداءَ والمنادى، ولم يقرب فى ص قربَه منه فى هذه السّورة؛ لأَن فى ص {إِلاَّ إِبْلِيسَ استكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين} بزيادة {استكبر} فزاد حرف النِّداءِ والمنادى، فقال: {ياإبليس مَا مَنَعَكَ} وكذلك فى الحِجْر فإِنَّ فيها {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُوْنَ مَعَ السَّاجِدِينَ} بزيادة (أَبَى) فزاد حرف النِّداء والمنادى فقال {ياإبليس مَالَكَ} . قوله: {أَلاَّ تَسْجُدَ} وفى ص {أَنْ تَسْجُدَ} وفى الحِجْر {أَلاَّ تَكُونَ} فزاد فى هذه السّورة (لا) . وللمفسِّرين فى (لا) أَقوال: قال بعضهم: (لا) صِلَة

كما فى قوله: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ} . وقال بعضهم: الممنوع من الشىء مضطّر إِلى خلاف ما مُنِع منه. وقال بعضهم: معناه: مَنْ قال لك: لا تسجدْ. وقد ذكر فى مطوّلات مبسوطة. والذى يليق بهذا الموضع ذكرُ السبب الذى خَصَّ هذه السّورة بزيادة (لا) دون السّورتين. قال تاج القرّاء: لمّا حُذِف منها (يا إِبليس) واقتُصر على الخطاب جُمع بين لفظ المنع ولفظ (لا) زيادةً فى النفى، وإِعلاماً أَنَّ المخاطب به إِبليس؛ خلافاً للسّورتين؛ فإِنه صرّح فيهما باسمه. وإِن شئت قلت: جمع فى هذه السّورة بين ما فى ص والحِجْر، فقال: ما منعك أَن تسجد، مالك أَلاَّ تسجد، وحذف (مالك) لدلالة (الحال ودلالة) السّورتين عليه، فبقى: ما منعك أَلاَّ تسجد. وهذه لطيفة فاحفظها. قوله: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} ، وفى ص مثله. وقال فى الحجر: {لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ} فجاءَ على لفظ آخر، لأَنَّ السّؤال فى الأَعراف وص: ما منعك، فلمّا اتَّفق السّؤال اتَّفق الجواب، وهو قوله: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} ، ولمّا زاد فى الحجر لفظ الكون فى السّؤال وهو قوله {مَالَكَ أَلاَّ تَكُوْنَ مَعَ السَّاجِدِيْنَ} زاد فى الجواب أَيضاً لفظ الكون فقال: {لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ} . قوله: {أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وفى الحجر وفى ص {رَبِّ فَأَنْظِرْنِّى} لأَنه سبحانه لمّا اقتصر فى السّؤال على الخطاب دون صريح الاسم فى هذه

السّورة، اقتصر فى الجواب أَيضاً على الخطاب، دون ذكر المنادى. وأَمَّا زيادة الفاء فى السّورتين دون هذه السّورة فلأَنَّ داعية الفاء ما تضمّنه النِّداء من أَدْعو أَو أنادى؛ نحو قوله: {رَبَّنّا فَاغْفِرْ لَنَا} أَى أَدعوك، وكذلك داعية الواو فى قوله: {رَبَّنَا وَآتِنَا} فحذف المنادَى، فلمّا حذفه انحذفت الفاء. قوله: {إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} هنا، وفى السّورتين (فإِنّك) ؛ لأَنَّ الجواب يُبنى على السّؤال، ولمّا خلا السّؤال فى هذه السّورة عن الفاءِ خلا الجواب عنه، ولمّا ثبت الفاءُ فى السّؤال فى السّورتين ثبتت فى الجواب، والجواب فى السّور الثلاث إِجابة، وليس باستجابة. قوله: {فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي} فى هذه السّورة وفى ص {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ} ، وفى الحِجْر: {رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي} لأَنَّ ما فى هذه السّورة موافق لما قبله فى الاقتصار على الخطاب دون النداءِ، وما فى الحِجْر موافق لما قبله من مطابقة النِّداءَ، وزاد فى هذه السّورة الفاءَ التى هى للعطف ليكون الثانى مربوطاً بالأَوّل، ولم يدخل فى الحجر، فاكتفى بمطابقة النداءِ (لامتناع النداءِ) منه؛ لأَنَّه ليس بالذى يستدعيه النداءُ؛ فإِن ذلك يقع مع

السّؤال والطلب، وهذا قسم عند أَكثرهم بدليل ما فى ص، وخبرٌ عند بعضهم. والَّذى فى ص على قياس ما فى الأَعراف دون الحِجْر؛ لأَنَّ موافقتهما أكثر على ما سبق، فقال: {فَبِعِزَّتِكَ} وهو قسم عند الجميع، ومعنى {بِمَا أَغْوَيْتَنِي} يئول إِلى معنى {فَبِعِزَّتِكَ} والله أَعلم. وهذا الفصل فى هذه السّورة برهان لامع. وسأَل الخطيبُ نفسَه عن هذه المسائل، فأَجاب عنها، وقال: إِنَّ اقتصاص ما مضى إِذا لم يُقصد به أَداءُ الأَلفاظ بعينها، كان اتِّفاقها واختلافها سواءً إِذا أَدّى المعنى المقصود، وهذا جواب حسن إِن رضِيت به كُفِيت مُؤَنة السّهر إِلى السّحر. قوله: {قَالَ اخرج مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً} ليس فى القرآن غيره؛ لأَنَّه سبحانه لمّا بالغ فى الحكاية عنه بقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} الآية بالغ فى ذمّه فقال: اخرج منها مذءُوماً مدحوراً، والذَّأْم أَشدّ الذم. قوله: (فكلا) سبق فى البقرة. قوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} بالفاءِ [حيث] وقع إِلاَّ فى يونس، فإِنَّه جملة عُطفت على جملة بينهما اتِّصال وتعقيب، وكان الموضع لائقا بالفاءِ، وما فى يونس يأتى فى موضعه.

قوله: {وَهُمْ بالآخرة كَافِرُونَ} ما فى هذه السّورة جاءَ على القياس، وتقديره: وهم كافرون بالآخرة، فقدّم (بالآخرة) تصحيحاً لفواصل الآية، وفى هود لمّا تقدّم {هاؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ} ثمّ قال: {أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ولم يقل (عليهم) والقياس ذلك التبس أَنَّهم هم أَم غيرهم، فكرّر وقال: {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ} ليعلم أَنَّهم هم المذكورون لا غيرهم، وليس (هم) هنا للتَّأْكيد كما زعم بعضهم؛ لأَنَّ ذلك يزاد مع الأَلف واللاَّم، ملفوظاً أَومقدّراً. قوله: {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح} هنا، وفى الرّوم بلفظ المستقبل وفى الفرقان وفاطر بلفظ الماضى، لأَنَّ ما قبلها فى هذه السّورة ذِكر الخوف والطَّمع، وهو قوله: {وَادْعُوْهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} وهما يكونان فى المستقبل لا غير، فكان (يرسل) بلفظ المستقبل أَشبه بما قبله، وفى الرّوم قبله {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ} فجاءَ بلفظ المستقبل ليوافق ما قبله. وأَمَّا فى الفرقان فإِنَّ قبله {كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} الآية (وبعد الآية) (وهو

الَّذى جعل لكم [ومرج وخلق] وكان الماضى أَليق به. وفى فاطر مبنىّ على أَوّل السّورة {الحمد للَّهِ فَاطِرِ السماوات والأرض جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً} وهما بمعنى الماضى، فبنى على ذلك (أَرسل) بلفظ الماضى؛ ليكون الكلّ على مقتضَى اللَّفظ الَّذى خصّ به. قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً} هنا بغير واو، وفى هود والمؤمنين (ولقد) بالواو؛ لأَنَّه لم يتقدّم فى هذه السّورة ذكرُ رسول فيكونَ هذا عطفاً عليه، بل هو استئناف كلام. وفى هود تقدّم ذكرُ الرُّسُل مرّات، وفى المؤمنين تقدّم ذكر نوح ضِمناً؛ لقوله {وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُوْنَ} ؛ لأَنَّه أَوّل مَن صَنعَ الفلك، فعطف فى السّورتين بالواو. قوله: {أَرْسَلْنَا نُوْحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ} بالفاءِ هنا، وكذا فى المؤمنين فى قصّة نوح، وفى هود فى قصّة نوح، {إِنِّي لَكُمْ} بغير فاء، وفى هذه السّورة فى قصّة عاد بغير فاء؛ لأَنَّ إِصبات الفاءِ هو الأَصل، وتقديره أَرسلنا نوحاً فجاءَ فقال، فكان فى هذه السّورة والمؤمنين على ما يوجبه اللَّفظ. وأَمّا فى هود فالتقدير: فقال إِنى فأَضمر ذلك قال، فأَضمر معه الفاءَ. وهذا كما قلنا فى قوله: {فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ

أَكْفَرْتُمْ} أَى فقال لهم: أَكفرتم، فأَضمر القول والفاءَ معاً وأَمّا فى قصّة عاد فالتقدير: وأَرسلنا إِلى عاد أَخاهم هوداً فقال، فأَضمر أَرسلنا، وأَضمر الفاءَ؛ لأَنَّ الفاء لفظ (أَرسلنا) . قوله: {قَالَ الملأ} بغير واو فى قصّة نوح وهود فى هذه السّورة، وفى هود والمؤمنين (فقال) بالفاء، لأَن ما فى هذه السورة فى القصّتين لا يليق بالجواب وهو قولهم لنوح {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ظَلاَلٍ مُبِين} وقولهم لهود {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِين} بخلاف السّورتين، فإِنَّهم أَجابوا فيهما بما زعموا أَنَّه جواب. قوله: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ} فى قصّة نوح وقال فى قِصّة هود {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِيْنٌ} لأَنَّ ما فى هذه الآية {أُبَلِّغُكُمْ} بلفظ المستقبل، فعطف عليه {وَأَنصَحُ لَكُمْ} كما فى الآية الأُخرى {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} فعطف الماضى (على الماضى) ، فكن فى قصّة هود قابل باسم الفاعل قولهم له {وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِين} ليقابَل الاسم بالاسم.

قوله: {أُبَلِّغُكُمْ} فى قصّة نوح وهود بلفظ المستقبل وفى قصّة صالح وشعيب {أَبْلَغْتُكُمْ} بلفظ الماضى، لأَنَّ [ما] فى قصّة نوح وهود وقع فى ابتداءِ الرّسالة، و [ما] فى قصّة صالح وشُعَيب وقع فى آخر الرّسالة، ودُنوّ العذاب. قوله: {رِسَالاَتُ رَبِّي} فى القِصَصِ إِلاَّ فى قصّة صالح؛ فإِنَّ فيها (رسالة) على الواحدة لأَنَّه سبحانه حَكَى عنهم بعد الإِيمان بالله والتقوى أَشياءَ أُمِروا بها إِلاَّ فى قصّة صالح؛ فإِنَّ فيها ذكر الناقة فقط، فصار كأَنَّه رسالة واحدة. وقوله: {بِرِسَالاَتِي وبِكَلاَمِي} مختلف فيهما. قوله: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ والذين مَعَهُ فِي الفلك وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} وفى يونس {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك} لأَنَّ أَنجينا ونجّينا للتَّعدّى، لكنَّ التشديد يدلّ على الكثرة والمبالغة، وكان فى يونس {وَمَنْ مَعَهُ} ولفظ (من) يقع على أَكثر ممّا يقع عليه (الَّذين) لأَنَّ (مَن) يصلح للواحد والاثنين، والجماعة، والمذكر، والمؤَنَّث، بخلاف الذين فإِنَّه لجمع المذكر فحسب، وكان التَّشديد مع (مَن) أَليق.

قوله: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفى هود، {وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} وفى الشعراءِ {وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} لأَنَّ فى هذه السّورة بالغ فى الوعظ، فبالغ فى الوعيد، فقال: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وفى هود لمّا اتَّصل بقوله {تَمَتَّعُوْا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} وصفه بالقرب فقال: {عَذَابٌ قَرِيبٌ} وزاد فية الشعراءِ ذكر اليوم لأَنَّ قبله: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} والتقدير: لها شرب يوم معلوم، فختم الآية بذكر اليوم، فقال: عذاب يوم عظيم. قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} على الواحدة وقال: {وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} حيث ذكرَ الرّجفة وَهى الزلزلة وَحّد الدّار، وحيث ذكر الصّيحة جَمَعَ؛ لأَنَّ الصّيحة كانت من السّماءِ، فبلوغها أَكثر وأَبلغ من الزلزلة، فاتَّصل كلُّ واحد بما هو لائق به. قوله: {مَّا نَزَّلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} وفى غيره {أَنْزَلَ} لأَنَّ أَفعل كما ذكرنا آنفاً للتعدّى، وفَعَّل للتعدّى والتَّكثير، فذكر فى الموضع الأَوّل بلفظ المبالغة؛ ليجرى مجرى ذكر الجملة والتفصيل، أَو ذكر الجنس والنَّوع، فيكون الأَوّل كالجنس، وما سواه كالنَّوع.

قوله: {وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتاً} فى هذه السّورة، وفى غيرها {مِنَ الْجِبَال} لأَنَّ [ما] فى هذه السّورة تقدّمه {مِنْ سُهُوْلِهَا قُصُورًا} فاكتفى بذلك. قوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المجرمين} وفى غيرها {فَسَآءَ مَطَرُ المنذرين} لأَنَّ ما فى هذه وافق ما بعده وهو قوله {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} . قوله: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة} بالاستفهام، وهو استفهام تقريعٍ وتوبيخ وإِنكار، وقال بعده: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُوْنَ} فزاد مع الاستفهام (إِنَّ) لأَن التقريع والتَّوبيخ والإِنكار فى الثانى أَكثر. ومثله فى النَّمل: {أَتَأْتُوْنَ} وبعده أَئِنكم وخالف فى العنكبوت فقال: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة} {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال} فجمع بين أَئِنَّ وأَئن وذلك لموافقة آخِر القصّة، فإِنَّ فى الآخر {إِنَّا مُنَجُّوْكَ} و {إِنَّا مُنْزِلُوْنَ} فتأَمّل فيه؛ فإِنَّه صعب المستخرج. قوله: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} هنا بلفظ الاسم، وفى النَّمل {قَوْمٌ تَجْهَلُوْنَ} بلفظ الفعل. أَو لأَنَّ كلّ إِسراف جهل وكلَّ جهل إِسراف، ثمّ ختم الآية بلفظ الاسم؛ موافقة لرءُوس الآيات المتقدّمة، وكلها أَسماءُ:

للعالمين، الناصحين، المرسلين، جاثمين، كافرون، مؤْمنون، مفسدون. وفى النَّمل وافق ما قبلها من الآيات، وكلها أَفعال: تبصرون، يتَّقون، يعملون. قوله: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} بالواو فى هذه السّورة. وفى سائر السّور (فما) بالفاءِ؛ لأَنَّ ما قبله اسم، والفاء للتعقيب، والتعقيب يكون مع الأَفعال. فقال فى النَّمل {تَجْهَلُوْنَ فَمَا كَانَ} وكذلك فى العنكبوت {وَتَأْتُوْنَ فِي نَادِيْكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ} وفى هذه السّورة {مُسْرِفُوْنَ وَمَا كَانَ} . قوله: {أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ} فى هذه السّورة وفى النَّمل {أخرجوا آلَ لُوطٍ} ما فى هذه السّورة كناية فسّرها ما فى السورة الَّتى بعدها، وهى النَّمل ويقال: نزلت النَّمل أَوّلاً، فصرّح فى الأُولى، وكَنَّى فى الثانية. قوله: {كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} (هاهنا، وفى النمل: {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الغابرين} أَى كانت فى علم الله من الغابرين) . قوله: {بَمِا كَذَّبُوْا مِنْ قَبْل} هنا وفى يونس {بِمَا كَذَّبُوْا بِهِ} لأَنَّ أَوّل القصّة هنا {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا} وفى الآية {ولاكن كَذَّبُواْ} وليس بعدها الباء، فخَتَم القصّة بمثل ما بدأَ به، فقال: كذَّبوا من قبل. وكذلك فى يونس وافق ما قبله وهو {كَذَّبُوْهُ} {فَنَجَّيْنَاهُ} ثمّ

{كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} فخَتَم بمثل ذلك، فقال: {بِمَا كَذَّبُوْا بِهِ} . وذهب بعض أَهل العلم إِلى أَنَّ ما فى حقِّ العقلاءِ من التكذيب فبغير الباء؛ نحو قوله: كذَّبوا رسلى، وكذَّبوه، وغيره؛ وما فى حقِّ غيرهم بالباءِ؛ نحو كَّذبوا بآياتنا وغيرها. وعند المحقِّقين تقديره: فكذَّبوا رسلنا بردِّ آياتنا، حيث وقع. قوله: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله} ، وفى يونس {نَطْبَعُ} بالنون؛ لأَنَّ فى هذه السّورة قد تقدّم ذكر الله سبحانه بالتَّصريح، والكناية، فجمع بينهما فقال: {وَنَطْبَعُ على قُلوبِهِم} بالنّون، وختم الآية بالتَّصريح فقال: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله} وأَمّا فى يونس فمبنىّ على ما قبله: من قوله: {فَنَجَّيْنَاهُ} {وَجَعَلْنَاهُمْ} {ثُمَّ بَعَثْنَا} بلفظ الجمع، فختم بمثله، فقال: {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوْبِ الْمُعْتَدِين} . قوله: {قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هاذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} وفى الشعراءِ {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ} ؛ لأَنَّ التقدير فى هذه الآية: قال الملأُ من قوم فرعون وفرعونُ بعضُهم لبعض، فحذف (فرعون) لاشتمال الملأ من قوم فرعون على اسمه؛ كما قال: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} أَى آل فرعون وفرعون، فحذف (فرعون) ، لأَنَّ آل فرعون اشتمل على اسمه. فالقائل هو فرعون نفسه

بدليل الجواب، وهو (أَرْجِه) بلفظ التوحيد، والملأ هم المقول لهم؛ إِذ ليس فى الآية مخاطبون بقوله: {يُخْرِجُكُمْ مِنْ أَرَْضِكُمْ} غيرهم. فتأَمّل فيه فإِنَّه برهان للقرآن شاف. قوله: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} وفى الشعراءِ {مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ} لأَنَّ الآية (الأُولى فى هذه السورة بنيت على الاقتصار [وليس] كذلك الآية) الثانية، ولأَنَّ لفظ السّاحر يدل على السّحر. قوله: {وَأَرْسِلْ} ، وفى الشعراءِ: {وَابْعَثْ} لأَنَّ الإِرسال يفيد معنى البعث، ويتضمّن نوعاً من العُلُوّ؛ لأَنه يكون من فوق؛ فخُصّت هذه السّورة به، لمّا التبس؛ ليعلم أَنَّ المخاطَب به فرعون دون غيره. قوله: {بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيْمٍ} وفى الشُّعراءِ بكلِّ {سَحَّارٍ} لأَنَّه راعى ما قبله فى هذه السّورة وهو قوله: {إِنَّ هاذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} وراعى فى الشُّعراءِ الإِمامَ فإِنَّ فيه (بكلِّ سَحّار بالأَلف) وقرئَ فى هذه السّورة {بِكُلِّ سَحَّارٍ} أَيضاً طلباً للمبالغة وموافقةً لما فى الشعراءِ. قوله: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُواْ} وفى الشعراءِ {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ} لأَنَّ القياس فى هذه السّورة وجاءَ السّحرة فرعون وقالوا، أَو فقالوا، لا بدّ من ذلك؛ لكن أَضمر فيه (فلمّا) فحسُن حذف الواو.

وخصّ هذه السّورة بإِضمار (فلمّا) لأَنَّ ما فى هذه السّورة وقع على الاختصار والاقتصار على ما سبق. وأَمّا تقديم فرعون وتأْخيره فى الشعراءِ لأَنَّ التَّقدير فيهما: فلمّا جاءَ السّحرة فرعون قالوا لفرعون، فأَظهر الأَول فى هذه السّورة لأَنَّها الأُولى، وأَظهر الثَّانى فى الشَّعراءِ؛ لأَنَّها الثانية. قوله: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} وفى الشُّعراءِ {إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِيْنَ} (إِذاً) فى هذه السّورةِ مضمرة مقدّرة؛ لأنَ (إِذاً) جزاء، ومعناه: إِن غَلبتم قرّبتكم، ورفعتُ منزلتكم. وخصّ هذه السّورة بالإِضمار اختصاراً. قوله: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وإِمَّا أَنْ نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} وفى طه {وَإِمَّا أَنْ نَّكُوْنَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} راعى فى السّورتين أَواخر الآى. ومثله {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينْ} فى السّورتين، وفى طه {سُجَّدًا} وفى (السّورتين) أَيضاً {ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وليس فى طه {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وفى السّورتين {رَبِّ مُوْسَى وَهَارُوْنَ} وفى طه {رَبِّ هَارُوْنَ وَمُوْسَى} (وفى هذه السورة: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ} [وفى الشعراءِ: {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَ لأُقَطِّعَنَّ} ] وفى طه {فلأُقَطِّعَنَّ} وفى السّورتين [ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} ، وفى طه] : {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِيْ جُذُوْعِ النَّخْلِ} . وهذا كلّه لمراعاة فواصل الآى؛ لأَنَّها مرعيّة يبتنى عليها مسائل كثيرة.

قوله: {ءَامَنْتُمْ بِهِ} (وفى السّورتين: آمنتم) له) لأَنَّ هنا يعود إِلى ربّ العالمين وهو المؤْمن (به) سبحانه وفى السورتين يعود إِلى موسى؛ لقوله {إِنَّهُ لَكَبِيْرُكُمْ} وقيل آمنتم به وآمنتم له واحد. قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ} (وفى السورتين: قال آمنتم، لأَن هذه السورة مقدّمة على السّورتين فصرّح فى الأُولى، وكَنَى فى الأخريَيْن، وهو القياس: وقال الإِمام: لأَنَّ [ما] هنا بَعُد عن ذكر فرعون فصرّح وقرُب فى السّورتين ذكرُه فكَنَى. قوله: {ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ} وفى السّورتين {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ} ؛ لأَنَّ (ثمّ) يدلُّ على أَنَّ الصَّلْب يقع بعد التقطيع، وإِذا دَلَّ فى الأُولى عُلِمَ فى غيرها، ولأَنَّ الواو يصلح لما يصلح له (ثمّ) . قوله: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُوْنَ} وفى الشعراءِ {لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُوْنَ} بزيادة (لا ضير) لأَنَّ هذه السّورة اختُصِرَتْ فيها القِصَّة، وأُشبعت فى الشعراءِ، وذكر فيها أَوّل أَحوال موسى مع فرعون، إِلى آخرها، فبدأَ بقوله: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً} وخَتَمَ بقوله ثمّ {أَغْرَقْنَا الآخرين} فلهذا وقع زوائد لم تقع فى الأَعراف وطه، فتأَمّل تعرف إِعجاز التنزيل. قوله {يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُقَتِّلُونَ} بغير واو على البدل. وقد سبق.

قوله: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله} هنا وفى يونس: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله} لأَنَّ أَكثر ما جاءَ فى القرآن من لفظ الضرّ والنفع معاً جاء بتقديم لفظ الضّرّ؛ لأَنَّ العابد يعبد معبوده خوفاً من عقابه أَوَّلاً، ثمَّ طمعاً فى ثوابه ثانياً. يقوّيه قوله: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} ، وحيث تقدم النفع تقدّم لسابقة لفظ تضمّن نفعاً. وذلك فى ثمانية مواضع: ثلاثة منها بلفظ الاسم، وهى هاهنا والرّعد وسبأ. وخمسة بلفظ الفعل وهى فى الأَنعام {مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا} وفى آخر يونس {مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} وفى الأَنبياءِ {مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ} وفى الفرقان {مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ} وفى الشعراءِ {أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} أَمّا فى هذه السورة فقد تقدّمه {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي وَمَن يُضْلِلْ} فقدّم الهداية على الضَّلالة. وبعد ذلك {لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير وَمَا مَسَّنِيَ السواء} فقدّم الخير على السّوءِ، فكذلك قدّم النَّفع على الضرّ وفى الرّعد {طَوْعًا وَكَرْهًا} فقدّم الطَّوع وفى سبأ {يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} فقدّم البسط. وفى يونس قدّم الضّرّ على الأَصلِ ولموافقته ما قبلها {لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ} وفيها {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر} فتكرّر فى الآية ثلاث مرّات. وكذلك ما جاءَ

بلفظ الفعل فلسابقة معنى يتضمّن فعلاً. أَمّا سورة الأَنعام ففيها {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُوْنِ اللهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيْعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا} ، ثمّ وصلها بقوله: {قُلْ أَنَدْعُواْ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَالاَ يَنْفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا} وفى يونس تقدّمه قوله: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ المؤمنين} ثمّ قال: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} وفى الأَنبياءِ تقدّمه قول الكفار لإِبراهيم فى المجادلة {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هاؤلاء يَنطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ} وفى الفرقان تقدّمه قوله: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} وعَدَّ نِعَماً جَمّة فى الآيات ثمّ قال: {وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُهُمْ} تأَمّل؛ فإِنه برهان ساطع للقرآن. فضل السّورة ثم يُرْو سوى هذه الأَخبار الضَّعيفة (مَن قرأَ سورة الأَعراف جعل الله بينه وبين إِبليس سِتْراً يحرس منه، ويكون ممّن يزوره فى الجنَّة آدمُ. وله بكلِّ يهودىّ ونصرانىّ درجةٌ فى الجنَّة) وعنه صلَّى الله عليه وسلم: يا علىّ مَنْ قرأَ سورة الأَعراف قام من قبره وعليه ثمانون حُلَّة، وبيده براءَة من النار، وجوازٌ على الصّراط، وله بكل آية قرأَها ثوابُ مَنْ بَرّ والديه، وحَسُن خُلُقه. وعن جعفر الصَّادق رضى الله عنه: مَنْ قرأَ سورة الأَعراف فى كل شهر كان يوم القيامة من الآمنين. ومن قرأَها فى كل جمعة لا يحاسَب معه يوم القيامة، وإِنَّها تشهد لكلّ من قرأَها.

بصيرة فى.. يسألونك عن الأنفال

بصيرة فى.. يسألونك عن الأنفال اعلم أَنَّ هذه السّورة مدَنيّة بالإِجماع وعدد آياتها سبع وسبعون عند الشَّاميّين، وخمس عند الكوفيّين، وست عند الحجازيّين، والبصريّين. وعدد كلماتها أَلف ومائة وخمس وتسعون كلمة. وحروفها خمسةُ آلاف ومائتان وثمانون. الآيات المختلف فيها ثلاث {يَغْلِبُوْنَ} ، {بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِيْنَ} ، {أَمْرًا كَانَ مَفْعُوْلاً} . فواصل آياته (ن د م ق ط ر ب) يجمعها نَدِمَ قُطْرُب، أَو نطق مدبر. على الدّال منها آية واحدة {عَبِيْدِ} . وعلى القاف آية واحدة {حَرِيْق} وعلى الباءِ أَربع آيات آخرها {عِقَابْ} . ولهذه السّورة اسمان: سورة الأَنفال؛ لكونها مفتَتَحة بها، ومكرّرة فيها، وسورة بدر، لأَنَّ معظمها فى ذكر حرب بَدْر، وما جرى فيها. مقصود السّورة مجملاً: قطع الأَطماع الفاسدة من الغنيمة الَّتى هى حق الله ولرسوله، ومدح الخائفين الخاشعين وقت سماع القرآن، وبعث المؤمنين

حَقّاً، والإِشارة إِلى ابتداءِ حَرْب بدر، وإِمداد الله تعالى صحابة نبيّه بالملائكة المقرّبين، والنّهى عن الفِرار من صفّ الكفّار، وأَمر المؤمنين بإِجابة الله ورسوله، والتحذير عن الفتنة، والنَّهى عن خيانة الله ورَسُوله، وذكر مكر كُفَّار مكَّة فى حقِّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتجاسر قوم منهم باستعجال العذاب، وذكر إِضاعة نفقاتهم فى الضَّلال والباطل، وبيان قَسْم الغنائم، وتلاقى عساكر الإِسلام وعساكر المشركين، ووصيَّة الله المؤمنين بالثبات فى صفّ القتال، وغرور إِبليس طائفة من الكفار، وذمّ المنافقين فى خذلانهم لأَهل الإيمان، ونكال ناقضى العهدِ ليعتبر بهم آخرون، وتهيئة عُذْر المقاتلة والمحاربة، والميل إِلى الصّلح عند استدعائهم الصّلح، والمَنّ على المؤمنين بتأليف قلوبهم، وبيان عدد عسكر الإِسلام، وعسكر الشرك، وحكم أَسرى بدر، ونُصرة المعاهدين لأَهل الاسلام، وتخصيص الأَقارب، وذوى الأَرحام بالميراث فى قوله {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} إِلى آخر السّورة. النَّاسخ والمنسوخ: الآيات المنسوخة فى السّورة ستّ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} م {مَا غَنِمْتُمْ} ن {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} م {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ

الله} ن {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ} م {وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} ن {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ} م {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} ن {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} م {الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ} ن {والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ} م {وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} ن. المتشابهات: قوله: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى} وقوله: {وَمَن يُشَاقِقِ} وقوله: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله} قد سبق. قوله: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ} ثمّ قال بعد آية {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ} أَجاب عن هذا بعضُ أَهل النظر وقال: ذكر فى الآية الأُولى عقوبته إِيّاهم عند الموت؛ كما فعله بآل فرعون ومَن قبلهم من الكفَّار، وذكر فى الثانية ما يفعله بهم بعد موتهم. قال الخطيب: الجواب عندى: أَنَّ الأَوّل إِخبار عن عذاب لم يمكِّن الله أَحداً من فعله، وهو ضرب الملائكة وجوهَهم وأَدبارهم عند نزع أَرواحهم، والثانى إِخبار عن عذاب مكَّن النَّاس من فعل مثلِه، وهو الإِهلاك والإِغراق.

قال تاج القراء: وله وجهان [آخران] محتملان. أَحدهما: كدأب آل فرعون فيما فعلوا، والثانى: كدأب فرعون فيما فُعِل بهم. فهم فاعلون فى الأَوّل، ومفعولون فى الثَّانى. والوجه الآخر: أَنَّ المراد بالأَوّل كفرهم بالله، وبالثَّانى تكذيبهم بالأَنبياءِ؛ لأَنَّ تقدير الآية: كذَّبوا الرّسل بردّهم آيات الله. وله وجه آخر. وهو أَن يجعل الضَّمير فى (كفروا) لكفَّار قريش على تقدير: كفروا بآيات ربّهم كدأْب آل فرعون والذين من قبلهم، وكذلك الثانى: كذَّبوا بآيات ربهم كدأب آل فرعون. قوله: {الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} هنا بتقديم أَموالهم وأَنفسهم وفى براءَة بتقديم {فِي سَبِيْلِ اللهِ} لأَنَّ فى هذه السّورة تقدّم ذكرُ المال والفداءِ والغنيمة فى قوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا} و {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ} أَى من الفداءِ، {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ} فقدّم ذكر المال، وفى براءَة تقدّم ذكر الجهاد، وهو قوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ} وقوله: {كَمَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله} فقدّم ذكر الجهاد، وذكر هذه الآى فى هذه السّورة ثلاث مرّات. فأَورد فى الأُولى {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ} وحذف من الثانية {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} اكتفاءً

بما فى الأُولى، وحَذف من الثالثة {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} وزاد {فِي سَبِيْلِ اللهِ} اكتفاءً بما فى الآيتين. فضل السّورة يروى بسند ساقط أَنَّه قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن قرأَ سورة الأَنفال وترًا فأَنا شفيع له، وشاهد يوم القيام أَنَّه برىءٌ من النفاق، وأُعطِىَ من الأَجر بعدد كلِّ منافق فى دار الدنيا عشر حسنات، ومُحى عنه عشرُ سيئات، ورُفع له عشرُ درجات، وكان العَرْش وحَمَلته يصلُّون عليه أَيّام حياته فى الدّنيا" وعنه صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: يا علىّ، مَن قرأَ سورة الأَنفال أَعطاه الله مثل ثواب الصّائم القائم.

بصيرة فى.. براءة من الله ورسوله

بصيرة فى.. براءة من الله ورسوله هذه السورة مَدَنيّة بالاتِّفاق. وعدد آياتها مائة وتسع وعشرون عند الكوفيّين، وثلاثون عند الباقين. عدد كلماتها أَلفان وأَربعمائة وسبع وتسعون كلمة. وحروفها عشرة آلاف وسبعمائة وسبع وثمانون حرفاً. والآيات المختلف فيها ثلاث {برياء مِّنَ المشركين} {عَادٍ وَثَمُوْدَ} {عَذَابًا أَلِيمًا} . مجموع فواصل آياته (ل م ن ر ب) يجمها (لم نربّ) على اللاَّم منها آية واحدة {إِلاَّ قَلِيل} وعلى الباءِ آية {وَأَنَّ الله عَلاَّمُ الغيوب} وكلّ آية منها آخرها راء فما قبل الرّاءِ ياء. ولهذه السّورة ثمانية أَسماء: الأَوّل براءَة؛ لافتتاحها بها، الثانى سورة التَّوبة؛ لكثرة ذكر التَّوبة فيها {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوْبُواْ} {لَقَدْ تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ} الثالث الفاضحة؛ لأَنَّ المنافقين افتَضَحوا عند نزولها. الرّابع المبعثِرة؛ لأَنَّها تبعثِر عن أَسرار المنافقين. وهذان الاسمان رُويا عن ابن

عباس. الخامس المُقَشْقِشَة؛ لأَنَّها تبرىءُ المؤمن، فتنظِّفه من النفاق وهذا عن ابن عمر. السّادس البَحُوث؛ لأَنَّها تَبْحَث عن نفاق المنافقين. وهذا عن أَبى أَيُّوب الأَنصارى. السابع سورة العذاب؛ لما فيها من انعقاد الكفَّار بالعذاب مرّة بعد أُخرَى {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} الثَّامن الحافرة؛ لأَنَّها تحفر قلوب أَهل النِّفاق بمثل قوله: {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} ، {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ} . مقصود السّورة إِجمالاً: وَسْم قلوب الكُفَّار بالبراءَة، ورَدّ العهد عليهم، وأَمان مستمع القرآن، وقهر أَئمة الكفر وقتلهم، ومنع الأَجانب من عمارة المسجد الحرام، وتخصيصها بأَهل الإِسلام، والنَّهى عن موالاة الكفَّار، والإِشارة إِلى وقعة حرب حُنَيْن ومنع المشركين من دخول الكعبة، والحَرَم، وحضور الموسم، والأَمر بقتل كَفَرَة أَهل الكتاب وضرب الجزية عليهم، وتقبيح قول اليهود والنَّصارى فى حقِّ عُزَير وعيسى عليهما السّلام، وتأْكيد رسالة الرّسول الصّادق المحقّ، وعيب أَحبار اليهود فى أَكلهم الأَموال بالباطل، وعذاب مانعى الزكاة، وتخصيص الأَشهر الحرم من أَشهر السنة، وتقديم الكفار شهر المحرم، وتأخيرهم إِيَّاه، والأَمر بغزوة تَبُوك، وشكاية المتخلِّفين عن الغَزْو، وخروج النَّبى

صلَّى الله عليه وسلَّم مع الصّديق رضى الله عنه من مَكَّة إِلى الغار بجبل ثَوْر، واحتراز المنافقين من غزوة تبوك، وترصُّدهم وانتظارهم نكبة المسلمين، وردّ نفقاتهم عليهم، وقَسْم الصّدقات على المستحقِّين، واستهزاء المنافقين بالنَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم، وبالقرآن، وموافقة المؤمنين بعضهم بعضاً، ونيلهم الرّضوان الأَكثر بسبب موافقتهم، وتكذيب الحقِّ للمنافقين فى إِيمانهم، ونهى النَّبى عن الاستغفار لأَحْيائهم، وعن الصلاة على أَمواتهم، وعَيْب المقصّرين على اعتذارهم بالأَعذار الباطلة، وذمّ الأَعراب فى صلابتهم، وتمسكهم بالدّين الباطل، ومدح بعضهم بصلابتهم فى دين الحقِّ، وذكر السّابقين من المهاجرين والأَنصار، وذكر المعترفين بتقصيرهم، وقبول الصّدقات من الفقراءِ، ودعائهم على ذلك، وقبول توبة التَّائبين، وذكر بناءِ مسجد ضِرار للغرض الفاسد، وبناءِ مسجد قُباء على الطَّاعة والتقوى، ومبَايعة الحقِّ تعالى عبيدَه باشتراءِ أَنفسهم وأَموالهم، ومعاوضتهم عن ذلك بالجنَّة، ونهى إِبراهيم الخليل من استغفار المشركين، وقبول توبة المتخلِّفين المخلِّص من غزوة تَبوك، وأَمر ناسٍ بطلب العلم والفقه فى الدِّين، وفضيحة المنافقين، وفتنتهم فى كلِّ وقت، ورأْفة الرّسول صلَّى الله عليه وسلم، ورحمته لأُمته وأَمر الله نبيّه بالتوكُّل

عليه فى جميع أَحواله بقوله: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ الله لا إلاه إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} الآية. النَّاسخ والمنسوخ: الآيات المنسوخة ثمان آيات {فَسِيْحُواْ فِيْ الأَرْضِ} م {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم} ن {يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} م (آية الزكاة) ن {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وقوله: {انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً} م {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ} ن {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} م {فَإِذَا استأذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} ن {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} م {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} ن {الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً} إلى تمام الآيتين م {وَمِنَ الأعراب مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ} ن. المتشابهات: قوله: {واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} وبعده {واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَول للمكان، والثانى للزَّمان. وتقدّم ذكرهما فى قوله: {فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} .

قوله: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة} وبعده {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة} ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَول فى المشركين، والثَّانى فى اليهود، فيمن حمل قوله: {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيْلاً} على التوراة. وقيل: هما فى الكفار وجزاءُ الأَوّل تخلية سبيلهم، وجزاءُ الثانى إِثبات الأُخُوّة لهم ومعنى {بآَيَاتِ اللهِ} القرآن. قوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ} ثم ذكر بعده {كَيْفَ} واقتصر عليه، فذهب بعضهم إِلى أَنَّه تكرار للتأكيد، واكتفى بذكر (كيف) عن الجملة بعد؛ لدلالة الأُولى عليه. وقيل تقديره: كيف لا تقتلونهم، (ولا) يكون من التكرار فى شىء. قوله: {لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} وقوله: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} الأَول للكفار والثانى لليهود. وقيل: ذكر الأَوّل، وجعله جزاءً للشرط، ثم أَعاد ذلك؛ تقبيحاً لهم، فقال: ساءَ ما يعملون لا يرقبون فى مؤمن إِلاَّ ولا ذمّة. فلا يكون تكرارً محضاً. قوله: {الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} إِنَّما قدّم {فِي سَبِيلِ الله} لموافقة قوله قبله {وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله} وقد سبق ذكره فى الأَنفال. وقد جاءَ بعده فى موضعين {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ

فِي سَبِيلِ الله} ليعلم أَنَّ الأَصل ذلك، وإِنَّما قدّم هنا لموافقة ما قبله فحسْبُ. قوله: {كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ} بزيادة باء، وبعده {كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ} و {كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ} بغير باء فيهما؛ لأَنَّ الكلام فى الآية الأُولى إِيجاب بعد نفى، وهو الغاية فى باب التَّأْكيد، وهو قوله: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله} فأَكَّد المعطوف أَيضاً بالباءِ؛ ليكون الكل فى التأْكيد على منهاج واحد، وليس كذلك الآيتان بعده؛ فإِنَّهما خَلَتا من التأْكيد. قوله: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ} بالفاءِ، وقال فى الآية الأُخرى: {وَلاَ تُعْجِبْكَ} بالواو؛ لأَنَّ الفاءَ يتضمّن معنى (الجزاء، والفعل الذى قبله مستقبل يتضمّن معنى) الشرط، وهو قوله: {وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ} اى إِن يكن منهم ما ذكر فجزاؤهم. وكان الفاءُ هاهنا أَحسن موقعاً من الواو [و] التى بعدها قبلها {كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ وَمَاتُواْ} بلفظ الماضى وبمعناه، والماضى لا يتضمّن معنى الشرط، ولا يقع من الميت فعل، (وكان) الواو أَحسن. قوله: {وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} بزيادة (لا) وقال: فى الأُخرى {وَأَوْلاَدهُمْ} بغير (لا) لأَنَّه لمّا أَكَّد الكلام الأَوّل بالإِيجاب بعد النفى وهو الغاية، وعلَّق

الثَّانى بالأَوّل تعليق الجزاء بالشرط، اقتضى الكلامُ الثانى من التوكيد ما اقتضاه الأَوّلُ، فأَكَّد معنى النَّهى بتكرار (لا) فى المعطوف. قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ} ، وقال: فى الأُخرى: {أَنْ يُعَذِّبَهُمْ} لأَنَّ (أَن) فى هذه الآية مقدّرة، وهى النَّاصبة للفعل، وصار اللام هاهنا زيادة كزيادة الباءِ، و (لا) فى الآية. وجواب آخر: وهو أَنَّ المفعول فى هذه الآية محذوف، أَى يريد الله أَن يزيد فى نعمائهم بالأَموال والأَولاد؛ ليعذِّبهم بها فى الحياة الدّنيا. والآية الأُخرى إِخبار عن قوم ماتوا على الكفر فتعلَّق الإِرادة بما هم فيه، وهو العذاب. قوله: {فِي الحياة الدنيا} وفى الآية الأُخرى {فِي الدنيا} لأَنَّ (الدنيا) صفة للحياة فى الآيتين فأَثبت الموصوف (والصفة فى الأُولى، وحذف الموصوف) فى الثانية اكتفاءً بذكره فى الأُولى، وليست الآيتان مكرّرتين؛ لأَنَّ الأُولى فى قوم، والثانية فى آخرين، وقيل: الأُولى فى المنافقين والثانية فى اليهود. قوله: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله} وفى الصف {ليُطْفِئُواْ نُورَ الله} هذه الآية تشبه قوله: {يُرِيْدُ الله أَنْ يُعَذِّبَهُمْ} و {ليُعَذِّبَهُمْ} حذف اللام من الآية الأُولى، لأَنَّ مرادهم إِطفاء نور الله بأَفواههم، وهو

المفعول به، والتقدير: ذلك قولهم بأَفواههم، ومرادهم إِطفاء نور الله بأَفواههم. والمراد الذى هو المفعول به فى الصفِّ مضمر تقديره: ومن أَظلم ممّن افترى على الله الكذب [يريدون ذلك] ليطفئوا نور الله فالَّلام لام العِلَّة. وذهب بعض النحاة إِلى أَن الفعل محمول على المصدر. أَى إِرادتهم لإِطفاءِ نور الله. قوله: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ ذلك هُوَ الفوز العظيم} هذه الكلمات تقع على وجهين: أَحدهما: ذلك الفوز بغير (هو) . وهو فى القرآن فى ستَّة مواضع: فى براءَة موضعان، وفى النساءِ، والمائدة، والصّف، والتَّغابن؛ وما فى النِّساءِ (وذلك) بزيادة واو. والثَّانى ذلك هو الفوز بزيادة (هو) وذلك فى القرآن فى ستَّة مواضع أيضاً: فى براءَة موضعان، وفى يونس، والمؤمن، والدّخان، والحديد، وما فى براءَة أَحدهما بزيادة الواو. وهو قوله: {فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} وكذلك ما فى المؤمن بزيادة واو. والجملة إِذا جاءَت بعد جملة من غير تراخ بنزول جاءَت مربوطة بما قبلها إِمّا بواو العطف وإِمّا بكناية تعود من الثانية إِلى الأُولى، وإِمَّا

بإِشارة فيها إِليها. وربّما يُجمع بين اثنين منها، والثلاثة؛ للدّلالة على مبالغة فيها. ففى السّورة {خَالِدًا فِيْهَا ذلك} و {خَالِدِيْنَ فِيْهَا ذلك} وفيها أَيضاً {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ ذلك هُوَ} فجمع بين اثنين. وبعدهما {فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ} فجمع بين الثلاثة، تنبيهاً على أَنَّ الاستبشار من الله يتضمّنُ رضوانَه، والرضوان يتضمّن الخلود فى الجنَان قال تاج القُرَّاءِ: ويحتمل أَنَّ ذلك لما تقدّمه من قوله: {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التوراة والإنجيل والقرآن} فيكون كلّ واحد منهما فى مقابلة (واحد، وكذلك فى المؤمن تقدمه "فاغفر وقهم وأَدخلهم"، فوقعت فى مقابلة) الثَّلاثة. قوله: {وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ} ثم قال بعد: {وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} لأَنَّ قوله: (وطبع) محمول على رأْس الآية، وهو قوله: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُوْرَةٌ} فبُنى مجهول على مجهول، والثانى محمول، على ما تقدم من ذكر الله تعالى مرّات (وكان) اللائق: وطَبَع الله، ثمّ ختم كلَّ آية بما يليق بها، فقال فى الأُولى: لا يفقهون، وفى الثانية: لا يعلمون، لأَنَّ العلم فوق الفقه، والفعل المسند إِلى الله فوق المسند إِلى المجهول. قوله: {وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ} ، وقال فى الأُخرى: {وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَسَتُرَدُّونَ} لأَنَّ الأُولى فى المنافقين، ولا يطَّلع على ضمائرهم إِلاَّ الله تعالى، ثم رسوله بإِطْلاع الله إِيَّاه عليها؛

كقوله: {قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ} والثانية فى المؤمنين، وطاعات المؤمنين وعباداتهم ظاهرة لله ولرسوله وللمؤمنين. وخَتَم آية المنافقين بقوله: {ثُمَّ تُرَدُّونَ} فقطعه عن الأَول؛ لأَنه وعيد. وختم آية المؤمنين بقوله: {وَسَتُرَدُّونَ} لأَنَّه وعد، فبناه على قوله {فَسَيَرَى الله} . قوله: {إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} وفى الأُخرى {إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ الله} [لأَنَّ الآية الأُولى] مشتملة على ما هو من عملهم، وهو قوله: {وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكفار وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً} ، وعلى ما ليس من عملهم، وهو الظَّمأ والنَّصب والمخْمصة، والله سبحانه بفضله أَجرى ذلك مُجرى عملِهم فى الثَّواب، فقال: {إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} أَى جزاءُ عمل صالح، والثَّانية مشتملة على ما هو من عملهم، وهو إِنفاق المال فى طاعته، وتحمّل المشاق فى قطع المسافات، فكُتب لهم بعينه. لذلك ختم الآية بقوله: {لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} لكون الكل من عملهم فوعدهم حسن الجزاءِ عليه وختم (الآية) بقوله: {إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} حين أُلحق ما ليس من عملهم بما هو من عملهم، ثم جازاهم على الكل أَحسن الجزاء. فضل السورة عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم: "إِنه ما نزل علىّ القرآن إِلاَّ آية آية، وحرفاً حرفا، خلا سورة براءَة، وقل هو الله أَحد؛ فإِنَّهما أُنزلتا ومعهما سبعون أَلفَ صفٍّ من الملائكة، كلّ يقول استوصوا بنسبة الله خيراً" وقال: مَنْ قرأَ سورة الأَنفال وبراءَة شهدا له يوم القيام بالبراءَة من الشرك والنفاق، وأُعطى بعَدَد كلِّ منافق ومنافقة منازل فى الجنة، ويكتب له مثلُ تسبيح العرش وَحَملتهِ إِلى يوم القيامة. وعنه: يا علىّ مَنْ قرأَ سورة التوبة يَقبل الله توبته؛ كما يقبل مِن آدم وداود، واستجاب دعاءَه، كما استجاب لزكريّا. وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب زكريّا. الحديثان ضعيفان جدّاً.

بصيرة فى.. الر. تلك آيات الكتاب

بصيرة فى.. الر. تلك آيات الكتاب اعلم أَنّ هذه السّورة مكِّيّة، بالاتِّفاق. عدد آياتها مائة وعشر آيات عند الشاميِّين، وتسع عند الباقين. وعدد كلماتها أَلف وأَربعمائة وتسع وتسعون كلمة. وحروفها سبعة آلاف وخمس وستون. والآيات المختلَف فيها أَربعة: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} {وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور} و {مِنَ الشَّاكِرِيْنَ} . ومجموع فواصلها (ملْن) على الَّلام منها آية واحدة {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} وكلُّ آية على الميم قبل الميم ياء. وسُمِّيت سورة يونس لما فى آخرها من ذكر كشف العذاب عن قوم يونس ببركة الإِيمان عند اليأْس فى قوله: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} . مقصود السّورة: إِثبات النبوّة، وبيان فساد اعتقاد الكفار فى حقِّ النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم والقرآن، وذكر جزائهم على ذلك فى الدّار الآخرة،

وتقدير منازل الشَّمس والقمر لمصالح الخَلْق، وذمّ القانعين بالدّنيا الفانية عن النَّعيم الباقى، ومَدْح أَهل الإِيمان فى طلب الجنان؛ واستعجال الكفَّار بالعذاب، وامتحان الحَقِّ تعالى خلقَه باستخلافهم فى الأَرض، وذكر (عدم تعقّل) الكفار كلام الله، ونسبته إِلى الافتراءِ والاختلاف، والإِشارة إِلى إبطال الأَصنام وعُبّادها، وبيان المِنَّة على العِباد بالنَّجاة من الهلاك فى البَرِّ والبَحْر، وتمثيل الدّنيا بنزول المطر، وظهور أَلوان النبات والأَزهار، ودعوة الخَلْق إِلى دار السّلام، وبيان ذُلِّ الكفَّار فى القيامة، ومشاهدة الخَلْق فى العُقْبَى ما قدّموه من طاعة ومعصية، وبيان أَنَّ الحقّ واحد، وما سواه باطل، وإِثبات البَعْث والقيامة بالبرهان، والحجّة الواضحة، وبيان فائدة نزول القرآن، والأَمر بإِظهار السّرور والفرح بالصّلاة والقرآن، وتمييز أَهل الولاية من أَهل الجنَايَة، وتسلية النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم بذكر شىء من قِصّة موسى، وواقعة بنى إِسرائيل مع قوم فرعون، وذكر طَمْس أَموال القِبطيّين، ونجاة الإِسرائيليين من البحر، وهلاك أَعدائهم من الفِرعونيّين، ونجاة قوم يونس بإِخلاص الإِيمان فى قوت اليَأْس، وتأْكيد نبوّة النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأَمره بالصّبر على جفاءِ المشركين وأَذاهم، فى قوله: {حتى يَحْكُمَ الله وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} .

الناسخ والمنسوخ المنسوخ فى هذه السّورة خمس آيات {إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} م {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} ن {قُلْ فانتظروا} م آية السّيف ن {مَنِ اهْتَدَى} إِلى قوله: {وَكِيْل} م آية السّيف ن {فَقُل لِّي عَمَلِي} م آية السّيف ن {واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ واصبر} م آية السّيف ن. المتشابهات قوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ [جَمِيعاً] } وفى هود {إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ} لأَنَّ ما فى هذه السّورة خطاب للمؤمنين والكافرين جميعاً؛ يدلّ عليه قوله: {لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات بالقسط والذين كَفَرُواْ} الآية. وكذلك ما فى المائدة {مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} ؛ لأَنَّه خطاب للمؤمنين والكافرين بدليل قوله: {فِيْهِ تَخْتَلِفُوْنَ} وما فى هود خطاب للكفَّار؛ يدلّ عليه قوله: {وَإِن تَوَلَّوْاْ فإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} . قوله: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر} بالأَلف واللام؛ لأَنه إِشارة إِلى ما تقدّم من الشرّ فى قوله: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر} فإِنَّ الضرّ والشَّرّ واحد. وجاءَ الضرّ فى هذه السّورة بالأَلف واللام، وبالإِضافة وبالتنوين.

قوله: {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} بالواو؛ لأَنَّه معطوف على قوله: {ظَلَمُواْ} من قوله: {لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} وفى غيرها بالفاءِ للتَّعقيب. قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ} بالفاءِ؛ لموافقة ما قبلها. وقد سبق فى الأَنعام. قوله: {مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} سبق فى الأَعراف. قوله: {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وفى غيرها: {فِيمَا هُمْ فِيهِ} بزيادة (هم) لأَنَّ هنا تقدّم (فاختلفوا) ، فاكْتُفِى به عن إِعادة الضمير؛ وفى الآية {بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض} بزياة (لا) وتكرار (فى) لأَنَّ تكرار (لا) مع النفى كثير حسن، فلمّا كرّر (لا) كرّر (فى) تحسيناً للفظ. ومثله فى سبأ فى موضعين، والملائكة. قوله {فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ} بالأَلف؛ لأَنه وقع فى مقابلة {أَنْجَيْنَا} . قوله: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} وفى هود: {بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ} لأَن ما فى هذه السّورة تقديره: بسورة مثل سورة يونس. فالمضاف محذوف فى السّورتين، وما فى هود إِشارة إِلى ما تقدّمها: من أَوّل الفاتحة إِلى سورة هود، وهو عَشْر سُور.

قوله: {وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} هنا، وكذلك فى هود، وفى البقرة {شُهَدَآءَكُمْ} ؛ لأَنَّه لمّا زاد فى هود {وَادْعُواْ} زاد فى المدعوّين. ولهذا قال فى سبحان: {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن} لأَنَّه مقترن بقوله: {بِمِثْلِ هاذا القرآن} والمراد به كله. قوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} بلفظ الجمع وبعده: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} بلفظ المفرد؛ لأَنَّ المستمع إِلى القرآن كالمستمع إِلى النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بخلاف النَّظر (وكان) فى المستمعين كثرة فجمع ليطابق اللفظُ المعنى، ووحّد (ينظر) حملاً على اللفظ إذ لم يكثر كثرتهم. قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا} فى هذه الآية فحسب؛ لأَنَّ قبله قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيْعًا} وقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيْعًا} يدلاَّن على ذلك فاكتُفى به. قوله: {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً} فى هذه السّورة فقط؛ لأَنَّ التقدير فيها: لكلِّ أُمّة أَجل، فلا يستأخرون إِذا جاءَ أَجلهم. فكان هذا فيمن قُتل ببدر والمعنى: لم يستأخروا. قوله: {ألا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} ذكر بلفظ ما لأَن

معنى ما هاهنا المال، فذكر بلفظ ما دون مَنْ ولم يكرِّر ما اكتفاءً بقوله قبله {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأرض} . قوله: {ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض} ذكر بلفظ (مَنْ) وكُرّرَ؛ لأَنَّ هذه الآية نزلت فى قوم آذَوْا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنزل فيهم {وَلاَ يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} فاقتضى لفظ مَنْ وكُرِّر؛ لأَنَّ المراد: من فى الأَرض هاهنا لكونهم فيها؛ لكن قدّم ذكر (مَن فى السّماوات) تعظيماً ثمّ عطف (من فى الأَرض) على ذلك. قوله: {مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} ذكر بلفظ (ما) فكرّر؛ لأَنَّ بعض الكفَّار قالوا: اتَّخذ الله ولداً، فقال سبحانه: له ما فى السّماوات وما فى الأرض، أَى اتخاذُ الولد إِنما يكون لدفع أَذًى، أَو جَذْب منفعة، والله مالك ما فى السّماوات وما فى الأَرض. (وكان) الموضع (موضع [ما وموضع] التكرار؛ للتَّأْكيد والتَّخصيص. قوله: {ولاكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} . ومثله فى النَّمل. وفى البقرة ويوسف والمؤْمن: {ولاكن أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} . لأَنَّ

فى هذه السّورة تقدم {ولاكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُوْنَ} فوافق قوله: {ولاكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} وكذلك فى النَّمل تقدم {بَلْ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُوْنَ} فوافقه. وفى غيرهما جاءَ بلفظ التصريح. وفيها أَيضاً قوله: {فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء} فقدّم الأَرض؛ لكون المخاطبين فيها. ومثله فى آل عمران، وإِبراهيم، وطه، والعنكبوت. وفيها {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} بناءً على قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُوْنَ إِلَيْكَ} ومثله فى الرّوم: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} فحسْبُ. قوله: {قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً} بغير واو؛ لأَنَّه اكتفى بالعائد عن الواو والعاطف. ومثله فى البقرة على قراءَة ابن عامر: {قَالُواْ اتخد الله وَلَداً} . قوله: {فَنَجَّيْنَاهُ} سبق. ومثله فى الأَنبياءِ والشعراءِ. قوله: {كَذَّبُوْا} سبق. وقوله: {وَنَطْبَعُ عَلَى} قد سبق. قوله: {مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} هنا فحسب بالجمع. وفى غيرها (وملإِيه)

لأَنَّ الضَّمير فى هذه السّورة يعود إلى الذرّية. وقيل: يعود إِلى القوم. وفى غيرها يعود إِلى فرعون. قوله: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المؤمنين} ، وفى النَّمل: {مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ} ؛ لأَنَّ قبله فى هذه السورة {نُنْجِ الْمُؤْمِنِيْنَ} فوافقه، وفى النَّمل أَيضاً وافق ما قبله، وهو قوله: {فَهُمْ مُسْلِمُوْنَ} وقد تقدّم فى يونس {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} . فضل السورة فيه حديث أُبىّ المتفقُ على ضعفه: مَن قرأَ سورة يونس أُعطِى من الأَجْر عشرَ حسنات، بعَدَد مَن صدّق بيونس، وكذَّب به، وبعدد مَن غرق مع فرعون. وعن جعفر الصّادق: مَن قرأَ سورة يونس كان يوم القيامة من المقرّبين: وحديث علىّ يا علىّ مَن قرأَ سورة يونس أَعطاه الله من الثَّواب مثل ثواب حمزة، وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب خَضِر. ضعيف.

بصيرة فى.. الر. كتاب أحكمت

بصيرة فى.. الر. كتاب أحكمت هذه السّورة مكِّيّة بالإِجماع. وعدد آياتها مائة واثتنان وعشرون عند الشَّاميّين، وإِحدى وعشرون عند المكيّين والبصريّين، وثلاث وعشرون عند الكوفيّين. وكلماتها أَلف وتسعمائة وإِحدى عشرة كلمة. وحروفها سبعة آلاف وستمائة وخمس. والآيات المختلف فيها سبع {برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ} ، {فِيْ قَوْمِ لُوْطٍ} ، {مِنْ سِجِّيْلٍ} ؛ {مَنْضُوْدٌ} ، {إِنَّا عَامِلُوْنَ} ، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ} ، {مُخْتَلِفِيْنَ} . مجموع فواصلها (ق ص د ت ل ن ظ م ط ب ر ز د) يجمعها قولك (قصدْت لنظم طبرْ زَد) . وسمّيت سورة هود لاشتمالها على قصّة هود - عليه السّلام - وتفاصيلها.

المقصود الإِجمالىّ من السّورة: بيان حقيقة القرآن، واطِّلاع الحقِّ سبحانه على سرائر الخلق وضمائرهم، وضمانُه تعالى لأَرزاق الحيوانات، والإِشارة إِلى تخليق العَرْش، وابتداءِ حاله، وتفاوت أَحوال الكفَّار، وأَقوالهم وتحدّى النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم العرَب بالإِتيان بمثل القرآن، وذمّ طُلاَّب الدّنيا المُعْرِضِين عن العُقْبى، ولعن الظَّّالمين، وطردهم، وقصّة أَهل الكفر والإِيمان، وتفصيل قصّة نوح، وذكر الطُّوفان، وحديث هود، وإِهلاك عاد، وقصّة صالح، وثمود، وبشارة الملائكة لإِبراهيم وسارة بإِسحاق، وحديث لوط، وإِهلاك قومه، وذكر شُعَيْب، ومناظرة قومه إِيَّاه، والإِشارة إِلى قصّة موسى وفرعون، وبيان أَن فرعون يكون مقدّم قومه إِلى جهنَّم، وذكر جميع [أَحوال] القيامة، وتفضيل الفريقين والطريقين، وأَمر الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بالاستقامة، والتَّجنُّب من أَهل الظُّلم والضَّلال، والمحافظة على الصّلوات الخمس، والطَّهارة، وذكر الرّحمة فى اختلاف الأُمّة، وبيان القصص، وأَنباءِ الرسل. لتثبيت قلب النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والأَمر بالتَّوكُّل على الله فى كلِّ حال. الناسخ والمنسوخ: المنسوخ فى هذه السّورة ثلاث آيات {مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا} م

{مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة} ن {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} م آية السّيف ن {وانتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فاعلموا} بحذف النَّون، والجمع، وفى القصص {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فاعلم} عدّت هذه الآية من المتشابه فى فصلين: أَحدهما حذف النّون من (فإِلَّم) فى هذه السّورة وإِثباتها فى غيرها. وهذا من فَصْل الخَطِّ. وذُكر فى موضعه. والثَّانى جمع الخطاب هاهنا، وتوحيده فى القصص؛ لأَنَّ ما فى هذه السّورة خطاب للكفَّار، والفعل لمن استطعتم، وما فى القصص خطاب للنَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم، والفعل للكفاَّر. قوله: {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ} سبق. قوله: {لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} ، وفى النَّحل: {هُمُ الخاسرون} ؛ لأَنَّ هؤلاءِ صدُّوا عن سبيل الله، وصَدُّوا غيرهم، فضَلُّوا وأَضَلُّوا؛ فهم الأَخسرون يضاعف لهم العذابُ، وفى النَّحل صدُّوا، فهم الخاسرون. قال الإِمام: لأَنَّ ما قبلها فى هذه السّورة، (يبصرون، يفترون) لا يعتمدان على أَلف بينهما، وفى النحل (الكافرون

والغافلون) فللموافقة بين الفواصل جاءَ فى هذه السّورة: الأَخسرون وفى النَّحل: الخاسرون. قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَقَالَ} بالفاءِ وبعده: {فَقَالَ الملأ} بالفاءِ وهو القياس. وقد سبق. قوله: {وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ} وبعده {وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} وبعدهما {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً} ؛ لأَنَّ (عنده) وإِن كان ظرفاً فهو اسم فذكر فى الأُولى بالصّريح، والثانية والثالثة بالكناية؛ لتقدم ذكره. فلمّا كُنى عنه قدّم؛ لأَنَّ الكناية يتقدّم عليها الاسم الظَّاهر نحو ضرب زيد عمراً فإِن كنيت عن عمرو قدّمته؛ نحو عمرو ضربه زيد. وكذلك زيد أَعطانى درهماً من ماله، فإِن كنيت عن المال قلت: المالُ زيدٌ أَعطانى منه درهماً. قال الإِمام: لمّا وقع {آتَانِي رَحْمَةً} فى جواب كلام فيه ثلاثة أَفعال كلّها متعدّ إِلى مفعولين ليس بينهما حائل بجارّ ومجرور وهو قوله: {مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مَثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ} و {نَظُنُّكُمْ كَاذِبِيْنَ} أُجرى الجوابُ مُجراه، فجُمع بين المفعولين من غير حائل. وأَمّا الثانى فقد وقع فى جواب كلام

قد حِيل بينهما بجارِّ ومجرور، وهو قوله: {قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً} ؛ لأَنَّ خبر كان بمنزلة المفعول، لذلك حيل فى الجواب بين المفعولين بالجارّ والمجرور. قوله: {لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله} فى قِصّة نُوح، وفى غيرها {أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ} لأَنَّ فى قصّة نوح وقع بعدها (خزائن) ولفظ المال للخزائن أَليق. قوله: {وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} وفى الأَنعام: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} ؛ لأَنَّ [ما] فى الأَنعام آخر الكلام [بدأَ] فيه بالخطاب، وخَتَم به، وليس [ما] فى هذه السّورة آخر الكلام، بل آخره {تزدري أَعْيُنُكُمْ} فبدأَ بالخطاب وخَتَم به فى السّورتين. قوله: {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً} وفى التَّوبة) {وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً} ذُكر هذا فى المتشابه، وليس منه؛ لأَنَّ قوله: {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً} عَطْف على قوله: {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي} ، فهو مرفوع، وفى التَّوبة معطوف على {يُعَذِّبْكُمْ وَيَسْتَبْدِلْ} وهما مجزومان، فهو مجزوم. قوله: {وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً} فى قصّة هود وشعيب بالواو،

وفى قصّة صالح ولوط: (فلمّا) بالفاءِ؛ لأَنَّ العذاب فى قصّة هود وشعَيب تأَخَّر عن وقت الوعيد؛ فإِنَّ فى قصّة هود: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ} وفى قصّة شعيب {سَوْفَ تَعْلَمُوْنَ} والتَّخويف قارنه التسويف، فجاءَ بالواو والمهلة، وفى قصّة صالح ولوط وقع العذاب عقِيب الوعيد؛ فإِنَّ قصّة صالح {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} ، وفى قصّة لوط: {أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ} فجاءَ بالفاءِ للتَّعجيل والتَّعقيب. قوله: {وَأُتْبِعُواْ فِي هاذه الدنيا لَعْنَةً} وفى قصّة موسى: {فِي هاذه لَعْنَةً} ؛ لأَنَّه لمّا ذكر فى الآية الأُولى الصّفة والموصوف اقتصر فى الثَّانية على الموصوف؛ للعلم به والاكتفاءِ بما فيه. قوله {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} وبعده {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} ؛ لموافقة الفواصل. ومثله {لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} ، وفى التَّوبة {لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} للرَّوِىّ فى السّورتين. قوله: {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [وفى إِبراهيم {إِنَّا لَفِي

شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ} ] ؛ لأَنَّ فى هذه السّورة جاءَ على الأَصل (وتدعونا) خطاب مفرد، وفى إِبراهيم لمّا وقع بعده (تدعوننا) بنونين، لأَنه خطاب جمع، حذف النَّون استثقالاً للجمع بين النّونات، ولأَنَّ فى سورة إِبراهيم اقترن بضمير قد غَيّر ما قبله بحذف الحركة، وهو الضَّمير المرفوع فى قوله: (كفرنا) ، فغيّر ما قبله فى (إِنَّا) بحذف النُّون، وفى هود اقترن ضمير لم يغيّر ما قبله، وهو الضمير المنصوب، والضَّمير المجرور فى قوله: {فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هاذا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} فصحّ كما صحّ. قوله: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} ثمّ قال {وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} التذكير والتأْنيث حَسَنان، لكنَّ التذكير أَخفّ فى الأُولى. وفى الأُخْرى وافق ما بعدها وهو {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُوْد} قال: الإِمام: لمّا جاءَت فى قصّة شُعَيْب مرّةً الرّجْفة، ومرّة الظُّلَّة، ومرّة الصّيحة، ازداد التَّأْنيث حُسْناً. قوله: {فِيْ دِيَارِهِمْ} فى موضعين فى هذه السّورة فحسب، لأَنّه اتصل بالصّيحة، وكانت من السماءِ، فازدادت على الرّجْفة؛ لأَنَّها الزلزلة، وهى تختصّ بجزء من الأَرض فجُمعت مع الصّيحة، وأُفردت مع الرّجفة.

قوله: {إِنَّ ثَمُوْدًا} بالتنوين ذكر فى المتشابه. وثمود من الثَّمْد، وهو الماء القليل، جُعل اسم قبيلة، فهو منصرف من وجه، وممنوع من وجه، فصرفوه فى حالة النَّصب؛ لأَنَّه أَخف أَحوال الاسم، ومنعوه فى حالة الرّفع؛ لأَنَّه أَثقل أَحوال الاسم، وجاز الوجهان فى الجرّ؛ لأَنَّه واسطة بين الخِفَّة والثِّقَل. قوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ} وفى القصص: {مُهْلِكَ القرى} ؛ لأَنَّ الله سبحانه وتعالى نفى الظُّلم عن نفسه بأَبلغ لفظ يستعمل فى النفى؛ لأَنَّ هذه اللاَّم لام الجحود، ولا يظهر بعدها (أَنْ) ولا يقع بعدها المصدر، ويختصّ بكان، ولم يكن، ومعناه: ما فعلت فيما مضى، ولا أَفعل فى الحال، ولا أَفعل فى المستقبل، (وكان) الغايةَ فى النَّفى، وفى القصص لم يكن صريحُ ظلم، فاكتفى بذكر اسم الفاعل، وهو لأَحد الأَزمنة غير معيّن، ثمّ نفاه. قوله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} استثنى فى هذه السّورة من الأَهل قوله: {إِلاَّ امرأتك} ولم يستثن فى الحجْر اكتفاءً بما قبله، وهو قوله: {إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ

أَجْمَعِينَ إِلاَّ امرأته} فهذا الاستثناءُ الَّذى انفردتْ به سورة الحِجْر قام مقام الاستثناءِ من قوله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل} وزاد فى الحجر {وَاتَّبَعَ أَدْبَارَهُمْ} ؛ لأَنَّه إِذا ساقهم وكان من ورائهم علم بنجاتهم ولا يخفى عليه حالهم. فضل السورة يُذكر فيه حديثان ساقطا الإسناد: حديث أُبىّ: من قرأَ سورة هود أُعطِىَ من الأَجر بعدد مَنْ صدّق نوحاً، وهوداً، وصالحاً، ولوطاً، وشعيباً، وموسى، وهارون، وبعدد مَنْ كذَّبهم، ويعطيه بعددهم أَلف أَلف مدينة فيها من الفوز والنعيم ما يعجز عن ذكره الملائكة ولا يعلم إِلاَّ الرَّبُ الغفورُ الودود الشكور، وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَ سورة هود يخرج من الدّنيا كما يخرج يحيى بن زكريَّا طاهراً مطهَّراً، وكان فى الجنَّة رفيق يحيى، وله بكلِّ آية قرأَها ثوابُ أُمِّ يحيى.

بصيرة فى.. الر. تلك آيات الكتاب المبين

بصيرة فى.. الر. تلك آيات الكتاب المبين هذه السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق. وعدد آياتها مائة وإِحدى عشرة، بلا خلاف. وكلماتها أَلْف وسبعمائة وستّ وسبعون. وحروفها سبعة آلاف ومائة وست وستُّون. وما فيها آية مختلف فيها. مجموع فواصل آياتها يجمعها قولك (لم نر) . منها آية واحدة على الَّلام: {قَالَ الله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} . وما لها اسم سوى سورة يوسف؛ لاشتمالها على قصّته. مقصود السّورة إِجمالاً: عَرْض العجائب الَّتى تتضمّنها: من حديث يوسف ويعقوب، والوقائع الَّتى فى هذه القصّة: من تعبير الرّؤْيا، وحَسَد الإِخْوة، وحِيلهم فى التفريق بينه وبين أَبيه، وتفصيل الصّبر الجميل من جهة يعقوب، وبشارة مالك بن دعر بوجْدان يوسف، وبيْع الإِخوة أَخاهم بثمن بَخْس، وعَرْضه على البيع والشراءِ، بسُوق مصر، ورغبة زَلِيخَا وعزيز مصر فى شراه، ونظر زَلِيخَا إِلى يوسف، واحتراز يوسف منها، وحديث رؤية البرهان، وشهادة الشاهد، وتعيير

النسوة زَليخا، وتحيّرهنّ فى حسن يوسف، وجماله، وحبسه فى السّجن، ودخول السّاقى والطَّبّاخ إِليه، وسؤالهما إِيّاه، ودعوته إِيَّاه إِلى التَّوحيد، ونجاة السّاقى، وهلاك الطَّبّاخ، ووصيّة يوسف للسّاقى بأَن يذكره عند رَبّه، وحديث رؤيا مالك بن الرّيان، وعجز العابرين عن عبارته، وتذكُّر السّاقى يوسف، وتعبيره لرؤياه فى السّجن، وطلب مالك يوسف، وإِخراجه من السّجن، وتسليم مقاليد الخزائن إِليه، ومَقْدَم إِخوته لطلب المِيرة، وعهد يعقوب مع أَولاده، ووصيّتهم فى كيفيّة الدّخول إِلى مصر، وقاعدة تعريف يوسف نفسه لبنيامين، وقضائه حاجة الإِخوة، وتغييبه الصّاع فى أَحمالهم، وتوقيف بنيامين بعلَّة السّرقة، واستدعائهم منه توقيف غيره من الإِخوة مكانه، وردّه الإِخوة إِلى أَبيهم، وشكوى يعقوب من جَوْر الهجْران، وأَلم الفراق، وإِرسال يعقوب إِيّاهم فى طلب يوسف، وأَخيه، وتضرّع الإِخْوة بين يَدىْ يوسف، وإِظهار يوسف لهم ما فعلوه معه من الإِساءَة وعفوه عنهم، وإِرساله بقميصه صحبتهم إِلى يعقوب، وتوجُّه يعقوب من كَنْعَان إِلى مصر، وحوالة يوسف ذَنْب إِخوته على مكايد الشيطان، وشكره لله تعالى على ما خوّله من الْمُلْك، ودعائه وسؤاله حسن الخاتمة، وجميل العاقبة، وطلب السّعادة، والشَّهادة، وتعيير الكفَّار على الإِعراض من الحجّة، والإِشارة إِلى أَنّ قصة يوسف

عِبْرة للعالمين فى قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب} إِلى آخر السّورة. وهذه السّورة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ. المتشابهات: قوله: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ليس فى القرآن غيره أَى عليم: علَّمك تأويلَ الأَحاديث، حكيم: اجتباك للرّسالة. قوله: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فى موضعين، وليس بتكرار؛ لأَنَّه ذكر الأَوّل حين نُعِى إِليه يوسف، والثَّانى حين رُفع إِليه ما جرى على بنيامين. قوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} ومثلها فى القصص. وزاد فيها (واستوى) ؛ لأَنَّ يوسف عَليه السّلام أُوحى إِليه وهو فى البئر، وموسى عليه السّلام أُوحى إِليه بعد أَربعين سنة. وقوله (واستوى) إِشارة إِلى تلك الزِّيادة. ومثله {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} بعد قوله: {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} . قوله: {مَعَاذَ الله} هنا فى موضعين، وليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَوّل ذكره حين دعته إِلى المواقعة، والثانى حين دُعى إِلى تغيير حكم السّرقة.

قوله: {قُلْنَ حَاشَ للَّهِ} فى موضعين: أَحدهما فى حضرة يوسف، حين نَفَين عنه البشرية بزعمهنَّ، والثانى بظهر الغَيب حين نَفَين عنه السّوءَ. قوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} (فى موضعين) ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَوّل من كلام من صاحبى السّجن ليوسف، والثانى من كلام إِخوته له. قوله: {ياصاحبي السجن} فى موضعين: الأَوّل ذَكَره يوسف حين عدل عن جوابهما إِلى دعائهما إِلى الإِيمان. والثانى حين عاد إِلى تعبير (رؤياهما) ؛ تنبيهاً على أَنَّ الكلام الأَوّل قد تمّ. قوله: {لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} كرّر (لعلِّى) مراعاةً لفواصل الآى. ولو جاءَ على مقتضى الكلام لقال: لعلىّ أَرجع إِلى النَّاس فيعلموا، بحذف النون على الجواب. ومثله فى هذه السّورة سواءً قوله: {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أَى لعلَّهم يعرفونها فيرجعوا. قوله: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجِهَازِهِمْ} فى موضعين: الأَوّل حكاية عن

تجهيزه إِيّاهم أَوَّل ما دخلوا عليه. والثانى حين أَرادوا الانصراف من عنده فى المرّة الثانية. وذكَرَ الأَوّل بالواو؛ لأَنَّه أَوّل قَصَصهم معه، والثَّانى بالفاءِ، عطفاً على {وَلَمَّا دَخَلُواْ} وتعقيباً له. قوله: (تالله) فى ثلاثة مواضع: الأَوّل يمين منهم أَنهم ليسوا سارقين، وأَنَّ أَهل مصر بذلك عالمون، والثَّانى يمين منهم أَنَّك لو واظبت على هذا الحزن والجَزَع تصير حَرَضاً، أَو تكونُ من الهالكين، والثالث يمين منهم أَنَّ الله فضَّله عليهم، وأَنَّهم كانوا خاطئين. قوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} وفى الأَنبياءِ {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} بغير (مِن) لأَن (قبل) اسم للزَّمان السّابق على ما أُضيف إِليه، و (مِن) يفيد استيعاب الطَّرفين، وما فى هذه السّورة للاستيعاب. وقد يقع (قبل) على بعض ما تقدم؛ كما فى الأَنبياءِ، وهو قوله: {مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ} ثم وقع عقِبه {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} فحذف (مِن) لأَنَّه هو بعينه.

قوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض} بالفاءِ. وفى الروم والملائكة بالواو؛ لأَنَّ الفاءَ يدلّ على الاتِّصال والعطف، والواو يدلّ على العطف المجرّد. وفى هذه السّورة قد اتَّصلت بالأَوّل؛ كقوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ} حال مَن كذَّبهم وما نزل بهم، وليس كذلك فى الرّوم والملائكة. قوله: {وَلَدَّارُ الآخرة خَيْرٌ} بالإِضافة، وفى الأَعراف {والدار الآخرة خَيْرٌ} على الصّفة؛ لأَنَّ هنا تقدّم ذكرُ السّاعة، فصار التقدير: ولدار السّاعة الآخرة، فحذف الموصوف، وفى الأَعراف تقدّم قوله: {عَرَضَ هاذا الأدنى} أَى المنزل الأَدنى، فجعله وصفاً للمنزل، والدّار الدّنيا والدّار الآخرة بمعناه، فأُجْرى مُجْراه. تأَمّل فى السّورة فإِنَّ فيها برهان أَحسنِ القصص. فضل السّورة لم يرد فيه سوى أَحاديث واهية. منها حديث أُبىّ: علِّموا أَرقّاءَكم سورة يوسف؛ فإِنَّه أُيُّما مسلمٍ تلاها وعلَّمها أَهلَه، وما ملكت يمينه، هوّن الله عليه سَكَرَات الموت، وأَعطاه القوّة أَلاَّ يحسُد مسلماً، وكان له بكلّ

رقيق فى الدّنيا مائةُ أَلف أَلف حسنة، ومثلها درجة، ويكون فى جوار يوسف فى الجنَّة. ثمّ قال: تعلَّموها وعلِّموها أَولادكم؛ فإِنَّه مَنْ قرأَها كان له من الأَجر كأَجر مَن اجتنب الفواحش، وأَجر من غضَّ بصره عن النظر إِلى الحرام. وقال: يا علىّ مَنْ قرأَ سورة يوسف تَقَبّل الله حسناته، واستجاب دعاءَه، وقضى حوائجه وله بكلّ آية قرأَها ثواب الفقراءِ.

بصيرة فى.. المر. تلك آيات الكتاب والذى أنزل اليك

بصيرة فى.. المر. تلك آيات الكتاب والذى أنزل اليك السّورة مكِّيّة. وعدد آياتها سبع وأَربعون عند الشاميّين، وثلاث عند الكوفيّين، وأَربع عند الحجازيّين، وخمس عند البصريّين. وكلماتها ثمان مائة وخمس وستون. وحروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وستَّة أَحرف. والآيات المختلف فيها خمس: (جديد، النور، البصير، وسُوءُ الحساب، من كل باب) . وفواصل آياتها يجمعها قولك (نقر دِعْبل) منها على العين آية واحدة {إِلاَّ مَتَاعَ} وما على النون فقبل النون واوٌ، وسائر الآيات الَّتى على الباءِ فقبلها أَلف؛ نحو مآب، متاب، سوى (القلوب) ؛ فقبلها واوٌ. وتسمّى سورة الرّعد؛ لقوله فيها: {يُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} .

مقصود السّورة: بيان حُجّة التوحيد فى تخليق السّماوات والأَرض، واستخراج الأَنهار والأَشجار والثمار، وتهديدُ الكفَّار، ووعيدُهم، وذكر تخليق الأَولاد فى أَرحام الأُمهات، على تباين الدّرجات، ومع النقصان والزِّيادات، فى الأَيّام والسّاعات، واطِّلاع الحقِّ تعالى على بواطن الأَسرار، وضمائر الأَخيار والأَشْرار، وذكر السّحاب، والرّعد، والبرق، والصّواعق، والانتظار. والرّدّ على عبادة الأَصنام، وقصّة نزول القرآن من السّماءِ، والوفاءُ بالعهد، ونقض المِيثاق، ودخول الملائكة بالتسليم على أَهل الجنان، وأُنْس أَهل الإِيمان، بذكر الرّحمة، وبيان تأْثير القرآن، فى الآثار والأَعيان، وكون عاقبة أَهل الإِيمان إِلى الجنَان، ومقرّ مرجع الكفَّار إِلى النِّيران، والمحو والإِثبات فى اللَّوح بحسب مَشيئة الديّان، وتقدير الحقِّ فى أَطراف الأَرض بالزِّيادة والنقصان، وتقرير نبوّة المصطفى بنزول الكتاب، وبيان القرآن فى قوله: {وَيَقُوْلُ الَّذِيْنَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً} إِلى آخر السّورة.

النَّاسخ والمنسوخ: فى السّورة آيتان {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ} م آية السّيف ن {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} م {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} ن وقيل: هى محكمة. المتشابهات: قوله: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} ، وفى لقمان: {إِلَى أَجَلٍ} لا ثانى له، لأَنَّك تقول فى الزَّمان: جَرَى ليوم كذا، وإِلى يوم كذا، والأَكثر اللام؛ كما فى هذه السّورة، وسورة الملائكة. وكذلك فى يس {تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍ لَهَا} ؛ لأَنَّه بمنزلة التَّاريخ؛ تقول: كتبت لثلاث بَقِين من الشهر، وآتِيك لخمس تبقى من الشَّهر. وأَما فى لقمان فوافق ما قبلها، وهو قوله: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ} ، والقياس: لله؛ كما فى قوله: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للهِ} لكنَّه حُمل على المعنى، أَى يَقصد بطاعته إِلى الله، كذلك: يجرى إِلى أَجل مسمّى، أَى يجرى إِلى وقته المسمّى له. قوله: {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وبعدها {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ

لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ؛ لأَنَّ بالتفكُّر فى الآيات يعقل ما جعلت الآيات دليلاً له؛ فهو الأَوّل المؤدّى إِلى الثَّانى. قوله: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} هاهنا موضعان. وزعموا أَنَّه لا ثالث لهما. ليس هذا بتكرار محض؛ لأَنَّ المراد بالأَوّل آية ممّا اقترحُوا؛ نحو ما فى قوله: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض} الآيات وبالثانى آية مَّا، لأَنهم لم يهتدوا إِلى أَن القرآن آية فوق كلِّ آية، وأَنكروا سائر آياته صلَّى الله عليه وسلَّم. قوله: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض} وفى النحل {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض مِن دَآبَّةٍ والملائكة} وفى الحجّ {أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم} ؛ لأَنَّ فى هذه السّورة تقدّم آية السّجدة ذكرُ العُلْويّات: من البرق والسّحاب والصواعق، ثمّ ذِكر الملائكة وتسبيحهم، وذَكر بأَخرة الأَصنام والكفَّار، فبدأَ فى آية السّجدة بذكر من فى السّماوات لذلك، وذَكَر الأَرض تبعاً، ولم يذكر مَن فيها؛ استخفافاً بالكفاَّر والأَصنام. وأَمّا فى الحجّ فقد تقدّم ذكر المؤْمنين وسائر الأَديان، فقدّم ذكر مَن فى السّماوات؛ تعظيما لهم ولها، وذكر مَن فى الأَرض؛ لأَنهم هم الَّذين تقدّم ذكرهم. وأَمّا فى النَّحل فقد تقدّم ذكرُ ما خلق الله على العموم،

ولم يكن فيه ذكر الملائكة، ولا الإِنس تصريحاً، فنصّت الآية ما فى السّماوات وما فى الأَرض؛ فقال فى كلِّ آية ما ناسبها. قوله: {نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً} قد سبق. قوله: {كذلك يَضْرِبُ الله} ليس بتكرار؛ لأَنَّ التقدير: كذلك يضرب الله للحقِّ والباطل الأَمثال، فلمّا اعترض بينهما (فأَمّا) و (أَمّا) وطال الكلام أَعاد، فقال: {كذلك يَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ} . قوله: {لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} وفى المائدة {لِيَفْتَدُواْ بِهِ} ؛ لأَن (لو) وجوابها يتَّصلان بالماضى، فقال: فى هذه السّورة {لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} وجوابه فى المائدة {مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} وهو بلفط الماضى، وقوله: {لِيَفْتَدُواْ بِه} عِلَّة، وليس بجواب. قوله: {مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} فى موضعين: هذا ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَوّل متَّصل بقوله: (يَصِلُون) وعطف عليه (ويخْشَوْن) ، والثَّانى متَّصل بقوله: (يقطعون) وعطف عليه (يفسدون) . قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ} ومثله فى المؤمنين ليس بتكرار. قال ابن عباس: عَيّروا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم باشتغاله

بالنِّكاح والتَّكثُّر منه فأَنزل الله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} فكان المراد من الآية قوله: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} بخلاف ما فى المؤمنين؛ فإِنَّ المراد منه: لست ببدْع من الرسل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} . قوله: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ} مقطوع، وفى سائر القرآن: (وإِمّا) موصول. وهو من الهجاءِ: (إِن) و (ما) وذكر فى موضعين. فضل السّورة يذكر فيه من الأَحاديث السّاقطة حديث أُبىّ: مَن قرأَ سورة الرّعد أُعطى من الأَجر عشرَ حسنات، بوزن كلِّ سحاب مضى، وكلِّ سحاب يكون، إِلى يوم القيامة، ودرجاتٍ فى جنات عَدْن، وكان يوم القيامة فى أَولاده، وذرّيّته، وأَهل بيته من المسلمين. وعن جعفر الصادق: من قرأَها لم تصبه صاعقةٌ أَبداً، ودخل الجنة بلا حساب، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ سورة الرّعد كُتب له بكل قطرة تمطر فى تلك السنة ثمانون حسنة، وأَربع وثمانون درجة، وله بكل آية قرأَها مثلُ ثوابِ مَنْ يموت فى طلب العلم.

بصيرة فى.. الر. كتاب أنزلناه اليك

بصيرة فى.. الر. كتاب أنزلناه اليك السّورة مكيّة إِجماعاً، غير آية واحدة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً} الآية. وعدد آياتها خمس وخمسون عند الشاميّين، واثنتان عند الكوفيّين، وأَربع عند الحجازيّين، وواحدة عند البصريّين، وكلماتها ثمانمائة وإِحدى وثلاثون. وحروفها ستَّة آلاف وأَربعمائة وأَربع وثلاثون. والآيات المختلف فيها سبع: {إِلَى النُّوْرِ} ، وعاد، وثمود، {بِخَلْقٍ جَدِيْدٍ} ، {وَفَرْعُهَا فِيْ السَّمَآءِ} {الليل والنهار} {عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون} . مجموع فواصل آياتها (آدم نظر، صبّ ذلّ) . وتسمّى سورة إِبراهيم؛ لتضمُّنها قصّة إِسكانه ولده إِسماعيل بواد غير ذى زرع، وشكره لله تعالى على ما أَنعم عليه من الولدَيْن: إِسماعيل وإِسحاق. مقصود السّورة: بيان حقيقة الإِيمان، وبرهان النبوّة، وأَن الله تعالى أَرسل كلّ رسول بلغة قومه، وذِكر الامتنان على بنى إِسرائيل بنجاتهم من فرعون، وأَنَّ القيام بشكر النّعم يوجِب المزيد، وكفرانها يوجب الزّوال، وذكر معاملة القرون الماضية مع الأَنبياءِ، والرّسل الغابرين، وأَمر الأَنبياءِ

بالتَّوكُّل على الله عند تهديد الكفَّار إِيّاهم، وبيان مَذلَّة الكفَّار فى العذاب، والعقوبة، وبطلان أَعمالهم، وكمال إِذلالهم فى القيامة، وبيان جَزعهم من العقوبة، وإِلزام الحجّة عليهم، وإِحال إِبليس اللاَّئمة عليهم، وبيان سلامة أَهل الجنَّة، وكرامتهم، وتشبيه الإِيمان (والتَّوحيد بالشَّجرة الطَّيّبة وهى النخلة وتمثيل الكفر بالشَّجرة الخبيثة وَهى الحنطة وتثبيت أَهل الإِيمان) على كلمة الصّواب عند سؤال منكَر ونكير، والشكوى من الكفَّار بكفران النِّعمة، وأَمر المؤمنين بإِقامة الصّلوات، والعبادات، وذكر المِنَّة على المؤمنين بالنِّعم السّابغات، ودعائه إِبراهيمُ بتأْمين الحَرَم المكِّى، وتسليمه إِسماعيل إِلى كرم الحَقِّ تعالى. ولطفه وشكره لله على إِعطائه الولد، والتهديد العظيم للظَّالمين بمذلَّتهم فى القيامة، وذِكْر أَن الكفار قُرناءُ الشياطين فى العذاب، والإِشارة إِلى أَنَّ القرآن أَبلغ وعظ، وذكرى للعقلاءِ فى قوله: {هاذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} إِلى آخر السّورة. والسّورة خالية عن المنسوخ فى قول. وعند بعضهم {إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} م {إِنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ} م. المتشابهات: قوله: {فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} وبعده {فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} لأَنَّ الإِيمان سابق على التوكُّل.

قوله: {مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ} والقياس على شىء ممّا كسبوا كما فى البقرة لأَنَّ على (من صلة القدرة، ولأَن (مما كسبوا) صف لشىء. وإِنَّما قدم فى هذه السورة لأَن) الكسب هو المقصود بالذكر، وأَنَّ المَثَل ضُرب للعمل، يدلّ عليه قوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ} . قوله: {وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} وفى النَّمل: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السمآء} بزيادة (لكم) ؛ لأَنَّ (لكم) فى هذه السّورة مذكور فى آخر الآية، فاكتُفِىَ بذكره، ولم يكن فى النَّمل فى آخرها، فذكر فى أَوّلها. وليس قوله: {مَا كَانَ لَكُمْ} يكفى من ذكره؛ لأَنَّه نفى لا يفيد معنى الأَوّل. قوله: {فَي الأرض وَلاَ فِي السمآء} قدّم الأَرض؛ لأَنَّها خُلِقت قبل السّماءِ؛ ولأَنَّ هذا الدّاعى فى الأَرض. وقدّمت الأَرض فى خمسة مواضع: هنا، وفى آل عمران، ويونس، وطه، والعنكبوت. قوله: {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} (خصّ أُولى الأَلباب) بالذكْر لأَنَّ المراد فى الآية التَّذكُّر، والتدبّر، والتَّفكُّر فى القرآن، وانَّما يتأَتَّى ذلك منهم، مِثله فى البقرة {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} يريد فَهْم معانى

القرآن، ثمّ خَتَم الآية بقوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} ومثلها فى آل عمران {هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ} وذكر فيه المحكمات والمتشابهات، وختمها بقوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} ، ولا رابع لها فى القرآن. فضل السّورة ذكروا فيه أَحاديث ضعيفة واهية. منها: مَن قرأَ سورة إِبراهيم أُعْطِى من الأَجْر عشرَ حسنات، بعدد كلّ مَن عبد الأَصنام، وعدد من لم يعبدها، وفى لفظٍ: أُعطى بعدد مَن عبد الأَصنام مدينةً فى الجنَّة، لو نزل بها مثلُ يأْجوج ومأْجوج لوسِعتهم ما شاءُوا من اللِّباس، والخَدَم، والمأْكول، وسائر النِّعم، وحرم عليهم سرابيل القطِران، ولا تغشى النّارُ وجهه، وكان مع إِبراهيم فى قباب الجنان، وأُعْطِى بعدد أَولادِ إِبراهيم حسنات ودرجات، وحديث علىّ: يا علىُّ مَن قرأَ سورة إِبراهيم كان فى الجنَّة رفيق إِبراهيم، وله مثلُ ثواب إِبراهيم، وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب إِسحاق بن إِبراهيم.

بصيرة فى.. ألر. تلك آيات الكتاب وقرآن مبين

بصيرة فى.. ألر. تلك آيات الكتاب وقرآن مبين السّورة مكِّيّة إِجماعاً. وعدد آياتها تسع وتسعون بلا خلاف. وكلماتها ستّمائة وأَربع وخمسون. وحروفها أَلفان وسبعمائة وستون. ومجموع فواصل آياتها (مِلْن) على اللاَّم منها آيتان: {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} ، {فاصفح الصفح الجميل} . وتسمّى سورة الحِجْر؛ لاشتمالها على قصّتهم، وقوله: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحجر المرسلين} . مقصود السّورة إِجمالاً: بيان حقيقة القرآن، وحفظ الحقِّ وبرهان النبوّة وحفظ الحقِّ كتابَه العزيز من التغيير والتبديل، وتزيين السّماوات بمواكب الكواكب وحفظهما برُجوم النجوم من استراق الشَّيّاطين السّمع، وتقديره تعالى الماء والسّحاب من خزائن برّه، ولُطْفه، وعلمه تعالى بأَحوال المتقدّمين فى الطَّاعة والمتأَخِّرين عنها، وبيان الحكمة فى تخليق آدم، وأَمر الملائكة المقرّبين بسجوده، وتعيير إِبليس، وملامته

على تأبِّيه واستكباره وجحوده، واستحقاقه اللَّعنة من الله بعصيانه وطغيانه، وجراءَته بالمناظرة لخالقه ومعبوده، وبيان قَسْم الدّركات (على أَهل اللذات) والضَّلالات، وذكر المستوجبى الجنَّة من المؤمنين، وإِخبار الله تعالى عبادَه بالرحمة والغفران، وتهديدهم بالعذاب والعقاب، والإِشارة إِلى ذكر أَضياف الخليل علَيه السّلام، والنَّهى عن القُنُوط من الرّحمة، وذكر آل لوط، وسكرتهم فى طريق العَماية والضَّلالة، وتسلية النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم عن جفاءِ الكفَّار، وبذىءِ أَقوالهم، والمَنِّ عليه صَلَّى الله عليه وسلَّم بنزول السّبع المثانى، ومشون القرآن العظيم، والشكوى عن الطَّاعنين فى القرآن، وذكر القَسَم بوقوع السّؤال فى القيامة، وأَمر الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بإِظهار الدّعوة، والمنّ عليه بإِهلاك أَعداءِ دينه، ووصيّته بالعبادة إِلى يوم الحقِّ واليقين فى قوله: {واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} . النَّاسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ أَربع آيات {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} م آية السّيف ن {وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} م آية السّيف ن {فاصفح الصفح الجميل} م

آية السّيف ن {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} آية السّيف ن. المتشابهات قوله: {لَّوْ مَا تَأْتِينَا} وفى غيرها: (لولا) ؛ لأَنَّ (لولا) يأْتى على وجهين: أَحدهما امتناع الشىء لوجود غيره؛ وهو الأَكثر. والثانى بمعنى (هَلاَّ) وهو التَّحضيض. ويختصّ بالفعل، و (لوما) بمعناه. وخُصّت هذه السّورة بلوما؛ موافقةً لقوله: (رُبَما) فإِنَّها أَيْضاً ممّا خُصّت به هذه السّورة. قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً} ، وفى البقرة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ} ولا ثالث لهما؛ لأَن (جَعَل) إِذا كان بمعنى (خَلَقَ) يُستعمل فى الشىء يتجدّد ويتكرّر؛ كقوله: {خَلَقَ السماوات والأرض وَجَعَلَ الظلمات والنور} ، لأَنَّهما يتجدّدان زماناً بعد زمان. وكذلك الخليفة يدلّ لفظه على أَنَّ بعضهم يخلف بعضاً إِلى يوم القيامة. وخُصّت هذه السّورة بقوله: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ} إِذ ليس فى لفظ البَشَر ما يدلّ على التجدّد والتكرار، فجاءَ فى كلِّ واحدة من السّورتين ما اقتضاه ما بعدهما من الأَلفاظ.

قوله: {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} فى هذه السّورة، وفى ص؛ لأَنَّه لمّا بالغ فى السّورتين فى الأَمر بالسّجود وهو قوله: {فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِيْنَ} فى السّورتين بالغ فى الامتثال فيهما فقال: {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} ليقع الموافقة بين أُولاها وأُخراها. وتمام قصّة آدم وإِبليس سبق. قوله هنا لإِبليس: {اللَّعْنَةُ} وقال فى ص {لَعْنَتِي} لأَنَّ الكلام فى هذه السّورة جَرَى على الجنس فى أَوّل القصّة فى قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} {والجآن خَلَقْنَاهُ} {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ} لذلك قال: {اللَّعْنَةُ} وفى ص تقدّم {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} فختم بقوله {لَعْنَتِي} . قوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وزاد فى هذه السّورة {إِخْوَاناً} لأَنَّها نزلت فى أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلَّم، وما سواها عامّ فى المؤمنين. قوله فى قصّة إِبراهيم: {فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} لأَن هذه السّورة متأَخرة، فاكْتُفى بما فى هود؛ لأَنَّ التَّقدير: فقالوا: سلاماً، قال: سلام، فما لبث أَن جاءَ بعجل حنيذ، فلما رأَى أَيديَهم لاتصل إِليه نكِرهم وأَوجس منهم خيفة، قال: إنا منكم وجلون. فحذف للدّلالة عليه.

قوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ} وفى غيرها {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} قال بعض المفسّرين: (عليهم) أَى على أَهلها، وقال بعضهم: على من شَذّ من القرية منهم. وقال تاج القراء: ليس فى القولين ما يوجب تخصيص هذه السّورة بقوله: (عليهم) بل هو يعود إِلى أَوّل القصّة، وهو {إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} ثمّ قال: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} قال: وهذه لطيفة فاحفظها. قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} بالجمع وبعدها {لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} على التَّوحيد. قال الإِمام: الأُولى إشارة إِلى ما تقدّم من قصّة لوط [وضيف إِبراهيم، وتعرّض قوم لوط لهم] طمعاً فيهم، وقلب القرية على من فيها، وإِمطار الحجارة عليها، وعلى من غاب منهم. فختم بقوله: {لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} أَى لمَن يتدبّر السِّمَة، وهى ما وَسَم الله به قوم لوط وغيرهم، قال: والثانية تعود إِلى القرية: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} وهى واحدة، فوحّد الآية. وقيل: ما جاءَ فى القرآن من الآيات فلجمع الدّلائل، وما جاءَ من الآية فلوحدانيّة المدلول عليه. فلمّا ذكر عقِبه

المؤمنين، وهم مُقِرُّون بوحدانية الله تعالى، وحّد الآية. وليس لها نظير إِلاَّ فى العنكبوت، وهو قوله تعالى {خَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} فوحّد بعد ذكر الجمع لِمَا ذكرت والله أَعلم. فضل السّورة: ذكروا أَحاديث واهية. منها: مَن قرأَ سورة الحِجْر كان له من الأَجْر عشرُ حسنات بعدد المهاجرين، والأَنصار، والمستهزئين، بمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم. وعن جعفر أَنَّه قال: من قرأَ سورة الحِجْر لا يصيبه عطش يوم القيامة. ومَنْ قرأها فى ركعتى كلِّ جمعة لم يصبه فقر أَبداً، ولا جنون، ولا بَلْوَى. وحديثُ علىّ: يا علىّ مَن قرأَ سورة الحِجْر لا يُنصب له ميزان، ولا يُنشَر له دِيوان، وقيل له: ادخل الجنَّة بغير حساب. وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب أَصحاب البلاءِ.

بصيرة فى.. أتى أمر الله

بصيرة فى.. أتى أمر الله هذه السّورة مكِّيّة، إِلاَّ قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ} إِلى آخر السّورة. وقيل: أَربعون آية منها مكِّيّة، والباقى مَدَنىّ. والأَوّل أَولى. عدد آياتها مائة وثمانية وعشرون. وكلماتها أَلفان وثمانمائة وأَربعون. وحروفها سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة أَحرف. ومجموع فواصل آياتها (نمرّ) منها اثنتان على الرّاءِ آخراهما {قَدِيْرٍ} وسُمّيت سورة النَّحل لِمَا فيها من عجائب ذكر النَّحل. معظم ما اشتملت عليه السّورة: تخويف العباد بمجئ القيامة، وإِقامة حُجّة الوحدانية، وذكر ما فى الأَنعام من المنافع والنِّعم، وما فى المراكب من التَّجمّل والزينة، وذكر المُسِيم والنبات والشجر، وتسخير الشمس والقمر، وتثبيت الأَرض والجبال والحَجَر، وهداية الكواكب فى السّفر والحضر، والنِعم الزَّائدة عن (العد والإِحصاء) ، والإِنكار

على أَهل الإِنكار، وجزاءُ مَكْر المُكَّار، ولعنة الملائكة على الأَشرار، عند الاحتضار، وسلامهم فى ذلك الوقت على الأَبرار والأَخيار، وبيان أَحوال الأَنبياءِ والمرسلين مع الأُمم الماضين، وذكر الهجرة والمهاجرين، وذكر التَّوحيد، وتعريف المنعِم، ونعَمه السّابغات، ومذَمَّة المشركات بوأد البنات، وبيان الأَسماء والصّفات، والمنَّة على الخلائق بإِنزال الرّحمات، وعدّها من الإِنعام فى باب الأَنعام والحيوانات، وبيان فوائد النَّحْل، وذكر ما اشتمل عليه: من عجيب الحالات، وتفضيل الخَلْق فى باب الأَرزاق والأَقوات، وبيان حال المؤمن والكافر، وتسخير الطيور فى الجوّ صافّات، والمِنَّة بالمساكن والصّحارى والبّرِّيَّات، وشكاية المتكبّرين، وذكر ما أُعِدّ لهم من العقوبات، والأَمر بالعدل والإِحسان، والنَّهى عن نقض العهد والخيانات، وأَنَّ الحياة الطَّيّبة فى ضمن الطَّاعات، وتعلم الاستعاذة بالله فى حال تلاوة الآيات المحكمات، وردّ سلطان الشَّيطان من المؤمنين والمؤمنات، وتبديل الآيات بالآيات، لمصالح المسلمين والمسلمات، والرّخصة بالتَّكلم بكلمة الكفر عند الإِكراه والضَّرورات، وبيان التحريم والتحليل فى بعض الحالات، وذكر إِبراهيم الخليل وما مُنح من الدّرجات، وذكر السّبْتِ والدّعاءِ إِلى سبيل الله بالحكمة والعظات الحسنات، والأَمر بالتسوية فى المكافآت بالعقوبات، والأَمر بالصّبر على

البليّات، ووعد المتَّقين والمحسنين بأَعظم المثوبات، بقوله: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مُّحْسِنُونَ} . النَّاسخ والمنسوخ فى هذه السّورة ثلاث آيات منسوخة م {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} م {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش} ن {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ} م آية السّيف ن {وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ} م آية السّيف ن. المتشابهات: فيها فى موضعين {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} بالجمع. وفى خمسة مواضع: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} على الوحدة. أَما الجمع فلموافقة قوله: {مُسَخَّرَاتٌ} فى الآيتين؛ لتقع المطابقة فى اللفظ والمعنى. وأَمّا التوحيد فلتوحيد المدلول عليه. من الخمس قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} وليس له نظير. وخصّ بالذِّكر لاتِّصاله بقوله: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} ؛ فإِن اختلاف أَلوان الشىء وتغيّر أَحواله يدلّ على صانع حكيم لا يشبهها ولا تشبهه، فمن تأَمل فيها اذَّكَّر.

ومن الخمس: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فى موضعين، وليس لهما نظير. وخُصّتا بالفكر؛ لأَن الأُولى متصلة بقوله: {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب وَمِن كُلِّ الثمرات} وأَكثرها للأَكل، وبه قوام البدن، فيستدعى تفكيراً وتأَمّلاً، ليعرف به المنعِم عليه فيشكره. والثانية متَّصلة بذكر النحل، وفيها أُعجوبة: من انقيادها لأَميرها، واتِّخاذها البيوت على أَشكال يعجز عنها الحاذق منَّا، ثم تتبُّعها الزَهَر والطلى من الأَشجار، ثم خروج ذلك من بطونها لُعابا أَو وَنِيما، فاقتضى ذلك فكراً بليغاً، فختم فى الآيتين بالتفكُّر. قوله: {وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} ، وفى الملائكة: {وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ} ، ما فى هذه السورة جاءَ على القياس؛ فإِن (الفُلك) المفعولُ الأَوّل لترى، و (مَوَاخِرَ) المفعول الثانى، و (فيه) ظرف، وحقُّه التأَخُّر. والواو فى (ولتبتغوا) للعطف على لام العلة فى قوله: {لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ} . وأَمّا فى الملائكة فقدّم (فيه) موافقة لما قبله، وهو قوله: {لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِّيًّا} فقدّم الجارّ والمجرور، على الفعل والفاعل، ولم يزد الواو على (لتبتغوا) لأَن اللام فى (لتبتغوا) هنا لام العلة، وليس يعطف على شىء قبله. ثم إِن قوله: {وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ} و {فِيهِ مَوَاخِرَ} اعتراض فى السورتين يجرى مجرى المثل، ولهذا وَحّد الخطاب،

وهو قوله: (وترى) وقبله وبعده جمع، وهو قوله: (لتأكلوا) و (تستخرجوا) و (لتبتغوا) . وفى الملائكة: (تأكلون) و (تستخرجون) ، (لتبتغوا) ومثله فى القرآن كثير، منه {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} وكذلك {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} ، {وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العرش} وأَمثاله. أَى لو حضرت أَيها المخاطب لرأَيته فى هذه الصفة؛ كما تقول: أَيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، فتأَمل فإِن فيه دقيقة. قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولين} وبعده: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً} إِنما رفع الأَول؛ لأَنهم أَنكروا إِنزال القرآن، فعدلوا عن الجواب، فقالوا: أَساطير الأَولين. والثانى من كلام المتقين، وهم مقِرّون بالوحى والإِنزال، فقالوا: خيراً، أَى أَنزل خيراً، فيكون الجواب مطابقاً، و (خيرا) نَصْب بأَنزل. وإِن شئت جعلت (خيرا) مفعول القول، أَى: قالوا خيراً ولم يقولوا شَرّا كما قالت الكفَّار. وإِن شئت جعلت (خيرا) صفة مصدر محذوف، أَى قالوا قولا خيراً. وقد ذكرت مسأَلة (ماذا) فى مواضعه. قوله: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} ليس فى القرآن نظيره للعطف بالفاءِ على التعقيب فى قوله: {فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} واللام للتأكيد تجرى

مجرى القسم موافَقة لقوله: {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} وليس له نظير، وبينهما: {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ} . قوله: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} هنا وفى الجاثية، وفى غيرهما {مَا كَسَبُواْ} ؛ لأَن العمل أَعمّ من الكسب، ولهذا قال: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} وخُصّت هذه السورة (بالعمل) لموافقة ما قبله: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ولموافقة ما بعده وهو قوله: {وتوفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} ومثله: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} فى الزمر. وليس لها نظير. قوله: {لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} قد سبق. قوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات} قد سبق. قوله: {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ومثله فى الروم و (فى) العنكبوت: {وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ} باللام والياءِ. أَما التاءُ فى السورتين فبإِضمار القول أَى قل لهم: تمتعوا، كما فى قوله: {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار} وكذلك: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ} .

وخصصت هذه السّورة بالخطاب لقوله: {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم} وألحق ما فى الروم به. وأَمّا [ما] فى العنكبوت فعلى القياس، عطف على اللام قبله، وهى للغائب. قوله: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ} وفى الملائكة: {بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} الهاءُ فى هذه السورة كناية عن الأَرض، ولم يتقدّم ذكرها. والعرب تجوّز ذلك فى كلمات منها الأَرض، تقول: فلان أَفضل مَنْ عليها، ومنها السماء، تقول: فلان أَكرم مَن تحتها، ومنها الغداة (تقول) : إِنها اليوم لباردة. ومنها الأَصابع تقول: والذى شقَّهن خَمسا من واحدة، يعنى الأَصابع من اليد. وإِنما جوّزوا ذلك لحصولها بين يَدَىْ متكلم وسامع. ولمّا كان كناية عن غير مذكور لم يُزد معه الظهر لئلا يلتبس بالدّابة؛ لأَن الظهر أَكثر ما يستعمل فى الدابَّة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "المنبتُّ لا أَرضا قطع ولا ظهرا أَبقى" وأَما فى الملائكة فقد تقدّم ذكر الأَرض فى قوله: {أَوَلَمْ يَسِيْرُواْ فِيْ الأَرْضِ} وبعدها: {وَلاَ فِيْ الأَرْضِ} فكان كناية عن مذكور سابق، فذكر الظهر حيث لا يلتبس. قال الخطيب: إِنما قال فى النحل: {بِظُلْمِهِمْ} ولم يقل (على ظهرها) احترازا عن الجمع بين الظاءين؛ لأَنها تثقل فى الكلام، وليست لأُمّة من الأُمم سوى العرب. قال: ولم يجئ فى هذه السّورة إِلا فى سبعة أحرف؛ نحو

الظلم والنظر والظلّ وظلّ وجهه والظفر والعظم والوعظ، فلم يجمع بينهما فى جملتين معقودتين عَقْد كلام واحد، وهو لَوْ وجوابُه. قوله: {فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَآ} وفى العنكبوت: {مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَآ} وكذلك حذف (من) من قوله: {لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} وفى الحج {مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} فحذف (من) فى قوله: {بَعْدِ مَوْتِهَآ} موافقة لقوله: {بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} وحذف (من) فى قوله: {بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} لأَنه أَجمل الكلام فى هذه السورة، فقال: {والله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} وفصّله فى الحجّ فقال: {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} إِلى قوله: {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} فاقتضى الإِجمال الحذفَ، والتفصيل الإِثباتَ. فجاءَ فى كل سورة ما اقتضاه الحال. قوله: {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} وفى المؤمنين {فِي بُطُوْنِهَا} لأَن فى هذه السورة يعود إِلى البعض وهو الإِناث لأَن اللبن لا يكون للكل. فصار تقدير الآية: وإِن لكم فى بعض الأَنعام، بخلاف ما فى المؤمنين، فإِنه لمّا عطف ما يعود على الكل ولا يقتصر على البعض - وهو قوله: {وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا} لم يحتمل أَن يكون المراد البعض، فأنَّث حملا على الأَنْعام، وما قيل: إِن (الأَنعام) هاهنا بمعنى النعم لأَن الأَلف واللام يُلحِق الآحادَ بالجمع والجمعَ بالآحاد حسنٌ؛ إِلا أَن الكلام وقع فى التخصيص. والوجه ما ذكرت. والله أَعلم.

قوله: {وَبِنِعْمَتِ الله هُمْ يَكْفُرُونَ} وفى العنكبوت {يَكْفُرُونَ} بغير (هم) لأَن فى هذه السورة اتَّصل (الخطاب) {والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطيبات} ثم عاد إِلى الغيبة فقال: {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ الله هُمْ يَكْفُرُونَ} فلا بدّ مِن تقييده بهم لئلا يلتبس الغَيْبَة بالخطاب والتاءُ بالباءِ. وما فى العنكبوت اتصل بآيات استمرّت على الغَيبة فلم يحتج إِلى تقييده بالضمير. قوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} كرّر إِنّ، وكذلك فى الآية الأخرى {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ} لأَن الكلام لمّا طال بصلته أَعاد إِن واسمها وثمّ، وذكر الخبر. ومثله {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} أَعاد (أَنَّ) لمّا طال الكلام. قوله: {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا} وفى النمل: {وَلاَ تَكُنْ} بإِثبات النون. هذه الكلمة كثر دَوْرها فى الكلام فحذف النون فيها تخفيفاً من غير قياس بل تشبُّها بحروف العلَّة. ويأتى ذلك فى القرآن فى بضعة عشر موضعا تسعة منها بالتاءِ، وثمانية بالياءِ، وموضعان بالنون، وموضع بالهمزة. وخصّت هذه السورة بالحذف دون النمل موافقة لما قبلها وهو قوله: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ} والثانى أَن هذه الآية نزلت تسلية للنبى

صلى الله عليه وسلم حين قتل حمزة ومثِّل به فقال عليه السلام: لأَفعلنَّ بهم ولأَصنعنَّ، فأَنزل الله تعالى: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} فبالغ فى الحذف ليكون ذلك مبالغة فى التسلِّى، وجاءَ فى النمل على القياس، ولأَن الحزن هنا دون الحزن هناك. فضل السّورة رَوَى المفسّرون فى فضل السّورة أَحاديث ساقطة. منها حديث أُبىّ الواهى: مَن قرأَ سورة النَّحل لم يحاسبه الله بالنِّعم الَّتى أَنعَم عليه فى دار الدّنيا، وأُعطى من الأَجر كالَّذى مات فأَحسن الوَصِيّة. وعن جعفر أَن مَن قرأَ هذه السّورة فى كلِّ شهر كُفى عنه سبعون نوعاً من البلاءِ، أَهونها الجذام والبرص، وكان مسكنه فى جنّة عَدْن وسط الجنان، وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَ سورة النَّحل فكأَنَّما نَصَر موسى وهارون على فرعون، وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب أُمّ موسى.

بصيرة فى.. سبحان الذى أسرى بعبده

بصيرة فى.. سبحان الذى أسرى بعبده السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق. وآياتها مائة وخمس عشرة آية عند الكوفيّين وعشر عند الباقين. وكلماتها أَلف وخمسمائة وثلاث وستُّون. وحروفها ستَّة آلاف وأَربعمائة وستون. والمختَلَف فيها آية واحدة {لِلأَذْقَانِ سُجَّداً} . فواصل آياتها أَلِف إِلاَّ الآية الأُولى، فإِنَّها راء. ولهذه السّورة اسمان: سورة سبحان، لافتتحاها بها، وسورة بنى إِسرائيل لقوله: فيها {وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ} . مقصود السّورة ومعظم ما اشتملت عليه: تنزيه الحقِّ تعالى، ومعراج النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والإِسراءُ إِلى المسجد الأَقصى، وشكر نوح عليه السّلام، وفساد حال بنى إِسرائيل، ومكافأَة الإِحسان والإِساءَة، وتقويم القرآن الخلائق، وتخليق اللَّيل والنَّهار، وبيان الحكمة فى سير الشمس والقمر ودَورهما، وملازمة البخت المرءَ، وقراءَة الكتب فى القيامة،

وبيان الحكمة فى إِرسال الرّسل، والشكوى من القرون الماضية، وذكر طلب الدّنيا والآخرة، وتفضيل بعض الخَلْق على بعض، وجعل برّ الوالدَيْن والتوحيد فى قَرَن واحد، والإِحسان إِلى الأَقارب، والأَمر بترك الإِسراف، وذمّ البخل، والنَّهى عن قتل الأَولاد، وعن الزِّناء، وقتل النَّفس ظلماً، وأَكل مال اليتيم، وعن التكبّر، وكراهية جميع ذلك، والسّؤال عن المَقُول والمسموع، والرّد على المشركين، وتسبيح الموجودات، وتعيير الكفَّار بطعنهم فى القرآن، ودعوة الحقِّ الخَلْق، وإِجابتهم له تعالى، وتفضيل بعض الأَنبياءِ على بعض، وتقرّب المقرّبين إِلى حضرة الجلال، وإِهلاك القُرَى قُبيْلَ القيامة، وفتنة النَّاس برؤيا النبىّ صلَّى الله عليه وسلم، وإِباءُ إِبليس من السّجدة لآدم، وتسليط الله إِيّاه على الخَلْق، وتعديد النِّعم على العباد، وإِكرام بنى آدم، وبيان أَنَّ كلّ أَحد يُدْعَى فى القيامة بكتابه، ودينه، وإِمامه، وقَصْد المشركين إِلى ضلال الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وإِذلاله، والأَمر بإِقامة الصّلوات الخمس فى أَوقاتها، وأَمر الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بقيام اللَّيل، ووعده بالمَقَام المحمود، وتخصيصه بمُدخل صدق، ومُخْرج صدق، ونزول القرآن بالشفاءِ، والرّحمة، والشكايةُ من إِعراض العبيد، وبيان أَنَّ كلَّ أَحد يصدر منه ما يليق به، والإِشارة إِلى جواب مسأَلة الرّوح، وعجز الخَلْق عن الإِتيان بمثل القرآن، واقتراحات المشركين على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وتفصيل حالهم فى عقوبات

الآخرة، وبيان معجزات موسى، ومناظرة فرعون إِيّاه، وبيان الحكمة فى تفرقة القرآن، وآداب نزوله، وآداب الدعاء وقراءَة القرآن، وتنزيه الحقِّ تَعالى عن الشريك والوَلَد فى {الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} إِلى قوله: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيْرًا} . النَّاسخ والمنسوخ: فى هذه السّورة آيتان منسوختان {وَقَضَى رَبُّكَ} إِلى قوله: {رَبَّيَانِي صَغِيرًا} الدّعاءُ للميّت م فى حَقِّ المشركين {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانوا أُوْلِي قربى} ن {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} إِلى قوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله: {وَيُبَشِّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} وخصّت سورة الكهف {أَجْراً حَسَنًا} ؛ لأَنَّ الأَجر فى السّورتين الجَنَّة، والكبير والحَسَن من أَوصافها؛ لكن خُصّت هذه السّورة بالكبير بفواصل الآى قبلها وبعدها، وهى (حصيراً) و (أَليماً) و (عجولاً) وجُلّها وقع قبل آخرها مَدّة. وكذلك فى سورة الكهف جاءَ على ما يقتضيه

الآيات قبلها، وبعدها وهى (عِوَجاً) وكذا (أَبداً) وجُلّها ما قبل آخرها متحرّك. وأَمّا رفع (يبشِّر) فى سبحان ونصبها فى الكهف فليس من المتشابه. قوله: {لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلاها آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً} وقوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} وقوله: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلاها آخَرَ فتلقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً} فيها بعض التشابه، ويُشْبه التكرار وليس بتكرار؛ لأَنَّ الأُولى فى الدّنيا، والثانية فى العُقْبى، والخطاب فيهما للنَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والمراد به غيره، كما فى قوله: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر} وقيل: القول مضمر، أَى قل لكلِّ واحد منهم: لا تجعل مع الله إِلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً فى الدّنيا وتُلْقى فى جهنَّم ملوماً مدحوراً فى الأُخرى. وأَمّا الثانية فخطاب للنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو المراد به. وذلك أَنَّ امرأَة بعثت صبيّاً لها إِليه مرّة بعد أُخرى، سأَلته قميصاً، ولم يكن عليه ولا له صلَّى الله عليه وسلَّم قميصٌ غيره، فنزعه ودفعه إِليه، فدخل وقتُ الصّلاة، فلم يخرج حياءً، فدخل عليه أَصحابه فرأَوه على تلك

الصِّفة، فلاموه على ذلك، فأَنزل الله تعالى {فَتَقْعُدَ مَلُوماً} يلومك النَّاس {مَّحْسُوراً} مكشوفاً. هذا هو الأَظهر من تفسيره والله أَعلم. قوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هاذا القرآن "لِيَذَّكَّرُواْ} ، وفى آخر السّورة {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هاذا القرآن" مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} فزاد، (للنَّاس) وقدّمه على القرآن، وقال: فى الكهف {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هاذا القرآن لِلنَّاسِ} إِنما لم يذكر فى أَوّل سبحان (للنَّاس) لتقدّم ذكرهم فى السّورة، وذكرهم فى (الكهف) إِذ لم يَجْر ذكرهم، وذكر النَّاس فى آخر سبحان، وإِن جرى ذكرهم؛ لأَنَّ ذكر الإِنْس والجنّ جرى معاً، فذكر (للنَّاس) كراهة الالتباس، وقدّمه على {فِي هاذا القرآن} كما قدّمه فى قوله: {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هاذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} ثمّ قال: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هاذا القرآن} وأَمّا فى الكهف فقدِّم {فِي هاذا القرآن} لأَنَّ ذكره أَجلّ الغرض. وذلك أَنَّ اليهود سألته عن قصّة أَصحاب الكهف، وقصّة ذى القرْنينْ، فأَوحى الله إِليه فى القرآن؛ وكان تقديمه فى هذا الموضع أَجدر، والعناية بذكره أَحرى وأَخلق. قوله: {وقالوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} ثمّ أَعادها فى آخر السّورة بعينها، من غير زيادة ولا نقصان؛ لأَنَّ هذا ليس بتكرار؛ فإِنَّ الأَوّل من كلامهم فى الدّنيا، حين جادلوا الرّسول،

وأَنكروا البعث، والثانى من كلام الله حين جازاهم على كفرهم، وقولهم ذلك وإِنكارهم البعث، فقال {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} . قوله {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ} وفى الكهف {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ} اقتصر هنا على الإِشارة؛ لتقدّم ذكر جهنَّم (ولم يقتصر عليها [فى الكهف] وإِن تقدم ذكر جهنَّم) بل جَمَع بين الإِشارة والعبارة؛ لمّا اقترن بقوله: (جنَّات) فقال: {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ} الآية ثمّ قال: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفردوس} ليكون الوعد والوعيد كلاهما ظاهرين. قوله: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ} وفى سبأ {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِ الله} لأَنه يعود إِلى الرّب، وقد تقدّم ذكره فى الآية الأُولى، وهو قوله: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ} وفى سبأ لو ذكر بالكناية لكان يعود إِلى الله، كما صرّح، فعاد إِليه، وبينه وبين ذكره سبحانه صريحاً أَربع عشرة آية، فلمّا طال الفصلُ صَرّح. قوله: {أَرَأَيْتَكَ هاذا الذي} وفى غيرها {أَرَأَيْتَ} لأَنَّ ترادُف الخطاب يدلّ على أَنَّ المخاطب به أَمر عظيم. وهكذا هو فى السّورة؛ لأَنَّه - لعنه

الله - ضمِن احْتِنَاكِ ذريّة آدم عن آخرهم إِلاَّ قليلاً. ومثل هذا {أَرَءَيْتَكُمْ} فى الأَنعام فى موضعين وقد سبق. قوله: {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى} وفى الكهف زيادة {وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ} ؛ لأَنَّ ما فى هذا السّورة معناه: [ما منعهم] عن الإِيمان بمحمد إِلاَّ قولُهم: أَبعث الله بشراً رسولاً، هلاَّ بعث مَلَكاً. وجهلوا أَنَّ التَّجانس يورث التَّوانس، والتغاير يورث التَّنافر. وما فى الكهف معناه: ما منعهم عن الإِيمان والاستغفار إِلاَّ إِتيانُ سنَّة الأَوّلين. قال الزَّجاج: إِلاَّ طلب سنَّة الأَوّلين (وهو قولهم: {إِن كَانَ هاذا هُوَ الحق} فزاد: ويستغفروا ربَّهم، لاتصاله بقوله: سنة الأَولين) وهم قوم نوح، وصالح، وشعيب، كلُّهم أمروا بالاستغفار. فنوح بقوله: {استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} وهود يقول: {وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ} وصالح يقول: {فاستغفروه ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} وشُعيب يقول: {واستغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} فلمّا خوّفهم سُنَّةَ الأَوّلين أَجرى المخاطبين مُجْراهم.

قوله: {قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [وكذا جاءَ فى الرعد] وفى العنكبوت: {قُلْ كفى بالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} كما فى الفتح {وكفى بالله شَهِيداً} {وَكفى بالله نَصِيرًا} {وَكفى بالله حَسِيْبًا} فجاءَ فى الرّعد وفى سبحان على الأَصل. وفى العنكبوت أَخَّر {شَهِيداً} لمّا وصفه بقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا فِي السماوات والأرض} فطال. قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض قَادِرٌ} وفى الأَحقاف {بِقَادِرٍ} وفى (يس) {بِقَادِرٍ} ؛ لأَنَّ ما فى هذه السّورة خبر أَنَّ، وما فى يس خبرُ ليس، فدخل الباءُ الخبر، وكان القياس أَلاَّ يدخل فى حم؛ لكنَّه شابه (ليس) بترادف النفى، وهو قوله: {أَوَلَمْ يَرَواْ} {وَلَمْ يَعْيَ} وفى هذه السّورة نَفْى واحد. وأَكثر أَحكام المتشابه ثبت من وجهين؛ قياساً على باب مالا ينصرف وغيره. قوله: {إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً} قابل موسى كلَّ كلمة من فرعون بكلمة من نفسه، فقال: {وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً} .

فضل السّورة لم يرد فيه سوى أَحاديث ظاهرة الضعف، منها: مَن قرأَ هذه السّورة كان له قنطار ومائتا أُوقيّة، كلّ أُوقية أَثقلُ من السّماوات والأَرض، وله بوزن ذلك درجةٌ فى الجنَّة، وكان له كأَجر مَن آمن بالله، وزاحم يعقوب فى فتنه، وحُشرَ يوم القيامة مع السّاجدين، ويمر على جسر جهنَّم كالبرق الخاطف. وعن جعفر: إِنَّ من قرأَ هذه السّورة كلّ ليلة جمعة لا يموت حتَّى يدرك درجة الأَبدال. وقال علىّ: من قرأَ سبحان لم يخرج من الدّنيا حتى يأكل من ثمار الجنَّة، ويشرب من أَنهارها، ويُغرس له بكلِّ آية نخلةٌ فى الجنَّة.

بصيرة فى.. الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب

بصيرة فى.. الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق. وعدد آياتها مائة وعشر عند الكوفيين، وست عند الشَّاميّين، وخمس عند الحجازيّين، وإِحدى عشرة عند البصريّين. وكلماتها أَلف وخمسمائة وتسع وسبعون. وحروفها ستَّة آلاف وثلثمائة وستّ. المختلف فيها إِحدى عشرة آية {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} {إِلاَّ قَلِيلٌ} {ذلك غَداً} {زَرْعًا} {مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} {هاذه أَبَداً} {عِنْدَهَا قَوْمًا} {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} ذرّيّته (فى) موضع {الأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} . فواصل آياتها على الأَلف. وسُمّيت سورة الكهف؛ لاشتمالها على قصّة أَصحاب أَهل الكهف بتفصيلها.

مقصود السّورة مجملاً: بيانُ نزول القرآن على سَنَن السّداد، وتسلية النَّبىّ صَلَّى الله عليه وسلم فى تأخّر الكفَّار عن الإِيمان، وبيان عجائب حديث الكهف، وأَمر النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالصّبر على الفقراءِ، وتهديد الكفَّار بالعذاب، والبلاءِ، ووعد المؤمنين بحسن الثَّواب، وتمثيل حال المؤمن والكافر بحال الأَخوين الإِسرائيليّين، وتمثيل الدنيا بماء السّماءِ ونبات الأَرض، وبيان أَنَّ الباقى من الدّنيا طاعةُ الله فقط، وذكر أَحوال القيامة، وقراءَة الكُتُب، وعَرْض الخَلْق على الحقِّ، وإِباءُ إِبليس من السّجود، وذلّ الكافر ساعة دخولهم النار، وجدال أَهل الباطل مع المحقِّين الأَبرار، والتخويف بإِهلاك الأُمم الماضية وإِذلالهم، وحديث موسى ويوشَع وخَضِر، وعجائب أَحوالهم، وقصّة ذى القَرْنيْن، وإِتيانه إِلى المشرقين والمغربين، وبنيانه لسدّ يأجوج ومأجوج، وما يتَّفق لهم آخر الزمان من الخروج، وذكر رحمة أَهل القيامة، وضياع عمل الكفر، وثمرات مساعى المؤمنين الأَبرار، وبيان أَن كلمات القرآن بحور علم: لا نهاية لها، ولا غاية لأَمَدِهَا، والأَمر بالإِخلاص فى العمل الصّالح أَبداً، فى قوله: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} . الناسخ والمنسوخ: أَكثر المفسّرين على أَنَّ السّورة خالية من الناسخ والمنسوخ. وقال قتادة:

فيه آية م {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} ن {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} . المتشابهات: قوله: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} بغير واو {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} بزيادة واو. وفى هذا الواو أَقوال أَحدها أَنَّ الأَول والثانى وصفان لما قبلهما، أَى هم ثلاثة رابعهم كلبهم. وكذلك الثانى أَى هم خمسة سادسهم كلبهم. والثالث عطف على ما قبله، أَىّ هم سبعة، ثمّ عطف عليهم {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} . وقيل: كلّ واحد من الثلاثة جملة، وقعت بعدها جملة فيها عائد يعود منها إِليها. فأَنت فى إِلحاق واو العطف وحذفها بالخِيار. وليس فى هذين القولين ما يوجب تخصيص الثالث بالواو. وقال بعض النَّحويّين: السّبعةُ نهاية العدد، ولهذا كَثُر ذكرها فى القرآن والأَخبار، والثَّمانية تَجْرى مَجْرى استئناف كلام. ومن هاهنا لقَّبه جماعة من المفسّرين بواو الثمانية. واستدلُّوا بقوله سبحانه: {التائبون} الآية وبقوله: {مُسْلِمَاتٍ}

الآية وبقوله: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ولكلّ واحدة من هذه الآيات وجوه ذكرت فى مباسيط التفسير. وقيل: إِنَّ الله تعالى حكى القولين الأَوّلين، ولم يرتضهما، وحكى القول الثَّالث فارتضاه. وهو قوله: {وَيَقُوْلُوْنَ سَبْعَةٌ} ثمّ استأَنف فقال: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} . ولهذا قال: عقيب الأَوّل والثَّانى {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} ولم يقل فى الثالث. فإِن قيل: وقد قال فى الثالث: {قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} فالجواب تقديره: قل ربِّى أَعلم بعدتهم وقد أَخبركم أَنَّهم سبعة وثامنهم كلبهم؛ بدليل قوله تعالى: {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} . ولهذا قال ابن عباس: أَنا من ذلك القليل. فعدّ أَسماءَهم. وقال بعضهم الواو فى قوله: {وَيَقُوْلُوْنَ سَبْعَةٌ} يعود الى الله تعالى، فذكر بلفظ الجمع؛ كقوله إِنَّا وأَمثاله. هذا على سبيل الاختصار. قوله: {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي} وفى حم: {وَلَئِن رَجِعْتُ إلى رَبِّي} لأَن الرَّد عن شىء يتضمن كراهة المردود، ولما كان [ما فى الكهف تقديره: ولئن رددت عن جنَّتى التى أَظنّ أَنها لا تبيد أَبدا إِلى ربى، كان لفظ الرد الذى يتضمن الكراهة أَولى، وليس فى حم ما يدل على كراهة، فذكر بلفظ الرَجْع ليأْتى لكل مكان ما يليق به. قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} [وفى السجدة {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} ] لأَن الفاء للتعقيب وثم للتراخى. وما فى هذه السورة فى الأَحياء

من الكفار، أَى ذُكِّروا فأَعرضوا عقيب ما ذكِّروا، ونَسُوا ذنوبهم، و [هم] بعدُ متوقَّع منهم أَن يؤمنوا. وما فى السّجدة فى الأَموات من الكفار؛ بدليل قوله: {وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ} أَى ذُكّروا مرَّة بعد أُخرى، وزماناً بعد زمان [بآياتِ ربِّهم] ثم أعرضوا عنها بالموتِ، فلم يؤمنوا، وانقطع رجاءُ إِيمانهم. قوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا فاتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر} والآية الثالثة {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البحر} لأَنَّ الفاءَ للتعقيب والعطف، فكان اتخاذ الحوت السّبيلَ عقيب النِّسيان، فذكِر بالفاءِ [و] فى الآية الأُخرى لمَّا حيل بينهما بقوله: {وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ} زال معنى التعقيب وبقى العطف المجرّد، وحرفه الواو. قوله: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} وبعده {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْرًا} لأَنَّ الإِمْر: العَجَب، والعجب يستعمل فى الخير والشرِّ، بخلافِ النُّكر؛ لأَنَّ النُّكْر ما ينكِره العقلُ، فهو شرّ، وخَرْق السفينة لم يكن معه غَرق، فكان أَسهل من قتل الغلام وإِهلاكِه، فصار لكلِّ واحد معنى يخصّه. قوله: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ} وبعده {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ} لأَنَّ الإِنكار فى الثانية أَكثر. وقيل: أَكَّد التقرير الثَّانى بقوله (لك) كما تقول لمن توبّخه:

لك أَقول، وإِيَّاك أَعنى: وقيل: بيّن فى الثّانى المقولَ له، لمّا لم يبيّن فى الأَوّل. قوله فى الأَوّل: {فَأَرَدْتُّ} ، وفى الثَّانى: {فَأَرَدْنَا} وفى الثالث: {فَأَرَادَ رَبُّكَ} ؛ لأَنَّ الأَوّل فى الظاهر إِفساد، فأَسنده إِلى نفسه، والثَّالث إِنْعام محض، فأَسنده إِلى الله عزَّ وجلّ. وقيل: لأَنَّ القتل كان منهُ، وإِزهاق الرّوح كان من الله عزَّ وجلَّ. قوله: {مَا لَمْ تَسْتَطِعْ} جاءَ فى الأَوَّل على الأَصل، وفى الثانى {تَسْطِعْ} على التخفيف؛ لأَنَّه الفرع. قوله: {فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْباً} اختار التخفيف فى الأَوّل؛ لأَنَّ مفعوله حرف وفعل وفاعل ومفعول، فاختير فيه الحذف. والثَّانى مفعوله اسم واحد، وهو قوله (نَقْبَا) وقرأَ حمزة بالتَّشديد، وأَدغم التَّاءَ فى الطَّاءِ. وقرئ فى الشَّواذِّ: فما أَسطاعوا بفتح الهمزة. ووزنه

أَسفعلوا ومثله أَهْراق ووزنه أَهْفَعل، ومثلها استخَذَ فلان أَرضاً، أَى أَخذ، ووزنه اسفعل وقيل: استعل، من وجهين. وقيل: السّين بدل من التَّاءِ، ووزنه افتعل. فضل السُّورة لم يُذكر فيها سوى أَحاديث واهية، وحديثٍ صحيح. أَما الحديث الصَّحيح فقوله صلَّى الله عليه وسلم "من حفظ عشر آيات من أَوّل الكهف عُصِمَ من الدجَّال" وفى لفظ: مَنْ قرأَ عشر آيات من سورة الكهف حِفظاً لم يضره فتنةُ الدجال، ومن قرأَها كلَّها دخل الجنَّة. والأَحاديث الواهية، منها: أَلا أَدلُّكم على سورة شَيعها سبْعون أَلف مَلكم حتى نزلت، ملأَ عِظَمها بين السّماءِ والأَرضِ. قالوا: بلى يا رسول الله قال: هى سورة أَصحاب الكهف. من قرأَها يوم الجمعة غُفِرَ له إِلى الجمعة الأُخرى وزيادة ثلاثة أَيّام، ولياليها مثل ذلك، وأَعطى نوراً يبلغ السّماء، ووُقى فتنة الدَّجّال. وعن جعفر: من قرأَ هذه السّورة فى كلِّ ليلة جمعة لم يمت إِلاَّ شهيداً وبُعث مع الشهداءِ، ووقف يوم القيامة معهم، ولا يصيبه آفة

الدَّجَّال. وروى أَنَّ مَنْ قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أَشركه الله فى ثواب أَصحاب الكهف؛ لأَنهم وجدوا الولاية يوم الجمعة، وأَحياهم يوم الجمعة، واستجاب دعاءَهم يوم الجمعة، والسَّاعة تقومُ يوم الجمعة، وقال: يا علىّ مَنْ قرأَ سورة الكهف فكأَنَّما عبد الله عشرة آلاف سنة، وكأَنَّما تصدّق بكلِّ آية قرأَها بأَلف دينار.

بصيرة فى.. كهيعص

بصيرة فى.. كهيعص السّورة مكِّيَّة إِجماعاً. وعدد آياتها تسع وتسعون. وكلماتها أَلف ومائة واثتنان وتسعون. وحروفها ثلاثة آلاف وثمانمائة واثنان. والآيات المختلف فيها ستَّة: (ع ص) {فِي الكتاب إِبْرَاهِيمَ} {الرحمان مَدّاً} . مجموع فواصل آياتها (مدن) الآية الأُولى على الدَّال (صاد) . وما قبل أَلف كلَّ آية آخرها على الأَلف حروف زيد. ولهذه السّورة اسمان: سورة كهيعص؛ لافتتاحها بها، وسورة مريم، لاشتمالها على قصّتها مفصّلة. مقصود السّورة ومعظم المراد منها على سبيل الإِجمال: وَعْد الله العباد بالكفاية والهداية، وإِجابة دعاءِ زكريَّا، والمِنَّة عليه بولد: يحيى، وإِعطائه علم الكتاب، وذكر عجائب ولادة عيسى وأُمّه والخبر عن أَحوال

القيامة، ونصيحة إِبراهيم لآزر (ومناظرة آزر له) والإِشارة إِلى قُربة موسى، وذكر صدق وعد إِسماعيل، وبيان رفعة درجة إِدريس، والشكوى من الولد الخَلْف، وحكاية أَهل الجنَّة، وذلّ الكفَّار فى القيامة، ومرور الخَلْق على عَقَبة الصِّراط، وابتلاء بعضهم بالعذابِ، والرّد على الكفَّار فى افتخارهم بالمال، وذلّ الأَصنام، وعُبَّادها فى القيامةِ، وبيان حال أَهل الجنّة والنَّار، وصعوبة قول الكفَّار فى جُرْأتهم على إِثبات الولد والشَّريك للواحد القهَّار، والمِنَّة على الرَّسول بتيسير القرآن على لسانه، وتهديد الكفَّار بعقوبة القرون الماضية، فى قوله: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} . النَّاسخ والمنسوخ: أَربع آيات منها منسوخة: م {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمان مَدّاً} ن آية السيف م {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} ن آية السَّيف، م {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة} ن آية السيف، م {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} ، والاستثناء فى قوله: {إِلاَّ مَنْ تَابَ} ن. المتشابهات: قوله: {وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً} وبعده {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً}

لأَنَّ الأَوّل فى حقِّ يحيى. وجاءَ فى الحديث: ما من أَحد من بنى آدم إِلاَّ أَذنب أَوهَمّ بذنْب إِلا يحيى بن زكريَّا عليهما السّلام، فنفى عنه العصيان؛ والثَّانى فى حقِّ عيسى عليه السلام فنفى عنه الشقاوة، وأَثبت له السّعادة، والأَنبياءُ عندنا معصومون عن الكبائر دون الصَّغائر. قوله: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} فى قصّة يحيى {والسلام عَلَيَّ} فى قصة عيسى، فنكَّر فى الأَول، وعَرَّفَ فى الثانى؛ لأَنَّ الأَوّل من الله تعالى، والقليل منه كثير كقول القائل: قليل منك يكفينى ولكنْ ... قليلك لا يقال له قليل ولهذا قرأَ الحسن {اهدنا صراطاً مستقيما} أَى نحن راضون منك بالقليل، ومثل هذا فى الشعر كثير، قال: وإنِّى لأَرضى منك يا هند بالذى ... لو أبصره الواشى لقرَّت بلابلُه بلا، وبأَن لا أَستطيع، وبالمنى، ... وبالوعد حتى يسأَم الوعدَ آمِلُهْ والثانى من عيسى، والأَلف واللام لاستغراق الجنس، ولو أَدخل عليه السّبعة والعشرين والفروع المستحسنة والمستقبحة، لم يبلغ عُشر معشار سلام الله. ويجوز أَن يكون ذلك بوحى من الله عزَّ وجلّ، فيقرُبَ من سلام يحيى. وقيل: إِنما أَدخل الأَلِف واللام لأَنَّ النكرة إِذا تكرّرت

تعرَّفت. وقيل: نكرة الجنس ومعرفته سواء: تقول: لا أشرب ماءً، ولا أَشرب الماءَ، فهما سواء. قوله {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} وفى حم {لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} ؛ لأَنَّ الكفر أَبلغ من الظُّلم، وقصّة عيسى فى هذه السّورة مشروحة، وفيها ذكر نسبتهم إِيّاه إِلى الله تعالى، حين قال: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} ، فذكر بلفظ الكفر، وقصّة فى الزّخرف مجمَلة، فوصفهم بلفظ دونه وهو الظُّلم. قوله: {وَعَمِلَ صَالِحًا} وفى الفرقان: {وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا} لأَنَّ ما فى هذه السّورة أَوجز فى ذكر المعاصى، فأَوجز فى التَّوبة، وأَطال (هناك فأَطال) والله أَعلم. فضل السورة فيه أَحاديث ضعيفة، منها: مَن قرأَ سورة مريم أُعطِى من الأَجر عشر حسنات، بعدد مَن صَدَّق بزكريّا، ويحيى، ومريمَ، وموسى، وعيسى وهارون، وإِبراهيم، وإِسحاق، ويعقوب، وإِسماعيل، عشر حسنات، وبعدد مَن دعا للهِ ولداً، وبعدد مَن لم يَدْعُ له ولداً، ويعطى بعددهم حسناتِ ودرجات، كلّ درجة منها كما بين السّماءِ والأَرض أَلف أَلفِ مرّة

ويُزوّج بعددها فى الفردوس، وحُشِر يوم القيامة مع المتَّقين فى أَوّل زُمرة السّابقين. وعن جعفر أَنّ من قرأَ هذه السّورة لا يموت ولا يخرج من الدّنيا حتى [لا] يصيب الفتنة فى نفسه، وماله، وولده، وكان فى الآخرة من أَصحاب عيسى بن مريم، وأُعطى من الأَجر كمُلْك سليمان بن داود. وقال: يا علىّ مَن قرأَ كاف ها يا ع ص أَعطاه الله من الثواب مثلَ ثواب أَيّوب ومريم، وله بكلِّ آية قرأَها ثوابُ شهيد من شهداءِ بدر.

بصيرة فى.. طه

بصيرة فى.. طه السّورة مكِّيّة إِجماعاً. وعدد آياتها مائة وأَربعون عند الشاميِّين، وخمس وثلاثون، عند الكوفيِّين، وأَربع عند الحجازيِّين، وثنتان عند البصريِّين. وكلماتها أَلف وثلاثمائة وإِحدى وأَربعون. وحروفها خمسة آلاف ومائتان واثنان وأَربعون حرفاً. والآيات المختلف فيها إحدى وعشرون آية: طه {مَا غَشِيَهُمْ} {رَأَيْتَهُمْ ضلوا} درثه موضع {نُسَبِّحَكَ كَثِيراً} {وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً} {مَحَبَّةً مِنِّي} فتونا، لنفسى {وَلاَ تَحْزَنَ} {أَهْلِ مَدْيَنَ} {مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ} ولقد {أَوْحَيْنَآ إلى موسى} أَسفا {إلاه موسى} {وَعْداً

حَسَناً} {إِلَيْهِمْ قَوْلاً} {السامري} فنسى، صفصفا {مِّنِّي هُدًى} {زَهْرَةَ الحياة الدنيا} . فواصل آياتها (يوماً) وعلى الميم {مَا غَشِيَّهُمْ} وعلى الواو {ضَلُّواْ} . وللسّورة اسمان: طه لافتتاح السّورة، وسورة موسى؛ لاشتمالها على قصّته مفصّلة. مقصود السّورة ومعظم ما اشتملت عليه: تيسير الأَمر على الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وذكر الاستواء، وعلم الله تعالى بالقريب والبعيد، وذكر حضور موسى عليه السّلام بالوادى المقدّس، وإِظهار عجائب عصاه واليد البيضاء، وسؤال شرح الصدر وتيسير الأَمر، وإِلقاء التابوت فى البحر، وإِثبات محبّة موسى فى القلوب، واصطفاء الله تعالى موسى، واختصاصه بالرّسالة إِلى فرعون، وما جرى بينهما من المكالمة، والموعد يوم الزِّينة، وحِيَل فرعون وسَحَرته بالحِبَالِ والعِصِىّ، (وإِيمان السَّحَرة) وتعذيب فرعون لهم، والمِنّة على بنى إِسرائيل بنجاتهم من الغرق، وتعجيل موسى، والمجىء إِلى الطُّور، ومكر السّامرىّ فى صنعة العِجل، وإِضلال القوم، وتعيير موسى على هارون بسبب ضلالتهم، وحديث القيامة، وحال

الكفَّار فى عقوبتهم، ونَسْف الجبال، وانقياد المتكبّرين فى رِبْقة طاعة الله الحىّ القيّوم، وآداب قراءَة القرآن. وسؤال زيادة العلم والبيان، وتعيير آدم بسبب النسيان، وتنبيهه على الوسوسة ومكر الشَّيطان، وبيان عقوبة نسيان القرآن، ونهى النبىّ عن النَّظر إِلى أَحوال الكفَّار، وأَهل الطغيان، والالتفاتِ إِلى ما خُوِّلوا: من الأَموال، والوِلدان، وإِلزام الحجّة على المنكرين بإِرسال الرّسل بالبرهان، وتنبيهه الكفَّار على انتظار أَمر الله فى قوله {قُلْ كُلٌّ مَتَرَبِّصٌ} إِلى آخر السّورة. الناسخ والمنسوخ: المنسوخ فيها ثلاث آيات م {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن} ن {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} م {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} ن آية السّيف م {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ} ن آية السّيف. المتشابهات: قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى} ، وفى

النَّمل: {إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ إني آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} وفى القَصَص {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} هذه الآيات تشتمل على ذكر رؤية موسى النَّار، وأَمرِه أَهلَه بالمكث، وإِخبارِه إِيَّاهم أَنه آنس ناراً، وإِطماعهم أَن يأتيهم بنار يَصطلون بها، أَو خبر يهتدون به إِلى الطريق التى ضَلُّوا عنها، لكنَّه نقص فى النَّمل ذكر رؤية النَّار، وأَمره بالمكث؛ اكتفاءً بما تقدّم. وزاد فى القصص قضاءَ موسى الأَجل المضروب، وسيرَه بأَهله إِلى مصر؛ لأَنَّ الشَّىء قد يُجْمَل ثمَّ يفصَّل، وقد يفصّل ثم يجمل. وفى طه فصّل، وأَجمل فى النَّمل، ثم فصَّل فى القصص، وبالغ فيه. وقوله فى طه: {أَوْ أَجِدْ عَلَى النَّارِ هُدًى} أَى مَن يخبرنى بالطَّريق فيهدينى إِليها. وإِنَّما أَخَّر ذكر الخَبَرِ فيها (وقدَّمه فيهما) مراعاة لفواصل الآى فى السّور جميعا. وكرّر (لعلِّى) فى القصص لفظاً، وفيهما معنًى؛ لأَن (أَو) فى قوله {أَوْ أَجِدْ عَلَى النَّارِ هُدًى} نائب عن (لعلِّى) و (سئاتيكم) يتضمَّن معنى (لعلِّى) وفى القصص {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} وفى النَّمل {بِشِهَابٍ قَبَسٍ} وفى طه {بِقَبَسٍ} ؛ لأَن الجذوة من النَّار [خشبة] فى رأسها قبس به شِهاب، فهى فى السور الثلاث عبارة عن معنى واحد.

قوله: {فَلَمَّا أَتَاهَا} هنا، وفى النَّمل: {فَلَمَّا جَاءَهَا} ، وفى القصص {أَتَاهَا} لأَنَّ أَتى وجاءَ بمعنى واحد، لكن لكثرةِ دَوْر الإِتيان هنا نَحو (فأتياه) ، (فلنأتينَّك) (ثمّ أَتى) (ثمَّ ائتوا) (حيث أَتى) [جاءَ (أَتاها) ] ، ولفظ (جاءَ) فى النَّمل أَكثر؛ نحو {فَلَمّا جَآءَهُمْ} {وجِئْتُكَ مِنْ سَبَأ} {فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ} وأَلحق القصص بطه، لقرب ما بينهما. قوله: {فَرَجَعْنَاكَ إلى أُمِّكَ} وفى القصص {فَرَدَدْنَاهُ} لأَنَّ الرَّجْع إِلى الشىءِ والرَّدَّ إِليه بمعنى، والرَّدُّ عن الشىءِ يقتضى كراهة المردود، وكان لفظ الرّجع أَلطف، فخصَّ طه به، وخُصّ القَصَص بقوله: {فَرَدَدْنَاهُ} ؛ تصديقاً لقوله: {إِنَّا رَادُّوْهُ إِلَيْكَ} . قوله: {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} ، وفى الزّخرف: {وَجَعَلَ} لأَنَّ لفظ السّلوك مع السّبيل أَكثر استعمالاً، فخصّ به طه، وخُصّ الزخرف بجَعَل ازدواجاً للكلام، وموافقة لما قبلها وما بعدها. قوله: {إِلَى فِرْعَوْنَ} وفى الشعراءِ: {أَنِ ائت القوم الظالمين قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا} ، وفى القصص: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ} ؛ لأَنَّ طه هى السّابقة، وفرعونُ هو الأَصل، والمبعوثُ إِليه، وقومه تَبَع له، وهم كالمذكورين معه، وفى الشّعراءِ {قَوْمُ فِرْعَوْنَ} أَى قوم فرعون وفرعون،

فاكتفى بذكره فى الإِضافة عن ذكره مفرداً. ومثله {أَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} أَى آل فرعون وفرعون، وفى القصص {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ} فجَمع بين الاثنين، فصار كذكر الجملة بعد التفصِيل. قوله: {واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} صرّح بالعُقْدَة هنا؛ لأَنَّها السّابقة، وفى الشعراءِ: {وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي} فكَنى عن العقدة بما يقرب من الصّريح، وفى القصص {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} فكنى عن العقدة كناية مبهمة؛ لأَنَّ الأَوّل يدلّ على ذلك. قوله فى الشعراءِ: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} وليس له فى طه ذِكر؛ لأَنَّ قوله: {وَيَسِّرْ لِيْ أَمْرِيْ} مشتمل على ذلك وغيره؛ لأَنَّ الله عزَّ وجلّ إِذا يَسّر له أَمرَه لم يخف القتل. قوله: {واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي} صَرَّحَ بالوزير؛ لأَنَّه الأَوّل فى الذكر، وكَنى عنه فى الشعراءِ حيث قال: {فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ} أَى لِيأتينى، فيكونَ لى وزيراً. وفى القصص: {أَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً} أَى اجعله لى وزيراً، فكنى عنه بقوله {رِدْءاً} لبيان الأَوّل. قوله: {فقولا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ} وبعده {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين} ؛

لأَنَّ الرّسول سُمّى به، فحيث وحّده حُمل على المصدر، وحيث ثنى حمل على الاسم. ويجوز أَن يقال: حيث وحّد حُمل على الرّسالة؛ لأَنَّهما أَرسلا لشىء واحد، وحيث ثنى حمل على الشَّخصين. وأَكثر ما فيه من المتشابه سبق. قوله: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون} بالفاءِ من غير (مِن) ، وفى السّجدة بالواو، وبعده (مِن) ؛ لأَنَّ الفاءَ للتعقيب والاتصال بالأَوّل، فطال الكلام، فحسن حذف (مِن) ، والواوُ يدلّ على الاستئناف وإِتيان (من) غير مستثقل وقد سبق الفرق بين إِثباته وحذفه. فضل السّورة روى عن النبى صلى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: لا يقرأ أَهلُ الجنَّة من القرآن إِلاَّ طه ويس. وقال: مَنْ قرأَ سورة طه أَعطى يوم القيامة ثواب المهاجرين. وفى حديث علىّ: يا على مَنْ قرأَ سورة طه أَعطاه الله من الثواب مثل ثواب موسى وهارون، وله بكلِّ آية قرأَها فَرْحَةٌ يومَ يخرج من قبره.

بصيرة فى.. اقترب للناس حسابهم

بصيرة فى.. اقترب للناس حسابهم السّورة مكِّيَّة بالاتِّفاق. وآياتها مائة واثنتا عشرة عند الكوفيِّين، وإِحدى عشرة عند الباقين. وكلماتها أَلف ومائة وثمانية وستون. وحروفها أَربعة آلاف وثمانمائة وسبعون، المختلف فيها آية واحدة: {وَلاَ يَضُرُّكُمْ} . مجموع فواصل آياتها (م ن) وسمِّيت سورة الأَنبياءِ لاشتمالها على قصصهم على إِبراهيم، واسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وسليمان، وداود وأَيوب، وإِسماعيل، وصالح، ويونس، وزكريا، ويحيى، وعيسى. مقصود السّورة: ما اشتملت عليه مجملا: من التنبيه على الحساب فى القيامة، وقرب زمانها، ووصف الكفَّار بالغفلة، وإِثبات النبوّة، واستيلاء أَهل الحَقّ على أَهل الضَّلالة، وحُجّة الوحدانيّة، والإِخبار عن الملائكة وطاعتهم، وتخليق الله السّماواتِ والأَرض بكمال قدرته، وسير الكواكب ودَوْر الفَلَك، والإِخبار عن موت الخلائق وفنائهم، وكَلاءُ الله تعالى وحفظه العبدَ من الآفات، وذكر ميزان العَدْل فى القيامَة، وذكر إِبراهيم بالرّشد والهداية، وإِنكاره على الأَصنام وعُبَّادها، وسلامة إِبراهيم من

نار نُمرود وإِيقادها، ونجاة لوط من قومه أُولى العُدْوان، ونجاة نوح ومتابعَته من الطوفان، وحُكم داود، وفهم سليمان، وذكر تسخير الشيطان، وتضرّع أَيّوب، ودعاء يونس، وسؤال زكريّا، وصلاح مريم، وهلاك قُرًى أَفرطوا فى الطغيان، وفتح سدّ يأْجوج ومأْجوج فى آخر الزَّمان وذلّ الكفَّار والأَوثان، فى دخول النيران، وعِزّ أَهل الطَّاعة والإِيمان، من الأَزل إِلى الأَبد فى جميع الأَزمان، على علالىّ الجِنَان، وطىّ السّماوات فى ساعة القيامة، وذكر الأُمم الماضية، والمنزلة من الكتب فى سالف الأَزمان، وإِرسال المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرأفة والرّحمة والإِحسان، وتبليغ الرّسالة على حكم السّويّة من غير نقصان ورجحان، وطلب حكم الله تعالى على وَفْق الحقّ، والحكمة فى قوله {رَبِّ احكم بالحق وَرَبُّنَا الرحمان} . الناسخ والمنسوخ: فى هذه السّورة آيتان م {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} إِلى تمام الآيتين ن {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى} . المتشابهات: قوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ} وفى الشعراءِ {مِّن

ذِكْرٍ مِّنَ الرحمان مُحْدَثٍ} خصّت هذه السّورة بقوله {مِّن رَّبِّهِمْ} بالإِضافة، لأَن (الرّحمن) لم يأْت مضافاً، ولموافقة ما بعده، وهو قوله: {قُلْ رَبِّي يَعْلَمُ} وخصّت الشعراءِ بقوله {مِّنَ الرحمان} ليكون كلُّ سورة مخصوصةً بوصف من أَوصافه، وليس فى أَوصاف الله تعالى اسم أَشبهُ باسم الله من الرحمن؛ لأَنَّهما اسمان ممنوعان أَن يسمّى بهما غيرُ الله عزَّ وجلَّ، ولموافقة ما بعده، وهو قوله: {العزيز الرحيم} ؛ لأَنَّ الرَّحمن والرَّحيم من مصدر واحد. قوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً} وبعده {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلَكَ مِنْ رَسُوْلٍ} ، (قبلك) و (من قبلك) كلاهما لاستيعاب الزمان المتقدّم، إِلا أَنَّ (مِن) إِذا دخل دَلَّ على الحَصْر بين الحَدَّيْن، وضبطه بذكر الطَّرفين. ولم يأت {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} إِلاَّ هذه - وخصَّت بالحذف؛ لأَنَّ قبلها {مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ} فبناه عليه لأَنه هو؛ وآخر فى الفرقان {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ} وزاد فى الثانى {مِنْ قَبْلَكَ مِنْ رَسُوْلٍ} على الأَصل للحصر. قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} وفى العنكبوت: {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ؛ لأَن ثمَّ للتراخى، والرّجوعُ هو الرّجوع إِلى الجنَّة أَو النَّار، وذلك فى القيامة، فخُصّت سورة

العنكبوت به. وخُصّت هذه السّورة بالواو لَمَّا حيل بين الكلامين بقوله: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً وَإِلَيْنَا} وإِنَّما ذُكِرَا لتقدّم ذكرهما، فقام مقام التراخى، وناب الواو مَنابه، والله أَعلم. قوله: {وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً} وفى الفرقان {وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً} لأَنَّه ليس فى الآية التى تقدّمتها ذكر الكفَّار؛ فصرّح باسمهم، وفى الفرقان قد سَبَق ذكر الكفَّار، فخُصّ الإِظهار بهذه السّورة، والكنايةُ بتلك. قوله: {مَا هاذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُواْ وَجَدْنَآ} وفى الشعراءِ {قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ} ؛ لأَنَّ قوله: {وَجَدْنَآ آبَآءَنَا} جواب لقوله: {مَا هاذه التماثيل} وفى الشعراءِ أَجابوا عن قوله {مَا تَعْبُدُوْنَ} بقولهم {قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَامًا} ثمَّ قال لهم {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} فأَتى بصورة الاستفهام ومعناه النفى {قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ} (أَى قالوا لا بل وجدنا) عليه آباءَنا، لأَن السّؤال فى الآية يقتضى فى جوابهم أَن ينفوا ما نفاه السّائل، فأَضربوا عنه إِضراب مَن ينفى الأَوّل، ويُثبت الثانى، فقالوا: بل وجدنا. فخُصت السّورة به. قوله: {وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأخسرين} ، وفى الصَّافَّات {الأسفلين} ؛ لأَنَّ فى هذه السورة كادهم إِبراهيم؛ لقوله: {لأَكِيدَنَّ

أَصْنَامَكُمْ} وهم كادوا ابراهيم لقوله: {وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} فجرت بينهم مكايدة، فغلبهم إِبراهيم؛ لأَنَّه كسر أَصنامهم، ولم يغلبوه؛ لأَنَّهم (لم يبلغوا من إِحراقه مرادهم) فكانوا هم الأَخسرين. وفى الصَّافَّات {قَالُواْ ابنوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الجحيم} ، فأَجّجوا ناراً عظيمة، وبنوا بنياناً عالياً، ورفعوه إِليه، ورمَوه [منه] إِلى أَسفل، فرفعه الله، وجعلهم فى الدّنيا سافلين، ورَدَّهم فى العقبى أَسفل سافلين. فخُصت الصَّافَّات بالأَسفلين. قوله: {فَنَجَّيْنَاهُ} بالفاءِ سبق فى يونس. ومثله فى الشّعراءِ {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوْزًا فِي الْغَابِرِيْنَ} . قوله: {وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ} ختم القصّة بقوله {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} وقال فى ص {رَحْمَةً مِّنَّا} لأَنَّه بالغ (فى التضرّع) بقوله {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فبالغ سبحانه فى الإِجابة، وقال {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} لأَنَّ (عند) حيث جاءَ دلَّ على أَنَّ الله سبحانه تولَّى ذلك من غير واسطة. وفى ص لمَّا بدأَ القصة بقوله {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا} ختم بقوله (منَّا) ليكون آخِرُ الآية ملتئما بالأَوّل. قوله: {فاعبدون وتقطعوا} وفى المؤمنين {فاتقون فتقطعوا} لأَنَّ الخطاب فى هذه السّورة للكفار، فأَمرهم بالعبادة التى هى التَّوحيد، ثم

قال: {وتقطعوا} بالواو؛ لأَنَّ التقطُّع قد كان منهم قبل هذا القول لهم. ومَن جعله خطاباً للمؤمنين، فمعناه: دُوموا على الطَّاعة. وفى المؤمنين الخطاب للنبىِّ صلى الله عليه وسلَّم وللمؤمنين بدليل قوله قبله {ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} والأَنبياءِ والمؤمنون مأْمورون بالتَّقوى، ثم قال {فتقطعوا أَمْرَهُمْ} أَى ظهر منهم التقطُّع بعد هذا القول، والمراد أُمّتُهم. قوله: {والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا} وفى التحريم (فيه) ؛ لأَنَّ المقصود هنا ذِكرها وما آل إِليه أَمرها، حتى ظهر فيها ابنُها، وصارت هى وابنها آية. وذلك لا يكون إِلا بالنَّفخ فى جُملتها، وبحَمْلها، والاستمرار على ذلك إِلى يوم ولادتها. فلهذا خُصَّت بالتَّأْنيث. وما فى التحريم مقصور على ذكر إِحصانها، وتصديقها بكلمات ربّها، وكان النفخ أَصاب فرجها، وهو مذكَّر، والمراد به فرج الجَيْب أَو غيره، فخُصّت بالتَّذكير. فضل السّورة رُوى فيه أَحاديث ساقطة ضعيفة. منها: مَن قرأَ سورة اقترب للنَّاس حسابهم حاسبه الله حساباً يسيراً، وصافحه، وسلَّم عليه كلُّ نبىّ ذكر اسمُه فى القرآن. وفى حديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ هذه السّورة فكأَنَّما عبد الله على رضاه.

بصيرة فى.. يأيها الناس اتقوا ربكم

بصيرة فى.. يأيها الناس اتقوا ربكم السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق، سوى ستّ آياتٍ منها، فهى مَدَنِيَّة: {هاذان خَصْمَانِ} إِلى قوله: {صِرَاطِ الحميد} . وعدد آياتها ثمانٍ وسبعون فى عدّ الكوفيِّين، وسبع للمدَنيين، وخمس للبصرييِّن، وأَربع للشاميِّين. وكلماتها ألفان ومائتان وإِحدى وتسعون كلمة. وحروفها خمسة آلاف وخمسة وسبعون. والآيات المختلف فيها خمس: الحميم، الجلود، وعاد وثمود، {وَقَوْمُ لُوطٍ} ، {سَمَّاكُمُ المسلمين} . مجموع فواصل آياتها (انتظم زبرجد قطَّ) على الهمزة منها {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} . سمِّيت: سورة الحج؛ لاشتمالها على مناسك الحجّ، وتعظيم الشَّعائر، وتأذين إِبراهيم للنَّاس بالحج. مقصود السورة على طريق الإِجمال: الوصيّة بالتَّقوى، والطَّاعة، وبيان هَوْل السّاعة، وزلزلة القيامة، (والحجّة) على إِثبات الحشر والنشر،

وجدال أَهل الباطل مع أَهل الحقِّ، والشكاية من أَهل النفاق بعد الثبات، وعَيْب الأَوثان وعبادتها، وذكر نُصْرة الرّسول صَلّى الله عليه وسلَّم، وإِقامة البرهان والحُجَّة، وخصومة المؤمن والكافر فى دين التوحيد، وتأذين إِبراهيم على المسلم بالحجِّ، وتعظيم الحُرُمات والشعائر، وتفضيل القرآن فى الموسم، والمِنَّة على العباد بدفع فساد أَهل الفساد، وحديث البئر المعطَّلة، وذكر نسيان رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسهوه حال تلاوة القرآن، وأَنواع الحجّة على إِثبات القيامة، وعجز الأَصنام وعُبَّادها، واختيار الرّسول من الملائكة والإِنس، وأَمر المؤمنين بأَنواع العبادة والإِحسان، والمِنَّة عليهم باسم المسلمين، والاعتصام بحفظ الله وحِياطته فى قوله {واعتصموا بالله هُوَ مَوْلاَكُمْ} إِلى قوله {وَنِعْمَ النصير} . الناسخ والمنسوخ: المنسوخ فيها آيتان: {إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ} م {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} ن {الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} م آية السّيف ن. والنَّاسخ فى هذه السّورة {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} . المتشابهات: قوله: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} وبعده {وَتَرَى الناس سكارى} محمول على: أَيُّها المخاطب كما سبق فى قوله {وَتَرَى الفلك} .

قوله: {ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ} [فى هذه السورة، وفى لقمان: {وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ} ] لأَنَّ ما فى هذه السّورة وافق ما قبلها [من الآيات، وهى: نذير، القبور، وكذلك فى لقمان وافق ما قبلها] وما بعدها وهى الحمير والسّعير والأُمور. قوله: {مِن بَعْدِ عِلْمٍ} بزيادة (مِن) لقوله {مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} الآيه وقد سبق فى النحل. قوله: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} وفى غيرها {أَيْدِيْكُمْ} لأَنَّ هذه الآية نزلت فى نضر بن الحارث وقيل [فى] أَبى جهل [فوحده، وفى غيرها] نزلت فى الجماعة الَّذين تقدم ذكرهم. قوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ "والصابئين والنصارى"} (قدّم الصابئين لتقدم زمانهم. وقد سبق فى البقرة. قوله: {يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات} سبق فى الرّعد. قوله: {كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا} وفى السّجدة {مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا} لأَنَّ المراد بالغمِّ [الكرب] والأَخذ بالنَّفْس حتى

لا يجد صاحبه مُتنفَّساً، وما قبله من الآيات يقتضى ذلك، وهو {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} إِلى قوله {مِنْ حَدِيْدٍ} فمَنْ كان فى ثياب من نار فوق رأسه جهنم يذوب من حَرّه أَحشاءُ بطنه، حتى يذوب ظاهرُ جِلده، وعليه موكَّلون يضربونه بمقامع من حديد، كيف يجد سروراً ومُتنفَّساً من تلك الكُرَبِ التى عليه وليس فى السّجدة من هذا ذِكر، وإِنما قبلها {فَمَأْوَاهُمُ النار كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا} . قوله: {وَذُوْقُواْ} ، وفى السَّجدة: {وَقِيْلَ لَهُمْ ذُوْقُواْ} القول ها هنا مضمر. وخُصّ بالإِضمار لطُول الكلام بوصف العذاب. وخصّت سورة السّجدة بالإِظهار، موافقة للقول قبله فى مواضع منها {أَم يَقُوْلُونَ افْتَرَاهُ} {وَقَالُواْ أَءِذَا ضَلَلْنَا} ، و {قُلْ يَتَوَفَّاكُم} و {حَقَّ الْقَوْلُ} وليس فى الحجّ منه شىء. قوله: {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} مكرَّرة. وموجِب التكرار قوله: {هاذان خَصْمَانِ} ، لأَنَّه لمّا ذكر أَحَدَ الخَصْمين وهو {فالذين كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} لم يكن بُدّ من ذِكر الخَصْم الآخر فقال: {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ} . قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ والقآئمين} وفى البقرة {وَالْعَاكِفِيْنَ} وَحَقَّه أَن يذكر هناك لأَنَّ ذكر العاكف هاهنا سبق فى قوله {سَوَآءً العَاكِفَ فِيْهِ وَالبَاد} ومعنى {والقآئمين والركع السجود} المُصَلُّون. وقيل:

(القائمين) بمعنى المقيمين. وهم العاكفون [لكن] لمَّا تقدّم ذكرهم عُبِّر عنهم بعبارة أُخرى. قوله: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر} كرّر؛ لأَنَّ الأَوّل متَّصل بكلام إِبراهيم وهو اعتراض ثم أَعاده مع قوله {والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} . قوله: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} وبعده {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا} خصّ الأَوّل بذكر الإِهلاك؛ لاتِّصاله بقوله: {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} أَى أَهلكتهم، والثانى بالإِملاءِ؛ لأَنَّ قوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب} دَلّ على أَنَّه لم يأتهم فى الوقت، فحسنُ ذكر الإملاءِ. قوله: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الباطل} هنا وفى لقمان {مِن دُونِهِ الباطل} لأَنَّ هنا وقع بين عشر آيات كلُّ آية مؤكَّدة مرّة أَو مرَّتيْن، ولهذا أَيضاً زيدَ فى هذه السّورة اللاَّم فى قوله: {وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني الحميد} وفى لقمان: {إِنَّ الله هُوَ الغني الحميد} إِذ لم يكن سورة لقمان بهذه الصّفة. وإِن شئت قلت: لمّا تقدّم فى هذه السّورة ذِكْرُ الله سبحانه وتعالى وذكرُ الشيطان أَكَّدهما؛ فإِنَّه خبر [وقع] بين خبرين. ولم يتقدّم فى لقمان ذِكرُ الشيطان، فأَكد ذكر الله، وأَهمل ذكر الشَّيطان. وهذه دقيقة.

فضل السّورة ذكر المفسّرون فيه أَحاديث واهية. منها: من قرأَ من سورة الحجّ أَعْطَى من الأَجر كحَجّة حَجَّها، وعمرة اعتمرها، بعدَد مَن حجّ واعتمر، مَنْ مضى منهم ومن بَقى، ويُكتب له بعدد كلّ واحد منهم حجَّة وعمرة وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب مَنْ حَجّ عن أَبويه.

بصيرة فى.. قد أفلح المؤمنون

بصيرة فى.. قد أفلح المؤمنون السّورة مكِّية إِجماعا. وعدد آياتها مائة وثمانية عشر عند الكوفيّين، وتسعة عشر عند الباقين. وكلماتها أَلف ومائتان وأَربعون. وحروفها أَربعة آلاف وثمانمائة وواحد. المختلف فيها {وَأَخَاهُ هَارُوْنَ} . مجموع فواصل آياتها (من) . وسميت سورة المؤمنين لافتتاحها بفلاح المؤمنين. مقصود السّورة ومعظم ما اشتملت عليه: الفتوى بفلاح المؤمنين، والدّلالة على أَخلاق أَهل الإِسلام، وذكر العجائب فى تخليق الأَولاد فى الأَرحام، والإِشارة إِلى الموت والبعث، ومِنَّة الحق على الخلق بإِنبات الأَشجار، وإِظهار الأَنهار، وذكر المراكب، والإِشارة إِلى هلاك قوم نوح، ومَذَمّة الكفَّار، وأَهل الإِنكار، وذكر عيسى ومريم، وإِيوائهما إِلى رَبْوة ذات قرار، وإِمهال الكُفَّار فى المعاصى، والمخالفات، وبيان حال المؤمنين فى العبادات، والطَّاعات، وبيان حُجّة التَّوحيد وبرهان النبوّات، وذلّ الكفَّار بعد الممات، وعجْزهم فى جهنَّم حال العقوبات، ومكافأَتهم فى العقبى على حسب المعاملات، فى الدّنيا فى جميع الحالات، وتهديد أَهل اللَّهو،

واللَّغو، والغَفَلات، وأَمر الرّسول بدعاءِ الأَمّة، وسؤال المغفرة لهم والرّحمات، فى قوله: {رَّبِّ اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الراحمين} . النَّاسخ والمنسوخ: المنسوخ فيها آيتان {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} م آية السّيف ن {ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله: {لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (فواكه) بالجمع و (منها) بالواو، وفى الزّخرف {فَاكِهَةٌ} على التوحيد {مِنْهَا تَأْكُلُونَ} بغير واو. راعى فى السّورتين لفظ الجَنَّة. وكانت فى هذه (جنَّات) بالجمع فقال: (فواكه) بالجمع، وفى الزخرف: {وَتِلْكَ الجَنَّةُ} بلفظ التوحيد، وإن كانت هذه جنَّة الخُلْد لكن راعى اللَّفظ فقال {فِيهَا فَاكِهَةٌ} وقال فى هذه السّورة {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} بزيادة الواو؛ لأَنَّ تقدير الآية: منا تَدَّخِرون، ومنها تأكلون، ومنها تبيعون، وليست كذلك فاكهة الجنَّة، فإِنها للأَكل فقط. فذلك قال: {مِنْهَا تَأْكُلُونَ} ووافق هذه السورة ما بعدها أَيضاً، وهو قوله: {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيْرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُوْنَ} فهذا للقرآن معجزة وبرهان. قوله: {فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ} وبعده {وَقَالَ الملأ

مِن قَوْمِهِ الذين كَفَرُواْ} فقُدِّم (مِن قومه) فى الآية الأُخرى، وأُخِّر فى الأُولى؛ لأَنَّ صلة (الذين) فى الأُولى اقتصرتْ على الفعل وضمير الفاعل، ثمَّ ذكر بعده الجارّ والمجرور ثم ذكر المفعول وهو المَقُول، وليس كذلك فى الأُخرى، فإِن صلة الموصول طالت بذكر الفاعل والمفعول والعطف عليه مَرّة بعد أُخرى، فقدّم الجارّ والمجرور؛ لأَنَّ تأخيره يلتبس، وتوسيطه ركيك، فخُصَّ بالتقدم. قوله: {وَلَوْ شَآءَ الله لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً} (وفى حم السجدة: ( {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً} ) لأَنَّ فى هذه السّورة تقدّم ذكر الله، وليس فيه ذكر الرّب، وفى السّجدة تقدّم ذكر (ربّ العالمين) سابقا على ذكر لفظ الله، فصرّح فى هذه السورة بذكر الله، وهناك بذكر الرَّب؛ لإضافته إِلى العالمين وهم مِن جملتهم، فقالوا إِمَّا اعتقاداً وإِمَّا استهزاءً: لو شاءَ ربنا لأَنزل ملائكة، فأَضافوا الربّ إِليهم. قوله: {واعملوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ، وفى سبأ {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} كلاهما من وصف الله سبحانه. وخصّ كلّ سورة بما وافق فواصل الآى. قوله: {فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين} بالأَلف واللاَّم، وبعده: {لِّقَوْمٍ

لاَّ يُؤْمِنُونَ} ؛ لأَنَّ الأَوَّل لقوم صالح، فعرّفهم بدليل قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} ، والثانى نكرة، وقبله {قُرُوناً آخَرِينَ} وكانوا منكَّرين، ولم يكن معهم قرينة عُرِفوا بها، فخُصّوا بالنَّكرة. قوله: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هاذا مِن قَبْلُ} ، وفى النمل {لَقَدْ وُعِدْنَا هاذا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ} لأَنَّ ما فى [هذه] السّورة على القياس؛ فإنَّ الضَّمير المرفوع المتَّصل لا يجوز العطفُ عليه، حتى يؤكَّد بالضمير المنفصل، فأَكَّد (وعدنا نحن) ثم عُطِف عليه (آباؤنا) ، ثم ذكر المفعول، وهو (هذا) وقُدِّمَ فى النمل المفعول موافقة لقوله (تراباً) لأَنَّ القياس فيه أَيضاً: كنَّا نحن وآباؤنا تراباً (فقدّم "تراباً") ليسُدّ مسدّ نحن وكانا متوافقين. قوله: {سَيَقُوْلُوْنَ للهِ} ، وبعده: {سَيَقُوْلُوْنَ للهِ} وبعدهُ: {سَيَقُوْلُوْنَ للهِ} الأَوّل جواب لقوله {قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَآ} جواب مطابق لفظاً ومعنًى لأَنَّه قال فى السّؤال: (قل لمن) فقال فى الجواب: (لله) وأَمّا الثانى والثالث فالمطابقة فيهما فى المعنى؛ لأَنَّ القائل إِذا قال لك: مَنْ مالِك هذا الغلام؟ فلك أَن تقول: زيدٌ، فيكون مطابقاً لفظاً ومعنى. ولك أَن تقول لزيد، فيكون مطابقاً للمعنى. ولهذا قرأَ أَبو عمرو الثَّانى والثَّالث: (الله) (الله) ؛ مراعاة للمطابقة.

قوله {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ} وقبله: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ} ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَوَّل فى الدنيا عند نزول العذاب وهو الجَدْب عند بعضهم، ويومُ بدر عند البعض، والثانى فى القيامة، وهم فى الجحيم؛ بدليل قوله: {رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا} . فضل السّورة يذكر فيه من الأَحاديث الواهية حديث أُبى: مَنْ قرأَ سورة المؤمنين بشَّرته الملائكة بالرَّوح، والريْحان، وما تقرُّ به عَيْنُه عند نزول مَلَك الموت، ويروى: أَنَّ أَوّل هذه السّورة وآخرها من كنوز العرش من علم بثمان آيات من أَوّلها، واتَّعظ بأَربع آيات مِن آخرها؛ فقد نجا، وأَفلح، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها تقبل الله منه صلاته، وصيامه، وأَفلح؛ وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها تقبل الله منه صلاته، وصيامه، وجَعَله فى الجنَّة رفيق إِسماعيل، وله بكل آية قرأَها مثلُ ثواب إِسماعيل.

بصيرة فى.. سورة أنزلناها

بصيرة فى.. سورة أنزلناها السّورة مدنيَّة بالاتِّفاق. عدد آياتها أَربع وستّون فى العراقىّ والشامىّ، واثنتان فى الحجازى. كلماتها أَلف وثلثمائة وستة عشر. وحروفها خمسة آلاف وستمائة وثمانون. المختلف فيها آيتان: {بالغدو والآصال} و {يَذْهَبُ بالأبصار} . مجموع فواصل آياتها (لم نربّ) على الَّلام آية واحدة {بالغدو والآصال} وعلى الباءِ آيتان {بِغَيْرِ حِسَابٍ} و {سَرِيعِ الحِسَابِ} سميت سورة النُّور، لكثرة ذكر النور فيها (الله نور.. مثل نوره.. نور على نورٍ يهدى الله لنورهِ.. ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) . مقصود السّورة ومعظمُ ما اشتملت عليه: بيان فرائض مختلفَة، وآداب حدّ الزَّانى والزَّانية، والنَّهى عن قَذْف المحصنات، وحكم القذف، واللِّعان، وقصّة إِفك الصّدّيقة، وشكاية المنافقين، وخوضهم فيه، وحكاية حال المخلصِين فى حفظ اللِّسان، وبيان عظمة عقوبة البهتان، وذمّ إِشاعة

الفاحشة، والنهى عن متابعة الشيطان، والمِنَّة بتزكية الأَحوال على أَهل الإِيمان، والشفاعة لمِسْطحٍ إِلى الصّديق، فى ابتداءِ الفضل والإِحسان، ومدح عائشة بأَنَّها حَصَان رَزَان، وبيان أَن الطيّبات للطيّبين، ولعن الخائضين فى حديث الإِفك، والنَّهى عن دخول البيوت بغير إِذن وإِيذان، والأَمر بحفظ الفروج، وغضِّ الأَبصار، والأَمر بالتَّوبة لجميع أَهل الإِيمان، وبيان النكاح وشرائطه، وكراهة الإِكراه على الزِّنا، وتشبيه المعرفة بالسّراج والقنديل، وشجرة الزيتون، وتمثيل أَعمال الكفار، وأَحوالهم، وذكر الطّيور، وتسبيحهم، وأَورادهم، وإِظهار عجائب صُنْع الله فى إِرسال المطر، وتفصيل أَصناف الحيوان، وانقياد أَمر الله تعالى بالتَواضع والإِذْعان، وخلافة الصّديق، وصلابة الإِخوان، وبيان استئذان الصّبيان، والعُبْدَان، ورفع الحَرَج عن العُمْيَان، والزَّمْنى، والعُرْجان، والأَمر بحرمة سيّد الإِنس والجانّ، وتهديد المنافقين، وتحذيرهم من العصيان، وخَتم السّورة بأَن لله المُلْك والملكوت بقوله {ألا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} إِلى قوله {عَلِيمُ} .

الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ ستُّ آيات {وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} م {إِلاَّ الذين تَابُواْ} ن {والزانية لاَ يَنكِحُهَآ} م {وَأَنْكِحُواْ الأيامى} ن. وقيل: محكمة {والذين يَرْمُونَ} م {والخامسة أَنَّ} ن {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ} العموم فيه م {والقواعد مِنَ النسآء} ن الخصوص {عَلَيْهِ مَا حُمِّل} م آية السّيف ن {لِيَسْتَأْذِنكُمُ} م {وَإِذَا بَلَغَ الأطفال} ن. المتشابهات: قوله تعالى {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله تَوَّابٌ حَكِيمٌ}

محذوف الجواب، تقديره: لفَضَحكم. وهو متصل ببيان حكم الزانيين، وحكم القاذف وحكم اللِّعان. وجواب لولا محذوفاً أَحسن منه ملفوظاً به. وهو المكان الذى يكون الإِنسان فيه أَفصح ما يكون (إِذا سكت) . وقوله بعده: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} فحذف الجواب أَيضاً. وتقديره: لعجّل لكم العذاب. وهو متصل بقصّتها رضى الله عنها، وعن أَبيها. وقيل دَلَّ عليه قولُه {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدنيا والآخرة لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وقيل: دلَّ عليه قوله: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً} وفى خلال هذه الآيات {لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون} {لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} {ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} وليس هو الدّال على امتناع الشىء لوجود غيره، بل هو للتحضيض؛ قال الشاعر: تعدُّون عَقر النِّيب أَفضل مجدكم ... بنى ضَوْطَرَى لولا الكمىَّ المقنَّعا وهو فى البيت للتحْضيض. والتحْضِيض يختصّ بالفعْل، والفعل فى البيت مقدّر، تقديره: هلاَّ تعدُّون الكمىَّ، أَو هلاَّ تعقرون الكمىَّ. قوله: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ} ، وبعده: {لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ} ؛

لأَن اتصال الأَوّل بما قبله أَشدّ: فإِنَّ قوله: (وموعظة) محمول ومصروف إِلى قوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ} ، وإِلى قوله: {فَكَاتِبُوهُمْ} ، {وَلاَ تُكْرِهُواْ} فاقتضى الواو؛ ليعلم أَنَّه عطف على الأَوّل، واقتضى بيانه بقوله: (إِليكم) ليعلم أَنَّ المخاطبين بالآية الثانية هم المخاطبون بالآية الأُولى. وأَما الثَّانية فاستئناف كلام، فخصّ بالحذف. قوله: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ} إِنَّما زاد (منكم) ؛ لأَنَّهم المهاجِرون. وقيل: عامّ، و (مِن) للتبيين. قوله: {وَإِذَا بَلَغَ الأطفال} ختم [الآية] بقوله: {كذلك يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ} وقبلها وبعدها {لَكُمْ الآيَاتِ} ؛ لأَنَّ الذى قبلها والذى بعدها يشتمل على علامات يمكن الوقوف عليها. وهى فى الأُولى {ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صلاة الفجر وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم مِّنَ الظهيرة وَمِن بَعْدِ صلاة العشآء} وفى الأُخرى {مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} الآية فعدّ فيها آيات كلُّها معلومة، فختم الآيتين بقوله {لَكُمُ الآيات} . ومثله {يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات} يعنى حَدّ الزَّانين وحدّ القاذفين، فختم بالآيات. وأَمَّا بلوغ الأَطفال فلم يذكر له علامات يمكن الوقوف عليها، بل تفرّد سبحانه بعلم ذلك، فخصّها بالإِضافة إِلى نفسه، وختم كلّ آية بما اقتضاها أَوّلها.

فضل السّورة فيه حديث أُبىّ المستضعف "من قرأ سورة النور أُعطِى من الأَجر عشرَ حسنات، بعدد كلّ مؤمن فيما مضى، وفيما بقى" وحديث: "لا تُنزلوا النساءَ الغُرَف ولا تعلِّموهنّ الكتابة، وعلِّموهن الغَزْل وسورة النور" وحديث علىّ: "يا علىّ مَن قرأَ سورة النّور نوّر الله قلبه، وقبره، وبيّض وجهه، وأَعطاه كتابه بيمينه وله بكلّ آية قرأَها مثل ثواب مَن مات مبطوناً".

بصيرة فى.. تبارك الذى نزل الفرقان

بصيرة فى.. تبارك الذى نزل الفرقان السّورة مكِّيَّة بالاتِّفاق. وعدد آياتها سبع وسبعون. وكلماتها ثمانمائة واثنتان وسبعون. وحروفها ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاث وثلاثون. مجموع فواصل آياتها (لا) على اللاَّم منها آية واحدة: {ضَلُّوا السبيل} سمّيت سورة الفرقان لأَنَّ فى فاتحتها ذكرَ الفرقان فى قوله {نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ} . مقصود السّورة ومعظمُ ما اشتملت عليه: المِنَّة بإِنزال القرآن، ومنشور رسالة سيّد ولد عدنان، وتنزيهُ الحقّ تعالى من الولد، والشَّريك، وذمُّ الأَوثان، والشكاية من المشركين بطعنهم فى المرسلين، بأَكل الطَّعام فى أَخسّ مكان، واستدعائهم مُحالات المعجِزات من الأَنبياءِ كلَّ أَوان، وذُلّ المشركين فى العذاب والهوان، وعِزّ المؤمنين فى ثوابهم بفراديس الجِنَان، وخطاب الحق مع الملائكة فى القيامة تهديداً لأَهل الكفر والطُّغيان، وبشارة الملائكة للمجرمين بالعقوبة فى النِّيران، وبطلان أَعمال الكفَّار يوم يُنصب الميزان، والإِخبار بمقَرّ المؤمنين فى درجات الجِنَان، وانشقاق السّماوات بحكم الهَوْل وسياسة العُبْدان، والإِخبار عن ندامة الظَّالمين يوم الهيبة ونطق الأَركان، وذكر الترتيب والترتيل فى نزول القرآن، وحكاية حال القُرُون الماضية، وتمثيل الكفَّار بالأَنعام، أَخسّ الحيوان، وتفضيل الأَنعام

عليهم فى كلِّ شان، وعجائب صنع الله فى ضمن الظلّ والشَّمس وتخليق اللَّيل، والنَّهار، والآفات، والأَزمان، والمِنَّة بإِنزال الأَمطار، وإِنبات الأِشجار فى كلّ مكان، وذكر الحُجّة فى المياه المختلِفة فى البحَار، وذكر النَّسب، والصهر، فى نوع الإِنسان، وعجائب الكواكب، والبروج، ودَوْر الفلك، وسير الشمس، والقمر، وتفصيل صفات العباد، وخواصّهم بالتَّواضع، وحكم قيام اللَّيل، والاستعاذة من النِّيران، وذكر الإِقتار، والاقتصاد فى النفقة، والاحتراز من الشرك والزِّنى وقتل النَّفس بالظُّلم والعدوان، والإِقبال على التَّوبة، والإِعراض عن اللَّغو، والزُّور، والوعد بالغُرَف للصّابرين على عبادة الرّحمن، وبيان أَنَّ الحكمة فى تخليق الخَلْق التضرّع والدّعاء والابتهال إِلى الله الكريم المنَّان، بقوله: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ} الآية. المتشابهات: قوله: (تبارك) هذه لفظة لا تستعمل إِلاَّ لله تعالى. ولا تستعمل إِلاَّ بلفظ الماضى. وجاءَ فى هذه السّورة فى ثلاثة مواضع {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان} {تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ} {تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء

بُرُوجاً} ؛ تعظيماً لذكر الله. وخُصّت هذه المواضع بالذكر؛ لأَنَّ ما بعدها عظائم: الأَوّل ذكر الفرقان، وهو القرآن المشتمل على معانى جميع كتاب أَنزله الله، والثانى ذكر النبى الذى خاطبه الله بقوله: (لولاك يا محمّد ما خلقت الكائنات) . والثَّالث ذكر البروج والسيّارات، والشمس والقمر، واللَّيل والنَّهار، ولولاها ما وجد فى الأَرض حيوان، ولا نبات. ومثلها {فَتَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك} . قوله: {مِن دُونِهِ} هنا، وفى مريم، ويس: {مِن دُونِ الله} ؛ لأَنَّ فى هذه السّورة وافق ما قبله، وفى السّورتين لوجاءَ (من دونه) لخالف ما قبله؛ لأَنَّ ما قبله فى السّورتين بلفظ الجمع؛ تعظيماً. فصرّح. قوله: {ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} قدّم الضرّ؛ موافقة لما قبله وما بعده. فما قبله نفى وإِثبات، وما بعده موت وحياة. وقد سبق. قوله: {مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ} قدّم النَّفع؛ موافقة لقوله تعالى: {هاذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وهاذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} . قوله: {الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ

استوى عَلَى العرش الرحمان} ومثله فى السّجدة يجوز أَن يكون (الَّذى) فى السّورتين مبتدأ (الرّحمن) خبره فى الفرقان، و {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُوْنِهِ} خبره فى السّجدة، وجاز غير ذلك. فضل السّورة فيه الأَحاديث الضعيفة الَّتى منها حديث أُبىّ: مَن قرأَ سورة الفرقان بُعِث يوم القيامة وهو يؤمن أَنَّ السّاعة آتية لا ريب فيها، وأَنَّ الله يَبْعث مَنْ فى القبور، ودخل الجَنَّة بغير حساب. ومن قرأَ هذه السورة يُبعث يوم القيامة آمناً مِن هَوْلِها، ويدخل الجَنَّة بغير نَصَب، وحديث علىّ: يا علىّ من قرأَ {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ} . فكأَنما قرأَ كلَّ كتاب نزل من السّماءِ، وكأَنما عَبَدَ الله بكلّ آية قرأَها سنَةً.

بصيرة فى.. طسم. تلك الشعراء

بصيرة فى.. طسم. تلك الشعراء السّورة مكِّيَّة، إِلا آية واحدة: {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} إِلى آخره. عدد آياتها مائتان وسبع وعشرون فى عدّ الكوفىّ والشامىّ. وست فى عدّ الباقين. كلماتها أَلف ومائتان وسبع وسبعون. وحروفها خمسة آلاف وخمْسمائة وثنتان وأَربعون: الآيات المختلف فيها أَربع طسم {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ} {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} . مجموع فواصل آياتها (مِلْن) على اللام أَربع، آخرهنّ إِسرائيل وسميت سورة الشعراءِ لاختتامها بذكر هم فى قوله: {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} . مقصود السّورة وجُلّ ما اشتملت عليه: ذكر القَسم ببيان آيات القرآن، وتسلية الرّسول عن تأَخُّر المنكِرين عن الإِيمان، وذكر موسى وهارون، ومناظرة فرعون الملعون، وذكر السّحرة، ومكرهم فى الابتداءِ، وإِيمانهم وانقيادهم فى الانتهاءِ، وسَفَرِ موسى ببنى إِسرائيل من مصر، وطلب فرعون إِيَّاهم، وانفلاق البحر، وإِغراق القِبْط، وذكر الجَبَل، وذكر المناجاة، ودعاءُ إِبراهيم الخليل، وذكر استغاثة الكفَّار من عذاب النيران،

وقصّة نوح، وذكر الطُّوفان، وتعدّى عاد، وذكر هود، وذكر عقوبة ثمود، وذكر قوم لوط، وخُبْثهم، وقصّة شُعيب، وهلاك أَصحاب الأَيْكة، لعبثهم، وتنزيل جبريل على النبىّ بالقرآن العربىّ، وتفصيل حال الأُمم السّالفة الكثيرة، وأَمر الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بإِنذار العشيرة، وتواضعه للمؤمنين، وأَخلاقه اللَّينة، وبيان غَوَاية شعراءِ الجاهلية، وأَنَّ العذاب منقلَب الذين يظلمون فى قوله {وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} . الناسخ والمنسوخ: المنسوخ فى هذه السّورة آية واحدة: {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} العموم م {إِلاَّ الذين آمَنُواْ} ن الخصوص. المتشابهات: قوله: {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمان مُحْدَثٍ} سبق فى الأَنبياءِ. {فَسَيَأْتِيهِم} سبق فى الأَنعام، وكذا {أَلَمْ يَرَوْاْ} وما تعلَّق بقصّة موسى وفرعون سبق فى الأَعراف. قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} مذكور فى ثمانية مواضع: أَوّلها فى محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وإِن لم يتقدّم ذكرُه صريحاً، فقد تقدّم كناية

ووضوحاً، والثانية فى قصّة موسى، ثمَّ إبراهيم، ثم نوح، ثم هود، ثم صالح، ثم لوط، ثم شُعيب. قوله {أَلاَ تَتَّقُونَ} إِلى قوله: {العَالَمِيْنَ} مذكور فى خمسة مواضع: فى قصّة نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشُعيب عليهم السّلام. ثمَّ كرّر {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} فى قصّة نوح، وهود، وصالح فصار ثمانية مواضع. وليس فى ذكر النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} ؛ لذكرها فى مواضع. وليس فى قصّة موسى؛ (لأَنَّه ربَّاه فرعون حيث قال: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِيْنَا وَلِيْدًا} ولا فى قصة إِبراهيم، لأَن أَباه فى المخاطبين حيث يقول: {إِذْ قَالَ لأَبِيْهِ وَقَوْمِهِ} وهو ربَّاه، فاستحيا موسى) وإبراهيم أَن يقولا: ما أَسأَلكم عليه من أَجر، وإِن كانا منزَّهَيْن من طلب الأَجر. قوله: فى قصّة إِبراهيم: {مَا تَعْبُدُوْنَ} وفى الصافات {مَاذَا تَعْبُدُوْنَ} لأَنَّ (ما) لمجرّد الاستفهام، فأَجابوا فقالوا: {نَعْبُدُ أَصْنَامًا} و (ماذا) فيه مبالغة، وقد تضمّن فى الصّافَّات معنى التوبيخ، فلمَّا وبَّخهم ولم يجيبوا،

زاد فى التوبيخ فقال: {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين} فجاءَ فى كلّ سورة ما اقتضاه ما قبله وما بعده. قوله: {الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} زاد (هو) فى الإِطعام، والشِّفاءِ؛ لأَنهما ممَّا يدَّعى الإِنسان، فيقال: زيد يُطعم، وعمرو يداوى. فأَكد؛ إِعلاماً لأَنَّ ذلك منه سبحانه وتعالى لا من غيره. وأَمَّا الخَلْق والموت، والحياة، فلا يدَّعيها مدّع، فأَطلق. قوله فى قصّة صالح: {مَآ أَنتَ} بغير واو، وفى قصّة شعيب: {وَمَآ أَنتَ} لأَنَّه فى قصّة صالح بَدَل من الأَول، وفى الثانية عطف، وخُصّت الأُولى بالبدل؛ لأَنَّ صالحاً قلَّل فى الخطاب، (فقللوا فى الجواب) وأَكثر شعيب فى الخطاب، فأَكثروا فى الجواب. فضل السّورة فيه حديث أَبىّ الواهى: مَن قرأَ سورة الشُّعراءِ كان من له الأَجر عشرُ حسنات، بعدد مَنْ صَدّق بنوح، وكَذَّب به، وهود، وشعيب، وصالح، وابراهيم، وبعدد مَنْ كذَّب بعيسى، وصدَّق بمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ هذه السّورة كان موته موت الشُّهداءِ، وله بكلِّ آية قرأَها مثل ثواب امرأَة فرعون آسية.

بصيرة فى.. طس. تلك آيات القرآن

بصيرة فى.. طس. تلك آيات القرآن السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق، عدد آياتها خمس وتسعون فى عدّ الحجاز، وأَربع فى عدّ الشام، والبصرة، وثلاث فى عدّ الكوفة، كلماتها أَلف ومائة وتسع وأَربعون. وحروفها أَربعة آلاف وسبعمائة وتسع وتسعون. والآيات المختلف فيها {وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} ، {مِّن قَوارِيرَا} ، مجموع فواصل آياتها (من) وسميت سورة النَّمل؛ لاشتمالها على مناظرة النَّمل سليمان فى قوله: {قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأيها النمل ادخلوا} . مقصود السّورة ومعظم ما تضمّنته: بيان شرف القرآن، وما منه نصيب أَهل الإِيمان، والشكاية من مكر أَهل الشرك والعصيان، وإِشارة إِلى ذكر الوادى المقدّس وموسى بن عمران، وذكر خبر داود وسليمان، وفَضْل الله تعالى عليهما بتعليمهما منطق الطَّير وسائر الحيوان، وقصّة النَّمل، وذكر الهدهد وخبر بِلْقِيس، ورسالة الهدهد إِليها من سليمان، ومشاورتها أَركانَ الدّولة، وبيان أَثر الملوك إِذا نزلوا فى مكان، وإِهداء بِلْقيس إِلى سليمان، وتهديده لها، ودعوة آصَف لإِحضار تخت بِلْقِيس فى أَسرع زمان، وتغيير حال العرش لتجربتها وإِسلامها على يدى سليمان، وحديث صالح ومكر

قومه فى حقِّه، وطَرَف من حديث قوم لوط أَولى الطغيان، والبرهان فى الحدائق، والأَشجار، والبحار، والأَنهار، وإِجابة الحق دعاءَ أَهل التَّضرّع، والابتهال إِلى الرّحمن، وهداية الله الخَلْقَ فى ظلمات البرّ، والبحر، واطلاع الحق تعالى على أَسرار الغيب، وتسلية الرّسول صلى الله عليه وسلم فى إِعراض المنكرين من قبول القرآن، وقبول الإِيمان، وخروج الدَّابَّة، وظهور علامة القيامة، والإِخبار عن حال الجبال فى ذلك اليوم، وبيان جزاء المجرمين، وإِعراض الرّسول عن المشركين، وإِقباله على القرآن الكريم، وأَمر الله له بالحمد على إِظهار الحجة، أَعنى القرآن فى قوله {وَقُلِ الْحَمْدُللهِ سَيُرِيْكُمْءَايَاتِهِ} . الناسخ والمنسوخ: فى هذه السّورة آية واحدة م {وَأَنْ أَتْلُوَ القرآن} ن آية السّيف. المتشابهات: قوله: {فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ} ، وفى القصص وطه {فَلَمَّآ أَتَاهَا} الآية، قال فى هذه السّورة {سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} فكرّر (ءاتيكم) فاستثقل الجمع بينهما وبين {فَلَمَّآ أَتَاهَا} فعدل إِلى قوله: {فَلَمَّا جَآءَهَا} بعد أَن كانا بمعنى واحد. وأَمَّا فى السّورتين فلم يكن {إِلا سَآتِيكُمْ} {فَلَمَّآ أَتَاهَا} .

قوله: {وَأَلْقِ عَصَاكَ} وفى القصص {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} ؛ لأَنَّ فى هذه السّورة {نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ الله رَبِّ العالمين ياموسى إِنَّهُ أَنَا الله العزيز الحكيم وَأَلْقِ عَصَاكَ} فحيل بينهما بهذه الجملة فاستُغنى عن إِعادة (أَن) ، وفى القصص: {أَن ياموسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} فلم يكن بينهما جملة أُخرى عُطِف بها على الأَوّل، فحسُن إِدْخال (أَن) . قوله: {لاَ تَخَفْ} ، وفى القصص: {أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ} خُصّت هذه السّورة بقوله: {لاَ تَخَفْ} لأَنَّه بُنى على ذكر الخوف كلام يليق بهِ، وهو قوله: {إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُوْنَ} ، وفى القصص اقتُصِر على قوله: {لاَ تَخَفْ} ، ولم يُبْن عليه كلام، فزيد قبله {أَقْبِلْ} ؛ ليكون فى مقابلة {مُدْبِرًا} أَى أَقبل آمناً غير مُدْبِر، ولا تخف، فخصّت هذه السّورة به. قوله: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء} ، وفى القصص: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} خُصّت هذه السّورة بـ (أَدخل) ؛ لأَنه أَبلغ من قوله: {اسْلُكْ يَدَكَ} ، لأَن (اسلُكْ) يأْتى لازماً، ومتعدِّياً، وأَدْخِلْ متعدٍّ لا غير، وكان فى هذه السّورة {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} أَى مع تسع آيات مرسلاً إِلى فرعون. وخصّت القَصَص بقوله {اسْلُكْ} موافقة لقوله {اضْمُمْ} ثم قال: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} (وكان) دون الأَوّل فخُصّ بالأَدْوَنِ من الَّلفظين.

قوله {إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} ، وفى القصَص: {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ} ؛ لأَنَّ الملأَ أَشراف القوم، وكانوا فى هذه السّورة موصوفين بما وصفهم الله به من قولهم {فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هاذا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُواْ بِهَا} الآية فلم يسمّهم ملأً، بل سمّاهم قوماً. وفى القَصَص لم يكونوا موصوفين بتلك الصّفات، فسمّاهم ملأً وعقبهُ {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إلاه غَيْرِي} . وما يتعلَّق بقصّة موسى سوى هذه الكلمات قد سبق. قوله: {وَأَنجَيْنَا الذين آمَنُواْ} وفى حم {وَنَجَّيْنَا الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ} ونجينا وأَنجينا بمعنى واحد. وخُصّت هذه السُّورة بأَنجينا؛ موافقة لما بعده وهو: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} وبعده: {وَأَمْطَرْنَا} ، {وَأَنْزَلْنَا} كلّه على لفظ أَفعل. وخصّ حم بنجيّنا؛ موافقة لما قبله: [وزيّنا] وبعده {وقَيَّضْنَا لَهُمْ} وكلَّه على لفظ فعَّل. قوله: {وَأَنزَلَ لَكُمْ} سبق. قوله: {أإلاه مَّعَ الله} فى خمس آيات، وختم الأُولى بقوله: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} ثم قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ثم قال: {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} ثم قال {تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} ثم {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ

صَادِقِينَ} أَى عَدَلوا وأَوّل الذنوب العدول عن الحقَّ، ثم لم يعلموا ولو علموا لَمَا عَدَلوا ثم لم يَذكَّروا فيَعْلموا بالنَّظر والاستدلال، فأَشركوا من غير حُجّة وبرهان. قُلْ لهم يا محمد: هاتوا برهانكم إِن كنتم صادقين. قوله: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَفَزِعَ مَن فِي السماوات} وفى الزُّمر: {فَصَعِقَ} : خُصَّت هذه السورة بقوله {فَزَعِ} موافقة لقوله: {وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمِئِذٍ مَيِّتُوْنَ} ، وخُصّت الزُّمر بقوله: {فَصَعَقَ} موافقة لقوله {إِنَّهُمْ مَيِّتُوْنَ} ؛ لأَن معناه: مات. فضل السّورة رُويتْ أَحاديث ضعيفة منها حديث أُبىَّ: مَن قرأَ طس كان له من الأَجر عشرُ حسنات. بعَدَد مَنْ صدَّق سليمان، وكذَّب به، وهود، وشعيب، وإِبراهيم، ويخرج من قبره وهو ينادى: لا إِله إِلاَّ الله؛ وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَ طس النَّمل أَعطاه الله بكلِّ سجدة يسجد بها المؤمنون ثواب المؤمنين كلهم، وله بكلِّ آية ثوابُ المتوكلين.

بصيرة فى.. طسم. القصص

بصيرة فى.. طسم. القصص السورة مكِّيّة بالاتِّفاق. عدد آياتها ثمان وثمانون وكلماتها أَلف وأَربعمائة وواحدة. وحروفها خمسة آلاف وثمانمائة الآيات المختلف [فيها] اثنتان: طسم، يَسْقُون. فواصل آياتها (لم تر) وسميت سورةَ القَصَص؛ لاشتمالها عليها فى قوله: {وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} أَى قصّ موسى على شُعَيب. مقصود السورة: بيانُ ظلم فرعون بنى إسرائيل، وولادة موسى، ومحبة آسية له، وردّ موسى على أُمّه، وحديث القبطى، والإِسرائيلى، وهجرة موسى من مصر إِلى مَدْيَن، وسَقْيه لبنات شُعيب، واستئجار شعيب موسى، وخروج موسى من مَدْين، وظهور آثار النبوّة، واليد البيضاء، وقلب العصا، وإِمدادُ الله تعالى له بأَخيه هارون، وحيلة هامان فى معارضة موسى، وإِخبار الله تعالى عمّا جرى فى الطُّور، ومدح مؤمنى أَهل الكتاب، وقصّة إِهلاك القرون الماضية، ومناظرة المشركين يوم القيامة، واختيار الله تعالى ما شاءَ، وإِقامة البرهان على وجود الحق إِيّاه بالقهر، ووعد الرسول صلَّى الله عليه وسلم بالرجوع إِلى مكة،

وبيان أَنَّ كلَّ ما دون الحقِّ فهو فى عُرْضة الفناء والزَّوال، وأَنَّ زمام الحكم بيده (تعالى) فى قوله {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الحكم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} . الناسخ والمنسوخ: المنسوخ فيها آية واحدة. {لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واستوى آتَيْنَاهُ} أَى كمَّل أَربعين سنة. وقيل: كَمُل عقلُه. وقيل: خرجت لحيته. وفى يوسف {بَلَغَ أَشُدَّهُ} فحسب؛ لأَنه أُوحى إِليه فى صِباه. قوله: {وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى المدينة} ، وفى يس: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ} قيل: اسمه خربيل مؤمن من آل فرعون، وهو النجار. وقيل شمعون وقيل: حبيب. وفى يس هو هو. قوله: {مِّنْ أَقْصَى المدينة} يحتمل ثلاثة أَوجه. أَحدها أَن يكون (من أَقصى المدينة) صفة لرجل، والثانى أَن يكون صلى لجاءَ.

والثالث أَن يكون صلى ليسعى. والأَظهر فى هذه السّورة أَن يكون وصفاً، وفى يس أَن يكون صلة. وخصّت هذه السّورة بالتقديم؛ لقوله تعالى قبله: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلاَنِ يَقْتَتِلاَنِ} ثم قال: {وَجَآءَ رَجُلٌ} وخصّت سورة يس بقوله {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة} لِمَا جاءَ بالتفسير أَنَّه كان يعبد الله فى جبل، فلمّا سمع خبر الرُّسل سعى مستعجلاً. قوله {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [وفى الصافات: {مِنَ الصَّابِرِينَ} ، لأَنَّ ما هنا من كلام شعيب، والمعنى: ستجدنى من الصالحين] فى حسن العشرة، والوفاءِ بالعهد، وفى الصَّافات من كلام إِسماعيل حين قال له أَبوه {أَنِّي أَذْبَحُكَ فانظر مَاذَا ترى} فَأَجاب {ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين} أَى على الذبح. قوله: {ربي أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ} وبعده: {مَن جَآءَ} بغير باءٍ. الأَوّل هو الوجه؛ لأَن (أَعلم) هذا فيه معنى الفعل، ومعنى الفعل لا يعمل فى المفعول به، فزيد بعده باء؛ تقويةً للعمل. وخُصَّ الأَوّل بالأَصل، ثم حذف من الآخر الباءُ؛ اكتفاءً بدلالة الأَول عليه. ومحلُّهُ نصب بفعل آخر، أَى يعلم مَن جاءَ بالهدى. ولم يقتض تغييراً، كما قلنا فى الأَنعام؛ لأَنَّ دلالة الأَول قام مقام التغيير. وخصّ الثانى؛ لأَنه فرع.

قوله: {لعلي أَطَّلِعُ إلى إلاه موسى} وفى المؤْمن {لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات فَأَطَّلِعَ إلى إلاه موسى} ، لأَن قوله {أَطَّلِعُ إلى إلاه موسى} فى هذه السّورة خبر لعلَّ، وفى المؤْمن عطف على خبر {أَبْلُغُ الأسباب} وجعل قوله {أَبْلُغُ الأسباب} خبر لعلَّ، ثم أَبدل منه {أَسْبَابَ السماوات} وانما زاد ليقع فى مقابلة قوله {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ} ، لأَنه زعم أَنَّه إِله الأَرض، فقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إلاه غَيْرِي} أَى فى الأَرض؛ أَلا ترى أَنَّه قال: {فَأَطَّلِعَ إلى إلاه موسى} فجاءَ فى كلِّ سورة على ما اقتضاه ما قبله. قوله: {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين} وفى المؤْمن {كَاذِبًا} لأَن التقدير فى هذه السورة: وإنى لأَظنه كاذبا من الكاذبين، فزيد {مِنَ الكاذبين} لرءُوس الآى، ثم أَضمر (كاذباً) ؛ لدلالة (الكاذبين) عليه. وفى المؤْمن جاءَ على الأَصل، ولم يكن فيه موجب تغيير. قوله: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ} بالواو، وفى الشورى {فَمَآ أُوتِيتُم مِّن} بالفاءِ؛ لأَنه لم يتعلق فى هذه السّورة بما قبله أَشدّ تعلَّق، فاقتُصر على الواو؛ لعطف جملة على جملة، وتعلَّق فى الشُّورى بما قبلها أَشدّ تعلق؛ لأَنَّه عقَّب ما لهم من المخافة بما أُوتوه من الأَمَنة، والفاء حرف التّعقيب. قوله: {وَزِيْنَتُهَا} ، وفى الشُّورى {فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَّا} فحسب؛ لأَنَّ فى هذه السُّورة ذكر جميع ما بسط من الرزق، وأَعراض الدّنيا،

كلَّها مستوعبة بهذين اللفظين. فالمتاع: ما لا غِنى عنه فى الحياة: من المأَكول، والمشروب، والملبوس، والمسكن، والمنكوح. والزينة: ما يتجمَّل به الإِنسانُ، وقد يُستغنى عنه؛ كالثياب الفاخر، والمراكب الفارهة، والدُّور المجصّصة، والأَطعمة الملبَّقة. وأَمّا فى الشورى فلم يقصد الاستيعاب، بل ما هو مطلوبهم فى تلك الحالة: من النجاة، والأَمْن فى الحياة، فلم يحتج إلى ذكر الزينة. قوله {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً} وبعده {إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً} قَدَّم اللَّيل على النهار لأَنَّ ذهاب اللَّيل بطلوع الشَّمس أَكثر فائدة من ذهاب النَّهار بدخول اللَّيل، ثم ختم الآية الأُولى بقوله: {أَفَلاَ تَسْمَعُوْنَ} بناءً على اللَّيل، وختم الأُخرى بقوله: {أَفَلاَ تَبْصِرُوْنَ} بناءً على النهار، والنَّهار مبصر، وآية النهار مُبصرة. قوله: {وَيْكَأَنَّ} {وَيْكَأَنَّهُ} ليس بتكرار؛ لأَنَّ كل واحد منهما متصل بغير ما اتَّصل به الآخر. قال ابن عبّاس: وَىْ صلة. وإِليه ذهب سيبويه، فقال: وَىْ: كلمة يستعملها النَّادم بإِظهار ندامته. وهى مفصولة من (كَأَنَّهُ) . وقال الأَخفش: أَصله وَيْكَ (وَأَنَّ) بعده منصوب بإِضمار العِلْم، أَى أَعلم أَنَّ الله ... . وقال بعضهم أَصله: ويلك.

وفيه ضعف. وقال الضَّحّاك: الياءُ والكاف صلة، وتقديره وأَنَّ الله. وهذا كلام مزيَّف. فضل السورة رُوِيت الأَحاديث الَّتى لا تُذكر إِلاَّ تنبيها على وَهْنها. منها حديث أُبيّ: من قرأَ طسم القصص لم يبق ملك فى السماوات والأَرض إِلا يشهد له يوم القيامة أَنَّه كان صادقاً أَنَّ كلَّ شىءٍ هالك إِلاَّ وجهه، والحديث الآخر: مَنْ قرأَ سورة القَصَص كان له من الأَجر بعدد من صدَّق موسى وكذَّبه عشر حسنات، وحديث علىّ: يا علىَّ من قرأَ طسم القصص أَعطاه الله من الثواب مثلَ ثواب يعقوب، وله بكلِّ آية قرأَها مدينة عند الله.

بصيرة فى.. ألم. أحسب الناس

بصيرة فى.. ألم. أحسب الناس السّورة مكِّيَّة إِجماعاً. عدد آياتها تسع وستون، بالاتفاق. وكلماتها تسعمائة وثمانون. وحروفها أَربعة آلاف ومائة وخمس وتسعون. المختلف فيها ثلاث: الم {وَتَقْطَعُونَ السبيل} {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} . فواصل آياتها (نمر) . فواصل آياتها (نمر) . على الرَّاءِ آية واحدة (قدير) سمِّيت سورة العنكبوت؛ لتكرُّر ذكره فيه {كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت} . معظم مقصود السّورة: توبيخُ أَهل الدّعوى، وترغيبُ أَهل التَّقوى، والوصيَّة ببرِّ الوالدين للأَبرار، والشكاية من المنافقين فى جُرْأَتهم على حَمْل الأَوزار، والإِشارة إِلى بَلْوَى نوح والخليل، لتسلية الحبيب، وهجرة ابراهيم من بين قومهم إِلى مكان غريب، ووعظ لوط قومَه باختيار الخُبُث، وعدم اتِّعاظهم، وإِهلاك الله إِيَّاهم، والإِشارة إِلى حديث شُعيب، وتعيير عُبَّاد الأَصنام، وتوبيخهم، وتمثيل الصَّنم ببيت العنكبوت، وإِقامة حُجَج التوحيد، ونهى الصّلاة عن الفحشاءِ والمنكر،

وأَدب الجدال مع المنكرين، والمبتدعين، وبيان الحكمة فى كون رسولنا صلَّى الله عليه وسلَّم أُمِّيّاً، والخبر من استعجال الكفار العذاب وأَن كلَّ نفْس بالضرورة مَيِّت ووعد المؤْمنين بالثواب، وضمان الحقِّ رزق كلِّ دابة، وبيان أَنَّ الدنيا دارُ فناءٍ وممات، وأَن العُقْبى دار بقاءٍ وحياة، وبيان حُرْمة الحَرم وأَمنه، والإِخبار بأَنَّ الجهاد بثمن الهداية، وأَن عناية الله مع أَهل الإِحسان، فى قوله: {والذين جَاهَدُواْ فِينَا} إِلى آخر السّورة. النَّاسخ والمنسوخ: المنسوخ فيها آية واحدة {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ} م {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} ن. المتشابهات: قوله: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} ، وفى لقمان: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ} وفى الأَحقاف {بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} الجمهور على أَنَّ الآيات الثلاث نزلت فى سعد بن مالك (وهو سعد بن أَبى وقَّاص) وأَنَّها فى سورة لقمان اعتراض بين كلام لقمان لابنه. ولم يذكر فى لقمان

(حسناً) ؛ لأَنَّ قوله بعده {اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ} قام مقامه، ولم يذكر فى هذه السّورة (حمله) ولا (وضعه) ، موافقة لما قبله من الاختصار، وهو قوله: {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ، فإِنَّه ذكر فيها جميع ما يقع بالمؤمنين بأَوجز كلام، وأَحسن نظام، ثم قال بعده: {وَوَصَّيْنَا الإنسان} أَى أَلزمناه {حَسَنًا} فى حقِّهما، وقياماً بأَمرهما، وإِعراضاً عنهما، وخلافاً لقولهما إِن أَمرَاهُ بالشرك بالله. وذكر فى لقمان والأَحقاف حاله فى حمله ووضعه. قوله {وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} ، وفى لقمان: {عَلَى أَن تُشْرِكَ} ؛ لأَنَّ ما فى هذه السُّورة وافق ما قبله لفظاً، وهو قوله {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} - وفى لقمان محمول على المعنى؛ لأَنَّ التقدير: وإِن حملاك على أَن تشرك. قوله: {يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ} بتقديم العذاب على الرّحمة فى هذه السّورة فحسْب؛ لأَن إِبراهيم خاطب به نمُرودَ وأَصحابَه، فإِنَّ العذاب وقع بهم فى الدّنيا. قوله: {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء} ، وفى الشُّورى {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض} ؛ لأَنَّ (ما) فى هذه السّورة خطاب لنُمرود

حين صَعِدَ الجَوّ موهِماً أَنه يحاول السّماءَ، فقال له ولقومه: {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض} أَى من فى الأَرض: من الجنّ، والإِنس، ولا مَن فى السّماءِ: من الملائكة، فكيف تُعْجزون الله! وقيل: ما أَنتم بفائتين عليه، ولو هَرَبتم فى الأَرض، أَو صعدتم فى السّماءِ (فقال: {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِى السَّمَآءِ} لو كنتم فيها. وما فى الشورى خطاب للمؤْمنين، وقوله: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فِبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيْكُمْ} يدل عليه. وقد جاءَ {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} فى قوله {والذين ظَلَمُواْ مِنْ هاؤلاء} من غير ذكر الأَرض ولا السّماءِ. قوله: {فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال بعده: {خَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} فجمع الأُولى، ووحّد الثانية؛ لأَنَّ الأُولى إِشارة إِلى إِثبات النبوّة، وفى النَّبيِّين (صَلوات الله وسلامه عليهم) كثرة، والثَّانى إِشارة إِلى التَّوحيد وهو - سبحانه - واحد لا شريك له. قوله: {إِنَّكُمْ} جمع بين استفهامين فى هذه السّورة. وقد سبق فى الأَعراف. قوله: {وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} ، وفى هود. {وَلَمَّا جَآءَتْ}

بغير (أَن) ؛ لأَنَّ (لمَّا) يقتضى جواباً، وإذا اتَّصل به (أَنْ) دلّ على أَن الجواب وقع فى الحال من غير تراخ؛ كما فى هذه السّورة، وهو قوله: {سياء بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} ومثله فى يوسف {فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ فارتد بَصِيراً} وفى هود اتَّصل به كلام بعد كلام، إِلى قوله: {قَالُواْ يَا لُوْطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُواْ إِلَيْكَ} فلمَّا طال لم يحسن دخول أَنْ. قوله: {وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ} هو عطف على قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوْحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ} . قوله: {قُلْ كفى بالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} أَخَّره فى هذه السّورة لما وصف. وقد سبق. قوله: {الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} وفى القصص {يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} وفى الرّعد والشُّورى: {لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} لأَنَّ ما فى هذه السّورة اتَّصل بقوله: {وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا} الآية، وفيها عموم، فصار تقديره، يبسط الرّزق لمن يشاءُ من عباده أَحياناً، ويقدر له أَحياناً؛ لأَنَّ الضَّمير يعود إِلى (مَن) وقيل: يقدّر له البسط من التقدير. وفى القصص تقديره: يبسط الرّزق لمن يشاءُ ويقدر لمن يشاءُ. وكلُّ واحد منهما غير الآخر، بخلاف الأُولى. وفى السّورتين يحتمل الوجهين فأَطلق.

قوله: {مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} وفى البقرة والجاثية: {بَعْدِ مَوْتِهَا} لأَنَّ فى هذه السّورة وافق ما قبله وهو {مِن قَبْلِهِ} فإِنهما يتوافقان وفيه شىء آخر وهو أَنَّ ما فى هذه السورة سؤال وتقرير، والتقرير يحتاج إِلى التحقيق فوق غيره، فقيّد الظرف بمن، فجمع بين طَرَفيه؛ كما سبق. قوله: {لَهْوٌ وَلَعِبٌ} [سبق. قوله] : {فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَ} سبق. قوله: {نِعْمَ أَجْرُ العَامِلِيْنَ} بغير واو لاتصاله بالأَول أَشدّ اتصال. وتقديره: ذلك نعم أَجر العاملين. فضل السورة عن أُبىّ رفعه: من قرأَ العنكبوت كان له من الأَجر عشرُ حسنات، بعدد كل المؤمنين، والمنافقين، وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَها كتب له بكل يهودىّ ونصرانىّ مائةُ حَسَنة، ورُفع له مائةُ درجة، وله بكل آية قرأَها ثوابُ الذين فتحوا بيت المقدس.

بصيرة فى.. ألم. غلبت الروم

بصيرة فى.. ألم. غلبت الروم السورة مكِّيّة إِجماعا. عدد آياتها خمس وستون عند المكِّيّين، وستُّون عند الباقين وكلماتها ثمانمائة وسبع وحروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وثلاثون، والآيات المختلف فيها أَربع: أَلم {غُلِبَتِ الروم} {فِي بِضْعِ سِنِيْنَ} ، {يُقْسِمُ المجرمون} فواصل آياتها نمر، على الراءِ آيتان {قَدِيْر} فى موضعين. وسميت سورة الروم لما فيها من ذكر غلبة الروم. معظم مقصود السورة: غلبة الروم على فارس، وعَيْب الكفار فى إِقبالهم على الدنيا، وأَخبار القرون الماضية، وذكر قيامة الساعة، وآيات التوحيد، والحجج المترادِفة الدالَّة على الذات والصفات، وبيان بعث القيامة، وتمثيل حال المؤمنين والكافرين، وتقرير المؤمنين على الإِيمان، والأَمر بالمعروف، والإِحسان إِلى ذوى القربى، ووعد الثواب على أَداءِ الزكاة، والإِخبار عن ظهور الفساد فى البر والبحر، وعن آثار القيامة، وذكر عجائب الصنع فى السحاب والأَمطار، وظهور آثار الرحمة فى الربيع، وإِصرار الكفار على الكفر، وتخليق الله الخلق مع الضعف والعجز، وإِحياءُ الخلق بعد

الموت، والحشر والنشر، وتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسكينه عن جفاءِ المشركين وأَذاهم فى قوله: {وَلاَ يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِيْنَ لاَ يُوْقِنُوْنَ} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آية واحدة: {فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} م آية السيف ن) . المتشابهات: قوله: {أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرض} ، وفى فاطر وأَوّل المؤمن بالواو، وفى غيرهنَّ بالفاءِ، لأَنَّ ما قبلها فى هذه السّورة {أَوْلَمْ يَتَفَكَّرُواْ} وكذلك ما بعدها (وأَثاروا) بالواو، فوافق ما قبلها، وما بعدها، وفى فاطر أَيضاً وافق ما قبله وما بعده، فإِنَّ قبله {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلاً} ، وبعدها {وَمَا كَانَ الله} ، وكذلك أَوّل المؤمن [قبله] {وَالَّذِيْنَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} وأَمّا آخر المؤمن فوافق ما قبله وما بعده، وكان بالفاءِ، وهو قوله: {فَأَيَّ آيَاتِ الله تُنكِرُونَ} ، وبعده {فَمَآ أغنى عَنْهُم} . قوله: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ كانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} {مِن قَبْلِهِمْ} متَّصل بكَوْن آخَر مضمر وقوله: {كانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} :

إِخبارٌ عمَّا كانوا عليه قبل الإِهلاك، وخصّت هذه السّورة بهذا النسق لمّا يتَّصل به من الآيات بعده وكلّه إِخبار عمَّا كانوا عليه وهو {وَأَثَارُواْ الأَرْضَ وَعَمَرُوْهَا} وفى فاطر: {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ وَكانوا} بزيادة الواو، لأَنَّ التَّقدير: فينظروا كيف أُهلِكوا وكانوا أَشدَّ منهم قوّة. وخصّت [هذه] السّورة به لقوله: {وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ} الآية. وفى المؤْمن {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كانوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُم قُوَّةً} فأَظهر (كان) العامل فى (من قبلهم) وزاد (هم) لأَنَّ فى هذه السّورة وقعت فى أَوائل قصّة نوح، وهى تَتِمُّ فى ثلاثين آية، فكان اللائق به البسط، وفى آخر المؤمن {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ كانوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ} فلم يبسط القول؛ لأَن أَوّل السّورة يدلّ عليه. قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} ، وختم الآية بقوله {يَتَفَكَّرُوْنَ} ؛ لأَنَّ الفكر يؤدى إِلى الوقوف على المعانى التَّى خُلِقَت لها: من التوانس، (والتجانس) ، وسكون كلّ واحد منهما إِلى الآخر. قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض} ، وختم بقوله {لِلْعَالَمِيْنَ} لأَن الكل تظلّهم السّماء، وتُقِلهم الأَرض، فكل واحد منفردٌ بلطيفة فى صورته يمتاز بها عن غيره؛ حتى لا ترى اثنين فى أَلف يتشابه

صورتاهما ويلتبس كلاهما؛ وكذلك ينفرد كلّ واحد بدقيقة فى صورته، يتميّز بها من بين الأَنام، فلا ترى اثنين يشتبهان. وهذا يشترك فى معرفته النَّاس جميعاً. فلهذا قال {لآَيَاتٍ لِلْعَالَمِيْنَ} . ومن حمل اختلاف الأَلسن على اللغات، واختلاف الأَلوان على السّواد والبياض، والشُّقْرة، والسّمرةِ، فالاشتراك فى معرفتها أَيضاً ظاهر. ومن قرأَ {لِلْعَالَمِيْنَ} بالكسر فقد أَحسن، لأَنَّ بالعلم يمكن الوصول إِلى معرفة ما سبق ذكره. قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بالليل والنهار} وختم بقوله {يَسْمَعُوْنَ} فإِن مَن سمع أَنَّ النوم مِن صنع الله الحكيم لا يقدر أَحد على اجتلابه إِذا امتنع، ولا على دفعه إِذا ورد، تيقَّن أَنَّ له صانعاً مدبِّراً. قال الإِمام: معنى (يسمعون) هاهنا: يستجيبون إِلى ما يدعوهم إِليه الكتابُ. وختم الآية الرّابعة بقوله {يَعْقِلُوْنَ} لأَن العقل مِلاك الأَمر فى هذه الأَبواب، وهو المؤدِّى إِلى العلم، فختم بذكره. قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ} أَى أَنَّه يريكم. وقيل: تقديره: ويريكم من آياته البرق. وقيل: أَن يُرِيكم، فلمَّا حُذِفَ (أَنْ) سكن الياءُ وقيل: {وَمِنْ آيَاتِهِ} كلام كافِ؛ كما تقول: منها كذا، ومنها كذا ومنها ... . وتسكت، تريد بذلك الكثرة.

قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ} وفى الزمر {أَوَلَمْ يَعْلَمُواْ} لأَن بسط الرزق مِمَّا يشاهَد ويرى، فجاءَ فى هذه السّورة على ما يقتضيه اللَّفظ والمعنى. وفى الزمر اتَّصل بقوله {أُوتِيْتُهُ عَلَى عِلْمٍ} وبعده: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُوْنَ} (فحسن "أَو لم يعلموا". قوله: {وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ} ، وفى الجاثية: {فِيْهِ بِأَمْرِهِ} ، لأَنَّ فى هذه السّورة تقدّم ذكر الرّياح، وهو قوله: {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} بالمطر، وإِذاقة الرّحمة، ولتجرى الفلك بالرياح بأَمر الله تعالى. ولم يتقدّم ذكر البحر. وفى الجاثية تقدّم ذكر البحر، وهو قوله: {الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر} فكنى عنه، فقال: {لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ} . * * * (فضل السورة. فيه الأَحاديث الساقطة. عن أُبىّ من قرأَ سورة الروم كان له من الأَجر عشر حسنات بعدد كل مَلك سبّح الله فى السماءِ والأَرض، وأَدرك ما ضيّع فى يومه وليلته) وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَ غلبت الرّوم كان كمَن أَعتق بعدد أَهل الرّوم، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب الَّذين عَمروا بيت المقدس.

بصيرة فى.. الم. لقمان

بصيرة فى.. الم. لقمان السّورة مكِّيَّة، سوى آيتين: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} إِلى آخر الآيتين. عدد آياتها ثلاث وثلاثون عند الحجازيِّين، وأَربع عند الباقين. وكلماتها خمسمائة وثمانٍ وأَربعون. وحروفها أَلفان ومائة وعشر. المختلف فيها آيتان: الم {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} . فواصل آياتها (ظن مرد) و (مد نظر) على الدال منها آية واحدة: {غَنِيٌ حَمِيدٌ} ، وعلى الظَّاءِ آية: {عَذَابٌ غَلِيظٌ} . سمِّيت سورة لقمان لاشتمالها على قصّته. معظم مقصود السّورة: بشارة المؤمنين بنزول القرآن، والأَمر بإِقامة الصَّلاة، وأَداءِ الزَّكاة، والشكاية من قوم اشتغلوا بلَهْو الحديث، والشكاية من المشركين فى الإِعراض عن الحقِّ، وإِقامة الحجّة عليهم، والمِنَّة على لقمان بما أُعطِى من الحكمة، والوصيّة ببرّ الوالدين، ووصية لقمان لأَولاده، والمِنَّة بإِسباغ النعمة، وإِلزام الحجّة على أَهل الضَّلالة، وبيان

أَنَّ كلمات القرآن بحور المعانى، والحجّة على حَقِّيَّة البَعْث، والشكاية من المشركين بإِقبالهم على الحقِّ فى وقت المِحْنة، وإِعراضهم عنه فى وقت النعمة، وتخويف الخَلْق بصعوبة القيامة وهَوْلها، وبيان أَنَّ خمسة علوم ممَّا يختصّ به الرّبّ الواحد تعالى فى قوله: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} إِلى آخرها. النَّاسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آية واحدة {وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} م آية السّيف ن. المتشابهات التى فى سورة لقمان (المتقدّم تفسيرها بصفحتين قبل) . قوله: {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ [وَقْراً} وفى الجاثية {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ} زاد فى هذه السورة {كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقْراً} ] : جلّ المفسرين على أَنَّ الآيتين نزلتا فى النَضْر بن الحارث. وذلك أَنَّه ذهب إِلى فارس، فاشترى كتاب كليلة ودِمْنة، وأَخبار رُسْتُم وإِسفَنْديار، وأَحاديث الأَكاسرة، فجعل يرويها ويحدّث بها قُريشاً، ويقول: إِنَّ محمّدا يحدّثكم بحديث عاد، وثمود، وأَنا أُحدّثكم بحديث رُسْتم وإِسفنديار، ويستملحون حديثه، ويتركون استماع القرآن [فأَنزل الله هذه الآيات، وبالغ

فى ذمه؛ لتركه استماع القرآن] فقال: {كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقْراً} أَى صَمَماً، لا يقرع مَسامعه صوت. ولم يبالغ فى الجاثية هذه المبالغة؛ لِمَا ذكر بعده {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً} لأَنَّ ذلك العلم لا يحصل إِلاَّ بالسّماع، أَو ما يقوم مقامه: من خطٍّ وغيره. قوله: {يجري إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وفى الزّمر {لأَجَلٍ} قد سبق شَطْر من هذا. ونزيد بياناً أَن (إِلى) متَّصل بآخر الكلام، ودالّ على الانتهاءِ، واللام متَّصلة بأَوّل الكلام، ودالَّة على الصّلة. فضل السّورة: فيه الأَحاديث الضعيفة التى منها حديث أُبىّ: مَنْ قرأَ سورة لقمان كان له لقمان رفيقاً يوم القيامة، وأُعطى من الحسنات بعدد مَنْ أَمر بالمعروف، ونَهَى عن المنكر، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ لقمان كان آمنا من شدّة يوم القيامة، ومن هَوْل الصراط.

بصيرة فى.. ألم. تنزيل

بصيرة فى.. ألم. تنزيل السّورة مكِّيّة بالاتفاق، سوى ثلاث آيات، فإِنها مدنيّة {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} إِلى آخر الآيات الثلاثة. عدد آياتها تسع وعشرون عند البصريِّين، وثلاثون عند الباقين. كلماتها ثلاثمائة وثلاثون. وحروفها أَلْف وخمسمائة وتسع وتسعون. المختلف فيها آيتان (الم) {خَلْقٌ جَدِيْدٌ} فواصل آياتها (ملن) على الميم اثنان: الم و {العَزِيزُ الرّحِيم} وعلى اللام آية {هُدًى لبني إِسْرَائِيلَ} ولها ثلاثة أَسماء: سورة السّجدة، لاشتمالها على سجدة التلاوة، الثانى سجدة لقمان؛ للتميّز عن حم السّجدة الثالث المضاجع: لقوله {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع} . مقصود السّورة: تنزيل القرآن، وإنذار سيِّد الرُّسُل، وتخليق السماءِ والأَرض، وخَلْق الخلائق، وتخصيص الإِنسان من بينهم، وتسليط مَلَك الموت على قبض الأَرواح، وتشوير العاصين فى القيامة، ومَلْءُ جهنَّم من أَهل الإِنكار، والضَّلالة، وإِسقاط خواصّ العِبَاد فى أَجواف اللَّيالى

للعبادة، وإِخبارهم بما ادُّخِر لهم فى العُقْبى: من أَنواع الكرامة، والتفريق بين الفاسقين والصادقين فى الجزاءِ، والثواب، فى يوم المآب، وتسلية النبى صلى الله عليه وسلم بتقرير أَحوال الأَنبياءِ الماضين، وتقرير حُجَّة المنكرين للوحدانية، وأَمر الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بالإِعراض عن مكافأَة أَهل الكفر، وأَمره بانتظار النَّصر، بقوله: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وانْتَظِرْ إِنَّهُم مُنْتَظِرُوْنَ} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آية واحدة: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} م (آية السّيف ن) . المتشابهات: قوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} ، وفى سأَل سائل {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} موضع بيانه التفسير. والغريب فيه ما رُوى عن عِكْرِمة فى جماعة: أَن اليوم فى المعارج عبارة عن أَول أَيّام الدّنيا إِلى انقضائها، وأَنَّها خمسون أَلْفَ سنة، لا يدرى أَحدٌ كمْ مضَى وكم بقى إِلاَّ اللهُ عزَّ وجلَّ. ومن الغريب أَنَّ هذه عبارة عن الشدة، واستطالة أَهلها إِياها؛ كالعادة فى استطالة أَيَّام الشدة والحزن، واستقصار أَيَّام الرَّاحة والسّرور، حتى قال القائل: سَنة الوصل سِنَة [و] سِنة الهجْر سَنَة. وخُصّت هذه السّورة بقوله: أَلف سنة، لما قبله، وهو قوله: {فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ} وتلك الأَيَّام

من جنس ذلك اليوم وخصّت سورة المعارج بقوله {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} لأَن فيها ذكر القيامة وأَهوالِها، فكان هو اللائق بها. قوله {ثُمَّ أَعْرِضْ عَنْهَا} (ثمَّ) هاهنا يدلّ على أَنَّه ذُكِّرَ مرّات، ثم تأَخَّر (و) أَعرض عنا. والفاءُ على الإِعراض عقيب التذكير. قوله: {عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} ، وفى سبأ {التي كُنتُم بِهَا} لأَنَّ النَّار وقعت فى هذه السُّورة موقع الكناية، لتقدّم ذكرها، والكنايات لا توصف، فوُصف العذاب، وفى سبأ لم يتقدم ذكر النَّار، فحسن وصف النار. قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ القرون} بزيادة (مِن) سبق فى طه. قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ} ليس غيره؛ لأَنَّه لما ذكر القرون والمساكن بالجمع حسن جمع الآيات، ولمّا تقدّم ذكر الكتاب - وهو مسموع - حسن لفظ السّماع فختم الآية به. فضل السّورة فيه حديث أُبىٍّ السّاقط سنده: من قرأَ سورة {الاما تَنزِيلُ} أُعطى من الأَجر كمن أَحيا ليلة القدر، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم لا ينام حتَّى يقرأَ

{الاما تَنزِيلُ} السّجدة، و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك} ويقول: هما يَفْضُلان كلَّ سورة فى القرآن بسبعين حسنة، ومن قرأَها كتب له سبعون حسنة ومُحِى عنه سبعون سيِّئة ورفع له سبعون درجة؛ وحديث علىّ مَنْ قرأَ {الاما تَنزِيلُ} ضَحك الله إِليه يوم القيامة، وقُضى له كلُّ حاجة له عند الله وأَعطاه إِيَّاه بكلِّ آية قرأَها غرفة فى الجنة.

بصيرة فى.. يأيها النبى اتق الله

بصيرة فى.. يأيها النبى اتق الله السّورة مدنية بالاتفاق. آياتها ثلاث وسبعون. كلماتها أَلف ومائتان وثمانون. حروفها خمسة آلاف وسبعمائة وستّ وتسعون، فواصل آياتها (لا) على اللام منها آية واحدة {يَهْدِي السبيل} . سمّيت سورة الأَحزاب، لاشتمالها على قصّة حَرْب الأَحزاب فى قوله {يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُواْ} . معظم مقصود السّورة الذى اشتملت عليه: الأَمر بالتَّقوى، وأَنه ليس فى صدرٍ واحد قلبان، وأَنَّ المتبَنَّى ليس بمنزلة الابن، وأَنَّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم للمؤمنين بمكان الوالد، وأَزواجه الطاهرات بمكان الأُمهات، وأَخذ الميثاق على الأَنبياءِ، والسؤال عن صدق الصّادقين، وذكر حَرْبِ الأَحزاب، والشِّكاية من المنافقين، وذمّ المعرضين، ووفاء الرِّجال بالعهد، وردّ الكفَّار بغيظهم، وتخيير أُمّهات المؤمنين، ووعظهنَّ، ونصحهنَّ، وبيان شرف أَهل البيت الطَّاهرين ووعد المسلمين والمسلمات بالأُجور الوافرات، وحديث تزويج زيد وزينب ورفع الحَرَج عن النّبى صلَّى الله عليه وسلَّم، وختم الأَنبياءِ به عليه السّلام، والأَمر بالذكر الكثير،

والصّلوات والتسليمات على المؤمنين، والمخاطبات الشريفة لسيِّدنا المصطفى - صلى الله عليه وسلَّم -، وبيان النكاح، والطَّلاق، والعدّة، وخصائص النبى صلَّى الله عليه وسلَّم فى باب النكاح، وتخييره فى القَسْم بين الأَزواج والحجر عليه فى تبديلهنَّ، ونهى الصحابة عن دخول حُجْرة النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بغير إِذن منه، وضَرْب الحجاب، ونهى المؤمنين عن تزوّج أَزواجه بعده، والموافقة مع الملائكة فى الصلاة على النبى صلَّى الله عليه وسلَّم، وتهديد المؤذين للنَّبى وللمؤمنين، وتعليم آداب النساءِ فى خروجهن من البيوت، وتهديد المنافقين فى إِيقاع الأَراجيف، وذلِّ الكفار فى النار، والنَّهى عن إِيذاءِ الرّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والأَمر بالقول السّديد وبيان عَرْض الأَمانة (على السماوات والأَرض) وعذاب المنافقين، وتوبة المؤمنين فى قوله {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة} إِلى آخر السّورة. النَّاسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آيتان م {وَدَعْ أَذَاهُمْ} ن آية السّيف م {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ} ن {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} . المتشابهات ذهب بعض القرّاء إِلى أَنَّه ليس فى هذه السورة متشابه. وأَورد بعضهم فيها كلمات، وليس فيها كثير تشابه؛ بل قد تلتبس على الحافظ القليل

البضاعة. فأَوردناها؛ إِذ لم يخل من فائدة. وذكرنا مع بعضها علامة يستعين بها المبتدىء فى تلاوته. منها قوله: {لِّيَسْأَلَ الصادقين عَن صِدْقِهِمْ} وبعده {لِّيَجْزِيَ الله الصادقين بِصِدْقِهِمْ} ليس فيها تشابه؛ لأَنَّ الأَوّل من لفظ السّؤال، وصلته {عَن صِدْقِهِمْ} وبعده {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ} ، والثَّانى من لفظ الجزاءِ، وفاعله الله، وصلتُه {بِصِدْقِهِمْ} بالباءِ، وبعده {وَيُعَذِّبَ المنافقين} . ومنها قوله: {ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا "نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ"} وبعده {ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} فيقال للمبتدىءِ: إِنَّ الذى يأْتى بعد العذاب الأَليم نعمة من الله على المؤمنين، وما يأتى قبل قوله {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} {اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} شكراً على أَن أَنزلكم منزلة نبيِّه فى صلاتِه وصلاة ملائكته عليه حيث يقول: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} . ومنها قوله: {ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} ليس من المتشابه لأَنَّ الأَوّل فى التخيير والثانى فى الحجاب. ومنها قوله: {سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} [فى موضعين] وفى الفتح {سُنَّةَ الله التي قَدْ خَلَتْ} التقدير فى الآيات: سنَّة الله

الَّتى قد خلت فى الذين خلوا (فذكر فى كل سورة الطرف الذى هو أَعمّ، واكتفى به عن الطرف الآخر، والمراد بما فى أَول هذه السورة النكاح نزلت حين عيَّروا رسول الله بنكاح زينب) فأَنزل الله {سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} أَى النكاحُ سنَّة فى النَّبيين على العموم. وكانت لداود تسع وتسعون، فضمّ إِليها الَّتى خطبها أُورِيَا، ووَلَدت سليمان. والمراد بما فى آخر هذه السّورة القتل؛ نزلت فى المنافقين والشاكيّن الَّذين فى قلوبهم مرض، والمرجفين فى المدينة، على العموم. وما فى سورة الفتح يريد به نُصرة الله لأَنبيائه. والعمومُ فى النُّصرة أَبلغ منه فى النكاح والقتل. ومثله فى حم {سُنَّةَ الله التي قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ} فإِنَّ المراد بها عدم الانتفاع بالإِيمان عند البأْس فلهذا قال: {قَدْ خَلَتْ} . ومنها قوله: {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} {وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيءٍ رَقِيْبًا} {وَكَانَ الله قَوْيًّا عَزِيزًا} {وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيماً} . وهذا من باب الإِعراب، وإِنما نصب لدخول كان على الجملة: فتفرّدت السّورة، وحسن دخول (كان) عليها، مراعاة لفواصل الآى والله أَعلم.

فضل السّورة فيه الأَحاديث الموضوعة الَّتى نذكرها للتنبيه عليها: من قرأَ سورة الأَحزاب وعلَّمها أَهلَه وما ملكت يمينه أُعطىَ الأَمان من عذاب القبر، وحديث على: يا علىّ مَنْ قرأَ سورة الأَحزاب قال الله لملائكته: اشهدوا أَنَّ هذا قد أَعتقتُه من النَّار، وكان يوم القيامة تحت ظلِّ جناح جَبْرائيل، وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب البارِّ بوالديه.

بصيرة فى.. الحمد لله الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض

بصيرة فى.. الحمد لله الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض السّورة مكِّية بالاتفاق. عدد آياتها خمس وخمسون فى عدِّ الشَّام، وأَربع فى عدِّ الباقى. وكلماتها ثمانمائة وثمانون. وحروفها أَربعة آلاف وخمسمائة واثنا عشر. المختلف فيها آية واحدة: {عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} فواصل آياتها (ظن لمدبّر) سمِّيت سورة سبأ، لاشتمالها على قصّة سبأ {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} . مقصود السّورة: بيان حجّة التوحيد، وبرهان نبوّة الرسول - صَلَّى الله عليه وسلَّم - ومعجزات داود، وسليمان، ووفاتهما، وهلاك سبأ، وشؤم الكفران، وعدم الشكر، وإِلزام الحجّة على عُبّاد الأَصنام، ومناظرة مادَّة الضَّلالة، وسَفِلتهم، ومعاملة الأُمم الماضية مع النَّبيِّين، ووعد المنفقين والمصَّدّقين بالإِخلاف، والرّجوع بإِلزام الحجّة على منكِرى النبوّة، وتمنى الكفَّار فى وقت الوفاة الرّجوعَ إِلى الدّنيا فى قوله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} إِلى آخره. النَّاسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آية واحدة: م {قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا} ن آية السّيف.

المتشابهات: قوله: {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض} مرّتين، بتقديم السّماوات؛ بخلاف يونس؛ فإِن فيها {مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء} ؛ لأَنَّ فى هذه السّورة تقدَّم ذكرُ السّماوات فى أَوّل السّورة {الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} وقد سبق فى يونس. قوله: {أَفَلَمْ يَرَوْا} بالفاءِ ليس غيره. زيد الحرف؛ لأَنَّ الاعتبار فيها بالمشاهدة على ما ذكرنا، وخصّت بالفاءِ لشدّة اتِّصالها بالأَوّل، لأَنَّ الضَّمير يعود إِلى الذين قَسَموا الكلام فى النبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقالوا: محمّد إِمّا عاقل كاذب، وإِما مجنون هاذِ، وهو قولهم: {أفترى عَلَى الله كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} فقال الله: بل تركتم القِسم الثالث، وهو إِمّا صحيح العقل صادق. قوله: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ الله} وفى سبحان: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ} ، لأَن فى هذه السّورة اتَّصلت بآية ليس فيها لفظ الله، فكان التصريح أَحسن، وفى سبحان اتَّصل بآيتين فيهما (بضعة عشر) مرّة ذكر الله صريحاً وكناية، (وكانت) الكناية أَولى. وقد سبق.

قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} ، وبعده، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} بالجمع؛ لأَن المراد بالأَوّل: لآية على إِحياءِ الموتى فخُصّت بالتوحيد، وفى قصّة سبأ جمع؛ لأَنَّهم صاروا اعتباراً يضرب بهم المثل: تفرّقوا أَيدى سبا: فُرِّقُوا كلَّ مفرَّق، ومُزِّقوا كلَّ ممزق، فوقع بعضهم إِلى الشأم، وبعضهم إِلى يَثْرِب، وبعضهم إِلى عُمان، فخُتم بالجمع، وخُصَّت به لكثرتهم، وكثرة مه يعتبر بهنّ، فقال {لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على المِحنة {شَكُورٍ} على النِّعمة، أَى المؤمنين. قوله {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} وبعده: {لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} سبق. وخصّ هذه السّورة بذكر الربِّ لأَنه تكرّر فيها مرّات كثيرة. منها {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} {رَبَّنَا بَاعِدْ} {يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} {مَوْقُوفُوْنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ولم يذكر مع الأَول {مِنْ عِبَادِهِ} ؛ لأَن المراد بهم الكفَّار. وذكر مع الثانى؛ لأَنهم المؤمنون. وزاد (له) وقد سبق بيانه. قوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ} ولم يقل: من قبلك، ولا قبلَك. خُصّت السورة به، لأَنه فى هذه السّورة إِخبار مجرّد وفى غيرها إِخبار للنبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتسلية له، فقال: {قَبْلِكَ} .

قوله {وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ، وفى غيرها {عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ} ؛ لأَن قوله {أَجْرَمْنَا} بلفظ الماضى، أَى قبل هذا، ولم يقل: نُجْرم فيقع فى مقابلة (تعملون) ؛ لأَن مِن شرط الإِيمان وصف المؤمن أَن يعزم أَلاَّ يُجرِم. وقوله: {تَعْمَلُوْنَ} خطاب للكفاَّر، وكانوا مصرِّين على الكفر فى الماضى من الزَّمان والمستقبل، فاستغنت به الآية عن قوله {كُنْتُمْ} . قوله: {عَذَابَ النار التي} قد سبق. فضل السّورة فيه حديث ساقط: من قرأَ سورة سبأ فكأَنما كانت له الدنيا بحذافيرها فقدّمها بين يديه، وله بكل حرف قرأَه مثلُ ثواب إِدريس.

بصيرة فى.. الحمد لله فاطر السماوات

بصيرة فى.. الحمد لله فاطر السماوات السّورة مكِّيّة إِجماعاً. عدد آياتها خمس وأَربعون عند الأَكثرين، وعند الشاميّين ستّ. وكلماتها سبعمائة وسبعون. وحروفها ثلاثة آلاف ومائة وثلاثة وثلاثون. المختلف فيها سبع آيات؛ {الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} جديد، النور، البصير {مَنْ فِي القُبُوْرِ} ، {أَنْ تَزُوْلا} تبديلاً. فواصل آياتها (زاد من بز) لها اسمان: سورة فاطر (لما فى أَولها فاطر) السماوات وسورة الملائكة؛ لقوله: {جَاعِلِ الملائكة} . معظم مقصود السّورة: بيان تخليق الملائكة، وفتح أَبواب الرّحمة، وتذكير النّعمة، والتحذير من الجِنّ، وعداوتهم، وتسلية الرّسول (وإِنشاءِ السحاب، وإِثارته، وحوالة العزَّة إِلى الله، وصعود كلمة الشهادة وتحويل الإنسان) من حال إِلى حال، وذكر عجائب البحر، واستخراج الحِلْية منه، وتخليق اللَّيل، والنَّهار، وعجز الأَصنام عن الرُّبوبيّة، وصفة الخلائق بالفقر والفاقة، واحتياج الخَلْق فى القيامة، وإقامة البرهان، والحجة، وفضل القرآن، وشرَفَ التلاوة، وأَصناف الخَلْق فى ميراث

القرآن، ودخول الجنَّة من أَهل الإِيمان، وخلود النار لأَهل الكفر والطغيان، وأَن عاقبة الكفر الخسران، والمِنَّة على العباد بحفظ السّماءِ والأَرض عن تخلخل الأَركان، وأَنَّ العقوبة عاقبة المكر، والإِخبار بأَنَّه لو عَدَلَ رَبُّنَا فى الْخَلْقِ لم يسلم من عذابه أَحد من الإِنس والجانّ. الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آية واحدة: {إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله: {والله الذي أَرْسَلَ الرياح} بلفظ الماضى؛ موافقة لأَوّل السّورة {الحمد للَّهِ فَاطِرِ السماوات والأرض جَاعِلِ} لأَنهما للماضى لا غير وقد سبق قوله: {وَتَرَى الفلك فِيهِ مَوَاخِرَ} بتقديم (فيه) موافقة لتقدّم {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُوْنَ} وقد سبق. قوله: {جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وبالزبر وبالكتاب} بزيادة الباءَات قد سبق. قوله: {مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} وبعده {أَلْوَانُهَا} ثمّ {أَلْوَانُهُ} لأَنَّ الأَوّل يعود إِلى ثمرات، والثاني يعود إِلى الجبال؛ وقيل إِلى حُمْر، والثالث يعود

إلى بعض الدّال عليه (مِن) ؛ لأَنه ذكر (من) ولم يفسّره كما فسّره فى قوله {وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ} فاختصّ الثالث بالتذكير. قوله: {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} بالتصريح وبزيادة اللاَّم، وفى الشُّورى {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} ، لأَن الآية المتقدمة فى هذه السّورة لم يكن فيها ذكر الله فصرّح باسمه سبحانه وتعالى، وفى الشورى متَّصل بقوله: {وَلَوْ بَسَطَ الله} فخُصّ بالكناية، ودخل اللام فى الخبر موافقة لقوله {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} . قوله: {جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض} على الأَصل قد سبق. {أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي} سبق. {عَلَى ظَهْرِهَا} سبق. قوله: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلاً} كرّر، وقال فى الفتح: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً} وقال فى سبحان {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} التبديل تغيير الشئ عمّا كان عليه قبلُ مع بقاءِ مادّة الأَصل؛ كقوله تعالى: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} ، وكذلك {تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات} ؛ والتحويل: نقل الشىء من مكان إِلى مكان آخر، وسنة الله لا تبديل ولا تحوّل، فخص هذا الموضع بالجمع بين الوصفين لمّا وصف الكفار بوصفين، وذكر لهم

عَرَضين، وهو قوله، {وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً} وقوله: {استكبارا فِي الأرض وَمَكْرَ السيىء} وقيل: هما بدلان من قوله: {نُفُوراً} فكما ثنَّى الأَوّل والثَّانى ثَنَّى الثالث؛ ليكون الكلام كلُّه على غِرار واحد. وقال فى الفتح {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً} فاقتصر على مرّة واحدة لمّا لم يكن (التكرار موجَباً) وخصّ سورة سبحان بقوله: {تَحْوِيلاً} لأَنَّ قريشاً قالوا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لو كنت نبيّاً لذهبت إِلى الشأم؛ فإِنَّها أَرض المبعث والمحشر، فهَمّ النبى صلى الله عليه وسلَّم بالذهاب إِليها، فهيّأَ أَسباب الرّحيل والتحويل، فنزل جبرائيل عليه السّلام بهذه الآيات، وهى: {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا} وخَتَم الآيات بقوله {تَحْوِيلاً} تطبيقا للمعنى. فضل السّورة فيه أَحاديث ضعيفة، منها: مَن قرأَ سورة الملائكة دعته يوم القيامة ثمانيةُ أَبوابِ الجنَّة: أَنِ ادخل مِن أَىّ باب شئت. ورُوى: مَنْ قرأَ سورة الملائكة كتب له بكلّ آية قرأَها بكلّ ملك فى السّماوات والأَرض عشرُ حسنات، ورفع له عشرُ درجات. وله بكلّ آية قرأَها فُصّ من ياقوتة حمراء.

بصيرة فى.. يس. والقرآن الحكيم

بصيرة فى.. يس. والقرآن الحكيم السّورة مكِّيّة بالإِجماع. عدد آياتها ثمانون وثلاث آيات عند الكوفيّين واثنتان عند الباقين. وكلماتها سبعمائة وتسع وعشرون. وحروفها ثلاثة آلاف. المختلف فيها آية واحدة. يس. مجموع فواصل آياتها (من) وللسّورة اسمان: سورة يس؛ لافتتاحها، وسورة حبِيب النجار؛ لاشتمالها على قصّته. معظم مقصود السّورة: تأكيد أَمْر القرآن، والرسالة، وإِلزام الحجّة على أَهل الضَّلالة، وضرب المَثَل فى أَهل أَنطاكِية، وذكر حَبِيب النَّجار، وبيان البراهين المختلفة فى إِحياءِ الأَرض الميتة، وإِبداءِ اللَّيل، والنهار، وسير الكواكب، ودَوْر الأَفلاكِ، وَجَرى الجوارى المنشآت فى البحار، وذلَّة الكفار عند الموت، وحَيْرتهم ساعة البَعْث، وسعد المؤمنين المطيعين، وشُغُلهم فى الجنَّة، وميْز المؤمن من الكافر فى القيامة، وشهادة الجوارح على أَهل المعاصى بمعاصيهم، والمِنَّة على الرّسول صَلَّى الله عليه وسلَّم بصيانته من الشِّعْر ونظمِه، وإِقامة البرهان على البعث، ونفاذ أَمر الحق فى كن فيكون، وكمال مُلْك ذى الجلال على كلّ حال فى قوله: {فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .

السّورة خالية من النَّاسخ والمنسوخ. المتشابهات: قوله: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى} سبق. قوله: {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} مرتين ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأُولى هى النفخة الَّتى يموت بها الخَلْق، والثانية التى يحيا بها الخَلْق. قوله: {واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً} ، وكذلك فى مريم. ولم يقل: {مِنْ دُوْنِهِ} ؛ كما فى الفرقان، بل صرّح كيلا يؤدّى إِلى مخالفة الضمير قبله؛ فإِنه فى السورتين بلفظ الجمع تعْظيما. وقد سبق فى الفرقان. قوله: {فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} وفى ويونس {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً} تشابَهَا فى الوقف على (قولُهم) فى السّورتين، لأَنَّ الوقف عليه لازم، (وإِنَّ) فيهما مكسور بالابتداءِ بالحكاية، ومحكىُّ القول محذوف ولا يجوز الوصل؛ لأَنَّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم منزَّه من أَن يخاطَب بذلك. قوله: {وَصَدَقَ المرسلون} ، وفى الصّافَّات: {وَصَدَّقَ المرسلين} ذكر فى المتشابه، وما يتعلَّق بالإِعراب لا يُعَدُّ من المتشابه.

فضل السّورة روى عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: "من قرأَ يس فى ليله أَصبح مغفوراً مغفوراً [له] " وروى أَيضاً: من دخل المقابر فقرأَ يس خُفّف عنهم يومئذ، وكان به بعدد من فيها حسنات، وفتحت له أَبواب الجنَّة. وفى لفظ: مَن قرأَ يس يريد بها الله غفر الله له، وأُعطى من الأَجر كأَنَّما قرأَ القرآن اثنتى عشرة مرّة. وأَيُّمَا مريض قرئ عنده سورةُ يس نزل عليه بعدد كلّ حرف عشرةُ أَملاكٍ يقومون بين يديه صفوفاً، فيُصلُّون ويستغفرون له، ويشهدون قبضهُ وغُسله، ويشيّعون جنازته، ويصلُّون عليه ويشهدون دفنه. وأَيُّما مريضٍ قرأَ سورة يس وهو فى سكرات الموت لم يقبض مَلَك الموت روحه حتى يجيئه رِضوانُ خازن الجنان بشَرْبة من الجَنَّة فيشربُها وهو على فراشه، فيموت وهو رَيَّان، ولا يحتاج إِلى حوض من حياض الأَنبياءِ، حتى يدخل الجنَّة، وهو رَيَّان. وفى حديث علىّ: يا علىّ من قرأَ يس فتحت له أَبواب الجنَّة، فيدخل من أَيِّها شاءَ بغير حساب، وكُتب له بكلّ آية قرأَها عشرة آلاف حسنة.

بصيرة فى.. والصافات صفا

بصيرة فى.. والصافات صفا السّورة مكِّيَّة بالاتِّفاق. عدد آياتها مائة وثمانون وآية عند البصريِّين، وآيتان عند الباقين. وكلماتها ثمانمائة واثنتان وستون. وحروفها ثلاثة آلاف وثمانمائة وستّ وعشرون. المختلف فيها: آيتان {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ} {وَإِنْ كَانُواْ لَيَقُولُونَ} مجموع فواصلها (قدم بنا) سمِّيت (والصافات) لافتتاحها بها. معظم مقصود السّورة: الإِخبار عن صَفِّ الملائكة والمصلِّين للعبادة، ودلائل الوحدانية، ورَجْم الشياطين، وذُلّ الظَّالمين، وعِزّ المطيعين فى الجِنَان، وقهر المجرمين فى النِّيران، ومعجزة نوح، وحديث إِبراهيم، وفداء إسماعيل فى جزاءِ الانقياد، وبشارة إِبراهيم بإِسحاق، والمنَّة على موسى وهارون بإِيتاء الكتاب، وحكاية النَّاس فى حال الدّعوة، وهلاك قوم لوط وحبْس يونس فى بطن الحوت، وبيان فساد عقيدة المشركين فى إِثبات النسبة، ودرجات الملائكة فى مقام العبادة، وما مَنَح اللهُ الأَنبياء من النُّصرة والتأْييد، وتنزيه حضرة الجلال عن الضّدّ والنديد فى قوله: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} إِلى آخره.

الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آية واحدة: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله تعالى: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} ، وبعده: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} لأَنَّ الأَوّل حكاية كلام الكافرين، وهم ينكرون البعث، والثانى قول أَحد القرينين لصاحبه عند وقوع الحساب والجزاءِ، وحصوله فيه: كان لى قرين ينكر الجزاءَ وما نحن فيه فهل أَنتم تطلعوننى عليه، فاطَّلع فرآه فى سواءِ الجحيم. قالَ: تالله إِن كدت لَتُرْدِين. قيل: كانا أَخوين، وقيل: كانا شريكين، وقيل: هما بطروس الكافر، ويهوذا المسلم. وقيل: القرين هو إِبليس. قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} وبعده {فَأَقْبَلَ} بالفاءِ. وكذلك فى {ن والقلم} لأَنَّ الأَوّل لعطف جملة على جملة فحسب، والثانى لعطف جملة على جملة بينهما مناسبة والتئام؛ لأَنه حَكَى أَحوال أَهل الجنة

ومذاكرتهم فيها ما كان يجرى فى الدنيا بينهم وبين أَصدقائهم، وهو قوله: {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} أَى يتذاكرون، وكذلك فى {ن والقلم} هو من كلام أَصحاب الجنَّة بصنعاءَ، لمَّا رأَوْها كالصَّريم ندموا على ما كان منهم، وجعلوا يقولون: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِيْنَ} ، بعد أَن ذكَّرهم التسبيحَ أَوسطُهم، ثم قال: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُوْنَ} أَى على تركهم الاستثناءَ ومخافتتهم أَن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين. قوله: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} وفى المرسلات: {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} ؛ لأَنَّ فى هذه السّورة حِيل بين الضمير وبين (كذلك) بقوله: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العَذَابِ مَشْتَرِكُونَ} فأَعاد، وفى المرسلات متَّصل بالأَول، وهو قوله: {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} فلم يحتج إِلى إِعادة الضَّمير. قوله: {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إلاه إِلاَّ الله} وفى القتال {فاعلم أَنَّهُ لاَ إلاه إِلاَّ الله} بزيادة (أَنَّه) وليس لهما فى القرآن ثالث؛ لأَنَّ ما فى هذه وقع بعد القول فحكِى، وفى القتال وقع بعد العِلْم فزيد قبله (أَنَّه) ليصير مفعولَ العلم، ثمّ يتصل به ما بعده.

قوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين} وبعده {سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ} ثم {سَلاَمٌ على مُوْسَى وَهَارُونْ} وكذلك {سَلاَمٌ على إِلْ يَاسِين} فيمن جعله لغة فى إِلياس، ولم يقل فى قصّة لوط ولا يونس ولا إِلياس: سلام؛ لأَنه لمّا قال: {وَإِنَّ لُوْطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ، {وَإِنَّ يُوْنُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ، وكذلك؛ {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} فقد قال: سلام على كلّ واحد منهم؛ لقوله آخر السّورة {وَسَلاَمٌ على الْمُرْسَلِيْنَ} . قوله: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} وفى قصّة إِبراهيم: {كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} ، ولم يقل: (إِنَّا) ، لأَنَّه تقدّم فى قصته {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} وقد بقى من قصته شىء، وفى سائرها وقع بعد الفراغ. ولم يقل فى قصّتىْ لوط ويونس: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} ؛ لأَنَّه لمّا اقتصر من التسليم على ما سبق ذكر اكتفى بذلك. قوله: {بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} وفى الذاريات {عَلِيمٍ} وكذلك فى الحِجْر، لأَنَّ التقدير: بغلام حليم فى صباه، عليم فى كِبره، وخُصّت هذه السّورة. بحليم؛ لأَنه - عليه السّلام - حَلُم فانقاد وأَطاع، وقال: {ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين} والأَظهر أَنَّ الحليم إِسماعيل،

والعليم إِسحاق؛ لقوله: {فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} قال مجاهد: الحليم والعليم إِسماعيل. وقيل: هما فى السّورتين إِسحاق. وهذا عند من زعم أَنَّ الذبيح إِسحاق. قوله: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} ثمّ قال: {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} كرّر وحذف الضمير من الثانى؛ لأَنه لمَّا نَزَل {وَأَبْصِرْهُمْ} قالوا: متى هذا الذى تُوعدنا به؟ فأَنزل الله {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} ثم كرّر تأْكيداً. وقيل: الأُولى فى الدّنيا، والثانية فى العُقْبى. والتقدير: أَبصر ما ينالهم، وسوف يبصرون ذلك. وقيل: أَبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون معاينةً. وقيل: أَبصر ما ضيّعوا من أَمرنا فسوف يبصرون ما (يحل بهم) وحُذِف الضّمير من الثانى اكتفاءً بالأَوّل. وقيل: التقدير: ترى اليوم (عِيرهم إِلى ذلّ) وترى بعد اليوم ما تحتقِر ما شاهدتهم فيه من عذاب الدّنيا. وذكر فى المتشابه: {فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} بالفاءِ، وفى الذاريات {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} بغير فاء؛ لأَنَّ ما فى هذه السّورة (جملة اتَّصلت) بخمس جمل كلّها مبدوءَة بالفاءِ على التَّوالى، وهى: {فَمَا

ظَنُّكُم} الآيات، والخطاب للأَوثان تقريعاً لمن زعم أَنَّها تأْكل وتشرب، وفى الذاريات متَّصل بمضمر تقديره: فقرّبه إِليهم، فلم يأْكلوا فلمّا رآهم لا يأْكلون، {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} والخطاب للملائكة. فجاءَ فى كلّ موضع بما يلائمه. فضل السّورة فيه أَحاديث غير مقبولة. منها حديث أُبىّ: مَن قرأَ (والصّافات) أُعطِى من الأَجر عشرَ حسنات، بعدد كلّ جِنِّى، وشيطان، وتباعدت منه مَرَدة الشَّياطين، وبَرِئ من الشِّرْك، وشهد له حافظاه يوم القيامة أَنه كان مؤمناً بالمرسلين، وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَ (والصَّافَّات) لا يصيبه يوم القيامة جُوع، ولا عطش، ولا يفزع إِذا فزع النَّاس، وله بكلّ آية قرأَها ثواب الضَّارب بسيفين فى سبيل الله.

بصيرة فى.. ص. والقرآن

بصيرة فى.. ص. والقرآن السّورة مكِّيّة إِجماعاً. وآياتها ثمان وثمانون فى عدّ الكوفة، وستّ فى عدّ الحجاز، والشأم، والبصر، وخمس فى عَدّ أَيّوب بن المتوكِّل وحده. وكلماتها سبعمائة واثنتان وثلاثون. وحروفها ثلاثة آلاف وسبع وستّون. المختلف فيها ثلاث: الذكر، وغوّاص، {والحق أَقُولُ} مجموع فواصل آياتها (صدّ قُطْرُب مَن لجّ) ولها اسمان سورة صاد؛ لافتتاحها بها، وسورة داود؛ لاشتمالها على مقصد قصَّته فى قوله: {واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد} . معظم مقصود السورة: بيان تعجّب الكفَّار من نبوّة المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم، ووصف المنكرين رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلَّم - بالاختلاق والإفتراءِ، واختصاص الحقِّ تعالى بمُلْك الأَرض والسّماءِ، وظهور أَحوال يوم القضاءِ، وعجائب حديث داود وأُوريَا وقصّة سليمان فى حديث المَلَك، على سبيل المِنَّة والعطاءِ، وذكر أَيّوب فى الشفاءِ، والابتلاءِ، وتخصيص

إِبراهيم وأَولاده من الأَنبياءِ، وحكاية أَحوال ساكنى جَنَّةِ المأْوَى، وعجز حال الأَشقياءِ فى سقر ولَظَى، وواقعة إِبليس مع آدم وحوّاء وتهديد الكفَّار على تكذيبهم للنبىّ المجتبى فى قوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آيتان: {إِن يوحى إِلَيَّ} م آية السّيف ن {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} م آية السّيف ن. ومن المتشابهات: قوله تعالى: {وعجبوا أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الكافرون} بالواو، وفى ق: (فقال) بالفاءِ؛ لأَنَّ اتَّصاله بما قبله فى هذه السّورة معنوى، وهو أَنَّهم عجِبُوا من مجئ المنذر وقالوا: هذا المنذر ساحر كذاب، واتِّصاله فى ق معنوىّ ولفظىّ؛ وهو أَنهم عجبُوا، فقالوا: هذا شئ عجيب. فراعى المطابقة بالعَجُزِ والصّدر، وختم بما بدأَ به، وهو النّهاية فى البلاغة. قوله: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا} وفى القمر {أَأُلْقِيَ} لأَنَّ ما فى هذه السّورة حكاية عن كفَّار قريش يُجيبون محمّدا - صلى الله عليه وسلَّم - حين قرأَ عليهم {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ

إِلَيْهِمْ} فقالوا: أَأُنزل عليه الذكر. ومثله {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} و {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ} هو كثير. وما فى القمر حكاية عن قوم صالح. وكان يأْتى الأَنبياءَ يومئذ صحفٌ مكتوبة، وأَلواح مسطورة؛ كما جاءَ إِبراهيمَ وموسى. فلهذا قالوا: {أَأُلْقِيَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} مع أَنَّ لفظ الإِلقاءِ يستعمل لما يستعمل له الإِنزال. قوله: {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا} ، وفى الأَنبياءِ: {مِنْ عِنْدِنَا} ؛ لأَنَّ الله - سبحانه وتعالى - ميّز أَيُّوب بحسن صبره على بلائه، من بين أَنبيائه، فحيث قال لهم: من عندنا قال له: منَّا، وحيث لم يقل لهم: من عندنا قال له: من عندنا [فخصت هذه السورة بقوله: منا لما تقدم فى حقهم (من عندنا) ] فى مواضع. وخُصّت سورة الأَنبياء بقوله: (من عندنا) لتفرّده بذلك. قوله {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد} وفى ق: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرس} إِلى قوله: {فَحَقَّ وَعِيْد} قال الإِمام: سورة ص بُنيت فواصلها على رَدْف أَواخرها [بالأَلف؛ وسورة ق على ردف أَواخرها] بالياءِ والواو. فقال فى هذه السّورة: الأَوتاد،

الأَحزاب، عقاب، وجاءَ بإِزاءِ ذلك فى ق: ثمود، وعيد، ومثله فى الصافات: {قَاصِرَاتُ الطرف عِينٌ} وفى ص {قَاصِرَاتُ الطرف أَتْرَابٌ} فالقصد إِلى التَّوفيق بين الأَلفاظ مع وضوح المعانى. قوله فى قصّة آدم: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ} قد سبق. فضل السورة فيه حديث أُبىّ الواهى: مَن قرأَ سورة ص كان له بوزن كلّ جبل سخّره الله لداود عشرُ حسنات، وعُصِم أَن يُصرّ على ذنب صغير أَو كبير، وحديث علىّ مثله: يا على من قرأَ (ص والقرآن) . فكأَنما قرأَ التَّوراة، وله بكلِّ آية قرأَها ثوابٌ الأَسخياءِ.

بصيرة فى.. تنزيل الكتاب من الله

بصيرة فى.. تنزيل الكتاب من الله السّورة مكِّيّة، إِلاَّ ثلاث آيات: {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ} إِلى قوله: {وَأَنْتُمْ تَشْعُرُوْنَ} . عدد آياتها خمس وسبعون فى عدّ الكوفىّ، وثلاث فى عَدّ الشامى، والباقين. وكلماتها أَلْف ومائة وسبعون. وحروفها أَربعة آلاف وسبعمائة وثمان. والآيات المختلف فيها سبع: {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ، {مُخْلِصاً لَّهُ الدين} ، الثانى {مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي} ، و {مِنْ هَادٍ} الثانى، {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، أَربعهن {فَبَشِّرْ عِبَادِ} ، {مِن تَحْتِهَا الأنهار} . مجموع فواصل آياتها (من ولى يُدر) وللسورة اسمان: سورة الزُّمر؛ لقوله: {إِلَى الجنة زُمَراً} وسورة الغُرَف؛ لقوله: {لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} قال وَهْب: من أَراد أَن يعرف قضاءَ الله فى خَلْقه فليقرأْ سورة الغُرَف.

معظم مقصود السّورة: بيان تنزيل القرآن، والإِخلاص فى الدّين، والإِيمان، وباطل عُذْر الكفَّار فى عبادة الأَوثان، وتنزيه الحقّ تعالى عن الوَلَد بكلمة {سُبْحَانَهُ} ، وعجائب صنع الله فى الكواكب والأَفلاك بلا عَمَد وأَركان، والمِنَّة على العباد بإِنزال الإِنعام من السّماءِ فى كلِّ أَوان، وحفظ الأَولاد فى أَرحام الأُمهات بلا أَنصار وأَعوان، وجزاءُ الخَلْق على الشكر والكفران، وذكر شرف المتهجّدين فى الدّياجر بعبادة الرّحمن، وبيان أَجر الصابرين وذلِّ أَصحاب الخسران، وبشارة المؤمنين فى استماع القرآن بإِحسان، وإِضافة غُرف الجنان لأَهل الإِخلاص والعِرفان، وشرح صدر المؤمنين بنور التوحيد والإِيمان، وبيان أَحوال آيات الفرقان، وعجائب القرآن، وتمثيل أَحوال أَهل الكفر وأَهل الإِيمان، والخطاب مع المصطفى بالموت والفناءِ وتحلُّل الأَبدان، وبشارة أَهل الصّدق بحسن الجزاءِ والغفران، والوعد بالكِفاية والكِلاءَة للعُبدان، وبيان العجز عن العون، والنّصرة للأَصنام والأَوثان، وعجائب الصنع فى الرّؤيا، والنوم وماله من غريب الشان، ونُفرة الكفَّار من سماع ذكر الواحد الفَرْد الديَّان، والبشارة بالرّحمة لأَهل الإِيمان، وإِظهار الحسرة والنَّدامة يوم القيامة من أَهل العصيان، وتأَسفهم فى تقصيرهم فى الطَّاعة زمان الإِمكان، وإِضافة المُلْك إِلى قبضة قدرة الرّحمن، ونفْخ الصُور على سبيل الهيبة، والسِّياسة، وإِشراق العَرَصات بنور العدل، وعظمة السلطان، وسَوْق الكفَّار بالذلِّ والخزى

إِلى دار العقوبة والهوان، وتفريح المؤمنين بالسّلام عليهم فى دار الكرامة، وغُرف الجنان، وحكم الحقِّ بين الخَلْقِ بالعدل، وختمه بالفضل والإِحسان، فى قوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحق وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ خمس آيات: {إِنَّ الله يَحْكُمُ} م {فاعبدوا مَا شِئْتُمْ} م {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} م {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} م {فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ} م آية السّيف ن قل {إني أَخَافُ} م {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} ن. المتشابهات: قوله: {إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب بالحق} وفى هذه السّورة أَيضاً {إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب لِلنَّاسِ بالحق} الفرق بين {أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب} و {أَنزَلْنَا عَلَيْكَ} قد سبق فى البقرة. ويزيده وضوحاً أَن كلَّ موضع خاطب (فيه) النَّبى صلى الله عليه وسلَّم بقوله: إنا أَنزلنا إِليك الكتاب

ففيه تكليف، وإِذا خاطبه بقوله: إِنا أَنزلنا عليك ففيه تخفيف. اعتبِرْ بما فى هذه السّورة. فالذى فى أَوّل السّورة (إِليك) فكلَّفه الإِخلاص فى العبادة. والذى فى آخرها (عليك) فختم الآية بقوله {وَمَآ أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيْل} أَى لست بمسئول عنهم، فخفَّف عنه ذلك. قوله: {إني أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} زاد مع الثانى لاماً؛ لأَنَّ المفعول من الثانى محذوف، تقديره: وأُمرت أَن أَعبد الله لأَن أكون، فاكتفى بالأَول. قوله: {قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي} بالإِضافة، والأَول {مُخْلِصاً لَّهُ الدِّيْن} ، لأَنَّ قوله: {الله أَعْبُدُ} إِخبار عن المتكلم؛ فاقتضى الإِضافة إِلى المتكلم، وقوله: {أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله} ليس بإِخبار عن المتكلم، وإِنما الإِخبار (أُمرت) ، وما بعده فضلة ومفعول. قوله: {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وفى النحْل {وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وكان حقُّه أَن يذكر هناك. خصَّت هذه السورة بـ (الذى) ليوافق ما قبله. وهو {أَسْوَأَ الذي} ، وقبله {والذي جَآءَ بالصدق} . وخصّت النَّحل بـ (ما) للموافقة أَيضاً. وهو {إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} و {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} فتلاءَم اللفظان فى السّورتين. قوله: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} وفى الجاثية {مَا عَمِلُواْ}

علْته مثل عِلَّة الآية الأُولى؛ لأَن {مَا كَسَبُواْ} فى هذه السّورة وقع بين أَلفاظ كَسَب، وهو قوله: {ذُوْقُواْ مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُوْنَ} وفى الجاثية وقع بين أَلفاظ العمل وهو: {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ} {عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} وبعده {سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} فخُصّت كلّ سورة بما اقتضاه طرفاه. قوله: {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً} وفى الحديد {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} ؛ لأَنَّ الفعل الواقع قبل قوله {ثُمَّ يَهِيْجُ} فى هذه السّورة مسند إِلى الله تعالى، وهو قوله: {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا} فكذلك الفعل بعده: {ثُمَّ يَجْعَلْهُ} . وأَمَّا الفعل قبله فى الحديد فمسند إِلى النبات وهو {أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ} فكذلك ما بعده وهو {ثُمَّ يَكُونَ} ليوافق فى السّورتين ما قبل وما بعد. قوله {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وبعده {وَفُتِحَتْ} بالواو للحال، أَى جاءُوها وقد فتحت أَبوابُها. وقيل: الواو فى {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} زيادة، وهو الجواب، وقيل: الواو واو الثمانية. وقد سبق فى الكهف. قوله: {فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ} ، وفى غيرها: {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} ؛ لأَنَّ هذه السّورة متأَخرة عن تلك السّورة؛ فاكتفى بذكره فيها.

فضل السّورة: عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقرأُ كلَّ ليلة بنى إِسرائيل والزمرَ، وحديث أُبىّ الواهى: مَنْ قرأَ سورة الزمر لم يقطع الله رجاءَه يوم القيامة، وأُعطى ثواب الخائفين الَّذين خافوه، وحديث على: يا علىُّ مَنْ قرأَ سورة الزُّمر اشتاقت إِليه الجنَّة، وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب المجاهدين.

بصيرة فى.. حم. المؤمن

بصيرة فى.. حم. المؤمن السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق. عدد آياتها خمس وثمانون فى عدّ الكوفة والشَّام، وأَربع فى الحجاز، واثنتان فى البصرة. وكلماتها أَلْف ومائة وتسع وتسعون. وحروفها أَربعة آلاف وتسعمائة وستون. الآيات المختلف فيها تسع: حم، كاظمين، التلاق، بارزون، {بني إِسْرَائِيلَ} ، {فِي الحَمِيْمِ} {وَالبَصِيْرِ} {يُسْحَبُونَ} {كُنْتُمْ تُشْرِكُوْنَ} مجموع فواصل آياتها (من علق وتر) . ولها ثلاثة أَسماء: سورة المؤمن؛ لاشتمالها على حديث مؤمن آل فرعون - أَعنى خربيل - فى قوله: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} ، وسورة الطَّوْل؛ لقوله: {ذِي الطَّوْلِ} . والثالث حم الأُولى؛ لأَنها أُولَى ذوات حم. معظم مقصود السّورة: المِنَّة على الخَلْق بالغفران، وقبول التوبة، وخطبة التوحيد على جلال الحقّ، وتقلب الكفار بالكسب والتجارة، وبيان وظيفة حَمَلة العرش، وتضرّع الكفَّار فى قَعْر الجحيم، وإِظهار أَنوار العَدْل فى القيامة، وذكر إِهلاك القرون الماضية، وإِنكار فرعون على موسى وهارون، ومناظرة خربيل لقوم فرعون نائباً عن موسى، وعَرْض أَرواح

الكفَّار على العقوبة، ووعد النَّصر للرّسل، وإِقامة أَنواع الحجّة والبرهان على أَهل الكفر والضَّلال، والوعد بإِجابة دعاءِ المؤمنين، وإِظهار أَنواع العجائب من صنع الله، وعجز المشركين فى العذاب، وأَنَّ الإِيمان عند اليأْس غير نافع، والحكم بخسران الكافرين والمبطلين فى قوله: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُوْنَ} . النَّاسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آيتان {إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} فى موضعين م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله: {أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي الأرض} ، وبعده: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} ما يتعلَّق بذكرهما سبق. قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم} ، وفى التغابن: {بِأَنَّهُ كَانَت} لأَنَّ هاءَ الكناية إِنما زيدت لامتناع (أَنَّ) عن الدّخول على (كان) فخُصّت هذه السّورة بكناية المتقدّم ذكرهم؛ موافقة لقوله: {كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وخُصّت سورة التغابُن بضمير الأَمر والشأْن توصّلا إِلى (كان) . قوله: {فَلَمَّا جَآءَهُمْ بالحق} فى هذه السورة فحسْبُ، لأَنَّ الفعل لموسى، وفى سائر القرآن الفعل للحقِّ.

قوله: {إِنَّ الساعة لآتِيَةٌ} وفى طه {آتِيَةٌ} لأَنَّ اللام إِنَّما يزاد لتأْكيد الخبر، وتأْكيد الخبَر إِنَّما يُحتاجُ إِليه إِذا كان المخبرَ به شاكّاً فى الخبر، والمخاطبون فى هذه السّورة هم الكفَّار، فأَكَّد. وكذلك أَكّد {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} (وافق ما قبله) فى هذه السّورة باللاَّم: قوله {ولاكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} ، وفى يونس {ولاكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} - وقد سبق -، لأَنَّه وافق ما قبله فى هذه السّورة: {ولاكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُوْنَ} ، وبعده: {ولاكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُوْنَ} ثم قال: {ولاكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} . قوله فى الآية الأُولى {لاَ يَعْلَمُوْنَ} أَى لا يعلمون أَنَّ خَلْق الأَصغر أَسهل من خَلْق الأَكبر، ثمَّ قال: {لاَ يُؤْمِنُوْنَ} أَى لا يؤمنون بالبعث ثم قال: {لاَ يَشْكُرُونَ} أَى لا يشكرون الله على فضله. فختم كلّ آية بما اقتضاه. قوله {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إلاه إِلاَّ هُوَ} سبق. قوله: {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} مدح نفسه سبحانه، وختم ثلاث آيات على التَّوالى بقوله {رَبِّ العالمين} وليس له فى القرآن نظير. قوله: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} وختم السّورة بقوله {وَخَسِرَ هُنَالِكَ

الكافرون} ؛ لأَنَّ الأَوّل متصل بقوله: {قَضَى بِالحَقِّ} ونقيض الحق الباطل، والثانى متصل بإِيمان غير مُجْد، ونقيض الإِيمان الكفر. فضل السورة فيه حديث أُبىّ السّاقط: الحواميم ديباج القرآن. وقال: الحواميم سبع، وأَبواب (جهنم سبعة) : جهنم، والحُطمة، ولَظَى، والسّعير، وسقر، والهاوية، والجحيم. فيجىءَ كلّ حاميم منهنّ يوم القيامة على باب من هذه الأَبواب، فيقول: لا أُدخِل الباب من كان مؤمناً بى ويقرؤنى، وعن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إِنَّ لكلّ شىءٍ ثمرة، وثمرة القرآن ذوات حاميم، هى رَوْضات محصنات، متجاورات. فمن أَحبَّ أَن يَرْتَع فى رياض الجنَّة فليقرأْ الحواميم. وقال ابن عباس: لكلّ شىءٍ لُباب، ولباب القرآن الحواميم؛ وقال: ابن سيرين: رأَى أَحد فى المنام سبع جوار حِسَان فى مكان واحد، لم يُرَ أَحسنُ منهنّ فقال لهنّ: لمَن أَنتنّ؟ قلن: لمن قرأَ آل حاميم. وقال: مَن قرأَ حم المؤمنَ لم يبق رُوح نبىّ، ولا صِدِّيق، ولا شهيد، ولا مؤمن، إِلاَّ صَلَّوا عليه، واستغفروا له، وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَ الحواميم السّبع بعضٌ إِثر بعض، من قرأَ هذه السّورة لا يصف الواصفون من أَهل السّماءِ والأَرض ماله عند الله من الثَّواب، وله بكلّ سورة قرأَها من الحواميم مثل ثواب ابن آدم الشهيد، وله بكلّ آية قرأَها مثل ثواب الأَنصار.

بصيرة فى.. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم

بصيرة فى.. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم السورة مكِّيّة بالاتِّفاق. عدد آياتها أَربع وخمسون فى عدّ الكوفة، وثلاث فى عدّ الحجاز، واثنتان فى عَدّ البصرة، والشَّأْم. وكلماتها سبعمائة وست وتسعون. وحروفها ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون. المختلف فيها آيتان: حم {عَادٍ وَثَمُوْدٍ} مجموع فواصل آياتها (ظن طب حرم صد) وللسّورة اسمان: حم السّجدة، لاشْتمالها على السجدة، وسورة المصابيح؛ لقوله: {زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً} . معظم مقصود السّورة: بيان شرف القرآن، وإِعراض الكفَّار من قبوله، وكيفيّة تخليق الأَرض والسّماءِ، والإِشارة إِلى إِهلاك عاد وثمود، وشهادة الجوارح على العاصين فى القيامة، وعجز الكفَّار فى سجن جهنَّم، وبشارة المؤمنين بالخلود فى الجِنان، وشرف المؤذِّنين بالأَذان، والاحتراز من نزغات الشيطان، والحُجّة والبرهان على وحدانيّة الرّحمن، وبيان شرف القرآن، والنفع والضرّ، والإِساءَة، والإِحسان، وجزع الكفَّار عند الابتلاءِ والامتحان، وإِظهار الآيات الدَّالة على الذَّات والصّفات

الحسان، وإِحاطة علم الله بكلّ شىء من الإِسرار والإِعلان، بقوله: {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آية واحدة {ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله تعالى: {في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} أَى مع اليومين اللَّذين تقدّما فى قوله: {خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ} كيلا يزيد العدد على ستَّة أَيّام، فيتطرّق إِليه كلام المعترض. وإِنما جَمَع بينهما ولم يذكر اليومين على الانفراد بعدهما؛ لدقيقة لا يهتدى إِليها إِلا كلّ فطن خِرِّيت وهى أَنَّ قوله: {خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ} صلة {الذي} و {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً} عطف على {لَتَكْفُرُونَ} و {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} عطف على قوله: {خَلَقَ الأرض} وهذا ممتنع فى الإِعراب لا يجوز فى الكلام، وهو فى الشعر من أَقبح الضرورات، لا يجوز أَن يقال: جاءَنى الذى يكتب وجلس ويقرأُ: لأَنَّه لا يحال بين صلة الموصول وما يُعطف عليه بأَجنبىّ من الصّلة؛ فإِذا امتنع هذا لم يكن بُدّ من إِضمار فعل يصحّ الكلام به ومعه، فيضمر {خَلَقَ الأرض} بعد قوله {ذَلِكَ رَبُّ العالمين} فيصير التقدير: ذلك ربّ العالمين، خَلَق الأَرض وجعل فيها رواسى من فوقها، وبارك فيها، وقدّر فيها أَقواتها، فى أَربعة أَيّام؛ ليقع

هذا كلَّه فى أَربعة أَيام. فسقط الاعتراض والسّؤال. وفيه معجزة وبرهان. قوله: {حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ} ، وفى الزخرف وغيره {حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا} بغير (ما) ؛ لأَنَّ (حتى) هاهنا الَّتى تجرى مجرى واو العطف فى نحو قولك: أَكلت السّمكة حتى رأْسَها أَى ورأْسها. وتقدير الآية: فهم يوزعون، وإِذا ما جاءُوها و (ما) هى الَّتى تزاد مع الشَّرط، نحو أَينما، وحيثما. وحتى فى غيرها من السّوره للغاية. قوله: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} ومثله فى الأَعراف، لكنه ختم بقوله {سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ} ؛ الآية فى هذه السّورة متَّصلة بقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} وكان مؤكَّداً بالتكرار، وبالنفى والإِثبات، فبالغ فى قوله: {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} بزيادة (هو) وبالأَلف واللام، ولم يكن فى الأَعراف هذا النَّوع من الاتِّصال، فأَتى على القياس: المخبرُ عنه معرفة، والخبر نكرة. قوله: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} وفى عسق بزيادة قوله: {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وزاد فيها أَيضا: {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} ؛ لأَنَّ المعنى: تفرق قول اليهود فى التَّوراة، وتفرّق قولُ الكافرين فى القرآن، ولولا كلمة سبَقَت من ربِّك بتأْخير العذاب إِلى يوم الجزاءِ، لقُضى بينهم بإِنزال العذاب عليهم، وخُصّت عسق بزيادة قوله تعالى: {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى}

لأَنَّه ذكر البداية فى أَوّل الآية وهو {وَمَا تفرقوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم} وهو مبدأُ كفرهم، فحسن ذكر النَّهاية الَّتى أُمهِلوا إِليها؛ ليكون محدوداً من الطَّرفين. قوله: {وَإِن مَّسَّهُ الشر [فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} وبعده: {وَإِذَا مَسَّهُ الشر] فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} لا منافاة بينهما؛ لأَنَّ معناه: قَنُوط من الصّنم، دَعَّاء لله. وقيل: يئوس قَنُوط بالقلب دَعَّاء باللِّسان. وقيل: الأَوّل فى قوم والثَّانى فى آخرين. وقيل الدُّعاءُ مذكور فى الآيتين، وهو {لاَّ يَسْأَمُ الإنسان مِن دُعَآءِ الخير} فى الأَوّل، و {ذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} فى الثَّانى. قوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} [بزيادة مِن] وفى هود: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} ، لأَنَّ فى هذه السّورة بيّن جهة الرّحمة، وبالكلام حاجة إِلى ذكرها وحَذَف فى هود؛ اكتفاءً بما قبله، وهو قوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِّنَّا رَحْمَةً} ، وزاد فى هذه السّورة (من) لأَنه لمّا حدّ الرّحمة والجهة الواقعة منها، حَدَّ الطَّرف الَّذى بعدها فتشاكلا فى التحقيق. وفى هود لمّا أَهمل الأَوّل أَهمل الثَّانى. قوله: {أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} وفى الأَحقاف {وَكَفَرْتُمْ بِهِ} بالواو؛ لأَنَّ معناه فى هذه السّورة: كان عاقبة أَمركم بعد الإِمهال للنَّظر والتدبّر الكفر، فحسن دخول ثُمّ، وفى الأَحقاف

عطف عليه {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} ؛ فلم يكن عاقبة أَمرهم. (وكان) من مواضع الواو. فضل السّورة: فيه حديث أُبىّ المردود: من قرأَ هذه السورة أَعطاه الله بكلّ حرف عشرَ حسنات.

بصيرة فى.. حم. عسق

بصيرة فى.. حم. عسق السّورة مكِّيّة إِجماعاً. عدد آياتها ثلاث وخمسون فى الكوفى، وخمسون فى الباقين. كلماتها ثمانمائة وستّ وستّون. وحروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمان وثمانون. المختلف فيها من الآى ثلاث: حم عسق، كالأعلام مجموع فواصل آياتها (زرلصب قدم) ولها اسمان: عسق؛ لافتتاحها بها، وسورة الشورى؛ لقوله {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ} . معظم مقصود السّورة: بيان حُجّة التوحيد، وتقرير نبوّة الرّسول، وتأْكيد شريعة الإِسلام، والتَّهديد بظهور آثار القيامة، وبيان ثواب العاملين دنيا وأُخرى، وذلّ الظَّالمين فى عَرَصات القيامة، واستدعاء الرّسول - صَلَّى الله عليه وسلَّم - من الأُمّة محبّة أَهل البيت العِترة الطَّاهرة، ووعد التَّائبين بالقبول، وبيان الحكمة فى تقدير الأَرزاق وقسمتها، والإِخبار عن شؤم الآثام والذنوب، والمدح والثناءِ على العافين من النَّاس ذنوبَ المجرمين، وذلّ الكفَّار فى مَقَام الحساب، والمِنَّة على الخَلْق بما مُنحوا: من الأَولاد وبيان كيفيّة نزول الوحى على الأَنبياءِ، والمنَّة على الرّسول بعطيّة الإِيمان، والقرآن، وبيان أَن مرجع الأُمور إِلى الله الدّيان فى قوله: {إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} .

الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ ثمان آيات: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض} م {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} ن {الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} م آية السّيف ن {واستقم كَمَآ أُمِرْتَ} م {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} ن {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة} م {يُرِيدُ العاجلة} ن {إِلاَّ المودة فِي القربى} م {مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} ن وقيل: محكمة {أَصَابَهُمُ البغي} وقوله: {وَلِمَنِ انْتَصَرَ} م {وَلَمَنْ صَبَرَ} ن {فَإِنْ أَعْرَضُواْ} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} وفى لقمان: {مِنْ عَزْمِ الأمور} ؛ لأَنَّ الصّبر على وجهين: صبرٍ على مكروه ينال الإِنسان ظلماً؛

كمن قُتل بعضُ أَعِزّته، وصبر على مكروه ليس بظلم؛ كمن مات بعضُ أَعِزَّته. فالصّبر على الأَوّل أَشدّ، والعزم عليه أَوكد. وكان ما فى هذه السّورة من الجنس الأَوّل؛ لقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} فأَكَّد الخبر باللاَّم. وما فى لقمان من الجنس الثانى فلم يؤكده. قوله: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ} وبعده: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} ليس بتكرار؛ لأَنَّ المعنى: ليس له من هاد ولا مَلْجَأ. قوله: {عَلِيٌّ حَكِيمٌ} ليس له نظير. والمعنى: تعالى عن أَن يُكَلِّم شِفَاهاً، حكيم فى تقسيم وجوه التكليم. قوله: {لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} وفى الأَحزاب {تَكُونَ قَرِيْبًا} زيد معه (تكون) مراعاة للفواصل. وقد سبق. فضل السّورة فيه حديث ضعيف جدًّا: من قرأَ حم عسق كان ممَّن يصلى عليه الملائكةُ، ويستغفرون له، ويسترحمون له.

بصيرة فى.. حم. والكتاب المبين. انا جعلناه

بصيرة فى.. حم. والكتاب المبين. انا جعلناه السّورة مكِّيّة إِجماعاً. عدد آياتها [ثمان وثمانون] عند الشَّاميّين، وتسع عند الباقين. وكلماتها ثمانمائة وثلاث وثلاثون. وحروفها ثلاثة آلاف وأَربعمائة. الآيات المختلف فيها اثنتان: حم، مهين. مجموع فواصل آياتها (ملن) تسمّى سورة الزّخرف؛ لقوله {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً} . معظم مقصود السّورة: بيان إِثبات القرآن فى اللَّوح المحفوظ، وإِثبات الحُجّة والبرهان على وجود الصانع، والرد على عبّاد الأَصنام الذين قالوا: الملائكة بنات الله، والمنَّة على الخليل - صلى الله عليه وسلم - بإِبقاءِ كلمة التوحيد فى عَقِبه، وبيان قسمة الأَرزاق، والإِخبار عن حسرة الكفار، وندامتهم يوم القيامة، ومناظرة فرعون، وموسى ومجادلة المؤمنين مع ابن الزِّبَعْرَى بحديث عيسى، وبيان شرف الموحّدين فى القيامة وعجز الكفَّار فى جهنَّم، وإِثبات إِلهيّة الحقّ فى السماءِ والأَرض، وأَمر الرّسول بالإِعراض عن مكافأَة الكفَّار فى قوله: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ} .

الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آيتان {فَذَرْهُمْ يَخُوْضُواْ} وقوله: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله تعالى: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} ، وفى الجاثية: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} ، لأَنَّ [ما] فى هذه السّورة متّصل بقوله: {وَجَعَلُواْ الملائكة} [الآية] والمعنى أَنَّهم قالوا: الملائكة بناتُ الله، وإِنَّ الله قد شاءَ منا عبادتنا إِيَّاهم. وهذا جهل منهم وكذب. فقال - سبحانه -: ما لهم بذلك من علم إِن هم إِلاَّ يخرصون أَى يكذبون. وفى الجاثية خلطوا الصّدق بالكذب؛ فإِن قولهم: نموت ونحيا صِدق؛ فإِن المعنى: يموت السّلف ويحيا الخلف، وهو كذلك إِلى أَن تقوم السّاعة. وكَذَبوا فى إِنكارهم البعث، وقولِهم: ما يهلكنا إِلاَّ الدّهر. ولهذا قال: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّوْنَ} أَى هم شاكُّون فيما يقولون. قوله: {وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} ، وبعده: {مُقتَدُوْنَ} خصّ الأَول بالاهتداءِ؛ لأَنه كلام العرب فى محاجّتهم رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وادّعائهم أَن آباءَهم كانوا مهتدين فنحن مهتدون. ولهذا قال عَقِيبه: {قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى} . والثانى حكاية عمّن كان قَبْلهم من الكفَّار،

وادّعوا الاقتداءِ بالآباءِ دون الاهتداءِ، فاقتضت كلّ آية ما خُتِمت به. قوله: {وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} وفى الشعراءِ: {إِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} ، لأَنَّ ما فى هذه السّورة عامّ لمن ركب سفينة أَو دابّة. وقيل: معناه {إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} على مركب آخر، وهو الجنازة، فحسن إِدخال اللاَّم على الخبر للعموم. وما فى الشعراءِ كلام السّحَرة حين آمنوا ولم يكن فيه عموم. فضل السّورة فيه حديث ضعيف: من قرأَ الزّخرف كان ممّن يقال لهم يوم القيامة: يا عبادى لا خوف عليكم ولا أَنتم تحزنون، وادخلوا الجنَّة بغير حساب.

بصيرة فى.. حم. والكتاب المبين. انا أنزلناه

بصيرة فى.. حم. والكتاب المبين. انا أنزلناه السّورة مكِّيّة إِجماعاً. آياتها تسع وخمسون فى عدّ الكوفة، وسبع فى عدّ البصرة، وستّ للباقين. كلماتها ثلاثمائة وست وأَربعون. وحروفها أَلف وأَربعمائة وأَحد وثلاثون. المختلف فيها من الآى أَربع: حم، {إِنَّ هاؤلاء لَيَقُولُونَ} ، {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم} ، {فِي البطون} . فواصل آياتها كلّها (من) سمّيت سورة الدّخان لقوله فيها: {يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} . معظم مقصود السورة: نزول القرآن فى ليلة القدر، وآيات التوحيد، والشكاية من الكفَّار، وحديث موسى وبنى إِسرائيل وفرعون، والرّد على منكرى البعث، وذلّ الكفار فى العقوبة، وعزّ المؤمنين فى الجنَّة، والمنَّة على الرّسول بتيسير القرآن على لسانه فى قوله: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} . (الناسخ والمنسوخ: فيها آية منسوخة: {فارتقب إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} م آية السيف ن) .

المتشابهات: قوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} مرفوع. وفى الصّافات منصوب. ذكر فى المتشابه، وليس منه؛ لأَنَّ ما فى هذه السّورة مبتدأ وخبر، وما فى الصّافّات استثناء. قوله: {وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين} أَى على علم منَّا. ولم يقل فى الجاثية: {وَفَضَّلْنَاهُمْ} على علم لأَنه ذكر فيه: {وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} . قوله: {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض} بالجمع؛ لموافقة أَوّل السّورة: {رَبِّ السماوات والأرض} . فضل السّورة عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: مَنْ قرأَ حم الَّتى يذكر فيها الدّخان فى ليلة الجمعة أَصبح مغفوراً له.

بصيرة فى.. حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم

بصيرة فى.. حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم السّورة مكِّيّة بالإِجماع. آياتها سبع وثلاثون فى الكوفة، وست فى الباقين. كلماتها أَربعمائة وثمانون. وحروفها أَلفان ومائة وتسعون. مجموع فواصل آياتها (من) ولها اسمان: سورة الجاثية؛ لقوله {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} ، وسورة الشريعة؛ لقوله {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ على شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر} . معظم مقصود السّورة: بيان حُجّة التّوحيد، والشكاية من الكفار والمتكبرين، وبيان النفع، والضرّ والإِساءَة، والإِحسان، وبيان شريعة الإِسلام والإِيمان، وتهديد العصاة والخائنين من أَهل الإِيمان، وذَمّ متابعى الهوى، وذلّ الناس فى المحشر، ونَسْخ كُتُب الأَعمال من اللَّوح المحفوظ، وتأبيد الكفَّار فى النَّار، وتحميد الرّب المتعال بأَوجز لفظ، وأَفصح مقال، فى قوله: {فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السماوت وَرَبِّ الأرض} إلى آخر السورة. المنسوخ فيها آية واحدة: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ} م آية السّيف ن. المتشابهات: {وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأمر} نزلت فى اليهود. وقد سبق.

قوله: {نَمُوْتُ وَنَحْيَا} سبق. وقيل: فيه تقديم وتأْخير، أَى نحيا ونموت. وقيل: يحيا بعض، ويموت بعض. وقيل: هذا كلام مَن يقول بالتناسُخ. قوله: {ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} بالباءِ موافقة لقوله: {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} . قوله: {سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} لتقدّم {كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ} و {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} قوله: {ذَلِكَ هُوَ الفوز المبين} تعظيما لإِدخال الله المؤمنين فى رحمته. فضل السّورة فيه حديث ضعيف: من قرأَ سورة الجاثية كان له بكلّ حرف عشرُ حسنات، ومَحْوُ عشر سيئات، ورفع عشر درجات.

بصيرة فى.. حم. الأحقاف

بصيرة فى.. حم. الأحقاف السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق. آياتها خمس وثلاثون فى الكوفيّين، وأَربع فى الباقين.. كلماتها ثلاثمائة وأَربع وأَربعون. وحروفها أَلفان وخمسمائة وخمس وتسعون. المختلف فيها آية واحدة: حم. فواصل آياتها (من) سمّيت سورة الأَحقاف، لقوله فيها: {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف} . معظم مقصود السّورة: إِلزام الحجّة على عبادة الأَصنام، الإِخبار عن تناقض كلام المتكبّرين، وبيان نبوّة سيّد المرسلين، وتأْكيد ذلك بحديث موسى، والوصيّة بتعظيم الوالدَيْن، وتهديد المتنعّمين، والمترفِّهين، والإِشادة بإِهلاك عاد العادين، والإِشارة إِلى الدّعوة، وإِسلام الجنّيين، وإِتيان يوم القيامة فجأَة، واستقلال لبث اللابثين فى قوله: {كَأَنْ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آيتان {وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي} م {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} ن {كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل} م آية السيف ن.

ما فى هذه السّورة من المتشابه سبق وذكر [فى المتشابه] {أَوْلِيَآءُ أولائك} [أَى] لم يجتمع فى القرآن همزتان مضمومتان غيرهما. فضل السّورة فيه حديث أُبىّ المردودُ صحة: مَنْ قرأَ الأَحقاف أُعطى من الأَجر بعدد كلّ رجل فى الدّنيا عشر حسنات، ومُحِى عنه عشرُ سيئات.

بصيرة فى.. الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله

بصيرة فى.. الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله السّورة مَدَنِيَّة بالاتِّفَاق. وآياتها أَربعون فى البصرة، وثمان فى الكوفة وتسع وثلاثون عند الباقين. وكلماتها خمسمائة وتسع وثلاثون. وحروفها أَلفان وثلثمائة وتسع وأَربعون. المختلف فيها آيتان: أَوزارها، للشاربين. فواصل آياتها (ما) ولها اسمان: سورة محمّد؛ لقوله فيها: {نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} ، وسورة القتال؛ لقوله {وَذُكِرَ فِيهَا القتال} . معظم مقصود السّورة: الشكاية من الكفَّار فى إِعراضهم عن الحقِّ، وذكر آداب الحرب والأَسرى وحكمهم، والأَمر بالنُّصرة والإِيمان، وابتلاء الكفَّار فى العذاب، وذكر أَنهار الجنة: من ماء، ولبن، وخمر، وعسل، وذكر طعام الكفَّار وشرابهم، وظهور علامة القيامة، وتخصيص الرّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأَمره بالخوض فى بحر التوحيد، والشكاية من المنافقين، وتفصيل ذميمات خِصالهم، وأَمر المؤمنين بالطاعة والإِحسان، وذمّ البخلاءِ فى الإِنفاق، وبيان استغناءِ الحَقِّ تعالى، وفقر الخَلْق فى قوله: {والله الغني وَأَنتُمُ الفقرآء} .

فيها من المنسوخ آية واحدة: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله: {لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} نزِّل وأُنزل كلاهما متعدٍّ. وقيل: نزَّل للتعدِّى والمبالغة، وأَنزل للتَّعدِّى. وقيل: نزِّل دفعة مجموعاً وأَنزل متفرّقًا، وخصّ الأُولى بنزِّلت؛ لأَنَّه من كلام المؤمنين، وذكر بلفظ المبالغة، وكانوا يأْنسون لنزول الوحى، ويستوحشون لإِبطائه. والثَّانى من كلام الله تعالى، ولأَنَّ فى أَوّل السّورة {نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} وبعده: {أَنزَلَ الله} وكذلك فى هذه الآية قال: {نُزِّلَتْ} ثم {أَنزَلَت} . قوله: {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ} نزلت فى اليهود، وبعده: {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً} نزلت فى قوم ارتدّوا. وليس بتكرار. فضل السّورة فيه حديث أُبى الضَّعيف: مَنْ قرأَ سورة محمّد كان حقّاً على الله أَن يسقيه من أَنهار الجنة، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ هذه السّورة وجبت له شفاعتى، وشُفِّع فى مائة أَلف بيت، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب خديجة.

بصيرة فى.. انا فتحنا لك فتحا مبينا

بصيرة فى.. انا فتحنا لك فتحا مبينا السّورة مدنيّة إِجماعاً. آياتها تسع وعشرون. وكلماتها خمسمائة وستّون. وحروفها أَلفان وأَربعمائة وثمان وثلاثون. وفواصل آياتها على الأَلف. وسميت سورة الفتح؛ لقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} . معظم مقصود السّورة؛ وَعْد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالفتح والغفران، وإِنزال السَّكِينة على أَهل الإِيمان، وإِيعاد المنافقين بعذاب الجحيم، ووعد المؤمنين بنعيم الجِنَان، والثناءُ على سيّد المرسلين، وذكر العهد، وبَيْعة الرّضوان، وذكر ما للمنافقين من الخِذلان، وبيان عُذْر المعذورين، والمنَّة على الصّحابة بعدم الظفر عليهم من أَهل مكة ذوى الطغيان، وصدق رؤيا سيّد المرسلين على حَقِّيّة الرّسالة، وشهادة الملِك الدّيّان، وتمثيل حال النبىّ والصّحابة بالزَّرع والزُّرَّاع فى البهجة والنضارة وحسن الشان. والسّورة خالية عن المنسوخ. المتشابهات: قوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً} وبعد: {عَزِيزاً حَكِيماً} لأَنَّ الأَوّل متَّصل بإِنزال السّكينة، وازدياد إِيمان المؤمنين،

(وكان) الموضع علم وحكمة. وقد تقدّم ما اقتضاه الفتح عند قوله: {وَيَنْصُرُكَ الله} وأَمَّا الثانى والثالث الذى بعد فمتصلان بالعذاب والغضب وسلب الأَموال والغنائم (وكان الموضع) موضع عِزّ وغلبة وحكمة. قوله: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً} ، وفى المائدة: {فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح} زاد فى هذه السّورة (لكم) لأَنَّ ما فى هذه السّورة نزلت فى قوم بأَعيانهم وهم المخلَّفون، وما فى المائدة عامّ لقوله: {أَن يُهْلِكَ المسيح ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً} . قوله: {كذلكم قَالَ الله} بلفظ الجميع، وليس له نظير. وهو خطاب للمضمرين فى قوله {لَنْ تَتَّبِعُوْنَا} . فضل السّورة عن ابن عبّاس: لمّا نزلت هذه السّورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: لقد أُنزِل علىّ سورة هى أَحبّ إِلىّ من الدنيا وما فيها. وفيه حديث

أُبىّ السّاقط: مَن قرأَ سورة الفتح فكأَنَّما كان مع مَنْ بايع رسول الله تحت الشجرة، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها دعته ثمانية أَبواب الجنَّة، كلّ باب يقول: إِلىّ إِلىّ يا ولىّ الله، وله بكلّ آية قرأَها مثل ثواب مَن يموت غريباً فى طاعة الله.

بصيرة فى.. أيها الذين آمنوا لا تقدموا

بصيرة فى.. أيها الذين آمنوا لا تقدموا السّورة مَدَنِيّة. وآياتها ثمان عشرة. وكلماتها ثلاثمائة وثلاث وأَربعون. وحروفها أَلف وأَربعمائة وأَربع وسبعون. مجموع فواصل آياتها (من) سمّيت سورة الحُجُرات لقوله فيها؛ {يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات} . معظم مقصود السورة: محافظة أَمر الحقّ تعالى، ومراعاة حُرْمة الأَكابر، والتُّؤدة فى الأُمور، والاجتناب عن التَّهور، والكوْن فى إِغاثة المظلوم، والاحتراز عن السخرية بالخَلْق، والحذر عن التجسّس والغِيبة، وترك الفخر بالأَحساب والأَنساب، والتحاشى عن المنَّة على الله بالطَّاعة، وإِحالة علم الغَيْب إِلى الله - تعالى - فى قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض} . السّورة محكمة خالية عن النَّاسخ والمنسوخ: المتشابهات: قوله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ} مذكور فى السّورة خمس مرات، والمخاطبون المؤمنون، والمخاطب به أَمر ونهى، وذكر فى السّادس {ياأيها

الناس} فعمّ المؤمنين والكافرين، والمخاطب به قوله {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} لأَن النَّاس كلَّهم فى ذلك شَرع سواء. فضل السّورة فيه حديث أُبىّ الضَّعيف جِدّاً: من قرأَ سورة الحُجُرات أُعطى من الأَجر عشر حسنات، بعدد مَنْ أَطاع الله وعصاه، وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَها كان فى الجنَّة رفيق سليمان بن داود، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب المحسنين إِلى عيالهم.

بصيرة فى.. ق. والقرآن المجيد

بصيرة فى.. ق. والقرآن المجيد السّورة مكِّيَّة بالاتِّفاق. وآياتها خمس وأَربعون. وكلماتها ثلاثمائة وخمس وسبعون. وحروفها أَلف وأَربعمائة وأَربع وسبعون. مجموع فواصل آياتها (صر جد ظب) سمّيت بقاف، لافتتاحها بها. مقصود السّورة: إِثبات النبوّة للرّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبيان حُجّة التَّوحيد، والإِخبار عن إِهلاك القرون الماضية، وعلم الحقّ تعالى بضمائر الخَلْق وسرائرهم، وذكر الملائكة الموكَّلين على الخَلْق، المشرفين على أَقوالهم، وذكر بَعْث القِيامة، وذُلّ العاصين يومئذ، ومناظرة المنكرين بعضهم بعضاً فى ذلك اليوم، وتَغَيُّظ الجحيم على أَهله، وتشرّف الجنَّة بأَهلها، والخبر عن تخليق السّماءِ والأَرض، وذكر نداءِ إِسرافيل بنفخة الصُّور، ووعظ الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم الخَلْق بالقرآن المجيد فى قوله: {فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آيتان {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} م آية السّيف ن.

المتشابهات: قوله: {فَقَالَ الكَافِرُوْنَ} بالفاءِ سبق. قوله: {وَقَالَ قَرِينُهُ} وبعده: {قَالَ قَرِينُهُ} لأَن الأَوّل (خطاب الإِنسان) من قرينه ومتّصل بكلامه، والثانى استئناف خطاب الله سبحانه من غير اتّصاله بالمخاطب الأَوّل وهو قوله: {رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ} ، وكذلك الجواب بغير واو، وهو قوله: {لا تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ} وكذلك {مَا يُبَدِّلُ القَوْلَ لَدَيَّ} فجاءَ الكُلّ على نَسَق واحد. قوله: {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب} وفى طه ( {وَقَبْلَ غُرُوْبِهَا} لأَنَّ فى هذه السورة راعى الفواصل، وفى طه) راعى القياس، لأَنَّ الغروب للشَّمس، كما أَنَّ الطُّلوع لها. فضل السّورة فيه الحديث الضعيف: من قرأَ سورة ق هوّن الله عليه تارات الموت وسكراته، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها بشَّره مَلَك الموت بالجنَّة وجعل الله منكراً ونكيراً عليه رحيماً، ورفع الله له بكلّ آية قرأَها درجة فى الجنَّة.

بصيرة فى.. والذاريات

بصيرة فى.. والذاريات السّورة مَكِّيّة، عدد آياتها ستُّون. وكلماتها ثلثمائة وستُّون. وحروفها أَلْف ومائتان وسبع وثمانون. مجموع فواصل آياتها (قفاك معن) سمّيت بالذَّاريات لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: ذكر القَسَم بحقِّيّة البعث والقيامة، والإِشارة إِلى عذاب أَهل الضَّلالة، وثواب أَرباب الهداية، وحُجّة الوحدانيّة، وكرامة إِبراهيم فى باب الضِّيافة، وفى إِسحاق له بالبشارة، ولقوم لوط بالهلاكة، ولفرعون وأَهله من الملامة، ولعاد وثمود وقوم نوح من الدمار والخسارة، وخَلْق السّماءِ والأَرض للنَّفع والإِفادة، وزوْجيَّة المخلوقات؛ لأَجل الدّلالة، وتكذيب المشركين لما فيه للرّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من التسلية، وتخليق الخَلْق لأَجل العبادة، وتعجيل المنكرين بالعذاب والعقوبة فى قوله: {فَلاَ تَسْتَّعْجِلُوْنَ} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آيتان {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} م {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى} ن {وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} م (آية الزكاة) ن.

المتشابهات: قوله تعالى: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ} وفى الطُّور {في جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ} ليس بتكرار؛ لأَن ما فى هذه السّورة متَّصل بذكر ما به يصل الإِنسان إِليها، وهو قوله {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِيْنَ} ، وفى الطَّور متَّصل بما ينال الإِنسانُ فيها إِذا وَصَل إِليها، وهو قوله: {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم كُلُواْ واشربوا} الآيات. قوله: {إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} وبعده: {إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} ليس بتكرار؛ لأَنَّ كلّ واحد منهما متعلق بغير ما يتعلَّق به الآخر. فالأَوّل متعلِّق بترك الطَّاعة إِلى المعصية، والثانى متعلق بالشرك بالله تعالى. فضل السّورة فيه من الأَحاديث الضعيفة حديث أُبىّ: مَنْ قرأَ (والذَّاريات) أُعطِىَ من الأَجر عشرَ حسنات، بعدد كلّ ريح هبّت، وجرَت فى الدنيا، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ (والذَّاريات) رضى الله عنه ويَشَمّ ريح الجنَّة من مسيرة خمسمائة عام، وله بكلّ آية قرأَها مثل ثواب فاطمة.

بصيرة فى.. والطور

بصيرة فى.. والطور السّورة مكِّيّة بالاتفاق آياتها تسع وأَربعون فى عدّ الكوفة والشأم، وثمانٍ فى البصرة، وسبع فى الحجاز. كلماتها ثلاثمائة واثنتا عشرة. وحروفها أَلف وخمسمائة. الآيات المختلف فيها اثنتان: (والطُّور) دَعّاً. مجموع فواصل آياتها (من رعا) سمّيت سورة الطَّور، لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: القَسَم بعذاب الكفَّار، والإِخبار عن ذلَّهم فى العقوبة، ومنازلهم من النار، وطرب أَهل الجنة بثواب الله الكريم الغفَّار، وإِلزام الحجّة على الكفرة الفجّار، وبِشارتهم قبل عقوبة العُقْبَى بعذابهم فى هذه الدّار، ووصيّة سيّد رُسُل الأَبرار بالعبادة والاصطبار، فى قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإدْبَارَ النُّجُوْمِ} . الناسخ والمنسوخ: فيها آية واحدة: {واصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} آية السّيف ن. المتشابهات: قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} أَعاد (أَم) خمسة عشر مرّة، وكلّها إِلزامات ليس للمخاطبين بها عنها جواب.

قوله: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} بالواو، وعطَف على قوله: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ} ، وكذلك: {وَأَقْبَلَ} بالواو، وفى الواقعة: {يَطُوْفُ} بغير واو فيحتمل أَن يكون حالاً، أَو يكون خبراً بعد خبر. وفى الإِنسان {وَيَطُوْفُ} عطف على (وَيُطَافُ) . قوله: {واصبر} بالواو سبق. فضل السّورة فيه من الضَّعيف حديث أُبىّ: مَن قرأَ (والطُّور) كان حَقّاً على الله عزَّ وجلَّ أَن يُؤمنه من عذابه، وأَن ينعّمه فى جنَّته، وحديث على: يا علىّ مَن قرأَها كتب الله له ما دام حيّاً كلّ يوم اثنى عشر أَلف حسنة، ورفع له بكلّ آية قرأَها اثنى عشر أَلف درجة.

بصيرة فى.. والنجم اذا هوى

بصيرة فى.. والنجم اذا هوى السّورة مكِّيّة بالاتفاق. آياتها اثنتان وستون فى عدّ الكوفيّين، وواحدة فى عدّ الباقين. وكلماتها ثلاثمائة وستون. وحروفها أَلْف وأَربعمائة وخمسون. والآيات المختلف فيها ثلاث: {مِنَ الحق شَيْئاً} ، {عَن مَّن تولى} {الحياة الدنيا} . مجموع فواصل آياتها (واه) سمّيت النجم؛ لمفتتحها. معظم مقصود السورة: القَسَم بالوحى، وهداية المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبيان معراج الكرامة، وذكر قبيح أَقوال الكفار، وعقيدتهم فى حَقِّ الملائكة والأَصنام، ومدح مجتنبى الكبائر، والشكوى من المعرضين عن الصّدَقة، وبيان جزاءِ الأَعمال فى القيامة، وإِقامة أَنواع الحجّة على وجود الصّانع، والإِشارة إِلى أَحوال مَن أُهلِكوا من القرون الماضية، والتخويف بسرعة مجىء القيامة، والأَمر بالخضوع والانقياد لأَمر الحقِّ تعالى، فى قوله: {فَاسْجُدُواْ للهِ وَاعْبُدُواْ} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آيتان: {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى} م آية السّيف ن {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} م {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} ن.

المتشابهات: قوله: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} ، وبعده: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَوّل متَّصل بعبادتهم اللاَّت والعُزَّى [ومناة] والثَّانى بعبادتهم الملائكة، ثمّ ذَمَّ الظَّن، فقال: {إِنَّ الظَنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} . قوله: {مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} فى جميع القرآن بالأَلف، إِلاَّ فى الأَعراف. فضل السّورة فيه حديث ضعيف عن أُبىّ: من قرأَ (والنَّجم) أُعطِى من الأَجر عشر حسنات بعدد مَنْ صدّق. بمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم وجحد به، وحديث علىّ: يا علىّ من قرأَها أَعطاه الله بكلّ آية قرأَها نوراً وله بكلّ حرف ثلاثُمائة حسنة، ورفع له ثلاثمائة درجة.

بصيرة فى.. اقتربت الساعة

بصيرة فى.. اقتربت الساعة السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق. وآياتها خمس وخمسون. وكلماتها ثلاثمائة واثنتان وأَربعون. وحروفها أَلْف وأَربعمائة وثلاث وعشرون. فواصل آياتها كلّها على حرف الرّاءِ. وسمِّيت سورة القمر؛ لاشتمالها على ذكر انشقاق القمر. معظم مقصود السّورة: تخويف بهجوم القيامة، والشكوى من عبادة أَهل الضَّلالة وذلّهم فى وقت البعث وقيام السّاعة، وخبر الطُّوفان، وهلاك الأَمم المختلفة، وحديث العاديّين ونكبتهم بالنكباءِ، وقصة ناقة صالح، وإِهلاك جبريل قومه بالصيحة، وحديث قوم لوط، وتماديهم فى المعصية، وحديث فرعون، وتعدّيه فى الجهالة، وتقرير القضاءِ والقدر، وإِظهارِ علامة القيامة، وبروز المتقين (فى الجنَّة) فى مقعد صدق، ومقام القُرْبة فى قوله: {مَقْعَدَ صِدْقٍ} . المنسوخ: فيه آية {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} آية السّيف ن.

[المتشابه من سورة القمر قصة نوح وعاد وثمود ولوط ذكر فى كل واحد منها من التخويف والتحذير ما حلّ بهم ليتَّعظ به حامل القرآن وتاليه ويعظ غيره. وأَعاد فى قصة عاد {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} مرّتين؛ لأَنَّ الأُولى فى الدنيا والثانية فى العُقبى؛ كما قال فى هذه القصة: {لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى} وقيل: الأَول لتحذيرهم قبل إِهلاكهم، والثانى لتحذير غيرهم بعد إِهلاكهم] . فضل السّورة فيه حديث أُبىّ الواهى السند: مَنْ قرأَ سورة اقتربت فى كلّ غِبٍّ بُعث يوم القيامة، ووجهه (على صورة القمر ليلة البدر من كل ليلة بل [أَفضل] وجاءَ يوم القيامة ووجهه مُسفِر على وجوه الخلائق) ، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ {اقتربت السّاعة} فكأَنَّما قرأَ القرآن كلَّه، وكُتِب له بكلّ آية قرأَها ثوابُ الدّالّ على الخير.

بصيرة فى.. الرحمن

بصيرة فى.. الرحمن السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق. آياتها ثمانٍ وسبعون فى عدّ الكوفة والشام، وسبع فى الحجاز، وست فى البصرة. وكلماتها ثلاثمائة وإِحدى وخمسون. وحروفها أَلف وثلاثمائة وستّ وثلاثون. المختلف فيها خمس آيات: الرّحمن، {خَلَقَ الإنسان} ، الأوّل {لِلأَنَامِ} {الْمُجْرِمُوْنَ} {شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ} . مجموع فواصل آياتها (مرن) وقيل هذه الحروف الأَلف إِلا {الْمَغْرِبَيْنِ} و {الْمُجْرِمُوْنَ} . معظم مقصود السّورة: المِنَّة على الخَلْق بتعليم القرآن، وتلقين البيان، وأَمر الخلائق بالعدل فى الميزان، والمنَّة عليهم بالعَصْف والرّيحان، وبيان عجائب القدرة فى طِينة الإِنسان، وبدائع البحر، وعجائبها: من استخراج اللؤلؤ والمَرْجان، وإِجرَاءِ الفُلْك على وجه الماءِ أَبدع جريان، وفناءِ الخَلْق وبقاءِ الرّحمن، وقضاءِ حاجات المحتاجين، وأَن لا نجاة للعبد من الله إِلاَّ بحجّة وبرهان، وقهره الخلائق فى القيامة بلهيب النَّار والدُّخَان، وسؤال أَهل الطاعة والعصيان، وطَوْف الكفار فى الجحيم، ودلال

المؤمنين (فى نعيم الجنان. ومكافأَة أَهل الإِحسان بالإِحسان، ونشاط المؤمنين) بأَزواجهم من الحور الحِسان، وتقلبهم ورَودهم فى رياض الرضوان، على بساط الشاذَرْوان، وخطبة جلال الحقِّ على لسان أَهل التوحيد والإِيمان بقوله: {تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ} . السّورة محكمة خالية عن النَّاسخ والمنسوخ. المتشابهات: قوله: {وَوَضَعَ الميزان} أَعاده ثلاث مرّات فصرّح ولم يُضمر؛ ليكون كلّ واحد قائما بنفسه غير محتاج إِلى الأَوّل. وقيل: لأَنَّ كلّ واحد غير الآخر: الأَوّل ميزان الدّنيا، والثانى ميزان الآخرة، والثالث ميزان العقل. وقيل: نزلت متفرّقة، فاقتضى الإِظهار. قوله: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} كرّر الآية إِحدى وثلاثين مرة، ثمانية منها ذُكِرت عقيب آيات فيها تعداد عجائب خَلْق الله وبدائع صنعه، ومبدأ الخَلْق ومَعاَدهم، ثمّ سبعة منها عَقِيب آيات فيها ذكر النَّار وشدائدها على عَدَد أَبواب جهنَّم، وحَسُن ذكر الآلاءِ عقيبها؛ لأَن فى صرفها ودفعها نِعما توازى النعم المذكورة، أَوْ لأَنَّها حَلَّت بالاعداءِ،

وذلك يُعد من أَكثر النّعماءِ، وبعد هذه السّبعة ثمانية فى وصف الجنان وأَهلها على عدد أَبواب الجنة، وثمانية أُخرى [بعدها] للجنَّتين اللَّتين دونها فمن اعتقد الثمانية الأُولى، وعمل بموجَبها استحقَّ كلتا الثمانيتين من الله، ووفّاه السبعة السابقة، والله أَعلم. السّورة محكمة. فضل السّورة فيه أَحاديث منكرة، منها حديث أُبىّ: لكلّ شىءٍ عَرُوس، وعروس القرآن سورة الرحمن جلّ ذكره. وقال: مَنْ قرأَ سورة الرّحمن رحم الله ضعْفَهُ، وأَدَّى شكر ما أَنعم اللهُ عليه. وقال: يا على، مَنْ قرأَها فكأَنَّما أَعتق بكلّ آية فى القرآن رَقبة، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب امرأَة تموت فى نفاسها.

بصيرة فى.. اذا وقعت الواقعة

بصيرة فى.. اذا وقعت الواقعة السّورة مَكِّيّة بالاتِّفاق. آياتها تسع وتسعون فى عدّ الحجاز والشام، وسبع فى البصرة، وستّ فى الكوفة. وكلماتها ثلاثمائة وثمان وسبعون. وحروفها أَلف وسبعمائة وثلاث. المختلف فيها أَربع عشرة آية: {فَأَصْحَابُ الميمنة} {وَأَصْحَابُ المشأمة} {وَأَصْحَابُ الشمال} {وَأَصْحَابُ اليمين} إنشاءً {فِي سَمُوْمٍ وَحَمِيمٍ} {وَكَانُواْ يِقُولُونَ} {وَأَبَارِيقَ} {مَّوْضُونَةٍ} {وَحُورٌ عِينٌ} تأْثيما {والآخرين} {لَمَجْمُوْعُونَ} {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} . مجموع فواصل آياتها (لا بدّ منه) على الباءِ منها آية واحدة: {وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ} . سمّيت بسورة الواقعة؛ لمفتتحها. معظم مقصود السورة: ظهور واقعة القيامة، وأَصناف الخلق بالإِضافة إِلى العذاب والعقوبة، وبيان حال السّابقين بالطاعة، وبيان حال قوم يكونون متوسّطين بين أَهل الطاعة وأَهل المعصية، وذكر حال أَصحاب الشِمال، والغَرْقَى فى بحار الهلاك، وبرهان البعث من ابتداءِ الخِلْقة،

ودليل الحشر والنشر من الحَرْث والزّرع، وحديث الماءِ والنَّار، وما فى ضمنهما: من النّعمة والمِنَّة، ومَسّ المصحف، وقراءَته فى حال الطَّهارة، وحال المتوفَّى فى ساعة السّكرة، وذكر قوم بالبشارة، وقوم بالخسارة، والخُطْبة على جلال الحقّ تعالى بالكبرياءِ والعظمة بقوله: {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} . والسّورة محكمة لا ناسخ فيها ولا منسوخ. وعن مقاتل أَنَّ {ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين} فى أَوّل السّورة منسوخٌ بثلَّة من الآخرين الَّذى بعده. المتشابهات: قوله: {فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة} أَعاد ذكرها. وكذلك {وَأَصْحَابُ المشأمة مَآ أَصْحَابُ المشأمة} ثمّ قال: {السابقون} لأَنَّ التقدير عند بعضهم: والسابقون ما السّابقون، فحذف (ما) لدلالة ما قبله عليه وقيل: تقديره: أَزواجاً ثلاثة فأَصحاب الميمنة وأَصحاب المشأَمة والسّابقون ثم ذكر عقيب كلّ واحد منهم تعظيماً أَو تهويلاً فقال: ما أَصحاب الميمنة ما أَصحاب المشأَمة، والسّابقون أَى هم السّابقون. والكلام فيه يطول. قوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ} {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تَحْرُثُوْنَ} {أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ} {أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ} بدأَ بذكر خَلْق الإِنسان، ثمّ بما لا غنى له عنه، وهو الحَبّ الَّذى منه قُوتُه (وقوّته)

ثمّ الماء الَّذى منه سَوْغه وعَجْنه، ثمّ النَّار التى منها نُضْجه وصلاحه. وذكر عقيب كلّ واحد ما يأْتى عليه ويفسده، فقال فى الأُولى: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ} وفى الثَّانية {لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} وفى الثالثة {لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} ولم يقل فى الرّابعة ما يفسدها، بل قال: نحن جعلناها تذكرة: يتَّعظون بها [ومتاعا] للمُقْوِين: أَى للمسافرين ينتفعون بها. فضل السّورة فيه حديث ابن مسعود: "من قرأَ سورة الواقعة فى كلّ ليلة لم تصبه فاقةٌ أَبداً" وحديث علىّ الضَّعيف: يا علىّ مَنْ قرأَها أَعطاه الله من الثواب مثل ثواب أَيّوب، وله بكل آية قرأَها مثل ثواب امرأَة أَيّوب.

بصيرة فى.. سبح. الحديد

بصيرة فى.. سبح. الحديد السّورة مدنية، وقيل: مكِّيّة. وآياتها تسع وعشرون فى عدّ الكوفة والبصرة، وثمان فى عدّ الباقين. وكلماتها خمسمائة وأَربع وأَربعون. وحروفها أَلفان وأَربعمائة وستّ وسبعون. المختلف فيها آيتان: {مِن قِبَلِهِ العذاب} و {الإنجيل} مجموع فواصل آياتها (من بزَّ ردّ) على الزاءِ {إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ} وعلى الدّال {هُوَ الغني الحميد} سمّيت سورة الحديد لقوله تعالى فيها: {وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} . معظم مقصود السّورة: الإِشارة [إِلى] تسبيح جملة المخلوقين والمخلوقات فى الأَرض والسّماوات، وتنزيهُ الحقّ تعالى فى الذَّات والصفات، وأَمر المؤمنين بإِنفاق النفقات والصّدقات، وذكر حيرة المنافقين فى صحراءِ العَرَصَات وبيان خِسّة الدّنيا وعزّ الجَنَّات، وتسلية الخَلْق عند هجوم النكبات والمصيبات، فى قوله: {وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله} بهذه الآيات. والسّورة محكمة: ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.

المتشابهات: قوله تعالى: {سَبَّحَ للَّهِ} وكذلك فى الحَشْر، والصَّفِّ، ثمّ {يُسَبِّحُ} فى الجمعة والتَّغابن. هذه كلمة استأْثر الله بها، فبدأَ بالمصدر فى بنى إِسرائيل؛ لأَنه الأَصل، ثمّ بالماضى؛ لأَنَّه أَسبق الزَّمانين، ثمَّ بالمستقبل، ثم بالأَمر فى سورة الأَعلى؛ استيعاباً لهذه الكلمة مِن جميع جهاتها. وهى أَربع: المصدر، والماضى، والمستقبل، والأَمر للمخاطب. قوله: {مَا فِي السماوات والأرض} وفى السّور الخمس {مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} إِعادة (ما) هو الأَصل. وخُصّت هذه السّورة بالحذف؛ موافقة لما بعدها. وهو {خَلْقُ السماوات والأرض} وبعدها {لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} ، لأَنَّ التَّقدير فى هذه السّورة: سبّح لله خَلْق السماوات والأَرض. ولذلك قال فى آخر الحشر بعد قوله: {الخالق البارىء المصور} {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض} أَى خَلْقُها. قوله: {لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} وبعده: {لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض} ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأُولى فى الدّنيا؛ لقوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} والثَّانية فى العقبى؛ لقوله: {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} . قوله: {ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} بزيادة {هُوَ} لأَن {بُشْرَاكُمُ} مبتدأ {جَنَّاتٌ} خبره {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} صفة لها {خَالِدِينَ فِيهَا} حال {ذَلِكَ} إِشارة إِلى ما قبله. و {هُوَ} تنبيه على عظم شأْن المذكور {الفوز العظيم} خبره.

قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات} ابتداء كلام {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} عَطْف عليه. {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} سبق. قوله: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ} ، وفى التَّغابن {مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فصّل فى هذه السّورة، وأَجمل هناك؛ موافقة لما قبلها فى هذه السّورة، فإِنَّه فصّل أَحوال الدّنيا والآخرة فيها، بقوله: {اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا} الآية. فضل السّورة فيه الحديث الضعيف عن أُبىّ: مَن قرأَ سورة الحديد كُتِب من الذين آمنوا بالله ورسوله، وحديث علىّ: يا علىّ من قرأَها شرّكه الله فى ثواب المجاهدين، ولا يغلُّه بأَغلال النَّار، وله بكل آية قرأَها مثلُ ثوابِ القائم بما أَمر الله.

بصيرة فى.. قد سمع

بصيرة فى.. قد سمع السّورة مدنيّة بالاتِّفاق. آياتها اثنتان وعشرون عند الجمهور، وإِحدى وعشرون عند المكِّيّين. وكلماتها أَربعمائة وثلاث وسبعون. وحروفها أَلف وسبعمائة واثنتان وتسعون. المختلف فيها آية واحدة: {فِي الأذلين} مجموع فواصل آياتها (من زرد) وعلى حرف الزّاءِ آية واحدة: {عَزِيْزٌ} فحسب. سمّيت سورة المجادلة، لقوله: {تَجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} . معظم مقصود السّورة: بيان حُكْم الظِّهار، وذكر النجوى والسّرار، والأَمر بالتَّوسع فى المجالس، وبيان فضل أَهل العلم، والشكاية من المنافقين، والفرق بين حِزب الرّحمن، وحزب الشيطان، والحكم على بعض بالفلاح، وعلى بعض بالخسران، فى قوله: {هُمُ الخَاسِرُونَ} و {هُمُ المُفْلِحُوْنَ} . المتشابهات {الذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ} وبعده: {والذين يُظَاهِرُونَ مِّن نِّسَآئِهِمْ} لأَنَّ الأَوّل خطاب للعرب؛ وكان طلاقهم فى الجاهلية الظِّهار، فقيّده بقوله: {مِنكُمْ} وبقوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً} ثمّ بيّن أَحكام

الظِّهار للنَّاس عامّة، فعطف عليه فقال: {والذين يُظَاهِرُونَ} فجاءَ فى كلّ آية ما اقتضاه معناه. قوله: {وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وبعده: {وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} لأَنَّ الأَوّل متَّصل بضدّه، وهو الإِيمان فتوعّدهم على الكفر بالعذاب الأَليم الَّذى هو جزاء الكافرين، والثَّانى متَّصل بقوله: {كُبِتُواْ} وهو الإِذْلال والإِهانة، فوصف العذاب بمثل ذلك فقال: {مُهِينٌ} . قوله: {جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المصير} بالفاءِ؛ لما فيه من التعقيب، أَى فبئس المصِيرُ ما صاروا إِليه، وهو جهنَّم. قوله: {مِّنَ الله شَيْئاً أولائك} بغير واو، موافقة للجمل الَّتى قبلها، وموافقة لقوله: {أولائك حِزْبُ الله} . فضل السّورة فيه حديثان ضعيفان: مَن قرأَ سورة المجادلة كُتِب من حزب الله يوم القيامة، وحديث علىّ: يا علىّ من قرأَها قضى الله له أَلف حاجة أَدناها أَن يُعتقه من النَّار، ونزلت عليه أَلْفُ ملك يستغفرون له باللَّيل، ويكتبون له الحسنات، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب مَنْ يطلب قُوتَه من الحلال.

بصيرة فى.. سبح. الحشر

بصيرة فى.. سبح. الحشر السّورة مدنيّة بالاتِّفاق. آياتها أَربع وعشرون. كلماتها أَربعمائة وخمس وأَربعون. حروفها أَلف وتسعمائة وثلاث عشرة. فواصل آياتها (مَن برّ) على الباءِ آيتان: العقاب فى موضعين. سمّيت سورة الحشر؛ لقوله: {لأَوَّلِ الحشر} . معظم مقصود السّورة: الخبر عن جلاءِ بنى النَّضير، وقَسْم الغنائم، وتفصيل حال المهاجرين والأَنصار، والشكاية من المنافقين فى واقعة قُرَيظة، وذكر بَرْصِيصاء العابد، والنّظر إِلى العواقب، وتأْثير نزول القرآن، وذكر أَسماءِ الحقِّ تعالى وصفاته، وبيان أَنَّ جملة الخلائق فى تسبيحه وتقديسه فى قوله: {لَهُ الأسمآء الحسنى} إِلى آخر السّورة. ليس فيها منسوخ. المتشابهات قوله تعالى: {وَمَآ أَفَآءَ الله} وبعده: {مَآ أَفَآءَ الله} بغير واو؛ لأَنَّ الأَوّل معطوف على قوله: {مَا قَطَعْتُمْ} والثَّانى استئناف ليس له به تعلُّق. وقول من قال: إِنَّه بدل من الأَوّل مزيّف عند أَكثر المفسّرين. قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} وبعده: {قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُوْنَ}

لأَنَّ الأَوّل متّصل بقوله: {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ الله} لأَنَّهم يرون الظَّاهر، ولا يفقهون على ما استتر عليهم، والفقه معرفةُ ظاهر الشىء وغامضه بسرعة فِطنة، فنَفَى عنهم ذلك. والثانى متَّصل بقوله: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى} أَى لو عَقَلوا لاجتمعوا على الحقِّ، ولم يتفرّقوا. فضل السّورة فيه أَحاديث منكَرة، منها حديث أُبىّ: مَن قرأَ سورة الحشر لم يبق جنَّة، ولا نار، ولا عَرْش، ولا كُرْسىّ، ولا حجاب، ولا السّماوات السّبع، والأَرضون السّبع، والهوامّ، والرّيح، والطَّير، والشجر، والدّواب، والجبال والشمس، والقمر، والملائكة - إِلاَّ صَلَّوْا عليه. فإِن مات مِن يومه أَو ليلته مات شهيداً، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها قال الله عز وجلّ له يوم القيامة: عبدى استظِلّ بظلّ عرشى، وكُلْ من من ثمار جنَّتى [حتى] أَفرغ إِليك. فإِذا فرغ الله عزَّ وجلّ من حساب الخلائق وَجّهه إِلى الجنَّة، فيتعجّب منه أَهلُ الموقف. وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب إِسحاق وإِبراهيم.

بصيرة فى.. يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى

بصيرة فى.. يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى السّورة مدنيّة بالاتِّفاق. وآياتها ثلاثة عشر. وكلماتها ثلاثمائة وأَربعون. وحروفها أَلْف وخمسمائة وعشر. مجموع فواصل آياتها (لم نردّ) على اللاَّم منها آية: السّبيل. وعلى الدّال آية: الحميد. ولها ثلاثة أَسماء: سورة الممتحنة، وسورة الامتحان، كلاهما بقوله فيها {فَامْتَحِنُوهُنَّ} الثَّالث سورة المَوَدّة. لقوله: {تُلْقُوْنَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} و {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} و {وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِّنْهُمْ مَّوَدَّةً} . معظم مقصود السّورة: النهى عن موالاة الخارجين عن مِلَّة الإِسلام، والاقتداءُ بالسّلف الصّالح فى طريق الطَّاعة والعبادة، وانتظار المودّة بعد العداوة، وامتحان المدّعين بمطالبة الحقيقة، وأَمر الرّسول بكيفيّة البَيْعة مع أَهل الستْر والعفَّة، والتَّجنّب من أَهل الزّيغ والضّلالة، فى قوله: {لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} . الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ ثلاث آيات م {لاَ يَنْهَاكُم} ن {إِنَّمَا يَنْهَاكُم} م

{المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ} ن نقض عهد الكفار ببراءّة م {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ} ن {فاقتلوا المشركين} . المتشابهَات: قوله تعالى {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} وبعده: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} الأَوّل حال من المخاطبين. وقيل: أَتلقون إِليهم، والاستفهام مقدّر. وقيل: خبرُ مبتدأ، أَى أَنتم تُلْقون، والثانى بدل من الأَوّل على الوجوه المذكورة. والباءُ زيادة عند الأَخفش. وقيل بسبب أن تَوَدّوا. وقال الزجّاج: تلقون إِليهم أَخبار النبىّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسِرّه بالمودّة. قوله: {كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وبعده: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيْهِمْ أُسْوَةٌ} أَنَّث الفعل الأَوّل مع الحائل، وذكَّر الثَّانى، لكثرة الحائل. وإِنَّما كَرّرَ، لأَنَّ الأَوّل فى القول؛ والثَّانى فى الفعل. وقيل: الأَوّل فى إِبراهيم، والثَّانى فى محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم. فضل السّورة فيه من الأَحاديث الضعيفة حديث أُبىّ: مَنْ قرأَ سورة الممتحنة كان المؤمنون والمؤمنات له شفيعاً يوم القيامة، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها كان له بكلّ مؤمن ومؤمنة من الأَحياءِ والأَموات أَلفا حسنة، ورفع له أَلفا درجة، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب مَنْ يموت فى طريق مكَّة.

بصيرة فى.. سبح لله. الصف

بصيرة فى.. سبح لله. الصف السّورة مكِّيّة بالاتِّفاق. آياتها أَربع عشرة. وكلماتها مائتان وإِحدى وعشرون. وحروفها تسعمائة. مجموع فواصل آياتها (صمن) . وعلى الصّاد آية واحدة: مرصوص. ولها اسمان: سورة الصّف؛ لقوله: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} ، وسورة الحَوَاريّين. لقوله: {قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنصَارُ الله} وقيل: تسمّى سورة عيسى. معظم مقصود السّورة: عتاب الذين يقولون أَقوالاً لا يعملون بمقتضاها، وتشريف صفوف الغُزَاة والمصلِّين، والتَّنبيهُ على جفاءِ بنى إِسرائيل، وإِظهار دِين المصطفى على سائر الأَديان، وبيان التجارة الرّابحة مع الرّحيم الرحمن، والبشارة بنصر أَهل الإِيمان، على أَهل الكفر والخِذلان، وغلبة بنى إِسرائيل على أَعدائهم ذوى العُدْوان، فى قوله {فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ} . والسّورة محكمة، خالية عن الناسخ والمنسوخ. المتشابهات: قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله الكذب} بالأَلف واللام،

وفى غيرها {افترى عَلَى الله كَذِبًا} بالنكرة [لأَنها أَكثر استعمالا مع المصدر من المعرفة، وخصّت هذه السورة بالمعرفة لأَنه] إِشارة إِلى ما تقدّم من قول اليهود والنَّصارى. قوله: {لِيُطْفِئُواْ} باللام؛ لأَن المفعول محذوف. وقيل: اللام زيادة. وقيل: محمول على المصدر. قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} جزْم على جواب الأَمر؛ فإِن قوله: {تُؤْمِنُوْنَ} محمول على الأَمر أَى آمِنوا وليس بعده: (من) ولا (خالدين) . فضل السّورة فيه حديث مُنْكَر عن أُبىّ: مَنْ قرأَ سورة عيسى كان عيسى مصلِّياً مستغفراً له ما دام [فى] الدّنيا، وهو يوم القيامة رفيقه، ولم نجد فى رواية علىّ لهذه السّورة ذكر فضيلة والله أَعلم.

بصيرة فى.. يسبح. الجمعة

بصيرة فى.. يسبح. الجمعة السّورة مَدَنِيَّة بالاتِّفاق. وآياتها إِحدى عشرة. وكلماتها مائة وثمانون. وحروفها سبعمائة وعشرون. فواصل آياتها (من) وتسمّى سورة الجمعة، لقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة} . معظم مقصود السّورة: بيان بَعْث المصطفى، وتعْيير اليهود، والشكاية منهم، وإِلزام الحجّة عليهم، والترغيب فى حضور الجمعة والشكاية من قوم بإِعراضهم عن الجمعة، وتقوية القلوب بضمان الرّزق لكلّ حَىّ فى قوله: {والله خَيْرُ الرازقين} . والسّورة خالية عن النَّاسخ والمنسوخ. المتشابهات: قوله: {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ} وفى البقرة {وَلَنْ يَتَمَنَّوهُ} سبق. فضل السّورة فيه حديث أُبىّ: مَنْ قرأَ سورة الجمعة كتِب له عشر حسنات، بعدد مَنْ ذهب إِلى الجمعة من أَمصار المسلمين، ومَنْ لم يذهب، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ [ها] فكأَنَّما فُتح له أَلف مدينة، وعُصِم من إِبليس وجنوده، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ المنفِق على عياله.

بصيرة فى.. اذا جاءك المنافقون

بصيرة فى.. اذا جاءك المنافقون السّورة مدنيّة بالاتِّفاق. آياتها إِحدى عشرة. كلماتها مائة وثمانون. حروفها سبعمائة وست وسبعون. فواصل آياتها (نون) سمّيت سورة المنافقين بمفتتحها. معظم مقصود السّورة: تقريع المنافقين وتبكيتهم، وبيان ذلِّهم وكذبهم، وذكر تشريف المؤمنين وتبجيلهم، وبيان عزّهم وشرفهم، والنَّهى عن نسيان ذكر الحقِّ تعالى، والغفلة عنه، والإِخبار عن ندامة الكفَّار بعد الموت، وبيان أَنَّه لا تأْخير ولا إِمهال بعد حلول الأَجل، فى قوله: {وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً} الآية. وليس فيها ناسخ ولا منسوخ. المتشابهات قوله: {ولاكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ} وبعده: {لاَ يَعْلَمُوْنَ} ، لأَنَّ الأَوّل متّصل بقوله: {وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض} وفى معرفتها غموض يَحتاج إِلى فطنة، والمنافق لا فطنة له؛ والثانى متّصل بقوله: {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولاكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ} أَى لا يعلمون بأَنَّ الله مُعِزّ لأَوليائه ومذِلٌّ لأَعدائه.

فضل السّورة روى فيه من الأَحاديث المردودة حديث أُبىّ: من قرأَها برىء من النِّفاق، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها أَعطاه الله مثل ثواب (من أَنفق حمل بعير دينارا فى طاعة الله، وخرج من الدنيا على رضا الله، وله مثل ثواب) مَن يقضى دَيْن أَبويه بعد موتهما، وجعل الله اثنى عشر منافقاً فداه من النَّار.

بصيرة فى.. يسبح. التغابن

بصيرة فى.. يسبح. التغابن السّورة مكِّيّة، إِلاَّ آخرها: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ} إِلى آخر السّورة. وآياتها ثمان عشرة. وكلماتها مائتان وإِحدى وأَربعون. وحروفها أَلف وسبعون. فواصل آياتها (من درّ) وعلى الدّال آية واحدة: حميد. وسمّيت سورة التَّغابُن، لقوله فيها: {ذَلِكَ يَوْمُ التغابن} . معظم مقصود السّورة: بيان تسبيح المخلوقات، والحكمة فى تخليق الخَلْق، والشكاية من القرون الماضية، وإِنكار الكفَّار البعثَ والقيامة، وبيان الثواب والعقاب، والإِخبار عن عداوة الأَهل والأَولاد، والأَمر بالتَّقوى حسب الاستطاعة، وتضعيف ثواب المتَّقين، والخبر عن اطِّلاع الحقّ على علم الغيب فى قوله: {عَالِمُ الغَيْبِ} الآية. السّورة خالية عن المنسوخ، وفيها الناسخ: {فاتقوا الله مَا استطعتم} . المتشابهات: قوله: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} وبعده: {يَعْلَمُ مَا فِي السماوات والأرض وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} إِنَّما كرّر (ما) فى أَوّل السّورة لاختلاف تسبحي أَهل الأَرض وأَهل السّماءِ فى الكثرة والقِلَّة،

والبعد والقرب من المعصية والطَّاعة. وكذلك اختلاف ما يُسرّون وما يعلنون؛ فإِنهما ضدّان. ولم يكرّر مع (يعلم) لأَنَّ الكلّ بالإِضافة إِلى علم الله سبحانه جنس واحد؛ لا يخفى عليه شىء. قوله: {وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} ومثله فى الطَّلاق سواءً؛ لكنَّه زاد هنا {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} ؛ لأَنَّ هذه السّورة بعد قوله: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} الآيات، فأَخبر عن الكفَّار بسيّئات [تحتاج إِلى تكفير إذا آمنوا بالله، ولم يتقدّم الخبر عن الكفار بسيّئَات] فى الطلاق فلم يحتج إِلى ذكرها. فضل السّورة فيه حديث أُبىّ الواهى: مَن قرأَ التغابُن رفع عنه موتُ الفُجاءَة، وحديث علىّ: يا علىّ من قرأَها فكأَنَّما تصدّق بوزن جبل أَبى قُبيس ذهباً فى سبيل الله، وكأَنما أَدرك أَلف ليلة من ليالى القَدْر، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثوابِ مَنْ يصومُ ثلاثة أَيّام كلّ شهر.

بصيرة فى.. يأيها النبى اذا طلقتم النساء

بصيرة فى.. يأيها النبى اذا طلقتم النساء السّورة مدنيّة بالاتِّفاق. وآياتها خمس عشرة فى عَدّ البصرة، واثنتا عشرة عند الباقين. وكلماتها مائتان وأَربعون. وحروفها أَلْف وسِتُّون. والمختلف فيها ثلاث آيات: مخرجاً و {واليوم الآخر} {ياأولي الألباب} فواصل آياتها على الأَلف. ولها اسمان: سورة الطَّلاق لقوله: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَطَلِّقُوهُنَّ} والثَّانى سورة النِّساءِ القُصْرى. قاله عبد الله بن مسعود. معظم مقصود السّورة: بيان طلاق السُنَّة، وأَحكام العِدَّة، والتَّوكُّل على الله تعالى فى الأُمور، وبيان نفقة النِّساءِ حال الحمل والرّضاع، وبيان عُقُوبة المتعدِّين وعذابِهم، وأَنَّ التَّكليف على قَدْر الطاقة، وللصّالحين الثوابُ والكرامة، وبيان إِحاطة العلم، والقُدْرَة، فى قوله: {لتَعْلَمُواْ} الآية. السّورة خالية عن المنسوخ. وفيها النَّاسخ {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} . ومن المتشابِه قولُه تعالى: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} أَمر بالتَّقوى فى أَحكام الطَّلاق ثلاث مرّات، ووعد فى كلِّ مرّة بنوع من

الجزاءِ، فقال أَوّلاً: {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} : يُخرجه ممّا أُدخِل فيه وهو يكرهه، ويُتيح له محبوبه من حيث لا يأمُل. وقال فى الثانى: يسهّل عليه الصّعب من أَمره، ويُتيح له خيراً ممَّن طلَّقها. والثالث وَعَد عليه أَفضل الجزاءِ، وهو ما يكون فى الآخرة من النعماءِ. فضل السّورة فيه حديث أُبىّ: مَن قرأَها مات على سُنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها فكأَنما رَبَّى أَلْف يتيم، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب مَنْ يلقِّن أَلف ميّت.

بصيرة فى.. يأيها النبى لم تحرم

بصيرة فى.. يأيها النبى لم تحرم السّورة مدنيّة. وآياتها اثنتا عشرة. وكلماتها مائتان وأَربعون. وحروفها أَلف وستُّون. وفواصل آياتها (منار) على الأَلف آية فحسب: {أَبْكَاراً} سميت سورة التَّحريم والمتحرم؛ لمفتتحه: {لِمَ تُحَرِّم} . معظم مقصود السّورة: عتاب الرّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فى التَّحريم والتحليل قبل ورود وَحْى سماوىّ، وتعيير الأَزواج الطَّاهرات على إِيذائه وإِظهارِ سرّه، والأَمر بالتحرّز والتجنّب من جهنَّم، والأَمر بالتَّوبة النَّصُوح، والوعد بإِتمام النُّور فى القيامة، والأَمر بجهاد الكفَّار بطريق السّياسة، ومع المنافقين بالبرهان والحجّة، وبيان أَنَّ القرابة غير نافعة بدون الإِيمان والمعرفة، وأَن قرب المفسدين لا يَضُرّ مع وجود الصّدق والإِخلاص، والخبر عن الفُتُوّة، وتصديق مريم بقوله: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} . السورة محكمة: لا ناسخ فيها ولا منسوخ.

المتشابهات قوله تعالى: {خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ} ذكر الجميع بغير واو، ثم خَتَم بالواو، فقال: {وَأَبْكَاراً} لأَنَّه استحال العطف على {ثَيِّبَاتٍ} فعطفها على أَوّل الكلام. ويحسن الوقف على {ثَيِّبَاتٍ} لَمّا استحال عطف {أَبْكَاراً} عليها. وقول من قال: إِنها واو الثمانية بعيد. وقد سبق تعجبنا فيه. والله أَعلم. فضل السّورة فيه الحديث الضَّعيف عن أُبىّ: مَنْ قرأَها تاب توبة نَصوحاً، وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَها كان رفيقى فى الجَنَّة، وله بكل آية قرأَها مثلُ ثواب مَن يعدِل فى وصيّته بعد موته.

بصيرة.. فى تبارك الذى بيده الملك

بصيرة.. فى تبارك الذى بيده الملك السّورة مكية. وآياتها ثلاثون عند الجمهور، وإِحدى وثلاثون عند المكيّين. وكلماتها ثلاثمائة وثلاثون. وحروفها أَلف وثلاثمائة وثلاث عشرة. والمختلف فيها آية {قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ} مجموع فواصل آياتها (تمر) على الميم اثنان: أَليم ومستقيم. ولها فى القرآن والسُّنن سبعة أَسماء: سُورة المُلْك؛ لمفتتحها، والمُنجية لأَنها تنجى قارئها من العذاب، والمانعة؛ لأَنها تمنع مِن قارئها عذابَ القبر - وهذا الاسم فى التوراة - والدافعة؛ لأَنها تدفع بلاءَ الدنيا وعذابَ الآخرة من قارئها، والشافعة؛ لأَنها تشفع فى القيامة لقارئها، والمجادِلة؛ لأنها تجادل منكراً ونكيراً، فتناظرهما كيلا يؤذيا قارئها، السابعة: المخلِّصة؛ لأَنها تخاصم زَبانية جهنم؛ لئلا يكون لهم يدٌ على قارئها. معظم مقصود السّورة: بيان استحقاق الله المُلْك، وخَلْقُ الحياة والموت للتجربة، والنظرُ إِلى السماوات للعِبرة، واشتعال النجوم والكواكب للزينة، وما أُعد للمنكرين: من العذاب، والعقوبة، و (ما) وُعد به المتَّقون: من الثَّواب، والكرامة، وتأْخير العذاب عن المستحقين بالفضل

والرّحمة، وحفظ الطُّيور فى الهواءِ بكمال القدرة، واتصال الرّزق إِلى الخليقة، بالنَّوال والمِنَّة، وبيان حال أَهل الضَّلالة، والهداية، وتعجُّل الكفَّار بمجىءِ القيامة، وتهديد المشركين بزوال النعمة بقوله: {فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ} . والسّورة محكمة: لا ناسخ فيها ولا منسوخ. المتشابهات قوله: {فارجع البصر} وبعده: {ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} أَى مع الكرّة الأُولى. وقيل: هى ثلاث مرّات، أَى ارجع البصر - وهذه مرّة - ثم ارجع البصر كرّتين، فمجموعها ثلاث مرّات. قال أَبو القاسم الكرمانى: ويحتمل أَن يكون أَربع مرّات؛ لأَنَّ قوله {ارجِعِ} يدلُّ على سابقة مرّة. قوله: {أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض} ، وبعده: {أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} خوّفهم بالخسف أَوّلا، لكونهم على الأَرض، وأَنها أَقرب عليهم من السّماءِ، ثم بالحصْب من السماءِ. فلذلك جاءَ ثانية. فضل السّورة فيه حديث حسن عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: إِن سورة من كتاب الله ما هى إِلاَّ ثلاثون آية، شفعت لرجل، فأَخرجته يوم القيامة

من النار، وأَدخلته الجنَّة، وهى سورة تبارك؛ وأَحاديث ضعيفة: منها حديث أُبىّ: ودِدْتُ أَنَّ {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك} فى قلب كلّ مؤمن، وحديث: إِنَّ فى القرآن سُورةً تجادل عن صاحبها يوم القيامة خُصَماءَه، وهى الواقية: تقيه من شدائد القيامة، وهى الدّافعة: تدفع عنه بَلْوَى الدّنيا، وهى المانعة: تمنع عن قارئها عذاب القبر، فلا يؤذيه منكر ونكير؛ وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها جاءَ يوم القيامة راكباً على أَجنحة الملائكة، ووجهه فى الحسن كوجه يوسف الصّدّيق، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب شُعَيْب النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

بصيرة فى.. ن. والقلم

بصيرة فى.. ن. والقلم السّورة مكِّيّة. آياتها اثنتان وخمسون. وكلماتها ثلاثمائة. وحروفها أَلف ومائتان وستّ وخمسون. فواصل آياتها (من) . ولها اسمان: سورة ن، وسورة القلم. وهذا أَشهر. معظم مقصود السّورة: الذَّبّ عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعذابُ ما نعى الزَّكاة، وتخويف الكفَّار بالقيامة، وتهديد المجرمين بالاستدراج، وأَمر الرّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالصّبر، والإِشارةُ إِلى حال يونس عليه السّلام فى قلَّة الصّبر، وقصد الكفَّار رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليصيبوه بالعين فى {لَيُزْلِقُوْنَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} الآية. الناسخ والمنسوخ: فيها من المنسوخ آيتان: {فَذَرْنِي} م {فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} م آية السّيف. المتشابهات قوله تعالى: {حَلاَّفٍ مَّهِينٍ} إِلى قوله: {زَنِيم} تسعة أَوصاف، ولم يدخل بينها واو العطف [ولا بعد السابع] فيدلّ على ضعف القول بواو الثمانية.

{فَأَقْبَلَ} بالفاءِ سبق. {فَاصْبِر} بالفاءِ سبق. فضل السّورة فيه حديثان منكران، حديث أُبىّ: مَنْ قرأَها أَعطاه الله ثواب الَّذين حسّن الله أَخلاقَهم، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها نوّر الله قلبه، وقبره، وبيّض وجهه، وأَعطاهُ كتابه بيمينه، وله بكلِّ آية قرأَها ثوابُ مَن مات مبطوناً.

بصيرة فى.. الحاقة

بصيرة فى.. الحاقة السّورة مكِّيّة. وآياتها إِحدى وخمسون فى عدّ البصرة والشام، واثنتان فى عَدّ الباقين. وكلماتها مائتان وخمس وخمسون. وحروفها أَلف وأَربعمائة وثمانون. والمختلف فيها آيتان: {الحَآقَّةُ} الأُولى {بِشِمَالِهِ} . مجموع فواصل آياتها (نم له) على اللاَّم منها آية واحدة: {بَعْضَ الأقاويل} . ولها اسمان: سورة الحاقة؛ لمفتتحها، وسورة السِّلسلة؛ لقوله: {فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ} . معظم مقصود السّورة: الخبر عن صعوبة القيامة، والإِشارة بإِهلاك القرون الماضية، وذكر نَفْخة الصُّور، وانشقاق السّماوات، وحال السّعداءِ والأَشقياءِ وقت قراءة الكتب، وذلّ الكفَّار مقهورين فى أَيدى الزّبانية، ووصف الكفَّار القرآنَ بأَنه كِهانة وشعر، وبيان أَنَّ القرآن تذكِرة للمؤمن، وحسرة للكافر، والأَمر بتسبيح الرّكوع فى قوله: {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} . السّورة محكمة، خالية عن النَّاسخ والمنسوخ.

المتشابهات قوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} بالفاءِ، وبعده: (وأَمَّا) بالواو؛ لأَنَّ الأَوّل متَّصل بأَحوال القيامة وأَهوالها، فاقتضى الفاءَ للتَّعقيب، والثَّانى متَّصل بالأَوّل، فأَدخل الواو؛ لأَنَّه للجمع. قوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} خصّ ذكر الشِّعر بقوله: {مَّا تُؤْمِنُونَ} لأَنَّ مَن قال: القرآن شعر، ومحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم شاعر - بعد ما علم اختلاف آيات القرآن فى الطُّول والقِصَر، واختلافَ حروف مقاطعِه - فلكفره وقلَّة إِيمانه، فإِنَّ الشعر كلام موزون مقفًّى. وخصّ ذكر الكِهانة بقوله: {مَّا تَذَكَّرُونَ} ؛ لأَنَّ مَن ذهب إِلى أَنَّ القرآن كِهانة، وأَنَّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم كاهن فهو ذاهل عن ذكر كلام الكهَّان؛ فإِنَّه أَسجاع لا معانى تحتها، وأَوضاع تنبو الطِّباع عنها، ولا يكون فى كلامهم ذكرُ الله تعالى. فضل السّورة فيه الحديثان السّاقطان. عن أُبىّ: مَنْ قرأَها حاسبه الله حساباً يسيراً، وعن علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها، ثم مات مِن يوم قرأَها إِلى آخر السنة، مات شهيداً، وله بكلّ آية قرأَها مثل ثواب صالح النبىّ عليه السّلام.

بصيرة فى.. سأل سائل

بصيرة فى.. سأل سائل السّورة مكِّيّة. وآياتها ثلاث وأَربعون فى عدّ الشام، وأَربع فى عدّ الباقين. كلماتها مائتان وثلاث عشرة. وحروفها سبعمائة وسبع وخمسون. المختلف فيها آية: {أَلْفُ سَنَةٍ} فواصل آياتها (جعلناهم) على الميم [ {مَعْلُوْمٌ} و {الْمَحْرُوْمُ} ] وعلى الجيم {الْمَعَارِج} وعلى اللاَّم {كَالْمُهْلِ} . وللسّورة ثلاثة أَسماء: الأَول سأَل؛ لمفتتحها. والثَّانى الواقع؛ لقوله: {بِعَذَابٍ وَاقِعْ} . الثالث {ذِى الْمَعَارِج} . مقصود السّورة: بيان جُرْأَة الكافر فى استعجال العذاب، وطول القيامة وهولها، وشُغْل الخلائق فى ذلك اليوم المَهيب، واختلاف حال الناس فى الخير والشرّ ومحافظة المؤمنين على خصال الخير، وطمع الكفَّار فى غير مَطْمَع، وذُلّ الكافرين فى يوم القيامة فى قوله: {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّة} . الناسخ والمنسوخ فيها من المنسوخ آيتان: م {فاصبر صَبْراً} م {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ} ن آية السّيف.

المتشابهات قوله: {إِلاَّ المصلين} عَدّ عقيب ذكرهم الخصالَ المذكورة أَوّل سورة المؤمنين، وزاد فيها {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ} ؛ لأَنَّه وقع عقيب قوله: {لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} وإِقامة الشهادة أَمانة، يؤدّيها إِذا احتاج إليها صاحبُها، لإِحياءِ حقّ. فهى إِذاً من جملة الأَمانة، وقد ذكرت الأَمانة فى سورة المؤمنين، وخصّت هذه السّورة بزيادة بيانها؛ كما خصّت بإِعادة ذكر الصلاة حيث قال: {وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} بعد قوله: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُم على صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ} . فضل السورة فيه حديث أُبىّ الضَّعيف: مَنْ قرأَها أَعطاه الله تعالى ثواب الَّذين هم لأَماناتهم وعهدهم راعون، والَّذين هم على صلاتهم يحافظون، وحديث على: يا علىّ مَنْ قرأَها كتب الله له بكلّ كافر وكافرة، من الأَحياءِ والأَموات ستِّين حسنة، ورَفَع له (ستِّين درجة وله) بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب يونس.

بصيرة فى.. انا أرسلنا

بصيرة فى.. انا أرسلنا السّورة مكِّيّة. وآياتها ثمان وعشرون فى عدّ الكوفة، وتسع فى عدّ البصرة والشام، وثلاثون عند الباقين. وكلماتها مائتان وأَربع وعشرون. وحروفها تسعمائة وتسع وخمسون. والمختلف فيها أَربع: سُوَاعاً، {فَأُدْخِلُواْ نَاراً} {وَنَسْرًا} ، {وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيرًا} . فواصل آياتها (منا) على الميم آية: أَليم. سمّيت سورة نوح لذكره فى مفتتحها ومختتمها. معظم مقصود السّورة: أَمر نوح بالدعوة، وشكاية نوح مِن قومه، والاستغفار لسعة النعمة، وتحويل حال الخَلْق من حال إِلى حال، وإِظهار العجائب على سقف السّماءِ، وظهور دلائل القدرة على بسيط الأَرض، وغَرَق قوم نوح، ودعاؤه عليهم بالهلاك، وللمؤمنين بالرّحمة، وللظَّالمين بالتَبَار والخسارة، فى قوله: {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً} . السّورة محكمة: لا ناسخ ولا منسوخ. المتشابه {قَالَ نُوحٌ} بغير واو، ثم قال: {وَقَالَ نُوحٌ} بزيادة الواو؛ لأَنَّ الأَوّل ابتداء دعاء والثانى عطف عليه.

قوله: {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً} وبعده: {إِلاَّ تَبَاراً} ؛ لأَنَّ الأَوّل وقع بعد قوله: {وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً} ، والثَّانى بعد قوله {لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض} فذكر فى كلّ مكان ما اقتضاه، وما شاكل معناه. فضل السّورة فيه من الأَحاديث الواهية حديث أُبىّ: مَنْ قرأَها كان من المؤمنين الَّذين تدركهم دعوة نوح (وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها كان فى الجنَّة رفيق نوح وله ثواب نوح) وله بكلّ آية قرأَها مثل ثواب سام ابن نوح.

بصيرة فى.. قل أوحى

بصيرة فى.. قل أوحى السّورة مكِّيّة. آياتها ثمان وعشرون عند الكلّ، إِلاَّ مكة؛ فإِنَّها فى عدّهم سبع. عدّوا {لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ} ، وأَسقطوا {مُلْتَحَداً} فى غير رواية البَزِّىّ. وفى رواية البَزّى: لم يعدّ {لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ} ، ولم يعد {مُلْتَحَداً} فصار فى روايته سبعاً وعشرين. وفى الرواية الأُخرى: ثمانياً وعشرين. وكلماتها مائتان وخمس وثمانون. وحروفها تسعمائة وتسع وخمسون. فواصل آياتها على الأَلف. سمّيت سورة الجنّ، لاشتمالها على الجنّ فى قوله: {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن} ، وقوله: {نَفَرٌ مِنَ الجن} . معظم مقصود السّورة: عجائب علوم القرآن، وعظمة سلطان المَلِك الدّيّان، وتعدّى الجنِّ على الإِنسان، ومنعهم عن الوصول إِلى السّماءِ بالطَّيران، والرّشد والصّلاح لأَهل الإِيمان، وتهديدُ الكفَّار بالجحيم والنيران، وعِلْم الله تعالى بالإِسرار والإِعلان، وكيفية تبليغ الوحى من الملائكة إِلى الأَنبياءِ

بالإِتقان، وحَصْر المعلومات فى علم خالق الخَلْق فى قوله: {وَأَحْصَى كُلَّ شىءٍ عَدَدًا} . السّورة محكمة: لا ناسخ فيها ولا منسوخ. المتشابه قوله: {وَأَنَّهُ} (كرّرت مراتٍ أَن وأَنه) . واختلف القرَّاءُ فى اثنتى عشرة منها وهى من قوله: {وَأَنَّهُ تَعَالَى} إِلى قوله: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُوْنَ} : ففتحها بعضهم عطفاً على {أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ} وكسرها بعضهم؛ عطفاً على قوله: {فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا} ، وبعضهم فتح {أَنَّهُ} ؛ عطفاً على {أَنَّهُ} وكسر {إِنَّا} عطفاً على {إِنَّا} . وهو شاذّ. فضل السّورة عن أُبىّ: مَنْ قرأَها أُعطِىَ بعدد كلّ جِنّ وشيطان صدّق بمحمّد وكذَّب به، عِتقَ رقبة، وعن على: يا علىّ مَنْ قرأَها لا يخرج من الدّنيا حتى يرى مكانه من الجنَّة، وله بكل آية قرأَها ثوابُ الزاهدين.

بصيرة فى.. يأيها المزمل

بصيرة فى.. يأيها المزمل السّورة مكِّيّة، سوى آية واحدة من آخرها. وآياتها ثمان عشرة فى عَدّ الكوفة، وتسعة عشر فى البصرة، وعشرون فى الباقين. وكلماتها مائتان وخمس وثمانون. وحروفها ثمانمائة وستّ وثلاثون. المختلف فيها ثلاث آيات: المزَّمِّل، شيبا، {إِلَيْكُمْ رَسُولاً} . فواصل آياتها على الأَلف، إِلاَّ الآية الأُولى؛ فإِنه باللاَّم، والأَخيرة؛ فإِنَّها (بالرّاءِ) . مجموعها (رال) . سمّيت سورة المزَّمل؛ لافتتاحها. معظم مقصود السّورة: خطاب الانبساط مع سيّد المرسلين، والأَمرُ بقيام اللَّيل، وبيان حُجّة التَّوحيد، والأَمر بالصّبر على جفاءِ الكفَّار، وتهديدُ الكافر بعذاب النار، وتشبيه رسالة المصطفى برسالة موسى، والتخويف بتهويل القيامة، والتسهيل والمسامحة فى قيام اللَّيل، والحَثّ على الصدقة والإِحسان، والأَمر بالاستغفار من الذّنوب والعصيان، فى قوله: {واستغفروا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .

الناسخ والمنسوخ فيها من المنسوخ ستّ آيات: ثلاث من أَوَّل السّورة: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ} ن {واهجرهم هَجْراً} ، وقوله: {وَذَرْنِي والمكذبين} م وقوله: {إِنَّ هاذه تَذْكِرَةٌ} ن آية السّيف. المتشابهات قوله تعالى: {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن} ، وبعده: {مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ؛ لأَنَّ الأَوّل فى الفَرْض، وقيل: فى النافلة: خارج الصّلاة. ثم ذكر سبب التخفيف، فقال: {سَيَكُوْنُ مِنْكُمْ مَّرْضَى} ، ثم أَعاد فقال: {مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} والأَكثرون على أَنَّه فى صلاة المغرب، والعشاءِ. فضل السّورة حديث أُبىّ المعلوم ضعفه: من قرأَها (دُفع عنه العُسْر فى الدنيا والآخرة، وحديث علىّ: يا علىّ من قرأَها) أَعطاه الله ثواب العلماءِ، وله بكلّ آية قرأَها سِتْرٌ من النَّار.

بصيرة فى.. يأيها المدثر

بصيرة فى.. يأيها المدثر السّورة مكِّيّة. وآياتها ست وخمسون فى عدّ العراقى والبَزِّىّ، وخمس فى عدّ المكِّىّ. وكلماتها مائتان وخمس وخمسون. وحروفها أَلف وعشر. المختلف فيها اثنان: {يَتَسَآءَلُونَ عَنِ المجرمين} فواصل آياتها (رُدْنها) على الدّال آية: {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ} . سمّيت المدّثِّر؛ لمفتتحها. مقصود السّورة: أَمر النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم بدعوة الخَلْق إِلى الإِيمان، وتقرير صعوبة القيامة على (الكفَّار و) أَهل العصيان، وتهديد وليد ابن مُغيرة بنقض القرآن، وبيان عدد زبانية النِّيران، وأَنَّ كلّ أَحد رَهْن بالإِساءَة والإِحسان، وملامة الكفَّار على إِعراضهم عن الإِيمان، وذكر وَعْد الكريم على التقوى بالرّحمة والغفران، فى قوله: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَة} . المنسوخ فيها آية واحدة: م {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} ن آية السيف.

المتشابهات قوله: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} أَعاد {كَيْفَ قَدَّرَ} مرّتين، وأَعاد {قَدَّرَ} ثلاث مرّات، لأَنَّ التقدير: إِنَّه - أَى الوليد - فكَّر فى شأْن محمّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما أَتى [به] وقدّر ماذا يمكنه أَن يقول فيهما. فقال الله سبحانه -: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} أَى القولَ فى محمّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} أَى القولَ فى القرآن. قوله: {كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} أَى تذكير وعدل إِليها للفاصلة. وقوله: {إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} وفى عبس {إِنَّهَا تَّذْكِرَة} لأَنَّ تقدير الآية فى هذه السّورة: إِنَّ القرآن تذكرة، وفى عبس: إِنَّ آيات القرآن تذكرة، وقيل: حمل التذكرة على التذكير، لأَنَّها بمعناه. فضل السّورة فيه الحديث الضعيف عن أُبىّ: مَنْ قرأَها أُعطِى من الأَجر عشر حسنات، بعدد مَن صَدّق بمحمّدٍ، وكذَّب به بمكَّة، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها أَعطاه الله ثواب المتحابّين فى الله، وله بكلّ آية قرأَها مائةُ شفاعة.

بصيرة فى.. لا أقسم بيوم القيامة

بصيرة فى.. لا أقسم بيوم القيامة السّورة مكِّيّة. وآياتها أَربعون فى عدّ الكوفيّين، وتسع وثلاثون فى عدّ الباقين. وكلماتها مائة وتسع وتسعون. وحروفها ثلاثمائة واثنتان وخمسون. المختلف فيها آية: {لِتَعْجَلَ بِهِ} فواصل آياتها (يقراه) . سمّيت سورة القيامة، لمفتتحها، ولقوله: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القيامة} . مقصود السّورة: بيان هَوْل القيامة، وهيبتها، وبيان إِثبات البعث، وتأْثير القيامة فى أَعيان العالم، وبيان جزاء الأَعمال، وآداب سماع الوَحْى، والوعد باللِّقاءِ والرّؤية، والخبر عن حال السَّكرة، والرّجوع إِلى بيان برهان القيامة، وتقرير القُدْرة على بعث الأَموات فى قوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى} . المنسوخ فيها آية واحدة: م {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} ن {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} .

المتشابهات قوله: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} ثمّ أَعاد، فقال: {وَلاَ أُقْسِمُ بالنفس اللوامة} فيه ثلاثة أَقوال: أَحدها أَنَّه سبحانه أَقسم بهما، والثانى: لم يقسم بهما، والثَّالث: أَقسم بيوم القيامة، ولم يُقسم بالنَّفس. وقد ذكرنا بَسْطه فى التفسير. قوله: {وَخَسَفَ القمر} وكرّره فى الآية الثَّانية {وَجُمِعَ الشمس والقمر} ؛ لأَنَّ الأَوّل عبارة عن بياض العين بدليل قوله: {فَإِذَا بَرِقَ البصر وَخَسَفَ القمر} . وفيه قول ثان - وهو قول الجمهور - أَنهما بمعنى واحد. وجاز تكراره لأَنَّه أَخبر عنه بغير الخبر الأَوَّل. وقيل: الثانى وقع موقع الكناية؛ كقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ الله ... . وتشتكي إِلَى الله ... . والله يَسْمَعُ ... . إِنَّ الله} فصرّح؛ تعظيما، وتفخيما، وتيمّناً، قال تاج القرّاءِ: ويحتمل أَن يقال: أَراد بالأَوّل الشّمس؛ قياساً على القمرين. ولهذا ذكَّر فقال: {وَجُمِعَ الشمس والقمر} أَى جُمِع القمران؛ فإِنَّ التَّثنية أُخت العطف. وهذه دقيقة.

قوله: {أولى لَكَ فأولى} كرّرها مرّتين، بل كرّرها أَربع مرّات؛ فإِنَّ قوله: {أولى لَكَ} تمام فى الذمّ؛ بدليل قوله: {فأولى لَهُم} ؛ فإِنَّ جمهور المفسرين ذهبوا إِلى أَنَّه للتَّهديد. وإِنَّما كرّرها لأَنَّ المعنى: أَولى لك الموت، فأَولى لك العذاب فى القبر ثمّ أَولى أَهوالُ القيامة، فأَولى لك عذاب النَّار، نعوذ بالله منها. فضل السّورة عن أُبىّ: مَنْ قرأَها شهِدْت أَنا وجبرائيل يوم القيامة أَنَّه كان مؤمناً بيوم القيامة، وجاءَ ووجهه مُسْفِرٌ على وجوه الخلائق يوم القيامة، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها أَعطاه الله ثواب أُمّتى ذكرا وأُنثى، وكتب الله له بكلّ آية قرأَها ثمانين حسنة.

بصيرة فى.. هل أتى على الانسان

بصيرة فى.. هل أتى على الانسان السّورة مكِّيّة. وآياتها إِحدى وثلاثون. وكلماتها مائتان وأَربعون. وحروفها أَلْف وخمسون. وفواصل آياتها على الأَلِف، ولها ثلاثة أَسماء: سورة (هل أَتى) ؛ لمفتتحها، وسورة الإِنسان؛ لقوله {عَلَى الإنسان} ، وسورة الدّهر؛ لقوله: {حِينٌ مِّنَ الدهر} . معظم مقصود السّورة: بيان مُدّة خِلقة آدم، وهداية الخَلْق بمصالحهم، وذكر ثواب الأَبرار، فى دار القرار، وذكر المِنّة على الرّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأَمره بالصّبر، وقيام اللَّيل، والمِنَّة على الخَلْق بإِحكام خَلْقهم، وإِضافة كلِّيّة المشيئة إِلى الله، فى قوله: {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} . الناسخ والمنسوخ فيها من المنسوخ ثلاث آيات: م {أَسِيرًا} فى قوله {وَيُطْعِمُونَ الطعام} م، والصّبر من قوله {فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} م، والتخيير من قوله: {فَمَن شَآءَ اتخذ} ن آية السّيف.

المتشابهات قوله: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ} ، وبعده: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} إِنَّما ذكر الأَوّل بلفظ المجهول؛ لأَنَّ المقصود ما يطاف به لا الطَّائفون. ولهذا قال: {بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ} ثمّ ذكر الطَّائفين، فقال: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} . قوله: {مِزَاجُهَا كَافُوراً} وبعدها: {زَنْجَبِيلاً} ؛ لأَنَّ الثَّانية غير الأُولى. وقيل: {كَافُوراً} اسم عَلَم لذلك الماءِ، واسم الثانى زنجبيل. وقيل اسمها: سلسبيل. قال ابن المبارك: معناه: سَلْ من الله إِليه سبيلاً. ويجوز أَن يكون اسمها زنجبيلاً، ثمّ ابتدأَ فقال: سلسبيلا. ويجوز أَن يكون اسمها هذه الجملة، كقوله: تأَبّط شرّاً، وشاب قرناها. ويجوز أَن يكو معنى تُسمّى: تُذكر، ثمّ قال الله: سل سبيلا، واتصاله فى المصحف لا يمنع هذا التأْويل؛ لكثرة أَمثاله فيه. فضل السّورة فيه من الأَحاديث المنكَرة حديثُ أُبىّ: مَنْ قرأَها كان جزاؤه على الله جَنَّة وحريراً، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ {هَلْ أتى عَلَى الإنسان} أَعطاه الله من الثواب مثلَ ثواب آدم، وكان فى الجنَّة رفيق آدم، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب سيّدَىْ شباب أَهل الجنَّة الحسن والحسين.

بصيرة فى.. والمرسلات

بصيرة فى.. والمرسلات السّورة مكِّيّة. وآياتها خمسون. وكلماتها مائة وإِحدى وثمانون. وحروفها ثمانمائة وستَّة عشر. مجموع فواصل آياتها (عبرتم لنا) على اللاَّم الفَصْل فى الموضعين، وعلى الرّاءِ القصْر، وصُفْر، وعلى الباءِ {ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} ، و {اللهب} . سمّيت سورة المرسلات؛ لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: القَسَم بوقوع القيامة، والخبرُ عن إِهلاك القرون، الماضية، والمِنَّة على الخلائق بإِيجادهم فى الابتداء، وإِدخال الأَجانب فى النَار، وصعوبة عقوبة الحقِّ إِيّاهم وأَنواع كرامة المؤمنين فى الجنَّة، والشكاية عن الكفَّار بإِعراضهم عن القرآن فى قوله: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} . [متشابه سورة المرسلات قوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} مكرّر عشر مرات: لأَن كل واحدة منها ذكرت عقيب آية غير الأُولى، فلا يكون تكرارها مستهجَنا. ولو لم يكرّر كان متوعّدا على بعض دون بعض. وقيل: إن من عادة العرب التكرار

والإطناب؛ كما من عادتهم الاقتصار والإِيجاز. وبسط الكلام فى الترغيب والترهيب أَدعَى إِلى إِدراك البغية من الإِيجاز] . فضل السّورة فيه حديثان ضعيفان: مَنْ قرأَها كُتب [له] أَنَّه ليس من المشركين: وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها أَظلَّه الله فى ظلّ عرشه مع الصّدّيقين والشُّهداءِ، وكَتَبَ الله له بكلّ آية قرأَها أَلفَ حسنة.

بصيرة فى.. عم يتساءلون

بصيرة فى.. عم يتساءلون السّورة مكِّيّة. وآياتها إِحدى وأَربعون فى عدّ المكِّى والبصرىّ، وأَربعون فى عدّ الباقين. وكلماتها مائة وثلاث وسبعون. وحروفها ثمانمائة وستّ عشرة. المختلف فيها آية {عَذَابًا قَرِيْبًا} . فواصل آياتها: (منا) وعلى الميم آية {العَظِيمِ} ولها اسمان: {عَمَّ يَتَسَآءَلُوْنَ} لقوله: {يَتَسَآءَلُوْنَ} والنبأ؛ لقوله: {عَنِ النبإ العظيم} . معظم مقصود السورة: ذكر القيامة، وخَلْق الأَرض والسّماءِ، وبيان نفع الغَيْث، وكيفيّة النَشْر والبعث، وعذاب العاصين، وثواب المطيعين من المؤمنين، وقيام الملائكة فى القيامة مع المؤمنين، وتمنِّى الكفَّار المحالَ فى قوله: {ياليتني كُنتُ تُرَاباً} . السّورة محكمة. المتشابهات قوله: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} قيل: التكرار للتأكيد. وقيل: الأَوّل للكفَّار، والثَّانى للمؤمنين. وقيل: الأَوّل عند النزع، والثانى فى القيامة. وقيل: الأَوّل رَدْع عن الاختلاف، والثانى عن الكفر.

قوله: {جَزَآءً وِفَاقاً} وبعده: {جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً} ؛ لأَنَّ الأَوّل للكفَّار، وقد قال الله تعالى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} فيكون جزاؤهم على وَفْق أَعمالهم. والثَّانى للمؤمنين، وجزاؤهم [يكون] وافياً كافياً. فلهذا قال: {حِسَابًا} أَى وافياً من قولك: حسبى (وكفانى) . فضل السّورة فيه من الأَحاديث الشَّاذَّة حديث أُبىّ: مَنْ قرأَها سقاه الله بَرْد الشراب يوم القيامة، وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَها سُمّى فى السّماوات أَسِير الله فى الأَرض، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب هود عليه السّلام.

بصيرة فى.. والنازعات غرقا

بصيرة فى.. والنازعات غرقا السّورة مكِّيّة. آياتها ستّ وأَربعون فى عدّ الكوفة، وخمس عند الباقين. وكلماتها مائة وتسع وسبعون. وحروفها سَبْعمائة وثلاث وخمسون. المختلف فيها اثنتان: {وَلأَنْعَامِكُمْ} طغى. فواصل آياتها (هم) ، على الميم آية واحدة: {وَلأَنْعَامِكُمْ} . معظم مقصود السّورة: القَسَم بنَفْخَة الصُّور، وكيفِيّة البَعْث والنُّشُور، وإِرسال موسى إِلى فرعون، والمِنَّة بخَلْق السّماءِ والأَرض، وتحقيق هَوْل القيامة، وبيان حال مَنْ آثر الدّنيا، والخبر من حال أَهل الخوف، واستعجال الكافرين بالقيامة، وتعجّبهم منها فى حال البعث فى قوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا} إِلى آخرها. والسّورة محكمة. المتشابهات قوله: {فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى} ، وفى عبس {فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة} ؛ لأَنَّ الطَّامّة مشتَقَّة من طمَمْت البِئر إِذا كبستَها. وسمّيت القيامة

طامة، لأَنَّها تكبِس كلّ شىء وتكسِره. وسمّيت الصَّاخة - والصّاخَّة: الصّوت الشَّديد - لأَنَّ من شدّة صوتها يحيا النَّاس؛ كما ينتبه النَّائم (من الصّوت) الشديد. وخُصّت النازعات بالطَّامة: لأَنَّ الطَّم قبل الصّخ، والفزع قبل الصّوت، فكانت هى السّابقة، وخُصّت (عبس) بالصّاخَّة؛ لأَنَّها بعدها. وهى اللاَّحقة. فضل السّورة فيه حديثان منكَران: عن أُبىّ: مَنْ قرأَها كان حَبْسه فى القبور، وفى القيامة، حتى يدخل الجنَّة قدْرَ صلاةٍ مكتوبة، وعن علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها استغْفَرَت له الملائكة أَيّام حياته، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب الَّذين آمنوا بموسى.

بصيرة فى.. عبس وتولى

بصيرة فى.. عبس وتولى السّورة مكِّيّة. وآياتها ثنتان وأَربعون فى الحجاز، والكوفة، وواحدة فى البصره، وأَربعون فى الشأم. وكلماتها مائتان وثلاث وثلاثون. وحروفها خمسمائة وثلاث وثلاثون. والمختلف فيها من الآى ثلاث: {وَلأَنْعَامِكُمْ} {طَعَامَهُ} الصّاخَّة. فواصل آياتها (هما) وعلى الميم آية: {وَلأَنْعَامِكُمْ} وسمّيت عبس لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: بيان حال الأَعمى، وذكر شرفِ القرآن، والشّكاية من أَبى جهل، وإِنكاره البعث والقيامة، وإِقامة البرهان من حال النبات على البعث، وإِحياءِ الموتى، وشُغُل الخلق فى العَرَصات، وتفاوُت حال أَهل الدّرجات والدّركات، فى قوله: {وُجُوْهٍ} إِلى آخرها. المنسوخ فيها آية واحدة: {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} م آية السّيف ن. المتشابه قوله: {الصآخة} سبق فى النَّازعات.

فضل السّورة فيه حديث أُبىّ الشَّاذّ: مَن قرأَها جاءَ يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها جاءَ يوم القيامة ووجهه يتلأْلأ، وله بكلّ آية قرأَها ثواب (المتشحّط فى دمه) .

بصيرة فى.. اذا الشمس كورت

بصيرة فى.. اذا الشمس كورت السّورة مكِّيّة. وآياتها تسع وعشرون فى عدّ الجميع، وثمان فى عدّ أَبى جعفر، أَسقط أَبو جعفر {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} وكلماتها مائة وأَربعون. وحروفها خمسمائة وثلاث وثلاثون. فواصل آياتها (تسنَّم) . تسمّى سورة كُوّرت، وسورة التكوير؛ لمفتتحها. مقصود السّورة: بيان أَحوال القيامة، وأَهوالِها، وذِكر القَسَم بأَنَّ جبريل أَمين على الوحى، مكِينٌ عند ربّه، وأَنَّ محمّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأمتَّهم ولا بخيل بقول الحقِّ، وبيان حقيقة المشيئة والإِرادة قى قوله: {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّ العالمين} . المنسوخ فيها آية واحدة: {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ [م] وَمَا تَشَآءُونَ} ن. المتشابهات قوله: {وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ} ، وفى الانفطار: {وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ} ؛ لأَنَّ معنى {سُجِّرَتْ} عند أَكثر المفسّرين: أُوقدت، فصارت ناراً، من قولهم: سجّرت التنوّرة. وقيل: بحار جهنَّم تُملأُ حميماً، فيعذَّبُ

بها أَهلُ النَّار. فخُصّت هذه السّورة بسُجّرت؛ موافقةً لقوله تعالى {سُعِّرَتْ} ليقع الوعيد بتسعير النار وتسجير البحار، وفى الانفطار وافق قوله: {وَإِذَا الكواكب انتثرت} أَى تساقطت {وَإِذَا البحار فُجِّرَتْ} أَى سالت مياهها ففاضت على وجه الأَرض، {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} : قلبت وأُثيرت. وهذه أَشياءُ كلّها زالت [عن] أَماكِنها، فلاقت كلُّ واحدة قرائنَها. قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ} ، وفى الانفطار {قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} ، لأَنَّ ما فى هذه السّورة متَّصل بقوله: {وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ} فقرأَها أَربابها، فعلمت ما أَحضرت، وفى الانفطار متَّصل بقوله: {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} والقبور كانت فى الدنيا فتتذكر ما قدّمت فى الدّنيا، وما أَخَّرت فى العُقْبى، وكلّ خاتمة لائقة بمكانها. وهذه السّورة من أَوّلها إِلى آخرها شرط وجزاء، وقسم وجواب. فضل السّورة فيه من الأَحاديث الواهية حديث أُبىّ: مَنْ أَحبّ أَن ينظر إِلى يوم القيامة فليقرأ {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} ، ومن قرأَها أَعاذه الله أَن يفضحه حين ينشر صحيفته، وحديث على: يا علىّ مَنْ قرأَها أَعطاه الله ثواب الصّالحين، وله بكلّ آية ثوابُ عِتْق رقبةٍ، ووجدت فى بعض الحواشى عن بعض المفسرين: مَنْ لدغته العقربُ يقرأ ثلاث مرَّات {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} ، وينفُخها فى ماء، ثمّ يشربه، يسكنْ فى الحال.

بصيرة فى.. اذا السماء انفطرت

بصيرة فى.. اذا السماء انفطرت السّورة مكِّيّة. وآياتها تسع عشرة. وكلماتها مائة. وحروفها ثلاثمائة وتسعَ عشرة. فواصل آياته (مَكِنه) . على الهاءِ آخِرُ السّورة. تسمّى سورة (انفطرت) وسورة (الانفطار) ؛ لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: الخبر عن حال السّماءِ ونجومها فى آخر الزَّمان، وبيان غَفْلَة الإِنسان، وذكر الملائكة الموكَّلين بما يصدر من اللسان والأَركان، وبيان إِيجاد الحقِّ - تعالى - الحكم يوم يُحشر الإِنس والجان. السورة محكمة. وسبق ما فيها من المتشابه. وقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين} تكرار أَفاد التعظيم ليوم الدّين. وقيل: أَحدهما للمؤمنين، والثَّانى للكافرين. فضل السّورة فيه عن أُبىّ: مَنْ قرأَها أَعطاه الله من الأَجر بعدد كلّ قبر حسنةً، وبعدد كلّ قَطْرة ماءِ حسنة، وأَصلح الله شأنه يوم القيامة. وعن على: يا علىّ مَنْ قرأَها جعل الله كلّ آية فى ميزانه أَثقل من السّماوات، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب الَّذين عَمروا بيت المقدس.

بصيرة فى.. ويل للمطففين الذين

بصيرة فى.. ويل للمطففين الذين السّورة مكِّيّة. وآياتها ستّ وثلاثون. وكلماتها مائة وتسع. وحروفها أَربعمائة وثلاثون. وفواصل آياتها (من) سمّيت (المطفِّفين) لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: تمام الكيل والميزان، والاحترازُ عن البَخْس والنُّقصان، وذكر السّجّين لأَهل العصيان، وذكر العِلِّيّين لأَهل الإِيمان، ودَلال المؤمنين والمطيعين فى نعيم الجنان، وذُلّ العصيان فى عذاب النِّيران، ومكافأَتهم على وَفْق الجُرْم (والكفران فى قوله {هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} . السّورة محكمة بتمامها. فيها من المتشابه قوله: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} وبعده: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} التقدير فيها: إِنَّ كتاب الفجّار لكتاب مرقوم فى سجّين، وإِنَّ كتاب الأَبرار لكتاب مرقوم فى عليّين. ثمّ ختم

الأَوّل بقوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ، لأَنه فى حقِّ الكفَّار، وختم الثَّانى بقوله: {يَشْهَدُهُ المقربون} فختم كلّ واحد بما لا يصلح سواه مكانه. فضل السّورة فيه الحديثان الضَّعيفان: عن أُبىّ: مَنْ قرأَها سقاه الله من الرّحيق المختوم يوم القيامة، وعن علىّ: يا علىّ من قرأَها كان فى الجنَّة رفيق خَضِر، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب العادلين بالحقِّ.

بصيرة فى.. اذا السماء انشقت

بصيرة فى.. اذا السماء انشقت السّورة مكِّيّة. وآياتها ثلاث وعشرون عند الشَّامى والبصرىّ، وخمس عند الباقين. وكلماتها مائة وسبع. وحروفها أَربعمائة وثلاث وثلاثون. والمختلف فيها اثنان {بِيَمِيْنِهِ} {وَرَآءَ ظَهْرِهِ} . فواصل آياتها (قهرتمان) على الرّاءِ {يَحُوْر} وعلى الميم {أَلِيْم} . وتسمّى سورة (انشقت) وسورة الانشقاق؛ لافتتاحها. مقصود السّورة: بيانُ حال الأَرض والسّماءِ فى طاعة الخالِق - تعالى - وإِخراج الأَموات للبعث، والاشتغال بالبِرّ والإِحسان، وبيان سهولة الحساب للمطيعين، والإِخبار عن فَرَحهم وسرورهم بنعيم الجنان، وبكاء العاصين والكافرين، وويلهم بالثبوت فى دَرَكات النيران، والقَسَم بتشقُّق القمر، واطِّلاع الحقّ على الإِسرار والإِعلان، وجزاء المطيعين من غير امتنان، فى قوله: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} . السّورة محكمة بتمامها.

متشابه سورة انشقت قوله: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} مرتين، لأَن الأَول متصل بالسماءِ، والثانى متصل بالأَرض. ومعنى أَذِنت: سمعت وانقادت، وحق لها أَن تسمع وتطيع، وإِذا اتصل واحد بغير ما اتصل به الآخر لا يكون تكرارا. قوله: {بَلِ الذين كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ} وفى البروج {فِى تَكْذِيبٍ} راعى فواصل الآى، مع صحة اللفظ وجودة المعنى. فضل السّورة فيه من الأَحاديث المتروكة حديث أُبىّ: مَن قرأَها أَعاذه الله أَن يعطيه كتابه وراءَ ظهره، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها كَتَب الله له بعدد أَوراق الأَشجار، ونبات الأَرض حسنات، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثوابِ أَولياءِ الله.

بصيرة فى.. والسماء ذات البروج

بصيرة فى.. والسماء ذات البروج السّورة مكِّيّة. وآياتها اثنتان وعشرون. وكلماتها مائة وتسع. وحروفها أَربعمائة وثمان وخمسون. وفواصل آياتها (قرط ظب جدّ) . سمّيت سورة البروج؛ لذكرها فى أَوّلها. معظم مقصود السّورة: القَسَم على أَصحاب الأخدود، وكمال ملكة الملِك المعبود، وثواب المؤمنين فى جِوار المقام المحمود، وعذاب الكافرين فى الجحيم المورود، وما للمطيع والعاصى من كرم الغفور الودود، والإِشارة إِلى هلاك فرعون وثمود. والسّورة محكمة بكمالها. متشابه سورة البروج: قوله: {ذَلِكَ الفوز الكبير} (ذلك) مبتدأ، و (الفوز) خبره. و (الكبير) صفته. وليس فى القرآن نظيره. فضل السّورة فيه حديث أُبى: من قرأَها فله (بكلّ يوم الجمعة وكل يوم عرفة)

يكون فى دار الدّنيا عشرُ حسنات، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها كتب الله له بكلّ نجم فى السّماءِ عشر حسنات، ورَفَع له عشر درجات، وكأَنَّما صام بكل آية قرأَها عشرة أَيّام.

بصيرة فى.. والسماء والطارق

بصيرة فى.. والسماء والطارق السّورة مكِّيّة. وآياتها سبعَ عشرة فى عدّ الجميع، غير أَبى جعفر؛ فإِنَّها عند ستَّ عشرة. أَسقط {يَكِيْدُوْنَ كَيْدًا} ، وعدّها الباقون. وكلماتها إِحدى وستُّون. وحروفها مائتان وتسع وثلاثون. فواصل آياتها (ظلّ بق عار) . سمِّيت بأَوّلها الطارق. مقصود السّورة: القسم على حفظ أَحوال الإِنسان، والخبر عن حاله فى الابتداءِ والانتهاءِ، وكشف الأَسرار فى يوم الجزاءِ، والقَسَم على أَنَّ كلمات القرآن جَزْل، غير هَزْل، من غير امتراءِ، وشفاعة حضرة الكبرياءِ إِلى سيّد الأَنبياءِ بإِمهال الكافرين، فى العذاب والبلاءِ، فى قوله: {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} . المنسوخ فيها آية واحدة: م {فَمَهِّلِ الكافرين} ن آية السّيف. ومن المتشابه {فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} وهذا تكرار، وتقديره: مهِّل مهِّل مهِّل؛ لكنَّه عدل فى الثَّانى إِلى (أَمهل) ؛ لأَنَّه من أَصله، وبمعناه: كراهة التكرار، وعدل فى الثالث إِلى قوله: {رُوَيْداً} ؛ لأَنَّه بمعناه، أَى أَرْودهم إِرواداً. ثم صُغِّر (إِرواداً) تصغير التَّرخيم، فصار: رويداً. وقيل: (رويدًا) صفة مصدر محذوف، أَى إِمهالاً رُويْدًا، فيكون التكرار مرّتين. وهذه أُعجوبة.

فضل السّورة فيه حديثان ضعيفان: عن أُبىّ: مَنْ قرأَها أَعطاه الله من الأَجر بعدد كلّ نجم فى السّماءِ عشرَ حسنات. وقال: يا علىّ من قرأَها فكأَنَّما قرأَ ثلثى القرآن، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ مَن يأْمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.

بصيرة فى.. سبح اسم ربك الأعلى

بصيرة فى.. سبح اسم ربك الأعلى السّورة مكِّيّة. آياتها تسعَ عشرة بالإِجماع. وكلماتها ثمان وسبعون. وحروفها مائتان وإِحدى وسبعون. فواصل آياتها على الأَلف. سمّيت سورة الأَعلى؛ لمفتتحها. مقصود السّورة: بيان عُلُوّ الذات، والصّفات، وذكر الخِلْقة، وتربية الحيوانات، والإِشادة بالثمار، والنبات، والأَمنُ مِن نَسْخ الآيات، وبيان سهولة الطاعات، وذل الكفَّار فى قَعْر الدّركات، والتحضيض على الصّلاة والزَّكات، وفى الدّنيا بقاءُ الخيرات، وفى الآخرة بقاءُ الدّرجات، فى قوله: {والآخرة خَيْرٌ وأبقى} . السّورة محكمة. ومن المتشابه قوله: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى الذي خَلَقَ} ، وفى العلق: {اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ} زاد فى هذه السّورة: {الأعلى} ؛ مراعاة للفواصل وفى هذه السّورة: {خَلَقَ فَسَوَّى} ، وفى العلق {خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ} . فضل السّورة فيه أَحاديث لا يصحّ منها سوى ما رواه عُقْبَة: لمّا نزل {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} قال صلَّى الله عليه وسلَّم: اجعلوها فى ركوعكم،

ولمّا نزل {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} قال صلَّى الله عليه وسلَّم: اجعلوها فى سجودكم. ومن الضَّعيف المتروك حديث أُبىّ: مَنْ قرأَها أَعطاه الله من الأَجر عشر حسنات بعدد كل حرف أَنزله على إِبراهيم، وموسى، ومحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم. وقال: مَنْ قرأَها أَعطاه الله ثواب الشاكرين، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ الصّابرين (وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يحبّ هذه السّورة) ويقرأ بها فى صلاة الوِتْر، ويروى أَنَّ أَوّل من قال سبحانه ربِّى الأَعلى ميكائيل، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَخبِرنى عن ثوابِ مَنْ قالها فى صلاته أَو غير صلاته، فقال يا محمّد ما مِن مؤمن، ولا مؤمنة يقولها فى سجوده، أَو فى غير سجوده، إِلاَّ كانت له فى ميزانه أَثقلَ من العرش، والكرسىّ، وجبال الدّنيا، ويقول الله - تعالى -: صدق عبدى، أَنا الأَعلى، دونى كلُّ شىء، أَشهدوا ملائكتى أَنِّى قد غفرت لعبدى، وأُدخله فى جنتى، وإِذا مات زاره ميكائيل يوماً، يوماً، فإِذا كان يوم القيامة حمله على جَناحه، فيوقفه بين يدى الله عزَّ وجلّ فيقول: يارب شفِّعنى فيه، فيقول: قد شفَّعتك فيه، اذهب به إِلى الجنَّة.

بصيرة فى.. هل أتااك حديث الغاشية

بصيرة فى.. هل أتااك حديث الغاشية السّورة مكِّيّة. وآياتها ستّ وعشرون. وكلماتها اثنتان وتسعون. وحروفها ثلاثمائة وأَحد وثمانون. فواصل آياتها (عمرته) . سمّيت سورة الغاشية؛ لذكرها. معظم مقصود السّورة: التخويف بظهور القيامة، وبيانُ حال المستوجبين للعقوبة، وذكر حال المستحِقِّين للمَثُوبة (وإِقامة الحُجة على وجود الحقِّ) ووعظ الرّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - للأُمّة، على سبيل الشَّفَقَة، وأَن المرجع إِلى الله تعالى فى العاقبة فى قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} . المتشابه: قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} وبعده: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَوّل هم الكفَّار، والثَّانى المؤمنون. وكان القياس أَن يكون الثانى بالواو للعطف؛ لكنَّه جاءَ على وفاق الجُمل قبلها، وبعدها، وليس معهنَّ واو العطف البتَّة. قوله: {وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ} كلّها قد سبق. {وَإِلَى السمآء} و {وإلى الجبال} ليس من الجُمل، بل هى إِتباع لما قبلها. المنسوخ: فيها آية واحدة م {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} ن آية السّيف.

فضل السّورة فيه أَحاديث ضعيفة. منها مَنْ قرأَها حاسبه الله حساباً يسيراً، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها كَتَب الله له بعدد آيات القرآن حسنات، وله بكلّ آية قرأَها بيتٌ من الزعفران فى وسط الجنَّة.

بصيرة فى.. والفجر

بصيرة فى.. والفجر السّورة مكِّيّة. وآياتها ثلاثون فى عدّ الشام، والكوفة، وتسع وعشرون (فى البصرة، واثنتان وثلاثون فى الحجاز، وكلماتها مائة وسبع وعشرون) وحروفها خمسمائة وتسع وتسعون. المختلف فيها أَربع: نعّمه، رزقه بجهنَّم، {فِي عِبَادِي} فواصل آياتها (هاروت ندم) . سمّيت سورة الفجر، لمفتتحها. السورة محكمة. معظم مقصود السّورة: تشريف العِيد، وعرفة، وعشْرِ المحرّم، والإِشارةُ إِلى هلاك عاد، وثمود، وأَضرابهم، وتفاوتُ حال الإِنسان فى النعمة، وحرصه على جَمْع الدّنيا، والمال الكثير، وبيان حال الأَرض فى القيامة، ومجىء الملائكة، وتأَسّف الإِنسان يومئذ على التقصير، والعصيان، وأَنَّ مرجع المؤمن عند الموت إِلى الرّحمة، والرضوان، ونعيم الجنان، فى قوله: {وادخلي جَنَّتِي} . متشابه سورة والفجر قوله تعالى: {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ} وبعده: {وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه} لأَن التقدير فى الثانى أَيضا: وأَما الإِنسان، فاكتفى بذكره فى الأَول؛

والفاءُ لازم بعده؛ لأَن المعنى: مهما يكن من شىء فالإِنسان بهذه الصفة، لكن الفاء أُخِّر ليكون على لفظ الشرط والجزاءِ. فضل السّورة فيه حديث أُبىّ المنكَر: مَنْ قرأَها فى الليالى العشر غفر الله له، ومَنْ قرأَها فى سائر الأَيام كانت له نوراً يوم القيامة، وحديث علىّ: مَنْ قرأَها أَعطاه الله ثواب المصلِّين، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ الحامدين له على كلّ حال.

بصيرة فى.. لا أقسم بهذا البلد

بصيرة فى.. لا أقسم بهذا البلد السّورة مكِّيّة. وآياتها عشرون. وكلماتها اثنتان وثمانون. وحروفها ثلاثمائة وإِحدى وخمسون. فواصل آياتها (هدنا) . سمّيت سورة البلد؛ لمفتتحها، وسورة العقَبَة، لقوله: {فَلاَ اقتحم العقبة} . معظم مقصود السّورة: تشريف مكَّة بحكم القَسَم بها، وشدّة حال الأَدنى، والخبر من سرّه وعلانيته، والمِنَّة عليه بالنعم المختلفة، وتهويل عَقَبَة الصِّراط وبيان النجاة منها، ومدح المؤمنين وصبرهم على البلاءِ، ورحمة بعضهم بعضاً، وخلود الكفَّار فى النَّار فى قوله: {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ} . السّورة محكمة. ومن المتشابهات قوله: {لاَ أُقْسِمُ بهاذا البلد} ثم قال {وَأَنتَ حِلٌّ بهاذا البلد} كرّره وجعله [فاصلا] فى الآيتين. وقد سبق القول فى مثل هذا، وممَّا ذكر فى هذه السّورة على الخصوص أَنَّ التقدير: لا أُقسم بهذا البلد وهو حَرَام وأَنت حِلّ بهذا البلد وهو حلال؛ لأَنَّه أُحِلَّت له مكَّة حتى قيل فيها:

مَن شاءَ قاتل فلما اختلف معناه صار كأَنه غير الأَوّل، ودخل فى القِسْم الذى يختلف معناه ويتَّفق لفظه. فضل السّورة فيه حديثان من نحو ما سبق: مَنْ قرأَها أَعطاه الله الأَمن من غُصّة يوم القيامة، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها قام من قبره، وعليه جناحان خضراوان، فيطير إِلى الجنَّة، وله بكلّ آية ثواب القانتين.

بصيرة فى.. والشمس وضحاها

بصيرة فى.. والشمس وضحاها السّورة مكِّيّة. وآياتها خمس عشرة عند القرّاءِ. وعند المكِّى ستَّ عشرة. وكلماتها أَربع وخمسون. وحروفها مائتان وأَربعون. المختلف فيها آية {فَعَقَرُوْهَا} . فواصل آياتها على الأَلِف؛ سمِّيت سورة (والشمس) ؛ لمفتتحها. مقصود السّورة: أَنواع القَسَم المترادفة، على إِلهام الخَلْق فى الطَّاعة والمعصيّة، والفلاح والخَيْبَة، والخبرُ من إِهلاك ثمود، وتخويف لأَهل مكَّة فى قوله: {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا} . السّورة محكمة. [المتشابه] : قوله: {إِذِ انبعث أَشْقَاهَا} قيل هما رجلان: قُدار ومصدع، فوَحّد لرَوِىّ الآية. فضل السّورة فيه حديث أُبىّ المردودُ: مَن قرأَها فكأَنَّما تصدّق بكلّ شىء طلعت عليه الشمس والقمر، وحديث على: يا علىّ مَن قرأَ {والشمس وَضُحَاهَا} فكأَنَّما قرأَ الزَّبور، وله بكلّ آية قرأَها ثواب مَن صلَّى بين الرّكن والمقام أَلفَ ركعة.

بصيرة فى.. والليل اذا يغشى

بصيرة فى.. والليل اذا يغشى السّورة مكِّيّة. وآياتها إِحدى وعشرون بلا خلاف. وكلماتها إِحدى وسبعون. وحروفها ثلاثمائة وعشر. فواصل آياتها على الأَلف. قيل لها سورة اللَّيل؛ لمفتتحها. مقصود السّورة: القسم على تفاوتُ حال الخَلق فى الإِساءَة والإِحسان، وهدايتُهم إِلى شأْن القرآن، وترهيب بعض بالنار، وترغيبُ بعض بالجِنان والبدارُ إِلى الصّدقة كفارةً للذنوبِ والعصيان، ووعد برضى الرحمن المنَّان، فى قوله: {وَلَسَوْفَ يرضى} . السّورة محكمة. ومن المتشابه: {فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى} وبعده: {فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى} أَى سنهيّئه للحالة اليسرى، والحالة العسرى. وقيل: الأُولى الجنَّة، والثانية النَّار، ولفظة: {سَنُيَسِّرُهُ} للإِزواج وجاءَ فى الخبر "كلٌّ ميّسر لما خُلِق له".

فضل السّورة فى حديث أُبىّ: من قرأَها أَعطاه الله الحُسْنى، ويرضى عنه، وعافاه من العسر، ويَسّر له اليسر، وحديث علىّ: يا علىّ من قرأَها أَعطاه الله ثواب القائمين، وله بكلّ آية قرأَها حاجة يقضيها.

بصيرة فى.. والضحى

بصيرة فى.. والضحى السّورة مكِّيّة. وآياتها إِحدى عشرة. وكلماتها أَربعون. وحروفها مائة واثنتان وسبعون. وفواصلها على (ثرا) . سمّيت (والضُّحى) ، لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: بيان ما للرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم: من الشرف والمنقَبَة، ووعده فى القيامة بالشفاعة، وذكر أَنواع الكرامة له، والمِنَّة، وصيانة الفقر واليُتْم من بين الحرمان والمذلَّة، والأَمر بشكر النِّعمة فى قوله، {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} . فضل السّورة فيه الحديث الضعيف عن أُبىّ: مَن قرأَها كان فيمن أَوصى الله - تعالى - بأَن يشفع له، وعشر حسنات تكتب له بعدد كلّ يتيم وسائل؛ وحديث على: يا علىّ مَنْ قرأَها أَعطاه الله ثواب النبيّين، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ المتصدّق. من المتشابه: {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ} كُرّر ثلاث مرّات؛ لأَنَّها وقعت فى مقابلة ثلاث آيات أَيضاً. وهى {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ} واذكر يتمك {وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ} واذكر فقرك {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَْ} النبوّة والإِسلام {فَحَدِّثْ} واذكر ضلالك.

بصيرة فى.. ألم نشرح

بصيرة فى.. ألم نشرح السّورة مكِّيّة. وآياتها ثمانٍ. وكلماتها ستّ وعشرون. وحروفها مائة وخمسون. وفواصل آياتها (بكا) . وسمّيت لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: بيان شرح صدر المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورفعُ قدرِهِ وذكرِه، وتبديل العسر من أَمره بيسره، وأَمره بالطَّاعة فى انتظار أَجره، والرّغبة إِلى الله - تعالى - والإِقبال على ذكره فى قوله: {وإلى رَبِّكَ فارغب} . السّورة محكمة. المتشابه: قوله: {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} ليس بتكرار؛ لأَنَّ المعنى: إِنَّ مع العسر الَّذى أَنت فيه من مقاساة الكفار يُسْراً عاجلاً، إِنَّ مع العسر الَّذى أَنت فيه من الكفار يُسْراً آجلاً، والعسر واحد واليسر اثنان. وعن عمر - رضى الله عنه - لن يغلِب عُسْر يُسْرَيْن. فضل السّورة فيه الحديثان الضَّعيفان: مَنْ قرأَها فكأَنَّما جاءَنى وأَنا مغتَمّ، ففَرّج عنى، وقال: يا علىُّ مَنْ قرأَها فكأَنَّما أَشبع فقراءَ أُمَّتى، وله بكلّ آية قرأَها حُلَّةٌ يومَ الحَشْر.

بصيرة فى.. والتين

بصيرة فى.. والتين السّورة مكِّيّة. وآياتها ثمان. وكلماتها أَربع وثلاثون. وحروفها مائة وخمسون. وفواصل آياتها (من) . سمّيت لمفتتحها. مقصود السّورة: القَسَم على حُسْنِ خِلْقة الإِنسان، ورجوع الكافر إِلى النيران، وإِكرام المؤمنين بأَعظم المَثُوبات الحِسَان، وبيان أَن الله حكيم وأَحكم فى قوله: {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} . المنسوخ فيها آية: {أَلَيْسَ الله} م آية السّيف ن. المتشابهات: قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ، وقال فى البلد {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في كَبَد} لا مناقضة بينهما؛ لأَنَّ معناه عند كثير من المفسّرين: منتصِب القامة معتدِلها، فيكون فى معنى أَحسن تقويم، ولمراعاة الفواصل فى السّورتين جاءَ على ما جاءَ.

فضل السّورة فيه حديثان ضعيفان: مَنْ قرأَها أَعطاه الله خَصْلَتَيْن: العافية واليقين ما دام فى دار الدّنيا، وأَعطاه الله من الأَجر بعدد من قرأَ هذه السّورة وصام سنة، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَ {والتين والزيتون} فكأَنَّما تصدَّق بوزن جبل ذهباً فى سبيل الله، وكتب الله له بكل آية قرأَها ستين حسنة.

بصيرة فى.. اقرأ باسم ربك

بصيرة فى.. اقرأ باسم ربك السّورة مكِّيّة. وآياتها ثمان عشرة فى الشَّامى، وتسع عشرة فى العراقى، وعشرون فى الحجازى. وكلماتها اثنتان وتسعون. وحروفها مائتان وثمانون والمختلف فيها آيتان: (العلق) {عَلَّمَ بالقلم} . معظم مقصود السّورة: ابتداءٌ فى جميع الأُمور باسم الخالق الربّ - تعالى - جلَّت عظمته، والمِنَّة على الخَلْق بتعليم الكتابة، والحكمة، والشكايةُ من أَهل الضَّلالة، وتهديد أَهل الكفر والمعصية، وتخويف الأَجانب بالعقوبة، وبشارة السّاجدين بالقُرْبة، فى قوله: {واسجد واقترب} . السّورة محكمة. المتشابهات: قوله تعالى: {اقرأ باسم رَبِّكَ} وبعده: {اقرأ وَرَبِّكَ} وكذلك: {الذي خَلَقَ} وبعده: {خَلَقَ} ومثله {عَلَّمَ بالقلم} و {عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} ؛ لأَنَّ قوله: {اقرأ} مطلق فقيّده بالثَّانى و {والذي خَلَقَ} عام، فخصّه بما بعده: و {عَلَّمَ} مبهم فقال: {عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} تفسيراً له.

فضل السّورة: فيه من الأَحاديث الواهية حديث أُبىّ: مَنْ قرأَ سورة (اقرأَ) فكأَنَّما قرأَ المُفَصَّلَ كلَّه، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها أَعطاه الله ثواب المجاهدين وله بكلّ آية قرأَها مدينةٌ، وله بكلّ حرف نورٌ على الصّراطِ.

بصيرة فى.. انا أنزلناه

بصيرة فى.. انا أنزلناه السّورة مكيّة عند بعض المفسّرين، مدنية عند الأَكثرين. آياتها ستّ فى عدّ الشام، وخمس عند الباقين؛ وكلماتها ثلاثون. وحروفها مائة واثنتا عشرة. المختلف فيها آية (القدر) الثالث. فواصل آياتها على الرّاءِ. سمّيت سورة القَدْر؛ لتكرُّر ذكره فيها. معظم مقصود السورة: بيان شرف ليلة القدر فى نصِّ القرآن، ونزول الملائكة المقرّبين من عند الرحمن، واتصال سلامهم طوَال اللَّيل على أَهل الإِيمان، فى قوله: {حتى مَطْلَعِ الفجر} . السّورة محكمة. المتشابهات: قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} (وبعده: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر} ) ثم قال: {لَيْلَةُ القدر} فصرّح به، وكان حقّه الكناية؛ رفعاً لمنزلتها؛ فإِنَّ الاسم قد يُذكر بالصّريح فى موضع الكناية؛ تعظيماً وتخويفاً. كما قال الشَّاعر:

لا أَرى الموتَ يسبق الموتَ شىءٌ ... نغّص الموتُ ذا الغنى والفقيرا فصرّح باسم الموت ثلاث مرّات؛ تخويفًا. وهو من أَبيات كتاب سيبويه. فضل السّورة فيه أَحاديث ضعيفة: عن أُبىّ مَنْ قرأَها أُعطِىَ من الأَجر كمن صام رمضان، وأَحيا ليلة القدر. وقال جعفر: من قرأَها فى ليلة نادى منادِ: استأْنِفِ العمل فقد غفر الله لك، وقال: يا علىّ: من قرأَها فتح الله فى قبره بابين من الجنَّة، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ مَن صلَّى بين الرّكن والمقام أَلف ركعة.

بصيرة فى.. لم يكن الذين كفروا

بصيرة فى.. لم يكن الذين كفروا السّورة مكِّيّة. آياتها فى عدّ البصرى سبع، وعند الباقين ثمان. وكلماتها أَربع وسبعون. وحروفها ثلاثمائة وتسع وتسعون. المختلف فيها آية: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} . فواصل آياتها على الهاءِ. ولها اسمان: سورة المنفكِّين: لقوله: {والمشركين مُنفَكِّينَ} ، وسورة القيِّامة؛ لقوله: {وَذَلِكَ دِينُ القيمة} . معظم مقصود السّورة: بيان تمرّد أَهل الكتاب، والخبرُ من صحة أَحكام القرآن، وذكر وظيفة الخَلْق فى خدمة الرحمن، والإِشادة بخير البريّة من الإِنسان، وجزاء كلّ أَحد منهم بحسب الطَّاعة والعصيان، وبيان أَن موعود الخائفين من الله الرّضا والرضوان، فى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} . السّورة (محكَّمة. والمتشابه فيها إِعادة البينة، والبرية، وقد سبق) . فضل السّورة: صحّ عن النبىّ صلى الله عليه وسلَّم أَنه قال لأُبىّ بن كعب: يا أُبىّ إِنَّ الله أَمرنى أَن أقرأَ عليك {لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ} قال أُبىّ: وسمَّانى؟!. قال:

نعم، فبكى أُبىّ من الفرح. وفيها أَحاديث ضعيفة، منها: لو يعلم الناس ما فى {الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب} لعطَّلوا الأَهل، والمال، وتعلَّموها. فقال رجل من خُزَاعة: ما فيها من الأَجر يا رسول الله؟ فقال: لا يقرؤها منافق أَبداً ولا عبدٌ فى قلبه شك فى الله، والله إِن الملائكة المقربين ليقرءونها منذ خلق الله السماوات [والأَرض] لا يَفْتُرون من قراءَتها. وما من عبدٍ يقرؤها بليل إِلا بعث الله ملائكة يحفظونه فى دينه ودنياه، ويَدْعون الله له بالمغفرةِ والرّحمة. فإِن قرأَها نهاراً أُعطِى من الثواب مثلَ ما أَضاءَ عليه النَّهار، وأَظلم عليه الليلُ، فقال رجل: زدنا من هذا الحديث، فذكر سُوَراً أُخرى قد بيّناها، وحديث على: يا علىّ مَنْ قرأَ (لم يكن) شهد له أَلف مَلَك بالجَنَّة، وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثوابِ رجل أَطعم أَلْف مَريض شهوتَهم.

بصيرة فى.. اذا زلزلت

بصيرة فى.. اذا زلزلت السّورة مَكِّيّة. آياتها ثمان فى عَدّ الكوفة، وتسع فى عدّ الباقين. وكلماتها خمس وثلاثون. وحروفها مائة وتسعَ عشرة. المختلف فيها آيةٌ {أَشْتَاتًا} فواصل آياتها (هما) على الميم آية {أَعمَالَهُمْ} . سمّيت سورة الزلزلة؛ لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: بيان أَحوال القيامة وأَهوالها، وذكر جزاءِ الطَّاعة، وعقوبة المعصية، وذكر وزن الأَعمال فى ميزان العَدْل فى قوله: {فَمَنْ يَّعْمَل} إِلى آخره. السّورة محكمة كلّها. المتشابهات: قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} وإِعادته مرّة أُخرى ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَوّل متصل بقوله: {خَيْراً يَرَهُ} ، والثانى متصل بقوله: {وشَرّاً يَرَهُ} . فضل السّورة فيه أَحاديث ضعيفة. منها حديث أُبى: مَنْ قرأَها أَربع مرّات كان كمن قرأَ القرآن كله. وفى حديث صحيح أَنَّه قال صلَّى الله عليه وسلَّم {إِذَا

زُلْزِلَتِ} تعدل نصف القرآن و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن و {قُلْ ياأيها الكافرون} تعدل ربع القرآن. وفى حديث على المنكر: يا علىّ من قرأَها فله من الأَجر مثلُ أَجر داود، وكان فى الجنَّة رفيق داود، وفتح له بكلّ آية قرأَها فى قبره باب من الجنَّة.

بصيرة فى.. والعاديات ضبحا

بصيرة فى.. والعاديات ضبحا السّورة مكِّيّة. آياتها إِحدى عشرة. وكلماتها أَربعون. وحروفها مائة وستُّون. فواصل آياتها على (دار) . سمّيت سورة العاديات؛ لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: بيان شرف الغُزاة فى سبيل الرحمن، وذكر كفران الإِنسان، والخبر عن اطلاع الملك الدّيّان، على الإِسرار والإِعلان، وذمّ محبّة ما هو فان، والخبر من إِحياءِ الأموات بالأَجساد والأَبدان، وأَنَّه - تعالى - خبير بما للخلق من الطَّاعة والعصيان. السّورة محكمة: متشابه سورة والعاديات قوله: {والعاديات} : أَقسم بثلاثة أَشياء: العاديات والموريات والمغيرات، وجعل جواب القسم أَيضا ثلاثة أَشياء: إِن الإِنسان لربه لكنود، وإِنه على ذلك لشهيد وإِنه لحب الخير لشديد.

فضل السّورة فيه من الأَحاديث الضَّعيفة: مَنْ قرأَها أُعطى من الأَجر عشر حسنات، بعدد مَنْ يأْتى المزدلفة، ويشهد جَمْعاً وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها فكأَنَّما كسا كلّ يتيم فى أُمّتى، وأَعطاه الله بكلّ آية قرأَها حديقة فى الجنَّة.

بصيرة فى.. القارعة

بصيرة فى.. القارعة السّورة مكِّيّة. آياتها إِحدى عشرة فى عدّ الكوفة، وعشرة فى الحجاز، وثمان فى البصرة، والشَّام. وكلماتها ستّ وثلاثون. وحروفها مائة وخمسون فواصل آياتها (شثه) . سمّيت بالقارعة، لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: بيان هيبة العَرَصات، وتأْثيرها فى الجمادات والحيوانات، وذكر وَزن الحسنات والسّيئات، وشرح عيش أَهل الدرجات وبيان حال أَصحاب الدّركات فى قوله: {نَارٌ حَامِيَةٌ} . المتشابهات: قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} ، ثمّ {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} جمع ميزان. وله كِفَّتان (و) عمود ولسان. وإِنَّما جمع لاختلاف الموزونات، وتجدّد الوزن، وكثرة الموزون، أَو جمع على أَنَّ كلّ جزءٍ منه بمنزلة ميزان والله أَعلم. فضل السّورة فيها أَحاديث واهية؛ منها حديث أُبىّ: مَنْ قرأَها ثقَّل الله بها ميزانه يوم القيامة، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها فكأَنَّما ذَبَح أَلف بَدَنة بين الرّكن والمقام، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ المرابِطين، وبكلّ حرف درجة فى الجنَّة، وكُتِب عند الله من الخاشعين.

بصيرة فى.. ألهاكم

بصيرة فى.. ألهاكم السّورة مكِّيّة. وآياتها ثمان. وكلماتها ثمانية وعشرون. وحروفها مائة وعشرون. فواصل آياتها (نمر) . سمّيت سورة التكاثر لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: ذمّ المُقْبِلين على الدّنيا، والمفتخرين بالمال، وبيان أَنَّ عاقبة الكلّ الموت والزَّوال، (وأن) نصيب الغافلين العقوبة والنكال، وأَعدّ للمتمولين المذلَّة والسّؤال، والحساب والوبال، فى قوله: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} . السّورة محكمة. المتشابهات: قوله: {كَلاَّ} فى المواضع الثلاثة فيه قولان. أَحدهما أَنَّ معناه: الرّدع والزجر عن التكاثر. فيحسن الوقف عليه والابتداءِ بما بعده، والثانى أَنه يجرى مجرى القَسَم. ومعناه: حقَّا. قوله: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وبعده: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تكرار للتأْكيد عند بعضهم. وعند بعضهم: هما فى وقتين: فى القبر والقيامة. فلا يكون تكراراً. وكذلك قول من قال: الأَول للكفَّار، والثانى للمؤمنين.

قوله: {لَتَرَوُنَّ الجحيم ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا} تأْكيد أَيضاً. وقيل: الأَوّل قبل الدّخول، والثانى بعد الدّخول. ولهذا قال بعده: {عَيْنَ اليقين} أَى عِيانًا، لستم عنها بغائبين. وقيل: الأَوّل من رؤية العَيْن، والثانى من رؤية القلب. فضل السّورة فيه أَحاديث ساقطة: من قرأَها لم يحاسبه الله بالنِّعم التى أَنعم عليه فى الدّنيا، وأُعطى من الأَجر كأَنَّما قرأَ أَلف آية، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها فكأَنَّما ذَبَح أَلف بَدَنة فيما بين الرّكن والمقام، وله بكلّ آية وحرف درجةٌ فى الجنَّة، وكُتب عند الله من الخاشعين، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ المرابطين.

بصيرة فى.. والعصر

بصيرة فى.. والعصر السّورة مكِّيّة. آياتها ثلاث. وكلماتها أَربع عشرة. وحروفها ثمانٍ وستون المختلف فيها آيتان: {والعصر} {بالحق} . وفواصلها على الرّاءِ. سمّيت بِوَ العصر؛ لمفتتحها. مقصود السّورة: بيان خسران الكفَّار والفجّار، وذكر سعادة المؤمنين الأَبرار، وشرح حال المسلم الشكور الصبّار، فى قوله: {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} . السّورة محكمة. وقيل: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} منسوخ بالاستثناءِ. المتشابهات: قوله: {وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} كرّر لاختلاف المفعولين، وهما {بالحق} و {بالصبر} وقيل: لاختلاف الفاعلين؛ فقد جاءَ مرفوعاً أَنَّ الإِنسان فى قوله: {والعصر} أَنَّه أَبو جهل {إِلاَّ الذين آمَنُواْ} أَبو بكر {وَعَمِلُواْ الصالحات} عُمَر {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} عثمان {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} علىّ رضى الله عن الخلفاءِ (الأَربع) ولعن أَبا جهل. فضل السّورة فيه أَحاديث منكَرة: حديث أُبىّ: مَنْ قرأَها ختم الله له بالصّبر، وكان من أَصحاب الحقِّ يوم القيامة، وحديث على: يا علىّ مَنْ قرأَها فكأَنَّما أَلجم أَلف فرس فى سبيل الله وأَعطاه الله بكلّ آية قرأَها تاجاً من الجوهر.

بصيرة فى.. ويل لكل همزة

بصيرة فى.. ويل لكل همزة السّورة مكِّيّة. آياتها تسع إِجماعاً. وكلماتها ثلاث وثلاثون. وحروفها مائة وثلاثون. فواصل آياتها على الهاءِ. سمّيت سورة الهُمَزة، لمفتتحها، وسورة الحُطَمَة؛ لذكرها فيها. معظم مقصود السّورة: عقوبة العَيّاب المغتاب، وذمّ جَمْع الدّنيا ومنعه وبيان صعوبة العقوبة فى قوله: {فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} . السّورة محكمة. ومن (المتشابه) : (الذى جمع) فيه اشتباه ويحسن الوقف على (لُمَزة) حيث لم يصلح أَن يكون (الذى) وصفا له، ولا بدلاً عنه. ويجوز أَن يكون رفعاً بالابتداءِ (يحسب) خبره، ويجوز أَن يرفع بالخبر أَى هو الذى جَمَع. ويجوز أَن يكون نصباً على الذمّ، بإِضمار أَعنى ويجوز أَن يكون جَرّا بالبدل من قوله: (كلّ) . فضل السّورة فيه أَحاديث ضعيفة. منها حديث أُبىّ: من قرأَها أُعطِى من الأَجر عشر حسنات بعدد من استهزأَ بمحمّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأَصحابه، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها فكأَنَّما تصدّق بوزن جَبَل أُحُد ذهبا فى طاعة الله، وأَعطاه الله بكلّ آية قرأَها ستّمائة حسنة.

بصيرة فى.. ألم تر كيف

بصيرة فى.. ألم تر كيف السّورة مكِّية آياتها خمس إِجماعاً. وكلماتها ثلاث وعشرون. وحروفها ثلاث وتسعون. فواصل آياتها على اللاَّم. سمّيت سورة الفيل؛ لقوله: {بِأَصْحَابِ الفيل} . معظم مقصود السّورة: بيان جزاءِ الأَجانب، ومكرهم، وردُّ كيدهم فى نحرهم، وتسليط أَنواع العقوبة على العصاة والمجرمين، وسوء عاقبتهم بعد حين فى قوله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} . السّورة محكمة. المتشابهات: قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ} أَتى فى مواضع وهذا آخرها. ومفعولاه محذوفان و {كَيْفَ} مفعول {فَعَلَ} لا يعمل فيه ما قبله؛ لأَنه استفهام، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. فضل السّورة فيه عن أُبىّ: مَنْ قرأَ سورة الفيل عافاه الله أَيّام حياته فى الدّنيا من القَذْف والمسْخ، وحديث علىّ: يا علىّ مَن قرأَها فكأَنَّما تصدّق بوزنه ذهبا، وله بكلّ آية قرأَها شربة يشربها إِذا خرج من قبره، وأَعطاه الله ثواب الصدّيقين.

بصيرة فى.. لايلاف قريش

بصيرة فى.. لايلاف قريش السّورة مَكِّيّة. آياتها خمس فى عدّ الحجاز، وأَربع فى عدّ الباقين. وكلماتها تسع عشرة. وحروفها ثلاث وسبعون. المختلف فيها آية: {مِنْ جُوْعٍ} فواصل آياتها (شَفَتْ) . سمّيت سورة قريش؛ لذكر أُلفتهم فيها. معظم مقصود السّورة: ذكر المِنَّة على قريش، وتحضيضهم على العبادة، وشكر الإِحسان، ومعرفة قَدْر النِّعمة والعاقبة والأَمان، فى قوله: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} . المتشابهات: قوله: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ} كرّر؛ لأَنَّ الثَّانى بدل من الأَوّل أَفاد بيان المفعول، وهو {رِحْلَةَ الشتآء} . وعن الكسائى وغيره تَرْكُ التسمية بين السّورتين، على أَنَّ اللاَّم فى (لإِيلاف) متَّصل بآخر السّورة التى قبلها. فضل السّورة فيه من الأَحاديث الضعيفة: من قرأَها (أُعطى من الأَجر عشر حسنات بعدد مَنْ طاف بالكعبة واعتكف بها) ، وحديث على: يا علىّ من قرأَها فكأَنَّما قرأَ ثلث القرآن، وكتب الله له بكلّ آية مائة حسنة.

بصيرة فى.. أرأيت

بصيرة فى.. أرأيت السّورة مكِّيّة. آياتها سبع فى عدّ العراقى، وستٌ عند الباقين. وكلماتها خمس وعشرون (وحروفها مائة وخمس وعشرون) . المختلف فيها آية {يُرَآءُونَ} فواصل آياتها على النون. سمّيت سورة الماعون، لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: الشكاية من الجافين على الأَيتام والمساكين، وذمّ المقصّرين والمُرَائين، وما نعى نفع المعونة عن الخيرات والمساكين، فى قوله: {وَيَمْنَعُونَ الماعون} . السّورة محكمة. المتشابهات: قوله: {الذين هُمْ} كرّره ولم يقتصر على مرّة واحدة؛ لامتناع عطف الفعل على الاسم. ولم يقل: الَّذين هم يمنعون؛ لأَنَّه فعل، فحسن العطف على الفعل. فضل السّورة فيه حديثان ضعيفان: مَنْ قرأَها غفر الله له إِن كان للزَّكاة مؤدّيا، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها جعل الله قبره روضة من رياض الجنَّة، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ حِجّة وعمرة.

بصيرة فى.. انا أعطيناك الكوثر

بصيرة فى.. انا أعطيناك الكوثر السّورة مكِّيّة. آياتها ثلاث بالإِجماع. وكلماتها عشر. وحروفها ثنتان وأَربعون. فواصل آياتها على الرّاءِ. سمّيت سورة الكوثر؛ لذكره فيها. معظم مقصود السّورة: بيان المِنَّة على سيّد المرسلين، وأَمره بالصّلاة والقُرْبان، وإِخباره بإِهلاك أَعدائه أَهل الخيبة والخذلان. المتشابهات: قوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر} وبعده: {إِنَّ شَانِئَكَ} قيد الخبرين بإِنَّ، والخبر إذا قيّد بإِنَّ قارب الاسم. فضل السّورة فيه حديثان متروكان: مَنْ قرأَها سقاه الله من أَنهار الجنَّة، وأُعطى من الأَجر عشر حسنات بعدد كلّ قُرْبان قربه العِباد فى يوم عيد، ويقرّبون من أَهل الكتاب والمشركين، وحديث على: يا علىّ مَنْ قرأَ {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر} أَعطاه الله ثواب حَمَلة القرآن، وله بكلّ آية قرأَها ثواب الذاكرين لله على كلّ حال.

بصيرة فى.. قل يأيها الكافرون

بصيرة فى.. قل يأيها الكافرون السّورة مكِّيّة. آياتها ستّ بالإِجماع. وكلماتها ثمانٍ وعشرون. وحروفها أَربع وتسعون. فواصل آياتها على النّون. سمّيت سورة (الكافرون) ، لمفتتحها، وسورة الدّين، لقوله: {وَلِيَ دِينِ} . والمقشقشة. قال أَبو عبيدة: سورتان من القرآن يقال لهما المقشقِشتان: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} و {قُلْ ياأيها الكافرون} تقشقشان الذنوب كما يقشقش الهناءُ الجَرَب. معظم مقصود السّورة: يأْس الكافرين من موافقة النبىّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالإِسلام والأَعمال، فى الماضى، والمستقبل، والحال، وبيان أَن كلّ أَحد مأْخوذ بمالَه عليه إِقبال، وعليه اشتغال. المنسوخ منها {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} م آية السّيف ن. من المتشابهات: قوله: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فى تكراره أَقوال خمسة، ومعانٍ كثيرة، ذكِرت فى التفاسير. وقال محمود بن حَمزة الكرمانىّ: هذا التكرار اختصار وإِيجاز، هو إِعجاز، لأَنه نفى عن نبيّه عبادة الأَصنام فى الماضى، والحال، والاستقبال، ونفى عن الكفار المذكورين عبادة الله فى الأَزمنة الثلاثة أَيضاً. فاقتضى القياس تكرار هذه اللفظة ستَّ مرّات فذكر لفظ الحال،

لأَنَّ الحال هو الزَّمان الموجود. واسم الفاعل واقع موقع الحال، وهو صالح للأَزمنة. واقتصر من الماضى على المسند إِليهم، فقال: {وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} ولأَنَّ اسم الفاعل بمعنى الماضى فعل على مذهب الكوفيّين. فاقتصر من المستقبل على المسند إِليه فقال: {وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} وكان اسم الفاعلين بمعنى المستقبل. وهذا معجزة للقرآن وبرهان. فضل السّورة فيه أَحاديث: مَنْ قرأَها فكأَنَّما قرأَ ربع القرآن، وتباعدت منه مَرَدة الشَّياطين، وبرئ من الشرك وتعافى من الفزع الأَكبر. ويروى أَنًَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لرجل: اقرأْ عند لُبس ثيابك: {قُلْ ياأيها الكافرون} ؛ فإِنها براءَة من الشِّرك. وقد سمّاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم مُقَشقِشةً أَى مُبرئة من النِّفاق. وفيه حديث علىّ الضعيف أَيضاً: يا علىّ مَنْ قرأَها أَنجاه الله من شدّة يوم القيامة، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ المستغفرين بالأَسحار.

بصيرة فى.. اذا جاء

بصيرة فى.. اذا جاء السّورة مدنيّة. وآياتها ثلاث. وكلماتها ستّ وعشرون. وحروفها أَربع وسبعون. فواصل آياتها على الحاءِ والأَلف. وليس فى القرآن آية على الحاءِ غير الفتح. سُمّيت سورة النَّصر؛ لقوله: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله} ، وسورة التَّوديع، لما فيه من بيان نعى المصطفى صلى الله عليه وسلَّم. معظم مقصود السّورة: بيان نعيه، وذكر تمام نُصرة أَهل الإِسلام، ورغبة الخلق فى الإِقبال على دِين الهدى، وبيان وظيفة التسبيح والاستغفار، والأَمر بالتّوبة فى آخر الحال بقوله: {واستغفره إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} . السّورة محكمة. وجواب إِذا مضمر تقديره: إِذا جاءَ نصر الله إِيّاك، على من ناواك، حضر أَجلك. وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: لمّا نزلت هذه السّورة: نعى الله - تعالى - إِلىّ نفسى. فضل السّورة فيه أَحاديث واهية. منها حديث أُبىّ مَنْ قرأَها فكأَنَّما شهِد مع محمّد فتح مكَّة، وحديث علىّ: يا على مَنْ قرأَها أَنجاه الله من شِدّة يوم القيامة، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ المستغفرين بالأَسحار. يا علىّ مَنْ قرأَها كان

فى الدّنيا فى حِرْز الله، وكان آمناً فى الآخرة من العذاب، وإِذا جاءَه مَلك الموت قال الله تعالى له: أَقْرِئ عبدى منى السّلام، وقل له: عليك السّلام. وله بكلّ آية قرأَها مثلُ ثواب مَن أَحسن إِلى ما ملكت يمينه.

بصيرة فى.. تبت

بصيرة فى.. تبت السّورة مكِّيّة. وآياتها خمس بالإِجماع. وكلماتها ثلاث وعشرون. وحروفها سبع وسبعون. فواصل آياتها (دبّ) وتسمّى سورة تبّت، وسورة أَبى لَهَب، وسورة المَسد؛ لذكرها فيها. مقصود السّورة: تهديد أَبى لَهَب على الجفاءِ والإِعراض، وضياع كَسْبه وأَمره، وبيان ابتلائه يوم القيامة، وذمّ زَوْجه فى إِيذاءِ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وبيان ما هو مدّخَر لها من سوءِ العاقبة. السّورة محكمة. ومن المتشابه. قوله تعالى: ( {تَبَّتْ} وبعده: {وَتَبّ} هذا ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَوّل جرى مجرى الدّعاءِ، والثَّانى خَبَر، أَى وقد تبّ. وقيل تبت يدا أَبى لهب أَعملُه، وتبّ أَبو لهب. وقال مجاهد: وتبّ ابنه (وتبّ ابنه) . فضل السّورة فيه حديثان ضعيفان: منْ قرأَها رجوت أَلا يجمع الله بينه وبين أَبى لهب فى دار واحدة، وحديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها أَعطاه الله ثواب الصّالحين، وله بكلّ آية قرأَها ثوابُ عِتق رقبة.

بصيرة فى.. قل هو الله أحد

بصيرة فى.. قل هو الله أحد السّورة مكِّيّة. وآياتها خمس فى عدّ المكِّيّين، والشَّاميّين، وأَربع عند الباقين. وكلماتها إِحدى عشرة وحروفها سبع وأَربعون. المختلف فيها آية {لَمْ يَلِدْ} . فواصل آياتها على الدال. ولها عشرون اسماً: سورة التوحيد، وسورة التفريد، وسورة التجريد، وسورة الإِخلاص، وسورة النجاة، وسورة الولاية، السّابع نسبة الرّب، لقوله (لكل شىء نِسْبة ونسبة [الرّب] قل هو) . الثامن سورة المعرفة. التَّاسع سورة الجمال. العاشر المقشقشة. وقد سبق فى {قُلْ ياأيها الكافرون} الحادى عشرة: المعوّذة. الثَّانى عشر سورة الصّمد. الثَّالث عشر الأَساس. الرّابع عشر المانعة. الخامس عشر المُحْضِرة؛ لأَنَّ الملائكة تحضر لاستماعها من القارئ. السّادس عشر المنفِّرة، لأَنَّها تنفِّر الشَّيطان. السّابع عشر البراءَة، أَى من النّفاق. الثامن عشر المذكّرة. التَّاسع عشر الشافية. العشرون سورة النور؛ لما فى الخبر: إِنَّ لكلّ شىء نوراً، ونورُ القرآن {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} . معظم مقصود السّورة: بيان الوحدانيّة، وذكر الصّمد، وتنزيه الحقّ من الولد والوالد والولادة، والبراءَة من الشركة والشريك فى المملكة.

السّورة محكمة. ومن المتشابه: قوله تعالى: {الله الصمد} كُرّر ليكون كلّ جملة بها مستقلَّة بذاتها، غير محتاجة إِلى ما قبلها. ثمّ نَفَى عنه سبحانه الولد بقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} ، والصّاحبة بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} . فضل السّورة صحّ عن النبى صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: " {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} يعدل ثلث القرآن"، وصحّ أَنَّ بعض الصّحابة كان إِذا صَلَّى أَضاف {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} إِلى السّورة الَّتى يقرؤها بعد الفاتحة، فسأَله النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن سبب ذلك فقال: إِنى أُحبّها يا رسول الله، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: حُبّك إِيّاها أَدخلك الجنَّة. وفيه من الضَّعيف حديث أُبىّ: مَنْ قرأَ هذه السّورة حين يدخل منزله نُفِى الفقرُ عن منزله. وقال: مَنْ قرأَها مرَّة بورِك عليه، ومَنْ قرأَها مرّتين بورك عليه وعلى أَهل بيته، ومن قرأَها ثلاثا بورك عليه وأَهله وماله، ومَنْ قرأَها اثنتى عشرة مرّة بُنى له بكلّ مرّة قصرٌ فى الجنَّة، ومَنْ قرأَها مائة مرّة كفِّر عنه ذنب خمس وعشرين سنة، ومَنْ قرأَها أَربعمائة مَرّة كُفِّر عنه جميع ذنوبه - ما خلا الدّماءَ والأَموال، ومَنْ قرأَها أَلف مرّة لم يمت حتى يَرَى مكانه فى الجنَّة.

وقال جبريل: ما زلت خائفا على أُمّتك حتى نزلت {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} فَأَمِنْتُ عليهم. وقال: رأَيتُ ليلة أُسْرِىَ بى ملائكة يبنون قصرًا فى الجَنَّة، فأَمسكوا عن البِناءِ، فقلت لماذا أَمسكتم؟ فقالوا نفِدتِ النفقة. فقلتُ وما النفقةُ؟ قالوا قراءَة {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} فإِذا أَمسكوا عن القراءَة أَمسكنا عن البناءِ. وفيه حديث علىّ: يا علىّ مَنْ قرأَها ضحك الله إِليه يوم يلقاه، ويُدخله الجنَّة آمِناً، وأَعطاه الله بكلّ آية قرأَها ثوابَ نبىٍّ.

بصيرة فى قل أعوذ برب الفلق

بصيرة فى قل أعوذ برب الفلق السّورة مَدَنِيّة. وآياتها خمس بالإِجماع. وكلماتها ثلاث وعشرون. وحروفها أَربع وسبعون. وفواصل آياتها (دبق) . سمّيت سورة الفَلَق؛ لمفتتحها. معظم مقصود السّورة: الاستعاذة من الشرور، ومن مخافة اللَّيل الدّيجور، ومن آفات الماكرين والحاسدين فى قوله: {إِذَا حَسَدَ} . السورة محكمة. ومن المتشابهات: قوله تعالى: {قُلْ} نزلت فى ابتداءِ خمس سُوَر، وصار مَتْلُوّا بها؛ لأَنَّها نزلت جواباً، وكَرّرَ قوله: {مِنْ شَرِّ} أَربع مرّات؛ لأَنَّ شرّ كلّ واحد منها غير شرّ الآخر. فضل السّورة فيه حديث عُقْبة أَنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "أَلاَّ أُخبرك بأَفضل ما تعوّذ به المتعوّذون؟ قال: قلت: بلى [قال] : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} . وقال يا عقبة أَلا أُعلمك سورتين هما أَفضل القرآن، أَو من أَفضل القرآن! قال قلت: بلى يا رسول الله [قال] : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} وقال: فعلَّمنى المعوّذتين، ثمّ قرأَهما فى صلاة الغداة، وقال لى: اقرأْهما كلَّما قمت ونمت.

بصيرة فى.. قبل أعوذ برب الناس

بصيرة فى.. قبل أعوذ برب الناس السّورة مَدَنِيّة. وآياتها سبع عند المكِّيّين، والشَّاميّين، وستّ عند الباقين. المختلف فيها آية: {مِن شَرِّ الوسواس} . وكلماتها عشرون. وحروفها تسع وسبعون. وفواصلها على السين. وسمّيت سورة النَّاس؛ لتكرّره فيها خمس مرّات. معظم مقصود السّورة: الاعتصام بحفظ الحقِّ - تعالى - وحياطته، والحذر والاحتراز من وَسْواس الشيطان، ومِن تعدّى الجنّ والإِنسان، فى قوله: {مِنَ الجنة والناس} . ومن المتشابه قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} ثمّ كرّر {الناس} خمس مرّات. قيل: كرّر تبجيلاً لهم على ما سبق. وقيل: كرّر لانفصال كلّ آية من الأُخرى بعدم حرف العطف. وقيل: المراد بالأَوّل الأَطفال ومعنى الرّبوبيّة يدلّ عليه، وبالثَّانى الشُّبّان ولفظ المُلْك يدلّ عليه؛ لأَنَّه مُنبئ عن السّياسة - وبالثالث الشيوخ - ولفظ (إله) المنبئ عن العبادة يدلّ عليه؛ وبالرابع الصّالحون والأَبرار - والشيطان مولع بإِغوائهم، وبالخامس المفسدون والأَشرار، وعَطْفه على المعوَّذ منهم يدل ّ عليه.

بصيرة فى.. مجملات السورة

بصيرة فى.. مجملات السورة اعلم أَنَّ عدد سور القرآن - بالاتِّفاق - مائة وأَربعة عشر سورة. وأَمّا عدد الآيات فإِن صدر الأُمّة وأَئمة السّلف من العلماءِ والقراءِ كانوا ذوى عنايةٍ شديدة فى باب القرآن وعِلمه؛ حتى لم يبق لفظ ومعنى إِلاَّ بحثوا عنه، حتى الآيات والكلمات والحروف، فإِنهم حَصَروها وعدُّوها. وبين القرّاءِ فى ذلك اختلاف؛ لكنَّه لفظى لا حقيقىّ. مثال ذلك أَنَّ قرّاءَ الكوفة عدُّوا قوله {والقرآن ذِي الذكر} آية، والباقون لم يعدّوها آية. وقراء الكوفة عدّوا {قَالَ فالحق والحق أَقُولُ} آية والباقون لم يعدّوها، بل جعلوا آخر الآية {فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ، و {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} وهكذا عدّ أَهل مكَّة والمدينة والكوفة والشَّام آخر الآية {والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ} ، وأَهل البصرة جعلوا آخرها {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} ولا شكَّ أَنَّ ما هذا سبيله اختلاف فى التَّسمية لا اختلاف فى القرآن.

ومن هاهنا صار عند بعضهم آيات القرآن أَكثر، وعند بعضهم أَقلّ، لا أَن بعضهم يزيد فيه، وبعضهم ينقص، فإِنَّ الزّيادة والنّقصان فى القرآن كفر ونفاق؛ على أَنَّه غير مقدور للبشر؛ قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . فإِذا علمت هذه القاعدة فى الآيات. فكذلك الأَمر فى الكلمات والحروف، فإِنَّ بعض القرّاءِ عدّ (فى السّماءِ) و (فى الأَرض) و (فى خَلْق) وأَمثالَها كلمتين، على أَنَّ (فى) كلمةٌ، و (السّماء) كلمة، وبعضهم عدّهما كلمة واحدةً فمن ذلك حصل الاختلاف؛ لأَنَّ مَن عدّ (فى السّماءِ) وأَمثَاله كلمتين كانت كلمات القرآن عنده أَكثر. وأَما الحروف فإِن بعض القراءِ عدّ الحرف المشدّد حرفين، فيكون على هذا القرآن عنده أَكثر. فإِذا فهِمت ذلك فاعلم أَنَّ عدد آيات القرآن عند أَهل الكوفة ستة آلاف ومائتان وستّ وثلاثون آية. هكذا مسند المشايخ من طريق الكسائى إِلى علىّ بن أَبى طالب. وقال سليم عن حمزة قال: هو عدد أَبى عبد الرّحمن السُّلَمى. ولا شكَّ فيه أَنَّه عن على، إِلا أَنى أجبُن عنه. وروى عبد الله بن وهب عن عبد الله بن مسعود أَنَّه قال: آيات القرآن ستَّة آلاف ومائتان وثمان عشرة آية. وحروفها ثلاثمائة أَلْف حرف وستمائة حرف وسبعون حرفاً، بكلّ حرف منها عشر حسنات لقارئ القرآن. وروينا عن الفضل بن عبد الحنَّان قال: سمعت أَبا معاذ النحوىّ يقول: القرآن ستَّة آلاف آية ومائتان

وسبع عشرة آية. وهو ثلاثمائة أَلف حرف وأَحد وعشرون أَلفَ حرف ومائتان حرف. وقال: صاحب الإِيضاح: عدد آيات القرآن فى قول المدَنىّ الأَوّل ستَّة آلاف ومائتان (وأَربع عشرة آية، وهو أَحد وعشرون وأَلْف. وهو العدد الذى رواه أَهل الكوفة عن أَهل المدينة، قال: وفى قول المدنىّ الأَخير ستة آلاف ومائتان) وسبع عسرة آية. وهو عدد شَيْبة بن نِصَاح قال: وفى عدد يزيد بن القعقاع: ستَّة آلاف ومائتان وعشر آيات. قال: وعددها عند أَهل مكَّة ستة آلاف وعشر آيات. وفى بعض الرّوايات مائتان وخمس وفى بعضها مائتان وأَربع. وعند أَهل الشام ستة آلاف ومائتان وستّ (وعشرون آية. وروينا عن ابن عباس وابن سيرين أَنه ستة آلاف ومائتان وست) عشرة آية وعن عطاءِ بن يسارٍ أَنَّه ستَّة آلاف ومائة وتسعون وسبع آيات. وعن قتادة مائتان وثمان عشرة آية. هذه جملة الاختلاف فى عدّ الآى. قلت: ومن هذه الجملة أَلف آية وستمائة آية فى قِصَصِ الأَنبياءِ، وأَلف ومائتان فى شرائع الإِيمان، وأَلف وعشرون فى التوحيد والصّفات، وأَلْف فى ترتيب الولايات، وأَربعمائة فى الرُّقية وتعويذ الآفات، وأَربعمائة فى أَنواع المعاملات، ومائة فى عذر جُرْم العُصات، ومائة فى

ضمان أَرزاق البرّيات، وسبعون فى جهاد الغزات، وخمسون فيما يتعلق بقصد مكّة وعرفات. والباقى فى أَحكام النكاح، وطلاق المنكوحات. أَمّا عدد كلمات القرآن على سبيل الإِجمال. اعلم أَنَّ كلمات القرآن مع أَوائل السّور - نحو حم والم - سبعون أَلفاً وسبعة آلاف وأَربعمائة وسبع وثلاثون كلمة. ورُوى عن عطاءِ بن يَسار أَنَّها سبعون أَلفًا وسبعة آلاف وأَربعمائة وسبع وثلاثون كلمة، ومائتان وسبع وسبعون. وأَمّا عدد الحروف فإِنَّ جملتها ثلاثمائة أَلف وثلاث. وعشرون أَلفاً وستمائة وإِحدى وسبعون حرفاً. قال صاحب الإِيضاح: [أَخبرنى] بذلك أَبو الحسن بن الحسين إِجازةً، أَخبرنا عبد الرّحمن بن محمّد، أَنا ابن سلم، انا وكيع، حدّثنى الحسن بن عباس أَنا محمّد بن أَيوب، قال حَسَبُوا حروف القرآن وفيهم حُمَيد بن قيس فعرضوه على مجاهد وسعيد بن جُبَيْر، فلم يخطئوهم فبلغ ما عدّوه ثلاثمائة أَلفِ حرف وثلاثة وعشرين أَلف حرف وأَحد وسبعين حرفاً، وعدُّوا كِلم القرآن بما فيه من الحَرْف - يعنى الم وحم - فبلغ سبعاً وسبعين أَلف كلمة وأَربعمائة كلمة وسبعاً وثلاثين كلمة. قال: وأَخبرنا الحسن، أَنا أَبو الحسن، أَنا ابن سلم، أَنا وكيع، أَنا إِسماعيل بن مجمع، أَنا محمّد بن يحيى،

أَنا عبد الملك بن عبد الرّحمن، حدّثنى أَيوب، وأَبو عكرمة، عن مرجّى، عن جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، وراشد وغيرهما قالوا: قال لنا الحَجَّاج: عُدّوا لى حروف القرآن، ومعنا الحسن وأَبو العالية، ونصر بن عاصم فحَسَبْنَا بالشعير، وأَجمعنا على أَنَّه ثلاثمائة أَلف حرف وثلاثة وعشرون حرفاً. وفى رواية عطاء بن يَسَار: ثلاثمائة أَلف حرف وستّون أَلفًا وثلاثة وعشرون حرفًا. وكلماته سبع وسبعون أَلف كلمة ومائتان وسبع وسبعون كلمة. قال وكيع: قال: أَبو عُمَر حفص بن عُمَر: حدّثنى أَبو عمارة حمزة بن القاسم، عن حمزة الزَّيّات، وأَبى حفص الخراز، قالا: حروف القرآن ثلاثمائة أَلف حرف وثلاثة وسبعون أَلف حرف ومائتان وخمسون حرفاً. وقال وكيع: أَخبرنى الحارث بن محمّد، عن محمّد بن مسعود عن محمّد بن عمر، عن سُوَيد بن عبد العزيز، عن يحيى بن الحارث الذَمارى قال: عدد حروف القرآن ثلاثمائة أَلف حرف وأَحدٌ وعشرون أَلفَ حرف ومائتا حرف وخمسون حرفاً. قال: وكيع: وذكر ابن شمّاس عن أَبى عُمَرَ عن سهل ابن حمّاد، عن شهاب بن شرنُقة، عن راشد أَبى محمّد - وكان شهد الحجّاج حين ميّز القرآن قال: القرآن ستَّة آلاف ومائة وسبع وتسعون آية. وحروفه ثلاثمائة أَلف وأَحد وعشرون أَلف حرف ومائة وثمانية وثمانون حرفاً. وروى بسنده عن عبد الواحد الضَّرير. قال: القرآن ثلاثمائة أَلف حرف وأَحد وعشرون أَلف حرف ومائتان وخمسون حرفاً. وقال: القرآن ستَّة وسبعون أَلف كلمة. وأَمّا نُقَطُةُ فجملة نُقط القرآن مائة أَلف وخمسون أَلفا وستَّة آلاف وإِحدى وثمانون نقطة.

وجملة أَلِفات القرآن أَربعون أَلِفا وثمانية آلاف وثمانمائة أَلف. وجملة الباءَات أَحد عشر أَلفاً ومائتان واثنان باء. وجملة التَّاءَات عشرة آلاف ومائة وتسع وتسعون تاء. وجملة الثاءَات (أَلف ومائتان وست وسبعون ثاء) . وجملة الجيمات ثلاثة آلاف ومائتان وثلاث وسبعون جيماً. وجملة الحاءَات ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسعون حاءً. وجملة الخاءَات أَلفان وأَربعمائة وستَّ عشرة خاءَ. وجملة الدّالات خمسة آلاف وستمائة واثنان وأَربعون دالاً. وجملة الذَّالات أَربعة آلاف وستمائة وتسع وتسعون ذالاً. وجملة الرّاءَات إِحدى عشرة أَلفاً وسبعمائة وثلاث وتسعون راء. وجملة الزّايات أَلف وخمسمائة وسبعون زاياً. وجملة السّينات خمسة آلاف وثمان مائة وأَحَد وتسعون سيناً. وجملة الشِّينات أَلفان ومائتان وثلاث وخمسون شيناً. وجملة الصّادات أَلف وإِحدى وثمانون صاداً. وجملة الضَّادات أَلفان ومائتان وثلاثمائة وتسع ضادات. وجملة الطَّاءَات أَلفان ومائتان وأَربع وسبعون طاء.

وجملة الظَّاءَات ثمانمائة واثنتان وأَربعون ظاء. وجملة العَيْنات تسعة آلاف وعشرون عَيْناً. وجملة الغَيْنَات أَلفان ومائتان وثمان غينات. وجملة الفاءَات ثمانية آلاف وأَربع مائة وتسع وتسعون فاء. وجملة القافات ستَّة آلاف وثمانمائة وثلاثة عشر قافاً. وجملة الكافات عشرة آلاف وثلاثمائة وأَربع وخمسون كافاً. وجملة اللاَّمات ثلاثون أَلفًا وثلاثة آلاف وخمسمائة واثنتان وعشرن لاماً. وجملة الميمات عشرون أَلفاً وستَّة آلاف ومائة وخمس وعشرون ميماً. وجملة النُّونات عشرون أَلفًا وستَّة آلاف وخمسمائة وخمس وعشرون نوناً. وجملة الواوات عشرون أَلفًا وستَّة آلاف وخمسمائة وخمس وستُّون واوا. وجملة الهاءَات تسعة عشر أَلفاً وسبعون هاء. وجملة اللاءَات أَربعة آلاف وتسع وتسعون لاءً. وجملة الياءَات عشرون أَلفاً وخمسة آلاف وتسعمائة وتسع ياءَات. وأَمّا ما ينقله أَبو الفضائل المعينى فى تفسيره ففيه زيادة ونقص على هذا. فإِنَّه قال: جملة الأَلفات أَربعون أَلفًا وثمانية آلاف واثنان وتسعون أَلفًا والباءَات اثنا عشر أَلْفا وأَربعمائة وثمان وعشرون.

والتاءَات أَلفان وأَربعمائة وأَربع. والثاءَات أَلف ومائة وخمس. والجيمات أَربعة آلاف وثلاثمائة واثنتان وعشرون. والحاءَات أَربعة آلاف ومائة وثلاثون. والخاءَات أَلفان وخمسمائة وخمس. والدّالات خمسة آلاف وتسعمائة وثمان وسبعون. والذَّالات أَربعة آلاف وتسعمائة وتسع وثلاثون. والرّاءَات اثنتا عشرة أَلْفا ومائتا وستّ وأَربعون. والزَّايات ثلاثة آلاف وستّ وثلاثون. والسّينات خمسة آلاف وتسعمائة وستّ وتسعون. والشِّينات أَلفان ومائة وإِحدى عشرة. والصّادات أَلف وستّمائة واثنتان وسبعون. والضّادات أَلفان وسبع وثلاثون. والطّاءَات أَلفان ومائتان وأَربع وسبعون. والظَّاءَات ثمانمائة واثنتان وأَربعون. والعينات تسعة آلاف وأَربعمائة وسبعة عشر. والغَيْنَات أَلف ومائتان وسبعة عشر. والفاءَات ثمانية آلاف وأَربعمائة وتسعة عشر. والقافات ستَّة آلاف ومائتان وثلاثة عشر. والكافات عشرة آلاف وخمسمائة وثمان وعشرون.

واللاَّمات ثلاثون أَلْفاً وثلاثة آلاف وخمسمائة واثنتا عشرة. والميمات عشرون أَلفاً وستَّة آلاف وسبعمائة وخمس وخمسون. والنونات أَربعون أَلفاً وخمسة آلاف ومائة وتسعة. والواوات عشرون أَلفاً وخمسة آلاف وخمسمائة وستّ وثمانون. والهاءَات ستَّة عشر أَلفاً وسبعون. واللاَّءَات أَربعة آلاف وتسعمائة وتسع. والياءَات عشرون أَلفاً وخمسة آلاف وتسعمائة وتسعة عشر. *** هذه سُوَر القرآن - بكمالها - مع ذكر موضوع النزول، وعدد الآيات، والحروف، والكلمات، والنِقاط، وما اشتملت عليه السّورة: من المقاصد، وما فيها من المنسوخ والناسخ، وما اختلف فيها من الآيات، وما ورد فى فضل السّورة.

الباب الثاني - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الألف

الباب الثاني - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الألف بصيرة فى الألف هى كلمة على وزن (فَعِل) ، مشتقة من الأُلْفة: ضدّ الوحشة. وقد أَلِفَهُ يَأْلَفُهُ - كعلمه يعلمه - إِلْفاً بالكسر. (وإِلافاً ككتاب) . وهو إِلْف ج آلاف. وهى إِلْفة ج إِلْفَات وأَوالف. والإِيلاف فى سورة قُرَيْش: شِبْه الإِجازة بالخفارة. وتأْويله أَنَّهم كانوا سكَّان الحرم، آمنين فى امتيارِهم، شتاءً وصيفاً، والنَّاسُ يُتَخَطَّفون مِن حولهم. فإِذا عَرَض لهم عارض قالوا: نحن أَهل حرم الله، فلا يُتَعَرّض لهم. وقيل: اللاَّم لام التعجّب، أَى اعجبوا لإِيلاف قريش. وأَلَّف بينهما تأْليفاً: أَوقع الأُلْفة. والمؤلَّفة قلوبُهم أَحد وثلاثون من سادات العرب، أُمر النبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بتأَلُّفهم وإِعطائهم؛ ليرغِّبوا مَن وراءَهم فى الإِسلام. وتأَلَّف فلان فلانا أَى قاربه، ووصله، حتى يستميله إِليه. والإِلْف والأَليف بمعنى. وفى الحديث "المؤمن أَلوف مألوف" وفيه "للمنافقين علامات يعرفون بها: لا يشهدون المساجد

إلاَّ هَجْراً، ولا يأتون الصّلاة إِلاَّ دَبْراً متكبرين متجبّرين لا يألفون ولا يؤلفون. جِيفة باللَّيل بُطَّال بالنّهار". وفى الصحيحين: "الأَرواح جنود مجنَّدة. فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". ويقال: النَّفْس عَزُوفٌ أَلُوفٌ. واشتُقَّت الأَلِف من الأُلفة؛ لأَنها أَصل الحروف، وجملة الكلمات، واللغات متأَلِّفة منها. وفى الخبر: لمّا خلق الله القَلَم أَمره بالسّجود، فسجد على اللَّوح، فظهرت من سجدته نقطةٌ، فصارت النقطة همزة، فنظرت إِلى نفسها، فتصاغرت، وتحاقرت. فلمّا رأَى الله عزَّ وجلّ تواضعها، مدّها وطوّلها، وصيّرها مستوياً مقدّماً على الحروف، وجعلها مفتتح اسمه: الله، وبها انتظمت جميعُ اللغات، ثمّ جعل الْقَلَمُ يجرى، وينطق بحرفِ حرف إِلى تمام تسعة وعشرين، فتأَلَّفت منها الكلمات إِلى يوم القيامة. والأَلْفُ من العدد سُمّى به، لكون الأَعداد فيه مؤتلفة؛ فإِنَّ الأَعداد أَربعة: آحاد، وعشرات، ومئات، وأُلوف. فإِذا بلغت الأَلْف فقد ائتلفت، وما بعده يكون مكرّراً. والأَلِف فى القرآن ولغة العرب يرد على نحو من أَربعين وجهاً:

الأَوّل حرف من حروف التهجّى، هَوَائِىّ. يظهر من الجَوْف، مخرج قريب من مخرج العين، والنّسبة أَلَفِىّ ويجمع أَلِفُون - على قياس صَلِفون، وأَلفات على قياس خَلِفات. والأَلِف الحقيقى هو الأَلِف السّاكنة فى مثل لا، وما، فإِذا تحرّكت صارت همزة. ويقال للهمزة أَلِف، توسُّعاً لا تحقيقاً. وقيل: الأَلِف حرف على قياس سائر الحروف، يكون متحركاً، ويكون ساكنا. فالمتحرك يُسَمّى همزة والساكن أَلِفاً. الثاني: الأَلِف اسم للواحد فى حِساب الجُمّل؛ كما أَنَّ الباءَ اسم للاثنين. الثالث أَلِف العَجْز والضَّرورة؛ فإِنَّ بعض النَّاس يقول للْعَيْن: أَيْن، وللعَيْب: أيْب. الرّابع الأَلف المكرّرة فى مثل راَّب ترئيباً. الخامس الأَلِف الأَصلىّ؛ نحو أَلِف أَمر، وقرأ، وسأَل. السّادس أَلِف الوصل؛ كالَّذى فى ابن وابنة من الأَسماءِ، وكالَّذى فى: انصرُ واقطع من الأَفعال. السّابع أَلف القَطع؛ نحو أَلف أَب، وأُمٍّ، وإِبل فى الأَسماءِ، وأَكرم، وأَعلم، فى الأَفعال. قال: تعالى {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} .

الثَّامن أَلِف الفَصْل: تكون فاصلة بين واو الجماعة واو العطف؛ نحو آمنوا، وكفروا، وكذَّبوا. التَّاسع أَلف الاستفهام نحو {أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون} {أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} . العاشر أَلِف الترنُّم: وقولى إِن أَصبتِ لقد أَصابا. الحادى عشر أَلِف نداءِ القريب: يا آدم، يا إِبراهيم، يا ربّ. الثَّانى عشر أَلِف النُّدبة. ويكون فى حال الوصل مفردا، وفى حال الوقف مقترناً بهاءِ؛ نحو وايَدَاه، ويا زيدا رحمك الله. الثالث عشر أَلف الإِخبار عن نفس المتكلِّم؛ نحو {أَعُوذُ بِاللهِ} {وَأَعْلَمُ مِنَ الله} . الرّابع عشر أَلف الإِشباع موافقةً لفواصل الآيات، أَوْ لتقوافى الأَبيات. والآية نحو {فَأَضَلُّونَا السبيلا} {وَأَطَعْنَا الرسولا} . والشعر نحو: وبَعْدَ غَد بما لا تَعْلَمِينَا

ونحو: فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا الخامس عشر أَلِف التأْنيث. ويكون مقصوراً؛ كحُبلى وبشرى، وممدوداً؛ كحمراء وخضراء. السّادس عشر أَلف التثنية؛ نحو الزيدان فى الأَسماءِ، ويضربان فى الأَفعال؛ قال تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} . السابع عشر أَلف الجمع {وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ} ، ونحو مسلمات، وقانتات. الثامن عشر أَلِف التعجّب، {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار} {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} . التاسع عشر أَلف الفَرْق. وذلك فى جماعة المؤنث المؤكَّدة بنون مشدّدةٍ؛ نحو: اضربنانِّ واقطعنانِّ. العشرون أَلف الإِشارة: للحاضر، نحو هذا وهاتا وذا؛ وللغائب، نحو ذاك وذلك. الحادى والعشرون أَلف العِوض فى ابن واسمٍ؛ فإِنَّ الأَصل بَنَو وسِمُوْ، فلمّا حُذِفَ الواو عُوّض بالأَلف.

الثَّانى والعشرون أَلف البناءِ، نحو صباح ومصباح فى الأَسماءِ، وصالح فى الأَفعال. الثالث والعشرون الأَلف المبدلة من ياءٍ أَو واو؛ نحو قال وكال، أَو مِن نون خفيفة؛ نحو {لَنَسْفَعاً} فى الوقف على لنسفعَنْ، أَو من حرف يكون فى مقدّمته حَرْف من جنسه؛ نحو تقضّى فى تقضَّض {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} أَى مَن دَسّسها. الرّابع والعشرون أَلف الزَّائدة. وهى إِمّا فى أَوّل الكلمة؛ نحو أَحمر وأَكرم؛ فإِنَّ الأَصل حَمِر وكَرُم، وإِمّا فى ثانيها؛ نحو سالم وعالم، وإِمّا فى ثالثها؛ نحو كتاب وعتاب، وإِمّا فى رابعها: نحو قِرْضاب، وشِمْلال، وإِمّا فى خامسها؛ نحو شَنْفَرَى، وإِمَّا فى سادسها؛ نحو قبعثرى. الخامس والعشرون أَلف التَّعريف؛ نحو الرّجل، الغلام. السّادس والعشرون أَلف تقرير النِّعم {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً} {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} . السّابع والعشرون أَلِف التحقيق. ويكون مقترناً بـ (ما) فى صدر الكلام، نحو أَمَا إِنَّ فلاناً كذا.

الثامن والعشرون أَلِف التنبيه. ويكون مقترناً بـ (لا) {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} . التَّاسع والعشرون أَلف التوبيخ {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} . الثلاثون أَلف التعدية؛ نحو أَجلسه وأَقعده. الحادى والثلاثون أَلف التّسوية {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} . الثانى والثلاثون أَلف الإِعراب فى الأَسماءِ السّتّة حالَ النَّصب؛ نحو أَخاك وأَباك. الثالث والثلاثون أَلف الإِيجاب {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} . أَلستم خير مَنْ ركب المطايَا الرّابع والثلاثون أَلف الإِفخام؛ نحو كَلْكال وعَقْراب فى تفخيم الكلكل والعقرب. قال الراجز: نعوذ بالله من العَقْراب ... الشائلاتِ عُقَد الأَذناب الخامس والثلاثون الأَلف الكافية. وهى الأَلف الَّذى يكتفى به عن الكلمة نحو الم. السّادس والثلاثون أَلف الأَداة؛ نحو إِنْ وإِنَّ وأَنَّ.

السابع والثلاثون الأَلف اللُّغوىّ. قال الخليل: الأَلِف: الرجل الفَرْدُ، قال الشاعر: هنالك أَنت لا أَلِف مَهِينٌ ... كأَنَّك فى الوغى أَسَدٌ زَئِيرٌ وقال صاحب العُبَاب: الأَلِف: الرّجل العَزَب. الثامن والثلاثون الأَلِف المجهولة. وهو كلّ أَلِف لإِشباع الفتحة فى الاسم والفعل. الأَربعون أَلِف التعايى بأَن يقول: إِن عمر ثم يُرتَج عليه فيقف قائلاً؛ إن عمرَا فيمدّها، منتظرا لما ينفتح له من الكلام. وأُصول الأَلِفات ثلاث ويتبعها الباقيات: أَصلية، كأَلِف أَخذ؛ وقطعيّة. كأَحمد وأَحسن؛ ووصليّة، كاستخرج واستوفى.

بصيرة فى.. الله

بصيرة فى.. الله وهو اسم مختصّ بالبارئ تعالى. وهو اسم الله الأَعظم عند جماعة من عظماءِ الأُمّة، وأَعلام الأَئمة. وممّا يوضّح ذلك أَنَّ الاسم المقدّس يدلّ على الأَسماءِ الحسنى من وجوه كثيرة سنذكرها إِن شاءَ الله. وللعلماءِ فى هذا الاسم الشريف أَقوال تقارِب ثلاثين قولاً. فقيل: معَرّب أَصله بالسّريانية (لاها) فحذفوا الأَلف، وأَتَوْا بأَلْ. ومنهم مَن أَمسك عن القول تورُّعاً، وقال: الذات، والأَسماءُ، والصّفات جلَّت عن الفهم والإِدراك. وقال الجمهور: عربىّ. ثمّ قيل: صفة؛ لأَنَّ العَلَم كالإِشارة الممتنع وقوعها على الله تعالى. وأُجيب بأَنَّ العَلَم للتعيين، ولا يتضمّن إِشارة حسّيّة. وقال الأَكثرون: عَلَمٌ مرتجل غير مشتقّ. وعُزى للأَكثرين من الفقهاءِ، والأُصوليّين، وغيرهم. ومنهم الشافعى، والخَطَّابىّ، وإِمام الحرمين والإِمام الرّازىّ، والخليل بن أَحمد، وسيبويه. وهو اختيار مشايخنا. والدّليل أَنَّه لو كان مشتَقّاً لكان معناه معنى كليّاً [لا] يمنع نفسُ مفهومه من وقوع الشركة؛ لأَنَّ لفظ المشتقّ لا يفيد إِلاَّ أَنَّه شئٌ مّا مبهَم حصل له ذلك المشتقّ منه؛ وهذا المفهوم لا يمنع من وقوع الشركة فيه بين كثيرين. وحيث أَجمع العقلاءُ على أَنَّ قولنا: لا إِله إِلاَّ الله يوجب التَّوحيد المحْض

علمنا أَنَّه عَلَم للذات، وأَنَّها ليست من المشتقَّات. وأَيضاً إذا أَردنا أَن نذكر ذاتاً، ثمّ نصفه بصفات، نذكره أَوّلا باسمه، ثمّ نصفه بصفات. نقول: زيدُ العالمُ الزَّاهدُ، قال تعالى: {هُوَ الله الخالق البارىء المصور} ولا يرد {العزيز الحميد * الله} لأَنَّ على قراءة الرّفع تُسقط السّؤال، وعلى قراءَة الجرّ هو نظير قولهم: الكتاب مِلْك للفقيه الصّالح زيد؛ ذكر (زيد) لإِزالة الاشتباه. وقيل: بل هو مشتقّ، وعزاه الثَّعلبى لأَكثر العلماءِ. قال بعض مشايخنا: والحقّ أَنَّه قول كثير منهم، لا قول أَكثرهم. واستدلّ بقول رُؤبة: لله دَرُّ الغانيات المُدّهِ ... سَبّحن واسترجعن من تأَلُّهى فقد صرّح الشاعر بلفظ المصدر، وبقراءَة ابن عبّاس {وَيَذَرَكَ وَإِلِهَتَكَ} . ثمّ قيل: مادّته (ل ى هـ) من لاه يليه إِذا ارتفع؛ لارتفاعه - تعالى - عن مشابهة المِثليّات. وقيل: مادّته (ل وهـ) من لاه يلوه إِذا احتجب؛ لاحتجابه - تعالى - عن العقول والعيون، أَو من لاه يلوه: اضطرب؛ لاضطراب العقول والأَفهام دون معرفة ذاته وصفاته، أَو من لاه البرقُ

يَلُوه: إِذا لمَعَ وأَضاءَ؛ لإِضاءَة القلوب، ولمعانها بذكره - تعالى - ومعرفته، أَوْ: لاه الله الخلقَ يَلُوههم: أَى خَلَقَهم. وقيل: مادّته (أَل هـ) من أَلِه إِليه يألَهَ كِسمع يسمع - إِذا فَزِعَ إِليه؛ لأَنَّه يُفزَع إِليه فى المهمّات. قال ابن إِسحاق، أَو من أَلِه: سكن لأَنه يَسكن إِليه القلوب والعقول؛ قال المبرّد، أَو من أَلِه يَأْلَهُ أَلَهاً - كفرح يفرح فرحا - إِذا تحيّر، قاله أَبو عمرو بن العلاءِ. ومعناه أَنَّه تَحَيّرُ العقول فى إِدارك كمال عظمته، وكُنْه جلال عزّته، أَو من أَلِهَ الفَصِيلُ إِذا أُولع بأمّه. وذلك لأَنَّ العباد مولَعون بالتضرّع إِليه فى كلّ حال، أَو من أَلَهَ يَأْلُهُ إِلهةً وتَأَلُّهاً كعَبد يعبُدُ عبادَةً وتَعَبُّداً زنةً ومعنى، قاله النَّضر بن شُمَيْل. والمعنى: المستحِقّ للعبادة، أَو المعنى: المعبود. فعلى الأَوّل يرجع لصفة الذَّات، وعلى الثَّانى لصفة الفعل، قاله الماوردىّ. وصحّح الأَوّل؛ لما يلزم على الثَّانى من تسمية الأَصنام آلِهة، لأَنَّها عُبِدت، هكذا قال، وفيه بحث. وهو أَن المراد بالمعبود المعبودُ بالحقّ أَيضاً. وقيل: مادّته (وَلَ هـ) من وَلِهَ من قوله: طرِب أُبدلت الهمزة من الواو؛ كما قالوا فى وِشاح. وسُمّى بذلك لطرب العقول والقلوب عند ذكره. وحُكى ذلك عن الخليل، وضعّف بلزوم البدل، وقولِهم: آلِهة. ولو كان كما ذكر لقيل أَوْلهة كأَوشحة. ويجوز أَن يجاب بأَنّه لمّا أَبدلت الهمزة (من الواو فى تمام التصاريف حيث قالوا أَلِهَ أَلَها صارت الهمزة) المبرزة

كالأَصلية. فخالف ما نحن فيه إِشاح، فإِنَّها ليست أَصلاً، ولا شبيهة به. قال اللَّغويّون - ومنهم أَبو نصر الجوهرى - أَلِه يأْلَه أَلَها، وأَصله: وَلِه يَوْله وَلَها. وحاصل ما ذكر فى لفظ الجلالة على تقدير الاشتقاق قولان. أَحدهما: لاَهٌ. ونُقل أَصل هذا عن أَهل البصرة. وعليه أَنشدوا: بحَلْفة من أَبى رِيَاح ... يسمعه لاهُهُ الكُبَار والثَّانى: إِلاَه. ونقل عن أَهل الكوفة. قال ابن مالك: وعليه الأَكثرون، ونقل الثعلبى القولين عن الخليل، ونقلهما الواحدىّ عن سيبويه. ووزنه على الأَوّل فَعَل، أَو فَعِل، قلبت الواو والياءُ أَلِفاً، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ وأُدخلت أَلْ، وأُدغمت اللاَّم فى اللاَّم، ولزمت أَل، وهى زائدة؛ إِذ لم تفد معرفةً؛ فتعرُّفُه بالعلميّة. وشذّ حذفها فى قولهم: لاهِ أَبوك، أَى لله؛ كما حذفت الأَلف فى قوله: أَقْبلَ سيلٌ جاءَ مِنْ عِنْدِ اللهْ وقيل: المحذوف فى (لاه) اللاَّم الَّتى من نفس الكلمة. وقال سيبويه فى باب الإِضافة: حذفوا اللامين من لاه أَبوك. حذفوا لام الإِضافة

ثمّ حذفوا اللام الأُخرى؛ ليُخَفِّفوا على اللِّسان. وقال فى باب كم: وزعم الخليل أَن قولهم لاهِ أَبوك، ولقيته أَمسِ، إِنَّما هو على: لله أَبوك ولقيته بالأَمس؛ ولكنهم حذفوا الجارّ والأَلف واللام: تخفيفاً على اللسان. وظاهر هذا الكلام يوافق القول الأَوّل. ووزن أَصل لفظ الجلالة على الثانى - أَعنى قول الكوفيّين - فِعال، ومعناه مفعول؛ كالكتاب بمعنى المكتوب؛ ثم قيل أُدخلت أَلْ على لفظ إِلاه، فصار الإِْلاه، ثمّ نقلت حركة الهمزة إِلى لام التعريف، وحذفت الهمزة فصار أَلِلاَه، ثمّ أُدغم فصار أَلله، وقيل: حُذِفت الهمزة ابتداءً، كقولهم فى أُناس: ناس، ثم جئَ بأَل عوضاً عنها، ثمّ أُدغم. ولم يذكر الزّمخشرى فى الكشَّاف غيره. وهو محكىّ عن الخليل. وأَل فى الله إِذا قلنا: أَصله أَلِلاَه قالوا للغلبة. قرّروه بأَنَّ (إِلاه) يطلق على المعبود بالحقّ والباطل، والله مختصّ بالمعبود بالحقّ، فهو كالنَّجم للثُريّا. ورُدّ بأَنه بعد الحذف والنَّقل لم يُطْلق على كلّ إِله، ثمّ غلب على المعبود بالحقّ. وقد ينفصل عنه بأَنَّ القائل بهذا أَطلق عليها ذلك؛ تجوّزاً باعتبار ما كان؛ لأَن اللفظة منقولة من أَلِلاَه وأَل فى أَلِلاَه للغلبة. فهى فى لفظ الله على هذا مثلُها فى عَلَم منقول من اسمٍ أَل فيه للغلبة. ولكن فيه نظر من جهة أَنَّ النَّقل يتعيّن كونُه ممَّا أَلْ فيه للغلبة: لأَنَّ (أَلِلاَه) من أَسماءِ الأَجناس.

فإِن قيل: المحكىُّ عن الخليل - كما ذكر الثَّعلبىّ - أَن غيره تعالى يطلق عليه (إِله) منكَّرا ومضافاً؛ كقوله تعالى: {اجعل لَّنَآ إلاها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} قيل: المراد من هذه أَنَّه صار بالغلبة مختصّاً به تعالى. وقد أَوضح هذا الزمخشرىّ فقال: والإِلاه من أَسماءِ الأَجناس؛ كالرّجل: يقع على كلّ معبود بحقّ أَو باطل، ثم غلب على المعبود بالحقِّ. وأَمّا الله فمختصّ بالمعبود بالحقّ لم يطلق على غيره. انتهى. وما اختاره القاضى أَبو بكر بن العربى والسّهيلى: من أَنَّ أَلْ فى الله من نَفْس الكلمة إِذا أُخِذ بظاهره ضعيف؛ إِذ وزنه على هذا فَعَّال، فلا مانع من تنوينه حينئذ. وقال شيخى سراج الدّين رحِمه الله فى الكَشْف: حُذِفت الهمزة من الإِلاه حَذْفاً ابتدائِيّاً من غير قياس. والدّليل عليه لزوم الإِدغام، وقولُهم: لاهِ أَبوك. وقيل: الحذف على قياس التخفيف بنقل حركة الهمزة إِلى اللاَّم، ثمّ حذفِها: كما تقدّم؛ لكن لزوم الحذف والتعويض بحرف التعريف مع وجوب الإِدغام مِن خواصّ هذا الاسم؛ ولكونه أَعرف المعارف لا يمكن فى مدلوله الشركةُ بوجه فيستغنى عن التعريف اللاَّمى جعلت لمحض التَّعويض، لتأكيد الاختصاص. وجَوّزوا نداءَه مع اللاَّم العِوضيّة وأَنَّها بمنزلة الهمزة المحذوفة. ولم يجوّزوا فى مثل يا الذى والصّعِق لعدم إِجرائها مُجْرى الأَصليّة، وإن كانت أَلْ فيها جُزْءًا مضمحِلاًّ

عنها معنى التعريف، لأَن رعاية الأَصل واجبة ما لم يعارضه موجِب؛ كالتَّعويض فيما نحن فيه. وأَمّا قطع الهمزة عند القائل بأَنَّ المجموع حرف التعريف، وخُفِّفَتْ وَصْلاً للكثرة فظاهر؛ لأَنَّ ذلك فى لام التعريف، وهذا لا يستمرّ به التخفيف. وعند القائل بأَنَّ اللاَّم وحدها له فلإِنَّه يقول: لمّا كانت اللاَّمُ السّاكنة بدلاً عن حرف وحركتها، كان للهمزة المجتلَبة للنطق بالسّاكنة المعاقِبة للحركة مَدْخَل فى التَّعويض، فلذلك قُطع. والاختصاصُ بحال النِّداءِ فى القولين لأَنَّ التّعويض متحقِّق من كل وجه، للاستغناءِ بالتَّعريف الندائى لو فُرض تعريف مّا باللاَّم. ولوحظ باعتبار الأَصل. وأَيضاً لمّا خولف الأَصلُ فى تجويز الجمع بينهما قطع الهمزة للإِشعار من أَوّل الأَمر بمخالفة هذه اللاَّم لام التَّعريف. ولهذا لم يقطع فى غيره، أَما قول الشَّاعر: من اجلكِ يا الَّتى تَيَّمت قلبى ... وأَنتِ بخيلة بالوصل عنى فشاذّ. وأَطبقوا على أَنَّ اللاَّم فى الله لا تفَخَّم بعد كسرة بسم الله، والحمد لله؛ لأَنَّ الكسرة توجب السُّفل، واللاَّم المفخَّمة حرف صاعد، والانتقال من السُّفْل إِلى التصعّد ثقيل. وأَطبقوا على التفخيم فى غير ذلك. وقال الزنجانى فى تفسيره: تفخيم اللاَّم فيما انفتح ما قبله أَو انضمّ سُنَّة. وقيل: مطلقاً. وأَبو حنيفة - رحمه الله - على الترقيق. وقول الثعلبىّ: غلَّظ بعضُ القرّاءِ اللام حتى طبقوا اللِّسان بالحَنَك، لعلَّه يريد به التغليظ على الوجه المذكور.

وإِنَّما فخَّموا فيه؛ تعظيماً وتفرقةً بينه وبين اللاَّت. وقَوْل الإِمام فخر الدّين: اختُلِف هل اللاَّمُ المغلَّظة من اللغات الفصيحة أَم لا، لا يظهر له أَثر ههنا؛ لإِطباق العرب على التَّغليظ؛ كما قدّمناه. وكتبوا (الله) بلامين، والَّذى والَّتى بواحدة، قيل: تفرقةً بين المعرب والمبنىّ. ويُشكِل بأَنَّهم قالوا الأَجود كَتْب اللَّيل واللَّيلة بلام واحدة. وقيل: لئلا يلتبس بلفظ إِله خطّاً. وحذفوا الأَلِف الأَخيرة خَطًّا؛ (لئلا يشكل) باللاه اسمَ فاعل من لها يَلْهُو، وقيل [تحذف الأَلف] تخفيفاً. وقيل: هى لغة فى الممدودة - وممّن حكاه أَبو القاسم الزّجاجىّ - فاستُعملت خَطّاً. ومنها قول الشاعر: أَقبل سيل جاءَ من عندِ الله ... يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّة المُغلَّهْ وقوله: أَلا لا بارك الله فى سهيل والمشهور أَنَّه من باب الضرورة. وقول الزمخشرى: ومن هذا الاسم اشتقَّ تأَلَّه واستَأْله، غيرُ سديد؛ لأَنَّ لفظ الإِلاه مشتق، وله أَصل عند الزَّمخشرى، وعلى زعمه، فكيف يكون الأَفعال المجرّدة والمزيدة مشتقَّة منه، بل يكون الأَفعال مشتقَّة من المصادر، كما هو رأى البصريّين، وبالعكس كما هو رأْى الكوفيّين.

وأَمّا كون الأَفعال مشتقَّة من الأَسماءِ المشتقة فلم يذهب إِليه ذاهب. والتشبيه باستَنْوق واستحجر أَيضاً محلّ نظر، وذلك أَنَّ النَّاقة والحجر ليسا من المشتقَّات التى يمكن أَخذ الأَفعال من أُصولها بخلاف الإِلآه. ولهذا الاسم خصائص كثيرة: 1- أَنَّه يقوم مقامَ جملةِ أَسماءِ الحقّ - تعالى - وصفاته. 2- أَنَّ جملة الأَسماءِ فى المعنى راجعة إِليه. 3- تغليظ لامه كما سبق. 4- الابتداء به فى جميع الأُمور بمثل قولك: بسم الله. 5- ختم المناشير والتواقيع فى قولك: حسبى الله. 6- ختم الأُمور والأَحوال به {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ} . 7- تعليق توحيد الحَقّ - تعالى - به فى قول لا إِله إِلا الله. 8- تأكيد رسالة الرّسول به فى قولك: محمّد رسول الله. 9- تزيين حَجّ الحُجّاج به فى قولهم: لبّيك اللهم لبّيك. 10- انتظام غزو الغُزاة به فى قولك: الله أَكبر الله أَكبر. 11- افتتاح الصّلاة واختتامها به فى قولك: الله أَكبر، وآخراً: ورحمة الله.

12- به يُفتتح دعاء الدّاعين: اللَّهم اغفر، اللَّهمّ ارحم. 13- لا (ينتقِص معناه بنقص) حروفه. ولا شئَ من الأَسماءِ يتكرّر فى القرآن المجيد وفى جميع الكتب تكرّرَه. أَمّا فى نصّ القرآن فمذكور فى أَلفين وخمسمائة وبضع وستِّين موضعاً. وأَكثر الأَسماء. والصفات، والأَفعال الإِلهية، وأَحوال الخَلْق مرتبطة به. 1- الأَحَديّة: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} . 2- الصّمدية: {اللهُ الصَّمَدُ} . 3- القُدْرة: {واللهُ قَدِيرٌ} . 4- العِزَّة: {والله عزيز} . 5- الغنى: {الله الغنىّ} . 6- اللَّطيف: {اللهُ لَطِيفٌ} . 7- الرّبوبيّة: {اللهُ رَبُّكُم} . 8- علم الأَسرار: {والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ} . 9- الاطلاع على الفساد والصّلاح: {والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح} . 10- الوقوف على الأَعمال والأَحوال: {والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} . 11- الحمد والثناءُ: {قُلِ الحمد لِلَّهِ} .

12- التسبيح والتقديس: {سُبْحَان اللهِ} . 13- الفَضْل {قُلْ بِفَضْلِ الله} . 14- الغَلَبة على الأَعداءِ: {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} . 15- قهر الجَبّارين: {هُوَ الله الواحد القهار} . 16- ابتداءُ الخَلْق: {الله يَبْدَأُ الخلق} . 17- تخصيص ذكر السّماءِ: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات} . 18- تخصيص ذكر الأَرض: {الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً} . 19- تسخير الله البحر: {الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر} . 20- المِنَّة على الخَلْق بالرّياح: {الله الذي يُرْسِلُ الرياح} . 21- المطر والثلج والبَرَد: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} . 22- رزق العباد: {إِنَّ الله هُوَ الرزاق} . 23- هداية الموحّدين: {وَإِنَّ الله لَهَادِ الذين آمنوا} . 24- المِنَّة علينا بالهداية إِلى الإيمان: {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ} . 25- المِنَّة على المؤمنين بسيّد المرسلين: {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} . 26- حفظ العباد من الآفات: {فالله خَيْرٌ حَافِظاً} .

27- نصْرة الغُزَاة: {إِن يَنصُرْكُمُ الله} . 28- كفاية أَمر العباد: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} . 29- المِنَّة بجميع النِّعم: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله} . 30- الأَمر بالشكر وذكر النعمة: {واشكروا للَّهِ} : {واذكروا نِعْمَتَ الله} . 31- الأَمر بدوام الذكر: {اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} . 32- تحبيب الإِيمان إِلى المؤمنين: {ولاكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان} . 33- اتِّصال التّراب من قبضة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم إِلى أَعين الكفار: {ولاكن الله رمى} . 34- وضع تاج الاجتباءِ على رءُوس الأَنبياءِ: {وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ} . 35- تسليط الرّسل على الأَعداءِ: {ولاكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ} . 36- التأليف بين قلوب العارفين: {ولاكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} . 37- ذكر الشَّهادة: {شَهِدَ الله} {لاكن الله يَشْهَدُ} . 38- قتل المتمرّدين: {ولاكن الله قَتَلَهُمْ} .

39- شَرْح صدر المسلمين: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} . 40- الدّعوة إِلى دار السّلام: {والله يدعوا إلى دَارِ السلام} . 41- الدّعوة إِلى الجنَّة: {والله يدعوا إِلَى الجنة} . 42- إِضافة المُلْك: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك} . 43- الإِنجاء من الهلكة: {قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا} . 44- الإِشراف على علم الغيب: {لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله} . 45- خزائن النعمة فى عالم الحكمة: {وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات} . 46- كمال السّمع: {إِنَّ الله سميعٌ} . 47- كمال البصر: {واللهُ بَصِيرٌ بما يَعْمَلُونَ} . 48- ذكر الرّحمة: {لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} . 49- ذكر المغفرة: {وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله} . 50- إِنزال القرآن: {الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق} . 51- اصطفاء الرّسل السّماويَّة: {الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلاً} . 52- اصطفاء آدم ونوح: {إِنَّ الله اصطفىءَادَمَ وَنُوحاً} . 53- عِصْمة خاتَم الأَنبياءِ: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} .

54- بسط الرّزق: {الله يَبْسُطُ الرزق} . 55- الجمع بين القبض والبسط: {والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} . 56- خلق الإِنسان من عين الضعف: {الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} . 57- خلق المخلوقات: {الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} . 58- الأَمر بالتَّوحيد والإِيمان: {آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} . 59- اللُّطف بالعباد: {الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} . 60- الأَمر بالخدمة والطاعة: {وَأَطِيعُواْ الله} ، {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} . 61- الأَمر بالتَّقوى: {يأَيُّها الَّذين آمَنوا اتَّقوا اللهَ} . 62- الأَمر بعبادة المعبود: {واعبدوا الله} . 63- الأَمر بالتوكُّل: {وَعَلَى الله فتوكلوا} . 64- الأَمر بالاستغفار: {واستغفروا الله} . 65- الأَمر بالفرار إِلى حضرة الْمَوْلَى: {ففروا إِلَى الله} . 66- الأَمر بالجهاد: {وَجَاهِدُوا فِي الله} . 67- الأَمر بالوفاءِ: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله}

68- الإِخلاص فى الدّين: {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ} . 69- الإِخبار عن تسبيح الموجودات: {سَبَّحَ للهِ} ، {يُسَبِّح للهِ} . 70- سجدة السّاجدين: {وَللَّهِ يَسْجُدُ} ، {واسجدوا لِلَّهِ} . 71- تفاوُت حال الخلائق: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ الله} . 72- الهداية إِلى نور الله: {يَهْدِي الله لِنُورِهِ} . 73- تنوير العالم: {الله نُورُ السماوات} . 74- الشفاعة بأَمره: {قُل لِلَّهِ الشفاعة} . 75- الصّلاة على الرّسول: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} . 76- وعد القبول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله} . 77- رؤية الأَعمال: {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} . 78- قبض الأَرواح: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا} . 79- جَمْع الرّسل فى القيامة: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} . 80- إِضافة الحُكْم إِليه: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ} . 81- الأَمر يرجع إِليه: {والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} . 82- ذكر التثبيت: {يُثَبِّتُ الله} .

83- ذكر البركة: {فَتَبَارَكَ الله} . 84- سرعة الحساب: {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} . 85- شديد العقاب: {إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} . 86- صعوبة العذاب: {وَأَنَّ الله شَدِيدُ العذاب} . 87- وعد الأَجر والثواب: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ} . 88- جزاءُ أَهل الصّدق: {لِّيَجْزِيَ الله الصادقين} . 89- الثناء عليهم: {قَالَ الله هاذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين} . 90- علم القيامة: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} . 91- مَحْق الربا: {يَمْحَقُ الله الربا} . 92- صنع اللطيف: {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} . 93- علامة الإِيمان: {صِبْغَةَ الله} . 94- الفطرة الأُولى: {فِطْرَتَ الله} . 95- عطاءَ المُلْك: {والله يُؤْتِي مُلْكَهُ} . 96- اختصاص النبوّة: {والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} . 97- تخليق الليل والنّهار: {الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً} .

98- وعد اليسر والسّهولة: {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر} . 99- بيان حكم الشريعة: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} . 100- إرادة التخفيف: {يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} . 101- نفى الحَرَج فى العبوديّة: {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} . 102- عَقْد عَلَم الولاية لنا: {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} . 103- فَلْق الحبّ: {إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى} . 104- شرى المؤمنين عناية بهم: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ} . 105- دفع العذاب حماية لهم: {إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا} . {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس} . 106- رفع الدّرجة والمنزلة: {يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ} . 107- إِنفاذ القضاءِ والمشيئة: {لِّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} . 108- الوعد السّالم من الخُلْف: {وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد} . 109- الدّعوة إِلى الله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله} . 110- ثواب الجنَّة: {فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ} . 111- طلب العَوْن والنُصْرة: {مَنْ أنصاري إِلَى الله} .

112- وعد الرضا فى العاقبة: {لَّقَدْ رَضِيَ الله} . 113- توفيق الطَّاعة: {وَمَا توفيقي إِلاَّ بالله} . 114- ضمان الأَجر على الشهادة: {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله} . 115- قبول التوبة من الزَّلَّة: {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله} . 116- حوالة الحكم إِلى الحضرة: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ} . 117- المرجع بعد الموت إِليه: {ثُمَّ ردوا إلى الله} . 118- طلب العدل والحقّ من كتاب الله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله} . 119- حوالة النِّعمة، والرّأفة، والرّحمة: {مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله} . 120- حصر الخالِقِيّة: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله} . 121- الكلّ منه، وبه، وإِليه، أَوّلاً وآخِراً، دنيا وعُقْبى: {قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله} . 122- ابتداء القرآن: {بِسْمِ الله} . 123- ختمه: {قُلْ هُوَ الله} .

هذه مائة وعشرون ونيف خَصْلة، بعضها فى صفات الربوبيّة، وبعضها فى خصال العبوديّة، وبعضها قهر أَهل الضلال، وبعضها ملاطفة أَهل الكمال، وبعضها تفصيل الأَحوال المنسوبة إِلى حضرة الجلال، ولله الآخرة والأُولى، يشهد على ذلك بلسان الحال والقال.

بصيرة فى الانسان

بصيرة فى الانسان وهو اسم على وزن فِعلان. وجمعه من حيث اللفظ أَناسِين؛ كسِرحان وسراحين، غير أَنَّ الجمع الأَصلىّ غير مستعمل. وجمعه المعروف ناس وأُناس وأَنَس وآنُس. والإِنس جمع جنس. وفى الأَناسىّ خلاف: فقيل: جمع إِنسِىّ؛ ككُرسىّ وكراسىّ. وقيل: الإِنْس جمع إِنسىّ؛ كروم ورومىّ وزَنْج وزَنْجىّ. وقيل: الأَناسِىّ جمع إِنسان، وأَصله أَناسين، حذفوا نونه، وعَوّضوا عنه ياءً؛ اجتمع ياءَان فأَدغموا، فصار، أَناسىّ. والناس تخفيف الأُناس، حذفوا الهمزة طلبا للخفَّة. والأَنيس أَيضا بمعنى الإِنسان. سمّى به؛ لأَنَّه يأَنس ويؤنس به. وقيل: للإِنسان أُنْسانِ: أُنس بالحقِّ وأُنس بالخَلْق. فروحه تأَنس بالحق، وجسمه يأنس بالخَلْق. وقيل: لأَنَّ أُنْساً بالعقبى، وأُنْساً بالدّنيا. وإِلى هذا المعنى أَشار القائل: ولقد جعلتك فى الفؤاد محدّثى ... وأَبحتُ منى ظاهرى لجليسى فالجسم منى للجليس مؤانِس ... وحبيب قلبى فى الفؤاد أَنيسى

ويقال: إِنَّ اشتقاق الإِنسان من الإِيناس. وهو الإِبصار والعلم والإِحساس لوقوفه على الأَشياءِ بطريق العلم، ووصوله إِليها بواسطة الرُّؤية، وإِدراكه لها بوسيلة الحواسّ. وقيل: اشتقاقه من النَوْس بمعنى التَّحرك؛ سمّى لتحرّكه فى الأُمور العظام، وتصرُّفه فى الأَحوال المختلفة، وأَنواع المصالح وقيل: أَصل النَّاس النَّاسى. قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس} بالرّفع وبالجرّ. والجرّ إشارة إِلى أَصله: إِشارة إلى عَهد آدم، حيث قال: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلىءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ} ، وقال الشاعر: وسمّيت إِنساناً لأَنَّك ناسى وقال الآخر: فاغفر فأَوّل ناس أَوّل النَّاسى وفى المثل: الإِنسان عُرْضة النسيان، وجلسة النّسوان. وقيل: عجباً للإِنسان، كيف يُفلح بين النسيان والنِّسوان. وقد ورد لفظ الإِنسان فى نصّ القرآن على عشرين وجْهاً: الأَوّل بمعنى آدم عليه السلام: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان} يعنى آدم. وكذا

{خَلَقْنَا الإنسان} ، {خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان} وله نظائر. الثانى بمعنى بنى آدم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} . الثالث بمعنى وليد بن المغيرة {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا} الرّابع بمعنى قُرْط بن عبد الله: {إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} . الخامس أَبو جهل: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى} . السّادس النَّضْر بن الحارث: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير} . السّابع بَرْصِيصاء العابد: {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفر} . الثامن بُدَيل بن وَرْقاءَ: {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} .

التَّاسع الأَخنس بن شَرِيق: {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً} . العاشر أُبىّ بن خَلَف الجمحىّ: {ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ} . الحادى عشر كَلَدة بن أَسِيد: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} . الثانى عشر عُقْبَة بن أَبى مُعَيْط: {وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} . الثالث عشر أَبو طالب: {فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ} . الرّابع عشر عَدىّ بن ربيعة: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} . الخامس عشر عُتْبَة بن أَبى لهب: {قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ} . {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ} . السّادس عشر سَعْد بن أَبى وَقَّاص: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} . السّابع عشر عبد الرّحمن بن أَبى بكر الصّديق فى سورة الأَحقاف: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ} .

الثامن عشر عيّاش بن أَبى ربيعة: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ} . التاسع عشر أُمَيّة بن خَلَف: {أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ} . {أَوَلاَ يَذْكُرُ الإنسان} ، {يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان} . العشرون: النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: {ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ} . أَى فى دعوة الخَلْق إِلى الحقّ {وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا} يروى عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: أَنا أَوّل من يُشَقّ عنه الأرض، وأَنا أَوّل مَنْ يَركب البراق، فإِذا قوائم البراق لا تستقرّ يوم القيامة من شدّة زلزاها، فأَقول: يا جبريل ما لأَِرض ربِّى تَزَلزلُ! فيقول: هذا يوم القيامة وإِنَّ زلزلة الساعة شئٌ عظيم.

بصيرة فى الاضافة

بصيرة فى الاضافة هى لغةً: الإِمالة. فإِنَّ أَصل الضَّيف المَيْل؛ تقول: ضِفْت إِلى كذا، وأَضفت كذا إِلىّ، وضافت الشمسُ للغروب، وتضيّفَت، وضاف السّهمُ عن الهَدَف، وتضيّف. والضَّيف: مَن مَال إِليك؛ نُزُولاً بك. وصارت الضِّيَافَةُ متعارَفةُ فى القِرَى؛ لأَنَّ كلّ أَحد يميل إِليه غالباً. والضَّيف فى الأَصل مصدر؛ ولذلك استوى فيه الواحد والجمع فى عامّة كلامهم. وقد يقال: أَضياف. وضُيوف، وضِيفان. وقد يقال: استضفت فلاناً فأَضافنى. وقد ضِفته ضَيْفاً، أَى صرت ضيفاً له. ويستعمل الإِضافة عند النَّحاة فى اسم مجرور يُضَمّ إِليه اسم قبله. وقيل: الإِضافة فى كلام العرب على عشرة أَنواع. الأَوّل: إِضافة البعض إلى الكلّ، كماءِ النَّهر وماءِ البحر. الثانى: إِضافة السّبب؛ كآلة الخيَّاط، وأَداة الحياكة. الثالث: إِضافة المِلْك؛ كدار زيد، وعبد عمرو. الرّابع: إِضافة النَّسب، كابن جعفر، وابن بكر. الخامس: إِضافة الشركة؛ كزوجة زيد وقرين عمرو. السادس: إِضافة الجزءِ، نحو يده ورجله.

السّابع: إضافة الصّفة؛ نحو عِلمه وقدرته. الثَّامن: إِضافة العمل إِلى العامل؛ نحو صلاته، وصيامه. التَّاسع: إِضافةُ المُكْنةِ والقُدْرَةِ: {عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} . العاشر: إِضافة التخصيص: {وَعِبَادُ الرحمان} . وقد أَضاف الله - عزَّ وجلّ - إِلى نفسه فى القرآن والسنَّة عشرين شيئاً على سبيل التشريف والتبجيل: كلماتُ القرآن: {مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} العرش المجيد: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} . محمّد المصطفى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} . كلمة الحمد: الحَمْدُ لِلهِ. كلمات التحيّات: (التَّحِيَّاتُ للهِ) . شهر رجب: رجب شهر الله. النِّعمة والمِنَّة على الخَلْق {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله} ناقة صالح: {نَاقَةَ الله} . المساجد: {وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ} . دين الإِسلام {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} . الكعبة المعظَّمة. {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} . الاسم الشَّريف: {تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ} الرّوح المطهَّر: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} . خِلْقَة الخَلْق على ملَّة التوحيد: {فِطْرَتَ الله} . عَلاَمة الإِيمان على المؤمنين: {صِبْغَةَ الله} صوم رمضان: الصّوم لى. عيسى بن مريم:

{وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} . مُلْك الأَرض والسّماءِ: {لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} . الأَمر والخَلق: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} ، {أَلاَ لَهُ الحكم} . العشرون: العباد المطيعون والعصاة: {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} ، و {وَعِبَادُ الرحمان} {فادخلي فِي عِبَادِي وادخلي جَنَّتِي} .

بصيرة فى الأمر

بصيرة فى الأمر وهو لفظ عامّ للأَفعال والأَقوال، والأَحوال، كلّها. على ذلك قوله تعالى: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ} ويقال للإِبداع: أَمْر، نحو {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} وعلى ذلك حَمَل بعضهم قوله تعالى: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أَى هو من إِبداعه، ويختصّ ذلك بالله دون الخلائق. وقوله - تعالى -: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ، {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فالإِشارة إِلى إِبداعه. وعبّر عنه بأَقصر لفظ، وأَبلغ ما يُتقدّم به فيما بيننا بفعل الشئِ. وعلى ذلك قوله: {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ} فَعبّر عن سرعة إِيجاده بأَسرع ما يدركه وَهْمنا. والأَمر: التقدّم بالشئِ، سواءٌ كان ذلك بقولهم: افعل، ولِيفعلْ، أَو كان ذلك بلفظ خبرٍ؛ نحو {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} ، أَو كان بإِشارة، أَو غير ذلك، أَلا ترى أَنَّه قد سمّى ما رأَى إِبراهيم عليه السلام فى المنام مِن ذَبْح ابنه أَمراً، حيث قال: {ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ} ؛ وقوله: {وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} عامّ فى أَفعاله وأَقواله.

وقوله: {أتى أَمْرُ الله} إِشارة إِلى القيامة، فذكره بأَعمّ الأَلفاظ. ويقال: أَمِرَ القومُ - مثال سَمِعَ - أَى كثروا. وذلك لأَنهم إِذا كثروا صاروا ذا أَمير، من حيث إِنَّه لا بدّ لهم من سائس يسوسهم. والأَمر ورد فى نصّ التنزيل على ثمانية عشر وجها: الأَول بمعنى الدّين والمِلَّة {حتى جَآءَ الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله} أَى دينُ الله، {فتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أَى دينهم. الثانى: بمعنى الكتاب والمَقَالة {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} أَى قولهم. الثالث: بمعنى وجوب العذاب والعقوبة: {وَغِيضَ المآء وَقُضِيَ الأمر} . الرابع: بمعنى إِيجاد عيسى بكمال القدرة {سُبْحَانَهُ إِذَا قضى أَمْراً} . الخامس: بمعنى القتل فى المحاربة: {لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} {فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله} أَى الحكم بقتلهم.

السّادس: بمعنى قتل بنى قُريضة وبنى النَّضير على وَفْق الحكمة {فاعفوا واصفحوا حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} . السّابع: بمعنى فتح مكَّة على سبيل البشارة {حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} . الثامن: بمعنى ظهور القيامة: {أتى أَمْرُ الله} أَى القيامة. التَّاسع: بمعنى القضاءِ والقدر على حكم الرّبوبيّة: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} {يُدَبِّرُ الأمر مَا مِن شَفِيعٍ} . العاشر: بمعنى الوحى إِلى أَرباب النبوّة والرّسالة {يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السمآء إِلَى الأرض} {يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ} . الحادى عشر: بمعنى الذَّنْب والزلَّة: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا} . الثَّانى عشر: بمعنى العَوْن والنُّصرة {هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للهِ} . الثالث عشر: بمعنى الشأْن والحالة: {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} ، {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} . الرّابع عشر: بمعنى الغَرَق والهلاك: {لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله} .

الخامس عشر: بمعنى الرّحمة والكثرة {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} . السّادس عشر: بمعنى العِلْم والحقيقة: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي} . السّابع عشر: بمعنى مُضىّ الحكم {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً} . الثامن عشر: بمعنى الحُكْم واستدعاءِ الطاعة: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} .

بصيرة فى الاتيان

بصيرة فى الاتيان هو مجىءٌ بسهولة. ومنه قيل للسّيل المارّ على وجهه: أَتِىُّ، وأَتاوىٌّ. وبه شُبّه الغريبُ، فقيل: أَتاوىّ. والإِتيان قد يقال للمجىءِ بالذات، وبالأَمر، والتدبير. ويقال فى الخير، وفى الشرّ، وفى الأَعيان، وفى الأَعراض، كقوله تعالى: {أَتَى أَمرُ اللهِ} {فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد} {أَتَاكُمْ عَذَابُ الله} وعلى هذا النحو قول الشاعر: أَتيت المروءَة من بابها وقول الصاحب: أَتتنِىَ بالأَمس إِتيانةً ... تُعَلِّل رُوحى برَوْح الجبان كعهد الصِّبا ونسيم الصَّبا ... وظلّ الأَمان، ونيل الأَمانى فلو أَنَّ أَلفاظه جُسّمت ... لكانت عقود نُحور الغوانى وقوله تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى} أَى لا يتعاطَوْن وقوله: {يَأْتِينَ الفاحشة} فاستعمال الإِتيان هنا كاستعمال المجئ فى

{لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} يقال: أَتيته، وأَتَوْتُهُ، ويقال للسّقاءِ إِذا مُخِض وجاءَ زُبْدُه: قد جاءَ أَتْوهُ. وتحقيقه: جاءَ ما مِن شأْنه أَن يأْتى منه. فهو مصدر فى معنى الفاعل. وأَرض كثيرة الإِتاءِ - بالمدّ - أَى الرَّيْع. وقوله: {مَأْتِيّاً} مفعول من أَتيته (وقيل معناه آتيا فجعل المفعول فاعلا. وليس كذلك، بل يقال: أَتيت الأَمر وأَتانى الأَمر. ويقال: أَتيته بكذا وآتيته) كذا. قال تعالى: {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} {وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً} . وكلّ موضع ذكر فى وصف الكتاب: (آتينا) ، فهو أَبلغ من كلّ موضع ذُكِر فيه (أُوتوا) ، لأَنَّ (أُوتوا) قد يقال إِذا أُوتى مَنْ لم يكن منه قَبُول، و (آتينا) يقال فيمن كان منه قبول. والإِتيان جاءَ فى القرآن على ستَّةَ عشرَ وجهاً: الأَوّل: بمعنى القُرْب الزَّمانى: {أَتى أَمْرُ الله} أَى قَرُب وقتهُ. الثَّانى: بمعنى وصول شىءٍ بشىءٍ {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله} أَى أَصابكم. الثالث: بمعنى القَلْع وخراب البناءِ: {فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد} أَى قلعها وخرَّبها.

الرّابع: بمعنى العذاب والعقوبة: {فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} أَى عذَّبهم. الخامس: بمعنى سَوْق الرِّزق {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ} أَى يسوقه الله. السّادس: بمعنى الصّحبة وقضاءِ الشَّهوة: {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النسآء} . السّابع: بمعنى الخَوضْ فى المنكَرات من الأَعمال: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر} أَى تخوضُون فيه. الثامن: بمعنى الانقياد والطاعة: {إِلاَّ آتِي الرحمان عَبْداً} أَى إِلاَّ وينقاد للرحمن. التَّاسع: بمعنى الإِيجاد والخَلْق {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أَى يخلق ويوجِد. العاشر: بمعنى حقيقة الإِتيان والمجئ: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} أَى جاءَت. الحادى عشر: بمعنى الظهور والخروج: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ} أَى يظهر ويخرج.

الثانى عشر: بمعنى الدّخول: {وَأْتُواْ البيوت مِنْ أَبْوَابِهَا} أَى وادخلوها. الثالث عشر: بمعنى المرور والمضىّ {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية التي أُمْطِرَتْ} أَى مَضَوْا. الرابع عشر: بمعنى إِرسال الآيات، وإِنزال الكتاب، {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} أَى أَرسلنا وأَنزلنا. الخامس عشر: بمعنى التعجيل والمفاجأَة: {أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً} أَى فاجأَها. السّادس عشر: بمعنى الحلول والنُّزول: {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ} أَى يحِلّ بهِ. قوله: {آتُونِي زُبَرَ الحديد} قرأَها حمزة موصولة أَى جيئونى. والإِيتاءِ: الإِعطاءِ. وخصّ دفع الصّدقة فى القرآن بالإِيتاءِ نحو {آتُوا الزَّكاةَ} .

بصيرة فى أفمن

بصيرة فى أفمن اعلم أَنَّ (أَمَن) و (أَمْ مَنْ) و (أَوَمَنْ) و (أَفَمَنْ) كانت فى الأَصل (مَنْ) ، وأَلحقوا بها هذه الحروف للاستفهام. والأَصل فى الاستفهام الهمزة وحدها، ثم أَلحقوا الواو، والفاءَ، والميم، لزيادة التقرير والتأْكيد. {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً} لإِلزام الحُجّة {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} ؛ لبيان التمثيل. وقد ورد (أَفَمَنْ) فى التَّنزيل على ستَّةَ عشرَ وجهاً. منها ثلاثة فى حَقِّ الله تعالى، وثلاثة فى ذكر الرّسول صَلَّى الله عليه وسلَّم، وخمسة فى شأن الصّحابة رَضى الله عنهم واثنان لتشريف المؤمنين، وثلاثة فى توبيخ الكافرين. أَمّا التى فى حقّ الله تعالى فالأَول للدليل والهداية: {أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ} . الثانى للحفظ والرّعاية: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} الثالث لإِظهار القُدْرة {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} . وأَمّا الثلاثة الَّتى فى ذكر المصطفى - صلَّى الله عليه وسلم - فالأوّل للبرهان والحُجّة: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} . الثانى فى وعد الرّضا والرّؤية: {أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله} الثالث فى بيان الثبات والاستقامة: {أَفَمَن

يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ} يعنى أَبا جهل. {أَمْ مَنْ يَمْشِى سَوِيّاً} يعنى محمّداً صلَّى الله عليه وسلَّم. وأَمّا الخمس الَّتى للصّحابة، فالأَوّل للصّدّيق ذى الصّدق والحقيقة: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق} . الثانى للفاروق ذى العَدْل، والأَمْن، والأَمانة: {أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً} . الثالث لذى النُّورين أَهلِ الطاعة والعبادة {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ الليل سَاجِداً وَقَآئِماً} الرّابع للمَرْضىّ صاحب الدّيانة والصّيانة {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً} . الخامس للصّحابة أَهلِ الصحبة والحُرْمة: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على تقوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ} . وأَمَّا الاثنان فى تشريف أَهل الإِيمان فالأَوّل الوعد بنعمة الجنَّة: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً} . الثانى اشتعال سِراج المعرفة: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} . وأَمّا التى لتوبيخ الكفَّار فالأَوّل لبيان كمال الضلالة {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ} : الثانى فى تحقيق العذاب والعقوبة: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب} . الثالث لإِتمام الطَرْد والإِهانة: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب} .

بصيرة فى الانزال

بصيرة فى الانزال وهو إِفعال من النُّزول، وهو فى الأَصل انحطاط من عُلُوّ. يقال: نَزَل عن دابّته، ونزل فى مكان كذا: حَطَّ رحلَه فيه. وأَنزل غيره. وأَنزل الله نِعمه على الخَلْق: أَعطاها إِيّاهم. وذلك إِمّا بإِنزال الشئِ نفسه، كإِنزال القرآن، وإِمّا بإِنزال أَسبابه والهداية إِليه، كإِنزال الحديد والّلباس. والفرْق بين الإِنزال والتَّنزيل فى وصف القرآن والملائكة، أَنَّ التنزيل يختصّ بالموضع الَّذى يشير إِلى إِنزاله متفرّقاً، ومَرّةً بعد أُخرى، والإِنزال عامّ {لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} فإِنَّما ذكر فى الأَوّل (نزَّل) وفى الثانى (أُنزل) ، تنبيهاً أَنَّ المنافقين يقترحون أَن ينزل شيءٌ فشئٌ من الحَثِّ على القتال؛ ليتولَّوه. وإِذا أُمِروا بذلك دفعة واحدة تحاشَوا عنه، فلم يفعلوه، فهم يقترحون الكثير، ولا يَفُون منه بالقليل. و {إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ} إِنَّما خصّ بلفظ الإِنزال، لأَنَّ القرآن نزل دفعة إِلى السّماءِ الدّنيا، ثمّ نزل نَجْماً نجماً. وقوله: {لَوْ أَنزَلْنَا هاذا القرآن على جَبَلٍ} دون نزَّلنا تنبيهاً أَنَّا لو خوّلناه تارةً واحدة ما (خوّلناكم مراراً) إِذا لرأَيته خاشعاً.

والتنزل النزول، قال: {تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا} . والإِنزال فى القرآن ورد على خمسة عشر وجها: الأَوّل: إِنزال المَنّ والسّلْوَى على سبيل الكفاية. الثانى: إِنزال العذاب والبَلْوَى على سبيل اللَّعنة. {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السمآء} . الثالث: إِنزال الملائكة المقرّبين فى بدر، للتقوِّى: {أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ} . الرّابع: إِنزال النُّعَاس على أَهل الحَرْب؛ لتأْمين الصّحابة: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاساً} . الخامس: إِنزال اللِّباس من السّماءِ؛ ستراً للعورة: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} . السّادس: إِنزال السّكينة؛ لتحقيق العَوْن والنُّصْرة: {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين} . السّابع: إِنزال الصّاعقة والبَرَد؛ لإِظهار السّياسة والهيْبة: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} .

الثَّامن: إِنزال المطر؛ لكمال النِّعمة والرّحمة: {وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} . التَّاسع: إِنزال الأَنعامِ؛ لكمال الإِنْعامِ والمنفعة: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} . العاشر: إِنزال الرِّزق على الحيوانات للغِذاءِ والتربية: {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً} . الحَادى عشر: إِنزال الغيث وإِرسال الرّياح للبشارة: {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح} الآية. الثانى عشر: إِنزال ميزان العدل، لأَجل الإِنصاف والأَمانة: {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان} . الثالث عشر: إِنزال الحديد لتقرير المنافع والمصلحة: {وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} . الرّابع عشر: إِنزال المائدة للامتحان والمُعْجِزة: {رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} . الخامس عشر: إِنزال الوَحْى والقرآن لإِلزام الحجّة وإِهداءِ هدِيّة الهداية {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فى لَيْلَةِ القَدْرِ} .

ولا يقال فى المفتَرَى والكذب، وما كان من الشياطين إِلاَّ التّنَزُّل قال الله تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} . والنُزل - بالضمّ وبضمّتين -: ما يُعَدّ للنَّازل من الزاد. وأَنزلت فلاناً: أَضفته. ويعبّر بالنَّازلة عن الشِّدّة، وجمعه نوازل. والنِّزَال فى الحرب: المنازلة.

بصيرة فى الأرض

بصيرة فى الأرض هو الجِرْم المقابل للسّماءِ. وجمعه أَرَضُون، وأَرَضات، وأُرُوض، وآراض والأَراضى جمعٌ غير قياسىّ. ولم يأْت بجمعها القرآن. ويُعَبِّر بها عن أَسفل الشَّىء؛ ما يعبّر بالسّماءِ عن أَعلاه. والأَرض أَيضاً: أَسفلُ قوائم الدّابة، والزُكَامُ والنُفْضة، والرعدة. وقوله تعالى: {يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} عبارة عن كلّ تكوين بعد إِفساد، وعود بعد بَدْء ولذلك قال بعض المفسّرين: يُعنى به تلْيين القلوب بعد قساوتها. وأَرْض أَريضة: حَسَنة النبْت، زكيّة معجبة للعين، خليقة للخير. والأَرَضة محرّكة: دودة خبيثة مفسِدة. وخَشَب مأْروض: أَكلته الأَرضة. والأُرْضة - بالكسر وبالضمّ، وكعِنبة -: الكلأُ الكثير. وأَرِضت الأَرضُ - كسمع -: كثر كلؤها. والتَّأريض: تشذيب الكلام، وتهذيبه، والتثقيل، والإِصلاح. وفى بعض الآثار: إِنَّ الأَرض بَيْن إِصبعَىْ مَلَك يقال له: قصطائل. وفيه: خلق الله جوهرا غِلَظه كغلظ سبع سماوات، وسبع أَرضين، ثمّ (نظر إِلى) الجوهر، فذاب الجوهر

من هَيْبَة الجَبَّار، فصار ماءً سَيّالاً، ثمّ سَلَّط ناراً على الماءِ، فعلا الماءُ وعلاهُ زَبَدٌ، وارتفع منه دخان، فخلق الله السّماوات من الدّخان، والأَرضَ من الزَّبَد، وكانت السّماوات والأَرضون متراكمة، ففتقهما الله تعالى، ووضع بينهما الهواءَ. فذلك قوله تعالى: {كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} قال الشاعر: منها خُلِقْنَا وكانت أُمّنا خُلقت ... ونحن أَبناؤها لو أَننا شُكُر هى القَرَار فما نبغِى به بدلاً ... ما أَرحمَ الأَرضَ إِلاَّ أَننا كُفُر وسئل بعضهم، وقيل: إِنَّ ابن آدم يعلم أَنَّ الدّنيا ليست بدار قرار، فلِمَ يطمئنّ إِليها؟ فقال: لأَنَّه منها خُلق، فهى أُمّه، وفيها وُلد فهى مَهْده، وفيها نشأَ فهى عُشُّه، وفيها رُزِق فهى عَيْشُه، وإِليها يعود فهى كِفَاتُه، وهى ممرّ الصّالحين إِلى الجنَّة. وذكر الأَرض فى القرآن على أَربعة عشر وجهاً. الأَوّل: بمعنى الجنَّة: {أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} . الثانى: بمعنى أَرض الشَّأْم وبيت المقدس: {كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض} يعنى أَرض الشام. الثالث: بمعنى المدينة النبويّة: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً} {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فاعبدون} {يَجِدْ فِي الأرض مُرَاغَماً كَثِيراً} .

الرّابع: بمعنى أَرض مصر خصوصاً: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض} {اجعلني على خَزَآئِنِ الأرض} {عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض} . الخامس: بمعنى أَرض ديار الإِسلام {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض} . السّادس: بمعنى جميع الأَرض: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض} ، {وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} ، {خَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ والأَرْض} . السّابع: بمعنى تراب القبر {لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض} أَى القبر. الثامن: بمعنى تِيه بنى إِسرائيل: {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرض} . التَّاسع: كناية عن القلوب: {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض} يعنى منفعة مواعظ القرآن فى قلوب الخَلْق. العاشر: بمعنى ساحة المسجد وصَحْنه: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض} . الحادى عشر: بمعنى المُقام: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} أَى بأَىّ مقام.

الثانى عشر: بمعنى أَرض مكَّة شرّفها الله تعالى: {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض} . الثالث عشر: بمعنى أَرض قُريظة وبنى النَّضير: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا} . الرابع عشر: بمعنى أَرض المحشر {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض} .

بصيرة فى الاتخاذ

بصيرة فى الاتخاذ وهو مصدر من باب الافتعال. وقد اختُلِف فى أَصله. فقيل: من تَخِذ يَتْخَذ تَخْذاً؛ اجتمع فيه التَّاء الأَصلىّ، وتاء الافتعال، فأُدغما. قال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ} وهذا قول حَسَن، لكنّ الأَكثرين على أَن أَصله من الأَخذ، وأَنَّ الكلمة مهموزة. ولا يَخلو هذا من خلل، لأَنَّه لو كان كذلك لقالوا فى ماضيه: ائتخذ بهمزتين على قياس ائتمر، وائتمن، قال تعالى: {وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ} و {فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن} ومعنى الأَخذ والتَّخْذ واحد. وهو حَوْز الشئ وتحصيلُه. وذلك تارة يكون بالتَّناول؛ نحو {مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ} ، وتارة بالقَهْر؛ نحو {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} {وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى} ويعبر عن الأَسير بالمأْخوذ، والأَخيذ. والاتِّخاذ يُعَدّى إِلى مفعولين، ويجرى مجرى الجَعْل؛ نحو {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ} {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ} تخصيص لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة والمقابلة لِمَا أَخذوه من النِّعَم، ولم يقابلوه بالشكر.

والاتِّخاذ ورد فى القرآن على ثلاثة عشر وجهاً. الأَوّل: بمعنى الاختيار: {واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . الثَّانى: بمعنى الإِكرام: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ} أَى يكرمهم بالشَّهادة. الثالث: بمعنى الصّياغة: {واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً} أَى صاغُوهُ. الرابع: بمعنى سلوك السّبيل: {فاتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر سَرَباً} أَى سلك. الخامس: بمعنى التسمية: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} أَى سَمَّوهم. السّادس: بمعنى النَّسْج: {كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً} أَى نَسَجَتْ. السّابع: بمعنى العبادة {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} . ولهذا نظائر كثيرة. الثامن: بمعنى الجَعْل: {اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} أَى جعلوها. التَّاسع: بمعنى البناءِ: {اتخذوا مَسْجِداً ضِرَاراً} أَى بَنَوا. العاشر: بمعنى الرّضَا: {فاتخذه وَكِيلاً} أَى ارضَ به.

الحادى عشر: بمعنى العَصْر: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} أَى تعصرون. الثَّانى عشر: بمعنى إرخاءِ السِّتْر: {فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً} أَى أَرْخت سِتْراً. الثالث عشر: بمعنى عَقْد العهد: {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمان عَهْداً} أَى عَقَدَ.

بصيرة الامرأة

بصيرة الامرأة اعلم أَنَّ المَرْءَ والمرأَة اسمان على فَعْل وفَعْلة. وهما من الاسماءِ الموصولة؛ مثل ابن، وابنة، واثنين، واثنتين. والأَصل فيهما مرٌ ومرَة من غير همزة، لكن أَلحقوا بهما همزتين، إِحداهما فى الآخرِ للوقف، والأُخرَى فى الأَوّل لتسهيل النّطق والابتداءِ. ومن عجائب الأَسماءِ امُرؤ؛ لأَنَّ إِعراب الأَسماءِ فى آخرها دون أَوّلها ووسطها. وهذا فيه ثلاث لغات: فتح الرّاءِ دائماً: وضمّها دائماً، وإِعرابها دائماً. وتقول أَيضاً: هذا امرؤ، ومُرْءٌ، ورأَيت امرءًا، ومررت بامرئ وبِمِرءٍ، معرباً من مكانين. والمَرْءُ والمرأَةُ - مثَلثة الميم - الإِنسان. ولا يجمع من لفظه. وقيل: سُمِع مَرْءُون؛ قال الحَسَن: أَحسِنُوا أَخلاقكم أَيّها المَرْءُون. وجاءَ الامرأَة فى القرآن على اثنى عشر وجهاً.

الأَوّل: بمعنى زَلِيخا المصريّة. {امرأة العزيز تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ} {لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} . الثانى: بمعنى بِلْقِيس: {إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ} . الثالث: بمعنى آسِية {وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ} . الرّابع: بمعنى سارة زوج الخليل إِبراهيم عليه السّلام: {وامرأته قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ} . الخامس: بمعنى حَنَّة امرأَة عمران بن هامان أَمّ مريم الصدّيقة: {إِذْ قَالَتِ امرأت عِمْرَانَ} . السّادس: بمعنى زَوْج لُوط النبىّ واسمها واهلة {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امرأتك} . السّابع: بمعنى واعلة زوج نوح عليه السلام {مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ} . الثامن: بمعنى أَمَّ جَمِيل زوج أَبى لهب: {وامرأته حَمَّالَةَ الحطب} .

التَّاسع: بنت محمّد بن مَسْلمة، وقيل أُخته {وَإِنِ امرأة خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً} . العاشر: بنتا شعيب عليه السلام {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امرأتين تَذُودَانِ} . الحادى عشر: أَمّ شَرِيك الَّتى قدّمت نفسها للنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وخصّصها الله تعالى بالذِّكر، وشهد لها بالإِيمان {وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} . الثانى عشر: واحدة من نساءِ المسلمين الصّالحات العادلات {فَرَجُلٌ وامرأتان} .

بصيرة فى الآيات

بصيرة فى الآيات الآية: العلامة الظَّاهرة. وحقيقته لكلّ شئٍ ظاهر هو ملازم لشئ لا يظهر ظهورهَ، فمتى أَدْرَك مُدْرِكٌ الظَّاهرَ منهما علِم أَنَّه أَدرك الآخر الَّذى لم يُدْركه بذاته؛ إِذْ كان حكمهما سَوَاءً. وذلك ظاهر فى المحسوسات، والمعقولات، فمن علم بملازمة العلَم للطريق المنهج ثم وجد العلَم عَلِمَ أَنَّه وجد الطَّريق. وكذا إِذا عَلِم شيئاً مصنوعاً علِم أَنَّه لا بدّ له من صانع. واشتقاق الآية إِمّا مِن أَىٍّ، فإِنَّها هى الَّتى تبين أَيّا مِن أَىّ، أَو مِن قولهم: (أَوَى إِليه) . وقيل للبناءِ العالى: آية: {من أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} ، ولكلّ جملة من القرآن دالَّة على حكمٍ آيةٌ، سورة كانت، أَو فصولاً، أَو فَصْلاً من سورة. وقد يقال لكلّ كلام منه منفصل بفَصْل لفظىّ: آية. وعلى هذا اعتبار آيات السّورة الَّتى تُعَدُّ بها السورة. وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} فهى من الآيات المعقولة

الَّتى تتفاوت بها المعرفةُ بحسب تفاوت النَّاس فى العلم. وكذلك قوله: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم} . وذكر فى مواضع آية [و] فى مواضع آيات. وذلك لمعنى مخصوص يقتضيه ذلك المقام. وإِنما قال: {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} ولم يقل: آيتين؛ لأَنَّ كلّ واحد صار آية الآخر. وقوله: {وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفاً} فالآيات ههنا قيل: إِشارة إِلى الجَرَاد والقُمَّل، والضَّفادع، ونحوه من الآيات الَّتى أُرْسِلَت إِلى الأُمم المتقدّمة، فنبّه أَنَّ ذلك إِنَّما يُفْعل بمن يفعله تخويفاً. وذلك أَخسّ المنازل للمأْمورين؛ فإِنَّ الإِنسان يتحَرَّى فعل الخير لأَحد ثلاثة أَشياءٍ: إِمّا أَن يتحرّاه [رغبة أَو رهبة؛ وهو أَدنى منزلة، وإِما أَن يتحرّاه] لطلب مَحْمَدَة، وإِمّا أَن يتحرّاه لفضيلة. وهو أَن يكون ذلك الشئُ فى نفسه فاضلاً. وذلك أَشرف المنازل. فلمّا كانت هذه الأُمّة خير أُمّة - كما قال - رفعهم عن هذه المنزلة، ونبّه أَنَّه لا يعمّهم العذاب؛ وإِن كانت الجَهَلة منهم كانوا يقولون؛ أَمطِرْ علينا حجارة من السّماءِ أَو ائتنا بعذاب أَليم. وقيل: الآيات إِشارة إِلى الأَدلَّة؛ ونبّه أَنّه يُقتصر معهم على الأَدلَّة، ويُصانون عن العذاب الَّذى يستعجلون به فى قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب} .

وقال المعينى: وردت الآية فى القرآن على وجوه. الأَوّل: بمعنى العلامة {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم} {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات} {وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض} . الثانى: بمعنى آيات القرآن {آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ} . الثالث: بمعنى معجزات الرّسل: {فَلَمَّا جَآءَهُم موسى بِآيَاتِنَا} . الرّابع: بمعنى عِبْرَة المعتبرين. {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} . الخامس: بمعنى الكِتَاب والبرهان: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ} . السّادس: بمعنى الأَمْر، والنَّهى: {كذلك يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ} يعنى الأَمْر والنَّهى وله نظائر. وحينئذ تصير جملة الآيات فى القرآن من طريق الفائدة والبيان على اثنى عشر نوعاً. الأَوّل: آية البيان والحكمة: {يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا} . الثانى: آية العَوْن، والنُّصرة: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ} . الثالث: آية القيامة: {وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ} . الرّابع: آية الابتلاءِ والتجربة: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} .

الخامس آية العذاب والهَلَكة: {هاذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} . السّادس: آية الفضيلة والرّحمة: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} . السّابع: آية المعجزة والكرامة: {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ} . الثامن: آية العظة والعبرة: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} . التاسع: آية التشريف والتكريم {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} . العاشر: آية العلامة: {رَبِّ اجعل لي آيَةً} . الحادى عشر: آية الإِعراض والنّكرة: {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} . الثانى عشر: آية الدّليل والحجّة: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ} .

بصيرة فى الاحسان

بصيرة فى الاحسان إِفعال من الحُسْن، وهو كلّ مُبْهج مرغوب فيه، عقلاً، أَو حسّاً، أَو هوىً. وقد حَسُن يحسن ككرم يكرم، وحَسَن يَحْسُن كنصر ينصر، فهو حاسِنٌ وَحَسَنٌ وَحَسِينٌ وحُسَانٌ وحُسَّان. والجمع حِسَان وحُسَّانون، وهى حَسَنةٌ وحَسْناء وحُسَّانة. والجمع حِسان، وحُسّانات. ولا يقال: رجل أَحْسَن وإِنما يقال: هو الأَحسن، على إِرادة التفضيل. الجمع الأَحاسن. وأَحاسن القوم حِسَانهم. والحَسَنة يعبَّر بها عن كلّ ما يَسُرّ من نِعْمَة تنال الإِنسان فى نفسه وبَدنه وأَحواله. والسّيئّة تضادّها. وهما من الأَلفاظ المشتركة؛ كالحيوان الواقع على أَنواع مختلفة. وقوله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هاذه مِنْ عِندِ الله} أَى خِصب وسَعَة وظفر {وإِن تصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أَى جَدْب وضيق وخَيْبَة، وقوله تعالى: {مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أَى من ثواب {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةِ} أَى من عذاب. والفرق بين الحَسَنة والحَسَن والحُسْنى أَنَّ الحَسَن يقال فى الأَعيان والأَحداث. وكذلك الحَسَنة إِذا كانت وصفاً. فإذا كانت اسما فمتعارف فى الأَحداث؛ (والحُسْنى لا يقال إِلاَّ فى الأَحداث) دون الأَعيان، والحَسَن أَكثر

ما يقال فى تعارُف العامّة فى المستحسن بالبصر. وأَكثر ما جاءَ فى القرآن من الحَسَن فللمستحسن من جهة البصيرة. وقوله تعالى: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أَى الأَبعد عن الشبهة. وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} إِن قيل حكمه حَسَن لمَنْ يوقن ولمن لا يوقن فلِم خُصّ؟ قلنا: القَصد إِلى ظهور حسنه، والاطلاع عليه. وذلك يظهر لمن تزكَّى، واطَّلع على حكمة الله تعالى، دون الجَهلة. والإِحسان يقال على وجهين. أَحدهما الإِنعام على الغير: أَحسن إِلى فلان. والثانى إِحسان فى فعله وذلك إِذا علم عِلْماً حسناً أَو عمل عملاً حسناً. ومنه قول علىّ - رضى الله عنه -: النَّاس أَبناء ما يحسنون، أَى منسوبون إِلى ما يعلمونه ويعملونه من الأَفعال الحسنة. والإِحسان أَعمّ من الإِنعام. ورد الإِحسان فى التَّنزيل على ثلاثة عشر وجهاً: الأَوّل: بمعنى الإِيمان {فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ} إِلى قوله {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} . الثانى: بمعنى الصّلاة على النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم {مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} .

الثالث: بمعنى قيام اللَّيل للتهجد: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} . الرّابع: بمعنى الإِنفاق والتصدق على الفقراء: {وأحسنوا إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين} . الخامس: بمعنى خِدْمة الوالدين، وبِرّهما {وبالوالدين إِحْسَاناً} . السّادس: بمعنى العفو عن المجرمين: {والعافين عَنِ الناس والله يُحِبُّ المحسنين} . السّابع: بمعنى الاجتهاد فى الطاعة: {والذين جَاهَدُواْ فِينَا} إِلى قوله: {لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} . الثامن: بمعنى أَنواع الطَّاعة: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} . التاسع: بمعنى الإِخلاص فى الدّين والإِيمان: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} . العاشر: بمعنى الإِحسان إِلى المستحِقِّين: {وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} .

الحادى عشر: بمعنى كلمة النَّجاة والفوز من النيران: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} . الثانى عشر: بمعنى كلمة الشهادة على اللِّسان مع الإِيقان بالجَنان. الثالث عشر: بمعنى نعيم الجنان والرضوان: {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} .

بصيرة فى اذا واذا واذن والاذى

بصيرة فى اذا واذا واذن والاذى (إِذْ) يعبّر به عن الزَّمان الماضى؛ ولا يجازى به إِلاَّ إِذا ضُمّ اليه (ما) ، نحو: إِذ ما أَتيت على الرسول فقل له وقد يكون (فى المفاجأَة) وهى الَّتى بعد بينا، وبينما. و (إِذا) يكون فى المفاجأَة، فيختصّ للجمل الاسميّة. ولا يحتاج لجواب، ولا يقع فى الابتداءِ. ومعناها الحال؛ نحو خرجت فإِذا الأَسدُ بالباب، {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى} . وقال الأَخفش: حرف. وقال المبرّد: ظرف مكان. وقال الزَّجاج: ظرف زمان. [وإِذَا اسم] يدلّ على زمان مستقبل. ويجئ للماضى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا} . ويجئ للحال، وذلك بعد القسَم: {واللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، {والنَّجْمِ إِذَا هَوَى} .

وناصبها شرطها، أَو ما فى جوابها: من فعل أَو شِبْهِهِ. وقد تُضمّن معنى الشرط فيجزم به. وذلك فى الشِّعر أَكثر. والأَذى: ما يصل إِلى الحيوان من ضرر، إِمّا فى نفسه، أَو فى جسمه، أو قُنياته، دنيويّاً كان أَو أخرويّاً {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى} وقوله: {فَآذُوهُمَا} إِشارة إِلى الضرب. وقوله تعالى {قُلْ هُوَ أَذًى} (سمّاه أَذىً) باعتبار الشَّرع، واعتبار الطِّبّ، على حسب ما يذكره أَصحاب هذه الصّناعة. وأَذِى به كبقِى أَذىً أَى تأَذّى. والاسم الأَذِيَّة، والأَذاة، وهى المكروه اليسير. وآذى صاحبه (أَذىً وأَذاة وأَذيّة) ولا تقل: إِيذاءً كأَنَّه اسم للمصدر. ومنه الآذىّ للموج المؤذِى لركَّاب البحر. وورد فى نصّ القرآن على أَحد عشر وجهاً. الأَوّل بمعنى الحرام: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى} . أَى حرام. الثانى: بمعنى القَمْل: {أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} . الثالث: بمعنى الشِدّة والمِحْنة: {إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ} .

الرابع: بمعنى الشتم والسبّ: {واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا} {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} {وَمِنَ الذين أشركوا أَذًى كَثِيراً} . الخامس: بمعنى الزُّور، والبهتان على البرئ {كالذين آذَوْاْ موسى} ، {ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِي} . السّادس: بمعنى الجفاءِ والمعصية: {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} أَى يعصونهما. السّابع: بمعنى التخلُّف عن الغَزَوات: {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} أَى بالتَّخلُّف عن غزوة تَبُوك. الثامن: شَغْل الخاطر وتفرقة القلب: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النبي} . التَّاسع المنّ عند العطِيّة: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى} . العاشر: بمعنى العذاب والعقوبة: {فَإِذَآ أُوذِيَ فِي الله} . الحادى عشر: بمعنى غِيبة المؤمنين: {والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا}

بصيرة فى الاسم

بصيرة فى الاسم اعلم أَنَّ الاسم لغةً: الكلمة. وتخصيصه بما ليس بفعل ولا حرف اصطلاح طارئ. قاله الرّاغب فى تفسيره. وقال فى موضع آخر: الاسم: ما يعرف به (ذات الأَصل) . وأَصله سِمُوْ عند البصريّين، حذفت الواو، ونقل سكون الميم إِلى السّين فجئ بهمزة الوصل. وعلَّة الحذف كَثْرة الاستعمال. ولذا لم يحذف من من عِضو ونِضْو، ونحوهما. وقال الكوفيّون: هو من الوَسْم، أُخّرت فاءُ الكلمة، وحذفت [أَو حذفت] من غير تأخير. وبعض الكوفيّين يقول: قلبت الواو همزة؛ كما فَعَل من قال: إِشَاح فى وشاح، ثم كثر استعماله، فجعلت أَلف وصل. [و] قول الكوفيّين أَبين من حيث المعنى. فأَخْذه من العلامة أَوضحُ من أَخذه من الرفعة. وقول البصريّين أَقرب من جهة اللَّفظ. وشذَّ بعضُ المفسرين وقال: أَصله من الأُسم بالضَّمّ وهو القوّة والغضب. وسمّت الأَسَد أُسَامة، لقوّته وشدّة غضبه. والهمزة على هذا أَصلية. وسئل أَبو عمرو بنُ العلاء عن تصغير اسم، فقال: أُسَيْمٌ.

وفيه سبع لغات: إِسم وأُسْم - بكسر الهمزة وضمّهَا - وسم مثلثة - وسُمّى مثلثة. وقرئ (بِسُمَى الله) على وزن هُدَى. وحذِفت الأَلف من بسم الله خَطّاً لكثرة الاستعمال. وقيل: لا حذف، بل دخلت الباءُ على (سِمِ الله) المكسورة السّين، وسكنت، لئلاّ يتوالى الكَسَرات. والأَسماء على نوعين: أَسماءُ الخالق تعالى، وأَسماءُ المخلوقات. وكلّ منهما نوعان: مجمل، ومفصّل. ومجمل أَسماء المخلوقات أَن يكون الاسم إِمّا لشخص، أَو لغير شخص، أَو لما كان خَلَفاً منهما. والشَّخص إِمّا أَن يكون عاقِلاً؛ كالمَلَك والبشر، وإِمّا غير عاقل؛ كالفرس، والبقر، وإِمّا أَن يكون نامياً، كالنبات والشجر، أَو جماداً، كالحجر، والمَدَر. وغير الشخص إِمّا أَن يكون حوادث؛ كالقيام والقعود، أَو اسم زمان؛ كاليوم واللَّيلة. والخَلَفُ منهما إِمّا أَن يكون مضمراً؛ كأَنا وأَنت وهو، أَو مبهماً، كهذا وذاك والَّذى. هذا على سبيل الإِجمال. وأَمّا المفصّل فأَسماءُ المخلوقات ترد على أَربعين وجهاً: خاصّ وعامّ، مشتقّ وموضوع، (تامّ وناقص) ، معدول وممتنع، وممكن، معرب ومبنىّ، مضمر ومظهر، مبهم وإِشارة، لقب وعلم، معروف ومنكَّر، جنس ومعهود، مزيد وملحق، مقصور وممدود، معتلّ وسالم، مذكَّر ومؤنَّث، مضاف

ومفرد، مضموم ومجموع، مرخَّم ومندوب، منسوب ومضاف، منادى ومفخَّم، مكبّر ومصغّر. وأَمثلتها مشهورة. ولفظ الاسم ورد فى القرآن على ستّة أَوجه. الأَوّل: بمعنى المسمّى {تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ} أَى تبارك ربّك. والمسأَلة مختلف فيها. وقد بسطنا القول فيها فى محلِّها. الثَّانى: بمعنى التَّوحيد: {واذكر اسم رَبِّكَ} أَى قل: لا إِله إِلاَّ الله. الثالث: بمعنى الصفات والنُّعُوت: {وَللَّهِ الأسمآء الحسنى} أَى الصّفات العُلَى. الرابع: بمعنى مُسَمّيات العالَم: الخامس: بمعنى الأَصنام والآلهة: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ} . السّادس: بمعنى الشَبَه والمِثل والعَدِيل: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} أى عديلاً وبديلاً. ومجمَل أَسماءِ الحقّ - تعالى - إِمّا راجع إِلى الذات، نحو الله والإِله والرّب، أَو إلى الصّفات؛ كالعالِم والقادِر والسّميع والبصير، أَو إِلى الأَفعال؛ كالصّانع، والخالق، والرازق، أَو إِلى الأَقوال؛ كالصّادق، والمتكلِّم.

وأَمّا مفصّلها - فنقول: على نوعين. إِمّا مختص به تعالى، ولا يجوز إِطلاقه على غيره، نحو الله والإله والأَحد والصّمد، وإِما اسم قد استأثر الله بعلمه، وهو الاسم الأَعظم. على أَنهم اختلفوا فى تعيينه. فقيل: يا ذا الجلال والإِكرام، وقيل يا أَلله. وقيل: يا مسبّب الأَسباب. وقيل: يا بديع السّماوات والأَرض. وقيل: يا قريباً غير بعيد. وقيل: يا حَنَّان، يا مَنَّان. وقيل: يا مجيب دعوة المضطرّين. وقيل: صَمَد. وقيل هو فى قوله: {هُوَ الأول والآخر} . وقيل: بسم الله الرحمن الرحيم. وقيل: يا حىّ يا قيّوم. وقيل: فى الحروف المقطَّعة الَّتى فى أَوائل السّور؛ نحو الم، وكهيعص، وحم عسق. وإِمّا اسم مشترك بين الحَقِّ والخَلْق؛ فيكون للحقّ حقيقة، وللخَلْق مجازاً، كالعزيز، والرّحيم، والغنىّ، والكريم. الرّابع اسم يجوز إِطلاقه وإِطلاق ضِدّه على الحقِّ تعالى؛ كالمُعطى والمانع، والضَّارّ والنَّافع، والهادى والمُضِلّ، والمُعِزّ والمُذِلّ، والباسط والقابض، والرّافع والخافض. الخامس: اسم يجوز إِطلاقه عليه تعالى، ولا يجوز إِطلاق ضدّه؛ كالعالم، والقادر، ولا يجوز إِطلاق الجاهل، والعاجز. السّادس: يكون مدحا فى حقِّه - تعالى - وفى حقّ غيره يكون ذمّاً؛ كالجبّار والقهَّار والمتكبّر.

السّابع: اسم يكون معناه مأخوذاً فى فعله، ولا يجوز إِطلاق لفظه عليه، كالمَكَّار، والقتَّال، والكيّاد والمستهزئ. الثامن: اسم يجوز إِطلاقه عليه - تعالى - على الإطلاق، نحو الرحمن الرّحيم، القُدّوس، المهيمن. التاسع: اسم يكون إِطلاقُه عليه تعالى على حكم التقييد، والتوقيف؛ كاللَّطيف، والجواد، والنُّور، والواسع. العاشر: اسم للإِثبات، ولا يجوز أَن يُدْعَى به؛ كالشئ، والموجود، وغيره.

بصيرة فى الأمة

بصيرة فى الأمة الأُمَّة لغة: الرّجُل الجامع للخير، والإِمام، وجماعةٌ أَرسل إِليهم رَسُول، والجيل من كل حىّ، والجنس، ومَن هو على الحقّ، ومُخالف لسائر الأَديان، والحِين، والقامة، والأُمُّ، والوجه، والنشاط، والطَّاعة، والعالِم، ومن الوجه: مُعظمُه، ومن الرجل قومه. وأُمَّه الله تعالى: خَلْقه. وقد ورد فى نصّ القرآن على عشرة أَوجه. الأَوّل: بمعنى الصَّف المصفوف {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} أَى صفوف. الثانى: بمعنى السّنين الخالية: {وادكر بَعْدَ أُمَّةٍ} أَى بعد سنين. الثالث: بمعنى الرّجل الجامع للخير: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} . الرابع: بمعنى الدّين، والمِلَّة: {إِنَّ هاذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} {إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ} . الخامس: بمعنى الأُمَم السّالفة، والقرون الماضية: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ} . السّادس: بمعنى القوم بلا عدد {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا}

السابع: بمعنى القوم المعدود: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ الناس يَسْقُونَ} ، {وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً} أَى أَربعين رجلاً. الثامن: بمعنى الزَّمان الطَّويل: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} . التاسع: بمعنى الكُفَّار خاصّة: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ في أُمَّةٍ} . العاشر: بمعنى أَهل الإِسلام: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، وقوله تعالى: {كَانَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} أَى صِنفاً واحداً، وعلى طريقة واحدة فى الضَّلال والكفر، {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} أَى فى الإِيمان، {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير} أَى جماعة يتَخَيَّرُون العلم، والعمل الصَّالح، أَى يكونون أُسْوة لغيرهم.

بصيرة فى الأكل

بصيرة فى الأكل الأَكْل تناول المَطْعَم. وعلى طريق التشبيه [به] يقال: أَكلت النارُ الحطب. والأُكلْ - بالضمّ [وبضمّتين]-: اسم لما يؤكل. والأَكْلَة للمرة. والأُكْلة - بالضمّ -: اللُقمة. وأَكِيلة الأَسد: فريسته. وفلان ذو أَكْل من الزَّمان: ذو نصِيب وحَظّ. واستوفى أُكلَه: كناية عن بلوغ الأَجل وأَكل فلاناً: اغتابه. وقد ورد فى نصّ القرآن على تسعة أَوجه. الأَوّل: بمعنى الفواكه والثمرات {كِلْتَا الجنتين آتَتْ أُكُلَهَا} . الثانى: بمعنى تناول المطعم: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} . الثالث: بمعنى الإِحراق: {حتى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النار} . الرّابع: بمعنى الابتلاع: {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} أَى يبتلعهنّ. الخامس: بمعنى الإِبطال: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} . السّادس: بمعنى الافتراس: {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب} أَى يفترسه

السّابع: بمعنى الانتفاع بالمأْكول والمشروب والملبوس: {كُلُواْ مِمَّا فِي الأرض حَلاَلاً طَيِّباً} {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} . الثامن: بمعنى أَخْذ الأَموال بالباطل: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً} . التاسع: بمعنى الرّزق المأْكول: {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} أَى لجاءَتهم الأَمطار من السّماءِ، والثمار من الأَرض. وقد يعبّر بالأَكْل عن الفساد؛ {كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} وتَأَكَّل الشئ: فسد، وأَصابه أُكال فى رأْسه وتأَكّلٌ أَى فساد. وكذا فى أَسنانه. وهُمْ أَكَلة رأْس: عبارة عن ناس مِن قلَّتهم يُشبعهم رأسٌ مَشْوىّ.

بصيرة فى الأهل

بصيرة فى الأهل أَهل الرّجل: مَن يجمعه وإيّاهم نسب، أَو دين، أَو ما يَجرى مجراهما: من صناعة، وبيت، وبلد، (وصنعة) . فأَهل الرّجل [فى الأَصل] من يجمعه وإِيّاهم مسكن واحد ثمّ تجوّز به (وقيل) أَهل بيت الرّجل لمن يجمعه وإِياهم [نسب] وتعورف فى أُسْرة النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم مطلقاً وعُبِّر بأَهل الرّجل عن امرأَته. ولمّا كانت الشريعة حكمت برفع النَّسب فى كثير من الأَحكام بَيْنَ المسلم والكافر قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} وفى المثل: الأَهل إِلى الأَهل أَسرع من السيْل إِلى السّهل. وفى خبرٍ بلا زمام: إِن لله مَلَكاً فى السّماءِ السّابعة تسبيحُه: سُبحان مَنْ يسوق الأَهل إِلى الأَهل. وقال الشاعر: لا يمنعنَّك خفض العيش فى دَعَة ... نُزُوعُ نفس إِلى أَهل وأَوطان تلقى بكلّ بلاد إِن حَلَلْت بها ... أَهلاً بأَهل وجيراناً بجيران والأَهل فى نصّ التنزيل ورد على عشرة أَوجه:

الأَول: بمعنى سُكَّان القرى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى} . الثانى: بمعنى قُرَّاءِ التوارة والإِنجيل: {ياأهل الكِتَابِ} وله نظائر. الثالث: بمعنى أَصحاب الأَموال وأَرباب الأَملاك: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا} أَى أَربابها. الرّابع: بمعنى العِيَال والأَولاد: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} أَى بزوجه وولده. الخامس: بمعنى القوم، وذوى القرابة: {فابعثوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ} . السادس: بمعنى المختار، والخليق، والجدير: {كانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} . السّابع: بمعنى الأُمّة، وأَهل الملَّة: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بالصلاة والزكاة} . الثَّامن: المستوجب المستحقّ للشئ: {هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة} التَّاسع: بمعنى العِترة، والعشيرة، والأَولاد، والأَحفاد، والأَزواج، والذريات: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا} ، {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} . العاشر: بمعنى الأَولاد، وأَولاد أَولاد الخليل: {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} .

وأَهَّلَك الله فى الجنَّة أَى زوّجك، وجعل لك فيها أَهلاً يجمعك وإياهم. وجَمْع الأَهل أَهلون وآهال وأَهْلات. وفى الحديث: "اصنع المعروف إِلى من هو أَهله، وإِلى من ليس أَهله. فإِن أَصبت أَهله فهو أَهله، وإِن لم تصب أَهله فأَنت من أَهله".

بصيرة فى الأول والأولى

بصيرة فى الأول والأولى وقد ورد الأَوّل فى نصّ القرآن على اثنى عشر وجهاً: الأَوّل: بمعنى بيت الله الحرام: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} . الثانى: بمعنى الكليم موسى عليه السّلام: {تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} . الثالث: بمعنى الكفَّار من اليهود: {وَلاَ تكونوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} . الرّابع: بمعنى سيّد المرسلين: {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} ، {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} . الخامس: بمعنى سَحَرَة فرعون: {أَن كُنَّآ أَوَّلَ المؤمنين} . السّادس: بمعنى قوم عيسى وقت نزول المائدة: {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} . السّابع: بمعنى أَهل العقوبة فى النَّار: {وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ} . الثامن: بمعنى المظلومين من بنى إِسرائيل: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا} . التاسع: فى تشبيه سيّد المرسلين بالأَنبياءِ والرّسل الماضين: {كَمَآ أُرْسِلَ الأولون} .

العاشر: بمعنى مَجْمَع الخلائق فى معسكر المآبر: {قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ} . الحادى عشر فى خضوع سيّد المرسلين وخشوعه، وانقياده حال الصّلاة: {وبذلك أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين} . الثانى عشر: فى الجمع بين صِفتى الأَوّليّة والآخريّة للحقِّ تعالى: {هُوَ الأول والآخر} . وأَمّا من طريق المعنى فإِنَّه يأتى على ستَّة أَوجه: إِمّا على سبيل التقريب؛ كالفعل والفاعل. وإِمّا على حكم الترتيب، كالتشبيه والجسميّة. وإِمّا من طريق التركيب؛ كالفرد والبسيط مع المركَّبات. وإِمّا بحسب العقل؛ كالبديهيّات مع الاستدلاليات. وإِمّا بطريق الحِسّ: كالضَّروريّات مع القضايا. وإِمّا على حكم المجاورة؛ كالدنيا مع الآخرة. وأَصل الأَوّل أَوْأَلُ. وقيل: وَوْأَلُ. والجمع الأَوائل، والأَوالى على القلب، والأَوّلون. وتأنيثه الأُولى، والجمع الأُوَلُ. وإِذا جعلته صفة منعته من الصّرف، وإِلاَّ فصرفته. تقول: لقيته عاماً أَوّلَ. وعاماً أَوّلا، وعامُ الأَوّلِ مردود أَو قليل. وتقول: ما رأَيته مذ عامٌ أَوّل، ترفعه على الوصف، وتنصبه على الظَّرف. وابدأْ به أَوَّلُ يُضَمّ على الغاية، كفعلته قبلُ، وأَوّلَ كلّ شئ بالنصب. وتقول: ما رأَيته مذ أَوّل مِن أَوّل من أَمس، ولا يجاوَز ذلك.

وقال الخليل: تأسيس الأَوّل من همزة وواو ولام. قال: وقد قيل: من واوين ولام. والأَوّل أَصحّ؛ لقلَّة وجود ما فاؤه وعينه حرف واحد؛ كدَدَن. فعلى الأَوّل يكون من آل يئول. وأَصله آول؛ فأُدغمت المدّة؛ لكثرة الكلمة. وهو فى الأَصل صفة لقولهم فى مؤنّثهِ: أُولى. قال أَبو القاسم الأَصبهانى: الأَوّل يستعمل على أَوجه: الأَوّل: المقدّم بالزمان؛ كقولك: عبد الملك أَوّلاً، ثم منصور. الثَّانى: المتقدّم بالرّياسة فى الشئِ، وكون غيره محتذيا به؛ نحو الأَمير أَوّلاً [ثم] الوزير. الثالث: المتقدّم بالوضع والنسبة؛ كقولك للخارج من العراق إِلى مكة: القادِسيّة أَوّلاً، ثمّ فَيْد. وتقول للخارج من مكَّة: فَيد أَوّلاً ثمّ القادسيّة. الرّابع المتقدّم بالنظام الصّناعى؛ نحو أَن يقال: الأَساس أَوّلاً، ثمّ البناء. وإذا قيل فى صفة الله تعالى: هو الأَوّل فمعناه الَّذى لم يسبقه فى الوجود شئ. وإِلى هذا يرجع من قال: هو الَّذى لا يحتاج إِلى غيره، ومن قال: هو المستغنى بنفسه. وقوله: أَنا أَوّل المسلمين وأَنا أَول المؤمنين معناه أَنا المقتدى بى (فى) الإِسلام، والإِيمان. {وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِر بِهِ} أَى مّمن يُقتدى بكم فى الكفر والله أَعلم.

بصيرة فى الآخرة والآخر والأخرى

بصيرة فى الآخرة والآخر والأخرى الآخِر: اسم يقابَل به الأَوّل، موضع للنَّهاية؛ كما أَن مقابِله للبداية، مشتقّ من أَخَرَ يَأْخِرُ كضرب يضربُ، أُخُوراً، فهو آخِرْ، وهما آخِران وهم آخِرون. وفى المؤنّث: آخِرة، وآخرتان، وآخِرات، وأَواخر. وآخَرُ - بفتح الخاءِ - يقابل به الواحد. وهما آخَران، وهم آخرون، وفى المؤنَّث تقول: أُخرى، وأُخريان، وأُخَرُ. والأَخير والأَخيرة بمعنى الآخِر، والآخرةِ. وأُخر الأَمر: آخِره. وأُخرى اللَّيالى: آخر الدّهر. ويعبّر بالدّار الآخرة عن النّشأَة الثانية؛ كما يعبّر بالدّار الدّنيا عن النشأَة الأُولى: {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان} . وربّما تُرك ذكر الدّار؛ كقوله: {لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار} . وقد يوصف الدّار بالآخرة تارة، ويضاف إِليها أُخرى؛ نحو {والدار الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} ، {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ} والتقدير هنا: دار الحياة الآخرة. وذُكرت هذه الأَلفاظ فى نَصّ القرآن على ثلاثة عشر وجهاً. الأَوّل: بمعنى أَهل المعصيّة والطَّاعة؛ {وَآخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} .

الثانى: آخر بمعنى العذاب والعقوبة: {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} . الثَّالث: أُخرى بمعنى أَهل النَّار فى حال التوبيخ والتعيير {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ} . الرابع: أُخرى بمعنى إِحياء الخَلْق يوم القيامة. {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} . الخامس: الآخرة بمعنى يوم القيامة {وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} . السّادس: بمعنى الجنَّة خاصّة: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ} أَىْ فى الجنَّة. السّابع: بمعنى الجحيم خاصّة {سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الآخرة} بمعنى النار. الثامن: بمعنى الأَخير فى المدّة: {مَا سَمِعْنَا بهاذا فِى الملة الآخرة} أَى الأَخيرة. التاسع: بمعنى القبر: {بالقول الثابت فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة} أَى فى القبر. العاشر: أَهل النفاق: {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} . الحادى عشر: بمعنى المتأَخِّرين عن الغَزْو: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله} . الثانى عشر: بمعنى طبّاخ مالك بن الرّيان فى حال الحَبْس: {وَقَالَ الآخر إِنِّي أراني أَحْمِلُ} . الثالث عشر: بمعنى الأَزلىّ الَّذى لا بِدَايَة له ولا نهاية: {هُوَ الأول والآخر} .

بصيرة فى الأحد

بصيرة فى الأحد وهى كلمة تستعمل على ضربين. أَحدهما فى النفى فقط؛ والثانى فى الإِثبات. فأَمّا المختصّ بالنْفى فلاستغراق جنس الناطقين. ويتناول القليل، والكثير، على طريق الاجتماع، والافتراق، نحو ما فى الدّار أَحد أَى لا واحدٌ، ولا اثنان فصاعداً، لا مجتمعين ولا مفترقين. ولهذا المعنى لا يصحّ استعماله فى الإِثبات؛ لأَنَّ نفى المتضادّين يصحّ، وإِثباتهما لا يصحّ. فلو قال: فى الدّار أَحد لكان فيه إِثبات واحدٍ منفرد، مع إِثبات ما فوق الواحد مجتَمعين، ومفترقين، وذلك ظاهر الإِحالة. ولِتناول ذلك ما فوق الواحد يصحّ أَن يقال: ما مِن أَحد فاضلين، كقوله: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} . وأَمّا المستعمل فى الإِثبات فعلى ثلاثة أَوجه. الأَوّل: فى الواحد المضموم إِلى العشرات؛ نحو أَحد عشر، وأَحد وعشرين. والثانى أَن يستعمل مضافاً إِليه، كقوله تعالى: {أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} ، وقولهم: يوم الأَحد أَى يوم الأَوّل، ويوم الاثنين. الثالث: أَن يستعمل مطلقاً وصفاً، وليس ذلك إِلاَّ فى وصف الله تعالى.

وأَصله وَحَد، أَبدلوا الواو همزة، على عادتهم فى الواوات الواقعة فى أَوائل الكلم؛ كما فى أُجوه ووجوه، وإِشاح ووِشاح، وامرأَة أَناة ووَناة. وورد فى النصّ على عشرة أَوجه: الأَوّل: بمعنى سيّد المرسلين صلَّى الله عليه وسلَّم: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ} {وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً} يعنى أَحمد. الثانى: بمعنى بِلاَل بن رَبَاح: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تجزى} أَى لبلال. الثالث: بمعنى يمليخا أَحدِ فِتية الكهف: {فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} . الرّابع: بمعنى زيد بن حارثة مولى النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} . الخامس: بمعنى فَرْد من الخَلْق من أَهل الأَرض، والسّماءِ، من المَلَك، والإِنس والجِنَّ والشيطان {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} . السّادس: بمعنى دقيانوس {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً} . السّابع: بمعنى إِبليس: {وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً} . الثامن: بمعنى ساقى مالك بن الرّيّان:

{قَالَ أَحَدُهُمَآ إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً} . التَّاسع: بمعنى الصّنم، والوَثَن: {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} ، {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ} . العاشر: بمعنى الحقّ الواحد، الصّمد تعالى: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} .

بصيرة فى الاثنين

بصيرة فى الاثنين وهو اسم للعدد الكائن بين الواحد والثلاث كأَنَّه ثَنى الواحدَ ثَنْياً. وقال بعضهم: هو أَقلّ الجمع. وقال الجمهور: أَقلّ الجمع ثلاث. والصّواب أَن يقال: هذا أَقل جمع الفَرْد، وذلك أَقل جَمْع الزَّوج. حكاه الشيخ أَبو عبد الله الخاتمى عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم فى بعض مرائيه. واثنان. واثنتان أَصلهما ثِنيَان، وثنتيان؛ حذفوا اليَاءَ منهما، بقى ثِنَان، وثنتان. ولمّا كان (ثنان) ناقصاً فى العدد أَلحقوا بها همزة، وسكَّنوا ثاءَها، ثمّ زادوا على (ثنتان) أَيضاً همزة (للمجانسة والموافقة فقالوا اثنان واثنتان) ويستعمل اثنتان بغير الهمزة أَيضاً؛ يقال: ثنتان، ولا يقال: ثنان. وقد ورد فى القرآن على عشرة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى الوارثات من البنات: {فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثنتين} . الثانى: بمعنى الكلالة من الإِخوة والأَخوات: {فَإِن كَانَتَا اثنتين} . الثالث بمعنى النَّعَم من الحيوانات: {مَّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين} {وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين} . الرّابع: بمعنى النَّهى عن اعتقاد تثنية إلاين: {لاَ تَتَّخِذُواْ إلاهين اثنين} .

الخامس: بمعنى الجمع بين الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم والصدّيق فى حالات الخَلَوات: {ثَانِيَ اثنين إِذْ هُمَا فِي الغار} . السّادس: فى تقرير شَرْع الأَحكام بشاهدين عدلين: {اثنان ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} . السّابع: فى الإِشارة إِلى الأَعين الَّتى انفجرت من الحَجَر ساعة إِظهار المعجزة: {فانفجرت مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً} . الثامن: تفريق قوم موسى على عِدّة أَسباط {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} . التَّاسع: بَعْث بنى إِسرائيل الذين ساروا نحو العمالقة: {وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثني عَشَرَ نَقِيباً} . العاشر: عددُ الأَشهر فى العام: {إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً} .

بصيرة فى الأربع والأربعين

بصيرة فى الأربع والأربعين والأَربع: اسم للعدد الَّذى يزيد على الثلاث، وينقص عن الخمس. وسمّى أَربعاً؛ لأَنَّ الشئ يصير به مربّعاً، ورُبَاع ومَرْبع، بمعنى أَربعة أَربعة وجاءَ فى القرآن بمعنيين: الأَول إِشارة إِلى عدد (أَجنحة) الملائكة: {أولي أَجْنِحَةٍ مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} . الثانى: عبارة عن النِّساء المحلَّلَة بعَقْد النكاح: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} . وأَمّا الرُبُع فإِنه ورد للدّرجة الأُولى فى ميراث الزوجة من الزَّوج: {وَلَهُنَّ الربع مِمَّا تَرَكْتُمْ} (وللدرجة الثانية فى ميراث الزوج من الزوجة) {فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الربع مِمَّا تَرَكْنَ} . والأَربع والأَربعون ورد فى التَّنزيل على اثنى عشر وجهاً. الأَوّل: بيان تربُّص مدّة الإِيلاءِ: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} . الثانى: بيان عدّة الوفاة: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} . الثالث: إِظهار معجزة الخليل: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطير} .

الرّابع: بيان أَشهر الحرم {مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} . الخامس: تمهيد قادة شهادة الزناة {فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ} . السّادس: بيان حكم اللِّعان: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بالله} . السّابع: لدَرْءِ العذاب والعقوبة عن الملاعَنة: {وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله} . الثامن: لتهديد الخائضين فى قصّة الإِفْك: {لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} . التَّاسع: بيان خِلْقة الحيوانات: {وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ} . العاشر: بيان تقدير الأقوات، والأَوقات: {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} . الحادى عشر: الأَربعون لبيان سنّ التَّوبة والشكر: {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} . الثانى عشر: ميقات موسى: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} {وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} .

بصيرة فى الارسال

بصيرة فى الارسال وقد ورد فى التنزيل على سبعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى التَّسليط {أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} {أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} أَى سُلِّطُوا. الثَّانى: بمعنى البعث والتَّصديق: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} {أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} . الثالث: بمعنى الفتح: {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} . الرّابع: بمعنى الإِخراج: {إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} أَى مخرجوها. الخامس: بمعنى التَّوجيه: {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي المدآئن حَاشِرِينَ} أَى وجّه، {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً} . السّادس: بمعنى الإِطلاق من العذاب: {أَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ} . السّابع: بمعنى إِنزال المَطَر: {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} . وأَصل الرّسْل الانبعاث على التؤدة، ناقة رَسْلة: سهلة السّير، وإِبل مَرَاسيل: منبعثة انبعاثاً سهْلاً. وسيأْتى فى باب الرّاءِ تمامُه إِن شَاء الله تعالى.

بصيرة فى الاتباع

بصيرة فى الاتباع وقد ورد فى التَّنزيل على سبعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الصّحبة: {هَلْ أَتَّبِعُكَ على أَن تُعَلِّمَنِ} أَى أَصحَبُك، {واتبعك الأرذلون} أَى صَحِبك. الثانى: بمعنى الاقتداءِ والمتابعة: {اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً} : اقتدوا به الثَّالث: بمعنى الثبات والاستقامة: {اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} أَى دُم واثْبتْ عليها. الرّابع: بمعنى الاختيار والموافقة: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين} . الخامس: بمعنى العمل: {واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أَى عمِلوا به. السّادس: بمعنى التَّوجُّه إِلى الكعبة، أَو إِلى بيت المقدس فى الصّلاة {مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} . السّابع: بمعنى الطاعة {لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان إِلاَّ قَلِيلاً} أَى لأَطعتم. والمادّة موضوعة للقَفْو، تبِعه واتَّبعه أَى قفا أَثره. وذلك تارة بالجسم،

وتارة بالارتسام والائتمار. وعلى ذلك قوله تعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} . ويقال أَتبعه إِذا لحِقه؛ كقوله - تعالى - {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} ويقال: أُتْبع فلا بملئِ أَى أحيل عليه. وتُبّع كانوا رءوساً، سُمّوا بذلك لاتِّباع بعضهم بعضا فى الرّياسة والسياسة. والتُّبَّع: الظِّل. والمُتْبع من البهائم: التى يتبعها ولدها. والتّبِيع خُصّ بولد البقرة إِذا اتَّبع أُمّه.

بصيرة فى الافك

بصيرة فى الافك وقد ورد فى نصّ القرآن على سبعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الكذب: {فَسَيَقُولُونَ هاذآ إِفْكٌ قَدِيمٌ} أَى كذِب. الثانى: بمعنى العبادة: {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ} . الثَّالث: بمعنى وصف الحقِّ بالشريك والولد: {أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله} . الرّابع: بمعنى قَذْف المحصنات: {إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ} . الخامس: بمعنى الصّرف والقَلْب {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أَى يُصْرف، {فأنى تُؤْفَكُونَ} أَى تُصرفون. السّادس: بمعنى الانقلاب: {والمؤتفكة أهوى} . السّابع: بمعنى السّحر: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} أَى ما يسحرون. والإِفك فى الأَصل كلّ مصروف عن وجهه الذى يحقّ أَن يكون عليه. وقوله تعالى: {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} استعمله فى ذلك لمّا اعتقدوا أَنَّ ذلك من الكذب. ورجل مأفوك: مصروف عن الحقِّ إِلى الباطل، وعن العقل إِلى الخيال.

بصيرة فى الامساك

بصيرة فى الامساك وقد ورد فى النصّ على سبعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى رَجعة المطلِّق بعد الطَّلاق {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} أَى مراجعة. الثانى: بمعنى الحبس: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت} أَى احتبسوهنّ. الثالث: بمعنى البخل: {إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق} أَى بخلتم. الرابع: بمعنى الحفظ: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} ، {وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ} أَى يحفظ. الخامس: بمعنى المنع: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} أَى فلا مانع؛ {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} . السّادس: بمعنى الاستيثاق بالشئ والتعلُّق به: {فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} أَى تعلَّق وتمسّك. السَّابع: بمعنى العمل بالشئ: {فاستمسك بالذي أُوحِيَ إِلَيْكَ} أَى اعمل به. ويقال: مسك به، وأَمسك، وتماسك، ومَسَّك، واستمسك، وتمسك أَى احتبس [واعتصم به] قال الشاعر:

ودّعت إِلْفى وفى يدى يدُهُ ... مثل غريق به تمسّكت فراح عنى وراحتى عَطِرت ... كأَنَّنى بعده تمسّكت والمُسْكة: ما يتمسّك به، وما يُمسِك الأَبدان من الغِذاءِ والشَّراب. وقيل: ما يتبلَّغ به منهما. والمُسْكة أَيضاً، والمَسِيك: العقل الوافر. ورجل مَسِيك، ومِسّيك، ومُسَكة - كهُمَزة - ومُسُك - بضمّتين -: بخيل. وفيه مُسْكة، ومُسُكة، ومَساك، ومِسَاك، ومِسَاكة وإِمساك: بُخْل. والمَسَك والمَسَاك، والمَسِيك: موضع يُمسِك الماءَ. والمَسَكُ: الذبْل المشدود على المِعْصَم.

بصيرة فى الأخذ

بصيرة فى الأخذ وقد ورد فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى القبول: {وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي} : قبلتم. الثانى: بمعنى الحَبْس: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} أَى احبس، {مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ} أَى نحبس، {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} أَى ليحبس. الثالث: بمعنى العذاب والعقوبة: {وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} أَى عذابه. الرّابع: بمعنى القتل: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أَى يقتلوه. الخامس: بمعنى الأَسْر {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ} . والأَصل فيه حَوْز الشئ وتحصيله. وذلك تارة يكون بالتَّناول؛ كقولك أَخذنا المال، وتارة بالقهر؛ نحو قوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ} {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} {فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى} ، وأَخذته الحُمّى. ورجل أَخِذ، وبه أُخُذ - بضمّتين -: كناية عن الرّمد وتقدّم فى بصيرة الاتخاذ شئ من معناه.

بصيرة فى الاسراف

بصيرة فى الاسراف وقد ورد فى التنزيل على ستَّة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الحرام: {وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً} . الثانى: بمعنى مخالفة الموجبات: {فَلاَ يُسْرِف فِّي القتل} أَى فلا يُخالف ما يجب. الثَّالث: بمعنى الإِنفاق فيما لا ينبغى: {والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} . الرابع: بمعنى التجاوز عن الحَدّ، وهو معناه الأَصلىّ: {كُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا} . الخامس: بمعنى الشِرْك: {وَأَنَّ المسرفين هُمْ أَصْحَابُ النار} أَى المشركين. السّادس: بمعنى الإِفراط فى المعاصى: {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} أَى أَفرطوا عليها بالمعاصى. والسّرف وإِن كان موضوعاً لتجاوز الحدّ فى كلّ فعل يفعله الإِنسان، لكن فى الإِنفاق أَشهر. ويقال تارة باعتبار القَدْر، وتارة باعتبار الكيفيّة. ولهذا قال سفيان: ما أَنفقت فى غير طاعة الله فهو سَرَف، وإِن كان قليلاً، وسُمّى قوم لوط - عليه السّلام - مسرفين مِن حيث إِنَّهم تعدّوا فى وضع البَذْر فى غير المحلّ المخصوص بقوله تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} .

بصيرة فى الاستواء

بصيرة فى الاستواء وقد ورد فى النَّص على ستَّة أَوجه: الأَوّل: بمعنى القَصْد إِلى الشئ: {ثُمَّ استوى إِلَى السمآء} أَى قصد إِلى خَلْقها. الثانى: بمعنى التمكُّن والاستقرار: {واستوت عَلَى الجودي} أَى استقرّت. الثالث: بمعنى الرّكوب، والاستعلاء: {ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم} أَى ركِبتم واستعليتم. الرّابع: بمعنى الشدّة والقوّة: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واستوى} أَى قوى واشتدّ. الخامس: بمعنى المعارضة والمقابلة: {وَمَا يَسْتَوِي البحران} {وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير} أَى يقابل هذا ذاك. السّادس: بمعنى القهر والقدرة: {استوى عَلَى العرش} {الرحمان

عَلَى العرش استوى} أَى أَقبل على أَمره، واستولى على مِلكه، وقدر عليه بالقهر والغلبة. وهو أَعظم المخلوقات، وأَكبر الموجودات. فإِذا قهره وقدر عليه، فكيف ما دونه لديه. قال أَبو القاسم الأَصبهانى: استوى يقال على وجهين. أَحدهما يُسند إِلى فاعلَين فصاعداً، نحو استوى زيد وعمرو فى كذا، أَى تساويَا. الثانى: أَن يقال لاعتدال الشئ فى ذاته، نحو قوله تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فاستوى} ، ومتى عدّى بعلى اقتضى معنى الاستيلاء، نحو {الرحمن عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} . وقيل معناه: استوى له ما فى السّماوات، وما فى الأَرض بتسويته تعالى إيّاه؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ استوى إِلَى السمآء فَسَوَّاهُنَّ} . وقيل: معناه استوى كلّ شيءٍ فى النسبة إِليه، فلا شئَ أَقربُ إِليه من شىءٍ؛ إِذ كان تعالى ليس كالأَجسام الحالَّة فى مكان دون مكان. وإِذا عُدّى بإِلى اقتضى معنى الانتهاءِ إِليها إِمّا بالذَّات، أَو بالتَّدبير. والله أَعلم.

بصيرة فى الأجل

بصيرة فى الأجل وقد ورد فى النصّ على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الموت المقدّر: {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} . الثانى: بمعنى وقت معيّن معتبر {أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ} إِمّا العشر وإِمّا الثمانية. الثالث: بمعنى إِهلاك الكفَّار: {وَأَنْ عسى أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ} أَى إِهلاكهم. الرّابع: بمعنى عِدّة النساءِ بعد الطَّلاق: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} . الخامس: بمعنى العذب والعقوبة: {إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ} أَى عذابه. والأَجل فى الأَصْل: موضوع للمدّة المضروبة للشئ؛ قال الله تعالى: {ولتبلغوا أَجَلاً مُّسَمًّى} ويقال للمدّة المضروبة لحياة الإِنسان: أَجَل. فيقال: دنا أَجله، عبارة عن دُنوّ الموت. وأَصله استيفاء الأَجل أَى مدّة الحياة.

وقوله: {وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الذي أَجَّلْتَ لَنَا} أَى حدّ الموت. وقيل: حَدّ الهَرَم. وقوله: {ثُمَّ قضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} فالأَول البقاءُ فى هذه الدّنيا، والثانى البقاءُ فى الآخرة. وقيل: الأَوّل هو البقاءُ فى الدّنيا، والثانى (مدة) ما بين الموت إِلى النشور، عن الحسن. وقيل: الأَوّل للنوم، والثانى للموت، إِشارة إِلى قوله - تعالى - {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} عن ابن عبّاس رضى الله عنه. وقيل: الأَجَلان جميعاً: الموت، فمنهم مَن أَجلُه بعارض؛ كالسّيف والغَرَق والحرَق وكلّ مخالف، وغير ذلك من الأَسباب المؤدية إِلى الهلاك. ومنهم من يُوَقّى ويعافى حتى يموت حَتفَ أَنفه. وهذان المشار إِليهما: مَنْ أَخطأَته سهم الرّزية لم يخطئه سهم المنيّة؛ وقيل: للنَّاس أَجلان، منهم مَنْ يموت عَبْطة، ومنهم من يبلغ حدّاً لم يجعل الله فى طبيعة الدنيا أَن يبقى أَحد أَكثر منه فيها. وإِليهما أَشار بقوله: {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} وقصدهما الشاعر بقوله: رأَيتُ المنايا خَبْط عَشْواءَ من تُصبْ ... تُمِتْهُ ومن تُخْطِئ يُعَمّر ويهرمِ

بصيرة فى الامام

بصيرة فى الامام وهو المؤتمّ به، إِنساناً كان يقتدى بقوله وفعله، أَو كتاباً، أَو غير ذلك، مُحِقّاً كان أَو مبطِلاً. وقد ورد فى النَّص على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى مقَدّم القوم وقائد الخيرات: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} : قائداً لهم. الثَّانى: بمعنى اللَّوح المحفوظ المشتمل على جملة الأَقوال والأَفعال والأَحوال: {وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ} . الثالث: بمعنى الراحة والرّحمة: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً} . الرابع: بمعنى الطَّريق الواضح: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} : طريق واضح. الخامس: بمعنى الكتاب؛ كالتوارة والإِنجيل والصّحف والزَّبور والفرقان: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} .

بصيرة فى الأم

بصيرة فى الأم وهى لغةً: بإِزاءِ الأب. وهى الوالدة القريبة الَّتى ولدته، والبعيدة التى ولدت مَن ولدته. ولهذا قيل لحوّاءَ: هى أُمّنا، وإِن كان بيننا وبينها وسائط. ويقال لكلّ ما كان أَصلاً لوجود الشَّئ، أَوْ تربيته، أَو إِصلاحه أَو مبدئه: أُمّ. قال الخليل: كل شئ ضُمّ إِليه سائر ما يليه يُسمّى أُمّا. ويقال: أُمّ وأُمّة، الجمع أُمَّات وأُمّهات. وقيل: الأُمّات للبهائم، والأُمّهات لبنى آدم. والهاءُ فيه زائدة. ولا يوجد هاء مَزِيدة فى وسط الكلمة أَصلاً إِلاَّ فى هذه الكلمة، قال: رُزئت بأَمّ كنت أَحيا برُوحها ... وأَستدفع البلْوى واستكشف الغُمم وما الأُمّ إِلا أُمّة فى حياتها ... وأُمّ إِذا ماتت وما الأُمّ بالأَمَمْ من الأَمر ما للناس جُرّعت فقدها ... ومن يبك أُمّا لم تُذَمْ قط لا يُذَمّ وقد ورد فى النصّ على ثمانية أَوجه: الأَوّل: بمعنى نفس الأَصل: {هُنَّ أُمُّ الكتاب} أَى أَصل الكتاب. الثانى: بمعنى المرجع والمأْوى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} أَى مسكنه النار. الثالث: بمعنى الوالدة: {فَرَجَعْنَاكَ إلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} . الرّابع: بمعنى الظِئْر {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} .

الخامس: بمعنى أَزواج النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} . السّادس: بمعنى اللَّوح المحفوظ: {وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب} . السّابع: بمعنى مكَّة شرّفها الله تعالى: {لِّتُنذِرَ أُمَّ القرى} . سمّيت بها لأَنَّ الأَرض دُحِيت مِن تحتها. (وأُم الرباع مكَّة) . وأُمّ النُّجوم: المجَرّة. وأُمّ الجيش: الرئيس. وأُمّ الكتاب: الفاتحة. والأُمّة والإِمام تَقَدّم فى بصيرتيهما.

بصيرة فى الأب

بصيرة فى الأب وهو الوالد. ويسمّى كلّ من كان سبباً فى إِيجاد شئ أَو إِصلاحه وظهوره: أَباً. ولذلك سُمّى النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَباً للمؤمنين. ويروى أَنَّه قال صلَّى الله عليه وسلَّم لعلى رضى الله عنه "أَنا وأَنت أَبوا هذِه الأَمّة" وأَصله أَبَوٌ، فلمّا كثر استعماله حذفوا الواو. على قياس يدٍ ودمٍ وأَخٍ. والجمع آباء، وأَبُون. وأَبوت وأَبيْت: صرت أَبا، وأَبوته إِباوة - بالكسر - صرت له أباً. والاسم الإِبْواء. وتأَبّاه: اتَّخذه أَبا. وقالوا فى النِّداءِ: يا أَبت - بسكر التَّاءِ، وضمّها - ويا أَبه - بالهاء - ويا أَباه. والأَبا لغة فى الأَب. وكذا الأَبّ مشدّدة. ويقال: لابَ لك، ولا أَب لك، ولا أَبا لك، ولا أَباك، ولا أَبك. كلّ ذلك دعاءٌ فى المعنى لا محالة، وفى اللَّفظ خبر، يقال لمن له أَب ولمن لا أَب له. قال الشاعر: إِنَّ أَباها وأَبَا أَباها ... قد بلغا فى المجد غايتاها وقال آخر: خالِلْ خليل أَخيك وابغ إِخاءَه ... واعلم بأَنَّ أَخا أَخيك أَخوكا

واعطف بجَدّك رحمة وتعطُّفاً ... واعلم بأَنَّ أَبا أَبيك أَبوكا أَبُنىّ ثم بنى بنيك فكن لهم ... بَرَّا فإِنَّ بنى بنيك بنوكا وورد الأَب فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الجَدّ: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} أَى جدّكم. الثانى: بمعنى العَمّ: {وإلاه آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ [وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إلاها وَاحِداً} وإِسماعيل لم يكن من آبائه وإِنما كان عمه] . والعرب تطلق على العمّ الأَب، وعلى الخالة الأُمّ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش} يعنى أَباه، وخالته. الثالث: بمعنى الوالد: {ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ} ، {ياأبت لِمَ تَعْبُدُ} . الرابع: الأَبُّ مشدّدة بمعنى المَرْعَى {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} .

بصيرة فى الاتقاء

بصيرة فى الاتقاء افتعال من التقوى، وهو جعل الشئ فى وقاية ممّا يُخاف منه. هذا حقيقته. ثمّ يسمّى الخوف تارة تَقْوَى، والتقوى تارة خوفاً، حسب تسمية المقتضَى بمقتضيه، والمقتضِى بمقتضاه. وصار التَّقوى - فى عرف الشَّرع - حفظ النَّفس عمّا يُؤثم. وذلك يتجنَّب المحظور. و [يتم] ذلك بترك كثير من المباحات، كما فى الحديث "الحَلال بيّن والحرام بيّن. ومَنْ رتَع حول الحِمَى يوشك أَن يقع فيه"، "لا يبلُغُ الرّجل أَن يكون المتَّقين حتى يَدَع ما لا بأْس به حذرا مّما به البأْس" قال الماع: منازل التقوى ثلاثة: تقوَى عن الشرك، وتقوَى عن المعاصى، وتقوى عن البِدْعة. وقد ذكرها الله سبحانه فى آية واحدة، وهى قوله - عزَّ وجلّ - {لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طعموا إِذَا مَا اتقوا وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ والله يُحِبُّ المحسنين} التَّقوى الأُولى تقوى عن الشرك، والإِيمان فى مقابلة التَّوحيد، والتَّقوى الثانية عن البدعة، والإِيمان المذكور معها إِقرار السنَّة والجماعة. والتقوى

الثالثة عن المعاصى الفرعيّة، والإِقرار فى هذه المنزلة قابلها بالإِحسان، وهو الطَّاعة وهو الاستقامة عليها. وورد فى التنزيل على خمسة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى الخوف والخشية: {اتقوا رَبَّكُمُ} . الثَّانى: بمعنى التحذير والتخويف: {لاَ إلاه إِلاَّ أَنَاْ فاتقون} . الثَّالث: بمعنى الاحْتراز عن المعصية: {وَأْتُواْ البيوت مِنْ أَبْوَابِهَا واتقوا الله} . الرّابع: بمعنى التَّوحيد والشِّهادة: {اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} أَى وحّدوا الله. الخامس: بمعنى الإِخلاص واليقين: {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} {أولائك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} . وقوله - تعالى -: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} يُشْعِر بأَنَّ الأَمرِ كلَّه راجع إِلى التَّقوى. وقوله تعالى {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتقوا الله} يُفهِم أَنَّه لو كانت فى العالم خَصْلة هى أَصلح للعبد، وأَجمع الخير، وأَعظم للأَجر، وأَجَلّ فى العُبوديّة، وأَعظم فى القدر.

وأَوْلى فى الحال (وأَنجح) وفى المآل من هذه الخَصْلة، لكان الله - سبحانه - أَمر بها عباده، وأَوصى خواصّه بذلك؛ لكمال حكمته ورحمته. فلمّا أَوصى بهذه الخَصْلة الواحدة جميعَ الأَوّلين والآخرين من عباده، واقتصر عليها، علمنا أَنَّها الغاية الَّتى لا متجاوَز عنها، ولا مقتصر دونها، وأَنه - عز وجلّ - قد جمع كلّ محض نُصْح، ودلالة، وإِرشاد، وسُنَّة، وتأْديب، وتعليم، وتهذيب فى هذه الوصيّة الواحدة. والله ولىّ الهداية.

بصيرة فى ان وان وانا

بصيرة فى ان وان وانا وقد يرد (إِنْ) فى كلامهم، وفى القرآن على وجوهِ: الأَوّل: حرف شرط: إِن تخرج أَخرج. الثانى المخفَّفة من المثقَّلة تأْكيدا: إِنَّ كُلاَّ، وإِنْ كلا؛ وقد قرئَ بهما. الثالث: أَمر مِن أَنَّ يَئِنّ، إِذا أَمرت قلت: إِنَّ. الرّابع: بمعنى: "إِذْ" كقوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أَى إِذا كنتم. الخامس: بمعنى قَدْ: {إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} أَى قد كنَّا، {إِن نَّفَعَتِ الذكرى} . السّادس: إِن المزيدة للتأْكيد: ما إِن رأَيت زيدا: أَى ما رأَيت: ورَجّ الفتى للخير ما إِن رأَيته ... على السنّ خير لا يزال يزيد السّابع: بمعنى ما النافية للجنس: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} . وإِنَّ حرف ينصب الاسم، ويرفع الخبر. وقد ينصبهما: نحو: إِذا اسودّ جنحُ اللَّيل فلتأْت ولتكن ... خُطَاك خفافاً إِن حُرّاسنا أُسْدا ويؤكَّد بها الخبر؛ وما بعدها فى تأْويل المصدر. وقد يخفَّف. وقد يكون بمعنى نَعَمْ ويبطل عن العمل {إِنْ هاذان لَسَاحِرَانِ} .

بصيرة فى أن وأن وأنى

بصيرة فى أن وأن وأنى أَنْ من نواصب الفعل المستقبل، مبنىّ على السّكون ويَرِد فى كلام العرب، وفى القرآن العزيز على ستَّة أَوجه: الأَوّل: أَن يعمل فى الفعل المستقبل بالنَّصبيّة: {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ} . الثانى: أَلاَّ يعمل. وذلك حين يتوسّط السّين بينها وبين الفعل: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى} . الثالث: أن تكون مخفَّفة من الثقيلة؛ كقولك: علمت أن زيد لمنطلق، مقترنا بلام فى الإِعمال، وعلمت أَن زيد منطلق بلا لام فى الإِلغاءِ. الرابع: أَن يكون بمعنى أَىْ: {وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا} . الخامس: أَن تكون زائدة للتأْكيد: {وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا} وفى موضع آخر {وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا} .

السّادس: أَن تكون مع الفعل فى تاويل المصدر: أَحبَبْت أَن تقوم أَى قيامك. السّابع: أَن المضمرة الَّتى تعمل، وإِن لم تكن فى اللفظ؛ لأَلْزَمنَّك أَو تقضينى حقِّى، أَى إِلى أن تقضينى. وأَنَّ ينصب الاسم ويرفع الخبر، كإِنَّ المكسورة وقد يكون بمعنى لَعلّ. وإِذا أَضفته إِلى جمع أَو عظيم قلت: إِنا، وإِنَّنا. وأَنَّى يرد فى الكلام على أَوجه: بمعنى كَيف، وحيث، وأَيْن {أنى شِئْتُمْ} محتمل الأَوجه الثلاثة. وقوله: {أنى لَكِ هاذا} أَى مِن أَين لكِ. ويكون حرف شرط: أَنى يكن أَكن. وهمزة أَن مفتوحة إِلاَّ فى مواضع (نظمتُها فى قولى) .

بصيرة فى أى

بصيرة فى أى وهى ترد فى القرآن والكلام على خمسة أوجه. الأَوّل: اسم نكرة موصوفة: {يأَيها النَّاس} . الثَّانى: للتعظيم: جاءَنى رجل أَىُّ رجل. الثالث: بمعنى الَّذى: أَيّهم فى الدّار أَحول، أَى الَّذى. الرّابع: للاستفهام: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} . الخامس: للشَّرْط: أَيُّهم يكرمنى أَكرمْه، {أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الحسنى} . وقد يستفهم به عن نكرة فى نحو مَن قال: جاءَ رجل تقول: أَىُّ يا فتى؟ فى الرّفع، وأَيا فى النَّصب، وأَىٍّ فى الجرّ، وأَيّانِ وأَييّيْن فى التثنية، وأَيُّون وأَيّين فى الجمع.

بصيرة فى أو

بصيرة فى أو ويرد على اثنى عشر وجهاً: للشكِّ؛ نحو جاءَنى زيد أَو عمرو، وللتخيير: اشرب الماءَ أَو اللّبن، وللإِباحة: جالس الحسن أَو ابن سيرين، وبمعنى حتى: لأَلزمنك أَو تعطينى حقِّى، وبمعنى الواو: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ، وبمعنى بَلْ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} ، وبمعنى إِلى، وبمعنى إِلاَّ فى الاستثناءِ. وهذه ينتصب المضارع بعدها بإِضمار أَن، نحو: كسرت كعوبها أَو تستقيما وللتبعيض: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى} ويكون للتقريب وللتقسيم. وتكون شرطيّة: لأَضربنَّه عاش أَو مات، وبمعنى إِذَنْ وإِذا جعلتها اسماً ثقَّلت الواو، يقال: دع الأَوَّ جانبا.

بصيرة فى الاسفار

بصيرة فى الاسفار وقد ورد فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى المنازل والقُرى: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} أَى بَيْن قرانا. الثانى: بمعنى الكُتُب والصّحائف: {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً} . الثالث: بكسر الهمزة بمعنى اللَّمعان والبرق، والنضارة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} . الرابع: بمعنى الإِضاءَة والتنوير: {والصبح إِذَآ أَسْفَرَ} .

بصيرة فى الأشعار

بصيرة فى الأشعار ويرد فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الإِعلام: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} . وبالفتح جمع شَعر: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ} . والشعراءُ جمع شاعر {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} . الرّابع: الشَّعائر بمعنى مناسك الحجّ: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله} جمع شعيرة، وهى ما يُهْدَى إِلى بيت الله من الأَنعام. وسُمّى بذلك لأَنها تُشعَر أَى تعلَّم بأَن تُدْمَى بشِعيرة أَى حديدة يُشْعر بها. والشِّعْرى: نجمان فى السّماءِ. وهما شعريان: شِعْرَى العبورُ وشعرى الغُمَيصاءُ، وخصّه تعالى بقوله: {هُوَ رَبُّ الشعرى} ، لأَنَّ قوماً عبدوها. وشعرت أَصبت الشَّعر. ومنه استعير شَعَرت. بمعنى علِمت أَى أَصبْتُ عِلْماً هو فى الدّقَّة كاصابة الشَّعر. وسمّى الشاعر لدقَّة معرفته. فالشِّعر فى الأَصل اسم للعِلْم الدّقيق، وصار فى التعارف اسماً للموزون المقفَّى والشَّاعر للمختصّ بصناعته وقوله - تعالى - حكاية عن قول الكُفَّار {بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ}

حمله كثير من المفسّرين على أَنَّهم رَمَوه بكونه آتِيا بشِعْر منظوم، [حتى تأَوّلوا ما جاءَ فى القرآن من كل كلام يشبه الموزون، من نحو {وَجِفَانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِيَاتٍ} ] . وقال بعض المحصّلين: لم يقصدوا هذا المقصِد فيما رمَوه به. وذلك أَنَّه ظاهر من القرآن المجيد أَنَّه ليس على أَساليب الشّعر، وهذا ممّا لا يخفى على الأَغتام من الأَعجام، فضلاً عن بُلَغَاءِ العرب. وإِنَّما رمَوه بالكذب: فإِنَّ الشّعر يعبّر به عن الكذب، والشَّاعرُ الكاذبُ: حتى سَمّى قوم الأَدلة الكاذبة: (الأَدلَّة) الشعريّة. ولكون الشعر مَقَرّا للكذب قيل: أَحسن الشعر أَكذبه. وقال بعض الحكماء: لم يُرَ متديّن صادق اللَّهجه مُفْلِقا فى شعره. والمشاعر: الحواسّ، {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} ونحوه معناه: لا تدركونه بالحواسّ. ولو قال فى كثير ممّا جاءَ فيه {لاَ يَشْعُرُونَ} : لا يعقلون، لم يكن يجوز؛ إِذ كان كثير ممّا لا يكون محسوساً قد يكون معقولاً. والشِّعار: الثَّوب الَّذى يلى الجَسَد لمماسّة الشَّعَر. والشعار أَيضاً: ما يُشعِر الإِنسان به نفسَه فى الحرب، أَى يُعلم.

بصيرة فى الاحاطة

بصيرة فى الاحاطة وقد وردت فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى العلم: {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} أَى عَلِم. الثانى: بمعنى الجمع: {والله مُحِيطٌ بالكافرين} أَى جامع لهم فى العقوبة. الثالث: بمعنى الهلاك: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته} . الرّابع: بمعنى خسارة الشئ من كلّ جانب: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} وقيل: الإِحاطة يقال على وجهين: أَحدهما: فى الأَجسام؛ نحو أَحطت بمكان كذا، ويستعمل فى الحفظ نحو {إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} أَى حافظ له من جميع جهاته. ويستعمل فى المنع؛ نحو {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} أَى أَن تُمنعوا. وقوله: - تعالى - {أَحَاطَتْ به خَطِيئَتهُ} أَبلغ استعارة. وذلك أَنَّ الإِنسان إِذا ارتكب ذنباً، واستمرّ عليه استجرّه إِلى إِتيان ما هو أَعظم منه، فلا يزال يرتقى، حتى يُطْبَع على قلبه، فلا يمكنه أَن يخرج عن تعاطيه. والاحتياط: استعمال ما فيه الحِياطة أَى الحفظ.

والثانى: فى العِلْم؛ نحو قوله: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} فالإِحاطة بالشئ عِلماً هو أَن يعلم وجوده، وحسنه، وقدره، وكيفيّته، وغرضه المقصود به، وبإِيجاده، وما يكون هو منه. وذلك ليس إِلاَّ لله تعالى. وقال: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} فنى ذلك عنهم. وقال صاحب موسى {وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} ؛ تنبيهاً أَنَّ الصّبر التَّامّ إِنَّما يقع بعد إِحاطة العلم بالشئ، وذلك صعب إِلاَّ يفَيض إِلهى. وقوله - تعالى - {وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} فذلك إِحاطة بالقدْرة.

بصيرة فى الاحصاء

بصيرة فى الاحصاء وقد ورد فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الحفظ والضبط: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} أَى حفِظها. الثانى: بمعنى الكتابة: {وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ} . الثالث: بمعنى الحَصْر والإِحاطة: {وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} . الرّابع: بمعنى الطَّاقة والقُدرة: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا} ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا أُحْصِى ثناءً عليك أَنت كما أَثنيت على نفسك". واشتقاقه من الحَصَى. وذلك لأَنَّهم كانوا يعتمدونه بالعدد كاعتمادنا فيه على الأَصابع. وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم - فى الأَسماءِ الحسنى: "مَن أَحصاها دخل الجنَّة" قيل: أى مَنْ عدّها. وقرأَها. وقيل: مَنْ حفظها وضبطها. وقيل: مَنْ عرفها، وعرف معناها. وقيل: مَن تخلَّق بها حَسَب الطَّاقة

البشريّة. وقوله: "استقيموا ولن تُحْصُوا" أَى لن تحصّلوا ذلك. ووجه تعذُّر إِحصائه وتحصيله هو أَنَّ الحقّ واحد، والباطل كثير، بل الحقّ بالإِضافة إِلى الباطل كالنقطة بالإِضافة إِلى سائر أَجزاءِ الدائرة، وكالَمْرمَى من الهَدَف، وإِصابة ذلك صعب عسيرٌ. وإِلى هذا أَشار صلَّى الله عليه وسلَّم "شيْبتنى سورة هود"، وقال بعض أَهل العلم: لن تُحصوا أَى لن تحصوا ثوابه. وقولهم: ماله حَصَاة ولا أَصاة، الحصاة: العقل، والأَصَاة إِتباع.

بصيرة فى الادرااك

بصيرة فى الادرااك وقد ورد فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَول: بمعنى الإِلجاءِ والاضطرار: {حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق} أَى أَلجأَه واضطرّه. الثانى: بمعنى الإِدراك واللُّحوق: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} . الثالث: بمعنى الاجتماع: {بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الآخرة} أَى تدارك واجتمع بعضه على بعض. وقوله تعالى: {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً} أَى لحِق كلّ بالآخر. الرّابع: رؤية البَصَر {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} ومنهم من حَمَله على البصيرة. وذلك أَنه قد نبّه به على ما رُوِى عن أَبى بكر: يا مَنْ غايةُ معرفته القصورُ عن معرفته؛ إِذ كان غاية معرفته - تعالى - أَن يعرف الأَشياءَ، فيعرف أَنَّه ليس بشئ منه، ولا بمثله، بل هو موجِد كلّ ما أَدركته. وأَصْل الإِدراك: بلوغ أَقصى الشئ. وأَدرك الصبىُّ: بلغ غاية الصبا. وذلك حين البلوغ. والدّرك - بالتَّحريك - أقصى قَعْر البحر. ومنه دَرَكات جهنَّم. ويقال للحبْل الذى يوصَل به حبل آخر ليدرك الماءَ: دَرَكٌ، ولما يلحق الإِنسان من تَبعة: دَرَك؛ كالدّرك فى البيع.

بصيرة فى الاجر

بصيرة فى الاجر وقد ورد فى النَّصّ على أَربعة أَوجه: الأَول: بمعنى صَدُقات الأَزواج: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} . الثانى: بمعنى ثواب الطَّاعة: {وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا أَجْرَهُمْ} أَى ثوابهم. ولها نظائر. الثالث: بمعنى الجُعْل والغُرْم: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} ، {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} . الرّابع: بمعنى نقة الدَايات: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} بمعنى نفقة الرّضاع. والأَصل فى معنى الأَجر: ما يعود من ثواب العمل، دنيويّاً أَو أَخرويّاً. والأُجرة فى الثَّواب الدّنيوىّ، والأَجْر فى الآخرة، يقال فيما كان من عقد وما يجرى مَجْرى العقد، ولا يقال إِلاَّ فى النفع دون الضرّ، نحو {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} {فَأَجْرُهُ عَلَى الله} . والجزاءُ يقال فيما كان من عَقْد وغير عقد. ويقال فى النافع والضَّار نحو {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً}

و {جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ} وأَجَره كنصره: أَعطاه الشئَ بأَجْره {على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} وآجره كذلك. والفرق أَن أَجره يقال إِذا اعتبر (فعل أَحدهما، وآجره إِذاً اعتبر فعلاهما، وكلاهما يرجعان إِلى معنى. ويقال: أَجَره الله وآجره) . والأَجير فعيل بمعنى فاعل أَو مُفاعِل. والاستئجار: طلب الشئّ بأُجْرة، ثمّ يعبّر به عن تناول بالأُجْرة. {ياأبت استأجره} .

بصيرة فى الأبيض

بصيرة فى الأبيض (هو) ضِدّ الأَسود: {وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ} {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} ؛ {وَأَمَّا الذين ابيضت وُجُوهُهُمْ} . وبِيْض (أَصله بُيْض) بالضمّ أَبدلوه بالكسر؛ ليصحّ الياءُ. والأَبيض: السّيف. والأَبيض: الفضَّة. والأَبيض: الرجل النقىّ العِرض. والأَبيض: كوكب فى حاشية المَجَرّة، وقَصْر للأَكاسرة، نقضه المكتفى، وبنى بشرفاته أَساس التَّاج، وبأَساسه شرفاته. والأَبيضان: اللَّبن والماءُ، أَو الشحم والشباب، أَو الخبر والماءُ، أَو الحنطة والماءُ. والموت الأَبيض الفجاءَة. وابيضَّ وابياضَّ ضدّ اسودّ واسوادّ. والبَيَاض: لونُ الأَبيض، واسم للَّبن. وفى كلامهم: إِذا قلّ البَيَاض كثر السّواد وإِذا كثر قلّ. ولمّا كان البياض أَفضل لونٍ عندهم - كما قيل: البياض أَفضل، والسّواد أَهول، والحمرة أَجمل، والصّفرة أَشكل - عُبّر عن الفضل والكرم بالبياض، حتى قيل لمن لم يتدنَّس بمعاب: هو أَبيض الوجه. وسمّيت البَيْض؛ لبياضه، الواحدة بَيْضَة. وكُنى عن المرأَة بالبَيْضة؛ تشبيهاً بها باللَّون، وفى كونها مَصُونة تحت الجناح.

بصيرة فى الأسود

بصيرة فى الأسود السّواد مضادّ البياض. وقد اسودّ واسوادّ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} فابيضاض الوجوه عبارة عن المَسَرّة، واسودادها عن المَسَاءَة. وحمل بعضهم (الابيضاض والاسوداد) على المحسوس. والأَول أَولى؛ كقوله تعالى فى البياض {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} ، وفى السّواد {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الليل مُظْلِماً} وعلى هذا النَّحو ما روى: أَنَّ المؤمنين يحشرون يوم القيامة غُرّاً محجّلين مِن آثار الوضوءِ. ويعبّر بالسّواد عن الشخص المترائى من بعيد، وعن سواد العين: قال بعضهم: لا يفارق سوادى سواده، أَى عينى شخصه. ويعبّر به عن الجماعة الكثيرة. والأَسود من أَسماءِ الرّجال، ومن أَسماءِ الحَيّة. والأَسودان: التَّمر، والماءُ، والليل والحَرّة. (والسيد: المتولِّى للسواد أَى الجماعة الكثيرة) ؛ ولما كان من شرط المتولِّى للجماعة أَن يكون مهذَّب النَّفس قيل لكلّ مَنْ كان فاضلاً عن نفسه: سَيّد. وعلى ذلك قوله: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} وسمّى الزَّوج سيّداً لسياسته زوجته: وقوله تعالى {إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا} أَى وُلاتنا وسائسينا.

بصيرة فى االأخضر

بصيرة فى االأخضر هو لون بين السّواد والبياض، وإِلى السّواد أَقرب. ولهذا سُمّى الأَسود أَخضر، والأَخضر أَسود. وسواد العراق للموضع الَّذى يكثر فيه الخضرة. وسُمّى الخُضْرة بالدُّهْمة فى قوله: تعالى {مُدْهَآمَّتَانِ} أَى خضراوان. وخَضَراءُ الدِّمَن مفسّر فى الحديث بالمرأَة الحسناءِ فى المنبت السُّوءِ. وفى الحديث سمّى الخَضِرُ خَضِراً، لأَنَّه جلس فى فَرْوة بيضاءَ، فاهتزَّت تحته خضراءَ. الفروة: الأَرض لا نبات فيها.

بصيرة فى الأصفر

بصيرة فى الأصفر الصُّفرة بين السّواد والبياض، وهى إِلى البياض أَقرب. قال الحسن فى قوله تعالى: {صَفْرَآءُ فَاقِعٌ} : سوداءُ شديدة السّواد. وقول مَنْ قال لا يقال فى تأْكيد السّواد: فاقع مردود. وقوله {كَأَنَّهُ جمالت صُفْرٌ} قيل: جمع أَصفر. وقيل: المراد الصُّفْر المعدنىُّ، ومنه قيل للنُّحاس صُفْر، ولِيَبِيس البُهْمى صُفَارٌ. ويقال للرُّوم: بنو الأَصْفر؛ لصفْرة أَلوانهم. ويقال: الصّفِير للصّوت حكاية لما يُسمع. ومن هذا صَفِر الإِناءُ إِذا خلاَ. حتى يُسمع منه صفير لخلوّه، ثمّ صارَ متعارَفا فى كلّ خالِ من الآنية وغيرها. وسمّى خُلُوّ الجوف والعُرُوق من الغِذَاءِ صَفَراً. ولمّا كانت تلك العروق الممتدّة من الكبد إِلى المعدة إِذا لم تجد غِذَاء امتصّت أَجزاءَ المعدة اعتقدت جَهَلة العرب أَنَّ ذلك حيّة فى البطن تَعَضُّ الشراسيف، حتى نفى النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك فقال: لاصفَرَ أَى ليس فى البطن ما يعتقدون أَنَّه حيّة.

بصيرة فى الأمسح

بصيرة فى الأمسح المسح: إِمرار اليد على الشئِ، وإِزالة الأَثر عنه. وقد يستعمل فى كلّ واحد منهما، يقال: مسحت يدى بالمنديل. ويقال للدّرهم الأَطلس: مَسِيح، وللمكان الأَملس: أَمسح، وهى مسحاءُ. ومسح الأَرض: ذَرَعها وعُبّر عن السّير بالمَسْح؛ كما عُبّر عنه بالذرع، فقيل: مسح البعيرُ المفازة، وذرعها. والمَسْح فى تعارف الشرع: إِمرار الماءِ على الأَعضاءِ؛ يقال: مسحْت للصّلاة وتمسّحت. ومنه {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} ومسحته بالسّيف: كناية عن الضرب؛ كما يقال: مَسِست. ومنه {فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوق والأعناق} . واختلف فى اشتقاق المسيح فى صفة نبىّ الله، وكلمته: عيسى، وفى صفة عدوّ الله الدّجّال - أَخزاه الله - على أَقوال كثيرة تنيف على خمسين. قال ابن دِحْية فى كتابه: "مَجْمع البحرين فى فوائد المشرقين والمغربين": فيها ثلاثة وعشرِون قولاً. ولم أَرَ مَنْ جمعها قبلى ممّن رَحَل وجال، ولقى الرّجال.

قال مؤلِّف هذا الكتاب محمّد الفيروزابادى - تاب الله عليه - فأَضفت إِلى ما ذكره الحافظ من الوجوه الحسنة، والأَقوال البديعة، فتمّت بها خمسون وجهاً. وبيانه أَن العلماءَ اختلفوا فى اللفظة هل هى عربيّة أَم لا. فقال بعضهم: سريانيّة. وأَصلها مشيحا - بالشين المعجمة - فعرّبها العرب. وكذا ينطق بها اليهود. قاله أَبو عُبيد. وهذا القول الأَوّل. والذين قالوا: إِنها عربية اختلفوا فى مادّتها. فقيل: مِن (س ى ح) وقيل من (م س ح) ثمّ اختلفا، فقال الأَوّلون: مَفْعِل من ساح يسيح؛ لأَنَّه يسيح فى بلدان الدنيا وأَقطار العالم جميعها، أَصلها: مَسْيح، فأَسكنت الياءُ، ونقلت حركتها إِلى السّين؛ لاستثقالهم الكسرة على الياءِ. وهذا القول الثانى. وقال الآخرون: مسِيح: مشتقّ من مَسَح إِذا سار فى الأَرض وقطعها: فعيل بمعنى فاعل. والفرق بين هذا وما قبله أَنْ هذا يختصّ بقطْع الأَرض، وذلك بقطع جميع البلاد. وهذا الثالث. والرّابع عن أَبى الحسن القابِسىّ، وقد سأَله أَبو عمرٍو الدانىّ: كيف يقرأ المَسِيح الدّجال؟ قال: بفتح الميم وتخفيف السّين، مثل المسيح ابن مريم، لأَنَّ عيسى عليه السّلام مُسِح بالبركة، وهذا مُسِحت عَيْنه. الخامس قال أَبو الحسن: ومن الناس مَن يقرؤه بكسر الميم والسّين مثقِّلاً

كسِكَّيت، فيفرُق بذلك بينهما. وهو وجه. وأَمّا أَنا فما أَقرؤه إِلاَّ كما أَخبرتك. السّادس عن شيخه ابن بَشْكُوَال: أَنَّه قال: سمعت الحافظ أَبا عُمَر بن عبد البَرّ يقول: ومنهم من قال ذلك بالخاءِ المعجمة. والصّحيح أَنَّه لا فرق بينهما. السّابع المسيح لغةً: الذى لا عَين له ولا حاجب؛ سمّى الدّجال بذلك؛ لأَنَّه كذلك. الثامن المسيح: الكذَّاب، وهو أَكذب الخَلْق. التَّاسع المسيح: المارد الخَبِيث. وهو كذلك. العاشر قال ابن سِيده: مَسَحت الإِبلُ الأَرض: سارت فيها سيراً شديداً سُمّى به لسرعة سيره. الحادى عشر: مَسَح فلان عُنق فلان أَى ضرب عُنُقه؛ سُمّى لأَنَّه يضرب أَعناق الذين لا ينقادون له. الثانى عشر قال الأَزهرى: المسيح بمعنى الماسح، وهو القَتَّال. وهذا قريب من معنى ما قبله. الثالث عشر المسيح: الدّرهم الأَطلس لا نقش عليه؛ قاله ابن فارس فهو مناسب للأَعور الدّجال إِذْ أَحَدُ شِقّىْ وجهه ممسوح. الرابع عشر المَسَح: قِصَر ونقص فى ذَنَب العُقَاب؛ كأَنَّه سُمّى به لنقصه، وقِصَر مُدّته. الخامس عشر مشتقّ من المماسحة، وهو الملاينة فى القلوب، والقلوبُ غير صافية. كذا فى المحكم؛ لأَنَّه يقول خلاف ما يُضْمر.

السّادس عشر المَسِيح: الذوائب الواحدة (مَسيحة) وهى ما نزل من الشَّعَر على الظَّهر؛ كأَنَّه سمّى به؛ لأَنَّه يأْتى فى آخر الزمان. السّابع عشر المَسْحِ: المَشْط والتزيين. والماسحة: الماشطة؛ كأَنه سمّى به؛ لأَنَّه يزيّن ظاهره، ويموّهه بالأَكاذيب، والزَّخارف. الثامن عشر المَسِيح الذرَّاع؛ لأَنَّه يذرع الأَرض بسيره فيها. التَّاسع عشر المَسِيح: الضِّلِّيل. وهو من الأَضداد، ضدّ للصّدِّيق، سمّى به لضلالته. قاله أَبو الهيثم. العشرون قال المنذرى: المَسْح من الأَضداد: مَسَحه الله أَى خلقه خَلْقاً حسناً مباركاً، ومسحه أَى خلقه خَلْقاً مقبّحاً ملعّناً. فمن الأَوّل يمكن اشتقاق المَسِيح كلمةِ الله، ومن الثانى اشتقاق المسيح عدوّ الله. وهذا الحادى والعشرون. الثانى والعشرون مَسَح النَّاقة ومَسَّحها إِذا هَزَلها، وأَدبْرها، وأَضعفها؛ كأَنَّه لوحظ فيه أَن منتهى أَمره إِلى الهلاك والدّبَار. الثالث والعشرون الأَمسح: الذِّئب الأَزلّ المسرع، سمى به تشبيهاً له بالذِّئب؛ لخبثة وسرعة سيره. الرّابع والعشرون المَسْح: القول الحسن من الرّجل، وهو فى ذلك خادع لك، سمّى به لخداعه ومكره. قاله النَضْر بن شُميل. يقال: مَسَحه بالمعروف إِذا قال له قولاً وليس معه إِعطاءٌ، فإِذا جاءَ إِعطاءٌ ذهب المَسح. وكذلك الدّجّال: يخدع بقوله ولا إِعطاءَ.

الخامس والعشرون المَسِيح: المِنديلُ الأَخشنُ. والمنديلُ ما يمسَك للنَّدْل، وهو الوَسَخ، سمّى به لاتِّساخه بدَرَن الكفر والشرك. السّادس والعشرون المِسْح: الكساءُ الغليظ من الشعر، يُفرش فى البيت: سمّى به لذِلَّته، وهَوَانه، وابتذالهِ. السّابع والعشرون المَسْحاءُ: الأَرض الَّتى لا نبات فيها. وقال ابن شُمَيْل: الأَرض الجرداءُ الكثيرة الحَصَى، لا شجر بها، ولا تُنبت، غليظة جدّاً. وكذلك المكَّار الأَمسح، سمّى به لعدم خَيْره وعظم ضيره. الثامن والعشرون المَسِيح فى اللُّغة: الأَعور. التَّاسع والعشرون التِمْسح: دابّة بحريّة كثيرة الضَّرر على سائر دوابّ البحر، سمّى به لضرّه وإِيذائه. الثلاثون مَسَح سيفه إِذا استلَّه من غمده، سمّى به لشهرهِ سيوف البغى والطغيان. الحادى والثلاثون المَسِيح والأَمسح: من به عيب فى باطن فخذيه، وهو اصطكاك إِحداهما بالأُخرى، سمّى به لأَنَّه مَعْيوب بكلّ عيب قبيح. الثانى والثلاثون رجل أَمسح وامرأَة مسحاءُ وصبىّ ممسوح إِذا لزِقت أَلْيَتاه بالعَظْم. وهو عيب أَيضاً. الثالث والثلاثون يمكن أَن يكون المَسِيح الدّجالُ من قولهم: جاءَ فلان يتمسّح أَى لا شئ معه كأَنَّه يمسح ذراعه. وذلك لإِفلاسه من كلّ خير وبركة. الرّابع والثلاثون يمكن أَن يكون المسيح كلمةُ الله من قولهم: فلان

يُتمسّح به أَى يتبرَّك به؛ لفضله وعبادته؛ كأَنَّه يتقرّب إِلى الله تعالى بالدّنوّ منه. قاله الأَزهرى. الخامس والثلاثون: لأَنَّه كان لا يَمْسح ذا عاهة إِلاَّ برئَ ولا ميّتاً إِلاَّ أُحْيىَ، فهو بمعنى ماسح. السّادس والثلاثون قال إِبراهيم النخعِىّ، والأَصمعىّ، وابن الأَعرابىّ: المَسِيح: الصّدِّيق. السّابع والثلاثون عن ابن عبّاس سمّى مَسيحاً؛ لأَنَّه كان أَمسح الرّجْل، لم يكن لرجله أَخْمَص، والأَخمص: ما لا يمسّ الأَرض من باطن الرّجْل. الثامن والثلاثون سمّى به، لأَنَّه خرج من بطن أُمّه كأَنَّه ممسوح الرأْس. التاسع والثلاثون؛ لأَنَّه مُسح عند ولادهِ بالدّهن. الأَربعون قال الإِمام أَبو اسحاق الحَرْبىّ فى غريبه الكبير: هو اسم خصّه الله تعالى به، أَو لمسْح زكريّا إِيّاه. الحادى والأَربعون سمّى به لحسن وجهه. والمسيح فى اللغة: الجميل الوجه. الثانى والأَربعون المَسِيح فى اللغة: عَرَق الخيل وأَنشدوا: إِذا الجياد فِضْن بالمسيح الثالث والأَربعون المسيح: السّيف، قاله أَبو عمر المطرّز. ووجه التَّسمية ظاهر. الرابع والأَربعون المَسِيح المُكارِى.

الخامس والأَربعون المَسْح: الجماع. مَسَح المرأَة: جامعها قاله ابن فارس. السّادس والأَربعون قال أَبو نُعَيم فى كتابه دلائل النبوّة: سُمّى ابن مريم مَسِيحاً؛ لأَنَّ الله تعالى مَسَح الذنوب عنه. السّابع والأَربعون قاله أَبو نعيم فى الكتاب المذكور: وقيل سمّى مَسِيحاً لأَنَّ جبريل مسحه بالبركة وهو قوله تعالى {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} . الثامن والأَربعون المَسِيح القِسِىّ الواحدة مَسِيحة؛ سمّى به لقوّته، وشدّته، واعتداله، ومَعْدِلته. التَّاسع والأَربعون يمكن أَن يكون من المِسح بالكسر، وهو الطَّريق المستقيم؛ لأَنَّه سالكها. قال الصّغانى: المُسُوح الطرق الجادّة، الواحدة مِسْح يعنى بالكسر. وقال قطرب: مَسَح الشئَ إِذا قال له: بارك الله عليك. الخمسون قال ابن دريد: هو اسم سمّاه الله به، لا أُحبّ أَن أَتكلَّم فيه. الحادى والخمسون قال أَبو القاسم الراغب: سُمّى الدّجال مَسِيحاً؛ لأَنَّه قد مُسحت عنه القُوة المحمودة: من العلم، والعقل، والحلم، والأَخلاق الجميلة، وإِنَّ عيسى قد مُسِحت عنه القوة الذميمة: من الجهل والشرَه، والحرص، وسائر الأَخلاق الذميمة. الثانى والخمسون سمّى به؛ للُبْسة المِسْح أَى البَلاس الأَسود. الثالث والخمسون المَسِيح: هو الَّذى مُسحت إِحدى عينيه. وقد

روى أَنَّ الدّجال كان ممسوح اليمنى، وأَنَّ عيسى كان ممسوح اليسرى. قاله الرَّاغب. والله أَعلم. الرابع والخمسون قيل: لأَنَّه كان يمشى على الماءِ؛ كمشيه على الأَرض. الخامس والخمسون المَسِيح: المَلِك. وهذان القولان عن المَعِينى فى تفسيره. السّادس والخمسون سُمِّى به؛ لأَنَّه كان صِدّيقاً. وقيل: لمّا مشى عيسى على الماءِ قال له الحواريّون: بم بلغت ما بلغت؟ قال: تركتُ الدنيا لأَهلها، فاستوى عندى بَرُّ الدّنيا وبحرها: سِرْ فى بلاد الله سَيّاحاً ... وكُنْ على نفسك نَوَّاحاً وامْشِ بنورِ الله فى أَرضهِ ... كفى بنور الله مصباحاً

بصيرة فى الاختيار

بصيرة فى الاختيار وقد جاءَ فى التنزيل على أَربعة أَوجهٍ: الأَوّل: اختيار فضل وهداية: {وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ عَلَى العالمين} . الثانى: اختيار سفَرٍ وصحبة: {واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} . الثالث: اختيار نبوّة ورسالة: {وَأَنَا اخترتك فاستمع لِمَا يوحىه} . الرابع: اختيار مِدْحة وخاصّة: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ} . قال الشاعر: الربّ ذو قَدَرٍ والعبدُ ذو ضجرٍ ... والدهر ذو دُوَلٍ والرزقُ مقسومُ والخير أَجمعُ فيما اختار خالقُنا ... وفى اختيارِ سواه الشومُ واللُوم والاختيار فى الأَصل: طلب ما هو خير وفعله. وقد يقال لما يراه الإِنسان خيراً وإِن لم يكن خيراً. وأَمَّا قوله {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ} يصحّ أَن يكون إِشارة إِلى إيجاده تعالى (إياهم) خيراً وأَن يكون إشارة إِلى تقديمهم على غيرهم. والمختار فى عُرْف المتكلِّمين يقال لكلّ فعل يفعله الإِنسان، لا على سبيل الإكراه. فقولهم: هو مختار فى كذا ليس يريدون به ما يراد بقولهم: فلان له اختيار؛ فإن الاختيار أَخْذ ما يراه خيراً. والمختار قد يقال للفاعل والمفعول.

بصيرة فى الاستقامة

بصيرة فى الاستقامة وقد ورد فى التنزيل والسنَّة على أَربعة أَوجهٍ. الأَوّل: بمعنى تبليغ الرّسالة: {فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ} وكذلك {فادع واستقم} . الثَّانى: بمعنى الدّعاءِ، والدّعوة: {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فاستقيما} . الثالث: بمعنى الإِقبال على الطَّاعة: "اسْتَقيمُوا ولَنْ تُحْصُوا". الرّابع: بمعنى الثبات على التوحيد والشهادة: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} . والاستقامة يقال فى الطَّريق الَّذى يكون على خَطٍّ مستقيم وبه شُبّه طريق الحقّ؛ نحو {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} واستقامة الإِنسان لزومُه للمنهج المستقيم.

بصيرة فى الاصحاب

بصيرة فى الاصحاب وقد ورد فى التنزيل على خمسة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى الجنسيّة: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} ، و {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ} أَى بالذى هو من جنسكم. الثَّّانى: بمعنى حقيقة الصّحبة: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ} يعنى أَبا بكر فى الغار. الثَّالث: بمعنى: (السّكون والفراغة) {إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} أَى ساكنيها ومنه {وَأَنَّ المسرفين هُمْ أَصْحَابُ النار} ، {لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة أَصْحَابُ الجنة} أَىْ سُكَّانهما. الرّابع: بمعنى المرافقة والموافقة {أَنَّ أَصْحَابَ الكهف والرقيم} . الخامس: بمعنى التصرّف والاستيلاءِ: {وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً} أَى الموكِّلين بها المتصرّفين فيها. والأَصل فيه أَنَّ الصَّاحب: هو الملازم، إِنساناً كان، أَو حيواناً، أَو مكاناً، أَو زماناً. ولا فرق بين أَن يكون مصاحبتُه بالبدن - وهو الأَصل

والأَكثر -، أَو بالعناية، والهمّة. ولا يقال (فى العرف إِلا لمن كثر ملازمته ويقال) لمالك الشئِ: هو صاحبه. وقد يضاف الصّاحب إِلى مَسُوسِهِ؛ نحو صاحب الجيش، وإِلى سائسه، نحو صاحب الأَمير. والمصاحبة والاصطحاب أَبلغ من الاجتماع؛ لأَنَّ المصاحبة تقتضى طول لُبْثه. وكلّ اصطحاب اجتماع، وليس كلّ اجتماع اصطحاباً. والإِصحاب للشئ: الانقياد له. وأَصله أَن يصير له صاحبا. ويقال. أَصحب فلان: إِذا كبِرَ ابنُه، فصار صاحبَه، وأَصحب فلان فلاناً: جعله صاحباً له؛ قال تعالى: {وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} أَى لا يكون لهم من جهتنا ما يَصْحبهم: من سكينة، ورَوْح، وتوفيق، ونحو ذلك ممّا يُصْحِبه أَولياءَه.

بصيرة فى الأذان

بصيرة فى الأذان وقد ورد فى التنزيل على أَربعة أَوجه: الأَوّل: أَذانُ العقوبة والبراءَة: {وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ} إِلى قوله: {بَرِىءٌ مِنَ المُشْركِينَ} . الثانى: أَذان السّرقة والخيانة: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا العير} . الثالث: أَذان الطَّرْد واللَّعنة: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله} . الرّابع: أَذان السُنَّة والشريعة: {وَأَذِّن فِي الناس بالحج} . والأَذَنُ والأَذان: (الإِصغاءُ) لما يُسْمَع. ويعبّر بذلك عن العِلْم، إِذ هو مبدأُ كثير من العلم. وأَذَّنته وآذنته بمعنى. والمؤذِّن: كلّ مَن تكلَّم بشئٍ نِداءً. والأَذين: المكان الذى يأْتيه الأَذان. وأَذن كفرح - استمع.

بصيرة فى الايمان

بصيرة فى الايمان وقد ورد فى التنزيل على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى إِقرار اللِّسان: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا} أَى آمنوا باللسان، وكفروا بالجَنَان. الثَّانى: بمعنى التصديق فى السرّ والإِعلان: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أولائك هُمْ خَيْرُ البرية} . الثالث: بمعنى التوحيد وكلمة الإِيمان: {وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} أَى بكلمة التَّوحيد. الرّابع: إِيمان فى ضمن شرك المشركين أُولى الطُّغيان: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} . وقولنا: إِيمان فى ضمن الشِّرك هو معنى {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} . الخامس: بمعنى الصّلاة: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} . قال أَبو القاسم: الإِيمان يستعمل تارة اسماً للشريعة الَّتى جاءَ بها محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ} ويوصف به كلُّ مَنْ دخل فى شريعته، مقرّا بالله وبنبوّته. وتارة يستعمل على سبيل المدح،

ويراد به إِذعان النفس للحقّ على سبيل التَّصديق. وذلك باجتماع ثلاثة أَشياء: تحقيق بالقلب، وإِقرار باللسان، وعمل بحسب ذلك بالجوارح. ويقال لكلّ واحد من الاعتقاد، والقول الصّدق، والعمل الصّالح: إِيمان. (إِلاَّ أَن الإِيمان هو التصديق الذى معه الأَمن) . وقوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بالجبت والطاغوت} مذكور على سبيل الذمّ لهم، وأَنه قد حَصّل لهم الأَمن بما لا يحصل به الأَمن؛ إِذْ ليس من شأْن القلب - ما لم يكن مطبوعاً عليه - أَن يطمئن إِلى الباطل. وهذا كما يقال: إِيمانهُ الكفر، وتحيّته القتل. ورجل أُمَنة، وأَمَنة: يثق بكلّ واحد، وأَمينُ، وأُمّانُ: يؤمَن به والأَمُون: النَّاقة الَّتى يؤمن فُتورها وعثارها.

بصيرة فى الأمانة

بصيرة فى الأمانة وقد وردت فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل فى الدّين والدّيانة: {وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ} . الثانى فى المال والنّعمة: {وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} . الثالث: فى الشرع والسنَّة: {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ} أَى إِن تركوا الأَمانة فى السُّنَّة فقد تركوها فى الفريضة. الرّابع: الخيانة: بمعنى الزّنى {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} أَى الزَّانين. الخامس: بمعنى نَقْض العهد والبَيْعَة: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً} أَى نقضَ عهد. هذا تفصيل الخيانة فى الأَمانة. ويرد الأَمانة على ثلاثة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى الفرائض: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة} . الثَّانى بمعنى العِفَّة والصّيانة: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين} .

بصيرة فى الاحساس

بصيرة فى الاحساس وقد ورد فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَول: بمعنى الرُّؤية: {فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر} أَى أَبصر ورأَى، {فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ} ، {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ} . الثانى: بمعنى القتل والاستئصال: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} أَى تستأْصلونهم قتلاً. الثالث: بمعنى البحث وطلب العلم: {فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} . الرّابع: بمعنى الصّوت: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} أَى صوتها. والأَصل فيه راجع إِلى الحاسّة، وهى القوّة الَّتى بها يدرك الأَعراض الجِسمِيّة. والحواسّ: المشاعر الخمس. يقال: حَسَسْت، وحَسِسْت، وحسِيت. وأَحْسَسْت، وأَحَسْت. فحَسسْت على وجهين. أَحدهما: أَصبته بِحِسِّى؛ نحو عِنْته. والثانى: أَصبت حاسّته؛ نحو كَبَدْته. ولمّا كان ذلك قد يتولَّد منه القتلُ (عُبر به عن القتل) فقيل: حَسَسْتُه: أَى قتلته: كقَوله تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بإِذْنِهِ} والحَسِيس: القتيل. ومنه جَرَاد محسوس: إِذا طُبخ، وقولهم: البَرْد مَحَسّة للنَّبت. وانحس

أَسنانه: انفعال منه (وأَما حسِست فنحو علمت وفهمت، ولكن لا يقال ذلك إِلاَّ فيما كان من جهة الحاسّة) وأَمّا حسِيت فتقلب إِحدى السّينين ياءً. وأَمّا أَحسسته فحقيقته: أَدركته. وأَحَسْتُ مثله؛ لكن حُذف إِحدى السّينين تخفيفاً؛ نحو ظَلْت. وقوله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} أى هل تجد بحاسَّتك أَحداً منهم. وقوله: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ} تنبيه أَنه ظهر منهم الكفر ظهورا بان للحسّ، فضلاً عن التفهّم. والحُساس: عبارة عن سُوءِ الخُلُق، على بناءِ زُكام وسعال.

بصيرة فى الاستحياء

بصيرة فى الاستحياء وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الاستبقاءِ للخدمة: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ} أَى يستبقونهنّ للخدمةِ. الثانى: بمعنى التَّرك والإِعراض: {إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} أَى لا يترك. الثالث: بمعنى استعمال الحياءِ. وهو لغة: انقباض النَّفْس عن القبيح وتركه: يقال حي فهو حَيّ، واستحيا فهو مُسْتَحىٍ. وقيل: استحَى فهو مُسْتَح. وفى الحديث "إِنَّ الله يستحْي من ذى الشَّيبَة المُسلم أَن يعذَّبه" وليس المراد به: انقباض النَّفس، وإِنَّما المراد به: تركُ تعذيبه. وعلى هذا ما يروى (إِنَّ الله حيُّ) أَى تارك للمقابح، فاعل المحاسن. وفى الحديث "إِذا لم تستحْىِ فاصنع ما شتئت" وقال: إِذا لم تخش عاقبة الليالى ... ولم تستحْىِ فاصنع ما تشاءُ فلا والله ما فى العيش خير ... ولا الدّنيا إِذا ذهب الحياءُ يعيشُ المرءُ ما استحيا بخير ... ويبقى العُودُ ما بقِى اللِّحَاءُ

بصيرة فى الأعلى

بصيرة فى الأعلى وقد ورد فى القرآن على خمسة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى عُلوّ الحقّ فى العَظمة والكبرياءِ: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} . الثَّانى بمعنى استيلاءِ موسى على سَحَرة فرعون بالعصا: {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} . الثالث: بمعنى غلبة المؤمنين على الكفَّار يوم الحرب، والوغَى: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} . الرابع: بمعنى دعوى فرعون، وما به اعتدى: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} . الخامس: فى إِخلاص الصّدّيق فى الصّدقة، والعَطَا طمعاً فى اللِّقاءِ والرّضَا. {إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى} . وأَصل العلوّ: الارتفاع. وقد علا يَعْلُو عُلُوّاً، وعَلِىَ يَعْلَى علاءً، فهو عَلِىّ. فعَلا - بالفتح - فى الأَمكنة والأَجسام أَكثر. والعلُّىِ هو الرّفيع القَدْرِ مِنْ عَلِىَ. وإِذا وُصِف به - تعالى - فمعناه: أَنَّه يعلو أَن يحيط به وصفُ الواصفين، بل عِلْم العارفين. وعلى ذلك يقال: {تَعالَى عمّا يُشْرِكُون} . وتخصيص لفظ التعالى لمبالغة ذلك منه، لا على سبيل التكلُّف، كما يكون من البشر. والأَعلى: الأَشرف. والاستعلاءُ قد يكون طلبَ العلوّ

المذموم. وقد يكون طلب العَلاَءِ أَى الرّفعة. وقوله: {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} يحتمل الأَمرين جميعاً. وقوله: {خَلَق الأرض والسماوات العلى} جمع تأْنيث الأَعَلى. والمعنى: هو الأَشرف والأَفضل بالإِضافة إِلى هذا العالَم. وتعالَ: أَصله أَن يُدعى الإِنسان إِلى مكان مرتفع، ثمّ جُعِل للدّاعى إِلى كلّ مكان.

بصيرة فى الأسفل

بصيرة فى الأسفل وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى أَدْون، فى مقابل الفَوْق: {إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} ، {والركب أَسْفَلَ مِنكُمْ} . الثانى: بمعنى الخسران لأَهل العقوبة: {فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين} أَى الأَخسرين فى العقوبة. الثالث: بمعنى الأَرذل: {أَسْفَلَ سَافِلِينَ} : أَرذل الأَرذلين.

بصيرة فى الأمى

بصيرة فى الأمى وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى العرب. وهم الَّذين لم يكن لهم كتاب من قبل: {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً} أَى فى العرب. الثانى: بمعنى اليهود الذين لا يعلمون معنى التَّوراة: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب} . الثالث: بمعنى النَّبى المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي} . قيل: هو منسوب إِلى الأُمّة الذين لم يكتبوا؛ لكونه على عادتهم؛ كقولك: عامىّ؛ لكونه على عادة العامّة. وقيل: سُمّى بذلك؛ لأَنَّه لم يكن يكتب، ولا يقرأُ من كتاب. وذلك (فضيلة له) ؛ لاستغنائه بحفظه، واعتماده على ضمان الله منه بقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} . وقيل: سمّى لنسبته إِلى أُمّ القرى. والله أَعلم.

بصيرة فى الاتمام

بصيرة فى الاتمام وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الوفاءِ نحو الأَمر والنَّهى {فَأَتَمَّهُنَّ} أَى وفى بحقِّهنّ. الثَّانى: بمعنى إِتمام النِّعمة والمِنَّة: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} . الثالث: بمعنى إِكمال الأَمر: {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ} وبمعناه الاستتمام: يقال: استتمام المعروف خَير من ابتدائه. إِن ابتداءَ العرف مجد باسق ... والخير كل الخير فى استتمامه هذا الهلال يرى لأَبصار الورى ... حَسَنا وليس لحسنه كتمامه وأَصل المادة موضوع لانتهاءِ الشئِ إِلى حدٍّ لا يحتاج إِلى شيءٍ خارج عنه.

بصيرة فى الاكنة

بصيرة فى الاكنة وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الغِطاءِ: {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أَى أَغطيَة. الثَّانى: بمعنى الغيران فى الجبال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أَكْنَاناً} . الثالث: بمعنى الإِضمار: {أَوْ أَكْنَنتُمْ في أَنْفُسِكُمْ} أَى أَضمرتم، {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} أَى تُضمر. قال أَبو القاسم: الكِنّ: ما يُحفظ فيه الشئُ: كننت الشئَ كَنّاً: جعلته فى كِنٍّ. وخصّ كننت بما يُستر بِبَيْتٍ، أَو ثوبٍ، وغيره: من الأَجسام، قال تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} ، وأَكننت بما يُستر فى النَّفس. والكِنَان: الغطاءُ الَّذى يُكنّ فيه الشئُ. والجمع أَكِنَّةٌ؛ نحو غطاء وأَغطية. وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} قيل: (عنى به) اللَّوح المحفوظ، وقيل: هو قلوب المؤمنين. وقيل: ذلك إِشارة إِلى كونه محفوظاً عند الله. وسُمّيت المرأَة المتزوجة كَنَّة؛ لكونها فى حِصْنٍ من حفظ زوجها. والكِنانة: جَعْبة غير منقوبة.

بصيرة فى الآل

بصيرة فى الآل وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى القوم والتَّبع: {وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر} . الثانى: بمعنى أَهل البيت والحاضرين من أَهل القوت والنفقة: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} . الثالث: بمعنى القرابة والذرّية الكليّة: {وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} ، {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} . وقيل: الآل مقلوب من الأَهْل؛ لأَنَّه يصغِّر على أُهَيْل، إِلاَّ أَنَّه خُصّ بالإِضافة إِلى أَعلام النَّاطقين، دون النكرات، ودون الأَزمنة، والأَمكنة. يقال: آل فلان، ولا يقال: آل رجل، ولا آل زمان كذا. وموضع كذا؛ كما يقال: أَهل زمان كذا. وقيل: هو فى الأَصل اسم الشخص. ويصغر أُويلا. ويستعمل فيمن يختصّ بالإِنسان (اختصاص ذاته) ، إِمّا بقرابة قريبة، أَو بموالاة. وآل النبىّ: أَقاربه. وقيل: المختصّون به من حيث العِلْم. وذلك أَنّ أَهل الدّين ضربان: ضرب مختصّ بالعِلْم المتقن والعمل المحكَم. فيقال لهم: آل النبىّ وأُمّته وضرب مختصّون بالعمل على سبيل التقليد.

ويقال لهم: أُمّة محمّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا يقال لهم: آل النبىّ. وكلّ آل النبى أُمّته، وليس كلّ أُمّته آله. وقيل لجعفر الصّادق: النَّاس يقولون: المسلمون كلُّهم آل النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: صَدَقوا وكَذَبوا. فقيل: ما معناه؟ قال: (كذبوا فى أَنَّ) الأُمّة كافَّتهم آلهُ وصدقوا أَنَّهم إِذا قاموا بشرائط شريعته فهم آله. ولا يستعمل الآل إِلاَّ فيما شَرُف، لا يقال: آل الإِسكاف. والآل أَيضاً: ما أَشرف من البعير. والآل: السَّرَاب، ويؤنّث. وقيل: خاصّ بما فى أَوّل النَّهار. والآل: الخَشَب. والآل: أَطراف الجبل ونواحيه. والآل: الشَّخص. والآل: عَمَد الخَيْمَة.

بصيرة فى الانشاء

بصيرة فى الانشاء وقد ورد على ثلاثة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الخَلْق: {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} ، {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ} . الثانى: بمعنى التَّربية: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} . الثالث: بمعنى عبادة اللَّيل: {إِنَّ نَاشِئَةَ الليل هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} . وموضع النَّشْأ والنَّشْأَة لإِحداث الشئِ، وتربيته. منه {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى} . وسيأْتى فى بصيرة نشأَ، إِن شاءَ الله.

بصيرة فى الاطمئنان

بصيرة فى الاطمئنان وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجهٍٍ: الأَوّل: بمعنى السكون والقرار: {وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} . الثَّانى: بمعنى المَيْل والرّضا: {وَرَضُواْ بالحياة الدنيا واطمأنوا بِهَا} {ياأيتها النفس المطمئنة} . الثالث: بمعنى الإِقامة الَّتى هى ضدّ السّفر: {فَإِذَا اطمأننتم فَأَقِيمُواْ الصلاة} . والمادة موضوعة للسّكون بعد الانزعاج. واطمأَنَّ وتطامن يتقاربان لفظاً ومعنى.

بصيرة فى الاستغفار

بصيرة فى الاستغفار وقد ورد على ثلاثة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى الرّجوع عن الشرك، والكفر: {فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} ، {وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ} . الثَّانى: بمعنى الصّلاة: {والمستغفرين بالأسحار} أَى المصلِّين. الثالث: بمعنى طلب غفران الذنوب: {واستغفر لِذَنبِكَ} ، {استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره} . وفى الخبر "مَن أَكثر الاستغفار جعل الله له من كلّ همٍّ فرجاً، ومن كلّ ضيق مخرجاً" وفيه: "إِنِّى لأَستغفر الله فى كلّ يوم سبعين مرّة" وفى لفظ: "أكثر من مائة مرّة". والغَفْر لغةً: إلباس الشئِ ما يصونُه عن الدّنس. ومنه قولهم: اغفِرْ ثوبك فى الوِعاءِ. واصبغ ثوبك؛ فإِنَّه أَغفرُ للوَسَخ. والغُفْران والمَغْفِرة

من الله: هو أَن يصون العبدَ من أَن يمسّه العذابُ. وقد يقال: غفر له إِذا تجافى عنه فى الظَّاهر، وإِن لم يتجاف عنه فى الباطن؛ نحو {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} وسيأْتى بسطه فى بصيرة الغفران إِن شاءَ الله.

بصيرة فى الأولى

بصيرة فى الأولى وهو وارد فى التَّنزيل على وجهين: الأَوّل بمعنى التهديد، والوعيد: {أولى لَكَ فأولى} أَى قاربه ما يهلكه. الثانى: بمعنى الأَحقّ الأَجدر: {النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وقيل: أَولى لك من هذا المعنى أَيضاً؛ أَى: العقاب أَحقّ لك وأَجدر. وقيل: معناه: قرِبك الشَّرُ فاحذرْه. وتثنيته أَوْليَان. وجمعه: أَوْلَون على قياس أَعلَون.

بصيرة فى االافواه

بصيرة فى االافواه وقد ورد فى القرآن على معنيين: الأَوّل: بمعنى اللِّسان: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} . الثَّانى: بمعنى الفم: {فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} وقال: لا أُوالى أَحدا ذا بدعة ... لا ولا مَنْ كان من أَشباههم لو أَمُتْ بينهم من عطش ... ما شربت الماءَ من أَمواههم لا تلُمْنى صاحبى فى ذاك قد ... بَدَت البغضاءُ من أَفواههم والأَفواهُ جمع فمٍ وأَصل فمٍ فَوهٌ. وكلّ موضع علَّق الله (فيه) حكمَ القول بالفم فإِشارةٌ إِلى الكذب، وتنبيهٌ على أَنَّ الاعتقاد لا يطابقه. قال - تعالى - {ذلك قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} ومن ذلك فُوّهة الطَّريق؛ كقولهم: فم النَّهر. قال ابن سِيده: الفاه، والفُوه، والفِيه، والفم سواء. والجمع أَفواه، وأَفمام - ولا واحد - لها - لأَنَّ فماً أَصله فَوَهٌ، حذفت الهاءُ كما حذفت من سنة، وبقيت الواو طرفاً متحرّكةً، فوجبَ إِبدالها أَلفاً لانفتاح

ما قبلها، فبقى "فَا" ولا يكون الاسم على حرفين أَحدهما التنوين، فأَبدل مكانها حرف جَلْد مُشاكِل لها - وهو الميم - لأَنَّهما شفهيّتان، وفى الميم هُوِىّ فى الفم، يُضَارع امتداد الواو. ويقال فى تثنيتها: فَمَان، وفَميان، وفَمَوَانِ. ورجل مُفَوّة، وفَيّه: مِنْطيق. وتَفَاوَهُوا به: تكلَّمُوا. واستفاه استِفاهةً واستِفَاهاً: اشتدّ أَكله، وشربه.

بصيرة فى الارادة

بصيرة فى الارادة وقد ورد فى القرآن على وجوهٍ كثيرة بحسب إِرادة المريدين. وهى منقولة من راد يرود: إِذا سعى فى طلب شيءٍ. والإِرادة فى الأَصل: قوّة مركَّبة من شهوة، وحاجة، وأَمل. وجُعِل اسماً لنُزُوع النَّفس إِلى الشئِ مع الحكم فيه بأَنه ينبغى أَن يُفعل أَوْلا يفعل. ثمّ يستعمل مرّة فى المبدإ، وهو نزوعُ النفس إلى الشيءِ، وتارة فى المنتهى، وهو الحكم فيه بأَنَّه ينبغى أَن يُفعل أَوْ لا يفعل. فإِذا استُعمل فى الله تعالى فإِنه يراد به المنتهى دون المبدإِ. فإِنَّه يتعالى عن معنى النزوع. فمتى قيل: إِن أَراد الله كذا فمعناه حكم فيه أَنَّه كذا، أَوْ ليس بكذا. وقد يُذْكر الإِرادة ويراد بها الأَمر؛ كقوله: أُريد منك كذا أَى آمُرْك به. ومنه {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر} وقد يذكر ويراد به القصد؛ نحو قوله تعالى {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض} أَى لا يقصدونه ويبطلونه. والمراودة: أَن تنازع غيرك فى الإِرادة، فتريد غير ما يريدُهُ، أَو ترود غير ما يَرُوده. والإِرادة قد تكون بحسب القوة التسخيريّة، والحسّيّة؛ كما تكون بحسب القوّة الاختيارية. ولذلك يستعمل فى الجَمَاد، وفى الحيوان، نحو قوله تعالى: {جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} . وتقول فرسى يريد الشعير.

بصيرة فى الاخلاص

بصيرة فى الاخلاص وقد ورد فى القرآن على وجوه: الأَوّل: قال فى حقّ الكفَّار عند مشاهدتهم البلاءَ: {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} . الثانى: فى أَمر المؤمنين: {فادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} . الثَّالث: فى أَنَّ المؤمنين لم يؤمروا إِلاَّ به: {وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ} . الرّابع: فى حقّ الأَنبياءِ {إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} . الخامس: فى المنافقين إِذا تابوا: {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ} . السّادس: أَنَّ الجنَّة لم تصلح إِلاَّ لأَهله: {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} . السّابع: لم يَنْجُ من شَرَك تلبيس إِبليس إِلاَّ أَهله: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} . وقيل: الناس كلُّهم هلكى إِلاَّ العالمون. والعالمون كلُّهم موتى إِلاَّ العامِلون، والعاملون كلُّهم حَيَارَى إِلاَّ المخلصون. والمخلصون على خَطَر

عظيم. وفى الأَحاديث القدسيّة "الإِخلاص سِرّ من سِرّى استودعته قلبَ من أَحبَبْتُهُ من عبادى". وإِخلاص المسملين: أَنَّهم تبرّءوا ممّا يدّعيه اليهود: من التشبيه، والنَّصارى: من التَّثليث. فحقيقة الإِخلاص: التعرّى مِن دون الله. و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} سمّيت سورة الإِخلاص؛ لأَنَّها خالص التَّوحيد؛ وسبب خلاص أَهله.

بصيرة فى أولو

بصيرة فى أولو وهذه الكلمة جمع لا واحد له من لفظه. وقيل: اسم جمع، واحده ذو، وأُولات للإِناث واحدها ذات. وأَولَى جمع ويمدّ. ولا واحد له من لفظه. وقيل: واحده ذا للمذكَّر وذه للمؤنَّث. ويدخل ها التنبيه: هؤلاءِ، وكاف الخطاب: أُولئك، أَولالك، أُلاَّك، مشدَّدة لغة. قال: "ما بين ألاَّك إِلى أَلاَّكا" وأُولو وأُولات وأُولى قد ورد فى خمسة عشر موضعاً من القرآن: {وَأُوْلاَتُ الأحمال} {أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال} {وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة} ، {استأذنك أُوْلُواْ الطول مِنْهُمْ} {نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} {لَتَنُوءُ بالعصبة أُوْلِي القوة} {سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} {وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} {وَأُوْلُواْ العلم} {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ

لأُوْلِي النهى} {وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى} {أُوْلِي الأيدي والأبصار} {أولي أَجْنِحَةٍ} {وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} {أولائك الذين هَدَاهُمُ الله} {واتقون ياأولي الألباب} {إِنَّ فِي ذلك لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأبصار} {فاعتبروا ياأولي الأبصار} .

بصيرة فى الأبد

بصيرة فى الأبد وقد ذُكر فى اثنى عشر موضعاً من التنزيل: {لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا} ، {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً} {مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً} {وَلَن تفلحوا إِذاً أَبَداً} {مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هاذه أَبَداً} {فَلَنْ يهتدوا إِذاً أَبَداً} {مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً} {وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً} {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء أَبَداً} {والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً} {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} {خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} . والأَبَد: عبارة عن مُدّة الزَّمان الممتدّ الَّذى لا يتجزَّأُ كما يتجزَّأُ الزمان. وذلك أَنَّه يقال: زمان كذا، ولا يقال أَبد كذا. وكان حقَّه أَلاَّ يثنى ولا يُجْمع، إِذ لا يتصوّر حصُول أَبدٍ آخر يضمّ إِليه، فيثنى، ولكن قد قيل آباد. وذلك على حَسَب تخصيصه فى بعض ما يتناوله؛ كتخصيص اسم الجنس فى بعضه ثمّ يثنى، ويجمع. على أَنَّ بعض النَّاس ذكر أَنَّ (آباد) مولَّد، وليس من الكلام العربىّ الفصيح. وأَبَدُ آبد، وأَبِيدُ أَى دائم. وذلك على التأْكيد. وتأَبّد الشَّيءُ: بقِى أَبَداً.

بصيرة فى الاصطفاء

بصيرة فى الاصطفاء وقد ورد فى التنزيل لثمانية: الأَوّل: لآدم عليه السّلام: {إِنَّ الله اصطفىءَادَمَ} . الثانى: للخليل إِبراهيم: {وَلَقَدِ اصطفيناه فِي الدنيا} . الثالث: للكليم موسى: {إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} . الرّابع: لجبريل عليه السّلام: {الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلاً} . الخامس: لِمَرْيَمَ بنة عِمران: {إِنَّ الله اصطفاك وَطَهَّرَكِ} . السّادس لجملة الأَنبياءِ عليهم الصّلاة والسلام: {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار} . السّابع لأَخيار أُمّة محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم: {على عِبَادِهِ الذين اصطفى} . الثَّامن: لسيّد المرسلين صلَّى الله عليه وسلَّم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} .

والاصطفاءُ لغة: تناول صَفْو الشىءِ؛ كما أَنَّ الاختيار: تناول خَيره والاجتباءُ تناول جِبايته أَى جُمْلَته. واصطفاءُ الله بعض عباده قد يكون بإِيجاده صافيا عن الشَّوْب الموجود فى غيره. وقد يكون باعتباره وحكمه، وإِن لم يتعرّ ذلك من الأَوّل. واصطفيت كذا على كذا أَى اخترته. قال تعالى: {أَصْطَفَى البنات على البنين} . والصّفِىّ والصّفِيّة: ما يصطفيه الرئيس من الغنيمة لنفسه. قال: لك المِرباع منها والصَّفايا ... وحَظُّك والنَّشيطة والفضُول

بصيرة فى الادنى

بصيرة فى الادنى وقد ورد على أَربعة أَحوال. الأَوّل بمعنى الأَجْدر الأَحرَى: {وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وأدنى أَلاَّ ترتابوا} . الثانى: بمعنى القُرْب: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى} أَى الأَقرب. الثالث: بمعنى القِلَّة: {وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} أَى ولا أَقلّ. الرّابع: بمعنى الأَدْوَنِ الأَخسّ: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ} . والدنُوّ (القرب بالذات، أَو بالحكم. ويستعمل فى الزمان والمكان والمنزلة {قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} ، وأَمّا {دَنَا فتدلى} فهو بالحكم. قال: دنوتَ تواضعا وعلوت قدرا ... فشأْناك انحدار وارتفاع كذاك الشمس تبعد أَن تُسَامى ... ويدنو الضوءُ منها والشعاع

بصيرة فى أفلح

بصيرة فى أفلح أَصل المادّة للشقّ. وسُمّى الفَلاَّح لكونه يشُقّ الأَرضَ. وفى المثل: الحديدُ بالحديث يُفْلَح. والفَلاَح: الظفر، والفوز بالبُغْية. وذلك ضربان: دنيوىّ، وأُخروىّ. فالدّنيوى: نيل الأَسباب الَّتى بها تطِيب الحياة. وهى البقاءُ، والغِنى، والعِزَّ. والأُخروىّ: أَربعة أَشياءَ: بقاءٌ بلا فناءٍ، وغنى بى فقرٍ، وعزّ بلا ذُلٍّ وعلم بلا جهل. لذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللهمّ لا عيش إِلا عيش الآخرة" وقد وُعد الفَلاَحُ فى القرآن لأَربعة عشر: الأَوّل للمتقين: {وأولائك هُمُ المفلحون} . الثَّانى: لدُعاة الخير: {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير} إِلى قوله: {أولائك هُمُ المفلحون} . الثالث: لأَتْباع خاتم المرسلين: {واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ أولائك هُمُ المفلحون} .

الرّابع للمجاهدين، والغُزاة {لاكن الرسول} إِلى قوله: {أولائك هُمُ المفلحون} . الخامس: للمصلحين: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} . السّادس: للمكثرين من صالحات الأَعمال: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فأولائك هُمُ المفلحون} . السّابع: للمطيعين {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله} إِلى قوله: {المُفْلِحُونَ} . الثامن: لأَرباب السّمْع والطَّاعة: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دعوا إِلَى الله} الآية. التَّاسع: أَهل الإِخلاص واليقين {فَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ} إِلى آخر الآية. العاشر: لأَهل الإِحسان: {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ} إِلى قوله: {المُفْلِحُونَ} . الحادى عشر: لحزب الله وأَهل طاعته {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون} .

الثانى عشر: للأَسخياءِ الكرماءِ: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولائك هُمُ المفلحون} . الثَّالث عشر: المطهَّرون من الأَلواث: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} . الرّابع عشر: للمؤدّين فرض الزَّكاة: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} . وأَمّا قوله: {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} فصحّ أَنَّهم قصدوا به الفَلاَح الدّنيوىّ. وقول المؤذن: حَىّ على الفلاح أَى على الظَّفر الذى جعله الله لنا فى الصّلاة.

بصيرة فى الاسلام

بصيرة فى الاسلام وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الإِخلاص: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} أَى أَخْلِص. الثانى: بمعنى الإِقرار: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات} أَى أَقرّ له بالعبوديّة. الثالث: بمعنى الدّين {إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام} {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} . قال أَبو القاسم الأَصفهانى: الإِسلام فى الشَّرع على ضربين: أَحدهما دون الإِيمان. وهو الاعتراف باللِّسان، وبه يُحقَن الدّم، حصل معه الاعتقاد، أَولم يحصل. وإِيّاه قَصَد بقوله: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولاكن قولوا أَسْلَمْنَا} . والثانى فوق الإِيمان. وهو أَن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، ووفاءٌ بالفعل. وقوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً} أَى اجعلنى ممّن استسلم لرضاك. ويجوز أَنْ يكون معناه: اجعلنى سالماً عن كيد الشيطان حيث قَال: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} . وقوله: {إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ} أَى منقادون

للحقّ، مذعنون له. وقوله {يَحْكُمُ بِهَا النبيون الذين أَسْلَمُواْ} أَى الذين انقادوا من الأَنبياء الَّذين لسيوا من أُولى العزم، الذين يهتدون بأَمر الله، ويأْتون بالشَّرائع. والإِسلام أَيضاً: الدّخول فى السّلم. وهو أَن يَسْلم كلُّ واحد منهما أَن يناله أَلَمٌ من صاحبه، ومصدر أَسلمت الشئَ إِلى فلان إِذا أَخرجته إِليه. ومنه السَّلَم فى البيع.

بصيرة فى الأسف

بصيرة فى الأسف وقد ورد على معنيين: الأَوّل: بمعنى الحُزْن والمصيبة: {ياأسفى عَلَى يُوسُفَ} {وَلَمَّا رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} أَى حزيناً. الثانى: بمعنى السخط والغضب {فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا} أَى أَغضبونا. وحقيقة الأَسف: ثوران دم القلب شهوة الانتقام. فمتى كان ذلك على مَن دونه انتشر فصار (غضبا، ومتى كان على مَن فوقه انقبض فصار) حزنا. ولذلك سئل ابن عبّاس عن الحزن والغضب؛ فقال: مَخْرجها واحد، واللَّفظ مختلف. فمَن نازع مَن يقوى عليه أَظهره غيظاً وغضباً، ومن نازع مَن لا يقوى عليه أَظهره حُزْناً وجَزَعاً. وبهذا اللَّفظ قال الشاعر: فحُزْن كلّ أَخى حُزْن أَخو الغضب قال الرّضا: إِنَّ الله لا يأْسف كأَسفنا، ولكن له أَولياء يأْسفُون ويرضَوْن، فجعل رضاهم رضاه، وغضبهم غضبه. وعلى ذلك قال: "مَن أَهان لى ولِيّاً فقد بارَزنى بالمحاربة".

بصيرة فى الاقامة

بصيرة فى الاقامة وقد وردت فى القرآن على ستَّة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى الإِتمام {وَأَقِيمُوا الصَلاَة} أَى أَتمّوها بحقوقها وحدودها. الثانى: بمعنى استقبال القبلة: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أَى استقبلوها بها القبلة. الثالث: بمعنى الإِخلاص فى الدّيانَة: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} أَى أَخْلِص. الرّابع: بمعنى عمل الفرائض، وشرائع الكِتاب: {أَقَامُواْ التوراة} أَى عمِلوا بها. الخامس: بمعنى التسوية، والعمارة: {جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} أَى سوّاه وعَمَره. السّادس: بمعنى الاستقرار فى الوطن: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} .

بصيرة فى الاستطاعة

بصيرة فى الاستطاعة قد وردت فى القرآن على ثلاثة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى السّعةِ والغِنى بالمال: {لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} ، {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} . الثانى: بمعنى القوة والطَّاقة: {وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء} . الثالث: بمعنى القُدْرة والمُكْنة البدنيّة: {وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْباً} ، {إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ} . والاستطاعة استفعالة من الطَّوع. وذلك وجود ما يصير به الفعل (متأتيا. وهو عند المحققين اسم للمعانى [التى] بها يتمكَّن الإِنسان مّما يريده من إِحداث الفعل) . وهى أَربعة أَشياءَ: بِنْية مخصوصة للفاعل، وتصوّر للفعل، ومادّة قابلة لتأْثيره، وآلة إِن كان الفعل آليّاً، كالكتابة؛ فإِن الكاتب محتاج إِلى هذه الأَربعة فى إِيجاده للكتابة. ولذلك يقال: فلان غير مستطيع للكتابة إِذا فَقَد واحداً من هذه الأَربعة، فصاعداً. ويضادّه العَجْز، وهو أَلاَّ يجد أَحد هذه الأَربعة فصاعداً. ومتى وَجَدَ هذه الأَربعة كلَّها فمستطيع

مطلقا، ومتى فقدها فعاجز مطلقا، ومتى وجد بعضها دون بعض فمستطيع من وجهٍ، عاجزٌ من وجهٍ. ولأَن يوصَف بالعجز أَولى. والاستطاعة أَخصّ من القدرة. وقوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} فإِنَّه يحتاج إِلى هذه الأَربعة. وقوله: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} قيل: قالوا ذلك قبل أَن يَقْوى معرفتُهم بالله. وقيل: إنَّهم لم يقصِدوا قصد القُدْرة، وإِنَّما قصدوا أَنَّه هل يقتضى الحكمةُ أَن يفعل ذلك، وقيل: يَستطيع ويُطيع بِمعنى واحدٍ، ومعناه: هل يجيب؛ كقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} أى يُجاب. وقرئ {هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ} على الخطاب، ونصب (ربّك) أَى سؤال ربّك؛ كقولك: هل تستطيع الأَمير أَن يفعل كذا؟ ويقال فيه استاع واسطاع؛ قال الله تعالى: {فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْباً} قال: تكثَّرْ من الإخوان ما اسطعت إنهم ... عمادٌ إذا استنجدتهم وظهورُ فما بكثير أَلف خلّ وصاحب ... وإنَّ عدوّا واحدا لكثير

الباب الثالث - فى الكلمات المفتتحة بحرف الباء

الباب الثالث - فى الكلمات المفتتحة بحرف الباء

بصيرة فى الباء

بصيرة فى الباء وقد ورد فى القرآن، وفى كلام العرب، على وجوه: الأول: حرف مِن حروف المتهجى بها. ومخرجه من انطباق الشفتين قرب مخرج الفاء. ويمدّ ويُقصر. والنسبة باوىّ وبائِى. وبيّب باء حسنة، وحسنا. وجمع المقصور أَبواء (كذَا وأَذْواءٍ) وجمع الممدودِ باءَات كحالات. الثانى: اسم لعدد اثنين فى حساب الجُمَّل. الثالث: الباءُ الأَصلى؛ كباء برك، وكبر، وركب. الرّابع: باءُ الإِلصاق. ويكون حقيقة؛ كأَمَسكْتُ بزيد، ومجازاً؛ كمررت به. الخامس: يكون للتعدية؛ نحو {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} {وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} . السّادس: باءُ السّببية: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} ، وقال الشاعر: قد سُقِيت آبالهم بالنَّار

وفى الحديث: "لن يدخُل أَحدكم الجنَّة بعمله". السّابع: باءُ الاستعانة؛ كباءِ بسم الله الرّحمن الرّحيم، وقولك: نَجَرتُ بالقدوم، وكتبت بالقلم. الثامن: باءُ العِوَض؛ كقول الشاعر: ولا يواتيك فيما ناب من حدَث ... إِلاَّ أَخُو ثِقَة فانظر بمن تثق أَراد مَن تثق به فزادها عوضاً عنه. التَّاسع: باءُ المصاحبة: {اهبط بِسَلاَمٍ} ، {وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر} ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} ، سبحانك الله وبحمدك. العاشر: باءُ المقابلة: {ادخلوا الجنة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ، وقولك: كافأْت إِحسانه بضعف. اشتريته بأَلف. الحادى عشر: باءُ المجاوزة: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} ، {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام} {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} . الثانى عشر: باءُ الغاية، وهى الَّتى بمعنى إِلى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بي} .

الثالث عشر: باءُ البدل: فليت لى بهمُ قوما إِذا ركبوا ... شَنُّوا الإِغارة فرساناً وركباناً الرابع عشر: باءُ الاستعلاءِ بمعنى عَلى: {مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} {وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} بدليل {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} وقال: أَربّ يبول الثُعْلبان برأسه ... لقد ذَلّ من بالت عليه الثعالب {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض} ، زَيْد بالسطح. الخامس عشر: باءُ التبعيض: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله} أَى منها. شربن بماءِ النحر ثم ترفعتْ وقول الآخر: فلثِمْتُ فاها آخِذاً بقرونها ... شُرب النزيف ببرْد ماءِ الحَشْرج

السّادس عشر: باءُ القسم: أَقسم بالله. السّابع عشر: باءُ التعليل: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ باتخاذكم العجل} . الثامن عشر: باء الظرفيّة: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ} {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} وقال الشَّاعر: ويُستخرجُ اليربوع من نافقائه ... ومن جُحْرِه بالشَّيْخَة اليُتقصّع التَّاسع عشر: الباءُ الَّتى تدخل على الاسم لإِرادة التشبيه، كقولهم: لقيت بزيد الأَسد، ورأَيت بفلان القمر. والصحيح أَنها للسبب. العشرون: باءُ التقليل، كقول الشاعر: فلئن صرت لا تُحير جوابا ... لما قد تُرى وأَنت خطيب الحادى والعشرون: الباءُ الزَّائدة، وهى المؤكِّدة. وتزاد فى الفاعل. {كَفى بِاللهِ شَهِيداً} أَحْسِنْ بزيد، أَصله حَسُن زيد، وقال الشاعر: كفى ثعلا فخراً بأَنَّك منهم ... ودهرٌ لأَن أَمسَيْت من أَهله أَهل وفى الحديث "كفى بالمرءِ كذباً أَن يحدِّث بكلّ ما سمع" ويزاد ضرورة كقوله:

أَلم يأْتيك والأَنباءُ تَنْمى ... بما لاقت لبونُ بنى زياد وقوله: مهمالى الليلة مهماليه ... أَودى بنعلىّ وسِرْباليه وتزادُ فى المفعول {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} {وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة} . نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج سود المحاجر لا يقرأْن بالسور وقلَّت فى مفعول ما يتعدّى لاثنين؛ كقوله: تَبَلَتْ فؤادَك فى المنام خَرِيدَةٌ ... تسقى الضَّجيعَ بباردٍ بسّامِ ويزاد فى المبتدأ: {بِأَيِّكُمُ المفتون} ، بحسبك درهم، خرجت فإِذا بزيدٍ. ويزاد فى الخبر {وَمَا الله بِغَافِلٍ} ، {جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} . ومنعكها بشئ يستطاع

ويزاد فى الحال المنفىّ عاملها: فما رجعت بخائبة ركاب ... حكيم بن المسيّب منتهاها وليس بذى سيف وليس بنبَّال ويزاد فى التوكيد بالنَّفس والعين {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} . ومن أقسام الباءِ الباءُ المبدلة؛ كمكَّة وبكَّة، ولازم ولازب، والباءُ المكرّرة، كباءِ الرّب، وكبّر، وتكبّر. ومنها باءُ الاستقامة {آمَنَّا بِرَبِّنَا} أَى استقمنا {فاستمسك بالذي أُوحِيَ إِلَيْكَ} . ومنها باءُ التعبير. وتكون متضمّنة لزيادة العلم: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ} ومنها الباءُ اللُّغوى، وهو الرّجل الشَّبق. الباءُ أَيضاً: النكاح. وكذلك الباءَة والباه.

بصيرة فى البيت

بصيرة فى البيت وقد ورد فى القرآن على خمسة عشرة وجهاً. الأَوّل: بمعنى المنازل والمساكن: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} وقال {مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ} {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي} . الثانى: بمعنى الخانات ومنازل الرفاق {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} . الثالث: بمعنى المساجد، ومواضع العبادة: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} ، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ} . الرّابع: بمعنى سفينة نوحٍ: {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً} . الخامس: بمعنى الكَعْبَة: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ} ، {وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} ، {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ} . السّادس: بمعنى غُرف الكرامة {رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة} .

السابع: بمعنى حُجُرات النبوّة: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} {واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ} . الثَّامن: بمعنى المحابس: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت} أَى فى السّجون. التَّاسع: بمعنى أَعشاش الزنابير {أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً} . العاشر: بمعنى الخيام من الجلود: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتاً} . الحادى عشر: بمعنى الغِيران فى الجبال: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً} . الثانى عشر: بمعنى الدُّور المعروفة: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً} . الثالث عشر: بمعنى المِلْك: {وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} أَى فى مِلكها قاله الضحّاك عن ابن عباس. الرّابع عشر: بمعنى الضُراح فى السّماءِ: {والبيت المعمور} . الخامس عشر: بمعنى بيت النبوّة: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} قال: كل بيت أَنت ساكنه ... غير محتاج إِلى السُرُج وجهك المأْمول حُجّتنا ... يوم يأْتى الناس بالحُجج والبيت أَيضا: الشرف. والبيت: الشريف. والبيت: القبر. وجمع البيت أَبيات وبيوت. وجمع الجمع أَباييت، وبيوتات، وأَبياوات، وتصغيره بُيَيْتٌ، وبِيَيْت. ولا تقُل: بُوَيت. وامرأَة مُتَبَيّتَةٌ: أَصابت بيتاً. وبعلاً.

بصيرة فى الباب

بصيرة فى الباب وقد ورد فى القرآن لاثنى عشر معنى: الأَوّل: لمنازل العقوبة: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} . الثانى: لمساكن المَثُوبة: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} ، {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} . الثالث: بمعنى السّكَّة والمحلَّة: {وَقَالَ يابني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} أَى من سِكَكٍ. الرّابع: باب المكر والحِيلة: {وَغَلَّقَتِ الأبواب} . الخامس: باب الهَرب والهزيمة من المعصية: {واستبقا الباب} ، {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الباب} . السّادس: الأَبواب المعروفة {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ} . السابع: دروب مدينة (أَرِيحا وأَذْرُح) {وادخلوا الباب سُجَّداً} {ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} .

الثامن: بمعنى مَدْخل الأَمر ومخرجه: {وَأْتُواْ البيوت مِنْ أَبْوَابِهَا} أَى الأُمورَ من وجوهها. التاسع: بمعنى مفتتح الأَمر {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} . العاشر: بمعنى طرُق أَعمال العباد إِلى السّمَاءِ: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء} . الحادى عشر: بمعنى أَبواب الاستدراج بإِظهار النِّعمَ: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} . الثانى عشر: الباب المشترك بين المؤمنين والمنافقين: {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة} . والباب أَيضاً، والبابة فى الحدود والحساب: الغاية. ويجمع الباب على أَبوابٍ، وبيبان، وعلى أَبْوِبة. وهذا نادر. وباب له يَبُوب: صار له بَوّاباً. وحرفته البِوَابة. وتبّوب بوّاباً: اتَّخذه. ومنه يقال فى العلم: باب كذا، وهذا العلم باب إِلى كذا أَى يتوصّل إِليه. وقد يقال: أَبواب الجنَّة، وأَبواب جهنَّم للأَسباب الَّتى يتوصّل بها إِليهما. وبابات الكتاب: سطوره لا واحد له. وهذا بابته أَى يصلح له؛ قال الشاعر: تركت النبيذ وشُرَّابة ... وصرتُ حبيباً لمن عابَهُ شراب يُضلّ سبيل الرّشاد ... ويفتح للشرّ أَبوابَه

بصيرة فى البشارة

بصيرة فى البشارة وهى الخَبَر السّارّ. ويقال لها: البُشْرى أَيضاً. وبَشَرته، وأَبشرته وبشَّرته: أَخبرته بِسارّ بَسَط بَشَرةَ وجهه. وذلك أَنَّ النَّفس إِذا سُرَّت انتشر الدّم فيها انتشارَ الماءِ فى الشجر. وبين هذه الأَلفاظ فروق؛ فإِنَّ بَشَرته عامّ، وأَبشرته نحو أَحمدته، وبشَّرته على التكثير. وقرئَ (يَبْشُرُك) ، و (يُبْشِرُك) ، و (يُبشِّرُكِ) . واستبشر إِذا وجد ما يسرُّه من الفرح. والبشير المبشِّر. والبِشَارة وردت فى القرآن على اثنى عشر وجهاً، لاثنى عشر قوماً باثنتى عشرة كرامة. الأَوّل: بشارة أَرباب الإِنابة بالهداية: {وأنابوا إِلَى الله لَهُمُ البشرى} إِلى قوله: {هداهُمُ اللهُ} . الثَّانى: بشارة المخْبتين والمخلصين بالحفظ والرّعاية: {وَبَشِّرِ المخبتين} . الثالث بشارة المستقيمين بثبات الولاية: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} إِلى قوله: {وأَبْشِرُوا بِالجنَّةِ} .

الرّابع: بشارة المتَّقين بالفوز والحماية: {الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ البشرى} . الخامس: بشارة الخائفين بالمغفرة، والوقاية: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر} إِلى قوله: {فبشِّرْهُ} . السّادس: بشارة المجاهدين بالرّضا والعناية: {الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ} إِلى قوله: {يُبشِّرُهُمْ ربُّهُمْ بِرحْمةٍ مِنْهُ ورِضْوانٍ} . السّابع: بشارة العاصين بالرّحمة والكفاية: {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم} إِلى قوله: {ومَنْ يقْنطُ مِنْ رحْمةِ ربِّهِ} . الثامن: بشارة المطيعين بالجنَّة والسّعادة: {وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} . التاسع: بشارة المؤمنين بالعطاءِ والشَّفاعة: {وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} . العاشر: بشارة المنكِرين بالعذاب والعقوبة {بَشِّرِ المنافقين بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وهذه استعارة ولكن تنبيهٌ أَنَّ أَسرّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب. وذلك نحو قول الشَّاعر: تحيّةُ بَيْنِهم ضربٌ وجيع

ويصلح أن يكون ذلك مثل قوله: {تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار} . الحادى عشر: بشارة الصّابرين بالصّلوات والرّحمة: {وَبَشِّرِ الصابرين} إِلى قوله: {أُولئكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} . الثانى عشر: بشارة العارفين باللقاءِ والرّؤية: {وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كَبِيراً} .

بصيرة فى البشر

بصيرة فى البشر وهو جَمْع البَشَرة، وهى ظاهر الجِلْد. والأَدَمَة: باطنُه. ويجمع على أَبشار أَيضاً. وعُبّر عن الإِنسان بالبَشَر؛ اعتباراً بظهور جلده من الشَعَر؛ بخلاف الحيوانات الَّتى عليها الصّوف، أَو الشعرَ، أَو الوبر. ويستوى فى لفظ البَشَر الواحد والجمع، وثُنِّىَ فقال - تعالى -: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ} . وقد ورد فى القرآن على ثلاثة عشر وجهاً: الأَوّل: بمعنى أَبِينا آدم الصّفِىّ: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ} {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} . الثانى: بمعنى شَيخ المرسلين نوح: {مَا هاذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} . الثالث: بمعنى صالحٍ النبىّ: {أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ} . الرّابع: بمعنى يوسف الصّديق: {مَا هاذا بَشَراً} . الخامس: بمعنى موسى وهارون: {فقالوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} .

السّادس: بمعنى جبريل: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} . أَى مَلَكا. ونبّه أَنه تشبّحَ لها بصورة بشر. السّابع: بمعنى ابن ماثان: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} . الثامن: بمعنى شخص من الإِسرائيليين: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً} أَى من بنى إِسرائيل. التَّاسع: بمعنى الغلامَين العجميّين اللذين قال كفَّار مكّة: إِنَّ محمّداً صلَّى الله عليه وسلَّم يتعلَّم القرآن وأَخبار الماضين منهما: {يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} إِنما يعنون جَبْراً ويساراً. العاشر: بمعنى النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} وفيه تنبيه أَنَّ الناس يتساوون فى البشريّة، وإِنَّما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة، والأَعمال الجميلة. ولذلك قال بعده: {يُوحَى إِلىّ} تنبيهاً أَنِّى بذلك تميّزتُ عنكم. الحادى عشر: بمعنى جُمْلة المرسلين: {فقالوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} . الثانى عشر: بمعنى جَمْع البشرة: {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ} . الثالث عشر: بمعنى جُمْلَة الآدميّين: {ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} ولها نظائر.

بصيرة فى البشير، والبشرى، والمبشر

بصيرة فى البشير، والبشرى، والمبشر يروى أَنَّه - تعالى - أَوحى إِلى داود: يا داوُد بشِّر المذنبين، وأَنذر الصّديقين. فقال: يا ربّ: وكيف ذلك؟ فقال: بشِّر المذنبين إِذا تابوا، وأَنذر الصّدّيقين إِذا أُعجبوا. وفى لفظ: بشِّر المذنبين بأَنى غفور، وأَنذر الصّدّيقين بأَنى غَيُور. وقال: ورد البشير مبشِّرا بقدومه ... فملئت من قول البشير سرورا فكأَننى يعقوب من فرحى به ... إِذ عاد مِن شمّ القميص بصرا واللهِ لو قنع البشيرُ بمهجتى ... أَعطيتُه ورأَيت ذاك يسيرا لو قال هَب لى ناظريك لقلتها ... خذ ناطرىّ فما سأَلت كثيرا وقد ورد بالبشير، والبشرى، (والتبشير) والمبشِّر فى القرآن على أَوجهٍ: [فالبشير فى ثلاثة مواضع] . الأَوّل: فى حقّ القرآن المجيد: {بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} . الثانى: فى يهوذا: {فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير} . الثالث: بمعنى سيّد المرسلين: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} . وبشرى فى ثلاثة: الأَوّل: بشرى فى مالك بن دعر لغلامه بأَحسن الحِسان: {يابشرى هاذا غُلاَمٌ} .

الثانى: بشارة المطيعين بخلود الجِنَان: {بُشْرَاكُمُ اليوم جَنَّاتٌ} . الثالث: مَنْع الملائكة البشرى عن المجرمين والكفار: {لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} . والتبشير فى أَربعة مواضع: الأَول: فى حال ولادة البنات {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} . الثانى: لإِبراهيم الخليل بإِسحاق {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} ، وبأَولاد آخرين {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} يعنى إِسماعيل، {وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ} {قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بالحق} . الثالث: لزكريّا بيحيى: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله وَسَيِّداً وَحَصُوراً} . الرّابع: لمريم بعيسى: {إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسمه المسيح} . والمبشِّر فى ثلاثة مواضع: الأَوّل عامّة الرّسل: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} . الثانى: تبشير عيسى بَمَقْدَم سيّد المرسلين: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ} .

الثالث: تبشير النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم للعاصين برحمة أَرحم الرّاحمين: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} . ويقال: أَبشر الرّجلُ أَى وجد بشارة؛ نحو أَبقل، وأَمْحل: {وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} . وقول ابن مسعود: من أَحبّ القرآن فليَبْشَر (أَى فليُسَرّ) يقال بشرته مبشِر؛ نحو جبْرته فجبر. وقال سيبويه: فأَبشر (وقال ابن قتيبة: هو من بشرت الأَديم إِذا رَقَّقت وجهه. قال ومعناه: فليضمِّر نفسه؛ كما روى: إِن وراءَنا عقبةً كئودا لا يقطعها إِلاَّ الضُّمَّرُ من الرّجال. وتباشير الوجه: ما يبدو من سروره. وتباشير النخل: ما يبدو من رُطَبه، ومن الصّبح: ما يبدو من أَوائله. ويسمّى ما يعطى المبشِّر البُشْرى. والبُشَارة بالضم.

بصيرة فى البركات

بصيرة فى البركات وقد وردت البركة فى القرآن فى أَربعة عشر شيئاً: الأَوّل: فى الكعبة الَّتى هى قبلة العالمين: {لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} . الثانى: فى المَطَر الَّذى به حياة المتنفِّسين: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السمآء مَآءً مُّبَارَكاً} . الثالث: فى السّلام الذى هو شِعَار المسلمين: {تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} . الرابع: فى أَولاد إِبراهيم خليل ربّ العالمين: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إِسْحَاقَ} {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت} . السّادس: فى أَولاد نوح شيخ المرسلين: {يانوح اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ} . السّابع: فى الأَرض التى هى مَقَرّ الآدميين: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} . الثامن: فى البُقْعة الَّتى هى محلّ موسى [حيث ناداه] ربّ العالمين: {فِي البقعة المباركة} .

التَّاسع: (فى نار موسى ليلة طور سينين {أَن بُورِكَ مَن فِي النار} أَى فى طلب النار) . العاشر: فى شجرة الزَّيتون، الممثّل بنور معرفة العارفين: {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ} . الحادى عشر: فى المسجد الأَقصى الَّذى هو مَمَرّ سيّد الرّسل إِلى أَعلى علِّيّين: {إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} . الثَّانى عشر: فى ليلة القَدْر التى هى موسم الرّحمة والغفران للعاصين والمذنبين {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} . الثالث عشر: فى القرآن الذى هو أَعظم معجزِات البَشَر: {وهاذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} . الرابع: عشر فى المَنْزل الَّذى قُصِد، لا على التعيين: {رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً} أَى حيث يوجد الخير الإِلهى. والبركة معناها ثبوت الخير الإِلهى فى الشئِ. والمادّة موضوعة للزوم والثبوت. وقوله - تعالى - {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض} سمّى بذلك لثبوت الخير (فيه ثبوت الماءِ فى البِرْكة. والمبارك ما فيه ذلك الخير) وقوله - تعالى -: {هاذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} تنبيه على ما يَفِيض من الحياة الإِلهية. ولمّا كان الخير الإِلهىّ يصدر من حيث لا يُحَسّ، وعلى وجه

لا يُحْصى ولا يُحْصَر، قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة: هو مبارك، وفيه بركة. وإِلى هذه الزّيادة أشير بما روى (لا يَنْقص مال من صدقة) لا إِلى النّقصان المحسوس، حيث ما قال بعض الملاحدة الخاسرين حيث قيل له ذلك، فقال له: بينى وبينك الميزان. على أَنَّ عمّى - وكان من أَكابر الصّالحين - أَخبرنى أَنَّه كال كُدْساً من الطعام، ثمّ أَخرج منه الزكاة، ثمّ إِنَّه كاله ثانيةً عند النقل إِلى المنزل، فوجده لم ينقص شيئاً من الكيل الأَوّل.

بصيرة فى البر، والبر

بصيرة فى البر، والبر وقد ورد فى القرآن على أَربعة عشر وجهاً: الأَوّل: - أَعنى البَرّ - بالفتح - خمس. الأَوّل: بمعنى الحَقّ - جَلّ اسمه وعلا - {إِنَّهُ هُوَ البر الرحيم} . الثَّانى: بمعنى الصّحراءِ ضدّ البَحْر: {ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر} ، {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البر والبحر} ، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر} . الثالث: فى مدح يحيى بن زكريا {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ} . الرّابع: فى المسيح عيسى: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي} . الخامس: فى ساكنى مَلَكوت السّماءِ: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} . وأَما البِرّ - بالكسر - فأَربعة: الأَوّل بمعنى البارّ: {ولاكن البر مَنْ آمَنَ بالله} أَى البارّ. الثانى: بمعنى الخير: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} . الثَّالث: بمعنى الطَّاعة: {أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر} .

الرّابع: بمعنى تصديق اليمين: {وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ} . وقد جاءَ بمعنى صلة الرّحم {لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ} أَى تصلوا أَرحامكم. والأَبرار مذكور فى خمسة مواضع: الأَوّل: فى صفة الأَخيار، فى جوار الغفَّار: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِي عِلِّيِّينَ} . الثانى: فى صفة نظارتهم على غُرَف دار القرار: {إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ} . الثالث: فى مجلس أُنْسهم، ومجاورة المصطفى، وصحابته الأَخيار: {إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} . الرّابع: فى تقريرهم فى قُبّة القُرْبَة من الله الكريم الستَّار: {وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ} . الخامس: فى مرافقة بعضم بعضاً يوم الرحيل إِلى دار القرار {وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبرار} .

وأَصل الكلمة ومادّتها - أَعنى (ب ر ر) - موضوعة (لخلاف البحر) ، وتُصوّر منه التوسّع، فاشتُقّ منه البِرّ أَى التوسّع فى فعل الخير. وينسب ذلك تارة إِلى الله تعالى فى نحو {إِنَّه هُو البرُّ الرَّحيمُ} ، وإِلى العبد تارة، فيقال: برّ العبدُ ربّه، أَى توسّع فى طاعته. فمن الله تعالى الثواب ومن العبد الطاعةُ. وذلك ضربان: ضرب فى الاعتقاد، وضرب فى الأَعمال. وقد اشتمل عليهما قولُه تعالى {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ} الآية (وعلى هذا ما روى أَنه صلى الله عليه وسلم سئل عن البرّ فتلا هذه الآية) فإِن الآية متضمّنة للاعتقاد، ولأَعمال الفرائض، والنَّوافل. وبِرّ الوالدين: التَّوسُّع فى الإِحسان إِليهما. ويستعمل البِرّ فى الصدق لكونه بعضَ الخير. يقال: برّ فى قوله، وفى يمينه، وحَجّ مبرورُ: مقبول. وجمع البارّ أَبرار، وبَرَرة. وخصّ الملائكة بالبَرَرة من حيث إِنَّه أَبلغ من الأَبرار؛ فإِنه جمع بَرّ. والأَبرار جمع بَارٍّ، وبرٌّ أَبلغ من بارّ؛ كما أَنَّ عَدْلاً أَبلغ من عادل. والبُرّ معروف وتسميته بذلك لكونه أَوسع ما يُحتاج إِليه فى الغذاءِ.

بصيرة فى البعث

بصيرة فى البعث وقد ورد فى القرآن على ثمانية معانٍ: الأَوّل: بمعنى الإِلهام: {فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ} أَى أَلهم. الثانى: بمعنى إِحياءِ الموتى فى الدنيا: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} ، {فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} ، {وكذلك بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ} أَى أَحييناهم. الثالث: بمعنى الاستيقاظ من النوم: {وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ} أَى من النَّوم، {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى} . الرابع: بمعنى التسليط {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً} . الخامس: بمعنى نَصْب القيّم والحاكم: {فابعثوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ} . السّادس: بمعنى التعيين: {ابعث لَنَا مَلِكاً} أَى عيّن وبَيّن، {قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} أَى قد عَيّن وبَيّن.

السابع: بمعنى الإِخراج من القبور للحشر: {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور} . الثامن: بمعنى الإِرسال: {فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} ، {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً} أَى أَرسل. وأَصل البعث إِثارة الشئِ وتوجيهه. يقال: بعثتُه فانبعث. ويختلف البعث بحسب اختلاف ما عُلِّق به. فالبعث ضربان: بَشَرىّ؛ كبعث البعير، وبعث الإِنسان فى حاجة، وإِلهى، وذلك ضربان: أَحدهما إِيجاد الأَعيان، والأَجناس، والأَنواع عن ليس وذلك يختص به البارئُ - تعالى - ولم يُقْدِر عليه أَحداً من خَلْقه. والثانى: إِحياءُ الموتى. وقد خَصّ به بعض أَوليائه؛ كعيسى وغيره. ومنه {فهاذا يَوْمُ البعث} نحو يوم المَحْشر. وقوله: {ولاكن كَرِهَ الله انبعاثهم} أَى توجُّههم ومُضيّهم.

بصيرة فى البدل

بصيرة فى البدل وهو الشىّ يكون مكان آخر. وهو أَعمّ من العوَضِ، فإِنَّ العوض هو أَن يصير لك الثانى بإِعطاءِ الأَوّل. والتَّبديل، والإِبدال، والاستبدال: جعل الشَّئِ مكان آخر. وقد ورد فى القرآن على وجوه: الأَوّل: بمعنى الهلاك {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} ، {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} أَى نهلك. الثانى: بمعنى نسْخ الشريعة والآية: {وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ} أَى نسخنا، {أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نفسي} . الثالث: بمعنى التغيير: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الذين يُبَدِّلُونَهُ} أَى يغيّرونه، {وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً} ومنه قوله - تعالى {فأولائك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} وقيل: هو أَن يعملوا أَعمالاً صالحة تُبطل ما قدّموه من الإِساءَة. وقيل: هو أَن يعفو - تعالى - عن سيئاتهم، ويحتسب بحسناتهم {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض} أَى تغيّر عن حالها. وقوله: {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ} أَى لا يغيّر ما سبق فى اللَّوح

المحفوظ؛ تنبيهاً على أَن ما علمه أَن سيكون يكون على ما قد علمه، لا يتغيّر عن حاله. وقيل: لا يقع فى قوله خُلْف. وعلى الوجهين قوله: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله} {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} وقيل: معناه: النهى عن الخِصاءِ. الرّابع: بمعنى تجديد الحالة: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} أَى جَدّدنا. الخامس: بمعنى اختيار الكفر، والنكرة على الإِيمان {وَمَن يَتَبَدَّلِ الكفر بالإيمان} . السّادس: بمعنى إِبليس فى طريق الظلم والضلالة: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} . والأَبدال: قوم صالحون، يجعلهم الله تعالى مكان آخرين مثلهم ماضين. وحقيقته: قوم بدّلوا أَحوالهم الذميمة (بأَحوالهم الحميدة) . قيل: وهم المشار إِليهم بقوله: تعالى - {فَأُولَئكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتهِمْ حَسَنَاتٍ} .

بصيرة فى البسط

بصيرة فى البسط وهو لغة: النَّشر والتوسيع. فتارةً يتصور منه الأَمران، وتارة يتصوّر منه أَحدهما: بسط الثوب: نشره. ومنه البِساط، وهو اسم لكلّ مبسوط. والبَسَاط - بالفتح -: الأَرض المنبسطة، والمستوية. والبسيطة: الأَرض. واستعار قوم البسيط لكلّ شيءٍ لا يتصوّر فيه تركيب، وتأْليف، ونَظْم. قوله - تعالى - {وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ} أَى وسّعه، {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم} أَى سعة. قال بعضهم: بَسْطتُه فى العلم هو أَن انتفع هو به، ونفع غيره، فصار له به بسطة أَى جُود. وبَسْط اليد: مَدّها. وبَسْط الكفّ يستعمل تارة للطَّلب نحو {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المآء لِيَبْلُغَ فَاهُ} ، وتارة للأَخذ؛ نحو {والملائكة باسطوا أَيْدِيهِمْ} ، وتارة للصّولة، والضَّرب؛ نحو {ويبسطوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسواء} ، وتارةً للبَذْل والإِعطاءِ؛ نحو {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} . ورجل بَسِيط الوجه: متهلِّل، وبسيط اليدين: منبسط. وانبسط النَّهار: امتدّ، وطال.

والبُسْطة - بالضمّ -: الفضيلة: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى العِلْمِ وَالجِسْمِ} والبَسْطة بالفتح: المرأَة الحسنة الجسم. والبِسْط - بالكسر والضمّ -: النَّاقة المتروكة مع ولدها، لا تُمنع. والجمع أَبساط، وبُسْط، وبُسَاط. وهذا من الجموع العزيزة.

بصيرة فى البقية

بصيرة فى البقية وقد وردت على وجوه. الأَوّل: بمعنى المال والحلال: {بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} . الثانى: الباقية بمعنى الصّلاة: {والباقيات الصالحات} أَى الصّلوات الخمس. الثالث: بمعنى ميراث الأَموات: {وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ موسى وَآلُ هَارُونَ} . الرّابع: بمعنى قِلَّة القوم والتَّبَع {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ} {فَهَلْ ترى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} . وأَصل البقاء: ثبات الشئِ على الحالة الأُولى. وهو يضادّ الفناءَ. وقد بقِى يبقى بقاءً، وبَقَى - كرمى - لغةٌ. وفى الحديث: بَقَينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَى انتظرناه، ورصدنا له مدّة كثيرة. والباقى ضربان: باقٍ بنفسه لا إِلى مدّة. وهو البارئُ تعالى، ولا يجوز عليه الفناءُ، وباقٍ بغيره، وهو ما عداه، ويصحّ عليه الفناءُ. والباقى بالله ضربان: باقٍ بشخصه إِلى أَن يشاءَ الله أَن يفنيه: كبقاءِ الأَجرام السّماويّة،

وباقٍ بجنسه، ونوعِه، دون شخصه، وجزئه، كالإِنسان، والحيوانات. فكذا فى الآخرة باقٍ بشخصه؛ كأَهل الجنَّة؛ فإِنهم يَبْقَوْن على التأْبيد لا إِلى مُدة، وباقٍ بنوعه، وجنسه؛ كما روى عن النبى صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّ ثمار الجنَّة يقطعها أَهلها، ويأْكلونها، ثمّ تُخلف مكانها مثلَها. ولكون ما فى الآخرة دائما قال الله تعالى: {وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى} .

بصيرة فى البصيرة

بصيرة فى البصيرة وهى قوّة القلب المدركة. ويقال لها: بَصَر أَيضاً: قال الله - تعالى -: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} وجمع البصر أَبصار، وجمع البصيرة بصائر. ولا يكاد يقال للجارحة الناظرة بصيرة؛ إِنما هى بَصَرٌ؛ نحو {كَلَمْحٍ بالبصر} ويقال للقوّة الَّتى فيها أَيضاً: بَصَر. ويقال منه: أَبصرت، ومن الأَوّل: أَبصرته، وبَصُرت به. وقلَّما يقال فى الحاسّة إِذا لم تضامّه رُؤية القلب: بَصُرت. ومنه {أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ} أَى على معرفة وتحقُّق. وقوله: {بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} أَى عليه من جوارحه بصيرة، فتبصّره وتشهد عليه يوم القيامة. وقال الأَخفش: جعله فى نفسه بصيرة؛ كما يقال: فلان جُود وكرم. فههنا أَيضا كذلك؛ لأَنَّ الإنسان ببديهة عقله يعلم أَن ما يقرّبه إِلى الله هو السّعادة، وما يبعده عن طاعته الشقاوة.

وتأْنيث البصير لأَنَّ المراد بالإِنسان هنا جوارحه. وقيل: الهاءُ للمبالغة؛ كعلاَّمة، وزاوية. والضَّرير يقال له: البصير، على سبيل العكس. والصّواب أَنه قيل له ذلك لمالَه من قوّة بصيرة القلب. وقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار} حمله كثير من المتكلِّمين على الجارحة. وقيل: فى ذلك إِشارة إِلى ذلك، وإِلى الأَذهان، والأَفهام. والباصرة: الجارحة الناظرة. {وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً} قيل معناه: صار أَهله بُصَراءَ؛ نحو رجل مُخْبِث، ومُضْعِف أَى أَهله خُبثاءُ وضعفاءُ. {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا القرون الأولى بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ} : آية جعلناها عِبرة لهم. وقوله: {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} أَى انتظر حتى ترى ويرون. وقوله: {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} أَى طالبين للبصيرة. ويصحّ (أَن يستعار) الاستبصار للإِبصار؛ نحو استعارة الاستجابة للإِجابة. وقوله: {تَبْصِرَةً وذكرى} أَى تبصيرا وتنبييناً. يقال: بَصّرته تبصيراً، وتَبْصِرة؛ نحو ذكَّرته تذكيراً وتذكرة.

والبصيرة: قطعة من الدّم تلمع، والتُرْس اللامع، وما بين شِقَّتى الثوب، والمزادة، ونحوها الَّتى تبصر منه. والبَصْرة: حجارة رِخوة تلمع كأَنَّها تُبصر. وورد البصر فى القرآن على وجوه: بصر النظر والحجّة: {فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً} ، وبَصَر الأَدب، والحرمة: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} ، وبصر للتعجيل والسّرعة: {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بالبصر} ، وبصر الحيرة والحسرة: {فَإِذَا بَرِقَ البصر} ، وبصر للعمى فى الكافر، والجهالة: {وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً} ، وبصر السّؤال عن المعصية، والطَّاعة: {إِنَّ السمع والبصر والفؤاد} ، وبصر فى عدم الفائدة والمنفعة: {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ} ، وبصر للغىّ والغفلة: {أولائك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} ، وبصر للغِطاءِ واللعنة: {فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أَبْصَارَهُمْ} ، وبصر لإِبعاد المنكرين عن اللِّقاءِ والرّؤية: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} ، وبصر للختم والخسارة: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ} وبصر للنَّظر والعِبْرة: {فاعتبروا ياأولي الأبصار} .

بصيرة فى البحر (والبحيرة)

بصيرة فى البحر (والبحيرة) وقد ورد على أَنحاءٍ: بمعنى ضِدّ البرّ: {واترك البحر رَهْواً} ، {وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَائِيلَ البحر} ، وبمعنى بحر فارس والرّوم: {وَمَا يَسْتَوِي البحران هاذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهاذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} ، وبمعنى البحر الذى تحت العرش المجيد، وفيه عجائب لا يعلمها إِلا الله وبمائه يُحيي الله الأَموات: {والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور} ، وبمعنى الأَرياف والقرى: {ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر} أَى فى البوادى والحواضر. وأَصل البحر: كل مكان واسع جامع للماءِ الكثير. ثم اعتبر تارة سعته المكانيّة؛ فيقال: بحرت كذا: أَوسعته سعة البحر؛ تشبيهاً به. ومنه بَحَرت البعير: شققتُ أُذنه شقّاً واسعاً. ومنه البحيرة: {مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ} وذلك ما كانوا يجعلونه بالنَّاقة إِذا ولدَتْ عشرة أَبطن

شقُّوا أُذنها وسيَّبوها، فلا تُركب، ولا يُحمل عليها. وسمَّوْا كلّ متوسع فى شئٍ بحراً. فالرّجل المتوسّع فى علمه بحر، والفرس المتوسّع فى جريه بحر. واعتبر من البحر تارةٌ ملوحته، فقيل: ماءُ بَحْر أَى مِلْح. وقد أَبْحَر الماءُ. قال: وقد عاد ماءُ الأَرض بحرا وازدنى ... إِلى مرضى أَن أَبحر المشربُ العذبُ وقال بعضهم: البحر فى الأَصل المِلْح، دون العذب. وقوله تعالى: {البحران هاذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهاذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} إِنَّما سمى العذاب بحراً؛ لكونه مع الملح؛ كما يقال للشَّمس والقمر: قمران.

بصيرة فى البخل

بصيرة فى البخل والبُخْل - بالضَّم، وبالفتح -، والبَخَل - بالتَّحريك -، والبُخُول مصادر بَخل يبخل، كعلم يعلم، فهو باخل من بُخَّل - كَرُكَّع -، وبخيلٌ من بُخَلاءَ. ورجل بَخَل - محرّكة - وصف بالمصدر (وبَخَال وبَخَّال ومبَخَّل) كسحَاب وشَدَّاد ومُعَظَّم. والبُخْل: إِمساك المتقنَيَات عمّا لا يحِقُّ حَبْسها عنه. ويقابله الجود. والبُخْل ثمرة الشُّحّ، والشُّحُّ يأْمر بالبُخْل؛ كما قال النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِيّاكم والشُّحّ؛ فإِنَّ الشُّحّ أَهلك مَنْ كان قبلكم: أَمرهم بالبخل فبخِلوا، وأَمرهم بالقطعية فقطَعُوا" فالبخيل: مَنْ أَجاب داعى الشحّ، والمُؤثر مَن أَجاب داعىَ الجُود، والسّخاءِ، والإِحسان. والبخل ضربان: بخل بقنيات نفسه، وبخل بقنيات غيره. وهو أَكثرهما ذَمّاً. وعلى ذلك قوله - تعالى -: {الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} . والبخيل مِن [الباخل] : الذى يكثر منه البخل؛ كالرّحيم من الرّاحم.

بصيرة فى البخس

بصيرة فى البخس وهو نقص الشئِ على سبيل الظلم. والبَخْس، والباخِس: الشئُ الطفيف النَّاقص. وقوله - تعالى - {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} قيل: معناه: باخس، أى ناقص. وقيل: مبخوس أَى منقوص. وتباخسوا أَى تغابنوا فَبَخس بعضُهم بعضاً. قيل كان الثمن عشرين (درهماً، وقيل اثنين وعشرين) .

بصيرة فى البخع

بصيرة فى البخع وهو لغة: قَتْل النفس غَمّاً، بخع نفسه يبخع بخعا كمنع يمنع. وبخع بالحقّ بُخوعاً، وبَخاعة: أَقرّ به، وخضع له. وبخع الرّكية بخْعاً: حفرها، حتى ظهر ماؤها. وبَخَع له نصحه: أَخلصه، وبالغ فيه. وبخَع الأَرض بالزِّراعة: نهكها، وتابع حراثتها، ولم يُجمّها عاماً. وبَخع الرجلَ خبره: صَدَقه. وبخع الشَّاة: بالغ فى ذبحها {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} أَى مهلكها، وقاتلها؛ حرصاً على إِسلامهم. وفيه حثّ على ترك التأَسّف؛ نحو {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} .

بصيرة فى البدار

بصيرة فى البدار قال - تعالى -: {وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً} أَى مسارعة. يقال: بدَرتُ إِليه، وبادرت. ويعبّر عن الخطأ الَّذى يقع عن حِدّة: بادرة يقال: كانت من فلان بوادر فى هذا الأَمر. والبَدْر قيل: سمّى به لمبادرته الشمس بالطلوع. وقيل: لامتلائه، تشبيهاً بالبَدْرة. فعلى ما قيل يكون مصدراً فى معنى الفاعل. قال الرّاغب: "الأَقرب عندى أَن يجعل البَدْر أَصلاً فى الباب، ثم يعتبر معانيه الَّتى تظهر منه، فيقال تارة: بَدَر كذا أَى طلع طلوع البدر. ويعتبر امتلاؤه تارة فتشبّه البَدْرة به. والبَيْدَر: المكان المرشَّح لجمع الغلَّة فيه ومَلْئه منه.

بصيرة فى البديع

بصيرة فى البديع وقد جاءَ بمعنى (المبتدِع وبمعنى المبتدَع) . والبديع أَيضاً. حَبْل ابتُدئَ فَتله، ولم يكن حبلاً فنُكِث، ثم غُزِل، ثم أُعيد فتله. والبديع: الزقّ الجديد، والرّجُل السّمين. قال - تعالى - {بَدِيعُ السماوات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} {بَدِيعُ السماوات والأرض وَإِذَا قضى أَمْراً} بمعنى المبدِع، والمبتدِئِ لإِيجاده، ورُوى أَنَّ اسم الله الأَعظمَ: يا بديع السّماوات والأَرض، ياذا الجلال والإِكرام. والبِدْع - بالكسر -: المبتدَع، والبديع، والغُمْر من الرّجال والغاية فى كلّ شئ. وذلك إِذا كان عالِماً، أَو شجاعاً، أَو شريفاً. والجمع أَبداع. وهى بِدْعة من بِدَع. وقد بَدُع بَدَاعة، وبدوعاً و {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل} قيل: معناه: مُبْتَدعاً لم يتقدمنى رسول. وقيل: مبدِعاً فيما أَقوله. والبِدْعَة: الحَدث فى الدّين بعد الإِكمال. وقيل: ما استُحدث بعده - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الأَهواءِ، والأَعمال. والجمع بِدَع. وقيل: البِدْعة: إِيراد قول، أَو فعل، لم يَسْتنّ قائلها، ولا فاعلها فيه بصاحب

الشريعة، وأَماثلها المتقدّمة، وأُصولها المقنَّنة. ورُوى "كلّ مُحْدَثٍ بدْعة وكلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النَّار". وأَبدع: أَبدأ، والشاعر: أَتى بالبديع، وفلان بفلان: قَطَع به، وخذله، ولم يقم بحاجته، وحُجّتُه: بطلتْ، وبِرُّه بشكرى، وقصده بوصفى: إِذا شكره على إِحسانه إِليه، معترفاً بأَن شكره لا يفى بإِحسانه.

بصيرة فى البدن

بصيرة فى البدن وهو [من] الجسد: ما سوى الرّأَس، والشَّوَى. وقيل: العضو، وقيل: البدن خاصّ بأَعضاءِ الجَزُور. وقيل فى الفرق بين البدن والجسد: إِن البدن يقال اعتبارا بعظم الجُنَّة، والجسد اعتباراً باللَّون. ومنه قيل: ثوب مُجَسّد. ومنه قيل: امرأَة بادنة، وبادن، وبَدين أَى عظيمة الجسم. وسمّيت البَدَنةُ بذلك لِسمَنها. ويقال: بَدُن إِذا سمِن. وكذلك بدّن. وقيل: بل بدّن (مشدّدة) معناه: أَسَنَّ. ومنه الحديث: "لا تبادرونى بالرّكوع والسّجود فإِنى قد بدَّنت" أَى كبِرَت وأَسننت. وقوله: تعالى: {نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} أَى بجسدك. وقيل: بدرعك. وقيل: سمّى الدّرع بَدَنة، لكونه على البَدَن؛ كما يسمّى موضع اليد من القميص يدا، وموضع الظهر، والبطن ظهراً، وبطناً. وقوله - تعالى - {والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله} هى جمع البَدَنة الَّتى تُهْدَى. والبَدَنة من الإِبل والبقر كالأضحية من الغنم. وهنَّ للذكر والأُنثى. والجمعُ بُدْن، وبُدُن.

بصيرة فى البرج

بصيرة فى البرج وهو القَصْر، وجمعه بُرُوج. وقد جاءَ فى القرآن على وجوه ثلاثة. الأَوّل: بمعنى مَدَار الكواكب: {والسمآء ذَاتِ البروج} ، {تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً} {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً} . والثانى: بمعنى القصور: {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} أَى قصور محكمة، مطوَّلة. قيل: يجوز أَن يراد بها بروج فى الأَرض، وأَن يراد بروج النجوم، ويكون استعمال لفظ المشيّدة فيها على سبيل الاستعارة. ويكون الإِشارة بالمعنى إِلى نحو ما قال زُهَير: ومن هاب أَسباب المنايا يَنَلْنَهُ ... ولو نال أَسباب السّماءِ بسلَّم (وأَن يكون البروج فى الأَرض) ويكون الإِشارة إِلى ما قال الآخر: ولو كنت فى غُمْدَان يحرس بابه ... أَراجيلُ أَحبوش وأَسودُ آلف إِذا لأَتتنى - حَيث كنت - منيّتى ... يَخُبُّ بها هادٍ لإِثرى قائف

وثوب مبرَّج: صوّر عليه بروج. الثالث: بمعنى التزيّن والتَّوسّع {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية} ، {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ} . وهذا كلّه مأْخوذ من (المبرَّج) فى اعتبار حسنه. فقولهم: تبّرجت المرأَةُ: تشبّهت بالمبرّج فى إِظهار المحاسن. وقيل: ظهرت من بُرْجها أَى قصرها. والبَرَج: سعة العين، وحسنها؛ تشبّهاً بالبُرْج فى الأَمرين. كتب إِلىّ بعض الفضلاءِ: بنفسى مَنْ أَهدى إِلىّ كتابه ... فأَهدى لى الدّنيا مع الدّين فى دَرْج كتاب معانيه خلال سطوره ... كواكبُ فى بُرْج لآلئ فى دُرْج

بصيرة فى البراح

بصيرة فى البراح وهو المكان الواسع الّذى لا بِنَاءَ فيه، ولا شجر. فيعتبر تارة ظهوره، فيقال: فعل كذا بَرَاحاً، أَى صُرَاحاً لا يستره شىءٌ. وبَرِح الخفاءُ: ظهر كأَنَّه حصل فى براحٍ يُرَى. وبَرَاح الدّار: ساحته، وبَرِح - كسمع صار فى البَرَاح. ومنه البارح للرّيح الشديدة. وبَرِح: (ثبت فى البَرَاح) ومنه لا أَبرح. وخصّ بالإِثبات؛ كقولهم: لا زال؛ لأَن برِح، وزال اقتضيا معنى النفى. ولا للنَّفى، والنَفْيان يحصل من اجتماعهما إِثبات. ومنه قوله - تعالى -: {لا أَبْرَحُ حتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين} . ولما تصوّر من البارح معنى التشاؤم اشتقَّ منه التبريح والتباريح. فقيل، بَرَّح به الأَمرُ وبرّح بى فلان فى التقاضى. ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلم: "واضربوهنّ ضرباً غير مُبَرّح". ولقى منه البرحِين - مثلَّثة الأُولى - أَى الدّواهى والشدائد. وبُرْحة من البُرَح أَى ناقة من خيار الإِبل. والبارح: الرّيح الحارّة فى الصّيف. قال الشاعر: يا ساكن الدنيا لقد أَوطنتها ... ولتبرَحنّ وإِن كرهت بَرَاحها ما زلت تُنْقَل مُذْ خُلِقت إِلى البلا ... فانظر لنفسك إِن أَردت صلاحها وقوله - تعالى -: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} أَى أَنتقل من مصر إِلى كَنْعَان.

بصيرة فى البروز

بصيرة فى البروز وهو الظهور البيّن. وأَصله البَرَاز. وهو الفضاء. وبَرَز: حصل فى بَرَاز. وذلك إِما أَن يظهر بذاته؛ نحو {وَتَرَى الأرض بَارِزَةً} تنبيهاً أَنَّه يَبْطُل فيها الأَبنية. وسكَّانها. ومنه المبارزة فى القتال، وهى الظهور من الصّفِّ، أَو الظُّهور لما عنده من فضل الشجاعة. وهو أَن يُظهِر نفسه فى فعل محمود، وإِمّا أَن ينكشف عنه ما كان مستوراً به. ومنه قوله - تعالى -: {وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} ، وقوله: {وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ} تنبيهاً أَنَّهم يُعرضون عليها. وامرأَة بَرْزة: عفيفة؛ لأَنَّ رفعتها بالعفَّة.

بصيرة فى البرزخ

بصيرة فى البرزخ هو الحاجز بين الشيئين. وهو تارة قدرة الله تعالى، وتارة بقدرة الله تعالى. والبَرْزَخ من وقت الموت إِلى القيامة: مَن مات دخله. وبرازخ الإِيمان: ما بين أَوّله وآخره. والبَرْزخ فى القيامة: الحائل بين الإِنسان وبين بلوغ المنازل الرّفيعة فى الآخرة. وذلك إِشارة إِلى العقبة المذكورة فى قوله: {فَلاَ اقتحم العقبة} . وتلك العقبة موانع من أَحوال لا يصل إِليها إِلاَّ الصّالحون.

بصيرة فى البرق

بصيرة فى البرق وهو لمعان السّحاب. والبَرْق، والبارقة: السّيف. سُمّى للمعانه. ويقال فى البرق: يَشْرَى ويُومض، ويَعِنُّ ويعترضُ، ويوبصُ، ويستطير، ويستطيل، ويَلمع ويتبوّج، ويخطَف، ويخفِق، ويبرق، ويتأَلَّق، ويتلألأ، ويستشرِى، ويَنْبِض، ويهبّ، ويخرق، ويتسلسل، ويستَنَّ، ويبتسم، ويضحك، وينبعق، وينشقّ، ويَرْتَعِص، ويَفْرِى، ويهُضَّ، وينبعث، ويلوح، ويتهلَّل، ويتكلَّل. ومما يستحسنُ فى وصف البرق وخفائه، والرّعد فى حُدَائه، والثَّلج ولأْلائه، قول بعضهم: يَنْبض نَبْض العِرْق فى استخفاءِ ... شرارةً تطرف من قَصْباءِ أَو طَرْف طَيْر هَمّ باقتذاءِ ... حتى إِذا امتدَّت على السّواءِ ورجفت بزَجل الحُدَاءِ ... وقعقعت بالرّعد ذى الضَّوضاءِ كأَنَّ بين الأَرض والسّماءِ ... رِجْل جراد ثار فى عَماءِ

أَو سَرَعاناً مِن دَبى غوغاءِ ... أَو كُرْسُفا يندف فى الهواءِ تُطيرهُ الريح على القواءِ ... أَو (حَلبا ينطف فى الخباءِ) أَو رغوة تنفشّ من عَزْلاءِ ... أَو كنقىّ الفِضَّة البيضاءِ أَو كانتشار الدُرّ ذى اللآلاءِ ... أَو كانتظام الوَدْع فى الإِخفاءِ فاشمَطَّت الأَرض على فتاءِ ... واستوت الآكام بالضَّواءِ وقال الأَصمعىّ: أَحسن ما قيل فى البرق والغيث قول عَدِىّ بن الرِّقاع: فقمت أُخبره بالغيث لم يره ... والبرق إِذا أَنا محزون له أَرق مُزْن يسبّح فى ريح شآمية ... مكلَّل بعماءِ الماءِ منتطِق أَلقى على ذات أَجفار كلاكله ... وشبّ نيرانه وانجاب يأْتلق وبات يحتلِب الجوزاءَ دِرّتها ... فنوؤها حين ناحت مُرْبع لَثِق تبكى ليُدرك مَحْلا كان ضيّعه ... يزيله سَبِط منه ومندفق جَوْن المَشَارب رَقراق تظلّ به ... شمّ المخارم والأَثناءُ تصطفق يكاد يظلع ظلما ثم يغلبه ... عن الشواهق والوادى به شرق

وقال العتَّابىّ: أَرِقتُ للبرق يخبو ثم يأْتلقُ ... يخفيه طورا ويبديه لنا الأُفق كأَنها غُرَّة شهباءُ لامحة ... فى وجه دهماءَ ما فى جدلها بَلَق أَو ثغر رنجيّة تفترُّ ضاحكةً ... تبدو مشافرها طوراً وتنطبق أَو غُرَّة الصّبح عند الفجر حين بَدَت ... أَو فى المساءِ إِذا ما استعرض الشَفَق له بدائِع حُمْر اللَّون هائلة ... فيها سلائل بيض ما لها حلق والغيم كالثَّوب فى الآفاق منتشرٌ ... من فوقه طَبَق مِن تحته طبق تظنَّه مُصْمَتاً لافتق فيه فإِن ... سالت عَزَاليه قلت: الثوب منفتق إِن قعقع الرّعد فيه قلت منخرق ... أَولأْلأَ البرق فيه قلت يحترق تستكّ من رعده أُذن السّميع كما ... تعْشى إِذا نظرت (فى برْقه) الحَدَق فالرّعد صهصلِق والرّيح محترق ... والبَرْقُ مؤتلِق والماءُ منبعق غيث أَواخره تحدو أَوائله ... أَربّ بالأَرض حتى ماله لبق قد حاك فوق الرُبا نَوراً له أَرج ... كأَنه الوشى والدّيباج والسرق فطار فى الأَنف ريح طيّب عَبِق ... ونار فى الطَّرف لونٌ مشرق أَنق من خُضرة بينها حمراءُ قانية ... أَو أَصفرٌ فاقع أَو أَبيض يَقق

بصيرة فى البرهان

بصيرة فى البرهان وهو فُعْلان، بزنة الرّجحان. ومعناه: بيان الحجّة. وقيل: هو مصدر بَرِهَ يبْره كسمع يسمع إِذا ثاب جسمُه بعد عِلَّة، وابيضَّ جسمه. ومنه البَرَهْرَهة: للمرأَة البيضاءِ الشَّابّة، أَو التى تُرْعَد رطوبةً، ونعومةً. والبرهة بالضمّ، والفتح: الزَّمان الطَّويل، أَو مطلق الزَّمان، أَو مدّة منه. فالبرهان أَوكد الأَدلَّة. وهو الَّذى يقتضى الصّدق أَبداً لا محالة. وذلك أَنَّ الأَدلَّة خمسة أَضرب: (دلالة تقتضى الصّدق أَبدا، ودلالة تقتضى الكذب أَبدا) ، ودلالة إِلى الصّدق أَقرب، ودلالة إِلى الكذب أَقرب، ودلالة اليهما سواء. وجاءَ البرهان فى القرآن على ثلاثة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى المعجزة، والولاية: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ} . الثانى: بمعنى الدّليل، والحجّة: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} {وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ} . الثَّالث: بمعنى القرآن، والنبوّة: {يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أَى كتاب ورسول. أَنشدنى بعض الفضلاءِ: من استشار صُروفَ الدّهر قام له ... على حقيقة طبع الدّهر برهان من استنام إِلى الأَشرار نام وفى ... قميصه منهم صِلّ وثُعبان

بصيرة فى الابرام

بصيرة فى الابرام وهو الإِحكام. وأَصله من إِبرام الحَبْل، وهو أَن يجعله طاقين، ثم يفتِله. والمَبَارِم: المغازل الَّتى يُبْرم بها، قال تعالى: {أَمْ أبرموا أَمْراً} أَى أَتقنوا إِحكامه. ويقال أَيضاً: بَرَمَ الأَمر يبرِمه ويَبْرُمه بمعنى المزيد. وأَبرم فلاناً فبرِم (وتبرّم: أَملَّه: فَمَلّ) . والبَرِيم: المبْرم، أَى المفتول فَتْلاً محكما. ومن هذا قيل للبخيل الَّذى لا يدخل فى المَيْسر: بَرَمٌ - محرّكة - كما يقال للبخيل أَيضاً: مغلول اليد. والمُبْرِم: الَّذى يُلِحّ ويشدِّد فى الأَمْرِ؛ تشبيهاً بمُبْرم الحبل. ولمّا كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونَيْن سمّى كلّ ذى لونين من شئٍ مختلط أَبيض، وأَسود، وكغنَم مختلطٍ وغير ذلك ممّا فيه لونان مختلطان: بَرِيماً، ومنه قيل للصبح: بَرِيم. وحَبل فيه لونان مزيّن بجوهر تشدّه المرأَة على وسَطها بَريم. والبُرْمة فى الأَصل: هى القِدْر المحكة ثم خَصّوه بما كان من الحجارة لإِحكامها. والجمع بِرَام كجُفْرة وجِفار.

بصيرة فى البزوغ

بصيرة فى البزوغ وهو ابتداءُ الطُّلوع. وقيل: بزغت الشمس بَزْغاً وبُزُوغاً: شرَقَت، وبزغ ناب البعير طلع، وبزغ الحاجم: شَرط. والمِبْزَغ المِشراط. وابتزغ الرّبيعُ: جاءَ أَوّله: {فَلَمَّآ رَأَى القمر بَازِغاً} أَى طالعاً (منتشر الضوءِ) .

بصيرة فى البس

بصيرة فى البس البَسّ: الفَتّ والذُّلّ: {وَبُسَّتِ الجبال} أَى فُتَّتْ، من قولهم: بَسسْت الحنطة، والسّويقَ بالماءِ: فتَتُّه به وهى البَسِيسة. وقيل معناه: سِيقت سَوقاً سريعاً، من قولهم: انبسّت الحيَّاتُ: أَى انسابت انسياباً سريعاً. فيكون كقوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال} وبسسْت بالإِبل: زجرتها عند السّوق. وأَبْسَسْتُ بها عند الحلب، وناقةٌ بَسُوس: لا تُدِرّ إِلاَّ على الإِبساس.

بصيرة فى بسر

بصيرة فى بسر البَسْر فى الأَصل: الاستعجال بالشئِ قبل أَوانه. وبَسَر الرّجُل حاجتَه: طلبها فى غير أَوانها، (والفحل الناقة: ضربها فى غير أَوانها) قبل الضبَعة. وَمَاءٌ بَسْر: متناول من غديره قبل سكونه. ومنه قيل لِمَا [لم] يدرك من التمر: بُسْر. وقوله - تعالى -: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} أَى أَظهر العبوس قبل أَوانه، وفى غير وقته. فإِن قيل: فقوله - تعالى -: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} ليس يفعلون ذلك قبل الوقت، وقد قلت: إِن ذلك يقال فيما كان قبل وقته، [قيل: إِن ذلك إِشارة إِلى حالهم قبل الانتهاءِ بهم إِلى النار. فخص لفظ البسر تنبيها أَن ذلك مع ما ينالهم من بَعْدُ يجرى مجرى التكلُّف، ومجرى ما يفعل قبل وقته] . ويدلّ على ذلك قوله عز وجل: {تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} .

بصيرة فى البسوق

بصيرة فى البسوق بَسَقَت النخلةُ: طالت. وبَسَق على أَصحابه، علاهم. والبَسُوق والمِبسَاق: الطويلة الضَّرْع من الغنم. ولا تُبَسِّق علينا تبسيقاً: لا تطوّل {والنخل بَاسِقَاتٍ} طويلات مرتفعات.

بصيرة فى البسل

بصيرة فى البسل هو الضمّ والمَنْع. والبَسْل: الحرام؛ لأَنَّه ممنوع عنه. والبَسْل: الحلال؛ لأَنَّه يُضمّ ويجمع. فهو من الأَضداد. وتبسّل الرّجلُ: عَبَس غضباً، أَو شجاعة. وبه سمّى الأَسد باسلاً، ومبَسّلاً. والباسل الشّجاع؛ لعبوسه، أَو لكونه محرّماً على أَقرانه أَن ينالوه، أَو لمنعه ما تحت يده عن أَعدائه. وقد بَسُل - ككرم - بَسَالةً، وَبَسالاً. وقوله تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} أَى تُمنع الثَّواب وتُحرمه. والفرق بين الحرام والبسل أَنَّ الحرام عامّ فيما كان ممنوعاً منه بالحُكم والقهر، والبَسْل هو الممنوع منه بالقهر. وقوله تعالى {أولائك الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ} أَى مُنعوا الثواب، وحُرمُوا. وفُسّر بالإِرهان، كقوله - تعالى -: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} . وأَبسلت المكان: جعلته بَسْلاً على من يريده. وأَبسله لكذا: رَهَنه. وأَبسل عِرْضه: فضحه. وأَبسله لعمله: وكَله إِليه. وفلاناً: جعله بَسْلاً، شجاعاً، قويّاً على مدافعة الشيطان، أَو الحيّات، أَو الهوامّ. والبُسْلة: أَجرة الرّاقى. وبَسَلت الحنظل بَسْلاً طيّبَتْه، كأَنه أَزال بَسَالته أَى شدّته، أَو ما فيه من المرارة الجارية مجرى المحرّم.

بصيرة فى البسم

بصيرة فى البسم قال - تعالى - {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا} . والتبسّم، والابتسام. والبَسْم بمعنى واحدٍ، وهو أَقل الضحك. وأَحسنه. وقد بسَم يبسم - كضرب - بَسْماً فهو مِبْسَام، وبَسّام والمَبْسِم - كمنزل - الثَّغْر. والمَبْسَم - كمقعد -: التبسُّم.

بصيرة فى البضاعة

بصيرة فى البضاعة وهى: قِطعة وافرة من المال، تُقْتَنى للتجارة. يقال: أَبضَع بضاعة، وابتضعها. وأَصله البَضْع: القطع: بَضَعه يَبْضَعه - كمنعه يمنعه - وبضَّعه تبضيعاً: قطعه. وبَضَعهُ. أَيضاً: شقَّه (والبضع أَيضاً التزوّج والمجامعة والتبيّن) . والبُضْع - بالضمّ - الجماع وعَقد النكاح - وبالكسر والفتح - ما بين الثلاث إِلى التسع، أَو إِلى الخمس، أَو إِلى أَربعة، أَو من أَربع إِلى تسع، أَو هو سبع. وإِذا جاوزت العَشْر ذهب البِضْع: لا يقال: بضع وعشرون، وقيل: يقال، وقال الفَرّاء: لا يُذْكر [إِلا] مع العشرة، والعشرين إِلى التسعين، ولا يقال: بضع ومائة، ولا أَلف. وقال مَبْرَمان: البضع: ما بين العَقْدين من واحد إِلى عشرة، ومن أَحد عشر إِلى عشرين. ومع المذكر بهاءٍ، ومع المؤنث بغير هاءٍ: بضعة وعشرون رجلا، وبضع وعشرون امرأَة. وورد فى التنزيل من هذه المادَّةِ على وجوه: الأَول: اسمٌ لمال التجارة {وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ} {هاذه بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} .

الثانى: اسم للمأْكُولاتِ، وأَسبابُ المعيشة: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} . الثالث: اسم لحقيقة البضاعة {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} . الرّابع: لمدّة من الزمان {فَلَبِثَ فِي السجن بِضْعَ سِنِينَ} . وفلان حسن البَضع، والبَضِيع، والبَضْعَة؛ عبارة عن السّمن. والبَضِيع: الجزيرة المنقطعة عن البرّ. والباضعة الشَّجّة تبضَع اللَّحم. وهو بِضْعة منى: أَى جار مَجْرَى بعض جسدى.

بصيرة فى الباطل

بصيرة فى الباطل وهو مالا ثبات له عند الفحص عنه. وقد يقال ذلك فى الاعتبار إِلى المقال. والفعال، بطل بُطْلاً، وبُطُولا وبُطلاناً - بضمّهنّ -: ذهب ضياعاً، وخَسِرَ، وأَبطله غيره. وبطل فى حديثه بَطَالة أَى هَزَل (كأَبطل) إِبطالا. وأَبطل أَيضاً: جاءَ بالباطل. والباطل أَيضاً: إِبليس. ومنه قوله: {وَمَا يُبْدِىءُ الباطل} . ورجل بطَّالٌ: ذو باطل بيّن البُطُول. وتبطَّلوا بينهم: تداولوا الباطل. ورجل بَطَل، وبطَّال، بيِّن البَطَالة والبُطُولة: شجاع تبطل جراحَته، فلا يكترث لها ولا يبطلُ نجادته، أَو تبطل عنده دماءُ الأَقران. والجمع أَبطال. وهى بهاءٍ. وقد بَطُل ككرُمَ، وتبطَّل. والبُطَّلات: التُرّهات، وبينهم أُبطولة وإِبطالة: باطل. والبَطَلة: السّحَرة. والإِبطال يقال فى إِفساد الشئ وإِزالته، حقّاً كان ذلك الشئ أَو باطلاً. قال تعالى: {لِيُحِقَّ الحق وَيُبْطِلَ الباطل} . وقد جاءَ بمعنى الكذب: {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}

، {إِذاً لاَّرْتَابَ المبطلون} ، وبمعنى الإِحباط: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى} ، {وَلاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ} وبمعنى الكفر والشّرك: {وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً} ، وبمعنى الصّنم، {والذين آمَنُواْ بالباطل وَكَفَرُواْ بالله} أَى بالصّنم، أَو بإِبليس، وبمعنى الظُّلم والتعدّى: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} أَى بالظُّلم.

بصيرة فى البطن

بصيرة فى البطن وهو خلاف الظَّهر - والجمع أَبطن، وبُطون، وبُطْنان، - والجماعة دون القبيلة، أَو دون الفَخذ، وفوق العِمَارة. والجمع أَبطن وبطون. والبطن: جوف كلّ شئٍ. ورجل بَطِين: عظيم البطن، وبَطِنٌ - ككتف -: هَمّه بطنه، أَو رَغِيب لا يَنتهى عن الأَكْلِ. ويقال لما تدركه الْحاسّة: ظاهر، ولما يخفى عنها: باطن؛ قال تعالى: {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإثم وَبَاطِنَهُ} ورجل مُبَطَّن: خميص البطن، وبُطِن - كعنى - أُصيب بطنه، فهو مبطون أَى عليل البطن. والبطانة: خلاف الظِّهارة. ويستعار البطانة لمن تختصّه بالاطِّلاع على باطن أَمرك. قال تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً} أَى مختصّاً بكم: يَستبطِن أُموركم. وذلك استعارة من بِطَانة الثوب، بدلالة قولهم: لبِست فلاناً إِذا اختصصته، وفلان شِعارى ودثارى. وفى الصّحيح عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم "مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبىٍّ وَلاَ اسْتَخْلَفَ خليفة إِلاَّ كانت له بِطَانتان: بِطَانة تأْمره بالخَيْر، وتحضُّه عليه، وبطانة تأْمره بالشَّرّ، وتحُثُّه عليه". والظَّاهر، والباطن فى صفة الله - تعالى - لا يقال إِلاَّ مزدوجَيْن؛ كالأَوّل والآخر. والظَّاهر قيل: إِشارة إِلى معرفتنا البديهيّة؛ فإِنّ الفطرة

تقتضى فى كلّ ما نظر إِليه الإِنسان أَنَّه موجود؛ كما قال - تعالى -: {وَهُوَ الذي فِي السمآء إلاه وَفِي الأرض إلاه} . ولذلك قال بعض الحكماءِ: مَثَل طالب معرفتِه مَثَلُ مَن طوّف الآفاق فى طلب ما هو معه. والباطن إِشارة إِلى معرفته الحقيقية. وهى الَّتى أَشارة إِليها أَبو بكر الصّدّيق - رضى الله تعالى عنه - بقوله: يا من غاية معرفته، القصور عن معرفته. وقيل: ظاهر بآياته، باطن بذاته، وقيل: ظاهر بأَنَّه محيط بالأَشياءِ، مدرك لها، باطن من أَن يحاط به؛ كما قال: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار} . وقد رُوى عن أَمير المؤمنين علىّ - رضى الله عنه - ما دلَّ على تفسير اللفظتين، حيث قال: تجلَّى لعباده من غير أَن رأَوه، وأَراهم نفسَه من غير أَنْ تجلَّى لهم. ومعرفة ذلك تحتاج إِلى فهم ثاقب، وعقل وافر. وقوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} قيل: الظاهر بالنبوّة، والباطنة بالعقل. وقيل: الظَّاهرة: المحسوسات، والباطنة: المعقولات: وقيل: الظاهرة: النُّصرة على الأَعداءِ بالنَّاس، والباطنة: النصرة بالملائكة. وكلّ ذلك يدخل فى عموم الآية. والله أَعلم.

بصيرة فى البطء

بصيرة فى البطء بَطُؤ - ككرم - بُطأً - بالضم -، وبِطاء - ككتاب - وأَبطأَ، وتَبَاطَأَ: واستبطأَ: تأَخَّر عن الانبعاث فى الأَمر. وأَبطئوا إِذا كانت دوابّهم بِطَاءً وبطَّاهُ وأَبطاه: أَخَّره عن الانبعاث قال - تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} أَى يثبّط غيره. وقيل: يُكثر هو من البطءِ فى نفسه. والمقصد بذلك: أَن منكم مَنْ يتأَخَّر، ويؤخِّر غيرهُ. ولم أَفعله بُطْءَ يا هذا، وبُطْأَى يا هذا: أَى الدّهَر. وبُطْآن ذا خروجا - بالضمّ، والفتح - أَى بَطُؤَ.

بصيرة فى البعد

بصيرة فى البعد وهو ضدّ القرب، وما لهما حدّ محدود، وإِنَّمَا هو أَمر اعتبارىّ. ويستعمل فى المحسوس وفى المعقول ولكن استعماله فى المحسوس أَكثر. مثاله فى المعقولة قوله - تعالى -: {قَدْ ضَلُّواْ ضلالا بَعِيداً} يقال بَعُد - ككرم -: أَى تباعَدَ، فهو بعيد. قال - تعالى -: {وَمَا هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ} . وبَعِدَ بَعَداً - كفرِحَ فَرَحاً: مات. والبَعَد أَكثر ما يقال فى الهلاك، والبُعْد والبَعَد كلاهما يقال فى الهلاك، وفى ضدّ القرب. قال - تعالى -: {فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين} . وقوله: {بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة فِي العذاب والضلال البعيد} أَى الضلال الذى يصعبُ الرجوع منه إِلى الهدى؛ تشبيهاً بمَنْ ضلَّ عن مَحَجَّة الطَّريق بُعْداً متناهياً، فلا يكادُ يُرجَى له إِليها رجوع، وقوله: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} أَى تقاربونهم فى الضَّلال، فلا يبعد أَن يأْتيكم ما أَتاهم من العذاب.

بصيرة فى بعض

بصيرة فى بعض بعض كلّ شئ: طائفة منه. والجمع أَبعاض. ولا يدخله أَل خلافاً لابن درسْتويه. بعَّضته تبعيضاً: جعلته أَبعاضاً؛ كجزَّأْته. وهو من الأَضداد: يقال للجزءِ وللكلّ. قال أَبُو عبيدة {وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} أَى كلّ..؛ كقول الشاعر: أَو يَرْتَبِطْ بعضَ النفوس حِمامها قيل: هذا قصور نظر منه. وذلك أَنَّ الأَشياءَ على أَربعة أَضرب: ضربٌ فى بيانه مفسدة، فلا يجوز لصاحب الشَّريعة بيانه؛ كوقت القيامة، ووقت الموت. وضربُ معقولاتٍ يمكن للنَّاسِ إِداركه، من غير نبىّ؛ كمعرفة الله، و (معرفة خَلْقه) السَّماواتِ والأَرضِ، فلا يلزم صاحب الشرع أَن يبيّنه؛ أَلا ترى أَنه كيف أَحال معرفته على العقول فى نحو قوله: {قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض} ، وقوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ}

وضرب يجب عليه بيانه؛ كأُصول الشرعيّات المختصّة بشرعه. وضرب يمكن الوقوف عليه بما يبيّنه صاحب الشرع؛ كفروع الأَحكام. فإِذا اختلف الناس فى أَمرٍ غير الَّذى يختصّ بالنبىّ بيانُه، فهو مخيّر بين أَن يبيّن وبين أَلاَّ يبيّن، حسبما يقتضيه اجتهاده وحكمته، وأَمّا الشاعر فإِنَّه عنى نفسه. والمعنى: إِلا أَن يتداركنى الموت؛ لكن عَرَّضَ ولم يصرّح؛ تفَادياً من ذكر موت نفسه. والبَعوض اشتق لفظه من بَعْضِ: وذلك لصغر جسمه، بالإِضافة إِلى سائر الحيوانات. وبُعِضُوا: آذاهم البُعُض وليلة بَعِضة، ومبعوضة، وأَرض بَعِضَة: كثيرة البَعُوض.

بصيرة فى البعل

بصيرة فى البعل وهو الزَّوج. والجمع بِعَال، وبُعُول. والمرأَة بَعْل، وبَعْلة. وبَعَل يَبْعَل بُعُولة: صار بعلاً. وكذا اسْتَبْعَل. والبِعال. والتباعُل. والمباعلة: الجماع، وملاعبة الرّجل المرأَة. وباعلت: اتخذتْ بعلاً، وتبعَّلتْ: أَطاعت بعلها، أَو تزيَّنَتْ له. وذكر فى القرآن البَعْل على وجهين: الأَوّل: اسم صنم لقول إِلياس عليه السّلام: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} . الثانى: بمعنى الأَزواج: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} {وهاذا بَعْلِي شَيْخاً} وله نظائر. ولمَّا تُصوّر من الرّجل استعلاء على المرأَة، وأَن بسببه صار سائسَها، والقائم عليها، شُبّه كلّ مستعل على غيره به، فسمّى به. فسمَّى قوم معبودهم الذى يتقَرَّبُون به إِلى الله تعالى "بعلا" لاعتقادهم ذلك فيه. وقيل للأَرضِ المستعلية على غيرها: بَعْل، ولفَحْل النخل: بعل. تشبيها بالبعل من الرّجال، وكذا سمّوا ما عَظُم من النخل حتى شرب بعروقه بعلاً، لاستعلائه واسغنائه عن السّاقى، ولمّا كانت وَطْأَة العالى على المستولَى عليه مستثقلة فى النَّفس قيل: أَصبح فلان بَعْلاً على أَهله أَى ثقيلاً، لعلوّه عليهم.

بصيرة فى بعثر

بصيرة فى بعثر قال - تعالى -: {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} أَى قُلِب ترابها، وأُثير ما فيها ومن رأَى أَن تركيب الرّباعىّ والخماسىّ من ثلاثيين نحو هلَّل وبَسْمل، - إِذا قال: لا إِله إِلاَّ الله، وبسم الله - يقول: إِن بُعْثِر مركَّب من بُعث، وأُثِيرَ. وهذا غير بعيد فى هذا الحرف؛ وإِنَّ البعْثرة يتضمّن معنى بُعِث، وأُثير.

بصيرة فى البغى

بصيرة فى البغى وهو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزَه أَولم يتجاوزه. فتارة يُعتبر فى القَدْر الَّذى هو الكَمّيّة، وتارة يعتبر فى الوصف الَّذى هو الكيفيّة. يقال: بَغَيت الشئَ إِذا طلبت أَكثر ممّا يجب، وابتغيت كذلك. والبغْى على ضربين: أَحدهما محمود، وهو تجاوز العَدْل إِلى الإِحسان، والفَرضِ إِلى التطوّع. والثانى مذموم. وهو تجاوز الحقّ إِلى الباطل، أَو تجاوزه إِلى الشُّبَه؛ كما قال النبىّ صلى الله عليه وسلَّم: "إِنَّ الحلال بيّن، وإِنَّ الحرام بيّنٌ، وبينهما أَمور مشتبهات. ومن يرتعْ حول الحمى يوشكْ أَن يقع فيه". وقد ورد فى القرآن لفظ البغى على خمسة أَوجه: الأَوّل بمعنى الظُّلم: {وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي} ، {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم والبغي} . الثانى: بمعنى المعصية، والزَلَّة، {ياأيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ} {فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ} أَى يعصون. الثالث: بمعنى الحَسَد: {بَغْياً بَيْنَهُمْ} أَى حسدا.

الرَّابع: بمعنى الزِّنى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء} . الخامس: بمعنى الطلب: {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} أَى يطلبون لها اعوجاجا، {يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله} ولها نظائر. ولأَنَّ البغى قد يكون محموداً ومذموماً قال - تعالى -: {إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} فَخَصّ العقوبة بمن بغيُهُ بغير الحقِّ. وأَبغيتك الشئَ: أَعنتك على طَلبِه. وبَغَى الجرحُ: تجاوز الحَدّ فى فساده. وبغت المرأَة: إِذا فجَرَتْ؛ لتجاوزها إِلى ما ليس لها. وبغت السّماءُ تجاوزة فى المطر حَدّ الحاجة. وبغى: تكبّر؛ لتجاوزه منزلتَه. ويستعمل ذلك فى أَىّ أَمر كان، فالبغى فى أَكثر المواضع مذموم. وقوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} أَى غير طالب ما ليس له طلبه، ولا متجاوز لما رُسم له. وقال الحسن: غير متناول للَّذَّةِ، ولا متجاوز سَدّ الجَوْعَةِ [وقال] : مجاهد: "غير باغ" على إِمام، "ولا عادٍ" فى المعصية طريق الحقّ. وأَمّا الابتغاءُ فالاجتهاد فى الطلب، فمتى كان الطَّلب لشئٍ محمودٍ كان الابتغاءُ محموداً؛ نحو {ابتغآء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا} .

انبغى مطاوع بَغَى، فإِذا قيل ينبغى أَن يكون كذا فعلى وجهين: أَحدهما: ما يكون مسخَّراً للفعل؛ نحو النارُ ينبغى أَن تحرق الثوب. والثانى على معنى الاستئهال؛ نحو فلان ينبغى أَن يُكْرَم لِعِلْمِهِ. وقوله - تعالى -: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ} على الأَوّل فإِنَّ معناه: لا يتسخَّر، ولا يتسهَّل له؛ أَلا ترى أَنَّ لسانه لم يكن يجرى به؟!

بصيرة فى البقاء

بصيرة فى البقاء وهو ثبات الشئ على الحالة الأُولى. (وهو يضادّ الفناءَ) وبَقِىَ يَبْقَى كَرَضِىَ يَرْضَى، وبَقَى كَسَعَى يَسْعَى: ضدّ فنِى. وأَبقاه وتبقَّاه واستبقاه والاسم البَقْوى بالفتح وبالضَّمِّ والبُقيا بالضمّ وقد توضع الباقية موضع المصدر، و {بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ} أَى طاعة الله، أَو انتظار ثوابه، أَو الحالة الباقيةُ لكم من الخير، أو ما أُبقِى لكم من الحلال. و {أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ} أَى إِبقاءٍ، أَو فهمٍ. و (الباقيات الصالحات) كل عمل صالح، أَو سبحان الله والحمد لله ولا إِله إِلاَّ الله والله أَكبر، أَو الصّلوات الخمس. وفى الحديث: "بَقينَا رسول الله صلى الله عليه وسلم": أَى انتظرناه وترصّدنا له مدّة كثيرة. والباقى ضربان: باق بنفسه لا إِلى مدّة. وهو البارئ تعالى. ولا يصحّ عليه الفناء. وباقٍ بغيره. وهو ما عداه، ويصحّ عليه الفناء. والباقى بالله ضربان: باقٍ بشخصه، إِلى أَن يشاءَ الله أَن يفنيه؛ كبقاءِ الأَجرام السماويّة. وباقٍ بنوعه وجنسه، دون شخصه وجزئه؛ كالإِنسان، والحيوانات. وكذا فى الآخرة باق بشخصه؛ كأَهل الجنة؛ فإِنَّهم يبقون على التأْبيد؛ لا إِلى مدّة. وباق بنوعه، وجنسه؛ كما روى عن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم "إِنَّ ثمار أَهل الجنَّة يقطفها أَهلها، ويأْكلونها، ثمّ يخلَف مكانها مثلُها". ولكون ما فى الآخرة دائماً قال الله - عز وجلّ -: {وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى} .

بصيرة فى البك

بصيرة فى البك {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} ، قيل: هى اسم لمكَّة. وقيل: لغة فيها؛ كلازب فى لازم. وقيل: اسم لما بين جبليها. وقيل: هى اسم للمَطَاف. والبَكُّ لغة: الخرق والتَّخريق، والشَّقُّ والتفريق. وبكَّ فلاناً: أَى زاحمه، فيُشبه أَن يكون من الأَضداد. وبكَّهُ: وضعه. وبَكَّ عُنُقه: دَقَّها. وبكَّ فلاناً: ردّ نَخْوته، والشئ: فسخه، والمرأَة: جهَدَها جماعاً، وفلان: افتقر، وخَشُنَ بدنُه؛ شجاعة. وتباكّ: تراكم، والقوم: ازدحموا؛ كَتبكبكوا. والبكبكة: طرح الشئِ بعضه على بعض، والازدحامُ. وسمّيت مَكَّةُ بها لازدحام الحجيج؛ أَوْ لأَنَّها تدُقُّ أَعناق الجبابرة إِذا أَرادوا بإِلحاد فيها.

بصيرة فى البكم

بصيرة فى البكم الأَبكم: هو الَّذى يولَد أَخرس. وكل أَبكم أَخرس، وليس كلّ أَخرس أَبكم. قال - تعالى -: {صُمٌّ بُكْمٌ} وقيل: البَكَم، والبَكَامة: الخَرَس. وقيل: الخَرَس مع عِىٍّ وبلاهة. وقيل: هو أَن يولد لا ينطق، ولا يسمع، ولا يبصر. بَكِم يَبْكَم - كفرِح يفرح - فهو أَبكم، وبكيم. وبَكُم - كَكَرُم - امتنع عن الكلام تعمّداً، وانقطع عن النكاح، جهلاً أَو عَمْداً. وتبكَّم عليه الكلامُ: أُرتج.

بصيرة فى البكاء

بصيرة فى البكاء بكى يبكى بُكاءً وبُكىً، فهو باكٍ. والجمع بُكَاة وبُكِىّ، والتَِبكاء - بالفتح والكسر: البكاءُ، أَو كثرته. وأَبكاه: فعل به ما يوجِب بكاه. وبَكَّاه على المَيّت تبكية: هيّجه للبكاءِ. وبكاه بكاءً، وبَكَّاه: بكى عليه، ورثاه. وبَكى: غَنَّى. فهو من الأَضداد. وقيل: البكاءُ بالمدّ (سيلان الدمع عن حزن وعويل. هكذا يقال بالمدّ) إِذا كان الصوت أَغلب كالرّغَاءِ، والثُّغَاءِ، وسائر الأَبنية الموضوعة للصّوت؛ والبُكَى - بالقصر -: إِذا كان الحزن أَغلب. وبَكى يقال فى الحزن، وإِسالة الدّمع معاً، ويقال فى كلّ واحد منهما منفرداً عن الآخر. وقوله - تعالى -: {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً} إِشارة إِلى الفرح، والتَّرح، وإِن لم يكن مع الضَّحك قهقهة ولا مع البكاءِ إِسالة دمع. وكذا قوله - تعالى - {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض} وقيل: إِنَّ ذلك على الحقيقة. وذلك قول من يجعل له حياة، وعلماً. وقيل: ذلك على المجاز، على تقدير مضاف أَى أَهلهما.

بصيرة فى بل

بصيرة فى بل وقد ورد فى القرآن على وجهين. الأَوّل: للتأْكيد نيابة عن إِنَّ: {بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} أَى إِنَّ الذين. الثانى: لاستدراك ما بعده، أَو للإِضراب عما قبله: {بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} ، {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} ، {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} . قال الراغب: بَلْ كلمة للتدارك. وهو ضربان. ضرب يُناقض ما بعده ما قبله؛ لكن ربّما يقصد لتصحيح الحكم الَّذى بعده، وإِبطال ما قبله، وربّما يقصد تصحيح الَّذى قبله، وإِبطال الثانى، نحو قوله - تعالى -: {إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين} ، {كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أَىْ ليس الأَمر كما قالوا، بل جهلوا. فنبّه بقوله: {رَانَ على قُلُوبِهِمْ} على جهلهم. وعلى هذا قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هاذا} وممّا قُصِد به تصحيح الأَوّل

وإِبطال الثانى قولُه - تعالى -: {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه} إِلى قوله: {كَلاَّ بَلْ لاَ تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ} أَى ليس إعطاؤهم من الإِكرام، ولا منعْهم من الإِهانة، لكن جهلوا ذلك بوضعهم المال فى غير موضعهِ. وعلى ذلك قوله - تعالى -: {ص وَالقُرْآنِ ذِى الذِّكْرِ بَلِ الذِينَ كَفَرُوا فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} فإِنه دلّ بقوله: (والقرآن) أَنَّ القرآن مَقَرّ للتذكر، وأَن ليس امتناع الكفَّار من الإِصغاءِ إِليه أَنَّه ليس موضعاً للذكر، بل لتعزُّزهم ومشاقَّتهم. وعلى هذا {ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا} أَى ليس امتناعهم من الإِيمان بالقرآن أَن لا مَجْد (فى القرآن) ، ولكن لجهلهم. ونبّه بقوله: (بل عجبوا) على جهلهم؛ لأَنَّ التعجّب من الشئِ يقتضى الجهل بسببه. وعلى هذا قوله: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم} إِلى قوله: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} ، كأَنه قيل: ليس ههنا ما يقتضى أَن يَغُرّهم به - تعالى ولكن تكذيبهم هو الَّذى حملهم على ما ارتكبوه. والضَّرب الثانى من بل هو أَن يكوم مبينّاً للحكم الأَوّل، وزائداً عليه بما بعد بل، نحو قوله - تعالى -: {بَلْ قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} فإِنَّه نبّه أَنهم يقولون: أَضغاث أَحلام، بل افتراه (يزيدون على ذلك بأَن الذى أَتى به مفترى افتراه، بل يزيدون) فيدّعون أَنَّه كذَّاب؛ فإِن الشَّاعر فى القرآن عبارة عن الكاذب بالطَّبع. وعلى هذا قوله:

{لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار} إِلى قوله: {بل تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً} أَى لو يعلمون ما يعلمون ما هو زائد على الأَوّل، وأَعظم منه وهو أَن تأْتيهم بغتة. وجميع ما فى القرآن من لفظ (بل) لا يخرج من أَحد هذين الوجهين، وإِن دَقَّ الكلام فى بعضه.

بصيرة فى البلد

بصيرة فى البلد وقد ورد فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى مَكَّة {لاَ أُقْسِمُ بهاذا البلد} ، {وهاذا البلد الأمين} {اجعل هاذا البلد آمِناً} {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ} . الثانى: بمعنى مدينة سبَأ: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} . الثالث: كناية عن جُمْلة المدُن: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ فِي البلاد} . الرّابع: بمعنى الأَرض لا نبات فيها: {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً} {فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} . الخامس: بمعنى الأَرض الَّتى بها نبات: {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} . وقيل: هو كناية عن النفوس الطَّاهرة، وبالذى خبث عن النفوس الخبيثة. والبلد لغة: المكان المحدود، المتأَثِّر باجتماع قُطَّانِهِ، وإِقامتهم فيه. وجمعه

بلاد، وبُلْدان. وسمّيت المفازة بلداً؛ لكونها موضع الوحشيّات، والمقبرةُ بلداً؛ لكونها موطن الأَموات (والبلدة منزل من منازل القمر) والبلد: البُلْجَةُ ما بين الحاجبين؛ تشبيها بالبلد؛ لتحدّدِهِ. وسمّيت الكِرْكرة بَلْدة لذلك. وربّما استعير ذلك لصدر الإِنسان. ولاعتبار الأَثر قيل: بجلده بَلْدة: أَى أَثر. وجمعه أَبلاد، قال: وفى النُّحورِ كلومٌ ذاتُ أَبلادِ وأَبلد: صار ذا بلد؛ كأَنجد وأَتْهم، وَبَلد: لزم البلد. ولمّا كان اللاَّزم لوطنه كثيراً ما يتحيّر إِذا حصل فى غير وطنه، قيل للمتحيّر: بَلَدَ فى أَمره وأَبَلَدَ، وتبلَّدَ.

بصيرة فى البلاء (وبلى)

بصيرة فى البلاء (وبلى) قد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل: بمعنى النعمة: {وَلِيُبْلِيَ المؤمنين مِنْهُ بلاء حَسَناً} أَىْ وليُنْعِم. الثانى: بمعنى الاختبار والامتحان: {هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون} ، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} . الثالث: بمعنى المكروه: {وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} أَى مِحْنة. والمادّة موضوعة لضدّ الجِدَّة: بَلِى الثَّوب بِلاً، وبَلاءً: خَلُق. وقولهم: بلوته: اختبرته، كأَنى أَخلقْتَهُ من كثرة اختبارى. وقرئ {هُنَالِكَ تَبْلوا كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ} أَى تعرِف حقيقة ما عملت. وسُمّى الغمّ بلاءً؛ من حيث إِنَّه يُبلىِ الجسم. وسُمّى التكليف بلاءً؛ لأَنَّ التكاليف مَشَاقُّ على الأَبدان، أَوْ لأَنَّها اختبارات. ولهذا قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ} وقيل: اختبار الله تعالى لعباده تارة بالمسارّ ليشكروا، وتارة بالمضارّ ليصبروا. فصار المِنحة والمحنة جميعاً بلاءً. فالمِحْنة مقتَضِية للصّبر، والمِنحة مقتضية للشكر، والقيامُ بحقوق الصّبر أَيسر من القيام بحقوق الشكر. فصارت المِنْحة أَعظم البلاءَين.

لهذا قال عمر - رضى الله عنه - بُلينا بالضَّرّاءِ فصبرنا، وبلينا بالسَّراءِ فلم نصبر. وقال علىّ - رضى الله عنه -: من وُسّع عليه دنياه، فلم يعلم أَنه قد مُكِر به، فهو مخدوع عن عقله. وقال - تعالى -: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} . وقوله: {بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} راجع إِلى المحنة التى فى قوله: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} ، وإِلى المنحة الَّتى أَنجاهم. وإِذا قيل: بَلاَ الله كذا، وابتلاه، فليس المراد إِلاَّ ظهور جودته ورداءَته، دون التعرّف لحاله، والوقوف على ما يُجهل منه، إِذ كان الله تعالى علاَّم الغيوب، وعلى هذا قوله - تعالى -: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} وأَبلاه: أَحْلفه و [أَبلى] حلف له، لازم متعدّ. وبَلَى: رَدّ للنفى: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} إِلى قوله: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} أَو جوابٌ لاستفهام مقترن بنفى؛ نحو {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} ونعم يقال فى الاستفهام المجرّد؛ نحو {هَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ} ، ولا يقال ههنا: بلى. فإِذا قيل: ما [عندى] شئٌ فقلت: بلى كان ذلك ردّاً لكلامه. فإِذا قلت: نعم كان إِقرارا منك.

بصيرة فى البنان

بصيرة فى البنان وقد ورد فى موضعين. وهى الأَصابع، وقيل: رءُوس الأَصابع. الواحدة بَنَانة. سمّيت بذلك لأَن بها إِصلاح الأَحوال الَّتى (تمكِّن الإِنسان) أَن يُبِنَّ فيما يريد أَى يقيم. ويقال بَنَّ بالمكان، وأَبَنَّ: أَى أَقام به. ولذلك خَصّ فى قوله: {بلى قَادِرِينَ على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} ، {واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} خَصّه لأَجل أَنَّها يقاتَل بها ويدافع. والبَنَّة: الريح الطَّيّبّة والمنتنة: ضدّ. والجمع بِنَان بالكسر. والبُنَان - بالضَّمّ -: الرّوضة المُعْشبة.

بصيرة فى البنيان

بصيرة فى البنيان وقد ورد فى القرآن على أَربعة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى الصّرح، والقصر العالى: {فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ} بنيانَهم: أَى صَرْحهم. الثَّانى: بمعنى المسجد: {فَقَالُواْ ابنوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً} (مسجدا) {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على تقوى مِنَ اللَّهِ} ، {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ} أَى مسجدهم. الثالث: بمعنى بيت النار: {قَالُواْ ابنوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الجحيم} . الرّابع: بمعنى تشبيه صَفّ الغازين بالجدران المرصوصة: {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} . والبنيان واحد لا جمع له. وقال بعضهم: جمع واحدته بُنْيَانة، على حدّ نخلة ونخل. وهذا النَّحوُ من الجمع يصحّ تذكيره وتأْنيثه. وابْنٌ أَصله بَنَىٌ لقولهم فى الجمع: أَبناءٌ، وفى التّصغير بُنىّ. وسمّى

بذلك؛ لكونه بناءً للأَب؛ فإِنَّ الأَب قد بناه. ويقال لكلّ ما يحصل من جهة شئٍ، أَو من ترتبيته أَو بتفقده، أَو كثرة خدمته له، وقيامه بأَمره: هو ابنه؛ نحو فلانٌ ابن الحرب، وابن السّبيل للمسافر. وابن بطنِه، وابن فرجه إِذا كان همّه مصروفاً إِليهما، وابن يومه إِذا لم يتفكَّر فى غدِه. وجمع ابن أَبناءٌ، وبنون. ومؤنَّثه ابنة وبنت. والجمع بنات. وقوله: {هاؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} ، وقوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} فقد قيل: خاطب بذلك أَكابر القوم، وعَرَض عليهم بناته، لا أَهلَ قريته كلَّهم؛ فإِنَّه محال أَن يعرض بنات قليلة على الجمّ الغفير. وقيل: بل أَشار بالبنات إِلى بنات أُمّته. سمّاهنّ بنات له؛ لكون النبىّ بمنزلة الأَب لأُمّته، بل لكونه أَكبر الأَبوين لهم. وقوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} يريد به قولهم: الملائكة بنات الله.

بصيرة فى الباب

بصيرة فى الباب وهو مَدْخل الشئِ. وأَصل ذلك مداخل الأَمكنة؛ كبَاب المدينة والدّار، وجمعه أَبواب، وبيبانٌ، وأَبْوِبة نادر. والبِوَابة: حرفة البَوَّاب من وباب له يَبُوب: صار بوّاباً له. وتبوّب بوّاباً: اتَّخذه. ومنه يقال فى العلم باب كذا، وهذا العلم باب إلى كذا: أَى يتوصّل إِليه. وقد يقال: أَبواب الجنَّة، وأَبواب جهنَّم للأَسباب الَّتى بها يتوصّل إِليهما. والباب، والبابة فى الحساب، والحدود: الغايةُ. وهذا بابته: أَى يصلح له. وبابات الكتاب: سطوره لا واحد لها. بصيرة فى البياض وهو ضدّ السّواد. وجمع الأَبِيض بِيض. وأَصله بُيْض بالضمّ أَبدلوه بالكسر، ليصحّ الياءُ. وقد ابيضّ يَبْيضُّ ابيضاضاً. ولمّا كان البياض أَفضل لون عندهم - كما قيل: البياض أَفضل، والسّواد أَهْوَل، والحُمرة أَجمل، والصُّفرة أَشكل - عُبّر عن الفضل والكرم بالبياض؛ حتى قيل لمن لم يتدنَّس بمعاب: هو أَبيض الوجه. وقد تقدّم فى بصيرة الأَبيض.

بصيرة فى البيع

بصيرة فى البيع وهو إِعطاءُ المُثْمَن، وأَخذ الثمن. والشِّرى: إِعطاءِ الثمن، وأَخذ المُثْمن. ويقال للبيع: الشِرَى، وللشرى: البَيْع. وذلك بحسب ما يتصوّره من الثمن، والمُثْمن. وعلى ذلك قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} ، وقال عليه السّلام "لا يبيعَنَّ أَحدُكم على بيع أَخيه" أَى لا يشتر على شِراه. وأَبعْت الشئَ: عَرَضته للبيع. وبايع السّلطان: إِذا تضمّن بذل الطَّاعة بما رَضخ له. ويقال لذلك: بَيْعة ومبايعة. وقوله: {فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ} إِشارةٌ إِلى بَيْعَة الرّضوان التى فى قوله - تعالى -: {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة} والتى فى قوله - تعالى -: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ، وقوله - تعالى -: {وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} جمع بِيعة هو: مصلَّى النَّصارى، فإِن كان عربيّاً فى الأَصل فلِما قال الله - تعالى -: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ} الآية.

بصيرة فى البال

بصيرة فى البال وهو الحال الَّتى تكثرت بها. ولذلك يقال: ما باليتُ بكذا بالةً أَى ما اكترثت. ويعبّر به عن الحال الَّذى ينطوى عليه الإِنسان، وقوله - تعالى - {فَمَا بَالُ القرون الأولى} : أَى حالهم وخبرهم. والبال: الخاطر والقلب، يقال: ما خطر ببالى كذا.

بصيرة فى البواء

بصيرة فى البواء وأَصله: مساواة الأَجزاءِ فى المكان، خلافُ النُبوّ الَّذى هو منافاة الأَجزاءِ. ويقال: مكان بَوَاءٌ: إِذا لم يكن نابيا بنازِلِه. وبوّأْت له مكاناً: سوّيته. وتبوّأَ المكان: حلَّه، وأَقام به. قال - تعالى -: {تَبَوَّءُوا الدار والإيمان} وفى الحديث: "مَنْ كذب على متعمّداً فليتبوّأْ مقعدَه من النَّار" ويستعمل البَوَاءُ فى مراعاة التكافؤ فى المصاهرة، والقصاص، فيقال: فلان بوَاءٌ بفلان: إِذا ساواه. وقوله - تعالى -: {وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ الله} أَى حَلّوا متبوَّأً، ومعهم غضب الله، أَى عقوبتُه. وقوله: (بغضب) فى موضع الحال، نحو خرج بسيفه، لا مفعول، نحو مرّ بزيد. واستعمال (باءَ) تنبيه أَنَّ مكانه الموافق يلزمه فيه غضبُ الله، فكيف غيره من الأَمكنة. وذلك على حدّ ما ذكره فى {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} . وقوله: {إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} أَى تقيم بهذه الحالة.

الباب الرابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف التاء

الباب الرابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف التاء بصيرة فى التاء هو حرف هجاءٍ، لِثوىّ، من جِوار مخرج الطَّاءِ. ويمدّ ويقصر. والنسبة إِلى الممدود: تائىّ، وإِلى المقصور: تاوىّ. وجمعه أَتْوَاءٌ؛ كداءٍ وأَدْواءٍٍ. وقصيدة تائيّة، وتيَويّة. وتيّيت تاءً حسنة. والتَّاءُ المفردة محرّكة فى أَوائل الأَسماءِ وفى أَواخرها، وفى أَواخر الأَفعال، [ومسكنة فى أَواخرها] . والمحرّكة فى أَوائل الأَسماءِ حرف جرّ للقسم. وتختصّ بالتعجب، وباسم

الله تعالى. وربّما قالوا: تربِّى، وتربِّ الكعبة، وتالرحمن، والمحرّكة فى أَواخرها حرف خطاب؛ كأَنْت. والمحرّكة فى أَواخر الأَفعال ضمير؛ كقمت. والسّاكنة فى أَواخرها علامة للتَّأْنيث: كقامت. وربّما وُصلت بثُم ورُبّ، والأَكثر تحريكها معهما بالفتح. و"تا" اسم يشار به إِلى المؤنث [مثل] "ذا"، و "ته" مثل ذِه، وتان للتثنية، وأُولاءِ للجمع. وتصغير "تا": تيَّا، وتيّاك، وتيّالِك، وتدخل عليها ها، فيقال هاتا. فإِن خوطب بها جاءَ الكاف، فقيل: تيك، وتاك، وتِلْك، وتَلك بالكسر والفتح، وهى رديئة. وللتثنية تانِك، وتانِّك [تخفف] وتشدّد، والجمع أَولئك وأُلاكَ وأَولالك، وتدخل الهاءُ على تيك، وتاك، فيقال: هاتيك، وهاتاك. والتاءُ فى حساب الجُمّل أَربعمائة. والتاءُ المبدلة من الواو كالتراث والوُراث، والتجاه والوجاه {وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً} . وأَصله الوراث ومنها التَّاءُ المبدلة من السّين فى الطَّسْت والطسّ.

بصيرة فى التسبيح

بصيرة فى التسبيح وهو تنزيه الله تعالى. وأَصله المَرُّ السّريع فى عبادة الله. وجُعِل ذلك فى فعل الخير؛ كما جعل الإِبعاد فى الشرّ، فقيل: أَبعده الله. وجعل التَّسبيح عامّاً فى العبادات، قولاً كان، أَو فعلاً، أَو نِيّة. وقوله - تعالى -: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} قيل: من المصلِّين. والأَولى أَن يُحمل على ثلاثها والتَّسبيح ورد فى القرآن على نحو من ثلاثين وجهاً. ستَّة منها للملائكة، وتسعة لنبينّا محمّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأَربعة لغيره من الأَنبياء، وثلاثة للحيوانات والجمادات، وثلاثة للمؤمنين خاصّة. وستَّة لجميع الموجودات. أَما الّتى للملائكة فدعوى جبريلَ فى صفّ العبادة: {وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} . الثانى: دعوى الملائكة فى حال الخصومة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} . الثالث: تسبيحهم الدّائم من غير سآمة: {يُسَبِّحُونَ لَهُ بالليل والنهار وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ} . الرابع: تسبيحهم المعرَّى عن الكسل، والفَتْرة: {يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ} .

الخامس: تسبيحهم المقترن بالسجدة: {وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} . السادس: تسبيحهم مقترناً بتسبيح الرّعد على سبيل السياسة والهيبة {وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} . وأَمّا التسعة الَّتى لنبيّنا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم، فالأَول: تسبيح مقترن بسجدة اليقين، والعبادة: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين واعبد رَبَّكَ} . الثانى: تسبيح فى طرفى النّهار، مقترنٌ بالاستغفار من الزلَّة: {واستغفر لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي والإبكار} . الثالث تسبيح فى بطون الدياجر، والخلوة: {وَمِنَ الليل فاسجد لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} . الرّابع تسبيح فى الابتداءِ، والانتهاءِ، حال العبادة: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ. وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النجوم} . الخامس تسبيح مقترن بالطُّلوع، والغروب لأَجل الشَّهادة {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} {وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السجود} .

السّادس تسبيح دائم لأَجل الرّضا والكرامة {فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النهار لَعَلَّكَ ترضى} . السّابع: تسبيح مقترِن بذكر العظمة: {فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم} . الثَّامن: تسبيح بشكر النعمة: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى الذي خَلَقَ فسوى} . التَّاسع: تسبيح لطلب المغفرة: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره} قال صلَّى الله عليه وسلم: "ما أُوحى إِلىَّ أَن اجمعِ المال وكن من التّاجرين، ولكن أُوحى إِلى أَن سبّح بحمد ربّك وكن من السّاجدين، واعبد ربّك حتى يَأْتيك اليقين". وأَمّا الأَربعة التى للأَنبياءِ فالأَوّل لزكريّا علامةً على ولادة يحيى: {قَالَ رَبِّ اجعل لي آيَةً} إِلى قوله: {وَسَبِّحْ بالعشي والإبكار} . الثَّانى: فى وصيّته لقومه على محافظة وظيفة التسبيح: {فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً} . الثالث: فى موافقة الجبال، والظباءِ، والحيتان، والطيور لداود فى التسبيح: {يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق} . الرَّابع: فى نجاة يونس من ظلمات البحر وبطن الحوت ببركة التسبيح {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} .

وأَمّا الثلاثة التى لخواصّ المؤمنين، فالأَوّل فى أَمر الله تعالى لهم بالجمع بين الذكر والتسبيح دائماً: {اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} . الثانى: فى ثناءِ الحقّ تعالى على قوم إِذا ذُكر الله عندهم سجدوا له وسبّحوا: {خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} . الثالث: فى أُناس يختلُون فى المساجد. ويواظبون على التسبيح والذكر، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ} . وأَمّا الثلاثة الَّتى فى الحيوانات، والجمادات، فالأَول: فى أَنَّ كلّ نوع من الموجودات مشتغِل (بنوع من التسبيحات: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولاكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} . الثانى) : فى أَنَّ الطُّيور فى الهواءِ مصطفَّة لأَداءِ وِرْد التسبيح: {والطير صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} . الثَّالث: أَنّ حَمَلة العرش والكرسىّ فى حال الطواف بالعرش والكرسىّ مستغرقون فى التسبيح والاستغفار: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} ، {وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العرش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} .

وأَمّا الستَّة الَّتى للعامّة فالأَوّل: على العموم فى تسبيح الحقّ على الإِحياءِ والإِماتة: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} إِلى قوله: {يُحْيى وَيُمِيتُ} . الثانى: فى أَنَّ كلّ شىءٍ فى تسبيح الحقّ على إِخراج أَهل الكفر، وإِزعاجهم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} إِلى قوله: {هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ} . الثَّالث: أَنَّ الكلّ فى التسبيح، ومَن خالف قوله فعله مستحِقّ للذمّ والشكاية: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات} إِلى قوله: {لِمَ تَقُولُونَ مالاَ تَفْعَلُونَ} . الرّابع: فى أَنَّ الكلّ فى التسبيح للقدس والطَّهارة: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} إِلى قوله: {المَلِكِ القُدُّوسِ} . الخامس: فى أَنَّ الكلّ فى التسبيح على تحسين الخِلْقة والصّورة: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} إِلى قوله: {وصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} . السادس: فى الملامة والتعيير من أَصحاب ذلك النسيان بعضِهم لبعض من جهة التقصير فى تسبيح الحقّ - تعالى -: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} . الحادى والثلاثون: خاصّ بالنبىّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فى الأَمر بالجمع بين التوكُّل والتسبيح: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} .

بصيرة فى التابوت

بصيرة فى التابوت وهو شِبْه صُندوق يُنْحت من خشب. وأَصله تَابُوَة كتَرْقُوة، سكِّنت الواو، فانقلب هاءُ التأْنيث تاءً. والتَّبُوت كزبُور: لغة فى التَّابوت. وقد ورد فى القرآن على وجهين: الأَوّل: بمعنى الصُّندوق الَّذى وضَعَت أُمُّ موسى ولدهَا فيه، ورمته فى البحر: {أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم} . الثَّانى: بمعنى الصّندوق الَّذى ورثه الأَنبياءُ من آدم عليه السّلام: {أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} . وأَمّا التابوت الَّذى يجعل فيه الميّت فمستعار من هذا. وقيل: التَّابوت عبارة عن القلب، والسّكينةُ عمّا فيه من العلم. ويسمّى القلب سَفَط العلم، وبيت الحِكْمة، وتابوته، ووِعاءَه، وصُندوقه.

بصيرة فى التأويل

بصيرة فى التأويل وجاءَ فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى المُلْك {وابتغاء تَأْوِيلِهِ} أَى مُلْك محمّد {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} أَى نهاية ملكه. فزعم اليهود أَنَّهم أَخذوه من حساب الجُمَّل. الثَّانى: بمعنى العاقبة، ومآل الخير والشَّرّ الَّذى وعد به الخَلْق: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} أَى عاقبته، {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} أَى عاقبة {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع} أَى عاقبته. الثالث: بمعنى تعبير الرّؤيا: {وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} أَى تعبير الرّؤيا. الرابع: بمعنى التحقيق والتفسير: {هاذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} أَى تحقيقها وتفسيرها. الخامس: بمعنى أَنواع الأَطعمة وأَلوانها: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} أَى بأَلوانه وأَنواعه. والتأْويل أَصله من الأَوْل، وهو الرجوع. ومنه المَوْئل: للموضع الَّذى

بصيرة فى التب

يُرْجَعِ إِليه. وذلك هو رَدّ الشئ إِلى الغاية المرادة [منه] عِلْماً كان، أَو فعلاً. ففى العلم نحو {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} ، وفى الفعل كقول الشاعر: وللنوى قبل يوم البين تأْويل وقوله - تعالى -: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} : أَى غايته. وقد تقدّم. وقيل فى قوله - تعالى -: {ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} : أَى أَحسن معنى وترجمة، وقيل: أَحسن ثواباً فى الآخرة. بصيرة فى التب وهو الخسران والنقص. وبمعناه التَبَبَ، والتَبَاب، والتَتْبيب. وتبّا له، وتبّاً تتبيباً: مبالغة. وتبّبه: قال له ذلك. وتبّب فلاناً: أَهلكه. و {تَبّتْ يَدَا أَبى لَهَبٍ} أَى ضَلَّتا، وخسِرتا، واستمرتا فى خسرانه {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} أَى تخسير. بصيرة فى التبر وهو الكَسْر، والإِهلاك. يقال: تَبَره، وتَبَّره. وقوله - تعالى -: {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً} أَى هلاكاً.

بصيرة فى التبع

بصيرة فى التبع تبعه تبَعاً وتَبَاعة: مشى خَلْفه أَو مَرّ به، فمضى معه. والتبع تارة يكون بالجسم، وتارة بالارتسام، والائتمار. وعلى ذلك قوله تعالى -: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} ويقال: أَتْبعه: إِذا لحقه. ومنه قوله - تعالى -: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ} أَى لحقهم، أَو كاد يلحقهم. ومنه {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} . ويقال أُتبع فلان بمال على آخر: أَى أُحِيل عليه. وتُبّع كانوا رءُوساً؛ سُمّوا بذلك لاتِّباع بعضهم بعضاً فى الرّياسة، والسّياسة. و "أَتْبع الفرسَ لجامَها والنَّاقةَ زمامَها" يضرب عند الأَمر باستكمال المعروف. والتَّبَع واحد، ويجمع. وقد يجمع على أَتباع.

بصيرة فى تبارك

بصيرة فى تبارك وقد ذُكِر فى ثمانية مواضع من القرآن: الأَوّل: عند بيان الخَالِقيّة: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} . الثانى: فى بيان الرُّبوبيّةِ: {تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} . الثالث: فى بيان الكَرَم والجلالة: {تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذِي الجلال والإكرام} . الرّابع: فى بيان المُلْك: {وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} . الخامس: فى بيان القهر، والقدرة: {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . السّادس: عند إِظهار عجائب صنع الملكوت: {تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً} . السابع: فى بيان نفاذ المشيئة والإِرادة: {تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك} . الثامن: فى بيان عظمة القرآن، وشرفه: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان} . واختُلِف فى معناه: فقِيل: لم يزل ولا يزال. وقيل: تبارك تقدّس. وقيل: تَعظَّم. وقيل تعالى. وكلّ موضع ذُكِر فيه (تبارك) فهو تنبيه على اختصاصه - تعالى - بالخيرات المذكورة مع تبارك. مثل قوله: {تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً} ؛ فإِنَّه تنبيه على اختصاصه بما يُفيضه علينا: من نِعمِهِ، بوساطة هذه البروج.

بصيرة فى تترى

بصيرة فى تترى وهى فَعْلَى من المواترة أَى المتابعة وتراً وتراً. وأَصلها واو، فأُبدلت تاءً؛ كتراث وتُجاه. فمن صرفه جعل الأَلف زائدة لا للتأْنيث. ومن [منع] صرفه جعل أَلفه للِتأْنيث. قال - تعالى -: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} أَى متواتِرين، وقال الفرّاءُ: يقال: تَتْرٌ فى الرّفع، وتَتْراً فى النَّصب، وتَتْرٍ فى الجرّ. والأَلف فيه بدل من التنوين. وقال ثعلب: هى تَفْعَل. وغلَّطه أَبو علىّ الفسَوىّ، وقال: ليس فى الصّفات تَفْعَل. بصيرة فى التجارة وقد ذكرها الله تعالى فى ستَّة مواضع. الأَوّل: تجارة غُزَاة المجاهدين بالرُّوح، والنفْس، والمال: {هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} إِلى قوله: {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُم} . الثانى: تجارةُ المنافقين فى بَيْع الهدى بالضَّلالة: {اشتروا الضلالة بالهدى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} . الثالث: تجارة قراءَة القرآن: {إِنَّ الذين يَتْلُونَ كِتَابَ الله} إِلى قوله: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} .

الرّابع: تجارة عُبّاد الدّنيا بتضييع الأَعمار، فى استزادة الدرهم والدّينار: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا} . الخامس: فى معاملة الخَلْق بالبيع والشِّرَى: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ} . السّادس: تجارة خواصّ العباد بالإِعراض عن كلّ تجارة دنيويّة: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} . وهى لغةً: التَّصرّف فى رأْس المال؛ طلباً للرّبح. تجَر يَتْجُرُ فهو تاجر. والجمع تَجْر - كصاحب وصَحْب - وتُجّار وتِجَار. وليس فى الكلام تاءٌ بعده جيم غيرها. ويقال: هو تاجر بكذا: أَى حاذِق، عارف لوجه المكتسب منه. ويقال: نِصف البركة فى التجارة. وقيل، نعم الشئُ التجارة، ولو فى الحجارة. ويروى فى الكلمات القدسيّة: من تاجَرَنِى لم يخسر. وأُوحى إِلى بعض الأَنبياءِ: قل لعبيدى: تاجرونى تربحوا علىّ؛ فإِنى خلقتكم لتربحوا علىّ لا لأَربح عليكم. وفى الحديث: الرفق فى المعيشة خير من بعض التجارة. وقال الشاعر: خُذوا مال التجار وسوّفوهم ... إِلى وقت فإِنهمُ لئام وليس عليكم فى ذاك إِثْمٌ ... فإِن جميع ما جَمَعوا حرام

بصيرة فى التراب

بصيرة فى التراب وقد جاءَ فى القرآن على وجوه: الأَوّل: بمعنى العظام البالية: الرّميمة: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} . الثَّانى: بمعنى البهائم: {ياليتني كُنتُ تُرَاباً} أَى بهيمة من البهائم. وقيل: هو بمعنى آدم عليه السّلام. وهذا ممّا يقوله إِبليس. الثالث: بمعنى حقيقة التُرْبة: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ} . وفيه لغات: التُّرْب، والتُرْبة، والتُّرْباء، والتَّيْرب، والتَّيراب، والتَّوْرب، والتوارب، والتَّريب. وجمع التُّراب أَتربة، وتِرْبان. ولم يسمع لسائر لغاته بجمع. قال بعض الشعراءِ: خُلِقتُ بغير ذنب من تراب ... فأَرجع بالذنوب إِلى التراب أَلا وجميعُ من فوق التراب ... فداءُ تراب نعل أَبى تراب وترب - كفرح -: كثر ترابه، وصار فى يده الترابُ، ولزق بالتُّراب، وافتقر، وخسر. وأَترب: استغنى، وقلّ ماله. فهو من الأَضداد. وكذا تَرَّبَ تتريباً. وبَارِحٌ تَرِبٌ: ريح فيها تراب. والترائب: ضلوع الصّدر، أَو ما ولىِ التَرْقُوتيْن منها، أَو ما بين الثَدْيين والترقوتين، أَو أَربع أَضلاع من يَمْنة الصّدر، وأَربع من يَسْرته، أَو اليدان، والرّجلان، والعينان، أَو موضع القلادة. و {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف أَتْرَابٌ} أَى لِدَات نشأن معاً؛ تَشبيهاً فى التساوى والتَّماثل بضلوع الصَّدر، أَو لوقوعهنّ معاً على التُّراب عند الوِلاَد. والتَّربْة: الضَّعْفة.

بصيرة فى الترك

بصيرة فى الترك وهو رفض الشئِ قصداً واختياراً، أَوْ قهراً واضطراراً. تركه تَرْكاً، وتِرْكَاناً، واتَّركَه: وَدَعه. والترك أَيضاً الجَعْل؛ كقولك: تركته وَقيذاً، كأَنَّه ضدّ. وقوله - تعالى -: {واترك البحر رَهْواً} من القصد الاختيارى وقوله: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ} من القهرىّ الاضطرارىّ. وقد يقال فى كلّ فعلٍ يُنتهى به إِلى حالة مّا: تركته كذا.

بصيرة فى التقوى

بصيرة فى التقوى وهى مشتقَّة من الوِقَايَة، وهى حفظ الشئِ ممّا يؤذيه، ويضرّه. يقال: وقاه وَقْياً ووِقاية وواقية: صانه. والتَّوقية: الكلاءَة، والحفظ. وقيل: الأَصل فيها وِقاية النِّساءِ الَّتى تستُر المرأَةُ بها رأْسها، تقيها من غبار، وحرّ، وبرد. والوِقاية: ما وقيت به شيئاً. ومن ذلك فرس واق: إِذا كان يَهاب المشىَ من وجَعٍ يجده فى حافره. فأَصل تقوى: وَقَوى، أَبدلت الواو تاءً؛ كتراث، وتجاه. وكذلك اتَّقى يتَّقى أَصله: اوتقى، على افتعل. فقلبت الواو يَاءً، لانكسار ما قبلها، وأُبدلت منها التَّاءُ، وأُدغمت. فلمّا كثر استعماله على لفظ الافتعال توهَّموا أَنَّ التَّاءَ من نفس الكلمة، فجعلوه تَقَى يَتَقى، بفتح التَّاءِ فيها. ثمّ لم يجدوا له مثالاً فى كلامهم يلحقونه به، فقالوا: تَقَى يَتْقِى مثل قضى يقضى. وتقول فى الأَمر: تَقِ، و (فى المؤنَّث) تَقِى. ومنه قوله: زيادَتنا نعمانُ لا تقطعنها ... تق الله فينا والكتاب الذى تتلو

بنى الأَمر على المخفَّف، فاستغنى عن الأَلف فيه بحركة الحرف الثانى فى المستقبل. والتَّقوى والتُّقى واحد. والتُّقَاةُ: التقِيّة. يقال: اتَّقى تقِيّة، وتُقَاةً. قال الله - تعالى -: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} . والتَّقِىّ: المتَّقى، وهو مَن جعل بينه وبين المعاصى وِقاية تحول بينه وبينها: من قوّة عزمه على تركها، وتوطين قلبه على ذلك. فلذلك قيل له: متَّقٍ. والتَّقوى البالغة الجامعة: اجتنابُ كلّ ما فيه ضرر لأَمر الدين، وهو المعصية، والفضول. فعلى ذلك ينقسم على فرض، ونفل. وقد ورد فى القرآن بخمسة معانٍ: الأَوّل: بمعنى الخوف والخشية: {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ} ، وقال: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ولهذا نظائر. الثانى: بمعنى الطَّاعة، والعبادة: {أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ} . الثالث: بمعنى ترك المعصية، والزَلَّة: {وَأْتُواْ البيوت مِنْ أَبْوَابِهَا واتقوا الله} أَى اتركوا خلاف أَمره. الرّابع: بمعنى التَّوحيد والشَّهادة: {اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} . الخامس: بمعنى الإِخلاص، والمعرفة: {أولائك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} .

وأَمّا البِشَارَات الَّتى بشَّر الله تعالى بها الْمُتَّقِين فى القرآن فالأَوّل: البشرى بالكرامات: {الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ البشرى} . الثانى: البشرى بالعون والنّصرة: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا} . الثَّالث: بالعلم والحكمة: {إِن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} . الرّابع: بكفَّارة الذّنوب وتعظيمه: {وَمَن يَتَّقِ الله يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} . السّادس: بالمغفرة: {واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . السّابع: اليُسْر والسّهولة فى الأَمر: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} . الثَّامن: الخروج من الغمّ والمِحنةِ: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} . التَّاسع: رزق واسع، بأَمن وفراغ: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} . العاشر: النَّجاة من العذاب، والعقوبة: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} . الحادى عشر: الفوز بالمراد: {وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا بِمَفَازَتِهِمْ} {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} . الثانى عشر: التَّوفيق والعصمة: {ولاكن البر مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر} إِلى قوله: {وأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ} .

الثالث عشر: الشهادة لهم بالصدق: {أولائك الذين صَدَقُواْ وأولائك هُمُ المتقون} . الرابع عشر: بشارة الكرامة والأَكرمية: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} . الخامس عشر: بشارة المحبّ: {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} . السّادس عشر: الفلاح: {واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . السّابع عشر: نيل الوصال، والقُربة: {ولاكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} . الثامن عشر: نيل الجزاء بالممحنة: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} . التَّاسع عشر: قبول الصّدقة: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} . العشرون: الصّفاء والصّفوة: {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} . الحادى والعشرون: كمال العبودية: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} . الثانى والعشرون: الجنَّات والعيون: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} . الثالث والعشرون: الأَمْن من البليّة: {إِنَّ المتقين فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} . الرابع والعشرون: عزّ الفوقيْة على الخَلْق: {والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} .

الخامس والعشرون: زوال الخوف والحزن من العقوبة: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . السادس والعشرون: الأَزواج الموافِقة: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} إِلى قوله: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} . السّابع والعشرون: قُرب الحضرة، واللِّقاءِ والرّؤية: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} . {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب يَوْمَ القيامة} تنبيهٌ على شدّة ما ينالهم وأَن أَجدرَ شئ يتَّقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم. فصار ذلك: كقوله. وقوله تعالى: {هُوَ أَهْلُ التقوى} أَى أَهل أَن يُتَّقى عقابُه. ورجل تقِىّ من أَتقياء وتُقَواء.

بصيرة فى التوبة

بصيرة فى التوبة تاب إِلى الله تَوْباً، وتوبة، ومَتَاباً، وتابةً، وتَتْوِبةً: رجع عن المعصية، وهو تائب، وتوّاب. وتاب الله عليه: وفَّقه للتوبة، أَو رجع به من التَّشديد إِلى التخفيف، أَو رجع عليه بفضله، وقبوله. وهو توّاب على عباده. واستتابه: سأَله أَن يتوب. والتوبة من أَفضل مقامات السّالكين؛ لأَنَّها أَوّل المنازل، وأَوسطها، وآخرها، فلا يفارقها العبد أَبداً، ولا يزال فيها إِلى الممات. وإِن ارتحل السّالك منها إِلى منزل آخر ارتحل به، ونزل به. فهى بداية العبد، ونهايته. وحاجته إِليها فى النِّهاية ضروريّة؛ كما حاجتُه إِليها فى البداية كذلك. وقد قال تعالى: {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وهذه الآية فى سورة مدنيّة، خاطب الله تعالى بها أهل الإِيمان، وخيار خَلْقه أَن يتوبوا إِليه بعد إِيمانهم، وصبرهم، وهجرتهم، وجهادهم، ثمّ علَّق الفلاح بالتوبة تعلُّق المسبّب بسببه، وأَتى بأَداة (لعلّ) المشعرِ بالتَّرجّى؛ إِيذاناً بأَنَّكم إِذا تبتم كنتم على رجاءِ الفلاح، فلا يَرْجوا الفلاحَ إِلاَّ التائبون، جعلنا الله منهم. وقد قال - تعالى -: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولائك هُمُ الظالمون} قسّم العباد إِلى تائبٍ، وظالم. وما قِسْم ثالث البتَّة، وأَوقع

الظُّلم على مَن لم يتُبْ، ولا أَظلم منه بجهله بربّه، وبحقِّه، وبعيب نفسه، وبآفات أَعماله. وفى الصّحيح: "يا أَيُّها النَّاسُ توبوا إِلى الله؛ فإِنى أَتوب إِليه فى اليوم أَكثر من سبعين مرّة"، وكان أَصحابه يَعُدّون له فى المجلس الواحد قبل أَن يقوم: (ربّ اغفر لى وتُبْ علىّ إِنَّك أَنت التَّواب الرّحيم) مائة مرّة، وما صلَّى قطُّ بعد نزول سورة النَّصر إلا قال فى صلاته: سبحانك اللَّهمّ ربّنا وبحمدك، اللَّهمّ اغفر لى. وقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ} يريد بالتَّوبة تمييز البقيّة من العزَّة: بأَن يكون المقصود من التَّوبة تقوى الله، وهو خوفه، وخشيته، والقيام بأَمره، واجتناب نهيه، فيعمل بطاعته على نور من الله، يرجو ثواب الله، ويترك معصية الله على نور من الله، يخاف عقاب الله، لا يريد بذلك عِزّ الطَّاعة؛ فإِنَّ للطَّاعة والتَّوبة عزّاً ظاهراً وباطناً، فلا يكون مقصوده العزَّة، وإِن علم أَنها تحصل له بالطَّاعة، والتَّوبة. فمن تاب لأَجل أَمر فتوبتُه مدخولةٌ. وسرائر التوبة ثلاثة أَشياءَ هذا أَحدها، والثانى نسيان الجِناية. والثالث التَّوبة من الإِسلام والإِيمان. قلنا المراد منه التَّوبة من رؤية التَّوبة

وأَنها إِنَّما حصلت له بتوفيق الله، ومشيئته؛ ولو خُلِّى ونفسه لم يسمح بها البتَّة. فإِذا رآها من نفسه، وغفل عن مِنَّة الله عليه، تاب من هذه الرّؤية، والغفلة. ولكن هذه الرّؤية ليست التَّوبة ولا جُزْأَها، ولا شرطها، بل جناية أُخرى حصلت له بعد التوبة، فيتوب من هذه الجناية؛ كما تاب من الجناية الأُولى. فما تاب إِلاَّ من ذنب أَوّلاً، وآخراً. والمراد التَّوبة من نُقْصان التوبة وعدم توفيتها حقَّها. ووجهٌ ثالثٌ لطيف. وهو أَنَّه منْ حصل له مقام الأُنْس بالله - تعالى - وصفاءُ وقته مع الله - تعالى - بحيث يكون إِقباله على الله، واشتغاله بذكر آلائه وأَسمائه وصفاته، أَنفع شئٍ له، مَتى نزل عن هذا الحال اشتغل بالتَّوبة من جناية سالفة، قد تاب منها، وطالع الجناية، واشتغل بها عن الله تعالى، فهذا نقص ينبغى أَن يتوب إِلى الله منه. وهى توبة من هذه التَّوبة، لأَنَّه نزول من الصّفاءِ إِلى الجفاءِ. فالتَّوبة من التوبة إِنما تُعْقل على أَحد هذه الوجوه الثلاثة. والله أَعلم. واعلم أَنَّ صاحب البصيرة إِذا صدرت منه الخطيئة فله فى توبته نظر إِلى أُمور. أَحدها النظر إِلى الوعد والوعيد فيُحدث له ذلك خوفا، وخشيةً تحمله على التوبة. الثانى: أَن ينظر إِلى أَمره تعالى ونهيه فيحدث له ذلك الاعتراف بكونها خطيئة، والإقرار على نفسه بالذنب. الثالث: أَن ينظر إِلى تمكين الله تعالى إِيّاه منها، وتخليته بينه وبينها،

وتقديرها عليه، وأَنَّه لو شاءَ لعصمه منها، فيحدث له ذلك أَنواعاً من المعرفة بالله، وأَسمائه وصفاته، وحكمته، ورحمته، ومغفرته، وعفوه، وحلمه، وكرمه، وتوجب له هذه المعرفة عبوديّةً بهذه الأَسماء، لا تحصل بدون لوازمها، ويعلم ارتباط الخَلْق، والأَمر، والجزاءِ. بالوعد والوعيد بأَسمائه، وصفاته، وأَنَّ ذلك موجَب الأَسماء، والصفات، وأَثرها فى الوجود، وأَنَّ كلّ اسم مُفيضٌ لأَثره. وهذا المَشْهد يُطْلعه على رياض مؤنقة المعارف، والإِيمان، وأَسرار القدر، والحكمة يضيق عن التعبير [عنها] نطاق الكلم والنَّظر. الرّابع: نظره إِلى الآمر له بالمعصية، وهو شيطانه الموكَّل به، فيفيده النظر إِليه اتخاذه عدوَّا، وكمال الاحتراز منه، والتَّحفُّظ والتَّيقُّظ لما يريده منه عدوُّه، وهو لا يشعر؛ فإِنَّه يريد أَن يظفر به فى عَقبة من سبع عقبات بعضُها أَصعب من بعض: عقبة الكفر بالله، ودينه، ولقائه، ثمّ عَقَبة البِدْعة، إِمّا باعتقاده خلافَ الحقّ، وإِمّا بالتَّعبّد بما لم يأْذن به الله من الرّسوم المحدثة. قال بعض مشايخنا: تزوّجت الحقيقةُ الكافرةُ، بالبِدْعة الفاجرة، فولد بينهما خسران الدّنيا والآخرة، ثمّ عقبة الكبائر (يزينها له وأَن الإِيمان فيه الكفاية. ثم عَقَبة الصغائر بأَنها مغفورة ما اجتُنبت الكبائر) ولا يزال يجنيها حتى يصرّ عليها، ثمّ عقبة المباحات، فيشغله بها عن الاستكثار من الطَّاعات. وأَقلُّ ما يناله منه تفويت الأَرباح العظيمة،

ثمّ عقبة الأَعمال المرجوحة، المفضولة يُزيّنها له، ويَشْغله بها عمّا هو أَفضل وأَعظم ربحاً. ولكن أَين أَصحاب هذه العقبة! فهم الأَفراد فى العالم. والأَكثرون قد ظفِر بهم فى العقبة الأُولى. فإِن عَجَز عنه فى هذه العقبات جاءَ فى عقَبَة تسليط جُنده عليه بأَنواع الأَذى، على حسب مرتبته فى الخير. وهذه نبذة من لطائف أَسرار التَّوبة رزقنا الله تعالى [إِيّاها] بمنِّه وفضله إِنَّه حقيق بذلك. وورد التَّوبة فى القرآن على ثلاثة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى التجاوز والعفو. وهذا مقيّد بعلى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} ، {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} ، {وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ} . الثَّانى: بمعنى الرّجوع، والإِنابة. وهذا مقيّد بإِلى: {تُبْتُ إِلَيْكَ} ، {توبوا إِلَى الله} ، {فتوبوا إلى بَارِئِكُمْ} . الثالث: بمعنى النَّدامة على الزَلَّة، وهذا غير مقيّد لا بإِلى، ولا بعلى: {إِلاَّ الذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ} ، {فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} . ويقال: إِن التَّوبة من طريق المعنى على ثلاثة أَنواع، ومن طريق اللَّفظ وسبيل اللُّطف على ثلاثة وثلاثين درجة: أَمّا المعنى فالأَوّل: التَّوبة من ذنب يكون بين العبد وبين الرّب. وهذا يكون بندامة الجَنَان، واستغفار اللسان.

والثانى: التوبة من ذنب يكون بين العبد وبين طاعة الرّب. وهذا يكون بجبْر النقصان الواقع فيها. الثالث: التوبة من ذنب يكون بين العبد وبين الخَلْق. وهذه تكون بإِرضاءِ الخصوم بأَىّ وجه أَمكن. وأَمّا درجات اللطف فالأُولى: أَنَّ الله أَمر الخَلْق بالتَّوبة، وأَشار بأَيُّها الَّتى تليق بحال المؤمن {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤمِنُونَ} . الثانية: لا تكون التَّوبة مثمِرة حتى يتمّ أَمرها {توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً} . الثالثة: لا تنظر أَنَّك فريد فى طريق التَّوبة؛ فإِنَّ أَباك آدم كان مقدّم التَّائبين: {فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} ، والكليم موسى لم يكن له لمّا عَلاَ على الطُّور تحفة غير التَّوبة {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} . ثمّ إِنَّه بشَّر النَّاس بالتَّمتع من الأَعمار، واستحقاق فضل الرّءُوف الغفَّار: {ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً} . وأَشار صالح على قومه بالتَّوبة، وبشَّرهم بالقُرْبة والإِجابة: {ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} . وسيّد المرسلين مع الأَنصار والمهاجرين سلكوا طريق الناس: {لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين} . والصّدّيق الأَكبر اقتدى فى التَّوبة بسائر النَّبيّين: {تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المسلمين} .

أَصحاب النبىّ ما نالوا التوبة إِلاَّ بتوفيق الله. {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا} تحرُّزاً من انتشار العصمة أُمِرنَ بالتَّوبة {إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ومن توقَّف عن سلوك طريق الناس وُسِمَ جبين حاله بميسم الخائبين: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولائك هُمُ الظالمون} الأَزواج اللائقة بخاتم النَّبيّين تعيّنّ بالتَّوبة: {قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} . الرّجال لا يُقعدهم على سرير السّرور إِلاَّ التَّوبة: {التائبون العابدون} ولا يظنّ التوَّاب اختصاص النَّعت به (فإِنَّا جعلنا) هذا الوصف من جملة صفات العَلِى: {إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً} وإِذا وفَّقنا العبد للتَّوبة تارة قربناه بالحكمة {وَأَنَّ الله تَوَّابٌ حَكِيمٌ} وإِذا قبلنا منه التَّوبة قرّبناه بالرّحمة: {وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} . والمؤمن إِذا تاب أَقبلنا عليه بالقبول، وتكفَّلنا له بنيل المأْمول: {وَيَتُوبَ الله عَلَى المؤمنين والمؤمنات} . وإِن أَردت أَن تكون فى أَمان الإِيمان، مصاحباً لسلاح الصّلاح، فعليك بالتَّوبة: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً} {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} {وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً} وإِذا أَقبل العبد على باب التَّوبة استحكم عَقْد أُخُوّته، مع أَهل الإِسلام: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ

الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين} . ومن تاب، وقصد الباب، حصل له الفرج بأَفضل الأَسباب: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} ومن أَثار غبار المعاصى، وأَتبعه برشاش النَّدم، غلَّبت حكمتنا الطَّاعة على المعصية، وسُترت الزَّلَّة بالرّحمة: {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} . السّارق المارق إِذا لاذ وتحرّم بالتَّوبة قبل القدرة عليه، فلا سبيل للإِيذاءِ إِليه: {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} . وإِذا أَردت التَّوبة فأَنا المريد لتوبتك قبلُ: {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وإِذا تبت بتوبتى عليك، وتوفيقى لك، جازيت بالمحبّة: {إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين} . وإِنا لا نقبل توبةَ مَن يؤخِّر توبتَه إِلى آخر الوقت: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن} . وإِنَّما يتقبّل توبة مَن تتَّصل توبتُه بزَلَّته، وتقترن بمعصيته: {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السواء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} . أَعظم الذنوب قتل النفس وإِذا حصل خَطَأً من غير عمدٍ فبِالتوبة والصّيام كفِّر: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ الله} . نَهَينَا سيّد المرسلين عن التحكُّم على عبادنا؛ فإِنَّ ذلك إِلينا. ونحن نتوب عليهم لو نشاءُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ

أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} لا تفرّ من التوبة؛ فإِنها خير لك فى الدّارين: {فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ} ، {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلكم خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} ومن رَمَى بنفسه فى هُوّة الكفر فلا توبة له {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} أَيظنون أَنا لا نقبل توبة المخلص من عبادنا: {أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} نحن نأْخذ بيد المذنب، ونقبل باللُّطف توبته: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب} ، {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} . ولهذا قيل: التَّوبة قَصّار المذنبين، وغسّال المجرمين، وقائد المحسنين، وعَطَّار المريدين، وأَنيس المشتاقين، وسائق إِلى ربّ العالمين.

بصيرة فى التوكل

بصيرة فى التوكل وهو يقال على وجهين: يقال: توكَّلت لفلان بمعنى تولَّيت له. يقال: وكَّلته توكيلاً، فتوكَّل لى. وتوكَّلت عليه بمعنى اعتمدته. وقد أَمر الله تعالى بالتَّوكُّل فى خمسة عشر موضعاً من القرآن: الأَوّل: إِن طلبتم النَّصر والفرج فتوكَّلوا علىّ: {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} إِلى قوله: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} ، {وَعَلَى الله فتوكلوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} . الثانى: إِذا أَعرضتَ عن أَعدائى فليكن رفيقك التَّوكُّل: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} . الثَّالث: إِذا أَعرض عنك الخلْقُ اعْتَمِدْ على التَّوكُّل: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ الله لا إلاه إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} . الرابع: إِذا تُلِى القرآن عليك، أَو تلوته، فاستَنِدْ على التوكُّل: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} . الخامس: إِذا طلبت الصّلح والإِصلاح بين قومٍ لا تتوسّل إِلى ذلك إِلاَّ بالتَّوكُّل: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} .

السّادس: إِذا وصلت قوافل القضاءِ استقبِلْها بالتَّوكُّل: {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا} الآية. السّابع: إِذا نَصبتِ الأَعداءُ حِبالات المكر ادخُلْ أَنت فى أَرض التوكُّل {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} إِلى قوله: {فَعَلَى اللهِ توكَّلْتُ} . الثامن: وإِذا عرفت أَنَّ مرجع الكلّ إِلينا، وتقدير الكلّ منَّا، وطِّنْ نفسك على فَرْش التوكُّل: {فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} . التاسع: إِذا علمت أَنى الواحدُ على الحقيقة، فلا يكن اتِّكالك إِلاَّ علينا: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إلاه إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} . العاشر: إِذا عرفت أَنَّ هذه الهداية من عندى، لاقِها بالشُّكر، والتَّوكُّل: {وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} إِلى قوله: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} . الحادى عشر: إِذا خشِيت بأْس أَعداءِ الله، والشيطان الغدّار، لا تلتجئ إِلاَّ إِلى بابنا: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} . الثانى عشر: إِن أَردتَ أَن أَكون أَنا وكيلك فى كلّ حال، فتمسّك بالتَّوكُّل فى كلّ حالٍ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وكفى بالله وَكِيلاً} .

الثالث عشر: إِن أَردتَ أَن يكون الفردوس الأَعلى منزلك انزل فى مقام التوكُّل: {الذين صَبَرُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} . الرابع عشر: إِن شئت النزول محلّ المحبّة اقصد أَولاً طريق التوكُّل: {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} . الخامس عشر: إِن أَردتَ أَن أَكونَ لكَ، وتكون لى، فاستقرَّ على تَخْت التوكُّل: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ} ، {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} ، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} . ثمّ اعلم أَنَّ التَّوكُل نصف الدّين، والنصف الثانى الإِنابة. فإِنَّ الدّين استعانة، وعبادة. فالتَّوكُّل هو الاستعانة، والإِنابة هى العبادة. ومنزلة التوكُّل (أَوسع المنازل: لا يزال معمورا بالنازلين لسعة متعلّق التوكُّل) وكثرة حوائج العاملين، وعموم التَّوكُّل، ووقوعه من المؤمنين والكفَّار، والأَبرار، والفُجّار، والطَّير، والوحوش، والبهائم، وأَهل السّماوات، والأَرض، وأَنَّ المكلَّفين، وغيرهم فى مقام التوكُّل [سواءٌ] وَإِنْ تباينَ متعلِّق توكُّلهم. فأَولياؤه وخاصّته متوكِّلون عليه فى حصول ما يُرضيه منهم، وفى إِقامته فى الخَلْق، فيتوكَّلون عليه فى الإِيمان، ونُصْرة دينه، وإِعلاءِ كلماته، وجهاد أَعدائه، وفى محابّه، وتنفيذ أَوامره.

ودون هؤلاءِ مَن يتوكَّل عليه فى معلومٍ يناله: مِن رزق، أَو عافية، أَو نَصْرٍ على عدوٍّ، أَو زوجة، أَو ولد، ونحو ذلك. ودون هؤلاءِ مَن يتوكَّل عليه فى حصول ما لا يحبّه الله، ولا يرضاه: من الظُّلم، والعدوان، وحصول الإِثم، والفواحش. فإِنَّ أَصحاب هذه المطالب لا ينالون غالباً إِلاَّ باستعانتهم، وتوكُّلهم عليه. بل قد يكون توكُّلهم أَقوى من توكُّل كثير من أَصحاب الطَّاعات. ولهذا يُلقُون أَنفسهم فى المهالك، معتمدين على الله - تعالى - أَن يُشمّهم، ويُظِفرهُم بمطالبِهم. فأَفضل التَّوكُّل فى الواجب: أَعنى واجبَ الحقّ، وواجبَ الخَلْق، وواجبَ النَّفس. وأَوسعُه وأَنفعُه التَّوكُّل فى التأْثير فى الخارج فى مصلحة دينه، أَو فى دفعِ مفسدة دينه. وهو توكُّل الأَنبياءِ - عليهم الصّلاة والسّلام - فى إِقامة دين الله، ودفع المفسدين فى الأَرض. وهذا توكُّل وَرَثتهم. ثمّ النَّاس فى التوكُّل على حسب [أَغراضهم] . فمن متوكل على الله فى حصول المُلْك، ومتوكِّل عليه فى حصول (رغيف. ومَنْ صدق توكُّله على الله فى حصول) . شئٍ ناله. فإِن كان محبوباً له مرضيّاً كانت له فيه العاقبة المحمودة. وإِن كان مسخوطاً مبغوضا كان ما حصل له بتوكّله مَضرّة. وإِن كان مباحاً حصلت لهُ مصلحة التوكُّل، دون مصلحة ما توكَّل فيه، إِن لم يستعن به على طاعة. فإِن قلت: ما معنى التوكُّل؟ قلت: قال الإِمام أَحمد: التوكل: عمل القلب: يعنى ليس بقولٍ، ولا عمل جارحة، ولا هو من باب العلوم،

والإِدراكات. ومن الناس مَن يجعله من باب المعارف، فيقول: هو علم القلب بكفاية العبد من الله. ومنهم من يقول: هو جُمُود حركة القلب، واطِّراحه بين يدِ الله كاطّراح الميّت بين يدى الغاسِل: يقلِّبه كيف يشاءُ. وقيل: ترك الاختيار، والاسترسالُ مع مجارى الأَقدار. ومنهم من يفسّره بالرّضا، ومنهم من يفسره بالثِّقة بالله، والطُّمأْنينة إِليه. وقال ابن عطاءٍ. هو أَلاَّ يظهر فيه انزعاج إِلى الأَسباب، مع شدّة فاقته إِليها؛ ولا يزول عن حقيقة السّكون إِلى الحقِّ، مع وقوفه عليها. وقيل: ترك تدبير النَّفس، والانخلاعُ من الحَوْل والقُوّة. وإِنَّما يَقْوَى العبد على التوكُّل إِذا علمِ أَن الحقّ سبحانه يعلم ويرى ما هو فيه. وقيل: التوكُّل أَن ترد عليك مواردُ الفاقات، فلا تسمو إِلاَّ إِلى مَنْ له الكفايات، أَو نفى الشكوك، أَو التفويض إِلى مالك الملوك، أَو خلع الأَرباب، وقطع الأَسباب، أَى قطعها مِن تعلَّق القلب بها [لا] من ملابسة الجوارح لها. وقال أَبو سعيد الخَّراز: هو اضطراب بلا سكون، وسكون بلا اضطراب. وقال سهل: مَنْ طعن فى الحركة، فقد طعن فى السُّنَّة. ومَنْ طعنَ فى التَّوكُّل فقد طعن فى الإِيمان. فالتوكُّل حال النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والكَسْب سُنَّته. فمَن عمل على حاله فلا يتركنَّ سنَّته.

وحقيقة الأَمر أَنَّ التوكُّل: حال مركَّب من مجموع أُمورٍ لا يتمّ حقيقة التَّوكُّل إِلاَّ بها. وكلّ أَشار إِلى واحدٍ من هذه الأُمور، أَو اثنين أَو أَكثر. فأَوّل ذلك معرفة الرّبّ وصفاتِه: من قدرته، وكفايته، وفيوضه، وانتهاءِ الأُمور إِلى علمه، وصدورها عن مشيئته، وقدرته. وهذه المعرفة أُولى درجة والثَّانية إِثبات الأَسباب والمسبّبات، فإِنَّ مَنْ نفاها فتوكّله مَزْح. وهذا عكس ما يظهر فى بادئ الرّأْى: من أَنَّ إِثبات الأَسباب يقدح فى التوكُّل. ولكنّ الأَمر بخلافه: فإِنَّ نُفَاةَ الأَسباب لا يستقيم لهم توكُّل البتَّة. فإِنَّ التوكُّل أَقوى الأَسباب فى حصول المتوكَّل به؛ فهو كالدّعاءِ الذى جعله الله سبباً فى حصول المدعُوّ به. الدّرجة الثالثة رسوخ القلب فى مقام التَّوحيد؛ فإِنَّه لا يستقيم توكُّله حتى يصحّ توحيده. الدرجة الرابعة اعتماد القلب على الله تعالى، واستناده عليه، وسكونه إِليه، بحيث لا يبقى فيه اضطراب من جهة الأَسباب. الخامسةُ حُسن الظنّ بالله. فعلى قدر حسن ظنِّك به يكون توكُّلك عليه. السّادسة استسلام القلب له، وانجذاب دواعيه كلِّها إِليه. السّابعة التفويض. وهو رُوح التوكُّل، ولُبّه، وحقيقته. فإِذا وَضَع قدمه فى هذه الدّرجة انتقل منها إِلى درجة الرضا وهى ثمرة التوكُّل. ونستوفى الكلام عليه إِن شاءَ الله تعالى فى محلِّه من المقصد المشتمل على علم التَّصوّف.

بصيرة فى التذكر والتفكر

بصيرة فى التذكر والتفكر التَّذكُر: تَفعُّل من الذِّكر. والذِكر: هيئة للنَّفْس، بها يمكن للإِنسان أَن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة. والفكرة: قوّة مُطَرِّقة للعلم إِلى المعلوم. والتفكُّر غيره؛ فإِنَّ تلك القوّة بحسب نظر العقل، وذلك للإِنسان دون الحيوان. ولا يقال إِلاَّ فيما يمكن أَن يَحصل له صورة فى القلب. ولهذا رُوِىَ "تَفَكّروا فى آلاءِ الله، ولا تفكّروا فى ذاتِ اللهِ". إِذ كان الله منزَّهاً أَن يوصَف بصورة. قال - تعالى -: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ في أَنفُسِهِمْ} ، {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السماوات والأرض} . ثمّ اعلم أَنَّ التذكُّر قرين الإِنابة. قال - تعالى -: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} . والتَّذكُّر والتفكُّر مَنْزلان يُثْمران أَنواع المعارف، وحقائق الإِيمان والإِحسان. فالعارف لا يزال يَعُود تفكُّره على تذكُّره، وتذكُّره على تفكُّره، حتى يُفتح قُفْل قلبه بإِذن الفتَّاح العليم. قال الحسن البصرىّ: ما زال أَهل العلم يعودون بالتذكر على التفكُّر، وبالتَّفكُّر على التَّذكُّر، ويناطقون القلوب

حتى نطقت. قال الشيخ أَبو عبد الله الأَنصارىّ: والتَّذكُّر فوق التَّفكُّر؛ لانَّ التفكُّر طلبٌ، والتَّذكُّر وجودٌ. يعنى أَنَّ التَّفكر التماسُ الغايات من مبادئها. وقوله: التذكُّر وجود؛ لأَنه يكون فيما قد حصل بالتَّفكُّر، ثمّ غاب عنه بالنِّسيان، فإِذا تذكَّره وجده، وظفِر به. واختير له بناءُ التفعّل؛ لحصوله بعد مُهْلة وتدريج؛ كالتبصّر، والتفهُّم. فمنزلة التذكُّر من التفكُّر منزلةُ حصولِ الشئِ المطلوب بعد التفتيش عليه. ولهذا كانت آيات الله المتلوّة والمشهودةُ ذكرى؛ كما قال فى المتلوّة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الهدى وَأَوْرَثْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب هُدًى وذكرى لأُوْلِي الألباب} ، وقال فى القرآن: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} ، وقال فى الآية المشهودة: {أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ. والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. تَبْصِرَةً وذكرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} فالتَّبصرة آية البصر، والتَّذكرة آية القلب. وفرقٌ بينهما. وجُعِلا لأَهل الإِنابة؛ لأَنه إِذا أَناب إِلى الله أَبصر مواقع الآيات والعِبَر، فاستدلَّ بها على ما هى آيات له، فزال عنه الاعتراضُ بالإِنابة، والعمى بالتبصرة، والغفلةُ بالتَّذكر؛ لأَنَّ التبصّرة توجب له حصول صورة المدلول فى القلب، بعد غفلته عنها. فترتَّبت المنازل الثلاثة أَحسن ترتيب. ثمّ إِنَّ كلاَّ منها يمدّ صاحبها، ويقوّيه، ويثمره. وقال - تعالى - فى آياته المشهودة: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي البلاد هَلْ مِن

مَّحِيصٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ} . والنَّاس ثلاثة: رجل قلبه مَيّت، فذلك الَّذى لا قلب له: فهذا ليست هذه الآية تذكرة فى حقِّه. ورجل حَىّ مستَعِدّ، لكنَّه غير مستمِع للآيات المتلوّة، التى تُجزئه عن الآيات المشهودة: إِمّا لعدم ورودها، أَو لوصولها إِليه، ولكن قلبه مشغول عنها بغيره. فهو غائب القلب، ليس حاضرا. فهذا أَيضاً لا يحصل له الذكرى، مع استعداده، ووجود قلبه. والثالث رجل حَىّ القلب، مستعدّ، تليت عليه الآيات، فأَصْغَى بسمعه، وأَلقى السّمع، وأَحضر قلبه، ولم يَشغله بغيره، فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، مُلْقٍ للسمع. فهذا القسم هو الَّّذى ينتفع بالآيات المتلوّة والمشهودة. فالأَوّل بمنزلة الأَعمى الَّذى لا يبصر. والثانى بمنزلة الطَّامح بصرُه إِلى غير جهة المنظور إِليه. والثالث بمنزلة المبُصر الذى فتح بصره الطامح لرؤية المقصود، وأَتبعه بصره، وقلبه، على توسُّط من البعد والقرب. فهذا هو الَّذى يراه. فإِن قيل: فما موقع (أَو) من قوله - تعالى -: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} قيل: فيها سرّ لطيف. ولسنا نقول: إِنَّها بمعنى الواو كما يقول ظاهريّة النحاة. فاعلم أَنَّ الرّجل قد يكون له قلب وقَّاد، مُلِئَ باستخراج العِبَر، واستنباط الحِكَم. فهذا قلبه يُوقعه على التَّذكُّر، والاعتبار. فإِذا سمع الآيات كانت له نوراً على نور. وهؤلاءِ أَكملُ خَلْق الله - تعالى -، وأَعظمهم إِيماناً، وبصيرة؛ حتى كأَنَّ الَّذى أَخبرهم به الرّسولُ قد كان مشاهَداً لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله، وأَنواعه. حتى قيل: إِنَّ الصّدِّيق - رضى الله

عنه - كان حاله مع النبىّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كحال رجلين دخلا داراً. فرأَى أَحدهما تفاصيل ما فيها، وجزئيّاتها، والآخر وقع بصرُه على ما فى الدّار، ولم ير تفاصيله ولا جزئيّاته؛ لكنه علم أَنَّ فيها أُموراً عظيمة، لم يدرِك بصرُه تفاصيلها، ثم خرجا، فسأَله عمّا رأَى فى الدّار، فجعل كلَّما أَخبره بشئٍ صدّقه، لِمَا عنده من شواهده. وهذه أَعلى درجات الصّدّيقيّة. ولا يستبعد أَن يَمُنّ الله تعالى على عبد بمثل هذا الإِيمان؛ لأَنَّ فضل الله لا يدخل تحت حَصْر ولا حسبان. فصاحب هذا القلب إِذا سمع الآيات. وفى قلبه نور من البصيرة ازداد بها نوراً إِلى نوره. فإِن لم يكن للعبد مثلُ هذا القلب فأَلقى السّمع، وشهد قلبُه، ولم يغِبْ، حصل له التَّذكُّر أَيضاً {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} والوابل والطَّلّ فى جميع الأَعمال، وآثارها، وموجباتها. وأَهل الحبّ سابقون ومقرّبون، وأَصحاب يمين، وبينهما من درجات التفضيل ما بينهما، والله أَعلم.

بصيرة فى التبتل

بصيرة فى التبتل قال تعالى: {واذكر اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} . والتبتُّل: الانقطاع. وهو تفعّل من البَتْل وهو القطع. وسمّيت مَرْيم البَتُول لانقطاعها عن الأَزواج وعن نظراءِ زمانها، ففاقت نساءَ عالَمِها شرفاً وفضلاً. {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} كالتعلُّم والتفهُّم. ولكن جاءَ على التَّفعيل مصدر بَتَّل تَبْتيلاً لسرٍّ لطيف؛ فإِنَّ فى هذا الفعل إِيذاناً بالتدريج، وفى التفعيل إِيذان بالتكثير والمبالغة، فأُتى بالفعل الدّال على أَحدهما، والمصدر الدَّالّ على الآخر، كأَنَّه قيل: بَتِّل نفسَك إِليه تَبْتِيلاً، وتبتَّل أَنت إِليه تبتُّلاً، ففهم المعنَيان من الفعل ومصدرِه. وهذا كثير فى القرآن، وهو من أَحسن الاختصار والإِيجاز. فالتَّبَتُّل: الانقطاع إِلى الله فى العبادة وإِخلاص النيّة انقطاعاً يختصّ به. وإِلى هذا المعنى أَشار تعالى {قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ} وليس هذا منافِياً لما صحّ عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم "لا رهبانيّة ولا تبتُّل فى الإِسلام" فإِنَّ التَّبتل هاهنا هو الانقطاع من النكاح، والرّغبةُ عنه محظورٌ. والتَّبَتُّل يجمع أَمرين: اتَّصالاً وانفصالاً لا يصحّ إِلاَّ بهما، فالانفصال انقطاع قلبه عن حظوظ النَّفس المزاحِمة لمراد الربّ منه، وعن التفات قلبه

إِلى ما سوى الله خوفاً منه، أَو رغبةً فيه، أَو مبالاةً وفِكراً فيه، بحيث يشتغل قلبهُ عن الله تعالى. والاتِّصال لا يصحّ إِلاَّ بعد هذا الانفصال. وهو اتِّصال القلبِ باللهِ، وإِقبالُه عليه، وإِقامة وجهه له حُبّاً وخوفاً ورجاءً وإِنابةً وتوكلاً. وهذا إِنما يحصل بحَسْم مادة رجاء المخلوقين من قلبك، وهو الرّضا بحكم الله وقَسْمه لك، وبِحَسْم مادة الخوف وهو التسليم لله؛ فإِنَّ مَنْ سلَّم لله واستسلم له علم أَنَّ ما أَصابه لم يكن ليُخطئه فلا يبقى للمخلوقين فى قلبه موقع؛ فإِنَّ نفسه الَّتى يَخاف عليها قد سلَّمها إِلى مولاها وأَودعها عنده وجعلها تحت كَنَفه، حيث لا يناله يَدُ عادٍ ولا بغىُ باغٍ، وبحَسْم مادَّة المبالاة بالنَّاس. وهذا إِنَّما يحصل بشهود الحقيقة وهو رؤية الأَشياءِ كلّها من الله وبالله وفى قبضته وتحت قهر سلطانه، لا يتحرّك منها شئ إِلاَّ بحَوْله وقوّته، ولا ينفع ولا يضرّ إِلاَّ بإِذنه ومشيئته، فما وجه المبالاة بالخلق بعد هذا الشهود.

بصيرة فى التفويض

بصيرة فى التفويض يقال: فَوّض إِليه أَمرَه أَى ردّه إِليه. وأَصله من قولهم: أَمرهم فوضَى بينهم وفوْضُوضَى وفَوْضُوضاءُ إِذا كانوا مختلِطين يتصرّف كلّ منهم فى (مال الآخر) . وقوم فَوْضَى: متساوون لا رئيس لهم. أَو متفرّقون أَو مختلِط بعضُهم ببعض. ومنه شركة المفاوضة وشركة التفاوض. وهو الاشتراك فى كلّ شيءٍ. واختُلِف فى التفويض والتَّوكُّل أَيّهما أَعلى وأَرفع. فقال الشيخ أَبو عبد الله الأَنصارى: التفويض أَلطف إِشارةً وأَوسع معنى؛ فإِنَّ التَّوكُّل بعد وقوع السّبب، والتَّفويض قبل وقوعه وبعده. وهو من الاستسلام، والتوكُّل شُعبةٌ منه يعنى أَنَّ المفوِّض بين أَمر الحَول والقوّة، ويُفوضّ الأَمر إِلى صاحبه من غير أَن يقيمه مُقام نفسه فى مصالحه. بخلاف التوكُّل فإِنَّ الوكالة تقتضى أَن يقوم [الوكيل] مقام الموكِّل. والتفويض براءَة وخروج من الحول والقوة وتسليم الأَمر كلَّه إِلى مالكه. وقال غيره: كذلك التوكل أَيضاً، و [ما] قَدَحْتُم به فى التوكُّل يرِد عليكم نظيره فى التّفويض سواءً، فإِنَّا نقول: كيف يفوّض شيئاً لا يملكه البتَّة إِلى مالكه وهل يصحّ أَن يفوّض واحد من آحاد الرّعيّة المُلْك إِلى ملِك زمانه. فالعلَّة إِذاً فى التَّفويض أَعظم منها فى التوكُّل. بل لو قال: قائل: التَّوكُّل فوق التفويض وأَجلّ

منه وأرفع، لكان مصيباً. ولهذا القرآن مملوء به أَمراً وإِخباراً عن خاصّة الله وأَوليائه وصفوة عباده؛ فإِنَّه حالهم، وأَمر به رسوله فى أَربعة مواضع كما تقدّم فى بصيرة التوكُّل. وسماه المتوكِّلَ فى التوراة؛ ثبت ذلك فى صحيح البخارى، وأَخبر عن رُسُله بأَنَّ حالهم التوكُّل، وأَخبر النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن السبعين أَلفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب أَنَّهم أَهل مقام التَّوكُّل. ولم يجىءْ التفويض فى القرآن إِلاَّ فيما حكاه تعالى عن مؤمن آل فرعون من قوله {وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله} وسيعود تمام الكلام عليه فى مقصد التَّصوف إِن شاءَ الله تعالى.

بصيرة فى التسليم

بصيرة فى التسليم وهو نوعان: تسليم لحُكْمِهِ الدّينىّ الأَمْرىّ، وتسليم لحُكمِهِ الكونىّ القدَرىّ. فأَمّا الأَوّل فهو تسليم المؤمنين العارفين. قال الله تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} فهذه ثلاث مراتب: التحكيم، وسعة الصّبر بانتفاءِ الحَرَج، والتسليم. وأَمّا التسليم للحُكْم الكَونىّ فمزَلَّة أَقدام، ومضَلَّة أَفهام. حَيّر الأَنام، وأَوْقع الخِصَام. وهى مسأَلة الرّضا بالقضاءِ. وسيجئ الكلام عليه فى محلِّه، ونبيّن أَنَّ التسليم للقضاءِ يُحمد إِذا لم يُؤْمر العبد بمنازعته ودفعه ولم يقدر على ذلك؛ كالمصائب التى لا قُدْرَةَ على دفعها. وأَمّا الأَحكامُ التى أُمر بدفعها فلا يجوز له التسليم إِليها، بل العبوديّة مدافعتها بأَحكامٍ أُخْرى أَحسنَ عند الله منها. فاعلم أَنَّ التسليم هو الخَلاص من شُبهةٍ تعارضُ الخَبَر، أَو شهوة تعارض الأَمر، أَو إِرادة تعارض الإِخلاص، أَو اعتراض يعارض القَدَر والشرع، وصاحب (هذه التخاليص) هو صاحب القلب السّليم الَّذى لا ينجو إِلاَّ مَن أَتى اللهَ به. فإِنَّ التسليم ضدّ المنازعة، والمنازعة إِمّا بشبهة فاسدة تعارض الإِيمان بالخبر عما وَصَف الله تعالى به نفسه من صفاته وأَفعاله،

وما أَخبر به عن اليوم الآخر وغير ذلك. فالتسليم له ترك منازعته بشبهات المتكلِّمين الباطلة، وإِمّا بشهوة تعارض أَمر الله. فالتَّسليم للأَمر بالتخلُّص منها، أَو إِرادة تعارِض مراد الله من عبْده، فتعارضه إِرادة تتعلق بمراد العبد من الرّب. فالتَّسليم بالتَّخلُّص منها. أَو اعتراض [ما] يُعارض حكمته فى خلقه وأَمره بأَن يظنّ أَنَّ مقتضى الحكمة خلاف ما شرع وخلاف ما قضَى وقدّر. فالتَّسليم التخلُّص من هذه المنازعات كلها. وبهذا تبيّن أَنَّه من أَجلِّ مقامات الإِيمان، وأَعلى طُرُق الخاصّة، وأَنَّ التسليم هو محض الصّدِّيقيّة. ثمّ إِنَّ كمال التسليم السّلامةُ من رؤية التسليم بأَن يعلم أنَّ الحقّ تعالى هو الَّّذى يسلِّم إِلى الله نفسه دونه. فالحقّ تعالى هو الَّذى سلَّمك إِليه، فهو المسلِّم وهو المسلَّم إِليه، وأَنت آلة التسليم. فمن شهد هذا المشهد ووجد ذاته مسلَّما إِلى الحقّ، وما سلَّمها إِلى الحقّ غيرُ الحقّ، فقدْ سَلِم العبدُ من دعوى التسليم؛ والله أَعلم.

بصيرة فى التربص

بصيرة فى التربص يقال: تربّص به تربُّصاً أَى انتظر به خيراً أَو شرّاً يحُلّ به. وقد ورد فى القرآن لثمانية أُمور: الأَوّل: تربّص الإِيلاءِ {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} : الثانى: تربّص المطلَّقة ثلاثة أَشهر أَو ثلاثة أَطْهار. الثالث: تربّص المعتدّة {والمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} . الرّابع تربّص المنافقين للمؤمنين بالغنيمة أَو الشَّهادة {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين} . الخامس: تربّص كفَّار مكَّة فى حقِّ سيّدِ المرسلين لحادثة أَو نكبة {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} . السّادس: تربّص المؤمنين للمنافقين بالنكال والفضيحة {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ} .

السّابع: تربّص سيّد المرسلين لهلاك أَعداءِ الدّين {قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين} . الثامن: تربّص العموم والخصوص للقضاءِ والقَدَر {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ} . ويقرب من معنى التربّص الترقُّب والترصّد والتَّنظُّر والتطلُّع. وقد ورد فى القرآن من مادّة هذه الكلمات حروف تذكر فى مواضعها من بصائر رقب ورصد ونظر وطلع إِن شاءَ الله تعالى.

بصيرة فى التفصيل

بصيرة فى التفصيل وقد ورد فى القرآن على وجهين: الأَوّل: بمعنى التَّبيين والإِيضاح، إِمّا لجملة الأَحكام كقوله تعالى: {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} وقوله {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} وإِمّا لبيان القرآن فى نفسه {بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ على عِلْمٍ} {أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب مُفَصَّلاً} أَى مُبَيَّناً، وإِمّا لتبيين آيات القرآن أَحكامَ الشَّرع {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} ، {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} وقيل هو إِشارة إِلى ما قال تعالى {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً} .

الباب الخامس - وهو باب الثاء

الباب الخامس - وهو باب الثاء بصيرة فى الثاء وهو يرد فى كلام العرب على ثمانية وجوه: الأَوّل: حرف من حروف التهجّى لِثَوىّ، يظهر من أُصول الأَسنان، قريباً من مخرج الذَّال. ويمدّ ويقصر. والنسبة إِليه ثائىٌّ وثاوِىّ وثَوَوِىّ وقد ثيّيت ثاءً حَسَنة. ويذكَّر ويؤنَّث. والجمع أَثواءٌ وأَثياءٌ وثاءات. الثَّانى: اسم فى حساب الجُمَّل لخمسمائة من العدد. الثالث: الثاءُ المكرّرة كما فى رثَّ وغثَّ وأَثِّ. الرّابع: الثاءُ الكافِيَة وهى الَّتى يُكتفى بها من الكلمة، كما يكتفى بالثاءِ عن ذكرِ الثناءِ والثَّواب ونحوه، قال الشَّاعر: فى ثاءٍ قومه يُرى مبالغاَ ... وعن ثَناءٍ مَن سواهمُ فارغا

الخامس: ثاءُ العجز والضرورة كثاءِ الأَلثغ الَّّذى يقول فى أَساس: "أَثاث"، وفى عبّاس: "عباث"، قال الشاعر: وشادِنٍ قلت به إِذْ بدَا ... ما اسمكَ قُلْ لى قال عبّاث فصرت من لُثغته أَلْثغا ... وقلت أَين الطَّاث والكاث السادس: الثاءُ المبدلة من الفاءِ كما يقال فُمَّ فى ثُمَّ، وفُومٌ وثُومٌ، وجَدَفٌ وجَدَثٌ. السّابع: الثَّاءُ الأَصلىّ كثاءِ ثلم ومثل. الثامن: الثاءُ اللَّغوىّ. قال الخليل: الثاءُ عندهم: الخيار من كلّ شىءٍ. قال الشَّاعر: إِذا ما أَتى ضيف وقد جَلَّل الدُجَى ... أَتيتُ بثاءِ البُرّ واللَّحم والسّكَّرْ

بصيرة فى الثقل

بصيرة فى الثقل اعلم أَنَّ الثِّقَل والخفَّة متقابلان. فكلّ ما يترجّح على ما يوزَن أَو يقدّر به يقال: هو ثقيل. وأَصله فى الأَجسام، ثمّ يقال فى المعانى؛ نحو أَثْقَلَهُ الغُرْم والوِزْر. قال تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} . والثقيل يستعمل تارة فى الذَّمِّ، وهو أَكثر فى التَّعارف، وتارة فى المدح؛ نحو قول الشاعر: تَخِفُّ الأَرْضُ إِمَّا بِنْتَ عنها ... وتبقى ما بقيت بها ثقيلاَ حَلَلت بمستقرّ العِزَّ منها ... فتمنع جانبَيْهَا أَن يميلاَ ويقال: فى أُذنه ثِقَل إِذا لم يَجُدْ سمعُه، كما يقال: فى أُذنه خِفَّة إِذا جاد سمعه، كأَنه يثْقُل عن قبول ما يُلْقى إِليه. وقد يقال: ثَقُل القولُ إِذا لم يطِبْ سماعُه. وكذلك قال تعالى فى وصفة القيامة {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض} . وقوله تعالى {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا} قيل: كنوزها. وقيل: ما تضمّنته من أَجساد الأَموات {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أَى أَحمالكم الثقيلة

وقوله {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} أَى آثامهم الَّتى تثبّطهم وتثقِّلهم عن الثواب. وقوله تعالى: {انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً} أَى شَبَاباً وشيوخاً، أَو فقراء وأَغنياء. وقيل: عَزَباً ومتأَهِّلاً. وقيل: نِشَاطاً وكُسَالَى. وكلّ ذلك يدخل فى عمومها؛ فإِنَّ القصد بالآية الحثّ على النَّفْر على كلّ حال يسهل أَو يصعب. وقوله تعالى {فأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} الآيتين، إِشارةٌ إِلى كثرة الخيرات وقلَّتها. والثَّقَلان: الإِنس والجنّ لكثرتهم. والثقيل والخفيف يستعملان على وجهين: أَحدهما: على سبيل المضايفة وهو أَلاَّ يقال: الشئ ثقيل أَو خفيف إِلاَّ باعتباره بغيره ولهذا يصحّ للشئِ الواحد أَن يقال له: خفيف إِذا اعتُبر به ما هو أَثقل منه، وثقيل إِذا اعتبر به ما هو أَخفُّ منه. والثَّانى: أَن يستعمل الثقيل فى الأَجسام المُرجَحِنِّة إِلى أَسفل كالحجر والمَدَر، والخفيفُ فى الأَجسام المائلة إِلى الصّعُودِ كالنَّار والدُّخَان. ومن هذا قوله تعالى {اثاقلتم إِلَى الأرض} .

بصيرة فى الثياب والثواب

بصيرة فى الثياب والثواب وقد ورد فى القرآن على ثمانية أَوجه: الأَوّل: ثوب الفراغ والاستراحة {وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم مِّنَ الظهيرة} . الثانى: لباس التجمُّل والزِّينة {أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} . الثالث: ثياب الغفلة والجراءة {واستغشوا ثِيَابَهُمْ} . الرّابع: لصناديد قريش ثوب الاطِّلاع على السرِّ والعلانيةِ {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} . الخامس: للنبىّ صلَّى الله عليه وسلم ثوب الصلاة والطّهَارة {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} . السّادس: للكفَّار ثوب العذاب والعقوبة {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} . السابع: لأَهل الإِيمان ثوب العزِّ والكرامة {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} . الثامن: للخواصّ ثياب النُّصرة والخُضْرة فى الحضْرة {وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ} .

وأَصل الثَّوب رجوع الشئِ إِلى حالته الأُولى التى كان عليها، أَو إِلى حالته المقدّرة المقصودة بالفكرة، وهى الحالة المشار إِليها بقولهم: أَول الفكرة آخر العمل. فمن الرّجوع إِلى الحالة الأُولى قولهم: ثاب فلان إِلى داره، وثاب إِلىَّ نَفْسى. ومن الرّجوع إِلى الحالة المقصودة المقدّرة بالفكرة الثوب، سمّى بذلك لرجوع الغَزْل إِلى الحالة الَّتى قُدِّر لها. وكذا ثوب العمل. وجمع الثوب أَثواب، وثياب. والثواب: ما يرجع إِلى الإِنسان من جزاءِ أَعماله. فسمّى الجزاءُ ثواباً تصوّراً أَنَّه هو. أَلا ترى أَنه كيف جعل الجزاء نفس الفعل فى قوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} ولم يقل: ير جزاءَه. والثواب يقال فى الخير والشر، لكن الأكثر المشهور فى الخير. وكذلك المَثُوبة. وقوله تعالى {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً} فإِنَّ ذلك استعارة فى الشرّ كاستعارة البشارة فيه. والإِثابة يستعمل فى المحبوب {فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ} وقد قيل ذلك فى المكروه أَيضاً نحو {فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ} على الاستعارة كما تقدّم. والتثويب لم يرد فى التَّنزيل إِلاَّ فيما يكره نحو {هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} . وقوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} قيل: معناه: مكاناً

يثوب النَّاس إِليه على مرور الأَوقات. وقيل: مكاناً يكتسب [فيه] الثَّواب قال الشَّاعر. وما أَنا بالباغى على الحُبِّ رِشوة ... قبيحٌ هوىً يُبْغى عليه ثوابُ وهل نافعى أَن تُرْفع الحُجْب بيننا ... ومن دون ما أَمّلتُ منك حجاب إِذا نلت منك الودّ فالمال هَيّن ... وكل الذى فوق التراب تراب وقد ورد الثواب فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى جزاء الطَّاعة {هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً} {نِعْمَ الثواب وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} . الثانى: بمعنى الفتح والظفر والغنيمة {فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة} فثواب الدّنيا هو الفتح والغنيمة. الثالث بمعنى وعد الكرامة {فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ} أَى وعدهم. الرَّابع: بمعنى الزِّيَادة على الزِّيادة {فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ} أَى زَادكُمْ غَمّاً (على غم) . الخامس: بمعنى الرَّاحة والمنفعة {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدنيا فَعِندَ الله ثَوَابُ الدنيا والآخرة} .

بصيرة فى الثمرات

بصيرة فى الثمرات وقد ورد فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الفواكه المختلفة {وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب} {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ} {لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات} ولها نظائر. الثانى: عبارة عن كثرة المال {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} أَى مال كثير مستفاد. قاله ابن عبّاس. الثالث: بمعنى الأَولاد والأَحفاد فى قول بعض المفسّرين {وَنَقْصٍ مِّنَ الأموال والأنفس والثمرات} . الرابع: بمعنى الأَزهار والأَنوار {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات} أَى من الأَزهار والأَنوار. والثَّمَر فى الأَصل اسم لكلِّ ما يُتَطعَّم من أَحمال الشجر، الواحدة ثمرة والثَّمَار نحوه. والثُّمُر هو الثَّمَار. وقيل: هو جمعه. ويكنى به عن المال المستفاد كما تقدّم عن ابن عبّاس. ويقال ثمّر الله ما له أَىْ كثَّره. ويقال لكلّ نفعٍ يصدُر عن شئٍ: ثمرته؛ كقولك: ثمرة العلم العمل

الصّالح، وثمرة العمل الصّالح الجنَّة. وثمرة السّوطِ عُقَد أَطرافها تشبيهاً بالثمر فى الهيئة والتدلِّى عنه، كتدلِّى الثمر عن الشجرة. وأَثمر القومَ: أَطعمهم من الثِّمار. وفى كلامهم: من أَطعم ولم يُثمر كان كمن صلَّى العشاءَ ولم يوتر. وفيه يقول الشاعر: إِذا الضّيفانُ جاءُوا قم فقدّم ... إِليهم ما تيسّر ثمّ آثر وإِن أطعمت أقواماً كراماً ... فبعد الأَكل أَكرمهم وأَثمِر فمن لم يُثمر الضّيفان بُخلاً ... كمن صلَّى العِشَاءَ وليس يوتر

بصيرة فى الثلاث والثلاثة والثلاث وما يشتق منه

بصيرة فى الثلاث والثلاثة والثلاث وما يشتق منه وقد ورد كلّها فى القرآن على ثلاثة وعشرين نحواً: الأَوّل: فى عدد ملائكة النَّصر {بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ} . الثانى: فى عدد سنى أَصحاب الكهف {وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ} . الثالث: فى عدد ليالى وَعْد الكليم للمناجاةِ {وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} . الرّابع: فى عدد شهور الحمل والرضاع والفِصَال {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} . الخامس: فى عدد الحيض أَو الطُّهر للطَّلاق {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء} . السادس: فى عدد ليالى زكريّا للتضرع والدّعاءِ {ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} . السّابع: فى عدد أَيَّامه {ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} . الثامن: فى عدد أَيّام الحجّ للفدْية {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج} . التاسع: أَيّام الصّيام عن الكفَّارة {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} .

العاشر: عدد المتخلِّفين عن غزوة تَبُوكَ التَّائبين {وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ} . الحادى عشر: عدد أَيّام الوعيد من صالحٍ لقومه بالعذاب {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} . الثانى عشر: عدد أَصحاب الكهف فى بَدْءٍ الأَمر {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ} . الثالث عشر: عدد أَوقات يكشف به العورة {والذين لَمْ يَبْلُغُواْ الحلم مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ... ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} . الرابع عشر: أَصناف الْخَلْق فى القيامة {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً} . الخامس عشر: عدد شُعَب درجات جهنم {ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} السّادس عشر: فى عدد حُجُب الخلق {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} . السّابع عشر: فى اعتقاد النَّصارى فى اللاهوت والناسوتِ ورُوح القدس {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} . الثامن عشر: فى حال اللات والعزَّى ومَناة على اعتقاد أهل الضلالات {وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} . التاسع عشر: عدد النساء فى حال جواز العقد {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء مثنى وَثُلاَثَ} .

والعشرون: عدد أَجنحة الملائكة {أولي أَجْنِحَةٍ مثنى وَثُلاَثَ} . الحادى والعشرون: فى بيان قيام اللَّيل للطَّاعة {مِن ثُلُثَيِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} . الثانى والعشرون: فى بيان نصيب أَصحاب الفرائض {فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} .. {فلأُمّه الثُّلُثُ} . {فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي الثلث} وفيه يقول القائل: ثلاثة إِخوة لأَب وأُمّ ... وكلهمُ إِلى خير فقيرُ فحظُّ الأَكثرين الثلْث منه ... وباقى المال أَحرزه الصغير

بصيرة فى ثم

بصيرة فى ثم [هى] حرف عطف يقتضى تأَخُّر ما بعده عمّا قبله، إِمّا تأْخيراً بالذات أَو بالمرتبة أَو بالوضع. وثُمَّتْ لغة فيه. وقد ورد فى القرآن على ستَّة أَوجه: الأَوّل: للعطف {آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازدادوا كُفْراً} . الثَّانى: للتعجّب {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} . الثالث: للابتداءِ {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب} . الرّابع: بمعنى الواو {ثُمَّ الله شَهِيدٌ} . الخامس: بمعنى مع {ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ} . السّادس: بمعنى قبل {ثُمَّ استوى إِلَى السمآء} {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} ومنه قول الشاعر: إِنَّ من مات ثم مات أَبوه ... ثمّ قد مات قبل ذلك جَدُّهْ

بصيرة فى الثنى والاثنين

وثَمَّ إِشارة إِلى المتبعّد عن المكان، وهناك للمتقرّب وهما ظرفان فى الأَصل. وقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ} فهو فى موضع المفعول. بصيرة فى الثنى والاثنين [هما] أَصل لمتصرّفات هذه الكلمة. وذلك يقال باعتبار العدد، أَو باعتبار التكرير الموجود فيه، أَو باعتبارهما معاً. يقال: ثَنَى الشَّئَ يَثْنِيه ثَنْياً: ردّ بعضه على بعض، فتثنّى وانثنى. وثَنَيْت كذا ثَنْياً: كنت له ثانياً أَو أَخذت نصف ماله، أَو ضممت إِليه ما صار به اثنين. والثِّنَى: ما يعاد مرّتين. وامرأَة ثِنْىٌ: ولدَت اثنين. والولد يقال له ثِنْىٌ. وثناه ثَنْياً: لواه. قال تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} وقرأَ ابن عبّاس {يَثْنَوْنِى} مضارع اثْنَوْنَى أَى انعطف. وقوله تعالى: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} عبارة عن النُّكْر والإِعراض، نحو لوى شِدْقَه، ونأَى بجانبه. والاثنان: ضعف الواحد. والمؤنَّث ثنتان. وأَصله ثِنْىٌ لجمعهم إِيّاه على أَثناءٍ. وهو لا يَثْنِى ولا يَثْلِث، أَى كبير لا يقدر أَن ينهض لا فى مرّةٍ ولا فى مرّتين ولا فى الثالثة. والمثانى: القرآن أَو ما ثنِّى منه مرّة بعد مرة أَو فاتحة الكتاب

أَو البقرة إِلى براءَة أَو كلّ سورة دون الطُّوَل ودون المئتين وفوق المفصّل، أَو سورة الحجّ والقَصَص والنَّمل والعنكبوت والنُّور والأَنفال ومريم والرّوم ويس والفرقان والحِجْر والرّعد وسبأ والملائكة وإِبراهيم وص ومحمّد ولقمان والغُرَف والزُّخرف والمؤمن والسّجدة والأَحقاف والجاثية والدّخان والأَحزاب. قال الله تعالى: {نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ} سمّيت مثانى لأَنَّها تُثْنَى وتكرر على مرور الأَوقات، فلا تنقطع ولا تندرس اندراس سائر الأَشياءِ الَّتى تضمحلّ على ممرّ الأَيّام. المثانى من الوادى: معاطفه، ومن الدّابة: ركبتاها ومِرْفقاها. ولا ثِنَى فى الصّدقة كإِلى، أَى لا تؤخذ مرّتين فى عام، أَولا تؤخذ ناقتان مكان واحدة أَولا رجوع فيها. وثِنْىٌ من اللَّيل: ساعة. والثَّنِيّة: العَقَبة أَو طريقها أَو الجبل أَو الطَّريقة فيه، والشُّهداء الَّذين استثناهم الله عزَّ وجلّ عن الصّعْقة، ومن الأَسنان: الأَربع الَّتى فى مقدّم الفم ثنتانِ من فوقٍ وثنتان من أَسفل، والنَّاقة الطَّاعنة فى السَّادسة والبعير ثَنِىّ، والفرس الدّاخلة فى الرّابعة، والشَّاة والبقرة والدّاخلتان فى الثالثة، والنَّخلة المستثناة من المساومة.

بصيرة فى الثقف

والثَّنَاءُ: ما يذكر من محاسن الناس. وقيل: عامّ فى المَدح والذمّ. وقد أَثنى عليه وثنَّى والثِّناءُ الفِناءُ. بصيرة فى الثقف ثَقُف يثْقُف كَكَرُمَ يكْرُم، وكَفَرِحَ يَفْرَحُ ثَقْفاً وثَقَفاً وثَقَافةً: صار حاذقاً خفيفاً فَطِناً، فهو ثِقْف وثَقِف، وثَقُفٌ وثَقِيف، وَثِقِّيف كحِبر وحَذِر وحَذُر وعَزِيز وسِكيّر. وثقِفه كسمعه: صادفه، أَو أَخذه، أَو ظفِر به، أَو أَدركه ببصره لحِذْق في النظر. ورمح مثقَّف: مقوَّم. وما يثقف به ثِقَاف. هذا هو الأَصل، ثم تجوّز به فاسْتُعْمِلَ فى الإِدراك وإِنْ لم يكن معه ثقافة؛ كقوله تعالى {واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم} . بصيرة فى الثبات وهو ضِدّ الزَّوال. وقد ثَبَت يثبُت فهو ثابت. ورجل ثَبْت وثَبِيت فى الحرب. والإِثبات والتَّثبيت تارة يقال بالفعل، فيقال لما يخرج من العدم إِلى الوجود؛ نحو أَثبت الله كذا، وتارة لما يثبت بالحكم فيقال: أَثبت الحاكم عليه كذا أَو ثَبَّته. وتارة لما يكون بالقول سواءٌ كان صدقاً أَو كذباً. فيقال: أَثبت التَّوحيد وصدّق النّبوّة، وفلان أَثبتَ مع الله إِلهاً آخر.

بصيرة فى الثبى

وقوله: {لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ} أَى يثبّطوك ويحيروك وقوله تعالى: {يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت} أَى يقوّيهم بالحجج القويّة. وقوله تعالى: {وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} أَى أَشدّ لتحصيل علمهم. وقيل: أَثبت لأَعمالهم واجتناءِ ثمرة أَفعالهم. ويقال ثبّتُّه أَى قوّيته، قال {فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ} . بصيرة فى الثبى قال تعالى: {فانفروا ثُبَاتٍ} أَى جماعات. والثُّبة والأُثْبِيَّة: الجماعة أَو العُصْبة من الفرسانِ، ووسط الحوض. والجمع ثُبات وثُبُون. والتثبية: الجمع. بصيرة فى الثرب ثَرَبه يَثْرِبه ثَرْباً، وثرَّبُه تثريبا وأَثربه: لامَه وعيّره بذنبه. قال: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} وثَرَب المريض يَثْرِبه ثَرْباً: نزع عنه ثوبه. والمُثْرِب: كمُحْسِن القليل العطاء. والمُثرّب مشدّدة: المخلَّط المفسد. والثَّرْب: شحمٌ رقيق يُغَشّى الكَرِش والأَمعاء.

بصيرة فى الثمن

وقوله تعالى: {ياأهل يَثْرِبَ} أَى أَهل المدينة يصحّ أَن يكون أَصله من هذه المادّة والياء تكون فيه زائدة. بصيرة فى الثمن وهو اسم لما يأْخذه البائع فى مقابلة المَبِيع، عيناً كان أَو سِلْعَة، وكُلّ ما يحصل عوضاً عن شىءٍ فهو ثمنه. والجمع أَثمان وأَثْمُن. وأَثمنه سلعتَه وأَثمن له [أَعطاه ثمنها] وأَثمنت له: أَكثرت له الثمن. وشئٌ ثمين: كثير الثَّمن. والثُّمُنُ والثُّمْن والثَّمِين، جزءٌ من ثمانية، أَوْ يطَّرد ذلك فى هذه الكسور. الجمع أَثمان. وثَمَنَهُمْ كَنَصَرهُم: أَخذ ثُمُن مالِهم، وكضربهم كان ثامنهم. وثمانٍ كيمانٍ: عدد معروف وليس بنسب. والثمانية والثمانون معروفان. والمثمَّن: ما جعل له ثمانية أَركان. وأَثمنوا صاروا ثمانيةً.

الباب السادس - فى وجوه الكلمات المفتتحة بالجيم

الباب السادس - فى وجوه الكلمات المفتتحة بالجيم بصيرة فى الجيم ويرد فى القرآن والعرف على عشرة أَوجه: الأَوّل: اسم لحرف شَجْرىّ مخرجه مفتتح الفم قريباً من مخرج الياءِ، يذكَّر ويؤنَّث. وقد جيّمت جيماً حسنة. وجمعه أَجْيام وجيمات. الثَّانى: اسم للثلاثة من الأَعداد فى حساب الجُمَّل. الثالث: الجيم الكافية. وهى الَّتى يكتفى بها عن تمام الكلمة فيه فى مثل الجمال والجلال والجنان وغيرها. قال الشاعر:

أَلا تتَّقين الله فى جيم عاشق ... له كبد حَرَّى عليك تَقَطَّع ويروى فى جَنْب عاشق. الرّابع: الجيم المكرّرة فى نحو بجَّل وأَجَّج. الخامس: الجيم المدغمة فى مثل حَجَّ، وحِجّة، و {إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً} . السّادس: جيم العجز والضَّرورة كجعْل الهندىّ الجيم زاياً. السّابع: الجيم كناية عن شعور الأَصداغ. قال الشاعر: له جيم صدغ فوق عاج مصقل ... كلَيْل على شمس النِّهار يموج الثامن: الجيم الأَصلى نحو جرم ورجم ومرج. التَّاسع: الجيم المبدلة من الياءِ المشدّدة نحو أجّل، فى إِيَّل، وعَلجّ فى علىّ، أَو من ياءِ النسب نحو دارجّ فى دارىّ. قال الشاعر: يا رب إِن كنت قبلت حِجَّجْ أَى حجّتى. العاشر: الجيم اللّغوى قال الخليل الجيم عندهم الجمل المغتلِم قال: كأَنِّى جيم فى الوغى ذو شكيمة ... ترى البُزْل منه راقعات ضوامرا وقال أَبو عمرو الشَّيْبَانى: الجيم فى لغة العرب الدّيباج؛ وله كتاب فى اللُّغة سمّاه بالجيم كأَنَّه شبّهه بالدّيباج لحُسْنه. وله حكاية حسنة مشهورة.

بصيرة فى الجنة

بصيرة فى الجنة وهى وما يُشتقّ من مادتها، ترد على اثنى عشر وجها. الأَوّل: بمعنى التوحيد {والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة} قال المفسّرون: أَى إِلى الإِيمان. الثانى: بمعنى بستان كان باليمن {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الجنة} . الثالث: بمعنى أَخوين من بنى إِسرائيل {واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} الآية. الرَّابع: بمعنى البساتين المحفوفة بالأَشجار والمياه الجاريات {وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} . الخامس: بمعنى رياض الرَّوح والرّضوان. وبساتين الأَحباب والإِخوان {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض} وهى أَربع جنان. ثنتان للخواصِّ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وثنتان لعامّة المؤمنين {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} وإِحدى هذه الأَربع جنَّة النَّعيم {إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النعيم}

{أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} والأُخرى جنَّة الْمَأْوَى {عِندَهَا جَنَّةُ المأوى} . والثالثة: جنَّة عَدْن {فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} {جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} . الرّابعة: جنَّة الفِرْدَوْسِ {كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفردوس نُزُلاً} ومن جملة الجنان دار السلام، ودار الخلد، وعِلِّيُّون تكملة السبع. السّادس: الجِنَّة - بكسر الجيم - بمعنى الجنّ {مِنَ الجنة والناس} {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس} . السابع: الجِنَّة بمعنى الجنون {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ} . الثامن: الجَنَّ بمعنى السَّتر عن الحاسّة. يقال: جَنَّه اللَّيل وأَجَنَّه، وجَنّ عليه فَجُنَّ: ستره وأَجَنَّه: جعل له ما يَجنه وجَنَّ عليه كذا، ستره. والجَنَانُ: القلبُ لكونه مستوراً عن الحاسّة، والمِجنّ والجُنَّة: التُّرْسُ الَّذى يَجُنّ صاحبه. التَّاسع: الجنين بمعنى الطَّفل فى بطن أُمّه {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ} والجَنِين أَيضاً: القبر فعيل بمعنى فاعل. والأَول بمعنى مفعول. العاشر: الجِنّ. ويقال على وجهين.

أَحدهما: للرّوحانيّين المستَترةِ عن الحوّاسّ كلِّها بإِزاءِ الإِنس. فيدخل فيه الملائكة والشياطين. وكل ملائكةٍ جِنٌ وليس كلّ جنّ ملائكة. وقيل: بل الجِنّ بعض الروحانيين. وذلك أَن الرّوحانيّين ثلاثة: أَخْيَارٌ وهم الملائكة، وأَشرارٌ وهم الشياطين، وأَوساطٌ فيهم خيار وشِرار وهم الجِنّ. ويدلّ على ذلك قوله تعالى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن} إِلى قوله {ومِنَّا القَاسِطُون} . (والجنون أَمر حائل بين النَّفس والعقل) . الحادى عشر: الجانّ بمعنى الحيّة الصغيرة {كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِراً} . الثانى عشر: الجانّ بمعنى أَب الجنّ {وَخَلَقَ الجآن مِن مَّارِجٍ} وقيل هو نوع من الجنّ. الثالث عشر: الجُنَّة التُرْس العريض الوسيع الَّذى يختفى الرّاجل وراءَه {اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} .

بصيرة فى الجرم وما من مادته

بصيرة فى الجرم وما من مادته وقد ورد فى القرآن على ستَّة أَوجهٍٍ: الأَوّل: الْجُرْم بمعنى الشرك، والمجرم بمعنى المشرك {يَوَدُّ المجرم لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} وقيل المراد أَبو جهل وأَصحابه. الثانى: الْجُرم بمعنى اعتقاد أَهل القَدَر، والمجرم القَدَرىّ {إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} قال محمّد بن كعب: هم القَدَريّة. الثالث: بمعنى الفاحشة أَى اللِّواطة. والمجرم اللُّوطىّ {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المجرمين} أَى المشتغلين بها. الرّابع: بمعنى حمل العداوة {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقي} أَى لا يحملنَّكم خلافى {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على أَلاَّ تَعْدِلُواْ} . الخامس: لا جرم بمعنى حَقاً {لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون}

و {لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار} أَى ليس بجُرْم لنا أَنَّ لهم النَّار، تنبيهاً أَنَّهم اكتسبوها بما ارتكبوه. السّادس: بمعنى الإِثم والذنب والزَّلَّة {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} أَى فعلىّ إِثمى. وأَصل الجَرْم قطع الثمرة عن الشَّجرة. والجُرامة: ردئ الثمر المجروم، وجعل بناؤه بناءَ النُّقَاية. واستعير ذلك لكلّ اكتساب مكروه، ولا يكاد يستعمل فى الكسب المحمود، والجِرْم فى الأَصل المجرومُ؛ نحو نِقْض ونِفض للمنقوض والمنفوض، وجعل اسماً للجسم المجروم. وقولهم فلان حسن الجِرْم أَى اللون فحقيقته كقولك: حسن السَحْنَاء. وأَمّا قولهم: حسن الجِرْم أَى الصّوت فالجِرم فى الحقيقة إِشارة إِلى موضع الصّوت لا إِلى ذات الصّوت، ولكن لمّا كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصّوت فُسِّر به، كقولك: فلان طيّب الحلْق، وإِنَّما ذلك إِشارة إِلى الصّوت لا إِلى الْحلْق. وقيل: الفرق بين الجرْم والجسم أَنَّ الجسم يطلق على الأَشخاص الكثيفة، والجِرْم على الموجودات اللَّطيفة كَجرْم الفلك وجرْم الكواكب.

بصيرة فى الجار

بصيرة فى الجار وقد ورد فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى المجير والمعين {وإِنِّى جارٌ لَكُمْ} أَى معين. الثَّانى: بمعنى طلب الجِوار {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ} . الثالث: بمعنى القضاءِ {وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} أَى يقضى ولا يقضَى عليه. الرّابع: بمعنى القريب الدّار {والجار الجنب} أَى القريب الأَجنبىّ، وفى الحديث "الجار أَحقّ بصَقَبه" وفيه "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرِم جاره" وقيل: مكتوب فى التَّوراة: حُسْن الجوار، يَعْمُرُ الدّيار، ويطوّل الأَعمار، ويؤبّد الآثار. والجَوْر على الجار، يخرّب الدّيار، وينقص الأَعمار ويمحو الآثار. قال الشاعر: إِنِّى لأَحسد جاركم لجوراكم ... طوبى لمن أَمسى لدارك جارا يا ليت جاركَ باعنى من داره ... شِبْراً فأُعطيَه بشِبرٍ داراً

بصيرة فى الجب

والجار من الأَسماءِ المتضايفة؛ فإِن الجار لا يكون جاراً لغيره إِلاَّ وذلك الغير جار له كالأَخ والصديق. ولمّا استُعظم حقّ الجار عقلاً وشرعاً عُبّر عن كلّ من يعظم حقُّه أَو يستعظم حقّ غيره بالجار كقوله {والجار ذِي القربى والجار الجنب} وباعتبار القُرب قيل: جار عن الطَّريق. ثمّ جُعل ذلك أَصلا فى كلّ عدولٍ عن الحقّ فبنى منه الجَوْر. قال تعالى: {وَمِنْهَا جَآئِرٌ} أَى عادل عن المَحَجّة. وقيل: الجائر [من الناس] : الممتنع من التزام ما أَمَر به الشَّرع. بصيرة فى الجب وهو البئر التى لم تُطْوَ قال تعالى: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب} وتسميته بذلك إِمّا لكونه محفورا فى جَبُوب أَى فى أَرضٍ غليظة، وإِمّا لأَنَّها قد جُبّت، والجَبّ قطع الشئِ من أَصله كجبّ النَّخل. ويقال: زمن الجِبَابِ كما يقال زمن الصِرَام. وبعيرٌ أَجَبّ: مقطوع السّنام. وجَبَّت المرأَة النساءَ أَى غلبتْهُنّ حُسْناً. استعارة من الجَبّ الَّذى هو القطْع. والجُبّة الَّتى هى اللَّباس منه أَيضاً. وبه شُبِّه ما دخل فيه الرّمحُ من السّنان.

بصيرة فى الجبت

بصيرة فى الجبت الجِبْتُ والجِبْس: الفَسْل الَّذِى لا خير فيه. وقيل التَّاءُ بدل تنبيهاً على مبالغته فى الفُسُولة كقول الشاعر: عَمرْو بنَ يربوع شرارَ النَّات أَى خِساس الناس. ويقال لكلّ ما عُبِد من دون الله تعالى: جِبْت. قال تعالى: {يُؤْمِنُونَ بالجبت والطاغوت} وقد يسمّى السّاحر والكاهن جبْتاً.

بصيرة فى الجبار والجبر

بصيرة فى الجبار والجبر وقد ورد الجبّار فى القرآن على أَربعة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى القهَّار {العزيز الجبار المتكبر} وقيل: هذا من قولهم جَبَرتُ الفقير، لأَنَّه يَجْبر النَّاس بفائض نِعَمه {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} . الثانى: بمعنى القَتَّال بغير حقّ {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} {إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض} {يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} أَى قَتَّال. الثالث: بمعنى الزيادة فى القُوّة والشدّة وطول القَدّ والقامة {إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} أَى أَقوياء عِظَام الأَجسام. ومنه نخلةٌ جَبَّارة. الرّابع: بمعنى المتكبّر {وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً} {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} أَى متكبراً {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} . والمادّة موضوعة لإِصلاح الشئِ بضرب من القهر. يقال: جبرته فانجبر واجتبر. وقد قيل، جَبَرته فجَبَر، قال الشاعر: قد جَبَرَ الدينَ الإِلهُ فَجَبَرْ وقيل الثَّانى تأْكيد للأَوّل أَى قَصَد جَبْره فتمَم جَبْرَه. وقد يستعمل

الجَبْر فى الإِصلاح المجرّد؛ كقول أَمير المؤمنين على: يا جابرَ كل كسير، ومُسَهِّلَ كلّ عسيرٍ، ومنه قولهم للخُبْز: جابر بن حَبَّة. ويستعمل تارة فى القهر المجرّد نحو قوله صلَّى الله عليه وسلَّم "لا جَبْر ولا تفويض". والجَبْرُ فى الحساب: إِلحاق شيءٍ به إِصلاحاً لما يريد إِصلاحه. وسمّى السّلطان جَبْراً كقول الشاعر: وانعم صباحاً أَيّها الجَبْر لقهره النَّاس على ما يريده أَو لإِصلاح أُمورهم. والإِجبار فى الأَصل حَمل الغير على أَن يَجبر الأَمر، لكن تعورف فى الإِكراه المجرد فقيل: أَجبرته على كذا، كقولك: أَكرهته. وسُمّى الذين يدَّعون أَن الله يُكره العباد على المعاصى فى عرف المتكلِّمين مُجْبِرة. وفى قول المتقدّمين: جَبَريِّةٌ وجَبْرِيَّةٌ. والجَبّار فى حَقّ الإِنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادّعاءِ منزِلة من التَّعالى لا يستحقّها. وهذا لا يقال إِلاَّ على طريق الذَّمّ. وما فى الحديث "ضِرْسُ الكافر فى النَّار مثل أُحُدٍ، وغِلَظ جلده أَربعون ذراعاً بذرَاع الجبّار" قال ابن قتيبة: هن الذراع المنسوب إِلى الملِك، الَّذى يقال له ذراع الشَّاه. والجُبَار كغراب الهَدَرُ فى الدّيات، والسّاقطُ من الأَرْشِ. قال: وشادنٍ وجهه نهارُ ... وخدّه الغَضّ جُلَّنار قلت له قد جرحت قلبى ... فقال جُرْح الهَوَى جُبَار

بصيرة فى الجبل

بصيرة فى الجبل وجمعه أَجْبُل وجِبال. وقد ورد فى القرآن على عشرين وجهاً. الأَوّل: جبَال المَوْج للسلامة فى حقّ نُوح، والهَلَكةِ فى حقّ المشركين من قومه {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كالجبال} . الثانى: جبال ثَمُود للمهارة والحِذَاقة {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً آمِنِينَ} وفى موضع {فَارِهِينَ} . الثَّالث: محلّ موسى حال الرؤية {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} . الرابع: جَبَل إِبراهيم لإِظهار القدرة والإِحياء بعد الإِماتة {ثُمَّ اجعل على كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا} . الخامس: جبل بنى إِسرائيل لقبول الأَمر والشريعة {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ} . السّادس: الجبل المذكور لتأْثير المَكْر والحِيلة من القرون الماضية {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال} . السّابع: جبل النَحْل لتحصيل العَسَل للشِّفاءِ والرّاحة {أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً} .

الثامن: المذكور للكنّ والكفاية {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أَكْنَاناً} . التاسع: المذكور لقهر المتكبّرين عن الرّعونة والتكبّر {وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً} . العاشر: تَزَعْزُعُ الجبال بياتاً لصعوبة حال القيامة {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال} {وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً} {وَإِذَا الجبال سُيِّرَتْ} . الحادى عشر: المذكور للمتكبّرين والمدّعين لإِظهار السّياسة {وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً} . الثانى عشر: السّؤال عن حال الجبال وبيان صعوبتها {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال} . الثالث عشر: المذكور بالتَّسبيح موافقةً لداود عليه السّلام {إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال} {ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ} . الرّابع عشر: المذكور للانقياد وموافقته للشجر والنجوم إِظهارا للخدمة {والشمس والقمر والنجوم والجبال} . الخامس عشر: جبال البَرَد والمَطَر {وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} .

السّادس عشر: الإِخبار عن حال الجبال فى القيامة لبيان الحيرة والدّهشة {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ} . السّابع عشر: المذكور لِعَرْض الأَمانة {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال} . الثامن عشر: المذكورة فى سورة الواقعة والحاقَّة والقارعة لتأْثير صعوبة القيامة {وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً} {وَحُمِلَتِ الأرض والجبال} {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} . التَّاسع عشر: المذكور لتثبيت الأَرض وتسكينها {والجبال أَرْسَاهَا} . العشرون: لبيان برهان الموحّدين {وإلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ} . وقد ذكر الله تعالى للجبال فى القرآن خمس مناقب. الأَوّل: الاندكاك {جَعَلَهُ دَكّاً} . الثَّانى: الانشقاق {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء} . الثَّالث: الإِشفاق {وأَشْفَقن منها} . الرّابع، والخامس: الخشوع والخشية {لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله} .

وفى بعض الآثار: إِن الله تعالى زيّن السّماءَ بالكواكب، والكواكبَ بالأَنوار. والأَنوارَ بالحَدَق تنظر إِليها. فإِذا انتثرت الواكب أَتى أَهل السّماء ما يوعدون وزيّن الأَرض بالجبال، والجبالَ بالمعادن، والمعادنَ بالمنافع، والمنافعَ بانتفاع الخَلْق بها، فإِذا انشقَّت الجبالُ أَتى أَهلَ الأَرض ما يوعدون. ويقال: فلان جبل لا يتزحزح تصوّراً لمعنى الثبات فيه. وجَبَله الله على كذا إِشارة إِلى ما رُكِّب فيه من الطبع الَّذى يأْبى على النَّاقل نقلُه. وتُصوّر منه معنى العِظَم فقيل للجماعة جِبِلّ {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً} أَى جماعة تشبيهاً بالجَبَل فى العظم. وقرئ: جِبْلاً وجِبِلاً مخفَّفاً ومثقَّلاً. وقوله تعالى {واتقوا الذي خَلَقَكُمْ والجبلة الأولين} أَى المجبولين على أَحوالهم الَّتى بُنُوا عليها، وسبيلهم التى قُيّضوا لسلوكها المشار إِليها بقوله {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} .

بصيرة فى الجبين

بصيرة فى الجبين وهما جَبِينان من جانبى الجبهة قال تعالى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} . والجُبْن: ضعف القلب عمّا يحقّ أَن يُقَوّى فيه. ورجل جَبَان وامرأَة جبان. وأَجبنته: وجدته جباناً، وحكمتُ بجبنه. بصيرة فى الجبهة وهى موضع السّجود من الرّأْس. وقيل: مُستوَى ما بين الحاجبين إِلى النَّاصية. قال تعالى {فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ} والجَبْهة أَيضاً: سيّد القوم، ومنزل للقمر، والخَيْلُ. وفى الحديث "ليس فى الجَبْهَة صَدَقة" والجبهة: القمر، واسمُ صنم، والمَذلَّةُ. والأَجْبهُ: الأَسَد، والواسع الجبهة الحَسَنُها أو الشاخصها وهى جَبْهَاءُ. وفى الحديث "شكونا إِلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حَرّ الرَّمضاء فى جِباهنا فلم يُشْكنا" أَى لم يُزِل شكوانا. ومن تسبيح الملائكة: سبحان من سجدت له الجباه، سبحان من تحرّكت بذكره الشِّفاه، سبحان من سبّحت له الأَلسنة فى الأَفواه، سبحان من بقدرته يتفجّر الصّخور بالأَمواه.

بصيرة فى الجبى

بصيرة فى الجبى وهو جَمْع الماءِ فى الحوض. والموضع الجامع له جابية. وجمعا جَوَابٍ؛ كقوله تعالى {وَجِفَانٍ كالجواب} وعنه استعير جَبَيت الخراج جِبَايةً. ومنه قوله تعالى {قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} أَى يقولون: هَلاَّ احتبيتها تعريضاً منهم بأَنَّك تخترع هذه الآيات وليس من عند الله. واجتباءُ الله العبد تخصيصيه إِيّاه بفيض إِلهى يتحصّل له من أنواع من النِّعم بلا سعىٍ. وذلك للأَنبياءِ ولبعض من يقاربهم من الصدّيقين والشهداءِ. قال تعالى: {يجتبي إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ ويهدي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} . بصيرة فى الجث وهو القَلْع يقال: جَثَثْته فانجثَّ، وجَثَثته فاجتثَّ. قال تعالى: {اجتثت مِن فَوْقِ الأرض} أَى اقتُلعت جثتها. والمِجَثَّة: ما يُجثّ به. وجُثَّة الشئِ: شخصه الناتئ. والجُثّ: ما ارتفع من الأَرضِ كالأَكَمَة.

بصيرة فى الجثى

بصيرة فى الجثى وجثا كدَعَا ورمى جُثوّا وجُثِيَّا بضمِّهما: جلس على ركبتيه، أَو قام على أَطراف أَصابعه. وأَجثاه غيره. وهو جاثٍ والجمع جُثِىّ وجِثِىّ. وجاثيت رُكْبتى إِلى ركبته، وتجاثَوْا على الرُكَب. والجَثَاء كسحاب: الشخص - ويُضم - والجزاءُ والقَدْر والزُّهَاءُ. وجَثَوث الإِبل وجَثَيْتها: جمعتها وقوله تعالى: {وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً} [يصح أَن يكون] جمعا [وأَن يكون مصدراً موصوفا به] . بصيرة فى الجثم قال تعالى: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} وهو استعارة للمقيمين من قولهم: جَثَم الطائر إِذا قعد ولطئ بالأَرض. والجُثْمان: شخص الإِنسان قاعداً. وجُثْمانِيّة المَاء: وَسَطه أَو مجتمعهُ. والجثَّامة: السيّد الحليم والرّجل البليد والنَئُوم الكسلان الَّذى لا يسافر. وكذلك الجُثَمة والجُثَم والجاثوم.

بصيرة فى الجحد

بصيرة فى الجحد وهو نَفْى ما فى القلب ثَبَاتُه، أَو إِثباتٌ ما فى القلب نفيه. قال تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ} وتَجَحّد تخصّصَ بفعل ذلك. يقال: رجل جَحْد: شحيح قليل الخير يظهر الفقر. وأَرض جَحْد: قليلة النبت. بصيرة فى الجحم والجَحْمة: شدَّة تأَجّج النَّار. ومنه الجحيم وهو النَّار الشديدة التأَجُّج. وكل نار بعضُها فوق بعض جحِيم وجَحْمَة وجُحْمة. وجَحَمهَا: أَوقدها فجُحمَت جُحوماً أَى عظمت. وجحِمتْ - كعلمتْ - جَحَماً وجُحْماً وجُحوماً: اضطرمت. والجاحم: الجَمْر الشَّديد الاشتعال والمكانُ الشَّديد الحَرّ، ومن الحرب: معظمُها. وتجاحم: تحرّق حِرْصاً وبُخلاً. والجُحُم - بضمّتين - القليل الحياءِ. وفى بعض الآثار أَنَّ دَرَكات النَّار سبعة: هاويةُ للفراعنة، ولَظى لعبدة الأَوثان، وسَقر للمجوس، والجحيم لليهود، والحُطَمة للنَّصارى، وسعير للصّابئين، وجهنَّم لعصاة المؤمنين.

بصيرة فى الجد

وورد الجحيم فى القرآن على وجهين: أَحدهما: بمعنى النَّار الَّتى أَوقدها نمرُود اللَّعين للخليل إِبراهيم عليه السّلام {قَالُواْ ابنوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الجحيم} . الثَّانى: بمعنى النار الَّتى أَعَدّها الله للمجرمين والكفَّار {وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ} ولهذا نظائر. بصيرة فى الجد وورد فى القرآن والأَخبار واللُّغة على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى أَبِ الأَبِ وأَب الأُمّ، وبمعنى البَخت، وبمعنى العظمة، وبمعنى الحَظِّ، وبمعنى القَطْع. وهو أَصل الكلمة. وجددتُ الثوب إِذا قطعته على وجه الإِصلاح، وثوب جديد أَصله المقطوع ثمّ جعل لكلّ ما أُحدث إِنشاؤه. وقال تعالى: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} إِشارة إِلى النَّشأة الثانية. وقوبل الجديد بالخَلَق لمّا كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثوب، ومنه قيل لِلَّيل والنَّهار: الجديدان والأَجَدَّان. وقوله تعالى: {وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ} جمع جُدَّةٍ أَى طريقة ظاهرة، من قولهم: طريق مجدودٌ أَى مسلوك مقطوع. ومنه جادّة الطَّريق. وسمّى الفيض الإِلهىُّ جَدّاً. قال تعالى: {وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا} أَى

فَيضه. وقيل: عظمته وهو يرجع إِلى الأَوّل، وإِضافته إِليه على سبيل اختصاصه بملكه. وسمّى ما جعله الله للإِنسان من الحظوظ الدنيويّة جَدّاً وهو البخت فقِيل جُدِدْت حَظِظْتُ. وقوله "لا ينفع ذا الجَدّ منك الجد" أَى لا يُتوصّل إِلى ثواب الله فى الآخرة بالجَدّ، وإِنَّما ذلك بالجِدّ فى الطّاعة. ومنه قولهم: الأَمرُ بالجَدّ لا الجِدّ يعنون الأُمور الدّنيوية. قال الشاعر: وما بالمرءِ من عيبٍ وعار ... إِذا ما النَّائبات إِليه قَصْدُ بجَدّك لا بجِدّك ما تلاقى ... وما جِدُّ إِذا لم يُغْنِ جَدُّ وللشافعى: أَرى هِمم المرءِ اكتئاباً وحسْرة ... عليه إِذا لم يُسْعدِ الله جَدّه وما للفَتى فى حادثِ الدّهرِ حيلةً ... إِذا نَحْسُه فى الأَمر قابل سعدَه وقيل: فى معنى (لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ) أَى لا ينفع أَحداً نسبُه وأُبوته. فكما نفى نفع البنين فى قوله {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ} كذلك نفى نفع الأُبوّة فى هذا الحديث: قال الشاعر: الجَدّ والجِدّ مقرونان فى قَرَنٍ ... والجَدّ أَوجد للمطلوب وِجْداناً

بصيرة فى الجدر

بصيرة فى الجدر والجِدار كالحائط، إِلاَّ أَنَّ الحائط يقال اعتباراً بالإِحاطة، والجدار يقال اعتباراً بالنتوءِ والارتفاع. وجمعه [جُدُر، وجُدُورٌ وجُدْران] . وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل: بمعنى حصار بنى قُرَيْظَة والنَّضير {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ} . الثانى: جدار موسى والخَضِر {جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} . الثَّالث: سرّ الجدار فى حقِّ اليتيمين {وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ} . وجدَدْت الجدار: رفعته. واعتُبر فيه معنى النتوءُ فقيل: جَدَر الشَّجرُ إِذا خرج ورقُه. ويسمّى النبات الناتئ من الأَرض جَدَراً، الواحدة جَدَرَة. وأَجدرت الأَرضُ: أَخرجت ذلك. وجُدِر الصبىّ وجَدّر إِذا خرج جُدَرِيُّهُ تشبيهاً بجَدَر الشجر. والجَيْدَر: القصير، اشتُقّ من الجدار وزيد فيه حرف على سبيل التهكُّم. والجَدِير المنتهَى لانتهاءِ الأَمر إِليه كانتهاءِ الشَّئِ إِلى الجدار. وقد جَدُر بكذا - ككرمَ - فهو جَدِير، وما أَجدره بكذا وأَجْدِرْ به.

بصيرة فى الجدال

بصيرة فى الجدال وهو المعارضة على سبيل المنازعة والمغالبة. وأَصله من جَدَل الحَبْل: أَحكم فَتْله؛ كأَنَّ كلا من المتجادلين يفتِل الآخر عن رأيه. وقد ورد فى القرآن على وجوه مختلفة: الأَوّل: معارضة نوح وقومه {يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا} . الثانى: مجادلة أَهل العُدْوان {أتجادلونني في أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ} . الثالث: جدال إِبراهيم والملائكة فى باب قوم لوط {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} . الرّابع: جدال صناديد قريش فى إِثبات إِله العالمين {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله} وجدال الكفَّار فى باب القرآن {إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله} وجدال المنكِرين فى إِنكار الحجّة والبرهان، بالشُّبهة والبطلان {وَجَادَلُوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} وجِدَالُ النبىّ صلّى الله عليه وسلَّم فى باب الخائنين من المنافقين {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الذين يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} وجدال الصّحابة فى حقِّهم {هَا أَنْتُمْ هاؤلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحياة الدنيا فَمَن يُجَادِلُ الله عَنْهُمْ} وجدال النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَهل الكتاب

بصيرة فى الجذ

باللّطف والإِحسان {وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ} وجدال الصّحابة إِيّاهُمْ {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ} وجدال بمعنى الخصومة بين الحُجَّاج {وَلاَ جِدَالَ فِي الحج} وجدال ابن الزِّبَعْرَى فى حقّ عيسى وعُزَير والأَصنام {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً} وجدال موجودٌ فى جِبلَّة الإِنسان {وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} . وقيل الأَصل فى الجدل: الصّراع وإِسقاط الإِنسان صاحبه على الجَدَالة أَى الأَرض الصُّلبة. والأَجدل: الصّقر المحكَّم البنْية. والمِجْدَل: القصر المحكَم البناء. بصيرة فى الجذ وهو كسر الشئِ وتفتيته. ويقال لحجارة الذهب المكسورة ولُفتات الذهب: جُذاذٌ. قال تعالى {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} أَى كِسَراً وقِطَعاً. قال الشاعر: شِمْ ما انتَضيْت فقد تركت غِرارَه ... قِطَعاً وقد ترك العباد جُذَاذاً وقوله تعالى: {عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أَى غير مقطوع عنهم ولا مخترم ولا منقوص.

بصيرة فى الجذع

بصيرة فى الجذع وهو واحِدُ جذوع النَّخل. وفى المثل: خُذْ من جِذع ما أَعطاك، يضرب فى اغتنام ما يجود به البخيل. وقيل: المراد بالجذع فى المثل جذع بن عمرو الغَسّانى، كان من أَبخل النَّاس. قال تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} . بصيرة فى الجذوة وهى - بتثليث - الجيم - القَبْسة من النَّار. والجذوة أَيضاً: الجمرة. والجذوة أَيضاً: الَّذى يبقى من الحطب بعد الالتهاب. والجمع جِذاً وجَذاً وجِذَاءٌ كرِشاءٍ. قال تعالى: {أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} وأَجْذتِ الشجرة صارت ذات جذوة. والجذَاة - كقناة - أُصول الشجر العظام. والجمع جِذَاء كجبال.

بصيرة فى الجرح

بصيرة فى الجرح وهو كلّ أَثرٍ دامٍ فى الجلد. جَرَحه جَرْحاً فهو جريح مجروح. وسمّى القَدْح فى الشاهد جَرْحاً تشبيهاً به. وتسمّى الصّائدة من الفهود والكلاب جارحة، والجمع جوارح: إِمّا لأَنها تَجْرح، وإِمّا لأَنَّها تكسِب. وسمّى الأَعضاء جوارح لأَحد هذين. والاجتراح: اكتساب الإِثم. وأَصله من الجِرَاحة؛ كما أَنَّ الاقتراف من قرف القَرْحة. وورد الجرح فى القرآن على معنيين: الأَوّل: الجَرْح بمعنى الكسب {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِينَ} أَى الكواسب. الثانى: بمعنى الجراحة {والجروح قِصَاصٌ} قال الشاعر: رميتكِ من حكم القضاءِ بنظرة ... ومالى عن حكم القضاءِ مَنَاصُ فلمّا جَرحْتُ الخَدّ منكِ بنظرة ... جَرحتِ فؤادى والجروح قصاص

بصيرة فى الجراد

بصيرة فى الجراد وهو معروف. ويجوز أَن يجعل أَصلاً يشتقّ من فعله جَرَد الأَرض. ويصحّ أَن يقال: سُمّى بذلك لجردهِ الأَرض من النبات. يقال: أَرض مجرودة أَى أُكِل ما عليها حتَّى تَجَرَّدت، وفرس أَجرد: منحسِر الشعر، وثوب جَرْد أَى خَلَق وذلك لذهاب زهرته وقوّته. وروى "جَرِّدوا القرآن" أَى لا تُلبِسُوهُ شيئا آخر ينافيه. وجَرِد الإِنسانُ - كفرح - شَرِى جِلدُه من أَكل الجراد. قال تعالى {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد} وفى بعض الآثار ما معناه: إِنَّ لله ثلثمائة أَلف جُنْدٍ أَحدها الجرادُ، فإِذا أَراد فناء العالم بدأ بالجراد فأَهلكه فإِذا هلك الجراد هلك الجميع بعده. وكان عمر - رضى الله عنه - إِذا قلّ الجراد يحزن خوفاً منه على قرب زوال الدّنيا. بصيرة فى الجرز قال تعالى: {صَعِيداً جُرُزاً} أَى منقطِع النبات من أَصله. وأَرض مجروزة: أُكِل ما عليها. والجُرُوز: الَّذى يأْكل ما على الخِوَان. والجارِز: الشديد من السُّعال، تُصوّر منه معنى الجَرْز وهو قطع الشَّيءِ بالسّيف. وسَيفٌ جُرَازٌ - كغراب -قَطَّاع.

بصيرة فى الجرف

بصيرة فى الجرف قال تعالى: {على شَفَا جُرُفٍ هارٍ} يقال للمكان الَّذى يأْكله الماءُ فيجْرُفه أَى يذهب به: جُرُف وجُرْف. وقد جَرف الدّهر ماله أَى اجتاحَه تشبيهاً به. ورجل جُرَاف - كغراب - نُكَحة كأَنَّه يَجْرُف فى ذلك العمل. بصيرة فى الجرى وهو المرّ السّريع، وأَصله لمرّ الماءِ ولما يجرى بجريه. جرى يجرى جِرْية وجَرَيَاناً وجَرْياً. وقوله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} وقوله: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} أَى فى السّفينة التى تجرى فى البحر. وجمعها جَوَارٍ. قال تعالى: {وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر} ويقال للحوصلة: جَرِّيَّة إِمّا لانتهاءِ الطَّعام إِليه فى جَرْيه، أَو لأَنَّه مَجْرَى الطَّعَام. والإِجريَّا: العادة التى يجرى عليها الإِنسان. والجَرِىُّ: الوكيل والرّسول الجارى فى الأَمر، وهو أَخصّ من الرّسول والوكيل. وقد جرَّيتُ جَرِيّاً: أَرسلت رسولاً. وقوله عليه

بصيرة فى الجزء

السلام: (لا يستجرينَّكم الشَّيطان) يصحّ أَن يدّعى فيه معنى الأَصل أَى لا يحملنَّكم أَن تجروا فى ائتماره وطاعته، ويصحّ أَن تجعله من الجرَى أَى الرّسولِ والوكِيل ومعناه: لا تتولَّوْا وكالة الشيطان ورسالته. بصيرة فى الجزء جُزْءُ الشئ: ما يتقوّم به جُملته كأَجزاءِ السّفينة وأَجزاءِ البيت وأَجزاء الجملة من الحساب. وقوله {لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} أَى نصيب وذلك [جزءُ] من الشئ. وقوله {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} أىَ نصيبا من الأَولاد، وقيل: ذلك عبارة عن الإِناث من قولهم: أَجزأَت المرأَة: ولدتْ أُنثى. وجَزَأَ الإِبلُ مَجْزأً وجَزْءًا: اكتفى بالبقل عن شرب الماءِ. وجُزْأَة السّكين: العُود الَّذى فيه السِّيلان، تصوّراً أَنَّه جزءٌ منه. وفى الأَثر: إِنَّ الله تعالى جزَّأَ الدنيا على ثلاثة أَجزاء. فجزءٌ للكافر، وجزءٌ للمنافقين، وجزءٌ للمؤمن. فالكافر يتمتَّع، والمنافق يتزيّن، والمؤمن يتردّد. وقيل: إِنَّ الله تعالى جعل العقل أَلف جزءٍ أَعطَى منها تسعمائة وتسعين لمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وفرّق جزءاً واحداً على جميع الخلائق وضرب الله له من ذلك الجزءِ نصيبا، قال الشاعر: فهِى أَلفُ جزءٍ، رأْيُه فى زمانه ... أَقَلُّ جُزَىْءٍ بعضُه الرَّأْى أَجمعُ

بصيرة فى الجزاء

بصيرة فى الجزاء وهو الغَنَاءُ والكفاية والمكافأَة بالشئِ وما فيه الكفاية من المقابلة إِنْ خيراً فخير وإِنْ شرّاً فشرٌّ. وقد ورد فى القرآن على ستَّة أَوجهٍ: الأَوّل بمعنى: المكافأَة والمقابلة {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تجزى} أَى تقابل. الثَّانى بمعنى: الأَداءِ والقضاءِ {واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} أَى لا تَقْضِى ولا تؤدّى. الثالث بمعنى: الغُنْية والكفاية {واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} . الرَّابع بمعنى: العِوَض والبَدَل {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} أَى فبدلُه ومبدله. الخامس: خَرَاج أَهل الذِّمّة {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} السَّادس بمعنى: ثواب الخير والشرّ {اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ثمّ يختلف. فالجزاءُ على الإِحسان {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} وجزاءُ السيئة {مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ} {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ

سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} والجزاءُ على شكر النِّعم {إِنَّ هاذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} وجزاءُ الصَّبر على البلاءِ والابتلاءِ {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ} {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليوم بِمَا صبروا} {يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ} وجزاء العمل الصَّالح وكسب الخيرات {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وجزاءُ كسب السيّئات وعمل المعاصى {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وجزاءُ الوَرَع والتَّقوى {كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين} وجزاءُ عَدَاوَةِ أَهل الحقّ {ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ الله النار} وجزاءُ القول الباطل {اليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الحق} وجزاءُ الجامعين بين الإِساءَةِ والإِحسان {لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى} وجزاءٌ على خزائن الخاص {جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} وجزاءٌ عطائىّ بلا واسطةِ عِلَّةٍ ووسيلةٍ عنديّة {جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً} . وسمّيت ما يؤخذ من أَهل الذِّمة جزية للاجتزاءِ بها فى حَقْنِ دمهم. ويقال: جازيك فلان أَى كافيك. قال بعض المفسّرين: لم يجئ

بصيرة فى الجس

إِلاَّ جَزَى دون جازى. وذلك أَنّ المجازاة هى المكافأَة والمكافأَة مقابلة نعمةٍ بنعمةٍ هى كفؤها، ونعمة الله تتعالى عن ذلك. ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأَة فى الله تعالى. بصيرة فى الجس قال تعالى {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} وأَصل الجَسّ مَسُّ العِرْق وتَعَرُّف نَبْضه للحكم به على الصحّة والسّقم. وهو أَخصّ من الحَسّ؛ فإِنَّ الحَسّ تعرُّف ما يدركه الحسّ والجسُّ تعرُّف حال ما من ذلك. ومن لفظ الجَسّ اشتقّ الجاسوس. بصيرة فى الجسد وهو كالجسم إِلاَّ أَنّه أَخصّ. قال الخليل: لا يقال الجسد لغير الإِنسان من خَلْق الأَرض ونحوه. وأَيضاً فإِنَّ الجسد يقال لما له لونٌ والجسم لما لا يبين له لَوْن كالماءِ والهواءِ. وورد فى القرآن على ثلاثة وجوه. الأَوّل بمعنى: الشيطان {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً} أَى شيطاناً. الثانى بمعنى: صورة لا روح فيها {عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ} . الثالث بمعنى: البَدَن {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام} وباعتبار

بصيرة فى الجعل

اللَّون قيل للزعفران: جِسَادٌ، وثوبُ مُجَسّد: مصبوغ به. والجَسَد والجاسد: ما يبِس من الدّم. والجسم ماله طول وعرض وعمق، ولا يخرج أَجزاءُ الجسم عن كونها. أَجساماً وإِن قُطِعَ وجزِّئ. وقوله تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} تنبيهاً أَن لا وراءَ الأَشباح معنى معتدّ به. والجُسْمان هو الشخص والشخص قد يخرج عن كونه شخصاً بتقطيعه وتجزئته بخلاف الجسم. بصيرة فى الجعل ويرد فى القرآن وكلامهم على ثلاثة عشر وجها. الأَوّل بمعنى: التَّوَجّه والشُّروع فى الشئِ. يقال: جعل يفعل كذا وطفِق وأَنشأَ وأَخذ وأَقبل يفعل كذا أَى اشتغل به. الثانى بمعنى: الخَلْق {وَجَعَلَ الظلمات والنور} {جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً} {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} . الثالث بمعنى: القول والإِرسال {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} أَى قلناه وأَنزلناه. الرّابع بمعنى: التسوية {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ} {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} {يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} أَى يهيِّئ. الخامس بمعنى: التَّقدير {قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} أَى قَدَّرَ.

السّادس بمعنى: التبديل {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} . السّابع بمعنى إِدخال شئ فى شئٍ {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق} . الثامن بمعنى: الإِيقاع فى القلب والإِلهام {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذين اتبعوه} . التَّاسع بمعنى: الاعتقاد {الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلاها آخَرَ} {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} . العاشر بمعنى: التسمية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} . الحادى عشر بمعنى: إِيجاد شئ عن شئ وتكوينه منه {جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} . الثَّانى عشر: فى تصيير الشئ على حالةٍ دون حالة، نحو: {جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً} . الثَّالث عشر: الحكم على الشئ حقّاً كان أَو باطلاً، أَمّا الحقُّ فنحو: {إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين} وأَمّا الباطل فنحو قوله: {وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً} . وفى الجملة يكون بمعنى: فَعَل فى أَصل المعنى. وعلى أَىّ معنًى ذكرته فلا يخلو من معنى الفعل، والجَعْلُ أَعمّ من الفعل والصنع وسائر أَخواتهما

بصيرة فى الجفن

والجُعْل والْجُعَالة والجَعِيلة: ما يُجعل للإِنسان على فعل شئ. وهو أَعمّ من الأَجر والثواب. بصيرة فى الجفن الجَفْنة خصّت بوِعاءِ الإِطعام. وجمعها جِفان، قال تعالى {وَجِفَانٍ كالجواب} وفى الحديث "وأَنت الجَفْنة الغَرّاء" أَى المطعام. وقيل للبئر الصّغيرة: جَفْنة تشبيهاً بها. والجَفْن خُصَّ بوعاءِ السّيف والعين، والجمع أَجفان. وسُمّى الكَرْم جَفْنا تصوّراً أَنه وِعاء للعِنب. بصيرة فى الجفاء وهو ما يَرمِى به الوادى أَو القِدْر من الغثاءِ إِلى جوانبه. يقال أَجفأَت القِدْر زَبَدَها: أَلقته جُفَاءً. وأَجفأَت الأَرضُ: صارت كالجُفاءِ فى ذهاب خيرها. وقيل: أَصل ذلك الواو لا الهمزة، يقال: جَفَت القدرُ وأَجْفَت، ومنه الجَفَاء وقد جفوته أَجفُوهُ جَفْوة وجَفَاءً ومن أَصله أُخذ: جفا السرْجُ عن ظهر الدابّة: نبا عنه. بصيرة فى الجلال والجليل والجلالة الجَلاَلة: عِظَمُ القَدْر والجلال - بغير هَاءٍ -: التَّناهى فى ذلك. وخُصّ بوصف الله تعالى فقيل: ذو الجلال والإِكرام. ولم يُستعمل فى غيره قَطُّ.

بصيرة فى الجلب

والجليل: العظيم القَدْرِ فى ذاته وصفاته وأَقواله وأَفعاله. ووصفُه به إِمّا لخَلْقِه الأَشياءَ العظيمة المستدلَّ بها عليه، أَو لأَنَّه - تعالى - يجلُّ عن الإِحاطة به، أَو لأَنَّه يجلُّ عن إِدارك الحواسِّ. وموضوعه للجسم العظيم الغليظ ولمراعاة معنى العِظَم فيه قوبل بالدّقيق، وقوبل العظيم بالصّغير. فقيل: جليل ودقيق، وعظيم وصغير. وقيل للبعير: جليل، وللشَّاة: دقيق لاعتبار أَحدهما بالآخر، فقيل ما له جليل ولا دقيق، وما أَجَلَّنى وما أَدَقَّنى: ما أَعطانى بعيراً ولا شاةً، ثمّ جُعل ذلك مَثَلاً فى كل كبيرٍ وصغيرٍ. والجليل نوع من الشَّوكِ من أَعظم أَصنافه، قال: أَلا لَيْتَ شِعْرى هل أَبيتَنَّ ليلةً ... بمكَّة حولى إِذخِرٌ وَجَلِيلُ بصيرة فى الجلب وهو السَّوقِ. وأجلب عليه: صاح عليه بقهر. قال تعالى {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} جَلَبَ الشيءَ يجلُبُه ويجلِبه جَلْباً وجَلَباً. وجلبت الشئ إِلى نفسى واجتلبته بمعنى. قال الشاعر: وقد يجلِبُ الشئ البعيدَ الجوالبُ والجَلُوبة: ما يُجلب للبيع. جالوتُ أَعجمىّ لا سبيل له فى العربيّة.

بصيرة فى الجلد

بصيرة فى الجلد وهو قِشْر البدن. والجمع جُلُود قال تعالى {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} فالجُلُود عبارة عن الأَبدان، والقلوب عن النفوس. وقوله تعالى: {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} فقد قيل: الجُلُود هنا كناية عن الفروج. وجَلَده: نَحْوُ بَطَنه وظَهَره، أَو ضربه بالجِلْد نحو عَصَاه إِذا ضربه بالعصا. وفى الحديث: "مَنْ مسّ جلده جلدى لم تَمَسّ النارُ جلده أَبداً" وقال بعض الأَعراب وقد عُزِّر وحُبِس: وليس بتعزير الأَمير خَزَايةٌ ... علىَّ ولا عارٌ إِذا لم يكن حَدّا وما السجْنُ إِلا ظلّ بيت سكينةٍ ... وما السوط إِلاَّ جِلدة صافحت جِلْدا وقال آخر: وجدْت الحُبّ نيراناً تَلَظَّى ... قلوبُ العاشقين لها وَقُودُ فلوفنيت إِذا احترقت لهانت ... ولكن كلما احترقت تعود كأَهل النَّار إِذْ نَضِجَتْ جُلُودٌ ... أُعيدت للشَّقاءِ لهم جُلُود قال تعالى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} . وجاءَ بمعنى: بيان عذاب الأَشقياء {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ والجلود}

بصيرة فى الجلس

وفى حدّ الزَّانيين {فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} إِلى قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين} وفى شهادتهما على عصيان العاصين فى المحشر {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم} {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} وقيل: هو كناية عن الفَرْج، وفى اتِّخاذ الأَخبية {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا} الآية، وفى خشية الخائفين وقت سماع القرآن {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} وفى الاطمئنان بالذِّكر واللُّطف والرّحمة من الله تعالى {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} . بصيرة فى الجلس أَصل الوضع فيه أَنَّ الجَلْس: الغليظ من الأَرض. ويسمّى النَجْد أَى المكان المرتفع جَلْسا أَيضاً. وأَصل الجلوس أَن يقصد وضع مقعدِه فى جَلْسِ من الأَرض، ثمّ جعل الجلوس لكلِّ قعود، والمجلس لِكلِّ موضع يقعد فيه الإِنسان. وقيل: الجلوس إِنَّما هو لمن كان مضطجعاً، والقعود لمن كان قائماً، باعتبار أَنَّ الجالس مَن يقصد الارتفاع أَىْ مكاناً مرتفعاً وإِنَّما هذه يتصوّر فى المضطجع، والقاعدُ بخلافه فيناسب القائم.

بصيرة فى الجلاء والتجلى

بصيرة فى الجلاء والتجلى جلا القومُ عن الموضعِ ومنه جَلْواً وجَلاَءً، وأَجْلُوا: تفرّقوا. وقيل: جلا يكون من الخوف، وأَجلى من الجدْب. وأَصل الجَلْو الكشف الظَّاهر. وقد أَجليت القوم عن منازلهم فجلَوْا عنها أَى أَبرزتهم. ويقال جلاه. ومنه جلالى خبر وخبر جَلِىّ وقياس جَلِىّ، وجلوت العروس جِلْوة، والسّيفَ جِلاَءً. والسماءُ جَلْواء أَىْ مُصْحية. والتجلِّى قد يكون بالذَّات نحو {والنهار إِذَا تجلى} وقد يكون بالأَمر والفعل نحو {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} . والجالية: أَهلُ الذِّمّة؛ لأَنَّ عمر رضى الله عنه أَجلاهم من جزيرة العرب. وأَجلولَى: خرج من بلد إِلى بلد. بصيرة فى الجم قال تعالى {حُبّاً جَمّاً} أَى كثيراً والجَمّ والجميم الكثير من كل شئ. جَمّ يجِمّ ويَجُمّ جُمُوماً: كثر واجتمع، كاستجمّ. وجمّ البئرُ: تراجع ماؤها. وجَمّة السّفينة: الموضع الَّذى يجتمع فيه الماءُ الراشح من خِرُوزها. والجُمَّة - بالضمّ - مجتمعِ شَعَرِ الرأْس. وأَصل الكلمة من

بصيرة فى الجمع

الجَمَام أَى الراحة للإِقامة. وجِمَام المكُّوك دقيقاً وجُمام القدح ماء إِذا امتلأَ حتى عجز عن تحمُّل الزِّيادة. وجاءَ القوم جَمَّا غفيراً والجَمَّاء الغفير أَى بأَجمعهم. وشاة جمَّاء. لا قَرْنَ لها، اعتبارا بجمَّة الناصية. بصيرة فى الجمع وهو ضمّ الشئ بتقريب بعضه من بعض. جمعته فاجتمع. وقد ورد الجمع فى القرآن على ثلاثين وجهاً: الأَوّل لجمع المال والنِّعمة {جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} ، وجمع النَّهْب والغارة {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} وجمع الإِلزام والحجّة {جَمَعْنَاكُمْ والأولين} وجمع إِظهار القُدرة {أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} وجمع الهَوْل والهَيْبة وجَمْع الشَّمس والقمر، وجمع القراءَة والمتابعة {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} وجمع الحِرص والآفة {وَجَمَعَ فأوعى} وجمع يوم القيامة {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع} وله نظائر. وجمع الجماعة والجُمعة {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة} وجمع الانتظار بين الدّنيا والآخرة {لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} وجمع الحرب والهزيمة {سَيُهْزَمُ الجمع} ،

وجمع الإِرادة والمشيئة {جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ} وجمع المصير والرّجعة {يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المصير} وجمع القضاءِ والحكومة {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} وجمع السجدة والتحيَّة {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} وجمع الوسواس والغوَايَة {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} وجمع هديَّة الهداية {فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} وجمع الرّجوع من الغُربة {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} وجمع السَّحَرَة للمكر والحيلة {فَجُمِعَ السحرة لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} وجَمْع النَّاس للنِظَارَةِ والعِبْرَة {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ} وجمع التعظيم والحرمة {على أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حتى يَسْتَأْذِنُوهُ} وجمع الغلبة والنُصرة {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} وجمع العجز والجهالة {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن} وجمع العَرْض والسّياسة {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} وجَمْع التأْخير والْمهْلة {إِنَّكَ جَامِعُ الناس لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} وجمع التعْبير والملامة {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} وجمع التحذير والخَشية {إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} وجمع طلب العلم والحكمة {حتى

أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين} {بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} وجمع أَرباب النبوّة والرّسالة {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} وجمع الاتِّفاق والعِزَّة {فأجمعوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ} وجمع الجُرأَة والغفلة {وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب} وجمع الحضور فى الحضرة {يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس} وجمع الفضل والرّحمة {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} وجمع الهُدَى والضَّلالة {فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان} وجمع الظَّفر والغنيمة {يَوْمَ الفرقان يَوْمَ التقى الجمعان} ويقال المجموع جَمْع وجَمَاعة وجميع. وورد الجمع فى القرآن على ثلاثين وجهاً أَيضاً: للمِنَّة علينا بما فى السّماوات والأَرض {خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً} وتسخير الموجودات لنا {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ} وقرئ: جميعاً مِنَّةً. رجوع الكلِّ إِلىّ فى العاقبة {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} حَشْر الكلَّ عندنا {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} القوّة كلّها لنا {أَنَّ

القوة للَّهِ جَمِيعاً} العزَّة كلّها لنا {إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً} نَشْر الكل من بطن الأَرض جميعاً {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً} يودّ الكافر او يفتدى بكل ما فى الأَرض جميعاً {وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً} اليهود لا يقاتلونكم إِلاَّ وهم فى حصونٍ حصينة {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} لا تحسبوا أَنَّ اليهود متَّفقون ظاهراً وباطناً {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى} ادّعت كفَّارُ مكَّة أَنَّهم كلُّهم متوازرون منتقمون {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} السّماءُ والأَرض فى قَبضة قدرتنا {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة} جميعُ الشفاعات مسلَّمة بحكمنا {قُل لِلَّهِ الشفاعة جَمِيعاً} نحطُّ العفو على الذنُّوب كلِّها {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} الخلائق كلّهم يأْتون حضوراً بحضرتنا {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} لمّا عصيتَنا يا آدم اخْرجْ من جهتنا مع سائر العاصين {اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً} ادّعى عسكر فرعون أَنَّهم كلّهم على حَذَرٍ فى أَمرهم {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} لا بأْس عليكم فى التَّفرّق والاجتماع إِذا كنتم أَصدقاء {أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً} توبوا يا أَهل الإِيمان {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون} نادِ يا محمّد أَنِّى رسول الله

إِلى كلِّ الخلائق {إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} ولو أَردنا لهدينا الكُلّ {أَن لَّوْ يَشَآءُ الله لَهَدَى الناس جَمِيعاً} ولو أَراد الله لأَورد النَّاس مورد الإِيمان {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعاً} تعلّق رجاءُ يعقوب بوصول أَولاده إِليه كلِّهم {عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} نحن قهرنا فرعون ومن معه {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً} سيبرز الكل فى عَرَصات القيامة {وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً} الأَخابث وما عملوا إِلى النَّار {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً} يعاقب بعضُهم بعضاً فى دخولها {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً} ونحن نجمع المنافقين والكافرين فيها {إِنَّ الله جَامِعُ المنافقين والكافرين فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} لأَنَّ جهنَّم موعد المسيئين يملؤها منهم {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} . قال الشاعر: صَوْن الفتى عِرْضَه عمّا يدنِّسه ... وصونه ماله ما ليس يجتمع ما طاب قوم وإِن عَزُّوا وإِن كَثُروا ... حتى يطيب لهم تفريقُ ما جمَعوا

بصيرة فى الجمال

بصيرة فى الجمال وهو الحُسْن الكثير. وهو على ضربين: جمال مختصّ بالإِنسان فى ذاته أَو شخصه أَو فِعله. والثانى: ما يصل منه إِلى غيره. وعلى هذا الوجه يُحمل ما صحّ عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: "إِنَّ الله جميل يحبّ الجمال" تنبيهاً أَنَّه يُفيض الخيرات الكثيرة فيحبّ من يختصّ بذلك. جَمُل ككرم فهو جميل وجُمَالٌ وجُمّالٌ على التكثير. وجامَله: لم يُصْفِه الإِخاءَ وماسحه بالجميل. وجَمَالَكَ أَلاَّ تفعل كذا أَى لا تفعلْه والزم الأَجمل. واعْتُبِرَ من هذه المادّة معنى الكثرة، فقيل لكلِّ جماعة غير منفصِلة: جُمْلة. ومنه قيل للحساب الَّذى لم يفصَّل، والكلام الَّذى لم يبيّن تفصيله: مُجمل. والجميل: الشَّحم يذاب فيجمع ويَجْمُل أَكله. وقالت أَعرابية لبنتها: تجمّلى وتعفَّفِى، أَى كلى الجَمِيل واشربى العُفافة أَى اللَّبن الحليب. وقد ورد فى القرآن هذه المادّة على وجوه: {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً} أَى مجتمعاً كما أُنزل نجوماً متفرّقة، وبمعنى المحاسنة والمجاملة {فاصفح الصفح الجميل} وبمعنى الصَّبر بلا جزاء {فاصبر صَبْراً جَمِيلاً} وقال يعقوب عليه السّلام {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} وبمعنى مقاطعة الكفَّار

على الوجه الحسن {واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً} وبمعنى إِطلاق النِّساءِ على الوجه الجميل {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} وبمعنى الحُسْن والزِّينة {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} وبمعنى البعير البازل {حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط} وجمعه جِمَالٌ وأَجمال وجِمَالة وجمائل وجامل، وهذا من نوادر الجموع كالباقر لجماعة البقر وراعيها، ومنه قوله تعالى {كَأَنَّهُ جمالت صُفْرٌ} وقرئ جُمَالات وهى جمع جُمَالة بالضمِّ وقيل هى القُلُوس: قُلُوس السُّفُن. ومن دعائه صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللَّهمّ جمِّلنى بالتَّقوى وزيّنى بالحِلْم وأَكرمنى بالعافية". قال الشاعر: ليسَ الجَمَالُ بمئْزَرٍ ... فاعْلَمْ وإِن رُدِّيتَ بُردا إِنّ الجَمَالَ معادِنٌ ... ومَنَابِتٌ أَورثن مجدا وقال آخر: أُقبِّل أَرضا سار فيها جِمَالها ... فكيف بدار دار فيها جَمَالها على كلِّ حال أُمُّ عمرو جميلة ... إِذا لبست خَلْقانها أَو جديدها وقال آخر: جَمَال معيشة المُثرِى ... جِمَالٌ تُدْمِن الحركهْ فإِذا أُنيخ ببابه ... أُنيخت حوله البركة

بصيرة فى الجنب

بصيرة فى الجنب وأَصله الجارحة. وجمعه جُنُوب ثمّ يستعار فى النَّاحية الَّتى تليها، كعادتهم فى استعارة سائر الجوارح كذلك؛ نحو اليمين والشَّمال. وقيل: جَنْب الحائط وجانبه. والصّاحب بالجَنْب أَى القريب. وقيل كناية عن المرأَة، وقيل: عن الرّقيق فى السّفر. وقوله {والجار الجنب} أَى القريب وقوله {فِي جَنبِ الله} أَى فى أَمره وحدّه الَّذى حَدّهُ لنا وسار جَنْبيه وجَنَابَيْهِ وجَنَابَتَيْهِ أَى جانبه. وجَنَبْتُهُ: أَصبت جَنْبه نحو كَبَدَته ورأَسته. وجُنِب بمعنى اشتكى جَنْبه نحو كُبِدَ وفُئِدَ. وبُنى الفعل من الجَنْب على وجهين: أَحدهما الذّهابُ عن ناحيته، والثانى الذّهاب إِليه. فالأَول نحو جَنَبْته واجتنته، قيل: ومنه الجار الجُنُب أَى البعيد قال: فلا تَحْرِمَنِّى نائلا عن جَنَابة أَى عن بعد [نسب] . [غربة] وقوله تعالى {واجتنبوا الطاغوت} عبارة عن تركهم إِيَّاها {فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وذلك أَبلغ من قولك:

اتركوه. وجُنِب بنو فلان كعُنى، إِذا لم يكن فى إِبلهم لَبَن. وجُنب فلان خيراً وجُنِّب شرّاً، وإِذا أُطلق فقِيل: جُنب فلان فمعناه: أُبعد عن الخير وذلك يقال فى الدّعاءِ وفى الخَبَرِ. قال تعالى {واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} من جَنَبته عن كذا أَى أَبعدته. وقيل: هو من جَنَبت الفَرَس: جعلته جَنِيباً، كأَنَّمَا سأَله أَن يقوده عن جانِب الشِّرك بأَلطاف منه وأَسباب خفيّة. والتجنيب: الرَّوْح فى الرّجلين، وذلك إِبعاد إِحدى الرّجلين عن الأُخرى خِلْقة. وقوله تعالى {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً} أَى أَصابتكم الجنابة. وذلك بإِنزال الماءِ أَو بالْتقاءِ الخِتانَيْن. وقد جُنِب كعُنْى وأَجْنب كأَكرم واجتنب وتجنَّب. وسمّيت الجَنَابة بذلك لكونها سبباً لتجنب الصلاة فى حكم الشَّرع. والجَنُوب يصحّ أَن يعتبر فيها معنى المجئ من جَنْب الكعبة، وأَن يعتبر فيها معنى الذِّهاب عنه، لأَنَّ المعنيين فيها موجودان. واشتُقّ من الجَنُوب جَنَبَتِ الرّيحُ: هبّت جَنُوباً. وأَجنبنا: دخلنا فيها. وجُنبنا: أَصابتنا. وسحابة مجنوبة: هبّت عليها الجَنُوبُ. والجَنْب وما اشتقّ من هذه المادّة ورد فى القرآن على أَنحاءِ: الأَوّل: الجَنْب بمعنى الأَمر {على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله} أَى فى أَمر الله. الثانى: جُنُوب المقصّرين فى أَداءِ الزكاة {فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} .

الثالث: جنب المشتاقين إِلى اللِّقاءِ {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع} . الرابع: جَنْب المشتغلين بذكر الحقّ تعالى {يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِهِمْ} . الخامس: الجَنْب بمعنى العصمة {واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} . السادس: بمعنى الجنابة {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} وبمعنى الأَجنبىِّ البعيد من النّسبة والقرابة (والجار الجُنُب) . السابع: التجنب أَى تبعد أَبى جهل عن موعظة القرآن {وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى} . الثامن: بمعنى صيانة الله تعالى أَبا بكرٍ من العذاب {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى} . التاسع: الأَمر بالتباعد عن عبادة الأَوثان {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} . العاشر: الأَمر بالتَّبَاعد عن الزُّور والبهتان {واجْتَنِبُوا قوْلَ الزُّور} . الحادى عشر: الأَمر بالتَّبَاعد عن شرب الخمر {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه} . الثانى عشر: الأَمر بالتَّوقى عن سوءِ الظنّ فى حق المؤمنين {اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن} . الثالث عشر: فى الثناءِ على المتبعِّدين من الكبائر والفواحش {الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش} {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} .

بصيرة فى الجنح

بصيرة فى الجنح وقد ورد فى القرآن من هذه المادّة على وجوه: بمعنى الميل {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا} وبمعنى جَنَاح المَلَك {أولي أَجْنِحَةٍ مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} وبمعنى الإِبْط {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} أَى يدك. وبمعنى التواضع {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} أَى أَلِنْ جانبك. ومنه {واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة} استعارة، لأَنَّ الذُّلَّ ضربان: ضرب يضع الإِنسان، وضرب يرفعه. وقُصِدَ هنا ما يرفعه، فاستعير لفظ الجناح له. والمعنى: استعمل الذل الذى يرفعك عند الله من أَجل رحمتك لهم. وبمعنى أَجنحة الطُّيور {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} وسمّى جانبا الشئ جناحيه، فقيل: جناحاَ السفينة، وجناحا العسكر، وجناحَا الوادى، وجناحا الإِنسان لجانبيه. وأَمّا الجُناح بالضمّ فورد بمعنيين: بمعنى الحَرَج {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النسآء} وبمعنى الإِثم فى العُقبى {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في آبَآئِهِنَّ} ولكلٍّ نظائرُ. سمّى به لأَنَّه مائل بالإِنسان عن الحقّ.

بصيرة فى الجند

والجِنْح - بالكسر -: قطعة من اللَّيل مظلمة لأَنَّها جانب منه. وفى الحديث "إِنّ الملائكة لَتَضَعُ أَجنحتَها لطالبِ العلمِ رضاً بما يصنع". بصيرة فى الجند وهو العسكر، سمّى به اعتباراً بالغِلَظ والاجتماع من الجَنَد بالتَّحريك وهو الأَرض الَّتى فيها الحجارة المجتمِعة؛ ثمَّ يقال لكلِّ مجتمع: جُنْد نحو "الأَرواحُ جنود مجنَّدة" وجَمْع الجُنْد أَجناد وجُنود. وقوله تعالى {إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} فالجنود الأُولى من الكفَّار، والثانية من الملائكة. بصيرة فى الجهد بالفتح والضم وهو الطَّاقة والمَشَقَّة. وقيل بالفتح: المشقَّة، وبالضمّ الْوُسْع. وقيل: الجهد: ما يَجْهَد الإِنسان. قوله تعالى {لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أَى حَلفوا واجتهدوا فى الحلفِ أَن يأْتوا به على أَبلغ ما فى وُسْعهم. والاجتهاد: أَخْذ النَّفس ببذل الطَّاقة، وتحمّل المشقَّة فى العبادة. يقال جَهَدت رأْيى واجتهدت: أَتعبته بالفكر. والجهاد والمجاهدة: استفراغ الوُسْع فى مدافعة

العدُوِّ. قال صلَّى الله عليه وسلَّم "المجاهِد مَن جاهد نفسه فى طاعة الله" وكان إِذا رجع من الغَزْو يقول: "رجعنا من الجهاد الأَصغر إِلى الجهاد الأَكبر" وقال "أَفضل الجهادِ مجاهدة النَّفس" وقال للنِّساءِ "لكنَّ أَفضل الجهاد: حجّ مبرور" وسأَله رجل عن الخروج إِلى الغَزْو فقال "أَوالدَِاك فى الأَحياءِ؟ قال: بلى. قال: ففيهما فجاهِدْ". قال الشاعر: يا من يجاهد غازيا أَعداءَ دين الله ... يرجو أَن يعان ويُنْصرا هلاَّ غشِيت النفس غزواً إِنها ... أَعدى عدوّك كى تفوز وتظفرا مهما عنَيت جهادها وعنادها ... فلقد تعاطيت الجهاد الأَكبرا وقال آخر فى الجهد ومعنييه: تعاليت عن قدر المدائح صاعداً ... فسيّان عفو القول عندك والجَهْد وإِنى لأَدرى أَنَّ وصفك زائد ... على منطقى لكن على الواصف الجُهْد وإِنّ قليل القول يكثر وَقْعُه ... إِذا عُرِفت فيه الموالاة والودّ وورد فى القرآن على معان: الأَول: مجاهدة الكفَّار والمنافقين بالبرهان والحجّة {جَاهِدِ الكفار والمنافقين} {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً} .

الثانى: جهاد أَهل الضَّلالة بالسّيف والقتال {وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين} {هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله} . الثالث: مجاهدة مع النفس {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} . الرابع: مجاهدة مع الشيطان بالمخالفة طمعاً فى الهداية {والذين جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} . الخامس: جهاد مع القلب لنيل الوصْل والقُرب {وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتباكم} . والحقّ أَن يقال: المجاهدة ثلاثة أَضرب: مجاهدة العدوّ الظَّاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النَّفْس. ويدخل الأَضرب الثلاثة فى {وَجَاهِدُوا فى اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ} وفى الحديث: "جاهدوا أَهواءَكم كما تجاهدون أَعداءَكم" والمجاهدة تكون باليد واللِّسان. قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "جاهدوا الكفَّار بأَيديكم وأَلسنتكم".

بصيرة فى الجهر

بصيرة فى الجهر قال الله تعالى {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} وقال تعالى: {أَرِنَا الله جَهْرَةً} . والمادّة موضوعة لظهور الشئ بإِفراط لحاسّة البصر أَو لحاسّة السّمع. أَمّا للبصر فنحو قولك: رأَيته جِهَاراً. وأَمّا للسّمع فنحو قولك: جهر بالكلام. وكلام جَهْورِىّ وجَهِير ورجل جَهير: رفيع الصوت، والَّذى يجهر بحسنه: وجَهَر البئر، واجتهرها: أَظهر ماءَها. والجوهر فَوْعل منه، وهو ما إِذا بطل بطل محمولُه، وسمّى بذلك لظهوره للحاسّة. بصيرة فى الجل وقد ورد فى القرآن على خمسة عشر وجهاً: الأَوّل: فى ذكر آدم بحمل الأَمَانَة {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} . الثانى: خطاب لنوح عليه السّلام أَن يحفظ رَقْم الجهالة على نفسه بدعوة الجَهَلة ودعائهم {إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} . الثالث: ذكر هود عليه السّلام قومه لمّا امتنعوا عن إِجابة الحقّ {ولاكني أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} .

الرّابع: استعاذة موسى بالحقّ عن ملابسة الجَهَلة {أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين} وقال مرّة {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وقال يوسف: إِن لم تُبَذْرِقْنى بعصمتك أَصير من جملة الجُهَلاءِ {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجاهلين} وقال تعالى {إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} وخاطب نبيّه وحبيبه. {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين} قل يا محمّد لنسائك يَجْتَنِبْنَ من التَزيىّ بزىّ الجهلاءِ {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية} {فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية} {ولاكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} ما صدر من العصاةِ من المعاصى فبسبب جهلهم {عَمِلُواْ السواء بِجَهَالَةٍ} ليكن جوابك لخطاب الجاهلين سلاماً طلباً للسّلامة {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} {لاَ نَبْتَغِي الجاهلين} . والجهل نقيض العلم، جهِله يَجْهَله جَهْلاً وجَهَالة. وجَهِل عليه: أَظهر الجَهْل كتجاهل. وهو جاهل. والجمع جُهُل وجُهْل وجُهّل وجُهّال وجُهَلاءُ.

والجهل على ثلاثة أَضرب: الأَول: خلوّ النَّفس من العِلْم، هذا هو الأَصل. وقد جَعَل بعض المتَكَلِّمين الجهل معنًى مقتضياً للأَفعال الخارجة عن النِّظام، كما جعل العِلْم معنًى مقتضياً للأَفعال الجارية على النِّظام. الثانى: اعتقاد الشئ على خلاف ما هو عليه. الثالث: فعل الشئ بخلاف ما حقًَّه أَن يُفعل، سواءٌ اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أَو فاسداً كمن يترك الصّلاة عمداً. وعلى ذلك قوله {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين} . فجعل فعل الهُزُو جهلاً. والجاهل يُذكر تارة على سبيل الذمّ وهو الأَكثر، وتارة لا على سبيل الذمّ نحو {يَحْسَبُهُمُ الجاهل أَغْنِيَآءَ مِنَ التعفف} أَى مَنْ لا يَعْرِف حالهم. وليس المراد المتَّصف بالجهل المذموم. والمَجْهل كَمَقْعد: الأَمر والأَرض والخَصْلة التى تحمل الإِنسان على الاعتقاد بالشئ بخلاف ما هو عليه. واستجهلت الرّيحُ الغُصْن: حَرّكته كأَنها حملته على تعاطى الجهل. وذلك استعارة حسنة. والمَجْهلة: ما يحملك على الجهل. والمِجْهَل والمِجْهلة - بكسر ميمهما - والْجَيْهَلُ والْجَيْهَلة: خَشَبة يُحَرّك بها الجَمْر.

بصيرة فى الجهم

بصيرة فى الجهم وهو الوجه الغليظ المجتمع السّمْج. وقد جَهُم جُهُومةً وجَهَامة. وجَهَنَّم: اسم لنار الله الموقدة فارسىّ معرّب، أَصله جَهَنَّام وقيل: عربىّ سمّيت به نار الآخرة لبعد قعرها، من قولهم: بئر جَهَنَّام وجِهَنَّام وجُهَنَّام أَى بعيدة القَعْر. وإِنَّمَا لم يُجْرَ لثقل التَّعريب وثقل التَّأْنيث. بصيرة فى الجوب وهو قَطْع الجَوْبة وهى الغائط من الأَرض، ثمّ يستعمل فى قطع كل أَرض كقوله تعالى {جَابُواْ الصخر بالواد} ويقال هل عندك جائبة خبرٍ. وجواب الكلام هو ما يقطع الجُوَب فيصلُ من فم القائل إِلى سمع المستمع، لكن خُصّ بما يعود من الكلام، دون المبتدإِ من الخطاب. والجوابُ يقال فى مقابلة السؤال. والسّؤال على ضربين: طلب مقال وجوابه المقالُ، وطلب نوال وجوابه النَّوالُ. فعلى الأَوّل قوله تعالى {ياقومنآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله} وعلى الثانى {أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا} أَى أُعطِيتما ما سأَلتما.

بصيرة فى الجار والجأر والجارى

والاستجابة قيل: هى الإِجابة. وحقيقتها هى التحرّى للجواب والتَّهيّؤ له، لكن عبّر به عن الإِجابة لقلَّة انفكاكها منها. قال تعالى {ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ} . بصيرة فى الجار والجأر والجارى أَمّا الجار فمَن يَقرب مسكنه من مسكنك. وهو من الأَسماءِ المتضايفة، فإِنَّ الجار لا يكون جاراً لغيره حتَّى يكون ذلك الغير جاراً له؛ كالأَخ والصّديق ونحو ذلك. ولمّا استُعظم حقّ الجار شرعاً وعقلاً عُبّر عن كلِّ مَنْ يعظم حقَّه أَو يَستعظم حقّ غيره بالجار، كقوله تعالى {والجار ذِي القربى والجار الجنب} ويقال: استجرت فأَجارنى، وعلى هذا قوله تعالى {وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} وقوله تعالى {وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} . وقد تُصوّر من الجار معنى القُرْب فقيل لما يقرب من غيره: جارُه. وجاوره وتجاوروا قال تعالى {وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ} وباعتبار القرب قيل: جارَ عن الطَّريق. ثم جُعِل ذلك أَصلاً فى كلِّ عدول عن كلِّ حَقّ، فبُنى منه الْجوْر، قوله تعالى {وَمِنْهَا جَآئِرٌ} أَى عادل عن المُحَجَّة. وقيل: الجائر من النَّاس هو الذى يمتنع عن التزام ما يأمر به الشَّرع.

وأَمّا الجَأَر بالهمزة، فهو الإِفراط فى الدّعاءِ والتضرّع، تشبيهاً بجوار الوَحْشِيَّات؛ كالظّباءِ وغيرها. وأَمّا الجارى والجارية والجوار ففى القرآن على ستَّة أَوجه: الأَوّل: بمعنى مَسير الشَّمس فى الفَلَك {والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} . الثانى: لسَيَلان الأَنهار فى الجَنَّةِ {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} ولهذا نظائر فى التنزيل. الثالث: بمعنى سَيَلان أَنهار الدُّنيا {وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ} أَى تحت أَمرهم وتصرُّفهم. الرّابع: بمعنى جَرَيَان أَنهار مصر {وهاذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتيا} قاله فرعون. الخامس: بمعنى السّفينة {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} {فالجاريات يُسْراً} {وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر} . السّادس: بمعنى الحَوْراءُ من الحُور العين. قال الشاعر: فى الخُلْد جارية بالفُنْج ماشية ... للزَّوج ساقية فى شَطِّ أَنهار من عنبر خُلِقت بالمسك قد عُجِنت ... باللُّطفِ قد ثقبت فى نفس أَبكار

بصيرة فى الجواز

بصيرة فى الجواز قال تعالى {فَلَمَّا جَاوَزَهُ} أَى تجاوَز جَوْزَهُ والْجَوْز: وَسَط الطَّريق. وجاز الشَّئ جَوَازاً كأَنَّه لزم جَوْز الطَّريق، وذلك عبارة عمّا يَسُوغ. وجَوْز السّماءِ: وَسَطها. والجوزاء قيل سمّيت بذلك لأَنَّها معترِضة فى جَوْز السّماءِ. وشاة جَوْزَاءُ: أَبيض وسطُها. وجُزْت المكان: ذهبتُ فيه. وأَجزته أَنفذته وخلفته. وقيل: استجزت فلاناً فأَجازنى إِذا استسقيته فسقاك، وذلك استعارة. والمَجَاز من الكلام: ما تجاوز موضوعَه الذى وضع له، والحقيقة ما لم يتجاوز ذلك. بصيرة فى الجوس وهو الدّخول فى وسط المكان. ولعلَّ السّين مبدلة من الزاى لقرب المخرج. وقال تعالى {فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار} أَى توسّطوها وتردّدوا بينها. وقيل: الجَوْس: طلب، الشَّئ بالاستقصاءِ. يقال: جاسوا وداسوا.

بصيرة فى المجيء والجيئة

بصيرة فى المجيء والجيئة وقد ورد فى القرآن على خمسة عشر وجهاً: الأَوّل: جَيْئة الهَيْبة من الملِك والملَك {وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً} . الثانى: جَيْئة السيّارة {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ} . الثالث: جيئة الخَجَالة {وجآءوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ} . الرّابع: جَيْئة الصّيانة {فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى استحيآء} . الخامس: جَيْئَة النَّصيحة من حزقيل لموسى {وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى المدينة يسعى} . السّادس: جَيْئة الدّعوة من حبِيب النَّجار لأَصحاب ياسين {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى} السّابع جَيئة الرّسالة من المصطفى {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} . الثامن: جيئة المَعْذِرة {وَإِذَا جَآءَكَ الذين يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} . التاسع: جَيْئَة النَّصيحة من المنافقين {إِذَا جَآءَكَ

المنافقون} . العاشر: جيئة الغَمْز والنَّميمة {إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا} . الحادى عشر: جيئة أَهل الطَّاعة والمعصية إِلى جهنَّم والجنَّة {حتى إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} . الثَّانى عشر: جيئة الحَسْرة والنَّدامة على قُرناءِ السّوءِ بالصّحبة {حتى إِذَا جَآءَنَا قَالَ ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} . الثالث عشر: جَيْئة المكر والحِيلة من الكَفَرة لبنىّ الأُمّة {إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ} . الرّابع عشر: جيئة النَّصرة من ربّ المغفرة لنبىّ المَلْحَمة {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} . الخامس عشر: جيئة المناجاة والقُرْبة {وَلَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} . والجَيْئة والمجئ بمعنى الإِتيان لكن المجئ أَعمّ؛ لأَنَّ الإِتيان مجئ بسهولة، والإِتيان قد يقال باعتبار القصد وإِن لم يكن منه الحصولُ، والمجئ يقال اعتباراً بالحصول. وقد يقال: جاءَ فى الأَعيان والمعانى، وربّما يكون مجيئهُ بذاته وبأَمره، ولمن قصد مكاناً أَو عملاً أَو زماناً قال تعالى {وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} {فَإِذَا جَآءَ الخوف} {فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً} أَى قصدوا الكلام وتعمّدوهُ، فاستعمل فيه المجئ كما استعمل فيه القصد. وقوله تعالى {وَجَآءَ رَبُّكَ} فهذا بالأَمر لا بالذَّات، وهو قول ابن عباس. ويقال:

جاء بكذا وأَجاءَه. قال تعالى {فَأَجَآءَهَا المخاض إلى جِذْعِ النخلة} قيل ألجأَها، وإِنما هو معدّىً عن جاءَ. وجاءَ بكذا: استحضره نحو {لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} ويختلف معناه بحسب اختلاف المجئ به. وجاياه مجاياة لغة فى المهموز أَى قابله. والجَوُّ والجَوَّة: الهواءُ، قال تعالى {فِي جَوِّ السمآء} والجمع جِوَاءٌ كجبال. والجَوُّ: اليمامة، وثلاثة عشر موضعاً غيرها.

الباب السابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الحاء

الباب السابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الحاء

بصيرة فى الحاء

بصيرة فى الحاء وهى يَرد على عشرة أَنحاء: الأَوّل: حرف من حروف التَهَجّى يذكَّر ويؤنَّث، مخرجه وَسَطُ الحَلْق قرب مخرج العين، ويمدّ ويقصر، والنسبة حائىّ وحاوىّ وحَيَوىّ وتقول منه حَيّيت حاء حَسَنة وحَسَناً والجمع أَحْواء وأَحْيَاءُ وحاءَات. الثانى: فى حساب الجُمّل اسم لعدد الثمانية. الثالث: الحاءُ الكافية الَّتى يكتَفى بها عن سائر حروف الكلمة كقول الله تعالى (حم) فقيل: الحاءُ حكمهُ، وقيل حكمته، وقيل مِن حُمّ الأَمْرُ أَى قُضِىَ ما هو كائن. الرّابع: الحاءُ المكرّرة مثل سحّر وصحّحَ. الخامس: الحاءُ المدغمة مثل صحّ وأَلحّ. السّادس: حاءُ العَجْز والضَّرورة، كقول الهنود الهَمْدُ لله. السّابع: الحاء الصّوت من قبيل الزَّجر. مبنىّ على الكسر كقولك: حاءِ وعاءِ فى زَجْر الغنم ودعائه. الثامن: الحاءُ الأَصلىّ فى الكلمة نحو حاءُ حمد ومدح ورحم. التَّاسع: الحاءُ المبدلة نحو مَدَحَ ومَدَهَ وأَنَه أُنُوها وأَنَح إِذا زَحَرَ عند السّؤال.

بصيرة فى الحب والمحبة

العاشر: الحاءُ اللغوىّ قالَ [الخليل] الحاءُ عندهم المرأَة البذيئة اللِّسان السّليطة قال: جدودى بنو العنقاءِ وابن محرّق ... وأَنت ابن حاء بَظْرها مثل مُنخُل بصيرة فى الحب والمحبة ولا يُحدّ المحبّة بحدّ أَوضح منها، والحدود لا تزيدها إِلاَّ خفاءً وجفاءً فحدّها وجودها. ولا توصف المحبّة بوصف أَظهر من المحبّة، وإِنَّما يتكلَّم النَّاس فى أَسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأَحكامها، فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستّة. وهذه المادّة تدور فى اللُّغة على خمسة أَشياءَ: أَحدها الصّفاء والبياض ومنه قيل حَبَب الأَسنان لبياضها ونضارتها. الثانى: العُلُوّ والظُّهور ومنه حَبَب الماءِ وحَبَابه وهو ما يعلوه من النفاخات عند المطر، وحَبب الكأْس منه. الثالث: اللُّزوم والثبات ومنه حَبَّ البعير وأَحبّ إِذا برك فلم يقُم. الرَّابع: اللُّباب والخلوص. ومنه حَبّة القلب لِلبّه وداخله. ومنه الحَبّة لواحدة الحبوب إِذ هى أَصل الشئ ومادَّته وقوامه. الخامس: الحفظ والإِمساك

ومنه حُبّ الماءِ للوعاءِ الَّذى يُحفظ فيه ويمسكه، وفيه معنى الثُّبوت أَيضاً. ولا ريب أَنَّ هذه الخمسة من لوازم المحبّة، فإِنَّها صفاءُ المودّة وهَيَجان إِرادة القلب وعلوّها وظهورها منه لتعلُّقها بالمحبوب المراد وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزوم لا تفارق، ولإِعطاءِ المحبّ محبوبه لبّه وأَشرف ما عنده وهو قلبه، ولاجتماع عَزَماته وإِراداته وهُمومه على محبوبه. فاجتمعت فيها المعانى الخمسةُ. ووضعوا لمعناها حرفين مناسبين للشَّئ غاية المناسبة: الحاء الَّتى من أَقصى الحَلق والباء للشفة الَّتى هى نهايته، فللحاءِ الابتداء وللباء الانتهاء، وهذا شَأْن المحبّة وتعلُّقها بالمحبوب، فإِنَّ ابتداءَها منه وانتهاءَها إِليه. ويقال فى فعله: حبَبت فلاناً بمعنى أَصبت حَبَّة قلبه، نحو شَغَفته وكَبَدته وفأَدته، وأَحببت فلاناً جعلت قلبى مُعَرَّضاً لأَن يُحِبّه. لكن وضع فى التعارف محبوب موضعَ مُحَبّ واستعمل حبَبت أَيضاً فى معنى أَحببت، ولم يقولوا مُحَبّ إِلاَّ قليلاً قال: ولقد نزلتِ فلا تظنى غيره ... منى بمنزلة المُحَبّ المكرم وأَعطَوْا الحُبّ حركة الضمّ الَّتى هى أَشدّ الحركات وأَقواها، مطابَقة لشِدّة حركة مسمَّاه وقوّتها، وأَعطَوُا الحِبّ وهو المحبوب حركة الكسر لخفَّتها عن الضمَّة، وذلك لخفَّة ذكر المحبوب على قلوبهم وأَلسنتهم مع إِعطائه

حكم نظائره كنِهْد وذِبْح للمنهود والمذبوح وحِمْل للمحمول، فتأَمّل هذا اللُّطف والمطابقة والمناسبة العجيبة بين اللَّفظ والمعنى يُطلعْك على قَدْر هذه اللغة الشريفة وإِنَّ لها لشأْنا ليس كسائر اللغات. وقد ذكر الله تعالى ذلك فى مواضع كثيرة من التنزيل الحميدىّ منها {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} {والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ} {وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله} {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله} {والله يُحِبُّ المحسنين} {والله يُحِبُّ الصابرين} {إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين} {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} {إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير} {ولاكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان} وقال تعالى {والله لاَ يُحِبُّ الفساد} {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وقال تعالى {إِنِ

استحبوا الكفر عَلَى الإيمان} أَى آثروه عليه. وحقيقة الاستحباب أَن يتحرّى الإِنسانُ فى الشئ أَن يحبّه. واقتضى تعديتُه بعَلى معنى الإِيثار، وفى الحديث الصّحيح "إِذا أَحبّ الله عبداً دعا جَبْرئيلَ فقال: إِنى أُحِبُّ فلاناً فأَحِبَّه فيحبّه جبرئيل، ثم ينادى فى السّماءِ فيقول: إِنَّ الله يحبّ فلاناً فأَحِبُّوه فيحبّه أَهْلُ السّماءِ، ثمّ يوضَع له القَبولُ فى الأَرض" وفى البُغْض ذُكِر مثل ذلك. وفى الصّحيح أَيضاً: "ثلاث مَن كُنَّ فيه وَجَد بهنّ حلاوة الإِيمان: أَن يكون الله ورسولُه أَحبَّ إِليه مِمَّا سواهما، وأَن يحبّ المرءُ لا يحبّه إِلاَّ لله"، وفى صحيح البخارىّ: "يقول الله تعالى: مَن عادى لى وليّاً فقد آذَنْتُهُ بالحرب، وما تقرب إِلىّ عبدى بشىءٍ أَحبَّ إشلىَّ من أَداءِ ما افترضته عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إِلىّ بالنَّوافل حتَّى أُحبّه. فَإِذَا أَحببته كنت سمعَه الَّّذى يسمع به، وبصرَه الَّذى يبصر به، ويدَه الَّتى يبطِش بها ورجلَه التى يمشى بها. وإِن سأَلنى أَعطيته ولئن استعاذنى لأُعيذنَّه". وفى الصّحيحين من حديث أَمير السّريَّة الذى كان يقرأُ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} لأَصحابه فى كلِّ صلاة وقال: لأَنَّها صفة الرّحمن وأَنا أُحبّ أَن أَقرأَ بها فقال النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَخبروه أَنَّ الله يحبّه" وعن التِّرمذى عن

أَبى الدَرداءِ يرفعه: "كان مِن دعاءِ داود عليه السّلام: اللهمّ إِنِّى أَسأَلك حبّك وحبّ من يحبّك، والعملَ الَّذى يبلِّغنى حبَّك. اللَّهم اجعل حُبّك أَحبّ إِلىّ من نفسى وأَهلى، ومن الماء البارد". وفيه أَيضاً من حديث عبد الله بن يزيد الخَطْمِىِّ أَنَّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقول فى دعائه: "اللهمّ ارزقنى حبّك وحبّ من يحبّك وحبّ مَن ينفعنى حبُّه عندك. اللهمّ ما رزقتنى ممّا أُحبّ فاجعله قوّة لى فيما تحبّ، وما زَوَيت عنِّى ممّا أُحبّ فاجعله فراغاً لى فيما يحبّ". والقرآن والسنَّة مملوءَان بذكر مَن يحبّ اللهُ سبحانه من عباده، وذكر ما يحبّه من أَعمالهم وأَقوالهم وأَخلاقهم. فلا يلتفت إِلى مَن أَوَّل محبّته تعالى لعباده بإِحسانه إِليهم وإِعطائهم الثواب، ومحبّةَ العباد له تعالى بمحبّته طاعته والازدياد من الأَعمال لينالوا به الثواب، فإِن هذا التأْويل يؤدّى إِلى إِنكار المحبّة، ومتى بطلت مسأَلة المحبّة بطلت جميع مقامات الإِيمان والإِحسان، وتعطَّلت منازلُ السَّيْر، فإِنَّها رُوح كلِّ مَقَام ومنزلةٍ وعمل، فإِذا خلا منها فهو ميّت، ونسبتها إِلى الأَعمال كنسبة الإِخلاص إِليها، بل هى حقيقة الإِخلاص، بل هى نفس الإِسلام، فإِنَّه الاستسلام بالذُّل والحُبّ والطَّاعة لله. فمن لا محبَّة له لا إِسلام له البتَّة. ومراتب المحبّة عشرة: الأَوّل العلاقة والإِرادة والصبابة، والغرام

وهو الحبّ اللاَّزم للقلب ملازمةَ الغريم لغريمه، ثمّ الوُدّ وهو صفو المحبّة وخالصها ولُبّها، ثمّ الشغَف، شُغِفَ بكذا فهو مشغوف أَى وَصَل الحُبّ شَغَاف قلبه وهو جِلدة رقيقة على القلب، ثمّ العشق وهو الحبّ المفرط الَّذى يُخاف على صاحبه منه، وبه فسّر {وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ثمّ التَتَيُّم وهو المحبّة والتذلُّل، تَيَّمه الحُبّ أَى عَبَّده وذَلَّله وتَيْم الله عَبْد الله، ثمَّ التعبّد وهو فوق التتيُّم فإِنَّ العبد الذى مَلَك المحبوبُ رِقَّه فلم يبق له شئ من نفسه البتَّة، بل كلُّه لمحبوبه ظاهراً وباطناً. ولمَّا كَمّل سيّد ولد آدم هذه المرتبة وصفه الله بها فى أَشرف مقاماته بقوله {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} وفى مقام الدّعوة {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ} وفى مقام التحدّى {وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا} وبذلك استحقّ التقدّم على الخلائق فى الدّنيا والآخرة. العاشر: مرتبة الخُلَّة الَّتى استحقّ التقدّم على الخلائق فى الدّنيا والآخرة. العاشر: مرتبة الخُلَّة الَّتى انفرد بها الخيلان إِبراهيم ومحمّد عليهما الصّلاة والسّلام؛ كما صحّ عنه "إِنَّ اللهَ اتَّخذنى خليلاً كما اتَّخَذَ إِبراهيم خليلاً" وقال "لو كنت متَّخِذاً من أَهل الأَرض خليلاً لاتَّخذتُ أَبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الرّحمن" والخلَّة هى المحبّة الَّتى تخلَّلْت روح [المحب] وقلبه حتى لم يبق فيه موضع لغير محبوبه. والأَسبابُ الجالبة للمحبة عشرة: الأَول: قراءَة القرآن بالتَّدبّر والتفهُّم لمعانيه وتفطُّن مراد الله منه. الثانى: التَّقَرّب إِلى الله تعالى بالنَّوافل بعد

الفرائض؛ فإِنَّها توصِّل إِلى درجة المحبوبيَّة بعد المحبّة. الثالث: دوام ذكره على كلِّ حال باللٍّسان والقلب والعلم والحال فنصيبه من المحبّة على قدر نصيبه من هذا الذكر. الرابع: ايثار مَحَابِّه على محابّك عند غلبات الهوى. الخامس: مطالعة القلب لأَسمائه وصفاته ومشاهدتها وتقلُّبه فى رياض هذه المعرفة ومباديها فمن عرَف الله بأَسمائه وصفاته وأَفعاله أَحبّه لا محالة. السادس مشاهدة بِرّه وإِحسانه ونِعمه الظَّاهرة والباطنة. السابع: وهو من أَعجبها - انكسار القلب بكلِّيَّته بيْن يديه. الثامن: الخَلْوة به وقت النُّزول الإِلهىّ لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقالب والقلب بين يديه، ثم خَتْم ذلك بالاستغفار والتَّوبة. التَّاسع: مجالسة المحبّين والصّادقين والتقاطُ أُطايب ثمرات كلامهم وأَلاَّ يتكلم إِلاَّ إِذا ترجّحت مصلحةُ الكلام وعَلِم أَنَّ فيه مزيداً لحالِهِ. العاشر: مباعدة كلِّ سبب يحول بين القلب وبين الله عزَّ وجَلَّ. فمن هذه الأَسباب وصل المحبّون إِلى منازل المحبّة، ودخلوا على الحبيب وفى ذلك أَقول: تِلاوةُ فهمٍ معْ لزوم نوافل ... وذكرٌ دواماً وانكسارٌ بقلبه وإِيثار ما يُرْضِى شهودَ عطائه ... ووقت نزول الحقّ يخلو بربّه مطالعة الأَسما مجالسة القُدَى ... مجانبة الأَهوا جوالب حُبه

بصيرة فى الحبر

بصيرة فى الحبر وهو الأَثر المستحسن. وبالكسر والفتح: الرّجل العالم؛ لما يبقى من أثر علومه فى قلوب النَّاس، ومن آثار أَفعاله الحسنة المقتدى بها، وجمعه أَحبار. قال تعالى {والربانيون والأحبار} وقال {إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأحبار} وإِلى المعنى المذكور أَشار المرتضى رضى الله عنه بقوله: العلماءُ باقون ما بقى الدَّهر، أَعيانهم مفقودة، وآثارهم فى القلوب موجودة، وقول النبىّ صلى الله عليه وسلَّم "يخرجُ من النَّار رجل قد ذهب حِبْره وسِبْره" أَى جماله وبهاؤه. ومنه شاعر محبِّر وشعر محبّر وثوب حَبِير: محسّن. والحَبْرة: السّرور والبهجة لظهور أَثره على صاحبه، قال تعالى: {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أَى يفرحون حتَّى يظهر عليهم حَبَار نعيمهم.

بصيرة فى الحبط

بصيرة فى الحبط قال تعالى {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولاائك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} وقال تعالى {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} . حَبِط عملُه - بكسر الباءِ وفتحها - حَبْطاً وحُبُوطاً: بطل. وأَحبطه الله: أَبطله. وهو من قولهم: حَبِطَ ماءُ الرَّكيَّة إِذا ذهب ذهاباً لا يعود أَبداً. وحَبْط العمل على أَضرب: أَحدها: أَن تكون الأَعمال دنيويّة فلا تُغنى فى القيامة غَنَاء؛ كما أَشار إِليه تعالى {وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} . والثانى: أَن تكون أَعمالاً أُخرويّة لكن لم يقصِد صاحبها بها وجهَ الله؛ كا رُوى أَنَّه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له: بم كان اشتغالك؟ فيقول: بقراءَة القرآن. فيقال: كنتَ تقرأُ القرآن ليقال: هو قارئ وقد قيل، فيؤمَر به إِلى النَّار. والثالث: أَن تكون أَعمالاً صالحة يكون بإِزائها سيّئات تزيد عليها، وذلك هو المشار إِليه بخِفَّة الميزان. وقيل: أَصل الحَبْط من الحَبَط، وهو أَن تكثر الدّابّة أَكلا ينفخ

بصيرة فى الحبك

بطنَها. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم "إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ ما يَقْتُل حَبَطاً أَو يُلمّ". والحَبِط - بكسر الباءِ وفتحها - لقب الحارث بن عمرو لحَبَط أَصابه فى سفرٍ، والحَبِطات أَبناؤه. بصيرة فى الحبك وهو الشَّدّ والإِحكام. وبعير محبوك القراءِ أَى مُحْكمُهُ. والاحتباك: شدّ الإِزار. والحُبُك - بضمّتين -: الطَّرائق، قال تعالى {والسمآء ذَاتِ الحبك} أَى: الطَّرائق. فمن النَّاس مَنْ تصوّر منها الطَّرائق المحسوسة بالنُّجوم والمَجرّة، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطَّرائق المعقولة المدركة بالبصيرة، وإِلى ذلك أَشار بقوله تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض} إِلى قوله {رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} .

بصيرة فى الحبل

بصيرة فى الحبل وقد ورد فى القرآن على ستَّة معان. الأَوّل بمعنى: العهد {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ الله} أَى بعهد منه. الثانى بمعنى: الأَمانة {وَحَبْلٍ مِّنَ الناس} أَى أَمانٍ منهم. الثالث بمعنى: الإِسلام والإِيمان وبه فَسَّرَ ابن عبّاسٍ قوله تعالى {إِلاَّ بحبلٍ من اللهِ} . الرّابع بمعنى: الرَّسَين {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} الخامس بمعنى: القرآن المجيد {واعتصموا بِحَبْلِ الله} . السادس بمعنى: عِرْق فى البدن {أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} شُبّه بالحبل المعروف من حيث الهيئة. وكذلك الحبل المستطيل من الرّمل ثمّ استعير للوصل ولكلِّ ما يتوصّل به إِلى شئ.. {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ} قال المحقِّقُون: حبلُه هو الَّذى يمكن معه التَّوصّلُ به إِليه: من القرآن والنبى والعقل والإِسلام وغير ذلك، ممَّا إِذا اعتصمتَ به أَدّاك إِلى جِواره. وقوله تعالى {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة أَيْنَ مَا ثقفوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ الله وَحَبْلٍ مِّنَ الناس} فيه تنبيه على أَنَّ الكافر يحتاج إِلى عهدين: عهد من الله وهو أَن يكون من أَهل كتاب أَنزله الله، وإِلاَّ لَمْ يُقَرّ على دينه ولم يُجعل على ذمّة، وإِلى عهدٍ من النَّاس يبذلونه.

والحابُول: حَبْل يُصْعَد به على النخل. والحِبَالة خُصّت بحَبْل الصّائد والجمع حبائل وحِبَالات. وفى الحديث: "النساءُ حبائل الشيطان". قال الشاعر: مطالبُ العالمينَ أَشتاتُ ... وكلُّهم معناهمُ هاتوا وإِنما العلمُ وما دونَه ... من الصناعاتِ حِبالاتُ وفى الحديث: "القرآن حَبْل ممدود بين الله وبين خَلْقه، فمن تعلَّق به نجا، ومن فاته الحبلُ هلك وهَوَى". قال: أَصْلِى وفرعى فارَقانى معاً ... واجتُثَّ مِنْ حَبْلَيْهما حَبْلى فما بقاءُ الغصن فى ساقه ... بعد ذهاب الفرع والأَصل

بصيرة فى حتى

بصيرة فى حتى وهى حرف يجرّ به تارة كإِلى، لكن يدخل الحدُّ المذكور بعده فى حكم ما قبله، ويعطف به تارة، ويستأنف به تارةً؛ نحو أَكلت السّمكة حتَّى رأَسِها ورأَسَها ورأَسُها. ويدخل على الفعل المضارع فيرفع ويُنصب. وفى كلِّ واحد وجهان، فأَحد وجهى النَّصب إِلى أَن، والثَّانى كى. وأَحد وجهى الرّفع أَن يكون الفعل قبله ماضيا نحو: مشيت حتَّى أَدخلُ البصرة، أَى مشيت فدخلت. والثَّانى أَن يكون ما بعده حالاً نحو: مرض حتى لا يرجونه، وقد قُرِئ {حتى يَقُولَ الرسول} بالرّفع والنَّصب، حُمل كلُّ واحدة من القراءَتين على الوجهين. وقيل: إِنَّ ما بعد حتَّى يقتضى أَن يكون بخلاف ما قبله نحو {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حتى تَغْتَسِلُواْ} وقد يجئ ولا يكون كذلك نحو ما فى الحديث: "إِنَّ الله لا يَمَلُّ حتَّى تَمِلُّوا" ولم يُرِدْ أَن يُثبت ملالاً لله بعد ملالهم.

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه: الأَوّل بمعنى: إِلى {تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ} أَى إِلى أَجلهم {حتى مَطْلَعِ الفجر} أَى إِلى طلوع الصّبح. الثانى بمعنى: فَلَمَّا {حتى إِذَا استيأس الرسل} {حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً} أَى فلَمّا. الثالث بمعنى إِلى كنايةً عن وقت معيَّن {حتى يُعْطُواْ الجزية} {حتى تفياء إلى أَمْرِ الله} {حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أَى إِلى حال يتحقَّقُ [فيه] ذلك. والأَصل فى حتَّى حتّ لكن أَلحقوا أَلِفا فى اللفظ وياءً في الخطِّ لئلاَّ يلتبس باسمٍ أَو فعل. وقد يُحذف ما بعده لحصول العلم به، قال: حَضَرْتُ الباب مرَّاتٍ وغبتم ... فإِنَّ نوائب الأَيّام شتَّى فلمّا لم أَجدك - فدتك نفسى - ... رجعت بحسرة وصبرت حتَّى وقد يبدّل حاؤها عيناً، وقرئ فى الشَّاذ {عتى حِينٍ} قرأَ بها ابن مسعود رضى الله عنه، فلمّا بلغ ذلك عمرَ - رَضى الله عنه - قال: إِنَّ القرآن لم ينزل على لغة هُذَيل فأَقرئ النَّاس بلغة قريش. قال الفرّاءُ:

حتَّى لغة قريش وجميعِ العرب إِلاَّ هذيلاً وثَقِيفاً فإِنَّهم يقولون: عتَّى. وأَنشدنى بعض أَهل اليمامة: لا أَضع الدّلو ولا أُصلِّى عتَّى أَرى جِلَّتها تولِّى صَوادراً مثل قِباب التَلِّ وقال الفرَّاءُ: حتَّاهُ أَى حتَّى هو، وحتَّام أَصله حتاما فحذفت أَلِف (ما) للاستفهام. وكذلك كلُّ حرف من حروف الجرّ يضاف فى الاستفهام إِلى (ما) كقوله تعالى {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} و {فِيمَ كُنتُمْ} و {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} .

بصيرة فى الحجة

بصيرة فى الحجة وهى اسم مضعَّف على زنة (فُعْلة، لبرهان) أَهل الحقِّ والدّلالة البيّنة للمحجَّة أَى المقصد المستقيم الذى يقتضى صحّة أَحد النقيضين. وقد وردت الحجّة فى القرآن بمعنى المنافرة والمخاصمة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ} {قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ} {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم} {ياأهل الكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ في إِبْرَاهِيمَ} {هاأنتم هؤلاء حَاجَجْتُمْ} . وورد بمعنى البرهان تارة من المؤمنين مع الكفَّار {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} وتارة من الكفَّار بحسب اعتقادهم الباطل {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتوا بِآبَآئِنَآ} وتارة من إِبراهيم عليه السّلام فى تمهيد قواعد الإِيمان {وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ} وتارة من الحقّ إِلى الخلق بآيات القرآن وإِظهار البرهان {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة} و {لِئَلاَّ

يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ} جعل ما يَحتجّ بها الَّذين ظلموا مستثنًى من الحجّة وإِن لم يكن حجّة، كذلك قول الشاعر: ولا عَيبَ فيهم غيرَ أَنَّ سيوفَهُمْ ... بهنّ فُلُولٌ من قِراعِ الكتائبِ ويجوز أَنَّه سمّى ما يحتجّون به حجّة كقوله {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ} فسمّى الداحضة حجّة، والمحاجّة: أَن يطلب كلُّ واحد أَن يردّ الآخر عن حجّته ومحجّتِه. وأَصل الحجّ القصد للزِّيارة. وخُصّ فى تعارف الشَّرع بقصد بيت الله إِقامة للنُّسُك. فقيل الحَجّ والحِجّ، فالحَج مصدر والحِجّ اسم. ويوم الحَجّ الأَكبر يومُ النحر أَو يوم عرفة. وورى: "العُمْرة الحجّ الأَصغر" وقيل غير ذلك. وفى الحديث "من مات ولم يحجّ حجّة الإِسلام لقى الله وفيه شُعبة من النِّفاق" وفيه "الحَجّ المبرور ليس له جَزَاءٌ إِلاَّ الجنَّة" قال: إِذا حَجَجْتَ بمالٍ أَصلُه دنسٌ ... فما حججتَ ولكنْ حجَّتِ العيرُ لا يقبل الله إِلا كلَّ صافية ... ما كلّ مَن حجّ بيتَ الله مبرور

بصيرة فى الحجاب

بصيرة فى الحجاب [هو] اسم على زنة فِعالٍ وجمعه حُجُب ككتاب وكتبٍ. وهو ما يَمنع عن الوصول. وحجاب الجَوف: ما يحجب عن الفؤاد. وفى الحديث: إِنَّ لله بين العرش والكرسىّ سبعين أَلف حجاب غِلَظ كلَّ حجاب كغلظ سبع سماوات وسبع أَرضين، من الحجاب إِلى الحجاب كما بين السّماءِ السّابعة إِلى الأَرض السّابعة فسبحان مَن هو بالمنظر الأَعلى. وقد ورد الحجاب فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوَّل: بمعنى الجَبَل الَّذى تحتجب به الشمس آخر النَّهار {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} أَى الجبل. الثَّانى بمعنى: السِّتر الشِّرعى {فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} . الثالث بمعنى: قصور درجة النبوّة عن درجة الرّسالة بالإِضافة إِلى حضرة الرّبوبية {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} . الرَّابع بمعنى: الأَعراف للسّور الَّذى بين الجنَّة والنَّار {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ} قيل: ليس المراد بالحَجْب ما يحجب النَّظر وإِنَّما المراد ما يمنع وصول لذَّة الجنَّة إِلى أَهل النَّار وأَذيَّة أَهل النار إِلى أهل الجنَّة كقوله تعالى {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} الآية.

بصيرة فى الحجر بالكسر

والحاجب: المانع عن السلطان، قال: وكم حاجب غضبان كاسر حاجب ... يقابلنى بالزهْو والتِيه والكِبْر ومن شِيَمِ الحُجَّاب أَن قلوبَهم ... قلوبٌ على الأَحرار أَقسى من الصخر والحاجبان فى الرّأس لكونهما كالحاجبين للعين فى الدّرْءِ عنهما، وحاجب الشمس لتقدّمه عليها تقدّمَ الحاجب للسّلطان. بصيرة فى الحجر بالكسر وقد ورد فى القرآن واللغة على وجوه: الأَوّل العقل، قال الله تعالى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ} . الثَّانى: حِجْر الكعبة المعظَّمة زادها الله تعظيماً وهو ما حواه الحَطِيم المُدَار بالبيت من جانب الشَمَال. الثالث: الحِجْر ديار ثمود ومنازلهم ناحية الشام عند وادى القُرى، قال الله تعالى {كَذَّبَ أَصْحَابُ الحجر المرسلين} . الرّابع: الحِجْر البيت وبه فسِّر قوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتي فِي حُجُورِكُمْ} . الخامس: الحِجْر الأُنثى من الخيل والجمع حُجُور وحُجُورة وأَحجار. وقول العراقيّين: حِجْرة، ليس من كلام العرب. السادس: الحِجْر القرابة، قال: يريدون أَن يُقصوه عنِّى وإِنه ... لذو حَسَب دَانٍ إِلىّ وذو حِجر

بصيرة فى الحجارة

السّابع: الحِجْرُ والحَجْر بالكسر والفتح: حجر الإِنسان، والجمع الحجور. الثَّامن: الحجْر بالكسر والفتح والضمّ - والكسر أَفصح - الحرام، قال تعالى {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً} أَى حراماً محرَّماً، يظنُّون أَنَّ ذلك ينفعهم كما كانوا يقولونه لمن كانوا يخافونه فى الشهر الحرام. وقال ابن عبّاس: هذا من قول الملائكة، يقولوه لهم: حجراً محجوراً: حجرتْ عليهم البُشَر فلا يبشرون بخير. بصيرة فى الحجارة وقد وردت فى القرآن على خمسة أَوجهٍ: الأَول بمعنى: حَجَر الكبريت {وَقُودُهَا الناس والحجارة} وقيل: بل هى الحجارة بعينها، ونبّه بذلك على عظم تلك النَّار وأَنَّها ممّا توقد بالنَّاس والحجارة بخلاف نار الدّنيا إِذ هى لا يمكن أَن توقد بالحجارة. وقيل: أَراد بالحجارة الَّذِين [هم] فى امتناعهم وصلابتهم عن قبول الحقّ كالحجارة، كمن وصفهم بقوله {فَهِيَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} . الثَّانى بمعنى: الجبال {وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار} . الثَّالث: حَجَر موسى عليه السّلام {فَقُلْنَا اضرب بِّعَصَاكَ الحجر} . الرّابع: حجر العذاب لقوم لوط {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} . الخامس: حَجَر الكعبة على أَصحاب الفيل {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ} .

بصيرة فى الحجز

والحَجَر: الجوهر الصّلب وجمعه أَحجار فى القلَّة، وفى الكثرة حِجَار وحِجَارَة. ويقال للحَجَر. أُحْجُرّ، قال: يرمينىَ الضعيفُ بالأُحْجُرِّ ومثله أُكبُرُّهم أَى أَكْبَرهم. والحُجْرَةُ - بالضمّ -: حَظِيرة الإِبل. ومنه حجرة الدّار. والجمع الحُجر والحُجُرات بضمتين والحُجْرَات. والحُجْرة: الرُّقْعة من الأَرض المحجورة بحائط يحوَّط عليها، فُعْلة بمعنى مفعول كالغُرفة والقُبْضة. بصيرة فى الحجز وهو المنع بين الشيئين بفاصل بينهما {وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزاً} وسُمّى الحِجَاز حجازاً لكونه حاجزا بين الشأم والبادية. وقال تعالى {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} فقوله: (حاجزين) صفة لأَحدٍ فى موضع الجمع. والحِجَاز: حَبْل يُشَدّ من حَقْو البعير إِلى رُسْغِه. وتُصوّر منه معنى المنع فقيل: احتَجَزَ فلان عن كذا، واحتجز بإِزاره. ومنه حُجْزة السّراويل. وقيل: إِن أَردتم المحاجزة، فقبل المناجزة. وقيل: حَجَازيك أَى احْجِزْ بينهم.

بصيرة فى الحدود والحديد

بصيرة فى الحدود والحديد الحَدّ: الحاجز بين الشيئين الَّذى يمنع اختلاط أَحدهما بالآخر. يقال: حدَدْت كذا: جعلت له حدّاً يميّزه. وَحدُّ الدّار: ما تتميّز به عن غيرها. وحَدّ الشئ: الوصف المحيط بمعناه المميّز له عن غيره. وحدّ الزَّانى والخمر سمّى لكونه مانعاً لمتعاطيه عن معاودة مثله ومانعاً لغيره أَن يسلك مسلكه. وقوله تعالى {وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله} أَى أَحكامه، وقيل: حقائق معانيه. وجميع حدود الله على أَربعة أَضرب: إِمّا شئ لا يجوز أَن يُتعدّى بالزيادة عليه، ولا يجوز النقصان عنه، كأَعداد ركعات صلاة الفرض؛ وإِما شئ يجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان عنه؛ وإِمّا شئ يجوز النقصان عنه ولا يجوز الزِّيادة عليه؛ [وإِمّا شئ يجوز كلاهما] . والحدود جاءَت فى القرآن على سبعة أَوجهٍ: الأَوّل حَدّ الاعتكاف لإِخلاص العبادة {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المساجد تِلْكَ حُدُودُ الله} الثَّانى: حد الخُلْع لبيان الفِدْية {فِيمَا افتدت بِهِ تِلْكَ حُدُودُ الله} . الثَّالث:

حَدُّ الطَّلاق لبيان الرَّجعة {وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} . الرّابع: حَدّ العِدّة لمنع الضرار وبيان المدّة. الخامس: حَدّ الميراث لبيان القسمة {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} السادس: حدّ الظِّهار لبيان الكفارة {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} إِلى قوله {وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ} . السَّابع: حَدّ الطَّلاق لبيان مُدّة العِدّة {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} إِلى قوله {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} . وقولُه تعالى {إِنَّ الذين يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ} أَى يمانعون. وذلك إِمّا اعتباراً بالممانعة، وإِمّا باستعمال الحديد. والحديد معروف، قال تعالى {وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} وحدَدت السّكين: رقَّقت حَدّه، وأَحددته: جعلت له حَدّاً. ثمّ يقال لكلّ ما دَقَّ فى نفسه من حيث الخلقة أَو من حيث المعنى كالبصر والبصيرة: حديد. فيقال: هو حديد النَّظر وحديد الفهم. قال تعالى {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} ويقال: لسانٌ حديدٌ نحو لسان صارم وماض وذلك إِذا كان يؤثِّر تأثير الحديد، قال تعالى {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} ولتصوُّر المنع سُمّى البوّابُ حَدّاداً. وفى الحديث: "مَنْ أَشار إِلى أَخيه بحديدةٍ فإِنَّ الملائكة تلعنه" وفى المثل: الحديد بالحديد يُفْلَح.

بصيرة فى الحديث

بصيرة فى الحديث وقد ورد فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل بمعنى: الأَخبار والآثار. {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} أَى أَتخبرونهم. الثَّانى بمعنى: القول والكلام {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً} أَى قولاً. الثَّالث بمعنى: القرآن العظيم {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} . الرّابع بمعنى: القِصَصَ ذات العِبَرِ {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} أَى أَحسن القِصَصِ. الخامس بمعنى: العِبَر فى حديث الكفَّار والفجّار {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} قال الشاعر: كلُّ العلومِ سوى القُرْآنِ مَشْغَلة ... أَو الأَحاديث من دون الدواوينِ فبالقرَانِ أُقيمت كلُّ مائلةٍ ... وبالحديث استقامتْ دولةُ الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سواه فوسواس الشياطين وكلُّ كلام يَبلغ الإِنسان من جهة السّمع أَو الوحى فى يقظته أَو منامه يقال له: حديث. قال تعالى {وَإِذَ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} وقوله {وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} أَى ما يحدّث به الإِنسان فى نومه.

والحديث أَيضاً: الطرىّ من الثمار. ورجل حَدُث: حسن الحديث. ويقال لكلِّ ما قرب عهده: حديث، فَعَالا كان أَو مقالاً، قال تعالى {حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} . والحُدُوث: كون الشئ بعد أَن لم يكن، عَرَضاً كان أَو جوهراً، وإِحداثه: إِيجاده. وإِحداث الجوهر ليس إِلاَّ لله تعالى. والمحدَث: ما أُوجد بعد أَن لم يكن، وذلك إِمّا فى ذاته أَو إِحداثه عند من حصل عنده نحو: أَحدثت مِلكاً. ورجل حَدَث وحديث السّنِّ بمعنًى، وحِدْث النساء بالكسر أَى محادثهنَّ وتحادثوا وصاروا أحدوثة. والحادثة: النَّازلة العارضة.

بصيرة فى الحذر

بصيرة فى الحذر وهو احتراز عن مُخيف. ويقال حِذْر وحَذَر، قال الفرَّاء: أَكثر الكلام الحِذْر بالكسر وهو التحرّز. ورجل حَذِر وحَذُر أَى متيقِّظ متحرّز، وقد حَذِرَ يحذَر حَذَراً وحذّرته. قال تعالى {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} وقوله تعالى {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} أَى ما فيهِ الحَذَر من السلاح وغيره. حَذَارِ أَى احذر. وقد ورد الحَذَر فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل بمعنى: الخوف والخطر {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} أَى يخوّفكم. الثَّانى بمعنى: الإِباءِ والامتناع {وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فاحذروا} أَى امتنعوا. الثالث بمعنى: كتمان السرّ {إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} أَى مظهر ما تكتمون. ثمّ يختلف الحذر تارة من فتنة الأَولاد {عَدُوّاً لَّكُمْ فاحذروهم} وتارة حذر النبى صلى الله عليه وسلم من مكر المنافقين {هُمُ العدو فاحذرهم} وتارة حذره صلَّى الله عليه وسلَّم من فتنة اليهود {واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ الله إِلَيْكَ} وتارة حذر المنافقين من فضيحتهم بنزول القرآن {يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ} وحذر فرعون وهامان من عسكر موسى بن عمران {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} وحذر المسلم ممَّن يخالف الرّحمن {فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} .

بصيرة فى الحر وما يشتق منه

بصيرة فى الحر وما يشتق منه الحَرّ: ضدّ البَرْدِ، والحرارة: ضدّ البرودة. تقول منه: حَرَرْت يا يوم بالفتح وحرِرت بالكسر، فأَنت تَحِرُّ وتَحَرّ حَرّاً وحرارةً وحُروراً، سمع ذلك الكسائىُّ. والحرارة ضربان: حرارة عارضة فى الهواءِ من الأَجسام المُحْمِيَةِ كحرارة الشَّمس والنَّار، وحرارة عارضة فى البدن من الطَّبيعة كحرارة المحموم. وحُرّ الرّجل فهو محرور، وكذا حُرّ يومُنا وحرّ بالضمّ وبالفتح. والحَرُور: الريح الحارَّة. واستحرَّ القَيظُ: اشتدّ حرّه. والحُرّ خلاف العبد، حَرَّ العبد بالفتح يَحَرّ حَرَاراً: عَتَقَ، قالَ: فما رُدّ تَزْويج عليه شهادة ... وما رُدّ من بعد الحَرَار عَتيق ورجل حُرّ بيِّن الحَرُوريّة والْحُروريّة كالخَصُوصيّة والخُصوصية. والحُرّية ضربان: الأَوّل مَن لم يَجْرِ عليه حكم السَّبْى نحو {الحر بِالْحُرِّ} والثَّانى مَن لم يتملكه قواه الذميمة: من الحِرْص والشرَهِ على القُنْيات الدّنيوية.

وإِلى العبوديَّةِ المضادّة لهذا أَشار النبى صلى الله عليه وسلم "تعِس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم" وقول الشاعر: ورِقُّ ذوى الأَطماع رِقُّ مخلد وقيل عبد الشهوة أَذَلُّ من عبد الرّقِّ. والتَّحرير: جَعْلُ الإِنسانُ حُرّاً فمِن الأَول {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ومن الثانى {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} قيل: هو أَنَّه جعل ولده بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدّنيويى المذكور فى قوله {بَنِينَ وَحَفَدَةً} بل جعله مخلصاً للعبادة. ولهذا قال الشَّعبى: مخلصاً للعبادة، وقال مجاهد: خادماً بالبِيعة، وقال جعفر: معتَقاً من أَمر الدّنيا، كلُّ ذلك إِشارة إِلى معنى واحد. وحرّ الدّار وحُرّ الرّمل: وسَطه. وحُرّ الوجه ما بدا من الوجه. والحُرّ أَيضاً: فَرْخ الحمامة وولد الظَّبية وولد الحيّة والصّقر والبازى. والحُرّ أَيضاً: رُطَب الأَزَاذ. والحُرّ من الفرس: سواد فى ظاهر أُذنَيهِ. وساقُ حُرّ: الوَرَشانُ وذكر القمارىّ. وأَحرار البُقُول: ما يؤكل غير مطبوخ. ويقال ما هذا بُحرّ أَى بحسَن ولا جميل. وطينٌ حُرّ: لارمل فيل.

بصيرة فى الحرب

بصيرة فى الحرب وهو معروف يذكَّرَ ويؤنَّث. يقال: وقعت بينهم حرب. قال الخليل: تصغيرها حُرَيب روايةً عن العرب. قال المازنىّ لأَنَّه فى الأَصْلِ مصدر. قال المبرّد: الحرب قد يذكَّر. وأَنشد: وهو إِذا الحرب هَفَا عُقابه ... مِرْجَمُ حَرْب يلتظِى حرابه وأنا حَرْب لمن حاربنى أَى عدوّ. وفى الحديث "الحرب خدعة" وقال: وصالكمُ صَدُّ وحبّكمُ قِلىً ... وقُرْبكمُ بُعْدٌ وسِلْمُكُمُ حَرْبُ وأَنتم بحمد الله فيكمْ فظاظةٌ ... وكلُّ ذَلُولٍ من مَرَاكِبِكُمْ صَعْبُ وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل بمعنى: المخالفة {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله} أَى بخلاف {إِنَّمَا جَزَآءُ الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} يخالفون. الثَّانى بمعنى: الكفر والضلالة. يقال: دار الحَرْب أَى الكفر {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} أَى الكافر الحربىّ. الثَّالث بمعنى القتال {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب} أَى فى القتال {كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ} أَى القتال. ورجل مِحرَب كأَنَّهُ آلة فى الحرب. والحَرْبة: آلة للحرب معروفة. والجمع حِرَاب. وسيأتى المحراب فى الميم إِن شاءَ الله تعالى.

بصيرة فى الحرث

بصيرة فى الحرث وهو إِلقاءُ البَذْر فى الأَرض وتهيِئتها للزرع، ويسمى المحروث حَرْثا، قال تعالى {أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ} وتُصُوّر منه العمارة التى تحصل عنه فى قوله تعالى {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} الآية، والدّنيا مَحْرَث للناس وهم حُرّاث فيها. وفى الحديث "أَصدق الأَسماء الحارث والهمَّام" وذلك لتَصوُّر معنى الكسب فيه. وروى "احرث لدنياك كأَنَّك تعيش أَبداً" وتُصوّر [من] معنى الحرث معنى التّهييج فقِيل: حَرَثت النَّار. ويقال احُرث القرآن أَى أَكثر تلاوته. وفى حديث ابن مسعود: احرُثوا هذا القرآن أَى فَتِّشوه وتدبَّروه. وَحَرث ناقته إِذا استعملها. وقال معاوية للأَنصار: ما فعلتْ نواضحكم قالوا حرثناها يوم بدر. قال تعالى {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} وذلك على سبيل التشبيه. فالبنّساء زَرْع مابه بقاء نوع الإِنسان، كما أَن بالأَرض زرع ما به بقاءُ أَشخاصهم. وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه. الأَّول: بمعنى الزّرع المعهود {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} {وَلاَ تَسْقِي الحرث مُسَلَّمَةٌ} {وَيُهْلِكَ الحرث

والنسل} الثانى بمعنى النساء {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ} الثالث بمعنى منفعة الدّنيا وثواب الآخرة {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا} أَى نفعها {مَنْ كان يُريدُ حَرْثَ الآخِرةِ} أَى ثوابها، قال: إِذا أَنت لم تحرث وأَبصرت حاصدا * ندمت على التفريط فى زمن الحرث وأَصل الحرث كسب المال وجمعه يقال حرث يَحْرُث مثال كتب يكتب، وحرث يحرث مثال سمع يسمع. وحَرَث عصاه براها حيث يقع اليد عليه منها وجعل لها مِقْبَضا. والحرث المحَجّة المكدودة بالحوافر.

بصيرة فى الحرج

بصيرة فى الحرج وهو مصدر بزنة فَعَل، وأَصله مجتمع الشجر. وتصُوِّر منه ضيق ما بينهما فقيل للضيق حَرَج، وللإِثم حَرَج، وقد حرج صدره يَحْرَج كعلم يعلم. وقد ورد فى القرآن على ثلاثة معان. الأَول: بمعنى الشَّك والرَّيْب {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} قيل هو نهىٌ وقيل دعاءٌ وقيل حُكْم {في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ} أَى شكّاً. الثانى: بمعنى الضيق {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ} {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} أَى ضيّقاً بكفره. الثَّالث. بمعنى الإِثم {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ} {وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} أَى إِثم، والمتحِّرج: المتجنِّب عن الحرج.

بصيرة فى الحرد

بصيرة فى الحرد وهو المنع عن حِدّة وغضب، قال تعالى {وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ} أَى على امتناع أَن يتناولوه قادرين على ذلك. ونزل فلان حَريداً أَى ممتنعا عن مخالطة القوم، وهو حريد المحلّ وحاردتِ السّنةُ: منعَتْ قَطْرها، والنَّاقةُ: منعت دَرّها. وحردَ كعلم: غضب وَحَرَّدَهُ تحريداً أَغضبه وبعير أَحْرَدُ: فى إِحدى يديه حَرَدٌ. والحُرْديَّة حَظيرة من قصب.

بصيرة فى الحرس

بصيرة فى الحرس الحرَس والحُرّاس جمع حارسٍ وهو حافظ المكان. والحَرْسُ والحَرْز متَقَاربان معنىً تقارُبَهما لفظا، لكنَّ الحرْز يستعمل فى النَّاضِّ والأَمتعة أَكثر، والحرسَ يستعمل فى الأَمكنة أَكثر. وحَرَيسة الجبل: ما يُحْرس فى الجبل بالليل. قال أَبو عُبيدة: الحَريسة هى المحروسة. قال: والحَرَيسة: المسروقة، يقال حرس يحْرِس كضرب يضرب، والظاهر أَن ذلك تُصوّر من لفظ الحَريسة لأَنَّه جاءَ عن العرب فى معنى السرقة.

بصيرة فى الحرص

بصيرة فى الحرص وهو فَرْط الشَّرَه، وأَصل ذلك من حَرَص القصّارُ الثوبَ أَى قَشَره بدَقِّه. وقد ورد فى القرآن على وجهين: الأَول: بمعنى التمنى والإِرادة {إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ} أَى: إِن يفرط إِرادتك فى هدايتهم. الثانى: بمعنى الشفقة والرّأْفة {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ، قال: يا طالبَ الرزقِ فى الآفاق مجتهداً ... كَبِّحْ لجامَك إِن الرّزق مقسومُ لا تحرصَنَّ على ما لست تُدْرِكُه ... إِنّ الحريصَ على المحبوبِ محروم ومن الحِكَم: البخيل مذموم، والحسود مَرجوم، والحريص محروم. ويقال: لا تكن حريصا على الدنيا تكن حافظا، فإِن الحرص على الدنيا يورث النسيان. ومن كلامهم: قُرن الحرصُ بالحرمان.

بصيرة فى الحرض

بصيرة فى الحرض رجل حَرَض كجَبَل وحَرِضٌ ككتف وحارضة، أَى فاسد مريض، واحده وجمعه سواء، قال الله تعالى {حتى تَكُونَ حَرَضاً} قال قتادة: حتى تهرم أَو تموت. ابن عرفة: وهو الفساد يكون فى البدن والمذهب والعقل. ورجل حَرِضٌ وحارض اذا أَشفى على الهلاك. وقيل الحرض والحارضة الذى لا خير عنده. قال: يا رُبّ بيضاءَ لها زوجٌ حَرَضْ ... حلاَّلة بين عُرَيْقٍ وحَمَضْ وفى حديث عوف بن مالك الأَشجعى رضى الله عنه قال: رأَيت محلِّم بن جَثَّامة الليثى رضى الله عنه فى المنام فقلت له [كيف] أَنت يا محلِّم؟ فقال: بخير. وجدنا ربّاً رحيماً غفر لنا، قلت لكلِّكم؟ قال: لكلنا غير الأَحراض. قلت: ومن الأَحراض؟ قال: الَّذين يُشار إِليهم بالأَصابع، أَراد الفاسدين المشتهرين بالشر، الذين لا يخفى على أحد فسادهم، شبّههم بالسَّقْمَى المشرفين على الهلاك فسمّاهم أَحراضاً. وقال: أَبُو عبيدة: الحرَض الَّذى أَذابه الحزن والعشق. وأَحرضَه الحُبّ: أَفسده.

بصيرة فى الحرف

والتحريض على القتال: الحَثّ والإِحماء عليه، قال الله تعالى: {ياأيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال} أَى حثَّهم عليه بالتَّزيين وتسهيل الخَطْب فيه، كأنه فى الأَصل إِزالة الحَرَض، نحو: قذَّيته أَى أَزلت عنه القَذى. بصيرة فى الحرف حرف كل شئ طَرَفه وشَفيرهُ وحَدّه. ومنه حرف الجبل وهو أَعلاه المحدَّد. قال الفرَّاء: جمع حَرْف الجبل حِرَف كعِنَبَ ومثله طَلّ وطِلَل ولم يُسمع غيرهما. وقوله تعالى {وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} أَى على وجهٍ. وهو أَن يعبده فى السرَّاء دون الضراء. وقيل: على شكٍّ، وقيل على غير طُمأْنينة من أَمره، أَى يدخل فى الدين دخولَ غيرِ متمكن. وقيل: معناه ما بعده {فإِن أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمأَنَّ به} وفى معناه {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك} . وقوله: صلى الله عليه وسلم "نزل القرآن على سبعة أَحرف كلها شاف كاف". قال: أَبو عبيدة أَى سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أَن تكون فى الحرف الواحد سبعة أَوجه، ولكن يقول: هذه اللغات السبع مفرقة فى القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعض بلغة هوزان، وبعضه [بلغة] أَهل اليمن. وتحريف الشئ: إِمالته، وتحرَّف وانحرف: مال. قال الله تعالى {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} أَى مستطرداً يريد الكرَّة.

بصيرة فى الحرق

بصيرة فى الحرق حرَقت الشئَ أَحرُقه كنصرته أَنصره أَى بَرَدْته وحككت بعضه على بعض، ومنه قراءَة علىّ وابن عبّاس رضى الله عنهم وأَبى جعفر {لَنَحْرُقَنَّه} والنون مشددة. وعن أَبى جعفر {لنُحْرِقَنْهُ} والنَّون مخفَّفة. والحَرَق بالتَّحريك: النَّار. يقال: فى حَرَقِ الله، ومنه الحديث "الحَرَق والغَرَق والشَّرَق شهادة" ويقال حَرَقُ النَّار: لَهَبها. وفى الحديث "ضالَّة المؤمِن أَو المسلم حَرَق النَّار" يعنى إِذا أَخذها إِنسان وتملكها أَدّته إِلى النار. والحُرْقة بالضم والحَريق: اسمان من الاحتراق. وقوله تعالى {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق} أَى لهم عذاب بكفرهم، وعذاب إِحراقهم المؤمنين. وحرقت الشئ حَرْقاً [و] أَحرقته. وقال الفرّاء: الحَرْقة والحُرْقة. وأَحرقه بالنار وحرّقه شُدد للكثرة، وقرئ: {لَتُحَرِّقَنَّهُ} يقول للسَّامِرىّ لتُحَرِّقَنَّ بيدك إلهك الذى ظَلْت عليه عاكفاً. والإِحراق إِيقاع نارٍ ذاتِ لهب فى الشئ ومنه استعير أَحرقنى بلومه إِذا بلغ فى أَذيته بلوم.

بصيرة فى الحرام

بصيرة فى الحرام وهو الممنوع منه، إِمّا بتَسْخير إِلهى، وإِمَّا بمنع بَشَرىّ، وإِما بمنع من جهة العقل أَو من جهة الشرع أَو من جهة من يُرْتَسم أَمره. أَما قوله تعالى {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع} فذلك تحريم بتسخير، وقد حُمِل على ذلك قوله تعالى {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ} وقوله تعالى {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} وقيل بل كان حراماً عليهم من جهة القهر [لا] بالتخسير الإِلهى. وقوله تعالى {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة} فهذا من جهة القهر. والمحرم من جهة الشرع ما أُشِير إليه بقوله {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} هذا كان محرَّماً عليهم بحكم شرعهم. وقوله تعالى {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية. وقيل: ورد الحرام فى القرآن على عشرة أَوجه: الأَول: حرام الصّحبة والمناكحة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية. الثانى: حرام الفسق والمعصية {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش} {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} .

الثالث: حرام العجائب والمعجزة {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع مِن قَبْلُ} . الرابع: حرام العذاب والعقوبة {إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين} {فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة} . الخامس: حرام فسخ الشريعة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} إِلى قوله: {ذَلكُمْ فِسْقٌ} . السادس: حرام الحرمان والهلكة {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ} . السابع: حرام الهوى والشهوة {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} {وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا} . الثامن: حرام النذر والمصلحة {ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ} أَى لِمَ تحكم بتحريم ذلك {إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ على نَفْسِهِ} . التاسع: حرام الحظْر والإِباحة {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر} . العاشر: حرام التوقير والْحُرْمَة {رَبَّ هَذِهِ البلدة الذي حَرَّمَهَا} وهذا النوع يأْتى على وجوه: الأَول: وصف المسجد بالحرام {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} الثانى: نعت الأَشهر بالحرام {الشهر الحرام بالشهر الحرام}

الثالث: دعاءُ البيت بالحرام {جَعَلَ الله الكعبة البيت الحرام} . وسُمِّىَ الحَرَم حَرَماً لتحريم الله تعالى فيه كثيراً مما ليس بمحرَّم فى غيره من المواضع. ورجلٌ حرام وحلال ومُحِلٌّ ومُحْرِم. وكلّ تحريم ليس من قِبَل الله تعالى فليس بشئ. وقوله تعالى {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أَى ممنوعون من جهة الجَدِّ. وقوله تعالى {لَّلسَّآئِلِ والمحروم} أَى الذى لم يوسَّع عليه فى الرِّزق كما وُسِّع على غيره. ومن قال: (أَراد به) الْكَلْب، فلم يَعْنِ اَن ذلك اسمٌ للكلب كما ظنه بعض من رَدّ عليه، وإِنما ذلك منه مثال لشئ كثيرا ما يَحْرِمُه الناس أَى يمنعونه.

بصيرة فى الحزب

بصيرة فى الحزب وهو جماعة فيها غِلظ، وقيل: الحزب الأَصحاب، والحزب الطائفة، وهُذيل تسمى السلاح الحِزْب تشبيهاً وسعةً. والأَحزاب: الطوائف التى تجتمع على محاربة الأَنبياء عليهم السلام. وقوله تعالى {فَإِنَّ حِزْبَ الله} يعنى أَنصار الله. قال بلال عند وفاته: "غداً نلقى الأَحبَّهْ، محمداً وحزْبَهْ". وفى الحديث أَنّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم حَزَّب أَصحَابه فى بعض الغزاوت حزبين، أَى جعلهم فرقتين: فرقة تقابل العدوَّ، وفرقة تصلِّى معه. وورد فى القرآن على وجوه: الأَول: بمعنى أَصناف الخلائق فى اختلاف المذاهب والمِلَل والأَديان {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} . الثانى: بمعنى عسكر الشيطان {أولائك حِزْبُ الشَّيْطَانِ} . الثالث: بمعنى جُنْد الرحمن {أولائك حِزْبُ الله} وهم فى الدنيا غالبون مصلحون {فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} وفى العُقْبى فائزون مفلحون {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون} .

بصيرة فى الحزن

بصيرة فى الحزن والحُزْن والحَزَنُ خشونة فى الأَرض وخشونة فى النفْس لما يحصل فيه من الغمّ، ويضادّه الفرح. ولاعتبار الخشونة بالغمّ قيل خشَّنتُ بصدره إِذا حَزَنته. يقال: حَزِنَ يحزن كعلم يعلم، وحَزَنته. وقوله {وَلاَ تَحْزَنْ} ليس بنهىٍ عن تحصيل الحزن، لأَن الحزن ليس يدخل باختيار الإِنسان. ولكن النهى فى الحقيقة إِنما هو عن تعاطى ما يورث الحزن واكتسابِه. وإِلى هذا المعنى أَشار الشاعر بقوله: ومَن سَرّه أَلاَّ يرى ما يسوءُه ... فلا يتخِذْ شيئاً يخاف له فقداً وأَيضاً يحُث على أَن يتصوّر الإِنسان ما عليه جِبِلَّة الدّنيا، حتى إِذا غافصته نائبةٌ لم يكترث لها لمعرفته إِيّاها، وحث على أَن يروض نفسه على تحمل صِغَار النُّوَب حتى يتوصّل بها إِلى تحمّل كبارها.

بصيرة فى الحس

بصيرة فى الحس وهو القتل، ومنه قوله تعالى {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} أَى تقتلونهم وتستأْصلونهم، وحَسّ البرْدُ الجرادَ: قتله. والحَسِيس: القتيل، فعيل بمعنى مفعول. وقوله تعالى {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} أَى حِسّها وحركة تلهُّبها. قال إِبراهيم الحربى: الحِسّ والحَسِيس أَن يمرَّ بك قريبا فتسمعَه ولا تراه. والحاسة: القوّة التى بها تدرَك الأَعراض الجسمِيّة. والحواسّ: المشاعر الخمس، يقال: حَسَسْت وَحَسيت وأَحسست وأَحسيت. فحَسْست على وجهين: أَحدهما يقال أَصبته بحسّى، نحو: عِنْته ورمحته. والثانى أَصبت حاسته، نحو كبدته. ولمّا كان ذلك قد يتولد منه القتلُ عبّر به عن القتل فقيل حسَسته أَى قتلته. وأَما حسِست فنحو علمت وفهمت، ولكن لا يقال ذلك إِلا فيما كان من جهة الحاسّة. وأَمّا حَسَيت فقلبت إِحدى السّينين ياء. وأَمّا أَحسسته فحقيقته أَدركته بحاستى، وأَحَسْت مثله، لكن حذف إِحدى السينين تخفيفاً نحو ظِلَت. وقوله تعالى {فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر} تنبيه أَنَّه ظهر منهم الكفر ظهوراً بانَ للحسّ فضلاً عن التفهّم. وكذلك قوله تعالى {فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ} وقوله تعالى {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ} أَى هل تجد بحاسّتك أَحداً منهم. وقد يعبر عن الحركة بالحسيس والحِس، قال تعالى {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} .

بصيرة فى الحساب

بصيرة فى الحساب وهو استعمال العدد. يقال حَسَبت أَحْسُب ككتبت أَكتب حِسَاباً وحُسْبَاناً وحِسَابَه وَحِسْبَةً وَحَسْباً. قال عمر رضى الله عنه: حاسبوا أَنفسكم قبل أَن تحاسبوا، وزِنُوها قبل أَن توزنوا. قال: وكنت حسبت فلما حَسِبْـ ... تُ زاد الحساب على المحسبَهْ وقد خِلتُها مَرْتَعا مُمْرِعا ... فصادفتها دِمْنَةً مُعْشبه وقال: فإِن تَزُرْنِى أَزُورْكَ أَوْ إِنْ ... تقفْ ببابى أَقفْ ببابكْ والله لا كنتَ فى حسابى ... إِلا إِذ كنتُ فى حسابك وقد ورد الحساب فى التنزيل على عشرة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى الكثرة {عَطَآءً حِسَاباً} أَى كثِيراً. الثانى: بمعنى الأَجر والثواب {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبِّي} أَى أَجرهم. الثالث: بمعنى العقوبة والعذاب {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} أَى لا يخافون عذاباً. الرّابع: الحَسِيب بمعنى الحفيظ {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} أَى حفيظاً.

الخامس: الحسِيب بمعنى الشاهد الحاضر {كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً} أَى شهيداً. السّادس: الحساب بمعنى العَرْض على الملِك الأَكبر {يَوْمَ يَقُومُ الحساب} أَى الْعَرْض على الرّحمن. السّابع: بمعنى العدد {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} أَى عدد الأَيام. الثامن: بمعنى المنَّة {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} أَى بغير مِنَّة عليهم ولا تقتير. التَّاسع: الحُسْبان بمعنى دوران الكواكب فى الفَلَك {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} أَى يدوران حول القُطْب كدوران الرّحى. العاشر: الحِسْبان بالكسر بمعنى الظن {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً} {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً} وله نظائر. وأَمّا قوله تعالى {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السمآء} فقيل معناه ناراً وعذاباً، وإِنما هو فى الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحَسَبه. وفى الحديث أَنَّه قال فى الريح: "اللهمّ لا تجعلها عذاباً ولا حسَاباً". وذكر بعضهم فى قوله تعالى {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أَوجها: الأَول: يعطيه أَكثر مما يستَحِقه. الثانى: يعطيه ولا يأْخذ منه.

الثالث: يعطيه عَطاءَ لا يمكنُ إِحصاؤه كَثْرةً. الرابع: يعطيه بلا مضايقة، من قولهم: حاسبته إِذا ضايقته. الخامس: أَكثر ممّا يحسُبُه. السّادس: أَنه يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحة لا على حَسَب حسابهم. وذلك نحو ما نبّه عليه بقوله {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمان} الآية. السابع: يعطى المؤمن ولا يحاسبه عليه. ووجه ذلك أَن المؤمن لا يأْخذ من الدّنيا إِلاَّ قدر ما يجب وكما يجب فى وقت ما يجب، ولا ينفق إِلاَّ كذلك، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله تعالى حسابا يضرّه، كما روى: مَنْ حاسب نفسه لم يحاسبه الله يوم القيامة. الثامن: يقابل المؤمنين يوم القامة لا بقدر استحقاقهم بل بأَكثر منه كما قال {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ} ، وعلى هذه الأَوجه قوله تعالى: {يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقوله تعالى: {فامنن أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} . قيل: تصرّفْ فيه تصرفَ من لا يحاسَب، أَو تناولْ كما يجب فى وقت ما يجب وعلى ما يجب وأَنفقه كذلك. و"حَسْب" يستعمل فى معنى الكفاية {حَسْبُنَا الله} أَى كافينا {وكفى

بالله حَسِيباً} أَى رقيباً يحاسبهم عليه. وقوله تعالى: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} نحو قوله: {لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم} وقيل معناه: ما كفايتهم عليك بل الله يكفيهم وإِيّاك، من قوله تعالى: {عَطَاءً حساباً} أَى كافياً، من قولهم حسبى كذا. وقيل: أَراد من عملهم فسمّاه بالحساب الَّذى هو منتهى الأَعمال. وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة} مصدره الحِسْبَان، وهو أَن يحكم لأَحد النقيضين من غير أَن يَخْطِر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الإِصبع ويكون فى معرِض أَن يعتريه فيه شكٌّ. ويقارب ذلك الظنّ، لكن الظنّ أَن يخطِر النَّقيضُ بباله فيغلبَ أَحدهما على الآخر.

بصيرة فى الحسن

بصيرة فى الحسن وهو عبارة عن كلّ مُبْهِج مرغوب فيه. وذلك ثلاثة أَضرب: مستحسن من جهة العقل، ومستحسن من جهة الهَوَى، ومستحسن من جهة الحِسّ. والحَسَنة يعبّر بها عن كلّ ما يَسُرّ من نعمة تنال الإِنسان فى نفسه وبدنه وأَحواله، والسيئة تضادّها، وهما من الأَلفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أَنواع مختلفة. وقوله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هاذه مِنْ عِندِ الله} أَى خِصْب وسعة وظفر، {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أَى جَدْب وضِيق وخَيْبَة. وقوله: {مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أَى ثواب {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ} أَى عذاب. والفرق بين الحَسَنة والحسَن والحُسْنَى أَنَّ الحَسَن يقال فى الأَعيان والأَحداث، وكذلك الحَسَنة إِذا كانت وصفا. فإِذا كانت اسماً فمتعارَف فى الأَحداث، والحُسْنى لا يقال إِلا فى الأَحداث دون الأَعيان، والحَسَن أَكثر ما يقال فى تعارف العامّة فى المستحسَن بالبصر، يقال رجل حسن وحُسَان وحسّان وامْرَأَةٌ حسناءُ أَو حُسَانة وحُسّانة. وأَكثر ما جاءَ فى القرآن من الحَسَن فللمسْتَحسن من جهة البصيرة، وقوله تعالى: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أَى الأَبعد عن الشُّبهة. وقوله تعالى:

{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} إِن قيل: حكمه تعالى حَسَن لمن يوقن ولمن لا يوقن فَلِمَ خصّ؟ قيل: القصد إِلى ظهور حسنه والاطِّلاَع عليه؛ وذلك يظهر لمن تزكَّى واطَّلع على حكمة الله تعالى، دون الجَهَلة. والإِحسان يقال على وجهين: أَحدهما الإِنعام على الغير، وقد أَحسن إِلى فلان. والثَّانى إِحسان فى فعله. وذلك إِذا علم علماً حَسَناً، أَو عمل عملاً حَسَناً. وعلى هذا قول أَمير المؤمنين علىّ رضى الله عنه: "النَّاس أَبناءُ ما يحسنون" أَى منسوبون إِلى ما يعملونه من الأَفعال الحسنة. والإِحسان أَعمّ من الإِِنعام. وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} فالإِحسان فوق العدل. وذلك أَنَّ العدل هو أَن يعطِى ما عليه ويأْخذ ما له، والإِحسان أَن يعطى أَكثر ممّا عليه ويأْخذ أَقلّ ممّا له. فالإِحسان زائد عليه. فتحرِّى العدل واجب، وتحرى الإِحسان نَدْب وتطوع، ولذلك عظم الله ثواب أَهل الإِحسان، قال تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين} . والإِحسان من أَفضل منازل العبوديّة؛ لأَنه لبّ الإِيمان ورُوحُه وكمالُه. وجميع المنازل منطوية فيها. قال تعالى: {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم "الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّك تَرَاهُ"

وَأَمّا الآيَة فقال ابن عباس والمفسّرون: هل جزاءُ مَنْ قال لا إِله إِلا الله وعمل بما جاءَ به محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم إِلاَّ الجَنَّة، وقد رُوِى عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنه قرأ {هَلْ جَزَاءُ الإِحسانِ إِلاَّ الإِحسانُ} ثمَّ قال: هل تدرون ما قال ربّكم؟ قالوا: الله ورسوله أَعلم. قال: يقول: هل جزاءُ مَن أَنعمتُ عليه بالتَّوحيد إِلاَّ الجنَّة؟!. فالحديث إِشارة إِلى كمال الحضور مع الله تعالى ومراقبته، الجامع لخشيته ومحبّته ومعرفته والإِنابة إِليه والإِخلاص له ولجمع مقامات الإِيمان. والإِحسان يكون فى القصد بتنقيته من شوائب الحظوظ، وتقويته بعزم لا يصحبه فتور، وبتصفيته من الأَكدار الدالَّة على كَدَر قصدِهِ. ويكون الإِحسان فى الأَحوال بمراعاتها وصونها غيرة عليها أَن تحُول، فإِنَّها تمرّ مرّ السّحاب، فإِن لم يَرْع حقوقها حالت. ومراعاتها بدوام الوفاءِ، وتجنُّب الجفاءِ، وبإِكرام نُزُلها؛ فإِنَّه ضيف، والضَّيف إِن لم يكن له نُزُل ارتحل. ويراعيها بسترها عن النَّاس ما أَمكن لئلاَّ يعلموا بها إِلاَّ لحاجة أَو مصحلة راجحة، فإِن فى إظهارها بدون ذلك آفات. وإِظهار الحال عند الصادقين من حظوظ النفس والشيطان، وأَهلُ الصّدق أَكتم وأَسْتر لها من أَرباب الكنوز لأَموالهم، حتى إِنَّ منهم مَنْ يُظهر أَضدادها كأَصحاب المَلاَمة. ويكون الإِحسان فى الوقت، وهو أَلاَّ يفارق حال الشُّهود، وهذا إِنَّمَا يقدر

عليها أَهل التمكُّن الَّذين قطعوا المسافات الَّتى بين النَّفس وبين القلب، والمسافات الَّتى بين القلب وبين الله تعالى، وأَن تُعلِّق همّتك بالحقّ وحده، ولا تُعَلَّق بأَحد غيره، فإِنَّ ذلك شرك فى طريق الصّادقين، وأَن تجعل هجرتك إلى الحقّ سَرْمداً. ولله على كلّ قلب هجرتان فرضاً لازماً: هجرة إِلى الله بالتَّوحيد والإِخلاص والتَّوبة والحبّ والخوف والرّجاءِ والعبوديّة، وهجرة إِلى رسوله بالتسليم له والتَّفويض والانقياد لحكمه، وتلقِّى أَحكام الظَّاهر والباطن من مِشْكَاته. ومن لم يكن لقلبه هاتَان الهجرتان فليحْثُ على رأْسه الترابَ، وليراجع الإِيمان من أَصله.

بصيرة فى الحشر

بصيرة فى الحشر وهو إِخراج الجماعة عن مَقَرّهم وإِزعاجُهم عنه إِلى الحرب وغيرها. ورُوى عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أَنَّه قال فى حجّة الوداع: "النِّسَاءُ لا يُعْشَرن ولا يُحشرن". وذُكِر له معنيان، أَحدهما: أَنَّهنّ لا يُحشرن إِلى المصدّق ولكن يؤخذ منهنّ الصّدقة بمواضعهنَّ. والثَّانى: أَنَّهنّ لا يُحشَرْن إِلى المغازى ولا يضرب عليهنّ البُعُوث. وهذا هو القول، لأَن القول الأَوّل يستوى فيه الرّجال والنِّسَاءُ. وأَصل الحشر الجمع، حشرت الناس أَحشُرهم وأَحشِرهم أَى جمعتهم، ومنه يوم الحشر. وقوله تعالى: {لأَوَّلِ الحشر} قيل هو الجلاءُ. وذلك [أَن] بنى النَّضير أَوّل مَن أُخرِج من ديارهم وأُجْلوا. وقيل: هو أَوّل حشرٍ إِلى الشام، ثمّ يحشر النَّاس إِليها يوم القيامة. وقوله تعالى: {وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ} قال عكرمة: حَشْرها موتها. الأَزهرى وأَكثر المفسرين قالوا: تحشر الوحوش كلّها، والدّوابّ حتى الذُّباب تحشر للقِصَاص. والمَحْشَر والمَحْشِر - بفتح الشِّين وكسرها - موضع الحشر، والكسر أَفصح، كذا فى العباب. وقد ورد الحشر فى القرآن على وجهين: الأَوّل: الجمع {وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ} أَى جُمعت {وَحَشَرْنَاهُمْ} أَى جمعناهم.

والثانى: بمعنى السَّوْق والطَّرد {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ} {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً} . والحشر بهذا المعنى يختلف لمعانٍ: حَشْر الطُّيور لداود وطيب أَلحانهِ {والطير مَحْشُورَةً} . وحَشْر الجنّ وغيره لسليمان عليه السّلام {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ} . وحَشْر السّحرة لفرعون وهامان {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي المدآئن حَاشِرِينَ} وحَشْر الخلائق للملِك الدّيّان {واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} . وحَشْر لأَهل الظُّلم والعدوان لعقوبتهم بالنِّيران {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} . وحشر للمتَّقين إِلى نعيم الجِنَان والرّضوان {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمان وَفْداً} .

بصيرة فى الحصر

بصيرة فى الحصر حَصَرَهُ يحصُره حَصْراً: ضيّق عليه. وقوله تعالى {واحصروهم} أَى ضيِّقوا عليهم. وحصرنى الشئ: حبسنى. والحَصِير البارِىُّ. وفى المثل: أَسِيرٌ على حَصِير، قال: فأَضحى كالأَمير على سرير ... وأَمسى كالأَسير على حصير وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} أَى حابسا. قال فى العباب: الحَصِير السِّجن. ومنه الآية (حَصِيراً) أَى مَحْبِساً. قال الحسن: معناه: مِهاداً، كأَنَّهُ جعله الحصير المَرْمول؛ كقوله {لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ} ففى الأَوّل بمعنى: الحاصر، وفى الثانى بمعنى: المحصور، فإِنَّ الحصير سُمّى بذلك لحِصْر بعض طاقاته على بعض. وقال لَبيد: وقَمَاقمٍ غُلْب الرّقاب كأَنهم ... جِنٌّ لدى باب الحصير قيام دافعت خُطَّتها وكنت ولَّيها ... إِذ عَىّ قصد جوابها الحكَّام سُمّى المَلِك حَصِيراً لأَنَّه محجوب، وإِمّا لكونه حاصراً أَى مانعاً لمَن أَراد الوصول إِليه. والحَصِير أَيضاً: البخيل، والرّجل الَّذى لا يشرب الشراب

بخلا. والحَصِير عِرْق يَمتدّ معترضاً على جَنْب الدَّابة إِلى ناحية بطنها. وقول النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم "تُعرض الفتنُ على القلوب عَرْض الحصير" فسّره أَهلُ الحديث فقالوا: الحصير كلّ ما نسج من جميع الأَشياءِ لأَنَّ بعضه نسج ببعض، سَدَاه بلُحمته. وقالوا: المراد من هذا أَنَّ الحَصِيرَ ثوب مزخرف مَوْشِىّ حَسَن إِذا نُشر أَخذتِ القلوبَ مآخِذُه لحسن وشْيه وصنعته، وكذلك الفتنة تزيّن للناس وتزخرف، وعاقبة ذلك إِلى غرور. قال: فليت الدّهر عاد لنا جديداً ... وعُدْنا مثلنا زمن الحصير أَى زمنا كان بعضنا يُزخرف القول لبعض فيتوادّ عليه. والحصير: الجنب، والحصيران الجنبان. وقوله تعالى: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} قيل: الحصور: الَّذى لا يأْتى النِّساءَ، إِمّا من العُنَّةِ، وإِمَّا من العِفَّة والاجتهاد فى إِزالة الشهوة، والثانى أَظهر فى الآية لأَن بذلك يستحق الرّجلُ المحْمِدة. والحَصُور أَيضاً: المجبوب. والحصُور أَيضاً الضَّيّق البخيل كالحَصِر. والحصْر والإِحصار: المنع عن طريق البيت. والإِحصارُ يقال فى المنع الظَّاهر كالعدوّ، والمنعِ الباطن كالمرض، والحصْر لا يقال إِلاَّ فى المنع الباطن. وقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} محمول على الأَمرين، وكذلك قوله تعالى: {لِلْفُقَرَآءِ الذين أُحصِرُواْ} وقوله: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أَى ضاقت بالبخل والجُبْن، وعبّر عنه بذلك كما عُبّر [عنه] بضيق الصدر، وعن ضدّه بالبرّ والسّعة.

بصيرة فى الحصن

بصيرة فى الحصن وهو واحد الحُصُون. وقوله تعالى: {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} أَى مجعولة بالإِحكام كالحصون. وحَصَّن القَرْيَة: بنى جولها، وتحصّن: اتَّخذ الحصْن مسكناً. ثمّ يتجوّز به فى كل تحرز. ومنه دِرْع حصينة لكونها حصناً للبدن، وفَرس حِصان لكونه حصْناً لراكبه، وإِلى هذا أَشار الشاعر: أَنَّ الحُصون الخيلُ لا مدَرُ القُرى وقوله تعالى: {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ} أَى تُحرِزون فى المواضع الحصينة الجارية مجرى الحِصْن. وامرأَة حَصَان وحاصن: عفيفة. وقد حَصُنت بالضمّ حُِصْناً فهى حَصْناءُ بيِّنة الحصانة، وأَحصنت. وقوله تعالى {فَإِذَآ أُحْصِنَّ} أَى تزوّجن و (أُحْصِنّ) أَى زُوِّجن. والحَصَان فى الجملة المحصنة إِمّا بعفَّتها أَو بزوجها أَو بمانع آخر. ويقال: امرأَة مُحصِن إِذا تُصوّر حُصْنها من نفسها، ومُحْصَن إِذا تُصوّر حصنها من غيرها. وقوله تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بالمعروف مُحْصَنَاتٍ} إِلى قوله:

بصيرة فى الحصى

{فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب} قيل: المحصنات: المزوّجات تصوّر أَن زوجها هو الَّذى أَحصنها. {والمحصنات} بعد قوله تعالى: {حُرِّمَتْ} بالفتح لا غير، وفى سائر المواضع بالفتح والكسر لأَنَّ الَّتى حرّم التزوّج بها المزوّجات دون العفيفات، وفى سائر المواضع يحتمل الوجهين. بصيرة فى الحصى أُخِذ من لفظه الإِحصاءُ وهو التَّحصيل بالعدد يقال: أَحصيت كذا. واستعمال ذلك فيه من حيث إِنَّهم كانوا يعتمدونه بالعدد كاعتمادنا فيه على الأَصابع. قوله تعالى: {وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} أَى حصّله وأَحاط به. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِنَّ للهَ تعالى تسعة وتسعين اسماً مَنْ أَحصاها دخل الجنَّة" وقال "استقيموا ولن تُحْصُوا" أَى لن تحصّلوا ذلك. ووجه تعذُّر إِحصائه وتحصيله هو أَنَّ الحقّ واحد والباطل كثير بل الحقّ بالإِضافة إِلى الباطل كالنقطة بالإِضافة إِلى سائر أَجزاءِ الدائرة وكالمَرْمَى من الهَدَف، وإِصابة ذلك شديد، وإِلى هذا أَشار ما روى أَنَّ النبىّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "شيَّبتنى سورة هود وأَخواته" فسئل من الذى شيبك منه، فقال قوله تعالى: {فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ} وقال أَهل اللُّغة: لن تحصوه أَى لن تحصوا ثوابه.

بصيرة فى الحضر

بصيرة فى الحضر الحاضر خلاف البادى. ومنه الحديث "لا يبعْ حاضر لبادٍ، دَعُوا النَّاس يرزقِ اللهُ بعضَهم من بعض" والحاضرة خلاف البادية. والحاضِر: الحَىُّ العظيم وهو جمع كما يقال سامر للسُّمّار، وحاجّ للحُجَّاج. والحَضَارة والحِضَارة: الكَوْن بالحَضر كالبَدَاوة والبِدَاوة. وقوله تعالى: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} من باب الكناية أَى أَن يحضُرنى الجِنّ: وفى العباب: أَى أَن يصيبنى الشَّياطين بسُوءٍ، وكُنِّى عن المجنون بالمحتضَر وعمّن حضره الموت كذلك. وقوله: {مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} أَى مشاهَداً معايَناً فى حكم الحاضر عنده. وقوله {حَاضِرَةَ البحر} أَى قُرْبه. وقوله {تِجَارَةً حَاضِرَةً} أَى نَقْدا. وقوله: {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} أَى يحضُره أَصحابُه. وحَضَر الرّجل يَحْضُر حُضُوراً، وحضِر بكسر الضَّاد، ورجل حَضِر ككتف: لا يريد السّفر، وكلَّمته بحضرة فلان مثلثة الحاءِ، وبمحضَرٍ من فلان وبحضَر فلان بالتَّحريك. والحُضْر بالضمّ العَدْو وخصّ بما (يُحضر به)

الفرس إِذا طُلِب جَرْيه. يقال أَحضَر الفرَسُ [واستحضرته] : طلبت ما عنده من الحُضْر. وحاضرته محاضرة وحِضاراً إِذا حاججته من الحضور كأَنَّه يُحضر كلُّ واحدٍ حُجَّته، أَو من الحُضْر كقولك جاريته. والحَضِيرة الأَربعة والخمسة يغزون أَى تحضر بهم الغزو، وقالت سُعْدى الْجُهَنِيَّة: يرِد المياه حَضِيرة ونَفِيضة ... وِرْدَ القطاة إِذا اسمأَلَّ التُّبَّع واللبن محضور ومحتضَر أَى كثير الآفة وأَنَّ الجنّ تحضره. وفى الحديث "إِنَّ هذه الحُشُوش مُحْضَرة محتضَرة".

بصيرة فى الحطب

بصيرة فى الحطب وهو ما يُعدّ للإِيقاد. وقد حَطَبت حَطْباً واحتطبتُ أَى جمعته. وحطبنى فلان إِذا أَتاك بالحَطَب، قال الجُلَيح الجحاشىّ: تسأَلنى عن بعلها أَىُّ فتى خَبٌّ جَرُوز وإِذا جاع بكى لا حطَبَ القومَ ولا القومَ سَقَى ولا رِكَابَ القوم إِن ضَلَّت بَغَى ولا يوارى فَرْجَه إِذا اصطلى ويأكل التَّمر ولا يُلْقى النَّوى كأَنه غِرَارة مَلأْى حَثى وقوله تعالى: {حَمَّالَةَ الحطب} نزل فى أُم جَمِيل امرأَة أَبى لهب، وكانت تمشى بالنَّميمة، فكُنى عنها بالنَّميمة. وإِذا نَصَر الرّجُل القَوْمَ قيل: حَطَب فى حَبْلِهم. والحطباء: المرأَة المشئومة. والحَطِب ككتف والأَحطب: الشديد الهُزَال. ويقال لمن يتكلَّم بالغَثِّ والسّمين: حاطب ليل، لأَنَّه لا يبصر ما يَجْمع فى حَبْله. وحَطَب به إِذا سعى به. والمحتطِب: المطر الَّذى يَقْلَع أَصولَ الشَّجر. وناقة محاطِبة: تأكل الشَّوك اليابس. والحِطاب ككتاب: ما يُقطع من أَعالى شجر العنب كلَّ عام، واستحطَب العنبُ: حان أَنْ يقطع حِطَابه.

بصيرة فى الحلف

بصيرة فى الحلف حَفَّهُ بالشَّئ يَحُفَّه: أَحاط كما يُحَفُّ الهودجُ بالثوب. وقوله تعالى: {وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العرش} أَى محدِقين بأَحِفَّتِهِ أَى جوانبه. وحِفَافَا الشئ جانباه. قال: كأَن جناحَىْ مَضْرَحِىّ تكنَّفا ... حِفَافيْه شُكَّا فى العَسِيب بمِسْرَد وقوله تعالى: {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} أَى جعلْنا النخل مطِيفة بأَحِفَّتهما أَى جوانبهما. وفى الحديث أَنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم لم يشبع من طعام إِلا على حَفَف أَو شَظَف أَو ضَفَف. والرّوايات الثلاثة فى معنى ضِيق العيش وقلَّتهِ وغلظه. ومن أَمثالهم: "مَنْ حَفَّنا أَو رَفَّتا فليقتصِد" أَى مَن طاف بنا واعتنى بأَمرنا وأَكرمنا وَخَدَمَنَا وحاطنا وتعَطَّف علينا بالمدح ونحوه فلا يَغلُونَّ فى ذلك، ولكن ليتكلَّم بالحقّ منه. والحُفُوف: اليُبْس. وحَفتهم الحاجةُ إِذا كانوا محاويج؛ وهم قوم محفوفون. وحَفِيف الشجر والأَفعى والطَّائر والسّهم النَّافِذِ: صوتُه.

بصيرة فى الحفر

بصيرة فى الحفر حَفَر الأَرضَ: قلعها سُفْلا. وحفر الدَّابة: هَزَلها. يقال الحَمْل يحفِر الجَمَل ولا يحفر النَّاقة، فإِنَّها تسمن عليه. وحفر. جامَعَ، وحفر ثَرَى فلانٍ إِذا فتَّش عن أَمره ووقف عليه. وقوله تعالى: {وَكُنْتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ} أَى مكان محفور. ويقال لها حَفِيرة أَيضاً. والحَفَر - محرَّكَة - التُّراب الَّذى يُخرج من الحُفْرة، وهو مثل الهَدَم والنَّقض. والحَفَر أَيضاً: المكان الَّذى حُفِر. قال الأَخطل: حتَّى إِذا هنّ وَرّكن القَصِيم وقد ... أَشرفن أَو قلن هذا الخَنْدق الحَفَر وسمّى حافر الفرس تشبيهاً لِحفْره فى عَدْوه. وقوله تعالى: {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة} أَى إِلى أَمرنا الأَوّل وهو الحياة. وقال مجاهد: أَى خَلْقاً جديداً. وقال ابن الأَعرابى: أَى إِلى الدّنيا كما كنَّا. يقال: عاد إِلى حافرته أَى رجع إِلى حالته الأُولى، وإذا رجع من الطَّريق الَّذى جاءَ منه أَيضاً. وأَنشد: أَحافرةً على صَلَع وشَيْب ... معاذَ الله من سَفَهٍ وعارِ أَىْ: أَأَرجع إِلى أَمرى الأَوّل بعد أَن شِبت؟! يعنى الغَزَل والصَبْوة إِلى النساءِ.

وفى الحديث قال أُبَىّ بن كعب: سأَلتُ النبىّ صلَّى الله عليه وسلم عن التَّوبة النَّصُوح فقال: هو الندم على الذنب حين يفْرُطُ منذ، وتستغفرَ الله بندامتك عند الحافر، ثمّ لا تعود إِليه أَبداً. وقال أَبو العبّاس هذه كلمة كانوا يتكلَّمون بها عند السّبْق والبرهان يقول: أَوّلَ ما يقع حافر الفرس على الحافر - أَى المحفور - أَو الحافرة - أَى المحفورة - فقد وجب النَّقد. وإِذا قيل عند الحافرة بالهاءِ أَى عند أَوّل كلمة. وقيل: فيه وجهان: أَحدهما: أَنَّه لمّا جعل الحافر فى معنى الدّابّة نفسها وكثر استعماله على ذلك من غير ذكر الذَّات فقيل: اقتنى فلان الخُفَّ والحافر أَى ذواتهما، أُلحقت به علامةُ التأنيث استعارة بتسمية الذَّات بها. والثَّانى: أَن يكون "فاعلة" من الحَفْر، لأَنَّ الفرس بشدّة الدّوس تحفر الأَرض، كما سمّى فرساً لأَنها تفْرِسها أَى تدُقّها. هذا أَصل الكلمة ثمّ كثرت حتى استعملت فى كلّ أَوّليَّة، فقيل رجع إِلى حافرتة. ويقال التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة أَى عند أَوّل ما التقَوْا.

بصيرة فى الحفظ

بصيرة فى الحفظ حفِظت الشئ حِفظاً بالكسر أَى حرسته، وقوله تعالى: {فالله خَيْرٌ حَافِظاً} أَى حفظُ الله خير حفظ. ومن قرأَ (حافظا) وهى قراءَة الكوفيّين غير أَبى بكر فالمراد خير الحافظين. وقوله تعالى {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} أَى ذلك الحفظ بأَمر الله. والحِفظ يقال تارة لهيئة النَّفس الَّتى بها يثبت ما يؤدِّى إِليه الفهم، وتارة لضبط الشئ فى النَّفس. ويُضادّه النِّسيان، وتارة لاستعمال تلك القوّة، فيقال: حفظت كذا حفظاً، ثمّ يستعمل فى كلّ تفقُّد وتعهُّد ورعاية. قوله تعالى: {والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات} كناية عن العِفَّة و {حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله} أَى يحفظن عهد الأَزواج عند غيبتهم بسبب أَنَّ الله يحفظهنّ أَن يطلع عليهنّ. وقرئ بنصب الجلالة أَى بسبب رعايتهنّ حقّ الله لا (لرياءِ وتصنُّع) منهنّ. وقوله {فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} أَى حافظاً؛ كقوله {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}

{وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} أَى حافظ لأَعمالهم، أَو بمعنى مفعول أَى محفوظ لا يَضِيع، كقوله تعالى: {عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} . والحَفَظَة، الملائكة الَّذين يكتبون أَعمال بنى آدم، وجمع الرّجل الحافظ الحافظون والحُفَّاظ والحَفَظَة. والحفيظ: الموكِّل بالشئ يحفظه. والحفيظ فى صفات الله تعالى: الَّذى لا يَعْزُب عنه مثقالُ ذَرَّة فى الأَرض ولا فى السّماءِ، وقد حفظ على عباده ما يعملون من خير وشرّ، وقد حفظ السماوات والأَرض {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} . والحِفاظ المحافظة على العهد، والوفاء بالعَقْد، والتَّمسّك بالودّ. والحِفاظ أَيضاً أَن يحفظ كلّ واحد الآخر. وقوله تعالى: {والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} فيه تنبيه أَنَّهم يحفظون الصّلاة بمراعاة أَوقاتها، ومراعاة أَركانها، والقيام بها فى غاية ما يكون من الطَّوق، وأَنَّ الصّلاة تحفظهم الحفظ الَّذى نبّه عليه فى قوله: {إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر} . وأَهل الحفِيظة والحفائظ هم المحامون من وراءِ إِخوانهم، المتعاهدون لعوْراتهم، الذابّون عنها. والتحفُّظ هو قلَّة الغَفْلة. وحقيقته إِنَّما هو تكلُّف الحفظ لضعف القوّة الحافظة. والحفيظةُ: الغَضَب الَّذى يَحمل على المحافظة

ثمّ استعمل فى الغضب المجرّد. والمُحْفِظات: الأُمور الَّتى تُحفِظ الرّجل أَى تُغضبه إِذا وُتِر فى حَمِيمه وجارِه. قال القطامىّ: أَخوك الذى لا تملك الحِسَّ نفسُه ... وترفَضُّ عند المحفِظات الكتائفُ يقول: إِذا استوحش الرّجُلُ من ذى قرابته فاضطغَن عليه لإِساءَة بدت منه فأَوحشه ثمّ رآه يضام زال عن قلبه ما أَلمَّ به من الحِقد وغضِب له ونصره وانتقم له من ظالمه. قال قُرَيط بن أُنَيف: إِذن لقام بنصرى معشر خُشُنٌ ... عند الحَفِيظة إِن ذو لُوثة لانا وقال: وما العفو إِلاَّ لامرئ ذى حفيظة ... متى يُعْفَ عن ذنب امرئ السَّوءِ يَلْجَج

بصيرة فى الحفا

بصيرة فى الحفا يقال: حَفِيت بفلان وتحفَّيت به إِذا عُنيت بكرامته. والحَفِىّ فى قوله تعالى {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} : البَرّ اللَّطيف. والحَفِىّ أَيضاً: العالمِ الَّذى يتعلَّم الشئ باستقصاء. والإِحفاء فى السّؤال: التَّترع فى الإِلحاح والمطالبة، أَو فى البحث عن تعرّف الحال. وعلى الوجه الأَوّل يقال: أَحفيتُ السؤال، وأَحفيت فلاناً فى السّؤال؛ قال تعالى: {إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ} وأَصل ذلك من أَحفيت الدّابة: جعلته حافياً، وأَحفيت الشَّارب: أَخذته أَخذاً متناهياً.

بصيرة فى الحق

بصيرة فى الحق أَصل الحَقّ المطابقةُ والموافقة، كمطابقة رِجْل الباب فى حُقِّه لدَوَرانه على الاستقامة. والحَقّ يقال على أَربعة أَوجه: الأَوّل: يقال لموجِد الشئ بحسب ما تقتضيه الحكمة. ولذلك قيل فى الله تعالى: هو الحقّ. الثَّانى: يقال للموجَد بحسب ما تقتضيه الحكمة. ولذلك يقال: فِعْل الله تعالى كلُّه حَقّ؛ نحو قولنا: الموت حقّ، والبعث حقّ {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً} إِلى قوله {مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق} . الثالث: الاعتقاد فى الشئ المطابِقُ لما عليه ذلك الشئ فى نفسه؛ كقولنا: اعتقاد فلان فى البعث والثواب والعقاب والجنَة والنَّار حقّ. الرّابع: للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب، وبقدر ما يجب، وفى الوقت الذى يجب، كقولنا: فعلك حق، وقولك حق. وقوله تعالى {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ} يصح أَن يكون المراد به الله تعالى، ويصحّ أَن (يراد) به الحُكْم الَّذى هو بحسب مقتضى الحكمة. ويقال: أَحققت كذا

أَى أَثبتُّه حقَّا، أَو حكمت بكونه حقّاً. وقوله تعالى: {لِيُحِقَّ الحق} فإِحقاقُ الحقّ على ضربين: أَحدهما بإِظهار الأَدِلَّة والآيات، كما قال {وأولائكم جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} أَى حجّةً قويّة. والثَّانى بإِكمال الشريعة وبَثِّها، كقوله تعالى: {والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} وقوله: {الحاقة مَا الحاقة} إِشارة إِلى القيامة كما فسّره بقوله: {يَوْمَ يَقُومُ الناس} لأَنَّه يحِقّ فيه الجزاء. ويستعمل استعمال الواجب اللازم والجائز نحو {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} وقوله: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق} [قيل معناه جدير] . وقرئ (حقيق علىَّ) قيل واجب. والحقيقة تستعمل تارة فى الشئ الذى له ثبات ووجود: كقول النبى صلَّى الله عليه وسلَّم لحارثة "لكلّ حقّ حقيقة فما حقيقة إِيمانك" أَى ما الذى ينبئ عن كون ما تدّعيه حقّاً. وفلان يحمى حقيقته أَى ما يحقّ عليه أَن يحميه، وتارة تستعمل فى الاعتقاد كما تقدّم، وتارة فى العمل وفى القول فيقال: فلان لفعله حقيقةٌ إِذا لم يكن مرائياً فيه؛ ولقوله حقيقةٌ إِذا لم

يكن فيه مترخِّصاً ومتزايداً. ويُستعمل فى ضدّه المتجوَّز والمتوسّع والمتفسّح. وقيل: الدّنيا باطل والآخرة حقيقة، تنبيهاً على زوال هذه وبقاءِ تلك. وأَمَّا فى تعارف الفقهاءِ والمتكلِّمين فهى اللَّفظ المستعمل فيما وضع له فى أَصل اللُّغة.

بصيرة فى الحكم والحكمة

بصيرة فى الحكم والحكمة الحُكْم لغة: القضاء، والجمع أَحكام. وقد حكم عليه بالأَمر حكماً وحكومة. والحاكم. منفِّذُ الحكم وكذلك الحَكَم والجمع حُكَّام. وحاكمه إِلى الحاكم: دعاه وخاصمه. وحكَّمه فى الأَمر: أَمره أَن يحكم، فاحتكم. وتحكَّم. جاز فيه حكمُه. والاسم الأُحكومة والحكومةُ. و [تحكيم الحُروريّة] قولهم لا حكم إِلاَّ لله. وحكَّام العرب فى الجاهلية أَكثم بن صَيْفِىّ وحاجب ابن زُرارة والأَقرع بن حابس وربيعة بن مُخَاشِنٍ وضَمْرة بن ضَمْرة لتميم، وعامر بن الظرِب وغَيْلان بن سَلَمة لقيس، وعبد المطَّلب (وأَبو طالب) والعاص بنُ وائل والعلاءُ بن حارثة لقريش، وربيعة بن حِذَار لأَسد، ويَعْمَر بن الشُّدّاخ وصفوان بن أُميّة وسَلْمى ابن نوفل لكنانةَ. والحِكْمَة: العدل والعلم والحِلم والنبوّة والقرآن والإِنجيل وطاعة الله والفقهُ فى الدّين والعملُ به أَو الخشية أَو الفهم أَو الورع أَو العقل أَو الإِصابة فى القول والفعل والتفكر فى أَمر الله واتِّباعه. وهو حكيم أَى عَدْل حليم. وحَكَمه وأَحْكمه: أَتْقته وَمَنَعَه من الفساد. وسُورة محكَمة: غير مسوخةٍ. والآيات المحكَمَات {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}

إِلى آخر السّورة، أَو الَّتى أُحكِمت فلا يَحتاج سامِعُها إِلى تأْويلها لوضوحها كأَقاصيص الأَنبياءِ عليهم السّلام. والمُحَكِّم - بكسر الكاف -: الشيخ المجرَّب. والحَكَم محرّكة: الرّجل المُسِنّ. والحكْم وردت فى القرآن على نيّف وعشرين وجهاً: الأَول: حكم الله تعالى {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} . الثانى: حكم نوح فى شفاعة النَّبيّين {وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين} حكم لوط عند اشتغاثته من جَوْر المجرمين {وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} وحُكم يوسف الصّدّيق عند الخلْوة بسيّدة الحِسَان {آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} وحكمُه أَيضاً بتعبير الرّؤيا لأَهل الاسجان {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} وحكم إِخْوة يوسف عند توقُّف بعضهم عن الرّواح إِلى كنعان {حتى يَأْذَنَ لي أبي أَوْ يَحْكُمَ الله} وحكم داود لمّا ترافع إِليه الخصمان {فاحكم بَيْنَنَا بالحق} وحكم خلفاءِ الله بين نوع الإِنسان {فاحكم بَيْنَ الناس بالحق} والحكم بين الزَّارع والرَّاعى من داود وسليمان {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث} وحكم اليهود بالتَّوراة وشرائعها {وَعِنْدَهُمُ

التوراة فِيهَا حُكْمُ الله} وحكم النَّصَارى بالإِنجيل وأَحكامها {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَآ أَنزَلَ الله فِيهِ} وحكم سيّد الأَنبياءِ بما تضمّنه القرآن {وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله} والحكم الجاهلىّ الَّذى طلبه الجهّال من أَهل الكفر والطُّغيان {أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ} والحكم الحَقّ المنصوص فى القرآن {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً} والحكم الجزم البتّ فى شأْن أَهل النفاق والخذلان {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} والحكم المقبول من المؤمنين بواسطة الإِيمان، المقابَلُ بالتَّذلل والتَّواضع والإِذعان {وَإِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} والحكم فى القيامة بين جميع الإِنس والجانّ {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} والحكم بين الرّجال والنِّسوان {فابعثوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ} وحكم بجزاءِ الصّيد على المُحْرِم عند العُدْوان {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم يَحْكُمُ بِهِ} وحكم من الله بالحقّ إِذا اختلف المختلفان {وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} وحكم الكفَّار فى دعوى مساواتِهم مع أَهل الإِيمان {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} وحكم بتقديم الأَرواح وتأْخيرها من الرّحمن {والله

يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} وحكم بتخليد الكفَّار فى النِّيران {إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} وحكم بتخليد ثواب أَهل الإِيمان فى الجِنَان. وأَمَّا الحِكمة فمن الله - تَعَالى - معرفة (الأَشياءِ وإِيجادُها) على غاية الإِحكام والإِتقان، ومن الإِنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات. وقد وردت فى القرآن على ستَّة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى النبوّة والرّسالة {وَيُعَلِّمُهُ الكتاب والحكمة} {وَآتَيْنَاهُ الحكمة} {وَآتَاهُ الله الملك والحكمة} أَى النبوّة. الثانى: بمعنى القرآن والتَّفسير والتأْويل وإِصابة القول فيه {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} . الثالث: بمعنى فهم الدّقائق والفقه فى الدّين {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً} أَى فهم الأَحكام. الرّابع: بمعنى الوعظ والتَّذكير {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الكتاب والحكمة} أَى المواعظ الحسنة {أولائك الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب والحكم والنبوة} .

الخامس: آيات القرآن وأَوامره ونواهيه {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة} . السّادس: بمعنى حُجّة العقل على وَفْق أَحكام الشَّريعة {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة} أَى قولاً يوافق العقل والشرع. وأَصل المادّة موضوع لمنع يُقصد به إِصلاح ومنه سمّى حَكمة الدّابة فقيل: حكمته وحكمت الدّابة منعتها بالحَكَمة، وأَحكمتها: جعلت لها حَكَمةً والحُكْم بالشئ أَن تقضى بأَنه كذا أَو ليس بكذا سواء أَلْزمت ذلك غيرك أَولم تلزمه، قال الشاعر: واحكم كحكم فتاة الحىّ إِذا نظرت ... إِلى حمامٍ سِرَاعٍ واردِ الثَّمَد وإِذا وُصِفَ القرآن بالحِكْمَةِ فلتضمُّنه الحكمة نحو {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم} وقيل: معنى الحكيم المحكم نحو {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} وكلا المعنيين صحيح. والحكم أَعمّ من الحِكمة فكلّ حِكْمة حُكْم وليس كلّ حكم حِكمةً. وقوله الصّمت حُكْم وقليل فاعله أى حِكْمة

{واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله والحكمة} قيل: تفسير القرآن. والمحكّمون أَصحاب الأُخدود يروى بفتح الكاف وكسرها، سُمّو الأَنَّهم خُيّروا بين أَن يُقتَلوا مُسلمين وبين أَن يرتدُّوا. ومنه الحديث "إِنَّ الجَنَّةَ للمحكَّمين" وقيل عنى المختصّصين بالحِكمة. وأَمّا الحكيم فقد ورد فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الأُمور المقَّضيَّةِ على وجه الحكمة {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} . الثانى: بمعنى اللَّوح المحفوظ {وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} . الثالث: بمعنى الكتاب المشتمل على قبول المصالح {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم} وقيل فى معناه غير ذلك وقد تقدّم. الرّابع: بمعنى القرآن العظيم المبيّن لأَحكام الشَّريعة {يس والقُرْآنِ الحَكِيمِ} . الخامس: المخصوص بصفة الله عزَّ وجلّ تارة مقروناً بالعلوّ والعظمة {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} وتارة مقروناً بالعلم والدّراية {إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم} وتارة مقروناً بكمال الخِبْرَة {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} وتارة مقروناً بكمال العزَّة {وَكَانَ الله عَزِيزاً حَكِيماً} .

بصيرة فى الحل

بصيرة فى الحل حلّ المكان وحَلّ به يحُلّ ويحِلّ حَلاًّ وحُلولاً وحَلَلاً - وهو نادرٌ - نزل به [فهو حالّ] . وكذلك احتلَّه واحتلّ به. والجمع حُلُول وحُلاَّل وحُلَّل. وأَحلَّهُ المكان وبه وحلَّله إِيّاه. وحَلّ به جعله يحلُّه. وحالَّه: حلّ معه. وحَلِيلتك: أمرأَتك وأَنت حليلها. ويقال للمؤنَّث: حليل أَيضاً. وحليلتك جارتك. وأَصل الحلّ حَلّ العُقْدة. ومنه قوله تعالى: {واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} وحللتُ: نزلتُ، من حلّ الأَحمال عند النُّزول، ثمّ جُرّد استعمالُه للنزول قال تعالى {تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ} {وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار} ويقال: حلّ الدَّيْن أَى وجب أَداؤه. والمَحَلَّة: مكان النُّزول. وعن حَلّ العُقْدة استعير قولهم حلّ الشئُ حلالاً. ومنه قوله تعالى: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلاً طَيِّباً} ومن الحلول أَحلَّت الشَّاة: نزل اللَّبنُ فى ضرعها. وقوله تعالى: {حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} وأَحلّ الله كذا. وقوله تعالى: {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} فإِحلال الأَزواج فى الوقت لكونهنّ تحته، وإِحلال بنات العم وما بعدهنّ إِحلال التَّزوج بهنّ. ورجل

حَلاَل ومُحِلّ إِذا خرج من الإِحرام أَو خرج من الحَرَم. وقوله تعالى: {وَأَنتَ حِلٌّ بهاذا البلد} أَى حلال. وقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أَى بَيَّن ما تنحلّ به عقدةُ أَيمانكم من الكفَّارة. وفى الحديث "لا يموت لرجل ثلاثةٌ من الولد فمتسُّه النَّار إِلاَّ تحِلَّةَ القَسَم" أَى إِلاَّ قدر ما يقول إِن شاءَ الله تعالى. والحَلِيلُ: الزَّوج [إِمّا] لحَلّ كلِّ واحد منهما إِزارَه للآخر، وإِمَّا لنزوله معه، وإِمّا لكونه حلالاً له.

بصيرة فى الحلم والحليم

بصيرة فى الحلم والحليم [الحلم] الأَناة والعقل. وقيل: ضبط النفس والطَّبع عن هَيَجان الغضب. وجمعه أَحلام. قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بهاذآ} قيل: معناه عقولهم، وليس الحِلْم فى الحقيقة العقل، لكن فسّروه بذلك لكونه من مسبّبات العقل. وقد حَلُم وحلَّمه العقلُ فتحلَّم، وأَحلمت المرأَة: ولدت أَولاداً حُلَمَاء. وقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} أَى وُجد منه قوّة الحِلْم. وقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم} أَى زمان البلوغ. وسمّى الحُلُمَ لكونه جديراً صاحبُه بالحِلْم. وفى الحديث "لا يُتْم بعد حُلُم" وقال "أَوّل عِوَض الحليم أَن يكون النَّاس أَنصاره" وقال "طوبى لمن كان له حِلْم يردُّ به جَهل الجاهلِ، وورَع يصدّه عن المحَارِم، وخُلق يدارى به النَّاس". قال: فإِن كنت محتاجاً إِلى الحِلم إِنَّنى ... إِلى الجهل فى بعض الأَحايين أَحوجُ ولى فرس للحلم بالحلم ملجَم ... ولى فرس للجهل بالجهل مُسْرَج

فَمَنْ شاءَ تقويمى فإِنى مقوَّم ... ومَن شاءَ تعويجى فإِنِّى معوَّج وقال آخر: إِذا قيل حلماً قال للحلم موضع ... وحِلُم الفتى فى غير موضعه جهلُ والحليم ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل: بمعنى إِبراهيم الخليل {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} . الثَّانى: بمعنى إِسحاق وإِسماعيل على اختلاف القولين {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} وفى موضع آخر {وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ} قيل معناه: فى صِغَرِه حليم، وفى كبره عليم. الثالث: صفة من صفات الله تعالى: تارة قُرن بالعلم {وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} وتارة قرن بالشُّكر {والله شَكُورٌ حَلِيمٌ} وتارة ضُمّ مع الغفران {والله غَفُورٌ حَلِيمٌ} .

بصيرة فى الحميم

بصيرة فى الحميم الحَمِيم والحَمِيمة: الماءُ الحارّ، والماءُ البارد، من الأَضداد. وقيل: الشَّديد الحرارة. قال: وسَاغ لىَ الشَّرَابُ وكنت قبلاً ... أَكاد أَغصُّ بالماءِ الحميم أَى البارد. وقال آخر: سقياً لظلِّك بالعشىّ وبالضُّحى ... ولبَرْد مائك والمياهُ حميمُ لو كنت أَملك منع مائك لم يذق ... ما فى قِلاتك ما حييتُ لئيم وقال تعالى: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم} وقيل للماءِ الحارّ فى خروجه من منبعه: حَمَّة. ورُوِىَ: العالِم كالحَمّة، يأْتيها البُعَداءُ، ويزهد فيها القُرباءُ. وسُمّى العَرَق حميماً على التشبيه. وسمّى الحَمّام إِمّا لأَنَّه يعرّق، وإِمّا لما فيه من الماءِ الحارّ، واستحمّ: دخل الحمّام. وقوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ. وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} هو القريب المشفِق. وكأَنَّه الَّذى يَحْتَدُّ حماية لذويه. وقيل لخاصة الرّجل: حامَّتُه وذلك لما قلنا. ويدلّ على ذلك أَنَّه قيل للمشفِقين من أَقارب الإِنسان:

حُزَانَته، أَى الَّذين يحزنون له. واحتمّ لفلان اَى احتدّ. وأَحَمَّ الشَّحمَ: أَذابه فصار كالحميم. وقوله تعالى: {وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} فهو يفعول من ذلك. قيل: أَصله الدّخان الشَّديد السّواد، وتسميته إِمّا لما فيه من فَرْط الحرارة كما فسّر فى قوله تعالى: {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} أَو لِما تصوّر فيه من الحُمَمَة وإِليه أُشِير بقوله: {لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النار} . وعُبّر عن الموت بالحِمَام لقولهم حُمّ كذا أَى قُدِّر. والحُمَّى سمّيت [إما] لما فيها من الحرارة المفرِطة. ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلم "الحُمَّى من فَيْح جهنَّم" وإِمّا لما يَعْرض فيها من الحَميم أَى العَرَق، أَو لكونها من أَمارات الحِمَام، لقولهم الحمّى رائد الموت أَو بَريد الموت، وقيل: باب الموت. وحمّم الفَرْخُ إِذا اسودَّ جِلْدُهُ من الرّيش. ومنه الحَمَام لا زمام له لا يدخل الشيطان بيتاً فيه حمامة. وفيه أَيضا: الحَمام حبيبى وحبيب الله. وتسبيحه أَن يقول سبحان المعبود بكلّ مكان، سبحان المذكور بكل لسان، ضعيف جدّاً.

بصيرة فى الحمد والحميد

بصيرة فى الحمد والحميد الحمد: الثَّناءُ بالفضيلة، وهو أَخَصّ من المَدْح وأَعمّ من الشكر [فإِن المدح] يقال فيما يكون من الإِنسان باختياره وممّا يكون منه وفيه بالتَّسخير، فقد يُمْدَحُ الإِنسان بطول قامته وصباحة وجهه، كما يُمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه، والحَمْدُ يكون فى الثانى دون الأَوّل، والشكر لا يقال إِلاَّ فى مقابلة نِعمة: فكلُّ شكر حمد وليس كلّ حمدٍ شكراً، وكلّ حَمْد مدحٌ وليس كلّ مدحٍ حمداً. وفلان محمود إِذا حُمِد، ومحمَّد إِذا كثرت خصالُه المحمودة، ومُحْمَد كمكْرَم إِذا وُجد محموداً. وقوله تعالى: {إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} يصحّ أَن يكون فى معنى المحمود، وأَن يكون فى معنى الحامد. وحُمادَاك أَن تفعل كذا أَى غايتك المحمودة. وقوله تعالى: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ} فأَحمد إِشارة إِلى النبىّ صلَّى الله عليه وسلم باسمه [وفعله] تنبيهاً على أَنَّه كما وُجد أَحمدَ يوجد وهو محمود فى أَخلاقه وأَفعاله. وخُصّ بلفظ أَحمد فيما يبشِّر به عيسى عليه السّلام تنبيهاً أَنَّه أَحمد منه ومن الَّذين قبله.

وقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} فمحمّد ههنا وإِن كان اسماً له علماً ففيه إِشارة إِلى وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه كما فى قوله تعالى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمه يحيى} على معنى الحياة كما يبيّن فى بابه إِن شاءَ الله.

بصيرة فى الحمل

بصيرة فى الحمل مادّة (ح م ل) لمعنى واحد. واعتُبِر فى أَشياءَ كثيرة فسُوّى بين لفظه فى فَعَلَ، وفُرِق بين كثير منها فى مصادرها. فقيل فى الأَثقال المحمولة [في الظاهر كالشئ المحمول على الظهر: حِمْل، وفى الأَثقال المحمولة] فى الباطن: حَمْل كالولد فى البطن والماءِ فى السّحاب والثَّمرة فى الشجرة تشبيهاً بحمْل المرأَة، يقال حملتُ الثِقْل والرّسالة والوِزْر حَمْلاً. وقوله تعالى: {مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} أَى كُلِّفُوا أَن يتحمّلوها أَى يقوموا بحقِّها فلم يحملوها. ويقال حَمّلته كذا فتحمَّله، وحملته على كذا فتحمّله واحتمله، وحَمَله. وحملت المرأَه: حَبِلت، وكذا حملت الشجرةُ. ويقال: حَمْل وأَحمال. قال تعالى: {وَأُوْلاَتُ الأحمال} وقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} والأَصل فى ذلك الحمل على الظَّهر فاستعير للحَبَل، بدلالة قولهم وَسَقت النَّاقة إِذا حَمَلت، وأَصل الوَسْق الحِمل المحمول على الظَّهر: ظهر البعير. وقيل الحَمُولة لما يُحمل عليه كالقَتُوبَة والرَّكوبة، والحمولة لما يُحمل، والحَمَل للمحمول

وخُصّ الضأْن الصّغير بذلك لكونه محمولاً لعجزه أَو لقربه من حَمْل أُمّه إِيّاه. وجمعه أَحمال وحُمْلان [وبها] شبّه السّحاب فقيل {فالحاملات وِقْراً} والحَمِيل: السّحابُ الكثير الماءِ لكونه حاملاً للماءِ. والحَمِيل: ما يحمله السّيلُ، والغريبُ تشبيهاً بالسّيل، والولدُ فى البطن. والحَمِيل: الكَفِيل لكونه حاملاً للحقّ مع مَنْ عليه الحقّ. وحَمَّالةُ الحطب كنايةٌ عن النَّمَّام وفلان يحمل الحطب الرَّطْب أَى ينُمّ. قال الشَّاعر: نِعْم المُعين على احتما ... لك أَيُّها الرجل الجهولُ علمى بأَنك ميّت ... ومُسَاءَلٌ عمّا تقولُ وقال: سَهّل على حامل لبداً تُبَلِّلُه الشَّـ ... مَالُ فى حَمْلِ ذاك اللِّبدِ مَبْلُولاَ والحمل ورد فى القرآن على اثنى عشر وجهاً: الأَوّل: بمعنى قبول الأَمانة {وَحَمَلَهَا الإنسان} أَى قَبِلَها. الثانى: بمعنى الحفظ والرّعاية {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} {وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} أَى حفِظناه. الثالث: بمعنى الضبط بشدّة القوّة {الذين يَحْمِلُونَ العرش} ، {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} .

الرّابع: بمعنى الرّفع {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ} . الخامس: بمعنى تحمُّل المُؤَنة والنفقة {وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} أَى لتُنفِق عليهم. السّادس: بمعنى الالزام وطرح الحُرَم والجناية {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ} . السّابع: حمل الوالدة {فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} {وَأُوْلاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ} . الثَّامن: بمعنى الولد فى الرّحم {أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . التَّاسع: فى وضع الشْئ فى موضعه عنايةً به {قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين} . العاشر: بمعنى الإِيجاب والإِلزام {مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة} . الحادى عشر: بمعنى التَّقصير فى الواجبات {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} . الثَّانى عشر: بمعنى حقيقة الحمل {إِنِّي أراني أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً} {وامرأته حَمَّالَةَ الحطب} أَى حاملة الشَّوك.

بصيرة فى الحمى والحن

بصيرة فى الحمى والحن والحنث والحنجرة والحنذ والحنف والحنك والحوذ والحور والحيز والحوش [والحيص] والحوط والحيف والحيق. أَمّا الحَمْى فهو الحرارة المتولِّدة من الجواهر المُحْمِيَة كالنَّار والشَّمس، ومن القوّة الحارّة فى البدن. قال تعالى: {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أَى حارّة. وقرئ (حَمِئَةٍ) أَى ذات حَمْأَة وهى الطِّين الأَسود المُنْتِن. وقوله تعالى: {وَلاَ حَامٍ} قيل: هو الفحل إِذا ضَرَبَ عشرة أَبطن قالوا: قد حَمَى ظهرَه فلا يُرْكَب. وأَحماء المرأَة: كلّ مَنْ كان من قِبَل زوجها. وقوله تعالى: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} أَى طين أَسود مُنْتِن. وقوله تعالى: {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا} أَى رحمةً وعطفاً. وأَصله الحنين، ولمّا كان الحنين نزاعا متضمِّناً للإِشفاق [والإِشفاق لا ينفك من الرحمة] عبّر عن الرّحمة به فى قوله تعالى: {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا} .

وقوله تعالى: {وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} أَى الغلاصم جمع حَنْجرة وهى رأْس الغَلْصمة من خارج. وقوله تعالى: {أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أَى مَشْوِىّ بين حجرين وإِنَّما يُفعل ذلك لينصبّ عنه اللُّزوجة الَّتى فيه، من قولهم: حنذت الفَرَس أَى أَحضرته شوطاً أَو شوطين ثمّ ظاهرت عليه الجِلال ليَعْرَق، وهو محنوذ وحَنيذ. وقوله تعالى: {قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} أَى مائلاً عن الباطل إِلى الحقّ، وعن الضَّلال إِلى الاستقامة. وسمّت العربُ كلّ مَن اختَتَن أَو حَجّ حنيفاً تنبيهاً على أَنَّه على دين إِبراهيم عليه السّلام. وقوله تعالى: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} يحتمل أَنَّه مأْخوذٌ من حَنَكْت الدّابة: أَصبت حَنَكه باللِّجام والرَّسَن، نحو قولك: لأَلْجمَنَّ فلاناً ولأَرِْسُننَّهُ. ويحتمل أَن يكون مأْخوذاً من قولهم: احتنك الجرادُ الأَرْضَ أَى استولى بحنكه عليها فأَكلها واستأصلها. فيكون معناه: لأَستولينّ عليهم استيلاءً.

وقوله تعالى: {استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان} أَى اسْتاقهم مستولياً عليهم، من حاذ الابلَ يحوذها إِذا ساقها سوقاً عنيفا، أَو من قولهم: استحوذ العَيْرُ [على] الأَتان إِذا استولى على حاذَيْها أَى جانبى ظهرها. وقوله تعالى: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ} جمع أَحور وحوراءُ. والحَوَر - محرّكة -: ظهور قليل من البياض فى العين من بين السّواد. وقد احورّت عينُه. وذلك نهاية الحسن من العين. وقوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} أَى لن يبعث. وذلك نحو قوله تعالى: {زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ} والحواريّون: أَنصار عيسى: قيل: كانوا قَصَّارين وقيل: كانوا صيّادين، وقال بعضهم: سُمّوا به لأَنَّهم كانوا يُطهِّرُونَ نفوس النَّاس من الأَدناس بإِفادتهم العلم والدّين. وقوله تعالى: {مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ} أَى صائراً إِلى حَيِّز، وأَصله من الواو. وذلك كلّ جمعٍ منضمٍّ بعضُه إِلى بعض. و {حَاشَ للَّهِ} أَى بعيداً منه. قال أَبو عُبَيدة: هى تنزيه واستثناءٌ.

وقال أَبو علىّ الفسَوىّ: حاش ليس باسم لأَنَّ حرف الجرّ لا يَدخل على مثله، وليس بحرف لأَنَّ الحرف لا يحذف منه ما لم يكن مضعّفاً تقول حاشى وحاشَ. فمنهم من جعل حاش أَصلاً فى بابه وجعله من لفظ الحوش أَى الوَحْش. والحُوشِىُّ: الغامض من الكلام، والوحشىُّ من الإِبل وغيرها، منسوب إِلى الحُوش وهو بلاد الجنّ: وقيل الحُوش فحول جنّ ضربت فى نَعَم مَهْرة فنُسِب إِليها. وقوله تعالى: {مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} أَى مَحِيد ومَعْدِل ومَمِيل ومَهْرَب، من حاصَ عنه حَيْصاً وحَيْصَةً وحُيُوصاً ومَحِيصاً ومَحَاصاً وحَيَصاناً: عدل وحادَ. والحائط: الجدار، والإِحاطة يقال على وجهين: أَحدهما: فى الأَجسام نحو أَحطت بمكان كذا. ويستعمل فى الحفظ نحو: {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ} أَى حافظ له من جميع جهاته. ويستعمل فى المنع نحو قوله تعالى: {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} أَى إِلاَّ أَن تُمنعوا.

وقوله تعالى: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته} فذلك أَبلغ استعارة. وذلك أَنَّ الإِنسان إِذا ارتكب ذنباً واستمرّ عليه استجرّه إِلى ارتكاب ما هو أَعظم منه، فلا يزال يرتقى حتَّى يُطبع على قلبه فلا يمكنه أَن يخرج من تعاطيه. والاحتياط: استعمال ما فيه الحِياطة أَى الحفظ. والثَّانى: فى العلم نحو قوله تعالى {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} فالإِحاطة بالشئ علماً هو أَن يعلم وجوده وجنسه وكيفيّته وقَدْره وغرضه المقصود به وبإِيجاده وما يكون هو منه، وذلك ليس إِلاَّ لله. وقال {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} فنفى ذلك عنهم. وقال صاحب موسى {وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} تنبيهاً أَنَّ الصّبر التَّام إِنَّمَا يقع بعد إِحاطة العلم بالشَّئ. وذلك صَعْبٌ إِلاَّ بفيض إِلهى. وقوله تعالى: {وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} فذلك إِحاطة بالقدرة. وقوله تعالى: {أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ} أَى أَن يجوز فى حكمه. {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ} أَى لا ينزل ولا يصيب.

بصيرة فى الحول

بصيرة فى الحول أَصله تغيّر الشَّئ وانفصالُه عن غيره. وباعتبار التغيّر قيل: حال الشَّئٌ يَحُول حُوُولاً واستحال: تهيّأَ لأَن يَحُول، وباعتبار الانفصال قيل: حال بينى وبينك كذا وقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} هو إِشارة إِلى ما قيل فى وصفه تعالى: مقلِّب القلوب وهو أَن يُلقى فى قلب الإِنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضى ذلك. وقيل: يحول بينه وبين قلبه هو أَن يهلكه أَو يردّه إِلى أَرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً. وحوّلت الشَّئ فتحوّل: غيّرته إِمّا بالذَّات وإِمّا بالحكم والقول ومنه أَحَلْتُ على فلان بالدّين. وقولهم: حوّلت الكتاب هو أَن ينقل صورة ما فيه إِلى غيره من غير إِزالة الصّورة الأُولى. وقوله تعالى: {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} أَى تحوّلاً. والحَوْل: السّنةُ اعتباراً بانقلابها ودوران الشَّمس فى مطالعها ومغاربها. ومنه حالت السنةُ تحول. وحالت الدّارُ: تغيّرت وأَحالت وأَحْوَلت: أَتى عليها الحَوْل نحو أَعامت وأَشهرت. وأَحال فلان بمكان كذا. أَقام به حولاً. وحالت النَّاقةُ تحول حِيالاً إِذا لم تحمل. وذلك لتغيّر ما جرت به عادتُها.

والحال لما يختصّ به الإِنسان وغيره من أُموره المتغيّرة فى نفسه وجسمه وقنْياته. والحَوْل: ما له من القوّة فى أَحد هذه الأُصول الثلاثة. ومنه لا حول ولا قُوّة إِلاَّ بالله. وحَوْل الشَّئ: جانبه الَّذى يمكنه أَى يحول إِليه. والحِيلةُ والحَوِيلة: ما يُتوصّل به إِلى حالةٍ مّا فى خُِفية، وأَكثر استعماله فيما فى تعاطيه خُبْثٌ. وقد يستعمل فيما فيه حكمة ولهذا قيل فى وصف الله تعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ المحال} أَى الوصول فى خُِفية من النَّاس إِلى ما فيه من حكمة. وعلى هذا النَّحو وصف بالكيد والمكر لا على الوجه المذموم، تعالى الله عن القبيح. وأَمّا المُحَال فما جُمِع فيه بين المتناقضين. وذلك يوجد فى المقال نحو أَن يقال جسمٌ واحدٌ فى مكانين فى حالة واحدة. واستحال: صار محالاً فهو مُستحِيل أَى أَخَذَ فى أَن يصير محالاً.

بصيرة فى الحين

بصيرة فى الحين وهو وقت مبهم يصلح لجميع الأَزمان طالت أَو قصرت يكون سنة وأَكثر. وقيل الحِين الدّهر. وقيل: يختصّ بأَربعين سنة، وقيل سبعِ سنين وقيل سنتين وقيل ستةِ أَشهر وقيل شهرين وقيل فى كلّ غدوة وعشيّة حينٌ. وقيل الحِين: المدّة ومنه قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ} أَى حين ينقضى المدّة الَّتى أُمْهِلُوهَا والجمع أَحيان وجمع الجمع أَحايين. {وَّلاَتَ حِينَ} أَى ليس حين. وإِذا باعدوا بين الوقتين باعدوا بإِذ فقالوا: حينئذ. وقوله تعالى: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ} أَى إِلى أَجل. وقوله {تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} أَى كلَّ سنةٍ. وقوله تعالى: {حِينَ تُمْسُونَ} أَى ساعة تمسون. وقوله تعالى: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر} المراد به الزَّمان المطلق. وكذلك قوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ} وإِنما فسّروا ذلك مما ذكرناه بحسب ما وجدوه قد عُلِّق به. وحان حِينُه: قرب أَوانه. والْحين يعبّر به عن حِين الموت. وحيّنت الشئ: جعلت له حيناً. وأَحينت بالمكان: أَقمت به حِيناً.

بصيرة فى الحى

بصيرة فى الحى وهو ضدّ الميّت. والحِىُّ بالكسر والحيوان - محرّكة - والحياة والحَيَوْة بفتح الياء وسكون الواو: نقيض الموت. والحياة يستعمل على أَوجه: الأَوّل: للقوّة النَّامية الموجودة فى النبات والحيوان. ومنه قيل: نبات حَىّ: قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} . الثَّانى: للقوّة الحسّاسة، وبه سمّى الحيوان حيواناً {وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات} وقال تعالى {إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى} فقوله {إِنَّ الذي أَحْيَاهَا} إِشارة إِلى القوة النَّامية. وقوله {لَمُحْىِ الموتى} إِشارة إِلى القوّة الحسّاسة. الثالث: للقوّة العالِمة العاقلة كقوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} . قال الشاعر: لقد أَسمعت لو ناديتَ حيّاً ... ولكن لا حياة لمن تنادى الرّابع: عبارة عن ارتفاع الغَمِّ. وبهذا النَّظر قال الشاعر: ليس من مات فاستراح بمَيْت ... إِنما المَيْت ميّت الأَحياءِ

وعلى هذا قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ} أَى [هم] متلذِّذون، لما روى فى الأَحاديث الصّحيحة من بيان أَرواح الشهداءِ. الخامس: الحياة الأُخروية الأَبديّة. وذلك يتوصّل إِليه بالحياة الَّتى هى العقل والعلم. وقوله تعالى: {ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يُعْنى به الحياة الأُخرويّة الدّائمة. السّادس: الحياة الَّتى يوصف بها البارئ تعالى، فإِنَّه إِذا قيل فيه تعالى: هو حىّ فمعناه: لا يصح عليه الموت، وليس ذلك إِلاَّ لله تعالى. والحياة باعتبار الدّنيا والأُخرى ضربان: الحياة الدّنيا والحياة الآخرة. قال تعالى: {وَمَا الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ مَتَاعٌ} أَى الأَعراض الدنيوية. وقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ} أَى حياة الدنيا. وقوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى} كان يطلب أَن يُريه الحياة الأُخرويّة المعرّاةَ عن شوائب الآفات الدّنيوية. وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ} أَى يرتدع بالقصاص مَن يريد الإِقدام على القتل، فيكونُ فى ذلك حياة النَّاس. وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} أَى من نَجَّاها من الهلاك. وعلى هذا قوله: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} أَى أَعفو فيكون إِحياءً.

والحيوان: مقرّ الحياة. ويقال على ضربين: أَحدهما ماله الحاسّة، والثَّانى ماله البقاءُ الأَبدىّ. وهو المذكور فى قوله تعالى: {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان} وقد نبّه بقوله (لهى الحيوان) أن الحيوان الحقيقىَّ السّرمدىُّ الَّذى لا يفنى، لا ما يبقى مدّةً ويفنى بعد مدّةٍ. وقال بعض اللغويّين الحيوان والحياة واحدٌ. وقيل: الحيوان ما فيه الحياة والمَوَتان ما ليس فيه الحياة. والحيا: المطر لأَنَّه يحيى به الأَرض بعد موتها. وقوله تعالى: {نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمه يحيى} فيه تنبيه أَنه سماه بذلك من حيث إِنَّه لم تمته الذُّنوب، كما أَماتت كثيراً من ولد آدم، لا أَنَّه كان يعرف بذلك فقط فإِنَّ هذا قليل الفائدة. قوله تعالى: {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} أَى يخرج النَّبات من الأَرض والإِنسان من النطفة. وقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ} فالتحيّة أَن يقال: حيّاك الله أَى جَعَل لك حياة. وذلك إِخبار ثمّ يجعل دعاء [ويقال: حيّا فلان فلانا تحيّة إِذا قال له ذلك، وأَصل التحية من الحياة، ثم جعل ذلك دعاء] تحيّة لكوْن جمعيه غير خارج عن حصول الحياة أَو بسبب الحياة إِمّا لِدنيا أَو لآخرة. ومنه التَّحِيَّاتُ لله.

بصيرة فى الحياء

بصيرة فى الحياء وهو انقباض النفس عن القبائح وعن التَّفريط فى حقّ صاحب الحقّ. وقال ذو النُّون: الحياء وجود الهَيْبة فى القلب مع وحشة ممّا سبق منك إِلى ربّك، والحبّ يُنطق. والحياءُ يُسْكت، والخوف يُقلق. وقد قُسم الحياء على عشرة أَوجه: حياء جنايةٍ وحياء تقصير، وحياء إِجلال، وحياء كَرَم، وحياء حِشْمَةٍ، وحياء (استقصار النَّفس) ، وحياء محبّة، وحياء عبوديّة، وحياء شرف وعزَّةٍ، وحياء المستحى من نفسِه. فأَمّا حياء الجناية فمنه حياء آدم لما فرّ هارباً فى الجنَّة، قال الله تعالى: إِفراراً منِّى يا آدم؟! قال: لا يا ربّ بل حياءً منك. وحياء التقصير كحياءِ الملائكة الَّذين يسبّحون اللَّيل والنَّهار لا يفترون، فإِذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك. وحياءُ الإِجلال هو حياء المعرفة، وعلى حسب معرفة العبد بربّه يكون حياؤه منه. وحياءُ الكرم كحياءِ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم من القوم الَّذين دعاهم إِلى وليمة زَيْنَبَ وطوَّلوا عنده فقام واستحى أَن يقول لهم: انصرِفوا. وحياء الحِشْمَةِ كحياءِ على بن أَبى طالب أَن يسأَل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عن المَذْى لمكان ابنته. وحياء الاستحقار

واستصغار النفس كحياءِ العبد من ربّه حين يسأَله حوائجه احتقاراً لشأْن نفسه واستصغاراً لها. وأَمّا حياءُ المحبة فحياءُ المحبِّ من محبوبه، حتَّى إِنَّه إِذا خطر على قلبه فى حال غيبته هاج الحياءُ فى قلبه وظهر أَثرُه فى وجهه ولا يدرى ما سببه. وكذلك يعرض للمحِبّ عند ملاقاة محبوبه ومناجاته له روعةٌ شديدة. ومنه قولهم جمال رائع. وسبب هذا الحياء والرّوعة ممّا لا يعرفه أَكثر الناس. ولا ريب أَنَّ للمحبّة سلطاناً قاهراً للقلب أَعظم من سلطان مَن يقهر البدن، فأَين من يقهر قلبك وروحك ممّن يقهر بدنك؟! ولذلك تعجّبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق وقهر المحبوب لهم. فإِذا فاجأَ المحبوبُ محبَّه ورآه بغتة أَحسّ القلبُ بهجوم سلطانه فاعتراه رَوْعة وخوفٌ. وأَمّا حياءُ العبوديَّة فهو ممتزِج من حُبٍّ وخوف ومشاهدة عدم صلاحية عبوديّته لمعبوده، وأَنَّ قَدْره أَعلى وأَجلّ منها، فعبوديته له توجب استحياءَه منه لا محالة. وأَمّا حَياءُ الشَّرف والعِزَّة فحياءُ النَّفْسِ العَظيمة الكبيرة إِذا صدر منه ما هو دون قَدْرها من بَذْل أَو إِعطاءٍ أَو إِحسان، فإِنَّه يستخرج مع بذله حياء وشرف نفس وعزَّة. وهذا له سببان: أَحدهما هذا، والثانى استحياءُه من الآخذ، حتَّى إِنَّ بعض الكُرماءِ يستحى من خَجْلة الآخذ. وأَمّا حياءُ المؤمن من نفسه فهو حياءُ النفوس الشَّريفة العزيزة من رضاها لنفسه بالنَّقص وقنعها بالدُّون، فيجد نفسه مستحيياً مِن نفسه حتَّى كأَنَّه

له نَفْسان تستحى إِحداهما من الأُخرى، وهذا أَكمل ما يكون من الحياءِ، فإِنَّ العبد إِذا استحيا من نفسه فهو بأَن يستحى من غيره أَجدر. وقال يحيى بن مُعاذ رحمه الله: من استحى من الله مطيعا استحى الله منه وهو مذنب. وهذا الكلام يحتاج إِلى شرح، ومعناه أَنَّ من غلب عليه خُلُق الحياءِ من الله حتَّى فى حال طاعتة فقلبه مطرق من بين يديه إِطراق مستحْى خَجِل، فإِنَّه إِذا واقع ذنبا استحى الله عزَّ وجلّ مِن نظره إِليه فى تلك الحالة لكرامته عليه فيستحى أَن يرى مِن وَليّه وَمَنْ يكرُم عليه ما يَشينه. وفى الشاهد [ما يشهد] بذلك، فإِن الرّجل إِذا اطَّلع على أَخصّ النَّاس به وأَحبّهم إِليه من صاحب أَو ولدٍ أَو حبيبٍ وهو يخونه فإِنَّه يلحقه من ذلك الاطِّلاع حياءٌ عجيب حتَّى كأَنَّه هو الجانى، وهذا غاية الكرم. وقد قيل: إِنَّ سبب هذا الحياء أَنَّه يمثِّل نفسه الجانى فيلحقه الحياءُ كما إِذا شاهد الرّجل مَن أحصِر على المنبر عن الكلام فيلحقه الحياءُ فإِنَّه يَخْجل تمثيلاً لنفسه تلك الحالة. وأَمّا حياءُ الربّ - تبارك وتعالى - من عبده فنوع آخر لا تدركه الأَوهام ولا تكيّفه العقول، فإِنَّه حياءُ كرمٍ وبرٍّ وجُودٍ، فإِنَّه خير كريم يَستحى من عبْده إِذا رَفَعَ إِليه يديه أَن يردَّهما صِفراً، ويستحى أَن يعذّب ذا شَيْبة شابت فى الإِسلام. وكان يحيى بن معاذ يقول: سبحان من يذنب عبْدُه ويستحى هو.

واختلف العلماءُ فى الحياءِ ممّا ذا يتولَّد. فقيل: من تعظيمٍ منوط بودّ. وقال الجُنَيد: يتولَّد من مشاهدة النِّعم ورؤية التَّقصير. وقيل: يتولَّد من شعور القلب بما يُستَحى منه وشدّة نُفْرته عنه فيتولَّد من هذا الشعور والنفرة حالة تسمّى الحياءُ. ولا تَنَافِىَ بين هذه الأَقوال، لأَنَّ للحياءِ عدّةَ أَسباب، كلّ أَشار إِلى بعضها.

الباب الثامن - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الخاء

الباب الثامن - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الخاء بصيرة فى الخاء اعلم أَنَّ الخاءَ ورد فى القرآن وفى لغة العرب على وجوه عشر: الأَوّل: الخاءُ حرف من حروف التَّهجىّ. وهى من حروف الحَلْق من قرب مخرج العين فى أَنحاءِ الْحَلْق، يمدّ ويقصر. وهو خائىّ وخاوىّ وخَيَوىّ وقد خَيَّيت خاءً حسناً وحسنةً، ويذكَّرُ ويؤنَّث. ويجمع على أَخياءٍ وأَخواءٍ وخاءَات.

الثَّانى: الخاءُ اسم للعدد الَّذى هو ستُّمائة. الثَّالث: الخاءُ الكافيَة، يقتصرون على الخاءِ من الخليل والأَخ، قال: هو خائى وإِننى لأَخوه ... لستُ ممَّن يُضيع حقّ الخليلِ أَى هو أَخى. الرّابع: الخاءُ المكرّر نحو خاء سخَّن وسخَّر. الخامس: الخاءُ المدغمة فى مثل فخَّ وزَخَّ فى قفاه. السّادس: خاءُ العجز والضَّرورة، فإِنَّ بعض النَّاس يجعل الخاءَ حاءً. السّابع: خاء ملحق بنوع من الأَصوات نحو بخ بخ فى حال التلذُّذ وأَخ فى حال التوجّع، قال: وكان وَصْلُ الغانيات أَخَّا الثَّامن: الخاءُ الأَصلىّ فى سخر وخسر ورسخ. التَّاسع: الخاءُ المبدلة من الحاءِ نحو خَمَص الْجُرْح وحَمَصَ إِذا تورّم العاشر: الخاءُ اللُّغوى، قال الخليل: الخاءُ عندهم شعر العانة وما حَوْليها. قال الشاعر: بجسمك خاء فى الْتواءٍ كأَنها ... حبال بأَيدى صالحات نوائح

بصيرة فى الخبت

بصيرة فى الخبت وهو المطمئن من الأَرض. وأَخبت الرّجل. قصد الخَبْت أَو نزله نحو أَنجد وأَسهل، ثمّ استعمل الإِخبات استعمال اللِّين والتَّواضع. قال تعالى: {وَبَشِّرِ المخبتين} أَى المتواضعين. وقيل معناه: المخلصين. وقوله تعالى: {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} أَى تلينَ وتخشع. وقيل: معناه تطمئن، والإِخْبَات ههنا قريب من الهبوط فى قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله} . وقوله تعالى: {وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ} أَى سكنوا إِليه وتواضعوا له.

بصيرة فى الخبث

بصيرة فى الخبث الخُبْث والخبيث ما يُكره رداءَةً وخساسة، محسوساً كان أَو معقولاً وأَصله الردئ الدُّخْلة الجارى مجرى خَبَث الحديد، قال: سبكناه ونحسبه لُجَيناً ... فأَبدى الكِيرُ عن خَبَث الحديد وذلك يتناول الباطل فى الاعتقاد، والكذبَ فى المقال، والقبيح فى الفعال. قال تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث} أَى ما لا يوافق النَّفْس من المحظورات. وقوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ القرية التي كَانَت تَّعْمَلُ الخبائث} كناية عن إِتيان الرّجال. وقوله تعالى: {لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب} أَى الأَعمال الخبيثة من الأَعمال الصالحة، والنفوس الخبيثة من النُّفوس الزَّكِيَّة. وقوله تعالى: {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب} أَى الحرام بالحلال. وقوله تعالى: {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ} أَى الأَفعال الرديئة والاختيارات المبهرَجة لأَمثالها. وقوله تعالى: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث} أَى كثرة الحرام، وقيل أَى الكافر والمؤمن، والأَعمال الفاسدة والأَعمال الصالحة. وقوله تعالى: {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} إِشارة إِلى كلّ كلمةٍ قبيحةٍ من كفر وكذب ونميمةٍ وغير ذلك. وفى الحديث "المؤمن أَطيب من عمله والكافر أَخبث من عمله" وفيه

بصيرة فى الخبر والخبر

أَيضاً "أعوذ بك من الخُبْثِ والخبائث" وفى رواية "من الرّجس النجس الخبيث المُخبث الشيطان الرّجيم". الْمُخْبِث أَى فاعل الخُبْث، قال: أُفَّ للدنيا الدنيَّهْ ... خَبُثَتْ فعلا ونيَّهْ ولِعيش كُلُّه هَـ ... مُّ وعقباه منيَّهْ وقال: نبِّئت عَمْراً غَيْرَ شاكرِ نعمتى ... والكفرُ مَخْبَثَةٌ لِنَفْسِ المنعِم وسَبُى خِبْثَةٍ أَى فى حِلَّة شُبْهة، يقال فى مقابلته سَبْى طيبَة أَى حلال بلا شبهة. ويا خَبَاثِ أَى يا خَبيثة. بصيرة فى الخبر والخبر الخُبْرُ - بالضَّمّ -: العلم بالشَّئ قال تعالى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} ويقال: صدَّق الْخُبْرُ الْخَبَرَ، ويقال لأَخْبُرنَّ خُبْرك أَى لأَعلمنّ علمك، يقال منه: خبرته أَخْبُرُهُ كنصرته أَنصره خُبْراً بالضَّمّ وخِبْرةً بالكسر إِذا بَلوتَه واختبرته. ووجدت النَّاس اخْبُر تَقْلَهْ، المعنى: وجدتهم مقولاً فيهم هذا القولُ، أَى ما منهم إِلاَّ وهو مسخوط الفعل عند الخِبرة، إِذا اختبرتَهم قَلِيتَهم، فأُخرج الكلام على لفظ الأَمر ومعناه الخَبَر. العالمِ، قال تعالى: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} والخبير فى صفات الله تعالى:

العالِم بما كان وبما يكون. وأَخبرت أَعلمت بما حصل لى من الخُبْر. وقيل الخِبْرة: المعرفة ببواطن الأُمور. وقوله تعالى: {قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ} أَى من أَحوالكم الَّتى يُخبر عنها. وقوله تعالى: {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أَى عالم بأَخباركم وأَعمالكم. وقيل: أَى عالم ببواطن أُموركم. وقيل: خبير بمعنى مُخْبِر كقوله تعالى: {فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتخبّرته أَى سأَلته عن الخبر. وقد جاءَ يتفعّل بمعنى يستفعل كتكبّر واستكبر وتضعّفه واستضعفه. وفى الحديث: بَعَث بين يديه عيناً من خُزَاعة يتخبّر له خَبَر كفَّار قريش. والمخابرة: المزارعة على الخُبْرة وهى النَّصيب كالثُّلث والرّبع ونحوه. وقيل أَصل الكلمة من خَيْبَرِ لأَنَّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلم كان أَقرّها فى أَيدى أَهلها على النصف؛ فقيل: خابرهم أَى عاملهم فى خَيْبَر.

بصيرة فى الخبط والخبل والخبء واالختر

بصيرة فى الخبط والخبل والخبء واالختر الخَبْط: الضَّرب على غير استواءِ كخبط البعير الأَرض بيده. وخَبَطه وتخبّطه واختبطه بمعنىً، أَى ضربه ضرباً شديداً. وخبطه الشيطانُ وتخبّطه: مسّه بأَذًى. قال تعالى: {يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس} يجوز أَن يكون من خَبْط الشجر، وأَن يكون من الاختباط الَّذى هو طلب المعروف، خبطه واختبطه: سأَل معروفهُ. وفى دعاءِ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم "وأَعوذُ بك أَن يتخبّطنى الشَّيطانُ عند الموت". والخَبَال: الفساد يلحق الحيوان فيورثه إِضراباً كالجنون والمرض المؤثر فى العقل والفكر، قال تعالى: {مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} والخبال: النقصان، والخبال: الهلاك، والخبال: العَنَاءُ. والخبال السمّ القاتل. والخَبْل: فساد الأَعضاءِ، وقطع الأَيدى والأَرجل، والجنون. ويضمّ خاؤه. والخَبَل - بالتحريك - والخابل: الجنّ. واختبله. جَنَّنهُ. وقول زهير: هنالك إِن يُسْتَخْبَلوا المالَ يَخْبلوا

بصيرة فى الختم

أَى إِن طلب منهم إِفساد شئ من إِبلهم أَفسدوه. والْخَبْءِ كلّ مدّخر مستور، وقال تعالى: {يُخْرِجُ الخبء} ومنه جاريَة مخبَّأَةٌ. الخُبَأَة. الجارية التى تظهر مرّة وتخبأ أُخرى. والخَتْر الغدر. بصيرة فى الختم الخَتْم والطَّبْع: مصدرَا ختَمت وطبعت. وهو تأْثير الشئ كنقش الخاتَم والطَّابع، والثانى الأَثر الحاصل عن الشئ. وتُجوّز بذلك تارة فى الاستيثاق من الشئ والمنع منه اعتباراً بما يحصل من المنع بالخَتْمِ على الكُتُب والأَبواب؛ نحو قوله تعالى: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ} وتارة فى تحصيل أَثر شئ اعتباراً بالنَّقش الحاصل، وتارة يعتبر منه بلوغ الآخِرِ. ومنه قيل: ختمت القرآن أَى انتَهيت إِلى آخره. وقوله تعالى: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهم} إِِشارة إِلى ما أَجرى الله به العادة: أَن الإِنسان إِذا تناهى فى اعتقاد باطل أَو ارتكاب محظور ولا

يكون منه تلفُّت بوجه إِلى الحقّ. يورثه ذلك هيئة تمرِّنُه على استحسان المعاصى كأَنما يُختم بذلك على قلبه. وعلى ذلك {أولائك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} وعلى هذا النحو استعارة الإِغفال فى قوله: {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} ، واستعارة الكِنّ فى قوله: {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} ، واستعارة القساوة فى قوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} . قال الجُبَّائىّ: يجعل الله ختماً على قلوب الكفَّار ليكون دلالةً للملائكة على كفرهم فلا يَدْعُون لهم، وليس ذلك بشئ لأَنّ هذه الكتابة إِن كانت محسوسة فمن حقِّها أَن يدركها أَصحاب التشريح، وإِن كانت معقولة غير محسوسة فالملائكة باطِّلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الاستدلال. وقال بعضهم: ختمه شهادته تعالى عليه أَنَّه لا يؤمن، وقوله تعالى: {اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ} أَى نمنعهم من الكلام. {وَخَاتَمَ النبيين} لأَنَّه ختم النبوّة أَى تممها بمجيئه. وقوله تعالى: {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} يريد به ختم الحِفظ والحِياطة فى صدره صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [قيل] أَى ما يختم به أَى يطبع، وإِنما معناه منقَطَعهُ وخاتمة شربه أَى سُؤره [فى] الطّيب مسك. وقول من قال

يُختم بالمسك أَى يصبع فليس بشئ لأَنَّ الشَّراب يجب أَن يطيب فى نفسه. فأَمّا ختمه بالطِّيب فليس ممّا يفيده ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب فى نفسه. وقال المتنبىّ. أَروح وقد ختمتُ على فؤادى ... فليس يحلُّها أَحد سواها وقال آخر: لا يكتم السّرّ إِلاَّ كُلُّ ذى كرم ... والسرُّ عند كرام الناس مكتوم والسِرُّ عندى فى بيت له غلَقٌ ... قد ضاع مفتاحُه والبابُ مختوم

بصيرة فى الخداع

بصيرة فى الخداع وهو إِنزال الغير عمّا هو بِصَدَده بأَمر يبديه على خلاف ما يخفيه. والخداع ورد فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَوّل: خداع الكفار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأَن يعقدوا معه عهداً فى الظَّاهر وينقضوه فى الباطن {وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله} . الثَّانى: خداع اليهود مع أَهل الإِيمان يصالحونهم فى الظَّاهر ويتهيّئون لحربهم فى الباطن {يُخَادِعُونَ الله والذين آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم} . الثالث: خداع المنافقين مع المؤمنين بإِظهار الإِيمان وإِبطان الكفر {إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله} . الرّابع: خداع الله الكفَّار والمنافقينَ بإِسبال النِّعمة عليهم فى الدّنيا. وادّخار أَنواع العقوبة لهم فى العُقْبَى {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وقيل فى قوله تعالى: {يُخَادِعُون اللهَ} أَى يخادعون رسول الله وأَولياءَه. ونُسب ذلك إِلى الله من حيث إِنَّ معاملة الرّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كمعاملته، ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} وجُعل ذلك خداعاً تفظيعاً لفعلهم، وتنبيهاً على عظم الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وعظم أَوليائه.

وقول أَهل اللُّغة إِنَّ هذا على حذف المضاف وإِقامة المضاف إِليه مُقامه فيجب أَن يعلم أَنَّ المقصود بمثله فى الحذف لا يحصل لو أَتى بالمضاف المحذوف لِمَا ذكرنا من التنبيه على أَمرين: أَحدهما: فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من الخديعة، وأَنَّهم بمخادعتهم إِيّاه يخادعون الله. والثانى: التنبيه على عظم المقصود بالخداع وأَنَّ معاملته كمعاملة الله. وقوله تعالى: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} قيل: معناه: مجازيهم بالخداع. وخَدَع الضبُّ أَى استتر فى جُحره. واستعمال ذلك فى الضبّ لِمَا اعتقدوا فى الضبّ أَنَّه يُعِدّ عقرباً تلدغ من يُدخل يده فى جُحْرِه حتَّى قيل: العقرب بوّاب الضَّبِّ وحاجبُه. ولاعتقاد الخديعة فيه قيل: أَخدع من ضبّ. وطريق خادع وخَيْدَعٌ: مُضِلّ كأَنَّه يخدع سالكه. وقيل: المؤمن يُخدع عن درهمه ولا يُخدع عن دينه، والمنافق يُخدع عن دينه ولا يُخدع عن درهمه. وفى الحديث "إِنَّ بين يدى السّاعة سنين خَدَّاعة" قيل معناه أَنَّ النَّاس فيها خُدّاع. وقيل: من قولهم سنة خادعة إِذا مضت سريعة، أَى سنون تمرّ سريعة لقربها من القيامة، ولغفلة النَّاس فيها عن مرور الأَيّام. قال: أَلا إِنَّ دنياك مثل الوديعه ... جميعُ أَمانيك فيها خديعهْ فلا تغتررْ بالَّذى نِلْته ... فما هى إِلاَّ سراب بِقِيعهْ

بصيرة فى الخدن والخذل والخرور

وقول الشَّاعر: أَبيضَ اللَّون لذيذا طعمه ... طيِّبَ الرّيق إِذا الرّيقُ خَدَع أَى فسد، أَى خفى طِيبُه. بصيرة فى الخدن والخذل والخرور الخِدْن والخَدِين: الصّاحب المُحَدِّث. ومن يخادنك فى كلّ أَمر ظاهرٍ وباطن. وأَكثر ما يستعمل الخِدْن فيمن يصاحب بشهوة. قال {وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} . الخَذْل ترك النُّصرة. خَذَله خَذْلاً وخِذْلاناً: ترك نُصْرته وكان يَظنّ به أَن ينصره. لذلك قيل خَذَلت الظَّبْية وغيرها إِذا تخلَّفت عن صواحبها أَو تخلَّفت فلم تَلْحَق، وتخاذلت رجلاه: ضعفتا. والخُرُور: السّقوط. خرّ الرجل يَخُرّ بالضمّ خَرّاً وخُروراً: سقط. وخرّ الماء يخِرّ بالكسر خَرِيراً إِذا صَوّت. والخرير يقال لصوت الماءِ والرّيح وغير ذلك ممّا يسقط من علوٍّ. وقوله تعالى: {وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} فيه تنبيه على اجتماع أَمرين: السّقوط من علوٍّ، وحصول الصّوت بالتسبيح. وقوله من بعد: {وَسَبَّحُوا بحَمْدِ رَبِّهِمْ} تنبيهٌ على أَنَّ ذلك الخرير كان تسبيحاً بحمد الله لا بشئ آخر.

بصيرة فى الخرب والخروج

بصيرة فى الخرب والخروج خَرِب المكانُ خراباً ضِدّ عَمَر. وقد أَخربه غيره وخَرَّبه. قال تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ} فتخريبهم بأَيديهم إِنما كان لئلا تبقى للنَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَصحابه، وقيل: بل بإِجلائهم عنها. والخروج: البُرُوز. يقال: خرج إِذا برز من مقرّه وحاله، سواء كان مقرّه دارا أَو بلدا أَو ثوبا، وسواءٌ كان حاله حالاً فى نفسه أَو فى أَسبابه الخارجة. والإِخراج أَكثر ما يقال فى الأَعيان. ويقال فى التكوين الَّذى هو من فعل الله تعالى نحو {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شتى} والتخريج أَكثر ما يقال فى العلوم والصّناعات. وقيل لِمَا يخرج من الأَرض ومن كراءِ الحيوان ونحو ذلك: خَرْج وخَرَاج. قال تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} فإِضافته إِلى الله تنبيه أَنَّه هو الذى أَلزمه وأَوجبه. والخَرْج أَعمّ من الخراج. وجُعِل الخَرْج بإِزاءِ الدَّخْل. والخَرَاج مختصّ فى الغالب بالضَّريبة على الأَرض. وقيل: العبد يؤدّى خَرْجه أَى غَلَّته، والرّعِيَّةُ تؤدّى إِلى الأَمير الخَرَاج. وقيل: الخراج بالضَّمان، أَى

بصيرة فى الخرص والخرق

ما يخرجُ من مال البائع فهو بإِزاءِ ما سقط عنه من الضمان. والخارجىّ: الذى يَخْرج بذاته عن أَحوال أقرانه. والخوارج سُمّوا به لكونهم خارجين عن طاعة الإِمام. بصيرة فى الخرص والخرق الخَرْص: حَرْزُ الثمرة، والاسم الخِرْص بالكسر. والخَرْصُ أَيضاً: الكذب وكلّ قول قيل بالظَّنّ. والخِرص - بالكسر - بمعنى المخروص كالنِّقْض بمعنى المنقوض. وقوله تعالى: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} قيل: معناه يكذبون. وقوله تعالى: {قُتِلَ الخراصون} قيل: لُعن الكذَّابون. وحقيقة ذلك أَنَّ كُلَّ قول عن ظنٍّ وتخمين يقال له خَرْص، سواءٌ كان ذلك مطابقاً للشئ أَو مخالفاً له، من حيث إِنَّ صاحبه لم يقُله عن علمٍ ولا غلبة ظن ولا سماعٍ، بل اعتَمَد فيه على الظنّ والتخمين كفعل الخارص فى خَرْصه. وكلُّ من قال قولاً على هذا النَّحو يسمّى كاذباً وإِن كان مطابقاً للقول المخبَر به

كما حكى عن المنافقين فى قوله تعالى: {إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} إِلى قوله {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} . والخَرْق: قطع الشَّئ على سبيل الفساد من غير تفكّر ولا تدبّر. وهو ضدّ الخَلْق فإِنَّ الخلق هو فعل الشئ بتقدير ورِفق، والخَرْق بغير تقدير. قال تعالى: {وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أَى حكموا بذلك على سبيل الخَرْق. وباعتبار القطع قيل: خَرْق الثوب وتخريقه. وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض} فيه قولان: أَحدهما لن تقطع، والآخر لن تَنْقُب الأَرض إِلى الجانب الآخر اعتباراً بالخرق فى الأُذن، وباعتبار ترك التقدير قيل: رجل أَخرق وخَرِق وامرأَة خرقاءُ. وشُبّه بها الرّيح فى تعسّف مرورها فقيل: رِيح خرقاءُ. وفى الحديث "ما كان الخُرْق فى شئ قَطّ إِلاَّ شانه، وما كان الرّفق فى شئ قطٍّ إِلاَّ زانه".

بصيرة فى الخزن والخزى

بصيرة فى الخزن والخزى الخَزْن: حفظ الشَّئ فى الخِزَانة، ثمّ يعبّر به عن كلِّ حِفظٍ كحِفظ السِّرِّ ونحوه. وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض} إِشارة منه إِلى قدرته تعالى على ما يريد إِيجاده، أَو إِلى الحالة الَّتى أَشار إِليها بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم "فرغ ربّكم من الخَلْق والخُلُق والأَجَلِ والرّزق" وقوله تعالى: {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} قيل معناه: حافظين له بالشُّكر، وقيل: هو إِشارة إِلى ما أَنبَأَ عنه قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ. أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون} . والخَزَنة جمع الخازن. وقوله تعالى: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله} أَى مَقْدوراته الَّتى مُنِعَ النَّاسُ عنها، لأَنَّ الخَزْن ضرب فى المنع. وقيل: جوده الوسيعُ وقدرته. وقيل هو قوله: كن. والخَزْن فى اللَّحم: الادّخار فكُنى به عن نَتْنِهِ. الخِزْى: الانكسارُ من الوقوع فى بَلِيّةٍ وشُهْرة. وقد خزِىَ كرضى خِزْياً - بالكسر - وخَزىً، واخْزَوَى: بمعناهُ. وأَخزاه الله: فَضَحَهُ. والخَزْية والخِزْية

بالفتح والكسر: البلية. وقيل الخِزْى: انكسار يلحق الإِنسان إِمّا من نفسه وإِمَّا من غيره. فالَّذى يلحقه من نفسه هو الحياءُ المفرِط ومصدره الخَزاية، ورجل خَزْيان وامرأَة خَزْيا. وفى الحديث: "اللَّهمّ احشُرنا غير خَزَايَا ولا نادمين" والَّذى يلحقه من غيره يقال هو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخِزْى ورجل خَز. وأَخْزَى يقال من الخَزَاية والخِزْى جميعاً. وقوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ} هو من الخِزْى أَقربُ، وإِن جاز أَن يكون منهما جميعاً. وقوله: {رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} فمن الخِزاية. ويجوز أَن يكون من الخِزْى. وقوله تعالى: {إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا} أَى قتل وإِهلاك لهم. قوله: {فَأَذَاقَهُمُ الله الخزي} أَى العذاب {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} من عذابه. وقوله تعالى: {إِنَّ الخزي اليوم والسواء عَلَى الكافرين} أَى الرّدّ والطَّرد. {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي} أَى الطَّرد. وقوله: {فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} أَى لا تفضحون. {مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى} أَى نفتضح. {يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي} أَى لا يهينه. {وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة} أَى لا تُهِنَّا. ومنه: {وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} وقوله {فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} .

بصيرة فى الخسر

بصيرة فى الخسر والخُسْر والخُسْران فى البيع: انتقاص رأْس المال، خَسِر يَخْسَرُ خسْراً بالضمّ، وخُسُرا بضمَّتين، وخَسَراً بالتَّحريك وخَسَارا وخسارة وخَسْراً - بفتحهنّ - وخُسْرَاناً. وقوله تعالى: {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} أَى خَسِرت أَعمالها، وقوله تعالى: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} أَى لفى عقوبة بذنوبه، قاله الفراءُ. وقرأَ الأَعرج وعيسى بن عُمَر وأَبو بكر بن عيّاش {لَفِى خُسُر} بضمّتين. وفيه لغة شاذَّة: خَسَر يَخْسِر مثال ضرب يضرب. ومنه قراءَة الحسن البصرىّ {وَلاَ تَخْسِرُواْ الميزان} وقرأَ بلال بن أَبى بُرْدة {ولا تَخْسَروا} بفتح التاءِ والسّين. وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً} قال الأَخفش: واحِدهم الأَخسر مثل الأَكثر، وقوله {فَجَعَلْنَاهُمُ الأخسرين} لأَنه خسر سعيُهم فى جمعهم الحَطب. والخسران ينسب إِلى الإِنسان فيقال: خسِر فلان، وإِلى الفعل فيقال: خسِرت تجارتُه. ويستعمل ذلك فى المقتنيات النَّفسيّة كالصّحّة والسّلامة

والعقل والإِيمان والثَّواب. وهو الَّذى جعله الله الخسرانَ المبين. وقوله: {وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} يجوز أَن يكون إِشارة إِلى تحرّى العدالة فى الوزن وترك الحَيْف فيما يتعاطاه من الوزن، ويجوز أَن يكون إِشارة إِلى تعاطى مالا يكون ميزانه فى القيامة خاسراً فيكون ممّن قال فيه {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} وكلا المعنيين يتلازمان. وكلّ خسران ذكره الله تعالى فى القرآن فهو على هذا المعنى الأَخير دون الخسران المتعلِّق بالمقتنيات الدّنيويّة والتجارات الماليّة. وقيل: ورد الخاسر فى القرآن على سبعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى العجز والعاجز {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ} أَى لعاجزون. الثَّانى: بمعنى الغَبْن والخاسر المغبون {إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ} أَى غَبَنُوها. الثالث الخسران بمعنى: الضلالة {فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً} أَى ضلّ {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} أَى فى ضلال. الرّابع: بمعنى نقصان الكيل والميزان {ولا تُخْسِروا الميزَانَ} {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} أَى ينقصون.

الخامس بمعنى: ضِدّ الربْح {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فأولائك هُمُ الخاسرون} . السّادس بمعنى: العقوبة {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} أَى عقوبة {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} أَى من الباقين فى العقوبة. السّابع بمعنى: الهلاك {لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} أَى الهالكين {ذلك هُوَ الخسران المبين} اى الهلاك البيِّن قال: إِذا لم يُكنْ لامْرِئ نِعْمَةٌ ... لدىّ ولا بَيْنَنَا آصِرَهْ وَلاَ لِىَ فى وُدّهِ حاصل ... ولا نَفْعُ دنْيا ولا آخره وأَفْنَيْتُ عُمْرِى على بَابِه ... فتلك إِذاً صَفْقَةٌ خاسره

بصيرة فى الخسف والخسأ والخشب

بصيرة فى الخسف والخسأ والخشب قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} وقرأَ حَفْص ويعقوب وسهم قوله تعالى: {لَخَسَفَ بِنَا} والباقون {لخُسِفَ بنا} من خَسَف المكانُ يخسِف خُسوفاً أَى ذهب فى الأَرض، وخسف الله به الأَرض اى غيّبه فيها. وخسوف العين: ذهابها فى الرأْس، وخسوف القمر: كسوفه. وقال ثعلب كسفت الشمس وخسَف القمر، هذا أَجود الكلام. وقال أَبو حَاتم إِذا ذهب بعضها فهو الكسوف، وإِذا ذهب كلُّها فهو الخسوف. والخسف: النقصان. والخَسءُ الزجر مع استهانة، خَسَأت الكلب فخسأَ أَى زجرته مستهيناً به فانزجر. وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} شُبّهوا بذلك لقلَّة غَنَائهم.

بصيرة فى الخشع

بصيرة فى الخشع والخشوع والاختشاع: الخضوع. وقيل: قريب من الخضوع. وقيل: الخضوع فى البدن والخشوع فى الصوت والبصر. والخشوع: السّكون والتذلُّل والضراعة والسّكوت. وقيل: أَكثر ما يستعمل فيما يوجد فى الجوارح، والضَّراعة أَكثر ما يُستعمل فيما يوجد فى القلب. ورُوى: إِذا ضَرَع القلبُ خشع الجوارح. وقوله تعالى: {تَرَى الأرض خَاشِعَةً} كناية عنها وتنبيها على تزعزُعها. وقوله تعالى: {وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} أَى خائفين منَّا. وقوله: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} أَى المتواضعين. وقوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} أَى ذليلة. وقوله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} و {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ} أَى مُطْرِقة فى نظرها. وقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} قال ابن مسعود: ما كان بين إِسلامنا وبين أَن عاتبنا الله بهذه الآية إِلاَّ أَربع سنين. وقال ابن عباس: إِن الله استبطأَ قلوبَ المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاثَ عشرة من نزول القرآن. وقال تعالى:

{قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون. الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} ، وقال تعالى: {وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمان} أَى سكنتْ وذلت وخضعت. ورأَى النبىُّ صلّى الله عليه وسلَّم رجلاً يَعْبَثُ بلحيته فى الصّلاة فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" وكان بعض الصّحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النِّفاق فقيل: ما خشوع النفاق؟ فقال: أن يرى البدن خاشعاً والقلب غير خاشعٍ. وقال حذيفة: أوّل ما تفقدون من دينكم الخشوعُ، ويوشك أَن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعاً. وقال سهل: مَنْ خشع قلبه لم يقرُبْ منه الشيطان. قال عبد الله بن المعمار: رقة فى الجَنَان فيها حياءٌ ... فيهما هَيْبَةٌ وذاك خشوعُ ليس حال ولا مقام وإِنْ فا ... ضَتْ عليه من العيونِ دموع وقيل: الخشوع الاستسلام للحُكْمين، أَعنى الحكم الدّينىّ الشَّرعىّ فيكون معناه عدم معارضته برأى أو غيره، والحُكْم القَدَرِىّ وهو عدم تلقِّيه بالتسخُّط والكراهة والاعتراض؛ والاتِّضاعُ أعنى اتِّضاع القلب والجوارح وانكسارَها لنظر الرّبّ إِليها واطِّلاعِه على تفاصيل ما فى القلب والجوارح. فخوف العبد فى هذا المقام يوجب خشوع القلب لا محالة. وكلَّما كان أَشدّ استحضاراً له كان أَشدّ خشوعاً. وإِنَّما يفارق القلبَ الخشوعُ إِذا غفل عن اطِّلاع الله تعالى ونظره إِليه.

وممّا يورث الخُشَوع ترقُّبُ آفات النفس والعمل، ورؤية فضل كلّ ذى فضل عليك، وتنسّم العناءِ، يعنى انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبهما؛ فإِنَّه يجعل القلب خاشعاً لا محالة لمطالعة عيوب نفسه وأَعمالها ونقائِصها: من العجْب والكِبْر والرّياء وضعف الصّدق وقلَّة اليقين وتشتت النيّة وعدم إِيقاع العمل على الوجه الَّذى ترضاه لربّك وغير ذلك من عيوب النَّفس. وأَمّا رؤية فضل كلِّ ذى فضل عليك فهو أَن تراعى حقوق النَّاس فتؤدّيها ولا ترى أَنَّ ما فعلوه معك من حقوقك عليهم فلا تعاوضهم عليها فإِنَّ ذلك من رعونات النَّفس وحماقاتها، ولا تطالبهم بحقوق نفسك فالعارف لا يرى له على أَحد حَقّاً، ولا يشهد له على عيره فضلاً. فلذلك لا يعاقِب ولا يطالب ولا يضارب.

بصيرة فى الخشية

بصيرة فى الخشية وهى خوف يشوبه تعظيم. وأَكثر [ما يكون] ذلك عن علم بما يُخْشَى منه، ولذلك خُصّ العلماءُ بها فى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} وقوله {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ} اى ليستشعروا خوفاً عن معرفة. وقولُه {وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} أَى لا تقتلوهم معتقدين لمخافة أَن يلحقهم إِملاق. وقوله: {لِمَنْ خَشِيَ العنت مِنْكُمْ} اى لمن خاف خوفاً اقتضاه معرفته بذلك عن نفسه. وقال تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُاْ الناس واخشون} . ومدح الله تعالى أهله {إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ. والذين هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ. والذين هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ. والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أولائك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} وعند الإِمام أحمد فى مسنده، وفى جامع الترمذى "عن عائشة رضى الله عنها قالت قلت: يا رسول الله، الذين يؤتون ما آتَوْا وقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ، أَهو الذى يسرق ويزنى ويشرب الخمر؟ قال: لا يا ابنة الصّدّيق، ولكنه الرّجل يصلِّى ويصوم ويتصدّق

ويخاف أَلا يُقبل منه". قال الحسن رحمه الله: عمِلوا لِلهِ بالطَّاعات واجتهدوا فيها وخافوا أَن تُرَدّ عليهم. إِنَّ المؤمن جمع إِيماناً وخشية، والمنافق جمع إِساءَة وأَمْناً. والخشية والخوف والوجَل والرّهبة أَلفاظ متقاربة غير مترادفة. فالخوف: تَوقُّع العقوبة على مجارى الأَنفاس، قاله جنَيد. وقيل: اضطراب القلب وحركته من تذكُّره المَخُوف. وقيل: الخوف هَرَب القلب من حلول المكروه عند استشعاره. والخشية أَخصّ من الخوف؛ فإِنَّ الخشية للعلماءِ بالله تعالى كما تقدّم. فهى خوف مقرون بمعرفة. قال النبىّ صلَّى الله عليه وسلم "إِنِّى أَتقاكم لله وأَشدُّكم له خشية" فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون، فإِنَّ الَّذى يرى العدوّ والسّيل ونحو ذلك له حالتان: إِحداهما حركة الهرب منه، وهى حالة الخوف، والثانية سكونه وقراره فى مكان لا يصل إِليه وهى الخَشْية، ومنه الخَشُّ: الشئ [الأَخشن] والمضاعف والمعتل أَخوان؛ كتقضَّى البازى وتقضَّض. وأَمّا الرّهبة فهى الإِمعان فى الهرب من المكروه، وهى ضدّ الرَّغبة الَّتى هى سَفَر القلب فى طلب المرغوب فيه. وبين الرّهب والهَرَب تناسب فى اللفظ

والمعنى يجمعهما الاشتقاق الأَوسط الَّذى هو عَقْد تقاليب الكلمة على معنى جامع. وأَمّا الوَجَلُ فَرَجَفَانُ القلب وانصداعُه لذكْر مَنْ يُخَافُ سلطانُه وعقوبته أَو لرؤيته. وأَمّا الهيبةُ فخوفٌ مقارِنٌ للتعظيم والإِجلال. وأَكثر ما يكون مع المحبة والإِجلال. فالخوف لعامّة المؤمنين، والخشية للعلماءِ العارفين، والهيبةُ للمحبّين، والوَجَل للمقرَّبين. وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخشية، كما قال النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم "إِنى لأَعلمكم بالله وأَشدّكم له خشية" وقال: "لو تعلمون ما أَعلم لضحكتم قليلاً ولَبَكَيْتُم كثيراً، ولَمَا تلذَّذتم بالنِّساءِ على الفُرُش، ولخرجتم إِلى الصّعدات تجأَرون إِلى الله تعالى" فصاحب الخوف يلتجئ إِلى الهَرَب والإِمساك، وصاحب الخشية إِلى الاعتصام بالعلم، ومَثَلهما كَمَثل مَن لا علم له بالطِّب ومثل الطَّبيب الحاذق. فالأَوّل يلتجئ إِلى الحِمْية والهرب، والطَّبيب يلتجئ إِلى معرفته بالأَدْوية والأَدواءِ. وكلّ واحد إِذا خفته هَرَبت منه، إِلا الله، فإِنك إِذا خفته هربت إِليه. فالخائف هاربٌ من ربّه إِلى ربه.

بصيرة فى الخصوص والخصف والخصم

بصيرة فى الخصوص والخصف والخصم الخصوص: التفرّد ببعض الشئ ممّا لا يشاركه فيه الجملةُ، وذلك خلاف العموم. خصّه بالشَّئ خَصَّا وخُصوصاً وخُصوصِيَّة وخِصِّيصَى وخِصِّيصاءَ وخَصِّيَّةً وتَخِصَّة: فضَّله به وميّزه. قال تعالى: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} أَى بل تعمّكم. والخَصْف مصدر خَصَف الورق على بدنه خَصْفاً أَى أَلزقها وأَطبقها عليه ورقة ورقة. قال الله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} أَى يجعلان علهيما خَصَفة وهى الجُلَّة تعمل من الخُوص للتمر. والخَصْم مصدر خَصَمته أَى نازعته. والخَصْم: المخاصِم المنازع، والجمع خُصوم وخِصَام وأَخصام. وقد يكون للاثنين والجمع والمذكَّر والمؤنَّث. قال تعالى: {هاذان خَصْمَانِ اختصموا} أَى فريقان. والخصيم: الخَصْم الكثير المخاصمة، والجمع خُصَماءُ وخُصْمان. والخُصم - بالضَّمِّ - الجانب والزاوية. وأَصل المخاصمة أَن يتعلَّق كلُّ واحد بخُصْم الآخر أَى بجانبه وان يَجْذب كلُّ واحد خُصْم الجُوَالق من جانبه.

بصيرة فى الخضد والخضر

بصيرة فى الخضد والخضر الخَضْد: الكسر. وأَكثر ما يستعمل فى الشئ اللَّيّن قال: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} أَى مكسور الشَّوك. خضدته فانخضد فهو مخضود. والخَضَد - محرّكة - المخضود، كالنَقَض والمنقوض. والخُضْرة: لون الأَخضر هى بين البياض والسّواد: قال تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً} جمع أَخضر. والخضرة فى أَلوان الإِبل والخيل: غُبْرة تخالطها دُهْمة، وفى أَلوان النَّاس: السمرة. والأَخضر لقب الفضل ابن العبّاس بن عتْبة بن أَبى لهب. قال: وأَنَا الأَخْضَرُ من يعرفُنى ... أَخضر الجِلْدةِ فى بَيْتِ العَرَبْ مَنْ يُسَاجِلْنى يُسَاجِلْ ماجداً ... يملأُ الدلو إِلى عَقْد الكَرَبْ وربما سموا الأَسود أَخضر، ويسمَّى الليل أَخضر لسواده. وقول أَهل التفسير فى قوله تعالى: {مُدْهَآمَّتَانِ} : خضراوان؛ لأَنهما تضربان إِلى السواد من شدَّة الرىّ. وذكر علماءُ أَهل الكتاب أَن الخضِر

سُمِّى خَضِراً لأَنَّه كان إِذا قعد فى موضع قام عَنْه وتحته روضة تهتزّ. قاله ابن درَيد. وكان فى غنى عن ذكر أَهل الكتاب بما صحّ عن النبىّ صلى الله عليه وسلَّم أَنَّه قال: "إِنما سمّى الخضر لأَنَّه جلس على فَرْوة بيضاءَ فاهتزَّت تحته خضراءَ" ويقال فيه الخِضْر بالكسر أَيضا. وقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً} قال الأَخفش: يريد الأَخضر، أَى وَرَقاً أَخضر. ويقال أَخضر وخَضِر: كما يقال: أَعور وَعَوِرَ. وكلّ شئ ناعم فهو خضِر. يقال: أَخذ الشَّئ خِضْراً مِضْرا أَى غضّاً طَرِيّاً، وخذه خِضْراً مِضْراً أَى هنيئاً مريئاً.

بصيرة فى الخضوع والخط والخطب

بصيرة فى الخضوع والخط والخطب الخضوع: التَّطامن والتَّواضع والسّكون والتسكين الدّعوة إِلى السّوءِ وخَضَع النجم: مال للغروب. وخضعت الإِبل جدَّت فى السّير. والخط: الكَتْب: {وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} والخَطُّ: المدّ. ويقال لما له طول. والخطوط أضربٌ فيما يذكره أَهل الهندسة من مبطوح [ومسطح] ومستدير ومقوَّس وممال. ويعبّر عن كلّ أرض فيها طول بالخَطِّ كَخَطِّ اليمن، وإِليه ينسب الرّمح الخَطِّىّ. (وكلّ) مكان يخُصُّه الإِنسان لنفسه ويحْصره يقال له خِطُّ وخِطَّة. والخَطْب والمخاطبة والتخاطب: المراجعة فى الكلام. ومنه الخُطْبَة والخِطْبة، لكن بالضمّ يختصّ بالوعظة، وبالكسر يختصّ بطلب المرأة. وأصل الخِطْبة الحالة الَّتى عليها الإِنسان إِذا خَطَب، نحو الجِلْسَة والقِعدة. ويقال من الخُطبة: خاطِبٌ وخَطِيب، ومن الخِطبة: خاطب لا غير. الفعل منهما خَطَب كنصر. وفَصْل الخطاب: ما ينفصل به الأَمر من الخطاب.

بصيرة فى الخطف والخطأ

بصيرة فى الخطف والخطأ خطِف الشئ كعلم، وضرب لغة قليلة أوْ رديئة: استلبه بسرعة. والخاطف: الذِّئب. وخاطفُ ظِلِّه: طائر إِذا رأَى ظِلَّه فى الماءِ أقبل ليَخطَفه. وقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة} وصف للشَّياطين المسترِقة للسّمع. وقوله: {وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ} أَى يُقتَلون ويُسلبون. والخُطَّاف لِلطَّائر الذى كأَنه يخطف شيئا فى طيرانه، ولِمَا يُخْرَج به الدَّلوُ من البئر فإِنَّه يتخطَّفه. والْخَيْطَفُ: سرعة انجذاب السير. وأَخطفُ الحَشَى ومُخْطَفة كأَنَّه اختُطِف حَشَاه لضموره. والخطأُ: العدول عن الجهة. وذلك أَضرب: أحدها: أَن يريد غير ما يحسُن فعله وإِرادته فيفعلَه. وهذا هو الخطأُ التَّامّ المأخوذ به الإِنسان، ويقال فيه خَطِئ يخطأُ خَطَأَ وخِطْأً. والثَّانى: أَن يُريدَ ما يحسُن فعلُه، ولكن يقع منه بخلافِ ما يريد، فيقال: أَخْطَأَ إِخْطَاءً فهو مخطئ. وهذا قد أَصاب فى الإِرادة وأَخطأَ فى الفعل، وهذا هو المعْنِىُّ بقوله صلى الله عليه وسلم: "رُفع عن أُمتى الخطأُ والنِّسيان" وبقوله: "من اجتهد فأَخطأَ فله أَجرٌ".

والثالث: أَن يريدَ ما لا يَحْسُنُ فعلُه ويتفق منه خلافه، فهذا مخطئ فى الإِرادة ومُصيبٌ فى الفعل، فهو مذموم لقَصْدِه، غير محمود بفعله. وهذا المعنى هو الذى أراد الشاعر بقوله: أَردت مساتى فاجتررتَ مسرَّتى ... وقد يُحسن الإِنسان من حيث لا يدرى وجملة الأَمر [أَنَّ] من أَراد شيئاً واتفق منه غيرُه يقال: أَخطأَ، وإِن وقع منه كما أَراده يقال: أَصاب. وقد يقال لمن فعل فعلاً لا يَحْسُنُ، أَو أَراد إِرادة لا تجْمُل: إِنه أَخطأَ، ولهذا يقال: أَصاب الخطأُ، وأَخطأَ الصواب، وأَصاب الصّواب وأَخطأَ الخطأ. وهذه اللَّفظة مشتركة كما يرى، متردّدة بين معان يجب لمن يتحرّى الحقائق أَن يتأَمّلها. وقوله تعالى: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته} فالخطيئة والسيّئة يتقاربان، لكن الخطيئة أَكثر ما يقال فيما لا يكون مقصوداً إِليه فى نفسه، بل يكون القصد شيئاً يولِّد ذلك الفعل، كمن يرمى صيداً فأَصاب إِنساناً، أَو شرب مسكراً فجنى جناية فى سكره. ثمّ السّبب سببان: سبب محظورٌ فعله كشرب المسكر، وما يتولَّد من الخطإِ عنه غير مُتجافىً عنه؛ [وسبب غير محظور، كرمى الصيد. والخطأ الحاصل عنه متجافىً عنه] . قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولاكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} وقوله: {وَمَن يَكْسِبْ خطيائة أَوْ إِثْماً} فالخطيئة (هى التى) لا تكون عن قصد إِلى فعله،

والجمع الخطيئات والخطايا. وقوله: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} هى المقصود [إِليها] والخاطئ هو القاصد الذَّنب. وعلى ذلك قوله: {لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخاطئون} . وقد يسمّى الذَّنْب خاطئة فى قوله تعالى: {والمؤتفكات بِالْخَاطِئَةِ} أَى الذَّنب العظيم. وذلك نحو قولهم: شعر شاعر. وأَمّا ما لم يكن مقصوداً فقد ذكر النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه مُتَجاوَزٌ عنه. وأَمّا الخَطْو - بالواو - فهو المَشْى، خَطَا خَطْواً واختطى واختاط على القلب: مشى. والخُطْوة - بالضَّمّ وقد يفتح -: مسافة ما بين القدمين. والجمع خُطاً وخُطُوات بضمّتين. والخَطْوة بالفتح: المرّة. والجمع خَطَوَات. وقوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان} أَى لا تتبعوه.

بصيرة فى الخفيف والخفض والخفى

بصيرة فى الخفيف والخفض والخفى الخِفّ - بالكسر - والخفيف: ضدّ الثقيل. ويقال تارة باعتبار المضايفة بالوزن وقياس شيئين أَحدِهما بالآخر. نحو: درهم خفيف ودرهم ثقيل، وتارة باعتبار مضايفة الزَّمان نحو فرس خفيف وفرس ثقيل إِذا عَدَا أَحدهما أَكثر من الآخر فى زمان واحد، وتارة يقال خفيف فيما يستحليه النَّاس، وثقيل فيما يستوخمونه، فيكون الخفيف مدحاً والثَّقيل ذمّاً. ومنه قوله تعالى: {الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ} والظَّاهر أَنَّ قوله: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} من هذا النَّمط. وتارة يقال: خفيف فيمن فيه طيْش، وثقيل فيمن فيه وقار، فيكون الخفيف ذمّاً والثَّقيل مدحاً. وتارةً يقال: خفيف فى الأَجسام الَّتى من شأْنها أَن ترجَحنّ إِلى أَعلى كالنار والهواء، والثَّقيل فى الأَجسام الَّتى من شأْنها أَن ترجحِن إِلى الأَسفل كالأَرض والماءِ. وقد خفَّ يخِفُّ خَفّاً وخِفَّةً، وخفَّفه تخفيفاً، وتخفَّف تخفَّفاً، واستخفَّه ضدّ استثقله. واستخفَّ فلاناً عن رأْيه حمله على الجهل والخِفَّة. وقوله تعالى: {فاستخف قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} أَى حملهم على أَن يخِفُّوا معه، أَوجدهم خفافاً فى أَبدانهم وعَزائمهم. وقيل: معناه: وجدهم طائشين. وقوله تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ... وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} فإِشارة إِلى كثرة الأَعمال

الصّالحة وقلَّتها وقوله: {وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ} أَى لا يزعجُنَّكَ ولا يزيلُنَّك عن اعتقادك بما يوقعون من الشُّبه. وخفّوا من منازلهم: ارتحلوا عنها فى خِفَّة. والخَفْض: ضدّ الرّفع. والخَفض: الدَّعَة، ومنه عَيْش خافض. والخفض: السّير اللَّيّن. والخفض: الإِقامة، خَفَض بالمكان أَقام. وقوله تعالى: {واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة} حثّ على تليين الجانب والانقياد، كأَنَّه ضدّ قوله {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} وقوله: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} أَى ترفع أَقواماً إِلى الجنَّة وتخفض آخرين إِلى النَّارِ، وهى إِشارة إِلى قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} . والخُِفْية: الاستتار، وقد خَفِى خُِفْيَة وخَفَاء فهو خاف وخفِىّ. وخَفَاه هو وأَخفاه: سترُه وكتمه. والخافية: ضدّ العلانية. وخَفَاه يَخْفِيه خَفْياً وخُفِيّاً: أَظهره واستخرجه، كأَنَّه من الأَضداد. وقوله تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا} وقال {وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ} .

بصيرة فى الخلل

بصيرة فى الخلل وهو ضِدّ الفُرْجة بين الشَّيْئين، وجمعه خِلاَل. نحو خلل الدّار والسّحاب وغيره. وقوله تعالى: {فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار} وقوله {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} أَى سَعَوا نحوكم [و] وسطكم بالنميمة والفساد. والخَلَلُ فى الأَمر كالوَهْن تشبيهاً بخَلَل الدِّيار. والخَلَّة - بالفتح - الحاجة والخَصْلة والفقر والخَصَاصَة. خَلَّ الرّجلُ وأُخِلَّ به. احتاج. ورجل مُخلٌّ ومختلٌّ وخليل وأخَل: مُعْدِم فقير. واختلَّ إِليه: احتاج. والخُلَّة - بالضمّ -: الصّداقة المختصّة الَّتى لا خلل فيها تكون فى عفاف الحبّ ودَعَارته. والجمع خِلاَل. وهى الخلالة أَيضاً - بتثليث الخَاءِ - والخُلولة أَيضاً بالضمَّ. وقد خالَّه مُخَالَّة وخِلالاً، وإِنه لكريم الخِلِّ والخِلَّة - بكسرهما - أَى المصادقة والإِخاء. والخَلُّ - بالكسر والضَّمّ -: الصَّديق المختصّ، والجمع أَخلال. والخليل: مَن أَصفى المودّة وأَصَحّها، وهى بهاءٍ، جمعها خليلات. وقوله تعالى: {واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} قيل سَمَّاه بذلك لافتقاره إِليه تعالى فى كلِّ حال، وهو الافتقار المعنىّ بقوله {إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ

مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وعلى هذا الوجه قيل: اللهمّ أَغْننى بالافتقار إِليك، ولا تُفقرنى بالاستغناء عنك. قال أَبو القاسم، هو من الخَلَّة لا من الخُلَّة. قال: ومَنْ قَاسَهُ بالحبيب فقد أَخطأَ لأَنَّ الله تعالى يجوز أَن يحبّ عبده فإِنَّ المحبّة منه الثناء ولا يجوز أَن يُخَالَّهْ. وهذا القول منه تَشَهٍّ ليس بشئ، والصّواب الَّذى لا محِيد عنه إِن شاءَ الله أَنَّه من الخُلَّة وهى المحبّة التى قد تخلَّلت رُوح المحبّ وقلبه حتى لم يبق فيه موضع لغير محبوبه، كما قيل: قد تخلَّلتِ مسلك الروح منى ... وبذا سمّى الخليل خليلا وهذا هو السّر الذى لأَجله - والله أَعلم - أُمر الخليلُ بذبح ولده وثمرة فؤاده وفِلْذَةَ كبده، لأَنَّه لمّا سأَل من الله الولد وأَعطاه تعلَّقت به شُعْبَة من قلبه، والخُلَّة منصب لا يقبل الشركة والقِسمة، فغار الخليلُ على خليله أَن يكون فى قلبه موضع لغيره، فأَمره بذبح الولد ليُخرج المُزاحم من قلبه، فلمّا وطَّن نفسه على ذلك وعزم عليه عزماً جازما حصل مقصود الآمر، فلم يبق فى ذبح الولد مصلحة، فحال بينه وبينه وفداه بالذِّبح العظيم، وقيل له: {ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ} أَى عملت عمل المصدّق {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} مَن بادر إِلى طاعتنا أَقررنا عينه كما قَرَّت عيناك بامتثال أَوامرنا وإِبقاءِ الولد وسلامته {إِنَّ هاذا لَهُوَ البلاء المبين} وهو اختيار المحبوب مُحبّه وامتحانه إِيَّاه ليُؤثر مَرضاته فيتمّ نعمته عليه، فهو بلاءُ مِحْنة ومنْحة معاً.

والخُلَّة آخر درجات الحبّ وخاتمة أَقسامه العشرة الَّتى أَوّلها العَلاَقة، وثانيها الإِرادة، وثالثها الصبابة، ورابعها الغرام، وخامسها الوداد، وسادسها الشَّغَف، وسابعها العشق، وثامنها التتَيمّ، وتاسعها التعبّد. فحقيقة العبوديّة الحبّ التَّامّ مع الذلِّ التامّ والخضوع للمحبوب. وعاشرها الخُلَّة الَّتى انفرد بها الخليلان إِبراهيم ومحمّد عليهما السّلام كما صحّ عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم "إِنَّ الله تعالى اتَّخذنى خليلاً كما اتَّخذ ابراهيم خليلاً" وقال صلى الله عليه وسلَّم "لو كُنت متَّخذاً خليلاً غير ربِّى لاتخذت أَبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم" والحديثان فى الصّحيحين، وهما يبطلان قول من قال: الخُلَّة لإِبراهيم والمحبّة لمحمّد عليهما السّلام فإِبراهيم خليله ومحمّد حبيبه. وقوله تعالى: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ} أَى لا يمكن فى القيامة ابتياع حَسَنة ولا اجْتلابها بمودّة. وذلك إِِشارة إِلى قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} وقوله: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} فقد قيل: هو مصدر من خاللت، وقيل: هو جمع. يقال خليل وأَخلَّة وخلال، والمعنى كالأَول.

بصيرة فى الخلود والخلوص والخلط والخلع

بصيرة فى الخلود والخلوص والخلط والخلع الخلود هو تبرّؤ الشئ من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة الَّتى هى عليه. وكلّ ما يتباطأُ عنه التغيير والفساد يصفه العرب بالخلود كقولهم للأَثافىّ: خوالد. وذلك لطول [مكثها] لا لدوام بقائها. يقال: خَلَد يخلُد خُلُوداً. والخَلَد - بالتَّحريك - اسم للجُزْءِ الَّذى يبقى من الإِنسان على حالته فلا يستحيل ما دام الإِنسان حيّاً استحالة سائر أَجزائه. وأَصل المخلَّد الذى يبقى مدّة طويلة. ومنه مخلَّد لمن أَبطأَ عنه الشَّيبُ ثمّ استعير للمُبْقَى دائماً. والخلود فى الجنَّة: بقاءُ الأَشياءِ على الحالة التى هى عليها من غير اعتراض الكون والفساد عليها، قال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} أَى مُبَقَّون بحالتهم لا يعتريهم استحالةٌ. وقيل: مقرَّطون بخِلَدة. والخِلَدة: ضرب من القِرَطَة. وإِخلاد الشئ: جعله مبَقّىً أَو الحكم بكونه مبَقًّى. وعلى هذا قوله تعالى: {ولاكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض} أَى ركن إِليها ظانّاً أَنَّه يَخْلُد فيها.

والخالص الصّافى الذى زال عنه شَوْبه الَّذى كان فيه. وقوله {خَلَصُواْ نَجِيّاً} أَى انفردوا خالصين من غيرهم. وقوله {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} اخلاصُ المسلمين أَنَّهم تبرَّءُوا ممّا يدَّعيه اليهود من التشبيه، والنَّصارى من التَّثليث، فحقيقة الإِخلاص التبرّى من دون الله. والخَلْط: الجَمْع بين أَجزاءِ الشيئين فصاعداً، سواء كانا مائعين أَو جامدين، أَو أَحدهما مائعاً والآخر جامداً. وهو أَعمّ من المَزْج. قال تعالى: {فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} ويقال للصّدِيق والمجاور والشريك. خَلِيط. والخليطان فى الفقه مِن ذلك، وجمعه خُلَطاء. قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الخلطآء} . وقوله تعالى {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} أَى يتعاطَون هذا مرّة وهذا مرّة. والخَلْع: النَّزع. خلع زيد ثوبه. والفرس جُلَّه وعِذَاره. وقوله {فاخلع نَعْلَيْكَ} قيل هو على الظَّاهر لأَنَّه كان من جِلد حمار ميّت. وقال بعض الصّوفية: هذا مَثَل، وهو أَمر بالإِقامة والتمكُّن كقولك لمن رُمتَ أَن يتمكَّن: انزع ثوبك وخُفَّك ونحو ذلك. وإِذا قيل: خلع فلان على فلان كان معناه: أَعطاه ثوباً. واستُفيد معْنى العطاءِ من هذه اللفظة بأَن وصل به لفظة (على) لا من مجرّد الخَلْع.

بصيرة فى الخلف والخلق

بصيرة فى الخلف والخلق خَلْفٌ - وقد يقال بأل - نقيض قُدّام. قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} وخَلَف. نقيض تقدّم وسَلَف. فالمتأَخِّر لقصور منزلته يقال له: خَلْف. ولهذا قيل: خلْف سوء. والمتأَخر لا لقصور منزلته يقال له: خَلَف، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} وقيل: "سكت أَلْفا، ونطق خَلْفاً" أَى رديئا من الكلام. وهو خَلَف صِدق من أَبيه إِذا قام مقامه. وقيل: الخَلَفُ والخَلْف سواء. وقال اللَّيث: السّاكن للأَشرار خاصّة والمتحرّك لضدّهم. وتخلَّف: تأَخَّر أَو جاءَ خَلْف آخر أَو قام مقامه. ومصدره الخِلاَفة. وخلف خَلاَفة فهو خالف أَى رَدِئ أَحمق. والْخِلْفة - بالكسر -: الاسم من الاختلاف أَى التردّد {جَعَلَ الليل والنهار خِلْفَةً} أَى يجئ هذا فى إِثر هذا. ويقال: هنّ يَمشين خِلْفة أَى تذهب هذه وتجئ هذه. قال زهير ابن أَبى سُلْمَى: بها العِين والآرام يمشين خِلفة ... وأَطلاؤها ينهضن مِن كلِّ مَجْثَم ويقال أَيضاً: القوم خِلْفة، وبنو فلان خِلْفة، أَى نصفهم ذكور ونصفهم

إِناث. وخلف فلاناً يخلُفه إِذا كان خليفته وقائماً بالأَمر عنه إِمّا معه وإِمّا بعده. قال تعالى: {وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ} . والخِلاَفَة: النِّيابة عن الغير. إِمّا لغَيْبَة المَنُوب عنه وإِمّا لموته وإِمّا لعجزه وإِمّا لتشريف المستخلَف. وعلى هذا الوجه الأَخير استخلَف اللهُ أَولياءَه فى الأَرض. قال تعالى: {وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرض} والخلائف جمع خليفة والخُلفاءُ جمع خليف، قال تعالى: {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} والخليفة: السّلطان الأَعظم. وقد يؤنَّث. أَنشد الفَرَّاء. أَبوك خليفة ولدته أُخرى ... وأَنت خليفةٌ، ذاك الكمالُ زاد ابن عبّاد الخليف والجمع الخلائف، جاءوا به على الأَصل مثل كريمة وكرائم. وقالوا أَيضا: خُلَفاء من أَجل أَنَّه لا يقع إِلاَّ على مذكَّر وفيه الهاءُ، جمعوه على إِسقاط الهاءِ فصار مثل ظريف وظرفاء، لأَن فَعِيلة بالهاءِ لا يجمع على فُعَلاء. وقوله تعالى: {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي} أَى كن خليفتى وقم مقامى فيهم. والاختلاف والمخالفة: أَن يأْخذ كلُّ واحد طريقاً غير طريق الآخر فى حاله أَو فعله. والخلاف أَعمّ من الضدّ، لأَنَّ كلَّ ضدّين مختلفان وليس كلّ مختلفين ضدّين. ولمّا كان الاختلاف بين النَّاس فى القول قد يقتضى

التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال تعالى: {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} وقوله تعالى: {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِي الكتاب} قيل: معناه خَلَفوا نحو كسب واكتَسَب. وقيل: أَتَوْا فيه بشئ خلاف ما أَنزل الله. وقوله: {لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد} من الخِلاف أَو من الخُلْف. وقوله تعالى: {إِنَّ فِي اختلاف الليل والنهار} أَى فى مجئ كلَّ واحد منهما خَلْف الآخر وتعاقبهما. والخُلْف: الاسم من الإِخلاف. يقال: وعدنى فأَخلفنى أَى خالف الميعاد، قال تعالى: {مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ} . وأَخلفه: ردّه إِلى خَلْفه. وأَخلف النبتُ: أَخرج الخِلْفة، وهى ورق يخرج بعد الورق الأَوّل فى الصّيف. وأَخلف الثوب: أَصلحه. ويقال لمن ذهب له ولد أو مال أَو شئ يستعاض: أَخلف الله

عليك. أَى ردّ الله عليك مثل ما ذهب. وأَخلف فلان لنفسه إِذا كان قد ذهب له شئ فجعل مكانه آخر. قال تميم بن أُبى [بن] مقبل: أَلم تر أَن المال يخلُف نسله ... ويأْتى عليه حقّ دهر وباطلُهْ فأَخلفْ وأَتلفْ إِنما المالُ عَارَةٌ ... وكُلْهُ مع الدهر الذى هو آكلهُ يقول استفد خَلَف ما أَتلفت. وخَلَف اللهُ عليك أَى كان لك منه خليفةٌ. وقوله تعالى: {لاَّ يَلْبَثُونَ خِلفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً} أَى بعدك، وقرئ (خِلاَفَكَ) أَى مخالَفة لك. وقوله: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} أَى إِحداهما من جانب والأُخرى من جانب آخر. وخلَّفته تخليفاً: تركته خلفى، قال تعالى: {فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله} أَى مخالفين. والخالف: المتأَخِّر عنك لنقصان أَو قصور كالمتخلِّف، قال تعالى: {مَعَ الخالفين} . والخالفة: عمود الخيمة المتأَخِّر، ويُكْنى بها عن المرأَة لتخلُّفها عن المرتحلين وجمعه خوالف. قال تعالى: {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف} أَى مع النِّساءِ. والخالفة: الأَحمق، وهو خالفة بيّن الخَلاَفة أَى أَحمق. والخالفة: الأَمّة الباقية

بعد الأُمّة السّالفة. وهو خالفة أَهل بيته وخالفهم إِذا كان لا خير فيه ولا هو نجيب. وقول عمر: لو أُطيق الأُذان مع الخِلِّيفى لأَذَّنتُ. كأَنَّه أَراد بالخِلِّيفى كثرة جهده فى ضبط أُمور الخلافة وتصريف أَعِنَّتها؛ فإِن هذا النَّوع من المصارد يدل على معنى الكثرة.

بصيرة فى الخلق

بصيرة فى الخلق وهو التقدير، وقيل: التقدير المستقيم. ويستعمل فى إِبداع الشئ من غير أَصل ولا احتذاء. قال تعالى: {خَلَقَ السماوات والأرض} أَى أَبدعهما بدلالة قوله: {بَدِيعُ السماوات والأرض} . ويستعمل فى إِيجاد الشئ من الشئ. قال تعالى: {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} . وليس الخلق بمعنى الإِبداع إِلاَّ لله تعالى. ولهذا قال تعالى فى الفصل بينه وبين غيره: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} وأَمّا الَّذى يكون بالاستحالة فقد جعله الله لغيره فى بعض الأَحوال كعيسى عليه السّلام حيث قال: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير} والخَلْق لا يستعمل فى جميع النَّاس إِلاَّ على وجهين: أَحدهما فى معنى التقدير كقوله: ولأَنت تفرِى ما خلقتَ وبعض الـ ... ـقوم يخلق ثم لا يفرى والثانى: فى الكذب نحو قوله تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} . إِن قيل: قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} يدل على أَنَّه يصحّ أَن يوصف به غيره، قلنا: إِن ذلك معناه: أَحسن المُقدِّرين، أَو يكون على تقدير ما كانوا يعتقدون ويزعمون أَنَّ غير الله يُبدِعُ، فكأَنَّه

قيل: فاحسَب أَنَّ ههنا مبدعين وموجِدين فالله تعالى أَحسنهم إِيجاداً على ما يعتقدون، كما قال: {خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ} . وقوله تعالى: {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله} قيل: هو إِِشارة إِلى ما يشوِّهونه من الخِلْقة بالخِصاءِ ونَتْف اللِّحية وما يجرى مجراه. وقيل: معناه يغيّرون حكمه. وقوله: {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} إِشارة إِلى ما قدّره وقضاه. وقيل: معنى لا تبديل نهى: لا تغيّروا خلقة الله. وقوله: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} كناية عن فروج النساءِ. وكلّ موضع استعمل فيه الخَلْق فى وصف الكلام فالمراد به الكذب. ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس من إِطلاق لفظ الخَلْق على القرآن وعلى هذا قوله: {إِنْ هاذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين} وقوله: {مَا سَمِعْنَا بهاذا فِى الملة الآخرة إِنْ هاذا إِلاَّ اختلاق} . والخَلْق فى معنى المخلوق. والخَلْق والخُلْق فى الأَصل واحد. كالشَّرب والشُّرْب والصَّرم وَالصُّرْم، ولكن خُصّ الخَلْق بالهيئات والأَشكال والصّور

المدرَكة بالبصر، وخُصّ الخُلْق بالقُوَى والسّجايا المدركة بالبصيرة. قال تعالى: لنبيّه صلَّى الله عليه وسلَّم {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قال: ابن عباس رضى الله عنهما: لعَلَى دِين عظيم لا دين أَحبُّ إِلىّ ولا أَرضى عندى منه وهو دين الإِسلام. وقال الحسن: هو أَدب القرآن. وقال قتادة: هو ما كان يأْتمر به مِن أَمر الله ويَنْتَهى عنه من نَهْى الله. والمعنى: إِنَّك لعلى الخُلُق الَّذى آثرك الله تعالى به فى القرآن. وفى الصّحيحين أَنَّ هشام ابن حَكِيم سأَل عائشة عن خُلُق رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقالت: كان خُلُقه القرآن. واعلم أَنَّ الدّين كلَّه خُلُق. فمن زاد عليك فى الخُلُق زاد عليك فى الدين، وكذا التصوّف. قال الكتَّانى: هو خُلُق، فمن زاد عليك فى الخُلُق زاد عليك فى التصوّف. وقيل: حسن الخُلُق: بَذْل النَّدى، وكَفُّ الأَذَى. وقيل: فَكُّ الكفِّ، وكفُّ الفكِّ. وقيل: بذل الجميل وكفُّ القبيح. وقيل: التخلى من الرذائل، والتحلِّى بالفضائل. وهو يقوم على أَربعة أَركان لا يُتصوّر قيام ساقِه إِلاَّ عليها: الصّبر والعفَّة والشَّجاعة والعدل. فالصبر يحمله على الاحتمال وكظم الغيظ وإِماطة الأَذى والحلم والأَناة والرِّفق وعدم الطَّيش والعجلة.

والعفَّةُ تحمله على اجتناب الرذائل والقبيح من القول والفعل. وتحمله على الحياءِ وهو ركن كلَّ خير، وتمنعه من الفحش والبخل والكذب والغيبة والنَّميمية. والشجاعةُ تحمله على عِزَّةِ النَّفس وإِيثار معالى الأَخلاق والشِّيم، وعلى البذل والنَّدى الذى هو شجاعة النفس وقوّتها على إِخراج المحبوب ومفارقته، وتحمله على كَظْم الغيظ والحلم فإِنَّه بقوّة نَفْسه وشجاعتها يمْسك عِنَانها ويكبحها بلجامها عن السّطوة والبطش؛ كما قال النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "ليس الشَّديد بالصُّرَعة إِنَّما الشديد الَّذى يمسك نفسه عند الغضب" وهذه هى حقيقة الشجاعة. وهى مَلكة يقتدِر معها على قهر خصمه. والعدل يحمله على اعتدال أَخلاقة وتوسّطه بين طرفى الإفراط والتَّفريط فيحمله على خُلُق الجود والسّخاءِ الَّذى هو توسّط بين الإِمساك والتَّقتير، وعلى خُلُق الحياءِ الَّذى هو توسّط بين الذِّلة والقِحة، وعلى خُلُق الشَّجاعة الَّذى هو توسّط بين الجُبْن والتَّهوّر، وعلى خلق الحلم الذى هو توسّط بين الغضب والمهانة. والتوسّط منشأُ جميع الأَخلاق الفاضلة من هذه الأَربعة. والخَلْق ورد فى القرآن على ثمانية أَوجه: الأَوّل: بمعنى دين الحقّ {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} أَى لدين الله {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله} أَى دين الله.

الثانى: بمعنى الكذب {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} أَى تكذبون {إِنْ هاذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين} . الثالث: بمعنى التَّصوير {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير} أَى تصوّر. الرابع: بمعنى التقدير {لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أَى يقدَّرون. الخامس: بمعنى الإِنطاق {أَنطَقَنَا الله} إِلى قوله {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوّلَ مَرَّةٍ} أَى أَنطقكم. السّادس: الخَلْقُ بمعنى الجعل {خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} . السّابع: بمعنى الإِحياءِ فى القيامة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} أَى بعثنا {بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} أَى يبعث. الثَّامن: بمعنى حقيقة الخِلْقة {خَلَقَ السماوات والأرض} {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ} وله نظائر.

بصيرة فى الخلد والخمود والخمر

بصيرة فى الخلد والخمود والخمر خلا المكانُ خُلُوّاً وخَلاَءً. وأَخْلَى واستخلى: فَرَغ. ومكانٌ خلاءٌ؛ ما فيه أَحد. وأَخلاه: جعله أَو وجَدُه خالياً. وخلا: وقع فى مكان خال. والخُلُوُّ يستعمل فى الزَّمان والمكان، لكن لمّا تُصوّر فى الزَّمان المضىّ فسر أَهل اللُّغة قولهم "خلا الزَّمان" بقولهم: مَضَى وذهب. قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} وقوله {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} أَى يتحصّل مودّة أَبيكم وإِقباله عليكم. وخلا الإِنسان: صار خاليا. وخلا فلان بفلان: صار معه فى خلاءٍ. وخلا إِليه: انتهى إِليه فى خَلْوة، قال تعالى: {وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ} وخلَّيتُ فلاناً: تركته فى خلاء، ثمّ قيل لكلّ تَرْك: تخلية. قال تعالى: {فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} . والخُمُود. والانطفاءُ. خَمَدت النَّار تَخْمُد: طفِئ لهيبُها. وقوله تعالى: {جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} كناية عن موتهم. ومنه قولهم: خَمَدت الحُمّى أَى سكنت. والخمر مادّتها موضوعة للتغطية والمخالطة فى سَتْر. وسمّيت الخمر خمراً لأَنَّها تُركت فاختمرت. واختمارها تغيُّر رِيحها، وفى الحديث "الخمر ما خمر العقل" قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر} والخِمار - بالكسر -

بصيرة فى الخير

اسم لما يستر به. وصار فى التعارف اسماً لما تغطِّى به المرأَة رأْسها والجمع الخُمُر، قال الله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} واختمرت المرأَة وتخمّرت: لبَسَتْها. وخَمَرت الإِناءَ غطَّيته. بصيرة فى الخير وهو ضدّ الشرّ. وهو ما يرغب فيه الكلّ كالعقل مثلا والعدل والفضل والشئ النَّافع. وقيل: الخير ضربان. خير مطلق وهو ما يكون مرغوباً فيه بكلّ حال وعند كلِّ أَحدكما وصف صلى الله عليه وسلَّم به الجنَّة فقال: "لا خير بخير بعده النَّار، ولا شرّ بشرّ بعده الجنَّة". وخير وشرّ مقيَّدان وهو أَنَّ خير الواحد شرّ الآخر كالمال الَّذى ربّما كان خيرا لزيدٍ وشراً لعمرو. ولذلك وصفه الله تعالى بالأَمرين فقال فى موضع: {إِن تَرَكَ خَيْراً} وقال فى موضع آخر {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات} فقوله {إِنْ تَركَ خَيْراً} أَى مالاً. وقال بعض العلماء: لا يقال للمال خير حتى يكون كثيراً ومن كان طيب، كما رُوِى أَنَّ عليّاً رضى الله عنه دخل على مولًى له فقال: أَلا أُوصى يا أَمير المؤمنين؟ قال: لا، لأَنَّ الله تعالى قال {إِن ترك خيراً} وليس لك مال كثير.

وعلى هذا أَيضاً قوله {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ} . وقال بعض العلماء: إِنما سمّى المال ههنا خيراً تنبيهاً على معنى لطيف، وهو أَنَّ المال [الذى] يحسن الوصيَّة به ما كان مجموعاً من وجه محمودٍ. وعلى ذلك قوله: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} وقوله: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} قيل: عنى به مالاً من جهتهم، [و] قيل: إِن علمتم أَن عتقهم يعود عليكم وعليهم بنفع أَى ثواب. وقوله تعالى: {أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِّي} أَى آثرت حبّ الخير عن ذكر ربِّى. والعرب تسمِّى الخيل الخير لما فيها من الخير. وقوله تعالى: {لاَّ يَسْأَمُ الإنسان مِن دُعَآءِ الخير} أَى لا يَفْتُر من طلب المال وما يُصلح دنياه. وقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} أَى بخير لكم فإِن يكن تخفيفا كان خيراً فى الدّنيا والآخرة. وإِن يكن تشديداً كان خيراً فى الآخرة لأَنَّهم أَطاعوا الله - تعالى ذِكرُه - فيه. وقال ابن عرفة فى قوله تعالى: {أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} لم يكن على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خير من نسائه، ولكن إِذا عصينه فطلَّقهن على المعصية فمن سواهنَّ خير منهنّ. وقال الرَّاغب: الخير والشَّرّ يقالان على وجهين: أَحدهما: أَن يكونا اسمين كما تقدّم.

والثَّانى: أَن يكونا وصفين وتقديراهما تقدير أَفعل، نحو هو خير من ذلك وأَفضل. وقوله {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} يصحّ أَن يكون اسماً وأَن يكون صفة. وقوله {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} تقديره تقديرُ أَفعل منه. والخير يقابَل به الشرّ مرّة والضر مرّة، نحو: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} . وقوله: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} قرأ الحسن البصرى وأَبو عثمان النَهْدِىّ والخليل بن أَحمد وطاووس وبكر بن حبيب {فيهنّ خيِّرات} بتشديد الياءِ، والتشديد هو الأَصل. وامرأَة خيّرة وخَيْرة بمعنى. وكذلك رجلٌ خيّر وخَيْر كميّت وميْت. وقوله تعالى: {وأولائك لَهُمُ الخيرات} جمع خَيْرة وهى الفاضلة من كل شئ. وقال الأَخفش: وقيل لَمَّا وُصِفَ به، وقيل: فلان [خير]- أَشبه الصّفات، فأدخلوا فيه الهاء للمؤنَّث ولم يريدوا أَفعل. وأَنشد أَبو عُبَيْدة: ولقد طعنتُ مجامع الرَبَلاتِ ... رَبَلات هند خيرةِ الملِكات فإِن أَردت معنى التفضيل قلت: فلانة خير النَّاس ولم تقل خيرة الناس وفلان خير النَّاس ولم تقل: أَخْير، لا يثنَّى ولا يجمع لأَنَّه فى معنى أَفعل.

وقال شمر: يقال ما أَخيره وخَيْره وأَشرّه وشَرّه وهذا أَخير منه وأَشرّ منه. وقال ابن بُزُرْج قالوا: هم الأَخيرون والأَشرّون من الخَيَارة والشَّرَارَة بإِثبات الأَلف. وتقول فى الخير والشرّ هو خير منك وشرّ منك وخُيير منك وشُرَير منك. واستخار اللهَ العبدُ فخار له أَى طلب منه الخير فأَولاه. وخايرته فى كذا فخِرْتُه: غلبته. والخِيرة الحالة التى تحصل للمستخير والمختار. والاختيار: طلب ما هو خير فعله. وقد يقال لما يراه الإِنسان خيراً وإِن لم يكن خيراً. وقوله تعالى: {وَلَقَدِ اخترناهم على عِلْمٍ} يصحّ أَن يكون إِشارة إِلى إِيجاده تعالى إِياهم خيراً، وأَن يكون إِشارة إِلى تقديمهم على غيرهم. والمختار قد يقال للفاعل والمفعول. والخُوَار مختصّ بالبقر وقد يستعار للبعير. والخوض: الشروع [فى الماءِ والمرور فيه. ويستعار فى الأُمور] . وأَكثر ما ورد فى القرآن ورد فيما يُذمّ الشروع فيه. والخَيْط معروف وقوله تعالى: {حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود مِنَ الفجر} أَى بياض النَّهار من سواد اللَّيل.

بصيرة فى الخوف

بصيرة فى الخوف وهو توقُّع مكروه عن أَمارة مظنونة أَو معلومة، كما أَن الرجاءَ والطمع توقع محبوب عن أَمارة مظنونة أَو معلومة، ويضادّ الخوف الأَمن. ويستعمل ذلك فى الأُمور الأَخروية والدّنيويّة. وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} قد فسّر بعرفتم. وحقيقته: وإِن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم. والخوف من الله لا يراد به ما يخطِر بالبال من الرّعب كاستشعار الخوف، بل إِنَّما يراد به الكفّ عن المعاصى وتحرّى الطَّاعات. ولذلك قيل: لا يعدُّ خائفاً من لم يكن للذُّنوب تاركاً. والخوف أَجلّ منازل السّالكين وأَنفعها للقلب. وهو فرض على كلِّ أَحد. قال تعالى: {وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} وقال: {وَإِيَّايَ فاتقون} ومدح الله تعالى أَهله فى كتابه وأَثنى عليهم فقال: {إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ. والذين هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ. والذين هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ. والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أولائك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} فى مسند الإِمام أَحمد وجامع التِّرمذى "عن عائشة رضى الله عنها قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "الذين يؤتون ما آتَوْا وقلوبهم وجلة" أَهو الَّذى يسرق ويشرب الخمر ويزنى؟ قال: لا يا ابنة الصّديق: ولكنَّه الرّجل يصوم ويصلِّى ويتصدّق

ويخاف أَن لا يقبل منه" وقال الحسن: عملوا والله الصَّالحات واجتهدوا فيها، وخافوا أَن تُردّ عليهم. وقال الجنيد: الخوف توقع العقوبة على مجرى الأَنفاس. وقيل: الخوف: اضطراب القلب وحركته من تذكُّر المَخُوف. وقيل: الخوف: هرب القلب من حلول المكروه وعند استشعاره. وقيل: الخوف العلم بمجارى الأَحكام. وهذا سبب الخوف لا نفسه. وقال أَبو حفص: الخوف سوط الله يقوِّم به الشاردين عن بابه. وقال: الخوف سراج فى القلب يبصر به ما فيه من الخير والشرّ. وكلّ واحد إِذا خِفْته هربت منه إِلاَّ الله فإِنَّك إِذا خفته هربت إِليه. وقال إِبراهيم بن سفيان: إِذا سكن الخوفُ القلب أَحرق مواضع الشَّهوات منه وطرد الدّنيا عنه. وقال ذو النُّون: الناس على الطَّريق ما لم يَزلْ عنهم الخوف، فإِذا زال عنهم الخوف ضَلُّوا عن الطَّريق. والخوف ليس مقصوداً لذاته بل مقصود لغيره. والخوف المحمود الصَّادق: ما حال بين صاحبه ومحارم الله، فإِذا تجاوز ذلك خيف منه اليأْس والقنوط. وقال أَبو عثمان: صِدْق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهراً وباطناً. وقال الأَنصارى: الخوف هو الانخلاع عن طمأْنينة الأَمن بمطالعة الخَبر يعنى الخروج من سكون الأَمن باستحضار ما أَخبر اللهُ به من الوعد والوعيد. وأَمّا التخويف من الله فهو الحَثُّ على التحرُّز. وعلى ذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان والمبالاة

بتخويفه، فقال {إِنَّمَا ذلكم الشيطان يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} أَى لا تأْتمروا للشيطان وأْتمروا لله تعالى. ويقال تخوّفناهم أَى تنقَّصناهم تنقُّصا اقتضاه الخوف منهم. وقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي} فخوفه منهم أَلاَّ يراعوا الشريعة ولا يحفظوا نظام الدّين، لا أَن يرثوا ماله كما ظنَّه بعض الجهلة. فالقُنْيات الدّنيويّة أَخسُّ عند الأَنبياءِ من أَن يُشفقوا عليها. والخيفة: الحالة الَّتى عليها الإِنسان من الخوف. قال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} واستعمل استعمال الخوف. قال تعالى {والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} وتخصيصُ لفظِ الخيفة تنبيه أَنَّ الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم. والتخوّف: ظهور الخوف من الإِنسان. قال تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} . وقد ورد فى القرآن الخوف على خمسة وجوه: الأَوّل: بمعنى القتل والهزيمة {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أَوِ الخوف} {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف} أَى القتل. الثَّانى: بمعنى الحرب والقتال {فَإِذَا ذَهَبَ الخوف سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ

حِدَادٍ} أَى إِذا انجلى الحرب {فَإِذَا جَآءَ الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} أَى الحرب. الثالث: بمعنى العلم والدّراية {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً} أَى عِلم {إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} أَى يعلما {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى} أَى علمتم. الرّابع: بمعنى النقص {أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} أَى تنقُّص. الخامس: بعنى الرُّعب والخشية من العذاب والعقوبة {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} . وفى مواضع كثيرة قُرِن الخوف فى القرآن بـ "لا" النَّافية وبـ "لا" النَّاهية، نحو {لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} {لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ} {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} {وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ} {لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون} {أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمنين} {لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى} {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم} {فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} {أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ} .

بصيرة فى الخيل والخول

بصيرة فى الخيل والخول الخيال والخَيَالة بمعنى: وأَصله الصّورة المجرّدة كالصّورة المتصوّرة فى المنام وفى المِرآة وفى القلب بُعَيد غيبوبة المرئىّ. قال الشاعر البحتّرى: ولستُ بنازل إِلاَّ أَلمّتْ ... برَحلى أَو خَيَالتُها الكَذُوب ثمّ يستعمل فى صورة كلّ أَمر متصوّر، وفى كلّ شخص دقيق يجرى مجرى الخيال. والتَّخييل: تصوير خَيال الشئ فى النَّفس، والتَّخيُّل: تصوّر ذلك. وخِلْت بمعنى ظننت، يقال اعتباراً بتصوُّر خيال المظنون. ويقال خيّلت السَّماءُ: أَبدت خيالاً للمطر. وفلان مَخِيل لكذا أَى خلِيق، وحقيقته أَنَّه مَظْهر خيال ذلك. والخُيلاء: التكبّر عن تخيّل فضيلة تراءَى للإِنسان من نفسه. وفى الحديث [قال النبىّ - صلَّى الله عليه وسلم - لأَبى بكر رضى الله عنه: إِنك لست تصنع ذلك خُيلاء] ومنها تنوول لفظ الخيل، لِمَا قيل: إِنَّه لا يركب أَحد فرساً إِلاَّ وَجَد فى نفسه نَخْوة. والخيل فى الأَصل اسم للأَفراس والفرسان جميعاً. قال تعالى: {وَمِن رِّبَاطِ الخيل} ويستعمل فى كلّ واحد منهما منفرداً؛ نحو ما روى (يا خيل الله اركبى) فهذا للفرسان. وكذا قوله

تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} أَى بفرسانك ورَجَّالتِك. وقوله صلى الله عليه وسلَّم: "عفوت لكم عن صدقة الخيل" يعنى الأَفراس وكذا قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا} والخيّالة: أَى أَصحاب الخُيُول. وخُيِّل إِليه أَنَّه كذا على ما لم يسمّ فاعله من التَّخييل والوَهْم. قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} قال أَبو زيد: خيّلت على الرّجل إِذا وجّهتَ التُّهمة إِليه. وقوله {وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ} أَى أَعطيناكم ومكنَّاكم. والتخويل فى الأَصل: إِعطاءُ الخَوَل وهو العطيّة، قال لَبِيد رضى الله عنه: ولقد تَحْمد لما فارقت ... جارتى والحمدُ من خير خَوَلْ وقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ} [أَى] أَعطاه وملَّكه. قال أَبو النَّجم: الحمد لله الوهُوب المجْزِل ... أَعطى فلم يَبْخل ولم يبخَّل كوم الذُرَا من خَوَل المخُوِّل والخاءُ لنيِّف وعشرين معنى ذكرته فى القاموس.

بصيرة فى الخون

بصيرة فى الخون وهو أَن يؤتمن الإِنسان فلا ينصح، خانه خَوْناً وخيانة ومَخَانة، واختانه، فهو خائن وخائنة وخؤون وخَوَّان والجمع خانة وخَوَنَةً وخُوَّان. قال الرَّاغب: الخِيانة والنِّفاق واحدٌ، إِلاَّ أَنَّ الخيانة يقال اعتباراً بالعهد والأَمانة، والنفاق يقال اعتباراً بالدّين، ثمّ يتداخلان. فالخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد فى السرّ. ونقيض الخيانة الأَمانة. يقال خُنْت فلاناً وخُنْت أَمانة فلان قال تعالى: {لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ} وقوله {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ} أَى على جماعة خائنة، وقيل على رجل خائن فإِنَّه يقال: رجل خائن وخائنة كداهية ورَاوية. وقيل: خائنة موضوعة موضع المصدر؛ نحو قم قائماً. وقوله تعالى: {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} فالاختيان مراودة الخيانة. ولم يقل: تخونوا أَنفسكم، لأَنه لم يكن منهم الخيانة، بل كان منهم الاختيان فالاختيان تحرّك شهوة الإِنسان لتحرِّى الخيانة وذلك هو المشار إِليه بقوله تعالى: {إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء} . وخائنة الأَعين: ما يُسارِق من النظر إِلى ما لا يحلّ أَو أَنْ ينظر نظرة بريبة. وخوّنه: نسبه إِلى الخَوْن ونقصه.

الباب التاسع - فى الكلمات المفتتحة بحرف الدال

الباب التاسع - فى الكلمات المفتتحة بحرف الدال بصيرة فى الدال وهى ترد فى القرآن واللغة والعرف على عشرة أَوجه: الأَوّل: حرف من حروف التهجّى مخرجه من طرف اللسان قرب مخرج التاءِ، يجوز تذكيره وتأْنيثه. تقول منه: دوّلت دالاً حسناً وحسنة. وجمع المذكَّر أَدْوال كمال وأَموال، وإِذا أَنَّثت جمعت دالات كحال وحالات. الثَّانى: الدّال فى حساب الجُمَّل اسم لعدد الأَربعة. الثَّالث: الدّال الكافية وهى الَّتى تقتصر عليها من كلمة أَوّلها الدّال؛ كقول الشاعر:

أَتيت إِبراهيم فى حاجة ... فقال لى خذها أَخى دالا فقلت دال درهم أَم دال دينا ... رٍ فبيّن قال لى لالا الرّابع: الدّال المكرّرة فى مثل عَدد ومدَد. الخامس: الدال المدغمة فى مثل عدّ ومدّ. السّادس: دال العَجْز والضَّرورة كما يأْتى الأَلْكَنُ بالدّالات الزَّائدة فى أَثناءِ كلامه. السّابع: الدّال المشتقّ من الدّلالة. والدّلال تقول فى اسم الفاعل: دال دالاَّن. الثامن: الدّالُ الأَصلى فى نحو دبر وبدر وبرد. التَّاسع: الدّال المبدلة من التَّاءِ إِذا كان بعد جيم، نحو قوله تعالى: {وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} وقرئ فى الشاذِّ (يَجْدَبيك) وقال الشاعر: فقلت لصاحبى لا تَحْبسَنَّا ... بنَزْع أُصولِه واجدزّ شيحَا أَى اجتزَّ. العاشر: الدّال اللغوى. قال الخليل: الدّال عندهم: المرأَة السّمينة. قال الشاعر: مهفهفة حوراءُ عطبولة ... دال كأَن الهلال حاجبها

بصيرة فى الدب

بصيرة فى الدب الدّب والدّبيب: مَشْى خفيف على الهينَة. ويستعمل ذلك فى الحيوان وفى الحشرات أَكثر. وقد يقال: دَبّ الشَّرابُ فيه ودبّ السُّقْم فى الجسم ودَبَّ البِلا فى الثوب أَى سرى. ويقال: دبّت عقاربُه أَى سَرَتْ نمائمه وأَذاه. والدّابة: ما دبّ من الحيوان، وغلب على ما يُركب. ويقع على المذكَّر والمؤنَّث. وقوله تعالى: {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ} قال أَبو عبيدة: المراد الإِنسان خاصّة. والأَولى إِجرَاؤها على العموم. وقوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ} قيل عنى بها الأَشرار الذين هم فى الجهل بمنزلة الدّواب، فيكون الدّابّة جَمْعا لكلِّ شئ يدِبّ، نحو خائنة فى جمع خائن. وقيل: هى حيوان بخلاف ما نَعرفه يختصّ خروجه بقرب القيامة (أَو أَوَّلها) تخرج بتهامة. وقيل: تخرج بثلاثة أَمكنة ثلاث مَرّات. وقيل: تخرج من الصَّفَا، وقيل: من عند الحَجَر الأَسْود. وقوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدواب} عامٌّ فى جميع الحيوانات.

بصيرة فى الدبر

بصيرة فى الدبر الدُّبُرُ والدُّبْر: الظَّهر، قال الله تعالى: {وَيُوَلُّونَ الدبر} جعله للجماعة كقوله تعالى: {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} والجمع أَدبار. قال تعالى: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} أَى قُدّامهم وخَلْفهم. وقال {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار} أَى لا تنهزموا. والدُّبُر والدُّبْر أَيضا: خلاف القُبُل والقُبْل. ودُبُر الأَمر ودُبْره: آخره. قال الكُميْت: أَعهدَكَ من أولَى الشَّبيبَةِ تطْلُبُ ... على دُبُرٍ هيهات شَأْوٌ مُغَرِّبُ وأَدبار السّجود: أَواخر الصّلوات. وقرئ {وإِدبار النُّجوم} بالفتح والكسر، فالبكسر مصدر مجعول ظرفاً نحو مَقْدَم الحاجّ وخُفُوق النجم، وأَدبار بالفتح جمع. ويشتقّ منه تارة باعتبار دُبُر الفاعل كقولهم: دَبَر فلان، وأَمس الدابر {والليل إِذْ أَدْبَرَ} وباعتبار [دبر] المفعول، دَبَر السّهم الهَدَفَ أَى سقط خَلْفه، ودَبر فلان القوم: صار خلفهم. والدّابر يقال للمتأَخِّر والتَّابع إِمّا باعتبار المكان وإِمّا باعتبار الزَّمان أَو باعتبار المَرْتبة. وأَدبر: أَعرض

وولَّى دُبُره. قال تعالى: {ثُمَّ أَدْبَرَ واستكبر} قال صلَّى الله عليه وسلَّم "لا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إِخواناً" وقيل: لا يذكر أَحدكم صاحبه مِن خلفه. والاستدبار طلب دُبُر الشَّئ. وتدابر القوم إِذا ولَّى بعضهم عن بعض، والدِّبار: مصدر دابرته أَى عاديته مِن خلفه. والتَّدبير: التفكُّر فى دُبُر الأَمور. قوله تعالى: {فالمدبرات أَمْراً} يعنى: ملائكة موَكَّلة بتدبير أُمور. ودابِرُ كلِّ شئٍ: آخره. ويقال: قطع الله دابرهم، أَى آخر من بَقِىَ منهم. وقوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ القوم الذين ظَلَمُواْ} أَى استأصل الله شأْفتهم. ودابرهم: أَصلهم. ومثله قوله تعالى {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} أَى لا يُبقى منهم باقية. ومثلة قوله عزَّ وجلّ {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} أَى آخرهم. ودابِر الرّجل: عقبه. والدَّبار: الهلاك الذى يقطع دابرهم. ودَبَر اللَّيل: أَدبر، قال تعالى: {والليل إِذْ أَدْبَرَ} وهى قراءَة غير نافع وحمزة وحَفص ويعقوب وخَلَف. ودَبَر فلان القوم أَى كان آخرهم، ومنه قول عمر: ولكنَّنى كنت أَرجو أَن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حتَّى يَدْبُرنا. والدَّبُور. الرّيح الَّتى تقابل الصَّبا. ودُبِر كعنى: أَصابته ريحُ الدَّبور. وأَدبر: خلاف

بصيرة فى الدثر والدخر والدحض والدحر

أَقبل، قال تعالى: {ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} وأَدبر النهار: ولَّى، قال: {والليل إِذْ أَدْبَرَ} وهى قراءَة من تقدّم ذكره. والتدبّر: التفكُّر، يقال: تدبّرت الأَمر إِذا نظرت فى أَدباره. ومنه قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن} أَى أَفلا يتفكَّرون فيعتبروا، وقوله: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول} أَى أَفلم يتفهَّموا ما خوطبوا به فى القرآن. والدَّبْر: النَحْل والزنابير ونحوهما مما سلاحها فى أَدبارها. بصيرة فى الدثر والدخر والدحض والدحر قال الله تعالى: {ياأيها المدثر} أَى المتدثِّر، وهو المتلفِّف فى الدِّثار، وهو ما كان من الثياب فوق الشِّعار. يقال ادّثَّر الرجل يَدَّثَّرُ ادَّثُّراً أَى تَدَثَّر يتَدَثَّرُ تدثُّراً، فأدغمت التَّاءُ فى الدّال وشُدّدت أَى تلفَّف فى الدِّثَار. وتدثَّر الفحلُ النَّاقة: تسنَّمها، وَزَيْدٌ فَرسَه: وثب عَليه فركبه. وأَدْثَرَ مثل أَكرمَ: اقتنى دَثْراً من المال. ودَثَر الرّجُلُ: عَلته كَبْرَة واستِشنان. والسّيفُ: صدئ لبُعْد عهده بالصِّقال، والثوبُ: اتَّسخ. والدَّثْر: المال الكثير وهو دِثْر مال - بالكسر - أَى حَسَن القيام به. ويقال: مالٌ دَثْر ومالان دَثْر وأَموال دَثْرَ. ومنه قيل للمنزل الدّارس: داثر لذهاب أَعلامه.

والدَّحر: الإِبعاد والطَّرد. والدّحْض: الزَلِق، والفَحْص والبحث والزوال. و {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} : باطلة. ومكان دَحْض ودَحَض ودَحُوض: ذَلِق. والدَحْو: إِزالة الشَّئ عن مكانه ومَقَرّه {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} أَى أَزالها عن مقرّها. وهو من قولهم: دَحَا المطرُ الحَصَى عن وجه الأَرض أَى جَرَفها. ودَخِرَ يَدْخَر دَخَراً: صَغُر وذلَّ {وَهُمْ دَاخِرُونَ} صاغرون.

بصيرة فى الدخل

بصيرة فى الدخل الدّخول: نقيض الخروج. ويستعمل ذلك فى الزَّمان والمكان والأَعمال. قال تعالى: {ادخلوا هاذه القرية} . وقوله: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} فَمَدْخل من دخل، ومُدْخل من أَدخل. وقوله تعالى: {مُّدْخَلاً كَرِيماً} قرئ بالوجهين أَيضاً. فمن قرأَ (مَدْخلاً) بالفتح فكأَنه إِشارة إِلى أَنَّهم يَقصدونه ولم يكونوا كمن ذكرهم فى قوله تعالى: {الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ} ومَنْ قرأَ بالضَّمّ فكقوله: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ} وادَّخل: اجتهد فى دخوله، قال تعالى: {أَوْ مُدَّخَلاً} والدّخَل: كناية عن الفساد والعداوة المستبطَنة، وعن الدّعوة فى النَسَب. يقال: دَخِل دَخَلاً، قال تعالى: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً} أَى: مكرا وخديعة وغِشّاً وخيانَةً. والدّخْل - بسكون الخاءِ - العيب والرِّيبة. قالت عَثْمَة بن مطرود: ترى الفتيان كالنخْل ... وما يدريك بالدخْل

بصيرة فى الدر

يُضْرب فى ذى منظر لا خير عنده. ويقال دُخل فلان فهو مدخول كناية عن بلهٍ فى عقله، وفساد فى أَصله. وقوله تعالى: {فادخلي فِي عِبَادِي} تدخل كلّ نَفْس فى البدن الذى خرجت منه. وقوله تعالى: {ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ} أَى هى مثل الدّخان إِشارة إِلى أَنه لا تماسك لها. بصيرة فى الدر وهو فى الأَصل تولُّد شئ من شئٍ، ويدل على اضطراب فى شئ أَيضاً. قال تعالى: {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} وأَصله من الدَّرّ والدِّرة أَى اللَّبن. ويستعار ذلك للمطر استعارة أَسماء البعير وأَوصافه. يقال في المدح: لله دَرّه: أَى عمله، ولله دَرّك من رجل، وفى الذمّ: لا دَرَّ دَرُّهُ، قال المتنخِّل: لا دَرَّ دَرّىَ إِن أَطعمتُ نازلكم ... قِرف الحَتىِّ وعندى الْبُرّمكنوزُ

بصيرة فى الدرج

بصيرة فى الدرج الدَّرَجة نحوُ المنزلة، لكن يقال للمنزلة، دَرَجة إِذا اعتُبرتْ بالصّعود دون الامتداد على البسيطة كدرجة السّطح والسُّلَّم. ويعبّر بها عن المنزلة الرّفيعة. قال تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} تنبيهاً لرفعة منزلة الرجال عليهنّ فى العقل والسّياسة ونحوِ ذلك من المشار إِليه بقوله تعالى: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء} وقال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ الله} أَى ذَوُو درجاتٍ. ودرجات النجوم تشبيهاً بما تقدّم وهى ثلاثمائة وستون درجة لأَنهم قسّموا الفلك ثلاثمائة وستِّين قسماً، ووزعوه على اثنى عشر بُرجاً، كلّ بُرْجٍ ثلاثون درجة، كل درجة ستون دقيقة، كل دقيقة ستُّون ثانيةً، كلَّ ثانية ستُّون ثالثة، [و] هكذا إِلى العاشرة. ولا يجئُ فى الحساب أَكثر من هذا. والفعل من هذه المادة درج يدرج دُرُوجاً فهو دارج أَى صعد. والإِدراج: لفّ شئ فى شئ يقال أُدرج فلان فى أَكفانه. ودَرَّجهُ فى الأَمر تدريجاً أَى جَرّه إِليه قليلاً قليلاً. واستدرج الله المرء: جَرُّه قليلاً قليلاً إِلى العذاب. قال تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} كلما جدّدوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة وأَنسيناهم شكر النِّعمة واستغفار الذَّنب.

والدّرجات وردت فى القرآن على وجوه: الأَوّل: درجة الرّجال على النِّساء بما ذكرنا {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} . والثَّانى: درجة المجاهدين على القاعدين {وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} . والثَّالث: درجة الصّحابة بالسّبق والصّحبة {أولائك أَعْظَمُ دَرَجَةً} . الرّابع: درجة أَصناف الخَلْق بعضِهم على بعض بزيادة الطَّاعة ونقصانها. {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} . الخامس: درجات خواصّ العباد {هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ الله} . السّادس: درجات العلماء والمروءَة {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} . السّابع: منازل المطيعين وزيادة درجاتهم فى الجنَّة {فأولائك لَهُمُ الدرجات العلى} . الثامن بمعنى: رافع درجات المطيعين على تفاوت أَحوالهم {رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش} .

بصيرة فى الدرس والدرك

بصيرة فى الدرس والدرك الدّرس: دَرَسَ الشئ معناه بقى أَثره. ومنه دَرَس الكتاب ودرست العلم أَى تناولْت أَثره بالحفظ. ولمَّا كان تناول ذلك بمداومة القرآن عُبِّر عن إِدامة القرآن بالدّرس. وقوله تعالى: {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} أَى: جاريت أَهل الكتاب فى القراءَة. وقيل: {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} تَركوا العمل به، من قولهم: درس القومُ المكان أَى أَبلَوْا أَثره، ودرسَتِ المرأَة كناية عن حاضت. ودرس البعيرُ: صار فيه أَثَرُ الجرب. والدّرَك: اسم فى مقابلة الدَّرَج بمعنى: أَنَّ الدّرج مراتب اعتباراً بالصّعود، والدّرك مراتب اعتباراً بالهبوط. ولهذا عبّروا عن منازل الجنِّة بالدّرجات، وعن منازل جهنَّم بالدّركات. وكذلك بتصوّر الحُدُور فى النَّار سمّيت هاوية. والدَّرْك أَقصى قَعْرِ البحر. ويقال للحَبْل الَّذى (يوصل به حبل آخر) ليدرِك الماءَ: دَرَكٌ، ولِمَا يلحق الإِنسان من تَبعة: دَرَك كالَّذى فى البيع. قال تعالى: {لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى} . وأَدرك:

بلغ عِلمُه أَقصى الشئ. ومنه المدرِكات الخمس والمدارك الخمس يعنى الحواسّ كالسّمع والبصر والشمّ والذّوق واللَّمس. وأَدرك الصّبىُّ: بلغ أَقصى غاية الصبا وذلك حين البلوغ. والتدارك: إِدراك الغائب، والاستدراك: إِصلاح الخطأ، قال: تداركنى من عَثْرة الدّهر قاسمٌ ... بما شاءَ من معروفِهِ المتدارك وقال تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} منهم من حمل ذلك على البصر الَّّذى هو الجارحة، ومنهم من حمله على البصيرة منبّها على قول الصّديق: يا من غايةُ معرفته القصور عن معرفته، إِذ كان غاية معرفته تعالى أَن تعرف الأَشياءَ فتعلم أَنَّه ليس بشيءٍ منه ولا بمثله بل هو موجِد كلّ ما أَدركته. والتدارك فى الإِغاثة والنِّعمة أَكثر. وقوله تعالى: {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً} أَى لحِق كلٌّ بالآخر. وقال: {بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ} أَى تدارك، فأُدغمت الدّال فى التَّاءِ وتُوصِّل إِلى السّكون بأَلف الوصل. وقرئ {بَلْ أَدْرَكَ علمهم} قال الحسن: معناه جهلوا أَمر الآخرة، وحقيقته: انتهى علمهم فى لحوق الآخرة فجهلوها. وقيل: معناه بل يُدْرِكُ علمُهم ذلك فى الآخرة، أَى إِذا حصلوا فى الآخرة؛ لأَنَّ ما يكون ظنونا فى الدّنيا فهو فى الآخرة يقين. وقد ورد الإِدراك فى القرآن على وجوه. كقوله تعالى لموسى عليه السّلام

{لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى} {قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} وبلوغ فرعون الغرق {حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق} وبمعنى منازل أَهل النَّار {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} وبمعنى أَنَّ الكفَّار كانوا فى تشارك الشَّكِّ ولم يكن لعلمهم رسوخ بتحقُّق القيامة {بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الآخرة} وبمعنى أَنَّهم فى دخول النَّار يلحق آخرهم أَولَهم {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً} وبمعنى أَنَّ الأَفهام والأَوهام والأَبصار والبصائر لا تطَّلع على حقيقة الذَّات المقدّسة، تعالى عن ذلك.

بصيرة فى الدرى والدرء

بصيرة فى الدرى والدرء يقال دَرَيته ودَرَيت به أَدرِى دَرْياً ودَرْية ودِرْيا ودِرْية ودَرَياناً ودُرِيّاً كحُلِىّ أَى علِمته. وقيل: علمته بضربٍ من الحيلة، وادّريت بمعناه. قال الشاعر: وماذا تدَّرِى الشعراءُ منِّى ... وقد جاوزتُ حَدّ الأَربعينِ وأَدْرَاه به: أَعلمه. ودَرَى الصيدَ دَرْياً: ختَله وكذا تدرَّاه وادَّرَاه. ودَرَى رأْسه: حَكَّه بالمِدْرَى. وكلّ موضع فى القرآن (وما أَدراكَ) فقد عُقِّب ببيانه؛ نحو قوله تعالى: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} ، وكل موضع ذكر بلفظ (وما يدريك) لم يعقَّب ببيانه، نحو قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} والدّراية لا يستعمل فى حق الله تعالى. وأَمّا قول الشاعر: لاهُمّ لا أَدرى وأَنت الدارى فمِن تعجرف أَجلاف العرب. والدرْءُ بالهمز: الدفع إِلى أَحد الجانبين، يقال: قوّمت درأَه؛ ودرأْت عنه دَرْءًا ودَرْأَةً: دفعت عن جانبيه، ورجل ذوتُدرأ تُدْرَأَةٍ: ذو عزٍّ ومَنَعة

قوى على دفع أَعدائه. ودارأته: دافعته ولاينته. وفى حديث: "ادرءُوا الحدود بالشُّبهات" وفيه تنبيه على تطلب حيلةٍ يُدفع بها الحدّ. وقوله تعالى: {فادارأتم فِيهَا} هو تفاعلتم، فأَدغم التاء فى الدّال واجتلب أَلف الوصل كما تقدّم فى ادَّارك. وقال بعض العلماءِ: ادّارأْتم: افتعلتم. وهو غلط من أَوجه: الأَوّل: أَنَّ ادّرأَتم على ثمانية أَحرف وافتعلتم على سبعة أَحرف. الثَّانى: أَن الَّذى يلى أَلف الوصل تاءٌ فَجَعَلها دالاً. الثالث: أَنَّ الذى يلى التاءَ دالٌ فجعلها تاء. الرّابع: أَن الفعل الصّحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إِلاَّ متحرّكا وقد جعله ههنا ساكناً. الخامس: أَنَّ ههنا قد دخل بين التاءِ والدّال زائد وفى افتعلت لا يدخل ذلك. السادس: أَنَّه أَنزل الأَلف منزلة العين وليست بعين. السّابع: أَن افتعل قبل تائه حرفان وبعده حرفان، وادّارأْتم بعد التاءِ ثلاثة أَحرف.

بصيرة فى الدس والدسر والدسى

بصيرة فى الدس والدسر والدسى الدّسُّ: إِدخال شئ فى شئ بضرب من الإِكراه فى إِخفاء. يقال: دسسته فدُسَّ. قال تعالى: {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب} . والدّسْر الدّفع الشَّديد، تقول: دَسَرت المسمار أَدسُره دَسْراً، وهو أَن تُدخله فى الشئ بقوّة. والدّسار: المسمار، والجمع دُسُرٌ ودُسْرٌ مثال ظُفُر وظُفْر، وقيل الدُّسُر: خيوط تُشَدُّ بها أَلواح السّفينة. وبكليهما فُسّر قوله تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} وقيل: الدَسْر: خَرْز السفينة، وقيل: هى السّفن بعينها تَدْسُر الماء. والدَّسراءُ أَيضاً: السّفينة. والدّوْسَر: الأَسَد الصُّلب الموثَّق، الخَلْق قال: عَبْلَ الذراعين شديدُ دَوْسُرِ وقوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} أَى دَسَّسَهَا فأَبدل من إِحدى السّينين ياء؛ نحو تظنَّيت وأَصله تظنَّنت. والدّعُّ: الدّفع الشديد قال تعالى: {فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم} .

بصيرة فى الدعاء والدفع والدفق

بصيرة فى الدعاء والدفع والدفق الدّعاء: الرّغبة إِلى الله تعالى. وقد دعا يدعو دُعاء ودَعْوَى، والدعاءُ كالنداءِ أَيضاً. لكن النداءُ قد يقال إِذا قيل يَا وَأَيَا ونحو ذلك من غير أَن يُضمّ إِليه الاسم، والدّعاءُ لا يكاد يقال إِلاَّ إِذا كان معه الاسم نحو يا فلان، وقد يستعمل كلُّ واحد منهما موضع الآخر. ويستعمل أَيضاً استعمال التَّسمية نحو: دعوت ابنى زيداً، أَى سمّيته. قال الله تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} حثَّا على تعظيمه صلى الله عليه وسلَّم. وذلك مخاطبة لمن يقول: يا محمد. ودعوته: إِذا سأَلته، وإِذا استغثته. قال الله تعالى: {أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} تنبيهاً أَنَّكم إِذا أَصابتكم شدّة لم تفزَعُوا إِلاَّ إِليه. وقوله: {وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً} وهو أَن يقول: يا لهفاهْ واحسرتاهْ ونحو ذلك من أَلفاظ التَّأَسف. والمعنى: يحصل لكم غموم كثيرة. وقوله تعالى: {ادع لَنَا رَبَّكَ} أَى سَلْه. والدعاءُ إِلى الشئ: الحثُّ على قصدهِ. وقوله {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدنيا وَلاَ فِي الآخرة} أَى رفعة وتنويه. {ولهم الدَّعْوَة على غيرهم} أَى يُبدأَ بهم فى الدّعاءِ. و (تداعَوْا عليهم تجمّعوا) . والداعية: صريخ الخيل فى الحروب. ودعاه اللهُ بمكروه: أَنزله به. وادّعى كذا زعم أَنَّه له، حقّاً كان أَو باطلاً.

والاسم الدَّعوة والدَّعاوة والدِّعوة والدِّعاوة. والدَّعوة الْحِلْف، والدّعاء إِلى الطَّعام ويضمّ كالمَدْعاة. والدَّعوى: الادّعاءِ. قال {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ} والدّعوى أَيضاً الدّعاء كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلاً} أَى ما تطلبون. والدّعاءُ يَرِدُ فى القرآن على وجوه: الأَوّل: بمعنى القول: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} أَى قولهم. الثانى: بمعنى العبادة {قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا} أَى أَنعبدُ. {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} أَى يعبد، وله نظائر. الثالث: بمعنى النِّدَاء {وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعآء} أَى النِّداءَ {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ} أَى نادى {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} أَى بندائك. الرّابع: بمعنى الاستعانة والاستغاثة {وادعوا شُهَدَآءَكُم} أَى استعينوا بهم {وادعوا مَنِ استطعتم} أَى استعينوا بهم. الخامس: بمعنى الاستعلام والاستفهام {قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا} أَى استفهم. السّادس: بمعنى العذاب والعقوبة {تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وتولى} أَى تُعذّب.

السّابع: بمعنى العَرْض {وياقوم مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة} أَى أَعرضها عليكم {وتَدْعُونَنى إِلى النَّارِ} أَى تعرضونها علىَّ النارَ. الثامن: دعوة نوحٍ قومه {إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} . التَّاسع: دعوة خاتم الأَنبياءِ لكافَّة الْخَلْقِ {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة} . العاشر: دعوة الخليل للطيور {ثُمَّ ادعهن يَأْتِينَكَ سَعْياً} . الحادى عشر: دعاءُ إِسرافيل بنفخ الصّور يوم النشور لساكنى القبور {يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ} . الثانى عشر: دعاء الخَلْق ربَّهم تعالى {ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ} . قال الشاعر: وصبراً فى مجال الموت صبراً ... فما نيلُ الخلود بمستطاع سبيل ُ الموت مَنْهَجُ كل حىّ ... وداعيه لأَهل الأَرض داع وممّا ورد فى القرآن أَيضاً من وجوه ذلك دعوة إِبليس {إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير} {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار} ودعوة الهادين من الأَئمّة الأَعلام {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}

بصيرة فى الدفع والدفق والدفء والدك

ودعوة إسرافيل {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأرض} ودعوة الكَفَرة الضَّالِّين {وَمَا دُعَآءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} ودعوة الحق تعالى إِلى الجنَّةِ ذات الظِّلال {والله يدعوا إلى دَارِ السلام} {والله يدعوا إِلَى الجنة} {فَاطِرِ السماوات والأرض يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ} . بصيرة فى الدفع والدفق والدفء والدك الدّفع إِذا عدّى بإِلى اقتضى معنى الإِنالة كقوله تعالى: {فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وإِذا عُدِّى بعن اقتَضى معنى الحماية، قال تعالى: {إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الذين آمنوا} وقال تعالى: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ. مِّنَ الله} أَى حامٍ. والدُّفَّاع كرمّان: طَحْمة السّيل والموجِ والشئُ العظيم يُدفع به مثله. واندفع فى الحديث: أَفاض، والفرسُ: أَسرع فى سيره. وتدافعوا فى الحرب: دفع بعضُهم بعضاً. واستدفع اللهَ الأَسْواءَ: طلب منه أَن يدفعها عنه.

والدّفق الصبّ، دَفَق الماءَ يدفُقه، وَيَدْفِقه: صبّه فهو ماء دافق أَى مدفوق؛ لأَنّ دفق متعدّ عند الجمهور. ودفق الله رُوحه وأَدْفقه: أَماته. والدِّفء -بالكسر - والدّفَأ - بالتحريك - نقيض حِدّة الْبَرْدِ، والجمع أَدْفاء، وقد دفِئ ودفُؤ وتدفَّأَ واستدفأَ وادَّفأَه: أَلبسه ما يُدفِئه. قال تعالى: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} وهو اسم لما يُدْفِئ. والدِّفءْ أَيضاً: نِتَاج الإِبل وأَوبارُها والانتفاعُ بها، وما أَدْفأَ من الأَصواف والأَوبار. والدّك: الأَرض الليِّنة والسّهلة. والدَّك. الدَقّ والهَدْم وما استوى من الرّمل. وقوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} أَى دُقَّت حتى جُعِلت بمنزلة الأَرض اللَّينة.

بصيرة فى الدل والدلو والدلك والدم والدمر

بصيرة فى الدل والدلو والدلك والدم والدمر الدَّلُّ كالهْدى وهما من السّكينة والوقار وحسْنِ المنظر. والدّلالة مثلثة. والدّال والدُّلُولة: ما يُتوصل به إِلى معرفة الشَّئِ كدلالة الأَلفاظ على المعانى ولادلة الرُّموز والإِشارات والكتابة والعُقُود فى الحساب، وسواء كان ذلك بقصد ممّن يجعله دلالة أَولم يكن. كمن يرى إِنسان فيعلم أَنَّه حَىّ، قال تعالى: {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ} والدّالُّ والدَّلِيلُ: مَن حصلت منه الدّلالة، ثمَّ يسمّى الدّال والدّليل دلالة كتسمية الشَّئ بمصدره. والدّلو يذكَّر ويؤنَّث والجمع أَدْلٍ ودِلاَء ودُلِىُّ ودِلِىُّ ودَلًى كَعَلَى. ودلَوت الدّلو: (أَرسلتها فى البئر، وأَدْليتها أَخرجتها) قال تعالى: {فأدلى دَلْوَهُ} واستعير للتوصّل إِلى الشئِ، قال الشاعر:

وليس الرّزقُ عن طلب حَثِيثٍ ... ولكنْ أَلْقِ دَلوك فى الدّلاءِ وأَدلى فلان برحِمِه: توسّل، وبحجّته: أَحضرها، وإِليه بماله: دفعه، ومنه قوله تعالى: {وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام} . وتدلَّى: دنا وقرب، ومن الشجر: تعلَّق. ودُلُوك الشَّمس: غروبها، وقيل: ميلها للغروب، وقيل: اصفرارها، وقيل: زوالها عن كَبِد السّماءِ. والدّمّ: الطَحْن والإِهلاك، دَمَّ القوم ودمدمهم: طَحَنهم وأَهلكهم. والدمْدمة أَيضاً: حكاية صوت الهَدّة. والتَّدمير: إِدخال الهلاك على الشَّئِ، قال تعالى: {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً} وقوله تعالى: {دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} مفعول دمّر محذوف.

بصيرة فى الدمع والدمغ والدنو والدهر

بصيرة فى الدمع والدمغ والدنو والدهر الدّمْع ماءُ العين من حُزن أَو سرور. والجمعُ دموع وأَدْمُع. والدَّمعة: الْقَطْرة منه. ودَمَعت العينُ ودَمِعَتْ كمنع وفَرِحَ دَمْعاً ودَمَعَاناً. والدّمغْ: الهَشْمُ والشَّج. وقوله: {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ} أَى يهشمه ويكسر دماغه. وشجّة دامِغة كذلك. والدّمُ أَصله دَمَىٌ وجمعه دِمَاء ودُمِىّ. وتثنيته دَمَان ودَمَيان. والقطعة منه دَمَة. وقيل: الدّمة لغة فى الدّم. ويشدّ ميم الدّم لغة فيه. وقد دَمِىَ كرضى وأَدميته. والدّينار فارسى معرب أَصله (دين آر) أَى الشَّريعةُ جاءَت به. الدُّنُوّ والدَّنَاوة: القُرْب، دنا وأَدْنى: قرب، ودنَّاه تَدْنِية وأَدناه: قرّبه. واستدناه: طلب منه الدُّنوَّ، ويستعمل فى المكان والزَّمان والمنزلة، قال تعالى: {مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} وقال: {دَنَا فتدلى} هذا بالحكم. ويعبّر بالأَدنى

تارة عن الأَصغر ويقابل بالأَكبر؛ نحو {وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ} وتارة عن الأَرذل ويقابل بالخير، نحو قوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ} وعن الأُولى فيقابل بالآخرة نحو قوله تعالى: {خَسِرَ الدنيا والأخرة} وتارة عن الأَقرب فيقابل بالأَقصى، نحو قوله تعالى: {إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدنيا وَهُم بالعدوة القصوى} والدّنيا قد ينّون وجمعه دُنًى نحو الكبرى والكُبَر. وقوله تعالى: {ذلك أدنى أَن يَأْتُواْ بالشهادة} أَى أَقرب لنفوسهم أَن تتحرّى العدالة فى إِقامة الشهادة. قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. فِي الدنيا والآخرة} متناول للأَحوال الَّتى فى النَّشأَة الأُولى وما يكون فى النشأَة الآخرة.

بصيرة فى الدهر

بصيرة فى الدهر الدّهر: الزَّمان، قاله شمر وأَنشد: إِن دهرا يلُفُّ شَمْلِى بجُمْل ... لزمان يَهُمّ بالإِحسان وقيل: الدّهر الأَبَد لا ينقطع. قال الأَزهرى: الدّهر يقعِ عند العرب على بعض الدّهر الأَطول، ويقع على مُدّة الدّنيا كلِّها، وقيل: الدّهر مدّة [الدنيا] كلَّها من ابتدائها إِلى انقضائها. وقال آخرون: بل دَهْر كلِّ قوم زمانهم، قال الله تعالى: {وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر} . وقول النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "لا تسبوا الدّهر فإِن الدّهر هو الله" وروى "فإِنَّ الله هو الدّهر" قِيل: الدّهر اسم من أَسماءِ الله تعالى. وقال الزَّمخشرى: الدّهر هو الزَّمان الطَّويل، وكانوا يعتقدون فيه أَنَّه الطَّارق بالنَّوائب، ولذلك اشتَقُّثوا من اسمه دَهَر فلاناً خَصْبٌ إِذا دهاه، وما زالوا يَشْكونه ويذُمُّونه، قال حُريثُ بن جَبَلة وقيل أَبو عُيينة المهلبى: هو الرَّمْسُ تعفوه الأَعاصير ... والدّهر أَيَّتَمَا حالٍ دهادير

أَى دواهٍ وخطوب مختلِفة. وهو بمنزلة عباديد فى أَنَّه لم يستعمل واحدُه. وقال رجل من كلب: لَحَى الله دهرا شرُّه قبل خيره ... تقاضى فلم يُحسن إِلينا التقاضيا وقال يحيى بن زياد: عَذِيرىَ من دهر كأَنى وتَرْته ... رهين بحبل الوُدّ أن يتقطَّعا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذمّ الدّهر، وبيّن لهم أَنَّ الطَّوارق الَّتى تنزِل بهم مُنْزلها الله عَزَّ سلطانه دون غيره، وأَنَّهم متى اعتقدوا فى الدّهر أَنَّه هو المُنْزِل ثمَّ ذمّوه كان مرجع المذمّة إِلى العزيز الحكيم، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً. والَّذى يُحقِّق هذا الموضع ويَفصل بين الرّوايتين هو قوله "فإِنَّ الدّهر هو الله" حقِيقتُه: فإِن جالبَ الحوادث هو الله لا غيره، فوضع الدّهر موضع جالب الحوادث، كما تقول: إِن أَبا حنيفة أَبو يوسف، تريد أَنَّ النهاية فى الفقه هو أَبو يوسف لا غيره، فيضع أَبا حنيفة موضع ذلك لشهرته بالتناهى فى فقهه، كما شُهِر عندهم الدهر بجَلْب الحوادث. ومعنى الرّواية الثانية: إِنَّ الله هو الدّهر، فإِنَّ الله هو الجالب للحوادث. لا غيره الجالب، ردّا لاعتقادهم أَنَّ الله ليس مِن جَلْبها فى شئ وأَنَّ جالبها هو الدّهر، كما لو قلت إِنَّ أَبا يوسف أَبو حنيفة كان المعنى أَنَّه النِّهاية فى الفقه لا المتقاصر. "هو" فصل أَو مبتدأُ خبره اسم الله أَو الدّهر فى الرّوايتين.

وقال بعضهم: الدّهر الثانى فى الحديث غير الأَوّل وإِنما هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه أَنَّ الله هو الداهر أَى المصرِّف المدبّر المُفِيض لما يَحْدُث. وقال الأَزهرى فى قول جَرِير: أَنا الدّهر يَفْنى الموتُ والدّهر خالد ... فجئنى بمثل الدّهر شيئاً يطاوله جعل الدّهر الدّنيا والآخرة لأَنَّ الموت يَفنى بعد انقضاءَ الدّنيا. وقال تعالى: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر} وقد يستعار الدّهر للعادة الباقية مدّة الحياة، فقيل: ما دهرى بكذا. والدّهر أَيضاً الغَلَبة.

بصيرة فى الدهق والدهم والدهن

بصيرة فى الدهق والدهم والدهن دَهَق الكاس يَدْهَقها: مَلأَهَا. ودَهَق الماءَ: أَفرغه إِفراغاً شديداً، فهو من الأَضداد. والدِّهاق - ككتاب - الممتلئ، قال الله تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} والدِّهَاق أَيضاً: الكثير يقال: ماء دِهاقٌ. والدّهمة - بالضمّ -: سواد اللَّيل. ويعبّر بها عن سواد الفَرَس، وعن الخُضرة التامّة اللون، كما يعبّر عن الدّهمة بالخُضرة إِذا لم تكن تامّة اللَّون، وذلك لتقاربهما فى اللون، قال تعالى: {مُدْهَآمَّتَانِ} وبناؤهما من الفعل مُفْعالٌّ، وقد ادهامّ ادهِيماماً. والدُّهن معروف والجمع أَدْهان ودِهَان. والطَّائفة منه دُهْنة. قال تعالى: {تَنبُتُ بالدهن} أَي ملتبسة به. وقوله تعالى: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} قيل: هو الأَديم الأَحمر، وقيل هو دُرْدِىّ الزَّيت. والإِدهان فى الأَصل مثل التَّدهِين لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجدّ كما جعل التقريد - وهو نزع القُرَاد عن البعير - عبارة عن ذلك، قال تعالى: {أفبهاذا الحديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} . والإِدهان أَيضاً والمداهنة بمعنًى وهو إِظهار خلاف ما تضمر.

بصيرة فى الدأب والدور والدول

بصيرة فى الدأب والدور والدول الدَأْب والدّأَب: الشَّأن والعادة والسَّوق الشَّديد والطَّرْد. قال الله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} وَدَأَبَ فى عمله - كمنع - دأْباً ودَأَباً ودُءُوبا جَدَّ وتعِب. وأَدْأَبه الدّائبان: الليل والنَّهار. والدّار مؤنَّثة وإِنَّما قال الله تعالى {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} وذكَّر على معنى المَثْوى والمنزل، كما قال تعالى: {نِعْمَ الثواب وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} فأَنَّث على المعنى. وأَدنى العدد أَدؤر، والهمزة مبدلة من واو مضمومة، ولك أَن تقول: أدْوُر بالواو. وجمع الكثير ديار ودُور كجبال وأُسْد. ويجمع أَيضاً على آدُر مقلوب أَدُورٍ وعلى دُوران وديران وأَدْوِرة. وقوله: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قال مجاهد أَى مصيرهم فى الآخرة. وقال غيره: مدينة مصر. ثم سمّيت كلُّ مَحَلَّة اجتمعت فيها قبيلة دارا وتسمّى البلدة داراً والصُّقْع داراً والدنيا كما هى داراً. والدّار الدّنيا والدّار الآخرة إِشارة إِلى المَقَرَّين

فى النَّشأَة الأُولى وفى النَّشأة الآخرة. قال الله تعالى {لَهُمْ دَارُ السلام عِندَ رَبِّهِمْ} أَى الجنَّة، و {دَارَ البوار} أَى الجحيم. والدَّورة والدّائرة فى المكروه كما يقال الدّولة فى المحبوب، قال تعالى: {نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} أَى حادثة قاله ابن عرفة. وقال الأَزهرى: معنى الدّائرة الدّولة تدور لأَعداءِ المسلمين عليهم. وقوله تعالى: {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} أَى يحيط بهم السُّوء إِحاطة الدائرة بمن فيها فلا سبيل إِلى الانفكاك عنها بوجه. وقوله: {تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} أَى تتداولونها وتتعاطونها من غير تأْجيل. وقوله تعالى: {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر} أَى الموت والقتل. والدّولة والدُّولة واحدة. وقيل: بالضمّ فى المال، وبالفتح فى الحرب والجاه. وقيل: الدُّولة بالضمّ اسم الشئ الَّذى يُتداوَل بعينه، والدولة المصدر، قال تعالى: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ} . وتداول القومُ كذا أَى تناولوه من حيث الدّولة. وداول اللهُ بينهم، قال تعالى: {وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس} . والدّوام: السّكون فى الأَصل. دام يدوم ويَدَام دَوْماً وَدَوَاماً وَدَيْمُومَةً، ودِمْتَ تدُومُ نادرة، وأَدامَه واستدامَه: تأَنَّى فيه، أَو طلب دوامه. والدّوْم والدَّيُّوم: الدّائم.

بصيرة فى الدون والدين

بصيرة فى الدون والدين يقال للقاصر عن الشئ: دُون. وقال بعضهم: هو مقلوب من الدنوّ. والأَدون الدّنئ. وقوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} أَى ممّن لم تبلغ منزلتُه منزلتكم فى الدّيانة، وقيل فى القرابة. وقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ} أَى ما كان أَقلَّ من ذلك. وقيل: ما سوى ذلك. والمعنيان يتلازمان. وقوله تعالى: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلاهين مِن دُونِ الله} أَى غير الله، وقيل: معناه إِلهين متوسَّلاً بهما إِلى الله. وقوله: {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ} أَى ليس لهم من يُواليهم من دون الله. وقد يُغْرَى بلفظ دون فيقال: دونك كذا أَى تناوله. وقال بعض أَئمة اللغة: دون نقيض فوق، ويكون ظرفاً، وبمعنى أَمَامَ ووراءَ وفوق، وبمعنى الشريف والخسيس، وبمعنى الأَمر وبمعنى الوعيد. وقال بعضهم: الدُون: الحقير الخسيس، وقد دان وأُدِين. أَمّا الدِّين فيقال للطَّاعة والجزاء واستعير للشريعة. والدّين كالملة لكنه يقال اعتباراً بالطَّاعة والانقياد للشريعة.

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً} أَى طاعة وقوله {لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} حَثّ على اتِّباع دين النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم الَّذى هو أَوسط الأَديان وخيرها، كما قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} . وقوله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} قيل يعنى فى الطَّاعة، فإِنَّ ذلك لا يكون فى الحقيقة إِلاَّ بالإِخلاص، والإِخلاصُ لا يتأَتَّى فيه الإِكراه. وقيل إِنَّ ذلك مختصّ بأَهل الكتاب الباذلين للجزية. وقوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ} يعنى الإِسلام كقوله {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} . وقوله {فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أَى غير مَجْزيِين. وقال بعضهم: الدِّين: الجزاءُ، دِنتُه دَيْناً ودِيناً، والإِسلام [وفد] دِنتُ به، والعادة، قال: تقول إِذا دَرَأتُ لها وضِينى ... أَهذا دينُه أَبداً ودينى والطاعة كالدينة فيهما بالهاءِ، والذّلّ، والداءُ، والحساب، والقهر والغلبة، والسّلطان والحكم، والتَّوحيد، واسم لجميع ما يُتعبّد اللهّ به، والمِلَّة، والوَرَع، والمعصية، والإِكراه، ومن الأَمطار: ما تعاهد موضعاً فصار ذلك له عادة.

وفى الحديث "إن الدّين يسرٌ" وفيه "إِنَّ دين الله الحنيفية السّمحة" وقال "إِنَّ الدّين متين فأَوْغِل فيه برفق" ومن كلام العلماءِ كُلْ من كَدّ يمينيك. ولا تأْكل بدِينك وقال الشاعر: عجبتُ لمبتاع الضَّلالة بالهدى ... وللمشترى دنياه بالدّين أَعجب وأَعجبُ من هذين مَن باع دينه ... بدنياه سواه فهْو من ذين أَخيب والدّين ورد فى القرآن بمعنى التَّوحيد والشهادة {إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام} {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ} أَى التوحيد وله نظائر، وبمعنى الحساب والمناقشة {مالك يَوْمِ الدين} {الذين يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدين} {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدين} أَى الحساب وله نظائر أَيضاً، وبمعنى حكم الشريعة {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} أَى فى حكمه، وبمعنى الإِيالة والسّياسة {فِي دِينِ الملك} أَى فى سياسته، وبمعنى المِلَّة {وَذَلِكَ دِينُ القيمة} أَى الملَّة المستقيمة، وبمعنى الإِسلام {هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق} .

الباب العاشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الذال

الباب العاشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الذال بصيرة فى الذال وهى ترد على أوجه: الأول: حرف من حروف التهجِّى، (لِثويّة) مخرجها من أُصول الأَسنان قرب مخرج الثّاءِ، يجوز تذكيره وتأنيثه. وفعله من الأَجوف الواوىِّ، تقول: ذَوَّلت ذالاً حسنة. وجمعهُ أَذوالٌ وذَالات. الثانى: فى حساب الجُمّل عبارة عن سبعمائة. الثالث: الذَّال الكافية الَّتى تقتصر عليها من جملة الكلمة؛ كقول الشَّاعر: ونحن على العَلاَّت بالعزِّ ننتمى ... وقومُك ساروا بالهَوان وبالذَّالِ أَى بالذُّلّ.

الرابع: الذال المكرَّرة نحو عذَّرَ، وعذَّبَ. الخامس: الذَّال المدغمة مثل حذَّ، وقذَّ. السَّادس: ذال العجز والضَّرورة، فإنَّ بعض النَّاس ينطق بها فى صيغة الزَّاى، وبعضهم يعكس فينطق بالزَّاى فى صيغة الذَّال. السَّابع: ذال أَصل الكلمة: نحو ذَمَرَ، ومرذ، ورذم. الثامن: الذَّال المبدلة من الثَّاءِ، نحو: تلعثم فى كلامه، وتلعذم. التَّاسع: [الذال] اللُّغوى، قال الخليل: الذال: عُرْف الدِّيك، [قال] : به برصٌ يلوح بحاجبَيْهِ ... كذالِ الديك يأتلق ائتلاقا

بصيرة فى الذب

بصيرة فى الذب وهو الدَّفع والمنع. وذَبَّ: اختلف فلم يستقم فى مكان، ومنه الذُّباب، وهو يقع على المعروف من الحشرات الطَّائرة، وعلى النَّحْل والزنابير ونحوهما، قال: فهذا أَوان العِرْض حَىٌّ ذُبَابه ... زنابيره والأَزرق المتلمِّس ويروى طَنَّ ذبابه. والعِرْض: وادٍ باليمامة. والمتلمِّس: لقب جرير بن عبد المسيح، لُقّب بهذا البيت. وقوله تعالى: {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً} هو الذباب المعروف. وذباب العين: إِنسانها، سمّى به لتصوّره بهيئته، أَو لطيران شُعاعه طيرانَ الذباب. وذباب السيف: طرَفه أَو حدّه / تشبيها به في إيذائه. وذبّ جسمُه: هُزل فصار كذُباب. والذبذبة: تردّد الشىءِ المتعلِّق في الهواءِ، وقِيل: حكاية صوت حركته، ثم استعير لكلِّ اضطراب وحركة. رجل مذبذِب ومذَبْذَب: متردِّد بين أمرين، قال تعالى: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك} أَي مضطربين مائلين تارة إلى المؤمنين وتارة إِلى الكافرين.

بصيرة فى الذبح والذخر والذر

بصيرة فى الذبح والذخر والذر ذَبَحَه ذبْحًا وذُبَاحًا: شقَّ حَلْقه وفتقه. وذبحه: نَحَرَه. وذبحه: خَنقه. وقوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} على التَّكْثِيرِ، أى يُذبَّحُ بعضُهم إِثر بعض. والذَّبيح: المذبوح، وما يصلح أَن يذبح للنِّسك. واذَّبَح على افتعل: اتَّخذ ذبيحاً. والذِّبْح - بالكسر -: ما يُذْبح. والذُخْر: مصدر ذخرته إِذا أَعددتَهُ للعُقبى. وكذا ادَّخرته، قال تعالى: {وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} . والمذاخِر: الجَوف، قال: فلمّا سَقَيْناها العَكِيسَ تملأتْ ... مَذَاخِرُها وامتدّ رَشْحًا وَرِيدُها والذَرّ، جمع ذَرَّة: وهى أَصغر النَّمل، كلُّ مائة منها زِنة شَعيرة، قال اللهُ تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} أَى لا يظلم أَبداً.

بصيرة فى الذرع والذرء والذرية

بصيرة فى الذرع والذرء والذرية (الذراع) : ذراع اليد، ويذكَّر ويؤنث، والجمع أَذرع وذُرْعان. وذَرَع الثوبَ: قاسه بها. وضاق به ذَرْعُك مثل قولهم: ضاقت به يدك. وذَرَع عنده: شَفَع. والذَّرْءُ: إظهار الله ما أَبدأَه، يقال: ذَرَأَ الله الخَلْق أَى أَوجد أَشخاصهم، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً} أَى خلقنا. الذُرْأَة بالضمّ: الشيب، وقيل: أَوّل بياضه فى مقدّم الرّأْس. وذَرَأَ الشَّىءَ: كثَّره. قيل: ومنه الذُّرِّيّة مثلثة الذَّال، وهو اسم لنسل الثَّقَلين. وقيل: أَصلها الصّغار أَى الأَولاد، وإن كان يقع على الصِّغار والكبار معًا فى التعاريف، ويستعمل للواحد والجمع، وأَصله الجمع، قال اللهُ تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} .

وفيها ثلاثة أَقوال، أَحدها: من ذرأَ بالهمزة كما تقدَّم فتُرِك همزهُ نحو بَرِيَّة. وقيل: أَصله ذُرُّوبَة، وقيل: هى فُعْليّة من الذَّر نحو قُمْرِيَّة. وقال أَبو القاسم البَلْخىّ فى قوله تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} من قولهم ذَرَّيت الحنطة، ولم يعتبر أَنَّ الأَوَّل مهموز.

بصيرة فى الذكر

بصيرة فى الذكر قال الله تعالى: {ص والقرآن ذِي الذكر} أَى ذُكر فيه قصص الأَوّلين والآخرين. وقيل: ذى الشَّرف. وقوله تعالى: {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أى شرفكم وما تُذكرونَ به. وكذلك كقوله عزَّ وجلَّ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} أى بما فيه شرفُهم. والذِّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن الإِنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إِلاَّ أَنَّ الحفظ يقال اعتبارًا بإِحرازه، والذِّكرُ يقال اعتباراً باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشىءِ القلب أَو القولَ، ولِهذَا قيل: الذِّكر ذِكران: ذكر بالقلب وذكر باللسان، وكلُّ واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان، بل [عن] إِدامة الحفْظ. وكلُّ قول يقال له ذِكْر. فمن الذِّكْرِ باللِّسان قوله: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا} أَى القرآن، وقوله: {فاسئلوا أَهْلَ الذكر} أَى الكتبِ المتقدّمة. وقوله: {قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً} فقد قيل: الذِّكْرُ هنا وصف للنبىِّ صلىَّ اللهُ عليه وسلَّم، كما أَنَّ الكلمة وصف لعيسى عليه السّلام من

حيث إنَّه بشِّر به فى الكتب المتقدِّمة، فيكون قولُهُ (رَسُولاً) بدلاً منه. وقيل: (رسولاً) منتصب بقوله (ذكرًا) ، كأَنَّه قيل: قد أَنزلنا كتابًا ذاكرًا ورسولاً يتلو. ومن الذكر عن النِّسيان قوله تعالى: {وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ} . ومن / الذِّكر بالقول واللِّسان قوله: {فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ} وقوله: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر} أَى من بعد الكتاب المتقدّم. وقوله: {لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} أَى موجودًا بذاته وإِن كان موجودًا في علم الله. وقوله تعالى: {أَوَلاَ يَذْكُرُ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} أَى أَوَلا يذكر الجاحد للبعث أَوَّل خلقه، فيستدِلّّ بذلك على إِعادته؟! وقوله: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} أَى ذكر الله لعبده أَكبر من ذكر العبد له، وذلك حَثٌّ على الإِكثار من ذِكره. وقيل: إِن ذكر الله إِذا ذكره العبدُ خير للعبد من ذكر العبد للعبد. وقيل: معناه أَنَّ ذكر الله ينهى عن الفحشاءِ والمنكر أَكثرَ ممَّا تَنْهَى الصلاة. وقوله تعالى: {أهاذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} يريد: يَعيب آلهتكم. كذلك قوله: {فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ

لَهُ إِبْرَاهِيمُ} من قولك للرّجل: لئن ذكرتنى لتندمنَّ، وأَنت تريد: بسوءٍ، فيجوز ذلك، قال عنترة بن شدَّاد يخاطب امرأَته: لاتذكرى فَرَسى وما أَطعمتُه ... فيكونَ جِلْدُك مثلَ جِلْد الأَجرب أَى لا تعيبى مُهْرى، فجعل الذكر عيباً. وأَنكر أَبو الهيثم أَن يكون الذكر عيبًا، وقال فى قول عنترة: "لا تذكرى فرسى": لا تولَعى بذكره وذكر إِيثارى إِيّاه على عيالى باللَّبن. وقوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} معناهُ: ذكر ربك عبده برحمته. وقوله تعالى: {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} أَى تذكُّرًا. وقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الأولين} أَى لو جاءَنا ذكر كما جاءَ غيرنا من الأَوّلين. وقوله تعالى: {خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ واذكروا مَا فِيهِ} أَى ادرُسوا ما فيه. وقوله: {واذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ} أَى احفظوها ولا تضيِّعوا شُكرها، كما يقول العربىُّ لصاحبه: اذكر حَقىِّ عليك، أى احفظه ولا تضيّعه.

وتقول: ذكرته ذِكْرَى غير مجراة. وقوله تعالى: {وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} الذِّكرى اسم أُقيم مُقام التذكير، كما تقول: اتَّقيت تَقْوى، ومنه قوله تعالى: {وذكرى لأُوْلِي الألباب} أَى وعبرة لهم. وقوله عزَّ وجلَّ: {ذِكْرَى الدار} أَي يُذكَّرُون بالدار الآخرة ويزَهَّدون في الدنيا. ويجوز أَن يكون المعنى: يكثرون ذكر الآخرة. وقوله تعالى: {فأنى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} يقول: فكيف لهم إِذا جاءَتهم السَّاعةُ بذكراهم. وقوله تعالى: {يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى} أَى يَتُوب ومن أَين له التَّوبة. والتذكِرة: ما يُتذَكَّرُ به الشىءُ، وهو أَعمّ من الدَّلالة والأَمارة. وقوله: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى} قيل معناه: تعيد ذكره، وقيل: تجعلها ذَكَرًا فى الحكم. وقال بعض العلماءِ فى الفرق بين قوله تعالى: {فاذكروني أَذْكُرْكُمْ} وبين {اذكروا نِعْمَتِيَ} أَنَّ قوله (اذكرونى) مخاطبة أَصحاب النبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الَّذين حصل لهم فضلُ قوَّة بمعرفته تعالى، فأَمرهم بأَن يذكروه من غير واسطة، وقوله {اذكروا

نِعْمَتِيَ} مخاطبة لبنى إِسرائيل الَّذين لم يعرفوا الله إِلا بالآية، فأَمرهم أَن يتصوّروا نعمته فيتوَصَّلوا بها إِلى معرفته تعالى. والتذكير: الوعظ، قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ} ، وفى الحديث: "إنَّ القرآن ذَكَرٌ فذكِّرُوه"، أَى جليل نَبيه خطير فأَجِلُّوه، واعرفوا له ذلك وصِفُوه به. قالوا: رجل ذَكَرٌ للشهم الماضى فى الأُمور. وقال بعضهم: ذَكر اللهُ الذِّكر فى القرآن على عشرين وجهًا: الأَوّل: ذِكْر اللِّسان {فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ} . الثانى: ذِكْر / بالقلب {ذَكَرُواْ الله فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ} . الثَّالث: بمعنى الوعظ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين} {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى} . الرّابع: بمعنى التوراة {فاسئلوا أَهْلَ الذكر} . الخامس: بمعنى القرآن {وهاذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ} . السّادس: بمعنى اللَّوح المحفوظ {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر} .

السَّابع: بمعنى رسالة الرّسول {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أَى رسالة. الثَّامن: بمعنى العِبْرة {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً} أَى العِبَر. التَّاسع: بمعنى الخَبَر {هاذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} . العاشر: بمعنى الرّسول {قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً} . الحادى عشر: بمعنى الشَّرف {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} أَى شرف. الثانى عشر: بمعنى التَّوبة {ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} . الثالث عشر: بمعنى الصَّلوات الخمس {فاذكروا الله كَمَا عَلَّمَكُم} . الرابع عشر: بمعنى صلاة العصر خاصّة {أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِّي} . الخامس عشر: بمعنى صلاة الجمعة {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} . السّادس عشر: بمعنى العُذْر من التَّقصير {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة فاذكروا الله} .

السَّابع عشر: بمعنى الشَّفاعة {اذكرني عِندَ رَبِّكَ} . الثامن عشر: بمعنى التَّوحيد {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ} . التَّاسع عشر: بمعنى ذكر المنَّة {اذكر نِعْمَتِي عَلَيْكَ} ، {اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} . العشرون: بمعنى الطَّاعة والخِدمة {فاذكروني أَذْكُرْكُمْ} أَى اذكرونى بالطَّاعة أَذكركم بالجنَّة. والذَّكَرُ: خلاف الأُنثى، وجمعه ذكور وذُكْرَان، قال تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى} أَى ومَنْ خلق، وقال: {خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى} أَى آدم وحَوَّاء. وقال: {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور} وقال: {خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى} . وقال بمعنى التَّوأَمين {فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى} . وبمعنى مَرْيم البتُول: {وَلَيْسَ الذكر كالأنثى} .

وقال تعالى: {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى} وقال: {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} وقال: {قُلْءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين} وقال {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} وقال: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى} .

بصيرة فى الذكو والذل والذم

بصيرة فى الذكو والذل والذم ذَكَتِ النَّارُ تذكُو ذُكُوًّا وَذَكًا وذَكَاءً - بالمدّ عن الزَّمخشرى - واستَذكت: اشتدَّ لَهَبُهَا، وهى ذكيَّةٌ. وذكَّاها وأَذكاها: أَوقدها. والذَكْوة والذَكْيَة: ما ذَكَّاهَا به. وذُكاءُ - غيرَ مصروفة -: الشمس. وابن ذُكاءَ - بالمدِّ - الصُّبح. الذُّلُّ والذِّلَّة والذُّلالة والمذَلَّةُ: ضدُّ العِزِّ، ذلَّ يذِلّ فهو ذَليل، والجمع أَذِلاَّءُ، وذِلال، وذُلاَّن. وقيل: الذُّلُّ - بالضمِّ -: ما كان عن قهر، والذِّلَّ - بالكسر: ما كان بعد تصعُّب وشِماس من غير قهر، يقال: ذلَّ يذلُّ ذِلاًّ فهو ذَلُول، والجمع ذُلُل وأَذِلَّة. وقوله تعالى: {واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة} أَى لِنْ كالمقهور لهما، وقرىء (جَنَاح الذِّلِّ) بالكسر، والمعنى: لِنْ وانْقَدْ لهما. ويقال: الذُّلَ والقُلُّ، والذِّلة والقِلَّة. والذُّلُّ: ما كان من جهة الإِنسان نفسه

لنفسه [فمحمود] {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} . وقوله تعالى: {فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} أَى منقادَةً غير مُستصْعِبة. وقوله: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا} أَى سُهِّلَتْ. وقيل: الأُمور تجرى على أَذلالها أَى على مسالكها وطُرقِهَا. والذَّمّ: ضد المدحِ. ذَمَّه ذَمًّا / ومَذَمَّة فهو مذموم وذَميم وَذَمٌّ، وذِمٌّ. وأَذمّهُ: وجده ذميما. والذِّمام والمَذَمَّة: الحقُّ والحُرْمة، والجمع أَذِمًّة. والذمَّةُ: العهد والكَفَالة كالَذِمامة والذِّمِّ.

بصيرة فى الذنب

بصيرة فى الذنب الذَّنب في الأَصل: الأَخْذ بالذَنَب. يقال: ذَنبته أَى أَصبْتُ ذَنَبه. ويستعمل فى كل فعل يُستوخَم عقباه اعتباراً بذّنَبه. ولهذا سُمِّى الذَنْب تَبعة اعتبارًا بما يحصل من عاقبته. والذَّنوب: الفرس الطَّويل الذَنَبِ، والدَّلو الَّذى له ذَنب. واستعير للنصيب كما استعير له السَّجْلُ، قال: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً} ، وقال تعالى: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} أَى بكفره. وقال: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ} أَى بعَقْرهم النَّاقة، وقال - تعالى - {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} ، وقال: {فاعترفوا بِذَنبِهِمْ} {فاعترفنا بِذُنُوبِنَا} ، وقال: {واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وقال {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} : وقال، {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ

المجرمون} وقال: {ياأبانا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَآ} وقال: {وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله} ، وقال: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} وقال: أَذنبتُ كلَّ ذُنوب لستُ أُنكرها ... وقد رجوتك يا ذا المنّ تغفرُها أَرجوك تغفرها فى الحشر يا سندى ... إِذ كنتَ يا أَملى فى الأَرض تسترُها

بصيرة فى الذهب

بصيرة فى الذهب وهذه الكلمة فى القرآن - على سبيل الإِجمال - على نوعين. إِمَّا بمعنى الذَّهب الذى هو قرين الفضَّة {فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} . {والقناطير المقنطرة مِنَ الذهب والفضة} . وإِمَّا بمعنى المُضِى، ويرد فى القرآن على عشرين وجهًا. فى حقِّ المنافقين: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} {وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} . وقال {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ، وقال {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} . {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} {ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى} {يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُواْ} . {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} {اذهب إلى فِرْعَوْنَ} {اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ} . {فاذهب أَنتَ

وَرَبُّكَ} {وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي} {إِنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي} {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} {اذهبوا بِقَمِيصِي هاذا} {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع} {لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ} أَى لتفوزوا بشىءٍ من المهر أَو غير ذلك ممَّا أَعطيتموهنَّ. والذهاب يستعمل فى الأَعيان وفى المعانى كما تراه فى الآيات المذكورة.

بصيرة فى الذوق

بصيرة فى الذوق ذاقَه ذَوْقًا وذَوَقًا وَمَذَاقًا: اختبر طعمه. وأصله فيما يقلّ تناوله دون ما يكثر؛ فإِن ما يكثر من ذلك يقال له الأَكل. واختير فى القرآن لفظ الذَّوق للعذاب لأَنَّ ذلك وإِن كان فى التعارف للقليل فهو مستصلَح للكثير، فخصَّه بالذِّكْر لِيُعلم الأَمرين. وكثر استعماله فى العذاب، وقد جاءَ فى الرّحمة نحو: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا} . ويعبَّر به عن الاختبار، يقال: أَذقته كذا فذاق، ويقال: فلان ذاق كذا وأَنا أَكلته، أَى خَبَرته أَكثر ممّا خبره. وقوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف} فاستعمال الذَّوق مع اللِّباس من أَجْل / أَنه أُريد به التجربة والاختبار، أَى جعلها بحيث تمارس الجوع، وقيل: إِنَّ ذلك على تقدير كلامين كأَنَّه قيل أَذاقها الجوعَ والخوف وأَلبسها لباسهما. وقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} استُعمل فى الرَّحمة الإِذاقة وفى مقابلتها الإِصابة فى قوله {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} تنبيهاً على أَنَّ الإِنسان بأَدنى ما يعطَى من النعمة يبطَر ويأشَر.

وقال بعض مشايخنا: الذَّوق: مباشرة الحاسّة الظَّاهرة أَو الباطنة، ولا يختصّ ذلك بحاسة الفم فى لغة القرآن، بل ولا فى لغة العرب، قال: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} ، وقال تعالى: {هاذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ، وقال: {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} . فتأَمَّلْ كيف جمع الذَّوق واللِّباس حتىََّ يدلَّ على مباشرة الذوق وإِحاطته وشموله، فأَفاد الإِخبارُ عن إِذاقته أَنَّه واقع مباشر غير منتظر؛ فإنَّ الخوف قد يُتوقَّع ولا يباشر، وأَفاد الإِخبارُ عن لباسه أَنَّه محيطٌ شامل كاللِّباس للبدن. وفى الصحيح عن النَّبى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ذاقَ طعم الإِيمان مَن رَضِىَ باللهِ ربًّا وبالإِسلام دينًا وبمحمّد رسولاً" فأَخبر أَنَّ للإِيمان طعمًا، وأَنَّ القلب يذوقه كما يذوق الفم طعمَ الطَّعام والشَّراب. وقد عبّر النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن إِدراك حقيقة الإِيمان والإِحسان وحصوله للقلب ومباشرته له بالذَّوق تارة، وبالطعامِ والشراب تارةً، وبوِجدان الحلاوة تارة، كما قال: ذاق طعم الإِيمان ... "الحديث"، وقال: "ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإِيمان". والذَّوق عند العارفين: منزل من منازل السّاليكن أَثبتُ وأَرسخ من منزلة الوَجْد عندهم. وسيأتى الكلام فيه فى فنِّ علم التصوّف إِن شاءَ الله.

بصيرة فى ذو وذا

بصيرة فى ذو وذا ذا إِشارة إِلى المذكر، نقول: ذا وذاك، ويزاد لامًا فيقالُ: ذلك، أَو همزًا فيقال ذائك، وتصغَّر فيقال: ذيَّاك وذيَّالِك. وقد تدخل ها التنبيه على ذا فيقال: هذا (وتقول في المؤَنث ذاة وفى التثنية ذواتاً وفى الجمع ذوات. وذاتَ بينِكم أَى حقيقة وصلِكم، وقيل: ذاتُ البيْنِ: الحالُ الَّتى يُجمع بها المسلمون) . وذُوا على وجهين: أَحدهما ما يتوصّل به الوصف بأَسماء الأَجناس والأَنواع، ويضاف إِلى الظَّاهر دون المضمر، ويثنَّى ويجمع. والثَّانى لغة طيّىءٍ يستعملونها استعمال (الَّذى) ، ويجعل الرَّفع والنَّصب والجرّ والجمع والتأنيث على لفظ واحد، نحو قوله: وبئرى ذو حَفَرْتُ وذو طويت أَى التى حفرت وأَمَّا ذا فى (هذا) فإشارة إِلى شىءٍ محسوس أو معقول. ويقال فى

المؤَنث ذِه وذى وتا، [وقد تدخل ها التنبيه] فيقال: هذه وهذا وهاتا. ولا يثنّى منهن إِلا هاتا، فيقال: هاتان. ويقال بإِزاء هذا فى المستبعد بالشِّخص أَو بالمنزلة: ذاك وذلك، قال تعالى: {الم ذَلِكَ الكتاب} . وقولهم: [ماذا] يستعمل على وجهين، أَحدهما: أَن يكون [ما] مع (ذا) بمنزلة اسم واحد. والآخر: أَن يكون [ذا] بمنزلة الَّذى. فالأَوّل نحو قولهم: عمّا ذا تسأَل؟ فلم يحذف الأَلف منه لمَّا لم يكن (ما) بنفسه للاستفهام، بل كان مع (ذا) اسما/ واحداً، وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} فإِنَّ من قرأَ (قل العَفْوَ) بالنصب جعل الاسمين اسما واحدا، كَأَنَّه قال: أَىَّ شىءِ ينفقون؟ ومن قرأ الرّفع فإِنَّه يمنزلة الَّذى، وما للاستفهام، أَى ما الَّذى ينفقون؟

بصيرة فى الذود والذئب

بصيرة فى الذود والذئب الذَّوْد: الطَّرد والدّفع، ذاده عن كذا ذَوْدًا وذِيادًا. قال الله تعالى: {امرأتين تَذُودَانِ} . والذَوْدُ إِلى الذَوْدِ إِبِلُ. الذُوْد من الإِبل إِلى العشرة. والذِّئب: الحيوان المعروف وهو كلب البرّ، والجمع أَذْؤب وذئاب وذُؤْبان، والأُنْثى ذئبة. وأَرض مَذْأَبة: كثيرة الذِّئاب. ورجل مذؤُوب: قد وقع الذِّئب فى غنمه. قال تعالى: {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب} . وذّؤُب الرّجل وذَئِب ككرُم وفرح: خَبُث وصار كالذِّئب. وذَأَبه: جمعه، وخوّفه، وساقه، وحَقره، وطَرَده، وسوَّاه. واستَذْأب النَّقَد، مثل للذُلاَّن إِذا عَلَوْا. آخر حلف الذَّال ولله الحمد.

الباب الحادى عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الراء

الباب الحادى عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الراء

بصيرة فى الرب

بصيرة فى الرب وهو اسم الله تعالى. وقد يخفَّف. والاسم الرِّبَابَة، والرُّبُوبيَّة. وعِلْم رَبُوبىٌّ: نسبة إِلى الرّبِّ تعالى على غير قياس. ولا ورَبِيك لا أَفعل، أَى ولا وربك، أَبدل الباءَ ياءً للتّضعيف. ورَبِّ كلِّ شىءٍ: مالكه ومستحقُّه وصاحبه، والجمع: أَرباب ورُبُوب. والرَّبّانِىُّ: المتأَلِّه العارف بالله عزَّ وجلَّ، والحَبْر، منسوب إِلى الرَّبَّان، وفَعْلان يُبنى من فَعِل كثيرًا كعطشان وسكران، ومِن فَعَل قليلا كنعْسان، أَو منسوب إِلى الربِّ تعالى فهو كقولهم: إِلَهىّ، ونونُه كنون لِحْيانىٍّ، أَو هو لفظة سريانيّة. وأَصل الرّبِّ، التَّربية: وهى إِنشاءُ شىءٍ حالا فحالاً إِلى حدِّ التمام، يقال: رَبَّه وربّاه وربّبه، فالربُّ مصدر مستعار للفاعل. ولا يقال الربّ مطلقاً إِلا للهِ تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات، قال تعالى: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} . وقوله: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَاباً} أَى آلهة، وتزعمون أنها البارى تعالى مسبِّب الأَسباب والمتولىِّ لمصالح العباد. وبالإِضافة يقال لله تعالى ولغيره: نحو ربّ العالمين، وربِّ الدَّار.

وقوله: {إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} قيل: إِنه عنى به الله تعالى، وقيل: عنى به المَلِك الذى ربّاه، والأَول أَليق بقوله. ويجمع على أَرباب، وكان من حقه ألاَّ يُجمع إِذ كان إِطلاقه لا يتناول إِلاَّ الله تعالى، لكن أُتى بلفظ الجمع فى قوله: {أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ} على حسب اعتقادتهم، لا على ما عليه ذاتُ الشىءِ في نفسه. والرَّبَاب سُمِّى بذلك لأَنَّه يَرُبُّ النبات. وبهذا النظر سُمّى المطر دَرًّا. ورُبَّ لاستقلال الشىءِ، ولاستكثاره، ضدّ. قال تعالى: {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ} . وفيها لغات: رُبَّ / ورَبَّ ورُبَّت ورَبَّت - ويخفِّف الكلَّ - ورُبُ ورُبْ كمُذْ، ورُبَّمَا، ورَبَّمَا، ورُبَّتما، ويخفِّف الكلُّ. وهى حرف خافض لا تقع إِلاَّ على نكرة.

بصيرة فى الريح والربص والربط

بصيرة فى الريح والربص والربط وهو الزِّيادة الحاصلة فى المبايعة، ثم يتجوّز به فى كلِّ ما يعود من ثمرة عمل. وينسب الربح إِلى صاحب السّلعة تارة، وتارة إِلى السِّلعة نفسها نحو قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} والرِّبْح - بالكسر - والرَّبَح - بفتحتين - والرَّباحُ - كسحاب - اسم ما ربحه. والرَّبْص: الانتظار بالشَّىءِ، سلعة كانت يَقصد بها غَلاءً أَوْ رُخْصًا، أَو أَمرًا ينتظر زواله أَو حصولَه، خيرًا كان أَو شرًّا. ورَبَص به رَبْصًا: انتظر به كتربَّص. قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين} . وربط الفرسَ: شدّه فى مكان للحفظ. ومنه (رابط الجأش) وسُمِّى المكان الذى يُخصّ بإِقامة حَفَظَة [فيه] ربَطًا. والمرابطة: المحافظة. وهى ضربان: مرابطة فى ثغور المسلمين

، ومرابطة النَّفس فإِنها كمن أٌقيم في ثغر وفُوّض إِليه مراعاته فيحتاج أَن يراعيه غير مخلٍّ به، وذلك كالمجاهدة، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "من الرّباط انتظار الصَّلاة بعد الصّلاة". وقوله تعالى: {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} إِشارة إِلى نحو قوله: {هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين} .

بصيرة فى ربع وربو

بصيرة فى ربع وربو أَربعة وأَربعون ورُبُع ورُبَاع كلُّه من أَصل واحد. ورَبَعْتُ القومَ أَرْبَعُهم: كُنْتُ لهم رابعًا. وَرَبَع وَتَره: فتله من أَربع طاقات، والإِبلُ: وردت الرِّبْع، والرَّجلُ: وقف، وتحبَّس، وانتظر، وأَخصب، والحجرَ: أشالَه، وأَخذ رُبُع الغنيمة، وعليهِ الحُمَّى: أَخذته يومًا بعد يومين، وقد رُبع كعُنى فهو مربوع، والحِمْلَ: رفعه على الدَّابة. والمِرْبع والمِرْبَعة: العصا. والمَرْبع: المنزل. والرَّبْع: الدَّار بعينها. والرَّبيع: رابع الفُصُولُ الأَربعة. ورَبَع فلان وارتبع: أَقام في الرّبيع. ثم تجوّز به في كلِّ إِقامة، [وإِن كان ذلك] في الأَصل [مُختصاً بالربيع] . والرُّبَع والرِّبعىّ: ما نُتج فى الربيع، و [جمع الرُبَع] الرِّباع. والرَبَاعِيتان سُمِّيَتا لكون أَربع أَسنان بينهما.

والرَّبوة والرباوة - مثلَّثتى الرّاءِ - والرَّابية والرباة: ما ارتفع من الأَرض، قال تعالى: {وَآوَيْنَاهُمَآ إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} ، قيل: هى الرّبوة المعروفة بدمشق. وقوله تعالى: {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً} أَى شديدة قويَّة. وربا فلان: حصل فى ربوة. وسمّيت الرّبوة رابية كأَنها رَبَتْ بنفسها. ومنه ربَا إِذا زاد وعلا، قال تعالى: {اهتزت وَرَبَتْ} أَى زادت زيادة المُتربىَّ. وأَربى عليه: أَشرف عليه. ورَبَّيت الولدَ فربا، من هذا، وقيل: أَصله من المضاعف فقلب تخفيفاً نحو تظنَّيت وتظننت. والرّبا: زيادة على رأس المال، لكن خُصَّ فى الشريعة بالزيادة على وجه دون وجه. وباعتبار الزيادة قال: {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ الله} . ونبَّه بقوله: {يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات} أنَّ الزِّيادة المعقولة المعبَّر عنها بالبركة مرتفِعة عن / الربا. ولذلك قال فى مقابلته: {وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولائك هُمُ المضعفون} .

بصيرة فى الرتع والرتق والرتل

بصيرة فى الرتع والرتق والرتل الرَّتعة والرَّتَعة: الاتِّساع فى الخصب. ورَتعَ يَرْتَع رَتْعًا ورُتوعاً، ورِتاعًا أَكل بشرهٍ، أَو أَكل وشرب رَغَدًا فى الرّيف. وإِبلٌ رِتَاع ورُتَّع ورُتوع ورُتُع. أَصل ذلك فى البهائم، وقد يستعار للإِنسان إِذا أُريد به الأَكل الكثير: قال تعالى، عن إِخوة يوسف، {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} . والرَّتْق: الضمُّ والالتحام، خِلْقة كان أَو صَنْعة، قال تعالى: {كَانَتَا رَتْقاً} أَى منضمَّتين. وامرأَة رَتْقَاءُ: بيّنة الرَّتَق، وهى التى لا يُستطَاع جِماعُها، وقيل: الَّتى لا خَرْق لها إلاَّ المبال، وقيل: المنضمَّة الشُّفْرين. وفلان راتِق فاتِقٌ فى كذا أَىْ هو عاقِد حالٌّ. والرَّتَل: اتِّساق الشىءِ وانتظامه على استقامة. يقال: رجل رتِل الأَسنان، وهو حُسْن تناسقها وبياضُها وكثرة مائها. والرَّتَل والرَّتِل: الطَّيِّب من كلِّ شىءٍ. ورتَّل الكلام ترتيلا: أَحسن تأليفه. وترتَّل فيه: ترَّسل.

بصيرة فى الرج والرجز والرجس

بصيرة فى الرج والرجز والرجس الرَّجّ: تحريك الشىءِ وإِزعاجه. رَجَّه فارْتجَّ. قال تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً} . والرّجرجة: الاضطراب. وكتيبة رَجْراجة، وجارية رجراجة. وارتجَّ كلامُه: اضطرب. والرجز أَصله الاضطراب، ومنه قولهم: رَجِز البعيرُ يَرْجَز رَجَزا فهو أَرْجز، [وناقة] رجزاءُ: إِذا تقارب خَطْوه واضطرب لِضعفٍ فيه. وشُبِّه الرَجَز به فى الشعر لتقارب [أَجزائه] وتصوّر رَجَزٍ فى اللسان عند إِنشاده، ويقال لنحوه من الشعر: أُرجوزة وأَرَاجيز. ورَجَز فلان وارتجزَ: إِذا عمل ذلك، أَو أَنشده. وهو راجز ورَجَّاز. وقوله تعالى: {عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} فالرِّجز ههنا كالزَّلزلة. وقوله: {والرجز فاهجر} قيل: هو صَنم، وقيل: هو كناية عن الذَّنب فسمّاه بالمآل كتسمية النَّدَى شحمًا. وقوله: {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان}

الشيطان، هنا عبارة عن الشُّهوة، فإِن كلَّ قوَّة ذميمة تسمى شيطاناً. وقيل: بل أَرَاد برجْز الشيطان ما يدعو إِليه من الكفر والبهتان والفساد. والرِّجس: الشىءُ القَذِر. يقال: رجل رِجْسٌ، ورجال أَرجاس. وهو على أَربعة أَوجه: إِمَّا من حيث الطَّبع، وإِمّا من جهة العقل، وإِمّا من جهة الشرع، وإِمّا من كلِّ ذلك، كالمَيتة فإِنَّها تُعاف طبعًا وعقلاً وشرعاً. والرّجس من جهة الشرع: الخمر والمَيْسِرِ، وقيل: إِنَّ ذلك رِجْسٌ من جهة العقل، وعلى ذلك نبَّه بقوله {وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} لأَنَّ كلَّ ما يزيد إِثمُه على نفعه فالعقل يقتضى اجتنابَه. وجعل الكافرين رجساً من حيث إِنَّ الشرك أَقبح الأَشياء. وقوله تعالى: {وَيَجْعَلُ الرجس عَلَى الذين لاَ يَعْقِلُونَ} ، قيل: الرّجس: النَتْن، وقيل: العذاب، وذلك كقوله: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} .

وقوله: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وذلك من حيث الشرع. والله أَعلم. وقوله تعالى: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ} أَى عذاب. وقوله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ} أَى نِفاقًا إِلى نِفاقهم. وقوله: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} ، الرّجس بمعنى الصَنم. قال الشاعر: الغَدْرُ فى الشِيمة رِجْسٌ نِجْسُ ... وإِنما الغادر جِبْسٌ نِكْسُ فلا تمبلنَّ إِليه النفس ... فإِنما ذلك خُلْق بَخْسُ

بصيرة فى الرجع

بصيرة فى الرجع وهو الإِعادة، والرَجْعةُ المرَّة منه. والرَِّجعة - بالفتح والكسر - فى الطَّلاق، وفى العَود إِلى الدُّنيا بعد الممات، يقال: فلان يؤمن بالرَِّجعة. والرّجوعُ: العود إِلى ما كان منه البدءُ، أَو تقديرُ الْبَدْءِ، مكانًا كان أَو فعلاً أَو قولاً، وبذاته كان رجوعه، أَو بجزءٍ من أَجزائه، أَو بفعل من أَفعاله، وقد رجع يرجع رُجوعًا ومَرْجِعًا ورُجْعَى: عاد. ورَجَعَهُ رَجْعًا وأَرجعه: أَعاده. قال: تذكَّرت أَيَّامًا لنا ولياليًا ... مضت فجرت من ذكرهنَّ دموعُ أَلا هل لها يومًا من الدَّهر أَوْبةٌ ... وهل لى إِلى أَرض الحبيب رُجوع وهل بعد تفريق النِّدام تواصلٌ ... وهل لنجوم قد أَفَلْن طُلوع ووردت هذه المادّة فى القرآن على عشرة أَوجه: الأَوّل: بمعنى المطر {والسمآء ذَاتِ الرجع} أَى المطر. الثَّانى: بمعنى الردّ {رَبِّ ارجعون} أَى رُدُّونى، {فارجع البصر} أَى رُدَّه. الثالث: بمعنى العود {لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس} أَى أَعود، {لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة} أَى عُدْنَا. ونظائرهما كثيرة.

الرَّابع: بمعنى رجعة الطَّلاق {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ} . الخامس: بمعنى الموت {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ، {إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} . السَّادس: بمعنى الرّجوع إِلى الدُّنيا بعد الموت {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} أَى لا يُرَدُّون إِلى الدُّنيا فإِنا حرّمنا عليهم أَن يتوبوا ويرجعوا عن الذَّنب، تنبيها أَنَّه لا توبة بعد الموت. السَّابع: بمعنى الإِقبال على الشىءِ {فرجعوا إلى أَنفُسِهِمْ} أَى أَقبلوا عليها. الثَّامن: بمعنى التوبة {وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أَى يتوبون. التَّاسع: بمعنى مصير الخَلْق إِلى الله تعالى، ومصير أمُور العالَم إِلى كلمته تعالى {إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ} {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} . العاشر: رجوع إِخْوة يوسف إِليه {إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} {ارجعوا إلى أَبِيكُمْ} . وقوله تعالى: {بِمَ يَرْجِعُ المرسلون} من الرّجوع أَو من رَجْع الجواب. وقوله: {فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} من رَجْع الجواب لا غير.

بصيرة فى الرجف والرجل

بصيرة فى الرجف والرجل رَجَف لازمٌ ومتعدٍّ، رَجَف رَجْفًا ورجَفَانًا ورُجُوفاً: تحرَّك. ورَجَفَهُ رَجْفًا: حَرّكه. وَرَجَفَت الأَرْضُ وأَرْجَفتْ: زُلزلت. و {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة تَتْبَعُهَا الرادفة} ، فالراجفة: النفخة الأُولى - والرَّادفة: النفخة الثانية. والرَّجَّاف: يومُ القيامة، والبحر لاضطرابه. والإِرجاف: إيقاع الرَّجْفة إِمَّا بالفعل وإِما بالقول. وأَرْجف القومُ: خاضوا فى الأَخبار السَّيِّئة من أَمر الفِتَن ونحوها. والرَّجُل: مختص بالذَّكَرِ من النَّاس، ويقالُ: الرَّجُلَة للمرأَة إِذا كانت متشبِّهةً بالرّجل فى بعض أَحوالها، و [هو] بَيِّنُ الرُّجولة والرَّجولية والرُّجْلة والرَّجُليّة والرُّجوليَّة. وقوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} فالأَوْلَى به / الرُّجوليّة والجلادة. وقيل: لا يُسمَّى الإِنسان رجلاً إِلاَّ إِذا احتلم وشَبَّ، وقيل: يسمّى رجلا ساعة تلدُهُ أُمّه. تصغيره: رُجَيلٌ ورُوَيجِلٌ، وجمعه: رِجَال ورجالات، ورَجْلَة، ومَرْجَلٌ، وأَراجِل. وهو أَرجَل الرَّجُلين: أَشدَّهما. وورد الرّجل فى القرآن على وجوه:

الأَول: بمعنى الشخص {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} أَى لشخص من البشر. الثانى: بمعنى ابن مسعود الثَقَفى: {على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} . الثالث: بمعنى النبىِّ صلىَّ اللهُ عليه وسلَّمَ: {إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} ، {هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} . الرَّابع: بمعنى حزبيل مذكِّر قوم فرعون: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} . الخامس: بمعنى رجلين من بنى إِسرائيل مؤمن وكافر، يهودا وفُطروس: {واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا} . السَّادس: بمعنى يُوشَعَ بن نُون وكالِب بن يُوفِنا من قرابة موسى الكلِيم {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ} .

السّابع: بمعنى حَبيبٍ النَّجار: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى} . الثامن: بمعنى حزبيل مخبر موسى من مكر فرعون: {وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى المدينة يسعى} . التَّاسع: بمعنى الصَّنم: {مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} . العاشر: بمعنى المؤمن والكافر: {ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} يعنى المؤمن والكافر. والرِّجْل - بالكسر -: العضو المخصوص بأَكثر الحيوان. واشتق من الرِّجْل، راجِلٌ، ورَجُلٌ، ورَجِيلٌ، ورَجْلٌ، ورَجْلانُ: إِذا لم يكن له ظهر يَركبه، بل يمشى على رجليه، وقد رَجِل. والجمع: رِجال، ورَجَّالة، ورُجَّال ورَجَالَى، ورُجالَى، ورُجْلانٌ، ورَجْلة، ورِجْلة، وأَرْجِلة، وأَراجِل، وأَراجيل. ورجَلْت الشاة: علَّقتها بالرِّجل. واستعير الرِّجْل للقطعة من الجراد، ولزمان الإِنسان، يقال: كان ذلك على رِجْل فلان، كقولك: على رأس فلان.

بصيرة فى الرجم (والرجا)

بصيرة فى الرجم (والرجا) والرِّجام: الحجارة. والرَّجْم: الرّمى بالرِّجام، يقال: رُجمٍ فهو مرجوم. والرَّجْم أَيضاً: القتل، والقَذْف، والغيب، والظَنُّ، واللَّعن، والشَّتم، والخليل، والنَّديم، والهِجران، والطَّرد، واسم ما يُرجَم به. والجمع رُجُوم. والرَّجَم - بالتَّحريك -: البئر، والتَّنوُّر، والقبر كالرَُّجْمة، والإِخوان واحدهم رَجْم. والرُّجُم - بضمتين -: النُّجوم يُرْمى بها كالرُّجُوم، وحجارة تُنصب على القبر. وقد ورد فى القرآن على خمسة معان. الأَوّل: بمعنى القَتْل: {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} أَى المقتولين أَقبح قتلة، {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ} أَى لنقتلنكم. الثانى: بمعنى السّبِّ والشَّتم: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ} أَى لأَشتمنَّك. الثالث: بمعنى الرّمى بالحجارة: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ} .

الرَّابع: بمعنى الظَّنّ: {رَجْماً بالغيب} . الخامس: بمعنى [الطرد] : {وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} {فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم} قيل: سُمِّى رجيما لكونه مطروداً ملعوناً مسبوباً، وقيل: لكونه مطرودًا عن الخيرات وعن منازل الملأ الأَعلى. وقوله صلىَّ الله عليه وسلَّم: "لا تَرْجُموا قبرى" أَى لا تضغوا عليه رِجَامًا. ورَجَا البئرِ والسَّماءِ وغيرهما: جانبها. والجمع أَرْجاءٌ. والرّجاءُ: ظن يقتضى حصول ما فيه مَسَرَّة. وقوله تعالى: {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} قيل: ما لكم لا تخافون. وأنشد: إِذا لَسَعَتْه النحل لم يَرْجُ لسعَهَا ... وحالفها فى بيت نُوبٍ عوامِلُ ووجه ذلك أَن الرجاءَ والخوف يتلازمان، قال تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله} .

بصيرة فى الرجاء

بصيرة فى الرجاء رَجَا البئْرِ والسّماءِ وغيرهما: جانبهما. والجمع / أَرْجاءٌ. والرجاءُ: الاستبشار بوجود فضل الربِّ تعالى، والارتياحُ لمطالعة كرمه، وقيل: هو الثِّقة بوجود الربّ. وقيل: الرّجاءُ ظن يقتضى حصول ما فيه مسرّة. وهو من أَجلِّ منازل السّالكين وأَعلاها وأَشرفها، وقد مدح الله تعالى أَهله وأَثنى عليهم فقال: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ الله واليوم الآخر} . وأَخبر تعالى عن خواصّ عباده الذين كان المشركون يزعمون أَنهم يتقربون بهم إِلى الله أَنهم كانوا راجين له خائفين منه فقال: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أولائك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} ، وفى الحديث الصَّحيح فيما يروى عن ربِّه تعالى: "ابنَ آدمَ إِنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالى". فالرّجاءُ عبوديّة وتعلق بالله من حيث اسمه البَرّ المحسن. فذلك التعبد

والتعلق بهذا الاسم والمعرفة بالله هو الَّذِى أَوجب للعبد الرّجاءَ من حيث يدرى ومن حيث لا يدرى. فقوّة الرّجاءِ على حسب قوّة المعرفة بالله وأَسمائه وصفاته وغلبة رحمته على غضبه. ولولا رُوح الرّجاءِ لعطِّلت عبوديّة القلب والجوارح، وهُدّمت صوامِعُ وبيَعٌ وصَلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً. بل لولا روح الرّجاءِ لما تحرّكت الجوارح بالطَّاعة، ولولا رِيحه الطِّيبة لما جرت سُفُن الأَعمال فى بحر الإِرادات، قال بعض مشايخنا: لولا التعلُّق بالرجاءِ تقطَّعت ... نفسُ المحبّ تحسُّرًا وتمزُّقا وكذلك لولا بَرْدهُ لحرارة الْـ ... ـأكباد ذابت بالحجاب تحرّقا أَيكون قطُّ حليفُ لا يُرى ... برجائه لحبيبه متعلِّقا أَم كلَّما قويت محبَّته له ... قوى الرّجاءُ فزاد فيه تشوّقا لولا الرّجا يحدو المطىّ لما سرت ... بحُمولها لديارهم ترجو اللَّقا وعلى حسب المحبّة وقوّتها يكون الرّجاءُ. وكلُّ محبٍّ راج وخائف بالضرورة، فهو أَرجى ما يكون بحيبيه أَحبَّ ما كان إِليه. وكذلك خوفه فإِنَّه يخاف سقوطه من عينه وطرد محبوبه له وإِبعاده واحتجابه عنه. فخوفه أَشدّ خوف. فكلّ محبّة مصحوبة بالخوف والرّجاء، وعلى قدر تمكُّنها من قلب المحبِّ يشتدّ خوفه ورجاؤه. ولكن خوف المحب لا يصحبه خشية بخلاف خوف المسىء، ورجاءُ المحبِّ لا يصحبه غاية بخلاف

رجاء الأجير. فأَين رجاءُ المحبِّ من رجاءِ الأَجير؟! بينهما كما بين حاليهما. وبالجملة فالرّجاءُ ضرورى للسّالك والعارف، ولو فارقه لحْظه لتلف أَو كاد، فإِنَّه دائر بين ذنب يرجو غفرانه، وعيب يرجو إِصلاحه، وعمل صالح يرجو قبوله، واستقامة يرجو حصولها أَو دوامها، وقربٍ من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إِليها. ولا ينفكُّ أَحد من السَّالكين من هذه الأُمور أَو من بعضها. والفرق بين الرّجاءِ والتَّمنِّى أَن التمنى يكون مع الكسل، ولا يسلك بصاحبه طُرُق / الجدّ والاجتهاد، والرّجاءُ يكون مع بذل الجهد وحسن التَّوكُّل، ولهذا أَجمع العارفون على أَنَّ الرّجاءَ لا يصحُّ إِلاَّ مع العمل. والرّجاءُ ثلاثة أَنواع: نوعان محمودان، ونوعُ غُرورٍ مذموم. فالأَولان رجاءُ رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راجٍ لثوابه، ورجل أَذنب ذنباً ثم تاب منه، فهو راج لمغفرته. والثالث رجل متماد فى التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغُرور والتَّمنِّى والرّجاءُ الكاذب.

وللسّالك نظران: نظر إِلى نفسه وعيوبه وآفات عمله يفتح عليه بابَ الخوف، ونظر إِلى سعة فضل ربّه وكرمه وبرِّه يفتح عليه بابَ الرّجاءِ، "وهما كجناحى الطائر إِذا استويا استوى الطَّائر وتمَّ طيرانه". واختلفوا أَىّ الرّجاءَين أَكمل، رجاء المحسن ثواب إِحسانه، أَو رجاء المذنب التائب عفو ربِّه وعظيم غفرانه؟ فطائفة رَجَّحت رجاءَ المحسن لقوّة أَسباب الرّجاء معه. وطائفة رجَّحت رجاءَ المذنب، لأَنَّ رجاءَه مجرّد عن علَّة رؤية العمل، مقرون برؤية ذِلَّة الذَّنب. قال يحيى بن مُعاذَ: "إِلهى أَحلى العطايا فى قلبى رجاؤُك، وأَعذب الكلام على لسانى ثناؤُك، وأَحبُّ السّاعات إِلىَّ ساعةٌ يكون فيها لقاؤُك". وقال أَيضاً: "يكاد رجائى لك مع الذُّنُوب يغلب على رجائى لك مع الأعمال، لأَنى أَجدنى أَعتمد فى الأَعمال على الإِخلاص، وكيف أُحرزها وأَنا بالآفات معروف. وأَجدنى في الذنب أَعتمد على عفوك. وكيف لا تغفرها وأَنت بالجود موصوف". فإِن قلت: ما تقول فى قول من جعل الرّجاء من أَضعف [منازل] المريدين؟ قلت: إِنما أَرادوا بالنسبة إِلى ما فوقه من المنازل، كمنزلة المحبَّة والمعرفة والإِخلاص والصِّدق والتَّوكُّل والرِّضا، لا أَن مرادهم ضَعف هذه المنزلة فى نفسها وأَنها منزلة ناقصة. فافهم، فقد أَوضحنا لك أَنَّها من أَجلِّ المنازل وأَعلاها وأَشرفها. والله أَعلم.

وقال بعض المفسِّرين: ورد الرّجاءُ في القرآن على ستَّة أَوجه: أَوّلها: بمعنى الخوف: {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} ، أَى ما لكم لا تخافون. قال: إِذا لسعته النَّحل لم يَرْجُ لسعها ... وخالفها فى بيت نُوب عوامل ومنه: {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} ، وقوله: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ الله} . الثانى: بمعنى الطمع: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} ، {أولاائك يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله} . الثالث: بمعنى توقُّع الثواب: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} . الرَّابع: الرّجا المقصور بمعنى الطَّرَف: {والملك على أَرْجَآئِهَآ} . الخامس: الرّجاء المهموز: {قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} أَى احبسه. السَّادس: بمعنى التَّرك والتأْخير: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} : تؤَخّره، {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} .

بصيرة فى الرحب والرحق والرحل

بصيرة فى الرحب والرحق والرحل رَحُب المكانُ ورَحِب، ككَرُم وسَمِعَ، رُحْبًا ورَحَابة، فهو رَحْبٌ ورَحِيبٌ ورُحاب: اتَّسعَ، كأَرحَبَ. ومَرْحَبًا وسهلاً، أَى صادفتَ سعة وسهولة. ومَرْحَبك اللهُ ومَسْهلك، ومرحباً بك الله ومَسْهَلاً. ورحّب به: دعاه إِلى الرُّحب. والرَّحِيق: الخمر، وقيل: أَطيب الخمور وأَفضلها /، وقيل: الخمر الصّافى، وقيل: الخالص، والشُهْد. والرُّحاقُ: لغة فى الكلِّ. والرّحيق أَيضاً: ضرب من الطِّيب. والرّحْل: ما يوضع على البعير المركوب، ثم يعبَّر به تارة عن البعير، وتارة عمّا يُجْلَس عليه في المنزل، وجمعه: رِحَالٌ، وأَرْحُلٌ. والراحُول: لغة في الرّحْلِ. والرّحل أَيضًا: مسكنك وما تستصحبه من الأَثاثِ. والرِّحالة: السَرْج، وقيل: سَرج من جلود لا خشب فيه، يتَّخذ للرَّكض الشديد.

رَحَل البعيرَ وارتحله: حَطَّ عليه الرَحْل، فهو مرحول ورحيل. والمُرَحَّلة: إِبلٌ عليها رِحالها، والَّتى وُضعت عنها رحالُها، ضدّ. وارتحل البعيرُ: سار فمضى. والقومُ عن المكان: انتقلوا كترحَّلوا. والاسم الرِّحلة والرُّحْلة، وقيل: بالكسر: الارتحال، وبالضمِّ: الوجه الذي يأَخذه. والرَّاحلة: البعير الذى يصلح للارتحال. وراحَلَهُ: عاونه [على رحلته] .

بصيرة فى الرحمة والرحمان والرحيم

بصيرة فى الرحمة والرحمان والرحيم الرّحمة: رِقَّةٌ تقتضى الإِحسان للمرحوم وقد تُستعمل تارة فى الرقّة المجرّدة، وتارة فى الإِحسان المجرّد عن الرقَّة، نحو: رحم الله فلانًا. وإِذا وُصف به البارىءُ تعالى فليس يراد به إِلاَّ الإِحسان المجرّد دون الرقَّة. وعلى هذا رُوى أَنَّ الرحمة من الله إِنعام وإِفضال، ومن الآدميِّين. رقَّة وتعطُّف. وقوله صلىَّ الله [عليه وسلم] مخبرًا عن ربِّه - سبحانه: "لمّا خلق الرّحم قال تعالى: أَنا الرحمان وأَنت الرّحِم، شققت اسمك من اسمى، فمن وصلك وصلتُه، ومن قطعكِ قطعته" ويروى بتتُّه. وذلك إِشارة إِلى ما تقدم، وهو أَنَّ الرَّحمة منطوية على معنيين: الرقة والإِحسان، فركَّب تعالى فى طباع النَّاسِ الرِّقَه، وتفرّد بالإِحسان. ولا يطلق الرّحمان إِلاَّ على الله تعالى مطلقاً ولا مضافاً، وقولهم: رَحْمان اليمامة لمسيلمة الكذَّاب فبَابٌ مِن تعنُّتهم فى كفرهم. ولا يصحّ الرّحمان إِلاَّ له تعالى؛ إِذ هو الَّذى وَسِعَ كلَّ شىءٍ رحمة وعلماً. والرّحيم يستعمل فى غيره، وهو الَّذى كثرت رحمته. وقيل: الرَّحمان عامّ والرّحيم خاصّ، فالرحمان العاطف بالرِّزق للمؤمنين والكافرين، والرّحيم

خاصّ بالمؤمنين. وقيل: رحمان الدنيا ورحيم الآخرة، وقيل رحمان المعاش ورحيم المعاد، وقيل: رحمان الأَغنياءِ ورحيم الفقراءِ، وقيل: رحمان الأَصحَّاءِ ورحيم المرضى. وقيل: رحمان المصطفَيْنَ ورحيم العاصِين. وقيل: رحمان الأَشباح ورحيم الأَرواح. وقيل: رحمان بالنعماءِ ورحيم بالآلآء. وقيل: الرّحمان: الذى الرّحمة وصفه، والرّحيم: الرّاحم لعباده، ولهذا يقول تعالى: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} ، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} ، ولم يجىء رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين، مع ما فى اسم الرّحمان الذى هو على زنة فعلان، أَلا ترى أَنهم يقولون: غضبان للممتلىءِ غَضَبًا، وندمان وحَيران وسكران ولهفان لمن ملىءَ بذلك، فبناءُ فعلان للسّعة والشمول، ولهذا يقرن استواؤه على عرشه بهذا الاسم كثيرا، كقوله تعالى: {الرحمان عَلَى العرش استوى} ، {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} ، فاسْتوى على عرشِه باسم الرّحمان؛ لأَنَّ العرش محيط بالمخلوقات قد وسِعها / والرّحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} ، وفي الصّحيح عن أَبى هريرة يرفعه: "لما قضى الله الخَلْق كتب في كتاب، فهو موضوع على العرش: رحمتى تغلب على غضبى" وفى لفظٍ: "سبقت رحمتى على غضبى" وفى لفظةٍ: "فهو عنده وضعه على العرش".

فتأَمّل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرّحمة ووضعه عنده على العرش، وطابِق بين ذلك وبين قوله: {الرحمان عَلَى العرش استوى} ، وقوله: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش الرحمان فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} ينفتح لك بابٌ عظيم من معرفة الرّب تبارك وتعالى، لا يغلقُه عنك التعطيل والتَّجسيم. واعلم أَنَّ صفات الجلال أَخصّ باسم الله، وصفات الإِحسان والجُود والبِرِّ والحَنَان والرّأْفة واللّطف أَخصُّ باسم الرَّحمان. وكرَّره فى الفاتحة إِيذانًا بثبوت الوصف. وحصول أَثره، وتعلُّقه بمتعلّقاته. والرَّحمة سبب واصل بين الله وبين عباده، بها أَرسل إِليهم رُسُله، وأَنزل عليهم كُتُبه، وبها هداهم، وبها أَسكنهم دار ثوابِه، وبها رزقهم وعافاهم. وقد ورد الرّحمة فى القرآن على عشرين وجهاً: الأَوّل: بمعنى منشور القرآن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} . الثانى: بمعنى سيّد الرُسُل: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ، وقال صلىَّ الله عليه وسلَّم: "إِنَّما أَنَا رَحْمَة مُهْدَاة". الثالث: بمعنى توفيق الطَّاعة والإِحسان: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} .

الرَّابع: بمعنى نبوّة المرسلين: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} . الخامس: بمعنى الإِسلام والإِيمان: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} . السّادس: بمعنى نعمة العِرفان: {وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ} أَى معرفة. السّابع: بمعنى العصمة من العصيان: {إِلاَّ مَن رَّحِمَ} . الثامن: بمعنى أَرزاق الإِنسان والحيوان: {لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} . التاسع: بمعنى قَطَرَات ماءِ الغِيثان: {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} . العاشر: بمعنى العافية من الابتلاءِ والامتحان: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} . الحادى عشر: بمعنى النجاة من عذاب النيران: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} . الثانى عشر: بمعنى النُصْرَةِ على أهل العدوان: {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} .

الثالث عشر: بمعنى اللأُلْفة والموافقة بين أَهل الإِيمان: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً وَرَحْمَةً} . الرابع عشر: بمعنى الكتاب المنزل على موسى بن عمران: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً} . الخامس عشر: بمعنى الثناء على إِبراهيم والوِلدان: {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت} . السّادس عشر: بمعنى إِجابة دعوة زكريا مبتهلا إِلى الله المَنَّان: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} . السّابع عشر: بمعنى العفو عن ذوى العصيان: {لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} . الثامن عشر: بمعنى فتح أَبواب الرَّوْحِ والرَّيْحان: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} . التاسع عشر: بمعنى الجنَّةِ دار السّلام والأَمان: {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} .

العشرون: بمعنى / صفة الرّحيم الرحمان: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} . وفي الخبر: "إِنَّّ الله تعالى خلق الأَرواح قبل الأَجساد بأَربعة آلاف سنة، وقدَّر الأَرزاق قبل الأَرواح بأَربعة آلاف سنة، وكَتب الرَّحمة على نفسه قبل الأَرزاق بأَربعة آلاف سنة. ولهذا قال: سبقت رحمتى غضبى، وعفوى عقابى". والرَّحِم: رَحِم المرأة. وامرأَةُ رَحُومٌ: تشتكى رحمها. ومنه استعير الرّحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة، ويقال: رَحِمٌ ورُحْم، قال تعالى: {وَأَقْرَبَ رُحْماً} ، وقال: {وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله} .

بصيرة فى الرخاء والرد

بصيرة فى الرخاء والرد شىءٌ رِخْوٌ - بالكسر - أَى لَيِّن. ومنه اشتقَّت الرُّخاءُ، وهى الريح اللَّيِّنة، يقال: نُقيم فى رَخَاءٍ ونسيمٍ رُخاء. والردّ: صرف الشىءِ بذاته أَو بحالة من حالاته، يقال: رددته فارتدّ. فمن الرَدّ بالذَّات قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} . ومن الرَدَّ إِلى حالة كان عليها قوله تعالى: {يَرُدُّوكُمْ على أَعْقَابِكُمْ} ، وقولُه: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} ، أَى لا دافع ولا مانع له. والرد كالرَجْع. ومنهم من من قال: في الردِّ قولان: أَحدهما: ردّهم إِلى ما أشار إِليه بقوله: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} ، والثَّانى: رَدّهم إِلى الحياة المشار إِليها بقوله: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} ، فذلك نظر منهم إِلى حالتين كلتاهما داخلة فى عموم اللفظ. وقوله تعالى: {فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} قيل: عَضُّوا الأَنامِلَ غيظاً، وقيل: أَوْمَئوا إِلى السّكوت، فأَشاروا باليد إِلى الفم، وقيل: ردّوا أَيديهم

فى أَفواه الأَنبياء فأَسكتوهم. واستعمال الردَّ فى ذلك تنبيه أَنَّهم فعلوا ذلك مرّة بعد مرَّة أُخرى. وقوله: {يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} ، أَى يرجعونكم إِلى حال الكفر بعد أن فارقتموه. والارتداد والرِدّة: الرّجوع فى الطريق الَّذى جاءَ منه، لكن الرِدّة تختصّ بالكفر، والارتداد فيه وفى غيره، قال تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ} ، وقال: {فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصاً} . وقوله: {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ} ، أَى إِذا تحققتم أَمرًا وعرفتم خبرًا فلا ترجعوا عنه. وقوله: {فارتد بَصِيراً} ، أَى عاد إِليه البصر. ويقال: رددت الحكم فى كذا إِلى فلان: فوّضته إِليه. وفى الحديث الصّحيح: "يقول الله تعالى ما تردّدت فى شىءٍ أَنا فاعله ما تردَّدت فى قبض روح عبدى المؤمن، يكره الموت، وأَنا أَكره مساءَته". وعن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَنْ ردَّ سائلا خائباً لم تَرِد الملائكة ذلك البيت سبعة أَيَّام"، وقال: "لَوْلا أَنَّ السّؤَّال يكذبون ما قُدِّس مَن ردّهم". وقال:

"إِذا أَتاكُمُ السُّؤّال فأَعطوهم يسيرًا أَو ردّوهم ردّا جميلاً، فإِنَّه يأتيكم مَنْ ليس بإِنس ولا جانّ يختبرونكم فيما خُوّلتم من الدُّنيا". قال الشاعر: إِلى كم ذا التخلّف والتوانى ... وكمْ هذا التمَّادى فى التَّمادى فما ماضى الشَّباب بمسْتَردّ ... ولا يومٌ يمر بمستعاد وفي الحديث: "البَيّعان يترادَّان"، أَى / يرُدُّ كلّ واحد منهما ما أَخَذَ.

بصيرة فى الردف

بصيرة فى الردف قال تعالى: {قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} ، قال ابن عرفة: أَى دنا لكم، وقال غيره: جاءَ بعدكم. وقيل معناه: رَدِفكم وهو الأَكثر. وقال الفرّاءُ: دخلت اللام لأَنَّه بمعنى [قرب] لكم، واللام صلة كقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} . وقال الأَعرج: (رَدَف لكم) فتح الدال. والرِّدْف - بالكسر -: المرتَدَف، وهو الذى يركب خلف الراكب. وكلّ ما تبع شيئاً فهو رِدْفه. والرِّدْف أَيضاً: الكَفَل. لها خصور وأَرْداف تنوء بها ... رمل النقا وأَعالى متنِها رُودُ وأَرداف النجوم: تواليها. والرِّدْفان: اللِّيل والنهار. ورِدْف الملِك: الَّذى يجلس عن يمينه، فإِذا شرب الملك شرب الرِّدْف قبل النَّاس، وإِذا غزا الملِك قعد الرِّدف موضعه. والرّديف: المرتدَف كالرِّدْف. والرَّدَافة: فعل رِدْف الملك كالخِلافة. وكانت الرِّدفة لبنى يربوع فى الجاهليّة، لأَنَّه لم يكن فى العرب أَحد أَكثر غارة على ملوك الحيرة من بنى يربوع

فصالحوهم على أَن جعلوا لهم الرِّدافة ويكفُّوا عن أَهل العراق. ورَدِفه - بالكسر - أَى تبعة. والرَّادفة فى قوله تعالى: {تَتْبَعُهَا الرادفة} : النفخة الثانية. وأَردفته معه أَى أَركتبه معه. وأَردفه أَمرٌ: لغة فى رَدِفَه، مثال تبعه وأَتبعه. وقوله تعالى: {مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ} ، قال الفرّاءُ: أَى متتابعين. وقال غيره: أَى جائين بعد. وقال بعضهم: معناه مُرْدِفِين ملائكة أُخرى، فعلى هذا يكونون ممَدّين بأَلْفين من الملائكة. وقيل: عنى بالمردفِين المتقدِّمين للعسكر يُلْقُونَ فى قلوب العِدَا الرُّعْب. وقال أَبو جعفر ونافع، ويعقوب، وسهل: (مُرْدَفين) بفتح الدّال، أَى فُعل ذلك بهم، أَى أَردفهم الله بغيرهم. وقيل: مردَفين أَى أُردِف كلُّ إِنسان مَلَكًا. قال خزيمة (من بنى) نهد: إِذا الجوزاءُ أَرْدَفَتْ الثريَّا ... ظننتُ بآل فاطمةَ الظُّنونا ظننت بها وظَنُّ المرْء حُوبٌ ... وإِن أَوفَى وإِن سَكَن الحَجُونا وحالت دون ذلك من همومى ... همومٌ تُخرج الداءُ الدّفينا

قال الخليل: سمعت رجلاً بمكَّة، يزعمون أَنه من القُرَّاء، وهو يقرأ (مُرُدِّفِينَ) بضمّ الميم والرّاءِ وكسر الدَّال المشدّدة، وعنه فى هذا الوجه كسر الرّاء. فالأُولى أَصلها مُرْتدفِين، لكن بعد الإِدغام حركت الرّاءُ بحركة الميم. وفى الثانية حرّكت الرّاءُ السّاكنة بالكسر. وعنه فى هذا الوجه [و] عن غيره فتح الراء، كأَن حركة التاءِ ألْقِيت عليها. وعن الجَحْدرىّ: بسكون الراءِ وتشديد الدّال جمعاً بين الساكنين. يقال: أَتينا فلانا فارتدفناه، أَى أَخذناه من ورائه أَخْذًا. واستردفه: سأَله أَن يُردفه. وترادفَا: تعاونَا.

بصيرة فى الردم والردء والرذالة والرزق

بصيرة فى الردم والردء والرذالة والرزق الرَّدْم: ما يسقط من الجدار المتهدِّم. والرَّدْم أَيضاً: السّد الذى بيننا وبين يأجوج ومأجوج. ورَدَم البابَ والثُلْمَة وردَّمه: سدَّه كلَّه، وقيل: سدّ ثُلُثَه أَو هو أَكثر من السدّ. والاسم الرَّدَم بالتَّحريك. وتردَّم ثوبَه: رَقَعَه. والمتردَّم: الموضع الَّذى يُرْقَع من / الثَّوب. والرِّدءُ - بالكسر -: العَوْن، ورَدأه به: جعله له رِدْءًا وقوَّة وعماداً. والرّدِىءُ فى الأَصل مثله، لكن تعورف فى المتأَخِّر المذموم والفاسد، وقد رَدُؤ - ككرم - رَداءَة، فهو ردىء من أَرْدئاء. والرَّذْل والرَّذِيل والرُّذَال والأَرذل: الدُّون المرغوب عنه لرداءته. والجمع: أَرذالٌ ورُذلاءُ ورُذُول ورُذَالٌ والأَرذلون، وقد رَذُل ورَذِل - ككرُم وعلِمَ - رَذَالة ورُذُولة. وَرَذَله غيرُه وأَرْذله. والرُّذَال والرُّذالة: ما انتُقِىَ جَيِّده. والرّزق - بالكسر -: ما ينتفع به. ويقال للعطاءِ الجارى تارة، دنيويّا كان أَو أخرويًّا، وللنصيب تارة، ولما يصل إِلى الجوف ويُتغذَّى به تارة. والجمع: أَرزاق.

والرَّزْقُ - بالفتح المصدر الحقيقى، والمرَّة الواحدة رَزْقه، والجمع رَزَقات، وهى أَطماع، يقال: أَعطى السّلطان رِزقَ الجند، ورُزِقْت علما. قال تعالى: {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ} أَى من المال والجاه والعلم. وقوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أَى أَتجعلون نصيبكم من النِّعمة تحرّى الكذب. وقوله: {وَفِي السمآء رِزْقُكُمْ} قيل: عنى به المطر الَّذى به حياة الحيوان، وقيل: هو كقوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} ، وقيل: تنبيه أَنَّ الحُظوظ بالمقادير. وقوله: {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ} أَى بطعامٍ يُتَغَذَّى به. وقوله: {رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ} ، قيل عنى به الأَغذية، ويمكن أَن يحمل على العموم فيما يؤكل ويلبس ويستعمل. وقال فى العطاء الأخروىِّ: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ} أَى يفيض عليهم النّعم الأُخروية. وقوله: {إِنَّ الله هُوَ الرزاق} محمول على العموم.

والرازق يقال لخالق الرِّزق ومعطيه والمسبِّب له، وهو الله تعالى، ويقال للإِنسان الَّذى يصير سببًا فى وصول الرّزق. والرزَّاق لا يقال إِلاَّ للهِ تعالى. وقوله: {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} أَى بسبب فى رزقه ولا مدخل لكم فيه. {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً} الآية أَى ليسوا بسبب فى رزقهم بوجه من الوجوه، وبسبب من الأَسباب. وارتزق الجندُ: أَخَذوا أَرزاقهم. والرَّزقة: ما يُعطَوْنه دفعة واحدة.

بصيرة فى الرسخ والرس والرسل

بصيرة فى الرسخ والرس والرسل رَسَخ رَسُوخًا: ثبت. ورسَخ الغديرُ: نَشَّ ماؤُه ونَضَب فذهَب، والمطرُ: نَضَبَ نداهُ فى الأَرض فالتقى الثَرَيان. وأَرسخه: أَثبته. والرّاسخ فى العِلْم: المتحقِّق به الَّذى لا يعترضه شبهة. والراسخون في العلم: هم الموصوفون بقوله: {الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} . والرَّسّ: وادٍ بأَذْرَبِيجان فيه أَربعة آلاف نهر جارٍ، قال: فهو لوادى الرسّ كاليَدِ لِلْفَمِ وأَصل الرسّ: الأَثر القليل الموجود فى الشىءِ، يقال: سمعت رَسًّا من خَبَر. وَرَسَّ الحديثَ في نفْسه. ووجد رَسًّا من الحُمَّى. ورُسَّ

الميْتُ: دُفِن وجُعل أَثرًا بعد عين. والرِّسْلُ - بالكسر - والرِّسْلَةُ: الرِفْق والتُؤَدة، والانبعاث على مَهَل. والرَّسْل /- بالفتح -: السَّهْل من السّيرِ، وقد رَسِل - بالكسر - رسَلاً ورَسَالةً. والإِرسال: التَّسليط، والإِطلاق، والإِهمال، والتَّوجيه. والاسم الرِّسالة، والرَّسالة، والرّسول، والرّسيل. والرسول: المرسَل أَيضاً، والجمع: أَرْسُلٌ ورُسُلٌ ورُسَلاءُ. والرّسول أَيضاً: الموافق لك من النِّضال ونحوه. وإِبل مَراسيل: منبعثة انبعاثاً سهلا، ومنه الرَّسول: المنبعِث. وتُصُوِّر منه تارة الرّفق فقيل: على رِسْلك: إِذا أَمرته بالرِّفق. وتارة الانبعاث فاشتُقَّ منه الرّسول. والرَّسول تارة يقال للقول المتحمَّل كقوله: أَلا أَبلِغْ أَبا حفصٍ رسولاً

وتارة لمتحمِّل القول. الرَّسول يقال للواحد والجمع، قال تعالى: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ} ، وقال: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين} ، ولم يقل رُسُل لأَنَّ فعولا وفعيلاً يستوى فيهما المذكَّر والمؤَنَّث والواحد والجمع؛ مثل عَدُوٍّ وصديق. وقيل: معناه: إِنَّا ذَوُو رسالة ربٍّ العالمين، لأَنَّ الرّسول يذكر ويراد به الرِّسالة كما تقدّم، قال كُثَيِّر: لقد كذب الواشون ما بُحتُ عندهم ... بليلَى ولا أَرسلتهم برسول أَى برسالة. وأَمَّا الرّسول بمعنى الرُّسُل فكقول أَبى ذُؤَيب: أَلِكْنى إِليها وخَيْرُ الرسُو ... لِ أَعْلَمهُم بنواحِى الخَبَر أَى وخير الرُّسُل. وقوله: {مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} أَى على أَلسنة رُسُلِك. والمراسيل: الإِبل الخِفاف التى تعطيك ما عندها عَفْوًا، الواحدة رَسْلة. قال كعب بن زهير: أَمْسَت سعاد بأرضٍ لا تبلِّغها ... إِلاَّ العِتاقُ النَّجيبات المراسيلُ

وقوله تعالى: {والمرسلات عُرْفاً} [أَى الرياح] أُرسلت كعُرْف الفَرَسِ، وقيل: الملائكة. وقيل: الخيل. والرَّسَل - بالتَّحريك - من الإِبل والغنم ما بين عشر إِلى خمس وعشرين، وقيل: القطيع من الإِبل والغنم. والرِّسْل - بالكسر - الّلبَن لنزوله على تؤدة، وهو من القول: الليِّنُ الخَفِيضُ، قال الأَعشى: فقال للمَلْك سرِّح منهم مائةً ... رِسْلاً من القول مخفوضًا وما رَفَعا ورُسُل الله تارة يراد بها الملائكة، وتارة يراد بها الأَنبياءُ، فمن الملائكة قوله تعالى: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} ، ومن الأَنبياءِ قوله تعالى: {جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} . وقوله تعالى: {ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} ، قيل: عنى به الرّسول وصَفوةَ أَصحابه، فسمّاهم رُسُلا لضمّهم إِليه، كتسميتهم المُهَلَّب وأَولاده المهالبة. والإِرسال يقال فى الإِنسان وفى الأَشياء المحبوبة والمكروهة. وقد يكون ذلك بالتسخير كإِرسال الريح والمطر. وقد يكون ببعث مَن يكون له اختيار، نحو إِرسال الرّسل، وقد يكون ذلك بالتخلية وترك المنع نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} .

والإِرسال يقابل بالإِمساك قال تعالى: {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} . قال: ياحبيبى وخليلى ... ومُنَى قَلْبِى ورسُولِى فتبيّنْ وتَيقَّن ... أَنا فى إِثْرِ الرسولِ والرسول فى القرآن ورد على اثنى عشر وجهًا: الأَوّل: بمعنى جبريل وميكائيل والمصطَفَين منهم: {الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلاً} . الثاني: بمعنى الأَنبياء: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} . الثَّالث: بمعنى صالحٍ النبى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله نَاقَةَ الله} . الرَّابع: بمعنى نوح: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي} . الخامس: بمعنى هود: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ} . السادس: بمعنى موسى الكليم: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} . السَّابع: بمعنى شُعَيب: {وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بالذي أُرْسِلْتُ بِهِ} ، {ياقوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي} .

الثامن: بمعنى يوسف الصّدِّيق: {وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ} إِلى قوله: {مِن بَعْدِهِ رَسُولاً} . التَّاسع: بمعنى رُسُل بِلْقِيس إِلى سليمان: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون} . العاشر: بمعنى شخص غير معيَّن: {أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} . الحادى عشر: بمعنى عيسى: {إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم} . الثاني عشر: بمعنى سيِّد المرسلين: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ} ، {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} ، {والرسول يَدْعُوكُمْ} ، {مَالِ هاذا الرسول} . وله نظائر.

بصيرة فى الرسو والرشد والرص

بصيرة فى الرسو والرشد والرص رَسَا رَسْوًا وَرُسُوًّا، وأَرْسَى: ثَبَتَ. والسَّفِينةُ: وقفت على البحر، وأَرسيته أَنا. قوله تعالى: {رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ} أَى جبالاً ثابتاتِ. وقوله: {والجبال أَرْسَاهَا} إِشارة إِلى قوله: {والجبال أَوْتَاداً} . قال: وَلاَ جبال إِذا لم تُرْسَ أَوتادُ وأَلقت السّحاب مراسيَها: استقرَّت وجادت، وقيل: أَلقت طُنُبها. وقوله تعالى: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} : متى وقوعها ومتى زمان ثبوتها. وقوله: {بِسْمِ الله مجراها وَمُرْسَاهَا} بضم ميميهما وفتحهما من أَجريت وأَرسيت

أَو من جَرَت ورَسَت. وقرىءَ: مُجرِيها ومُرْسيها على النَّعت لله عزَّ وجلَّ. ورَسَوت بين القوم، أَى أَثْبَتَ بينهم الصّلح. والرُّشد - بالضمّ - والرَّشَد - بالتَّحريك -: خلاف الغىِّ. ويستعمل استعمال الهداية، رَشِدَ كعَلِمَ ورَشَد كنصر. وقيل: المحرّك أَخصّ من المضموم؛ فإنَّ المضموم يقال فى الأُمور الدّنيوية والأُخروية، والمتحرِّك يقال فى الأُمور الأُخرويّة لا غير. ورَصُّ الشىءِ: إِلصاق بعضِه ببعضٍ وضمُّه. ومنه قيل للبخيل: الرَّصَّاصة. والمرصوصة: البئر المطويّة بالرّصاص. وتراصُّوا: تلاصقوا. قال تعالى: {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} أَى محكَم متقَن كأَنما بُنى بالرَّصاص.

بصيرة فى الرصد والرضاع

بصيرة فى الرصد والرضاع وهو اسم للرّاصد وللمرصود، وللرّاصدين والمرصودين، يستوى فيهما الواحد والجمع. وقوله تعالى: {يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} يحتمل كلّ ذلك. والمادّة موضوعة للتَّرقّب أَو لاستعدادٍ لِلتَّرقّب، (رَصَد له وتَرَصَّد) وأَرصدته أَنا. وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} : إِنَّه لا ملجأ ولا مهرب من الله إِلا إِليه. والمِرصاد والمَرْصَد: موضع الرّصْد. وقوله: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} تنبيه أَنَّ عليها مَجَاز النَّاسِ. رضِع الصّبىُّ أُمّه، ورَضَع - كسمع وضرب - رَضاعًا ورَضْعًا ورَضَاعة، وأَرضعته أُمُّه. وقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تسترضعوا أَوْلاَدَكُمْ} أَى تسوموهنَّ إِرضاع أَولادكم. ورضُع - ككرم - ورضَع - كمنع - رَضَاعة: لَؤُمَ، فهو راضع ورَضيع. ورَضَّاع: نهاية فى اللُّوْم. وأَصله رجل كان يرضع إِبله لئلا يُسمع صوت حلبه فيُسأَل. وسمّى الثنيّتان من الإِنسان الراضعتين لا ستعانة الطفل بهما فى المسترضع.

بصيرة فى الرضا

بصيرة فى الرضا رَضِىَ الله عنه، ورضى عليه، يَرْضى رِضًا ورِضْوانًا ورُضًا ورُضْواناً ومَرْضاة: ضد سَخِط، فهو راضٍ من رُضاةٍ، و [ورَضِىٌّ] من أَرضياء ورُّضاة، ورَضٍ من رَضِين. وأَرضاه: أَعطاهُ ما يُرضيه. واسترضاه وترضَّاه: طلبَ رِضاهُ. ورضيته وبه، فهو مَرْضُوٌّ ومَرْضِىٌّ. ورِضا العبدِ عن الله تعالى أَلاَّ يكره ما يجرى به قضاؤُه. ورضا الله تعالى عن العبد أَن يراه مؤتمرًا لأَمر منتهيًا عن نهيه. والرّضوان: الرّضا الكبير. / ولما كان أَعظم الرضا رضا اللهِ تعالى خُصّ لفظ الرِّضوان فى القرآن بما كان من الله تعالى. وقوله: {إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بالمعروف} أَى أَظهر كلُّ واحد منهم الرِّضا بصاحبه ورضيه. قال تعالى: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} وقال: {إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} ، وقال: {مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَآءُ ويرضى} ، وقال: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذي ارتضى لَهُمْ}

وقال: {واجعله رَبِّ رَضِيّاً} ، وقال: {وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} ، وقال: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى} ، وقال: {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين} وقال لنبيِّه: {لَعَلَّكَ ترضى} . قال: {وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} وقال: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} ، وقال: {لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} وقال: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أَى مرضيّة. وقال: {ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} وقال: {رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} . واعلم أَنَّ العلماء قد أَجمعوا على أَنَّ الرِّضا مستَحبٌّ، مؤَكد استحبابُه. واختلفوا فى وجوبه على قولين. والأَكثر على تأَكُّد استحبابه، فإِنه لم يرد الأَمر به كما ورد فى الصبر، وإِنَّمَا جاءَ [الثناءُ] على أَصحابه. وأَمَّا ما يروى من الأَثَر: "من لم يرض بقضائى، ولم يصبر على بلائي، فلْيتَّخذ ربًّا سِوَاىَ" فهذا أَثر إِسرائيلىٌّ لم يصحّ عن النبى صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا سيّما عند من يَرَى أَنَّه من جملة الأَحوال الَّتى ليست مكتسبة، وأَنه موهِبة محضة. فكيف يؤمر به وليس مقدورًا! وهذه مسأَلة اختلف فيها السّالكون على طرق ثلاث: فقال شيوخ خُراسان: إِنَّه من جملة المقامات وهو نهاية التوكل، وقال آخرون:

هو من جملة الأَحوال، يعنى هذا لا يمكن أَن يتوصّلَ إِليه العبدُ، بل هو نازلة تحُلُّ بالقلب كسائر الأَحوال. والفرق بين المقامات والأَحوال، أَن المقامات عندهم من المكاسب، والأَحوال مجرّد المواهب. وحكمت فرقة ثالثة بين الطَّائفتين، منهم الشيخ القدوة صاحب الرِّسالة وغيره. فقالوا: يمكن الجمع بينهما بأَن يقال: مبدأُ الرّضا مكتسَب للعبد فهو من جملة المقامات، ونهايته من جملة الأَحوال، فليست مكتسبة. واحتج شيوخ خراسان ومن قال بقولهم بأَنَّ الله تعالى مَدَح أَهله وأَثنى عليهم ونَدَبهم إِليه، فدلَّ على أَنَّه مقدور لهم. وقال النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم: "ذاقَ طعم الإِيمان مَن رضى باللهِ ربًّا وبالإِسلام دينًا وبمحمد رسولاً". ورأَيت من أَصحابنا مَن نزَّل هذا الحديث على جميع معانى سورة الأَنبياءِ حرفًا حرفًا. وقال: "من قال حين يسمع النِّداءَ: رضيتُ بالله ربًّا وبالإِسلام دينًا وبمحمّد رسولاً غُفرت له ذنوبهُ". وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدِّين، وقد تضمّنا الرّضا بربوبيّته سبحانه وأُلوهيته، والرّضا برسوله والانقياد له. والرّضا بدينه والتسليم له. ومن اجتمعت له هذه الأَربعة فهو الصّدّيق حقًّا. وهى سهلة بالدَّعوى واللِّسان، ومِن أَصعب الأُمور عند الحقيقة والامتحان، ولا سيّما إِذا ما خالَفَ هَوَى النَّفس ومرادَها، فحينئذ يتبين أَنَّ الرّضا كان على رسالة لا على حالة.

فَالرِّضا بإِلاهيَّته متضمّن للرّضا بمحبَّته وحده، وخوفه ورجائه والإِنابة إِليه، والتبتّل إِليه، وإِنجذاب قُوَى الإِرادة والحبّ كلّها إِليه، فِعل الرَاضى بمحبوبه كلَّ الرّضا، وذلك يتضمّن عبادته والإِخلاص له. والرضا بربوبيته / يتضمّن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن إِفراده بالتَّوكُّل عليه والاستعانة والثقة به والاعتماد عليه، وأَن يكون راضيًا بكلِّ ما يفعله. فالأَوّل يتضمن رضاه بما يأمر به، والثَّانى يتضمّن رضاه بما يُقدِّرهُ عليه. وأَمَّا الرّضا بنبيّه رسولاً فيتضمّن كمالَ الانقياد له والتسليم المطلَق إِليه، بحيث يكون أَولى به من نفسه، فلا يتلقىَّ الهُدى إِلاَّ من مواقع كلماته، ولا يحاكِم إِلاَّ إِليه، ولا يحكِّم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتة، لا [فى] شىء من أَسماء الرّب وصفاته وأَفعاله، ولا فى شىءٍ من أَذواق حقائق الإِيمان ومقاماته، ولا فى شىءٍ من أَحكامه ظاهره وباطنه، ولا يرضى إِلاَّ بحكمه. فإِن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاءِ المضطرِّ إِذا لم يجد ما يُقيت إِلاَّ من الميْتة والدّم، وأَحسن أَحواله أَن يكون من باب التراب الَّذى إِنما يُتيمَّمُ به عند العجز من استعمال الماء للطُّهور. وأَمَّا الرضا بنبيّه فإِذا قال أَو حكم أَو أَمر أَو نهى رضِىَ كلّ الرضا، أو لم يبق فى قلبه حَرَج من حكمه، وسلَّم لله تسليما ولو كان مخالفًا لمراد

نفسه وهواها، وقولِ مقلَّده وشيخه وطائفته. وههنا توحشك النَّاس كلّهم إِلاَّ الغرباء فى العالم. فإِيّاك أَن تستوحش من الاغتراب والتفرّد، فإِنَّه - والله - عين العزِّ والصّحبة مع الله تعالى ورسوله، وروح الأُنس به، والرضا به ربًّا وبمحمد رسولاً وبالإِسلام دينا. بل الصّادق كلَّما وجد سرّ الاغتراب وذاق حولاته وتنسّم رَوْحه قال: اللهم زدنى اغترابًا أَو وحشةً في العالمَ وأُنْساً بك. وكلَّمَا ذاق حلاوة هذا الاغتراب والتفرّد رأَى الوحشة عين الأُنْس بالنَّاس، والذلَّ عين العِزَّ بهم، والجهل عين الوقوف مع آرائهم وزُبالة أَذهانهم، والانقطاع عين التعبُّد برسومهم وأَوضاعهم، فلم يُؤثر بنصيبه من الله أَحدًا من الخلق، ولم يَبعْ حَظَّه من الله بموافقتهم فيما لا يُجدى عليه إِلاَّ الحرمان. وغايته مودَّة بينهم فى الحياة الدُّنيا. فإِذا انقطعت الأَسباب، وحَقَّت الحقائق، وبُعْثر ما فى القبور، وحُصِّل ما فى الصُّدور، تبيَّنَ له حَدُّ مواقع الرِّبح من الخسران. والله المستعان. والتحقيق فى المسأَلة: أَنّ الرّضا كسبىّ باعتبار سببه، وَهْبىّ باعتبار حقيقته، فيمكن أَن يقال بالكسب لأَسبابه، فإِذا تمكَّن فى أَسبابه وغَرَس شجرته اجتنى منها ثمرة الرِّضا أَخو التَّوكُّل. فمن رسخ قَدَمُه فى التوكُّل والتسليم والتفويض حصل له الرّضا ولا بدّ، ولكن لعزَّته وعدم إِجابة أَكثر النُّفوس له وصعوبته عليها لم يوجبه الله على خَلْقه رحمة

بهم وتخفيفاً عنهم، لكن ندبهم إِليه وأَثنى على أَهله، وأَخبر أَنَّ ثوابه رضاه عنهم الَّذى هو أعظم وأَكبر وأَجلُّ من الجنَّاتِ وما فيها، فمن رضى عن ربه رضى الله عنه. بل رضا العبد عن الله علامة رضا الله عنه ومن نتائجه، فهو محْفوف بنوعين من رضا الله عن عبده: رضًا قَبْله أَوجب له أَن يرضى عنه، ورضا بعده وهو ثمرة رضاه عنه، ولذلك كان الرّضا بابَ الله الأَعظم، وجَنَّة الدُّنيا، ومحلَّ راحة العارفين، وحياة المحبِّين، ونعيم العابدين، وقُرَّة عين المشتاقين. / ومن أَعظم أَسباب حصول الرِّضا أَن يلزم ما جعل الله رضاه فيه، فإِنَّه يوصِّله إِلى مقام الرضا ولا بدَّ. قيل ليحيى بن مُعاذ رحمه الله: متى يبلغ العبد مقام الرضا؟ قال: إِذا أَقام نفسه على أَربعة أُصول فيما يعامل به ربِّه، فيقول: إن أَعطيتنى قَبِلْت، وإِن منعتنى رضيت، وإِن تركتنى عبدت، وإِن دعوتنى أَجبت. وليس الرِّضا والمحبة كالرجاء والخوف، فإِن الرضا والمحبة حالان من أَحوال أَهل الجنة، لا يفارقان فى الدُّنيا ولا فى البَرْزَخ ولا فى الآخرة، بخلاف الخوف والرَّجاءِ فإِنهما يفارقان أَهل الجنَّة لحصول ما كانوا يرجونه، وأَمنِهم مّما كانوا يخافونه. وإِن كان رجاؤهم لما ينالون من كراماته دائماً، لكنَّه ليس رجاءً مَشُوبًا بشكٍّ، بل رجاء واثقٍ بوعدٍ صادق من حبيب قادر. فهذا لون، ورجاؤهم فى الدنيا لون.

واعلم أَنه ليس من شروط الرِّضا أَلاَّ يحسَّ بالأَلم والكاره، بل أَلاَّ يعترض على الحكم ولا يسخط؛ فإن وجود التَّأَلُّم وكراهة النَّفس لا ينافى الرِّضا، كرضا المريض بشرب الدَّواءِ الكريه، ورضا الصَّائم فى اليوم الشديد الحرّ بما يناله من أَلم الجوع والظمإِ. وطريق الرِّضا طريق مختصرة قريبة جدًّا موصلة إِلى أَجلِّ غاية، ولكنَّ فيها مشقة، ومع ذلك فليست مشقَّتها بأَصعب من مشقَّة طريق المجاهدة، ولا فيها من المفاوز والعَقَبات ما فيها، وإِنما عقبتها همّة عالية ونفس زكيّة، وتوطين النفس على كلِّ ما يَرِدُ عليها من الله، ويسهِّل ذلك على العبد علمُه بضعفه وعجزه، ورحمة ربِّه وبرّه به، فإِذا شهد هذا وهذا ولم يطرح نفسه بين يديه، ويرض به وعنه، وينْجَذِبْ دواعى حبّة ورضاه كلّها إِليه، فنفسه نفس مطرودة عن الله، بعيدة عنه، غير مؤَهَّلة لقربه وموالاته، أَو نفس ممتحنَة مبتلاة بأَصنافِ البلايا والمحن. فطريق الرضا والمحبّة تُسيِّر العبد وهو مستلْقٍ على فراشه، فيصبح أَمام الرّكب بمراحل. وثمرة الرّضا الفرح والسّرور بالله تعالى. وقال الواسطى: استعمل الرضا جهدك، ولا تدع الرّضا يستعملك فتكون محجوبًا بلذَّته ورؤيته عن حقيقته. وهذا الَّذى أَشار إِليه عقبة

عظيمة عند القوم، ومقطع لهم، فإِن السّكون إِلى الأَحوال والوقوفَ عندها استلذَاذًا ومحبّة حجابٌ بينهم وبين ربهم، وهى عقبى لا يقطعها إِلاَّ أولو العَزائم. ومن كلامه: إِيّاكم واستحلاء الطَّاعات فإِنها سُمُوم قاتلة. فهذا معنى قوله: استعمِلْ الرّضا ولا تَدَع الرّضا يستعملك، أَى لا يكون عملك لأَجل حصول حلاوة الرّضا، بحيث تكون هى الباعثة لك عليه، بل اجعله آلةً لك وسببًا موصّلا إِلى مقصودك ومطلوبك، وهذا لا يختصّ بالرّضا، بل هو عامّ فى جميع الأَحوال والمقامات القلبيّة الَّتى يسكن إِليها القلب. وسئل أَبو عثمان عن قول النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَسأَلُك الرِّضا بعد القضاءِ": فقال: لأَن الرضاء قبل القضاء عزم على الرّضا، والرّضا بعد القضاءِ هو الرضا. وقيل: الرضا: ارتفاع الجَزَع فى أَىِّ حكم كان. وقيل: رفع / الاختيار. وقيل: استقبال الأَحكام بالفرح. وقيل: سكون القلب تحت مجارى الأَحكام. وقيل: نظر العبد إِلى قَدَم اختيار الله تعالى للعبد. وقيل للحسين بن على رضى الله عنهما: إِن أَبا ذرٍّ يقول: الفقر أَحبُّ إِلىّ من الغنى، والسّقم أَحبُّ إِلىَّ من الصحّة. فقال: رحم الله أَبا ذرٍّ، أَمَّا أَنا فأَقول: من اتَّكل على حسن اختيار الله له لم يُحِبَّ غير ما اختَارَهُ الله له.

وكتب عمر بن الخطّاب رضى الله عنه إِلى أَبى موسى الأَشعرىِّ: أَمّا بعد، فإِن الخير كلَّه فى الرضا، فإِن استطعت أَن ترضى وإِلاَّ فاصبر. والرِّضا ثلاثة أَقسام: رضا العوامِّ بما قسمه الله، ورضا الخواصّ بما قدَّره الله وقضاه، ورضا خواصّ الخواصّ به بدلاً عن كلِّ ما سواه. والله أَعلم.

بصيرة فى الرطب والرعب والرعد

بصيرة فى الرطب والرعب والرعد الرَّطْب: ضدّ اليابس، ومن الغُصْنِ والرِّيش وغيره: النَّاعم منه. رَطُب ورَطِبَ - ككرم وسمع - رُطُوبة ورَطابة فهو رَطِيب. والرُطَب - كصُرَد -: نَضِيج البُسْر، واحدته رُطَبة، والجمع أَرطاب، قال تعالى: {وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً} . وأَرطب النَّخلُ: حان أَوان رُطَبه. ورَطَب القومَ ورطَّبهم: أَطعمهم الرُّطَب قال: توكَّل على الرّحمان فى كل حالةٍ ... ولا تترك الخُلاّن فى كثرة الطَّلبْ أَلم تر أَنَّ الله قال لمريمٍ ... وهزِّى إِليك الجذع تسَّاقط الرُّطَب والرّعبُ - بضمّة وبضمتين -: الفزع، وقيل: الانقطاع من امتلاء الخوف. رَعَبَه كمنعه: خوّفه، فهو مرعوب ورَعِيب. وكذا رعَّبه ترعيباً وتَرْعاباً فَرَعَب هو رُعْبًا وارتعب. والتِرْعابة - بالكسر -: الفَرُوقة. ولتصوّر الامتلاء منه قيل: رعَبت الحوضَ أَى ملأْته، وسيل راعب: يملأُ الوادى. ولتصوُّر الانقطاع قيل: رَعَب السَّنَامَ وغيره: إِذا قطعه، والتِرعيبة - بالكسر -: القطعة منه.

وجاريةٌ رُعْبوبةٌ ورُعْبوب ورِعْبِيب: شَِطْبة تارَّة، أَو بيضاءُ حسنة رَطْبة حُلْوةٌ ناعمة. والرّعد: صوت السّحاب، أَو صوت مَلَك يسوق السَّحاب. وقد رَعَدَت السماءُ وبَرَقَت، وأَرْعدت وأَبرقت. ويكنى بهما عن التهدُّد. وقولهم: صَلَفٌ تحت رَاعِدَة، يقولون ذلك لمن يقول ولا يحقِّق.

بصيرة فى الرعن والرغبة والرغد والرغم

بصيرة فى الرعن والرغبة والرغد والرغم الرُّعونة: الحمق. والأَرعن: الأَهوج فى منطقه، الأَحمق المسترخى. وقد رَعَنَ - مثلثة العين - رُعُونة ورَعَانة ورَعَنًا. وقوله تعالى: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} كان ذلك قولاً كانوا يقولونه للنبىِّ صلَّى الله وعليه وسلَّم تهكُّمًا، يقصدون به رميه بالرُّعونة، ويُوهمون أَنَّهم يقولون: راعنا أَى احفظنا، من قولهم: رعن رعونة: حَمُِق. والرَّعْناءُ: المرأَة المغنِّجة فى مشيها وكلامها، واسم للبصرة لما فى هوائها من تكسّر وتغيُّر. قال: لولا ابن عُتبة عمرو والرَّجاء له ... ما كانت البصرة الرَّعناءُ لى وَطَنَا والرِّعْى - بالكسر -: الكلأُ، والجمع أَرْعاء. والرَّعْى المصدر. وهو فى الأصل حفظ الحيوان إِمّا بغِذائه الحافظ لحياته، أَو بذَبّ العدوّ عنه. رَعَيْتُهُ أَى حفظته. وأَرعيته: جعلت له ما يَرْعى. والمرْعَى: الرِّعْى، والمصْدر، والموضع كالمَرْعاة. والرَّاعى: كلُّ مَن وَلِىَ أَمر قوم، والجمع رُعاة ورُعْيان ورُعاء ورِعاء، قَال تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أَى ما حافظوا عليها حقَّ المحافظة، فيسمَّى كُلّ سائس لنفسه أَو لغيره راعياً.

وفى الصّحيح: "كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئول عن رعيَّته". ومراعاة الإِنسان الأَمر: مراقبته إِلى ماذا يصير وماذا منه يكون. ومنه راعيت النُّجوم. وقال: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظرنا} . وأَرْعيته [سَمْعى] : استمعت لمقالته. وأرْعنى سمعك، وراعنى [سمعك] : استِمْع لمقالى. ويقال: أَرْعِ على كذا - مَعدَّى بعلى - أَى أَبْقِ عليه، وحقيقته: أَرعهِ متطلِّعاً عليه. والرَغْبة والرَّغَب فى الشىءِ: إِرادته، يقال: رَغِبَ فيه رَغَبًا ورَغْبة: أراده، ورَغِب عنه: لم يُرِده، ورَغِب إِليه رَغَبًا. وقيل: توسَّع فى إِرادته، اعتباراً بأَن أَصل الرغبة السّعة فى الشىءِ، ومنه حَوضٌ رَغِيب، ورجلٌ رغِيبُ الجوف. ورَغِب إِليه رَغَبًا ورَغْبَى ورُغْبَى ورَغْبَاءَ ورَغَبُوتًا ورَغَبوتَى ورُغْبة بالضَّم - ورَغَبة - بالتَّحريك - ورَغبانًا: ابتهل، وقيل: هو الضَراعة والمسأَلة، قال تعالى: {إِنَّآ إِلَى الله رَاغِبُونَ} . وإِذا قيل: رَغِب عنه اقتضى الزُّهد فيه، قال: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} .

وعيش رَغْد ورَغِيد: واسع. وأَرغدوا: حصلوا فى رَغِيد من العيش. والرَّغْم والرَّغام: التُّراب، وقيل: الدَّقيق منه. ورَغم أَنفى لله - بفتح الغين وضمِّها وكسرها -: ذَلَّ عن كُرْهٍ. والرّغم - مثلثة - والمَرْغمة: الكُرْهُ، وأَرغمه غيرُه. ويعبَّر بذلك عن السّخط كقول الشاعر: إذا رغمت تلك الأَنوف لَمُ ارْضِها ... ولم أَطلب العُتْبَى ولكن أَزيدها فمقابلته بالإِرضاءِ تدلُّ على الإِسخاط، وعلى هذا قيل: أَرغم الله أَنفه وأَدْغمه - بالدال - أَى سوّده. وأَرْغمه: أَسخطه. وراغمهُ: ساخطه. وقوله تعالى: {يَجِدْ فِي الأرض مُرَاغَماً كَثِيراً} أَى مَذْهَبًا يذهب إِليه إِذا رأَى منكرا يلزمه أَن يغضب منه. والمُراغَم أَيضاً: المهرب، والحصن، والمضطَرَب.

بصيرة فى الرف والرفت والرفث والرفد والرفع والرق

بصيرة فى الرف والرفت والرفث والرفد والرفع والرق الرَّفّ: الَّذى يتَّخذ فى البيوت يُجعل عليه طرائِف البيت، عربىٌّ معروف. وفى حديث عائشة رضى الله عنها: "لقد مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وما فى رَفىِّ إِلاَّ شَطْر شعير". والرَّفوف: الرَفُّ. والرفْرَف أَيضاً: ثيابٌ خُضْر يتَّخذُ منها المحابس، الواحدة رَفْرَفَة، وبعضهم يجعله واحدًا، قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ} ، وقرىءَ (رَفَارِفَ خُضر) . وقيل: الرّفوف: فُضُول المحابس. وقال أَبو عبيدة: الرَّفوف: الفُرشُ. وقيل: الرّفوف: ما فضل فثُنى. وفى حديث ابن مسعود رضى الله عنه أَنَّه قال فى قوله تعالى: {لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى} : رأَى رفرفًا أَخضر سدّ الأُفُق، أَى بِسَاطًا. ورفرفُ الدِّرعِ: ما فضل من ذيلها. ورفوفُ الأَيكةِ: ما تهدَّل من أَغصانها. والرَّفْت: الكسر والدَّق، رَفَته يَرْفِته ويَرْفُتُه: كسره ودقَّة، وانكسر واندقَّ لازم متعدٍّ، وانقطع كارفَتَّ ارفِتاتًا. والرُّفَات: الحُطامُ والفُتَات، وما تكسّر وتفرَّق من التِّبن ونحوه.

والرَفَثُ: كلام متضمِّن لما يُستقبح ذكره من ذِكْر الجِماع ودواعيه. وقال ابن عبَّاس: ما وُوجِه به النِّساءُ من ذلك. وجُعِلَ كناية عن الجماع فى قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَآئِكُمْ} تنبيهًا على جواز دُعائهن إِلى ذلك ومكالمتهن. وعُدِّى بإِلى لتضمُّنه لمعنى الإِفضاء. وقوله: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} يحتمل أَن يكون نهياً عن تعاطى الجماع، وأَن يكون / نهياً عن الحديث فى ذلك لأَنَّه من دواعيه، والأَوّل أَصحّ. يقال: رَفَثَ وأَرفث؛ فرفث فَعَلَ، وأَرفث صار ذا رفَثٍ، وهُما كالمتلازِمين، ولهذا يستعمل كلُّ موضع الآخر. والرِفْد: المعُونة والعطِيَّة. والمِرْفد: ما يجعل فيه الرِّفد من الطعام. رَفَدته رَفْدًا: أَنلتُه بالرّفد. وأَرْفدته: جعلت له رِفْدًا يتناوله شيئاً فشيئاً. والرَّفْع: ضدّ الوضع كالتَّرفيع والارتفاع. ورَفَعَ البعيرُ رَفْعًا ومرفوعًا: بالغ فى سيره. ورفعته أَنا، لازم متعدٍّ. والرّفع يقال تارة فى

الأَجسام الموضوعة إِذا أَعْلَيْتُها عن مَقَرِّها، وتارة فى البناءِ إِذا طوّلته، وتارة فى الذكر إِذا نوَّهته، وتارة فى المنزلة إِذا شَرَّفتها؛ نحو: {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور} ، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت} ، {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ، {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} . وقوله: {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} ، [قيل] فيه: رفعه إِلى السّماء، و [قيل] فيه: رفعهُ من حيث التَّشريف. وقوله: {وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ} إِشارة إِلى المعنيين: إِلى اعتلاءِ مكانها، وإِلى ما خصّ به من الفضيلة وشرفِ المنزلة. وقوله: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} أَى شريفة. وقوله: {أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ} أَى تُشرّف. والرِّقَّة كالدِّقة، لكن الدقة يقال اعتبارا بمراعاة جوانبه، والرِّقة اعتبارًا بُعمْقه. فمتى كانت الرّقة فى جسم يضادّها الصَفَاقة، نحو: ثوب رقيق وصفيق، ومتى كانت فى النفس يضادّها الجَفْوة والقسْوة، نحو: رقيق القلب وقاسى القلب. والرَّقُّ: ما يكتب فيه، شبه كاغد وجلد مدبوغ. والرِّقّ: مِلْك العبيد. والرَّقيق: المملوك منهم، والجمع أَرِقَّاء. واسترقَّه: جعله رقيقًا.

بصيرة فى الرقبة والرقد والرقم والرقى والركب

بصيرة فى الرقبة والرقد والرقم والرقى والركب الرَّقيب: من أَسماءِ الله عزَّ وجلَّ، والحافظ، والمنتظر، والحارس، وأَمين أَصحاب الميْسر، وابن العَمّ، ونوع من الحيّات. والرَّقَبة: العُنق، وقيل: أَصل مؤَخَّره، والجمع، رقابٌ، ورَقَب، وأَرْقُبٌ ورَقَباتٌ. ثمَّ جعل فى التعارف اسماً للمماليك، كما عُبِّر بالرَّأْس وبالظَّهْرِ عن المركوب، يقال: فلان يربط كذا رأْساً وكذا ظهرًا. وقوله تعالى: {وَفِي الرقاب} أَى المكاتبين منهم، وهم الَّذين يُصرف إِليهم الزَّكاة. والمَرْقَب: المكان العالى. وترقَّب: انتظر واحترز راقبًا، قال تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ} . وَرَقَبهُ رِقْبة ورِقْبَانًا - بسكرهما - ورَقَابة ورَقُوبة ورَقْبة - بفتح الكلِّ -: انتظره، كارتقبه، والشىءَ: حرسه، كراقبه مراقبة ورِقَابًا. والرَّقُوب: المرأَة ترقُب موت بعلها، والَّتى لا يَبقى لها ولد، أَو الَّتى مات ولدها. والرُّقَاد: المستطابُ من النوم القليل. رقد فهو راقد، والجمع رُقُود، قال تعالى: {وَهُمْ رُقُودٌ} ، وصفهم بالرُّقود مع طول منامهم اعتبارًا بحال الموت، فإِنه اعتُقد فيهم أَنَّهم أَموات، وكان ذلك النوْم قليلاً فى جَنْب الموت.

والرّقْم: الكتابة، وقيل: الخَطُّ الغليظ. والرَّقْم أَيضاً: تعجيم الكتاب وتبيينه. وقوله تعالى: {كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} حُمل على الوجهين. والمِرْقَم: القلم. وهو يرقُم فى الماءِ، أَى حاذق فى الأُمور. والرَّقِيم: قَرْيَة أَصحاب الكهف، وقيل: جَبَلهم، وقيل: كلبهم، وقيل: الوادى، وقيل: لَوح رصاصٍ نقش فيه نسبهم وأَسماؤُهم ودينهم ومِمَّ هربوا. والرَّقيم أَيضاً: الدَّواة واللَّوح. / ورَقِىَ إِليه كرضى رُقِيًّا: صَعِدَ، [كا] رتقى وتَرَقَّى. والمَرقاة - وبكسر الميم -: الدَّرجة. وارْقَ على ظَلْعه: أَى اصعد وإِن كنت ظالعًا. والرُّقْية: العُوذَة، والجمع رُقًى. ورَقَاه يرقِيه رَقْيًا ورُقِيًّا ورُقْية، فهو رَقَّاءٌ: نَفَث فى عُوذته. وقوله تعالى: {وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} أَى لرُقْيتك. وقوله: {وَقِيلَ

مَنْ رَاقٍ} أَى من يرْقيه تنبيهاً أَنَّه لا راقى يرقيه، وذلك إِشارة إِلى نحو ما قال: وإِذا المنيَّة أنشبت أَظفارها ... أَلفيتَ كلّ تميمة لا تنفعُ وقال ابن عبّاس: معناه: مَن يَرْقَى بروحه؟ أَملائكة الرحمة أَم ملائكة العذاب؟ والتَرْقَوَة: مقدَّم الحَلْق فى أَعلى الصّدر حيثما يترقَّى فيه النَفَس. الرُّكُوب فى الأَصل: كون الإِنسان على ظهر حيوان، وقد يستعمل فى السّفينة وفى مباشرة بعض الأُمور. رَكِبَ الذَّنْبَ: اقترفه، وركب أَمرًا عظيما: باشره. والرَّاكب اختصَّ فى التعارف بممتطى البعير، جمعه: رَكْبٌ، ورُكْبانٌ، ورُكوبٌ، ورُكَّاب، ورِكَبَةٌ كفِيَلَةٍ. واختصَّ الرِّكاب بالمركوب. وقيل: الرَّكْب: رُكبان الإِبل، اسم جمع، وقيل: جمع وهم العشرة فصاعداً، وقد يكون للخيلِ، والجمع أَركُبٌ ورُكُوب. والرُّكْبة معروفة. ورَكَبْتُه: أَصبت رُكْبته، ورَكبته أَيضاً. أَصبته بركبتى، [نحو] عِنْته ويَديته: أَصبته بعينى وبيدى.

بصيرة فى الركد والركز والركس والركض والركع والركم والركن والرم

بصيرة فى الركد والركز والركس والركض والركع والركم والركن والرم الرّكود: السّكون، يستعمل فى الماءِ والرِّيح والسفينة. والرِّكْز: الصَّوْت الخفىّ، وسُمِّى المال المدفون رِكازاً لأَنَّه دُفن فى خفاءٍ، وذلك قد يكون بفعل إِنسان كالكنز، أَو بخلْقٍ إِلَهىّ كالمعدن، والرِّكاز يتناول الأَمرين جميعاً. والرَّكْس: قلب الشَّىءِ على رأسه ورَدّ أَوّله على آخره. أَركسته فَرَكَسَ وارتَكَسَ. وقوله تعالى: {والله أَرْكَسَهُمْ بِمَا كسبوا} أَى رَدَّهم إِلى كفرهم. والرّكض: تحريك الرِّجْل، والدفع. وتحرك الجناح، واستحثاث الفَرَس للْعَدْو. وقيل: إِذا نسب إِلى الراكب فهو إِعداءُ مركوب، وإِذا نسب إِلى ماشٍ فهو وَطْءُ الأَرض، نحو قوله تعالى: {اركض بِرِجْلِكَ} . وقوله: {لاَ تَرْكُضُواْ وارجعوا} نهى عن الانهزام

والركوع: الانحناءُ عبادة وتواضعًا ونحوه. قال: أُخبِّر أَخبرا القرون الَّتى مضت ... أَدبُّ كأَنى كلَّمَا قمت راكع والرَّكْم: جمع شىءٍ فوق شىءٍ آخر حتى يصير رُكَامًا مركومًا، كركام الرّمل والسّحاب. والرَكَمَ - بفتحتين -، والرُكام: السّحاب المتراكم. والرُّكْن: الجانب الأَقوى الَّذى يُسكن إِليه. ويستعار للقُوَّة، وقال تعالى: {أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} . والرَكين: الرّجل الرَّزين، ومن الجبال: العالى الأَركان. ورَكَن إِليه يركُن كنصر ينصر وركِن يركَن، كعلم يعلم؛ ورَكَن يَرْكَن، كمنع يمنع، ركونًا: مال وسكن. والرِّمّ - بالكسر -: ما يحمله الماءُ، أَو [ما] على وجه الأَرض، أَو الشىءُ البالى. والرِّمَّة يختص بالعظم البالى، والرُّمَّة - بالضمَّ - يختصَّ بالحبْل البالى. وجاءَ بالطِّمِّ والرِّمِّ: بالبحر والثَرَى، أَو الرَّطْب واليابس، أَو التراب والماءِ، أَو بالمال الكثير.

بصيرة فى الرمح والرق والرمز والمرض والرمى والهرب والرهط

بصيرة فى الرمح والرق والرمز والمرض والرمى والهرب والرهط رَمَحه: أَصابه بالرُّمْح. ورَمَحَتْه الدَّابةُ: رَفَسَتْهُ تشبيهًا بذلك. رَمَادٌ رِمْدِدٌ وأَرْمَدُ وأَرْمِدَاء. ويعبَّر عن الهلاك بالرَّمْد كما يعبَّر عنه بالهُمود. والرَّمْز: الصَّوت الخفىّ، والغمزُ بالحاجب، والإِشارة بالشفة. ويعبَّر عن كلِّ كلام كإِشارة بالرّمز، كما عبّر عن السّعاية بالغمز. والرَّمَض - بالتحريك - شدَّة حَرِّ الشَّمس على الرّمل وغيره. وقد رَمِض يومُنا - كعلم - رَمَضًا - بالتحريك -: اشتدّ حرّه. وقَدَمُه: احترقت من الرّمضاءِ للأَرض الشديدة الحرِّ. وشهر رمضان معروف. والجمع: رمضانات، ورمضانون، وأَرْمِضة، وأَرْمُضٌ شاذٌّ.

والرُّمى: الإِلقاءُ. رَمَى الشىءَ ورمَى [به] وأَرْمَى: أَلقاه، فارتمى. والرَّمْى فى المقال كناية عن الشتم والقذف، {والذين يَرْمُونَ المحصنات} : يقذفونهن. رَهِبَ - كعَلِم - رَهْبَةً ورُهْبًا ورَهْبًا ورُهْبَانًا - بالضم - ورَهَبانًا - بالتَّحريك -: خاف مع تحرُّز واضطراب. قال تعالى: {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب} أَى من الفزع. والاسم الرَّهْبى والرُهْبَى - ويمدّان - والرَّهَبُوتىَ. ورَهَبُوتٌ خير من رَحَمُوت: أَى لأَن تُرْهَب خير من أَن تُرْحَم. وأَرهبَه واسترهبه: أَخافه. وترهَّبه: توعَّده. قال تعالى: {واسترهبوهم} أَى حملوهم على أَى أَن يرهبوا. والرّهبانيّة: غُلُوٌّ فى تحمّل التعبّد من فَرْط الرهبة. والرَّاهِب: واحد رُهْبان النَّصارى، ومصدره الرَّهْبة والرَّهْبانيّة. وقيل: الرُّهْبان قد يكون واحدًا، والجمع: رَهَابِين، ورَهَابِنة، ورَهْبانون. والرَّهْطُ: العِصابة، وقوم الرّجل، وقبيلته، أَو من ثلاثة أَو من سبعة إِلى عشرة. وقيل: ما دون العشرة وما فيهم امرأَة. ولا واحد له من لفظه. ويجمع على أَرْهُطٍ، وأَراهِطَ، وأَرْهاطٍ، وأَراهيط.

بصيرة فى الرهق والرهن والرهو

بصيرة فى الرهق والرهن والرهو رَهِقَه - كعلمه - رَهَقًا - بالتَّحريك -: غَشِيه أَو لَحِقه. وقيل: دَنَا منه، سواء أَخذه أَو لم يأخذه. وقيل: هو غِشْيان بقهر. والرَّهَق (محرّك) : السَفَه. والنُّوك، والخِفَّة، وركوبُ الشرِّ والظلم، وغِشْيان المحارم، والكذب، والعجلة، واسم من الإِرهاق وهو أَن تحمل الإِنسان على ما لا يطيقه. والرَّهْن: ما وُضِعَ عندك لينوب مَنَابَ ما أُخِذ منك، والجمع رِهانٌ ورُهُون، ورُهُنٌ، ورَهِين. رَهَنه الشىءَ، ورَهَن عنده، وأَرهنه: جعله رَهْنًا. وارتهن منه: أَخذه رَهْنًا. ورهنته لسانى ولا تقل: أَرهنته. وكلُّ ما احتُبس به شىءٌ فرهينهُ ومُرْتهَنُه. والرِّهان والمُراهنة: المخاطرة والمسابقة على الخيل. وقرىءَ {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} (ورُهُنٌ) . وقيل في قوله تعالى:

{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} : إِنها بمعنى الفاعل أَى ثابتة مُقيمة، وقيل: بمعنى المفعول، أَى كلّ نفس مُقاَمَة فى جزاءِ ما قَدَّم من عمله. ولمّا كان الرَّهْن يُتصوّر منه حَبْسه استعير ذلك للمحتبِس أَىَّ شىءٍ كان، قال تعالى: {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} . والرَّهْو: السَّيْر السهل، والفتْح بين الرِّجْلين، والمكان المرتفِع، والمكان المنخفض، ضدُّ، والسّكون، قال تعالى: {واترك البحر رَهْواً} أَى ساكِنًا. وقيل: سعة من الطَّريق، ومنه الرَّهَاءُ كسماءٍ للمكان المتسع. ويقال لكلِّ جَوْبة مستوية يجتمع فيها الماءُ: رَهْوٌ. والرَّاهية: النَحْلة.

بصيرة فى الروح

بصيرة فى الروح الرّوح - بالضم -: ما به حياة الأَنفس يؤَنث ويذكّر، والقرآن، والوَحْى، وجبريل، / وعيسى عليهما السَّلام، والنفخ، وأَمر النبوَّة، وحكم الله تعالى، وأَمره، ومَلَكٌ وجهه كوجه الإِنسان وجسده كجسد الملائكة. والرَّوْح - بالفتح -: الراحة، والرّحمة، ونَسيم الريح. وقيل: الرُّوح والرَّوح فى الأَصل واحد، وجُعل اسما للنَفَسَ كقول الشاعر فى صفة النَّار: فقلت له ارفعها إِليك وأَحْيِها ... برُوحك واجعله لها قِيتةً قَدْرًا وذلك لكون النَّفَس بعض الرُوح، فهو كتسمية النوع باسم الجنس، نحو تسمية الإِنسان بالحيوان، وجُعل اسما للجزءِ الَّذى به تحصل الحياة والتحريك، واستجلاب المنافع واستدفاع المضَار، وهو المذكور فى قوله: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ، وقولِه: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} ، وإِضافته تعالى إِلى نفسه إِضافة مِلْك، وتخصيصه بالإِضافة تشريف له وتعظيم كقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} .

وسُمِّى أَشراف الملائكة أَرواحًا، وسمّى به عيسى عليه السلام: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} ، وذلك لِمَا كان له من إِحياءِ الأَموات. وسمّى القرآن رُوحاً فى قوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} وذلك لكون القرآن سبباً للحياة الأُخرويّة الموصوفة فى قوله تعالى: {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان} . والرَّوح: التَّنفس. وقد أَراح الإِنسان أَى تنفَّس. وقوله: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} ، فَالرَّيحان: ما له رائحة من النبات، وقيل رِزْق، ثم يقال للحبِّ المأكون رَيْحان فى قوله تعالى: {والحب ذُو العصف والريحان} . وقيل لأَعرابي: إِلى أَين؟ فقال: أَطلب من رَيْحان الله، أَى من رِزقِه. وفى الصَّحِيح: "الأَرْواح جُنُود مجنَّدة، فما تعارف منها ائتلف، ما تنكر منها اختلف". قال الشاعر: أَرواحنا مِثْلُ أَجنادٍ مجنَّدة ... لله فى الأَرض بالأَهواءِ تختلف فما تناكر منها فهو مختلف ... وما تعارف منها فهو يأْتلف

والرُّوح فى القرآن ورد على سبعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الرّحمة: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ} أَى رحمة. الثانى: بمعنى المَلَك الَّذى يكون فى إِزاءِ جميع الخَلْقَ يوم القيامة: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً} . الثالث: بمعنى جبريل: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} ، {تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا} . الرَّابع: بمعنى الوحى والقرآن: {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} . الخامس: بمعنى عيسى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} ، {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} . السادس: فى شأْن آدم عليه السّلام واختصاصِه بفضله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} . السّابع: بمعنى اللطيفة التى فيها مَدَد الحياة: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح} ، {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القدس} .

وجميع ما تقدّم من الكلام على الرُّوح إِنما هو تفصيل من حيث اللفظ. أَمَّا أَقسام الرّوح من حيث العِلْم فالرُّوح فى الأَصل ثلاثة أَنواع: حيوانى، وطبيعىّ، ونفسانى. فمركز الرّوح الحيوانى القلب، ومركز الرّوح الطَّبيعى الدم، ومحلُّ الرّوح النفسانى الدماغ. فالرّوح الحيوانى يصل إِلى جميع الأَعضاءِ بواسطة العُرُوق الضَّوارب الَّتى تسمّى الشرايين. والرُّوح الطبيعى يصل إِلى أَطراف البَدَن بواسطة الأَورِدَةِ. والرّوح النَّفسانى يَنْتشر من القَرْن إِلى القَدَم بواسطة / الأَعصاب. وثمرة الرّوح الحيوانىّ الحياةُ والرَّاحة، وثمرة الرّوح الطبيعى القوّة والقدرة، وثمرة الرّوح النفسانى الحِسّ والحركة. وأَمَّا حقيقة الرّوح فهى لطيفة ربّانيَّة، وعُنصر من عناصر العالَم العلوىِّ تتصل بمدَدٍ ربَّانىّ إِلى العالم السُّفلىّ. وعلى حسب درجة الحيوانات وتفاوت الحالات التى لهم تتَّصل بهم. ولما كان الإِنسان فى الصّورة والصّفة والمعنى أَكمل من جميع الحيوانات كان المتَّصل به من ذلك أَفضل الأَرواح. وليس لأَحد من العالمين وقوف على سرِّ تلك اللَّطيفة وحقيقته، والله سبحانه المنفرد بعلم ذلك. والحكمة فيه - إِن شاءَ الله تعالى - أَن يتأَمّل الإِنسان ويُسلِّطَ قوّة فهمه وفكره، ويتحقَّق أَنَّ الرُّوح الَّذى جعل الله

الحياة والرَّوْح والراحة والقُوّة والقدرة والحِسّ والحركة والفهم والفكر والسّمع والبصر والنُطْق والفصاحة والعلم والعقل والمعرفة من ثمراته ونتائجه، (وله به) نسب وإِضافة من وجوه عدّة، وهو يباشره ويعاشره مدَّة حياته وطولَ عمره، فى اليقظة والمنام والقُعُود والقيام، ودوام الموافقة والمرافقة والصّحبة، ومع ذلك لا يصل عِلمُه إِلى شىءٍ من كُنْه حقيقته ودَرْكِ معرفته، فكيف يطمع فى الوصول إِلى ساحة إِدراك جلال من تنزَّه من الكمّ والكيف، وتقدّس ذاتُه عن الرَيْنِ والرّيب، وبَعُدَتْ صفاته عن الشَّين والعيب فى عزَّة جلاله، لا وقوف عليه ولا وصول إِليه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير} . والرِّيح معروفة، وهى - فيما قيل - الهواءُ المتحرك. وعامة المواضع الَّتى ذكر الله تعالى فيها الرِّيح بلفظ الواحد فعبارةٌ عن العذاب، وكلُّ موضع ذكر بلفظ الجمع فعبارة عن الرّحمة؛ كقوله تعالى: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} ، وقوله: {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً} . وأَمّا قوله: {الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً} فالأَظهر فيه الرَّحمة، وقرىءَ بلفظ الجمع وهو أَصحّ.

وقد يستعار الرِّيح للغلبة نحو: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ، وفى الأَثر: "لولا الريح لأَنتنَ ما بين السّماء والأَرض". ويقال لمن لا أَصل لكلامه: كلامه ريح فى فسيح وقال: وثقنا منك بالكرم الصّريح ... فأَقدمنا على الفعل القبيح فأَرسلْ لى رِياح الفَضْلِ بُشْرًا ... فما بيدىَّ شىءٌ غير ريح وقد ورد الريح فى القرآن على سبعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى القوّة والدَّولة: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} . الثاني: بمعنى العذاب فى العقوبة: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم} ، {رِيحاً صَرْصَراً} . الثالث: بمعنى نَسَمَاتِ الرحمة: {يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} . الرَّابع: بمعنى اللاَّقحات {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} . الخامس: بمعنى مسخَّرات المراكب فى البحار لمنافع السُّفَّار والتُجَّار: {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} .

السّادس: بمعنى رياح النَّصر: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} . السّابع: بمعنى ريح المضَّرة والعذاب: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً} ، {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} . وقوله تعالى: {لاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} أَى من فَرَجِه ورحمته، وذلك بعض الرّوح. وراحَ فلان إِلى أَهله، وإِمّا لأَنه أَتاهم فى السرعة/ كالرِّيح، أَو لأَنَّه أَستفاد برجوعه إِليهم رَوْحًا من المسرّة. والله أَعلم.

بصيرة فى الرود والروض والروع والروغ

بصيرة فى الرود والروض والروع والروغ الرَّوْد: التردّد فى طلب الشىءِ برفق، وقد راد وارتاد، ومنه الرّائد لطالب الكلأَ. وباعتبار الرِّفق قيل: رادت المرأَة فى مِشيتها ترودُ روَادنا. منه بُنى المِرْوَدُ؛ وأَرْوَد يُرْوِدُ: إِذا رَفَق، ومنه بُنى رُوَيْدًا. والإِرادة منقولة من راد يَرُود: إِذا سعى فى طلب شىءٍ. والإِرادة فى الأَصل: قوّة مركَّبة من شهوة وحاجةٍ وأَمَل، وجُعل اسما لنزوع النَّفْس إِلى الشىءٍ مع الحكم فيه بأَنَّه ينْبغى أَن يُفعل أَوْ لا يُفعل. ثم يستعمل مرّة فى المبدإ وهو نزوع النفس إِلى الشىءِ، وتارة فى المنتهَى وهو الحكم فيه بأَنه ينبغى أَن يُفعل أَوْ لا يفعل. فإِذا استُعمل فى حَقِّ الله تعالى فإِنَّه يراد به المنتهَى دون المبتدإ، فإِنه يتعالى عن معنى النُّزوع، فمتى قيل: أَراد الله كذا فمعناه: حكم فيه أَنه كذا أَوْ ليس بكذا. وقد يذكر الإِرادة ويراد بها الأَمر كقوله: أُريد منك كذا، أَى آمُرك بكذا، نحو {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر} . وقَدْ يُذكَر ويراد به القصد؛ نحو قوله تعالى: {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض} ، أَى يقصدونه ويطلبونه.

والمراودة: أَن تنازع غيرك فى الإِرادة فتريد غير ما يُريده، أَو ترود غير ما يروده. وقوله: {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ} أَى تصرفه عن نفسه. والإِرادة قد تكون بحسب القوّة التسخيريّة الحسيّة، كما تكون بحسب القوّة الاختيارية، ولذلك تستعمل فى الجماد وفى الحيوان، قال تعالى: {جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} ، وتقول: فرسى يريد العَلَف. والرَّوضة من الرّمل والعُشْب معروفة، ويقال: الرِّيضَة أَيضاً، والجمع رَوْض، ورِياض، ورِيضانٌ. وكلُّ ماءٍ يجتمع فى الإِخاذات والغُدْرَان والمسَاكات رَوْضة ورِيضة. قال تعالى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أَى فى رياض الجنَّة وهى محاسنها وملاذُّها، {فِي رَوْضَاتِ الجنات} إِشارة إِلى ما أُعِدَّ لهم فى العُقْبى من حيث الظَّاهر، وقيل إِشارة إِلى ما أَهَّلَهُم له من العلوم والأَخلاق التى مَن تخصّص بها طاب قلبه. وأَراضَ الوادى: استنقع فيه الماءُ، كاستراض. ورَوَّض: لزم الرّياض. والقَرَاحَ: جعله روضة.

واستراض المكانُ: اتَّسع. والحوضُ: صُبَّ فيه من الماءِ ما يوارِى أَرضه. والنفسُ: طابت. والرُّوعُ - بالضَّم -: القلب، والعقل. والرَّوْع والارتباع والتَّروّع: الفَزَع. وراعه: أَفزعه كروّعه. ورَاعه: أَعجبه. والأَروع والرّائع: مَن يُعجبك بحسنه. والاسم الرَّوْع. والمُرَوَّعُ: مَن يُلقَى فى صدره صدقُ فِراسة. والرَّوْغ والرَّوغان: الميل على سبيل الاحتيال. وأَخذْتَنى بالرُّوَيغة: بالحيلة. ورَاغَ وارتاغ: أَراد وطلب. وراوغ إِليه: مال نحوه لأَمر يريده منه بالاحتيال. وقوله تعالى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً باليمين} أَى أَحال، وحقيقته: طلبَ بضربٍ من الرَّوَغَان، ونبّه على الاستعلاءِ بلفظة على.

بصيرة فى الروم والروى والريب والريش والريع والرين

بصيرة فى الروم والروى والريب والريش والريع والرين الرَّوْمُ، والمرام: الطَّلب. والرُّوم - بالضَّم -: جِيلٌ من ولد / الرّوم ابن عيصو. وهو رُومىٌّ، وهم رُوم. والرَّوَى والرِّىّ والرَّىّ: ضد العَطَش. رَوِى من الماءِ واللَّبن يَرْوَى - كَرضِىَ يرضَى - رِيًّا ورَيًّا. ورَوَى وتَرَوَّى وارْتَوَى، بمعنى، والاسم الرِّىُّ، قال تعالى: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً} . فمن لم يهمز جعله من رَوِىَ، كأَنَّه رَيّان من الحسن، ومن همز فلِلَّذى يُرْمَق من حسنه. والرَّيْب: صَرْف الدّهر، سُمِّى به لِمَا يتوهَّم فيه من المكر، والحاجةُ، والظَّنَّة، والتُّهَمة كالرِّيبة بالكسر، وقد رابنى، وأَرابنى. وأَرَبْتُه: جعلت فيه ريبة. وقيل: الرَّيب أَنْ يتوَهَّم بالشىءِ أَمرًا ما فينكشف عمًا يتوهَّمه، ولهذا قال تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} ، والإِرابة: أَنْ يتوهَّم فيه أَمرًا فلا ينكشف عمًا يتوهَّمه.

وقوله تعالى: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} سماه رَيْبًا من حيث إِنَّه يُشَكّ فى قوت حصوله، لأَنَّه مشكوك فى كونه. فالإِنسان أَبدًا فى ريب المنون من جهة وقته لا من جهة كونه. قال الشاعر: النَّاس قد علِمُوا أَن لا بقاءَ لهم ... لو أَنَّهُم عَمِلُوا مقدار ما عَلِمُوا! والارتياب يجرى مَجْرى الإِرابة. ونفى عن المؤْمنين الارتياب فقال: {وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُواْ الكتاب والمؤمنون} ، وقال: {إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} . والرِّيبة: اسم من الرِّيب، قال تعالى: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} ، أَى يدلُّ على دَغَل وقِلَّة يقين منهم. ورِيش الطَّائر معروف. وقد يختصّ بالجناح من بين سائره، ولكون الرّيش للطائر كالثياب للإِنسان استعير للثياب، قال تعالى: {لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً} . ورِشْتُ السَّهْمَ أَريشه: جعلتُ عليه الرِّيش. واستعير لإِصلاح الأَمر فقيل: رِشْت فلانًا فارتاش: أَى حسُن حاله. قال: فرِشْنى بخيرٍ طَالَما قد بَرَيْتَنِى ... فخير الموالِى مَن يَرِيش ولا يَبرى

والرِّيع - بالكسر -: المكان العالى. قال تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} ، ومنه استعير الرَّيع للزِّيادة والارتفاع الحاصل. والرِّيْن: الطَّبَع والدَّنَس، والصّدأُ يعلو الشىءَ الجلىَّ. ران على قلبه رَيْنَة ورَيْنًا ورُيُونا: غلب. وكلُّ ما غلبك فقد رانك، وران بك وران عليك. قال تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ} أَى صار ذلك كصَدَإٍ على جِلاءِ قلوبهم فعَمّى عليهم معرفة الخير من الشرِّ.

بصيرة فى الرؤية

بصيرة فى الرؤية وهى النَّظر بالعين، وبالقلب. رأَيته رُؤْيةً وَرَأْيًا ورَاءَةً ورَأْية ورِئْيانًا، وَارْتأَيته واسترْأَيتُه. والحمد لله على رِيَّتك بزنة نِيَّتك أَى رؤيتك. والرَّآء - كشدَّاد -: الكثير الرُّؤْيَة. والرُئِىُّ - كصُلىّ - والرُّؤَاءُ - كغراب - والْمَرْآة - بالفتح -: المنظر، وقيل: الأَوّل: حسن المنظر كالتَرْئيَة. وا سترآه: استدعى رؤيته. وأَريتُه إِيّاهُ إراءَةً وإِرْآءً. وراءَيته مراءَاةً ورِياءً: أَريته على خلاف ما أَنا عليه. ونحذف الهمزة فى مضارع رأَى فيقال: يرى. والرّؤية تختلف بحسب قُوَى النَّفس: الأَوّل بالحاسة وما يجرى مجارها، قال تعالى: {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} ، وهذا ممّا أُجرى مُجْرى الرّؤية بالحاسّة، فإِنَّ الحاسّة لا تصحّ على الله تعالى. والثانى بالوَهْم والتخيّل، نحو: أُرَى أَنَّ زيدًا منطلق. والثالث بالتَّفكر: {إني أرى مَا لاَ تَرَوْنَ} والرّابع بالعَقْل، نحو: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} ، وعلى ذلك حُمل قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى} .

/ورأَى إِذا عُدّى إِلى مفعولين اقتضى معنى العلم. ويُجرى أَرأَيتَ مُجرى أَخْبِرْنى، ويدخل عليه الكاف ويُترك التَّاءُ على حاله مفتوحة فى التثنية والجمع والتأنيث، تقول: أَرأَيتَك، أَرأَيتَكما، أَرأَيتَكم، قال تعالى: {أَرَأَيْتَكَ هاذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} ، وفيه معنى التَّنبيه. والرّأْى: اعتقاد النَفْس أَحد النَّقيضين عن غلبة الظنِّ، وعلى هذا قوله تعالى: {يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العين} ، أَى يظنونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم، تقول: فعل ذلك رأْى عَين. الرَّوِيَّة والتروية: التفكّر فى الشىء، والإِمالة بين خواطر النفس فى تحصيل الرّأْى. والمُرَئِّى: المتفكر. وإِذا عدّى رأَيت بإِلى اقتضى معنى النظر المؤَدّى إِلى الاعتبار، نحو: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} ، وقولُهُ: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله} أَى بما علَّمك وعرَّفك. والرَّاية: العلامة المنصوبة للرؤْية. وأَرْأَى: صار له رَئِىٌّ من الجنِّ. وهو جنىٌّ يُرَى فيُحَبّ. والرُّؤْيا: ما رأَيته فى منامك، والجمع رُؤًى كهُدًى، وقد تخفَّف الهمزة من الرّؤيا فيقال بالواو.

وقوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان} أَى رأَى بعضهم بعضاً، وقيل: تقاربا وتقابلا حتى صار كلٌّ واحد بحيث يتمكَّن من رؤْية الآخر. وفى الحديث: "إِنَّ المؤْمن والكافر لا يتراءَى ناراهما". وهو مَرْآة بكذا أَى مخْلَقة، وأَنا أَرْأَى: أَخلق وأَجدر. والمِرآةُ - كمِسحاة -: ما تراءَيت فيه. والرِّئة: موضع النفَس والرِّيح من الحيوان. والجمع، رِئات ورِئُونَ. آخر تفسير بصائر حرف الرّاءِ ولله الحمد.

الباب الثانى عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الزاى

الباب الثانى عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الزاى

بصيرة فى الزاى

بصيرة فى الزاى وقد ورد على تسعة أَوجه. الأَوّل: حرف من حروف التهجِّى، أَسَلّى مخرجه قرب مخرج الذَّال، يُمَدّ ويقصر، ويذكَّر ويؤَنث. والنَّسب زائىّ وزاوِىّ وزَوَوِى والجمع: أَزْياء وأَزْواء. الثاني: اسم فى حساب الجُمَّل بعدد السّبعة. الثَّالث: الزَّاى الكافية الَّتى تقتصر عليها من جميع الكلمة: آتيك زايًا أَى زائرًا. وقال: فإِن تحضر أَخى عَجِلاً وإِلاّ ... دعوناك ابن غانيةٍ بزاى أَى ابن الزَّانية. الرابع: الزَّاى فى مثل: عَزَّز وعَزِّم. الخامس: الزَّاى المدغمة فى مثل: أَزَّ وعزَّ. السّادس: زاى العجز والضَّرورة، فإِن جماعة يجعلون الذَّال زايًا، والزَّاى ذالاً.

السّابع: الزَّاى الأَصلى من نحو: زمر، ووزم، ورزم. الثَّامن: الزَّاى المبدلة من الصّاد؛ نحو الزّراط فى الصّراط. التَّاسع: الزَّاى اللُّغوى: قال الخليل: الزَّلمى: الرّجل الكثير الأَكل، قال: إِذا احتفل السَّراة تكون داءً ... وعند النَّاس زاى جعظرِىٌّ

بصيرة فى الزبد والزبر والزج

بصيرة فى الزبد والزبر والزج الزَبَدُ - محرّكة -: زَبَدُ الماءِ. وأَزبد البحر: صار ذا زَبَد، ومنه أُخِذَ الزُّبْد لمشابهته إِيّاهُ فى البياض. وزَبَدْته - كنصرته -: أَعطيته مالاً جَمًّا كالزَبَد كَثْرة، وأَطعمته الزُّبْد. والزَّبْر: الكتابة الغليظة، والتهديد، وقد زَبَرَ يزْبُر كنصر ينصر. والزَبْر أَيضاً: العقل، فلان ما له زَبْر. والزَّبُور: الكتاب المسطور. وسُمِّى كتاب داود عليه السّلام زَبُورًا لأَنَّه نزل من السّماءِ مسطورًا. والجمع: زُبُرٌ ككتب. قال الشاعر: /فى ديار خالياتٍ ... من أَمارات السرورِ مُقْفِراتٍ دارسات ... مثل آيات الزَّبور وقال تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً} ، وقرىء بضمّ الزَّاءِ، وذلك جمع: زَبْر كظّرف وظُروف. وقيل: الزَّبُور كلّ كتاب يصعُب الوقوف عليه

من الكُتُب الإِلَهيّة. وقيل: الزَّبُور: اسم للكتاب المقصور على الحكمة العقلية دون الأَحكام الشرعيّة، والكتابُ لما يتضمّن الأَحكام والحِكَم. وقد ورد ما يُشتق من هذه المادّة فى القرآن على خمسة أَوجه. الأَوّل: بمعنى قِصَص القُرون الماضية: {جَآءُوا بالبينات والزبر} ، أَى حديث الأَوّلين، {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين} . الثَّانى: بمعنى كِتاب المتأَخرين: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر} . الثَّالث: بمعنى اللَّوح المحفوظ: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر} أَى فى اللَّوح. الرَّابع: بمعنى كتاب داود: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً} . الخامس: الزُّبَر مثال صُرد، جمع زُبْرة للقطعة العظيمة من الحديد. واستعير للجُزْءِ. وقوله تعالى: {فتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً} ، أَى صاروا فيه أَحْزابًا. والزّجاج - مثلَّثة الزاى -: حجر شفَّاف، واحدته بهاء، قال تعالى: {المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ} . والزُّجُّ: حديدةٌ أَسفَل الرّمح ج زِجَاج. زَجَّجته: جعلت له زُجَّا (وأَزْججته: جعلت له زُجًّا) ، وأَزججته: نزعت زُجَّه.

بصيرة فى الزجر والزجى والزخرف والزرب والزرع

بصيرة فى الزجر والزجى والزخرف والزرب والزرع الزَّجر: طَردٌ بصوت، ثم يستعمل فى الطَّرد تارة، وفى الصّوت أُخرى. وقوله تعالى: {فالزاجرات زَجْراً} أَى الملائكة الَّتى تَزْجُر السّحاب. وقوله: {وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ الأنبآء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} ، أَى طَرد ومَنْع عن ارتكاب المآثم، وقوله: {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وازدجر} أَى طرد. والتَزْجية: دفع الشَّىءِ لينساق، كتزجية السّحاب. وبضاعة مزجاة: يسيرة حقيرة. قال الشاعر: وحاجة غير مُزْجاة من الحاج أَى غير يسيرة يمكن دفعها وسَوقها لقلَّة الاعتداد بها. والزَّحف: انبعاث مع جَرِّ الرِجل كانبعاث الطِّفل قبل المشى. والزُّخْرف: الذَّهب، قال تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ}

أَى ذهب مزوَّق. والزُخْرف: الزينة المُزَوَّقة. وقوله: {زُخْرُفَ القول غُرُوراً} ، أَى المَزَّوَقَات من الكلام. وذكر فى القرآن على أَربعة أَوجهٍ. الأَول: بمعنى الذَّهب: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ} . الثانى: بمعنى التَّخْت والمتَّكإِ: {وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفاً} . الثالث: بمعنى الزِّينة: {حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا} . الرَّابع: بمعنى مُزَوَّقات الكلام: {زُخْرُفَ القول} . والزَرَابىُّ: الطَّنافِس قال تعالى: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} ، وقيل: هى ضرب من الثياب محبَّر منسوب إِلى بلد، الواحد زَرْبيَّة. والزَّرع: الإِنبات، وحقيقة ذلك مخصوصة بالله تعالى، فلهذا قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون} فنسب الْحَرث إِليهم، ونَفى عنهم الزَّرع، ونسبه إِلى نفسه تعالى. وإِذا نُسب إِلى العبد فمجاز؛ لأًَنه فاعل للأَسباب الَّتى هى سبب الزَّرْع، كما تقول: أَنبتُّ كذا

إِذا كنتَ من أَسباب إِنباته. / والزرع فى الأَصل مصدر، وعبّر به عن المزروع؛ كقوله: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً} . قال الشاعر: لَعَمْرُك ما المعروف فى غير أَهله ... وفى أَهله إِلاَّ كبعض الودائع فمستودَعٌ قد ضاع ما كان عنده ... ومستودَع ما عنده غير ضائع وما النَّاسُ فى شكر الصنيعة عندهم ... وفى كفرها إِلاَّ كبعض المزارع فمرزعةٌ طابت وأَمرَع زَرْعُهَا ... ومرزعة أَكْدت على كلِّ زارع والزرع ذكر فى ثمانية مواضع من القرآن: الأَوّل: فى ذكر بساتين آل فرعون: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ} . الثانى: ما مَنَّ الله به على سائر الخلق، فى قوله: {والنخل والزرع مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} . الثالث: فى خُلُوّ وادى مكة منه: {إني أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} . الرَّابع: فى تعبير يوسف رؤْيا الملكِ: {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ} .

الخامس: فى قوله: {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ} . السّادس: فى قوله: {أَمْ نَحْنُ الزارعون} . السّابع: فى تشبيه حال أَهل الإسلام فى ظهورهم به: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} . الثَّامن: فى تشبيه تقوية الخلفاءِ الأَربعة إِيمانهم بالصدق والإِخلاص به: {فاستوى على سُوقِهِ يُعْجِبُ الزراع} . قال الشاعر: إذا أَنت لم تزرع وأَبصرت حاصدًا ... ندِمت على التفريط فى زمن البَذْرِ

بصيرة فى الزرق والزرى والزعق والزعم والزف والزفر والزقم

بصيرة فى الزرق والزرى والزعق والزعم والزف والزفر والزقم الزَّرَق - محرّكة - والزُرْقة - بالضمِّ -: لون معروف بين البياض والسّواد. زَرقت عينه - كفرح - زُرْقة وزَرَقَانًا. الزُّرْقة أَيضاً: العَمَى، ومنه قوله تعالى: {يَوْمِئِذٍ زُرْقاً} أَى عُمْيًا عيونهم لا نور لها. وزَرَيْت عليه: عِبْتُه. وأَزْريت به: قصَّرت به. وكذلك ازدريت به (وزريت عليه: عبته) زَرْيًا وزِرَايَةً ومَزْرِيَةِ وَمَزْراةً وزُرْيانًا بالضمّ. وزراه أَيضا: عاتبه. وازدراه واستزاره: احتقره، قال تعالى: {وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تزدري أَعْيُنُكُمْ} أَى تزدريهم أَعينكم، أَى تستقِلُّهم وتهينهم. وأَزرى بأَخيه: أَدخل عليه عَيباً أَو أَمرًا يريد أَن يلبّس عليه به. والزُّعاق - بالضم -: الماءُ المُرّ الغليظ لا يطاق شربه. وزَعَقَهُ كمنعه: ذَعَرَه.

والزّعم - بتثليث الزاى -: القول الحقّ، والقول الباطل، ضدّ، والكذب. والزُّعْمِىّ: الكذَّاب والصّادق. وقيل: الزَّعم حكاية قول (يكون) مظنَّة للكذب، ولهذا جاءَ فى القرآن فى كلِّ موضع ذُمّ القائلون به. والزَّعيم: الكفيل، وقد زَعَمَ به زَعْمًا وزَعَامة، وسيّد القوم ورئيسهم المتكلِّم عنهم، والجمع: زُعماءٌ. والمَزْعَم: المطعم. قال. وزعمتمُ أَن لا حلومَ لنا ... إِن العصا قُرِعت لذى الحِلْمِ وتركتنَا لَحْمًا على وَضَمٍ ... لو كنت تستبقى من اللَّحم ووطئتَنا وطْأً على حَنَق ... وطْءَ المقيّد يابس الهَرْم وقد ورد فى القرآن على ثمانية أوجهٍ: الأَوّل: بمعنى شَرْع أَهل الجاهلية: {لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ} . الثانى: بمعنى دعواهم: {هاذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهاذا لِشُرَكَآئِنَا} .

الثالث: فى إهمال الأصنام إِمامهم يوم القيامة: {وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} . الرّابع: بمعنى إِنكارهم البعث: {زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ} . الخامس: دعواهم فى نفى الحشر: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً} . السّادس: دعوى اليهود أَنَّهم أَحِبّاءُ الله: {إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ} . السابع: بمعنى أَيُّهم كفيل بإِقامة حجّة رُبُوبيّة الأَصنام: {سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ} . الثامن: بمعنى ضمان وكيل يوسف فى الكَيْل: {وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} . زَفَّ الظَلِيمُ يزِفُّ زَفِيفاً: أَسرع، والرِّيح: هَبَّتْ فى مُضىٍّ. وقوله تعالى: {فأقبلوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} فيمن قرأَ مشدّدة أَى يُسرعون،

و (يُزِفُّون) أَى يحملون أَصحابهم على الزَّفيف، و (يَزفُون) بالتخفيف بمعناه، مضارع وَزَف يزِف وزِيفاً: أَسْرع. وزَفَر يَزْفِر زَفِيرًا، وهو اغتراق النَّفَس للشدَّة. وقيل: الزَّفير: ترديد النَّفَس حتى تنتفح الضُّلوع منه، قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} فالزَّفِير: أَوّلُ صوت الحمار، والشَّهِيق: آخره، لأَنَّ الزفير إِدخال النَّفَس، والشَّهيق آخره. والزَّقُوم: الزُّبْد بالتَّمر، وشجرة بالبادية، وشجرة بجهنَّم، وطعام أَهل النَّار.

بصيرة فى الزكاة

بصيرة فى الزكاة زكا يزْكو زَكَاءً وزُكُوًّا: نما. والزكاة: النُّموّ الحاصل عن بركة الله تعالى. ويعتبر ذلك بالأُمور الدّنيوية والأَخرويّة، وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً} إِشارة إِلى ما يكون حلالاً لا يُسْتوخَم عُقْباه. ومنه الزكاة لما يخرجه الإِنسان من حقِّ الله تعالى إِلى الفقراء، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاءِ البركة، أَو لتزكية النَّفْس أَى تنميتها بالخيرات والبركات، أَوْ لهما جميعًا؛ فإِنَّ الخَيْرين موجودان فيها. وقرن الله تعالى الزكاة بالصَّلاة فى القرآن تعظيما لشأنها. وبزكاءِ النفس وطهارتها يصير الإِنسان بحيث يستحق فى الدُّنيا الأَوصاف المحمودة، وفى الآخرة الأَجرَ والمثوبة، وهو أَن يتحرَّى الإِنسان ما فيه تطهيره. وذلك ينسب تارة إِلى العبد لاكتسابه ذلك، نحو قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} ، وتارة إِلى الله تعالى لكونه فاعلا لذلك فى الحقيقة نحو: {بَلِ الله يُزَكِّي مَن يَشَآءُ} ، وتارة إِلى النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم لكونه واسطة فى وصول ذلك إِليهم، نحو: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ، وتارة إِلى العبادة الَّتى هى آلة فى ذلك، نحو: {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً} .

وقوله: {لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً} أَى زكِىَّ الخِلْقة، وذلك على طريق ما ذكرناه من الاجتباءِ، وهو أَن يجعل بعض عباده عالِمًا وطَاهر الخُلُق لا بالتعَلُّم والممارسة بل بقوّة إِلهيّة، كما يكون لكلِّ الأَنبياءِ والرُّسُل. ويجوز أَن يكون تسميته بالزَّكِىّ لما يكون عليه فى الاستقبال لا فى الحال. والمعنى سَيَتَزَكَّى. وقوله: {والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} أَى يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكِّيهِم الله، أَو ليزكُّوا أَنفسهم، والمعنيان واحد. وليس قوله (للزَّكاة) مفعولا لقوله (فاعلون) ، بل اللاَّم فيه للقصد وللعلَّة. وتزكية الإِنسان نفسه ضربان: أَحدهما بالفعل وهو محمود، وإِليه قَصَد بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} ، والثانى بالقول كتزكية العدل غيره. وذلك مذموم أَن يفعل الإِنسان بنفسه. وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: {فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ} ، ونهيه عن ذلك تأديب لقبح مَدْح الإِنسان نفسه عقلا وشرعاً، ولهذا قيل لحكيم: ما الَّذى لا يحسن / وإِن كان حقًّا؟ فقال: مَدْح الإِنسان نفسه. وفى أَثر مرفوع: "ما تلِف مالٌ من برّ ولا بحر إِلاَّ بمنع الزَّكاة".

ويقال: زكاة الحُلِىِّ إِعارتها. وقال عليه الصلاة والسّلام: "حَصِّنُوا أَموالكم بالزَّكاة"، وقال الشاعر: وأَدِّ زكاة الجاه واعلم بأَنَّها ... كمِثل زكاة المال تّمَّ نِصابها وقال: حبَّ علىِّ بن أَبى طالبٍ ... دلالةٌ باطنةٌ ظاهرهْ تُخْبِرُ عن مُبْغِضه أَنَّه ... نُطفةُ رجْسِ فى حَشَى عاهرهْ ومن تولَّى غيرَه لا زَكَتْ ... زُكْبته فى الدّنيا والآخرهْ وورد فى القرآن على ستَّة عشر وجهاً: وذلك بمعنى الأَقرب إِلى المصلحة: {هُوَ أزكى لَكُمْ} . وبمعنى الحلال: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً} . وبمعنى الحُسْن واللطافة: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} أَى ذات جمال. وبمعنى الصّلاح والصِّيانة: {أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً} أَى صلاحاً. وبمعنى النبوّة والرسالة: {لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً} ، أَى رسولا نبياً.

وبمعنى الدعوة والعبادة: {وَأَوْصَانِي بالصلاة والزكاة} . وبمنعى الاحتراز عن الفواحش: {مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً} . وبمعنى الإِقبال على الخدمة: {وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} . وبمعنى الإِيمان والمعرفة: {الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة} أَى لا يؤْمنون. وبمعنى التوحيد والشِّهادة: {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى} . وبمعنى الثناءِ والمَدْح: {فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ} . وبمعنى النَّقاءِ والطَّهارة: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} . وبمعنى التَّوْبة من دعوى الرّبُوبيّة: {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} . وبمعنى أَداءِ الزَّكاة الشرعية: {وَآتُواْ الزكاة} ، {وَيُؤْتُواْ الزكاة} . ولها نظائر كثيرة.

بصيرة فى الزلل والزلفة والزلق والزمر والزمل والزنم والزنى والزهد

بصيرة فى الزلل والزلفة والزلق والزمر والزمل والزنم والزنى والزهد زَلَلْتَ تَزِلُّ، وزَلِلْت تَزَلَّ زَلاًّ زَلِيلاً ومَزِلَّةً وزُلولاً وزَلَلاً وزِلِّيلَى أَى زلِقْتَ. وأَزلَّه غيره. والمَزَلَّة والمَزِلَّة: موضعه. وقيل للذَّنب من غير قصدِ: زَلَّة، تشبيهًا بزلَّة الرِّجلْ، قال تعالى: {فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ البينات} ، ومنه قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان} . واستزلَّه: إِذا تحرّى زَلَّته. وقوله: {استزلهم الشيطان} أَى استجرَّهم حتَّى زَلُّوا؛ فإِن الخَطيئة الصغيرة إِذا ترخَّص الإِنسان فيها تصير مسهِّلة لسبيل الشيطان على نفسه. وزلزلهُ زَلزلة وزلزالاً - مثلَّثة الزَّاى -: حرّكه، فتزلزل، وتكرير حروفه تنبيه على تكرّر معنى الزَّلل فيه. وقوله تعالى: {وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} أَى زُعْزِعوا من الرّعب. وإِزِلْزِل: كلمة تقال عند الزلزلة. والزُّلْفة والزُلْفَى والزَّلَف: القُرْبة والمنزلة، قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً}

وقال: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} وهى اسم المصدر كأَنَّه قال: ازدلافاً. وجمع الزُّلْفة: زُلَفٌ. وقال العَجَّاج: تاجٍ طواه الأَيْن ممّا وَجَفا ... طىَّ اللَّيالى زُلَفَا فزُلفا سماوة الهلال حتَّى احْقَوْقفا والزُّلْفة أَيضاً: الطائفة من أَوّل اللَّيل، والجمع: زُلَف وزُلُفات وزُلْفات. وقوله تعالى: {وَزُلَفاً مِّنَ اليل} أَى ساعة بعد ساعة يقرب بعضها من بعض. وعُنى بالزُّلف من اللَّيل المغرب والعشاء. وأَزْلفه: قرّبه. وقوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين} قال ابن عرفة: أَى جمعناهم قال: وأَحسن من هذا: وأَدنيناهم يعنى إِلى الغُرَف، قال: وكذلك: {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ} أَى أُدْنِيَتْ. والمُزْدَلِفة سمُّيت بها لقربها من مِنىً. وازدَلَف إِلى الله بركعين: تقرَّب. والزَّلَق والزَّلل بمعنى، زَلَِق كفرح و (نصر) : زلَّ. وأَزلق فلاناً ببصره: نظر إِليه. قال تعالى: {لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} . وقرأ أُبىُّ بن كعب: (وأَزلقنا / ثمَّ الآخَرِين) .

والزُّمْرة - بالضم -: الجماعة من النَّاس، والجمع زُمَرٌ، لأَنها إِذا اجتمعت كان لها زِمارًا وجَلَبَة. والزِمار - بالكسر -: صوت النَّعام. والتزميل: الإِخفاء. والتَّزمُّل: التلفَّف. وقوله تعالى: {ياأيها المزمل} أَى يأَيها المتزمّل فى ثوبه، وذلك على سبيل الاستعارة، وكُنِىَ به عن المقصّر والمتهاون فى الأَمر، وتعريض به. والزَنِمِ والمُزَنَّم: الدَعِىُّ، والرّجل المستلْحَق فى قومٍ ليس منهم، قال: والزِّناء والزِنىَ: وَطْءُ المرأَة من غير عَقْد شرعىّ ومِلْك يمين. زَنى يزنى زِنىّ وزِناءً، وزانىّ مزاناةً وزِناءً بمعناه. وزاناه: نسبه إِلى الزِّنى. وهو ابن زَنْية - بالفتح وقد يكسر - ابن زِنىً. والزهِيد: الشىء القليل. وزَهِدَ فى الشىءِ يزهد زُهْدًا وزَهَادة: رغِب عنه

أَو رضى بيسير منه. والزُّهْد: الرّضا بالقليل، قال تعالى: {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين} . وقد أكثر المشايخ من الكلام فى الزهد، وكلٌّ أَشار إِلى ذوقه، ونطق عن حاله ومشاهدته. فقال سفيان الثورىّ: الزُّهد: قِصَرُ الأَمل، ليس بأَكل الغليظ ولا لبس العباءَة. وقيل: الزُّهد فى قوله تعالى: {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ على مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ} . وقال ابن الجلاء: الزهد: هو النظَّر إِلى الدُّنيا بعين الزَّوال لتصغر فى عينيك، فيتسهَّل عليك الإِعراض عنها. وقال ابن خفيف رحمه الله: علامة الزهد وجود الراحة فى الخروج من المِلك. وقال أَيضا: هو سُلُوّ القلب عن الأَسباب، ونفض الأَيدى عن الأَملاك. وقيل: هو عُزُوف القلب عن الدنيا بلا تكلّف. وقال الجُنيد: هو خُلوّ القلب عمّا خلَت منه اليد. وقال عبد الواحد بن زيد: ترك الدِّينار والدِّرهم. وقال أَبو سليمان الدَّارانى: ترك ما شَغَل عن الله تعالى. وقال الإِمام أَحمد: الزُّهد على ثلاث درجات: ترك الحرام، وهو زُهد العوامّ. وترك الفُضُول من الحلال، وهو زهد الخواصّ. والثالث: ترك ما شغل عن الله، وهو زهد العارفين.

وهذا الكلام من الإِمام يأتى على جميع ما تقدّم من كلام المشايخ. ومتعلَّقه ستة أشياء لا يستحق العبد اسم الزّهد حتَّى يزهد فيها، وهى: المال، والصُّورة، والرّياسة، والناس، والنفْس، وكلُّ ما دون الله تعالى. وليس المراد رفضها من المِلْك، فقد كان سليمان وداود - عليهما السلام - أَزهدَىْ أَهل زمانهما، ولهما من المال والنِّساءِ والمِلْك ما لهما. وكان نبيُّنا صلّى الله عليه وسلَّم أَزهد البَشَر على الإِطلاق، وكان له تسع نسوة. وكان عثمان وعلى وزُبير وابن عوف من الزُّهَّاد، مع ما لَهم من الأَموال، وكذلك الحَسَن بن على. ثم السَّلف عبد الله بن المباك، والليث بن سعد، وسفيان، كانوا من الزُّهَّاد مع مال كثير. ومن أَحسن ما قيل فى الزهد كلام الحسن: ليس الزُّهد فى الدنيا بتحريم الحلال، وإِضاعة المال، ولكن أَن تكون بما فى يد الله أَوثقَ منك بما فى يدك، وأَن تكون فى ثواب المصيبة إِذا أُصبْت بها، أَرْغب منك فيها لو لم تصبك. وقد اختلف الناس فى الزهد، هل هو ممكن فى هذه الأَزمنة أَم لا؟ فقال ابن حفص: الزهد لا يكون إِلاَّ فى الحلال، ولا حلال فى الدّنيا. وخالفه النَّاس، وقالوا: الحلال موجود، والحرام كثير. وعلى تقدير أَلاَّ يكون فيها الحلال يكون هذا أَدعى إِلى الزهد فيها، وتناولُه منها يكون كتناول المضطر للمَيْتة والدّم ولحم الخنزير.

ثمَّ اختلف هؤلاء فى متعلَّق الزهد، فقالت طائفة: الزهد إِنما هو فى الحلال لأَن ترك الحرام فريضة. وقالت فرقة: بل الزهد لا يكون إِلاَّ فى الحرام، وأَمّا الحلال فنعمة من الله على عبده، والله تعالى يحبُّ أَن يُرى أَثرُ نعمته على عبده، فيشكره على نِعمه، والاستعانة بها على طاعته واتخاذها طريقًا إِلى جنَّته أَفضل من الزُّهد فيها والتَّخلى عنها، ومجانبة أَسبابها. والتحقيق أَنَّها إِن شغلته عن الله فالزُّهد فيها أَفضل، وإِن لم تشغله عن الله بل كان شاكراً فيها فحاله أَفضل. وقد زهَّد الله تعالى فى الدُّنيا، وأَخبر عن خِسَّتها، وقلَّتها، وانقطاعها وسرعة فنائها، ورغَّب فى الآخرة، وأَخبر عن شرفها، ودوامها، وسرعة إِقبالها. والقرآن مملوءٌ من ذلك. قال تعالى: {اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ} إِلى قوله: {إِلاَّ مَتَاعُ الغرور} ، وقال: {إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ} إِلى قوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، وقال: {واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا} إِلى قوله: {ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} ، وقال: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمان لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ} إلى قوله: {والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} ، وقال: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} إِلى قوله: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى} .

بصيرة فى الزهق والزيت والزوج

بصيرة فى الزهق والزيت والزوج زَهِقت نَفسه - بكسر الهاءِ وفتحها -: خرجت، أَو خرجت أَسَفًا. والزّيت: الدُّهن المعروف، الزَّيتون شجرته. وزِتُّ الطعام أَزيته زَيْتًا: جعلت فيه الزَّيت، فهو مَزِيت ومَزْيوت. وازدات: ادَّهنَ به. وزاتهم زَيْتًا: أَطعَمهم إِيَّاه. وأَزاتوا: كثر عندهم الزَّيتُ. والزُّوج يطلق على كلِّ واحد من القرينين من الذكر والأُنثى فى الحيوانات المتزاوجة، و [يقال] لكلّ قرينين فيها وفى غيرها؛ كالخُفِّ والنَّعل، ولكلِّ ما يقترن بآخر مماثلا له ومضادًّا: زوْج، قال تعالى: {يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} ، وزوجة لغة رديئة، والجمع زوجات، وجمع الزَّوج: أَزواج. وقوله: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} أَى أَقرانهم المقتدين بهم فى أَفعالهم. وقوله: {مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ} أَى أَشباهاً وأَقراناً. وقوله: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} بَيَّن أَنَّ كلَّ ما فى العالم فإِنه زوج؛ من حيث إِنَّ له ضِدًّا مَّا أَو مِثْلاً مّا، [أَو تركيبا ما] ، بل

لا ينفك بوجه من تركيب، وإِنما ذكر هنا زوجين تنبيهاً أَن الشىءَ وإِن لم يكن له ضد ولا مِثْل فإِنه لا ينفك من تركيب صورة ومادَّة وذلك زوجان. وقوله تعالى: {أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شتى} أَى أَنواعاً متشابهة. وقوله: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أَى أَصناف. وقوله: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً} أَى فِرَقًا، وهم الذين فسَّرهم بما بعد. وقوله: {وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ} قيل: معناه: قُرن كلّ شِيعة بما شايعهم فى الجنة والنار. وقيل: قرنت الأَرواح بأَجسادها حسْبما نبّه عليه فى أَحد التَّفسيرين: {ارجعي إلى رَبِّكِ} أَى صاحبك. وقيل: قرنت النفوس بأَعمالها حَسْبما نبّه عليه قوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} . وقوله: {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} أَى قَرَنَّاهم بهنَّ، ولم يرد فى القرآن زوّجناهم حورا / كما يقال: زوّجته امرأَة، تنبيهاً أَنَّ ذلك لا يكون على حَسَب المُتعارف فيما بيننا من المناكحة.

قال أبو الفضائل المعينى: ورد فى القرآن الزَّوج على أَربعة عشر وجهاً: الأَوّل: بمعنى أَصناف الموجودات، من الجمادات أَو غير الجمادات: {سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا} . الثَّانى: بمعنى الحيوانات المأَكولات: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين} ، {أَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} . وبمعنى أجناس الحيوانات: {قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين} . وبمعنى كلِّ ما له زوج من المخلوقات: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} . وبمعنى أَنواع الأَشجار والنَّبات: {مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} . وبمعنى البنين والبنات: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً} . وبمعنى المنكوحات المحلّلات: {جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} . وبمعنى المحلِّل فى حق المطلَّقات: {حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} . وبمعنى المخلَّفات فى عدّة: الوفاة: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} . وبمعنى الحوراءِ والعيناءِ من حرائر الجنَّاتِ: {وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} ، {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} .

وبمعنى الفواكه والثَّمرات: {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} . وبمعنى اقتران الرُّوح بالجسد: {وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ} . وبمعنى حوَّاءَ عليه السلام: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} . وبمعنى مخدَّرات حُجَر النبوّة: {زَوَّجْنَاكَهَا} ، {وَلاَ أَن تنكحوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً} ، {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} .

بصيرة فى الزور والزول

بصيرة فى الزور والزول الزوْر: أَعلى الصدر. ويستحب فى الفرس أَن يكون رَحْب اللَّبان، قال عبد الله بن سليمة - وقيل ابن سليم أَصحّ -: ولقد غدوتُ على القَنِيص بِشَيْظَمٍ ... كالجِذْع وسْط الجنَّة المغروسِ متقارِب الثَفِنات ضيْقٌ زَوْره ... رَحْب اللَّبان شديد طَىِّ ضَرِيس أَراد بالضَّريس الفَقار. وقد فرق بين الزَّوْر واللبَان كما ترى. والزَّور أَيضا: مصدر قولك زُرْته أَزُوره زَوْرًا وزِيارة وزُوَارا ومَزَارًا أَى لقيته بزوْرِى، أَو قصدت زَوْره أَى وِجْهته. والزَّور أَيضاً: القوم الزَّائرون. وفى الصَّحيح: "إِن لِزَوْرك عليك حَقَّ". ونسوة زَوْر أَيضاً، وزُوَّر مثال نُوّم، وزائرات. والزَّوَر - محركة -: مَيَل فى الزَّوْر. والأَزور: المائل الزَّوْر. وقوله: {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ} أَى تميل. قرىء تزاوَرُ، وتَزْوَرُّ.

وأزورّ عنه: مال. ورجل أَزْور، وقومٌ زُور. وبئر زَوْراءُ: مائلة الحَفْر. والزُّور: الكَذِب، لكونه قولاً مائلا عن الحقِّ، قال تعالى: {واجتنبوا قَوْلَ الزور} . وسمّى الصّنم زُورًا لكونه كذِباً. وقوله تعالى: {والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قيل: هو الشرك بالله، وقيل: هو أَعياد اليهود والنَّصارى. والزِّيار والزِّوار: حَبْل يُجعل بين التَّصدير والحَقَب. وفى الكلمات القُدسية أَنَّ الله تعالى قال لأَيوب عليه السلام: إِنه لا ينبغى أَن يخاصمنى إِلاَّ من يجعل الزِّيار فى فم الأَسَد، والسِّحال فى فم العنقاءِ. السحال والمِسْحَل: الحَلْقة المُدْخلة فى الأُخرى على طَرَفَىْ شكيمة اللِّجام، وهما مِسْحَلان. والزُّول - بالضم - والزَّوال والزَّويل والزُّوُول: الذَّهاب والاستحالة. وقد زال يزول: فارق طريقته جانحاً عنها. وأَزلته أَنا، وزوّلته. والزَّوال يقال فى شىءٍ قد كان ثابتاً. فإِن قيل: قالوا: زوال الشمس [و] معلوم أَنَّه لا ثبات للشّمْس بوجه/، قلنا: إِنما قالوا ذلك لاعتقادهم فى الظَّهيرة أَنَّ لها ثباثاً فى كَبِد السَّماءِ، ولهذا قالوا: قام قائم الظَّهيرة. وزيَّلهم فتزيّلوا: فرّقهم فتفرقوا، قال تعالى: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} وذلك

على التَّكثير فيمن قال: زِلْت متعدّ، نحو مِزْته ومَيَّزته، تقول: زِلْته أَى فرَّقته، وزِلْ ضأنَك من مِعْزاك. وقوله تعالى: {لَوْ تَزَيَّلُواْ} أَى لو تميّز المؤمنون من الكافرين لأَنزلنا بالكافرين فى نصركم عليهم عذاباً أَليما. وقد ذُكر الزَّوال والزِّيال فى أَحد عشر موضعاً من القرآن: الأَوّل: فى عذر تأخير العقوبة: {لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا} . الثَّانى: فى تمييز عُبَّاد الأَصنام من معبوديهم يوم الحشر: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} . الثالث: فى حفظ الله أَركان السَّماوات من الخلل: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} . الرَّابع: دعوى القرون الماضية أَن لا ذهاب لملكهم: {أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ} . الخامس: صعوبة مكر نُمرود المتمرِّد: {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال} . السّادس: خروج آدم من الجنَّة بوسوسة إِبليس المحتال: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا} فى قراءَةِ مَنْ قَرأَ بالأَلف.

السّابع: دوام دعوى المبطلِين على سبيل الإِنكار: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} . الثامن: ظهور خيانة اليهود: {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ} . التَّاسعُ: إِصرار المنافقين على التُّهمة والرِّيبة: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ رِيبَةً} . العاشر: دوام مصائب الكفار: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} . الحادى عشر: دوام اختلاف المؤْمنين فى مسائل الدين: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} .

بصيرة فى الزيادة

بصيرة فى الزيادة الزِّيادة: أَن ينضمّ إِلى ما عليه الشىءُ فى نفسه شىءٌ آخر، زِدته أَزيده زَيْدًا وزيادة فازداد. وقوله تعالى: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} نحو ازددت فضلاً، أَى ازداد فضلى، فهو من باب سٍَفِهَ نفسَه. وذلك قد يكون زيادة مذمومة كالزَّيادة على الكفاية كزائد الأَصابع، والزّوائد فى قوائم الدَّابَّة، وزيادة الكبد، وهى قطعة متعلِّقة بها يتصوّر أَن لا حاجة إِليها؛ لكونها غير مأكولة. وقد يكون زيادة [محمودة] نحو قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} ، رُوى من طُرُق مختلفة أَنَّ هذه الزِّيادة النظر إِلى وجه الله تعالى، إشارة إِلى أَحوال وأُمور لا يمكن تصوّرها فى الدنيا. وقوله: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم} أَى أَعطاه من العلم والجسم قَدْرًا زَائِدًا على ما أَعطى أَهل زمانه.

ومن الزِّيادة المكروهة: {فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً} فإِن هذه الزِّيادة هو ما بُنى عليه جِبلَّة الإِنسان: أَن مَن تعاطى فعلا - إِنْ خيرا وإِن شرًّا - يقوى فيما يتعاطاه، ويزداد حالاً فحالاً فيه. وقوله تعالى: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} يجوز أَن يكون استدعاءً للزِّيادة، ويجوز أَن يكون تنبيهاً أَنه قد امتلأَت، وحصل فيها ما ذَكَرَ - تعالى - فى قوله: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} . يقال: زدته كذا، وزاد هو، وازداد، وشىءٌ زائد وزَيْد، قال: وأَنتم معشرٌ زَيْدٌ على مائةٍ ... فأَجمِعوا أَمركم كُلاًّ فكيدونِى والزَّاد: المدَّخرُ الزائد على ما يُحتاجُ إِليه فى الوقت. والتزَوُّد: أَخْذُ الزاد، وقال تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} . وقد وردت الزِّيادة على وجوه مختلِفة فى القرآن: كزيادة نُفْرة قوم نوح من دعواهم: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي إِلاَّ فِرَاراً} / زيادة خَسَارهم من اتِّباع أَهل الضَّلال: {واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ

إِلاَّ خَسَاراً} ، {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً} ، {إِلاَّ خَسَاراً} . زيادة خَسَار ثمود: {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} . زيادة قوّة قوم عاد: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} ، {وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً} زيادة العلم والجسم لِمَلِك الإِسرائيليِّين: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم} زيادة الإِحسان من قوم موسى للمحسنين: {وَسَنَزِيدُ المحسنين} زيادة كيل القوت من يوسف لإِخوته: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} زيادة العَدَد من قوم يونس: {وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} زيادة الهُدَى من الله: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} . زيادة العلم والحكمة لسيّد المرسلين: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} . زيادة اليقين والإِخلاص للصّحابة: {وَيَزْدَادَ الذين آمنوا إِيمَاناً} {ليزدادوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ} .

زيادة خشية الصّحابة عند سماع القرآن: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} . زيادة خَسَار الظَّالِمِينَ، من ذلك: {وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَاراً} . زيادة رِجْس المنافقين: {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ} . زيادة الشكِّ والشُّبهة للكفار: {فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً} . زيادة عذابهم: {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العذاب} ، {فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} . زيادة تطاول الجنَّ: {فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} . زيادة الفضل للمطيعين: {نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} زيادة القُرْبَة للعارفين: {زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} ، {وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} . زيادة اللِّقاءِ والرّؤْية لأَهل الجنة: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} . وفى الحديث: "من ازداد علماً ولم يزدد هدى، لم يزدد من الله إِلاَّ بعدا". وقال الشاعر: وحدّثتنى يا سعد عنها فزدتنى ... جنونا فزدنى من حديثك يا سعد

بصيرة فى الزيغ

بصيرة فى الزيغ الزِّيْغُ: المَيْل عن الاستقامة. وقد زاغ يَزِيغ زَيْغًا وزَيَغانًا وزَيْغُوغة: مال. وزاغ البصر: كَلَّ، قال الله تعالى: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} . وقوله تعالى: {في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أَى شكَّ وجَوْر عن الحقِّ. وقوم زاغة عن الشىءِ أَى زائِغُونَ؛ كالباعة للمبائعين. وأَزاغه عن الطَّرِيق: أَماله عنه، ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} . وقوله: {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} ، أَى لمّا فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك، قال أَبو سعيد: زَيَّغت فلاناً تزييغاً: إِذا أَقمت زَيْغه. وقوله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار} يصحّ أَن يكون إِشارة إِلى ما تداخلهم من الخوف حتى أَظلمت أَبصارهم، ويصحّ أَن يكون إِشارة إِلى ما قال: {يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العين} . والزَّائِغ: المَائل. وزاغت الشمسُ: إِذا مالت، وذلك إِذا فاءَ الفىْءُ. وتزيَّغت المرأَةُ: تبرَّجت وتزيَّنت.

بصيرة فى الزين

بصيرة فى الزين الزِّينة: ما يُتزيَّن به. وكذلك الزِّيان. والزَّين: ضدّ الشَيْن، والجمع أَزيان. وزانة وأَزانَه وأَزْيَنه بمعنى، فتزَّين هو وازدان وازَّيَّنَ وازْيَانَّ وازْيَنَّ. وقمرٌ زَيَانٌ: حَسَنٌ، وامرأَةٌ زائن: متزيّنة. والزِّينة فى الحقيقة: ما لا يَشين الإِنسانَ فى شىءٍ من أَحواله، لا فى الدُّنيا ولا فى الآخرة. فأَمّا ما يزينه فى حالة دون حالة فهو من وجهٍ شَيْن. والزِّينة بالقول المجمل ثلاث: زينة نفسيّة؛ كالعلم والاعتقادات/ الحسنة. وزينة بدنيَّة، كالقوّة وطول القامة وتناسب الأَعضاءِ. وزينة خارجيّة؛ كالمال والجاه. وقوله تعالى: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} هو من الزينة النفسيّة. وقوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} حُمِل على الزِّينة الخارجيَّة، وذلك أَنَّه قد رُوى أَنَّ أَقواماً كانوا يطوفون بالبيت عُراةً، فنُهوا عن ذلك بهذا الآية. وقيل: بل زينة الله فى هذه الآية هى الكَرَم المذكور فى قوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} .

وقوله: {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} هى الزينة الدّنيوية: من الأَثاث والمال والجاه. وقد نسب الله - تعالى - تزيين الأَشياءِ إِلى نفسه فى مواضع، وإِلى الشيطان فى مواضع، وفى أَماكن ذكره غير مُسَمَّى فاعلُه. قال - تعالى - فى الإِيمان: {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} ، وفى الكفر: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} . وممّا نسبه إِلى الشيطان: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ} . ممّا لم يسمَّ فاعله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} ، {وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} أَى زَيّنَهُ شركاؤهم. وقوله: {وَزَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ} ، {إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب} ، {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} إِشارة إِلى الزِّينة المدرَكة بالبصر للخاصّة والعامّة، وإِلى الزينة المعقولة الَّتى تعرفها الخاصّة، وذلك إِحكامها وسيرها.

وتزيين الله تعالى للأَشياءِ قد يكون بإِداعها مزيَّنة كذلك. قال الشاعر: الرّوض يزدان بالأَنوار فاغِمة ... والحُرّ بالبرّ والإِحسان يزدانُ وقال آخر: وإِذا الدُرّ زان حُسْنَ وجوهٍ ... كان للدُرّ حسنُ وجهك زينا وقال: لكلّ شيى حسن زينة ... وزينة العاقل حسن الأَدب قد يشرِّف المرءُ بآدابه ... يوماً وإِن كان وضيع النَّسب وقد وردت الزِّينة فى القرآن على عشرين وجها: الأَول: زينة الدّنيا: {وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} . الثَّانى: زينة بالملابس: {تُرِدْنَ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا} أَى ثيابها. الثالث: زينة ستر العورة: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} . الرّابع: زينة قارُون بماله ورجاله: {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} .

الخامس: زينة النّساء بالْحُلِىّ: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ، {مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} . السادس: زينة العجائز بالثياب الفاخرة: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ} . السابع: زينة العيد: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} . الثامن: زينة عاريّة القِبْط: {حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ القوم} . التاسع: زينة آل فرعون: {آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً} . العاشر: زينة أَهل الدّنيا فيها: {المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا} . الحادى عشر: زينة المسافرين بالمراكب: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} . الثانى عشر: زينة حبّ الشَّهوات: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} أَى حُسِّنَ فى أَعينهم وقلوبهم. الثانى عشر أيضا: زينة العصيان فى أَعين ذو الخذلان: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} . الثالث عشر: زينة قتل الوِلدان: {وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} .

الرابع عشر: زينة الحياة لذوي الطغيان: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا} . الخامس عشر: زينة أَحوال الماضين والباقين فى عيون الكفَّار استدراجاً لهم: {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} . السادس عشر: زينة الشَّيطان الضلال لمتَّبعيه: {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ} . {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ} . السابع عشر: زينة الله لأَعدائه خذلانهم: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} . الثامن عشر: زينة السّماء لأُولى الأَبصار/: {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} . التاسع عشر: زينة الأَرض بالنَّبات والرياحين: {أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت} أَى تلوّنت بالأَلوان. العشرون: زينة الفَلَك بالكواكب: {زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب} . الحادى والعشرون: زينة الأَفلاك السّبع بالسّيّارات السّبع: {وَزَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ} .

[الثانى والعشرون] : زينة الإِيمان فى قلوب العارفين: {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} . أُنشِدنا لبعض المحدَثين: سبحان مَنْ زيّن الأَفلاك بالقمر ... وزيّن الأَرض بالأَنهار والشَجَر لا كالسّراج ولا كالشَّمس زاهره ... لا كالجواهر والياقوت والدُررِ وجَنَّة الخلد بالأَنوار زيَّنها ... والقصرُ زيَّنه بالحُور والسُرُور وزيَّن النفس بالأَعضاءِ مستويا ... والرأْس زيَّنه بالسمع والبصر وزيَّن القلبَ بالأَنوار نوّره ... لا كالنجوم ولا كالشمس والقمر (انتهى آخر الجزء الأَول ولله الحمد. يتلوه أَوّل الجزء الثَّانى إِن شاءَ الله تعالى) .

الباب الثالث عشر - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف السين

الباب الثالث عشر - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف السين

بصيرة فى السؤال

بصيرة فى السؤال وهو ما يَسأَله الإِنسان. قال الله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} . والسّؤال: استدعاء معرفة أَو ما يؤدّى إِلى المعرفة، واستدعاءُ مال، أَو ما يؤدّى إِلى المال. فاستدعاءُ المعرفة جوابُه باللسان، واليدُ خليفة له بالكتابة، أَو الإِشارة. واستدعاءُ المال جوابه باليد، واللسانُ خليفة لها إِمّا بوعد، أَو برَدٍّ. تقول: سأَلته عن الشىء سؤالا، ومسأَلة. وقال الأَخفش: يقال: خرجنا نسأَل عن فلان وبفلان. وقد تخفَّف همزته فيقال سال يَسال. وقرأَ أَبو جعفر: {سَأَلَ سَآئِلٌ} بتخفيف الهمزة. قال: ومُرهَق سال إِمتاعا بأُصْدته ... لم يستعِنْ وحَوامِى الموت تغشاه والأَمر منه سَلْ بحركة الحرف الثانى من المستقبل، ومن الأَوّل اسْأَل.

وقوله تعالى: {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} ، يقال: إِنّه خوطب به ليلة أُسرى به، فجُمع بينه وبين الأَنبياءِ - صلوات الله عليهم - فأَمّهم، وصلَّى بهم، فقيل له: فسَلْهُمْ. وقيل: معناه: سل أُمَم مَنْ أَرسلنا، فيكون السّؤال ههنا على جهة التقرير. وقيل: الخطاب للنبىّ صلَّى الله عليه وسلم والمراد به الأُمَة، أَى وسلوا، كقوله تعالى: {ياأيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ} . وقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} أَى لا يسأَل سؤال استعلام، لكن سؤال تقرير وإِيجاب للحجّة عليهم. وقوله تعالى: {وَعْداً مَّسْئُولاً} هو قول الملائكة: / {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ} وقوله: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} أَى دعا داعٍ، يعنى قولَ نَضْر بن الحارث {اللهم إِن كَانَ هاذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} الآية. والباءُ فى (بعَذَاب) بمعنى عن، أَى عن عذاب. ورجل سُؤَلة - مثال تُؤدَة -: كثير السّؤال. وأَسأَلته سؤْلته ومسأَلته: أَى قضيت حاجته. وتساءَلوا، أَى سأَل بعضهم بعضاً. وقرأَ الكوفيون

{تَسَآءَلُونَ} بالتخفيف، والباقون بالتَّشديد أَى تتساءَلون، أَى الَّذى تطلبون به حقوقكم، وهو كقولك، نَشَدتك بالله أَى سأَلتك بالله. فإِن قلت: كيف يصحّ أَن يقال: السّؤال استدعاء المعرفة، ومعلوم أَنَّ الله تعالى يَسأَل عبادهُ؟. قيل: إِنَّ ذلك سؤال لتعريف القوم وتبكيتهم، لا لتعريف الله تعالى؛ فإِنَّهُ علاَّم الغيوب، فليس يخرج من كونه سؤال المعرفة، والسؤال للمعرفة قد يكون تارة للاستعلام، وتارة للتبكيت، وتارة لتعريف المسئول وتنبيهه، لا ليخبِر ويُعلم، وهذا ظاهر. وعلى التبكيت قوله تعالى: {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ} . والسّؤال إِذا كان للتعريف تعدّى إِلى المفعول الثَّانى تارة بنفسه، وتارة بالجارّ، نحو [سأَلته كذا، و] سأَلته عن كذا، وبكذا، وبعن أَكثر نحو: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح} . وأَمَّا إِذا كان السّؤال لاستدعاءِ مالٍ فَإِنَّهُ يتعدَّى بنفسه، وبمن؛ نحو قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً} ، وقوله: {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} .

ويعبّر عن الفقير إِذا كان مستدعِياً لشيىءٍ بالسّائل، نحو قوله: {وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ} والسّؤال ورد فى القرآن على عشرين وجهاً: الأَوّل: سؤال التعجّب: {قالوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} . الثانى: سؤال الاسترشاد: {فاسئلوا أَهْلَ الذكر} ، {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} . الثَّالث: سؤال الاقتباس: {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ} . الرّابع: سؤال الانبساط: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} . الخامس: سؤال العطاءِ والهِبَة: {رَبِّ هَبْ لِي} . السّادس: سؤال العَوْن والنُّصْرة: {متى نَصْرُ الله} . السابع: سؤال الاستغاثة: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} . الثامن: سؤال الشفاءِ والنَّجاة: {مَسَّنِيَ الضر} .

التَّاسع: سؤال الاستعانة: {رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً} . العاشر: سؤال القُرْبَة: {رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة} . الحادى عشر: سؤال العذاب والهلاك: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض} . الثانى عشر: سؤال المغفرة: {رَبَّنَا اغفر لِي} . الثالث عشر: سؤال الاستماع للسائل والمحروم: {وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ} . الرابع عشر: سؤال المعاودة والمراجعة لنوح: {فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ، ولمحمّد صلَّى اللهُ عليه وسلم: {لاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجحيم} ، وللصّحابة: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} . الخامس عشر: سؤال الطَّلب وعَرْض الحاجة: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرض} ، {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} . السادس عشر: سؤال المحاسبة والمناقشة: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ} ، {فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} .

السّابع عشر: سؤال المخاصمة: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} ، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} أَى يتخاصمون. الثامن عشر: سؤال الإِجابة والاستجابة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} . التَّاسع عشر: سؤال التعنُّت: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح} . العشرون: سؤال الاستفتاءِ والمصلحة، وذلك على وجوه/ مختلفة: تارة من حَيْض العيال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض} . وتارةً من نفقة الأَموال: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} . وتارة عن حكم الهلال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة} . وتارة عن القيامة وما فيها من الأَهوال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة} . وتارة عن حال الجبال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال} . وتارة عن الحرب والقتال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام} . وتارة عن الحرام والحلال: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ} ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} .

وتارة عن اليتيم وإِصلاح ما لَهُ من المال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى} . وتارة عن الغنائم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} . وتارة عن العذاب والنكال: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} . وتارة عن العاقبة والمآل: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} . وتارة عن المبالغة فى الجدال {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} . وتارة عن كرم ذى الجلال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} . قال الشاعر: إِذا كنت فى بلد قاطناً ... وللعلم مقتبساً فاسأَلِ فإِن السّؤال شفاءُ العباد ... كما قيل فى الزَّمن الأَوّل

بصيرة فى السبب

بصيرة فى السبب وهو الحَبْل، وما يُتوصَّل به إِلى غيره، واعتلاق قرابة. والجمع: أَسباب. أَسبابُ السّماءِ: مراقيها ونواحيها أَو أَبوابها. وقطع الله به السّبب أَى الحياة. وقوله تعالى: {فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأسباب} إِشارة إِلى قوله: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} . وقوله: {وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً} فالمعنى: آتاه الله من كلّ شىء معرفة وذريعة يَتَوصّل بها فأَتْبَعَ واحدًا من تلك الأَسباب، وعلى ذلك قوله تعالى: {لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات} أَى لعلِّى أَبلغ الأَسباب والذرائع الحادثة فى السماءِ فأَتَوَصُل بها إِلى معرفة ما يدّعيه موسى. وسُمّى العمامة والخِمار والوَتِدُ وكلّ شُقَّة رقيقة سَبَبًا تشبيها بالحبل فى الطّول. والسَّبّ: الشتم، وقد سبّه سَبًّا وسِبِّيبىَ. وقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً} فسبُّهم الله ليس أَنَّهم

يسبّون الله صريحا، ولكن يخوضون فى ذكره، فيذكرونه بما لا يليق، ويتمادّون فى ذلك بالمجادلة، ويزدادون فى ذكره بما تنزَّه عنه تعالى. وسَبيبك وسِبُّك: من يُسَابّك. وبينهم أُسْبوبة يتسابُّون بها. والسّبيبُ من الفَرَسِ: شعر الذَنَب والعُرْف والناصية، والخُصْلة من الشَعَر. وسبسَبَ الماءَ: أَساله، وأَجراه، فتسبسب. والسَّبْسَبَ: المفازة، أَو الأَرض المستوية البعيدة. والسُّبَّةُ - بالضمّ -: العار، ومَن يُكثر النَّاسُ سَبّه. والسِّبَّة - بالكسر -: الإِصبع السّبَّابة، سُمِّيت بها للإِشارة بها عند السبّ.

بصيرة فى السبت

بصيرة فى السبت السّبْت: الراحة، والقطع، الدّهر، وحَلْق الرّأْس، وإِرسال الشَّعر عن العَقْص، وسَيرٌ للإِبل، والحَيرة، والفرس الجواد، والغلامُ العارم الجَرِىء، وضرب العُنُق، ويوم من الأُسبوع، والرّجل الكثير النَّوم، والرجل الدّاهية، كَالسُّبَات، وقيام اليهود بأَمر السبت، وقد سبَتوا يَسْبِتون ويَسْبُتون. قيل: سُمّى سبْتا لأَن الله تعالى ابتدأَ بخلق السّماوات والأَرض / يوم الأَحد فخلقها فى ستَّة أَيّام كما ذكره، فقطع عمله يوم السّبت فسمّى بذلك. فقوله تعالى: {يَوْمَ سَبْتِهِمْ} ، قيل: يوم قطعهم للعمل، و {يَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ} قيل: معناه لا يقطعون العمل، وقيل: يوم لا يكونون فى السّبت، وكلامها إِشارة إِلى حالة واحدة. وقوله: {إِنَّمَا جُعِلَ السبت} ، أَى تَرْك العمل فيه. وقوله {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أَى قَطْعاً للعمل، وفيه إِشارة إِلى ما فى فوقه فى صفة اللَّيل {لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} . وقيل السُّبَات: النَّوم، وقيل: النَّوم الخفيف، وقيل: نوم يكون ابتداؤه فى الرّأْس حتى يبلغ القلب.

بصيرة فى السبخ والسبط

بصيرة فى السبخ والسبط وهو العَوْم، سبح بالنَّهر وفيه سَبْحاً وسِبَاحة - بالكسر -: عامَ. وهو سابح، وسَبُوح من سُبَحاء، وسَبَّاحٌ من سبَّاحين. وقوله تعالى: {والسابحات} ، قيل: هى السّفن، وقيل: أَرواح المؤمنين، وقيل: هى النجوم، استعير السَّبْح لمَرّها فى الفَلَك؛ كقوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} . واستعير لسرعة الذهاب فى العمل كقوله {إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً} . والتسبيح: تنزيه الله تعالى، وأَصله المَرّ السّريع فى العبادة. وجُعل ذلك فى فعل الخير، كما جُعل الإِبعاد فى الشرّ، فقيل: أَبعده الله. وجُعل التَّسبيح عامًَّا فى العبادات، قولاً كان أَو فعلاً أَو نيّة، وقوله تعالى: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} قيل: من المصلّين، والأَولَى أَن يحمل على ثلاثتِهَا. وقوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} أَى هلاَّ تعبدونه وتشكرونه، وحُمل ذلك على الاستثناءِ وهو أَن يقول: إِن شاءَ الله، ويدل [على ذلك] قوله: {إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ}

وقوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولاكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} كقوله: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً} . [ {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} ] . وذلك يقتضى أَن يكون سجودا على الحقيقة، وتسبيحا له على وجهٍ لا نفقههُ، بدلالة قوله {ولاكن لاَّ تَفْقَهُونَ} ، ودلالةِ قوله: {وَمَن فِيهِنَّ} بعد ذكر السّماوات والأَرض. ولا يصحّ أَن يكون تقديره: يسبّح له مَن فى السّماوات، ويسبّح له مَن فى الأَرض؛ لأَنَّ هذا ممّا نفقهه، ولأَنه محال أَن يكون ذلك تقديره، ثمّ يعطف عليه بقوله: {وَمَن فِيهِنَّ} . والأَشياء تسبّح وتسجد، بعضها بالتَّسخير وبعضها بالاختيار، ولا خلاف أَنَّ السماوات والأَرض والدّوابّ مسبِّحات بالتَسخير، من حيث إِنَّ أَحوالها تدلّ على حكمة الله تعالى، وإِنما الخلاف فى السماوات والأَرض هل تسبّح باختيار، والآية تقتضى ذلك. وسُبحانَ اللهِ أَى تنزيهاً لله من الصّحابة والولد. وهى معرفة ونصبها على المصدر، أَى أُبْرىء الله من السّوءِ براءَةً، أَو معناه السرعة إِليه والخِفَّة فى طاعته. وسبحان مِن كذا: تَعَجُّبٌ منه. وأَنت أَعلم بما فى سبحانِك

أَى بما فى نفسك. وسبّح تسبيحاً: قال: سبحان الله. وسُبّوح قُدّوس - وقد يفتح أوّلهما - كسَمُّور وتَنُّورّ - من صفات الله تعالى؛ لأَنَّه يُسَبَّح ويقَدَّس. والسُّبْحة - بالضمّ - خَرَزَات يسبَّح بها. والسُّبُحات - بضمتين -: مواضع السجود. وسُبُحات وجه الله: أَنوارُه. وقيل: سُبْحة الله: جلاله. والتَّسبيح: الصّلاة، ومنه قوله تعالى: {كَانَ مِنَ المسبحين} وفى بعض الأَخبار أَنَّ تسبيح حَمَلةِ العرش: سبحان الله والحمد لله، ولا إِله إِلاَّ الله، والله أَكبر. وتسبيح ميكائيل مع الكَروبِيِّين: سبحان المعبود بكلّ مكان، سبحان المذكور بكلّ لسان. وتسبيح جبريل مع الرّوحانيّين: سبحان الملِك القدّوس، سبّوح قدّوس، وربّ الملائكة والرّوح. وتسبيح الرّضوان: سبحان مَن فى السّماء عرشه، سبحان من فى الأَرض سلطانه، سبحان مَن فى الجنَّة فضله. وتسبيح مالك خازن النَّار: سبحان مَن فى البرّ بدائِعه، سبحان من فى البحر عجائبُه، سبحان من فى النَّار عذابه.

وتسبيح عزرائيل مع أَعوانه: سبحان من تعزَّز بالقدرة، وقهر العباد بالموت. وتسبيح آدم عليه السّلام: سبحان ذى المُلْك والمَلَكُوت، سبحان ذى القدرة والجَبَرُوت، سبحان الحىّ الذى لا يموت. وتسبيح نوح عليه السّلام: سبحان ذى المجد والنِّعم، سبحان ذى القدرة والكرم، سبحان ذى الجلال والإِكرام. وتسبيح إِبراهيم: سبحان الأَوّل المبدِىء، سبحان الباقى المغنى، سبحان المسمَّى قبل أَن يسمّى، سبحان العلىّ الأَعلى، سبحان الله وتعالى. وتسبيح يعقوب: سبحان الَّذى أَحاط بكلّ شىء علماً، سبحان الَّذى أَحصى كلّ شىء عَدَدًا، سبحان حافظ كلّ غائب، ورادّ كل فائت. وتسبيح يوسف: سبحان الذى تَعَطَّف بالعِزِّ وقال به، سبحان الَّذِى لبس المجد وتكرّم به، سُبحان مَن لا ينبغى التسبيحُ إِلاَّ له. وتسبيح موسى: سبحان ذى العز الشامخ المنيف، سبحان ذى الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذى المُلْك القاهر القديم، سبحان مَن هو فى علوّه دانٍ وفى دنوّه عال، وفى إِشراقه منير، وفى سلطانه قوىّ، وفى ملكه عزيز، سبحان ربّى العظيم.

وتسبيح عيسى: سبحان الواحد الأَحَد، سبحان الباقى على الأَبد، سبحان الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفْوًا أَحد. وتسبيح نبيّنا محمّد صلَّى الله عليه وسلم: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم وبحمده، أَستغفرُ الله وأَتوب إِليه. قال النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "مَن قالها كلّ يوم سبعين مرّة حُطَّت عنه خَطاياه ولو كانت مثل زَبَد البحر". وتسبيح المؤمنين: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، فى أَوّل الصّلاة، وسبحان ربّى العظيم، فى الرّكوع، وسبحان ربّى الأَعلى، فى السّجود. وقد ذكر الله تعالى (سبحان) فى القرآن فى خمسة وعشرين موضعاً، فى ضمن كلّ واحد منها إِثباتُ صفة من صفات المدح، ونَفْى صفة من صفات الذَّم، وهى: {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ} ، {سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض} ، {سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} ، {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} ، {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَصِفُونَ} ، {سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} ، {سُبْحَانَكَ اللهم وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} ، {سُبْحَانَهُ هُوَ الغني} ، {وَسُبْحَانَ الله وَمَآ أَنَاْ مِنَ

المشركين} ، {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ} ، {سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} ، {سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} ، {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} ، {سُبْحَانَكَ هاذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} ، {سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ} ، {وَسُبْحَانَ الله رَبِّ العالمين} ، {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} ، {سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ} ، {سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا} ، {فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، {سُبْحَانَهُ هُوَ الله الواحد القهار} ، {سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هاذا} ، {سُبْحَانَ رَبِّ السماوات والأرض} ، /، {سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} . {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ} . وأَمَّا من جهة المعنى فقد ورد على سبعة وجوه: الأَوّل: بمعنى الصّلاة والخدمة: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} ، أَى يصلِّى. الثانى: بمعنى التعجّب: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ} .

الثالث: بمعنى ذكر الحق: {وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ} . الرّابع: بمعنى التَّوبة: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} . الخامس: بمعنى الاستثناء: {لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} ، أَى لولا تستثنون. السّادس: بمعنى تنزَّه الحقّ تعالى من العيوب والآفات: {فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} . السّابع: بمعنى التَّنزيه والتَّقديس: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} .

بصيرة فى السبح والسبع والسبغ

بصيرة فى السبح والسبع والسبغ قرىء فى الشَّاذّ (سَبْخًا) سبّخ الله عنه الحمّى تَسْبيخاً أَى نفَّسها عنه. والسَّبِيخة: قطعة من قطن أَو صوف ممّا ليس له ثِقَل ولا اكتناز. والسَّبْط، والسَّبَط - بفتحتين - والسّبِط - ككتف -: نقيض الجَعْد. وقد سَبُط - ككرم وعلم - سَبْطا وسُبُوطة وسَبَاطة: انبسط فى سهولة. ورجل سَبْط اليدين: سخىّ. والسِّبْط - بالكسر -: ولد الولد، كأَنَّه امتداد الفروع، والجمع: أَسباط، والقبيلة من اليهود، والجمع: الأَسباط أَيضاً. وقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً} بدل لا تمييز. والسّبْع من العدد معروف. وهم سبعة رجال، وسبع نِسْوَة. وقوله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} يعنى السّماوات السبع. {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني} قيل: سورة الفاتحة لأَنها سبع آيات، والمثانى لأَنَّها نزلت مَرتين، أَو لأَنَّها تُثْنَى فى كلّ صلاة عند مَنْ لا يعدّ

الرّكعة صلاة. وقيل غير ذلك، وقيل السّبع: الطُوَل وهى من البقرة إِلى الأَعراف، وسمّى مثانى لأَنَّها تثنَّى فيها القِصَص. والسَّبُع والسَّبْع والسَّبَع سمّى به لتمام قوّته. وذلك؛ لأَنَّ السّبْع من الأَعداد التَّامّة كأَنه سَبْع حيوانات، والجمع: سِبَاع وأَسبُع. وأَرضُ مَسْبعة: ذات سباع. وسَبَعَ القوم كمنع: كان سابعهم أَو أَخذ سُبْع أموالهم. والأُسبوع من الأَيام، والجمع: أَسابيع. وطاف بالبيت أُسبوعاً وسَبْعاً وسُبُوعاً. وأَسبع القومُ: صاروا سبعة، أَو وقع السّبعُ فى مواشيهم. وورد السّبع وسبعون فى القرآن على وجوه: الأَوّل: ما ورد فى التمتع وصومه: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} . الثَّانى: فى تضعيف العَطَاء: {أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} . الثالث: فى تعبير رؤيا للملِك رَيّان: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} .

الرّابع: {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} . الخامس: {وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ} . السادس: فى إِشارة يوسف بالزَّرع: {تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ} . السابع: فى سورة من القرآن: {سَبْعاً مِّنَ المثاني} . الثامن: فى عَدَد أَصحاب الكهف: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} . التاسع: في خلق السّماوات: {الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} . العاشر: فى طبقتها: {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} . الحادى عشر: فى الرّحمة والغفران: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} . الثانى عشر: فى نقباء: {واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} . وسَبَغَ سُبُوغا: طال إِلى الأَرض، والنعمةُ: اتَّسعت. وقوله تعالى: {أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ} ، أَى دروعاً تامّاتٍ طويلات. وقوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} ، أَى أَتمَّها وأكملها. وأسبغ الوضوءَ: أَبلغه مواضعه ووفَّى كلّ عضو حقَّه.

بصيرة فى السبق

بصيرة فى السبق سبقه يَسْبِقه ويسبُقه: تقدّمه فى السّير. وقوله تعالى: {فالسابقات سَبْقاً} يعنى الملائكة تسبق الجِنّ باستماع الوحى. والاستباق والتسابق بمعنى. ثمّ يتجوّز به فى غيره من التَّقدّم، قال تعالى: {لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ} ، وقوله: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} أَى نَفَذت وتقدّمت. ويستعار السّبْق لإِحراز الفضل، وعلى ذلك قوله تعالى: {والسابقون السابقون} أَى المتقدّمون إِلى رُتبهم، ثواب الله تعالى وجَنَّته، بالأَعمال الصّالحة؛ نحو قوله: {يُسَارِعُونَ فِي الخيرات} ، وقوله: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} . وقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أَى لا يفوتوننا. وقوله تعالى: {فاستكبروا فِي الأرض وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ} تنبيه أَنَّهم لا يفوتونه.

وفى الصَّحيح: "سِيرُوا، سَبَق المفرِّدون. قيل: مَن هم يا رسولَ اللهِ؟ قال: الَّذِينَ اهتزُّوا بذكر الله عَزَّ وجلّ". وقيل ورد السّبق فى القرآن على ستَّة أَوجه: الأَول: بمعنى الوجوب: {سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا} أَى وجبت. الثَّانى: بمعنى الاصطياد: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أَى نصطاد. الثالث: بمعنى التقدّم على عزم الهروب: {واستبقا الباب} . الرابع: بمعنى الفَوْت: {أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا} أَى يفوتونا. الخامس: بمعنى إِيصال ملائكة الرّحمة أَرواح المؤمنين إِلى الجنَّة، وملائكةِ العذاب أَرواح الكافرين إِلى جهنَّم: {فالسابقات سَبْقاً} . السّادس: سَبْق المؤمنين إِلى الجنَّة: {والسابقون السابقون} . السابع: سَبْق العجز والإِهانة: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين} . الثامن: سَبْق التوحيد والشهادة: {سَبَقُونَا بالإيمان} .

التَّاسع: سبق الخير والطَّاعة: {يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} . العاشر: سَبْق العفو والمغفرة: {سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} . الحادى عشر: سبق الجهاد والهجرة: {والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين} . الثانى عشر: سبق الفضل والعناية: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى} .

بصيرة فى السبيل

بصيرة فى السبيل وهو الطَّريق السّهل، جمعه سُبُل وسُبْل. يذكَّر ويؤنَّث. قال تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} ، وقال جلّ ذكره: {قُلْ هاذه سبيلي} أَى مَحَجّتى وسنَّتى وطريقى. وقوله تعالى: {ياليتني اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلاً} ، أَى سببًا ووُصْلة. قال جرير: أَفبعد مقتلكم خليلَ محمّدٍ ... ترجو القُيونُ مع الرّسول سبيَلا أَى سببًا ووُصْلةً، أَى يا ليتنى سلكت قصده ومذهبه. وقوله تعالى: {وابن السبيل} ، قال ابن عرفة: هو الضَّيف المنقطع به، يُعطَى قدرَ ما يتبلّغ به إِلى وطنه. وقيل: ابن السّبيل: المسافرُ البعيد عن منزلة، ونسب إِلى السّبيل لممارسته إِيّاه. وقوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} أَى طريق واضحٍ بيّن، يعنى مدائن قومِ لوط. وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأميين سَبِيلٌ} ، كان أَهل الكتاب إِذا بايعهم المسلمون قال بعضهم لبعض: ليس للأُميين - يعنى العرب - حرمة أَهل ديننا، وأَموالُهم تحِلّ لنا.

وقوله تعالى: {وَتَقْطَعُونَ السبيل} ، يعنى سبيل الولد. وقيل: تعرضون للنَّاس فى الطريق لطلب / الفاحشة. قال ابن عباد: السَّبيلة: السبيلُ، والسابلة: أَبناء السّبيل المختلفون فى الطُّرقات، جمع سابل، وهو سالك السّبيل. وقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل} يعنى به طريق الحقّ، لأَنَّ اسم الجنس إِذا أُطْلِقَ يختصّ بما هو الحقّ، وعلى ذلك: {ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} . ويستعمل السّبيل لكلّ ما يتوصّل به إِلى شىء خيرا كان أَو شرًّا. وقوله تعالى: {مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام} يعنى طريق الجنَّة قال الشاعر: إِذا لم يُعِنْك الله فيما تريده ... فليس لمخلوقٍ إِليه سبيل وقال: سبيل الموت منهج كلّ حىّ ... وداعِيهِ لأَهل الأَرض داعى وقال: الموت لا والدا يُبقى ولا ولدًا ... هذا السّبيل إِلى ألاَّ ترى أَحدَا وقوله تعالى: {وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} أَى فى طاعته، ومثله

{الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله} ، وقوله: {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} أَى زادًا وراحلة. وقوله: {أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً} أَى مخرجاً إِلى فضاءِ الأُنْس من حبس الوحشة. وقوله تعالى: {فاتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر سَرَباً} ، {واتخذ سَبِيلَهُ فِي البحر عَجَباً} أَى مَمرّه. وقوله تعالى: {فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} أَى عُذْرًا وعِلَّة. وقوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين} أَى دينهم وملَّتهم، ومثله: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ} وقوله: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} أَى طريق هداية. وقوله: {فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} أَى حجّة. وقوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل} أَى عن طريق الحقّ. وقوله: {فأولائك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ} أَى ملامة. وقوله: {ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} أَى المخرج من رحم الأُمّ حال الولادة. وقوله: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} ، {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأميين سَبِيلٌ} أَى إِثم ومعصية. وأَسْبَلَ السِتْرَ: أَرخاه، والمطرُ: نزل.

بصيرة فى السجود

بصيرة فى السجود وأصله التَّطامن والتذلّل. وجُعِل ذلك عبارة عن التذلّل لله وعبادته، وهو عامّ فى الإِنسان، والحيوانات، والجمادات، وذلك ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إِلاَّ للإِنسان، وبه يَستحق الثَّواب، قال تعالى: {فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا} أَى تذلَّلوا له. وسجود بتسخير، وهو للإِنسان، والحيوانات، والنباتات، قال تعالى: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً} ، وقوله تعالى: {سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} ، فهو الدّلالة الصّامتة والنَّاطقة المنبّهة على كونها مخلوقة، وأَنَّها خَلْق فاعلٍ حكيم. وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض مِن دَآبَّةٍ والملائكة وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} ينطوى على النَّوعين من السجود بالتسخير والاختيار. وقوله: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} ، وهو على سبيل التسخير. وقوله: {اسجدوا لأَدَمََ} قيلَ: أُمِروا بأَن يتَّخذوه قِبلة، وقيل: أُمروا بالتذَّلل له، والقيام بمصالحه ومصالح أَولاده، فَأْتَمَرُوا

إِلاَّ إِبليس. وقوله: {وادخلوا الباب سُجَّداً} أَى رُكَّعاً، وقيل: متذلَّلين منقادين. وقيل: إِنَّ السّجود على سبيل الخدمة فى ذلك الوقت كان جائزًا. وعلى وجهه سَجّاده: أَى أثر السّجود. وبَسَط سَجَّادته ومِسْجَدته، وبعض العرب يَضُمّ السّين. وشجر ساجد وسواجد، وشجرة ساجدة: مائلة. والسّفينة تسجد للرّياح / وتميل بمَيْلها. وفلان ساجد المنخر: إِذا كان ذليلا خاضعاً. وسجد البعيرُ وأَسجد: طأَطأَ رأَسه لراكبه. قال: وقلن له أَسجِدْ لليلَى فأَسجدا وكان كسرى يسجد للطَّالع، وهو السّهم الَّذِى يجاوز الهَدَف من أَعلاه، وكانوا يعُدّونه كالمُقَرْطِس، والمعنى أَنَّهُ كان يسلّم لراميه ويستسلم. الأَزهرى: معناه: أَنَّه كان يخفض رأسه إِذا شخص سهمُه وارتفع عن الرّمِيَّة ليتقوّم السّهمُ فيصيبَ الدّارة. قيل: ورد السّجود فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الصّلاة: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات} ، أَى يصلِّى.

الثانى: ساجدين بمعنى الأَنبياءِ: {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} أَى فى أَصلاب الآباءِ من الأَنبياءِ. الثالث: بمعنى الخضوع والانقياد: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} أَى يخضعان. الرابع: بمعنى الرّكوع: {وادخلوا الباب سُجَّداً} ، أَى رُكَّعاً. الخامس: بمعنى سجود الصّلاة: {واسجد واقترب} .

بصيرة فى السجر

بصيرة فى السجر وهو تهييج النار. وقد سَجَرْت التَنُّورَ، ومنه {والبحر المسجور} . وقوله تعالى: {وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ} أَى أُضرِمت نارًا، عن الحسن البصرى، وقيل غِيضت مياهُها، وإِنما يكون كذلك لتسجير النَّار فيها. {ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ} نحو {وَقُودُهَا الناس والحجارة} . وسَجَرَت النَّاقةُ سَجْرًا وسجّرت تسجيرًا: مَدّت حنينها فى أَثَر ولدها، وملأَت به فاها. ومنه قوله: حَنَّت إِلى بَرْكٍ فقلت لها قِرى ... بعضَ الحنين فإِن سَجْرَك شائقى ومنه ساجرته مساجرة، وهى المخالَّة والمخالطة. وهو سَجِيرى، وهم سُجَرَائى، لأَنَّ كلّ واحد منهما يَسْجُر إِلى صاحبه، أَى يحِنّ. ومنه ماءٌ أَسْجَرُ، وهو الَّذِى خالطته كُدرة وحمرة من ماءِ السّماءِ، وإِنَّ فيه لسُجْرة، وإِنه لأَسجر. وقَطْرة سَجْراءُ، وعين سجراء. قال حُوَيدرة: بغريض سارِيَة أَدرَّته الصَّبا ... من ماءِ أَسجرَ، طيّبِ المستنقع وعين سَجْرَاء: خالطت بياضَها حمرة. والسّواجير: الأَغلال.

بصيرة فى السجل

بصيرة فى السجل وهو الدّلو العظيم إِذا كانت مَلأَى ماءً، والجمع سِجَال. والحرب بيننا سِجَالٌ، أَى مرّة لنا ومرّة علينا. وفى حديث ابن مسعود "أنه افتتح سورة النساءِ فسَجَلها"، أَى قرأَها قراءَة متصلة، من قولهم: سَجَل الماءَ سَجْلا: إِذا صبّه صبًّا متًّصلا. وفى الحديث: "لا تُسجِلوا أَنعامكم" أَى لا تُطلِقوها فى زُرُوع النَّاس. وقرأَ ابنُ الحنفيّة. {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} فقال: هى مُسْجَلة للبَرّ والفاجر، أَى مرسَلة مطلقة فى الإِحسان إِلى كلّ أَحد، برًّا كان أَو فاجِرًا. والسِّجِلّ: الكتاب الكبير، وقيل: هو حَجَر كان يُكتب فيه، ثمّ سُمّى كل ما يكتب فيه سِجلاًّ، قال تعالى: {كَطَيِّ السجل} أَى كطيّه لما كُتب فيه حفظاً له. وساجله: فاخَره، مساجلة. وساجله: باراه فى الاستقاءِ، قال: مَنْ يساجِلْنِى يُساجِلْ ماجِدًا ... يملأُ الدَلْوَ إِلى عَقْدِ الكَرَبْ

وله من المجد سَجْلٌ سَجِيلٌ، أَى ضَخْم. قال الحطيئة: إِذا قايَسُوهُ المجدَ أَربىَ عليهم ... بمستفرغٍ ماءَ الذِنَاب سَجِيلِ أَى يذَنُوب يسع ماءَ الأَذْنية كلِّها. والسِجِّيل: حَجَرٌ وطينٌ، معرّب من سَنْك وكِل.

بصيرة فى السجن

بصيرة فى السجن وهو الحبس فى السِّجن. وقوله تعالى: {رَبِّ السجن أَحَبُّ إِلَيَّ} قرىء بفتح السّين وكسرها. والسِّجِّين - كسكِّين -: اسم جهنمّ / بإِزاءِ عِلِّيِّينَ، وزيد فى لفظه تنبيهاً على زيادة معناه. وقيل: هو اسم للأَرض السّابعة. وضَرْبٌ سِجِّينٌ: يُثبِت المضروبَ مكانه ويحبسه. وقوله تعالى: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} ، فقد قيل: إِن كل شىء ذكره الله بقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ} فسّره، وكل ما ذكره بقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ} تركه مبهما. وفى هذه المواضع ذكر: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} ، وكذا قوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} ، ثمَّ فسّر الكتاب لا السّجّين ولا العلّيّين، ولا يكون ذلك إِلاَّ للطيفة تقتضى ذلك. والله أعلم.

بصيرة فى السجو والسحب والسحت

بصيرة فى السجو والسحب والسحت السُّجُوّ: السّكون، قال تعالى: {والليل إِذَا سجى} ، وهذا إِشارة إِلى ما قيل: هدأَت الأَرجل. وعين ساجية: فاترة الطَّرْف. وليلٌ ساجٍ وبحرٌ ساجٍ. قال: يا حبّذا القَمْراءُ واللَّيلُ السّاجْ ... وطُرُقٌ مثلُ مُلاءِ النَّسّاجْ وريح سجْواء: ساكنة. وناقة سَجْواء: تسكن حتى تُحلب. وهو على سجيّة حميدة وسجيَّات وسجايا، وهى ما سجا عليه طبعُه وثبت. والسَّحْب: الجرّ، كسحب الذَيل والإِنسان على الوجه. ومنه السّحاب لجرّه الماءَ، أَو لجرّ الرّيح له. ومَطَرَتهم السّحابة والسّحاب والسّحائب والسُّحُب. قال تعالى: {يُسْحَبُونَ فِي الحميم} ، وقال: {يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ} . وفلان يتسحّب على فلان، كقولك يتبختر: إِذا اقترح عليه. والسّحاب: الغيم، فيه ماء أَوْ لا. ولهذا يقال: سحاب جَهَام. وقد يذكر ويراد به الظلّ والظلمة على طريق التشبيه؛ كقوله تعالى:

{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} . والسَّحْت: القَشْر الذى يستأصِل. وقد سَحَته وأَسحته، وقرىء بهما قوله تعالى: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} أَى فيُجهدكم به. ومنه السُّحْت للمحظور الَّذى يلزم صاحبَه العارُ كأنَّه يستأصِل دِينه ومروءته. وقوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أَى لِمَا يسحت دِينهم. وسمّيت الرّشوة سُحْتاً، وكسبُ الحجّام سُحْتاً، أَى ساحتاً للمروءة لا الدّين. ومال فلان سُحْت، أَى شىء على من استهلكه. ودمه سُحت: لا شىء على من سَفَكهُ.

بصيرة فى السحر

بصيرة فى السحر قيل: هو مأخوذ من السِّحْر وهو طَرَف الحلقوم والرئة. قالت عائشة رضى الله عنها: "مات رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين سَحْرى ونَحْرى" أَى مستنِدًا إِلى صدرى وما يحاذِى سَحْرى. وقيل: السَحْرُ، ما لصِق بالحُلقوم من أَعلى البطن. والسُّحَارة: ما يُنزع من السَّحْر عند الذَّبح فيُرْمَى به. وجُعل بناؤه بناءَ النُّفاية والسُّقاطة. ويقال: انتفخ سَحْره، وانتفخت مساحِره: إِذا ملّ وجَبُنَ. وانقطع منه سَحْرى، أَى يئست منه. وأَنا منه غير صَريم سَحْر: غير قانط. وبلغ سَحَر الأَرض وأَسحارها: أَطرافها وأَواخرها. وقوله صلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ من البيان لسحْرًا" قيل: معناه: من البيان ما يُكْتَسَبُ به من الإِثم ما يكتسِبه السّاحر بسحره، فيكون فى مَعْرِض الذمّ. ويجوز أَن يكون فى معرض المدح؛ لأَنَّه يُستمال به القلوبُ ويُرَضَّى به الساخطُ، ويُستنزَل به الصّعب. والسِّحْر فى كلامهم: صرف الشىء عن وجهه.

والسِّحْر يقال على معان: الأَوّل: الخداع، وتخييلاتٌ لا حقيقة لها؛ نحو ما يفعله المُشَعْوِذ من صرف الأَبصار عمَّا يفعله بخفّة [يد] ، وما يفعله النمّام بقولٍ مزخرف عائق للاستماع. وعلى ذلك قوله تعالى: {سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم} وقوله: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} ، وبهذا النَّظر سمَّوا موسى صلوات الله عليه ساحرًا، فقالوا: {ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ} الثَّانى: استجلاب معاونة الشيطان بضرب من / التَّقرّب إِليه، كقوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} وعلى ذلك قوله تعالى: {ولاكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر} قال الشاعر: فَوَالله ما أَدْرى وإِنِّى لصادقٌ ... أَداءٌُ عرانى من جَنابكِ أَم سِحرُ فإِن كان سِحرًا فاعذرينى علىَ الهوى ... وإِن كان داءً غيره فَلَكِ العذر الثالث: ما يذهب إِليه الأَغتام، وهو اسم لفعل يزعمون أَنَّه من قوَّته يغيّر الصّور والطبائع، فيجعل الإِنسان حمارًا. ولا حقيقة لذلك عند المحصّلين.

وقد تُصوِّر من السِّحر تارة حُسنهُ، فقيل: إِنَّ من البيان لسحرًا، وتارة دِقَّة فعلِه، حتى قالت الأَطبّاءُ: الطبيعة ساحرة. وسمّوا الغِذاءَ سِحْرًا من حيث إِنَّه يدقّ ويلطُف تأثيره. قال تعالى: {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} أَى مصروفون عن معرفتنا بالسّحر، وعلى ذلك قوله: {إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين} قيل ممّن جعل له سَحْر، تنبيهاً أَنَّه يحتاج إِلى الغِذاءِ؛ كقوله: {مَالِ هاذا الرسول يَأْكُلُ الطعام} ، ونبّه أَنَّه كان بَشَرًا، وقيل: معناه: ممّن جُعل له سِحْر يَتوصَّل بلطفه ودقّته إِلى ما يأْتى به ويدّعيه. وعلى الوجهين حُمل قوله: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} . ولقيته سَحَرًا، وسُحْرةً، وبالسّحَر، وفى أَعلى السَّحَرين، وهما سَحَرَان: سَحَر مع الصّبح، وسحر قبله، كما يقال: الفجران: الكاذب والصّادق. وأَسْحَرْنا مثل أَصبحنا. اسْتَحَرُوا: خرجوا سَحَرًا. وتسحّر: أَكل السَحُور، وسحَّرنى فلان. وإِنما سمّى السَّحَر استعارة لأَنَّه وقت إِدبار الليل وإِقبال النَّهار. فهو متنفَّس الصّبح.

ويقال إِنَّ السِّحْر فى القرآن على سبعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى العِلم، والسّاحر بمعنى العالم الحاذق: {ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ} أَى يأَيها العالم. الثانى: بمعنى الزُّور والكذب: {وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} أَى كذب وزُور، {وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} ، أَى كذب قوىّ تامّ. الثالث: بمعنى ربط العيون: {سحروا أَعْيُنَ الناس} . الرَّابع: بمعنى الجنون، والمسحور المجنون: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} ، {إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً} ، أَى مجنوناً. الخامس: بمعنى الصّرف عن الحقّ: {قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ} ، أَى تصرفون. السّادس: بمعنى الإِحواج إِلى الطعام والشراب: {إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين} . والسَّابع: بمعنى آخِر اللَّيل ومقدّمة الصّبح: {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} {والمستغفرين بالأسحار} ، {وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} .

بصيرة فى السحق والسحل

بصيرة فى السحق والسحل السّحق: تفتيت الشىء. ويستعمل فى الدواءِ إِذا فُتِّت. سَحَقه فانسحق، وفى الثَّوب إِذا أَخلق، يقال أَسَحَق. والسَّحْق: الثوب البالى، ومنه قيل: أَسْحَق الضَّرْعُ: إِذا صار سَحْقًا لذهاب لبنه. ويصحّ أَن يكون إِسحاق منه، فيكون حينئذ منصرِفاً. ويقال: أَبعده الله وأَسْحقه، أَى جعله سَحِيقاً، وقيل: سَحَقه أَى جعله بالياً. (وقوله) تعالى: {فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السعير} ، وقوله: {أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} . ونخلة سَحُوق، ونخيل سُحْق. وسَحَقَت الرّياحُ الأَرضَ: قشرتها بشدّة هُبُوبها. وسحقه البِلاَ ومَحقه فانسحق. ولعن الله السَّحَّاقات، وقد سَحَقْتها، وساحقَتها. وهما تتساحقان. وسَحَقت العينُ الدّمع: صبّته. ودموعٌ مساحيق.

والسَّحْل: القَشْر. سَحَل الحديدَ: بَرَده وقشره. ومنه السّاحل، قال تعالى: {فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل} / أَى شاطىء البحر، وقيل: أَصله أَن يكون مسحولا لكن جاءَ على لفظ الفاعل، كقولهم: همُّ ناصب. وقيل: بل تُصوّر منه أَنه يَسْحل الماءَ أَى يُفرّقه ويُضيعه. والسُّحالة: البُرَادة. والسّحيل والسُّحَال: نهيق الحمار، كأَنَّه شبّه صوته بصوت سَحْل الحديد. والمِسْحل: اللِّسان، والخطيب، والمُنْخُل.

بصيرة فى سخر وسد وسدر

بصيرة فى سخر وسد وسدر التَّسخير: سياقة إِلى الغَرَض المختصّ به قهرًا، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} ، فالمسخَّر: هو المقيَّض للفعل. والسُّخرىّ: هو الَّذى يُقهر (أَن يتسخَّر) لنا بإِرادته، قال تعالى: {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} ، وسخِرت منه: إِذا سخَّرته للهُزْءِ منه. وقيل: رجل سُخَرة - كهمزة - لمن يَسخْر كِبْرًا. وسُخْرة كصُبْرَة لمن يُسخَر منه. والسّخريَة أيضا: فعل السّاخِر. وقوله تعالى: {فاتخذتموهم سِخْرِيّاً} بالضَّمّ والكسْر حُمِل على التسخير وعلى السُّخْرِيَةِ، ويدلّ على الوجه الثَّانى قوله بعده: {وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} . وهو مَسْخَرة من المساخر. ورُبٌّ مَساخِر يعدّها النَّاس مفاخر. وهؤلاءِ سُخْرة للسّلطان: يتسخّرهم، أَى يستعملهم بغير أَجر. ومواخر سواخر: سُفُن طابت لها الريح.

والسّدّ - بالفتح والضمّ - واحد، أَو بالضمّ: ما كان خِلْقة، وبالفتح: ما كان من صُنعنا. وأَصل السدّ مصدر سددته. وشبّه به الموانِع نحو: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً} قرىء بالضَّمّ وبالفتح. والسُّدَّة: كالظُّلَّة على الباب تقِيه من المطر. وغَشِيت سُدَّة فلان، وهو ما بين يدَى بابِه. قال: ترى الوفود قِياماً عند سُدَّته ... يغْشَون باب مَزُور غير زوّارِ وقد يعبّر بها عن الباب؛ كما فى الحديث: "الشُعْث الرّؤس الذي لا يفتح لهم السُّدَد" أَى الأَبواب. وهو على سَدَادٍ من أَمره، وسَدَدٍ، وقلت له سَدَادًا من القول وسَدَدا: صواباً. قال كعب: ماذا عليها وماذا كان ينقصها ... يوم الترحّل لو قالت لنا سَدَدَا وسدّ الرّجل يسِدُّ: صار سديدًا. وسدَّ قولُه وأَمرُه يَسَدّ. وأَمر سديد: مستقيم. اللهمّ سدِّدنى ووفقنى. وفيه سِداد من عَوَز، بالكسر. وجَرَادٌ سُدّ: يَسُدّ الأُفق. وفلان برىء من الأَسِدَّة أَى العيوب. وما به سِداد، أَى عَيْب يَسُدّ فاه أَن يتكلم. وسَدَاد أَرضهم: جهتها وقصدها؛ قال:

إِذا الرّيح جاءَت من سَدَاد بلادها ... أَتانا بها مسكٌ ذكىٌّ وعنبر والسِّدْر: شجر النَبِق. وقد يُخضَد ويُستظلّ به، فجعل ذلك مَثَلاً لظِلّ الجنَّة ونعيمها فى قوله تعالى: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} لكثرة غَنَائه فى الاستظلال به. وقوله: {إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} إِشارة إِلى مكان اختُصّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلم [فيه] بالإِفاضات الإِلهيّة، والآلاءِ الجسيمة. وقيل: هى الشجرة التى بويع النبى صلّى الله عليه وسلَّم تحتها، فأَنزل الله السّكينة فى قلوب المؤمنين. والسَّدَر - محرّكة -: تحيُّر البصر. وسَدَر الشَعَرَ: سَدَلَه.

بصيرة فى السر وما يشتق منه

بصيرة فى السر وما يشتق منه السِرّ: ما يُكتم فى النَّفْس من الحديث. وسارّه: أَوصاه بأَن يُسِرَّه. وتسارّ القومُ. وقوله تعالى: {وَأَسَرُّواْ الندامة} أَى كتموها. وقيل: معناه: أَظهروها، بدليل قوله تعالى: {ياليتنا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ} ، وليس كذلك؛ فإِنَّ النَّدامة التى/ كتموها ليست بإِشارة إِلى ما أَظهروه. وأَسَرّ إِلى فلان حديثا: أَفضى به إِليه فى خفية، قال تعالى: {وَإِذَ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} . وقوله تعالى: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} أَى تُطلعون على ما تُسِرّون من مودّتهم. وقد فُسّر بأَن معناه: تظهرون، وهذا صحيح؛ فإِنَّ الإِسرار إِلى الغير يقتضى إِظهار ذلك لمن يُفضَى إِليه بالسرّ، وإِن كان يقتضى إِخفاءَه من غيره. فإِذًا قولُك: أَسَرّ إِلى فلان يقتضى من وجه الإِظهار، ومن وجه الإِخفاء. وقوله تعالى: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أَى خَمّنوا فى أَنفسهم أَن يحصِّلوا من بيعه بضاعة. وقوله: {وَأَسَرُّواْ الندامة} أَى أَخْفَوها. وقال

أَبو عُبَيْدَة أَى أَظهروها. وأَنكر عليه الأَزهرىّ، وقال: إِنَّمَا يقال أَشرّوا بالمعجمة إِذا أَظهروا، وأَسرّوا ضِدّ أَشرّوا. وقال قطربٌ: أَسَرّها كبراؤهم من أَتباعهم. قال ابن عرفة: لم يقل قطرب شيئا، وإِنَّما أَخبر الله عنهم أَنَّهم أَظهروا النَّدامة حتى قالوا: {ياليتنا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ} الآية، وحتى قالوا: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ} فقد بيّن الله إِظهارهم. وكُنى عن النكاح بالسِّرِّ من حيث إِنَّه يخفى. واستعير للخالص فقيل: هو فى سرّ قومه، ومنه سِرّ الوادى وسَرَارُهُ. وسُرَّةُ البطن: ما يبقى، وذلك لاستتاره بعُكن البطن. والسُّرّ والسَّرَرُ يقال لما يُقطع منه. وأَسِرّة الرَّاحة وأَسارير الجبهة لغُضُونهما. واستسرّه: بالغ فى إِخفائه، قال: إِنَّ العُروق إِذا استسرّ بها الندى ... أَشِر النباتُ بها وطاب المزرع وفى الحديث: "من أَصلح سريرته أَصلح علانيته". ومن دعائه: يا عالم السّر، ويا دائم البِرّ، ويا كاشف الضرّ، أَصلح سِرّنا، وأَدم برّنا، واكشف ضرَّنا. يا مولانا. وقوله: {يَوْمَ تبلى السرآئر} فَسّروه بالصّوم والصّلاة والزكاة والغُسْل من الجنابة. قال الشاعر:

ولو قدَرتُ على نسيان ما اشتملَتْ ... منّى الضلوعُ من الأَسرار والخَبر لكنت أَوّلَ من أُنْسِى سرائرَه ... إِذ كنت من نشرها يوماً على خطر وقال: ولا تُفْشِ سرّك إِلاَّ إِليكَ ... فإِن لكلّ نصيحٍ نصيحَا فإِنِّى رأَيت بُغاة الرجال ... لا يتركون أَديماً صحيحَا ولهذا قيل: صدور الأَحرار، قبور الأَسرار. وقد ورد السرّ فى القرآن على أَوجه: الأَوّل: بمعنى النكاح: {لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} ، أَى نكاحاً. الثَّانى: بمعنى ضِدّ العلانيّة: {يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} ومعناه أَنَّ السّر ما تُكلّم به فى خفاء، وأَخفى منه ما أُضمر: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} . وله نظائر. والسّرور مأخوذ من السِّرِّ؛ لأَنَّ المراد: ما ينكتم من الفرح. وقد ورد فى القرآن على أَوجه: الأَوّل: {صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ الناظرين} . الثَّانى: سرور أَهل الدنيا بدنياهم: {إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً} .

الثالث: سرور المطيعين بنعيم الْعُقْبى: {وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} . وفيه تنبيه على أَنَّ سرور الآخرة يُضادّ سرور الدّنيا. الرابع: سرور النجاة من المِحْنَة والبلوَى: {قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضرآء والسرآء} . والسرير: الَّذى يُجلس عليه، مأَخوذ من السّرور؛ إِذ كان ذلك لأُولى النَعْمة، وجمعه: أَسِرَّة وسُرُر. إِلاَّ أَنَّ بعضهم يستثقل اجتماع الضَّمّتين مع التضعيف، فيردّ/ الأُولى منهما إِلى الفتح لخفَّته فيقول: سُرَر، وكذلك ما أَشبهه من الجمع؛ مثل ذليل وذُلَل. وفى الحديث: "إِن سُرُر أَهل الجنة مرفوعة فى الهواءِ إِلى مسيرة خمسمائة عام، فإِذا أَراد المؤمن الجلوس على السّرير أَشار إِليه بيديه، فينزل من الهواءِ ليجلس إِليه ثم يرجع إِلى مكانه". فهذا معنى قوله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} . قال: أَتذكر إِذ لباسُك جلدُ شاةٍ ... وإِذا نعلاكَ من جلد البعيرِ فسبحان الذى أَعطاك مُلكاً ... وعَلَّمك الجلوسَ على السّرير وقد ورد السّرير فى القرآن على وجوه:

الأَوّل: التُّخْوت المصطفّة: {مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} . الثَّانى: تخوت عليها ثياب منسوجة بالذهب: {على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} . الثالث: تُخوت معلاَّة في الهواءِ: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} . الرابع: أماكن الأَولياءِ العالية: {إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} . الخامس: قوله تعالى: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمان} إِلى قوله: {وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} .

بصيرة فى السرب وسربل وسراج

بصيرة فى السرب وسربل وسراج السَّرَب - مَحرّكة -: الذَّهاب فى حَدُور. والسَّرَبُ: المُنحدَر. يقال سَرَب سَرْباً وسُرُباً، نحو مَرّ مرًّا ومُرورًا، وانسرب انسراباً. لكن سَرَبَ يقال على تصّور الفعل من فاعله، وانْسَرَبَ على تصوّر الانفعال منه. وسَرَب الدّمعُ: سال، والماءُ: جرى على وجه الأَرض، والنَّعَمُ: توجّه للرِّعى. وانسربت الحيَّةُ إِلى جُحْرها. وماءٌ سَرَبٌ، وسَرِب: منقطر من سِقَائِه. والسَّارب: الذَّاهب فى سَرْبه، أَىّ طريق كان. والسَّرْب أَيضاً: جمع سارب، كراكب ورَكْب. وتعورف فى الإِبل، حتى قيل: ذعرت سَرْبه، وهو آمن فى سَرْبه، أَى قطيعه. وقيل: فى أَهله ونسائه، فجعل السَّرْب كناية. وفى الحديث: "مَنْ أَصبح آمِنًا فى سَرْبه" أَى فى منقلبه ومتصرَّفه، ويأْبَى تفسيرَه بالمال، قولهُ: "وعنده قوت يومه"، وروى بالكسر أَى فى حُرَمه وعياله، مستعار من

سِرْب الظباءِ والبقر والقطا. وقيل: اذهبى فلا أندَهُ سَرْبك، فى الكناية عن الطَّلاق، ومعناه: لا أَردّ إِبلك الذاهب فى سَرْبه. وسرَّبْتُ إِليه الأَشياء: أَعطيته إِيّاها واحدا بعد واحد. والسّربال: القميص مِن أَىّ جنس كان، قال تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} أى تقى بعضكم من بأْس بعض. والسّراج: الزَّاهر بفَتِيلة ودُهْن. ويعبَّر به عن كلّ مضىء، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} يعنى الشمس، وقال: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً} . وفى الحديث: "عُمَرُ سِرَاج أَهل الجنَّة". قيل: المراد أَنَّ الأَربعين الذين تمّوا بإِسلام عمر كلّهم من أَهل الجنَّة، وعمر فيما بينهم كالسّراج. ووضع المِسْرَجَة على الْمَسْرَجَة، المكسورة: الَّتى فيها الفتيلة، والمفتوحة: الَّتى توضع عليها. وهو سَرَّاج مَرَّاج: كاذب.

بصيرة فى السرح والسرد والسراط

بصيرة فى السرح والسرد والسراط السَّرْح: شجر له ثمر، الواحدة، سَرْحة، وسَرَحْت الإِبلَ فى المرعَى سَرْحاً أَصله أَن تُرْعِيَه فى السّرح، ثم جُعل لكلّ إِرسال فى الرّعى، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} . والسّارح: الرّاعى، والجمع: السَرْح (كالسّارب والسّرْب) . والتسريح فى الطَّلاق مستعار من تسريح الإِبل فى المرعى. والسَّرْد خَرْز ما يَخْشنُ ويغلُظ، كنسْج الدِّرع. واستعير لنَظْم الحديد، قال تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السرد} ، ويقال: (سَرْد وزَرْد) نحو سِراط وزِراط. والمِسْرَدُ: المِثْقَب. / والسِّراط: الطَّريق المستسهَل، أَصله من سَرَِطْت الطَّعام، وزَرِدته: ابتلعته. فقيل سِرَاط، تصوّر أَنَّه يبتلعه سالكه، أَو يبلَع سالكه. واسترطه وتسرّطه: بَلِعه قليلا قليلا. ورجل سَرَطان وسِرْطم. ومنه السِّرِطْراط للفالوذ. وسيف سُرَاط: قَطَّاع. وفرس سَرَطانٌ، وَسَرطانُ الْجَرْى، كأَنَّه يسترط العَدْو ويلتهمه.

بصيرة فى السرعة

بصيرة فى السرعة وهى ضدّ البُطءِ، ويستعمل فى الأَجسام والأَفعال. سَرُع فهو سريع، وأَسرع فهو مُسرع. وسيرٌ سريع، وفرسٌ سريع، وخيلٌ سِرَاع. وما كان سريعاً وقد سَرُع سَرَاعة، وسَرَعاً. وسُرْعة. وسارع إِلى الخير، وتسارع. قال تعالى: {أولائك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات} . وفلان يتسرّع إِلى الشرّ. وسَرَعانُ القوم: أوائلهم السِّراع. وفى مَثَل: سَرْعانَ ذا إِهالةً. قال: أَتخطُبُ فيهم بعد قتل رجالهم ... لسَرْعانَ هذا والدّماءُ تصبَّبُ ويقال: سَرْعَ ذلك بغير أَلف ونون؛ والأَصل سَرُع. قال مالك بن زُغْبة. أَنَوْرًا سَرْعَ هذا يا فَرُوقُ ... وحَبْلُ الوصل منتكِثٌ حَذِيقُ وقوله تعالى: {والله سَرِيعُ الحساب} و {سَرِيعُ العقاب} تنبيه على

ما قال {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} . وقوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً} . قال: سَوْءَةً سَوْءَة لوجه طبيب ... ساءَنا منظرًا وساءَ صنيعا إِن رآه الصّحيح صار مريضا ... أَو رآه المريض مات سريعا

بصيرة فى السرف

بصيرة فى السرف وهو مجاوزة الحدّ فى النفقة وغيره، وفى النفقة أَشهر. وتارة يقال اعتبارًا بالقَدْر، وتارةً بالكيفيَّة، ولهذا قال سفيان: ما أَنفقتَ فى غير طاعة الله فهو سَرَف وإِن كان قليلا. وقوله تعالى: {وَأَنَّ المسرفين هُمْ أَصْحَابُ النار} أَى المتجاوزون فى أُمورهم الحدّ. وسُمِّىَ قوم لوط مسرفين لأَنَّهم تعدّوا فى وضع البَذْر المَحرث المخصوص بقوله تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} . وقولُه: {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} يتناول الإِسراف فى الأَموال وغيرها. وقولُه: {فَلاَ يُسْرِف فِّي القتل} فسَرَفه أَن يقتل غير قاتله، إِمّا بالعدول عنه إِلى ما هو أَشرف منه، أَو بتجاوز قتل القاتل إِلى غيره، حَسْبَمَا كانت الجاهليّة تفعله. والسُّرْفَة: دُوَيْبَّة تَأْكل الخشب. ومنه: يعمل السَرَف فى النَشَب، ما يعمل السُّرَف فى الخشب. وأَرض سَرِفة: كثيرة السُّرَف. ورجل سَرف الفؤاد، وسَرِف العقل: فاسده.

بصيرة فى السرقة

بصيرة فى السرقة وهى أَخذك ما ليس لك أَخذه فى خفاء، [وصار ذلك] فى الشَّرع [لتناول الشىء] من موضع مخصوص وقَدْر مخصوص. والسّرِقة، والسّرِق، والسَّرَق، بمعنى. قال أَبو المقدام: سَرَقتُ مال أَبى يوماً فأَدّبنى ... وجُلّ مال أَبى ياقومنا سَرَقُ وقال تعالى: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ} ، وقال: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} . وسَرَقه مالاً، وسرق منه مالا. والسَّرَق - مَحَرّكة -: أَجود الحرير، معرّب. واسترق السّمع: تسمّع مستخفيًا. استرق الكاتبُ بعض المحاسبات إِذا لم يبرزه. وسرقنا ليلةً من الشَّهر: إِذا نعِموا فيها. ورجل مُسْتَرَقُ العُنُقِ: قصيرها، قال: عَكَوَّكٌ إِذا مشى دِرْحايَهْ ... مُسْتَرَقُ العُنْق قصير الدايَهْ

رددته بالصُغْر والقَمايَهْ وهو مسترَقُ القُوَى: ضعيف. والسّارقة: الغُلّ: الجامعة. وسَرَقَتْنِى عينى: غلبتنى.

بصيرة فى السرى والسطح

بصيرة فى السرى والسطح وهو سير اللَّيل. سَرَى باللَّيل وأَسريت، وسَرَيت به وأَسريت به. قال تعالى: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ} أَى ذهب به في سَرَاة الأَرض، وهى الواسعة من الأَرض. وسَرَاة كلّ شىءٍ: أَعلاه، ومنه سراة النَّهار أَى ارتفاعه وأَوّله. وقوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} ، أَى نهرّا يجرى ويَسْرِى. وقيل بل ذلك من السَرْو وهو الرفعة، يقال: رجل سرِّىٌّ من السَّرَوات، والسَّرَاة، ومن أَهل السَّرْو، وهو السّخاء فى مروءَة. قال: وأَشار بذلك إِلى عيسى صلوات الله عليه وما خصّه به من سَرْو. والسّطْح: أَعلى البيت. وسَطَحَ البيتَ: جَعَل له سطحاً. وسطح الخبزَ بالمِسْطح. وسطح الثريدةَ فى الصَّحْفة. وسَطْحٌ مُسَطَّحٌ: مستَوٍ. وأَنف مسطَّح: منبسط جدًّا. والمِسْطَحُ: عمود الخيمة؛ والمِسْطاح: الحَصير من الخوص. وضربه فسطحه: بَطَحَهُ على قفاه ممتداً، فانسطح، وهو سطيح، وبه سمّى الكاهن سَطِيح. والسَّطِيحة: المَزَادة.

بصيرة فى السطر والسطو

بصيرة فى السطر والسطو سَطَر واسْتَطَرَ: كَتَبَ. وكتب سَطْرًا من كتابه، وسَطَرًا، وأَسْطُرًا، وسُطورًا، وأَسطارًا. وهذه أُسطورة من أَساطير الأَوّلين، أَى ممّا سطروا من أَعاجيب أَحاديثهم. وسَطَر علينا فلان: قصّ علينا من أَساطيرهم. وهو مُسَيْطِر علينا، ومُتَسَيْطِرٌ: متسلّط. ولماذا سيطرت علينا، وتَسَيْطرت؟ وقوله تعالى: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} ، أَى لست عليهم بقائم وحافظ. واستعمال مسيطر هنا كاستعمال القائم فى قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ، وكالحفيظ فى قوله: {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} . وقيل: معناه: لست عليهم بحفيظ، فيكونُ المسيطر كالكاتب فى قوله: {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} . وقولُه: {كَانَ ذلك فِي الكتاب مَسْطُوراً} أَى مثبتًا محفوظًا. والسّطوة: البطش برفع اليد. وقد سطا بِه، قال تعالى: {يَكَادُونَ يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتنا} ، وأَصله مِنْ سَطَا الفرسُ على الرَّمكَة يسطو: إِذا قام على رجليه رافعاً يديه، إِمّا مَرَحاً وإِمّا نَزْوًا على الأَنثى. وسَطا الرّاعى: أَخرج الولدَ من بطن أُمّه ميِّتًا. وسطا بقِرْنه، وعلى قِرْنه: وثبَ عليه وبَطَش به. وسَطا الماءُ: كثر وزَخَر. وما سَطَوْتُ فى طعام أَحد: ما تناولته. ولهم أَيدٍ سَوَاطٍ عَوَاطٍ.

بصيرة فى السعد

بصيرة فى السعد السّعادة: معاونة الأُمور الإِلَهية للإِنسان على نيل الخير. وتضادّها الشَّقاوة. سَعِدْتُ به، وسُعِدت، وهو سعيد ومسعود، وهم سعداءُ ومساعيد. وأَسعدهُ الله، وأَسعد جَدَّه. وأَعظم السّعادات الجنَّة، ولذلك قال تعالى: {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِي الجنة} . والمساعدة: المعاونة بما يُظنّ به سعادة. وقولهم: لبَّيك وسعدَيك أَى أَسعدك الله إِسعادًا بعد إِسعاد، أَو أُساعدك مساعدة بعد مساعدة. والأُولى أَولى. والإِسعاد فى البكاءِ خاصّة. وقد استسعدته فأَسعدنى. وأَسعدتِ النَّائِحةُ الثَّكْلَى: أَعانتها على البكاءِ والنَّوح. وسَعْدانة البعير: كِرْكِرَته، ومن النعل: عُقْدة الشِّسْع تحتها. وسَعْدانات الميزان: عُقَدٌ فى أَسفله. وسَعْدانة الثَّدْى: سوادٌ حول الْحَلَمة. ويقال فى السّؤال عن الخير والشرِّ: أَسَعْدٌ أَم سُعَيْد. وأَمْرٌ ذو سواعد: ذو وجوهٍ ومخارج.

بصيرة فى السعر ولسعى

بصيرة فى السعر ولسعى سعَر النَّار وأَسعرها وسَعَّرها: أَلهبها، فاستعرتْ/ وتسعّرت، والحربُ: اشتعلت. والمِسْعَر: الخشب الَّذى يُسْعر به. وناقة مسعورة: مُوقَدَة مَهِيجة. والسُّعار: حَرُّ النَّارِ، وحَرّ الليل، وتوهُّج العطش. وسُعِر - كعُنى -: أَصابه حَرّ. وقوله تعالى: {إلى عَذَابِ السعير} أَى الحميم، فعيل بمعنى مفعول. وهو مِسْعر الحرب، وهم مساعِرُ الحروب. وأَسعر الأَميرُ للنَّاس وسعَّر لهم، تشبيه باستعار النَّار. والسّعى: المشى السّريع. ويستعمل للجِدّ خيرًا كان أَو وشرًّا، قال: {وسعى فِي خَرَابِهَآ} ، وقال: {نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} . وأَكثر ما يستعمل فى الأَفعال المحمودة. وقد سعى إِلى المجد، وهو يسعى إِلى الغاية. ويسعَى على عِياله: يكسب لهم، ويقوم بمصالحهم. قال أَبو قيس بن الأَسلت: أَسعَى على جُلّ بنى مالكٍ ... كلّ امرىء فى شأنه ساعِى

وهو من أَهل المساعى، أَى المكارم. وقوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعي} ، أَى أَدرك ما سعى فى طلبه. وخُصّ السّعى فيما بين الصّفا والمروة من المشى، والسِّعايَة بالنميمة، وبأَخذ الصّدقات، وبكسب المكاتَب لعتق رقبته، وبالوَشْىِ إِلى السّلطان. وأَمَتُهُمْ مُساعية، أَى زانية. وخصّت المساعاة بالفجور، والمَسْعاةُ بطلب المكرمة. وقوله تعالى: {والذين سَعَوْاْ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} ، أَى اجتهدوا فى أَن يُظهروا لنا عَجْزًا فيما أَنزلناه من الآيات

بصيرة فى السغب والسفر والسفع

بصيرة فى السغب والسفر والسفع السّغَب: الجوع فى تعب. وهو ساغب لاغب. وقد سَغِبَ وسَغَب. وبه سَغَبٌ ومَسْغبَة.، قال تعالى: {فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} . وربّما قيل فى العطش مع التَّعب: سَغِب يَسْغَب سَغَباً وسُغوباً، فهو ساغبٌ وسَغْبانُ، نحو عطشان. ويقال: لو بَقِىَ اللَّيْثُ فى الغابة، لمات من السَّغَابة. والسَّفْر: كشف الغِطاء ويختصّ ذلك بالأَعيان، نحو سَفْر العمامة عن الرّأْس، والخِمار عن الوجه. وسَفَر البيتَ: كنسه بالمِسْفَر أَى المِكْنَس، وذلك إِزالة السّفير عنه، أَى التُّراب الذى يكنس. والإِسفار يختصّ باللَّون، نحو: {والصبح إِذَآ أَسْفَرَ} ، أَى أَشرق لونُه و {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} . وأَسْفَرُوا بالصّبح تأَخَّرُوا، من قولهم: أَسفرت: دخلت فيه، نحو أَصبحت. وسافر سفَرًا بعيدًا. وبينى وبينه مُسَافَرٌ بعيد. وهو مِسفار: كثير الأَسفار. وبعيرٌ مِسْفَر: قوىّ على السّفر. وهم سَفْر وسُفَّار. وأَكلوا السُّفْرة، وهى طعام السَّفَر. وسَفَرْتُ بين القوم سِفَارة. ومشى بينهم السّفِيرُ والسُّفَراءُ.

وامرأَة سافِرٌ، ونساءٌ سوافرُ. وسَفَرَت قِنَاعها عن وجهها. وما أَحسن مَسْفِرَ وجهِه، ومَسافِرَ وجوههم. قال امرؤ القيس: ثِيَابُ بنى عوفٍ طهارَى نقيَّة ... وأَوجههم بِيضُ المَسَافِرِ غُرَّانُ وسَفَر الكتابَ: كتبه. والكرام السَّفَرة: الكَتَبة. والسِّفْر: الكتاب الَّذى يَسفِر عن الحقائق، قال تعالى: {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً} . وخصّ لفظ الأَسفار فى هذا المكانِ تنبيهاً أَنَّ التوراة وإِن كانت تحقِّقُ ما فيها، فالجاهل لا يكاد يستبينها (كالحمار الحامل) لها. وقوله: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} ، هم الملائكة الموصوفون بقوله: {كِرَاماً كَاتِبِينَ} . و (جعلنى كذا) طولُ ممارسة الأَسفار، وكثرة مدارسة الأَسفار. وربّ رجل رأَيته مسفِّرًا، ثمّ رأَيته مفسِّرا أَى مجلِّدا. وسَفَرَت الحربُ: ولَّت. وأَسفرت: اشتدّت. ووجهٌ مُسْفِر/: مُشرق سرورًا.

و {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} . والرّسُول والملائكة والكتب مشتركة فى كونها سافرة عن القوم ما استبهم عليهم. والسَّفْع: الأَخذ بسُعْفة الفَرَس، أَى بسواد ناصيته، قال: {لَنَسْفَعاً بالناصية} . وباعتبار السّواد قيل للأثافىّ: سُفْع. وكلّ صَقْر وكلّ ثور وحشىّ أَسفع. وسفعته النَّارُ: لفَحته. وتَسَفَّع بها: اصطلَى، قال: يا أَيّها القَيْن أَلا تسَفَّعُ ... إِنَّ الدّخان بالسّراة ينفعُ وسافَعهُ: لاطمه. وفى الحديث: "أَنا وسَفعاء الخدّين الحانيةُ على ولدها. كهاتين"، أَراد الشُّحُوب من الجهد، فهذا ممّا يترك الوجه أَسفع. قال جرير: أَلا ربّما بات الفرزدق نائماً ... على مخزياتٍ تترك الوجه أَسفعا وأَصابته سَفْعة عَين ولمَمٌ من الشيطان، كأَنَّه استحوذ عليه فسَفع بناصيته. ورجل مسفوع ومَعْيون. وسافَعها: زنَى بها.

بصيرة فى السفك والسفل والسفن

بصيرة فى السفك والسفل والسفن السَفْك فى الدّم: صَبّه. وكذا فى الجواهر المذابة، وفى الدّمع. والسُّفْل: ضِدّ العُلْو، سَفِلَ الحجرُ وغيره سُفُولاً. وعَلاَ السِنانُ وسفَل الزُجّ. ومررت بعالية النَّهر وسافلته. واشترى الدّار بعُلْوها وسُفْلها. ونزل أَسفلَ منِّى، قال تعالى: {والركب أَسْفَلَ مِنكُمْ} . وقعد فى عُلاَوة الريح وسُفَالتها. وسَفِلة البعير: قوائمه. وأَمْرُه كلَّ يوم إِلى سَفَال. وقد سَفُل فى النَّسب وفى العِلم، واستفل وتسفَّل. وهو من السَّفِلة، استعير من سَفِلة الدّابة. فمن قال: السِّفْلة فهو تخفيف كاللِّبْنة فى اللَبِنة. أَو جمعُ سَفِيل كعِلْية فى جمع عَلِىٍّ. وهو يُسافل فلاناً: يباريه فى أَفعال السَّفِلة. وقد سفُل النَّاس سَفَالة، وأَمرهم فى سَفَال. والسّفْن: القَشْر. سَفَن النَّجّارُ العُودَ، والرّيحُ الترابَ عن وجه الأَرض. قال امرؤ القيس:

فجاءَ خِفيًّا يَسْفِنُ الأَرضَ صدرُه ... ترى التُّرْب منه لاصقًا كلَّ مَلْصَقِ ومنه السّفينة لأَنَّها تسْفِن الماءَ، كما تمخره، والجمع: سفِينٌ، وسُفُن، وسفائِنُ. وأجود من أَبى سَفَّانة، وهو كنية حاتِم.

بصيرة فى السفه والسفر والسقط

بصيرة فى السفه والسفر والسقط السّفَه: خِفَّة فى البَدَن. ومنه قيل: زمامٌ سفيه، أَى كثير الاضطراب، وثوبٌ سفِيه: مُهلهَل ردىء النَّسْج. واستعمل فى خفَّة النَّفْس لنقصان العقل فى الأُمور الدّنيويّة والأُخرويّة، فقيل: سَفِه نفسَه، وأَصله سفِه نفسُه، فصُرِف عنه الفعل نحو: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} ، قال تعالى في السّفه الدَنيوىّ: {وَلاَ تُؤْتُواْ السفهآء أَمْوَالَكُمُ} ، وفى السّفه الأُخروىّ: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى الله شَطَطاً} ، هذا هو السّفه فى الدّين. وقال تعالى: {ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء} تنبيها أَنهم هم السفهاءُ فى تسمية المؤمنين سفهاءَ. على ذلك قوله تعالى: {سَيَقُولُ السفهآء} . والسَّقْر والصّقْر: تغيير اللَّون. سَقَرَته الشَّمسُ وصقرته: لَوَّحَتْهُ. وجُعل سَقَر عَلَمًا لجهنم، ولمّا كان يقتضى التلويحَ فى الأَصل نبّه بقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ} أَنّ ذلك مخالف لما تعرفه من أَحوال السّقْر فى الشَّاهد. والسّقوط: اطّراح الشَّى، إِمّا من مكان عالِ إِلى مكان منخفض، كالسّقوط من السّطح، وسقوطِ منتصِب القامة. والسَّقَط والسُّقَاط لما يقلّ

الاعتداد به. وسُقاطة البيت وسَقَطه وأَسقاطه: أَثاثه، من نحو الفأْس والقِدْر والإِبرة. وأَعطانى/ سُقَاطة المتاع أَى رُذَاله. ومنه قيل: رجل ساقط أَى لثيم فى حَسَبه. وقد أَسقطه كذا. وأَسقطت المرأة اعتُبر فيه الأَمران، السّقوط من عالٍ والرداءَة جميعاً؛ فإِنَّه لا يقال أَسقطت المرأةُ إِلاَّ فى الَّذى تلقيه قبل التَّمام. ومنه قيل لذلك الولد: سَِقْط. وبه شُبّه سَِقْط الزَّنْدِ. وقرىء: {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} أَى تُساقط النَّخلةُ، وقرىء (تَسَّاقطْ) أَى يَسَّاقط الجذْع. وسُقِط فى يده وأُسْقِط وسَقَطَ على المبنىّ للفاعل: ندِم. وهو مسقوط فى يده، وساقط فى يده أَى نادم. ومَسقَِط رأسك: مولدك. وهو ساقط من السُّقَّاط، وساقطة من السّواقط، أَى لئيم. وأَسْقط فى حسابه وكتابه: أَخطأَ. ولا يخلو أَحد من سَقْطة ومن سَقْطات. وتسقَّطته: تتبعت عَثْرته، وأَن يندُر منه ما يؤخذ عليه. قال: ولقد تسقَّطنى الوُشاة فصادفوا ... حَصِرًا بسرّكِ يا أُميم ضَنينا وتسقَّط الخبرَ: أَخذه شيئا بعد شىء. وهو يساقِط العَدْو: يأْتى به على مَهَل.

بصيرة فى السقف والسقم والسقى

بصيرة فى السقف والسقم والسقى قال تعالى: {لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ} جمع سَقف، ويجمع على سُقُوفٍ أَيضا. وسقَّف بيته تسقيفاً، قال حاتم الطائىّ: وإِنّىِّ وإِن طال الثَّواءُ لمّيتٌ ... ويضطمُّنى ماوِىَّ بيتٌ مسقَّف والسّقيفة: كلّ ما سُقِّف من جَنَاح أَو صُفَّة ونحوهما. والسَّقَف: الانحناء فى طول. والسَّقَم والسَّقَام: المرضى المختصّ بالبدن. وهو سقيمٌ وسَقِمٌ. وقوله تعالى: {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} من التعريض، والإِشارة به إِمّا إِلى ماضٍ، وإِمّا إِلى مستقبل، وإِمّا إِلى قليل ممّا هو موجود فى الحال؛ إِذ الإِنسان لا ينفكّ من خَلَلِ يعتريه وإِن كان لا يحسّ به. ورجل وامرأَة مِسقام. وأَسقمه الله، وسَقَّمه. وقلبٌ سقيم. وكلامٌ وفَهْمٌ سقيم. والسَّقْى والسُّقْيَا: أَن تعطيه ما يشرب، والإِسقاء: أَن تجعل له ذلك حتى يتناوله كيف شاءَ. والإِسقاءُ أَبلغ من السّقى؛ لأنّ الإِسقاءَ: هو أَن تجعل له ما يَسْتَقى منه ويشرب، تقول: أَسقيته نهرًا. قال تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} وقال: {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} وقال:

{نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} أَى جعلناه سُقْيا لكم. وقيل: سَقَاه لشَفَته، وأَسقاه لدابّته. ويقال للنَّصيب من السَّقى: سِقْى بالكسر، وكذا للأَرض الَّتى تُسْقَى: سِقْى؛ لكونهما مفعولين كالنِّقْض. والاستسقاء: طلب السَّقى أَو الإِسقاء. وسقَّيته تسقية: قلت له: سقاك الله. وله سِقاية ومِسْقاة يَشرب بها، وهى المِشْربة. واسْقِ أَرضك فقد حان مَسْقاها: وقت سَقْيها. وساقٌ كالسقِيَّة وهى البَرْدِيَّة. والسِّقاءُ: ما يجعل فيه ما يُسقى. وأَسقيتك جِلدًا: أَعطيتكه لتَجعله سِقَاءً. وقوله تعالى: {جَعَلَ السقاية فِي رَحْلِ أَخِيهِ} هو المسمّى صُوَاعَ الملك، فتسميته بالسّقايَة تنبيه أَنَّه يُسقى به، وتسميته صُوَاعاً أَنَّه يُكتال به. وبه سِقْىٌ وهو أَن يقع الماءُ الأَصفر فى بطنه. وقد أَسقاه الله. وتقولِ: أَسْقاك الله ولا أَسقاك.

بصيرة فى السكب والسكت والسكر

بصيرة فى السكب والسكت والسكر ماءٌ ودمعٌ / ساكِبٌ ومَسكوبٌ ومُنسكِب: مصبوب. وقد سَكَبْتُه سَكْبًا. وسَكَبَ بنفسه سُكوبا. وماءٌ ودمٌ أُسكوبٌ: منسكب، / قالت جَنُوبُ أُخت عمرٍو ذى الكلب: الطَّاعن الطَّعنةَ النَّجلاءَ يتبعها ... مُثْعَنجرٌ من دم الأَجواف أُسكوبُ والسّكوت مختصّ بترك الكلام. ورجل سَكُوت، وساكوت، وسِكِّيت. وبه سُكاتٌ: إِذا كان طويل السّكوت من علَّة. وتكلَّم ثم سكت. فإِذا أُفْحِم قيل: أُسكِتَ. والسُّكْتة: ما يُسكت به الصّبىّ. وفلان سُكَيت الحَلْبة أَى متخلِّف فى صناعته. والسُّكْر: حالة تعترض بين المرءِ وعقله. وأَكثر ما يُستعمل ذلك فى شراب المُسكِر. وقد يعترى من الغضب والعشق، ولذلك قال الشاعر: سُكران: سُكر هوًى وسكر مدامة ... أَنَّى يُفيق فَتًى به سُكرانِ ورجل سَكْرانُ وسِكِّير وسَكِر، وقوم سَكْرَى وسُكَارَى وسَكارَى. وقيل: السّكِّير: الدائم السّكر، والمِسكر: الكثير السّكر.

والسَّكَر - مَحرّكة -: نبيذ التمر، قال تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} قال ابن عرفة: هذا قيل لهم قبل أَن تحرَّم الخمر عليهم. والسَّكَر: خمر الأَعاجم. ويقال لما يُسكِر: السَّكَر، ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم "حُرِّمت الخمر لعينها والسَّكَرُ من كلّ شراب" رواه أَحمد والثقات. وقال ابن عبّاس - رضى الله عنهما -: السَّكَر: ما حُرِّمَ من ثَمَرَةٍ قبل أَن تحرم، وهو الخمر، والرّزق الحسن: ما أُحلّ من ثمرةٍ من الأَعناب والتُمور. وقال أَبو عبيدة: السَّكَر: الطعام. وأَنشد: جَعَلْتَ أَعراضَ الكِرام سَكَرًا أَى جعلت ذمّهم طُعْما لك. وقال بعض المفسّرين: السَّكَر فى التَّنزيل هو الخلّ. وهذا شىء لا يعرفه أَهل اللغة. وسَكْرَة الموت: شدَّته، وهو اختلاف العقل لشدَّة النزع، قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} . وقد صحّ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان عند وفاته يدخل يديه فى الماءِ فيمسح بهما وجهه ويقول:

لا إِلَه إِلاَّ الله، إِنَّ للموت سَكَرَات، ثم نَصَب يده فجعل يقول: فى الرّفيق الأَعلى، حتى قُبض ومالت يده. وقال تعالى: {سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} أَى حُبست عن النظر وحُيّرت. وقال أَبو عمرو بن العلاءِ: معناها: غُطِّيت وغُشِّيت. وقرأَ الحسن البصرىّ: (سُكِرت) بالتَّخفيف أَى سُحرت.

بصيرة فى السمر

بصيرة فى السمر وهو المسامَرَة أَى الحديث بالليل. وقد سَمَر يَسمُرُ فهو سامِرٌ. والسّامر أَيضًا: السُّمَّار، وهم القوم يَسمُرون، كما يقال للحُجَّاج: حاجٌ. قال تعالى: {سَامِراً تَهْجُرُونَ} ، أَى سُمّارًا تتحدّثون ليلاً. والسّامِرىّ المذكور فى القرآن، قيل: كان عِلْجًا من كَرْمان، وقيل - وهو الأَشهر -: إِنَّه كان من عظماءِ بنى إِسرائيل، منسوب إِلى موضع لهم. وقيل: نسبه إِلى السَّامِرَة، وهم قوم من اليهود يخالفونهم فى بعض أَحاكمهم. والسُّمْرة: لونٌ مركَّب من بياضٍ وسواد. والسَّمراءُ كُنِى بها عن الحِنطة. والسَّمُرة: شجرة يُشبه أَن تكون للونها سُمّيت بذلك.

بصيرة فى السكون

بصيرة فى السكون سَكَن المتحرك، وأَسكنته وسكَّنته. وسَكَنوا الدّارَ، وسكنوا فيها. وهم سَكْن الدّارِ، وساكنتها، وساكِنوها، وسُكَّانها. وتركتهم على سَكِنَاتهم، ومَكُِناتهم، ونَزَِلاتهم: مساكنهم وأَماكنهم ومنازلهم. والسَّكينة الطمأْنينة. وقد ذكر الله تعالى السَكِينة فى القرآن فى ستَّة مواضع: الأَوّل: قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أَى ما تسكُنون به إِذا أَتاكم، أَو هى شىء كان له رأْسٌ كرأْس الهِرّ من زبرجد وياقوت، وجناحان. / الثاني: قوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنَزلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} . الثالث: قوله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ ثَانِيَ اثنين إِذْ هُمَا فِي الغار إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} .

الرّابع: قوله: {هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ليزدادوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض} . الخامس: قوله: {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} . السّادس: قوله: {إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين} الآية. وكان بعض المشايخ إِذا اشتدّت عليه الأُمور قرأَ آيات السّكينة. ويُرْوَى عنه فى واقعة عظيمة جرت له فى مرضه يعجز العقول والقرائح عن حملها من محاربة أَرواح شيطانيّة ظهرت له فى حال ضعف القوّة. قال: فلمّا اشتدّ علىَّ الأَمر قلت لأَقاربى ومَن حَوْلِى: اقرءُوا آيات السّكينة. قال: ثمّ انقطع عنى ذلك الحال وجلست وما بى قَلَبَة. وقد جرّبتها الأَكابر عند اضطراب القلب ممّا يَرِد عليه، فرأَوا لها تأْثيرًا عظيماً فى سكونه وطمأْنينته. وأَصل السَّكِينَة هى: الطُّمأْنينة والوَقار والسّكون الَّذى يُنزله الله فى قلب عبده عند اضطرابه من شدّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يَرِد عليه، ويوجب له زيادة الإِيمان، وقوّة اليقين والثبات. ولهذا أَخبر سبحانه

عن إِنزالها على رسوله وعلى المؤمنين فى مواضع القَلَق والاضطراب؛ كيوم الغار، ويوم حُنين ونحوه. وقال ابن عبّاس: كلّ سكينة فى القرآن فهى طمأنينة إِلاَّ فى سورة البقرة. واختلفوا فى حقيقتها، وهل هى عينٌ قائمة بنفسها أَو معنًى، على قولين: أَحدهما: أَنَّها عينٌ، ثمّ اختلف أَصحاب هذا القول فى صفتها. فُروِىَ عن علىّ بن أَبى طالب أَنها ريح صفَّاقة لها رأْسان، ووجهها كوجه الإِنسان. وعن مجاهد: أَنَّها على صورة هِرّة لها جناحان وعينان لهما شعاع، وجناحاها من زمرّد وزبرجد، فإِذا سمعوا صوتها أَيقنوا بالنَّصر. وعن ابن عبّاس: هى طَسْت من ذهب من الجنَّة، كان يغسل فيه قلوب الأَنبياءِ. وعن ابن وهب: هى روح الله يتكلَّم، إِذا اختلفوا فى شىءٍ أَخبرهم ببيان ما يريدونه. والثَّانى: أَنَّها معنى. ويكون معنى قوله: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أَى فى مجيئه إِليكم سكينةٌ وطمأْنينة. وعلى الأَوّل يكون المعنى أَنَّ / السكينة فى نفس التَّابوت، ويؤيّده عطف قوله: {وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ موسى وَآلُ هَارُونَ} . وقال عطاءُ بن أَبى رَبَاح:

فيه سكينة هى ما يعرفون من الآيات فيسكنوا إِليها. وقال قتادة والكلبى: هى من السّكون، أَى الطمأنينة من ربّكم. ففى أَىّ مكان كان التَّابوت اطمأَنوا إِليه وسكنوا. قال: وفيها ثلاثة أَشياء: للأَنبياء معجزة، ولملوكهم كرامة، وهى آية النُّصرة، تخلع قلوب الأَعداءِ بصوتها رُعْبًا إِذا التقى الصّفَّان للقتال. وكرامات الأَولياءِ هى من معجزات الأَنبياءِ؛ لأَنهم إِنَّما نالوها على أَيديهم وبسبب اتّباعهم، فهى لهم كرامات، وللأَنبياءِ دلالات معجزات. فكرامات الأَولياءِ لا تعارض معجزات الأَنبياءِ، حتَّى يطلب الفُرقان بينهما، لأَنَّها من أَدلَّتهم وشواهد صدْقهم، ثمّ الفُرقان بين ما للأَنبياءِ وما للأَولياءِ من وجوه كثيرة ليس هذا موضع ذكرها. واعلم أَنَّ السكينة الَّتى تنطِق على لسان المحدَّثين ليست هى شيئا يُملك، إِنما هى شىء من لطائف صنع الله تُلقِى على لسان المحدّث الحكمة؛ كما يُلقِى الملك الوحىَ على قلوب الأَنبياءِ، ويُنطق المحدّثين بنُكَت الحقائق مع ترويح الأَسرار وكشف الشُّبَه. والسّكينة إِذا نزلت فى القلب اطمأَنَّ بها، وسكنت إِليها الجوارح، وخشعت، واكتستِ الوقار، وأَنطقت اللسان بالصّواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخَنَى والفُحش واللَّغو والهُجْر وكلّ باطل. وقال ابن عبّاس رضى الله عنهما: كنَّا نتحدّث

أَنَّ السكينة تنطق على لسان عُمَرَ وقلبه. وكثيرا ما ينطق صاحب السكينة بكلام لم يكن عن قدرة منه ولا رويَّة، ويستغربه هو من نفسه، كما يستغربه السّامع له. وربّما لم يعلم بعد انقضائه بما صدر منه. وأَكثر ما يكون هذا عند الحاجة، وصِدْق الرغبة من السائل والمُجالس، وصِدْق الرغبة منه هو إِلى الله. ومن جرّب هذا عرف قدر منفعته وعظمها، وساءَ ظنُّه بما يحسن به الغافلون ظنونهم فى كلام كثير من الناس. وهى موهبة من الله تعالى ليست بسببيّة ولا كَسْبية، كالسّكينة الَّتى كانت فى التَّابوت تُنقل معهم حيث شاءُوا. وقد أَحسن من قال: وتلك مواهب الرّحمان ليست ... تُحَصَّل باجتهادٍ أَو بكَسْبِ ولكن لا غِنَى عن بذل جهدٍ ... بإِخلاص وجِدٍّ لا بلِعْبِ وفضلُ الله مبذولٌ ولكن ... بحكمته وعن ذا النصُّ يُنْبِى فما من حكمة الرّحمان وضع الـ ... كواكب بين أَحجارٍ وتُرْبِ فشكرًا للذى أَعطاك منه ... ولو قَبل المحلُّ لزاد ربِّى والمسكين - بكسر الميم وفتحها -: من لا شىء له، وهو أَبلغ من الفقير. وقوله تعالى: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} فإِنَّه جعلهم مساكين بعد ذهاب سفينتهم، أَو لأَن سفينتهم غير معتدّ بها فى جنب ما كان لهم

من السكينة. وقيل: الفقير أَبلغ. وقد بسطنا القول ووفِّينا الكلام فى شرح قولنا: المسكينة من أَسماءِ المدينة، فى كتابنا "المغانم المطابة فى معالم طابة". فلينظر من أَراد ذلك.

بصيرة فى السلب

بصيرة فى السلب وهو نزع الشَّىء من الغير على القهر، قال تعالى: {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} ، وقد يقال للحاءِ الشجر المنزوع منه: سَلَب. والسَّلَب أَيضًا: لِحَاء شجرٍ معروف باليمن / تعمل منه الحبال، وهو أَجْفَى من لِيف المُقْل. والسّلَب أَيضًا: خُوص الثُمام، قال مُرَّة بن مَحْكان: يُنَشْنِش الجِلْدَ عنها وهى باركة ... كما تُنشنِش كفًّا فاتِلٍ سَلَبا رواه الأَصمعىّ بالفاءِ وابن الأَعرابىّ بالقاف، والصّحيح ما رواه الأَصمعىّ بالفاءِ. وسَلَبُ الذَّبيحة: إِهابُها. وسَلَبُ القتيل: ما عليه من الثياب

والسّلاح. وفى الحديث الصّحيح: "مَن قَتَل قتيلا له عليه بَيّنة فله سَلَبه". وسَلّبت المرأَةُ إِذا ليست السِّلاَب، وهو واحد السُّلُب، ككتاب وكتب، وهى ثياب المآتم السّود. وقال لَبيد رضى الله عنه: يَخْمِشْنَ حُرَّ أَوجهٍ صِحَاحَ ... فى السُّلُب السّود وفى الأَمساحِ وكأَنَّها سمّيت سُلُباً (لنزعه ما كان يلبسه) قبل. والأُسلوب: الفنّ. وأَخذ فى أَساليب من القول: فى فنون منه. والأُسْلوب: الشموخ والكِبْر، قال الأَعشى: ألَمْ تَرَوْا للعَجَب العجيبِ ... إِنّ بنى قِلابَة القَلُوبِ أُنوفهم مِلْفَخر فى أُسلوبِ ... وشَعَرُ الأَستاه بالجَبُوب أَى فى شموخ وتكبّر لا يلتفت يَمْنة ويَسْرة. وتسلّبت المرأَة على ميّتها، وسلَّبت: لبست السُّلُب، فهى مسلِّب.

بصيرة فى السلاح وسلخ

بصيرة فى السلاح وسلخ كُلّ عُدّة للحرب تسمّى سِلاَحاً. وتسلَّح: لبس السّلاح. وسلَّحته: أَلبسته إِيّاه. قال تعالى: {وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ} . وفى موضع كذا مَسْلحة ومَسالِح: وهم قوم وُكِّلوا بمرصد معهم السّلاح. وأَخذت الإِبل سِلاحها، وتسلَّحت، أَى سمِنت وحَسُنت. وذو السّلاح: السِّماك الرّامح. والإِسليح: نبت إِذا أَكلت [منه] الإِبل سمنت وغَزُر لبنها، كأَنما سمّى لأَنها إِذا أَكلت [منه] أَخذت السِّلاح؛ لأَنَّها تمنع نفسها أَن تُنْحر. والسُّلاَح - بالضَّمّ -: ما يقذفه آكل الإِسليح، ثم جُعل كناية عن كلّ عَذِرة، حتى قيل فى الحُبارَى: سُلاحه سِلاحه. والسَّلْخ: نزع جِلد الحيوان. سَلَخ الشاة. وكَشَط مِسْلاخها: إِهابها، وأَعطانى مسلوخةً: شاةً سُلخ جلدها. وسَلَخ الشهرُ، وانسلخ. وقوله تعالى: {نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} : نَنزِعه. وأَسْوَدُ سالخٌ. وانسلخ وتسلَّخ. ونخلةٌ مِسلاخ: ينتثر بُسْرها أَخضر.

بصيرة فى سلط

بصيرة فى سلط السَّلاَطة: التمكّن من القهر، سَلَّطته فتسلَّط، قال تعالى: {وَلَوْ شَآءَ الله لَسَلَّطَهُمْ} ، ومنه سمّى السُّلطان. قيل: هو جمع سَليط [للزيت] كبعير وبُعْران، سمّى لتنويره الأَرض، وكثرة الانتفاع به. والسُّلطان أَيضًا: السَّلاطة، قال تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} ، وقد يقال لذى السلاطة سلطان أَيضاً، وهو الأَكثر. وسمّى الحُجَّة سلطانا وذلك لما لِلْحَقِّ من الهجوم على القلوب، لكن أَكثر تسلّطه على أَهل العلم والحكمة من المؤمنين، قال تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً} ، وقوله: {هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} يحتمل السّلطانين. وامرأَة سَلِيطة: طويلة اللسان صخَّابة. ورجل سَلِيط، وقد سَلُط سَلاَطة. وفى الحديث: "السّلطان ظلّ الله فى الأَرض يأْوِى إِليه كلُّ مظلوم" وقال: "مَن اقترب من أَبواب السّلطان افتتن" وقيل: فى صحبة السّلطان خطَرٌ: إِن أَطعته خاطرت بدينك؛ وإِن عصيته خاطرت بروحك، فالسّلامة أَلاَّ يعرفك ولا تعرفه. قال:

دَعِ السّلطانَ فالسّلطانُ لَيْث ... ولا تتعرضنَّ له فتَضْرَسْ وكن في مجلس السّلطان أَعمى ... وكن عن مجلس السّلطان أَخرسْ وقال: صاحِبُ السّلطانِ لا بدّ لَهُ ... من غُمومٍ تعتريه وغُمَمْ والذى يركب بحرًا سيرى ... قُحم الأَهوال / من بعد قُحَمْ والسُّلطان ورد فى القرآن على وجوه: الأَوّل: بمعنى آيات القرآن: {مَآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} . الثانى: بمعنى الحُجّة والبرهان: {هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} ، {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} أَى بحجَّة. الثالث: بمعنى الاستيلاءِ: {لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ} ، {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ} . الرّابع: بمعنى المعجزة: {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} .

بصيرة فى السلف

بصيرة فى السلف قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ} أَى معتبَرًا متقدّماً. وقوله: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} أَى يُتجافَى عمّا تقدّم من ذنبه. وكذا قوله: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} ، أَى ما قد تقدّم من فعلكم فذاك يُتجافَى عنه. فالاستثناءُ عن (الإِثم لا) عن جواز الفعل. وسلَفَ القومُ: تقدّموا، سُلُفاً. وهم سَلَفٌ لمن وراءَهم، وهم سُلاَّف العسكر والقافلةِ. وكان ذلك فى الأُمم السَّالفة، والقرون السّوالف. وضمّ إِلى سالفِ نِعَمه آنِفها. وامرأَة حَسَنة السَالِفة، والسّالفتين، وهما جانبا العُنُق. قال ذو الرمّة: ومَيّة أَحسن الثَقَلين جِيدًا ... وسالفةً وأَحسنُ قَذَالاً والسُّلاَف والسُّلاَفة: أَفضل الخمر. والسُّلْفة: ما يُقدّم من الطعام على القِرَى. وتسلَّفوا: أَكلوها. وسلِّفوا ضيفكم. وهو سِلْفى [وهى] سِلْفَتى. وبيننا سِلْفٌ: بيننا صِهر.

بصيرة فى سلق وسلك

بصيرة فى سلق وسلك السَّلْق: بَسْط بقَهر، إِمّا باليد وإِمّا باللسان، ومنه: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} . وسَلَقْته لِقفاه وسَلْقَيته: بسطته على الأَرض، قال: حتى إِذا قالوا تَيَفَّعَ مالِكٌ ... سَلَقَتْ أُميمةُ مالِكًا لقفاه وسَلقت اللحمَ عن العظم: قشرته. وطبخ لنا سَليقة، وهى الذُّرَة المهروسة، وهى أَيضاً: الخبز المرقَّق. وهو يتكلّم بالسّليقة، وكلام سَلِيقىّ، قال: ولست بنحوىّ يلوك لسانَه ... ولكن سَلِيقىّ أَقول فأُعرِبُ ولسانٌ مِسْلق وسَلاّق، وهى سِلْقة من السِّلَق: امرأَة سَلِيطة. والسّلوك: النفاذ فى الطريق، [يقال: سَلكت الطريق، و] سلكت كذا فى طريقهِ، قال تعالى: {فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} ، ومن الثانى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} ، وقوله: {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} قال بعضهم: سلكت فلانًا طريقًا، فجعل (عذابًا) مفعولا ثانيًا. وقيل: (عذابًا) مفعول لفعل محذوف، كأَنَّه قال: يعذّبه عذابا.

وورد فى القرآن على وجوه: الأَوّل: بمعنى الإِدخال: {اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} ، {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} . الثَّانى: بمعنى الجَعل: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أَى يجعل. الثالث: بمعنى التكليف: {يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} . الرّابع: بمعنى التَّرك والإِهمال: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} .

بصيرة فى السل

بصيرة فى السل سلّ السّيفَ من غِمده، واستلّه فانسلّ منه: نَزَعَه فانتزع. وسلّ الشعَرة من العجين، فانسلّت انسلالاً. وانسلّ من المَضِيق والزحام، واستلّ، وتسلّل. وسلّ الشَّىءَ من البيت على سبيل السّرِقة. وسُلّ الولدُ من الأَب، ومنه قيل للولد: سَلِيل. قال تعالى: {يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً} ، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ} أَى من الصَّفْو الَّذِى يُسَلّ من الأَرض. وقيل: السُّلاَلة كناية عن النطفة، تُصُوّر فيه صَفْو ما يحصل منه. وفى بنى فلان سَلَّة أَى سرقة. قال: فلسنا كمن كنتم تصيبون سَلَّة ... فنقبلَ ضَيْمًا أَو نحكِّمَ قاضيا واستَلّ بكذا: ذهب به فى خُِفية. أَنشد ابن الأَعربىّ: إِذ بَيَّتُوا الحىّ فاستلُّوا بجاملِهم ... ونحن يسعى صريخانا إِلى الدّاعى والهدايا تَسُلّ السّخائمَ، وتحلّ الشَّكائم. وتسلسل الثوب: رَقَّ من البِلَى. قال ذو الرمّة: قِفِ العِيسَ فى أَطْلال مَيّةَ فاسأَلِ ... رسوماً كأَخلاق الرِّداءِ والمسلسَل

بصيرة فى سلم

بصيرة فى سلم السَّلام والسّلامة: التعرّى من الآفات الظَّاهرة والباطنة، قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أَى من الدّغَل، هذا فى الباطن، وقال تعالى: {مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا} هذا فى الظَّاهر. يقال: سَلِمَ يسلَم سلامةً، وسَلاَماً، وسلَّمه الله. وقوله: {ادخلوها بِسَلامٍ} أَى بسلامة. والسّلامة الحقيقية ليست إِلاَّ فى الجنَّة؛ لأَنَّ فيها بقاء بلا فناء، وغنىً بلا فقر، وعزًّا بلا ذلّ، وصحّة بلا سقم. وقوله: {يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام} أَى السّلامة. وقيل: السّلام: اسم من أَسماءِ الله تعالى، وكذا قيل فى قوله: {لَهُمْ دَارُ السلام} . قيل: وُصف الله بالسّلام من حيث لا يلحقه العيوب والآفات الَّتى تلحق الخَلْق. وقوله: {سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} ، و {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} ، كل ذلك من النَّاس والملائكة بالقول، ومن الله بالفعل، وهو إِعطاء ما تقدّم ذكره ممّا يكون فى الجنَّة من السّلامة.

وقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} أَى نطلب منكم السّلامة، فيكون (سلاماً) منصوباً بإِضمار فعل. وقيل: معناه: قالوا سَدَادًا من القول، فيكون صفة لمصدر محذوف. وقوله: {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ} إِنَّمَا رفع الثَّانى لأَنَّ الرفع فى باب الدّعاء أَبلغ، فكأَنَّه يجرى فى باب الأَدب المأمور به فى قوله: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ} . ومن قرأَ (سِلْمٌ) فلأَن السّلام لمّا كان يقتضى السِّلْم وكان إِبراهيم عليه السّلام قد أَوجس منهم فى نفسه خِيفة، فلمّا رآهم مسلِّمين تصوّر من تسليمهم أَنَّهم قد بذلوا له سِلْمًا، فقال فى جوابهم: (سِلْم) تنبيهًا أَنَّ ذلك حصل من جهتى لكم، كماحصل من جهتكم لى. وقوله: {إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً} هذا لا يكون لهم بالقول فقط، بل ذلك بالقول والفعل جميعاً. وقوله: {فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ} هذا فى الظَّاهر أَنَّه سلّم عليهم، وفى الحقيقة سؤال الله السلامة منهم. و {سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين} ، وكذلك البواقى، كلّ ذلك تنبيه من الله أَنَّه جعلهم بحيث يُثْنَى عليهم، ويُدْعَى لهم.

والسَّلاَم، والسَّلَم، والسَّلْم: الصّلح. وقوله: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً} ، قيل: نزلت فيمن قُتل بعد إِقراره بالإِسلام ومطالبته بالصّلح. وقوله: {يُدْعَوْنَ إِلَى السجود وَهُمْ سَالِمُونَ} أَى مستسلمون. وقوله: {وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ} ، وقرىء: سَلَما وسِلْما، وهما مصدران وليسا بوصفين، تقول: سلِم سِلْماً وسَلَما، ورَبِحَ ربْحاً ورَبَحاً. وقيل: السَّلْم اسم بإِزاءِ الحرب: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا} ، لأَنَّ كلّ واحد من المتحاربين يخلُص ويسلّم من أَذى الآخر، ولهذا يبنى على مفاعلة، فيقال: المسالمة. والإِسلام: الدّخول فى السَّلْم - وهو أَن يَسلَم كلُّ واحد منهما أَن يناله أَلم من صاحبه، ومصدر أَسلمت الشىء إِلى فلان إِذا أَخرجته إِليه. ومنه السَّلَم/ فى البيع.

والإِسلام فى الشرع على ضربين: أَحدهما: دون الإِيمان، وهو الاعتراف باللِّسان. وبه يُحقَن الدّم، حصل معه الاعتقاد أَولم يحصل، وإِياه قَصَد بقوله: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولاكن قولوا أَسْلَمْنَا} . والثانى: فوق الإِيمان. وهو أَن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، ووفاء بالفعل، والاستسلامُ لله تعالى فى جميع ما قَضَى وقَدَّر؛ كما ذكر عن إِبراهيم عليه السّلام فى قوله: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين} .

بصيرة فى السلوى والسم والسمر

بصيرة فى السلوى والسم والسمر أَصل السَّلْوَى: ما يُسَلِّى الإِنسان. ومنه السُّلْوان والتسلِّى. وقيل: السَّلْوَى: طائر كالسُّمانىَ. وقال ابن عباس: المنُّ: الذى يسقط من السماءِ، والسلوى، طائر. وقيل: أَشار ابن عبّاس بذلك إِلى رزق الله عباده من النَّبات واللحوم، فأَورد ذلك مثالا. وأَصل السَلَوى من التَّسلِّى. يقال: سَلِيت كذا، وسَلَوْت عنه، وتسلَّيت: إِذا زالت عنك محبَّته. والسُلْوان: ما يُسَلِّى. وكانوا يتداوَوْن من العشق بخَرَزة يحكُّونَها ويشربونها، يسمّونها: السُّلْوان. وعين سُلْوانَ بالبيت المقدّس قال: قلبى المقدَّس لَمَّا أَن حَلَلْتِ به ... لكنّه ليس فيه عَيْنُ سُلْوانِ والسمّ - مثلثة السّين -: كلّ ثَقْب ضيّق؛ كَخُزْت الإِبرة، وثَقْب الأَنف والأُذن، والجمع: سُمُوم. وسَمّه: أَدخل فيه. ومنه السّامَّة للخاصّة الذين يقال لهم الدُخْلُل، أَى يدخلون فى بواطن الأُمور. وعَرَف ذلك السّامّةُ والعامَة. قال تعالى: {حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط} . والسَمّ القاتل هو مصدرٌ فى معنى الفاعل، فإِنَّه يلطف تأثيره يدخل بواطنَ البدن. والسَّمُوم: الرّيح الحارَّة الَّتى تؤثِّر تأثير السمّ القاتل.

بصيرة فى السمع

بصيرة فى السمع وهو قوّة فى الأُذُن، بها تدرِك الأَصوات. وفِعْله يقال له السّمع أَيضًا. وقد سَمِع سَمْعًا. ويعبّر تارة بالسّمع عن الأُذُن نحو: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ} . وتارة عن فعله كالسّماع نحو {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} ، وتارة عن الفهم، وتارة عن الطَّاعة، تقول: اسمع ما أَقول لك. ولمْ تسمعْ ما قلتُ، أَى لم تفهم وقوله {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} ، أَى فهِمنا ولم نأْتمر لك. وقوله {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ، أَى فهمْنَا وارتسَمْنا. وقوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} ، يجوز أَن يكون معناه: فَهِمْنا وهم لا يعملون بموجَبه، وإِذا لم يعمل بموجَبه فهو فى حكم مَن لم يسمع، قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ} أَى أَفهمهم بأَن جعل لهم قوَّة يفهمون بها. وقوله: {واسمع غَيْرَ مُسْمَعٍ} ، فغير مُسْمَع يقال على وجهين: أَحدهما: دعاء على الإِنسان بالصّمم. والثَّانى: أَن يقال أَسمعت فلاناً إِذا سَبَبْتُه. وذلك متعارَف فى السّبّ.

ورُوى أَن أَهل الكتاب كانوا يقولون [ذلك] للنبىّ صلَّى الله عليه وسلم يوهمون أَنَّهم يعظِّمونه ويَدْعون له، وهم يدعون عليه بذلك. وكلّ موضع أُثبت فيه السّمع للمؤمنين أَو نُفى عن الكافرين أَو حُثَّ على تحرّيه فالقصد به إِلى تصوّر المعنى والتفكر فيه. وإِذا وُصف/ الله بالسّمع فالمراد به علمه بالمسموعات وتحرّيه للمجازاة به، نحو: {قَدْ سَمِعَ الله} وقوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} أَى إِنك لا تُفهمهم؛ لكونهم كالموتى فى افتقادهم - لسوءِ فعلهم - القوّة العاقلة الَّتى هى الحياة المختصة بالإِنسانية. وقولُه: {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أَى (يقوله فيه تعالى) مَن وقف على عجائب حكمته، ولا يقال فيه: ما أَبصره وما أَسمعه لما تقدم ذكره، وأَن الله تعالى لا يوصَف إِلاَّ بما ورد به السّمع. وقولُه فى صفة الكفار: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} معناه: أَنهم يسمعون ويبصرون فى ذلك اليوم ما خَفِىَ عنهم وضلُّوا عنه اليوم؛ لظلمهم أَنفسهم وتركهم النَّظر.

وقولُه: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} أَى يسمعون منك لأَجل أَن يكذِبوا، {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} أَى يسمعون لمكانهم. والاستماع: الإِصغاء. وقوله: {أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار} أَى مَن الموجِد لأَسماعهم وأَبصارهم، والمتولِّى بحفظها. والمسْمَع والمِسْمع: خَرْق الأُذُن. وفى دعاءِ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يامن لا يشغله سمعٌ عن سمع، ويامَن لا تغلِّطه المسائل، ويامن لا يُبرمه إِلحاح الملحّين، ارزقنى بَرْد عفوك، وحلاوة رحمتك، ورَوْح قربك. وقال الشاعر: لو يسمعون كما سمعتُ كلامها ... خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وسجودًا وقد ورد السّمع فى التنزيل على وجوه: الأَوّل: بمعنى الإِفهام: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} أَى لا تفهمهم. الثانى: بمعنى إِجابة الدّعاءِ: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدعآء} . الثالث: بمعنى فهم القلب: {أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ} ، {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} أَى سَمْعِ الفؤاد، {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أَى سمعنا بقلوبنا، وأَطعنا بجوارحنا.

الرّابع: بمعنى سماع جارحة الأُذُن: {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} ، {نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} ، {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} أَى سمعنا بالآذان، وعصينا بالجَنَان. الخامس: بمعنى سَمْع الحقّ تعالى المنزّه عن الجارحة والآلة، المقدّس عن الصِّماخ والمَحارة: {وَكَانَ الله سَمِيعاً بَصِيراً} ، {والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} . وقد يكون السميع بمعنى المُسمِع، قال عمرو بن مَعْدِ يكَرِبَ رضى الله عنه: أَمِن رَيْحانَةَ الداعى السميعُ ... يؤرِّقنى وأَصاحبى هُجُوعُ

بصيرة فى سمك وسمن

بصيرة فى سمك وسمن السَّمْك: سَمْك البيت. وقد سَمَكه أَى رَفَعَهُ، وقيل للسّماوات: المسموكاتُ. وفى حديث علىّ رضى الله عنه: "وبارىء المسموكات" أَى السماوات السّبع. والسّامِك: العالى المرتفع. وفى حديث ابن عمر "أَنَّه نظر فإِذا هو بالسِّماك، فقال: قد دنا طلوعُ الفجر، فأَوْتَرَ بركعة". السِّمَاك: نجم فى السّماء معروف: وهما سماكان: رامح وأَعزل. والرّامح لا نوء له، وهو إِلى جهة الشَّمال. والأَعزل من كواكب الأَنواءِ، وهو إِلى جهة الجنوب، وهما فى بُرْج الميزان. وطلوع السِّمَاك الأَعزل مع الفجر يكون فى التشرين الأَوّل. والسِّمَن: ضدّ الهُزَال. وهو سَمِينٌ من سِمَان. وأَسْمَنْتُه وسمَّنته: جعلته سَمِينًا. وأَسمنته: اشتريته سمينًا أَو أَعطيته كذا. واسْتَسْمَنْتُه: وجدته سَمِينًا. السُّمْنة: دواءُ السِّمَن.

بصيرة فى السماء

بصيرة فى السماء وهو/ أَعلى كلّ شىء، وكلُّ سماء بالإِضافة إِلى ما دونها فسماءٌ، وبالإِضافة إِلى ما فوقها فأَرض، إِلاَّ السّماء العُلْيا، فإِنَّها سماءٌ بلا أَرض. وحُمل على هذا قوله تعالى: {الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ} وسُمّى المَطَر سماء لخروجه منها. وقيل: إِنَّما سمّى سماءً ما لم يقع بالأَرض اعتبارًا بما تقدّم. وسُمّى النَّبَات سماءً إِمّا لكونه من المطر الَّذِى هو سماءِ، وإِمّا لارتفاعه عن الأَرض. والسّماءُ المقابلة للأَرض مؤنث، وقد يذكَّر. ويستعمل للواحد والجمع كقوله تعالى: {ثُمَّ استوى إِلَى السمآء فَسَوَّاهُنَّ} . وقد يقال فى جمعها: سماوات. وقال: {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} ، وقال: {إِذَا السمآء انشقت} ، ووجه ذلك أَنَّه كالنَّخل والشَّجر وما يجرى مجراهما من أَسماءِ الأَجناس الَّتى تذكّر وتؤنَّث وبخبر عنه بلفظ الواحد والجمع. والسّماء الَّذِى هو المطر مذكّر، ويجمع على أَسْمِيَة وسُمِىَ. وفى الحديث: "صلَّى بنا فى

إِثْر سماءِ من الليل أَى مطر". ويقال: ما زلنا نطأُ السّماءَ حتى أَتيناكم، أَى المطر. قال: فإِنّ سماءَنا لمّا تجلّت ... خلالَ نجومها حتى الصباحِ رياض بَنَفْسَجٍ خَضِلٍ نَداه ... تفتَّح بينها نَوْر الأَقاحى وقال: أَردّد عينى فى النجوم كأَنَّها ... دنانير لكنَّ السّماءَ زبرجد وخِلْتُ بها والصّبح ما حان وردُه ... قناديل والخضراء صرْح ممرّد وهو من مسمَّى قومِه: خيارهم. وتسامَوا على الخيل، ركبوا. وأَسميته من بلد: أَشخصته. وهم يَسْمُون على المائةِ: يزيدون. ما سمَوت لكم: لم أَنهض لقتالكم. وقد ورد السّماء فى القرآن على وجوه: الأَوّل: بمعنى سقْف البيت: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السمآء} : إِلى السّقف. الثَّانى: بمعنى السّحاب: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً} أَى من السّحاب. الثالث: بمعنى المطر: {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} أَى المطر.

الرابع: بمعنى سماءِ الجَنَّة وأَرضها: {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِي الجنة خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض} ، وفى الحديث: "أَرض الجنة من ذهب وسماؤها عرش الرّحمن". الخامس: بمعنى سماءِ جهنَّم: {فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِي النار} إِلى قوله {مَا دَامَتِ السماوات والأرض} . السادس: بمعنى المقابل للأَرض: {والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ} ، {أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ} ، {لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} ، {فَاطِرِ السماوات} ، ونظائرها كثيرة. والسَّماوة: الشَّخص العالى. وسَما لى شخصٌ؛ وسما الفحل على الشُّوَّل سماوة لتجلّلها. والاسم: ما يعرف به ذات الأَصل. وأَصله سُِمْوٌ بدليل قولهم: أَسماءٌ وسُمِىّ. وأَصله من السّمُوّ، وهو الَّذِى به رَفْع ذكر المسمّى فيُعرف به.

وقوله تعالى: {وَعَلَّمَءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا} أَى الأَلفاظ والمعانى، مفرداتِها ومركّباتها. وبيان أَنَّ الاسم يستعمل على ضربين: أَحدهما: بحسب الوضع الاصطلاحىّ، وذلك هو فى المخبَر عنه، نحو: رجل، وفرس. والثانى: بحسب الوضع الأَوّلىّ، ويقال ذلك للأَنواع الثلاثة: المخبَر عنه، والمخبَر به، والرّابط بينهما المسمّى بالحرف، وهذا هو المراد بالآية؛ لأَنَّ آدم عليه السّلام كما عُلِّم الاسم عُلّم الفعل والحرف. ولا يعرف الإِنسان الاسم فيكون عارفًا مسمّاه إِذا عُرض عليه المسمّى إِلاَّ إِذا عَرَف ذاته، أَلا ترى أَنَّا لو علمنا أَسامى أَشياء بالهنديّة أَو الرّوميّة لم نعرف صورة ما له تلك الأَسماءُ المجرّدة، بل كنَّا عارفين بأَصواتٍ مجرَّدة. / فثبت أَنَّ معرفة الأَسماء لا تحصل إِلاَّ بمعرفة المسمّى، وحصول صورته فى الضمير. فإِذًا المراد بقوله: {وَعَلَّمَءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا} الأَنواع الثلاثة من الكلام وصورة المسّميات فى ذواتها. وقوله: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ} معناه: أَن الأَسماءَ التى تذكرونها ليس لها مسمّيات، وإِنَّما هى أَسماء على غير مسمَّى، إِذ كان حقيقة ما يعتقدون فى الأَسماءِ بحسب تلك الأَسماء غير موجود فيها.

وقولُه: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ} ، فليس المراد أَن يذكروا أَساميها نحو الَّلات والعزَّى، وإِنما أَظْهِروا تحقيق ما تدْعونه آلهة، وأَنه هل يوجد معانى تلك الأَسماء فيها. ولهذا قال بعد: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول} . وقولُه: {تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ} أَى البركة والنعمة الفائضة فى صفاته إِذا اعتبرت، وذلك نحو الكريم، العليم، البارىء، الرحمان، الرحيم. وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} أَى نظيرًا له يستحقّ اسمَه، وموصوفاً يستحقّ صفته، على التحقيق. وليس المعنى: هل تجد من يتسمّى باسمه؛ إِذ كان كثير من أَسمائه قد يُطلق على غيره، لكن ليس معناه إِذا استعمل فيه كان معناه إِذا استعمل فى غيره. والله أَعلم.

بصيرة فى السنن

بصيرة فى السنن قد تكرّر فى التنزيل وفى الحديث ذكرُ السُنَّة وما يتصرّف منها. والأَصل فيها الطريقة والسيرة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ سُنَّة حَسَنَة" أَى طَرَّق طريقة حَسَنة. وإِذا أُطلقت فى الشرع فإِنما يراد بها ما أَمر النبى صلى الله عليه وسلّم به أَو نهى عنه أَو نَدَبَ إِليه، قولا وفعلا، ممّا لم ينطق به الكلامُ العزيز. ولهذا يقال: أَدلَّة الشرع الكتاب والسنَّة، أَى القرآن والحديث. وفلان متسنِّن، أَى عامل بالسنَّة. وسُنَّة النبىّ صلّى الله عليه وسلّم: طريقته التى كان يتحرّاها. وسنَّة الله قد يقال لطريقة حكمته، وطريق طاعته. وقوله تعالى: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلاً} ، تنبيه أَنَّ فروع الشرائع وإِن اختلفت صُوَرها، فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدّل، وهو تطهير النفس وترشيحها للوصول إِلى ثواب الله تعالى ومرضاته وجِواره. وفى الحديث: "إِنَّما أُنَسَّى لأَِسُنّ"، أَى إِنَّما أُدفع إِلى النسيان لأَسوق النَّاس بالهداية إِلى الطَّريق المستقيم، وأُبيّن لهم ما يحتاجون إِليه أَن يفعلوا

إِذا عَرَضَ لهم النسيان. ويجوز أَن يكون من سنَنْت الإِبلَ إِذا أَحسنتَ رِعْيتها والقيامَ عليها. وفى حديث المجوس: "سُنّوا بهم سُنَّة أَهل الكتاب" أَى خذوهم على طريقتهم، وأَجروهم فى قبول الجزية مُجراهم. واستنَّ الفرسُ، وهو عَدْوه إِقبالا وإِدبارًا فى نشاطٍ وزَعَل. وسَنّ الماءَ على وجهه: صبّه صبًّا سهلا. وسنّ الحدِيدة: حدّدها. وسِنَانٌ مسنونٌ وسَنِينٌ. وسَنَّ سِكِّينَه بالمِسَنّ [والسِّنان] قال: وزُرْقٍ كسَتهنّ الأَسِنَّةُ هَبْوةً ... أَرَقُّ من الماءِ الزُلاَل كليلُها وأَسْنَنْت الرمحَ: جعلت له سِناناً. وقوله تعالى: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} قيل: متغيّر/. ومسنون الوجه: مخروطه. و {لَمْ يَتَسَنَّهْ} : لم يتغيّر، والهاء للاستراحة. والسِّنّ معروف، وجمعه: أَسنانٌ. وسانّ البعيرُ النَّاقة: عارضها حتى أَبركها. والسَّنّ أَيضاً الرَّعْى. وفى الحديث: "أَعطوا السِنّ - أَى أعطُوا ذوات السنّ - حَظَّها من السَنّ" وهو الرّعى.

بصيرة فى سنم وسنا وسنه وسهر وسهل وسهم وسهو

بصيرة فى سنم وسنا وسنه وسهر وسهل وسهم وسهو التَّسْنيم: عين فى الجنّة، قال تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ} ، وفسّر بقوله: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المقربون} . والسَّنا: الضوء السّاطع. والسَّناء - بالمد -: الرِّفعة. والسانِيَة: الَّتى يُستقَى بها، وهى الغَرْب مع أَداته، والبعير الَّذِى يُسْنَى عليه: سانية أيضًا. وسَنَوْت الماءَ سِنَاية. والسَّنَةُ [فى] أَصلها طريقان: أَحدهما: أَنَّ أَصلها سَنَهة لقولهم: سانَهْتُه مسانهة، أَى عاملته سنة فسنة، [قيل: ومنه {لَمْ يَتَسَنَّهْ} أَى لم يتغيّر بمرّ السنين عليه ولم تذهب طراوته] ، وقيل: أَصله من الواو لقولهم فى الجمع: سَنَوات. ومنه سانيت والهاءُ للوقف. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين} عبارة عن الجَذْب. وأَكثر ما يستعمل السَّنة فى الحول الَّذى فيه الجدْب. وأَسنتوا: أَصابتهم السَّنة. والسِّنة يذكر فى محله من وَسن.

والسّاهِرَة: وجه الأَرض. وقيل: أَرض بيتِ المقدس. وقيل: أَرض القيامة. وحقيقتها: الَّتى يَكثر الوطءُ بها؛ كأَنَّها سَهرَت من ذلك. والسَّهل: ضِدّ الحَزْن. وأَسْهَلَ: دخله. والسّهم: ما يُرْمَى به، وما يُضرب من القِداح، قال تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المدحضين} . واسْتَهَمُوا: اقترعوا. وبُرْدٌ مُسَهَّم: مخطَّط بصورة السِّهَام. والسّهو: خطأ عن غفلة. وهو ضربان: أَحدهما: أَلاَّ يكون من الإِنسان جوالبُه ومولِّداته؛ كمجنونٍ سَبّ إِنسانًَا. والثَّانى: أَن يكون منه مولِّداته؛ كمن شرب خمرًا ثم ظهر منه منكَر، لا عن قصد إِلى فعله. والأَوّل معفوّ عنه، والثَّانى مأْخوذ به. وعلى نحو الثانى ذمّ [الله] تعالى [فقال] : {فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} ، وقال: {هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} . وهو يُساهى أَصحابَه: يخالِفُهم ويُحْسن عشرتهم. وبَغْلَةٌ سَهْوة: سهلة السَّير.

بصيرة فى سيب وسيح وسير وسود وسور

بصيرة فى سيب وسيح وسير وسود وسور السّائبة: الَّتى تُسيِّب فى المَرْعَى، فلا تُرَدّ عن حَوْضٍ ولا عَلَف، وذلك إِذا وَلَدَت خمسة أَبطن. وانسابت الحَيّة انسيابًا. والسَّائِبة أَيضًا: العبد يَعْتِق، ولا يكون وَلاؤه لمُعتِقه، ويضع مالَه حيث شاءَ، وهو الَّذى ورد النهى عنه. وساب الماءُ يَسِيب سَيْبًا: جرى. وهذا سَيْبه: مَجراه، أَصله من سيَّبته فساب. وساب فى منطقه: أَفاض فيه بغير رَوِيَّةٍ. وفاض سَيْبُه على النَّاس: عطاؤه. والسّاحة: المكان المتَّسع: والسّائح: الماءُ الدّائم الجَرْى، وساح سَيْحًا. وساح الرّجلُ سِيَاحة، ورجل سائح وسَيَّاح، قال تعالى: {فَسِيحُواْ فِي الأرض} . وشُبّه الصّائم به فقيل له: سائِح. قال أَبو طالب: وبالسائحين لا يَذُوقون قَطْرَةً ... لربِّهمُ والراتِكاتِ/ العواملِ وقوله: و {السائحون} ، أَى الصائمون، وقوله: {سَائِحَاتٍ} ، أَى صائمات.

وقال بعضهم: الصّوم ضربان: حقيقىٌّ وهو ترك المَطْعَم والمنكح؛ وصوم حكمىّ. وهو حفظ الجوارح من المعاصى، كالسمع والبصر واللسان. والسّائِح: الَّذى يصوم هذا الصّومَ دون الأَوّل. وقيل: السّائحون: هم الَّذين يتحَرّون ما اقتضاه قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ} . والسَّواد: ضدّ البياض. وقد اسودّ واسوادّ، قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} . وابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة، واسودادُها عن المساءَة. وحَمَل بعضهم كليهما على المحسوس، والأَوّل أَوْلَى؛ لأَن ذلك حالهم سودًا كانوا أَو بيضاً، (وعلى ذلك) قوله تعالى فى البياض: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} ، وفى السّواد: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الليل مُظْلِماً} ، وعلى هذا النحو: "أُمّتى الغُرّ المحجَّلون من آثار الوضوءِ يوم القيامة". ويعبّر بالسّواد عن الشخص المترائى من بُعْد، وعن الجماع الكثيرة. [والسيّد: المتولىِّ للسواد، أَى الجماعة الكثيرة] ، وينسب إِلى ذلك

فيقال: سيّد القوم، ولا يقال: سيّد النبات، وسيّد الخيل. وساد القومَ يَسُودهم. ولمّا كان من شرط المتوَلِّى للجماعة أَن يكون مهذَّب النَّفْس قيل لكل من كان فاضلا فى نفسه: سيّد، وعلى ذلك قوله تعالى: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} . وسُمّى الزَّوج سيّدًا لسياسة زوجته. وقوله تعالى: {إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا} ، أَى وُلاتنا وسائسينا. والسَّوْر: الوثوب، سار عليه: وثب. وساوره. وله سَوْرة فى الحرب، و [هو] ذو سَوْرة فيها. وتسوّرت إِليه الحائط. وسُرْته إِليه، قال: سُرْتُ إِليه فى أَعالى السُور وجلسوا على المساور، أَى الوسائد. وهو سَوَّار فى الشَّراب: مُعَربدِ. وله، سُوْرة فى المجد: رِفعة. وله سُوْرة عليك: فَضْلٌ ومنزلة. قال: فما من فتًى إِلا له فضل سُوْرةٍ ... عليك وإِلا أَنت فى اللؤم غالبهُ وعنده سُورٌ من الإِبل: كِرام فاضلة. ومَلِكٌ مُسَوَّر: مملَّك، قال: وإِنِّىَ من قيسٍ وقيسٌ هم الذُرَا ... إِذا ركبت فُرْسانُها فى السّنَوَّرِ جيوش أَمير المؤمنين التى بها ... يُقوَّم رأْسُ المَرْزُبان المسوَّرِ

وهو إَِسوارٌ من الأَساورة، أَى رَامٍ حاذق، وأَصله أَساوِرة الْفُرْس: قُوّادها، وكانوا رُمَاة الحَدَق، وقيل: فارسىّ معرّب. وسِوار المرأَة أَصله دِسْتِواره، وكيفما كان فقد استعملته العرب. واشتقّ منه سوَّرت الجاريَةَ. وجارية مُسوَّرة ومُخَلْخَلَة. وسُور المدينة: حائطها المشتمل عليه، قال تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} . وسُورة القرآن تشبيهًا به، لكونها محيطة بآيات وأَحكام إِحاطة السّور بالمدينة قال: ولو نَزَلَتْ بعد النبيِّين سُورةٌ ... إِذًا نزلت فى مدحكم سُوَرات ومن قال: سؤرة بالهمز فمِن أَسأَرت الشراب، أَى أَبقيت منها بقِيَّة، كأَنَّها قطعة مفردة من جملة القرآن. وقوله تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا} ، أَى جملة من الحُكْم والحِكَم.

بصيرة فى سوط وسوع

بصيرة فى سوط وسوع ضَرَبَهُ سَوْطًا وأَسواطًا. وسُطْت الدّابّة / وسِيطَت تُساط، [قال] : فصَوَّبْتُه كأَنّه صَوْبُ غَبْيةٍ ... على الأَمعز الضاحى إِذا سِيطَ أَحْضَرا قوله: وساط الهَرِيسةَ بالمِسْوَط والمِسواط وسوَّطها. فالسّوط أَصله الخَلْط لكونه مخلوطاً بِطاقات بعضُها من بعض. وقوله تعالى: {سَوْطَ عَذَابٍ} تشبيهًا بما يكون فى الدّنيا من العذاب بالسّوط، أَو إِشارةً إِلى ما خُلِط لهم من العذاب المشار إِليه بقوله: {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} .

السّاعة جزءٌ من أَجزاءِ الزَّمان والأَيّام. وناقةٌ مِسْياع - كمصباح _: تدع ولدها حتى تأْكله السّباع. وساعةٌ سَوْعاءُ، كليلة ليلاء. وعاملتُه مُساوَعة. وضائعٌ سائع إِتباع. ويعبّر بالسّاعة عن القيامة تشبيهًا بذلك لسرعة حسابه، كما قال: {وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين} . أَو لما نبّه عليه بقوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ} ، فالأَولَى: القيامة، والثانية: الوقت اليسير، وقيل: السّاعات التى هى القيامة ثلاث ساعات: الكبرى وهى البَعْث للحساب، ومنه الحديث: "لا تقوم السّاعة حتى يظهر الفحش، وحتى يُعبد الدّرهم والدينار"، وذكر أُمورا لم تحدث فى زمانه ولا بعده. والسّاعة الوُسْطَى، وهى موت أَهل القَرْن الواحد، وذلك نحو ما رُوِىَ أَنَّه رأَى صلَّى الله عليه وسلَّم عبد الله بن أُنَيْسٍ فقال: "إِنْ يَطُلْ عمرُ هذا الغلام لم يمت حتى تقوم السّاعة"، فقيل إِنَّه كان آخر من مات من الصّحابة، رضى الله عنهم. والسّاعة الصّغرى، وهى موت الإِنسان، فساعةُ كلّ إِنسان موته، وهى المشار إِليها بقوله: {حتى إِذَا جَآءَتْهُمُ الساعة بَغْتَةً قَالُواْ ياحسرتنا}

ومعلوم أَنَّ هذه الحسرة تنال الإِنسان عند موته، كقوله: {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ} إِلى قوله: {لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} . وروى: [أَنه] كان إِذا هبّت ريحٌ شديدة تغيّر لَوْنُهُ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال تخوّفت السّاعة. وقال: "ما أمُدّ طَرْفى ولا أغضُّها إِلاَّ وأَظنّ السّاعة قد قامت" يعنى موته صلَّى الله عليه وسلم.

بصيرة فى ساغ وسوف وسوق

بصيرة فى ساغ وسوف وسوق ساغ الشَّرابُ يَسُوغُ سَوْغًا وسَوَاغًا: سَهُل مَدْخلُه فى الحَلْق، قال تعالى: {سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ} . قال: فساغَ لِىَ الشرابُ وكنت قَبْلاً ... أَكاد أَغَصُّ بالماءِ الحميمِ الحميم: الماءُ البارد. ويقال أَيضًا: سُغْته أَسُوغه، وسِغْته أَسِيغة، يتعدّى ولا يتعدّى. والسِّواغ بالكسر: ما أَسَغْتَ به غُصّتك، قال الكُمَيْت: وكانت سِوَاغًا إِن جَئزْتُ بغُصَّةٍ ... يضيق بها ذرعًا سِواهم طبيبها يَقول: إِن كنت غصِصتُ بشىء أَو همَّنى شىء كانوا هم الَّذين يدفعونه فقد أُتيتُ من قِبَلهم. وأَسِغْ لى غُصّتى، أَى أَمهلنى ولا تُعجلنى. قال: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} . وسوَّغت له كذا: أَعطيته إِيّاه. وسوف: كلمة تنفيس فيما لم يكن بعد؛ أَلا ترى أَنَّك تقول: سوّفته إِذا قلت له: مرّة بعد مرّة: سوف أَفعل. ولا يُفصل بينها وبين الفعل؛ لأَنَّها

بمنزلة السّين من سيفعل. وسَفْ أَفعل، وسَوْ أَفعل لغتان فى سوف أَفعل. وقال ابن دريد: سوف كلمة تستعمل فى التَّهويل، والوعيد، والوعد. فإِذا شئت أَن تجعلها اسما أَدخلتها التنوين، وأَنشد: إِنّ سَوْفًا وإِنّ لَيْتًا عناءُ ويروى/: إِنّ لوَّا وإِن ليتًا عناءُ فنوّن إِذ جعلهما اسمين. انتهى. والشِّعر لحَرْملة بن المنذر الطَّائىّ، وسياقه: ليت شعرى وأَين مِنِّىَ ليتٌ ... إِنّ لَيْتًا وإِنَّ لوًّا عناء وليس فى روايةٍ إِن سَوْفاً. وقيل لأَبى الدُّقَيش: هل لك فى الرُّطَب؟ قال: أَسْرَعُ هَلٍّ، فجعله اسما ونوّنه. وساق النَعَمَ سَوْقًا فانساقت. وأَساقه إِبلاً: أَعطاها إِيّاه، قال الكُمَيْت: ومُقِلّ أَسَقْتموهُ فأَثْرَى ... مائةً من عطائكم جُرْجورا وهو من السُّوقة والسُّوَق، وهم غير الملوك.

وسُقْت مَهْرَ المرأَة إِليها. وذلك أَنَّ مهرهم كانت الإِبل. وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ المساق} ، نحو قوله: {وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى} . {وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ} ، أَى مَلَك يسوقه وآخر يشهد له أَو عليه، وقيل: هو كقوله: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت} . {والتفت الساق بالساق} ، قيل: عنى التفاف السّاقين عند الموت وخروج الرّوح، وقيل: التفافهما عندما يُلفَّان فى الكَفَن، وقيل: هو أَن يموت فلا يحملانه، بعد أَن كانتا تَقِلاَّنه، وقيل: أَراد التفاف البليّة بالبليّة. [وقال بعضهم فى] : {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} : إِنه إشارة إِلى شدّة. وهو أَن يموت الولد فى بطن النَّاقة فيُدخل المذمِّر يده فى رَحِمها فيأْخذ بساقه فيخرجه يَتَنًا، فهذا هو الكشف عن الساق، فجُعل لكلّ أَمر فظيع.

وقوله تعالى: {فاستوى على سُوقِهِ} ، قيل: هو جمع ساق، نحو لابة ولُوب، وقارة وقُور. ورجل أَسْوَقُ، وامرأَة سَوْقاء: بيِّن السَّوَق: عظيم السّاق. والسُوق م والجمع: أَسواقٌ. والوَسِيقة والسَّيِّقة: الطريدة الَّتى يطرُدها من إِبل الحىّ. قال: وما النَّاس إِلاَّ مثلُ سَيِّقة العِدا ... إِن استقدمَت نَحْرٌ وإِن جَبأْت عَقْر جَبأَت: خَنَست، وجَبأَت: توارت، وجَبأَت عينى عنه: نَبَت. والمرءُ سيِّقة القَدَر: يسوقه إِلى ما قُدّر له. قال: وما النَّاس فى شىء من الدّهر والمُنَى ... وما الناس إِلاَّ سَيِّقات المقادرِ

بصيرة فى سول وسيل وسوم

بصيرة فى سول وسيل وسوم السُّول: الحاجة الَّتى تحرص عليها النَّفس، قال تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} . والتَّسويل: تزيين النَّفْس لما تحرص عليه، وتصوير القبيح منه بصورة الحَسَن، {الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ} . وقيل: السُّول فى معنى الأُمنيّة، غير أَنَّ الأُمنيّة فيما قُدّرَ، والسول فيما طُلِب. وسال الشىء يَسِيلُ: جَرَى. وأَساله: أَجراه، قال تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر} : أَذبناه له. والإِسالة فى الحقيقة حالة فى القِطْر تحصل بعد الإِذابة. والسَّيْل: أَصله مصدر، وجُعل اسما للماءِ الذى يأْتيك ولم يُصبك مَطره. والسَّوْم: أَصله الذهابُ فى ابتغاءِ الشىء، فهو لمعنى مركّب من الذهاب والابتغاءِ للشىء، فأُجرِى مُجرى الذهاب فى قولهم: سامت الإِبلُ فهى سائِمة، ومُجرى الابتغاء فى قولهم: سُمْته كذا، قال الله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب} . وقيل: سِيم الخسفَ فهو يُسام الخسْفَ. ومنه السّوم فى

البيع، فقيل: صاحب السِّلعة أَحقّ بالسَّوم. وقيل: سُمْت الإِبلَ فى المَرْعى، وأَسَمْتها وسوّمتها. قال تعالى: / {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} . والسِّيمَى والسيماءُ والسّيمِياءُ: العلامة، وقد سوّمته أَى أَعلمته. وقوله تعالى: {مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ} بكسر الواو أَى مُعْلِمين لأَنفسهم أَو لخيولهم، أَو مرسِلين [لها] ، لما فى الحديث: "تَسوَّموا فإِنَّ الملائكة قد تسوّمت".

بصيرة فى سام وسين وسوى

بصيرة فى سام وسين وسوى السآمة: المَلالَةُ ممّا يطول لُبثه، فِعْلا كان أَو انفعالا، قال تعالى: {لاَّ يَسْأَمُ الإنسان مِن دُعَآءِ الخير} . {مِن طُورِ سَيْنَآءَ} قرىء بفتح السّين وكسرها. والأَلف في (سَيْنَاءَ) بالفتح ليس إِلاَّ للتأْنيث، لأَنَّه ليس فى كلامهم فَعلال. وفى (سِيْنَاءَ) بالكسر يصحّ [أَن تكون] الأَلف فيه كالأَلف فى عِلباءَ وحِرْباء، [وأَن تكون الأَلف للإِلحاق بسِرواحٍ] . وقيل طور سينين. والمساواة: المعادلة. واستوَى الشيئان، وتساويا، وساوَى أَحدهما صاحبه. وساوَى بين الشيئين، وسوَّى بينهما، وساويت هذا بهذا وسوّيته به. قال الرّاعى: بجُرْدٍ عليهنّ الأجلَّةُ سُوِّت ... بضيف الشتاءِ والبنينَ الأَصاغرِ

أَى يصونها صيانة الضيوف والأَطفال. وسوَّيتُ المعوجّ فاستوَى. واستوى يقال على وجهين: أَحدهما: يُسند إِلى فاعلَين فصاعدًا، نحو استوَى زيدٌ وعمرو فى كذا، أَى تساويا. والثَّانى: أَن يقال لاعتدال الشىء فى ذاته، نحو قوله تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فاستوى} . ومتى عُدِّى بعلى اقتضى معنى الاستيلاءِ نحو: {الرحمان عَلَى العرش استوى} ، وقيل: استوى له ما فى السّماوات وما فى الأَرض بتسويته تعالى إِيّاه، كقوله تعالى: {ثُمَّ استوى إِلَى السمآء فَسَوَّاهُنَّ} . وقيل معناه: استوى كلّ شىء فى النسبة إِليه، فلا شىء أَقرب إِليه من شىء؛ إِذْ كان تعالى ليس كالأَجسام الحالَّة فى مكان دون مكان. وإِذا عدّى بإِلى اقتضى معنى الانتهاء إِليه، إِمّا بالذَّات، وإِمّا فى الرّفعة، أَو فى الصّفة. وقوله: {خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} ، أَى جعل خَلْقَك على ما اقتضت الحكمةُ. وقوله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} إِشارة إِلى القُوَى التى جعلها مقوّية للنفْسِ فنَسب الفعل إِليه، ولا شك أَنَّ الفعل كما يصحّ أَن ينسب إِلى الفاعل يصحّ أَن ينسب إِلى الآلة وسائر ما تفتقر إِليه؛ نحو سيف قاطع.

وهذا الوجه أَولَى من قول من قال: أَراد {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} يعنى الله تعالى، فإِنَّ (ما) لا يعبَّر به عن الله تعالى؛ إِذ هو موضوع للجنس ولم يَرِدْ به سَمْع يصحّ. وقوله: {الذي خَلَقَ فسوى} فالفعل منسوب إِلى الله تعالى. وقوله تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} ، فتسويتها تتضمّن بناءها وتزيينها المذكور فى قوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا} . والسّوىّ يقال فيما يُصان عن الإِفراط والتَّفريط، من حيث العددُ والكيفيّة. ورجل سوِىٌّ: استوى أَخلاقُه وخَلِيقته عن الإِفراط والتفريط. وقوله: {قَادِرِينَ على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} ، قيل: يجعل كفّه كخُف الجَمَل لا أَصابع له، وقيل: بل يجعل أَصابعه كلها على قَدْر واحد، حتى لا ينتفع بها، وذلك أَنَّ الحكمة فى كون الأَصابع متفاوتة فى القَدْر والهيئة ظاهرة؛ إِذْ كان تعاونها على القبض أَن تكون كذلك. وقوله: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا} أَى سوّى بلادهم بالأَرض، نحو: {خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} . وقيل: سوّى بلادهم بهم، نحو قوله: {لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض} ، وذلك إِشارة إِلى ما قال عن الكفار: {وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً} .

ومكان سُوًى وسَوَاءُ: وَسَط. وقيل: سواءٌ، وسِوًى، وسُوًى، أَى يستوى طرفاه. ويستعمل ذلك وصفًا وظرفًا، وأَصل ذلك مصدر. وقوله: {فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ} ، أَى عَدْلٍ من الحُكْم. وقوله: {سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا} أَى يستوى الأَمران فى أَنهما لا يُغنيان. وقد يستعمل سِوًى وسواءٌ بمعنى غير، قال: فلم يَبقَ منها سِوَى هامدٍ وقال: وما قَصَدتْ من أَهلها لِسَوائكا وعندى رجلٌ سِواكَ، أَى مكانك وبدَلُك. والسِّىّ: المُساوِى، مثل عِدْل ومُعادل، تقول: سِيّانٍ زيدٌ وعمرو. وأَسْواءٌ: جمع سِىّ، مثل نِقْض وأَنقاض، يقال قوم أَسواءٌ، أَى مستوون. والمساواة متعارَفة فى المُثْمَنَات، يقال: هذا الثَّوب يساوى كذا، وأَصله من ساواه فى القَدْر.

بصيرة فى السوء

بصيرة فى السوء وهو كلّ ما يَغُمّ الإِنسان من أُمور الدّارَين، ومن الأَحوال النفسيّة والبَدَنيّة والخارجة: من فوات مال، وفَقْد حميم. وقوله تعالى: {تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء} أَى غير آفة بها. وفُسّر بالبَرَص، وذلك بعض الآفات التى تعرض لليد. وعُبّر بالسُوءَى عن كلّ ما يَقْبُحُ، ولذلك قوبل بالحسنى، قال: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الذين أَسَاءُواْ السواءى} ، أَى عاقبة الَّذين أَشركوا النَّار، كما قال: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى} . والسّيّئة: الفِعلة القبيحة، وهى ضِدّ الحَسَنة، وأَصلها سَيْوئة، فقلبت الواو ياءً ثمّ أُدغمت فقيل سيّىء. وأَفعالٌ سَيّئة. وفلان يُحبط الحسنى بالسُوءَى، وقد ساءَ عمله. والحَسَنَة والسّيّئة ضربان: أَحدهما بحسب اعتبار العقل والشَّرع، نحو المذكر فى قوله: {مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} .

والثانى: بحسب اعتبار الطبع، وذلك ما يستخفه الطبع وما يستثقله، نحو قوله تعالى: {فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هاذه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} ، وقوله: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة} أَى مكان الجَذْب والسَنَة الخِصْبَ والحَيَا. {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة} ، أَى يطلبون العذاب. وقولُه: {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} قرأَ ابن كثير وأَبوا عمرو بالضّمّ، يعنى الهزيمة والشرّ. وقرأَ الباقون بالفتح، وهو من المَسَاءَة، أَى ما يسوءهم فى العاقبة. وقوله: {سَآءَ مَثَلاً القوم الذين كَذَّبُواْ} ، فساءَ ههنا تجرى مَجْرَى بئْسَ. وقوله: {سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} ، نُسِبَ ذلك إِلى الوجه من حيث إِنَّه يبدو فى الوجه أَثَرُ السّرور والغَمّ. وقوله: {سياء بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} : حَلّ بهم ما يسوءُهم. وكُنى عن الفرْج وعن العورة بالسّوءة، قال: {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} ، وقال: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} . واستاءَ من السّوءِ افتعل منه؛ كما تقول من الغم: اغْتَمّ. وفى حديث النبىّ صلَّى الله عليه وسلم أَن رجلا قصّ عليه رُؤيا فاستاءَ لها، ثمَّ قال: "خلافة نبوّة، ثمّ يؤتِى الله المُلْك من يشاءُ".

الباب الرابع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الشين

الباب الرابع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الشين

بصيرة فى الشين

بصيرة فى الشين وترِد على وجوه: الأَوّل: من حروف الهجاءِ، شَجْرىّ من مَفتح الفم جِوار مخرج الجيم، يذكّر ويؤنّث. شيَّنت شِينًا حَسَنة وحسنًا. وجمعها: أَشيان وشِيَنٌ، وشِينات. الثَّانى: الشين فى حساب الجُمْل: اسم لعدد الثلاثمائة. الثالث: الشين الكافية: يختصرون من الشهادة والشراب على الشِّين، كما قال: سَعِدْتَ شهِدتَ يا مرعى المساعى ... فيا لله من سِينٍ وشِينِ أَى من سعادة وشهادة. الرّابع: الشين المكرّرة، نحو: عش، وعشش. الخامس: الشين المدغمة، نحو: طشّ، ورشّ. السّادس: شين العجز والضَّرورة؛ كما فى أَهل الهند وبعض الأَطفال يجعلون السّين شينًا، والشين سينًا.

السّابع: فعلٌ مجهول من الشَّيْن، تقول: شِينّ زيدٌ. الثامن: الشِّين الأَصلىّ، نحو شِينِ: شعر، وعشر، وعرش. التَّاسع: الشين المبدلة من كاف خطاب المؤنث، نحو، بشِ وعَلَيْش، قال: فعَيناشِ عيناها وجيدُشِ جِيدها ... ولكنّ عظْمَ السّاق مِنْشِ دقيقُ العاشر: الشين اللغوىّ. قال الخليل: الشِّين: الرّجل الشبِق الكثير الوِقَاع، وأَنشد: إِذا ما العلب ماهَ بحاجِبَيه ... فأَنت الشِّينُ تفخَر بالوِقاع

بصيرة فى شبه

بصيرة فى شبه الشَّبَه، والشِّبْه، والشَّبيه، حقيقتها فى المماثلة من جهة الكيفيّة؛ كاللون والطَّعم، وكالعادلة والظلم. والأَصل فيه هو أَلاَّ يميّز أَحد الشيئين عن الآخر؛ لما بينهما من التشابه، عينًا كان أَو معنى. وقوله تعالى: {وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} أَى يُشبه بعضُه بعضًا، لونًا وطعمًا وحقيقة، وقيل: متماثلاً فى الكمال والجودة. وقوله: {مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} معناهما متقاربان. قال تعالى: {إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا} أَى تتشابه. ومن قرأَ (تَشابَهَ على لفظ الماضى) جعل لفظه مذكّرا، و {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} أَى فى الغَىّ والجهالة. وقوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ، المتشابه من القرآن: ما أَشكل تفسيره؛ لمشابهته غيره: إِمّا من حيث اللفظ، أَومن حيث المعنى. وقال الفقهاءُ: المتشابه: ما لا ينبىء ظاهره عن مراده. وحقيقة ذلك أَنَّ الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أَضرب: محكَم على الإِطلاق، ومتشابه على الإِطلاق، ومحكَم من وجه، ومتشابه من وجه. فالمتشابهات فى الجملة ثلاثة أَضرب:

متشابه من جهة اللفظ فقط، ومتشابه من جهة المعنى فقط، ومتشابه من جهتهما. فالمتشابه من اللَّفظ ضربان: أَحدهما يرجع إِلى الأَلفاظ المفردة، وذلك إِمّا من جهة غرابته؛ نحو: {وَأَبّاً} و {يَزِفُّونَ} ، وإِمّا من مشاركة فى اللَّفظ؛ كاليد والعين. والثَّانى يرجع إِلى جملة الكلام المركّب؛ وذلك ثلاثة أَضرب: ضرب لاختصار الكلام؛ نحو قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء} . وضرب لبسط الكلام، نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، لأَنَّه لو قيل: ليس مثلَه شىء كان أَظهر للسّامع. وضرب لنظم الكلام، نحو: {أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً} ، تقديره: الكتاب قيِّمًا ولم يجعل له عِوَجاً. والمتشابه من جهة المعنى أَوصاف الله عزَّ وجلّ، وأَوصافُ القيامة. فإِنَّ تلك الصّفات لا تتصوّر لنا، إِذْ كان لا يحصل فى نفوسنا صورة ما لم نحسّه، أَو لم يكن من جنس ما نُحسّه.

والمتشابه من جهة اللَّفظ والمعنى خمسة أَضرب: الأَوّل: من جهة الكَمِّيّة؛ كالعموم والخصوص، نحو: {فاقتلوا المشركين} . والثَّانى: من جهة الكَيْفِيّة، كالوجوب والندب، نحو قوله: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء} . والثالث: من جهة الزَّمان، كالنَّاسخ والمنسوخ، نحو قوله: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} . والرَّابع: من جهة المكان والأُمور التى نزلت فيها، نحو قوله: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} ، وقوله: {إِنَّمَا النسياء زِيَادَةٌ فِي الكفر} ، فإِنَّ من لا يعرف عادتهم فى الجاهلية يتعذَّر عليه معرفة تفسير هذه الآية. الخامس: من جهة الشروط التى بها يصحّ الفعل أَو يَفْسد؛ كشروط الصّلاة والنكاح.

وهذه الجملة إِذا تُصوّرت عُلم أَن كلّ ما ذكره المفسّرون لا يخرج عن هذه التَّقاسيم، نحو من قال: المتشابه آلم، وقول قتادة: المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ، وقول الأَصمّ: [المحكم حجة ظاهرة. وقول غيرهم:] لمحكم ما أُجمع على تأْويله، والمتشابه ما اختُلِف فيه. ثمّ جميع المتشابهات على ثلاثة أَضرب: ضرب لا سبيل إِلى الوقوف عليه؛ كوقت السّاعة، وخروج دابّة الأَرض، وكيفيّة الدّابّة، ونحو ذلك. وضربٌ للإِنسان سبيل إِلى معرفته، كالأَلفاظ الغريبة والأَحكام المغلقة. وضربٌ متردّد بين الأَمرين، نحو أَن يختصّ بمعرفة حقيقته بعض الرّاسخين فى العلم، ويخفى على [مَن] دونهم، وهو المشار إِليه بقوله صلَّى الله عليه وسلم: "اللهمّ فقِّهه فى الدّين وعلّمه التَّأْويل"، وقوله لابن عبّاس مثل ذلك. فإِذا عرفت هذا الجملة عرفت أَنَّ الوقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} ووصلَه بقوله: {والراسخون فِي العلم}

جائزان، وأَنَّ لكلّ واحد منهما وجهًا، حَسْبما دلّ التَّفصيل المتقدّم. وقوله: {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً} يعنى ما يشبه بعضه بعضًا فى الإِحكام والحكمة، واستقامة النَّظْم. وقولُه: {ولاكن شُبِّهَ لَهُمْ} أَى مُثِّل لهم مَن حِسبوه إِيّاه. والشَّبَه من الجواهر: ما يُشبه لونُه لون الذَّهب.

بصيرة فى الشت والشتاء والشجر

بصيرة فى الشت والشتاء والشجر الشَتْ: تفريق الشَّعْب. يقال شتَّ جَمْعَهم شَتًّا وشَتَاتًا. وجاءُوا أَشتاتًا: أَى متفرّقين فى النظام. وقوله تعالى: {مِّن نَّبَاتٍ شتى} أَى مختلفة الأَنواع. وقوله: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى} ، أَى هم بخلاف من وصفهم بقوله: {ولاكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} . شتَّانَ: اسْمُ فعل، يقال: شَتَّانَ ما هما، وشتَّان ما بينهما، إِذا أُخبرتَ عن ارتفاع الالتئام بينهما. شَتَا وأَشْتَى، وصاف وأَصاف. والمَشْتى والمشتاة للوقت والموضع. والشَّجَرُ من النَّبت: ما له ساقٌ، يقال: شجرة وشَجَرٌ، كثمرة وثمر. وأَرض شَجْراء، ووادٍ شَجِير: كثير الشَّجَر. وهذا الوادى أَشجر من ذلك. والشِّجَار والمشاجرة والتشاجر: المنازعة. وشَجَرنى عنه: صرفنى. وشَجَرَه بالرُّمح: طعنه به، وفلان من شجرة مباركة: من أَصل مبارك. وقوله تعالى: {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ} ، أَصحّ الأَقوال فيها أَنها النخلة. ومن العرب من يقول: شَجَرة وشِجَرة، فيكسر الشين ويفتح الجيم، وهى

لغة بنى سُلَيم. قال تعالى: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة} وقال: {مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ} ، وقال: {أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ المنشئون} ، وقال: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} ، وقال: {لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} ، وقال: {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم} . وشجَرَ [الأَمر] بين القوم شُجُورًا: إِذا اختلف الأَمر بينهم. قال تعالى: {حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ، قال الزجّاج: أَى وقع من الاختلاف. وقال الأَزهرى: فيما أَوقع خلافًا بينهم. والشَجْر: الأَمر المختلِف، ومابين اللَّحيَيْن عند العنفقة، وقيل: مجتمع اللَّحيين. ومنه: تفقَّدْ فى طهارتك المَنْشَلة والمَغْفَلة والرَّوم والفَنِيكَيْن والشاكل والشَجْر. [والشَجْر] أَيضًا: الذقَن. ومنه قول عائشة رضى الله عنها: "تُوِّفىَ رسول الله صلَّى عليه وسلم بين شَجْرى ونَحْرى" هكذا رواه الأَصمعىّ بالجيم والشين.

بصيرة فى الشح والشحم والشحن والشخص

بصيرة فى الشح والشحم والشحن والشخص شَحّ به: بخِل مع حِرْص، قال تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولائك هُمُ المفلحون} . والشحّ: ضِدّ الإِيثار؛ فإِنَّ المؤثِر على نفسه تارك لما هو محتاج إِليه، والشحيح حريص على ما ليس بيده، فإِذا حصل بيده شَحَّ وبَخِل بإِخراجه. فالبخلُ ثمرة الشحّ، والشحّ يأْمر بالبخل؛ كما قال صلَّى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ والشُّحَّ فإِنَّ الشحّ أَهلك مَن كان قبلكم، أَمرهم بالبخل فبخِلوا، وأَمرهم بالقطيعة فقطَعوا". فالبخيل: مَن أَجاب داعِىَ الشُّحَ، والْمُؤثِر من أَجاب داعِىَ الجُود والسّخاءِ والإِحسان. ورجلٌ شحيح؛ وقومٌ أَشِحَّة، قال تعالى: {أَشِحَّةً عَلَى الخير} . وخطِيب شَحْشَحٌ: بليغ. والشحم معروف، وجمعه: شُحُوم. وشَحْمَةُ الأُذن: مُعَلَّق القُرْط. وشحمة الأَرض: الكَمْأَة البيضاء، ودُودة بيضاء. ورجل مُشَحِّم: كثير الشَّحم، وشَحِمٌ: محبّ للشحْم، وشاحم، يُطعم أَصحابه الشحم، وشَحيم. كَثُرَ على بدنه.

والشَحْن: المَلْءُ. و {الفلك المشحون} أَى المملوء. والشَّحْناء عداوة امتلأَت منها النَّفْس. والشخص: سواد الإِنسان القائمُ المرئىْ من بعيد. وشَخَصَ من بلده: نَفَذ. وشَخَص سهمُه وبصرُه. وأَشخصه صاحبه. وقوله تعالى: {شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الذين كَفَرُوا} أَى أَجفانُهم لا تَطْرِف.

بصيرة فى الشد والشر

بصيرة فى الشد والشر الشَدُّ: العَقْد القوِىّ. شدَدت الشىءَ: قوّيت عَقْده. قال تعالى: {فَشُدُّواْ الوثاق} . والشدّة تستعمل فى العَقْد وفى البَدَن وفى قُوَى النَّفْس، قال تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} ، يعنى جَبرئيل عليه السّلام. والشديد والمتشدِّد: البخيل. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ} ، فالشَّديد يجوز أَن يكون بمعنى مفعول كأَنَّه شُدّ، كما يقال: غُلّ عن الإِفضال، وإِلى هذا ذهب اليهود، قال تعالى: {وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} . ويجوز أَن يكون بمعنى فاعل كالمتشدّد، كأَنَّه شدّ صُرّته. وقوله: {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} فيه تنبيه أَنَّ الإِنسان إِذا بلغ هذا القَدْر يتقوَّى خُلُقه الذى جُبل عليه فلا يكاد يُزايله بعد ذلك. وما أَحسن ما أَشار إِليه الشاعر: إِذا المرءُ وفَّى الأَربعين ولم يكن ... له دون ما يهوَى حَيَاءٌ ولا سِترُ فدعْه ولا تَنْفَس عليه الذى مضَى ... وإِن جَرَّ أَسبابَ الحياة له الدّهرُ

وشَدّ فلان واشتدّ: أَسرع. وشادَه: قاواه. "ومَن يشادّ الدينَ يَغْلِبْه". الشرّ: نقيض الخير. شَرَرت يا رجل، وشرِرْت، شَرًّا وشَرَارة وشَرَرًا وشِرّة. وشَرُرْت شاذٌّ. وفلان شَرّ النَّاس ولا يقال أَشَرّ إِلاَّ فى لغة رديئة. هذا قول بعضهم. وقال شمِر: ما أَخيره وخَيْرَه، وما أَشرّه وشَرَّه، هذا أَخْيَرُ منه وأَشرّ منه. وقال بُزُرْجَ: هم الأَخْيَرون والأَشَرّون، وهو أَخْيَرُ منك وأَشرّ منك. ومنه قول امرأَة من العرب: أُعيذكَ بالله من نَفْس حَرّى، وعين شُرَّى، أَى خبيثة من الشرّ، أَخرجته على فُعْلَى كأَصغر وصُغْرَى. وقرأَ أَبو قِلاَبة وأَبو حَيْوة وعطيّة بن قيس: {مَنِ الكذاب الأشر} ، وهى لغة بنى عامر. وقوم أَشرار وأَشِرّاء. وقال يونس: واحد الأَشرار رجل شَرّ مثل زيد وأَزياد. وقال الأَخفش: واحدها شَرير، وهو الرّجل ذو الشرّ، مثل يَتيم وأَيتام. وقوله تعالى: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} ، أَى أَسَرّ يوسفُ صلوات الله عليه: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} فى السّرق بالصحَّةِ؛ لأَنهم سرقوا أَخاهم حين غيَّبوه فى الغَيَابَةِ من أَبيهم.

وقوله تعالى: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير} ، أَى يدعو على نفسه وولده وماله عند الضَّجر عَجَلة ولا يعجّل الله عليه. وقوله صلَّى الله عليه وسلم: "والشَرّ ليس إِليك" أَى الشرّ لا يصعد إِليك، وإِنَّما يَصعد إِليك الخيرُ. والشَرَرة والشرارة: ما يتطاير من النَّار، والجمع: شَرَرٌ وشَرَار، قال تعالى: {بِشَرَرٍ كالقصر} .

بصيرة فى الشرب

بصيرة فى الشرب شَرِب الماءَ وغيره شُرْبًا، وشِرْبًا، وشَرْبًا، وتَشْرَابًا، وشَرْبةً: تناوله بفمه وقرأ أَبو جعفر ونافع وحمزة وعاصم وأَبو حاتم: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم} بضمّ الشين. وقرأَ مجاهد وأَبو عثمان النَهْدىّ بكسرها، والباقون بفتحها. قال أَبو عُبيدة: الشَّرب بالفتح: مصدر، وبالضمّ والكسر: اسمان من شَرِب. الشَّرْب أَيضًا: جمع شارب. وقوله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل} قيل: هو من قولهم: أَشْرَبْتُ البعيرَ، أَى شددت حَبلا فى عنقه. ويقول الرّجل لناقته: لأُشرِبنَّكِ الحِبال والنُسُوع. وأَشرِبوا إِبلكم الأَقران، أَى أَدخولها فيها وشُدّوها بها. قال: فأَشربتُها الأَقرانَ حتى أَنَخْتُها ... بقُرْح وقد أَلْقَيْنَ كلّ جنين وكأَنَّما شُدّ فى قلوبهم لشغفهم به. وقال بعضهم: معناه: أُشرب فى قلوبهم حبُّ العجل. وأُشرب فلان حبَّ كذا. قال زُهَير:

فصحوت عنها بعد حُبٍّ داخل ... والحُبّ يُشْرَبُه فؤادُك داءُ وذلك أَنّ من عادتهم إِذا أَرادوا العبارة عن مخامرة حبّ أَو بغض استعاروا له اسم الشراب، إِذ هو أَبلغ إِنجاع فى البدن. ولذلك قال: تَغَلْغَلَ حيث لم يبلغ شرابٌ ... ولا حُزنٌ ولم يبلغ سرورٌ ولو قيل: حُبّ العجل لم يكن له هذه المبالغة؛ فإِنَّ فى ذكر العجل تنبيهاً أَنَّه لفَرْط شَغَفهم به صارت صورة العجل فى قلوبهم لا تنمحى.

بصيرة فى الشرح والشرد والشرط

بصيرة فى الشرح والشرد والشرط أَصل الشرح بَسْط اللَّحْم ونحوه. يقال: شَرَحت اللحم وشرّحته، ومنه شَرْح الصّدر، أَى بسْطه بنور إِلهىٍّ وسكينة من جهة الله ورَوْح منه، [قال] : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، {رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي} ، {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} . وشَرْح المشكل من الكلام: بَسْطه وإِظهار ما يخفى من معانيه. وشَرَح المرأَةَ: أَتاها مستلقيِة. ومنه غَطَّت مَشْرَحها أَى فَرْجها، قال دُرَيد بن الصّمّة: فإِنَّكَ واعتذارَك من سُوَيدٍ ... كحائضة ومَشْرحُها يسيلُ يعنى أَنك تَتَبَرّأُ من دمه وأَنت متدنّس به. وفلان يَشْرح إِلى الدّنيا: يميل إِليها ويُظهر رغبته فيها. شَرَد البعيرُ: نَدَّ. وشرّدت فلانًا فى البلاد، وشرّدت به فعلت به فعْلة يَشْرُد غيرُه أَن يفعل فعله؛ كقولك: نكَّلْت به، أَى جعلت ما فعلت به نِكْلا لغيره أَىْ قيدًا. قال تعالى: {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} ، أَى اجعلهم نَكَالا لمن يَعرض لك بعدهم. وبعير شاردٌ وشَرُود، وإِبل شُرَّد وشُرُد، وبه

شِرَادٌ. وتقول: حسبتك راشدًا، فوجدتك شارِدًا. وقافية شَرُود: عابرة فى البلاد، وقوافٍ شُرُدٌ، قال: شَرُودٌ إِذا الراوُون حَلُّوا عِقالَها ... مُحجَّلة فيها كلامٌ مُحَجَّلُ والشرْط، كلّ حكم متعلّق بأَمر يقع بوقوعه، وذلك الأَمر كالعلامة له. وهذا شَرْطى وشَرِيطتى، وقد أَشرطت كذا. ومنه قيل للعَلامة، الشَرْط. وأَشراط الساعة: علاماتها. والشُرَط، قيل: سُمّوا به لكونهم ذوى علامة يُعْرفون بها، وقيل: لكونهم أَرذال النَّاس، وأَشراط الإِبل: رُذَالها. وأَشرط إِليه رسولاً: قدّمه وأَعجله. وهؤلاءِ شُرْطة الحرب لأَوّل كتيبة تحضرها. والصّواب فى شُرْطىّ سكون الرّاءِ نسبة إِلى الشُرْطة، والتَّحريك خطأ؛ لأَنه نَسَبٌ إِلى الشُّرَط الذى هو جمع. وتشرّط فى عمله: تنوّق وتكلّف شروطا ما هى عليه. وشدّه بالشَّريط والشُّرُط، وهى خيوط من خُوص. وشَرَطَ الحجّامُ بِمشرطه. وتقول ربّ شَرْطِ شارط، أَوجعُ من شَرْط شارط.

بصيرة فى الشرع والشرف

بصيرة فى الشرع والشرف عمل بالشَّرْع والشَّريعة والشِّرْعة. وشَرَعَ الله الدّينَ. [وشرع فى الماءِ] شُرُوعًا. والشَرْع: نَهْج الطَّريق الواضح. وهو فى الأَصل مصدر، ثم جعل اسماً لِلْمَنْهج، واستعير ذلك للطَّريقة الإِلهيّة من الدّين. وقولُه تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} فذلك إشارة إِلى أَمرين: أَحدهما: ما سخَّر الله تعالى عليه كلّ إِنسان من طريق يتحرّاه ممّا يعود إِلى مصالح العباد، وعِمارة البلاد، وذلك المشار إِليه بقوله: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} . الثَّانى: ما قيّض له من الدّين، وأَمره به ليتحرّاه اختيارًا، ممّا تختلف فيه الشرائع، ويعترضه النَّسْخ، ودلَّ عليه قوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ على شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر فاتبعها} . قال ابن عبّاس: الشِّرعة: ما ورد به القرآن، والمنهاج: ما ورد به السُنَّة.

وقولُه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً} الآية، إِشارة إِلى الأُصول التى تتساوى فيها المِلَل، ولا يصحّ عليها النَّسْخ، كمعرفة الله تعالى، ونحو ذلك ممّا دلّ عليه قوله: {وَمَن يَكْفُرْ بالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الآخر} . وقال بعضهم: سُمِّيت الشَرِيعة تشبيهًا بشريعة الماءِ، مِن حيث إِنَّ مَن شرع فيها على الحقيقة والمصدوقة رَوِى وتطهّر. قال: وأَعنى بالرىّ ما قال بعض الحكماءِ: كنت أَشرب فلا أَرْوَى، فلمّا عرف [الله تعالى] رَوِيت (فلا أَشرب) . وبالتَّطهّر ما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} . يقال: الشرائِع نِعْمَ الشرائع، من وردها رَوِىَ، وإِلاَّ دَوِىَ. وقوله: {يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} جمع شارع. و (شارعة الطريق) جمعها: شوارع. وشرَعَ البابُ إِلى الطريق، وأَشرعته. والنَّاس فيه شَرْع: سواءٌ. وشَرْعُك ما بلَّغك المَحَلَّ. وضربوا الشِّرَع والأَوتار، الواحدة شِرْعة. ومَدّ البعير شِرَاعهُ: عُنُقه. وبعيرٌ شِرَاعىّ العُنُق وشُراعِيُّها. قال: شُِراعِيّة الأَعناق تَلْقَى قِلاَصها/ ... قد استلأَت فى مَسْك كَوماءَ بازل أَى فى بَدن البازل وضِخَمِها.

بصيرة فى الشرق

بصيرة فى الشرق شَرَقت الشمسُ شُرُوقا: طَلَعَت. وأَشرقَت: أَضاءَت. وطلع الشَّرْق والشَّارِق أَى الشَّمس. ويقال: لا أَفعل ذلك ما ذرّ شارِق، ما دَرّ بارِق. وقعدوا فى المَشْرَُقة، وتَشَرّقوا، وهى المكان الَّذى يظهر للشرق، قال: وما العيش إِلاَّ نَوْمَةٌ وتشرُّقٌ ... وتَمْرٌ كأَكباد الجَراد وماءُ ومِشْريق البابِ: الشَقّ الذى يقع فيه الشَّمس. وقوله: {بالعشي والإشراق} ، أَى وقت الإِشراق. والمشرق والمغرب إِذا قيلا بالإِفراد فإِشارة إِلى ناحيتى الشرق والغرب، وإِذا قيلا بلفظ التثنية فإشارة إِلى مطلِعَىْ ومغربى الشتاءِ والصّيف، وإِذا قيلا بالجمع فاعتبارا بمطلع كلّ يوم ومغربه. وقوله: {مَكَاناً شَرْقِياً} أَى من ناحية الشَّرق. وقوله: {زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} ، [أَى تطلع عليها الشمس] دائما.

والمُشرَّق - كمعُظّم - مُصَلَّى العيد؛ لقيام الصّلاة فيه عند شروق الشَّمس. وشَرِقَت الشَّمسُ: تَكدّر لونُها، واصفرّت للغروب. ومنه أَحمرُ شَرِق: شديد الحمرة. ولحمٌ شَرِقٌ: لا دَسَمَ فيه.

بصيرة فى شرك

بصيرة فى شرك الشِّركة والمشاركة: خَلْط المِلْكين. وقيل: هو أَن يوجد شىء لاثنين فصاعدًا، عينًا كان ذلك الشىء أَو معنى؛ كمشاركة الإِنسان والفَرَس فى الحيوانيّة، ومشاركة فرس وفرس فى الكُمْتة والدّهمة يقال: شَرِكْتُه، وشارَكته، وتشاركوا، واشتركوا، وأَشرَكته فى كذا. قال تعالى: {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} ، وفى الحديث: "اللهمّ أَشرِكنا فى دعاءِ الصّالحين". ويروى أَنَّ الله تعالى قال لنبيّه صلَّى الله عليه وسلم: إِنِّى شرَّفتك وفضّلتك على جميع خَلْقى، وأَشركتك فى أَمرى، أَى جعلتك بحيث تُذكر معى، فأَمرتُ بطاعتك مع طاعتى، نحو: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول} . وجَمْع الشَريك: شُرَكاء. وشِرْك الإِنسان فى الدّين ضربان: أَحدهما: الشِرْك العظيم، وهو إِثبات شرِيك لله، تعالى الله عن ذلك، يقال: أَشرك فلان بالله. وذلك أَعظم كفر. والثانى: شرك صغير، وهو مراعاة غير الله معه فى بعض الأُمور، وذلك كالرّياءِ والنفاق المشار ِإليه بقوله: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا} .

وقوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} قال بعضهم: معنى قوله: {وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} أَى واقعون فى شَرَك الدّنيا أَى حِبَالتها. قال: ومن هذا قوله صلّى الله عليه وسلَّم: "الشِرْك فى هذه الأُمّة أَخفى من دَبِيب النَّمل على الصّفا". قال: ولفظ الشِّرْك من الأَلفاظ المشتركة. وقوله: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} فمحمول على الشِّرْكَيْن. وقوله: {فاقتلوا المشركين} فأَكثر الفقهاءِ يحملونه على الكافرين جميعًا؛ لقوله تعالى: {وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله} ، وقيل: هم مَنْ عدا أَهلَ الكتاب، لقوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا} ، فأَفرد المشركين عن اليهود والنَّصارى. وقيل: إِنَّ الشرك والشريك ورد فى القرآن على ستة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الإِشراك بالله: {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمآء} {لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} ونظائره كثيرة.

الثَّانى: الشِّرك فى الطاعة: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} . الثالث: الشرك مع أَحدٍ فى أَمرٍ: {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات} . الرَّابع: الشِّرك بمعنى الشَّريك إِبليس: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا} . الخامس: بمعنى الأَصنام والأَوثان: {فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ} . السّادس: بمعنى الشريك المعروف: {فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ} ، قال: تأَمّل فى نبات الأَرض وانظر ... إِلى آثار ما صَنع المليكُ عيونٌ من لُجَينٍ فاتراتٌ ... على أَحداقها ذهبٌ سَبِيك على قُضُب الزَّبَرْجَدِ شاهدات ... بأَنَّ الله ليس له شريكُ

بصيرة فى الشرى

بصيرة فى الشرى وهو يُمَدّ ويُقصرُ. ويكون بمعنى الاشتراء، وبمعنى البيع. والشِّرَى والبيع متلازمان، فالمشترى دافع الثَمَن وآخذ المُثْمَن، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن. هذا إِذا كانت المبايعة والمشاراة بناضٍّ وسِلْعة. فأَمّا إِذا كان بيع سِلْعة بسلعة صَحَّ أَن يُتصوّر كلّ منهما بائعًا ومشتريا، ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشِّرَى يستعمل كلّ منهما مكان الآخر. وشَرَيت بمعنى بعت أَكثر، وابتعت بمعنى اشتريت أَكثر، قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أَى باعوه. ويجوز الشِّراءُ والاشتراءُ فى كلّ ما يحصّل به شىء، نحو: {أولائك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} ، وقولُه تعالى: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} فقد ذكر ما اشترى به وهو قوله تعالى: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله} . وقيل: ورد الشراء والاشتراء فى التَّنزيل على اثنى عشر وجهًا: الأَوَّل: شِرَى الضَّلالة بالهدى: {أولائك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة} .

الثانى: شِرَى السِحْر بالإِسلام: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ} . الثالث: بيع اليهود نعت محمّد صلَّى الله عليه وسلم بنعت الدّجّال: {بِئْسَمَا اشتروا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ الله} . الرّابع: شِرَى كعب بن الأَشرف الدّنيا بالآخرة: {اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة} . الخامس: بيع حُيىّ بن أَخطب التوراة بثمن بخس: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} . السادس: بيع فنحاص بن عازور العهد واليمين بثمن قليل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} . السّابع: بيع أَهل مكة إِيمانهم بالكفر: {إِنَّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان} . الثامن: بيعِ الجُهّال أَحسن الحديث باللَّهْو: {وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث} .

التَّاسع: بيع أَمير المؤمنين نفسه فداء لسيّد الكونين صلَّى الله عليه وسلم: {وَمِنَ الناس مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابتغآء مَرْضَاتِ الله} . العاشر: بيع إِخْوة يوسف أَخاهم: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} . الحادى عشر: بيع المؤمنين أَموالهم وأَنفسهم لمولاهم وخالقهم: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} .

بصيرة فى شط وشطر وشطن وشبط

بصيرة فى شط وشطر وشطن وشبط الشِّطط: الإِفراط فى البُعد، يقال: شَطَّت الدّارُ، وأَشَطَّ فى المكان، وفى الحكم، وفى السَّوم. وعُبّر بالشطط عن الجَوْر، قال تعالى: {لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً} ، أَى قولاً بعيدًا عن الحَقّ. أَنشدنا بعض الأَشياخ: إِنِّى رأَيت فؤادى أَمَره فُرُطَا ... فى حبّ بَدْرٍ أَرى فى شَعْر قَططا قالوا: هو البدر، لا، بل فاقه، ولئن ... قلنا كذلك قد قلنا إِذًا شَطَطا وشَطُّ النَّهرِ: حيث يبعد عن الماءِ من حافَته. وشَطْر الشىء: وَسَطُه، ونصفه، قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} أَى وِجهته ونحوه. ويقال: شاطرته شِطَارًا ومُشاطرة أَى ناصفته. وقيل: شطر بصرَه أَى نصّفه، وذلك إِذا أَخذ ينظر إِليك وإِلى آخَر. وحلب فلان الدّهَر أَشْطُره، وأَصله فى النَّاقة أَن تُحلب خِلْفَين وتُترك خِلْفَين. والشَّاطر: المتباعد من الحقّ. والجمع: شُطَّار. شاط يَشِيطُ: احترق غضبًا. وقيل: منه اشتقاق الشيطان؛ لكونه مخلوقًا من قُوّة النَّار، ولكونه من ذلك اختص بالقوّة الغضبيّة والحمِيّة

الذَّميمة. والأَصحّ أَنَّه من شَطَنَ أَى تباعد، ومنه بئر شَطُون. قال أَبو عُبيدة: الشيطان: اسم لكلّ عارٍم من الجِنّ والإِنس والحيوانات. قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ} أَى أَصحابهم من الجِنّ والإِنس. وقولُه: {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} ، قيل: هى حَيَّة خفيفة الجسم. وقيل: أَراد به عارِم الجِنّ، فشُبّه به لقبح تصوّرها. وقوله تعالى: {واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين} هم مَرَدة الجنّ. ويصحّ أَن يكونوا هم ومردة الإِنس أَيضًا. وسُمّى كلّ قوّة ذميمة للإِنسان شيطانًا. وفى الحديث: "الحَسَد شيطان. والغضب شيطان". قال: إِنِّى وكلّ شاعر من البَشَرْ ... شيطانُه أُنثى وشيطانى ذَكَرْ وقال: أَعوذ بالرحمان من شيطانى ... فإِنَّه للكيد بالإِنسان وقد ورد الشَّيطان على وجوه: الأَوّل: بمعنة الكَهَنة: {وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ} أَى كَهَنَتهم.

الثَّانى: بمعنى الحيّات: {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} أَى الحيَّات. الثالث: بمعنى دُعَاة الضَّلال: {شَيَاطِينَ الإنس والجن يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} . الرّابع: بمعنى إِبليس وأَولاده: {أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} {الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر} ، {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ} ، {فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم} . وله نظائر.

بصيرة فى شطا وشعب

بصيرة فى شطا وشعب شاطىء الوادى: جانبه. وشَطْءُ فُروعِ الزرع: هو ما خرج منه وتفرّع فى شاطئه، وجمعه: أَشطاء. وقوله تعالى: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أَى فِراخه. والشِّعْب من الوادى: ما اجتمع منه طَرَفٌ وتفرّق طرف، فإِذا نظرت إِليه من الجانب الَّذى يتفرّق أَخذت فى وَهْمك واحدا، وإِذا نظرت إِليه من جانب الاجتماع أَخذت فى وَهْمك اثنين اجتمعا، فلذلك قيل: شَعَبْتُ الشىءَ: إِذا جمعته، وشعبته: إِذا فرّقته، فهو من الأَضداد. وشُعَيبٌ: تصغير شَعْب، الَّذى هو مصدر أَو الَّذى هو اسم، أَو تصغير شِعْب. والشَعِيب: المَزَادة الخَلَق الَّتى قد أُصلحت وجُمعت. وقولُه تعالى: {إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} .

بصيرة فى الشعر

بصيرة فى الشعر الشِّعر: الكلام الموزون المنظوم المقصود، وجمعه: أَشعار. وهو فى الأَصل العِلم، لكن غَلَب على منظوم القول؛ لشرفه بالوزن والقافية؛ كما غَلَب الفِقِهُ على عِلم الشرع، والعُودُ على المَنْدَل، والنَجْم على الثُّريّا، وغير ذلك من نَمَطه. وربّما سَمَّوا البيت الواحد شِعرًا، قاله الأَخفش. وليس بِقوىّ، إِلاَّ أَن يكون على تسمية الجزءِ باسم الكلّ، كقولك: الماء للجزءِ من الماءِ، والأَرض للقطعة من الأَرض. / والشاعر جمعه الشُّعَراء على غير قياس. وسمّى شاعرًا لفطنته. وما كان شاعرًا ولقد شَعُر - بالضَّمّ - فهو يَشْعُر شَعَارة. قال يونس بن حبيب: يقال للشاعر المُفْلق: خِنذيذ، ولمَن دونه: شاعر، ولمن دونه: شُويعر، ولمن دونه شُعْرور. وشَعَرت بالشىء - بالفتح - أَشعُر به - بالضمَّ - شِعْرًا وشِعْرةً وشِعْرَى، بكسرهنّ، وشَعْرةً - بالفتح - وشُعورًا ومَشعورًا ومَشعورةً: علِمت به وفطِنت له، ومنه قولهم: ليت شِعْرِى فلانًا ما صنع، ولفلان، وعن فلان. وقوله تعالى عن الكفار: {بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} حمله كثير من المفسّرين على أَنَّهم رَمَوه بكونه آتيًا بشعر منظوم مُقفًّى، حتى تأَوّلوا ما جاءَ فى القرآن من كلّ كلام يشبه الموزون من نحو: {وَجِفَانٍ

كالجواب وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} . وقال بعضهم المحصّلين: لم يقصدوا هذا المقصد فيما رمَوه به؛ وذلك أَنَّه ظاهر من هذا أَنَّه ليس على أَساليب الشعر، ولا يخفى ذلك على الأَغتام من العَجَم، فضلاً عن بلغاءِ العرب. وإِنَّما رموه [بالكذب] فإِن الشعر يعبَّر به عن الكذب، والشَّاعر: الكاذب، حتى سمَّوا الأَدِلَّة الكاذبة الأَدلة الشعريّة، ولهذا قال تعالى فى وصف عامّة الشعراء: {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} إِلى آخر السورة. ولكون الشعر مقرًّا للكذب قيل: أَحسن الشعر أَكذبه. وقال بعض الحكماءِ: لم يُرَ متديِّن صادقُ اللَّهجة مُفلِقا فى شعره. قال: أَرى الشعر يُحيى الجودَ والنَّاس والذى ... يبقِّيه أَرواح له عطرات وما المجدُ لولا الشعر إِلاَّ مَعاهِد ... وما النَّاس إِلاَّ أَعظُمٌ نَخِرات والمشاعِر: الحواسّ. وقوله تعالى: {وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} ونحو ذلك معناه: لا تدركونه بالحواسّ. ولو قال فى كثير ممّا جاءَ فيه (لا يشعرون) لا يعقلون لم يكن يجوز، إِذ كان كثيرا ممّا لا يكون محسوسًا قد يكون معقولاً. ومشاعر الحجّ: معالمه الظَّاهرة للحواسّ، الواحد مَشْعَر. ويقال: شعائر الحجّ، والواحدة شَعِيرة وشِعارة. وقال الأَزهرى: الشعائر:

المعالم التى نَدَب الله إِليها، وأَمرَ بالقيام بها. وقولُه تعالى: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله} ، أَى ما يُهدَى إِلى بيت الله. وسمّى بذلك لأَنَّها تُشعَرُ أَى تعلّم بأَن تُدْمَى بشَعِيرة، أَى حديدة يُشعر بها. والشِّعار: الثَّوب الذى يلى الجَسد؛ لمماسّة الشَّعَر. والشِّعار أَيضًا: ما يُشعِر به الإِنسان نفسَه فى الحرب، أَى يُعلم. وأَشعره الحُبُّ نحو أَلبسه. والأَشعر: الطويل الشعر. وداهية شعراء عظيمة؛ كقولك داهية وَبْرَاء. والشِّعْرَى: نجم يطلع بعد الجوزاء، وطلوعه فى شدّة الحَرّ. وهما شِعْرَيان: الشعرى العَبُور التى فى الجوزاءِ، والشعرى الغُميصاء الَّتى فى الذراع. تزعم العرب أَنَّها أُختا سُهيل. وتخصيصه فى قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} لكونها معبودة لقوم منهم.

بصيرة فى شعف وشعل وشغف

بصيرة فى شعف وشعل وشغف شَعَفة القلبِ: رأسه عند مُعَلّق النِّيَاط، ولذلك يقال: شَعَفنى حُبُّ فلان، وشُعِفت به وبِحُبّه، أَى غَشِى الحُبُّ القلبَ من فَوقه. وقرأَ الحَسَن البصرىّ وقتادة وأَبو رَجَاء والشَّعْبىّ وسعيد بن جُبَيْر وثابت البُنَانّى ومجاهد والزُّهرىّ والأَعرج وابن كثِير وابن مُحَيصن وعوف بن أَبى جميلة ومحمد ابن اليمانى وزيد بن قطيب: {قد شَعَفَها حُبًّا} ، قال أَبو زيد: أَى أَمرضها وأَداءَها. وقرأَ ثابت البُنَانىّ أَيضاً: (قد شعِفها) بكسر العين، أَى علِقها حُبَّا وعشقها. والشَعَفة - بالتَّحريك - أَيضاً: رأس الجبل، وجمعه: شَعَف وشُعُوف وشِعافٌ. وفى الحديث الصّحيح: "خير النَّاس رجل مُمسك بعِنَان فرسه فى سبيل الله كلَّما سمِع هَيْعة طار إِليها، أَو رجل فى شَعَفة فى غُنَيمة له حتى يأتيه الموت" والشَّعْل: التهاب النَّار. يقال: شُعْلة من نار، وقد أَشعلها. وأَجاز

أَبو زيد شَعَلْتها. والشَعِيلة: الفَتيلة إِذا كانت مشتعِلة. وقيل: بياض يشتعل. وقوله: {واشتعل الرأس} تشبيهًا بالاشتعال من حيث اللَّون. واشتعل فلان غضبًا تشبيهًا به من حيث الحركة. ومنه أشعلت الخيلَ فى الغارة؛ نحو أَوقدتها وهيّجتها وأَضرمتها. الشَّغَاف: غِلاَف القلب. وشََغَفه: أَصاب شَغَافه؛ ككَبَدَهُ: أَصاب كِبده. وقال اللَّيث: الشَّغَاف: مَوْلِج البَلْغَم. وقوله تعالى: {قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} أَى أَصاب حُبُّه شَغَافها. وقيل: الشغَاف: سويداءُ القلب. وقرأ أَبو الأَشهب: (شغِفها حُبًّا) بكسر الغين كقراءَة ثابت البُنانىّ (شَعِفها) بكسر المهملة. وشَغْف القلبِ وشَغَفه مثل شَغَافه.

بصيرة فى شفل وشفع

بصيرة فى شفل وشفع الشُغْل، والشُّغُل، والشَغْل، والشَّغَل، أَربع لغات، والجمع: أَشغال. وقد شَغَلْت فلاناً فأَنا شاغل. ولا يقال: أَشغلته؛ فإِنَّها لغة رديئة. وشُغْلٌ شاغلٌ توكيد كَلَيْلٍ لائل. وشُغِلت عنه بكذا واشتغلت. والمَشْغَلة: ما يَشْغلك. والشَفْع: ضمّ الشىء إِلى مثله. ويقال للمشفوع: شَفْع. وقوله تعالى: {والشفع والوتر} قيل: الشفع: المخلوقات، من حيث إِنَّها مركَّبَات؛ كما قال تعالى: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} ، والوتْر: هو الله، من حيث ما له الوحدةُ من كلّ وجه. وقيل: الشَّفع: يوم النحر، من حيث إِنَّ له نظيرا ثلاثةً، والوتر يوم عرفةٍ. وقيل: الشفع: ولد آدم عليه السلام، والوَتْر: آدم؛ لأَنَّه لا عن والد. والشفاعة: الانضمام إِلى آخرَ ناصِراً له ومُسائلاً عنه. وأَكثر ما يُستعمل فى انضمام مَن هو أَعلى مرتبة إِلى من هو أَدنى. ومنه الشَّفاعة فى القيامة، قال تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين} أَى لا تشفع لهم. وقوله:

{مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} الآية، أَى مَن انضمّ إِلى غيره وعاونه وصار شَفْعًا له أَو شفيعًا فى فعل الخير أَو الشرّ وقوّاه، شاركه فى نفعه وضَرّه. وقيل الشفاعة، ههنا: أَن يشرع الإِنسان لآخر طريقَ خيرٍ أَو طريق شرّ، فيَقتدى به، فصار كأَنَّه شَفْع له، وذلك كما قال صلَّى الله عليه وسلم: "مَن سَنَّ سُنَّةً حسنة فله أَجرها وأَجر من عمِل بها" الحديث. وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الأمر مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} ، أَى يدبّر الأَمر وحده لا ثانى له فى فصّل الأَمر، إِلاَّ أَن يأذن للمدبّرات والمقسّمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إِذنه. واستشفعت بفلان على فلان فتشفَّع لى إِليه. وشفّعه: أَجاب شفاعته. ومنه الحديث: "القرآن شافع مشفَّع". وإِن فلانا ليُستشفع [به] . قال: مضى زمنٌ والناسُ يستشفِعون بى ... فهل لى إِلى لَيْلَى الغَداةَ شفيعُ /وامرأَة مشفوعة. وأَصابتها شُفْعة: عَيْن. والشُّفْعة: طلبُ مبيع فى شركته بما بيع به، فيضمّه إِلى مِلكه. فهو من الشَّفْع.

بصيرة فى الشفا والشفق والشق

بصيرة فى الشفا والشفق والشق شفا البئرِ والنَّهر: طَرَفه. ويُضرب به المَثَلُ في القُرْب من الهلاك. وأَشْفَى فلان على الهلاك، أَى حصل على شَفَاه، قال تعالى: {وَكُنْتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النار فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا} . ومنه استُعِير: ما بقى من كذا إِلا شَفًا، أَى قليل كشفا البئرِ، وهما شَفَوان، والجمع: أَشْفاء. والشِفَاء من المرض: موافاة شَفَا السّلامةِ. وصار اسمًا للبُرْءِ، قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} . وأَشفاه: وهب له ما يشفيه. ومواعظهُ لقلوب الأَولياءِ أَشافٍ، وفى أَكباد الأَعداءِ أَشافٍ، الأُولى جمع [جمع] الشفاءِ، والثَّانى جمع الإِشفَى. والشَّق: الخرم الواقع فى شىء، يقال: شقَّه نصفين. قوله تعالى: {وانشق القمر} كان انشقاقه فى زمن النبىّ صلَّى الله عليه وسلم، وقيل: انشقاق يعرض فيه حين تقرب القيامة. وقيل: معناه: وَضَح الأَمر. والشُقَّة: القطعة المنشقَّة كالنصف. والشِقّ - بالكسر - المَشَقّة والانكسار الذى يلحق النَّفْس والبدن.

وذلك كاستعارة الانكسار لها. قال تعالى: {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس} . والشُّقة: الناحية التى تلحقك المشَقَّةُ فى الوصول إِليها، قال تعالى: {ولاكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} . والشِّقَاق: المخالفة، وكونك فى شِقّ غير شِقّ صاحبك، أَو من شَقّ العصا بينك وبينه. وقوله: {وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ} ، أَى [صار] فى شِقّ غير شِقّ أَوليائه. وفلان شِقُّ نفسى، وشَقِيق نَفْسى، أَى كأَنَّه شُقّ مِنِّى لمشابهة بعضنا بعضًا. والشُقّة: نصف الثوب، وإِن كان قد يسمّى الثَّوب شُقَّة كما هو. والشَّقِيقة لناب البعير لما فيها من الشَقّ. الشَفَق: اختلاط ضوء النَّهار بسواد اللَّيل عند الغروب. والإِشفاق: عناية مختلطة بخوف؛ لأَنَّ المشفِق يحبّ المشفَقَ عليه ويخاف ما يلحقه. فإِذا عُدِّىَ بمن فمعنى الخوف فيه أَظهر، وإِذا عدّى بعلى فمعنى العناية فيه أَظهر.

بصيرة فى شقو وشك

بصيرة فى شقو وشك الشَّقَاوة معروف، وقد شَقِىَ يَشْقَى شِقْوة - بالكسر - وشَقَاوة وشَقَاء. فالشِقوة كالرِّدّة. والشقاوة كالسّعادة من حيث الإِضافة، وكما أَنَّ السّعادة فى الأَصل ضربان: سعادة أُخرويّة، وسعادة دنيويّة، ثم السعادة الدّنيويّة ثلاثة أَضرب: نفسيّة، وبدنيّة، وخارجية، كذلك الشقاوة على هذه الأَضرب. وفى الشَّقاوة الأُخرويّة قال تعالى: {فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى} . وفى الدنيويّة قال: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى} . وقيل: قد وُضع الشَقَاءُ موضع التعب، نحو شَقِيت فى كذا، وكلّ شقاوة تعب، وليس كلّ تعب شقاوة. والشَّكّ: اختلاف النقيضين عند الإِنسان وتساويهما. وذلك قد يكون لوجود أَمارتين متساويتين عنده فى النَّقيضين، أو لعدم الأَمارة فيهما، والشكّ ربّما كان فى الشىء هل هو موجود أَو غير موجود، وربّما كان فى جنسه، أَىْ مِن أَىّ جنس هو، وربّما كان فى بعض صفاته، وربّما كان فى الغَرَض الذى لأَجله أُوجد. والشكّ ضرب من الجهل. وهو أَخصّ

منه؛ لأَنَّ الجهل قد يكون عدم العلم بالنَّقيضين رأسًا. وكل شكّ جهل، وليس كلّ جهل شكًّا. وأَصله إِمّا من شككت الشىء: خزقته. قال: وشَكَكْتُ بالرّمح الأَصمّ لَهاتَه ... ليس الكريمُ على القَنا بمحرَّم وكأَنَّ الشكّ الخَزَق فى الشىء، وكونُه بحيث لا يجد الرَّأىُ مستقَرًّا يثبت فيه، ويعتمد عليه. ويجوز أَن يكون مستعارًا من الشكّ وهو لصوق العَضُد بالجنب، وذلك أَن يتلاصق النقيضان فلا مدخل للفهم والرّأى ليتخلّل ما بينهما، ويشهد لهذا قولهم: التبس الأَمُر، واختلط، وأَشكل، ونحو ذلك من الاستعارات.

بصيرة فى الشكر

بصيرة فى الشكر وهو تصوُّر النعمة وإِظهارها. وقيل: هو الثناءُ على المحسِن بما أَوْلَى من المعروف، يقال: شَكَرْتُهُ، وشكرت له. وتعديته بالَّلام أَفصح، قال الله تعالى: {واشكروا لِي} ، وقال جَلَّ ذكره: {أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ} . وقوله تعالى: {لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً} يحتمل أَن يكون مصدرًا مثل قعد قعودًا، ويحتمل أن يكون جمعا، مثل بُرْد وبُرُود، وكُفر وكُفور. والشُّكْران: خلاف الكفران. والشَكُور: الشَّاكر. والشَّكُور من الدّواب: الَّذى يجتزىء بالعَلَف القليل ويسمَن عليه. قال الأَعشى: ولا بدّ من غزوةٍ فى الربيع ... رَهْبٍ تُكلّ الوَقاح الشكورا وقيل: الشكر مقلوب الكشْر أَى الكشف. وقيل: أَصله من عَيْنٍ شَكْرَى: ممتلئة. والشكر على هذا: الامتلاء من ذكر المُنْعِم. والشكر على ثلاثة أَضرب: شكر بالقلب؛ وهو تصوّر النّعمة. وشكر باللسان؛ وهو الثناءُ على المنعِم. وشكر بسائر الجوارح؛ وهو مكافأَة النعمة بقدر استحقاقه.

وقوله تعالى: {اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً} انتصابه على التمييز ومعناه: اعملوا ما تعملونه شكرًا لله. وقيل: شكرًا مفعول لقوله: {اعملوا} . ولم يقل: اشكروا لينبّه على التزام الأَنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح. وقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور} فيه تنبيه أَنَّ توفية شكرِ الله صعب. ولذلك لم يُثْنِ بالشكر من أَوليائه إِلاَّ على اثنين، قال فى وصف إِبراهيم عليه السلام: {شَاكِراً لأَنْعُمِهِ} ، وقال فى نوح عليه السلام: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} . وإِذا وُصف الله بالشكر فى قوله: {والله شَكُورٌ حَلِيمٌ} فإِنما يُعنى به إِنعامه على عباده، وجزاؤه بما أَقامه من العبادة. واعلم أَنَّ الشكر أَعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرّضا، فإِنَّه يتضمّن الرّضا وزيادةً، والرّضا مندرِج فى الشكر؛ إِذ يستحيل وجود الشكر بدونه. وهو نصف الإِيمان. وقد أَمر الله به، ونَهَى عن ضدّه، وأَثنى على أَهله، ووصف [به] خواصّ خَلْقه، وجعله غاية خَلْقه وأَمره، ووعَد أَهله

بأَحسن جزائه، وجعله سببًا للمزيد من فضله، وحارسًا وحافظًا لنعمته. وأَخيراً أَنَّ أَهله هم المنتفعون بآياته، واشتَقَّ لهم اسمًا من أَسمائه. فإِنَّه سبحانه هو الشَّكور، وهو مُوَصّل الشَّاكِر إِلى مشكوره، بل يعيد الشَّاكر مشكورًا. وهو غاية رضا الربِّ عن عبده، وأَهله هم القليل من عباده، قال تعالى: {واشكروا للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ، وقال: {واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} . وقال عن خليله إِبراهيم: {شَاكِراً لأَنْعُمِهِ} ، وعن نبيّه نوح: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} . وقال: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وقال: {أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكتاب والحكمة وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ فاذكروني أَذْكُرْكُمْ واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} ، وقال: {وَسَيَجْزِي الله الشاكرين} وقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ، وقال: {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} . وسمّى نفسه شاكرًا، وشَكُورًا. وحسبك بهذا محبّة للشاكرين وفَضْلاً.

وأَعاد به الشُكْر مشكورًا؛ كقوله: {إِنَّ هاذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} . ورَضِىَ الرّبّ عن عبده كقوله: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} . وقِلَّةُ أَهله فى العالمين على أَنَّهم من خواصّه. وفى الصّحيح عن النبىّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أَنَّه قام حتى تورّمت قَدَماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غَفَر الله لك ما تقدّم من ذنبك [وما تأَخَّر] ؟ قال: أَفلا أَكون عبدًا شكورًا"!. وقال لمُعَاذ "يا مُعَاذ إِنِّى أُحبُك، فلا تنس أَن تقول فى دُبُر كلّ صلاة: اللَّهمّ أَعنِّى على ذكركَ وشُكرك وحُسن عبادتك". وفى الترمذى من بعض دعائه المشهور: "ربّ اجعلنى لك شَكَّارًا، لك ذكَّارًا، لك رَهّابا لك مِطواعًا، لك مُخْبِتًا، إِليك أَوّاهًا مُنِيبًا". والشكر مبنىّ على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبّه له، واعترافه بنعمته، والثناء عليه بها، وأَلا يستعملها فيما يكره. هذه الخمسة هى أَساس الشكر، وبناؤه عليها. فمتى عُدم منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشكر. وكلّ من تكلم فى الشكر فكلامه إِليها يرجع، وعليها يدور.

فقيل حَدّه: أَنَّه الاعتراف بنعمة المنعِم على وجه الخضوع. وقيل: الثناءُ على المحسِن بذكر إِحسانه. وقيل: هو عكوف القلب على محبّة المنعِم، والجوارح على طاعته، وجَرَيانُ اللسان بذكره، والثناءِ عليه. وقيل: هو مشاهدة المِنَّة، وحفظ الحُرْمة. وما أَلطف ما قال حَمْدُون القصّار: شُكر النعمة: أَن نرى نفسك طُفَيْلِيًّا. وقال أَبو عثمان: الشكر: معرفة العجز عن الشكر. وقيل: الشكر إِضافة النِّعَمِ إِلى مُوليها. وقال الجُنَيد: الشكر: أَلاَّ ترى نفسك أَهلاً للنعمة. وهذا معنى قول حمدون: أَن ترى نفسك فيها طُفَيْليًّا. وقال رُوَيم: الشكر: استفراغ الطَّاقة، يعنى فى الخدمة. وقال الشِّبلىّ: الشكر: رؤية المنعِم لا رؤية النعمة. ويحتمل كلامه أَمرين: أَحدهما أَن يَفْنَى برؤية المنعِم عن رؤية النعمة، الثَّانى أَلاَّ تحجبه رؤية النعمة ومشاهدتُها عن رؤية المنعِم بها، وهذا أَكمل، والأَوّل أَقوى عندهم. والكمال أَن يشهد النعمة والمنعِم، لأَنّ شكره بحسب شهوده للنعمة، وكلّما كان أَتمّ كان الشّكر أَكمل، والله يحُبّ من عبده أَن يشهد نعمه، ويعترف بها، ويُثنى عليه بها، ويحبّه عليها، لا أَن يَفْنَى عنها، ويغِيب عن شهودها. وقيل: الشكر قِيْد النِّعَم الموجودة، وصيد النِّعم المفقودة. وشكر العامّة على المَطْعَم والمَلْبَس وقوة الأَبدان، وشكر الخاصّة على التَّوحيد والإِيمان وقوّة القلوب. وقال داود عليه السّلام: يا ربّ كيف أَشكرك وشكرى نعمة علىّ مِن عندك تستوجب بها شكرًا؟. فقال: الآن شكرتنى يا داود.

وفى أَثر إِسرائيلىِّ، قال موسى: يا ربّ خلقتَ آدم بيدك، ونفخت فيه من رُوحك، وأَسجدت له ملائكتك، وعلَّمته أَسماءَ كلّ شىء، وفعلتَ وفعلت، فكيف أَطاق شكرك. فقال الله عزَّ وجلّ: علم أَنَّ ذلك منى، فكانت معرفته بذلك شكرًا لى. وقيل: التلذّذ بثنائه على ما لم يستوجب من عطائه. وقال الجُنَيد - وقد سأَله سَرِىّ عن الشكر، وهو صبىّ بَعْدُ -: الشكر أَلاّ يستعان بشىء من نِعَم الله على معاصيه. قال من أَين لك هذا؟ قال: من مجالستك. وقيل: من قَصُرت يداه عن المكافأَة فليَطُل لسانُه بالشكر. والشكر مع المزيد أَبدًا؛ لقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} . فمتى لم تر حالك فى مزيد فاستقبل الشكر. وفى أَثر إِلَهىّ، يقول الله: أَهل ذكرى أَهل مجالستى، وأَهل شكرى أَهل زيادتى، وأَهل طاعتى أَهل كرامتى، وأَهل معصيتى لا أُقَنِّطهم من رحمتى، إِنْ تابوا فأَنا حبيبهم، وإِنْ لم يتوبوا فأَنا طبيبهم، أَبتليهم بالمصائب لأطهرهم عن المعايب. وقيل: من كتم النعمة فقد كفرها؛ ومن أَظهرها ونَشرها فقد شكرها. قال:

ومن الرزيّة أَنَّ شكرى صامت ... عمّا فعلت وأَنّ برّك ناطقُ أَأَرَى الصنيعة منك ثم أُسِرّها ... إِنِّى إِذًا لِنَدَى الكريمِ لسارقُ وتكلم النَّاسُ فى الفرق بين الحمد والشكر [و] أَيُّهما أَفضل. وفى الحديث: "الحمد رأس الشكر، فمن لم يَحْمَدِ الله لم يشكره". والفرق بينهما أَنَّ الشكر أَعمّ من جهة أَنواعه وأَسبابه، وأَخصّ من جهة متعلَّقاته فيه. والحمد أَعمّ من جهة المتعلّقات، وأَخصّ من جهة الأَسباب. ومعنى هذا أَنَّ الشكر يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا؛ ومتعلَّقهُ النِعَم دون الأَوصاف الذاتيّة، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود بها، كما هو محمود على إِحسانه وعدله. والشكر يكون على الإِحسان والنِّعَم. فكلّ ما يتعلّق به الشكر يتعلّق به الحمد من غير عكس. وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس، فإِنَّ الشكر يقع بالجوارح، والحمد باللسان.

بصيرة فى شكل

بصيرة فى شكل هذا شَكْله، أَى مِثاله. وقلَّت أَشكالُه. وهذه الأَشياء أَشكالٌ وشُكُول. وهذا من شَكْل ذاك: من جنسه، قال تعالى: {وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} ، أَى مِثْل له فى الهيئة وتعاطى الفعل. وهذا أَشْكَلُ بكذا، أَى أَشبه، وهو لا يشاكله ولا يتشاكلان. وأَشْكَلَ المريضُ وشَكَل، كما تقول: تماثل. وأَشكل النخلُ: طاب بُسْرُه وحَلاَ. وقيل: المشاكلة فى الهيئة والصّورة، والندِّ فى الجنسيّة، والشَبَه فى الكيفيّة. والشِّكْل - بالكسر -: الدَّالّ. وهو فى الحقيقة: الأُنس الَّذى بين المتماثلين فى الطَّريق، ومن هذا قيل: النَّاسُ أَشكال وأُلافٌ. وأَصل المشاكلة من الشَّكْل أَى تقييدِ الدّابّة، يقال: شَكَلت الدّابّة. والشِّكال: ما تُقيَّد به، ومنه استعير شَكَلت الكتابَ، كقولك: قَيّدته. ودابّة بها شِكَال: إِذا كان تحجيلها بإِحدى يديها وإِحدى رجليها كهيئة الشِّكَال. وقوله تعالى: {كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} أَى على سجيَّته التى قَيَّدته. وذلك أَن سلطان السّجيّة على الإِنسان قاهر، وهذا كقوله صلَّى الله عليه وسلم: "كلٌّ مُيَسَّر لما خُلِق له". والإِشكال فى الأَمر استعارة كالاشتباه من الشَّبه. والأَشْكَلة: الحاجة الَّتى تُقَيِّد الإِنسان.

بصيرة فى شكو

بصيرة فى شكو والشَّكْو والشَّكَاة والشِّكاية والشَّكْوَة والشكوَى: إِظهار البَثِّ. وأَصل الشكو: فتح الشَكْوة، وإِظهار ما فيها، وهى سِقَاء صغير يجعل فه الماءُ، وكأَنه فى الأَصل استعارة؛ كقولهم: بَثَثْت له ما فى وعائى، ونفضت له ما فى جِرابى. وشكوت إِليه واشتكيت. وما شَكِيَّتك؟ : ممّ تشكو، فتقول: شَكِيَّتى مرض أَو غمّ. وهى كالرّمِيّة، اسم للمشكوّ كما أَنَّها اسم للمرمىّ. ويقال: أَشكانى فَشَكَوْتُه، وشكوته فأَشكانى. الأَوّل حَمْلٌ على الشكاية وإِلجاء إِليها، والثَّانى إِزالة لها. قال جرير: أَشكو إِليك فأَشْكِنى ذُرّيَةً ... لا يَشْبعون وأُمُّهم لا تَشْبَعُ وقال آخر: تَمُدّ بالأَعناق أَو تَثْنِيها ... وتشتكى لو أَنّنا نُشْكِيها ونحو أَطْلَبْتُهُ بمعنى الإِحواج إِلى الطَّلب، [والإِسعاف بالطَّلْبة]

وشَكَوْتُ إِليه فلانًا فأَشكانى منه، أَى أَخذ لى ما أَرضانى به، وفى الحديث: "شكونا إِلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم حَرّ الرمضاءِ فلم يُشْكِنا". وشكَّيت شاكِىَ فلانٍ: طيّبت نفسَه. والمِشكاة: طريق فى الحائط غير نافذ، قال تعالى: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} ، وذلك مَثَل للقلب، والمصباحُ مَثَلُ نور الله فيه.

بصيرة فى شمت وشمخ وشمز وشمس

بصيرة فى شمت وشمخ وشمز وشمس الشَّماتة: الفرح ببليّة العدوّ. شَمِت يشمَت _ كفرح يفرح _ شَماتة. وبات فلان بليلة الشَّوامت، أَى بليلةٍ تُشمِت الشوامِتَ، [وبات طَوْعَ الشوامِت: كما أَحَبَّ مَن يَشْمَتُ به] . قال النابغة يصف ثورًا وحشِيًّا: فارتاع من صوت كَلاَّبٍ فبات له ... طَوْعَ الشوامتِ من خوفٍ ومن صَرَدِ والإِشمات: إِفراح العَدُوِّ بنكبة مَن يعاديه. والتشميت: الدّعاء للعاطس، كأَنَّه إِزالة الشماتة. والشُّموخ: التكبّر. وقد شَمَخ بأَنفه. وجبالٌ شوامِخُ وشُمَّخٌ. قال: ترَى شُمَّخَ الأَطواد من شُمّ خِنْدِفٍ ... ذُراهنّ فى ضَحضاح بحرك تَغْرَقُ قال تعالى: {رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ} ، أَى عاليات. والاشمئزاز: النُّفرة، قال: {اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} أَى، نَفَرت.

والشَّمس تُطلَق على القُرْصة، وعلى الضوءِ المنتشر منها. والجمع: شُموس. ويومٌ شامِس ومُشْمِس. وقد أَشْمَسَت الأَيّامُ، وأَقمرت اللَّيالى. ودابّة شَمُوس، وخَيْلٌ شُمُس: لا تكاد تستقرّ، وقد شَمَست شِمَاسًا. وكأَنَّه شَمَّاسٌ من شَمامِسَة النَّصارى، وهو مِن بعض رءُوسهم، يَحْلق وَسَط رأسه، ويلزم البيعة. وشَمَس لى فلان: أَبْدَى عداوته وكاد يُوقع، قال: شُمْسُ العداوة حتى يُستقادَ لهم ... وأَعظم الناس أَحلامًا إِذا قَدَِرُوا

بصيرة فى شمل

بصيرة فى شمل الشِّمَال: المقابل لليمين. والجمع: أَشْمُلٌ، مثل أَعْنُقٍ وأَذرع، وشمائلُ أَيضًا على غير قياس. قال الله تعالى: {عَنِ اليمين والشمآئل} وقال: {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} . ويقال للثوب الَّذى يُغَطِّى به الشِّمَال، وذلك كتسمية كثير من الثياب باسم العضو الذى يستره، نحو تسمية كُمّ القميص يدًا، وصدره وظهره صدرًا وظهرًا، ورِجل السّراويل رِجْلاً، ونحو ذلك. والاشتمال بالثَّوب: أَن يتلفَّ به فيطرحه على الشِّمَال. وفى الحديث: نهى عن اشتمال الصّمَّاءِ. والشَمْلة والمِشْمَل: كِسَاء يُشتمل به، مستعار منه. والشِّمَال: الخليقة والعادة، لكونها مشتملة على الإِنسان اشتمال الشِّمَال على الأَبدان. والشَّمُول: الخمر؛ لاشتمالها على العقل.

والشَّمَال: الرّيح الهابَّة من ناحية القُطْب، وقيل: من شمال الكعبة. وقيل: من مَطْلَعِ بنَاتِ نَعْشٍ إِلى مطلع الشمس. وفيها ثمان لغات: شَمْلٌ مُسَكَّنة، وشَمَلٌ محركة، وشَمَالٌ، وشَمْأل وشأْمَل، وربّما جاءَ بتشديد الَّلام، وشَوْمَلٌ، وشَمُول كصبور، وشَيْمَل كحَيْدر. وكُنِىَ بالمِشْمَل عن السّيف، كما كُنى عنه بالرّداءِ. وناقة شِمِلَّة وشِمْلال: سريعة كريح الشَّمال.

بصيرة فى شنا وشهب

بصيرة فى شنا وشهب الشَنَاءَة والشَّنْأَة بالمدّ والفتح: البُغض، وقد شَنَأْته وشنِئتُه شَنْئًا وشناءَة، ومَشْنأ، وشَنَآنا بالتَّحرك، وشنْآنا بالتّسكين. وقرأَ نافع فى رواية إِسماعيل، وابن عامر وعاصم فى رواية أَبى بكر؛ بالتسكين، والباقون بالتحريك وهما شاذّان. فالتَّحريك شاذٌّ فى المعنى؛ لأَنَّ فَعَلان إِنَّما هو من بناءِ ما كان معناه الحركة والاضطراب، كالضَّرَبان والخفقان. والتسكين شاذٌّ فى اللَّفظ، لأَنَّه لم يجىء شىء من المصادر عليه. قال أَبو عبيدة: الشَّنَان بغير همز مثل الشَنَآن، وأَنشد للأَحْوص: هل العيش إِلاَّ ما تَلَذُّ وتشتهِى ... وإِنْ لام فيه ذو الشَنَانِ وفَنَّدا وشُنِىءَ الرّجل فهو مَشْنُوء، أَى مُبغَض وإِن كان جميلاً. ورجل مَشْنَأ على مَفعل - بالفتح - أَى قبيح المنظر، ورجلان مَشْنأ، وقوم مَشْنَأ. والمِشْناء - على مِفعال - مثله. ورجلٌ شنَاءَة ككرامة، وشنائية ككراهية: مبغِض سيِّىءُ الخُلُق. وتشاءنوا: تباغضوا. الشَّنُوءَة على فَعُولة: التقَزُّز، وهو التَّباعد من الأَدناس، ومنه أَزْد شَنُوءة لحَىّ من اليمن.

والشِّهاب: شُعْلة نار ساطعة من النار الموقَدة، ومن العارض فى الجَوّ والجمع: شُهُبٌ، وشُهْبانٌ عن الأَخفش، مثال حساب وحُسْبان، وشِهبان بالكسر عن غيره. قال تعالى: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} . وإِنَّ فلانًا لَشِهابُ حربٍ: إِذا كان ماضيًا فيها شجاعًا، وجمعه: شُهبانٌ قال ذو الرمّة: وإِنْ شاءَ داعِيها أَتته بمالكٍ ... وشُهبانِ عمرو كلُّ شَوهاء صِلْدِم أَى داعى هذه الإِبل. يعنى بمالكٍ أَبا حنظلةَ بن زيد مناة، وشهبانِ عمرو، بنى عمرو بن تميم.

بصيرة فى شهد

بصيرة فى شهد الشُّهود والشَّهادة: الحضور مع المشاهدة، إِمّا بالبصر أَو البصيرة. وقد يقال للحضور مفردا؛ قال تعالى: {عَالِمُ الغيب والشهادة} . لكنّ الشهود بالحضور المجرّد أَولى، والشهادة مع المشاهدة [أَولى] . / ويقال للمَحْضَر مَشْهَد، وللمرأَة التى يَحضرها زَوجها مُشْهِد. وجَمْع مَشْهد: مشاهد، ومنه مشاهِد الحجّ، وهى مواطنه الشَّريفة التى تحضرها الملائكة والأَبرار من النَّاس. وقيل: مشاهد الحج: مواضع المناسك. وقوله: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} ، أَى ما حضرنا، {والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} ، أَى لا يحضرونه بنفوسهم ولا بهمّهم وإِرادتهم. والشهادة: قولٌ صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر أَو بصيرة. وقوله: {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} يعنى شهادة بمشاهدة البصيرة، ثمّ قال: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} تنبيهًا أَنَّ الشهادة تكون عن شُهود. وقوله: {لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} ، أَى تعلمون. وقولُه:

{مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات} ؛ أَى ما جعلتهم ممَّن اطَّلعوا ببصيرتهم. وقوله: {عَالِمُ الغيب والشهادة} ، أَى ما يغيب عن حواسّ الناس وبصائرهم، وما يشهدونه بهما. وشَهِدْتُ يقال على ضربين: أَحدهما جارٍ مَجرى العِلْم، وبلفظه تقام الشهادة، يقال: أَشهد بكذا. ولا يُرضى من الشَّاهد أَن يقول أَعلم، بل يحتاج أَن يقول: أَشهد. والثانى يجرى مجرى القَسَم، فيقول: أَشهدُ بالله إِنَّ زيدًا منطلق. ومنهم من يقول: إِن قال أَشهدُ ولم يقل بالله يكون قسمًا. ويجرى علمتُ مجراه فى القَسَم فيجاب بجواب القسم كقوله: ولقد علمت لتأتينّ مَنِيَّتى ويقال: شاهد، وشهيد، وشهداءُ. ويقال: شهِدت كذا، أَى حضرته، وشهدت على كذا، قال تعالى: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ} .

ويعبّر بالشهادة عن الحُكْم؛ نحو: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ} ، وعن الإِقرار، نحو: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بالله} ، أَى كان ذلكِ شهادة لنفسه. [وقوله: {شَهِدَ الله} فشهادة الله تعالى بوحدانيته هى إِيجاد ما يدلّ على وحدانيته فى العالَم وفى نفوسنا، كما قال الشاعر: ففى كل شىءٍ له آيةٌ ... تدلّ على أَنّه واحد قال بعض الحكماءِ: [إِن الله تعالى لمّا شهد لنفسه] كان شهادتُه أَن أَنطق كلّ شىءِ بالشهادة له، وشهادةُ الملائكة بذلك هو إِظهارهم أَفعالاً يؤمرون بها، وهى المدلول عليها بقوله: {فالمدبرات أَمْراً} . وشهادة أولى العلم اطّلاعهم على تلك الحال وإِقرارهم بذلك. والشهادة تختصّ بأُولى العلم، فأَمّا الجهّال فمبعَدون عنها. وعلى هذا نبّه بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} ، وهؤلاءِ هم المعنيّون بقوله: {والصديقين والشهدآء والصالحين} .

وأَمّا الشهيد فقد يقال للشَّاهد، والمشاهِد للشىء. وقوله تعالى: {مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ} ، أَى مَنْ يشهد له وعليه. وقوله: {أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ} ، أَى يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم، على ضدّ من قيل فيهم: {أولائك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} . وقولُه: {إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً} ، أَى يشهد صاحبَه الشفاءُ والرّحمة والتَّوفيق والسّكينة، والأَرواح المذكورة فى قوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ} . وقوله: {وادعوا شُهَدَآءَكُم} قد فُسْر بكلّ ما يقتضيه معنى الشهادة. قال ابن عبّاس: معناه: أَعوانكم. وقال مجاهد: الذين يشهدون لكم. وقال بعضهم: الذين يُعتدّ بحضورهم. ولم يكونوا كمن قيل فيهم: مَخلَّفون ويَقضِى الناس أَمْرَهُمُ ... وهم بغَيْبٍ وفى عَمياءَ ما شَعَرُوا وقد حُمل على هذه الوجوه قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} ، وقوله: {وكفى بالله شَهِيداً} ، إِشارة إِلى نحو قوله: {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ} ، وقوله: {يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} .

والشهيد الذى هو المحْتَضر فتسميته بذلك لحُضور الملائكة إِيّاه. إِشارة إِلى ما قال: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ} أَو لأَنَّهم يشهدون فى تلك الحالة ما أُعِدّ لهم من النعيم، أَو لأَنَّهم تشهد أَرواحُهم عند الله، كما قال: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ، وقال: {والشهدآء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} . وقولُه: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} ، قيل: يوم الجمعة، وقيل: يوم عَرَفة، وقيل: يوم القيامة. وشاهد: كلّ من يشهده. وقولُه: {وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} . أَى مشاهَدٌ تنبيهًا أَن لابدّ من وقوعه. والتشهّد: هو أَن يقول: أَشهد أَن لا إِله إِلاَّ الله وأَشهد أَنَّ محمَّدًا رسول الله. وصار فى التعارف اسمًا للتحيّات المقروءَة فى الصّلاة للذِّكر الذى يُقْرَأُ ذلك فيه. وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ} ، جعل الله سبحانه كلامه ذكرى يَنْتفع به مَن جَمَع هذه الأُمور الثَّلاثة: أَحدها أَن يكون له قلبٌ حَىّ واع. فإِذا فُقِد هذا القلبُ لم ينتفع

بكلامه. الثَّانى: أَن يُصغى بسمعه فيُميلَه كلَّه نحو المخاطِب له، فإِن لم يفعل لم ينتفع بكلامه. الثَّالث: أَن يُحضِر قلبَه وذهنه عند المكَّلم له، وهو الشهيد أَى الحاضر غير الغائب. فإِن غاب قلبُه. وسافر فى موضع آخر لم ينتفع بالخطاب. وهذا كما أَنَّ المبْصر لا يدرك حقيقة إِلاَّ إِذا كانت له قوّة باصرة وحَدَّق بها نحو المرئىّ، ولم يكن قلبه مشغولاً بغير ذلك، فإِن فَقَد القوّة المبصِرة، أَو لم يُحدّق نحو المرئىّ، أَو حَدَّق نحوه وقلبُه كلّه فى موضع آخر، فإِنَّه لا يدركه؛ كما أَنَّ كثيرًا ما مَرّ بك إِنسان أَو غيره، وقلبك مشغول بغيره، ولا تشعر بمروره. فهذا الشَّأن يستدعى صحّة القلب، وحضوره، وكمال الإِصغاءِ. والمشاهَدةُ من منازل السّالكين وأَهل الاستقامة، منزلة عالية فوق منزلة المكاشَفة. على أَنَّه ليس للعبد فى الحقيقة مشاهدة، ولا مكاشفة، لا لِلذَّات ولا للصّفات، أَعنى مشاهدة عِيَان وكشف، وإِنَّما هو مزيد إِيمان. فيجب التَّنبيه والتنبّه ههنا على أَمر، وهو أَنَّ المشاهَد نتائج العقائد، فمن كان معتقَدُهُ ثابتًا فى أَمر من الأُمور فإِنَّه إِذا صَفَت نفسُه، وارتاضت، وفارقت الشهوات والرّذائل، وصارت رُوحانيّة، تجلَّى لها صورة معتقَدها كما اعتقدته. وربّما قوى ذلك التَّجلَّى، حتى يصير لها كالعِيَان وليس به، فيقع الغلط من وجهين: أَحدهما أَنَّ ذلك ثابت فى الخارج وإِنَّما هو فى الذهب، لكن من وجهين: أَحدهما أَنَّ ذلك ثابت فى الخارج وإِنَّما هو فى الذهن، لكن لمّا صفا وارتاض، وانجلَت عنه ظلمات الطبع، وغاب بمشهوده عن

شهوده، واستولت عليه أَحكام القلب بأَحكام الرّوح، ظنّ أَنَّ ما ظهر له فى الخارج. ولا تأخذه فى ذلك لومة لائم، ولو جاءَته كلّ آية فى السماوات والأَرض، وذلك عنده بمنزلة مَن عاين الهلاك ببصره جهرة، فلو قال له أَهل السّماوات والأَرض: لم تَرَه، لم يلتفت إِليهم. والَّذى يتعيّن وينبغى أَلاَّ يُكذَّب فيما أَخبرَ به عن رؤيته، ولكن إِنَّما رأَى صورة معتقده فى ذاته ونفسه لا الحقيقة فى الخارج. هذا أَحد الغلطين، وسببه قوّة ارتباط حاسَّة البصر بالقلب، / فالعين مِرآة القلب شديدة الإِبصار به. وينضمّ إِلى ذلك قوّة الاعتقاد وضعف التمييز، وعليه حكم الحال على العلم. والغلط الثَّانى أنَّ الأَمر كما اعتقده، وأَنَّ ما فى الخارج مطابق لاعتقاده، فتولّد من هذين الغلطين مثل هذا الكشف والشهود. وهى عندهم على ثلاث درجات: مُشاهَدة، ومشاهدة مُعاينةٍ تلبَس نُعوت القدس، وتُخرس أَلْسِنَةَ الإِشارات، ومشاهدة جَمْعٍ تجذب إِلى عين الجمع. وبَسْط هذا الكلام يأتى فى موضعه إِن شاءَ الله تعالى.

بصيرة فى شهر وشهق وشهو

بصيرة فى شهر وشهق وشهو الشهر: مدّة مشهورة بإِهلال الهلال، أَو باعتبار جزءٍ من اثنى عشر جزءًا من دوران الشَّمس. وجمع القِلَّة أَشْهُرٌ، والكثير، شُهور. والشهر أَيضًا: الهلال، سمّى بذلك لشهرته وظهوره. وقال ابن فارس: الشهر فى كلام العرب: الهلال، ثمّ سمّى كلّ ثلاثين يومًا باسم الهلال، فقيل: شهر. قال: وهذا شىء قد اتَّفق فيه العرب والعجم؛ فإِن العجم أَيضًا يسمّون ثلاثين يومًا باسم الهلاَل فى لغتهم. وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "صوموا الشَّهر وسِرَّه"، أَى صوموا مستهلّ الشَّهر. وسِرّه أَى آخره. وقيل: سرّه أَى وسطه يعنى أَيّام البيض. والمشاهرة: المعاملة، بالشَّهر. وأَشهر بالمكان: أَقام به شهرا. والشهر: العالِم، والجمع: شهور. أَنشد بعض الفضلاءِ: شهر الصّيام كساحة الحمَّام ... فيه ظهور صوامع الأَيّام فاظْهر به واحذر عِثارك إِنّما ... شرّ المَصارع مصرع الحَمَّام

ورجل مشهور وشهِير: نبِيه. (والشهرة: الفضيحة. والشهرة: وضوح الأَمر) . والشهيق: طُول الزَّفير، وهو ردّ النَّفَس. والزفير: مدّهُ. وأَصله من جبل شاهق، أَى متناهى الطَّول. والشَّهوة: نزوع النَّفْس إِلى ما تريده. وذلك فى الدّنيا صربان. صادقة، وكاذبة. فالصّادقة: ما يختلّ البدنُ من دونه؛ كشهوة الطعام عند الجوع والكاذبة: ما لا يختلّ من دونه. وقد يُسمّى المشتهَى شَهوة. وقد يقال للقوّة التى بها يُشتَهى الشىءُ شهوة. وقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} يحتمل الشهوتين. وقوله: {واتبعوا الشهوات} هذا من الشهوات الكاذبة، ومن المشتهيات المستغنَى عنها. [وقيل] : طعام شَهىّ، ورجلٌ شَهْوانُ وشَهْوانىّ.

بصيرة فى شوب وشيب وشيخ وشيد وشور

بصيرة فى شوب وشيب وشيخ وشيد وشور الشَوْب: العسل. والشَوْب: القطعة من العجين. ويقال: هو الفَرَزْدَقة، وهى الخُبزة الغليظة. والشوب: الخَلْط، وقد شُبت الشىءَ أَشْوبه، فهو مَشُوب. وقول السُّلَيك بن السُّلَكة: سيكفيك صَرْبَ القومِ لحمٌ معرَّضٌ ... وماءُ قُدور فى القِصاع مَشيبُ إِنَّما بناه على شِيب الَّذى لم يسمّ فاعله، أَى مخلوط بالتوابل والصِّباغ. وما عنده شَوْبٌ ولا رَوْب، أَى لا عسل ولا لبن. والشَّيب والمَشِيب واحد. وقال الأَصمعىّ: الشَّيب: بياض الشعر، والمَشِيب: دخول الرّجل فى حدّ الشيب من الرّجال. قال ابن السّكِّيت فى قول الشاعر: والرّأسُ قد شابَهُ المشيب يعنى بيَّضه المشيب، وليس معناه خالطه. وأَنشد العَرْجىّ:

قد رابَهُ ولَمِثلُ ذلك رابَهُ ... وَقَعَ المَشِيبُ على السواد فشابَهُ أَى بيَّض مسودّهُ. وقوله تعالى: {واشتعل الرأس شَيْباً} نَصْب على التمييز. وقال الأَخفش: على المصدر؛ لأَنَّه حين قال: اشتعل كأَنه قال: شاب، فقال: شيبًا. والأَشْيَبُ: المبيضّ الرّأس. وقد شاب رأسُه شَيْبًا، وشَيْبَةً، فهو أشْيَبُ على غير قياس؛ لأَنّ هذا النَّعت إِنَّما يكون من باب فَعِل يَفْعَل. والشَّيْخ يقال لمن قد طعن فى السّنّ. وقد يعبّر به فيما بيننا عمَّن تَكَثَّرَ علمُه؛ لِمَا كان من شأن الشيخ أَن تكثر تجاربه ومعارفه. يقال: شيخ بيّن الشَّيخوخة. والشَيْخُونُ: الشيخ. وقوله تعالى: {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} أَى مبنىّ بالشِّيد. وقيل: مُعَلّى مطوّل. وشيّد قواعدَه: أَحكمها. والشوار - مثلثة الشين -: متاع البيت، ومتاع رَحْل البعير. وبالفتح والكسر: فرج الرّجل والمرأَة. يقال: أَبَدى الله شَوَاره وشِوَاره، أَى عورته. والشَّوْر، والشَّوَار، والشَّارة، والشُّور بالضمّ، والشِّيار بالكسر: الهيئة واللباس، يقال: ما أَحسن شَوَاره وشارته، وشُورته وشِيَارهُ.

ابن الأَعرابىّ: الشُّورة: الجَمال، وإِنه لحسن الصّورة والشُّورة. والمَشُورة، والمَشْوَرة، والشُّورَى، بمعنى واحد. وأَشار عليه بالرّأى. والمُشِيرةُ: الإِصبع السبّابة. وشُرْتُ العسل واشْتَرْتُهُ: جَنَيْته، قال خالد بن زُهير الهُذَلىّ: وقاسَمها بالله جَهدًا لأَنتمُ ... أَلذُّ من السَّلْوَى إِذا ما نَشُورُها

بصيرة فى شوظ شوك وشوى وشيع

بصيرة فى شوظ شوك وشوى وشيع الشُوَاظ: اللَّهب الذى لا دخان معه. والشُّوك: ما يَدِقّ رأسُه من النبات. ويعبّر بالشَّوك، والشَّوكة، والشِّكَّة، عن السّلاح، وعن الشدّة. قال تعالى: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ} وشوَّك ثَدْيُها: نهَد. والبعيرُ: طال أَنيابُه. وشَوَيْتُ اللَّحم واشتويته. والشَوَى: الأَطراف؛ كاليدين والرّجلين. ورماه فأَشواه: أَصاب شَوَاه. والشَّاهة أَصلها شاهة، بدليل قولهم: شِياهٌ، وشُوَيهة. والشَيْع: الانتشار والتقوية، يقال: شاع الحديثُ، أَى كثر وقَوِى وشاع القومُ: انتشروا وكثروا. وشيَّعت النارَ بالحَطب. والشِّيعة: من يتقوّى بهم الإِنسان وينتشرون عنه.

بصيرة فى الشيء

بصيرة فى الشيء قيل: هو ما صحّ أَن يُعلم ويُخبر عنه. وعند كثير من المتكلِّمين: اسم مشترك المعنى؛ إِذ استعمل فى الله وفى غيره، ويقع على الموجود والمعدوم. وعند بعضهم عبارة عن الموجود. وأَصله مصدر شاءَ، فإِذا وُصِف الله تعالى به فمعناه شاءٍ وإِذا وُصِف به غيره فمعناه المَشِىءُ. على الثَّانى قوله تعالى: {الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فهذا على العموم بلا مَثْنَويّة؛ إِذْ كان الشىء ههنا مصدرًا فى معنى المفعول. وقوله: {أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً} هو بمعنى الفاعل. والمشيئة عند أَكثر المتكلَّمين كالإِرادة سواء، وعند بعضهم أَنَّ المشيئة فى الأَصل إِيجاز الشىء وإِصابته، وإِن كان قد يستعمل فى التعارف موضع الإِرادة. فالمشيئة من الله تعالى الإِيجاد، ومن الناس الإِصابة. والمشيئة من الله تقتضى وجود الشىء، ولذلك قيل: ما شاءَ الله كان وما لم يشأ لم يكن، والإِرادة لا تقتضى وجود المراد لا محالة؛ أَلا ترى أَنَّه قال: {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر} ، وقال: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ} ، ومعلوم أَنَّه قد يحصل العسر والتظالم فيما بين النَّاس.

قالوا: و [من] الفرق بينهما أَنَّ إِرادة الإِنسان قد تحصل من غير أَن تَتقدّم إِرادة الله؛ فإِنَّ الإِنسان قد يريد أَلاَّ يموت ويأبى الله ذلك، ومشيئته لا تكون إِلاَّ بعد مشيئته، كقوله: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} . وروُى أَنه لمَّا نزل قوله تعالى: {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} قال الكفّار: الاَمر إِلينا، إِن شئنا استقمنا، وإِن شئنا لم نستقم، فأَنزل الله تعالى: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} . وقال بعضهم: لولا أَنَّ الأُمور كلّها موقوفة على مشيئة الله، وأَن أَفعالنا متعلِّقة بها، وموقوفة عليها، لما أَجمع النَّاس على تعليق الاستثناءِ به فى جميع أَفعالنا؛ نحو: {ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين} ونحوه من الآيات. والشىء تصغيره شُيَىْءٌ وشِيَىْء بكسر الشين. لا تقل: شُوَىْء. والجمع: أَشياء غير مصروفة. قال الخليل: إِنَّما تُرك صرفها لأَنَّ أَصلها فَعْلاء [جمعت] على غير واحدها؛ كما أَنَّ الشُّعَرَاءَ جمعت على غير واحدها؛ لأَنَّ الفاعل لا يجمع على فُعَلاء، ثمّ استثقلوا الهمزتين فى آخرها، فنقلوا الأُولى إِلى أَوّل الكلمة، فقالوا: أَشياء، كما قالوا: عُقاب بَعَنقاة، وأَيْنُق، وقِسِىّ، فصار تقديرها: لَفْعاءَ. يدل على صحّة ذلك أنها لا تُصرف، وأَنَّها تصغّر على أُشَيّاء، وأَنَّها تجمع على أَشَاوَى وأَصلها أَشاييىءُ،

فقلبوا الهمزة ياء، فاجتمعت ثلاث ياءَات، فحذفت الوسطى، وقلبت الأَخيرة أَلفا، فأُبدلت من الأُولى كما قالوا: أَتيته أَتوْةً. وحكى الأَصمعىّ أَنَّه سَمع رجلا من فصحاءِ العرب يقول لخَلَف الأَحمر: إِنَّ عندك لأَشاوَى، مثال الصّحارَى. ويجمع أَيضًا على أَشايا وأَشْياوات. قال الأَخفش: هى أَفعِلاءُ، فلهذا لم تصرف؛ لأَنَّ أَصلها أَشْيِئاء، حذف الهمزة الَّتى بين الياءِ والأَلف للتخفيف. قال له المازنىّ: كيف تصغّر العرب أَشْياءَ؟ فقال: أُشَيّاء. فقال له: تركت قولك؛ لأَنَّ كلّ جمع كُسِّر على غير واحده وهو من أَبنية الجمع فإِنَّه يُردّ فى التصغير إِلى واحده؛ كما قالوا: شويعرون فى تصغير الشُعَراءِ. وهذا القول لا يلزم الخليل؛ لأَنَّ فَعْلاءَ ليس من أَبنية الجمع. وقال الكِسَائىّ: أَشياء أَفعال؛ مثل فَرْخ وأَفراخ، وإِنَّما تركوا صرفها، لكثرة استعمالهم إِيّاها لأَنَّها شُبّهت بفعلاء. وهذا القول يدخُل عليه أَلاَّ يُصرف أَبناء وأَسماء. وقال الفرّاءُ: أَصل شىء شَيْىءٌ مثل شَيّع، فجمع على أَفعِلاءَ؛ مثل هيّن وأَهوناءَ، وليِّن وأَلْيِناء، ثمّ خُفف فقيل شَىْء، كما قالوا: هَيْن ولَيْن. وقالوا: أَشْيَاء، فحذفوا الهمزة الأُولى. وهذا القول يدخل عليه أَلاَّ يجمع على أَشَاوَى. والشِّيئة: الإِرادة. وكلّ شىء بشيئة الله، مثال شِيعة، أَى بمشيئته. وقد شئت الشىءَ أَشاؤه. وأَشاءَه: أَلجأه.

الباب الخامس عشر - فى بصائر الكلمات المفتتحة بحرف الصاد

الباب الخامس عشر - فى بصائر الكلمات المفتتحة بحرف الصاد

بصيرة فى الصاد

بصيرة فى الصاد وهى ترد فى لغة العرب وفى القرآن على أَوجه: الأَوّل: حرف هجاء، يظهر من طرف اللسان جِوازَ مخرج السّين، يذكَّر ويؤنّث. ويجمع على أَصواد وصادات. الثَّانى: اسم لعدد التِّسعين. الثالث: الصّاد الكافِية الَّتى يختصر عليها من الكلمة، كقوله: الَمص كهيعصَ، والصّاد من صمد، ومن صانع، وصادق. الرابع: الصّاد المكرّرة؛ مثل قصّ وقصص. الخامس: المدغمة فى مثل قصّ. السّادس: صاد الضرورة؛ فبعض النَّاس يجعلها ثاء لعجزه عن النطق بها. السّابع: صاد أَصل الكلمة؛ صدق، ونصر، وحرص. الثَّامن: المبدلة من السّين؛ مثل السَّوِيق والصّويق لغتان.

التَّاسع: صادَ، فعل ماض من الصّيد. العاشر: الصّاد اللغوى. قال الخليل: الصّاد عندهم: الدّيك، وقِدْر النّحاس. وأَنشد على الدّيك قول ابن قَيْس الرقيّات: وإِنِّى إِذا ما غبتِ عَنِّى متيَّمٌ ... كأَنِّىَ صادٌ فى النَّقا أَتمرّغُ وقال حَسّان فى القِدْر: رأَيت قُدورَ الصّادِ حول بيوتِنا ... قَنابلَ دُهْما فى المباءَة صُيَّما أَى قدور النحاس.

بصيرة فى صب وصبح

بصيرة فى صب وصبح صبَبْتُ الماءَ: سكبتُه. وماءٌ صَبٌّ وسَكْب. وقوله تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} ، أَى عَذَّبهم. ورجلٌ صَبّ، أَى عاشق مشتاق. وقد صَبِبْتَ يا رجل تَصَبّ. قال الكُمَيت: وأَنت تَصَبّ إِلى العاشقينَ ... إِذا ما خليلك لم يَصْبَبِ والصَّبابة: رِقَّة الشوق وحرارته. والصُّبُّ - بالضمّ -: كلّ ما صببته من طعام أَو غيره مجتمعًا. والصُبّة - بهاء -: مثل الصُّبَابة من الماءِ. وصُبّة من الليل: طائفة. والصَّبَب: ما انحدر من الأَرض، والجمع: أَصباب. والصُّبح والصَّباح: أَوّل النَّهار، وهو وقت ما احمرّ الأُفُقُ بحاجب الشمس. والتصبُّح: النوم بالغَدَاة، وكذا الصُّبْحة. والصَّبُوح: شُرْبُ الصّباح. يقال: صَبَحْته: سقيته صَبُوحًا. والصَّبْحان: المصطبِح. والمِصباح: ما يُسْقَى منه، من الإِبل: ما يَبْرُك فلا ينهض حتى يُصبح، وما يجعل فيه المصباح، قال تعالى: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} . ويقال للسّراج

مصباح. والمصباح: مَقَرّ السّراج أَيضًا. والمصابيح: أَعلام الكواكب؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ} . وصبّحتهم ماء كذا: أَتيتهم به صباحًا. والصَبَح - محرّكة -: شدّة حُمرة فى الشعر، تشبيهًا بالصُّبْح أَو المصباح.

بصيرة فى صبر

بصيرة فى صبر الصَّبر فى اللغة: الحَبْس والكفّ فى ضيق، ومنه قيل: فلانٌ صُبِرَ: إِذا أُمسك وحُبِس للقتل. قال تعالى: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي} ، أَى احبس نفسك معهم. فالصَّبر: حبس النَّفس عن الجزع والسّخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش. قال الإِمام أَحمد - رحمه الله -: ذَكر الله تعالى الصّبرَ فى القرآن فى نحوٍ من تسعين موضعًا، وهو واجب بإِجماع الأُمّة. وهو نصف الإِيمان؛ فإِنَّ الإِيمان نصفان: نصفٌ صبر، ونصف شُكر. وهو فى القرآن على ستَّة عشر نوعا: الأَوّل: الأَمر به نحو قوله تعالى: {يَآأَيُّهَا الذين آمَنُواْ استعينوا بالصبر والصلاة} ، وقوله تعالى: {اصبروا وَصَابِرُواْ} ، وقوله تعالى: {واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين} ، {واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله} .

الثاني: النَّهى عن ضدّه كقوله: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} ، وقولهِ: {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار} ، فإِن تَوْلية الأَدبار ترك الصّبر والمصابرة. الثالث: الثَّناء على أَهله كقوله: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} ، وقوله: {والصابرين فِي البأسآء والضراء وَحِينَ البأس أولائك الذين صَدَقُواْ وأولائك هُمُ المتقون} . وهو كثير النَّظائر فى التنزيل. الرّابع: إِيجاب معيّتة لهم المعيّةَ التى تتضَمّن حفظهم ونصرهم وتأْييدهم، ليست معيَّة عامّة، أَعنى مَعيَّة العِلْم والإِحاطة، كقوله: {واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين} . الخامس: إِيجاب محبّته لهم، كقوله: {والله يُحِبُّ الصابرين} وقوله: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} . السّادس: إِخباره بأَنَّ الصبر خير لهم، كقوله: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} ، وقوله: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} .

السّابع: إِيجابه الجزاء لهم بأَحسن ما كانوا يعملون. الثامن: إِيجابه الجزاء لهم بغير حساب، كقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} . التاسع: إِطلاق البُشرَى لأَهل الصّبر، كقوله: {وَبَشِّرِ الصابرين} .

والصّبر على ثلاثة أَنواع: صَبْرٌ على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله. فالأَولان: الصّبر على ما يتعلق بالكسب. والثالث: الصّبر على مالا كسب للعبد فيه. وقال بعض المشايخ: كان صبر يوسف عن طاعة امرأَة العزيز أَكمل من صبره على إِلقاءِ إِخْوته إِيّاه فى الجُبّ، وبيعهم [إِيّاه] ، وتفريقهم بينه وبين أَبيه، فإِنَّ هذه أُمور جرَت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصّبر. وأَمّا صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا،

ومحاربةٌ للنَّفس، ولا سيّما مع أَسبابٍ تقوّى معها داعية الموافقة؛ فإِنّه كان شابًّا، وداعية الشابّ إِليها قوَّته؛ وكان عَزَبًا ليس له ما يعوّضه ويَرُدّ شهوته؛ وغريبًا، والغريب لا يستحى فى بلدِ غُربته ممّا يستحى منه بين أَصحابه وأَهلِه؛ ويحسبونه مملوكًا، والمملوك ليس وازعهُ كوازع الحرّ؛ والمرأَة جميلة وذات مَنْصِب، وقد غاب الرّقيب، وهى الدّاعية له إِلى نفسها، والحريصة على ذلك أَشدّ الحرص، ومع ذلك توعّدته بالسجن إِن لم يفعل. فمع هذه الدّواعى كلّها صبر اختيارًا، وإِيثارًا لما عند الله. وأَين هذا من صبره فى الجُبّ على ما ليس من كسبه؟! والصّبر على أَداءِ الطَّاعات أَكمل من الصّبر على اجْتِنَاب المحرّمات؛ فإِنَّ مصلحة فعل الطَّاعة أَحَبُّ إِلى الشَّارع من مصلحة ترك المعصية، ومفسدة عدم الطاعة أَبغض وأَكره من مفسدة وجود المعصية. ثمّ الصّبر ينقسم بنوع آخر من القسمة على ثلاثة أَنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله. فالأَوّل: الاستعانة به، ورؤية أَنَّه هو المصبِّر، وأَنَّ صبر العبد بربّه لا بنفسه، كما قال تعالى: {واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله} ، يعنى إِنْ لم يُصَبِّرك هو لم تصبر.

والثَّانى: أَن يكون الباعث على الصّبر محبّة الله وإِرادة وجهه، والتقرّب إِليه، لا إِظهار قوّة النفْس، والاستحماد إِلى الخلق، وغير ذلك من الأَغراض. والثالث: دوران العبد الذى (مُنى مع) الأَحكام الدينيّة صابرًا نفسه معها، سائرًا بسَيرها، مقيمًا بإِقامتها، يتوجّه معها أَينما توجّهت ركائبها، وينزل حيث استقلَّت مضاربُها. فهذا معنى كونه صابرًا مع الله، قد جعل نفسه وَقْفا على أَوامره ومحابّه. وهو أَشدّ أَنواع الصّبر وأَصعبها. وهو صب الصدّيقين. قال ذو النُّون: الصبر: التباعد من المخالفات، والسّكون عند تجرّع غُصص البليّات، وإِظهار الغنى مع طول الفقر بساحات المعيشة. وقيل: الصبر: الوقوف مع البلاءِ بحسن الأَدب. وقيل: هو الفناءُ فى البلوَى، بلا ظهور شكوَى. وقيل: إِلزام النَّفْس الهجومَ على المكاره. وقيل: المُقام مع البلاءِ بحسن الصّحبة كالمقام مع العافية. وقال عمرو بن عثمان: هو الثبات مع الله، وتلقِّى بلائه بالرُّحْب والسّعة. وقال الخوّاص: هو الثبات على أَحكام الكتاب والسنة.

وقال يحيى بن مُعَاذ: صبر المحبّين أَشدّ من صبر الزاهدين. واعجبا كيف يصبرون! وأَنشد. والصّبر يُحْمَدُ فى المواطن كلِّها ... إِلاَّ عليك فإِنَّه مذمومُ وقيل: الصّبر هو الاستعانة بالله. وقيل: هو ترك الشكوَى. وقيل: الصّبر مثلُ اسمه مُرٌّ مَذاقته ... لكنْ عواقبه أَحلَى من العسلِ وقيل: الصّبر أَن ترضى بتلَف نفسك فى رضا مَن تحبّه، كما قيل: سأَصبر كى ترضَى وأَتْلَفُ حسرةً ... وحَسْبِىَ أَن ترضى ويقتلنى صبرى وقيل: مراتب الصّبر خمسة: صابر، ومصطبر، ومتصبّر، وصَبُور، وصبّار. فالصّابر أَعمّها. والمصطبر: المكتسِب للصبر، والمبتلَى به. والمتصبرّ: متكلِّف الصّبر حاملُ نفسِه عليه. والصّبور: العظيم الصّبر الَّذى صَبْره أَشدّ من صبر غيره. والصّبَار: الشديد الصّبر، فهذا فى القَدْر والكمّ، والَّذى قبله فى الوصف والكيف. وقال علىّ بن أَبى طالب: الصّبر مطيَّة لا تَكْبُو. وقف رجل على الشِّبْلِىّ فقال: أَىّ الصّبر أَشدّ على الصّابرين؟ فقال: الصّبر فى الله. فقال السّائل: لا. قال: مع الله. قال: لا. قال: فأَيش؟

قال: الصّبر عن الله. فصرخ الشِّبلىّ صَرخةً كادت نفسه تتلف. وقال الجَريرىّ: الصّبر أَلاَّ تفرق بين حال النعمة وحال المحنة، مع سكون الخاطر فيهما. والتصبّر: السّكون مع البلاءِ، مع وِجدان أَثقال المحْنَة. وقال أَبو على الدّقَّاق: فاز الصّابرون بعز الدّاريَين؛ لأَنهم نالوا مع الله معيَّته؛ فإِنَّ اللهَ مَعَ الصّابرين. وقيل فى قوله: {اصبروا وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} ، انتقال من الأَدنى إِلى الأَعلى. فالصبر دون المصابرة، والمصابرة دون المرابطة: مفاعلة من الرّبط وهو الشدّ. وسمّى المرابِط مرابطًا لأَنَّ المرابِطين يربِطون خيولهم ينتظرون الفَزَع. ثمّ قيل لكلّ منتظر، قد ربط نفسه لطاعة ينتظرها: مرابِط. وقيل فى تفسيره: اصبروا بنفوسكم، وصابروا بقلوبكم على البَلْوَى فى الله، ورابطوا بأَسراركم على الشوق إِلى الله. وقيل: اصبروا فى الله، وصابروا بالله، ورابطوا مع الله لعلكم تفلحون فى دار البقاءِ. فالصبر مع نفسك، والمصابرة بينك وبين عدوّك، والمرابطة: الثبات وإِعداد العدّة؛ كما أَن الرّباط ملازمة الثغر لئلاً يهجُمه العدوّ. فكذلك المرابَطة أَيضًا: لزوم ثَغْر القلب؛ لئلاَّ يهجُم عليه الشيطان فيملكَه. أَو يُخربه أَو يشعِّثه.

وقيل: تَجَرَّعِ الصّبرَ، فإِنّْ قَتَلَك قتلك شهيدًا، وإِن أَحياك أَحياك عزيزًا حميدًا. وقيل: الصّبر لله عَناء، وبالله بقاء، وفى الله بلاء، ومع الله وفاء، وعن الله جفاء. والصّبر على الطَّلب عنوان الظَّفر، وفى المِحَن عنوان الفَرَج. وفى كتاب الأَدب للبخارىّ: سئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الإِيمان فقال: "الصّبر والسّماحة". وهذا من أَجمع الكلام، وأَعظمه برهانًا، وأَوعاه لمقامات الإِيمان من أَوّلها إِلى آخرها؛ فإِن النَّفس يراد منها شيئان: بذل ما أُمِرَت به وإِعطاؤه، فالحامل عليه السّماحة؛ وتركُ ما نُهيَتْ عنه والبعد عنه، فالحامل عليه الصّبر. وقد أضمر الله سبحانه فى كتابه بالصّبر الجميل الذى لا شكوى معه، والصّفح الجميل الَّذى لا عِتاب معه، والهجرِ الجميل الذى لا أَذى معه. وقال ابن عُيَيْنَة فى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ} : أَخذوا برأْس الأَمر فجعلهم رُءُوسًا. واعلم أَنَّ الشكوى إِلى الله عزَّ وجلّ لا تُنافى الصّبر؛ فإِنَّ يعقوب - عليه السلام - وَعَد بالصّبر الجميل، والنبىّ إِذا وَعَدَ لا يُخلف، ثمّ قال: {إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله} ، وكذلك أَيّوب عليه السّلام أَخبر الله عنه أَنه وجده صابرًا مع قوله: {مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} ، وإِنَّمَا ينافى

الصبر شكوى الله لا الشكوى إِلى الله؛ كما رأَى بعضهم رجلاً يشكو إِلى آخر فاقةً وضرورة، فقال: يا هذا، تشكو من يَرْحَمُكَ إِلى مَنْ لا يرحمك! ثمّ أَنشده: وإِذا اعْتَرَتْكَ بليّةٌ فاصبِر لها ... صَبْرَ الكريمِ فإِنَّه بك أَرحمُ وإِذا شكوتَ إِلى ابن آدم إِنّما ... تشكو الرّحيم إِلى الَّذى لا يرحم وقال الشيخ عبد الله الأَنصارىّ: الصّبر حبس النفْس على المكروه، وعقل اللِّسان عن الشكوى. وهو على ثلاث درجات: الأُولى: الصّبر عن المعصية بمطالعة الوعيد. وأَحسن منها الصّبر عن المعصية حياءً. الثانية: الصّبر على الطاعة بالمحافظة عليها دوامًا، وبرعايتها إِخلاَصًا، وبتحسينها عِلمًا. الثالثة: الصّبر فى البلاءِ بملاحظة حسن الجزاءِ، وانتظار رَوْح الفَرَج، وتهوِين البليّة بِعَدّ أَيادى المِنَن، وتذكُّر سوالف النِّعم.

وأَضعف الصّبر، الصَّبْرُ لله وهو صبر العامة. وفوقه الصبر بالله وهو صبر المريدين. وفوقه الصبر على الله وهو صبر السّالكين. ومعنى كلامه أَنّ صبر العامّة لله، أَى رجاءَ ثوابه وخوف عقابه، وصبر المريدين بالله، أَى بقوّة الله ومعونته، فهم لا يرون لأَنفسهم صبرًا ولا قوّة عليه، بل حالهم التَّحقُّق بلا حول ولا قوّة إِلاَّ بالله عِلمًا ومعرفة وحالاً. وفوقها الصّبر على الله، أَى على أَحكامه. هذا تقرير كلامه رحمه الله. والصّواب أَنَّ الصّبر لله فوق الصّبر بالله، وأَعلى درجة، وأَجلّ شأْنًا؛ فإِنَّ الصّبر لله متعلق بالإِلَهية، والصّبر به متعلق بربوبيّته، وما تعلق بالإِلَهية أَكمل وأَعلى مما تعلق بربوبيّته، ولأَنَّ الصّبر له عبادة، والصّبر به استعانة، والاستعانة وسيلة، والعبادة غاية، والغاية مرادة لنفسها، والوسيلة مرادة لغيرها؛ ولأَنَّ الصّبر به مشترك، بين المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر، فكلّ من شهد الحقيقة الكونيّة صَبَر به، وأَمّا الصّبر له فمنزلة الرُّسُل والأَنبياءِ والصّدِّيقين؛ ولأَن الصّبر له صبر فيما هو حقّ له، محبوب له، مرضىّ له، والصّبر [به] قد يكون فى ذلك، وقد يكون فيما هو مسخوط له، وقد يكون فى مكروه أَو مباح. فأَين هذا من هذا؟! وأَمّا تسمية الصّبر على أحكامه صبرًا عليه فلا مشاحّة فى العبارة بعد معرفة المعنى. والله أَعلم. وقد يعبّر عن الانتظار بالصبر لمّا كان حق الانتظار أَلاَّ ينفكّ عن

الصّبر، بل هو نوع من الصّبر؛ قال تعالى: {فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} أَى انتظر حكمه لك على الكافرين. وقيل: الصّبر لفظ عامّ، وربّما خُولِفَ بين أَسمائه بسبب اختلاف مواقعه. فإِن كان حَبْسُ النَّفس لمصيبة سُمِّىَ صبرًا لا غَيْر، ويضادّه الجزع. وإِن كان فى محاربة سمّى شجاعة، ويضادّه الجُبْن. وإِن كان فى نائبة مُضجرة سمّى رُحْب الصّدر، ويضادّه الضَّجْر. وإِن كان فى إِمساك الكلام سُمِّىَ كتمانًا، ويضادّه المَذْل. وقد سمّى الله تعالى كلّ ذلك صبرًا لقوله: {والصابرين فِي البأسآء والضراء وَحِينَ البأس} ، {والصابرين على مَآ أَصَابَهُمْ} .

بصيرة فى صبع وصبى

بصيرة فى صبع وصبى الصِّبغْ، والصِّبَغ - مثال شِبْع وشِبَع، والصِّبْغة: ما يُصبغ به. قال عُذافِر الكِنْدِىّ: واصبغُ ثيابى صِبَغًا تحقيقا ... من جيّد العُصْفُر لا تشريقا والصِّبْغ أَيضا: ما يُصطبَغ به، أَى يُؤْتَدَمُ، ومنه قوله تعالى: {وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ} . والجمعُ: صِبَاغ؛ قال: تَزَجَّ من دنياك بالبلاغِ ... وباكِرِ المِعْدة بالدّباغِ بِكِسَر ليّنة المِضاغِ ... بالمِلْحِ أَو ما خَفَّ من صِبَاغِ ويقال: الصِّبْغ والصِّبَاغ واحد، كدِبْغ ودِبَاغ. ولِبْس ولِبَاس. وصبغت الثوب أصبُغه وأَصبَغهُ وأَصبِغُه - الكسر عن الفرّاءِ - صَبْغًا، وصِبَغًا كعنب عن الأَصمعى. وقوله: {صِبْغَةَ الله} ، أَى فطرة الله، أَى قل يا محمّد:

بل نتَّبع صِبْغة الله، ردًّا على قوله: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} ونتَّبع صبغة الله. وقيل: اتَّبِعوا صبغة الله. وإِنَّما سمّيت المِلّة صِبْغة لأَنَّ النَّصارى امتنعوا من تطهير أَولادهم [إِلا بصَبغهم] بالماءِ الأَصفر، من قولهم: صَبَغَتِ النَّاقةُ مَشافرَها فى الماءِ: إِذا غمستها فيه صَبغًا. وقال أَبو عمرو: الصِّبْغة: الدِّين. وقيل: صبغة الله هى الَّتى أَمر الله بها محمّدا صلَّى الله عليه وسلَّم، وهى الختانة، اختتن إِبراهيم عليه السلام، فهى الصِّبغة، فجرت الصّبعة على الختِانة. والصَّبِىُّ: من لم يُفْطم بعد. وقيل: من لم يبلغ الحُلُم. والجمع: أَصْبية وأَصْبٍ، وصِبْوة، وصِبْية، وصِبوانُ، وصِبيانٌ، ويضمّ الثلاثة الأَخيرة. وصَبِىَ كرضى: فعل فعله. وصَبا إِليه صَبْوة وصُبُوًّا وصِبًا: حَنَّ. أَصْبته المرأَةُ وتَصَبَّته: شاقته ودعته إِلى الصِّبَا فحنّ إِليها. وتصبَّاها وتصاباها: خَدَعَها وفتنها. والصَّبَا: ريح مَهَبُّها من مطلع الثريَّا إِلى بَنات نَعْش. وتُثَنَّى صبَوَان أَو صَبَيان. والجمع: صَبَوَات وأَصباء. وصَبَت صَبَاءً وصُبُوًّا: هبّت. وصُبِىَ القوم - كعُنى -: أَصابتهم الصَّبا. وأَصْبَوا: دخلوا فيها.

بصيرة فى صحب

بصيرة فى صحب صَحِبَهُ يَصْحَبه، صُحْبة - بالضمّ - وصَحَابة بالفتح، وصِحَابة بالكسر عن الفرّاءِ. وجمع الصّاحب: صَحْب، كراكب ورَكْب، وصُحْبة كفارِهٍ وفُرْهة، وصِحَاب كجائع وجِياع، وصُحْبانٌ - بالضمّ - كشابّ وشُبَّان. والأَصحاب: جمع صَحْب، كفرخ وأَفراخ. الصّحابة: الأصحاب. وهو فى الأَصل مصدر. وجمع الأَصحاب: أَصاحيبُ. /وقولهم فى النداءِ: يا صاحِ، معناه يا صاحبى. ولا يجوز ترخيم المضاف إِلاَّ فى هذا وحده. سُمع من العرب مرخّمًا. والصاحب: الملازِم، إِنسانًا كان أَو حيوانًا أَو مكانًا أَو زمانًا. ولا فرق بين أَن يكون مصاحبتُه بالبدن - وهو الأَكثر - أَو بالعناية والهمَّة. ولا يقال فى العُرْف إِلاَّ لمن كثرت ملازمته. ويقال لمالكِ الشىء: هو صاحبه. وكذلك لمن يملك التصرّف فيه. قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً} ، أَى الموَكَّلين بها لا المعَذَّبين بها.

وقد يضاف الصّاحب إِلى مَسُوسه؛ نحو ص الجيش، وإِلى سائسه حب: نحو صاحب الأَمير. والمصاحبة والاصطحاب أَبلغ من الاجتماع؛ لأَنَّ المصاحبة تقتضى طول لبثه. وكلّ اصطحابٍ اجتماعٌ دون العكس. وقوله تعالى: {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ} سمّى النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم صاحبهم تنبيهًا [أَنكم صحبتموه] وجَرّبتموه، وعرفتم ظاهره وباطنه، فلم تجدوا به خَبَلاً ولا جِنَّة. والإِصحاب للشىء: الانقياد له. وأَصله أَن يصير له صاحبًا. ويقال: أَصحب فلانٌ: إِذا كبِر ابنُه فصار له صاحبًا. وأُصْحِبَ فلان فلانًا: جُعل صاحبًا له. قال تعالى: {وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} .

بصيرة فى صحف وصخ

بصيرة فى صحف وصخ الصّحيفة: الكتاب. والجمع: صُحُفٌ وصحائفٌ. وقال الليث: الصُّحُف جماعة الصّحيفة، وهذا من النَّوادر أَن يجمع فعيلة على [فُعُل] ، مثل صحيفة وصحف، وسفينة وسُفُنٌ، وكان قياسه صحائف وسفائن. وقوله الله تعالى: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى} ، يعنى الكتب المنزلة عليهما. وصحيفة الوجه بَشَرته قال: إِذا بَدا من وَجْهه الصَّحِيف والصحيفة: المبسوطة من كلّ شىء. وقوله تعالى: {صُحُفاً مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} ، [قيل: أُريد بها القرآن. وجعله صحفا فيها كتب] من أَجل تضمّنه زيادة ممّا فى كتب الله المتقدّمة. والمصحف - بتثليث الميم - ما جُعل جامعا للصحف المكتوبة. والتصحيف: قراءَة المُصْحف وروايته على غير ما هو، لاشتباه حروفه.

والصَّحْفة كالقَصْعة. وقال الكسائىّ: أَعظم القِصاع الجَفْنة، ثمّ القَصعة تليها تُشبع العشرة، ثمّ الصَّحْفة تُشبع الخمسة، ثمّ المِئْكلة تُشبع الرّجُلين والثلاثة، ثمّ الصُّحَيفة تُشبع الرّجُل. والصّاخَّة: شدّة صوت ذى النُّطق. صخَّ يصُخُّ صَخًّا. قال تعالى: {فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة} ، وهى عبارة عن القيامة، حسب المشار إِليه بقوله: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور} .

بصيرة فى صد

بصيرة فى صد الصُّدود: الإِعراض، وقد صدّ عنه، يَصُدّ صَدًّا وصُدودًا. قال تعالى: {يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} . وصدَّه عن الأَمر صدًّا: صَرَفَه ومنعه. قال تعالى: {وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} ، أَى صَدّ بِلقيسَ عن الإِيمان العادةُ الَّتى كانت عليها من عبادة الشمس. وصدّ يصُدّ ويصِدّ، أَى ضَجّ. وقرأ ابن كثير وأَبو عمرو، وعاصم غير الأَعشى، والبرجمىّ، ويعقوب، وسهل وحمزة: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} بكسر الصاد. ويقال لكلّ جبل: صَدٌّ وصُدّ، وسَدٌّ وسُدّ. والصَّدّان، الصُدَّان: ناحيتا الوادى. الصّديد: الحَمِيم أُغْلِىَ حتى خَثر. وصديد الجرح: ماؤه الرّقيق المختلط بالدّم قبل أَن يغلظ المدّة. الصّديد فى قوله تعالى: {ويسقى

مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ} : ما يسيل من أَهل النار من الدّم والقيح. والصّديد: ما حال بين اللَّحم والجلد من القيح. والتصديد: التَّصفيق. والتصدُّد: التعرّض هذا هو الأَصل، ثمّ يُبدل من الدّال الثانية ياء فيقال: التَّصدية والتَّصدّى، قال تعالى: {إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} ، وقال عزَّ مِن قائل: {فَأَنتَ لَهُ تصدى} .

بصيرة فى صدر

بصيرة فى صدر الصّدْر: الجارحة. والجمع: صُدُور. ثم استعير لمقدّم الشىء؛ مثل صدر القناة، وصدر السّهم، وهو ما وفق نصفه إِلى المراش. وسهمٌ مُصَدَّر: غليظ الصّدر. وأَخَذَ الأَمر بصدّره: بأَوّله. والأُمورُ بصدورها. وهؤلاءِ صُدْرة القوم: مقدَّموهم: وصُدِّر فلان فتصدّر: قُدِّم فتقدّم. وصَدَرَه: أَصاب صدْرَه، أَو قصد قصدَهُ؛ نحو ظَهَره وكَتَفَه. ومنه رجل مصدور: يشتكى صَدْره. فإِذا عُدّى صَدَّ بعن اقتضى الانصراف؛ نحو صَدَرَت الإِبلُ عن الماءِ صَدَرًا. والمصدر يقال فى مصدر صدر عن الماءِ، ولمَوضع الصّدَر، ولزَمانه. وقد يقال فى عرف النّحاة للفظ الذى رُوعِىَ فيه صدورُ الفعل الماضى والمستقبل عنه. وقال بعض العلماءِ: حيثما ذكر اللهُ القلب فإِشارة إِلى العقل والعلم؛ نحو قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} ، وحيثما ذكر الصّدْر فإِشارة إِلى ذلك وإِلى سائر القوى: من الشهوة، والهوى، والغضب ونحوها.

وقولُه: {رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي} سؤال لإِصلاح قُواه، وكذا قوله: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} إِشارة إِلى اشتفائهم، وقولُه: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولاكن تعمى القلوب التي فِي الصدور} ، أَى العقول التى هى مُندسّة فيما بين سائر القوى، وليست بمهتدية. والله أَعلم.

بصيرة فى صدع

بصيرة فى صدع اللَّيث: الصَّدع: الشَقّ فى شىء له صَلابة. قال حسّان رضى الله عنه يهجو الحارث بن عَوف المُرّىّ. وأَمانَةُ المُرّىّ حيث لَقِيته ... مثلُ الزجاجة صدعُها لم يُجْبرِ وقوله تعالى: {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} أَى شُقّ جماعاتهم بالتَّوحيد. وقيل: اجهر بالقرآن. وقيل: أَظهِر، وقيل: احكم بالحقّ، وافصل بالأَمر. قال ثعلب: قال أَعرابىّ ممّن كان يحضر مجلس أَبى عبدِ الله. وكان أَبو عبد الله ربّما يأْخذ عنه: {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} أَى اقصد بما تؤمر. قال والعرب تقول: صدعت فلانا، أَى قصدته لأَنَّه كريم. وقال ابن عرفة: أَراد افرُق به بين الحقّ والباطل. قال جرير يمدح يزيد بن عبد الملك: هو الخليفة فارضَوا ما قَضَى لَكْمُ ... بالحقّ يَصْدعُ ما فى قوله جَنَفُ ومنه اشتُقَّ الصُّدَاع لأَنَّه شِبْه انشقاق فى الرّأْس. وقيل فى قول أَبى ذُؤيب الهُذَلىّ يصف الحمار والأُتن:

وكأَنَّهُنَّ رِبَابَةٌ وكأَنَّه ... يَسَرٌ يُفيضُ على القِداح ويَصْدَعُ أَى يفرق ويُبَيِّن بالحكم، ويخبر بما يجىء. وقال الخليل: يصدع أَى يقول بأَعلى صوته: هذا قِدْح فلان. وقال معمر: يصدع، أَى يفرق، على القداح، أَى بالقداح من قوله تعالى: {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} أَى افرق به بين الحق والباطل. وإِن كان (يصدع) للرجل فإِنه يقول: فاز قِدح فلان. ويقال: صدعت بالحقّ: إِذا تكلَّمت به جِهارًا. وانصدع: انشقّ: ومنه الصَدِيع للصّبح؛ لأَنَّه يصدع اللَّيل أَى يشُقَّه. والتَّصديع: التَّفريق. وتصدّعوا: تفرّقوا. واصَّدَّع بتشديد الصّاد والدّال، أَى تَصَدَّع. قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} ، أَى يتفرّقون، ففريق فى الجنَّة وفريق فى النَّار. والله أَعلم.

بصيرة فى صدف وصدق

بصيرة فى صدف وصدق الصَّدَف كجَبَل، والصُّدُف كعنق، و (الصَّدْف كثَغْر) ، والصَّدُف كعَضُد: منقطَع الجبل. وقرىء بالجمِيع. صَدَف عنه يَصْدِف: أَعرض. وصَدَف فلانًا صَدْفًا: صَرَفَهُ وأَماله. وكذا أَصدفه. وصدفَ فلان صَدْفًا وصُدوفًا: انصرف. والصَّدُوف: المرأَة الَّتى تعرِض وجهها عليك، ثمّ تصدِف. والصَّديق والكذب أَصلها فى القول، ماضيًا كان أَو مستقبلاً، وعدًا كان أَو غيره. ولا يكونان بالقصد الأَوّل إِلاَّ [فى القول، ولا يكونان فى القول إِلا] فى الخبر دون غيره من أَنواع الكلام. ولذلك قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً} ، وقوله: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد} . وقد يكونان بالعَرَض فى غيره من أَنواع الكلام كالاستفهام، والأَمر، والدّعاءِ، وذلك نحو قول القائل: أَزَيْدٌ فى الدّار؛ فإِن فى ضمنه إِخبارً

ابكونه جاهلاً بحال زيد، وكذا إِذا قال: واسِنى، فى ضمنه أَنَّه محتاج إِلى المواساة. وإِذا قال: لا تؤذنى، ففى ضمنه أَنَّه يؤذيه. والصّدق: مطابقة القول الضَّميرَ والمُخْبَرَ عنه معًا. ومتى انخَرم شرط من ذلك لا يكون صدقًا [تامًّا] ، بل إِمّا أَلاَّ يوصف بالصّدق، وإِمّا أَن يوصف تارة بالصّدق وتارة بالكذب، على نظرين مختلفين؛ كقول الكافر من غير اعتقاد: محمّد رسول الله، فإِن هذا يصحّ أَنْ يقال: صدقٌ لكون المخبَرِ عنه كذلك، ويصح أَن يقال: كذبٌ لمخالفة قوله ضميرَه. وبالوجه الثانى إِكذاب الله تعالى المنافقين حيث قالوا: إِنَّك لرسول الله فقال: {والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} . والصِّدِّيق: الرّجل الكثير الصّدق. وقيل: الصّدِّيق: مَن لم يصدر منه الكذب أَصلاً. وقيل: مَن لا يتأَتَّى منه الكذب لتعوّده الصّدق. وقيل: مَنْ صَدَق بقوله واعتقاده، وحَقَّق صدقه، قال تعالى فى حقّ إِبراهيم. {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً} ، وقال: {فأولائك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين} ، فالصّدّيقون: قومٌ دون الأَنبياءِ فى الفضيلة، ولكن درجتهم ثانى درجة النبيّين.

وفى الجملة، منزلة الصّدق من أَعظم منازل القوم، الذى نشأَ منه جميع منازل السّالِكين. وهو الطريق الأَقوم الَّذى من لم يَسِرْ عليه فهو من المنقَطِعين الهالكين. وبه تميّز أَهل النفاق من أَهل الإِيمان، وسكانُ الجنان من أَهل النيران. وهو سيف الله فى أَرضه الذى ما وضع على شىء إِلاَّ قطعه، ولا واجه باطلاً إِلاَّ أَزاله وصرعه. فهو رُوح الأَعمال، ومحلّ الأَحوال، والحامل على اقتحام الأَهوال، والباب الذى دخل منه الواصلون إِلى حضرة ذى الجلال. وقد أَمر الله سبحانه أَهل الإِيمان أَن يكونوا مع الصّادقين، وخصّص المنعَم عليهم بالنَّبيِّين والصّدِّيقين والشهداء والصّالحين، فقال: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} ، وقال: {وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولائك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين} ، فهم أَهل الرّفيق الأَعلى، / {وَحَسُنَ أولائك رَفِيقاً} ، ولا يزال الله يَمدّهم بنعمهِ وأَلطافه، ويزيد إِحسانًا منه وتوفيقًا، ولهم مزيّة المعِيّة مع الله، فإِن الله تعالى مع الصّادقين. ولهم منزلة القرب منه؛ إِذ درجتهم منه ثانى درجة النبيّين، وأَثنى عليهم بأَحسن أَعمالهم: من الإِيمان، والإِسلام، والصّدقة، والصّبر، [و] بأَنَّهم أَهل الصّدق فقال:

{ولاكن البر مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} إِلى قوله: {أولائك الذين صَدَقُواْ وأولائك هُمُ المتقون} ، وهذا صريح فى أَنَّ الصّدق بالأَعمال الظاهرة والباطنة، وأَنَّ الصّدق هو مَقام الإِسلام والإِيمان. وقسّم سبحانه النَّاس إِلى صادق ومنافق، فقال: {لِّيَجْزِيَ الله الصادقين بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المنافقين إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} . والإِيمان أَساسه الصّدق، والنفاق أَساسه الكذب، فلا يجتمع كذب وإِيمان إِلاَّ واَحَدهما يحارب الآخر. وأَخبر سبحانه أَنَّه فى القيامة لا ينفع العبدَ وينجيه من عذابِه إِلاَّ صدقُه، فقال تعالى: {هاذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذلك الفوز العظيم} ، وقال: {والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ أولائك هُمُ المتقون لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ المحسنين لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فالذِى جاءَ بالصّدق هو من شأْنُه الصّدق فى قوله، وعمله، وحاله. فالصّدق فى الأَقوال: استواءُ اللسان على الأَقوال؛ كاستواءِ السُّنبلة على ساقها. والصّدقُ فى الأَعمال: استواء الأَفعال على الأَمر والمتابعة؛ كستواءِ الرّأْس على الجَسَد. والصّدق فى الأَحوال: استواءُ أَعمال القلب والجوارح على

الإِخلاص، واستفراغ الوُسْع، وبذل الطاقة؛ فبذلك يكون العبد من الذين جاءُوا بالصّدق. وبحسب كمال هذه الأُمور فيه، وقيامِها به تكون صِدّيقيّته، ولذلك كان لأَبى بكر الصّدّيق ذروة الصّدّيقيّة، حتى سُمّى الصّدّيق على الإِطلاق. والصّدّيق أَبلغ من الصَّدُوق، والصَّدُوق أَبلغ من الصَّادق، فأَعلى مراتب الصدق مرتبة الصدّيقيّة، وهى كمال الانقياد للرّسول، مع كمال الإِخلاص للمرسِل. وقد أَمَر سبحانه رسوله أَن يسأَله أَن يجعل مُدْخله ومُخرجه على الصّدق، فقال: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} . وأَخبر عن خليله إِبراهيم عليه السّلام أَنَّه سأَله أَن يجعل له لسان صِدق فى الآخِرين. وبشَّر عباده أَنَّ لهم قَدَم صِدق، ومقعد صدق؛ فقال: {وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} ، وقال: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} . فهذه خمسة أَشياء: مدخل الصّدق، ومخرج الصدق، ولسان الصدق، ومقعد الصّدق، وقَدَم الصّدق. وحقيقة الصّدق فى هذا الأَشياءِ هو الحقّ الثَّابت المتَّصل بالله، الموصِّل إِلى الله، وهو ما كان به وله من الأَعمال والأَقوال. وجزاءُ ذلك فى الدّنيا والآخرة.

فمُدخَل الصّدق ومُخرَج الصّدق أَن يكون دخوله وخروجه حقًّا ثابتًا لله تعالى ومرضاتِه. متَّصلا بالظَّفر ببغيته، وحصول المطلوب، ضِدّ مُخرَج الكذب ومُدخله الَّذى لا غاية له يوصّل إِليها، ولا له ساقٌ ثابتة يقوم عليها؛ كمُخرَج أَعدائه يوم بدر. ومُخرج الصّدق كمخرجه هو وأَصحابه فى ذلك الغَزْو. وكذلك مدخله المدينة كان مدخل صدق بالله والله وابتغاءَ مرضاة الله، فاتَّصل به التَّأْييدُ، والظفر، والنَّصر. وإِدراك ما طلبه فى الدّنيا والآخرة؛ بخلاف مدخل الكذب الذى رام أَعداؤه أَن يدخلوا به المدينة يوم الأَحزاب؛ فإِنَّه لم يكن بالله ولا لله بل محادّة لله وسوله، فلم يتَّصل به إِلاَّ الخِذلانُ والبوار، وكذلك مدخل مَنْ دخل من اليهود والمحاربين لرسول الله صلى الله عليه وسلم حِصن بنى قُرَيطة؛ فإِنَّه لمّا كان مدخل كذب أَصابهم منه ما أصابهم. وكلّ مدخل ومخرج كان بالله ولله وصاحبه ضامن على الله، فهو مدخل صدق ومخرج صدق، ولذلك فُسّر مدخل الصّدق ومخرجه بخروجه من مَكة، ودخوله المدينة. ولا ريب أَنَّ هذا على سبيل التَّمثيل؛ فإِنَّ هذا المدخل والمخرج من أَجلّ مداخله ومخارجه صلَّى الله عليه وسلَّم، وإِلاَّ فمداخله ومخارجه كلها مداخل صدق ومخارج صدق. إذ هى بالله، ولله، وبأَمره، ولابتغاءِ مرضاته. وما خرج أَحد من بيته أَو دخل سُوقًا أَو مَدْخلا آخر إِلاَّ بصدق أَو كذِب. فمدخل كلّ أَحد ومخرجه لا يَعْدُو الصّدق والكذب والله المستعان.

وأَمّا لسان الصّدق فهو الثناءُ الحسن من سائر الأُمم بالصّدق ليس بِالكذب؛ كما قال عن أَنبياء: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} ، والمراد باللسان ههنا الثناءُ الحسن، فلمّا كان باللسان وهو محلّه عبّر عنه به؛ فإِنَّ اللسان يراد به ثلاثة معان: هذا، واللغة كقوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} ، {واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ} ، {وهاذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ} ، ويراد به الجارحة نفسها كقوله: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} . وأَمَّا قدم الصّدق ففُسِّر بالجنة، وفسّر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وفُسّر بالأَعمال الصّالحة. وحقيقة القدم: ما قدّموه، ويقدَمون عليه يوم القيامة، وهم قدّموا الأَعمال والإِيمان بمحمّد صلَّى الله عليه وسلم، ويقدَمون على الجنة؛ ومَن فسّر بالأَعمال وبالنبىّ صلَّى الله عليه وسلم فلأَنَّهم قدّموها، وقدّموا الإِيمان به بين أَيديهم. وأَمّا مقعد صدق فهو الجنَّة عند ربّهم تبارك وتعالى. ووصْف ذلك كلِّه بالصّدق مستلزم ثبوتَه واستقراره، وأَنَّه حقّ، ودوامَه ونفعه وكمال عائدته؛ فإِنَّه متَّصل بالحقّ سبحانه، كان به وله.

فهو صدقٌ غير كذب، وحَقّ غير باطل، ودائم غير زائل، ونافع غير ضارّ، ما للباطل ومتعلقاته إِليه سبيل ولا مدخل. ومن علامات الصّدق طُمأْنينة القلب إِليه، ومن علامات الكذب حصول الرِّيبة؛ كما فى الترمذىّ مرفوعًا: "الصّدق طمأْنينة، والكذب ريبة"، وفى الصّحيحين: "إِنَّ الصّدق يَهدى إِلى البرّ، وإِنَّ البرّ يهدى إِلى الجنَّة، وإِنَّ الرّجل لَيَصْدُقُ حتى يُكتب عند الله صِدّيقًا، وإِنَّ الرّجل لَيَكْذبُ حتى يكتب عند الله كَذَّابًا"، فجعل الصّدق مفتاح الصّدّيقيّة ومبدأَها، وهى غايته، فلا يَنال درجتَها كاذبٌ البتَّة، لا فى قوله، ولا فى عمله، ولا فى حاله. ولا سيّما كاذبٍ على الله فى أَسمائه وصفاته، بنفى ما أَثبته لنفسه، أَو بإِثبات ما نفاه عن نفسه، فليس فى هؤلاءِ صِدّيق أَبدًا. وكذلك الكذب عليه فى دينه، وشَرْعه بتحليل ما حرّمه، وتحريم ما أَحلَّه، وإِسقاط ما أَوجبه، وإِيجاب ما أَسقطه، وكراهة ما أَحبّه، واستحباب مالم يحبّه، كلّ ذلك مُنافٍ للصّدّيقيّة. وكذلك الكذب معه فى الأَعمال بالتَّحلِّى بحِلْية الصّادقين المخلِصين، الزاهدين المتوكلِّين وليس منهم. وكانت الصّدّيقيّة كمال الإِخلاص، والانقياد والمتابعة فى كلّ الأُمور؛ حتى إِنّ صِدْق المتبايِعَيْن يُحلّ البركة فى بيعهما، وكذبهما يَمْحَى بركة بيعهما؛ كما فى الصّحيحين: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: " البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإِنْ صَدَقَا وبَيّنا بُورِكَ لهما بيعهما، وإِن كَذَبا وكتما مُحِقَت بركة بيعهما".

وقد تَنوَّعَتْ كلمات السّادة فى حقيقة الصّدق. فقال عبد الواحد ابن زيد رحمه الله: الصّدق الوفاءُ لله بالعمل. وقيل: موافقة السرّ النطقَ. وقيل: استواءُ السرّ والعلانية، يعنى أَنَّ الكاذب علانيته خير من سريرته؛ كالمنافق الذى ظاهره خير من باطنه. وقيل: الصّدق: القول بالحقّ فى مَوَاطن الهَلَكة. وقيل: كلمة الحقّ عند من يخافه ويرجوه. وقال الجُنَيد: الصادق يتقلّب فى اليوم أَربعين مرّة. المرائى يثبت على حالة واحدة أَربعين سنة. وذلك لأَنَّ العارضات والواردات التى ترِد على الصّادق لا ترد على الكذَّاب المرائى، بل فارغ منهما لا يُعارضه الشَّيطان كما يعارض الصّادق، وهذه الواردات توجب تقلّب قلبِ الصّادق بحسب اختلافها وتنوّعها، فلا تراه إِلاَّ هاربًا مِن مكانٍ إِلى مكان، ومن عملٍ إِلى عمل، ومن حالٍ إِلى حال؛ لأَنَّه يخاف فى كلّ ما يطمئنّ إِليه أَن يقطعه عن مطلوبه. وقال بعضهم: لم يشمّ روائح الصّدق مَنْ داهن نفسه أَو غيره. وقال بعضهم: الصّادق: الَّذى يتهيّأُ له أَن يموت ولا يستحى مِن سِرّه لو كُشف. قال تعالى: {فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} . وقال إِبراهيم الخوّاص: الصّادق لا يُرَى إِلاَّ فى فَرض يؤدّيه، أو فضل يعمل فيه.

وقال الجنيد مرّة: حقيقة الصّدق أَن تَصدُق فى مواطن لا ينجيك [منها] إِلا الكذب. وفى أَثَرٍ إِلَهىّ: مَن صَدَقنى فى سريرته صدَقته فى علانيته عند خَلْقى. وقال سهل: أَوّل خيانة الصّديقين حديثهم مع أَنفسهم. وقال يوسف بن أَسباط: لأَنْ أَبيتَ ليلة أُعامل الله بالصّدق أَحَبّ إلىّ من أَن أُحارب بسيفى فى سبيل الله. وقال الحارث المحاسبىّ: الصّادق: هو الذى لا يبالى لو خرج كلّ قَدْر له فى قلوب الخَلْق من أَجل صلاح قلبه، ولا يحبّ اطِّلاع النَّاس على مثاقيل الذَّر من حُسن عمله، ولا يكره أَن يطَّلع النَّاس على السَيىء من عمله، فإِن كراهته له دليل على أَنه يحبّ الزيادة عندهم، وليس هذا من علامات الصّدِّيقين. هذا إِذا لم يكن له مراد سوى عمارة حاله عندهم، وسكناه فى قلوبهم تعظيمًا له. وأَمّا لو كان مراده بذلك تنفيذًا لأَمر الله، ونشرًا لدينه، ودعوة إِلى الله، فهذا الصادق حقًّا، والله يعلم سرائر القلوب ومقاصدها. وقال بعضهم: مَن لم يؤدّ الفَرْض الدائم لا يقبل منه الفرض المؤقت. قيل: وما الفرض الدّائم؟ قال: الصّدق. وقيل: مَن يطلب الله بالصْدق

أَعطاه مِرآة يبصر فيها الحقّ والباطل. وقيل: عليك بالصّدق حيث تخاف أَنَّه يضرّك، ودع الكذب حيث تراه أَنَّه ينفعك؛ فإِنَّه يضرّك. وقال الشيخ عبد الله الأَنصارى: الصّدق اسم لحقيقة الشىء، حُصُولاً ووجودًا. والصّدق: هو حصول الشىء وتمامه، وكمال قوّته واجتماع أَجزائه كما يقال: عزيمة صادقة إِذا كانت قوّية تامّة، وكذلك محبّة صادقة، وإِرادة صادقة. وكذلك حلاوة صادقة إِذا كانت قويّة تامة ثابتة الحقيقة، لم ينقص منها شىء. ومن هذا أَيضا صِدْق الخبر؛ لأَنَّه وجود المخبَرِ [به] بتمام حقيقته فى ذهن السّامع. وهوعلى ثلاث درجات: الأُولى: صِدْق القَصد، وبه يصحّ الدّخول فى هذا الشأْن، ويُتلافَى كلّ تفريط ويُتدارك كلّ فائت، ويعمر كلّ خراب. وعلامة هذا الصادق أَلاَّ يحتمل داعيةً يَدعو إِلى نقض عهد، ولا يصبر على صحبة ضِدّ، ولا يقعد عن الجدّ بحال. والدّرجة الثَّانية: أَلاَّ يتمنىَّ الحياة إِلاَّ للحقّ، ولا يشهد من نفسه إِلاَّ أَثر النقصان، ولا يلتفت إِلى ترفيهِ الرُّخَص، أَى لا يحب أَن يعيش إِلاَّ فى طلب رضا محبوبه، ويقوم بعبوديّته، ويستكثر من الأَسباب الَّتى تقربّه منه، ولا يلتفت إِلى الرفاهية التى فى الرُّخَص، بل يأْخذ بها اتِّباعًا

وموافقةً، وشهودًا لنعمة الله على عبده، وتعبّدًا باسمه: اللطيف المحسن الرّفيق، وأَنَّه رفيق يحبّ الرّفق. الدّرجة الثالثة: الصِّدق فى معرفة الصّدق. يعنى أَنَّ الصّدق المحقِّق إِنما يحصل لمن صَدَقَ فى معرفة الصدق، أَى لا يحصل حال للصّادق إِلاَّ بعد معرفة الصّدق، ولا يستقيم الصّدق فى علم أَهل الخصوص إِلاَّ على حرفٍ واحد، وهو أَن يتَّفق رضا الحقّ بعمل العبد وحاله ووقته، وإِيقانه وقصده. وذلك أَنَّ العبد إِذا صَدَق اللهَ رضى اللهُ بفعله [و] بعمله، وحاله ويقينه وقصده، لا أَن رضا الله نفس الصّدق، وإِنما يعلم الصّدق بموافقة رضاه سبحانه. ولكن من أَين يَعلم العبد رضاه؟! فمن ههنا كان الصّادق مضطرًّا أَشدّ ضرورة إِلى متابعة الأَمر والتسليم للرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم فى ظاهره وباطنه، والتَّعبُّد به فى كلّ حركة وسكون، مع إِخلاص القصد لله؛ فإِنَّ الله سبحانه لا يُرضيه من عبده إِلاَّ ذلك. وقوله: {لِّيَسْأَلَ الصادقين عَن صِدْقِهِمْ} ، أَى يسأَل مَن صدّق بلسانه عن صِدق فعله. وقوله: {رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ} أَى حَقَّقُوا العهد بما أَظهروه من أَفعالهم. والصّداقة: صِدق الاعتقاد فى المودّة، وذلك مختصّ بالإِنسان. وقولُه:

{وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} إِشارة إِلى قوله: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} . والصّدَقة: ما يُخرجه الإِنسان من ماله على وجه القُرْبة؛ كالزَّكاة لكن الصّدقة فى العرف تقال للمتطوَّع به، والزكاة للواجب. وقيل: سمّى الواجب صدقة إِذا تحرَّى صاحبُه الصّدق فى فعله، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} . يقال: صدّق وتصدّق. ويقال لِما تجافى عنه الإِنسان من حقه: تصدُّق؛ نحو قوله تعالى: {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} / أَى مَن تَجافى عنه. وقوله: {وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} ، أَجرى ما يُسامَح به المعسِر مُجرى الصّدقة، وعلى هذا قوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} ، فسمّى إِعفاءَه صَدَقَة. وقوله: {لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} من الصّدق أَو من الصّدقة. وصَدَاق المرأَة وصِدَاقها - بالكسر - وصَدُقتها - بضم الدّال -: ما تعطَى من مهرها. وقد أَصدقتها.

بصيرة فى صدى وصرح وصر وصرف

بصيرة فى صدى وصرح وصر وصرف الصَّدَى: صوت يرجع من مكان صقيل. والتصدية: كلّ صوت يجرى مجرى الصَّدَى فى أَن لا غَنَاءَ فيه. وقوله تعالى: {إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} ، أَى غَنَاءُ ما يُورِدُونَه غَنَاءُ الصَّدَى ومُكَاءِ الطير. والتَّصدّى: أَن يُقابَل الشىء مقابلة الصّدى، أَى الصّوت الرّاجع من الجبل. والصِّرْح: بَيْتٌ عَال مُرَوَّق. سمّى بذلك اعتبارًا بكونه صريحًا عن البيوت، أَى خاليًا. والإِصرار: لزوم الذَّنْب، والامتناع عن الإِقلاع منه. وأَصله من الصّرّ، أَى الشدّ، قال تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ} . والصُرَّة: ما يُعقد فيه الدّراهم. والصَرورة: مَن لم يحجّ بعد، ومن لا يريد التَّزَوّج. والصَّرَّة: الجماعة المنضمّ بعضُهم إِلى بعض؛ كأَنَّهم صُرّوا أَى جُمِعوا فى وعاءٍ، قالَ تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ} ، وقيل: الصَرّة: الصّيحة. الصّرف: ردّ الشىء من حالة إِلى حالة أَو إِبداله بغيره. وصَرَفه فانْصَرَف

وقولُه تعالى: {ثُمَّ انصرفوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} يجوز أَن يكون دعاء عليهم، وأَن يكون إِشارة إِلى ما فُعِلَ بهم. وقوله: {فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً} أَى لا يقدرون أَن يصرفوا عن أَنفسهم العذاب، وأَن يصرفوا (عن أَنفسهم النَّار) ، أَو يصرفوا الأَمر عن حالة إِلى حالة. وقوله: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن} ، أَى أَقبلنا بهم إِليك وإِلى الاستماع منك. وصَرْف الحديث: أَن يزاد فيه ويُحَسَّن، من الصّرف فى الدَّراهم، وهو فضل بعضِه على بعض فى القِيمة. وله عليه صَرْفٌ، أَى شَفٌّ وفضل، وهو مِن صَرَفَهُ يَصْرِفُه، لأَنَّه إِذا فُضِّل صُرف عن أَشكاله. والصَّرْف: اللَيل والنَّهار، وهما صَرْفَان، ويكسر. وصَرْف الدّهْر: حِدْثانه ونوائبه. وتصريف الرّياح: ردّها من حال إِلى حال، ومنه تصريف الكلام. والصَرَفانُ: الرّصاص، كأَنَّه صُرِف من أَن يبلغ درجة الفِضَّة.

بصيرة فى صرم وصرط وصرع

بصيرة فى صرم وصرط وصرع صَرَمه يَصرِمه صَرْمًا وصُرْمًا: قَطَعَهُ قطعًا بائنًا، والرّجلُ غيرَه: قطع كلامَه. والصّريم: أَرضٌ سوداء لا تُنْبت شيئًا، قال تعالى: {فَأَصْبَحَتْ كالصريم} ، وقيل: الصّريم: الأَشجار المَصْرُوم حَملها. والصَّريم: اللَّيل. وقيل: القطعة من اللَّيل. وبه فسّره بعضهم، أَى أَصبحت كاللَّيل؛ لأَنَّ اللَّيل أَسود مظلم، أَى أَصبحت سوداءَ مظلمة كاللَّيل لاحتراقها. وقوله: {إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} أَى يجتنونها ويتناولونها. والصِّرْمة: [القطعة] من السّحاب. والأَصْرَمان: اللَيل والنَّهار، والصُّرَد والغراب، وقيل: الذئب والغراب. والصَيْرَم: المحكَم الرّأى، والوجْبة. والأَصْرَم والمُصْرِم: الفقير المُعْول. والصّراط: الطريق المستقيم، كأَنه يصطرط المارّة.

والصَّرْعُ والصِّرْع، الفتح لتميم والكسر لقيس، والمصرَع بفتح الرَاءِ. الطرح بالأَرض، قال: لمَصْرَعنا النعمانَ يومَ تأَلَّبَتْ ... علينا تميمٌ من شَظًى وصميم والمَصْرع: أَيضًا موضع الصّرع. / قال أَبو ذُؤيب يرثى بنيه: سَبَقُوا هَوَىَّ وأَعْنَقوا لهواهُم ... فتُخُرِّموا ولكلّ جنبٍ مصرعُ والصُّرْعة: مَن يصرعه النَّاس. الصُرَعة: من يصرع الناس. والصّريع: المصروع، والجمع صَرْعَى. قال تعالى: {فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى} والصَّريعِ أَيضًا: القوس لم يُنحت منها شىء. والصِّرِّيع كسكِّيت: كثير الصَّرْع لأَقرانه. والصَّرْع: المِثْل، وهما صَرْعان أَى مثلان.

بصيرة فى صعد

بصيرة فى صعد الصُّعود: الذهاب فى مكان عالٍ، صَعِد فى السّلَم صُعُودًا. والصَّعُود: خلاف الهَبُوط. قال تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} ، قال اللَّيث: يعنى مشقَة من العذاب. ويقال: هو جبل فى النَّار يكلَّف الكافر ارتقاءَه. والصَّعُود: العقبة الشَّاقَّة. وجمع الصَّعُود: صُعُد، مثَال عَجُوز وعُجُز. وصَعائد كعجائز. والصّعيد: التراب، كقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} . وقيل: الصّعيد: الغبار الَّّذى يَصعد، من الصُّعُود. وقال ثعلب: وجه الأَرض؛ كقوله: {فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} . والصّعيد: الطريق، والجمع صُعُد، ثمّ صُعُدات، مثل: طريق وطُرُق وطُرُقات. وفى الحديث: "إِيّاكم والقُعود بالصُّعُدات". وقال الشاعر: ترى السّود القصارَ الزُّلَّ منهم ... على الصُّعُدات أَمثال الوِبَار وقيل: هى جمع صُعْدة، كظلمات وظُلْمة.

وقوله تعالى: {عَذَاباً صَعَداً} أَى شديدًا شاقًّا. والاصِّعَاد والاصَّعُّد والاصَّاعُد: الصّعود، قال تعالى: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء} ، قرأَ أَبو بكر بن عَيَّاش: يصّاعَد. والإِصعاد، قيل: هو الإِبعاد فى الأَرض، سواءٌ كان ذلك صُعُودًا أَو حُدُورًا، وأَصله من الصُّعود، وهو الذهاب إِلى الأَمكنة المرتفعة؛ كالخروج من البصرة إِلى نجد، ثم استُعمل فى الإِبعاد وإِن لم يكن فيه اعتبار الصعود؛ كقولهم: تَعالَ، فى أَنَّه فى الأَصل دعاء إِلى العلوّ، ثمّ صار طلبًا للمجىء؛ وسواءٌ كان إِلى أَعلى أَو إِلى أَسفل. قال تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ} ، قيل: لم يقصد بقوله: {إِذْ تُصْعِدُونَ} إِلى الإِبعاد فى الأَرض، وإِنَّما أَشار به إِلى علوّهم فيما تحرَّوه وأَتَوه؛ كقولهم: أَبعدتَ فى كذا، وارتقيتَ فيه كلّ مرتقًى. وكأَنَّه قال: إِذْ أَبعدتم فى استشعار الخوف، والاستمرار على الهزيمة. واستعير الصُّعُود لما يصل من العبد إِلى الله، والنزول لما يصل من الله إِلى البعد، فقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب} .

بصيرة فى صعر وصعق وصغر وصفو

بصيرة فى صعر وصعق وصغر وصفو فى عنقه وخدّه صَعَر: مَيَل من الكِبْر. يقال: لأُقِيمنّ صَعَرَك. وتقول: فى عينه صَوَرٌ، وفى خدّه صَعَر. وَهو أَصْعر. وصعَّر خدّه وصاعَره، وقرىء بهما قوله تعالى: {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ} (ولا تُصَاعِرْ) . والنَّعام صُعْرٌ خِلْقة. الإِبل تَصَاعَرُ فى البُرَى. وصَعَق الرّعد فهو صاعق، وسمعت صُعَاق الرعد، وهو صوته إِذا اشتدّ. الصّاعقة والصّاقعة: نار لا تمرّ بشىء إِلاَّ أَحرقته، مع وَقْع شديد. وقد صَعَقتهم السّماءُ، وأَصعقتهم: أَصابتهم بها. قال تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق} ، أَى من هولها وشدّتها. وصَعِق الرّجل وصُعِق: إِذا غُشِىَ عليه من هَدّة أَو صوتٍ شديدٍ يسمعه. و {فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض} فُسِّر بهما.

صَغُر وصَغِر ضدّ كبر، وهو صاغر بيِّن الصُّغْر والصغَار. وتصاغرتْ إِليه نفسُه: صارت صغيرة الشأن ذُلاًّ وَمَهَانةً. وصَغُر فى عيون النَّاس. وأَصْغَرَ فعلَه، واستصغره. والصِّغَر والكِبَر من الأُمور النِّسبيّة. فالصغير قد يكون كبيرا بالنسبة إِلى ما هو أصغر منه، والكبير كذلك يكون صغيرًا بالنسبة إِلى ما هو أَكبر منه. وقد يكون تارة بالزمان، وباعتبار الجُثَّة، وباعتبار القَدْر والمنزلة. وقوله تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} ، وقوله: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} ، وقوله: {وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك ولا أَكْبَرَ} كلّ ذلك بالقَدْر والمنزلة من الخير والشرّ. والصّاغر: الرّاضى بالمنزلة الدنيئة، {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} . صَغَوْت إِلى فلان وصَغَا فؤادى إِليه: مال. وصِغْوِى معه. وصَغَتِ النجومُ للغروب، وهنّ صواغٍ. وأَصغىَ الإِناء للهرَّة. وأَصغى إِلى حديثه:

مال بسمعه إِليه. ورجل أَصْغَى، وقد صَغِىَ، وهو مَيَل فى الحَنَك وإِحدى الشفتين. وأَقام صَغَاه: مَيَله. ويقال: من عَرَض له فلَّ صفاه، وأَقام صَغَاه. ويقال: الصّغا فى الأَديان أَقبح من الشغا فى الأسنان. وصاغية الرّجل: قومُه؛ لِمَا يميلون إِليه.

بصيرة فى صف

بصيرة فى صف الصَّفّ: واحد الصُّفوف. ومنه قول النَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "سَوُّوا صفوفكم، فإِنَّ تسوية الصّفوف من تمام الصّلاة". وقوله تعالى: {ثُمَّ ائتوا صَفّاً} وقال الأَزهرى معناه: ثم ائتوا الموضع الذى تجتمعون فيه لعيدكم، وصلاتكم. يقال: أَتيت الصّفَّ، أَى المصلَّى. قال: ويجوز ثمّ ائتوا صفًّا أَى مصطفِّين ليكون أَنظم لكم، وأَشدّ لهيبتكم. وقال ابن عرفة فى قوله تعالى: {وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ صَفَّاً} : يجوز أَن يكونوا كلهم صفًّا واحدًا، ويجوز أَن يقال فى مثل هذا: صفًّا يراد به الصّفوف؛ فيؤدِّى الواحدُ عن الجميع. وقوله: {والصافات صَفَّا} ، هى الملائكة المصطفُّون فى السّماء يسبّحون. ومنه قوله: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون} ، وذلك أَنَّ لهم مراتب يقومون عليها صفوفًا، كما يصطفّ المصلُّون. وصَفَّت الإِبل قوائمها فهى صافَّة وصوافّ. قال تعالى: {فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَآفَّ} : مصفوفة، فواعل بمعنى مفاعِل. وقيل مصطفَّة.

وصفَّ الطائر: إِذا بسط جناحَيه. ومنه الحديث: "كأَنَّها حِزْقان من طيرٍ صوافّ". والصّفصف: المستوى من الأَرض، فإِنَّه على صفّ واحد. قال تعالى: {فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} . قال العجاج: من حَبْل وَعْساءَ تُناصِى صَفْصَفَا وقال الشَّماخ: غَلْبَاء رَقْبَاء عُلْكُومٌ مُذكَّرة ... لدَفِّها صَفْصَفٌ قدّامه ميل قيل: ورد الصّف وما يُشتقّ منه على عشرة أَوجه فى التَّنزيل: بمعنى صفّ الجماعة: {والصافات صَفَّا} . وبمعنى المصلَّى: {ثُمَّ ائتوا صَفّاً} . وبمعنى صفّ الغُزاة: {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} . وبمعنى صفوف الملائكة فى السّماوات: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون} . وبمعنى صفوفهم فى عَرَصات الحشر: {وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً} .

وبمعنى صَفّ جِمال النحر بعرفة: {فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَآفَّ} . وبمعنى المستوِى من الأَرض: {فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} ، والأَصل صَفَّفا لكن لمّا توالت ثلاث فاءَات جعلوا الأَوسط/ صادا. وبمعنى صفّ الطير فى الهواء: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} . وبمعنى صفوف أَهل التَّوحيد فى روضات الجنَّات: {مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} . وبمعنى صفوف المَرَافق والنمارق، وفى غُرفات الفرادس: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} .

بصيرة فى صفح

بصيرة فى صفح نظر إِليه بصَفْح وَجهه، وبصُفْح وجهه. وضربته على صَفْحِهِ وصَفْحَته: على جَنْبِه. وجلا صَفْحَتَىْ السّيف، وكتب فى صفحتى الورقة. وتصفَّح الشىءَ: تأَمّله، ونظر فى صَفَحاته. وتصفَّح القومَ: نظر فى أَحوالهم، ونظر فى خِلالهم هل يرى فلانًا. وصَفَحْتُ عنه: أَعرضت عن ذنبه وعن تثريبه. وهو أَبلغ من العفو، (وقد) يعفو الإِنسان ولا يَصفح. وصفحت عنه: أَوْلته صفحةً جميلة. وقوله تعالى: {فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ} أَمْرٌ للنَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلم أَن يخفِّف على نفسه كُفر من كفر؛ كما قال: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} . ومن المجاز قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً} . وقوله: {فاصفح الصفح الجميل} أَمْر للنبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالتَّجاوز عن جنايات المؤمنين.

وقوله: {وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ} إِشارة إِلى الآباءِ والأَزواج بالعفو عن الأَولاد والعِيال. وقوله تعالى: {وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا} إِشارة إِلى أَبى بكر الصّدّيق رضى الله عنه بالتجاوز عن ذنْب مِسْطح بن أُثَاثة فيما أَخطأَ من الخوض فى حديث الإِفْكِ.

بصيرة فى صفد

بصيرة فى صفد الصِّفاد - ككتاب -: القَيْد والغُلّ. وكذلك الصَّفَد بالتحريك، ويجمع على أَصفِدة وصُفُد وأَصفاد، قال تعالى: {مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} . وَصَفَدَهُ يَصْفِدُهُ صَفْدًا، وصفَّده تصفيدًا: شدّه وأَوثقه. وأَصْفده بمعناه. والصَفَد والإِصفاد: العطاءُ اعتبارًا بما قيل: أَنا مغلول أَياديك، وأَسير عطاياك. قال الأَعشى يمدح هَوْذة بن علىّ ويهجو الحارث بن وَعْلة: وإِنّ امرأً قد زرْتُه قبل هذه ... بجَوٍّ لَخَيْرٌ منك نفسًا ووالدًا تضيَّفتُه يومًا فأَكرم مَقْعَدِى ... وأَصْفدنى على الضَمَانة قائدًا وتقول: الصَّفَد صَفَدٌ، أَى العطاء قيد. قال النَّابغة: هذا الثناءُ فإِنْ تَسْمَعْ لقائله ... فلم أُعَرّض - أَبيت اللَّعن - بالصّفَد

بصيرة فى صفر

بصيرة فى صفر الصُّفْرة: لون بين البياض والسّواد، وإِلى السَّواد أَقرب، ولذلك قد يعبّر بها عن السّواد. وقال الحسن فى قوله تعالى: {صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} : سوداءٌ شديدة السّواد. وقيل صَفِر من الأَضداد، يقال على الصّفرة وعلى السّواد، ولا يقال فى السّواد: فاقع، وإِنَّما يقال: حالك. وقوله تعالى: {كَأَنَّهُ جمالت صُفْرٌ} ، قيل: جمع أَصفر، وقيل المراد: الصُّفْر المُخْرَجُ من المعادن، ومنه قيل للنُّحاس: صُفْر، وليبيس البُهْمَى صُفَارٌ. وقد يقال الصّفَير للصّوت حكاية لما يُسمع. ومن هذا، صفِير الإِناء: إِذا خلا حتى يُسمع منه صفير لخلوّه، ثمّ صار متعارفًا فى كلّ خالِ من الآنية وغيرها: إِناء صِفْر، ويدٌ صِفْر، ويستوى فيه الواحد والجمع. وقد صَفِر صَفَرًا. وفى الحديث: "صَفْرة فى سبيل الله خير من حُمْر النَّعَم"، وهى الجَوْعة وخلوّ البطن. ونعوذ بالله من قَرَع الفِناء وصَفَر الإِناء. وهو

أَجبن من صافر، وهو طائر يَنكُس رأْسه، ويتعلَّق برجليه طول الليل، وهو يَصفِر حذارًا أَلاَّ يؤخذ. وصَفِرت وِطابُه، وصفِر إِناؤه: كناية عن الموت، / قال: وأَفْلَتَهُنَّ عِلباءٌ جَريضًا ... ولو أَدْرَكْنَهُ صَفِر الوِطابُ

بصيرة فى صفن وصفو

بصيرة فى صفن وصفو صَفَن الفرسُ يَصْفِن صُفُونًا: قام على ثلاث قوائم وطرفِ حافر الرابعة، قال تعالى: {الصافنات الجياد} . وصَفَن الرّجل: صفَّ قدميه، وصَفَن به الأَرضَ: ضربه به. ومُهْر صافنٌ، وخيل صُفُونٌ وصَوافِنُ. وتفسيره فى قول الشَّاعر: أَلِفَ الصُّفُونَ فلا يزال كأنَّه ... ممّا يقوم على الثلاث كَسِيرا صفَا الماءُ صفًا، وصَفْوًا، وصَفَاء، فهو صافٍ. وصفَّيت الشَّراب بالمِصفاة. وأَخذ صَفْوَ الماء وصِفْوه، وصَفْوته وصِفْوته. وصفا الجَوّ: لم تك فيه لَطْخة غَيم، ويوم صافٍ وصَفْوان: بارد بلا غيم وكدَر. واستصفاه: أَخذ صفوه، واختاره، كاصطفاه. وصافاه وأَصفاه: صَدَقه الإِخَاء. والصَّفا: من أَعظم المشاعر بمكة بلِحْف جبل أَبى قُبَيس، وقد بنيت عليه بتوفيق الله تعالى دارًا فيحاء، يستجاب فيه الدّعاءُ، عجّل الله بمنِّه إِليها الرُّجْعَى.

وإِلى المناسقة بين الطّواف والمسعَى قال تعالى: {إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَآئِرِ الله} . وقال: {الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلاً وَمِنَ الناس} واصطفاءُ الله بعض عباده قد يكون بإِيجاده صافيًا عن الشَّوْب الموجود فى غيره، وقد يكون باختياره وحكمه. واصطفيت كذا على كذا، أَى اخترت؛ قال تعالى: {أَصْطَفَى البنات على البنين} . والصَّفْوان، والصَّفْواءُ، والصّفا بمعنى، قال: {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} . وأَصفى الشَّىءَ: اختاره. وقال: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين} والمصفَّى: المنقَّى من الشَّوائب والكُدُورات، قال: {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} .

بصيرة فى صل وصلب

بصيرة فى صل وصلب صَلّ الحديدُ صَلاًّ وصَلِيلاً: صَلْصَلَ. وسمعتُ صَلصلة اللِّجام وصَلِيلَه، وَصَلاَصِلَ السّلاح. قال: {خَلَقَ الإنسان مِن صَلْصَالٍ} ، وهو الطين الحُرّ خُلط بالرّمل فصار يتصلصل إِذا جفَّ، فإِذا طُبخ بالنَّار فهو الفَخَّار. وقيل: الصّلصال: الطِّين المُنْتِن، من قولهم: صَلّ اللَّحمُ إِذا تغيّرت رائحته. وقيل: أَصله صَلاَّل فقلبت إِحدى الَّلامين صادًا. وقرىء: (أَئِذَا صَلَلْنَا) أَى أَنتنَّا وتغيّرنا، من قولهم: صَلّ اللحمُ. وتصلصل الغدير: إِذا جفَّت حَمْأَته. وطين صَلاَّل ومِصلال: يصوّت كما يصوّت [الخَزَف] الجديد. قال: فإِنّ صخرتنا أَعيَتْ أَباك ولن ... يألولها ما استطاع الدهر إِخبالا ردّت مَعاولَه خُثْما مفلَّلة ... وناطحت أَخضر الجالَين صَلاَّلا

أَى ناطحَت الصّخرة المعاولُ. وغلط أَبو نصر الجوهرىّ فى إنشاده وفى تفسيره: الصُّلْب: الشَّديد. وبه سمّى الظَّهر صُلْبًا وصالبا. قال عبَّاس ابن عبد المطّلب رضى الله عنه: تُنْقل من صالبٍ إِلى رَحِمٍ ... إِذا مَضَى عالَم بدا طَبَقُ أَى من صُلْب. وقوله تعالى: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} فيه تنبيه أَنَّ الولد جزء من الوالد. وصَلُب الشَّىء صَلاَبة وصَلِب - ككرم وسمع -: قَوِىَ واشتدّ. والصَّلَب - بالتَّحريك -: الصُّلْب من الظهر. قال العجّاج يصف امرأَة: رَيّا العِظامِ فَعْمَة المُخدَّمِ ... فى صَلَبٍ مثل العِنان المؤدَمِ

والصُّلْب أَيضًا: ما صَلُبَ من الأَرض. والصّليب: الشَّديد، ووَدَك العِظام. ومنه سمّى المصلوب للقتل؛ لأَنَّه يسيل وَدَكُه. والصّليب للنَّصارى/ والجمع: صُلُبٌ وصُلْبَان. وصَلَب اللصوصَ وصلّبهم شُدِّد للكثرة، قال تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} . وثوبٌ مُصلَّب: عليه نقش كالصّليب.

بصيرة فى صلح

بصيرة فى صلح الصّلاح والصُّلُوح بمعنى. وصَلَح - كنصر - وصَلُح - ككرم - فهو صالح وصَليِح. ويختصّ الصّلاح بالأَفعال غالبًا. وقوبل فى القرآن تارة بالفساد وتارة بالسَّيّئة، قال تعالى: {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} وقال: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} . وإِذا افتقرت إِلى الذخائر لمْ تَجِدْ ... ذُخرا يكون كصالح الأَعمالِ والناسُ همُّهم الحياةُ ولا أَرَى ... طولَ الحياة يزيد غير خَبالِ وقوله تعالى: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} ، أَى ولدًا صالحًا صحيح البَدَن تامّ الخَلْق. وقوله: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} يعنى (نوحا ولوطا) . وقوله: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} أَى وَلَدٌ مُعْرض عن التَّوحيد. وقوله: {والباقيات الصالحات} ، يعنى سبحان الله، والحمد لله، ولا إِله إِلاَّ الله، والله أَكبر.

وقيل فى قوله تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} يعنى عمر بن الخطَّاب. وقوله تعالى: {والشهدآء والصالحين} إشارة إِلى عثمان بن عفَّان. وقوله: {وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القوم الصالحين} يعنى الصّحابة وأَصحاب النَّجَاشى. وقوله: {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصالحين} يراد بهم جميع المطيعين من الرّجال والنساءِ. وقوله: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين} ، أَى المتوكِّلين عليه. وقوله: {لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصالحين} أَى المؤدّين للزَّكاة. ورفع الخوف عن أَهل الصّلاح فى الدّارين: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . وقال: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} ، وقال: {الذين يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ} . وقال: {أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً والصلح خَيْرٌ} .

وقال: {فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا} . وقال: {ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . وقال: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين} . وقال: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} . وقال: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ} إِلى قوله: {وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ} . وقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} .

بصيرة فى صلدا وصلا

بصيرة فى صلدا وصلا حَجَرٌ صَلْدٌ: وصَلِيد، وصَلُود: صُلْب لا يُنبِت. وجَبِينٌ صَلْدٌ وصَلِيد: أَمْلس شديد. قال رؤبة: لَمّا رأَتنى خَلَقَ المُمَوَّهِ ... بَرّاق أَصلادِ الجبين الأَجلَهِ بعد غُدَانِىّ الشَّباب الأَبلَهِ ... لَيْتَ المُنى والدّهرَ جرى السُّمَّهِ وصَلَدَ الزَنْدُ يَصْلِد صُلُودًا: إِذا صوَت ولم يُخرج نارًا. والصَّلُود والصَّليد: الفرس الَّذى لا يَعْرق. والقِدْر البطيئة الغَلْى. وناقة صَلُود ومِصْلاد: بَكِيئة. وقوله تعالى: {فَتَرَكَهُ صَلْداً} ، أَى حَجَرًا صَلْدًا. والصِّلد - بالكسر - لغة فى الصَّلد بالفتح. وقرأ الخليل: (فَتَرَكَهُ صِلْدًا) بالكسر. (والصَّلَى: الإِيقادَّ بالنَّار) صَلِى بكذا، أَى بُلِى به. واصطلَى بالنَّار.

وصَلَيْتُ الشاةَ: شَوَيتها. وقوله تعالى: {لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأشقى} قيل معناه: لا يصطِلى بها إِلاَّ الأَشقى. الخليل: صلِىَ الكافر النَّارَ: قاسَى حَرّها. وصَلَى اللَّحمَ يَصلِيه صَلْيا: شَواه، وأَلقاه فى النار للإِحراق، وكأَصلاه وصلاَّه. وصَلَّى يده بالنار: سخَّنها وصلِىَ النارَ - كرضى - وبالنار صُلِيَّا وصَلاَء وصِلاَء، وتصلاَّها: قاسَى حرّها. وأَصلاه النَّار وصلاَّه إِيّاها وفيها وعليها: أَدخله إِيّاها وأَثْواه فيها. والصِّلاءُ: يقال للوَقُود وللشِّواءِ. والصَّلاة: الدّعاء والرحمة والاستغفار، وحُسن الثناءِ من الله تعالى على رسوله، وعبادةٌ فيها ركوع وسجود، اسم يوضع موضع المصدر. وصلَّى صلاة، ولا تقل: تصلية، أَى دَعا. وقال صلَّى الله عليه وسلم: "إِذا دُعِى أَحدكم إِلى طعام فليُجب، فإِن كان صائما فليصلّ لأَهله". وصلاة الله للمسلمين هى فى التَّحقيق تزكيته لهم، وهى من الملائكة والنَّاس: الدّعاءُ والاستغفار. وسمّيت العبادة المعروفة صلاة كتسمية الشىء ببعض ما يتضمنّه.

والصّلاة من العبادات الَّتى لم تنفكُ شريعةٌ منها، وإِن اختلفت صُوَرها بحسب شرعٍ شرْعٍ، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً} . وقال بعضهم: أَصل الصّلاة من الصَلَى. ومعنى صلَّى الرّجل أَزال عن نفسه بهذه العبادة الصَلَى الذى هو نار الله الموقدة. وبِناء صَلَّى بناءُ مَرَّض وقرَّد: إِذا أَزال المرض والقُرَاد. ويسمّى موضع العبادة الصّلاة، ولذلك سمّيت الكنائس صَلَوات. قال تعالى: {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} . وكل موضع مدح الله تعالى بفعل الصّلاة أَو حثَّ عليها ذُكر بلفظ الإِقامة، نحو قوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} ، {وَأَقِيمُواْ الصلاة} . ولم يقل المصلِّين إِلاَّ المنافقين، نحو قوله: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} وقوله: {وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى} . وإِنَّما خصّ لفظ الإِقامة تنبيهًا أَنَّ المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها، لا الإِتيان بهيآتها فقط، ولهذا رُوى أَنَّ المصلِّين كثير، والمقيمين لها قليل.

وقد ورد الصلاة فى القرآن على ثلاثة عشر وجها: 1- بمعنى الدّعاءِ: {إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ} . 2- بمعنى الاستغفار: {ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} . 3- بمعنى الرّحمة: {هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ} . 4- بمعنى صلاة الخوف: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة} . 5- بمعنى صلاة الجنازة: {وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} . 6- بمعنى صلاة العيد: {وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى} . 7- بمعنى صلاة الجمعة: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة} . 8- بمعنى صلاة الجماعة: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُواً} . 9- بمعنى صلاة السَّفَر: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة} .

10- بمعنى صلاة الأُمم الماضية: {وَأَوْصَانِي بالصلاة والزكاة} . 11- بمعنى كنائس اليهود: {وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} . 12- بمعنى الصلوات الخمس: {وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة} . 13- بمعنى الإِسلام: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى} ، أَى لا أَسلم. وقد ذكر الله تعالى الصّلاة فى مائة آية من القرآن العظيم. وفى كل آية إِمّا وَعَد المصلِّين بالكرامة، أَو أَوعد التَّاركين لها بالعقوبة والملامة. أَوّلها: {يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة} ، وآخرها: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} ، سمّى صلاتهم مُكاءَ وتصدية تنبيهًا على إِبطال صلاتهم، وأَن لا اعتداد بفعلهم ذلك، بل هم كطيور تَمْكُو وتُصَدِّى.

بصيرة فى صم

بصيرة فى صم الصَّمَم: انسدادُ الأُذن وثِقَلُ السّمع. صَمّ يَصَمّ - بفتحهما - وصمِمَ كعَلِمَ نادر، صَمًّا وصَمَمًا. وأَصمَّ بمعنى صمّ، وأَصمّه الله، لازم متعدٍّ. قال تعالى: {فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أَبْصَارَهُمْ} وهو أَصَمُّ. والجمع: صُمٌّ وصُمَّانٌ. وتصامّ عن الحديث، وتصامّ صاحبَه: أَراه الصّمَم. وشبّه بالأَصمّ من لا يصغى إِلى الحقّ ولا يقبله. فقال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} . ويشبّه من لا صوت له به. والصَّماءُ: الداهية. وصَمَّى صَمَامِ؛ أَى زِيدى يا داهية.

بصيرة فى صمد

بصيرة فى صمد الصَّمْد: المكان المرتفع الغليظ لا يبلغ أَن يكون جبلاً مرتفعًا. والصِّمَاد: عِفاص القارورة أَو سِدادها. وقد صَمَدتها أَصمُدها. والصَّمَدَ - بالتَّحْرِيك -: السيّد لأَنَّه يُصمد إِليه فى الحوائج، أَى يُقصد. ومنه حديث عمر رضى الله عنه: أَيّها النَّاس إِيّاكم وتعلُّمَ الأَنساب والطَّعن فيها. والذى نفسُ عمر بيده، لو قلت: لا يَخرج من هذا الباب إِلاَّ صَمَدٌ ما خرج إِلاَّ أَقَلّكم. قال عمرو بن الأَسلع يذكر حُذَيفة ابن بدْر الفَزَارىّ: علوتُه بحُسَامٍ ثمّ قلت له ... خذها حُذيفَ فأَنت السيّد الصّمدُ وقال شبرة بن عمرو فى عمرو بن مسعود بن كَلَدة: لقد بَكَرَ النَّاعى بخيرَىْ بنى أَسَدْ ... بعمرو بن مسعود وبالسيّد الصّمدْ فمَن يك يَعْيا بالجواب فإِنَّه ... أَبو مَعْقِلٍ لا حُجْرَ عنه ولا حَدَدْ أَراد: خيِّرَىْ بتشديد الياءِ الأُولى فخفَّفها. وخَيْر لا يثنىّ ولا يجمع. [والصَمَد: الرَّجل لا يعطش ولا يجوع] فى الحرب. وأَنشد المؤرّجُ: وسارِيَةٍ فوقها أَسْوَدُ ... بكفّ سبَنْتَى ذَفِيفٍ صَمَدْ

السّارية، الجبل المرتفع جدًّا كأَنَّه علم. والأَسْوَد: العَلَم. الصّمد أَيضًا: الرّفيع من كلّ شىء. وقال الحسن: الصّمد: الدّائم الباقى. وقال مَيْسَرة: الصّمد: المُصْمَت الذى لا جَوف له. وقيل الصَّمَد: الذى ينتهى إِليه السؤدد. والصَّمَد: القوم الَّذين ليس لهم حِرفة ولا شىء يعيشون به. وبيت مُصَمّد كمحمّد، أَى مقصود. وقال طَرَفة بن العبد: وإِنْ يَلْتَقِ الحىُّ الجميع تُلاقِنى ... إِلى ذروة القَرْم الكريم المصمَّدِ واعلم أَن الذى لا جوف له شيئان: أَحدهما لكونه أَدْوَنَ من الإِنسان؛ مثل الجمادات، والثَّانى أَعلى منه، وهو البارىء تعالى والملائكَة. والقصد بقوله: {الله الصمد} تنبيه أَنَّه بخلاف من أَثبتوا له الأُلوهيَّة، وإِلى نحو هذا أَشار بقوله: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام} . والصَّمَد أَيضا: المشدّد. قال طَرَفة بن العبد يصف قلب ناقته: وأَروعُ نبَّاضٌ أَحَذُّ مُلَمْلَمٌ ... كمِرادة صَخْر من صَفِيحٍ مُصَمَّدِ

بصيرة فى صمع وصنع

بصيرة فى صمع وصنع يقال: هو أَصمع القلب: إِذا كان متيقِّظًا ذكيًّا. والأَصمعان: القلب الذكىّ والرّأُى الحازم. والأَصمع: الصّغير الأُذُن. والصّمعاءُ من النبت: ما كان مدقَّقًا مُدَمْلَكًا. وقيل: كلّ بُرعومة ما دامت مجتمْعة منضمّة لم تَتَفتَّح فهى صَمعاءُ. وصَوْمعة النَّصارَى سمّيت صومعة لأَنَّها دقيقة الرّأْس. وقال ابن عبّاد: يقال: صوامعٌ أَيضًا. ويقال للعُقَاب: صومعة لأَنَّها أَبدًا مرتفعة منتصبة على شَرَف. والصّوامع: البرانِس. وصومعة الثريد: ذروتها. وظبى مصمَّع، أَى مؤلَّل. وثريدة مصمّعة، أَى مدقِّقة الرأْس محدّدته. وصومعَ الثريدة: دَقَّقها وحدّد رأْسَها. والصُّنْع - بالضمّ -: مصدر قولك: صَنع إِليه معروفًا. وصنع به صنيعًا قبيحًا، أَى فعل. وقول النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِن من كلام النبوّة الأُولى إِذا لم تستَحْىِ فاصنع ما شئت"، أَى اصنع ما شئت فإِنَّ الله مجازيك. قال ثعلب: وهذا على الوعيد، كقوله تعالى: {فَمَن شَآءَ

فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} قيل: هذا أَمر معناه الخبر، كأَنَّه قال: من لم يستَحْىِ صنع ما شاءَ. وقيل: معناه أَن يريد الرّجل أَن يعمل الخير فيدَعه حياء من النَّاس، كأَنَّه يخاف مذهب الرّياءِ، أَى لا يمنعُك الحياء من المضىّ لما أَردت. وهذا معنى صحيح يشبهه حديثه الآخر: "إِذا جاءَك الشيطان وأَنت تصلِّى فقال: إِنَّك ترائى فزدها طولاً". قال: إِذا لم تَخْشَ عاقبةَ اللَّيالى ... ولم تَسْتَحْى فاصنع ما تشاء وقوله تعالى: {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} ، قال الزَّجّاج: القراءة بالنصب، ويجوز الرّفع، فمن نصب فعلى المصدر. وقوله تعالى: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} دليل على الصّنعة، كأنَّه قال: صَنَعَ الله ذلك صُنْعًا. ومن قرأَ بالضمّ فعلى معنى: ذلك صنع الله. والمَصْنَعة كالحوض يُجمع فيها ماءُ المطر، وكذلك الصِّنْع، قال الله تعالى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} . والمصانع: المبانى من القصور والحصون. قال لبيد رضى الله عنه: بَلِينا وما تَبْلَى النّجومُ الطوالعُ ... وتبقى الجبالُ بعدنا والمصانعُ وقال الأَصمعى: العرب تسمّى القُرَى مصانع، وأَنشد لتَميم بن أُبىّ ابن مقبل:

كأَنَّ أَصواتَ أَبكار الحَمَام به ... فى كلّ مَحْنِيَةٍ منه يُغنّينا أَصواتُ نِسوان أَنباطٍ بمصنَعة ... بَجّدْن للنَّوح واجْتَبْنَ التبابينا بجَّدن: لبسن البُجُد. ويروى الأَتابينا: جمع (إِتَاب، جمع إِتْب) . واصطنعت عند فلان صَنِيعة. واصطنعت فلانًا لنفسى، قال الله تعالى: {واصطنعتك لِنَفْسِي} ، أَى اخترتك لخاصّة أَمر أَستكفيكه. وقيل الاصطناع: المبالغة فى إِصلاح الشىء. وقولُه تعالى: {وَلِتُصْنَعَ على عيني} إشارة إِلى نحو ما قال بعض الحكماءِ: إِنَّ الله تعالى إِذا أَحبّ عبدًا تفقَّدهُ كما يتفقَّد الصديقُ صديقه. والتصنّع: تكلُّف حُسْن السَّمْت. والمصانعة: الرّشوة، والمداراة أَيضًا. قال زُهَيْر بن أَبى سُلْمَى ومن لم يُصانِعْ فى أُمورٍ كثيرة ... يُضرَّسْ بأَنيابٍ ويطأْ بمَنْسِم أَى من لم يُدارِ النَّاس غلبوه وقهروه وأَذلَّوه.

بصيرة فى صنم وصنوا

بصيرة فى صنم وصنوا الصَّنَمَ: كلّ جُثَّة متخذة من فضَّة أَو نحاس. كانوا يعبدونها متقرّبين بها إِلى الله تعالى. وجمعه: أَصنام. وقيل: كلّ ما عُبد من دون الله تعالى، بل كلّ ما شَغَل عن الله تعالى يقال له: صنم. وعلى هذا الوجه قال إِبراهيم الخليل عليه السّلام: {واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} ، ومعلوم أَنََّ إِبراهيم عليه السّلام مع تحقُّقه بمعرفة الله تعالى واطّلاعه على حكمته لم يكن ممّن يخاف أَن يعود إِلى عبادة تلك الجُثَث التى كانوا يعبدونها، وكأنَّه قال: اجنُبْنى عن الاشتغال بغيرك. والصّنم أَيضًا: خُبْث الرائحة. والصّنم أَيضًا: قوّة البعد. والصَّنم أَيضًا: العبد القوِىّ. وصَنَّمَ: صَوَّرَ. والصَّنْو - بالفتح -: العُود الخسيس بين جبلين، أَو الماءُ القليل بينهما، أَو الحَجَر يكون بينهما. والجمع: صُنُوّ كنَحْو ونُحُوّ.

والصِنوُ - بالكسر - الحَفْر المعطَّل، والأَخ الشَّقيق، والابن، والعمّ. والجمع: أَصْناءُ وصِنْوانٌ. وهى صِنْوة. والنَّخلتان فما زاد فى الأَصل الواحد، كلّ واحد منها صِنْو وصُنْو. وقيل عامّ فى جميع الشجر، وهما صُنْوان وصَنْوانِ وصِنوانِ وصُنيانِ وصَنْيان وصِنْيانِ، قال تعالى: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} .

بصيرة فى صوب

بصيرة فى صوب صاب المَطَرُ بمكان كذا، وصاب أَرضَهم يَصُوبها، كقولك: مَطَرها وجادها. وسقاهم صَوْبُ السّماءِ وصيِّبُها، قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء} . وسحابٌ صَيِّب، وغَيْث صيِّب. وأَصابته مُصيبة، ومُصَاب، ومصيبات ومصائب، قال الله تعالى: {الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ} . وسهم صائب ومُصيب. وصاب السّهمُ نحو الرّمِيَّة وهو يَصُوب نحوَه. وَرَمى فأَصاب. وأَصاب فى رأيه. ورأىٌ مصيب وصائب. وأَصاب الصّواب، وصوّبت رأيه. وقال تعالى: {رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ} . والصّواب يقال على وجهين: أَحدهما باعتبار الشىء فى نفسه، يقال: هذا صواب: إِذا كان محمودًا أَو مرضيّا فى العقل والشرع؛ نحو قوله: تحرِّى العدلِ صوابٌ، (والكرَم صواب) . الثانى باعتبار الفاعل إِذا أَدرك المقصود بحسب ما يقصده، فيقال: أَصاب كذا، أَى وجد ما طلب، (كقولك: أَصابه بالسهم) وذلك على أَضرب:

الأَوّل: أَن يقصد ما يَحسن قصدُه وفعله فيفعلَه، وذلك هو الصّواب التَّامّ المحمود عليه. والثانى: أَن يقصد ما يحسن فعله فيتأَتَّى منه غيره؛ لتقديره بعد بذل جهده أَنه صواب. وذلك هو المراد بما يُرْوَى: كلُّ مجتهد مصيب. ومنه: مَن اجتهد فأَصاب فله أَجران، وإِن أَخطأَ فله أَجر. والثالث: أَن يقصد صوابا فيتأَتَّى منه خطأ لعارض (من خارج) ؛ نحو من يقصد رَمْى صيدٍ فأَصاب إِنسانًا، فهذا معذور. وَالرَّابع: أَن يقصد ما يقبح فعله، ولكن يقع منه خلاف ما يقصده، فيقال: أَخطأَ فى قصده فأَصاب الذى قصده، (أَى وجده) . والصَوْب: الإِصابة، يقال: صابَه وأَصابَه. وجُعل الصَوْب لنزول المطر إِذا كان بقدر ما ينفع، وإِلى هذا القدر من المطر أَشار تعالى بقوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ} . قال الشاعر: فَسَقَى دِياركِ غيرَ مُفسِدِها ... صَوْبُ الرّبيع ودِيمةٌ تَهْمِى

وقيل: الصَيَب: السّحاب المختصّ بالصَوْب، وهو فَيْعِل من صاب يَصُوب، وقيل: هو السّحاب. قيل: هو المطر، وقيل: هو الغيم ذو المطر. وأَصله صَيْوب فأبدل وأدغم. وقال ابن دريد: أَصله صَوِيب، على فَعِيل. وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "من يُردِ الله بهُ خيرًا يُصِب منه"، أَى من أَراد به خيرًا ابتلاه بالمصائب لِيُثِيبَهُ عليها. يقال: مصيبة ومُصَابة. وقد أَجمعت العرب على همز المصائب وأَصلها الواو، كأَنَّهم شبّهوا الأَصل بالزائد. ويجمع أَيضًا على مَصاوِب على الأَصل. وقال تعالى: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} . وأَصاب جاءَ فى الخير والشرّ، قال تعالى: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} . وقال بعضهم: الإِصابة فى الخير اعتبارًا بالصَوْب، أَى المطر، وفى الشرّ اعتبارًا بإِصابة السّهم.

بصيرة فى صوت

بصيرة فى صوت الصَّوت: هو الهواءُ المنضغِط عن قَرْع جسمين. وأَمَّا قول رُوَيشد ابن كثير الطَّائىّ: يا أَيّها الرّاكب المُزْجِى مَطِيَّته ... سائلْ بنى أَسَدٍ ما هذه الصَّوتُ فإِنَّما أَنَّثه [لأَنه] أَراد به الضوضاء به والجلبة والاستغاثة. والصوت ضربان: ضرب مجرّد عن تنفس بشىء كالصوت الممتدّ، ومتنفس بصورة مّا. وهو ضربان: ضرورىّ كما يكون من الجمادات ومن الحيوانات. واختيارىّ كما يكون من الإِنسان. وذلك ضربان: ضرب باليد كصوت العُود ونحوه، وضرب بالفم. وهو أَيضا ضربان: نطق وغير نطق، كصوت الناى. والنطق إِمّا مفرد من الكلام، وإِمّا مركَّب كأَحد الأَنواع من الكلام، قال تعالى: {لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} ، وتخصيص الصّوت بالنَّهى لكونه أَعمّ من النطق والكلام. ويجوز أَنَّه خصّة لأَنَّ المكروه رفع الصّوت فوق صوته لا رفع الكلام.

بصيرة فى صور

بصيرة فى صور الصُّورة: ما ينتقِش به الأَعيان وتتميّز بها عن/ غيرها. وذلك ضربان: ضرب محسوس يدركه الخاصّة والعامّة، بل يدركه الإِنسان وكثير من الحيوانات؛ كصورة الإِنسان، والفرس والحمار. والثَّانى، معقول يدركه الخاصّة دون العامّة؛ كالصّورة التى اختصّ الإِنسان بها: من العقل والرويّة والمعانى التى مُيّز بها. وإِلى الصّورتين أَشار تعالى بقوله: {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} ، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} ، {في أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} ، {هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَآءُ} . وقوله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: "إِنَّ الله خلق آدم على صورته". أَراد بها ما خُصّ الإِنسان به من الهيئة المدرَكة بالبصر والبصيرة، وبها فضَّله على كثير من خَلْقه. وإِضافتُه إِلى الله تعالى على سبيل المِلْك لا على سبيل البعضيّة والتشبيه، تعالى الله عن ذلك. وذلك على سبيل التشريف كما قيل: حَرَمُ الله، وناقة الله، ونحوُ ذلك قوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} .

وقوله: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور} ، هو مثل قَرْن يُنفخ فيه فيجعل الله تعالى ذلك سببا لعَوْد الأَرواح إِلى أَجسامها. ويُروى أَنَّ الصُّور فيه صُوَر النَّاس كلهم. وقوله: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطير فَصُرْهُنَّ} بضمّ الصّاد وكسرها أَى أعطفهنّ وأَمِلْهنّ. وقيل: معناه قطَّعهنّ صورة صورة. وقال بعضهم: (صُرَّهنَّ) بضمّ الصّاد وتشديد الرّاءِ وفتحها من الصَّرّ، أَى الشدّ. قال وقرىء (فصِرَّهنّ) بكسر الصّاد وبفتح الرَّاءِ المشدّدة من الصّرير، أَى الصّوت، أَى صِحْ بهنّ.

بصيرة فى صهر وصوع

بصيرة فى صهر وصوع الصِّهْر: الخَتَن، وأَهلُ بيت المرأة يقال لهم الأَصهار. كذا قال الخليل. وقد يقال لأَهل الزَّوجين جميعًا: هم أَصهار. وبينهم صِهْر وصُهُورة. وأَصهرت [إِلى] آل بنى فلان، وصاهرت إِليهم: إِذا تزوّجت إِليهم. وقال ابن الأَعرابىّ: الإِصهار: التحرُّم بجِوارٍ أَو نسب أَو تزوّجٍ، يقال: رجل مُصْهِر: إِذا كان له تحرُّم من ذلك. قال تعالى: {نَسَباً وَصِهْراً} . والصَّهْر: إِذابة الشيء قال تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ والجلود} . وصهَرَ الشحم. وأَكل صُهَارته، وهى ذَوْبه. وصهر رأْسه: دَهَنه بالصُهَارة. وصهره باليمين صَهْرًا: استحلفه على يمينٍ شديدة. الصّاع: الذى يُكال به، وهو أَربعة أَمداد. والجمع: أَصْوُع. وإِن شئت أَبدلت من الواو المضمومة همزة. وقد جمع [فى] القلة. وهو يذكَّر ويؤنَّث، فمن أَنَّثه قال: ثلاث أَصْوُع. وقرأَ ابن مسعود: (ولِمَنْ جاءَ بها) على التأَنيث. ومن ذكَّره قال: أَصواع، مثل باب وأَبواب. ويجمع أَيضًا

على صِيعان، كقاعٍ وقيعان. وقرأ أَبو هريرة رضى الله عنه، ومجاهد، وأَبو البَرَهْسَم: (قالُوا نَفْقِدُ صَاعَ المَلِكِ) . والصُّواع، والصِّواع، والصُّوع بالضمّ، والصَّوْع بالفتح؛ لغات فى الصّاع. وقرأ أَبو حَيْوة وابن قطيب: (صِوَاع الملك) بالكسر. وقرأ حسن البصرىّ، وأَبو رجاء، وعَوْن بن عبد الله، وعبد الله بن ذَكْوَان: (صُوَاع المَلِك) بالضمّ. وقرأ أَبو رجاء أَيضًا: (صَوْع الملِك) بالفتح. وقرأَ بعضهم: (صَوْغ الملك) بالغين المعجمة، يذهب به إِلى أَنه [كان] مصوغًا من الذهب. ويعبّر عن المكيل باسم ما يكال به فى قوله: صاع من بُرّ، أَو صاع من تمر.

بصيرة فى صوف وصيف

بصيرة فى صوف وصيف الصوف للضَّأَن. والصُّوفة أَخصّ منه. وفى المثل: خَرْقاءُ وجدت صوفًا/. وأَصله المرأَة غير الصَنَاع تصيب صوفًا فلا تَحذِق غَزْله، فتفسده. يُضْرَبُ للأَحمق يجد مالاً فيضيّعه. وأَخذ بصُوف رقَبَتِه وبظُوفها وبظافها وبقُوفها، أَى بجلْد رقبته أَو بقفاه أَجمعَ: إِذا أَخذه قهرًا. والصُّوفة: قوم كانوا يخدمون الكعبة ويُجيزون الحجّ فى الجاهليّة. وهم بنو صوفة. وصُوفة: أَبو حىّ من مُضَر، وهو الغَوْث بن مُرّ بن أُدّ ابن طابخة. والصَّيف: واحدُ فصولِ السَنَة، والجمع: أَصياف. والصَّيْفة أَخصّ منه كالشَتْوة. قال الفرّاءُ: جمعها صِيَف كَبَدْرة وبِدَر. وصَيْف صائف، تأْكيد كَلَيْلٍ لائِل. والصَيْف: المطر الذى يجىء فى الصّيف. والصّيِّف كسيّد: المطر يأْتى بعد فصل الرّبيع. وصائفة القوم: مِيرتهم.

بصيرة فى صوم والصيصية

بصيرة فى صوم والصيصية صامَ: سَكَت: {إِنِّي نَذَرْتُ للرحمان صَوْماً} ، أَى سكوتًا، بدليل قوله: {فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً} . وصام الماءُ، وقام، ودام بمعنى. وصامت الرّيحُ: ركدت. وقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} أَى فَلْيَصُمْ فيه. ورجلٌ صَوّام قَوّام. وقوم صِيام، وصَوْم، وصُوّام، وصُيَّم. ويقال للفرس المُمْسِك عن المسير والعلَف: صائم. قال. خَيْلٌ صِيامٌ وخيل غير صائمةٍ والصّيصِيَة: شوكة الحائك يسوِّى بها السَدَى واللُّحْمَة، وشوكة الدّيك، وقرن البقر والظِّباء، والحِصْن المنيع، وكلّ ما امتُنِع به. والجمع: صَيَاصٍ قال تعالى: {وَأَنزَلَ الذين ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الكتاب مِن صَيَاصِيهِمْ} .

الباب السادس عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الضاد

الباب السادس عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الضاد

بصيرة فى الضاد

بصيرة فى الضاد وهى ترد فى القرآن وفى لغة العرب على وجوه: 1- حر ف من حروف الهجاءِ شَجْرىّ، مخرجها من مفتتح الفم، يذكَّر وَيُؤنَّث. ضَوّدت ضادًا حسنَةً وحَسَنًا. ويجمع على أَضوادٍ، وضادات. 2- الضَّاد اسم لعدد الثَّمانمائة فى حساب الجُمّل. 3- الضَّاد الكافِيَة؛ كما يكتفون عن ضماد، وأَضداد، بذكر الضَّاد. قال الشاعر: فَهُمْ فى الحَىِّ أَحبابٌ ... وعند المُلْتَقَى ضادُ أَى أَضداد. 4- الضَّاد المكرّرة فى: فضض، وقضض. 5- الضَّاد المدغمة فى مثل: رضّ، وفضَّ. 6- ضاد العجز والضَّرورة، فبعض النَّاس ينطق بالضَّاد على صيغة الدّال، وأَهل خراسان قاطبة على صيغة الزَّاى. 7- الضَّاد المشدّدة المبنيّة بالفتح، تقول: ضادَّه، أَى خالفه.

8- الضَّاد الأَصل، فى نحو: ضرب، وحضر، وفرض. 9- الضَّاد المبدلة: إِمّا من الصَّاد كالنَّصنصة والنَّضنضة للحركة، وإِمّا من الظاءِ كما فى قول الشاعر: إِلى الله أَشكو من خَليلٍ أَوَدُّه ... ثلاثَ خِلال كلَّها لِىَ غائض أَى غائظ. 10- الضَّاد اللّغوى. قال الخليل: الضاد عندهم: الهُدهد الضعيف، قال الشاعر: كأَنِّىَ ضادٌ يوم فارقت مالكًا ... أَنُوءُ إِذا رُمْتُ القيامَ فأَكسَلُ

بصيرة فى ضبح وضحك

بصيرة فى ضبح وضحك ضَبْح الخيل: صَوتُ أَنفاسها عند العَدْو. وجاءَت الخيلُ/ ضَوابحَ. قال تعالى: {والعاديات ضَبْحاً} . ويقال: ما سمعت إِلاَّ نُبَاح الأَكالِب وضُبَاح الثعالب. وقيل: الضَّبْح: العَدْو الخفيف. وقيل: الضَّبْح كالضَبْع، وهو مدّ الضَبْع فى العَدْو. والضَّحِك: انبساط الوجه وتَكْشِيرُ الأَسنان من سرور. ضَحِك - كعلم - ضَحْكًا - بالفتح - وضِحِكًا - بكسرتين - وضَحِكًا - ككتف - وتضَحّك وتضاحك، فهو: ضاحك، وضحّاك، وضُحُكَّة كحُزُقَّة، وضَحُوك، ومضحاك. وضُحَكة كهُمَزَةٍ: كثير الضَّحك. وضُحْكة بالضمّ: يُضحَك منه. والضحّاك والضُحَكة ذمّ، والضُحْكة أَذَمّ. وجاءَ بأُضحوكة وبأَضْاحيك. وتقول: ما أَضاحِيك إِلاَّ أَضاحِيك. وقد يستعمل الضحك للتعجّب المجرّد. وهذا المعنى قَصْد من قال: الضَّحك يختصّ بالإِنسان. وبهذا المعنى قال تعالى: {وامرأته قَآئِمَةٌ

فَضَحِكَتْ} ، وضحكها كان للتَّعَجّب. ويدل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّ هاذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} . وقول من قال: حاضت ليس ذلك تفسيرًا لقوله: (فضحكت) كما تصوّر بعض المفسّرين فقال: ضحكت بمعنى حاضت، وإِنما ذكر ذلك تَنْصيصا بحالها، فإِنَّ الله تعالى جعل ذلك أَمَارة لما بُشِّرت به، فحاضت فى الوقت لتعلم أَنَّ حملها ليس بمنكَر؛ إِذ كانت المرأَة ما دامت تحيض فإِنَّها تَحْبَلُ. وقد يستعمل الضَّحك فى السّرور المجرّد كما فى قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ} .

بصيرة فى ضحى

بصيرة فى ضحى الضَّحْو، والضَّحْوة، والضَحِيّة - كعشيّة: ارتفاع النهار. والضُحَا فُوَيْقه. ويذكَّر ويصغَّر ضُحَيَّا بلا تاءٍ. والضَحاء - بالفتح والمدّ - إِذا كَرَب انتصافُ النَّهار، وبالضمّ والقصر -: الشَّمس. وأَتيتك ضَحْوَةً، وضَحَاء، وضُحِيًّا، أَى ضُحًا. وأَضحى: صار فيها. وضاحانى رسولُك. قال تعالى: {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} . وضَحِىَ يَضْحَى - كرِضِىَ يرضَى -: تعرّض للشَّمس، قال تعالى: {لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى} ، أَى لك أَن تتصَوّن من حَرّ الشمس. وضَحَّى قومه: غدّاهم فتضَحَّوا، ودعاهم إِلى ضَحَائه. وضَحَّى إِبله: رعاها ضَحَاءِ. وضاحية كلّ شىء: ناحيته البارزة. وضواحى الإِنسان: ما برز منه، كالكتفين والمَنْكِبَيْن، ومن الحَوض: نواحيه. وليلة ضَحْياءُ وإِضْحِيانَةٌ وإِضْحِيَةٌ: مضيئة. ويومٌ ضَحْياةٌ.

بصيرة فى ضد

بصيرة فى ضد الضِّدّان: الشيئان اللذان تحت جنس واحد، وينافى كلّ واحد منهما الآخر فى أَوصافه الخاصّة، وبينهما أَبْعَد البُعْد؛ كالسّواد والبياض، والخير والشر. وما لم يكونا تحت جنس واحد لا يقال لهما الضدّان؛ كالحَلاوة والحركة. قالوا: والضدّ أَحد المتقابلات، فإِن المتقابلَين هما الشيئان المختلفان اللذان كلّ واحد قُبَالةَ الآخر، ولا يجتمعان فى شىء واحد [فى وقت واحد] . وذلك أَربعة أَشياء: الضدّان؛ كالبياض والسّواد، والمتضايِفان؛ كالضِّعْف والنصف، والوجود والعدم، [و] كالبصر والعمى، والموجِبة والسّالبة فى الأَخبار، نحو: كلّ إِنسان ههنا، وليس كل إِنسان بههنا. وكثير من المتكلِّمين وأَهل اللغة يجعلون كلّ ذلك من المتضادّات، ويقولون: الضدّان: ما لا يصحّ اجتماعهما فى محلّ واحد. وقيل: الله تعالى لا نِدّ له ولا ضِدّ له؛ لأَنَّ الندّ هو الاشتراك فى الجوهر، والضدّ هو أَن يعتقب الشَّيئان المتنافيان فى جنس واحد، والله تعالى منزَّه عن أَن يكون له جوهر، فإِذًا لا ضدّ له ولا نِدّ.

والضَّدِيد بمعنى الضدّ، والجميع: أَضداد، يقال: / لا ضدّ له ولا ضَدِيد، أَى لا نظير له ولا كُفْء له. وقال أَبو عمرو الضِدّ: مثل الشىء، والضدّ: خلافه: (فُسّرا به) من الأَضداد. وقوله تعالى: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} ، قال الفرَّاءُ: أَى عَوْنا، فلذلك وحَّده. وقال عِكْرِمة: أَى أَعداء. وقال الأَخفش: الضِدّ يكون واحدًا ويكون جمعًا. وقال الأَزهرىّ: يعنى الأَصنام التى عبدها الكفَّار تكون أعوانًا على عابديها. وضادّه، وهما متضادّان، أَى لا يجوز اجتماعهما فى وقت واحد، كالليل والنَّهار.

بصيرة فى ضرب

بصيرة فى ضرب ورد الضَّرب فى اللغة والقرآن على وجوه: الضَّرْب: الخفيف من المطر. والضَّرْب: الصفة والصّنف من الأَشياء. والضَّرْب: الرجل الخفيف اللحم. قال طَرَفة بن العبد. أَنا الرجل الضَّرْب الذى تعرفوننى ... خِشاشٌ كرأس الحيَّة المتوقِّدِ الضَّرْبُ الإِسراع فى السّير: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأرض} ، {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض} . الضَّرْب: الإِلزام: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة} ، أَى أُلزموهما. الضَّرب بالسّيف وباليد: {فاضربوا فَوْقَ الأعناق} ، أَى بالسّيف، {واضربوهن} ، أَى باليد. الضرب: الوصف: {ضَرَبَ الله مَثَلاً} ، أَى وَصَفَ، {نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} ، أَى نَصِفها.

الضرب: البيان: {وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} ، {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثال} أَى بيّنَّا. ويقال: ضرب على يديه: إِذا أَفسد عليه أَمرًا أَخّذ فيه. وضرب القاضى على يده: حجره. وضرب على المكتوب. وضَرَبَ الجُرْحُ والضِّرْسُ: اشتدّ وجعه. وضرب الشىءَ بالشىء: خلطهُ. وقوله تعالى: {فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ} أَى أَنمناهم، وقيل: منعناهم السّمع؛ لأَنَّ النَّائم إِذا سمع انتبه. وضرب العِرْقُ ضَرَبانا: نَبَض، ولَحىَ الله زمانًا ضرب ضربانَهُ، حتى سلّط علينا ظَرِبانه. وضرب خاتَمًا. وضرب اللبِن. وضرب مثلاً. وأَضْرَبَ فى بيته: إِذا لم يبرح منه، وأَضرب عن الأَمر: عَزَف عنه. والضريبة: الطبيعة. وضرب الدّهرُ بينهم: فرّق. وضربته العقرب: لدغته. وضَرَبَ

مناقب جَمّة واضطربها: حازم. وهم ضُرَباء أَى قرناءُ. وأَضرب البردُ النباتَ: أَفسده. ورأَيت ضَرْب نساء، أَىْ نساء. قال الراعى: وضَرْبُ نساءٍ لو رآهنَّ راهبُ ... له ظُلّة فى قُلّة ظلّ رانِيا وضرب الزمان: مَضَى. وقال ذو الرمة: فإِن تضرب الأَيّام يا مىّ بيننا ... فلا ناشِرٌ سِرًا ولا متغيّر وضَرَبَ الدّراهم اعتبارًا بضربه بالمِطرقة. وضرب الخَيْمَة لضرب أَوتادها بالمطرقة. وضَرْب العُود والناى والبُوق يكون بالأَنفاس. والمضاربة: ضرب من الشركة. والمضرَّبة: ما أَكثر بالخياطة ضَرْبه. والتضريب: التحريض والإِغراءُ، كأَنَّه حَثٌّ على الضرب. والضَّرَبُ محركة: العسل.

بصيرة فى ضر

بصيرة فى ضر ضرّه ضَرَرًا وضَرًّا، وضَرُورة وَضَرُوراء، وضاروراء، وهو سُوءُ الحال، إِمّا فى نفسه؛ كقلّة العلم والفضل والعفّة، وإِمّا فى بدنه، كعدم جارحة ونقص، وإِمّا فى حالة ظاهرة من قلّّة مال وجاه. والمُضِرّ بمعناه. وقد ورد فى القرآن واللغة على وجوه: 1- بمعنى البلاء والشدّة: {والصابرين فِي البأسآء والضراء} ، {الذين يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ والضرآء} . 2- بمعنى الفقر والفاقة: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} ، {إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} ، أَى ما قدّر من الفقر. 3- بمعنى القحط والجَدْب، وضِيق المعيشة: {مَّسَّتْهُمُ البأسآء والضرآء} {مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ} ، أَراد به قحط المطر.

4- بمعنى اختلاف الرّياح والأَمواج وخوف الهلاك/: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر} . 5-بمعنى المرض والوجع والعِلّة: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ} ، أَى العلَّة، {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ} ، أَى من عِلَّة. 6- بمعنى [نقص] القَدْر والمنزلة: {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً} أَى لن ينقصوه، {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ} : ما ينقصونك. 7- بمعنى الإِيذاء وإِيصال المِحَن، فى معارضة المنفعة والراحة: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} ، {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} . 8- بمعنى الجوع والعُرْى: {ياأيها العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر} . وله نظائر. وقوله تعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} تنبيه على قلّة ما ينالهم من جهتهم، وتأمين من ضرر يلحقهم، نحو: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} .

وقوله: {يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ} إلى قوله: {يَدْعُواْ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} ، فالأَول يَعنى به الضرّ والنفع اللذين بالقصد والإِرادة؛ تنبيهًا أَنَّه لا يقصد فى ذلك ضرًّا ولا نفعًا لكونه جمادًا. وفى الثَّانى يريد ما يتولّد من الاستعانة به وعبادته، لا ما يكون منه بقصد. والضَرَّاءُ تُقابَل بالسّراءِ والنَّعماءِ، والضَرّ بالنَّفع. ورجل ضَرِير: كناية عن فاقد البصر. والضَّرير: المضارّ. {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} ، يجوز أَن يكون مسندًا إِلى الفاعل، كأَنَّه قال: لا يضارِرْ، وأَن يكون مسندًا إِلى المفعول، أَى لا يضارَرْ بأَن يُشغل عن صنعته ومعاشه باستدعاءِ شهادته. وقوله: {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} ، فإِذا قرىء بالرَّفع فلفظه خبرٌ ومَعناه أَمر، وإِذا فُتح فأَمرٌ. والاضطرار: حَمْلُ الإِنسان على ما يُضرّ. وهو فى التعارف: حملٌ على أَمر يكرهه، وذلك على ضربين: أَحدهما اضطرار بسبب خارج كمن يُضرَب أَو يهدَّد حتى ينقاد، أَو يؤخذ قهرًا فيُحمل على ذلك؛ كما

قال تعالى: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النار} . والثانى بسبب داخل، وذلك إِمّا بقهر قوّة لا يناله بدفعها هلاك؛ كم غَلَب عليه شهوة خمر أَو قِمار، وإِمّا بقهر قوّة يناله بدفعها الهلاك؛ كمن اشتدّ به الجوع فاضطُرّ إِلى أَكل مَيتة، وعلى هذا: {فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} . وقوله: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} هو عامّ فى كلّ ذلك.

بصيرة فى ضرع

بصيرة فى ضرع الضَّرْع لكلّ ذات ظِلْف أَو خُفّ. اللَّيث: الضَرْع للشَّاة والبقرة ونحوهما، وللنَّاقة خِلْف. أَبو زيد: الضَّرْع جِمَاع. وفيه الأَطْباء وهى الأَخلاف، واحدها طُبْىٌ وخِلف. وفى الأَطْباءِ الأَحاليل، وهى خروق اللبن. ابن دريد: الضَرْع: ضَرْع الشاة. والجمع: ضروع. وشاة ضَرْعاء: عظيمة الضَّرع. والضَّريع: نبات أَخضر مُنْتِنُ الرّيح، يَرمِى به البحر. وقال أَبو الجوزاء: الضَّرّيع: السُّلاّءُ. وجاءَ فى التفسير أَنَّ الكفَّار قالوا: إِنَّ الضَّريع لتسمَن عليه إِبلنا، قال الله تعالى: {لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ} . وقال ابن الأَعرابىّ: الضريع: العَوْسَج الرَّطْب. فإِذا جفَّ فهو عوسج. فإِذا زاد فهو الخَزيز. ابن عبّاد: الضريع: يبيس كلّ شجر. قال: والضريع: الشراب الرّقيق. الليث: الضَّريع: الجلدة التى على العظم تحت اللحم من الضِّلَع. قال:

والضَّريع: نبت فى الماء الآجِن، له عروق لا تصل إِلى الأَرض. وقال غيره: الضَّريع الخَمْر. ويقال للرّجل إِذا استكان وخضع وذلّ: ضَرَعَ وضَرُع، وضَرِع ضَرَعًا وضَرَاعة. وقومٌ ضَرَعٌ. وتضرّع إِلى الله تعالى: ابتهل وأَظهر الضَّرّاعة. الفرّاء: جاءَ فلان يتضرّع/ ويتعرّض، بمعنى واحد: إِذا جاءَ يطلب إِليك الحاجة. وقوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} ، أَى يتذلَّلُون فى دعائهم إِيّاه. والدّعاءُ تضرّع؛ لأَنَّ فيه تذلّل الرّاغبين. وقوله تعالى: {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} ، أَى مظهرين الضَّرَاعة، وهى شدّة الفقر إِلى الله تعالى، وحقيقته الخشوع. و (خُفْية) ، أَى تُخفون فى أَنفسكم مثل ما تظهرون. وتضرّع الظلُّ: قَلَص. وتضرّع: تَقَرَّب فى رَوَغان كضَرّع تضريعًا. والمضارعة المشابهة، وأَصلها التشارك؛ نحو المراضعة وهو التشارك فى الرضاعة ثمّ جُرِّد للمشاركة.

بصيرة فى ضعف

بصيرة فى ضعف الضعْف والضُعْف: خلاف القوّةُ. وقد ضَعُف وضَعَف - الفتح عن يونس - فهو ضعيف. وقوم ضِعَاف وضُعَفَاءُ وضَعَفَة. وفرَّق بعضهم بين الضُّعْف والضَعْف فقال: [الضعف]- بالفتح - فى العقل والرأى، والضُّعف بضمّ - فى الجسد. ورجل ضَعُوف، أَى ضعيف. وكذلك امرأَة ضَعُوف. وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} أَى من مَنِىٍّ. وقوله تعالى: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} ، أَى يستميله هواه. وقال ابن عرفة: ذهب أَبو عبيدة إِلى أَن الضِّعْفين اثنان، وهذا قول لا أُحبّه؛ لأَنَّه قال الله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ} ، وقال فى آية أُخرى: {نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} فأَعْلَمْ أَن لها من هذا حَظَّيْنِ. وقوله تعالى: {إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات} ، أَى لو ركنت إِليهم فيما استدعَوْه منك لأَذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات؛ لأَنَّك نبىّ يضاعف لك العذاب على غيرك، وليس على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم نقص فى هذا الخطاب ولا وعيد، ولكن ذكّره الله تعالى مِنَّته بالتثبيت بالنبوّة.

وقوله تعالى: {فأولائك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ} قال أَبو بكر: أَراد المضاعفة، فأَلزم الضِّعْف التَّوحيد؛ لأَنَّ المصادر ليس سبيلها التثنية والجمع. قال: والعرب تتكلم بالضِّعف مثنىَّ فيقولون: إِن أَعطيتنى درهمًا فلك ضِعفاه، يريدون مثليه. قال: وإِفراده لا بأس به، إِلاَّ أَن التثنية أَحسن. وقال أَبو عبيدة: ضِعْف الشىء مثله، وضِعْفاه مثلاه. وقال فى قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب} : يجعل العذاب ثلاثة أَعذِبة، قال: ومَجَاز يضاعف: يجعل إِلى الشىء شيئان حتى يصير ثلاثة. وقال الأَزهرىّ: الضِّعف فى كلام العرب: المثْل إِلى ما زاد، وليس بمقصور على المِثلين. فيكونَ ما قال أَبو عبيدة صوابًا، بل جائز فى كلام العرب أَن تقول: هذا ضعفه أَى مِثلاه وثلاثة أَمثاله؛ لأَنَّ الضعف فى الأَصل [زيادة] غير محصورة، أَلا ترى إِلى قوله عزَّ وجل: {فأولائك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ} لم يُرد مِثلا ولا مِثْلين، ولكنَّه أَراد بالضعْف الأَضعاف. قال: وأَوْلَى الأَشياء فيه أَن يجعل عشرة أَمثاله كقوله تعالى: {مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ، الآية فأَقلّ الضعف محصور وهو المِثْل، وأَكثره غير محصور.

ورجل مَضعوفٌ على غير قياس، والقياس مُضْعَف. وحِمْيَر تسمِّى المكفوف ضعيفًا، وقيل فى قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} أَى ضريراً. وأَضعاف البدن: أَعضاؤه. وأَضعفَه: جعله ضِعفين. واستضعفه: عدّه ضعيفا. قال الله تبارك وتعالى: {إِلاَّ المستضعفين} . وتضعّفه بمعناه، ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُنَبِّئُك بأَهل الجنَّة. كلٌّ ضعيف متضعَّف ذى طِمْرَين لا يُؤْبَهُ به، لو أَقسم على الله لأَبَرَّه". وضاعفه أَى أَضعفه من الضِّعْف، قال الله تعالى: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} . وقال الراغب استضعفته: وجدته ضعيفًا. وقوبل بالاستكبار: {يَقُولُ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا} . وقوله: {الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} ، فالثانى غير الأَوّل، وكذا الثالث. فانَّ قوله: {خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} أَى من نطفة أَو تراب. والثانى: هو الضَّعف الموجود فى الجنين والطِّفل. والثالث: الذى بعد الشيخوخة وهو المشار إِليه بأَرذل العمُر. والقوّتان: الأُولى: هى التى تُجعل للطفل من التحرك وهدايته

لاستدعاءِ اللبَن، ودفع الأَذى عن نفسه بالبكاءِ. والقوّة الثانية: التى بعد البلوغ. ويدل على أَنَّ كلّ واحد من قوله: (ضَعْف) إِشارة إِلى حالة غير الحالة الأَولى ذكرُه منكّرًا، والمنكّر متى أُعيد ذِكره وأُريد به ما تقدّم عُرّف، كقولك: رأَيت رجلاً فقال لى الرّجل، ومتى ذُكِر ثانيا منكَّرًا أُريد به غير الأَوّل، ولذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} : لن يغلب عسرٌ يُسْرَيْن. وقوله تعالى: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} فضعفُه كثرة حاجاته التى يستغنى عنها الملأُ الأَعلى. وقولُه: {إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً} فضعف كيده إِنما هو مع (من صار) من عباد الله المذكورين فى قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} . والضِّعْفُ من الأَسماء المتضايفة التى يقتضى وجودُ أَحدهما وجودَ الآخر؛ كالنصف والزوج، وهو تركُّب قَدْرين متساويين، ويختصّ بالعدد. فإِذا قيل: أَضعفت الشىء وضعَّفته وضاعفته: ضممتُ إِليه مثله فصاعدًا. وقال بعضهم: ضاعفت أَبلغ مِنْ ضَعّفت، ولهذا قرأَ أَكثرهم (يُضَاعَفْ) قال تعالى: {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} ، ومن قال: ضَعَفته بالتخفيف

ضَعْفًا فهو مضعوف قال: الضَّعْف مصدر، والضِّعْف اسم، كالثَّنْىِ والثِّنْىِ. فضِعْف الشىء هو الذى تَثْنِيهِ. ومتى أَضيف إِلى عدد اقتضى ذلك العددُ مثلَه، نحو أَن يقال: ضِعفُ العشرة، وضعف مائة، فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف. وعلى هذا قال: جَزَيْتُكِ ضِعف الودّ لمّا اشتكيته ... وما إِنْ جزاكِ الضِّعفَ من أَحد قَبْلى وإِذا قيل: أَعْطِهِ ضِعْفَىْ واحد اقتضى ذلك ومثلَيْه، وذلك ثلاثة، لأَنَّ معناه الواحد واللذان يزاوجانه، وذلك ثلاثة. هذا إِذا كان الضِّعْف مضافًا، ( [فأَما إِذا لم يكن مضافا] فقلت: الضعفَيْن، فإِنَّ ذلك قد يجرى مجرى الزَّوجين فى أَنَّ كلّ واحد منهما يزاوج الآخر، فيقتضى ذلك اثنين؛ لأَن كلّ واحد منهما يضاعف الآخر، فلا يخرجان عن الاثنين، بخلاف ما إِذا أُضيف الضعفان إِلى واحد فَيَثْلِثهما نحو ضِعْفَىْ الواحد) . وقوله: {لاَ تَأْكُلُواْ الربا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً} ، قيل: أَتى باللفظين على التأكيد، وقيل: بل المضاعفة من الضَّعف لا من الضِّعْف، والمعنى:

ما تعدُّونه ضِعفًا هو ضَعف أَى نقص، كقوله تعالى: {يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات} . وقوله: {فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار} فإِنَّهُمْ سأَلوه أَن يعذّبهم عذابًا بضلالهم وعذابًا بإِضلالَهم، كما أَشار بقوله: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} . وقوله: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} ، أَى لكل منهم ضعف ما لكم من العذاب. وقيل: أَى لكل منكم ومنهم ضعف ما يرى الآخر، فإِن من العذاب ظاهرا وباطنًا، وكلّ يدرك من الآخر الظاهرَ دون الباطن، فيقدّر أَن ليس له العذاب الباطن. قال المتنبِّى فى لفظ الضعف: ولستَ بدُونٍ يُرتجَى الغيث دُونه ... ولا منتهى الجود الذى خلفَه خَلْفُ ولا واحدا فى ذا الوَرَى من جماعة ... ولا البعضَ من كلّ ولكنَّك الضِّعفُ ولا الضِّعف حتى يتبع الضِّعفَ ضِعْفُه ... ولا ضِعف ضِعف الضِّعفِ بل مثلَه أَلْفُ

بصيرة فى ضغث وضغن

بصيرة فى ضغث وضغن ضَرَبَهُ بضِغْثٍ، أَى بقُبْضة من قُضْبانٍ صغار أَو حَشِيش بعضُه فى بعض. وضَغَّثه: جعله أَضغاثا. وقوله تعالى: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} هى ما التبس منها ولم يتبيّن حقائقها. وضَغَث الحديث: خَلَطه. والضِّغْن والضَغَن والضَغِينة: الحِقْد. وقد ضَغِن كفرح. وتضاغنوا واضطغنوا: انطوَوا على الأَحقاد. وبينهم أَضغان وضغائن. وهو ضَغِنٌ علىّ ومضطغِن ومُضاغِن إِلىّ. وناقة ذات ضِغْن: تنزع إِلى وطنها. وامرأَة ذات ضِغْن: تحبّ غير زوجها. قال الرّاعى: وصَدَّ ذواتُ الضِّغن عنىِّ وقد أَرى ... كَلاَمِىَ تَهواه النساءُ الطوامِحُ وقَناة ذات ضَغَن: فيها عَوَج، قال: إِنّ قناتِى من صليبات القَنا ... ما زادها التثقيف إِلا ضَغَنا

بصيرة فى ضل

بصيرة فى ضل الضَّلال، والضَلّ - بالفتح - والضُلّ - بالضمّ - والضَّلالة، والضَلْضلة والأُضلولة: ضدّ الهُدَى. وقد ضلَلتَ - بالفتح - تضِلّ. وضَلِلْتَ - بالكسر - تَضَلّ. وهو ضالٌّ وضَلُول. وأَضلَّه غيره وضلَّلَه. وضلَلتُ بعيرى: إِذا كان معقولاً فلم تهتد لِمكانه، وأَضللته: إِذا كان مطلقًا فمرّ ولم تدرِ أَين أَخَذَ. وأَضللت خاتمى. وضلّ فى الدِّين. وهو ضالٌّ، وضلّيل، وصاحب ضلال وضلالة، ومُضَلَّل. ووقع فى أَضاليل وأَباطيل. وفلان لِضِلَّة: لِغيّة. وذهب دمه ضِلَّة: هَدَرًا. وضلّ عنِّى كذا: ضاع. وضَلَلْتُه: أُنسِيته. وأَضلَّنى أَمر كذا: لم أَقدر عليه. وأَنشد ابن الأَعرابىّ: إِنِّى إِذا خُلَّة تضيَّفنى ... يريد مالى أَضلَّنى عِلَلِى وضلّ الماءُ فى اللبن، واللبنُ فى الماءِ: غاب. وأُضِلّ الميّتُ: دُفِنَ. وفلان ضُلّ بن ضُلّ، وقُلّ بن قُلّ: لا يُعْرف هو وأَبوه. قال: فإِنّ إِيادكم ضُلُّ ابن ضُلّ ... وإِنَّا من إِيادكم بَرَاءُ ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج، عمدًا كان أَو سهوًا، يسيرًا كان أَو كثيرًا، فإِنَّ الطريق المستقيم الذى هو المرتضَى صعب جدًّا، ولهذا

قال صلَّى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تُحْصوا". وقيل: لن تحصوا ثوابه. وقال بعض الحكماء. كونُنا مصيبين من وجه، وكوننا ضالِّين من وجوه كثيرة، فإِنَّ الاستقامة والصّواب يجرى مجرى المقرطَس من المرمىّ، وما عداه من الجوانب كلّها ضلال. وإِذا كان الضلال تَرْكُ الطريق المستقيم، عمدًا كان أَو سهوًا، قليلاً كان أَو كثيرًا، صحّ أَن يستعمل لفظ الضَّلال فيمن يكون منه خطأ مّا. ولذلك نُسب الضلال إِلى الأَنبياءِ وإِلى الكفار، وإِنْ كان بين الضلالَيْنِ بَوْن بعيد، قال تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى} ، أَى غير مهتد لما سيق إِليك من النبوّة. و {قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين} ، وقال: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} تنبيهًا أَنَّ ذلك منهم سهو. وقوله تعالى: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} ، أَى تَنْسَى، وذلك من النِّسيان الموضوع عن الإِنسان. والضَّلال من وجه آخر ينقسم قسمين: ضلال فى العلوم النظريّة؛ كالضلال فى معرفة الوحدانيّة ومعرفة النبوّة ونحوهما المشار إِليهما بقوله:

{وَمَن يَكْفُرْ بالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الآخر فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} . / وضلال فى العلوم العمليّة، كمعرفة الأَحكام الشرعيّة. والضَّلال البعيد إِشارة إِلى ما هو كفر. وقوله تعالى: {بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة فِي العذاب والضلال البعيد} أَى فى عقوبة الضلال البعيد. وقوله: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض} كناية عن الموت واستحالة البدن. وقوله: {وَلاَ الضآلين} ، قيل: أَراد به النَّصارى. وقوله: {لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} أَى لا يَغْفل عنه. وقولُه: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} ، أَى فى باطل وإِضلال لأَنفسهم. والإِضلال ضربان: أَحدهما أَن يكون سببه الضلال، وذلك على وجهين: إِمّا أَن يضِلّ عنك الشىء، كقولك: أَضللتُ البعير، أَى ضلّ عنى؛ وإِمّا أَن يحكم بضلاله. فالضلال فى هذين سبب للإِضلال. الضَّرب الثانى: أَن يكون الإِضلال سببًا للضلال. وهو أَن يزيّن للإِنسان الباطل ليَضِلّ، كقوله تعالى: {لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ

إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ} أَى يَتَحَرَّون أَفعالا يقصدون بها أَن تَضِلّ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إِلاَّ ما فيه ضلال أَنفسهم. وإِضلال الله تعالى للإِنسان على وجهين: أَحدهما: أَن يكون سببه الضلال. وهو أَن يَضِلّ الإِنسانُ فيحكم الله عليه بذلك فى الدنيا، ويعدل به عن طريق الجنَّة إِلى النار فى الآخرة. وذلك الإِضلال هو حقّ وعَدْل؛ فإِنَّ الحكم على الضَّال بضلاله، والعدولَ به عن طريق الجنَّة إِلى النار حقّ وعدل. والثانى: من إِضلال الله: هو أَنَّ الله تعالى وضع جِبِلَّة الإِنسان على هيئةٍ إِذا راعى طريقًا محمودًا كان أَو مذمومًا أَلِفه واستطابهُ، وتعسّر عليه صرفُه وانصرافه عنه. ويصير ذلك كالطبْع الذى يأبى على النَّاقل؛ ولذلك قيل: العادة طبع ثان. وهذه القوّة فينا فعلٌ إِلهىّ. وإِذا كان كذلك، وقد ذكر فى غير هذا الموضع أَن كل شىء يكون سببًا فى وقوع فعل يصحّ نسبة ذلك الفعل إِليه، فصحَّ أَن ينسب ضلال العبد إِلى الله من هذا الوجه، فيقال: أَضلَّه الله، لا على الوجه الذى يتصوّره الجَهَلة. ولِمَا قلنا جعَل الإِضلال المنسوب إِلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إِضلال المؤمن فقال: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ

قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} ، {والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} . وقال فى الكافرين: {والذين كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} ، {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين} . وعلى هذا النحو تقليب الأَفئدة والأَبصار فى قوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} ، والخَتْم على القلب فى قوله: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ} ، وزيادة المرض فى قوله: {فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً} .

بصيرة فى ضم وضمر وضمن وضنك وضوا وضهى

بصيرة فى ضم وضمر وضمن وضنك وضوا وضهى الضمّ: قبض شىء إِلى شىء. ضَمّه فانضمّ وتضامّ. قال تعالى: {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} . وأَسَد ضَمضَمٌ وضُمَاضِمُ: يضمّ الشىء إِلى نَفْسه، أَو مجتمِع الْخَلْق. فرس ضامِرٌ وضَمْر، ومُضَمَّر، ومُضْطمِر. وقد ضَمَر وضَمُرَ ضُمْرًا وضُمُورًا. وناقة ضامِر، أَى خفيفة اللحم من الأَعمال لامن الهُزَال، وقال تعالى، {وعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} . وجرى فى المضمار والمضامير، وفى ضميرى. وأَضمرت شيئًا فى قلبى. والضِّنَّة، والضَّنّ، والضَّنَانَة: البُخل بالشىء النفيس. ضنّ به يضَنّ، فهو ضَنِين. قال تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ} ، أَى ما هو ببخيل. ضَنُك عَيْشُه يَضْنُك: ضاق. وهو فى ضَنْك من العيش، وضَنَكه الله يَضْنُكه. و (عِيشة ضَنْك) وَصف بالمصدر. والمضنوك: مَن به ضُنَاك، أَى زكام.

والضَّوء والضُّوء - بالفتح وبالضمّ -: الضِّياءِ قال: تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ} . ضاءَت النَّارُ ضَوْءًا وضُوءًا، وأَضاءت مثله، وأَضَاءَته النَّار، لازم معتدٍّ، قال تعالى: {أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} ، وقال النابغة الجَعْدِىّ رضى الله عنه: فلمّا دنونا لجَرْس النُبُوح ... ولا نبصر الحىّ إِلا التماسا أَضاءَت لنا النار وجهًا أَغرّ ... ملتبسا بالفؤاد التباسا وقوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} . قال ابن عرفة: هذا مَثَل ضربه الله تعالى لرسوله صلَّى الله عليه وسلم، يقول: يكاد منظَره يدل على نبوّته وإِن لم يتْل قرآنا؛ كما قال عبد الله بن رَوَاحة رضى الله عنه: لو لم تكن فيه آياتٌ مبيِّنة ... كانت بَديهته تُنْبِيكَ بالخبر والمضاهاة: المشاكلة، تقول: ضاهَيْتُ وضاهأت، يُهمز ولا يهمز. وقرأَ عاصم: {يُضاهِئون قَوْلَ الذِينَ كَفَرُوا} بالهمز، والباقون بغير همز.

بصيرة فى ضير وضيز وضيع وضيف وضيق

بصيرة فى ضير وضيز وضيع وضيف وضيق الضَيْر: المَضَرَّة، قال تعالى: {قَالُواْ لاَ ضَيْرَ} . ضارَه يَضِيرُهُ ضَيْرًا. هذا مِمّا لا يَضِيرك، ولو فعلته لم يَضِرْك. ضازه حَقَّه: منعه ونقصه. {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى} ، أَى ناقصة، وأَصلها ضُيْزَى، فكُسِرت الضاد للياءِ؛ وليس فى الكلام فِعْلى. ضاع عيالُه ضَيع وضَياعًا. وتركهم بضَيْعة ومَضِيعة، وأَضاعهم وضيّعهم. ويقال: إِضاعة النساء أَلاَّ يزوَّجن الأَكفاءَ. قال تعالى: {وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} . وما ضَيْعتك: ما صَنْعتك وعَمَلك. وأَصل الضَّيف المَيْل. ضاف إِليه، وضاف عنه. وضافت الشمسُ، وضيَّفت وتضيّفت: مالَت للغروب. قال بشر: طاوٍ برملةِ أَوْرَالٍ تَضَيَّفه ... إِلى الكِنَاس عَشِىٌّ باردٌ خَصِرُ

وسُمّى الضَّيف ضَيفًا لميله إِلى النزول بك، وصارت الضِّيافة متعارَفة فى القِرَى. وأَصل الضيّف مصدر؛ ولذلك استوى فيه الواحد والجمع فى عامّة كلامهم، قال تعالى: {إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي} ، وقال تعالى: {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين} . وقد يقال: أضياف وضيوف وضِيفان. وأَضاف إِليه أَمرًا: أَسنده إِليه واستكفاه. وهو يأخذ بيد المُضاف، وهو المُحْرج المحاط به. ونزلتْ به مَضُوفة: بليّة وهَمّ. قال أَبو جُنْدب الهذلىّ: وكنتُ إِذا جارِى دعا لِمَضُوفة ... أُشمِّرُ حتى ينصُف الساقَ مِئْزرى ورواه أَبو سعيد: لِمَضِيفة، ولمُضَافة. وهما بمعنى همٍّ وحاجة. وضِفْته أضِيفه ضَيْفًا وضِيافة، أَى نزلت عليه ضيفًا. والأَسماءُ المتضايفة: ما يثبت بثبوته آخَر؛ كالأَب، والأَخ، والصَدِيق ونحوه؛ فإِنَّ كلّ ذلك يقتضى وجودُه وجودَ آخر. والضِّيق: ضدّ السعة. ضاق المكانُ يضِيق، وتضايق، وتضيّق. وفيه ضِيق وضَيق. والضَّيقة يستعمل فى الفقر والغمّ والبخل ونحو ذلك.

قال تعالى: {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} ، أَى عجز عنهم. وقد يعبّر به عن الحزن فى قوله: {وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} ، {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} ، {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ} . [وقوله] : {وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ} ينطوى على تضييق النفقة وتضييق الصَّدْر. ووقع فى مَضِيق من أَمره ومضايق. وضايقه فى كذا: لم يسامحه. آخر باب الضَّاد.

الباب السابع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الطاء

الباب السابع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الطاء

بصيرة فى الطاء

بصيرة فى الطاء وهى ترد على عشرة أَوجه: 1- حرف من حروف الهجاءِ. مخرجه طَرَف اللسان قريبًا من مخرج التاءِ، يجوز قصره ومدّه. وتذكيره وتأنيثه. والفعل منه من اللفيف المقرون، تقول: طيَّيْت طاء حسنةً وحَسَنًا، وجمعه: أَطواء وطاءَات. 2- اسم لعدد التسع فى حساب الجُمَّل. 3- الطاء الكافية؛ كقوله تعالى: {طه} و {طس} ، فقد فُسّرتا به إِشارة إِلى طَوْل الله، أَو إِلى طهارة النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أَو إِلى طَرَب أَهل الجنَّة، أَو إِلى طبْل الغُزاة، أَو إِلى طُوبَى. 4- الطاء المكرَّرة، مثل: خطط. 5- الطاء المدغمة مثل حطّ وقطّ. 6- طاءُ العجز والضرورة. فكثيرون ينطقون بالطاءِ بصيغة التاء. 7- الطاءُ الأَصلىّ، نحو ما فى: طلب، وبطل، ولبط.

8- الطاء المبدلة من التاءِ، نحو: اصطلح واصطبر. 9- الطاء المبدلة من الدّال، نحو: انقطْت مكان انقدْت. 10- الطاء اللغوى. قال الخليل: الطاء: الرّجل الكثير الوقاع، وأَنشد إِنىِّ وإِنْ قَلَّ عن كلّ المُنَى أَملى ... طاءُ الوقاع قوىُّ غير عِنِّين

بصيرة فى طبع

بصيرة فى طبع الطَبْع، والطبيعة، والطِّباع: السّجِيَّة التى جُبل عليها الإِنسان، وفى الحديث: "الرّضاع يغيّر الطِّباع". والطِّباع: ما رُكِّب فى الإِنسان من المطعم والمشرب وغير ذلك من الأَخلاق التى لا يزايلها. يقال: فلان كريم الطباع. وهو اسم مؤنّث على فِعَال، نحو: مِثَال، ومِهَاد. والطَّبْع: الخَتْم: وهو التأثير فى الطِّين. وقوله تعالى: {وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ} ، أَى نختم عليها مجازاة لهم فلا يدخلها الإِيمان. وقيل: الطبْع: أَن يصوَّر الشىء بصورة مّا، كطبع السِّكَّة وطَبْع الدّراهم. وهو أَعمّ من الخَتْم وأَخصّ من النَقْش. والطابَع، والخاتَم، ما يُطبع به ويُختم. والطابِع: فاعِل ذلك. وقيل للطابَع طابِعٌ أَيضًا؛ وذلك كنسبة الفعل إِلى الآلة، نحو: سيف قاطع. وطبيعة الدواء ونحوها: ما سخَّر الله تعالى له من مزاجه.

(وطَبَعُ السيفِ: صَدَؤُهُ) رجل طَبِعٌ: لئيم دَنِس. وقد حَمَل بعضهم قوله تعالى: {طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} على ذلك، ومعناه: دنَّسه، كقوله: {بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ} ، وقوله: {أولائك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} . وقد تقدّم فى بصيرة ضلّ ما فيه كفاية إِن شاءَ الله.

بصيرة فى طبق

بصيرة فى طبق الطَبَق: غِطاءُ كلّ شىء، والذى يؤكل عليه، ويُنقل فيه الطعام ونحوه، والجمع: أَطبْاق، وأَطبِقَه. وطَبّقه، وأَطبقه فتطبَّق وانطبق. قال الشاعر: ما من صديقٍ وإِنْ تَمَّت صداقته ... يومًا بأَنجحَ للحاجات من طَبَقِ إِذا تلثَّم بالمِنديل منطلقًا ... لم يخش صَوْلَةَ بوّابٍ ولا غَلَق لا تُكْذِبَنَّ فإِنَّ الناس قد خُلِقُوا ... عن رغبةٍ يُكرمون النَّاس أَو فَرَقِ والطَّبَق أَيضًا من كل شىء: ما ساواه. والجمع: أَطباق. وقد طابقه مطابقة وطِبَاقًا. وهى - أَعنى المطابقة - من الأَسماء المتضايفة، وهو أَن يجعل الشىء فوق شىء آخر بقَدْره. ومنه مطابقة النعل، قال الشاعر: إِذا لاوذ الظلّ القصير بِخُفَّهِ ... وكان طباقَ الخُفِّ أَو قَلّ زائدا

ثم يستعمل الطباق فى الشىء الذى يكون فوق الآخر تارة، وفيما يوافق غيره تارة، كسائر الأَسماء الموضوعة لمعنيين ثم يستعمل فى أَحدهما دون الآخر، كالكأس، والرواية ونحوها. قال تعالى: {الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} ، أَى طبقة فوق طبقة، أَو طبقا فوق طبق. وقوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ} ، أَى / تترَّقى منزلاً عن منزل. وذلك إِشارة إِلى أَحوال الإِنسان من ترقِّية فى أَحوال شتَّى فى الدنيا، نحو ما أَشار إِليه بقوله: {خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} ، وَأَحوالٍ شتَّى فى الآخرة: من النشور، والبعث، والحساب، والصّراط. إِلى حين المستقَرّ فى إِحدى الدّارين. وهذا طِباقه، وطِبْقُه، وطَبِيقه، وَطَبَقُهُ، أَى مطابِقه. وطبَّق العنق: أَصاب المَفْصِلَ فأَبانها، ومنه سيف مطبِّق.

ومطر وجراد مُطبِق: عامّ. ومضى طَبَق بعد طبَق: عالَم من النَّاس بعد عالَم، قال العبّاس رضى الله عنه: تُنقل من صالِب إِلى رَحِمٍ ... إِذا مضَى عالَم بدا طَبَقُ والدّهر أَطباق: حالات. وفلان على طبقات شتَّى، والنَّاس طبقات: منازل ودرجات بعضها أَرفع من بعض. وأَطبقوا على الأَمر: أَجمعوا. وبناتُ طَبَق: الدّواهى، وأَصلها الحيّة لشبهها بالطبق إِذا استدارت، أَوْ لأَنَّها تمسَك تحت طَبَق السّفَط، أَوْ لإِطباقها على الملسوع. وجنون مُطْبِق، وحُمَّى مُطْبِقة، وسَنَة مُطْبِقة، من أَطبقه: غطَّاه. وأَطْبِق شفتيك: اسكت.

بصيرة فى طمو وطرح وطرد وطرف

بصيرة فى طمو وطرح وطرد وطرف طَحا اللهُ الأَرض طَحْوًا: بسطها، قال تعالى: {والأرض وَمَا طَحَاهَا} . وطحا به الهوى، وطحا به هَمّه: ذهب به. قال: طحا بك قلبٌ فى الحِسَان طَرُوبُ ... بُعَيدَ الشبابِ عَصْرَ حان مَشِيبُ وطحا على الأَرض: امتدّ. طَحَوْتُه: مددته. وطحا بالكُرة: رمى بها. ومِظَلَّة طاحِيَة: عظيمة منبسطة. والطّرْح: رَمْىُ الشىء وإِبعاده. طرح الشىءَ. وبه: أَلقاه. وطرح له الوِسادة والمطارح، أَى المفارش، الواحد مِطْرح كمِفرش. وطرح الرّداءَ على عاتقه. ورأَيت عليه طَرْحة مليحة. وطرّح الأَشياء تطريحًا، شُدّد للكثرة. وطرَّح البناءَ: رفعه. وجاءَ يمشى متطرّحا: متساقِطًا. وشىء طِرْح: مطروح لقلة الاعتداد به، قال تعالى: {أَوِ اطرحوه أَرْضاً} . واطْرَحْ بعينك: انظر. والطَّرَد - محركة -: الإِبعاد استخفَافًا. تقول: طردته فذهب، لا يقال منه انفعل ولا افتعل إِلاَّ فى لغة رديئة؛ والرّجل مطرود وطَرِيد. وقال ابن

السّكيت يقال: طردته: إِذا نفيتَه عنك وقلت له: اذهب عنّا. وأَطرده إِذا أخرجه من بلده، وأَمر أَن يُطرد من كل مكان حَلَّه. وطَرَدَ الإِبلَ طرْدا وَطرَدًا: ضمَّها من نواحيها. وطريدك: من يولد بعدك. والطريدان: الليل والنهار. كلّ واحد منهما طريد صاحبِه. قال الفرزدق: أَلاَ إِنَّما أَودَى شبابِىَ وانقضى ... على مَرّ ليلٍ دائبٍ ونهارِ يُعِيدان لى ما أَمضيا وهما معًا ... طريدان لا يَسْتَلْهِيانِ قَرارى

بصيرة فى طرف

بصيرة فى طرف الطَرْف: العَين، ولا يجمع لأَنَّه فى الأَصل مصدر، فيكون واحدا ويكون جماعة. قال الله تعالى: {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} . (وقال ابن عبّاد: الطرْف: اسم جامع للبصر لا يثنىّ ولا يجمع، وقيل: أَطراف، ويردّ ذلك قوله تعالى: {قَاصِرَاتُ الطرف} ، ولم يقل: الأَطراف. وروى القُتَيبىّ فى حديث أُمِّ سَلَمَة رضى الله عنها: "وغضّ الأَطراف"، ورُدّ عليه ذلك. والصّواب: غضّ الإِطراق، أَى يغضُضن من أَبصارهنّ مطرقات راميات بأَبصارهنّ إِلى الأَرض. وإِن صحّت الرّواية بالفاءِ فالمعنى تسكين الأَطراف - وهى الأَعضاءُ - عن الحركة والسير. وقوله تعالى: {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} ، أَى لا يزال إِليك طرفهم وقوله تعالى: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} . قال الفرّاءُ معناه قبل أَن يأتيك الشىء زمن مدّ بصرك، وقيل: بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرِف، وقيل: بمقدار/ ما يبلغ البالغ إِلى نهاية نظرك.

وطَرَف الشىء: جانبه، يستعمل فى الأَجسام والأَوقات وغيرها. وقيل: الطَرَف: الناحية من النَّواحى، والطائفة من الشىء. قال تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الذين كفروا} ، أَى قطعة من جملة الكَفَرة، شبّه من قتل منهم بطرَف يُقطع من بدن الإِنسان. وتخصيص الطرَف من حيث إِنَّ ينقِص طَرَف الشىء يتوصّل إِلى توهينه وإِزالته. وأَطراف الجسد: الرّأس واليدان والرِجْلان. وقوله تعالى: {طَرَفَيِ النهار} ، أَى الفجر والعصر. وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} ، أَى نواحيها ناحيةً ناحية؛ هذا على تفسير مَن جعل نقصها من أَطرافها فُتُوح الأَرَضِين، ومن جعل نقصها موت علمائها فهو من غير هذا. وأَطراف الأَرض: أَشرافها وعلماؤها، الواحد طَرَف، ويقال: طِرْف. وقال ابن عرفة: (مِنْ أَطْرَافها) ، أَى يُفتح ما حول مكة على النبىّ صلَّى الله عليه وسلم، والمعنى: أَوَ لم يروا أَنا فتحنا على المسلمين من الأَرض ما قد يتبيّن لهم وضوح ما وعدْنا النبىّ صلَّى الله عليه وسلم.

وفلان كريم الطَّرَفين، يراد بذلك نسب أَبيه ونسب أُمّه، وأَطرافه: أَبواه وإِخوته وأَعمامه، وكلّ قريب له مَحْرَم. وقوله تعالى: {فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النهار} ، أَى السّاعة الثانية من أَوّل النَّهار ومن آخِره. وقوله: {وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار} ، أَى الغداة والعَشِىّ.

بصيرة فى طرق

بصيرة فى طرق الطَّرْق: الضَّرب بِوَقْع، والصّكُّ. وطَرَقَ الصّوفَ بالقضيب، واسمه المِطْرَق والمِطْرَقة. والطريق: السّبيل المطروق، يؤنَّث ويذكر، والجمع: طُرُق وأَطْرُق، وأَطْرِقاء، وأَطرِقة. وجمع الجمع: طُرُقات. وعنه استعير كلّ مسلك يسلكه الإِنسان فى فِعْل، محمودًا كان أَو مذمومًا. والطريقة: النخلة الطويلة، والصّفّ من النخل تشبيهًا بالطريق فى الامتداد. والطارق: السّالك للطريق، لكن خُصّ فى العرف بالآتى ليلاً، فقيل: طَرَق أَهلَه طُرُوقا. وفى الخبر: وأَعوذ بك من كلّ طارق إِلاَّ طارقًا يطُرق بخير. وعبّر عن النجم بالطَّارق لاختصاص ظهوره بالليل، قال تعالى: {والسمآء والطارق} . قال نحن بناتُ طارِقْ ... نمشى على النمارِقْ:

والطَّوارق: الحوادث التى تأتى ليلا. وقوله تعالى: {كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} ، إِشارة إِلى اختلاف درجاتهم، كقوله: {هُمْ دَرَجَاتٌ} . وأَطباق السّماءِ يقال لها طرائق؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ} . ورجل مطروق: فيه لِين واسترخاء، كأَنَّه أَصابته حادثة ليَّنته. وفلان به طَرْقة، أَى هَوَج وجنون. وكيف طَرُوقتك؟ أَى زوجتك. وأَنا آتيك فى اليوم طَرْقة أَو طَرْقتين، أَى أَتْية. قال ابن هَرْمة. إِذا هِيب أَبوابُ الملوك قَرَعْتُها ... بطَرْقةِ وَلاَّجٍ لها نابِهِ الذِّكْرِ

بصيرة فى طرى وطعم

بصيرة فى طرى وطعم الطَّرِىّ: الغَضُّ الجديد. قال تعالى: {تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} . وقد طرِىَ طَرواة وطَراءً وطَراءَة وطَرْءًا وطَرَاة. وطَرَّاهُ تَطْرِية، وطرَّأَه تطرئة: جعله طَرِيًّا. والطَّعْم: تناوُل الغِذاء. وكثر عنده الطَّعَام، والطُعْم، والمَطْعَم، والأَطعمة، والأَطْعِمات، والمطاعم. وهو محتكِر فى الطَّعام، أَى فى البُرّ. وعن الخليل أَنَّه العالى من كلامهم، يعنى تسميه البُرّ بالطعام. وفى حديث أَبى سعيد: "كنَّا نُخرج فى صدقة الفطر صاعًا من طعام أَو صاعًا من شعير". وقوله تعالى: {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} ، أَى إِطعامِه الطعام. وقيل: قد يستعمل طَعِمت/ فى الشراب، كقوله تعالى: {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني} . وقيل: إِنَّما قال: (ومن لم يَطْعمه) تنبيها أَنه محظور أَن يتناوله (إِلاَّ غُرْفة مع طعام) ، كما أَنَّه محظور عليه أَن يشربه إِلاَّ غَرفة؛ فإِنَّ الماءَ قد يُطعَم إِذا كان مع شىء يُمضغ.

ولو قال: ومن لم يشربه لكان يقتضى أَن يجوز تناوُله إِذا كان فى طعام، فلمّا قال: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ} بَيّن أَنه لا يجوز تناوُله بحال إِلاَّ بقَدْر المستثنى: وهو الغَرْفة باليد. وطَعْم الشىء: حلاوته ومرارته وما بينهما، يكون فى الطعام والشراب. والجمع: طُعُوم. وجمع الطعام: أَطعمة، وجمع الجمع: أَطْعِمَات. وفى حديث زمزم: "إِنَّه طعامُ طُعْمٍ، وشِفاءُ سُقْم" تنبيهًا أَنه يغذِّى بخلاف سائر المياه. وأَنا طاعم عن طعامكم، أَى مستغنٍ. وفلان لا يَطَّعِم - كيفتعل -: لا يتأَدّب ولا ينجع فيه ما يُصلحه. وإِذا استطعمكم الإِمام [فأَطْعِمُوه] ، أَى إِذا استفتحكم فافتحوا عليه ولقِّنوه. ومِطْعَم - كمنبر -: شديد الأَكل أَو كثيره. ومُطْعَم: مرزوق. ومِطعامٌ: كثيرُ الضيف والقِرَى. وتَطَعّمْ تَطْعَمْ: ذُق فتَشْتَهِىَ فَتَأكُلَ.

بصيرة فى طعن وطغى وطف وطفق

بصيرة فى طعن وطغى وطف وطفق طَعَنه بالرّمح يَطْعُنه ويَطْعَنْه طَعْنًا، وطَعَنَ فيه بالقول طعْنًا وطَعَنانا، فهو مطعون وطَعِين، من طُعُن. قال تعالى: {وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ} . وطَغِىَ - كرِضَى - طَغْيًا وطُغْيانًا وطِغْيانًا، وطغا يَطْغو طُغُوّا وطُغْوَانا بضمّهما: جاوز القَدْر، وارتفع، وغلا فى الكفر، وأَسرف فى المعاصى والظُلْم. قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى} . وقال تعالى: {قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ} . والطَغْوَى الاسم منه. قال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ} تنبيهًا أَنَّهم لم يصدِّقوا إِذ خُوِّفوا بعقوبة طغيانهم. وقولُه: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} تنبيه أَنَّ الطغيان لا يخلَّص الإِنسان، فقد كان قومُ نوح أَطغَى منهم فأُهلكوا. وقوله: {إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ} ، استعير الطغيان لارتفاع الماءِ وتَجاوزه الحدّ.

وقوله تعالى: {فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} إِشارة إِلى الطوفان المعبّر عنه بقوله: {إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء} . والطاغوت: الَّلاتُ، والعُزَّى، والكاهن، والشيطان، وكلّ رأْسِ ضلال، والأَصنام، وكلّ ما عُبد من دون الله، ومَرَدة أَهل الكتاب، يستوى فيه الواحد والجمع. وَزْنه فَلَعُوت من طَغَوت. ويجمع أَيضًا على طواغيت وطَواغٍ. وقيل وزنه فَعَلوت نحو جَبَروت وملكوت. وقيل: أَصله طغووت، لكن قلب لام الفعل نحو صاعقة وصاقعة، ثمّ قلب الواو أَلِفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. والطفيف: النَزْرُ القليل. ابن دُرَيد: شىء طفيف: غير تامّ والتطفيف: نقص المكيال، قال تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} . طَفِق يفعل كذا، وطَفَق - كسمع وضرب - طُفُوقًا: إِذا واصل الفعل، خاصّ بالإِيجاب، لا يقال: ما طفق. قال تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} ، وطبِق بمعناه. وطَفِق بمراده: ظَفِر. وأَطفقه الله.

بصيرة فى طفل وطل

بصيرة فى طفل وطل الطِّفْل، والطَّفْيَل - كحِذْيَم -: الصّغير من كلّ شىء. وهو طِفْل بيِّن الطَفَل والطَفَالة والطُّفُولة والطُفُولِيّة. والجمع: أَطفال، قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم} . وقد يكون الطِّفل مثل الجُنُب، قال الله تعالى: {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ} ، وقال تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} . والمُطْفِلُ: ذات الطِّفْل من الإِنس والوحش وهى قريبة عهد بالنتاج. والجمع: مطافِل ومطافيل. قال أَبو ذُؤيب الهذلىّ: وإِنَّ حديثًا منكِ لو تَبْذُلِنَه ... جَنَى النحْلِ فى أَلبان عُوذ مطافل /مطافيل أَبكارٍ حديث نتاجها ... يُشاب بماءٍ مثل ماءِ المفاصل والطَّلّ: أَخف المطر وأَضعفه. وقيل: الطل: النَدَى. وقيل: الطَّلّ فوق النَّدَّى ودون المَطر. والجمع: طِلال. وقد طُلَّت الأَرضُ، وطَلَّها النَدَى، فهى مطلولة. والطَّلّ، والطِلّ - بالكسر والفتح -: الحيّة. والطَّلّ: المَطْل.

بصيرة فى طفا وطلب وطلف وطلح وطلع

بصيرة فى طفا وطلب وطلف وطلح وطلع طفِئتِ النَّارُ تَطْفَأُ طُفُوءًا، وأَطفأتها أَنا، وأَطفأَت هى، لازم متعدّ. قال تعالى: {لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله} ، وقال: {أَن يُطْفِئُواْ} . والفرق بين الموضعين أَن المعنى فى قوله: {أَن يُطْفِئُواْ} : يقصدون إِطفاءَ نورِ الله، وفى قوله: {لِيُطْفِئُواْ} : يقصدون أَمرا يتوصّلون به إِلى إِطفاء نور الله. والطَّلَب مصدر طَلَبَه يَطْلُبُه: فحص عن وجوده، عينًا كان أَو معنى. وأَطلبته: أَسعفته بمطلوبه. والطلب أيضًا: جمع طالِب. وطالوت: فاعول: اسمٌ أَعجمىّ. ابن دُرَيد: طالوت وجالوت ليس من كلام العرب، وإِن كانا فى التنزيل، فهما اسمان أَعجميّان. والطَّلح: شجر معروف، واحدته بهاء. وإِبل طَلِحَة: مُشْتَكِيَةٌ عن أَكلها. وقوله: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} هو المَوْز. والطِّلح والطَّليح: المهزول. والطَّلاح: ضدّ الصّلاح.

طَلَعَتِ الشمسُ والكواكب طُلُوعا، ومَطْلَعا، ومَطْلِعًا. والمَطْلَع والمَطْلِع أَيضًا: موضع الطلوع. وقرأ الكسائىّ وخَلَف وأَبو عمرو فى إِحدى الرّوايتين: {حتى مَطْلَعِ الفجر} بكسر اللام، والباقون بفتحها. وقال بعض البصريّين: من قرأَ بالكسر فهو اسم لوقت الطلوع. وقال الفرّاءُ: المطلِع - بالكسر - أَقوى فى قياس العربية؛ لأَن المطلَع - بالفتح - هو الطُّلوع. واطَّلعت عليهم، أَى طلعت عليهم، وأَطْلعته على سرّى: أَظهرته عليه. وقرأَ ابن عبّاس رضى الله عنهما، وسعيد بن جبير، وأَبو البَرهسَم، وعَمّار مولى بنى هاشم: {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} بسكون الطَّاءِ وفتح النون، (فأُطْلِع بضمّ الهمزة وسكون الطاءِ وكسر اللام، على معنى: فهل أَنتم فاعلون بى ذلك؟) وقرأَ أَبو عمرو عمَّار المذكور، وأَبو سراج وابن أَبى عَبلة، بكسر النون، (فأُطْلِع) كما مرّ. قال الأَزهرى: هى شاذَّة عند النحويّين أَجمعين، ووجهه ضعيف. ووجه الكلام على هذا المعنى: هل أَنتم مطَّلِعىَّ، وهل أَنتم مطلعوه، بلا نونٍ كقولك: هل أَنتم آمِروه وآمِرىَّ. وأَمّا قول الشَّاعر: هُمُ القائلون الخير والآمِرونَه ... إِذا ما خَشوا من محدَث الأَمر معظما فوجه الكلام: والآمرون به. وهذا من شواذ اللغات.

والطَّلْع: طَلْع النخلة. قال الله تعالى: {طَلْعٌ نَّضِيدٌ} . وطَلَع النخلُ وأَطْلَع: إِذا خرج طَلْعُه. وقوله: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} ، أَى ما طلع منها. واطَّلع عليهم: أَشرف، قال تعالى: {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ} ، أَى لو هجمت عليهم وأَوفيت عليهم. ومنه قوله تعالى: {تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} أَى تُوفِى عليها، ويقال: يبلغ أَلَمُهَا القلوبَ. والاطّلاع، والبلوغ بمعنى واحد، يقال: اطَّلعت هذه الأَرضَ، أَى بلغتها قال ذلك الفرّاءُ. وقوله تعالى: {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ فاطلع} ، أَى هل أَنتم تحبّون أَن تطَّلعوا فتعلموا أَين منزلتكم من منزلة أَهل النَّار؟ فاطَّلع المسلم فرأَى قرينه فى سواءِ الجحيم. أَعاذنا الله منها.

بصيرة فى طلق وطم وطمث وطمس

بصيرة فى طلق وطم وطمث وطمس طَلاق المرأَة: بينونتها عن المطَّلق. فهى طالق من طُلَّق، وطالقة من طَوالق. وقد طلَقَت/ وطلُقت - بالفتح والضمّ - طلاقًا. وأَطلقَها وطلَّقها، فهو مِطلاق ومِطليق، وطِلِّيق كسكيت، وطُلَقة كهُمَزة: كثير التطليق للنساءِ. وقوله تعالى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} عامّ فى الرّجعيّة وغيرها. وقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} خاصّ فى الرّجعيّة. وقوله: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ} ، يعنى الزوج الثانى. ورجل طَلْق الوجه، وطلِقه وطَلِيقه: ضاحكُه مشرقه. وقد طَلُق طَلاَقة. طمَّ الماءُ طَمًّا وطُمُومًا: غَمَر. وطَمَّ الإِنَاءَ: ملأَه، والرّكيَّةَ: دفنها وسّواها، والشىء: كَثُرَ وعلا، وغلب. وسمِّيت القيامة طامّة لذلك. والطَمْث: الدَّنَس. قال عَدِىّ بن زيد العِبَادىّ: طاهِر الأَثواب يَحمِى عِرْضَه ... مِن خَنَى الذمّةِ أَو طَمْث العَطَنْ والطمث - بفتحتين -: الدَّم. وطَمَثها: جامعها، يَطْمِثها ويطمُثها طَمْثا إِذا افتضَّها. وقال الفرّاءُ: هو النكاح بالتدمية. وقرأَ الكسائىّ:

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ} بضمّ أَحدهما وكسر الآخر لا يبال بأَيّهما بدأَ، وقرأَ الباقون بكسر الميم فيهما. والطَمْس: المَحْو وإِزالة الأَثَر، قال تعالى: {وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} أَى أَزلنا ضوءَها وصورتها كما يُطمَس الأَثر. وقوله: {رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ} ، أَى أَزِلْ صورتها. وقوله تعالى: {مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَآ} ، منهم من قال: عَنَى ذلك فى الدّنيا، وهو أَن ينبت الشعر على وجوههم فتصير صورتهم كصورة الكلب والقِرْد. ومنهم من قال: ذلك فى الآخرة، إِشارة إِلى ما قال: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ} ، وهو أَن يصيّر عيونهم فى قفاهم. وقيل: معناه: يردّهم من الهداية إِلى الضَّلال.

بصيرة فى طمع وطمن

بصيرة فى طمع وطمن طمِع فيه - بالكسر - يطمَع طَمَعًا، وطَمَاعة، وطَمَاعِيَة، فهو طَمِعٌ، طامعٌ وطََمُع، ومنه الحديث: "استعيذوا بالله من طَمَعٍ يهدى إِلى طَبَع" وقال ثابت ابن قُطْنة: لا خير فى طَمَعٍ يَهدى إِلى طَبَع ... وغُفَّةٌ من قَوام العيش تكفينى وتقول فى التعجب: طَمُع الرّجل - بضم الميم - أَى صار كثير الطَّمع. ولمَّا كان أَكثر الطمع من جهة الهوى قيل: الطمع طَبَع. وفى الحديث: "اللَّهم إِنِّى أَعوذ بك من طَمَع يهدى إِلى طَبَع، ومن طمع فى غير مطمع"، المطمع: ما طمِعت فيه قال: طمِعتُ بليلَى أَن تريع وإِنَّما ... تقطَّع أَعناقَ الرجال المطامعُ الطَّمْن - بالفتح - والمطمئنّ: السّاكن. واطمأَنَّ اطمئنانًا وطُمَأْنينة. وطَمْأَن ظَهْرَه: طامَنه. قال: {ياأيتها النفس المطمئنة} هى أَلاَّ تصير أَمّارة بالسّوءِ، وقال: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} .

والطُّمَأْنِينة والسّكِينة كلّ منهما تستلزم الأُخرى. لكن استلزام الطُّمَأْنينة للسّكينة أَقوى من العكس. ثمّ إِنَّ الطُّمَأْنِينة أَعمّ من السكينة. وهى على درجات: طُمَأْنينة القلب بذكر الله، وهى طمأْنينة الخائف إِلى الرّجاء، والضجِر إِلى الحكم، والمبتلَى إِلى المثوبة. والطمأْنينة: سكون أَمْن فيه استراحة أُنس. والسّكينة: صَولة تورث خُمود الهيبة. والسكينة تكون حينا بعد حين، والطمأْنينة لا تفارق صاحبها وكأَنها نهاية السّكينة.

بصيرة فى طود وطور

بصيرة فى طود وطور ما هو إِلاَّ طَوْد من الأَطواد، وهو الجبل المُنطاد فى السّماء: الذاهبُ صُعُدا. وقيل: الجبل العظيم. ووُصف بالعظيم فى التنزيل/ لكونه فيما بين الأَطواد عظيما. وطوَّده الله تطويدا: طوّله. الطُّور: الجبل، واسم مخصوص بالقُدْس، وجبل محيط بالأَرض قال الله تعالى: {والطور وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} . وفلان طُورىّ: وحشىّ. [و] أَتيته طَوْرا بعد طور، وجئته أَطوارا: تارات. والنَّاس أَطوار: أَخْياف. وقوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} إِشارة إِلى قوله: {واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ} . {خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} وقيل: هو إِشارة إِلى قوله: {واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} أَى مختلِفين فى الخَلْق والخُلُق. وأَنا لا أَطور بفلان: أَحوم حوله ولا أَدنو منه.

بصيرة فى طوع

بصيرة فى طوع [الطَّوْع: الانقياد، وضِدّ الكَره. قال تعالى: {ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} ] والطاعة مثله. لكن أَكثر ما يقال فى الائتمار فيما أُمر. وقوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} ، أَى أَطيعوا، أَى لِيَكُنْ منكم طاعة معروفة بلا إِثم. وهو لى طائع، وطَيِّعٌ، وطاعٍ، وطاعٌ، والجمع: طُوَّعٌ. وهو يَطُوع لى وطاوعته على كذا، وأَطاع الله طاعة. وهو مُطيع، ومِطْواع، ومِطواعة، قال: إِذا سُدْتَه سُدْت مِطواعةً ... ومهما وكَلْتَ إِليه كفاه وهو من ناسٍ مَطاويع. وهو متطوِّع بكذا: متبرّع متنفّل. وهو من المُطَّوِّعة، أَى من الذين يتطوَّعون بالجهاد. وقال تعالى فى صفة النبىّ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} إِلى قوله: {مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} . والمتطوِّع [من] يتكلّف الطاعة. وكلّ متنفّل خير تبرّعا متطوّع.

قال تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} . وقرأَ الكوفيّون غير عاصم: (فَمَنْ يَطَّوَّعْ) . أَى يَتَطوَّع. وقوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} أَى تابَعته، وقيل: سَهّلت له نفسُه وطاوعته. وقال مجاهد: أَى شجّعته وأَعانته، وأَجابته إِليه. وقال الأَخفش: هو مثل طوّقت له، ومعناه: رخَّصت وسهّلت. والاستطاعة: والإِطاقة، وربما قالوا: استطاع يَسْطِيع، يحذفون التاءَ استثقالاً لها مع الطاءِ، ويكرهون إِدغام التاءِ فيها فتُحرَّكَ السّين وهى لا تحرّك أَبدا. وقرأَ حمزة غير خلاَّد {فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ} بالإِدغام، فجمع بين السّاكنين. وذكر الأَخفش أَن بعض العرب يقول: اسْتَاع يَسْتيع فيحذف الطاء استثقالا وهو يريد استطاع يستطيع، قال: وبعض يقولون: أَسْطاع يُسْطيع بقطع الهمزة وهو يريد أَطاع يُطيع، ويجعل السّين عِوضًا عن ذهاب حركة العين، أَى عين الفعل. ويقال: تطاوَعَ لهذا الأَمر: [تكلّف استطاعته حتى] يستطيعه. وهو [ضد] معنى قول عمرو بن معد يكرب رضى الله عنه:

إِذا لم تستطع أَمرًا فَدَعْهُ ... وجاوِزْه إِلى ما تستطيع وقوله تعالى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} ، أَى هل يقدر. وقرأَ الكسائىّ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) بالتَّاءِ ونصب الباءِ، أَى هل تستدعى إِجابته فى أَن يُنزل علينا مائدة من السّماءِ، أَو هل تستطيع سؤال ربّك، وهو استفعال من قولك: طاع لى يطوع. وأَصل الاستطاعة الاستطواع. فلمَّا أُسقطت الواو جُعلت الهاءُ بدلاً منها. والمُطَّوِّعَة: الذين يتطوَّعون بالجهاد، قال تعالى: {الذين يَلْمِزُونَ المطوعين} ، أَى المتطوّعين فأَدغم. والاستطاعة عند المحققين، اسم للمعانى التى بها يتمكّن الإِنسان ممّا يريده من إِحداث الفعل. وهى أَربعة أَشياء: بِنْية مخصوصة للفاعل، وتصوّر للفعل، ومادّة قابلة للتأثير/ وآلة: إِن كان الفعل آليًّا؛ كالكتابة، فإِنَّ الكاتب يحتاج إِلى هذه الأَربعة فى إِيجاده للكتابة، ولذلك يقال: فلان غير مستطيع للكتابة إِذا فَقَد واحدا من هذه الأَربعة فصاعدًا. ويضادّه العجز، وهو أَلاّ يجد أَحَدَ هذه الأَربعة فصاعدًا. ومتى وجدها فمستطيع مطلقًا، ومتى فقدها فعاجز مطلقًا. ومتى وجد بعضه دون بعض فمستطيع من وجه عاجز من وجه آخر، ولأَن يوصف بالعجز أَولى. والاستطاعة أَخصّ من القدرة.

وقوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} فإِنه يحتاج إِلى هذه الأَربعة. وقوله صلَّى الله عليه وسلم: "الاستطاعة الزَّاد والراحلة" فإِنه بيان لما يُحتاج إِليه من الآلة، وخصّه بالذِّكر دون الأُخر إِذ كان معلومًا من حيث العقل ومقتضى الشرع أَن التكليف من دون تلك الأُخر لا يصحّ. قوله: {لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} ، الإِشارة بالاستطاعة ههنا إِلى عدم الآلة من المال والظَّهْر. وقد يقال: فلان لا يستطيع كذا لما يصعب عليه فعله لعدم الرّياضة، وذلك يرجع إِلى افتقاد الآلة وعدم التصّور، وقد يصحّ معه التَّكليف ولا يصير به الإِنسان معذورًا. وعلى هذا الوجه قال: {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} ، وقد حمل على هذا قوله: {وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء} . وقوله: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} قيل: إِنَّهم قالوا ذلك قبل أَن قويت معرفتهم بالله. وقيل: إِنَّهم لم يقصدوا قَصْد القدرة، وإِنما قصدوا أَنه: هل تقتضى الحكمة أَن يَفعل ذلك. وقيل: يستطيع ويُطِيع بمعنى واحد، ومعناه: هل يجيب، كقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} أَى يُجاب.

بصيرة فى طوف وطوق

بصيرة فى طوف وطوق الطَّوْف: المشى حول الشىء. طاف حول الكعبة يطُوف طَوْفًا وطَوافًا وطَوَفانًا. والمَطَاف: موضعه. ورجل طافٌ: كثير الطواف قال تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ} . والطائفة من الشىء: القطعة منه. وقوله عَزّ وجلّ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين} ، قال ابن عبّاس: الطائفة: الواحد فما فوقه، فمن أَوقع الطَّائفة على الواحد يريد النفس الطائفة. وقال مجاهد: الطائفة: الرّجل الواحد إِلى الأَلْف. وقال عطاءُ: أَقلها رجلان. وقوله تعالى: {طوافون عَلَيْكُمْ} ، قال الفرّاء: إِنما هم خَدَمكم وقال أَبو الهَيْثم: الطّواف: الخادم الذى يخدُمك برفق وعناية، وجمعه: الطوّافون. وفى الحديث: "الهِرَّة ليست بنَجِسة، إِنما هى من الطوّافين عليكم والطّوافات"، جعلها بمنزلة المماليك من قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ} . والطُوفَان: المطر الغالب والماء الغالب يغشى كل شىء، قال تعالى: {فَأَخَذَهُمُ الطوفان} ، وقيل: هو الموت الذَرِيع الجارف، وقيل: السيل. وقيل: القتل

الذريع. وقيل الطوفان من كل شىء: ما كان كثيرًا مطيفًا بالجماعة. وقيل كلّ حادثة تحيط بالإِنسان. ثم صار متعارَفًا فى الماءِ المتناهى فى الكثرة. وقال الأَخفش: الواحد فى القياس طوفانة، وأَنشد: غَيَّرَ الجِدّةَ من آياتها ... خُرُق الريح وطُوفانُ المطرْ وطَوّف تطويفًا: أَكثر من الطَوَفان. قال: أَطوّف ما أطّوف ثُمَّ آوِى ... إِلى بيت قعيدتُه لَكاعِ والطَّوْق/ ما يُعَلَّق فى العُنُق، خِلقة كطَوق الحمَام، أَو صنعة كطوق الغُلام. ويتوسّع فيه فيقال: طوّقته كذا، كقولك: قلّدته، قال تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة} ، وذلك على التشبيه كما فى الحديث: "من أَخذ قدر شبر من الأَرض ظلمًا طُوِّقه يوم القيامة إِلى سَبْع أَرَضِين". وفيه: "يأْتى أَحدَكم يوم القيامة شجاع أَقرع له زَبيبَتان فيتطوّق به فيقول: أَنا الزكاة التى منعتَنى".

والإِطاقة: القدرة على الشىء، طاقه، طَوْقًا وأَطاقَه وأَطاق عليه. والاسم الطاقة. وذلك تشبيه بالطَوْق المحيط بالشىء. وقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} أَى ما يصعب علينا مزاولته، وليس معناه: لا تحمّلنا ما لا قدرة لنا به، وذلك لأَنَّه تعالى قد يحمّل الإِنسان ما يصعب عليه، [كما قال] : {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} ، {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} أَى خفَفْنا عنك العبادات الصّعبة التى فى تركها الوِزْر. وقد يعبّر بنفى الطاقة عن نفى القدرة. وقوله: {وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ، ظاهره أَنَّ المطيق له يلزمه فدية أَفطر أَو لم يفطر، وقرىء: (وعلى الذين يُطَوّقونه) ، أَى يُحملون على أَن يتطوَّقوا.

بصيرة فى طول وطوى

بصيرة فى طول وطوى الطُول والقِصَر من الأَسماءِ المتضايفة. ويستعمل فى الأَعيان والأَعراض. قال تعالى: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد} . والطَّوْل - بالفتح -: الفضل والمَنّ، قال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً} كناية عما يصرف إِلى المَهر والنَّفقة. طوَى الصّحيفةَ يطوِيها فاطَّوَى وانطوى. وإِنه لحسن الطِّيَّة - بالكسر - وطَوَى الحديثَ: كَتَمَهُ. وطوَى كَشْحَه عنى: أَعرض مهاجِرًا. وقوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السمآء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ} أَى كطىّ الدَّرْج. ويعبّر بالطىّ عن مضىّ العمر، تقول: طَوَتْهُم خطوبُ دهرهم. وقوله تعالى: {والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ، يصحّ أَن يكون من كلا المعنيين.

وطُِوَى - بالضمّ والكسر - وينوّن أَيضًا: اسم وادٍ، قال تعالى: {إِنَّكَ بالواد المقدس طُوًى} . وقيل: هو اسم أَرض. وقيل: ذلك إِشارة إِلى حالة حصلت له على طريق الاجتباءِ، فكأَنه قال: طَوَى عليه مسافة لو احتاج أَن ينالها بالاجتهاد لبعُد عليه. وقيل: هو مصدر طويت.

بصيرة فى طهر

بصيرة فى طهر طَهَرَ وطَهُر واطَّهَّر وتطهّر بمعنى. وطَهَرت والمرأَةُ طُهْرًا وطَهارةً وطَهورًا وطُهورًا، وطَهُرت، والفتح أَقيس. وما عندى طَهُورٌ أَتَطهَّرُ به: وَضُوءٌ أَتوضّأُ به. والطهارة ضربان: جُسمانيّة، ونفسانيّة. وحُمل عليهما عامّة الآيات. وقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا} ، أَى استعملوا الماءَ أَو ما يقوم مقامه. وقال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} ، فدلّ باللفظين على عدم جواز وطئهن إِلاَّ بعد الطهارة، والتطهير. ويؤكّد ذلك قراءَة من قرأَ (حَتَّى يَطَّهَّرْنَ) ، أَى يفعلن الطهارة التى هى الغُسْل وقال تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين} ، يعنى به تطهير النَّفس. وقوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} . أَى مخرجك من جملتهم ومنزِّهك أَن تفعل فعلهم. وقيل فى قوله تعالى: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} ، يعنى به تطهير النَّفس [أَى] أَنَّه لا يبلغ حقائق معرفته إِلاَّ من

يطهّر نفسه من دَرَن الفساد والجهالات والمخالفات. وقوله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} ، قالوا ذلك تَهكّما حيث قال: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} وقوله: {لَّهُمْ فِيهَآ / أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} ، أَى مطهَّرات من دَرَن الدّنيا وأَنجاسها. وقيل: من الأَخلاق السيّئة، بدلالة قوله: {عُرُباً أَتْرَاباً} وقوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قيل معناه: نفسك نزِّهها عن المعايب. وقيل: طهّره عن الأَغيار. وقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ} . حثٌّ على تطهير القلب لدخول السكينات فيه المذكورة فى قوله: {هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين} . والطَّهُور، قد يكون مصدرًا على فَعُول فيما حكى سيبويه من قولهم: تطهّرت طَهُورًا، وتوضَّأْت وَضُوءًا، ومثله وَقَدْت وَقُودًا، وقد يكون اسمًا غير مصدر كالفَطُور اسما لما يُفطر به، والسَّحُور، والوَجُور، والسَّعُوط والذَّرُور. وقد يكون صفة كالرّسول، وعلى ذلك قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ

رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} تنبيهًا أَنَّه بخلاف ما ذكر فى قوله: {ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ} . وقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً} ، قال أَصحاب الشَّافعىّ: الطَّهُور بمعنى المُطَهِّر. قال بعضهم: هذا لا يصحّ من حيث اللفظ، لأَن فَعولا لا يُبْنَى من أَفعل وفعَّل، وإِنما يُبنى من فَعَل. أَجاب بعضهم أَن ذلك اقتضى التطهّر من حيث المعنى، وذلك أَنَّ الطاهر ضربان: ضرب لا يتعدّاه الطهارة؛ كطهارة الثوب فإِنه طاهر غير مطهَّر به، وضرب تتعدّاه فيَجعل غيره طاهرًا به، فوصف الله الماءَ بأَنَّه طَهور تنبيهًا على هذا المعنى. ويقال: التوبة طَهُور للمذنب. وتطهَّر من الإِثم: تنزَّه منه. وهو طاهر الثياب: نَزِهٌ من مدانس الأَخلاق.

بصيرة فى طيب

بصيرة فى طيب الطَيِّب: ما يستلذُّه الحواسّ من الأَطعمة والأَشربة وغيرها. وقال تعالى: {كُلُواْ مِمَّا فِي الأرض حَلاَلاً طَيِّباً} ، أَى من المباحات المأْكولة والمشروبة، ونحوه: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ، وقوله تعالى: {ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} أَى من الحلال. وقوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث} ، أَى الشحوم واللحوم التى كانت محرَّمة على اليهود بنصّ التوراة أَحلّها الله بنصّ القرآن. وقوله: {اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} أَى الصَّيد والذبائح. {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً} ، أَى الغنائم، ونحوه: {وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات} . وقوله: {والطيبات لِلطَّيِّبِينَ} ، تنبيه أَن الأَعمال الطيِّبة تكون من الطيّبين، كما رُوى: إِن المؤمن أَطيب من عمله، والكافر أَخبث من عمله. وقوله: {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب} ، أَى الأَعمال السيِّئة بالأَعمال الصالحة.

وقوله: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} أَى طاهرة زكيّة مستلذَّة. وقوله: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} ، قيل: إِشارة إِلى الجنَّة وإِلى جِوار ربّ العالمين. وقوله: {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} إِشارة إِلى الأَرض الزكيّة، وقيل: إِشارة إِلى نفس المؤمن وكلمة الشهادة. وقوله: {صَعِيداً طَيِّباً} ، أَى ترابًا لا نجاسة فيه. وسمِّى الاستنجاءُ استطابة لما فيه من التطيّب والتطهير. و {طوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} ، قيل: اسم شجرة فى الجنَّة معروفة. وقيل: بل إِشارة إِلى كلّ مستطاب فى الجنَّة: من بقاءٍ بلا فناءٍ، وعزّ بلا ذلّ، وغنًى بلا فقر. والأَطيبان: الأَكل والنكاح. قال نَهْشَل بن حَرِّىّ: إِذا فات منك الأَطيبان فلا تُبَلْ ... متى جاءَك اليوم الذى كنت تَحْذَرُ

بصيرة فى طير وطين

بصيرة فى طير وطين طار يَطِير طَيَرَانًا. وجمع الطائر: طَيْر، كراكب/ ورَكْب، قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطير} ، وقد يجمع على طيور وأَطيار. وطيّرت الحمامَ، وأَطرته. وقوله: {يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} ، أَى يتشاءَمُونَ بهم، {ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله} ، أَى شؤمهم وما قد أَعدّ الله لهم بسوءِ أَعمالهم. وقوله: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} ، أَى عمله الذى طار عنه من خير أَو شرٍّ. ويقال: تطايروا: إِذا أَسْرعوا، وإِذا تفرّقوا. واستطار البَرْقُ، واستطار الغبار: كثر وفشا. والفجر فجران: فجر مستطير، وفجر مستطيل. واستطار الصَّدع فى الحائط: ظهر وانتشر. قال تعالى: {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} . وفرسٌ مُطَار. وكاد يُستطار من شدّة عَدْوه. والطّين: التراب المختلِط بالماءِ. وقد يسمّى به وإِن زال عنه أثر الماءِ، والقطعة منه طِينة. وطيّن البيتَ الطيّانُ، وهو الماهر فى طِيَانته. وطِنْت الكتابَ: جعلت عليه طِينة الخَتْم، فهو مَطِين. وطانه الله على الخير: جَبَله الله عليه. ومكان طانٌ: كثير الطِّين.

الباب الثامن عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الظاء

الباب الثامن عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الظاء بصيرة فى الظاء ويرد على وجوه: 1- حرف من حروف الهجاءِ، لِثَوِىّ، مخرجه من أُصول الأَسنان جِوار مخرج الذال، يُمَدّ ويقصر، ويذكّر ويؤنّث. فعله من اللفيف المقرون ظيَّيت ظاءً حسنًا وحسنة، جمعه على التذكير أَظواءٌ، وعلى التأْنيث ظاءَات. 2- اسم لعدد التسعمائة فى حساب الجُمَّل. 3- الظاءُ الكافية، وهى التى تقتصر عليها من ذكر الظَّلام. 4- الظاءُ المدغمة، فى مثل: كظَّ الطعامُ بطنه: إِذا ملأَه حتى لا يطيق النَّفَس. والكِظَّة: شىء يعترى من الامتلاءِ. 5- ظاءُ العجز والضرورة، كما أَن بعض النَّاس ينطق به فى صورة الذال.

6- الظاءُ: اسم موضع. 7- الظاءُ: الأَصلىّ؛ فى نحو: ظلم، ونظر، ولمظ. 8- الظَّاءُ المبدلة، فى نحو: وقيظ ووقيذ. 9- الظاءُ اللغوىّ، قال الخليل: الظاءُ عندهم: العجوز المثنيّة ثديها قال: نكحتُ من حَيّى عجوزًا هَرِمَهْ ... ظاء الثُدِىّ كالحَنِىِّ هَذْرَمَهْ

بصيرة فى ظعن وظفر

بصيرة فى ظعن وظفر ظعَن يظعَن - كمنع يمنع - ظَعْنا وظَعَنانا: سار. وأَظعنه: سيّره، قال تعالى: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} . والظَّعِينة: الهودج، فيه امرأَة أَوْ لا، والجمع: ظُعْن، وظعُنُ، وظعائن، وأَظعان. وقد يكنى عن المرأَة بالظعينة وإِن لم تكن فى الهودج. والظُفُر يَكون فى الإِنسان وفى غيره، قال تعالى: {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} . ويعبّر به عن السّلاح تشبيهًا. وظفِر بعدوّه: غلبه، وظفَّره الله عليه وأَظْفَرَه. ورجل مظفَّر لا يئوب بالظَّفَر. وأَنشب فيه ظُفُره وأُظْفوره وأَظافيره. قال: ما بين لُقْمَتِها الأُولى إِذا ازْدَرَدَتْ ... وبين أُخرى تليها قِيسُ أُظفور ورجل أَظفرُ: طويل الظُفُر. ورجل ظَفِر ومظَفَّر: لا يطلب شيئًا إِلاَّ أَصابه. قال: هو الظَّفِر الميمون إِنْ راح أَو غَدا ... به الرَّكب والتِّلعابة المتحبّبُ

بصيرة فى ظل

بصيرة فى ظل الظِّلّ أَعمّ من الفىء فإِنه يقال: ظِلّ الليل، وظِلّ الجنَّة. ويقال لكلّ موضع لم تصِل إِليه الشمس: ظِلّ، ولا يقال الفىء إِلاَّ لما زال عنه الشمس. وقيل: الظلّ يكون بالغداة. والفىء يكون بالعشىّ، والجمع: ظلال، وظُلُول، وأَظلال. ويعبّر بالظلّ/ عن العزّ والمَنعة، وعن الرّفاهة، قال تعالى: {إِنَّ المتقين فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ} . وقد يطلق الفىء ويراد به الظلّ وبالعكس، قال: وما دنياك إِلاَّ مثل فَىْءٍ ... أَظلَّك ثم آذَن بالزوالِ وقال آخر: إِنّما الدنيا كظلٍّ زائلٍ ... أَو كضَيْفٍ بات ليلاً فارْتَحَلْ وقيل: مَثَل الدنيا مَثَل الظلّ، إِنْ طلبته تباعد، وإِن تركته تتابع. وفى الحديث: "ما مَثَلى ومثل الدّنيا إِلاَّ كراكب قال فى ظلّ شجرة فى يوم حارّ، ثم راح وتركها".

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} ، وقال: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} ، وقال: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} ، قيل: الأَوّل: ظلّ الكافية، والثانى: ظل الوِلاية، والثالث: ظل الرّحمة والمغفرة. وقوله تعالى: {انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} : ظلّ العذاب والعقوبة. وقوله: {وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} : ظل الذلّ والإِهانة. وقوله: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} : ظلّ الامتحان والتجربة. وقوله: {يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ اليمين والشمآئل} : ظلّ السجدة والعبادة. وقوله: {وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} : ظل الإِعزاز والكرامة. وقوله: {ثُمَّ تولى إِلَى الظل} : ظلّ التبجيل والعناية. ويقال: أَظلَّنى فلان، أَى حَرَسنى وجعلنى فى عزّه ومناعته. وقيل فى قوله تعالى: {يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ اليمين والشمآئل} الآية، أَى إِنشاؤه يدلّ على وحدانيّة الله وينبىء عن حكمته. وقوله: {وَظِلالُهُم

بالغدو والآصال} قال الحسن: أَمّا ظِلُّك فيسجد، وأَمّا أَنت فتكفر به. وظِلّ ظليل: فائض. ومكان ظليل، أَى ذو ظِلّ، أَو دائم الظلّ، ومنه: ظِلّ ظليل، وقيل مبالغة. {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} كناية عن غَضَارة العيش. والظُّلة - بالضمّ -: سحابة تُظِلّ. وأَكثر ما يقال فيما يستوخَم ويُكره. وقوله: {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام} ، أَى يأتيهم عذابُه، جمع ظُلَّة، كغرفة وغرف. وقرىء: (فى ظِلاَلٍ) ، وذلك إِمّا جمع ظُلَّة كعُلْبة وَعِلاب، وجُفْرة وجِفَار، وإِمّا جمع ظِلّ. والظُلَّة أَيضًا: شىء يُستتر به من الحرّ والبرد، وَهى كالصُّفَّة. وحُمل عليه قوله تعالى: {مَّوْجٌ كالظلل} ، وقيل: موج كقِطَع السّحاب. وقيل: يقال لكل ساتر ظِلّ، محمودًا كان أَو مذمومًا، فمن المحمود قوله تعالى: {وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} ، ومن المذموم قوله: {وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} . وقوله {لاَّ ظَلِيلٍ} أَى لا يفيد فائدة الظلّ. وظَلَّ نهارَه يفعل كذا. وسُمع فى الشعر ظَلَّ ليلَهُ يظلّ - بالفتح -: ظَلاّ وظُلُولاً. وظلِلت أَنا - بالكسر - وظَلْت كلَسْتُ، وظِلْت كمِلت، وأَصله ظَلِلْت.

بصيرة فى ظلم (وظما)

بصيرة فى ظلم (وظما) الظُلْمة - بالضمّ - والظُلُمة - بمضمّتين - والظَّلماءِ والظَّلام: ذَهاب النُّور. والظُّلمات: جمع ظُلمة. ويعبّر بها عن الجهل، والشرك، والفسق، كما يعبّر بالنور عن أَضدادها، قال الله تعالى: {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} . وقوله: {كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات} هو كقوله: {كَمَنْ هُوَ أعمى} ، وقوله: {والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظلمات} . وقوله: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} ، أَى البطن، والرّحم، والمَشِيمَة. ويجمع على ظُلَم أَيضًا، قال: أَرى الشَّيب مذ جاوزتُ خمسين حِجةً ... يَدِبّ دبيب الصُّبح فى غَسَق الظُلَمْ هو السّقْم إِلا أَنَّه غير مؤلم ... ولم أَر مثلَ الشّيب سقما بلا أَلَمْ وفى بعض الآثار: إِنَّ الله تعالى خلق فى المشرق حجابًا من نور، وخلق فى المغرب حجابًا من ظلمة، ووكَّل بهما مَلَكين، فإِذا قرب النَّهار أَخذ مَلَك

النور قبضة منه فيرسلها قليلاً قليلاً/ إِلى أَن يضىء النهار، فإِذا قرب الليل أَخذ مَلَك الظُّلمة قبضة منها فيرسلها قليلا قليلا إِلى أَن يُظلم اللَّيل. قال تعالى: {أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر} فى المنّة على العباد بالهداية عند التحيّر فى الفيافى والفلوات، وفى البحار عند الأَمواج المرعبات بالليالى الحالكات، وكذا قوله تعالى: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ البر والبحر} . وقال تعالى فى تشبيه بحار الكفر والضلالات بالبحار الموّاجة والأَمواج المهلكات: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ} . والظُّلْم: وضع الشىء فى غير موضعه المختصّ به، إِمّا بنقصان أَو زيادة، وإِمّا بعدول عن وقته أَو مكانه. ظَلَم يَظْلِم ظَلْمًا - بالفتح - ومَظْلِمَة، فهو ظالم وظَلُومٌ. [وظَلَمَهُ] حقَّه وتظلَّمه إِيّاه. وتظلَّم: أَحال الظلم على نفسه، ومِن فلان: شكا من ظلمه. والظلم يقال فى مجاوزة الحقّ، ويقال فى الكثير والقليل، ولهذا يستعمل فى الذنب الكبير والذنْب الصّغير. ولذلك قيل لآدم - صلوات الله عليه وسلامه - فى تعدِّيه: ظالم. وفى إِبليس: ظالم، وإِن كان بين ظلميهما من البَون ما لا يخفى.

قال بعض الحكماءِ: الظُّلْم ثلاثة: ظلم بَيْن الإِنسان وبين الله تعالى، وأَعظمه الكفر، والشِّرْك، والنِّفاق، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، وإِيَّاه قَصَد بقوله: {أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} والثانى: ظلم بيْنه وبين النَّاس، وإِيّاه قَصَد بقوله: {إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس} . والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، قال تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} ، وقال: {وَلاَ تَقْرَبَا هاذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} ، أَى من الظالمين أَنفسهم، وقال لنبيّه: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} . وكلّ هذه الأَقسام فى الحقيقة ظلم للنفس؛ فإِنَّ الإِنسان أَوّل ما يهُمّ بالظلم فقد ظلم نفسه. فإِذًا الظالمُ أَبدا مُبتدىء بنفسه فى الظلم، فلهذا قال تعالى فى غير موضع: {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله ولاكن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} وقوله: {وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ، قيل: هو الشرك، بدلالة أَنَّه لمّا نزلت هذه الآية شقَّ على أَصحاب النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال لهم النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "أَلم تَرَوْا إِلى قوله: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} "؟!

وقوله: {وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً} ، أَى لم تنقص. وقوله: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} يتناول الأَقسام الثلاثة، فما من أَحد كان منه ظلم فى الدنيا إِلاَّ ولو حَصَل [له] ما فى الأَرض وأَمثالُه لافتدى به يوم القيامة. وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} تنبيه أَنَّ الظلم لا يُغنى ولا يُجدى، بل يُردى بدلالة قوم نوح. وقوله فى موضع آخر: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ} ، وفى موضع آخر: {وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} . وفى الحديث: "الظُلم ظلمات يوم القيامة". وفى كلام الحكماءِ: المُلْك يبقى مع الكفر، ولا يبقى مع الظلم. قال: لا تظلمنّ إِذا ما كنتَ مقتدِرًا ... فالظلم آخره يأْتيك بالندمِ نامت عيونُك والمظلوم مُنْتَبِهٌ ... يدعو عليك وعينُ الله لم تَنَمِ وفى بعض الآثار: إِذا كان يوم القيامة يجتمع الظَلَمة وأَعوانهم [و] من أَلاق لهم دواةً وبَرَى لهم قَلَما، فيُجعلون فى تابوت ويُلقَون فى جهنم. وقال النبىّ

صلَّى الله عليه وسلم: "اتَّقِ دعوة المظلوم فإِنَّه ليس بينها وبين الله حجاب". والأَحاديث فى هذا المعنى كثيرة. قال: يا أيها الظالم فى فِعْلِهِ ... فالظُّلم مردودٌ على مَن ظَلَمْ إِلى مَتَى أَنت وحتَّى متى ... تَسْلُو المصيباتِ وتنسَى النِّقَمْ {أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} ، {وَتَرَى الظالمين / لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} ، {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ} ، أَى وهم موقوفون. وقوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} قيل: عامّ، وقيل: المراد به عُقبة بن أَبى مُعيط خصوصًا. {وَإِنَّ الظالمين بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} ، قيل المراد أَبو جهل وأَشياعه. {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ} ، قيل المراد الوليد بن المغيرة وأَتباعه. والظمأُ: العطش. وهو ظَمْآنُ وهى ظمْآى، وهم وهنّ ظِمَاء. وقد ظَمِىءَ ظَمَأً وظَمَاءً. وأَظمأته وظمَّأته: عطَّشته. وتمّ ظِمْؤه، وهو ما بين السَقْيتين. والخِمْس شرّ الأَظماءِ. وَجْهٌ ريّانٌ، ذمٌّ. ووجه ظمآنُ: مَعْرُوق، وهو مدح.

بصيرة فى ظن

بصيرة فى ظن الظَنّ: علم يحصل من مجرَّد أَمَارة، ومتى قَوِيَتْ أَدّت إِلى العِلم، ومتى ضعُفت جدًّا لم يَتجاوز حَدّ التوهّم، ومتى قَوِىَ أَو تُصوّر بصورة القوىّ استُعمل معه أَنَّ المثقَّلة وأَنِ المخففة منها، ومَتى ضعف استُعمل معه أَنِ المختصّة بالمعدوم من القول والفعل. وجمع الظنّ: ظُنُونٌ وأَظانِينُ. وفى الأَحاديث القُدسيّة: "أَنا عند ظنّ عبدى بى، وأَنا معه إِذا ذكرنى". وفى الحديث الصّحيح: "إِيّاكم والظنّ، فإِن الظنّ أَكذب الحديث". وقال: "لايموتَنّ أَحدكم إِلاَّ وهو يحسن الظنّ بالله". قال الشاعر: أَحسنتَ ظنَّك بالأَيَّام إِذْ حَسُنت ... ولم تخَفْ سُوءَ ما يأتى به القَدَرُ وسالَمَتْكَ اللَّيالى فاغتررتَ بها ... وعند صفْو الليالى يحدُث الكَدَرُ وقد ورد الظنّ فى القرآن مجملاً على أَربعة أَوجه: بمعنى اليقين، وبمعنى الشكّ، وبمعنى التُهَمة، وبمعنى الحُسْبَان.

فالذي بمعنى اليقين فى عشرة مواضع: {يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ} {وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق} ، {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ} ، {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأرض} ، {أَلا يَظُنُّ أولائك أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ} ، {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} ، {وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} ، يعنى رُكَّاب السّفن فى البحر. {وظنوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ الله إِلاَّ إِلَيْهِ} ، يعنى المتخلِّفين من غزوة تَبُوك. {إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله} ، {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} . وأَمّا الذى بمعنى الشكّ والتُهَمَة فعلى وجوه مختلفة: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} : لن نضيّق عليه. {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله} ، {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} ، يعنى فى حرْب الأَحزاب، {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} يعنى اليهود. {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} ؛ {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} يعنى المنافقين فى حقّ المؤمنين. {الظآنين بالله ظَنَّ السوء} ، {يَظُنُّونَ بالله غَيْرَ الحق ظَنَّ الجاهلية} . {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً} ، يعنى فى حقّيّة البعث، {وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله} يعنى بنى قُرَيْظَة وحصونهم

{إِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً} . {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الإنس والجن عَلَى الله كَذِباً} ، {وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ} . {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بلى} يعنى أَبا جهل ظنّ أَن لا يعاد. وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ} يعنى أَنَّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم غيرُ متَّهم فيما يقول. والظنّ فى كثير من الأُمور مذموم، ولهذا قال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً} ، وقال تعالى: {اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ} . وفيه ظِنَّة، أَى تُهَمة. وهو ظِنَّتى، أَى موضع تُهْمتى. وبئر ظَنُونٌ: لا يُوثَقُ بمائها. ورجل ظَنُونٌ: لا يوثق/ بخبَره. وهو مَظِنِّة للخير، وهو من مظانِّه. وظنَنْت به الخير فكان عند ظنِّى.

بصيرة فى ظهر

بصيرة فى ظهر جمع الظَّهْر: ظُهُور. ورجل مُظَهَّر: قوىّ الظهر، وظَهِرٌ: يشتكِى ظهره. وَجَمَل ظَهيرٌ وظِهْرِىٌّ: قوىّ الظهر، وناقة ظهيرة، وقد ظَهَرَ ظَهَارَةً. وقولُه تعالى: {الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} ، الظهر استعارة تشبيهًا للذنوب بالحِمْل الذى ينوءُ بحامله. واستعير لظاهر الأَرض فقيل: ظَهْر الأَرض وبطنها، قال تعالى: {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ} . وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} ، يعنى حين أَبرزهم من ظهر آدم إِلى صحراءِ الوجود للعهد والميثاق. وقال تعالى: {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} يعنى من الشحم واللَّحم. وقال: {فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ} . وقال تعالى: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} ، وقال: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ} .

ويعبّر عن المركوب بالظَّهْر. والظَّهرىُّ أَيضًا: ما تجعله وراءَ ظهرك فتنساه، قال تعالى: {واتخذتموه وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} . وظهر عليه: غلبه. وأَظهره الله، قال تعالى: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} . وظاهرته: عاونته، من ظاهر بين ثوبين ودِرعين: جعل كلاًّ منهما ظهرًا للآخر، {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أَى تعاونا. وقد ظاهر من امرأَته، وتظاهر منها. والظَّهِير: المُعين، وقوله تعالى: {وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً} ، أَى مُعينا للشيطان على الرّحمان. وقال أَبو عُبيدة: الظهير هو المظهور به، أَى هيّنًا على ربّه كالشىء الذى خلّفته وراءَ ظهرك، من قولك: ظهرتُ بكذا، أَى خلّفتُه ولم أَلتفت إِليه. والظِّهار: أَن يقول الرّجل لامرأَته: أنتِ علىّ كظهر أُمِّى. قال تعالى: {الذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ} . وقرىء: (يَظَّاهَرُونَ) ، أَى يَتَظَاهَرُون فأُدغم، و (يظَّهَّرُونَ) .

وظَهَر الشىء ظُهورًا أَصله أَن يحصل الشىء على ظَهر الأَرض فلا يخفَى، وبَطَنَ: إِذا حصل فى بُطْنان الأَرض فيخفَى، ثمّ صار مستعملاً فى كل بادٍ بارز للبصر والبصيرة. وقوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غَافِلُونَ} ؛ أَى يعلمون الأُمور الدّنْيَوِيّة دون الأُخرويّة. والعلمُ الظاهر والباطن يشار بهما إِلى المعارف الجَلِيَّة والمعارف الخفيّة، وتارة إِلى العلوم الدّنيويّة والعلوم الأُخرويَّة. وقوله تعالى: {ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر} أَى كثر وفشا. وقوله: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} يعنى بالظاهرة ما نقف عليها، والباطنة ما لا نعرفها. وقوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً} ، حُمل ذلك على ظاهره. وقوله: {فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً} ، أَى لا يُطلْع عليه. وقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ} ، [يصحّ] أَن يكون من البُرُوز، وأَن يكون من المعاونة والغلبة، أَى ليغلِّبه على الدّين كلِّه. وصلاة الظُهْر لكونها فى أَظهر الأَوقات. والظَّهِيرة: وقت الظهر.

الباب التاسع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف العين

الباب التاسع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف العين

بصيرة فى العين

بصيرة فى العين وهى وردت فى القرآن العزيز وفى كلام العرب لمعان كثيرة تنيف على خمسين معنى، أَسُوقُها مرتَّبة على حروف الهجاءِ. ا- أهل البلد، أهل الدار، الإِصابة بالعَيْن، الإِصابة فى العين، الإِنسان، ومنه قولهم: ما بالدّار عين أى أحد. ب- الباصرة، بلدٌ بهُذيل. ج- الجاسوس، الجَرَيان، الجلدة التى يقع فيها البندق. ح- حَاسّة البصر، الحاضر من كلِّ شىء، حقيقةُ القِبلة. خ- خيار الشئ. د- دوائر دقيقة على الجِلْدِ، الدَّيْدَبان، الدّينار. ذ- الذهب، ذات الشئ. ر- الرِّبا. س- السيّد، السحاب القبلى، السَنَام، اسم السبعين فى حساب الجُمَّل. ش- الشمس، شعاع الشَّمس. ص- صديقُ عَيْن، أَى ما دام تراه. ط- طائر. ع- العتيد من المال، العَيب، العزّ، العلم.

ق- قرية بالشأم، قرية باليمن. ك- كبير القوم. ل- لقيته أَوّل عين، أَى أَوّل شىءٍ، ويجوز ذكره فى الشىءِ. م- المال، مصبّ ماءِ القناة، مطر أَيام لا يُقلع، مفجر ماءِ الرَّكِيَّة، منظر الرّجل، الميل فى الميزان. ن- الناحية، نصف دانق من سبعة دنانير، النظر، نفس الشَّىءِ، نُقْرة الرُّكْبة، واحد الأَعيان للإِخوة من أَب وأُم، هـ- ها هو عَرْضُ عين، أَى قريب. وقد يذكر فى القاف. ى- ينبوع الماءِ. وعين شمس، وعين تَمْر، وعين صَيْد، ورأس عين، مواضع معروفة. وأَسْود العين، جبل. والمعانى المذكورة فى القرآن أَحد عشر. الأَول - بمعنى النظر: {وَلِتُصْنَعَ على عيني} ، {واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا} {فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ الناس} أَى بمنظر منهم. 2- بمعنى الحفظ، والرّعاية: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ، {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} . 3- عين النبىّ صلىَّ الله عليه وسلَّم خِلقة: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} . 4- عين الإِنسان عامّة: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ} .

5- عيون المؤمنين خاصّة: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} . 6- عيون الكفَّار: {كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فى غِطَاءٍ} ، {أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بهَا} . 7- نهر بنى إسرائيل ومعجز موسى عليه السّلام: {فانفجرت مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً} . 8- بمعنى النُّحاس الجارى معجزًا لسليمان عليه السّلام: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر} . 9- بمعنى مغرب الشمس: {تَغْرُبُ فى عَيْنٍ حَمِئَة} . 10- العين التى وُعِدَ بِهَا الكفَّارُ فى جهنَّم: {تسقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} . 11- العين الجارية التى وُعد بها المتقون: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} ، {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} . 12- الموعود لأَصحاب اليمين: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَان} . 13- الموعود بها السّابقون: {عَيْناً فِيهَا تسمى سَلْسَبِيلاً} . 14- الموعود بها الأَبرار وأَهل الخصوص: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله} .

15- الموعود بها المقرّبون: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المقربون} ، وهى عين التسنيم. 16- أَعَيْنُ الجُنَاةِ فى القصاص: {والعين بالعين} . 17- العين الضَّرورىّ: {لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} .

بصيرة فى عبد

بصيرة فى عبد العبد: خلاف الحُرّ. والجمع عَبْدونٌ وعَبِيدٌ، مثال كَلْب وكَلِيبٍ، وهو جمعٌ عزيز - وأَعْبُدٌ، وعِباد وعُبْدانٌ بالضمّ - كتمر وتُمْران، وعِبْدانٌ - بالكسر - كجَحش وجِحشان / وعِبِدَّانٌ - بكسرتين وشدّ الدّال - ومَعْبَدة كشَيْخ ومَشْيخة، ومعابدُ وعِبدَّاءُ - بالمدّ - وعِبِدَّى - مقصور - وعُبُدٌ - بضمّتين كسَقْف وسُقُف - وعَبُد - بفتح العين وضمّ الباءِ - ومعبوداءُ. وقرأَ ابن عبّاس رضى الله عنهما وابنُ مسعود وإبراهيم النَخَعىّ والأَعمش وأَبان بن ثعلب والضحّاك وابن وَثَّاب وعلىّ بن صالح وشيبان: {وَعُبُد الطاغوت} مضافاً إِلى الطَّّاغوت، وقرأ حَمزة بن حبيب الزَّيات {وَعَبُدَ الطاغوت} وأَضافه، والمعنى فيما يقال: خَدَم الطَّاغوت. قيل: وليس هذا بجمع لأَن فَعْلا لا يجمع على فَعُل، وإِنما هو اسم بُنى على فَعُل كحذُر ونَدُس. وأَمّا قول أَوس بن حَجَر: أَبَنى لُبَيْنَى إِنَّ أمّكمُ ... أَمَةٌ وإِن أَباكم عَبُدُ فإِنَّ الفراءَ قال: إِنَّما ضمّ الباءَ ضرورة لأَنَّ القصيدة من الكامل وهى حَذَّاءَ.

وعَبْد بيّن العَبْديّة والعُبُودِيَّة والعُبُودة. وأَصل العبوديّة الخضوع والذلّ. وقوله تعالى: {فادخلي فِي عِبَادِي} أَى فى حزبى. والتعبيد: التذليل، طريق معبَّد: مذلَّل. وأَعْبَدَهُ: اتَّخذه عبدا. وأَعْبَدَنى فلان فلاناً: ملَّكنى إِيّاه. والتعبيد: الاستعباد، وهو أَن تتخذه عبداً، وكذلك الاعتباد. وتَعَبَّدَنى: اتَّخذنى عبدًا. والعبادة: الطاعة، وهى أَبلغ من العبوديّة، لأَنَّها غاية التَّذلُّل لا يستحقّها إِلا من له غاية الإِفضال، وهو الله تعالى. والعبادة ضربان: ضرب بالتسخير كما ذكرناه فى السجود، وضرب بالاختيار وهو لذى النطق، وهو المأمور به فى قوله: {اعبدوا رَبَّكُمُ} . والعبد يقال على أَضرب: الأَوّل - عبد بحكم الشرع يباع ويبتاع؛ نحو قوله تعالى: {العبد بالعبد} . والثانى - عبد بالإِيجاد، وذلك ليس إلاَّ لله تعالى، وإِيّاه قصد بقوله: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمان عَبْداً} . الثالث - عبد بالعِبادةِ والخِدمة، وهو المقصود بقوله: {واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ} ، {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ} . وعبد الدنيا وأَعراضها هو المعتكف على خدمتها ومراعاتها، وإِيّاه قصد النبىّ صلىَّ الله عليه وسلَّم بقوله: "تَعِسَ عبد الدينار، تَعِسَ

عبد الدّرهم". وعلى هذا النوع يصحّ أَن يقال: ليس كلّ إِنسان عبدًا لله، فإِنَّ العبد على هذا المعنى العابد، لكنَّ العبد أَبلغ من العابد. والناس كلّهم عباد الله بل الأَشياء كلها، بعضُها بالتسخير وبعضها بالتسخير والاختيار. قال: سيّدى إِنّنى رجوتُك وعدًا ... ما تجاوزتُ فى ولائك عهدا لستُ آتيك كى أَكون حبيباً ... فاتَّخذنى لِعَبْدِ عبدِك عبدا قيل: ورد العَبْد والعِبادة فى القرآن على ثلاثين وجهاً: الأَول - عامّ للمُؤمن والكَافر: {والله بَصِيرٌ بالعباد} ، {رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ} {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ} . 2- خاصّ بالمؤْمنين: {والله رَؤُوفٌ بالعباد} ، {الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} {قُل لِّعِبَادِيَ الذين آمَنُواْ} . 3- خاصّ بالكفار: {ياحسرة عَلَى العباد} ، {إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} . 4- بمعنى المماليك: {والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ} ، {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ} . 5- بمعنى المطيعين: {وَعِبَادُ الرحمان} . 6- بمعنى العاصين المجرمين: {وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً} ، {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} .

7- بمعنى الأبرار والأخيار: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله} . 8- بمعنى المصطَفين المجتَبين من النَّاسِ كالأنبِياءِ وغيرهم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} ، / {وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى} . 9- أَهل القُرْبة والكرامة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} . 10- بمعنى أُمَّة النبىِّ صلىَّ الله عليه وسلَّم: {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم} ، {أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} . 11- بمعنى أُمَّة موسَى عليهِ السّلام: {وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بعبادي} . 12- بمعنى الأَتقِياء: {مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} . 13- بمعنى أَهل الجنَّة: {جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمان عِبَادَهُ} . 14- بمعنى قوم نوح عليه السّلام: {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ} . 15- بمعنى الأَنبياء: {ولاكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} {يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} . 16- بمعنى المنازعينَ للأَنبياءِ: {ولاكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَآءُ} .

17- بمعنى مَلائكة الملَكُوت: {وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمان} ، {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} . 18- بمعنى المخلَصِينَ المعصومين: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} . 19- بمعنى المنصورين على الأَعداءِ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين} . 20- بمعنى العلماءِ: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} . 21- بمعنى المستحِقِّين للبشرى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الذين يَسْتَمِعُونَ القول} . 22- بمعنى أَهل الخصوص عند الوفاة ويوم القيامة: {ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم} . 23- بمعنى نوح عليه السلام: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} . 24- بمعنى إِبراهيم الخليل وأَولاده: {واذكر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} . 25- بمعنى لوط: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} . 26- بمعنى أَيُّوب عليه السّلام: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ العبد} {واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ} .

27- بمعنى داوُدَ فى مقام الأَوْبةِ والإنَابة: {واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ} . 28- بمعنى سليمان فى مقام شكر النّعمة: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ العبد} . 29- بمعنى عيسى عليه السّلام فى صفة الطهارة والتزكية: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الكتاب وَجَعَلَنِي} الآية. 30- بمعنى سيّد المرسلين فى ساعة القربة والكرامة: {لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله} ، {فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى} ، {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ} .

بصيرة فى عبث وعبر وعبس

بصيرة فى عبث وعبر وعبس العَبَث: اللعب. وقد عَبِثَ يَعْبَثُ - كفَرِحَ يَفْرَحُ - عَبَثًا. والعَبْثة - بالفتح - المرّة الواحِدة. والمادّة موضوعة للخلط. وقد عَبَثه يَعْبِثه - كضربه يضربه - عَبْثًا: خلطه. والعَبِيِثة: الأَقِط يُخلَط. جافّه بَرطْبه ليحمل يابسُه رَطْبَه. والعَبِيثة: طعام يطبخ ويجعل فيه جَراد. وعَبِيثة النَّاس: أَخلاطهم، قال رؤبة يمدح الحارث الهُجَيمىَّ. وقلت إِذْ أَعْيَا امتياثاً مائثُ ... وطاحت الأَلبان والعَبائثُ إِنَّك يا حارثُ نِعم الحارِثُ ... أعزَّنى مجد له مآرث أَصل العَبْر تجاوزٌ من حال إِلى حال. وأَمّا العُبور فيختص بِتجاوز الماءِ إِمَّا بسباحة أَو فى سفينة أَو على بعير أَو قنطرة، ومنه [عَِبْرُ النهر لجانبه حيث يُعبر منه أَو إِليه. واشتقَّ منه عَبْر العين للدمع] . [و] الفرات يضرب العِبْرين بالزَبَد، وهما شطَّاه وجانباه لأَنَّه يُعبر منه أَو إِليه. وناقة عُِبْرُ أَسفار - بالضمّ وبالكسر -: لا تزال يسافَر عليها، قال النابغة: وقفت فيها سَرَاةَ اليوم أَسألها ... عن آل نُعْم أَمُوناً عِبْرَ أَسفار ومنه العَبْرة للدّمعة. ومنه عابِر سبيل. وعَبَر القوم: ماتوا كأَنَّهم عَبَروا قنطرة الدنيا. وأَمّا العبارة فمختصمة بالكلام العابر الهواء من لسان

المتكلّم إِلى / سمع السّامع. والاعتبار والعِبْرة: الحالة التى يُتوصّل بها من معرفة المشاهَد إِلى ما ليس بمشاهد. والتعبير مختصّ بتفسير الرؤيا. وهو العابر من ظاهرها إِلى باطنها. وهو أَخصّ من التأويل. والتأويل يقال [فيه وفى غيره] . وقد عبرَ الرّؤيَا يعبرها عَبْراً وعِبارة، قال تعالى: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} . وعبرت الكتاب عَبْرا: قرأته فى نفسى ولم أَرفع به صوتى. وغلام مُعْبَر وجارية مُعْبَرة: لم يُختنا. وتقول: يا ابن المُعْبَرة. وبنو فلان يُعبِرون النِّساءَ، ويبيعون الماءَ، ويعتصرون العطاءَ، أَى يرتجعونه. وأَحصى قاضى البَدْو المخفوضات والبُظْر فقال: وجدت أَكثر العفائف مُوعَبات، وأَكثر الفواحش مُعْبَرات. والعُبوس: قُطوب الوجه. أَعوذ بالله من ليلة بُوس، ويومٍ عَبُوس.

بصيرة فى عبأ وعبقر وعتب

بصيرة فى عبأ وعبقر وعتب عَبَأْت الطِّيبَ عَبْثًا: إِذا هيّأتَه وصنعْته وخلطته. قال أَبو زُبَيد حَرْملة ابن المنذر الطَّائىّ يصف أَسَدًا: كأَنّ بنَحره وبمنكِبَيه ... عَبيراً بات تعبؤه عروس وما عَبَأت بفلان عَبئًا، أَى ما باليت به قال، تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} . والمعْبأ: المذْهب. وعَبْءُ الشمس: ضياؤُها. وعبَّأت الشىءَ تعبئة وتعبيئاً: هيّأته. وعَبْقَر: بلاد الجِنِّ. وقيل: قرية يسكنها الجِنّ. وقيل: أَرض يُنسب إِليها كلّ مارد من إِنسان وحيوان وثوب. وكلُّ فائق غريب ممّا يصعب عمله؛ وكلّ شىءٍ عظيم فى نفسه. وعَبْقرىّ القوم سيّدهم وكبيرهم وقويّهم. وفى حديث عمر أَنَّه كان يسجد على عَبْقَرىّ، قيل: هو الدّيباج وقيل: هو البُسُط المَوْشِيَّة. وقيل: الطنافس الثِخان، قال تعالى: {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} جعله الله مَثَلاً لفُرُش الجنَّة. والعَتْب: المَوْجِدة. عَتَب عليه يَعْتُب ويَعْتِب عَتْبا ومَعْتَبًا أَى وَجَد عليه، قال: الغَطَمَّشِ: أَخِلاَّىَ لو غيرُ الحِمام أَصابكم ... عتَبتُ ولكن ما على الموت مَعْتَبُ

والاسم المعتَبة والمَعْتِبة. والعَتَب: الدَّرَج، وكلّ مِرقاة منها عَتَبة، والجمع عَتَبات. والعَتَبة: أُسْكُفَّة الباب والجمع عَتَب. والعرب تكنى عن المرأَة بالعَتَبة والنعل القارورة والبيت والغُلّ والقَيد والرَّيحانة والقَوْصَرَّة والشاة والنعجة. وحُمل فلان على عَتَبة، أَى على أَمرٍ كرِيه. وعتبت فلاناً: أَبرزت له الغِلطة التى وجدْت له فى صدرى. وأَعتبته: حملته على العَتْب. وأَعتبته أَيضاً: أَزلت عنه [العتب] نحو أَشكيته. والعَتُوب: مَن لا يَعمل فيه العِتاب. واسْتَعْتَبْتُهُ فأَعْتَبَنِى، أَى استرضيتهُ فأَرضانى، قال تعالى: {لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ} . وقوله تعالى: {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ المعتبين} أَى إِن يَستقيلوا ربَّهم لم يُقِلْهم، أَى لم يردّهم إِلى الدنيا؛ وقرأَ عُبيد بن عُمَير: {وإِن يُسْتَعْتَبُواْ} على ما لم يسمّ فاعله، أَى إِن أَقالهم الله تعالى وردّهم إِلى الدنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق فى علم الله تعالى من الشقاءِ، قال الله تعالى: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} . وعاتبته معاتبة وعتاباً، قال: أُعاتِب ذا المودَّةِ من صديق ... إذا ما رابَنِى منه اجتنابُ إِذا ذهب العتابُ فليس وُدّ ... ويبقى الوُدّ ما بَقِىَ العتاب

بصيرة فى عتد وعتق وعتل وعتو

بصيرة فى عتد وعتق وعتل وعتو الشَّىءُ العَتِيد: الحاضر المهَيّأُ. وقوله تعالى: / {هاذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} أَى هذا ما كتبتُه من عمله عَتِيد، أَى مُعْتَد مُعَدّ. وَقد عَتُد عَتَادة وعَتَادا. وقال تعالى: {إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أَى يُعْتِد أَعمال العباد. وأَعتده: أَعدّه ليوم، ومنه قوله: {أولائك أَعْتَدْنَا لَهُمْ} ، قيل: هو أَفعلنا من العَتَاد، وقيل: أَصله أَعددنا فأَبدل من أَحد الدّالَين تاء. وقوله تعالى: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً} : هَيَّأَت. والعَتِيق: المتقدّم فى الزَّمان أَو المكان أَو الرّتبة، ولذلك قيل للقديم: عَتِيق، وللكريم: عتيق، ولمن خُلِّى عن الرّق: عَتِيق، ولمن حسُن وجهه: عتيق. وبه سُمّى الصِّدّيق لجماله. وقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق} إِمّا لقِدمه زماناً فإِنه أَوّل بيْت وضع، أَوْ لأَنه لم يزَل مُعتَقاً من تسلّط الجبابرة. والعاتق: ما بين المنكبين لارتفاعه على سائر الجسد. والعِتْق: الحُسْن، قال أَبو النجم: وأرى البَياض على النساءِ جَهَارة ... والعِتْق أَعرفه على الأَدماءِ وهى عاتق من العواتق، للشَّابة أَوّلَ ما أَدركتْ. عَتَله يَعْتِله ويَعْتُله عَتْلاً: أَخذ بتَلْبيبه فجرّه إِلى حَبْس أَو نحوه.

قال تعالى: {خُذُوهُ فاعتلوه إلى سَوَآءِ الجحيم} . وعَتَل النَّاقة: أَخذ بزَمامها فقادها عنِيفاً. والعُتُلّ: الشديد الأَكُول المنيع الجافى الغليظ، والرمح الغليظ. والعَتَلَة: حديدة لها رأس مفلطَح يُهدم بها الحائط، والناقة التى لا تُلقَح. والعُتُوّ: النُّبُوّ عن الطَّاعة، عَتَا عُتُّوا وعُتِيًّا وعِتِيًّا: استكبر وجاوز الحدّ فهو عات وعَتِىّ. والجمع: عُتِىّ. قال تعالى: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمان عِتِيّاً} قيل: العِتىّ هنا مصدر، وقيل: جمع عاتٍ. وقال تعالى: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً} أَى حالة لا سبيل إِلى إِصلاحها ومعالجتها قال: ومن العناءِ رياضة الهَرِم

بصيرة فى عثر وعثى وعجب

بصيرة فى عثر وعثى وعجب ناقة عَثُور، وبها عِثَار: لا تزال تعثُر أَى تسقط على وجهها. عَثَرَ الرجل يَعْثُر عِثَاراً وعُثُورا: إِذا سقط على شىءٍ. يقال: عَثَرْتُ على كذا. ويتجوّز به فيمن يطَّلع على أَمر من غير طلبِهِ، وقوله تعالى: {وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} أَى وقَّفناهم عليهم من غير أَن طلبوا. عَثَى يَعْثِى ويَعْثَى، وعَثِىَ يَعْثَى كرضى يرضَى عُثِيًّا وعِثِيًّا وعَثَيانًا، وعَثَا يَعْثُوا عُثُوّا: أَفسد. والأَعْثى: الأَحمق، والأَسود اللون. قال تعالى: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض} . والعَجَب: ما لا يُعرف سببه، أَو حالة تعرِض عند الجهل بسبب الشىءِ، ولهذا لا يصحّ التعجّب على الله تعالى. عَجِبَ منه يعجَب، كعلم يعلم. وفى الحديث: "عجب اللهُ من قوم يدخلون [الجنَّةَ فى السلاسل] " "وعجب رّبكم من إِلِّكُم وقُنُوطكم"، "وعجب الله من صنيعكما الليلة بضيفكما"، "وتعجّب ربّك من الشابّ ليست له صَبْوة"، فإِن العَجَب فى هذه الأَحاديث يفسَّر بالرضا. وقال ابن الأَنبارىّ: عجِب الله، أَى عَظُم ذلك عنده وكَبُر جزاؤكم منه.

وقوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} أَى عجبتَ من إِنكارهم البعث لشدّة تحقّقك بمعرفته، ويسخرون بجهلهم. وإِذا قرئ على الحكاية عن نفس المتكلّم - وهى قراءَة حمزة والكسائىّ وخَلَف - معناه: بل عظم فعلهم عندى. وقيل: بل جازيتهم بالتعجّب. وقيل: بل معناه أَنه مِمّا يقال عنده: عجبتُ، أَو يكون مستعارًا بمعنى أَنكرت، نحو قوله تعالى: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} . ويقال: قصّة عجب. وقوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ} تنبيهاً أَنهم قد عهدوا مثل / ذلك قَبْل. وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكهف والرقيم كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} أَى ليس ذلك فى نهاية العجب، بل من أُمورنا ما هو أَعظم منه وأَعجب. وقوله: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} أَى لم يُعهد مثله، ولم يُعرف سببه. وقوله تعالى: {إِنَّ هاذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} أَى عجيب. ويستعار تارة للمُؤْنِق فيقال: أَعجبنى كذا أَى راقنى. ولا يجمع عَجَب ولا عجيب. وقال بعضهم: جمع عجيب عجائب؛ مثل أَفِيل وأَفائل، وتَبيع وتبائع. وقد جمع العجّاج العجب فقال: ذكّرن أَشجاناً لمن تشجّبا ... وهِجْنَ أَعجاباً لمن تعجّبا وقولهم: أَعاجيب: جمع أعجوبة لما يُتعجّب منه؛ كأُحدوثة وأَحاديث. والتعاجيب: العجائب، لا واحد لها من لفظه. قال: ومِنْ تعاجيب خَلْقِ الله غاطِية ... يُعصَر منها مُلاَحِىّ وغِربيب ورجل تِعْجابة: صاحب أَعاجيب.

بصيرة فى عجز وعجف وعجل

بصيرة فى عجز وعجف وعجل العَجُز من كلِّ شىءٍ: مؤَخَّره، قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} والعَجْزُ: أَصله التأَخُّر عن الشىءِ وحصولُه عند عَجُز الأَمر، أَى مؤخَّره؛ كما ذكر فى الدُّبُر. وصار فى العرف اسما للمقصور عن فعل الشىءِ، وهو ضدّ القدرة. وأَعجزته وعجَّزته وعاجزته: جعلته عاجزًا. وقوله [تعالى] : {والذين سَعَوْاْ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} وقرئَ {مُعَجِّزينَ} . فمُعاجزين قيل معناه: ظانِّين ومقدّرين أَنهم يُعجزوننا، لأَنَّهم حسبوا أَن لا بعث ولا نشور فيكونَ ثواب وعقاب. وهذا فى المعنى كقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا} . ومُعَجِّزين: ينسبون مَن تبع النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم إِلى العَجْز؛ نحو جَهَّلته وفسَّقته. وقيل معناه: مثبِّطين أَى مُقنِّطين الناس عن النبىِّ صلى الله عليه وسلَّم، كقوله تعالى: {الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} . والعَجُوز سُمِّيت لعجزها عن كثير من الأُمور، ولها معانٍ تنيّف على ثمانين ذكرتها فى القاموس وغيره من الكتب الموضوعة فى اللغة. والعَجَف -محركة-: ذهاب السّمَن. وهو أَعجف وهى عجفاءُ، والجمع عِجَاف منهما، وقد عجِف وعَجُف كفرح وكرم. وليس أَفعل يجمع على فِعَال غيرها، قال تعالى: {سَبْعٌ عِجَافٌ} . والعجفاءُ: الأَرض لا خير فيها. وعَجَف نفسه عن الطَّعام عَجْفا وعُجُوفاً: حبسها عنه.

بصيرة فى العجل

بصيرة فى العجل العَجَل والعَجَلة: السّرعة، وهو عَجِلٌ، وعَجُلٌ، وعَجْلانٌ، وعَاجِلٌ، وعَجيلٌ من عَجَالَى وعُجالَى وعِجَال. وقد عَجِل -كفرح- وعَجَّل وتعجَّل بمعنى. واستعجله: حثَّه وأَمره أَن يَعْجَل. ومرّ يستعجل أَى طالباً [ذلك] من نفسه متكلِّفاً إِيّاه. والعجَلَة من مقتضيَات الشهوة؛ فلذلك ذُمّت فى جميع القرآن حتى قيل: العجلة من الشيطان. وقوله تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى} ذُكر أَنّ عجلته وإِن كانت مذمومة فالذى دعا إِليها أَمر محمود وهو طلب رضا الله. وقال تعالى {وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} . وقوله: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} ، قال بعضهم: من حَمَإٍ وليس بشىءٍ، بل تنبيه على أَنه لا يتعرّى من ذلك؛ فإِن ذلك أَحد القُوَى الَّتى رُكِّبَ عليها. وقوله: {مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا} أَى نعطيه ذلك. والعاجل: نقيض الآجل. والعُجالة والعِجالة / والعُجْل والعُجْلة والعُجَيْل: ما تعجَّلته من شىءٍ كاللُّهْنَةِ قال الشاعر: لا تَعجلنَّ فربَّما ... عجِل الفتى فيما يضرّه ولربَّما كره الفتى ... أَمراً عواقبه تسرّه

وقال تعالى: {إِنَّ هاؤلاء يُحِبُّونَ العاجلة} يا محمّد امنعهم من الاستعجال بالعذاب؛ فإِنَّه محيط بهم. {يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين} فلا يستعجلون. {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير} ، {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ أَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} ، {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} ، {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى} . والعِجْل، والعِجَّوْل كِسِنَّوْر: ابن البقرة، والجمع: عُجُول وعجاجيل. وبقرة مُعْجِل: ذات عِجْل.

بصيرة فى عجم

بصيرة فى عجم العُجْم -بالضمّ- والعَجَم محركة: خلاف العرب. رجل وقوم أَعجم. والأَعجم والأَعجمىّ: مَنْ لا يُفصح، عربيًّا كان أَو غير عربىّ. والأَعجم: الأَخرس. والعَجَمِىُّ: مَنْ جِنْسه العَجَم وإِن أَفصح، والجمع عَجَم. والعجماءُ: البهيمة، والرَّملة التى لا شجر بها، وصلاة النهار لأَنه لا يُجهر فيها. ورجل صُلْب المَعْجَم: عزيز النَفْس. وحروف المُعْجَم هى الحروف المقطَّعة، سميّت بها لأَنَّها لا تدلّ على ماتدلّ [عليه] الحروف الموصولة. وأَعجم الكلامَ: ذهب به إِلى العُجْمة؛ والكتابَ: نقطة فأَزال عجمته، كأَشكيته: أَزلت شِكايته.

بصيرة فى عد

بصيرة فى عد عَدَدْتُ الشىءَ عَدًّا أَى أَحصيته. وقوله تعالى: {فَسْئَلِ العآدين} أَى الملائكة الذِّين تعدّ عليهم أَنفاسَهم وأَعمارهم، فهم أَعلم بما لبثوا. وقوله تعالى: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} أَى أَنفاسهم. والاسم العَدَد والعَدِيد. وقوله: {وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} أَى عدّ كلّ شىءٍ عَدًّا، ويجوز أَن يكون [عَدَدًا] بمعنى معدود، فيكون انتصابه على الحال [كَالحسَب] بمعنى المحسوب، والنَفَض بمعنى المنفوض. قال امرأَة رأَت رجلاً كانت عَهِدته جَلْدًا شابًّا: أَين شبابك وجَلَدك؟ فقال: من طال أَمَدُه، وكثر وَلَدُه، ورقّ عَدَدُه، ذهب جَلَده. قوله: عدده أَى سِنُوه التى بِعَدّها ذَهب أَكثر سِنّه وقلّ ما بقى فكان عنده رقيقاً. وقوله: {فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً} ، ذِكره العدد تنبيه على كثرتها. والأَيام المعدودات: أَيّام التشريق، وقيل يوم النّحر ويومان بعده. وعِدّة المرأَة: أَيّام أَقرائها. وسئل أَبو واثلة إِياس بن معاوية: متى تكون القيامة؟ فقال: إِذا تكاملت العِدّتان: عدّة أَهل الجنَّة وعدّة أَهل النار. أَى إِذا تكاملت عند الله لرجوعهم إِليه قامت القيامة، قال الله تعالى: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} فكأَنَّهم إِذا استوفَوا المعدود لهم قامت القيامة عليهم. وقوله تعالى: {جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} أَى جعله عُدّة للدّهر. وقال الأَخفش: جعله ذا عدد.

قيل: يُتجوّز بالعَدِّ على أَوجه: يقال: شىءٌ معدود ومحصور للقليل مقابّلة لما لا يُحصى كثرة، نحو المشار إِليه بقوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} وعلى ذلك قوله: {لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} ، أَى قليلة لأَنهم قالوا: نعذَّب بعدد الأَيّام التى عبدْنا فيها العجْل. ويقال على الضدّ من ذلك: نحو جيش عديد أَى كثير. وإِنَّهم لذوو عَدَد، أَى هم بحيث [يجب] أَن يُعَدوّا كثرة. ويقال فى القليل: هم شىءٌ غير معدود. وقوله: {فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً} يحتمل الأَمرين. ومنه هذا غير معتدّ به. وله، عُدّة أَى شىءٌ / كثير من مال وسلاح وغيرهِما. والعُدّة أَيضاً: الاستعداد، يقال: كونوا على عُدّة. وأَخذ للأَمر عُدّته وعَتَاده بمعنىً وماءٌ عِدٌّ. والعِدّةُ: هى الشىءُ المعدود، وقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أَى عَدَد ما قد فاته. وقوله: {وَلِتُكْمِلُواْ العدة} أَى عدّة الشهر.

بصيرة فى عدل

بصيرة فى عدل العَدْل والعِدْل واحد فى معنى المِثْل، قاله الزَّجَّاج. قال: والمعنى واحد، كان المثلُ من الجنس أَو من غير الجنس، قال: ولم يقولوا إِن العرب غَلِطَتْ، وليس إِذا أَخطأَ مخطئٌ وجب أَن تقول: إِن بعض العرب غَلِطَ. وقال ابن الأَعرابىِّ: عَدْل الشىءِ وعِدْله سواءٌ أَى مثله. وقال الفرّاءُ: العَدْل - بالفتح -: ما عادل الشىء من غير جنسه، والعِدْل - بالكسر - المِثْل، تقول: عندى عِدْل غلامك وعِدْل شاتك: إِذا كان غلامًا يعدل غلامًا أَو شاة تعدل شاة، فإِذا أَردت قيمته من غير جنسه نصبت العين. وربّما كسرها بعض العرب فكأَنَّه منهم غلط. وقد أَجمعوا على واحد الأَعدال أَنّه عِدْل بالكسر. والعَدْل: خلاف الجَوْرِ. يقال: عدل عليه فى القضيّة فهو عادل، وبسط الوالى عَدله ومَعْدِلته ومَعدَلته، وفلان من أَهل المعدَِلة أَى من أَهل العَدْل. ورجل عَدْلٌ، أَى رِضًا ومَقْنع فى الشهَّادة؛ وهو فى الأَصل مصدر. وهو عادل من قوم عُدُول وعَدْلِ، الأَخيرة اسم للجمع كتَجْر وشَرْب. ورجل عَدْل، وصف بالمصدر وعلى هذا لا يثنَّى ولا يجمع ولا يؤَنَّث. فإِن رأَيته مجموعاً أَو مثنى أَو مؤَنّثًا فعلى أَنَّه قد أُجرى مُجرى الوصف الذِّى ليس بمصدر. وقد حكى ابن جنىّ: امرأَة عَدْلة، أَنَّثوا المصدر لمّا جرى وصفا على المؤَنَّث وإن لم يكن على صورة اسم الفاعل ولا هو الفاعل فى الحقيقة.

وقيل: العَدّل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأَحكام، كقوله تعالى: {أَو عَدْلُ ذلك صِيَاماً} . والعِدل - بالكسر - والعَدِيل فيما يدرك بالحاسّة كالموزونات والمعدودات والمكِيلات. والعَدْل: هو التقسيط على سواء، وعلى هذا رُوى: بالعَدْلِ قامت السّماوات والأَرض، تنبيهاً أَنَّه لو كان ركن من الأَركان الأَربعة فى العالم زائدا على الآخر أَو ناقصاً عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالَمُ منتظمًا. والعَدل ضربان: مطلق يقتضى العقلُ حسنه، ولا يكون فى شىءٍ من الأَزمنة منسوخاً، ولا يوصف بالاعتداءِ بوجه، نحو الإِحسان إِلى من أَحسن إِليك، وكفّ الأَذى عَمّن كَفَّ أَذاه عنك. وعَدْل يعرف كونه عدلا بالشرع، ويمكن أَن يكون منسوخاً فى بعض الأَزمنة كالقصاص وأَرش الجنايات وأَخذ مال المرتدّ، ولذلك قال تعالى: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ} ، قال: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} فسمّى ذلك سيّئة واعتداء. وهذا النحو هو المعنىّ بقوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} ، فإِنَّ العدل هو المساواة فى المكافأَة إِنْ خيرا فخير وإِن شرًّا فشرّ، والإِحسان أَن يقابل الخير بأَكثر منه والشر بأَقلّ منه. وقوله: {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} أَى ذَوَىْ عدالة. وقوله: {وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء} [فإِشَارةٌ] إِلى ما عليه جِبِلّة الإِنسان من الميل؛ فإِن الإِنسان لا يقدر على أَن يسوّى بينهنَّ

فى المحبة {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} إِشارة إِلى العدل الذى هو القَسْم والنفقة. وقوله: {أَو عَدْلُ ذلك صِيَاماً} أَى ما يعادل من / الصّيام الطعام. ويقال للفِداء إِذا اعتبر فيه معنى المساواة. وفى الحديث: "لا يُقبل منه صَرْف ولا عَدْل". قيل: الصرف: التوبة، وقيل: النافلة. والعدل: الفِدْية، وقيل: الفريضة. وقيل: الصّواب أَنَّ الصرف بمعنى التصرّف والتدّبير والحيلة، والعدل بمعنى الفدية. قال تعالى: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً} أَى تصرّفاً وتدبيراً. وقال تعالى: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ} وكأَن المعنى: ما يقبل منه ما تصرَّف فيه بحيلة وكَدَح له وتعب ونصِب، ولا فداء ولو افتدى به. وقيل: العدل السويّة، وقيل العدل: التطوّع، والصرف: الفريضة. ومعنى: (لا يقبل منه) أَى لا يكون له خير يقبل منه. وقوله: {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} أَى يجعلون له عديلا، فصار كقوله: {والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} ، وقيل: يعدلون بأفعاله عنه وينسُبونها إِلى غيره. وقيل: يعدلون بعبادتهم عنه تعالى، وقيل: الباءُ بمعنى عن. وقوله: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} يصحُّ أَن يكون من قولهم: عدل عن الحقِّ: إِذا جار. وفلان يعادل هذا الأَمر: إِذا ارتبك فيه ولم يُمضِه. قال: إِذا الهَمُّ أَمسى وهْو داء فأمضِه ... فلستَ بممضيه وأَنت تعادلُه

بصيرة فى عدن وعدو

بصيرة فى عدن وعدو عَدَن بالبلد يعدِن ويعدُن: أَقام به. ومنه جنَّاتُ عَدْنٍ. وعَدَنَت الإِبل فى الحَمْض استَمْرَتْه ونَمَتْ عليه ولزِمَتْهُ، فهى عادن. والمعدِن: منِبت الجواهر من ذهب ونحوه؛ لإِقامة أَهله فيه دائماً، أَو لإِنبات الله تعالى الجوهر فيه. ومكان كلّ شىءٍ فيه أَصله معدن. والمعدِّن - كمحدِّث -: مُخْرج الصّخر من المعدن يبتغى فيه الذَّهب ونحوه. العَدْو والعُدُوّ والتَعْداءُ والعَدَوان محرّكة بمعنى، وهو التجاوز ومنافاة الالتئَام. فتارة يعتبر بالقلب فيُسمّى المعاداة والعداوة، وتارة بالمشى فيقال له العَدْو، وتارة فى الإِخلال بالعدالة فيقال له العُدْوان والعَدْو. قال الله تعالى: {فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} أَى عُدْوَانًا، وتارة بأَجزاءِ المقَرّ فيقال له: العُدَواءُ، يقال: مكان ذو عُدَواء أَى غير متلائم الأَجزاءِ، والتعادى أَيضاً: الأَمكنة الغير المتساوية. فمن المعاداة: رجل عَدُوّ، وعادٍ. ويستوى فى العَدُوّ الواحد والجمع والذكر والأُنثى. وقد يثنَّى ويجمع ويؤنث فى بعض اللغات. والجمع: أَعداء، وجمع الجمع أَعادٍ. واسم الجمع: عِدًى وعُدًى. وجمع العادى: عُدَاة، وقد عاداه والاسم العداوة. وتعادَى ما بينهم: اختلف، والقومُ عادى بعضهم بعضاً.

والعَدُوّ ضربان: أَحدهما بقصدٍ من المعادِى نحو: {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ} . والثانى لا بقصده، بل بأَن تعرِض له حالة يتأَذَّى بها كما يتأَذَّى بما يكون من العِدَا، نحو قوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلاَّ رَبَّ العالمين} . وقد وردت العداوة على أَوجه: 1- عداوة اليهود للمؤمنين: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الناس عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ اليهود} . 2- عداوة بين شاربى الخمر من وسوسة الشيطان: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة} . 3- عداوة بين أَصناف النَّصارى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضآء} . 4- عداوة بين المؤْمنين والكفَّار من قوم إبراهيم: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة} . 5- عداوة / بين بنى هاشم وبنى أُمَيَّة: {عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً} . 6- عداوة تزول بكرم الكرماءِ: {فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} . وورد ذكر العَدُوّ على وجوه:

1- إِبليس لآدم وحوَّاء: {إِنَّ الشيطآن لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ} ، {إِنَّ هاذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة} . 2- آدم وإِبليس والحيّة وطاووس أَعداء: {اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} . 3- إِبليس وذرّيته أَعداء بنى آدم: {إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً} . 4- الكافر الحربىُّ عدوّ للمسلم: {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ} . 5- آزر عدوّ الحقّ: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ} . 6- موسى عدوّ فرعون: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} . 7- كفَّار مكة أَعداءُ نبىّ الله صلىَّ الله عليه وسلَّم: {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} . 8- مؤْمنو بنى إِسرائيل عدوّ الكفَّار: {فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ} . 9- الأَولاد والأَزواج منهم أَعداءُ الوالدين: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ} . 10- الكفَّار أَعداءُ الله: {ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ الله} ، {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ الله} .

11- عداوة الخُلاَّن لغير الله: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} . والعُدوان ورد على وجهين: الأَوّل بمعنى السّبيل: {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين} . الثانى بمعنى الظلم: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان} {وَيَتَنَاجَوْنَ بالإثم والعدوان} . أَى بالظلم والمعصية. ومن العَدْو قال: وعادى عِداءً بين ثور ونعجة أَى أَعدى أَحدهما إِثر الآخر. وتعدَّوا: وجدوا لبنًا فأَغناهم عن الخمر، ووجدوا مرعى فأَغناهم عن شراءِ العلف؛ والمكانَ: جاوزوه وتركوه. والعُدْوة والعِدْوةُ والعَدْوة: شاطىءُ الوادى. وبالضمّ والكسر: المكان المرتفع، قال تعالى: {إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدنيا وَهُم بالعدوة القصوى} والسلطَانُ ذو عَدَوات وبَدَوات، وعَدَوَان وبَدَوَان.

بصيرة فى عذب وعذر

بصيرة فى عذب وعذر العَذْب: الماءُ الطيِّب. والجمع عِذَابٌ. وعَذُب الماءُ عُذُوبة. قال تعالى: {هاذا عَذْبٌ فُرَاتٌ} . وأَعْذَبوا: صار لهم ماءٌ عذْب. والعَذَاب: (الإِيجاع الشديد. وعذَّبه تعذيباً: أَكثر حَبْسه فى العذاب. وعذَّبته: كدَّرت عِيشته ورَنَّقت حياته) . وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بالعذاب} أَى بالمجاعة. وأَصابه منىّ عَذَابُ عِذَبِينَ. وأَصابه منىّ العِذَبُونَ، أَى لا يُرفع عنه العذاب. وعذَّبته تعذيباً: عاقبته أَو أَطلت حبسه فى العذاب. وقوله: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ} أَى ما كان الله يعذبهمَ عذاب الاستئصال. وقوله: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله} أَى أَلاَّ يعذِّبهم بالسّيف. واختُلِفَ فى أَصلِه، فقيل: هو من العاذب وهو الذى لا يأكل ولا يشرب من الدّواب وغيرها؛ وبات عَذُوباً: إذا لم يأكل شيئاً ولم يشرب. فالتعذيب حمل الإِنسان على أَن يَعْذِب أَى يجوع ويعطَش ويسهر. وقيل: أَصله من العَذْب، عذَّبته: أَزلت عَذْب حياته كمرّضته وقَذَّيته. وقيل: أَصله إِكثار الضرب بعَذَبة السّوط أَى طرَفها. وقيل: التعذيب هو الضرب. وقيل: هو من قولهم: ماءٌ عَذِب: إِذا كان فيه قَذًى وكَدَر. والعُذْرُ تحرِّى الإِنسان ما يمحو به ذنوبه. يقال: عُذْر وعُذُر. وذلك

ثلاثة أَضرب: أَن يقول لم أَفعل، أَو يقول: فعلت لأَجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنباً، أَو يقول: فعلت ولا أَعود، ونحو ذلك. وهذا الثالث هو التوبة، وكلّ توبة عُذر، وليس / كلّ عذر توبة. وأَعذَر مَنْ أَنْذَر أَى بالغ فى العذر، أَى فى كونه معذورا. ومَنْ عَذِيرِى مِن فلان. وعَذِيرَك من فلان. قال عمْرو بن معدى كرب: أُريد حياتَه ويريد قتلى ... عذيرَك مِن خليلك من مُراد ومعناه: هلمَّ مَن يعذِرك منه إِن أَوقعت به، يعنى أَنَّه أَهل للإِيقاع به، فإِن أَوْقعتَ به كنت معذورا. ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لن يَهْلِكَ الناسُ حتىَّ يُعذَروا من أَنفسهم"، واستعذر النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم من عبد الله بن أُبىّ، أَى قال: [من] عذيرى من عبد الله، وطلب من الناس العذْر إِن بَطَش به. والمعذِّر: من يظن أَن له عذرًا ولا عذر له، قال تعالى: {وَجَآءَ المعذرون} ، وقرئَ {المعذرون} أَى الَّذِين يأْتون بالعُذر. وقال ابن عبّاس: رحم الله المُعْذِرِين ولعَن الله المُعَذِّرين. وقوله: {قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ} مصدر عذرت كأَنه قيل: اطلبْ منه أَن يعذرنى. وأعذَر: أَتى بما صار به معذورًا. وواللهِ ما استعذرتَ إِلىَّ وما استنذرت إِلىَّ، أَى لم تقدّم الإِعذار ولا الإِنذار. وفلان أَلقى معاذِيرَه.

ودُرّة عذراء: لم تُثقب. ورملة عذراء: لم توطأ. وعِذَار الرّمل: حَبْل مستطيل منه. وغرسوا عِذَارًا من النخل: سَطرا متَّسِقاً منه. وعذارا الطريقِ: جانباه. وهو شديد العذار: شديد العزيمة. قال أَبو ذؤيب: فإِنِّى إِذا ما خُلَّةٌ رثَّ وَصْلُهَا ... وجَدَّتْ بصُرْمٍ واستمرّ عذارُها وعذر الصبىَّ: أَزال عُذْرته أَى قُلْفته. وأَعذر فلاناً: أَزال نجاسة ذنْبهِ بالعفو عنه، والفرسَ: جعل له عِذَاراً. وهو طويل المُعَذَّر، أَى موضع العذار. العَرُّ: الجَرَبُ ويضمُّ؛ لأَنَّه يعُرّ البدن أَى يعترضه. والمعرّة: المضرَّة. والاعترار: الاعتراض، قال تعالى: {وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر} ، أَى المعترِض بسؤاله، وقد عَرّه واعترّه. ونزلْتُ بين المجرّة والمعرّة، أَى حيّين كثيرَىِ العدد، شبَّههما بهما لكثرة نجومهما. والمَعَرَّة: مكان من السَّماءِ فى الجهة الشاميّة نجومه تعْترّ وتشتبك. وتعارَّ من الليل: هبَّ من النوم فى غمغمة. وكلام مثل عِرَار الظلِيم، وهو صياحه.

بصيرة فى عرب

بصيرة فى عرب العَرَب - بالتَّحْرِيك - والعُرْب - بالضمّ -: جِيل من النَّاس. والنِّسْبة عَرَبىّ بيّن العُرُوبة، وهم أَهل الأَمصار. والعرب اسم جنس. والعرب العاربة: هم الخلَّص منهم. وأَخذت من لفظها فأَكدّت بها كليل لائل. وربّما قالوا: العرب العَرْباءُ. والعربيّة هى هذه اللُّغة. وتصغير العَرب عُرَيب بلا هاء. قال عبد المؤمن بن عبد القدّوس: ومَكْن الضَّبَابِ طعام العُرَيب ... ولا تشتهيه نفوس العَجَمْ وإِنما صغَّرهم تعظيما لهم كقول الحُبَاب: أَنَا جُذَيلها المحكَّك. وقيل: سمّيت العرب بها لأَنَّه نَشأَ أَولاد إِسماعيل - صلوات الله عليه - بَعَربة وهى من تِهامة، فنُسبوا إِلى بلدهم. ورُوى أَنَّ خمسة من الأَنبياءِ - صلوات الله عليهم - من العرب، وهم: إِسماعيل، ومحمّد، وشعيب، وصالح، وهود. وهذا يدلُّ على أَنَّ لسان العرب قديم. وأَن هؤلاءِ الأَنبياءَ - صلوات الله عليهم - كلّهم كانوا يسكنون بلاد العَرَب. وكان شُعيب وقومه بأَرض مَدْين، وكان صالح وقومه ثمود بناحية الحِجْر، وكان هود وقومه ينزلون الأَحقاف من رمال اليمن، وكانوا أَهل عَمَد، وكان إِسماعيل / ومحمّد المصطفى صلى الله عليه وسلَّم من سكَّان الحرم. وكل مَن سكن بلاد العرب وجزيرتها ونطق بلسان أَهلها فهم عَرَب.

وقال الأَزهرىّ: الأقرب عندى أَنهم يسمَّون عرباً باسم بلدهم العَرَباتِ. وقال إِسحاق بن الفرج: عَرَبَةُ باحة العرب. وباحة دار أَبى الفصاحة إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما. قال: وفيها يقول قائلهم: وَعرْبة أَرضٌ ما يُحِلّ حرامَها ... من الناس إِلاَّّ اللوذعى الحُلاَحلُ يعنى النبىّ صلىَّ الله عليه وسلَّم "أُحِلَّت لنا مكَّة ساعة من نهار ثم هى حرام إِلى يوم القيامة". قال: واضطُرّ الشَّاعر إِلى تسكين الراءِ من عَرَبة فسكَّنها. وأَنشد قول الشاعر: ورُجّت باحةُ العربات رَجًّا ... ترقرقُ فى مناكبها الدّماءُ قال: وأَقامت قريش بعَرَبة فتنَخَتْ بها. وانتشر سائر العرب فى جزيرتها فنُسبوا كلّهم إِلى عَربة؛ لأَن أَباهم إِسماعيل - صلوات الله وسلامه عليه - بها نشأَ، ورَبَل أَولاده فيها فكثروا، فلمّا لم تحملهم البلاد انتشروا، وأَقامت قريش بها. وقال ابن عبّاس رضى الله عنهما فى قوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج} : هو العِرابَة فى كلام العرب. والعِرَابة كأَنَّها اسم من التعريب وهو ما قَبُح من الكلام. وفى حديث عطاء: لا تحلّ العِرَابة للمحرم، ويروى أَنَّه كره الإِعراب للمحرم، وهو بمعنى العِرابة.

والأعراب: سكَّان البادية خاصّة، ويجمع على الأعاريب. ولا واحد للأعراب؛ ولهذا نسب إِليها ينسب للجمع. وليست الأعراب جمعاً للعرب كما أَن الأَنباط. جمع للنّبَط، وإِنما العرب اسم جنس. وأَعرب بحُجَّته: أَفصح بها ولم يَتَّق أَحدا، والرّجلُ: وُلد له وَلَدٌ عربىٌّ، والثور البقرةَ شهَّاها، وفلان: تكلَّم بالفُحْشِ. وإِنما سمّى الإِعراب إِعراباً لتبيينه وإِيضاحه. وأَعرب الحروف وعرّبها بمعنى. الفرّاءُ: عّرب أَجود من أَعرب، وقيل: هما سواءُ. وقوله تعالى: {وكذلك أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} ، قيل أَى مفصحاً، نحو {لِيُحِقَّ الحق وَيُبْطِلَ الباطل} ، وقيل: أَى شريفاً كريماً، وقيل: ناسخاً لما قبله من الأَحكام، وقيل: منسوباً إِلى النبىّ صلىَّ الله عليه وسلم. والعربىُّ إِذا نُسِبَ إِليه قيل: عربىٌّ فيكون لفظه كلفظ المنسوب إِليه. وخير النساء اللَّعُوب العَرُوب. وقد تعرّبت لزوجها: تغزَّلت له وتحبَّبت إِليه.

بصيرة فى عرج وعرش

بصيرة فى عرج وعرش عُرِجَ برَوح الشمس: إِذا غربت لأِنها تذهب تسجد تحت العرش. والمعارج: المصاعد. وليلة المعراج سمِّيت لصعود الدُّعاءِ فيها إِشارة إِلى قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب} ، ولعِرُوج النبىّ صلىَّ الله عليه وسلَّم فيها. ويقال: الشرف بعيد المدارج، رفيع المعارج. ومررتُ به فما عرَّجت عليه: ما أَلممت. ومالى عليه عُِرْجة. وانعرج بنا الطريقُ، ومنه العُرْجُون وهو أَصل الكِبَاسة سمّى لانعراجه، قال تعالى: {حتى عَادَ كالعرجون القديم} . ولَتلقَيَّن من هذا الأَعرج الأُعَيْرجَ وهو حيّة ممّا لا يقبل الرُقى. والعُرُش والعُرُوش والعرائش واحد. والعُرُوش أَيضاًً: السّقوف، قال تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} . وعَرَش الكَرْمَ يَعْرِشه، وعرّشه تعريشاً: إِذا جعل له كهيئة السقف. وما عَرَشوه وما عَرّشوه، قال تعالى: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} وقرئَ {يَعْرُشُونَ} .

واستوى على عَرْشه: إِذا مَلَك. وثُلَّ عرشُه: إِذا هلك، قال زهير: تداركتما عَبْساً وقد ثُلَّ عرشُها ... وذُبْيان إِذ زلَّت بأَقدامها النعل والعُرُش والعُرْش والعَرْش والعُرُوش والعَرِيش من أَسماءِ مكة شرفها الله تعالى. وكان مُعاوية كافراً بالعُرُش: أَى مقيما بمكَّة. وعُرُوش مكة: بيوتها. قال القطامى: وما لمثابات العُرُوش بقيّة ... إِذا استُلَّ من تحت العروش الدعائمُ ورُؤى عمر فى المنام [فقيل له: ما فعل الله بك] ؟ فقال: لولا أَن تداركنى لثُلَّ عرشى. وعَرْش الله ممّا لا يعلمه البشر على الحقيقة [إِلاَّ بالاسم] وليس كما يذهب إِليه أَوهام العامّة؛ إِذ لو كان كذلك لكان حاملاً له تعالى لا محمولا والله تعالى يقول: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} ، وليس كما قال قوم أَنَّه الفَلَك الأَعلى والكرسىّ فلك الكواكب. واستَدّلُّوا بالحديث النَّبَوى: "ما السّماوات

السّبع، والأَرضون السبّع فى جَنْب الكرسىّ إِلاَّ كحَلْقة ملقاة فى أَرض فلاة، والكرسىّ عند العرش كذلك". وقوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء} تنبيه أَن عرشه لم يزَل مُذْ أُوجِد مستعلياً على الماءِ. وقوله تعالى: {ذُو العرش المجيد} ، {رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش} وما يجرى مجراه، قيل: هو إِشارة إِلى مملكته وسلطانه لا إِلى مقرّ له، تعالى الله عن ذلك.

بصيرة فى عرض

بصيرة فى عرض العَرْض خلاف الطُّول، وأَصله فى الأَجسام ثمّ يستعمل فى غيرها. يقال: كلام له طول وعَرْض، قال تعالى: {فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} . والعُرض بالضمّ خصّ بالجانب. وأَعرض الشَّىءُ: بَدَا عُرضه. ومنه عرضتُ العُودَ على الإِناءِ. وعَنِّى: وَلَّى مُبْدياً عُرْضه. واعترض الشىءُ فى حَلْقِه أَى وقف فيه بالعَرْض. وعرضت الجيشَ عَرْض عَيْن: إِذا أَمررته على بصرك لِتعرف مَن غاب ومن حضر. ونظرتُ إِليه معارضة، أَى من عُرْض. وبعير معارِض: لا يستقيم فى قِطَار. وعرضت الشىءَ على البيع وعلى فلان، قال تعالى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة} . والعارِض: البادى عُرْضُه أَى جانبه، فتارة يُخصّ بالسّحاب كقوله تعالى: {هاذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} ، وتارة بما يعرض من مرض ونحوه فيقال: به عارِض من سقم، وتارة بالخدّ نحو: أَخَذَ من عارضيْه، وتارة بالسنّ: ومنه قيل للثَّنايا التى تظهر عند الضَّحك: العوارض. ويقال: فلان شديد العارضة (كناية عن جودة بيانه) . (وأَعرض:

أَظهر عُرضه أَى ناحيته. وإِذا قيل: أَعرض لى كذا أَى بدا لي عُرْضه فأَمكن تناوله، وإِذا قيل: أَعرض عنى، معناه ولَّى مبدياً عُرْضه) . والعُرضة: ما يجعل مُعَرَّضًا للشىءِ قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} وبعيرى عُرْضَة للسّفر أَى مُعَرَّض له. وقوله تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض} قيل هو العَرْض ضدّ الطُّول. وتَصَوُّر ذلك على أَحد وجوه: إِمّا أَن يريد به أَن يكون عَرْضها فى النشأَة الآخرة كعَرْض السمّاوات والأَرض فى النشأَة الأُولى، وذلك أَنَّه قال: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات} قال: فلا يمتنع أَن يكون السماوات والأَرض فى النشأَة الآخرة أَكبر ممّا هى الآن. وسأَل يهودىّ عمر رضى الله عنه عن الآية وقال: فأَين النار؟ فقال عمر: إِذا جاءَ الليل فأَين النَّهار؟ وقد قيل: يُعنى بعرضها سعتها، لا من حيث المساحة ولكن من حيث المسرّة؛ كقولهم فى ضدّه: الدنيا على فلان كحلْقة خاتم، وسعةُ هذه الدار كسعة الأَرض. وقيل: العَرْض ههنا عَرْض البيع من قولهم: بِيع له كذا بِعَرْض: إِذا بِيع بسِلعة، فمعنى عرضها بدلها وعوضها؛ كقولك: عَرْض هذا الثوب كذا وكذا والله أَعلم.

والعَرَض / محرّكة: ما لا يكون له ثبات. ومنه استعار المتكلِّمون العَرَض لما لا ثبات له إِلاَّ بالجوهر كاللون والطَّعم. وقيل: الدنيا عَرَض حاضر تنبيهاً أَن لا ثبات لها، قال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الآخرة} ، وقوله: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} أَى مطلبًا سهلاً. والتَّعريض فى الكلام: أَن يكون له وجهان مِن صدق وكذب، أَو ظاهر وباطن. وقوله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء} قيل: هو أَن يقول لها: أَنت جميلة، وكلّ أَحد يرغب فى مثلك، ونحو هذا.

بصيرة فى عرف

بصيرة فى عرف عرفه يعرِفه مَعْرِفة وعِرْفاناً فهو عارِف وعَرِيف وعَرُوفة: عَلِمَهُ. وقرأَ الكسائى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ} مخفَّفة أَى جازى حفصَة ببعض ما فعلتْ. ومنه: أَعرِف للمحسن والمسىءِ، أَى لا يخفى علىَّ ذلك ولا مقابلته بما يوافقه. والمعرفة: إِدراك الشىءِ بتفكُّر وتدبّر لأَثره، وهو أَخَصّ من العلم. ويقال: فلان يعرف اللهَ، ولا يقال: يعلم الله متعدّياً إِلى مفعول واحد، لمَّا كان معرفة البشر لله هى بتدبّر آثاره دون إِدراك ذاته. ويقال: الله يعلم كذا ولا يقال: يعرف كذا، لمَّا كان المعرفة تستعمل فى العلم القاصر المتوصَّل إِليه بتفكُّر وتدبّر. وفد ورد فى القرآن لفظ المعرفة ولفظ العلم. فلفظ المعرفة كقوله تعالى: {مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق} ، {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} . وأَمّا لفظ العلم فهو أَكثر وأَوسع إِطلاقاً كقوله تعالى: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إلاه إِلاَّ الله} ، {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إلاه إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَآئِمَاً بالقسط} ، وقوله: {والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن

رَّبِّكَ بالحق} ، وقوله: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} ، وقوله: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى} ، وقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} ، وقوله: {وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث فهاذا يَوْمُ البعث} {وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ} ، وقوله: {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون} ، وقوله: {قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب} ، وقوله: {اعلموا أَنَّ الله يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} ، وقوله: {واعلموا أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وقوله: {اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} ، {واتقوا الله واعلموا أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ} {فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ الله} وغير ذلك من الآيات. واختار الله لنفسه اسم العلم وما يتصرّف منه كالعالِم والعلِيم والعَلاَّم، وعَلِم ويَعْلم، وأَخبر أَن له عِلماً دون لفظ المعرفة، ومعلوم أَنَّ الاسم الذى اختاره لنفسه أَكمل نوعى المشارِك له فى معناه. وإِنما جاءَ لفظ المعرفة فى مؤمنى أَهل الكتاب خاصّة كقوله: {ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ

مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق} ، وقوله: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} وقد تقدّمت الآيتان. وإِنَّ الطائفة المتصوّفة -نفع الله بهم- يُرجّحون المعرفة على العلم، وكثير منهم لا يرفع بالعلم رأساً، ويراه قاطعاً وحجاباً دون المعرفة، وأَهل الاستقامة منهم أَشدّ الناس وصِيّة للمريدين بالعلم. وعندهم أَنه لا يكون ولِىٌّ لله كامل الولاية من غير أولى / العلم أَبدًا، فما اتَّخذ الله ولا يتَّخذ ولِيًّا جاهلا. فالجهل رأْس كلّ بدعة وضلال ونقص، والعلم أَصل كلّ خير وهدى. والفرق بين المعرفة والعلم من وجوه لفظاً ومعنى: أَمّا اللفظ: ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد، تقول: عرفت الدّيار وعرفت زيداً، قال تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} ، وقال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} . وفعل العلم يقتضى مفعولين، كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} ، وإِذا وقع على مفعول كان بمعنى المعرفة كقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ} . وأَمّا الفرق من جهة المعنى فمن وجوه: أَحدها: أَنَّ المعرفة تتعلَّق بذات الشىءِ والعلم يتعلَّق بأَحواله، فتقول: عرفت أَباك وعلِمته صالِحاً، ولذلك جاءَ الأَمر فى القرآن بالعلم دون المعرفة

كقوله تعالى: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إلاه إِلاَّ الله} ، وقوله: {واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب} ، {فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ الله} . فالمعرفة: تصوّر صورة الشىءِ ومثالِه العلمىّ فى النَّفس، والعلم: حضور أَحواله وصفاته ونسبتها إِليه. فالمعرفة: نسبة التصوّر، والعلم: نسبة التصديق. الثانى: أَنَّ المعرفة فى الغالب تكون لِمَا غاب عن القلب بعد إِدراكِه، فإِذا أَدركه قيل: عرفه، أَو تكون لِمَا وُصف له بصفات قامت فى نفسه فإِذا رآه وعلم أَنَّه الموصوف بها قيل: عرفه، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} ، وقال: {وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} ، وفى الحديث: "إِنَّ الله سبحانه يقول لآخر أَهل الجنّة دخولا: أَتعرف الزمان الذى كنت فيه فيقول: نعم. فيقول: تمنَّ. فيتمنَّى على ربّه". وقال تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} . فالمعرفة نسبة الذِكر النفسىّ وهو حضور ما كان غائباً عن الذاكر، ولهذا كان ضدّها الإِنكار وضدّ العلم الجهل، قال تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} ويقال: عرف الحقَّ فأَقرّ به، وعرفه فأنكره. الوجه الثالث: أَنَّ المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره. وهذا الفرق غير الأَوّل، فإِنَّ ذلك يرجع إِلى

إِدراك الذات وإِدراك صفاتها، وهذا يرجع إِلى تخليص الذات من غيرها، وتخليص صفاتها من صفات غيرها. الفرق الرابع: أَنك إِذا قلت: علمت زيداً لم تفد المخاطب شيئاً، لأَنَّه يَنتظر أَن تخبره على أَىّ حال علمته، فإِذا قلت: كريماً أَو شجاعاً حصلت له الفائدة، وإِذا قلت: عرفت زيدا استفاد المخاطب أَنك أَثبتَّه وميّزته عن غيره ولم يبق ينتظر شيئاً آخر. وهذا الفرق فى التحقيق إِيضاح الذى قبله. الفرق الخامس: أَنَّ المعرفة علم بعين الشىءِ مفصَّلاً عمّا سواه، بخلاف العلم فإِنه قد يتعلَّق بالشىءِ مُجملاً، فلا يتصوّر أَن يعرف الله البتَّة، ويستحيل هذا الباب بالكليّة؛ فإِن الله سبحانه لا يحاط به علمًا ولا معرفة ولا رؤية، فهو أَكبر من ذلك وأَعظم. قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} . والفرق بين العلم والمعرفة عند المحقِّقين أَنَّ المعرفة عندهم هى العلم الذى يقوم العالِم بموجَبه ومقتضاه، فلا يطلقون المعرفة على مدلول / العلم وحده، بل لا يصفون بالمعرفة إِلاَّ من كان عالِمًا بالله وبالطَّريق الموصِّل إِليه وبآفاتها وقواطعها وله حال مع الله يشهد له بالمعرفة. فالعارف عندهم مَن عرف الله سبحانه بأَسمائه وصفاته وأَفعاله، ثمّ صَدَق الله فى معاملاته، ثمّ أَخلص له فى قصوده ونِيَّاتِه، ثمّ انسلخ من أَخلاقه الرّديئة وآفاته، ثمّ تطهَّر من أَوساخه وأَدرانه ومخالفاته، ثم صبر على أَحكامه فى نِعمه

وبليّاته، ثمّ دعا [إِلى] الله على بصيرة بدينة وإِيمانه، ثم جرّد الدّعوة إِليه وحده بما جاءَ به رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يَشُبْهَا بآراءِ الرِّجال وأَذواقهم ومواجيدهم ومقاييسهم ومعقولاتهم، ولم يزِنْ بها ما جاءَ به الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، فهذا الذى يستحقُّ اسم العارف على الحقيقة، وإِذا سمّى به غيره فعلى الدّعوى والاستعارة. وقد تكلَّموا فى المعرفة بآثارها وشواهدها، فقال بعضهم: مِن أَمارات المعرفة بالله حصول الهيبة، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته. وقال أَيضا: المعرفة توجب السكينة. وقيل: علامتها أَن يحس بقرب قلبه من الله فيجده قريباً منه. وقال الشِّبلى: ليس لعارف عَلاَقة، ولا لمحبّ شكوى، ولا لعبد دَعْوَى، ولا لخائف قرار، ولا لأَحد من الله فِرار. وهذا كلامٌ جيّد، فإِن المعرفة الصّحيحة تقطع من القلب العلائق كلَّها، وتعلّقه بمعروفه فلا يبقى فيه عَلاَقة لغيره، ولا يمرّ به العلائق إِلاَّ وهى مجْتازَة. وقال أَحمد بن عاصم: من كان بالله أَعرف كان من الله أَخوف. ويدلّ على هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} ، وقول النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَنا أَعرفكم بالله وأَشدّكم له خَشْية". وقال آخر: من عرف الله ضاقت عليه الأَرضُ بسعتها؛ وقال غيره: من عرف الله اتَّسَع عليه كلُّ ضيق. ولا تنافى بين هذين الكلامين فإِنَّه يضيق عليه كلَّ مكان لاتِّساعه فيه على شأْنه ومطلوبه، ويتَّسع له ما ضاق على غيره لأَنَّه ليس فيه ولا هو مساكن له بقلبه، فقلبه غير محبوس فيه. والأَوّل فى بداية المعرفة والثانى فى غايتها التى يصل اليها العبد. وقال: من عرف الله

تعالى صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلّ شىءٍ، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأَنِس بالله. وقال غيره: من عرف الله قرّت عينه بالله وقرّت به كلُّ عين، ومن لم يعرف الله تقطَّع قلبه على الدّنيا حَسَرَاتٍ، ومن عرف الله لم يبق له رغبة فيما سواه. وعلامة العارف أَن يكون قلبه مرآة إِذا نظر فيها رأَى فيها الغَيْب الذى دعا إِلى الإِيمان به، فعلى قَدْر جلاءِ تلك المرآة يتراءَى فيها سبحانه والدّارُ الآخرة والجنَّة والنار والملائكة والرُّسُل، كما قيل: إِذا سكن الغَديرُ على صَفاءٍ ... فيُشْبه أَن يحرّكه النسيمُ بَدَتْ فيه السماءُ بلا مِرَاءٍ ... كذلك الشمسُ تبدو والنجومُ كذلك قلوبُ أَربابِ التَجَلِّى ... يُرى فى صَفْوِهَا اللهُ العظيمُ ومن علامات المعرفة أَن يَبدو لك الشاهد وتَفْنَى الشَّواهد، وتنجلى العَلائق وتنقطع العَوائق، وتجلس بين يدى الرّب، وتقوم وتضطجع على التأَهب للقائه كما يجلس الذى قد شدّ أَحماله وأَزمع السفر على تأَهب له ويقوم على ذلك ويضطجع عليه. ومن علامات العارف أَنه لا يطاِلب ولا يخاصِم ولا يعاقب ولا يرى له على أَحد حقًّا، ولا يأْسف على فائت ولا يفرح بآت لأَنه ينظر فى الأَشياءِ الفناءَ والزَّوال، وأَنَّها فى الحقيقة كالظِّلال والخيال. وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفاً حتىَّ يكون كالأَرض يطؤها البَرّ والفاجر، وَكالسّحاب يُظلّ كلّ شىءٍ، وكالمطر يَسقى ما يحِبُّ وما لا يحبّ.

وقال يحيى بن مُعاذ: يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربّه. وهذا من أَحسن ما قيل، لأَنَّه يدلُّ على معرفته بنفسه وعلى معرفته بربّه وجماله وجلاله، فهو شديد الإِزراءِ على نفسه لِهجٌ بالثناءِ على ربّه. وقال أَبو يزيد: إِنَّما نالوا المعرفة بتضييع ما لَهُم، والوقوف مع ما لَه. يريد تضييع حظوظهم والوقوف مع حقوق الله تعالى. وقال آخر: لا يكون العارف عارفاً حتى لو أُعطى مُلْك سليمان لم يشغله عن الله طَرْفة عين. وهذا يحتاج إِلى شرح، فإِنَّ ما هو دون ذلك يشغل القلب، لكن إِذا كان اشتغاله بغير الله لله فذلك اشتغال بالله. وقال ابن عطاء: المعرفة على ثلاثة أَركان: الهيبة، والحَياءُ، والأُنْس. وقيل: العارف ابن وقته. وهذا من أَحسن الكلام وأَخصَره. فهو مشغول بوظيفة وقته عمّا مضى وصار فى العدم، وعمّا لم يدخل بعد فى الوجود، فهمّه عمارة وقته الذى هو مادّة حياته الباقية. ومن علاماته أَنه مستوحش ممّن يقطعه عنه. ولهذا قيل: العارف من أَنس بالله فأَوحشه من الخَلْق، وافتقر إِلى الله فأَغناه عنهم، وذلَّ لله فأَعزَّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأَحوجهم إِليه. وقيل: العارف فوق ما يقول، والعالم دون ما يقول. يعنى أَنَّ العالِم علمُه أَوسع من حاله وصفته، والعارف حاله وصفته فوق كلامه وخبره. وقال أَبو سليمان الدارانى: إِن الله يفتح للعارف وهو على فراشه ما لا يفتح لغيره وهو قائم يصلىِّ. وقال ذو النون: لكل شىءٍ عقوبة، وعقوبة العارف انقطاعه عن ذكر الله

وقال بعضهم: رياءُ العارفين أَفضل من إِخلاص المريدين. وهذا كلام ظاهره منكر ومحتاج إِلى شرح؛ فإِن العارف لا يرائى المخلوق طلباً لمنزلة فى قلبه، وإِنما يكون ذلك منه نصيحة وإِرشادا وتعليما، فهو يدعو إِلى الله بَعمله كما يدعو إِلى الله بقوله، وإِخلاصُ المريد مقصور على نفسه. وقال ذو النون: الزُّهَّاد ملوك الآخرة، وهم فقراءُ العارفين. وسئل الجُنَيد عن العارف فقال: لون الماءِ لون إِنائِه. وهذه كلمة رمز بها إِلى حقيقة العبوديّة، وهو أَنَّه يتلوّن فى أَقسام العبوديّة، فبينا تراه مصلِّيًا إِذْ رأَيته ذاكراً أَو قارئاً أَو متعلمًا أَو معلِّمًا أَو مجاهدًا أَو حاجّاً أَو مساعدًا للضَّيف أَو معيناً للملهوف، فيضرب فى كلِّ غنيمة بسهم. فهو مع المنتسبين منتسب، ومع المتعلِّمين متعلِّم، ومع الغُزَاة غاز، ومع المصلِّين مصلٍّ، ومع المتصدِّقين متصدّق [و] هكذا ينتقل فى منازل العبوديّة من عبوديّة إِلى عبوديّة، وهو مستقيم على معبود واحد لا ينتقل عنه إِلى غيره. وقال يحيى بن مُعاذ: العارف كائن بائن. وقد فسّر كلامه على وجوه: منها أَنه كائن مع الخَلْق بظاهره بائن عن / نفسه. ومنها أَنَّه كائِن مع أَبناءِ الآخرة بائِن عن أَبناءِ الدّنيا. ومنها أَنَّه كائن مع الله بموافقته، بائن عن النَّاسِ لمخالفته. ومنها أَنَّه داخل فى الأَشياءِ خارج عنها، يعنى [أَن] المريد لا يقدر على الدّخول فيها والعارف داخل فيها خارج منها.

وقال ذو النون رحمه الله: علامة العارف ثلاثة: لا يطفئُ نور معرفته نورَ ورعه، ولا يعتقد باطنًا من العلم ينقض عليه ظاهرًا من الحكم، ولا يحمله كثرة نعم الله على هتك أَستار محارم الله. وهذا أَحسن ما قيل فى المعرفة. وقال: ليس بعارفٍ مَن وصف المعرفة عند أَبناءِ الآخرة فكيف عند أَبناءِ الدّنيا؟ يريد أَنه ليس من المعرفة وصف المعرفة لغير أَهلها سواءٌ كانوا عُبَّادًا أَو من أَبناءِ الدنيا. وسئل ذو النون عن العارف فقال: كان هاهُنا فذهب. فسئل الجنيد عن معناه فقال: لا يحصرُه حال عن حال، ولا يحجبه منزل عن التنقّل فى المنازل، فهو مع أهل كل منزل (على الَّذِى هم) فيه، يجد مثل الذى يجدون، وينطق بمعالمها ليتبلغوا. وقال بعض السّلف: نوم العارف يقظة، وأَنفاسه تسبيح، ونومه أَفضل من صلاة الغافل. إِنما كان نومه يقظة لأَنَّ قلبه حىّ فعيناه تنامان وروحه ساجدة تحت العرش بين يَدَىْ ربِّها؛ وإِنَّمَا كان نومه أَفضل من صلاة الغافل لأَنَّ بدنه فى الصلاة واقف وقلبه يَسْبح فى حُشُوش الدنيا والأَمانىِّ. وقيل: مجالسة العارف تدعوك من ستٍّ إِلى ستّ: من الشك إِلى اليقين، ومن الرياءِ إِلى الإِخلاص، ومن الغفلة إِلى الذكر، ومن الرغبة فى الدنيا إِلى الرغبة فى الآخرة، ومن الكِبْر إِلى التواضع، ومن سوءِ الطوِيّة إِلى النصيحة. وللكلام فى المعرفة تتمة نذكرها فى محلّها فى المقصد المشتمل على علوم الصوفية إِن شاءَ الله.

وتعارفوا: عَرَف بعضهم بعضًا. وعرّف: جعل له عَرْفاً أَى ريحاً طيبة. قال تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} أَى طيَّبَهَا وزيَّنَهَا. وقيل: عّرفها لهم من المعرفة أَى وصفها وشوّقهم إِليها. وعَرَفَات: موقف الحاجّ فى تاسع ذى الحِجّة ببطن نَعْمان. سميّت لأَن آدم وحوّاءَ تعارفا بها، أَو لقول جبريل عليه السّلام لإِبراهيم عليه السّلام لمّا أَعلمه المناسك: أَعَرَفْتَ، أَو لأَنها مقدّسة معظَّمة كأَنَّها عُرّفت أَى طيِّبت، أَو لأَن النَّاس يتعارفون فيه، أَو لتعرّف العباد إِلى الله تعالى بالعبادات والأَدعية. ويوم عرفة يوم الوقوف. وهو اسم فى لفظ الجمع فلا يجمع. وهى معرفة وإِن كانت جمعاً؛ لأَن الأَماكن لا تزول فصارت كالشىءِ الواحد، مصروفة لأَنَّ التاءَ بمنزلة الياء والواو فى مسلمين ومسلمون، والنسبة إِليه عَرَفىّ. والمعروف: اسم لكلّ فعل يُعرف بالشرع والعقل حُسنُه. وقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بالمعروف} أَى بالاقتصاد والإِحسان. وقوله: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى} أَى رَدّ جميل ودعاءٌ خير من صدقة هكذا. والعُرْف: المعروف من الإِحسان. وجاءَت القَطَا عُرْفًا أَى متتابعة، قال تعالى: {والمرسلات عُرْفاً} . والعرّاف: الكاهن، غير أَن العَرَّاف يخصّ بمن يخبر بالأَحوال المستقبلة، والكاهن بالماضية. والعريف مَن يعرف الناس ويعرّفهم، وسيّد القوم. والاعتراف: الإِقرار بالذنب، وأَصله / إِظهار معرفة الذَّنب.

بصيرة فى عرى وعرم

بصيرة فى عرى وعرم عُرَام الجيش: حَدّهم وشدّتهم وكثرتهم، ومن الرّجل: الشراسة والأَذى. عَرَمَ يَعْرُمُ وَيَعْرِم، وعرِم وعَرُم عَرَامة وعُرامًا، فهو عارم وعرِم: اشتدّ؛ والصبىّ علينا: أَشِر ومَرِحَ وَبطِر أَو فسد. والعَرِمَة: سُدٌّ يُعْتَرَض به الوادى: والجمع عَرِم، أَو هو جمع بلا واحد، أَو هو الأَحباس تُبنى فى الأَودية؛ والجُرَذ الذكر، وبكلّ فُسّر قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} . وقيل: المراد سيل الأَمر العرِم، ونُسب إِلى الجُرذ فى قوله من فسّره به من حيث إِنَّه هو الَّذى ثقب المسنَّاة. والعرِم أَيضاً: المطر الشديد، واسم وَادٍ. والعَرَمْرَم: الشديد، والجيش الكثير. العُرْى -بالضمّ-: خلاف اللُبْس. عَرِىَ - كرضى - عُرْيًا وعُرْيةً بضمِّهما، وتعرّى، وهو عارٍ وعُرْيَانٌ من عُرَاة وعُرْيانين. وفرس عُرْىٌ: بلا سرج. ورأَيت عُرْيا تحت عُريان. وجارية حسنة العُِريْة - بالضمّ والكسر - والمُعَرَّى والمُعَرَّاة أَى، حسنة المُجَرَّد. والمَعَارِى حيث يُرَى كالوجه واليدين والرّجلين.

والعَرَاءُ: الفضاءُ الَّذى لا يُستتر فيه بشىءٍ، والجمع أَعراء. قال تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بالعرآء} . وأَعرى: سار فيه أَو أَقام. والعَرَا - بالقصر -: الناحية، والجناب كالعَرَاة. وأَعراه النخلة: وهبه ثمر عامها. والعَرِيَّة: النخلة المُعرْاة. والعُرْوة من الدّلو والكوز: المقْبِض، ومن الثَّوب: أخْت زِرّه كالعُرْى والعِرْى. والعُرْوة من الفرج: لحم ظاهرٌ يَدِّق فيأخذ يَمْنة ويَسْرة مع أَسفل البَظْر. والفرج مُعَرّى. والعُرْوة: الجماعة من العِضاه والحَمْض تُرعى فى الجّدْب، والأَسدُ، والنفيس من المال كالفرس الكريم، وحوال البلد. وقوله تعالى: {فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} فذلك على سبيل التمثيل، لأَنَّ العُرْوَة ما يُتَعَلَّق به مِن عَرَاه أَى جانبِه.

بصيرة فى عزب وعز

بصيرة فى عزب وعز العَزَب: الذى لا أَهل له، والأَعزاب جمعه. وهِراوَة الأعزاب: فرس رَيَّان بن خويض، وكانت لا تدرَكُ، تصدّق بها على أَعزاب قومه، فكان العَزَب منهم بغزو عليها فإِذا استفاد مالا وأَهلا دفعها [إِلى] عزب آخر من قومه فضُربت مثلا. وقيل: أَعزُّ من هِراوة الأَعزاب. قال لَبِيد: لا تسقنى بيديك إِن لم أَلتمس ... نعم الضجوع بغارةٍ أَسراب تهدى أَوائلَهنَّ كلُّ طِمرَّة ... جرداء مثلِ هراوة الأَعزاب وامرأَةٌ عَزَبَةٌ وعَزَب أَيضاً: يا من يدلُّ عَزَبًا على عزب وقال أَبو حاتم: لا يقال: أَعزب، وأَجازه غيره. وفى الحديث عند مسلم: "وما فى الجَنَّةِ أَعزب". وقالوا: رجل عَزَبٌ للذى يَعْزُب فى الأرض. وقال: عَزَب يعزُب عن أَهله، وعَزَب عنىِّ يَعْزُبُ ويَعْزِب: بَعُد وغاب. وعَزَب طُهْر المرأَة: إِذا غاب عنها زوجها، قال النابغة الذبيانىّ:

شُعَبُ العِلاَفِيَّات تحت فروجهم ... والمحصَنَاتُ عوازبُ الأَطهار يقول: استبدلوا شُعَب الرِّحالِ يَتورّكونها من غشيان النساءِ فيطهرن، وهم غَيَب فيعزُب طهرهنّ عنهم. العِزَّة: حالة مانعة للإِنسان من أَن يُغلب، من قولهم: أَرضٌ عَزَاز أَى صُلبة. وتعزَّز اللحمُ: اشتدّ وعزَّ، كأَنَّهُ حصل فى عَزَاز من الأَرض يصعب الوصول إِليه. والعزيز، الذى يَقْهَر ولا يُقْهر. قال تعالى: {هُوَ العزيز الحكيم} ، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} . والعِزَّة يُمدح بها تارة، ويُذمّ بها تارة كعزِة الكفَّار: {بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} . ووجه ذلك أَنَّ العزَّة لله ولرسوله هى الدّائمة الباقية، وهى العِزَّة الحقيقية، والعزَّة التى هى للكافر هى التعزُّز وهى فى الحقيقة ذُلّ لأَنه تشبُّع بما لم يُعط، قال تعالى: {لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً} أَى ليمتنعوا به من العذاب. وقوله: {مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً} معناه: من كان يريد أَن يعِزَّ فإِنَّهُ يحتاج أَن يكتسب من الله [العزَّة] فإِنَّهَا له. وقد يستعار العزَّة للحميّة والأَنفة المذمومة، وذلك في قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله أَخَذَتْهُ العزة بالإثم} .

ويقال: عزَّ علىَّ كذا أَى صعُب. قال تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} . وعَزَّه: غلبه، يقال: مَن عَزَّ بَزَّ، أَى من غلب سلب. قال تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الخطاب} أَى غلبنى أَوصار أَعزَّ منىِّ فى المخاطبة والمحاجّة. وعزَّز المطرُ الأَرضَ: صلَّبهَا. وعزَّ الشىءُ: قلّ، اعتبارا بما قيل: كلّ موجود مملول، وكلُّ مفقود مطلوب. والعُزَّى: صنم. وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} أَى يصعب مِثله ووجود مثله. {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} ، أَى قوّينا. وعُزِّز عليهم أَى شُدِّد عليهم ولم يرخَّص. وأَنا معتز ببنى فلان ومستعِزّ بهم. ويقال: ما العَزُوز كالفَتُوح، ولا الجَرُور كالمَتُوح، أَى الضّيقة الإِحليل كالواسعته، والبعيدة القَعْر كالقريبته.

بصيرة فى عزر وعزل وعزم

بصيرة فى عزر وعزل وعزم التعزير من الأَضداد، يستعمل بمعنى التعظيم وبمعنى الإِذلال. يقال: زمانُنا العبدُ فيه مُعَزَّر مُوَقَّر، والحُرُّ فيه مُعَزَّر موقَّر. الأَوَّل بمعنى المنصور المعظَّم، والثانى بمعنى المضروب المهزَّم. قال الله تعالى: {تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} . والتعزير دون الحَدِّ، وذلك يرجع إِلى الأَوَّل، لأَنَّ ذلك تأْديب والتأْديب نُصْرة بقهر مّا. العَزْل: التنحية. عزله يعزِله، وعزَّله فاعتزل وانعزل، وتعزَّل: نحّاه جانبا فتنَحَّى، قال تعالى: {وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ الله} ، وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} أَى ممنوعون بعد أَن كانوا يُمَكَّنُونَ. وعَزَلَ عن المرأَة واعتزلها لم: يُرد ولدها. وتعازلوا: انعزل بعضُهم عن بعض. والعُزْلة: الاعتزال. والأَعزل: من لا سلاح معه، والرّمل المنفرد، ومن الدّواب: المائل الذَنَبِ عادة. والعَزْلاءُ: الاست، ومَصبّ الماءِ من الرَّاوية. عَزَم على الأَمر: عقد قلبَه على إِمضائِهِ، يَعْزِم عَزْمًا وعُزْمًا - بالضَّم - وَمَعْزَمًا ومَعْزِمًا وَعُزْمانًا وعَزِيماً وعَزِيمة. وعَزَمه واعْتَزَمَهُ واعتزم عليه وتعزَّم: أَراد فعله وقَطع عليه، أَوجدّ فى الأَمر. وعَزَم الأَمْرُ نفسُه: عُزِمَ عَليه،

وعلى الرّجل: أَقسم عليه. قال الله تعالى: {وَلاَ تعزموا عُقْدَةَ النكاح} وقال: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} ، وقال: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} . وأُولو العَزْمِ منَ الرّسل: الذين عَزَموا على أَمْر الله فيما عهد إِليهم. وقيل هم: نوح، وإِبراهيم، وموسى، ومحمد. الزمخشرى: أُولو العزم منهم أُولو الجِدّ والثبات والصبر، وقيل هم: نوح، وإِبراهيم، وإِسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأَيّوب، وموسى، وداود، وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم. وعَزَم الراقى: قرأَ العزائم أَى الرُّقَى، أَو هى آيات من القرآن تُقرأُ على ذوى الآفات رجاء البُرء. وعَزْمة من عزمات الله: حق من حقوقه أَى واجب / ممّا أَوجبه. وعزائم الله: فرائضه التى فرضها.

بصيرة فى عزه وعسر وعس (وعسل)

بصيرة فى عزه وعسر وعس (وعسل) العِزَة كعِدة: العُصْبة من النَّاس، والجمع عِزُون كثُبة وثِبُون. [وعَزَاه إِلى أَبيه: نسبه إِليه] . وعزَا هو إِليه وله، واعتزى وتعزّى: انتسب، صدقاً أَو كذباً. والعُسْر ضدّ اليُسْر. والعُسْرة: تعسُّر وجودِ المال، قَال تعالَى: {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} . والعَسّ: الطلب فى خُِفية. وبات يَعُسّ أَى ينفُض اللَّيل عن أَهْل الرِّيبة، وهو عاسّ مِن عَسَسٍ. ويعتسُّ للآثار أَى يقُصّها. وعسعس الليلُ: اعتكرت ظلماؤهُ، وقوله تعالى: {والليل إِذَا عَسْعَسَ} قيل: أَى أَقبل وأَدْبَر، وذلك فى مبدإِ اللَّيل ومُنتهاه. والعَسَل: لُعاب النَحْل، وله نيّف وخمسون اسما. ومن المستعار: العُسَيلتان للعضوين لكونهما مظِنَّتى الالتذاذ. وعَسَلتهم وعَسَّلتهم: أَطعمتهم العَسَل. وهو معسول الكلام والمواعيد: حُلْوهُ صادِقهُ. وفى الحديث: "إِذا أَراد الله بعبد خيراً عسله" أَى وفَّقه للعمل الطيب.

بصيرة فى عسى وعشر

بصيرة فى عسى وعشر وعسى، قيل: فعل مطلقا، وقيل: حرف مطلقا، للترجى فى المحبوب، وللإشفاق فى المكروه. واجتمعا فى قوله تعالى: {وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعسى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} ، ويكون للشك، ولليقين. وقد يشبّه بكاد. وهو من الله تعالى إِيجاب، وبمنزلة كان فى المَثَل السائرِ: عَسَى الغُوَير أَبْؤُسا. قوله تعالى: {هل عَسَيْتم} أَى هل أَنتم قريب من الفِرار. وبالْعَسَى أَن تفعل: بالحَرَى. و {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} أَى كونوا راجين فى ذلك. العشَرَة والعَشْر والعِشرون معروفة. وعشَرتهم: أَخذت واحدا فصاروا تسعة. وعشَّرتهم تعشيرا: كانوا تسعة فجعلتهم عشرة. وهو لا يعشر فلاناً ظَرْفاً أَى لا يبلغ مِعشاره أَى عُشْره. والعُشَارِىّ: ما طُوله عشرة أَذرع من الثياب. وضرب فى أَعشاره، ولم يرض بمعشاره، أَى أَخذه كلّه.

وهو عَشِيرك، أَى معاشرك. والعَشِيرة: أَهل الرجل الذين يتكثَّر بهم، أَى يصيرون له بمنزلة العَدَد الكامل، وذلك أَنَّ العشرة هو العدد الكامل. وعاشرته: صرت له كعشيرة فى المظاهرة، ومنه قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف} ورد فى التنزيل العَشَرة وما يُشتقّ منها على وجوه مختلفة: كما فى مناسك الحجّ: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} . وفى عِدَّة الوفاةِ: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} . وفى كفَّارة اليمين: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} . وفى جزاءِ الإِحسان: {مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} . وفى الميقات المُوسَوِىّ: {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ} . وفى باب الحرب والغُزَاة: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} . وفى التحدّى بالقرآن: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} . وفى الحكاية عن قول الكفَّار فى القيامة: {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً} . وفى قصّة موسى وشُعَيْب وقوله له: {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ} . وفى الأَيَّام من ذى الحِجَّة ولياليها: {والفجر وَلَيالٍ عَشْرٍ} . وفى إِخوة يوسف: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} .

وفى عدد الشهور: {إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً} . وفى نُقَبَاءِ بنى إِسرائِيل: {وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثني عَشَرَ نَقِيباً} . وفى الأَسباط الَّذين كان كلّ واحد منهم أُمَّة على حِدَة: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً} . وفى عدد أَنهار بنى إِسرائيل لإِظهار المعجزة: {فانبجست مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً} . وفى عدد الموكَّلين بالعقوبات: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} .

بصيرة فى عشى

بصيرة فى عشى العَشِىّ والعَشِيّة: آخر النَّهار، وقيل: من زوال الشمس إِلى الصَّباح، والجمع عَشَايَا وعشِيَّات. والعِشاءَان: المغرب والعِشاءُ الآخرة. ولقيته عُشَيْشَةً وعُشَيْشَانا وعُشَيّاناً وعُشَيْشِيَةً وعُشَيْشِيَاتٍ وعُشَيْشِيَاناتٍ. والعِشْى - بالكسر - والعشاءُ - كسماءٍ -: طعام العَشِىّ. والجمع أَعشية. وعَشِىَ وهو عَشْيَانُ. ومُتَعَشٍّ. وعَشَاهُ عَشْوا وعَشْيا، وعشَّاه وأَعشاه: أَطعمه إِيّاه. والعشا - مقصورة -: سوءُ البصر بالليل والنهار كالعَشَاوة؛ وقيل: العمى. عشا يَعْشو كدعا يدعو، و [عشِى يَعْشَى] كرضى يرضى، وهو عَشٍ وأَعْشى، وهى عَشْواء، قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمان} . والعُِشوة - بالضمّ والكسر -: النار الَّتى تُرى فى الليل من بُعد. وقد عَشَاهَا وعشا إِليها عَشْوًا وعُشُوَّا، واعتشاها: رآها فقصدها مستضيئاً.

بصيرة فى عصب

بصيرة فى عصب العَصْب: الطىّ الشديد. والمعصوب: الشديد اكتناز اللَّحم. ورجل معصوبُ الخَلْقِ، وجارية معصوبة: حسنة العَصْب مجدولة الخَلْق، ومنه قوله تعالى: {يَوْمٌ عَصِيبٌ} أَى شديد جِدًّا. ويصحّ أَن يكون بمعنى فاعل، وأَن يكون بمعنى مفعول أَى يوم مجموع الأَطراف. وعَصَبة الرّجل: بنوه وقرابته لأَبيه؛ لأَنهم عَصَبوا به أَى أَحاطوا. فالأَب طَرَف والابن طرف، والعمّ جانب والأَخ جانب، والجمع العَصَبَاتِ. والعِصَابة: الجماعة من الناس والخيل والطير لا واحد لها. العُصْبة: جماعة متعصّبة متعاضدة، قال الله تعالى: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أَى مجتمعة الكلامِ متعاضِدَة. والعُصْبة - بالضمّ أَيضاً، وبالفتح عن أَبى عمرو -: نبات يتلوّى على الشجرة، وهو اللَّبْلاَب؛ والنُّشْبة من الرّجال الَّذى إِذا عَبِثَ بشىءٍ لم يكد يفارقه. وقال أَبو الجرّاح: العُصْبة: هَنَة تلتفّ على القَتَادة لا تُنزع منها إِلاَّ بعد جهد، وأَنشد: تلبّس حُبُّهَا بدمى ولحمى ... تلبُّسَ عُصْبةٍ بفروع ضال وعَصَّب رأسه بالعِصَابة تعصيباً. ثمّ جُعل التعصيب كناية عن التسويد لأَنَّ العمائم تيجان العرب. وقيل للسيّد: المعمّمُ والمعصّبُ والمتوَّج. اعْصَوْصت القومُ: اجتمعوا، واليومُ: اشتدّ.

بصيرة فى عصر

بصيرة فى عصر العَصْر: الدَّهر، والجمع عصور وأَعصار، ومصدر عصرت الثوب والعِنَب ونحوه. والعَصِير: المعصور. والعُصَارة: نفايته. وقوله تعالى {وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات} أَى السّحائب الَّتى تَعتصر بالمطر أَى تَغَصّ به. وقيل: السّحائب الآتية بالإِعصار أَى الريّح المثيرة للغبار. وقد ورد العصر فى القرآن على ثلاثة أَوجه: الأَوّل: بمعنى العَصْر الذى هو مصدر عَصَر العنب ونحوه، قال تعالى: {إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً} . الثانى: بمعنى النجاة من القحط: {يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أَى يَنجون من القحط. الثَّالث: بمعنى الدّهر أَو صلاة العصر: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} . والعَصْرَان: صلاة الغداة والعشىّ. وقيل: اللَّيل والنهار كالقمرين للشمس والقمر. والعُصْرة: الملجأ.

بصيرة فى عصف وعصم

بصيرة فى عصف وعصم العَصْف: بَقْل الزَّرعِ. قال تعالى: {كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} أَى كزَرْع أُكِل حبّه وبقى تِبنه، أَو كورق / أُخِذ ما كان فيه وبقى هو بلا حب، أَو كورق أَكلته البهائم. وعَصَفَه: جزَّه قبل أَن يُدرِك. والعُصَافة: ما يسقط من السُّنبل من التبن. والعَصِيفة: الورَق المجتمِع الذى فيه السنبل. وعَصَفت الريحُ تعصِف عَصْفاً وعُصُوفًا: اشتدَّت فهى عاصِفة وعاصف وعَصُوف. و {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} ، أَى تعصِف فيه الرّيحُ، فاعل بمعنى مفعول. عَصَم يَعْصِم: اكتسب، ومنع، ووقَى، وإِليه: اعتصم به. وقوله تعالى: {لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله} أَى لا شىء يَعصم منه. ومن قال معناه لا معصوم فليس يعنى أَنَّ العاصم بمعنى المعصوم، وإِنما ذلك تنبيه على المعنى المقصود بذلك، وذلك أَنَّ العاصم والمعصوم متلازمان، فأَيُّهما حصل حصل الآخر معه. والاعتصام: التمسّك بالشىءِ قال تعالى: {واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً} ، وقال: {وَمَن يَعْتَصِم بالله فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أَى من يمتنع بلطفه من المعاصى. واستعصم: استمسك كأَنه طلب ما يعتصم به من ركوب الفاحشة. وقوله: {فاستعصم} أَى تَحَرَّى ما يَعْصِمه.

وعِصمة الأَنبياءِ: حِفْظ الله تعالى إِيّاهم بما خصّهم به من صفاءِ الجوهر، ثم بما أَولاهم من الفضائل النفسيّة والجسميّة، ثمّ بالنُصْرة وتثبيتِ أَقدامهم، ثم بإِنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم، وبالتوفيق. والعِصْمة والعُصْمة - بالكسر والضمّ -: القِلادة والسِّوَار، والجمع: عِصَم، وجمع الجمع: أَعْصُم وعِصَمة. وجمعُ جمعِ الجمعِ: أَعصام. والمِعْصَم: اليد، وموضع السِّوار. والعِصَام: حبل يُشدّ [به] الدّلو والقِرْبة والإِدَاوة والمَحْمل، ومن الوعاءِ: عُرْوته التى يُعَلَّق بها. والجمع: أَعصمةٌ وعُصُم.

بصيرة فى عصو وعض

بصيرة فى عصو وعض العَصَا: العُود، مؤَنَّثة، قال تعالى: {هِيَ عَصَايَ} ، والجمع: أَعْصٍ وأَعصاه وعُصِىّ وعِصِىّ. وعصاهُ: ضربه بها. وعَصِى بها - كرضى -: أَخذها، وبسيفه: أَخذه أَخْذَها. وقيل يقال: عَصَوت بالسّيف وعَصِيت بالعصا، وقيل بالعكس، وقيل كلاهما فى كليهما. والعِصْيَان: خلاف الطَّاعة. عصاه يَعْصيه عَصْيًا ومَعْصِية، وعاصاه، فهو عاصٍ وعَصِىٌّ. والعَضّ: الإِمساك بالأَسنان، عَضِضته وعَضَضت عليه - بالكسر وَالفتح - عَضًّا وعضيضًا. {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} عبارة عن شدّة الندم؛ لِمَا جرى من عادة النَّاس أَن يفعلوه عند ذلك. والعَضُوض: ما يُعَضّ عليه ويؤْكل كالعَضَاضِ، والقوس لصِق وَتَرُها بكبِدها، والمرأَة الضيّقة، والداهية، والزمن الشديد، والكَلِبُ، ومُلْك فيه عَسْف وظلم، والبئر البعيدة القعر، والجمع: عُضُض وعِضَاض. والتَعْضُوض: تَمْرٌ أَسود عَلِكٌ.

بصيرة فى عضد وعضل

بصيرة فى عضد وعضل العَضُد: ما بين المرفق إِلى الكتف. وفيها خمس لغات: عَضُدٌ، وعَضِد كحذُر وحَذِر، وعَضْد وعُضْد مثال ضَعْف وضُعْف، وعُضُد بضمّتين. وقرأَ قوله تعالى: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُداً} بالفتح الأَعرج وأَحمد بن موسى عن أَبى عمرو. وهى لغة تميم وبكر. وقرأَ بالضمّ أَبو حَيْوة. وقرأَ الحسن والأَعرج وابن عامر وأَبو عمرو (عُضُدًا) بضمَّتين / وهى لغة بنى أَسَد. وقوله تعالى: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُداً} أَى أَنصارا، يقال: وهو عَضُدى وهم عَضُدى وأَعضادى، قال مسلم بن عبد الله. مَنْ يَكُ ذا عَضد يُدْرِك ظُلامَته ... إِنّ الذليل الذى ليست له عَضدُ وفَّت فلان فى عَضد فلان أَى كسَر من نِيَّات أَعوانه وفرّقهم عنه، و (فى) بمعنى (من) كقول امرئ القيس: وهل ينْعَمَنْ من كان آخر عهده ... ثلاثين شهرا فى ثلاثة أَحوال أَى من ثلاثة أَحوال. وقوله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} لفظ العضد على سبيل المَثَل. والمِعْضَد: ما يُعضد به الشجر، والدُمْلُج.

والعَضِد والعضِيد: مَن يشتكى عَضُدَه. والعَضَد محرّكة: داء فى أَعضاد الإِبل. ويَدٌ عَضِدة: قصيرة العَضُد. وعِضَادتا الباب: خشبتاه من جانبيه. والعضَاد: سِمَة فى العَضُد. ورجل عُِضَادىّ مثلثة: عظيم العَضُد. والعَضَلة والعَضِيلة: كلّ عَصَبة معها لحم غليظ. ورجل عَضِل وعَضُل: كثير العَضَل. وعَضَل المرأَة يَعْضُلها ويَعْضِلها عَضْلا وعِضْلا وعِضْلانا وعضَّلها تعضيلا: منعها الزَّواج ظلماً. وقوله تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} خطاب للأَزواج، وقيل: للأَولياءِ.

بصيرة فى عضو وعطف

بصيرة فى عضو وعطف العُضْو والعِضْو - بالضمّ والكسر -: كلّ لحم وافر بعظمه. والعَضْو - بالفتح - والتعْضِية: التجزئة والتفريق. والعِضَة - كعدة -: الفرقة والقطعة. والجمع عِضُون، قال الله تعالى: {الذين جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ} أَى متفرّقة، فقالوا تارة: كِهانة، وقالوا: إِفْك مفترًى، وقالوا: أَساطير الأَوّلين، ونحو ذلك ممّا وصفوه به. وقيل: معنى (عِضِين) ما قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} ، خلاف من قال فيه: {وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلِّهِ} . ويروى: لا تَعْضِيَةَ فى ميراث، أَى لا يُفرّق ما يكون تفريقه ضررا على الوَرَثة، كسيف يكسر نصفين ونحوه. والعَطْف: المَيْل. وعِطْفا كلّ شىءٍ - بالكسر -: جانباه. وتَنَحَّ عن عَِطْف الطَّريق أَى قارعته. وهو ينظر فى عِطْفَيِه، أَى معجَب. وجاءَ ثانى عِطْفِهِ، أَى رخّى البال، أَو لاوِيا عُنقه أَوْ متكبّرا مُعرضًا. وعَطَف عليه وتعطَّف: أَشفق. والعِطَاف والمِعطَفُ: الرّداءُ والسيّف. وانعطف: انثنَى. وتعاطفوا: عطف بعضهم على بعض. وامرأَة عَطِيفٌ: ليّنة مطواع لا كِبْر لَهَا.

بصيرة فى عطل وعطو وعظم

بصيرة فى عطل وعطو وعظم عَطِلَت المرأَة - كفرحت - عَطَلاً وعُطُولا وتعطَّلت: إِذا لم يكن عليها حَلْى، فهى عاطِل وعُطُل من عَواطل وعُطَّل وأَعطال، فإِذا كانت عادتُها [ذلك] فمِعْطال. ومَعَاطلها: مواقع حَلْيها. والأَعطال من الخيل والإِبل: الَّتى لا قلائد عليها ولا أَرسان لها، والتى لاسمة عليها، والرِّجال لا سلاح معهم، واحدة الكلّ عُطُل. والعَطَل - محركة -: الشخص، والجمع: أَعطال. وعطَّله من الحَلْى والعمل تعطيلا: فرَّغه وتركه ضَيَاعًا، قال تعالى: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} . والعَطْو: التَّناول، ورفع الرّأس واليدين. وظبىٌ عَِطْو مثلَّثة، وعَطُوّ كعدوّ: يتطاول إِلى الشجر ليتناول منه. والعطا - بالقصر وبالمدّ - والعطيَّة: ما يُعطَى. والجمع أَعْطِية جمع الجمع: أَعطيات / والإِعطاءُ: المناولة قال تعالى: {فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ} . ورجل وامرأَة مِعْطاء: كثير العطاءِ. والجمع مَعَاطٍ ومَعَاطِىّ. والتَّعاطِى: التناول، وتناول ما لا يَحِقُّ، والتنازع فى الأَخذ، والقيام على أَطراف أَصابع الرِّجلين مع رفع اليدين

إِلى الشىءِ، ومنه قوله تعالى: {فتعاطى فَعَقَرَ} . والتعاطى أَيضاً: ركوب الأَمر كالتعطِّى. وقيل: التعطِّى فى القبيح، والتعَاطى فى الرفعة. العِظَم: ضدّ الصِّغر، عَظُمَ - كصَغُرَ - عِظمًا وعَظَامة، فهو عظيم وعُظَام وعُظَّام. وأَعظمه وعظَّمه فخَّمه وكبَّره. واستعظمه وأَعظمه: رآه عظيما. وتعاظَمه: عظم عليه. والعَظَمة والعَظَمُوت: الكِبْر والنَّخْوة والزَهْو. وأَمَّا عَظَمة الله فلا يوصف بها غيره. فمتى وصف بها عبد فهو ذمّ. والعظيمة: النَّازلة الشديدة. والعَظْم: قَصَب الحيوان الذى عليه اللحم، والجمع: أَعْظُم وعِظَام وعِظامة. الهاء لتأنيث الجمع.

بصيرة فى عف وعفر وعفو

بصيرة فى عف وعفر وعفو عفَّ عن الحرام عَفَّا وعَفَافًا وعَفَافةً - بفتحهنَّ - وعِفَّة - بالكسر - فهو عَفّ وعفيف: كفَّ عنه، كاستعفَّ. والجمع: أَعِفَّاءُ. وهى عَفَّة وعفيفة والجمع: عفائفُ وعفيفات. وتعفَّف: تكلّفها. وأَعفّه الله. العِفْرِيت من الجنّ: العارِم الخبيث. ويستعمل فى الإِنسان استعارةَ الشيطان له. يقال: عفريت نِفريت. إِتباعاً. والعِفْرِيَة: المُوثَّق الخَلْق. وأَصله من العَفَر وهو التراب. والعَفْو: عَفْو الله عن خَلْقه، والصفح، وترك عقوبة المستحِقّ. عفا عنه ذنبَهُ، وعفا له ذنبه، وعفا عن ذنبه. والعَفْو: المَحْو والامِّحاء، وأَحَلُّ المال وأَطيبه، وخِيار الشىءِ وأَجوده، والفضل، والمعروف، ومن الماءِ: ما فضل عن الشاربة، ومن البلاد: ما لا أَثر لأَحَدٍ فيها.

بصيرة فى عقب

بصيرة فى عقب عاقِبة كلّ شىءٍ: آخره. وقولهم: ليس لفلان عاقبة، أَى ولد. والعاقبة أَيضاً: مصدر عَقَب فلان مكان أَبيه عاقِبة، أَى خَلَفه، وهو اسم جاءَ بمعنى المصدر كقوله تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} . وعَقِبُ الرّجل وعَقْبه: وَلَدُه وولد ولده. وقوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} أَى جعل كلمة التوحيد باقية فى ولده. والعُقْب والعُقُب - بضمَّة وبضمّتين: العاقبة. قال الله تعالى: {خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً} . وتقول أَيضاً: جئت فى عُقْب شهر رمضان، وفى عُقْبانه: إِذا جئت بعد ما يمضى كلَّه. ويعقوب: اسم النبىّ، لا ينصرف للعُجْمة والتعريف، واسمه إِسرائيل. وقيل له يعقوب، لأَنه وُلد مع عِيصُو فى بَطْن واحِد. وُلِدَ عيصو قبله ويعقوب متعلِّق بعقِبه، خرجا معاً، فعيصو أَبو الروم، قاله الليث. والعُقْبىَ: جزاءُ الأَمر. وقوله تعالى: {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا} أَى لا يخاف أَن يعقِّب على عقوبته من يدفعها، أَى يغيّرها. وقيل: لم يَخَف القاتلُ عاقبتها، والقاتل هو عاقرها قُدَار بن سالف. وأَعقبه بطاعته أَى جازاه. وقوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً} أَى أَضلَّهُمْ بسوءِ فعلهم عقوبةً لهم. والمعقِّبات: ملائكة اللَّيل والنهار لأَنَّهم يتعاقبون. وإِنَّما أُنِّث لكثرة

ذلك منهم نحو نسَّابَة وعلاَّمة. وقيل: مَلَك معقِّب وملائكة معقِّبة ثمّ معقِّباتٌ / جمع الجمع. وقوله تعالى: {ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} ، أَى لم يعطف، وقيل: لم يرجع، وقيل: لم يمكث ولم ينتظر. وحقيقته لم يُعقّب إِقباله إِدباراً (إِقبالاً) والتفاتًا، ولذلك قيل: تعقيبة خير من غَزَاة. وعاقبت الرّجل فى الراحلة: إِذا ركبتَ أَنت مرّة وهو مرّة. وقوله: {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار فَعَاقَبْتُمْ} أَى أَصبتموهم فى القتال بعقوبة حتىَّ غنمتم. وقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} سمّى الأَوّل عقوبة، وما العقوبة إِلاَّ الثانية لازدواج الكلام فى الفعل بمعنى واحد، ومثله قوله تعالى: {ذلك وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} ، وكذلك قوله تعالى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} والمجازاة عليها حَسَنة، إِلاَّ أَنَّها سميّت سيّئة لأَنها وقعت إِساءَة بالمفعول به، لأَنَّه فِعْل ما يسوءُه. والعقوبة والمعاقبة والعِقاب يُخصّ بالعذاب، قال تعالى: {فَحَقَّ عِقَابِ} . والعَقِب: مؤَخَّر الرِّجْل. ورجع على عقبه: انْثَنَى راجعًا، قال تعالى: {فَكُنتُمْ على أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} .

بصيرة فى عقد وعقر

بصيرة فى عقد وعقر عَقَدْتُ الحبلَ والبَيع والعهد. وقوله تعالى: {أَوْفُواْ بالعقود} قال ابن عرفة: العَقْد: الضمان. والعقود ثلاثة أَصناف: عَقْدٌ عَقَده الله تعالى على خَلْقِه من حرام أَو حلال أَو ميقات لفريضة، وعقدٌ لهم أَن يعقدوه إِن شاءُوا كالبِياع والنكاح وما سوى ذلك، وعقود النَّاس التى تجب لبعضهم على بعض. قال: فالعَقْد يقع مقامَ العهد. والمَعَاقد: مواضع العَقْد. وعَقَدت يمينُه وعَقَّدته، قال تعالى: {عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} وقرئ (عَقَدَتْ) وقال: {بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان} وقرئ (عَقَّدْتُمُ) بالتَّشديد. واعتقد الشىءُ: اشتدّ وصَلُب. واعتقد كذا بقلبه. وفى لسانه عُقْدة، أَى حُبْسة. وتحلَّلتْ عُقَده، أَى سكن غضبُه. وقوله تعالى: {وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد} أَى السّواحر اللاَّتى ينفُثن فى العُقَد، أَى يتِفُلْن بلا ريق كما يتفُل الراقى. والعُقْدة أَيضاً: الضَيعَة والعَقَار الذى اعتقده صاحبه مِلْكا. والعُقْدة: البَيْعة المعقودة لهم. والعُقْدة: المكان الكثير الشجر أَو النخل.

عُقْر الدار والحوض وغيرهما: أَصله. وأَصبت عُقْره: أَصله. وعقرتُ النخلَ: قطعته من أَصله، والبعيرَ: نحرته، وظهرَ البعير فانعقر قال تعالى: {فَعَقَرُوهَا} ، ومنه استعير سَرْجٌ مِعْقَر. وكلب عَقُور، ورجل عاقر. وامرأَة عاقر.

بصيرة فى عقل

بصيرة فى عقل العَقل: ضدّ الحُمْق كالمعقول، والجمع: عُقُول. عَقَل يَعْقِل وعَقَّل فهو عاقل، والجمع: عُقَلاء. وعَقَل الدّواءُ البطنَ يَعْقِله ويَعْقُله: أَمسكه. وعقل الشىءَ: فهِمه. وله قلبٌ عَقُول. وعقل البعيرَ: شدّ وَظيفه إِلى ذراعيه، كعقَّله واعتقله، والقتيلَ: وَداه، وعنه: أَدَّى دِية جنايته، وإِليه عَقْلا وعُقُولا: لجأَ. وسُمِّى العقل عقلا لأَنه يَعقل صاحبَه عمّا لا يَحْسُن. وهو القوّة المتهيّئة لقبول العلم. ويقال للعلم الَّذى يستفيدهُ الإِنسان بتلك القوّة العقل أَيضاً؛ ولهذا قيل: (العقل عقلان، فمطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع إِذا لم يك مطبوع، كما لا تنفع الشمّس وضوءُ العين ممنوع) / وإِلى الأَوّل يشير ما روى فى بعض الآثار: ما خلق الله خَلْقًا أَكرم عليه من العقل. وكذا: أَوّلُ ما خلق الله العقلُ. وإِلى الثانى يشير ما رُوى: ما كَسَب أَحد شيئاً أَفضل من عقل يهديه إِلى هُدًى، أَو يردّه عن رَدًى. وهذا العقل هو المعنىّ بقوله تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون} . وكلّ موضع ذمّ الله الكفار بعدم العقل فإِشارة إِلى الثانى، وكلّ موضع رفع التكليف عن العبد فإِشارة إِلى الأَوّل.

بصيرة فى عقم وعكف وعلق

بصيرة فى عقم وعكف وعلق العُقْم: هَزْمة تقع فى الرّحِم فلا تقبل الولد. وقد عَِقُمت - بكسر القاف وضمِّها - وعُقِمت - بضم العين - عَقَمًا وعَقْمًا وعُقْما، وعَقَمَهَا الله يَعْقِمُها وأَعقمها. ورحم عَقِيم وعَقيمة: معقومة، والجمع: عقائمُ وعُقْمٌ. وامرأَة عَقِيم ورجل عَقِيم وعَقَامٌ: لا يولد له. والجمع عُقماءُ وعِقَام وعَقْمَى. والمُلْك عَقِيم: لا ينفع فيه نسب لأَنه يُقتل فى طلبه الأَب والأَخ والعمّ والولد. وعند ارتياد المُلْك لا يُعْرف الأَخُ وريح عَقِيم: يصحّ أَن يكون بمعنى الفاعل وهى الَّتى لا تُلقِح سحابًا ولا شجرًا، ويصح أَن يكون بمعنى المفعول كالعجوز العقيم، وهى التى لا تقبل أَثر الخير. ويوم عقيم: لا خير فيه ولا فرج. وحرب عَقِم وعُقَام وعَقَام: شديدة. العُكوف على الشىءِ: الإِقبال عليه مواظِباً. وعَكَفَه يَعْكُفه ويَعْكِفُهُ عَكْفًا: حبسه، والقومُ حوله: استداروا. وقوم عُكُوف: عاكفون. وقوله تعالى: {والهدي مَعْكُوفاً} أَى محبوسًا ممنوعاً. العَلَق محرّكة: الدم الغليظ، وقيل: الدّم الجامد. القطعة منه عَلَقة،

قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً} . والعَلَق أيضًا: دُوَيْبَّة تتعلَّق بالحَلْق تَمُصّ الدّم. والعَلَق أَيضًا والعُلْقة والعَلاق والعَلاَقة: ما تتبلَّغ به الماشية من الشجر. والعَلَق: معظم الطَّريق، والَّذى تتعلَّق به البَكْرة، والهَوَى، وقد عَلِقه وعلِق به عُلُوقًا: هَوِيَه. والعِلْق - بالكسر والفتح -: النفيس من كلّ شىءٍ، والجمع: أَعلاق وعُلُوق. والعَوْلق: الغُول، والذئب، والذَنَب. وتعلَّق الشىء وبه بمعنىً كاعتلق. وليس المتعلِّق كالمتأَنِّق، أَى ليس مَن يقنع باليسير والعُلْقةِ كمَن يتأَنَّق ويأْكل ما يشاءُ.

بصيرة فى علم

بصيرة فى علم عَلِمه يَعْلَمه عِلْمًا: عَرَفَهُ حَقَّ المعرفة. وعَلم هو فى نفسه. ورجل عالِم وعَلِيم من عُلَمَاء. وعلَّمه العِلم وأَعلمه إِيّاه فتعلّمه. والعَلاَّم والعلاَّمة والعُلاَّم: العالِم جِدًّا. وكذلك التِّعْلِمَة والتِعْلامة. والعِلم ضربان: إِدراك ذات الشَّىءِ، والثانى الحكم على الشىءِ بوجود شىءٍ هو موجود له، أَو نفى شىءٍ هو منفىّ عنه. فالأَوّل هو المتعدّى إِلى مفعول واحد، قال تعالى: {لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ} ، والثَّانى: المتعدّى إِلى مفعولين، نحو قوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} . وقوله: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ} ، إِشارة إِلى أَن عقولهم قد طاشت. والعلم من وجهٍ ضربان: نظرىّ وعملىّ. فالنظرىّ: ما إِذا عُلم فقد كمل، نحو العلم بموجودات العالَم، والعملىّ: ما لا يتم إِلاَّ بأَن يُعمل، كالعلم بالعبادات. ومن وجهٍ آخر ضربان: عَقْلىّ وسمعىّ. والعلم منزلة / من منازل السّالكين، إِن لم يصحبه السّالك من أَوّل قَدَم

يضعه، إِلى آخر قدم ينتهى إِليه يكون سلوكه على غير طريق موصِّل، وهو مقطوع عليه ومسدود عليه سُبُل الهدى والفلاح، وهذا إِجماع من السادة العارفين. ولم ينه عن العلم إِلاَّ قُطَّاع الطَّريق ونُوَّاب إِبليس. قال سيّد الطَّائفة وإِمامهم الجُنَيد - رحمه الله -: الطُّرُق كلُّها مسْدودة على الخَلْق إِلاَّ من اقتفَى أَثَر رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. وقال: منْ لَمْ يحفظ القرآنَ ولم يكتب الحديث لا يُقتدَى به فى هذَا الأَمر؛ لأَن عِلمنا مقيّد بالكتاب والسنَّة. وقال أَبو حفص: من لم يزِن أَفعاله وأَقواله فى كلّ وقت بالكتاب والسنَّة ولم يتَّهم خواطره لا يعدّ فى ديوان الرِّجال. وقال أَبو سليمان الدّارانى: ربَّمَا يقعُ فى قلبى النُكْتة من نُكَت القوم أَيّامًا فلا أَقبل منه إِلاَّ بشاهدين عدلين: الكتاب والسنَّة. وقال السّرىُّ: التصوّف اسم لثلاثة معان: لا يطفىءُ نورُ معرفته نورَ ورعه. ولا يتكلَّم فى باطن علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك أَستار محارم الله. وقال الجنيد: لقد هممت مرة أَن أَسأَل الله تعالى أَن يكفينى مُؤنة النِّساءِ، ثم قلت: كيف يجوز أَن أَسأَل هذا ولم يسأَله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أَسأَله، ثمّ إِنَّ اللهَ تعالى كفانى مُؤنة النساءِ حتى لا أُبالى أستقبلتنى امرأَة أَو حائط. وقال: لو نظرتم إِلى رجل أُعطى من الكرامات أَن تربَّع فى الهواءِ فلا تغترُّوا به حتىَّ تنظروا

كيف تجدونه عند الأَمر والنهى وحفظ الحدود وآداب الشريعة. وقال النُّورىّ أَبو الحسين: من رأَيتموه يدّعى مع الله حالةً تُخرجه عن حدّ العلم الشرعىّ فلا تقربُوه. وقال النصر أَبادى: أَفضل التصوف ملازمة الكتاب والسنَّة، وترك الأَهواء والبِدَع، وتعظيم كرامات المشايخ، ورؤْية أَعذار الخَلْق، والمداومة على الأَورَاد، وترك ارتكاب الرُّخَص والتأْويلات. والكلمات الَّتى تُروى عن بعضهم فى التزهيد فى العلم فمن أَنفاس الشيطان، كمن قال: نحن نأْخذ علمنا من الحىّ الَّذى لا يموت، وأَنتم تأخذونه من حَىّ يموت. وقال آخر: العلم حجاب بين القلب وبين الله. وقال آخر: إِذا رأَيت الصّوفىَّ يشتغل بحدّثنا وأَخبرنا فاغسِل يدك منه. وقال آخر: لنا علم الحروف ولكم علم الورق. وقيل: لبعضهم: أَلا ترْحل حتى تسمعَ من عبد الرزَّاق فقال: ما يصنع بالسمّاع من عبد الرزَّاق مَن يسمع من الخلاَّق؟! وأَحسن أَحوال قائل مثل هذه أَن يكون جاهلاً يُعذر بجهله، أَو والها شاطحا مصرفاً بسخطه، وإِلاَّ فلولا عبد الرزَّاق وأَمثاله من حفَّاظ السنة لما وصل إِلى هذا وأَمثاله شىء من الإِسلام، ومن فارق الدليل ضلَّ عن السّبيل. ولا دليل إِلى الله والجنَّة إِلاَّ الكتاب والسنة. والعلم خير من الحال. الحال محكوم عليه والعلم حاكم، والعلم هادٍ والحال تابع. الحال سيف فإِن لم يصحبه علم فهو مِخْراق لاعب. الحال مركوب لا يجارَى، فإِن لم يصحبه علم أَلقى صاحبه فى المتالف

والمهالك. دائرة العلم تسع الدّنيا والآخرة، ودائرة الحال ربَّما تضيق عن صاحبه. العلم هادٍ والحال الصّحيح مهتدٍ به. فهو تركة الأَنبياء / وتُراثهم.، وأَهله عَصَبتهم ووُرّاثهم، وهو حياة القلب، ونور البصائر، وشفاءُ الصّدور، ورياض العقول، ولذَّة الأَرواح، وأُنْس المستوحِشين، ودليل المتحيّرين. وهو الميزان الَّذى يوزن به الأَقوال والأَفعال والأَحوال. وهو الحاكم المفرِّق بين الشَّك واليقين، والغَىّ والرّشاد، والهُدَى والضلال، به يعرف الله ويعبد، ويُذْكر ويوحّد. وهو الصّاحب فى الغُربة، والمحدِّث فى الخلوة، والأَنيس فى الوحشة، والكاشف عن الشبهة، والغِنَى الَّذِى لا فقر على من ظفر بكنزه، والكَنَفُ الذى لا ضَيْعة على من أَوى إِلى حِرْزه. مذكراته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قُرْبة، وبذله صدقة، ومدارسته تُعدل بالصّيام والقيام، والحاجة إِليه أَعظم من الحاجة إِلى الشَّرَاب والطعام؛ لأَن المرء يحتاج إِليهما مرة أَو مَرَّتين فى اليوم، وحاجته إِلى العِلْم كعدد أَنفاسه، وطلبه أفضل من صلاة النافلة، نصّ عليه الشافعىّ وأَبو حنيفة. واستشهد اللهُ - عزَّ وجلَّ - أَهلَ العلم على أَجلّ مشهود وهو التوحيد، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وفى ضمن ذلك تعديلهم فإِنَّه لا يُستشهد بمجروح. ومن هاهُنا يوجَّه - واللهُ أَعلم - الحديث: "يَحمل هذا العلمَ من كلِّ خَلَف عُدولهُ، ينفُون عنه تحريف الغالين، وتأْويل المبطلين"

وهو حجة الله فى أَرضه، ونوره بين عباده، وقائدهم ودليلهم إِلى جنَّته، ومُدْنيهم من كرامته. ويكفى في شرفه أَن فَضْل أَهلِه على العباد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وكفضل سيّد المرسلين على أَدنى الصّحابة منزلة، وأَنَّ الملائكة تضع لهم أَجنحتها، وتُظِلُّهم بها، وأَنَّ العالِمَ يستغفر له مَن فى السموات ومن فى الأَرض حتىَّ الحيتان فى البحر، وحتىّ النَّملة فى جُحْرِهَا، وأَن الله وملائكته يصلُّون على معلِّمِى النَّاس الخير، وأَمر الله أَعْلَمَ العبادِ وأَكملهم أَن يسأَل الزِّيادة من العلم فقال: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} . واعلم أَنَّ العلم على ثلاث درجات: أَحدها: ما وقع من عِيانٍ وهو البصر. والثانى: ما استند إِلى السمع وهو الاستفاضة. والثالث: ما استند إِلى العلم وهو علم التجربة. على أَن طُرُق العلم لا تنحصر فيما ذكرناه فإِنَّ سائر الحواسّ توجب العلم، وكذا ما يدرك بالباطن وهى الوِجدانيّات، وكذا ما يدرك بالمخبِر الصّادق، وإِن كان واحدا، وكذا ما يحصل بالفكر والاستنباط وإِن لم يكن تجربة. تمّ إِنَّ الفرق بينه وبين المعرفة من وجود ثلاثة: أَحْدها: أَن المعرفة لُبّ العلم، ونسبة العلم إِلى المعرفة كنسبة الإِيمان إِلى الإِحسان. وهى علم خاصّ متعلَّقه أَخفى من متعلَّق العلم وأَدَقَّ.

والثانى: أَنَّ المعرفة هى العلم الذى يراعيه صاحبه [ويعمل] بموجبه ومقتضاه. هو علم يتَّصل به الرعاية. والثالث: أَن المعرفة شاهدة لنفسها وهى بمنزلة الأُمور الوِجدانيّة لا يمكن صاحبُها أَن يشكَّ فيها، ولا ينتقل عنها. وكشفُ المعرفة أَتمّ من كشف العلم، على أَنَّ مقام العلم أَعلى وأَجَلّ، لما ذكرنا فى بصيرة (عرف) . ومن أَقسام العلم العلم اللَّدُنىّ. وهو ما يحصل للعبد بغير واسطة، بل إِلهام من الله تعالى، كما حصل للخضر بغير واسطة موسى، قال تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} . وفَرَق / بين الرّحمة والعلم وجَعَلَهما مِن عنده ومن لدنه إِذ لم يكن نَيْلهما على يد بَشَر. وكان من لدنه أَخصّ وأَقرب ممّا عنده، ولهذا قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} فالسُّلطان النَّصِير الذى من لدنه أَخصّ من الذى من عنده وأَقرب، وهو نصره الذى أَيّده به (والَّذِى من عنده) ، قال تعالى: {هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين} . والعلم اللّدنّىّ ثمرة العبوديّة والمتابعة والصّدق مع الله والإِخلاص له، وبذل الجُهد فى تلقِّى العلم من مِشكاة رسوله ومن كتابه وسنَّة رسوله وكمالِ الانقياد له، وأَمّا علم مَن أَعرض عن الكتاب والسنَّة ولم يتقيّد بهما فهو من لَدُن النفس والشيطان، فهو لدنِّىٌّ لكن مِن لدن مَنْ؟ وإِنما يُعرف كون العلم

لدنّيًّا روحانيًّا بموافقته لما جاءَ به الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم عن ربّه عزَّ وجلَّ. فالعلم اللدُنىّ نوعان: لدُنىّ رَحْمانىّ، ولدُنىّ شيطانىّ وبطناوىّ والمَحَكّ هو الوحى، ولا وحى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. وقول المشايخ: العلم اللدنىّ إِسناده وُجوده، يعنى أَنَّ طريق هذا العلم وِجدانه، كما أَن طريق غيره هو الإِسناد؛ وإِدراكه عِيانُه، بعنى أَنَّ هذا العلم لا يوجد بالفكر والاستنباط، وإِنما يوجد عِياناً وشهودا؛ ونعته حكمُه، يعنى أَن نعوته لا يوصل إِليها إِلاَّ به فهى قاصرة عنه. يعنى أَن شاهده منه ودليله وجوده؛ وإِنِّيَّته لِمِّيِّته، فبرهان الإنّ فيه هو برهان اللِّمّ، فهو الدَّليل وهو المدلول، ولذلك لم يكن بينه وبين الغيب حجاب وبخلاف ما دُونه من العلوم. والذى يشير إِليه القوم هو نور من جَناب الشهود بمجرد أَقوى الحواسّ وأَحكامها، وتقرير لصاحبها مقامها. فيرى الشهود بنوره، ويفنى ما سواه بظهوره. وهذا عندهم معنى الحديث الرّبانىّ: "فإِذا أَحببته كنت سمعه الَّذى يسمع به، وبصره الذى يبصره به، فبى يسمع، وبى يبصر". والعلم اللَّدنىّ الرّحمانىّ هو ثمرة هذه الموافقة والمحبّة الَّتى أَوجبها التقرّب

بالنَّوافل بعد الفرائض. واللدنّىّ الشيطانىّ هو ثمرة الإِعراض عن الوحى بحكم الهوى. والله المستعان. والعَلَم - بالتحريك -، الأَثر الذى يُعلم به الشىءُ كعَلَم الطَّريق، وَعَلَم الجيش. وسمّى الجبل عَلَمًا لذلك. وقرئ: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} . والعالَم: اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأَعراض. وهو فى الأَصل اسم لما يُعلم به كالخاتَم لما يُختم به. فالعالَم آلة فى الدّلالة على موجِدِه وخالِقه، ولهذا أَحالنا عليه فى معرفة وَحْدَانِيَّتِهِ فقال: {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السماوات والأرض} . وأَمّا جمعه فلأَن كلَّ نوع من هذه الموجودات قد يُسمىّ عالماً. فيقال: عالَم الإِنسان، وعالَم النار. وقد رُوى: إِنَّ لِلّه بضعة عشر أَلف عالَم. وأَما جمعه جمع السّلامة فلكون النَّاس فى جملتهم. وقيل: إِنَّما جُمع به هذا الجمع لأَنه عُنى به أَصناف الخلائق من الملائكة والجنَّ والإِنس دون غيرها، رُوِى هذا عن ابن عبّاس رضى الله عنهما. وقال جعفر بن محمّد الصّادقُ: عنى به النَّاس، وجعل كلّ واحد منهم عَالَما. وقال: العالم عالمان: / الكبير وهو الفَلَك بما فيه، والصّغير وهو الإِنسان لأَنَّه على هيئة العالَم الكبير، وفيه كلّ ما فيه، وقوله: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} أَى عالَمِى زمانِهم. وقيل: أَراد فضلاءَ زمانهم الذين يجرى كلّ واحد منهم مجرى عالَم.

بصيرة فى علن وعلو

بصيرة فى علن وعلو عَلَن الأَمرُ وَعَلُنَ وعَلِنَ يعلِن ويعلُن ويعلَن عَلَنًا وعلانِيَة واعتلن: ظهر. وأَعلنته وأَعلنت به. وعلَّنته: أَظهرته. والعِلان والمعالنة والإِعلان: المجاهرة. قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} ، وقال تعالى: {ثُمَّ إني أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} ورجل عُلَنة كهُمَزَة: لا يكتم سرًّا. وعُلْو الشىء وعَلْوه وعِلْوه وعُلاَوته وعالِيَتُه: أَرفعه. وقد علا عُلُوّا فهو عَلِىّ، وَعَلِىَ كرضى: سما. وقيل بالفتح فى الأَمكنة والأَجسام أَكثر، قال تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ} . وعَلاَه وعلا به واستعلاه وأَعلولاه وأَعلاه وعَلاَّه وعالاه وعالَى به: صعده. والعَلاَءُ: الرفعة. علا النهار: ارتفع كاعتلى واستعلى. والعُلْوِىّ والسُّفْلىّ: المنسوب إِليهما. وصار عَلِىَ لا يستعمل إِلاَّ فى المحمود، قال: {وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} والعلِىّ: الرفيع القَدْرِ، وإِذا وُصف تعالى به فمعناه أَنه يعلو أَن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين، وعلى ذلك: {تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} {تعالى عَمَّا يَصِفُونَ} . وتخصيص لفظ التعالى للمبالغة لا على سبيل التكلَّف كما يكون من البشر.

والأَعلى: الأَشرف. والاستعلاءُ يكون لطلب العلوّ المذموم ويكون لطلب الرفعة، قال تعالى: {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} وهذا يحتمل الأَمرين، وقوله: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} أَى أَعلى من أَن يُقَاس به أَوْ يُعتبر بغيره. وقوله: {خَلَق الأرض والسماوات العلى} جمع تأنيث الأَعلى، والمعنى هى الأَشرف والأَفضل بالإِضافة إِلى هذا العالَم. وقوله. {إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِي عِلِّيِّينَ} قيل جمع عِلِّىّ: مكان فى السماءِ السابعة يَصعد إِليه أرواح المؤْمنين، وقيل: هو اسم أَشرف الجِنان كما أَن سِجِّين اسم شَرّ مواضع النِّيران، وقيل: بل ذلك على الحقيقة اسم سكَّانها، وهذا أَقرب فى العربية، إِذ كان هذا الجمع يختصّ بالنَّاطقين. قال: والواحد عِلِّىّ نحو بطِّيخ. ومعناه: إِن الأَبرار لفى جملة هؤلاءِ فيكون ذلك كقوله: {فأولائك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم} والعُلِّيَّة تصغير عالية، وصارت فى العرف اسما للغُرفة، والجمع: العلالىّ. وتعالى النهار وحرّه: ارتفع. وإِذا أَمرت منه قلت: تعالَ بالفتح، وللمرأَة: تعالَىْ، قال تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} ، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} . وتعَلىَّ: علا فى مُهْلة، والمرأَةُ من نفاسها ومرضها: خرجت سالمة. وأَتيته من عَلُِ بضمّ اللام وكسرها ومن عَلاَ، ومن عالٍ، أَى من فوق.

بصيرة فى عم وعمد

بصيرة فى عم وعمد والعمّ: أَخو الأَب، والجمع: أَعمام وعُمومة وأَعُمّ. وجمع الجمع: أَعْمُمُون. وهى عَمَّة. والمصدر العُمُومة. وما كنت عمًّا ولقد عَمَمت. ورجل مُعَمّ ومُعِمّ: كثير الأَعمام. والعِمَامة معروف، والبَيْضة والمِغْفَر. واعتمّ وتعمّم واستعمّ. وهو حسن العِمّةِ أَى الاعتمام. وعُمّم: سُوِّد. وكلّ ما اجتمع وكثر عَمِيم، والجمع: /عُمُم، والاسم العَمَم. وعَمَّ عُموماً: شمِل الجماعة. وقد عمَّهم بالعطاءِ. وهو مِعَمُّ: خَيِّرٌ يعُمّ بخيره.. عَمَدت للشىءِ أَعْمِد عَمْدَا: قصدت له. وفعلت ذلك عَمْدًا على عين، وعَمْدَ عين، أَى بجِدّ ويقين، قال خُفَاف بن نُدْبة فإِنْ تَكُ خَيْلى قد أُصيب صمِيمها ... فعَمْدا على عين تيمَّمت مالكا والعمود: عمود البيت، وجمع القلة: أَعمدة، وجمع الكثرة: عُمُد بضمَّتين، وعَمَدٌ بفتحتين. وقرأَ أَبو بكر عن عاصم، وحمزةُ والكسائىّ وخلف: {فِي عُمُدٍ مُّمَدَّدَةِ} بضمّتين، والباقون {فِي عَمَدٍ} بفتحتين. وقول النابغة الذُبْيانىّ يذكر سليمان عليه السلام: وخَيِّسِ الجِنّ إِنىِّ قد أَذنت لهم ... يبنون تَدْمُر بالصُفَّاح والعَمَد

قيل: إِنَّ العمد أَساطين الرُّخام. وقال ابن عرفة فى قوله تعالى: {رَفَعَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} العَمَد: جمع عِماد، قال: وليس فى كلام العرب فِعَال يجمع على فَعَلٍ غير عِمَاد وعَمَد، وإِهاب وأَهَبَ، أَى خلقها مرفوعة (بلا عمد ترونها) ، وقيل: لا ترون تلك العمد وهى قدرة الله تعالى: وقيل: لا يحتاجون مع الرّؤْية إِلى الخبر. وقوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ العماد} ، قال الفرّاءُ: كانوا أَهل عَمَد ينتقلون إِلى الكلأ حيث كان، ثم يرجعون إِلى منازلهم. ويقال لأَهل الأَخْبية: أَهل العِمَاد. وقيل: ذات الطُّول والبناءِ الرفيع. والعماد: الأَبنية الرفيعة، يذكَّر ويؤَنَّث، قال عمرو بن كلثوم: ونحن إِذا عِمادُ الحىّ خَرَّت ... على الأَحفاض نمنع من يلينا الواحدة: عِمَادة. وهو رفيع العماد، أَى منزله مُعْلَم لزائريه.

بصيرة فى عمر وعمق وعمل

بصيرة فى عمر وعمق وعمل العِمَارة: ضدّ الخراب. عَمَر أَرضَه يَعْمُرها فَعَمَرت هى. ومكانٌ معمور وعامر، قال تعالى: {والبيت المعمور} ، وهو بيت فى السّماءِ الرابعة حِيال الكعبة يطوف عليه الملائكة، وفى كلّ سماءٍ بيت بحِياله. والعُمُر والعُمْر اسم لمدّة عِمارة البدن بالحياة، فهو دون البقاءِ. فإِذا قيل: طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه. وإِذا قيل: بقاؤُه فليس يقتضى ذلك، لأَنَّ البقاءَ ضِدّ الفناءِ. ولفضل البقاءِ على العمر وُصف الله تعالى [به] وقلَّما وصف بالعمر. والتعمير إِعطاءُ العمر بالفعل أَو بالقول على سبيل الدّعاءِ، قال تعالى: {وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق} . والعُمْر والعَمْر واحد، لكن خُصّ القَسَم بالمفتوحة نحو: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفىِ سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} . وعَمْرك اللهَ أَى سَأَلتُ الله عَمْرك، وخصّ هاهُنا لفظ عَمْر لمّا قُصد به قَصْد القَسَم. والاعتمار والعُمْرة: الزِّيارة الَّتى فيها عمارة الودّ. وجُعِل فى الشريعة للقصد المخصوص. وكذلك الحجّ. وقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله} إِمّا من العِمارة التى هى حفظ البناءِ، أَو من العُمْرة التى هى الزيارة، أَو من قولهم: عَمَرت بمكان كذا أَى أَقمت بهِ. والعِمَارة أَخصّ من القبيلة، وهى اسم لجماعة بهم

عمارة المكان. والعَمَار: ما يضعه الرئيس على رأْسه عِمارة لرياسته وحفظاً لها، ريحاناً كان أَو عمامة. وإِنْ سُمِّى الرّيحان من دون ذلك عَمَارًا فاستعارة. العُمْقُ - بالضّم وبضمّتين -: قعر البئر ونحوها. عَمُق - ككرم - عَمَاقة. وبئر عَميقة، وما أبعد عَمَاقتها، وما أَعمقها، قال تعالى: {مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} . وعَمَّق النظر فى الأَمر. وتعمّق فى كلامه: تنطَّع. والعمل: المِهْنة والفعل، وقيل /: أَخصّ منه، لأَنَّ الفعل قد ينسب إِلى الحيوانات الَّتى يقع منها بغير قصد وإِلى الجمادات أيضاً، والعمل قلَّما ينسب إِليها، والجمع: أَعمال. عَمِل - كفرح - وأَعْمَلَهُ واستعمله، وأَعمل رأْيه وآلته واستعمله: عَمِلَ به. ورجل عَمِلٌ وعَمُول: ذو عمل. والعمل يستعمل فى الأَعمال الصّالحة والسيّئة، قال تعالى: {الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} ، وقال: {الذين يَعْمَلُونَ السيئات} . وقوله: {والعاملين عَلَيْهَا} [هم] المولَّون عليها. والعِمْلةَ والعُمْلة والعمالة مثلَّثه العين: أَجْر العمل.

بصيرة فى عمه وعمى وعن

بصيرة فى عمه وعمى وعن العَمه - مَحرّكة -: التردّد فى الضلالة، والتحيّر فى منازعة أَو طريق، أَو أَلاَّ يعرف الحُجَّة. عَمِهَ - كفرح ومنعَ - عَمْها وعَمَهَا وعُمُوها وعُموهة وعَمَهَاناً، وتَعامه فهو عَمِهٌ وعامِه، والجمع: عَمِهُونَ وعُمَّهٌ. قال تعالى: {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} . عَمِىَ - كرضى - ذهب بصره كلّه. وكذا اعماىَ يَعْماىُ إِعمِياءً، وقد يشدّدُ الياء، فهو أَعمَى وعَمٍ من عُمْىٍ وعُمَاة وعُمْيانِ، وهى عَمياءُ وعَمِيَة وعَمْية. وعمّاه تعمية: صيّره أَعمى، ومعنى الكلامِ: أَخفاه. والعمَى أَيضاً: ذهاب بصر القلب. والفعل والصفَّة كما تقدّم فى غير أَفعالّ، وتقول: ما أَعماه فى هذه دون الأُولى. وتعامَى: أَظهره. ومن الأَوّل قوله تعالى: {عَبَسَ وتولى أَن جَآءَهُ الأعمى} ، ومن الثانى ما ورد من ذمّ العمى نحو قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} ، بل لم يَعُدّ تعالى افتقادَ البصر فى جنب افتقاد البصيرة عَمًى حين قال: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولاكن تعمى القلوب التي فِي الصدور} . وقوله تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هاذه أعمى فَهُوَ فِي الآخرة أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} فالأَوّلُ اسم الفاعل، والثانى قيل: هو مثله، وقيل: هو أَفعل من

كذا الَّذى للتفضيل، لأَنَّ ذلك من فِقدان البصيرة. ومنهم من حمل الأَوّل على عمى البصيرة والثانى على عمى البصر، وإِلى هذا ذهب أَبو عمرو، فأَمال الأَوّل لمّا كان من عمى القلب، وترك الإِمالة فى الثانى لمّا كان اسما، فالاسم أَبعد من الإِمالة. وقوله: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} ، و {قَوْماً عَمِينَ} ، {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} ، {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْياً} محتمل لِعَمَى البصر والبصيرة جميعاً. وعَمِىَ عليه الأَمر: اشتبه حتى صار بالإِضافة إِليه كالأَعمى، قال تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنبآء} . وعَنْ يرد على ثلاثة أوجه: ا- يكون حرفاً جارًّا. ولها عشرة معان: 1- المجاوزة: سافرت عن البلد. 2- البدل: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} . 3- الاستعلاءُ: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} ، أَى عليها. 4- والتعليل: {وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ} . 5- ومرادفة بَعْد: {عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} .

6- الظرفية. ولا تك عن حمل الرِّباعة وانياً بدليل: {وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي} . 7- مرادفة مِن: {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} . 8- مرادفة الباء: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} . 9- الاستعانة: رميت عن القوس، أَى به، قاله ابن مالك. 10- الزائدة للتعويض عن أُخرى محذوفة، كقوله: أَتجزع إِنْ نفسٌ أَتاها حِمامها ... فهلاَّ التى عن بين جَنْبَيْكَ تدفعُ أَى تدفع عن الَّتى بين جنبيك. فحذفت (عن) من أَوّل الموصول وزيدت بعده. ب- ويكون مصدرياً وذلك فى عنعنة تميم، يقولون /: فى أَعجبنى أَن تفعل: عن تفعلَ كذا. جـ- ويكون اسما بمعنى جانب: من عن يمينى مرَّة وأَمامى وكقول الآخر: عن يمينى مرّت الطَّير سُنَّحا

بصيرة فى عنت وعند وعنق

بصيرة فى عنت وعند وعنق العَنَت: الإِثْم. وقد عَنِت الرّجُل - كفرح - قال الله تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ، وقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العنت مِنْكُمْ} يعنى الفجور والزِّنىَ. والعَنَت أَيضاً: الوقوع فى أَمر شاقّ. وأَكمَة عَنُوت وعُنْتُوت: شاقَّة المَصْعَد. وعَنْتَتَ عنه: أَعرض. وجاءَنى متعنِّتا: إِذا جاءَ يطلب زَلَّتك. وأَعنْته: أَوقعه فى العَنَت، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَآءَ الله لأَعْنَتَكُمْ} . وعِنْد معناه حضور الشىءِ ودُنوّه. وفيها ثلاث لغات: عَنْد وعِنْد وعُنْد: وهى ظرف فى المكان والزَّمان، تقول: عند اللَّيل، وعند الحائط إِلاَّ أَنَّها ظرف غير متمكِّن، لا تقول: عندُك واسع بالرّفع. وقد أَدخلوا عليها مِن حروف الجرّ مِنْ وحدها كما أَدخلوها على لَدُنْ، قال الله تعالى: {رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا} ، وقال سبحانه: {مِن لَّدُنَّا} ولا يقال: مضيت إِلى عندك ولا إِلى لدنْك. وقد يُغْرَى بها، تقول: عندك زيدًا أَى خُذْه. وقال ابن عبّاد: العِنْد والعَنْد والعُنْد: النَّاحية، ومنه قولهم: وهو عند فلان، إِلاَّ أَن هذا لا يستعمل إِلاَّ ظرفاً إِلاَّ فى موضع، وهو أَن يقال: هذا عندى كذا فيقال: ولَكَ عند؟ أَو يراد به القلب والمعقول.

وقوله: {أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ} المراد به الزُّلْفى والمنزلة. وقوله: {إِن كَانَ هاذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} أَى فى حكمك. والعَنِيد والعَنُود، قيل: بينهما فَرْق، لأَنَّ العنيد الَّذى يعاند ويخالف، والعَنُود الذى يَعْنِد عن القصد، وجمعُه عَنَدَة، وجمع العنيد: عُنُد. والعُنْق والعُنُق والعَنيق بمعنى، والجمع: أَعناق. قال تعالى: {فاضربوا فَوْقَ الأعناق} أَى رءُوسهم. والعُنُق: الجماعة من الناس. والأَعناق: الأَشراف والرؤساء، وعلى هذا قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} . والمؤذَّنون أَطول الناس أَعناقاً، أَى أَفضلهم أَعمالاً، أَو أَفضلهم جماعات، وهم الشهداء لهم، أَو المراد الأَشراف والرؤساءُ. ورُوِى: إِعناقاً بالكسر أَى أَشدّهم إِسراعاً إِلى الجنَّة. وقيل غير ذلك.

بصيرة فى عنو وعوج

بصيرة فى عنو وعوج عَنَوْتُ فيهم عُنوّا وعَنَاءً، وعَنِيت كرضيت: صرت أَسيراً. وعَنَوْت له: خضعت، قال تعالى: {وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم} أَى خضعتْ مستأسِرة بعَناء. وأَعنيته: أَذللته. والعَنْوة: الاسم منه، والقهر، والمودّة ضدّ. والعوانىِ: النساء؛ لأَنَّهنَّ يُظلمن فلا يَنتصِرن. وقرئَ {لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أَى يأسِره ويذلَّه والمعنى: إِظهار ما تضمّنه اللفظ من عَنَتِ القِرْبةُ: أَظهرَتْ ماءَها. والعوج: العطف عن حال الانتصاب. وقد عاج البعيرُ بزِمامه. وهو ما يَعُوج عن أَمر يَهُمّ به، أَى ما يرجع. والعَوَج - محرّكة - يقال فيما يُدرَك بالبصر كالخشب المنتصب ونحوه، والعِوَج - بكسر العين - فيما يدرك بفكر وبصيرة كالدِّين والمعاش، قال الله تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} ، وقال: {الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} وقد يكون فى أَرض بسيط عِوَجٌ يعرف تفاوته بالبصيرة. والأَعوج يُكنى [به] عن سَيِّئ الخُلُق.

بصيرة فى عود

بصيرة فى عود عاد إِليه يَعود عوْدا / وعَوْدة ومَعَادًا: رجع. وقد عاد لَه بعد ما كان أَعرض عنه. والمَعَاد: المَصِير والمرجع. والآخرة مَعاد الخَلْق. وقوله تعالى: {لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ} قيل: إِلى مكَّة حَرسها الله تعالى لأَنَّهَا مَعَاد الحجِيج؛ لأَنَّهم يعودون إِليها كقوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} وقولِه تعالى: {فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ} . وقيل: (لرادُّك) أَى لباعثك، (إِلَى مَعَاد) أَى مَبْعثك فى الآخرة. وقوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} أَى لتصيرُنَّ إِلى مِلَّتِنَا، لأَنَّ شعيبا - صلوات الله عليه - ما كان على الكفر قطُّ. والعرب تقول: عاد علىّ من فلان مكروهٌ، يريدون صار منه إِلىّ. وقيل: (لَتَعُودُنَّ) يا أَصحاب شعيب وأَتباعَه، لأَنَّ الَّذِين اتَّبَعُوه كانوا كفارا، فأَدخلوا شعيباً فى الخطاب والمراد أَتباعه. وقوله تعالى: {والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} عند أَهل الظَّاهر أَن يقول ذلك للمرأَة ثانياً فحينئذ تلزمه الكفَّارة. وعند الشَّافعى رحمه الله هو إِمساكها بعد وقوع الظِّهار عليها مدّة يمكنه أَن يطلِّق فيها فلم يفعل. وعند أَبى حنيفة - رحمه الله - العَود فى الظّهار

هو أَن يجامعها بعد أَن ظاهر منها، وقال بعض الفقهاءِ: المظاهرة هو يمين نحو أَن يقول: امرأَتى علىّ كظهر أَمّى إِن فعلْت كذا، فمتى فعل ذلك حنِث ولزمه من الكفَّارة ما بيَّنه الله تعالى فى هذا المكان. وقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} يحمله على فعل ما حلف له أَلاَّ يفعل، وذلك كقولهم: فلان حلف ثمّ عاد، إِذا فعل ما حَلَف عليه. قال الأَخفش: قوله: {لِمَا قَالُوا} يتعلق بقوله، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ، وهذا يقوّى القول الأَخير. قال: ولزوم هذه الكفارة إِذا حنِث كلزوم الكفارة المثبتة فى الحلف بالله والحنث فى قوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} . وأَعاد الشىء إِلى مكانه، وأَعاد الكلام: ردّده ثانياً، قال تعالى: {سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} . وهو مُعيد لهذا الأَمر أَى مطيق له. والمُعِيد: العالِم بالأُمور الذى ليس بغُمْر. والمُعِيدُ: الأَسَد، والفحل الذى قد ضَرَب فى الإِبل مرّات. والعِيد: واحد الأَعياد، ومنه الحديث: "إِن لكلّ قوم عيدا وهذا عيدنا". ويستعمل العيد لكلّ يوم فيه فرح وسرور، ومنه قوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} . وإِنَّما جمع بالياءِ وأَصله الواو للزومها فى الواحد وقيل: للفرق بينه وبين أَعواد الخشب.

والعادة: الدَيْدَن. وأَسماؤُها تنيف على مائة وعشرين. وعادَه واعتاده: صار عادةً له. ويقال: عُدْ فإِنّ لك عندنا عوادا حسناً - مثلَّثة العين - أَى لك ما تحبّ. والعَوْد: المُسِنُّ من الإِبل، والطَّريق القديم. وهذا أَعْوَد عليك من كذا، أَى أَنفع لك. وهو ذو صفح وعائدة، أَى ذو عَطْف وتعطَّف.

بصيرة فى عوذ وعور

بصيرة فى عوذ وعور عُذْت بفلان أَعوذ عَوْذًا وعِيَاذًا وَمَعَاذًا وَمَعَاذَة أَى لجأْت به. وهو عِيَاذِى وعَوَذى -محرّكة- ومَعَاذى أَى مَلْجئى. وقرأت المعوّذتين - بكسر الواو - أَى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} . والتعويذ: الإِعاذة. وكان النبىّ صلَّى الله / عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: أعوِّذكما بكلمات الله التَّامّة من شرّ السامَّة والهامّة، ومن كلِّ عين لامّة، ويقول لهما: إِنَّ أَباكما [إِبراهيم] كان يعوّذ بها إِسماعيل وإِسحاق. والتعويذ والعُوذَة: [الرُقية] . وتَعَوَّذت به واستعذت به. ويقال: معاذَ الله، أَى أَعوذ بالله مَعَاذًا، يجعلونه بدلاً من اللفظ بالفعل لأَنَّه مصدر وإِن كان غير مستعمل مثل سُبحان الله. قال الله تعالى: {مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ} أَى نلتجئُ إِليه ونستعيذ به أَن نفعل ذلك. ويقال: مَعاذة الله، ومَعَاذ وجهِ الله، ومعاذة وجه الله. والعَوْرة: سَوْءَة الإِنسان. وأَصلها من العار كأَنه يلحق بظهوره عار أَى مذّمة، ولذلك سمّيت المرأَة عَوْرة، ومنه العوراءُ أَى الكلمة القبيحة.

والعوْرةُ أَيضاً والعَوَار: شَقّ فى الشىء، كالثوب والبيت ونحوه، قال تعالى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أَى منخرقة ممكنة لمن أَرادها. ومنه فلان يحفظ عَوْرته، أَى خَلله. وقوله تعالى: {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} أَى نصف النهار، وآخر النهار، وبعد العِشاءِ الأَخرة. وقوله: {الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النسآء} أَى لم يبلغوا الحُلُم. والعاريّة: فَعَلِيَّةٌ من العار؛ لأَن استعارتها تجلبُ المذمّة والعار. وفى المثل: قيل للعاريّة: أَين تذهبين؟ فقالت: أَجلب إِلى أَهلى مذَمَّة وعارًا.

بصيرة فى عول وعوق وعوم وعون

بصيرة فى عول وعوق وعوم وعون عالَ: جارَ ومال عن الحقِّ. وعالَ الميزانُ: جار ونقص، أَو زاد، يَعُول ويَعِيل، وأَمرُ القوم: اشتدّ وتفاقم، وعال الشىءُ فلاناً: غلبه وثَقُل عليه وأَهمّه. قال تعالى {ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ} ، ومنه عالتِ الفريضةُ: إِذا زادت فى القِسمة المسمّاة لأَصحابها بالنصّ. والعَوْل: ما يثقل من المصيبة. وعالَهُ: تحمَّل ثِقْله. وأَعال: كثر عِيالُه. والعائق: الصّارف عمّا يراد به من خير. وعاقه وعوّقه واعتاقه. قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين} . العَوْم: السِباحة. والعام: الحَوْل لعَوْم الشمس فى بروجها، والجمع: أَعوام. وسِنُون عُوّم توكيد. قال تعالى: {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس} قيل يعبّر عن الجدب بالسنة، وعمّا فيه رخاء بالعام، وقال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} . والعَوْن: الظَّهِير؛ يستوى فيه الواحد والجمع والمؤَنَّث. ويكسّر أَعوانًا. والعَوِين: اسم للجمع. واستعنته فأَعاننى، قال تعالى {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} . والتعاوُن والاعتوان: إِعانة بعضهم بعضاً، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان} وعاوَنه معاونة وعِوَاناً، والاسم العَوْن والمعَانة والمَعْوُنة والمَعُونة والمَعُون.

بصيرة فى عهد وعهن

بصيرة فى عهد وعهن العَهْد: الأَمان، واليمين، والمَوْثِقُ، والذّمّة، والحِفَاظ، والوصيّة. وقد عهدت إِليه أَى أَوصيته، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابنيءَادَمَ} . وقوله تعالى: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} قال ابن عرفة: معناه أَلاّ يكون الظالم إِماماً. وقال غيره: العهد: الأَمان ههنا. وقوله تعالى: {فأتموا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ} يعنى ميثاقهم، وكذلك هو فى قوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله} ، وقوله تعالى: {الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} . والعَهْد: الضمان، تقول: عَهِدَ إِلىَّ فلان فى كذا وكذا أَى ضَمَّنَنِيه. ومنه قوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بعهديا} أَى بما ضَمَّنتكم من طاعتى {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أَى بما / ضَمِنت لكم من الفوز بالجنَّة. وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِن حُسْن العهد من الإِيمان" أَى الحِفاظ ورعاية الحُرْمة. وقوله تعالى: {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمان عَهْداً} المراد توحيد الله والإِيمان به.

والعهد الذى يكتب للولاة من عهد [إليه] : أَوصاه. والعَهْد: المنزل الذى لا يزال القومُ إِذا انَتَوَوْا عنه رجعوا إليه. والعهد: المطر بعد المطر. والعهد: الوفاءُ، قال الله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ} . والعِهْن: الصّوف المصبوغ. والقطعة: عِهنة، والجمع: عُهُون. قال تعالى: {كالعهن المنفوش} .

بصيرة فى عيب

بصيرة فى عيب العَيْب والعَيْبة والعَاب بمعنى واحد، عاب المتاعُ: صار ذا عَيْب، وعِبته أَنا، يتعدّى ولا يتعدّى، فهو مَعِيب ومَعْيوب أَيضاً على الأَصل، قال الله تعالى: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} . والعائب: الخاثر من اللَّبن، وقد عاب السّقاءُ. وتقول: ما فيه معابة، ومَعَاب، أَى عَيْب، ويقال: موضعُ عَيب، قال: أَنا الرجل الذى قد عبتموه ... وما فيه لعيّابٍ مَعَابُ لأَنَّ المفعل من ذوات الثلاثة، نحو كال يكيل، إِن أُريد به الاسم مكسور، والمصدر مفتوح، ولو فتحتهما أَو كسرتهما فى الاسم والمصدر جميعاً لجاز؛ لأَنَّ العرب تقول: المعاش والمعيش، والمسَار والمسير، والمعَاب والمعِيب. والمعايب: العُيُوب. ورجل عَيّابة أَى يعيب الناس كثيرا. والهاءُ للمبالغة. والعَيْبة: ما يُجعل فيه الثياب، والجمع: عِيَب وعِيبات وعِياب.

بصيرة فى عير (عيس) وعيش وعيل وعى

بصيرة فى عير (عيس) وعيش وعيل وعى العِير: القوم معهم المِيرة، وذلك اسم للرجال والجِمال الحاملة للمِيرة، وإِن كان قد يستعمل فى كلّ واحد منهما على حِدَة. وعِيسَى إِذا جُعل عربيّاً أَمكن أَن يكون من قولهم: إِبل عِيسٌ أَى بِيض. والعَيْشُ: الحياة المختصّة بالحيوان. ويشتقّ منه المعيشة لِمَا يُتَعَيَّش منه. والعَيْل والعَيْلة والعُيُول والمَعيِل: الافتقار. عالَ يعِيل فهو عائل، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أَى فقرًا، والجمع: عالة وعُيَّل وعَيْلَى. وقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى} ، أَى أَزال عنك فقر النَّفس، وجعل لك الغنى الأَكبر، يعنى ما أَشار إِليه النبى صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: "الغِنىَ غِنىَ النَّفْس". وعَىّ بالأَمر وعَيىَ - كرضى - وتَعايا واستعيْا وتعيّا: لم يهتد لوجه مراده، أَو عجز عنه ولم يُطق إِحكامه. وهو عيّانُ وعَيَاياءُ وعَىٌّ وعَيِىٌّ، والجمعُ: أَعْياءٌ وأَعِيياءُ قال تعالى: {وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} . آخر حرف العين والحمد لله رب العالمين.

الباب العشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الغين

الباب العشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الغين

بصيرة فى الغين

بصيرة فى الغين وقد ورد على عشرة أَوجه: 1- حرف من حروف الهجاءِ، مخرجه من أَعلى الحَلْق جوار مخرج الخاءِ. والنسبة غيْنىّ. والفعل غيَّنت غَيْنًا حسنة وحسَناً. والجمع: غُيُون وأَغْيان وغَيْنَات. 2- اسم لعدد الأَلْف فى حساب الجُمَّل. 3- يكون بدلا من العين فى نَشُوع ونَشُوغ، وَارَمْعَلَّ وارمغلّ. 4- / غين العجز والضرورة. بعض النَّاس يجعل اللام والرّاء غيناً فيقول: ما إِلىَ الأَمِيغ مِن سَبِيغ، يريد: ما إِلى الأَمير من سبيل. 5- بمعنى الغَيم. 6- بمعنى الأَشجار الملتفًَّة بلا ماء. 7- بمعنى التغشية، يقال: غِين على قلبه غَيْنًا، أَى تغشَّته الشهوة. 8- بمعنى التغطية. 9- الغَيْن: العطش. 10- الغين الأَصلى، كما فى: غرف، وغفر، وفرغ.

بصيرة فى غبر وغبن

بصيرة فى غبر وغبن يقال: هو غابر فلان، أَى بَقيَّتهم، قال عُبَيد الله بن عُمَر. أَنا عُبيد الله ينمينى عمرْ ... خير قريش من مضى ومن غبر بعد رسول الله والشيخ الأَغرّ وهو من الأَضداد. تقول: أَنت غابر غدا، وذكرك غابر أَبدا. ومنه قيل: غُبَّرُ الحيض، وغُبَّر اللَّبن وغُبَّراته لبقاياه. وغبَر فى الحوض غُبْر، أَى بقِيّة ماءٍ. وقوله تعالى: {إِلاَّ عَجُوزاً فِي الغابرين} يعنى فيمن طال أَعمارهم، وقيل: فيمن بقى ولم يسر مع لوط عليه السلام، وقيل: فيمن بقى فى العذاب. وفى آخر: {وَأَهْلَكَ إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين} ، وفى وجه آخر: {إِلاَّ امرأته قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} . والغُبار: لما يبقى من التراب المُثار، جُعل على بناءِ الدّخان والعُثان ونحوهما من البقايا. وقوله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} كناية عن تغيّر الوجه من الغمّ.

فى بيعه غَبْن وفى رأْيه غَبَن، وقد غُبِن وغَبِن. وتقول: لحقته فى تجارته غَبينة. وغَبِن الشىءُ - كفرح - غَبْنًا وغَبَنًا: نسِيَه، وأَغفله. وغَبِن رأْيَه - بالنَّصب - غَبَنًا وغَبَانة: ضعف، فهو غَبِين ومغبون. وَغَبنه فى البيع يَغْبِنه غَبْنًا وغَبَنًا: خَدعه. وقد غُبِن فهو مغبون، وتغابنوا: غَبَن بعضُهم بعضًا. وقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ التغابن} سُمِّى به لظهور الغَبْن فى المبايعة المشار إِليها بقوله: {وَمِنَ الناس مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابتغآء مَرْضَاتِ الله} وقوله: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} ، فعُلم أَنَّهمْ قد غُبنُوا فيما تَرَكُوا من المبايعة، وفيما تَعَاطَوا من ذلك جميعاً. وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقال: تبدو الأَشياء لهم بخلاف مقاديرهم فى الدنيا. وقيل سمّى يوم التَّغابن لأَن أَهل الجنَّة تغبِن أَهل النَّار. والمَغَابِن: كلُّ مُنْثَن من الأَعضاءِ كالإِبْط ونحوه.

بصيرة فى غثو وغدر وغدق وغدو

بصيرة فى غثو وغدر وغدق وغدو والغُثَاءُ والغُثَّاءُ - كغراب وزُنَّار -: القَمْش، والزَّبَد، والهالك البالى من ورق الشجر المخالط زَبَد السّيل. ويقال: فلان مالُه غُثاء، وعملُه هَبَاء، وسعيه جُفَاء. والغَدْر: الإِخلال بالشىءِ وتركه. والمغادرة مثله، قال تعالى: {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} . والماءُ الغَدَق: الكثير. وقد غدِقت العَين - كفرح -: غزُرَت، قال تعالى: {لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً} . والغُدْوة - بالضمِّ -: البُكْرة، وقيل: ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. والغَدِيَّة والغَدَاة بمعناه، والجمعُ: (غَدوات وغَدِيّات وغَدَايا وغُدُوّ) . وقيل: لا يقال: غدايا إِلاَّ مع عَشَايا للازدواج. وقوبل فى التنزيل الغُدوّ بالآصال، والغداة بالعَشِىِّ. والغادية: مَطْرة الغداةِ، والسحابة تَنْشأُ غُدْوة. وفلان (يغادِيه ويرَاوحهِ ثم يغاديه ويُكاوحه) . وهو ابن غداتَين: ابن يومين.

بصيرة فى غرب

بصيرة فى غرب الغَرْب: خلاف الشرق، والمغرب: خلاف المشرق، قال الله تعالى {رَبُّ المشرق والمغرب} باعتبار الجهتين، و {بِرَبِّ المشارق والمغارب} باعتبار الجهتين مطلِعَ كلّ يوم. ولقِيته مُغَيرِبان الشمس صغَّروه / على غير مكبَّرهِ كأَنَّهم صغَّروا مَغْرباناً، والجمع: مُغَيرِبانات. كأَنَّهُمْ جعلوا ذلك الحَيِّز أَجزاءً كلَّما تصوّبت الشمسُ ذهب منها جزء فجمعوه على ذلك. والمغارب: السُّودان، والمغارب: الحُمْران. وأَسود غربيب، أَى شديد، قال تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} ، السود بدل من غرابيب؛ لأَنَّ توكيد الأَلوان لا يتقدّم. وقيل التقدير: سود غرابيب سود. والغريب: المغترِب، والجمع: الغُرَباءُ. والغرباءُ أَيضاً: الأَباعد. والغريب من الكلام: الغامض العُقْمىّ منه. وفى الحديث: "بدأَ الإِسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأَ فطوبَى للغرباء. قيل: ومَنِ الغرباءُ يا رسول الله؟ قال: الذين يُصْلِحُون إِذا فَسَد الناس". وروى الإِمام بسنده أَنه قال صلّى الله عليه وسلَّم: "طُوبى للغرباءِ. قالوا: يا رسول الله وَمَنِ الغرباءُ؟ قال: الذين يزيدون إِذا نقص النَّاس"، فإِن كان هذا الحديث محفوظاً بهذا اللفظ فمعناه: الَّذين يزيدون خيرا وإِيماناً وتُقى إِذا نقص النَّاس. والله أَعلم. وفى لفظ: "قيل مَنِ الغرباءُ يا رسول الله؟ قال: نُزَّاع القبائل". وفى حديث عبد الله بن عَمْرٍو أَنه قال صلَّى الله عليه وسلَّم:

"طُوبى للغرباءِ. قيل: ومن الغرباءُ؟ قال: ناس صالحون قليلٌ فى ناس سَوْءٍ كثير، مَن يبغضهم أَكثر ممّن يطيعهم". وعند عبد الله بن عمرو أَنه قال: "إِن أَحبَّ شىءٍ إِلى الله الغُرَباءُ. قيل: ومَنِ الغرباءُ؟ قال: الفَارُّونَ بدينهم يجتمعون إِلى عيسى بن مريم يوم القيامة". وفى حديث آخر: "بدأَ الإِسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأَ فطوبى للغرباءِ. قيل ومَن الغُرَباءُ يا رسول الله؟ قال: الذين يُحبُون سنَّتى ويعلِّمُونَهَا النَّاسَ". فهؤلاءِ هم الغرباءُ الممدوحون المغبوطون. ولقلّتهم فى الناس جدّا سُمّوا غرباءَ. فإِنّ أَكثر النّاس على غير هذه الصّفات. فأَهل الإِسلام فى الناس غرباء، وأَهْلُ العِلْم فى أَهل الإِسلام غرباء، وأَهل السنّة الذين تميّزوا بها من الأَهواء والبدع فيهم غرباءُ، والداعون الصّابرون على أذى المخالِفين لهم هؤلاءِ أَشدّ غربة، ولكن هؤلاءِ هم أَهل الله فلا غربة عليهم، وإِنما غربتهم بين الأَكثرين الذين قال الله فيهم: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرض يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله} فأُولئك هم الغرباءُ من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هى الغُرْبة الموحِشة.

فليس غريبا من تناءَى دياره ... ولكنّ من تَنْأَين عنه غريب والغربة ثلاثة أَنواع: غربة أَهلِ الله وأَهلِ سنّة رسوله بين هذا الخَلْق، وهى الغربة الّتى مدح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَهلَها، وأَخبر عن الدّين الذى جاءَ به أَنه بدأَ غريباً وأَنه سيعود غريباً، وأَن أهله يصيرون غُرباءَ، وهذه الغُرْبة قد تكون فى مكان دون مكان، ووقت دون وقت، وبين قوم دون غيرهم، ولكن أَهل هذه الغربة هم أَهل الله حَقّا لم يأَوُوا إِلى غير الله، ولم يأْنسُوا إِلى غير رسوله، وهم الذين فارقوا النّاس أَحوجَ ما كانوا إِليهم. فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها: بل هو آنس ما يكون إذا استوحش النّاس، وأَشدّ ما يكون وحشة إِذا استأْنسوا، تولاَّه الله ورسوله والذين آمنوا، وإِن عاداه أَكثر النّاس وجَفَوه. ومن هؤلاءِ الغرباء مَن ذكرهم أَنَس فى حديثه عن النبىّ صلًّى الله عليه وسلّم: "أَلاَ أَخبركم عن ملوك أَهل الجنّة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: كلّ ضعيف أَغبر ذى طِمْرين لا يُؤْبَه له لو أَقسم على الله لأَبرّه". وقال الحسن: المؤمن فى الدنيا كالغريب لا يجزع من ذُلّها، ولا ينافس فى خيرها، للنّاس حال وله حال. ومن صفات هؤلاءِ التمسّك بالسنّة إِذا رغب عنه النّاس، وترك ما أَحدثوه وإِن كان هو المعروف عندهم. وهؤلاءِ هم القابضون على الجَمْر حقا، وأَكثر النّاس بل كلّهم لائمون لهم.

ومعنى قول النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: إنهم النُزَّاع من القبائل: أَن الله تعالى بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأَهلُ الأَرض على أَديان مختلفة، فهم بين عُبّاد أَوثان، وعُبَّاد نيران، وعُبَّاد صلبان، ويهود، وصابئة، وفلاسفة، وكان الإِسلام فى أَول ظهوره غريبا، وكان من أَسلم منهم واستجاب لدعوة الإِسلام نُزَّاعاً من القبائل آحادا منهم، تفرَّقوا عن قبائلهم وعشائرهم، ودخلوا فى الإِسلام، فكانوا هم الغرباء حقا، حتى ظهر الإِسلام وانتشرت دعوته، ودخل النّاس فيه أَفوجا فزالت تلك الغُرْبة عنهم، ثم أَخذ فى الاغتراب حتى عاد غريباً كما بدأَ. بل الإِسلام الحق الّذى كان [عليه] رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم وأَصحابه اليوم أَشدّ غربة منه فى أَوّل ظهوره، وإِن كانت أَعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإِسلام الحقيقىّ غريب جدًّا، وأَهله غرباء بين النّاس. وكيف لا يكون فرقة واحدة قليلة جدًّا غريبةً بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أَتباع ورياسات، ومناصب وولايات، لا يقوم لها سوق إِلاّ بمخالفة ما جاءَ به الرسول صلّى الله عليه وسلّم؟ وكيف لا يكون المؤمن السائر إِلى الله على طريق المتابعة غريباً بين هؤلاءِ الذين اتّبعوا أَهواءَهم، وأَطاعوا شُحّهم، وأُعجِب كلّ منهم برأْيه. ولهذا جُعل له فى هذا الوقت إِذا تمسّك بدينه أَجرُ خمسين من الصّحابة، ففى سُنَن أَبى داود من حديث أَبى ثعلبة الخُشَنىّ قال: سأَلت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {ياأيها الذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فقال: "بل ائتمِروا بالمعروف وتناهَوْا عن المنكَر، حتى إِذا رأَيت شُحّا مطاعاً، وهوًى متَّبَعا، ودُنْيا مؤثَرة،

وإِعجاب كلّ ذى رأى برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوامّ، فإِنّ من ورائكم أَيّاما الصَّبْرُ فيهن كمِثل قَبْضٍ على الجمر، للعامل فيهم أَجر خمسين رجلاً يعملون بمثله عمله. قلت يا رسول الله أَجر خمسين منهم؟ قال: أَجْر خمسين منكم". وهذا الأَجر العظيم إِنما هو لُغربته بين الناس، والتمسُّك بالدين بين ظُلمة أَهوائهم. فإِذا أَراد أَن يسلك هذا الصراط فليوطّن نفسه على قدح الجهّال وأَهل البدع وطعنهم عليه، وإِزرائهم به، وتنفير النّاس عنه، وتحذيرهم منه، كما كان الكفّار يفعلون مع متبوعه وإِمامه. فأَمّا إِن دعاهم إِلى ذلك وقدح فيما هم عليه فهناك تقوم قيامتهم، ويتغوّلون له الغوائل، وينصبون له الحبائل، ويُجلبون عليه بخيلهم ورَجْلهم. فهو غريب فى دينه لفساد أَديانهم، غريب فى تمسّكه بالسّنة لتمسّكهم بالبدعة، غريب فى اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب فى صلاته لسوءِ صلاتهم، غريب فى معاشرته لأَنه يعاشرهم على مالا تهوى أَنفسهم، وبالجملة فغريب فى أُمور دنياه وآخرته، لا يجِد له مساعداً ولا مُعيناً. فهو عالِم بين قوم جهّال، صاحب سُنّة بين أَهل بِدَع، داع إِلى الله ورسوله بين دُعَاة إِلى الأَهواءِ والبدع. وثَمّ غربة مذمومة وهى غربة أَهل الباطل بين أَهل الحقّ، فهم وإن كثروا عددًا قليلون مَدَدا. وثمّ غربة لا تحمد ولا تذمّ. هى الغربة عن الوطن، فإن الناس كلّهم فى هذه الدنيا غرباء فإنّها ليست بدار مُقام، ولا خُلِقوا لها. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم لابن عمر: "كن فى الدّنيا كأَنّك غريب أَو عابر سبيل"

وهكذا الحال فى نفس الأَمر، لكنه أَمره أَن يطالع ذلك بقلبه، ويَعرفه حَقّ المعرفة. وقد أَنشد شيخ السنّة لنفسه: وَحَىَّ على جنَّات عَدْنٍ فإِنّها ... مفاز لك الأُولى وفيها المخيَّم ولكننا سَبْىُ العدوّ فهل ترى ... نعود إلى أَوطاننا ونسلّم وأَىّ اغتراب فوق غربتنا التى ... لها أَضحت الأَعداءُ فيها تحكّم وقد زعموا أَن الغريب إِذا نأَى ... وشطَّت به أَوطانه ليس ينعم فمن أَجل ذا لا ينعم العبد ساعة ... من العمر إلا بعده يتأَلّم فالإِنسان [على] جناح سفر لا يَحُلّ راحلته إِلا بين أَهل القبور، فهو مسافر فى صورة قاعد، قال: وما هذه الأَيام إِلاّ مراحل ... يحثّ بها داعٍ إِلى الموت قاصدُ وأَعجب شىء لو تأَمّلت أَنّها ... منازل تُطوَى والمسافر قاعدُ

بصيرة فى غر

بصيرة فى غر الغِرّة: الغفلة. وغَررته: أَصبت غفلته، ونلت منه ما أُريد. قال [الله تعالى] : {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} ، الغَرُور: كل ما يغرّك من مال وجاه وشهوة وشيطان، وقد فسّر بالشيطان، وبالدنيا لأَنّها تغرّ وتمرّ، وأَما الشيطان فإِنّه أَقوى الغارّين وأَخبثهم. والغَريرُ: الخُلُق الحَسَن، لأَنه يغرّ والأَغرّ: الكريم. والغَرَر: الخَطَر فى البيع، وقد نُهى عنه. وغِرار السيف: حَدّه

بصيرة فى غرض وغرف وغرق وغرم وغرى

بصيرة فى غرض وغرف وغرق وغرم وغرى الغَرَض - محركة -: هَدَف يُرمى فيه. ثم جُعل اسما لكل غاية يُتحرّى إِدراكها والجمع: أَغراض. غرف الماءَ: أَخذه بيده كاغترافه. والغَرْفة للمرّة، وبالضمّ: اسم للمفعول؛ لأَنَّك ما لم تغرِفه لا تسمّيه غُرْفة، والجمع: غِرَاف، كنُطْفة ونِطَاف. والغُرَافة أَيضاً: الغُرْفة. والغُرْفة من البناءِ: العِلّيّة، والجمع غُرُفات وغُرَفاتِ وغُرْفات وغُرَف. قال تعالى: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الجنة غُرَفَاً} ، وقال: {لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} ، وقال: {وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ} . الغَرَق: الرسوبِ فى الماءِ وغيرِه. غَرِق - كفرح - غَرَقاً وغَرْقًا فهو غَرِقٌ وغارِقٌ وغَرِيق، وجمعه: غَرْقى. وغرّقه وأَغرقه. قال تعالى: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} . وأُقِيم الغَرْق مُقام المصدر الحقيقى فى قوله تعالى: {والنازعات غَرْقاً} أَى إِغْرَاقاً. وقال تعالى: {حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق قَالَ آمَنتُ} وقال: {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} ، وقال: {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً} ، وقال

فى قوم لوط: {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} ، وقال فى الجمع بين الإِغراق والإِحراق فى القيامة: {أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً} . والغرَام: الوَلُوع، والشرّ الدائم، والهلاك، والعذاب: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} . والغُرْم والمغْرَم والغَرَامة: ما يلزم أَداؤه، قال تعالى: {والغارمين} والغريم: المديون، والدّائن. وأَغرمته أَنا وغرّمته والمُغْرَمُ: أَسير الحُبِّ أَو الدَيْن، والمولَع بالشىءِ. وغَرِى بكذا: لهِج وأُولع، غَرًا وغِرَاءً، كغُرِى به وأُغْرِى مضمومتين. وأَغراه به، والاسم الغَرْوَى، قال تعالى: {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} .

بصيرة فى / غزل وغزو وغسق وغسل وغشى

بصيرة فى / غزل وغزو وغسق وغسل وغشى غَزَلت المرأَة القطنَ تغزِله واغتزلته. ونسوة غُزَّل وغوازل. والمغزل - مثلَّثه الميم -: ما يُغزل به الغَزْل، قال: {كالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} . والغَزَل - محركة - والمَغْزَل: اللهو مع النساءِ. وقد غازلها. والتغزُّل: التكلّف له. ورجل غَزِل: متغزِّل بالنساءِ. والغزال: الشادن حين يتحرّك ويمشى، والجمع: غِزْلة وغِزْلان. والغَزْو: الخروج لمحاربة العدُوّ. غزاه: أَراده وطلبه وقصده، والعَدُوَّ: سار إِلى قتالهم وانتهابهم، غَزْوًا وغَزَوانا وغَزَاوة، فهو غازٍ، والجمع: غُزًّى وغُزِىٌّ كدلىٍّ. والغَزِىُّ كغنِىٍّ: اسم الجمع. وأَغزاه إِغزاء: حمله عليه، قال تعالى: {أَوْ كَانُواْ غُزًّى} . والغَسَق: ظُلمة أَوّل اللَّيل [غَسَقت عينُه كضرب وسمع غُسُوقًا [وغَسَقانا] محركة: أَظلمت] والغاسق: الليل إِذا غاب الشفق. وقوله تعالى {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} أَى الليل إِذا دخل، أَو الثُّريّا إِذا سقطت لكثرة الطَّواعين حينئذ. الغَزَالىُّ عن ابن عباس: من شرّ الذكر إِذا قام. وقيل: القمر إِذا كَسَفَ واسودّ.

والغَسَاق والغَسّاق كسحاب وشدَّاد: البارد المنتن، وقيل: ما يقطر من جلود أَهل النار. وقال تعالى: {إلى غَسَقِ الليل} ، أَى ظُلمته. وغَسَلته غَسْلاَ وغُسْلا: أَجريت عليه الماءَ فأَزلْت دَرَنه، وقيل: بالفتح المصدر، وبالضمّ الاسم، فهو غَسِيل ومغسول، والجمع: غَسْلى وغُسَلاءُ. وهى غَسِيل. والغُسْل والغِسْل والغِسْلة والغَسُول: الماءُ الذى يُغتسل به. والغِسْلِينُ: غُسَالة أَبدان الكفّار. غُشِى عليه - كعُنى - غَشْيا وغَشَيانا - محركة - فهو مغشِىّ عليه، والاسم الغَشْية، قال تعالى: {تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كالذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} . وقوله تعالى: {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} أَى أَغماءٌ. وعلى بصره وقلبه غشوة وغشاوة مثلَّثين، وغاشية، وغُشْية وغَشاية مضمومتين، وغِشَاية بالكسر: غطاء. وغشَّى اللهُ على بصره تَغْشية وأَغشى. وغشِيه الأَمر وتغشَّاه وأَغشيته إِيّاه وغشَّيته. وغَشِيتُ الدّار: أَتيتها. وكنى به عن الجماع فقيل: غَشِيَهَا وتغشَّاهَا، قال تعالى: {فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ} . والغاشية: القيامة، والنار، وقميص القلب، وجلدٌ أُلْبِسَ جَفْنَ السّيف من أَسفل شاربه إِلى نَعْلهِ.

وقوله تعالى: {أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله} . أَى نائبة تغشَاهم وتُجلِّلهم. وقيل: الغاشية فى الأَصل محمودة، وإِنَّما استعير لفظه هاهنا تهكمّا على نَحو: {لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} . واستغشى ثوبَه وبه: تغطَّى به كيلا يسمع ولا يَرى، قال تعالى: {واستغشوا ثِيَابَهُمْ} . أَى جعلوها غِشاوة على أَسماعهم، وذلك كناية عن الامتناع من الإِصغاءِ. وقيل: كناية عن العَدْو، كقولهم: شَمَّرُوا ذيلهم.

بصيرة فى غض وغضب وغطش وغطا وغفر

بصيرة فى غض وغضب وغطش وغطا وغفر الغُصَّة: الشَجَا، وما اعترَض فى الحَلْق فأَشرق، والجمع: غُصَص. وقد غَصِصْت وغَصَصْت تَغَصّ غَصَصًا. والغَضّ والغضيض: الطرىّ. وغَضَّ طَرْفَه: خفضه واحتمل المكروه، ومن فلان: نقص ووضع من قَدْره. والغَضَب: ثَوَران دم القلب إِرادةً للانتقام، قال تعالى: {فَبَآءُو بِغَضَبٍ} . غَضِب عليه غَضَبًا ومَغْضَبَة: سخِطَ. وقوله / تعالى: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} . يعنى اليهود. وقال ابن عرفة: الغضب من المخلوقين شىءٌ يُداخل قلوبَهم، ويكون منه محمود ومذموم، فالمذموم ما كان فى غير الحقِّ. وأَمّا غضب الله عزَّ وجلَّ، فهو إِنكاره على من عصاه فيعاقبه. وقال الطحاوى: إِنَّ الله يغضب ويرضى لا كأَحد من الوَرَى. وقال غيرهما: المفاعيل إِذا وليتها الصّفات فإِنها تذكِّر الصفات وتجمعها وتؤَنِّثها، وتترك المفاعيل على أَحوالها، يقال: هو مغضوب عليه، وهما مغضوب عليهما.

وهم مغضوب عليهم، وهى مغضوب عليها، وهُنَّ مغضوب عليهنَّ. ورجل غضبان وامرأَة غَضْبىَ. ولغة بنى أَسَد غضبانة. وقوم غَضْبى وغُضَابى وغَضابى مثل سكرى وسُكارَى وسَكارَى. وقوله تعالى: {وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} أَى مراغماً لقومه. {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} ، أَى أَذهب ضوءَه وجعله مظلمًا. وأَصله من الغَطَش، وهو شبه الغَمَش فى العين. والغِطاءُ - ككساء -: ما يغطَّى به الشىءُ. وقد استعير للجهالة، قال تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ} . والغَفْر: الستر. اللهُمّ غَفْرًا. والغُفْرَان والمَغْفِرَة من الله هو أَن يصون العَبْدَ مِن أَن يمسّه العذاب. وقد يقال: غفر له إِذا تجاوز عنه فى الظَّاهر وإِن لم يتجاوز فى الباطن، نحو: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} . والاستغفار: طلب المغفرة قولاً وفعلاً. وقوله: {استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} لم يؤْمَرُوا أَن يسأَلوه ذلك باللسان فقط، بل به وبالفعل، فبدونه قول الكذَّابين. وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} ، وقوله: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} ، وقوله: {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} ، وقوله: {إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} ، وقوله: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} فيه من تأْميل الرّاجين، وتأْنِيس المذنبين ما لا يخفى.

ومن دعاءِ الأَعراب: اللَّهُمّ أَسأَلك الغَفِيرة، والناقة الغزيرة، والعزّ فى العشيرة قال: كلّ الذنوب فإِنَّ الله يغفرها ... إِنْ شيَّع المرءَ إِخلاص وإِيمانُ وكل كسر فإِن الله يَجبرهُ ... وما لكسر قناة الدين جُبْرانُ واعلم أَنَّ كلّ أَحد - من عهد آدم إِلى يومنا هذا وإِلى يوم القيامة - من نبىٍّ وولىٍّ، ومؤْمن موقِن وصادق، وفاسق، وكافر ونافر، ومخلص، إِلاَّ وهو ينتظر بحقَّه المغفرة. أَما ترى آدم عليه السّلام وابتهالَه وتضرّعه فى سؤال الغفران فى قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا} . وقال شيخ المرسلين: {رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ} وأَمَر قومه به: {فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ} . وقال هود لقومه: {وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ} . وقال صالح: {لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله} . وقال إِبراهيم: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي} وقال فى حقِّ نفسه: {والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي} . وإِخوة يُوسفَ سأَلوا وَالِدَهم أَن يستغفر لهم: {ياأبانا استغفر لَنَا} فوعدهم بقوله: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربي} ، ويوسف بشرّهم بالمغفرة بقوله: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ} . سَحَرة فرعون كانوا فى طلب المغفرة: {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ} . موسى ساعة قَتْلِه

القِبطىّ عرض هذه الحاجة فقال: {إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي} ، ثم أَشرك أَخاه فى دعائه / فقال: {رَبِّ اغفر لِي وَلأَخِي} . داوُد رفع قصّة ضراعته فى هذه الحاجة: {فاستغفر رَبَّهُ} فقوبلت قصته بإِجابته {فَغَفَرْنَا لَهُ} . سليمان افتتح سؤَاله قبل سؤال المُلْك بطلب المغفرة: {رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً} . عيسى فى عرَصات القيامة يُحِيل أُمَّتَه إِلى عالم المغفرة: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ} . سيّد المرسلين ومقصد الوجود وأُعجوبة العالَم أُمِر بطلبه له ولأُمَّتِه: {واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} فكانت المغفرة أَعظم هداياه من ربِّ العالمين: {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ} . عتاب الصدّيق من الله لم يكن إِلاَّ لأَجل المغفرة: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} . شفاعة الملكِ الوهّاب إِلى عمر بن الخَطَّاب فى قوم قد استوجبوا أَشدّ العقاب ما كانت [إِلاَّ] فى المغفرة: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} . أَعظم حاجات عثمان فى أَعقاب الصّلوات وخَتْم القرآن طلب المغفرة والرضوان: {وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} . والثناء على علّى، من الملِك العلىِّ، كان بهذا المُهمّ الجلىّ: {والمستغفرين بالأسحار} .

ثمّ إِنَّ الله تعالى نبّه على أَنَّ المشرك غيرُ أَهل للمغفرة فقال: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} . دعوة سيّد المرسلين كانت بطمع طلبه المغفرة: {تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله} ، ثم عَرَّف بعدم معرفة الكافر قدر المغفرة: {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} . ثمّ أَمر بالعفو والاستغفار، للأَخيار والأَبرار: {فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ} . حَمَلة العرش يتوسّلون إِلى الله بطلب المغفرة للمؤْمنين من عباده: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ} إِلى قوله: {فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ} ، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض} ، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} . تضرّع أَهل الإِيمان وانتهاؤُهم إِلى الرحمان فى طلب الغفران: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ} . بشَّر عباده بأَعظم البُشْرى: {هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة} ، {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم} .

بصيرة فى غفل

بصيرة فى غفل الغَفْلة: سهوٌ يعترى من قِلَّة التحفَّظ والتيقَّظ. غَفَل عنه غفُو وأَغفله. قيل: غفلَ، أَى صار غافلا، وغفل عنه وأَغفله: وَصَل غَفْلَته إِليه، والاسم الغَفْلة والغَفَل والغُفْلان، قال تعالى: {مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} . والتغافل والتغفُّل: تعمّد الغفلة. والتَّغفيل: أَن يكفيك صاحبك وأَنت غافل. والمغفَّل: مَن لاَ فطنة له. والغُفْل - بالضمّ - مَن لا يرجىَ خيره ولا يُخشى شرّه. وقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} ، أَى تركناه غير مكتوب فيه الإِيمان. وقيل: من جعلناه غافلا عن الحقائق. والغَفُول: العظيم الغفلة. تيقَّظ من منامك يا غَفُولُ ... فنومك بين رَمْسك قد يطولُ تأَهَّبْ للمنيّة حين تغدو ... عسى تُمسى وقد نزل الرسول قيل: وردت حروف هذه المادّة فى القرآن على عشرة أَوجه: 1- غفلة الكفَّار المغبونين بالإِعراض عن الإِيمان: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} . 2- وغفلة مقيّدة بإِقرارهم: {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هاذا} .

3- وغفلة شهد عليهم بها القرآن: {إِذْ قُضِيَ الأمر وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} . 4- وغفلة / مقيّدة بشهادة الملائكة المقرّبين: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هاذا} . 5- وغفلة عن عبادتهم من الأَوثان: {إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} . 6- وغفلة لهم عن أَحكام آيات القرآن: {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} . 7- وغفلة شُبِّهوا فيها بالأَنعام من الحيوان: {أولائك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولائك هُمُ الغافلون} . 8- وغفلة تعالى الله عنها: {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} . 9- وغفلة عن أَعمال الظَّالمين تقدّس الله وتنزَّه عنها: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون} .

بصيرة فى غلب

بصيرة فى غلب الغَلَبة: القهر. غلبه غَلْباً - بسكون اللام - وغَلَبا بتحريكها، وغَلَبة بإِلحاق الهاءِ، وغَلاَبِيَة - مثال عَلانية - وغُلُبَّة - مثال حُزُقَّة - وغُلُبَّى - بضمتين مشدّدة بالباء مقصورة - ومَغْلَبة، قال تعالى: {الاما غُلِبَتِ الروم في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} . والغَلَب من المصادر المفتوحة العين مثل الطلَب. قال الفرّاء: وهذا يحتمل أَن يكون غَلَبة فحُذفت الهاء عند الإِضافة، كما قال فَضْل بن عبّاس. إِنّ الخليط أَجدُّوا البين فانجردُوا ... وأَخلفوك عِدَ الأَمر الذى وَعدوا أَراد عدة الأَمر فحَذف الهاء عند الإِضافة. والحجّة فى المَغْلَبة قول بنت عُتْبة ترثى أَباها: يا عينِ بَكِّى عتبهْ ... شيخاً شديد الرقَبَهْ يُطعم يوم المَسْغَبهْ ... يدفع يوم المَغْلَبهْ إِنِّى عليه حَرِبَهْ ... ملهوفة مستلَبه لنهبطَنْ يَثْرِبهْ ... بغارة منشعِبَه والحجّة فى الغُلُبَّة قول المَرَّار بن سعيد الفَقْعَسِىّ: منَعتُ بنجد ما أَردت غُلُبَّة ... وبالغَوْر لى عِزّ أَشَمُّ طويل

وهضبة غَلباء، وعزّة غلْباء، وحديقة غلباء، وحدائق غُلْب أَى غِلاظ ممتلئة، قال تعالى: {وَحَدَآئِقَ غُلْباً} . ورجل غُلُبَّة، وغَلُبَّةَ، وغُلَبة - مثال تُؤدَةِ - وغَلاَّب، وغُلُبَّى، وغِلِبَّى، أَى كثير الغَلَبة سريعها. وقد ورد فى القرآن على أَربعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الظهور والاستيلاءِ: {قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ} . الثانى: بمعنى الهزيمة: {غُلِبَتِ الروم في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} : سيَهزمون. الثالث: بمعنى القتل: {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} أَى ستقتلون. الرّابع: بمعنى القهر: {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} ، أَى قاهر، {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} ، أَى القاهرون. {فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ} : قُهِروا وهُزِموا.

بصيرة فى غل

بصيرة فى غل الغُلّ والغُلّة والغَلَل والغَلِيل: العطش، وقيل: شدّة العطش وحرارة الجوف. وقد غَلّ يَغَلّ - بفتحهما وبضمهما - فهو مغلول وغَليل ومغتلّ. وبعير غالّ وغَلاّن؛ وقد غلَّ يغَل بفتحهما. والغُلّ معروف، والجمع: أَغلال. وغَلّه: وضع فى عنقه أَويده الغُلّ. ويقال للبخيل: مغلول اليد، قال تعالى: {وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} ، أَى رَمَوه بالبخل. وقيل: إِنهم لمّا سمعوا أَنّ الله قد قضى كلّ شىء قالوا: إِذًا يدُ الله مغلولة، أَى فى حكم المقيّد لكونه فارغًا. فقال تعالى ذلك. وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً} أَى منعناهم فعل الخير، وذلك نحو وصفهم بالطَّبْع والخَتْم على قلوبهم وسمعهم وأَبصارهم. وقيل: بل ذلك وإِن كان بلفظ الماضى فإِنه إِشارة إِلى ما يُفعل بهم فى الآخرة كقوله: {وَجَعَلْنَا الأغلال في أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} . والغِلّ والغَلِيل: الحِقد والضِّغْن، وقد غَلّ / صدرُه يَغِلّ، قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وغَلّ غُلُولا وأَغلّ: خان. وقيل: خاصّ بالفىء. وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قرأَ ابن كثير وأَبو عمرو وعاصم

ويعقوب برواية رَوْح وزيد (أَنْ يَغُلّ) بفتح الياءِ وضمّ الغين، والباقون على العكس، فمعنى يَغُلّ يخون، ومعنى يُغَلّ بضم الياءِ وفتح الغين يحتمل أَمرين: يُخَان، يعنى أَن يؤخذ من غنيمته. والآخر، يُخَوَّن أَى ينسب إِلى الغُلُول. وقال أَبو عبيد: الغُلُول من المغنم خاصّة، ولا نراه من الخيانة ولا من الحِقْد. وممّا يبيّن ذلك أَنّه يقال من الخيانة: أَغلَّ يُغِلّ، ومن الحقد: غَلّ يَغِلّ بالكسر، ومن الغلول: غَلَّ يَغُلّ بالضم، وفى الحديث: "ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مؤمن: إِخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأَمر، ولزوم جماعة المسلمين فإِن دعوتهم تحيط من ورائهم"، رُوى: لا يَغِلّ أَى لا يضطغن. وروى: لا يُغِلّ أَى لا يصير ذا خيانة. وفلان شَفَى غَلِيله، أَى غيظه. وغَلّ فى الشىء، وانغلّ، وتغلّل، وتغلغل: دَخَلَ.

بصيرة فى غلظ وغلف وغلق

بصيرة فى غلظ وغلف وغلق الغلْظة - بفتح الغين وكسرها وضمِّها - والغِلَظ - كعنب - والغِلاَظة - بالكسر -: ضدّ الرّقّة. والفعل ككرم وضرب، فهو غَلِيظ وغُلاَظ، قال تعالى: {وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} أَى خشونة. والغَلْظ بالفتح: الأَرض: الخشِنة، وأَغلظ: نزل بها، والثوبَ: وجده غليظاً. قال: فما زُهد التقِىّ بحَلْق رأْس ... وليس بلبس أَثوابٍ غلاظِ ولكن بالتُّقى قولا وفعلا ... وإِدمانِ التخشع فى اللحاظ وقد ورد فى القرآن فى مواضع مختلفة: (1) فى أَمر النبىّ صلَّى الله عليه وسلّم بالصلابة والتخشين على المنافقين والكافرين: {جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ} . (2) وفى أَمر المؤمنين بذلك أَيضاً: {وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} . (3) وفى منع النبىّ صلَّى الله عليه وسلم عن ذلك مع المؤمنين: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} . (4) وفى بيان قوّة الإِسلام وصلابته: {فاستغلظ فاستوى على سُوقِهِ} . (5) وفى قوّة الميثاق وإِحكام العهد: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} . (6) وفى صفة العذاب الذى نجّى منه الموحدِّين: {وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} .

(7) وفى العذاب الموعود به الكفّار: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} . (8) وفى صفة الملائكة الموكَّلين بتعذيب الكافرين: {عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ} . والغِلاَف للسّيف ونحوه معروف، والجمع: غُلُف وغُلْف [وغُلَّف] كَرُكَّع. وقرأَ به ابن مُحَيصِن فى قوله تعالى: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} ، قيل: هو جمع أَغلف من قولهم: قلب أَغلف كأَنما أُغشِى غِلاَفا فهو لا يعى. ويكون ذلك كقوله: {قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ} ، وقيل: معناه: قلوبنا أَوعية للعلم فلا نحتاج إِلى أَن نتعلَّم منك، وقيل: قلوبنا مغطاة. وقيل: غُلْف هنا جمع غِلاَف، والأَصل غُلُف بضم اللاّم نحو كُتُب، وقد قرِئ به. والغَلَق - محركة - والمِغْلَق والمِغْلاَق والمُغْلُوق: ما يُغلق به. وقيل: وما يفتح به. لكن إِذا اعتبر بالإِغلاق قيل: مِغْلَق ومِغلاق، وإِذا اعتُبر بالفتح قيل: مِفتح ومِفتاح. وأغلقت الباب وغلّقته على التكثير، وذلك إِذا أغلقت أَبواباً كثيرة أَو أغلقت باباً مراراً، قال تعالى: {وَغَلَّقَتِ الأبواب وَقَالَتْ / هَيْتَ لَكَ} .

بصيرة فى غلم وغلو وغمر وغمز

بصيرة فى غلم وغلو وغمر وغمز الغلام: الطارّ الشاربِ، والكهل أَيضا. وقيل: من حين يولد إِلى أَن يشِبّ. والجمع: أَغْلِمَة وغِلْمة وغِلمانٌ، والأنثى غُلاَمة. واغتلم الغلام: بلغ حدّ الغُلُومة والغلومِيَّة. والغُلُوّ: التجاوز عن الحدّ. إِذا كان فى السّعر سمّى غَلاَء، وقد غلا السِّعرُ فهو غالِ وغَلِىّ. وأَغلاه الله. وبعته بالغالى والغلِىّ أَى بالغلاءِ. وغالاه وبه: سامَ فَابْعَطَ. وغلا فى الأَمر: جاوز حَدّه، وبالسّهم غَلْوًا وغُلُوًّا: رفع يديه لأَقصى الغاية. والغَلْى والغَلَيان فى القِدْر إذا طفَحت. وقد غَلَتْ وأَغلاها وغلاَّها، ولا تقل: غَلِيَت فإِنّها لحن. قال يَفتخر بالفصاحة. ولا أَقول لِقدْر القوم قد غَلِيَتْ ... ولا أَقول لباب الدار مَغلوق لكن أَقول لبابى مُغلَق وغلت ... قِدْرى وقابلها دنٌّ وإِبريق وقال تعالى: {يَغْلِي فِي البطون كَغَلْيِ الحميم} ، وبه شُبِّه غَلَيان الغَضَب والحرب. والغَمْرة: معظم الماءِ السّاتر لمقرّه، وجُعل مَثَلا للجهالة التى تَغْمُر صاحبها. وقيل للشدائد: غمرات، قال تعالى: {فِي غَمَرَاتِ الموت} . والغَمْز: الإِشارة بالجَفْن أَو اليد طلبا إِلى ما فيه مَعاب، ومنه قولهم: فلان ما فيه غَمِيزة: ما يَطعن فيه ويُغمز من النّقائص التى يشار بها إِليه. قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} .

بصيرة فى غم

بصيرة فى غم الغَمّ والغُمّة والغَمَّاءُ: الكَرْب، والجمع: غُموم. غَمّه يَغُمّه فاغتمّ وانغمّ: أَحزنه فحزِن. ومن دعائه صلَّى الله عليه وسلَّم: "يا فارج الهمّ ويا كاشف الغمّ". وقد ورد فى القرآن على وجوه: الأَوّل: غمّ الصحابة فى حرب أُحُد بسبب صياح إِبليس: أَلا إِن محمدّا قد قُتل: {فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ} - الثانى: المدال من ذلك الغمّ بالأَمن: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاساً} - الثالث: تطييب قلوبهم وتفريحهم بزوال الغمّ: {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} - الرّابع: غمّ أَهل النار، وذلك الذى ما بعده غمّ: {أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا} . قال الشاعر: صاحبُ السلطان لا بدّ له ... من غموم تعتريه وغُمَمْ والذى يركب بحرًا سيرى ... قُحَم الأَهوال من بعد قُحَمْ والغمام ورد على ثلاثة أَوجه: الأَوّل - غمام النعمة: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن} الثانى - غمام المحنة والعقوبة: {فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام} : الثالث - غمام العظمة والهيبة: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام} .

بصيرة فى غمض وغنم وغنى

بصيرة فى غمض وغنم وغنى يقال: ما اكتحلتُ غُمْضا - بالضمّ - وغَمَاضا وغِماضاً - بالفتح والكسر - وتَغْماضًا - بالفتح - أَى ما نمت. وغَمَضَ عنه وأَغمض: تساهل، قال الله تعالى: {إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} . وأَغمِض فيما بعتنى، وغمّض، كأَنَّك تريد الزِّيادة منه لرداءَته والحطَّ منْ ثمنه. والغَنَمُ لا واحد له من لفظه، أَو الواحدة شاة. والجمع: أَغنام وغُنومٌ وأغانم. والمغنم والغنيمة والغُنم: الفَىْء، وقد غَنِمَ غنما، قال تعالى: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ، وقال: {مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} . وغَنَّمه تغنيماً: نفَّله. واغتنمه وتغنَّمه: عدّه غَنِيمة. والغِنَى: ضدّ الفقر. وإِذا فتح مُدّ. والاسم: الغِنْية - بالضمّ والكسر - والغُنْوة والغُنْيان مضمومتين. والغَنِىّ والغانى: ذو الوفْر. والغِنىَ يكون مطلقاً وهو عدم الحاجة بالكليَّة، وليس ذلك إِلاَّ لله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ الله / هُوَ الغني الحميد} . ويكون باعتبار قلَّة الحاجات، وهو المشار إليه بقوله: {وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى} ، وهو المذكور فى الحديث: "الغِنى غنى النفس". ويكون أَيضاً باعتبار كثرة القُنيات

بحسب ضروب النَّاس كقوله تعالى: {وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} وقوله: {قالوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ} قالوا ذلك لمّا سمعوا: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} ، وقوله: {أَغْنِيَآءَ مِنَ التعفف} أَى لهم غِنىَ النَّفس ويحسب الجاهل أَنَّ لهم القُنْيات الكثيرة لِمَا يَرَون فيهم من التعفُّف. وتغنَّيت، وتغانيت، واستغنيت، بمعنى، قال تعالى: {واستغنى الله والله غَنِيٌّ حَمِيدٌ} . وغَنِىَ فى المكان - كرضى -: طال مُقامه فيه مستغنياً عن غيره، قال تعالى: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} . والمغْنىَ: المنزل الَّذى غَنِىَ به أَهله ثمّ ظَعَنوا. ثم استعمل فى كلّ منزل. والغانِية: المرأَة التى تُطلب ولا تَطلب، أَو الغنيّة بحسنها عن الزينة، أَو التى غنِيت فى بيت أَبويها ولم يقع عليها سِباء، أَو الشابّة العفيفة.

بصيرة فى غيب

بصيرة فى غيب الغَيْب: ما غاب عنك. وقوله تعالى: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} قيل: الغَيْب هو الله تعالى لأَنه لا يُرَى فى دار الدّنيا، وإِنَّما تُرَى آياته الدالَّة عليه. وقيل: الغيب: ما غاب عن النَّاس ممّا أَخبرهم به النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: من الملائكة والجنَّة والنار والحساب. وقيل: يؤْمِنُون إِذا غابوا عنكم وليسوا كالمنافقين. وقيل: الغَيب: القرآن. وقال ابن الأَعرابىّ: الغَيْب: ما كان غائباً عن العيون وإِن كان محصّلاً فى القلوب، وأَنشد بيت تميم بن أُبَىّ بن مُقبل وللفؤاد وَجِيبٌ تحت أَبْهره ... لَدْمَ الغلام وراءَ الغَيْب بالحجر وقوله تعالى: {وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض} ، أَى عِلم غيب السماوات والأَرْضِ. وقوله عزَّ وجلَّ: {مَّنْ خَشِيَ الرحمان بالغيب} ، أَى خاف الله من حيث لا يراه أَحد. وقوله تعالى: {حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ} ، أَى لغَيْب أَزواجهنَّ فلا يفعلن فى غيْبته ما يكرهه.

والغِيْبة - بالكسر -: ذِكر الإِنسان فى غَيْبته بما يكرهه إِلاَّ فى أَحوال أُبيحت، وهى: لم تُستبح غِيبة فى حالة أَبدا ... إِلاَّ لستة أَحوالٍ كما سترى استفتِ عرِّف تظلَّم حذِّر استعنِ ... على إِزالة ظلم واحْكِ ما ظهرا وقال بعض أَولادنا فى مجوِّزات الكذب أَيضاً: والكِذْب لا ينبغى إِلاَّ لواحدة ... من الثلاث التى تصديقها شُهِرا إِصلاح ذى البين أَو إِرضاءُ زوجته ... وفى الحروف وكن عن غيره حذرا وقوله تعالى: {وَيَقْذِفُونَ بالغيب مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} ، أَى من حيث لا يدركونه ببصرهم وبصيرتهم.

بصيرة فى غور وغوص وغول

بصيرة فى غور وغوص وغول الغَوْر: ما انخفض من الأَرض. وغار وأَغار: أَتى الغَوْر. والأَوّل أَفصح. وغَوْر كلِّ شىءٍ: بُعده وعُمقه. قال تعالى: {أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً} أَى غائرا فى بُعْدٍ من الأَرض. والغار فى الجبل. وكُنى عن الفرج والبطن بالغارَين. وأَغار على العدوّ إِغارة. وقوله تعالى: {فالمغيرات صُبْحاً} عبارة عن الخيول. وفى الحديث: "من دعا إِلى طعام لم يُدْع إِليه دخل سارقاً وخرج مُغيرا". وأَغار: أَسرع فى العَدْو، ومنه أَشرِقْ ثَبِير كيما نغير، أَى نذهب سريعاً. والغَوْص: الدّخول تحت الماءِ لإِخراج / شىء. وقد غاص غَوْصًا وغِياصاً ومَغَاصًا. والمغاص أَيضاً: موضعه. والغَوَّاص: مَن يغوص فى البحر على اللؤْلؤ قال تعالى: {وَمِنَ الشياطين مَن يَغُوصُونَ لَهُ} ، أَى يستخرجون له الأَعمال الغريبة والأَفعال البديعة، وليس استخراج الدّرّ فقط. والغَوْل: الهلاك والإِهلاك خُفْية. غاله واغتاله بمعنى. والغَوْل أَيضاً: الصُدَاع، والسُّكْر، والمشقَّة، وبُعْد المفازة، والتُّرابُ الكثير، وما انهبط من الأَرض. قال تعالى يصف خمر الجنَّة: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} إِشارة [إِلى] نفى جميع ما ذكرنا من المعانى المكروهة. والغُول - بالضمّ -: الدّاهية، والسعلاءُ والجمع: أَغوالٌ وغِيلانٌ، والحيّة، وساحرة الجنِّ، وشيطان يأْكل النَّاس.

بصيرة فى غيض وغيظ وغى

بصيرة فى غيض وغيظ وغى غاض الماءُ يغيض غَيْضًا ومَغَاضًا: قلَّ ونقص، كانغاض، والماءَ: نقصه كأَغاضه، لازم ومتعدّ. قال تعالى: {وَمَا تَغِيضُ الأرحام} ، أَى تفسده فتجعله كالماءِ الذى تبتلعه الأَرض. والغَيْظ: الغضب، وقيل: أَشَدّه، وقيل: سَورته وأَوّله. وهو الحرارة التى يجدها الإِنسان من ثوران دم قلبه، قال تعالى: {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} . وقد دعا الله تعالى العباد إِلى إِمساك النَّفْس عند حصوله فقال: {والكاظمين الغيظ} . وإِذا وُصِف الله تعالى به فإِنما يراد به الانتقام كما قلنا فى الغضب، قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ} أَى داعون بفعلهم إِلى الانتقام. والتغيّظ: إِظهار الغيظ. غاظه فاغتاظ، وغيّظه فتغَيَّظ. وقد يكون ذلك مع صوت كما قال: {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} . والغَىّ: الضلال والجهل من اعتقاد فاسد، وَوادٍ فى جهنمَّ، غَوَى يغوِى - كرمى يرمى - غَيًّا، وغَوِىَ غَوَاية - بالفتح - فهو غاوٍ وغَوِىٌّ وغَيّانُ: ضلّ، وغَوَاه غيره لازم ومتعدّ، وأَغواه وغوّاه. وقوله تعالى: {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} أَى الشَّياطين، وقيل: من ضلّ من النَّاس، وقيل: الذين يحبّون الشاعر إِذا هجا قوماً، أَو محبّوه

لمدحه إِيّاهم بما ليس فيهم. قال تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غوى} : ما جهل. وقوله: {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً} ، أَى عذاباً، سّماه الغىّ لأَنَّه سببه. وقيل معناه: سوف يلقون أَثر الغىّ. وقوله تعالى: {وعصىءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} أَى جهل، وقيل: معناه: خاب، وقيل: معناه: فسد عيشه، من غَوِىَ الفصيل غَوَى فهو غَوٍ: إِذا بَشِمَ من اللَّبَن، أَو مُنع من الرضاع، فهُزِل وكاد يهلك. وقوله: {إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} قيل: معناه أَن يعاقبكم على غيّكم. وقيل: يحكم عليكم بغيّكم كما تقدّم فى {خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ} ، وقوله: {رَبَّنَا هاؤلاء الذين أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} إِعلاما منهم أَنا قد فعلنا بهم غاية ما كان فى وُسع الإِنسان أَن يفعل بصَدِيقه، [فإِن حق الإِنسان أَن يريد بصديقه] ما يريد بنفسه، فيقول: قد أَفدناهم ما كان لنا، وجعلناهم أُسوة أَنفسنا. وعلى هذا قوله: {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} . وتغاوَوا عليه: تعاونوا وجاءُوا من هاهنا وهاهنا وإِن لم يَقتلوا. وهو ولد غَيّة - بالفتح والكسر -: ولد زَنْية. والغوغاءُ: الجراد، والكثير المختلِط من الناس. والغاوية: الرّاوية. آخر باب الغين

الباب الحادى والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الفاء

الباب الحادى والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الفاء

بصيرة فى الفاء

بصيرة فى الفاء الفاءُ المفردة حرف مهمل. وقيل: حرف ناصبة نحو: ما تأْتينا فتحدّثنا. وقيل: يخفض نحو: - فمِثْلِك حُبْلَى قد طرقتُ ومُرْضعٍ - بجرّ مثل. وترد الفاءُ عاطفة، وتفيد الترتيب، وهو نوعان: معنوىّ كقام زيد فعمرو، وذِكْرىّ وهو عطف مفصّل على مُجمَل، نحو: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} . وتفيد التعقيب، وهو فى كلّ شىءٍ بحسبه؛ كتزوّجَ فوُلد له، وبينهما مدّة الحمل. ويكون بمعنى ثُمَّ {ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المضغة عِظَاماً فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً} . وبمعنى الواو نحو قوله: ... بين الدخول فحومل. ويجىءُ للسببيّة، وذلك غالب فى العاطفة جملة نحو: {فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ} ، أَو صفة نحو قوله تعالى: {لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحميم} .

ويكون رابطة للجواب والجواب، جملة اسميّة، نحو قوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} ، {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} ؛ أَو يكون جملة فعليّة كالاسميّة، وهى الَّتى فعلها جامد، نحو: {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ} ، {إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ} ؛ أَو يكون فعلها إِنشائيَّا، نحو قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني} ؛ أَو يكون فعلاً ماضياً لفظا ومعنى، إِمّا حقيقة، نحو قوله تعالى: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} ، أَو مجازًا نحو قوله تعالى: {وَمَن جَآءَ بالسيئة فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار} نُزّل الفعل لتحقّقه منزلة الواقع. وقد يحذف ضرورة، نحو: مَنْ يَفْعلِ الحسناتِ اللهُ يشكرها أَى فاللهُ أَولا يجوز مطلقاً والرّواية: من يفعل الخير فالرحمان يشكره أَو هى لغة فصيحة، ومنه قوله تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْراً الوصية لِلْوَالِدَيْنِ} ومنه حديث اللُّقَطة: "فإِن جاءَ صاحبها وإِلاَّ اسْتَمْتِعْ بها" أَى فاستمتِع. والفاءُ فى حساب الجُمَّل: اسم لعدد الثمانين. قال بعض النحاة: فاء الجواب يكون فى سبعة مواضع: جواب الأَمر والنَّهى، والدّعاءِ، والنفى، والتمنى، والاستفهام، والعَرْض.

مثال الأَمر: زُرْنى فأُكرمَك. مثال النَّهى، نحو قوله تعالى: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ} . مثال الدّعاءِ: اللهمَّ وفِّقنى فَأَشكرَك. مثال النَّفى: {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ} . مثال التمنى: {ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} . مثال الاستفهام: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ} . مثال العَرْض، قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} . وفاء التخيير يكون فى جواب أَمَّا: / {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} . ومن أَقسام الفاءِ فاء التَأْكيد، وذلك يكون فى الأَمر؛ نحو: زيدًا مّا فَضُرَّ. ويكون فى القَسَم: فورَبِّك، فبعزَّتك. ومنها الفاء الزَّائدة، وتدخل على الماضى نحو: {فَقُلْنَا اذهبآ} ، وعلى المستقبل: {فَيَقُولُ رَبِّ} ، وعلى الحرف: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} وقد يبدل عن الثاء؛ نحو فُمَّ فى ثُمَّ، وفُوم فى ثُوم. ومنها الفاءُ اللّغوى وهو، زبد البحر قال: لمَا مُزبد طامٍ يجيش بفائه ... بأَجود منه يوم يأْتيه سائله

بصيرة فى فتح

بصيرة فى فتح قد ورد الفتح فى القرآن على وجوه: الأَوَّل: بمعنى القضاءِ والحكومة، نحو قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} ، أَى حكمنا وقضينا، {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق} أَى يقضى، {متى هاذا الفتح} أَى القضاء، {قُلْ يَوْمَ الفتح} أَى يوم القضاء الثانى: بمعنى إِرسال الرَّحمة: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} ، أَى ما يُرسل. الثالث: بمعنى النُصْرة: {فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح} أَى بالنصرة. الرَّابع: بمعنى إِزالة الأَغلاق. وهذا يأْتى على وجوه: الأَوَّل: بمعنى فتح أَبواب النُّصْرة: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ} . الثانى: بمعنى فتح أَبواب الغنيمة والظفر بها: {فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ الله} . الثالث: فتح خزائن القدرة: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب} . الرَّابع: فتح أَبواب النعمة: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} . الخامس: فتح أَبواب السَّماءِ: {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء} .

السَّادس: فتح مغاليق الخُصومات: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق} . السَّابع: فتح أَبواب البركة: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء} . الثامن: فتح أَبواب القتل والإِهلاك: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح} . التاسع: فتح باب البضاعة: {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ} . العاشر: فتح أَبواب السَّمَاءِ على طريق الإِعجاز: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء} . الحادى عشر: فتح السَّدّ يوم القيامة: {حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} . الثانى عشر: فتح أَبواب العذاب: {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} . الثالث عشر: فتح بيوت الأَصدقاء وَذوى القُرْبى: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} . الرَّابع عشر: فتح باب الدُّعاءِ رجاءً للإِجابة: {فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً} .

الخامس عشر: فتح أَبواب الجنَّة: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} . السَّادس عشر: فتح أَبواب جهنَّم: {وَسِيقَ الذين كفروا إلى جَهَنَّمَ زُمَراً حتى إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} . السَّابع عشر: فتح أَبواب الثواب والكرامة: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} . الثَّامن عشر: فتح أَبواب الطوفان: {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} . التَّاسع عشر: فتح البلاد على يَدىْ أَهل الإِسلام: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} . قال أَبو القاسم الأَصبهانىّ: الفَتْح ضروب: أَحدها: ما يُدرك بالبصر، كفتح الباب والقُفْل والمتاع. والثانى: ما يدرك بالبصيرة، كفتح الهمّ و [هو] إِزالة الغمّ، وذلك ضربان: غَمّ يُفَرَّج، وفقر يزال، ونحوه قوله: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} ، أَى وسَّعنا عليهم: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض} ، أَى أَقبل عليهم الخيرات من كلّ جانب.

/ والثالث: فتح المستغِلق من العلوم. قلت: وذلك على ضربين: الأَوَّل بتوفيق الاستكثار من العلوم الظَّاهرة وتحقيق معانيها، والثانى بفتح باب القلب إِلى العلم اللَّدنِّىّ كما تقدَّم بيانه فى "بصيرة العلم" وقيل فى قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} إِنه عنى فتح مكَّة. وقيل: بل عنى ما فتح عليه من العلوم والهدايات التى هى ذريعة إِلى الثواب العظيم، والمقامات المحمودة التى صارت سبباً لغفران ذنوبه. وفاتحة كل شىء مبدؤه الذى يفتح به ما بعده، وبه سمّى فاتحة الكتاب. ويقال: افتتح فلان كذا أَى ابتدأَه، وفتح عليه كذا: أَعلمه ووقَّفه عليه: {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} . وقيل: فى قوله تعالى: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} يحتمل النَّصر والظفر والحكم وما يفتح الله من المعارف، وعلى ذلك: {نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} وقوله: {قُلْ يَوْمَ الفتح} أَى يوم الحكم، وقيل يوم إِزالة الشُّبهة بإِقامة القيامة، وقيل: ما كانوا يستفتحون من العذاب ويطلبونه. والاستفتاح: طلب الفتح [أَو الفِتَاح قال: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح} ] أَى إِن طلبتم الظفر أَو الفِتَاح أَى الحُكْم، أَو طلبتم مبدأَ الخيرات، فقد جَاءَكم ذلك بمجىء النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم. وقوله: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ} أَى يستنصرون ببَعثة محمدّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل: يستعلمون خبره من النَّاس مرَّة، ويستنبطونه من الكُتُب مرَّة، وقيل: يطلبون من الله الظفر بذكره، وقيل: كانوا يقولون

إِنا نُنْصر بمحمّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم على عَبَدة الأَوْثان. وقوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب} ، أَى ما يتوصَّل به إِلى غَيْبه المذكور فى قوله: {فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً} . وقوله: {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة} أَى مفاتح خزائنه، وقيل: عنى بالمفاتح الخزائن نفسها، قال الشَّاعر: يا سيد الأُمراء والأَلباب ... أَشكو إِليك فظاظة البوّاب قد كنت جئت لخدمةٍ أَبغى بها ... عزّا فقابلنى بذلِّ حجاب إِن كنت ترغب سيدى فى خدمتى ... فأَقلُّ ما فى الباب فتح الباب

بصيرة فى فتر وفتق وفتل وفتن

بصيرة فى فتر وفتق وفتل وفتن فَتَرَ الحرّ: سكن، والماءُ الحارّ: لانت شدّةُ حرارته. وقوله تعالى: {على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل} أَى سكون حال عن مجىءِ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. وقوله تعالى: {لاَ يَفْتُرُونَ} أَى لا يسكنون عن نشاطهم فى العبادة. والطَرْف الفاتر: الذى فيه ضعف مستحسن. والفَتْق: الشقُّ، فَتَقَه وفتَّقه فتفتَّق وانفتق. ومَفْتَق القميص: مشقّه. قال تعالى: {كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} . والفَتْق أَيضاً: شقّ عصا الجماعة، ووقوع الحرب بينهم. والفَتْقُ والفَتَقَ والفَتِيق: الصّبح. فَتَل الحَبْل وفَتَّله: لواه فهو فتيل ومفتول، وقد انفتل وتفتَّل. وفتل وجهَه عنهم: صرفه. وقوله: {وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} مَثَل فى الحقارة والقِلَّة، وهو ما يكون فى شَقِّ النَّواة لكونه على هيئة الفَتِيل. وقيل: هو ما تفْتِله بين أَصابعك من خيط أَو وَسَخ. والفَتْن: الفَنّ، والحال، والإِحراق. ومنه قوله تعالى: {عَلَى النار يُفْتَنُونَ} . والمفتون والفِتْنة: الخِبْرة، مصدر كالمعقول والمجلود. ومنه قوله تعالى: {بِأَيِّكُمُ المفتون} . والفِتْنَة أَيضاً: إِعجابك بالشىءِ، فَتَنَهُ

يفْتِنه فَتْنًا وفُتُونًا، وأَفتنه. وأَصل الفتنة إِدخال الذَّهبِ النارَ ليُخْتَبَر جودته، والجمع: فِتَن، قال: وفيك لنا فِتن أَرْبعٌ ... تسُلّ علينا سيوف الخوارج لِحاظُ الظِّباء وطوق الحمام ... ومشىُ القِباجِ وزىُّ التَّدارج وقد / ورد فى القرآن على اثنى عشر وجهاً: (1) بمعنى العذاب: {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} . (2) وبمعنى الشِّرك: {والفتنة أَكْبَرُ مِنَ القتل} . (3) وبمعنى الكفر: {لَقَدِ ابتغوا الفتنة} ، {مِنْهُ ابتغاء الفتنة} ، {ولاكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} أَى كفرتم. (4) وبمعنى الإِثم {فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أَى إِثم، {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ} فى الإِثم. (5) وبمعنى العذاب: {مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} أَى عُذِّبوا. (6) وبمعنى البلاءِ والمِحْنَة: {أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} أَى يُبْتَلُونَ، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ} : امتحنَّاهُمْ، {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} أَى بلوناك. {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} أَى ابتليناهم.

(7) وبمعنى التعذيب والحُرقة: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين} أَى عذَّبوهم، {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} : حُرَقكم. (8) وبمعنى القتل والهلاك: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا} أَى يقتلكم، {على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ} أَى يقتلهم. (9) وبمعنى الصدّ عن الصراط المستقيم: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} ، {واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ} أَى يصدّوكَ. وقيل: يوقعوك فى بليّة وشدّة فى صرفهم إِيّاك عمّا أُوحى إِليك. (10) وبمعنى الحَيرة والضَّلال: {مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} أَى بضالِّين، {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ} أَى ضلالته. (11) وبمعنى العُذْر وَالعِلّة: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} أَى عذرهم. (12) وبمعنى الجنون والغفلة: {بِأَيِّكُمُ المفتون} أَى الجنون. وقيل التقدير: أَيكم المفتون والباء زائدة كقوله: {وكفى بالله} والفتنة والبلاءُ يستعملان فيما يُدفع إليه الإِنسان من شدّة ورخاء. وهما فى الشدّة أَظهر معنى وأَكثر استعمالاً.

وقوله تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ} إِشارة إِلى ما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف والجوع وَنَقْصٍ مِّنَ الأموال والأنفس والثمرات} . والفتنة من الأَفعال التى تكون من الله تعالى، ومن العبد؛ كالبليّة والمصيبة، والقتل، والعذاب ونحوه من الأَفعال المكروهة. ومتى كان من الله إِنَّما يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من الإِنسان بغير أَمر الله يكون ضدّ ذلك.

بصيرة فى فتى

بصيرة فى فتى الفَتى: الشاب، والسخىّ الكريم، وهما فَتَيَان وفَتَوَان، والجمع، فِتْيانٌ وفِتْوة وفُتُوّ وفُتىّ، وهى فتاة، والجمع: فَتَيَات. والفُتُوَّة نهاية الكَرَم. {وَإِذْ قَالَ موسى لِفَتَاهُ} : يوشع. والفُتُوَّة منزلة حقيقتها منزلة الإِحسان وكفّ الأَذَى عن الغير وَاحتمال الأَذى منهم. فهى فى الحقيقة نتيجة حُسْن الخُلُق وغايته. وقيل: الفرق بينها وبين المروءَة أنَّ المروءَة أَعمّ، والفتوّة نوع من أَنواعها؛ فإِنَّ المروءَة استعمال ما يجمّل ويزين ممّا هو مختصّ بالعبد، أَو متعدّ إِلى غيره، وترك ما يدنّس ويَشين ممّا هو مختصّ به أَو متعلِّقٌ بغيره. والفتوّة إِنَّما هى استعمال الأَخلاق الكريمة مع الخَلْق. وهى منزلة شريفة لم يعبَّر عنها [فى] الشريعة باسم الفتوّة، بل عُبّر عنها باسم مكارم الأَخلاق؛ كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِنَّ اللهَ بعثنى لتمام مكارم الأَخلاق، ومحاسن الأَفعال" رواه جابر. وأَصل الفتوّة من الفَتى وهو الشاب الطرىّ الحديث السِّنّ، قال تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} وقال عن قوم إِبراهيم إِنهم: {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}

وقال تعالى عن يوسف عليه السّلام: {وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانِ} ، {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجعلوا بِضَاعَتَهُمْ} . فاسم / الفتى لا يُشعر بمدح ولا ذمّ كاسم الشابِّ والحَدَث. ولذلك لم يجئ لفظ الفتوّة فى الكتاب والسنَّة ولا فى كلام السّلف، وإِنما استعمله مَنْ بعدهم فى مكارم الأَخلاق. قيل: أَقدمُ من تكلَّم فى الفتوّة جعفر الصّادق، ثمّ الفُضَيل بن عِياض، والإِمام أَحمد، وسهل بن عبد الله التُسْتَرىّ، والجُنَيْد، ثم طائفة. سئل جعفر عنها وقال للسّائل ما تقول؟ قال. إِن أُعطيت شكرت، وإِن مُنِعت صبرت. فقال: الكلاب عندنا كذلك. فقال: يا ابن رسول الله فما الفتوّة عندكم؟ قال: إِن أُعطينا آثرنا، وإِن مُنِعنا شكرنا. وقال الفضيل: الفتوّة: الصّفح عن عَثَرَات الإِخوان. وسئل الإِمام أَحمد عن الفتوّة، فقال، ترك ما تهوَى لما تخشى. وسئل الجنيد عنها فقال: أَلاَّ تنافِر فقيراً، ولا تعارض غنيًّا. وقال الحارث المحاسبىّ: الفتوة أَن تُنْصف ولا تَنْتصف. وقال عمرو ابن عثمان المكىّ: الفتوة حُسْن الخلق. وقال محمّد بن على الترمذىّ: الفتوة أَن تكون خصيماً لربّك على نفسك. وقيل: الفتوة أَلاَّ ترى لنفسك فضلاً على غيرك. وقال الدقَّاق: هذا الخُلُق لا يكون كمالُه إِلاَّ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإِنَّ كلَّ أَحد يقول يوم القيامة: نفسى نفسى، وهو يقول: أُمّتى أُمّتى. وقيل الفتوّة: كسر الصّنم الذى بينك وبين الله وهو نفسك؛ فإِنَّ الله تعالى حكى عن قصة

إِبراهيم أَنَّه جعل الأَصنام جُذَاذًا فكسر الأَصنام له، فالفتى من كسر صنماً واحد لله. وقيل: الفتوّة أَلاَّ تكون خصماً لأَحد يعنى فى حظِّ نفسك، وأَمّا فى حق الله فالفتوّة أَن تكون خصماً لكل أَحد ولو كان الحبيب المصافيا. وقال الثورىّ: أَن يستوى عندك المقيم والطَّارىءُ. وقال بعضهم: أَلاَّ يميز بين أَن يأْكل عنده وَلىّ أَو كافر. وقال الجُنَيْد أَيضاً: الفتوة كفُّ الأَذى، وبذل الندَى. وقال سهل: هى اتِّباع السنَّة. وقيل: الوفاءُ والحفَاظ. وقيل: فضيلة تأْتيها ولا ترى نفسك فيها. وقال: أَلا تحتجب ممّن قصدك. وقيل: أَلاَّ تهرُب إِذا أَقبل العافى، يعنى طالب المعروف. وقيل: إِظهار النعمة، وإِسرار المحنة. وقيل: أَلاَّ تدّخر ولا تعتذر. وقيل: تزوّج رجل امرأَة فلمّا دخل عليها رأَى بها الجُدرىّ فقال: عينى ثم قال: عمِيتُ. فبعد عشر سنين ماتت ولم تعلم أَنه بصير. وقيل: ليس من الفتوّة أَن تَرْبح على صديق. ويذكر أَن رجلا نام من الحاجّ بالمدينة ففقد هِمْيانًا فيه أَلف دينار. فقام فزِعاً فوجد جعفر بن محمّد رضى الله عنه فتعلَّق به وقال: أَخذتَ هِيْمانى. فقال أَيشٍ كان فيه؟ فقال: أَلف دينار. فأَدخله داره ووزن له أَلف دينار، ثمّ إِنه وجد هِيْمانه فجاءَ معتذراً إِلى جعفر بالمال، فأَبى أَن يقبله، وقال: شىءٌ أَخرجته من يدى لا أَستردّه أَبدًا. وقال الشيخ عبد الله الأَنصارى: نكتة الفتوة أَلاَّ تَشهد لك فضلاً،

ولا ترى لك حقَّا؛ يشير إِلى أَن قلب الفتوّة وإِنسان عينها أَن تغيب بشهادة نقصك وعيبك عن فضلك، وتغيب بشهادة حقوق الخَلْق عليك عن شهادة حقوقك عليهم، والنَّاس فى هذا على مراتب، فأَشرفهم أَهل هذه المرتبة، وأَخسّهم عكسهم. وأَوّل الفتوّة ترك الخصومة باللسان / والقلب فى حقِّ نفسه لا فى حقِّ ربّه، والتغافل عن الزلاَّت الَّتى لم يُوجب الشرع أَخذه بها، ونسيان أَذيّة مَن نالك بأَذًى ليصفو قلبُك له، ونسيانك إِحسانك إِلى من أَحسنتَ إليه حتىَّ كأَنَّه لم يَصدر منك إِحسان. وهذا أَكمل ممّا قبله، وفيه يقول: ينسى صنائعه واللهُ يظهرها ... إِنّ الجميل إِذا أَخفيته ظهرا وثانيها: أَن تقرّب من يُبعدك، وتعتذر إِلى من يجنى عليك، سماحة لا كَظْماً، وتحسن إِلى من أَساءَ إليك وتعتذر إِليه أَيضاً. ومعنى هذا أَنَّك تُنزل نفسك منزلة الجانى والمسىءِ، وكلّ منهما خليق بالعذر. والذى يُشهدك هذا المشهد أَن تعلم أَنه إِنَّما سُلِّط عليك بذنب صدر منك، كما قال تعالى: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} ، فإِذا علمت أَنك بدأت بالجناية وانتقم الله منك على يده كنتَ فى الحقيقة أَولى بالاعتذار. وقال بعض أَهل الخصوص: من طلب نور الحقيقة على قدَم الاستدلال لم تحِلّ له دعوة الفتوّة أَبدا، كأَنه يقول: إِذا لم تُحوِج يا فتى عدوّك إِلى العُذر والشفاعة، ولم

تكلِّفه طلب الاستدلال على صحّة عذره، فكيف تحوج وليّك وحبيبك إِلى أَن يقيم لك الدليل على التوحيد والمعرفة، ولا تسير إِليه حتى يقيم لك دليلا على وجود وحدانيته وقدرته ومشيئته، فأَين هذا من درجة الفتوَّة! وهل هذا إِلاَّ خلاف الفتوّة من كلّ وجه؟! وليس يصحّ فى الأَذهان شىءٌ ... إِذا احتاج النهار إِلى دليل

بصيرة فى فتئ وفج وفجر وفجو وفحش وفخر

بصيرة فى فتئ وفج وفجر وفجو وفحش وفخر أبو زيد: ما فتأْت أَذكره، وما فتئت أَذكره. وما فتُؤت أَذكره وهذه عن الفرّاءِ، أَى ما زِلت أَذكره وما برِحت. وقوله تعالى: {تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ} أَى ما تفتأ. وما أَفتأت أَذكره لغة فى ذلك. والفجُّ: شُقَّةٌ يكتنفها جبلان. ويستعمل فى الطَّريق الواسع، قال تعالى: {وعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} . ويقال: قطعوا سُبُلاً فِجَاجًا، حتى أَتَوكَ حُجَّاجًا. والفَجْر: شقُّ الشىء شَقًّا واسعاً كَفَجْرِك سِكْر النهر. فجَرْته فانفجر، وفجّرته فتفجَّر. وفَجَر الله الفَجْر: أَظهره، سُمِّى به لأَنَّه يشق اللَّيل قال تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً} . والفجْر فجران: كاذب وهو كذَنَب السِّرحان، وصادق وهو المستطير الذى يتعلَّق به الصلاة والصيام. والفَجَر: الكَرَم. وفلان يتفجَّر بالمعروف.

والفَجْوة والفجواءُ: الفُرْجة وما اتَّسع من الأَرض، قال تعالى: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ} أَى ساحة واسعة. والفَجْوة: ساحة الدّار، والجمع: فَجَوَات وفِجاء. وفَجَا بابَهُ: فتحه فانفجى، وقوسَه: رفع وترها عن كبِدها. وأَفْجَى: وسّع النفقة على عياله. والفَجَا: تباعُد ما بين الفخذين أَو الرّكبتين أَو السّاقين. والفُحْش والفَحْشَاءُ والفاحشة: ما عظُم قُبْحه من الأَقوال والأَفعال. قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} . الفخر: المباهاة بالأَشياء الخارجة عن الإِنسان كالمال والجاه. رجل فاخر وفَخُور وفِخّير كسكيّت. وفَخَرْتُ فلاناً على صاحبه - كمنعت -: حكمت له بفضل عليه. ويعبّر عن كلّ نفيس بالفاخر. والفَخَّار: الجرار.

بصيرة فى فدى وفر وفرت وفرث وفرج وفرح

بصيرة فى فدى وفر وفرت وفرث وفرج وفرح فداه يَفديه فِداء وفِدًى وفَدًى / وافتدى به، وفاداه: أَعطى شيئا فأَنقذه. والفِداءُ ككساء: ذلك المعطَى. قال تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً} . وأَفداه الأَسيرَ: قبل منه فديته. أَصل الفَرّ: الكشف ومنه الافترار، وهو: ظهور السنّ من الضَّحك. وفرّ من الحرب فِرَاراً. وأَفررته: جعلته فارَّا. قال تعالى: {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} . والمفَرّ: موضعه ووقته. والمفَرّ أَيضاً: الفرار نفسه قال تعالى: {أَيْنَ المفر} يحتمل المعانى الثلاثة. والفُرَات: البحر نفسه. والفُرَاتُ: الماءُ العذب، يقال: ماءٌ فُرَات ومياه فُرَات. والفُرَات: نهر بالكوفة. وفى الحديث: "سَيْحان وجِيْحَان والنيل والفرات من أَنهار الجنَّة". وفَرُت الماء فَرُوتة: عَذُب. وفَرِت - كفرح -: ضعف عقله بعد مُسْكة. والفَرْث: السِّرقين ما دام فى الكَرِش، والجمع: فُرُوث، قال الله تعالى: {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} ، والفَرْث أَيضاً: غَثَيَان الحُبْلى.

والفَرْج والفُرْجة: الشقّ بين الشيئين، كفُرجة الحائط، والفَرْج ما بين الرِّجْلين، وكُنى به عن السَّوءَة. وكثر حتىَّ صار كالصّريح فيه. قال تعالى: {وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ} أَى انشقَّت. وقوله تعالى: {مَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} أَى من شقوق. ولكلِّ غمّ فَرْجة، أَى كَشْفة. قال رُبَّ ما تكره النفوسُ من الأَمـ ... ـر له فَرْجة كحلّ العِقال وفَرَج البابَ: فتحه، وفَرَج الله غمّه فانفرج. والله فارجُ الغمومِ يا فارج الكرب مسدولا عساكره ... كما يفرّج غَمَّ الظلمة الفَلَقُ ومكان فَرِج: فيه تفرّج. ورجل فُرُج: لا يكتم سرًّا. وفلان يُسَدّ به الفَرْج، أَى يُحمى به الثَغْر. وجاءُوا وعليهم فراريج، وهى الأَقبية المشقوقة من وراء. والفَرَح: ضدُّ التَرَح، وهو انشراح الصَّدْر بلذَّة عاجلة: {وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ} . ولم يرخَّص فى الفرح إِلاَّ بما فى قوله: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} وقوله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون بِنَصْرِ الله} . والفَرِح: الكثير الفَرَح قال الله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} . ولك عندى فَرْحة، أَى بشرى. وأَفْرَحَهُ: غمَّه، وأَزال فرحه، وتقول: أَفرحتنى الدُّنيا ثم أَفرحتنى، والهمزة للسّلب. ويقال: المرءُ بين مُفْرِحين، قاعد بين سلامة وحَيْن. ورجل مِفراح: كثير الفرح.

بصيرة فى فرد

بصيرة فى فرد الفَرْد: الوتر، والجمع: أَفراد، وفُرَادَى على غير قياس كأَنه جمع فَرْدان. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى} . قال الفراءُ: قومٌ فُرَادى وفُرادُ بغير تنوين، لا يُجْرون فراد، تشبيهاً بثُلاثَ ورُبَاع، قال: وأَنشدنى بعضهم قول تميم بن أُبىّ بن مقبل يصف فرساً: ترى النُعَرات الخضر تحت لَبَانه ... فُرَادَ ومَثْنى أَضعفتها صواهلُهْ ويروى أُحادَ ومثنى. وَجَاءُوا فُرَادَ فُرَادَ كقولهم: جاءُوا فُرادَى، ويقال أَيضاً جاءُوا فُرَادًا بالتنوين، أَى واحدا واحدا. قال: والواحد فَرَدٌ وفَرِد وفَرِيد وفَرْدان ولا يجوز فَرْد فى هذا المعنى. وقد جاءَ فَرْدَى مثال سكرى، ومنه قراءَة الأَعرج ونافع وأَبى عمرو: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرْدَى} . والفَرْد أَخصّ من الواحد، قال تعالى: {رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً} أَى وحيدًا. ويقال فى الله فَرْد تنبيهاً أَنه بخلاف الأَشياءِ كلّها فى الازدواج المنبَّه عليه بقوله: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} ، أَو معناه: المستغنِى عمَّا عداه، كما نبَّه بقوله: {غَنِيٌّ عَنِ العالمين} ، وإِذا قيل: هو منفرد

بوحدانيَّته فمعناه هو مستغن عن كلِّ تركيب وازدواج، / تنبيها أَنه بخلاف الموجودات كلّها. قال: فى الأَهل شُغْل وفى الأَولاد منقصة ... والله فردٌ يحب الفرد فانفرِدوا إِن كنت منفرِدا فاللَّيث منفرد ... والسيف منفرد والبدر منفرد وقد ورد فى القرآن على أَربعة أَوجه: 1- فى دُعاءِ زكريَّا وسؤاله أَلاَّ يَبْقَى بلا وارث: {رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً} . 2- بمعنى المنفرد فى القبر: {وَيَأْتِينَا فَرْداً} . 3- فى الحضور إِلى المحشر وحيدًا: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْداً} . 4- بمعنى الفرد العاصى عن الأَهل والمال فى القيامة: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} .

بصيرة فى فرش وفرض

بصيرة فى فرش وفرض الفَرْش: بَسط الثياب، والمفروش: فَرْش أَيضاً وفِرَاش، قال تعالى: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً} أَى ممهّدة غير نابية بتعسير الاستقرار عليها. وجمع الفِرَاش: فُرُش، قال تعالى: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} . ويُكنى بالفراش عن كلٍّ من الزوجين. وفلان كريم المفارش، أَى النساءِ، قال أَبو كبير الهُذَلىّ: سُجراءَ نفسى غيرَ جمع أُشابة ... حُشُدا ولا هُلُكِ المفارِش عُزَّل وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "الوَلَدُ للفِرَاش". وفَرَشْتُهُ أَفْرِشُه أَى بسطته له كلّه. وفرشت له فِراشاً، وفرشته إِيَّاه، وأَفرشته. ورأَيت فَرَاشَةً وهى واحد الفَرَاش للطويئر الذى يتعرَّض لإِحراق نفسه، قال تعالى: {كالفراش المبثوث} . وما فلان [إِلاَّ] فراشة، مَثَل فى الحقارة وخفَّة الرأْس. وقوله تعالى: {وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشاً} ، فالحَمُولة: ما يطيق الحمل، والفرشُ: ما لا يطيقه لصغره وضعفه.

والفَرْض: الحَزّ، والتوقيت، وما أَوجبه الله تعالى. وكذا المفروض. فَرَض الله الصلاةَ وافترضها، وحقُّك فَرْض ومفروض ومفترَض. وفَرَضَ الله الفرائض. وفلان فَرَضِىّ وفارض وفرَّاض: معه علم الفرائض. والفَرْض كالإِيجاب، لكنَّ الإِيجاب اعتبارا بوقوعه، والفرض اعتباراً بقطع الحكم فيه، قال تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} أَى أَوجبنا العمل بها. وقرئ بالتَّشديد، أَى جعلنا فيها فريضة بعد فريضة، وقيل: فصَّلناها وبيَّنَّاها. وقوله تعالى: {نَصِيباً مَّفْرُوضاً} أَى معلوماً، وقيل: مقطوعاً عنهم. وقيل: ورد الفرض فى القرآن على خمسة أَوجه: 1- بمعنى الإِيجاب: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج} ، {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} أَى أَوجبنا، {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} : أَوجبتم. 2- بمعنى الإِحلال: {مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ} . 3- بمعنى الإِنزال: {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن} أَى أَنزل وأَوجب العمل به. 4- بمعنى قسمة الصَّدقات والغنائم والميراث: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ} إِلى قوله: {فَرِيضَةً مِّنَ الله} ، أَى قسمة. {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ الله} أَى قسمة، {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} ، أَى

مقسوماً. وقيل: كلّ موضع ورد فرض الله عليه ففى الإِيجاب الَّذى أَوجبه الله، وما ورد من فرض الله له فهو أَلاَّ يحْظُرها على نفسه، نحو: {مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ} . وقوله: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} ، أَى سميَّتهم لهنَّ مهرًا، وأَوجبتم على أَنفسكم ذلك.

بصيرة فى فرط وفرع وفرغ

بصيرة فى فرط وفرع وفرغ فَرَط فُرُوطاً: سبق وتقدَّم، وفى الأَمر / فَرْطا: قصَّر فيه وضيَّعه كفرّطه تفريطاً. وقوله تعالى: {أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ} أَى يتقدَّم. وفَرَط فلان القومَ يَفْرِطهم فَرْطاً وفَرَاطة: تقدَّمهم إِلى الوِرْد لإِصلاح الحَوْض والدِلاءِ. وهم الفُرَّاط والفَرَط - بالتحريك - ويستوى فيه الواحد والجمع. وفَرْع كلّ شىءٍ: أَعلاه، ويقال: هو فَرْع قومه، للشريف منهم. وفِرعون: لقب الوليد بن مُصْعَب، ولقب كلّ من ملك مصر، ولقب كلّ عات متمرِّد. وفيه ثلاث لغات: فِرْعُون كِبْرذَون، وفُرْعُون كزُنْبُور، وفُرْعَوْن بضمّ الفاء. فَرَغت من الشُغُل أَفْرُغ فُرُوغاً وفَرَاغاً، وفَرِغ يفرَغُ، مثال سمع يسمع، لغة فيه. وفَرِغ - بالكسر - يَفْرُغ - بالضَّم - مركَّب من اللغتين. وقال يونس فى كتاب اللغات، فَرَغ يَفْرَغ - كمنع يمنع - لغة أَيضاً. [قرأَ] قتادة وسعيد بن جبير والأَعرج وعُمارة الذرّاع: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} بفتح الرَّاءِ على فَرَغ يَفْرَغ وفَرِغ يَفْرَغ. وقرأَ أَبو عمرو وعيسى بن عُمَر وأَبو السمَّال: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} بكسر النون وفتح الرَّاءِ على لغة من يكسر أَوَّل المستقبل. وقرأَ أَبو عمرو أَيضاً: (سنِفْرِغ) بكسر الراءِ مع كسر النون، وزعم أَن تميما تقول نِعْلِم.

ورجل فَرِغٌ أَى فارغ، كفَرِه وفارهٍ، وفاكهٍ [وفكِه] ، ومنه قراءَة أَبى الهُذَيل: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَرِغاً} . وقرأَ الخليل (فُرُغاً) بضمَّتين بمعنى مُفَرَّغ، كذُلُل بمعنى مُذَلَّل. وقوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً} أَى خاليا من الصبر، ومنه يقال: أَنا فارغ. وقيل: خالياً من كلِّ شىء غير ذِكر موسى. وقيل: من الاهتمام به لأَنَّ الله تعالى وعدها أَن يَرُدَّه إِليها بقوله عزَّ وجلَّ: {إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ} . والفراغ فى اللغة على وجهين: الفراغ من الشُغُل معروف، والآخر: القصد للشىء، (والله تعالى لا يشغله شىء عن شىء) ، ومنه قيل فى قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثقلان} . ويقال أَيضا فَرَغ إِليه. قال جرير: أَلاَن وقد فَرَغْت إِلى نُمير ... فهذا حين كنت لهم عُقابا وقال جرير أَيضاً يردّ على البَعِيث ويهجو الفرزدق: ولمَّا اتقى القَيْنُ العراقىّ باسته ... فرغتُ إِلى اليقين المقيَّد بالحِجْل وتفرَّغ: تخلَّى من الشغل. ومنه الحديث: "تفرَّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم". وتفريغ الظّروف: إِخلاؤها. وقرأَ الحسن البصرىّ وأَبو رجاء والنَخَعىّ وعمران بن جرير: {حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} . وأَفَرغ الدلو: صبّ ما فيه، ومنه استعير: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} .

بصيرة فى فرق

بصيرة فى فرق فَرَق بينهما فَرْقاً وفُرْقانا: فَصَلَ. وقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أَى يقُضَى. وقوله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ} ، أَى فَصَّلناه وأَحكمناه. وقوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} أَى فلقناه. وقوله تعالى: {فالفارقات فَرْقاً} ، أَى الملائكة تنزل بالفَرْق بين الحقّ والباطل. والفُرْق بالضَّم والفُرقان: القرآن، وكلُّ ما فُرِق به بين الحقّ والباطل. والفُرقان: النصر، والبرهان، والصّبح، والتوراة، وانفراق البحر، ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان} . ويوم الفرقان يوم بدر. والفِراق والفَراق بالكسر والفتح: ضدّ الوصال، وقرئ: {هاذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} بالفتح. والفِرقة بالكسر: الطَّائفة من الناس، والجمع، فِرق وأَفراق. وجُمع فى الشعر على أَفارقة. وجمع الجمع: أَفاريق. والفريق / أَكثر من الفرقة. والفُرْقة بالضمّ: الافتراق، قال: وننشا ومما زاد بَثَّا وقوفنا ... فريقىْ هوى منَّا مَشُوق وشائقُ على ذا مضى الناس اجتماعٌ وفرقة ... ومَيْت ومولود وقال ووامقُ

وقد ورد فى القرآن ما يتصرّف من هذه المادة على وجوه: الأَوّل: فريق من اليهود أَعرضوا عن كتاب الله: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كِتَابَ الله وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ} . الثانى: فريق بدّلوا كتاب الله: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بالكتاب} . الثالث: فريق ذُمّ بالإِعراض عن الحقِّ: {ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ} . الرابع: فريق كذَّبوا بالكتاب وقتلوا الرّسل: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} . الخامس: فريقان مؤْمن وكافر: {مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع} . السادس: فريقان للهدى والضَّلال: {فَرِيقاً هدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} . السابع: فريق هم أَهل المماراة والمباهاة من المؤمنين والكافرين: {أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً} . الثامن: فريق من المستخِفِّين المستهترينِ بالضّعَفَاءِ والفقراءِ: {كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي} إِلى قوله {فاتخذتموهم سِخْرِيّاً} .

التاسع: فريقان: مُقرّ ومنكر من قوم صالح عليه السّلام: {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} . العاشر: فريق أَنكروا وأَشركوا بعد التوبة والنجاة من البلاءِ والمِحَنِ: {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} . الحادى عشر: فريق مالوا للهزيمة والفرار: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النبي} . الثانى عشر: فريقان [أَولهما] للعذاب والنكال، وثانيهما للثواب والوصال: {فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير} . والفِراق ورد فى مواضع مختلفةِ: فراق الرّجال النساء بالطلاق: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} . فراق الكفار الدين: {إِنَّ الذين فَارَقُواْ دِينَهُمْ} . فِراق خِضر موسى: {هاذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} . فراق الشخص الدنيا بالموت: {وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق} . فراق الحقِّ من الباطل: {فالفارقات فَرْقاً} . فراقة طائفة أَوطانهم فى طلب العلم والدين: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدين} .

فراق موسى قومه بالسّؤالِ: {فافرق بَيْنَنَا وَبَيْنَ القوم الفاسقين} . فراق المؤْمنين الكفَّار: {وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المؤمنين} . تفرقة بين أَهل الإِسلام قد نهى عنها: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ واذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ} . تفرُّق أَهل الكتاب بعد نزول القرآن: {وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينة} ومنه قوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين تَفَرَّقُواْ} . تفرقةٌ خشِى هارون أَن ينسبها موسى إِليه: {إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ} . تفرقةٌ أَمر يعقوبُ بها أَولاده خشية العين: {لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} . تفرقة جعلها الله معجزة لموسى فى البحر: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} . والفَرْق والفَلْق أَخوان. وكذا فَرَقُ الصُّبح وفَلَقه. والفَرَق بالتحريك: الخوف الذى يُفَرِّق القلب. ورجل فَرُوق وفَرُوقة: خوّاف.

بصيرة فى فره وفرى وفز

بصيرة فى فره وفرى وفز فَرُه - ككرم - فَرَاهة وفَرَاهِيةً: حَذَق، فهو فارِه وفَرِه، كحاذر وحَذِر، بيّن الفُروهة. والجمع: فُرَّهٌ وفُرَّهَة وفُرْه. قال تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ} أَى حاذِقين. وقرئ: (فَرِهِين) بمعناه. وقيل: معناهما: أَشِرين بَطِرين، من قولهم: فَرِه - كفرح -: إِذا أَشِر وبطر. / الفَرى والتَّفْرية والإِفراءُ: شَقُّ الجلد، صالحاً كان أَو فاسدًا. والفَرْى والافتراءُ أَيضاً: الكذب واختلاقه. وقيل: الإِفراءُ: الإِفساد، والافتراءُ: الإِصلاح، وفى الإِفساد أَكثر، ولذلك استُمعل فى القرآن فى الكذب والشِرْك والظلم: {يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ} ، {إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افترى على الله كَذِباً} . وقوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} ، قيل معناه: عظيما، وقيل: عجيباً، وقيل: مصنوعاً. والفَزُّ: الإِزعاج. فَزَّه يَفُزُّه. ومنه سُمِّىَ ولد البقرة فَزًّا، لما فيه من عدم السكون والفَرَار. وقوله تعالى شَأْنه: {واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ} أَى أَزْعج. وقوله: {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأرض} أَى يُزعجهم.

بصيرة فى فزع

بصيرة فى فزع الفَزَع: الذُعْر والفَرَق. وربّما جُمع على الأَفزاع وإِن كان مصدرًا يقال: فَزع - بالكسر -: خافَ. قال تعالى: {وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} . وفَزع أَيضاً: استغاث. والإِفزاع: الإِخافة والإِغاثة. والتفزيع من الأَضداد، يقال فَزَّعه: إِذا أَخافه، وفَزَّع عنه: كَشَف عنه الفَزَع، قال الله تعالى: {حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} أَى كُشِفَ عنها الفزع. وقرئ (فُرِّع) بالرّاءِ والغين، وقد تقدّم. وقال الفراءُ: المُفَزَّعُ يكون شجاعاً، ويكون جَبَانًا، فمن جعله شجاعاً جعله مفعولاً به، وقال: بمثله تنزل الأَفزاع. ومن جعل المفزَّع الجبان أَراد أَنه يَفزع من كلّ شىءٍ. وهذا كقولهم للغالب مُغَلَّب، وللمغلوب مغلَّب.

بصيرة فى فسح وفسد وفسر وفسق وفشل وفصح

بصيرة فى فسح وفسد وفسر وفسق وفشل وفصح الفُسُح والفَسِيحُ: الواسع من الأَماكن. وفَسَحت مجلسه، وافسَحوا لأَخيكم فى المجلس، وتفسّحوا له. ومُرَاح منفسح: كناية عن كثرة الإِبل. وفَسَد الشىءُ فَسَاداً وفُسُوداً فهو فاسد. قال ابن دُرَيد: فَسَد يَفْسِد - مثال عقد يعقِد - لغة ضعيفة. وقوم فَسْدى، كما قالوا: ساقط وسَقْطى. وكذلك فَسُد بالضمّ فَسَادًا فهو فَسِيد. والفساد: أَخذ المال بغير حقٍّ، هكذا فسّر مسلم البَطِين قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض وَلاَ فَسَاداً} . وقال اللَّيث: الفساد: ضدّ الصلاح. والمَفْسدة: خلاف المصلحة. ويستعمل ذلك فى النفس والبدن والأَشياءِ الخارجة عن الاستقامة. الفَسْر والتفسير: كَشْف المعنى المعقول. وقد فسّر القرآن وفَسَره. ونظر الطبيب تَفْسِرة المريض، وهو ماؤُه المستدلُّ به على عِلَّته، وكذلك كلُّ ما تَرجَم عن حال شىءٍ فهو تَفْسِرته. فَسَق يَفْسُقُ ويَفْسِق فِسْقًا - بالكسر - وفُسُوقًا: فَجَر، وخرج عن الحقِّ، وترك امتثال أَمر الله. ورجل فُسَق وفِسِّيق: دائم الفسق. وفسَقَت الرُطَبة: خرجت عن قِشرها. والفِسق أَعمّ من الكفر. ويقع على كثير الذْنب وقليلة، لكن تعورف فى الكثير أَكثر، وفيمن التزم

حكم الشرع ثمّ أَخلّ بأَكثر أَحكامه. والكافر فاسق لإِخلاله بما أَلزمه العقلُ، واقتضته الفطرة السليمة، قال تعالى: {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك فأولائك هُمُ الفاسقون} ، وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله فأولائك هُمُ الفاسقون} . وقوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً} فقابل به الإِيمان. والفاسق أَعمّ من الكافر، والظالم أَعمّ من الفاسق. فَشِل كفرح فهو فَشِلٌ: كسِل، وضَعُفَ، وتراخَى، وجبن، قال تعالى: {حتى إِذَا فَشِلْتُمْ} ، ورجل خَشْل فَشْل، وقوم فُشْل. وأَفصح العجمىّ: تكلم بالعربيّة / وفَصُح: انطلق لسانه بها، وخَلصَت لغته من اللُّكْنة. وأَفصح الصبىّ فى مَنطقه: فُهِم ما يقول فى أَوّل ما يتكلَّم. وأَفصح فلان ثم فَصُح. وأَفصِح لى إِن كنت صادقاً، أَى بيِّن. ويتفصّح: يتكلَّف الفصاحة. ولبن فصيح: أُخذت رغوته أَو ذهب لِبَؤُه. وأَفصحت الشاةُ: فَصُح لبنها. وأَفصح الصّباح: ظهر أَو استنار. ويوم مُفْصِح وفِصْح: لا غيم فيه ولا قُرَّ.

بصيرة فى فصل وفض

بصيرة فى فصل وفض فَصَلْتُ الشىء فانفْصلَ: قطعته فانقطع. وفَصَل من الناحية. خرج. وفَصِيلة الرجل: رَهْطه الأَدْنُون، أَو عشيرته، أَو أَقرب آبائه إِليه، وقِطعة من لحم الفخذِ. وجاءُوا بفَصِيلَتِهِم، أَى بأَجمعهم. والتفصيل: التبيين. والفيصل: الحاكم. ويقال: القضاءُ بين الحقِّ والباطل. والفَصْل من الجسد: موضع المَفْضِل. وبين كلِّ فصلين وَصْل والفَصْل عند البصرّيين بمنزلة العِمَادِ عند الكوفيِّين، كقوله تعالى: {إِن كَانَ هاذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} ، فقوله: (هو) فَصْل وعماد، ونصب (الحقَّ) لأَنه خبر كان. وفصل الخطاب: قيل هو البيّنةُ على المدّعى واليمينُ على المدَّعَى عليه، وقيل: هو أَن يُفصل بين الحقِّ والباطل، وقيل: هو كلمة أَمّا بعد. وقوله: {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} ، أَى لولا ما تقدّم من وعد الله تعالى أَنه يفصِل بينهم يوم القيامة لفَصَل بينهم الآن. وأَواخر الآيات فى كتاب الله فواصل بمنزلة قوافى الشعر واحدتها فاصلة. والفَصِيل: ولد الناقة إِذا فُصِل عن أُمّه، والجمع: فُصْلان وفِصلان وفَصال؛ وحائطٌ قصير دون السُّور. والمُفَصَّل فى القرآن: من الحُجُرات إِلى آخره، أَو من الجاثية، أَو من القتال، أَو مِنْ (ق) عن النووىّ، أَو من الصّافَّات، أَو من الصّف، أَو من (تبارك) عن ابن أَبى الصّيف، أَو من {إِنَّا فَتَحْنَا} عن الدِّزْمارىّ، أَو من

{سَبِّحِ اسم} عن الفِرْكَاح، أَو من (والضحى) عند الخطّابىّ. وسمىّ مفصّلاً لكثرة الفُصُول بين سُوَرِهِ، أَو لقلَّة المنسوخ فيه. وقيل: الفصل ورد فى القرآن على أَربعة معان: الأَوّل - بمعنى خروج القافلة: {وَلَمَّا فَصَلَتِ العير} ، أَى خرجت. الثانى - بمعنى التبيّين: {وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} ، {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} . الثالث - بمعنى القضاء: {هاذا يَوْمُ الفصل} ، {لِيَوْمِ الفصل وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} ، {إِنَّ يَوْمَ الفصل مِيقَاتُهُمْ} ، {إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً} ، أَى يوم القضاءِ وله نظائر. الرابع - بمعنى الفِطام: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا} {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} . والفَضُّ: الكسر بالتفرقة، والنَفَر المتفَرِّقون، وفَكُّ خاتم الكتاب. ومنه استعير انفضَّ القوم، قال تعالى: {لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} أَى تفرَّقوا.

بصيرة فى فضل

بصيرة فى فضل الفَضْل: ضدّ النقص، والجمع: فُضُول. وقد فَضَل، كنصر وعلم. وأَمّا فَضِل يفْضُل فمرّكبة منهما. ورجل فَضَّالٌ ومِفْضَلٌ ومِفْضَالٌ: كثير الفضل. والفَضِيلة: الدّرجة الرّفيعة فى الفضل. والفواضل: الأَيادى الجسيمة. (والفَضِيلة: الدّرجة) . والفَضْل والفُضَالة: البقيّة، وقد فضل كنصر وحَسِب. والفَضْل يكون محمودًا كفضل العلم والحلم، ومذموماً كفضل الغضب على ما يجب أَن يكون [عليه] ، قال الشاعر: / متى زدتُ تقصيرا تزدنى تفضُّلا ... كأَنِّىَ بالتقصير أَستوجِب الفضلا وقد ورد الفضل وما يشتق منه على عشرين وجهاً فى القرآن: 1- فضل الصّورة والخِلْقة: {وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} . 2- فضل قوم على آخرين فى المنزلة والرّتبة: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} . 3- فضل بالنبوّة والعلم: {الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ المؤمنين} . 4- فضل معجزة وكرامة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً} .

5- فضل الأَنبياءِ بعضهم على بعض: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ} . وهذا التفضيل فيهم على نوعين: خِلْقىّ وخُلُقى. فالخِلْقىّ كما فى آدم بالصفوة، وفى نوح بالصّلابة، وفى إِبراهيم بالخُلَّة والصدّق والصّداقة، وفى يوسف بالصّباحة، وفى موسى بالملاحة، وفى داود بالنغّمة، وفى سليمان (فى الفطنة) ، وفى زكريّا بالعبادة، وفى يحيى بالطَّهارة، وفى محمد بالخُلُق والفصاحة. وأَمّا التفضيل الخُلُقى ففى آدم بالأَسماءِ، وفى نوح بإِجابة الدعاءِ، وفى إِبراهيم بالذبيح والفداءِ، وفى يوسف بتعبير الرؤْيا، وفى موسى بالمكالمة والاصطفاء، وفى داود بتسخير الجبال والطير فى الهواءِ، وفى سليمان بتسخير الجنّ وريح الصَّبا، وفى عيسى بإِحياءِ الموتى، وفى محمّد بالقرآن ذى النّور والضّياءِ، صلوات الله وسلامه عليهم أَجمعين. 6- فضل تأْخير العذاب: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدنيا والآخرة لَمَسَّكُمْ} ، {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان} ، {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً} ، وله نظائر. 7- فضل زيادة الثَّواب والكرامة: {وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ} . 8- فضل المال والنّعمة: {فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ} .

9- فضل البرِّ والصّدقة: {والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً} . 10- فضل الرّجال على النساءِ بالعقل والعلم والدّين والشجاعة والإِمامة والكتابة والفروسيّة والشهادة وقسمة الميراث والخطابة: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء بِمَا فَضَّلَ الله} . 11- فضل النبوّة والرّسالة: {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ} إِلى قوله: {ذَلِكَ فَضْلُ الله} . 12- فضل الظفر والغنيمة: {فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ} . 13- فضل الغزو والمجاهدة: {وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين} . 14- فضل الغنى والنعمة: {والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرزق} . 15- فضل الكسب والتِّجارة: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} ، {يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله} {فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله} . 16- فضل الاختيار وَالمزية: {وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً} . 17- فضل قبول التَّوبة والإِنابة: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} ، أَى بقبول التَّوبة. 18- فضل إِجابة الدّعاءِ وقضاءِ الحاجة: {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} .

19- فضل القُرْبة واللقاء والرُؤْية: {وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كَبِيراً} . 20- فضل الإِسلام والسنَّة والتوحيد والمعرفة: {إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ} .

بصيرة فى فضا وفطر وفظ

بصيرة فى فضا وفطر وفظ فَضَا المكانُ فَضَاءً وفُضُوًّا: اتَّسع. والفَضَاءُ - بالمدّ -: السّاحة، / وما اتَّسع من الأَرض. والفِضاءُ ككساءٍ: الماءُ يجرى على الأَرض. وأفضى إِليها: جامعها، وقيل: خلا بها جامعها أَم لا. وهذا فى باب الكناية أَبلغ [وأَقرب] إِلى التصريح من قولهم: خلا بها. فَطَرَ الله الخَلْق، وهو فاطر السماوات: مبتدعها. وافتطر الأَمرَ: ابتدعه. وكلّ مولود يولدَ على الفِطْرة، أَى على الجبلَّة القابلة لدين الحقِّ. وقد فَطَر هذه البئر، وفَطَرَ اللهُ الشجر بالوَرَق فانفطر به وتفطَّر. قال الله تعالى: {إِذَا السمآء انفطرت} . وتفطَّرَت الأَرضُ بالنبات، واليدُ والثوب: تَشقَّقَت. وفَطَرَ نابُ البعير: شقَّ اللحمَ وطلع. وهذا كلام يُفَطِّر الصّوم، أَى يفسده. وأَفطر الصّائم، وأَفطره غيره، وفطَّره وَذبحنا فَطِيرَة وفَطُورة، وهى الشَّاة الَّتى تُذبح يوم الفِطْر. وعجين فَطِير، وطين فطير، ورأْى فطير. تقول: رأيه فطير ولبّه مستطير. وإِذا غربت الشَّمس فقد أَفطر الصّائِم، أَى دخل فى وقت الفِطر. والفَظَاظة: الغِلظ. والفَظّ: الغليظ الجانب السيِّىءُ الخُلُق. وهو بيّن الفَظَاظَة والفِظَاظِ بالكسر. والفَظَظُ: خشونة الكلام.

بصيرة فى فعل

بصيرة فى فعل الفِعْل: كناية عن كلِّ عمل متعدّ أَو غيره. فَعَلَ يفعَل بفتحهما. والفَعَال بالفتح اسم الفعل الحسن، وقيل: يكون فى الخير والشرّ، وهو الصّحيح. وهو مُخَلَّصٌ لفاعل واحد، فإذا كان من فاعلين فهو فِعَال بالكسر. وهو أَيضاً جمع فِعْل. والفَعَّال والفَعُول: كثير الفعل، قال: إذا سيّد منّا خلا قام سيّد ... قؤُول لما قال الكرام فَعُول وقال تعالى: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} ، وقال: {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} ، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} ، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} ، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ، {لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ، {يَوْمَ نَطْوِي السمآء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} . لمَّا قال نُمْرُود حين كسر إِبراهيمُ أَصنامهم: {مَن فَعَلَ هاذا بِآلِهَتِنَآ} أَحَالَ إِبراهيم تهكُّماً وسُخريَةً على كبيرهم وقال: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} . ولمَّا قال فرعون لموسى مُهددًا: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ} أَجابهُ بأَن ذلك مرسوم صحبةِ الظَلَمة من أَتباعك، وقال: {فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ

الضالين} . وقال تعالى فى حديث ذَبْح البقرة: {فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ} وقَرُب أَن يتحكَّم عليهم اللجَاج: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} . ولمَّا قال النَّبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: {وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ} أَجيب بقوله تعالى {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} ، ويفعل بالأعداء كما فعل بأَشياعهم من قبل: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ، {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} وعرَّف عباده بأَنَّ سبب الفلاح إِنَّما هو فعل الخير وقال: {ياأيها الذين آمَنُواْ اركعوا واسجدوا وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وافعلوا الخير لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقوله تعالى: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} أَى، إِن لم تبلِّغ هذا الأَمر فأَنت فى حكم من لم يبلِّغ شيئاً. والفِعل عامّ لِما كان بإِجادة أَو غيرها، ولِما كان بعِلم أو بغيره، وبقصد أَو بغيره، ولِمَا كان من إِنسان أَو حيوان أَو جماد. والعمل والصنع أَخصَّ منه. ويقال للذى من جهة الفاعل: مفعول ومنفعل. وفصَّل بعضهم فقال: المفعول إِذا اعتبر بفعل الفاعل، والمنفعل إِذا اعتبر قَبُول الفعل فى نفسه، فالمفعول أَعمِّ من المنفعِل / لأَنَّ المنفعل يقال لما لا يقصِد الفاعل إِلى إِيجاده وإِن تولَّد منه، كالطرب الحاصل من الغِنَاء، وتحرك العاشق لرؤية معشوقه.

بصيرة فى فقد

بصيرة فى فقد الفاء والقاف والدَّال تدلّ على ذهاب شىء وضياعه. وقد فقدت الشىء أَفقِده فَقْدًا وفِقْداناً - بالكسر - وفُقداناً - بالضمّ - وفُقُودًا، وهذه عن ابن دريد. قال عنترة بن شدَّاد العبسىّ يذكر رميه جُرَيَّة العَمْرىّ. فإِنْ يَبْرَأْ فلم أَنفِث عليه ... وإِن يُفقد فحقَّ له الفُقُود وتفقَّدته، أَى طلبته عند غَيبته، قال الله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطير} . قال أَبو الدَّرداءِ: من يتفقَّد يفقِد، اقرِض من عِرضك ليوم فقرك، أَىْ مَن يتفقَّد أَحوال النَّاس ويتعرفها عَدِم الرِّضا، فإِنْ ثَلَبَك أَحد فلا تشتغل بمعارضته، ودع ذلك قرضاً عليه ليوم الجزاءِ. ويقال: ما افتقدتُه منذ افتقدته، أَى ما تفقَّدته منذ فقَدته. وبات فلان غير فَقِيدٍ ولا حميد، أَى غير مكترَث لفقده.

بصيرة فى فقر

بصيرة فى فقر الفقر: ضدّ الغِنى. ووقع فى القرآن لفظ الفقر فى أَربعة مواضع: أَحدها - قوله تعالى: {لِلْفُقَرَآءِ الذين أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ الله لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأرض} ، أَى الصَّدقاتُ لهؤلاءِ، وكان فقراءُ المهاجرين نحو أَربعمائة لم يكن لهم مساكن فى المدينة ولا عشائر، وكانوا قد حبسوا أَنفسَهم على الجهاد، وكانوا وَقْفاً على كلِّ سريَّه يبعثها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهم أَهل الصُّفَّة. هذا أَحد الأَقوال [فى] إِحصارهم فى سبيل الله. وقيل: هو حبْسهم أَنفسهم فى طاعة الله. وقيل: حَبَسهم الفقر والعُدْم عن الجهاد. وقيل: لَمَّا عادَوا أَعداء الله وجاهدوهم أُحصِروا عن الضرب فى الأَرض لطلب المعاش، فلا يستطيعون ضرباً فى الأَرض. والصَّحيح أَنه لفقرهم وعجزهم وضعفهم لا يستطيعون ضرباَ فى الأَرض، ولِكمَال عفَّتهم وصيانتهم يحسبهم من لم يعرف حالهم أَغنياء. والموضع الثانى - قوله تعالى: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ والمساكين} الآية. والموضع الثالث - قوله تعالى: {ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله} . والموضع الرابع - قال الله تعالى: {رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} .

والصّنف الأَول خواصّ الفقراءِ، والثَّانى فقراءُ المسلمين خاصّهم وعامّهم، والثالث الفقر العامّ لأَهل الأَرض كلِّهم غنيّهم وفقيرهم، مؤمِنهم وكافرهم. والرابع الفقر إِلى الله المشار إِليه بقوله: "اللَّهم أَغْنِنى بالافتقار إِليك". وبهذا أَلَمَّ الشاعر: ويعجبنى فقرى إِليك ولم يكن ... ليعجبنى لولا محبَّتُك الفقرُ والفقراءُ الموصوفون فى الآية الأُولى يقابلهم أَصحاب الجِدَة، ومن ليس محصَرًا فى سبيل الله، ومن لم يكتم فقرًا وضعفاً. فمقابلهم أَكثر من مقابل الصّنف الثانى. والصّنف الثانى يقابل أَصحاب الجِدَة، ويدخل فيهم المتعفِّف وغيره، والمحصَر وغيره. والصَّنف الثالث لا مقابل لهم، بل الله وحده الغنىّ وكلُّ ما سواه فقير إِليه. ومراد المشايخ بالفقر شىء أَخصُّ من هذه كلّها وهو الافتقار إِلى الله فى كلِّ حالة. وهذا المعنى أَجلّ من أَن يسمَّى فقرًا، بل هو حقيقة العبوديَّة ولُبّها، وعَزْل النفس عن مزاحمة الرُّبوبيَّة. وسئل عنه يحيى بن مُعَاذ الرازىّ فقال: حقيقته أَلاَّ يستغنى إِلاَّ بالله، ورَسْمه / عدم الأَسباب كلّها. وقال بعض المشايخ: الفقر سرّ لا يضعه الله إِلاَّ عند من يحبّه، ويسوقه إِلى مَن يريد. وقال: رُوَيم: إِرسال النَّفس فى أَحكام الله. وسئل أَبو حفص بم يقدَم الفقير على ربِّه؟ فقال: ما للفقير أَن يقدَم به على ربّه سوى فقره. وسئل بعضهم: متى يستحق

الفقير اسم الفقر؟ قال إِذا لمّ [يبق] عليه منه بقيّة. فقيل له: وكيف ذاك؟ فقال: إِذا كان له فليس له، وإِذا لم يكن له فهو له. وهذه من أَحسن العبارات عن معنى الفقر الذى يشير إِليه القوم، وهو أَن يصير كلُّه لله لا يبقى عليه بقيَّة من نفسه وحظِّه وهواه، فمن بقى عليه شىء من أَحكام نفسه ففقره مدخول. ثم فسّر ذلك أَى قوله: إِذا كان له فليس له، أَى إِذا كان لنفسه فليس لله، وإِذا لم يكن لنفسه فهو لله. فحقيقة الفقر إِذًا أَلاَّ تكون لنفسك ولا يكون لها منك شىء بحيث تكون كلُّك لله. وهذا الفقر الذى يشيرون إِليه لا ينافيه الجدَة ولا الأَملاك، فقد كان رُسُل الله وأَنبياؤه - صَلوات الله وسلامه علَيهم - فى ذروة الفقر مع جدتهم ومِلكهم، كإِبراهيم الخليل عليه السَّلام كان أَبا الضِّيفان، وكانت له الأَموال والمواشى، وكذلك كان سليمان وداود، وكذلك كان نبيّنا صلَّى الله عليه وسلَّم كما قال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى} ، وكانوا أَغنياءَ فى فقرهم، فقراءَ فى غناهم. فالفقر الحقيقىُّ: دوام الافتقار إِلى الله تعالى فى كلِّ حال، وأَن يشهد العبد فى كلِّ ذرّة من ذرَّاته الظَّاهرة والباطنة فاقة نامية إِلى الله تعالى من كلِّ وجه. فالفقر ذاتىّ للعبد، وإِنما يتجدَّد له بشهوده حالاً، وإِلاَّ فهو حقيقته؛ كما قال بعض المشايخ: الفقر لى وصفُ ذاتٍ لازمٌ أَبدا ... كما الغِنَى أَبدا وصفٌ له ذاتى وله آثار وعلامات وموجِبات، أَكثر إِشارات القوم إليها، كقول بعضهم الفقير لا يسبق همَّته، أَى ابن وقته، فهمَّته مقصورة على وقته لا يتعدَّاه. وقيل: أَركان الفقر أَربعة: عِلْم يسوسه، وورع يحجزه، ويقين يحمله،

وذِكْر يؤنسه. وقال الشِّبلِىّ: حقيقة الفقر أَلاَّ يستغنى بشىء دون الله. وسئل سهل: متى يستريح الفقير؟ فقال: إِذا لم ير لنفسه غير الوقت الَّذى هو فيه. وقال أَبو حفص: أَحسن ما يتوسَّل به العبد إِلى الله دوام الافتقار إِليه على جميع الأَحوال، وملازمة السُنَّة فى جميع الأَفعال، وطلب القُوت من وجه حلال. وقيل: مِن حكم الفقير أَلاَّ يكون له رغبة، فإِن كان ولا بدّ فلا يجاوز رغبتُه كفايتَه. وقيل: الفقِير من لا يَملك ولا يُمْلَك. وأَتمّ من هذا: لا يَملك ولا يملكه مالك. وقيل: من أَراد الفقر لشرفه مات فقيراً، ومن أَراده لئلا يشتغل عن الله بغيره مات غنيّا. والفقر له بداية ونهاية، فبدايته الذلُّ ونهايته العزّ، وظاهره العُدْم وباطنه الغِنى، كما قال رجل لآخر، [الفقر] فقر وذلّ، فقال، لا: بل فقر وعِزّ. فقال: فقر وثرًى. فقال: لا، بل فقر وعَرْش. وكلاهما مصيب. واتَّفقت كلمةُ القوم على أَن دوام الافتقار إِلى الله مع تخليط خير من دوام الصَّفاء مع رؤية النَّفس والعُجْب، مع أَنه لا صفاءَ معهما. وإِذا عرفت معنى الفقر عرفت عين الغنى بالله تعالى / فلا معنى لسؤال من سأَل: أَىّ الحالين أَكمل؟ الافتقار إِلى الله أَم الاستغناء به؟ هذه مسأَلة غير صحيحة، فإِنَّ الاستغناء به هو عين الافتقار إِليه. وأَمَّا مسأَلة الفقير الصَّابر، والغنىّ الشاكر، وترجيحُ أَحدهما، فعند المحقِّقين أَن التفضيل لا يرجع إِلى ذات الفقْر والغِنَى، وإِنما يرجع إِلى الأَعمال والأَحوال والحقائِق. فالمسْأَلة فاسدة فى نفسها، وإِنَّ التفضيل

عند الله بالتَّقوى وحقائِق الإِيمان، لا بفقر ولا غِنى، قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} ولم يقل: أَفقركم أَو أَغناكم. ثمّ اعلم أَنَّ الفَقْر والغِنَى ابتلاء لعبده كما قال تعالى: {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ كَلاَّ} أَى ليس كلّ من أَعطيتهُ ووسَّعت عليه فقد أَكرمته، لا كلُّ من ضيَّقت عليه وقَتَرت عليه الرزق فقد أَهنته والإِكرام أَن يكرم العبد بطاعته ومحبَّته ومعرفته، والإِهانة أَن يسلبه ذلك. ولا يقع التفاضل بالغنى والفقر بل بالتقوى. وقال بعضهم: هذه المسأَلة محال أَيضاً من وجه آخر، وهو أَنَّ كًّلا من الغنىّ والفقير لا بدّ له من صبر وشكر، فإِنَّ الإِيمان نصفان: نصفٌ صبر، ونصفٌ شكر. بل قد يكون قسط الغنِىّ من الصَّبر أَوفى، لأَنه يصبر عن قدرة، فصبره أَتمّ من صبر من يصبر عن عجز، ويكون شكر الفقير أَتمّ، لأَن الشكر هو استفراغ الوسع فى طاعة الله، والفقير أَعظم فراغا بالشكر من الغنِىّ. وكلاهما لا يقوم قائمة إِيمانه إِلا على ساق الصَّبر والشكر. نعم الَّذى رجع الناس إِليه فى المسأَلة أَنَّهم ذكروا نوعا من الشكر، ونوعا من الصَّبر، وأَخذوا فى التَّرجيح، فجردوا غنيًّا مُنفقاً متصدِّقاً باذلا ماله فى وجوه القُرَب، شاكرًا الله عليه؛ وفقيرا متفرِّغاً لطاعة الله ولأوراد العبادات، صابرًا على فقره، هل هو أَكمل من ذلك الغنى أَم بالعكس. فالصَّواب فى مثل هذا أَنّ أَكملهما أَطوعهما، فإِن تساوت طاعتهما تساوت درجتهما والله أَعلم.

والعرب تقول: سَدّ الله مَفاقِره، أَى وجوه فقره. ويقال: افتقر فهو مفتقِر وفقير، ولا يكاد يقال: فَقُر. وإِن كان القياس يقتضيه. وأَصل الفقير هو المكسور الفَقَار. عَمِل به الفاقرةَ أَى الدَّاهية الَّتى كسرت فَقَاره. وأَفقرك الصَّيدُ: أَمكنك عن فقاره. أَفْقَرته ناقتى: أَعرته فَقَارها للركوب، وما أَحسن قول الزَّمخشرى: أَلاَ أَفقر الله عبداً أَبَتْ ... عليه الدّناءة أَن يُفْقِرَا ومن لا يُعير قَرا مَرْكَبٍ ... فقل كيف يَعقِره للقِرَى وما أَحسن فِقَر كلامه، أَى نُكته، وهى فى الأَصل حُلِىّ تصاغ على شكل فِقَر الظهر.

بصيرة فى فقع وفقه وفك

بصيرة فى فقع وفقه وفك الفُقُوع: النُصُوع، أَى خُلُوص اللَّون، قال تعالى: {صَفْرَآءُ فَاقِعٌ} فَقَعَ - كمنع ونصر - فَقْعاً وفُقُوعًا: اشَتدَّت صفرته. وأَصفر فاقع وفُقَاعىّ اللون: صادق. وأَبيض فِقِّيع كسكِّيت. وأَصابته فاقعة من فواقع الدَّهر: بائقة من بوائِقه، يقال: كلّ باقعة مَمْنُوّ بفاقعة. وطَفَت على الشراب الفواقع والفواقيع، وهى النُفَّاحات. والفِقه بالكسر: العلم بالشىء، / والفهم له، والفطنة. وغلب على عِلم الدّين لِشرفه، فقه - ككرم وفرح - فهو فقيه وفَقُهٌ. والجمع فُقَهَاءُ. وهى فقيهة، والجمع: فقائه. وفَقِهَهُ كعلمه: فَهِمَه. وتفقَّهه: تفهَّمه. وفقَّهه تفقيهًا، وأَفقهه: علَّمه. وفاقَهه فَفَقهه كنصره: باحثه فغلبه فى العلم. ويقال للشاهد: كيف فَقاهتك لما أَشهدناك. والفِقه أَخصّ [من] العلم، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} ، وقال: {لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدين} . فكَّه: فَصَله. والرهنَ فكًّا وفُكوكاً: خلَّصَهُ، والرقبةَ: أَعتقها، ويدّه: فتحها عمّا فيها. وفَكَاك الرهن - ويكسر -: ما يُفْتَكُّ به..

وانفكَّت قدمُه: زالت، وإِصبعه: انفجرت، قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين مُنفَكِّينَ} ، أَى لم يكونوا متفرِّقين، بل كان كلّهم على الضَّلال. وما انفكَّ يفعل كذا، نحو ما زال يفعل كذا.

بصيرة فى فكر

بصيرة فى فكر الفِكْرُ: قوّة مطرِّقة للعلم إِلى المعلوم. والتفكر: جريان تلك القوّة بحسب نظر العقل، وذلك مختصّ بالإِنسان دون الحيوان، ولا يقال إِلا فيما يمكن أَن يحصل له صورة فى العقل، ولهذا قيل: تفكَّروا فى آلاءِ الله ولا تفكَّروا فى الله؛ إِذ كان منزَّهاً أَن يوصف بصورة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ في أَنفُسِهِمْ} ، {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السماوات} . ورجل فِكِّيرٌ وفَكُور: كثير الفكرة. وتقول: لفلان فِكَر، كلّها فِقَر، وما زالت فكرته مغاص الدُرَر. وقال المشايخ: الفكرة فكرتان: فكرة تتعلَّق بالعلم والمعرفة، وفكرة تتعلقُ بالطلب والإِرادة. فالتى تتعلق بالعلم والمعرفة فكرة التمييز بين الحقِّ والباطل، والثابت والمنفِىِّ. والفكرة الَّتى تتعلَّق بالطَّلب والإِرادة هى الفكرة الَّتى تميّز بين النافع والضَّار، ثمّ تترتَّب عليها فكرة أَخرى فى الطَّريق إِلى حصول ما ينفع فيسلكها، وطريق ما يضرّ فيتركها ولهم فكرة فى عين التوحيد وفكرة فى لطائف الصّنعة، وفكرة فى معانى الأَعمال والأَحوال. فهذه ستة أَقسام لا سابع لها هى مجال أَفكار العقلاءِ. فالفكرة فى التوحيد: استحضار أَدلَّته وشواهده الدّالة على بطلان الشِّرْكِ واستحالته، وأَنَّ الإِلهيّة يستحيل ثبوتها لاثنين كما يستحيل ثبوت الربوبيّة لاثنين؛ فذلك أَبْطلُ الباطل عبادة اثنين، والتوكُّل على اثنين، بل لا تصلح العبادة إِلا للإِله الحقّ، والرّب الحقّ وهو الله الواحد القهار.

بصيرة فى فكه وفلح وفلق

بصيرة فى فكه وفلح وفلق الفاكهة: الثمار كلّها، وقيل: ما عدا العنب والرّمان والتمر، كأَن قائله نظر إِلى اختصاصها بالذِّكر فى قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} . والفاكهانىّ: بائعها. والفِكه - ككتف -: آكلها. والفاكه: صاحبها. وفكَّههم تفكيهاً: أَتاهم بها. والفاكهة: النخلة المعجبة، واسم للحلواءِ. وفكَّههم بمُلح الكلام تفكيهًا: أَطْرفهم: بها. والاسم الفَكِيهة والفُكَاهة بالضَّمّ. [وفكه - كفرح - فَكَهًا وفكاهة] فهو فَكِهٌ وفاكِه: طيّب النفس ضَحُوك وفاكهه. مازحه. وتفاكهوا: تمازحوا. الفَلَح - محركة - والفلاح: البقاءُ، والظفر، وإِدراك المُنْية. وذلك ضربان: دينىّ ودنيوىّ. فالدنيوىّ: الظفر بالسعادات الَّتى تطيب بها حياةُ الدّنيا. والأُخروىّ أَربعة أَشياء: بكاءٌ بلا فناء، وغِنىً بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وعلم بلا جهل؛ ولذلك قِيل: / لا عيش إِلا عيش الآخرة. وقوله: {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} يحتمل الأُخروىّ والدنيوى وهو أَقرب. والفلاَّحة: الأَكَرةُ لأَنَّهم يَفلَحُونَ الأَرض أَى يشُقونها. وحَىّ على الفلاح، أَى على الظفر الذى جعله الله لنا بالصّلاة والفَلَحُ - محركة -: الشقّ فى الشَفَة السفلى.

الفَلْق: شَقّ الشىءِ وإِبانة بعضه من بعض، فَلَقه يَفْلِقه وفَلَّقه: شَقَّه فانفلق وتفلَّق، قال تعالى: {فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود} . وفالِق الحَبّ: خالِقه أَو شاقُّه بإِخراج الورق منه. وفالِق الإِصباح: شاقُّه بالفَجْر وبالنُور. وأَفلق الشاعر وافتلق: أَتى بالعجيبة. الفَيْلَقُ: الجيش، والعَجَب، والرجل العظيم. وتَفَيْلَق: ضَخُم وسمِن. و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق} أَى الصّبح، وقيل: الأَنهار المذكورة فى قوله تعالى: {وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً} ، وقيل: هو الكلمة التى علّمها الله موسى ففلّق بها البحر.

بصيرة فى فلك وفلن وفن

بصيرة فى فلك وفلن وفن الفَلَك - محركة -: مدار النّجوم. والجمع: أَفلاك وفُلُك، ومن كلِّ شىءٍ: مستداره ومعظمه، وقِطَعٌ من الأَرض تستدير وترتفِع عمّا حولها، الواحدة فَلْكة بسكون اللام. ومنه: فَلَك ثديُها وأَفْلك وتفلَّك، وفَلَكَت هى وفَلَّكت، فهى فالِك ومُفَلِّك. والفُلْك - بالضمّ: السفينة. ويذكَّر ويؤَنَّث ويستوى فيه الواحد والجمع، وتقديراهما مختلفان، فإِنه إِذا كان واحدا فكبناءِ قُفْل، وإِذا كان جمعاً كان كبناء حُمْر. وفُلانٌ وفُلانةُ كنايتان عن أَسماءِ الرّجل والمرأَة، والفُلان والفلانة كناية عن غير بنى آدم. وقد يقال للواحد: يا فلُ، وللاثنين: يا فُلاَنِ، وللجمع: يا فُلُونَ، وفى المؤَنث: يا فُلَةُ، ويا فُلَتَان، ويا فُلاةُ. ومنه سيبويه أَن يقال يا فُل ويراد به يا فلان. قال تعالى: {ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً} تنبيها على تندّم من خالّ صاحبه فى تحرىّ باطل. الفَنَن - مَحركَّة -: الغُصْن. والجمع أَفنانٌ. وجمع الجمع أَفانين. وشجرة فَنَّاءُ وفَنْوَاء: كثيرتها. والأُفنون: الغُصْن. وقوله تعالى: {ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} ، أَى ذواتا غصون. وقيل: ذواتا أَلوان مختلفة.

بصيرة فى فند

بصيرة فى فند الفَنَد - محرّكة -: الكذب، وضَعْف الرّأى من هَرَم، والخطأ فيه. قال النابغة الذبيانىّ يمدح النُّعمان بن المنذر: ولا أَرى فاعلاً فى النَّاس يشبهه ... وما أُحاشى من الأَقوام مِن أَحدِ إِلاَّ سليمان إِذ قال المليك له ... قم فى البريّة فاحْدُدْهَا عن الفَنَد والتفنيد: اللوم، وتضعيف الرأى، قال تعالى: {لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ} أَى قبل أَن تلومونى فيه. والتفَنُّد: التندّم فى الأَمر.

بصيرة فى فوت وفوج

بصيرة فى فوت وفوج الفَوْت والفَوَات: خلاف إِدراك الشىءِ والوصول إِليه. فاتَهُ يفوته فَوْتًا وفَوَاتًا، قال تعالى: {وَلَوْ ترى إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ} قال، ابن عرفة: أَى لم يَسبقوا ما أريد منهم. ومرّ النبى صلَّى الله عليه وسلَّم بحائط مائل فأَسرع المشى، فقيل: يا رسول الله أَسرعت المشى، فقال: "أَخاف موت الفَوَات"، أَى موت الفُجاءَة. ورجل فُوَيت وامرأَة فوَيت لم ينفرد برأْيه ولا يشاور. والافتيات: السبق إِلى الشىءِ دون ائتمار من يؤتمر. وتفاوت الشيئان تباعد ما بينهما تفاوُتاً. وقال ابن السِّكِّيت: قال الكلابيوّن: تفاوَتاً بفتح الواو، وقال العنبرىُّ: تفاوِتاً بكسر الواو. وحكى أَيضاً أَبو زيد تفاوَتاً / - وتفاوِتاً بفتح الواو وكسرِها - وهو على غير قياس؛ لأَن المصدر من تفاعَل تفاعُل بضم العين إِلاَّ ما روى فى هذه الكلمة. وقوله تعالى: {مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمان مِن تَفَاوُتٍ} أَى اختلاف واضطراب. وقرأَ حمزة والكسائىّ: (من تفوّت) ، قال السُدّى: أَى من عيب، يقول النّاظر: لو كان كذا وكذا كان أَحسن. وجعل الله رزقه فَوْت فمه، أَى حيث يراه ولا يصل إِليه. والفَوْج: الجماعة يمرّون مسرعين، قال تعالى: {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً} .

بصيرة فى فود و (فور)

بصيرة فى فود و (فور) الفَوَاد - بالفتح وبالواو - لغة فى الفُؤاد - بالضمّ وبالهمز -. وقيل: إِنَّما يقال للقلب الفؤاد إِذا اعتبر فيه معنى التَفَؤُّد أَى التوقُّد. وقيل: القلب أَخَصّ من الفؤَاد، ومنه حديث النَّبى صلَّى الله عليه وسلم: "أَتاكم أَهلُ اليَمَن هم أَرقّ قلوباً وأَلْيَن أَفئدَة. والإِيمان يمانِ، والحِكْمة يمانِية"، فوصف القلوب بالرقّة، والأَفئدَة باللِّين، وقال تعالى: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} . وقوله تعالى: {نَارُ الله الموقدة التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} تنبيه على شدّة تأْثيرها. ورجل مَفْئود: مصاب الفؤاد. وقد فُئِدَ، وفأَده الفزع. وفأَدت الظبى: رميته فأَصبت فؤاده. والمُفْتَأَدُ: موقُد النار للشواءِ. الفَوْر: شدّة الغليان. فارتِ النارُ والقِدْرُ، والعين، والغضب. وثار ثائره، وفار فائره، أَى اشتدَّ غضبه. وفَوْرة العُقار: طُفَاوَتُها وما فار منها، وفُوارة الماءِ، كلّ ذلك تشبيهاً بغليان القدْر. وفعلته مِن فَوْرى، أَى فى غليان الحال، قال تعالى: {وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} .

بصيرة فى فوز وفوض

بصيرة فى فوز وفوض الفوز: الظفر. والفوز: النجاة. يقال: طوبى لمن فاز بالثواب، وفاز من العقاب، أَى ظفِر ونجا. وهو بمفَازة من العذاب، أَى بمَنْجاةٍ منه، وقال تعالى: {فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ العذاب} . وسُمّى الفلاة مفازة على سبيل التَّفاؤل. وفاز سهمه، وخرج لهم سهم فائز: إِذا غَلَب. وفاز بفائزة، أَى شىءٍ يسير يصيب به الفوز. قال تعالى: {ذَلِكَ هُوَ الفوز المبين} . وفوّز الرجل: مات، أَى صار فى مفازة ما بين الدُّنيا والآخرة، أَو بمعنى أَنه نجا من متاعب الدّنيا وحِبَالتها. وقوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} أَى فوزًا، أَو مكان فوز، ثمّ فسّر فقال: {حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً} . وقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله} إِلى قوله: {فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} أَى يحرصون على أَعراض الدّنيا ويَعُدُّون ما ينالونه من الغنيمة فوزًا عظيمًا. وقال تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ} . فوّض إِليه الأَمر: ردّه إِليه. {وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله} . وفاوضته فى أَمرى: جارَيته. والمفاوضة والتَّفاوض: الاشتراك فى كلِّ شىءٍ. وكانت بيننا مفاوضات ومخاوضات.

بصيرة فى فوق وفوه (وفوم)

بصيرة فى فوق وفوه (وفوم) كلمة فوق نقيض تحت. وتستعمل فى الزَّمان والمكان، والجسم، والعَدَد والمنزلة. وذلك أَضْرُبٌ: الأَوّل: بمعنى العلوّ، نحو قوله: {قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} . الثانى: باعتبار الصعُود والحدور، نحو قوله تعالى: {إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} . الثالث: يقال فى العدَد، نحو قوله تعالى: {فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثنتين} . الرابع: فى الكبر والصغر؛ نحو قوله تعالى: {أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ، أَشار بما فوقها إِلى العنكبوت المذكور فى قوله: {كَمَثَلِ العنكبوت} . وقيل معناه: ما فوقها فى الصّغر. وليس فوق من الأَضداد، كما توَّهم بعض المصنّفين. الخامس: باعتبار الفضيلة الدنيويّة، نحو قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} ، أَو الأَخرويّة نحو قوله تعالى: {والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} .

السّادس: باعتبار القهر والغلبة؛ نحو [قوله تعالى] : {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ} ، ومنه قيل: فاق فلان قومَه أَى علاهم. وما أَقام عنده إِلاَّ فُوَاق ناقة، وفِيقة ناقة: أَى قليلا؛ وذلك أَنَّ النَّاقة تُحلب فى اليوم خمس مرات أَو ستّ مرّات، فما اجتمع بين الحَلبتين فهو فِيقة. والفُوه والفاه والفِيهُ والفَم سواء. والجمع: أَفواه وأَفمام، ولا واحد لها؛ لأَنَّ فمًا أَصله فَوْه، حُذفت الهاءُ كما حذفت من سَنَة، وبقيت الواو طَرَفًا متحركة فوجب إِبْدالها أَلِفًا لانفتاح ما قبلها، فبقى (فا) ولا يكون الاسم على حرفين أَحدهما التنوين، فأبدك مكانها حرف جَلْد مشاكِل لها، وهو الميم؛ لأَنهما شفهيَّتان. وفى الميم هُوِىّ فى الفم يضارع امتداد الواو. ويقال فى تثنيته: فَمَان وفَمَوان وفَمَيان، والأَخيران نادران. والفَوَه - محركة -: سعة الفم. قال الله تعالى: {ذلك قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} . والفُوم - بالضمّ -: الثُوم، والحنطة، والحِمَّص، والخبز، وسائر الحبوب التى تُخْبز.

بصيرة فى فهم وفيض وفيل وفيأ

بصيرة فى فهم وفيض وفيل وفيأ فَهِمه فَهْمًا، وفَهَما - بالتحريك وهى أَفصح - وفَهامِيَةً: علمه. وقيل الفَهم: هيئه للنَّفس بها يتحقَّق معانى ما يحسن. فَهِمَ فهو فَهِمٌ. واستفهمنى وفهَّمته، قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ، وذلك إِمّا بأَن جعل الله له من فضل قوّة الفهم ما أَدرك به ذلك وإِمَّا بأَن أَلقى ذلك فى رُوعه، أَو بأَن أوحى إِليه وخصّه به. وتفهَّم الكلام: فهمه شيئاً بعد شىءٍ. فاض الماءُ يَفِيض فَيْضًا وفُيُوضًا وفِيُوضًا - بالكسر - وفَيْضُوضة وفَيَضاناً: سال فى كثرة انصباب. وأَفاض الماءَ على نفسه: أَفرغه، والناسُ من عرفات: دَفَعُوا أَو رجعوا وتفرّقوا، وفى الحديث: "اندفعوا وفاضوا". قال تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} . والإِناءَ: ملأَه حتى فاض، ومن المكان: أَسرع منه إِلى آخر. وقوله تعالى: {فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ} ، أَى اندفعتم منها بكثرة كاندفاع السيل وفيضان الماءِ. والفِيل: معروف والجمع أَفيال، وفُيُولٌ، وفِيَلَةٌ. والأُنثى فِيلَة. وصاحبهما فيّال. واستَفْيَل الجملُ: صار كالفِيل. وتَفَيَّل الشبابُ: زاد. وفال رأْيهُ يَفيل فيلولة: أَخطأ وضعف. والفَىْءُ والفَيئة والفُيوء: الرّجوع إِلى حالة محمودة، قال تعالى: {فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ} . وسمّى الفَىْء فيئاً لرجوعه من جانب إِلى جانب.

قال ابن السكِّيت: الفَىْءُ: ما نسخ الشمسَ، والظلّ: ما نسخته الشمس. والفِئة: الطَّائفة. والهاءُ عوض من الياءِ الَّتى سقطت من وسطها، وأَصلها فىء مثال فِيعٍ، ويجمع على فئين وفئات. وأَفأته: رجعته، قال تعالى: {مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} يعنى من مال الكفَّار. والفَىْءُ الغنيمة، والخراج. سمّى بذلك تشبيهاً بالفىءِ الذى هو الظلّ، تنبيهاً بأَن أَشرف أَعراض الدنيا يَجْرِى مَجْرَى ظِلٍّ زائل. والله أَعلم.

الباب الثانى والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف القاف

الباب الثانى والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف القاف

بصيرة فى القاف

بصيرة فى القاف وإِنه وارد على تسعة أَوجه: 1- حرف هجاءٍ لَهَوىّ مخرجه من اللَهَاة قرب مخرج الكاف. والنسبة قافىّ. والفعل منه: قَوّفت قافاً حَسَنًا وحسنةً. والجمع: أَقواف وقافات. 2- اسم لعدد المائة فى حساب الجُمّل. 3- القاف الأَصلىّ فى الكلم، كما فى: قول، وقلو، ولوق. 4- قاف الإِتباع والمزاوجة: هو ابن عمّى لحّا قَحًّا، أَى خالِصاً. 5- القاف المبدلة من الكاف: أَعرابىّ قُحّ وكُحّ، أَى محض خالص. {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ} ، و (لاَ تَكْهَرْ) قرأَ بها ابن مسعود رضى الله عنه. 6- قاف العجز والضرورة، كقوله العرب: قال فى كال. والترك يقولون فى خادم: قادم. 7- القاف المكرّرة: نحو: حقّ: وحقوق. 8- القاف الكافية الَّتى يختصر عليها من الكلمة: نحو: {ق والقرآن} و {حمعاساقا} قال الشاعر: قلت لها قِفِى فقالت لى قاف أَى وقفْت 9- قاف: اسم جبل محيط بالعالم. 10- القاف اللغوىّ: معناه فى اللغة: الرجل المصلح بين القوم. قال أَبو النّجم: مهذَّب الخِلْقَة أَرْيَحىُّ ... قافٌ بَسيطُ الكفِّ عبقرىّ

بصيرة فى قبح وقبر وقبس

بصيرة فى قبح وقبر وقبس ما ينبو عنه البصرُ من الأَعيان يقال فيه: قَبِيح. وكذا ما تنبو عنه النَّفس من الأَفعال والأَحوال. وهذا قبيح مستقبَح. وأَحسنت وأَقْبَحَ أَخوك: جاءَ بفعل قبيح. وقبَّحتُ عليه فعله. وقبَحه الله: أَبعده. وفلان مقبوح: مُنَحًّى عن الخير. قال تعالى: {هُمْ مِّنَ المقبوحين} أَى المعْلَمين بعلامة قبيحة، وذلك إِشارة إِلى ما وصف الله تعالى به الكفّار من المذامّ، ومن سواد الوجه وزرقة العيون، وسَحْبهم فى الأَغلال ونحو ذلك. القبر: منزل الميت. ونُقِلوا من القصور إِلى القبور، ومن المنابر إِلى المقابر. والمَقبَرَة والمَقْبُرَة: مجتمع القبور. قال: لكُلِّ أُناس مَقْبَرٌ بِفِنائهم ... فهم يَنْقصون والقبورُ تزيد وقَبَرَه: جعله فى القبر. وأَقبره: جعل له مكاناً يُقبر فيه، قال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} ، وقيل: معناه: أُلْهِم كيف يُدفَن. وقوله تعالى: {حتى زُرْتُمُ المقابر} كناية عن الموت. وقوله: {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور} إِشارة إِلى حال البعث، وقيل: إِشارة إِلى حين كَشف السرائر. فإِنَّ أَحوال النَّاس فى الدنيا مستورة كأَنها مقبورة، وقيل معناه: إِذا زالت الجهالة

بالموت. وكأَنّ الكافر والجاهَل ما دام فى الدنيا مقبور، فإِذا مات فقد نشر من قبره وأُخرِج / من جهالته، وذلك معنى الأَثر: "النَّاس نِيَام فإِذا ماتوا انتبهوا". والله تعالى أَشار إِلى هذا بقوله: {وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور} . خُذْ قَبَساً من النَّار ومِقْبَساً ومِقْبَاساً، واقبِس لى نارا. ومنه: وما أَنت إِلا كالقابس العجلان، أَى كالمقتبس. وقَبَسته، ناراً وعلماً وأقبسته، كقولك: بغيته وأَبْغَيته. وما أَنا إِلاَّ قَبْسة من نارك، وقَبْضة من آثارك. قال تعالى: {نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} . وحُمَّى قبْسِ لا حُمَّى عَرَض، أَى اقتبسها من غيره ولم تعرِض له من تِلقاءِ نفسه.

بصيرة فى قبص وقبض

بصيرة فى قبص وقبض القَبْص والتقبيص: التناول بأَطراف الأَصابع. وذلك المتناوَل قَبْصة وقُبصة وقبيصه. وقرئ فى الشاذّ: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول} . والقَبْض: التناول باليد، والسوق الشديد. والمتناوَل قَبْضة وقُبْضة، قال تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول} . يقال: قبضت من أَثَره قَبْضة وقَبْضاً، واقتبضت. قال أَبو الجْهم الجعفرى: قالت له واقتبضت من أَثَرِهِْ ... يا رَبّ صاحِبْ شيخنا فى سفرهِْ قيل له: كيف اقتبضَتْ من أَثره؟ قال: أَخذت قبضة من أَثره فى الأَرض فقبَّلتها. وعن مجاهد فى قوله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} يعنى القُبَض الَّتى تُعطَى عند الحصاد. وقوله تعالى: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} أَى يمتنعون عن العطاء والإِنفاق. ويستعار القبض للتصرّف فى شىء وإِن لم يكن [فيه] مراعاة اليد والكف، نحو: قبضت الدار والأَرض أَى حُزتها. وقوله تعالى: {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة} أَى فى حَوْزه حيث لا تملّك لأَحد. وقوله تعالى: {والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} أَى يَسلب ناسا ويعطى آخرين، أَو يجمع مرّة ويفرِّق مرَّة، أَو يميت ويُحْيى.

وقد يكنى بالقبض عن الموت فيقال: قبضه الله. [وقوله تعالى: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً} إِشارة إِلى نسخ ظل الشمس] . أَخبر الله تعالى فى هذه الآية أَنه بسط الظلّ ومَدَّه وجعله متحركاً تبعاً لحركة الشمس، ولو شاءَ لجعله ساكناً لا يتحرَّك، إِمَّا بسكون المَظْهَر له والدَّليل عليه، وإِمَّا بسبب آخر. ثم أَخبر أَنه قبضه بعد بسطه قبضاً يسيراً، وهو شىء بعد شىء، لم يقبضه جُملة. فهذا من أَعظم آياته الدالَّة على كمال قدرته وحكمته. فندب سبحانه إِلى رؤية صنعه وقدرته وحكمته فى هذا الفَرْد من مخلوقاته، ولو شاءَ لجعله لا صِقاً بأَصل ما هو ظلٌّ له من جَبَل وبناءِ وحَجَر وغيره فَلم يَنتفع به أَحد، فإِن كمال الانتفاع به تابع لمدّه وبسطه وتحوّله من مكان إِلى مكان. وفى مَدّه وبسطه ثُمَّ قَبْضِه شيئاً فشيئاً من المصالح والمنافع مالا يخفى ولا يُحْصَى، فلو كان ساكناً دائماً أَو قُبض دفعة واحدة لتعطلَّت مرافقُ العالم ومصالحُه. وفى دلالة الشمس على الظِّلال ما تُعرف به أَوقات الصَّلوات، وما مضى من اليوم وما بقى منه، وفى تحرُّكه وانتقاله ما يَبْرد ما أَصابه حرّ الشمس، وينتفع الحيوان والشجر والنَّبات. فهو من آيات الله الدَّالَُّة عليه. وفى الآية وجه آخر. وهو أَنه سبحانه مَدّ الظل حين بنا السَّماء كالقُّبة المضروبة، ودحا الأَرض عنها، فأَلقت القبّة ظلها عليها، فلو شاء سبحانه لجعله ساكنا مستقرا فى تلك الحال، ثم خلق الجبال ونصبها دليلا على ذلك

الظل، فهو يتبعها فى حركتها، يزيد وينقص، ويمتد ويَقْلُص، فهو تابع لها تبعيَّة المدلول / لدليله. وفيه وجه آخر، وهو أَن يكون المراد قَبْضه عند قيام السَّاعة بقبض أَسبابه، وهى الأَجرام الَّتى تُلقى الظِّلال، فيكون قد ذكر إِعدامه بإِعدام أَسبابه؛ كما ذكر إِنشاءَه بإِنشاءِ أَسبابه. وقوله: {قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً} كأَنه يُشْعِر بذلك. وقوله: {قَبْضاً يَسِيراً} يشبه قوله: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} ، وقوله بصيغة الماضى لا ينافى ذلك كقوله: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} . والوجه فى الآية هو الأَوَّل. وهذان الوجهان إِن أَراد من ذكرهما دلالة الآية عليهما إِشارة وإِيماءً فقريب، وإِن أَراد أَن ذلك هو المراد من لفظها فبعيد؛ لأَنَّه سبحانه جعل ذلك آية ودلالة عليه للناظر فيه كما فى سائر آياته التى تدعو عباده إِلى النَّظر فيها، فلا بدّ أَن يكون ذلك أَمرًا مشهودًا تقوم به الدِّلالة، ويحصل به المقصود. قال المحقِّقون من السَّالِكين: القبض نوعان: قبض فى الأَحوال، وقبض فى الحقائق. فالقبض فى الأَحوال: أَمْر يطرق القلب ويمنعه عن الانبساط والفرح، وهو نوعان أَيضاً: أَحدهما: ما يعرف سببه كتذكر ذنب، أَو تفريط، أَو بعد، أَو جَفوة، أَو حدوث ذلك. والثانى: ما لا يُعرف سببهُ بل يَهْجُم على القلب هجوما لا يقدر على التخلُّص منه، وهذا هو القبض المشار إِليه بأَلسِنَة القوم، وضدُّ البسط.

فالقبض والبسط عندهم حالتان للقلب لا يكاد ينفكّ عنهما. قال أَبو القاسم الجُنَيد: فى معنى القبض والبسط معنى الخوف والرَّجاء، فالرَّجاء يبسط إِلى الطَّاعة، والقبض والخوف يقبض عن المعصية. وكلّهم تكلَّم فى القبض والبسط حتَّى جعلوه أَقساماً: قبض تأْديب، وقبض تهذيب، وقبض جمع، وقبض تفريق. ولهذا يمتنع به صاحبُه إِذا تمكَّن منه من الأَكل والشرب والكلام، ويقل الانبساط إِلى الأَهل وغيرهم. فقبض التأْديب يكون عقوبة على غفلة أَو خُلطاء سَوْءٍ، أَو فكرة رديئة. وقبض التهذيب يكون إِعْدَادًا لِبسط عظيم يأْتى بعده. فيكون القبض قبله كالتنبيه عليه والمقدِّمة له، كما كان الغَتُّ والغطّ بين يَدَى الوحى إِعدادًا لوروده. وهكذا الخوف الشديد مقدِّمة بين يدى الأَمن. فقد جرت سُنَّة الله - سبحانه - أَن هذه الأمور النافعة المحبوبة يُدخَل إِليها من أَبواب أَضدادها. وأَمَّا قبض الجمع فهو ما يحصل للقلب حالة جَمْعيَّته على الله من انقباضه عن العالَم وما فيه، فلا يبقى فيه فضل ولا سعة لغير مَن اجتمع عليه قلبُه. وفى هذه مَن أَراد من صاحبه ما يعهده منه من المؤانسة والمذاكرة فقد ظلمه. وأَما قبض التفرقة فهو القبض الذى يحصل لمن تفرَّق قلبُه عن الله وتشتَّت فى الشِّعاب والأَودية. فأَقلّ عقوبته ما يجده من القبض الذى ينتهى معه الموت. وثمّ قبض آخر خصَّ الله به صُيَّابَته أَى خواصّ عباده. وهم ثلاث فرق:

فرقة قبضهم إِليه قبض التّوفى أَو قبض التوقِّى - من الوقاية - أَى سترهم عن أَعين النَّاس وقاية لهم وصيانة عن مُلابستهم، فغيَّبهم عن أَعينهم. وهؤلاءِ أَهل الانقطاع والعُزْلة عن الناس وقت فساد الزمان. ولعلَّهم الذين قال [فيهم] النبى صلَّى الله عليه وسلَّم: "يوشِك أَن يكون خير مال المسلم غَنماً يتَّبع بها شعَف الجبال ومواقع القَطْر"، وقوله: "ورجل معتزل فى شِعْب من الشِّعاب يعبد ربَّه، ويدع النَّاس من شرِّه". وهذه الحال تُحمد فى بعض الأَماكن والأَوقات دون بعضها، وإِلاَّ فالمؤمن الذى يخالط النَّاس ويصبر على أَذاهم أَفضل من هؤلاءِ. وفرقة أَخرى مستورون فى لباس التلبيس، مخالطون للناس، والنَّاسُ يرون ظواهرهم وقد سَتر الله سبحانه حقائقهم وأَحوالهم عن رؤية الخَلْق لها، فحالهم ملتَبسٌ على النَّاس. فإِذَا رأَوا منهم ما يرون من أَبْنَاءِ الدنيا - من الأَكل والشرب واللباس والنكاح وطلاقة الوجه وحسن المعاشرة - قالوا: هؤلاءِ منَّا أَبناءَ الدنيا، وإِذا رأَوا ذلك الجدّ والهمّ والصبر والصدق وحلاوة المعرفة والإِيمان والذكر، وشاهدوا أَمورًا ليست فى أَبناءِ الدنيا، قالوا: هؤلاءِ أَبناء الآخرة، فالتبس حالهم عليهم فهم مستورون عنهم. فهؤلاءِ هم الصادقون، هم مع النَّاس، والنَّاس لا يعرفونهم ولا يرفعون بهم رأْسا، وهم من سادات أَولياءِ الله. وهذه الفِرقة بينها وبين

الفرقة الأُولى من الفضل مالا يعلمه إِلا الله. فهم بين النَّاس بأَبدانهم، ومع الرفيق الأَعلى بقلوبهم، فإِذا قُبِضوا انتقلت أَرواحهم إِلى تلك الحضرة؛ فإِن المَرْءَ مع من أَحبّ. وما أَحسن قول القائل ووراءَ هاتيك الستور محجَّب ... بالحُسن كلُّ العزِّ تحت لوائه لو أَبصرت عيناك بعضَ جماله ... لبذلت منك الروح فى إِرضائه ما طابت الدنيا بغير حديثه ... كلاَّ ولا الأخرى بدون لقائه يا خاسراً هانت عليه نفسُه ... إِذْ باعها بالغَبْن من أَعدائه لو كنت تعلم قدر ما قد بعته ... لفسخت ذاك البيع قبل وفائه أَو كنت كفؤا للرشاد وللهدى ... أَبصرت لكن لست من أَكفائه وفرقة ثالثة قبضهم إِليه فصَافاهم مصَافاة ستر وفيض ومدد عليهم وهذه الفرقة أَعلى من الفرقتين المتقدِّمتين، لأَن الحق سبحانه قد سترهم عن نفوسهم، وشغلهم به عنهم، فهم فى أَعلى الأَحوال والمقامات، ولا التفات لهم إِليها. فهؤلاءِ قلوبهم معه سبحانه لا مع سواه، بل هم مع السِّوَى بالمجاورَة والامتحان، لا بالمساكنة والأُلفة، وقد سترهم وليّهم وحبيبهم عنهم، وأَخذهم إِليه منهم والله أَعلم.

بصيرة فى قبل

بصيرة فى قبل قبل: نقيض بعد، يقال: أَتيتك من قبلُ، وأَتيتك قَبْلُ، وقَبْلٌ بالتنوين، وقَبْلَ بالفتح، وقَبْلاَ منوّنة. والقُبُل - بضمَّتينِ -: نقيض الدبر. ويكنى بهما عن السوءَتين، ومن الجبل: سَفْحه، ومن الزمان: أَوله. وإِذًا أُقْبِلُ قُبْلك - بالضمّ - أَى أَقْصِد قصدَك. وقَبْل يستعمل على أَوجه: الأَول: فى المكان بحسب الإِضافة؛ كقول الخارج من اليمن إِلى بيت المقدس: مكَّة قبل المدينة، ويقول الخارج من القدس إِلى اليمن: المدينة قبل مكَّة. الثانى: فى الزمان: زمان معاوية قبل زمان عمر بن عبد العزيز. الثالث: فى المنزلة، نحو: فلان عند السلطان قبل فلان. الرابع: فى الترتيب الصناعىّ، نحو: تعلَّم الهجاء قبل تعلُّم الخطِّ. والقَبْل والإِقبال والاستقبال: التَّوجّه. والقابل: الذى يستقبل الدلو من البئر فيأْخذها. والقابلة: الَّتى تأْخذ الولد عند الولادة. وقبِل توبته يقبلها قَبُولا وتقبّلها، قال تعالى: {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} وقال: {غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} .

والتقبّل: قبول الشىء على وجه يقتضِى ثوابا كالهديَّة. وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} تنبيه أَنه ليس كل عبادة متقبَّلة. بل إِذا كانت على وجه مخصوص. وقوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} ، قيل: معناه: قَبلها، وقيل: تكفَّل بها. وإِنما قال: {تَقَبَّلَهَا بِقَبُولٍ} ولم يقل {بِتَقَبُّل} للجمع بين الأَمرين: التقبُّل الذى هو الترقىّ فى القبول، والقبول الذى يقتضى الرضا والإِثابة. وقيل: القَبُول هو من قولهم: فلان عليه قَبُول، أَى من رآه أَحبَّه. وقوله: {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} قيل: هو جمع قابل، ومعناه: مقابل لحواسّهم. قال مجاهد: جماعةَ جماعَةً فيكون جمع قبيل، وكذلك قوله تعالى: {أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب قُبُلاً} . ومن قرأَ {قِبَلا} بكسر القاف فمعناه عِيَانًا، وكذا قوله تعالى: {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قِبَلاً} أَى عِيَانًا، {وقُبُلاً} أَى جماعة جماعة. والقبيل: جمع قِبيلة، وهى الجماعة المجتمعة التى تُقبل بعضها على بعض، قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ} ، مأْخوذ من قبائل الرأْس وهى القِطَع المشعوب بعضُها إِلى بعض. قيل ترتيب صنوف الأَحياءِ على ترتيب الأَعضاءِ. فأَوّلها القبيلة من قبائل الرأْس، ثم الشَّعْب، ثم

العِمارة هى الصدر، ثم البطن، ثم الفخِذ، ثم الفصِيلة، وهى الساق. وأَعظمها الحىّ لأَنه يجمع الجميع. وقوله: {أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً} أَى جماعة جماعة. وقيل: معناه كفيلا من قولهم: قَبَلت فلانًا وتقبّلت به أَى تكفَّلت. وقيل: مقابَلة، أَى معاينة. والمقابَلة والتقابل أَن يُقبل بعضهم على بعض إِمّا بالذات وإِمّا بالعناية والمودّة، قال تعالى: {مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} . ولى قِبَل فلان حقّ كقولك عنده، قال تعالى: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} . ويستعار ذلك للقوّة والقُدْرةِ، فيقال: لا قِبَل لى بكذا، أَى لا يمكننى أَن أقابله، قال تعالى: {وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قِبلَهُ} ، وقوله: {بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أَى لا طاقة لهم على استقبالها ودفاعها. والقِبْلة فى الأَصل: الحالة التى عليها المقابِل، نحو الجِلسة والقِعدة، وفى التعارف صارا اسما للمكان المقابَل المتوجَّه إليه للصلاة. وقوله تعالى: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أَى متقابلة. وقوله تعالى: {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشرق} ، أَى نحوه.

بصيرة فى قتر

بصيرة فى قتر قَتَر على أَهله يَقْتُرُ ويَقْتِر، وأَقتَر وقَتَّر، أَى ضيّق عليهم وقلَّل، قال تعالى: {لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} ، وقرىءَ: {وَلَمْ يَقْتِرُواْ} . واقتتر الصائد وتقتّر للصيد: اختفى فى القُتْرة ليختِله، وهى ناموس الصائد الحافظُ لقُتار الإِنسان أَى ريحه. ورجل مُقَتّر وقَتُور. وقوله: {وَكَانَ الإنسان قَتُوراً} تنبيه على ما جُبل عليه الإِنسان من البخل. ورجل مُقْتر - كمحسن -: مُقِلّ، قال تعالى: {وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ} . ويوجهه قَتَر وقَتَرة، وهو ما يغشاه من غَبَرة الكذب والموت. قال تعالى: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} . وكأَن المُقْتر والمقَتِّر هو الذى يتناول من الشىءِ قُتاره. ورجل قاتر: ضعيف. وابن قِتْرَةَ: حيّة لا تُطْنِى. وأَبو قِترَة كنية إِبليس. وقُتْرة البستان: خَرْقه الذى يدخل الماءُ منه، ومن الباب: مكانُ الغَلَق. وهم فى قُتْرة من العيش: ضِيق. وتقتَّر له: تلطَّف، وللرمى: تهيّأَ.

بصيرة فى قتل

بصيرة فى قتل قَتَلَه يقتُله قَتْلاً وتَقتالا: أَزال رُوحه عن جسده. وقَتَّل الرّجال وقاتَلهم وتقاتلوا واقتتلوا. وأَقْتَلَه: عرّضه للقتل، كما قال مالك بن نُوَيرة لامرأَته الحسناء حين رآها خالد بن الوليد: أَقتَلْتِنى يا امرأَة، أَى سيقتلنى من أَجلك. وقوله تعالى: {قُتِلَ الخراصون} دعاء عليهم، و [هو] من الله إِيجاد لذلك. وقيل: معناه لُعِن الخرّاصُونَ وطُردوا / وكذا قوله تعالى: {قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ} ، و {قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود} ، كلّ ذلك بمعنى اللَّعن والطَّرد. ويقال: قتل الشىءَ خُبْرًا أَى علمه وتحقَّقه، ومنه قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} أَى ما علموه ولا حقَّقوه. وقوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} أَى جفاه، و (قطعه فقتله) وقوله تعالى: {فاقتلوا أَنفُسَكُمْ} أَى لِيَقْتُل بعضُكم بعضًا. وقال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} . وقوله: {قَاتَلَهُمُ الله} أَى لعنهم الله. وقيل معناه: قتلهم الله. والصّحيح الأَوّل، والمعنى صار يتصدّى لِمُحَاربة الله، فإِنَّ من قاتَل الله

مقتول. وقال تعالى: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ الله} ، {وَقَتْلَهُمُ الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ} ، وقال: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} ، وقال: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالأمس} ، {اقتلوا أَبْنَآءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ واستحيوا} ، {إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} ، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} ، {حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ} : اقتلع رأَسه بيده. {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} ، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ، {والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل} ، {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} ، {لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} ، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ الله أَمْوَاتٌ} ، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً} ، {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} إِلى قوله {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} ، وقال: {وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ} . والاقتتال كالقتال. قال الله تعالى {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} أَى قاتَلوا.

بصيرة فى قد

بصيرة فى قد القَدّ: الشق طُولاً. قددت السَّيرَ وغيره أَقُدّه قدًّا، قال الله تعالى: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ} ، ومنه حديث على رضى الله عنه: إِذا تطاول قدّ، وإِذا تقاصر قطَّ. والقَدّ: المقدود، ومنه قيل لقامة الإِنسان: قدُّهُ كقولك: تقطيعه. والقِدّ - بالكسر -: النعل لم تجرّد من الشَعَر، والسّير يُقَدّ من جلد مدبوغ، ومنه الحديث: "ولقابُ قوسِ أَحدكم من الجنَّة أَو موضعُ قِدّه خير من الدّنيا وما فيها"، أَراد بالقِدّ السّوط لأَنه يُتَّخذ من القِدّ. والقِدَّة: الطَّريقة، والفِرقة من الناس إِذا كان هوى كلّ واحد على حِدَة، قال الله تعالى: {كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} ، أَى فِرَقاً مختلفة أَهواؤُها. ومعنى (قِدَدًا) : متفرقين يعنى فى اختلاف الأَهواءِ. وقد - مخفَّفة -: حرف لا يدخل إِلا على الأَفعال، وهو جواب لقولك: لمّا يفعلْ. وزعم الخليل أَن هذا لمن ينتظر الخبر، يقول: قد مات فلان، ولو أَخبره وهو لا ينتظره لم يقل: قد مات، ولكن يقول: مات فلان. وقد يكون بمعنى ربّما، قال.

قد أَترك القِرْن مُصْفرًّا أَناملُه ... كأَنَّ أَثوابَه مُجَّت بِفرصاد فإِن جعلتها اسما شدَّدتها، قلت: كتبت قَدّا حسنة. وكذلك كى، وهو، ولَوْ، لأَنَّ هذه الحروف لا دليل على [ما] نقص منها، فيجب أَن يزاد فى آخرها ما هو من جنسها ويدغم، إِلاَّ فى الأَلف فإِنَّك تهمزها. ولو سمَّيت رجلا بـ (لا) و (ما) ثم زدت فى آخره أَلِفا همزت؛ لأَنك تحرك الثانية، والأَلف إِذا تحركت صارت همزة. فأَمَّا قولهم: قَدْك بمعنى حسبُك، وقدنى بمعنى حَسْبى، فاسم، تقول: قَدِى وقَدْنى / أَيضاً بالنون على غير قياس؛ لأَنَّ هذه النُّون إِنَّما تزاد فى الأَفعال وقاية لها، مثل: ضربنى وشتمنى. قال ابن عَتَّاب الطَّائىّ: فناولته من رِسْل كَوْماءَ جَلْدة ... وأَغضيت عنه الطَرْف حتى تضلَّعا إِذا قال: قدنى، قلت: بالله حلفة ... لَتُغنِنَّ عنىّ ذا إِنائك أَجمعا وفى رواية أَبى زيد فى نوادره: إِذا هو آلى حلْفَة قلت مثلها ... لتُغِننَّ عنىِّ ذا إِنائك أَجمعا وقد: كلمة لا يكون الماضى حالا إِلاَّ بإِضمارها أَو بإِظهارها معه، وذلك مثل قول الله تعالى: {أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} ، لا يكون (حصرت) حالاً إِلا باضمار قَدْ، فيكون تقدير الكلام: حَصِرةً صدورهم. وقال الفرَّاءُ فى

قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} ، المعنى: وقد كنتم، ولولا إِضمار قد لم يجز مثله فى الكلام؛ أَلا ترى أَنَّ قوله تعالى فى سورة يوسف {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} معناه فقد صدقت. وأَمَّا الحال فى المضارع فشائعة دون قد ظاهرة أَو مضمرة. وقَدْ تقرِّب الماضى من الحال، إِذا قلت قد فعل، ومنه قول المؤذِّن: قد قامت الصَّلاة. ويجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقَسَم، كقولك: قد واللهِ أَحسنتَ، وقد لعمرى بِتُّ ساهرا. ويجوز طرح الفعل بعدها إِذا فُهِم كقول النابغة الذبيانىّ: أَفِدَ الترحُّلُ غيرَ أَنَّ ركابنا ... لَمَّا تَزُلْ برحَالِنا وكأَنْ قَدِ أَى كأَن قد زالت. وإِذا دخلت قد على فعل ماض فإِنما تدخل على كلِّ فعل متجدِّد، نحو قوله: {قَدْ سَمِعَ الله} ، ولذلك لا يصحّ أَن تستعمل فى أَوصاف الله تعالى الذاتيَّة، نحو قد كان الله عليماً حكيماً. وقوله: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى} متناول للمرض فى المعنى؛ كما أَن النفى فى قولك: ما علم الله زيدا يخرج، هو للخروج، وتقدير ذلك: قد يمرضون فيما علم الله، وما يخرج زيد فيما علِم الله. وإِذا دخل قَدْ على الفعل المستقبل من الفعل فذلك الفعل يكون فى حالة دون حالة، نحو: {قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ} أَى قد يتسلَّلُون فيما علم الله. والله أَعلم.

بصيرة فى قدر

بصيرة فى قدر هو قادر ومقتدر: ذو قُدرة ومقْدِرَة. وأَقدره الله عليه. وقادرته: قاويته. وهم قَدْر مائة، وقَدَر مائة، ومقدارها: مبلغها. والأُمور تجرى بقَدَر الله ومقدارِه وتقديره وأَقداره ومقاديره. وقدرت الشىءَ أَقْدُرُه وأَقدِره، وقدَّرته. ولا يُقادَر قَدْره: لا يطاق. ورجل مقتدر الطُول: رَبْعة. وصانع مقتدِر: رفيق بالعمل، قال: لها جَبْهَة كسَرَاةِ المِجَنِّ ... (م) حَذَّفَه الصَّانعُ المُقْتَدِرْ وقد ورد القدر وما يتصرَّف منه لمعان مختلفة: الأَول: بمعنى الشرف والعظمة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} ، وقيل معناه: ليلة قَيَّضَها لأُمور مخصوصة. الثَّانى: بمعنى ضِيق المكان والمعيشة: {يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ} أَى يضيّق، {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أَى ضُيِّق، {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} أَى لن نضيِّق عليه. الثالث: بمعنى التزيين وتحسين الصّورة: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون}

صوَّرنا فنعم المصوِّرون: {والذي قَدَّرَ فهدى} ، أَى خلق فصوّر. الرابع: بمعنى الجَعْل والصُّنع: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} ، أَى جعل له منازل {والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ، {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} ، {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} . / الخامس: بمعنى العلم والحكمة: {والله يُقَدِّرُ الليل والنهار} أَى يعلم. السَّادس: بمعنى القدرة والقوَّة: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ} أَى يَقْوى، {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، {قُلْ هُوَ القادر} . ولها نظائر. وتقدير الله تعالى الأُمورَ على نوعين: أَحدهما بالحكم منه أَن يكون كذا أَولا يكون كذا، إِمَّا وجوباً وإِمَّا إِمكاناً، وعلى ذلك قوله: {قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} . والثانى: بإِعطاء القدرة عليه. وقوله: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون} تنبيه أَن كل ما حَكم به فهو محمود فى حكمه، أَو يكون مثل قوله: {قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} ، وقرئ (فقَدَّرْنا) مشدَّدة، وذلك منه أَو من إِعطاءِ القدرة. وقوله: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت} تنبيه أَن ذلك فيه حكمة من حيث إِنه هو المقدّر، وتنبيه أَن الأَمر ليس كما زعم المجوس: أَن الله يخلق وإِبليس يقتل. وقوله: {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} فـ (قَدَراً) إِشارة إِلى ما سبق به القضاءُ والكتابة فى اللَّوح المحفوظ، والمشار إِليه بقوله عليه الصلاة

والسلام: "فَزَع ربّكم من الخَلق والخُلُق والأَجل والرزق"، (ومقدوراً) إِشارة إِلى ما يحدث حالاً فحالاً، وهو المشار إِليه بقوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ، وعلى ذلك قوله: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} . وقوله: {عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ} أَى ما يليق بحاله مقدورًا عليه. وقوله: {والذي قَدَّرَ فهدى} ، أَى أَعطى كلّ شىءٍ ما فيه مصلحة، وهداه لما فيه خلاص، إِمّا بالتسخير وإِمّا بالتعليم؛ كما قال: {أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} . والتقدير من الإِنسان على وجهين: أَحدهما: التفكّر فى الأَمر بحسب نظر العقل، وبناءُ الأَمر عليه، وذلك محمود. والثَّانى: أَن يكون بحسب التمنىِّ والشهوة، وذلك مذموم، كقوله: {فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} . وتستعار القُدرة والمقدور للحال والسّعة والمال. والقَدَر: وقت الشىءِ المقدَّرُ له، والمكان المقدّر له. وقوله: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} أَى بقدر المكان [المقدّر] لأَن يسعها؛ وقرئ (بِقَدْرِهَا) أَى تقديرها. وقوله: {وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ} ، أَى معيّنين لوقت قدَّروه. وكذلك قوله: {فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} .

وقدرت عليه الشىء وصَفْته، وقوله: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أَى ما عرفوا كنهه، تنبيهاً أَنَّه كيف يمكنهم أَن يدركوا كنهه وهذا وصفه، وهو قوله: {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة} . وقوله: {وَقَدِّرْ فِي السرد} أَى أَحكِمه. ومقدار الشىءِ: المقدّر له وبه وقتاً كان أَو زماناً أَو غيره. وقوله: {أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّن فَضْلِ الله} يعجزون عن تحصيل شىءٍ منه. والقدير: هو الفاعل لما يشاءُ على قدر ما تقتضى الحكمة، لا زائدا عليه ولا ناقصاً عنه، ولذلك لا يصحّ أَن يوصف به إِلا الله تعالى. والمقتدر يقاربه إِلاَّ أَنَّه قد يوصف به البشر، ويكون معناه المتكلَّف والمكتسب للقدرة. ولا أَحد يوصف بالقدرة من وجه إِلاَّ ويصحّ أَن يوصف بالعجز من وجه، غير الله تعالى، فهو الذى ينتفى عنه العجزُ من كلّ وجه تعالى شأْنه.

بصيرة فى قدس

بصيرة فى قدس القُدْسُ، والقُدُسُ بضمّتين: الطَّهارة. وقد قَدُسَ يقدُسُ - ككرم يكرم - والنعت منه قُدُّوس وقَدُّوس. وقدّسه تقديساً: طهَّره. {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} ، أَى نطهِّر الأَشياءَ امتثالاً لأَمرك، وقيل: معناه: نصِفك بالتقديس. والقُدُّوس، والمقدَّس، والمتقدِّس. / وربُّ القُدس هو الله تعالى. وخرج إِلى بَيْت المقْدِس، وإِلى القُدس، وإِلى الأَرض المقدَّسة، وإِلى بيت المقدَّس، أَى إِلى بيت المكان المقدّس. وقَدَّسَ الرجلُ: أَتى بيت المقدِس، قال الفرزدق: ودَع المدينة إِنَّها مرهوبة ... واعمِد لمكَّة أَو لبيت المقدِس وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس} أَى جبريل، وفى الحديث: "قُلْ وروح القُدُس معك" أَى ومعينك جبريل، وقيل: وعصمة الله وتوفيقه معك. وراهب مقدِّس: مقيم بالقدس أَو زائر له، قال امرؤُ القيس يصف الثور والكلاب: فأَدركنه يأْخذن بالسّاق والنَّسا ... كما شبرق الوِلدانُ ثوب المقدِّس وحظيرة القدس: الجنَّة، وقيل: الشريعة. وكلاهما صحيح.

بصيرة فى قدم

بصيرة فى قدم القَدَم: السّابقة فى الأَمر، كالقُدْمة، والرّجُل له مرتبة فى الخير، والرِّجْل - مؤَنثة - والجمع: أَقدام؛ والشجاع كالقُدْم والقُدُم. وقَدَم القومَ يقدُمهم قَدْمًا وقُدُومًا، وقدّمهم واستقدمهم: تقدّمهم. قال الله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة} . وقوله تعالى: {لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ} قيل معناه: لا تتقدَّمُوا. وتحقيقه: لا تسبقوه بالقول والحُكم، بل افعلوا ما يأْمركم به، كما يفعله العِباد المكرمون كما قال: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} . وقَدُمَ - ككرم - قِدَماً وقَدامة فهو قَدِيم وقُدَام، والجمع: قُدَماءُ وقُدَامَى: تقادم. وأَقدم على الأَمر: شَجُع. وأَقدمته وقدّمته. والقِدَم: ضدّ الحدوث. والقُدُم - بضمتين -: المضىّ أَمام أَمام. وهو يمشى القُدُم والقُدُمِيّة والتَقْدُمِيَّة والتَقْدُمة: إِذا تقدّم فى الحرب. والتقدّم على أَربعة أَوجه ممّا ذكر فى (قبل) . ويقال: قديم وحديث، وذلك إِما باعتبار الزَّمانين، وإِمّا بالشرف، وإِما لما لا يصحّ وجود غيره إِلاَّ بوجوده، كقوله: الواحد متقدّم على العدد، بمعنى أَنه لو تُوهِّم ارتفاعه لارتفع الأَعداد. والقِدَم: وجودٌ فيما مضى، والبقاءُ: وجود فيما يستقبل. ولم يرد

فى التنزيل ولا فى السنَّة ذكر القديم فى وصف الله تعالى، والمتكلِّمون يصفونه به، وقد ورد يا قديم الإِحسان. وأَكثر ما يستعمل القديم يستعمل باعتبار الزمان؛ نحو قوله: {كالعرجون القديم} . وقوله تعالى: {لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} أَى سابقة فضيلة. (وقدّمت إِليه بكذا: أَعلمته قبل وقت الحاجة إِلى فعله) ، قال تعالى: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد} . وقوله تعالى: {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} أَى لا يزيدون تأَخُّرًا ولا تقدُّمًا. وقوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ} أَى ما فعلوه قبل. قال الزمخشرىّ: تقدّمت إِليه بكذا وقدّمت: أَمرته به. وفلان يتقدّم بين يدى الله: إِذا عجِل فى الأَمر والنهى دونه. وما له فى ذاك متقدَّم ومقْتدَم. ولقيته قدام ذاك وقد يديمته، أَى قُبيله، قال علقمة: قُديْديمَة التجريب والحِلم إِنَّنى ... أَرَى غفلات العيش قبل التجارب

بصيرة فى قذف وقر

بصيرة فى قذف وقر قَذَفَه بالحجارة يقذِفه: رمى بها، والمحصَنةَ: رماها بزَنْية. قرّ بالمكان، واستقرّ. وهو قارّ، أَى مستقِرّ. وقرَّ به القَرارُ. وهو فى مقرّه، ومستقرّه. وهو لا يتقارّ فى موضعه. قال تعالى: {الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً} أَى مستقَرًّا. وقال فى الجنَّة: / {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} وفى النَّار: {فَبِئْسَ القرار} . وقوله: {مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} أَى ثبات ودوام. وقول الشاعر: ولا قَرَار على زَأْرٍ من الأَسَد أَى لا أَمن ولا استقرار. وأَنا لا أَقارّك على ما أَنت عليه، أَى لا أَقِرّ معك. وقارُّوا فى الصّلاة: أَى قِرُّوا فيها. وما أَقرّنى فى هذا البلد إِلاَّ مكانك. ويوم القَرّ: يوم النحر لاستقرار الناس بمنى. واستقرّ: تحرّى القرار، وقد يستعمل بمعنى قرّ؛ كاستجاب وأَجاب، قال تعالى فى الجنَّة: {خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً} . وقوله تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} قال ابن عباس رضى الله عنهما: مستقر فى الأَرض، ومستودع فى

الأَصلاب؛ وقال ابن مسعود رضى الله عنه: مستقرّ فى الأَرض، ومستودع فى القبور. وقال الحسن: مستقرّ فى الآخرة، ومستودع فى الدنيا. وجملة الأَمر أَن كلَّ حال يُنقل عنها فليس بمستقرّ تامّ. والإِقرار: إِثبات الشىءِ إِمّا باللسان، وإِمّا بالقلب، أَو بهما جميعاً. ويوم قَرٌّ، وليلة قَرَّة، وذات قُرّ وقِرَّة: بردٍ. وأَجِد حِرَّة تحت قِرّة. ورجل مقرور: مبرود. وقَرَّ يومُنا. واغتسل بالقَرُور: بالماءِ البارد. وقرّت عينُه: سُرّت. وأَقرّها الله ضدّ أَسخنها. ويقال لمن يُسرّ به: قرَّة عين، قال تعالى: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ} ، وقيل: هو من القرار، أَى أَعطاه الله ما يسكّن به عينه فلا يطمح إِلى غيره. والقارورة سمّيت لاستقرار الماءِ فيها، قال تعالى: {صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ} . والقارورة: المرأَة شبّهت بالزُّجاج لرقَّتِها، ونظافتها، وسرعة انكسارها، ومنه الحديث: "رُوَيْدَكَ يا أَنْجَشَةُ رُوَيْدك سَوقاً بالقوارير".

بصيرة فى قرب

بصيرة فى قرب القرب - بالضمّ -: الدنوّ. قرب الشىءُ - ككرم -: دنا فهو قريب. وقوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} ولم يقل قريبة لأَنَّه أَراد بالرَّحمة العفو والغفران والإِحسان، ولأَنَّ ما لا يكون تأْنيثه حقيقياً جاز تذكيره. وقال الفرّاءُ: إِذا كان القريب فى معنى المسافة يذكَّر ويؤَنَّث، وإِذا كان فى معنى النسب يؤَنَّث بلا اختلاف بينهم، فتقول: هذه المرأَة قريبتى أَى ذات قرابتى ويستوى فى القريب نقيض البعيد الذكر والأَنثى والفرد والجمع، تقول: هو قريب منىِّ، وهى قريب، وهم قريب، وهنَّ قريب. وكذلك القول فى البعيد. قال ابن السّكيت: لأَنَّه فى تأْويل هو فى مكان قريب منىِّ. وقد يجوز قريبة وبعيدة بالتاءِ تنبيهاً على قرُبَت وبعدت. وأَنشد: ليالَى لا عفراءُ منكَ بعيدة ... فتسلَى ولا عفراءُ منك قريب وقوله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً} أَى غير شاقٍّ. وقوله تعالى: {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} ، قال مجاهد: من تحت أَقدامهم. وقوله تعالى: {يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} ، قال مجاهد: من تحت أَقدامهم أَى من المحشر، لا يبعد نداؤُه عن أَحد.

وتقول: بينى وبينه قُرْب، وقَرابة، ومَقْرُبة، ومَقْرِبة، وقُرْبة - بالضمّ - وقُرُبة - بضمّتين - وقُرْبى، قال تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي القربى} ، أَى إِلاَّ أَن توَدُّونى فى قرابتى، أَى فى قرابتى منكم. ويستعمل القرب فى (المكان، والزمان) ، والنسبة، والحُظْوة. والرعاية، والقدرة. فمن الأَوّل قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هاذه الشجرة} وقوله: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ} كناية عن الجماع. / وفى الزَّمان نحو قوله تعالى: {اقتربت الساعة} . وفى النَّسبة قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} . وفى الحُظْوة: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المقربون} ، ويقال للحُظْوة القربة: {ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ} . والرّعاية نحو قوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} . وفى القدرة قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} . وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} يحتمل أَن يكون من حيث القدرة. والقُرْبان: ما يتقرّب به إِلى الله؛ وصار فى التعارف اسما للنسيكة الَّتى هى الذبيحة. وقوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ

الله قُرْبَاناً آلِهَةَ} من قولهم: قُرْبان المَلِك لمن يتقرّب بِخِدْمته إِلى الملِك، ويستعمل ذلك للواحد والجمع. وقرابين الملك: جُلَساؤهُ وخواصّه، تقول: فلان من قُرْبَان الملِك، ومن بُعْدانه؛ ولكونه فى هذا الموضع جمعاً قال تعالى: (آلهة) . والتقرُّب: التحرّى لما يقتضى حُظوة. وقُرْب الله تعالى من العبد: هو الإِفضال عليه والفيض (لا بالمكان. وقرب العبد من الله فى الحقيقة) : التخصّص بكثير من الصّفات الَّتى يصحّ أَن يوصف الله بها، وإِن لم يكن وصف الإِنسان به على الحدّ الذى يوصف به الله تعالى، نحو الحِكمة والعلم والرّحمة، وذلك يكون بإِزالة الأَوساخ: من الجهل والطيش والغضب والحاجات البدنيّة، بقدر طاقة البشر، وذلك قرب رُوحانَّى لا بدنىّ. وعلى هذا القرب نبّه صلَّى الله عليه وسلَّم [فيما ذكر الله تعالى] : "من تقرّب منىِّ شِبْراً تقرَّبْتُ منه ذراعاً" وقوله عن الله عزَّ وجلّ أَيضاً: "ما تقرَّب إِلىَّ عبدى بمثل أَداء ما افترضته ولا يزال العبد يتقرّب إِلىّ بالنَّوافِل حتىَّ أُحبّه". الحديث. وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى} هو أَبلغ من النَّهى عن الزنىَ، لأَنَّ النَّهى عن قربه أَبلغ من النَّهى عن إِتيانه، وكذا قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم} أَبلغ من النَّهى عن تناوله، وكذا قوله: {وَلاَ تَقْرَبَا هاذه الشجرة} أَبلغ من ولا تأْكلا من ثمرها.

وقيل فى قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} أَى مجيب. وقوله: {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} ، أَى إِلى ثلاثة أَيَّام. وقوله: {لأَقْرَبَ مِنْ هاذا رَشَداً} أَى لأَِصْوب. وقوله: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً} أَى أَلينهم. وقوله: {يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} قيل: من صخرة بيت المقدس، وهو أَقرب أَماكن الأَرض إِلى السماءِ. وقوله: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} ، أَى عند هول المُطَّلَع. {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى} ، أَى لا تدخلوها ولا تشرعوا فيها. و {إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً} ، أَى كائناً واقعاً. وقوله تعالى: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ} أَى جارًا لها.

بصيرة فى قرح وقرد وقرطس

بصيرة فى قرح وقرد وقرطس قرِح جِلْدُه - كعَلِمَ - وقَرَحَه - كمنعه - قَرْحا وقُرْحا فهو مقروح وقريح، وقوم قَرْحَى. وقرّحه تقريحا فتقرَّح. وقَرَّح الوشمَ: غرزه بالإِبرة. وبه قَرْحة دامية، وقُرْح وقروح، وهو كلّ ما جرح الجلد من عَضِّ سِلاحٍ وغيره. قال تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِّثْلُهُ} وقرئ بالضمّ. وقيل: القُرْح - بالضمَّ -: الأَلم، يقال: به قُرْح من قَرْح به، أَى أَلم من جراحة. وأَقْرَحَ أَكْلُ الوَرَقِ شَفَتِى. وقرَح الفرُس يَقْرحُ قُروحاً. وقَرَحَ نابُهُ: طَلَعَ. وفرسٌ قارحٌ وخيلٌ قرَّح. وفرسٌ أَقرح: أَغرّ، وخيلٌ قُرْح. وبوجهه قُرْحة وهى ما دون الغُرّة. ولا ذباب إِلاَّ وهو أَقرح؛ كما لا بعير إِلاَّ وهو أَعلم. وقَرَحتُ رَكِيّة واقترحتها: حفرتها فى مكان لم يُحفر فيه. / وشربت قَرِيحة البئر: أَوَّل ما استُنبط منها. وقَرِيحة السَّحاب وقَرِيحه: أَوّل ما صاب منها، قال: قريحة أَبكار من المُزْن جِلَّة ... شغاميم لاحت فى ذُرَاها البوارقُ وماء قَرَاح: لا يشوبه شىء. ورجل طُوَال قُرْحان: سالم من الجُدَرىّ والحصًبة ونحوها؛ وقوم قُرْحانٌ، وقُرْحانون. ونخلة قِرْواح: طويلة.

وأَرض قِرْواح: واسعة. وقَرَّح الشجَرُ: خرجت رءُوس ورقه. ولقيته مقارحة: مواجهة. وهو قُرْحة أَصحابه: غُرَّتهم. واقترح الجملَ: ركبه قبل أَن يُركب، والأَمرَ: ابتدعه، وخطبةً: ارتجلها. وهو حسن القريحة أَى إِذا ابتدع شعرا أَو خطبة أَجادَ. وأَخذت قريحة الشَّىْءِ: أَوَّله وباكورته القِرْد (م) وجمعه قِرَدة، قال تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير} أَى جعل صورهم كصورها، وقيل: بل جعل أَخلاقهم كأَخلاقها، وإِن لم يكن صورتهم كصورتها. والأَوّل الوجه. القُراد (م) وجمعه: قِرْدان. ويقال: أَذلُّ من قِرد وقُرَاد، وأَسفل من القراد. وقَرّدَه: خَدَعه. قال الأَعشى: هم السَّمن بالسَنُّوت لا أَلْسَ فيهم ... وهم يمنعون جارهم أَن يُقَرَّدا القِرطاس: الكاغَد الَّذى يُكتب فيه. ويقال فيه: الكاغَد والكاغَذ. قال تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ} .

بصيرة فى قرض وقرع وقرف

بصيرة فى قرض وقرع وقرف القَرْض: ضرب من القطع، قرضه يقرضه، كضربه يضربه. وقرضه أَيضاً: جازاه كقارضه. وسُمِّى قطع المكان وتجاوزه قَرْضا، كما سمّى قطعاً، قال تعالى: {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشمال} أَى تجوزهم وتَدَعهم إِلى أَحد الجانبين. وأَقرضه: قطع له قطعة من ماله بشرط أَن يجازَى عليها، قال تعالى: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} . وما يُدفع إِلى أَحد بشرط ردّ بدله يسمّى قَرْضاً. وعليه قرض وقُروض. واستقرضته فأَقرضنى. واقترضت، كما يقال: استلفت. وقارضته مقارضة وقِراضا: أَعطيته المال مضاربة. قَرَعَ البابَ: دقَّه. قال: أَخلِق بذى الصَّبر أَن يَحظى بحاجته ... ومُدمِن القرعِ للأبواب أَن يَلِجا وفى الحديث: "إِنَّ المصلِّى ليقرع باب الملِك، وإِنَّ من يدمن قرع الباب يوشك أَن يُفتح له". والقرعاءُ والقارعة: الداهية، والشديدة من شدائد الدَّهر، قال الله تعالى: {تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} أَى داهيه تفجؤهم

يقال: قرعه أَمر: إِذا أَتاه بشدّة. وقيل: قارعة أَى سَرِيَّة من سرايا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وقوله تعالى: {القارعة مَا القارعة} يعنى القيامة تقرع بالأَهوال. وفى الحديث: "مَن لم يَغْزُ ولم يجهّز غازياً أَصابه الله بقارعة" أَى بداهية تقرعه. وقوارع القرآن: هى الآيات التى مَن قرأَها أَمِن من الشيطان والجن والإِنس، كأَنها تقرع هؤلاءِ، يقال: نعوذ بالله من قوارع فلان ولواذعه. القِرْف - بالكسر -: القِشر، ومن الخبز: ما يقشر منه ويبقى فى التَنُّور؛ ومن الأَرض: ما يُقتلع منها من البقول والعروق؛ ومن الجرح: جلدته. واستعير الاقتراف للاكتساب حسناً كان أَو سيّئاً، و [الاقتراف] فى الإِساءَة أَكثر استعمالاً، ولهذا قيل: الاعتراف يزيل الاقتراف. وقَرَفْت فلانا بكذا: إِذا عِبته به أَو اتَّهمته، وقد حُمل على ذلك قوله تعالى: {وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} . وقارفه: قاربه.

بصيرة فى قرن

بصيرة فى قرن القَرْن /: الرَّوْق من الحيوان، وموضعه من الإِنسان، وأَعلى الجبل، وناحية الشمس أَو أَعلاها أَو أَوّل شُعاعها، ومن القوم: سيّدهم، ومن الكلاّ: خيره أَو أَنفْه الَّذى لم يوطأ، والقوم المقترنون فى زمن واحد، وأربعون سنة أَو عشرون أَو ثلاثون أَو ستُّون أَو سبعون أَو ثمانون أَو مائة وعشرون أَو مائة سنة، أَقوال، وأَصحّها الأَخير؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم لغلام: عِشْ قرنا، فعاش مائة سنة. وذو القَرْنين: إِسكندر الرومىّ؛ لأَنَّهم ضربوا رأْسه حين دعا إِلى الله تعالى، أَو لأَنه بلغ قُطْرَى الأَرض، أَو لضَفِيرتين كانتا له، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين} . وقول النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعلىّ رضى الله عنه: "إِنّ لك بيتا فى الجنة - ويروى: كنزا - وإِنّك لذو قرنَيْها" أَى ذو طَرَفيها، أَى ذو قرنَىِ الأُمَّة، فأَضمر وإِن لم يتقدَّم لها ذكر، أَو ذو جبليها، أَى الحسن والحسين، أَو ذو شَجَّتين فى رأْسه إِحداهما من عمرو ابن وُدّ، والأُخرى من ابن مُلْجَم، وهذا أَصحّ. والقرن أَيضاً: أُمَّة بعد أُمَّة، وقال تعالى: {وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ} . وقَرَنَ بين الشيئين: جمع. وقَرَّنَ للتكثير، قال تعالى: {وَآخَرِينَ

مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} أَى مقرونين. والاقتران: الازدواج فى كونه اجتماع شيئين أَو أَشياء فى معنى من المعانى، قال تعالى: {أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ} . والقرين جاءَ فى القرآن لأَربعة معان: الأَول - بمعنى الشريك والمعين: {وَمَن يَكُنِ الشيطان لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً} ، وقال: {فَبِئْسَ القرين} أَى بئس المعين. الثانى - بمعنى الكرام الكاتبين: {قال قرينه} ، {وقَالَ قَرِينه} . الثالث. بمعنى الشياطين الموسوِسين: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ} ، {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} ، أَى موسوس. الرابع - بمعنى الشياطين تحت تسخير سليمان عليه السَّلام مقيَّدين: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} .

بصيرة فى قرأ وقرى

بصيرة فى قرأ وقرى القَرْء - بالفتح -: الحيض. والجمع أَقْراءٌ وقُروءٌ، وأَقرُؤ فى أَدنى العدد، وفى الحديث: قال لأُمّ حبيبة: "دَعِى الصلاة أَيَّام أقرائك". والقَرْء أَيضاً: الطُّهر، فهو من الأَضداد، قال الأَعشى: وفى كلِّ عام أَنت جاشم غزوة ... تشُدّ لأَقصاها عَزيم عزائكا مورّثةٍ مالاً وفى المجد رفعة ... لما ضاع فيها من قُروء نسائكا وقَرَأتِ المرأَة: حاضت. وأَصل القرء: الوقت؛ فقد يكون للحيض وقد يكون للطهر، قال: إِذا ما السماءُ لم تغِم ثم أَخلفت ... قُروءُ الثريَّا أَن يكون لها قَطْرُ يريد وقت قرئها الَّذى يمطَر فيه النَّاس، قال تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء} أَى ثلاثة دخول من الطهر فى الحيض. وقرأْت الشىء قرآناً: جمعته وضممت بعضه إِلى بعض. ومنه قولهم: ما قرأَت هذه النَّاقة سَلًى قطُّ، وما قرأَت جنيناً، أَى لم تضمّ رحمها على ولد، قال عمرو بن كلثوم:

تريك إِذا دخلْتَ على خَلاء ... وقد أَمِنَتْ عيونَ الكاشحينا ذراعَىْ عَيْطَل أَدماءَ بِكر ... هِجَانِ الَّلون لم تقرأ جنينا وقرأت الكتاب قراءَة وقُرآنا. ومنه سمّى القرآن لأَنه يجمع السّور فيضمَّها وقيل: سُمّى به لأَنَّه جُمع فيه القصص والأَمر والنهى والوعد والوعيد، أَو لأَنَّه جامع ثمرة كتب الله المنزلة، أَو لجمعه ثمرة جميع العلوم. وقال قطرب / فى أَحد قوليه، يقال: قرأت القرآن أَى لفظت به مجموعاً. وقال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أَى جمعه وقراءَته، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ} ، أَى قراءَته. قال ابن عباس - رضى الله عنهما - فإِذا بيّنّاه لك بالقراءَة فاعمل بما بيّنّاه لك. وقرأَ: تنسّك. وجمْع القارئ: قَرَأَة - مثل عامل وعَمَلة - وقُرَّاءٌ أَيضاً، مثل عابد وعُبَّاد. والقُرَّاء - كزُنَّار - أَيضاً: المتنسّك، والجمع القُرَّاءُون. قال زيد بن تُرْكىّ: ولقد عجبت لكاعبٍ مَوْدونة ... أَطرافُها بالحَلْى والحِنَّاء بيضاءَ تصطاد النفوس وتستبى ... بالحسن قلبَ المسلم القُرّاءِ وقد ذكر الله تعالى القرآن فى ست وستِّين موضعاً من القرآن: {ق والقرآن المجيد} ، {سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآن العظيم} ؛ {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} ، {يس والقرآن الحكيم} ، {وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ

القرآن لاَ يَسْجُدُونَ} ، {نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القرآن تَنزِيلاً} ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ} ، {وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً} ، {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن} ، {فقالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً} ، {لَوْ أَنزَلْنَا هاذا القرآن على جَبَلٍ} ، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ} ، {الرحمان عَلَّمَ القرآن} ، {فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ} ، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن} ، {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرآن} ، {لاَ تَسْمَعُواْ لهاذا القرآن} ، {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً} ، {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} ، {لَوْلاَ نُزِّلَ هاذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} ، {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} ، {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هاذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} ، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هاذا القرآن لِيَذَّكَّرُواْ} ، {ص والقرآن ذِي الذكر} ، {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} ، {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهاذا القرآن} ، {طس تِلْكَ آيَاتُ القرآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} ، {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرآن مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} ،

{إِنَّ هاذا القرآن يَقُصُّ على بني إِسْرَائِيلَ} ، {وَأَنْ أَتْلُوَ القرآن} ، {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ} ، {لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً} ، {إِنَّ قَوْمِي اتخذوا هاذا القرآن مَهْجُوراً} ، {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن} إلى قوله: {زِدْنِي عِلْماً} ، {إِنَّ هاذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ، {وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً} ، {وَقُرْآنَ الفجر إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً} ، {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ} ، {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هاذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} ، {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله} ، {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} ، {الذين جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ} ، {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال} ، {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التوراة والإنجيل والقرآن} ، {وَإِذَا قُرِىءَ القرآن فاستمعوا لَهُ} ، {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هاذا القرآن} ، {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ} ، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن} ، {شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن} .

وذُكرت القراءَة فى مواضع: {اقرأ باسم رَبِّكَ} ، {اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم} ، {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن} ، {وَإِذَا قُرِىءَ القرآن} ، {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فى موضعين {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ} ، {فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب} ، {اقرأ كتابك} ، {فأولائك يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ} ، {هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ} . والقَرْية والقِرْية - بالفتح - والكسر -: المصر الجامع، وكلُّ موضع يجتمع فيه ناس، والناس المجتمعون أَيضاً /، ومنه قوله: {وَسْئَلِ القرية} قيل: معناه أَهل القرية فحذف المضاف. وقال بعضهم: بل القَرْية هاهنا القوم أَنفسهم، وعلى هذا قوله تعالى: {وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً} ، وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} ، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا} . وقال علىّ بن الحُسَين رضى الله عنه: إِنما عنى الرّجال. فقيل له: فأَين ذلك فى كتاب الله؟ فقال: أَولم تسمع قوله تعالى: {وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ} .

وقوله: {وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هاذه القرية} يعنى أَريحا أَو رِيحاء. وقوله: {أَوْ كالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ} ، يعنى دَيْر هِزْقل قرية عُزَيْر. وقوله: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر} يعنى أَيْلَةَ. وقوله: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} ، يعنى نِينَوَى لقوم يونس. وقوله: {حتى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعمآ} ، يعنى أَنْطاكِيَة، وكذلك: {واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية} . وقوله: {على رَجُلٍ مِّنَ القريتين} ، يعنى مكَّة والطَّائف. {مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ} ، يعنى مكَّة شرَّفها الله تعالى. وقُزَى النمل: جراثيمه. وقَرَوت الأَرض وتقرَّيتها واستقريتها: تتبّعتها. وقَرَى الضيفَ يَقْرِيه: ضيَّفه. وأَوقد نار القِرَى. وله مِقْراة كالمِقراة، ومقارٍ كالمقارى، أَى جفان كالجوابى، من قولهم: قرى الماءَ فى الحوض: جمعه فيه.

بصيرة فى قس وقسر وقسط

بصيرة فى قس وقسر وقسط قَسّ النَّصارى وقِسّيسهم: رأْسهم وكبيرهم، قال تعالى: {ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً} ، ولفلان القُسُوسة والقِسِّيسِيّة. وهو قتَّات قَسّاس، أَى يتجسّس الأَخبار ويتقسّسها: يتبعها. وتقسّس الأَصوات: تَسمَّعها. وبات يَعُسّ ويَقُسّ. وقَسَرته على الأَمر واقتسرته: أَلزمته قهرًا وغلبة. وفعل ذلك قَسْرا واقتسارا. وهو مقْتَسَر عليه. وهم يخافون القَسْورة والقساوِر، وهو الأَسَد، من القَسْر. وغلام قَسْوَرٌ وقَسْورة. قوىّ، أَو انتهى شبابه. ويُعزى إِلى علىّ رضى الله عنه: أَنا الَّذى سَمَّتْنِ أُمِّى حَيْدَرهْ ... كليث غاباتٍ كريهِ المنظرهْ أَصابكم ضرب غلامٍ قَسورهْ ... أُوفيكم بالصّاع كَيْل السندرهْ

قال تعالى: {فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} . قَسَط: جار. وهو قاسط غير مُقْسِط. وقد قَسَط علىّ قَسْطاً وَقُسُوطاً. وتقول: إِن الله يَقْبِض ويبسُط، ويُقسط ولا يَقْسِط. وأَمر الله بالقِسْط ونهى عن القَسْط. والقَسْط: أَن يأْخذ قِسْط غيره، والإِقساط أَن يعطِىَ قِسْط غيره. وقَسَّط عليهم الخراج، وبينهم المالَ: قَسَم. ووفَّاه قِسْطه: نصيبه. قال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط} ، وقال: {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} ، وقال تعالى: {وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} . والِقُسطاس: الميزان. ويعبّر به عن العدالة؛ كالميزان.

بصيرة فى قسم وقسو وقشعر

بصيرة فى قسم وقسو وقشعر قَسَمه يَقْسِمه، وقسَّمه: جَزَّأَه، فانقسم. وهى القِسْمة. وقَسَم الدَّهرُ القومَ وقسَّمهم: فرَّقهم. واستقسمه: سأَله القسمة. ثم استعملوه بمعنى قَسَم، قال تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام} . والمَقْسِم والمِقْسَم والقِسْم: النَّصيب، وجمعه: أَقسام. والقَسِيم: القِسْم، وجمعه: أَقسماء. وجمع الجمع أَقاسيم. وقاسمه الشَّىْءَ: أَخذ كُلٌّ قِسْمَه. وقسم القسَّام وهو الذرَّاع الأَرض. وقسم الله له الرّزق، وهو القسَّام: الوهَّاب. وأَعطيتهم أَقسامهم، وأَقاسِيمهم، ومقاسِمَهم. وقوله: {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} / أَى الَّذين تقاسموا شعَب مكَّة ليصُدُّوا عن سبيل الله مَن يريد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والذين تحالفوا على كيد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وقال تعالى، {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام} . وقوله: {فالمقسمات أَمْراً} يعنى الملائكة يقسّمون الأَرزاق. والقَسَامة: الحُسن، كأَنه أُعطى كلُّ عضو قِسْمه من الحُسْن. وأَقَسم بالله: حلف. والقَسَم: اليمين. وَالْمُقسَّمُ: المهمُومُ. القَسْو، والقَسْوة، والقَساء والقساوة: الغِلَظ والصَّلابة. وقد قسا قلبُه. وأَصله من حَجَر قاسٍ، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} ، وقرئ (قَسِيَّةً) من قولهم: درهم قَسِىّ أَى زَيْف، أَى قلوبهم مغشوشة ليست بخالصة. واقشعرّ الجِلدْ: اضطرب وقام شعوره عليه. قال تعالى، {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} ، أَى تعلوها قُشَعْرِيرَة.

بصيرة فى قص وقصد

بصيرة فى قص وقصد قصّ أَثَره قَصّا وقَصَصاً، واقتصّه وتقصّصه: تتبّعه. وقوله تعالى: {فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصاً} ، أَى رجعا من الطَّريق الَّذى سلكاه يقصّان الأَثر. وقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} ، أَى نبين لك أَحسن البيان. والقِصَص: جمع قِصَّة، وهى الأَمر والشأْن، والَّذِى يُكتب، و [القَصَصُ] : الأَخبار المتتبّعة، قال تعالى: {إِنَّ هاذا لَهُوَ القصص الحق} . والقِصَاص: القَوَد. وأَقصّ الأَميرُ فلاناً من فلان: اقتصّ له منه، فجرحه مثل جَرْحه، أَو قتله قَوَدًا، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ} ، وقال: {والجروح قِصَاصٌ} . والقصاص - مثلثه -: حيث (تنتهى نَبْتَة) الشعر من مقدّمه أَو مؤَخَّره. القصد: إِتيان الشىءِ، تقول: قصدته، وقصدت له، وقصدت إِليه بمعنى. وقصدت قصْدَهُ: نحوت نحوهَ. وقوله: {وَسَفَراً قَاصِداً} أَى غير شاقٍّ ولا متناهى البعد. وقوله عزَّ وجلَّ: {وعلى الله قَصْدُ السبيل} ، أَى تبيين الصراطِ المستقيم، والدّعاءُ إِليه بالحُجَج والبينات الواضحات.

واقتصد فى النَّفَقة: توسّط بين التقتير والإِسراف، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما خاب مَن استخار، ولا ندِم من استشار، ولا عَال مَن اقتصد". ومن الاقتصاد ما هو محمود مطلقاً، وذلك فيما له طَرَفان: إِفراط وتفريط، كالجُود فإِنه بين الإِسراف والبخل، وكالشجاعة فإِنها بين التهوّر والجُبْن، وإِليه الإِشارة بقوله: {والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} ؛ ومنه ما هو متردِّدٌ بين المحمود والمذموم، وهو فيما يقع بين محمود ومذموم، كالواقع بين العَدْل والجَوْر، وعلى ذلك قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} . وقصَد فى الأَمر: إِذا لم يجاوز فيه الحدّ ورضى بالتوسّط؛ لأَنَّه فى ذلك يقصد الأَسَدّ. وهو على القصد؛ {وعلى الله قَصْدُ السبيل} . وسهم قاصد وسهام قواصد: مستوية نحو الرميّة.

بصيرة فى قصر وقصف وقصم وقصو

بصيرة فى قصر وقصف وقصم وقصو قصرته: حبسته. وقصرت نفسى على هذا الأَمر: إِذا لم تطمح إِلى غيره. وقَصَرْتُ طَرْفى: لم أَرفعه إِلى مكروه. وهنَّ قاصرات الطَّرْفِ، أَى قصرنه على أَزواجهنَّ، قال تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف} . وقصر السّترَ: أَرخاه. قال حاتم الطائىّ: وما تشتكينى جارتِى غير أَنَّنِى ... إِذا غابَ عنها زَوْجُها لا أَزورُها سيبْلُغها خيرى ويرجع بعلها ... إِليها ولم تُقْصَر علىّ ستورُها / وقَصَرتُ كذا: ضممت بعضه إِلى بعض. ومنه سمّى القصر، وجمعه: قصور، قال تعالى: {تَرْمِي بِشَرَرٍ كالقصر} ، وقيل معناه: كأُصول النخل. وقصَر عنه قُصُورًا: عجز ولم ينله. وأَقصر عن الباطل. واقتصِر على هذا: لا تجاوزه. وقصْرُك وقُصَارُك وقُصَاراك أَن يفعل كذا: غايتك. وقصّر فى حاجته، وقصّر عن منزلته، وقصّر به عملهُ. قال عنترة: أَمَّلْتُ خيركِ هل تأْتى مواعدُه ... فاليومَ قصّر عن تلقائكِ الأَمَلُ وقصَرته قَصْرًا: جعلته فى قصر، قال تعالى: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام} .

وقَصَر الصّلاة: جعلها قصيرة بترك بعض أَركانها ترخيصاً، قال تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ} . وقصر شَعَره. و (قصّرت به نفسُه) : إِذا تطلَّب القليل والحظَّ الخسيس. قَصَفه يقصِفه قصْفاً: كسره. وقَصَف الرّعدُ وغيره قصيفاً: اشتدَّ صوتُه. وفى الحديث: "أَنا والنبيّون فُرّاط القاصفين". هم المزدحِمون كأَنَّ بعضهم يقصف بعضاً لفرط الزِّحام بدارًا إِليها، أَى أَنا والنبيّون متقدّمون فى الشفاعة لقوم كثيرين متدافعين. وقوله تعالى: {قَاصِفاً مِّنَ الريح} ، وهى الرِّيح الَّتى تقصِف ما تمرّ عليه من الشجر والبناءِ. قصمه يَقْصِمه: كسره وأَبانه فانقَصم وتقَصّم. قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ} أَى حَطَمناها وهشمناها، وذلك عبارة عن الهلاك. قصَا عنه قَصْوًا وقُصُوًّا وقَصًا وقَصَاءً، وقَصِىَ: بَعُدَ، فهو قَصِىّ وقاصِ، وجمعهما: أَقصاءُ. والقُصْوى والقُصْيا: الغاية البعيدة. وأَقصاه: أَبعده. وقوله تعالى: {إلى المسجد الأقصى} أَى بَيْت المَقْدِس، سمّاه الأَقصى اعتباراً بمكان المخاطبين به من النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَصحابه.

بصيرة فى قض وقضيب وقضى

بصيرة فى قض وقضيب وقضى قضَّ الشىءَ: دقَّه. وانقضَّ الجدار: تصدّع ولم يقع بعد، (كانقاضّ انقياضاً) . القَضْب: القطع. وسيف قاضب وقضيب: قاطع. والجمع: قواضب. ورجل قَضَّابة: قطَّاع للأُمور مقتدر عليها. والقَضْب والقَضْبة: الرَطْبة وبالفارسية إِسْفَسْت. وأَهل مكَّة - حرسها الله تعالى - يسمّون القَتَّ: القَضْب، قال تعالى: {فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً} . والقَضْب أَيضاً يتَّخذ منه القسّى، قال أَبو دُوادَ جارية بن الحجّاج: وعنسٍ قدْ بَراها لذَّة ... المَوْكِب والشَّرب رذايا كالبلايا أَو ... كعيدانٍ من القضب رفعناها ذميلاً فى ... مُمَلٍّ معملٍ لَحْبِ ويقال: إِنَّهُ من جنس النَبْع. والقضْب أَيضاً من الشجر: كلُّ شجر بُسطت أَغصانه وطالت. والقضْب: اسم يقع على ما قضبْتَ من أَغصان لتَتَّخذ منها سِهَاماً أَو قِسِيّا.

القضاءُ - بالمَدّ والقصر -: الحكم. وقضى عليه يقضىِ قَضْياً وقضاء وقضيّة، وهى الاسم. والقضاءُ: الصّنع، والحَتْمُ، والبيان، وفصْل الأَمر فعلا كان أَو قولا، وكلّ منهما على وجهين: إِلهىّ وبشرىّ. فمن الإِلهىّ: قوله تعالى: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} ، أَى أَمرَ ربّك، وقوله: {وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب} ، هَذَا قضاءٌ بالإِعلام، أَى أَعلمناهم وأَوحينا إِليهم وحياً جزماً. وقوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} إِشارة إِلى إِيجاده الإِبداعىّ والفراغ منه. وقوله: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ} أَى لفُصِل بينهم. ومن الفِعل البَشَرِىّ قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ} ، وقوله {ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ} أَى افرُغوا من أَمركم. وعُبر عن الموت بالقضاء، فيقال: قضى نَحْبَه، كأَنه فصل أَمره / المختصّ به من دنياه. وقوله: {فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} قيل: قضى نذره؛ لأَنه كان قد أَلزم نفسه أَلاَّ يَنْكُل عن العِدا أَو يُقتل، وقيل معناه: منهم من مات. وقوله: {ثُمَّ قضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ} ، قيل: عُنى بالأَوّل أَجل الحياة، وبالثانى أَجل البعث. وقوله: {ياليتها كَانَتِ القاضية} ، وقوله:

{يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} كناية عن الموت. وقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة} أَى فرغتم منها. وقال: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ} أَى أَدَّيتم. وقوله: {إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر} أَى أَخبرناه. وكذلك: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر} . وقوله: {فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ} أَى افعل ما أَنت فاعل {إِنَّمَا تَقْضِي هاذه الحياة الدنيآ} أَى تفعل، {لِّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} ، أَى ليفعل؛ {إِذَا قضى أَمْراً} ، أَى فعل. {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً} أَى فعل. وقوله: {لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ} ، أَى لا ينزل عليهم الموت. وقوله: {فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ} ، فقتله. {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أَى ليُمتنا، {ياليتها كَانَتِ القاضية} . ويكون بمعنى الوجوب والوقوع: {قُضِيَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} ، {وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً} : مكتوبا فى اللَّوح المحفوظ. وبمعنى الإِتمام والإِكمال، {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} أَى أَتمَّ، {أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ} ، أَى أَتممت؛ {ليقضى أَجَلٌ مُّسَمًّى} : ليتمّ،

{مِن قَبْلِ أَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} ، {فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} : أَتمَّ أَجله. وبمعنى فصل الحكومة والخصومة: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق} فُصِل {لَقُضِيَ الأمر بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} : لفصل؛ {فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط} : فُصل، وقوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} ، أَى خلقهنَّ. {إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر} أَى وصَّينا وعهِدنا إِليه. {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} أَى أَمر وأَوصى. {ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ} أَى امضوا. والاقتضاءُ: المطالبة بقضاءِ الأَمر، ومنه قولهم: هذا يقتضى كذا. والقضاءُ من الله أَخصّ من القَدَر؛ لأَنه الفصل بين التقدير، والقَدَر هو التقدير، والقضاءُ هو التفصيل والقطع. وذكر بعض العلماء أَنَّ القَدَر بمنزلة المُعَدّ للكيل، والقضاءَ بمنزلة الكيل، ولهذا قال أَبو عُبَيد لعمر لمَّار أَرادوا الفرار من الطَّاعون من الشَّام: أَتفرّ من القضاء؟ قال: أَفرّ من قضاء الله إِلى قدر الله، تنبيهاً أَنَّ القَدَر ما لم يكن قضاء فمرجوّ أَن يدفعه الله، فإِذا قَضَى فلا يندفع، ويشهد لهذا قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً}

ومنه قولهم: المقْضِىّ كائن. وَقُضِىَ الأَمْرُ، أَى فصل، تنبيها أَنَّه صار بحيث لا يمكن تلافيه. وكل قول مقطوع به من قولك: هو كذا أَو ليس بكذا، يقال له قضيّة صادقة، وقضيَّة كاذبة. واستُقضِىَ علينا فلان، واستقضاه السُّلطان. قال: إِذا خان الأَمير وكاتِباه ... وقاضى الأَمرِ داهنَ فى القضاء فويلٌ ثمَّ ويل ثمَّ ويل ... لقاضى الأَرض من قاضى السماءِ وروينا فى مسند الإِمام أَحمد مرفوعاً: "مَن جُعل قاضياً فقد ذُبح بغير سِكِّين" وقال: "القضاة ثلاثة: قاض فى الجنَّة وقاضيان فى النَّار".

بصيرة فى قط وقطر

بصيرة فى قط وقطر القَطّ: القطع عامَّة، وقيل: بالعَرْض. وقيل: قطع شىء صُلْب. والقِطّ - بالكسر - الصّك، وكتاب المحاسبة، والصَّحيفة، والنصيب المنفرد، قال تعالى: {عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} ؛ فسّره ابن عباس بالنَّصيب، / وغيره بالصّحيفة. وقَطَّ السِّعْر: غلا. سِعْر قاطٌّ، قال أَبو وَجْزة: أَشكو إِلى الله العزيز الجبَّارْ ... ثمَّ إِليك اليوم بُعْد المُسْتارْ وحاجةَ الحىّ وقَطَّ الأَسعارْ وما رأَيته قَطُّ وقُُطُّ، ويخفِّفان، وقَطِّ مكسورة مشدَّدة، بمعنى الدّهر. وإِذا كانت بمعنى حَسْبُ فَقَطْ كعَنْ. قُطْر البلد: جانبه، والجمع: أَقطار. وقَطَر الماءُ، وقَطَرْته أَنا، وقطَّرته. والقَطْر: المطر. ورأَيت قِطَارا من الإِبل وقُطُرا، وقَطَرُوها وقطَّروها، وإِبل مقطورة ومقطَّرة. والقِطْر - بالكسر -: النَّحاس المذاب، قال تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر} .

والقَطِران: ما يتقطر من الهِنَاءِ، قال تعالى: {سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ} قُرئ (مِنْ قِطْرٍ آنٍ) أَى من نُحاس مذاب قد أَنَى حَرُّه. وقوله: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} ، أَى نحاساً مذاباً. والقِنطار: أَلف ومائتا دينار. وقيل: أَربعون أُوقيَّة. وقيل: مِلء مَسْك ثَورٍ ذهباً. وقيل غير ذلك. قال تعالى: {مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} . وقوله تعالى: {والقناطير المقنطرة} أَى المجموْعة قنطاراً، كقولهم: أُلوف مؤلَّفة، ودنانير مُدَنَّرة.

بصيرة فى قطع

بصيرة فى قطع القطع: الإِبانة، قطعه قَطْعاً وتِقْطاعا ومَقْطَعاً وقطعت النَّهرَ قُطُوعاً: عبرت. وقَطَع ماءُ الركيَّة قُطُوعاً وقَطَاعاً: انقطع وذهب. والقطع يكون مدرَكاً بالبصر، كقطع اللحم ونحوه، ومنه، قوله تعالى: {فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} ، وقوله: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} ؛ ويكون مدرَكا بالبصيرة، نحو قطع الطريق، وذلك على وجهين: أَحدهما يراد به السَّير والسلوك، والثانى يراد به الغَصْب من المارّة والسالكين، نحو قوله تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل} ، وسمّى قطع الطَّريق لأَنَّه يؤدى إِلى انقطاع النَّاس عن الطريق. وقطع الرَّحم يكون بالهِجران ومنع البِرّ. وقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السمآء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ} أَى ليقطع حبله حتى يقع. وقيل: ليقطع عمره بالاختناق، وهو معنى قول ابن عباس [ثم] ليختنق. ومعنى الآية: مَن ظنَّ أَنَّ الله لا ينصر نبيَّه فليشدّ حبلا فى سقفه - وهو السَّماء - ثمَّ ليقطع الحبل، قال اللَّيث: يقال: قَطَع الرَّجلُ الحبل أَى اختنق، لأَن المختنِق يمدّ السبَبَ إِلى السَّقف ثم يقطع نفسه من الأَرض حتى يختنق، تقول منه: قَطَع الرَّجل.

وسأَل النبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم سائل فقال: "اقطعوا لسانه عنِّى": أَى أَرضُوه. وقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً} أَى جعلنا فى كلِّ قرية منهم طائفة تؤدِّى الجزية. وقوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} أَى إِلاَّ أَن يموتوا، واستثنى الموت من شكِّهم لأَنَّهم إِذا ماتوا أَيقنوا، وذلك لا ينفعهم، وقيل: معناه إِلاَّ أَنْ يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندما على تفريطهم. وقيل: ورد القطع فى القُرْآن على اثنى عشر وجها: الأَوَّل: بمعنى الخدش والخمش من الحيرة والدَّهش: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} . الثانى: إِبانة العضو من السَّارقين: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} ، {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} ، {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} . الثالث: بمعنى قطع الطرقات: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل} . الرابع: بمعنى قطع الأَرحام: {وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} . الخامس: بمعنى الاختلاف فى الملَّة والتفرُّق فى الدِّين: {فتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} .

/ السَّادس: بمعنى التفريق والتشتيت: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَماً} . السَّابع: بمعنى الاستئصال: {فَقُطِعَ دَابِرُ القوم الذين ظَلَمُواْ} ، {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} . الثامن: بمعنى تبعيد القريب أَو تقريب البعيد: {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض} أَى بقرب بعض وبُعد آخرين. التاسع: بمعنى التقدير والإِعداد: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} . العاشر: بمعنى زوال الرَّجاء والأَمل: {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} ، أَى يئسوا ممَّا رجَوْا. الحادى عشر: بمعنى القهر والقتل: {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الذين كفروا} أَى يقتل طائفة منهم. الثانى عشر: بمعنى إِحكام الأَمر وإِتقان العزيمة والتَّدبير: {مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حتى تَشْهَدُونِ} أَى مبرِمة محكِمة.

بصيرة فى قطف وقطمير وقطن وقعد

بصيرة فى قطف وقطمير وقطن وقعد القِطْف: العنقود. سمِّى قِطْفاً بمعنى أَنَّه مقطوف، والجمع: قُطُوف، قال تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} . وأَقطف: دنا قِطافه. والقِطْمِير: النقطة تكون بظهر النواة. يستعمل للشىء الهيِّن النزر الحقير، قال تعالى: {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} . القطن - بالضمِّ - والقطُنُّ - كعُتُل - والقُطْننَّة - بضمّ النون الأُولى وبفتحها - العُطْب. واليقطين: شجرة القرع، قال تعالى: {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} . القعود والمَقْعد: الجلوس. وقد يَفْرُقون بينهما، فتقول لمن كان قائماً: قعد، ولمن كان مضطجعا أَو ساجدًا: جلس. والقَعْد: المرَّة؛ وبالكسر نوع منه. والقاعد من النساءِ: الَّتى قَعَدت عن الحيض والوَلَد، والجمع: القواعد، قال تعالى: {والقواعد مِنَ النسآء اللاتي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً} يقال: قعدتْ عن الحيض وعن الزوج. والقعود ورد فى التنزيل على سبعة أَوجه: 1- بمعنى القرار والمقرّ فى مكان: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} . 2- بمعنى التخلُّف: {وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين} ، أَى

المتخلِّفين، {فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله} ، {فاقعدوا مَعَ الخالفين} ، {لاَّ يَسْتَوِي القاعدون مِنَ المؤمنين} . 3- بمعنى المكث واللبث: {فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ، أَى ماكثون متوقِّفون. 4- بمعنى عجز النِّساء: {والقواعد مِنَ النسآء} . 5- بمعنى أَساس الأَبنية: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت} . 6- بمعنى رَصْد الطريق: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ} ، {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} . 7- بمعنى القعود الَّذى هو ضدّ القيام: {الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً} ، وقوله: {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} أَى ملَك يترصَّده ويكتب له وعليه. وقوله {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} كناية عن المعركة الَّتى بها المستقر. وقعد عن الأَمر: تركه، وللأَمر: اهتمَّ به، وبالأَمر: قام. قال منازل بن زَمَعة: كلاَّ وربّ البيت يا كَعَابُ ... لا يُقنع الجاريةَ الخضابُ ولا الوشاحان ولا الجلباب ... من دون أَن تَلْتَقِىَ الأَركابُ ويقعدَ الأَيْر له لُعاب أَى يقوم

بصيرة فى قعر وقفل وقفو

بصيرة فى قعر وقفل وقفو يقال: بئر قَعِيرة، وقد قَعُرت. وقَعَرتها: حفرتها حتى انتهيت إِلى قعرها. وأَقعرها وقعّرها: عمَّقها. وهو متقعِّر: يبلغ قُعُور الأُمور. قال: البالغون قعور الأَمر تروية ... والباسطون أَكُفًّا غير أَصفار وقعرت الشجرة: قلعتها من أَصلها فانقعرت، قال تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} ، أَى منقلعة من قعرها. وقيل معنى انقعرت: ذهبت فى قعر الأَرض، وإِنما أَراد تعالى أَنَّ هؤلاءِ اجتُثُّوا كما اجتُثَّ النخل الذاهب فى قعر الأَرض، فلم يبق له رسم / ولا أَثر. القُفْل معروف، والجمع: أَقفالٌ وأَقْفُلٌ وقفولٌ، قال تعالى: {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} ، جعل القُفْل مثلا لكل مانع من تعاطى فعل، ومنه رجل مقفَل اليدين، ومقتفِل، أَى لئيم. وأَقفل الباب عليه فانقفل واقتَفَل. وقَفَل الطعام: احتكره، واستقفل: بخل. والقُفُول: الرّجوع. قفَل يَقْفُل فهو قافل من قُفَّال. والقَفَل: اسم الجمع. والقافلة: الرفقة القُفَّال. والقفا والقافِية: وراءَ العنق يُمدّ ويقصر، ويؤنَّث ويذكَّر، والجمع: أَقْفٍ، وأَقفية، وأَقفاءٌ، وقُفِّىّ، وقِفٌّى وقَفِينٌ. وقفوته قَفْوا: تبِعته، كتقفيّته واقتفيته. وقفوته: ضربت قفاهُ؛ ورميته بالفجور. والاسم القِفْوة بالكسر، والقُفِىّ، قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} التقافى: البهتان.

بصيرة فى قلب

بصيرة فى قلب القَلب: الفؤاد، وقد يعبَّر به عن العقل. وقال الفرَّاءُ فى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} ، أَى عقل. يقال: ما قَلْبك معك، أَى ما عقلك. وقيل: القلب أَخصُّ من الفؤاد، ومنه الحديث: "أَتاكم أَهل اليمن أَرقَّ قلوباً وأَلْينَ أَفئدةً"، فوصف القلوب بالرِّقة، والأَفئدةَ باللين. وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِنَّ لكل شىء قلبا، وقلب القرآن يس"، قال الليث: هو من قولك: جئت هذا الأَمر قَلْبا، أَى محضا خالصاً لا يشوبه شىء، ومن قولهم: عربىّ قَلْب، ويستوى فيه المذكر والمؤنَّث والجمع. وإِن شئت قلت: عربيَّة قَلْبة، وثنَّيت وجمعت. وذو القلبين: جميل بن معمر بن حبيب الجُمَحىّ. وكانت قريش تقوم له: ذو القلبين، فنزل فيه قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} . وقوله تعالى: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} ، أَى أَصبح نادما، وتقليب الكفَّين من فعل الأَسِف النادم، قال: كمغبونٍ يَعَضّ على يديه ... تبيَّن غَبْنُه عند البِياع وقلب الشىء قلباً: حوّله عن وجهه. وقلب رداءََه. وقَلَبَه: كبَّه لوجهه، وقلبه ظَهْرًا لبطن؛ قال تعالى: {وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور} . وقوله تعالى:

{وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} ، أَى الأَرواح. وقوله: {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} أَى تثبت به شجاعتكم وَيزول خوفكم. وعلى عكسه: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} وقوله: {ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أَى أَجلب للعفَّة، وقوله: {قُلُوبُهُمْ شتى} أَى متفرقة. وقيل: القلب ورد فى القرآن على ثلاثة معان: الأَوَّل: بمعنى العقل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} . الثانى: بمعنى الرأْى والتدبير: {قُلُوبُهُمْ شتى} أَى آراؤهم مختلفة. الثالث: بمعنى حقيقة القلب الَّذى فى الصَّدر: {ولاكن تعمى القلوب التي فِي الصدور} . وهذا النَّوع من القلب على سبعة أَوجه: 1- قلب الكافر: {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} . 2- قلب المنافق: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} . 3- قلب العاصِين: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله} ، {كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} . 4- قلب خواصّ العباد {وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} . 5- قلب المحبِّين: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ} .

6- قلب الخائفين: {الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ، {يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} . 7- قلب العارفين: {إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} . وقال بعض المفسّرين: القلوب سبعة: 1- قلب الكافر فى غِلاف وغطاءٍ: {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} ، {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} ، {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} . 2- وقلب المنافق فى حجاب الرّياءِ: {خَتَمَ الله / على قُلُوبِهمْ} ، {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} . 3- وقلب المبتدع فى الزَيْغِ والهَوَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} ، {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} ، {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} . 4- وقلب الفاسق الغريق فى بحر العناءِ: {لِيَجْعَلَ الله ذلك حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} ، {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} . 5- وقلب الغافل الرّاغب فى الدنيا ودار الفناءِ: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} . 6- وقلب العابد المنتظر ثواب حضرة الكبرياءِ: {إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .

7- وقلب العارف المنتظر اللِّقاءَ فى دار البقاءِ: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} ، {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} . وسمّى قلباً لتقلّبه كثيرًا من حال إِلى حال. وفى الحديث: "لَقَلْبُ ابن آدمَ أَسرع تقلّباً من القِدْر إِذا استجمعتْ غَلْيا". وفيه أَيضاً: "إِنَّ مِن قلب ابن آدم إِلى كلّ وادٍ شُعْبة، فمن أَتبع قلبه الشُعَبَ كلَّها لم يبال الله فى أَىّ وادٍ أَهلكه". وفى الصّحيحين: "القلوب بين إِصبعين من أَصابع الرحمان يقلِّبها كيف يشاءُ" وتقليب الله القلوب صرفها من رأى إِلى رأى. والتَقلّب: التصرّف، قال تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} . وانقلب رأيُه. وانقلب فلان سوءَ مُنْقَلَبٍ، قال تعالى: {وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} . وأَنا أَتقلَّب فى نعمائة، وقال تعالى: {فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ} .

بصيرة فى قل

بصيرة فى قل الحمد لله على القُلّ والكُثْر، أَى على القِلَّى والكثرة. قلّ يَقِلّ، فهو قليل وقُلاَل وقَلال. وأَقلَّه وقلَّله: جعله قليلا. وأَقلَّه: صادفه قليلا، وأَتى بقليل. والقِلَّة والكثرة يستعملان فى الأَعداد؛ كما أَنَّ العِظَم والصغر يستعملان فى الأَجساد. ثمّ يستعار كل منهما للآخر، قال تعالى: {قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً} أَى وقتاً قليلاً. وقال: {مَّا قاتلوا إِلاَّ قَلِيلاً} . وقال: {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ} أَى جماعة قليلة. والقليل أَيضاً: القصير، والدّقيق، والذَّليل. وقوم قليلون وأَقِلاَّء وقُلُل وقُلُلُون. ورجلٌ قليل وقوم أَقِلَّة: خِسَاس. قال تعالى: {واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ} . وقد يعكس ويكنى بها عن العِزَّة اعتباراً بقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور} ، وذلك أَنَّ كلّ ما يعِزُّ يقلُّ وجوده. والإِقلال: قلَّة الجِدَة. رجل مُقِلٌّ وأَقلُّ: فقير وفيه بقيّة. وقوله تعالى: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً} يجوز أَن يكون (قليلا) صفة لمصدر محذوف، أَى علما قليلا؛ ويجوز أَن يكون استثناء، أَى ما أُوتيتم العلم إِلاَّ قليلا منكم. وقوله: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي

ثَمَناً قَلِيلاً} يُعنى به أَعراض الدّنيا كائناً ما كان، فهو قليل فى جَنْب ما أَعدّ الله للمتقين، وعلى ذلك قوله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ} . ويعبَّر بالقليل عن النفى تقول: قُلُّ رجل أَو أَقلّ رجل يَقُولُ ذلك إِلاَّ زيد، معناهما: ما رجل يقوله إِلاَّ هو. وقوله تعالى: {قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ} أَى تؤمِنون إِيماناً قليلا. والإِيمان القليل هو الإِقرار العامىّ المشار إِليه بقوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} . وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} أَى لا تذكرون ولا تؤمِنُونَ. وقوله تعالى: {إِنَّ هاؤلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} يعنى بالإِضافة إِلى القبط وكثرتهم. وقوله: {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً} يعنى أَربعة عشر نفراً. وقوله: {وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} يعنى ثمانين إِنساناً، أَربعين رجلاً وأَربعين امرأَة. وهو مستقِلّ بنفسه أَى ضابط لأَمره. وهو لا يستقلُّ بهذا الأَمر، أَى لا يطيقه. واستقلُّوا عن ديارهم: ارتفعوا. واستقلَّ البناءُ: أَناف. واستقلَّ غضباً: شخص من مكانه لفَرْط غضبه. وتقلقل فى البلاد: طالت أَسفارُه.

بصيرة فى قلد وقلم وقلى

بصيرة فى قلد وقلم وقلى القِلادة: الَّتى تُجعل فى العنق. وقوله تعالى: {وَلاَ الهدي وَلاَ القلائد} القلائِد من الهَدْى: ما يقلّد بلحاءِ الشجر. وكان الحِرْمىّ كلَّما سافر قلَّد ركابه بلحاء أَشجار الحرم، فيعتصم بذلك ممّن أَراده بسُوءٍ. وذو القلادة: الحارث بن ضُبَيعة بن ربيعة بن نزار. وقلائد الشِعر: البواقى على الدّهر. وقيل لأَعرابى: ما تقول فى نساءِ بنى فلان؟ فقال: قلائد الخيل، أَى هنَّ كرائم؛ وذلك لأَنَّه لا يقلّد من الخيل إِلاَّ سابق كريم. والإِقليد: المفتاح. والجمع المقاليد، كما قالوا: ملامح ومحاسن، ومشابه، ومذاكير. وقوله تعالى: {لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات} قال أَبو محمّد إِسماعيلُ بن عبد الرّحمن السُدّىّ: أَى خزائن السَّماوات والأَرض: وقال مجاهد بن جبر المكّىّ: أَى مفاتيح السماوات والأَرض. واحدها إِقليد. قال تُبَّع: وأَقمنا به من الدّهر سَبْتا ... وجعلنا لِبابه إِقليدا والإِقليد معرّب كليد، القَلَم: ما يُكتب به، والجمع. أَقلام وقِلاَم، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} ، وقال تعالى: {ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ}

وقال تعالى: {وَرَبُّكَ الأكرم الذى عَلَّمَ بالقلم} إِشارة وتنبيه إِلى ما أَنعم به على الإِنسان: من تعليم الكتابة، وما فى القلب من الفوائد واللَّطائف. قال: ورَواقِمٍ رُقْشٍ كِمِثْلِ أَراقِمٍ ... قُطُف الخطا نيَّالة أَقْصَى المَدَى سُودِ القوائمِ لا يجِدُّ مَسِيرُهَا ... إِلاَّ إِذا لَعِبَتْ بها بِيضُ المُدَى والقلم أَيضاً: القِدْح الذى يُضرب به، سمّى قلمًا لأَنَّه كان يُبرى كَبَرْى القلم ثم يقارَع به، قال تعالى: {إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ} ، أَى قداحهم: أَزلامهم. وفى الأَثر: أَوّل ما خلق الله القَلَم، وقال له: اكتب ما هو كائن إِلى يوم القيامة. ورُوى أَن النبى صلَّى الله عليه وسلم كان يأخذ الوحى عن جبريل، وجبريل عن ميكائيل، وميكائيل عن إِسرافيل، وإِسرافيل عن اللوح، واللَّوح عن القَلَم. وتقليم الأَظافر: قَصُّها، وقد قَلَمها وقلَّمها. والإِقليم: واحد الأَقاليم السّبعة. قلاه يَقْلِيه، وقَلِيَهُ يقلاه قِلًى وقَلاء ومَقْلِيَة: أَبغضه وكرهه غاية الكراهة، واوىّ يأتىّ. وقيل: قَلاه، يقال، فى الهجر، وقَلِيَهُ، فى البغض.

بصيرة فى قمح وقمر وقمص وقمطر وقمع وقمل

بصيرة فى قمح وقمر وقمص وقمطر وقمع وقمل قَمح السّويقَ وغيره، واقتحمه: إِذا أَخذه فى راحته إِلى فيه. وقَمَح البعيرُ يَقْمَح إِذا رفع رأسه من الماءِ بعد الرِّىّ. وأَقمحه: شدّ رأسه إِلى خلف، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ} تشبيه بذلك. ومنه قول النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم لعلىّ رضى الله عنه: سَتَقْدَمُ على الله أَنت وشِيعتُك راضين مَرْضيّين، ويقدَم عليه عدوّك غضاباً مُقْمَحين. ثمَّ جمع يده إِلى عنقه يريهم كيف الإِقماح، وهو رفع الرأس وغضّ البَصر، يقال أَقمحه الغُلّ إِذا ترك رأسه مرفوعاً من ضِيقه. والآية إِشارة إِلى وصفهم بالامتناع عن الانقياد للحقِّ، والإِذعان لقبول الرشد، وعن الإِنفاق فى سبيل الله. القَمَرَ يسمّى قَمراً بعد الثالثة. قال تعالى: {والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} وقال: {سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً} ، والجمع: أَقمار. والقميص معروف، والجمع: أَقمصة، قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} ، وقال تعالى: {اذهبوا بِقَمِيصِي هاذا فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً} .

والقَمْطَرِير: الشَّديد، كالقُمَاطر، كأَنه مركَّب من قمط وقطر أَو قمر والقَمْع: الضَّرب بالمِقمَعة. وهى [العمود] من حديد كالمحْجَن يُضرب به رأس الفيل، قال الله تعالى: {مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} . وقال اللَّيث: المِقْمعة: خشبة يضرب [بها] الإِنسان على رأسه. وهى أَيضاً: الجِرَزة والأَعمدة من جديد، وأَنشد. وتمشى مَعَدّ حوله بالمقامع القَمْل والقَمَال معروف، الواحدة بهاء. وقد قَمِل رأسُه - كعَلم -: كثر قَمْلُه. والقُمَّل - كدمّل -: صغار الذرّ والدبىَ الَّذى لا أَجنحة له، أَو شىءٌ صغير بجناح أَحمر، وشىءٌ يشبه الحَلَم لا يأكل أَكل الجراد، خبيث الرائحة، ودوابّ بالقِردان أَشبه، صغار، واحدتها بهاء، ورجل قَمِل: كثير القَمْل.

بصيرة فى قنت وقنط وقنع وقنى وقنو

بصيرة فى قنت وقنط وقنع وقنى وقنو القُنُوت ينقسم إِلى أَربعة أَقسام: الصّلاة، وطول القيام، وإِقامة الطاعة، والسّكوت. وروى عن زيد بن أَرقم رضى الله عنه: "كنَّا نتكلَّم في الصّلاة، يكلِّم أَحدنا صاحبه فى حاجته، حتى نزلت: {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} فأُمر بالسّكوت". وسئل ابن عمر رضى الله عنهما عن القنوت فقال: ما أَعرف القنوت إِلا طول القيام. ثمّ قرأَ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ الليل سَاجِداً وَقَآئِماً} . وقال الزجّاج: المشهور فى اللغة أَنَّ القنوت الدّعاء، وأَنَّ القانت الدّاعى. ابن الأَعرابىِّ: أَقنت: دعا على عدوّه، وأَقنت: إِذا أَطال القيام فى الصّلاة، وأَقنت: إِذا أَدام الحج، وأَقنت: إِذا أَطال الغزو، وأَقنت: إِذا تواضع لله تعالى. وقوله تعالى: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} قيل: خاضعون، وقيل: طائِعون وقيل: ساكتون، يعنى عن كلام الآدميين، وكل ما ليس من الصّلاة فى شىءٍ وعلى هذا ما روى: "قيل أَىّ الصَّلاة أَفضل؟ قال: القنوت"، أَى الاشتغال بالعبادة ورفض كلّ ما سواه. قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً} . قَنَط يَقْنُط ويَقْنِط قُنُوطا، وقنِط يَقْنَط - كفرح يفرح - قَنَطاً وقَنَاطة، وقَنَط يَقْنَط - كجعل يجعل - أَى يئس، وقنَّطه غيره، قال تعالى: {لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} .

القُنُوع: السؤال والتذلُّل للمسأَلة، وقد قَنَع يَقْنع كمنع يمنع. ومن دعائهم: نسأَل الله القَناعة، ونعوذ به من القُنوع. وقال الشمَّاخ: لمالُ المرءِ يُصلحه فيُغنى ... مفاقِره أَعفّ من القنوع يعنى: من مسأَلة النَّاس. ورجل قانع وقَنِيع. قال الأَصمعىّ: رأَيت أَعرابيًّا يقول فى دعائه: اللهم إِنِّى أَعوذ بك من القُنُوع والخضوع والخنوع. وما يغضّ طَرْف المرء، ويُغرى به لئام الناس. قال الله تعالى: {وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر} ، الَّذى يتعرَّض ولا يسأَل. وقيل: القانع: الذى يقنع بالقليل وقال عدىّ بن زيد: ولا خُنْتُ ذا عهد وأَيتُ بعهده ... ولم أَحرم المضطرّ إِذْ جاءَ قانعاً يعنى سائلا. وقال الفرَّاءُ: القانع هو الَّذى يسأَلك فما أَعطيته قَبِلَهُ. والقناعة: الرّضا بالقَسْم. وقد قنِع - بالكسر - يَقْنَع قناعة. زاد أَبو عبيدة قُنْعاناً وقَنَعا - محركة - فهو قَنِع، وقانع، وقَنُوع، وقَنِيع. وفى حديث النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "القناعة مال لا ينفد". أَقنعه الشىء: أَرضاه وأَقنع رأسه: إِذا نصبه، قال الله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} أَى رافعى رءُوسهم وهم ينظرون فى ذلّ. وقال ابن عرفة يقال: أَقنع رأسه إِذا نصبه لا يلتفت يميناً ولا شِمالاً، وجعل طَرْفه موازياً لما بين يديه؛ وكذلك الإِقناع فى الصلاة. وفى الحديث: "كان لا يُصَبِّى رأسه فى

الرّكوع ولا يُقْنعه". وفى الحديث الآخر: "إِذا أَخذ الحُسَين فجعل إِحدى يديه تحت ذَقنه، والأُخرى فى فَأس رأسه ثمّ أَقنعه فقبَّله" أَى رفعه. وأقنعنى فلان: أَحوجنى. وقنَّعته تقنيعاً: رَضَّيته، ومنه الحديث: "طوبى لمَن هُدِى الإِسلام وكان عيشه كَفَافاً وقُنّع به". وهكذا رواه الحربى رحمه الله. القِنْية والقُنية - بالكسر والضّم - ما اكتُسِب. والقِنَى كإِلىَ: الرضا. وقَنَاه الله وأَقناه: أَرضاه، قال تعالى: {أغنى وأقنى} ، وقيل: أَقنى: أَعطى ما فيه الغنى، وتحقيقه أَنَّه جعل له قُِنْية من الرّضا والطاعة فَغَنِىَ بهما أَعظم غنى. والقِنْو والقُنْو - بالكسر وبالضم - والقِنَا - بالكسر وبالفتح -: الكِبَاسة والجمع: أَقناء وقنوانٌ وقنيان مثلَّثتين، قال الله تعالى: {قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} .

بصيرة فى قوب وقوت وقوس

بصيرة فى قوب وقوت وقوس قابُ قَوْسٍ، وقِيب قوس، وقاسُ قوس، وقِيسُ قوس، وقادُ قوس، وقِيدُ قوس، وقَبْىُ قوس، وقِبَاء قوس أَى قدر قوس. والقاب أَيضاً: ما بين المَقْبِض والسِّيَة، ولكل قوس قابان. قال تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى} قيل: أَراد قابى قوس فقلبه، والمراد قرب المنزلة. وفى الحديث: "لقابُ قوس أَحدكم من الجنَّة أَو موضع قدمه خير من الدُّنيا وما فيها". وعينه واو لثلاثة أَوجه. أَحدهما: أَن بنات الواو من المعتلّ العين أَكثر من بنات الياءِ. والثَّانى: أَن تركيب (ق وب) موجود مستعمل، دون (ق ى ب) . والثالث: أَنه علامة يعلم بها المسافة بين الشيئين، من قولهم: قَوَّبوا فى هذه الأَرض: إِذا أَثَّروا [فيها] بموطئهم ومحلِّهم وبدت علامة ذلك. والقوت: ما يقوم به بدن الإِنسان من الطعام. وما عنده قوت ليلة، وقِيت ليلة، وقُيَيت ليلة. وقات أَهلَه يقوتهم قَوْتاً وقِياتة، والأَصل قِوَاتة، صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وقُتُّه فاقتات، كما تقول: رزقته فارتزق. وفى دعاءِ النبى صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللهمَّ اجعل رزق آل

محمّد قوتاً"، أَى مقدارًا يُمسَك به الرمَق. وهو فى قائت من العيش: فى كفاية. قال تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} . والمُقِيت: المقتدر، كالَّذى يعطى كلَّ إِنسان قوته، قال الله تعالى: {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً} . والقَوْس معروف. وقد تذكّر، تصغيرها قويسة وقُويس، والجمع، أَقواس وقِياس وقِسِىّ، قال تعالى: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى} .

بصيرة فى قول

بصيرة فى قول القَوْل: كل لفظ مَذَل به اللسان، تامًّا كان أَو ناقصاً، والجمع: أَقوال، وجمع الجمع: أَقاويل، قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل} . والقول والقال والقيل واحد. وقيل: القول فى الخير، والقال والقيل فى الشر، قال: أَبكى إِلى الشرق إِن كانت منازلهم ... ممَّا يلى الغرب خوفَ القِيل والقالِ وقيل يقال: قال يقول قِيلا وقَوْلاً وقَوْلة ومقالاً ومَقَالة فيهما، فهو قائل وقالٌ وقَوُول وقَؤُول. والجمع: قُوَّل وَقُيّلٌ وقالة وقُوُول وقُؤُول. ونهى صلَّى الله عليه وسلَّم عن قيل وقال، وكثرة السُّؤال، وإِضافة المال. وقال أَبو القاسم الأَصفهانى: القول يستعمل على أَوجه: أَظهرها: أَن يكون للمركَّب من الحروف المبرَز بالنّطق، مفردًا كان أَو جملة. وقد يسمّى الواحد من الاسم والفعل والأَداة قولا؛ كما قد تسمّى القصيدة والخطبة قولاً. والثَّانى: يقال للمتصوَّر فى النفس قبل الإِبراز باللفظ قول، فيقال: فى نفسى قول لم أُظهره، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله} فجعل ما فى اعتقادهم قولاً.

الثالث للاعتقاد (كقولك: يقول الشافعى) رحمه الله. الرابع: يقال للدّلالة على شىء، كقولك للجدار المائل يقول: إِنِّى ساقط. وقال الشاعر: امتلأَ الحوض وقال قَطْنى. الخامس: يقال للعناية الصَّادقة بالشىء؛ كقولك: فلان يقول بكذا. السَّادس: فى الإِلهام؛ نحو: {قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ} فإِنَّ ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما رُوى وذكر، بل كان إِلهاماً فسمَّاه قولاً. وقيل فى قوله تعالى: {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} إِن ذلك كان بتسخير من الله تعالى لا بخطاب ظاهر ورد عليهما. وقوله: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} فذكر أَفواههم تنبيهاً على أَن ذلك كذب مقول لا عن صحَّة اعتقاد؛ كما ذكر الكتابة باليد فى قوله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ} . وقوله: {لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ} أَى عِلم الله تعالى بهم وحكمه عليهم، كما قال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} .

وقوله: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ قَوْلَ الحق الذي فِيهِ يَمْتُرُونَ} ، وإِنما سمَّاه قول الحقِّ تنبيهاً على ما قال: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} . وتسميته قولاً كتسميته كلمة فى قوله: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ} . وأَمَّا قوله: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} فمعناه: فى أَمر البعث، فسمَّاه قولا، فإِن المقول فيه يسمَّى قولا، كما أنَّ المذكور يسمَّى ذِكرا. وقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} نسب القول إِلى الرَّسول، وذلك لأَنَّ القول الصَّادر إِليك عن رسول يبلِّغه إِليك عن مرسِل له يصحّ أَن تنسبه إِليه تارة، وإِلى رسوله تارة. وكلاهما صحيح. وقوله: {الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ} لم يُرد به القول النطقى فقط، بل أَراد ذلك إِذا كان معه اعتقاد وعمل. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول} ، وقوله: {عِبَادِ الذين يَسْتَمِعُونَ القول} المراد بهما القرآن ولهما نظائر. وقوله: {وَقُل لَّهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} أَمر بوعظهم وتذكيرهم، والمبالغة فى ذلك.

وقوله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} يعنى كلمة التوحيد. وقال لموسى وهارون: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً} . وأَمر بملاطفة الأَقارب وبرّهم ورضخهم فقال: {فارزقوهم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} .

بصيرة فى قوم

بصيرة فى قوم قام يقوم قَوْماً وقِيَاماً وقَوْمة وقامة، فهو قائم / من قُوّم وقُيَّم، وقُوَّام وقُيَّام، وقِيام. وقاومته قِواماً: قمت معه. والقيام على وجوه: قيام بالشخص، ويكون إِمَّا بالتسخير نحو: {مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} ، وإِمَّا باختيار نحو وقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ الليل سَاجِداً وَقَآئِماً} . ويكون بمعنى مراعاة الشىءِ نحو قوله تعالى: {كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ} . وقوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} أَى حافظ. وقوله: {إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً} أَى ثابتا فى طلبه. ويكون بمعنى العزم نحو قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة} . وقوله: {وَيُقِيمُونَ الصلاة} أَى يديمون فعلها ويحافظون عليها. والقِيام والقِوَام اسم لما يقوم ويثبت به الشىء؛ كالعِماد والسِّناد لما يُعمد ويسند به. وقام بمعنى أَقام، قال: جَرَى معك الجارُون حتى إِذا انْتَهَوْا ... إِلى الغايةِ القُصْوَى جَرَيْتَ وقامُوا أَى فهم [تخلَّفوا] ولم يدركوا شأوك.

وورد القيام وما يتصرّف منه على وجوه: بمعنى أَداءِ الصَّلاة: {وَأَقِيمُواْ الصلاة} ، {وَأَقَامُواْ الصلاة} ، {يُقِيمُونَ الصلاة} ونظائرها. ولم يأمر بالصَّلاة حيثما أَمر، ولا مَدَح بها حيث مَدَح إِلاَّ بلفظ الإِقامة، تنبيهاً أَنَّ المقصود منها توفية شرائطها لا الإِتيان بهيئاتها: {رَبِّ اجعلني مُقِيمَ الصلاة} أَى وفِّقنى لتوفية شرائطها. وبمعنى إِقامةِ الحدود: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} ، {إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} . وبمعنى الاستقامة على سَنَن العدل: {كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ} . وبمعنى الأَمن: {جَعَلَ الله الكعبة البيت الحرام قِيَاماً لِّلنَّاسِ} ، أَى أَمْناً لهم. وقيل: قِوَاماً، وقيل: قائماً لا يُنسخ. وبمعنى قيام المعيشة: {وَلاَ تُؤْتُواْ السفهآء أَمْوَالَكُمُ التي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَاماً} ، أَى جعله ممَّا يقيمكم ويمسككم. وبمعنى لزوم المنزل فى الحَضَر: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} . وبمعنى القيام بالأَوامر والنواهى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل} . وبمعنى نصب ميزان العدل فى القيامة: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً} .

وبمعنى تحقُّق الحساب: {يَوْمَ يَقُومُ الحساب} . وبمعنى قيام القيامة: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} . وبمعنى استواء العالَم واستقامته بأَمره تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السمآء والأرض بِأَمْرِهِ} . وبمعنى منازل الملائكة: {وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} . وبمعنى قيام الدِّين على سَنَن السَّداد: {ذلك الدين القيم} ، {قَيِّماً} ، {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} . وبمعنى التهجّد: {آنَآءَ الليل سَاجِداً وَقَآئِماً} ، {قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً} ، {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل} . وبمعنى القيامة فى عَرْصة العرض: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} . وبمعنى كمال الألوهيّة والقدرة: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ، {وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم} ، وقيل القيّوم: القائم الحافظ لكل شىءٍ، والمعطى له مابه قِوامه. وبمعنى قيام الرّجال بمصالح النساءِ: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء}

وبمعنى قيام الحاجّ بإِتمام المناسك: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ والقآئمين} وبمعنى الاهتمام بإِبلاغ الرّسالة: {ياأيها المدثر قُمْ فَأَنذِرْ} ، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ} . وبمعنى الملازمة والمداومة: {وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً} . وبمعنى الثبوت: {مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} . وبمعنى الوقوف: {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين} . / وبمعنى ضدّ القعود: {وَتَرَكُوكَ قَآئِماً} ، {الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً} . وقوله تعالى: {دِينُ القيمة} أَى دين الأُمَّة القائمة بالقسط المشار إِليهم بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} . وقوله: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} إِشارة إِلى ما فيها من معانى الكتب المنزلة، فإِن القرآن يجمع ثمرة كتب الله المتقدّمة. والمَقام يكون مصدراً، واسم مكان القيام وزمانه نحو: {إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي} ، {واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وقوله: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} .

وقوله تعالى: {لَسْتُمْ على شَيْءٍ حتى تُقِيمُواْ التوراة والإنجيل} . أَى توفُّوا حقَّهما بالعلم والعمل. وقوله: {فاقتلوا المشركين} إِلى قوله: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة} ، قيل المراد به إِقامتها بالإِقرار بوجوبها لأَدائها. والمُقامة: الإِقامة، قال تعالى: {الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة} . والمُقَام يقال للمصدر والزَّمان والمكان والمفعول. لكن الوارد فى القُرْآن المصدر نحو قوله: {إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} ، وقوله: {لاَ مُقَامَ لَكُمْ فارجعوا} أَى لا مستقر لكم. وقرئ، {لا مَقَامَ لَكُمْ} من أَقام. وقرئ: {إِنَّ المتقين فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} بالضمّ أَى فى مكان تدوم إِقامتهم فيه. وعذابٌ مقيم أَى دائم. و {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} إِشارة إِلى ما خصَّ به الإِنسان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدالَّة على استيلائه على كل ما فى هذا العالم. وتقويم الشىءِ: تثقيفه، والسّلعة: تثمينها. والمَقَامة: الجماعة. قال: وفيهم مَقَامات حسانٌ وجوههم كأَنَّهم جعلوا اسم المكان اسماً لأَهله المقيمين به. والاستقامة: لزوم المنهج القويم قال تعالى: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله

ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة} الآية. وقال تعالى: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} إِلى قوله: {يَعْمَلُونَ} ، وقال تعالى لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم: {فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} إِلى قوله: {بَصِيرٌ} ، فبيّن أَنَّ الاستقامة بعدم الطغيان، وهو مجاوزة الحدود. وقال: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلاهكم إلاه وَاحِدٌ فاستقيموا إِلَيْهِ واستغفروه} . وسئل صدّيق الأُمّة وأَعظمُها استقامةً أَبو بكر الصِّديق رضى الله عنه عن الاستقامة فقال: أَلاَّ تشرك بالله شيئاً. يريد الاستقامة على محض التوحيد. وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: أَن يستقيم على الأَمر والنهى، ولا يروغ رَوَغان الثعلب. وقال عثمان رضى الله عنه: استقاموا: أَخلصوا العمل لله. وقال علىّ رضى الله عنه وابن عبّاس: استقاموا: أَدّوا الفرائض. وقال الحسن البصرىّ: استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته. وقال مجاهد: استقاموا على شهادة أَن لا إِله إِلاَّ الله، حتىَّ لَحِقُوا بالله. وقال بعضهم: استقاموا على محبّته وعبوديته، فلم يلتفتوا عنه يَمْنة ولا يسرة. وعند مسلم عن سفيان بن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله: قل لى فى الإِسلام قولا لا أَسأَل عنه أَحدا غيرك، قال: "قل آمنت بالله ثم استقم". وعند ثَوْبان يرفعه: "استقيموا ولن تُحصُوا، واعلموا أَنَّ خير أَعمالكم الصّلاة، ولا يحافظ على الوضوء إِلاَّ مؤمن".

والمقصود من العبد الاستقامة وهى السّدَاد. فإِن لم يقدر عليها فالمقاربة. وعند مسلم مرفوعاً: "سَدِّدُوا / وقاربوا، واعلموا أَنه لن ينجو أَحد منكم بعمله. قالوا: ولا أَنت يا رسول الله؟ قال: ولا أَنا إِلا أَن يتغمَّدنى الله برحمة منه وفضل". فجمع فى هذا الحديث مقامات الدّين كلها. فأَمر بالاستقامة وهى السّداد، والإِصابة فى النيّات والأَقوال. وأَخبر فى حديث ثوبان أَنهم لا يطيقونها فنقلهم إِلى المقاربة، وهى أَن يقربوا من الاستقامة بحسب طاقتهم، كالَّذى يرمى إِلى الغرض وإِن لم يُصبه يقاربه. ومع هذا فأَخبرهم أَن الاستقامة والمقاربة لا تنجى يوم القيامة، فلا يركن أَحد إِلى عمله، ولا يرى أَن نجاته به، بل إِنَّما نجاته برحمة الله وغفرانه وفضله. فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، وهو القيام بين يَدى الله تعالى على حقيقة الصّدق، والوفاءِ بالعهد. والاستقامة تعلَّق بالأَقوال والأَفعال والأَحوال والنِّيات. فالاستقامة فيها، وقوعها لله وبالله وعلى أَمر الله. قال بعض العارفين: كن صاحب الاستقامة، لا طالب الكرامة، فإِن نفسك متحرّكة فى طلب الكرامة، وربّك يطالبك بالاستقامة. فالاستقامة للحال بمنزلة الرّوح من البدن، فكما أَنَّ البدن إِذا خلا عن الرّوح فهو ميّت، فكذلك الحال إِذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد. وكما أَن حياة الأَحوال بها، فزيادة أَعمال الزَّاهدين أَيضاً ونورها وزكاؤُها بها، فلا زكاء للعمل ولا صحّة بدونها. والله أَعلم.

بصيرة فى قهر وقوى

بصيرة فى قهر وقوى القهر: الاستيلاءُ والغلبة على طريق التذليل، قال تعالى: {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ} . والقوّة ضدّ الضعف، والجمع: قُوًى وقِوًى. والقَوَاية - بالفتح -: القوة. قوِى يقوى - كرضى يرضى - فهو قَوِىّ. وتقوّى واقتوى. وقوّاه الله. وفلان قَوِىٌّ مُقْوٍ أَى في نفسه ودابَّته. وقد تستعمل القوة بمعنى القدرة؛ نحو: {خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} . وتستعمل للتهيّؤ الموجود فى الشىءِ، وأَكثر من يستعمل هذا الفلاسفة، ويستعملونه على وجهين: أَحدهما أَن يقال لِمَا كان موجوداً، فيقال: كاتب بالقوّة، أَى معه المعرفة بالكتابة؛ لكنه ليس يَستعمل. والثانى يقال: فلان كاتب بالقوّة، وليس يعنى أَنَّ معه العلم بالكتابة، ولكن معناه: يمكنه أَن يتعلَّم الكتابة. والقوّة تستعمل فى البدن تارة، وفى القلب تارة، وفى المعاون من خارج تارة، وفى القدرة الإِلهية تارة. ففى البدن قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} ، وقوله: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} ، فالقوَّة هاهنا قوَّة البدن بدلالة أَنه رغب عن القوّة الخارجة

فقال: (مَا مَكَّنِّك فِيهِ رَبِّك خَيْرٌ.) وفى المعاون من خارج نحو قوله: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} ، قيل معناه: مَن يقوى به من الجُنْد، وما يقوى به من المال. ونحو قوله: {نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ} . وفى القدرة الإِلهِيَّةَ قوله: {إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ} . وقوله: {إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين} عامّ فيما اختصّ الله به من القدرة، وما جعله للخلق. وقوله: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} فقد ضمن الله تعالى أَن يعطى كلَّ واحد منهم من أَنواع القوى قدر ما يستحقه. وقوله: {ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ} ، المراد به جبريل عليه السّلام، ووصفه بالقوّة عند ذى العرش فأَفرد اللفظ ونكَّره فقال / (ذى قوّة) تنبيهاً أَنَّه إِذا اعتبر بالملإِ الأَعلى فقوته إِلى حدّ ما. وقوله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} فإِنه وصف القوّة بلفظ الجمع، وعرّفها تعريف الجنس؛ تنبيهاً أَنه إِذا اعتبر بهذا العالم وبالذين يُعلِّمهم ويُفيدهم هو كثير القُوّى عظيم القدرة. وقوله تعالى: {يايحيى خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ} أَى بجدّ، وكذا قوله: {خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} . وقوله: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} أَى بطشاً فى الأَخذ، وكذا قوله: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} . وقوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ} أَى من عُدَّة.

بصيرة فى قيض وقيع وقيل

بصيرة فى قيض وقيع وقيل قيّض الله فلاناً لفلان: جاءَ به وأَتاحه له. وتقيَّض له: تقدَّر وتسبَّب. وقوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمان نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} أَى نُتِح له ليستولى عليه استيلاءَ القَيْض على البيض، وهو القشرة اليابسة على البيضة من فوق. وقيل: هى الَّتى خرج ما فيها من فرخ أَو ماء. القاع: أَرض سهلة مطمئنَّة، قد انفرجت عنها الجبال والآكام. والجمع: أَقْوُع وأَقواع، وقِيعانٌ وقِيعٌ، وقِيعة، قال تعالى: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} . المَقِيل: مصدر قال يَقِيل قَيْلاً وقائلة وقَيلولة ومَقالاً ومَقيلا: قام فى القائلة، وهى نصف النَّهار. وهو قائل، والجمع: قُيّل وقُيَّال وقَيْل كشرْب. والقَيْل والقَيُول: اللبن يُشرب فى القائلة. والتَّقييل: السّقى فيها. والتقيّل: الشرب فيها. وشرِبت الإِبلُ قائلة، أَى فيها. والقَيْلُ والقَيْلَة: النَّاقة تُحلَب فيها. والمِقْيلِ: مِحْلب ضخم يُحلَب فيه فيها. آخر حرف القاف

الباب الثالث والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الكاف

الباب الثالث والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الكاف

بصيرة فى الكاف

بصيرة فى الكاف وهى تستعمل على وجوه: 1- حرف من حروف الهجاءِ لَهَوىٌّ، مخرجه من اللَّهاة جوار مخرج القاف. والنسبة إِليه كافىّ. والفعل منه كَوّفْتُ كافاً حسنةً وحسناً. وجمعه على التذكير أَكواف، وعلى التَّأنيث كافات. 2- الكاف فى حساب الجُمّل: اسم لعدد العشرين. 3- الكاف الأَصلىّ فى الكلمة نحو: كبر، بكر، وربّك. 4- كاف العجز والضرورة؛ كمن يقول من أَهل الهند وغيرهم: كامَ فى قام. 5- الكاف المكرّرة فى، سكك: وشكك. 6- كاف الوقف. 7- كاف التذكير؛ كما فى قوله تعالى: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} . 8- كاف التأنيث: {إِنَّ الله اصطفاك وَطَهَّرَكِ} . 9- كاف التشبيه: {كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} . 10- كاف التأكيد؛ نحو: كلاَّ، فإِن الأَصل لا زيدت الكاف لتأكيد النفى.

11- كاف البعيد: {ذَلِكَ الكتاب} . 12- كاف التعجّب: ما رأيت كاليوم. 13- الكاف الزائدة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . 14- الكاف المبدلة من القاف: امْتكَّ وامتقَّ، وتمعّق وتمعّك. 15- الكاف اللغوىّ: فالكاف فى اللُّغة: الرجل المصلح بين القوم، قال: خِضّمٌّ إِذا ما جئت تبغى سُيُوبه ... وكافٌ إِذا ما الحرب شبَّ شهابها

بصيرة فى / كب وكبت وكبد

بصيرة فى / كب وكبت وكبد كبَّ الله العدوَّ: صرعه على وجهه. وكبَّ: إِذا ثَقُلَ. وأَكبَّ على وجهه: سَقط، وهذا من النَّوادر أَن يقال: أَفعلتُ أَنا وفعلت غيرى، ولهذا نظائِر قليلة تجمعها هذه الأَبيات: كَِلْم ثُلاثيّها جاءَت مجاوزة ... ولازمٌ أَفعلَ احفظ كى تصدّقه بِنْت الأُمور جَفَلْت الرَأْل أَجنحه ... زعجته ورفأْت السُّفْن أَشنُقُه شغلتها وعنَجْت النُّوق أَعرِضه ... قشعته كبّه أَمْرت لأَيْنُقه نزفتها ونسلت الرّيش مع وزنوا ... خمس وعشر بلا مثل تحقِّقه وكبكبه بمعنى كبّه، ومنه قوله تعالى: {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا} ، أَى دُهْوروا وأُلْقى بعضهم على بعض، وقيل: جمعُوا، مأخوذ من الكَبْكَبة وهى الجماعة. وفى الحديث: "أَكبّوا رواحلهم" هكذا الرّواية، قال بعضهم: الصّواب [كبّوا] أَى أَلزموها الطريق. وقال الحذَّاق من

أَهل اللغة معناه: أَكبّوا بها، فحذفوا الجارّ وأَوصلوا الفعل. والمعنى: جعلوها مُكِبّة على طريق الطَّريق والمضىّ فيه؛ من قولك: أَكبَّ الرجل على الشىءِ يعمله، وأَكبّ فلان على فلان يظلمه: إِذا أَقبل عليه غير عادل عنه ولا مشتغل بأمر دونه. والكواكب: النجوم البادية، ولا يقال لها: كوكب إِلاَّ عند ظهوره. الكَبْت: الصّرف والإِذلال. كَبَت الله العدوّ: صرفه وأَذلَّه. وكبته لوجهه: صرعه، قال تعالى: {كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} . قال الفرّاءُ: كُبتوا أَى غِيظُوا وأحزنوا يوم الخندق. وإِنما قال ذلك لأَنَّ أَصْل الكَبْت الكَبْد، فقلبت الدّال تاءً، أُخذ ذلك من الكبِد وهو موضع الغيظ والحقد. وكأَنَّ الغيظ لمّا بلغ منهم مبلغ المشقَّة أَصاب أَكبادهم فأَحرقها.

بصيرة فى كبد

بصيرة فى كبد الكَبِد والكَبْد والكِبْد واحدة الأَكباد. قال الفراءُ: يذكَّرو ويؤنَّث. وكَبِدُ السَّماءِ وكَبْداؤها، وكُبيداؤها، وكُبَيداتها - كأَنهم صغَّروها كبيدة ثم جمعوها - وهى ما استقبلك من وسطها. والكَبَد: الشدّة والمشقَّة، قال تعالى: {خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} ، أَى يكابد أَمره فى الدنيا والآخرة. وقيل: خُلق منتصبا غير منحنٍ كسائر الحيوان. وقال ابن عرفة: (فى كَبَد) : فى ضِيق، ثم يكابد ما يكابده من أُمور دنياه وآخرته، ثم الموت إِلى أَن يستقرّ فى جنَّة أَو نار. وقال ابن دريد: الكَبَد: مصدر كَبِد يَكْبَد كَبَدا: إِذا اشتكى كبِده. وكَبَدهم البرد: شقَّ عليهم وضيَّق، ومنه قول بلال: أَذَّنتُ فى ليلة باردة، فلم يأْت أَحد، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: ما لهم يا بلال؟ قلت: كَبَدهم البرد. قال بلال: فلقد رأَيتهم يتروّحون فى الضحاء، يريد أَنه دعا لهم بانكسار البرد عنهم حتى احتاجوا إِلى التروّح.

بصيرة فى كبر

بصيرة فى كبر الكبير والصَّغير من الأَسماءِ المتضايفة. ويُستعملان فى الكمّيَّةِ المتَّصلة كالأَجسام، وذلك كالكثير والقليل فى الكمِّيَّة المنفصلة كالعدد؛ وربَّما يتعاقب الكثير والكبير على شىء واحد بنظرين مختلفين، نحو قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ} و (كَثِير) وقرئ بهما. وأَصل ذلك أَن يستعمل فى الأَعيان ثم استعير فى المعانى نحو قوله: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} . وقوله: {يَوْمَ الحج الأكبر} إِنَّما وصفه بالأَكبر تنبيها أَنّ العُمرة هى الحجَّة الصغرى، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "العمرة / هى الحجّ الأَصغر" وقيل المراد بالحجِّ الأَكبر حجّة الوداع؛ لأَنَّه لم يقع مثلها من حين خلق الله الكعبة إِلى يوم القيامة، فإِنَّه حضرها النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم فى نحو من تسعين أَلف صحابىّ. وقيل: الحجّ الأَكبر بالنسبة إِلى كلِّ أَحد حجّة يجتمع فيها بأَحد من أَكابر الأَولياءِ والأَقطاب الواصلين، ويشمله نظره وبركته ودعاؤه خصوصاً، فذلك الحجّ الأَكبر بالنِّسبة إِليه؛ وقيل: إِذا كان الوقوف بعرفة يوم جمعة، وقيل غير ذلك. ومن ذلك ما اعتبر فيه الزمان، فيقال: فلان كبير أَى مُسِنٌّ، نحو

قوله: {وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر} . ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة، نحو قوله: {أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً} ، وقوله: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ} فسمَّاه كبيرًا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدْر ورفعة حقيقيَّة، وقوله: {أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا} أَى رؤساءَها، {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} أَى رئيسكم. ومن هذا النَّحو: ورِثه كابرًا من كابرٍ، أَى إِنه عظيم القدر عن أَب مثله. والكبيرة متعارفة فى كل ذنب تعظُم عقوبته، والجمع: الكبائر. وقوله: {الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم} ، وقوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} ، قيل: أَريد بهما الشِّرك لقوله: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ، وقيل: هى الشرك وسائر المعاصى الموبِقة كالزنى وقتل النَّفس المحرَّمة. وقيل: هى السَّبع المنصوص عليها فى الحديث. وقيل: هى المذكورات فى أَوّل سورة النِّساءِ إِلى قوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ} الآية. وقيل: الكبائر سبعون، وقيل: سبعمائة. وقيل: كلُّ ذنب ومَعْصِية لله عزَّ وجل كبيرة، ولا صغائر فى الذنوب حقيقة، وإِنَّما يقال لبعضها صغائر بالنِّسبة إِلى ما هى أَعظم وأَكثر منها.

ويستعمل الكبير فيما يصعب ويشقّ على النَّفس، نحو قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} . وقوله: (كَبيرة) فيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذنوب وعظم عقوبته، ولهذا قال: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله} . وقوله: {تولى كِبْرَهُ} إِشارة إِلى مَن تولَّى حديث الإِفك، وتنبيه بأَنَّ من سنَّ سنَّة قبيحة يصير مقتدًى بها فذنبه أَكبر. والكِبْر والتكبُّر والاستكبار متقاربة. فالكِبْر حالة يتخصّص بها الإِنسان من إِعجابه بنفسه، وأَن يرى نفسه أَكبر من غيره. وأَعظم الكِبْر التكبُّر على الله بالامتناع عن قبول الحقِّ. والاستكبار على وجهين: أَحدهما: أَن يتحرَّى الإِنسان ويطلب أَن يكون كبيرًا، وذلك متى كان على ما يجب، وفى المكان الَّذى يجب، وفى الوقت الَّذى يجب فمحمود. والثانى: أَن يتشبَّع فيُظهر من نفسه ما ليس له، فهذا هو المذموم، وعليه ورد القرآن الكريم وهو قوله تعالى: {أبى واستكبر} ، وقوله: {فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا} ، وقوله: {فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} ، ونبّه بقوله (مُجْرمين) أَن حاملهم على ذلك ما تقدَّم من جُرمهم، وأَنَّ ذلك دأْبهم لا أَنه شىء حادث منهم. والتكبّر على وجهين: أَحدهما: أَن تكون الأَفعال الحسنة كبيرة فى الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا قوله تعالى: {العزيز الجبار المتكبر} .

والثانى: أَن يكون متكلِّفاً لذلك متشبِّعا، وذلك فى عامّة الناس؛ نحو قوله تعالى: {يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} . وكل من وصف بالتكبّر على الوجه الأَوّل فمحمود دون الثانى، ويدلُّ على صحَّة وصف الإِنسان به / قوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} . والتَّكبّر على المتكبّر صدقة. والكبرياءُ: الترفُّع عن الانقياد، ولا يستحقه إِلاَّ الله تعالى، قال تعالى: "الكبرياءُ ردائى، والعظمة إِزارى، فمن نازعنى فى شىء منهما قصمته". وأَكبرت الشىء: رأَيته كبيرًا، قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} والتكبير يقال لذلك، ولتعظيم الله بقول اللهُ أَكبر، ولعبادته واستشعار بعظمته. وقوله: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} إِشارة إِلى ما فيهما من عجائب صنعه، وغرائب حكمته التى لا يعلمها إِلاَّ قليل ممَّن وصفهم الله بقوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأرض} . وقوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} تنبيه أَنَّ جميع ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك فى الدُّنيا وفى البرزخ صغير فى جنب عذاب ذلك اليوم.

وقال بعض المفسِّرين ورد الكِبْرُ والكِبَرُ على اثنى عشر وجهاً فى القرآن: 1- بمعنى الثقيل: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} ، {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الذين هَدَى الله} ، {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} ، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} ، (أَى ثقلت) . 2- الكِبَر والصِّغر بمعنى الكثرة والقلَّة: {وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً} ، {وَلاَ تسأموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً} ، أَى كثيرًا. 3- بمعنى كمال قبح الذَّنب والذلَّة: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} ، {كَبَائِرَ الإثم والفواحش} . 4- بمعنى انتشار النُور والشُّعاع: {فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً قَالَ هاذا رَبِّي هاذآ أَكْبَرُ} ، أَى أَنور. 5- بمعنى الفضل والعلم والفطنة: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر} ، أَى أَعلمكم ومعلِّمكم. 6- بمعنى عِظَم الشخص والجثَّة: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} . 7- بمعنى زيادة السِّنّ: {إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} ، {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ، {وَأَصَابَهُ الكبر} ، {وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر} .

8- بمعنى البعد والتجاوز من الحدّ: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} ، {وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} ، {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ} ، {فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً} . 9- بمعنى شدَّة العذاب: {نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} . 10- بمعنى الفوز بالجنَّة: {وَمُلْكاً كَبِيراً} ، {ذَلِكَ الفوز الكبير} . 11- بمعنى زيادة الثَّواب والكرامة: {لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} . 12- بمعنى الجلال والعظمة: {الكبير المتعال} .

بصيرة فى كتب

بصيرة فى كتب قوله تعالى: {الم ذَلِكَ الكتاب} يعنى القرآن سمّى كتاباً لما جُمع فيه من القصص والأَمر والنَّهى والأَمثال والشرائع والمواعظ، أَو لأَنه جُمع فيه مقاصد الكتب المنزلة على سائر الأَنبياء. وكلُّ شىء جمعت بعضه إِلى بعض فقد كتبته. وقوله تعالى: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث} أَى أَنزل الله فى كتابه أَنكم لابثون إِلى يوم القيامة. وقوله عزَّ وجلَّ: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} أَى حُكْم. وقال القتبىّ فى قوله تعالى: {أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أَى يحكمون، يقولون نحن نفعل بك كذا وكذا، ونطردك ونقتلك، وتكون العاقبة لنا عليك. وقوله تعالى: {أولائك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان} أَى ثبَّت. وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} أَى فرض وأوجب. وقوله تعالى: {كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ} مصدر أَريد به الفعل، أَى كتب الله عليكم، وهذا قول حذَّاق النحويين. وقال الكوفيُّون: هو منصوب على الإِغراءِ بعليكم، وهو بعيد؛ لأَنَّ مَا انتصب على الإِغراءِ لا يتقدّم على ما قام مقام الفعل وهو (عليكم) ، ولو كان النَّص: عليكم كتاب الله لكان النَّصب على الإِغراءِ أَحسن من المصدر.

واكتتبتُ الكتابَ: كَتَبْتُهُ، ومنه قوله تعالى: {أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها} . ويقال: اكتتب فلان فلاناً: إِذا سأَله أَن يكتُب له كتاباً فى حاجة، وعليه فَسَّر بعضهم: {أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها} أَى استكتبها. ابن الأَعرابىّ: سمعت أَعرابيًّا [يقول] : اكتتبت فم السِقاءِ فلم يَستكتب لى، أَى لم يَسْتَوْكِ لجفائه وغِلظه. وكاتبت العبد (فهو يكاتب) . والمكاتَب: العبد يكاتَب على نفسه بثمنه، فإِذا سعى فأَدّاه عَتَق. وأَصلها من الكتابة، يراد بها الشرط الذى يُكتب بينهما. / ابن الأَعرابىّ: الكاتب عندهم: العالم، وبه فسَّر قوله تعالى: {أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ} . والكِتاب: القَدَر، قال النَّابغة الجعدىّ: يا ابنة عمِّى كتاب الله أَخرجنى ... عنكم فهل أَمنعنَّ اللهَ ما فعلا قال بعض المفسِّرين: ورد الكتاب فى القرآن لمعان: - 1- بمعنى اللَّوح المحفوظ: (كِتابٌ سَبَقَ) ، {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} ، {وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} ، {فِي الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} ، {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} .

2- بمعنى التوراة: {لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكتاب وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} . 3- بمعنى الإِنجيل: {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} . 4- بمعنى كتاب سليمان إِلى بلقيس: {إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} . 5- بمعنى القرآن المجيد: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا} ، {وهاذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} ، {الم ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ} ، وله نظائر. 6- كتاب الرَّحمة والمغفرة: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} ، {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} . 7- بمعنى الكتابة المعروفة: {وَيُعَلِّمُهُ الكتاب والحكمة} . 8- بمعنى تاريخ أَرباب السَّعادة: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِي عِلِّيِّينَ} . 9- بمعنى تاريخ أَرباب الشقاوة: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ} . 10- بمعنى الرِّزق المعلوم فى العمر والمدَّة: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} . 11- بمعنى فريضة الطَّاعة: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً} .

12- ديوان الأَعمال والأَفعال المعروضُ على المطيع والعاصى، يوم تشيب فيه النواصى: {كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كِتَابِهَا اليوم} ، {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقرأ كتابك} . والكتاب فى الأَصل: اسم للصّحيفة مع المكتوب فيها. ويعبَّر عمَّا ذكرنا من الإِثبات والتقدير والإِيجاب والفرض بالكتابة، ووجه ذلك أَنَّ الشىء يراد، ثم يقال، ثم يكتب. والإِرادة مبدأ، والكتابة منتهًى، ثم يعبَّر عن المبدإِ بالمنتهى إِذَا قُصد تأكيده. قال تعالى: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي} . وقوله: {وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله} أَى فى حكمه. وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ} ، أَى أَوحينا وفرضنا. قال: ويعبَّر بالكتابة عن القضاء المُمْضَى وما يصير فى حكم الممضى، وحُمل على هذا قوله: {بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} . وقوله: {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} إِشارة إِلى أَن ذلك مثبت له ومجازًى به. وقوله: {فاكتبنا مَعَ الشاهدين} ، أَى اجعلنا فى زمرتهم إِشارة إِلى قوله: {فأولائك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين} . وقوله: {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا} أَى قدّره وقضاه؛ وذكر (لَنَا) ولم يقل: علينا / تنبيهاً أَنَّ كل ما يصيبنا نعدّه نعمة لَنَا، ولا نعدُّه نقمة علينا. وقوله: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ

الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} ، قيل معناه: وهبها الله لكم، ثمَّ حَرَّمها عليكم بامتناعكم من دخولها وقبولها، وقيل: كتب لكم بشرط أَن تدخلوها وقرئ: (عليكم) أَى أَوجبها عليكم. وإِنما قال (لكم) تنبيهاً أَنَّ دخولهم إِيَّاها يعود عليهم بنفع عاجل وآجل؛ فيكون ذلك لهم لا عليهم، و. {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله} أَى فى علمه وحكمه، وقوله: {اثنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله} ، أَى فى حكمه. ويعبَّر بالكِتاب عن الحُجَّة الثابتة من جهة الله، نحو قوله: {ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ} ، وقوله: {أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ} إِشارة إِلى العلم والتحقيق والاعتقاد. وقوله: {وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ} إِشارة فى تحرِّى النِّكاح إِلى لطيفة، وهى أَنَّ الله تعالى جعل لنا شهوة النكاح ليُتحرَّى به طلب النَّسل الذى يكون سبباً لبقاءِ نوع الإِنسان إِلى غاية قدَّرها، فيجب للإِنسان أَن يتحرَّى بالنكاح ما جعل الله على حسب مقتضَى العقل والدِّيانة، ومَن تحرَّى بالنكاح حفظ النسل وحظَّ النفس على الوجه المشروع فقد انتهى إِلى ما كتب الله له، وإِلى هذا أَشار من قال: عنى بـ (ما كتب الله لكم) الولدَ. ويعبَّر بالكتابة عن الإِيجاد، وعن الإِزالة والإِفناءِ بالمحو، قال تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ} نبَّه أَن لكلِّ وقت إِيجاداً، فهو يوجد ما تقتضى الحكمة إِيجاده، ويزيل ما تقتضى الحكمة إِزالته. ودلَّ قوله: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} على نحو ما دلَّ عليه قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} .

وقوله: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بالكتاب لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكتاب وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} ، فالكتاب الأَول كتبوه بأَيديهم المذكورُ بقوله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ} ، والثانى التوراة، والثالث لجنس كتب الله تعالى كلِّها، أَى ما هو من شىءٍ من كتب الله تعالى وكلامه. وقوله: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان} ، قيل: هما عبارتان عن التوراة سمِّيت كتاباً باعتبار ما ثبت فيها من الأَحكام، وفرقاناً باعتبار ما فيها من الفرق بين الحقِّ والباطل. وقوله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ} تنبيه أَنَّهم يختلقونه ويفتعلونه. وقوله: {وَمَا كَانَ هاذا القرآن أَن يفترى مِن دُونِ الله ولاكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين} أَراد بالكتاب هاهنا ما تقدّم من كُتُب الله دون القرآن؛ أَلا ترى أَنه جعل القرآن مصدِّقا له. وقوله: {وَهُوَ الذي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب مُفَصَّلاً} ، منهم من قال: هو القرآن، ومنهم من قال: هو وغيره من الحُجج والعلم والعقل. وقوله: {قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب} ، قيل: أَريد علم الكتاب، [وقيل] علم من العلوم الَّتى آتاها الله سليمان فى كتابه المخصوص به، وبه سُخِّر له كلُّ شىءٍ. وقوله: {وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلِّهِ} أَى بالكتب المنزلة، فوضع المفرد موضع الجمع، إِمَّا لكونه جنساً، كقولك: كثر الدرهم بأَيدى الناس، وإِمَّا لكونه فى الأَصل مصدراً، والله أَعلم.

بصيرة فى كتم

بصيرة فى كتم كتم الشىء كَتْما وكِتماناً، وكتَّمه تكتيماً، واكتتمه: أَخفاه، وقوله: / {وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} ، قال الشاعر: فلا تكتُمُنَّ الله ما فى نفوسكم ... لِيَخْفَى ومَهْما يُكتم اللهُ يَعْلَمِ يؤخَّرْ فيوضعْ فى كتابٍ فيدَّخر ... ليوم الحساب أَو يعجلَّ فيُنْقَمِ وقوله تعالى: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً} ، قال ابن عبَّاس رضى الله عنهما: إِن المشركين إِذا رأَوا يوم القيامة أَنَّه لا يدخل الجنَّة إِلاَّ من لم يكن مشركا، قالوا: والله ربِّنا ما كنَّا مشرِكين، فيشهد عليهم جوارحهم، فحينئذ يودُّون أَلاّ يكتمون الله حديثا. وقال الحسن: الآخرة مواقف، فى بعضها يكتمون، وفى بعضها لا يكتمون. وقوله تعالى لليهود: {وَتَكْتُمُونَ الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، ومنه قوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ، يعنى نعوته وصفاته الثَّابتة فى التوراة. وقال تعالى: {والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} ، وقال: {والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} ، وقال: {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهادة وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} ، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله} .

بصيرة فى كثب وكثر

بصيرة فى كثب وكثر كَثَب القوم: إِذا اجتمعوا، وكثبت الشىء: جمعته، لازم ومتعدّ، أَكثِبه بالكسر. وكثب عليه: حمل وكرّ. والكثيب من الرّمل: المجتمع منه المنتصب فى مكان، والجمع: الكثبان، قال تعالى: {وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً} . وأَكثبك الشىءُ: إِذا أَمكنك من نفسك. وفى الحديث: "إِذا أَكثبوكم فارموهم واستبْقوا نبلكم". الكَثرة والقلَّة يستعملان فى الكميَّة المنفصلة؛ كالأَعداد. وقوله تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} جُعلت كثيرة اعتباراً بمطاعم الدُّنيا. وليست الكثرة إِشارة إِلى العدد فقط بل إِلى الفضل أَيضاً. ورجل كاثر: كثير المال، قال: ولست بالأَكثر منهم حَصًى ... وإِنَّما العِزَّة للكاثر وأَكثر: كَثُرَ مالُه. وما لَه قُلّ ولا كُثْر، أَى قليل ولا كثير. وأَنشدوا لرجل من ربيعة: فإِن الكُثْر أَعيانى قديماً ... ولم أُقْتِر لَدُنْ أَنِّى غلامُ وهو مكثور عليه، أَى نفِد ما عنده. والكوثر من الغبار: الكثير. وقوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر} قيل: هو نهر فى الجنَّة تنشعب عنه الأَنهار، وقيل: هو الخير العظيم الكثير الَّذِى خصَّ الله به نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم. وتكوثر: كثُر كثرة متناهِية.

بصيرة فى كدح وكدر وكدى

بصيرة فى كدح وكدر وكدى كَدَح فى العمل يَكْدَح - كمنع يمنع -: سعى وعمل لنفسه، خيرًا كان أَو شرًّا. وكَدَح وجهَه: خدش أَو عمل به ما يَشِينه؛ ككدَّحة تكديحاً. وكَدَح لعياله واكتدح: كسب، قال تعالى: {إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ} ، أَى تسعى. الكدر: ضدّ الصَّفاءِ. والكُدْرة فى اللَّون خاصَّة، والكُدُورة فى الماءِ وفى العيش. ماءٌ كَدِرٌ وكَدْر كفخِذ وفَخْذ. وكدِر الماءُ يكدَر كَدَرا - كفرح يفرح - وكَدُر يكدُر - ككرم يكرم - كدورة. وانكدر: أَسرع وانقضَّ، والقوم على كذا أَى قصدوا متناثرين عليه. قال تعالى: {وَإِذَا النجوم انكدرت} . الكُدْية والكُدَاية والكَدَاة: الصَفَاة العظيمة الشديدة، والشىء الصُّلب بين الحجارة والطين. وحفر فأَكدَى، أَى صادف كُدْية. وسأَله فأَكدى، أَى وجده شحيحاً مثل الكُدْية. وأَكدَى الرّجلُ: بخِل، أَو قلَّ خيره، قال تعالى: {وأعطى قَلِيلاً وأكدى} .

بصيرة فى كذب

بصيرة فى كذب كَذَب يَكْذِبُ كَذِباً وكِذْبا وكِذَاباً وأَكذوبة وكاذِبة ومَكْذوباً ومَكذَبة وكُذْبانا كغفران / وكُذْبَى كبُشْرى، فهو كاذِب وكَذَّاب وكَذُوب وكَيْذَبان وكَيْذُبَان ومَكْذُوبان، وكُذَبة كهُمَزة، وكُذُبْذُب وكُذُبْذُبان وكُذُّبْذُب بالتشديد، قال جُرَيبة بن الأَشْيم: فإِذا سمعتَ بأَنَّنى قد بِعْتُه ... بوِصالِ غانِيَة فقل كُذُّبْذُب وجمع الكاذب: كُذَّب، كراكع ورُكَّع. وجمع الكَذُوب: كُذُب، كصَبُور وصُبُر. وقرأَ مُعَاذ بن جَبَل رضى الله عنه وسَلَمة بن محارب الزِّيادى وابن أَبى عَبْلة وأَبو البرهسم: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب} فجعلوه نعتاً للأَلسنة. ويقال: كذب كُذَّاباً بالضمّ والتشديد أَى متناهِياً. وقرأَ عمر بن عبد العزيز: {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} ، ويكون صفة على المبالغة كوُضَّاءٍ وحُسَّان. ومن قرأَ (كِذَّاباً) بالكسر فهو أَحد مصادر المشدَّد؛ لأَن مصدره قد يجىء على تفعيل مثل التكليم، وعلى فِعَّال مثل كِذَّاب، وعلى تفعِلة مثل تكملة، وعلى مُفَعَّل مثل قوله تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} وقرأَ علىّ رضى الله عنه والعُطَارِدِىّ والأَعمش والسُّلَمىّ والكسائىّ:

{وَلاَ كِذَّاباً} ، قيل: هو مصدر كَاذَبْتُه مكاذبةً وكِذَاباً، وقيل: مصدر كَذَب كِذَاباً مثل كتب كِتَاباً. وأَكذبته: وجدته كاذباً. وقوله تعالى: {إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} كذَّبهم فى اعتقادهم لا فى مقالهم، فمقالُهم كان صدقاً. وقوله: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} نسب الكذب إِلى نفس الفعل، كقولهم: فَعْلة صادقة، وفعلة كاذبة. وكَذَب قد يتعدَّى إِلى مفعولين، تقول: كَذَبتك حديثاً: {الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ} . وكذَّبته: نسبته إِلى الكذب، صادقاً كان أَو كاذباً. وما جاءَ فى القُرْآن ففى تكذيب الصَّادق، نحو قوله: {رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ} ، وقوله: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} ، قرئ بالتخفيف والتشديد، ومعناه: لا يجدونك كاذباً، ولا يستطيعون أَن يثبتوا كذبك. وقوله: {وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا} أَى علموا أَنهم تُلُقُّوا من جهة الَّذين أُرسلوا إِليهم بالكذب. فكُذِّبوا نحو فسّقوا وزُنٌّوا وخُطِّئوا إِذا نسبوا إِلى شىءٍ من ذلك. وقرئ: (كُذِبُوا) بالتخفيف من قولهم: كَذَبتك حديثا، أَى ظنَّ المرسَل إِليهم أَن الرّسل قد كَذَبوهم فيما أَخبروهم به: أَنهم إِن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب. وإِنَّما ظنُّوا ذلك من إِمهال

الله تعالى إِيَّاهم وإِملائه لهم. وقوله: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً} الكِذَّاب: التكذيب، والمعنى: لا يَكذِبون فيكذِّبَ بعضهم بعضاً. ونفى التكذيب عن الجنَّة يقتضى نفى الكذب عنها. وقرئ (كِذَاباً) كما تقدَّم، أَى لا يتكاذبون تكاذب النَّاس فى الدُّنيا. قال بعض المفسِّرين: ورد الكذب فى القرآن: 1- بمعنى النِّفاق: {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} ، أَى ينافقون، {والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} : منافقون. 2- وبمعنى الإِشراك بالله ونسبة الولد: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله} ، {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} . 3- وبمعنى قذف المحصَنات: {والخامسة أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الكاذبين} ، {فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فأولائك عِندَ الله هُمُ الكاذبون} . 4- وبمعنى الإِنكار: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} . أَى ما أَنكر. 5- وبمعنى خُلْف الوعد: {لَيْسَ / لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} ، أَى رَدّ وخُلف. 6- وبمعنى الكذب اللغوى: {بَلْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَآءَهُمْ} ، {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} ، {فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} ، {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} ، {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ على مَا كُذِّبُواْ} . والله أَعلم.

بصيرة فى كر وكرب وكرس

بصيرة فى كر وكرب وكرس الكَرّة: المرّة، والجمع: الكَرَّات، قال تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ} وأَصل الكَرّ العطف على الشىء بالذات أَو بالفعل، ويقال للحبل يُصعد به على النخلة. والكَرّ أَيضاً: حبل الشراع، وهو فى الأَصل مصدر، وصار اسماً، وجمعه كُرُور. كَرَبه الأَمُر: إِذا اشتد عليه، كَرْباً بالفتح، وكُرْبة بالضمّ، وهما الغمّ الَّذِى يأْخذ بالنَفْس. وأَصل ذلك من كَرْب الأَرض، وهو قَلْبها بالحفر. فالغمّ يفعل بالنفس مثل ذلك الفعل. قيل: ويصحّ أَن يكون من كَرَبَت الشمسُ: إِذا دنت للغروب، فإِنَّها تصفَرّ وتضعف، أَو من كربَتْ حياةُ النار، أَى قرب انطفاؤها، قال عبد القيس بن خُفَاف. َأَجُبَيل إِن أَبَاك كاربُ يَومه ... فإِذا دُعيتَ إِلى العظائم فاعْجَلِ أَى قرب أَجله. وكَرَب أَن يفعل كذا، أَى كاد. وكربْتُ القيدَ: ضيَّقته على المقيَّد. قال عبد الله بن عَنَمة. فازْجُرْ حمارك لا يرتَعْ بروضتنا ... إِذاً يُرَدُّ وقيدُ العَيْرِ مَكروب الكِرْس - بالكسر - أَبيات مجتمعة من النَّاس، والجمع: أَكراس،

أَوكارِسُ وأَكاريسُ. ابن دريد: الأَكاريس: الجماعات من النَّاس، لا واحد لها من لفظها، أَبو عمرو: واحدها كِرْس. والكِرْس أَيضاً: الأَصل والكُرْسِىّ فى تعارف العامة: اسم لما يُقعد عليه. وهو فى الأَصل منسوب إِلى الكِرس أَى الشىء المجتمع، ومنه الكُرَّاسة للمتكرّس من الأَوراق. وقوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات} رُوى عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أَنه قال: الكرسىّ العِلْم، وبه سمّيت الكُرَّاسة لما يكتب فيها من العلم. وقيل: كرسيّه: أَصل مُلْكه. وقيل: الكرسىّ اسم الفَلَك المحيط بالأَفلاك كلّها، ويشهد لذلك ما روى: ما السَّماوات السَّبع فى الكرسىّ إِلاَّ كحَلْقة ملقاة فى فلاة. والكِرسىّ - بالكسر - لغة صحيحة فى المضمومة، وقرأَ طاووس {وسِعَ كِرْسِيُّهُ} بالكسر، وهى لغة فى جميع هذا الوزن نحو سُخْرىّ ودُرّىّ. ومن قال {وَسِعَ كرسيّه} أَى علمه قال: إِنَّه مأْخوذ من قولهم: كَرِس الرجل - بالكسر - إِذا ازدحم علمه على قلبه. والكراسىّ: العلماء. وقيل كرسيّه: أَصل مُلْكه، قال العجَّاج. قد عَلِمَ القُدُّوسُ مَوْلَى القُدْسِ ... أَنَّ أَبا العَبَّاسِ أَوْلَى نَفْسِ بمعْدِنِ المُلْك القديم الكِرْس ... فروعه وأَصله المُرَسِّى

بصيرة فى كرم

بصيرة فى كرم الكَرَم ضدّ اللُّؤم. كَرُمَ - بالضمّ - كَرَامة وكَرَما وكَرَمة - محرَّكتين - فهو كَرِيم وكرِيمة وكِرْمة - بالكسر - ومَكْرُم ومَكْرُمة وكُرَام وكُرَّام وكُرَّامة، والجمع: كُرماءُ وكِرَام وكرائِم. وجمع الكُرَّام: كُرَّامون. ورجل كَرَم - محركة - أَى كريم، يستوى فيه الواحد والجمع. ويا مَكْرُمان للكريم الواسع الخُلُق. وأَكرمه وكرّمه: عظَّمه ونزَّهه. واختلفوا فى معنى الكريم على ثلاثين قولاً ذكرناها فى غير هذا الموضوع. والكَرَم إِذا وُصف الله به فهو اسم لإِحسانه وإِنعامه، وإِذا وُصف به الإِنسان فهو اسم للأَخلاق والأَفعال المحمودة / الَّتى تظهر منه، ولا يقال: هو كريم حتَّى يَظهر منه ذلك. قال بعض العلماءِ: الكرم كالحُرِّية إِلاَّ أَنَّ الحرِّية قد تقال فى المحاسن الصَّغيرة والكبيرة، والكرم لا يقال إِلاَّ فى الكبيرة؛ كإِنفاق مال فى تجهيز جيش الغُزَاة، وتحمّل حَمَالة ترقأ بها دماء قوم. وقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} إِنما كان كذلك لأَنَّ الكرم الأَفعال المحمودة، وأَكرمها ما يقصد به أَشرف الوجوه، وأَشرف الوجوه ما يقصد به وجه الله، فمَن قصد بها ذلك فهو التَّقىّ. فإِذًا أَكرم

النَّاس أَتقاهم. وكل شىء يَشرف فى بابه وُصف بالكريم، نحو قوله تعالى: {أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} ، {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} . وأَرض مَكْرُمة وكَرَمٌ وكريمة: طيِّبة. والكريمان: الحجّ والجهاد. والإِكرام والتكريم: أَن يوصل إِلى الإِنسان نفع لا تلحقه فيه غضاضة، أَو يوصل إِليه شىء شريف. وقوله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} ، أَى جعلهم كراماً. قال الشاعر: إِذا ما أَهان امرؤ نفسَه ... فلا أَكرم الله مَنْ أَكْرَمَهْ وقيل، وردت هذه المادَّة فى القرآن على اثنى عشر وجها: 1- بمعنى الأَشرف والأَفضل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} . 2- بمعنى العزيز العظيم: {لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} . 3- بمعنى المزيَّن المحسَّن: {وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} ، {مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} ، أَى حسن. 4- بمعنى العجيب الغريب: {إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} . 5- بمعنى المنظوم المعجِز: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} ، أَى معجز فى النظم. 6-بمعنى الذليل المَهِين على سبيل التهكم: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} ، أَى الذليل المهين. 7- بمعنى جبريل: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} .

8- بمعنى ملائكة الملكوت: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} . 9- بمعنى الملائكة الموكَّلين ببنى آدم: {كِرَاماً كَاتِبِينَ} . 10- بمعنى بنى آدم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيءَادَمَ} . 11- بمعنى يوسف الصِّديق: {إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} . وفى الحديث "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إِسحاق ابن إِبراهيم". 12- بمعنى العظيم الغفار التوَّاب: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} ، {ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم} .

بصيرة فى كره

بصيرة فى كره الكَرْه والكُرْه - بالفتح والضمّ -: الإِباءُ، والمشقَّة. وقيل: الكُرْه - بالضمِّ -: ما أَكرهت نفسك عليه، والكَره - بالفتح -: ما أَكرهوك عليه. كَرِهَه - بالكسر - كَرْهاً وكُرْهاً وكَرَاههً وكَرَاهِيةً - بالتخفيف - ومَكْرَهة ومَكْرَها. وشىء كَرْه وكَرِيه أَى مكروه. وكرّهه إِليه: صيّره كرِيهاً. وقيل: الكُره على ضربين: أَحدهما: ما يعافه (من حيث) الطَّبع، والثانى: ما يعافه من حيث العقل والشرع. ولهذا يصحّ أَن يقال فى الشىء الواحد: أَريده وأَكرهه، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} أَى تكرهونه طبعاً، ثم قال: {وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} وبيَّن به أَنه لا يجب للإِنسان أَن يعتبر كراهيته للشىء أَو محبّته له حتَّى يعلم حاله. وقوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} تنبيه أَن أَكل لحم الأَخ شىء قد جُبل الطَّبعُ على كراهته له، وإِن تحرَّاه الإِنسان. وقوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء} نهى عن حملهن على ما فيه كَرْه وكُرْه.

وقوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين} ، قيل: منسوخ، وإِنه كان فى أَوّل / الأَمر كان يُعرض الإِسلام على المرءِ، فإِن أَجاب وإِلاَّ تُرك. وقيل: إِنَّ ذلك فى أَهل الكتاب، (فإِنهم إِنْ أَدَّوا الجزية والتزموا الشرائط تُركوا) . وقيل: معناه لا حكم لمن أُكره على دين باطل، فاعترف به ودخل فيه، كما قال: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} . وقيل معناه: لا اعتداد فى الآخرة بما يفعله الإِنسان من الطَّاعة كرهاً، فإِنَّ الله تعالى عليم بالسَّرائر، ولا يرضى إِلاَّ الإِخلاص. وقيل معناه: لا يُحمل الإِنسان على أَمر مكروه فى الحقيقة ممَّا يكلِّفهم الله، بل يُحملون على نعم الأَبد. قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "عجِب ربُّك من قوم يُقادون إِلى الجنَّة بالسّلاسل". وقيل: الدّين هنا بمعنى الجزاء، أَى أَنه ليس بمكره على الجزاءِ، بل يفعل ما يشاءُ بمن يشاءُ كما يشاءُ. وقوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً} قيل: من فى السّماوات طوعاً، ومن فى الأَرض كرهاً، أَى الحجة أَكرهتهم وأَلجأَتهم، وليس هذا من الكره المذموم. وقيل معناه: أَسلم المؤمنون طوعاً والكافرون كرهاً. وقال قتادة: أَسلم المؤمنون له طوعاً والكافرون كرهاً عند الموت حيث قال: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} وقيل: عنى بالكره من قوتل وألجئ إِلى أَن يؤمن. قال أَبو العالية ومجاهد:

إِنّ كلاًّ أَقرَّ بخلقه إِياهم وإِنْ أَشركوا معه، كقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} . وقال ابن عباس: أَسلموا بأَحوالهم المنبئة عنهم، وإِن كفر بعضهم بمقالتهم، ذلك هو الإِسلام فى الذَّرْءِ الأَوّل حيث قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} ، وذلك هو دلائلهم الَّتى فُطِرُوا عليها من العقل المقتضى لأَن يسلموا، وإِلى هذا أَشار بقوله: {وَظِلالُهُم بالغدو والآصال} . وقال بعض المحقِّقين: من أَسلم طوعاً هو الذى طالع المثيب والمعاقِب، لا الثواب والعقاب فأَسلم له، ومن أَسلم كرها هو الذى طالع الثواب والعقاب، فإِنه أَسلم رهبة ورغبة. ونحو هذه الآية: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً} وقوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} أَى كُلْفة ومشقَّة، وقوله: {ولاكن كَرِهَ الله انبعاثهم} أَى لم يُرِد. والله أَعلم.

بصيرة فى كسب

بصيرة فى كسب الكَسْب: طَلَبُ الرزق. وكَسَبَهُ: جمعه. والكِسب - بالكسر - لغة فصيحة، والفتح الفُصحى، تقول منه: كسبت شيئاً. وفلان طيّب الكسب والمكسَب والمكتسَب والمكسِبة - مثال المغفرة - والكِسبة مثال الجِلسة. وكسبت أَهلى خيراً، وكسبت الرجل مالاً فكسبه. وهذا ممّا جاءَ على فَعَلته ففَعَلَ. وقال ثعلب: كلّ الناس يقولون: كَسَبَكَ فلان خيراً، إِلاَّ ابن الأَعرابىّ فإِنه يقول: أَكسبك فلان خيراً. وفى الحديث الصحيح من قول خديجة: "إِنَّك لتصل الرّحِم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعْدُومَ". هكذا يروونه. والصّواب وتكسب المُعْدِم أَى تعطى العائل وتُرفده. وتكسب بفتح التاءِ أَفصح من ضمها. والكسب وإِن كان فى الأَصل ما يتحرَّاه الإِنسان ممّا فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظّ ككسب المال فإِنه قد يستعمل فيما يظنّ الإِنسان أَنَّه يجلب منفعة ثمّ يستجلب به مضرّة. فالكسب يقال فيما أَخذه لنفسه ولغيره، والاكتساب / لا يقال إِلاَّ فيما استفاده لنفسه. وكلّ اكتساب كسب، وليس كلّ كسب اكتساباً. وقوله تعالى: {أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} أَى جمعتم، وفى الحديث: "إِن أَطيب ما يأْكل الرّجل من كسبه، وإِن ولده من كسبه".

وقد ورد فى القرآن فى فعل الصّالحات والسيِّئات. فمما استعمل فى الصّالحات قوله تعالى: {أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْراً} ، وممّا استعمل فى العكس: {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} . وقوله تعالى: {ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} متناوِل لهما. والاكتساب قد ورد فيهما أَيضاً، ففى الصالحات قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبوا وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبن} . وقوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت} قيل: خُصَّ الكسب هاهنا بالصّالح، والاكتساب بالسّيىء. وقيل: عنى بالكسب ما يتحرّاه من المكاسب الأُخرويّة، وبالاكتساب ما يتحرّاه من المكاسب الدّنيوية. وقيل: عنى بالكسب ما يفعله الإِنسان من فعل خير، وجلب منفعة إِلى غيره من حيث ما يجوز، والاكتساب ما يحصله لنفسه من نفع يجوز تناوله. فنبّه على أَنَّ ما يفعله الإِنسان لغيره من نفع يوصّله إِليه فله الثواب، وأَن ما يحصّله لنفسه وإِن كان من حيث يجوز فقلَّما ينفكّ من أَن يكون عليه؛ إِشارة إِلى ما قيل: ومن أَراد الدّنيا فليوطِّن نفسه على المصائب.

بصيرة فى كسف وكسل وكسا

بصيرة فى كسف وكسل وكسا الكِسْفة - بالكسر -: القطعة، يقال: أَعطنى كِسْفة من ثوبك، والجمع: كِسَف وكِسْف، ومنه قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً} و (كِسْفًا) ، قرأَ هاهنا بفتح السّين أَبو جعفر ونافع وأَبو بكر وابن ذكوان، وفى الرّوم بالإِسكان أَبو جعفر وابن ذكوان، وقرأَ بالفتح إِلاَّ فى الطور حفص. فمن قرأَ مثقلاَّ جعله جمع كِسْفة كفِلْقة وفِلَق، وهى القطعة والجانب. ومن قرأَ مخفَّفًا فهو على التوحيد، وجمعه: أَكساف وكُسُوف، وكأَنه قال: يُسقطها طَبَقًا علينا، مِن كسفت الشىءَ إِذا غَطَّيْته. قال أَبو زيد: كسفت الشىء أَكسِفه كَسْفاً: إِذا قطعته. وكسف عرقوبَه: عَرْقَبه قال: وتكسِف عرقوبَ الجواد بِمخْذَمِ وكَسَفَت الشمس تكسِف كسوفاً، وكسفها الله، يتعدّى ولا يتعدى، قال جرير يرثى عمر بن عبد العزيز: فالشمسُ كاسفةٌ ليست بطالعة ... تبكى عليك نجومَ اللَّيل والقمرا هكذا الرّواية أَى أَنَّ الشّمس كاسفة تبكى عليك الدهر. والنحاة يروونه مغيّرا وهو. الشمس طالعة ليس بكاسفة

أَى ليست تكسف ضوءَ النجوم مع طلوعها لقلَّة ضوئها وبكائها عليك. وكذلك كَسَف القمرُ؛ إِلاَّ أَن الأَجود أَن يقال: خَسَف القمرُ. وقال الليث: بعض النَّاس يقول: انكسفت الشمس وهو خطأ. قال الأَزهرى: ليس ذلك بخطإٍ؛ لما رَوَى جابر رضى الله عنه: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. الكسل: التثاقل عمَّا لا ينبغى، والفتور فيه. كَسِل - كفرح: فهو كَسِلٌ وكسلانٌ. والجمع كسالَى - مثلثه - وكَسْلى. وهى كَسِلة وكَسْلَى وكَسْلانةٌ وكَسُول ومِكسال. والكسول والمكسال: المرأَة التى لا تكاد تبرح من مجلسها، مَدْح. وقد أَكسله الأَمر. ومن كلام بعضهم: / الكسالة مَجلَبَة للفشل، مُبطلة للعمل، مُخيّبة للأَمل، ولهذا قيل فى المثل: من اختار الكسّل، ما اشتَار العسل. قال تعالى: {إِلاَّ وَهُمْ كسالى} . الكُسوة والكِسوة - بالضمّ والكسر - اللّباس، والجمع: كُساً وكِسَاء. وكَسِىَ - كرضى - واكتسى: لبسها. وكساه: أَلبسه. وكساه الثَّوب: أَلبسه إِيَّاه، قال تعالى: {فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً} . والكَسَاء - بالفتح والمد - المجد والشرف والرّفعة. وهو أَكسى منه: أَكثر اكتساء، أَو أَكثر إِعطاء للكُسوة. وكاساه: فاخره.

بصيرة فى كشط

بصيرة فى كشط الكَشْط: رفعك الشىءَ عن شىء قد غطَّاه وغشَّاه من فوقه؛ كما يُكشط الجِلد عن الجَزُور. وسُمِّى الجِلد كِشاطاً بعد ما يُكشط، ثم ربَّما غُطّى [به] عليها فيقول القائل: ارفع عنها كِشَاطها لأَنْظُر إِلى لحمها. يقال هذا فى الجزور خاصّة. وقوله تعالى: {وَإِذَا السمآء كُشِطَتْ} أَى قُلعت كما يُقلع السقف. ويقال: كَشَطت الجُلّ عن ظهر الفرس وكشطته: إِذا كشفتَه. قال ابن عرفة: يكشط السَّماءَ كما يُكشط الغِطاءُ عن الشىء.

بصيرة فى كشف

بصيرة فى كشف الكَشْف والكاشفة: الإِظهار. والكاشفة من المصادر الَّتى جاءَت على فاعلة كالعافية والكاذبة، قال الله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} أَى كَشْف وإِظهار. وقال اللَّيث: الكشْف: رفعك شيئاً عمَّا يواريه ويغطِّيه. والتكشيف: مبالغة الكشف. وقال ابن دريد: كشفت فلاناً عن كذا وكذا: إِذا أَكرهته على إِظهاره. والتكشُّف: الظُّهور. وتكشَّف البرق: إِذا ملأَ السَّماءَ. وانكشف: مطاوع الكشف. واستكشف عن الشىءِ: سَأَل أَن يُكشف له عنه. وكاشفه بالعداوة: باداه بها، ويقال: لو تكاشفتم ما تدافنتم، أَى لو انكشف عيب بعضكم لبعض. واكتشفت المرأَة لزوجها: بالغت فى التكشُّف قاله ابن الاعرابىّ، وأَنشد: واكتشفت لِناشىءٍ دَمَكْمَكِ ... عن وارمٍ أَكظارُه عضنَّكِ والمكاشفة فى اصطلاح الصُّوفية: مهاداة السرّ بين متباطنين، أَى المكاشفة إِطلاع أَحد المتحابين المتصافيين صاحبه على باطن سرّه وأَمره. ويعنون بالمتباطنين باطن المكاشِف والمكاشَف، فيحمل كل منهما سرّه إِلى الآخر، كما يحمل إِليه هديَّته، فيسرى سرّ كل منهما إِلى الآخر. وإِذا بلغ العبد فى مقام المعرفة إِلى حد كأَنه يطَّلع إِلى ما اتصف به الرب سبحانه من

صفات الكمال، ونعوت الجلال، وأَحسَّت روحه بالقرب الخاصّ الذى ليس كالقرب المحسوس، حتى يشاهد رفع الحجاب بين روحه وقلبه - فإِنَّ حجابه هو نفسه، وقد رفع الله عنه سبحانه ذلك الحجاب بحوله وقوته - أَفضى القلب والروح حينئذ إِلى الرَّب، فصار بعنده كأَنَّه يراه. فإِذا تحقَّق بذلك، وارتفع عنه حجاب النفس، وانقشع عنه ضياؤها ودخانها، وكُشطت عنه سُحُبها وغيومها، فهنالك يقال له: بَدَا لك سرّ طال عنك اكتِتامُهُ ... ولاحَ صَباحٌ كنت أَنت ظَلامُهُ فأَنت حِجابُ القَلْبِ عن سرّ غَيْبه ... ولَوْلاك لم يُطبَعْ عَلَيْكَ خِتامُهُ فإِن غبْتَ عنه حَلّ فيه وطنَّبت ... على منكب الكَشْفِ المصُونِ خيامُه وجاءَ حديثٌ لا يُمَلُّ حديثه ... ويُنهَى إِلينا نثره ونِظامُهُ إِذا ذكَرَتهُ النفس زال عَناؤها ... وزال عن القلْبِ الكَئِيب قَتَامُه والمكاشفة الصحيحة المستديمة عبارة عن علوم يحدثها الرب - تعالى - فى قلب العبد، ويُطلعه بها على أُمور تخفى على غيره. وقد يُواليها / سبحانه وتعالى، وقد يُمسكها عنه بالغفلة عنها، ويواريها عنه بالغَيْن الَّذى يغشى على قلبه، وهو أَرَقّ الحُجُب، أَو بالغَيمْ وهو أَغلظ منه، أَو بالران وهو أَشدّها. فالأَوّل يقع للأَنبياءِ، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِنَّه لَيُغَان على قلبى، وإِنِّى لأَستغفر الله أَكثر من سبعين مرَّة". والثانى يكون للمؤمنين. والثالث لمن غلبت عليه الشهوة. قال الله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ

على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} ، قال ابن عباس وغيره: هو الذنب بعد الذنب يغطِّى القلب، حتى يصير كالرَّان عليه. والكشف الصَّحيح أَن يعرف الحقَّ الذى بعث الله به رسله وأَنزل به كتبه معاينة لقلبه، ويتجرد إِرادة القلب له وجودًا وعدمًا. هذا هو التحقيق الصحيح، وما خالفه فغرور قبيح وكلٌّ يدَّعى هذا. وكلٌّ يدَّعون وصال ليلى ... ولكن لا تُقِرَّ لهم بذاكا

بصيرة فى كظم وكعب

بصيرة فى كظم وكعب كَظَم غيظه يكظِمه كَظْما: ردّه وحبسه، قال تعالى: {والكاظمين الغيظ} . وكظم الباب: أَغلقه. وكظم النَّهر: سدَّه. ورجل كَظِيم ومكظوم: مكروب. والكَظَم - بالتحريك - الحَلْق، والفم، ومَخْرج النَّفَس. والكُظوم السّكوت. وكَظَم فلان: حبس نَفَسه، قال تعالى: {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} ، ومنه كَظَم البعيرُ: ترك اجتراره. والكِظَامة: فم الوادى، وبئر جنب بئر بينهما مجرى فى بطن الأَرض، كالكَظِيمة، والحَلْقة الَّتى تُجمع فيها خيوط الميزان. الكَعبة: البيت الحرام، شرّفها الله تعالى وأَعادنى إِلى جوارها عاجلاً. والكَعب: العظم النَّاشز عند ملتفى الساق والقدم، وأَنكر الأَصمعىّ قول الناس إِنها فى ظهر القدم. وأَعْلىَ اللهُ كَعْبَه، أَى أَعْلَى جَدَّه، وقيل: أَى أَعلَى الله شَرَفَه الثابت، وأَصله من كَعْبِ القناة، كما يُقال رفع الله أَعلامَ مَجْدِه. وقيل: هو من كَعْب السَّاق؛ فإِن الإِنسان متى كان قائما فَكَعْبُه عالٍ، فإِذا خرَّ أَو انجدل أَو انتكس زال علوّ كعبه. وكَعَبت الجاريةُ تكعُب كُعُوبا وكَعَابة، مثال ثَقَبَتْ تَثْقُب ثُقوبا وثَقَابة: إِذا بدا ثدْيُها، فهى كاعب، وثَدْىٌ كاعب أَيضاً. والكُعْبة بالضمّ: عُذْرة الجارية. قال: أَرَكَبٌ تَمَّ وتمَّت رَبَّتُهْ ... قد كان مختوماً ففُضَّت كُعبته

بصيرة فى كف

بصيرة فى كف الكَفّ: واحدة الأَكف، والكفوف والكُفّ بالضمّ، وهى ما يُقبض بها ويُبسط. ويقال: أَكرم النَّاسِ مَن فكَّ كفَّه، وكفَّ فكَّه. قال تعالى: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} إِشارة إِلى حال الندامة وما يتعاطاه فى حال ندمه. وتقول: جاءَ الناس كافَّة، أَى جاءُوا كلُّهم. ولا يدخل هذه اللفظة الأَلفُ واللام، ولا تُثَنَّى ولا تجمع ولا تضاف، لا يقال جاءَت الكافَّة، ولا لقيت كافَّة النَّاس. وأَمَّا قول عبد الله بن رَوَاحة الأَنصارىّ رضى الله عنه. فسِرنا إِليهم كافَةً فى رحالهم ... جميعاً علينا البَيض لا نتخشَّع فإِنما خفَّفها ضرورة، لأَنه لا يصلح الجمع بين الساكنين. وقوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً} ، قيل معناه: كافِّين لهم يقاتلونكم كافَّين لكم. وقيل معناه: جماعة، وذلك أَن الجماعة يقال لهم: الكافّة، كما يقال لهم: الوَزَعة. وكفَّ الإِناءَ: ملأَهُ مَلأ مفرطاً، والجُرْحَ: عصبه بخِرقة.

وعَيْبة مكفوفة، أَى مُشْرجة مشدودة. وفى كتاب / النبىّ فى صلح الحديبية لأَهل مكَّة: "لا إِغلال ولا إِسلال، وإِنَّ بينهم عَيْبة مكفوفة"، مُثِّل بها الذمة المحفوظة التى لا تُنكث. وقال أَبو سعيد: معناه: أَن يكون الشرّ مكفوفاً بينهم، كما يُكفُّ العِيَاب إِذا أُشرِجت على ما فيها من المتاع؛ كذلك التى كانت بينهم من الذُحُول قد اصطلحوا على أَلاَّ ينشروها، بل يتكافُّون عنها، كأَنهم قد جعلوها فى وعاءٍ وأَشرجوا عليها.

بصيرة فى كفت

بصيرة فى كفت كَفَتُّ الشىءَ أَكفِته - بالكسر - كَفْتا: إِذا ضممته إِلى نفسك، يقال: اللهمّ اكفته إِليك. وفى الحديث الصحيح: "يقول الله تعالى للكرام الكاتبين: إِذا مرض عبدى فاكتبوا له مثل ما كان يعمل فى صحَّته حتى أُعافيه أَو أَكفِته" وفى الحديث الآخَر: "واكفتوا صبيانكم". وكفته عن وجهه صرفه. وكَفَتَ: أَسرع. وكفت: ساق سوقاً شديداً. ورجل كَفْت وكَفِت وكَفِيت سريع. ووقع فى النَّاس كَفْت: موت وضمّ إِلى القبر. والكِفَات: الطيران السريع، والكِفَات: الموضع الذى يُكفت فيه شىء أَى يضمّ. وقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً} أَى ذات كَفْت، أَى ضمّ وجمع، بِضمِّهم أَحياء على ظهورها وأَمواتا فى بطونها. وكَفْتَهُ، خُصَّ بقيع الغَرْقَد من المدينة النبوية على ساكنها السلام بأَن سُمّى بها لأَنه لا يبقى من الإِنسان إِذا دُفن فيها شىء من شعر ولا بشر ولا ضرس ولا عظم إِلا ذهب، وذلك لأَنها سبِخة فلا تلبث أَن تأكل ما يدفن فيها. كأَنه يضمّ إِلى بطنها كلّ ذلك. وفى الحديث: "حُبِّب إِلىّ من دنياكم الطيبُ والنساءُ، ورُزقت الكَفِيت"، أَى ما أَكفت به معيشتى أَى أَضمّها. وقيل: أَى رُزقت القوّة على الجماع؛ وقيل: الكَفِيت: قِدْر أُنزلت من السَّماءِ فأَكَل منها وقوى على الجماع. ونزول القِدْر لم يصح عند أَهل الحديث.

بصيرة فى كفر

بصيرة فى كفر كَفَر الشىءَ وكفَّره: غطَّاه، يقال: كفر السّحابُ السّماءَ، وكَفَر المتاعَ فى الوعاء، وكَفَر الليلُ بظلامه. وليل كافر. ولبِس كافرَ الدُّروع، وهو ثوب يلبس فوقها. وكفرت الريحُ الرسْمَ، والفَلاَّحُ الحَبَّ، ومنه قيل للزُّراع الكُفَّار. وفارس مكفَّر ومتكفِّر. وكفَّر نفسه بالسّلاح. قال ابن مفرّغ: حَمَى جارَهُ عَمْرُو بن عَمْرِو بن مَرْثد ... بأَلْفَىْ كَمِىٍّ فى السلاح مُكَفَّرِ وتكفَّرْ بثوبك: اشتمِل به. وطائر مكفَّر: مغطَّى بالريش، قال: فأُبت إِلى قوم تُريح نساؤهم ... عليها ابنَ عِرْس والأِوزّ المكفَّرا وغابت الشمس فى الكافر، أَى البحر. ورجل مكفَّر: محسان لا تُشكر نعمته. وكَفَّر العِلجُ للملك تكفيرا: أَومأ له بالسّجود. وخرج نَوْرُ العِنب من كافوره وكُفُرَّاه: من طَلْعه. والكَفْر: القرية، وفى الحديث: "أَهل الكُفُور أَهل القبور. وليُفتحنَّ الشَّام كَفْرًا كَفْرًا". وأَكفره وكفَّره: نسبه إِلى الكُفر. وكفَّر اللهُ خطاياك. وأَعظم الكُفْر جحود الوحدانيّة أَو النبوَّة أَو الشريعة، والكافر متعارَف مطلقا فيمن يجحد الجميع. والكُفْران فى جحود النِّعمة أَكثر استعمالاً، والكُفْر فى الدِّين، والكُفُور فيهما. ويقال فيهما: كَفَر فهو كافر. قال

تعالى فى الكفران: {ليبلوني أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} ، وقوله: {فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الكافرين} ، أَى تحرَّيت كُفران نعمتى. ولمَّا كان الكفران جحود النعمة صار يستعمل فى الجحود: {وَلاَ تكونوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أَى جاحد وساتر. وقد يقال: كَفَرَ لمن أَضلَّ بالشريعة، وترك ما لزمه من شكر الله تعالى عليه، قال تعالى: / {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} ، ويدلّ على ذلك مقابلته بقوله: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} . وقوله: {وَلاَ تكونوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أَى لا تكونوا أَئمة فى الكفر فيقتدى بكم. وقال: {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك فأولائك هُمُ الفاسقون} ، وعنى بالكافر الساتر للحقّ، فلذلك جعله فاسقاً، ومعلوم أَن الكفر المطلق هو أَعظم من الفسق، ومعناه: من جحد حقَّ الله فقد فسق عن أَمر ربه بظلمه. ولمَّا جُعل كلُّ فعل محمود من الإِيمان جعل كلُّ مذموم من الكفر. وقال فى السّحر: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولاكن الشياطين كَفَرُواْ} ، وقال: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} إِلى قوله: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين} . والكَفُور: المبالِغ فى كفران النعمة، قال تعالى: {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} فإِن قيل: كيف وَصَف الإِنسان بالكَفُور هاهنا، ولم يرض حتى أَدخل عليه (إِنَّ) وكل ذلك تأكيد، وقال فى موضع آخر: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ

الكفر والفسوق} ؟ قيل: {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} تنبيه على ما ينطوى عليه الإِنسان من كفران النعمة، وقلَّة ما يقوم بأَداءِ الشكر، وعلى هذا قوله تعالى: {قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ} ، {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور} . وقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} تنبيه أَنَّه عرَّفه الطَّريقين؛ كما قال: {وَهَدَيْنَاهُ النجدين} فمِن سالك سبيل الشكر، ومن سالك سبيل الكفر. والكَفَّار أَبلغ من الكَفُور، كقوله: {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} . وقد أَجرى الكَفَّار مُجرى الكَفُور فى قوله: {إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} . والكُفَّار فى جمع الكافر المضادّ للمؤْمن أَكثر استعمالاً، كقوله: {أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار} . والكَفَرَة فى جمع كافر النعمة أَكثر استعمالاً؛ كقوله: {أولائك هُمُ الكفرة الفجرة} ، [أَلا ترى أَنه وَصف الكفرة بالفجرة] ، والفجرة قد يقال للفسّاقِ من المسلمين. وقوله: {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} أَى الأَنبياء ومن يجرى مَجراهم ممّن بذلوا النصح فى دين الله فلم يُقبل منهم. وقوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ} ، قيل عُنى بقوله آمنوا أَنهم آمنوا بموسى عليه السلام، (ثم كفروا) بمن بعده. وقيل: آمنوا ثم كفروا بموسى إِذ لم يؤْمنوا بغيره. قيل: هو ما قال:

{وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب آمِنُواْ بالذي أُنْزِلَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَجْهَ النهار واكفروا آخِرَهُ} ، ولم يرد أَنهم آمنوا مرّتين، بل ذلك إِشارة إِلى أَحوال كثيرة. وقيل: كما يصعد الإِنسان فى الفضائل فى ثلاث درجات، يتسكع فى الرذائل فى ثلاث دَرَكات، فالآية إِشارة إِلى ذلك. ويقال: كفر فلان: إِذا اعتقد الكفر، ويقال: كفر: إِذا أَظهر الكفر وإِن لم يعتقد، لذلك قال: {مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} . ويقال: كفر فلان بالشيطان: إِذا كفر بسببه. وقد يقال ذلك أَيضا إِذا آمن وخالف الشيطان، كقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله} . وقد يعبر عن التبرىّ بالكفر، نحو: {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} . وقوله: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ} ، أَى أَعجب الزُّرَّاعَ بدلالة قوله: {يُعْجِبُ الزراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} ، ولأَن الكافر لا اختصاص له بذلك. وقيل: عنى الكُفَّار، وخصّهم لكونهم معجَبين بالدنيا وزخارفها، وراكنين إِليها. والكَفَّارة: ما يغطّى الإِثم، ومنه كفَّارة اليمين والقتل والظهار. والتكفير: ستر الذنب وتغطيته، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب آمَنُواْ واتقوا

لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أَى سترناها حتى تصير كأَن لم تكن، أَو يكون المعنى نُذْهبها ونُزِيلها، من باب التمريض لإِزالة المرض، والتقْذية لإِذهاب / القَذَى، وإِلى هذا يشير قوله تعالى: {إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات} . والكافور والقافور: طِيب أَبيض يوجد فى أَجواف القَصَب المعروف ببلاد الهند، وهو أَنواع، قال تعالى: {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} .

بصيرة فى كفل

بصيرة فى كفل الكفالة: الضَّمان. ويقال: هو كافيه وكافله، وهو يكفينى ويكفُلنى: يعولنى وينفق علىّ. وأَكفلته إِيّاه وكفَّلته، قال تعالى: {أَكْفِلْنِيهَا} . وهو كفيل بنفسه وبماله، وكَفَل عنه لغريمه بالمال، وتكفَّل به. وهو كِفْل بيِّن الكُفُولة: لا يثبت على ظهر الدّابّة. والكافل: العائل، والضامن، والذى لا يأْكل أَو يصلُ الصّيام، والجمع: كُفَّلٌ وكُفَلاءُ. كفَل بالرجل يكفُل - كنصر ينصر - وكَفَل يكفِل - كضرب يضرب - وكفُل يكفُل - ككرم يكرم - وكفِل يكفَل - كعلم يعلم - كَفْلا وكفولة، وكَفَالة. وتكفَّل. وقال تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} أَى كفَّلَها الله زكريا. ومن خَفَّف جعل الفعل لزكريّا، والمعنى: تضمّنها. والكِفْل: الحظّ، والنصيب الذى فيه الكفاية، كأَنَّه تكفل بأَمره. والكِفْل أَيضاً: الضِعْف، قال تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} ، قيل: أَى كِفلين من نعمته فى الدّنيا والآخرة، وهما المرغوب إِلى الله فيهما بقوله: {رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً} . وقيل: لم يعن بقوله (كِفْلَيْنِ) نعمتين اثنتين، ولا ضعفين، بل أَراد النعمة المتوالية المتكفَّلة بكفالته، ويكون تثنيته على حدّ ما ذكر فى لبَّيك وسعديك.

وقوله: {يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} ، فإِن الكِفْل هاهنا ليس بمعنى الأَوّل بل هو مستعار من الكِفل وهو الشىءُ الرّدىءُ، واشتقاقه من الكَفَل؛ وهو أَن الكَفَل لمّا كان مَرْكبًا ينبو بِراكبِه صار متعارفاً فى كل شدّة، كالسِيسَاء، وهو العظم الناتئ من ظهر الحمار، فيقال: لأَحملنَّك على الكَفَل وعلى السِيساءِ. ومعنى الآية: مَن ينضمّ إِلى غيره معيناً له فى فَعْلَة حسنة يكن له منها نصيب، ومن ينضمّ إِلى غيره معيناً له فى فَعلة سيّئة تناله منها شدّة. وقيل: الكِفْل: الكفيل. ونبّه أَنَّ من تحرّى شرًّا فله من فعله كفيل يسلِّمه، كما قيل: من ظلم فقد أَقام كفيلاً بظلمه، تنبيهاً أَنه لا يمكنه التخلّص من عقوبته.

بصيرة فى كفو

بصيرة فى كفو الكُفْءُ: المِثل فى المنزلة والقدر. وفيه لغات: الكُفْءُ بالضمّ، والكُفُؤ بضمتين، والكِفْءُ بالكسر، والكُفُوُ بالواو وبغير همز، والكُفَى كهُدَى، والكِفَاء مثال كساءٍ. وهو فى الأَصل مصدر. وقرأَ سليمان بن علىّ الهاشمىّ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِفَاءً أَحَدٌ} بالكسر والهمز. والكِفاية: ما فيه سَدّ الخَلَّة. كفاه مئُونته يكفيه كِفاية. وكفاك الشىءُ، واكتفيت به. واستكفيتُه الشىءَ فكفانيه. ورجل كافٍ وكفِىّ، قال الله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} ، وقال: {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} ، وقال: {وكفى بالله شَهِيداً} والباءُ زائدة. وقيل معناه: اكتف بالله شهيداً. وكافيك من رجل: وكَفْيك من رجل، وكِفِيُك، وكُفْيُك مثلَّثه الكاف أَى حسبك. والكُفْية بالضم: القوت والجمع، الكَفىُّ. والكَفِىُّ كغنىّ: المطر. وتكفىّ النبات: طال.

بصيرة فى الكل

بصيرة فى الكل الكُلّ اسم لجميع الأَجزاءِ، يستوى فيه الذكر والأُنثى، وقد يقال كلّ رجل وكُلَّة امرأَة. وقد جاءَ كُلّ بمعنى بعض، فهو من الأَضداد، ولا يدخلهما (أَلْ) فى فصيح الكلام. وجمع كُلّ لأَجزاءِ الشىءِ على ضربين: أَحدهما: الجامع لذات الشىءِ وأَحواله المختصّة به، ويفيد معنى التمام، نحو قوله تعالى: {وَلاَ / تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط} ؛ والثانى: الجامع للذوات. وقيل: كلٌّ لاستغراق أَفراد المنكَّر، نحو: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت} ؛ ولاستغراق المعرّف المجموع، نحو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة} ؛ ولاستغراق أَجزاءِ المفرد المعَرَّف، نحو: كُلّ زيد حسن. فإِذا قلت: أَكلت كلّ رغيف لزيد كانت لعموم الأَفراد. فإِن أَضفت الرّغيف إلى زيد صارت لعموم أَجزاءِ فرد واحد، ومن هنا وجب فى قراءَة غير أَبى عمرو وابن ذَكْوان: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} بترك تنوين قلب ثم تقدير كلّ بعد (قلب) ليعمّ أَفراد القلوب، كما عمّ كلّ أَجزاءِ القلب. وترد كُلَّ باعتبار كلّ واحد ممّا قبلها وما بعدها على ثلاثة أَوجه:

فأَمَّا أَوجهها باعتبار ما قبلها: فأَحدها: أَن يكون نعتاً لنكرة أَو معرفة، فيدلّ على كماله؛ ويجب إِضافته إِلى اسم ظاهر يماثله لفظاً ومعنى، نحو: أَطعمنا شاة كُلَّ شاة، وقوله: وإِن الذى حانت بفَلْج دماؤُهم ... هم القومُ كلّ القوم يا أُمَّ خالد والثانى: أَن يكون توكيدًا لمعرفة، وفائدته العموم، ويجب إِضافتها إِلى اسم مضمر راجع إِلى المؤَكَّد، نحو قوله تعالى: {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ} وقد يخلفه الظاهر، كقوله: كم قد ذكرتكِ لو أُجزَى بذكركم ... يا أَشبه الناس كلِّ الناس بالقمر وأَجاز الفراءُ والزمخشرىّ أَن تقطع كلّ المؤَكَّد بها عن الإِضافة لفظاً؛ تمسّكاً بقراءَة بعضهم: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ} . والثالث: أَلاَّ تكون تابعة بل تالية للعوامل، فتقع مضافة إِلى الظاهر، نحو: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} ؛ وغير مضافة نحو: {وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} . وأَمَّا أَوجهها باعتبار ما بعدها فثلاثة: الأَول: أَن تضاف إِلى ظاهر؛ وحكمها أَن يعمل فيها جميع العوامل نحو: أَكرمت كلّ بنى تميم.

الثانى: أَن تضاف إِلى ضمير محذوف. ومقتضى كلام النحويين أَن حكمها كالتى قبلها؛ ومقتضى كلام ابن جِنِّى خلافه، وأَنها لا يسبقها عامل فى اللَّفظ. الثالث: أَن تضاف إِلى ضمير ملفوظ به. وحكمها أَلاَّ يعمل فيها غالباً إِلاَّ الابتداء، نحو: {إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ} فى مَنْ رفع كَلاًّ، ونحو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} ، لأَن الابتداء عامل معنوىّ. ومن القليل قول الشاعر: فيصدر عنها كُلُّهَا وهو ناهل واعلم أَن معنى كلّ بحسب ما يضاف إِليه، فإِن كانت مضافة إِلى نكرة وجب مراعاة معناها، فلذلك جاءَ الضمير مفردًا مذكَّرا فى نحو قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر} ، {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ} ، وقول أَبى بكر وكعب ولَبيد: كلُّ امرِىءٍ مُصَبِّح فى أَهْلِهِ ... والموْت أَدْنى من شِرَاكِ نَعْلِهِ * * * كلّ ابن أُنْثى وإِنْ طالت سلامَتُه ... يومًا على آلةٍ حَدْباءَ مَحْمُول * * * أَلا كلّ شىءٍ ما خلا اللهَ بَاطِل ... وكُلُّ نَعِيم لا محالَةَ زائلُ وقال السموءَل بن عادياء:

إِذا المرءُ لم يَدْنَس من اللُؤْم عِرضُه ... فكلُّ رداءٍ يرتديه جميلُ وإِن كانت مضافة إِلى معرفة فقالوا: يجوز مراعاة لفظها، ومراعاة معناها، نحو: كلّهم قائمون أَو قائم. وقد اجتمعا فى قوله تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمان عَبْداً لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْداً} . قال ابن هشام: الصواب أَن الضمير لا يعود إِليها من خبرها إِلاَّ مفردًا مذكرًا على لفظها، نحو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} الآية. وقوله تعالى فيما يرويه عنه نبيّه صلَّى الله عليه وسلم: "يا عبادى / كلكم جائِع إِلاَّ من أَطعمته" الحديث بطوله، وقوله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ الناس يَغْدُو فبائع نفسه فمعتقها أَو موبقها"، "كلكم رَاعٍ وكُلكم مسئول عن رعيّته"، "وكلُّنا لك عَبْد"، {إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولائك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} . وإِن قُطِعت عن الإِضافة لفظاً فالمقدّر قد يكون مفردًا نكرةً فيجب الإِفراد، ويكون جمعاً معرّفاً فيجب الجمع؛ تنبيهاً على حال المحذوف فيهما. فالأَول نحو: {كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} ، {كُلٌّ آمَنَ بالله} ، {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} ، إِذ التقدير كلّ أَحد. والثانى: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} ، {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ، {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} ، {وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ} .

وقال البيانيّون: إِذا وقعت كلٌّ فى حيّز النفى كان النفى موجّهاً إِلى إِلى الشمول خاصّة، وأَفاد مفهومُه ثبوتَ الفعل لبعض الأَفراد؛ كقولك: ما جاءَ كلّ القوم، ولم آخذ كلَّ الدراهم، وكُلُّ الدَّراهم لم آخذ، وقوله: ما كلّ رأْىِ الفتى يدعو إِلى رشد وقوله: ما كلّ ما يتمنى المرءُ يدركه وإِن وقع النفى فى حيّزها اقتضى السّلب عن كل فرد، كقوله صلى الله عليه وسلم لما قال له ذو اليدين: أَنسيت أَم قَصُرت الصلاة: "كلُّ ذلك لم يكن". ومنه قول أَبى النجم: قد أَصبحت أَمّ الخيار تدَّعِى * علىّ ذنباً كلُّه لم أَصنع وأَمّا كُلّ فى نحو: {كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ} [فهى] منصوبة على الظَّرفيّة بالاتِّفاق، وناصبها الفعل الذى هو جواب فى المعنى، مثل (قالوا) فى الآية، وجاءَته المصدريّة من جهة (ما) ، فإِنها إِمّا أَن تكون اسما نكرة بمعنى وقت، أَو تكون حرفاً مصدريًّا والجملة بعده صلة؛ والأَصل: كل وقت رزْق، ثم عُبّر عن معنى المصدر بما. والله أَعلم. والكلالة: الرجل لا والد له ولا ولد. وقيل: ما لم يكن من النسب لَحَّا، وقيل: الوراثة كلهم سوى الوالدين والأَولاد. وقيل: من تكلَّل نسبُه

بنسبك، كابن العمّ وشبهه. وقيل: هى الإِخوة للأُمّ. وقيل: هى من العَصَبة مَن ورث معه الإِخوة للأُمّ. وقيل: هم بنو العمّ الأَباعد. وقال ابن عباس: هى اسم لما عدا الوالد. ورُوى أَن النبىّ صلى الله عليه وسلَّم سئل عن الكلالة فقال: "من مات وليس له وَلَد ولا والد"، فجعله اسم الميّت، وهو صحيح أَيضاً؛ فإِن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعاً. وقيل: اسم لكلّ وارث.. والإِكليل: شِبه التاج، سمّى لإِطافته بالرأْس. والكَلْكل والكَلْكَال: الصّدر. وقيل: ما بين التَرْقُوَتَين. وقيل: باطِن الزَوْر.

بصيرة فى كلب

بصيرة فى كلب الكلْب: النَبَّاح المعروف. وربما وُصف به، والجمع: أَكْلُبٌ وكِلاَب، وكَلِيب، مثال عبد وعَبيد، وهو جمع عزيز. والأَكالب: جمع أَكلُب. وتصغير الكِلاب أُكيْلب بردّها إِلى أَقلّ الجمع، وهو أَكْلُب. والكلاَّب: صاحب الكلاب. قال تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب} . والكَلْب أَيضاً: نجم معروف. والكَلْب أَيضاً: سَير بين طرفى الأَدِيم إِذا خُرز. والكَلْب: أَوَّل زيادة الماء فى الوادى. والكَلْب: جديدة الرّحَى على رأْس القُطْب، وخشبة يُعمد بها الحائط. والكَلْب: الأَسد. والكَلَب - بالتحريك -: الحِرص. وكلِبَ - كفرح -: اشتدَّ حرصه على طلب شىءِ. والكَلَب أَيضاً: الشدَّة من البَرْد. والكَلْبُ الكلِب: الذى به كَلَب أَى شِبه جنون، فإِذا عَقَر إِنسانا كُلِب. والمكلَّب - كمعظَّم -: المقيَّد الأَسير، قَلْب المكبَّل. والمكالبة: المشادّة، وكذلك التكالُب.

بصيرة فى / كلف

بصيرة فى / كلف الكلف محرّكة: الوَلُوع بالشىء. كلِفت بهذا الأَمر كَلَفا: أُولعت به. وكَلِف أَى جَشِم. والكَلُوف: الأَمر الشاقّ. وفى المثل: لا يكن حُبَّك كَلَفا ولا بغضك تَلَفا. والتكليف: الأَمر بما يشقّ على الإِنسان، قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} وتكلَّفت الشىءَ: تجشمته. والمتكلِّف: العِرِّيض لِما لا يعنيه. قال الله تعالى: {وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين} وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَنا وأَتقياء أُمَّتى بُرآء من التكلُّف". ويقال حملت الشىء تَكلفة: إِذا لم تُطقه إِلاَّ تكلُّفا. وقال زهير: سئمت تكاليف الحياة ومن يَعِشْ ... ثمانين حولاً لا أَبا لَك يسأَم يحتمل أَن يكون جمع تكلِفة: فزاد الياءَ لحاجته، وأَن يكون جميع التكليف. والكُلْفة - بالضمّ - ما تكَلَّفته من نائبة أَو حقّ. والكَلَف: شىء شبه السمسم يعلو الوجه. والتكلُّف قد يكون محمودًا، وهو ما يتوخَّاه الإِنسان ليتوصَّل به إلى أَن يصير الفعل الذى يتعاطاه سهلاً عليه ويصير كِلفا به ومحبَّا له، ولهذا النظر استعمل التكليف فى تكلُّف العبادات؛ وقد يكون مذموماً وهو ما يتكلَّفه الإِنسان مراءَاة.

بصيرة فى كلم

بصيرة فى كلم الكلام: القول أَو ما كان مكتفِياً بنفسه. والكَلِمة: اللفظة، والجمع: كَلِم، والكِلْمة بالكسر لغه فيها، والجمع: كِلَم ككِسَر. وكلَّمهُ تكليماً وكِلاَّماً. وتكلّم تكلُّماً وتِكِلاَّما: تحدَّث. وتكالماً: تحدَّثا. والكلمة: القصيدة. وكلمة الله عيسى عليه السَّلام؛ لأَنه كان يُنتفع به وبكلامه، أَو لأَنه كان بكلمة (كُنْ) من غير أَب، أَو لاهتداءِ الناس به. والكلمة الباقية: كلمة التوحيد. ورجل تِكْلامة، وتِكِلاَّمة بالتشديد، وتِكْلام، وكَلْمانىّ كسَلْمانىّ، وكَلَمانىّ بالتحريك، وكِلِّمَانىّ بكسرتين والتشديد - ولاَ نظير له -: جيّد الكلام فصيحه. وقيل: رجل كِلِّمَانىّ، أَى كثير الكلام، والمرأَة كِلِّمَانيَّة. والكَلْم: الجَرْح، والجمع: كُلُوم وكِلاَم. وكَلَمه يكلِمه، وكلَّمه: جرحه فهو مكلوم، وكليم، ومكلَّم، وهى كَلْمَى. وبهم كَلْم وكِلاَم وكُلُوم. وأَصل الكَلْم: التأْثير المدرَك بإِحدى الحاسّتين السمع والبصر. والكَلاَم يقع على الأَلفاظ المنظومة، وعلى المعانى التى تحتها مجموعة؛ وعند النحاة يقع على الجزءِ منه، اسما كان أَو فعلا أَو أَداةً. وعند كثير من المتكلِّمين لا يقع إِلاَّ على الجملة المركَّبة المفيدة، وهو أَخصّ من القول؛ فإِن القول عندهم يقع على المفردات، والكلمة تقع على كل واحد من الأَنواع الثلاثة، وقد قيل بخلاف ذلك.

وقوله تعالى: {فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} ، قيل هو قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} . وقال الحسن: هو وقوله: أَلم تخلقنى بيدك! أَلم تُسكنِّى جنَّتك؛ أَلم تُسجِد لى ملائكتك! أَلم تسبق رحْمتُك غضبك! أَرأَيت إِن تبتُ كنت مُعيدِى إِلى الجنَّة؛ قال: نعم. وقيل: هو الأَمانة المعروضة على السماوات والأَرض. وقوله: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} قيل: هى الأَشياءُ التى امتحن الله بها إِبراهيم عليه السَّلام: من ذبح ابنه، والخِتان وغيرهما. وقوله لزكريَّا: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله} ، قيل: هى كلمة التوحيد، وقيل: كتاب الله، وقيل: يعنى به عيسى عليه السلام. وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} ، فالكلمة هنا القضية، وكل قضية تُسَمَّى كلمة، سواء كان ذلك مقالا أَو فَعالا، ووصفها بالصدق لأَنه يقال: قول / صِدْق، وفعل صدق. وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} إِشارة إِلى نحو قوله: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، ونبّه بذلك على أَنه لا نسخ للشريعة بعد اليوم. وقيل: إِشارة إِلى ما قال النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "أَوّل ما خَلَق الله القَلَم، فقال له: اِجْرِ بما هو كائن إِلى يوم القيامة". وقيل: الكلمة هى القرآن. وعبرّ بلفظ الماضى تنبيهاً أَن ذلك فى حكم الكائن. وقيل: عنى بالكلمات الآيات والمعجزات، فنبَّه أَنَّ ما أرسل من الآيات تامّ وفيه بلاغ. وقوله:

{لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} ردّ لقولهم: {ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هاذآ أَوْ بَدِّلْهُ} . وقيل: أَرادَ بكلمات ربّك أَحكامه، وبين أَنه شَرَعَ لعباده مافيه بلاغ. وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى على بني إِسْرَآئِيلَ} هذه الكلمة قيل هو قوله: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض} . وقوله: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً} إِشارة إِلى ماسبق من حكمه الذى اقتضته كلمته، وأَنه لا تبديل لكلماته. وقوله: {وَيُحِقُّ الحق بِكَلِمَاتِهِ} أَى بحججه الَّتى جعلها لكم عليهم سلطاناً مبيناً، أَى حُجَّة قويَّة. وقوله: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ الله} إِشارة إِلى ما قال: {فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً} ، وذلك أَن الله تعالى كان قد قال: {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً} ، ثم قال هؤلاءِ المنافقون: {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} وقصدهم تبديل كلام الله، فنبَّه على أَن هؤلاءِ لا يفعلون، وكيف يفعلون وقد علم الله منهم أَنهم لا يفعلون، وقد سبق بذلك حكمه. ومكالمة الله تعالى العبد على ضربين: أَحدهما فى الدُّنيا، والثانى فى الآخرة؛ فما فى الدُّنيا فعلى ما نبَّه عليه بقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ} الآية. وما فى الآخرة ثواب للمؤمنين وكرامة لهم تخفى عليهم كيفيَّته. ونبَّه أَن ذلك يحرم على الكافرين بقوله: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ القيامة} . وأَمَّا قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما من أَحد إِلاَّ سيكلِّمه ربَّه ليس بينه وبينه ترجمان"

فلعلَّ المراد به فى بعض المواقف دون بعض، أَو المراد: ما من أَحد من المؤمنين. وقوله: {يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ} جمع كلمة، قيل: إِنهم كانوا يبدِّلُون الأَلفاظ ويغيرونها، وقيل: إِنَّ التحريف كان مِن جهة المعنى، وهو حمله على غير ما قُصد به واقتضاه، وهذا أَمثل القولين. وقوله: {لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا الله} ، أَى لولا يكلِّمنا مواجهة، وذلك نحو قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السمآء فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك فقالوا أَرِنَا الله جَهْرَةً} . وأَعوذ بكلمات الله التامات، قيل: هى القرآن. وقوله: سبحان الله عدَدَ كلماته، أَى كلامه، وهو صفته وصفاته لا تنحصر بالعدد، فذكر العدد هنا مجاز بمعنى المبالغة فى الكثرة. وقيل: يحتمل عدد الأَذكار، أَو عدد الأُجُور على ذلك، ونصب (عددا) على المصدر. وقوله: اسْتَحْلَلْتُم فروجهنَّ بكلمات الله، قيل: هى قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ، وقيل: هو إِباحة الله الزواج وإِذنه فيه.

بصيرة فى كلا

بصيرة فى كلا وهى، عند سيبويه والخليل والمبرِّد والزجّاج وأَكثر نحاة البصرة، حرف معناه الرَّدع والزجر، لا معنى له سواه؛ حتى إِنهم يجيزون الوقف عليها أَبداً والابتداءَ بما بعدها، حتى قال بعضهم: إِذا سمعت / كَلاَّ فى سورة فاحكم بأَنها مكيَّة، لأَن فيها معنى التهديد والوعيد، وأَكثر ما نزل ذلك بمكَّة؛ لأَن أَكثر العتوّ كان بها. وفيه نظر؛ لأَن لزوم المكِّيّة إِنما يكون عن اختصاص العتوّ بها لا عن غلبته. ثم إِنه لا يظهر معنى الزجر فى كَلاَّ المسبوقة بنحو {في أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} ، {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين} {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ، وقول من قال: فيه ردع عن ترك الإِيمان بالتصوير فى أَىِّ صورة شاءَ الله، وبالبعث، وعن العجلة بالقرآن، فيه تعسف ظاهر. ثم إِن أَول ما نزل خمس آيات من أَول سورة العلق، ثم نزل: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى} فجاءَت فى افتتاح الكلام. والوارد منها فى التنزيل ثلاثة وثلاثون موضعا كلها فى النصف الأَخير. ورأى الكسائىّ وجماعة أَن معنى الردع ليس مستمرًّا فيها، فزادوا معنى ثانيا يصحّ عليه أَن يوقف دونها، ويبتدأ بها. ثم اختلفوا فى تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أَقوال: فقيل: بمعنى حقًّا، وقيل: بمعنى أَلاّ الاستفتاحية، وقيل: حرف جواب بمنزلة إِى ونَعَمْ، وحملُوا عليه: {كَلاَّ

والقمر} ، فقالوا: معناه: إِى والقمر. وهذا المعنى لا يتأَتَّى فى آيتى المؤمنين والشعراء. وقول من قال بمعنى حقا لا يتأَتَّى فى نحو: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار} ، {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} ، لأَنَّ (إِنَّ) تكسر بعد أَلا الاستفتاحية، ولا تكسر بعد حقَّا ولا بعد ما كان بمعناها، ولأَن تفسير حرف بحرف أَولى من تفسير حرف باسم. وإِذا صلح الموضع للردع ولغيره جاز الوقف عليها والابتداء بها على اختلاف التقديرين. والأرجح حملها على الردع؛ لأَنه الغالب عليها، وذلك نحو: {أَطَّلَعَ الغيب أَمِ اتخذ عِندَ الرحمان عَهْداً كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} ، {واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} . وقد يتعيَّن للردع أَو الاستفتاح نحو: {رَبِّ ارجعون لعلي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ} لأَنها لو كانت بمعنى حقًّا لما كُسرت همزة إِنَّ، ولو كانت بمعنى نعم لكانت للوعد بالرجوع، لأَنها بعد الطلب، كما يقال: أَكرم فلانا فتقول: نعم. ونحو: {قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} ، وذلك لكسرِ إِنَّ، ولأَنَّ نَعَمْ بعد الخبر للتصديق. وقد يمتنع كونها للزجر والردع، نحو: {وَمَا هِيَ إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ كَلاَّ والقمر} إِذ ليس قبلها ما يصحّ ردّه.

وقرئ: {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} بالتنوين، إِما على أَنّه مصدر كَلَّ إِذا أَعيا، أَى كَلُّوا فى دعواهم وانقطعوا، أَو من الكَلّ وهو الثِقْل أَى حَمَلُوا كَلاَّ. وجوّز الزمخشرىّ كونه حرفَ الردع نُوِّن كما فى (سَلاَسِلاً) ورُدّ عليه بأَنَّ (سلاسلا) اسم أَصله التنوين فرُدّ إِلى أَصله. ويصحّح تأْويل الزمخشرىّ قراءة من قرأَ: {والليل إِذَا يَسْرِ} بالتنوين إِذا الفعل ليس أَصله التنوين. وقال ثعلب: كَلاَّ مركب من كاف التشبيه ولا النافية، وإِنما شدّدت لامها لتقوية المعنى ولدفع توهُّم بقاء معنى الكلمتين. وعند غيره بسيطة؛ كما ذكرنا. والله أَعلم.

بصيرة فى كلأ وكلا وكلتا

بصيرة فى كلأ وكلا وكلتا كلأَه الله يَكْلَؤُه كِلاءَة مثل قرأَ قراءَة: حفظهُ. وأذهب فى كِلاءة الله أَى حفظه ونظره ومراقبته. والمادَّة موضوعة للدلالة على مراقبة ونظر، وعلى الثبات، قال تعالى: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار مِنَ الرحمان} أَى بدل الرحمن. والمُكَلأَّ والكَلاَّء: شاطئ النهر، قال سيبويه: هو فَعَّال مثال جَبَّار، والمعنى أَن الموضع يدفع الريح عن السفن ويحفظها. واكتلأَتْ عينى: إِذا لم تنم وسهرت. وحَذِرْت أَمرا واكتلأت منه: احترست. وكَلأَْتة كَلأْ: ضربته بالسوط. والكالئ: النسيئة. وبلغ اللهُ بك أَكلأ العمر أَى آخره وأَبعده. وكان الأَصمعىّ لا يهمز وينشد. وإِذا تباشرك الهمو ... مُ فإِنَّه كال وناجز أَى منها نسيئة ومنها ما هو نقد. وكِلاَ وكلتا: مفردان لفظا مثنيان معنى، مضافان أَبدا لفظاً ومعنى إِلى كلمة واحدة مَعْرفه دالَّة على اثنين: إِمَّا بالحقيقة والتنصيص، نحو: {كِلْتَا الجنتين} ، ونحو: {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} ؛ أَو بالحقيقة والاشتراك نحو: كلانا، فإِن (ن) مشتركة بين الاثنين والجماعة؛ أَو بالمجاز كقوله: إِنَّ للخير وللشرِّ مدًى ... وكِلا ذلك وجه وقَبَلْ

فإِن (ذلك) حقيقة فى الواحد، وأشير بها إِلى المثنى على معنى: وكِلاَ ما ذكر، على حدّ ما فى قوله تعالى: {لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} وأَجاز: ابن الأَنبارىّ إِضافتها إِلى النكرة المختصَّة، نحو: كلا رجلين عندك محسنان؛ فإِن (رجلين) قد تخصَّصا بوصفهما بالظرف. وحكوا: كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها، أَى تاركة للغَزْل. ويجوز مراعاة لفظ كلا وكلتا فى الإِفراد، نحو: {كِلْتَا الجنتين آتَتْ أُكُلَهَا} ، ومراعاة معناهما وهو قليل. وقد اجتمعا فى قوله: كلاهما حين جَدّ الجرى بينهما ... قد أَقلعا وكِلا أَنفيهما رابى ويتعين مراعاة اللفظ فى نحو كلاهما محبّ لصاحبه؛ لأَن معناه: كل منهما. وكلا وكلتا إِذا أَضيفا إِلى مضمر قلب [أَلفهما] فى النصب والجرّ ياءً، فتقول: رأَيت كليهما وكلتيهما، ومررت بكليهما وكلتيهما. وإِذا أضيفا إِلى ظاهر بقى أَلفهما على حاله فى النصب والجرّ.

بصيرة فى كم

بصيرة فى كم وهى عبارة عن العدد. ويستعمل فى باب الاستفهام، وينصب بعده الاسم الَّذى يميَّز به، نحو: كم رجلا ضربت. ويستعمل فى باب الخبر، ويجرّ بعده الاسم الذى يميَّز به، نحو كم رجل. وهى على نوعين: خبريّة بمعْنى كثير، واستفهاميّة بمعنى أَىّ عدد. ويشتركان فى خمسة أُمور: الاسميَّة، والإِبهام، والافتقار إِلى التمييز، والبناء، ولزوم التصدير. وأَمَّا قول بعضهم فى: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} أبدلت (أَنَّ) وصِلتها من (كم) فمردود بأَن عامل البدل هو عامل المبدل منه. فإِن قَدَّر عامل المبدل منه (يَرَوْا) فكم لها الصدر، فلا يعمل فيها ما قبلها. وإِنْ قدَّره (أَهلكنا) فلا تسلَّط له فى المعنى على البدل. والصواب أَن (كم مفعول لـ (أَهْلكنا) والجملة إِما معمولة لـ (يروا) على أَنه عُلّق عن العمل فى اللفظ، و (أَن) وصلتها مفعول لأَجله وإِمّا معترِضة بين (يَرَوا) وما سدّ مسدّ مفعوليه وهو: (أَنَّ) وصلتها. وكذلك قول من قال [فى] {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا} إِن (كم) فاعل مردود بأَن كم لها الصدر. (وقوله: إِنَّ ذلك جاءَ على لغة رديئة حكاها الأَخفش عن بعضهم أَنه يقول: ملكت كم عبيدٍ فيُخرجها

عن الصدرية خطأ عظيم؛ إِذا خَرَّج كلام الله سبحانه على هذه اللغة) ، وإِنَّما الفاعل ضمير اسم الله سبحانه، أَو ضمير العِلم أَو الهدى المدلول عليه بالفعل، أَو جملة: {كَمْ أَهْلَكْنَا} على القول بأَن الفاعل يكون جملة، إِمَّا مطلقا، أَو بشرط كونها مقترِنة بما يعلِّق عن العمل والفعل قلبى، نحو ظهر لى أَمَام زيد. ويفترقان فى خمسة أُمور. أَحدهما: أَن الكلام مع الخبريَّة محتمل للتصديق والتكذيب بخلافه مع الاستفهاميَّة. الثانى: أَن المتكلم بالخبرية لا يستدعى جوابا بخلاف الاستفهامية. الثالث: أَن الاسم المبدل من الخبرية لا يقترن بالهمزة بخلاف المبدل من الاستفهامية. الرابع: أَن تمييز الخبرية مفرد أَو مجموع، تقول: كم عبدٍ ملكتُ، وكم عبيد ملكت، ولا يكون تمييز الاستفهاميَّة إِلا مفردًا. الخامس: أَن تمييز الخبرية واجب الخفض، وتمييز الاستفهامية منصوب ولا يُجرّ خلافا لبعضهم.

بصيرة فى كمل وكمه

بصيرة فى كمل وكمه الكمال: التمام الذى تجزأَ منه أَجزاؤه، وقيل: كمال الشىء حصول ما فيه الغرض منه. قال تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} تنبيها أَن ذلك غاية ما يتعلَّق به صلاحُ الولد وقد كَمَل الشىء يكمُل، وكَمَل يكمِلُ، وكمُل يكمُل، وكمِل يَكْمَل، على وزان نصر ينصر وضرب يضرب، وكرم يكرم، وعلم يعلم، كمالا وكُمُولا، فهو كامل وكَمِيل، وتكامل، وتكمّل. وأَكمله واستكمله وكمَّله: أَتمَّه وجَمَله. وقوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة} تنبيهٌ على أَنهُ يحصل كمال العقوبة. وقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} قيل: إِنما كَرَّر العشرة ووصفها بالكاملة لا ليُعلمنا أَن السبعة والثلاثة عشرة، بل ليبين أَن بحصول صيام العشرة يحصل كمال الصوم القائم مقام الهَدْى. وقيل: إِن وصفه العشرة بالكاملة استطراد فى الكلام، وتنبيه على فضيلة له فيما بين عِلْم العدد، وأَن العشرة أَوّل عَقْد ينتهى إِليه العدد فيكمل، وما بعده يكون مكرَّرا، فهى العدد الكامل. الكَمَه - محركة -: العَمَى يولد به الإِنسان، وقيل: عامّ. كَمِهَ - كفرح -: عمى، وكمه بصرُه: اعترته ظلمة تطمس عليه، وكمه النهار: اعترضت فى شمسه غُبْرةٌ، وكمه الرجلُ: تَغير لونهُ وزال عقله.

بصيرة فى كن وكند وكنز

بصيرة فى كن وكند وكنز الكِنَّ والكِنَّة والكِنَان - بكسرهن -: وِقاء كل شىء وسِتره. والكِنَّ أَيضا: البيت، والجمع: أَكنان. كنَّه يكنَّه كَنًّا وكُنونا، وأَكنَّه وأَكتنَّه: ستره، قال تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} وأَكننت: أَخفيت بمايستر فى النفس قال تعالى: {أَوْ أَكْنَنتُمْ في أَنْفُسِكُمْ} . والكِنان بالكسر: الغطاء الذى يُكنّ فيه الشىء، والجمع أَكِنَّة نحو غطاءٍ وأَغطية. وقوله تعالى: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ} قيل معناه: فى غطاءٍ عن تفهُّم ما تورده علينا. وقوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} عنى به اللوح المحفوظ، وقيل: هو قلوب المؤمنين، وقيل ذلك إِشارة إِلى كونه محفوظاً عند الله تعالى؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . والكُنَّة - بالضمّ - سَقِيفة فوق باب الدار، وبالفتح: امرأَة الابن أَو امرأَة الأَخ لكونها فى كِنٍّ من حفظ زوجها، وبالكسر البياض. وكِنَانة السهم: جَعْبة من جلد لا خشب فيها وقيل بالعكس. كَنَد النِعمة يكنِدها - بالكسر - كَنْدا وكُنُودا أَى كفرها؛ فهو كَنُود وكَنَّاد. قال الله تعالى: {إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} ، قال الكلبىّ: أَى لكفور بالنعمة، وقال الزجاج: أَى لكافر، وقال الحسن: الكَنُود: اللوّام

لربه يَعُدّ المصيبات وينسى النعم، وقال الخليل: تفسير هذه الآية أَنه يأْكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده. وامرأَة كَنُود وكُنُد بضمَّتين قال الأَصمعى: هى الكَفُور للمودّة والمواصلة، قال النَمِر بن تَوْلَب رضى الله عنه: فقلت وكيف صادتنى سُلَيمَى ... ولَمَّا أَرمها حتَّى رمتنى كَنُود لا تَمُنَّ ولا تفادِى ... إِذا علقت حبائِلُها بَرهن وأَرض كَنُود لا تُنبت شيئاً. وكَنَده: قطعة. قال الأَعشى: أَميطى تُميطى بصلب الفؤادْ ... وصَولِ حبال وكَنَّادها الكنز: اسم المال المدفون. وقد كنزه يكنِزه - كضربه يضربه -. وقال الليث: الكنز اسم للمال، أَو لِمَا يُحرَز به المال. قال الله تعالى: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} وقد كنزت التمر. وكلُّ شىء غمزته بيدك أَو برجلك فى وعاء أَو أَرض فقد كنزته، قال المتنخل الهُذَلىّ: لا دَرّ دَرِّىَ إِن أَطعمْت نازلكم ... قِرْفَ الحَتِىِّ وعندى البُرّ مكنوز وهم يكنِزون الرماح أَى يَرْكُزونها فى الأَرض. والكنز: الفضَّة فى قول الشاعر: كأَنَّ الهِبْرقِىّ غدا عليها ... بماءِ الكنز أَلبسه قَرَاها وفى قول عدىّ بن زيد بن مالك. وشتيت بناصع اللون حُرٍّ ... وثنايا مفلَّجات عِذابِ دُمْية شافها رجال نصارَى ... يوم فِصْح بماءِ كَنْزٍ مُذاب

أَى الذهب وفى حديث أَبى ذَرٍّ رضى الله عنه: "بَشِّر الكنَّازين برَضْف فى الناغِض" هم الذين يكنزون الذهب والفضَّة ولا ينفقونها فى سبيل الله. وقوله تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} ، قيل: مال مدفون، وقيل: إِنما كان صحيفة علم مكتوب فيها خمس كلمات: عجبت لمن أَيقن بالموت كيف يفرح؛ وعجبت لمن أَيقن بِزوال الدنيا وتقلُّبها كيف يطمئن إِليها؛ يعملون السيِّئات ويرجون الحسنات؛ يزرعون الشوك ويطمعون فى الحصاد؛ ومن آمن نجا، لا إِله إِلا الله محمد رسول الله. وقال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة} وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ} .

بصيرة فى كوب وكور

بصيرة فى كوب وكور الكُوب: الكُوز الذى لا عروة له. قال عَدِىّ بن زيد العِبَادىّ: متَّكئا تُقرع أَبوابُه ... يسعى عليه العبد بالكوب وقيل الكوب: الذى لا خرطوم له، قال تعالى {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} . واكتاب: شرب بالكوب. كَوْر الشىء إِدارته وضمّ بعضه إِلى بعض، نحو كَوْر العمامة، كارَها على رأْسه يَكوُرها كَوْرًا: لاثها. وكل دَور كَور. وتكوير المتاع: شدّه وجمعه. وقوله تعالى: {يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار وَيُكَوِّرُ النهار عَلَى الليل} إِشارة إِلى جريان الشمس فى مطالعها، وانتقاصِ الليل والنهار وازديادهما. وقيل تكوير الليل على النهار تغشيته إِيَّاه، ويقال. زيادته من هذا فى ذلك. وقوله تعالى: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} ، قال ابن عباس رضى الله عنهما: عُوِّرت، وقال قتادة: ذهب ضوؤها، وقال أَبو عبيدة: كوّرت مثل تكوير العمامة تُلفّ فتمحى.

بصيرة فى كون وكين

بصيرة فى كون وكين الكَوْن والكينونة: [الحدث] ، والكائنة: الحادثة. وكوَّنه: أَحدثه. وكوّن الله الأَشياءَ: أَوجدها. والمكان: الموضع، والجمع: أَمكنة وأَماكن ويسمى هذا العالَم الفانى عالَم الكون والفساد، قال: كل صعود إِلى هُبوط ... كل نَفَاق إِلى كساد وكيف يرجى صلاح حال ... فى عالمَ الكون والفساد وفى المثل: المقضىّ كائنٌ. قال. مالا يكون فلا يكون بحيلة ... أَبدًا وما هو كائن سيكون وقال آخر: إِن الهوان هو الهوى بعض اسمه ... فإِذا هويت فقد لقيت هوانا واذا هويت فقد تعبّدك الهوى ... فاخضع لإلفك كائنا ما كانا وكان من الأَفعال الناقصة، يعبرّ به عن الزمن الماضى. وفى كثير من وصف الله تعالى ينبئ عن الأَزليَّة. وما استعمل منه فى جنس الشىء متعلِّقا بوصف له هو موجود [فيه] فتنبيه أَن ذلك الوصف لازم له، قليل الانفكاك عنه؛ نحو قوله تعالى فى الإِنسان: {وَكَانَ الإنسان كَفُوراً} ، وكقوله فى فى الشيطان: {وَكَانَ الشيطان لِرَبِّهِ كَفُوراً} .

وإِذا استعمل فى الزمان الماضى فقد يجوز أَن يكون المستعمل [فيه] قد بقى على حالته كما تقدم آنفا. ويجوز أَن يكون قد تغيَّر، نحو كان فلان كذا ثم صار كذا ثم لا فرق بين أَن يكون الزمان المستعمل فيه (كان) قد تقدَّم تقدما كثيرا. نحو أَن تقول: كان فى أَوّل ما أَوجد الله العالَم، وبين أَن يكون فى زمان قد تقدَّم بزمان واحد عن الوقت الذى استعمل فيه (كان) ، نحو أن تقول: كان آدم كذا، وأَن تقول: كان زيد هاهنا ويكون بينك وبين ذلك الزمان أَدنى وقت. ولهذا صح أَن قال: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً} فأَشار بكان إِلى عيسى وحالته التى شاهدوه عليها. وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} إِشارة إِلى أَنكم كنتم فى تقدير الله وحكمه. وقول من قال: معنى كنتم هنا معنى الحال فليس بشىء. وقوله: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ} فقد قيل معناه: وقع وحصل. واكتان بمعنى كان. والمصدر الكون والكيان والكينونة، ويقال كُنَّاهم أَى كنَّا لهم. وكنت الغَزْل أَى غزلته. ويقال: كنت الكوفة أَى كنت بها ويقال: منازل كأَن لم يكنها أَحد أَى لم يكن بها. وكان التامّة تكون بمعنى ثبت. وثبوت كل شىء بحسبه. فمنه الأَزليّة: كان الله ولا شىء معه؛ وبمعنى حدث، نحو قوله: (إِذا كان الشتاءُ فأَدفئونى) وبمعنى قوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} ؛ وبمعنى وقع: ما شاءَ الله كان؛ وبمعنى أَقام، نحو:

كانوا وكنا فما ندرى على مهل ووزن كان فَعَل بفتح العين خلافا للكسائى فيما نَقَل عنه أَبو غانم المظفَّر بن حمدان، فإِنه قال: وزنها فَعُل بضمّ العين. وقال ابن الأَنبارىّ كان من الأَضداد: يكون للماضى، ويكون للمستقبل، ومنه قول الشاعر: فأَدركت من قد كان قبلى ولم أَدع ... لمن كان بعدى فى القصائد مصنعا أَى لمن يكون بعدى. واستكان: سكن عن الدعة، وقلق، قال تعالى: {فَمَا استكانوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} . كأَيّن: مركَّب من كاف التشبيه وأَى المنوّنة، ولهذا جاز الوقف عليها بالنون، ورسم فى المصحف نونا ويوافق كم فى خمسة أُمور: الإِبهام، والافتقار إِلى التمييز، والبناء، ولزوم التصدير، وإِفادة التكثير تارة والاستفهام أخرى وهو نادر. قال أُبَىّ لابن مسعود: كأَيّن تقرأ سورة الأَحزاب آية؟ فقال: ثلاثة وسبعين. ويخالفها فى خمسة أُمور: الأَول: أَنها مركَّبة، وكم بسيطة على الصحيح. الثانى: أَن مميّزها مجرور بمن غالبا، وزعَم بعضهم لزومه.

الثالث: أَنها لا تقع استفهاميَّة عند الجمهور. الرابع: أَنها لا تقع مجرورة، خلافا لمن جوز بكأَينْ تبيع هذا؟. الخامس: أَن خبرها لا يقع مفردا. وقد ورد فى القرآن فى ثلاثة مواضع: {وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} ، {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} ، {وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} .

بصيرة فى كهف وكهل وكهن

بصيرة فى كهف وكهل وكهن الكَهْف: كالبيت المنقور فى الجبل، والجمع: كُهُوف. وقال الليث: الكهف: كالغار فى الجبل إِلاَّ أَنه واسع، فإِذا صَغُر فهو غارٌ، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكهف والرقيم كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} وتكهَّف الجبلُ: إِذا صارت فيه كُهُوف. وتكهَّف واكتهف: دخل الكهف. وفلان كهف أَهل الريب: إِذا كانوا يلوذون به فيكون وَزَرا وملجأَ لهم. قال: وكنت لهم حصْنا حصِينا وجُنَّة ... يئول إِليها كهلها ووليدها الكَهْل: مَن وَخَطَهُ الشيب ورأَيت له بَجالة وقيل الكهف. مَن جاوز الثلاثين، وقيل: من جاوز أَربعاً وثلاثين إِلى إِحدى وخمسين، ثم شيخ، والجمع: كَهْلُون وكُهُولٌ وكِهَال وكُهْلان وكُهَّل. وهى كَهْلة، والجمع كَهْلات وكَهَلات. وقيل: لا يقال للمرأَة كهلة إِلاَّ مزدوجا بشهلة. واكتهل: صار كهلا، ولا يقال: كَهَل. وقد جاءَ فى الحديث: "هل فى أَهلك مِن كاهِلٍ" ويروى مَنْ كاهَلَ، أَى تزوَّج.

الكاهن: الذى يخبر بالأَخبار الماضية بضرب من الطنّ كالعرّاف الذى يخبر بالأَخبار المستقبلة على نحو ذلك. ولكون هاتين الصناعتين مبنيَّتين على الظن الذى يخطئ ويصيب قال صلى الله عليه وسلم: "من أَتى عَرَّافا أَو كاهنا فصدَّقه بما قال فقد كفر بما أُنزل على محمد صلَّى الله عليه وسلَّم". وقد كَهَن له يكهن - كمنع يمنع - وكهن يكهُن - ككرم يكرم - وكهَن يكهُن - كنصر ينصر - كَهَانة بالفتح. وتكهَّن تكهُّنا وتكهينا: قضى له بالغيب، فهو كاهن، والجمع: كَهَنة وكُهَّان. وحرفته الكِهَانة بالكسر. وكَهُن - ككرم - إِذا تخصَّص بذلك.

بصيرة فى كيد

بصيرة فى كيد الكَيْد: المكر، تقول: كاد يكيد كَيْدا ومَكِيدة. وقوله تعالى: {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً} أَى فيحتالوا احتيالا. وقوله تعالى: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أتى} أَى حيلته. وقوله تعالى: {كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ} أَى علَّمناه المكيدة على إِخوته. والكَيْد أَيضاً: الحرب لاحتيال الناس فيها. وقوله تعالى: {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} فخص الخائنين تنبيها على أَنه قد يهدى كيد من لم يقصد بكيده خيانة؛ ككيد يوسف بإخوته. وقوله: {لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} أَى لأُريدنَّ بهم سوءًا. وكلّ شىء تعالجه فأَنت تكيده، يقال: هو يكيد، بنفسه أَى يجود بها. وكاد وضعت لمقاربة الشىء فُعِل أَو لم يُفعل؛ فمجرَّدةً تنبئ عن نفى الفعل، ومقرونة بالحجد تنبئ عن وقوع الفعل. وفى الحديث "كاد الفقر أَن يكون كفرا"، "وكاد الحسد يغلب القدر". وقال بعضهم فى قوله تعالى: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} أَى أريد أخفيها. قال وكما جاز أَن يوضع أُريد موضع كاد فى قوله تعالى: {جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} فكذلك أَكاد. وأَنشد: كادت وكِدْتُ وتلك خير إِرادة ... لو عاد من لَهْوِ الصبابة ما مضَى

وكلمة "كاد" يكون صلة للكلام، أَجاز ذلك الأَخفش وقُطْرُب وأَبو حاتم. واحتجَّ قطرب بقول زيد الخيل الطائىّ رضى الله عنه: سريع إِلى الهيجاءِ شاكٍ سلاحهُ ... فما إِن يكاد قِرْنُه يتنفَّس وقال حسان بن ثابت رضى الله عنه: وتكاد تكسل أَن تجئ فراشها ... فى لين خرعبة وحسن قوام معناه: وتكسل. وقوله الله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} معناه: لم يرها.

بصيرة فى كيس وكيف (وكيل)

بصيرة فى كيس وكيف (وكيل) الكَيْس: خلاف الحُمْق لأَنَّه مجتمَع الرأْى والعقل. ومنه الحديث: "كلُّ شىء بقَدَر حتَّى العجز والكَيْس". أَو الكيس [ضدُّ] العجز. ورجل كيِّس ظريف. والكأْس - بالهمز وتركه -: الإِناء الذى يُشرب فيه قال: الله تعالى {بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ بَيْضَآءَ لَذَّةٍ} . والكأْس مؤنَّثة قال عمرو بن كلثوم. من لم يمت عَبْطة يمت هَرَمًا ... للموت كأْس والمرءُ ذائقها والجمع أكؤُسٌ وكُؤوس وكاسات وكِئَاس، قال الأَخطل يصف نديمهُ: خضِل الكِئاس إِذا تنشَّى لم تكن ... خُلْفا مواعده كبرق الخُلَّب كيف: اسم مبهم غير متمكِّن، وإِنما حُرّك آخره لالتقاءِ الساكنين، وبنى على الفتح دون الكسر لمكان الياء. وهو للاستفهام عن الأَحوال. وقد يقع بمعنى التعجُّب والتوبيخ. قال تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله} . ويكون حالا لا سؤال معه، كقولك: لأَكرمنَّك كيف أَنت، أَى على أَىّ حال كنت. ويكون بمعنى النفى؛ كقول أَبى كاهل اليَشْكُرِىّ:

كيف ترجُون سِقاطى بعدما ... جَلَّل الرأْسَ مَشِيبٌ وصلعْ وقيل: كيف يستعمل على وجهين: أَحدهما: أَن يكون شرطا فيقتضى فعلين متفقى اللفظ والمعنى غير مجزومين؛ نحو كيف تصنعُ أَصنع: ولا يجوز كيف تجلس أَذهبُ باتِّفاق والثانى: - وهو الغالب - أَن يكون استفهاما، إِمَّا حقيقيًّا؛ نحو كيف زيدٌ، أَو غير حقيقىّ نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله} فإِنه أُخرج مُخْرَج التَّعجب. وعن سيبويه أَنَّ (كيف) ظرف؛. وعن السيرافىّ والأَخفش أَنها اسم غير ظرف. ورتَّبوا على هذا الخلاف أُموراً. أَحدها: أَن موضعها عند سيبويه نصب دائما، وعندهما رفع مع المبتدأ، نصب مع غيره. الثانى: أَن تقديرها عند سيبويه: فى أَىّ حال، أَو على أَىّ حال؛ وعندهما، تقديرها فى نحو كيف زيد: أَصحيح ونحوه، وفى نحو كيف جاءَ زيد: راكبا جاءَ زيد ونحوه. الثالث: أَن الجواب المطابق عند سيبويه: على خير ونحوه، وعندهما صحيح أَو سقيم، ونحوه. وقال ابن مالك ما معناه: لم يقل أَحد إِن كيف ظرف، إِذ ليست زماناً ولا مكانا، ولكنها لمَّا كانت تفسَّر بقولك على أَىّ حال سؤالا عن

الأَحوال العامة سميت ظرفا لأَنها فى تأْويل الجارّ والمجرور واسم الظرف يطلق عليهما مجازا. ومن زعم أَنها تأْتى عاطفة محتجَّا بقول القائل: إِذا قلَّ مال المرءِ لانَتْ قناتُه ... وهان على الأَدنَى فكيف الأَباعدِ خُطِّئ فى زعمه. ودخول الفاء عليها يزيد خطأه وضوحا. وفى الارتشاف: كيف تكون استفهاما، وهى لتعميم الأَحوال. وإِذا تعلَّقت بجملتين فقالوا: تكون للمجازاة من حيث المعنى لا من حيث العمل. وقَصُرت عن أَدوات الشرط بكونها لا يكون الفعلان معها إِلاَّ متَّفقين؛ نحو كيف تجلس أَجلس. وسيبويه يقول: يجازى بكيف، والخليل يقول: الجزاء به مستكره. انتهى. وأَما قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} / فهو توكيد لما تقدم، وتحقيق لما بعده، على تأويل أَن الله لا يظلم مثقال ذرّة فى الدنيا فكيف فى الآخرة. وإِذا ضممت إِليه ما صحّ أَن يجازى به تقول: كيف ما تفعل أَفعل. وقال الفرَّاءُ: كيف لى بفلان؟ فتقول: كلّ الكيفِ والكيفَ، بالجرّ والنصب. وكل ما أَخبر الله تعالى بلفظ (كيف) عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب، وتوبيخٌ كما تقدم فى الآية.

وقد يحذف فاء كيف فيقال. كَى كما قالوا فى سوف: سَوْ. قال: كَىْ تجنحون إِلى سَلْم وما ثُئرت ... قتلاكمُ ولظَى الهيجاءِ تَصْطَرِمُ الكَيْل: مصدر كال الطعام كَيْلا وتكَالا ومَكِيلاً، واكتاله بمعنى. والاسم الكِيلة. قال تعالى: {إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} يحث على تحرّى العدل فى كل ما وقع فيه أَخذٌ وعطاءٌ وقوله: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} أَى مقدار حِمل بعير. والكيل أَيضا: الظرف الذى يُكتال به. وبمعناه المكيال والمِكْيَل والمِكْيَلة.

بصيرة فى كى

بصيرة فى كى الكىّ: إِحراق الجلد بحديدة ونحوها، كَواه يَكْوِيهِ كَيًّا. والمِكواة ما يُكوَى به. والكَيَّة: موضع الكىّ، قال تعالى: {فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ} . وكَىْ ترد على ثلاثة أَوجه: أَحدها: لغة فى كيف نحو سَوْ فى سوف؛ وقد تقدم شاهدها آنفا. الثانى: أَن تكون بمنزلة لام التعليل معنى وعملاً، وهى الداخلة على ما الاستفهاميَّة فى قوله فى السؤال عن العلَّة: كَيْمَهْ بمعنى لمهْ، وعلى ما المصدريَّة فى قوله: إِذا أَنت لم تنفع فضرّ فإِنما ... يُرَجَّى الفتى كيما يضرّ وينفعُ وقيل: ما كافَّة، وعلى أَن المصدرية مضمرة؛ نحو: جئت كى تكرمنى إِذا قدرت النصب بأَنْ. الثالث: أَن تكون بمنزلة أَنْ المصدرية معنى وعملا؛ نحو {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ} ، يؤيّده صحّة حلول (أَنْ) محلَّها، وأنّها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل، ومن ذلك قولك: جئتك كى تكرمنى،

وقوله تعالى: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً} إِذا قدَّرت اللام قبلها، فإِن لم تقدّر فهى تعليليَّة جارّة. ويجب حينئذ إِضمار (أَنْ) بعدها. وعن الأَخفش أَنَّ كَىْ جارّة دائما، وأَن النصب بعدها بأَن ظاهرة أَو مضمَرة، ويردهُ {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ} . وعن الكوفيِّين أَنها ناصبة دائما، ويردهُ قولهم: كَيْمَهْ كما يقولون: لِمهْ. ووقع فى صحيح البخارىّ فى تفسير [قوله تعالى] {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} "فيذهب كيما فيعود ظهرُه طَبَقا واحداً"، أَى كيما يسجد؛ وهو غريب جدًّا لا يحتمل أَن يقاس عليه. والله أَعلم.

الباب الرابع والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف اللام

الباب الرابع والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف اللام

بصيرة فى اللام

بصيرة فى اللام وهى [ترد على وجوه] : 1- حرف هجاءٍ من حروف الذَلاَقة، مخرجها ذَلْق اللسان جوار مخرج النون. 2- عبارة عن اسم عدد الثلاثين فى حساب الجُمّل. 3- لام العَجْز، فإِنَّ بعض الناس يجعلها مكان / الراء، فيقول فى رَحِيق: لحيق. 4- لام أَصل الكلمة كلام كمل، ومَكَل، وكلم. 5- لام القَسَم: {لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوَالِكُمْ} . 6- لام جواب القسم: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} . 7- لام جواب إِنَّ: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} . 8- اللام المصاحبة لإِنِ الخفيفة: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} . 9- اللام المصاحِبة للو: {لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ} ، {لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} . 10- لام بمعنى لقد؛ نحو: لهان علينا، أَى لقد هان علينا. 11- لام الاستغاثة: يا لَلْمُسِلمين [وكقول الشاعر] :

يالَبَكْرٍ أَين أَين الفرارُ 12- لام التمييز: {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} 13- لام التفصيل: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ} . 14- لام المدح: {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} . 15- لام الذمّ: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} . 16- اللام المنقولة: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ} . 17- لام المقحمة: {عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} أَى ردفكم. 18- اللام الداخلة على الضمائر: لك، وله، ولنا. وأَما اللامات المكسورة فمنها: العاملة للجرّ [وترد لمعان] . 1- لام الاستحقاق: الحمد لله. 2- لام الاختصاص: المنبر للخطيب. 3- لام التمليك: الدار لزيد. 4- لام شبه التمليك: {جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} . 5- لام التعليل نحو قوله: ويوم عقرت للعذارى مطيّتى

6- لام التوكيد: {وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ} . 7- اللام بمعنى إِلى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} . 8- اللام الموافقة لِمن: {اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} . 9- الموافقة لعلى: {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} : أَى على الأَذقان؛ {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} : أَى على الجبين. 10- الموافقة لفى: {وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة} ، ومنه قول الشاعر: تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فعرفتها ... لستة أَعوامٍ وذا العامُ سابعُ 11- لام بمعنى عند: كتبتهُ لخمس خلون. 12- بمعنى بعد: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} . 13- الموافقة لمع: فلمَّا تفرَّقنا كأَنى ومالكا ... لطول اجتماعٍ لم نَبِت ليلةً معا 14- الموافقة لمن: سمعت له صُرَاخا. 15- لام التبليغ: قلت له. 16- اللام بمعنى عن: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} .

17- لام الصيرورة وهى لام العاقبة ولام المآل: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} . 18- لام القسم والتعجُّب معا، ويختص باسم الله تعالى: [كقول الشاعر] لله يبقى على الأَيَّام ذو حِيَدٍ 19-[لام] التعجُّب المجرّد عن القسم، ويستعمل فى لله درهُ، قيل ومنه: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} أَى عجباً من إِلفهم، وفى النداء يا للماء. 20- لام التعدية: ما أَضرب زيدًا لعمرو. 21- لام التأْكيد: وهى اللام الزائده: {نَزَّاعَةً للشوى} ، {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} . 22- لام التبيين: سقياً لزيد، {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} . 23- لام الصلة: نقدت أَلفا لفلان: أَى وصلته إِليه. وأَمَّا العاملة للجزم فنحو: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي} . [ومن أقسامها] : ا - لام التهديد: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} . ب - لام التحدِّى: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} . جـ - لا التعجيز: {فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأسباب} .

أَما اللام غير العاملة فسبع: (ا) لام الابتداء: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} . (ب) اللام الزائدة نحو: أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شهربَهْ. (جـ) لام الجواب نحو: {لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا} ، {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض} ، {تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا} . (د) اللام الداخلة على أَداة الشرط للإِيذان: {وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ} . (هـ) لام أَلْ؛ نحو: الرجل. (و) اللام اللاحقة بأَسماء الإِشارة: كما فى تلك. (ز) لام التعجب غير الجارَّة: لَظَرُفَ زيدٌ. واللام اللغوىّ. اللام الدروع جمع لامة. وهى الدّرع. واللام: أَيضاً: الشخص.

بصيرة فى لب

بصيرة فى لب لبَّ بالمكان وأَلَبَّ به إِذا أَقام به. حكاه أَبو عبيد / عن الخليل، ومنه قولهم: لَبَّيكَ. أَى أَنا مقيم على طاعتك. وقال ابن الأَنبارىّ: فى لبَّيك أَربعة أَقوال: أَحدها: إِجابتى لك من لبّ بالمكان وأَلبَّ به أَقام به. وقالوا: لبَّيْك فثنَّوا لأَنهم أَرادوا: إِجابة بعد إِجابة؛ كما قالوا: حنانَيْك أَى رحمة بعد رحمة. وقال بعض النحويين: أَصل لبَّيْك لبَّبك، فاستثقلوا ثلاثة باءَات فأَبدلوا من الثالثة ياءً؛ كما قالوا: تظنَّيت وأَصله تظّننت. والثانى: اتجاهى وقصدى يا رب لك؛ أُخذ من قولهم: دارى تَلُبّ دارك أَى تواجهها. والثالث: محبَّتى لك يا رب، من قول العرب: امرأَة لَبَّة إِذا كانت محبَّة لزوجها عاطفة عليه. والرابع: إِخلاصى لك يا ربّ، من قولهم: حَسَبٌ لُبَاب: إِذا كان خالصاً محضاً، ومن ذلك لُبّ الطعام ولُبَابه. واللُبّ: العقل، والجمع: أَلباب وأَلُبّ؛ كنُعْم وأَنْعُم قال: قلبى إِليه مشرف الأَلُبِّ

وربما أَظهرو التضعيف فى ضرورة الشعر كقول الكميت: إِليكم ذوى آل النبى تطلَّعت ... نوازع من قلبى ظِماء وأَلبُبُ وقيل، اللبّ: ما ذكا من العقل. وكل لُبّ عقل، وليس كل عقل لُبًّا، ولهذا خص الله الأَحكام التى لا تدركها إِلاَّ العقول الذكيَّة بأُولى الأَلباب؛ نحو قوله: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} ونحو ذلك من الآيات.

بصيرة فى لبث ولبد

بصيرة فى لبث ولبد اللُّبْث والِلُّباثُ: المكث. ولقد لبِث يَلْبَث لُبْثا على غير قياس؛ فإِنَّ المصدر من فَعِل يَفْعَل قياسهُ التحريك إِذا لم يتعدّ، نحو تعِب يَتْعَب تَعَباً، طرِب يطرب طَرَباً؛ فرح يفرح فرحاً. وقد جاءَ فى الشعر على القياس. قال جرير: إِمَّا تَرَينى وهذا الدهر ذو غِيَر ... فى منكبىَّ وفى الأَصلاب تحنيب فقد أَمدّ نِجادَ السيف معتدلا ... مثل الرُدَينىّ عزَّته الأَنابيب وقد أَكون على الحاجات ذا لَبَث ... وأَحوذيّا إِذا انضمّ الذَّعاليب لَبِث فهو لابث ولَبِث أَيضاً. وقرأَ حمزة: {لَبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} . ويقال: لى لُبْثة فى هذا الأَمر، أَى توقُّف. وإِنه لخبيث لَبيث نَبِيث، إِتباع. اللِبْد واحد اللُبُود. واللِبْدة أَخصَّ. واللُبَّادة: ما يلبس من اللبود للمطر. وقوله عزَّ وجلَّ: {أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً} بتشديد الباءِ، فكأَنه أَراد: مالاً لابدا. يقالك مال لابد، ومالان لابدان، وأَموال لُبَّد.

والأَموال والمال يكونان بمعنى واحد. وقرأَ الحسن: (لُبُدا) بضمتين جمع لابد. وقرأَ مجاهد مثل قراءَة الحسن. وقرأَ أَيضا (لُبْدا) بسكون الباءِ كفارِه وفُرْه، وشارف، وشُرّف، وبَازل وبُزْل. وقرأَ زيد بن على وابن عمير وعاصم: (لِبَدا) مثال عنب، جمع لِبْدة أَى مجتمع وقال قتادة فى قوله تعالى: {الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} قال: الخشوع فى القلب وإِلْبادِ البصر فى الصلاة، أَى لزومِه موضع السجود. ويجوز أَن يكون من قولهم أَلبد رأْسَه: إِذا طأطأَ عند دخول الباب. والتركيب يدل على تكرّس الشىء بعضِه فوق بعض.

بصيرة فى لبس

بصيرة فى لبس اللُبْس - بالضمّ - مصدر قولك: لبِست الثوب أَلْبَسه. ولبِست امرأَة، أَى تمتَّعت بها زماناً؛ ولبِستها عُمُرى، أَى كانت معى شبابى كلّه، قال النابغة الجعدىّ رضى الله عنه:. لَبِسْتُ أناسا فأَفنيتهم ... وأَفنيت بعد أُناسٍ أُناسا ثلاثة أَهلين أَفنيتهم ... وكان الإِله هو المستآسا وقال عمرو بن أَحمر الباهلىّ: لبِست / أَبِى حتى تَبَلَّيْتُ عُمْرَه ... وبَلَّيْت أَعمامى وبَلَّيت خاليا واللباس والمَلْبس واللِبْس - بالكسر - ما يُلبس. ولباس الرَّجل: امرأَته. وزوجها لِباسها، قال النابغة الجعدى رضى الله عنه: إِذا ما الضجيع ثَنَى جيدها ... تداعى عليه وكانت لباسا وروى أَبو عمرو ثنى عطفها تثنّت عليه. قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} أَى بمنزلة اللباس. وقال ابن عرفة: اللباس من الملابسة أَى الاختلاط والاجتماع. وقوله تعالى: {وَلِبَاسُ التقوى} ، قيل: هو الحياء والعمل الصالح،

وقيل: الغليظ الخشن القصير. قال السُدّىّ: هو الإِيمان، وقيل: هو ستر العورة، وهو لباس المتقين. وقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الليل لِبَاساً} أَى يستر الناس بظلمته. وقوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف} أَى جاعوا حتى أَكلوا الوَبَر بالدم وهو العِلْهِز، وبلغ بهم الجوعُ الحالَ التى لا غاية بعدها، فضُرب اللباس لما نالهم من ذلك مثلا لاشتماله على لابسه. واللَّبوس: ما يلبس، قال بَيْهس: إِلبس لكلّ حالة لَبوسها ... إِمَّا نعيمها وإِمَّا بوسها وقوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ} يعنى الدرع، سمِّيت لبوسا لانها تُلْبس، كالرّكوب لما يُركب. وَلَبَست عليك الأَمر أَلْبِسه - كضربته أَضربه - أَى خلطته قال الله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} أَى شبَّهنا عليهم وأَضللناهم كما ضلَّوا. قال ابن عرفة: {وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل} ، أَى لا تخلطوه به. وقوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} أَى يخلط أَمركم خلط اضطراب لا خلط اتِّفاق. وقوله جل ذكره: {وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} أَى لم يخلطوه بشرك. قال العجاج. ويفصلون الَّلبْسَ بعد الَّلبْسِ ... من الأُمور الرُبْس بعد الرُبْس

واللبس أَيضا: اختلاط الكلام. وفى الامر لُبسة - بالضم - أَى شبهة وليس بواضح. والتلبيس التخليط، قال الأَسْعر الجعفىّ: وكتيبة لَبَّسْتُها بكتيبة ... فيها السَنَوَّر والمغافر والقنا وتلبَّس بالأَمر وبالثوب، قال: تلبَّس حبَّها بدمى ولحمى ... تلبُّس عَصْبة بفروع ضال وقال آخر: تلبَّسْ لباس الرضا بالقضاء ... وخلِّ الأُمور لمن يملكْ تُقدِّر أَنت وجارى القضا ... ءِ مما تقدّره يضحكُ وقوله تعالى جلّ شأنه: {أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} فيه تنبيه على أَن جلَّ المقصود من اللباس ستر العورة، وما زاد فتحسّن وتزيّن، إلاَّ ما كان لدفع حَرّ وبرد، قال الشاعر: إِن العيون رمتك إِذ فاجأتها ... وعليك من شُهَر الثياب لباس أَمَّا الطعام فكُلْ لنفسك ما اشتهت ... واجعل ثيابك ما اشتهاه النّاس وفى بعض الآثار: من ترك اللباس وهو يقدر عليه خيَّره الله يوم القيامة بين حُلَل الإِيمان يلبس أَيّها شاءَ.

بصيرة فى لبن ولج ولحد ولحف

بصيرة فى لبن ولج ولحد ولحف جمع الَّلبَن: أَلبانٌ، قال تعالى: {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً} . والَّلبن - بكسر الباء - محبّهُ وشاربه. وقوم لابِنون: كثر لبنهم. والملبون واللبين: مَن غُدِى به. وشاة لَبُونٌ ولَبنَةٌ ولبينة ومُلْبِنٌ ومُلْبِنَةٌ، أَى ذات لَبَن. اللّجَاج: التمادى فى الباطل، والعِناد فى تعاطِى الفعل المزجور عنه. قال تعالى: {بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} . ولُجَّة البحر: تردّد أَمواجه. ولُجَّة الليل: تردّد ظلامه. وقد لجّ والتجّ. وقوله تعالى: {فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ} منسوب إِلى لُجَّة البحر. لَحَد فى دين الله أَى جار عنه ومال. وقرأَ حمزة / والكسائىّ {لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} بفتح الياء والحاء، والباقون (يُلحِدُونَ) بضم الياء من أَلحد فى دين الله أَى جار عنه ومال. وأَلحد أَيضاً: ظلم فى الحرم، وأَصله من قوله تعالى {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} أَى إِلحاد (بظُلْم) ، والباء فيه زائدة. قال حُمَيد الأَرقط:

ليس الإِمام بالشحيح المُلْحِدِ ... ولا بوبرٍ فى الحجاز مقرد إِن ير بالأَرض الفضاء يطرد ... أَو ينجحر فالجحر شرّ مَحْكِدِ وقال الزجاج: الإِلحاد فى الحرم: الشرك بالله. وقال عمر رضى الله عنه: احتكار الطعام بمكة إِلحاد. واللَّحْد واللُّحْد - بالفتح والضم - الشقّ فى جانب القمر. قال: فأَصبح فى لحد من الأَرض ميّتا ... وكانت به حيًّا تضيق الصَحاصح وقد تحرّك الحاء فى اللحد قال: كم يكون السبت ثم الأَحدُ ... والعُقُبَى لكل هذا لَحَدُ ولَحَدَ للقبر وأَلحد بمعنى، فى الحديث الصحيح: "اللحد لنا والشقّ لغيرنا". وقبر لاحِدٌ، وملحود، ذو لحد. وقوله تعالى: {الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَآئِهِ} وذلك يكون على وجهين. إِحداهما أَن يوصف بما لا يصحّ وصفه. والثانى أَن يتأَوّل أَوصافه على مالا يليق به. والملتحَد: المَلجأُ؛ لأَن الملتجئ يميل إِليه، قال: {وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} أَى ملجأً.

اللَحْف: تغطيتك الشىء بالّلِحَاف. لحفت الرجل أَلحَفُه لَحْفا، أَى طرحت عليه اللحاف، أَو غطَّيته بشىء. وأَلحف السائل: أَلحّ فى السؤال، قال الله تعالى: {لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافاً} . وقال الزجاج: أَلحف: شمِل بالمسأَلة، ومنه اشتقاق اللحاف. وقيل معناه: لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إِلحاف. وفى حديث النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن سأل وله أَربعون درهماً فقد سأَل الناس إِلحافا" ويقال: وليس للمُلْحِف مثلُ الردّ يقال: أَلحفتنى وأَغللت بى: إِذا أَضَرَّ به. وأَلْحَف الرجل ظُفُرَه: استأْصله.

بصيرة فى لحق

بصيرة فى لحق لحِقه ولحِق به لَحْقاً ولَحَاقاً - بالفتح - أَى أَدركه. قال تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} . وأَلحق الشىء بالشىء. وأَلحقه أَيضاً بمعنى لَحِقه. وفى دعاءِ القُنوت: إِن عذابك بالكفَّار مُلحِق أَى لاحق. وفتح الحاء هو الصواب. وقال ابن دُريد: ملحِق وملحَق جميعا. وقال الليث: بالكسر أَحبّ إِلينا. قال: ويقال إِنها من القرآن لم يجدوا عليها إِلاَّ شاهدا واحدا فوضعت فى القنوت. قال: وهذه اللغة موافقة لقول الله سبحانه: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ} . وقال ابن دريد: أَلحقتهم أَى تقدَّمتهم. وتلاحقت المطايا: لحق بعضها بعضا. وقول بعض الناس: التحق فلان بكذا أَى لحِق، غير موجود فيما دوِّن من كتب اللغة المعروفة. فلتجتنب.

بصيرة فى لحم ولحن ولد

بصيرة فى لحم ولحن ولد اللحْم - وقد يفتح الحاء - معروف. والجمع لُحُوم ولِحَام وأَلْحُمٌ ولُحْمان. والطائفة منه لَحْمة. قال تعالى: {تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} ، وقال: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ} . ورجل لحِيم ولاحمٌ: ذو لحم. ولحّام: بائعه. ولحِم ولَحِيم: سمين. ومُلْحِم: مُطْعِم. ورجل لحم الفرج: أَكُول اللحم قَرِم إِليه. وقد لحُم ولحِم - ككرم وعلم -. وباز لاحم ولَحِم: يأْكله أَو يشتهيه، والجمع: لواحم. واللَّحِيم: القتيل. اللحْن من الأَصوات المصنوعة الموضوعة، والجمع: أَلحان ولُحُون. ولَحَّن فى قراءَته: طرّب فيها. واللحن: اللغة: واللحْن واللُّحُون واللحَانة واللحَانِية واللحَن: الخطأ فى القراءَة. لحِن كفرح فهو لاحن، ولحَّان ولحَّانة. ولُحَنة: كثير اللحن. واللحن / أَيضا: صرف الكلام عن التصريح إِلى تعريض وفحوى. وهو محمود من حيث البلاغة، وإِليه قصد الشاعر: .. وخير الحديث ما كان لحنا

وإِيَّاه أُريد بقوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول} أَى فى فحواه ومعناه. واللاحِن: العالم بعواقب الأُمور. الأَلدّ: الخَصْم الشديد التأَبّى، ورجل أَلَدّ بيّن اللدد، أَى شديد الخصومة، وقوم لُدّ. وتصغير اللُدّ أُلَيْدُّونَ. ولدّه يلدُّه: خصمه فهو لادّ ولَدُود. ورجل أَلندد ويلندد أَى خصم، مثل الأَلدّ.

بصيرة فى لدن ولدى

بصيرة فى لدن ولدى لدُنْ ولَدَن بضم الدال وفتحها، ولَدْنَ كأَين، ولُدْنِ بضم اللام وكسر النون ولَدُ بضم الدال: ولَدَى كعلى، ست لغات. وهو ظرف زمان، وقيل: مكانىّ كعند، قال تعالى: {لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ} ، وقال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الباب} . وسمع لَدَى بمعنى هل. والعِلْم اللدنِّىّ: ما يحصل للعبد بغير واسطة، بل إِلهام من الله تعالى؛ كما حصل للخضِر عليه السلام بغير واسطة موسى. قال تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا} إِذْ لم يكن نيلهما على يد بشر. وكان من لدنْه أَخصّ وأَقرب ممَّا عنده، ولهذا قال: {رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} فالسلطان النصير الذى من لدنه سبحانه أَخصّ من الذى عنده وأَقرب. وهو نَصْره الذى أَيَّده به، والذى عنده نصره بالمؤمنين، قال تعالى: {هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين} . والعلم اللدنِّىّ ثمرة العبوديَّة والمتابعة والصدق مع الله والإِخلاص له، وبذل الجهد فى تلقِّى العلم من المشكاة النبوية المحمدية والكتاب العزيز

المجيد، وكمال الانقياد له. فيُفتح له من فهم الكتاب والسنَّة أَمر يُخَصّ به، كما قال علىٌّ وقد سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشىء دون الناس؟ فقال: لا والذى فَلَقَ الحبَّة، وبَرَأَ النَسَمة إِلاَّ فَهما يؤتيه الله عبدا فى كتابه؛ فهذا هو العِلم اللدُنِّىّ الحقيقىّ وأَمّا علم مَن أَعرض عن الكتاب والسنَّة ولم يتقيد بهما فهو من لدن النفس والشيطان. فهو لدنىّ ولكن من لدن من؟. وإِنما يعرف كون العلم لدنيّا روحانيا بموافقته بما جاءَ به الرسول صلَّى الله عليه وسلم عن ربّه عزّ وجل. فالعلم اللَّدُنىّ نوعان: لدّنِّىٌّ رحمانىّ، ولدنىّ شيطانى كما تقدم فى بصيرة العِلْم. والله أَعلم.

بصيرة فى لزب ولزم ولسن

بصيرة فى لزب ولزم ولسن اللُزُوب: اللصوق قال تعالى: {مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} أَى لاصق. تقول منه لَزَب يَلْزُب - مثال كتب - لزوباً. واللازب: الثابت. صار الشىء ضَرْبةَ لازب، وهو أَفصح من لازم، قال النابغة الذُبيانىّ: يصونون أَجسادا قديما نعيمها ... بخالصة الأَردان خُضر المناكِبِ ولا يحسبون الخير لا شرَّ بعدَه ... ولا يحسبون الشرّ ضربة لازِبِ والمِلْزاب: البخيل، وأَنشد أَبو عمرو: لا يفرحون إِذا ما نَضخة وقعت ... وهُم كرام إِذا اشتد الملازيب لزوم الشىء: طول مكثهِ. لَزِمَهُ - كسمعه - لَزْماً ولُزُوما ولَزَاماً ولَزَامة ولَزَمة - بفتحهن - ولُزْمانا بالضمّ. ولازمه ملازَمة ولِزاما. وأَلزمه إِيَّاه فالتزمه، قال: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} /، وقال: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} . والإِلزام ضربان: ضرب بالتسخير من الله وبالقهر من الإِنسان؛ وضرب بالأَمر والحكم.

اللسان: المِقْول ويؤنَّث. والجمع أَلْسِنَةٌ وأَلْسُنٌ ولُسُنٌ. قال تعالى: {واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} يعبر به عن قوة لسانه؛ فإِن العُقدة لم تكن فى الجارحة، وإِنما كانت فى قوَّته التى بها ينطق. وقال: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} ، واللسان: اللغة. والجمع أَلسِنة. قال تعالى: {واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ} أَى لغاتكم وَنَغَمَاتِكُم؛ فإِنّ لكل إِنسان نغمة مخصوصة يميِّزها السمع؛ كما أَنّ اللون له صورة مخصوصة يميِّزها البصر. واللسان أَيضا: الرسالة، والمتكلِّم عن القوم. ولسان الميزان: عَذَبته. واللِّسْن - بالكسر -: لغة فى اللسان. واللَّسَن - بالتحريك -: الفصاحة. لَسِن - كفرح - فهو لَسِنٌ وأَلسَنُ. ولَسَنه: أَخذه بلسانه، وغلبه فى المُلاسَنة. وفلان ينطق بلسان الله: بحجته وكلامِه.

بصيرة فى لطف ولظى ولعب (ولعن)

بصيرة فى لطف ولظى ولعب (ولعن) اللُطْف فى الأَجسام: الدقَّة والصغر. لَطُف يلطُف لُطْفا ولَطَافة: دقَّ وصَغُرَ. وفى المعانى تارة يستعمل بمعنى الحركة الخفيفة، وتارة بمعنى الرفق. والَّلطيف من أَسماءِ الله تعالى هو الرفيق بعباده. واللَّطيف من الكلام: ما غَمُض معناه وخفى. ويقال: لَطَف الله بك أَى أَوصل إِليك مرادك. واللٌّطف من الله: التوفيق والعصمة. والاسم اللَّطَف بالتحريك، قال كعب ابن زهير رضى الله عنه: ما شَرُّها بعد ما ابيضت مسائحها ... لا الوُدّ أَعرفه منها ولا الَّلطَفا ويقال: جاءَتنا لَطَفة من فلان - محرّكة - أَى هديَّة. والَّلطَف - محركة -: اللطيف. وقوله: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ} ، أَى حسن الاستخراج، تنبيهاً على ما أَوصل إِليه يوسف حيث أَلقاه إِخوته فى الجُبِّ. وقد يعبّر باللطيف عما يتعسَّر على الحاسة إِدراكه. والملاطفة: المبارَّة. والتلطُّف للأَمر: الرفق له.

الَّلظَى: النار. وقيل: لهب النار الخالص عن الدخان. ولَظَى معرفة: اسم جهنَّم، أَعاذنا الله منها. ولظِيت النار - كرضيت - لَظًى، والْتظَتْ وتلظَّت: التهبت. ولظَّها تَلْظِيَةً: أَلهبها. اللٌّعَاب: ما يسيل من الفم. ولقد لَعَب الصبىّ - بفتح العين وكسرها - يَلْعَب لَعْبا: سال لُعَابه؛ وينشد بالوجهين قول لَبِيد رضى الله عنه: لِعبت على أَكتافهم وحجورهم ... وليدا وسمَّونى مُفيدا وعاصما ومنه اشتقاق اللَّعِب، وهو كلّ فعل لا يدل على مقصد صحيح. وقد لعِب يلعَب لَعِبا وأُلْعُوبة وتَلْعاباً. والمَلْعب: موضع اللعب، قال: {وَمَا هاذه الحياة الدنيآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} واللُّعْبة معروفة، وكل ملعوب به أَيضاً لُعْبة لأَنه اسم. واللَّعْبة - بالفتح -: المرَّة من اللعب، وبالكسر النوع منه؛ مثل الجِلسة من الجلوس. ورجل لُعْبة: يُلعب به. واللٌّعَبة - مثال هُمَزة - والتِلعابة - بالكسر - والتِلْعِيبة والتِلِعَّابة - بكسرتين وشدّ العين -: الكثير اللعِب. اللَّعن: الطرد والإِبعاد لَعَنَه فهو لَعِين وملعون والاسم. اللَّعَان واللَّعانِية واللَعْنة مفتوحات. واللُعْنة - بالضم - من يلعنهُ الناس، وكهُمَزَةٍ: من يلعنهم كثيرا. واللَّعِين والمُلَعَّن: من يلعنه كل أَحد. والتلعين: التعذيب والْتَعَنا وتلاعَنَا، ولاعَنا ملاعَنَة ولِعاناً: لَعَنَ بعضهم بعضاً. ولاعَنَ الحاكمُ بينهما لِعَاناً: حَكَم.

/ بصيرة فى لعل

/ بصيرة فى لعل وهو حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر. وقيل: قد ينصبهما، وزُعم أَنه لغة لبعض العرب، وحكوا: لعلَّ أَباك منطلقاً، وتأْويله عند الجمهور على إِضمار يوجد، وعند الكسائى على إِضمار يكون. وبنو عُقَيل يخفضون بها المبتدأ كقول كعب بن سعد الغَنَوىّ: ودَاعٍ دعا هل من مجيب إِلى النَّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب فقلت ادعُ أُخرى وارفعِ الصوت جهرةً ... لعلَّ أَبى المغوار منك قريب ويروى لعلَّ أَبا المغوار ورُوى: يا من يجيب إِلى النِّدا. ويتصل بلعَلَّ ما الحرفيّة فيكفها عن العمل؛ وجوَّز قوم إِعمالها حينئذ حملاً على ليت لاشتراكهما فى أَنهما يُغيّران معنى الابتداء. وفى لَعلَّ لغات كثيرة: عَلَّ، علِّ، لعلَّ، لعلِّ، لعَلَّتَ، لعاً، رعَنَّ، رغَنَّ، رعَلَّ، لعَنَّ، لغَنَّ، لأَنَّ عَنَّ، أَنَّ، لَوَنَّ. وعن ابن السكيت: لعَلِّى، ولعلَّنى، ولعَنِّى وعَلِّى، عَلَّنِى ولأَنِّى، ولأَنَّنِى ولَوَنِّى ورَعَنِّى ورَغَنِّى ولَغَنِّى ولعَنَّنِى. ولها معان: أَحدها: التوقُّع وهى ترجِّى المحبوب، والإِشفاق من المكروه؛ نحو: لعلَّ الحبيب مواصل، ولعل الرقيب حاصل. وتختص بالممكن.

وأَمَّا قول فرعون: {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات} فإِنما قاله جاهلاً أَو مَخْرَقة وإِفْكًا. والثانى: التعليل. أَثبته جماعة، وحملوا عليه قوله تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} ، ومن لم يثبته يحمله على الرجاء ويصرفه إِلى المخاطبين، أَى اذهبا على رجائكما. الثالث: الاستفهام أَثبته الكوفيُّون، ولهذا عُلِّق بها الفعل فى نحو: {لاَ تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} ونحو: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى} . ويقترن خبرها بأَنْ كثيرا حملاً على عسى؛ كقوله: لعلك يوم أَن تلمَّ ملمَّة وبحرف التنفيس قليلا كقوله: فقولا لها قولا رقيقا لعلّها ... سترحمنى من زفرِة وعويل ولا يمتنع كون خبرها فعلاً ماضياً، نحو قوله صلَّى الله عليه وسلم: "وما يدريك لعلّ الله اطَّلع على أَهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". وقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ} أَى يظنُّ بك الناس [ذلك] . وقوله: {واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} أَى اذكروا الله راجين الفلاح. وقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة} فذلك طمع منهم فى فرعون.

بصيرة فى لغب ولغو

بصيرة فى لغب ولغو اللٌّغُوب: التعب والإِعياء والنَصب، تقول منه: لَغَب يَلْغُب - كنصر ينصر - لُغُوباً. ولَغِب يلغَب لغة فيه ضعيفة. واللَّغوب بفتح اللام كالقَبول والوَلوع والوَضوء وأَشباهها. وقرأَ أَبو عبد الرحمن السلمى ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير ويزيد النحوى: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} بفتح اللام. ورجل لَغْب بالفتح: ضعيف بيّن اللٌّغَابة. وأَلغبهُ: أَتعبه. ولغَّب دابته تلغيباً: تحامل عليه حتى أَعيا. اللَّغْو واللَّغَا كفَتًى، واللَّغْوى: السقَط، ومالا يُعتدّ به من الكلام وغيره. وقوله تعالى: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو} أَى مالا عَقْد عليه، مثل ما يجرى فى المخاطبات: لا واللهِ، وبلى والله، وإِى والله، من غير قصد ولا عقد قلب عليه، ومن هذا أَخذ الشاعر: ولستَ بمأْخوذ بِلَغْوٍ تقوله ... إِذا لم تَعمَّدْ عاقدات العزائم وقيل: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو} أَى بالإِثم / فى الحلف إِذا كفَّرتم. وقال تعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً} أَى قبيحاً من الكلام.

وقوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً} أَى كنَوا عن القبيح ولم يصرّحوا به، وقيل: معناه: إِذا صادفوا أَهل اللغو لم يخوضوا معهم. ولَغَا فى قوله يَلْغى - كسعى يسعى - ولغا يَلْغوا - كدعا يدعو - ولَغِىَ يلغَى - كرضِى يرضى - لَغاً ولاغية ومَلْغاة: أَخطأَ. وكلمة لاغية: فاحشة. قال تعالى: {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً} .

بصيرة فى لف ولفت ولفح ولفظ ولفى

بصيرة فى لف ولفت ولفح ولفظ ولفى لففت الشىء أَلُفَّهُ لَفًّا. ولفَّ الكتيبة بالأُخرى: إِذا خلط بينهما فى الحرب. وأَنشد ابن دريد: ولكم لففت كتيبة بكتيبة ... ولكم كمىّ قد تركتْ مُعَقر والألفاف: الأَشجار يلتف بعضها ببعض قال تعالى: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} واحدها لِفّ بالكسر. ومنه قولهم: كنَّا لِفّاء أَى مجتمعين فى موضع. وقال الليث: اللِّفّ مالُفُّوا من ههنا وههنا، كما يلُفّ الرجل شهود زور. قال: وصديقة لِفَّة، ويقال: لِف. واللفيف: ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، يقال: جاءُوا بلَفهم ولَفِيفِيهِم، أَى أخلاطهم. وقوله تعالى: {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} أَى مجتمعين مختلطين من كل قبيلة. وطعام لفيف: إِذا كان مخلوطاً من جنسين فصاعدا. وقال بعضهم فى قوله تعالى: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} إِنها جمع لُفّ بالضم، وهو جمع جنة لفَّاءَ، من قولهم: شجرة لفَّاء ملتفّة الأَغصان. واللُفّ أَيضاً: الشوابِل من الجوارى، وهنّ السِمَان الطوال، من قولهم: امرأَة لفَّاء أَى ضخمة الفخذين، وفخِذان لفَّاوان، قال: تَساهم ثوباها ففى الدرع رَأْدة ... وفى المِرْط لفَّاوان رِدفهما عَبْل

وأَنشد ابن فارس: عِراض القَطَا مُلْتَفَّةٌ رَبَلاتها ... وما اللُّفُّ أَفخاذا بتاركة عقلا اللَّفْت: الَّلُّى قال تعالى: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا} أَى تصرفنا. وفى حديث حُذَيفة: قال: "إِنَّ مِن أَقْرإِ الناسِ لِلقرآن مُنافِقاً لا يدع منه واوًا ولا أَلفاً، يلفِته بلسانه كما تلفت البقرة الخلَى بلسانها". أَى يُرسله ولا يبالى كيف جاءَ، والمعنى أَنه يقرؤه من غير رويّة ولا تبصّر وتعمّد للمأْمور به، غير مبال بمتلوّه كيف جاءَ كما تفعل البقرة بالحشيش إِذا أَكلته. وأَصل اللفت: لَىّ الشىء عن الطريق المستقيم. لفحته الشمس والسموم: غيَّر لونَهُ بحرّه، قال تعالى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار} ، وفى الحديث: "تأَخّرت مخافة أَن تصيبنى مِن لَفْحها"، أَى من حرها ووَهَجها. اللفْظُ بالكلام مستعار من لفَظَ الشىء من الفم، أَى رماه. أَلفاه: وجده، قال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الباب} .

بصيرة فى لقب ولقح ولقط ولقف

بصيرة فى لقب ولقح ولقط ولقف اللَقَب: اسم يسمَّى به الإِنسان سوى اسمه الأَصلىّ، ويراعى فيه المعنى بخلاف الأَعلام، ولهذا المعنى قال: وقلَّما أَبْصَرَتْ عيناك ذا لَقَب ... إِلاَّ ومعناه إِنْ فَتشْت فى لَقَبهْ والأَلقاب ثلاثة: لقب تشريف، ولقب تعريف، ولقب تسخيف، وإِيَّاه قصد بقوله تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب} . ولقَّبته بكذا فتلَقَّبّ. لَقِحت الناقة تَلْقَح لَقْحا ولَقَاحا، وكذلك الشجرة. وألْقَحَ الفحل الناقةَ، والريحُ السحابَ. قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} أَى ذوات لَقاح. وأَلقح نخلَه ولقَّحها باللَّقَاح، وهو ما يلقح به من طَلْع فُحَّال يُدَقّ ويُذرّ فى جوف الجُفّ. واستلقح نخلُه: حان له أَنْ يُلْقح. وفلان مُلَقَّح مُنَقَّح، أَى مجرَّب مهذَّب. لَقَطَ الشىءَ / يلقُطه لَقْطاً: أَخذه من الأَرض، ومنه المَثَل: "لكل ساقطة لاقطة"، أَى لكل كلمة بدرت وسقطت من فم الناطق نفس تسمعها فتلقُطُها فتذيعها، يضرب فى حفظ اللسان، أَى ربما قُيِّض لها من يتمنَّاها فيورّط قائلها.

واللُّقْطَة - بالتسكين -: اسم الشىء تجده مُلْقىً فتأْخذه. وكذلك المنبوذ من الصبيان. والالتقاط: العثور على الشىء ومصادفته من غير طلب ولا احتساب، قال الله تعالى: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} لقِفت الشىءَ - بالكسر- أَلقَفه لَقْفا ولَقَفَانا، أَى تناولته بسرعة. وقرأَ ابن أَبى عَبْلة: {تَلْقَفْ مَا صنعوا} بسكون اللاَّم ورفع الفاء على الاستئناف. وتلقَّف الشىءَ: ابتلعه، قال الله تعالى: {تَلْقَفْ مَا صنعوا} ، وقرأَ ابن ذَكْوان: (تَلَقَّفُ) برفع الفاءِ على الاستئناف. ولقَّفته تلقيفا: أَبلعْته.

بصيرة فى لقى

بصيرة فى لقى لَقِيَهُ - كرضيه - لِقَاء ولِقَاءَة ولِقِيًّا ولِقْيانة - بكسرهنَّ - ولُقِيَّا ولُقْياناً ولُقْية ولُقًى - بضمِّهن -[ولَقَاءَة] مفتوحة: رآه، كتلقَّاه والتقاه. والاسم التِلقاء - بالكسر - ولا نظير له فى الكلام سوى التبيان. ويكون اللقاء بحسّ البصر وبالبصيرة، وقال تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الموت مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ} وقال تعالى: {لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هاذا نَصَباً} . وملاقاة الله عزَّ وجلَّ عبارة عن القيامة، وعن المصير إِليه، قال تعالى: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ الله} واللِقاءُ: الملاقاة. وقوله تعالى: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ} أَى نسيتم القيامة والبعث والنشور. وقوله: {يَوْمَ التلاق} أَى يوم القيامة. قال بعض المفسِّرين: أَسماء يوم القيامة نحو من أَربعمائة اسم، وتخصصه بهذا الاسم لالتقاءِ مَن تقدّم ومَن تأَخَر، ولالتقاءِ أَهل الأَرض والسماءِ، وملاقاة كل أَحد عمله الذى قدَّمه. ولقَّيت فلانا خيرًا: استقبلته به، قال تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} . [وتلقَّاه] : استقبله، قال تعالَى: {وَتَتَلَقَّاهُمُ الملائكة} . ولقَّاه الشىءَ: أَلقاه إِليه، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرآن} ، أَى يُلقى

إِلَيْكَ وحياً من الله تعالى، ومنه قوله: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} . والإِلقاء: طرحُ الشىء حيث تلقاه، ثم استعمل فى كل طرحٍ، قال تعالى: {قَالَ أَلْقِهَا ياموسى} ، وقال: {وَأَلْقِ عَصَاكَ} . ويقال: أَلقيت إِليك مودّة وكلاماً وسلاما، قال تعالى: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} . وتَلَقَّيته منه: تلقَّنته. ونُهِىَ عن تلقِّى الرّكبان، أَى استقبالهم. وقوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ} عبارة عن الإِصغاءِ إِليه. وقوله: {وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ} تنبيه على مادهمهم من التعجّب والدهشة التى جعلتهم فى حكم المضطرِّين غير المختارين.

بصيرة فى لم ولم ولما

بصيرة فى لم ولم ولما لَمَّ الشىءَ يَلُمّه: جمعه. ولمّ الله شَعَثه: قارب بين شتيت أَمره. ورجل مِلَمّ: يجمع القوم، أَو يجمع بين عشيرته. قال الله تعالى: {أَكْلاً لَّمّاً} الأَكل يلمّ الثريد. وأَلمّ به: نزل. ويزورنى لِمَاماً، أَى غِبًّا. واللَمَم: مقاربة المعصية. ويعبر به عن الصغيرة. وقوله تعالى: {إِلاَّ اللمم} من قولك: أَلممت بكذا، أَى نزلت به وقاربته من غير مواقعة. وغلام مُلِمّ: مراهق. والمُلِمَّة: النازلة. وأَلمّ بالأَمر: لم يتعمّق فيه. وأَلمّ: باشر صغار الذنوب. وأَلمّ النخلُ: قارب الإِرطاب. لَمْ: حرف جازم / ينفى المضارع ويقلبه ماضياً، قال تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} . وقد يرتفع الفعل بعدها؛ كقول الشاعر: لولا فوارِسُ من نُعْمٍ وإِخوتهم ... يوم الصُّلَيفاء لم يُوفُون بالجار وقيل: ضرورة. وقيل: بل لغة صحيحة لبعض العرب. وقال اللِّحيانىّ: وقد ينصب الفعل بعدها. وهى لغة لبعض العرب: فى أَىّ يَوْمَىَّ من الموتِ أَفِرّْ ... أَيَوْمَ لَمْ يُقْدَرْ أَمْ يومَ قُدِرْ ومنه قراءَة بعضهم: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، وقيل: كان الأَصل:

نشرحَنْ فحذفت النون؛ وليس بجيّد. وقد تفُصل (لَمْ) من مجزومها بالظرف لضرورة الشعر؛ كقوله: فذاك ولم إِذا نحن امْتَرَيْنا ... تكنْ فى الناس يُدركُك المِراءُ وقول الآخر: فأَضحت مغانيها قِفارا رُسومُها ... كأنْ لم سِوَى أَهلٍ من الوحش تؤهِلِ وقد يليها الاسم معمولا لفعل محذوف يفسّره ما بعده؛ كقوله، ظننت فقيرا ذا غِنًى ثم نلته ... فلمْ ذا رجاء أَلقَه غير ذاهب وَأَمَّا لَمَّا فعلى ثلاثة أَوجه: أَحدها: أَن تختص بالمضارع فتجزمه، وتنفيه، وتقلبه ماضياً، كلَمْ إِلاَّ أَنها تفارقها فى خمسة أَمور: 1- أَنها لا تقترن بأَداة شرط، لا يقال: إِنْ لَمَّا يقم. وفى التنزيل: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} ، و {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ} ، {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ} . 2- أَن منفيّها مستمرّ النفى إِلى الحال؛ كقول عثمان: فإِنْ كنتُ مأْكولا فكن خير آكل ... وإِلاَّ فأَدركنى ولمّا أَمزّق ومنفىّ لم يحتملَ الاتِّصال؛ نحو قوله تعالى: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} ، والانقطاعَ نحو قوله تعالى: {لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} ، ولهذا

جاز لم يكن ثمَّ كان، ولم يجز لمّا يكن [ثمّ كان. بل يقال: لمَّا يكن] وقد يكون. 3- منفىّ لَمَّا لا يكون إِلاَّ قريباً من الحال، ولا يشترط ذلك فى منفىّ لم، تقول: لم يكن زيد فى العام الماضى مقيما، ولا يجوز لمّا يكن. 4- أَن منفىّ لَمَّا متوقَّع ثبوته، بخلاف منفىّ لم؛ ألا ترى أَن معنى {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} أَنهم لم يذوقوه إِلى الآن، وأَنَّ ذوقهم له متوقَّع. ومثله قوله تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ} ، وقد آمنوا فيما بعد. 5- أَن منفىّ لمَّا جائز الحذف لدليل؛ كقوله: فجئت قبورهم بَدْءًا ولمَّا ... وناديت القبور فلم يُجبْنَهْ أَى ولما أكن بَدءًا قبل ذلك، أَى سيدًا. ولا يجوز وصلت إِلى بغداد ولم، تريد: ولم أَدخلها. الثانى من أَوجه لمَّا: أَن تختص بالماضى؛ ويقال: لَمَّا حرف وجود لوجود، وقيل: حرف وجوب لوجوب. وقيل: ظرف بمعنى حين، وقيل: بمعنى إِذْ، ويكون جوابها فعلا ماضياً اتِّفاقا، وجملة اسميّة مقرونة بإِذا الفجائية، أَو بالفاء عند بعضهم، وفعلاً مضارعاً عند بعضهم. دليل الأَوّل قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ} ودليل الثانى: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} ودليل الثالث: {فَلَمَّا

نَجَّاهُمْ إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} ، ودليل الرابع: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع وَجَآءَتْهُ البشرى يُجَادِلُنَا} ، وهو مؤوّل بجادَلنا. وقيل فى آية الفاء: إِن الجواب محذوف، أَى انقسموا قسمين. فمنهم مقتصد، وفى آية المضارع: إِن الجواب {جَآءَتْهُ البشرى} على زيادة الواو، أَو الجواب محذوف، أَى أَقبل يجادلنا. الثالث: يكون حرف استثناء، فيدخل على الجملة الاسميّة، نحو: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} فيمن شدَّد الميم؛ وعلى الماضى لفظاً لا معنًى، نحو / أَنْشُدُك اللهَ لَمَّا فعلتَ، أَى ما أَسأَلك إِلاَّ فِعْلك، ومنه قوله تعالى: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} قال الفرّاءُ: لَمَّا وُضعت فى معنى إِلاَّ، فكأَنها لَمْ ضمّت إِليها ما وصارا جميعا حرفا واحدا، وخرجا من حدّ الجحد. قال الأَزهرى: ومما يدلّ على أَنَّ لَمَّا يكون بمعنى إِلاَّ مع إِنْ التى تكون جحدا قول الله عزَّ وجلَّ: {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل} وهى قراءَة قرّاء الأَنصار، وقال الفرَّاءُ: وهى فى قراءَة عبد الله (إِنْ كُلّهم لَمَّا كَذَّب الرسل) ، والمعنى واحد. وتكون لمّا مركَّبة من كلمات ومن كلمتين. فأَمَّا المركَّبة من كلمات فكما فى: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} فى قراءَة ابن عامر وحمزة وحفص بتشديد نون (إِن) وميم (لمَّا) فيمن قال: الأَصل: لَمِنْ مَا، فأَبدلت النون ميماً، وأُدغمت، فلمَّا كثرت الميمات حُذفت الأُولى. وهذا القول ضعيف؛ لأَن حذف هذه الميم استثقالا لم يثبت.

وأَضعف منه قول آخر: إِن الأَصل: لَمًّا بالتنوين بمعنى جمعاً، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مُجرى الوقف؛ لأَن استعمال لَمَّا فى هذا المعنى بعيد، وحَذف التنوين من المنصرف أَبعد. وأَضعف من هذا قول من قال: إِنه فَعْلَى من اللمّ وهو بمعناه، ولكنه مُنع الصرف لأَلف التأْنيث. ولم يثبت استعمال هذه اللفظة. واختار ابن الحاجب أَنها لَمَّا الجازمة حذف فعلها، والتقدير: لمّا يُهمَلوا، أَو لَمَّا يُتركوا لدلالة ما تقدم من قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} ، ثم ذكر الأَشقياءَ والسعداء. وقيل: الأَحسن أَن يقدّر: لَمَّا يُوَفَّوْا أَعمالهم، أَى إنهم إِلى الآن لم يوَفَّوها وسيوفَّونها. وأَمَّا قراءَة أَبى بكر بتخفيف (إِن) وتشديد (لمَّا) فيحتمل وجهين: أَحدهما: أَن تكون مخففة من الثقيلة. والثانى: أَن تكون (إِنْ) نافية و (كُلاّ) مفعولا بإضمار أَرى، ولَمَّا بمعنى إِلاّ. وأَمَّا قراءَة النحويِّيْن بتشديد النون وتخفيف الميم فواضحة. وأَمَّا قراءَة الحرمِيَّيْن بتخفيفهما فإِنَّ الأُولى على أَصلها من التشديد ووجوب الإعمال، وفى الثانية مخففة من الثقيلة، وأُعملت على أَحد الوجهين. واللام مِن (لما) فيهما لام الابتداء. وأَمَّا المركَّبة من كلمتين فكقوله: لمَّا رأَيت أَبا يزيدَ مقاتلاً ... أَدع القتال وأَشهد الهيجاءَ الأَصل فيه: لن ثم أدغمت النون فى الميم للتقارب، ووُصِلا خطأ للإلغاز، وإِنما حقها أَن يكتبا منفصلين. والله أَعلم.

بصيرة فى لو

بصيرة فى لو وهى حرف شرط للماضى. ويقلّ فى المستقبل. وقال سيبويه: حرف لِمَا كان سيقع لوقوع غيره. وقال غيره: حرف امتناعٍ لامتناع. وقيل: لمجرّد الربط. وقيل: الصحيح أَنه فى الماضى لامتناع ما يليه، واستلزام تاليه، ثم ينتفى الثانى إِن ناسب ولم يخلف المقدَّمَ غيره، نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} ؛ لا إِن خلفه؛ نحو: لو كان إِنسانا لكان حيوانا. ويَثبت إِن لم يناف وناسب بالأَولى، كلولم يخف لم يعصِ، أو المساوى: كلولم تكن رَبيبته لَمَا حَلَّت للرضاع، أَو الأَدون؛ كقولك: لو انتفت أُخوّة النّسب لما حلَّت للرضاع. وترد للتمنِّى والعَرْض، والتقليل، نحو: ولو بظِلْفٍ مُحْرقٍ. وتكون مصدريّة بمنزلة أَن، إِلاَّ أَنها / لا تنصب، نحو قوله تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ} ، وقوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} . وقد ورد بمعنى إِنْ، نحو قوله تعالى: {وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} ، وقوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب وَلَوْ أَعْجَبَكَ

كَثْرَةُ الخبيث} ، {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} ، ولو جاء على فرس. وقول الشاعر: قومٌ إِذا حاربوا شدُّوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار وقولنا: لو شرط للماضى معناه أَن لو يفيد عقد السببيّة والمسببّية بين الجملتين بعدها، وبهذا يجامع إِنّ الشرطية؛ وبتقييد الشرط بالماضى يفارق إِنْ، فإِنها للمستقبل. ومع تنصيص النحاة على قلة ورود لو للمستقبل فإِنهم أَوردوا لها أَمثلة، منها قوله: ولو تلتقى أَصداؤنا بعد موتنا ... ومن دون رَمْسينا من الأَرض سبسب لظلَّ صَدَى صوتى وإِن كنت رِمّة ... لصوت صدى ليلى يَهَش ويطرب وقول توبة ابن الحُمَيِّر: ولو أَنّ ليلى الأَخيليَّة سلَّمت ... علىّ ودونى جَنْدَلٌ وصفائحُ لسلَّمتُ تسليم البشاشة أَوزقا ... إِليها صدًى من جانب القبر صائح وقول الآخر: لا يُلْفِكَ الراجوكَ إِلاَّ مظهرا ... خُلقَ الكرام ولو تكون عديما وقد أَكثر الخائضون القول فى لو الامتناعية. وعبارة سيبويه مقتضِية أَن التالى فيها كان بتقدير وقوع المقدّم قريب الوقوع؛ لإِتيانه بالسين فى قوله: سيقع. وأَمَّا عبارة المعربين: أَنها حرف امتناع لامتناع فقد ردّها

جماعة من مشايخنا المحقِّقين، قالوا: دعوى دلالتها على الامتناع مطلقا منقوضة بمالا قِبَل به. ثم نقضوا بمثل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} ، قالوا: فلو كانت حرف امتناع لامتناع لزم نفاد الكلمات مع عدم كون كل ما فى الأَرض من شجرة أَقلاما تكتب الكلماتِ، وكون البحر الأَعظم بمنزلة الدواة، وكون السبعة الأَبحر مملوءات مِدَاداً وهى تَمُد ذلك البحْر؛ وقول عُمَر رضى الله عنه: نعم العبد صُهَيب لو لم يخف الله لم يعصه. قالوا. فيلزم ثبوت المعصية مع ثبوت الخوف، وهو عكس المراد. ثم اضطربت عباراتهم. وكان أَقربها إِلى التحقيق كلام شيخنا أَبى الحسن بن عبد الكافى، فإِنه قال: تتبَّعت مواقع (لو) من الكتاب العزيز، والكلام الفصيح، فوجدت المستمرّ فيها انتفاءَ الأَوّل وكون وجوده لو فرض مستلزماً لوجود الثانى. وأَمَّا الثانى فإِن كان الترتيب بينه وبين الأَوّل مناسباً ولم يخلُف الأَوّل غيره فالثانى منتف فى هذه الصورة؛ كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} ، وكقول القائل: لو جئتنى لأَكرمتك. لكن المقصود الأَعظم فى المثال الأَوّل نفى الشرط ردَّا على من ادّعاه، وفى المثال الثانى أَن الموجب لانتفاء الثانى هو انتفاء الأَوّل لا غير. وإِن لم يكن الترتيب بين الأَول والثانى مناسباً لم يدلَّ على انتفاء الثانى، بل على وجوده من باب الأَولى، مثل: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، فإِن المعصية منفيَّة عند عدم الخوف. فعند الخوف أَولى

وإِن كان الترتيب مناسباً ولكن الأَول عند انتفائه شىء آخر يخلفه بما / يقتضى وجود الثانى [فالثانى غير منتفٍ] ، كقولنا: لو كان إِنساناً لكان حيوانا؛ فإِنه عند انتفاءِ الإِنسانية قد يخلفها غيرها مِمَّا يقتضى وجود الحيوانيّة. وهذا ميزان مستقيم مطَّرد حيث وردت لو وفيها معنى الامتناع. وقال بعض العصريِّين ممن يودّ تصحيح عبارة سيبويه وترجيحها: مدلول لو الشرطيّة امتناع التالى لامتناع المقدّم مطلقاً. وهذا هو المفهوم من قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ولاكن حَقَّ القول مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} ، فالمعنى والله أَعلم - ولكن حق القول فلم أَشأ، أَولم أَشأ فحقَّ القول: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر ولاكن الله سَلَّمَ} ، أَى فلم يريكموهم لذلك. {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ولاكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض} ، {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض ولاكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين} ، {وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتل الذين مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينات ولاكن اختلفوا فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ الله مَا اقتتلوا ولاكن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} ، {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولاكن لِّيَبْلُوَكُمْ} ، {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ ولاكن كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} ، {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً

مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ولاكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} ، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض ولاكن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} ، {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد ولاكن لِّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} ، {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولاكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} ، {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ ولاكن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة} ، {وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً ولاكن كَرِهَ الله انبعاثهم} ، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} ، {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولاكن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} ، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ولاكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وغير ذلك من الآيات. وفى الحديث: "لو كنت متَّخذا [من أُمَّتى خليلا] لاتَّخذت أَبا بكر خليلاً، ولكن أَخى وصاحبى". وفى رواية: ولكن أُخوّة الإِسلام، "ولو يُعطَى الناسُ بدعواهم لادّعى رجال دماءَ قومٍ وأَموالهم، لكن البيِّنة على المدّعِى واليمينُ على مَن أَنكر". وقال امرؤ القيس:

ولو أَنَّما أَسعَى لأَدنى معيشة ... كفانى ولم أَطلب قليلٌ من المال ولكنّما أَسعى لمجد مؤثَّل ... وقد يدرك المجدَ المؤثَّل أَمثالى وقال طرفة بن العبد: فلو كان مولاى امرأً هو غيرُه ... لفرَّج كربى أَو لأَنظرنى غدى ولكنَّ مولاى امرؤ هو خانقى ... على الشكر والتسآل أَو أَنا مفتدِ وقال قُرَيط بن أُنَيف العنبرىّ: لو كنتُ من مازنٍ لم تستبح إِبلى ... بنو الَّلقيطة من ذُهل بن شيبانا لكنَّ قومى وإِن كانوا ذوى عَدَدٍ ... ليسوا من الشرِّ فى شىءٍ وإِن هانا هكذا وقع فى جمهور نسخ الحماسة. والصواب: بنو الشقيقة. والنسخ / محرّفة. وقال آخر: رأَين فتى لا صيدُ وحشٍ يهمّه ... فلو صافحت إِنسا لصافحنه معا ولكنَّ أَرباب المخاض يشفَّهم ... إِذا اقتفروه واحدا أَو مشيّعا وقال آخر: ولو خفت أَنى إِن كففت تحيتى ... تنكّبت عنى رُمْت أَن تتنكبا ولكن إِذا ماحلَّ كرهٌ فسامحت ... به النفس يوما كان للكره أَذهبا وقال آخر: فلو كان حمدٌ يُخلد الناسَ لم تَمُتْ ... ولكنَّ حمد الناس ليس بِمُخْلِدِ

فهذه الأَماكن وأَمثالها صريحة فى أَنها للامتناع، لأَنها عُقّبت بحرف الاستدراك داخلاً على فعل الشرط منفيًّا لفظاً أَو معنى، فهى بمنزلة: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولاكن الله رمى} . فإِذا كانت دالَّة على الامتناع ويصحّ تعقيبها بحرف الاستدراك دلَّ على أَن ذلك عامّ فى جميع مواردها، وإِلاَّ يلزم الاشتراك، وعدم صحّة تعقيبها بالاستدراك. وذلك ظاهر كلام سيبويه، فلم يخرج عنه. وأَمَّا قول مَن قال: إِنه ينتقض كونه للامتناع بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} الآية، وبالأَثر العُمَرىّ: لو لم يخف، وبقول النبى صلَّى الله عليه وسلَّم: "لو لم تكن ربيبتى فى حجرى لما حلَّت لى" فإِنه يمكن ردّ جميع ذلك إِلى الامتناع. وإِيضاح ذلك بأَن تقول: إِذا قلنا: امتنع طلوع الشمس لوجود الليل فليس معناه انتفاءُ طلوع الشمس رأْساً بل انتفاؤه لوجود الليل. وفَرْق بين انتفائه لذلك وانتفائه المطلق، فإِن الأَوّل أَخصّ من الثانى. ولا يلزم من ارتفاع الخاص ارتفاع العام. فاذا قلنا: لو حرف امتناع لامتناع كان المعنىّ به أَن التالى يمتنع امتناعاً مضافاً إِلى امتناع المقدَّم. وليس المعنىّ به أَنه يمتنع مطلقا. وإِذا قلت فيمن قيل لك انتقض وضوءُه لأَنه مسّ ذكره: لم ينتقض لأَنه مسّ، فإِنه لم يمسّ، ولكن لناقض آخر غير المسّ، صحّ؛ ولذلك لك أَن تقول: لم ينتقض لأَنه لم يمسّ. كلَّ هذا كلام صحيح، وإِن كان وضوءه منتقِضاً عندك بناقض آخر؛ فإِن حاصل كلامك أَن الانتقاض

بالنسبة إِلى المسّ لم يحصل، ولا يلزم من ذلك انتفاء أَصل الانتقاض، فإِنما يلزم مطلقاً الامتناع فى لو الشرطية لو قلنا: إِن مقتضاه الامتناع مطلقا، ونحن لم نقل ذلك، وإِنما قلنا: يقتضى امتناعاً منكَّرًا لامتناع منكَّر، فالمنفىّ خاصّ لا عامّ. إِذا عرفت هذا فنقول: قد يؤتى بلَوْ مسلَّطة على ما يحسب العقل كونه إِذا وُجد مقتضِياً لوجود شىء آخر، مرادًا بها أَن ذلك لا يلزم تحقيقا لاستحالة وجود ذلك الشىء الآخر الذى ظُنَّ أَنه يوجد عند وجود ما يحسبُه العقل مقتضِيا؛ كما تقول لعابد الشمس: لو عبدتها أَلف سنة ما أَغنت عنك من الله شيئاً، فإِن مرادك أَن عبادتها لا تغنى. وفى الحقيقة الازدياد من عبادتها ازدياد من عدم الإِغناء، ولكن لمَّا كان الكلام خطابا لمن يعتقدها مغنِية حسن إِخراجه فى هذا القالَب. وكذلك تقول للسائل إِذا أَحكمت أَمر منعه: لو تضرعت إِلىّ بألف شفيع ما قضيتُ لك سُؤلا. ولذلك إِذا [كان] بصيغة إِن الشرطيّة لم يكن له مفهوم عند المعترفين بمفهوم الشرط؛ كما فى قوله تعالى: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} ، لأَن المراد قطع الإِياس. والإِتيان بصيغة لو فيما ضَرَبناه مَثَلا لتحقَّق الامتناع لا لمقابله. وأَمَّا ما أَوردوه نقضاً، وأَنه يلزم نفاد الكلمات عند انتفاء كون ما فى الأَرض من شجرة أَقلاما، وهو الواقع؛ فيلزم النَفَاد وهو مستحيل؛ فالجواب أَن النَفَاد إِنما يلزم انتفاؤه لو كان المقدّم ممَّا لا يتصور العقل أَنه

مقتضٍ للانتفاء. أَما إِذا كان ممَّا قد يتصوّره العقل مقتضياً فألاَّ يلزم عند انتفائه أَولى وأَحرى. وهذا لأَن الحكم إِذا كان لا يوجد مع وجود المقتضِى فأَلاَّ يوجد عند انتفائه أَولى. فمعنى (لو) فى الآية أَنه لو وجد الحكم المقتضِى لما وُجد الحكم، لكن لم يوجد فكيف يوجد. وليس المعنى: لكن لم يوجد فوجد؛ لاِمتناع وجود الحكم بلا مقتضٍ. فالحاصل أَن ثمّ أَمرين: أَحدهما: امتناع الحكم لامتناع المقتضِى. وهو مقرر فى بدائه العقول؛ وثانيهما: وجوده عند وجوده، وهو الذى أَتت (لو) للتنبيه على انتفائه مبالغة فى الامتناع. فلولا تمكُّنها فى الدلالة على الامتناع مطلقا لما أُتى بها. فمن زعم أَنها والحالة هذه لا تدل عليه فقد عكس ما يقصده العرب بها، فإِنها إِنما تأْتى بلو هنا للمبالغة فى الدلالة على الانتفاء؛ لما للو من التمكُّن فى الامتناع. فإِذا تبين هذا أَنقله إِلى الأَثر وغيره، فنقول: لو لم يخف اللهَ لم يعصه لِمَا عنده من إِجلال الله تعالى والخشية، وإِذا لم يخف يكون المانع واحدا وهو الإِجلال. فالمعصية منتفية على التقديرين، وجئ بلو تنبيها على الامتناع بالطريقة التى قدَّمناها لا على مطلق الامتناع. فإِن قلت: قوله لو لم يخف لم يعص إِذا جعلنا لو للامتناع صريح فى وجود المعصية، مستندا إِلى وجود الخوف، وهذا لا يقبله العقل. قلنا: المعنى: لو انتفى خوفه انتفى عصيانه، لكن لم ينتف خوفه فلم ينتف عصيانه مستنداً إِلى أَمر وراءَ الخوف.

وأَما قوله: ترد للتمنِّى فشاهده قوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} ، أَى فليت لنا كرّة؛ ولهذا نصب (فيَكُونَ) فى جوابها، كما انتصب (فأَفُوزَ) فى جواب كنت فى قوله تعالى: {ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} . وأَما العَرْض فمثاله: لو تنزل عندنا فتصيب خيرًا. وأَما التقليل فذكره بعض النحاة؛ وكثر استعمال الفقهاء له، وشاهده قوله تعالى: {وَلَوْ على أَنْفُسِكُمْ} ، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَوْلِم ولو بشاة"، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "اتَّقوا النار ولو بشِق تمرة"، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "التمِس ولو خاتما من حديد"، وقوله صلَّى الله عليه وسلَم: "تصدَّقوا ولو بظِلف مُحْرَق". وقد يُسأَل عن قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ} ، ويقال: إِن الجملتين يَتَركَّب منهما قياس وحينئذ ينتج: لو علم الله فيهم لتولَّوْا وهذا مستحيل. الجواب أَن التقدير: لأَسمعهم إِسماعاً نافعا، ولو أَسمعهم إِسماعا غير نافع لتولَّوْا. جواب ثان: أَن يقدّر ولو أَسمعهم على تقدير عدم علم الخير فيهم. جواب ثالث: أَن التقدير: ولو علم الله فيهم خيرًا وقتاما لتولَّوا بعد ذلك.

قال الشيخ أَثِير الدين: وقد ركَّب أَبو العبَّاس بن مرَيسُح ما دخلت عليه لو تركيباً غريباً غير عربىّ فقال: ولو كلَّما / كلب عوى مِلْتُ نحوَه ... أَجاوبه إِنّ الكلاب كثير ولكن مبالاتى بمن صاح أَو عَوى ... قليل فإِنِّى بالكلاب بصير

بصيرة فى لولا

بصيرة فى لولا وهى على أَربعة أَوجه: أَحدها: أَن تدخل على اسمية ففعليَّة لربط امتناع الثانية بوجود الأَولى، نحو: لولا زيد لأَكرمتك، أَى لولا زيد موجود. وأَمَّا قوله صلَّى الله عليه وسلم: "لولا أَن أَشُقَّ على أُمَّتى لأَمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، فالتقدير: لولا مخافة أَن أَشق لأَمرتهم أَمر إِيجاب، وإِلاَّ لا نعكس معناها؛ إِذِ الممتنع المشقَّة والموجود الأَمر. والمرفوع بعد لولا مبتدأ، والخبر يكون كوناً مطلقا. الثانى: يكون للتحضيض والعَرْض، فيختص بالمضارع أَو ما فى تأْويله؛ نحو: {لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله} ونحو: {لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} والفرق بينهما أَن التحضيض طلب بحثٍّ، والعَرْض طلب برفع وتأَدّب. الثالث: أَن تكون للتوبيخ والتنديم، فتختصّ بالماضى؛ نحو قوله تعالى: {لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} ، {فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَاناً آلِهَةَ} ، ومنه: {ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} ، الاَّ أَن الفعل أُخّر، وقوله:

تعدُّون عَقْرَ النِّيب أَفضلَ مجدكم ... بنى ضَوْطَرَى لولا الكِمىَّ المقنَّعا إِلاَّ أَن الفعل أضمر، أَى لولا عددتم. وقد فُصلت من الفعل بإِذا وإِذا معمولين له، وبجملة شرط معترَضة. فالأَول نحو: {ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} ، {فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} ، والثانى والثالث: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ ولاكن لاَّ تُبْصِرُونَ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَآ} ، المعنى: فهلاَّ ترجعون الروح إِذا بلغت الحلقوم إِن كنتم غير مربوبين وحالتكم أَنكم تشاهدون ذلك. ولولا الثانية تكرار للأُولى. الرابع: الاستفهام؛ نحو: {لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} ، {لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} هكذا مثَّلوا. والظاهر أَن الأُولى للعَرْض، والثانية مثل: {لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} . وذكر بعضهم قسماً خامساً وهو: أَنها تكون نافية بمعنى لَمْ، وجعل منه: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} ، والظاهر أَن المعنى على التوبيخ، أَى فهَلاَّ كانت قرية واحدة من القرى المهلَكة تابت عن الكفر قبل مجئ العذاب فنفعها ذلك؛ وهو تفسير الأَخفش والكسائىّ والفرّاء وعلى بن عيسى والنحاس. ويؤيده قراءَة أُبَى وعبد الله؛ (فَهَلاَّ) ، ويلزم من هذا المعنى النفى؛ لأَن التوبيخ يقتضى عدم الوقوع.

وذكر الزمخشرى فى قوله تعالى: {فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} : لكنه جئ بلولا ليفاد أَنهم لم يكن لهم عذر فى ترك التضرع، إِلاَّ عنادهم وقسوة قلوبهم وإِعجابهم بأَعمالهم التى زيَّنها الشيطان لهم. وقول القائل: أَلا زعمت أَسماءُ أَن لا أحبّها ... فقلتُ بَلَى لولا ينازعنى شُغلى قيل: إِنها الامتناعية، والفعل بعدها على إِضمار أَن، على حدّ قولهم: تسمعُ بالمُعَيدِىّ خير من أَن تراه. وقيل: ليس من أَقسام لولا، قيل: هما كلمتان بمنزلة قولك: لو لم، والجواب محذوف، أَى لولم ينازعنى شغلى لزرتك. و (لَوْما) بمعنى لولا تقول: لوما زيد لأَكرمتك، ومنه قوله تعالى: {لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملائكة} : وزعم بعضهم أَن لوما لا يستعمل إِلا للتحضيض. والله أَعلم.

بصيرة فى لا

بصيرة فى لا / وهى على ثلاثة أَوجه: نافية، وموضوعة لطلب الترك، وزائدة. فأَمَّا النافية فعلى خمسة أَوجه: أَحدها: أَن تكون عاملة عمل إِنَّ. وإِنما يظهر نصب اسمها إِذا كان خافضا، نحو: لا صاحب جود ممقوت، وقول المتنبِّى: فلا ثوب مجدٍ غيرَ ثوب ابن أَحمد ... على أَحد إِلاَّ بلؤم مرقَّع أَو رافعاً، نحو: لا حَسَناً فعلُه مذموم؛ أَو ناصباً، نحو: لا طالعاً جبلاً حاضر ومنه لا خيرًا من زيد عندنا، وقول المتنبِّى: قِفا قليلا بها علىّ فلا ... أَقلَّ من نظرة أَزوّدها والثانى: العاملة عمل ليس، فمثَّلوا بقوله: مَن صَدّ عن نيرانها ... فأَنا ابن قيس لا براحُ الوجه الثالث: أَن تكون عاطفة، ولها ثلاثة شروط: أَحدها: أَن يتقدّمها إِثبات، نحو: جاءَ زيد لا عمرو؛ أَو نداء، نحو: يا ابن أَخى لا ابن عمِّى. الثانى: أَلاَّ تقترن بعاطف.

الثالث: أَن يتعاند متعاطِفاها، فلا يجوز جاءَنى رجل لا زيد؛ لأَنه يصدق على زيد اسمُ الرّجل، بخلاف جاءَنى رجل لا امرأَة. قالوا: فإِن كان ما بعدها جملة اسميّة صدرُها معرفة أَو نكرة ولم تعمل فيها، أَو فعلاً ماضياً لفظاً أَو تقديرًا، وجب تكرارها. مثال المعرفة: {لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} ؛ ومثال النكرة: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} ، والتكرار هنا واجب بخلاف: {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} ، ومثال الفعل الماضى: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى} ، وفى الحديث: "فإِنَّ المُنْبَتَّ لا أَرضا قَطَع ولا ظَهْراً أَبقى". الثانى من أَوجه لا: أَن تكون موضوعة لطلب الترك، وتختص بالمضارع؛ نحو: قوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} ، {لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَآءَ} . الوجه الثالث: لا الزَّائدة للتأْكيد، نحو قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} ، وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} وتوضِّحه الآية الأخرى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} . واختلف فى لا فى مواضع من التنزيل هل هى نافية أَو زائدة: أَحدها: قوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} فقيل: نافية لما تقدّم منهم من إِنكار البعث. وقيل: زائدة لمجرّد التوكيد وتقوية الكلام.

الموضع الثانى: قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} ، فقيل: لا نافية. وقيل: ناهية، وقيل: زائدة. والجمع محتمل. وحاصل القول فى الآية: أَن (ما) خبريَّة بمعنى الذى منصوبة بـ (أَتْلُ) ، (وحرَّم رَبُّكُمْ) صلة، (وعليكم) متعلق بـ (حرَّم) . الموضع الثالث: قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} فيمن فَتَح الهمز، فقال الخليل والفارسىّ: لا زائدة، وإِلاَّ لكان عُذراً لهم أَى للكفَّار. وردّه الزجَّاج بأَنهّا نافية فى قراءَة الكسر، فيجب ذلك فى قراءَة الفتح. وقيل: نافية وحُذف المعطوف، أَى أَو أَنهم يؤمنون وقال الخليل مرّة: (أَنَّ) بمعنى لعل. وهى لغة فيه. الموضع الرابع: {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} ، وقيل: زائدة. والمعنى: ممتنع على أَهل قرية قدَّرنا إِهلاكهم لكفرهم أَنهم يرجعون عن الكفر إِلى القيامة. وقيل: نافية، والمعنى: ممتنع عليهم أَنهم لا يرجعون إِلى الآخرة. الموضع الخامس: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ الله الكتاب والحكم والنبوة ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ الله ولاكن / كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكتاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَاباً} قرئ فى السبع برفع (يأْمركم) ونصبه. فمن رفعه

قطعه عمَّا قبله، وفاعله ضميره تعالى، أَو ضمير الرسول، و [لا] على هذه القراءَة نافية لا غير. ومن نصبه فهو معطوف على (يُؤتيه) وعلى هذا (لا) زائدة مؤكَّدة لمعنى النفى. وقوله تعالى: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ} قرأَ جماعة (لَتُصِيبَنَّ) ، وخُرّج على حذف أَلف (لا) تخفيفاً؛ كما قالوا: أَمَ والله. وأَمَّا (لا) فى قوله تعالى: {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} فقيل: نافية، والتاء لتأْنيث اللفظة، نحو: رُبَّت وثُمَّت، وحرّكت لالتقاء الساكنين. وقيل نافية والتاء زائدة فى أَوّل الحِين. وقيل: إِنما هى كلمة واحدة، فعل ماضٍ بمعنى نَقَص، من قوله تعالى: {لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} فإِنه يقال: لات يليت، كما يقال أَلَت يأْلت، وقد قرئ بهما. وقيل: أَصلها لَيِس على زنة أَيس، قُلبت الياءُ أَلِفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأَبدلت السين تاء. واختلف فى عمله، فقال الأَكثرون: يعمل عمل ليس، وقيل: يعمل عمل إِنَّ: ينصب الاسم ويرفع الخبر، وقيل: لا يعمل شيئاً. فإِن وليها مرفوع فمبتدأ محذوف الخبر، أَو منصوب فمعمول لفعل محذوف. والتقدير فى الآية: لا أَرى حين مناص. وعلى قراءَة الرفع التقدير: لا حينُ مناص كائن لهم. وقرئ: {وَلاَتَ حِينِ مَنَاصٍ} بخفض (حين) ، فزَعم الفرّاء أَن (لات) يستعمل حرفاً جارا لأَسماءِ الزمان خاصّة؛ كما أَن مذْ ومُنْذ كذلك. والله أَعلم.

بصيرة فى لن وليت (واللات)

بصيرة فى لن وليت (واللات) لَنْ: حرف نصب ونفى واستقبال، ولا يفيد توكيد المنفى، ولا التأْبيد، خلافا للزمخشرى؛ ولو كانت للتأْبيد لم يقيّد منفيّها باليوم فى قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً} ، ولكان ذكر الأَبد فى قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} تكرارًا، والأَصل عدمه. ويأْتى للدّعاءِ كقوله: لن يزالوا كذلكم ثم لا زلـ ... ـتَ لهم خالدا خلود الجبال ومنه قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} وتلقّى القسم بها وبلم نادر جدًا، كقول أَبى طالب: والله لن يصلوا إِليك بجَمعهم ... حَتّى أُوسَّد فى التراب دَفينا وقد يُجزم بها؛ كقوله: فلن يَحْلَ للعينين بعدكِ منظر وليت حرف تمنٍّ يتعلق بالمستحيل غالبا؛ كقوله: فيا ليت الشَّبابَ يعود يوماً ... فأخبره بما فعل المَشِيبُ

ويتعلّق بالممكن قليلاً: {ياليتني اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلاً} ، {ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ} ، {ياليتني كُنتُ تُرَاباً} . وحكمه أَن ينصب الاسم - ويرفع الخبر. قيل: وقد ينصبهما كقوله: ياليت أَيام الصبا رواجعا واللاتُ والعُزَّى صنمان. أَصل اللات: اللاه، فحذفوا منه الهاء، وأَدخلوا التاءَ فيه؛ فأَنَّثوه؛ تنبيها على قصوره عن الله تعالى. وجعلوه مختصّا بما يُتقرّب به إلى الله فى زعمهم.

بصيرة فى لكن ولكن

بصيرة فى لكن ولكن لكنَّ - مشدَّدة -: حرف، تنصب الاسم وترفع الخبر؛ {ولاكن الله سَلَّمَ} ، {ولاكن الشياطين كَفَرُواْ} ، ونظائره كثيرة جدًّا. ومعناه الاستدراك، وهو: أَن يُثبت لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها ولذلك لا بدّ أَن يتقدّمها كلام مناقض لما بعدها. وقيل: تارة للاستدراك، وتارة للتوكيد. وقيل: للتوكيد دائماً مثل إِنّ، ويصحب التوكيد معنى الاستدراك. وهى بسيطة عند البصريّين. وقيل: أَصلها: لكِنْ إِنَّ / فطُرحت الهمزة للتخفيف، ونون لكِنْ للساكنين. وقيل: مركَّبة من: لا، والكاف الزائدة، ولا التشبيهيَّة، وإِنَّ، حذفت الهمزة تخفيفاً. وقد يحذف اسمها كقوله فلو كنت ضبَيًّا عرفتَ قرابتى ... ولكنَّ زنجىٌّ عظيم المشافر لكنْ ساكنة النون حرف ابتداء لا يعمل، خلافاً لجماعة. فإِن وَلِيَها كلام فهى حرف ابتداء لمجرد الاستدراك، وليست عاطفة. ويجوز أَن يستعمل بالواو نحو قوله تعالى: {ولاكن كَانُواْ هُمُ الظالمين} ، وبدونها نحو قول زهير إِنّ ابنَ ورقاءَ لا تُخشى بوادره ... لكنْ وقائعه فى الحرب تنتظر وإِن وليها مفرد فهى عاطفة بشرط أَن يتقدَّمها نفى أَو نهى، نحو: ما قام زيد لكن عمرو. وقيل: لا يستعمل مع المفرد إِلاَّ بالواو.

بصيرة فى لوح ولوذ ولوط ولوم

بصيرة فى لوح ولوذ ولوط ولوم اللَّوْح: ما يكتب فيه من الخشب، ولَوْحُ السفينة. وقوله تعالى: {فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} استأْثر الله بالعلم بكيفيته، وليس لأَحد بحقيقته علم إِلاَّ بقدر ما رُوى لنا فى الآثار الصّحيحة، وهو المعبّر عنه بالكتاب فى قوله تعالى: {إِنَّ ذلك فِي كِتَابٍ} ، والجمع: أَلواح قال تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} . ونظرت إِلى أَلواحه ولوائحه، أَى إِلى ظواهره. وبه لَوْحٌ شديد، أَى عَطَش. ولاح والْتَاح: عطش. ولاح البرق والنجم وغيرهما، وأَلاح، قال جِران العَوْد: أُراقِب لَوحاً من سُهَيلٍ كأَنه ... إِذا ما بدا من آخر الليل يطرِف وقال المتلمِّس: وقد أَلاحَ سهيلٌ بعد ما هجعوا ... كأَنَّه ضَرَم بالكف مقبوس ولاحته النَّار والسَّموم: غيَّرته، وكذا لوَّحته. وأَلاحَ بسيفه وبثوبه، ولوَّح به: لَمَع به. ولوّح للكلب برغيف فتبعه. وأَلاح من الشىء وأَشاح: أَشفق وحذِر. ولاح لى أَمرُك: ظهر وبرز.

لاذ به يَلُوذ لَوْذًا ولَوَاذًا ولُواذ ولِوَاذا بالحركات الثلاث. وقرأَ [يزيد بن] قُطَيب: {يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لَوَاذاً} ، و (لُواذًا) بالفتح والضمَّ، أَى لجأَ إِليه وعاذ به واستتر. قال عمرو بن جميل: يُريغ شُذَّاذًا إِلى شذَّاذ ... من الرَبَاب دائم التَلْواذ واللَوْذ أَيضا: جانب الجبل، وما يُطيف به. والجمع: أَلواذ. ولاوذ القوم لِواذًا: لاذ بعضهم ببعض، ومنه قراءَة الجمهور: {يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً} . قال القُطامىّ: وما ضَّرها أن لم تكن رَعَتِ الحِمَى ... ولم تطلب الخير المُلاوِذُ من بِشْر أَى لا يجىء خيره إِلاَّ بعد كدّ وجهد، قاله ابن السكيت. وقال الزجاج فى قوله تعالى: {يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِواذاً} : إِنَّ معنى اللِوَاذ: الخلاف، أَى يخالفون خلافاً. وقال بعضهم: يلاوذونه فراراً منه وتباعد. وقيل: تستُّرًا. وكان المنافقون إِذا أَراد الواحد منهم مفارقة مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لاذ بغيره متستِّراً ثم نهض. لوط النبىّ صلوات الله عليه ينصرف مع العجمة والتَّعريف، وكذلك نوح، وإِنّما أَلزموهما الصرف لأَن الاسم على ثلاثة أَحرف أَوسطه ساكن، وهو على غاية الخفة، فقاومت خفَّته أَحد السَّببين. واشتقاقه من: لاط

الشىءُ بقلبى يَلُوط ويَلِيط لَوْطا ولَيْطاً. يقال: هو أَلْوط بقلبى وأَلْيط، وإِنى لأَجد له فى قلبى لَوْطاً ولَيْطا، أَى الحب اللازق بالقلب. ولُطت الحوض بالطين لَوْطا: بلَّطّته به وطيَّنته. ولاط يَلُوطُ: عمِل عمَل قوم لوط، مشتق من لفظ لوطٍ النَّاهى عنه، لا من لفظ المتعاطين له. اللَّوم واللَّوماءَ / واللَّوْمَى واللائمة: العَذْل. لامه لوما ومَلاَما ومَلاَمة فهو مَلِيم ومَلُوم. قال تعالى: {فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ} ، وقال: {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} ذكر اللوم تنبيهاً على أَنه إِذا لم يلاموا لم يفعل بهم ما فوق اللوم. وأَلام: استحق اللَّوم، أَو صار ذا لائمة. قال تعالى: {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم. وَهُوَ مُلِيمٌ} . وأَلامهُ ولوّمه للمبالغة. وقوم لُوَّام ولُوّم ولُيَّم. واستلام إِليهم: أَتاهم بما يلومونه. وجاءَ بلَومة ولامة: بما يلام عليه. وتلوّم فى الأَمر: تمكَّث. وقوله تعالى: {وَلاَ أُقْسِمُ بالنفس اللوامة} ، قيل: هى النَّفس التى اكتسبت بعض الفضيلة فتلُوم صاحبها إِذا ارتكب مكروها، فهى دون النفس المطمئنَّة، وقيل: بل هى النفس التى قد اطمأَنَّت فى ذاتها، وترشَّحت لتأْديب غيرها، فهى النفس المطمئنَّة.

بصيرة فى لون ولؤلؤ وليل (ولين) ولى

بصيرة فى لون ولؤلؤ وليل (ولين) ولى اللون: واحد الأَلوان ينطوى على الأَبيض والأَسود وما بينهما. وتلوّن الشىءُ لونا غير اللون الذى كان له. واللون أَيضا: النوع. وقوله تعالى: {واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} إِشارة إِلى أَنواع الأَلوان واختلاف الصور التى يختص (بها كلَّ إِنسان كهيئة) غير هيئة صاحبه مع كثرة عددهم؛ وذلك تنبيه على سعة قدرته، وعدم انحصار تجلِّيَاته. وفلان يأْتى بأَلوان من الأَحاديث، أَى بأَجناس منها. اللؤلؤة: الدُرّة. والجمع: اللؤلؤ واللآلئ. واللؤلؤة أَيضا: البقرة الوحشيّة. قال الفراءُ: تقول العرب لصاحب اللؤلؤ: لآل مثال، لعَّال، والقياس لآَء مثال لعّاع. واللِّئآلة مثال الكتابة: حرفته. ولُؤلُؤان: يشبه اللؤلؤ. وتلأْلأَ البرق: لمع. الليل معروف. والليلاة لغة فيه، والجمع: ليالٍ وليائل. وليلة ليلاء بالمدّ وبالقصر: طويلة شديدة، وقيل: هى أَشدّ ليالى الشهر ظلمة، وقيل: هى ليلة الثلاثين. وليل أَلْيَل ولائل، ومليَّل كمعظَّم كذلك. وأَلاَلُوا وأَلْيَلوا: دخلوا فى الليل. ولايله مُلاية كياومه مياومة. {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} .

اللِّين: ضدّ الخشونة، واللَّيانة - بالفتح - لغة فيه. لانَ يلِين وتَلَيَّن فهو لَيْنٌ كمَيْت وميّت. أَو المخفَّفة فى المدح خاصّة، والجمع لَيْنُون وأَلْينَاء قال: هَيْنون لَيْنون أَيسارٌ ذوو شَرَفِ قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} . واللِّين يكون على وجهين: لِين فى الأَجساد، كِلين الشمع والحديد وغيره؛ ولين فى المعانى، كلِين الطبع ولين القول، قال تعالى: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} ، وفيه إِشارة إِلى إِذعانهم للحق وقبوله بعد تأَبِّيهم منه، وإِنكارهم إِيّاه. والِّلينة: الدَّقَلُ من النخل، واللُّونَة لغة فيها، والجمع: لِيَن. وجمع اللِّيَن: لِيَان؛ وقيل: هى الناعمة من النخل، قال تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ} . واللَّىّ واللُّوىّ: الفَتْل. لواه يَلْوِيه: فتله وثناه، فالتوى وتَلوّى. ولَوَى يده. ولَوى رأْسهُ: عبارة عن الإِباءِ. ولَوَى لسانه بكذا: كناية عن

الكذب، قال: {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بالكتاب} . وفلان لا يَلْوى على أَحَد: إِذا لم يلتفت فى الهزيمة، قال تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ} واللِّواءُ - بالمدّ والهمز - واللِّواىُ - بالياء -: العَلَم، وقيل: الراية. والجمع: أَلْوِية، وجمع الجمع: أَلْوِيات. وأَلواه: رفعه. واللَّوَى / بمعنى اللائى جمع التى. واللاؤون واللاَّؤو بمعنى الذين. ولَوْلَيْتم مدبرين، أَى وَلَّيتم.

الباب الخامس والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الميم

الباب الخامس والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الميم

بصيرة فى الميم نفسها

بصيرة فى الميم نفسها الميم ترد فى الكلام على اثنى عشر وجهاً: 1- حرف شَفَوىّ من حروف الهجاء، يظهر من انطباق الشفتين قرب مخرج الباء. والنسبة مِيمىّ. والفعل منه: ميّمت ميماً حَسَناً وحسنًة. وجمعه على التذكير: أَميام، وعلى التأَنيث: مِيمات ومِيَمٌ. 2- الميم عبارة عن عدد الأَربعين فى حساب الجُمّل 3- الميم الأَصلىّ، كما فى: ملح، ومحل، ولحم، وحلم، وحمل، ولمح. 4- ميم التثنية: أَنتما ولكما. 5- ميم الجمع: أَنتم ولكم. 6- الميم المكرَّرة، نحو: عمّ وعمّم 7- الميم الكافية: التى تكون كناية عن كلمة؛ نحو: حم، ح: حِلمه، م: مِلْكه. وله نظائر. 8- ميم المفعول: وتكون مفتوحة، كميم منصور ومحبوب. ويكون فى مسغبة مضموماً فاعلاً كان أَو مفعولاً؛ نحو مُكرِم ومكرَم. 9- الميم الزائدة: ومنها ما يكون أَوَّل الكلمة كمضرب ومِثْقب، أَو فى وسطها كلبِن قمارِص ودِرع دُلاَمِص، أَوفى آخِرها نحو زرقم وشدقم.

10- الميم المبدَلة: من الباء، نحو: بنات بخر وبنات مخر؛ أَو من الواو، نحو: فَم، فإِن الأَصل فَوْه بدليل أَن الجمع أَفواه؛ أَو لام التعريف كالحديث "لَيْسَ من امْبِرّ امْ صِيامُ فى امْ سَفَر" أَو من النون كالبَنَام فى البَنَان. 11- الميم اللغوىّ، قال اللغويُّون: الميم: الخمر، قال: إِنى امرؤ فى سعة أَو مَحْل ... أَمتزِج الميم بماءٍ ضحِل

بصيرة فى متع

بصيرة فى متع مَتَع النهار يَمْتَع - كمنع يمنع - مُتُوعا: ارتفع. والمانِع: الطويل من كل شىء. وحَبْل ماتع: جيّد الفتل. ونبيذ ماتع: شديد الحمرة. وكل شىءٍ جيّد فهو ماتع. والمتاع: السلعة، والمتاع: المنفعة، وما تمتَّعت به، قال المسيَّب بن عَلَس: أَرحلتَ من سَلمَى بغير متاعِ ... قبل العُطَاس ورُعتها بوَادع أَى قبل أَن ترى ما تكره. وقال الليث: المتاع من أَمتعة البيت: ما يستمتع به الإِنسان فى حوائجه، وكذلك كل شىء نحوه. والدنيا متاع الغُرُور. وقوله تعالى: {مَتَاعُ الحياة} أَى منفعتها التى لا تدوم، وقال بعض العرب فى امرأَته يهجوها على كفران النعمة: لو جُمع الثُلاث والرُباع ... وحِنطة الأَرض التى تُباع لم تَرَهُ إِلاَّ هوَ المتاع الثُّلاث والرُّباع: أَحدهما كيل معلوم والآخر وزن معلوم، يقول: لو جمع لها جميع ما يكال أَو يوزن لم تره هذه المرأَة إِلاَّ / مُتْعة قليلة.

وقولُه تعالى: {ابتغآء حِلْيَةٍ} ، أَى ذهب أَو فضة، (أَوْ مَتَاع) أَى حديد وصُفْر ونحاس ورصاص. والمتْعَة والمِتْعة - بالضم والكسر -: ما يُتبلَّغ به من الزاد، والجمع: مُتَع ومِتَع، كغُرَف وكِسَر. ومتعة المرأَة إِذا طلَّقها زوجها متَّعها متعة فوصلها بشىءٍ من غير أَن يكون له لازماً ولكن سُنَّة، {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ مَتَاعاً بالمعروف} . ومتعة التزوّج: كان الرجل يتزوّج المرأَة يتمتَّع بها أَيَّاماً ثم يخلِّى سبيلها؛ وكان ذلك بمكَّة حين حجّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثة أَيام، ثم حرّمها الله إِلى يوم القيامة. كان الرجل يشارط المرأَة شَرْطاً على شىء بأَجل معلوم، ويعطيها شيئاً فيستحل بذلك فرجها، ثم يخلِّى سبيلها من غير تزويج ولا طلاق. والمتعة فى الحج: أَن يضمّ الرجل عمرة إِلى حِجّة. والمُتْعة والمَتَاع: اسمان يقومان مقام المصدر الحقيقىّ، وهو التمتيع. وأَمتعه الله بكذا أَى متَّعه. وقال أَبو زيد: أَمْتَعت بالشىء أَى تمتَّعت به. وقوله تعالى: {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً} بالتخفيف. وهى قراءَة ابن عامر، أَى فأُؤخِّره. ومتَّع الشىء تمتيعاً طوّله. ومتَّعه الله بكذا، أَى أَبقاه وأَنْسأَه إِلى أَن ينتهى شبابه، وقوله تعالى: {وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} أَى يُبْقِكم بقاء فى عافية إِلى وقت وفاتكم، ولا يستأْصلكم بالعذاب كما استأْصل أَهل القرى الذين كفروا. وقيل

يعمّركم. والتمتيع: التعمير. ومثله قوله تعالى: {إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} وقوله: {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً} ، وهى قراءة مَن سوى ابن عامر، أَى فأُؤخِّره. واستمتعت بالشىءِ وتمتَّعت بمعنى. وقوله تعالى: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ} ، قال الفرَّاءُ: رَضُوا بنصيبهم فى الدنيا مِن أَنصبائهم فى الآخرة، وفعلتم أَنتم كما فعلوا؛ ونحو ذلك قال الزجَّاج. وقوله تعالى: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ} أَى انتفعتم به من وطئهن. وقوله تعالى: {رَبَّنَا استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} . وقوله: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ} يَقول: تردَّدوا، وقيل: عِيشوا عَيْشاً صحيحاً ثلاثة أَيَّام، وهذا الأَمر وعيد. والله أَعلم. وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} تنبيهٌ على أَن لكل إِنسان من الدنيا تمتُّع مدّة معلومة. وقوله: {قُلْ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ} تنبيه أَن ذلك فى جنب الآخرة غير معتدّ به. وقوله تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ} أَى طعامهم، وقيل: وعاءَهم، وكلاهما متاع، وهما متلازمان؛ فإِن الطعام كان فى الوعاءِ. وكل موضع فى القرآن ذكر [فيه] تمتَّعوا فى الدنيا فإِنما هو على طريق التهدّد، وذلك لما فيه من معنى التوسّع. والله أَعلم.

بصيرة فى متن ومتى

بصيرة فى متن ومتى المَتْن والمَتْنة: ما صلُب من الأَرض وارتفع. والمَتْن أَيضاً: الرجل الصُلْب. ومتُن - ككرم يكرم -: صَلُب واشتدّ. ومتنا الظهر: مكتنِفا الصلب. ويؤنَّث. وحبل متين: شديد، قال الله تعالى: {إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين} . مَتَى: سؤال عن الوقت. قال الله تعالى: {متى هاذا الوعد} ، وقال {متى نَصْرُ الله} . ويكون اسم شرط كقوله: متى أَضع العمامةَ تعرفونى وحكى أَن هُذَيلاً تقول: جعلته متى كُمىّ، أَى وسط كمىّ. وقيل: إِنما هى بمعنى مِن /: أَخرجته متى كُمىّ، أَىْ من كُمىّ، وأَنشدوا: شربْنَ بماءِ البحر ثم ترفَّعت ... متى لُجَجٍ خضرٍ لهنَّ نئيج

بصيرة فى مثل

بصيرة فى مثل المِثْل والمَثَل والمَثِيل، كالشِبْه والشَبَه والشبيه لفظا ومعنًى، والجمع: أَمثال. والمَثَل - محركة -: الحديث. وقد مثَّل به وامتثله وتمثَّله وتمثَّل به. وقد يعبّر بالمَثَل والشَبَه عن وصف الشىء؛ نحو قوله تعالى: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} . وقد يستعمل المِثْل عبارة عن المشابه لغيره فى معنى من المعانى، أَىَّ معنى كان. وهو أَعمّ الأَلفاظ الموضوعة للمشابهة؛ وذلك أَن النِدّ يقال فيما يشاركه فى الجوهريّة فقط، والشكل يقال فيما يشاركه فى القَدْر والمساحة، والشِبْه يقال فيما يشاركه فى الكيفيّة فقط، والمساوى يقال فيما يشاركهُ فى الكميّة فقط، والمِثْل عامّ فى جميع ذلك. ولهذا لمَّا أَراد الله نفى التشبيه من كل وجه خصّه بالذِكر فقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . وأَمَّا الجمع بين الكاف والمِثْل فقد قيل: ذلك لتأْكيد النفى، تنبيها على أَنه لا يصح استعمال المِثْل ولا الكاف، فنفى بليس الأَمرين جميعاً. وقيل: المِثل هاهنا بمعنى الصفة، ومعناه: ليس كصفته صفة، تنبيها على أَنّه وإِن وُصف بكثير ممَّا يوصف به البَشَر فليس تلك الصفات له على حَسَب ما يُستعمل فى البَشَر.

والمَثَل: عبارة عن قول فى شىء يشبه قولاً فى شىء آخر بينهما مشابهة، ليبيِّن أَحدهما الآخر، ويصوّره، نحو قولهم: الصيفَ ضيَّعتِ اللَبَنَ؛ فإِن هذا القول يشبه قولك: أَهملت وقت الإِمكان أَمرَكِ. وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأَمثال فقال: {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ، {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون} . والمُثُول: الانتصاب. والتَمثال - بالفتح -: التمثيل. والتِمثال - بالكسر -: الصورة. ومثَّله له: صوّرهُ. وتمثل: تصوَّر. قال تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} [و] تَمثَّل بالشىءِ: ضربه مَثَلاً. وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة مَثَلُ السوء وَلِلَّهِ المثل الأعلى} أَى لهم الصفات الذميمة، ولله الصفات العلى. وقد منع الله تعالى عن ضرب الأَمثال بقوله: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} ، ثم أَخبر أَنه يضرب لنفسه المَثَل، ولا يجوز لنا أَن نقتدى به فى ذلك وقال: {إِنَّ الله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ؛ ثم ضرب لنفسه مَثَلاً فقال: {ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} الآية. وفى هذا تنبيه أَنه لا يجوز أَن نصفه بصفة ممَّا يوصف به البشر إِلاَّ ما وصف به نفسه. وقوله: {مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ

التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً} ، أَى هم فى جهلهم بمضمون حقائِق التوراة كالحمار فى جهله بما على ظهره من الأَسفار. وقوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ} فإِنه شبهه فى ملازمته واتّباع هواه وقلَّة مزايلته بالكلب الذى لا يزايل اللهْث على جميع الأَحوال. وقوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً} ، شبّه من آتاه الله ضرباً من الهداية والمعاون فأَضاعه ولم يتوصَّل به إِلى ما رُشِّح له من نعيم الأَبد، بمن استوقد نارًا فى ظلمة، فلما أَضاءَت له ضيَّعها / ونُكس فعاد فى الظلمة. وقوله: {وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً} ، فإِنه قصد تشبيه المدعوّ بالغنم التى يُنعق بها، وداعيهم بالناعق بالغنم، فأَجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة اللفظ؛ وبسط الكلام وحاصله: مَثَلُ داعى الذين كفروا والذين كفروا كمثل الذى ينَعق بالغنم ومثلِ الغنم التى لا تسمع إِلاَّ دعاء ونداء. والمُثْلة - بالضمّ - والمَثْلة والمَثُلة: نِقمة تنزل بالإِنسان فيُجعل مثالاً يَرتدع به غيره وذلك كالنَكَال، وجمعه: مُثْلات ومَثُلات، وقرئ (المَثْلات) بإِسكان الثاء على التخفيف؛ نحو عَضْد فى عَضُد.

والأَماثل: يقال من هم أَشبه بالأَفاضل وأَقرب إِلى الخير. وأَماثل القوم: خيارهم، وعلى هذا قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} . وقوله تعالى: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} أَى الأَشبه بالفضيلة، وقيل: أَشبه بالحق، وهى تأْنيث الأَمثل، وقيل: أَمثلهم طريقة أَى أَعدلهم وأَشبههم بأَهل الحق، وقيل: أَعلمهم عند نفسه بما يقول. والمَثَالة: الفضل. وقد مَثُل - ككرم -: صار فاضلا.

بصيرة فى مجد

بصيرة فى مجد المَجْد: الكَرَم والشرف. المجيد: الكريم، والمجيد: الشريف، وقد مَجَد ومَجُد - بالضمّ - فهو ماجد ومَجِيد، أَى كريم الفَعَال شريف. وقوله تعالى: {ق والقرآن المجيد} ، أَى الشريف، وُصف به لكثرة ما يتضمّن من المكارم الدنيويّة والأُخرويَّة وعلى هذا وصفه بالكريم. ورجل ماجد: مِفضال كثير الخير. وقال ابن السكِّيت: الشرف والمجد يكونان بالآباءِ، يقال: رجل شريف ماجد: له آباءٌ متقدّمون فى الشرف؛ قال: والحسب والكرم يكونان فى الرجل وإِن لم يكن له آباء لهم شرف. والتمجيد: أَن تنسب الرجل إِلى المجد، قال أُميّة بن أَبى الصَلْت الثقفى: مَجِّدوا الله وهو للمجد أَهل ... ربُّنا فى السماءِ أَمسى كبيرا وقوله تعالى: {ذُو العرش المجيد} لسعة فيضه وكثرة جوده، وقرئ بالجر لجلالته وعِظم قَدْره. وقد أَشار إِليه النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "ما الكرسىّ فى جنب العرش إِلاَّ كحَلْقة ملقاة فى أَرضٍ فلاة"، وعلى هذا قوله: {رَبُّ العرش العظيم} . والتمجيد من العبد لله تعالى بالقول وذكر الصفات العُلَى.

بصيرة فى محص ومحق ومحل

بصيرة فى محص ومحق ومحل مادّة (م ح ص) موضوعة للدلالة على تخليص الشىءِ وتنقيته. مَحّص الذهب بالنار: أَخلصه ممَّا يشوبه. وفى حديث علىّ رضى الله عنه وذكر فتنة: "يُمَحّص الناس فيها كما يمحّص ذهب المعدِن" أَى يُختبرون فيها كما يختبر الذهب فى النار فيعرف جودته من رداءَته. والممحوص والمحيص: السنان المجلوّ. وقد مَحَصه. وفرس ممحوص القوائم: إِذا خلص من الرَهَل. والأَمحص: الذى يقبل اعتذار الصادق والكاذب. وأَمحص: إِذا برأ: والتمحيص: الابتلاء والاختبار. وقوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ الله الذين آمَنُواْ} ، قال ابن عرفة: أَى ليبتليهم، قال: ومعنى التمحيص: النقص، يقال: مَحّص الله عنك الذنوب أَى نَقَصها، فسمّى الله ما أَصاب المسلمين من بلاءٍ تمحيصاً لأَنه يَنقص ذنوبهم، وسمَّاه للكافرين مَحْقا. وقيل: هو من مَحَصْت العَقَب من اللحم: إِذا نقَّيته منه لتفتله وَتَرا، فأَراد أَنه يخلِّصهم من الذنوب. وقال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ / مَا فِي قُلُوبِكُمْ} ، التمحيص هاهنا كالتزكية والتطهير ونحو ذلك من الأَلفاظ. ويقال فى الدعاء: اللهم محِّص عنَّا ذنوبنا، أَى أَزِل ما علِق بنا من الذنوب. وإِذا أَصابهم مرض قالوا: اللهم اجعله تمحيصاً لا تبغيضاً، وأَدباً لا غضباً.

مَحَقه يَمْحَقه مَحْقا: أَبْطله، قال الله تعالى: {وَيَمْحَقَ الكافرين} أَى يستأْصِلهم ويحبط أَعمالهم. وقوله تعالى: {يَمْحَقُ الله الربا} أَى يهلكهُ ويذهب ببركته. ومَحقه الحرّ، أَى أَحرقه. وأَمحقه الله: ذهب به لغة رديئة فى محق. ومحّقه تمحيقاً للمبالغة، ومنه قراءَة عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما: {يُمَحِّقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات} من التمحيق. المِحَال - بالكسر -: الكَيْد، ورَوم الأَمر بالحِيَل، والقدرةُ، والعذاب، والعداوة، والمعاداة؛ وقد محل به - مثلثة الحاء - يَمْحَل مَحْلاً ومحالا: كاده بسعاية إِلى السلطان. وقوله تعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ المحال} أَى الأَخذِ بالعقوبة، وقيل: مِن مَحل به: إِذا أَراده بسوءٍ. وماحله مماحله ومِحالا. قاواه حتى يَتَبِيَّن أَيُّهما أَشدّ.

بصيرة فى محن ومحو ومخر ومد

بصيرة فى محن ومحو ومخر ومد مَحَنه [يمحنه]- كمنعه يمنعه -: ضربه واختبره كامتحنه. والاسم المِحْنة بالكسر. قال تعالى: {أولائك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} أَى شرحها ووسّعها. وامتحن القولَ: نظر فيه ودبَّره. المَحْو: إِزالة الأَثَر. محاه يَمْحوه ويَمحاه: أَذهب أَثَره، فمحا هو، لازم متعدّ. وامحى كادَّعَى، وامتحى قليلة. قال تعالى: {يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ} . مَخْرُ الماءِ للأَرض: استقبالها بالمرور فيها. ومَخَرَت السفينة مَخْرًا ومُخُوراً: شقَّت الماءَ بجُؤجئها، وسفينة ماخرة، والجمع: مواخر وبنات مَخْر: سحاب تنشأ صيفا. أَصل المدّ: جرّ شىءٍ فى طول، واتصالُ شىء بشىء فى استطالة. وقد مددت الشىءَ أَمُدّه مدَّا. والمادّة: الزيادة المتصلة. وقوله تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أَى يُمهلهم ويطيل لهم المهلة. وقوله تعالى: {كَيْفَ مَدَّ الظل} أَى بَسَطهُ. وقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمان مَدّاً} لفظه لفظ أَمر ومعناه الخبر، وتأْويله: أَن الله تعالى جعل جزاءَ ضلالته أَن يمدّه فيها، وإِذا كان الخبر فى لفظ الأَمر كان أَوكد وأَلزم.

ومددت عينى إِلى كذا: نظرته راغباً فيه، قال تعالى: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} . وأَمددت الجيش بمدَدَ: أَعنتهم وقوَّيتهم وكثَّرتهم. وأَكثر ما جاءَ الإِمداد فى المحبوب، والمَدَد فى المكروه؛ نحو قوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً} . وقوله تعالى: {والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} هو من قولهم: مدّه نهر آخر، وليس هو ممَّا ذكرناه من الإِمداد والمدّ المحبوب والمكروه، وإِنما هو من مددت الدواة أَمُدّها. والمِدَاد: النِقْسُ، وما مددت به السراج من زيت ونحوه، قال الأَخطل يذكر امرأَة مأسورة: رأَوا بارقاتٍ بالأَكفّ كأَنها ... مصابيح سُرْج أوقدت بمداد والمُدّ: ربع الصاع: رطل وثلث عند أَهل الحجاز، ورطلان عند أَهل العراق.

بصيرة فى مدن ومر ومرج ومرح

بصيرة فى مدن ومر ومرج ومرح مَدَن: أَقام، فعل ممات. ومنه المَدِينة لكل حصن يبنى / فى أُصْطُمَّة من الأَرض. والجمع: مدائن ومُدُن ومُدْن. قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة} يعنى طَيْبة، صلَّى الله على ساكنيها وسلَّم. وهى اسم لستة عشر بلدا. والنسبة إِلى المدينة النبويّة مَدَنِىّ، وإِلى سائرها مَدِينىّ. وقيل: نسبة الإِنسان إِلى كلِّها مَدَنِىّ، ونسبة الطائر ونحوه مدِينىّ. ومَدْيَن: قرية شُعَيب عليه السلام. المُرور: المضىّ والاجتياز بالشىء. قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً} تنبيه أَنهم إِذا دُفعوا (إِلى التفوُّه باللغو) كنَوْا عنه، وإِذا سمعوا تصامموا عنه، وإِذا شاهدوا أَعرضوا عنه. وقوله: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ} كقوله تعالى: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} . أَمَرّ: صار مُرًّا. ومنه فلان ما يُمِرّ وما يُحِلى.

وقوله تعالى: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ} ، قيل معناه: استمرت، وقولهم: مرّة أَو مرّتين وذلك لجزءٍ من الزمان، قال تعالى: {يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ} . والمَرْج: الخَلْط قال تعالى: {مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} . والمَرَج - بالتحريك - الاختلاط. ومَرِج الخاتَم فى إِصبعى: قَلِقَ. وأَمر مَرِيج: مختلِط. وقوله تعالى: {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} ، أَى لَهِيب مختلِط. والمَرَح بالحاءِ بالمهملة محرّكة: شدّة الفرح والتوسُّع فيه، قال تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً} ، وقرئ (مَرِحاً) بكسر الرَّاءِ.

بصيرة فى مرد ومرض

بصيرة فى مرد ومرض أَصل المَرْد تجريد شىء من قِشره، أَوما يعلو من شَعَره. يقال: مَرَد على الشىء أَى مَرَن عليه واستمر، مُرُودا، ومنه قوله تعالى: {مَرَدُواْ عَلَى النفاق} . وتمريد البناء: تمليسه، قال تعالى: {صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ} ، وتمريد الغصن: تجريده من الورق. وتمرّد: عَتَا وطغى. المَرَض: خروج الطبع من حال الاعتدال؛ ويكون جُسمانيًّا، ويكون نَفْسانيّاً. أَمَّا الجُسمانىّ فمنه قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ} ، وقوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} . وأَمَّا النفسانىّ - وهو عبارة عن الجهل والظلم والسجايا الخبيثة - فكقوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً} ، وقد مرِض يَمْرَض مَرَضاً ومَرْضا، فهو مَرِيض ومارِض. ورَوَى أَبو حاتم عن الأَصمعىّ أَنه قال: قرأْت على أَبى عمرو بن العلاء: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ، فقال لى: (مَرْضٌ) يا غلام. وقال غيره: المرْض - بالاسكان - مرض القلب خاصّة. وجمع المريض: مَرْضَى ومَرَاضَى ومِرَاضٌ. وقيل: أَصل المرض الضعف، وكل مَن ضعف فقد مرِض.

وقوله: {فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} ، أَى فتور عمَّا أُمر به ونُهى عنه. وقيل: مرض أَى ظلمة من قولهم: ليلة مريضة أَى مُظلِمَة. قال أَبو حَيّة النُميرىّ: وليلة مرِضَتْ من كلِّ ناحية ... فما يُحَسّ بها نجمٌ ولا قمرُ وقيل: مَرَضٌ أَى حبّ الزنى. وقوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ، أَى شكٌّ ونفاق. وقيل: ظلمة. وقال ابن دريد: امرأَة مريضة الأَلحاظ، ومريضة النظر، أَى ضعيفة النظر. وقال غيره: عين مريضة: فيها فتور. وشمس مريضة: إِذا لم تكن صافية. وقال ابن الأَعرابىّ: أَصل المرض النقصان، يقال: بَدَن مريض أَى ناقص القوّة، وقلب مريض أَى ناقص الدين. وقيل المرض: إِظلام الطبيعة / واضطرابها، بعد صفائها واعتدالها. وأَرض مريضة: إِذا كثر بها المَرْج والفِتن والقتال، قال أَوس بن حَجَر: ترى الأَرض منّا بالفضاءِ مريضة ... معضِّلة منا بجمعَ عَرَمْرَمِ ورأْى مريض: فيه انحراف عن الصواب. وأَمرضه: وجده مريضا. وأَمْرض. إِذا قارب الإِصابة فى الرأْى. والتمريض فى الأَمر: التضجيع فيه ومَرّض فى كلامه: ضعّفه، وفى الأمر: لم يبالغ فيه. والتمريض: حسن القيام على المريض، كأَن المعنى إزالة المرض عنه وإِبعاده منه.

بصيرة فى مرا ومرى ومزج ومزن

بصيرة فى مرا ومرى ومزج ومزن مَرَأَ أَى طَعِم. ومالك لا تَمْرَأ: أَى لا تطعم. ومرأَنى الطعام يمرؤ مُرُوءًا. ومَرَأَ الطعامُ نفسه، ومَرُؤ، ومرِئ - مثلثة -: صار مَرِيئا. وقال بعضهم: أَمرأَنى الطعام. وقال الفراءُ: هَنَأَنى الطعام ومَرَأَنى إِذا تبعت هنأَنى، فإِذا أَفردوها قالوا: أَمرأَنى. وهو طعام ممرِئ. قال تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} . والمُرُوءَة: كمال المرءِ، كما أَن الرُجُوليّة كمال الرجل، وهى فُعُولة من لفظ المرءِ؛ كالفُتُوَّة من الفَتَى. وحقيقتها: اتِّصاف النفس بصفات الإِنس التى فارق بها [الإِنسانُ] الحيوان والبهيمة والشيطان الرجيم. فإِن للنفس ثلاثة دواع: داعٍ يدعوها إِلى الاتِّصاف بأَخلاق الشيطان: من الكِبْر والحسد والبغى والفساد؛ وداع يدعوها إِلى أَخلاق الحيوان، وهو داعى الشهوة؛ وداع يدعوها إِلى أَخلاق المَلَك: من الإِحسان والنصح والبِرّ والطاعة والعلم. فحقيقة المروءَة: بِغْضة ذينك الداعيين وإِجابة هذا الداعى الثالث. وقلَّة المروة وعدمُها: الاسترسال مع ذينك الداعييَن [وعدم] إِجابة الداعى الثالث؛ كما قال بعض السلف: خلق الله الملائكة عقولا بلا شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقل، وخلق الإِنسان وركَّبهما فيه، فمن غلب عقلُه شهوتَه التحق بالملائكة، ومن غلَبت شهوتُه عقلَه التحق بالبهائم، ولهذا قيل فى حدّ المروءَة: إِنها غلَبة العقل للشهوة.

وقال الفقهاءُ: هى استعمال مَا يجمِّل العبدَ ويزينه، وترك ما يدنِّسه ويشينه. وقيل: المروءَة: استعمال كل خُلُق حَسن، واجتناب كل خُلُق قبيح. وقيل: حقيقتها: تجنُّب الدنايا والرذائل من الأَقوال والأَخلاق والأَعمال؛ فمروءَة اللسان: حلاوته وطِيبه ولينه، وإِجتناءُ الثمار منه بسهولة ويسر؛ ومروءَة الخُلُق: سعته وبسطهُ وتركُه للخبيث والبغيض، ومروءَة المال: الإِصابة بصرفه فى مواقعه المحمودة عقلا وعُرفاً وشرعاً؛ ومروءَة الجاه بذله للمحتاج إِليه؛ ومروءَة الإِحسان: تعجيله وتيسيره وتوفيره وعدم رؤيته حال وقوعه، فهذه مروءَة البذل. وأَمَّا مروءَة الترك، فكترك الخصام والمعاتبة والمطالبة والمماراة، والإِغضاءُ عن عَثَرات الناس، وإِشعارهم أَنك لا تعلم لأَحد منهم عثرة. وهى على ثلاث درجات: الأُولى: مروءَة المرءِ مع نفسه: أَن يحملها سرًّا على ما يُجَمِّل ويَزِين، وترك ما يدنِّس ويَشين؛ ليصير لها مَلكة فى العلانية، فمن اعتاد شيئاً فى سرّه وخلوته صار مَلَكة فى علانيته وجهره، فلا يكشف عورته فى الخلوة، ولا يُخرج الريح بصوت وهو، يقدر على خلافه، ولا يَنْهَم عند أَكله وحده، / وبالجملة فلا يفعل فى الخلوة ما يستحيى من فعله فى الملأ، إِلاَّ مالا يَحْظُره الشرع والعقل ولا يكون إِلاَّ فى الخلوة؛ كالجماع والتخلىِّ ونحوه.

الدرجة الثانية: المروءة مع الخَلْق بأن يستعمل معهم الأَدب. ولْيتَّخذ الناس مِرآة لنفسه، فكل ما كرهه من قول أَو فعل أَو خُلُق فليجتنبه، وما أَحبّه من ذلك فليفعل. الدرجة الثالثة: المروءَة مع الحق سبحانه: من الاستحياءِ من نظره إِليك واطِّلاعه عليك فى كل لحظة ولمحة، وبإِصلاح عيوب نفسك جَهد الإِمكان؛ فإِنه قد اشتراها منك، وليس من المروءَة تسليم المبيع على ما فيه من العيوب وتقاضى الثمن كاملا، ورؤية شهود مِنَّته فى هذا الإِصلاح؛ فإِنه هو المتولِّى له لا أَنت، فيفنيك الحياءُ منه عن رسوم الطبيعة، وفيما ذكرناه فى الفُتوّة ما يعين فى هذه المنزلة إِن شاءَ الله تعالى. والمَرْء: الرجل. يقال: هذا مَرْءٌ صالح، ورأَيت مَرْأً صالحاً، ومررت بمرءٍ صالح؛ وضم الميم فى الأَحوال الثلاثة لغة. وتقول: هذا مُرْء بالضمّ، ورأَيت مَرْأً بالفتح، ومررت بمِرْءٍ بالكسر معرباً من مكانين. وهذه مَرْأَة صالحة، ومَرَة أَيضاً بترك الهمز وتحريك الراء بحركتها، فإِن جئت بأَلِف الوصل كان فيها أَيضاً ثلاث لغات: فتح الراء على كل حال، حكاها الفراءُ؛ وضمُّها على كل حال؛ وإِعرابها على كل حال، قال تعالى: {وَإِنِ امرأة خَافَتْ مِن بَعْلِهَا} ، فإِن صغَّرت أَسقطت أَلف الوصل فقلت: مُرَىْءٌ ومُرَيْئة، وفى الحديث: "إِنى لأَكره أَن أَرى الرجل ثائراً فرائصُ رَقَبته، قائماً على مُرَيْئته يضربها". تصغيره صلَّى الله عليه وسلم المرأَة استضعاف

لها واستصغار، ليُرِى أَن الباطش بمثلها فى ضعفها لئيم. ويقال: المرءُون فى جمع المرء. وتمرَّأَ: تكلَّف المروءَة. المُِرْية - بالكسر وبالضمّ -: التردّد فى الأَمر. وهو أَخصّ من الشك، قال تعالى: {فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ} . وماراه مماراة ومِراءً. وامترى فيه وتمارى: شكَّ، قال تعالى: {بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} ، الشىء وقال: {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً} ، وأَصل ذلك من مَرَى الناقةَ يمريها مَسَح ضرعها، فأَمْرَت هى. وهذا أَحد ما جاءَ على فَعَلته فأَفعل. المِزَاج: ما تَمْزُج به الشىء، أَى تخلِطه، قال تعالى: {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} . المُزْن: السحاب. وقيل: المُزْن من السحاب: ما كان أَبيض. وقيل: المزن: السحاب ذو الماءِ، القطعة مُزْنَةٌ. والتمزُّن التَّسَخِّى، والتفضل والتظرف، وإِظهار أَكثر مما عندك.

بصيرة فى مس ومسح

بصيرة فى مس ومسح المَسّ: جسّ الشىء بيدك. مسِسْته بالكسر أَمَسّه مَسا ومَسِيساً ومِسِّيسَى كخِلِّيفَى. هذه هى اللغة الفصيحة. وحكى أَبو عبيدة: مَسَسْته - بالفتح - أَمُسّهُ - بالضم- وربما قالوا: مَِسْت الشىء يحْذفون منه السين الأُولى ويحوّلون كسرتها إِلى الميم، ومنهم مَن لا يحوّل ويترك الميم على حالها مفتوحة، وهو مثل قوله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} ، الأَصل ظَلِلْتم. وقوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} أَى تجامعوهن. وقرئ (تُمَاسُّوهُنَّ) والمعنى واحد. وقوله تعالى: {الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس} ، أَى من الجنون يقال: به مَسٌّ أَلْسٌّ ولَمَم/. وقد مُسّ فهو ممسوس. وقوله تعالى: {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} ، قال الأَخفش: جُعل للمسّ مَذَاق؛ كما يقال: كيف وجدتَ طعم الضرب. ويقال: وجدت مسّ الحُمَّى، أَى أَوَّل ما نالنى منها. وقول العرب: لا مَسَاسِ، مثال قَطامِ، أَى لا تَمَسّ. وقرأَ أَبو عمرو فى الشواذِّ وأَبو حَيْوة: {أَن تَقُولَ لاَ مَسَاسِ} . وقد يقال: مَسَاسِ فى الأَمر كدَرَاكِ وتَرَاك. وأَمَسَّه الشىء فمسّه. والمماسّة كناية عن المباضعة، قرأَ حمزة والكسائىّ وخَلَف (تُماسُّوهُنَّ) .

وقوله تعالى: {لاَ مِسَاسَ} بكسر الميم أَى لا أَمَسّ ولا أُمسّ؛ وكذلك التماسّ، ومنه قوله تعالى: {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} . المَسْح: إِمرار اليد على الشىء، وإِزالة الأَثَر عنه، وقد يستعمل فى كل واحد منهما. ومسح الأَرضَ: ذَرَعَها. وعبّر عن السير بالمسح؛ كما عبّر عنه بالذَرْع، فقيل: مَسَح البعيرُ المفَازاة وذَرَعها. والمسح فى الشرع: إِمرار الماءِ على العضو، يقال: مَسَحت للصلاة وتمسّحت، قال تعالى: {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} . ومسحته بالسيف كناية عن الضرب؛ كما يقال: مَسَحْت. قال تعالى: {فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوق والأعناق} . فأَما المسيح [فهو] لقب عيسى بن مريم صلوات الله عليه أَو اسمه. قال تعالى: {اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ} . وهذه لفظة فى صفة نبىّ الله وكلمة الله عيسى عليه السلام، وفى صفة عدوّ الله الدجَّال. وفى تفسير هذه اللفظة وإِيضاح معناها أَقوال كثيرة، ووجوه عديدة، تُنيف على خمسين. قال القرطبى: اختلف فى لفظة المسيح على ثلاثة وعشرين قولا، ذكرها لحافظ ابن دِحْية فى كتاب مجمع البحرين، فى فوائد المشرقين والمغربين. وقال متبَجِّحاً: لم أَر من جمعها قبلى ممّن رحل وجال، ولقى الرجال، وذكر ثلاثة وعشرين وجهاً، فأَضفت إِليه ما كان عندى من الوجوه الحسنة، والأَقوال البديعة فتمت، خمسون وجها أَو يزيد.

بيان ذلك أَن العلماءَ اختلفوا فى هذه: هل هى عربيّة أَم لا، فقال بعضهم: سريانيّة وأَصلها مشيحا بالشين المعجمة فعرّبتها العرب، وكذا ينطق بها اليهود، قاله أَبو عبيد وهذا هو القول الأَول. والذين قالوا: إِنها عَربية اختلفوا فى مادّتها، فقيل: من سيح، وقيل: من مسح. ثم اختلف كل فرقة منها: فقال الأَوّلون: مَفعِل، من ساح يسيح، لأَنه يسيح فى أَقطاع الأَرض كافَّة. وأَصلها مَسْيِح - على مَفْعِل - فأُسكنت الياء ونقلت حركتها إِلى السين لاستثقالهم الكسرة على الياء. وهذا [هو] القول الثانى. وقال آخرون: مَسِيح، فاعل من مَسَح إِذا سار فى الأَرض وقطعها، فَعِيل بمعنى فاعل. وهذا [هو] القول الثالث. والفرق بين هذا والذى قبله أَن هذا يختص بقطع الأَرض، وذلك بقطع جميع البلاد. والرابع: عن أَبى الحسن القابسىّ، وقد سأَله أَبو عمرو الدانىّ: كيف يُقرأ المسيح الدجال؟ قال: بفتح الميم وتخفيف السين، مثل المسيح بن مريم؛ لأَن عيسى عليه السلام مُسِح بالبركة، وهذا مُسِحت عينه الخامس: قال أَبو الحسن: ومن الناس من يقرؤه بكسر الميم مثقَّلا، مثل سكّيت، فيفرق بذلك بينهما، وهو وجه. وأَمَّا أَنا فما أَقرؤه إِلاَّ كما أَخبرتك. السادس: عن شيخه ابن بَشْكُوَال قال: سمعت الحافظ أَبا عُمَر بن عبد البَرّ يقول: ومنهم من قال ذلك بالخاءِ المعجمة. والصحيح أَنه لا فرق بينهما.

السابع: المَسِيح لغة: الذى لا عين له ولا حاجب، سمّى الدجال بذلك لأَنه كذلك. الثامن: المسيح / لغة: الكذَّاب، والدجَّال أَكذب الخَلْق؛ لأَنه بَلَغ فى الكذب مبلغا لم يبلغهُ غيره، فقال: أَنا الله. التاسع: المسيح المارد الخبيث، سمّى لذلك. العاشر: قال ابن سيدهْ: مسحت الإِبلُ الأَرض: سارت فيها سيرًا شديدًا. فيحتمل أَنه سمّى الدجَّال به لسرعة سيره. الحادى عشر: مسح فلان عُنُق فلان، أَى ضرب عنقه. سمّى به لأَنه يضرب عنق من لا ينقاد له ويكفر به. الثانى عشر: قال الأَزهرى: المسيح بمعنى الماسح، وهو القتَّال، يقال: مسح القوَم إِذا قتلَهم. وهو قريب من المعنى الذى قبله. الثالث عشر: المسيح: الدرهم الأَطلس بلا نقش، قاله ابن فارس. وهو مناسب للأَعور الدجَّال، إِذْ أَحد شِقَّىْ وجهه ممسوح، وهو أَشوهُ الخَلْق. الرابع عشر: المَسَح - محرّكة -: قصر ونقص فى ذَنَب العُقَاب كأَنه سمّى به لنقصه وقصر مدّته. الخامس عشر: المسيح للدجال مشتقّ من المماسحة، وهى الملايَنة فى القول، والقلوبُ غير صافية. كذا فى المحكم؛ لأَنه يقول خلاف ما يضمر. السادس عشر: المسيح: الذوائب، الواحد مَسِيحة، وهى: ما نزل من الشعر على الظهر؛ كأَنه سمّى به لأَنه يأْتى فى آخر الزمان.

السابع عشر: المَسْح: المَشْط والتزيين، والماسحة: الماشطة؛ كأَنه سمّى به لأَنه يزين ظاهره ويموّهه بالأَكاذيب والزخارف. الثامن عشر: المسيح: الذرَّاع؛ لأَنه يَذْرع الأَرض بسيره فيها. التاسع عشر: المسيح: الضِلِّيل. وهو من الأَضداد، ضد الصدِّيق. سمّى به لضلالته، قاله أَبو الهيثم. العشرون: قال المنذرىّ: المسيح من الأَضداد، مسحه الله أَىْ خلقهُ خلقاً حسناً مباركاً، ومسحهُ أَى خلقه [خلقاً] قبيحاً ملعوناً، فمن الأَول يمكن اشتقاق المَسِيح رُوح الله، ومن الثانى اشتقاق المسيح عدوّ الله، لعنه الله وهذا الحادى والعشرون. والثانى والعشرون: مَسَح الناقة ومسّحها: إِذا هَزَلها وأَدبرها وأَضعفها؛ كأَنه لوحظ فيه أَن منتهى أَمرِه إِلى الهلاك والدبار. الثالث والعشرون: الأَمسح: الذئب الأَزَلّ المسرع؛ كأَنه سمّى به تشبيها له بالذئب فى خبثه وأَذاه وسرعة سيره فى الأَرض. الرابع والعشرون: المَسْح: القول الحسن من الرجل، وهو فى ذلك خادِعك؛ سمّى به لخَدْعه ومكره؛ قاله ابن شُمَيل. يقال: مسحه بالمعروف إِذا قال له قولاً وليس له إِعطاء، فإِذا جاءَ ذهب المسح، وهكذا الدجال، يخدع الناس بقوله ولا إِعطاء.

الخامس والعشرون: المَسِيح: المنديل الأَخشن، والمِنديل: ما يُمسك للنَدْل وهو الوَسَخ؛ سمّى به لاتِّساخه بالكفر ودَرَن باطنه بالشرك، وكدورة قلبة، ولهوانه وذُلَّه. السادس والعشرون: المَسْحاء: الأَرض التى لا نبات فيها. وقال ابن شُميل: الأَرض الجرداءُ الكثيرة الحصى التى لا شجر بها ولا تُنبت، وكذلك المكان الأَمسح؛ كأَنه سُمّى به لعدم خيره وعظم شره، وكثرة أَذاهُ وإِضراره، تشبيهاً بالمكان الخشن فى قلَّة نباته وكثرة أَوعاره. السابع والعشرون: الأَمسح فى اللغة: الأَعور؛ سمّى به لعوره. الثامن والعشرون: التِمْسَح والتِمساح: دابَّة بحرية كثيرة الضرر على سائر دوابّ البحر؛ سمّى به لضرر إِيذائه وشرّه، وبلائه. التاسع والعشرون: مسح سيفه وامتسحه: إِذا استلَّه من غِمده؛ سمّى بذلك لاستلاله سيف الظلم والعدوان، وتشهيره رماح البغى والطغيان. الثلاثون: المسيح والأَمسح: من به عيب فى باطن فخذيه، وهو اصطكاك إِحداهما بالأخرى، سمّى به لأَنه معِيب. ويحتمل أَن يكون به هذا العيب أَيضاً. الحادى والثلاثون: رجل أَمسح، وامرأَة مسحاء، وصبى ممسوح إِذا لزِقت / أَلْيتاه بالعظم. وهو عيب أَيضاً. الثانى والثلاثون: يمكن أَن الدجَّال سمّى بالمسيح من قولهم: جاءَ فلان يتمسّح، أَى لا شىء معه كأَنه يمسح ذراعهُ، وذلك لإِفلاسه عن كل خير، وفِقدانه كل بركة وسعادة.

الثالث والثلاثون: يمكن أَن عيسى صلوات الله وسلامه عليه سمّى بالمسيح من قولهم: جاءَ فلان يُتمسّح به، أَى يتبرّك به لفضله وعبادته؛ كأَنه يتقرّب إِلى الله تعالى بالدنوّ منه. قاله الأَزهرى. الرابع والثلاثون: لأَنه كان لا يمسح ذا عاهة إِلاَّ برئ، ولا ميّتاً إِلاَّ حَيِىَ، فهو بمعنى ماسح. الخامس والثلاثون: قال إِبراهيم النخعى: المسيح الصِدِّيق. وقاله الأَصمعىّ وابن الأَعرابىّ. السادس والثلاثون: عن ابن عباس رضى الله عنهما فى رواية عطاء عنه: سمّى مسيحاً لأَنه كان أَمسح الرجل، لم يكن لرجله أَخمص. والأَخمص: ما لا يمس الأَرض من باطن الرِجل. السابع والثلاثون: قيل: سمى مسيحاً لأَنه خرج من بطن أَمه كأَنه ممسوح الرأْس. الثامن والثلاثون: لأَنه مُسح عند ولادته بالدهن. التاسع والثلاثون: قال الإِمام أَبو إِسحاق الحربىّ فى غريبه الكبير: هو اسمه خصّه الله به، أَو لمسح زكريا إِيَّاه. الأَربعون: سمِّى به لحُسْن وجهه، والمسيح فى اللغة: الجميل. الوجه الحادى والأَربعون: المسيح فى اللغة: عَرق الخيل واشتداده: إذا الجيادُ فِضْن بالمسيح الوجه الثانى والأَربعون: المسيح: السيف، قاله أَبو عُمَر المطرِّز. ووجه التسمية ظاهر.

الثالث والأَربعون: المسيح: المُكارى. الرابع والأَربعون: المَسْح: الجِمَاع، مسح جارِيته: جامعها. الخامس والأَربعون: قال الحافظ أَبو نُعَيم فى دلائل النبوة: سمى ابن مريم مسيحاً لأَن الله تعالى مسح الذنوب عنه. السادس والأَربعون: قال أَبو نُعَيم فى كتابه المذكور: وقيل: سمّى مسيحاً لأَن جبريل مَسَحه بالبركة، وهو قوله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً} . السابع والأَربعون: المسيح: القِسِىّ، الواحد مَسِيحة، سمّى به لقوّته واعتداله وعدالته. الثامن والأَربعون: يمكن أَن يكون من المِسْح وهو الطريق المستقيم لأَنه سالكها. قال الصغانىّ: المُسُوح: الطرق الجادّة، الواحدة مِسْح. وقال قُطْرُب: مسح الشىء: إِذا قال له: بارك الله فيك. التاسع والأَربعون: قال ابن دريد: هو اسم سمَّاه الله به، لا أَحب أَن أَتكلم فيه.

بصيرة فى مسخ ومسد

بصيرة فى مسخ ومسد المَسْخ: تشويهُ الخَلْق والخُلُق وتحويلهما من صورة إِلى صورة. وقد مسخَهم اللهُ مَسْخاً. وما نَسَخه بل مَسَخَه. وفلان مِسْخ من المُسُوخ. وشىء مَسِيخ: لا طعم له. وطعام مَسِيخ، ورجل مسيخ: لا ملاحة فيه، قال: مَسيخ مليخ كلحم الحُوار وفى يده ما سِخِيّة، أى قوس نسبت إِلى قوّاس كان يسمّى ماسخة. وقال بعض الحكماء: المَسْخُ ضربان: مَسْخ خاصّ يحصل فى الفَيْنة، وهو مَسْخ الخَلْق؛ ومَسْخ يحصل فى كل زمان، وهو مسخ الخُلُق، وذلك أَن يصير الإِنسان بخُلُق ذميم من أَخلاق الحيوانات، نحو أَن يصير فى شدّة الحرص كالكلب، أَو الشره كالخنزير، أَو اللُؤم كالقِرْد قال: وعلى هذا فى أَحد الوجهين قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير وَعَبَدَ الطاغوت} ، قال: وقوله {وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ على مَكَانَتِهِمْ} يتضمّن الأَمرين، وإِن كان الأَوّل أَظهر. ومسخْتُ الناقة: أَتعبتها حتى أَزلت خِلقتها عن حالها.

المَسَد: الليف. يقال: حبل من مَسَد، قال تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} . / وقيل: المَسَد: حبل من خوص. ويقال: حبلٌ مَسَدٌ - بالتحريك - أَى مَمْسود، أَى مفتول قد مُسد وأُجيد فتله. فالمَسْد المصدر، والمَسَد الاسم كالقَبَض والنَفَض. ودلَّ قوله تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} أَنَّ السلسلة التى ذكرها الله تعالى فُتلت من الحديد فتلاً محكما، كأَنه جُعل فى جِيدها حبل حديد قد لُوى ليًّا شديدًا. وقال الأَزهرى: قال المفسرون: هى السلسلة التى ذَرْعها سبعون ذراعاً، يعنى أَنَّ امرأَة أَبى لهب تُسلك فى النار فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً. وقال الزجاج: المَسَد فى اللغة: الحبل إِذا كان من ليف المُقْل. وقد يقال لما كان من وَبَر الإِبل من الحبال مَسَد. وقال غيره: وقد يكون المَسَد من جلود الإِبل، قال عُمَارة بن طارق: ومَسَدٍ أُمِرّ من أَيانِق ... لَيْس بأَنياب ولا حقائقِ وهو يحتمل المعنيين والله أَعلم.

بصيرة فى مسك ومشج

بصيرة فى مسك ومشج أَمسك الحبلَ وغيره، وأَمسك بالشىء ومَسَك، وتمسّك، واستمسك وامتسك، قال تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} ، وقال تعالى: {وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ} ، أَى يحفظها. واستمسكت بالشىء: إِذا تحرّيت الإِمساك، قال تعالى: {فاستمسك بالذي أُوحِيَ إِلَيْكَ} ، وقال تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} . وأَمسكت عليه ماله: حبسته. وأَمسكت عنه كذا: منعته، قال تعالى {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} . ومَسَك الثوبَ ومسّكه طيّبهُ بالمِسْك. وثوب مَمسوك ومُمسّك. ورجل مُسَكة: يمسك بالشىء فلا يكاد يتخلَّص منه. ورجل به إِمساك، وهو مُمْسِك ومِسِّيك: بخيل، وقد مَسُك مَسَاكة. وسقاء مَسِيك: لا ينضح. وإِنه لذو مُسْكة وتماسُك: عقل. والْمَسَك: سِوار من عاج. مَشَجه يَمْشُجه: مزجه وخلطه؛ قال تعالى: {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ} ، أَى مختلطة، يشير بها إِلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} .

بصيرة فى مشى ومصر ومضغ ومضى

بصيرة فى مشى ومصر ومضغ ومضى مَشَى يَمْشِى مَشْياً ومَشَّى تمشية: مرّ. ومَشَى أَيضاً: اهتدَى. ومنه قوله تعالى: {نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} ، والاسم المِشْية بالكسر. وقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ} . والتِمشاء - بالكسر -: المَشْى. والمَشَّاء: النمَّام، قال تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ} ، والمُشَاة: الوشاة. والماشية: الإِبل والغنم. ومشت المرأَةُ مَشَاء: كثرت أَولادها فهى ماشية. والمَشُوّ والمَشْو والمَشِىّ والمشاء - كسماء -: الدواء المُسْهِل. واستمشى، وأَمشاه الدواءُ. المِصْر: اسم كل بلد ممصور، أَى محدود. ومصّر الأَمصار تمصيراً: بناها. وقد مَصّر عمر رضى الله عنه سبعة أَمصار، منها المِصْران: البصرة والكوفة. ومُصُور الدار: حدودها، قال عَدِىّ: وجاعل الشمس مصرا لاخفاء به ... بين النهار وبين الليل قد فَصَلا وناقة مَصُور: بطيئة خروج اللبن لا تُحلَب إِلاَّ مَصْراً، وهو الحلب بأَطراف الأَصابع؛ وقد مَصَرتها، وتمصّرتها، وامتصرتها. ومِصْر: علم المدينة أمّ خَنُّور. ولم يذكر فى القرآن مدينة باسمها

سوى مكَّة والمدينة ومصر، قال تعالى: {ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ} وقال حاكياً عن فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} ، وقيل المراد بقوله /: {ادخلوا مِصْرَ} بلد من البلدان. مضَغَ الطعامَ يَمضَغُه ويمضُغه مَضْغاً. والمَضَاغ - كسحاب -: يُمضغ. يقال: ما عندنا مَضَاغ، وما ذقت مَضاغاً، قال: تزجّ من دنياك بالبلاغ ... وباكر المِعدة بالدِباغ بكسرة ليِّنة المَضاغ ... بالملح أَو ما خف من صِباغ والمُضْغة: قطعة لحم، قال الله تعالى: {فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً} وقلب الإِنسان مضغة من جسده. وفى الصحيحين: "إِن فى الجسد مُضْغة إِذا صلحت صلح الجسدُ كلّه، وإِذا فسدت فسد الجسد كلّه؛ أَلاَ وهى القلب". وقد يكون المُضْغة من غير اللحم، يقال: أَطيب مضغة يأْكلها الناس (صَيْحانيّة مُصَلِّبة) . والماضغان: أَصول اللّحْيَين عند منبت الأَضراس. وأَمضغ النخلُ: صار فى وقت طيبه حتَّى يُمضغ. مَضَى يمضى مُضِيا ومُضُوّا: خلا، وفى الأَمر مَضَاء ومُضُوَّا: نفذ. وأَمر مَمْضُوّ عليه. ومَضَيت على بيعى وأَمضيته. والماضيان: السيف والقَدَر.

بصيرة فى مطر ومطا ومع

بصيرة فى مطر ومطا ومع مَطَرَتْهُم السماءُ وأَمْطَرَتْهم. وسماء ماطرة ومُمطرة ومِمْطار: مدرار، ووادٍ ممطورٌ ومَطِير. وفى المَثَل: يحسب كلُّ ممطورٍ أَن مُطِر غيره. وخرجوا يستمطرون الله ويتمطَّرونه. وتمطَّر: تعرّض للمطر. وخرج [متمطِّرا] : متنزِّهاً غِبّ المطر. وأَمطر الله عليهم الحجارة. يقال مَطَر فى الخير، وأَمطر فى العذاب، قال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً} . مَطَا: جَدّ فى السير وأَسرع. وتمطَّى النهارُ وغيره: امتدّ وطال. والاسم المُطَواء. والمَطَا: التمطِّى. وتمطَّى فى مشيته: تبختر. وهو يتثاءَب ويتمطَّى، وبه ثُوَباء ومُطَوَاء. قال تعالى: {ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى} أَى يَمُدّ مَطَاه، أَى ظهره. وتمطَّى الليلُ: طال. مع: اسم بدليل التنوين فى قولك: معاً، ودخولِ الجارّ فى حكاية سيبويه: ذهبت مِن مَعِه، وقراءَة بعضهم: {هاذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ} . وقال محمد بن السَّرِىّ: الذى يدل على أَن مع اسم حركة آخره مع تحرّك ما قبله. وقد يسكّن، وينوَّن، تقول: جاءُوا معا. وقال الليث: مع: حرف من حروف الخفض. وقال الأَزهرىّ: مع: كلمة تضمّ الشىء إِلى الشىء وأَصلها معا. وقال غيره: هى للمصاحبة. وقال الزجَّاج فى قوله

تعالى: {إِنَّا مَعَكُمْ} نُصب (مَعَكُمْ) كما يُنصب الظروف، وكذلك فى قوله تعالى: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا} أَى إِن الله ناصرنا. ونقول: كنَّا معاً، وكنَّا جميعاً، بمعنى واحد. وقيل: إِذا قلت جاءَا جميعاً احتمل أَن فعلهما فى وقت أَو فى وقتين، وإِذا قلت: جاءَا معا فالوقت واحد. وقال أَبو زيد: كلمة (مع) قد تكون بمعنى (عند) ، تقول: جئت مِن مَعِ القوم، أَى من عندهم. قيل: إِن تسكين عينة لغة غَنم وربيعة، لا ضرورة خلافاً لسيبويه، واسميتها حينئذ ثابتة. وقول النحَّاس: إِنها حرف بالإِجماع، مردود. وتستعمل مضافة فتكون ظرفاً، ولها حينئذ ثلاثة معان: أَحدها موضع الاجتماع، ولهذا يخبر بها عن الذوات، نحو: {والله مَعَكُمْ} ؛ والثانى زمانه، نحو: جئتك مع العصر؛ والثالث: مرادفةٌ عند، كما تقدّم، وعليه القراءَة السابقة. وتستعمل مفردًا فتنوّن وتكون حالاً. وقيل: إِنه جاءَت ظرفاً مخبرًا به فى نحو قوله: أَفيقوا بنى حَزْنٍ وأَهواؤنا معا وقيل: هى حال والخبر محذوف.

بصيرة فى معز ومعن

بصيرة فى معز ومعن المَعْز والمَعَز - مثال نَهْر ونَهَر - / من الغنم: خلاف الضأن، قال الله تعالى: {وَمِنَ المعز اثنين} قرأَ أَهل المدينة - على ساكنيها الصلاة والسلام - وأَهل الكوفة وابن فُلَيح، ساكنة العين، والباقون بتحريكها. وهى ذوات الشعر. وهى اسم جنس. وكذلك المَعِيز والأُمْعوز والمِعْزَى. وقيل: القليل من المعز أَمعاز، والكثير مِعْزَى ومِعزاء ومِعاز ومَعيز. وقيل: واحد المَعْز ماعز، كصحب فى جميع صاحب. وقيل: الماعز الذكر، والأُنثى ماعزة، والجمع مواعز. ابن عباد مَعَزْت المِعْزى، وضَأَنْت الضأْن: إِذا عزلت هذه من هذه. وأَمعزوا: كثرت مِعْزاهم. وقال سيبويه: معزى منّون مصروف؛ لأَن الأَلف الملحِقة تجرى مجرى ما هو من نفس الكلمة، يدلّ على ذلك قولهم: مُعَيزٍ وأَرَيْطٍ فى تصغير مِعْزى وأَرْطَى فى قول من نوّن فكسر ما بعد ياء التصغير، كما قالوا: دريهم، ولو كانت للتأْنيث لم يقلبوا الأَلف ياءً، كما لم يقلبوها فى تصغير حُبْلى وأُخرى. وقال الفرّاءُ: المِعزى مؤنئة، وبعضهم يذكِّرها. وحكى أَبو عبيد قال: الذِفرى أَكثر العرب لا ينوّنها، وبعضهم ينونها، قال: والمِعْزى كلّهم ينوّنونها فى النكرة.

مَعَن الماءُ [و]- ككرم -: سالَ وجرَى، فهو مَعِين. قال تعالى: {فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ} ، أَى جارٍ على وجه الأَرض. وقيل: الماءُ المعين من العين، والميم زائدة. وأَمعن فى الأَمر: أَبعد. والماعون والمَعْن: كل ما انتفعت به، وكل ما يستعار من قَدُوم وفأْس وقِدْر ونحوها. والماعون أَيضاً: المعروف. والماعون: الماء. والماعون: المطر. والماعون: ما يُمنع من الطَّالب، والماعون: مالا يمنع من الطالب فهو من الأَضداد.

بصيرة فى مقت ومكك ومكث

بصيرة فى مقت ومكك ومكث مَقَته يَمْقُته مَقْتا. وهو بغض عن أَمر قبيح. ومنه: نكاحُ الرّجل رابَّته نكاح المقت، قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً} . والمقْتِىّ: ولد الرجل الذى يتزوّج امرأَة أَبيه بعده. ومَقُت فلان إِلى الناس مَقَاتة نحو بَغُض بَغاضة، وهو ممقوت وَمقيت. وتمقَّت إِليه ضدّ تحبّب إِليه. وماقته، وتماقتوا. مكَّة - شرّفها الله تعالى - قيل: مشتقَّة: من مَكَّهُ: أَهْلَكه. لأَنَّها تُهلك الجبابرة ومنه قوله: يا مكَّةُ الفاجرَ مُكِّى مَكَّا ... ولا تَمُكى مَذْحِجاً وعَكَّا وقيل: من قولهم: مكَّ الضرعَ وامتكَّه وتمكَّكه ومكمكه: مصّ جميعه. ومنه قولهم: إِياك والملوك، فإِنهم إِن عرفوك مَكُّوك. سمّيت بها لأَنها تمكّ الذنوب. وقيل: سمّيت بها لقلَّة مائها، من مكَّهُ: مصّه، وقيل: إِنما هى مأْخوذة من المُكَاكة، وهى اللبّ والمخّ الَّذى فى وسط العظم، وسمّيت بها لأَنَّها وسط الدّنيا ولبّها وخلاصتها. هكذا قال الخليل بن أَحمد. مَكَث يمكُث - كنصر ينصر - ومَكُث يمكُث - ككرم يكرم - مُكْثا ومَكْثا: لبِث مع انتظار، قال تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} وقرئ بضمّ الكاف.

بصيرة فى مكر ومكن ومكا

بصيرة فى مكر ومكن ومكا المَكْر: صرف الغَيْرِ عمَّا يقصده بنوع من الحيلة. مكرته، وماكره، وتماكروا، وهو ماكِر ومَكَّار. وامرأَة ممكورة الساقين: خَدَلَّجتهما. والمَكْر ضربان: محمود، وهو: ما يُتَحرّى به أَمر جميل، وعلى ذلك قوله تعالى: {وَمَكَرَ الله والله خَيْرُ الماكرين} ، ومذموم وهو ما يُتحرّى به فعل ذميم، نحو قوله تعالى: {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ} . قالوا: من مكر الله تعالى بالعبد إِمهاله وتمكينه / من أَعراض الدنيا؛ ومنه قول علىّ رضى الله عنه: "من وُسّع عليه فى دنياه ولم يعلم أَنه مُكِر به فهو مخدوع عن عقله". المَكَان: الموضع، والجمع: أَمكنة وأَماكن. والمَكَانة: المنزلة عند الملِك. مَكُنَ - ككرم - وتمكَّن، وهو مَكِين، والجمع: مُكَنَاء. ومكَّنته من الشىء وأمكنته منه، فتمكَّن واستمكن. وأَمكننى الأَمرُ معناه: أَمكننى من نفسه. مَكَا مَكْوا ومُكَاء: صَفَرَ بفيه؛ وقيل: شبّك بأَصابعه ونفخ فيها، قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} تنبيه أَن ذلك منهم جارٍ مجرى مُكَاء الطَّير.

بصيرة فى ملأ ومل

بصيرة فى ملأ ومل المَلأَ - بالتحريك -: الجماعة. قال أُبَىٌّ الغَنَوِىّ: وتحدّثوا مَلأَ لتصبح أمُّنا ... عذراءَ لا كهلٌ ولا مولود أَى ثاروا مجتمعين متمالئين على ذلك ليقتلونا أَجمعين، فتصبح أمّنا كأَنها لم تلد. قال الله تعالى: {إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} ، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الملإ مِن بني إِسْرَائِيلَ} . والمَلأُ أَيضاً: الأَشراف، ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "يابن سلمة أولئك الملأ من قريش". والملأُ أَيضاً: الخُلُق، يقال: ما أَحسن مَلأَ بنى فلان أَى عِشرتهم وأَخلاقهم؛ والجمع: أملاء، وفى حديث الحَسَن: أَحسنوا أملاءكم أَيُّها المَرْءُون. وفى حديث الأَعرابىّ الَّذى بال فى المسجد وقاموا ليضربوه قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَحسِنوا أَملاءَكم، دَعُوهُ وأَهريقوا على بوله سَجْلا". والملءَ - بالفتح - مصدر ملأت الإِناءَ. وكوز ملآن، ودلو مَلأَى. والعامّة تقول: كوز مَلاً ماء. والصّواب ملآن ماءً. والمِلء - بالكسر اسم ما يأْخذه الإِناء إِذا امتلأَ، يقال: أَعطنى مِلأَه ومِلأَيه وثلاثة أَملائه. المِلَّة كالدّين، وهى ما شرع الله لعباده على لسان المرسلين ليتوصَّلوا به إِلى جوار الله. والفرق بينها وبين الدّين أَنَّ الملَّة لا تضاف إِلاَّ إِلى النبىّ

صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الَّذى تستند إِليه، نحو: {فاتبعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} . ولا تكاد توجد مضافة إِلى الله تعالى، ولا إِلى آحادِ أُمّة النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا تستعمل إِلاَّ فى جملة الشرائع دون آحادها، لا يقال: ملَّة الله ولا ملَّتى ولا مِلَّة زيد؛ كما يقال دين الله ودينى ودين زيد. ولا يقال للصّلاة: مِلَّة الله، كما يقال دين الله. وأَصلها من أَمللت الكتاب. وتقال اعتباراً بالشىء الذى شرعه [الله] والدّين يقال اعتبارًا بمَن يقيمه؛ إِذ كان معناه الطاعة. والمِلَّة: الطَّريقة المستقيمة [هذا] معناها فى الأَصل. ومَلِلته وملِلت منه واستمللته واستمللت منه، أَى تبرّمت منه. وبى مَلَل ومَلاَل ومَلاَلة. ورجل مَلُول ومَلُولة.

بصيرة فى ملح وملك وملو

بصيرة فى ملح وملك وملو ماء مِلْح، ولا يقال: ماء مالح. وقد مَلُح الماءُ وأَملح، قال تعالى {وهاذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} . ومَلَح القِدْر مَلْحاً: أَلقى فيها مِلحاً بقَدَر. وأَملحها وملَّحها: أَفسدها بالمِلْح. ومَلَح الماشية: أَطعمها الملح. وسمك مملوح ومَلِيح. ثمّ استعير من لفظ المِلْح المَلاَحة، فقيل: وجه مليح ووجوه مِلاَح، وما أَملح وجهه وفعله، وما أميْلحهُ، وله حركات مستملَحة، وفلان يتظرّف [ويتملَّح] قال الطِّرِمّاح: تَمَلَّحُ ما اسطاعت ويغلب دونها ... هوى لك يُنسى مُلْحة المتملِّح ومالحت فلان ممالحة، وهى المؤاكدة. وهو يحفظ حرمة المِلح والممالحة وهى المراضعة. وما بها مِلْح، أَى شحم. ومَلَّحتِ الشَّاةُ وتملَّحت: أَخذت شيئا من الشحم، قال عروة بن الوَرْد: / عشيّة رُحنا سائِرِينَ وزادُنَا ... بَقِيَّة لحم من جَزُور مملح مَلَك الشىء وامتلكه وتملَّكه، وهو مالكه وأَحد مُلاَّكه، وهذا مِلْكه ومِلْك يده، وهذه أَملاكه. وقال قُشَيرىّ: كانت لنا مُلُوك من نخل، أَى أَملاك. ولله المُلْك والمَلَكُوت. وهو المَلِك والمَلِيك، والجمع: أَملاك ومُلُوك ومُلَكاء، وملاَّك (ومُلَّك فى مالك) . والأُملوك: اسم للجمع.

وحقيقة المُلْك هو التصرّف بالأَمر والنهى فى الجمهور، وذلك يختصّ بسياسة الناطقين، ولهذا يقال: ملِك النَّاسِ، ولا يقال: ملِك الأَشياء. وقوله تعالى: {مالك يَوْمِ الدين} فتقديره: الملِك فى يوم الدِّين. وذلك كقوله {لِّمَنِ الملك اليوم} . والمُلْك ضربان: مُلْكُ هو التملُّك والتولِّى، ومُلْك هو القوّة على ذلك توَّلى أَو لم يتولَّ. فمن الأَوّل قوله تعالى: {إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} ، ومن الثانى قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} فجعل النبوّة مخصوصة، والمُلْك فيهم عامًّا؛ فإِنَّ معنى المُلْك هاهنا هو القوَّة الَّتى بها يُتَرَشَّح للسياسة، لا أَنهم جعلهم متولِّين للأَمر، فذلك منافٍ للحكمة؛ كما قيل: لا خير فى كثرة الرّؤساءِ. وقال بعضهم: المَلِك اسم لكلِّ من يملك السياسة، إِمّا فى نفسه - وذلك بالتمكُّن من زِمام قواه وصرفها عن هواها - وإِمّا فى نفسه وفى غيره، سواءٌ تولَّى ذلك أَو لم يتولَّ، على ما تقدّم. واعلم أَن تقاليب هذه المادّة كلَّها مستعملة.. وهى م ك ل، وم ل ك، وك م ل، وك ل م، ول ك م، ول م ك. وقال الإِمام فخر الدّين: تقاليبها الستَّة تفيد القوّة والشدّة، خمسة منها معتبرة، وواحد ضائع. فعدّ كلم وكمل ولكم ومكل وملك، وعدّ لمك ضائعاً، وهذا منه غريب؛ لأَنَّ المادّة الضائعة عنده معتبرة معروفة عند أَهل اللغة، قال صاحب العباب: اللّمْك والِلَّماك: الجِلاء يُكحل به العين. واللَّميك: المكحول

العينين. واليَلْمَك: الشاب الشديد. ويقال: ما تَلَمَّكَ بلَمَاك، أَى ما ذاق، والتلمّك: التلمّظ. ولَمَكَت العجين لَمْكًا: عجنته، قلبُ ملكته مَلْكاً، فإِذًا تراكيبه الستَّة مستعملة مُعطِية معنى القوّة والشدّة. وقرأَ الكسائىّ وعاصم: {مالك يَوْمِ الدين} ، وقرأَ باقى السّبعة (مَلِكِ) كفَرِحٍ. وأَجمع السبعة على جَرّ الكاف والإِضافة: وقرئ (مالك) بنصب الكاف والإِضافة، وروى ذلك عن الأَعمش، وقرئ كذلك بالتنوين وروى ذلك عن اليمانىِّ. وقرئَ (مالِك يومِ) بالرّفع والإِضافة، وروى ذلك عن أَبى هريرة. وقرئ كذلك بالتَّنوين، وروى عن خَلَف. وقرئ، (مالك) بالإِمالة، وروى عن يحيى بن يَعْمَر. وقرئ (مالك) بالإِمالة والتفخيم ونقل عن الكسائىّ. وقرئ (مَلِكى) بإِشباع كسرة الكاف، وروى عن نافع. وقرئ (مَلِك) بنصب الكاف وترك الأَلف، ورُوى عن أَنَس ابن مالك. وقرئ (مَلِك) برفع الكاف وترك الأَلف، وروى عن سعد بن أَبى وقَّاص. وقرئ (مَلْك) كسهل ورُوى عن أَبى عمرو. وأَصله مَلِك ككتف فسكَّن، وهى لغة بكر بن وائل. وقرئ (مَلَكَ) فعلاً ماضياً، وروى عن علىّ بن أَبى طالب. وقرئ (مَلِيك) كسعيد و (مَلاَّك) بتشديد اللام، وهذه القراءَاتِ بعضها يرجع إِلى الملك بضمّ الميم، وبعضها يرجع إِلى المِلك بكسر الميم. وفلان مالك بَيّن المِلْك والمُلْك والمَلْك.

وقراءَة جرّ الكاف تعرب صفة / للجلالة، فإِن كان اللفظ مَلِكاً ككتف، أَو مَلْكاً كسهل مخفَّفًا من مَلِكَ، أَو مليكًا كأَمِينٍ بمعناه. فلا إِشكال بوصف المعرفة بالمعرفة. وإِن كان اللفظ مالكاً أَو مَلاَّكاً أَو مَلِيكًا محوّلين من مالك للمبالغة، فإِن كان للماضى فلا إِشكال أَيضاً؛ لأَنَّ إِضافته مَحْضَة، ويؤيّده قراءَة (مَلَكَ) بصيغة الماضى، قال الزَّمخشرى: وكذا إِذا قُصد به زمان مستمرّ فإِضافته حقيقية. فإِن أَراد بهذا أَنَّه لا نظر إِلى الزمن فصحيح. وقراءَة نصب الكاف على القطع أَى أَمدح. وقيل: أَعنى، وقيل: مُنادى، توطئة لـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} . وقيل فى قراءَة (مالِكَ) بالنَّصب إِنّه حال. ومن رفع فعلى إِضمار مبتدأ، أَى هو وقيل: خبر الرحمن على رفعه. ومن قرأَ (مَلَكَ) فجملة لا محلَّ لها من الإِعراب، ويجوز كونها خبر الرّحمن. ومن قرأَ (مَلِكى) أَشبع كسرة الكاف، وهو شاذُّ. وقيل: مخصوص [بالشعر] . وقال المَهْدَوىّ: لغة. وما ذكر من تخالف معنى مالك ومَلِك هو المشهور وقول الجمهور. وقال قوم: هما بمعنى واحد كفارهٍ وفَرِه، وفاكه وفَكِه؛ وعلى الأَوّل قيل: مالك أَمدح، لأَنه أَوسع وأَجمع، وفيه زيادة حرف يتضمّن عشر حسنات؛ والمالكيّة سبب لإطلاق التَّصرف دون المَلَكيّة. وأَيضاً الملِك ملِك الرَّعيَّة، والمالك مالك العبد وهو أَدْونُ حالا من الرَّعيّة، فيكون

القهر والاستيلاءُ فى المالكيّة أَكثر، ولأَنَّ الرعيّة يمكنهم إِخراج أَنفسهم عن كونهم رعيّة، والمملوك لا يمكنه إِخراج نفسه عن كونه مملوكاً، وأَيضاً المملوك يجب عليه خدمة المالك، بخلاف الرّعية مع المِلك. فلهذه الوجوه كان مالك أَكمل من ملِك، وممّن قال به الأَخفش وأَبو عُبيدة. وقيل: مَلِك أَمدح؛ لأَن كلَّ أَحد من أَهل البلد مالك، والمَلِك لا يكون إِلاَّ واحدًا من أَعظم النَّاس وأَعلاهم، ولإِجماعهم على تعيّن لفظه فى المعوِّذة، ولولا أَنه أَعلى لم يتعيّن، ولأَن سياسة الملوك أَقوى من سياسة المالكين؛ لأَنه لو اجتمع عالَم من المُلاَّك لا يقاومون ملِكًا واحدًا. قالوا: ولأَنه أَقصر، والظَّاهر أَن القارئ يدرك من الزمان ما يدرك فيه الكلمة بتمامها، بخلاف مالك، فإِنَّها أَطول، فيحتمل أَلاَّ يجد من الزَّمان ما يتمّها فيه، فهو أَولى وأَعلى، وروى ذلك عن عمر، واختاره أَبو عبيدة. والمَلَكُوت والْمَلْكُوَة كالرَّهَبُوت والتَرْقُوة: العزّ والسلطان، وذلك مختصّ بملك الله تعالى، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السماوات والأرض} والمملكة - مثلَّثة اللام -: سلطان المَلِك وبقاعه التى يتملَّكها. والمملوك فى التَّعَارف يختصّ بالرّقيق من بين الأَملاك، قال تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً} ، وقد يقال: فلان جواد بمملوكه أَى بما يتملَكه. والمَلَكة يختصّ بمِلك العبيد، يقال: فلان حسن المَلَكة، أَى الصُنْع إِلى مماليكه. وخصّ ملك العبيد فى القرآن فقال تعالى: {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . وفلان مملوك: مُقِرّ بالمُلُوكة والمَلَكة والمِلْك بمعنى.

ومِلاَك الأَمر ومَلاَكه - بالكسر والفتح -: قِوامه، وما يُعتمد عليه منه. وقيل: القلب ملاك البدن. وشهدنا مِلاَكه ومَلاَكه وإِملاكه، أَى تزوُّجه. وأَملكه إِيّاها حتى ملكها يملِكها مَلْكًا ومُلْكًا ومِلْكًا: زوّجه إِيّاها، شُبِّه الزَّوج بالمالك لكونه يملك شيئاً شهِيَّا. وبهذا النَّظر قيل: كاد العروس يكون ملِكًا. وما لأَحد / فى كذا مِلْك ومَلْك غيرى، قال: {مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} قرئ بالوجهين. ومَلَك العجين: أَحكم عَجْنه. والمَلَك - محركة - واحد الملائكة والملائك. قيل: أَصله أَلَك. والمَالكَة والمَأْلَكَة والمَأْلُكُ: الرّسالة؛ ومنه اشتق الملائك لأَنَّهم رُسُل الله. وقيل: "من ل أَك". والمَلأَْكة: الرسالة. وأَلِكْنى إِلى فلان أَى أَبلغه عنىِّ، وأَصله أَلْئِكنى، حذفت الهمزة ونُقلت حركتها على ما قبلها. والمَلأَْك المَلَك، لأَنَّه يبلَّغ عن الله تعالى، وزنه مَفْعل، العينُ محذوفة، أُلزِمت التخفيف إِلاَّ شاذًّا. وقال بعض المحقِّقين: المَلَك من المُلْك. قال: والمتولّى من الملائكة شيئاً من السّياسات يقال له: مَلَك - محرَّكة -، ومن البشر يقال له: مَلِك - بكسر اللام -. فكلُّ مَلَك ملائكة، وليس كُلُّ ملائكة مَلَكاً، بل المَلَك هم المشار إِليهم بقوله تعالى: {فالمدبرات أَمْراً} ، {فالمقسمات} ، {والنازعات} ونحو ذلك، ومنه مَلَك الموت، قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ} .

بصيرة فى ملو ومنع

بصيرة فى ملو ومنع الإِملاءُ: الإِمهال. وأَملاَه الله: أَمهله، قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} ، وقال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمَاً} ، ومنه ملاَوة من الدّهر وملْوة - بتثليث ميمها - أَى بُرْهة ومدّة طويلة. وَمَلاَّك الله حبيبك تمليه: مَتَّعك به وأَعاشك معه مدّة طويلة، قال تعالى: {واهجرني مَلِيّاً} . وقوله تعالى: {سَوَّلَ لَهُمْ وأملى لَهُمْ} أَى أَمهل. ومن قرأ (وَأُمْلِىَ لَهُمْ) فمن قولهم: أَمليت الكتاب أُملية إِملاءً، وأَصله أَمللت فقُلب تخفيفاً، كما قال: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالعدل} . المنع: خلاف الإِعطاء، يقال منه: مَنَع يَمْنَع مَنْعا، فهو مانع وَمَنَّاع ومَنُوع قال تعالى: {مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} ، وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} . والمانع من صفات الله تعالى له معنيان: أَحدهما: ما روى فى الدعاءِ الثابت عن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "الَّلهمّ لا مانِعَ لما أَعطيت، ولا مُعطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدُّ".

وكأَنه يُعطى مَن استحق العطاءَ، ويمنع من استحق المنع، ويعطى من يشاءُ ويمنع من يشاء. وهو العادل فى جميع ذلك. المعنى الثانى: أَنه يمنع أَهل دينه، أَى يَحُوطهم وينصرهم، ومن هذا قولهم فلان فى عزٍّ ومَنَعة - بالتحريك وقد يسكن النُّون - والمَنَعة: جمع مانع كعامل وعَمَلة، أَى هو فى عزّ ومعه من يمنعه من عشيرته. وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} أَى ما حماك، وقيل: ما الَّذى صدّك وحملك على ترك ذلك.

بصيرة فى من

بصيرة فى منّ مَنَّ عليه مَنًّا ومِنَّة ومِنِّينَى: امتنَ. قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ} ، فالمِنَّة منهم بالقول، ومنَّة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إِيَّاهم، وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين} أَى أَثقلهم بالنعمة الثقيلة. وذلك بالحقيقة لا يكون إِلا لله تعالى. وقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً} المنُّ إِشارة إِلى الإِطلاق بغير عِوَض. وقوله: {فامنن أَوْ أَمْسِكْ} ، أَى أَنفق. وقوله تعالى: {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} فقد قيل: هو المِنَّة بالقول، وذلك أَن يَمْتَنَّ به ويَستكثره، وقيل: معناه: لا تعط مبتغياً أَكثر منه. ومنه قوله تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أَى غير مقطوع، من قولهم مَنَّ الحبل: قطعه، وقيل: غير محسوب ولا معتدّ به / من قولك: مَنَّ عليه إِذا امَتنَّ، وقيل: غير منقوص، ومنه قيل للمَنِيَّة: المَنُون، لأَنَّها تَنقص العدد، وتقطع المَدَد. وقيل: إِن المنَّة تكون بالقول، وهى من هذا لأَنها تقطع النعمة، وتقتضى قطع الشكر

وأَمَّا المَنُّ فى قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} فهو طَلٌّ ينزل من السّماء حُلْو، ينزل على أَصناف من الشجر؛ كالصفصاف ونحوه. وقيل: المنٌّ والسّلوى كلاهما إِشارة إِلى ما أَنعم الله به عليهم، وهما بالذات شىء واحد، ولكن سمَّاه مَنًّا من حيث إِنه امَتنَّ به عليهم، وسمَّاه سَلْوَى من حيث إِنَّه كان لهم به التسلىّ. والمَنِين: الرجل الضعيف، والرجل القوىّ من الأَضداد. والمَنَّان من أَسماءِ الله تعالى، ومعناه: المعطِى ابتداء. والمُمِنَّانِ: المَلَوانِ.

بصيرة فى من

بصيرة فى من وهى على خمسة أَوجه: 1- شرطيَّة، نحو {مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ} . 2- واستفهاميَّة نحو {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} ، {فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} . وإِذا قيل: مَن يفعلُ هذا إِلاَّ زيد؟ فهى مَن الاستفهاميّة، أُشْرِبَتْ معنى النَّفى. ومنه: {وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله} . ولا يتقيد جواز ذلك بأَن تقدّمها الواو، خلافاً لبعضهم بدليل قوله تعالى: {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} . 3- وموصولة، نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض} أَى الذى فى السَّماوات والذى فى الأَرض. 4- وموصوفة نكرة، ولهذا دخلت عليها رُبّ فى نحو قوله: رُبّ مَن أَنضجتُ غيظاً قلبَه ... قد تَمنَّى لِىَ موتا لم يُطَع ووُصف بالنكرة فى نحو قول كعب بن مالك [وقيل] لحسَّان: فكَفَى بنا فضلا على مَنْ غيرِنا ... حُبُّ النبىّ محمدٍ إِيّانا

فى رواية الجرّ. وقوله: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا} جزم جماعة أَنَّها موصوفة، وآخرون بأَنها موصولة. 5- وزائدة كقول عنترة: ياشاة مَن قَنصٍ لمن حلَّت له ... حَرُمت علىّ وليتها لم تحرم المراد بالشَّاة المرأَة.

بصيرة فى من

بصيرة فى من وهى تأْتى على خمسة عشر وجهاً: لابتداء الغاية، وهو الغالب؛ حتى قيل: إِن سائر معانيها راجعة إِليه. ويقع لذلك فى غير الزَّمان، نحو: {مِّنَ المسجد الحرام} ، {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} قيل فى الزمان أَيضاً نحو قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} ، وفى الحديث: "فمُطِرنا من الجُمُعة إِلى الجمعة". الثَّانى: التبعيض نحو: {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله} وعلامتها إِمكان سدّ (بعضٍ) مسدّها؛ كقراءَة ابن مسعود {حتى تُنْفِقُواْ بَعْضَ مَا تُحِبُّونَ} . الثالث، بيان الجنس. وكثيرًا ما تقع بعد ما ومهما. وهما بها أَولى؛ لإِفراط إِبهامهما نحو: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} ، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} ، {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ} . ومن وقوعها بعد غيرهما {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} ، {وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} ، ونحو: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} . وأَنكر مجئَ (مِنْ) لبيان الجنس قوم، وقالوا: هى فى {مِنْ ذَهَبٍ} و {مِن

ْ سُنْدُس} للتبعيض، وفى {مِنَ الأوثان} للإِبتداءِ، والمعنى: فاجتنبوا من الأَوثان الرّجس، وهو عبادتها. وهذا تكلّف. وقوله: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً} للتبيين، لا للتبعيض كما زعم بعض الزنادقة الطاعنين فى بعض الصّحابة. والمعنى: الذين آمنوا هم هؤلاءِ. ومثل قوله تعالى: {الذين استجابوا للَّهِ والرسول مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ القرح لِلَّذِينَ / أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ واتقوا أَجْرٌ عَظِيمٌ} ، وكلُّهم محسن مُتَّق، {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، والمقول فيهم ذلك كلّهم كفَّار. الرابع: التعليل، نحو: {مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ} . وذلك من نبإٍ جاءَنى الخامس: البدل: {أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة} ، {لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ} لأَن الملائكة لا تكون من الإِنْسِ، {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ الله شَيْئاً} أَى بدل طاعة الله، أَو بَدَل رحمة الله؛ "ولا ينفع ذا الجَدّ مِنْكَ الجَدّ".

السّادس: مرادفة عن: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله} {ياويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هاذا} . السابع: مرادفة الباء: {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} . الثامن: مرادفة فى، نحو: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} ، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة} . التاسع: موافقة عِنْد: {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ الله شَيْئاً} قاله أَبو عبيدة. وقد قدّمنا أَنها للبدل. العاشر: مرادفة على، نحو: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم} ، وقيل على التضمين، أَى معناه منهم بالنصر. الحادى عشر: الفصل، وهى الدّاخلة على ثانى المتضادّين: {والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح} ، {حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب} . الثانى عشر: الغايةِ، تقول: رأَيته من ذلك الموضع؛ فجعلته غاية لرؤْيتك أَى محلاَّ للابتداءِ والانتهاءِ. الثالث عشر: التنصيص على العموم، وهى الزائدة (فى) نحو: ما جاءَنى من رجل. الرابع عشر: توكيد العموم، وهى الزائدة [فى] نحو: ما جاءَنى من أَحد. وشرط زيادتها فى النَّوعين ثلاثة أُمور.

أَحدها: تقدّم نفى أَو نهى، أَو استفهام بهل، أَو شرط، نحو: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا} ، {مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمان مِن تَفَاوُتٍ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ} ، وقول الشاعر: ومهما يكن عند امرئٍ من خليقة ... وإِن خالها تخفى على النَّاس تُعْلَم الثانى: تنكير مجرورها. الثالث: كونه فاعلا أَو مفعولاً أَو مبتدأ. وقيل فى قوله تعالى: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} : إِنَّ (من) زائدة. وقال أَبو البقاءِ فى قوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} : إِن (مِن) زائدة و (شىءٍ) فى موضع المصدر أَى تفريطاً. وَعدَّ أَيضاً من ذلك قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} فقال: يجوز كون (آية) حالاً و (من) زائدة، واستدلَّ بنحو: {وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ المرسلين} ، {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} ، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} ، {وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} . وخرّج الكسائى على زيادتها قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِن مِن أَشدّ الناس عذاباً يوم القيامة عند الله المصوّرون"، وكذا ابن جِنَّى قراءَة بعضهم: {لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} بتشديد

(لَمَّا) ، والفارسىُّ فى قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} . ويجوِّز كون من ومن الأَخيرتين زائدة، وقال به بعضهم فى: {وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ المرسلين} . وأَمّا قوله تعالى: {كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} فمِن الأَولى للابتداءِ، والثانية للتعليل. وقوله: {مِمَّا تُنْبِتُ الأرض مِن بَقْلِهَا} ، مِن الأُولى للابتداءِ، والثانية إِمّا كذلك فالمجرور بدل بعض وأَعيد الجار، وإِمّا لبيان الجنس، فالظرف حال، والمنبَت محذوف، أَى مما تُنبته كائناً / من هذا الجنس. وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله} ، (مِن الأُولى مثلها فى زيد أَفضل من عمرو، و (من) الثانية للابتداءِ. وقوله: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النسآء} من للابتداءِ، والظرف صفة لشهوة أَى شهوة مبتدأَة من دونهنّ. وقوله: {مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب} الآية فيها (مِنْ) ثلاث مرات: الأُولى للبيان؛ لأَن الكافرين نوعان كتابيّون ومشركون، والثانية زائدة، والثالثة لابتداءِ الغاية. وقوله: {لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} ، {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ} الأُولى فيهما للابتداءِ، والثانية للتبيين. وقوله تعالى: {نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي الأيمن فِي البقعة المباركة مِنَ الشجرة} ، من فيهما للابتداءِ، ومجرور الثانية بدل من مجرور الأُولى بدل اشتمال؛ لأَنَّ الشجرة كانت ثابتة بالشاطىءِ.

بصيرة فى موت

بصيرة فى موت الموت أَنواع، كما أَنَّ الحياة أَنواع. فمن الموت ما هو بإِزاءِ القوّة النَّامية الموجودة فى الإِنسان والحيوان والنبات، نحو قوله تعالى: {لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً} ، لم يقل: مَيْتَة لأَنَّ المَيْتَ يستوى فيه المذكَّر والمؤَنث. وموتٌ هو زوال القوّة الحسّاسة، قال تعالى: {وَيَقُولُ الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} . وموت هو زوال القوّة العاقلة، وهى الجهالة، قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} ، وإِيّاه قَصَد بقوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} . وموت بالتشّبه، وهو كل أَمر جليل يكدّر العيش وينقص الحياة. وإيّاه قَصَدَ بقوله: {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} . ومنها النوم؛ كما يقال: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل، وعلى هذا النحو سمّاه الله توفِّيا، قال الله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} ، وقد مات يموت ويَمَات أَيضاً. وأَكثر من يتكلَّم بها طيِّىءٌ. وقد تكلَّم بها سائر العرب، قال: بُنَيَّتى يا خَيْرة البنات ... عيشى ولا تأْمَنُ أَن تماتى

وقال يونس: يميت لغة ثالثة فيها، فهو ميّت ومَيْتَ، وقوم مَوْتَى وأَموات وميّتون. وأَصل ميّت مَيْوِت على فيعِل، ثم أدغم، ثم يخفَّف فيقال: مَيْت. قال عَدِىُّ بن الرَّعْلاَءُ: ليس من مات فاستراح بِمَيْتٍ ... إِنَّمَا المَيْت مَيِّت الأَحياءِ إِنما المَيْتُ مَن يَعيش ذليلاً ... كاسفاً بالُه قليل الرَّجَاءِ قال الفراءُ: يقال لمن لم يمت: إِنه مائت عن قليل وميّت، ولا يقال لمن مات: هذا مائت. والموت: السّكون، ماتت الرّيح أَى سكنت. ومات الرّجل وهَوّم أَى نام. ومات الثوبُ أَى بَلى. والمَوْتة: الواحدة من الموت. ومَوْت مائت كلَيلٍ لائلِ، والمُواتِ - بالضم -: الموت. والمَوَات - بالفتح -: ما لا روح فيه. والمَوَات أَيضاً: الأَرض لا مالك لها من بنى آدم، ولا يَنتفِع بها أَحد. والمَوَتان: خلاف الحيوان. وفى المثل: اشتر المَوَتَان، ولا تشتر الحَيَوَان. أَى اشتر الأَرضين والدُّور ولا تشتر الرّقيق والدّواب. والمَوَتَان من الأَرض: الَّتى لم تُحْىَ بعد. وفى الحديث: "مَوَتان الأَرض لله ولرسوله، فمن أَحيا منها شيئاً فهو له". وقوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ} قيل: نفى الموت عنهم والمراد نفيُه عن أَرواحهم، تنبيهاً على ما هم فيه من النعيم. وقيل: نفى عنهم / الحزن المذكور فى قوله: {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ} . وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت}

المراد زوال القوّة الحيوانيّة، ومفارقة الروّح البدَن. وقوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} قيل معناه: ستموت تَنْبيهاً على أَنه لابدّ لكلّ أَحد من الموت، وقيل: بل إِشارة إِلى ما يعترى الإِنسان دائماً من التحَلّل والنقص؛ فإِن البشر ما دام فى الدّنيا يموت جزءا فجزءا. والمَيْتة من الحيوان: ما مات بغير تذكية. والمستميت: المتعرّض للموت الذى لا يُبالى فى الحرب من الموت. والمستميت للأَمر: المسترسل. والمُوتة - بالضمّ - شِبْه الجنون والصَّرْع، كأَنه من موت العلم والعقل. ومنه رجل مَوْتان القلب وامرأَة مَوْتانة. وأَماته الله ومَوّته للمبالغة. وأَمات فلان: إِذا مات له ابن أَو بنون، وكذلك الناقة والمرأَة، فهى مُمِيت ومميتة، وجمعها: مَمَاويت. وأَمات الشىء طبخاً: بالغ فى نضجه، وموّتت الإِبلُ: ماتت، فهو لازم ومتعدّ. قال مجنون عامر: فعُروةُ مات موتاً مستريحاً ... فها أَنا ذا أُموَّتُ كُلَّ يوم والمتماوت من صفة الناسك.

بصيرة فى موج وميد ومير وميز

بصيرة فى موج وميد ومير وميز ماج البحرُ مَوْجًا: اضطَرَب. وتموّج تموُّجًا. والمَوْج: ما يرتفع من غوارب الماءِ، قال تعالى: {يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} . ماد يميد مَيْدَا وَميَدَانًا: تحرّك بشدّة، ومنه قوله تعالى: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أَى تضطرب بكم وتدور بكم وتحرّككم حركة شديدة. يقال: مادت الأَرض إِذا تمايلت. وفى الحديث: "المائد فى البحر الذى يصيبه القىءُ له أَجر شهيد، وللغرقِ أَجر شهيدين"، المائد الَّذِى يصيبه الدُّوار. والمَيْدَى كحَيْرَى: الجماعة منهم. وماد الرّجل: تبختر. والمائدة: خِوَان عليه طعام. فإِذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة، وإِنما هو خوان، قال تعالى: {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} قال أَبو عبيدة: مائدة فاعلة بمعنى مفعولة نحو عيشة راضية بمعنى مرضيّة. وقال أَبو إِسحاق: الأَصل عندى فى المائدة أَنها بمعنى فاعلة لا بمعنى مفعولة، لكن على معناها فى الفاعلية كأَنها تميد يما عليها أَى تتحرك. والمَيدة لغة فيها، أَنشد الجَرْمِىّ: ومَيْدَةٍ كثيرة الأَلوان ... تُصنع للإِخوان والجيران ومادَهُم أَى زادهم، قيل: ومنه المائدة لأَنها يُزاد عليها.

المِيرة - بالكسر - طعام يمتاره الإِنسان، وقد مار أَهلَه يمِيرهم، قال تعالى: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} . المَيْز مَصدر قولك مِزْت الشىء أَمِيزه مَيْزًا: عزلته وفَرَزته، قال الله تعالى: {لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب} ابن الأَعرابى: ماز الرجلُ: انتقل من مكان إِلى مكان. وأَنشد الليث لحسّان بن ثابت رضى الله عنه: من جوهر مِيزَ فى مَعادنه ... متفضل باللجين والذهب وأَماز الشىءَ مازهُ، ومنه قراءَة ابن مسعود رضى الله عنه: {لِيُمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب} بضم الأُولى وسكون الثَّانية. وميَّز الشىء من الشىء: مثلُ مازه منه وأَمازه. وانماز الشىءُ: انفعل من مِزْته. وامتاز أَى انفصل، ومنه قوله تعالى: {وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} قال ابن عرفة: أَى كونوا فرقة فرقة إِلى النار. وتميّز: تقطع، ومنه قوله تعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} أَى تتقطَّع من غَيْظها. واستماز: تنحى. والتمييز فى العرف: القوّة التى فى الدّماغ، وبها يُستنبط المعانى.

بصيرة فى ميل وماء

بصيرة فى ميل وماء ومال إِليه مَيْلاً ومَمَالاً ومَمِيلاً وتَمْيالاً ومَيَلاناً ومَيْلُولة: عدل، فهو مائل والجمع مُيَّل، ومَالَةٌ. وأَمالَه إِليه ومَيّله فاستمال. ومالت الشمسُ مُيُولاً: ضيَّفتْ للغروب، أَو زالت عن كَبِد السّماء. وقيل: المَيْل: العدول عن الوسط إِلى أَحد الجانبين؛ ويستعمل فى الجَوْر كثيراً. وإِذا استُعمل فى الأَجسام فإِنه يقال فيما كان خِلْقة أَو بناءً: مَيَل بالتحريك، وفيما سواه: مَيْل بالسّكون. ومال إِليه: عاونه، قال تعالى: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل} ومِلت عليه: تحاملت عليه، قال تعالى: {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً} . والمال: سمّى لكونه مائلاً أَبداً وزائلاً، ولذلك سُمّى عَرَضاً، ويقال: المال قحبة، يوما فى بيت عطَّار، ويوما فى بيت بَيْطار. الماءُ والماهُ والماهة معروف. وهمزة الماء منقلبة عن هاء. وسُمع: اسقنى (مَا) بالقصر، والجمع: أَمواه ومياه. وماهت الرّكيّةُ تَمَاه وتَمُوه وتمِيه مَوْها ومَيْها ومُوُوها ومَاهة ومَيْهة، فهى مَيِّهة وماهة: كثر ماؤها. وهى أَمْيَه ممَّا كانت وأَمْوَه. وحفر فأَماه وأَمْوه: بلغ الماءَ. ومَوّه الموضعُ تمويهاً: صار ذا ماءَ. وأَماهوا رَكِيَّتهم: أَنبطوا ماءَها. وما أَحسن مُوهة وجههِ - بالضم - أَى ماءَه ورونقه. ورجل ماهُ الفؤاد وما هى الفؤاد: جبان. والمِئَة: الأَصل الثالث من أَصول الأَعداد، فإِن أَصولها أَربعة: آحاد وعشرات ومئات وأُلوف. آخر الميم.

الباب السادس والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف النون

الباب السادس والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف النون

بصيرة فى النون

بصيرة فى النون وقد ورد على وجوه: 1- حرف من حروف التهجّى ذَوْ لَقِىٌّ، مخرجه قرب مخرج اللام. يذكَّر ويؤنث، والنَسبة نونىّ؛ وقد نوّنت نوناً حسناً وحسنة، جمعه: أَنوان ونُونات. 2- اسٌم لِعدَدَ الخَمْسِين في حِساب الجُمَّل. 3- النون الأَصلىّ؛ مثل نون: نجم، ومنع، وعجن. 4- النون المكرّرة في باب التفعيل؛ نحو: فَنَّن. 5- النون الكافية: الَّتى تكون كناية عن كلمة تامّة نحو: {ن والقلم} 6- نون التنوين، نحو: رَبّ ونبىّ. وهذا لا يكون له في الخطِّ صورة إلاَّ في كَأَيِّنْ. 7- نون التثنية {مَّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين} . 8- نون جمع السّلامة، ويكون مفتوحاً أَبداً: {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} {أَيُّها المؤمنُؤنَ} ويكون في جمع التكسير مُعْرَباً نحو إخْوان وجيران. 9- نون الإِعراب الَّذى يكون دليل الرفع فى الأَمثلة الخمسة:

{فَآخَرَانِ يَقُومَانِ} ، {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله/ أَفْوَاجاً} ، {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} . 10- نون المطاوعة فى الفعل، كقوله تعالى: {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم} ، {فانفجرت} ، {فانفلق} . 11- نون الاستقبال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} . 12- نون الضمير: {إِلاَّ أَن يَعْفُونَ} ، {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} . 13- نون التوكيد: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ} {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} . 14- النون الزَّائدة وتكون في الأَوّل نحو: نعلمهم، وفى الثانى نحو: عَنْسَل ومَنْدل، وفى الثالث نحو: جَحَنفل وغَضَنْفر، وفى الرابع نحو: رَعْشن وضَيْفَن، وفى الخامس نحو: فَرَس فَلَتان وفى السادس نحو: زَعْفران وترجمان، وفى السابع نحو: قَرَعْبَلاَنة. 15- النون المبدَلَة من اللام: هَتَلت السّماء وهَتَنت، والمبدَلة من. الهمزة، نحو: صَنْعانّى فى النسبة إلى صَنْعاءَ.

16- النون اللُّغوىّ. قال الخليل: النون: الحرف المعروف، والدّواة، وجمع نونة الذَقَن، وشَفرةُ السّيف، والحوتُ؛ وفى الحديث: "دَسِّمُوا نُونَتَه" يعنى نونة الذَقَن، وفى الدّواة مثل: {ن والقلم} ، وقال فى السّيف. سأَجعلُه مكانَ النُّون مِنِّى ... وما أُعطيت من عزّ الجَلال وبمعنى الحوت قال الله تعالى: {وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} . قال الشّاعر: عَيْنان عَيْنان ما فاضت دُموعهما ... لِكُلِّ عَيْنٍ من العَيْنَينِ نُونانِ نُونانِ نُونانِ لم يكتبْهُما قَلَمٌ ... فى كلّ نون من النّونَيْن نُونانِ وجمع نُون الحوت: نِينانٌ وأَنْوانٌ. ولو قيل: نُنْ فى الشعرجاز.

بصيرة فى نبت

بصيرة فى نبت النَّبْت، والنَّبَات بمعنى. ونَبَت البقلُ. والمَنْبِت: موضع النبات. والنَّوابِت من الأَحداث: الأَغمار. وأَنْبَتَت الأَرضُ النباتَ. وأَنْبَتَ البقلُ، أَى نَبَت ويُروى قول زُهَير بالوجهين: إِذا السَّنَةُ الغَرَّاُءُ بالناس أَجْحَفت ... ونال كِرامَ المالِ فى الجَحْرة الأكْلُ رأَيتَ ذَوِى الحاجات فوق بيوتهم ... قطِيناً لهم حَتَّى إِذا أَنْبَتَ البقلُ هُنالِك إِنْ يُستخْبَلُوا المالَ يُخْبِلوا ... وإن يُسأْلُوا يُعطوا وإِن يَيْسِروا يُغْلوا وأَنكر الأَصمعّى أَنبت البقلُ وقال: لا أَعرف إلاَّ نبت البقلُ، ولا يقول عربىّ: أَنْبَت فى معنى نَبَت. وأَنْبَتَه اللهُ فهو مَنْبُوت على غير قياس. وأَنْبَتَ الغُلامُ: راهَقَ واستبان شَعَر عانَته. والنبات عامُّ فى كلّ ما يَنْبُت، لكن صار فى التعارف اسماً لما لا ساق له، بل [اختصّ] بما يأكله الحيوانات، وعلى هذا قوله تعالى: {لِّنُخْرِجَ

بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً} . ومتى اعتُبرت الحقائق فإِنه يُستعمل فى كلّ نامٍ، نباتاً كان أَو حيواناً أَو إِنساناً، والإِنبات يستعمل فى كلّ ذلك قال تعالى: {والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً} قال النحويّون: (نباتاً) موضوع موضع الإِنبات وهو مصدر، وقيل: (نباتاً) حال لا مصدر، ونبّه بذلك أَنّ الإِنسان مِن وجهٍ نباتٌ من حيث إِنّ بدأَه ونشأَه من التّراب. (ونمّوه فيه) ، وعلى هذا نبّه بقوله: {والله خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ} . ونَبَّت الشجرَ تنبيتاً: غَرَسَه، والصّبىَّ: ربّاه. والتَنْبِيت: اسمٌ لما يَنْبت من دِقّ الشجر وكِباره، قال رؤبة: مَرْتٌ يُناصى خَرْقَها مَرُوتُ ... صَحْراءُ لم يَنْبُت بها تَنْبيتُ:

بصيرة فى نبذ ونبر

بصيرة فى نبذ ونبر نَبَذْتُ الشْئَ أَنبِذُه بالكسر نَبْذاً: إِذا أَلقيتَه من يدك، وقوله تعالى: {فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ} ، أَى [أَلْقِ] إِليهم عهدهم الَّذى عاهدتهم عليه. وقال الأَزهرىّ: معناه: إِذا هادنت قوماً فعلمتَ منهم النقض للعهد فلا تُوقع بهم سابقا. إلى النقض، حتّى تُلقى إِليهم أَنك قد نقضت العهد / والموادعة، فيكونوا [معك] فى علم النقض مُسْتوين، ثم أَوْقع بهم. وقوله تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ} أَى رَمَوه ورفضوا العمل به. وانْتَبَذَ فلان أَى ذهب ناحيةً، واعتزل اعتزال مَن يقلّ مبالاته بنفسه فيما بين الناس، قال تعالى: {إِذِ انتبذت مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً} أَى اعتزلت وتنحَّت. والنَّبَزُ بالتحريكِ: اللَّقَب جمعه: الأَنباز. والنَبْز بالتسكين: المصدر. نَبَزه يَنْبِزه نَبْزاً: لَقّبه. ورجل نُبَزَة - كَهُمَزَة -: يلقِّب الناس كثيراً. وهو نَبز - ككتف - أَى لئيمٌ فى حَسَبه وخُلُقِه. فلان يُنَبِّز الصّبيانَ تنبيزاً: شدّد للمبالغة. والتَّنابز: التعاير وقوله تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب} أَى لا تداعَوا. وقال الزجّاج: أَى لا يقول المسلم لمن كان نصرانياً أَو يهوديّاً فأَسلم لَقَبا يُعَيّره [فيه] أَنه كان نصرانيّا أَو يهوديّاً. قال: وقد يحتمل أَن يكون في كلّ لقب يكرهه الإِنسان.

بصيرة فى نبط

بصيرة فى نبط نَبَط الماءُ يَنْبِط نَبْطاً ونُبُوطاً: نَبَعَ، قال ابن دريد: نَبَطْتُ البئرَ: إِذا استخرجتَ ماءَها. والنَبَطَ - محركة - أَوّل ما يظهر من ماءِ البئر إِذا حفرتَها. وقال ابن عبّاس رضى الله عنهما: نحن معاشرَ قريش حىٌّ من النَبَط من أَهل كُوثَى. وسُمّوا نَبَطاً لأَنهم يَسْتَنِبِطُون المياه. وأَنْبَطَ الرّجلُ: انتهى إلى النَبَط أَى الماءَ. وأَنبط: استخرج النَبَط. وكلّ شيءٍ أَظهرْتَه بعد خفَائه فقد أَنْبَطْتَه واستنبطته. وقوله تعالى: {لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أَى يستخرجونه. واستنبط الفقيه: إِذا استنبط الفقه الباطن بفهمه واجتهاده.

بصيرة فى نبع

بصيرة فى نبع نَبَع الماءُ يَنْبُع ويَنْبِع نُبُوعا ونَبْعا: إِذا خرج من العَين. ومنه قيل العين: يَنْبُوع، قال الله تعالى: {حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً} وقال ابن دُرِيد: اليَنْبوع: الجَدْول الكثير الماءِ. ومَنابع الماءِ: مَخارجه. وانْبَاع العَرَقُ: سال. وكلّ راشح مُنْبَاعٌ. ومَثَلٌ من أَمثالهم: مُخْرَنْبِقٌ لِيَنْباع، أَى ساكت لينبعث. وانباع الرجل: وثب بعد سكون.

بصيرة فى نبأ

بصيرة فى نبأ النَبَأَ - مُحركةً -: الخَبَر، ونَبَّأَ وأَنْبَأَ: أَخبر، ومنه اشتق [النبى] قال تعالى: {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم} وعلى هذا هو فعيل بمعنى فاعل، [و] قال تعالى: {نَبَّأَنِيَ العليم الخبير} وعلى هذا فهو فعيل بمعنى مفعول. غير أَنهم تركوا الهمزة فى النبىّ، والبَرِيَّة، والذُّرِّية، والخابية؛ إِلا أَهل مكَّة حرَسها الله، فإِنهم يهمزون هذه الأَحرف ولا يهمزون غيرها ويخالفون العرب فى ذلك. وتصغير النبىّ نُبَيِّئ كنُبَيِّع، وتصغير النبوّة نُبَيِّئة مثال نُبَيِّعة، يقول العرب: كانت نُبَيِّئةُ مُسَيْلِمَةَ نُبَيِّئة سَوْءٍ وجمع النبىّ أَنبئاء ونُبآء. قال العبّاس بن مِرْداس: يا خاتم النُبَآءِ إِنّك مرسَل ... بالحقّ كلّ هُدَى السبيل هداكا إِنّ الإِله بَنَى عليك محبَّة ... في خَلْقه ومحمّداً سمّاكا ويُروى: يا خاتم الأَنْباءِ. ويجمع أَيضاً على نبيّين وأَنبياء؛ لأَن الهمز لَمّا أُبدل وأُلزم الإِبدال جُمِعَ جَمْع ما أَصلُ لامه حرف العلة؛ كعِيد وأَعياد. ونَبَّأَ تنبئة: أَخبر، وقوله تعالى: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هاذا} أَى لتُجازيَنّهم بفعلهم. ويقول العربىّ للرّجل إِذا توعّده: لأُنبِّئنّك ولأَعُرِّفَنَّك. ونبَّأْته أَبلغ من أَنبأْته. ويدلّ على ذلك قوله تعالى: {قَالَتْ

مَنْ أَنبَأَكَ هاذا قَالَ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير} ولم يقل: أَنبأَنى بل عدل إِلى نبّأَ الَّذى أَبلغ؛ تنبيهاً على تحقيقه وكونِه من قِبَل الله. / والنبوّة: سِفَارة بين الله وبين ذوى العقول؛ لإِزاحة عِلَلهم فى أَمر مَعادهم ومَعاشهم. والنَبْأَة: الصّوت. ونَبَأت أَنْبَأُ نُبُوءَا، أَى ارتفعت، وكلّ مرتفع نابئٌ ونَبِئٌ. وفى بعض الآثار: لا يُصلَّى على النبئِ، أَى المكان المرتفع المحْدَوْدِب. ونَبَأْت على القوم نَبْأ ونُبُوءاً: إِذا طلعتَ عليهم. ونَبَأت من أَرض إِلى أَرض: إِذا خرجت منها إلى أُخرى وهذا المعنى أَراد الأَعرابىّ بقوله: يا نبئَ الله، أَى يا من خرج من مكَّة إلى المدينة، فأَنكر عليه الهمز وقال: "إِنّا معشرَ قريش لانَنْبِر". ويُرْوَى: لاتَنْبِرْ باسمى فإِنما أَنا نبىّ الله ولست بنَبئِ الله.

بصيرة فى: نتق ونثر ونجد

بصيرة فى: نتق ونثر ونجد نَتق الشَّئَ: جَذَبَه، قال تعالى: {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل} قال أَبو عبيدة: أَى زَعْزَعْناه واستخرجناه من مكانه. قال: وكلّ شيء قَلَعْتَه فرمَيْت به فقد نَتَقْتَه. وقد نَتَقت المرأَةُ تنتُقُ، ولهذا قيل للمرأة الكثيرة الولد: ناتِقٌ ومِنْتاق؛ لأَنّها ترمى بالأَولاد رميا. ومنه الحديث: "عليكم بالأَبكار، فإِنّهنّ أَعذبُ أَفواها، وأَنْتَقُ أَرحاما، وأَرْضَى باليسير" أَنْتَق أَرَحاماً: أَى أَكثر أَولاداً؛ أُخذ من نَتْق السّقاء وهو نفضه، ونَتَق الجُرُبَ: إِذا نفضها ونثر ما فيها. نَثْر الشَّىْءِ: نَشْره وتفريقه. نثَره يَنْثُرُهُ نَثْراً فانْتَثَر، قال تعالى: {وَإِذَا الكواكب انتثرت} . والنُّثار بالضمِّ: ما تناثر من الشَّىْءِ. ودُرّ مُنَثَّر، شُدّد، للكثرة. والانتثار والاستنثار بمعنى. النَجْدة: الشجاعة والنَجْد: ما ارتفع من الأَرض، والجمع: نِجَاد ونُجُود وأَنْجدُ. ومنه قولهم: طَلاَّع أَنْجُد، وطلاّع الثنايا: إِذا كان سامياً لمعالى الأُمور. قال محمّد بن أَبى شحاذ:

وقد يَقْصُرُ القُلُّ الفَتَى دجون هَمِّه ... وقد كان لولا القُلّ طَلاَّعَ أَنْجُدِ وتُجمع النُّجود أَنْجِدَة. وقوله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النجدين} أَى طريق الخير والشرّ، وقال مُجاهد: الثَّدْيَيْن. والنَّجْد: الطريق المرتفع، قال امرؤ القَيْس: غَداة غَدَوْا فسالكٌ بَطْنَ نَخْلَةٍ ... وآخَرُ منهم جازعٌ نَجْد كَبْكَبِ

بصيرة فى نجس

بصيرة فى نجس النَّجْسُ والنِّجْسُ والنَّجَسُ والنَّجِسُ والنَّجُسُ: ضدّ الطَّاهر، قال الله تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} وقرئ نَجْسٌ بسكون الجيم وفتح النون، وقرأَ الضحّاك نَجِسٌ مثال كَتِف، وقرأَ الحَسَنُ بن عِمْران ونبيح وأَبو واقِدٍ والجَرّاح وابنُ قُطَيْبٍ: نَجْسٌ مثال رِجْسٍ، وقال الفّراءُ: إِذا قالوه مع الرِجْسِ أَتْبَعُوه إيّاه، وقالوا: رِجْسٌ نِجْسٌ. وكان النبىّ صلَّى الله عليه وسلم إِذا دخل الخَلاءَ قال: "اللهمّ إِنِّى أَعوذُ بك من الرِّجْسِ النِّجْسِ، الخَبِيثِ المُخْبِثِ الشَّيطانِ الرّجيم" وقد نَجِسَ يَنْجَسُ مثال سَمِعَ يَسْمَع، ونَجُسَ يَنْجُس مثال كَرُمَ يكُرِم. وقال ابن الأَعرابىّ: النُجُسُ بَضمتين المُعَوِّذون. وبه داءٌ نَاجِسٌ ونَجِيسٌ: إِذا كان لا يَبْرَأُ منه. وداءٌ به أَعْيا الأَطباءَ ناجسُ وقال ساعدة بن جُؤَيّة: - إِن الشّبابَ رِداءٌ مَنْ يَزِنْ تَرَهُ ... يُكْسَى الجمالَ ويُفْنِدغَيْرَ مُحْتَشم والشَّيبُ داءٌ نَجِيسٌ لا شِفاءَ له ... للمرءِ كان صحيحاً صائبَ القُحَم

وإِذا قلت: رجلٌ نَجِسٌ كَكَتِف ثنّيت وجمعت، وإِذا قلت: نَجَسٌ بفتحتين لم تُثَنِّ ولم تجمع، وقلت: رجلٌ نَجَسٌ، ورجلان نَجَسٌ، ورجالٌ نَجَسٌ، وامرأَة نَجَسٌ، ونساءُ نَجَسٌ. ويُقال: أَنْجَسَه ونَجَّسَه تَنْجيساً. ثمّ اعلم أَنّ النّجاسة ضربان/: ضرب يُدْرَك بالحاسّة، وضرب يُدْرَك بالبصيرة، وعلى الثانى وَصَف الله به المشركين فى الآية المتقدّمة. ويقال: نَجَّسَه أَى أَزال نَجَسَهُ، فهو من الأَضْداد. والتَنْجِيسُ شىءٌ كانت العرب تفعله على الَّذى يُخاف عليه من وَلُوع الجنّ به. قال المُمَزّق البَكْرِىّ واسمه شَأس بن نَهارٍ: ولو أَن عندى حازِيَيْن وراقِياً ... وعَلَّق أَنجاساً علىّ المُنَجِّس قال ثعلب: قلت لابن الأَعْرابىِّ: لِمَ قيل للمُعوَّذ مُنَجَّس وهو مأْخوذ من النجاسة؟ فقال: للعرب أَفعال تخالف معانيها أَلفاظها، يقال فلان يَتَنَجَّس: إِذا فعل فعلاً يخرج به من النجاسة، كما يُقال يتأَثَّم ويتحوَّب ويتحنَّت: إِذا فعل فعلاً يخرج به من الإِثم والحُوب والحِنْثِ.

بصيرة فى نجم ونجو

بصيرة فى نجم ونجو النَّجْمُ: الكَوْكَب الطالع، والجمع: أَنْجُمٌ وأَنْجامٌ ونُجومٌ ونُجُمٌ. والنَّجم - أيضا من النَّبات: ما نَجَمَ على غير ساقٍ. والنَّجْمُ أَيضا: الثُرَيَّا. وقوله تعالى: {والنجم إِذَا هوى} قيل: أَراد به الكَوْكَب، وإِنّما خَصَّ الهُوىَّ دون الطلوع فإِن لَفْظةَ النَّجم دَلَّت على طُلوعه. وقيل أَراد بالنَّجْم الثُرَيَّا فإِنّ العرب إِذا أَطلقت النجم تُرِيدُ به الثُريَّا كقوله: طَلَع النَّجْمُ غُدَيَّهْ وابْتَغَى الرّاعى شُكَيَّهْ وقيل أَراد بذلك القرآن الكريم المنزَّل نَجْماً نَجْماً، ويعنى بقوله هَوَى نُزولَه. وقوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم} فُسّر بالوَجْهَين. وقوله: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} النَّجْمُ: ما لا ساق له من النّبات. والنَّجْمُ: الوقتُ المَضْرُوب، والأَصْلُ، وكلّ وَظِيفَةٍ من شىء. وتَنَجَّم: رَعَى النُّجومَ من سَهرَ أَو عِشْق. والمنجّم والمتنجِّم والنَّجَام، من ينظرُ فيها بحَسَب مَواقيتها وسَيْرها. نَجَا نَجْواً، ونَجاءً ونَجاةًَ، ونَجايَةً: خَلَصَ. ونَجّاه اللهُ وأَنْجاه،

واسْتَنْجَى ونَجَّى لازمٌ مُتعدٍّ. قال تعالى: {وَأَنجَيْنَا الذين آمَنُواْ} ، {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} . ونَجا الشَجَرَةَ نَجْواً وأَنْجاها واسْتَنْجاها: قطَعَها. نَجا الجِلْدَ نَجاً ونجْواً، وأَنْجاه: كَشَطَهُ. وانْتَجَى منه حاجَته واسْتَنْجَى: خَلَّصها. والنّجاةُ والنَّجْوَةُ والمَنْجَى: ما ارْتفع من الأَرض. وناقةٌ ناجِيَةٌ ونَجِيَّةٌ: سريعةٌ، لا يُوصف به البعير. ونجَّيْتُه تَنْجِيَةً: تركته بنَجْوَة من الأَرض، وعلى هذا قوله تعالى: {فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} . وناجاه مُناجاةً ونِجاءً: سارَّه. والنَّجاءُ والنَّجْوَى: السرّ. والنَّجْوَى المُسارُّون: اسمٌ ومصدر. ونَجِىٌّ كَغِنَىٍّ من تُسارُّه، والجمع أَنْجِيَةٌ، قال تعالى: {وَتَنَاجَوْاْ بالبر والتقوى} . وقوله {وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ} تنبيهاً أَنهم لم يُظْهِرُوا بوَجْهٍ لأَنّ النَّجْوَى ربّما تَظْهر بَعْدُ. وقد يوصف بالنجوى فيقال: هو نَجْوَى، وهم نَجْوَى، قال تعالى: {وَإِذْ هُمْ نجوى}

والنَّجْوَ: السحاب الذى هَراقَ ماءَه، ويُكْنَى به عمّا يخرج من الإنسان وشَربَ دواءً فما أَنْجاه أَى ما أَقامَه. واسْتَنْجَى: اغتسل بالماءِ منه أَو تَمَسَّح بالحجر. وانْتَجَى: جلس على نَجْوَة من الأَرض. وفلاناً خصّه بمُناجاته.

بصيرة فى نحب ونحت

بصيرة فى نحب ونحت النَّحْبُ: النَذْر، تَقول منه نَحَبْتُ أَنْحُب بالضم، أَى نَذَرْت وقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} كأَنّه أَلْزَم نفسه أَن يموتَ فوَفَّى به ولم يَفْسَخْ. وسار فلانٌ على نَحْب، إِذا سار فاجْتَهد السَّيْر، كأَنّه خاطر على شىء فجدَّ. والنَّحْبُ: المُدّة، والوَقْتُ، والنَّوْمُ، والمَوْتُ، والطُّولُ، والسِّمَنُ، والشِدَّةُ، والقِمارُ، والعَظيمُ من الإِبل، والسَّيْرُ السريع، وقد نظمه بعضُهم فى أَبيات وهى هذه: طُولٌ وَنَوْمٌ وبُرْهانٌ مُرَاهَنَةٌ ... وحاجَةٌ مُدَّةٌ والسَّيْرُ والخَطَرُ نَذْرٌ أَشَدُّ بُكاءً شِدَّةٌ أَجَلٌ ... والنَّفْسُ والموْتُ واذْكرْ فعْل مَنْ قُمِرُوا والوقتُ ثمّ سُعالٌ هِمَّةٌ سِمَنٌ ... ضَخْمُ الجِمال مَعانِى النَّحْبِ فاخْتبِرُوا النَحْتُ: النِّكاح. ونَحَتَهُ النَّجّار يَنْحِتُ ويَنْحَتُ بكسر الحاءِ وفتحها، أَى بَراهُ. وقرأَ الحسن وأَبو حَيْوة: {وتَنْحَتُون من الجبال} بفتح الحاءِ، وزاد الحسن تَنْحاتُون بإِشباع الفتحة. والنُّحاتَة: البُراية. والمِنْحَتُ والمِنْحاتُ: ما يُنْحَت به. ونَحَتَه السّفرُ: أَنْضاهُ فهو نَحِيتٌ. والنَّحيتة والِنَّحات والنَّحْتُ: الطبيعة الَّتى نُحتَ عليها الإِنسان.

بصيرة فى نحر ونحس

بصيرة فى نحر ونحس نَحَرَ البعيرَ نَحْراً: طَعَن فى نَحْره. ونَحَّر الإِبلَ، وإِبلٌ مُنَحَّرَةٌ وهذا مَنْحَرُ البُدْنُ. وهم نحَّارُون للجُزر. وفي قراءَة عبد الله: {فَنَحَرُوها وما كادُوا يَفْعلون} . وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} تنبيه وتحريض على فضل هذين الرّكنين وفعلِهما فإِنه لابدّ من تعاطيهما فإِنه واجب فى كلّ ملَّة. وقيل: هو أَمر بوضع اليد على النّحر للصّلاة. وقيل: حثٌّ على قَتْل النفس بقمع الشهوة وظَلَف النفس عن هواها. وجاءَ فى نَحْرِ النَّهار، ونَحْرِ الشَّهْرِ ونَاحِرَته ونَحِيرتَه، أَى فى أَوَّله، وقيل: فى آخره، كأَنّه ينحر الذى قبله. ونَحَرَ الأُمورَ عِلْماً، ومنه هو نِحْرِيرٌ من النَّحارير. وانْتَحَرَ السَّحابُ: انْبَعَق بالمطر، قال الرّاعى: فَمَرَّ على منازِلها فأَلْقَى ... بها الأَثقالَ وانْتَحَر انْتِحاراً النَّحْسُ: الأَمُر المُظْلم. والنَّحْسانِ: زُحَلُ ومِرِّيخُ، والسَّعْدانِ: الزُّهَرَةُ والمُشْتَرِى. والنَّحْس ضدّ السّعد، قال الله تعالى: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} وقرأَ الحسنُ البصرىّ فى يَوْمٍ نَحِس بالتنوين وكسر الحاءِ، وَعنه أَيضاً يَوْمٍ نَحْسٍ، ويَوْمِ نَحِسٍ على الصّفة والإِضافة والحاءِ

مكسورة، وقرأَ قرّاءُ الكوفة والشام ويزيد {فِى أيّامٍ نَحِساتٍ} بكسر الحاءِ، والباقون بسكونها. وقد نَحِسَ الشيءُ بالكسر فهو نَحِسٌ أَيضاً، قال: أَبْلغ جُذاماً ولَخْماً أَنَّ إِخْوَتَهم طَيّاً وبَهْراءَ قَوْمٌ نَصْرُهم نَحِسُ ومنه قيل: أَيّامٌ نَحِسات، ونُحُسٌ أَيضا بالضمّ، ومنه قراءة عبد الرحمن ابن أَبى بكر: {من نارٍ ونُحِسَ} على أنَّه فعلٌ ماض، أَى نُحِسَ يومُهم أَو حالهم. والعرب تُسمّى الريح الباردة إِذا أَدبرت نَحْساً. قال عمروُ بن أَحْمَرَ الباهلىّ: كأَنَّ سُلافَةً عُرِضَتْ لِنَحْسٍ ... يُحِيل شَفِيفُها الماءَ الزُّلالاَ والنَّحْس: الغُبار في أَقطار السّماءِ يُقال: هاج النَّحْسُ أَى الغبار، قال: إِذا هاجَ نَحْسٌ ذو عَثانِينَ والْتَقَتْ ... سَبارِيتُ أَغْفالٍ بها الآلُ يَمْصَحُ والنُّحاسُ: القِطْرُ، عربىٌّ فصيح. وقال ابن فارس: النُّحاسُ: النار، قال البَعِيث:

شَياطِينُ يَرْمِى بالنُّحاس رَجيمُها وقال أبو عبيدة: النُّحاس: ما سَقَط من شِرارِ الصُّفْرِ أَو الحَديد إِذا ضُرِب بالمِطْرقة، قال النابغة الذُّبيانّى يصف الخمر: كأَن شُواظَهُنَّ بجانِبَيْه ... نُحاسُ الصُّفْرِ تَضْرِبُه القُيونُ وقوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} ، قال أَبو عبيدة: النُّحاس ها هُنا: [الدخان] الذى لا لَهَب فيه، قال النابغة الجَعْدِىّ رضى الله عنه: أَضاءَتْ لنا النارُ وَجْهاً أَغَرَّ ... مُلْتَبِساً بالفؤاد الْتِباسَا يُضئُ كضَوْءِ سِراجِ السَّلِيطِ ... لم يَجْعَل اللهُ فيهِ نُحاسا والنِّحاس بالكسر لغة فيه. وقرأ/ مجاهدٌ من نارٍ ونِحاسٌ بكسر النون ورفع السّين. والِنُّحاس أَيضاً: الطَّبيعة، والأَصل، قال لبيد رضى الله عنه: وكَمْ فِينا إِذا ما المَحْل أَبْدَى ... نُحاسَ القَوْمِ من سَمْح هَضُومِ ابن الأَعرابىّ: النِّحاس: مَبْلَغُ أَصلِ الشَّىْءِ. ويُقَال فلانٌ كريمُ النِّحِاس، أَى كريم النِّجار. وتَنَحَّسَ الأخبارَ، أَى تَتَبَّعها بالاسْتِخبار، ويكون ذلك سِرّاً وعَلانية.

بصيرة فى نحل ونحن

بصيرة فى نحل ونحن النَّحْلُ: ذُباب العَسَل، واحدته نَحْلَة، قال تعالى: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} أَى أَلْهَمَها. والنَّحْلُ أَيضا: العَطاءُ تَبُرُّعاً بلا عِوَض، وقيل مُطْلق العَطاءِ. والنَّحْلُ أيضاً: الشىُّ المَعْطَى. والنُّحْلُ بالضمّ: مصدر نَحَلَهُ أَى أَعْطاه. والنَحْلُ أَيضاً: مَهْرُ المرأَة والاسمُ النُّحْلَة بالكسر وبالضم واشتقاقه من النَّحْل كانَّه يقول: أَعطاه عَطاءَ النَّحْلِ، فإِنَّ النَّحل [يقع] على الأَشجار كلِّها ولا تضرُّ شيئا منها بوجْه أَصلاً، وينفع أَعظمَ نَفْع، فإِنَّه يُعطيهم ما شفاؤهم فيه، كما وصفه الله تعالى فى كتابه المجيد. وسُمِّىَ الصِّداقُ نِحْلَةً من حيثُ إِنَّه لا يجب فى مُقابَلَته أَكثر من تَمَتُّعٍ دون عِوَض مالّىٍ. وكذا أُعْطِيَة الرّجل ابنَه، [يقال] نَحَل ابْنَه كذا، وأَنْحَلَه: أَعطاه أَو خصّه بشىءٍ من المال. والنُّحْلان والنُّحْل بضمّهما: اسمُ ذلك المُعْطَى، قال تعالى: {وَآتُواْ النسآء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} . ونَحَلَ جِسْمَه يَنْحَل كجَعَل يَجْعَلُ، وعَلِمَ يَعْلَمُ، وكَرُمَ يَكْرُمُ، ونَصَر يَنْصُر نُحُولاً: ضَعُفَ حتى صار كالنَّحْلِ فى الدِقَّة من سَفَر أَو

مرض، فهو ناحِلٌ ونَحِيلٌ، وهِىَ نَاحِلَةٌ. وأَنْحَلَه الهَمُّ. وسيفٌ ناحِلٌ: رقِيقُ الظُّبِةِ، وانْتَحَلَه وتَنَحَّلَه: ادَّعاهُ وهو لغَيْره. نحن: ضميرٌ يُعْنَى به الاثنان والجَمْعُ المُخْبِروُن عن أَنفسهم. وما ورد فى القرآن من إِخبارِ الله عزَّ وجلَّ عن نفسه بقوله نَحْنُ فقد قيل هو إِخبارٌ عن نفسه وَحْده، لكن يُخرَّجُ ذلك مَخْرَج الإِخبار الملوكىّ. وقيل: إِنَّ الله تعالى يذكر مثل هذه الأَلفاظ إِذا كان الفعل المذكور بعده يَفْعَلُه تعالى بوساطة بعض ملائكته أَو بعض أَوليائه، فيكون عبارة عنه تعالى وعنهم، وذلك كالوَحْىِ ونُصْرة المؤمنين وإِهلاك الكافرين ونحو ذلك، وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} يعنى وقت المُحْتَضر حين يشهده الرُسل المذكورون فى قوله تعالى: {تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة} . وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} لَمّا كان ذلك بواسطة القلم واللَّوح وجبريل [فهو] كالوحى ونصرة المؤمنين وإِهلاك الكافرين ونحو ذلك ممّا يتولاه الملائكة المذكورون بقوله: {فالمدبرات أَمْراً} ، {فالمقسمات أَمْراً} ، ولا يتأَتّى ذلك فى قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} فيتعيّن أَن يُقَال هذا على طريق ذكر العظيم نَفْسَه وتنزِيله نَفْسَه مقام الكلّ.

ونَحْنُ: حرفٌ مفردٌ مبنى على الضَم، وقيل: إِنَّما هو جمعُ أَنَا من غير لَفْظِها، وحُرِّك آخرُه لالتقاءِ السّاكنين، وضُمَّ لأَنَّه يدلّ على الجماعة، وجماعةُ المُضْمَرين تدلّ عليهم الواوُ نحو: فَعَلُوا، وأَنْتم، والواو من جِنْس الضمّة.

بصيرة فى نخر ونخل وندم

بصيرة فى نخر ونخل وندم نخِرَ الشىء يَنْخَرُ كعِلِمَ يَعْلَم، أَى بَلِىَ وتَفَتَّتَ، قال تعالى: {عِظَاماً نَّخِرَةً} وقُرئ ناخِرَةً بمعناها. ونُخْرَة الرّيحِ بالضمَّ: شِدَّةُ هُبوبها. وقيل للعَظْم والعُود البالِى ناخِرٌ/ ونَخِرٌ لِنَخِير الرِّيحِ فيه. وما بالدّار ناخِرٌ - أَى أَحدٌ. النَّخْلُ معروفٌ مؤنّث، ويُذَكِّرُها أَهلُ نَجْد، واحدة نَخْلَةٌ، والجَمْع نَخِِيلٌ قال تعالى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب} . ونَخَلَ الشئَ وانْتَخَلَهُ وتَنَخَّلَه: صَفَّاه واخْتارَه. وَالْمُنْخُل والمُنْخَل: ما يُنْخَلُ به. والنُّخالَةُ: ما نُخِلَ من الدّقيق، وما بَقِىَ فى المُنْخُل، ضِدٌّ. النِدُّ والنَّدِيدُ والنَّدِيدَة: النَّظِير والمِثْل، قال جرير: أَتَيْمٌ تَجْعَلُونَ إِلَّى نِدّاً ... وما تَيْمٌ لِذِى حَسَب نَدِيدُ قال لبيدٌ رضى الله عنه: لَماَّ دَعانِى عامِرٌ لأَسُبَّهُمْ ... أَبَيْتُ وإِن كان ابنُ عَيْسَاءَ ظالماً لِكَيْلا يكونَ السَنْدَرىّ نَدِيدَتِى ... وأَذهب أَقْواماً عُموماً عَماعِمَا

وجمعُ النِدِّ أَنْدادٌ، وجمع النَّدِيد: نُدَداءُ، مثل: وَدِيد ووُدَدَاءُ. وجمع النَّديدة: نَدائِدُ. وقال ابنُ شُمَيْل: يقال فُلانَةُ نِدُّ فُلانَةَ وخَتَنُ فُلانَةَ وتِرْبُ فلانةَ، ولا يُقال فلانةُ نِدُّ فلانٍ ولا خَتَنُ فلان فتُشَبِّهُها به، قال تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} . والتَنادّ: التفرّقُ والتنافر. وقرأَ ابنُ عبّاسٍ رضى الله عنهما والضحّاك والأَعرج وأَبو صالح {يومَ التَنادِّ} بتشديد الدال أَى يَنِدُ بعضهُم من بعض، {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} ونادَدْتُه: إِذا خالَفْتَه. نَدِمَ عليه - كَفِرحَ - نَدَماً ونَدامَةً، وتَنَدَّمَ: أَسِفَ، فهو نادِمٌ ونَدْمانُ والجمع: نَدامَى، ونُدّامٌ. والنَّدِيمُ والنَّدِيمَةُ: المُنادِمُ، والجمع نُدَماءُ. ونادَمَهُ مُنادَمَةً ونِداماً: جالَسَه على الشَّراب. وسُمِّىَ الشَّريبان نَدِيمَيْن لما يَتَعقَّب أَحوالَهما من النَدامة على فِعْلهما.

بصيرة فى ندى ونذر

بصيرة فى ندى ونذر النِّداءُ والنُّداءُ بالكسر والضمِّ: الصّوتُ، وقيل: رَفْعُ الصَّوْتِ، ونادَيْتُه ونادَيْتُ به. والنَّدَى: بُعْدُ الصَّوت. وهو نَدِىُّ الصّوت كَغِنىٍّ أَى بَعِيدُه. وتَنَادَوْا: نادَى بعضُهم بعضاً، وتَجالسوا في النَّادِى. وأَنْدى: حَسُنَ صَوْتُه، وأَنْدَى: كَثُرَ عَطاؤه. ونادِياتُ الشيءِ: أَوائِله. وقوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاة} أَى دَعَوْتُم. وقد يقال للصَّوْت المجرّد نِداء قال تعالى: {وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً} أَى لا يعرف إِلاَّ الصّوت المجرّد. وقوله تعالى: {أولائك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} فيه تنبيهٌ على بُعْدهم عن الحقّ فى قوله: {يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} . وقوله تعالى: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً} أَشار بالنِّداءِ إِلى أَنه تَصوَّر نفسه بمكانٍ بَعيدٍ عن حضرة الكِبْرياءِ، كما قال الخليل إِبراهيم: أَنا الخَلِيلُ من وَراءَ وَراءَ.

وقوله تعالى: {سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ} إِشارة إِلى العقل والكِتاب المُنْزَل والنبىّ المُرْسَل، وسائر الآيات الدالَّة على وجُوب الإِيمان بالله. وجعلَه مناديا بالإِيمان لظُهوره ظُهور النِّداءِ، وحثّه على ذلك كحثِّ المُنادِى. ونداءِ الصّلاة فى الشرع مخصوصٌ بالأَلفاظ المشهورة المعروفة. وأَصل النداءِ من نَدا القوم نَدْواً، أَى اجْتَمَعُوا، لأَنَّ المنادِى يطلب اجتماعَ القوم. وقيل: من النَّدَى وهو الرُّطوبة، لأَنَّ من يَكْثَر رُطوبةُ فَمِه يَحْسُن صَوْتُه، ولهذا يُوصفُ الفصيح بكثرة الرِّيق، وذلك لتسمية المسبَّب باسم سَبَبه وقوله: كالكَرْمِ إِذ نادَى من الكافورِ أَى ظهر ظُهورَ صوتِ المُنادِى. وعُبِّرَ عن المُجالَسة بالنّداءِ حتى قيل فى المجلس: النادِى والنَّدْوَةُ والمُنْتَدَى والنَّدِىّ، وقيل ذلك للجليس أَيضاً، قال الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} . والمُنْدِيات/ المُخْزيات لأَنَّها إِذا ذُكِرَتْ عَرِقَ المشارُ إِليه، ونَدِىَ جَبينُه حَياءً، قال الكَمَيْت: وعادِىّ حِلْمٍ إِذا المنديا ... تُ أَنْسَيْنَ أَهلَ الوَقارِ الوَقارَا

وشرب حتى تَنَدّى، أَى تَرَوَّى. ونَدَّيْتُ الفرسَ: سَقَيْتُهُ، ونَدَّيْتُه، أَى رَكَضْتُه حتَّى عَرِق. وجمع النَّدِىّ: أَنْدِيَة وأَنْدِياتٌ، قال كثيّر: لهم أَنْدِياتٌ بالعَشِىّ وبالضُّحىَ ... بهَالِيلُ يَرْجُوا الرّاغِبونُ نِهالَها وما نَدِيتُ منه بشَىْءٍ: ما نِلْتُ منه نَدًى. وهو يَتَنَدَّى، أَى يَتَسَخَّى النُّذْرُ: أَن تُوجِبَ على نفْسك ما ليس بواجب قال تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ للرحمان صَوْماً} ونَذِرَ القومُ بالعَدُوّ: عَلِمُوا به فَحذِرُوه واستعدُّوا له، وأَنذرتُهُم به، وأَنذرتُهم إيّاهُ. وهو نذِير القومِ ومُنذِرهم، وهم نَذُرُ القوم {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} أَى إِنْذارى، قال تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} أَى إِنذاراتى. وهو نَذِير القومِ، أَى طَلِيعَتهم الذى يُنْذِرهم العدوَّ. وتنَاذَرُوه: خَوّف منه بعضهم بعضاً قال النَّابغة: تناذرها الرّاقون من سُوءٍ سَمِّها وأَعطيتُه نَذْرَ جُرْحه، أَى أَرْشَه، سمّى الأَرْشُ نذراً لأَنَّه ممّا نَذَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أَى أَوجبه كما يُوجِب الرجلُ على نفسه.

بصيرة فى نزع

بصيرة فى نزع نزعتُ الشئَ من مَكانه أَنْزِعُه نَزْعاً: قلعتُه، قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} أَى أَحْضَرنا من يَشْهد عليهم. وقوله تعالى: {وَنَزَعَ يَدَهُ} أَى أَخْرَجها من جَيْبه. وقولهم: فلانٌ فى النَزْعِ: فى قَلْعِ الحياة. ونَزَع إِلى أَهْلِه يَنْزِعُ نِزَاعاً ونَزاعَةً، أَى اشتاقَ، ومنه حديث عائِشة رضى الله عنها فى بَدْءِ الوحى وفيه: "قَبْلَ أَن يَنْزِعَ إِلى أَهله". وبعيرٌ نازِعٌ، وناقةٌ نازعٌ: إِذا حَنَّت إِلى أَوْطانها ومَرْعاها قال: لا يَمْنَعَنَّك خَفْضَ العَيْشِ في دَعَة ... نُزوعُ نَفْسٍ إِلى أَهْلٍ وأَوْطان تَلْقَى بكلّ بلاد إِنْ حَلَلْتَ بها ... أَهلاً بأَهل وجيراناً بجِيرَانِ ونَزَع عن الأُمور نُزوعاً: انتهى عنها، قال الحطيئة يهجو الزِبْرِقان: ولقد سَبَقْتُهُمُ إِلَىَّ ... فقَدْ نَزَعْت فأَنت آخِر قال الليث: يقال للمرءِ إِذا أَشْبه أَخوالَه وأَعمامه: نَزَعَهُم، ونَزَعُوه، ونَزَع إِليهم، أَى أَشبههم، قال الفرزدق: أَشْبَهْت أُمَّك يا جِريرُ فإِنّها ... نَزَعَتْك والأُمُّ اللَّئِيمة تَنْزعُ

أَى أَخبرت شبهك. ونزَع فى القَوْس: مَدَّها، وفى المَثَل: "صار الأَمر إِلى النَّزَعَةِ": إِذا قام بإِصلاحهِ أَهلُ الأَناةِ، وهى جمع نازِعٍ، ويروى: عاد السّهم إِلى النَّزَعَةِ، أَى رَجَع الحقُّ إِلى أَهله. ويُقال للخيل إِذا جَرَتْ طَلَقاً: لقد نَزَعَت سَنَناً، قال النابغة الذُّبْيانى: والخَيْلُ تُنْزِعُ غَرْباً فى أَعْنَّتِها ... كالطَّيْرِ تَنْجُو من الشُّؤبُوب ذى البَرَد وقوله تعالى: {والنازعات غَرْقاً} قال أَبو عبيدة: إِنَّها النجوم تَنْزِعُ أَى تَطْلُع، وقيل: إِنها القِسِىّ. وقال الفَرّاء: تَنْزِعُ الأَنفسَ من صُدور الكفَّار، كما يُغْرقُ النازعُ في القَوْس إِذا جَذَب الوَتَر. ونَزَعَ الرجلُ، أَى أَسْتَقى، أَى نَزَعَ الدَّلْوَ. والنَّزِيع: الغَرِيبُ، وكذلك النازِع، وأَصلهما فى الإِبل. وفى الحديث "طُوبَى للغُرَباءِ. قِيلَ مَنْ هم يا رسول اللهِ؟ قال: النُزَّاعُ من القَبائل". وقيل للغريب نزيعٌ لأَنَّه نزع عن أُلاَّفه، والمراد المُهاجِرُون. ويروى قيل يا رسول الله مَنِ الغُرباءِ؟ قال: "الذين يُصْلِحون ما أَفسد النَّاس". والنَّزِيع: البَعِيدُ. والنزيع: البِئرُ/ القَرِيبَةُ القَعْرِ يُنْزَع منها باليَد. والتَّنازُع والمُنازَعَة: المُجاذَبَة، ويُعبَّر بهما عن المُخاصَمة والمُجادَلة.

بصيرة فى نزع ونزف

بصيرة فى نزع ونزف قوله تعالى: {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} النَّزْعُ والهَمْزُ: الوَسْوَسَة، يقول: إِنْ نالك من الشيطان أَدْنَى وَسْوَسَة. وقال الترمذىّ: ينزَغنَّك يَسْتَخِفَنَّك. ويُقال: نَزَغَ بَيْنَنَا، أَى أَفْسَد. وقيل: النَّزْغ: الإِغراء، قال الله تعالى: {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي} أَى أَغرَى، وقيل: أَفْسَد. ونَزَغَهُ بكلمةٍ ونَسَغَه ونَدَغَه، أَى طَعَن فيه. والنَّزْغُ: الغِيبة قال: واحْذَرْ أَقاوِيلَ العُداة النُزَّغِ ورجلٌ مِنْزَغٌ ومِنْزَغَةٌ ونزَّاغٌ: يَنْزَغ النَّاسَ، والهاء للمبالغة. نَزَفْتُ البِئْرَ أَنْزِفُه نَزْفاً إِذا نزحتَه كلَّه، ونَزَفَتْ هى يتعدّى، ولا يتعّدى ونُزِفَتْ أَيضا على ما لم يُسمَّ فاعله. ومنه الحديث: "زَمْزَمُ لا تُنْزَفُ ولا تُذَمُّ". ويقال أَيضاً نُزفَ الرّجل: إِذا ذهب عقلُه، ومنه قوله تعالى: {وَلاَ يُنزِفُونَ} أَى لا يَسْكَرُون. وأَنزف الرّجلُ: سَكِر، ومنه قراءَة الكوفيّين في الواقعة: {ولا يُنْزفُون} ، قال الأُبَيْرد اليربوعىّ: لَعَمْرى لئن أَنْزَفْتُمُ أَو صَحَوْتُمُ ... لبئسَ النَّدامَى كنتمُ آلَ أَبْجَرَا

قال أَبو عبيدة: قوم يجعلون المُنْزِف مثل المَنْزُوف الذى قد نُزِفَ دَمُه. وقال الفرّاء: أَنْزَفَ الرّجلُ إِذا فَنِيَتْ خَمْرُه، أَى خمر أَهل الجنَّة دائمة لا تَفْنَى. وأَنْزَفَ القَومُ: ذهب ماءُ بئرهم، وكذلك ماءُ العَيْن. وأَنْزَفَ الرجل العَبْرَة: أَفْناها بكاء. والنُزْفَة بالضم: القليلُ من الماءِ والشَّراب، والجمع نُزَف كغُرْفَة وغُرَف. ويقَال للرّجل إِذا عَطِشَ حتى يَبِسَت عُروقه وَجفَّ لسانُه مَنْزُوفٌ ونَزِيفٌ، قال جميلٌ: فَلَثَمْتُ فاهَا آخِذاً بقُرونِها ... شُرْبَ النَّزِيف بَبْردِ ماءِ الحَشْرَج ونُزِفَ في الخُصومة: انقَطعت حُجَّته.

بصيرة فى نزل

بصيرة فى نزل نَزَل بالمكان، ونَزَلَهُ نَزْلَةً واحدة، ونَزَل من علوّ إِلى أَسفل، ونَزَل في البئر، ونَزَل عن الدابَّة. وهذا مَنْزِلُ القَوْم. واسْتَنْزَلُوهم من صَياصِيهم، وأَنْزَل الله الغَيْثَ، وأَنْزَل الكِتابَ ونَزَّله، وتَنَزَّلَت الملائكةُ، قال تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ} ، قال: تَنَزَّل من جَوِّ السّماءِ يَصُوب وقال تعالى: {تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم} . ولا يُقَال فى المُفْتَرَى والكذب، وما كان من الشياطين إِلاَّ التَّنزُّل، قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} . وقوله تعالى: {رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين} من أَنْزلَه بالمكان. وأَنْزَل الله نِعَمه على الخلْق: أَعطاهم إِيّاها، وذلك بإِنزال الشئَ نفسه كقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ المن والسلوى} ، {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} ، وقوله: {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} ، وقوله:

{إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} ، وإِمّا بإِنزال أَسبابه والهداية إِليه، كقَوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا الحديد} ، وقوله تعالى: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} ، {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} . ومن إِنزال العذاب {إِنَّا مُنزِلُونَ على أَهْلِ هاذه القرية رِجْزاً مِّنَ السمآء} . والفرق بين الإِنزال والتنزيل فى وصف القرآن والملائكة أَنَّ التنزيل يختصّ بالموضع الذى يُشير إلى إِنزاله مُفرَّقاً منجّماً، ومرّة بعد أَخرى، والإِنزال عام. وقولُه: {لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ} وقوله/ {فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} فإِنْما ذكر في الأَوّل نزَّل وفى الثانى أَنزل تنبيهاً أَن المنافِقين يقْترحون أَن ينزل شئ فشئ من الحثَّ على القتال ليتولَّوه، وإِذا أُمِروا بذلك دفعة واحدة تحاشَوْا عنه فلم يفعلُوه، فهم يقترحون الكثير ولا يَفُون منه بالقليل. وقوله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} إِنّما خصّ لفظ الإِنزال دون التَّنزيل لما رُوى أَنَّ القرآن أُنْزِل دُفْعَةً واحدة إِلى السّماءِ الدنيا، ثمَّ نزل نَجْماً نجما بحسب المصالح. وقوله: {لَوْ أَنزَلْنَا هاذا القرآن على جَبَلٍ} ولم يقل نَزَّلنا تنبيهاً أَنَّا لو خوّلناه مَرَّة واحدة ما خوّلناك مراراً لرأَيته خاشعاً. وقوله: {قَدْ أَنزَلَ

الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً} أَراد بإِنزال الذِكْرِ بِعْثةَ محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وسَمّاه ذِكراً كما سمّى عيسى عليه السلام كَلِمَةً، فعلى هذا يكون رسولاً بدلاً من ذِكراً، وقيل: بل أَراد إِنزال ذِكْره، فيكون رسولاً مفعولاً لقوله ذِكْراً. ونازله في الحرب، وتنازَلُوا: تَداعَوْا نَزَال. ونَزَل به ضيفٌ ونَزَل عليه، وهو نَزِيلُه وهم نُزَلاؤه، أَى ضيفه قال: نَزِيلُ القَوْم أَعظمُهم حُقوقاً ... وحَقُّ الله في حَقِّ النَّزِيل وكنَّا فى نِزالَةِ فلان أَى فى ضِيافَته. وهو حَسَنُ النُّزْل والنِّزالة. وأَعدّ لضيفه النُّزْلَ. وطعامٌ ذو نُزْلٍ ونَزَلٍ وهو رَيْعُهُ. ويُقَال: أَنزلتُ حاجتى على كريم. ونَزَل له عن امرأَته. واستنزلَهُ عن رأَيه. وأَنْزَلَ المُجامِعُ. وفلانٌ من نُزالَةِ سُوء، أَى لئيم. وله منزلةٌ عند المَلِك. وسحابٌ نَزِلٌ وذو نَزَلٍ، أَى كثير المطرِ، قال النَّمِرُ بن تَوْلَب: إِذا يجفّ ثَراها بَلَّها دِيَمٌ ... من واكِفٍ نَزِل بالماء سَجّامِ وقال الكميت: وكالغَيْثِ إِلاَّ أَنَّ نَوْءَ نُجُومِها ... تُخالِفُ أَنْواءَ الكَواكِب في النَّزْل ورجلٌ ذو نُزُل: ذو فَضْل. وَخطٌّ نَزِلٌ؛ إِذا وقع فى قرطاس يسير شئ كثير.

بصيرة فى نسب

بصيرة فى نسب النَّسَبُ: واحد الأَنْساب. والنُّسبة والنِّسبة بالضم والسكر مِثْلُه. ورجلٌ نَسّابة: عالم بالأَنساب، والهاءِ للمبالغة فى المدح كأَنَّهم يريدون به داهِيَةً أَو نِهايةً أَو غايةً. ونَسَبْت الرّجلَ أَنْسُبُهُ وأَنْسِبُه - بالضم والكسر - نِسْبةً ونَسَباً. إِذا ذكرتَ نسبَه، قال أَبو وَجْزَةَ السّعدىّ: ما زلْنَ يَنْسُبْن وَهْناً كُلَّ صادِقَة ... باتت تُباشر عُرْماً غَيْرَ أَزْواج حَتَّى سَلكْنَ الشَّوَى منهنَّ فى مَسَكِ ... من نَسْلِ جوّابةِ الآفاقِ مِهْداج والنَّسَبُ ضربان: نَسَبٌ بالطُّول كالنسب بين الآباءِ والأَبناءِ، ونَسَبٌ بالعَرْض كالنِسّبة بين الإِخوة وبين الأَعمام. وانتسب إِلى أَبِيه اغْتَرَى وتَنَسّب: ادّعى أَنَّه نسيبُك. ونَسَب الشاعرُ بالمرأَةِ يَنْسِب ويَنْسُب - بالكسر والضم - نَسِيباً ومَنْسِباً ومَنْسِبَةً. وشِعْرٌ مَنْسُوبٌ فيه نَسِيب، والجمع: المنَاسِيب، قال سَلامةُ بن جَنْدل هل فى سُؤالِك عن أَسْماءَ من حُوب ... أَم فى السّلام وإِهداء المنَاسِيب

بصيرة فى نسأ ونسخ

بصيرة فى نسأ ونسخ نَسَأَتُ الشئَ نَسْأْ: أَخَّرته. ونَسأَ الله فى أَجَلِه. وأَنسأْتُ الشئَ أَيضاً أَخَّرته. وقوله تعالى: {إِنَّمَا النسياء زِيَادَةٌ فِي الكفر} قيل: هو فعيل بمعنى مفعول، من قولك نسأْت الشْئَ فهو مَنْسُوءٌ: إِذا أَخَّرتَه، ثمَّ يُحَوَّلُ مَنْسوءٌ إِلى نَسىءٍ كما يُحوَّل مقتول إلى قتيل. ورجل ناسىءٌ وقومٌ نَسَأَةٌ مثال عامِلٍ وعَمَلَة، وذلك أَنهم كانوا/ إِذا صَدَروا عن مِنىً يقوم رجلٌ من بنى كِنانة ويقول: أَنا الَّذى لا يُرَدّ لى قضاء، فيقولون: أَنْسِئْنا شهراً، أَى أَخّر عنا حُرْمة المحرّم واجعلها فى صَفَر، لأَنهم كانوا يكرهون أن يتوالَى عليهم ثلاثةُ أَشهرٍ لا يُغيرون فيها، لأَنَّ معاشهم كان من الغارة فيُحِلُّ لهم المُحرَّم. وقال الفرَّاءُ: النَّسىءُ مصدرٌ؟ وقال الأَزهرىّ: النَّسئُ بمعنى الإِنساءِ اسمٌ وُضع موضع المصدر الحقيقىّ، من أَنْسأْتُ، قال وقد قال بعضهم نَسَأْتُ فى هذا الموضع بمعنى أَنسأْتُ، ومنه قول عُمَيْر ابن قَيْس: أَلَسْنا النَّاسِئين على مَعَدٍّ ... شُهورَ الحِلّ نَجْعَلُها حَرامَا ونَسَأْتُه البَيْعَ: بعتُه [بنُسْأَة بالضَمَّ] ونَسِيئة. ونَسأْتُ عنه دَيْنَه نَساءً بالفتح والمدّ، ومنه قولُ علىّ رضى الله عنه: من سَرَّه النَّسا

ولا نَساءَ فلْيُباكر الغَداءَ، ولْيَهْجُرِ النِّساءَ، ولْيُخِّفِفّ الرِداءَ ويُرْوَى: وليُقِلَّ غِشْيان النَّساء. وقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} أَى نؤخِّرها إِمّا بإِنسائها، وإِما بإِبطال حُكمها. والمِنْسَأَةُ: العصا يُهْمز ولا يهمز، قال أَبو طالب بن عبد المطْلب يُخاطب خِداش بن عبد الله بن أَبى قَيْس فى قتله عَمْرو بن عَلْقَمَة: أَمِنْ أَجْلِ حَبْلٍ لا أَباكَ ضَرَبْتَه ... بمِنْسَأَة قد جَرَّ حبْلُك أَحْبُلاَ وقال آخر في ترك الهمز: إِذا دَبَبْتَ على المِنْساةِ من هَرِمَ ... فقد تَباعَدَ عنك اللَّهْوُ والغَزَلُ قال تعالى: {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} سمّيت العَصا مِنْسَأَة لأَنَّها يُنْسَأُ بها أَى يؤخَّر. ونَسَأَتُ اللَّبَنَ: خَلَطتُه بماءٍ، واسمُه النَّسْءْ. النْسْخ: إِزالة شىءٍ بشىءٍ يتعقَّبه، كنَسْخ الشمس الظِلَّ، والشَيْبِ الشَّبابَ، فتارة تُفهم منه الإِزالة، وتارة يُفهم منه الإِثبات، وتارة يُفهم منه الأَمران. ونَسْخُ الكتابِ: إِزالة الحُكم بحُكم يتعقبَّه قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ، قيل معناه ما نُزِيل العملَ بها أَو نحذفها عن قلوب العباد، وقيل معناه:

ما نُوجِدُه ونُنْزِله، من قولهم: نسختُ الكتابَ، وما نَنْسَؤُه أَى نُوَخَّره ولم نُنْزِله. ونَسْخُ الكتابِ: نَقْل صورَتِه المجرّدة إِلى كتابٍ آخَر، وذلك لا يقتضى إِزالة الصّورة الأُولَى بل يقتضى إِثبات مِثْلِها فى مادّة أَخرَى، كإيجاد نَقْش الخاتم في شُموع كثيرة. والاستنساخ: التقَدّم بنسخ الشئ، والترّشُّح للنسخ. وقد يعبّر بالنسخ عن الاستنساخ، قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} . والقائلون بالتَّناسُخ، هم المُنْكِرون للبَعْث على ما أَثْبَتَتْه الشريعة، ويزعمون أَنَّ الأَرواح تنتقل في الأجسام أَبداً. وتناسُخ القرون مُضِىُّ قومٍ بعد قوم.

بصيرة فى نسر ونسف

بصيرة فى نسر ونسف النَّسْر، طائرٌ. وجمع القلَّة: أَنْسُرٌ، والكثير: نُسورٌ. ويقال: النَّسْر لا مِخْلَبَ له وإِنَّما له الظُفُر كظُفُر الدَّجاجةِ والغُراب. ونَسْرٌ: صنم كان لذى الكَلاع بأَرض حِمْيَرَ، وكان يُغُوثُ لمَذْحِج، ويَعُوق لَهمْدان من أَصنام قوم نُوحٍ، قال تعالى: {وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} وقد تدخل فيه الأَلف واللام كقوله: أَما ودِماءٍ ما ثرات تَخالُها ... على قُنَّة العُزَّى وبالنَّسْر عَنْدَما والنَّسْرُ أَيضاً: لَحْمَهٌ يابِسَةٌ في بطْن الحافِر كأَنَّها نَواةٌ أَو حَصاة. والنَّسْر أَيضاً: نَتْفُ البازِى/ اللَّحْمَ بِمِنْسرِه، وقد نَسَرَه يَنْسُرُه. وفى النُّجوم: النَّسرُ الطَّائِرُ والنَّسر الواقِعُ. والمِنْسَرُ - كمنْبَرٍ - لسِباع الطَّير بمنزلة المِنْقار لغيرها. والمَنْسِرُ والمِنْسَر كمَجْلِسٍ ومِنْبر: قطعةٌ من الجيش تمرّ قُدّام الجَيْش الكثير. النَسْف: قَلْع الشَّئ، نَسَفْتُ البِناء: قلعتُه، قال الله تعالى: {فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} أَى يقلعُها من أُصولها. يقال: نَسَفَ البعيرُ النَّبْتَ: إِذا قَلَعه بفِيهِ من الأَرض بأَصْله. وقيل: نَسْفُ الجبال:

دَكُّها وتَذْرِيَتُها ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ} أَى ذُهِب بها كلِّها بسرعة. والمِنْسَفَةُ: آلةٌ يُقْلَع بها البناءُ. والمِنْسَفُ: ما يُنْسَف به الطَّعامُ، ونَسْفُه: نَفْضُه، وهو شئ طويل منصوبُ الصَدْر أَعلاه مرتفعٌ. تقول كأَنَّ لِحْيَتَه مِنْسَف. وقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليم نَسْفاً} أَى لنُذْرِيَنَّه تَذْرِيَةً. والنُّسافة: ما يسقطُ من المِنْسف. وبعيرٌ نَسُوفٌ: يَقْتلع الكلأَ من أَصْلِه بمقَدَّم فِيه. وانْتَسَفْتُ الشَّىْءَ: اقْتَلَعْتُه. وهما يتَناسَفان الكلامَ، أَى يتسارّان، كأَنَّ كُلاًّ منهما يَنْسِفُ ما عند الآخَر. وانْتُسِفَ لَوْنُه: تَغَيَرّ.

بصيرة فى نسك ونسل

بصيرة فى نسك ونسل نَسَكَ للهِ ينْسِكُ: ذَبَح لوَجْهه نُسُكاً ومَنْسَكاً. وهذه نَسِيكَةُ فلان أَى ذَبِيحَتَهُ، ومنه مناسِكُ الحجِّ، أَى عِباداتُه. وأَرضٌ ناسِكَةٌ: خضراءُ حديثةُ المَطر. نَسَلَ الشَّعرُ والرِّيشُ: سَقَط، نُسولاً. وأَنْسَلَه الطَّائرُ والدّابةُ. وهذا نُسالُ الطائر، ونَسِيلُ الدَّابَّة ونُسالَتُها. قال الرّاعى: أَطار نَسِيلَهُ الشَّتَوِىّ عنه ... تَتَبُّعُه المَذانِبَ والقرارَا ونَسَلَ الولدُ يَنْسِلُ: إِذا وُلد لأَنَّه يَسقُط من بطنِ أًُمّه إِلى الأَرض. ونَسَلَ يَنْسِل نَسَلاناً: عَدا، قال تعالى: {مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} . ورجل عسّالٌ نَسَّال: عَدّاءٌ الإِعْناق، قالت الخنساءُ: حامى الحَقِيقَة نسّالُ الوِدَيقَةِ مِعْـ ... تاقُ الوَسِيقَةِ جَلْدٌ غَيْرُ ثُنْيانِ وأَنْسَلَ الرّجلُ نَسْلاً كثيراً. وتوالَدُوا وتَناسَلُوا. وماله نَسُولَةٌ، أَى ما يُتَّخَذُ للنَّسل من الإِبل والغنم، قال تعالى: {وَيُهْلِكَ الحرث والنسل} النَسْلُ: الولَدُ، لأَنَّه يَخرجُ من بطنِ أَمّه.

بصيرة فى نسى

بصيرة فى نسى النِّسيان: تَرْكُ الإِنسان ضَبْطَ ما اسْتُودِعَ، إِمّا لضَعْف قَلْبه، وإِمّا عن غَفْلةٍ، وإِمّا عن قَصْد حتى يرتفع عن القَلْبِ ذِكْرُه. نَسِيتُه نِسْياناً وتَناسَيْتُه، وأَنْسانِيةُ شَيْطانٌ ونَسّانِيه، قال تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} . وقوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} إِخبارٌ وضَمان من الله تعالى أَنَّه يجعله بحيث إِنَّه لا يَنْسَى ما يسمعه من الحقِّ. وكلّ نِسْيان من الإِنسان ذَمَّة الله تعالى به فهو ما كان أَصلُه عن تَعَمُّد منه لا يُعْذر فيه، وما عُذِرَ فيه فإِنَّه لا يُؤاخَذُ به نحو قوله صلَّى الله عليه وسلَّم "رُفِعَ عن أُمَّتى الخَطَأُ والنِّسيانُ"، فهو ما لم يكن سببه منه. وقوله {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ} هو ما كان نسيه عن تعمّد منهم وتركُه على طريقِ الإِهانة. وإِذا نُسِب ذلك إِلى الله تعالى فهو تَرْكُه إِيّاهم استهانةً بهم ومُجازاةً لما تركوه. وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}

تنبيه أَنَّ الإِنسان بمعرفته لنفسه يعرف الله، فنسيانه لله هو من نسيانه نفسه. ويُقال: نسيتُ الشئَ أَى تركْتُه، ومنه/ قوله تعالى: {نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ} . وقوله تعالى: {واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} قال ابنُ عبّاس رضى الله عنهما: إِذا قلتَ شيئاً ولم تقل إِن شاءَ الله فقُلْه إِذا تَذَكَّرْتَه. وبهذا أَجاز الاستثناءَ بعد مدّة. وقال عِكْرِمَةُ: معنَى نَسِيتَ ارتكبتَ ذَنْباً، ومعناه اذكُرِ الله إِذا أَردتَ وقَصَدْت ارتكاب ذَنْب يَكُنْ ذلك دافِعاً لك. والنِسْىُ أَصله ما يُنْسَى كالنِقْضُ لما يُنْقَض، وصار عُرْفاً اسماً لما يَقِلُّ الاعتدادُ به. ومن هذا يقُول العرب: احْفَظُوا أَنْساءَكم. أَى ما من شَأْنِه أَنْ يُنْسَى. وقوله تعالى: {نَسْياً مَّنسِيّاً} أَى جارِياً مَجْرَى النِسْى القَلِيل الاعْتداد به، ولهذا عقَّبه بقوله مَنْسِياً لأَنَّ النِسْىَ يُقال لما يَقِلُّ

الاعتدادُ به وإِن لم يُنْسَ. وقرئ نَسْياً بالفتح، وهو مصدرٌ موضوعٌ موضِعَ المفعول، نحو عَصَى عَصْياً وعِصْياناً. وقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} فإِنساؤها حَذْفُ ذِكْرها عن القلوب بقوّة إِلهيّة. والنُّسْوَة بالضمِّ، والنِّسْوة والنِّساءُ والنِّسْوان والنِّسُون، بكسرهنَّ، جُموعُ المرأَةِ من غير لفظها. والنَّسْوَة بالفتح: التَّرك للعمل، والجُرْعَة من اللَّبْن. والنَّسا: عِرقٌ ممتد من الوَرك إِلى الكَعْب. ونَسِيَه نَسْياً: ضَرَب نَساهُ.

بصيرة فى نشأ

بصيرة فى نشأ ناشِئَة اللَّيل: أَوّل ساعاتِه. وقال ابنُ عرفة: كلّ ساعة قامها قائم من اللَّيل فهى ناشِئَة، وقيل: كلّ ما حَدَث فى اللَّيل وبدأَ فهو ناشئ، والجمع ناشِئَةٌ. وقال الأَزهرىّ: ناشئة الَّليل مصدرٌ جاءَ على فاعلة، وهو بمعنى النَّشْءِ كالعافِية بمعنى العَفْو، والعاقِبَة بمعنى العَقْب، والخاتِمة بمعنى الخَتْم. والنَّشأَةُ والنَّشاءَةُ بالفتح فيهما وبالمدّ فى الثانية عن أَبى عَمْرِو بن العَلاءِ اسمٌ من أَنشأَ الله الخَلْق. وأَنْشَأَ يفعلُ كذا، أَى ابْتَدَأَ. وفلانٌ يُنْشَىءُ الأَحادِيثَ أَى يَضَعُها. وقوله تعالى: {وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر} قال مجاهد: هى السُفُن التى رُفِعَتْ قُلوعُها، وإِذا لم تُرفع قلوعها فليست بمنُشَآت، وقيل: هى الَّتى ابتدئ بهنّ فى البحر لِتجرىَ فيه. وقرأَ حمزة بن حبيب الزَّيّات وعلىّ بن حمزة الكسائى: المُنْشِئات بكسر الشين، ومعناها المبتدئات في الجَرْى. وقال أَبو القاسم الأَصفهانىّ: الإِنشاءُ إِيجاد الشىءِ وتربيته، وأَكثر ما يقال ذلك فى الحيوان، قال تعالى: {وَهُوَ الذي أَنشَأَكُم} ،

{ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} ، {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} هذه كلِّها فى الإِيجاد المختصّ بالله تعالى. وقوله تعالى {أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ} فلتَشْبِيه إِيجادِ النار المُسْتخرَجَة بإِيجاد الإِنسان. وقوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية} أَى يُرَبَّى تربيةً كتربية النِّساءِ، [وقرئ يَنْشأُ] أَى يتَربّى. والنَّاشئ الحَدَثُ الذى جاوز حَدَّ الصغَر، والجاريةُ ناشِىءُ أَيضاً. والنَّشْءُ والنَشْأَةُ: إِحداثُ الشىءُ وتربيتُه، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى} . وجمع النَّاشىء نَشَأُ كطالِب وطَلَب، ويُجمع على نَشْءٍ أَيضاً كصاحب وصَحْب. والنَشْءُ: أَوّلُ ما يَنْشأُ من السّحابِ. ونَشَأْتُ فى بنى فلان نَشْأَ ونُشوءَاً، أَى نُشِّئت فيهم. ونَشَأَتِ السحابةُ ارتفعت.

بصيرة فى نشر

بصيرة فى نشر نَشَر الثَّوبَ والسَّحابَ والصحيفَةَ والنِّعمة والحديثَ: بَسَطها، قال تعالى: {وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ} . وقوله: {والناشرات نَشْراً} أَى الملائكة الَّتى تَنْشُر الرِّياحَ، أَو الرّياحُ الَّتى تَنْشُر السَّحابَ. ويقال فى جمع الناشر: نُشُرٌ ونُشْر. وقُرِئ: {نُشُراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} فيكون كقوله: {والناشِرات} . / ونَشَر المَيِّتُ يَنْشُر نُشوراً، أَى عاش بعد الموت قال الأَعشَى: حَتَّى يقولَ النَّاسُ ممّا أَوْا ... يا عَجَباً للمَيِّت النَّاشرِ ومنه يومُ النُّشور، قال تعالى: {وَإِلَيْهِ النشور} . وأَنْشَرَ اللهُ المَيِّتَ فنَشَرَ. وقيل: نَشْرُ اللهِ المَيْتَ من نَشْرِ الثَوْب، وأَنْشرَه: أَحْيَاهُ، ومنه قراءَةُ ابن عبّاس: {كيف نُنْشِرُها} قال الفرّاءُ: [ومن قرأَ نَنْشُرها وهى قراءَة الحَسَن فكأَنَّه] ذهب إِلى النشر والطَّىّ، قال: والوجه أَن يقول أَنْشَرَهم الله فَنَشَرُوا، وأَنشد الأَصمعىّ لأَبى ذُؤَيب الهُذَلّى:

لو كانَ مدْحَةُ حىٍّ أَنْشَرَت أَحداً ... أَحْيَا أُبوّتَك الشُمَّ الأَماديحُ ونَشَر الخشبةَ بالمِنْشار. وله نَشْرٌ طَيِّبٌ، وهو ما انْتَشَر من رائِحته، قال المرقِّش: النَّشْرُ مِسْكٌ والوُجُوهُ دَنا ... نيرُ وَأَطْرافُ الأَكُفِّ عَنَمْ ونَشَرْتُ الخَبر أَنْشُره وأَنْشِرُه: أَذَعْتُه. وصُحُفٌ مُنَشَّرة. شُدِّدت للكثرة. ونَشَرْتُ عن العليل نَشْراً، ونَشَّرت عنه تَنِشيراً: إِذا رَقَيْتَه بالنُّشْرة؛ كأَنَّك تفرّق عنه العِلَّة. وفى الحديث: "فلعلَّ طَبّاً أَصابَه، أَى سِحْرا، ثم نَشَّرَه بقُلْ أَعوذُ بربّ الناس" سَمَّوا السحْرَ طَبّاً تفاؤلاً بالبراءِ.

بصيرة فى نشز

بصيرة فى نشز النَشْزُ - بالفتح - والنَشَزُ - بالتحريك -: المكانُ المرتفع، وجمع النَشْزِ فى القِلَّة أَنْشُز، مثال فَلْس وأَفْلُس، قال منظورُ بن حَبَّة: كأَنَّه فى الرّمل لمّا حَلَّزَا ... أَمارَ مِسْحاهُ يَشُقُّ الأَنْشُزَا وجمعُ الكثرة: نُشُوزٌ مثل: فَلْس وفُلُوس، وجمع النَّشَز: أَنْشاز ونِشازٌ مثل: جَبَلٍ وأَجْبال وجِبال. وأَمّا النَّشاز بالفتح فهو المكان المرتفع. ويُقال للرّجل إِذا أَسَنَّ ولم ينقُصْ: فلانٌ والله نَشَزٌ من الرّجال. ونَشز الرّجُلُ يَنْشُزُ وَيَنْشِزُ نَشْزاً: ارتفع فى المكان. ومنه قوله تعالى: {وإِذا قيل انْشزُوُا فانْشُزُوا} . وقرأَ بالضمِّ المدنّى والشامىّ وعاصم غير حمّاد بن أَبى زياد، والباقون بالكسر، وقيل معناه: انْهَضُوا إِلى حرْب أَو إِلى أَمر من أُمور الله. وقال أَبو إِسحاق معناه: إِذا قيل انْهَضُوا فانهضُوا وقُوموا. وقيل: قُوموا إِلى الصّلاة أَو قضاءِ حقٍّ أَو شهادة. وقال أَبو زيد: نَشَزْتُ بِقِرَبِى أَنْشُزُ به: إِذا حملتَه فصرَعْتَه، وقال شَمِر: كأَنَّه مقلوب شَزِنَ. ونَشَزَت المرأَةُ تَنْشُز وتَنْشِزُ نُشوزاً: اسْتَعْصَت على بَعْلِها وأَبْغَضَتْه، ونَشَزَ عليها بَعْلُها: إِذا ضَرَبها وجَفاها، ومنه قوله تعالى: {وَإِنِ امرأة

خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً} ، وقوله تعالى: {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أَى عِصْيانَهنَّ وتعالِيهِنَّ عمّا أَوجب الله عليهنَّ. وقال الأَزهرىّ: والنُّشوز: كراهةُ كلِّ واحد من الزوجين صاحبَه. ونَشَزَتْ نَفْسى: جاشَتْ. وتَلٌّ ناشِزٌ، وجمعه نَواشِزُ، قال الشَمَّاخ: عَفا بَطْنُ قَوّمِنْ سُلَيْمىَ فعالِزُ ... فذَاتُ الغَضَا فالمُشْرِفات النَّواشِز وقلبٌ ناشِزٌ: ارتفع عن مَكانِه من الرُّعبِ. وعِرْقٌ ناشِزٌ: لا يزال مُنْتَبِراً، يَضْرِبُ من وَجَع به. ورَكَبٌ ناشِزٌ. وإِنشازُ عِظامِ المَيّت: رَفْعُها إلى مواضِعها وتركيبُ بعضها على بعض. ومنه قوله تعالى: {كَيْفَ نُنْشِزُهَا} ، قال ثعلب: وهذه هى القراءةُ المختارة.

بصيرة فى نشط

بصيرة فى نشط نَشِطَ الرّجُلُ - بالكسر - يَنْشَطُ نَشاطاً - بالفتح - فهو ناشِطٌ ونَشِيطٌ، أَى طيّب النَفْس للعَمَل وغيره. والمِنْشَطُ كمِنْبَرٍ: الكثيرُ النَّشاطِ. وقولُه تعالىَ: {والنَّاشِطاتِ نَشْطاً} أَى النجومُ تَنْشِط من بُرْج إِلى بُرْج، كالثَّوْر الناشِط من أَرض إِلى أَرض، قال ذو الرّمّة: أَذاكَ أَم نَمِشٌ بالوَشْىِ أَكرُعُهُ ... مُسفَّعُ الخَدِّ هادٍ ناشِطٌ شَبَبُ النَّاشِطُ: الثورُ الوحشىُّ يخرجُ من أَرضٍ إِلى أَرض. وقال الفرّاءُ: هى الملائكةُ تَنْشِطُ نَفْسَ المؤمن بِقَبْضها. وقال ابن دريد: قال أَبو عبيدة: يَنْشِطُ من بَلَد إِلى بلد. وقال ابنُ عرفة: هى الملائكةُ تَنْشِطُ أَرواحَ المسلمين، أَى تحلُّها حَلاًّ رفيقاً. ويقال: الهمومُ تَنْشِطُ بصاحبها قال هِمْيانُ بن قحافة السَّعْدِىّ: أَمْسَتْ هُمُومِى تَنْشِطُ المَناشِطا ... الشَّامَ بى طَوْراً وطَوْراً واسِطَا وقال بعضهم فى: {والنَّاشطات نشطاً} ، إِنَّه أَراد بها النُّجوم الخارجات من الشَّرق إلى الغَرْب مسيرَ الفَلَك، أَو السّائرات من المغرب إلى المشرق بِسَيْر أَنْفُسِها. وقيل: الملائكةُ الَّتى تَعْقِد الأُمورَ من قولهم: نَشَطْت العقدةَ.

وتَخْصِيصُ النَشْط وهو العَقْد الَّذى يَسْهُل حلُّه تنبيه على سُهولة الأَمر عليهم، قال أَبو زيد: نَشَطْتُ الحبلَ أَنْشُطُه نَشْطاً: عقدتُه أُنْشُوطَةً. والأُنْشُوطَةُ: عُقْدة يَسْهُل انْحِلالُها مثل عُقدةِ التِكَّة، يقال: ما عِقالُكَ بِأُنْشُوطَة [أَى] ما مَوَدّتُكَ بوَاهِيَة. والنَّشِيطة ما يَغْنَمُه الغُزاة فى الطَّريق قبلَ وُصولهم إِلى المَقْصد. وقال الَّليث: النَّشِيطة من الإِبل أَن تؤخَذَ فتُساق من غَيْرِ أَن يُعْمَدَ لَها، قال عبد الله بن عَنَمَةَ الضّبىِّ: لَكَ المِرْباعُ منها والصّفايا ... وحُكْمُك والنَّشِيطةُ والفُضُول وأَنْشَطْتُ البعيرَ، وأَنْشطتُ العِقال: إِذا مَدَدْتَ أُنْشُوطَتَه فانْحَلَّت.

بصيرة فى نصب

بصيرة فى نصب النَصْبُ مصدر نَصَبْتُ الشىءَ: إِذا أَقَمْتَه، قال النابغة الذُّبيانى: ظَلَّت أَقاطِيع أَنْعامٍ مُؤبَّلة ... لَدَى صليبٍ على الزَوْراءِ مَنْصُوب والنَّصْبُ أَيضاً: المَنْصُوب، قال الله تعالى: {إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} إِلى عَلَمٍ منصوبٍ لهم. وهَمٌّ ناصِبٌ: ذو نَصَب مثلُ لابِنٍ وتامِرٍ، فاعلٌ بمعنى مفعول فيه لأَنَّه يُنْصَب فيه ويُتْعَب كقولهم: لَيْلٌ نائِمٌ، أَى يُنام فيه. وهَمٌّ ناصِبٌ، أَى مُنْصِبٌ، قال النابغة الذبيانى: كِلِينى لِهّمٍّ يا أُمَيْمَةَ ناصِبِ ... ولَيْلٍ أُقاسِيهِ بَطِيءِ الكَواكِبِ وقرأَ زيدُ بن علىّ: {فإِذا فَرَغْتَ فانْصِب} بكسر الصّاد، قيل لغةٌ فى فتحها، ومعنى كَسْرٍ الصّاد وفَتْحها واحدٌ، وقيل: معناها فانْصِبْ نَفْسَك للدّعاءِ. ونَصَبَهُ المرضُ أَيضاً: أَتْعَبَه.

والنُّصْبُ والنُّصُبُ: ما عُبِدَ من دُون الله، مثال: يُسْر ويُسُر، قال الأَعْشَى: وذَا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّه ... لِعاقِبَةٍ واللهَ رَبَّكَ فاعْبُدَا أَراد فاعبدَن فوقف بالأَلف كما تقول زيدا [وقوله] وذا النُّصُبَ يعنى إِيّاك وهَذَا النُصُب. والأَنصاب [جَمْعُهُ] قال تعالى: {والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان} . والنُّصْب بالضَّمِّ: الشَرُّ والبَلاءُ، وكذلك النَصَبُ بفتحتين كرُشْدٍ ورَشَدِ قال الله تعالى: {بِنُصْبٍ وعَذابٍ} ، وقيل: بنُصْبٍ فى بَدنِى، وعَذابٍ فى أَهلى ومالى. وقرأَ عبيد بن عمير وعبد الله بن عبيد الله: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هذا نُصُباً} أَى نَصَبا، وقوله تعالى: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَة} أَى ذاتُ نَصَبٍ وتَعَب. وثغرٌ مُنَصَّبٌ - كمعظَّمٍ: مُسْتَوِى النَّبْتَه كأَنَّه نصب فسُوّىَ. ونَصَّبَت الخَيْلُ آذَانَها؛ شُدّدِ للكثرة أَو المبالغة. وغُبارٌ مُنْتَصِبٌ: مرتفع. والنُصْبَةُ بالضمِّ: السّارِيَة.

بصيرة فى نصت

بصيرة فى نصت نصَتَ ينْصِتُ نَصْتاً، وأَنْصَت/ إِنْصاتاً: إِذا سَكَت واسْتَمَع للحديث، قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِىءَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} يقال: أَنْصِتُوهُ، وأَنْصِتُوا له بمعنى، قال لُجَيْم بن صَعْب بن علىّ بن بكر فى حَذام بنت جَسْر بن تَيْم: إِذا قالَتْ حَذامِ فأَنْصِتُوها ... فإِنَّ القَولَ ما قالت حَذام ويروى فصدّقوها: وأَنَصَتَ فلان فلاناً: إِذا أَسْكَتَه قال: أَبوكَ الَّذى أَجْدَى عَلَىَّ بنَصْرِهِ ... فأَنْصَتَ عنَّى بَعْدَه كُلَّ قائلِ وانْتَصَتَ: سَكَتَ، قال الطِّرمّاح: يُخافِتْنَ بعضَ المَضْع من خَشْيَة الرَّدَى ... ويُنْصِتْنَ للسَّمْع انْتِصات القَناقِنِ

بصيرة فى نصح

بصيرة فى نصح النصيحة: كلمة جامعة مشتقة من مادة "ن ص ح " الموضوعة لمعنيين: أَحدهما الخلوصُ والبَقاءُ، والثانى: الالتئام والرفاءُ. يقال: نصح الشىءُ: إِذا خَلَص، ويمكن أَن يكونَ النُّصْح والنَّصِيحة من هذا المعنى، لأَنَّ الناصح يَخْلُص للمَنْصوح له عن الغش؛ والمعنى الثانى: نَصَحَ الثوبَ نَصْحاً: خاطَهُ وكذلك تَنْصَّحه، والنَّصَّاح والناصِح والناصِحىّ: الخَيّاط. والنِّصاح ككتاب: الخَيْطُ. والمِنْصَحَةُ: المِخْيَطَةُ. والمِنْصَحُ: المِخْيَطَ. وفيه مَتَنَصَّح لم يُصْلِحْه، أَى موضع خِياطَة ومُتَرَقَّعَ؛ ويمكن أَن تكون النصيحة من هذا المعنى: لأَن الناصح يرفَأُ ويُصْلح حالَ المَنْصوح له، كما يفعل الخَياط بالثوب المحروق، تقول منه: نَصَحَه ونَصَحَ له نُصْحاً ونَصِيحَةً وَنصاحَةً ونَصاحِيَةً، وفى التنزيل {وَأَنصَحُ لَكُمْ} وقال تعالى: {إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ} قال: نصَحْتُ بنى عَوْف فلم يَتَقَبُّلُوا ... رَسُولى ولم تَنْجَح لَدَيْهم وَسائِلى وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "الدِّينُ النَّصِيحةُ لله ولرسوله ولأَئمَّة المُسْلمين وعامّتهم".

قال أَبو سليمان الخطَّابى: النَّصيحةُ كلمةٌ جامعة معناها حِيازَةُ الحظِّ للمَنْصوحِ له، ويقالُ: هو من وَجِيزِ الأَسماءِ ومختصَر الكلام، فإِنَّه ليس فى كلام العرب كلمةٌ مفردة تُسْتوفَى بها العِبارات عن معنى هذه الكلمة حتى يضمَّ إِليها شىء آخر، كما قالوا فى الفلاح إِنَّه ليس فى كلام العرب كلمة أَجمعُ لخير الدنيا والآخرة منه، حتَّى صارلا يَعْدِلُهُ شىءٌ من الكلام فى معناه. قيل: الكلمة مأخوذةٌ من نَصَح: خاطَ، وقيل: من نَصَح العَسَل: صَفَّاه، شَبَّهوا تخليصَ القولِ والعَمل من شَوْب الغِشِّ والخِيانة بتخليص العَسَل من الخَلْط انتهى ملخَّص كلامه وأَقولُ: النُّصْحُ: الخُلوصُ مطلقا ولا تَقْيِيد له بالعسَل ولا بغيره كما قدّمته آنفاً. وإِعادة معنى الكلمة على معنى الخُلوص أَوْضَح. وأَمّا بيانُ أَنواع النَّصيحة [فقد] قال الشيخ أَبو زكريا: قالوا: مَدارُ الدّين على أَربعةِ أَحاديث، وأَنا أَقول بل مدارُه على هذا الحديث وَحْدَه. ثمَّ اعلم أَنَّ النَّصيحة أَقسامٌ كما بيّنه صلَّى الله علهي وسلَّم؛ فأَمّا النصيحة لِله عزَّ وجلّ فمعناها منصرفٌ إلى اعتقاد وَحْدانيّته، ووَصْفِه بما هو أَهلُه، وتَنْزِيهِه عَمّا لا يجوز عليه، والرّغبةِ في مَحابّهِ والبعد عن مَساخِطه، والإِخلاص فى عبادته، والحبّ فيه والبغض، ومُوالاة مَنْ أَطاعَه، ومُعاداة من عَصاه، وجهاد من كَفَر به، والاعتراف بنعمه والشكر عليها بالقول والفِعْل، والدّعاءِ إِلى جميع هذه الأَوصاف المذكورة، والحثَّ عليها/، والتلطُّف فى جَمْع جميع الناس أَوْ مَنْ أَمكن منهم عليها. وحقيقة هذه الإِضافة راجعةٌ إِلى العَبْد فى نُصْحِه نفسه لله، ودَعْوة غيره من الخلق إِلى هذه الخصال. والله سبحانه غنىٌّ عن نُصْح كلّ ناصح.

وأَمّا نصيحةُ كِتابِه فالإِيمان بأَنَّه كلامُ الله تعالى وتَنْزيلُه، لا يُشْبهُه شىءٌ من كلامِ الخَلْق، ولا يَقْدِرُ على مِثْله أَحدٌ من المخلوقين. ثم من نُصْحِه تِلاوتُه، وحَقُّ تِلاوَتِه إِقامةُ حُروفه وتحسينُها، والخُشوع عند الاستماع لها [و] عند قراءَتها، والذَبُّ عنه من تأَويل الغالِين وتحريفِ المُبْطِلين وطَعْن المُلْحِدين، والتصديقُ بجميع ما فيه، والوُقوفُ عند أَحكامه، والتَفقُّه فيه، والاعتبار بمواعظه، والتفكُّر فى عجائبه، والعلم بفرائضه وسُنَنِه، ونشر عُلومه، والدّعاءِ إِليه، وتعظيم أَهله وأَمّا النَّصيحةُ لرسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم فإِنَّما هى فى تصديقهِ على الرّسالة، والإِيمان بجميع ما جاءَ به، وبذلِ الطَّاعة له فيما أَمر به ونَهَى عنه، ومؤَازَرَتِه ونُصْرَتِهِ وحِمايته حَيّاً وميتا، وإِحياءِ سنَّته بالطَلَب لها والذبّ عنها، ونَشْرها وإِثارة علومها والتَّفَقُّه فى معانيها، والدّعاءِ إِليها والتلطُّف فى تعَلُّمها وتعليمها. وإِجلال أَهلها، والإِمساك عن الكلام فيها بغير فَهْم، والتأَدُّب عند قراءَتها. وأمّا النَّصيحة لأَئمة المسلمين. فإِنَّ الأَئمة هُمُ الوُلاة من الخُلَفاء الرّاشدِين ومَنْ بعدهم ممّن يلى أَمَر الأُمّة ويقوم به. ومن نصيحتهم مُعاوَنَتُهم على الحقّ وطاعتُهم فيه، وأَمرُهُم به، وتنبيهُهم وتذكيرهم برِفْق، وإِعلامُهم بما غَفَلُوا عنه، وتركُ الخروج عليهم، وتأَلُّف النَّاس لطاعتهم، والصّلاةُ خَلْفَهم، والجهادُ معهم، وأَداء الصّدقات إِليهم وأَلاَّ يغُرُّوهم بالثَّناءِ الكاذب عليهم، وأَن يُدْعَى لهم بالصّلاح. وهذا

على أَنَّ المراد بأَئمة المسلمين الوُلاة عليهم، وهو الَّذى فهمه جُمهور العلماءِ من الحديث. ويحتمل أَن يكون المرادُ به الأَئمة الذين هم عُلماءُ الدين كما قال جماعةٌ من المفسّرين فى قوله تعالى: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} إِنَّ المراد بأُولى الأَمر منكم العُلماء، فتكون نصيحتهم فى قبول ما رَوَوْهُ، وتقليدِهم فى الأَحكام لمن ليست له أَهليّة، وإِحسان الظنَّ بِهِمْ. ويُمكن حمل أَئمة المسلمين على المجموع من الأُمراءِ والعلماءِ، بناءً على القول بحمل المشترك على معنيَيْه. والله أَعلم. وأَما النَّصيحة لعامَّة المسلمين، وهم من عَدَا وُلاة الأَمْر الأُمراء والعُلماء على هذا الاحتمال، فإِرْشادُهم لمَصالحهم فى آخرتهم ودنياهم، وكفُّ الأَذَى عنهم، وسَتْرُعَوْراتهم وسدُّ خَلاَّتهم، ودفعُ المضارّ عنهم، ورفع المسارّ إِليهم، وأَمْرُهم بالمعروف ونَهْيُهم عن المنكر برفق وإِخلاص، والشفقةُ عليهم، وتنبيهُ غافِلِهم وتبصيرُ جاهلهم، ورَفْدُ مُحتاجهم، وتوقيرُ كبيرهم، ورحمةُ صغيرهم، وتَحَوُّلهم بالمَوْعظة الحسنة، وتركُ غشِّهم وحَسَدِهم، وأَنْ يُحِبَّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكرَه لهم ما يكرهُ لها، فبهذا التفصيل ظهر أَنْ حَصْر الدّين فى النَّصيحة على ظاهره، وإِنْ كان بعضُ ذلك فرضَ عين، وبعضُه فَرْضَ كفاية، وبعضه سُنَّةً، كما هو الدّين أَيضاً/ يشتمل على جميع ذلك. وفى هذا الحديث أَنَّ النصيحة تُسَمَّى دينا

وإِسلاماً، وأَنَّ الدّين يقع على العمل كما يقع على القول. والنَّصيحة فرضٌ يُجْزى فيها مَنْ قام به ويسقُط عن الباقين. والنصيحة لازمةٌ على قَدْر الطَّاقة إِذا عَلِم النَّاصحُ أَنَّه يُقبَل نُصْحُه ويُطاعُ أَمرُه، وأَمِنَ على نفسه المكروهَ، فإِن خشى أَذًى فهو فى سَعَة. وأمّا نصيحة المُلوك فهو على قَدْرِ الجاه والمنزلة عندهم، فإِذا أَمِنَ من ضَرّهِم فعليه نُصحهم، فإِن خشى على نفسه غَيَّر بقَلْبه، وإِنْ علم أَنَّه لا يَقْدِر على نُصحِهم فلا يدخلُ عليهم لأَنَّه يَفْتِنهم ويزيدهم فِتْنةً ويَذْهَبُ دينهُ معهم. قال الفُضَيْل: رُبّما يدخلُ العالِمُ على المَلِكِ ومعه شىءٌ من دِينِه فيخرجُ وليس معه شىءٌ. قيل له: وكَيْفَ ذلك؟ قال: يصدّقه فى كَذِبه، ويمدَحُه فى وَجْهه. والنَّصيحة واجبة لجميع الخَلْق مسلمين وغيرهم، وهو معنى قولِه وعامَّتهم، فيقال للكافر اتَّقِ الله تعالَى ويُدْعَى إِلى الإِسلام، ويُنْهَى عن ظُلْمه، ومنه قوله تعالى: {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} . قال الآجُرِّى: ولا يكون ناصحاً لله تعالى ولِرَسُوله، ولأَئمة المسلمين وعامَّتِهم إِلاَّ من بدأَ بالنَّصِيحة لنَفْسه، واجتهد فى طلب العِلْم والفِقْه لِيَعْرِف به ما يجب عليه، ويعلم عداوَةَ الشيطان له وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إِليه النفس حتى يخالِفَها بعِلْم. وقال الحَسنُ: مازال لِلهِ تعالى نُصحاء ينصحون للهِ فى عِباده،

وينصحون لِعبادِ الله فى حقَّ الله، ويعلمون لله تعالى فى الأَرض بالنَّصيحة، أُولئك خلفاءُ اللهِ فى الأَرْض. وحاصل الأَمر أَنَّ السّلامة من جِهَة النُّطِق بالنصّيحة فى أَحد أَمْرَيْن: الأَوّل: أَنْ تتكلم إِذا اشتهيت أَن تَسْكُت، وتَسْكُتَ إِذا اشتهيتَ أَن تتكلَّم. والأَمر الثانى: أَلاَّ تتكلَّم إِلاَّ فيما إِنْ سكتَّ عنه كنتَ عاصِياً، وإِنْ لم فلا. وإِياك الكلام عندما يُستحسَنُ كلامُك، فإِنّ الكلام فى ذلك الوقت من أَكبر الأَمراضِ، وماله دواءٌ إِلاَّ الصّمت. والله أَعلم.

بصيرة فى نصر

بصيرة فى نصر نَصَرَه على عَدُوِّه يَنصُرُه نَصْراً: أَعانَه، والاسم النُّصْرَةُ. ونُصْرَةُ الله لنا ظاهرةٌ، ونصرتُنا لِله هو النُّصْرة لِبعاده، أَو القِيام بحفظ حُدُودِه ورِعايَة عهوده، وامتثال أَوامره واجتناب نَواهِيه. قال الله تعالى: {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} . والنَّصِيرُ: الناصر، والجمع أَنصارٌ كشَرِيف وأَشْراف، وجمعُ النَّاصِر نَصْرٌ كصاحب وصَحْب، واسْتَنَصَرَه على عدوّهِ: سأَله أَنْ يَنْصُرَه عليه. وقوله تعالى: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر} أَى انْصُر. وإِنَّما قال انْتَصِرْ ولم يقلْ انْصُر تنبيهاً أَنَّ ما يَلْحقُنى يَلْحقك من حيث إِنى جئتهم بأَمرك، فإِذا نصرتَنى فقد انتصرت لنفسك. والتَّناصر: التعاون، قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} . والنَّصْرُ: العَطاءِ قال رؤبة: إِنَّى وأَسْطار سُطِرْنَ سَطْراً ... لَقائلٌ يا نَصْرُ نَصْراً نَصْراً والنَّصارَى جمع نَصْران ونَصْرانَة، مثل النَّدامَى جمع نَدْمان

ونَدْمانَة. وقيل: سُمّوا بذلك لقوله تعالى: {كونوا أَنصَارَ الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أنصاري إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنصَارُ الله} . ولم يستعمل نَصْران إِلاَّ بياءِ النَّسَب لأَنَّهم قالوا: رجل نَصْرَانِىٌّ وامرأَةٌ نصرانيّة. / ونَصَّرَهُ: جعله نصرانيّاً. وقيل: سُمُّو بذلك انْتِساباً إِلى قرية بالشَّام يقال لها نصرانة وجمعهُ: نَصارَى. ونَصَرَ الغَيْثُ الأَرضَ، أَى غاثَها. ونُصِرَت الأَرضُ فهى مَنْصُورة أَى مَمْطُورة.

بصيرة فى نصف

بصيرة فى نصف النِّصْفُ والنُّصْفُ والنَّصْفُ، بتثليث النون، أَحد شِقَّىِ الشىء والجمع: أَنْصافٌ. والنِّصْفُ أَيضاً النَّصَفَةُ، وأَنشد سيبويه للفرزدق: ولكِنَّ نِصْفاً لو سَبَبْتُ وسَبَّنىِ ... بنُو عبد شَمْسٍ من مَناف وهاشِمِ وإِناءٌ نَصْفان: إِذا بلغ الماءُ نِصْفَه، وقِرْبةٌ نَصْفَى. ونَصَفْتُ الشىءَ نَصْفاً بلغتُ نِصفَه. تقول: نَصَفْتُ القرآن، ونَصَفَ عُمْرَهُ، ونَصَف الشَّيبُ رأْسَه، ونَصَف الإِزارُ ساقَه، قال أَبو جُنْدُب: وكُنْتُ إِذا جارِى دَعا لمَضُوفَة ... أُشَمِّر حَتَّى يَنْصُفَ السّاقَ مِئْزَرِى ونَصَفَ النَّهارُ: انْتَصَفَ، قال المسيّب بنُ عَلَس يصف غائصاً: نَصَفَ النَّهارُ الماءَ غامرُهُ ... ورَفِيقُه بالغَيْبِ لا يَدَرِى يعنى والماء غامِرُه فحذف واو الحال، قال تعالى: {فَلَهَا النصف} وقال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} ، وقال تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ، وقال تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات} ، ونَصَفَهُم يَنْصِفُهم ويَنْصُفُهم نِصافاً، ونصافَةً بكسرهما أَى خَدَمَهم.

والمَتْصَفُ والمِنْصَف: الخادم. وقيل لبعضهم: ما حِرْفَتُك؟ فقال: إِذا وصِفْت نَصَفْتُ، وإِذا شَتَوْتُ قَتَوْتَ فأنا، ناصِف قاتى، فى جميع أَوقاتى. والنَّصِيفُ: النِصْفُ ومنه الحديث: "لَوْ أَنْفَقَ مِلْءَ الأرضِ ذَهَباً ما أَدركَ مُدَّ أَحَدِهم ولا نَصِيفَه". والنَّصِيفُ: الخِمارُ، ومنه الحديث فى الحُورِ: "ولَنَصِيفُ إِحداهُنَّ على رَأْسِها خيرٌ من الدُّنيا وما فيها". والنَّصَفُ - محرّكة -: المرأَةُ بين الحَدَثَة والمُسِنَّةِ. والنَّصَفُ: الخُدّام، الواحد ناصِفٌ. والنَّصَفٌ أَيضا والنَّصَفَةُ: الاسمُ من الإِنصاف، أَى العدل. وتَناصَفُوا: أَنْصَفَ بعضُهم بعضاً ومنه قوله: مَنْ ذا رَسُولٌ ناصِحٌ فَمَبَلِّغٌ ... عَنَّى عُلَيَّةَ غيرَ قِيلِ الكاذِبِ أَنَّى غَرِضْتُ إِلى تَناصُفِ وَجْهها ... غَرَضَ المُحِبّ إِلى الحَبِيبِ الغائبِ يعنى استواء المَحَاسن كأَنَّ بعضَ أَجزاءِ الوجه أَنْصَفَ بَعضاً فى أَخذ القِسْط من الجَمال.

وتَنَصَّف: خَدَمَ: وتَنَصَّفَه: اسْتَخْدَمه، ويُرْوى بَيْتُ حُرَقَةَ بنت النُّعمان بن المُنْذِر بالوجهين: بَيْنا نَسُوسُ النَّاسَ والأَمْرُ أَمْرُنا ... إِذا نَحْنُ فيهم سُوقَةٌ نَتَنَصَّف بالفَتْح أَى نخدم، وبالضمَّ أَى نستخدم، والبيت مخروم.

بصيرة فى نضو ونضج ونضخ ونضد

بصيرة فى نضو ونضج ونضخ ونضد الناصِيَةُ والناصاةُ: قُصاصُ الشَّعر. ونَصَوْتُه، وأَنْصَيْتُه، وانْتَصَيْتُه وناصَيْتُه: أَخذتُ بناصِيَتهِ [قال تعالى] : {لَنَسْفَعاً بالناصية * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} . ونواصى الناسِ: أَشْرافُهم ورؤساؤُهم. نَضِجَ الثمرُ واللَّحم نُضْجاً ونَضَجْاً، أَى أَدرك، فهو نَضْجٌ ونضيج وناضِجٌ، وأَنْضَجْتُه أَنا. ورجلٌ نَضيجُ الرأْىِ: مُحْكَمُه. ونَضَّجَت النَّاقةُ بوَلَدِها: إِذا جازَت السَّنَةَ ولم تُنْتَجْ فهى مُنَضِّجٌ، ونُوقٌ مُنَضِّجات. أَصابَهُ نَضْخٌ من كذا وهو أَكثر من النَّضْحِ، وقيل: النَّضْخُ: الرَّشُّ مثل النَضْح بالحاءِ وهما سواءٌ، تقول: نَضَخْتُ أَنْضَخُ بالفتح. وغيثٌ نَضَّاخٌ: غزيرٌ. وعَيْنٌ نَضَّاخَةٌ: كثيرةُ الماءِ، وقوله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} قال أَبو عبيدة: أَى فَوّارتان. والنَّضْخَة: المَطَرَة وأَنشد أَبو عَمْرو: لا يَفْرَحُون إِذا ما نَضْخَةٌ وَقَعَتْ ... وهم كِرامٌ إِذا اشْتَدَّ المَلازيب

نَضَدَ/ مَتاعَهُ يَنْضِدُهُ - بالكسر - نَضْداً أَى وَضَع بعضَه على بعض، فهو مَنْضُودٌ ونَضِيدٌ، وقولُه تعالى: {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ} أَى يأْتى بعضُه فى إِثْر بعْض كالبَرَد. وفى حديث مَسْرُوق: "شَجَرةُ الجَنَّةِ نَضِيدٌ من أَصْلِها إِلى فَرْعها"، يريد ليس لها سُوقٌ بارزة، ولكنَّها منضودة بالوَرَقِ والثِّمار من أَسْفَلها إِلى أَعْلاها. والنَّضَدُ: السّرير الَّذى يُنَضَّدُ عليه المتاعُ. والنَضَدُ أَيضاً: مَتاعُ البيتِ المَنْضودُ بعضُه فوق بعض، ومنه استُعِير: طَلْعٌ نَضِيدٌ. وطَلْحٌ مَنْضُودٌ، وهو المَوْز لأَنَّ بعضَه منضودٌ فوقَ بعض. والنَّضَدُ أَيضاً: الشَّرَفُ. وأَنْضادُ القَوْم: جماعُتهم. وأَنضادُ الرّجل: أَعمامُه وأَخوالُه؛ والمتقدّمون فى الشرف الذين يجتمعون لنُصْرَته. وأَنْضادُ السّحابِ: ما تراكَم وتراكَب منه. ونَضَّدَ المتاع تَنْضيداً، شُدِّد للمبالَغة.

بصيرة فى نضر ونطح

بصيرة فى نضر ونطح النَّضْرَةُ: الحُسْنُ والرَّوْنَقُ، وقد نَضَرَ وَجْهُه يَنْضُرُ نَضْرَةً، أَى حسُنَ. ونَضَر الله وَجهْهَ يتعدّى ولا يتَعدَّى، ويقال: نَضُرَ نَضارةً ككَرُم كرامَة. وفيه لغةٌ ثالثة: نَضِرَ بالكسر، حكاها أَبُو عُبَيْد. ونَضَّر الله وَجْهَه بالتشديد وأَنْضَرَهُ. وإِذا قلتَ نَضَّرَ الله امْرأً تَعْنِى نَعَّمَهُ، وفى الحديث: "نَضَّرَ الله امْرَأً سَمعَ مَقالَتِى فوَعاها"، ويقال: أَخْضَرُ ناضِرٌ كقولهم: أَصْفَرُ فاقع. والنُّضارَ - بالضمِّ - الخالِصُ من كلّ شىءٍ. والنَّضْر: الذّهب، ويجمع على أَنْضُر قال الكُمَيت: تَرَى السابِحَ الخِنْذِيذ منها كأَنَّما ... جَرَى بين لِيتَيْهِ إِلى الخَدِّ أَنْضُرُ والنُّضار أَيضاً: الذَهَبُ، وكذلك النَّضِيرُ. قال: إِذا جُرِّدَتْ يوماً حَسبْتَ خَميصَةً ... عليها وجِرْيَالَ النَّضِيرِ الدُّلامِصَا

نطَحَه الكَبْشُ يَنْطَحُه نَطْحاً. وانْتَطَحَت الكِباشُ: تَنَاطَحَتْ. والنَّطيحَةُ: المَنْطُوحة التى ماتتْ منه، وإِنَّما جاءَ بالهاءِ لِغَلَبة الاسم عليها، وكذلك الفريسة والأَكِيلَة والرَّمِيّة، لأَنَّه ليس [هو] على نَطَحْتُها فهى منطوحة، وإِنَّما هو الشىء فى نفسه ممّا يُنْطَح، والشىءُ ممّا يُفْرَسُ ومّما يُؤْكَل. ونَواطِحُ الدَّهرِ: شَدائدهُ. والنَّطيح والنَّاطِح: الذى يأْتيك منْ أَمامَكَ من الطَّيْرِ والوَحْش. وماله ناطِحٌ ولا خابِطٌ، أَى غَنَم ولا إِبلٌ.

بصيرة فى نطف

بصيرة فى نطف النُّطْفَة: الماءُ الصّافِى قليلاً كان أَو كثيراً، فمن القليل نُطْفَة الإِنسان. وفى قصّة غَزْوة هَوازِن أَنَّه قال صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً: "هل من وَضُوءٍ؟ فجاءَ رجلٌ بنُطْفَة فى إِداوَة فاقْتَضَّهَا، فأَمر بها صلَّى البله عليه وسلَّم فصُبَّتْ فى قَدَح فتوضَّأْنا كلُّنا ونحن أَربع عشرة مائة نُدَعْفِقُها" دَغْفَقَةً يريد الماءَ القليل. وقال أَبو ذُؤَيْب الهذلّى يصف عَسَلاً: فَشَرَّجَها من نُطْفَة رَجَبِيَّة ... سُلاسِلَة من ماءِ لِصْب سُلاسِل أَى خلطها بماءِ سماءٍ أَصابَهم فى رَجَب. قال الله تعالى: {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ} ، وقال {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَة عَلَقَةً} . ومن الكثير قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا يزالُ الإِسلامُ يزيد وأَهلُه، وينقُص الشِرْك وأَهلُه، حتى يسيرَ الرّاكبُ بين النُّطْفَتَيْن لا يَخْشَى إِلاَّ جَوْراً"، يريد البحرين: بحر المَشْرِق وبحر المَغْرِب، فأمّا بَحْر المشرق فإِنَّه يَنْقِطع عند البَصْرة، وأَمّا بحر المَغْرب فمنقطعه عند القُلْزُمِ. وقيل: أَراد بالنُّطْفَتَيْنِ: ماءَ الفُرات وماءَ البحر الَّذى يَلىِ جُدَّة وما والاها، وكأَنَّه أَراد أنّ الرّجل يسيرُ فى أَرضِ العرب

بين ماءِ الفُرات/ وماءٍ البَحْرِ لا يخاف شيئاً غَيْرَ الضَّلال والجَوْرِ عن الطَّريق. والجَمْع: نُطَفٌ ونِطافٌ. ونَطَفانُ الماءِ ونَطْفَه: سَيَلانُه. وليلةٌ نَطُوفٌ: تُمْطِر حتى الصَّباح. ونَطَفَ الماء يَنْطُف كنصر وضرب نَطْفاً ونَطَفاناً وتَنْطافاً ونِطافَةً: سال: قال: أَلمْ يَأْتِها أَنَّ الدُّمُوع نطافَةٌ ... لِعَيْن يُوافِى فى المنام حَبيبُها

بصيرة فى نطق

بصيرة فى نطق النُّطْقُ فى العُرْف: الأَصواتُ المُقطَّعة التى يُظهرها اللسانُ وتَعيها الآذان. ولا يكاد يُقال إِلاَّ للإِنسان، وأَمّا لغيره فعلى التبعيَّة، كقولهم: مالٌ صامِتٌ وناطقٌ، فإِنّهم يريدون بالناطق مالَهُ صَوْت، وبالصّامت: ما لا صَوْتَ له. وقد نَطَقَ الرْجلُ يَنْطِقُ نُطْقاً ومَنْطِقاً، زاد ابن عَبّاد نُطُوقاً: وقوله تعالى: {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير} قال ابنُ عرفة: إِنّما يقال لغير المخاطبين من الحيوان صَوْتٌ، والنُّطق إِنما يكون لمن عَبَّر عن مَعْنَىً، فلَّما فَهَّم الله سليمانَ صلوات الله عليه أَصوات الطَّير سَمّاه مَنْطِقاً لأَنّه عبّر به عن معنىً فَهِمَه، فهو بالنسبة إِليه ناطق وإِن كان صامتا، وبالنَّسبة إِلى من لا يَفْهَم عنه صامتٌ وإِن كان ناطقاً. قال: فأَمّا قول جرير: لقد نَطَقَ اليَومَ الحَمامُ لِتَطْرَبَا فإِن الحمام لا نطق له وإِنّما هو صوتٌ، لكن استجاز الشاعرُ ذلك لأَن عنده أَنَّ الحمام إِنّما صَوَّت شوقاً إلى أُلاَّفِهِ وبكَى، فكأَنّه ناطق إِذ عرف ما أَراد. والمنطقيُّون يسمّون القوّة الَّتى منها النُطق نُطْقاً، وإِيَّاها عَنَوْا حَيْثُ حَدُّوا الإِنسان بالحَىِّ الناطق المائت، فالنُّطْق لفظٌ مُشْتَرك عندهم بين القوّة الإِنسانية التى [يكون بها] الكلام، وبين الكلام

المَبْرَز بالصوت. وقد يُقال الناطقُ لِما يَدُلّ على شىء، وعلى هذا قيل لحكيم: ما الصّامت الناطِق؟ فقال: الدّلائل المُخْبِرَة، والعِبَر الواعِظَة. وقوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هاؤلاء يَنطِقُونَ} إِشارة إِلى أَنّهم ليسوا من [جنس] الناطقين ذَوى العقول. وقوله: {قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} فقد قيل: أَراد الاعتبارَ، ومعلوم أَنَّ الأَشياءَ كلَّها ليست تَنْطِق إِلاَّ من حيث العِبْرة. وقوله تعالى: {هاذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} فإِنّ الكتاب ناطقٌ، لكنْ نُطْقُه تُدْركه العين، كما أَنَّ الكلامَ كتابٌ لكن يُدْرَك بالسَمْع. وحقيقة النُّطْق هو اللَّفْظُ الذى هو كالنِّطاق للمعنىَ فى ضَمِّه وحَصْره. والمِنْطَقُ والمِنْطَقَةُ: ما يُشَدُّ به الوَسَط ويُنْتَطَق به. وقول علىّ رضى الله عنه: "مَنْ يَطُلْ أَيْرُ أَبيه يَنْتطقْ به" ضرب طُولَه مثلاً لكَثْرة الوَلَد. والانْتطاق مثلاً للتّقَوِّى والاعْتِضاد، والمعنى: من كَثُرَتْ إِخوته كان منهم فى عِزٍّ ومَنعَة. وقول خِداش بن زُهَيْر: ولم يَبْرَح طِوالَ الدّهر رَهْطِى ... بحَمْدِ الله مُنْتَطِقِين جُودا يريد مُؤْتَزِرين بالجُود مُنْتَطقين به.

بصيرة فى نظر

بصيرة فى نظر النَّظَرُ: تأَمُّل الشىءِ بالعَيْن، وكذلك النَّظَرانُ بالتّحريك، وقد نَظَرْتُ إِلى الشىءِ. والنظر أَيضاً: تقليب البَصِيرة لإِدراك الشىءِ ورؤيته، وقد يُراد به التأَمّل والفَحْص، وقد يُراد به المعرفةُ الحاصلةُ بعد الفَحْص. وقوله تعالى: {انظروا مَاذَا فِي السماوات} أَى تأَمّلوا. واستعمالُ النَّظَر فى البَصِر أَكثر استعمالاً عند العامّة، وفى البَصِيرة أَكثر عند الخاصّة، ويقال: نَظَرْتُ إِلى كذا: إِذا مَدَدْت طَرْفَك إِلَيْه رَأَيْتَه أَو لم تَرَه، ونظرتُ إِليه: إِذا رأَيتَه وتَدَبَّرته، قال تعالى: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ} . ونَظَرْت فى كذا: تأَمَّلْته/ قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السماوات والأرض} يراد به الحثّ على تأَمُّل حكمته فى خَلْقها. ونَظَرُ الله إِلى عباده هو إِحسانُه إِليهم، وإِفاضةُ نِعَمِه عليهم. قال تعالى: {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة} . وفى الصّحيحين: "ثلاثةٌ لا يكلِّمُهُم الله ولا يَنْظُر إِليهم: شَيْخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كذَّاب، وعَائلٌ مُسْتَكبِرٌ". والنَّظَرُ أَيضاً: الانْتظارُ قال تعالى: {انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} ، {وانتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} ، {أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}

وقوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} فَنَفَى الإِنظارَ عنهم إِشارةً إلى مانَبَّه عليه بقوله: {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} . وقوله: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أَى غير منتظرين. وقوله: {رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ} قال الزجّاج: فيه اختصار تقديره: أَرِنى نَفْسَك أَنْظُرْ إِليك. قال ابن عبّاس: أَعْطِنى النَّظر أَنْظُرْ إِليك. فإِنْ قيل كيف سأَل الرؤيةَ وقد عَلِم أَنَّ الله لا يُرَى فى الدّنيا؟ قال الحسن: هاج به الشوقُ فسأَل. وقيل: سأَل ظنّاً منه أَنه يُرَى فى الدنيا فقال الله: لن تَرانى، أَى فى الدّنيا أَو فى الحال، فإِنَّه كان يسأَل الرّؤية فى الحال. ولن ليست للتأْبيد كقوله {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} ، ثم أَخبر عنهم أَنهم يتمنَّونْ الموت فى الآخِرة، كما قال: {وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} {وياليتها كَانَتِ القاضية} ثمّ تعليق الرّؤية بممُكن وهو استقرارُ الجبل يمنع استحالَة الرّؤية. ويُستعمل النظر أَيضاً فى التَّحَيُّر فى الأَمر نحو قوله تعالى: {فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} ، {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} ، {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} ، {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكََ} كلّ ذلك نظرٌ عن تَحيُّرٍ دالٍّ على قِلَّة الغَناءِ. وقوله: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} ، قيل: تُشاهِدُون، وقيل: تَعْتَبِرون، قال:

نَظَرَ الدّهرُ إِليهم فابتهل قال أَبو القاسم: ثانى مفعولى أَرنى محذوف، أَى أَرنى نَفْسَك أَنْظُر إِليك: فإِنْ قلت: الرؤية عن النظر، فكيف قيل أَرنى أَنظر إِليك؟ قلت: معنى أَرِنِى نَفْسَك: اجعلنى متمِكِّنا من رُؤيتك بأَن تَتَدَلَّى لى فأَنظر إِليك وأَراك، ولمَّا علم أَنّ المطلوب الرّؤية لا النظر أُجِيب بِلَنْ ترانى دون لن تَنْظر. والنَّظِيرُ: المِثْلُ، والجمع: نُظَراءُ، وأَصلُه المُناظِر كأَنّ كلّ واحدِ منهما ينظرُ إِلى صاحبه فيُبارِيه. والمُناظَرَة: المُباحَثَةُ والمُباراةُ فى النَّظر، واستحْضار كل ما يَراه ببَصِيرته. والنَّظَر: البَحْثُ وهو أَعمّ من القِياس، لأَنَّ كلّ قياس نَظَرٌ، وليس كُلُّ نَظَر قياساً.

بصيرة فى نعج ونعس ونعق

بصيرة فى نعج ونعس ونعق النعَج: الابْيِضاضُ وقد نَعَج نَعَجاً مثلُ طَلَب يَطْلُب طَلَباً. والنَّاعِجَة: البَيْضاءُ من النُّوق، ويُقال: هى التى تُصاد عليها نِعاجُ الوَحْشِ. والنَّواعِجُ من الإِبِل: السِّراع. والنَّعْجَة: [الأَنثى] من الضأْن، والجمع: نِعاجٌ ونََعَجات. ونِعاجُ الرَّمْل هى البقَرُ، واحِدَتُها نَعْجَة. قال أَبو عبيد: ولا يُقال لغير البَقَرِ من الوَحْش نِعاجٌ. النُّعاسُ: الوَسَنُ، قال الله: {أَمَنَةً نُّعَاساً} وفى المَثَل: "مَطْلٌ كنُعاسِ الكَلْب" أَى دائمٌ متَّصِل، ومن شأَنْ الكَلْب أَن يفتحَ من عَيْنِيه بقدرِ ما يكفيه للحِراسَة، وذلك ساعةً فساعة. وقد نَعَسْتُ أَنْعُس بالضمّ نُعاساً، قال النابغة الجعدىّ رضى الله عنه: كأَنَّ تَنَسُّمَها مَوْهِناً ... سَنَا المِسْكِ حِين تُحِسُّ النُّعاسَا / ويُرْوَى جَنَى النَحْل، والتَنَسُّم: التَنَفُّس. ونَعَسْت نَعْسَةً واحدة. وأَنا ناعِسٌ، ولا يُقال نَعْسانُ، قاله ثَعْلَب.

وقال اللَّيث: سَمِعْناهم يقولون: نَعْسانُ ونَعْسَى، حملُوا ذلك وعلى وسْنان ووَسْنىَ، وربّما حملوا الشىءَ على نظائره، وأَحسنُ ما يكون ذلك فى شعر. وقال ابنُ دريد: رجلٌ ناعِسٌ ونَعْسانُ، ولم يفرّق، وقال الفرّاءُ: لا أَشْتهيها يعنى هذه اللُّغة نَعْسانُ. وقال الأَزهرىّ: حقيقةُ النُّعاس: السِّنَةُ من غير نَوْم، قال عَدِىُّ ابن زيد بن مالِك بن الرّقاع: وكَأَنَّها وَسْط النساءِ أَعارَها ... عَيْنَيْه أَحْورُ من جَآذِرِ جاسِم وَسْنان أَقْصَدَه النُّعاسُ فَرَنَّقَت ... فى عَيْنِه سِنَةٌ وليس بنائم وتَناعَس: تَناوَم، وأَنْعَسَ: جاءَ ببَنِينَ كَسالَى. نَعَقَ الراعِى بغَنَمِه يَنْعِقُ بالكسر نَعِيقاً ونُعاقاً، أَى صاحَ بها وزَجَرها قال الأَخطل: فانْعِق بضَأْنِك يا جَرِيرُ فإنَّما ... مَنَّتْكَ نَفْسُك فى الخَلاءِ ضَلالاً قال الله تعالى: {كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ} ، وحكى ابنُ كَيْسان نَعَق الغُرابُ بعين مهملة أَيضاً. والناعقان: كوكبان من كواكِب الجَوْزاءِ.

بصيرة فى نعل

بصيرة فى نعل النَّعْل: ما وَقَيْتَ به القَدَم من الأَرضِ، وكذلك النَّعْلَة، والجمع نِعال. ونَعِلَ - كَفَرِحَ - وتَنَعَّل، وانْتَعَل: لَبِسَها، قال تعالى: {فاخلع نَعْلَيْكَ} . والنَّعْل أَيضاً: حديدٌ فى أَسفل غِمْدِ السَّيْف؛ والقِطْعَةُ الغليظ من الأَرْضِ يَبْرُق حَصاها ولا تُنْبِتُ؛ والرّجلُ الذَّليل؛ والزَّوْجَة، وما وُقِى به حافِرُ الَّدابة. ونَعَلهم: وَهَب لهم النِّعالَ. وأَنْعَلَ فهو ناعِلٌ: كَثُرت نِعالُه، والدابَّةَ: أَلْبَسَها النَعْل كنَعَلَها. وانْتَعَل الأَرضَ: سافرَ راجِلاً. ورجلٌ ناعِلٌ ومُنْتَعِلٌ: غَنِىّ كما يُقالُ الحافِى للفقير.

بصيرة فى نعم

بصيرة فى نعم نَعَمْ ونَعِمْ ونَعامِِ، ونَحَمْ ونَحِمْ لغاتٌ، وهى حروف تصْديقٍ ووَعْدٍ وإِعْلامِ، فالأَوّل بعد الخَبَر كقامَ زيدٌ وما قام زيدٌ، والثانى بعد افْعَل أَوْ لا تفعل أَو ما فى معناهما، نحو هلاَّ تَفْعَلُ، وهلاَّ لم تَفْعَل، وبعد الاسْتِفْهام نحو هَلْ تُعْطِينى، والثالث بَعْدَ الاسْتفهام فى نحو هَلْ جاءَك زيدٌ، ونحو: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} . قيل: وتأْتى للتوكيد إِذا وقعت صَدْراً نحو: نَعَمْ هذه أَطلالُهم، والحقُّ أَنها فى ذلك حرْفُ إِعْلام وأَنها جوابٌ لسؤالٍ مقدّر. وقرأ الكِسائىّ: نَعِم بكسر العَيْن، وهى لغة كِنانة والباقون نَعَم بفتح العين. وقرأَ ابنُ مسعود نحم بإِبْدال العَيْن حاءً. قال سيبويه: أَمّا نَعَمْ فعِدَةٌ وتصديق، وأَمَّا بَلىَ فيوجب بها بعد النَّفْى، فكأَنَّه رأَى أَنَّه إِذا قيل: قامَ زيدٌ فتصديقُه نَعَمْ، وتكذيبُه لا، ويمتنع دخول بَلَى لعدم النَّفى، وإِذا قيل: ما قامَ فتصديقُه نَعَمْ، وتكذيبهُ بَلىَ، ومنه: {زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بلى} . وأَمّا نَعَم فى بيت جَحْدَر:

أَلَيْسَ الَّليْلُ يجمعُ أُمَّ عَمْرو ... وإِيّانا فذَاكَ بنا تَدانى نَعْمَ وأَرَى الهِلالَ كما تراهُ ... ويَعْلُوها النَّهارُ كما عَلانِى فجوابٌ لغير مذكورٍ، وهو ما قدّره فى اعتقاده من أَنَّ اللَّيل يجمعُه وأُمَّ عمرو، أَو هو جوابٌ لقوله: وأَرَى الهِلالَ. البيت، وقدّمه عليه، أَو لقوله: فذاك بنا تدانِى، وهو أَحسن. والله أَعلم. ونِعْمَ: كلمةٌ مستوفِيَة لجميع المَدْح، كما أَنَّ "بِئْسَ" كلمةٌ مستوفية لجميع الذمّ، فإِذا وَلِيَهُما اسم جنسٍ [ليس] فيه أَلف ولام انتصبَ، تقول بئس رَجُلاً زيدٌ ونِعْمَ صديقاً أَنتَ على التمييز. وهما فِعْلان ماضِيان/ لا يَتَصَرَّفان لأَنَّهما أُزِيلاً عن موضعهما، فنِعْمَ منقولٌ من قولك: نَعِمَ فلانٌ: إِذا أَصاب نِعْمَةً، وبئس منقولٌ من قولك [بَئسَ] فلانٌ: إِذا أَصاب بُؤساً، فنُقِلا إِلى المدح والذَمّ فشابَها الحروف فلم يَتَصَرَّفا. وفى نِعْمَ لُغاتٌ: نَعِمَ كعَلِمَ، ونِعِمَ بكسرتين، ونِعْمَ بكسر النون وسكون العين، ونَعْمَ بفتح النون وسكون العين. ويقال: إِنْ فَعَلْتَ كذا فَبِها ونِعْمَتْ، بتاءٍ ساكنة وقفاً ووصلاً أَى نِعْمَت الخَصْلَةُ. وتدخُلُ عليه ما فيُكْتَفَى بهما عن صِلَته، نحو: دَقَقْتُه دَقَّا نِعِمَّا ونِعَمَّا بفتح العين أَى نِعْم ما دَقَقْته.

والنِّعْمَة والنَّعِيم والنُّعْمَى: الخَفْضُ والدَّعَةُ، والمالُ. وجمعُ النِّعمة: نِعَمٌ، وأَنْعُمٌ. والتَنَعُّم: التَّرَفُّه. والاسم النَّعْمَة، وقد نَعِمَ بالكسر يَنْعَمُ ويَنْعُمُ ويَنْعِمُ. وهذا منزلٌ يَنْعَمُهُم مُثَلَّنا، ويُنْعِمُهم عن الفَرّاءِ، قال تعالى: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ} الإِنعام: الإِحسان إِلى الغير ولا يُقال إِلاَّ إِذا كان المُحْسَن إِليه من النَّاطِقين، فلا يقال أَنْعَمَ على فَرَسِه. ونَعَّمَهُ تنعيماً: جعله فى نِعْمَةِ ولينِ عَيْش. وطعامٌ ناعِمٌ، وجارِيةٌ ناعِمةٌ ومُناعِمَة ومُناعَمَة ومُنَعَّمة: حَسَنةُ العَيْش والغذاءِ. وقيل: النِّعْمَة، والنُّعْمَى بالضمّ، والنَّعْماءُ بالفتح والمدّ: اليَدُ البَيْضاءُ الصَّالحةُ، والجمع: أَنْعُمٌ ونِعَمٌ ونِعِمَاتُ. وأَنْعَمَها الله عَلَيْه، وأَنْعَمَ بها. ونَعِيمُ الله: عَطِيَّته، ومنه {جَنَّةَ نَعِيمٍ} ونَعِمَ اللهُ، بك ونَعِمَكَ، وأَنْعَمَ بك عَيْناً: أَقرَّ بك عَيْنَ مَنْ تُحِبُّه، أَو أَقرَّ عينَك بِمَن تُحبُّه. ونَعْمُ عَيْن ونُعْمُ عَيْنٍ، وَنَعْمَةُ، ونُعْمَةُ، ونِعْمَةُ، ونُعْمَى، ونَعامُ، ونُعامُ، ونِعامُ، ونَعِيمُ، ونَعامَى عَيْنٍ، يُنْصَبُ الكُلُّ بإِضمار الفِعْل، أَى أَفعل ذلك إِنْعاماً لعينك وإِكراماً. والنَّعَمُ مختصٌّ بالإِبل، وقيل: بها وبالشاءِ، قيل: وبالبَقَرِ، والجمع أَنْعامٌ، وأَناعيمُ جمع الجمع، قال تعالى: {وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشاً}

قيل: ولا يقال الأَنْعام حتى يكونَ فى جملتها الإِبل، قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ} : وقوله تعالى: {وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام} والأَنْعام هاهُنا عامّ فى الإِبل وغيرِها. والنُّعامَى بالضمّ: ريحُ الجَنُوب، وقيل: ريحٌ بين الجَنُوب والصَّبا. والنَّعام والنَّعائِم: من مَنازِل القمر. وتَنَعَّمه بالمكان: طَلَبَه.

بصيرة فى نغض. نفث ونفح ونفخ

بصيرة فى نغض. نفث ونفح ونفخ النَّغْضُ: الظليمِ الَّذى يَنْغُضُ رأَسَه كثيراً، قال العجّاج: واسْتَبْدلَتْ رُسُومَه سَفَنَّجَا ... أَصَكَّ نَغْضاً لايَنِى مُسْتَهْدَجَا ونَغَضَ رأَسُه ينغُض ويَنْغِض كينصُر ويضرِب نَغْضاً ونُغوضاً ونَغَضاناً، أَى تَحَرَّكَ، ويقال أَيضاً: نَغَضَ فلانٌ رَأْسَهُ أَى حَرَّكه، لازمٌ ومُتَعَدٍّ، حكاه الأَخْفَش. وكلّ حركةٍ فى ارْتِجاف نَغْضٌ، قال: سَأَلْتُ هَلْ وَصْلٌ فقالت: مِضِّ ... وَحَّركَتْ إِلّى رَأَسَها بالنَغْضِ وأَنْغَضَ رَأْسَه، أَى حَرَّكه كالمُتَعَجِّب من الشىءِ قال الله تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} أَى يُحرّكونها على سبيل الهزءِ والنُّغْضُ - بالضمّ وبالفتح - والناغِضُ: [غُرْضوفُ] الكَتِف، وقيل: فَرْعُ الكَتِف لِتَحركه ونَغَضانه. النَّفْثُ: شبيهٌ بالنَّفْخ، وهو أَقل من التَّفْل. وقد نَفَثَ الراقِى

يَنْفُثُ، ويَنْفِثُ. والنفّاثاتُ فى العُقَد: السَّواحِرُ. وفى المثل: "لابُدَّ للمَصْدُورِ أَنْ يَنْفُث". ونُفاثَةُ السِّواك ما بَقِىَ منه فى فِيكَ. نَفَح الطِّيبُ يَنْفَحُ، أَى فاحَ. وله نَفْحَةٌ طَيِّبةٌ. ونَفَحَهُ بشَىْءٍ: أَعطاه. ولفُلان نفحاتٌ من المَعْروف، قال: لَمَّا أَتَيْتُك أَرْجُو فَضْلَ نائِلِكم ... نَفَحْتَنِى نَفْحَةً طابَتْ لها العَرَبُ /أَى طابت لها النَّفْسُ. ونَفَحت الرّيح: هَبَّت. قال الأَصمعىُّ: ما كان من الرّياح نَفْحٌ فهو بَرْدٌ، وما كان لَفْحٌ فهو حَرٌّ. ونَفْحَةٌ من العَذاب: قطعةٌ منه، قال تعالى: {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} أَى قطعةٌ منه، وهى إِمَّا من نَفَحَت الدّابَّة: إِذا رَمَتْ بحافرها، أَو من نَفَحَهُ بالسَّيْفِ: ضَرَبَه به، أَو من نَفَحَت الرِّيحُ: هَبَّتْ. ونافَحَهُ: كافحَه وخاصَمَه. النَّفْخُ: نَفْخُ الرِّيح فى الشىءِ، نَفَخَ فيه ونَفَخَهُ لُغتان، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصور} نحو قوله: {فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور} قال الشاعر:

لَوْلا ابنُ جَعْدَة لم يُفْتَح قُهُنْدُزُكُمْ ... ولا خُراسانُ حتَّى يُنْفَخَ الصُّورِ وقال تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} . وانْتَفَخ البَطْنُ: امْتَلأَ ريحاً. وانْتَفَخ النَّهار: عَلا.

بصيرة فى نفد ونفذ

بصيرة فى نفد ونفذ نَفِدَ الشَّىْءُ بالكسر نَفاداً: فَنِىَ، وأَنْفَدْتُه أَنا، قال تعالى: {لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البحر} ، وقال تعالى: {إِنَّ هاذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} . وأَنْفَدَ القومُ: ذَهَبَت أَموالُهم أَو فَنِيَت أَزْوادُهم. قال إِبراهيم بن على بن محمد بن هَرْمَة: أَغَرُّ كمِثْلِ البَدْرِ يَسْتَمْطِر النَّدَى ... وَيَهْتَزُّ مُرْتاحاً إِذا هُوَ أَنْفَدَا وأَنْفَدُوا: صادَفُوا نَفاداً لما كانوا يطلبونَه. واسْتَنْفَدَ ما عند فلان وانْتَفَدَه: استَوْفاهُ. وفيه مُنْتَفَدٌ عن غَيْرِه، أَى مَنْدُوح وَسَعَةٌ، قال الأَخطل يمدح عبد الله بن مُعاوية بنِ أَبى سُفْيان: لَقَدْ نَزَلْتِ بعَبْدالله مَنْزِلَةً ... فيها عن الفقر مَنْجاةٌ ومُنْتفَدُ نَفَذَ السَّهْمُ الرَّمِيّة يَنْفُذ نَفاذاً ونُفوذاً: خَرَج. ونفذَ الأَمْرُ والحُكْمُ والقضاءُ: مَضَى. ورجلٌ نافِذٌ فى أَمْرِه، أَى ماضٍ. وأَنْفَذْتُه أَنا قال تعالى: {فانفذوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} . ونَفَّذَ الأَمَر تَنْفِيذاً: أَمْضاه، وفى الحديث: "نَفِّذُوا جَيْشَ أُسامة"

وفى حديث ابنِ مسعودٍ رضى الله عنه: "إِنَّكم مجموعون فى صَعِيد واحد، يُسْمِعُكم الدّاعِى وَيَنْفُذُكم البَصَرُ"، يقال منه: أَنْفَذْتُ القوم إِذا خَرَقْتَهم ومَشَيْتَ فى وَسطهم، فإِن جُزْتَهم حتى تُخَلِّفَهم قلت: نَفَذْتُهم أَنْفُذُهم. قال أَبو زَيْدٍ: يُنْفِذُهم البَصَرُ إِنفاذاً: إِذا جاوَزَهم. وقال الكسائى: نَفَذَنى البصُر، أَى بلغنى وجازَنى. قال أَبو عُبَيْد: معناه أَنَّه يَنْفُذُهم بَصَرُ الرّحمان تبارك وتعالى حتى يأَتِىَ عليهم كلِّهم ويُسمعَهم داعيه.

بصيرة فى نفر ونفس

بصيرة فى نفر ونفس نَفَرت الدَّابَّةُ تَنْفُرُ وتَنْفِر نِفاراً ونُفُوراً، أَى انْزَعَجَت عن شىءٍ فَزِعَتْ منه، قال تعالى: {مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً} وفى الدّابة نِفارٌ، وهو اسمٌ مثل الحِران. ونَفَرَ القومُ فى الأَمْرِ: مَضَوْا فِيه. ونَفَر الحاجُّ من مِنًى نَفْراً. والنَّفِيرُ: الذين يَتقدَّمُون فى الأَمر. وجاءَتْ نَفْرَةُ بَنِى فُلان ونَفِيرُهم، أَى جماعَتُهم الَّذين يَنْفِرُون فى الأَمْرِ. والإِنْفارُ عن الشىءِ، والتَّنْفِيرُ [عنه] والاستِنْفارُ كلُّه بمعنىً واحد. والاسْتِنْفارُ أَيضاً مثلُ النُّفُورِ قال الشاعر: ازْجُرْ حِمارَك إِنَّه مُسْتَنْفِرٌ ... فى إِثْرِ أَحْمِرَة عَمَدْنَ لِغُرَّب ومنه قوله تعالى {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} أَى نافِرَة، وقرئ بفتح الفاءِ، أى مَذْعوَرة. النَّفْسُ: الرُّوح، يقال: خرجت نَفْسُه، أَى رُوحُه قال: نَجا سالِمٌ والنَّفْسُ منهُ بشِدْقِه ... ولم يَنْجُ إِلاَّ جَفْنَ سَيْف ومِئزَرَا

أَى بجَفْنِ سَيْف وبمئزر. والنَّفْسُ أَيضا الدَّمُ. والنَّفْس: الجَسَد. والنَّفْس: العَيْنُ، أَصابَتْه نَفْسٌ أَى عَيْن. والنافِسُ: العائن، "ونهى عن الرُّقَى إِلاَّ فى ثلاث: النَّمْلَة والحُمَة والنَفْس". وقال تعالى: {ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} قال ابن عَرَفَة: أَى بأَهل الإِيمان/ وأَهلِ شَرِيعَتِهم. وقوله تعالى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} فترك ذكر الخَلْق وأُضِيف إِلى النَّفْسِ وهذه كما قال النَّابغة الذُّبْيانّى: وقد خِفْتُ حَتَّى ما تَزِيد مَخافَتِى ... عَلَى وَعِلٍ فى ذى المَطَارَةِ عَاقِل أَى على مَخافةِ وَعِل. والنَّفْس: العِنْدُ، قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} أَى تعلم ما عِنْدِى ولا أَعلم ما عنْدَك، وقال ابنُ الأَنبارى: أَى تعلم ما فى نَفْسى ولا أَعلم ما فى غَيْبك. وقيل: تعلم حَقِيقتى ولا أَعلم حقيقتك. ونَفْسُ الشىء: عَيْنهُ، يؤكَّد به يقال: رأَيتُ فلانا نَفْسَه، وجاءََنى المَلِكُ بنَفْسِه. والنَّفْسُ: قَدْرُ دَبْغَة من القَرَظِ ونحوِه، بعثتْ أَعْرابيّةٌ ابْنتَها إِلى جارَتِها فقالت: تَقُولُ لكِ أُمِّى أَعْطِينى نَفْساً أَو نَفْسيْنِ أَمْعَسُ به

مَنِيئَتى فإِنى أَفِدَةٌ. أَى مستعجلَةٌ لا أَتفرَّغُ لاتخاذِ الدِّباغ. وقال ابنُ الأَعرابىّ: النَّفْسُ: العَظَمةُ، والنَّفْسُ: الكِبْرُ، والنَّفْسُ: العِزَّةُ، والنَّفْسُ: الهِمَّةُ، والنَّفْسُ: الأَنْفَةُ. والنَّفْسُ بالتحريك: واحدُ الأَنْفاسِ. وفى الحديث: "أَجِدُ نَفَس رَبِّكم من قِبَلِ اليَمَن" وهو مستعار من نَفَسِ الهَواءِ الذى يَرُدُّه المُتَنَفِّس إِلى جَوْفه فيُبْرِد من حرارته ويُعدِّلها، أَو من نَفَسِ الرِّيح الَّذى يَتَنَسَّمُه فيَسْتَرْوح إِليه وينفِّس عنه، أَو من نَفَس الرّوضة، وهو طِيبُ رَوَائجها الَّذى يتشمّمه فينفرج به لِمَا أَنْعَمَ به ربّ العِزَّة من التَنْفِيس والفَرَج وإِزلَة الكُرْبَة. ومنه قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تَسُبُّوا الرِّيح فإِنَّها من نَفَسِ الرَّحْمان" يريد بها أَنَّها تفرّج الكرب وتنشر الغَيْثَ وتُنْشِئُ السّحاب، وتُذْهِب الجَدْب. وقوله: من قِبَلِ اليمن أَراد به ما تيسّر له من أَهل المدينة على ساكنيها السّلام من النُّصْرَة والإِيواءِ، ونَفَّسَ الله الكرب عن المؤمنين بأَهْلِها، وهمَ يمانون. ويقال: أَنت فى نَفَس من أَمْرِك، أَى فى سَعَة، واعْمَلْ وأَنْتَ فى نَفَس من عُمْرِك، أَى فى فُسْحَةٍ قبْلَ الهَرَم والمَرَض ونحوهما. قال: الأَزهرّى: النَّفَسُ فى هذين الحديثين اسمٌ وُضِع موضع المصدر الحقيقىّ من نَفَّس يُنَفِّس تَنْفِيساً وَنَفَساً، كما يقال: فَرَّج يُفَرِّجُ تَفْرِيجاً، وفَرَجاً، كأَنَّه قال أَجِدُ تَنْفِيس

ربِّكم من قِبَل اليَمَن. وكذلك قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم فإِنَّه من نَفَس الرَحْمنِ، أَى من تَنْفِيس الله بها عن المَكْرُوبين. والنَّفَسُ: الجُرْعَة، يقال: اكْرَعْ فى الإِناءِ نَفَساً أَو نَفَسَيْن ولا تَزِدْ عليه. وشرابٌ غيرُ ذِى نَفَس، أَى كَرِيه آجِن أَى متغيّر، إِذا ذاقه ذائقٌ لم يَتَنَفَّس فيه، إِنَّما هى الشَّرْبة الأُولى. قال الراعى: وشَرْبَةٍ من شرابٍ غَيْرِ ذى نَفَس ... فى كَوْكَبٍ من نُجُومِ القَيْظِ وهّاج سَقَيْتُها صادِياً تَهْوى مسامِعُه ... قد ظَنَّ أَنْ لَيْسَ مِنْ أَصحابِه ناجى وشَرابٌ ذو نَفَس، أَى فيه سَعَةٌ ورِىٌّ. وشىءِ نَفِيسٌ ومَنْفُوسٌ: يُتَنافس فيه ويُرْغَب، قال جرير: لو لم ترد قتلنا جادث بمطرف ... مما يخالط حبّ القلب منفوس المُطَّرَف: المستطرف. ولُفلان نَفِيسٌ، أَى مالٌ كثير. ونَفِسْتُ عليه الشىءَ: إِذا ِلم تَطِبْ نَفْسُك له به. ونَفسْتُ به عَنْ فلان: بَخِلْت عليه وعنه، ومنه قوله تعالى: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} . ونَفُسَ الشىءُ نَفَاسَةً ككَرُم كَرامَةً: صارَ مرغوباً فيه. ومالٌ مُنْفِسٌ ومُنْفَسٌ: كثيرٌ نَفِيسٌ، قال النَّمِر بن تَوْلَب رضى الله عنه:

/لا تَجْزَعى إِنْ مُنْفساً أَهْلَكْتُه ... وإِذا هَلَكْتُ فعِنْدَ ذلك فاجْزَعى ونَهَى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن التَنَفُّس فى الإِناءِ، أَى أَنْ يَتَنَفَّس فى الإِناءِ من غَيْرِ أَنْ يُبينَه عن فَمِه. وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يَتَنَفَّسُ فى الإِناءِ ثلاثاً، أَى يشرَبُه بثلاثة أَنْفاس فيُبينُ فاهُ عن الإِناءِ فى كلّ نَفس. وتَنَفَّسَ الصُّبْحَ: تَبَلَّجَ، قال الله تعالى: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} . وتَنَفَّسَت القَوْسُ: تَصَدَّعَت. وَتَنَفَّسَ النَّهار: زادَ وطالَ. ونافَسْتُ فى الشىء: إِذا رَغِبْتَ فيه على وَجْه المُباراة فى الكَرَم. وتَنافَسُوا فيه، أَى رَغِبُوا، ومنه قولُه تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون} .

بصيرة فى نفش

بصيرة فى نفش نَفَشَ القُظْنَ وغيرَه: إِذا شَعَّثْتَه بأَصابِعك حتى يَنْتَشِرَ، قال الله تعالى: {كالعهن المنفوش} وقال رؤبة: كالبُوِه تحت الظُّلَّة المَرْشُوِش ... فى هِبْرِيات الكُرْسُفِ المَنْفُوش وقال آخر يصف غُباراً: تَنْفُشُ منه الخَيْلُ مالا تَعْزلُه ونَفَشَتِ الغَنَمُ فى الزَّرع: إِذا رَعَتْه ليلاً بلا رَاع، عن ابن دريد، قال: ولا يُقال ذلك إلاَّ للغَنم، قال تعالى: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم} ، قال ابن دريد: وأَمّا الإِبِلُ فيقال فيها: عَشَتْ تَعْشُو عَشْواً، وهو أَصل قولهم فى المثل: "العاشِيَة تَهِيجُ الآبِيَةَ"، ولا يُقال للإِبل نَفَشَت. والصَّحيحُ أَنَّه يقال ذلك للإِبل والغَنَم، ومنه حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنه عنهما أنَّه قال: "الحَبَّة فى الجنَّة مثْلُ كَرش البعير يبيتُ نافشاً" فجعل النُّفُوشَ للبعير. وهى إِبلٌ نَفَشٌ بالتحريك، ونُفَّاشٌ ونَوَافشُ،

وقد نَفَشَ يَنْفُش مثال نَصَر يَنْصُر، ويَنْفِشُ مثال يَضْرِبُ، ونَفَشَتْ تَنْفَشُ مثال سَمِعَت تَسْمَع. وقال ابنُ الأَعرابىّ: النَّفَشُ - بالتحريك -: الصّوفُ. والنَّفِيشُ: المَتاعُ المَتَفَرِّق فى الغِرارَة. وكل شىءٍ تراه مُنْتَبِراً رِخْوَ الجوْف فهو مُنْتَفِشٌ، وُمَتَنَفِّشٌ.

بصيرة فى نفع ونفق

بصيرة فى نفع ونفق النَفْعُ: ما يُستعان به فى الوُصول إلى الخيرات، وما يتوصّل به إِلى الخَيْر [فهو] خَيْرٌ، ومنه قولُه تعالى: {مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} ، وقال تعالى: {وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} ، وقال صلَّى الله عليه وسلًّم: "ما نَفَعَنِى [مالٌ قط ما نفعنى] مال أَبى بكر"، والاسمُ: المَنْفَعَة، والنَّفاعُ كسَحاب، والنَّفِيعَة، عن اللِّحيانى، قال: وإِنّى لأَرْجُو من سُعادَ نَفِيعَةً ... وإِنِّىَ من عَيْنَى جمال لأَوْجَرُ أَوْجَرُ، أَى مرتاب. والنُّفُوع: الكثير النَّفع، كالنَّفّاع، أَنشد سيبويه: كم فى بَنِى سَعْدِ ابنِ بَكْرٍ سيّدٌ ... ضَخْم الدَّسِيعة ماجِدٌ نَفَّاعُ النَّفَقُ، يدّل على انْقِطاع الشىءِ وذَهابِه، وتارةً على إِخفاءِ الشىءِ وإِغْماضِه، وعلى مُضِىِّ شىءٍ ونَفاذه، ومنه نَفَقَ البيعُ نَفاقاً: راجَ، وفى المثل: "دُونَ هذا ويَنْفُق الحمارُ". ونَفَقَت الدّابةُ نَفوقاً: ماتَتْ. والنَفَقَةُ: [ما أُنفق] من الدّاهم وغيرها، والجمع نفاقٌ بالكسر،

مثل ثَمَرَة وثِمار. ويُقال: نَفقَتْ نفاقُ القَوْم تَنْفَق نَفَقاً بالتَّحريكْ أَى فَنِيتْ نَفَقاتهم. ورجلٌ مِنْفَاقٌ: كثيرُ النَّفَقَةِ. وأَنْفَقَ الرجلُ مالَه، قال تعالى: {إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق} أى خَشْيَةَ الفَناءِ والنَّفاد، وقال قتادَة: أَى خشْية إِنْفاقه. وقال {الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بالليل والنهار} . وقال {والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} . وأَنْفَقَ القَوْمُ: نَفَقَتْ سُوقُهم. ونَفَّق السِّلْعَةَ تَنْفِيقاً: رَوَّجَها. والنَّفَقُ/: السَّرَبُ فى الأَرضِ له مَخْلَص إِلى مكانٍ [آخر] ، قال الله تعالى: {فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرض} ، وفى المثل: "ضَلّ دُرَيْصٌ نَفَقَهُ"، يضرب لمن يُعْنَى بأَمْره ويُعِدُّ حُجّةً لخَصْمه فينسَى عند الحاجة. والنافِقاءُ: إِحدَى جِحَرَة اليَرْبُوع يكتُمُها ويُظْهِر غَيْرَها، وهو موضعٌ يُرَقِّقه فإِذا أُتِىَ من جِهة القاصِعاءِ ضَرب بَرأْسِه النَّافِقاءَ وخرجَ، ومنه المُنافقُ فإِنَّه يدخل فى الدّين من باب ويخرجُ من بابَ. وعلى هذا نبّه بقوله: {إِنَّ المنافقين هُمُ الْفَاسِقُونَ} أَى الخارجُون عن الدّين والشرع. وجعل الله المنافقين شرّاً من الكافرين فقال: {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} .

وقيل: وردت النَّفَقَةُ فى القرآن على وجوه: بمَعْنَى فَرْضِ الزَّكاة: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} أَى يزكوّن ويَتَصدّقون. وبمعنى التَطَوُّع بالصّدقات: {الذين يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ والضرآء} {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً} {الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بالليل والنهار} أَى يتطَّوعُون بالصّدَقَة. وبمعنَى الإِنْفاق فى الجهاد: {وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} ، {الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله} ، {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح} . وبمعنى الإِنْفاقِ على العِيال والأَهل: {وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ} ، {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} . وبمعنى الإِنْفاق فى عِمارةِ الدُّنيا والنَّدَم عليه: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا} . وبمعنى الفَقْر والإِمْلاق: {إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق} . وبمعنى رزْق الحَقّ الخَلْقَ فى عُموم الحالات: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} أَى يرزقُ.

وبمعنى نَفَقَةِ المُخْلِصين طَلَباً لمرضاتِ الله تعالى: {وَمَثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابتغآء مَرْضَاتِ الله} . وبمعنى نَفَقَةِ اليهودِ أَموالَهم تقويةً للكُفْر: {كالذي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ الناس} ، {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هاذه الحياة الدنيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ} . وبمعنى إِنْفاقِ المُؤمنين أَمْوالَهم انتظاراً للثَّوابِ: {ياأيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} ، {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ الله يَعْلَمُهُ} ، {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} . وقال الشاعر: أَنْفِقْ من الصَّبْرِ الجَمِيلِ فإِنَّهُ ... لم يَخْشَ فَقْراً مُنْفِقٌ من صَبْرِهِ والمرءُ ليسَ بِبالغ فى أَرْضهِ ... كالصَّقْرِ ليسَ بصائد فى وَكْرهِ وقال آخر: زَمَانٌ كُلُّ حبٍّ فيه خبٌّ ... وطَعْمُ الخلّ خَلٌّ لَوْ يُذاقُ لَهُمْ سُوقٌ بضاعَتُها نِفاقٌ ... فنافقْ فالنِّفاقُ لها نَفاقُ

بصيرة فى نفل

بصيرة فى نفل النَّفَلُ: الغَنِيمة بعَيْنها لأَنَّها من فَضْلِ الله وعَطائه، قال لَبيدٌ: إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَل والنَّفَلُ: ما يُنْفَلُهُ الغازِى، أَى يُعطاه زائداً على سَهْمه من المَغْنَم. وقيل: اختلفت العِبارة عن النَّفَل لاختْلافِ الاعْتبار، فإِنَّه إِذا اعْتُبِر بكونه مَظْفُوراً به يُقال له غنيمةٌ، وإِذا اعْتُبِر بكونه مِنْحَةً من الله ابتداءً من غير وُجوبٍ يقالُ له نَفَلٌ. ومنهم من فَرَقَ بينهما من حيثُ العُمومُ والخُصوص، فقال: الغنيمةُ ما حصل مُسْتَغْنَماً بتَعَب كان أَو غير تعب، وباسْتِحقاقٍ كان أَو غَيْرِ اسْتِحقاق، وقَبْلَ الظَّفَرِ كان أَو بَعْدَه؛ والنَّفَل: ما يحصُل للإِنسان قبلَ القِسْمة من جُملة الغَنيمة، وقيل: هو ما يحصُل للمسلمين بَغْير قِتال، وهو الفَىْء. وقيل: هو ما يَفْضُل من المَتاع ونحوه بعد قَسْم الغَنيمة، وعلى ذلك حَمَل بعضُهم قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} أَى عن حكم الأَنْفال. وقيل/ عَنْ بمعنى منْ، أى

من الأَنْفال، وقيل: عن صِلَةٌ، أَى يسأَلونك الأَنفالَ وبه قرأَ ابنُ مسعود، وعلى هذا [يكون] سؤال طَلَب، وعلى الأَوّل سُؤال اسْتِخْبار، وهو قولُ الضَّحّاك وعِكْرمَة. قيل: سُمِّيَت الغَنائم أَنفالاً لأَنَّها زيادةٌ من الله تعالَى لهذه الأُمّة على الخُصوص. وأَكثر المُفَسِّرين على أَنَّ الآية فى غنائم "بَدْرٍ". وقال عَطاءٌ: هى ما شذَّ من المشركين إِلى المسلمين بغيرِ قتال من: عَبْد أَو أَمة أو مَتاع فهو للنَّبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم يصنعُ به ما شاءَ، وأَصل ذلك من النفل وهو الزيادةُ على الواجب، ومنه قوله تعالى: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} ، وعلى هذا قوله أَيضاً: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} ، وهو وَلَدُ الوَلَد [وفى الحديث] : "قال الله تعالى لا يَزالُ العَبْدُ يَتَقَرَّب إِلّى بالنَّوافل حتَّى أُحِبَّه، فإِذا أَحْبَبْتُه كنت سَمْعَه وبَصَره" الحديث. وجمعُ الأَنْفال نُفُل بضمّ النون.

بصيرة فى نفى ونقب

بصيرة فى نفى ونقب نَفاهُ يَنْفِيهِ ويَنْفُوه: نَحَّاه، فَنَفَا هُوَ، لازمٌ ومتعدٍّ. وانْتَفَى: تَنحَّى. ونَفَى الريحُ التُرابَ نفْياً ونَفَياناً: أَطارَتْه، قال الله تعالى: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض} . النَّقْب: الطَّرِيقُ فى الجَبَل، والجمع: أَنْقابٌ. ونَقَبَ الجِدارَ نَقْباً: ثَقَبَهُ، واسم تلك النَّقْبَةِ نَقْبٌ أَيضا. ونَقِبَ الخُفُّ المَلْبُوس، أَى تَخَرَّقَ. وقرأَ مُقاتِلُ بن سليمان: {فَنَقِبُوا فى البِلاد} بكسر القاف المخفَّفة، أَى سارُوا فى الأَنْقاب حتَّى لَزِمَهم الوصفُ به. وقرأَ الأَعْمَشُ والحَسَن البَصرىّ و [أَبو] عبيد: فَنقَبُوا بفتح القافِ المُخفَّفة على أَصْلِ الفِعْل، أَى سارُوا. وقال ابنُ مُقَسَّم: هو من النَّقابة، أَى اللَّطافة فى النَظَر والحَذاقَةِ فى الأُمورِ. وأَنْقَب الرّجل فى البلاد، ونَقَّب فيها: سارَ فيها، ومنه قِراءَة الجمهور: {فَنَقَّبُوا فى البلاد} ، وحقيقته ساروا فى نُقُوبها، أَى طُرُقها، الواحد نَقْب، أَى ساروا فيها طلباً للمَهْرَب. والنُّقْبَة - بالضمّ -: أَوّلُ ما يَبْدُو من الجَرَبِ قِطَعاً متفَّرِّقة، وهى من النَّقْب لأَنَّها تَنْقُبُ الجِلْدَ، والجمع نُقْبٌ، قال دريدُ بن الصِّمَّة:

ما إِنْ رَأَيتُ ولا سَمِعْتُ به ... كاليوم هانئ أَيْنُق جُرْبِ مُتَبَذِّلاً تَبْدُوا مَحاسِنُه ... يَضَع الهَناءَ مَواضِع النُّقْبِ والنُّقْبَةُ أَيضاً: اللَّوْنُ والوَجْه، قال ذو الرُمَّة يصف ثَوْراً: ولاح أَزْهَرُ مشهورٌ بنُقْبَته ... كأَنَّه حينَ يَعْلُو عاقِراً لَهَبُ والنُّقْبَة أَيضاً: ثَوْبٌ كالإِزارِ يُجْعَلُ له حُجْزَة مَخِيطَةٌ من غير نَيْفَقٍ ولا ساقَيْن، ويُشَدُّ كما يُشَدُّ السَّراويلُ. والنُّقْبَةُ أَيضاً: الصّدَأُ، قال لبيدٌ رضى الله عنه يصف ثوراً: إِذا وَكَف الغُصونُ على قُراه ... أَدارَ الرَّوْق حالاً بعد حالِ جُنوح الهالِكِىّ على يَدَيْهِ ... مُكِبّاً يَجْتَلىِ نُقَبَ النِّصال

بصيرة فى نقذ ونقر

بصيرة فى نقذ ونقر النَّقَذُ - بالتحريك -: ما أَنْقَذْتَه، وهو فَعَلٌ بمعنى مفعولٌ، مثل نَفَض، وقَبَض، وهَدَم. وقال ابنُ دريد: النَّقَذُ مصدر نَقِذَ بالكسر يَنْقَذُ نَقَذاً - بالتحريك -: إِذا نَجَا. وقال ابنُ السكِّيت: ما به شَقَذٌ ولا نَقَذٌ، أَى ما به حَراكٌ. وقال اللَّحيانىّ: أَى ماله شىءٌ. قال: ويقال ما فيه شَقَذٌ ولا نَقَذٌ، أَى ما فيه عَيْبٌ. والنَّقْذ بالفتح: الإِنْقاذُ، قال لُقَيْم بن أَوْس الشَّيْبانِىّ: أَوْ كان شُكْرُك أَنْ زَعَمْتَ نَفاسَةً ... نَقْذِيكَ أَمْسِ ولَيْتَنِى لم أَشْهَدِ نَقْذيكَ كما تقولُ: ضَرْبِيك، أَى نَقْذِى إِيّاك. وقوله تعالى: {فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا} أَى أَنجاكُم وخَلَّصكم. واسْتَنْقَذْتُه، وتَنَقَّذْتُه: خَلَّصْتُه ونَجَّيْنُه، قال الله تعالى: {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} . والنَّقائِذُ من الخيل: ما أَنْقَذْتَه من العَدُوِّ وأَخَذَتْه منهم، الواحدة نَقيذَةٌ/. والنَّقِيذَة أَيضاً: الدِّرع لأَنَّها تُنْقِذ لابِسَها من السُّيُوف، قال يَزِيدُ بن الصَّعِق:

أَعْدَدْتَ للحِدْثانِ كُلَّ نَقِيذَةٍ ... أُنُف كلائحةِ المُضِلّ جَرُورِ أُنُفٌ: لم يَلْبَسها غيرُه. لائحةُ المُضِلّ: يَعْنِى السَّراب، جَعَلَه تبرق كالسَّرابِ لجِدَّتها، وقيلُ: أُنُفٌ أَى سابِغَةٌ. نَقَرَ الطائرُ الحَبَّة يَنْقُرُها نَقْراً: الْتَقَطَها، ونَقَرْتُ الشىءَ: نَقَبْتُه بالمِنْقار. والنَّاقورُ: الصُّور، قال الله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور} أَى فى الصُّور. ونَقَرَ الرَّحَى: نَقَشَها بالمِنْقارِ. واحْتَجَمَ فى نُقْرَةِ القَفا. ونَقَرتُه: عِبْتُه وغِبْتُه. ونَقَرْتُ عن الخَبَر ونَقَّرْت عنه: بَحَثْتُ. ونَقَرْتُ بالرّجل وانْتَقَرْت به: دَعَوْته من بين القَوْمِ، وهى النَّقَرَى. وهو يُصَلِىِّ النَّقَرَى: إِذا نَقَر فى صَلاتِه نَقْرَ الدّبك. ونَقَر باسْمِه: إِذا سَمَّاه من بين النَّاسِ. وما أَغنى عَنِّى نَقْرَةً، أَى أَدْنَى شَىْءٍ، وأَصلُها النَّقْرَة الَّتى فى ظَهْرِ النَّواةِ، وهو النَّقيرُ، قال تعالى: {وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً} . والنَّقْرُ: صُوَيْتٌ يُسمع من قَرْع الإِبْهامِ على الوُسْطَى. وما أَثابَهُ نَقْرةً، أَى شيئاً، لا يُستعمل إِلاَّ فى النَفْىِ قال: وهُنَّ حَرًى أَنْ لايُثِبْنَكَ نَقْرَةً ... وأَنَتَ حَرًى بالنار حِينَ تُثيبُ والناقِرُ: السَّهْمُ إِذا أَصابَ الهَدَف، وإِذا لم يُصِبْ فليس بناقِر

بصيرة فى نقص ونقض

بصيرة فى نقص ونقض النَّقْصُ: الخُسْرانُ فى الحَظِّ. والنُّقْصان يكون مصدراً ويكون قَدْرَ الشىءِ الذاهب من المنَْقُوص، وهو اسمٌ له، تقول: نَقَصَ يَنْقُص نَقْصاً ونُقْصاناً، وهو مصدر، وتَقُول: نُقْصانُه كذا وكذا، وهو قَدْرُ الذاهب، وتقول: دخلَ عليه نَقْصٌ فى عَقْلِه ودِينهِ، ولا يُقال نُقْصانٌ. والنَّقِيصَةُ: الوَقِيعَة فى الناسِ، والخَصْلة الدَّنيئةُ فى الإِنسان أَو الضَّعِيفة، قال: فما وَجَدَ الأَعداءُ فِىَّ نَقِيصَةً ... ولا طافَ لى مِنْهُم بَوَحْشِىَ صائدُ ونَقُصَ الماءُ نَقاصةً، فهو نَقِيص، أَى عَذْبٌ طَيِّب. والتَّناقُص: النَّقْصُ قال العجّاج: فالغَدْرُ نَقْصٌ فاحْذَرِ التَناقُصا وأَنْقَصْتُه لغةٌ فى نَقْصَته، وانْتَقَصَ الشىءُ نَفْسَه وانْتَقَصْتُه، لازم ومتعدٍّ.

النَّقْضُ: نَقْضُ البِناءِ قال تعالى: {كالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} . وقولُه: {الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} قال ابن عَرفة: أَى أَثْقَلَه حتَّى جعله نِقْضا، وهو الذى أَتْعَبَه السَّفَر والعملُ فَنَقَضَ لَحْمَه. وقال الأَزهرىّ: أَثْقَله حتَّى سُمِعُ نَقِيضُه، أَى صَوْتُه. والنَّقَضُ بالتحريك، والنَّقِيضُ: صَوْتُ المَحامِل والرِّحال، قال: شَيَّبَ أَصْداغِى فهُنَّ بِيضُ ... مَحامِلٌ لِقِدِّها نَقِيضُ يقال: سمعتُ نَقِيض [النِسْع] والرَّحِلِ إِذا كان جَدِيداً. وقال اللَّيْثُ: النَّقِيضُ صَوْتُ المَفاصل والأَصابع والأَضلاع. ونَقِيضُ المِحْجَمَةِ صَوْتُ مَصِّ الحَجّامِ إِيّاها. وأَنْقَضتِ العُقابُ والدَّجاجُ: صَوَّتَت، قال ذو الرُمّة: كأَنَّ أَصْواتَ مِنْ إيغالِهِنَّ بِنا ... أَواخِرِ المَيْسِ إِنْقاضُ الفَرارِيج أَى كأَنَّ أَصْواتَ أَواخِرِ المَيْسِ من إِيغالِهنّ بنا إِنْقاضُ الفَرارِيج، أَى أَنَّ رحالَهم جُدُدٌ. والمُناقَضة فى القولِ: أَنْ يتكلَّم بما يَتَناقَضُ معناهُ. والتَّناقُض: خلافُ التَّوافُقِ والانْتِقاضُ: الانْتكاثُ.

بصيرة فى نقم ونكب ونكث

بصيرة فى نقم ونكب ونكث النِّقْمَةُ والنَّقْمَةُ والنَّقِمَة ككِلْمَةٍ وكَلْمَة وكَلِمَة: المُكافَأَةُ بالعُقوبَة والجمع: نَقِمٌ ونِقَمٌ ونَقِماتٌ. ونَقَمَ منه، ونَقِمَ كضَرَبَ وعَلِم، نَقْماً وتِنْقَّاماً، وانْتَقَمَ، أَى عاقَبَه. وقيل: أَنْكَرَهُ إِمّا باللَّسان/ وإِما بالعقوبة، قال الله تعالى: {وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله} ، وقال تعالى: {فانتقمنا مِنْهُمْ} . نَكبَ بِه: طَرَحَه. ونَكَبَ عن الطَّريقِ يَنْكُبُ نُكوباً: عَدَلَ، قال الله تعالى: {عَنِ الصراط لَنَاكِبُونَ} . والمَنْكِبُ: مَجْمَعُ عَظْمِ العَضُدِ والكَتِف. والمَناكِبُ فى جَناح الطَّائِر: أَربعٌ بعد القَوادِم. والمَنْكِبُ من الأَرْضِ: الموضعُ المرتفعُ، وقوله تعالى: {فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا} أَى فى جبالها، وقيل: فى طُرُقها. والنَّكْبَةُ: واحدةُ نَكَبات الدّهر، وقد نَكَبَتْه نَكْبَةٌ، أَى هَبَّت

عليه هُبُوبَ الَّنكْباءِ، وهى الرّيح الناكِبَةُ تَنْكُب عن مَهابِّ الرِّياح القُوَّم. والنُّكْبُ فى الرِّياح أَربعٌ: فنَكْباءُ الصَّبا والجَنُوبِ تُسَمَّى الأَزْيَب، ونكْبَاءُ الصَّبا والشَّمالِ تُسَمَّى النُّكَيْباءَ، صَغَّرُوها وهم يريدون تَكْبيرها لأَنَّهم يَسْتَبْرِدُونها جدّاً، وَنَكْباءُ الشَّمالِ: الدّبور قَرَّةٌ تُسَمَّى الجِرْبياءَ، وهى نَيِّحةُ الأَزيَب، وَنكْباءِ الجَنُوبِ والدَّبورِ حارَّةٌ وتسمى الهَيْفَ، وهى نَيِّحةُ النُكيبِاءِ، لأَنَّ العَرَب تُناوِحُ بين هذه النُكُبِ كما ناوَحُوا بين القُوَّم من الرِّياح. النِّكْثُ بالكسر: أَنْ تُنْقَضَ أَخْلاقُ الأَخْبيّة والأَكْسِيَة لتُغْزَلَ ثانيةً. ونَكَثَ العَهْدَ والحَبْلَ فانْتَكَثَ، أَى نَقَضَهُ فانْتَقَضَ. والنَّكِيثَةُ: خُطَّةٌ صَعْبَةٌ يَنْكُثُ فيها القومُ.

بصيرة فى نكح ونكد

بصيرة فى نكح ونكد النِّكاحُ: الوَطْء، وقد يكونُ العَقْدَ، تقول: نَكَحْتُها، ونَكَحَتْ هى، أَى تَزَوَّجَتْ. وهى ناكِحٌ فى بنى فُلان، أَى ذات زَوْجٍ منهم. واسْتَنْكَحَها بمعنى نَكَحها، وأَنْكَحها، أَى زَوَّجَها. ورجلٌ نُكَحَةٌ كهُمَزَة: كثيرُ النِّكاح. [النُّكْحُ] والنِّكْحُ: كلمةٌ كانت العربُ تُزَوِّج بها. والنِّكاح استُعْمل فى القرآن بمعان: الأَوّل: بمعنى بلوغ الصّبِىّ: {وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} أَى الحُلُم. وبمعنى العَطاءِ والهِبَةِ: {إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين} ، وكان النبىّ صلَّى الله عله وسلم يجوزُ له النِّكاحُ بلفظ الهبَة. وبمَعْنَى الصُّحْبَة والمُجامَعَة: {حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} أَى تُجامَع. وبمعنى التَّزْوِيج والتَزَوُّج: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات} أَى لا تَزَوَّجُوهُنَّ، {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} أَى زَوِّجوهنّ، {فانكحوا مَا طَابَ

لَكُمْ مِّنَ النسآء} أَى تَزَوَّجُوا بهنَّ. نَكِدَ عَيْشُهم، بالكسر، يَنْكَدُ نَكَداً: اشتدّ. ونَكِدَت الرَّكِيَّةُ: قلَّ ماؤُها. قال الله تعالى: {والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً} أَى قَلِيلَ النُّزْلِ والرَّيْع، وهذا مَثَلٌ لقلوبِ الكافرين. ورجلٌ نَكِدٌ ونَكَدٌ، أَى عَسِرٌ، وقومٌ أَنكادٌ ومَناكِيدُ. ونَكَدَنى فلانٌ حاجَتِى أَى مَنَعَنى إِيّاها. وعَطاءُ مَنْكودٌ: نَزْرٌ قليل.

بصيرة فى نكر

بصيرة فى نكر النَّكِرَةُ: ضِدُّ المَعْرفة: وقد نَكِرْتُ الرّجلَ بالكسر نُكْراً ونُكُوَرا، وأَنْكَرْتُه واستَنْكَرْتُه، كلُّه بمعنًى. قال الأَعشى: وأَنْكَرَتْنِى وما كان الَّذِى نَكِرَتْ ... من الحَوادث إِلاَّ الشَّيْبَ والصَّلَعا وقد نَكَّرَه فتنكَّر، أَى غَيَّره فتَغَيَّر إِلى مَجْهول. والمنْكَر واحد المَناكِير. [وأَصل الإِنكار أَن يَرِد على القَلْبِ ما لا يتَصَوّرُه وذلك ضربٌ من الجهِل] قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} ، وقال تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} . وقد يستعمل ذلك فيما يُنْكَر باللسان، وسبب الإِنكار باللسان الإِنكار بالقلب، لكن ربّما ينكر اللسان الشىءَ وصورتُه فى القَلْب حاضرة، ويكون [فى] ذلك كاذباً. وعلى هذا قولُه تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} . والمُنْكَرُ: كلّ فِعْل تحكُم العقولُ الصّحيحة بقُبحه أَو تتوقَّف/ فى استقباحِه العقولُ فتحكم الشَّريعةُ بقُبْحه، وإلى هذا القَصْدُ فى قوله تعالى:

{الآمرون بالمعروف والناهون عَنِ المنكر} . وتنكير الشىء من حيث المعنى جعله بحيث لا يُعرف، قال تعالى: {نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} . والنَّكير: الإِنْكار، قال تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أَى إِنكارِى والنُكْر: المُنْكَرُ، قال تعالى: {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} ، وقد يُحرّك مثل عُسْرٍ وعُسُر قال: وكانوا أَتَوْنى بشىءٍ نُكُر وقال تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ} . والإِنْكارُ: تغيير المنكر. ورجل نَكِرٌ ونَكُرٌ، أَى داهٍ مُنْكَر. ونَكُر الأَمْرُ ككَرُمَ: اشْتَدَّ وصَعُبَ.

بصيرة فى نكس

بصيرة فى نكس نَكَسْتُ الشَّىْءَ أَنْكُسُه نَكْساً: قَلَبْتُه على رأسه. وقوله تعالى: {ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ} قال الفرَّاء: أَى رَجَعُوا عمّا عَرَفُوا من الحُجَّة لإِبراهيم صَلَوات الله عليه. وقال الأَزهريّ: أَى قلبوا. وقرأَ غيرُ عاصِمٍ وحمزة فى قوله تعالى: {ومَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فى الخَلْقِ} بفتح النُّون وتخفيف الكاف، أَى من أَطَلْنا عُمُرَه نَكَسْنا خَلْقَه فصار بعد القٌوّة الضَّعف، وبعد الشَّبابِ الهَرَم. وفى حديث علىّ رضى الله عنه: "إِذا كان القَلْبُ لا يَعْرفُ مَعْرُوفاً ولا يُنْكِرُ مُنْكَراً نُكِسَ فجُعِل أَعْلاه أَسْفَلَه". ونَكَّسه تَنْكِيساً: قلبه مثل نَكَسَه نكساً، وإِنَّما شُدّد للمُبالَغة، وقرأَ عاصم وحمزة: {ومن نُعَمِّرْه نُنَكِّسْه} بالتَّشديد. والنُّكْسُ والنُّكاسُ بالضَمِّ فيهما: عَوْدُ المَرَض بعد النَّقْهِ قال أُمَيَّةُ بن أَبى عائد:

خَيالٌ لِزَيْنَبَ قد هاجَ لىِ ... نُكاساً من الحُبِّ بعد انِدِمالِ وقد نُكِسَ الرّجلُ نُكْساً فهو مَنْكُوسٌ. والنَّاكس: المُطَأْطِئ رأَسَه، وجُمع فى الشِعْر على نَواكسِ، وهو شاذٌّ. ونَكَس كذا داءَ المريضِ بعد البُرْءِ، أَى رَدَّه وأَعادَه، قال ذو الرُمَّة: إِذا قُلْتُ أَسلُوا عنكِ يامَىَّ لَمْ يَزَلْ ... محلٌّ لدائى من ديِاركِ ناكِسُ والنُّكُسُ بالضَمّ المُدْرَهِمُّون من الشيوخ بعد الهَرَم. والنِكْس بالكسر: الضعيف، والسّهمُ يُنْكَسِرُ فُوقُهُ فيُجْعل أَعلاه أَسفله.

بصيرة فى نكص ونكف

بصيرة فى نكص ونكف النُّكُوص: الإِحْجام عن الشَّىْءِ، يُقال: نَكَص على عَقِبَيْه يَنْكُص وَيَنْكِصُ. وقال ابن دريد: نَكَصَ الرّجل عن الأَمْرِ نَكْصاً ونُكوصاً: إِذا تَكَأْكَأَ عنه. ونَكَصَ على عَقِبَيْه: رَجَع عمّا كان عليه من خَيْر، وكذا فُسِّر فى التَّنْزيل والله أَعلم. قال: ولا يُقال إِلا فى الرّجوع عن الخَيْر خاصّة ورُبَّما قِيل فى الشَرّ. وقال أَبو تُراب: نَكَصَ ونَكَفَ بمعنى. وقال الأَزهرىّ: وقرأَ بعضُ القُرّاء: {تَنْكُصُون} بالضَمِّ، قال الصّغانى، لا أَعرف من قَرأَ بهذه القِراءَة. والمَنْكَصُ: المُتَنَحىَّ. نَكِفَ الرّجلُ عن الأَمْرِ يَنْكِفُ نَكَفاً كَفَرِح يَفْرَحُ فَرَحاً: إِذا أَنِفَ منه، فهو ناكِفٌ. وقال الفَرّاءُ: نَكَفْت بالفتح لغةٌ فى نَكِفْت بالكسر. والاسْتِنْكافُ: الاستِكبار. وقال الزّجاج فى قوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أَنْ يكون عَبْداً لله ولاَ الملائكة} ، أَى ليس يَسْتَنْكِف الذى يزعُمون [أَنَّه] إِله أَن يكون عبداً لِله، ولاَ الملائكة المقرّبون وهم أَكبرَ

من البشر، قاله الزجّاج، قال: ومعنى لن يَسْتَنْكفَ. لن يَأْنَفَ، وقيل: لن يَنْقَبِض ولن يَمْتَنع عن عبوديّة الله. والانْتِكافُ: الانْتِكاثُ والانْتقاضُ، قال أَبو النَّجْم: ما بالُ قَلْبٍ راجَعَ انْتِكافاً ... بَعْدَ التَعَزِّى اللَّهْوَ والإِيجافَا

بصيرة فى نكل ونم ونمل

بصيرة فى نكل ونم ونمل نَكَلَ عنه يَنْكِل ويَنْكُل نُكولا، ونَكِل كعَلِم: نَكَصَ وجَبُن. ونَكَّل به تَنْكِيلاً: صَنَع به صَنِيعاً يُحَذِّر غيْرَه. وقيل: نَكَلَه: نَحّاه عَمّا قَبِلَهُ. والنَّكَال والنُّكْلَة بالضَمِّ، والمَنْكَلُ كمقْعَدٍ: مَا نَكَّلْتَ به غَيْرَك كائناً ما كان. والنِّكْلُ بالكسرِ، القَيْدُ الشديدُ، أَو قَيْدٌ من نارٍ، وضَرْبٌ من اللُّجُم، ولِجام البَرِيد، وحديدةُ اللِّجام، والجمع فى الكلِ أَنْكالٌ، قال الله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً} وقال تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً} . ونَكِلَ: قَبِلَ النَّكالَ، وإِنَّهُ لَنِكْلُ شَرٍّ: أَى يُنَكَّلُ به أَعداؤُه. ورَماه بِنُكْلَة، أَى بما يُنَكِّلُه به. والنَّمُّ: التَّوْرِيشُ والإِغْراءُ، ورَفْعُ الحديث إِشاعَةً له وإِفساداً، وقيل: تَزْيِين الكلام بالكَذب، يَنِمُّ ويَنُمُّ فهو نَمُومٌ ونَمَّامٌ ومِنَمٌّ ونَمٌّ، من قوم نَمِّينَ وأَنِمَّاءَ ونُمٍّ، وهى نَمَّةٌ، والاسم منه النَّمِيمة، قال الله تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ} .

وأَصلُ النَّمِيمة: الهَمْسُ والحركةُ الخَفيّة، ومنه أَسْكَتَ اللهُ نامَّتَه، أَى حِسَّه وما يَنِمُّ عليه من حركته. والنامَّة أَيضاً: حَياة النَّفْسِ. والنَّمِيمة أَيضاً: صوتُ الكِنانَة، ووَسْواسُ همس الكَلام، وحِسّ الكِتابَة. ونَمَّ المِسْكُ، سَطَع. والنَّمَّامُ: نبتٌ ينمّ عليه ريحُه. ونَمْنَمَه: زَخْرَفَه، ونَقَشَه. النَّمْلُ: واحدة نَمْلَةٌ ونُمْلَة أَيضا بضمّ الميم، والجمعِ: نِمالٌ. وأَرضٌ نَمِلَةٌ كثيرةُ النَّمْل، قال الله تعالى: {قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ} . والنَّمْلَةُ مثلثَه: النَّمِيمَةُ؛ وهو نَمِلٌ ونامِلٌ ومُنْمِلٌ ومِنْمَلٌ ونَمَّالٌ: نَمَّامٌ، وقَدْ نَملَ كَعِلم ونَصَرَ، وأَنْمَلَ.

بصيرة فى نهج ونهر

بصيرة فى نهج ونهر النَّهْجُ، والمَنْهَجُ، والمِنْهاجُ: الطَّريقُ الواضِحُ. وأَنْهَجَ الطَّريق: اسْتَبانَ وصار نَهْجاً واضحاً بَيِّناً. قال الله تعالى: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} . ونَهَجْتُ الطَّرِيقَ: أَبَنْتُهُ وأَوْضَحْتَه. ونَهَجْتُه أَيضا: سَلَكْتُه. وهو يَسْتَنْهِج سَبِيل فلان: يَسْلُك مَسْلكه. النَّهارُ: ضدُّ اللَّيل، ولا يُجمْعَ، كما لا يُجمع العَذَاب والسّراب فإِنْ جمعتَه قلت فى قليلِه أَنْهُرٌ وفى كثيره نُهُرٌ، مثل سَحابٍ وسُحُب وأَنشد ابنُ كيسانَ: لَوْلا الثَّرِيدانِ لَمْتْنَا بالضُّمُرُ ... ثَرِيدُ لَيْلٍ وثَرِيدٌ بالنُّهُرْ قال الله تعالى: {تُولِجُ الليل فِي النهار وَتُولِجُ النهار فِي الليل} والنَّهَار: الوقتُ الذى يَنْتَشِر فيه الضوءُ، وهو فى الشَّرْع: ما بين طُلُوعِ الفَجْر إِلى غُروب الشمِس. وفى الأَصْل ما بين طُلوع الشمسِ إِلى غُروبها، قال تعالى: {هُوَ الذي جَعَلَ الليل والنهار خِلْفَةً} ، وقابل به البياتَ فى قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً} .

والنَّهْرُ والنَّهْرُ، بالتحريك واحد الأَنْهارِ، وقوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} أَى أَنْهار، وقد يُعَبَّر بالواحد عن الجَمْع كما قال تعالى: {وَيُوَلُّونَ الدبر} . وقيل: معناه فى ضياءٍ وسَعة. ونَهَرَ الماءُ: إِذا جَرَى فى الأَرضِ وجعل لنفسه نَهْراً، وكلّ كثيرٍ جَرَى فقد نَهَرَ واسْتَنْهَرَ. ونَهَرَه وانْتَهَرَه: زَبَرَهُ وزَجَره، قال الله تعالى: {وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ} ، وفى الحديث: "من انْتَهَرَ صاحبَ بِدْعَة مَلأَ اللهُ قَلْبَه أَمْناً وإِيماناً، وآمَنَه من الفَزَع الأَكْبر"، قال الشاعر: لا تَنْهَرَنَّ غَرِيباً طالَ غُرْبَتُه ... فالدَّهْرُ يَضْرِبُه بالذُلِّ والمِحَنِ حَسْبُ الغَرِيب من البَلْوَى نَدامَتُه ... فى فُرْقَةِ الأَهْلِ والأَحْبابِ والوَطَنِ وقوله تعالى: {إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} أَراد به نَهْر الأَردنِّ بالشامِ. قال تعالى: {فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ /غَيْرِ آسِنٍ} ، قيل: معناه عُيونٌ. وقوله تعالى: {وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} ، أراد بها بَساتِينَ الدُّنْيا وأَنهارَها. وقوله: {جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنهار} أَى تَجْرِى تحت غُرَفِها وعَلالِيها الأَنهارُ. والله أَعلم.

بصيرة فى نهى ونوب

بصيرة فى نهى ونوب نَهَاهُ يَنْهاه نَهْياً: ضدّ أَمَرَه، فانْتَهَى وتَناهَى، وهو نَهُوٌّ عن المُنْكَرِ أَمُورٌ بالمَعْروف. والنُّهْيَة بالضمّ الاسمُ منه، والنُّهْيَة أَيضاً والنّهايَةُ والنِّهاءِ مكسورتين: غايةُ الشىء. وانْتَهى الشىءُ وتَناهَى، ونَهَّى تَنْهِيَةً بَلَغ نِهايَتَه. والنَّهْىُ عن الشىءِ من حيثُ المَعْنَى قد يكون بالقَوْل، وقد يكون بغيره، وما كان بالقول لا فَرْق بين أَن يكون بلَفْظة افْعَلْ كاجْتَنِبْ، أَو بلفظِة لا تَفْعَلْ، ومن حيث اللفظُ هو قولهم: لا تَفْعَلْ كذا، فإِذا قيل لا تَفْعَلْ كذا فَنَهْىٌ من حيثُ اللفظُ والمعنى جميعاً، نحو قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هاذه الشجرة} . وأَمَّا قوله تعالى: {وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} فلم يُرِدْ أَن يقولَ لنفسه لا تَفْعَل كذا، بل أَراد ظَلْفَها عن هواها وقَمْعَها عن مُشْتَهاها. وكذا النَّهْىُ عن المُنْكر يكون تارةً باليد وتارة باللِّسان وتارة بالقَلْب. وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان وَإِيتَآءِ ذِي القربى وينهى عَنِ

الفحشاء والمنكر} ، أَى يحثُ على فعْل الخير ويَزْجُر عن فعل الشرِّ، وذلك بعضُه بالعَقْل الذى ركَّبه فينا، وبعضُه بالشرع الذى شَرَعه لنا. والانْتِهاءُ. الانْزِجارُ عن ما نُهِى عنه - قال الله تعالى: {إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} . والإِنْهاءُ فى الأَصل إِبلاغُ النَّهْى، ثم صار مُتعارفاً فى كلّ إِبْلاغ. قالوا: أَنْهَيْتُ إِلى فلان خَبَر كذا، أَى [بَلَّغت إِليه] النهاية. والنُّهْيَةُ: العقل وكذلك النُّهَى. والنُّهَى أَيضاً يكون جَمْعَ نُهْيَة، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النهى} ، أَى العُقول. ورَجلٌ مَنْهاة، أَى عاقِلٌ. ونَهُوَ ككَرُم، فهو نَهِىُّ من أَنْهِياءَ، ونَهٍ من نَهِينَ، ونِه بالكسر على الإِتْباع، أَى مُتناهى العَقْلِ كامِلُ الفِطْنة والكَيْسِ. وطلبَ حاجَتَه حتَّى نَهِىَ عنها أَو أَنْهَىَ، أَى تركَها ظَفِرَ بها أَوْ لم يَظْفَرْ. النَّوْبُ: القُرْبُ ضدُّ البُعْد. ونابَ عَنِّى يَنْوبُ نَوْباً ومَناباً، أَى قام مَقامِى. ويقال: لا نَوْبَ بى، أَى لا قُوَّة بِى، وخيْرٌ نائبٌ أَى كَثيرٌ. والنُّوبُ بالضم: النَّحْلُ، جمع نائب، مثل عائِط وعُوط، وفارِه وفُرْه لأَنَّها تَرْعَى وتَنُوبُ إِلى مكانها. وقال الأَصمعىّ: هى من النَّوْبَة التى تَنوبُ النَّاسَ لوَقْت معروف. وقال أَبو عُبَيْدة: سُمّيت نُوباً لأَنَّها

تَضْرِب إِلى السّواد، يشير إِلى النُّوب جِنْسٌ من السُّودان، يعنى تشبيهها بهم، قال أَبو ذُؤَيْب يصِفُ مُشْتارَ العَسَل: إِذا لَسَعَتْه النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها ... وخالَفَها فى بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ وأَنابَ إِلى الله: أَقْبَلَ وتابَ، ورَجَعَ إِليه بالتَّوْبة وإِخْلاص العَمَل، قال تعالى: {مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} ، وقال تعالى: {وأنيبوا إلى رَبِّكُمْ} وانْتَابَ القومَ انْتِيابا: أَتاهُمْ مَرَّةً بعد أُخْرى. واسْتَنابَ فلاناً: جعله نائبَهُ.

بصيرة فى نور

بصيرة فى نور النُّورُ: الضِّياء والسَّناءُ الَّذى يُعين على الإِبْصار، وذلك ضربان: دُنْيَوِىّ وأُخْرَوِىُّ، فالدُّنْيوى ضربان: مَعْقولٌ بعين البَصِيرة وهو ما انْتَشَر من الأَنوارِ الإِلهيّة كَنُورِ العَقْل ونُورِ/ القُرْآن، ومَحْسوسٌ بعين البَصَرِ وهو ما انْتَشَر من الأَجْسامِ النَيِّرةِ كالقَمَرَيْن والنُّجومِ [و] والنيّرات. أَنشد بعض المفسّرين: ثلاثَةُ أَنْوارٍ تُضِىءُ من السّما ... وفى سرِّ قَلْبِى مِثْلُهنَّ مُصَوَّرُ فأَوَّلُه بدرٌ وثانِيه كَوْكَبٌ ... وثالِثُهُ شمْسٌ مُنِيرٌ مَدَوَّرُ عُلُومِى نُجُوم القَلْبِ، والعَقْلُ بَدْرُه ... ومَعْرِفةُ الرَّحمان شَمْسٌ مُنَوَّرُ إِمامِى كتابُ اللهِ، والبَيْتُ قِبْلَتى ... ودِينِى من الأَدْيانِ أَعْلَى وأَفْخَرُ شَفِيعى رسولُ اللهِ، واللهُ غافِرٌ ... ولا رَبَّ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ فمن النُّورِ الإِلهىّ، قولُه تعالى: {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ} ، وقوله: {نُّورٌ على نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ} ، أَنشد بعضهم: فى القَلْب نُورٌ ونُورُ الحَقِّ يَمْدُدُهُ ... يا حَبَّذا نُورُه من وَاحد أَحَدِ نورٌ على النُّور فى نُور تَنَوَّرَه ... نُورٌ على النُّور دَلاَّلٌ على الصَّمَد إِنْ رُمْتَ أَوَّلَه يَهْدى إِلى أَزَل ... أَو رُمْتَ آخِرَه يَطْوى على الأَبَدِ

ومن النُّورِ المحسوس الَّذى يُرَى بَعيْن البَصَر نحو قولِه: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً} . وتخصيصُ الشمسِ بالضُّوْءِ، والقمَرِ بالنُّورِ من حيثُ إِنَّ الضَّوءَ أَخَصُّ من النَّورِ، وقولُه: {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً} أَى ذا نُورٍ. وممّا هو عامٌّ فيهما قوله: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} ، {وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا} . ومن النُّور الأُخْرَوىّ قوله: {يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} . وسَمَّى الله نَفْسه نُوراً من حيث إِنَّه المُنَوِّر فقال: {الله نُورُ السماوات والأرض} ، وتسميتُه تعالى بذلك لمُبالَغة فِعْله، وقيل: النُّورُ هو الذى يُبْصِرُ بنُورِه ذُو العَماية ويَرْشُد بُهداه ذو الغَوايَة، وقيل: هو الظاهر الذى به كُلُّ ظُهور، فالظَّاهِرُ فى نفسه المُظْهِر لغَيْره يُسَمَّى نُوراً. وسئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هَلْ رَأَيْتَ رَبَّك؟ فقال: "نورٌ أَنَّى أَراه"! أَى هو نُورٌ كيف أَراهُ! وسُئل عنه الإِمام أَحمد فقالَ: مازِلْتُ مُنْكِراً له، وما أَدْرِى ما وَجْهُه. وقال ابنُ خُزَيْمَة: فى القَلْب من صِحّة هذا الحديث شىءٌ. وقال بعض أَهل الحكْمة: النُور جسْمٌ وعَرَضٌ، والله تعالى ليس بجسم ولا عَرَض، وإِنما حجابُه النُّور، وكذا رُوى فى حديث أَبى مُوسى، والمعنى كيف أَرَى وحجابُه النُّور! أَى النُّورُ يمنعُ من رُؤيته. وفى الحديث:

"اللَّهُمَّ اجْعَل فى قَلْبِى نُوراً" وذَكَرَ سائرَ الأَعضاءِ، والمعنى: اسْتَعْمِل هذه الأَعضاءَ منِّى فى الحقّ، واجْعَلْ تَصَرُّفِى وتَقَلُّبِى فيها على سبيل الصَّواب والخَيْر. وقوله تعالى: {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ} يعنى سيِّد المرسَلين محمّدا صلَّى الله عليه وسلَّم. وقولُه تعالى: {واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ} أَى القرآن، {وَجَعَلَ الظلمات والنور} قيل: أَى الليل والنَّهار. وقولُه: {والله مُتِمُّ نُورِهِ} يعنى به الإِسلام. وقوله {انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} : وقوله: {رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} المراد به نور العِناية. والنَّارُ تُقال لِلَّهيب الذى يَبْدُو للحاسَّة نحو قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ} ، ولِلْحَرارَةِ المجرَّدة؛ ولنارِ جَهَنَّم المذكورة فى قوله تعالى: {النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} . وفى حديث شَجر جهنم: "فتَعْلُوهم نارُ الأَنْيار" يحتمل أَن يكون معناه نار النَّيران فَجمع النار على أَنْيار وأَصلها أَنْوار/ كما جاءَ فى رِيح وعِيد رِياحٌ وأَعْياد، وأَصلُهما واوٌ. ولِنار الحَرْب المذكورة فى قوله تعالى: {كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا

الله} . وقال بعضهم: النَّارُ والنُّورُ من أَصْلٍ واحد، وهما كثيراً مّا يتلازَمان، لكنَّ النَّار متاعٌ للمُقْوِينَ فى الدّنيا، والنُّورُ متاعٌ للمُتَّقِينَ فى الدُّنيا والآخِرَة، ولأَجْلِ ذلك اسُتعْمِل فى النُّورِ الاقْتِباسُ، فقال: {نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} . وتَنَوَّرْتُ ناراً: أَبْصَرْتُها.

بصيرة فى نوش ونوص

بصيرة فى نوش ونوص النَّوْشُ: التَّناوُل. قال ابن السِكِّيت: إِذا تَناوَلَ رجلاً بَرأسِه ولِحْيَتِه قيل: ناشَهُ يَنُوشُه نَوْشاً. قال غَيْلانُ: باتَتْ تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشاً مِن عَلاَ ... نَوْشاً به تَقْطَعُ أَجْوازَ الفَلاَ أَىْ تَتَناول ماءَ الحوضِ من فَوْق وتَشرب شُرْباً كثيرا، وتقطعُ بذلك الشربِ فَلَوات فلا تَحْتاج إِلى ماءٍ آخر. وناشَت الإِبِلُ: أَسْرَعَت: النَهوضَ. وناشَ: طَلَبَ وناشَ: مَشَى. وتَناوَشَ: تناوَلَ، قال الله تعالى: {وأنى لَهُمُ التناوش مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أَى كيف لهم تَناوُل ما بَعُدَ منهم وهو الإِيمان وقد كان قريباً فى الحَياة فضَيَّعوه. وقال ابنُ عَبّاد: التَّناوُش فى الآية الكريمة الرُّجُوعُ. والانْتِياشُ: التَّناوُل أَيضا. قال: باتَتْ تَنُوشُ العَنَق انْتِياشاً والمُنْتاشُ: المُسْتَخْرَج قال: أَرضاً بأَرْض ومُنْتاشاً بمُنْتاشِ وانْتاشَه من المَهالِك: أخْرجهُ منها. النُّوْصُ: التَأَخُّرُ. والنَّوْصُ: مصدر نُصْتُ الشىءَ أَنُوصُهُ نَوْصاً:

إِذا طَلَبْتَه لِتُدْرِكه. وقيل: ناصَنِى نَوْصاً، أَى تَنَحَّى عَنِّى وفارَقَنِى وناصُوا نَوْصاً ومَناصاً ونَوِيصاً ونِياصَةً ونَوَصاناً: إِذا تحرَّكُوا. وأَصلُ نِياصَة نِواصَةٌ صارت الواوُ ياء لانْكِسار ما قَبْلها. والمَناصُ أَيضا: المَفَرُّ والمَلْجأُ، قال الله تعالى: {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} والأَلف فى مَناص مُحَوَّلة عن الواو.

بصيرة فى نوس ونوم

بصيرة فى نوس ونوم النَّاسُ، قيل أَصلُه من ناشَ يَنُوسُ: إِذا اضْطَرَب، وتصغيرهُ على هذا نُوَيْسٌ. وقيل: أَصلُه فحُذِفَ فاؤه لَمَّا أُدخل عليه الأَلفُ واللام. وقيل من نَسِىَ، وأَصْلُه إِنْسِيانٌ على إِفْعِلان. وقولُه: {قُلْ أَعُوذُ برَبّ النَّاس} ، [قد يُراد بالناس الفُضلاءُ دون من يَتناوله اسم الناس] تجوُّزاً، وذلك إِذا اعتبر معنى الإِنسانيّة، وهو وجُود العقل والذِكْر وسائر القوى المختصة به، فإِنَّ كلَّ شىءَ عُدِمَ فِعْلُه المختصُّ به لا يكاد يستحقُّ اسْمَه، كاليَدِ فإِنَّها إِذا عَدِمتْ فِعْلَها الخاصّ بها فإِطْلاق اليَدِ عليها كإِطلاقها على يَدِ السرير ورِجْلِه. وقوله تعالى: {آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ الناس} أَى كما يفعلُ مَنْ وُجِد فيه معنَى الإِنسانِيةِ، ولم يَقْصِد بالإِنسان عَيْناً بل قَصَد المَعْنَى، وكذا قولُه: {أَمْ يَحْسُدُونَ الناس على مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} أَى من وُجِد فيه معنَى الإِنْسانِيّة أَىَّ إِنسان كان. ورُبَّما قُصِدَ به النَّوْعُ كما هو وعلى هذا قولُه: {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} .

قال ابن عَبّاس رضىَ الله عنهما: آدَمُ إِنَّما سُمِّىَ إِنْساناً لأَنّه عُهِد إِليه فنَسِىَ، والأُناسُ لغة فى النَّاس. وهو الأَصل، قال ذُو جَدَن: إِنَّ المَنايَا يَطَّلِعْـ ... ن على الأُناسِ الآمِنِينا فيَدَعْنَهم شَتَّى وقد ... كانوا جميعاً وافرينا وكلُّ اثْنَيْنِ من الإِنسان مثل السّاعِدَيْن والزَّنْدَيْن والقَدَمَيْن، فما/ أَقْبَل منهما على الإِنسان فهو إِنْسِىٌّ، وما أَدْبَر عنه فهو وَحْشِىُّ. والإِنسان: الأُنمُلَة قال: أَشارَتْ لإِنسان بإِنسان كفِّها ... لِتَقْتُل إِنْساناً بإِنْسانِ عَيْنِها والإِنسانُ أَيضاً: ظِلّ الإِنْسان. والإِنْسان: رأسُ الجَبَل. والأَرْضُ التى لم تُزْرَع. وجارِيَةٌ آنِسةٌ: إِذا كانت طَيّبَة النَّفْس تُحِبُّ قُرْبَك وحَدِيثَك، قال الكُمَيْت: فِيِهنَّ آنِسَةُ الحَدِيث خَرِيدَةٌ ... لَيْسَتْ بفاحِشَة ولا مِتْفالِ النَّوْمُ: النُّعاسُ أَو الرُّقادُ كالنِّيام، والاسمُ: النِّيَمةُ بالكسر، وهو نائمٌ، ونوؤُمُ، ونُوَمٌ، ونُوَمَة، والجَمْع: نِيامٌ، ونُوَّمٌ، ونُيَّمٌ،

ونِيَّمٌ ونُوّامٌ، ونُيَّامٌ، ونوْمٌ كَقومٍ، وقيل: هو اسمُ الجَمْع. والنَّوْمُ فُسِّرَ على أَوْجُه كُلُّها صحيحةٌ باعتبارات مختلفة، قيل: هو اسْتِرْخاءُ أَعصابِ الدِماغ بُرطوبات البُخار الصّاعد إِليه؛ وقيل: هو أَنْ يَتَوَفَّى اللهُ النَّفْسَ من غير مَوْت كما قال الله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} . وقيل: النَّوْمُ: مَوْتٌ خَفِيفٌ، والموتُ نَوْمٌ ثَقيلٌ. واسْتَنام فلانٌ إِلى كذا: اطْمَأَنَّ إِليه. وتَناوَمَ: أَراهُ من نَفْسِه كاذِباً. ونامَ الثَّوْبُ: بَلِىَ. والرجلُ: تواضَع لِله تعالىَ. وإِلَيْه: سَكَنَ واطْمَأَنَّ. والخَلْخالُ: انْقَطَع صَوْتُه من سِمَنِ الساقِ.

بصيرة فى نيل ونأى

بصيرة فى نيل ونأى نِلْتُه أَنالُه نَيْلاً ونالاً: أَصَبْتُه. وأَنَلْتُه إِيّاهُ، وأَنَلْتُ لهُ. والنَّيْلُ والنائل: ما نِلْتَه، قال الله تعالى: {وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً} . وما أَصابُ منه نَيْلاً ولا نَيْلَةً ولا نُوْلَةً. شَيْئاً. والنَّوالُ والنَّالُ والنَّائلُ: العَطاءِ. ونُلْتُه ونُلْتُ لهُ، ونُلْتُ به أَنُولُه، وأَنَلْتُهُ إِيّاه، وَنَّولْتُه عليه، وله: أَعْطَيُتُه. ورجلٌ نالٌ: جَوادٌ، أَو كثير النائلِ، ونالَ يَنالُ نَيْلاً: صار نالاً. ونَولُك أَنْ تَفْعَلَ كذا، ونَوالُكَ ومِنْوالُكَ: أَى يَنْبَغِى لك. ناءَ الرجلُ مثالُ ناعَ: لغة فى نَأَى مثل نَعَى: إِذا بَعُدَ، قال سَهْمُ بن حَنْظَلة الغَنَوِىّ: إِنَّ اتَّباعَكَ مَوْلَى السُّوءِ تَسْأَلُه ... مثلُ القُعُود ولَمَّا تَتَّخِذْ نَشَبا مَنْ إِنْ رَآك غَنِيَّا لانَ جانِبُه ... وإِن رَآك فَقِيراً ناءَ واغَتَرَبَا هكذا رواه الكسائىّ وروى غيره: إِذا افْتَقَرْتَ نَأَى واشْتَدَّ جانِبهُ ... وإِنْ رآكَ غَنِيّاً لان واقْتَرَبا

قال الله تعالى: {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} وقُرِئَ: {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} . ونَاءَ يَنُوءُ نَوْءَاً: نَهَضَ بجَهْد ومَشَقَّة، قال الله تعالى: {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة} . وناءَ به الحِمْلُ: أَثْقَلَهُ. والمرأَةُ تَنُوءُ بعَجِيزَتِها، أَى تَنْهَض بها مُثْقَلَةً، وتَنُوءُ بها عَجِيزَتُها، أى تُثْقِلُها. وناءَ أَى سَقَط فهو من الأَضْداد. وعِنْدِى ما ساءَهُ وما ناءَهُ، أَى ما أَثْقَلَه. وما يَسُوءُه ويَنُوءُه، أَراد ساءَهُ وأَناءَهُ، وإِنَّما قال ناءَهُ وهو لا يتعدَّى لأَجلِ الازْدِواج. وقال تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} : يَبْعُدُون.

الباب السابع والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الواو

الباب السابع والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الواو

بصيرة فى الواو

بصيرة فى الواو وهى ترد فى القرآن وفى اللغة على وجوه كثيرة: 1 - حرفٌ من حُروف الهجاءِ شَفَوِىّ يحصلُ من انْطِباق الشَّفَتَين جِوارَ مَخْرج الفاءِ. [و] النِّسبة [إِليه] واوِىٌّ، والفِعْل منه واوَيْتُ واواً حَسَناً وحَسَنةً، والأَصل وَوَّوْتُ، لكن لمَّا اجتمعت أَربعُ واوات متوالية استثقلوه فقلبوا الواو الثانية أَلفاً والرابعة ياءً فصارت وَاوَيْتُ، وجمعه: واواتٌ. 2 - الواوُ فى حِساب الجُمَّل اسمٌ لعددِ السِتَّة. 3 - الواوُ المكرّرة فى نحو: سَوَّلْتُ وسَوَّيْت. 4 - الواوُ الأَصلىّ كما فى: وَعْد، ورَوْح، ونَحْو. 5 - واوُ الإِعراب كما فى الأِسماءِ الستَّة. 6 - واو الحالِ، كقوله تعالى: {وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} {وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ} أَى فى تلك الحالة. ومنه أَتَيْتُه والشَّمْسُ طالِعَةٌ.

7 - واوُ الاستِئْناف: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ} . 8 - الواوُ المقُحمة: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وأجمعوا} . 9 - الواوُ الزائِدَة فى ثانى الاسم، نحو كَوْثَر، وكَوْكَب، أَو فى ثالثه نحو: عَجُوز، وعَرُوس، أَو فى رابعه، نحو: تَرْقُوَة وعَرْقُوَة، أَو فى خامسه، نحو: قَلَنْسُوَة. 10 - الواو المُبْدَلَة من الهمزة إِذا كان ما قبلها مَضْمُوماً نحو: رأَيتُ وَباك، أَو من الأَلف نحو ضَوارِب. 11 - واوُ الثمانية: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} ، {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} {وَسِيقَ الذين كفروا إلى جَهَنَّمَ زُمَراً ... } إِلى قوله {وفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} . {والناهون عَنِ المنكر} .

12 - بمعنى أَوْ: {وَمَن يَكْفُرْ بالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} . 13 - بمعنى إِذْ، نحو: لَقِيتُكَ وأَنْتَ شابٌّ، أَى إِذْ أَنت. {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ} أَى إِذْ طائفةٌ. 14 - بمعنى مع: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} . 15 - بمعنى رُبّ، فى مثل قول رؤبة: وقاتِمِ الأَعْماقِ خَاوِى المُخْتَرَق 16 - واوُ القَسَم: {فَوَرَبِّ السمآء والأرض} . 17 - واوُ التَفْصِيل: {وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} ، {وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} . 18 - واوُ التأْكيد والتَقْرِير: {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ} {أَوَلَمْ يَسيرُواْ} . 19 - واوُ التِّكْرار: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} .

20 - واوٌ صِلَةٌ: {إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} . 21 - واوُ العَطْفِ، وتكون لمُطْلَق الجَمْع، فتعطِفُ الشىءَ على مُصاحِبه نحو قوله تعالى: {فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة} وعلى لاحقه نَحْو: قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} ، وعلى سابِقه، نحو قوله تعالى: {كَذَلِكَ يوحي إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} . وإِذا قيل قامَ زَيْدٌ وعَمْرو احتمل ثلاثةَ معانِ، وكونُها لِلْمَعِيَّة راجِحٌ، وللتَّرْتِيب كثير، ولعَكْسِه قليل. ويجوز أَن يكون بين مُتعاطِفَيها تقارُبٌ أَو تَراخٍ نحو: {إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين} . وقد تخرج الواوُ عن إِفادة مُطْلَقِ الجَمْع وذلك على أَوجه: أَحدها [تكون] : بمعنى أَوْ، وذلك على ثلاثة أَوْجُه: أَحدها تكون بمعناها فى التَقْسِيم نحو: الكلمة اسمٌ، وفعلٌ، وحرف؛ وبمعناها فى الإِباحَة، نحو جالِسِ الحَسَنَ وابْنَ سِيرين، أَى أَحدَهُما؛ وبمعناها فى التَخْيير نحو: وقالُوا نَأَتْ فاخْتَر لها الصَّبْر والبُكَا والثانى: بمعنى باءِ الجَرّ نحو: أَنت أَعْلَمُ ومالَكَ، وبعتُ

الشَّاة شاةً ودِرْهماً. الثالث: بمعنى لامِ التَّعْليل، نحو: {ياليتنا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ} قاله الخَارْزَنْجِىّ. الرّابع: واوُ الاستئناف نحو: لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبُ الَّلبَنَ، فيمن رفع. الخامس: واوُ المفعول معه، كسِرْتُ والنِّيلَ. السّادس: واوُ القَسَم. ولا تَدْخُل إِلاَّ على مُظْهَرٍ، ولا تتعلقَّ إِلا بمَحْذوف، نحو: {والقْرْآنِ الحَكِيمِ} فإِن تَلَتْها واوٌ أُخرَى فالثانية للعطف، وإِلاَّ لاحتاج كلٌّ إِلى جواب، نحو: {والتين والزيتون} . (السابع) : واو ربّ، ولا تدخلُ إِلاَّ على مُنَكَّر. (الثامن) الزائدة: {حتى إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} . وقد تقدم. (التاسع) : واو ضمير الذكور، نحو: الرّجال قاموا، وهو اسمٌ (و) عند الأَخْفَش والمازنى حَرْفٌ. (العاشر) : واو علامة المُذَكَّرين فى لغة طَيّئ أَو أَزْدِ شَنوُءَةَ أَو بَلْحارث.

ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلم: "يَتَعاقَبُون فِيكم مَلائكةٌ باللَّيْل ومَلائكةٌ بالنَّهار". (الحادى عشر) : واو الإِنكار، نحو: الرَّجُلُوه بعد قَوْل القائل: قامَ الرَّجُلُ. (الثانى عشر) : الواو المُبْدَلة من هَمْزة الاستِفْهام المَضْموم ما قَبْلها كقراءَة قُنْبُل: {وَإِلَيْهِ النشور * أَأَمِنتُمْ} ونحو: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ} . (الثالث عشر) : واو التَّذَكُّر. (الرابع عشر) : واو القوافى.

(الخامس عشر) : واوُ الإِشْباع كالبُرْقُوع. (السادس عشر) : واوُ مدّ الاسم بالنَّداءِ. (السابع عشر) : الواو المتحوّلة نحو: طُوبَى، أَصلها طُيْبَى. (الثامن عشر) : واوات الأَبْنِيَة كالجَوْرَبِ والتَوْرَب. (التاسع عشر) : واوُ الوَقْت، وتَقْرُب من واوِ الحال: اعْمَلْ وأَنْتَ صحيحٌ. (العشرون) : واو النسبة كأَخَوِىٍّ فى النِسْبة إِلى أَخ. (الحادى والعشرون) : واوُ عَمْرٍو لتَفْرِق بينه وبين عُمَر. (الثانى والعشرون) : الواوُ الفارِقةُ كواو أُولئك وأُولَى لئلاَّ يشتَبِه بإِلَيْكَ وإِلَى. (الثالث والعشرون) واوُ الهمزة فى الخَطّ كهَذِه نِساؤُكَ وشاؤُك، [و] فى اللَّفْظِ كحَمْراوان وسَوْداوان. (الرابع والعشرون) : واوُ النِّداءِ والنُّدْبَةِ.

(الخامس والعشرون) : واوُ الصّرْفِ وهو أَنْ تَأْتِىَ الواوُ معطوفةً على كلامٍ فى أَوّله حادِثَةٌ لا تَسْتَقِيم إِعادتُها على ما عُطِفَ عليه نحو: لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتَأْتِىَ مِثْلَه ... عارٌ عَلَيْكَ إِذا فَعَلْتَ عَظِيمُ فإِنَّه لا يجوزُ إِعادةُ [لا] على وتأْتى مثله، [فلذلك] سمّى صرفاً إِذْ كان معطوفاً ولم يَسْتَقِمْ أَنْ يُعادَ فيه الحادثُ الَّذى فيما قبله. (السادس والعشرون) : الواو اللغوىّ، قال الخليل: [الواو] عنْدَهم. البعير الفالِج، قال الشاعر: وكَمْ مُجْتَد أَغْنَيْتُه بعد فَقْرِه ... فَآبَ بواوٍ جَمَّة وسَوام

بصيرة فى وأد ووبل

بصيرة فى وأد ووبل وَأَدَ بِنْتَهُ يَئِدُهَا وَأْداً، أَى دَفَنَها وهى حَيَّةٌ، قال الله تعالى: {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ} وفى حديث النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم "أَنَّه نَهَى عن عُقوق الأُمَّهاتِ، وَوَأْدِ البَنات، ومَنْعٍ وهاتِ". وكانت كِنْدَةُ تَئِدُ البَناتِ، قال الفرزدق: ومِنَّا الَّذى مَنَعَ الوائدا ... تِ وأَحْيَا الوَئِيدَ فلم يُوْأَدِ والمَوائدُ: الدَّواهِى، وتَوَأَّدَتْ عليه الأَرضُ: غَيَّبَتْهُ. الوَبْلُ: والوابِلُ: المَطَرُ الشديد الكثيرُ القَطْر. وَبَلَتِ السماءُ تَبِلُ: أَتَتْ بالوَبْل، قال الله تعالى: {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} . ولمِرُاعاة الثِّقَل قيل لكلِّ شِدَّة ومخَافة وَبالٌ. قال الله تعالى: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا} . والوَبيلُ: الشديد؛ والعَصَا الغَلِيظةُ، والقَضِيبُ الذى فيه لِينٌ، وخَشَبةٌ يُضْرب بها النَّاقوسُ؛ والحُزْمَة من الحَطَب، والمَرْعَى الوَخِيم، قال الله

تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} . وأَبِيلٌ على وَبِيلٍ، أَى شيخٌ على عَصا. ورَجُلٌ وابِلٌ: جَوادٌ يَبِلُ بالعَطايا. أَنشد الفَرّاء: فأَصْبَحت المنازلُ قد أَذاعَتْ ... بها الإِعصارُ بعد الوابِلِينا أَى بعد الأَجْواد من أَهلها/. ووَبَلَه بالسّياط: تابعَها عليه. واسْتَوْبَلُوا المكانَ: استَوْخَمُوه.

بصيرة فى وبر ووبق

بصيرة فى وبر ووبق الوَبَرُ معروف، وجَمْعه أَوْبارٌ، قال الله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} . وبعيرٌ وَبِرُ وأَوْبَرُ، وناقةٌ وَبِرَةٌ ووَبْراءُ: كثيرةُ الوَبَر. ووَبَّرَتِ الأَرنبُ تَوْبِيراً وهو أَن تَمْشِىَ على وَبَر قوائِمها لئلاَّ يُقْتَصَّ أَثرُها. قال: مَرَطَى مُقَطِّعَة سُحورَ بُغاتِها ... من سُوسِها التوْبِيرُ مهما تُطْلب ووَبَّر فلانٌ أَمْرَهُ توبيراً: عَمّاهُ. الوُبُوقُ: الهَلاكُ. وَبَقَ يَبِقُ، كوَعَد يَعِدُ، ووَبِقَ يَوْبَقُ كوَجِلَ يَوْجَلُ، ووَبِق يَبِقُ كوَثِقَ يَثِقُ. قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً} أَى جعلنا بينهم من العَذاب ما يُهْلكهم. وقال أَبو عبيدة: المَوْبِقُ: المَوْعِدُ. وقال ابن عَرَفَة: مَوْبِقاً أَى مَحْبِساً. وكلُّ شىء حالَ بين شيئين فهو مَوْبِقٌ. وقيل: المَوْبِقُ: واد فى جهنَّم. وأَوْبَقَهُ: أَهْلَكه. وقيل: حَبَسَه، قال الله تعالى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} أَى يَحْبسُ السُفُن فلا تَجْرى عُقوبةً لأَهلها.

بصيرة فى وتن ووتد ووتر

بصيرة فى وتن ووتد ووتر الواتِن: الشىء الثَّابِتُ الدّائم فى مكانه؛ والماءُ المَعِينُ الدّائم. والوَتِينُ: عِرْقٌ فى القَلْب إِذا انقطَعَ مات صاحبُه، والجمع: أَوْتِنَةٌ ووُتْنٌ، قال الله تعالى: {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} . ووَتَنَه: أَصابَ وَتِينَهُ. والماءُ: دامَ ولم يَنْقَطِع. واسْتَوْتَنَ المالُ: سَمِنَ وغَلُظَ وَتِينهُ. الوَتْدُ بالفتح، والوَتِدُ ككَتِفٍ واحد الأَوتاد. وفى المثل: "أَذَلُّ من وَتِد بِقاعِ" لأَنَّه يُدَقُّ أَبداً، قال: إِنَّ الهَوانَ حِمارُ الأَهل تَعْرِفُه ... والحُرُّ يُنْكِرُه والجَسْرَةُ الأُجُدُ ولا يُقِيم بدارِ الذُلِّ يَعْرِفُها ... إِلاَّ الأَذَلاَّنِ عَيْرُ الأَهْلِ والوَتدُ هذا على الخَسْف مربَوطٌ برُمَّتِه ... وذا يُشَجُّ فلا يَرْثِى له أَحَدُ وكذلك الوَدّ فى لغة من يدغم. قال الله تعالى: {والجبال أَوْتَاداً}

وتقول: وَتَدْتُ الوَتْدَ أَتِدُهُ وَتْداً، وأَوْتَدْتُه. وإِذا أَمَرْت قلت: تِدْ وَتِدَكَ بالمِيتَدَةِ أَى بالمُدُقِّ. الوِتْرُ بالكسر: الَفْردُ. والوَتْرُ بالفتح: الذَّحْل، هذه لغة أَهل العالية فامّا لغةُ أَهلِ الحِجاز فبالضِدّ، قال تعالى: {والشفع والوتر} وأَمّا تميمٌ فبالكَسْر فيهما. والمَوْتُور: الذى قُتِلَ له قَتِيلٌ فلم يُدْرِك بدَمِه، تقول منه: وَتَرَهُ يَتِرُهُ وَتْراً وتِرَةً. وكذلك وَتَرَهُ حَقَّه، أَى نَقَصَه، قال الله تعالى: {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أَى لم يَنْقُصْكم من أَعْمالكم. والتَّواتُرُ: تَتابُع الشىء ولا يُراد به التَّواصُل. ومُواتَرَةُ الصَّوْمِ: أَنْ يصومَ يوماً ويُفْطِرَ يوماً أَو يومين، ويأَتىِ به وِتْراً وِتْراً، ولا يُراد به المُواصَلَة. وكذلك واتَرْتُ الكُتُبَ فتواترَتْ، أَى جاءَ بعضُها فى إِثْرِ بَعْض، قال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} أَى واحداً بعد واحدٍ، وفيها لغتان: التَّنْوينُ، وتَركُ التنوين مثل عَلْقَى، فمن تَرَكَ صَرْفَها فى المعرفةِ جعل أَلِفَها أَلِفَ ثأْنيث وهو أَجود، وأَصلُها وَتْرَى من الوتْر وهو الفَرْد، ومن نَوَّنَها جعل أَلِفَها ملحقةً. والوَتِيرَةُ: السَجِيَّة. وحَلْقَةٌ من عَقَبٍ يُتَعَلَّم عليها الطَّعن.

بصيرة فى وثق ووثن

بصيرة فى وثق ووثن وَثِقْتُ بفلان، بالكسر، أَثِقُ ثِقَةً ومَوْثِقاً ووُثُوقاً: إِذا ائْتَمَنْتَهُ قال الله تعالى: {حتى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ الله} ، أَى مِيثاقاً. وقال تعالى: {فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} . والمِيثاق: عَقْدٌ يُؤكَّد بيمينٍ وعَهْد. قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين} ، أَى أَخذ العهدَ عليهم بأَنْ/ يُؤمِنوا بمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم. وأَخْذُ المِيثاق بمعنى الاسْتِحْلافِ. وأَصلُ المِيثاقِ: المِوْثاق صارت الواوُ ياءً لانكسار ما قَبْلها، والجمعُ: المَواثِيقُ، والمَياثِيقُ أَيضاً على اللفظ، وقد جاءَ فى الشعر المَياثق أَنشد ابنُ الأَعرابىّ لِعياضِ ابن دُرَّةَ الطائىّ. حِمىً لا يَحُلُّ الدَّهْرُ إِلاَّ بإِذْنِنا ... ولا نَسْأَلُ الأَقْوامَ عَقْدَ المَياثِق والوَثاق والوِثاقُ: ما يُشدّ به، والجمعُ: وُثُقٌ ككُتُب، قال الله تعالى: {فَشُدُّواْ الوثاق} . وأَوْثَقَه فى الوَثاقِ: شَدَّه.

ووَثَّقْتُ الشَّىءَ تَوْثيقاً؛ ووَثِّقْتُ فُلاناً: إِذا قلتَ إِنَّه ثِقَةٌ، وناقةٌ مُوَثَّقَة الخَلْقِ: مُحْكَمَة. واسْتَوْثَقْت منه: أَخَذْتُ منه الوَثِيقَة. قال الكُميت يمدح مخلد بن يزَيدَ بن المُهَلَّب: وخلائقٌ منهُ إِلىّ جميلة ... حَسْبِى ونِعْمَ وَثِيقَةُ المُسْتَوْثِقِ وواثَقَنِى بالله ليَفْعَلَنَّ. وتَواثَقُوا على كذا، قال كعبُ بن زُهَير: لِيُوفُوا بما كانُوا عليه تَواثَقُوا ... بِخَيْفِ مِنىً واللهُ راءٍ وسامِعُ والوُثْقَى قريبةٌ من المَوْثِق، قال الله تعالى: {فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} . الوَثَنُ محرّكة: الصَّنَمُ، والجمع وُثْنٌ وأَوْثانٌ. والواثِنُ: الشىء الدّائم الثابت فى مَكانه كالواتِن بالمُثَنَّاة. وأَوْثَنَ من المال: أَكْثَرَ منه. وأَوْثَنَ زيداً: أَجْزَل عَطِيَّتَهُ.

بصيرة فى وجب

بصيرة فى وجب مادّته تدلّ على سُقوط الشىء ووقوعه، تقول: وَجَبَ الشىء: إِذا لَزِمَ، يَجِبُ وُجُوباً. وفى كتاب يافع ويَفَعة: وَجَبَ البَيْع وَجُوباً بفتح الواو كالقَبُول والوَلُوع وجِبَةً كِعَدة. ووَجَبَ القَلْبُ وَجِيباً: اضْطَرَبَ. ووَجُبَ الرَّجُلُ ككَرُم وُجُوبَةً: جَبُنَ. والوَجْبُ: الجَبانُ، قال الأَخطل: عَمُوِس الدُّجَى يَنْشَقُّ عن مُتَضَرِّمٍ ... طَلُوب الأَعادِى لا سَؤُوم ولا وَجْبِ والوَجْبَةُ: السَّقْطَة قال الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} ، أَى سقطت إِلى الأَرضِ، ومنه: خرجَ القومُ إِلى مَواجِبِهم، أَى مصارِعِهم. وَوَجَبَ المَيّتُ: إِذا سَقَطَ ومات، وفى الحديث: "دَعْهُنَّ فإِذا وَجَبَ فلا تَبْكِيَنَّ باكِيَةٌ، فقيل ما الوُجوبُ؟ قال: إِذا مات". ويُقال للقَتِيل واجِبٌ، قال قَيْس بن الخطيم الأَنصارىّ: أَطاعَتْ بنُو عَوْف أَمِيراً نهاهُمُ ... عن السِّلْمِ حَتَّى كان أَوَّلَ واجِبِ وأَوْجَبَ الله الشىءَ على عِباده: فَرَضَه.

والواجِبُ يقال على أَوْجُه: يقال فى مُقابَلَة المُمْكِن وهو الحاصِلُ الَّذى إِذا قُدّرَ كَوْنُه مرتفعاً حَصَل منه مُحالٌ، نحوُ وجُودِ الواحِد مع وُجودِ الاثْنَيْن، فإِنَّه مُحالٌ أَن يرتفع الواحدُ مع حصول الاثْنين. الثانى: يُقال الَّذِى إِذا لم يُفْعَلْ يُستحقُّ [به] اللَّوْمُ، وذلك ضَرْبان: واجبٌ من جهة العَقْل كوُجوب معرفةِ الوَحْدانية والنُبُوَّة، وواجبٌ من جهة الشَّرْع كوُجوب العِبادات المُوَظَّفة. وقيل: الواجِبُ يُقال على وَجْهَين: أَحدُهما يُراد به اللازِمَ الوجوب، فإِنَّه لا يصحّ أَن لا يكون موجوداً، كقولنا فى الله تعالى إِنّه واجبٌ وُجوده. والثانى الواجبُ بمعنى أَنَّ حَقَّه أَنْ يُوجَدَ. وقولُ الفُقَهاء: الواجِبُ الذى يستحق تارِكُه العِقابَ وصْفٌ له بشىء عارِض له، ويَجْرى مَجْرَى مَنْ يقول: الإِنسانُ الذى إِذا مَشَى مَشَى على رِجْلَيْن. وأَوْجَبَ الرّجلُ: إِذا عَمِلَ عَمَلاً يُوجِبُ الجنَّةَ أَو النَّار. ويُقال للحَسَنَة والسّيِّئة مُوجبَةٌ. وفى الدُّعاءِ النَّبوىّ: "اللَّهُمَّ إِنَّى أَسأَلك مُوجِباتِ رَحْمَتِك" وقيل/ للنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم "إِن صاحِباً لنا قد أَوْجَبَ فقال: مُرُوهُ فَلْيُعْتِقُ رَقَبَةً" أَى ارتكب كبيرةً وَجَبت له النَّارُ. وفى حديثه الآخر: "أَوْجَبَ ذو الثلاثَةِ والاثْنَين" أَى الذى أَفْرَطَ من وَلَده ثلاثةً أَو اثنين. والكلمة المُوجِبَةُ لا إِله إِلاَّ الله.

بصيرة فى وجد

بصيرة فى وجد وَجَدَ مطلوبَهُ يَجِدهُ وُجوداً، ويَجْدَه بالضمَّ لغة عامريّة لا نظير لها فى باب المِثال. ووَجِدَ بكسر الجيم لغةٌ، قال جرير: لَمْ أَرَ مِثْلَكِ يا أُمامَ خَلِيلاً ... أَنْأَى بحاجَتِنا وأَحْسن قِيلاَ لو شِئْتِ قَدْ نَقَعَ الفؤادُ بَشْربة ... تَدَعُ الصّوادِىَ لاَ يَجِدْنَ غَلِيلاَ بالعَذْبِ من وَصْفِ القِلاتِ مَقِيلة ... قَضَّ الأَباطحِ لا يَزالُ ظَلِيلاَ ووَجَدَ ضالَّته وِجْداناً. ووَجَد عليه فى الغَضَب يَجِدُ ويَجُدُ مَوْجِدَةً ووِجْداناً أَيضاً، حكاها بعضهم: ووَجَدَ فى الحُزْن وَجْداً. ووَجَدَ فى المال وُجْداً ووَجْداً وجِدَةً: استغنىَ. وقرأَ الأَعرج ونافعٌ ويَحْيَى بن يَعْمُرَ وسَعِيد بنُ جُبَيْرٍ وطاوُسُ وابنُ أَبى عَيْلَةَ وأَبو حَيْوَة وأَبو البَرَهْسَم {مِنْ وَجْدِكم} بفتح الواو، وقرأَ أَبو الحَسَن رَوْحُ بنُ عبدِ المؤمِن {مِنْ وِجْدِكم} بالكَسُرِ، والباقون: مِنْ وُجْدِكم بالضَمّ. ووَجَدَ فى الحُبّ وَجْداً لا غير، قالت شاعرةٌ: مَنْ يُهْدِ لىِ من ماءِ نقعاءَ شَرْبَةً ... فإِنَّ له مِنْ ماءِ لِينَةَ أَرْبَعا

لقد زَادَنا وَجْداً بنَقْعاءَ أَنَّنا ... وَجَدْنا مَطايانا بِلِينَةَ ظُلَّعَا فمن مُبْلغ تِرْبَىَّ بالرَمْل أَنَّنىِ ... بَكَيْتُ فلم أَتْرُك لِعَيْنَىَّ مَدْمَعَا قال أَبو القاسم الأَصبهانىّ: الوُجودُ أَضْرُبٌ: وُجودٌ بإِحدَى الحواسِّ الخمس نحو: وَجَدْتُ زيداً، وَوَجدْت طَعْمَه ورائحتَه وصَوْتَه وخُشونَتَه، ووجُودٌ بقوّة الشَهْوة نحو: وَجَدْتُ الشِبَعَ، ووجُودٌ بقوَّةِ الغَضَب، كوُجود الحُزْنِ والسَّخَط، ووجودٌ بالعَقْل أَو بوسَاطَةِ العقل، كمَعْرفة الله تعالى ومَعْرِفة النُبّوة. وما نُسِب إِلى الله تعالى من الوُجودِ فبمعنى العِلْم المجرّد إِذْ كان الله تعالى مُنَزَّها عن الوَصْف بالجَوَارح والآلاتِ نحو قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} وكذا المعدوم يُقال على ضدّ هذه الأَوجه. ويُعَبَّر عن التَمَكُّن من الشىءِ بالوُجود نحو: {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} أَى حيث رأَيتموهم. وقوله: {إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ} ، وقوله: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ} ، وقوله: {وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} وُجودٌ بالبَصِيرَة، وكذا قوله: {وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً} .

وقوله: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ} أَى إِن لم تَقْدِرُوا على الماءِ وقوله: {مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} أَى من تمكُّنِكم وقَدْرِ غِناكُمْ. وقال: بعضهم: الموجوداتُ ثلاثةُ أَضْرُبٍ: موجود لامَبْدَأَ له ولامُنْتَهَى، وليس ذلك إِلاَّ البارِى تعالَى، وموجودٌ له مبدأُ ومُنْتَهًى كالجَواهِر الدُّنْيَوِيّة؛ وموجودٌ له مبداٌّ وليس له مُنْتَهًى كالنَّاسِ فى النَّشَأَةِ الآخِرَة. وأَوْجَدَه اللهُ: أَغْنَاه، وأَوْجَدَه مَطْلُوبَه: أَظْفَرَه به. وأَوْجَدَه على الأَمْرِ: أَكْرَهَه. ووُجِدَ عن عَدَمِ فهو موجُودٌ، كحُمّ فهو مَحْمُومٌ، ولايُقال وَجَدَه الله، وإِنَّما يقال: أَوْجَدَه الله.

بصيرة فى وجس ووجل

بصيرة فى وجس ووجل الوَجْسُ: الصَّوْتُ الخَفِىُّ/، والوَجْسُ: الهَمُّ. والوَجْسُ: الهَمُّ. والوَجْسُ: الفَزَعُ يَقَع فى القَلْبِ من صَوْتٍ وغيره. والوَجَسان: فَزَعُ القَلْبِ. والأَوْجَسُ: الدَّهْرُ، يُقال: لا أَفْعَلُه سَجِيسَ الأَوْجَسِ والأَوْجُسِ، بفتح الجيم وضمّها، أَى أَبَداً. وما ذُقْتُ عنده أَوْجَسَ، أَى شيئاً من الطَّعام. وما [فى] سقائه أَوْجَسُ، أَى قَطْرَة. قال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً} أَى أَحَسَّ وأَضْمَرَ فى نفسه خَوْفاً، وكذلك تَوَجَّس بمعناه. والتَّوَجُّس أَيضاً: التَّسَمُّع إِلى الصَّوْتِ الخَفِىِّ. الوَجَلُ - مُحرَّكة -: الخَوْفُ ورَجَفان القَلْب وانْصِداعه لذِكْرِ من يُخاف سَطْوَتُه وعُقوبته أَو لِرُؤيته. وقيل: الخوفُ، والخَشْيَة، والرَّهْبة، والوَجَل أَلفاظٌ متقارِبَة المعنى. وَجِلَ كفَرِح ياجَلُ ويَيْجَلُ ويِيجَلُ بكسر أَوَّلهِ، ويَوْجَلُ. ورجُلٌ أَوْجَلُ ووَجِلٌ، والجمع: وِجالٌ ووَجِلُونَ، وهى وَجِلَةٌ. قال الله تعالى: {إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} وقال تعالى: {والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أَهو الذى يَسْرق وَيزْنِى ويشربُ الخمر؟ قال: لا يابنة الصّدِّيق، ولكنَّه الرجل يصوم ويُصلّى ويتصدَّق ويخاف أَن لا يَتَقَبَّلَ اللهُ منه.

بصيرة فى وجه

بصيرة فى وجه الوَجْهُ: مُسْتَقْبَلُ كلِّ شىءٍ، والجمع أَوْجُهٌ ووُجوهٌ. والوَجْهُ: نَفْسُ الشىء، وقيل: أَصْلهُ الجارِحَة قال الله تعالى: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} ولمّا كان الوجهُ أَوَّلَ ما يستقبلُك وأَشرفَ ما فى ظاهرِ البَدَن استُعْمِل فى مُسْتَقْبَل كلِّ شىءٍ وفى أَشْرَفه ومَبْدئه. ووَجْهُ الدّهرِ: أَوَّلهُ ووَجْهُ النَّجْم: ما بَدا لَك منه. ووَجْهُ الكلامِ: السَبِيلُ المقصودُ منه. ووَجْه القومِ: سَيِّدُهم. والوَجْهُ والوِجْه، والوِجْهَةُ، والوُجْهَةُ: الجاهُ والمَنْزِلَةُ. وقولُه تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} قيل: إِنَّ الوجه زائدٌ، والمعنى: كلُّ شىء هالكٌ إِلاَّ هو. وقولُه تعالى: {ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام} قيل: المعنى ذاتُه، وقيل: الوجهُ زائد، وقيل: المعنى إِلاَّ التَوَجُّه إِلى الله بالأَعمال الصّالحة. ويُرْوَى أَنَّه قيل لأَبى عبد الله الرّضا إِنَّ بعض العلماءِ يقول: الوَجْهُ زائد والمعنى كلّ شىء هالك إِلاَّ هو. فقال: سبحان الله! لقد قالوا قولاً عظيماً، إِنَّما عُنِىَ الوَجْهُ الذى يُؤتَى منه، ومعناه: كلّ شىءٍ من أَعمالِ العِباد هالك إِلاَّ ما أُريد به وَجْهَ الله. وعلى هذا الآياتُ الأُخَرُ. وقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ

كُلِّ مَسْجِدٍ} قيل: أَراد به الجارِحَةَ واستعارَها كقولك: فعلتُ هذا بِيَدِى. وقيل: أَراد بالإِقامَةِ تَحَرِّىَ الاستقامة، وبالوَجْه التَّوَجُّهَ، والمعنى: أَخْلِصُوا العبادةَ لله فى الصلاةِ. وقوله تعالى: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ} وأَخواتُه من نحو: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} ، الوَجْه فى كلّ ذلك كما تقدّم أَو على الاستعارة للمَذْهب والطريق. ويقال: واجَهْتُ فلاناً، أَى جعلت وَجْهَى تلقاءَ وَجْهه. ووَجَهَهُ: ضَرَبَ وَجْهَه فهو مَوْجُوهٌ. ووَجَّهَه تَوْجِيهاً: أَرسلَه، وشَرَّفه كأَوْجَهَه. والمَطَرَةُ الأَرضَ: صَيَرَتْها وَجْهاً واحداً. وقمتُ وَجاهَه وتُجاهَه مثلَّثين، أَى تِلْقاءَ وَجْهه وتَوَاجَها: تَقابَلاً. والمُوَجَّهُ كمعظَّم: ذُو الجاهِ. وتَوَجَّه: أَقْبَلَ؛ والشيخُ: وَلَّى وأَدْبَرَ، وكَبِرَ؛ والعُمُرُ: تَوَلَّى؛ والجَيْشُ: انْهَزَم. والوَجِيه/: ذو الجاه، والجمع: وُجَهاءُ، قال تعالى: {وَجِيهاً فِي الدنيا والآخرة} ، وقال تعالى: {وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً} . وأَوْجَهَهُ: صادَفَه وَجِيهاً، وجعله وَجِيهاً. ووَجَّهْتُ: تَوجَّهْتُ. وَوَجَهْتُكَ عند الناسِ أَجِهُكَ: صرتُ أَوْجَه منك. والجِهَةُ والجُهَةُ، بالكسر والضمّ، [و] الوَجْهُ: الجانبُ والناحيةُ، والجمع جِهاتٌ.

بصيرة فى وجف

بصيرة فى وجف وَجَفَ الشىءُ: اضْطَرَبَ، قال الله تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} قال الزَّجَاج: أَى شديدةُ الاضْطرابِ، فهو يَجِفُ وَجْفاً ووَجِيفاً ووُجُوفاً. والوَجْفُ والوَجِيفُ: ضَرْبٌ من سَيْرِ الخَيْل والإِبل، قال العجّاج: ناجٍ طَواه الأَيْنُ مِمَّا وَجَفا وأَوْجَفَها صاحُبَها. قال الله تعالى: {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} أَى ما أَعْمَلْتم. وقال الأَزهرىّ: اسْتَوْجَف الحُبّ فؤادَه: إِذا ذَهَب به، وأَنشد لأَبِى نُخْيَلَةَ: ولَكِنّ هذَا القَلْبَ قَلْبٌ مُضَلَّلٌ ... هَفا هَفْوَةً فاسْتَوْجَفَتْه المَقادرُ ويُرْوَى بالخاءِ المعجمة، والمعنَى واحدٌ.

بصيرة فى وحد

بصيرة فى وحد الوَحْدَةُ: الانْفِرادُ. والواحِدُ: أَوَّلُ العَدَدِ، والجمع: وُحْدان وأُحْدَان، ويُرْوَى بالوجهين بيت قُرَيْط بن أُنَيْف العَنْبَرِىّ: قَوْمٌ إِذا الشَرُّ أَبْدَى ناجِذَيْه لهم ... طارُوا إِليه زُرافاتٍ ووُحْدانا مثلُ شابٍّ وشُبَّان، ورَاع ورُعْيان. قال الفرّاءُ: أَنتم حَىٌّ واحِدُون، يقال منه: وَحِدَ يَحِدُ وُحُوداً ووُحُودَةً وَوَحْداً ووُحْدَةً وحِدَةً. وقوله تعالى {إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} أَى بخصلة واحدة، وهى هذه: {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى} ، وقيل: معناه أَعِظُكم بَوحْدَانيّة الله تعالى، أَى بأَن تُوَحِّدوا الله. وقولُه تعالى. {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النسآء} ولم يَقُل كواحدة لأَنّ أَحداً نَفْىٌ عامٌّ للمذكّر والمؤنَّث، والواحد والجمع. ومن صفات الله تعالَى الواحِدُ الأَحَدُ. قال الأَزهرىّ: الفرقُ بينهما أَنَّ الأَحدَ بُنِىَ لنَفْىٍ ما يُذْكَر معه من العَدَد؛ والواحد مُفْتَتَح العَدَد، تقول: ما أَتانى منهم [أَحَدٌ] وجاءَنى منهم واحدٌ. والواحِدُ بُنِى على انْقطاع النَّظِير وعَوَزِ المِثْلِ.

وقولهم: رأَيته وَحْدَه منصوبٌ عند أَهلِ الكوفة على الظَّرْف، وعند أَهل البصرة على المصدر فى كلّ حال، كأَنك قلت أَوْحَدْتُه برؤيتى إيحاداً، أَى لم أَرَ غيره، ثم وَضَعْت وَحْدَه موضع هذا. وقال أَبو العباس: يحتمل وَجْهاً آخر وهو أَن يكون الرجلُ فى نفسه منفرداً كأَنَّك قلتَ رأَيت رجلاً منفرداً ثمّ وضعت وحده موضعه. وقال بعض البصريِّين هو منصوب على الحال. قال ابن الأَعرابىّ: يقال جَلَس على وَحْدِه وَجَلَسَا على وَحْدِهما، وجَلَسَا على وَحْدَيْهما كما يقال جَلَس وَحْدَه وَجَلَسا وَحْدَهُما. ورجلٌ وَحَدٌ، ووَحِدٌ، ووَحِيدٌ: مُنفرِدٌ. والوَحْدانِيَّةُ: الفَرْدانِيَّة. ووَحِدَ الرّجلُ - بالكسر - ووَحُد - بالضمّ -، أَى بقى وَحْدَه. وأَوْحَدْتُه برؤيتى، أَى لم أَر غَيرَه. وقال أَبو القاسم الرّاغب: [الواحِد] فى الحقيقة هو الشىء الَّذى لاجُزْءَ له البتَّة، ثمَّ يُطْلق على كلِّ موجودٍ، حتَّى إِنَّه ما من عَدَد إِلاَّ ويَصحُّ وصفُه به، فيقال: عشرةٌ واحدةٌ، ومائةٌ واحدةٌ. فالواحد لفظ مُشْتَركٌ يُستعمل على سِتَّة أَوجه:

الأَوّل: ما كان واحداً فى الجِنْس أَو فى النَّوْع كقولنا: الإِنسان والفَرَسُ واحدٌ فى الجنس، وزَيْدٌ/ وعَمْرٌو واحدٌ فى النَّوْع. الثَّانى: ما كان واحداً بالاتَّصال إِمّا من حَيْثُ الخِلْقَةُ، كقولك: شخصٌ واحدٌ، وإِمّا من حيثُ الصّناعةُ كقولك: حرفةٌ واحدةٌ. الثالث: ما كان واحداً لِعَدَم نَظيره، إِمّا فى الخلْقَة كقولك: الشمسُ واحدة، وإِمّا فى دَعْوَى الفضيلة، كقولك: فلانٌ واحِدُ دَهْرِه، وكَقُولِك نَسِيجُ وَحْدِه. الرابعُ: ما كان واحداً لامْتِناع التَجَزِّى فيه إِمّا لصِغَره كالهَباءِ، وإِمّا لصَلابَته كالأَلْماس. الخامس: للمبدإِ، إِمَّا لمَبْدَإِ العَدَد كقولك واحدٌ اثْنان، وإِمَّا لمبدإِ الخَطّ كقولك: النُقطةُ الواحدةُ، والوَحْدَة فى كُلِّها عارِضَةٌ. وإِذا وُصِف الله عزَّ وجلّ بالواحِد فمعناهُ هو الذى لا يصحّ عليه التَجَزِّى ولا التَكَثُّر، ولصُعُوبة هذه الوَحْدَة قال الله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت} الآية. والتَّوحيد الحقيقىّ الَّذى هو سببُ النَّجاة ومادَّة السّعادة فى الدّار الآخرة ما بيَّنه الله تعالى وهَدانا فى كتابه العزيز بقوله: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إلاه إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَآئِمَاً بالقسط لاَ إلاه إِلاَّ هُوَ العزيز الحكيم *

إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام} والقوم دائرون فى تفسيره بين حَكَمَ وقَضَى، وأَخْبَر وأَعْلَم، وبَيَّن وعَرَفَ. والتَّوْحِيدُ تَوْحِيدان: تَوْحِيد الرُّبوبيّة، وتَوْحيد الإِلهِيّةِ، فصاحبُ توحيدِ الرُّبوبيّة يشهد قَيُّومِيَّة الربّ فوقَ عَرْشه يدبِّر أَمَر عِباده وَحْدَه، فلا خالِقَ ولارازق، ولامُعْطِىَ ولامانعَ ولامُميت ولامُحْيِىَ ولامُدَبِّر لأَمرِ المملكة ظاهراً وباطناً غيرُهُ، فما شاءَ كان، وما لم يشأْ لم يكن، ولا تتحرّك ذَرّةٌ إِلاَّ بإِذنه، ولا يجرِى حادثٌ إِلاَّ بمشيئته، ولا تسقُط ورقةٌ إِلاَّ بِعلْمه، ولا يَعْزُب عنه مِثْقَالُ ذَرَّة فى السَّمَاوات ولا فى الأَرْض ولا أَصْغَرُ من ذلك ولا أَكبَر إِلاَّ وقد أَحصاها عِلْمُه وأَحاطَتْ بها قُدْرَتُه، ونَفَذت فيها مشيئتُه، واقتضتها حِكْمَتُه. وأَمَّا توحيدُ الإِلهية فهو أَن يجمع هَمَّهُ وقلبَهُ وعَزْمَه وإِرادتَه وحركاتِه على أَداءِ حقٍّه والقيام بعُبودِيَّتِه، وأَنشد صاحبُ المنازل أَبياتاً ثلاثة ختم بها كتابه ولا أَدرِى هل هى له أَو لغيره: ما وَحَّدَ الواحِدَ مِنْ واحِدِ ... إِذ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جاحدُ تَوْحيدُ من ينطق عن نعته ... عارِيَّةٌ أَبْطَلَها الواحِدُ تَوْحِيدُهُ إِيَّاهُ تَوْحِيدُه ... ونَعْتُ من يَنْعَتُه لاحِدُ وظاهر معناه أَنَّ ما وحَّد الله عزَّ وجلَّ أَحدٌ سواهُ، وكلّ من أَحَّدَه

فهو جاحِدٌ لحقيقة تَوْحِيده، فإِنَّ توحيدَه يتضمّن شُهودَ ذاتِ المُوَحّد وفِعْله، وما قام به من التوحيد وشُهودِ ذات الواحِد وانفرادِه، وتلك بخلاف تَوْحيده لنَفْسه، فإِنَّه يكون هو الموحِّد والموحَّد، والتَّوحيد صِفَتُه وكلامُه القائم، فما ثَمّ غيره فلا اثنينيّة ولا تعدّد. وأَيضاً فمَنْ وَحَّده من خَلْقه فلا بدّ أَنْ يصفَه بصفة، وذلك يتضمّن جَحْدَ حَقِّه الذى هو عدم انصحارِه تحت الأَوصاف، فمَنْ وصفَ فقد جَحد إِطلاقَه من قُيود الصّفات. وقوله: توحيد مَنْ ينطق عن نَعْته ... عاريّة أَبطلها الواحدُ يعنى توحيد الناطقين عنه عاريّة مردودة، كما تُستردُّ العَوارِى، إِشارة إِلى أَنَّ توحيدهم ليس مِلْكاً لهم، بل الحقُّ أَعارهم إِيّاه كما يُعِير المعيرُ متاعَه لغيره ينتفع به. وقوله: أَبطلها الواحد، أَى الواحد/ المطلق من كلّ الوجُوه وَحْدَتُه يُبطل هذه العارة. وقوله: تَوْحِيدُه إِيّاه تَوْحِيدُه يعنى توحيدُه الحقيقىّ هو تَوْحيدٌ لنَفْسه بَنفْسه من غير أَثَرٍ للسِّوَى بوجه، بل لا سِوَى هناك. وقوله: ونَعْتُ مَنْ يَنْعَتُه لاحِدُ أَى نعتُ الناعِت له إِلْحاد، أَى عدولٌ عمّا يستحقُّه من كَمال التوحيد، فإِنَّه أَسند إِلى نزاهة الحَقِّ ما لا يَليق إِسناده. وحاصل كلامه، وأَحسن ما يحمل عليه: أَنَّ الفَناءَ فى شُهود الأَزليّة

والحُكم يَمْحُو شُهودَ العبدِ لنفسه وصفاته فضلاً عن شهود غيره، فلا يشهدُ موجوداً فاعلاً على الحقيقة إِلاَّ الله وحده، وفى هذا الشهود تفنى الرّسوم كلُّها، فيمحق هذا الشهودُ من القلب كلَّ ما سوى الحقِّ، إِلاَّ أَنَّه يمحقه من الوجود، وحينئذ يشهد أَنَّ التوحيدَ الحقيقىّ غيرَ المستعارِ هو توحيد الربّ تعالى نفسه، وتوحيد غيره له عاريّة محضة أَعاره إِياها مالك الملوك، والعوارِىُّ مردودة إِلى من تُرَدّ إِليه الأُمور كلَّها، {ثُمَّ ردوا إلى الله مَوْلاَهُمُ الحق} . قال العارفُ عبد الله بن المعمار: السِرُّ أَنْ تُنْظُرَ الأَشياءُ أَجْمَعُها ... ويُعْرِفَ الواحدُ النَّاشِى به العَددُ فذاكَ تَوْحِيدُه فى واحِدِيَّته ... وفَوْقَ ذاكَ مقامٌ إِسْمُه الأَحَدُ

بصيرة فى وحش

بصيرة فى وحش الوَحْشُ والوَحِيشُ واحد، قال أَبو النَّجْم: أَمْسَى يَباباً والنَّعامُ نَعَمُهْ ... قَفْراً وآجَالُ الوَحِيشِ غَنَمُه وقيل: وَحْشٌ ووَحِيشٌ كضَأْنٍ وضَئين، ومَعْز ومَعِيز، وكَلْب وكَلِيب، والجمع: الوُحوشُ والوُحْشانُ. وقيل: واحدُ الوَحْش وَحْشىٌّ، كزَنْج وزَنْجىّ، ورُومٍ ورومىّ، وهو حَيوانُ البَرِّ، قال النابغةُ الذّبيانىّ: مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ موشىّ أَكارِعُهُ ... طاوِى المَصِير كسَيْفِ الصَّيْقَلِ الفرد وقال الله تعالى: {وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ} . والمَكان الذى لا إِنْسَ فيه: وَحْشٌ. [و] بَلَدٌ وَحْشٌ، أَى قَفْرٌ. ولَقِيتُه بَوْحِشِ إِصْمِتْ، أَى ببلدٍ قَفْرٍ. ورجلٌ وَحْشانُ: مُغَتَمٌّ، والجمع: وَحاشَى كسَكْران وسَكارى، ومنه الحديث: "لا تَحْقِرَنَّ شيئاً ولَوْ أَنْ تُؤنِسَ الوَحْشان".

وأَوْحَشْتُ الأَرضَ وجدتُها وَحِشَةً. وأَوْحَشَ: جاعَ أَوْ نَفِدَ زادُه. ووَحَّش تَوْحيشاً: رَمَى بِثَوْبِه وسِلاحِه مخافة أَنْ يُلَحْقَ، مثل وَحَشَ وَحْشاً. وكان بين الأَوْس والخَزْرَجِ قِتالٌ فجاءَ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما رآهم نادَى: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} حتَّى فرغَ من الآيات، فَوَحَّشُوا بأَسْلِحَتِهم واعْتَنَق بعضُهم بعضاً".

بصيرة فى وحى

بصيرة فى وحى الوَحْىُ: ما يقعُ به الإِشارةُ القائمة مقامَ العِبارة من غير عبارَة، فإِنَّ العِبارةَ يجوزُ منها إِلى المعنى المقصود بها، ولذا سُمِيّت عِبارةً، بخلاف الإِشارة الَّتى هى الوحى فإِنها ذاتُ المُشار إليه، والوَحْىُ هو المفهومُ الأَوّل، والإِفهام الأَوّل، ولاتعجب من أَن يكون عين الفهم عين الإِفهام عين المفهوم منه، فإِن لم تحصل لك هذه النكتة فلست بصاحبِ وَحْىٍ، أَلا تَرى أَنَّ الوَحْىَ هو السُّرْعة، ولاسُرْعَة أَسْرَعُ ممّا ذكرنا. فهذا الضَّرب من الكلام يُسمَّى وَحْياً، ولما كان بهذه المَثابة وأَنَّه تَجَلٍّ ذاتٌّى، لهذا ورد فى الحديث الذى رَواه ابن حبّان فى صحيحه وغيره "أَنَّ الله إِذا تَكَلَّم بالوَحْىِ سَمع أَهلُ السّماءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ/ السِلْسِلَة على الصّفاة فيَصْعَقُون، فلا يزالون كذلك حَتَّى يأَتيَهم جبريل، فإِذا جاءَهم فُزِّع عن قُلُوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال رَبُّك فيقولُ: الحَقّ: فيُنادُون الحقَّ وهو العَلّىِ الكبير" [وما سَأَلت الملائكة] عن هذه الحقيقة [وإنما عن] السبب من حيث هُوِيَّته. فالوحى: ما يسرع أَثره من كلام الحق فى نفس السّامع، ولا يَعْرف هذا إِلا العارِفُون بالشؤون الإِلهيَّةِ فإِنَّها عَيْنُ الوحى الإِلهىّ فى العالَم وهم لا يشعرون. فافْهَم.

وقد يكون الوَحْىُ إِسراع الروح الإِلهىّ بالإِيمان بما يقع به الإِخبار والمفطور عليه كلُّ شىء ممّا لا كَسْبَ فيه من الوحى أَيضاً، كالمولود يَلْتَقِمُ ثَدْىَ أُمّه، ذلك من أَثر الوحى الإِلهىّ إِليه كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ ولاكن لاَّ تُبْصِرُونَ} ، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ الله أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} . وقال تعالى: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} فلولا أَنَّها فَهِمَت من الله وَحْيَه لما صَدَر منها ما صَدَر، ولهذا لا تُتَصورّ معه المخالفةُ إِذا كان الكلامُ وَحْياً، فإِن سلطانَه أَقوَى من أَن يُقاوَم، {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم} ، ولذا فَعَلَت ولم تخالِف، والحالة تُؤذن بالهَلاك ولم تُخالِف ولا تَرَدَّدت، ولا حَكَمت عليها البَشَرِيَّة بأَن هذا من أَخطر الأَشياءِ، فدلَّ على أَنَّ الوحىَ أَقْوَى سلطاناً فى نفس المُوحَى إِليه من طبْعه الذى هو عين نَفْسِه، قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} وحَبْلُ الوَرِيد من ذاتهِ. فإذا زعمت ياوَلِىُّ بأَنَّ الله أَوحَى إِليك فانظر نَفْسك فى التردُّد والمُخالَفة، فإِن وجدت لذلك أَثر تَدْبِيرٍ أَوْ تَفْضِيلٍ أَو تَفكُّرٍ فلستَ بصاحبِ وَحْىٍ، فإِن حكم عليك وأَعماكَ وأَصَمَّك وحال بَيْنَكَ وبين فِكْرِك وتَدْبِيرك وأَمضى حكمَهُ فيك، فذلك هو الوَحْى، وأَنت عند ذلك صاحب وَحْىٍ،

وعَلِمْتَ عند ذلك أَنَّ رِفْعَتك وعُلُوَّ مرتبتك أَنْ تَلْحَقَ بمن يقول إِنَّه دونك من حيوانِ أَو نبات أَو جماد، فإِن كلّ شىءٍ مفطورٌ على العِلْم بالله إِلاَّ مجموع الإِنس والجانِّ، فإِنَّه من حيث تَفْصِيلُه مُنطوٍ على العلم بالله كسائر ماسِواهُما من المخلوقات من مَلَكٍ وحيوان ونبات وجَماد، فما من شىءٍ فيه من شَعْرٍ وجِلْدٍ ولَحْم وعَصَبٍ ودَمٍ ورُوح ونَفَسٍ وظُفُرٍ ونابٍ إِلاَّ وهو عالم بالله، حتَّى ينظر ويفكِّر ويرجع إِلى نفسه فيَعْلَم أَنَّ له صانعاً صَنَعه وخالِقاً خَلَقَه، فلو أَسمعه الله نُطْق جِلْدِه أَو يَدهِ أَو لسانِه أَو عَيْنِه لَسَمِعه ناطقاً بمعرفته بربّه، مُسَبِّحاً لجلالهِ، مُقَدِّسا لِجَماله {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} الآية {اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ} ، {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} . فالإِنسان من حيث تَفْصيِلُه عالمٌ بالله، ومن حيث جُمْلَتُه جاهِلٌ بالله حتَّى يتعَلَّم، أَى يَعْلَم بما فى تَفْصِيله، فهو العالم الجاهلُ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} . قال أَبو القاسم الأَصْفهانىّ: الوَحْىُ: الإِشارَةُ السَّرِيعة، ولِتَضَمُّن السُّرْعَة قيل: أَمرٌ وَحِىٌّ، وذلك يكونُ بالكلام على سَبيل الرمْزِ أَو التَعْرِيض. وقد يكون بصَوْت مُجَرَّد عن التركيب، وبإِشارةٍ ببعضِ الجوارح وبالكِتابة، وقد حُمِلَ على كل ذلك قولُه/ تعالى: {فأوحى إِلَيْهِمْ

أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً} فقد قيل: رَمَزَ وقيل: أَشارَ، وقيل: كَتَبَ. وحُمِل على هذه الوُجوه أَيضاً قولُه تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً} ، وقوله: {وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ} فذلك بالوَسْواس المشار إِليه بقوله: {مِن شَرِّ الوسواس الخناس} وبقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِنَّ للشَّيْطان لَمَّةً" الحديث. ويُقالُ للكلمة الإِلهيّةِ الَّتى تُلْقَى [إِلى] أَنْبِيائه وأَوْلِيائه وَحْىٌ، وذلك أَضْرُبٌ حَسْبَ ما دلَّ عليه قولُه تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ} وذلك إِمّا برَسُولٍ مشاهَدٍ تُرَى ذاتُه ويُسْمَعُ كلامُه كتَبْليغ جبريلَ عليه السّلامُ للنبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فى صُورةٍ مُعَيَّنة، وإِمّا بسَماع كلامٍ من غير مُعايَنَةٍ كسَماع مُوسَى عليه السّلامَ كلامَ الله تعالى، وإِمّا بإِلقاءٍ فى الرُّوْع كما ذَكَرَ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فى رُوْعِى"، وإِمّا بإِلْهامٍ نحو قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} ، وإِمَّا بتَسْخِير نحو قوله تعالى: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} ، وإِمّا بمَنامٍ كما قال صلىَّ الله عليه وسلم: "لم يَبْقَ من النُبُوَّة إِلاَّ المُبشِّرات". فالإِلهام

والتَّسخير والمَنام دلَّ عليه قوله تعالى: {إِلاَّ وَحْياً} ، وسَماعُ الكلام من غير مُعَاينة دلَّ عليه: {مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} ، وتَبْليغُ جبريل عليه السّلام فى صورة معيّنة دلَّ عليه: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ} وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} ، فذلك ذمّ لمن يدَّعِى شيئاً من أَنواع ما ذكرنا من الوَحْى، أَىّ نوعٍ ادَّعاه من غير أَنْ حَصَلَ له. وقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ} فهذا الوَحْىُ هو عامٌّ فى جميع أَنواعِه، وذلك أَنَّ معرفةَ وَحْدانيّةِ الله تعالى، ومعرفةَ وُجوب عبادتِه ليست مقصورةً على الوَحْىِ المختصّ بأُولِى العَزْم من الرّسل بل ذلك يُعْرف بالعقل والإِلهام، كما يعرف بالسّمع، فإِذاً القصدُ من الآية تنبيهٌ أَنَّه من المُحالِ أَن يكون رسولٌ لا يَعرِف وَحْدانيّة الله تعالى ووُجوبَ عبادتهِ. وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} فذلك وَحْىٌ بوَساطة عيسى عليه السّلام. وقوله: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات} فذلك وَحْىٌ إِلى الأُمم بوَساطة الأَنبياءِ عليهم السّلام. ومن الوَحْى المختصّ بالنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: {اتبع مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ

مِن رَّبِّكَ} . وقوله: {وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى وَأَخِيهِ} فوحْيُه إِلى موسَى بِوسَاطة جبريل، وإِلى هارون بوَساطة مُوسَى عليه السّلام. وقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ} فذلك وَحْىٌ إِليهم بوسَاطة اللَّوح والقَلَم فيما قيل. وقولُه: {وأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا} فإِن كان الوَحْىُ إِلى أَهل السماءِ فقط فُالمُوحَى إِليه مَحْذوفٌ ذِكْره كأَنَّه قال: أَوْحَى إِلى الملائكة، لأَنَّ أَهل السّماءِ هم الملائكة، ويكون كقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة} ، وإِن كان المُوحَى إِليه هى السَّماوَات فذلك تسخيرٌ عند من يجعل السّماءَ غير حَىٍّ، ونُطْقٌ عند من يجعله حَيّاً. وقوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} قريبٌ من الأَوّل. وقوله: {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ أَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} فحَثٌّ له على التثبتِ فى السّماع، وعلى تَرْك الاسِتعْجال فى تَلَقِّيه وتَلَقُّنه.

بصيرة فى ود

بصيرة فى ود تقول: وَدِدْتُ لو تَفْعَل ذاكَ، ووَدَدْتُ لو أَنَّك تفعل/ ذاك، أَوَدُّ وَدّاً ووُدّاً. وَوَدَاداً ووَدَادَةً بالفتح فيهما، أَى تمنَّيْت ومنه قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} أَى يتمنَّى، قال: وَدِدْتُ ودادَةً لو أَنَّ حَظِّى ... من الخُلاَّنِ أَلاَّ يَصْرِمُونِى وَدِدْتُ الرّجلَ أَوَدُّه وُدّاً ومَوَدَّة ومَوْدِدَةً، عن الفرّاءِ، بإِظهار التَّضْعِيف [و] قال: وَدَدْتُه أَوَدُّه مثال وَضعْتُه أَضَعُهُ لغة فيها، وأَنكرها البصريّون قال العجّاج: إِنَّ بَنِىَّ لِلَّئام زَهَدَهْ ... لا يَجدُون لِصَدِيق مَوْدِدَهْ وقوله تعالى: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} أَى بالكُتُب. وقولُه عزَّ وجلّ {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} أَى وَدَّ المُنافٍِقون ما عَنِتَ المؤمنون فى دِينِهم. وقوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمان وُدّاً} ، قال ابنُ عبّاسِ رضى الله عنهما: أَى مَحَبَّةً فى قلوبِ الناس. وقال عُثمان بنُ عفَّان رضى الله عنه: "ما أَحَدٌ

من الناسِ يعملُ خيراً أَو شَرّاً إِلاَّ وَدّ أَنَ الله يُرِى عَمَلَه"، يعنى أَنَّه يُظْهِر ذلك عليه فيجعله لِباساً له فيُعرَف به. والوِدُّ بالكسر والوَدِيدُ واحدٌ والجمع أوُدّ، مِثالِ قِدْحٍ وأَقْدُح وذِئْبٍ وأَذْؤْبِ، وهنم أَوِدّاءُ. والوَدُودُ: المُحِبّ. ورجالٌ وُدَدَاءُ. والوَدُودُ فى صفاتِ الله تعالى، قال ابن الأَنْبَارِىّ: هو المُحِبُّ لِعباده. ويستوى فى الوَدُود المذكَّرُ والمؤنَّث لكَوْنه وَصْفاً داخلاً على وَصْف للمُبالغة. والتَوَدُّد: التَحَبُّبُ. والتَوادُّ: التَحابُّ، وقوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} إِشارة إِلى ما أَوْقَع بينهم من الأُلْفَة المذكورة فى قوله: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولاكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} . ومن المَوَدّة الَّتى هى المحبَّة المجرَّدة قولُه تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي القربى} . قال أَبو القاسم الراغب فى قوله تعالى: {وَهُوَ الغفور الودود} : الوَدُودُ يتضمَّن ما دَخَل فى قوله {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وقد تقدّم معنى مَحبَّةِ الله تعالى لعباده ومَحَبَّةِ العِباد له فى بصيرة الحُبّ. وقال بعضُهم: محبَّة الله لِعباده هى مُراعاتُه لَهُم، رُوِىَ أَنَّ الله تعالى قال لِمُوَسى عليه السّلام: "أَنا لا أَغْفَلُ عن الصَّغِير لِصِغَرِه، ولاعن الكَبِيرِ لِكِبَرِهِ، فأَنا الوَدُودُ الشَّكُور". ويصحَّ أَن يكون، معنى

{سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمان وُدّاً} معنى قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} . ومن المَودَّة التى تقتضى معنى التمنى قوله تعالى: {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} . وقوله تعالى: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ} نَهْىٌ عن مُوالاة الكُفَّار ومُظاهَرَتِهم كقوله: {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} أَى بأَسْباب المَحبَّة من النَّصيحة ونحوها، وتقدّم عن بعضهم تفسيرُه بالكُتُبِ. والوُدّ بالضمّ وبالفتح: اسمُ صَنَم كان لقومِ نُوح عليه السلام، ثم صار لكَلْب، وكان بدُومَة الجَنْدل، ومنه سُمِّىَ عَبْدُ وُدٍّ. وقرأَ أَبو جعفرٍ ونافعٌ {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً} بالضمّ، والباقون بالفتح. والوَدّ: الوَتِدُ.

بصيرة فى ودع

بصيرة فى ودع المادّة تدلُّ على التَّرْك والتَخْلِيَة. وَدُعَ الرجلُ فهو وَدِيعٌ ووادِعٌ، أَى ساكنٌ، مثلُ حَمُضَ فهو حامِضٌ، يُقال: نالَ المكارِمَ وادعاً، أَى من غير كُلْفَةِ ومَشَقَّة. وعليك بالمَوْدُوع أَى بالسَّكينة والوَقار. ووَدَّعْتُ فلاناً تَوْدِيعاً من وَداع السَّلام. والدَّعَةُ: الخَفْضُ والرّاحةُ، والهاءُ عِوَضٌ من الواو، وقال: لا يَمْعَنَّك خَفْضَ العَيْشِ فى دَعَةٍ ... نُزُوعُ نَفْسٍ إِلى أَهْلٍ وأَوْطانِ تَلْقَى بكُلِّ بِلادٍ إِنْ حَلَلْتَ بها ... أَهْلاً بأَهْلٍ وجِيراناً بجيرانِ والوَداعُ: اسمٌ من التَّوْدِيع، قال القَطامىّ: قِفِى قَبْلَ التَفَرُّق يا ضُباعَا ... ولا يَكُ مَوْقِفٌ مِنكِ الوَداعَا أَراد ولايَكُنْ مِنكِ مَوْقِف الوَداعِ، ولكن لِيَكُنْ مَوْقِف غِبْطَةٍ وإِقامة، لأَنَّ موقفَ الوَدع يكون للفِراق، ويكون مُنَغَّصاً بما يَتْلُوه من التَبارِيحِ والشَّوْق. وقولُهم: دَعْ ذَا، أَى اتْرُكْه، وأَصلهُ وَدَعَ يَدَعُ، ومنه قولُ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "دَعْ ما يَريبك". قال عَمْرُو بن مَعْدِيكرب:

إِذا لم تَسْتَطِعُ أَمراً فدَعْهُ ... وجاوِزْهُ إِلى ما تَسْتَطيعُ قال اللغويون: أُمِيتَ ماضِيهِ، لا يُقال: وَدَعَهُ إِنَّما يُقال تَركَه ولا وادِعٌ ولكن تَارِكٌ. قالوا: ورُبَّما [جاءَ] فى ضرورة الشِّعر وَدَعَه وهو مَوْدُوع على أَصْلِه، قال أَنَسُ بن زُنَيْم: لَيْتَ شِعْرِى عن خَلِيلِى ما الَّذى ... غالَهُ فى الوَعْدِ حَتَّى وَدَعَه وقال سُوَيْدُ بن أَبى كاهِل اليَشْكُرِىّ يصفُ نَفْسه: وَرِثَ البِغْضَة عن آبائه ... حافِظُ العَقْلِ لِما كان اسْتَمَعْ فَسَعَى مَسْعاتَهُم فى قَوْمهِ ... ثمّ لم يَظْفَرْ ولا عَجْزاً وَدَعْ وقال آخر: وكانَ ما قَدَّمُوا لأَنْفُسِهم ... أَكْثر نَفْعاً من الَّذِى وَدَعُوا وقد اختارَ النبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَصلَ هذه اللغة فيما رَوَى عنه ابنُ عبّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّه قرأَ: {ما وَدَّعَك رَبُّكَ وما قلىَ} بتخفيف الدَّال، وكذلك قرأَ بهذه القِراءَة عُرْوة ومُقاتل وأَبو حَيْوَةَ، وأَبو البَرَهْسَم وابنُ أَبِى عَيْلَةَ ويَزِيدُ النَّحْوَىّ. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقوامٌ عن وَدْعِهِم الجُمُعات أَوْ لَيَخْتِمَنَّ الله على

قُلُوبهم ثمّ لَيكُونُنَّ من الغافِلين"، وقرأَ الباقون ما وَدَّعك بالتشديد، أَى ما تَرَكك من اخْتارَك، ولا أَبْغَضَك منذ أَحَبَّك. وفى الحديث: "إِذا لم يُنْكِرِ الناسُ المُنْكَرَ فقد تُوُدِّع منهم" أَى أُسْلِمُوا إِلى ما استحقُّوه من المنكر عليهم، وتُرِكُوا [و] ما استَحبُّوه من المَعاصى حتى يُكْثِرُوا منها فيَستوجِبُوا العقوبةَ. وفى الحديث: "دَعْ داعِىَ اللَّبَن" أَى اتركْ منه فى الضَرْع شيئا يَسْتَنْزِلُ اللَّبَنَ. ووادَعَ بَنِى فُلان: صالَحَهُم. والتَّوْديع عند الرّحيل معروفٌ، وهو تخليف المسافِرِ الناسَ خافِضين وادِعين، وهم يُوَدِّعُونَه إِذا سافَر تَفاؤلاً بالدَّعَة التى يصير إِليها إِذا قَفَل، أَى يتركونه وَسَفَره، قال الأَعشى: ودِّعْ هُرَيْرَة إِنَ الرَكْبَ مُرْتَحِلْ ... وهَلْ يُطِيقُ وَداعاً أَيّها الرّجُلُ واستَوْدَعْتُه وَديعَةً: استْحْفَظْتُه إِيّاها قال: اسْتُودِع العلْمَ قرطَاسٌ فضَيَّعَه ... فِبئْسَ مستودَعُ العِلْم القَراطيسُ

وقوله تعالى: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} أَى مستودَعٌ فى الصلب فى وقيل فى الثَّرَى. والمُسْتَوْدَعُ فى قول عبّاس بن عبد المطَّلب رضى الله عنه: مِنْ قَبْلِها طِيبَ فى الظِّلال وفىِ ... مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ المكانُ الذى جُعِلَ فيه آدم وحَوّاءُ عليهما السلام من الجنَّة واستُودعاهُ، وقيل: الرَّحمُ.

بصيرة فى ودق

بصيرة فى ودق الوَدْقُ: المَطَرُ، قال الله تعالى: {فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} وقد وَدَقَ يَدِقُ وَدْقاً، أَى قَطَرَ قال عامر بن جُوَيْن الطَّائىّ: فلا مُزْنَة وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... ولا أَرْضَ أَبْقَل إِبْقالَهَا هكذا أَنشده سيبويه، وفى شعره: ولا رَوْضَ فلا يحتاج إِلى تأَويل. وذاتُ وَدْقَيْن: الدّاهيَة، قال علىُّ بن أَبى طالب رَضىَ الله عنه: تلْكُم قُرَيْشٌ تَمَنَّانِى لِتَقْتُلَنِى ... فلا وَرَبِّك ما بَرُّوا ولا ظَفِرُوا فإِن هَلَكْتُ فرهنٌ ذِمَّتِى لَهُمُ ... بذات وَدْقَيْنِ لا يَعْفُوا لها أَثَرُ قال المازنىّ: لم يصحّ أَنَّ عليّاً تكلَّم بشىءٍ من الشعر [غير] هذين البيتين، ويروى بذات رَوْقَين أَى ذات قَرْنَيْن. وأَوْدَقَت السّماءُ: جاءَت بوَدْق مثل وَدَقَتْ، وقال غيرُه: وَدَقَت ذاتُ الحافِر ووَدَّقَتْ واسْتَوْدَقَت: اشتهَتِ الفَحْلَ. ووَدَقْتُ بِه وَدْقاً: اسْتَأَنْسَتُ بِهِ. والوَدِيقَةُ: شِدَّةُ الحَرِّ، قال رَبِيعَة بن مَقْرُوم.

كَلَّفْتُها فرأَتْ حَقّاً تَكَلُّفَهُ ... وَدِيقَةً كأَجِيج النار صَيُخودا وقال أَبو المُثَلَّمِ الهُذَلّى يرثى صَخْرَ الغَىِّ: حامى الحَقِيقَة نَسّالُ الوَدِيقَةِ مِعْـ ... تَاقُ الوَسِيقَةِ جَلْدٌ غَيْرُ ثُنْيان وقيل: الوَدْق شىءٌ يكون خِلالَ المَطَر كأَنَّه غُبارٌ، لكن قد يُعَبَّر به عن المَطَر.

بصيرة فى ودى ووذر

بصيرة فى ودى ووذر الدِّيَةُ بالكسر: حَقُّ القَتِيل. ووَداهُ كوَعاهُ: أَعْطَى دِيَتَه. قال الله تعالى: {فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ} . والوَادِى: كلَّ مَفْرَج بَيْنَ جِبال أَوْ تِلال أَوْ آكام. وكلُّ مَسيلِ ماءٍ وادٍ، والجمعُ. أَوْداءٌ وأَوْدِيَة، وأَوْداةٌ، وأَوْدايَةٌ. قال تعالى: {إِنَّكَ بالواد المقدس طُوًى} وهو وادٍ بجانبِ الطُّور من الأَرض المقدَّسة. [و] يقال: أَنا فى وادٍ وأَنت فى وادٍ. وفلانٌ فى وادٍ غير واديكَ، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} أَى من أَوْدِيَة الكَلامِ. والوَدَى كفَتىً: الهَلاكُ. وكغَنِىٍّ: صِغارُ الفَسِيل، الواحدة وَدِيَّة.

وأَوْدَى: هَلَكَ، وتَكَفَّرَ بالسَّلاح وبه المَوْتُ: ذهَبَ به. واسْتَوْدَى بحَقِّى: أَقَرَّ به، وفى الحديث الصّحيح: "لَوْ كان لابْنِ آدَمَ وادِيانِ من مالِ، ويُرْوَى من ذَهَب، ويُرْوَى من نَخْلٍ، لابْتَغَى إِليهما ثالثاً". والمُودِى: الأَسَدُ. وذَرْه أَى دَعْهُ، وهو يَذْرُه أَى يَدَعُه. والأَصل وَذِرَهُ يذَرُه مثالُ وَسِعَهُ يَسَعُه، ولكن قد أُمِيتَ مَصْدرُه [والفعل الماضى] ، فلا يُقال وَذِرَهُ ولا واذِرٌ استَغْنَوْا عنهما بَتركَه وتارِك. وَذَّرْت اللحمَ تَوْذِيراً: قَطَّعْتُه، والجُرْحَ: شَرَّطْتُه. قال الله تعالى {قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ} وقال تعالى {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} . والوَذْرَةُ: قطعةٌ من اللحم، سمّيت بذلك لِقلَّة الاعْتِداد بها، والجمع: وَذْرٌ كتَمْرَة وتَمْر. ومِنْ سَبّ العرب: يا ابْنَ شامَّةِ الوَذْرَة.

بصيرة فى ورث وورد

بصيرة فى ورث وورد وَرِثْتُ أَبى، ووَرِثْتُ المالَ من أَبِى، أَرِثُه بالكسر فيهما، وِرْثاً ووِرَاثَةً، وإِرْثاً، الأَلف منقلبةٌ عن الواو، ورِثَةً كَعِدَة الهاء عوضٌ عن الواو، وإِنَّما سقطت الواو من المستقبل لوُقوعها بين ياءٍ وكَسْرَة وهما مُتجانِسان، والواوُ مُضادَّتُهما فحُذِفَت لاكْتنافهما إِيّاها، ثم جُعل حُكمهما مع الأَلف والياءِ والنون كذلك لأَنهِنّ مبدلات منها، والياءُ هى الأَصل، يدلُّ على ذلك أَنَّ فَعِلت وفَعِلْنا وفَعِلْتَ مبنيّات على فَعِلَ، ولم تَسْقَط الواو من يَوْجَلُ لوُقوعِها بين ياء وفتحة، ولم تَسْقُط الياء من يَيْسَر لِتَقَوِّى إِحْدَى الياءَيْن بالأُخرى. والميراث: أَصلهُ موْراثٌ صارت الواو ياءً لسكونها وكَسْرِ ما قَبْلها. والوارِثُ فى أَسماءِ الله تعالى: الَّذى يَرِث الخَلائِق، ويَبْقَى بعد فَنائهم، لما رُوِى أَنَّه يُنادَى لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ؟ فيُقال: لِله الواحِدِ القَهَّار، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا} وقال تعالى: {وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} ، وقال تعالى: {وَللَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض} وقال: / {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} وقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب} . وكُلّ من حصل له شىءٌ من غير تعبٍ يقال فيه قد وَرِثَ كذا. ويُقال لمن خُوّل شيئاً مُهَنِّئا: أُورِثَ، قال تعالى: {تِلْكَ الجنة التي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا} ، وقولُه: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً *يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ

آلِ يَعْقُوبَ} فإِنه يُريد ورِاثة النُبُوَّة والعِلْم والفضيلة دُون المال، فالمال لا قَدْرَ له عند الأَنبياءِ عليهم السّلام حتى يَتَنافَسوا فيه، بل قَلَّما يَقْتَنُون المال وَيَتَمَلَّكُونَه، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "نَحْنُ مَعاشرَ الأَنْبياءِ لا نُورَثُ ما تَرَكْناه صَدَقَة" وقيل أَيضاً: ما تركناه هو العِلْم وهو صَدَقَة تشتركُ فيها الأُمَّة. وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "العُلَماءُ وَرَثَةُ الأَنْبِياءِ" إِشارة إِلى ما وَرثُوه من العِلْم، وليس لَفْظ الوراثة إِلا لكون ذلك بغير ثَمَنٍ ولا مِنَّة. وقال صلَّى الله عليه وسلم لعلىّ: "أَنْتَ أَخِى ووَارثى. قال: وما أَرِثُك؟ قال: ما وَرَّثَت الأَنبياءُ قَبْلى، كِتاب الله وسُنَّتى". وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللَّهُمَّ مُتِّعْنَى بسَمْعِى وبَصَرى واجْعَلهما الوارِثَ مِنِّى أَى أَبْقهِما صحيحن سليمين إِلى أَن أَموت". وقيل: أَراد بَقاءَهما وقُوَّتَهما عند الكِبَرِ وانحلال القُوَى النَّفسانِيّة، فيكون السّمعُ والبصرُ وارثَىْ سائرِ القُوَى والباقِيَيْن بعدها. وقيل: أَراد بالسّمْع وَعْىَ ما يَسْمَعُ والعملَ به، وبالبصرِ الاعتبارَ بما يَرَى". وفى رواية: "واجعله الوارِثَ منّى" فردَّ الهاء إِلى الإِمتاع، فلذلك وَحَّدَه. ويُقال: وَرِثْتُ من فلانِ عِلْماً، أَى استَفَدْت منه. قال تعالى:

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} وقال تعالى: {أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون} . والوراثَةُ الحقيقية أَنْ يحصلَ للإِنسان شَىءٌ لا يكون عليه فِيه تَبِعةٌ ولا عليه مُحاسَبَةٌ. وعبادُ الله الصّالحون لا يتناولونُ شيئاً من الدُّنيا إِلاَّ مالا يُحاسَبُون عليه، فمَنْ حاسَب نَفْسَه فى الدّنيا لم يُحاسَبْ فى الآخرة. الوَرْدُ: الَّذِى يُشَمُّ، الواحِدَة وَرْدَةٌ، وقوله تعالى: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} قال ابن عَرَفَة: سمعت أَحمد بن يَحْيىَ يقول: هي المُهْرَة تنقلب حمراءَ بعد أَنْ كانت صفراءَ. وقال الأَزهرىّ: أَى فصارتْ وَرْدَةً أَى كلَوْن الوَرْد تَتَلَوَّنُ أَلْواناً يومَ الفَزَع الأَكبر، كما تَتَلَوّن الدِّهانُ المختلفة، وهى جمع دُهن. وقيل: إِذا احمرّت السّماءُ كالوَرْد قامت القيامة. وعَشِيَّةٌ وَرْدَةٌ: إِذا احمرَّ أُفُقها عِنْدَ غُروب الشمسِ وكذلك عند طُلُوعِها، وذلك عَلامةُ الجَدْب. والوِرْدُ: خلاف الصَّدَرِ، والوِرْدُ أَيضاً: الوُرّادُ وهم الذين يَرِدُون الماءَ. وقولُه تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} قال ابن عرفة: الوُرُود عند العرب مُوافاة المكانِ قبلَ دخوله، وقد يكون الوُرُود دُخولاً، ويبيّن ذلك حديث عائشة رضى الله عنها عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه ليس

بدخول، ويؤيّد ذلك القرآن، أَلاَ تَسمعُ قولَه: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولائك عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} وقولُه تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ} أَى بلغه. وقولُه: {ونحن أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} ، حبلُ الوَرِيد: عِرْقٌ يَزْعُم العربُ أَنَّه من الوَتِينِ/، وهُما وَرِيدان مُكْتَنِفا صَفْقَىِ العُنُقِ مِمَا يَلِى مَقَدَّمهُ غَليظان. والمَوْرِدُ: الطَّرِيقُ، قال جرير يمدح هِشامَ بنَ عَبْدِ المَلِك: أَمَيرُ المُؤمنين على صِراط ... إِذا اعْوَجَّ المَوارِدُ مُسْتَقِيمِ والمَوارد: الشَّوارِعُ. وقولُ أَبى بكرِ مشيراً إِلى لِسانِه: "إِن ذا أَوْرَدَنى المَوارد"، أَى موارِد الهَلَكاتِ فاختصر لوُضوحه.

بصيرة فى ورق

بصيرة فى ورق الوَرِقُ، والِوَرْقُ مثال كَبِد وكِبْد وكَبْدِ: الدِّرْهم، هكذا قال الفرّاء، وزاد غيره: الوَرَقُ بفتحتين: والوُرْقُ بالضمّ. وقرأَ أَبو عَمْرٍو وأَبو بَكْرٍ وحَمْزَةُ وخَلَفٌ: {بِوَرْقِكم} بفتح الواو وسكون الراءِ، وعن أَبى عمرو أَيضاً وابن مُحَيْصِن: (بوِرْقِكم) بكسر الواوِ وسكون الراءِ، وقرأَ أَبو عبيدة: (بَوَرَقِكم) بفتح الواو والرّاءِ، وقرأَ أَبو بكر: (بوُرْقكم) بضمّ الواو وسُكون الرّاءِ. والرِّقَةُ كِعدَة: الوَرِقُ أَيضا، والهاءُ عوضٌ من الواو، وفى الحديث "فى الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ" ويجْمع على رِقِين، مثل إِرَة وإِرين. ويقال: "إِنَّ الرِّقينَ تُعَطِّى أَفْنَ الأَفِين". ورجلٌ وَرَّاقٌ: صاحبُ الدّراهم، ومنه قراءَة علىّ بن أَبى طالب رضى الله عنه {فابْعَثُوا أَحَدَكُم بَوَرَّاقكم} أَى بصاحب دراهمكم، قال جرير:

جارِيةٌ من ساكِنى العِراق ... كَأَنَّها فى القُمُصِ الرِّقاقِ مُخَّةُ ساق بين كَفَّى ناقِ ... تَأْكُل منِ كيسِ امْرِئ وَرّاقِ [والوَرَقُ] من أَوراق الشجرِ والكِتاب الواحدة وَرَقَةٌ. وشجرةٌ وَريقَةٌ ووَرِقَةٌ: كثيرةُ الأَوْراق، قال تعالى: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا} . ووَرَّقَ الشجرُ: خَرَجَ وَرَقُه. والوارِقَةُ: الشجرةُ الخضراءُ الورَقِ الحسنة. ووَرَقْتُ الشجرةَ أَرِقُها: أَخذتُ وَرَقَها. والوَرَقُ أَيضاً: المالُ من دَراهِمَ وإِبِل وغير ذلك، قال العَجّاج: إِيّاكَ أَدْعُو فتَقبَّل مَلَقِى ... واغْفِرْ خَطاياىَ، وثَمِّرْ وَرَقى

بصيرة فى ورى

بصيرة فى ورى وَرَى الزَّنْدُ كوَعَى، ووَرِىَ كوَلِىَ وَرْياً ووُرِيّاً وَرِيَةً، وهو وارٍ ووَرِىٌّ: خَرَجَتْ نارُهُ. وأَوْرَيْتُه واسْتَوْرَيْتُه قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ} وأَصلُه من التَّوارِى وهو الاستِتارُ، كأَنَّما تُصُوِّر من خُروج النَّارِ من وَراءِ المُقْدَحِ اسِتتارُها فيه، كما قال: كَكُمُون النار فى حَجَرِه ووَاراهُ: أَخْفاه، قال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} . وتَوارَى: اخْتَفَى، قال تعالى: {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} ووَرّاهُ توْرِيَةً: أَخْفاه، ومنه الحديث: "إِذا أَراد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم غَزَوْاً وَرَّى بغَيْرِه". الوَرَى: الخَلْقُ. وقال الخليل بن أَحمد: الوَرَى: الأَنامُ الَّذِين هم على وَجْه الأَرِض فى الوَقْتِ، ليس مَنْ مَضَى ولا مَنْ يَتَناسلُ بعدَهم، فكأَنَّهم الذين يَسْتُرُون الأَرضَ بأَشْخاصِهم. ووَراءُ ووَراءَ ووَراءِ مثلثة الآخر مبنِيّة. والوَراءُ معرفة يكون بمعنى خَلْف وبمعنى قُدّام، فمما هو بمعنى ما خَلْفَه قولُه تعالى: {وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} ، ومما هو بمعنى قدّام قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ} أَى

أَمامَهم. وقوله تعالى: {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ} يحتمل الوَجْهَين، فإِنَّه يقال فى أَى جانب من الجِدار هو وَراءَه باعتبار الذى فى الجانب الآخَرِ. وقوله تعالى: {وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} أَى خَلَّفتموه بعد مَوْتكم، وذلك تبكيتٌ لهم فى أَنْ لَمْ يعملوا بموجبه/. ولم يَتَدَبَّروا آياتِه. وقوله: {فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذَلِكَ} أَى أَكثر ممّا بيّناه وشَرَعْناه من تَعَرُّض لمن حُرِّم التعرّض له فقد تَعَدَّى طَوْرَه وخَرَق سِتْرَه. وقوله: {وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ} اقتضَى معنَى ما بعده. والوَراءُ أَيضا: وَلَدُ الوَلَد. وفلانٌ وارِى الزَّنْدِ: إِذا كان مُنِجِحاً. ووَراءَك للإِغراءِ أَى تأَخَّر. ويُقال: وَراءَك أَوْسَعَ لك، أَى تأَخَّر وائت مكاناً أَوْسعَ لك. والتَّوْراة: الكتابُ الَّذى وَرِثوه عن موسَى عليه السّلام، تَفْعِلَةٌ من وَرِىَ الزَّنْد، أَصلْه وَورَاةٌ، والتَّاء بدلٌ من الواو. وفى حديث الشَّفاعة: "يقول إِبْراهيم كُنْتُ خَلِيلاً من وَراءَ وَراءَ" هكذا يُرْوَى مبنيّاً على الفتح، أَى من خَلْفِ حجاب.

بصيرة فى وزر

بصيرة فى وزر الوَزَرُ: المَلْجأُ الذى يُلْتَجَأُ إِليه من الجَبَل، قال تعالى: {كَلاَّ لاَ وَزَرَ} . والمُؤازَرَة: المُعاوَنَة، ومنه الوَزِير، قال تعالى: {واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي} وهو الذى يُؤازِرُه فيَحْمِل عنه ما يَثْقُل عليه. والوَزيرُ: الَّذى يَلْتَجِئ الأَميرُ إِلى رَأَيه، فهو وَزَرٌ له، أَى مَلجأُ ومَفْزعٌ، أَو لأَنَّه يَحمل ثِقْلَ أَمِيرِه. وقوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} كقوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} . وقوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} أَى ما كنت فيه من أَمْر الجاهليّة فأُعْفِيتَ بما خُصِصْت به عن تعاطِى ما كان عليه قَوْمُك. وأَعَدَّ أَوْزارَ الحرب، أَى آلاتِها، قال الأَعْشَى: وأَعْدَدْتَ للحَرْب أَوْزارَها ... رمَاحاً طِوالاً وخَيْلاً ذُكوراً

ووَضَعَتِ الحربُ أَوْزارها، أَى انقضىَ أَمْرُها وخَفَّت أَثقالُها، ولم يَبْقَ قِتال. ووَزَرَ فلانٌ: أَذْنَبَ فهو وازِرٌ، ووَزِرَ، يَوْزَرُ، ووُزرَ، فهو مُوْزُورٌ [يقال: فلانٌ موزورٌ] غير مَأَجُورٍ. واتَّزَرَ فهو مُتَّزِرٌ، قال مَرّارُ بن سَعِيد: أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ جِدّىِ ومِنْ لَعِبِى ... وِزْرِى فكُلُّ امرئ لا بُدَّ مُتَّزِرُ وعليهِ فى هذا وِزْرٌ وأَوْزارٌ، قال تعالى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ} . ووَزَرَ فلانٌ للأَمِيرِ يَزِرُ له وِزارَةً، واسْتُوزِرَ اسْتِيزاراً. وعن النَّضْرِ: سمعتُ فَصِيحاً من جُذام يقول: نحن أَوْزارُه أَجمعُون أَى وُزراؤه، وأَنصارُه، نحو أَشراف وأَيْتام. ووَزرَ الحِملَ يَزِرُه: حَمَلَه، وقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} أَى لا يُحْمَلُ وزْرُه من حيثُ يَتَعَرَّى منه المحمولُ عنه. وحَمْلُ وزْر الغَيْر فى الحقيقة هو على نحو ما أَشار إِليه النبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كان له أَجُرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِل بها من

غيرِ أَنْ يَنْقُضَ من أَجْرِه شَىْءٌ، ومن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئةً كان عليه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِل بها"، أَى مثلُ وِزْرِ مَنْ عمل بها. وفى الحديث: "ارْجِعْنَ مأْزورات غير مأْجورات" للازدواج فإِنَّ الأَصل مَوْزُورات.

بصيرة فى وزع

بصيرة فى وزع الوَزْع: الكَفُّ، يقال: وَزَعْتُه أَزَعُه وَزْعاً، أَى كَفَفْتُه، قال الله تعالى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} ، أَى يُحْبَسُ أَوّلُهم على آخِرهم، إِشارة إِلى أَنَّهم مع كثرتِهم لم يكونُوا مُهْمَلِين ومُبْعَدِين كما يكون الجَيْشُ الكثير، بل كانوا مَسُوسِين مَقْمُوعين عن المَعَزَّة والإِيذاءِ. وفى حديث أَبى بكرٍ رضى الله عنه: "إِنَّ المغيرة [رجلٌ] وازِعٌ" الوازِعُ: الذى يُدَبِّر أَمْرَ الجيشِ ويردُّ مَنْ شَذَّ منهم، ولا يُقْتَصّ من مِثْلِه إِذا أَدَّبَ. / وفى حديث الحسن البصرىّ أَنَّه قال حين وَلِىَ القضاءَ: "لابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ وَزَعَة" أَى من يَكُفُّه عن الشرّ، ويَزَعُون الناسَ بَعْضَهم من بَعْض، وهم شرطة السلْطانِ. [وفى الحديث: "من يَزَعُ السُلْطَان] أَكْثَرُ ممّن يَزَعُ القَرْآنُ" أَراد مَنْ يكُفُّ عن ارتكابِ العظائم من مَخافة السّلطانِ أَكثرُ ممّن يَكُفُّه الخوفُ من الله تعالى.

وقوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} هذا وَزْعٌُ على سبيل العقوبة. ووَزَعَ نَفْسَه عن الجَهل والهَوَى، قال: إِذا لم أَزَعْ نَفْسِى عن الجَهْل والهوَىَ ... لِيَنْفَعَها عِلْمِى فقد ضَرَّها جَهْلى وأَوْزَعَهُ اللهُ كذا: أَلْهَمَه قال الله تعالى: {رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} أَى أَلْهِمْنَى، وتحقيقهُ أَوْلِعْنَى بذلك، واجْعلنى بحيثُ أَزَعُ نَفْسِى عن الكُفران. واستوزعتُ اللهَ شُكْرَه: استَلْهَمْتُه. والتَّوْزِيعُ: القِسْمَة والتَّفرِيق. وتَوَزَّعُوه فيما بَيْنَهُم، أَى تَقَسَّموه. والمُتَّزعُ: الشَّدِيدُ النَفْس.

بصيرة فى وزن ووسوس

بصيرة فى وزن ووسوس الوَزْنُ: التَّقْدِير: وقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط} قال أَبو الدّرداءِ وعَطاءٌ: أَقِيمُوا لِسَانَ المِيزانِ بالعَدْل، وقال ابنُ عُيَيْنَةَ: الإِقامةُ باليَدِ، والقِسْطُ بالقَلْبِ، والمِيزانُ: القَبّان، والقِسْطاسُ. وقولُه تعالى: {وَوَضَعَ الميزان * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان} قيل: أَراد بالميزان العَدْلَ، أَى لا تٌجاوِزوُا العَدْل. قال الحسنُ وقَتادَةُ والضَحّاكُ: أَراد به الَّذى يُوزَنُ به لِيُوصَلَ به إِلى الإِنْصاف والانْتِصاف؛ ولا تُخْسِرُوا الميزان، أَى لا تُطَفِّفُوا فى الكَيْل والوَزْن. وقوله تعالى: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} فقد قيل: هو المعادِنُ كالذَّهبِ والفِضْة، وقيل: بل ذلك إِشارةٌ إِلى كلّ ما أَوْجَده الله، وأَنَّه خَلَقَه باعتدالِ كما قال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} . وقوله تعالى: {والوزن يَوْمَئِذٍ الحق} إِشارةٌ إِلى العَدْل فى مُحاسَبة النَّاسِ، كما قال: {وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} . وذكر فى مواضعَ الميزان بلفظ الواحدِ اعتباراً [بالمُحاسَب، وفى مواضع بالجَمُعِ اعتبارا] بالمحاسَبِينَ.

ويُقال: استفهام مِيزانُ النَّهار، أَى انْتَصَف. وكَلامٌ مَوْزُونٌ وزِنْ كَلامَكَ. ووَازَنَهُ: ساواهُ فى الوَزْن. ودارِى تُوازِنُ دارَه، أَى بحذائها. وهو راجِحُ الوَزْن، أَى ذو عَقْل ورأَى سديد. ووازَنَه: كافأَه على فَعاله. الوَسْواسُ: اسْمُ الشيطانِ والوَسْوَسَةُ والوِسْواسُ بالكسر: حديثُ النَّفْس، والوَسْواس بالفتح: الاسمُ كالزِلزال والزَّلزال، يُقال: وَسْوَسَ له، ووَسْوَسَ إِليه، قال الله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} . وقال جلّ ذكره: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان قَالَ ياآدم} ، والعربُ تُوصِل بهذه الحروف كلِّها الفِعْل. قال أَبو عبيدة: الوَسْوَسَةُ فى التنزيل: هى ما يُلْقِيه الشَّيْطان فى القَلْب. والوَسْواس: صَوْتُ الحَلْى، قال الأَعشى: تَسْمعُ لِلْحَلْى وَسْواساً إِذا انْصَرَفَتْ ... كما اسْتعَان برِيح عِشْرقٌ زَجلُ

بصيرة فى وسط

بصيرة فى وسط الوَسَطُ من كلِّ شىءٍ: أَعْدَلُه. قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} أَى عَدْلاً خِياراً. وفلانٌ وَسيطٌ فى قومه: إِذا كان أَوْسَطَهم نَسَباً وأَرْفَعَهم محلاًّ، قال عبد الله بن عَمْرِو بن عُثْمان رضى الله عنه، (عن عثمان) . /أَضاعُونى وأَىّ فَتىً أَضاعُوا ... لِيَوْم كَرِيهَة وسِدادِ ثَغْرِ وصَبْر عند مُعْتَرَكِ المَنايا ... وقد شُرِعَتْ أَسِنَّتُها بنَحْرِى أُجَرَّرُ فى الجَوامِع كُلَّ يَوْم ... فياللهِ مَظْلمَتِى وصَبْرِى كأَنِّىَ لم أَكُنْ فيهم وَسِيطاً ... ولم يَكُ نِسْبَتىِ فى آلِ عَمْرِو والوَسِيطُ أَيضاً: المتوسِّط بين القوم. وجلست وَسَطَ الدّار بالتَّحريك لأَنه اسمٌ. وكُلُّ موضع صَلُحَ فيه بَيْنَ فهو وَسْط بالتسكين، وإِلاَّ فهو وَسَطٌ بالتحريك. وقال ثعلب: الفرقُ بينهما أَنَّ ما كان يَبينُ جزءٌ من جزءِ، فهو مثل الحَلْقَة من الناس والسُبْحَة والعِقْد فهو وَسْطٌ بالتسكين، وما كان مُصْمَتاً لا يَبينُ جزءٌ من جزءٍ فهو وَسَطٌ بالتحريك، مثلُ وَسَطِ الدّار، والرّاحةِ والبُقْعَة. وقد تُسكَّن السين مِن الوَسَط وليس بَجَيّد.

والوُسْطَى من الأَصابع معروفةٌ. والصّلاة [الوُسُطى] فى قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} قيل: الصُّبح؛ وقيل: الظُّهر؛ وقيل: العَصْرُ؛ وقيل: المَغْرِب؛ وقيل: العِشاءُ، وقيل: الوِتْرُ؛ وقيل: صلاةُ عِيد الفِطُر؛ وقيل: صلاةُ عِيدِ الأَضْحَى؛ وقيل: صلاةُ الضُّحَى؛ وقيل: صلاة الجَماعة؛ وقيل: الصَّلواتُ جميعاً؛ وقيل: الصبحُ والعصرُ معا؛ وقيل: غير مُعَيَّنة؛ وقيل: العِشاءُ والصُّبْحُ معاً؛ وقيل: صلاةُ الخَوْف، وقيل: صلاةُ الجُمُعة يوم الجمُعة، وفى سائر الأَيّام صلاةُ الظُّهر؛ وقيل: المتوسّطة بين الطُّول والقِصَر؛ وقيل: كلَّ واحدة من الخَمْس لأَنَّ قَبْلَها صلاتين وبعدَها صلاتين. قال ابنُ سيده: هى صلاةُ الجُمعة لأَنَّها أَفضلُ الصّلوات، قال: ومن قال خِلافَ هذا فقد أَخطأَ. أَوْرَدُوا عليه قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم فى يوم الأَحزاب: "شَغَلُونا عن الصّلاةِ الوُسْطَى صلاةِ العَصْر مَلأَ اللهُ بُيوتَهُم وقُبُورَهم ناراً" قيل: لا يَردُ عليه، لأَنَّ المذكورة فى الحديث ليس المراد بها المذكورة فى التنزيل. ولكلّ قائل من ذوى الأَقوال المذكورة دليلٌ وتوجيهٌ لا نُطَوِّل بشرِحه. وأَقوى الأَقوالِ ثلاثة: العصرُ، والصّبحُ، والجُمُعَة. ووَسَطَ القَوْمَ يَسِطُهُمْ وَسْطاً وسِطَةٌ: تَوَسِّطهم.

ووَسَّطَه تَوْسِيطاً. قَطَعَه نصفين، أَو جعله فى الوَسَطِ. وقرأَ علىُّ بن أَبى طالبٍ رضى الله عنه وعَمْرُو بن مَيْمُون وَقتادَة وزَيْدُ ابنُ علىّ وابنُ أَبى لَيْلَى وابنُ أَبِى عَيْلَة وأَبو البَرَهْسَمِ: {فوَسَّطْن به جَمْعاً} بالتشديد، والباقون بالتخفيف. والتَّوسُّط بين النَّاس من الوَساطة، وتَوَسَّط: أَخَذَ الوَسَطَ بين الجَيِّد والرّدِىءِ، قال إبراهيمُ بن علىّ بن هَرْمَةَ يصف سَخاءَه: واقْذِفْ بحَبْلِك حيثُ نال بأَخْذِهِ ... من عَوْدِها واغْنَمْ ولا تَتَوَسَّطِ

بصيرة فى وسع

بصيرة فى وسع وَسِعَهُ الشىءُ بالكسر يَسَعُه سَعَةً وسِعَة كدَعَة وزِنَةٍ. وقرأَ زَيْدُ بن علىّ: {وَلَمْ يُؤْتَ سِعَةً} بالكسر. والواسِعُ من صِفات الله تعالى الَّذى وَسِع رِزْقُه جميع خَلْقِه، ووَسِعَت رحمتُه كلَّ شىءِ. وقال ابن الأَنبارىّ: هو الكثيرُ العطاءِ، والَّذى يَسَعُ لما يُسْأَل. ويقال: معناه: المُحيط بكلّ شىءٍ من قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض} . ويقال: إِنَّه لَيَسْعُنَى/ ما وَسِعَكَ. ويُقال: ما أَسَعُ ذلك، أَى ما أُطِيقُه. وفى النَّوادر: الَّلهُمَّ سَعْ عَلَيْه، أَى وَسّع عليه. ويقال: لِيَسَعْكَ بَيْتُك، معناه: القَرارُ فيه. وهذا الوعاءُ يَسَعه عِشْرون كَيْلاً على مِثال: أَنا أَسَعُ هذا الأَمرَ. وهذا الأَمرُ يَسَعُنْى. قال أَبو زُبَيْد حَرْمَلَة بن المُنْذِر الطَّائىّ: حَمّالُ أَثْقالِ أَهْلِ الوُدِّ آونَةً ... أُعْطِيهُمُ الجَهْدَ منِّى بَلْهَ ما أَسَعُ ويقال أَيضاً: هذا يَسَعُ عِشْرِين كَيْلاً، معناه: يَسَعُ لِعشرين، أَى يتَّسِع لذلك. ومِثْلُه: هذا الخُفُّ يَسَعُ رِجْلِى، أَى يتَّسع لَها

وعليها. وتقول: هذا يَسَعُه عشرون كَيْلاً، أَى يَسَعُ فيه عِشْرِين كَيْلاً، ويقال: وَسِعَتْ رحمةُ اللهِ كلّ شىءٍ ولكلّ شىءٍ وعلى كلِّ شىءٍ. وفى حديث النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِنكم لن تَسَعُوا النَّاسَ بأَمْوالِكم فَلْيَسَعْهم منكم بَسْطُ وَجْه وحُسْنُ خُلُق". والوُسْعُ والوَِسْعُ بالحركات الثلاث: السَّعَةُ والجدَةُ والطَّاقَةُ. وقرأَ ابن أَبِى عَيْلة: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وَسْعَها} بالفتح، وقرأَ عِكْرِمَةُ: (وسِْعَها) بالكسر. والهاءُ فى السَّعَةِ عِوَضٌ عن الواو. وشىْءٌ وَسِيعٌ، أَى واسِعٌ. ويَسَع: اسمٌ من أَسماءِ العَجَم، وقد أُدْخِل عليه الأَلفُ واللاَّم، وهما لا يَدْخلان على نظائره، نحو يَعْمُرَ ويَزيدَ ويَشْكُرَ. وقرأَ حَمزة والكسائىّ وخَلَف. واللَّيْسَع بِلامَيْن، وقرأَ الباقون والْيَسَع بلامٍ واحدة. وأَوسع الرّجلُ صارَ ذا سَعَة وغِنىً، قال الله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}

أَى أَغنياءُ قادِرون. وأَوْسَعَ الله عليك، أَى أَغْناك. وأَوْسعْتُ المكانَ: وجدتُه واسِعاً، يقال: "أَوْسَعْتَ فابْنِ" والتَّوّسِيعُ: خلاف التَّضْيْيق وتَوَسَّعُوا فى المَجْلس أَى تَفَسَّحوا. واسْتَوْسَعَ: اتَّسع. وقولُ النابغة: تَسَعُ البلادُ إِذا أَتَيْتُكُ زائراً ... وإِذا هَجَرْتُك ضاقَ عَنِّى مَقْعَدِى أَى تتَوَسَّع لى البِلادُ. واعلم أَنَّ السَّعَة تكونُ فى الأَمكِنَة وفى الحال، وفى الفعل، كالقُدْرة والجُودِ ونحو ذلك، ففى المكان نحو قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً} ، وفى الحال: نحو {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} . قال أَبو القاسم: الوُسْعُ من القُدْرَة: ما يَفْضُل عن قَدْرِ المكلَّف، قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} تنبيهاً أَنَّه يكلِّف عبدَه دون ما تَنُوءُ به قُدْرَته. وقيل: معناه: يُكلِّفه ما يُثْمِرُ له السَّعَة، أَى جَنَّة عرضُها السماوات والأَرض. وقوله تعالى: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} وقوله: {والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ، {وَكَانَ الله وَاسِعاً حَكِيماً} عبارة عن سَعَةِ عِلْمه وقُدْرته وأَفضْاله ورَحْمَته، كقوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} .

بصيرة فى وسق

بصيرة فى وسق الوَسْقُ: مصدر وَسَقْتُ الشَّىْءَ: إِذا جَمَعْتَه وحَمَلْتَه، ومنه قوله تعالى: {والليل وَمَا وَسَقَ} أَى جَمَع وضَمَّ. وقيل المعنى: جَمَع، وضَمَّ ما كان بالنَّهارِ منتشراً من الدّوابّ، لأَنَّه إِذا أَقبلَ الليلُ آوَى كلّ شىءٍ إِلى مَأْواه، قال ضابِئ بن الحارث البُرْجُمِىّ: فإِنِّى وإِيّاكم وشَوْقاً إِليكم ... كقابِضِ ماءٍ لم تَسِقْهُ أَنامِلُه يقول: ليس فى يدى من ذلك شىءٌ، كما أَنَّه ليس فى يد القابضِ على الماءِ شىء، فإِذا جَلَّلَ اللَّيلُ الجِبال والأَشجارَ والبحارَ والأَرضَ فاجتمعت له فقد وَسَقَها. والوَسْقُ أَيضاً: الطَّرْدُ. وقيل: فى اللَّيل وما وَسَقَ، أَى ما جَمَعَ من الظَّلام مُقاتِلُ بن حَيّان: ما أَقْبَلَ من ظُلْمَةٍ وكَوْكب، سَعِيدُ بن جُبَيْر: وما عُمِل فيه. وقيل: عبارةٌ/ عن طَوارِقِ اللَّيل. وعنده وَسْقٌ من تَمْر، ووُسوق وأَوْساقٌ. ووَسَّق مَتاعَه: جعله وُسوقاً.

وناقةٌ واسِقٌ: حاملٌ. ونخلةٌ مُوسِقَة وقد أَوْسَقَت، قال لبيد: يَوْمَ أَرْزاقُ مَنْ يُفَضِّل عُمٌّ ... مُوسَقَاتٌ وَحُفَّلٌ أَبكارُ واتَّسَقَ القَمَرُ، واتَّسَقَ أَمْرُه: كَمُلَ وتَمَّ، واجْتَمَعَ، واطَّرَدَ، قال تعالى: {والقمر إِذَا اتسق} ، قال قتادة: اسْتدارَ، افْتَعَل من الوَسْقِ. وقال غيره: اجتمعَ واسْتَوَى وتَمَّ نُورُه، وذلك فى الأَيّامِ البيضِ.

بصيرة فى وسل ووسم

بصيرة فى وسل ووسم وَسَلَ إِليه: تَقَرَّبَ قال لَبِيدٌ: بَلَى كُلُّ ذِى دينٍ إِلى الله واسِلُ والوَسِيلَةُ: التَوَصّل إِلى الشىء برغبة، وهى أَخَصُّ من الوَصِيلَة لتضمُّنها معنى الرَّغْبة، قال الله تعالى: {وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة} . وحقيقةُ الوَسِيلة إِلى الله: مُراعاةُ سبيلهِ بالعِلْم والعِبادة، وتَحرّىِ مكارِم الشريعة، وهى كالقُرْبَة. قال صاحب العُباب: الوَسِيلَةُ، والواسِلَةُ: المنزلة عند المَلِك، والدَّرَجةُ، والقُرْبَةُ. ووَسَّلَ إِلى الله وَسِيلَةً: عَمِل عَملاً تقرَّب به إِليه، كتَوَسَّل. والواسِلُ: الواجِبُ، والرّاغِبُ. الوَسْمُ أَثَرُالكَىّ، والجمع: وُسُومٌ. وَسَمَهُ يَسِمُهُ وَسْماً وسِمَةً فاتَّسَمَ. والوِسامُ والسِّمَة: ما وُسِمَ به الحيوانُ من ضُرُوب الصُّوَر، قال الله تعالى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم} أَى يُعَلَّم عليه علامة يُعْرف بها

وقال أَبو العالِيَةِ ومُجاهِدٌ: أَى يُسَوَّدُ وَجههُ فيُجْعَل له عَلَماً فى الآخرة يُعرف به، وهو سَوادُ الوجه. وقال ابنُ عبّاس: سنحْطمه بالسيف، وفُعِل ذلك يوم بَدْر. وقال قتادة: سيُلْحِق به شيئاً لا يُفارِقُه. وقال القُتَبِىّ: يقول العرب [إِذا] سَبَّ الرّجلُ فُلاناً سَبّةً قبيحة: قد وَسَمَه مِيسَم سُوء، يريد أَلْصَق به عاراً لا يُفارقُه، كما أَنَّ السِّمَة لا يَمَّحِى ولا يَعْفُو أَثَرُها. وقال الضَحّاك والكِسائى: سنكويه على وَجْهِه. وتَوَسَّمَه: تَخَيَّله. وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} أَى للمُعْتَبِرين العارِفين المتَّعِظين. وهذا التَّوَسّم هو الَّذى سمّاه قومٌ الزَّكانة، وقومٌ الفِطْنة، وقوم الفِراسَة.

بصيرة فى وسن ووشى

بصيرة فى وسن ووشى الوَسَنُ محرّكة، والوَسَنة والوَسْنَة والسِّنَة كعِدَةِ: ثِقَلُ النَّوْم، وقيل: أَوّل النَّومِ، وقيل: النَّعاس، وقد وَسِنَ كفَرِح فهو وَسِنٌ ووَسْنانُ، ومِيسانٌ كمِيزان. واسْتَوْسَنَ: كَثُرَ نُعاسُه، قال تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} ، قيل: السِّنة: ما يتقدّم النَّوْمَ من الفُتُور وهو النُّعاس، قال عدىّ بن الرّقاع: وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ ... فى عَيْنِه سِنَةٌ وليس بنائِم أَى لا يَأْخُذه نُعاسٌ ولا نَوْم، وهو تأَكيدٌ للقَيُّوم، لأَنّ من جاز عليه ذلك استحال أَن يكون قَيُّوماً. ويُقال: وَسِنَ الرجلُ وأَسِنَ: إِذا غُشِىَ عليه من ريحِ البِئر، قيل له ذلك لتصوُّر النَّوم فيه لا لتَصَوُّر الغَشَيان. وَشَيْتُ الشَّىْءَ وَشْياً: جعلتُ فيه أَثَراً يُخالِف مُعظمَ لَوْنِه. ووَشَى الثَّوْبَ وَشْياً وشِيَةً حَسَنةً: نَمْنَمَهُ ونَقَشَه وحَسَّنَه، كوَشَّاهُ. قال الله تعالى: {مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا} ، أَى لا لُمْعَةَ فيها من لَوْن آخَر سِوَى الصُّفْرَة/ فهى صَفْراءُ كُلُّها حتى قَرْنها وظِلْفها،

وهى فى الأَصل مصدرُ وَشَاه وَشْياً وِشِيَةً: إِذا خَلَط بلَوْنِه لوناً آخر؛ ومنه ثَوْرٌ مَوْشِىُّ القَوائِم. ووَشَى فلانٌ كلامَهُ، أَى كَذَبَ فيه. ووَشَى به إِلى السّلطان وَشْياً ووِشايَةً: نَمَّ وسَعَى. وشِيَةُ الفَرَسِ كعِدَةٍ: لونُه. وفَرَسٌ حَسَنُ الأُشِىّ كصُلِىّ أَى الغُرَّة والتَحَجْيل. وتَوَشَّى فيه الشَيْبُ: ظَهَر كالشِّيَةِ.

بصيرة فى وصب ووصد

بصيرة فى وصب ووصد وَصَبَ الشىءُ يَصِبُ وُصُوباً، أَى دامَ. ووَصَبَ الرّجلُ على الأَمر: إِذا واظَبَ عليه. قال الله تعالى: {وَلَهُ الدين وَاصِباً} أَى حقّ الإِنسان أَنْ يطيعَه دائماً فى جميع أَحوالهِ، كما وَصَف به الملائكة حيث قال: {لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ، قال ابنُ عَرَفَة: أَى ثابِتاً دائماً، فالمعنى له الحُكْم دائماً أَبداً، وحُكم غَيْره زائل، فذلك ثُبوتُ دينِ الله أَنَّه باق وما سِواهُ مُضْمَحِلّ، وكذلك قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ} أَى مُوصِبٌ مُوجع، وهذا تَوَعُّدٌ لمن اتَّخذ إِلهَيْن، وتنبيهٌ أَنَّ جَزاءَ من فَعَل ذلك لازمٌ شديد. قال الفرّاء، مَفازَةٌ مُوصِبَةٌ: بعيدةٌ ولا غايةَ لها. وقيل: الوَصَبُ: السُّقْم اللازِمُ. وأَوْصَبَه: أَسْقَمَه، وهو يَتَوَصَّبُ: يَتَوَجَّع. والوَصِيدُ: الفِناءُ، والجمع وُصُدٌ ووَصائدُ. والوَصِيدُ: العَتَبَةُ والوَصِيدُ: كَهْفُ أَصحابِ الكَهْفِ فى بعض الأَقوال، وبالوُجوه الثلاثة فُسِرّ قولُه تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} .

والوَصِيدُ أَيضاً: الذى يُخْتَنُ مَرَّتَيْن. والوَصِيدُ: الجَبَلُ. والوَصِيدُ: النَّباتُ المُتقارِب الأُصولِ. والوَصِيدُ: الضَيِّقُ. ووَصَدَ: ثَبَتَ. وبالمكانِ: أَقامَ. وأَوْصَدَ الباب، وآصَدَه: أَطْبَقَه وأَغْلَقه، ومنه قولُه تعالى: {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ} أَى مُطْبَقة، هَمَزَهَا أَبو عَمْروٍ وحمزةُ وخلفٌ وحَفْص، واختلف على يعقوب، والباقون بغير هَمْز. وأَوْصَدَ، واسْتَوْصَدَ: اتَّخَذَ حَظِيرَةً.

بصيرة فى وصف

بصيرة فى وصف وَصَفْتُ الشىءَ وَصْفاً وصِفَةً، والهاء عِوَض عن الواوِ. وقوله تعالى: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} أَى جَزاءَ وَصْفِهم الذى هو كَذِبٌ. وقوله تعالى: {والله المستعان على مَا تَصِفُونَ} ، أَى تَكْذِبُون. وفى حديث عُمَرَ: "لا تُلْبسوا نِساءَكمُ الكتَّانَ أَو القَباطِىّ، إِلاَّ يَشِفَّ فإِنَّه يَصِفُ" أَى يَصِفُها الثوبُ الرّقيق كما يَصِفُ الرّجلُ سِلْعَته. والصّفة كالعِلْم والجَهْل والسَّواد والبَياض. وقيل: الصّفة الحالةُ التى عليها الشىءُ من حِلْيَتِه ونَعْتِه. والْوَصفُ قد يكون حَقّاً وباطلاً، قال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب} تنبيهاً على كون ما يذكرونَه كَذِباً. وقول الشمّاخ يصف ناقته: إِذا ما أَدْلَجَت وَصَفَت يَداها ... لها الإِدلاجَ لَيْلَةَ لا هُجُوعُ يريد أَجادت السَّيْر. وقيل: معناه: إِذا أَدْلَجَت سارت اللَّيلَ كلَّه، فذلك وَصْفُها يديها.

والوَصِيفُ: الخادِمُ غلاماً كان أَو جارِية، وربّما قالوا للجارِية وَصِيفَةٌ، والجمع الوَصائِف. والإِيصافُ: الوصافة، يقال: جارية بيّنة [الوصافة والإِيصاف] . وتَواصَفُوا الشىءَ من الوصف. واتَّصَفَ الشىءُ: صار موصوفاً بالحُسْن قال طَرَفَة بنُ العَبْد: إِنَّى كَفانِىَ من أَمْر هَمَمْتُ بهِ ... جارٌ كجار الحُذاقىّ الذى اتَّصَفا أَى موصوفاً بحُسْن الجِوارِ. ونُهِىَ عن بيع/ المُواصَفَة، وهو أَن يبيع ما ليس عندَه، ثم يَبْتَاعَهُ فيَدْفَعَه إِلى المشترى، قيل له ذلك لأَنَّه باعَه الصّفَةِ.

بصيرة فى وصل

بصيرة فى وصل وصلَ الشَّىْءَ بغَيْرِه فاتَّصَلَ. ووَصَّلَ الحِبالَ وغيرها تَوْصِيلاً: وَصَلَ بعضَها ببَعْضِ، ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول} أَى أَكْثَرْنا لهم القَوْلَ موصولاً بعضُه ببعضٍ. وخَيْطٌ مُوَصَّلٌ: فيه وَصْل كثيرٌ. وغُصْنٌ مٌوَصَّلٌ: فيه غُصْنٌ غَرِيبٌ، قال: وإِذا ما نَكَحْت فانْكح غَرِيباً ... ومن الأَقْرَبِين لا يَتَوَصَّلْ فأَلَذُ الثِّمار حُسْناً وطِيباً ... ثَمرٌ غُصْنُه غَرِيبٌ مُوَصَّلْ ووَصْلَنِى بعد الهَجْر وواصَلَنِى، وصَرَمَنى بعد الوَصْل والصِّلة والوِصال. ووَصَلَت شَعْرَها بشَعر آخر، "ولَعَنَ الله الواصِلةَ والمستوصِلَة". وقطع اللهُ أَوْصالَه، أَى مَفاصِلَه. والوَصْلُ يكون فى الأَعْيان وفى المَعانِى قال الله تعالى: {وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} . وقوله تعالى: {إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ} أَى يَنْتَسِبُون، يقال: فلانٌ مُتَّصِلٌ بفلان: إِذا كان بيْنَهما نِسْبة أَو مُصاهرة. وقولُه تعالى: {مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ}

قيل هى التى وَصَلَت أَخاها من أَولاد الغنم فلم تُذْبَح. كان إِذا وَلَدَت لهم شاةٌ ذَكَراً وأُثْنَى قالوا وَصَلَتْ أَخاها. وقيل: الوَصِيلة: الناقَةٌ الَّتى وَصَلَتْ بين عشرة أَبْطُن، ومن الشاءِ الَّتى وَلَدَت سبعَة أَبْطُن عَناقَيْن عناقَيْن، فإِن ولدت فى السَّابعة عَناقاً وجَدْياً قيل: وصلت أَخاها فلا يَشْرَب لَبَنَ الأُمّ إِلاَّ الرّجالُ دون النِّساءِ، ويجرى مجرى السّائبَةِ. وقيل: الوَصِيلَةُ خاصّة بالغَنَم، كانت الشَّاةُ إِذا ولدت الأُنْثَى فهى لهم، وإِذا وَلَدَت ذكراً جعلوه لآلِهَتِهم، فإِن ولدت ذكراً وأُنْثى قالوا: وصلت أَخاها فلم يَذْبَحُوا الذَكَر لآلهتهم. وقيل: الوصيلةُ: شاةٌ وَلَدت ذكراً ثم ولدت أُنْثَى، فتصل أَخاها فلا يذبحون أَخاها من أَجْلِها، فإذا ولدت ذكراً قالوا هذا قُرْبانٌ لآلهتنا. وَوَصِيلُك: من يَدْخُلُ مَعَكَ ويَخْرُجُ معك. والاتِّصال ضدّ الانفصال، وهو عند العارفين على ثلاث مراتب: اتصال العلم والعمل، واتصال الحال والمعرفة، واتصال الوِجْدانِ والوُجود، وهو أَنْ يَجِدَ العبدُ رَبَّه بعد أَن كان فاقداً، فهو بمنزلة من كان يطلُب كَنْزاً ولا وُصُول له إِليه فظفر به بعد ذلك ووَجَدَه واستَغْنَى به غايةَ الغِنى، فهذا اتِّصال الوجود، كما فى الأَثر: "اطْلُبْنى تَجِدْنى، فإِنّ وَجَدْتَنِى وَجَدْت كُلُّ شَىْءٍ، وإِنْ فُتُّكَ فاتَكَ كلُّ شَىء". وهذا الوُجود من العبد لِرَبِّه يتنوّع بحسب حال العبد ومَقامه، فالتائب الصّادق

فى تَوْبته إِذا تاب إِليه وَجَده غفوراً رحيماً، والمتوكِّلُ إِذا صَدَقَ فى تَوَكُّله وَجَده كَافِياً حسيباً، والدّاعِى إِذا صَدَق فى الرَّغْبة إِليه وَجَده قرِيباً مُجِيباً، والمحبّ إِذا صَدَق فى مَحَبَّتِهِ وَجَده وَدُوداً حبيباً، والملهوف إِذا صَدَق فى الاستِعانة وَجَده كَاشِفاً للكرْب مُخَلِّصاً منه، والمضطرُّ إذا صَدَق فى الاضْطِرار إِليه وَجَده رَحِيماً مُعِيناً، والخائفُ إِذا صَدَق فى الَّلَجإِ إِليه وَجَده مُؤَمِّناً من الخوف، والراجى/ إِذا صَدَق فى رَجائه وَجَده عند ظَنِّه به؛ فمُحِبُّه وطالِبُه ومريدُه ومن لا يَبْتَغِى به بَدَلاً ولا يرضَى بسِواهُ عِوَضاً إِذا صَدَق فى محبّته وإِرادتِه وجَده أَيضاً وُجُوداً أَخصّ من تلك الوجودات، فإِنَّه إذا كان المُريدُ منه يَجدهُ فكيف مُرِيدُه ومُحِبُّه! فيظفر هذا الواجِدُ بنَفْسِه وبِرَبِّه، أَمَّا ظَفَرُهُ بنَفْسه فتَصِير مُنقادةً له، مطيعةً تابعةً مَرْضاتِه، غيرَ أَبِيَّةٍ ولا أَمَّارة، بل تَصِير خادمةً له ومملوكةً بعد أَنْ كانت مخدومةً مالكةً. وأَمّا ظَفَرُه بربّهِ فقُرْبُه منه وأُنْسُه به، وعِمارَةُ سِرِّه به، وفَرَحُهُ وسُرُورُه أَعظم فَرَح وسرور. فهذا حقيقة اتصال الوُجود. وأَمّا اتصالُ العِلْمِ والعملِ قد يُسَمُّونَه اتَّصال الاعْتِصام، فهو بتصحيح القَصْد، ثمَّ تصفيته الإِرادة، ثم تحقيق الحال. وتصحيح القصد يكون بشيئين: إِفرادُ المقصود، وجمعُ الهمِّ عليه؛ وحقيقته توحيدُ القصد والمقصود، فمتى انْقسم قصده أَو مقصوده لم يكن اتّصاله صحيحاً. وأَمّا تصفية الإِرادة فهو تخليصُها من الشوائب وتعلُّقِها بالسِّوى أِو بالأَعْراض، بل

تكون إرادةً صافية عن ذلك كله، بحيث يكون تعلُّقه بالله وبمراده الدّينِىّ الشرعىّ. ثم تحقيق الحال بأَن يكون له حالٌ محقَّق لا يكتِفى بمجرّد العِلْم حتَّى يصحبَهُ العملُ، ولا لمجرّد العملِ حتى تصحبَه الحالُ، فتصير الإِرادة والمحبَّةُ والإِنابةُ والتوكُّلُ وحقائقُ الإِيمان حالاً لقلبه، بحيث لو انقطعت جوارِحهُ كان قَلْبُه فى العمل والسَّيْر إِلى الله، وربّما يكون عملُ قلبِه أَقْوَى من عملِ جَوارحِه. وأَمّا اتَّصالُ الحال والمعرفة الَّتى يسمّونه اتصالَ الشهُّود، فهو الخَلاصُ من الاعْتِلال، والفَناءُ عن الاستِدْلال، وهذه المنزلة أَعْلَى من اتِّصال الاعْتصام، لأَنَّ الأُولَى اتصالٌ بصحة المقصود والأَعمال، وهذا اتِّصالُ برؤيةِ مَنِ العَمَلُ له، فيتخلَّصُ العبدُ بذلك مِنْ عِلَل الأَعمالِ واستِكْبارها واسْتحْسانها والسُّكون إِليها.

بصيرة فى وصى

بصيرة فى وصى وَصّاه تَوْصِيَةً: عَهِدَ إِلَيْه، والاسمُ: الوَصاةُ والوَصِيَّةُ والوِصاية. (والوصيَّة) : المُوصَى به أَيضاً. والوَصِىُّ: المُوصِى والمُوصَى. والمرأَةُ وصِىٌّ أَيضاً، والجمع أَوْصِياءُ، وقيل: لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع. قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ الله} أَى يَفْرِضُ عليكم. وقوله تعالى: {ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} ، قرئ: وأَوْصَى وهما بمعنًى. وتَواصَى القَوْمُ: وَصَّى بعضُهم بعضاً، قال الله تعالى: {وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} . ووَصَى الشىءَ بالشىْءِ: وَصَلَه به، قال ذو الرّمَة: نَصِى اللَّيْلَ بالأَيّام حَتى صَلاتُنا ... مقاسمةٌ يشتق أَنصافها السَّفْرُ ووَصَى النَبْتُ: اتَّصَل وكَثُر. وأَرضٌ واصِيَةُ النباتِ. وواصَى البلدُ البَلَدَ: واصَلَه. وأُوصِيكَ بتَقْوَى الله. واسْتَوْصِ بفُلان خَيْراً.

وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} وقال: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً} . وقال: {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى} . وقال: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب} وقال: {وَأَوْصَانِي بالصلاة والزكاة} . وقال: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} . وقال: {غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ الله} . وقال: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً} ، وقال: {وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة} /وقال {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} .

بصيرة فى وضع

بصيرة فى وضع الوَضْعُ أَعمّ من الحَطِّ، وهو ضدّ الرّفع، ومنه المَوْضِعُ، قال الله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ} ، [و] يقال ذلك فى الحَمْلِ والحِمْل، وَضَعْتُ الحمل فهو موضوعٌ، وقال تعالى: {وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ} . وقوله تعالى: {والأرض وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} هذا الوضعُ عِبارة عن الإِيجاد والخَلْق. ووَضَعَت المرأَةُ الحَمْل، قال تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أنثى والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} . [و] وَضْعُ البَيْتِ: بناؤُه، قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} . وقوله: {وَوُضِعَ الكتاب} هو إِبرازُ أَعمالِ العباد، نحو قوله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} . ووَضَعَت الدّابَّةُ وَضْعاً: أَسْرَعَت، ودابَّة حَسَنَةُ المَوْضُوع. وأَوْضَعْتُها أَنَا، قال الله تعالى: {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} قال طَرَفَة بن العَبْد:

مَرْفُوعها زَوْلٌ ومَوضُوعُها ... كَمَرّ غَيْث لَجِب وَسْطَ رِيحْ ووَضْعَت الشىءَ من يَدِى وَضْعاً ومَوْضَعاً بفتح الضَّاد ومَوْضُوعاً. وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللَّهُمَّ ارْفَعْنَا ولا تَضَعْنا". ارْفَع دَرَجَتنا ولا تضعها، وقوله صلَّى الله عليه وسلم: "مَنْ رَفَع السِلاح ثمَّ وَضَعَه فَدمُه هَدَرٌ" أَى قاتَلَ فى الفِتْنة، وليس معنى قولِه ثمَّ وَضَعه أَنَّه وَضَعَه مِنْ يَدِه، قال سُدَيْف: فضَعِ السَّوْطَ وارْفَعِ السّيفَ حَتَّى ... لا تَرَى فَوْقَ ظَهْرِها أُمَوِيَا معناه ضَع السَوْطَ على بَدَن من تَبْسطه عليه، وارفع السّيف له ليُقْتَلَ به. ووَضَعَ منْه: حَطَّ مِنْ قَدْرِه. ووَضَع عن غَرِيمه: نَقَص ممّا له عليه ومنه الحديث: "مَنْ أَنْظَر مُعْسِراً أَو وَضَع له أَظَلَّه اللهُ تحت ظِلِّ عَرْشه". ووضع يَدَه فى الطَّعام: إِذا أَخَذَ فى الأَكْل. ووَضَع يَدَه عن فلان: كَفَّ عنه، ومنه الحديث: "واضِعٌ يَدَه لِمُسِىءِ اللَّيْلِ لِيَتُوبَ بالنَّهارِ" أَى لا يُعاجل المُسىءَ بالعقوبة بل يُمْهِلُه لِيَتُوبَ.

وامرأَةٌ واضِعٌ: لاخِمارَ عليها. ووَضَعت المرأَةُ حَمْلَها وَضْعاً بالضَّمِّ وتُضْعاً بالضمّ، وتُضُعاً بضمَّتين، أَى حَمَلت فى آخِرِ طهرها فى مُقْتَبَلِ الحَيْضِة فهى واضِعٌ. ووُضِعَ فى تجارته كَعُنِىَ: خَسِرَ. قال ابنُ دُرَيْد: وَضِعَ يَوْضَعُ كوَجِلَ يَوْجَل لغةٌ فيه. وفى حَسَبِهِ ضَعَةٌ وضِعَةٌ بالكسر أَى انْحطاطٌ، والهاء عوض عن الواو. وقد وَضُع الرَّجُل ككرُم يَوْضُع ضَعة وضِعةً. قال الفرّاءُ: يُقال: له فى قَلْبِى مَوْضِعَةٌ ومَوْقِعَةٌ، أَى مَحَبَّةٌ. ووضَعْتُ عنده وَضِيعاً، أَى استَوْدَعتُه وَدِيعَةً. وقوله تعالى: {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} أَى حَمَلُوا ركابَهم على العَدْوِ السّريع. ومنه الحديث: "أَنَّه أَفاضَ من عَرَفَةَ وعليه السَّكِينَة وأَوْضَعَ فى وادِى مُحَسِّر". وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَيّها الناس عليكم بالسَّكِينَة فإِنَّ البِرَّ ليس بالإِيْضاع". ورَجُلٌ مُوَضَّع كمعظَّم: فيه تَخَنُّثٌ. وتَواضَعَ: تَذَلَّلَ؛ وما بيننا: بَعُدَ. وإِنَّ بَلَدَكم لمُتواضِعٌ عنَّا: مُتَباعِدٌ، قال ذو الرّمَة: فَدعْ ذا وَلكن رُبّ وَجْناءَ عِرْمِس ... دَواءٌ لِغَوْل النازِحِ المُتواضِع

بصيرة فى وضن ووطر، ووطؤ

بصيرة فى وضن ووطر، ووطؤ وَضَنَهُ يَضِنُه فهو مَوْضُونٌ ووَضِينٌ: ثَنَى بعضَه على بعضٍ، وضاعَفَه أَو نَضَّدَهُ، قال الله تعالى: {على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} ، وقيل: موضونة، أَى/ مَنْسُوجة بالجَواهر. ووَضَنَ النِسْعَ: نَسَجَهُ. والوَضِينُ: بِطانٌ عريضٌ منسوجٌ من سُيورٍ أَوْ شَعر. وقيل لا يكون إِلاّ من جِلْد، والجمع: وُضُنٌ. والمَوْضُونَة: الدِّرع، وقيل الدِّرْع المُقارِبَة النَسْج، أَو المَنْسُوجةُ حَلْقَتَيْن. والتَوَضُّنُ: التَذَلًُّل. واتَّضَنَ: اتَّصَلَ. الوَطَرُ: الحاجَةُ المُهِمّة ولا يُبنَى منه فِعْلٌ، والجمع الأَوطار، قال الله تعالى: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} . وَطِئْتُ الشَىْءَ برِجْلِى وَطْأ، ووَطِىءَ زَوْجَتَه يَطَأُ فيهما، سقطت الواوُ من يَطَأُ سُقوطها من يَسَعُ لتعدِّيهما، لأَنَّ فَعِلَ يَفْعَل ممّا اعتلّ فاؤه لا يكون إلاَّ لازماً، فلما جاءَا من بين أَخواتهما متعدّيَيْن خُولفَ بهما نظائرهما.

قال الله تعالى: {وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً} . والمَوْطَأُ بفتح الطاءِ: مَوْضِعُ وَطْءِ القَدَم. قال اللَّيث: هو المَوْطِئ بكسر الطَّاءِ. قال: وكلُّ شىءٍ يكون منه الفِعْلُ على فَعِلَ يَفْعَل مثل سَمِعَ يَسْمَع فإن المَفْعَل منه مفتوحُ العَيْن، إِلاَّ ما كان من بَنات الواو على بِناءِ وَطِىء يَطَأُ وَطْأَ. ووَطُؤَ المَوْضِعُ يَوْطُؤ، وَطاءَةً أَى، صار وَطِيئاً، وكذلك الطِّئة والطَّأَة مثال الطِّعَة والطَّعَة فى المصدر، فالهاء عِوضٌ عن الواو كما قال الكميت: أَغْشَى المكَارِهَ أَحياناً ويَحْمِلُنِى ... منهُ على طَأَةٍ والدَّهْرُ ذُونُوَبِ أَى على حال لَيّنة، ويروى على طِئة بالكسر. وقولُه تعالى: {لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ} ، أَى تنالُوهم بمكروه. وبنو فلان يَطَؤُهم الطَّريقُ أَى ينزلون قريبا منه، والمعنى: يَطَؤُهم أَهلُ الطَّريق. وأَوطأْتُه الشىءَ فوَطِئَهُ. ورجلٌ مُوَطَّأُ العَقِب، أَى سلطانٌ يُتَّبَعُ، وتُوطَأُ عَقِبُه ووطَّأَه تَوْطِئَة: جعله وَطِيئا. ووَطَّأَهُ فتَوَطَّأَ، وهَيَّأَهُ فتَهَيَّأَ.

وقوله تعالى: {لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} أَى لِيُوافِقٌوا ويُماثِلُوا قاله الأَخفش. وقولُه تعالَى: {هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} بالكسر والمدّ وهى قراءَة أَبى عمرو وابن عامر، أَى مُواطَأَة، وهى المواتاة، أَى مواتاةُ السمع والبصر إِيّاه، وذلك أَنَّ اللَّسان يُواطِئُ العملَ، والسّمْعَ يُواطئ فيها القَلْبَ. وقرأَ [غير] أَبى عمروٍ وابن عامر: (أَشَدُّ وَطْأ) بسكون الطَّاءِ أَى قِياماً، أَى هى أَبلغ فى القيام وأَوطأُ للقائم، وهى أَبلغ فى الثواب. ويجوز أَن يكون معناه أَغلظ على الإِنسان من القيام بالنَّهار لأَنَّ اللَّيل جُعِل سَكَناً. وتَواطَؤُوا عليه: تَوافَقُوا.

بصيرة فى وعد

بصيرة فى وعد الوَعْدُ يُسْتعمل فى الخَيْر والشرّ. قال الفرّاءُ: يُقال وَعَدْتُه خَيْراً ووَعَدْتُه شَرّاً، قال القطامى: أَلاَ عَلِّلانِى كُلُّ حَىٍّ مُعَلَّلُ ... ولا تَعِدانِى الشَرَّ والخَيْر مُقْبِلُ والعِدَةُ: الوَعْدُ، وفى الحديث: "العِدَةُ عَطِيَّة"، و "العِدَةُ دَيْن" قال الرّاعى يمدح سَعِيدَ بنَ العاصِ: وأَنْضاءٍ أَنَخْنَ إِلى سَعِيدٍ ... طُرُوقاً ثُمَّ عَجَّلْن ابْتِكارَا على أَكْوارِهنَّ بَنُو سَبيل ... قليلٌ نومُهم إِلاَّ غِرارَا حَمَدْنَ مَزارَهُ فلَقِينَ منهُ ... عَطاءً لم يكنْ عِدَةً ضِمارَا والمَوْعِدَةُ، والمِيعاد: المُواعَدَة، والوَقْت، لأَنَّ ما كان فاءُ الفعل منه واواً أَو ياءً ثمَّ سَقَطَتا فى المستقبل مثل يَعِدُ ويَزِنُ ويَهَبُ، ويَضَعُ، ويَئل، فإِنَّ المَفْعِل منه مكسورٌ فى الاسم والمصدر جميعاً، ولا تُبالى مفتوحاً كان يَفْعلُ منه أَو مكسوراً بعد أَن تكون الواوُ منه ذاهبة، إِلاَّ أسماء/ جاءَت نوادِرَ، والقياس الكسر. فإِن كانت الواو من يَفْعَلُ ثابتة

نحو يَوْجَلُ ويَوْجَعُ ويَوْسَنُ ففيه الوجهان، فإِن أردت به المكان أَو الاسم كَسَرْت، وإِن أردتَ به المصدرَ فتحتَ، فقلت: مَوْجَل ومَوْجِل. وقوله تعالى: {مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ} قال مجاهد: عَهْدك، وكذلك قوله تعالى: {أَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي} أَى عهدى. وقوله تعالى: {وَفِي السمآء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} ، رِزْقكم: المطر، وما تُوعَدُون: الجَنَّة. وقوله تعالى: {الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر} أَى يَخَوِّفكم به فيَحَمِلكم على مَنْع الزَكَوات. قال الفرّاءُ: إِذا أَسْقَطُوا الخيرَ والشَرَّ قالوا فى الخَيْر: المَوْعِد والعِدَة، وقالوا فى الشرّ: الوَعِيدُ والإِيعاد. قال عامِر بن الطَّفْيل: ولا يَرْهَبُ ابنُ العَمِّ ماعشت صَوْلَتىِ ... ولا أَخْتَتِى من صَوْلَة المُتَهَدِّد وإِنَّى وإِن أَوْعَدْتُه أَو وَعَدْته ... لَمُخْلِفُ إِيعادِى ومُنْجزُ مَوْعِدِى وتَواعدَ القومُ: وَعَد بعضُهم بعضاً فى الخَيْر، وأَمّا فى الشَرِّ فيقال اتَّعد: {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد} . وقال تعالى فى الوَعْد بالخير: {وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} . ومن الوعد بالشَرّ قولُه تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ} . وممّا يتضمّن الأَمرَيْن جميعاً قولُه تعالى: {إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ ولاكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فهذا وعدٌ بالقيامة وجَزاء العِباد إِنْ خَيْراً فَخيْرٌ وإِنْ شَرّاً فشرٌّ.

والمُواعَدَة معروفة، قال الله تعالى: {ولاكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} أَى نِكاحاً، وقال: {وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ، {وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} فثلاثين وأَرْبَعِين مفعولٌ لا ظرف، أَى انقضاءَ ثلاثين. قال الزجّاج: كان من الله الأَمر ومن موسى القَبولُ، فلذلك ذكر بلفظ المُفاعَلَة. وقرأَ أَبو عَمْرٍو وأَهلُ البصرة: وَعَدْنا من الوَعْد. وقال تعالى: {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن} وقوله: {واليوم الموعود} يعنى القِيامَة، كقوله تعالى: {إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} . ومن الإيعاد قوله تعالى: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ} وقوله تعالى: {فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ} أَى أَوْعَدْت مَن عَصانى من العَذاب. قال ابن عباس قالوا يا رَسُولَ اللهِ لَوْ خَوَّفْتَنا فنزلت: {فَذَكِّر بالقرآنِ من يخافُ وَعِيدِ} . وقوله: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} . فقولُه: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} تفسيرٌ للوَعْد، كما أَنَّ قوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} تفسيرٌ للوَصِيَّة. وقوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ} فقولُه: أَنَّها لكم بدلٌ من إِحدَى الطَّائفتين.

بصيرة فى وعظ ووعى

بصيرة فى وعظ ووعى الوَعْظُ والعِظَةُ والمَوْعِظَة مصادر قولك: وَعَظْتُه أَعِظَه، وهو زَجْرٌ مقتَرِنٌُ بتخويف. وقال الخليل: هو التَّذْكِير بالخَيْر، ومنه قولُ النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "السَّعِيدُ من وُعِظَ بغَيْره" قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} قال رؤبة ويروى للعجّاج: لما أَوْنا عَظْعَظَتٍْ عِظْعاظَا ... نَبْلُهُم وَصَدَّقُوا الوَعّاظَا يقولُ: كان وَعَظَهُم النُوَبَ واعِظٌ وقال لهم إِنْ ذهبتم هلكتهم، فلمّا ذهبوا أَصابهم ما وَعَظَهم به فصدّقوا الوُعّاظ [حينئذ] . وفى الحديث: "يأْتِى على النَّاسِ زَمانٌ يُستَحَلُّ فيه الرِبّا بالبيع، والقَتْلُ بالمَوْعِظة" وهو أَنْ يُقْتَل البَرِىءُ ليتَّعظ به المُرِيب. /الوَعْىُ مصدر وَعاه يَعِيه: حَفِظَه، وجَمَعَه كأَوْعاهُ، قال الله تعالى: {وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} . ومالى منه وَعْىٌ، أَى بُدٌّ.

والوِعاءُ، والوُعاءُ - بالكَسْرِ والضَمِّ - والإِعاءُ: الظَّرفُ، والجمع: أَوْعِيةٌ. وأَوْعاهُ، وأَوْعىَ [عليه] : قَتَّرَ عَلَيْه، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تُوعِى فَيُوعِى اللهُ عَلَيْك". والإِيعاءُ: حِفظُ الأَمْتعة فى الوِعاء، قال الله تعالى: {وَجَمَعَ فأوعى} ، قال: والشَرُّ أَخْبَثُ ما أَوْعَيْتَ مِنْ زادِ وقال تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ} . والواعِيَةُ: الصُّراخ والصّوت لا الصّارخة. ولا وَعْىَ عن ذلك الأَمر، أَى لا تَماسُكَ دوُنه.

بصيرة فى وفد

بصيرة فى وفد وَفد فلان على الأَمِيرِ يَفِدُ وَفْداً ووفُوُداً ووِفادة (أَى، ورد رَسولا، فهو وافِدٌ، والجمع وَفْد، مَثل صَاحِب وصَحْب. وجمع الوَفْد: أَوْفادٌ ووُفُود. والوافِدُ من الإِبل والقطا: ما سَبَق سائرها، قال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمان وَفْداً} . والوافِدان فى قول الأَعشى: رَأَتْ رَجُلاً غائبَ الوافِدَيْـ ... ـنِ مُخْتَلِفَ الخَلْقِ أَعْشَى ضَرِيرا هما الناشِزان من الخَدَّيْن عند المضغ، فإِذا هَرِمَ الإِنسانُ غاب وافِداه. وأَمْسَيْنا على أَوْفاد، وأَوْفاز، أَى على سَفَرٍ قد أَشخصنا، أَى أَقْلَقنا. وأَوْفَدْتُه إِلى الأَميرِ أَى أَرْسَلْتُه. والإِيفادُ على الشىء: الإِشرافُ عليه، قال حُمَيْد بن ثَوْر الهِلالّى رضى الله عنه: تَرَى العِلافِىَّ عَليْها مُوفِداَ ... كأَنَ بُرْجاً فَوْقَها مُشَيَّدَا والإِيفاد أَيضاً: الإِسْراعُ. وَفَّدْتُهُ إِلى الأَمير تَوْفِيداً: مثلُ أَوْفَدْتُه. واسْتَوْفَدَ الرجلُ فى قِعْدَتِه: مثل اسْتَوْفَزَ.

بصيرة فى وفر ووفض

بصيرة فى وفر ووفض شَىْءُ وافِرٌ ومَوْفُورٌ ومُوَفَّر ومُتَوَفِّر: كثيرٌ، وقد وَفَرَ ووَفُر. ووَفَرْتُه ووَفَّرْته: كَثَّرْتُه. ووَفَّرْت عليه حَقَّهُ فاسْتَوْفَره، نحو وَفَّيْتُه إِيّاه فاسْتَوْفاه. وهذه أَرضٌ فى نَبْتها وشَجَرها وَفْرَةٌ (وَفِرَةٌ) أَى وُفُورٌ لم يُرْعَ. ولفُلان وَفْرٌ، أَى مالٌ وافِرٌ، قال الله تعالى: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً} . وسِقاءٌ أَوْفَرُ، ومَزادَةٌ وَفْراءُ: لم يُنْقَص من أَدِيمها شىءٌ. وجاريةٌ ذاتُ وَفْرَة: ذات لِمَّة إِلى أُذَنَيْها. ووفَّر شَعْرَه: أَعْفاهُ. وتَوَفَّر على صاحِبه: رَعَى حُرُماتِه. وَفَضَ يَفِضُ وَفْضاً، وأَوْفَضَ، واسْتَوْفَضَ: عَدَا وأَسْرَعَ، قال الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} ، أَى كأَنَّهم نُصِبَ لهم شىء فهم يُسرعون إِليه ويسبقون. ولَقِيتُه على أَوْفاض، أَى على عَجَلَة، الواحد وَفْضٌ، ووَفَضٌ، قال رؤبة: تَمْشِى بنا الجِدَّ على أَوْفاضِ واسْتَوْفَضَه: طَرَدَه واسْتَعْجَلَه. واستَوْفَضت الإِبلُ: تَفَرَّقت. وفى الحديث: "واسْتَوْفضوه عاما"، أَى غَرَّبُوه.

بصيرة فى وفق ووفى

بصيرة فى وفق ووفى الوَفْقُ من المُوافَقَة بين الشَّيْئين كالاْلتِحام، يقال: حَلُوبَتُهُ وَفْق عِيالِه، أَى لها لَبَنٌ قَدْر كِفايتهم لا فَضْلِ فيها، قال الرّاعِى: أَمّا الفَقِيرُ الَّذى كانت حَلُوبَتُه ... وَفْقَ العِيال فلم يُتْرك لَه سَبَدُ وأَتيتك لِوفْقِ الأَمْرِ وتَوْفاقِه وتَيْفاقِه، ونِيفاقِه. والمُوافَقة معروفة، قال الله تعالى: {جَزَآءً وِفَاقاً} أَى جازيتُهم جزاء وافَق أَعمالَهم قال مقاتل: وافَق العَذابُ الذَنْب، فلا ذَنْبَ أَعظم من الشِّرك، ولا عَذاب أَعْظَم من النَّارِ. واسْتَوْفَقْتُ الله: سأَلُته التَّوفيق. ووَافَقْتُه: صادَفْتُه. والتَّوافُق: الاتِّفاق. ولا يَتَوفَّقُ عبد حتى يوفِّقَه الله. ووَفِقَ الأَمرُ/ يَفِقُ: كان صواباً مُوافِقاً للمراد. ووُفِّقْتَ أَمْرَك: أُعْطِيتَه موافِقا لمُرادِك. وإِنَّك لمُوفَّقٌ، أَى رَشِيدٌ. الوَفاءُ: التَّمام. ودِرهمٌ واف، وكيلٌ واف، وشعرٌ واف. وصار هذا وَفاءً لذاك، أَى تماماً له. ومات فلان وأَنت بوَفاءٍ، أَى بتمام عُمر.

ووَفَى بالعَهْدِ وأَوْفَى به: حفظَه وتَمَّمه. وهو وَفِىٌّ من قومٍ أَوْفياء، ووَفاةٌ. ووَفَّاه حَقَّه وأَوْفاهُ. قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ} ، وقال تعالى: {وَأَوْفُواْ بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} . وقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى} ، توفِيَتُه أَنَّه بذل المجهود فى جميع ما طُولِب به ممّا أَشار إِليه فى قوله تعالى: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ، بَذَل مالَه فى الإِنفاق فى طاعة الله، وبَذَل وَلَده الذى هو أَعزُّ من نفسه للقُرْبان، وإِلى ما نبّه عليه بقوله وفَّى أَشار بقوله: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} . ووافَيْتُه بمكان كذا أَتَيْتُه وفاجأْتُه. وتَوْفِيَةُ الشَّىْءِ: بَذْلُه وافِياً، واستِيفاؤه: تناوُلُه وافيا، قال تعالى: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} ، وقال تعالى: {الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ} . وقد عَبِّرَ عن الموت والنَّوم بالتَوَفِّى، قال الله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} . وقولُه تعالى: {ياعيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} فقد قيل: تَوَفِّىَ رِفْعة واختصاص لا تَوَفِّىَ موت. وقال ابن عبَّاس رضى الله عنهما: تَوَفِّىَ مَوْت لأَّنَّه أَماتَه ثم أَحياه.

بصيرة فى وقب ووقت

بصيرة فى وقب ووقت وَقَبَت الشمسُ: إِذا غابَتْ ودخلتْ موضِعَها. ووَقَبَ الظلامُ: دَخَل على الناس، قال الله تعالى: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} ، قال الحسن: إِذا دخلَ على الناسِ. وقالت عائشة رضى الله عنها: أَخذ بيدى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم نظر إِلى القَمَر فقال: "يا عائشة تَعَوَّذِى بالله من هذا فإِنَّه الغاسِق إِذا وَقَبَ"، ووُقُوبُه: دُخولُه فى الكسوف. أَراد تَعَوّذِى بالله منه عند كسوفه. ووَقَبَتْ عيناه غارَتا. والوَقْبُ فى الجبل: نُقْرَة يجتمع فيها الماءُ؛ والثَّقْبُ من المَحَالَة؛ والرجلُ الأَحمقُ، قال الأَسْودُ بن يَعْفرُ: أَبَنى نُجَيْحٍ إِنَّ أُمَّكمُ ... أَمَةٌ وإِنَّ أَبَاكمُ وَقْبُ أَكَلَتْ خَبِيثَ الزاد فاتَّخَمَت ... عنه فَشَمَّ خِمارَها الكَلْبُ ووَقْبَة الثَّريد: أُنقُوعَتُه. والمِيقابُ: الحَمْقاء. الوَقْتُ: نهايةُ الزَّمان المفروض للعَمَل، ولهذا لا يكاد يُقال إِلاَّ مُقَيَّداً نحو: وقتُ العَصْر، وقت الراحة [و] نحوه.

ووَقَتُّ كذا كوَجَدْتُ: إِذا جعلتَ له وَقْتاً يُفْعَل فيه، قال الله تعالى: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً} . والتَّوْقيت: تَحْديد الأَوقات، تقول منه: وَقَّتُّه ليَوْم كذا، مثل أَجَّلْتُه. وقوله تعالى: {وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ} قرأَ أَهل البصرة: وُقَّتَتْ بتشديد القاف، وقرأَ أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف، وقرأَ الباقون بالألف وتشديد القاف، وهما لغتان فصيحتان؛ والعرب تُعاقِب بين الواو والهمزة كقولهم: وَكَّدْتُ وأَكَّدْتُ، ووَرَّخْتُ وأَرَّخْتُ. ومعناهما جُمِعَت لمِيقات يوم معلوم، وهو يومُ القِيامة لِيَشْهَدُوا على الأمم.

بصيرة فى وقد

بصيرة فى وقد وَقَدَت النارُ تَقِدُ وَقْداً، ووُقوداً، ووَقوداً بالفتح. /وهذا شاذٌّ ووَقَدا بالتحريك، وقِدَةً كِعدَة، ووَقَداناً بالتحريك. وقرأَ الحسنُ البصرىّ وأَبو رَجاءٍ العطاردىّ ويَزِيدُ النحوىُّ: {النار ذَاتِ الوقود} بالضمَّ والوَقُود بالفتح أَيضاً. والوِقادُ بالكسر، والوَقِيدُ: الحَطَب، وقرأَ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: {أُولئك هم وقاد النَّار} . وقرأ عُبَيْد بن عُمَير: {وَقِيدُها الناسُ والحِجارة} . وقال ابن فارس: الوَقَد بالتحريك نَفْس النار. والمَوْقِدُ: مَوْضِع الوُقود، مثال مَجْلِس لموضع الجُلوس. واسْتَوْقَدَتِ النارُ: أَتَّقَدَتْ، واسْتَوْقَدْتُ النَّارَ: أَوْقَدْتُها لازم متعد؛ قال الله تعالى: {كَمَثَلِ الذي استوقد نَاراً} قال بعضهم: نحن حَبَسْنا بنى جَدِيلَة فى ن ... رٍ من الحرب جَحْمَة الضَرَمِ نَسْتَوقد النَّبْلَ بالحَضِيض ونَصْـ ... طاد نُفوساً بُنيت على الكَرَم ويقال: أَوْقَدْتُ النارَ فاتَّقَدَت وتَوَقَّدَت، قال الله تعالى: {كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله} .

بصيرة فى وقذ ووقر

بصيرة فى وقذ ووقر وَقَذَه يَقِذُهُ وَقْذاً: ضَرَبَه حتى اسْتَرْخَى وأَشْرَف على الموت. وقوله تعالى: {والموقوذة} ، وهى التى تُقْتل بِعَصاً أَو بحجارةٍ لاحَدّ لها فتموت بلا ذَكاة. ويقال: وَقَذَهُ النُّعاس: إِذا غَلَبَه. وَوَقَذَهُ الحِلْمُ، أَى سَكَّنَه. ورجلٌ وَقِيذُ الجَوانح، أَى حَزِينُ القَلْبِ كأَنَّ الحزنَ ضَعَّفَه وكَسَرَ قَلْبَه. ووَقَذْتُه وأَوْقَذْتُه: تركتُه عَلِيلاً. الوَقْرُ: الثِّقَلُ فى الأُذُن، وقد وَقِرَتْ أُذُنُه بالكسر تَوْقَرُ وَقْراً، أَى صَمَّت، وقياس مصدرِه التحريك إِلاَّ إِنَّه جاءَ بالتسكين. ووَقَر اللهُ أُذُنَه يَقِرُهَا وَقْراً. يقال: اللَّهمّ قِرْ أُذُنَه. ووُقِرَتْ أُذُنُه على ما لم يُسمَّ فاعله فهى مَوْقُورَة. ووَقَرْتُ العَظْمَ أَقِرُه وَقْراً: صَدَعْتُه، قال الأَعشى: يا دَهْرُ قد أَكْثَرْتَ فَجْعَتَنا ... بِسَراتِنا ووَقَرْتَ فى العَظْمِ والوَقارُ: الرّزانةُ، وقد وَقَرَ الرّجلُ يَقِرُ وَقَاراً وقِرَةً، فهو وَقُورٌ، قال الرّاجز: ثَبْتٌ إِذَا مَا صِيحَ بالقَوْم وَقَرْ

وقال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وقرئ: وَقَرْن بالفتح فهذا من القَرار كأَنَّه يريد اقْرَرْن فتُحْذَفُ الراء الأُولى للتَّخْفِيف وتُلقى فتحتُها على القاف، فيستغنى عن الأَلف بحركة ما بعدَها. ويحتمل قراءَةُ من قرأَ بالكسر أَيضاً أَن يكون من اقْرِرْن بكسر الراءِ على هذا، كما قرئ {فَظَلْتُم تَفَكَّهُون} بكسر الظاءِ وفتحها، وهو من شواذ التخفيف. والتَّوْقِيرُ: التعظيم والتَّرْزِينُ أَيضا. وقوله تعالى: {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} أَى لا تخافون لله عَظَمَةً، هكذا عن الأَخفش. ورجلٌ مُوَقَّرٌ: مجرَّب. والتَّيقُورُ: الوقارُ، وأَصلُه الوَيْقُورُ، قُلِبت الواو تاءً. وأَوْقَرَهُ الدَّيْن: أَثْقَلَه. وفَقِيرٌ وَقِيرٌ: إِتْباعٌ.

بصيرة فى وقع

بصيرة فى وقع الوُقوع: مصدر وَقَعَ الشىءُ يَقَعُ وُقوعاً أَى هُوِيّاً. والوَقْعُ: وَقْعةُ الضَرْبِ بالشىءِ. وقوله تعالى: {وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ} أَى واجب على الكفار، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم} أَى وجب وقيل: ثَبَتَت الحُجَّة عليهم، وقيل معناه: إِذا ظهرت أَماراتُ القِيامة التى تقدّم القول فيها. وكذلك قوله تعالى: {فَوَقَعَ الحق} أَى ثَبَتَ. وفى الحديث: "اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرة، فإِنَّها تَقَعُ من الجائع مَوْقِعهَا من الشَبْعان"، قال بعضهم: أَراد أَنْ شِقّ التمرة لا يُغْنِى من الجُوع ولا يتبيّن له موقع على الجائِع إِذا تناوله، كما لا يتبيّن على الشبْعان إِذا أَكله، فلا تَعْجِزُوا/ أَن تَتصدّقوا به. وقيل: لأَنَّه يَسْأَل هذا شِقَّ تَمْرة وذا شِقَّ تمرة، والثالثَ والرابعَ، فيجتمع له ما يَسُدَّ جَوْعته. ويقال للطَّير على شجر أَو على أَرض: هنّ وُقوعٌ ووُقَّعٌ، قال المَرَّار بن سعيد الفَقْعَسِىّ: أَنا ابْنُ التارك البَكْرى بشْر ... عَلَيْه الطَيْرُ تَأكُلُه وُقُوعا

والواقِعَةُ لا تُقال إِلاَّ فى الشّدة والمكروه. وأَكثر ما جاءَ فى القرآن من لفظ وَقَعَ جاءَ فى العذاب والشدائد، نحو: {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} أَى القيامة. ووُقوع القَوْل: حُصُول مُتضمَّنِه، قال تعالى: {وَوَقَعَ القول عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ} أَى وجب العذاب الَّذى وُعِدُوا لظلمهم، وقوله تعالى: {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله} استعمالُ لفظ على مع الوقوع هاهنا تأكيد للوُجوب كاستعمال: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} . وقوله: {فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} عبارةٌ عن مُبادَرَتِهم إِلى السُجود. والوَقْعَةُ فى الحَرْب: صَدْمَةٌ بعد صَدْمة. والاسمُ الوَقِيعَة والواقِعَة. ووقائع العَرَب أَيّامها التى كانت فيها حُروبهم. والواقِعَة: النازِلَة من شدائد الدّهر. ومَواقِعُ الغَيْث: مُساقِطُه، وفى الحديث: "يُوشِكُ أَن يكون خَيْرُ مالِ المُسْلم غَنَماً يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجِبال ومَواقِعَ القَطْر، يَفِرّ بدِينه مِن الفِتَن". والوَقْع [و] بكسر القاف: السّحاب الرّقيق. وبالتحريك: الحِجارَةُ والحَفاءُ، وقد وَقِعَ كَفَرِحَ. ورجلٌ وَقَّاعٌ ووَقَّاعَةٌ: يَغْتابُ النَّاسَ كثيراً.

وأَوْقَعَ بالقوم: بالَغَ فى قِتالهم. والرّوضة: أَمسكت الماءَ. وطريقٌ مُوَقَّع: مُذَلَّل، ورجُلٌ مُوقَّع: أَصابته البَلايا. ووَقعَ القَوْمُ: عَرَّسُوا قال ذو الرّمة: إِذا وَقَّعُوا وَهْناً كَسَوْا حَيْثُ مَوَّتَتْ ... من الجَهْد أَنْفُاسُ الرّياح الحَواشِكِ والاسْتِيقاع: تخوُّف ما يَقَع به، وهو شبه التَوَقُّع. [والوِقاعُ] والمواقَعَةُ: المُحاربة، قال القطامىّ: ولو يُسْتَخْبَرُ العُلَماء عَنَّا ... ومَنْ شَهِدَ المَلاحِمَ والوِقاعا بِتَغْلِبَ فى الحُروب أَلم يَكُونوا ... أَشدَّ قَبائِلِ العُرْب امتناعا وقال: وكُلُّ قبيلةٍ نَظَرُوا إِلَيْنا ... وخَلَّوْا بَيْنَنا كَرِهُوا الوِقاعا وواقع المرأَة: خالطها وباضَعها. وتوقَّعه: انتظر كَوْنَه.

بصيرة فى وقف

بصيرة فى وقف الوَقْفُ لازمٌ مُتَعَدّ، تقول: وَقَفَتِ الدابّةُ والرَّجُلُ وُقُوفاً، ووَقَفْتُه أَنا وَقْفاً، قال امُرؤ القيس: قِفانَبْكِ من ذِكْرَى حَبِيب ومَنْرِلِ ... بسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُول فحَوْمَلِ وقال الله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} ، وقال ذُو الرُّمَّة: وَقَفْتُ على رَبْعٍ لِمَيَّةَ ناقَتِى ... فما زِلْتُ أَبْكِى عِنْدَهُ وأُخاطِبُه ووَقَفْتُه على ذَنْبِه: أَطْلَعتُه عليه. والمَوْقِفُ: المَوْضِع الذى تَقفُ [فيه] حيث كانَ. والواقِفُ: خادِم البِيعَة لأَنَّه وَقَفَ نَفْسَه على خِدْمتها. والوقِّيفَى مِثالُ خِصِّيصَى: الخِدْمَةُ. وأَوْقَفْتُ وَقْفاً للمَساكِين لغةٌ رديئة، وليس فى الكلام أَوْقَفْتُ إِلاَّ حرف واحد، يُقال: أَوْقَفْتُ عن الأَمِر الَّذى كنتُ فيه، أَى أَقْلَعْت، قال الطِرِمّاح: فتَطَرَّبْتُ لِلْهَوَى ثمَّ أَوْقَفْـ ... تُ رِضاً بالتُقَى وذُو البِرِّ رَاضِى

وحكَى أَبو عَمْرو: وكَلَّمْتُهم ثم أَوْقَفْتُ، أَى سَكتُّ. وقال أَبو عمرو بن العَلاءِ: لَوْ مَرَرْت برجل واقف فقلت: ما أَوْقَفَك ها هُنا لرأَيته حَسَناً. وعن الكسائىّ: أَىُّ شَىْءٍ أَوْقَفَكَ ها هُنا، أَى أَىّ شَىْءِ صَيَّرَك إِلى الوُقُوف؟ وتَوَقَّفَ: تَلَبَّثَ. وفى الشىءِ: تَلَوَّم. /وتَواقَفَ الفَرِيقان فى القِتال ووَاقَفا مُواقَفَةً ووقافاً. واسْتَوْقفه: سأَلَهُ الوُقوف. ويقالُ: امرُؤ القَيْسِ أَوَّلُ من اسْتَوْقَفَ الرَّكْبَ على رسْم الدّارِ بِقِفَا نَبْك.

بصيرة فى وقى

بصيرة فى وقى وَقاهُ الله كُلَّ سُوءٍ وِقايَةً ووَقْياً وواقِيَةً، ووَقّاه تَوْقِيَةً: صانَهُ، وفى المثل: "الشُّجاع مُوقًّى". والوَقاءُ والوِقاءُ بالفتح والكسر، والوقايَةُ والوَقايَةُ والوَقايَةُ: ما وَقَيْت به. والتَّوْقِيَةُ: الكَلاءةُ والحِفْظ ممّا يؤذيه ويضرّه، قال الله تعالى: {فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم} واتَّقَيْتُ الشَّىءَ أَتَّقِيهِ وتَقَيْتُه (أَتْقيه تُقىً وتَقِيَّةً) وَتِقاءً كَكِساء: حَذِرْتُه، والاسم التَّقْوَى، قال الله تعالى: {هُوَ أَهْلُ التقوى} أَى أَهل أَنْ يُتَّقَى عِقابُه. رجلٌ تَقِىٌّ من أَتقِياءِ وتُقَواء. وفيه تُقَيَّا تصغير تَقْوَى، قال النَّمر ابن تَوْلَب. وإِنَّى كما قَدْ تَعْلَمِين لأَتَّقِى ... تُقَيَّا وأُعْطِى من تِلادِىَ لِلْحَمْدِ وأَصل التَّقْوَى وَقْوَى، أُبدلت الواو تاءً كما أُبدلت فى تُراث وتُخَمَة وتُجاه. وكذلك اتَّقَى يَتَّقِى أَصلُه إِوْتَقَى يَوْتقِى، فقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، وأُبْدِلت منها التاء وأُدْغمت، فلمّا كثر استعمالهُ على

لفظ الافِعال توهمّوا أَنَّ التَّاءَ من نفس الكلمة، فجعلوه إِتَقَى يَتَقَى بفتح التاءِ فيهما، ثمَّ لم يجدوا له مثالاً فقالوا: تَقَى يَتْقِى مثل قَضَى يَقْضِى. وتقول فى الأَمر: تَقْ، والمرأَة تَقِى ومن ذلك قوله: زيادتُنا نُعْمانُ لا تَقْطَعَنَّها ... تَقِ اللهَ فينا والكِتابَ الَّذى تَتْلُو بنى الأَمر على المُخفَّف "ومن عَصَى اللهَ لم تَقِهْ منه واقِيةً". قال أَبو عبد الله التُّونُسى: حقيقةُ التَّقْوَى عبارةٌ عن امتِثال المأْموراتِ واجتنابِ المَنْهِيّات. وقال الغزالى: التَّقْوَى فى قول شُيوخنا: تنزيهُ القَلْب عن ذَنْب لم يسبق منك مِثْلُه حتى يَحْصُلَ للعبدِ من قُوّة العَزْم على تركِه وِقايةٌ بينه وبين المعاصى. وأَمّا تفصيلاً فإِنَّ التقْوَى تُطْلق فى القرآن الكريم على ثلاثة أَشياء: أَحدها: بمعنى الخَشْيَة والهَيْبة، قال الله تعالى: {وَإِيَّايَ فاتقون} وقال تعالى: {واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} . والثانى: بمعنى الطَّاعة والعِبادَة، قال الله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} ، قال ابنُ عبّاسٍ: أَطيعوا الله حَقَّ طاعَتِه. قال مُجاهد: هو أَن يُطاع ولا يُعْصَى وأَن يُذْكَر فلا يُنْسَى، وأَن يُشْكَر فلا يُكْفَر.

الثالث: بمعنى تنزيه القَلْبِ عن الذُّنوب، وهذه هى الحقيقة فى التَّقْوَى دُون الأَوَّلَيْن، أَلا ترى إِلى قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ فأولائك هُمُ الفآئزون} ، ذكر الطَّاعة والخشيةَ ثمّ ذكر التَّقْوَى، فعلمت بهذا أَنّ حقيقة التقوَى بمعنى غير الطاعة والخشية، وهى تنزيه القلب عمّا ذكرناه. ومَنازِل التقوَى ثلاثةٌ على ما ذكره الشيوخ الجِلَّة: تَقْوَى عن الشِّرْك، وتَقْوَى عن البِدْعَة؛ وتقوَى عن المعَاصِى الفرعيّة. وقد ذكرها الله سبحانه فى آية واحدة وهى قوله عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طعموا إِذَا مَا اتقوا وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ والله يُحِبُّ المحسنين} ، التَّقْوَى الأُولَى تَقْوَى عن الشِّرْك، والإِيمانُ فى مقابَلَة التوحيد؛ والتَّقْوَى الثانية عن البِدْعَة، والإِيمانُ المذكورُ معها إِقرارُ السُنَّةِ والجمَاعة؛ والتَّقْوَىَ الثالثة عن المعاصِى الفرعيّة، والإِقرار فى هذه المنزلة قابَلَها بالإِحْسانِ وهو الطَّاعة والاستِقامة عليها. قال الغزالى: ووجدت التَّقْوى بمعنى اجْتِناب فُضولِ الحلالِ، وهو ما فى الخَبَر المشهور عن النبىّ صلَّى الله علهي وسلَّم أَنَّه قال: "إِنَّما سُمِّىَ المُتَّقُونَ متقين لِتَرْكِهِم مَالاَ بأَسَ حَذَراً عمّا به بَأسٌ" فأَحببت أَن أَجمع بين ما قالَه عُلماؤنا وبين ما فى الخبر النَّبوىّ فيكون حَدّاً جامِعاً، ومعنى بالِغاً فأَقول: التَّقْوَى اجْتِناب ما تَخاف ضرراً فى دِينِكَ وذلك

قسمان: مَحْضُ الحَرام، وفُضُول الحَلال، لأَنَّ استِعْمال فُضُول الحَلال قد يُخْرِج صاحِبَه إِلى الحرامِ ومَحْضِ العِصْيان، وذلك لِشِرَّةِ النَّفْسِ وطُغْيانِها، فمن أَراد أَنْ يَأْمَن الضَّررَ فى دِينه اجْتنبَ المحظورَ وامتنعَ عن فُضُول الحلالِ حَذَراً أَن يَجُرَّه إِلى مَحضِ الحَرام. وحَصل من ذلك أَنَّ التَّقْوَى على قسمين: فَرْضٌ ونَفْلٌ، فالفَرْضُ ما تَقَدَّم من أَنَّها تنزيهُ القلبِ عن شَرٍّ لم يَسْبِق عَنْك مثلُه لِقُوَّة العَزْم على تَرْكِه حتىّ يصير ذلك وِقايَةً بينك وبين كُلّ شرٍّ. والنَّفْل: ما نُهِىَ عنه نَهْىَ تأدِيب، وهو فُضُول الحَلال، فالمباحاتُ المأَخوذات بالشُّبُهات؛ فالأُولَى يلزمُ بِتَرْكِها عذابُ النار، والثَّانية خَيْرٌ وأَدَب يلزم بتركها الحَبْسُ والحِساب، والتَّعْيير والَّلوْم. فمن أَتَى بالأُولى فهو فى الدّرجة الأَدْنَى من التَّقْوَى، ومن أَتَى بالأُخْرَى فهو فى الدّرجة العُلْيا. واعلم أَنَّ التَّقْوَى كَنْزٌ عزيزٌ، إِنْ ظَفِرْتَ به فكم تجد فيه من جَوْهَرٍ شريف وعِلْقٍ نفيس، وخير كثيرٍ، ورِزْقٍ كريم، وغُنْمٍ جسيم ومُلْك عظيم. فهى الخَصْلة الَّتى تجمع خَيْرَ الدّنيا والآخِرة. وتأَمَّل ما فى القرآن من ذِكْرِها كم عَلَّق بها من خير، وكم وَعَدَ عليها من ثَواب، وكم أَضاف إِليها من سَعادة، قال الله تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} وقال تعالى: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا

والذين هُم مُّحْسِنُونَ} ، وقال: {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} وقال: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} . وقال تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} فوَعَدَ فيها بإِصْلاح العَمَلِ ثم بغُفْرانِ الذُّنوب فقال: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} . وبَشَّر بمَحَبَّةِ الله تعالى بقوله: {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} ، ولو لم يكن فى تَقْوَى الله تعالى إِلاَّ هذه الخصلة الَّتى هى محبَّةُ الله تعالى لَكَفَتْ عمّا عَداها. ومنها أَنَّ العَمَلَ لا يُتَقَبَّل إِلاَّ منهم {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} ، ومنها الإِكرامُ والإِعْزاز، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} ، ومنها البِشارةُ عند الموت، قال الله تعالى: {الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة} . ومنها النَّجاةُ من النار، قال الله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} ، {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتقى} ، ومنها الخُلُود فى الجَنَّة، قال الله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} . ثمّ تأَمَّلْ أَصلاً واحداً، هب أَنَّك جاهَدْتَ وثابرت جميعَ عُمرك فى العِبادة، وعِشْتَ ما عشت، وحصل لك من العِنايات ما حصل، أَلَيْسَ ذلك كلُّه مُتَوقِّفاً على القَبول؟ وإِلاَّ كان هَباءً

منثوراً. وقد علمنا أَنَّ الله تعالى إِنَّما يَتَقَبَّل من المتَّقين، فَرَجَعَ الأَمرُ كلُّه إِلى التَّقْوَى. وقال بعضُ المُرِيدين لَشْيخِه: أَوْصِنِى قال: أُوصِيكَ بما أَوْصىَ الله تعالَى الأَوَّلِين والآخِرِين/ وهو قوله: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتقوا الله} . قال الشيخ أَبو حامد رحمه الله: أَلَيْسَ اللهُ سبحانه أَعلمُ بصَلاح العَبْد من كلِّ أَحدٍ، ولَو كانت فى العالَمِ خصلةٌ هى أَصلحُ للعبد وأَجْمَعُ للخير، وأَعظمُ للأَجْرِ، وأَجَلُّ فى العُبوديّة، وأَعظمُ فى القَدْرِ، وأَوْلَى فى الحالِ، وأَنجحُ فى المآلِ من هذه الخَصْلَة الَّتَى هى التقوىَ لكان الله سبحانه أَمَرَ بهَا عِبادَه وأَوْصَى خَواصّه بذلك؛ لِكمال حِكْمَته، ورحمته، فلمّا أَوْصَى بهذه الخَصْلة جميعَ الأَوْلين والآخِرين [من] عِبادِه واقتصر عليها عَلِمْنا أَنَّها الغايةُ التى لا مُتجاوَزَ عنها، وأَنَّه عزَّ وجلّ قد جمع كُلَّ مَحْضِ نُصْح، ودَلالة، وإِرشادِ، وتأَدِيبٍ، وتعليم، وتَهْذيب فى هذه الوصيّة الواحدة كما يَلِيقُ بحِكْمَته ورحمته، فهى الخَصْلة الجامِعةُ لخير الدُّنيا والآخرة، الكافِيَة لجميع المهمات، المُبْلِغَة إِلى أَعلَى الدّرجات. وهذا أَصلٌ لا مَزيدَ عليه، وفيه كِفايَةٌ لمن أَبصرَ النُّورَ واهْتَدَى، وعَمِلَ واستَغْنَى، والله وَلِىُّ الهِداية والتَّوْفيق. ولقد أَحسن القائل: مَنْ عَرَفَ الله فلم تُغْنهِ ... مَعْرِفَةُ اللهِ فَذاك الشَّقِى ما يَصْنَعُ العَبْدُ بِعِزّ الغِنَى ... والعِزُّ كُلُّ العزِّ للمُتَّقِى رَوَى الثَّعلبىّ بسَنَده عن ابنِ عبّاس رضى الله عنهما قال: "قَرَأَ

النبىُّ صَلَّى الله عليه وسلَّم {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} قال: مَخْرجاً من مهمّات الدُّنيا، ومن غَمرات المَوْت، ومن شدائد يوم القيامة". وقال الحسنُ بن الفَضْل: ومَنْ يَتَّقِ اللهَ فى أَداءِ الفَرائض يجعلْ له مخرجاً من العُقوبة، ويَرْزُقه الثَّواب من حيثُ لا يحتسب. وقال عَمْرُو بن عثمان الصوفىّ: ومَنْ يَقِفْ عند حدوده ويجتنب مَعاصِيَه يُخْرِجه من الحَرام إِلى الحَلال، ومن الضِّيق إِلى السَّعَة، ومن النَّارِ إِلى الجَنَّة. وقال أَبو سعيد الخَرّاز: ومَنْ يَتَبرّأ من حَوْله وقُوَّته بالرّجوع إِليه يجعلْ له مخرجاً ممّا كلَّفه بالمَعُونة له. وقيل: ومَنْ يَتَّق الله فى الرِّزق وغيره بقَطْع العلائق، يَجْعَلُ له مَخْرجاً بالكِفاية، ويرزقْه من حيثُ لا يحتسب. ورَوَى الثَّعْلَبىّ مُسْنِداً عن أَبى الدّرداءِ، قال النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "إِنِّى لأَعْلَم آيةً لَوْ أَخَذ الناسُ بها لكَفَتهمْ: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} فما زال يقولُها ويُعيدُها. وقال عِكْرِمة والشَّعبىّ والضَّحَّاك: من يُطَلِّق [طلاق] السُّنَّة يجعلْ له مَخْرجاً إِلى الرّجعة، ويرزقه من حيثُ لا يرجُو ولا يتَوقَّع.

ورُوى عن ابن عَبّاس قال: "جاءَ عوفُ بن مالِكٍ الأَشجعىّ إِلى النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ الله إِنَّ ابْنِى أَسَرَهُ العَدُوُّ وجَزَعَتِ الأُمُّ فما تأْمُرُنى؟ قال: آمُرُك وإِيّاها أن تَسْتَكْثِرا من قَوْلِ: لا حَوْل ولا قُوَّة إِلاَّ بالله. فانصرف إليها فقالت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، قالت: نِعْمَ ما أَمَرَك به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فجعلا يقولان ذلك، فغَفَل العدوُّ فاستاق غَنَمَهم، فجاءَ به إِلى أَبيه وهى أَربعةُ آلاف شاةٍ {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} وقال/ مُقاتل: أَصابَ غَنَماً ومَتاعاً فرجع إِلى أَبيه، فانْطَلَق أَبُوه فأَخَبر النبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بخبره، فسأَله أَن يُحِلَّ له أَنْ يأْكل ممّا أَتاه ابنُه. فقال له النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: نَعَمْ: فأَنْزَل الله عزَّ وجلّ هذه الآية.

بصيرة فى وكد ووكر

بصيرة فى وكد ووكر وَكَدَ بالمَكان يَكِدُ وُكُوداً: أَقام به. وقولُهم: وَكَدَ وَكْدَهُ، أَى قَصَد قَصْدَه. والوَكائد: السُّيور التى يُشَدُّ بها القَرَبُوس إِلى دَفَّتَى السَّرْج، الواحدُ وِكادٌ وإِكادٌ. قال ابن عَبَّاد: الوُكْدُ بالضم: الجُهْدُ والسّعى، يقال كان وُكْدِى من الأَمرِ ما فعلته، أَى كان جهدى. والتَّواكِيدُ والتَّآكيد، والمَياكِيد: الوكائد. والتَّوْكيد والتَّأكِيد واحد، وبالواو أَفصح، قال الله تعالى: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} . والتَّوْكيد دخل فى الكلام على وجهين: تكريرٌ صريح، وغير صريح، نحو قولك: رأَيتُ زيداً زيداً، وغير الصّريح نحو قولك: فَعَلَ زيدٌ نفسُهُ وعَيْنُه، والقَوْمُ أَنْفُسُهم وأَعْيانُهم. والرَّجُلان كِلاهُما والمرأَتان كِلْتاهُما، والرِّجال أَجْمَعُون، والنساءُ جُمَع. وجَدْوَى التوكيد أَنَّك إِذا كرّرت فقد قَرَّرت المؤكَّد، وما عَلِقَ به فى نفس السّامع ومَكَّنْتَه فى قلبه، وأَمَطْت شبهَةً رُبَّما خالَجَتْه، أَوْ تَوَهَّمتَ غفلةً وذَهاباً عما أَنت بصَدَدِه فأَزَلْتَه.

الوَكْزُ: الدَفْعُ، والطَّعْنُ، والضَّرْبُ بِجُمع الكَفّ، يقال: وَكَزَهُ يَكِزُه وَكْزاً. قال الزَّجّاج فى قوله تعالى: {فَوَكَزَهُ موسى} : أَى ضربه بِجُمْع كفِّه، وقد قيل: ضَرَبَه بالعَصا، يقال: وَكَزَه بالعَصا أَى ضَرَبَه بها. وقِرْبَةٌ مُوْكُوَزَةٌ أَى مَمْلُوءَة، وقد وَكَزْتُها وَكْزاً. وتَوَكَّزَ لكَذا وَتَوفَّزَ وتَوَشَّزَ، أَى تَهَيَّأَ له وتَوَكَّزَ على عَصاهُ، أَى تَوكَّأَ.

بصيرة فى وكل

بصيرة فى وكل التَّوْكِيل: أَن تَعْتَمِدَ غَيْرَك وتَجْعَله نائباً عنك. والوَكِيلُ: فعيلٌ بمعنى مفعول، وقوله تعالى: {وكفى بالله وَكِيلاً} أَى اكْتَفِ به أَنْ يَتَوكَّل أَمْرَك ويَتَوكَّل لك، وعلى هذا حَسْبُنا الله ونِعْمَ الوَكيل. وقوله: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} أَى بمُوَكِّلٍ عليهم وحافِظَ لهم، كقوله: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} . وقوله: {أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} : أَى مَنْ يَتَوَّكَل عنهم. قال الله تعالى: {وَعَلَى الله فتوكلوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ، وقال: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} ، وقال: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ} ، وقال: عن أَوليائه: {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المصير} ، وقال: {قُلْ هُوَ الرحمان آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} ، وقال لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم: {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} ، وقال: {وَتَوَكَّلْ على الله وكفى بالله وَكِيلاً} ، وقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} ، وقال: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} وقال عن أَنبيائه ورسله: {وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا

سُبُلَنَا} ، وقال عن أَصحاب نبيّه: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل} وقال: {الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} . وفى الصّحيحين حديث السبعين أَلْفا الذين يدخلون الجنَّة بغير حساب: "هُم الَّذين لا يَسْتَرْقُون ولا يَتَطَيَّروُن وعَلَى رَبِّهِم يَتَوكَّلُون". وعن الترمذى يرفعه: "لوْ أَنَّكم تَتَوَكَّلُون عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُم كما يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِماصاً وتَرُوح بِطاناً". ثمّ التَّوَكُّل نِصْف الإِيمان، والنِّصف الثانِى الإِنابَة، فالتَّوَكُّلُ هو الاستِعانَةُ، والإِنابَةُ هو العِبادة. (فصل) مَنْزِلة التوكُّلِ من أَوسع المَنازِل وأَجَلِّها وأَجمعها، ولا تَزال معمورة بالنازلين، فلنذكر معنى التوكلّ ودرجاته. قال الإِمام أَحمد رحمه الله: التوكُّل عملُ القَلْب، ومعنى ذلك أَنَّه عملٌ قلبىّ ليس للجوارح فيه مَدْخَل، وهو من باب الإِدراكات والعُلوم. ومن الناس من يجعلُه من باب المعارِف فيقول: هو علْمُ القَلْب بِكفاية

الربِّ عنده. ومنهم من يفسّره بسُكون حركة القَلْب فيقول: التَّوكُّل هو انْطِراح القَلْب بين يَدَىِ الله، كانْطِراح الميّت بين يدى الغاسِل يُقَلِّبه كيف يشاءُ، أَو تَرْكُ الاختيار والاسترسالُ مع مجارِى الأَقدار. قال سَهْلٌ: التوكُّل: الاسترسالُ مع الله على ما يريد. ومنهم من يُفَسِّرهُ بالرِّضَا، سئل يَحْيَى بنُ مُعاذٍ، مَتَى يكون الرّجلُ مُتَوَكِّلاً؟ قال: إِذا رَضِىَ بالله وَكِيلاً. ومنهم من يفسّره بالثقة بالله والطُّمأْنينة إِليه. وقال ابنُ عَطاء: التوكُّل: أَن لا يَظْهَرَ فيكَ انزِعاجٌ إِلى الأَسباب مع شدّة فاقَتِك إِليها. وقال ذُو النُّون: هو تَرْك تدبير النَّفْسِ، والانْخِلاعُ من الحَوْل والقُوَّة. وإِنَّما يقوِّى العقد على التوكُّل إِذا عَلِم أَنَّ الحقَّ سبحانه يعلم ويَرَى ما هو فيه. وقيل: التَّوكُّل: التَّعَلُّق بالله فى كلَّ حال. وقيل: التوكُّل: أَن تَرِدَ عليك مَوارِدُ الفاقاتِ فلا تَسْمُو إِلاَّ إِلى من له الكِفايات. وقيل نَفْى الشُّكوك والتَّفْوِيض إِلى مالِك المُلُوك. وقال ذُو النُّون: خَلْعُ الأَرْباب، وقَطْعُ الأَسباب، يريد قَطْعَها من تعلُّقِ القلب بها لا من مُلابَسةِ الجوارح لها. ومنهم من جعله مُرَكباً من أَمرين، قال أَبو سَعِيد الخرّاز: التَّوكُّل. اضطِرابٌ بلا سُكُون، وسُكُونٌ بلا اضْطراب. وقال أَبو تُرابٍ النخشبى

هو طَرْح البَدَن فى العُبوديّة، وتعلُّق القَلْب بالرُّبُوبيّة، والطمأْنينة إِلى الكفاية، فإِنْ أُعْطِىَ شَكَر، وإِنْ مُنِعَ صَبَرْ، فجعله مُرَكَّبا من خمسة أُمورٍ: القِيامُ بحركات العُبوديّةِ، وتعلُّق القَلْب بتدبير الربِّ، وسُكونٌ إِلى قضائه وقدَرِه، وطُمأْنينةٌ بكفايته، وشكرٌ إِذا أُعْطِى، وصَبْرٌ إِذا مُنع. وقال أَبو يعقوب النهرجورىّ: التوكُّل على الله تعالى بكمال الحقيقة وَقَع لإِبراهيمَ الخليل، فى الوقت الذى قال لجبريل عليه السلام: "أَمّا إِلَيْكَ فَلاَ". وأَجمع القومُ على أَنَّ التوكُّل لا يُنافِى القيام بالأَسباب، بل لا يصحّ التوكُّل إِلا مع القيام بها، وإِلاَّ فهو بَطالَةٌ، وتَوكُّلٌ فاسد. قال سَهْل: من طَعَن فى الحركة فقد طَعَن فى السُنَّة، ومن طَعَن فى التَّوكُّل فقد طعن فى الإِيمان. فالتوكُّل حالُ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والكَسْب سُنَّتُه، فمن عَمِلَ على حالِه فلا يتركنَّ سُنَّتَه، وسُئِل سهلٌ عن التَّوكل فقال: قلبٌ عاش مع اللهِ بلا عَلاقَة. وقيل: التوكُّل: قَطْعُ العلائق ومُواصَلَة الحَقائق. وقيل: هو أَنْ يستوى عندك الإِكثار والإِقْلال، وهذا من مُوجِباتِه وآثارِه لا أَنه حقيقته. وقيل: هو ترك كلِّ سَبَبٍ يوصل إِلى سَبَبٍ حتَّى يكون الحقُّ تعالَى هو المتولِّى لذلك. وهذا صحيحٌ من وَجْهٍ باطِلٌ من وجه، فَترْك الأَسباب/ المأْمور بها قادِحٌ فى التوكُّل، وقد تولَّى الحقُّ إِيصالَ العبدِ بها، وأَمّا تَرْكُ الأَسباب المُباحة فإِنََّ تَرْكَها لما

أَرجح منها مَصْلَحةً فممدوحٌ، وإِلاَّ فمذمومٌ. وقيل: هو إِلقاء [النَّفس فى] العبودية وإِخراجها من الرُّبوبيّة. وقيل هو التسليم لأَمر الربّ وقضائه. وقيل: التَّفْوِيضُ إِليه فى كلّ حال. وقيل: التوكّل بِدايةٌ، والتَّسْلِيمُ وَساطَةٌ، والتفويض نِهاية. قال أَبو عَلِىّ الدّقَّاق. التوكُّل ثلاث درجات: التوكُّل، ثم التَّسْليم، ثمّ التَّفْويض، فالمتوكِّل يسكن إِلى وَعْدِه، وصاحبُ التسليم يكتفى بِعلْمه، وصاحب التَّفويضِ يَرْضَى بحُكْمه. فالتَوَكُّل صفةُ المؤمنين، والتَّسْلِيم صفةُ الأَولياءِ، والتَّفْويضِ صفة المُوَحِّدين. التَوَكُّل صفةُ الأَنبياءِ، والتَسْلِيمُ صفةُ إِبراهِيمَ الخليل، والتَّفْويضِ صفة نبيّنا صلَّى الله عليه وسلَّم. وحقيقة الأَمرِ أَنَّ التوكُّل حالٌ مركَّبة من مجموع أُمورِ لا يتمُّ حقيقةُ التوكُّل إِلاَّ بها، وكُلٌّ أَشَارَ إِلى واحد من هذه الأُمور أَو اثنين أَو أَكثر، فأَوّل ذلك معرفةُ الربِّ تعالَى وصفاتِه من: قُدْرَته، وكفايَتِه، وقَيُّومِيَّته؛ وانتهاءِ الأُمور إِلى عِلْمه وصُدورها عن مشِيئته وقدرته، وهذه المعرفة أَوّل درجة يضع بها العبد قَدَمه فى مقام التوكُّل. الدّرجة الثانية: إِثبات الأسباب والمُسبَّبات، فكلّ من نفاها فتوكُّله مدخولٌ؛ وهذا عكس ما يظهر فى بادئ (الرأى) أَن إِثبات

الأَسباب يقدح فى التوكُّل، وأَنَّ نَفْيَها تمامُ التوكُّل، فاعلم أَنَّ إِثبات الأَسباب فى [حصول المُتَوَكَّل به لا يناقض التوكل] فهو كالدُّعاءِ الذى جعلَه الله سَبَباً فى حصول المدعُوِّ به، فإِذا اعتقد العبدُ أَنَّ التوكُّل لم يَنْصِبْه الله سبباً ولا جعلَ دَعاءَه سبباً لنَيْل شيءٍ، لأَنَّ المتوكَّل فيه المدعُوَّ بحُصوله إن كان قُدِّر فَسَيْحْصُل، تَوَكَّل أَوْ لم يَتَوكَّلْ، دعا أَو لم يدْعُ، وإِنْ لم يُقَدَّر فلن يحصل، توكَّل أَيضاً أَو ترك التوكُّل [فهذا العبد مراغم لحكمة الله جاهل بسنته] [وقد] صرّح هؤلاءِ أَنَّ التوكُّلِ والدّعاءَ عُبُوديّةٌ محضة، لا فائدة فيه إِلاَّ ذلك، ولو ترك العبد التوكُّلَ والدعاءَ لَمَا فاته شيءٌ ممّا قُدِّر له، [بل] مِنْ غلاتهم مَنْ يجعلِ الدُّعاءَ بعدم المؤاخذة على الخطإِ والنِّسيان عدِيمَ الفائدة إِذ هو مضمون الحصول، حتى قال بعضهم فى تصنيف له: لا يجوز الدُّعاءُ بهذا وإِنَّما يجوز تلاوة لا دعاء، قال: لأَنَّ الدّعاء يتضمّن الشَّكَّ فى حُصُوله ووُقوعِه، لأَنَّ الدّاعِىَ بين الخوف والرّجاء، والشكُّ فى وقوع ذلك شكٌّ فى خبر الله. فانظروا إِلى ما أَفاد إِنكار الأَسْباب من العظائم وتحريم الدّعاءِ بما أَثْنَى الله به على عِباده وأَوليائه بالدُّعاءِ به وبطلبه. ولم يزل المسلمون من عند نبيّهم وإِلى الآن يدعون به فى مَقامات الدُّعاءِ، وهو من أَفضل الدَّعوات.

هو وجوابُ هذا الوَهْم الباطل هو أَن يقال: بَقِىَ قسمٌ آخر غير ما ذكرتم من القسمين، هو أَن يكون قَضَى بحصول الشىء عند حصول سَبَبه من التوكُّل والدّعاءِ، فنصب الدّعاءُ والتوكُّل سببين لحُصول المطلوب، وقضى بحصوله إِذا فعل العبدُ سَببه، فإِذا لم يأْتِ بالسبب امْتَنَع المسبَّب، وهذا كما إِذا قضَى بحُصول الولدِ إِذا جامع الرّجلُ من يحبلها فإِذا لم يُجامع لم يَحْصُل الولدُ. وقَضَى بحصول الشِبَع والرِىّ إِذا أَكَل/ وشرب، فإِذا لم يفعل لم يَشْبَعْ ولم يَرْوَ. وقَضَى بحصول الحجِّ والوصول إِلى مكَّة إِذا سافر وركبَ الطَّريقَ، فإِذا جلس فى بيته لا يصل إِلى مكَّة أَبداً. وقضى بدخول الجنَّة إِذا أَسْلَم وأَتَى بالأَعمال الصّالحة، فإِذا لم يُسْلمْ مادخلها أَبداً. فوزان ما قاله منكرو الأَسباب أَن يترك كلٌّ من هؤلاءِ السببَ المُوصِّل ويقول: إِن كان قُضِى لى وسبق لى فى الأَزل حُصول الوَلَدِ والشِّبَع والرِىّ والحَجِّ ونحوِه فلابّد أَن يصل إِلَّى، تحرّكتُ أَو لم أَتحرّكْ، تزوّجتُ أَو تركتُ، سافرتُ أَو تركتُ، وإِن لم يكن قُضِىَ لى لم يحصُل لى أَيضاً، فعلتُ أَو تركتُ، فهل يَعُدُّ أَحدٌ هذا القائلَ من جملة العُقلاءِ؟ وهل البهائم إِلاَّ أَفْهَم منه، فإِنَّ البهيمة تَسْعَى فى السّبب. فالتوكُّل من أَعْظم الأَسباب الَّتى يحصل بها المقصود ويندفع بها المكروه. فمن أنكر الأَسباب لم يستقم منه التَّوكُّل، (ولكن من تمام التوكُّل عدم الرُّكُونِ (إِلى) الأَسباب وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال

قلبه قيامه بالله لابها، فلا تقوم عبوديّة الأَسباب إِلاَّ على ساقِ التوكُّل، ولا تقوم ساقُ التوكُّل إِلى على قَدَمِ العُبودية. الدّرجة الثَّالثة: رُسوخُ القلبِ فى مقام التَّوحيد؛ فإِنَّه لا يستقيم توكُّل العبدِ حتى يصحَّ له توحيدُه، بل حقيقة التوكُّل توحيدُ القلب، فما دامت فيه علائقُ الشِّرْك فتوكُّله معلولٌ مدخول، وعلى قدر تجريد التوحيد يكونُ صحة التَّوكُّل، فإِنَّ العبد متى التفت إِلى غير الله أَخذ ذلك الالتفاتُ شُعْبةً من شُعَب قلبِه فنقص من توكُّله على الله بقدر ذهاب تلك الشُّعْبة. الدّرجة الرابعة: اعتماد القلب على الله واستناده إِليه بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأَسباب ولا سكون إليها، بل يخلع السكونَ إِليها من قلبه ويَلْبَسُ السّكون إِلى مسبّبها. الدّرجة الخامسة: حسن الظَّنّ بالله تعالى، فعلى قَدْرِ حسنِ ظنَّك به ورجائك له يكون توكُّلك عليه. الدّرجة السّادسة: استسلامُ القلب له وانحداثُ دواعِيه كلِّها إِليه، وقطعُ منازعاته، وبهذا فسّره من قال: أَنْ يكون كالميّت بين يدى الغاسِل. الدّرجة السّابعة: التفويضُ، وهو رُوح التوكُّل وحقيقتُه ولُبُّه، وهو إِلقاء أُمورِه كلِّها إِلى الله تعالى، وإِنزالُها به رَغَباً واختياراً لاكَرْها واضطرارا، بل كتفويض الابنِ العاجز الضعيف المغلوب أُمورَه إِلى

أَبيه [و] الغُلامِ بشَفَقَته عليه ورحمته، وتَمام كِفايَته وحُسْنِ وِلايَتهِ له، فإِذا وضع قَدَمَه فى هذه الدّرجة انتقل منها إِلى درجة الرضا، وهى ثمرةُ التوكُّل. ومن فسّر التوكُّل بها فإِنَّما فسّره بأَحَد ثَمَراته وأَعظم فوائده، فإِنه إِذا توكَّل حقّ التوكُّل رضى بما يفعله وكيله. والمقدور يكتنفه أَمران: التَوَكُّل قَبْلَه، والرِّضا بعده، فمن توكَّل على الله قَبْلَ الفِعْل، ورَضِىَ قَضَى له بعد الفِعْل فقد قام بالعبوديّة. واعلم أَنَّ التوكُّل من أَعمّ المقامات تعلُّقا بالأَسماءِ الحسنى، فإِنّ له تعلُّقا خاصّاً بعامَّة أَسماءِ الأَفعال، وأَسماءِ الصّفات، فله تعلُّق باسمه الغفَّار، والتَّواب، والغَفُور، والرَّحيم، وتعلّق باسمه الفَتَّاح، والوهَّاب، والرزَّاق، والمُعْطِى؛ وتعلّق باسمه المُعزِّ والمُذِلّ، والخافض والرَّافع، والمانع من جهة توكُّله عليه فى إِذلال أَعداءِ دينه ومنعهم أَسباب النصر وخفضهم؛ وتعلُّق بأَسماءِ القُدْرة والإِرادة، وله تعلُّق عام بجميع الأَسماءِ الحسنى، ولهذا فسّره من فسّره من الأَئمة بأَنَّه من المعرفة بالله، وإِنما أراد أَنَّه بحسب معرفةِ العبد يصحّ له مقام التَّوكُّل، فكلَّما كان بالله أَعرف كان توكُّله عليه أَقْوَى. وكثير من المتوكِّلين يكون مغبوناً فى توكُّله، وقد توكَّل حقيقة التوكُّل وهو مغبون، كمن صرف توكُّله إِلى حاجة جزئية استفرغ فيها قوّةَ توكُّله ويمكنه فعلها بأَيسر شىءٍ، وتفريغُ قلبه للتوكُّل فى زيادة الإِيمان والعلم ونُصْرة الدّين والتأْثير فى العالم خيراً، فهذا توكُّل العاجز القاصر الهمَّة؛ كما يصرف بعضهم توكُّله ودُعاءَه

إِلى وَجَع يمكنُ مُداواتُه بأَيسر شىء، أَو جوع يمكن زوالُه بنصف درهم، ويَدَعُ صَرْفَه إِلى نُصرة الدِّين وقَمْع المبتدعين ومصالح المسلمين. وقال الشيخ أَبو إِسماعيل عبد الله الأَنصارىّ: هو على ثلاث درجات: الأُولى: التوكُّلُ مع الطَلَب، ومعاطاة السَّبَب على نيّة شغل النَّفس، ونَفْع الخَلْق وترك الدَّعْوى. الثَّانية: التوكُّل مع إِسقاط الطَلَب وغَضِّ العين عن السَّبَب اجتهاداً فى تصحيح التوكُّل وقمع تشرّف النفس، وتفرّغا إِلى حفظ الواجبات. الثالثة: التوكُّل النازع إِلى الخَلاص من عِلَّة التوكُّل، وهو أَن تعلم أَنَّ ملْكيَّة الحقِّ عزَّ وجلَّ للأَشياءِ مِلْكيَّة عِزَّة لا يشاركه فيها مُشارك، فيَكل شركته إِليه، فإِنَّ من ضرورة العُبودِيَّة أَنْ يعلم العبد أَنَّه تعالى هو مالك الأَشياءِ كلِّها وَحْدَه. قال بعض السالكين: رُؤيَةُ السّالِك التَّوَكُّلَ ضَعْفٌ ... وخلاصُ الفُؤاد منه اسْتِقامَهْ هو بابٌ للمبتدئ، وطريق ... للمنتهى، والوقوف عنه ندامه

بصيرة فى وكأ وولج

بصيرة فى وكأ وولج رَجُلٌ تُكَأَةٌ مثال تُؤدَة، أَى كثير الاتِّكاءِ، وأَصلُها وَكَأَةٌ. والتُّكأَة أَيضاً: ما يُتَّكَأَ عليه، وهى المُتَّكَأُ، قال الله تعالى: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً} ، قال الأَخفش: هو فى معنى مَجْلِس. وطَعَنَه حَتَّى أَتْكَأَهُ على أَفْعَلَهُ، أَى أَلْقاه على هَيْئَة المُتَّكِئ. وأَؤكَأْتُ فُلاناً إِيكاءً: إِذا نصَبْتَ له مُتَّكَأً. وفى نوادر أَبى عُبَيْدة: أَوْكَأْتُ عَلَيه، وتَوَكَّأْتُ عليه، بمعنىً واحد، قال الله تعالى: {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} . وتَوَكَّأَتِ الناقةُ، وهو تَصَلُّقُها عند مَخاضِها، أَى أَنِينُها عند الوِلادة. الوُلُوج: الدُّخولُ فى مَضِيقٍ وغيره، قال تعالى: {حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط} . ووَلَجَ فى البيت وتَوَلَّجَ. وأَمرأَةٌ خَرّاجَةٌ ولاَّجَةٌ. وَدَخَلُوا الوَلَجَ والوَلَجَة، وهو ما كان من كَهْف أَو غار يُلْجَأُ إِليه. والْتَجؤُوا إِلى الوَلَجَاتِ والأَوْلاجِ. وأَوْلَجَهُ: أَدْخَلَه، قال الله تعالى: {يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل} أَى يُدْخل الليلَ فى النَّهارِ حتى يكُون النهارُ خَمْسَ عَشَرَة ساعةً، ويولج النَّهارَ فى اللَّيْل حتَّى يكونَ اللَّيْلُ خَمْسَ عَشَرةَ ساعة، والنَّهارُ تسع

ساعاتِ، فما نَقَص من أَحدهما زاد فى الآخَرِ/، وفيه تَنْبِيهٌ على ما رَكَّب الله عليه العالَمَ من زِيادة اللَّيلِ فى النَّهارِ وزيادةِ النَّهار فى اللَّيلِ، وذلك بحسب مَطالع الشمس ومغارِبها. والوَلِيجَةُ: كلّ ما يَتَّخِذه الإِنسان مُعْتَمَداً، وليس من قولهم: فلانٌ وَليجَةٌ فى القوم: إِذا دَخَل فيهم وليس منهم، إِنساناً كان أَوغيره، قال الله تعالى: {وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ المؤمنين وَلِيجَةً} ، وذلك مثلُ قوله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ} . ورجلٌ خُرَجَةٌ وُلَجَة - كهُمَزَة -: كثير الخُروج والوُلُوج.

بصيرة فى ولد

بصيرة فى ولد الوَلَدُ يكون واحِداً وجمعاً، وكذلك الوُلْدُ بالضمّ كالعَرَب والعُرْب، والعَجَم والعُجم. ومن أَمثال بنى أَسَد: "وُلْدُكَ من دَمَّى عَقِبَيْكْ". ويقال ما أَدرى أَىُّ وَلَدِ الرَّجُل هو، أَى أَىَّ الناسِ هو. وقوله تعالى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} ، يعنى آدَم صلواتُ الله عليه، وما وَلَد من صِدِّيق ونَبِىٍّ وشَهِيد ومُؤمنٍ. والوَلِيدُ: الصّبِىُّ. وفى دعاءِ النبىّ صلى الله عليه وسلم: "اللهمّ واقِيَةً كواقِية الوَلِيد" لأَنَه لا يعلم المعاطب وهو يتعرض لها، ثم يحفظه الله تعالى، أَو لأَنَّ القَلَم مرفوع عنه فهو محفوظٌ من الآثام. والوَلِيدُ أَيضاً: العَبْدُ، والجمع وِلْدَانٌ وَوِلْدَةٌ. ويُجمع الوَلُد على أَولادٍ ووِلْدان، قال الله تعالى: {أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} وقال تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ} فجعل كُلَّهم فتنةً وبعضَهم عَدُوّاً. وقال تعالى: {أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} . ويقال للمُتَبَنَّى أَيضاً ولدٌ، قال تعالى: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} . ويطلق الولد على الابْن والابْنَة. والوالِدُ: الأَبُ، وهى والدةٌ وهُما الوالِدان. وقد وَلَدَ وِلادَا ووِلادَةً ولدَةً ومَوْلداً.

والمَوْلِد أَيضاً والمِيلادُ: وقتُ الوِلادَة، والمَوْلد أَيضاً: الموضعُ الَّذى فيه المَوْلُود، قال تعالى: {والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ} . وفعل ذلك فى وَلُودِيَّتِه ووُلُودِيَّته، أَى فى صِغَره. ورجلٌ فيه وُلُودِيّة، أَى جَفاءٌ وقِلَّة رِفْق وعلم بالأُمور. والمُوَلِّدة: القابِلَة. وجاءَنا ببيّنة مُوَلَّدَة، أَى ليست بمحقَّقَة. وكتابٌ مُوَلَّدٌ. مُفْتَعَلٌ. وممّا حَرَّفَتْه النَّصارَى فى الإِنجيل: يقول الله تعالى يا عيسى أَنت نَبِيِّى وأَنا وَلَّدْتك، أَى رَبَّيْتك، فقال النَّصارى: أَنت بُنَيِّى وأَنا وَلَدْتُك، تعالى الله عمّا يقول الظَّالمون عُلُوّاً كبيراً. وقال ابن الأَعرابىّ فى قول الشاعر: إِذا ماوَلَّدُوا شاةً تَنادَوْا ... أَجَدْىٌ تحت شاتِكَ أَمْ غُلامُ رماهم بأَنَّهم يأْتُون البهائم. وتَوالَدُوا: كَثُرُوا ووَلَد بعضهم بعضاً. والوَليدُ يقال لمن قَرُبَ عهدُه بالوِلادة، وإِنْ صَحَّ فى الأَصل لمَنْ قَرُب عهده أَو بَعْد. والوَليدَة مختصّةٌ بالإِماءِ فى عامّة كلامهم. وتولُّدُ الشىء من الشىء: حُصوله منه بسبب من الأَسباب.

بصيرة فى ولق وولى

بصيرة فى ولق وولى الوَلْقُ: الإِسراعُ، يقال: جاءَت الإِبِلُ تَلِقُ، أَى تُسْرِع، قال القُلاخ ابن حَزْن: جاءَتْ به عَنْسٌ من الشامِ تَلِقْ والوَلْقُ أَيضاً: أَخفُّ الطَعْنِ، وقد وَلَقَهُ وَلْقاً، يُقال: وَلَقْتُه بالسَّيْف وَلَقات، أَى ضربات. والوَلْقُ أَيضاً: الاستمرارُ فى السّير وفى الكَذِب، ومنه قراءَةُ عائشة رضى الله عنها، ويَحْيَى بن يَعْمُر وعُبَيْد بن عُمَيْر، وزيد بنِ علىّ، وأَبى مَعْمَر: {إِذْ تَلِقُونَه بأَلْسِنَتِكم} / وناقةٌ وَلَقَى: سريعةٌ. والأَوْلَقُ: شِبْهُ الجُنون. قال: لَعَمْرُكَ بِى مِنْ حُبِّ أَسْماءَ أَوْلَقُ وَلِيَهُ وَلْياً: دَنَا منه، وأَوْلَيْتُه أَنا: أَدْنَيْتُه. وكُلْ ممَّا يَلِيكَ: ممَّا يَقْرُبُكَ. وسَقَطَ الوَلِىُّ، وهو المَطَر الذى يَلِى الوَسْمِىَّ. وقد وُلِيَتِ الأَرضُ وهى مَوْلِيَّةٌ. ووَلِىَ الأَمرَ وتَوَلاَّه. وهو وَلِيُّه ومَوْلاهُ، وهو وُلِىُّ اليَتِيم وأَوْلياؤُهُ. ووَلِىَ وِلايَةً. وهو وَالِى البَلَدِ، وهم وُلاتُهُ.

والوَلاءُ والتَّوالِى؛ أَنْ يَحْصُل شيئان فصاعداً حُصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويُستعار ذلك للقُرْب من حيثُ المكانُ، ومن حيثُ النِّسبةُ، ومن حيثُ الدِّينُ، ومن حيثُ الصّداقةُ والنُّصْرةُ والاعتقادُ. والوِلايَةُ: النُّصْرَةُ. والوَلُّىِ والمَوْلَى يُستعملان فى كلّ ذلك، وكلّ واحِدٍ منهما يُقال فى معنى الفاعِل أَى المُوالِى، وفى معنى المفعول أَى المُوالَى. ويُقال للمُؤمِن وَلِىُّ الله ولا يُقالُ مَوْلاهُ ويُقال: اللهُ وَلِىُّ المُؤمِنِ ومَوْلاهُ. فمن الأَوَّل: {الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ} وقوله: {نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير} ، ومن الثانى: {قُلْ ياأيها الذين هادوا إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ الناس فَتَمَنَّوُاْ الموت} وقوله: {ثُمَّ ردوا إلى الله مَوْلاَهُمُ الحق} . والوَالِى: المَوْلَى فى قوله: {وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} . ونَفَى الله الوِلايَةَ بين المؤمنين والكافرين فى غير آية: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} وجعل بين الكافرين والشَّياطين مُولاةً فى الدنيا ونَفَى عنهم المُوالاة فى الآخِرة، قال تعالى فى المُوالاة بينهم فى الدنيا: {إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} ، وكما جعل بينهم وبين الشَّيطان مُوالاةً جعل للشَّيْطان عليهم فى الدّنيا سلطاناً فقال: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ}

ونَفَى المُولاة فى الآخرة، فقال فى مُوالاة الكُفَّارِ بعضِهم بعضاً {يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً} . قالوا: تَوَلَّى إِذا عُدِّىَ بنفسه اقتضَى معنَى الوِلاية وحُصُولَه فى أقرب المَواضع، يُقال: وَلَّيْتُ سَمْعى كذا، ووَلَّيْتُ عَيْنِى كذا، أَى أَقبلت به عليه، قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} ؛ وإِذا عُدِّىَ بِعَنْ لَفْظاً أَو تقديراً اقْتَضَى معنى الإِعْراض وتَرْك قُرْبه، فمن الأَوّل قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ومن الثَّانى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بالمفسدين} . والتَوَلِّى قد يكون بالجسْم، وقد يكون بتَرْك الإِصْغاءِ والائتمار، قال تعالى: {وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} أَى لا تفعلُوا ما فعل المَوْصُوفون بقوله: {واستغشوا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ} ، ولا تَرْتَسِمُوا قولَ من حُكِىَ عنهم {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهاذا القرآن والغوا فِيهِ} . وقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي} قيل: أَبْناءُ العَمِّ، وقيلَ: مَواليه من أُمَّته. ويُقال: وَلاَّه دُبُرَه: إِذا انْهَزَمِ، قال تعالى: {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} . وقوله تعالى: {هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} ، أَى ابْناً يكون من أَوليائكَ. وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل} فيه نَفْىُ الوَلِىّ بقوله من الذُّلِّ

إِذْ كان صالِحُوا عِبادِهِ هُمْ أَوْلِياءُ الله كما تقدّم، لكن مُوالاتُهم لِيَسْتَوْلِىَ هو تعالىَ بهم. والمَوْلَى/: المُعْتِقُ، والمالِكُ، والعَبْدُ، والصّاحِبُ، والناصِر، والقَرِيبُ كابنِ العَمّ ونحوه، والجار، والحليف، والابن، والعَمُّ، والنَّزيلُ، والشَّرِيك، وابنُ الأُخْت، والوَلِىّ، والربّ، والمُنْعِم، والمُنْعَم عليه، والتَّابع، والصِّهر. وفيه مَوْلَوِيَّةٌ أَى يُشْبِه المَوالى. وهو يَتَمَوْلَى: يَتَشَبّه بالسادَة. وتَوَلاَّه: اتَّخَذَه وَلِيّاً. والأَمْرَ: تقلَّده. وإِنَّه لَبَيِّنُ الوَلاءَة والوَلِيِّةِ والتَوَلِّى والوَلاءِ والوَلاية والوِلاية. ووَالَى بين الأَمْرَيْن مُوالاةً ووِلاءً: تابَعَ. وتَوالَى: تَتابَع. وهو أَوْلَى بكذا أَى أَحْرَى وأَخْلَق، قال الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} . وهُمُ الأَوْلَى والأَوْلَوْن، وفى المؤنَّث: الوُلْيَا، والوُلْيَيان، والوُلَى، والوُلْيَيَات. وأَوْلَى لك: تهدّدٌ ووعيدٌ، أَى قارَبَهُ ما يُهْلِكُه، وقيل: معناه: العقابُ أَولَى لَك وبكَ، وقيل: معناه انْزَجرْ.

وَولَّى تَوْلِيَةً: أَدْبَرَ كَتَوَلَّى. والشىءَ وعن الشَّىْءِ: أَعْرَضَ. واسْتَولَى على الأَمرِ: بَلَغ الغايةَ. ودارُه وَلْىُ دارى: قريبةٌ منها. وأَوْلَى على اليتيم: أَوْصَى. وأَوْلِياءُ الله خَواصُّ عِباده، قال تعالى: "أَوْليائى تحت قبائِى، لا يعرفهم غيرى". قال تعالى: "من عادى لى ولياً فقد بارزنى بالمُحاربة". وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِنَّ من عباد الله رجالاً ما هم بأَنبياءَ ولا شهداءَ بل يَغْبِطُهم الأَنبياءُ، والشُّهداءُ لمكانهم من الله. فقال رجل: من هم يا رسول الله؟ قال رجال يتحابّون فى الله من غير أَرْحام بينهم ولا أَموال يتعاطى بعضهم بعضاً، وإِنَّ على وجوههم لنوراً، وإِنهم لعلَى مَنابِرَ من نور، لا يخافون إِذا خافَ الناس: ولا يَحْزَنُون إِذا حزن النَّاس" ثم تَلاَ قوله: {ألا إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} . والوِلايَةُ: السَّلْطَنة، قال: العلم من أَشْرف الوِلايات، يأتِى إِليه الوَرَى ولا يَأتِى. وقيل فى قوله تعالى: {مَأْوَاكُمُ النار هِيَ مَوْلاَكُمْ} أَى أَوْلَى بكم. وقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تعلموا آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدين وَمَوَالِيكُمْ} أَى مُحَرَّروكم.

بصيرة فى وهب

بصيرة فى وهب وهَبْتُ له شيئاً وَهْباً ووَهَباً وهِبَةً، والاسم المَوْهِبُ والمَوْهِبةُ بكسر الهاءِ فيهما، وهو أَن تجْعَلَ ملْكَك لغيرك بغير عِوَض، وقوله: {إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً} نسب المَلَكُ إِلى نفسه [الهِبة] لَمّا كان سَبباً فى إِيصالِه إِليها. وقد قرئ: {لِيَهَبَ لَكَ} بإِسناد الفعل إِلى الله تعالى، وهذا على الحقيقة، والأَوّل على التوسُّع. وتقول: هَبْ زَيْداً مُنْطَلِقاً، أَى احْسِب، يتعدَّى إِلى مفعولَيْن ولا يُستعمل منه ماضٍ ولا مُستَقْبل فى هذا المعنى. ورجلٌ وَهَّابٌ، ووهّابة: كثير الهِبَة لأَموالِه، والهاء للمبالَغة. ووَهَبَنِى الله فِداكَ، أَى جعَلَنى. والمَوْهَبة: بفتح الهاءِ: نُقْرَة فى الجَبَل يَسْتَنْقع فيها الماءُ، قال: ولَفُوك أَشْهَى لو يَحِلُّ لَنَّا ... من ماءِ مَوْهَبَةٍ على شَهْدِ والمَوْهَبَة أَيضاً: السّحابَة. وأَوهبَ له الشىءُ: دام، قال: عَظِيمُ القَفا رِخْوُ المَفاصِل أَوْهَبَتْ ... لَهُ عجوةٌ مَسْمُونةٌ وخَمِيرُ وأَصبح فلانٌ مُوهِباً بكسر الهاءِ أَى مُعِدَّا قادِراً.

والواهِبُ والوهّاب من الأَسماءِ الحُسْنَى. بمعنى أَنَّه يُعْطِى كُلاًّ على قدر استحقاقِه. وقد ذُكرت الهِبَةُ فى عشرة مواضع من التنزيل: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} ، {الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} ، {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي} فى موضعين، {هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} ، {وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ، {لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً} ، {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} ، {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} ، {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} ، {وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي} . والاستِيهابُ سُؤال الهِبة. والاتِّهابُ: قَبُولُها، ومنه قول النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "لقد هَمَمْتُ أَلاَّ أَتَّهِبَ إِلاَّ من قُرَشِىٍّ أَو أَنْصارِىّ أَو ثَقَفىّ"، ومعناه أَنَّ فى أَخلاق أَهلِ البادِية جَفاء وذَهاباً عن المروءَة، وطَلَباً للزِيادة، وأَهل الحَضَر هم أَعرفُ بمكارم الأَخلاق.

بصيرة فى وهج ووهن ووهى

بصيرة فى وهج ووهن ووهى الوَهَجُ: حُصول الضوءِ، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} أَىْ مُضِيئاً مُتَوَقِّداً. وقد وَهِجَت النارُ تَوْهَج، ووَهَجَ يَهِجُ. وتَوَهَّج الجوهر: تَلأْلاَ. الوَهْنُ والوَهَنُ مُحرّكة: الضَّعْف فى العمل، وقيل الضعف من حيثُ الخَلْقُ والخُلُق، وقد وَهَنَ يَهِنُ، كوعَد يَعِدُ، ووَهِنَ يَهِنُ كوَرِثَ يَرِثُ، ووَهِنَ يَوْهَنُ كوَجِلَ يَوْجَلُ قال تعالَى: {رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي} . وقوله تعالى: {وَهْناً على وَهْنٍ} أَى ضعْفاً على ضَعْف، أَى كلّما عَظُم فى بَطْنها زادَها ضَعْفاً. وقال تعالى: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابتغآء القوم} ، وقال: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا} . والوَهْنُ: الرّجل القَصِيرُ الغَلِيظ. والوهْنُ والمَوْهِنُ: نَحْوٌ من نِصْفِ اللَّيل أَو بقدْرِ ساعة منه. ووَهَنَ وأَوْهَنَ: دخل فيه. وأَوْهَنَه ووَهَّنَه: أَضْعَفَه. وهو واهِنٌ ومَوْهُونٌ: لابَطْشَ عنده، وهى واهِنَةٌ، والجمع: وُهْنٌ.

وَهَى يَهِى كوَعَى يَعِى، ووَهِىَ يَهِى كوَلِىَ يَلِى: تَخرَّق وانْشَقَّ واسْتَرْخَى رِباطُه. والسحابُ: انْبَثَق بالمَطَر شديداً. قال الله تعالى: {وانشقت السمآء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} ، ووَهَت عَزالى السّحاب بمائها: انْفَجرت. ووَهَى الرَّجُلُ: حَمُقَ، وَسقَطَ.

بصيرة فى وى وويل

بصيرة فى وى وويل وَىْ كلمة تَعَجُّبٍ، تقول: وَيْكَ، ووَىْ لِزَيْدٍ. وتدخلُ على كأَنْ المخفَّفةِ وعلى كأَنَّ المشدّدة. ووَىْ يُكَنَّى بها عن الوَيْل قال الله تعالى: {وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} وقيل: وَىْ لزَيْد. وقيل: وَيْكَ كان وَيْلَك فَحُذِف منه الَّلامُ. الوَيْلُ: حُلُول الشَرِّ. والوَيْلَةُ: الفَضِيحَة، وقيل: هو تفجيع. ووَيَّلَهُ ووَيَّلَ له: أَكْثَر له من ذِكْر الوَيْلِ. وتَوَيَّل هو: دَعا بالوَيْل لما نَزَل به. وتقول: وَيْلُ الشَّيْطانِ مثلَّثة اللام مضافة، ووَيْلاً [له] ، ووَيْلٌ له، ووَيْل له، منوّنة مثلَّثة. ووَيْلٌ وَئيلٌ ووَئِلٌ مبالغَة. وويلٌ: كلمةُ عذاب؛ ووادٍ فى جهنَّم أو بئر فيها، أَو بابٌ من أَبواب جهنَّم. ومن قال بهذه الأَقوال لم يُرِدْ أَنَّ وَيْلاً فى اللَّغة موضوعٌ لهذا، وإِنما أَراد مَنْ قال الله تعالى ذلك له فقد استَحَقَّ مَقَرّاً فى النَّار،

وثبت له ذلك، قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} ، وقال: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} قال الشاعر: إِذا خانَ الأَميرُ وكاتِباه ... وقاضِى الأَرض دَاهنَ فى القضاءِ فويلٌ ثمّ وَيْلٌ ثم وَيْلٌ ... لقاضِى/ الأَرْضِ مِنْ قاضِى السَّماءِ وقد وردت فى التنزيل على وُجوه: منها لليهود: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هاذا مِنْ عِنْدِ الله} ، ولهم أَيضا لتَبْديل نعت النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: {فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} ، ووَيْلٌ على المعاصِى: {وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} أَى من الذنوب. الرّابع: على أَبى جهل: {أولى لَكَ فأولى * ثُمَّ أولى لَكَ فأولى} . الخامِسُ: لعُقْبَة بن أَبى مُعَيْط: {ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً} . السّادس: للظَّالمين: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} . السّابع: للكفَّار والمشركين: {فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} . الثَّامِنُ: للكاذِبين: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} .

التَّاسع: لمن كَذَّبَ المرسلين: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} وله نظائر فى سورة المرسَلات. العاشر: للمُذْنبين الخَطَّائين: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله} . الحادى عشر: للعَيَّابين والمُغْتابِين: {ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} . الثانى عشر: للغافِلِين فى صلاتِهم. الثالث عشر: لأَصحاب التَّطْفِيف فى الموازين: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} .

الباب الثامن والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الهاء

الباب الثامن والعشرون - فى الكلم المفتتحة بحرف الهاء

بصيرة فى الهاء

بصيرة فى الهاء ويرد على نحوٍ من عشرين وجهاً: 1 - حرفٌ من حُروف الهجاءِ، مَخْرَجُه من أَقصَى الحَلْق من جِوار مخرج الأَلف، يُمَدُّ ويُقْصَر، والنسبة هائىٌّ وهاوِىٌّ وهَوِىٌّ، والفعل منه هَيَّيْتُ هاءً حسنةً. ويجمع على أَهْياءٍ، وأَهْواءٍ، وهاءَات، كَأَدْوَاءٍ وأَحْياءٍ وراءَات. 2 - فى حساب الجُمَّلِ الصّغير اسمٌ لعدد الخمسة. 3 - الهاء الأَصلى ويكون فى [أَوَّل] الكلمة نحو: هَبَط، أَو فى وسطه نحو سَهُل، أَو فى آخره نحو وَجُه. 4 - الهاء المكرّرة ويكون: مخفَّفا نحو: مَهِهَ؛ ومُشَدَّدا نحو: سَهَّل ومَهَّلَ. 5 - الهاء الكافِيَة، نحو طه، وكهيعص، فالطَّاء من طاهر، والهاء من هادِى. 6 - هاءُ التَّذْكير، وتكون للمبالغة، نحو عَلاَّمةِ ونَسّابةِ، {ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض} .

7 - هاءُ التأَنيث، نحو قائمة وقاتمة؛ ويكون: للوَحْدَة نحو حَمامَة وغَمامة، وللجمع: نحو أَبْنِيَة وأَفْنِيَة، ويكون للتَّشْبِيه بالمُؤنَّث كغُرْفَة وظُلْمَة؛ أَو لِلمَرَّةِ، نحو: جَلْسَةٍ وسَجْدة؛ أَو للحالَة والهَيْئَة نحو: قَعْدَة ورِكْبَة؛ أَو للمصدر، نحو: رَحْمةٍ وكَرامَةٍ؛ أَو لِلْعِوَضِ نحو: عِدَة وزِنَةٍ. أَو للمصدر على زِنَةِ فاعِلَة، كقوله: {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً} ، {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله كَاشِفَةٌ} ، {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ} أَو لَغْو، وكَشْف، وخيانَة. 8 - هاءُ الكنايَة، نحو: هُوَ، وهِىَ، قال الله تعالى: {هُوَ الله الخالق} ، وقال تعالى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} ، وقال: {كَلاَّ إِنَّهَا لظى} . 9 - هاءُ العِمادِ: {إِنَّ اللهَ هُو الرّزَّاقُ} ، {إِنْ كانَ هَذا هُوَ الحَقَّ} {إِنَّه هو يُبْدىءُ ويُعِيدُ} .

10 - هاء الأَداة: ويكون للاستِبْعاد، نحو: هَيْهات؛ أَو للاستزادة، نحو: إِيهِ؛ أَو/ للانكفاف نحو إِيهاً، أَى كفَّ؛ أَو للتحْضيض نحو: وَيْهاً؛ أَو للدّعاءِ: نحو {هَآؤُمُ اقرؤا} ؛ أَو للاستدعاءِ، نحو هاتِها؛ أَو للإِعطاءِ نحو: هاكَها، أَو للاستِعْجال، نحو: هَلاً وحَيَّهَلاً؛ أَو للمُسارَعَة نحو هَلُمّ؛ أَو للتوجّع نحو: آهِ وأَوْه؛ أَو للتعجُّب نحو: واهٍ، وهاهٍ؛ أَو للإِشارة إِلى المكان القريب نحو: هُنا وهاهُنا؛ أَو إِلى المكان البعيد نحو هُناكَ وهُنالِك؛ أَو للإِشارة إِلى الشخص الحاضر نحو: هَذا وهَذِه. 11 - الهاءُ الزَّائدة فى الأَوّل نحو: هذا وهَذه؛ وفى الآخر، وهو الَّذى يكون بعلَّة الوَقْف والتَّنفُّس؛ ولا تكون الزَّائدة فى الوسط أَبداً. 12 - الهاءُ المُبْدَلَة من الياءِ، نحو: هَذِه فى هذى، أَو من الهمز نحو: هِيَّاك فى إِيّاك، وهَنَرْتُه وأَنَرْتُه، وهَرَقْتُ الماءَ وأَرَقْتُه، ومُهَيْمِنٌ

ومُؤَيْمِن، أَو من الأَلف نحو إِنَّهْ فى إِنَّا، ولَمَّهْ فى لَمَّا، وهنهْ فى هُنَا. 13 - هاءُ الاستراحة: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} ، {مَآ أغنى عَنِّي مَالِيَهْ} ، {هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} . 14 - هاءُ النَّداءِ نحو: أَيَا زَيْدُ، وهَيا زَيْدُ. 15 - هاءُ النُّدْبَة نحو: وَاأُمَّاه، وَاأَبَتاهُ. 16 - هاءُ الأَمرِ: نحو قِهْ، أَوشِهْ، وعِهْ، {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} . 17 -هاءُ الزَّجْر: {هَآأَنْتُمْ أولاء تُحِبُّونَهُمْ} ، {هاأنتم هؤلاء حَاجَجْتُمْ} . 18 - الهاءُ اللُّغَوِىّ، قال الخليل: الهاءُ عندهم بياضٌ فى وَجْهِ الظَبْى، قال الرّاجز: كَأَنَّ خَدَّيْه إِذا لَثَمْتها ... هاءُ غَزال يَافع لَطَمْتها وقال النَّحويُّون: هاءُ التَّنْبِيهِ تدخل على أَربعة: أَحدُها: الإِشارة غير المختصّة بالبَعِيد نحو هَذا، بخلاف ثَمَّ وهَنَّا بالتشديد. وهُنالِك.

والثانى: ضميرُ الرّفع المُخْبَر عنه باسم الإِشارة، نحو: {هَآأَنْتُمْ أولاء} ، وقيل: إِنما كانت داخلة على الإِشارة فقدّمت، فَرُدَّ بنحو: ها أَنْتُم هؤلاءِ، فُّاجيب بأَنها أُعِيدَت توكيداً. والثالث: بعد أَى فى النِّداءِ، نحو: يا أيُّها الرّجلُ، وهى فى هذا واجبةٌ للتنبيه على أَنَّه المقصودُ بالنداءِ، قيل: وللتّعويض عمّا تُضاف إِليه أَىّ، ويجوز فى هذه عند بنى أَسَد أَنْ تُحْذَفَ أَلِفُها وأَن تُضَمَّ هاؤُها إِتْباعاً، وعليه قراءَة ابنُ عامر: {أَيُّهُ الثَّقَلان} بضمّ الهاءُ فى الوَصل. والرّابع: اسمُ اللهِ فى القسَمِ عند حذف الحرف، يقال: ها ألله بقطع الهمزة ووصلها، وكلاهما مع إِثبات أَلفها وحذفها. وها تكون: اسماً لفعل وهو خُذْ، ويجوز مَدُّ أَلِفها، ويستعملان بكاف الخطابِ وبِدُونها، ويجوز فى الممدودة أَن يُسْتَغْنَى عن الكاف بتصريف همزتها تصاريف الكافِ فيقال هاءَ للمذكَّر بالفَتْح، وهاءِ للمؤنَّث بالكسر وهاؤُما وهاؤُنَّ وهاؤُمْ. ومنه قولُه تعالى: {هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ} . الثانى: أَن تكونَ ضميراً للمؤنَّث فتُستعمل مجرورةَ المَوْضع ومنصوبَتَه، نحو: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} .

بصيرة فى هبط وهبو

بصيرة فى هبط وهبو الهُبُوطُ: الانحدار على سبيل، القَهْرِ، هَبَطَ يَهْبِطُ - كضَرَبَ يَضْرِب - هُبوطاً. وهَبَطَ يَهْبُط كنَصَر يَنْصُر لغة، ومنه قراءَة الأَعْمش: {وإِنَّ مِنْها لَمَا يَهْبُطُ من خَشْيَةِ اللهِ} بضم الباء. قال لبيدٌ رضى الله عنه: كُلُّ بَنِى حُرَّةٍ مَصِيرُهُم ... قُلُّ وإِنْ أَكْثَرُوا من العَدَدِ إن يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وإِن أَمِرُوا ... يَوْماً يَصيرُوا للهُلْكِ والنَّكَد وهَبَطَهُ يَهْبُطُه بالضمّ، أَى أَنْزَلَه، فهَبَطَ لازمٌ ومتعدٍّ، إِلاَّ أَنَّ مصدرَ اللازِم الهُبُوط، ومصدر المتعدِّى الهَبْطُ. وفى دعاءِ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "الَّلهُمَّ غَبْطاً لاهَبْطاً" أَى نَسْأَل/ الغِبْطَةَ ونَعُوذ بك أَن نَهْبِطَ عن حالِنا إِلى حال سَفَالٍ.

وهَبَطَ الرّجلُ بَلَدَ كذا (ومن بلد كذا) ، وهَبَطْتُه أَنا، قال الله تعالى: {اهبطوا مِصْراً} يعنى فإِنْ أَبيتم إِلاَّ ذلك فانْزِلُوا مِصْراً من الأَمصار. وقال الله تعالى: {وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أَى انْزِلُوا إِلى الأَرْضِ، يعنى آدَمَ وحَوَّاء والحَيَّة وإِبْليِس، فهبط آدَمُ بسَرَنْدِيبَ على جبل بُوذ، وحَوّاءُ بجُدَّة، وإِبليس بالأَبُلَّة، والحَيَّة بإِصْبَهان. وقال تعالى: {قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} قيل: الهُبوطُ الأَوّل من الجنَّة إِلى السّماءِ الدّنيا، والهُبوط الثانى من السَّماءِ الدنيا إِلى الأَرْضِ. وهَبَطَه هَبْطاً: ضَرَبه؛ والمَرَضُ لَحْمَهُ: هَزَلَه. وثَمَنُ السِّلْعَة: نَقَضَ. وقول العَبّاس للنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم. ثمَّ هَبَطْتَ البِلادَ لابَشَرٌ ... أَنْتَ ولامَضغَةٌ ولا عَلَقُ أراد لما أَهْبَط الله آدمَ صلوات الله عليه إِلى الأَرْض كنتَ فى صُلْبه غيرَ بالغ هذه الأَحوال.

الهَبْوَةُ: الغَبَرَةُ. والهَباءُ: الغُبار، أَو شىءٌ يشبه الدُّخانَ، وقيل: دُقاق التُّراب فلا يَبْدُو إِلاَّ فى أَثناءِ ضوءِ الشمس فى الكُوَّة، قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} . والهَباء أَيضاً: القَلِيلُو العُقولِ من الناس، والجمع: أَهباء. وهَبَا هُبُوَّاً: سَطَع. وهَبَا: فَرَّ. وهَبا: ماتَ. وأَهْبَى الفَرَسُ: أَثار الهَباءَ.

بصيرة فى هجد وهجر

بصيرة فى هجد وهجر هَجَدَ، أَى نام، وهَجَدَ، أَى سَهِرَ، وهو من الأَضداد قال المُرَقِّش الأَكبر: سَرَى لَيْلاً خَيالٌ من سُلَيْمَى ... فأَرَّقَنِى وأَصْحابِى هُجُودُ وهَجَّدَ البعيرُ: أَلْقَى جِرانَهُ، وأَهْجَدَ أَيضاً بمعناه. وأَهْجَدَ صاحِبَه: أَنامَهُ، وأَهْجَدَه أَيضاً: وَجَدَه نائماً وأَهْجَدَ نام: مثلُ هَجَدَ. والتَّهْجِيدُ: التَّنْوِيمُ، قال لبيد رضى الله عنه: ومَجُودٍ من صُبابات الكَرَى ... عاطِفِ النُّمْرُقِ صَدْقِ المُبْتَذَلْ قال هَجِّدْنى فقد طالَ السُّرَى ... وقَدَرْنا إِنْ خَنَا الدَّهْرِ غَفَلْ أَى نَوِّمْنى. والتَّهْجِيدُ أَيضاً: الإِيقاظُ، وهو من الأَضداد أَيضاً، قال الله تعالى: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} أَى تَيَقَّظْ بالقرآن، وهو حث له على إِقامةِ صَلاةِ اللَّيْل المذكور فى قوله تعالى: {قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً}

الهَجْرُ: صدّ الوَصْلِ، وقد هجَره هجرا بالفتح وهِجْراناً بالكسر، والاسمُ الهِجْرَةُ. والمُهاجَرَةُ من أَرض إِلى أَرض: تركُ الأولى للثانية. والتَّهاجُرُ: التَّقاطُعُ. وقد هَجَرَ المريضُ يَهْجُر هُجْراً بالضَمِّ فهو هاجِرٌ، والكلام مَهْجُورٌ. قال أَبو عبيد: يُرْوَى عن إِبراهيمَ ما يُثَبِّتُ هذا القولَ فى قوله تعالى: {إِنَّ قَوْمِي اتخذوا هاذا القرآن مَهْجُوراً} قال: قالوا فيه غيرَ الحَقِّ أَلم تَرَ إِلى المريض إِذا هَجَرَ قال غَيْرَ الحَقِّ، وعن مُجاهِدٍ نَحْوه. والهُجْرُ بالضَمّ: الاسمُ من الإِهْجارِ، وهو الإِفحاشُ فى المَنْطِق والخَنَا. والهَجْرُ والهِجْران يكُونُ بالبَدَن وباللِّسان وبالقَلْب، وقوله تعالَى: {واهجروهن فِي المضاجع} أَى بالأَبْدانِ؛ وقوله تعالى: {إِنَّ قَوْمِي اتخذوا هاذا القرآن مَهْجُوراً} باللِّسان أَو بالقلب؛ وقوله تعالى: {واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً} محتمل للثلاثة، وقوله تعالى: {والرجز فاهجر} حَثٌّ على المُفارَقة بالوُجوه كلّها. والمُهاجَرَةُ فى الأَصل: مُصارَمَة الغَيْرِ ومُتارَكَتُه. والمهاجرة فى

قوله تعالى: {والذين هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ} ، و {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ} وغيرهما من الآيات فالظَّاهر منه أَنَّ المراد الخروجُ من دار الكُفْرِ إِلى دار الإِيمان، كمن هاجَرَ من مكَّة إِلى المدينة، /وقيل مُقْتَضَى ذلك تركُ الشَّهَوات والأَخلاقِ الذَّميمة والخَطايا. وقوله: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي} أَى تاركٌ لِقَوْمى وذاهبٌ إِليه. وكذا المُجاهَدَة تَقْتَضِى مع مُجاهَدَةِ العِدَى مُجاهَدَة النَفْسِ. ورُوِىَ: "هَاجِرُوا ولا تَهَجَّرُوا" أَى كونوا من المُهاجرين ولا تَتَشَّبهوا بهم فى القَوْل مِن دُونِ الفعْل. والهُجْرُ: الكلامُ المَهْجُور لقُبْحِه. وفى الحديث: "ولا تُقُولوا هُجْراً". وأَهْجَرَ فلان: إِذا أَتَى بِهُجْرٍ من الكلام عن قَصْد. وهَجَر المريضُ: إِذا أَتَى بذلك من غَيْر قَصْدٍ، قال تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ} وقُرئَ تُهْجِرُون.: وقد يُشَبَّه المبالِغُ فى الهَجْرِ بالمُهْجِر [فيقال: أَهْجَرَ] إِذا قَصَدَ ذلك. ورماهُ بها جِراتٍ ومُهْجِراتٍ أَى بفضائح. والهَجْرُ والهاجِرَةُ: نصفُ النَّهارِ عند اشتدادِ الحَرِّ، وقيل: السّاعةُ

يَمْتَنِع فيها الناسُ من الحَرَكة والسَّيْر لشدّة الحرِّ، كأَنها هَجَرَت الناسَ أَو هجرَها الناسُ لذلك، تقولُ منه: هَجَّرَ النَّهارُ، قال امرؤ القيس: فَدَعْها وسَلِّ الهَمَّ عنكَ بجَسْرَةٍ ... ذَمُولٍ إِذا صامَ النَّهارُ وَهجَّرَا وتقول: أَتَيْنَا أَهْلَنَا مُهْجِرِين، أَى فى وَقْت الهاجِرَة، ومُؤْصِلِين أَى فى وَقْتِ الأَصيل. والهَجِير يَبيسُ الحَمْضِ؛ والحَوْضُ الكَبير. والهِجِّير كسِكيّت والإِهجيراءُ والإِهْجِيرى والهِجْرِيّا بمعنًى، وهو الدَأْب والعادة. وقيل: لا يكاد يُستعمل إِلاَّ فى العادة الذميمة، اللهمّ إِلاَّ أَن يستعمله فى ضِدِّه من لا يُراعِى مَوْرِد هذه الكلمة عن العرب. والمَهْجُورُ: الفرس يُشَدُّ رأَسُه إِلى رِجْله.

بصيرة فى هجع

بصيرة فى هجع الهُجُوع والتهجاعُ: النَّوْمُ ليلاً. وفرّق بعضُهم بين الهُجوع والتَّهجاع فقال: الهُجوع مُطْلَق النَّوْم، والتَّهْجَاع: النَّوْمَة الخفيفة، قال أَبو قَيْس بن الأَسْلَت: قد حَصَّت البَيْضَةُ رَأْسى فَما ... أَطْعَمُ نَوْماً غَيْرَ تَهْجاع وقوله تعالى: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} ، وذلك يصحُّ أَن يكون معناه كان هُجوعُهم قليلاً من أَوْقات اللَّيل، ويجوز أَن يكون معناه: لم يكونُوا يَهْجَعُون، فالقليل قد يُعبَّر به عن النَفْى والمُشارِفِ لِنَفْيه. والهَجِيعُ من الَّليْلِ مثل الهَزِيع. ويقال: أَتَيْتُه بعد هَجْعَة من اللَّيل، أَى بعد نَوْمَة خفيفة من أَوّل اللَّيْل. والهِجْعَةُ منه كالجِلْسَة من الجُلُوس. والهِجْعَةُ أَيضا، والهِجْعُ، والهُجَعُ كضرد، والهَجِعُ ككَتِفٍ والمِهْجَعُ كمِنْبِر: الغافِلُ الأَحمقُ. وهَجَعَ جُوعُه: انْكَسَرَ. وهَجَع فلانٌ غَرَثَهُ: كَسَرَهُ، لازمٌ ومتعدٍّ. وطريقٌ تَهْجَعُ: واسِعٌ.

بصيرة فى هد

بصيرة فى هد هَدِّ البناء يَهُدُّه هَدّاً: كَسَرَه وضَعْضَعَه. وهَدَّتْهُ المُصِيبةُ: أَوْهَنَتْ رُكْنَه. وفى دعاء النبىّ صلَّى النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللَّهُم إِنِّى أَعُوذ بك من الهَدَّة". الهَدُّ: الهَدْمُ الشديد كحائط مُنْهَدِمٍ. والهَدَّة: الخُسوفُ. والهَدَّةُ أَيضاً: صوتُ وَقْع الحائط ونحوه، تقول منه: هَدَّ يَهِدُّ بالكسر هَدِيداً، قال الله تعالى: {وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً} . والهادُّ: صوتٌ يسمعُه أَهلُ السّاحل يأْتيهم منْ قِبَل البَحْر له دَوِىٌّ فى الأَرِض، ورُبّما كانت منه الزَلْزَلَة، ودُوِيُّهُ: هَدِيدُة. ويقال: فلانٌ يُهَدُّ: إِذا أُثْنِىَ عليه بالجَلَدِ والقُوَّة. وتقول: مررتُ برَجُل هَدَّكَ من رجل، معناه: / أَثْقَلَكَ وَصْفُ محاسِنه. وفيه لُغَتان: منهم مَنْ يُجرِيه مُجْرَى المصدَرِ فلا يُؤَنِّثُه ولا يُثنِّيه ولا يَجْمعه؛ ومنهم مَنْ يجعلُه فِعْلاً فيُثَنَّى ويُجْمَع، فتقول: مررتُ برجل هَدَّكَ مِنْ رجلٍ، وبامرأَة هَدَّتْك من امرأَة، وبرجلين هَدّاكَ، وبرجال هَدُّوكَ، وبامرأَتين هَدَّتاك، وبنسوة هَدَدْنَك. ولمّا نزل قولُه تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} جمعَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بَنِى عبد المُطَّلب وأَنْذَرَهم، فقال أَبو لَهَب: لَهَدَّ

ما سَحَرَكم صاحِبُكم. الهَدُّ كلمةٌ يُتَعَجَّب بها. وقال الأصمعىّ: لَهَدَّ الرّجلُ، أَى ما أَجْلَدَه. والهُدْهُدُ: والهُداهِدُ: الطائر المعروف، قال الرّاعِى يصف نفسه وحالَه: يَدْعُو أَميرُ المؤمنين ودُونَه ... خَرْقُ تَجُرُّ به الرِّياحُ ذُيولا كهُداهِد كسرَ الرُّماةُ جَناحَهُ ... يَدْعُو بقارِعَةِ العَقِيق هَدِيلا والجمعُ: هَداهِدُ. قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطير فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد} قال ابنُ دريد: يُقال هُدْهُدٌ وهُداهدُ للحمَام الكثير الهَدْهَدَة أَى الصّوت، قال: والهُداهِدُ أَيضاً: الحَمام الذَّكَرَ. وقال اللَّيْث: الهُداهِد: طائرٌ يُشْبِهُ الحَمام، وكِلاهُما أَنشد بيتَ الراعى. وقال الأَصمعىّ: الهُداهِدُ فى هذا البيت الفاخِتَةُ أَو الوَرَشانُ أَو الدُّبْسِىُّ أَو الدُّخَّلُ أَو الهُدْهُد، ولا أَعرفُه تصغيرَ هُدْهُد كما رُوِىَ عن الكسائىِّ. وقال القُتَيْبِىُّ: لم يُرِدِ الرّاعى بالهُداهِد هَذا إِلا حمامةً ذكراً يُهَدْهِدُ فى صَوْته. والذى يحتجُّ للكسائىّ يقول: هو تصغيرُ هُدْهُدِ قَلَبُوا ياءَ التصغير أَلفاً كما قالوا: دُوابَّة فى تصغير دَابَّةٍ.

ورجل هَدادَةٌ: جَبانٌ، والجمع هَدادٌ، قال أُميّة بنُ أَبى الصَّلْت يمدح عبد الله بن جُدْعان: لَهُ داعٍ بمكَّة مُشْمَعِلٌّ ... وآخَرُ فَوْق دارَته يُنادِى إِلى الخَيْرِ ابن جُدْعانَ بن عَمْرو ... طَويل السَّمْك مُرْتَفع العِمادِ إِلى رُدُحٍ من الشِّيزَى ملاءٍ ... لُبابَ البُرِّ يُلْبَكُ بالشهادِ فأَدْخَلَهَم على رَبِذٍ يَداهُ ... بفعْل الخَيْر ليس من الهَداد وقيل الهَدادُ: الطَّاشَةُ، الواحِدُ: هَدادَة. وهَدْهَد الطِّفلَ: حَرّكَهُ ليَنام.

بصيرة فى هدم

بصيرة فى هدم الهَدْمُ: نَقْضُ البِناءِ وإِسْقاطُه، وكذلك التَّهْدِيم، قال الله تعالى: {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ} . وهَدَمَ فلاناً يَهْدِمه: كسر ظَهْرَه. والهَدْم والهَدَم بالتَّحريك: المُهْدَرُ من الدّماءِ. والهِدْمُ - بالكسر -: الشيخُ الكبير: والثَّوْبُ البالِى أَو المُرَقَّع، وقيل: خاصّ بالكساءِ من الصُّوفِ، والجمعٌ: أَهْدامٌ، وهِدَمٌ. والهَدَمُ محرّكة: ما تَهَدَّمَ من جَوانب البئْر فسَقط فيها.

بصيرة فى هدى

بصيرة فى هدى الهُدَى بضَمّ الهاءِ وفَتْحِ الدّال: الرَّشادُ، والدَّلالةُ، يذكَّر ويُؤنَّث. هَداهُ هُدىً، وهَدْيا [وهِدايَة] وهِدْيَة بكسرهما: أَرشده، فاهْتَدَى وتَهَدَّى، وهَداهُ الله الطَّريقَ وللطَّرِيقِ، وإِلى الطَّريقِ. ورجلٌ هَدُوٌّ كعدوّ: هادٍ. وهو لا يَهْدِى الطريقَ ولا يَهْتَدِى، ولا يَهَدِّى ولا يِهِدِّى. قال تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} والمعَنى أَرْشِدْنا، وقيل: أَى قَدِّمنا إِليه، وقيل: ثَبِّتْنا عليه؛ وقيل: وَفّقنا؛ وقيل: ارزُقْنا، وكلُّها أَقوالٌ متقاربة. قال ابنُ عَطِيَّة: الهِدايةُ فى اللُّغة: الإِرشاد لكنَّها تتصرّف على وُجوه يُعبّر عنها/ المفسّرون بغير لَفْظ الإِرشاد، وكلُّها إِذا تُؤُمِّلت رجعت إِليه. انتهى كلامُه، وهو صحيح، ولم يذكر أَهل اللغة فيها إِلاَّ أَنَّها بمعنى الإِرشاد، والأَصل عدمُ الاشتراك. وأَصلُ هَدَى أَن يَصل ثانى مَفْعُولَيْه بإِلى أَو اللاَّم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي ربي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ، {اجتباه وَهَدَاهُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ، {الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهاذا} . وقد يُتَّسع فيه فيُحْذَف الحرفُ ويُعَدَّى بنفسه، ومنه: {اهدنا الصراط المستقيم} ، {وَهَدَيْنَاهُ النجدين} .

وقال أَبو النَّصر: هَدَيْته الطَّريقَ لغةُ أَهلِ الحجاز، وهَدَيْتُه إِلى الطريق لغةُ غيرهم، حكاه الأَخفش. قال الزمخشرىّ: هَداهُ لِكذا أَو إِلى كَذا إذا لم يَكُن فيه فيَصل إِليه بالهِدَاية، وهَداهُ كذا يحتمل كونُه فيه وكونه ليس كذلك، فلا يجوز {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} كون أَصله باللام أَو إِلى، هكذا قال، والمشهور ما قدّمناه. وقال الراغب: الهِدَايَةُ: دَلالةٌ بُلْطف، ومنه الهَدِيَّة. وهَوادِى الوَحْش أَى المتقدِّمات الهادِيَةُ لغيرِها. وخُصَّ ما كان دلالةً بَهَدَيْتُ وما كان إِعطاءً بأَهْدَيْتُ، نحو أَهْدَيْتُ الهديَّةَ، وهَدَيْتُ إِلى البَيْت. إِن قيل كيف جعلت الهداية دَلالةً بلُطْفِ والله تعالَى يقول: {فاهدوهم إلى صِرَاطِ الجحيم} ؟ قيل: ذلك على سبيل التَهَكُّم مبالغةً فى المَعْنَى نحو قوله: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ومنه قوله: تَحيّةُ بَيْنِهم ضَرْبٌ وَجيعُ وهِدايةُ الله تعالى للإِنسان على أَربعةِ أَضرب: الأَوّل: الهِداية التى عَمَّ بها كُلَّ مكلَّفٍ من العَقْل والفِطْنَة والمَعارف الضروريّة، بل عمّ بها كلَّ شىءٍ حَسَبَ احتمالِه، كما قال تعالى: {رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} .

الثانى: الهِداية التى جُعلت للنَّاسِ بدُعائه إِيّاهم على أَلْسِنَةِ الأَنبياءِ وإِنْزالِ القرآن ونحوِ ذلك، وهو المقصودُ بقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} . الثالث: التَّوفيقُ الذى يختصّ به من اهْتَدى، وهو المعنِىُّ بقوله: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} ، وقوله: {وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ} . الرّابع: الهدايَةُ فى الآخرة إِلى الجنَّة، وهو المعنىُّ بقوله: {الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهاذا} . وهذه الهداياتُ الأَربعُ مُتَرتِّبة فإِنَّ من لم تَحْصُلْ له الأُولَى لا تَحْصُلُ له الثانية، بل لا يَصِحُّ تكليفُه. ومن لم تَحْصُلْ له الثانيةُ لا تحصل له الثالثة والرابعةُ. والإِنسان لا يَقْدِرُ أَن يَهْدِىَ أَحداً إِلا بالدُّعاءِ وتعريف الطُّرُق دون سائِر الهِدايات، وإِلى الأَوَّل أَشار بقوله: {وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ، وبقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أَى داع، وإِلى سائر الهِدايات أَشار بقوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} . وكُلّ هدايةٍ ذَكَرَ الله تعالى أَنَّه منَع الكافِرين والظَّالِمين فهى الهِدايَةُ الثالثة، التى هى التَّوْفيق الذى يختصّ به المهتدون، والرّابعة التى هى الثوابُ فى الآخرة، وإِدخالُ الجنَّة المشار إِليها بقوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ... } إِلى قوله: {والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} .

وكلّ هِداية نَفاها عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعن البشر وذكر أَنَّهم غيرُ قادِرين عليها فهى ماعَدا المُخْتصّ به من الدّعاء وتعريفِ الطريق، وذلك/ كإِعطاءِ العَقْل والتوفيق، وإِدخال الجنَّة، وإِلى هذا المعنَى أَشار بقوله: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} . وقوله: {وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد} أَى طالبُ الهُدَى ومُتَحرِّيه هو الَّذى يُوَفِّقه ويَهْديه إِلى طريق الجَنَّة لامَنْ ضادَّهُ فتحرَّى طريقَ الضَلالَة والكُفْر كقوله: {والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} ، وقوله: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} الكاذِبُ الكَفَّار هو الَّذى لا يَقْبلُ هِدايَتَه؛ فإِنَّ ذلك راجعٌ إِلى هذا وإِنْ لم يكن لفظُه موضوعاً لذلك، ومن لم يَقْبل هِدايَتَه لم يَهْدِه كقولك: من لم يَقْبل هَدِيَّتِى لم أُهْدِ لَهُ، ومن لم يقبل عَطِيَّتِى لم أُعْطِه، ومن رَغِب عنِّى لم أَرْغَبْ فيه. وقولُه {أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى} فقوله: لا يَهِدِّىِ أَى لا يَهْدِى غَيْره ولكن يُهْدَى، أَى لا يعلم شيئاً ولا يَعْرِفُ. وقرئ إِلاَّ أَن يُهَدَّى أَى لا هِدايةَ له ولو هُدىَ أَيضاً لم يَهْتَد لأَنَّها مَواتٌ من حِجَارة ونحوِها.

وظاهرُ اللَّفظ أَنَّه إِذا هُدِىَ اهْتَدَى لإِخْراج الكلام على أَنها أَمْثالُكم كقوله تعالى: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} وإِنَّما هى مَواتٌ، وقد قال فى موضِع [آخَرَ] : {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السماوات والأرض شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} . وقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل} ، وقوله: {وَهَدَيْنَاهُ النجدين} ، وقوله: {وَهَدَيْنَاهُمَا الصراط المستقيم} إِشارةٌ إِلى ما عَرَّفَ من طريق الخَيْر والشرّ، وطريقِ الثَّواب والعِقاب، والعَقْل والشَّرْع. وقولُه: {وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ} إِشارةٌ إِلى التَّوْفيق المُلْقَى فى الرُّوْع فيما يَتَحرّاه الإِنسانُ، وإِياه عَنَى بقوله: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} . ولما كانت الهِدايةُ والتَّعليم يَقْتَضِى شيئين: تعريفاً من المُعَرِّف وتَعَرُّفاً من المُعَرَّف، وبهما يتمّ الهدايةُ والتَّعلُّم، فإِنَّه متى حَصَل البَذْلُ من الهادى والمعلِّم ولم يَحْصُل القبولُ صَحَّ أَنْ يُقال لم يَهْدِ ولم يُعَلِّم اعتباراً بعدَم القَبُول، وصَحَّ أَنْ يقال: هَدَى وعَلَّم اعتباراً بَبذْلِه، فإِذا كان كذلك صحّ أَن يُقالَ إِنَّ الله لمِ يَهْدِ الكافرين والفاسقين من حيثُ إِنَّه لم يَحْصُل القَبولُ الَّذى هو تَمامُ الهِداية والتَّعلِيم. وصحّ أَنْ يُقال قد هَداهم وعَلَّمَهُم من حيث إِنَّه حَصَل البَذْلُ الذى هو مَبْدأُ الهِداية، فعلى الاعتبار الأَوّل يصحّ أَن يُحْمَلَ قولُه: والله لا يهدى القومَ

الكافِرين والظالمين، وعلى الثانى قولُه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} والأَوْلَى حيثُ لم يحصُلِ القَبُول أَن يُقَيَّد فيقالُ هَدَاهُ اللهُ فلم يَهْتَدِ وقوله: {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الذين هَدَى الله} وهم الذين قَبِلُوا هُدَاهُ فاهْتَدَوْا به. وقولُه: {اهدنا الصراط المستقيم} فقد قيلَ عنى به الهِدايَة العامَّة، التى هى العقلُ وسنّة الأَنبياءِ، وأُمِرْنا بأَن نُقول ولكن بأَلْسِنَتِنا، وإِن كان قد فَعَلَ، ليُعْطِيَنا ثَواباً، كما أُمِرْنا بأَن نَقُولَ: الَّلهُمَّ صَلِّ على محمّد وإِنْ كان قد صَلَّى الله عليه بَقولُه: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} . وقيل إِنَّ ذلك دُعاءٌ بحفْظِنا عن اسْتِغْواء الغُواةِ واسْتِهْواء الشَّهَوات. وقيل: هو سُؤالٌ للتَّوْفيق المَوْعُود فى قوله: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} . والهِدايةُ والهُدَى فى مَوْضُوع الُّلغة واحدٌ كما تقدَّم، لكن قد خَصَّ الله لَفْظَ الهُدَى. بما تَوَلاَّه وأَعْطاه، واخْتَصَّ هو به دون ما هو إِلى الإِنسان، نحو: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} ، {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} وغيرها. والاهْتِداءُ يختصُّ بما يَتَحرّاه الإِنسانُ على طريقِ الاختيارِ إِمّا فى الأًمور الدنيويّة أَو الأُخرويّة، قال تعالى: {وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا} ويُقال ذلك لِطَلَب الهِدايَة نحو قوله: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ

مِنَ المهتدين} ولِتَحَرِّى الهِداية نحو قوله: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} . ويُقالُ الْمُهْتَدِى لِمَنْ يَقْتدى بِعَالِم نَحْو: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} ، تنبيهاً أَنَّهم لا يعلمون بأَنْفُسِهم ولا يَقتَدون بعالِم. وقولُه: {فَمَنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} فالاهْتِداءُ ها هُنا يَتَناول وجُوه الاهتداءِ من طَلَبِ الهِداية ومن الاقْتِداءِ ومن تَحَرِّيها. وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهتدى} معناه ثمّ أَدام طَلَبَ الهِداية ولم يَفْتُرْ عن تَحَرِّيه ولم يرجع إِلى المعصية. وقوله: {أولائك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وأولائك هُمُ المهتدون} ، أَى الذين تَحَرُّوا الهداية وقَبِلُوها وعملوا بها، وكذلك قوله: {ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ ... } إِلى قوله {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} . والهدْىُ مختصٌّ بما يُهْدَى إِلى البَيْت، قال الأَخفش: واحِدُه هَدِيَّةٌ، قال: ويُقال للأُنْثَىَ هَدْىٌ كأَنَّه مصدرٌ وُصف به، قال الله تعالى: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله وَلاَ الشهر الحرام وَلاَ الهدي} . والهَدِيَّة مختصَّه بالُّلطَفِ الَّذِى يُهْدَى بعضُنا إِلى بَعْض، قال تعالى

{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} . والمِهْدَى: الطبقُ الَّذى يُهْدَى عليه. والمِهْداءُ من يُكْثِر إِهداءَ الهَدِيَّة، قال: وإِنَّكَ مِهْداءُ الخَنا نَظِفُ الحَشَا والهَدِىُّ يُقال فى الهَدْىِ وفى العَرُوس. يقال: هَدَيْتُ العَرُوسَ إِلى زَوْجِها هِداءً. وما أَحْسَنَ هِدْيَةَ فُلانٍ [وهَدْيَهُ] ، أَى طريقتَه. وفلانٌ يُهادِى بين اثنَيْن: إِذا مَشَى بينهما مُعْتَمداً عليهما. وتَهادَت المرأَةُ: إِذا مَشَتْ مَشْىَ الهَدْى.

بصيرة فى هرب وهرع وهرت

بصيرة فى هرب وهرع وهرت الهُروبُ، والهَرَبُ، والهَرَبان: الفِرارُ. وقد هَرَبَ يَهْرُبُ. ويقال: مالَهُ هارِبٌ ولا قارِبٌ، أَى صادِرٌ ولا وارِدٌ. وَقيل معناه: ليس أَحدٌ يَهْرُبُ منه ولا أَحَدٌ يَقْرُبُ منه، أَى ليس هو بشىء. قال الله تعالى: {وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} . هُرِبَ كعُنِىَ أَى هَرِمَ. وأَهْرَبَه: اضْطَرَّه إِلى الهُرُوب. الإِهْراعُ: الإِسراعُ. وقوله تعالى: {وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} قال أَبو عبيدة يُسْتَحَثُّون إِليه كأَنَّه يَحُثُّ بعضُهم بعضاً. وأُهْرِع الرّجلُ على ما لم يُسَمَّ فاعله: إِذا كان يُرْعَدُ من غَضَب أَو حُمىًّ أَو فَزَع، قال مهلهل: فَجاءُوا يُهْرَعُون وهم أُسارَى ... يَقُودُهُم عَلَى رَغْمِ الأُنُوفِ وقوله تعالى: {فَهُمْ على آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} ، قيل: كأَنَّهم يَزْعَجُون من الإِسراع. وقيل: يتبعونَهُم مُسْرعين. والمُهْرِع كمُحْسِن، والمِهْراعُ: الأَسَد لأَنَّه فيما يُقال/ لا تُفارِقُه الرِّعْدَة والحُمَّى.

والهرَعُ بالتحريك: والهُراع: مَشْىٌ مضطربٌ مُسْرِع. وأَقْبَلَ الشيخُ يُهْرَع: إِذا أَقبلَ يُرْعَدُ ويُسْرِع. والمَهْرُوع: المَجْنون الذى يُصْرَع. هارُوتُ: اسمٌ أَعجمىٌّ بدليل منع الصّرف، ولو كان من الهَرْت كما زَعَم بعضُ أَهلِ اللَّغة لانصرف. وأَسَدٌ أَهْرَتُ وهَرِتٌ وهَرِيتٌ وهَرُوتٌ وهَرّاتٌ: واسعُ الشِدْقَيْن. قال تعالى: {وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الملكين بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} قيل: هما المَلَكان، وقال بعض المفسّرين: هما اسما شَيْطانَيْن من الإِنْس والجِنِّ، وجعلهما نصبا بدلاً من قوله: {ولاكن الشياطين} بدل البعضِ من الكُلّ، كقولك: القوم قالوا كذا زيدٌ وعَمُروٌ.

بصيرة فى هز

بصيرة فى هز هَزَزْتُ الشىءَ هَزّاً: حَرَّكْتُه، يقال: هَزَّهُ وهَزَّ به، وهو كقولهم خُذِ الخِطامَ وخُذْ بالخِطام، وتَعَلَّقَ زَيْداً وتَعَلَّقَ بزَيْد، قال الله تعالى: {وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة} ، قال تأَبَّطَ شَرّاً: إِنِّى لَمُهْد مِنْ ثَنائى فقاصِدٌ ... به لابْن عُمّ الصِدْق شَمْسِ بن مالِكِ أَهُزُّ به فى نَدْوَة الحَىِّ عِطْفَهُ ... كما هَزَّ عِطْفِى بالهِجان الأَوارِكِ وهَزَّ الحادِى الإِبِلَ هَزِيزاً: نَشَّطَها بحُدائه. وهَزَّ الكَوْكَبُ: انْقَضَّ. وهَزِيزُ الرِّيح: دَوِيُّها عند هَزِّها الشَّجَر، قال: إِذا جَرَى شَأْوَيْنِ وانْبَلَّ عِطْفُه ... نًقٌولُ: هَزِيزُ الرّيح مَرَّت بأَثْأَبِ والهِزَّةُ بالكسر: النَّشاط والارْتِياح، وصوتُ غَلَيانِ القِدْر. [و] من الرَّعْدِ: تَرَدُّدُ صَوْتِهِ. وماءٌ هُزَهِزٌ [و] هُزاهزٌ وهَزْهازٌ وهُزْهُزٌ: كثيرٌ جار يَتَهَزْهَزُ. واهْتَزَّ: تحرّك، قال الله تعالى: {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ}

أَى تحرَّكَت بالنَّبات عند وُقوع الماء عليها. وأَمّا قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بن مُعاذٍ"، فقيل: سَرِيُره الَّذى حُمِلَ عليه إِلى قَبْرِه. ويُرْوَى: "اهتَزَّ عًَرْشُ الرّحمان"، أَى ارْتاح بُروحِه حين صُعِد بها واستَبْشر لِكَرامته على ربّه. وكلَّ من خَفَّ لأَمر وارْتاح له فقد اهْتَزَّ له. وقال الأَزهرىّ: أَراد فَرِحَ أَهلُ العرشِ بمَوْته. وهَزْهَزَهُ: حَرَّكه، وقيل: ذَلِّلَهُ. وتَهَزْهَز إِليه قلبى، أَى ارْتاح للسّرور، قال الرّاعى: إِذا فاطَنَتْنَا فى الحَدِيث تَهَزْهَزَتْ ... إِليها قُلُوبٌ دُونَهُنَّ الجَوانحُ

بصيرة فى هزل وهزم

بصيرة فى هزل وهزم الهَزْلُ: كلّ كلام لا تَحْصِيلَ له ولا رَيْعَ. وهَزَلَ معه وهازَله، قال: ذو الجِدِّ إِنْ جَدَّ الرِجالُ به ... ومُهازلٌ إِن كان فى هَزْلِ وقال القطامىّ: يُهازِلُ رَبّاتِ البَراقِع بالضُّحَى ... ويَخُرج من بابٍ ويَدْخل باباً قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هوَ بالهزل} وهو تشبيهٌ بالهُزال ضدّ السّمن. وقد هُزِلَ بالضمِّ هُزالاً، وهَزَل كنَصَر، هَزْلاً وهُزلاً، وهَزَلْتُه وهَزَّلْتُه. وأَهْزَلَ القومُ: هُزِلَتْ أَموالُهم. وجَمَلٌ مَهْزُولٌ وإِبِلٌ مَهازِيلُ. وهُزِلَتْ حالُ فلان: [و] تقول: له فَضْلٌ جَزِيلٌ وحالٌ هَزِيل. هُزِمَ الجَيْشُ وانْهَزَم، وجيشٌ مَهْزُومٌ وهَزِيمٌ، وقد هَزَمتُه. واسْتَهْزَمْتُه قال الله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله} . وهو يَسْتَهْزِم الجيوشَ. وهو هَزَّامٌ فَرّاسٌ. ووقعتْ عليهم الهَزِيمَةُ. وهَزَمْتُ البئرَ: حَفَرْتُها، والبطِيخَ والقِرْبَة: غَمْزْتُها بِيَدِى فانهزَمَت إِلى جَوْفها. وسمعتُ هَزْمَةَ الرعد وهَزِيمَهُ: صَوْتَه. وغيثٌ هَزِيمٌ: مُنْبَعِقٌ.

بصيرة فى هزء

بصيرة فى هزء الهُزْءُ: مَزْحٌ فى خِفْيَة، هَزِئْت من فُلان/، وبِهِ، عن الأَخفش هُزْءاً وهُزُؤاً، سَخِرْتُ. وهَزَأْتُ به أَيضاً هُزْءاً ومَهْزَأَةً ومَهْزُءَةً. وقد يُقال الهُزْؤ لما هو كالمَزْح؛ فمِمّا قُصِدَ به المَزْحُ قولُه تعالى: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} وقولُه: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتخذها هُزُواً} ، عَظَّمَ تَبْكِيتَهم ونَبَّه على خُبْثهم من حيثُ إِنَّه وصَفَهم بأَنَّهم بعد العِلْم بها والوُقوف على صِحَّتها يَهْزَؤُون بها. واسْتَهْزأْتُ به، وتَهَزَّأت به، أَى هَزِئْتُ. والاستِهْزاءُ أَيضاً: ارْتِياد الهُزْءِ، وإِن كان قد يُعَبرَّ به عن تَعاطِى الهُزُءِ، كالاستِجابَةِ فى كَوْنِها ارْتِياداً للإِجابة، وإِن كان قد يَجْرِى مَجْرَى الإِجابة. وقال الله تعالى: {قُلْ أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ} . والاستِهْزاءِ من الله فى الحقيقة لا يَصِحّ، كما لا يَصِحُّ منه اللَّهو واللَّعب، فقوله: {الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} أَى يجازيهم جَزاءَ الهُزُءِ. ومعناه أَنَّه أَمْهَلَهم مُدَّةً ثمَّ أَخذهم مُغافَصةً فسَمَّى إِمهالَهُ إِيّاهم اسِتْهزاء من حيث إِنَّهم اغْتَرُّوا به اغترارهُمْ بالهُزُءِ، فيكونُ ذلك كالاستِدْراج من حَيْثُ لا يَعْلمون، أَولأَنَّهم استْهْزَءُوا فَعَرف ذلك منهم فصار كأَنَّهُ يَهْزَأُ بهم، كما قيل:

مَنْ خَدَعَك ففطِنْتَ له فقد خَدْعْتَه. وقد رُوِى: "أَنَّ المُسْتَهْزِئين يُفْتَح لهم بابٌ من الجنَّة فيُسْرِعون نحوَه، فإِذا انتهوا إِليه سُدَّ عليهم". فذلك قوله: {فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ} . وعلى هذه الوُجوهِ قوله تعالى: {سَخِرَ الله مِنْهُمْ} وقيل: هو أَن يُضْرَبَ للمؤمنين نورٌ يَمْشُون به على الصّراط فإِذا وَصَل المنافِقون إِليه حِيلَ بينهم وبين المؤمنين، كما قال الله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} ، وكما قال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} الآية. وقال الحَسَن: معناه: يُظْهِر الله المؤمنين على نِفاقهم. وقوله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} أَى بمحمّد وأَصحابه، قرأَ أَبو جعفر: مَسْتَهْزُون ويَسْتَهْزُون، وقل استَهْزُوا بترك الهمزة فيهنَّ.

بصيرة فى هش

بصيرة فى هش هَشَشْتُ الوَرَقَ أَهُشُّه وأَهِشُّه: خَبَطْتُه بِعَصاً لِيتَحاتّ، قال الله تعالى: {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي} بكسر الهاءِ. وقال جابر: "لا يُعْضَد حِمَى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولكنْ يُهَشُّ هَشَّا". والهَشاشَةُ: الارْتِياح والخِفَّة والنَّشاط، يقال هَشِشْتُ أَهَشُّ كسَمِعْتُ أَسْمَع، وهَشَشْتُ أَهُشُّ كدَبَبْتُ أَدُبُّ. وفى الحديث: "لمَّا سَبَق فَرَسُه - سَبْحَةُ - هَشَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لذلك وأَعْجَبَه". وقالت عائشةُ للنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "دَخَلَ أَبو بَكْر فلم تَهَشَّ له" ويروى "فلم تَهْتشَّ" وكان علقمةُ إِذا رأَى من أَصحابه هَشاشَةً ذكَّرهم. قال أَبو زيد: هَشَشْتُ به أَهُشُّ هَشاشةً. وأَنَا بِهِ هَشٌّ بَشٌّ. والهشِيشُ: الرّجلُ الذى يَفْرَحُ إِذا سأَلْتَهُ. وهَشَّ الخُبْزُ يَهِشُّ بالكسر هُشوشَة: صار هَشّاً وهَشاشاً. ورجلٌ هَشُّ المَكْسَر، أَى سَهْلُ الشَّأْن فيما يطلَب عنده من الحوائِج. وهشَّشَهُ: نَشَّطَهُ وفَرَّحَهُ: والمُتَهَشْهِشَةُ: الفَرحَةُ المُتَحَبِّبَةُ إِلى زَوْجها.

بصيرة فى هشم وهضم وهطع

بصيرة فى هشم وهضم وهطع الهَشْمُ: كَسْرُ الشَىْءِ اليابِس، وقيل: الشىءُ الرِخْوُ كالنَّباتِ وقيل: كسر الشىءِ الأَجْوَف، وقيل: كَسْرُ الرأَسِ خاصّة، وقيل: كسرُ العظامِ، وقيل: كسر الوجهِ والأَنْفِ، وقيل: الكَسْرُ فى كل شىءٍ/ هَشَمَهُ يَهْشِمهُ، فهو مَهْشُومٌ وهَشِيمٌ: كَسَرَه، فانْهَشَمَ وتَهَشَّمَ. وهَشَمَ الرّجلَ وهَشَّمَه: أَكرَمه وعظَّمه؛ والناقةَ حَلَبَها أَو هو الحَلْبُ بالكَفِّ كلِّها كاهْتَشَمَها. والهَشِيمُ: نَبْتُ يابِسٌ متكسّر، وقيل: يابسُ كلِّ كَلإِ، قال الله تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرياح} . والهَشِيمَةُ: الأَرضُ التى يَبِسَ شَجَرُها. وهَشَمَ الخُبْزَ: ثَرَدَه، وهَشَمَ الثَّرِيدَ أَيضا، قال: عَمْرُو الذى هَشَم الثَّريدَ لِقَوْمِه ... ورجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُون عِجافُ والهاشِمَةُ من الشَّجاج: التى تَهْشِم عَظْمَ الرّأْسِ.

واهْتَشَمْتُ نَفْسِى لفلان: اهْتَضَمْتُه له. وهاشِمٌ أَبو عبد المُطَّلِب لأَنَّه أَوّل مَنْ هَشَمَ الثَّرِيدَ. الهَضْمُ: شَدْخُ ما فيه رَخاوَةٌ، يقال: هَضَمْتُه فانْهَضَمَ، قال الله تعالى: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} أَى مُنْهَضِمٌ مُنْضَمٌّ فى جوف الجُفِّ قد أُدخل بعضُه فى بَعْض، كأَنَّما شُدِخَ. وهَضَمَ فلاناً واهْتَضَمَهُ وتَهْضَّمَه: ظَلَمَه وغَصَبَه، فهو هَضِيمٌ، قال الله تعالى: {فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً} ، والاسمُ: الهَضِيمَةُ. والهَضَّامُ والهاضُومُ: كلُّ دواءٍ هَضَم طَعاماً. والهَضْمُ والهِضْم: المُطمئنّ من الأَرضِ؛ وبَطْنُ الوادِى. هَطَعَ الرّجلُ: إِذا أَقْبَلَ ببَصَرِه على الشىءِ لا يَقْلِعُ عنه، يَهْطَعُ هَطْعاً وهُطوعاً، قال ابن دريد: إِذا أَسْرَعَ مُقْبلاً خائفا، لا يكونُ إِلاَّ مع خَوْفِ. والهَطِيعُ: الطَّريقُ الواسع. وأَهْطَعَ: إِذا مَدَّ عُنُقَهُ وصَوّبَ رأسَه، قال:

تُعَبَدّنِى نِمْرُ بنُ سَعْد وقد أَرَى ... ونِمْرُ بن سَعْد لى مُطِيعٌ ومُهْطِعُ قال الله تعالَى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} ، قال ثعلب فى تفسيره اللفظةَ: المُهْطِع: الَّذى يَنْظُر فى ذُلّ وخُشُوع لا يُقْلِع بصَرَه. وقيل: المُهْطِع: السّاكِتُ المُنطلِق إِلى من هَتَف به. وقال الزَّجّاج: مُهْطِعين، أَى مُسْرِعين، وأَنشد ليزيد بن ربيعةَ ابن مفرّغ: بدِجْلَةَ أَهلُها ولقد أَراهُمْ ... بِدِجْلَةَ مُهْطِعِين إِلى السَّماعِ وبَعِيرٌ مُهْطِعٌ: فى عُنُقِه تَصْويبٌ خِلْقَةً. واسْتَهْطَعَ، أَى أَسْرَع مثلُ أَهْطَعَ. وقال تعالى: {مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} .

بصيرة فى هلال

بصيرة فى هلال الهِلالُ: غَرَّةُ القَمَرِ، أَو لِلَيْلَتَيْنِ، أَو هلالٌ إِلى ثلاثِ ليال، وقيل: إِلى سَبْع من أَوّل الشهر، وفى غير ذلك قَمَرٌ. قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج} ، وكانوا قد سأَلُوه عن عِلَّةِ تَهَلُّلِه وتَغَيُّره. والعربُ تقول: أَيّام الشهرِ: ثَلاثٌ منه غُرَرٌ، وثلاث نُفَلٌ، وثلاث زُهْرٌ، وَثلاثٌ بُهْرٌ، وثلاثٌ بِيضٌ، وثلاث دَآدِئ، وثلاثُ حَنادِسُ، وثلاثٌ مِحاقٌ. وشُبِّه بالهِلال فى الهيئة: السِنان الَّذى يُصَادُ به، وله شُعْبَتان كطَرَفَى الهِلال؛ وضربٌ من الحَيّاتِ، وسِلْخها؛ والجَمَلُ المهزُول؛ وحديدةٌ تضمّ بين حِنْوَى الرَّحْل؛ وذُؤابة النَّعْلِ؛ وسِمَةٌ للإِبل؛ والماءُ القليل المستدير؛ وطرف الرّحى؛ وشىء يُعَرْقَبُ به الحميرُ؛ والغلام الحسن الوَجْه. وهَلَّ الهِلالُ وأَهَلَّ وأُهِلَّ واسْتَهَلَّ: ظَهَر. وهلّ الشَّهر: ظَهَرَ هِلالُه ولا تقل أَهَلَّ. واسْتَهَلَّ أَيضاً: طَلَبَ رُؤَيته. ثم قد يُعبّر عن الإِهْلال

بالاسْتِهْلال نحو الاستجابة والإِجابة. والإِهلالُ: رفعُ الصَّوْتِ عند رُؤية الهِلال، ثم استُعْمِل لِكُلِّ صوت، وبه شُبِّه إِهْلالُ الصَّبِىّ. وقوله تعالى: {وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله} أَى ما ذُكرَ عليه غيرُ اسمِ الله/ وهو ما كان يُذْبَحُ لأَجل الأَصنام. وقيل: الإِهلالُ والتَّهَلُّلُ والتَّهْلِيلُ: أَنْ يقولَ: لا إِله إِلاَّ الله. وتَهلَّل السّحابُ بِبَرْقِهِ: تَلأْلأَ، وتَشَبَّه فى ذلك بالهلال. وأَتَيْتُه فى هَلَّةِ الشهر، وهِلِّه وإِهْلالِه، أَى اسْتِهْلالِهِ. والمُهَلِّلَةٌ من الإِبلِ: الضامِرَةُ المُتَقَوِّسَةُ.

بصيرة فى هل

بصيرة فى هل وهى كلمةُ استفهامٍ، وقيل: حرفُ استِخْبارٍ، أَمّا على سبيل الاستِفْهام فذلك لا يكونُ من اللهِ تعالى. وقيل: حرفٌ موضوع لِطَلَب التصديق الإِيجابِىّ دون التَصَوُّرِ ودُونَ التَّصْدِيق السَّلْبىّ، فيمتنع نحو هَلْ زَيْداً ضَرَبْتَ، لأَن تقديم الاسمِ يُشْعِر بحصول التَّصديق بنفس النِّسْبة. ونحو: هل زيدٌ قائم أَم عَمْروٌ، إِذا أَريد بأَمْ المتَّصلة، وهلْ لم يَقُمْ زيدٌ. ونظيرها فى الاختصاص بطَلَب التَّصْدِيق أَمْ المنقطعة، وعكسها أَمْ المتَّصِلة، وجميع أَسماءِ الاستفهام فإِنهنَّ لطَلَبِ التصورّ ليس غير. وأَعمّ من الجميع الهمزةُ فإِنَّها مشتركة بين الطلبين. وتفترق "هَلْ" من الهمزة من عشرة أَوجه: أَحدها: اختصاصُها بالتَّصديق. والثانى: اختصاصُها بالإِيجاب، تقول: هل قامَ دون هل لم يقم، بخلاف الهمزة نحو: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} ، {أَلَنْ يَكْفِيكُمْ} ، {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} .

الثالث: تخصِيصُها المضارعَ بالاستقبال نحو: هل يُسافر. الرّابع والخامس والسّادس: أَنَّها لا تدخلُ على الشرط، ولا على "إِنَّ" ولا على اسمٍ بعده فِعْل، بخلاف الهمزة، بدليل: {أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون} ، {أَإِن ذُكِّرْتُم} ، {أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ} ، {أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ} . والسّابع والثامن: أَنها تقع بعد العاطِف لا قبله، وبعد أَم نحو: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} ، وقال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور} . التاسع: أَنها يُراد بالاستفهام بها النَّفْىُ، ولذلك دخلت على الخبر بعدها إِلاَّ نحو: {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان} ، {فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين} ، {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} . العاشر: أَنَّها تأْتى بمعنى قَدْ، وذلك مع الفعل، وبذلك فَسَّر قولَه تعالى: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان} جماعةٌ منهم ابنُ عباسٍ والفرّاءُ والكسائىّ والمَبَرِّدُ، وبالغ الزمخشرىّ أَنَّها بمعنى قد أَبداً، وأَن الاستفهام هو مستفادٌ من همزة مقدّرة معها، ونقله عن سيبويه فقال فى المفَصَّل:

وعند سيبويه أَنَّ هل بمعنى قد، إِلاَّ أَنَّهم تركوا الأَلف قبلَها لأَنَّها لا تَقَع إِلاَّ فى الاستفهام. وقد جاءَ دخولُها عليها فى قَوْله: سائل فوارِسَ يَرْبُوع بشدّتِنَا ... أَهَلْ رأَونا بسَفْح القاع ذى الأَكَمِ وقال فى الكشَّاف: هل أَتى، أَى قد أَتَى على معنى التقرِيرِ والتقريب جميعاً، أَى أَتَى على الإِنسان قبل زمان قريب طائفةٌ من الزمّان [الطويل] الممتد لم يكن فيه شيئاً مذكوراً، بل شيئاً منسيّاً، نطفة فى الأَصلاب. والمراد بالإِنسان الجِنْس بدليل: {إِنَّ خَلَقْنا الإِنْسانَ من نُطْفَة} . وفَسَّرها غيرُه بقَدْ خاصّةً ولم يحمِلُوا قد على معنى التقريب بل على معنى التحقيق. وقال بعضهم: معناها التَوَقُّع، كأَنَّه قيل لقوم يتوقَّعُون الخبرَ عن ما أَتَى على الإِنسان/ وهو آدمُ. والحِين: زَمَن كان طِيناً. وعكس قومٌ ما قاله الزمخشرىّ وقالوا: إِنَّ هل لا تأْتِى بمعنى قد أَصْلاً، وهذا هو الصّواب عند كثيرين. وأُدْخِلَت عليها الأَلفُ والَّلام، قيل لأَبى الدُّقَيْشِ: هَلْ لَكَ فى زُبْد وتَمْر فقال: أَشَدُّ الهَلِّ. وثَقَّلَه لتَكْمُلَ عِدَّةُ حُروف الأُصول. وأَلْ لغة فى هَلْ.

وهَلاَّ كلمةُ تَحْضِيض مركَّبة من هَلْ و "لا"، وتدخلُ على الفعل، وإِنْ دخلت على اسم فلا بدّ من تقديرٍ كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "فهلاَّ بِكْراً" أَى هَلاَّ تَزَوَّجْتَ. وحَيَّهَلَ الثَّرِيدَ، أَى هَلُمَّ. وحَىَّ هَلَ الصّلاة، أَى ائتوهَا. وَحَىَّ هَلكَ، أَى رُوْيدك. قالوا: وتصغيره هُلَيْل وهُلَيّة، وهُلَىّ. قال بعضُ المفسّرين: "هل" ترد فى التنزيل على سبعة أَوجه: الأَوّل: بمعنى قَدْ، وهو كلُّ موضع يكون بعده أَتَى كما تقدّم فى {هَلْ أتى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية} ، {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم} ، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} ، {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى} ، وله نظائر. الثَّانى: بمعنى ما النافِية، وهذا فى كلِّ موضع يتلوه إِلاَّ، نحو {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} . الثالث: بمعنى لَمْ وهذا فى كلِّ محلٍّ يكون بعده لا، نحو: هَلاَّ فَعَلْتَ كذا، وهَلاَّ قُلْتَ كذا.

الرّابع: بمعنى النَّفْى نحو: {هَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ} . الخامسُ: لِتَقْرِيرِ القَسَمِ نحو قوله تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ} . السّادس: بمعنى الأَمْر إِذا اقْترن بفِعْل يدلُّ على معنى الأَمْرِ نحو قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} ، أَى انْتَهْوا، {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} أَى أَسْلِموا. السّابع: بمعنى السّؤال والاستفهام: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} .

بصيرة فى هلك

بصيرة فى هلك يقال: هَلَك يَهْلِكُ كضَرَبَ يَضْرِبُ، وهَلَكَ يَهْلَكُ كجَعَلَ يَجْعَل هَلاكاً، وهُلُوكاً وهُلَكاً بضمّهما، ومَهْلكاً ومَهْلِكاً، وتُهْلوكاً، وتَهْلُكَةً: مات. وأَهْلَكَهُ، وهَلَّكَهُ، واسْتَهْلَكَه، وهَلَكَهُ أَيضاً لازِمٌ ومُتَعَدّ، فهو هالِكٌ، والجمعُ: هَلْكَى وهُلَّكٌ، وهُلاَّكٌ، وهَوالِكُ شاذٌّ. والهَلْكاءُ، والهَلَكَة: [الهَلاَكُ] . والهلاك على ثلاثة أَوجه: افْتِقادُ الشىءِ عنك وهو عند غَيْرِك موجودٌ، كقوله تعالى: {هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} . الثانى: هَلاكٌ باستحالَة وفساد، كقوله تعالَى: {وَيُهْلِكَ الحرث والنسل} . الثالث: المَوْتُ، نحو قوله تعالى: {إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}

{وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر} ، {حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً} . الرّابعُ: بُطلانُ الشىءِ من العالَم وعَدَمُه رأساً، ودلك المسمّى فناءً، وقد أَشير إِليه بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} . ويُقال لِلَعذاب والخَوْفِ والفقْرِ الهلاكُ، وعلى هذا قوله تعالى: {وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} ، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ} {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المبطلون} . وقولُه: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} ، هو الهَلاك الأَكبر الَّذى دَلّ عليه النبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: "لا شَرَّ كَشَرٍّ بعدَهُ النَّار". وقُرِئ: {لِمَهْلِكِهِم} ومُهْلَكِهم، فمَهْلَكهم من الهُلْك، ومُهْلَكِهم من الإِهْلاك. والتَهْلُكة ما يُؤَدّى إِلى الهلاك، قال تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} . والمَهْلَكَةُ مثلثة اللام: المَفازَة. والهَلَكُ: السُّنُون الجَدْبَة، جمع: هَلَكَة بالتحريك.

والهَلُوكُ: الفاجِرَة المتساقِطة على الرّجال/، لأَنَّها تتهالَكُ فى مِشْيَتها، أَى تتمايل. والاهْتِلاكُ والإِنْهِلاكُ: رَمْىُ الإِنسانِ نَفْسَه فى تَهْلُكه. والمُهْتَلِكُ مَنْ لاهَمَّ له الاَّ أَن يَتَضَيَّفَهُ الناسُ. والهُلاَّكُ. الَّذين يَنْتابُون النَّاسَ لابْتِغاءِ مَعْروفهم. ووادى تُهُلِّكَ بضمّتين وكسر اللام المشدّدة ممنوعاً: الباطِلُ.

بصيرة فى هلم

بصيرة فى هلم وهى كلمة مركّبة من ها التنبيه ومن لمَُّ، واستُعْمِلت استعمالَ البَسيطة، ويستوِى فيه الواحدُ والجمعُ والتأْنيثُ والتذكيرُ. وبنو تَمِيم يُجْرُونها مُجْرَى رُدَّ. وقيل: أَصْلُهُ هَلْ أُمَّ، كأَنَّه قيل: هَلْ لَكَ فى كَذا أُمَّهُ أَى اقْصده، فَرُكِّبا. قال تعالى: {والقآئلين لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} فمنهم من تَرَكه على حالته فى التثنية والجمع، ومنهم من قال هَلُمَّا وهَلُمُّوا وهَلُمِّى وهَلْمُمْنَ.

بصيرة فى همد وهمر

بصيرة فى همد وهمر هَمَدَت النارُ تَهْمُدُ هُمُوداً: طُفِئتْ وذَهَبت البَتَّة. والهامِدُ: الرَّمادُ البالِى المُتَلَبِّدُ بعضُه فوقَ بعض. والهَمْدَةُ: السَّكْتَةُ. وهَمَدَتْ أَصواتُهم: سَكَتَتْ. وهَمَد الثَّوْبُ يَهْمُدُ هُموداً: بَلِىَ. ونَباتٌ هامِدٌ: يابسٌ، قال تعالى: {وَتَرَى الأرض هَامِدَةً} أَى جافَّةً ذات تُراب. وهَمَدَ شَجَرُ الأَرْضِ: إِذا بَلِى. وهُمودُ الأَرْضِ: أَنْ لا يَكُونَ فيها حياةٌ ولا نَبْتٌ ولا عُودٌ ولم يُصِبْها مَطَرٌ. والإِهْمادُ: التَّسْكِينُ؛ والإِقامةُ؛ والسُّرْعَةُ فى السّير، كأَنَّه من الأَضْداد، أَو مثل الإِشْكاءِ فى كونه تارةً لإِزالةِ الشَكْوَى، وتارة لإِثْبات الشَكْوَى. وأَهْمَدُوا فى الطعامِ انْدَفَعُوا. الهَمْرُ: صَبُّ الدَّمْعِ والماءِ، يُقال: هَمَرْتُه فانْهَمَرَ، قال الله تعالى: {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} . وهَمَرَ ما فى الضَّرْع: حَلَبَه كُلَّهُ.

بصيرة فى همز وهمس

بصيرة فى همز وهمس الهَمْزُ: مثلُ الغَمْزِ والضَغْطِ والنَّخْس، قال الله تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ} . قال ابنُ الأَعرابىّ: الهمّاز: العَيَّاب بالغَيْبِ يَأْكُل لُحومَ الناس. وقال الحَسَن: هو الَّذى يَغْمِزُ بأَخيه فى المَجْلِس. قال مُقاتِل: يعنى الوَلِيد بن َ المُغِيرَة؛ وقيل: الأَسْوَدُ بن عَبْدِ يَغُوثَ؛ وقال عطاء: الأَخْنَس بن شَرِيق. والهامِزُ والهُمَزَة: الغمّاز وأَنشد ابنُ فارس: تُدْلِى بِوُدّىَ إِذْ لاقَيْتَنِى كَذِباً ... وإِنْ أُغيَّبْ فأَنْتَ الهامِزُ اللُّمَزَهُ ورجلٌ هُمَزَةٌ، وامرأَةٌ هُمَزَةٌ. وَهَمَزهُ أَيضا: دَفَعَهُ وَضَرَبَهُ، قال: ومَنْ هَمَزْنا عِزَّهُ تَبَرْكَعا ... على اسْتِه رَوْبَعَةً أَوْرَوْبَعَا وهَمَزاتُ الشَّياطين: خَطَراتها التى تُخْطِرُها بقَلْب الإِنسان. وهَمَزَتْه إِليه الحاجَةُ: دَفَعَتْه. قال ابن الأَعرابىّ: الهَمْزُ: الغَضُّ،

والهَمْزُ: الكَسْرُ. وهَمَز القَناةَ: ضَغَطَها بالمهامِزِ إِذا ثُقِّفَت. قال الله تعالى: {وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} . والمِهْمَزُوالمِهماز: حديدة تكون فى مؤُخِّرِ خفّ الرائض. والمهامز أَيضا: مَقارِعُ النَّخَّاسين يَهْمِزُون بها الدّوابَّ لِتُسْرِع، الواحدة مِهْمَزَةٌ وهى المِقْرَعَة. والمَهامِزُ: العِصِىُّ أَيضا. الهَمْسُ: الصوْت الخَفِىُّ، ومنه قوله تعالى: {فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} أَى صوتاً خفيّاً مِنْ وَطْءِ أَقدامِهم إِلى المَحْشَر. وكُلُّ خَفِىّ، أَو أَخْفَى ما يَكُون من صَوْتِ القَدَم، والعَصْرُ، والكَسْرُ؛ ومَضْغُ الطَّعام [والفم مُنْضَمٌّ] وقال صُهَيْبُ رضى الله عنه: "كان النبىُّ صَلَّى الله عليه وسلَّم إِذا صلَّى هَمَسَ بشَىْءِ لا نَفْهَمُه". وقيل الهمس: السَّيْرُ باللَّيْلِ. وقال الليث: الهمس: حسُّ الصّوتِ فى الفم ممّا لا إِشْرابَ لَهُ من صَوْتِ الصَّدْرِ ولا جَهارَةَ/ فى المنطقِ، ولكنَّه كلام مهموس. ويقال: اهْمِس وصهْ، أَى امْشِ خَفِيّاً واسْكُتْ. والهَمِيسُ: صوْتُ نَقْل أَخفافِ الإِبل، قال ابن عبّاس رضى الله عنهما: وهُن يَمْشِين بنَا هَمِيسا ... إِنْ يَصْدُق الطَيْرُ نَنِكْ لَمِيسا

بصيرة فى هم

بصيرة فى هم الهَمُّ: الحَزَنُ، والجمع هُمُومٌ؛ وماهَمَّ به الإِنسان. وقد هَمَّهُ الأَمْرُ هَمّاً، ومَهَمَّةً، وأَهْمَّه: حَزَنَه. وهَمَّ السُّقْمُ جِسْمَه: أَذَابَه وأَذْهَب لَحْمه. وهم الشحْمَ فَانْهَمَّ: أَذَابَهُ فذاب. وهَمَّ الغُزْرُ الناقَةَ: جَهَدَها. وهمَّ به: قَصَدَ، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} وأَهَمَّنِى كذا: حَمَلَنى على أَنْ أَهُمَّ به، قال الله تعالى: {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} . وهذا رجلٌ هَمُّك وهِمَّتُك من رَجُل، أَى حَسْبُك من رَجُل. والهِمَّة والهَمَّة بالكسر والفتح: ما هَمَّ من أَمْر ليُفْعَل. قال المحقِّقون: الهِمَّةُ: فِعْلَةٌ من الهَمّ، وهو مبدأُ الإِرادة، ولكن حصولها بنهاية الإِرادة. والهَمُّ مبدؤها. والهِمَّةُ نِهايتُها. وفى بعض الآثار الإِلهيّة: إِنّى لا أَنظر إِلى كلام الحَكيم وإِنَّما أَنظر إِلى هِمّته.

والعامّة تقول: فهِمَّةُ كلّ امرئ ما يُحْسِنُه. والخاصَّة تقول: فهِمَّة كلِّ امرئ ما يَطْلُب. يريد أَن قيمة المرءِ هِمَّتُه ومَطْلُبه. قال الشيخ عبد الله الأَنصارىّ: الهِمَّةُ ما يَمْلِك الانْبِعاثَ للمقصود صِرْفاً، لا يَتمالك صاحبُها ولا يلتفت عنها. وقوله: تَمْلِك الانبعاثَ للمقصود، أَى يستَوْلِى عليه كاستيلاءِ المالِكِ على المملوك، وصِرْفاً أَى خالِصاً. والمراد أَنَّ هِمَّة العبْدِ إِذا تعلَّقَت بالحقِّ تعالى طَلَبه خالصاً صادقاً ومَحْضاً، فتملِكُ الهِمَّةُ العاليةُ التى لا يَتمالك صاحِبُها، أَى لا يقدر على المُهْلَة، ولا يتمالك لِغَلَبة سلطان الهِمَّة وشدّة إِلزامِها إِيّاه بطَلَب المقصود ولا يلتفتُ عنها إِلى ما سِوَى أَحكامها، وصاحبُ هذه الهمّة سريعٌ وصولُه وظَفَرُه بمطلوبه ما لم تَعُقْهُ العوائق، وتقطعه العلائق. وهى على ثلاث درجات: الدّرجةُ الاُّولى: هِمَّةٌ تصونُ القلبَ عن وَحْشةِ الرَّغبة فى الدّنيا وما عليها، فيزهد القلبُ فيها وفى أَهلها. وسُمِّيت الرغبةُ فيها وَحْشَةً لأَنَّها وأَهلَها تُوحِش القلبَ والرّاغبين فيها، فأَرواحُهم وقلوبُهم فى وَحْشة من أَجسامهم إِذْ فاتَها ما خُلِقت له. وأَمّا الزاهدون فيها فإِنَّهُمْ يَرَوْنَها مُوحِشَةً لهم؛ لأَنَّها تحول بينهم وبين مطلوبهم ومحبوبهم، ولا شىءَ أَوحشَ عند القلب من شىءٍ يحولُ بينه وبين مطلوبه ومحبوبه، ولذلك كان مَنْ نازع النَّاس أَموالَهم وطلَبها منهم أَوْحَشَ شىءٍ إِليهم

وأَبْغَضَه. وأَيضاً فالزاهدون فيها إِنما ينظرون إِليها بالبصائر، والرّاغبون ينظرون إِليها بالأَبصار، فيَتَوَحَّش الزَّاهد ممّا يَأْنَسُ به الراغِبُ كما قيل: وإِذا أَفاقَ القَلْبُ وانْدَمَل الهَوَى ... رَأَتِ القُلُوبُ ولم تَرَ الأَبْصارُ ولذلك [فإِنَّ] الهمّة تحملُه على الرَّغبة فى الباقى لِذاتِه، وهو الحقّ سبحانه، والباقى بإِبقائه وهو الدّارُ الآخرة، وتُخَلِّصه وتُمَحِّصه من آفات الفُتور والتَّوانى وكُدوراتها التى هى سبب الإِضاعة والتفريط. والدّرجة الثانية: هِمَّةٌ تورِث أَنَفَةً من المبالاة بالعِلَل والنُّزُول على العمل، والثِّقة بالأَمل. والعِلَل ها هُنا الاعتمادُ على الأَعمال ورؤية ثمراتها ونحو ذلك، فإِنَّها عندهم عِلَلٌ، فصاحبُ هذه الهِمَّة تَأْنَفُ هِمَّتُه وقَلْبُه من أَن يُبالِىَ بالعِلَل، فإِنَّ همّته/ فوقَ ذلك، ففكرتُه فيها ومبالاتُه بها نزولٌ من الهمّة. وعدمُ هذه المبالاة إِمّا لأَنَّ العِلَل لم تحصل له؛ لأَنَّ علوَّ هِمّته حال بينه وبينها فلا يُبالى بما لا يحصل له، وإِمّا لأَنّ همّته وسَعَة مطلبِه وعلوّه تأْتى على تلك العِلَل وتستأْصلها، فإِنَّه إِذا عَلَّق همّته بما هو أَعلَى منها تضمّنَتها الهمّة العالية، واندرج حكمُها فى حكم الهمّة العالية. وهذا محلّ عزيز جدّاً. وأَمّا الأَنَفَة من النُّزول على العمل فمعناه أَنّ العالِىَ الْهِمَّة مَطْلَبُه فوقَ مطلَب العُمّال والعُبّاد وأَعلى منه، فهو يَأْنَفُ أَن ينزل من سماءِ

مطلَبِه العالِى إِلى مجرّد العَمَل والعِبادة دون السّفر بالقلب إِلى الله ليحصلَ له ويفوزَ به فإِنَّه طالبٌ لربّه تعالى طلباً تامّاً بكلّ مَعْنَىً واعتبار فى عَمَله، وعِبادَتِه ومناجاتِه، ونَوْمِه ويَقَظَته، وحَرَكَته وسكُونه، وعُزلته وخُلْطته وسائر أَحواله، فقد انصبغ قلبُه بالتوجُّه إِلى الله تعالى أَىّ ما صِبْغَة. وهذا الأَمر إِنما يكون لأَهل المحبّة الصّادقة، فهم لا يقنعون بمجرّد رُسوم الأَعمالِ وبالاقتصار على الطلب حال العَمَل فقط. وأَمَّا أَنَفَتُه من الثَّقة بالأَمَل، فإِن الثقة تُوجب الفُتور والتَّوانى، وصاحبُ هذه الهمّة من أَهل ذلك، كيف وهو طائرٌ لا يُصاد. والدّرجة الثالثة: هِمَّة تتصاعد عن الأَحوال والمعاملات، وتزول بالأَعواض والدّرجات، وتَنْحُو عن النُّعوتِ نحو الذات. والتَّصاعُد عن المعاملات ليس المراد به تعطيلها بل القيام بها مع عدم الالتفات إِليها. ومعنى الكلام أَنَّ صاحب هذه الهمَّة لا يقف على عِوَض ولا درجة، فإِنَّ ذلك نزولٌ من هِمَّته، ومطلَبُه أَعلَى من ذلك. فإِن صاحبَ هذه الهمّة قد قَصَر همّتَه على المطلب الأَعلَى الَّذى لا شىء أَعلى منه، والأَعواضُ والدرجات دونه، وهو يعلم إِذا حصل هناك حصل له كلُّ درجة عالية، وأَعْواضٌ شَتىَّ. وأَمّا نَحْوُها نَحْوَ الذات، فالمراد به أَنَّ صاحب هذه الهمّة لا يقتصر على شُهودِ الأَفْعال ولا الأَسْماءِ والصِفات بل ينحو نَحْو

الذَّات الجامعة لمتفرّقات الأَسماءِ والصّفات والأَفعال. أُنْشِدنا لبعض الأَفاضل: وقائلة لِمْ غَيَّرتْكَ الهُمومُ ... وأَمْرُك مُمْتَثَلٌ فى الأُمَمْ فقلتُ ذَرينى على غُصَّتِى ... فإِنَّ الهُمومَ بقَدْرِ الهِمَمْ وفى الحديث: "مَنْ هَمَّ بذَنْب ثمَّ ترَكَهُ كانت له به حَسَنَة" وقال أَيضا: "من اهْتَمَّ لأَمْر دينه كَفاه الله أَمْرَ دُنْياه"، وقال: "من أَصْبَحَ وأَكثر هَمِّه الدُّنْيا فلَيْسَ من اللهِ فى شىءِ". وقيل: الطَّيرُ يطير، بجَنَاحِه والمرءُ يطير بهِمَّتِه وقال: أَهُمّ بشىءٍ والليالى كأَنَّها ... تُطارِدُنى عن كَوْنِها وأُطارِدُ فَريدٌ عن الخِلاَّن فى كلّ بلدة ... إِذا عَظُم المَطْلُوب قَلَّ المُساعِدُ وقد ذُكر الهمّ فى القرآن فى ثمانية مواضع: {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} ، {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول} ، {وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ} ، {إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ} ، {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} {لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ} ، {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ} .

بصيرة فى هنا وهناك

بصيرة فى هنا وهناك تقول: هُنَا/ وهاهُنا: إِذا أَرَدْتَ القُرْبَ، وهَنَّا وهاهَنَّا وهَنَّاك وهاهَنَّاك مشدّدات إِذا أَردتَ البُعْد. وجاءَ من هَنِى بكسر النُّون ساكنة [الياءِ] أَى من هُنا وهُنا. ويُقال للحَبيب: هاهُنَا وهاهُنا، أَى تَقَرَّبْ وادْنُ. وللبغيضِ هاهَنَّا وهَنَّا أَى تَنَّحَّ بعيداً. وقال الأَصفهانىّ: هُنا يقع إِشارة إِلى الزَّمان القريب أَو المكان القريب، والمكانُ أَمْلَكُ به، يقال: هُنا وهُنالِكَ وهُناكَ كقولك: ذَا وذَلِكَ وذَاكَ. قال اللهُ تعالى: {هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون} ، وقال تعالى: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ، وقال تعالى: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} وقال تعالى: {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ} ، وقال تعالى: {فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وانقلبوا صَاغِرِينَ} ، وقال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} ، وقال تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ} . وقال تعالى: {هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق} .

بصيرة فى هنئ

بصيرة فى هنئ الَهنِئُ: أَكْل ما لا يَلْحَق الآكِلَ فيه مَشَقَّةٌ ولا وَخامة عاقِبَة، قال الله تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} . وهَنُؤَ الطعامُ يَهْنُؤ، وهَنِئَ، هَناءَةً، أَى صار هَنِيئاً. وقال الأَخفشُ: هَنَأَنِى يَهْنَؤُنِى ويَهْنِئُنِى هَنْأً وهِنْأً بالفتح والكسر. وهَنِئْتُ الطَّعامَ، أَى تَهَنَّأْتُ به. ولك المَهْنَأُ، والمَهْنَأَةُ، والمَهْنُؤَة قال أَبو حِزام غالِبُ بن الحارِث العُكْلِىّ: إِمامَ الهُدَى ارْتَحْ لنا بالغِنَى ... وتَعْجِيل خَيْر له مَهْنَؤُهْ وهَنِئْتُ به: فَرِحْتُ. [وقوله تعالى] : {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} ، أَى من غَير تَعَب وكذلك كُلّ يأْتيك من غير تَعَب. وقيل: أَكْلاً هَنِيئاً بطِيب النَّفْس. وهَنِيئاً: لا إِثْمَ فيه؛ ومَريئاً: لا داءَ فيه. وقال ابن الأَعرابىّ: هَنَأَنِى الطَّعامُ وهَنِئَنى فهو هَنِئٌ. والهَنِئُ: الطَّعامُ. وهَنَأَهُ: نَصَرَهُ. وهَنَأَتُ الرّجلَ أَهْنَؤُه وأَهْنِئُه أَيضاً هَناءً: إِذا أَعْطَيْتَه.

والتَّهْنِئَةُ: خِلافُ التَّعْزِيَة: يُقال: هَنَّأْتُه بالوِلاية تهنئةً وتَهْنِيئاً وهذا مُهَنَّأُ قد جاءَ، وهو اسمُ رجل. واسْتَهْنَأَ: استَنْصَر؛ واسْتَهْنَأَ أَيضا: استَعْطَى قال أَبو حِزام غالبُ بن الحارث العُكْلىّ: أُلَزّىءُ مُسْتَهْنِئاً فى البَدِىءِ ... فَيرْمَأُ فيه ولا يَبْذَؤُه واهْتَنَأْتُ مالِى: أَصْلَحْتُه. وَهَنَأْتُ البَعِيرَ أَهْنَؤُه وأَهْنِئُه: إِذا طَلَيْتَه بالقَطِران. قال ابن مسعود رضى الله عنه: "لأَنْ أَزاحِمَ جَمَلاً قَدْهُنِئَ بالقَطِران أَحَبُّ إِلىّ من أَنْ أَزاحِمَ امرأَةً عَطِرَةً"، قال المُتَنَبِّى: إِنَّما التَّهْنِئاتُ للأَكْفاءِ ... ولِمَنْ يَدَّنى من البُعَداءِ وأَنا مِنْكَ، لا يُهَنِّئُ عُضْوٌ ... بالمَسَرَّاتِ سائِرَ الأَعْضاءِ

بصيرة فى هود

بصيرة فى هود هادَ يَهُودُ هَوْداً: تابَ ورَجعَ إِلى الحقّ، قال الله تعالى: {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} أَى تُبْنَا، وقال ابن عرفة أَى سَكَنَّا إِلى أَمْرِك. وتقول: هذه هودٌ إِذا أَردتَ سورةَ هودٍ، وإِنْ جعلت هُوداً اسمَ السورة لم تَصْرِفْه، وكذلك نوحٌ، ونونٌ. [والهُودُ: اليَهُودُ، وأَراد باليَهُود] اليهوديِّين، ولكنهم حذفوا ياءَ الإِضافة كما قالوا: زَنْجِىٌّ وزِنْجٌ ورُومِىٌّ ورُومٌ، وإِنَّما عُرِّفَ على هذا الحَدّ فجُمعَ على قِياس شَعِيرَة وشَعير، ثم عُرّف الجمعُ بالأَلف واللاَّم، ولولا ذلك لم يَجُز دُخول الأَلف واللاَّم عليه لأَنَّه معرفةٌ مؤنَّثٌ، فجرَى فى كلامهم مَجْرى القَبيلة ولم يُجْعَل كالحَىِّ، قال الأَسْوَدُ بن يَعْفر النَهْشَلّى: فَرَّتْ يَهُودُ وَأَسْلَمُوا جِيرانَهُمْ ... صَمِّى لِما فَعَلَتْ يَهُودُ صَمامِ وقد يُجْمع اليَهُودُ على / يُهْدان قال حَسّانُ رضى الله عنه يَهْجُو الضحّاك ابن خليفة رضى الله عنه فى شَأْن بنى قُرَيْظَةَ وكان، أَبو الضحّاك منافِقاً. أَتُحِبُّ يُهْدان الحجاز ودِينُهُمْ ... عَبَدَ الحِمارَ ولا تُحِبُّ مُحَمَّدَا وقيل يَهُود فى الأَصْلِ من قولهم: {إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ} وصار اسمَ مَدْح،

ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازِماً لهم وإِن لم يكن فيه معنى المدح، كما أَنَّ النَّصارى فى الأَصل من قولهم: {نَحْنُ أَنْصَارُ الله} ثمّ صار لازِماً لهم بعد نسخ شريعتهم. وهادَ فلانٌ: تَحَرَّى طريقةَ اليَهُودِ فى الدّين، قال الله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ} ، وقوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً} أَى اليَهُود. قال الفرّاء، حُذِفت الياءُ الزائدةٌ، ورجع إِلى الفِعْل من اليَهُودّية. وقال الأَخْفش الهُودُ: جمع هائِد مثل عائد وعُود. وكذا قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً} . وَالْهَوَادَةُ: الصُّلْح، والمحاباة، والرُّخصة، والحُرْمَةُ. والتَّهِويد: المَشْىُ الرُّوَيْد مثلُ الدَّبيب، والسّكونُ فى المنطق؛ والنَّوْم؛ وأَن يصير الإِنسان يَهودياً، وفى الحديث: "كلُّ مَوْلُود يُولَدُ على الفِطْرَة فأَبواه يُهَوِّدانِه أَو يَنَصِّرانِه أَو يُمَجِّسانه". والتَّهَوُّد: التَّوْبةُ والعَمَلُ الصّالح. وتَهَوَّد فى مِشْيَته: مَشَى مَشْياً رَفيقاً تشبّها باليَهُود فى حركتهم عند القراءَة. وتَهَوَّد أَيضاً: صار يَهُودِيّاً، وهذا يُعَدُّ من الأَضداد.

والمُتَهَوِّد: المتوصِّل بَرحِمٍ أَو حُرْمة، المتقرّب بإِحْداهما، قال زُهَيْرُ بنُ أَبى سُلْمَى: تَقِىٌّ نَقِىٌّ لم يُكَثِّرْ غَنِيمَةً ... بِنَهْكَةِ ذى قُرْبَى ولا بَحَقَلَّدِ سِوَى رُبَعٍ لم يأْتِ فيه مخافةً ... ولا رَهَقاً من عابِدٍ مُتَهَوِّدِ الرُّبَع: جمع ربعة، وهى المِرْباع. والمُهاوَدَة: المُعاوَدَةُ، والمُصالَحَةُ، والمُمايَلَة.

بصيرة فى هود وهون

بصيرة فى هود وهون هارَ البِناءُ، وهَوَّرْتُه فَتَهَوَّر: إِذا سَقَط، وكذلك انْهارَ، قال الله تعالى: {على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فانهار بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} ، وقُرِئ جُرُفٍ هائر. يقال: بئرٌ هارٌ. وهارٍ وهائرٌ ومُنْهارٌ. وهارَ الجُرْفُ وانْهارَ وتَهَوَّر: سقط؛ (وتهوّر الليلُ: اشتدَّ ظَلامه) وتهوّر الشتاءُ: أَدْبَر. وفلانٌ يَتَهَوَّر فى الأُمُورِ: يَقَع فيها بغير فِكْر. وإِنَّ فيه لَهَوْرَةٌ، وإِنَّه لَهَيِّر. هانَ يَهُونُ هُوْناً وهَواناً ومَهانَةً: ذَلَّ، فهو هَيِّنٌ وهَيْن، وأَهْوَنُ. وهانَ يَهُونُ هُونا بالضمّ: سَهُلَ، قال الله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أَى هَيِّنٌ.

والهَوْنُ: السَّكِينة والوَقار؛ والحَقير. والهُون بالضم: الخِزْىُ. وهَوَّنَه اللهُ: سَهَّلَه وخَفَّفه. وَهَوَّنَهُ واسْتهانَ به وتَهاوَن به: أَهانَهُ. وَهَيْنٌ وهَيِّن: ساكنٌ مُتَّئد. وقيل: بالتشديد من الهَوان، وبالتخفيف من اللِّين. وقيل: الهَوانُ على وَجْهَيْن: أَحدُهما: تذلُّل الإِنسان فى نَفْسِه لما لا يُلْحِق به غَضاضة فيُمدح به، نحو قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرحمان الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً} ، وفى الحديث: "المُؤمِنُون هَيِّنُونَ لَيِّنونَ". والثَّانى: أَن يكون من متسلِّط مستَخِفّ به فيُذَمُّ به، وهذا قولُه تعالَى: {فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} ، وقوله تعالى: {وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} . وقولُه تعالى: {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} ، أَى سَهْل. وقوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ} ، أَى ضعيف. وقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً} ، أَى حقيراً يسيراً.

وعَلى هَوْنِك/ وهَيْنَتِكَ، أَى على رِسْلك. والمُهْوَئنُّ: المكانُ البَعِيدُ، أَو الوَهْدةُ. واهْوَأنَّت المفازةٌ: اطْمَأَنَّت فى سَعَة. وهو يُهاوِنُ نَفْسَه: يَرْفُقُ بها، قال الشَّمَرْدَل شَرِيك اليَرْبُوعىّ: دَخَلَتْ هَوادجَهُنَّ كُلّ رِبْحَلَة ... قامَتْ تُهاوِنُ خَلْقَها المَمْكُورا ويقال: إِذا عَزَّ أَخُوك فَهُنْ. وإِنَّه لَهَوْنُ المَؤُونَة، وهَيْنُ المَؤُونةِ، للشَّىءِ الخفيف.

بصيرة فى هوى

بصيرة فى هوى الهَوَى: مَيْلُ النَّفس إِلى الشَّهْوَة. ويُقال ذلك للنَّفْس المائلةِ إِلى الشَّهْوة، قال الله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى} . وقال بعض العارفين: إِنِّى بُليتُ بأَرْبَعٍ يَرْميِنَنِى ... بالنَّبْل من قَوْسٍ لها تَوْتيرُ إِبْلِيسُ والدُّنيا ونَفْسِىَ والهَوَى ... يا رَبّ أَنتَ على الخَلاصِ قَدِيرُ وقيل: الهَوَى: العِشْقُ، ويكون فى الخَيْر والشرّ. والهَوَى أَيضا: إِرادةُ النَّفْس. والهَوَى: المحَبَّة، هَوِيَهُ يَهْوَاه، وهو هَوٍ، وهى هَوِيَةٌ، قال: أَرَاك إِذا لم أَهْوَ أَمْراً هَوِيتَهُ ... ولستَ لما أَهْوَى من الأَمرِ بالهَوى وهو من أَهلِ الأَهواء، ذَمٌّ. وقد عَظَّم اللهُ تعالَى ذَمَّ اتِّباعِ الهَوَى فى قوله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلاهه هَوَاهُ} ، وقوله: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العلم} وقال بلفظ الجَمْع تَنبيهاً على أَنَّ لكل واحد هَوًى غيرَ هَوَى الآخَرِ، ثمّ هَوَى كلِّ واحد لا يَتناهَى، فإِذاً اتِّباعُ أَهوائهم نهايةُ الضلال والحَيْرَة. وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ الله} . وهَوَى الْعُقابُ هُوِيّاً: انقَضَّتْ على صَيْد أَو غيره. وَهَوَى الشىءُ

وأَهْوَى وانْهَوَى: سَقَط. وهَوَتْ يَدى له، وأَهْوَت: ارْتَفَعَت؛ والرِّيحُ: هَبَّت؛ وفلانٌ: ماتَ. وهَوَى يَهْوِى هَوِيّاً وهُوِيّاً وهَوَياناً: سَقَط من عُلْو إِلى سُفْل. وهَوَى الجَبَلَ وإِلَيْه: صَعِدَهُ هُوِيّاً. قال الشَّمَّاخُ: على طَرِيقٍ كظَهْرِ الأَيْم مُطَّرِد ... يَهْوِى إِلى قُنَّةٍ فى مَنْهَل عالى وقال آخر: يَهْوِى مَخارِمَها هُوِىَّ الأَجْدَل والناقةُ تَهْوِى براكبها: تُسْرِع. واسْتَهْوَتْهُ الشَّياطينُ: ذَهَبَتْ بِهَواهُ وعَقْلِه، وقيل: اسْتهامَتْه وحَيَّرَتْه، وقيل: زَيَّنَت له هَواهُ. وهذه هُوّة عَمِيقة، وهُوًى. والهاوِى: الجرادُ. وهاوِيَةُ والهاوِيَةُ: جَهَنَّم أَعاذَنا الله منها. وطاحَ فى المَهْواة والهاوِيَة، وهى ما بين الجَبَلَيْن. وتَهاوَوْا فيها: تَساقَطوا.

والهَوِيَّة كغَنِيّة: البَعِيدَةُ القَعْر. وسَمعَ لأُذْنِهِ هَوِيّاً، أَى دَوِيّاً. وهاواهُ: دَاراه. والهَواءُ بالمدّ: الجَوُّ، قيل: ومنه قولُه تعالَى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ} إِذْ هى بمنزلَة (الهواء) فى الخَلاءِ. وأَهْواهُ: رَفَعَه فى الهَواءِ وأَسْقَطَه، قال تعالى: {والمؤتفكة أهوى} . ويقال للجبَان: إِنَّهُ لَهَواءٌ، أَى خالِى القَلْبِ من الجُرْأَة، والأَصل الجَوُّ. وهَوَت الدَّلْوُ فى البئر هَوِيّاً، بالفتح: نَزَلَتْ.

بصيرة فى هيت

بصيرة فى هيت قولهم: هَيْتَ لَكَ أَى هَلُمَّ، قال زَيْدُ بن علىّ بن أَبى طالب رضى الله عنه: أَبْلِغْ أَمِيرَ المُؤْمِنينَ ... أَخا العراق إِذا أَتَيْتَا إِنَّ العِراقَ وأَهْلَه ... سِلْمٌ إِليكَ فهَيْتَ هَيْتا يستوِى فيه الواحدُ والجمعُ والمؤنَّث، إِلاَّ أَنَّ العددَ فيما بَعْدَه، تَقُولُ: هَيْتَ لَكَ، هَيْتَ لكُما، وهَيْتَ لَكُنَّ، وهَيْتِ لَكَ بكسر التاءِ لُغَةً فيها. وقرأَ ابنُ عبّاس رضى الله عنهما وأَبو الأَسْوَد الدؤلىّ وابنُ مُحَيْصِن والجَحْدَرِىّ وابنُ إِسحاق، وعيسى بنُ عُمَرَ: {وَقَالَتْ هَيْتَ} بكسر التاءِ. والهيتُ بالكسر: الموضعُ الغامِضُ من الأَرض، قال رؤبة يذكر يُونُس/ صَلوات الله عليه: وصاحبُ الحُوتِ وأَيْنَ الحُوتُ ... فى ظُلُمات تَحْتَهُنَّ هِيتُ ويقال هاتِ يا رجلُ بكسر التاءِ، أَى اعْطِنى وللاثنين: هاتِيَا مثل آتِيا، وللجَمْع: هاتُوا، وللمرأة: هاتِى، وللمرأتين: هاتِيا، وللنساءِ

هَاتِينَ، قال الله تعالى: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} . وتقولُ: هاتِ لاهاتَيْتَ [وهاتِ إِنْ كان بك مُهاتاةٌ. وما أُهاتِيك كما تقول: ما أُعاطيك. ولا يُقال منه: هاتيت] . قال الخليل: أَصل هاتِ من آتَى يُؤتِى فقلبت الهمزة هاء. وهَيّتَ به وهَوَّت به، أَى صاحَ ودعا، قال: قد رابَنِى أَنَّ الكَرِىَّ أَسْكَتَا ... لَوْ كان مَعْنِيّاً بِنَا لَهَيَّتا وهَيْهاتَ، وأَيْهاتَ، وهيهان وأَيْهانَ، وهايهاتَ، وهايهان وآيهات وآيْهان، مثلَّثاتٌ مبنيّات [و] معربات. وهَيْهاهْ ساكنةَ الآخِرِ، وأَيْهَا وآيآت، إِحدى وخمسونَ لغة كُلٌّ يُستعمل لتبعيد الشىء، وتقول منه: هَيْهَيْتُ هَيْهاءً وهَيْهاتاً، ومنه قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} ، قال الزَّجاج: أَى البُعْدُ لِما تُوعَدُون، وقال غيره: غَلِط الزَجّاج وإِنَّما غَلَّطَه اللاَّمُ، فإِنْ تقديره بَعُدَ الأَمْرُ والوَعْدُ لما تُوعَدُون لأَجْله.

بصيرة فى هيج وهيم

بصيرة فى هيج وهيم يقال: هاجَ به الدَّمُ والمِرَّةُ، وهاجَ الغُبار: سَطَع. وهاجَهُ غَيْرُهُ وهَيَّجَه، وهايَجُوه فلم يَجِدوا مَحِيصاً. وهاجت لَه الدارُ الشَوْق فاهْتاجَ، قال: هِيه وإِنْ هِجْناك يابْنَ الأَطْوَلِ ... ضَرْباً بكَفَّىْ بَطَلٍ لم يَنْكُلِ وهَيَّجْتُ الناقَةَ فانْبَعَثَتْ. وناقةٌ مِهْياجٌ: نَزُوعٌ إِلى أَوْطانِها. وشَهِدْتُ الهَيْجَ والهَيْجاءَ والهِياجَ، أَى الحَرْبَ. وهاجَ الشَرُّ بين [القوم] ، وهَيَّجَه فُلانٌ. وهاجَ الفَحْلُ هَيْجاً وهِياجاً: هَدَر. وإِذا اسْتَقَلَّ الرّجلُ غَضَباً قيل: هاجَ هائجُهُ. وهاجَ البَقْلُ: أَخَذَ فى اليُبْس، قال الله تعالى: {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} وأَهْيَجْتُ الأَرضَ: صادَفْتُها كذلك. وهاجَت الأَرْضُ فهى أَرضٌ هائجةٌ

هامَ يَهيمُ هَيْماً وهَيَماناً: أَحبَّ امرأَةً. والهِيمُ: الإِبِلُ العِطاش. قال الله تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم} . ورجُلٌ هائِم وهَيُومٌ: مُتحَيِّر. ورجلٌ هَيْمانُ: عَطْشان، [وهى هَيْمىَ] والجمعُ هِيمٌ. والهُيَّامُ: العُشَّاقُ المُوَسْوِسُون. والهُيامُ كغرابٍ: كالجُنون من العِشْق. والهُيام: العَطَشُ. والهَيام كسحابٍ: ما لا يَتمالَكُ من الرَّمْل يَنْهارُ أَبداً، وقيل: هو من الرَّمْلِ ما كان تُراباً يابِساً. والهِيامُ ككتاب الجَمْعُ؛ وما كان دُقاقاً يابساً من التراب. وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} أَى فى كلّ نوع من أَنواع الكَلامِ، أَى يُغالُون فى المَدْح والذَمِّ وسائر ما يتحرَّوْنَه من صُنوف الكلام، ومنه الهائم على وجْهه.

بصيرة فى هيأ

بصيرة فى هيأ الهيئة الشَّأْنُ. وفلانٌ حَسَنُ الهَيْئَة والهيئةَ بالفتح وبالكسر. والهَيِّئُ على فَيْعِل: الحَسَنُ الهيئة من كلِّ شَىءٍ. قال تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير} . وقوله: ياهَىْءَ مالى: كلمة تأَسُّف وتَلَهُّف، وأَنشد الكسائىّ لنُوَيْفع ابن لَقِيط الأَسَدِىّ: يا هَىءءَ مالى من يُعَمَّرْ يُفْنِهِ ... مَرُّ الزَّمانِ عليه والتَّقْلِيبُ قال أَبو زيد: هِئْتُ للأَمْرِ أَهِىءُ هَيْئَةً. وقرأَ علىّ بن أَبى طالب وابنُ عبّاس رضى الله عنهم، وشقيق بن سَلَمة والسّلمّى، ومُجاهد، وعِكْرِمة، وابن وَثَّاب، وقَتادَةُ، وطَلْحَةُ، بن مَصَرِّف، وابنُ أَبى إِسحاق: {وقَالَتْ هِئْتُ لك} بكسر الهاءِ وبالهَمْز، أَى تَهَيّأَتُ لك.

وهَيَّأَتُ الشىءَ فتَهَيَّأَ، أَى أَصْلَحتُه فصَلَحَ. قال الله تعالى: {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً} . والمُهايَأَةُ: أَمرٌ يَتَهايَأُ القَوْمُ عليه فَيَتراضَوْن. وهِيّاكَ أَنْ تَفْعَل كذا لغة فى إِيّاكَ.

الباب التاسع والعشرون - فى الكلمات المفتتحة بحرف الياء

الباب التاسع والعشرون - فى الكلمات المفتتحة بحرف الياء

بصيرة فى الياء

بصيرة فى الياء وهى حرف هجاءٍ شَجْرِىٌّ مخرجُه من مفتتح الفم جوار مخرج الصّاد، والنسبة إِليه يائِىٌّ وياوِىٌّ ويَوِىٌّ. والفعل منه يَاءَيْتُ ياءً حسنةً وحَسْناءُ، والأَصل يَيَّيْتُ، اجتمعت أَربعُ ياءَات متوالية قلبوا اليائين المتوسطتين أَلفاً وهمزة طلبا للتخفيف. 2 - الياءُ فى حساب الجُمَّل: اسمٌ لعدد العَشَرَة. 3 - الياءُ الأَصلىّ: الذى يكون تارةً فى أَوَّل الكلمةِ، نحو يُمْن، وتارة فى وسطها، نحو: مَيْن، وتارة فى آخرها نحو: ظَبْى ولَحْى. 4 - الياءُ المكرّرة، نحو: حَىٍّ وطَىٍّ فى الأَسماءِ، وعَيَّن وبَيَّنَ فى الأَفعال. 5 - الياءِ الكافية عن كلمة نحو: يس، وكهيعص، الياءُ من اليُمْنِ، والسّين من السّيّد، وهكذا باقى الحروف. 6 - ياءُ الوَقْف، فى نحو: حُبْلَى وكِسْرَى إِذا وقفوا عليها جعلوا الأَلف المقصورة ياء.

7 - ياءُ التَّثْنِيَة [نحو] : رأَيت الزَّيْدَين، {وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين} ، {إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ} ، {وَجَعَلْنَا الليل والنهار آيَتَيْنِ} . 8 - ياءُ الجمع: {إِنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} . - ياءُ الإِعراب فى الأَسماءِ نحو: رَبِّ اغْفِرْ لىِ ولأَبِى: {لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} . 10 - ياءُ الاستقبال فى حال الإِخبار، نحو؛ يدخُلُ، ويَخْرج. 11 - الياءُ الفارِقة المميّزة بين الخطاب والتأْنيث، نحو: تضرِبِى وتَدْخُلى. 12 - ياءُ الإِضافَةِ، وتكون مخفَّفة، نحو: دارِى وغُلامِى {قُلْ ياعبادي} . 13 - ياءُ النسبة، وتكون مُشدّدة، نحو: عَرَبِىٍّ وقرَشىٍّ. 14 - ياءُ المؤنَّث: {فادخلي فِي عِبَادِي * وادخلي جَنَّتِي} . 15 - ياءُ التصغير: {يابني اركب مَّعَنَا} ، {يابني لاَ تُشْرِكْ بالله} ، ونحوه: أُخَىٌّ وأُخَيَّة، ورُجَيْل ومُرَيَّة. - ياء النِّداءِ: يا رَبَّنا.

17 - الياءُ الزائدة، وهذه قد تكون فى أَوّل الكلمة نحو: يرمع، ويَعْسُوب؛ أَو فى ثانيها نحو: حَيْدَر وصَيْقَل؛ أَو فى ثالثها، نحو: خَطِيب وخَطِير؛ أَو فى رابِعها نحو: قِنْدِيل ومِنْدِيل؛ أَو فى خامسها نحو: خَنْدَرِيس وعَنْتَرِيس. - الياءُ المبْدَلة، وهذه إِما أَن تكون من أَلف: كحِمْلاق فى حمليق أو من باءٍ: كالثَّعالِى فى ثَعالِب، أَو من ثاءٍ: كالثَّالِى فى الثَّالِث، أَو من راءٍ: كقِيراط فى قِرّاط، أَو من سين: كالسّادِى والخامِى فى السّادس والخامس، أَو من صاد: نحو قصَّيْتُ أَظفارى فى قَصَّصْت، أَو من ضاد نحو: تَقَضَّى البازى أَى تَقَضَّضَ، أَو من عين: كالضَّفادِى فى ضَفادع، أَو من كاف: كالمَكاكِى فى جمع مَكُّوك، أَو من لام نحو: أَمْلَيْتُ فى أَمْللت، أَو من ميم نحو: دِيماس فى دِمّاس، أَو من نون نحو: دِينار والأَصلُ دِنَّارٌ؛ أَو من واو نحو: ميزانٍ، والأَصل مِوْزان؛ أَو من هاءٍ نحو: دَهْدَيْتُ الحجر فى دَهْدَهْتُه. 19 - الياءُ اللُّغَوِىّ، قال الخليل: الياءُ عندهم النَّاحِيَة. تَيَمَّمتُ ياءَ الحَىِّ حين رَأَيْتُها ... تُضِىءُ كبَدْر طالِعٍ ليلَةَ البَدْرِ

بصيرة فى يئس

بصيرة فى يئس اليَأْسُ واليأسَةُ: القُنوط. ابن فارس: اليأَسُ: قَطْع الأَملِ/ وليس فى كلام العرب ياءٌ فى صدر الكلام بعدها همزةٌ إِلاَّ هذه، يقال: يَئِسَ من الشىءِ يَيْأَسُ، مِثال عَلِمَ يَعْلَمُ، وفيه لغة أَخرى: يِئِسَ يَيْئِسُ بالكسر فيهما، وهى شاذة، وقرأَ الأَعرج ومجاهدٌ {لا تِيْئَسُوا من رَوْحِ الله} بكسر التاءِ. وقرأَ ابن عبّاس رضى الله عنهما {إِنَّه لا يِيْئَسُ من رَوْحِ الله} وهذا على لغة تميم وأَسَد وقَيْسٍ ورَبِيعة، يكسرون أَوّل المستقبَل إِلاَّ ما كان فى أَوّله ياءٌ نحو يَعْلم لاستثقالهم الكسرة على الياءِ، وإِنَّما يكسرون فى يَِيْأَس ويَِيْجَل لتَقَوِّى إِحدى الياءَيْن بالأُخْرَى. ورجل يَؤُسٌ ويَوؤُسٌ مثل حَذُر وصَبُورٍ. وقال المبرّد: منهم من يبدل فى المستقبل من الياءِ الثانية أَلِفاً فيقول ياءَس. قال: ويُقال يَئِسَ يَيْأَس كَحَسِبَ يَحْسَب، ونَعِمَ يَنْعَمُ، ويَئِسَ يَيْئِسُ بالكسر فيهنّ. وقال أَبو زَيْد: عُلْيا مُضَر يقولون: يَحْسِبُ وَينْعِمُ وَيَيَئْسُ بالكسر، وسُفلاها بالفتح. وقال سيبويه: وهذا عند أَصحابنا يجىءُ على لُغَتَيْن، يعنى يَئِسَ يَيْأَسُ وَيأَسَ يَيْئِسُ، ثم يركّب منهما لغة ثالثة. وأَمّا وَمِقَ يَمِقُ ووَثِقَ يَثِقُ ووَرمَ يَرمُ ووَلِىَ يَلِى ووَفِقَ يَفِقُ ووَرثَ يَرثُ فلا يجوز فيهنَّ إِلاَّ الكسر لغة واحدة.

ويَئِسَ أَيضا بمعنى عَلِمَ فى لغة النَخَع، ومنه قوله: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا} . كان علىّ بن أَبى طالبِ رضى الله عنه ومُجاهِدٌ وأَبو جَعْفر والْجَحْدِرىّ وابنُ كَثِيرٍ وابنُ عامرٍ يقرأُون: (أَفَلَمْ يتبيّن الَّذين آمَنُوا) ، فقيل لابن عبّاس: إِنَّها يَيْأَس، فقال: أَظنَّ الكاتب كتَبها وهو ناعِسٌ. وقال سُحَيُمُ بن وَثِيل اليَرْبُوعى الرِّياحىّ. وقُلْتُ لهم بالشَّعب إِذْ يَيْسِرُونَنِى ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّى ابنُ فارِسِ زَهْدَمِ وقال الفَرّاء فى قوله تعالى: {أَفلَمْ يَيْئَسِ الَّذِين آمَنُوا} أَفَلَمْ يَعْلَم قال: وهو فى المعنى على تفسيرهم، لأَنّ الله تعالى قد أَوْقَع إِلى المؤمنين أَنْ لَوْ شاءَ لَهَدَى النَّاسَ جميعاً فقال: أَفلم ييأَسوا علماً، يقول: يُؤيسُهم العلم، فكان العلم فيه مضمرا، كما تقول فى الكلام: قد يَئِستُ منك أَلاَّ تُفْلح، كأَنَّك: قلت [قد] عَلِمْتُه عِلْماً. وقيل معناه: أَفلَمْ يَيْأَس الَّذين آمنوا من إِيمان من وَصَفَهم الله بأَنَّهم لا يؤمنون، لأَنه قال: {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى} . وقوله: {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} قال ابن عرفة:

مَعْنَى قَوْلِ مجاهد: كما يئس الكفّار فى قبورهم من رحمة الله تعالى، لأَنَّهم آمنوا بعد المَوْت بالغَيْب فلم ينفعُهم إِيمانُهم حينئذ، وعلىّ قال: كما يَئِسُوا أَنْ يُحْيَوْا ويُبْعَثُوا. وأَيْأَسْتُه وآيَسْتُه: قَنَّطْتُه، قال طَرَفَة بنُ العَبْد: وأَيْأَسَنى من كُلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُه ... كَأَناً وَضَعْناه إِلى رَمْس مُلْحَدِ واتّأَسَ على افْتَعَل، واسْتَيْأَسَ بمعنى تأَيَّس، قال الله تعالى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} .

بصيرة فى يبس

بصيرة فى يبس اليُبْسُ بالضَمِّ مصدرُ قولك: يَبِسَ الشىءُ بالكَسْر يَيْبَسُ ويابَسُ، وفيه لغة أُخرَى: يَبِسَ يَيْبِسُ بالكسر فيهما، وهو شاذٌ. واليَبْسُ: اليابِسُ، يُقال: حَطَبٌ يَبْسٌ بالفتح قال ابن عَبَدَةَ: تُخَشْخِشُ أَبْدانُ الحَدِيدِ عَلَيْهِمُ ... كما خَشْخَشَتْ يَبْسَ الحَصادِ جَنُوبُ وقال ابن السكيت: هو جَمْع يابِسٍ مثل راكِب ورَكْب. وقال أَبو عُبَيْد فى قول ذى الرّمَّة: ولَمْ يَبْقَ بالخَلْصاءِ مِمَّا عَنَتْ به ... من الرُّطْبِ إِلاَّ يُبْسُها وهَجِيرُها ويُروَى بالفَتْح، قال: وهما لُغتان. /وقرأَ الحسن البصرىّ: {طَرِيقاً فى البَحْرِ يَبْساً} بالفتح وسكون الباءِ، وقرأَ الأَعْمَش: يَبِساً بكسر الباءِ، وهى [لغة فى فتح] الباءِ. والعرب تقول فيما أَصلُه اليُبُوسة ولم يُعْهَد رَطْباً قطُّ: هَذا شىءٌ يَبَسٌ بفتح الباءِ، فإِن كان يعهد رَطْباً ثمَّ يَبِسَ فبسُكُونها، يقال: هذا حَطَبٌ يَبْسٌ وموضِعٌ يَبْسٌ أَى كانا رَطْبَيْن ثم يَبِسا. والطريق الَّذى ضَربَهُ الله لموسَى عليه السّلام وأَصحابه لم يُعْهَد قطّ طريقاً لا رَطْباً ولا يابِساً إِنما أَظهره الله تعالى

لهم جَسَداً مخلوقاً على ذلك لتعظيم الآية وإِيضاحها. وأَمّا قِراءَة إِسكان الباء فذهابا إِلى أَنَّه وإِنْ لم يكن طريقاً فإِنَّه موضعٌ قد كان فيه ماءٌ فيَبسَ. وحرّك العجّاج الباء، للضرورة فى قوله: تسمعُ لِلْحَلْىِ إِذا ما وَسْوَسا ... والْتَّجَّ فى أَجْيادِها وأَخْرَسَا رَفْرَفَةَ الرّيحِ الحَصادَ اليُبَّسا ويقال: شاةٌ يَبَسٌ: إِذا لم يكن بها لَبَنٌ، ويَبْسٌ أَيضاً بالتسكين، حكاهما أَبو عبيدة. وقال ابنُ عبّاد: اليَبْسة: التى لا لَبَنَ لها من الشَّاءِ، والجمع اليَبَساتُ واليباس. والأَيْبَسانِ: مالا لَحْمَ عَلَيْه من السّاقين، وقيل: ما ظهر من عَظْمَى وَظِيفِ الفَرَس وغيره، وهو اسمٌ لا نَعْت، ولهذا جُمِع على أَيابِس. واليَبِيسُ من النَّبات: ما يَبِس منه، يقال يَبِسَ فهو يَبيسٌ مثال سَلِمَ فهو سَلِيمٌ. ويَبيسُ الماءِ: العَرَقُ، قال بشْرُ بن أَبى خازِم يصف حِجْراً. تراها من يَبيس الماءِ شُهْباً. إِنَّما قال شُهْباً لأَنَّ العَرَق يجفّ عليها فتَبْيَضُّ.

وأَيْبِسْ يا رجلُ، أَى اسْكُتُ. وأَيْبَسَتِ الأَرضُ: يَبِسَ بَقْلُها. وأَيْبَسَه، وَيَبَّسَهُ تَيْبِيساً: جفَّفه قال جريرٌ: فلا تُوبِسُوا بَيْنِى وبَيْنَكُمُ الثَّرىَ ... فإِنَّ الَّذِى بَيْنِى وبَيْنَكُمُ مُثْرِى واتَّبَسَ على افْتَعل: يَبِسَ.

بصيرة فى اليتم

بصيرة فى اليتم اليُتْم: انْقِطاعُ الطِّفل عن الأَبِ قبلَ بُلوغه، وفى سائر الحيوان مِنْ قِبَلِ أُمِّه، قال الله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى} والجمع: يَتامَى، وأَيْتامٌ، ويَتَمَةٌ، وَميْتَمةٌ، قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى} . وقال اللغويّون: اليَتْمُ: الانْفرادُ؛ والهَمُّ. واليَتِيمُ: الفَرْدُ من كلِّ شىءٍ. واليُتْمُ بالضمِّ، والْيَتَمُ بالتحريك: فِقْدَانُ الأَبِ، يَتَمَ يَيْتِمُ كضرب يَضْرِب، ويَتِم يَيْتَمُ، كعَلِمَ يَعْلَم، يُتْما ويَتْماً، وهو يَتِيمٌ ويَتْمانُ ما لَمْ يَبْلُغ الحُلُمَ. وامرأَةٌ مُوتِمٌ، ونِسوَةٌ مَياتِيم. ويَتِمَ كفَرِحَ: قَصَّرَ؛ وفَتَرَ؛ وأَعْيَا؛ وأَبْطَأَ. ويقال: دُرَّةٌ يَتِيمَةٌ تنبيهاً أَنَّه قد انقطعَ مادَّتُها التى خَرجت منها. ويقال: بَيْتٌ يَتِيمٌ تشبيهاً بالدُّرَّةِ الْيَتِيمة.

بصيرة فى اليد

بصيرة فى اليد اليَدُ: الكَفُّ، وقيل: اليَدُ من أَطْرافِ الأَصابع إِلى الكَتِفِ وأَصلُها يَدْىٌ، والجَمْعُ يُدِىٌّ، وجمع الجمع أَيادٍ. وفيها لُغات: اليَدُ بالتخفيف، واليَدُّ بالتشديد، واليَدَى كفَتَى، واليَدَه. وإِنمّا قلنا أَصلها يَدْىٌ لأَنهم يجمعونها على أَيْدٍ، وأَيْدٍ أَفْعُلٌ، وأَفعُلٌ فى جمع فَعْلٍ أَكثرُ نحو أَظْبٍ وأَفْلُس، قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ} ، وقوله تعالى: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق} وقولُهم: يَدَيان يدلّ على أَنَّ أَصلَه فَعْلٌ. ويَدَيْتُه: ضربتُ يَدَه. واستُعِير اليَدُ للجاهِ، والوَقارِ، والطَّرِيق، ومَنْع الظُلْم، والقُوَّةِ، والقُدْرَة، والسُّلْطانِ، والمِلْكِ - بكسر الميم - والجماعَةِ، والأَكل، والنَّدَم، والغِياثِ، والإِسْلامِ، والذُلِّ، والنِّعْمَة، والإِحسان، والجمع: يُدِىٌّ مثلَّثة الأَوّل، وأَيْدٍ. ويُدِىَ كعُنَى، ويَدِىَ كرَضِىَ، وهذه ضعيفة: أُولِىَ بِرّاً. ويَدَيْتُه: أَصَبْتُ/ يَدَه؛ واتْخَذْت عنده يَداً كأَيْدَيْتُ عِنْدَه، وهذه أَكثر، فأَنا مُودٍ، وهو مُودًى إِليه.

ويقال: هذا فى يَدِ فُلان، أَى فى حَوْزه ومِلْكه، قال الله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح} . ولفُلان يَدٌ على كذا، أَى قُوَّةٌ وتسلُّطٌ. ومالِى بكذا يَدٌ، وَمالى به يَدانِ.. وَيدُهُ مُطْلَقَة، عبارة عن بَثِّ النِّعْمة، ويَدُه مَغْلُولَة، عبارة عن إِمْساك النِّعَم، قال الله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط} تنبيها على التوسُّط بين طَرَفى التبذير والتَّقتير. ويُقال: نَفضْتُ يَدِى عن كذا، أَى خَلَّيْتُه وَتَركتُه. وقولُه تعالى: {إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس} أَى قَوَّيْتُ يَدَك وقوله: {فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} تنبيه أَنَّهم اخْتَلَقُوه، وذلك كنسبة القول إِلى أَفْواهِهم فى قوله: {ذلك قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} تنبيهاً على اختلاقِهم. وقوله تعالى: {أُوْلِي الأيدي والأبصار} إِشارَة إِلى القُوَّةِ الموجودة لهم. وقولُه: {واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد} أَى القَوىّ. وقوله: {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} أَى يُعْطُون ما يُعْطُون عن مُقابَلَةِ نِعْمَة عليهم فى مُقارَّتِهِم. ومَوْضِعُ قولِه عن يَد

حالٌ. وقيل: بعد اعْتِرافِ أَنَّ أَيْدِيَكم فَوْق أَيْدِيهم، أَى يُلْزَمون الذُل. ويقال: فلانٌ يَدُ فُلان، أَى وَلِيُّه وناصِرُهُ. ويقال لأَولِياءِ الله هم أَيْدِى الله، وعلى هذا الوجه قال الله تعالى: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} فإِذا يَدُه صلَّى الله عليه وسلَّم يَدُ الله، وإِذا كان يَدُه فوق أُيْدِيهم فيَدُ الله فوق أَيْدِيهم. ويؤيّد ذلك ما فى الصّحيحين من الحديث القدسىّ: "لا يزال العَبْدُ يَتَقَرّب إِلّى بالنَّوافل حَتَّى أُحِبَّه، فإِذا أَحْبَبْتُه كنتُ سَمْعَه الَّذى يَسْمَع به، وبصره الذى يُبْصر بهِ، ويَدُه الَّتى يَبْطِشُ بها". وقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} عبارةٌ عن تَوَلِّيهِ لِخَلْقه باختراعه الذى ليس إِلا له تعالى. وخُصَّ لفظُ اليَد إِذ هى أَجَلُّ الجوارح الَّتى يُتَوَلَّى بها الفعل فيما بيننا لِيُتَصَوَّر لنا اختصاصُ المعنَى، لا لنَتَصَوَّر منه تَشْبِيهاً. وقيل: معناه بنِعْمَتى التى رشَّحْتُها لهم. والباءُ فيه ليس كالباءِ فى قَطَعْتُه بالسِكين، بل هو كقولهم: خرجَ بسَيْفه، أَى ومَعَه سَيْفُه، أَى خلقتُه ومعه نِعْمتاىَ الدُّنْيَويّة والأُخَروِيّة الَّلتان إِذا رعاهُما بلغ بهما السّعادة الكبرى. وقولُه: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} ، قيل: نِعْمَتُه ونُصْرَتُه وقُوَّته.

ورجُلٌ يَدِىٌّ، وامرأَةٌ يَدِيَّةٌ، أَى صَناعٌ. وقولُه: {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} أَى نَدِمُوا، يقال: سُقِط (فى يده وأُسْقِط) ، وذلك عبارة عن المُتَحَسِّر أَو عمّن يُقَلِّب كَفَّيْه كما قال تعالى: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا} . وقوله تعالى: {فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} أَى كَفُّوا عمّا أُمِرْوا بقَبُوله من الحقَّ، يقال رَدَّ يَدَه فى فَمِهِ، أَى أَمْسَك ولم يُجبْ. وقيل: رَدُّوا أَيْدِى الأَنبياءِ فى أَفْواههم، أَى قالوا ضَعُوا أَنامِلَكم على أَفواهكم واسْكُتُوا. وقيل: رَدُّوا نِعَمَ الله بأَفْواههم، أَى بتكذيبهم. وقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، أَى يد نِعْمَته ويَد مِنَّتِه. وفى الحديث "اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ من اليَدِ السُّفْلَى". وقيل فى قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} إِنَّها على الأَصل، لأَنَّ يَدَا لغة فى اليَد، أَوْ هى الأَصلُ وحُذِف أَلِفُه كما قدّمناه، وقيل بل هى تَثْنِيَة اليَدِ.

بصيرة فى يسر

بصيرة فى يسر /اليُسْرُ ضدّ العُسْر، قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً * إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} . وقوله تعالى: {فَمَا استيسر مِنَ الهدي} ، أَى تَسَهَّل. ويَسَرَ الأَمْرُ ويَسُرَ وتَيَسَّرَ واسْتَيْسَرَ. ويَسَّرَه اللهُ تعالَى وياسَرَهُ: سَهَّلَهُ. وفى الدُّعاءِ للحُبْلَى: أَيْسرَتْ وأَذْكَرَتْ، أَى يُسِّرَتْ عليها الوِلادَةُ، وتَيَسّر له الخُروج. وتَيَسَّر له فَتْحٌ جليل. وخُذْ بِمَيْسورِهِ ودَع معْسُورَهُ. ويُسِرَ الأَمرُ كعُنِىَ، فهو مَيْسُورٌ، قال الله تعالى: {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} . وفَرَسٌ يَسَرٌ بفتحتين: لَيِّنُ الانْقياد، قال: إِنَّى على تَحَفُّظِى ونَزْرى ... أَعْسَرُ إِنْ ما رَسْتَنِى بعُسْرِ ويَسرٌ لمنْ أَراد يُسْرى وإِنَّ قوائِم هذه الدّابَّة يَسَراتٌ، أَى خِفاف، قال كَعْب بنُ زُهَيْر: تَخْدِى على يَسَرات وهى لاحِقَةٌ ... ذَوابلٌ وَقْعُهُنَّ الأَرْضَ تَحْلِيلُ ووِلادَةٌ يَسْرٌ. ويَسَّرَه اللهُ فتَيَسَّر.

وفى الحديث: "إِنّ هذا الدِّينَ يُسْرٌ" أَراد أَنَّه سَهْلٌ سَمْحٌ قليل التشديد. وفى حديث آخر: "يَسِّروُا ولا تُعَسِّرُوا". وفيه أَيضا: "مَنْ أَطاعَ الإِمامَ وياسَرَ الشَّريكَ"، وفيه: "كَيْفَ تَركْتَ البِلاد؟ فقالَ: تَيَسَّرَتْ" أَى أَخْصَبَت. وفيه: "لنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْن" أَى أَنَّ العُسْر بين يُسْرَيْن، إِمّا فَرَجٌ عاجلٌ فى الدّنيا، وإِمّا ثوابٌ آجلٌ فى الآخرة. وقيل: أَراد أَنَّ العُسْرَ الثانى هو الأَوَّل لأَنه ذكره مُعرَّفاً بالَّلام، وذكر اليُسْرَين نكرتين وكانا اثنين، تقول: كسبت دِرْهَماً ثمّ تقول: أَنْفَقْت الدّرهم، فالثانى هو الأَوّل المُكْتَسب. وفى الحديث أَيضاً: "تَياسَرُوا فى الصَّداق" أَى تساهَلُوا فيه ولا تُغالُوا. وفيه: "اعْمَلُوا وسَدِّدُوا وقارِبُوا، فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لمِا خُلِقَ له". وفيه: "وقد يُسِّر له طَهورٌ"، أَى هُيِّئ ووُضع. وفيه: "وقَدْ تَيَسَّر للقِتال": تَهَيّأَ له واسْتَعَدَّ. وفى حديث علىّ رضى الله عنه: "اطْعَنُوا اليَسْر" بالفتح وسكون السّين وهو الطِّعن حِذاءَ الوَجْه. وقال أَيضاً: "الشِّطْرنج مَيْسِرُ العَجَم" شَبَّه اللَّعِبَ به بالمَيْسَر، وهو القِمارُ بالقِداح. وكلُّ شىءٍ فيه قِمارٌ فهو من المَيْسر حتى لعب الصِبيان بالجَوْز. وَكان عُمَرُ رضى الله عنه أَعْسَرَ أَيْسَرَ هكذا يُرْوى، والصّواب

"أَعْسَرَ يَسرَ"، وهو الَّذى يعمل بِيَدَيْه جميعاً ويُسمَّى الأَضبَط أَيضاً. واليَسِيرُ يقال فى الشىءِ القليل. وفى الشىءِ السّهل، فعلىَ الأَوّل قولُه تعالى: {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً} ، وعلى الثانى قوله تعالى: {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً} . والمَيْسَرة واليَسارُ عِبارةٌ عن الغِنَى، قال تعالى: {فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} . واليَسار: أُخْتُ اليَمِين، واليِسارُ بالكسر لغة فيها، وليس فى الكلام له نظير سِوى هِلالُ بن يِسار، على أَنَّ الفتح لغة فيها. ويَسَّرَت الغَنَم: كَثُرَ لَبَنُها.

بصيرة فى يقظ

بصيرة فى يقظ رجل يَقِظٌ ويَقُظٌ، مثال حَذِر، وحَذُرٍ، ونَدِس ونَدُسٍ: خِلافُ النائِم؛ يُقال: يَقِظَ بالكسر يَيْقَظُ، كعَلِمَ يَعْلَمُ، يَقَظاً ويَقَظَةً بالتحريك فيهما، فهو يَقْظانُ وامْرأَةٌ يَقْظَى، ورجال ونِسْوة أَيْقاظٌ، قال الله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} ، قال رؤبة ويُرْوَى للعجّاج: ووَجَدُوا إِخْوَتَهم أَيْقاظا ونِساءٌ يَقاظَى. وقال اللِّحيانى: يَقُظَ الرّجلُ يَقاظَةً ويَقَظاً بيِّنا فهو يَقُظٌ بالضَّم. ورجلٌ يَقِظٌ ويَقُظٌ أَيضا: خلاف الغافِل السّاهى، وإِنَّما ذلك من الحَذَر. وقال أَبو عمرو: إِنَّ فلاناً لَيَقِظٌ: إِذا كان خفيفَ الرأَس/ ويقال ما رأَيت أَيْقَظَ منه. ويَقَّظْتُه من مَنامِهِ وأَيْقَظْتَهُ، أَى نَبَّهْته، فَتَيَقَّظَ واسْتَيْقَظَ. وفى الحديث "إِذا اسْتَيْقَظَ أَحدُكم من مَنامِه فلا يَغْمِسَنَّ يَدَه فى الإِناءِ حتَّى يَغْسِلَها ثلاثاً". واليقظة عند القوم أَوّلُ مَنازل العبوديّة، وهى انْزعاج القَلْبِ. لِرَوْعَة الانْتِباه من رَقْدَةِ الغافلين. ولِلهِ ما أَنَفْعَ هذه الرّوعة، وما أَعظم

قَدْرها وخَطَرَها، وما أَقْوَى إِعانَتها على السُّلوك، فمن أَحسن بها فقد أَحسَّ واللهِ بالفَلاح، وإِلاَّ فهو فى سَكَراتِ الغَفْلة، فإِذا انْتَبَه وتَيَقَّظَ شَمَّر بهِمَّتِه إِلى السّفَرِ إِلى مَنازِله الأُولَى، فأَخذ فى أُهْبَة السّفر، وانتقل إِلى مَنْزِلَة العَزْم، وهو العَهْدُ الجازم على الشىءِ، ومُفارقَة كلّ قاطِع ومُعَوِّق، ومُرافَقَة كلّ مُعِينٍ ومُوَصِّل، وبحَسَب كمالِ انْتِباهِه ويَقَظَتِه تكون عَزِيمتُه، وبحسب قوّة عَزْمه، يكون استعدادُه، فإِذا استيقَظ أَوْجَبَتِ اليقظةُ الفِكْرَةَ وهى تحديقُ القَلْب نحو المطلوب الَّذى قد سَعِدَ به مُجْمَلا، ولم يَهْتَدِ إِلى تفصيله، وطريق الوصول إِليه، فإِذا صحّت فِكرَتُه أَوْجَبَتْ له البَصيرَةَ، وهى نُورٌ فى القَلْب يَرَى به حقيقة الوَعْدِ والوَعِيد، والجنَّة والنَّار، وما أَعّدّ الله فى هذه لأَوليائه، وفى هذه لأَعدائه، فأَبْصَر النَّاسَ وقد خرجوا من قُبورِهم مُهْطِعِين لِدَعْوَه الحَقِّ، وقد نَزَلَت ملائكة السماوات فأَحاطت، وقد جاءَ الله ونَصَبَ كرسيَّه لفَصْل القَضاءِ، وقد أَشرقت الأَرض بنوره، ووضع الكتاب، وجاءَ بالنبيين والشهداءِ، وقد نُصِبَ المِيزان، وتَطايَرَت الصُّحُف، واجْتمعتِ الخصومُ، وتعلَّق كلُّ غَرِيم بغَرِيمه، ولاح الحوضُ وأَكوابُه عن كَثبٍ، وكثر العِطاش، وقَلَّ الوارِد، ونُصِبَ الجسْرُ للعُبور عليه، والنار تَحْطِمُ بعضُها بعضاً تحته والسَاقطون فيها أَضعاف أَضعاف الناجين، فينفتح فى قلبه عَيْنٌ ترى ذلك، ويقوم بقَلْبه شاهدٌ من شواهدِ الآخرة يُرِيه الآخرة ودَوامَها،

والدّنيا وسُرْعة انقضائها. والبصيرةُ نورٌ يقذفه الله فى القَلْب يَرى به حقيقة ما أَخبرتْ به الرُّسُل كأَنَّه شاهدٌ رَأْىَ عَيْنٍ، فيتحَقَّق مع ذلك انْتِفاعُه بما دَعَتْ إِليه الرّسل وتَضرُّرُه بمُخالَفَتهم. وهذا معنى قَوْلِ بعضِ العارفين: البصيرَةُ تَحَقُّقُ الانْتِفاع بالشَّىءِ، والتَّضَرُّر به. والله تعالى أَعلم.

بصيرة فى يقت

بصيرة فى يقت الياقوتُ فارسىٌّ مُعَرَّبٌ نَطَق به القرآنُ المَجِيد، قال الله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} ، الواحد ياقُوتَةٌ، والجمع اليَواقِيتُ. وسَكَتَ عن ذكِره أَكثرُ أَهلِ اللُّغَةِ. وقال أَرِسْطاطالِيس: الياقُوت ثلاثةُ أَجناس: أَصْفَرُ وأَحْمَر وكُحْلِىّ، فالأَحْمرُ أَشْرَفُها وأَنْفَسْها. وهو حجرٌ إِذا نُفِخ عليه النارُ ازْداد حُسْناً وحُمْرة، فإِن كانت فيه نُكْتَة شديدةُ الحُمْرَة وأُدْخِل النارَ انبسطت فى الحجر فسَقَتْه من تلك الحُمْرة وحَسَّنَتْه، وإِن كانت فيه نُكْتة سوداءُ قَلَّ سَوادُها ونقص. والأَصفرُ منه أَقلّ صبراً على النار من الأَحمر، وأَمّا الكُحْلِىّ فلا صَبْرَ له على النار البَتَّة. وجميع أَنواع الياقوت/ لا تَعمل فيه المَبارِدُ. وأَمّا طبعُه فيُشْبِه أَن يكون معتدِلاً. وأَمّا خاصِّيَّته فى تفريح النفس وتقوية القلْب ومُقاوَمَة السُّموم فأَمرٌ عظيم، ويُشبه أَن تكون هذه الخاصيّة فيه قوة قابضة منه كقبضانها من المغناطيس، ولذلك يجذِبُ المغناطيس الحديدَ من بعيد. وممّا ينفعُ فى هذا الباب من أَمر الياقوت أَنَّه يبعد أَنْ يقال إِن

حرارتها الغريزيّه تفعل فى الياقوت المَسْرُوب إِحالةً وتحليلاً وتمزيجاً لجوهره بجواهرِ البُخار الرُّوحى كما يفعل الزَّعْفران أَو غيره، ثمَّ يحدث منه فعله، فإِنَّ جوهره كما يظهر جوهرٌ بعيدٌ عن الانفعال، فيُشبِه أَن يكون فعل الحرارة الغريزية غير مؤثِّر فى جوهره ولا فى أَعراضه اللازمة لصورته، ولكن فى أَقصَى أَيْنِه ومكانه، وفى عَرَضِيَّتهِ، أَمّا فى أَيْنِه فبأَنْ يَنْفُذَ مع الدّم إِلى ناحيةِ القلب فيصير أَقْرَبَ من المُنْفَعِل فيفعل فِعْلَه أَقوى؛ وامّا فى كيفيّته فبتسخينه، ومن شأْن السخونة أَن تُبَيّن الخواص وتُنَبِّهَها مثل الكهرباءِ، فإِنَّه إِذا قَصَّر فى جَذْب التِّبْن حُكَّ حَتى يَسْخن ثمَّ قُوبِل به التِبن فيجذبه. وما يشهد به الأَوّلون من تفريح الياقوت إِمساكُه فى الفَمِ، وهذا دليلٌ على أَنَّه ليس يحتاج فى تفريحه إِلى استحالة من جوهره وأَعراضِه اللازمة له، ولا إِلى مُماسَّة المُنْفَعِل عنه، بل قوّته المفرّحة قابضَةٌ عنه، إِلاَّ أَنَّه يَقْوَى فعلُها بالتسخين والتقريب كما فى سائر الجواهر، ويشبه أَن يبيّن فعل هذه الخاصيّة ما فيه من التنوير. وقال البَصْرِىُّ: الياقوت أَجناسٌ، فالأَحمر منه أَقربُ إِلى الحَرّ من الأَزرق، والأَبيضُ أَبردُ من الأَزْرَق. ومَنْ علَّق على بَدَنِه من أَجناس

الياقوت الثلاثة أَو تَخَتَّم وكان فى بَلَد قد وقع [فيه] الطاعونُ أَمِن من الطاعُونِ إِن شاءَ الله. وأَجْود الياقوت الأَحمرُ الرُمّانّى، مانعٌ للوَسواس والخَفَقان وضَعْف القلب شُرْباً، وقيل يَمْنَع جُمُود الدِّم تعليقا.

بصيرة فى يم

بصيرة فى يم اليَمُّ: البَحْرُ، وقيل: لُجَّةُ البَحر. وهو معرّب، سُرْيانِيَّة أَصلها يَمَّا. لا يُكَسَّر ولا يُجْمع جمع السَّلامة، قال الله تعالى: {فَأَلْقِيهِ فِي اليم} . والتَّيْمُّمُ: التَّوَخِّى والتَعَهُّد. ويَمَّمَهُ: قَصَدَه. ويَمَّم المريضَ للصَّلاة فَتَيَمَّم هُو. ويُمَّ فهو مَيْمُومٌ: طُرِحَ فى البَحْرِ. ويُمَّ الساحلُ: غَلَبَهُ البحرُ فطَما عليه. وتيَمَّمْتُه بُرُمْحِى: قَصَدْتُه دون غيره.

بصيرة فى يقن

بصيرة فى يقن اليَقِينُ من صِفة العِلْم فوق المعرفة والدِّراية وأَخواتهما، يقال: عِلْمُ يَقِين، ولا يُقال: معرفةُ يَقِينِ؛ وقد يَقِنَ زيدٌ الأَمرَ كفَرِح يَقَناً ويَقْنا وأَيْقَنَهُ وأَيْقَن بِه، وتَيَقَّنَهُ، واسْتَيْقَنَه واسْتَيْقَنَ به: عَلِمَه وتَحَقَّقَهُ. وهو يَقِنٌ ويَقُنٌ ويَقَنَةٌ ومِيقانٌ: إِذا كان لا يَسْمع شيئاً إِلاَّ أَيْقَنَه، وهى مِيقانَةٌ. قال المحقِّقون: اليَقين من الإِيمان بمنزلة الرّوح من الجسد، وفيه تفاضَلَ العارِفون وتنافَسَ المتنافِسون، وإِليه شَمَّرَ العاملون، وعَمَلُ القومِ إِنَّما كان عليه، وإِشارتهم كلُّها إِليه. وإِذا تزوّج الصبرُ باليقين وُلِدَ بينهما حُصُول الأَمانةِ فى الدِّين، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} . وخصّ تعالى أَهلَ اليقين بانتفاعهم بالآيات والبراهين، قال وهو أَصدق القائلين/ {وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} ، وخصّ أَهل اليقين بالهُدَى والفَلاح من بين العالمين فقال: {والذين يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ * أولائك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولائك هُمُ المفلحون} وأَخبر عن أَهل النارِ بأَنهم لم يكونوا من أَهل اليقين

فقال: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا الساعة إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} . فاليقين رُوح أَعمال القُلوب الَّتى هى أَرْواحُ أَعمال الجَوارح، وهو حقيقة الصِدّيقيّة، وقُطْبُ رَحَى هذا الشأْن الَّذى عليه مَدارُه، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تُرْضِيَنَ أَحَداً بسخط اللهِ، ولا تَحْمَدَنّ أَحداً على فَضْلِ الله، ولا تَذُمَّنَّ أَحداً على ما لم يُؤتِكَ اللهُ، فإِنَّ رِزْقَ الله لا يَسُوقُه حِرْصَ حِرْيصِ، ولا يَرُدُّه عنك كَراهِيَةُ كارِه، فإِنَّ الله بَعْدِله وقِسْطِه جعل الرَّوْح والفَرَح فى الرّضَا واليَقِين، وجعل الهَمَّ والحُزْنَ فى الشَكِّ والسّخط". واليَقِينُ قَرِينُ التوكّل، ولهذا فُسِّر التوكُّل بقوّة اليقين. والصّواب أَنَّ التوكُّلَ ثمرةُ اليقين ونتيجتُه، ولهذا حَسُنَ اقْتِران الهُدَى به، قال تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} فالحقُّ هو اليَقِين. وقالت رسل الله: {وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} ، ومتى وَصَل اليقينُ إِلى القلب امتلأَ نوراً وإِشراقاً، وانتفَى عنه كلُّ رَيْبٍ وشَكٍّ وسُخْط وغَمٍّ وهَمٍّ، وامتلأَ محبّةَ اللهِ وخَوْفاً منه ورِضاً به، وشُكراً له، وتوكُّلاً عليه، وإِنابةً إِليه، فهو مادَّة جميع المقامات، والحامل له. واخْتُلِفَ هل هو كَسْبِىٌّ أَو مَوْهِبِىٌّ. فقيل: هو العِلْم المُسْتودَع فى القُلوب، فيشير إِلى إِنَّه غيرُ كَسْبّى.

وقال سَهْلٌ: اليقين من زِيادة الإِيمان، ولا رَيْب أَنّ الإِيمان كسْبِىّ باعتبار أَسبابِه، مَوْهِبىّ باعتبار نفسه وذاته. وقال سهل أَيضا: ابتداؤه المُكاشَفَة كما قال بعض السلف: لو كُشِفَ الغِطاءُ ما ازْدَدْتُ يقيناً. وقال ابنُ خفيفٍ: هو تَحقُّقُ الأَسرار بأَحكامِ المُغَيَّبات. وقال أَبو بَكْرِ بنِ طاهِر: العلمُ يعارضه الشُّكوك، واليقين لا شَكَّ فيه. وعند القوم: اليقين لا يُساكِنُ قلباً فيه سُكُونٌ إِلى غير الله. قال ذُو النُّون: اليقين يدعُو إِلى قَصْرِ الأَمَل، وقَصْرُ الأَملِ يدعُو إِلى الزُّهْد، والزُّهْدُ يُورِثُ الحكمةَ، وهى تُورث النَظَر فى العَواقِب. وثلاثةٌ من أَعْلام اليقين: قِلَّةُ مُخالطة الناس فى العِشْرَة؛ وتَرْكُ المدحِ لهم فى العِطيَّة؛ والتَنَزُّه عن ذَمِّهم عند المنع. وثلاثةٌ من أَعلامه أَيضاً: النَّظر إِليه فى كل شىءِ؛ والرّجوع إِليه فى كلّ أَمر؛ والاستعانة به فى كلّ حال. وقال الجُنيْد رحمه الله: اليقينُ هو استقرارُ العِلْم الذى لا يَحُول ولا ينقلب ولا يتغيَّرُ فى القَلْب. وقال ابن عطاءٍ رحمه الله: على قَدْرِ قُرْبهم من التَّقْوَى أَدْرَكُوا من اليقين. وأَصل التَّقْوَى مُبايَنَة المَنْهِىّ عنه، فعلى مفارقتهم النفس وصلوا إِلى اليَقِين.

وقيل: اليَقِين هو المُكاشَفة، وهى على ثلاثة أَوجه: مكاشَفَةٌ بالأَخْبارِ، ومكاشَفَةٌ بإِظهار القُدْرَة، ومكاشَفَةُ القُلوب بحقائِق الإِيمان. ومرادُ القَوْمِ بالمكاشَفَة ظهور الشَّىْءِ بالقلب بحيث تصير نِسْبَتُه إِليه كنِسْبة المرئىّ إِلى العين، فلا يَبْقَى معه شكٌّ ولا رَيْب أَصلا، وهذا نهايةُ الإِيمان، وهو مَقامُ الإِحسان. وقد يريدون بها أَمراً آخر وهو ما يَراهُ أَحدٌ فى برْزَخٍ بين النَّوْم واليَقَظة عند أَوائل تجرُّد الرُّوح عن البَدَن ومن أَشار إِلى غيرِ هذَيْن فقط غَلِط، ولُبِّس عليه. وقال السّرىُّ: اليقين سُكُونُك عند جَوَلان الموارِد فى صَدْرك، لِيَقِينِك أَن حَرْكَتَك فيها لا تَنْفعك ولا تردّ عنك مَقْضِيّاً. وقال أَبو بكرٍ الورّاق: اليقين مِلاكُ القَلْب، وبه كمالُ الإِيمان. وباليَقِين عُرِفَ الله، وبالعقل عُقِلَ عن الله. وقال الجُنَيْد رحمه الله: قد مَشَى رجالٌ باليَقين على الماء، ومات بالعَطَشِ من هو أَفضل منهم يَقِيناً. وقد اختلف فى تفضيل اليقين على الحُضور، والحضور على اليقين، فقيل: الحضور أَفضل. وبعضهم رَجَّحَ اليَقِين وقال هو غايَةُ الإِيمان. والأَوّل رأَى أَنَّ اليقينَ ابتداءُ الحضور، وكأَنه جعل اليقينَ ابتداءً والحضُورَ دواماً، وهذا الخلاف لا يتبيّن، فإِنَ اليقين لا ينفكَّ عن الحضور، والحضورَ لا ينفكَّ عن اليقين، بل فى اليقين من زيادة

الإِيمان ومعرفة تفاصيله وتنزُّلها منازلها ما ليس فى الحضور، فهو أَكمل منه من هذا الوجه، وفى الحضور من الجمعية وعدم التفرقة والدّخول فى الفناءِ ما قد ينفكُّ عنه اليقين، فاليقين خُصّ بالمعرفة، والحضور خصّ بالإِرادة. والله أَعلم. وقال النَّهْرجُوِرىِّ رحمه الله: إِذا استكمل العبُد حقائِقَ اليقين صار البلاءُ عنده نِعْمة، والرّخاء مصيبة. وقال أَبو بكرٍ الورّاق رحمه الله: اليقين على ثلاثة أَوْجُه: يَقِينُ خَبَر، ويقين دَلالَة، ويقين مُشاهدة. يريد بيقين الخَبَر سُكُون القلب إِلى خَبَرِ المُخْبِر ووُثوقُه به؛ ويقين الدّلالة ما هو فوْقَه، وهو أَن يُقِيم له مع وثُوقِه بصدْقهِ الأَدلَّةَ الدّالَّة على ما أَخبر به، وهذا كعامة الأَخبار بالإِيمان والتوحيد فى القرآن، فإِنَّه سبحانه مع كونه أَصدق القائلين الصّادقين يُقِيم لِعبادِه الأَدلَّةَ والبراهين على صِدْق أَخبارِه، فيحصل لهم اليقين من الوَجْهَيْن، من جهة الخَبرِ ومن جهة الدّليل، فيرتفعون من ذلك إِلى الدّرجة الثالثة وهى يقين المكاشفة بحيث المُخْبَرُ به كالمرئِى لعيونهم، فنِسْبَة الإِيمان بالغيب هى إِلى القلب كنسبة المرئى إِلى العين وهذا أَعلى أَنواع المُكاشَفة، وهى الَّتى أَشار إِليها عامر بن عبد القيس فى قوله: لو كشف الغِطاءُ ما ازددت يَقينا. وليس هذا من كلام رسول الله

صلَّى الله عليه وسلَّم ولا من كلام علىّ بن أَبى طالب كرّم الله وجهه كما يظنه من لا عِلْمَ له بالمنقولات. وقال بعضهم: رأَيت الجنَّة والنار حقيقة، قيل له: كيف؟ قال: رأَيته بعَيْنَىْ رسولِ الله/ صلَّى الله عليه وسلَّم، ورؤيتى لهما بعينَيْه أَوثق عندى من روْيتى لهما بعينى، فإِنَّ بصرى قد يُخْطِئ بخلاف نصره صلَّى الله عليه وسلَّم. واليَقِينُ يَحمِلُ على مُباشَرَة الأَهوال ورُكوب الأَخطار، وهو يأْمرُ بالتقدّم دائما، فإِن لم يقارِنْه العِلْم حَمَل على المعاطِب، والعلم يأْمرُ بالتأّخُّر دائما وبالإِحِجام، فإِنْ لم يُصِبْه اليقينُ فقد [يَصُدّ صاحبه] عن المكاسب والغنائم. وقال الشيخ أَبو إِسماعيل الأَنصارىّ رحمه الله: اليقين مَرْكَبُ الآخِذِ فى هذا الطَّريق، وهو غاية درجات العامّة وأَوّل خطوة للخاصة، لمَّا كان اليقين هو الَّذى يحمل السّائر إِلى الله، كما قال أَبو سعيد الخرّاز رحمه الله: العلمُ ما اسْتَعْمَلك، واليَقِينُ ما حَمَلَك وسَمّاهُ مَرْكباً يركبه السائر إِلى الله، فإِنَّه لولا اليقين ما سار الراكب إِلى الله، ولا ثَبَتَ لأَحدِ قَدَمٌ فى السّلوك؛ وإِنَّما جعله آخِرَ درجات العامّة لأَنَّهم إِليه ينتهون. ثم حكى قول من قال: إِنَّه أَوّل خطوة للخاصّة، يعنى أَنَّه ليس بمقام له، وإِنَّما هو مُبْتدَأْ سُلوكه، وهذا لأَنَّ الخاصّة عنده سائِرون إِلى الجَمْع والفَناءِ فى شهُود الحقيقة، لا يَقِف لهم دُوَنَها هِمَّة، فكلُّ ما دُونَها فهو

عندهم مِنْ مُشاهَدَة العامّة ومَنازلهم ومَقاماتهم حتَّى المَحَبّة، وحَسْبُك بجَعْل اليَقِين نهايةً للعامة وبداية لهم. قال: وهو على ثلاث درجات: علمُ اليَقِين: وهو ما ظَهَرَ من الحَقِّ، وقَبُول ما غابَ للحْقّ، والوُقُوف على ما قام بالحَقّ، فذكر رحمه الله ثلاثة أَشياء هى مُتَعَلَّق اليقين وأَركانه الأَوّل: هو ما ظهر من الحقَّ تعالى، والَّذى ظهر منه سبحانه أَوامرُه ونَواهِيه وشَرْعُه ودِينُه الَّذى ظهر لنا منه على أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، فيتلقَّاه بالقَبول والانْقياد والإِذعان والتَّسْليم للرّبوبيّة، والدّخول تحت رقّ العبوديّة. الثانى: قَبُولُ ما غابَ للحقِّ وهو الإِيمانُ بالغيب الَّذى أَخبر به الحقُّ سبحانه على لسان رُسُلِه من أَمورِ المَعاد وتَفاصيله، والجنَّة والنَّار، وما قبل ذلك من الصّراط والميزان والحساب، وما قبل ذلك من تَشَقُّق السّماءِ وانفطارها وانتثار الكواكب ونَسْف الجبال وطَىِّ العالم، وما قبل ذلك من أَمور البَرْزَخ ونَعِيمه وعَذابه، فقبولُ هذا كلِّه تصديقاً وإِيماناً هو اليقين بحيث لا يُخالج القَلْبَ فيه شُبْهَةٌ ولا شكٌّ ولا رَيْب، ولا تَناس ولا غَفْلَة عنه، فإِنَّه إِن لم يستملك يَقِينَه أَفْسَدَه وأَضْعَفَه. الثالث: الوقوف على ما قام بالحقِّ سبحانه من أَسمائه وصفاته وأَفعاله، وهو عِلْمُ التَّوحيد الَّذى أَساسهُ إِثبات الأَسماءِ والصّفات، وضدّه التَّعْطِيل والنَّفْىُ والتَّجْهِيم. فهذا التَّوحيد يقابله التَّعطيل. وأَما التوحيد القصدى

الإِرادى الَّذى هو إِخلاص العمل لله وعبادته وحده فيقابله الشِّرك، والتعطيل شرّ من الشرك، فإِنَّ المعطل جاحِدٌ للذَّات أَو لكمالها، وهو جحد لحقيقة الإِلهية، فإِنَّ ذاتاً لا تسمعُ ولا تُبْصِر ولا تَتَكَلَّم ولا ترضَى ولا تَغْضَب ولا تَفْعَل شيئاً، وليست داخلَ العالَمِ ولا خارجه ولا متَّصِلَة بالعالَمِ ولا مُنْفَصِلَة ولا مُجانِبَة ولا مُباينة ولا فَوْقَ العَرْشِ ولا تَحْته ولا خَلْفَه ولا أَمامَه ولا عن يَمِينهِ ولا عن شِمالِه، سواءٌ والعَدَم. والمشرك مقرّ بالله وصفاته/ ولكن عنده معه غيره، فمُعَطِّل الذات والصّفات شَرٌّ منه. فاليقين هو الوقوف على ما قام بالحَقِّ سبحانه من أَسمائه وصفاته ونُعُوتِ كَمالِه وتوحيده وهذه الثلاثة هى أَشرفُ عُلُوم الخلائِق، عِلْمُ الأَمْرِ والنَّهْىِ، وعِلْمُ الأَسماءِ والصّفات والتَّوْحِيد، وعِلْمُ المعَاد واليَوْم الآخر. قال: الثانية: عين اليَقين وهو المَعْنِىّ بالاسْتِدْراك عن الاسْتِدْلال، وعن الخَبَرِ بالعَيان، وخَرْق الشُّهود حجابَ العِلْم. والفَرْقُ بين عِلْم اليَقِين وعَيْن اليقين كالفَرْقِ بين الخَبَر الصادِق والعَيان، وحَقُّ اليَقين فَوْقَ هذا. وقد مُثِّلَت المراتب الثلاثة بمن أَخبرك [أَنَّ] عنده عَسَلاً وأَنت لا تَشُكَّ فى صِدْقه، تمَّ أَراك إِيّاه فازددت يقينا، ثم ذُقْت منه، فالأَوّل عِلْمُ يَقِين، والثانى عَيْنُ يَقِينٍ؛ والثالث حَقُّ يَقِين. فعِلْمُنا الآن بالجنَّة والنَّار عِلْمُ يَقينٍ، فإِذا أَزْلِفَتِ الجنَّة

فى المَوْقف وشاهَدَها الخلائِقُ، وبُرِّزت الجَحيم وعاينها الخلائِق، فذلك عَيْنُ اليَقين، فإِذا دخل أَهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ وأَهلُ النَّار النَّارَ فذلك هو حَق اليقين. وقوله المَعْنَىُّ بالاسْتدراك عن الاسْتدلال، يُريد بالاسْتدراك الإِدْراكَ والشُّهودَ، يعنى أَنَّ صاحبَه قد استغنَى به عن طَلَب الدّليل، فإِنَّه إِنَّما يَطْلُب الدَّليلَ ليحصلَ له العلَمُ بالمَدْلُول فإِذا كان المدلولُ مُشاهَداً له وقد أدركه بكَشْفه، فأَىّ حاجة به إِلى الاستدلال؟ وهذا معنى الاستغناء عن الخَبَر بالعَيان. وأَمّا قوله وخَرْق الشهود حجابَ العلم، فيريد به أَنَّ المعارف التى تحصُل لصاحب هذه الدرجة هى من الشُّهود الخارق لحجاب العلْم، فإِنَّ العلْم حجابٌ على المَشْهُود، ففى هذه الدّرجة يرتفع الحجابُ ويُفْضى إِلى المعلوم بحيث يُكافحُ قَلْبَه وبَصيرَتَه. ثمّ قال: والدّرجة الثالثة حَقُّ اليَقين، وهو إِسْفارُ صُبْح الكَشْف، ثم الخلاصُ من كُلْفَة اليَقين، ثم الفناءُ فى حَقّ اليقين. انتهى كلامه. والحق إِنَّ هذه الدّرجة لا ينالها فى هذا العالم إِلاَّ الرّسلُ صلوات الله وسلامه عليهم، فإِنَّ نبيّنا صلَّى الله منه رأى بعينه الجنَّة والنَّار، ومُوَسى عليه السّلام سَمعَ كلامَ الله إِليه بلا واسطة وكَلَّمة تكليماً، وتَجَلَّى للجبل وموسى ينظر فجَعَلَه دكّاً هشيماً، فحصل لهما حقُّ اليقين، وهو ذَوْقُ ما أَخبر به الرّسولُ من حقائق الإِيمان المتعلِّقة بالقلوب، وأَنَّ القلبَ إِذا باشرها وذاقَها صارت فى حقِّه حَقَّ يقين. وأَمّا فى أُمُور

الآخرةَ والمعاد، ورُؤية الله جَهْرَةً عياناً، وسماع كلامه حقيقة بلا واسطة، فحظُّ المُؤمن منه فى هذه الدّار الإِيمانُ به. وعلْمُ اليَقين وحَقُّ اليقين يتأَخَّر إِلى وقت اللِّقاءِ، لكنَّ السّالك عند القوم ينتهى إِلى الفناءِ ويتحقَّق شهود الحقيقة، ويصل إِلى عين الجمع. قال: حقّ اليقين هو إِسفار صبح الكَشْف، يعنى تحقُّقه وثُبُوته وغَلَبَة نوره على ظُلْمَة ليل الحجاب، فينتقل من طَوْر العلم إِلى الاسْتِغْراق فى الفَناء عن الرّسْم بالكُلِّيَّة. وقولُه ثُمّ الخلاصُ من كلفة اليقين، يعنى أَنَّ اليقين له حقوق يجب على صاحبه أَن يؤدِّيَها ويقومَ به ويَتَحَمَّل كُلَفَها ومَشاقَّها، فإِذا فَنِىَ فى التَّوْحيد حَصَل له أُمورٌ أُخرَى رفيعةٌ عالية جدّاً يصير فيها محمولاً بعد أَن كان حاملاً، وظاهراً بعد أَن كان ساتراً، فتزول عنه كلفةُ حَمْل تلك الحقوق. وهذا أَمْرٌ التَحاكُمُ فيه إِلى الذَّوْق والإِحساس، فلا تَذْهَب إِلى إِنكاره، وتأَمَّلْ حالَ ذلك الصّحابىِّ الَّذى أَخذ تَمَراتٍ وقعد يَأْكُلها على حاجَةٍ وفاقَةٍ إِليها، فلمَّا عايَنَ سُوقَ الشهادة قد قامت أَلْقَى قُوتَه منْ يَده وقال: إِنها لحياةٌ طويلة إِنْ بَقيتُ حَتَّى آكُل هذه التَّمرات وأَلْقَاها من يده، وقاتَلَ حتى قُتلَ، وكذلك أَحوال الصَّحابة رضى الله عنهم كانت مطابقةً لما أَشار إِليه. لكن بَقيَتْ نُكتةٌ عظيمة، وهى مَوْضعُ السجدة، وهى أَنَّ فَناءَهم لم يكن فى توحيد الرُّبُوبيَّة وشهود الحقيقة التى يشير إِليها أَرباب الفناءِ، بل فى توحيد الإِلهيّة،

فعَنوا بحُبّه تعالى عن حُبّ ما سواه، وبُمراده منهم عن مرادهم.. وحظوظهم، فلم يكونوا عاملين على فناءٍ ولا استغراق فى الشُّهود، بحيث فَنُوا به عن مُراد محبوبهم، بل فَثُوا بمُراده عن مُرادهم، فهم أهل فَناءٍ فى بَقاءٍ، وفَرْق فى جَمْع، وكَثْرَة فى وَحْدَة، وحقيقةٍ كَوْنِيَّة فى حقيقة دينيَّة. هم القَوْمُ لا قَوْمَ إِلاَّ هُمُ ... ولولاهُمُ ما اهْتَدَينا السَّبيلا فنسبة أَحوالهم إِلى أَحوال غيرهم كنسبة ما يَرشَحُه الظَّرْفُ والقرْبة إِلى ما فى داخلها، والله أَعلم. قال بعض العارفين: اليقين الصّريح رُؤيَتُك الَشْى ... ءَ وما للفْؤاد فيه هُيامُ لم يُغَيِّرْكَ فيه ذَمٌّ ولا يَطعَنْـ ... كَ مَدْحٌ ولا عَلَيْه كَلامُ

بصيرة فى يمن

بصيرة فى يمن اليُمْنُ بالضَمِّ: البَرَكَةُ كالمَيْمَنَة، وقد يَمَنَ الشىءُ يَيَمْنُ كعَلِمَ يَعْلَمُ، ويُمِنَ يُومَنُ كعُنى يُعْنَى، (ويَمَنَ يَيْمَنُ كمَنَع) وَيَمُنَ يَيْمُنُ ككَرُمَ يَكْرُم، فهو مَيْمُونٌ وأَيْمَنُ ويامِنٌ ويَمِينٌ، أَى مُبارَكٌ، والجمعُ أَيامِنُ ومَيامِينُ. وتَيَمَّن به، واسْتَيْمَنَ: تَبَرَّك. وقَدِمَ على أَيْمَن اليَمين، أَى اليُمن. واليَمينُ: الجارِحَةُ، وضدُّ اليَسار، واستعماله فى وصف الله فى قوله تعالى: {والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} على حدّ استعمال اليَد فيه. واليَمينُ أَيضا: البَرَكَةُ، واليمين: المَنْزِلَةُ الجَليلَة، والجَمْع: أَيْمُنٌ وأَيْمانٌ، وأَيا مِنُ، وأَيامينُ. ويَمَنَ به يَيْمِنُ ويا مَنُ، ويَمَّنَ، وتَيامَنَ: ذهَبَ به ذاتَ اليَمين وقولُه تعالى: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} أَى كنتم تَخْدَعُوننا

بأَقْوَى الأَسْباب، أَو من قبل الشَّهْوَة؛ لأَن اليمينَ موضعُ الكَبد، والكَبد مَظنَّةُ الشَّهْوَة والإِرادة. وقيل: عن الناحية التى كان منها الحَقُّ فَتَصْرفونَنَا عَنْهَا. وأَخَذَ يَمْنَةً وَيَمَناً، أَى ناحية اليَمِين. وقيل لبلاد اليَمَن يَمَناً لأَنَّها من يَمين الكَعْبَة. وفى الحديث: الإِيمانُ يَمان والحكْمَةُ يَمانية" وقال: "إِنّى لأَجدَ نَفَسَ الرَّحْمان من قِبَل اليَمَن" وقد تقدّم معناه فى بصيرة "نفس". وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يُحبُّ التَّيامُنَ فى كلّ شَىْءٍ حتى فى تَنْعُّله وتَرَجُّله وفى شأْنهِ كلِّه. والأَيْمَنُ: من يَصْنَعُ بيُمْناهُ. واليَمينُ: القَسَمُ لأَنَّهم كانوا يَتماسَحُون بأَيْمانهم فيتحالُفون وفى الحديث: "مَنْ حَلَفَ على يَمينٍ فرأَى غَيْرَها خَيْراً منها فَلْيٌكَفِّر عَنْ يَمِينه ثمَّ ليَفْعَل الَّذى هو خَيْرٌ"، والجمعُ: أَيْمُنٌ وأَيْمانٌ، قال/ الله تعالى: {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ} . وأَيْمُنُ الله بضَمّ المِيمِ وفَتْحها، والهمزة تُفْتَح وتكسر، وأَيْمُ الله

وأَِيمُ الله بفتح الهمزة وكسرها. وإِذا كُسِرَت فالأَلفُ أَلِفُ قَطْع. وأَمُ الله وأُم اللهِ، وأَمَ اللهِ، وإِمَ الله، وإِمُ الله بكسر الهم وضمّ الميم (وفَتْحِها) ومَ الله، ومِ الله، وَمُ الله، ومَنَ الله بفتحهما، ومُنُ الله بضمّهما، ومِنِ الله بكسرهما؛ ومُنِ الله بضم الميم وكسر النون. ولَيْمُ الله بفتح اللاَّم، ولَيْمَنُ اللهِ، وهَيْمُ الله، كلّ ذلك بمعنى اسم وُضِعَ للقَسَم. والتَّقدير أَيْمُنُ الله قَسَمى. وهمزة أَيْمُنُ همزة وَصْل عند سيبويه. وقال الفراءُ: جمع يَمينٍ وهمزته همزةُ قطع، ويحذفونها لكثرة الاستعمال. وقال الزجّاج والرُّمّانىّ: أَيْمُن حرفٌ لا اسمٌ. وعند سيبويه أَمُ وَمُ ومُنُ وبقيّة اللغات أَصلها أَيْمُن، وزعم بعضهم أَنَّ مُ المفردة بدل من واو القسم. وزعم آخرون أَنَّ مُنُ ومُ بلغاتهما حرفان وليستا بلُغَتَىْ أَيْمنُ. والمُيَمَّنُ كمُعَظَّم: الذى يأْتى باليُمْن والبَرَكة. وقوله تعالى: {لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} أَى منعناه ودَفَعْناه، فعبَّر عن ذلك بالأَخْذ باليَمِين، كقولك: أَخَذ بيمِينِ فُلان. وقوله تعالى: {وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين} أَى أَصحابُ السّعادات والمَيامن وذلك على حسب تعارُف الناس فى العِبارة عن المَيامن

باليَمِين، وعن الأَشائم بالشمال، وعلى ذلك قوله: {وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين} الآيةِ. وقال بعض المفسّرين: اليَمينُ ورد فى القرآن على عشرة أَوجه: الأَوّل - بمعنى القُوَّة، قال تعالى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً باليمين} أَى بالقوة، قيل: ومنه قوله تعالى: {لأَخَذْنا مِنْهُ باليَمِين} . الثانى - بمعنى القُدْرَة، قال الله تعالى: {والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} أَى بقُدْرَته. الثالث - بمعنى القَسَم: قال الله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} ، {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ} ، {واحفظوا أَيْمَانَكُمْ ... } ، {بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان} . الرّابع - بمعنى العَهْد: قال الله تعالى: {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا} أَى عهود. الخامس - بمعنى الجَارِحة: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} ، {يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} ، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} . السّادس - للصّلة ولزيادة توكيد: قال تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أَى ما مَلَكَتْ، {وما مَلَكَتْ يَمِينُك} أَى مَلَكْتَ.

السّابع - بمعنى الدِّين والمِلَّة. قال تعالى: {تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} أَى من جهة الدّين. الثَّامن - بمعنى ناحية الشيء {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال عِزِينَ} ، {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطور الأيمن} .. التَّاسع - بمعنى البرهان والحجّة: قال تعالى: {لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} قيل أَى بالحجّة، قيل: ومنه الحديث: "الحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِينُ الله فى أَرْضِه" أَى حجّة الله. العاشر - بمعنى الجنة: {وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين} أَى الجنَّة، {وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين} . واسْتَيْمَنَه اسْتَحْلَفه.

بصيرة في ينع

بصيرة في ينع يَنَعَ الثَّمَر يَيْنَع ويَيْنِع كيَعْلَم ويَضْرِبُ يَنْعاً بالفتح، ويُنْعاً بالضمّ ويُنُوعاً، ولم تَسْقُط الياءُ فى المستقبل لِتقَوِّيها بأُخْتها، قال الله تعالى: {إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} وقرأَ قَتادةُ ومُجاهدٌ وابن مُحَيْصن وابنُ أَبى إِسحاق، وأَبو السَمَّال: "ويُنْعه" بالضَمّ، وهما مثل النَّضج والنُّضْج، قال: فى قِبابٍ حَوْلَ دَسْكَرَةٍ ... حَوْلَها الزَّيْتُون/ قَدْ يَنعا واليَنِيعُ واليانعُ مثلُ النَّضِيج والنَّاضج، ومنه الحديثُ: "وابْعَث راعِيها فى الدَّثْر بيانع الثَّمَر"ُ قال عَمْرُوا بن مَعْدِ يكَرِبَ رضى الله عنه: كَأَنَّ على عَوارِضِهِنَّ رَاحاً ... يُفَضُّ عَلَيْه رُمّانٌ يَنِيعُ وقرأَ أَبو رجاءٍ العُطارِدِىّ وابن مُحَيْصن واليَمانِىُّ وابنُ أَبِى عَبْلَة "ويانِعِه"؛ واليانعُ: الأَحْمَرُ من كلّ شىءٍ، ويقال: إِمرأَةٌ يانِعَةُ الوَجْنَتَيْن قال رَكَّاض الدُّبَيْرِىّ: ونَحْراً عليه الدُّرُّ تَزْهُو كُرُومُه ... تَرائِب لاشُقْراً يَنَعْنَ ولا كُهْبَا ويُقال: دَمٌ يانعٌ، قال سُوَيْدُ بن كُراع العُكْلِىّ:

وأَبْلَخ مُختال صَبَغْنا ثِيابَهُ ... بأَحْمرَ مِثْلِ الأُرْجُوانىّ يانعِ وقال ابنُ كَيْسان: جمعُ يانع الثَمَرِ يَنْعٌ كصاحِب وصَحْب. وأَيْنَع الثَمَرُ إِيناعاً [فهو مُونِع، وهِى] مُونِعَة مثل يَنَعَ. وفى كلام الحَجّاج أَنَّه خَطَبَ حين دَخَل العراقَ فقال فى خُطْبته: إِنِّى أَرَى رُءُوساً قد أَيْنَعَتْ وحانَ قِطافُها. يريد استحقاقَها لِلْقَطْع. واليُنْع بالضَمِّ: شجرة من جُلِّ الشَّجَر. وبالتَّحْرِيك: ضَرْبٌ من العَقِيق معروفٌ. وقيل: اليَنَعَة: خَرَزَةٌ حمراء. وفى حديث المًُلاعَنَة "إِنْ ولَدَتْه أَحْمَرَ مِثْل اليَنَعَة فهُوَ لأَبِيه الَّذى انْتَفَى منه".

بصيرة فى يوم

بصيرة فى يوم اليَوْمُ يُعَبِّر به عن وَقْت طُلُوع الفجر إِلى غروب الشمس، وقيل: يُعبَّر به عن مدّة من الزَّمان أَىَّ مدّة كانت، والجمع: أَيَّامٌ. ويَوْمٌ أَيْوَمُ، ويَوِمٌ كفَرحٍ ووَوِمٌ، وذُو أَيَّام، وذُوا أَياويمَ: آخِرُ يَوْم فى الشَّهْر، أَو معناه شَدِيدٌ، مثلُ لَيْلٍ أَلْيَلَ. وأَيّام الله: نِعَمة. وياوَمَهُ يِواماً ومُياوَمَةً: عامَلَهُ لِلْيَوْم. وقيل: ليس للدِّين عِوَضٌ، ولا لِلْبَدنِ خَلَفٌ، ولا لِلْيَوْم بَدَلٌ، ومن كانت مَطِيَّتُه اللَّيل والنَّهار، فإِنَّه يُسارُ به وإِنْ لم يَسِرْ. وفيه يقول القائل: ومنْ عَجَب الأَيَّام أَنَّكَ قاعِدٌ ... عَلَى الأَرْضِ فى الدُّنْيا وأَنْتَ تَسِيرُ فَسَيْرك يا هذا كَسَيْرِ سَفِينَةِ ... بقَوْمٍ قُعودٍ والقُلُوع تَطِيرُ وقال آخر: حَتَّى مَتَى أَنْتَ فى الأَيام تَحْسَبُها ... وإِنَّما أَنْتَ فيها بَيْنَ يَوْمَيْن يَوْمٌ تَوَلَّى ويَوْمٌ أَنْتَ تأْمُلُه ... لعلَّه أَجْلَب الأَيَّام لِلحَيْن وقال آخر فى ذلك: وما الدَّهْرُ إِلاَّ ما مَضَى وهْوَ فائِتٌ ... وما سوْفَ يَأتِى وهْوَ غَيْرُ مُحصَّل

فحظكَ يَوْمٌ أَنْتَ فيه فَإِنَّه ... زمان الفَتَى منْ مُجْمَل ومُفصَّل وقيل: الأَيّام خمسةٌ: يَوْمُ المِيثاق، وهو يوم الشهادة؛ ويَوْمُ دُخُولك فى الدُّنْيا، وهو يَوْم الوِلادَة؛ ويومُ خُرُوجك منها، وهو يوم ظهور الشَّقاوَة والسَّعادة؛ ويومُ خُروجِك من القَبْر، وهو يوم الإِعادَة؛ ويَوْمُ نُزولِك فى الجَنَّة أَو النَّار، وهو يَوْمُ الزِيادة، فلأَهل النار {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العذاب} ، ولأَهل الجنَّة {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} . وفى بعض الآثار: "ما مِنْ يَوْمٍ طَلَعَت شَمْسُه إِلاَّ ويَقُول: يَابْنَ آدَمَ، أَنا يَوْمٌ جَدِيدٌ، وإِنِّى على ما تَعْمَلُ شَهِيد، فاغْتَنِمْ طُلوع شَمْسِى، فلو غابَتْ وغَرَبَتْ لمْ تَرَنى إِلى يوم القيامة". /وذُكِرَ اليومُ فى القرآن على قسْمَين: الأَول أَيّام مخْتَلِفاتٌ، والثانى مُقْتَرناتٌ بأَسماءِ القيامة. أَمّا المختلفات. 1 - فقوله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} ، {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} . 2 - قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشهور ... } إلى قوله: {يَوْمَ خَلَقَ السماوات والأرض} . 3 - {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} .

4 - {خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ} . 5 - {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} . 6 - {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} . 7 - {لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله} . 8 - {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} . 9 - {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} . 10 - {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} . 11 - {وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} . 12 - {وَقَالَ هاذا يَوْمٌ عَصِيبٌ} . 13 - {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} . 14 - {ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} . 15 - {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ} . 16 - {والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} .

17 - {إِنِّي نَذَرْتُ للرحمان صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً} . 18 - {إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ، {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} . 19 - {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} . 20 - {فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم} ، {هاذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} . وأَمّا اليوم المُقْتَرِن بأَسماءِ القِيامة وصفاتها: فقوله تعالى: {اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ} ، وقولُه تعالَى: {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ} . وقوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ} وقوله تعالى: {يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} وقوله تعالى: {لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} وقوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} وقوله تعالى: {يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} وقوله تعالى: {عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} وقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الحساب} وقوله

تعالى: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} وقوله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} ، وقال تعالى: {والوزن يَوْمَئِذٍ الحق} وقال تعالى: {فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} وقال تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار} ، وقال تعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً} ، وقال تعالى: {حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ} وقال تعالى: {لِيَوْمِ الفصل * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} وقال تعالى: {إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} ، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً} وقال تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة} ، وقال تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة} ، وقال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الواقعة} وقال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة * تَتْبَعُهَا الرادفة * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} وقال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال} وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} ، وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ} ، وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} ، وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} ، وقال تعالى: {يَوْمَ

تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} وقال تعالى: {إلى يَوْمِ البعث فهاذا يَوْمُ البعث} وقال تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} وقال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ الخروج} ، وقال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ الخلود} وقال تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وقال تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصيحة} ، وقال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الروح} وقال تعالى: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور} وقال تعالى: {وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} قال تعالى: {واليوم الموعود} وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد} ، وقال تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ} ، وقال تعالى: {يَوْمَ التناد} وقال تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} ، وقال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ الوعيد} قال تعالى: {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} وقال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} وقال تَعالَى: {لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} ، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ

أَخْبَارَهَا} ، وقال تعالى: {لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً وَاحِداً} وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} ، وقال تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السمآء مَوْراً} ، وقال تعالى: {لاَ تَعْتَذِرُواْ اليوم} ، وقال تعالى: {هاذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} وقال تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال} ، وقال تعالى: {يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} ، وقال تعالى: {وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} ، وقال تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} ، وقال تعالى: {فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ} ، وقال تعالى: {يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} ، وقال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمان وَفْداً} وقال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} ، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} ، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} ، {وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع} ، وقال تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} ، وقال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً} ، وقال تعالى: {يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} ، وقال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} وقال

تعالَى: {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً} وقال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام} ، وقال تعالى: {لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق} وقال تعالى: {يَوْمَهُمُ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ} ، وقال تعالى: {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق} وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض} وقال تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} ، وقال تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ} ، وقال تعالى: {وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} ، وقال تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} ، وقال تعالى: {يَوْمَ القيامة} وقال تعالى: {اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ} وقال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} ، وقال تعالى: {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} ، وقال تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وقال تعالى: {وَيَخَافُونَ يَوْماً} ، وقال تعالى: {اليوم نَنسَاكُمْ} ، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} وقال تعالى: {مالك يَوْمِ الدين} ، وقال تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} ، وقال: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ}

وقال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ التغابن} ، وقال تعالى: {إِنَّ الخزي اليوم} وقال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} ، {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُبْلِسُ المجرمون} {يَوْمَ تبلى السرآئر} ، وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السمآء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ} وقال تعالى: {يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً} وقال تعالى: {يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} وقال تعالى: {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} ، وقال تعالى: {يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ} .

بصيرة فى يا ويا أيها

بصيرة فى يا ويا أيها يا حَرْفٌ/ لِنداءِ البَعيد حقيقةً أَو حُكماً، وقد يُنادَى بها القريبُ توكيداً، وقيل هى مشتركةٌ بينهما أَو بَيْنَهُما وبين المتوسِّط، وهى أَكْثَرُ حروف النِّداءِ استعمالاً، ولهذا لا يُقَدَّر عند الحَذْف سِواها. نحو: [قوله تعالى] : {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هاذا} . ولا يُنادَى اسْمُ الله تعالى إِلاَّ بها، وكذلك الاسمُ المُسْتَغاث؛ وأَيُّها وأَيَّتُها لا يُنادَى إِلاَّ بها، ولا المندوب إِلاَّ بها أَو بِوَا. وَإِذَا وَلِىَ يا ما لَيْسَ بمنادى كالفعل فى [قوله تعالى] : {أَلاَّ يَسْجُدُواْ} وقولُه: أَلا يَا اسْقِيانى قَبْلَ غارَة سنجالِ والحَرْف فى نحو: [قوله تعالى] : {ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ} و"يا رُبَّ كاسِيةٍ فى الدنيا عارِية يوم القيامة". والجُمْلَة الاسْمية نحو:

يا لَعْنَة الله والأَقْوام كلِّهم ... والصَالحين على سَمْعان منْ جار فهىَ للنِّداءِ والمُنادَى محذوف؛ أَو لمُجَرَّدِ التَّنْبيه لئلاَّ يلزم الإِجحاف بحذف الجمْلة كلِّها، أَو إِنْ وَلِيَها دُعاءٌ أَو أَمْرٌ فللنِّداءِ. وأَيّها وأَيّتها ويأيّتها متضمّنة معنى النِّداء إِذا كان المنادى معرّفاً بأَل كقوله تعالى: {أَيُّهَ المؤمنون} {أَيَّتُهَا العير} {يَاأَيُّهَا الناس} {ياأيتها النفس المطمئنة} . ويجوز أَن يَجْعل هذا موضع أَىّ فتقول يا هذا، ويجوز أَن يُجْمَع ين الصيغتين فتقول: يا أَيُّهذا الرّجل، والفرق بينهما أَنه يجوز الوقف على هذا من غير ذكر وصف، ولا يجوز الوقف على يا أَيّها، ويجوز أَن يحذف حرف النِّداءِ من يا أَيّها الرّجل. فتقول أَيُّها الرّجُل، ولا يجوز حذفها من هذا لأَنَّه يبقى غيْر مُفيد للمَعْنَى. وحروف النِّداءِ خمسة: يا، وأَيا، وهيا وأَى، والهمزة، "يَا" و "أَيَا" و "هَيَا" للبعيد، و "أَىْ" للقريب المُعرض عن المنادى، "والهَمْزَة" للقرِيب المُقْبِل، "ويا" صالحةٌ للقريب والبعيد، والمقبل والمعرض، فلذلك جعلوه أَصلَ حروف النِّداءِ.

والمُنادى المفرد المعرفة مبنىٌّ على الضمّ، قال الله تعالى: {وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسكن} ، {ياإبراهيم أَعْرِضْ} . ونَعْتُ المُنادَى المفرد إِذا كان مُفْرداً فأَنت مُخَيَّر بين الرَفْع على الَّلفْظ والنَّصْبِ على المعنى، فتقول: يا زَيْدُ الظَّريفُ والظَّريف. وأَمّا إِذا كان النعت مُضافاً فلا يجوز إِلاَّ النَّصبُ، نحو يا زَيْدُ أَخانا، ويا عَمْرُو صاحِبَ الدّار. وأَمّا المَعْطوف على المنادَى المفردِ فجائزٌ فيه الوَجْهان كقوله تعالى: {ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير} والطَّيْرُ، وقُرئ بهما. والمنادَى المُضافُ ونَعْتُه وشِبْهُ المُضافِ والمُنادَى المُنْكَّرُ منصوباتٌ، فالمضاف: يا عَبْدَ اللهِ، ونَعْتُه يا عَبْدَ اللهِ الكَرِيمَ، وشبْهُ المُضاف نحو: يا خَيْراً من زَيْد، ويا حسناً وَجْهُه. قال الله تعالى: {ياحسرة عَلَى العباد} ويجوز خُلُوّ المضاف من أَداةِ النداءِ كقوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} ، {فَاطِرَ السماوات والأرض} أَى ياذُرِّيَّة ويا فاطِرَ.

وقولُهم فى الدُّعاءِ: اللَّهُمَّ من صِيَغ النِّداءِ أَيضاً لكن حَذَفوا أَداة النِّداءِ من أَوَّلِه وعَوَّضُوا عنها المِيمَ المُشَدَّدَة فى آخره. ويجوز فى مثل هذا حَذْف همزة الله فتقولُ: لاَهُمَّ، وذلك فى ضرورة الشعْر، وفى الحديث: "لاهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة، فاغْفر للأَنْصار والمُهاجِرَة". ويجوز إِلحاق "ما" بها قال: وما عَلَيْكِ أَنْ تَقُولِى كُلَّما ... سَبَّحْتِ أَوْ صَلَّيْت يا الَّلهُمَّما ويمتنع أَن تقول: يا أَيُّها الله؛ لأَن هذه الصيغة/ موضوعة للتنبيه والإِشارة، والله سبحانه مُنَزّه عن ذلك. وإِذا كان المنادَى الاسم الربّ يَكْثُرُ حَذْف النِّداءِ منه لكثرة الاستعمال كقوله: {رَبَّنَآ آتِنَا} . وفى إِضافته إِلى المتكلِّم خمسةُ أَوْجٌهٍ: حذف ياءِ الإضافة نحو: رَبِّ أَعوذ بك، وإِثبات الياءِ ساكنة: رَبِّى، ومتحرّكة: رَبِّىَ، وإِلحاق الأَلف فى آخره: رَبَّا، وإِلحاق هاءٍ بعد الأَلف: يا رَبّاه. والمنادى بحرف يا ويا أَيّها فى التنزيل على خمسين وجهاً. 1 - {رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا} .

2 - {وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} {فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هاذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} . 3 - {ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} . 4 - {يانوح اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا} . 5- {ياهود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} . 6 - {ياصالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً} . 7- {يابني اركب مَّعَنَا} . 8 - {ياشعيب أصلاوتك تَأْمُرُكَ} ، {ياشعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ} . 9- {ياإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هاذآ} . 10- {ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ} . 11 - {يابني إني أرى فِي المنام أَنِّي أَذْبَحُكَ} . 12 - {ياأبانا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ} . 13- {ياأبانآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} {ياأبانا مَا نَبْغِي هاذه بِضَاعَتُنَا} . 14- {يابني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ} .

15- {يابني اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ} . 16 - {يَابَنِيَّ إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين} . 17 - {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هاذا} . 18 - {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} . 19 - {ياموسى إني أَنَا الله} . 20 - {فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} . 21 - {قَالَ ياهرون مَا مَنَعَكَ} . 22 - {قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ القوم استضعفوني} . 23 - {ياهامان ابن لِي صَرْحاً} . 24 - {ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض} . 25 - {يازكريآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ} . 26 - {يايحيى خُذِ الكتاب} . 27 - {ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ} ، {ياعيسى ابن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِي عَلَيْكَ} .

28 - {يامريم إِنَّ الله اصطفاك وَطَهَّرَكِ} ، {يامريم اقنتي لِرَبِّكِ} ، {ياأخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ} . 29 - {يابني لاَ تُشْرِكْ بالله} . 30 - {يابني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} ، {يابني أَقِمِ الصلاة} . 31 - {يانسآء النبي مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ} ، {يانسآء النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النسآء} . 32 - {ياأهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ} ، {ياأهل الكتاب لِمَ تَصُدُّونَ} ، {ياأهل الكتاب لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} . 33 - {ياأهل يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ} . 34 - {ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير} . 35 - {يانار كُونِي بَرْداً وسلاما} . 36 - {ياأرض ابلعي مَآءَكِ وياسمآء أَقْلِعِي} . 37 - {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} ، {يابني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ} .

38 - {يابنيءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ} ، {يابنيءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} . 39 - {ياقومنآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله} . 40 - {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} ، {ياعبادي الذين آمنوا} . 41 - {ياحسرة عَلَى العباد} . 42 - {يابشرى هاذا غُلاَمٌ} . 43 - {يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} . 44 - {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} . 45 - {ياقوم إِنَّمَا هاذه الحياة الدنيا مَتَاعٌ} . ولهذا نظائر. 46 - {ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ} . 47 - {ياأيها العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر} . 48 - {ياأيها الملأ أَفْتُونِي في أَمْرِي} . 49 - {ياأيتها النفس المطمئنة} .

50 - {ياأيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} ، {ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله} . قال ابن مَسْعود: متى سمعتَ فى التَّنْزيل كلمة: يا أَيّها الذين آمَنُوا، فاعلم أَنَّ الذى يَتْلُوه من تمام الخطاب إِمَّا أَمرٌ يجب/ امتثالُه، وإِمّا نَهْىٌ عن أَمرٍ يجب اجْتِنابُه، وإِمّا كلامٌ يتضمّن معنَى أَمر أَوْ فَحْوَى نَهْى. وقد ذكر الله عبادَه المؤمنين فى كلامه المجيد بهذا النِّداءِ فى تسعة وثمانين موضعاً، وهى منقسمة على ثلاثة أَقسام كما ذكرنا: أَمرٌ صريحٌ أَو نَهْىَ فصيح، أَو متضمِّن لأَحدهما بتعريض لابتصريح. وتفصيل ذلك: فى سورة البقرة سَبَعة، وفى سورة آل عمْرانَ تسعة، فى سورة النِّساءُ ستَّةَ عَشَر، وفى سورة المائدة ستَّة، وفى سورة الأَنفال ستَّة، وفى سورة بَراءة ستَّة، وفى سورة الحجّ واحدةٌ، وفى سورة النَّور ثلاثة، وفى سورة الأَحزاب سَبْعة، وفى سورة محمّد صلَّى الله عليه وسلم اثْنان، وفى سورة الحُجُرات خمسة، وفى سورة الحَديد واحد، وفى سورة المُجادَلة ثَلاثَة، وفى سورة الحَشْر واحد، وفى سورة المُمْتَحَنَة ثَلاثة، وفى سورة الصفّ ثلاثة، وفى سورة الجُمْعة واحد، وفى سورة المنافقين واحد، وفى سورة التَّغابُن واحد، وفى سورة التَّحريم واحد، ومن هذه الجملة ثلاثة وأَربعون أَوامر صريحة، وثمانية وعُشرون نَواهى، وثمانية عَشَر متضمّنة مَعْنَى أَمْر أَو نَهْى.

أَمّا الأَوامر فقوله تعالى: {يَآأَيُّهَا الذين آمَنُواْ استعينوا بالصبر} . 2 - {ياأيها الذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} . 3 - {ياأيها الذين آمَنُواْ ادخلوا فِي السلم كَآفَّةً} . 4 - {ياأيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم} . 5 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا} . 6 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} 7 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اصبروا وَصَابِرُواْ} . 8 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} . 9 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ} . 10 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بالقسط} . 11 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ} وقرئ فَتَثَبَّتُوا. 12 - {ياأيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} . 13 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ} . 14 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود} .

15 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} . 16 - {يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بالقسط} . 17 - {يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ} . 18 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اتقوا الله وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة} . 19 - {ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر ... } . إِلى قوله {فاجتنبوه} 20 - {ياأيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ} . 21 - {ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ} . 22 - {ياأيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا} 23 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} . 24 - {ياأيها الذين آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} . 25 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اركعوا واسجدوا} . 26 - {ياأيها الذينءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانكم} . 27 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} .

28 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} . 29 - {ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} . 30 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} . 31 - {ياأيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ} . 32 - {ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا} . 33 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن} . 34 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} . 35 - {ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا} . 36 - {ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} . 37 - {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} . 38 - {ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ فامتحنوهن} . 39 - {ياأيها الذين آمَنُواْ كونوا أَنصَارَ الله} .

40 - {ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع} . 41 - {ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فاحذروهم} . 42 - {ياأيها الذين آمَنُواْ قوا أَنفُسَكُمْ} . 43 - {ياأيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً} . وأَمّا النَّواهى فثمانيةٌ وعشرون موضعاً: 1 - {يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} . 2 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى} . 3 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} . 4 - {يَآ أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الربا} . 5 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين كَفَرُواْ} . 6 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَآءَ} . 7 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله} . 8 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} .

9 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى} . 10 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ} . 11 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ} . 12 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} . 13 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} . 14 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ} . 15 - {يَآأَيُّهَا الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار} . 16 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تتخذوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ استحبوا الكفر عَلَى الإيمان} . 17 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان} . 18 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} . 19 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي} . 20 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى} . 21 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله} .

22 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} . 23 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} . 24 - {ياأيها الذين آمنوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بالإثم والعدوان} . 25 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} . 26 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} . 27 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله} . 28 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء كَرْهاً} . وأَمّا القسم المتضمن بمعنى أَمر ونهى ففى ثَمَانيَةَ عَشَرَ موضعا: 1 - {ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص} . 2 - {ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} . 3 - {ياأيها الذين آمنوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ ... } إلى قوله: {فاكتبوه} وهذا أَمر صريح ينبى أَن يلحق بالقسم الأَوّل. 4 - / {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا إِن تُطِيعُواْ الذين كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ على

أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ} وقال: {ياأيها الذين آمنوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} أَى لا تطيعوهم. 5 - {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا} إِلى قوله: {خَاسِرِينَ} وهذا أَيضاً نهى. 6 - {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النسآء كَرْهاً} . وهذا على سبيل النَّهى أَيضاً. 7 - {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ} . 8 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيْءٍ مِّنَ الصيد} ، أَى لا تَصْطادوا 9 - {ياأيها الذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ} وهذا أَمرٌ أَى، اشْتَغِلُوا بأَنْفُسكم. 10 - {يِا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} أَى أَقيمُوها 11 - {يِا أَيُّهَا الذين آمنوا إِن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} . 12 - {ياأيها الذين آمنوا إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} وهذا نهْى، والمعنى لا تُمَكِّنوهُم من الدُّخول.

13 - {ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأحبار والرهبان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الناس بالباطل} وهذا نَهْىٌ أَى لا تَأْكُلُوا. 14 - {ياأيها الذين آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا فِي سَبِيلِ الله اثاقلتم إِلَى الأرض} وهى نهى، أَى لا تَتَثاقَلُوا. 15 - {ياأيها الذين آمنوا إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} وهذا أَمرٌ أَى انْصُروا دِينَ الله. 16 - {ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} وهذا نَهْىٌ، أَى لا تَقُولوا. 17 - {ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم} وهذا أَمْر، أَى تاجِرُوا الله فإِنَّ مَنْ تاجَرَه لا يَخْسَر. وفى بعض الآثار عن الرب تعالَى فى بَعْض كُتُبه المُنَّزَلة: "عَبيدى وإِمائى خَلَقْتُكُمْ لتَرْبحُوا عَلَىَّ لا لأَرْبَحَ عَلَيْكُم، فتاجرُونى، فمَنْ كان رَأْسُ ماله الطَّاعَةَ تأْتيه الأَرْباح بغير بضاعَة".

الباب الثلاثون - فى بصائر أسماء الأنبياء عليهم السلام وبصائر الأعداء عليهم الغرام

الباب الثلاثون - فى بصائر أسماء الأنبياء عليهم السلام وبصائر الأعداء عليهم الغرام

بصيرة فى ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم

بصيرة فى ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم ذكر المعينىّ فى تفسيره أنَّ الله تعالى لمّا أَراد إِيجادَ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم من مَعْدِن الشَّرف أَوْقَفَ جَوْهَر وجوده فى مائة مَقامٍ من مَقامات العِزّ، ثمّ جَلاهُ على الخَلْق ودعاهُ بمائةِ اسمٍ شريف، وجَلاه بمائةِ مُعْجِزَةٍ، وذَكَر له فى الكتاب العزيز مائةَ شىءٍ ممّا يتعلَّق بذاتِه وصفاتِه، وخَلَع عليه فى الدّارَيْن مائة خِلْعَة، وقَرَنَ اسمه باسمه العظيم فى خَمْسِين شَيْئاً، وأَقْسَم بخَمْسِين شيئا من ذاتِه وصفاتِه ومضافاتِه، وحَلَّى ظاهرَه بخمسين حِلْيَة وحَلَّى قَلْبَه بخمسين حِلْيَة. أَمّا المَقاماتُ المائةُ فمنها اثْنَا عَشَرَ حِجاباً، وأَربعون بَحْراً، وخَمْسُون صُلْباً، وهى أَصلابُ آبائه.

/أَمّا الحُجُب فرُوِىَ عن جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ أَنَّه قال: خَلَقَ اللهُ قَبْلَ خَلْق العالَم اثْنَىْ عَشَر حِجاباً، أَوّلها: حِجابُ الإرادة، ووقف فيه نورُ محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم اثْنَى عَشَرَ أَلْف سَنَة، وكان تسبيحه فى ذلك الحِجاب: سُبْحانَ عالِم السِرِّ وأَخْفَى. ثم نَقَلَه إِلى حِجاب المَشِيئَة وأَوقفه فيه أَحَدَ عَشَرَ سَنَة، وكان تسبيحه فيه: سُبْحانَ الرَّفِيع الأَعْلَى. ثمّ نَقَلَه إِلى حجاب الرَّحْمة، وبقى فيه عَشَرَة آلاف سَنَةٍ، وتسبيحُه: سُبْحانَ اللهِ وتَعالى. ثم انتقل إِلى حِجابِ الكَرامة، ولَبثَ فيه تسعةَ آلافِ سَنَة، وتَسْبيحُه: سُبْحانَ مَنْ هُوَ عَدْلٌ لا يجُورُ. ثمّ انتقل إِلى حجاب السّعادَة، ولبث فيه ثمانية آلافِ سَنَة، وتسبيحُه سُبْحانَ مَنْ هو عالِمٌ لا يَسْهُو. ثمّ انتَقَل إِلى حِجاب الفَضْل، وبقى سبعة آلافِ سَنَة، وتسبيحُه: سُبحان من هُوَ غَنِىٌّ لا يَفْتَقِرُ. ثم صار إِلى حِجابِ المِنَّةِ، وبقى فيه ستةَ آلافِ سنة، وتسبيحه، سُبْحان العَلِيم الحَكِيم. ثمّ انتقل إِلى حِجابِ الهِدَايَة، وبقى فيه خَمْسَةَ آلافِ سٍَنَة، وتسبيحُه سُبْحانَ رَبّ العَرْشِ العظيم. ثم انتقل إِلى حِجاب اللُّطْف، ولَبِثَ أَربعةَ آلافِ سَنَة، وتسبيحُه: سُبحان الأَوَّل المُبْدِئ. ثم صار إِلى حِجابِ الكَرَم ولبث فيه ثلاثةَ آلافِ سَنَة، وتسبيحُه: سُبْحانَ الباقِى المُغْنِى. ثمّ دَخَل فى حِجاب العِنايَة ومكث أَلْفَىْ سنة، وتسبيحه: سُبْحانَ الحَىِّ الَّذى لا يَمُوت. ثمّ انتقل إِلى حِجاب الكِفايَة وبقى أَلفَ سنة، وتسبيحُه سُبْحَان المَلِكِ الذى لا يَزُول. ثمّ أَخرجَه من الحُجُب وعَرَضه على أَرْبعين بَحراً: وهى: بَحْرُ العَظَمة، وبحر القُدْرةِ، وبحر العِزَّةِ، وبحر الجَلالِ، وبحر الجَمالِ، وبحر الكَمالِ، وبحر الرَّأْفَةِ، وبحر الجُود، وبحر الزَّيْنِ، وبحر الصِّدق، وبحر الصّفاء، وبحر الرِّضاء، وبحر الرَّجاء، وبحر الوَفاء، وبحر السَّخاء، وبحر الخُشُوع، وبَحْر الخُضُوع، وبحر التَّواضُع، وبحر المَعْرِفَة، وبحر العِبْرة، وبحر الحِكْمَة، وبحر المَحَبّةِ، وبحر العِصْمة، وبحر السَّكِينة، وبحر العِلْم، وبحر العَقْل، وبحر الرِّفْق، وبحر الصَّبْر، وبحر الخَوْفِ، وبحر التَّقْوَى، وبحر اليَقين وبحر الكَرَم، وبحر اللُّطْفِ، وبحر الشَّرَفِ، وبحر الإِيمانِ، وبحر العِبْرَة، وبحر الفِطْنَة، وبحر الفِكْرَة، وبحر الشُكْرِ، وبحر الرَّحْمَة، فلمّا عرضه على هذه البحار انتقل خصالها إِلى جبلَّته، وتحلَّى بحَلالِها. وحين خرج من البحار نَفض نفسَه انتفاضةً انفصلت منه

بها قطراتٌ نحوٌ من مائةِ أَلفِ وأَرْبَع وعشرين أَلف قَطْرة، خلق الله تعالى من كلّ قطرة منها رُوحَ نبىٍّ من الأَنبياء. ثم جعل الله تعالى ذلك النورَ بعَينيه فى العناصر الأَربعة. ثمّ نقله إِلى صُلْبِ آدمَ، وانتقل منه إِلى صُلْبِ شِيث، ومنه إِلى أَنُوش، ومنه إِلى قَيْنانَ، ومنه إِلى مَهْلاَئِيل، ومنه إِلى يَرَد وقيل يَارِدْ، ومنه إِلى خَنُوخَ ويقال أَخْنُوخ، وهو إِدريس عليه السّلام، ومنه إِلى مَتُّوشِلَحْ. ويقال مَتُوشَلخْ، ومنه إِلى لامَكْ ويقال لَمَك، ومنه إِلى نُوحٍ عليه السّلام، ومنه إِلى سام، ومنه إِلى أَرفَخْشَذْ ويقال الْفَخْشَذ، ومنه إِلى راعُو ويقال أَرْغُو، ومنه إِلى عابَرَ، ويقال عَبير، ومنه إِلى شالَخْ ومنه إِلى ايشوع ومنه إِلى ناحُورَ؛ ومنه إِلى تارَحْ ويقال تيرح، ومنه آزرْ ومنه إِلى إِبْراهِيم ومنه إِلى إِسْماعِيل / ومنه إِلى قَيْذَارَ ومنه إِلى حَمَل، ومنه إِلى نابت، ومنه إِلى يَشْجُب ومنه إِلى يَعْرب، ومنه إِلى أُدَد، ومنه إِلى أُدّ، ومنه إِلى عدنان جدّ العرب، ومنه إِلى مَعَدّ، ومنه إِلى نِزارٍ، ومنه إِلى مُضَرَ، ومنه إِلى الْياس، ومنه إِلى هَمَيْسعَ ومنه إِلى طَابخَة ومنه إِلى مُدْرِكَة، ومنه إِلى خُزَيْمَة، ومنه إِلى كِنانَة، ومنه إِلى النَّضْرِ واسمه قَيْس، وقيل إِنَّه قُرَيْش، ومنه إِلى مالِك، ومنه إِلى فِهْر، ومنه إِلى غالِبٍ، ومنه إلى لُؤىٍّ، ومنه إِلى كَعْبٍ، ومنه إِلى مُرَّةَ، ومنه إِلى كِلابٍ، ومنه إِلى قُصَىٍّ واسمُه زَيْدٌ ويُدْعَى مُجَمْعا،

ومنه إِلى عَبْد مَناف واسمُه المُغِيرة، ومنه إِلى هاشِمٍ، ومنه إِلى عَبْد المطلب واسمُه شَيْبَة الحَمْدِ، ومنه إِلى عَبْدِ الله، ومنه إِلى صحراء العالم. قال: مُحَمَّدٌ أَفْدِيه من سَيِّدٍ ... يَسْتَعْبِدُ العالَمَ من فِطْنَتِهْ آدَمُ لَوْ صُوِّر فى حُسْنِه ... لَمَا زُهِى إِبْلِيسُ عن سَجْدَتِه لَوْ أَنَّ يَعْقُوبَ رَأَى وَجْهَهُ ... أَسْلاهُ عَنْ يُوسُفَ فى غَيْبَتِه امْتَحَن اللهُ بهِ خَلْقَه ... والنَّارُ والجَنَّةُ فى قَبْضَتِه وأَمّا الأَسماء المائة التى ذكرها الله فى القرآن: نَبِىُّ {ياأيها النبي} ، رَسولٌ {ياأيها الرسول} ، خاتَم {وَخَاتَمَ النبيين} ، أُمِّىٌّ {النبي الأمي} ، رَءُوفٌ رحِيمٌ {بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} ، مُبَشِّرٌ ونَذِيرٌ وشاهِدٌ ودَاعِى {شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ} ، سِراجٌ منِيرٌ {وَسِرَاجاً مُّنِيراً} ، بَشِيرٌ {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بالحق بَشِيراً} ، منْذِرٌ وهادٍ {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} ، صاحِبٌ {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} ، عَبْدٌ {أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} ، كَرِيمٌ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} ، وَلىٌّ ونَصِيرٌ {واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} ، الأَوْلَى {النبي أولى بالمؤمنين} ، العَزيز {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ، الرَّحْمَة {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً} ، نورٌ {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ} ،

شَهِيدٌ {على هاؤلاء شَهِيداً} ، مُبينٌ {إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} ، مُرْسَلٌ {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} ، مُدَّثِّرٌ {ياأيها المدثر} ، مُزَّمِّلٌ {ياأيها المزمل} ، مُذَكِّرٌ {فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ} ، أَمِينٌ {رَسُولٌ أَمِينٌ} ، ذِكْرٌ {قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً} ، أُذنٌ {قُلْ أُذُنُ} بَيِّنَةٌ {حتى تَأْتِيَهُمُ البينة} هدًى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} ، حَقُّ {فَقَدْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَآءَهُمْ} ، صِدْقٌ {والذي جَآءَ بالصدق} ، حاكمٌ {وَإِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} قَاضِى {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً} طه {طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} يس {يس * والقرآن الحكيم} سَلامٌ {سُبُلَ السلام} ، عالِمٌ {فاعلم أَنَّهُ لاَ إلاه إِلاَّ الله} ، مُسْتَقِيمٌ {فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ} مُسْلِمٌ {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} شاكرٌ {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين} مُصْطَفَى {اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} ، مُجْتَبَى {واجتبيناهم} ، مُخْتارٌ {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ} ، زَرْعٌ {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} ، نِعْمَة {اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ} ، مُرْشِدٌ {وَلِيّاً مُّرْشِداً} ، سَعِيدٌ {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ} حَبِيبٌ {فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ} مُطَهَّرٌ {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} طَيِّبٌ {والطيبات لِلطَّيِّبِينَ} ، شَفِيعٌ {وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} مُبارَكٌ {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت} ، مُصَدِّقٌ {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ، أَنْفس {جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} ، بُرْهانٌ {قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ} ، ناسٌ {أَمْ يَحْسُدُونَ الناس على مَآ آتَاهُمُ الله}

، تالِى {يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ الله} ، مُخْرِجٌ {وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور} ، رَجُلٌ {أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} ، قَدَمُ صِدْقٍ {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} ، حَمِيدٌ ومَحْمُودٌ {حم} ، عَزِيرٌ وسَيِّدٌ وقادِرٌ {عسق} ، تَذْكِرَةٌ {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} ، مَبْعُوثٌ {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين} ، مَعْصُومٌ {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} ، مُؤَيَّدٌ {هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين} ، مَنْصُورٌ {وَيَنصُرَكَ الله} ، مَغْفُورٌ {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ} ، غالِبٌ {هُمُ الغالبون} ، مَعْفُوُّ {عَفَا الله عَنكَ} ، مُنْبئٌ {نَبِّىءْ عِبَادِي} ، رَضِئُ {لَعَلَّكَ ترضى} ، مُسَبِّح {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} ، ساجِدٌ {وَكُنْ مِّنَ الساجدين} ، عابِدٌ {واعبد رَبَّكَ} ، مُقْتَدِى {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} ، مَحْفُوظٌ {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} ، مُنادِى {سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ} ، مُجاهِدٌ {جَاهِدِ الكفار والمنافقين} مُسْتَغْفِرٌ {واستغفر لِذَنبِكَ} ، مَرْفُوعٌ {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ، مُصَلٍّ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} ، آمِرٌ ونَاهٍ {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} مُتَهَجِّدٌ {وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ} ، مُهْتَدِى {وَإِنِ اهتديت} ، مُتَوَكِّلٌ {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ} ، حاشِرٌ وعاقِبٌ ومَاحى وفى الحديث "أَنا الحاشِر يَحْشُر اللهُ الخَلْقَ على قَدَمِى، وأَنا العاقِبُ كُنْتُ عَقِيبَ الأَنْبِياءِ، وأَنا الماحِى مَحَى الله بِىَ الكُفْرَ" أَوَّلُ {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} أَحْمَدُ {يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ} ، مُحَمَّدٌ {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} .

واسمه صَلَّى الله عليه وسلَّم فى الإِنجيل: طاب طاب، أَى طَيِّب، وفى التوراة: ماذماذ، أَى المرْجُوّ، وفى الزَّبُورِ: فارْقَلِيطا، أَى الفارِقُ بين الحقّ والباطل، وفى صحف إِبراهيمَ: "اخرايا قدماً" أَى السابِق الآخر، وفى صُحُفِ شِيت: "صام صام" أَى القَطَّاع بالحُجَّة، وفى صُحِفِ آدم: "مُقَنَّع"، وفى صحف شِعْيا وأَرْمِيا: قانِعٌ، وبين طوائِف الطيور عَبْد الجبّار، وبين البَهائِم: "عَبْدُ الغَفَّار"، وعند الجِنّ: "نبىُّ الرَّحْمة"، وعند الشَّياطين: "نَبِىّ المَلْحَمة". وأَمّا مُعْجِزاتُه صلَّى الله عليه وسلَّم فقد حَصَرها جماعة فى مائة معجزة، وهى أَكثر من ذلك، وقال بعضُهم هى أَكثر من الأَلف، وهو الصّحيح، وقد ذكرنا أكثَرها فى مَحَلِّهَا من المبسوطات. وأَمّا المائة المذكورةُ فى نَصّ القرآن من أَقوالِه وأَفعالِه وأَحواله: فأَقْسَمَ بِعُمْرِهِ بقوله تعالى {لَعَمْرُكَ} ، وذكر عينيه بقوله: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} ، وَنَظَرَه بقوله: {مَا زَاغَ البصر} ورُؤْيَته بقوله: {لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى} ، وأُذُنه بقوله: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ} ، وكَلامه بقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} ولِسانه بقوله: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} ، وَوَجْهَه بقوله: {قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء} ، وعُنُقَه بقوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} ، وقَلبه بقوله: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} ، وصَدْرَه بقوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ، وظَهْره بقوله: {الذي أَنقَضَ ظَهْرَك} ، وَيَدَه بقوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} ، ويَمِينَه بقوله: {وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ، وجَنْبَه بقوله: {واخفض

جَنَاحَكَ} ، وقامَتَه بقوله: {حِينَ تَقُومُ} ، وتَقَلُّبَه بقوله: {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} وصَوْتَه بقوله: {فَوْقَ صَوْتِ النبي} ، ورجْلَه بقوله: {طه * مَآ أَنَزَلْنَا} ، وأَيّام نبوّته / بقوله: {والعصر} ، وحَياتَه وممَاتَه وصلَواتِه وعِبادَتَه بقوله: {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} ولِباسَه ومَلْبَسَه بقوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ، وعِلْمَهُ بقوله: {رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} وأَمْرَهُ وحُكْمَه بقوله: {فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، وذِكْرَه بقوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ونَوْمَه بقوله: {فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً} ، ولَيْلَه وتَهَجُّدَه بقوله: {وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ} ونَهارَه بقوله: {إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً} وضَحْوَتَه بقوله: {والضحى} وصُبْحَه بقوله: {والفجر} ، وغُدْوَته بقوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} ، ودُخولَه بقوله: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} ، وخُروجَه بقوله: {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} ، ونَفْسَه بقوله: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} ودِينَه بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً} ، وقَوْلَه بقَوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً} وكتابه بقوله: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} ، وأُمَّتَهُ بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} ، وأَصحابَه بقوله: {والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ} ، وأَنْصارَه بقوله: {والأنصار} ، وأَهلَ بَيْته بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} ، وأَهلَه وأَزْواجَه بقوله: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وبَناتِه بقوله: {قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} ، ومَسْجِدَه بقوله: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التقوى} ومَقامَهُ بقوله: {مَقَاماً مَّحْمُوداً} ، وقِبْلَتَه بقوله: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ، وبَيْعَتَه

بقوله: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ} واسْتِغَاثَتَه بقوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} ، واسْتِعانَتَه بقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، واستقامَتَه بقوله: {فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ} ، ومَعادَه بقوله: {لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ} ، وبَلَدَه بقوله: {والبلد الطيب} {وهاذا البلد الأمين} ، وعطاءه بقوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} ، وحُكْمَه بقوله: {حتى يُحَكِّمُوكَ} ، وقضاءه بقوله: {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ} ، وجُنْده وَعَسْكَرَه بقوله: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله} وأَحِبَّاءه بقوله: {فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله} ، واسْتِغْفارَه بقوله: {استغفر لَهُمْ} ، وحُكْمَه وعِلْمَه ومِنْبَرَه وسِنانَهُ وقَدْرَه بقوله: {عسق} ، وكِفايَتَه وهِدايَتَه ويَمِينَه وعِصْمَتَه وصِدْقَهُ بقوله: {كهيعص} ، ونزولَه بقوله: {والنجم إِذَا هوى} ، ونورَه بقوله: {واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ} ، وجَرْىَ خَيْله بقوله: {والعاديات ضَبْحاً} وعِزَّهُ بقوله: {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ} ، وولايَتَهُ بقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ} وعِصْمَتَه بقوله: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} ، وغِناه وفَقْرَه بقوله: {وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى} ، ورضاه بقوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} ومَأْواه بقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى} ، ودَعْوَتَه بقوله: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ} ومِيثاقَه بقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} ، ورِجالَه بقوله: {رِجَالٌ صَدَقُواْ} ، وقَرَابَتَه بقوله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} ، وتَواضعه بقوله: {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، وسلامَه بقوله: {فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} ، وتَرتِيلَ تِلاوَتِه بقوله: {وَرَتِّلِ القرآن تَرْتِيلاً} ، وخُلُقَه {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ، وقَدَّه وقامَتَه

بقوله: {في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ونِعْمَتَه بقوله: {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} ، وأَجْره بقوله: {وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً} وتَذْكِيرَه بقوله: {وَذَكِّرْ} ، ومجاهَدَته بقوله: {ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار} ، ووَحْيَهُ بقوله: {فأوحى إلى عَبْدِهِ / مَآ أوحى} ، وقُرْبَتَه بقوله: {ثُمَّ دَنَا فتدلى} ، ووُصْلَتَه بقوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى} ، ومُعَلِّمَه بقوله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} ، ووَعْظه وحِكْمَتَه بقوله: {بالحكمة والموعظة الحسنة} ، وجِدالَه بقوله: {وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ} ، وحَياءهُ بقَوْلِه: {فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ} ، وبَيْتَه ومَنْزِلَه بقوله: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي} ، ورَحْمَتَه بقوله: {وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} ، وعُبُودِيَّتَه بقوله: {لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله} ، ومِعْراجَه بقوله: {أسرى بِعَبْدِهِ} ، وتَحوُّل أَحْوالِه بقوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ} ، وعَجائِبَه بقوله: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ} ، وعَفْوَهُ بقوله: {خُذِ العفو} ، وصَفْحَه بقوله: {فاصفح عَنْهُمْ} ، وشَرِيعَتَه بقوله: {جَعَلْنَاكَ على شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر} ، وسُنَّتَه بقوله: {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} وكذا على هذا ذكره الله تعالى فى سبعة آلافِ مَوْضع من هذا الكتاب الكريم، الَّذى هو أَفضل الكتب، تصريحاً وتعريضاً وكناية، وإِشارة وإِخباراً وخطاباً وحكاية، لِيَعْلَم العالِمُون أَنه أَفضلُ الأَنبياء، وأَشرف الأَصفياء، ومالِكُ ممالِكِ الاصطِفاء والاجْتِبَاء، قال: مِنَ النَّاسِ بين النَّاسِ ما سار سائِرٌ ... أَجَلّ وأَعْلَى قِمَّةً من مُحَمَّدِ وما وَطِئتْ رِجلان هامَةَ أَرْضِنَا ... أَجَلّ وأَهْدَى هِمَّةً من مُحمَّدِ وما حَمَلَتْ من ناقةٍ فَوْق كُورِها ... أَعزّ وأَوْفَى ذِمَّةً من مُحَمَّدِ وما مِنْ إِمامٍ أَمَّه النَّاسُ بُرْهةً ... أَبرّ وأَرْبَى أُمَّةً من مُحَمَّد

وأَما الخمسون التى أَقْسَم الله تعالى بها من ذاتِه وصفاته وأَحواله: فبعُمره بقوله: {لَعَمْرُكَ} وبَعَصْرِه بقوله {والعصر} وبِنُون جَمالِه بقوله {ن والقلم} ، وبقَدْره وكَمالِه بقوله: {ق والقرآن} ، وبِصِدْقِه وصَفائِه {ص والقرآن} ، وبُحُكْمِه وعِلْمِه وسَنائه ومِنْبَرِه وقَهْرِه وقَدْرِه {حم* عسق} ، وبِكفايَتَهِ وهدايَتهِ ويُمْنِه وعِزِّه وصدْقه {كهيعص} ، وببلَدِه ومَحَلّه ووالِدِه ووَلَدِه {لاَ أُقْسِمُ بهاذا البلد} إِلى قوله {وَمَا وَلَدَ} ، وبلَيْلِهِ ونَهاره {والليل إِذَا يغشى * والنهار إِذَا تجلى} ، وبَوْجْهِه وشَعَرِه {والضحى * والليل إِذَا سجى} وبدِينهِ وانْتِشَار شَرْعِهِ {والشمس وَضُحَاهَا} ، وبسَناءِ سنَّتِه {والقمر إِذَا تَلاَهَا} ، وبصبْح دَعْوتِه {والفجر} وبنُجوم كِتابه المنَزَّل {والنجم} ، وبَجَرْى جِيادِه {والعاديات ضَبْحاً} وبإِغارة صَباح أَصْحابه {فالمغيرات صُبْحاً} ، وبَنَزْعِ غُزاتِه أَقْواسَهم {والنازعات غَرْقاً} وبِطهارَتهِ وهَيْبَتِه {طه} ، وبمَلائكة وَحْيِه {والمرسلات عُرْفاً} ، وبِرياح نَصْرِه {فالعاصفات عَصْفاً} ، وبآياتِ كِتابه {فالفارقات فَرْقاً} ، وبصفوف جَماعَتِه {والصافات صَفَّا} ، وبمحْتَسِبِى أُمَّتة {فالزاجرات زَجْراً} ، وبالتَّالينَ والقرَّاء من صَحابَتِه: {فالتاليات ذِكْراً} ، وبجوامِع كِتابه {وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} وبِحُجَرِ مخَدّراته {والبيت المعمور} ، وببَحْر علْمِه أَعنى صَدْرَه {والبحر المسجور} ، وبسَقْف مَسْجِده {والسقف المرفوع} . وأَمّا الخمسون الَّتى اقترن فيها ذِكْرهُ بذكر الله عزَّ وجلّ فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ} {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} ، {وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِه} ، {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ

الله وَرَسُولِهِ} ، / {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ} ، {إِنَّ الذين يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ} ، {يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} ، {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ} ، {أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ} ، {سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} ، {بَرَآءَةٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ} ، {لاَ تَخُونُواْ الله والرسول} ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ} ، {وَإِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ} ، {استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ} ، {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} ، {وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} ، {فالله أولى بِهِمَا} ، {النبي أولى بالمؤمنين} ، {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} ، {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ} ، {يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} ، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ الله} ، {حتى يُحَكِّمُوكَ} ، {إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} ، {بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} ، {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ، {وَإِنَّ الله لَهَادِ الذين آمنوا} ، {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} ، {والله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ، {وَجِئْنَا بِكَ على هاؤلاء شَهِيداً} ، {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ} ، {فاعف عَنْهُمْ} ، {فاستغفروا الله واستغفر لَهُمُ الرسول} ، {الله نُورُ السماوات} ، {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ} ، {وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ} ، {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} ، {مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ} ، {قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} ، {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين} ، {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله} ، {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ} ، {فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} ،

{قَدْ جَآءَكُمُ الحق} ، {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ} ، {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ} ، {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} ، {فاعف عَنْهُمْ} ، {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ} ، {فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} ، {أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ} ، {وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ} ، {كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ} ، {آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} ، {اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} ، {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ، {إنني أَنَا الله} ، {وَقُلْ إني أَنَا النذير المبين} ، {وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ} ، {مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ} ، {شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} ، {نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ} ، {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات} ، {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} . وأَمّا الخصالُ المائة التى كانت زينةَ أَفعالِه وأَحواله وسِيرَته وسريرته، فخمسون منها خِصالٌ ظاهرةٌ محسوسة، وخمسون منها حِلْيَة قَلْبِه الطَّاهِر. فأَمّا الظَّاهِرُ منها: الخِدْمة، والطَّاعة، والعِبَادةُ، والطَّهارة، والصَّلاةُ، والتَيَمُّم، والصَّوْمُ، والزكَاةُ، والصَّدَقَة، والحَجُّ، والعُمْرَةُ، والجُمُعَةُ، والجَماعَةُ، والثَّباتُ، والأَناةُ، والقرآن، والوَقار، والسَّكِينة، والدُّعاء، والتَّضَرُّع، وحُسْنُ السِّيرَة، والغَزْوُ، والجِهادُ، والشجاعة والقُوَّة، والقُدْرة، والجَلادَةُ، ونَظر العِبْرة، واستماعُ الحِكْمَة، والنُّطْقُ والبَيانُ، والعِبارَةُ، والفَصاحَة، والجُودُ، والسَّخاء، وقَضاءُ حاجاتِ الناسِ، والمشْىُ إِلى العِبادَة، وتَحْصِيلُ الزِّيادَة، وحُسْنُ الصُّحْبَة، والحُرْمة، والمُجَامَلة فى المعامَلَة، وصِلَةُ الرَّحِم، والنَّذْرُ، والقُرْبانُ، ونَصْرُ دِين الحَقِّ. وأَمّا الخمسون التى هى حِلْيَةُ قَلْبه الطَّاهر: فالعَقْلُ، والعِلْمُ، والأَدَبُ، والحِلْم،

والرِّفْقُ والخُلقُ، والمُداراةُ، والمَجْدُ، والشَّرَفُ، والدِّيانَةُ، والصِّيانَة، وإِنْجازُ الَوْعدِ، وإِكْرامُ الضَّيْفِ، والصَّمْتُ، وكِتْمَانُ السِرِّ، والمُرُوَءة، والفُتُوَّةُ، والحَياء، والكَرَمُ، والجُودُ، والسَّخاءُ، والعَزْمُ، والحَزْمُ، والرأى الصّائب، والنَّصيحَة، والهَيْبَةُ والمُراقَبَةُ واغْتِنامُ وقْتِ التَّوْبَة، والإِنابة، والقَناعَةُ، والزُّهْدُ، والتَّوَكُّل، والرّضا بالقَضاءِ، ومُجاهَدة النَفْس / والتَّقْوَى، والخَوُف، والخَشْيَةُ، والخُشُوعُ، والخُضُوعُ، والبُكاء، والحُزْنُ، والرَّجاءُ، والذِّكْرُ، والشُّكْرُ، والصَّبْر، والإِرَادَةُ، والشَّوْقُ، والتَّوْق، والصِّدْقُ، واليَقِينُ، والإِخْلاصُ، والأُنْسُ، والقُرْبُ، والحِيرَةُ، والمَحَبّة، والمَوَدَّةُ، وتَعْظِيم أَمْرِ الله، والشَّفَقَة على الأُمَّة. وقال بعضُ المحدّثين: كان النَبىّ جَمِيعَ اللَّيل أَوَّاهَا ... والخَوْفُ يَسْكُبُ من عَيْنَيْهِ أَمْواهَا باليومِ يَدْعُو عِبادَ الله فى لَطَفٍ ... بِاللَّيْلِ يَبْكِى عَلَى إِشْفاقِه الله تَوَرَّمَتْ قَدَماهُ فى تَقَدُّمِه ... عَلَى قِيامِ اللَّيالِى يَطْلُب الجاهَا يا جبْرَئيلُ أَجبْ وَحْيَا وطِرْ عَجِلاً ... وقُلْ لسَيِّد سادات الوَرَى طَاهَا

بصيرة فى ذكر آدم عليه السلام

بصيرة فى ذكر آدم عليه السلام له أَسماءٌ خمسة: الإِنسان، والبشرُ، وأَبُو البَشَرِ، وآدَمُ، والخَلِيفَةُ. أَمّا آدم فمشتقٌّ من الأُدْمَة، وهى بَياضُ اللَّوْن. وقيل: لَوْنٌ بين البَياض والسَّوادِ كلَوْن الحِنطة، وقيل: لأَنَّه خُلِقَ من أَدِيِم الأَرْضِ. وأَمّا الخَليفة فلقوله تعالىَ: {جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} والخَلِيفَةُ والخَلِيفُ مَن يخلف مَنْ تقدّمَه. وكان آدمُ خَلَفَ قوماً من الخَلْق يسمَّوْن الجانَ بن الجان، ولكونه ناب مَناب ملائكة السّماء. وأَمَّا البَشَرُ فلقوله تعالى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ} قيل: وسُمّىَ بَشَراً لمبُاشَرته عظائِمَ الأُمور. وقيل: لما كان فى وَجْهِه من البِشْرِ والبَشاشة. وسُمِّىَ إِنساناً لأُنْسه بجنْسه، فالإِنسان من اجْتَمَع فيه إِنسان أُنْسه بالغَيْر وأُنْسِ الغَيْرِ به، وقيل: اشتقاق من النَّوْسِ وهو الحركَة لكثرة حَرَكَته فيما يَتَحَرّاه، وقيل: من الإِيناس وهو الإِبْصارُ، لأَنَّه ببَصرِه الظَّاهر وبَصِيرَته الباطنة يَرَى رُشْدَه ويَصِل إِليه. وفى بعض الآثار أَنَّ آدم عليه السّلام قيل له: كَيْفَ وَجَدْت نَفْسَك عند الزَلَّة؟ قال كرَجُلٍ انكسرت أَعضاؤه فلم يَبْقَ مَفْصِلٌ مع مَفْصِلٍ، فقيل له: كيف وَجَدت نَفْسَك عند الخُروج من الجنَّة؟ فقال: الموتُ أَهْوَن علىّ من ذلك. وفى الحديث أَنَّ مُوسَى قال له ليلة المِعْراج: "يا آدَمُ أَخْرَجْتَنا من الجنَّة! فقال: يا مُوسَى هو شْئٌ كَتَبَه الله علىّ

أَمْ شئ من ذات نفسى؟ فقال: لا بل شئ كتب الله عليك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: "فعند ذلك حَجَّ آدمُ موسَى"، أَى غَلَبه. وقد ذكره الله تعالى فى القرآن فى عشرين مَوْضِعاً، ففى سبعةِ مواضعَ مختصٌّ بالذِكْر وَحْدَه، وفى سبعة مواضع مُقْتَرِن بذكر بنِيه. أَمّا ذِكْره منفرداً ففى قوله تعالى: {كَمَثَلِءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} ، {وَعَلَّمَءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا} ، {قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ} ، {اسجدوا لأَدَمَ} ، {يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} ، {إِنَّ الله اصطفىءَادَمَ} ، {فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} ، {يآءَادَمُ إِنَّ هاذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} ، {وعصىءَادَمُ رَبَّهُ} . وأَمّا المُقْتَرِن بِبَنِيه ففى قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيءَادَمَ} ، {يابنيءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً} ، {يابنيءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} ، {يابنيءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} ، {يابنيءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الجنة} ، {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابنيءَادَمَ} ، أَنشد بعض المحدَثين:

/مَنَّتْكَ نَفْسُكَ ضلّة فأطَعْتَها ... سُبُلَ الرَّشَاد وهُنَّ غَيْرُ قَواصِدِ تَضَعُ الذُّنُوبَ على الذُّنُوب وتَرْتَجِى ... دَرْكَ الجِنانِ بها وفَوْزَ العابِدِ أَنَسِيتَ أَنَّ الله أَخْرَج آدَماً ... من جَنَّةِ المَأْوَى بذَنْب واحدِ قال أَبو إِسحاق الزّجّاج: اختلفت الآيات فيما بدئ به خَلْقُ آدَمَ، ففى موضع: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} ، وفى موضعٍ: {مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} ، وفى موضعٍ: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} ، وفى موضع: {مِن صَلْصَالٍ كالفخار} قال: وهذه الأَلفاظ راجعة إِلى أَصل واحد، وهو التُّراب الذى هو أَصل الطِّين، فأعلمنا الله عزّ وجلّ أَنّه خُلِقَ من تراب جُعِلَ طيناً، ثمّ انتقل فصار كالحَمَأِ المَسْنُون، ثمّ انتقل فصار صَلْصالاً كالفخّار. وقال الثعالبى فى قوله تعالى حكاية عن إِبْلِيس أَنّه قال: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} . قال الحكماء أَخْطَأَ عَدُوُّ الله فى تَفْضِيله النّارَ على الطِّين، لأنّ الطِّين أَفضلُ من النّارِ لوُجوهٍ: أَحَدُها: أَنَّ من جَوْهَر الطِّين الرّزانة، والسُّكون، والوَقارُ، والحِلْمُ، والأَناةُ، والحَياءُ، والصَّبْر، وذلك سبب تَوْبةِ آدم وتواضُعِه فأورثَه المَغْفِرة والاجْتِباء والهِداية، ومن جَوْهَر النّار الخِفَّةُ والطَّيْشُ والحِدَّةُ والارتفاع والاضْطِراب، وذلك سببُ اسْتِكْبار إِبْلِيس، فأَوْرَثَه اللَّعْنَةَ والهَلاكَ. والثَّانِى: أَنَّ الجَنَّة موصوفةٌ بأنَّ تُرابَها المِسْك، ولم يُنْقَل أَنَّ فيها ناراً. الثالِثُ: أَنَّها سبب العذابِ بخلاف الطِّين. الرّابع: أَنَّ الطّين مُسْتَغْنٍ عن النار، والنَّارُ محتاجةٌ إِلى مكانٍ وهو التّراب. الخامس: أَنَّ الطّين سببُ جمْع الأَشياء، والنَّار سببُ تَفْريقها. وفى صحيح مُسْلم عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "إِنَّ الله تعالَى خَلَق آدم يومَ الجُمعة". وفى تاريخ دِمشْق

عن عائشة رضى الله عنها، قالت: كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يقُول: أَنّا أَشْبهُ الناسِ بأَبِى آدم عليه السّلام، وكان أبى إِبراهِيم أَشبه الناس خَلْقاً وخُلُقاً، خَلَقَه الله عزَّ وجلَّ بيده، وأَسْجد له ملائكتَه، وأَسْكَنَه جنَّتَه. واصطفاه، وكَرَّمَ ذُرِّيَّتَه، وعلَّمه جميع الأَسماء، وجعله أَوَّل الأَنْبِياء، وعلَّمهُ ما لم يَعْلَمه الملائكة المقرَّبون، وجعل من نسْله الأَنْبِياء والمُرْسلين والأَوْلِياء والصِّدِّيقين. واشْتَهَر فى كتب التواريخ أَنَّه عاشَ أَلْفَ سنة، وأَنَّه توفِّىَ بمكَّةَ، ودُفِنَ فى جبل أَبِى قُبَيْسٍ، وحجَّ على رِجْلَيْه سِتِّين حجّةً من أَقصى بِلادِ الهِنْد.

بصيرة فى ذكر نوح عليه السلام

بصيرة فى ذكر نوح عليه السلام ونُوحٌ اسمٌ أَعجمىٌّ، والمشهور صُرْفُه لسُكُونِ وسطِه، وقيل: يجوزُ صرْفُه وتَرْكُ صرْفِه، قال الله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} . وقيل: عَرَبِىٌّ واشتقاقُه من النَّوْح، ناحَ يَنُوحُ نَوْحاً ونُوَاحاً ونِيَاحاً ونِياحَةً، فقيل له نُوحٌ لأَنَّه أَقْبَلَ على نَفْسه باللَّوم وناح عليها، واختلفوا فى سبب ذلك، فقِيل: سببه أَنَّه عابَ على صورةِ كَلْبٍ وقَبَّحه، فأوحى إِليه هل تَعِيبُ الصُّورَةَ أَو المُصَوِّر؟ فعرف أَنَّه قد أَخْطأَ، واشتغل بلَوْمِ نفسه، وقيل: لأَنَّه دَعا على قومِه بقوله: {لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} ، وقيل: بل لأَنَّه كان يَنُوح على قومه ويتأَسَّفُ لكونهم غَرِقُوا بلا تَوْبَةٍ ورُجوع إِلى الله، وقيل غير ذلك. وفى الحديث: "إِذا أَرادَ اللهُ بعَبْد خَيْراً أَقامَ فى قَلْبِه نائحَة". قال: سِرْ فى بلاد الله سَيّاحا ... وكُنْ على نفسك نوّاحَا وامْشِ بنُورِ فى أَرْضِه ... كَفَى بنُور الله مِصْباحَا وفى الحديث: "النِّياحَةُ من عَمَلِ الجاهليّة" وفيه: "مَنْ نِيحَ [عليه] يُعَذَّب بما نِيحَ عَلَيْه" يعنى إِذا أَوصَى به. قال: وفَتًى كأَنَّ جَبِينَه قَمرُ الضُّحَى ... قامت عليه نَوائِحٌ ورَواجسُ غرسَ الفَسيل مؤمِّلا لِثماره ... فما الفَسِيلُ ومات [قَبْلُ] الغارِسُ وقد ذكر اللهُ تعالىَ نُوحاً فى القرآن العظيم وسمّاه بثلاثين اسماً، فسمّاه: مُرْسَلاً بقوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} ، ورَسُولاً: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} ونَذِيراً ومُبِينا:

{إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} ، ومُسَلَّماً: {سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين} ، ومُبارَكاً: {وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ} ، ومُحْسِناً: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} ، ومُؤْمِناً: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} ، ومُنَجًّى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم} ، ومُنادِى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} ، ومُسْتَجابَ الدَّعْوَة: {فاستجبنا لَهُ} ، وداعِياً، {إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} ، ومُنْذِراً: {أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ} ، ومَنْصوراً: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} ، وصانِعَ الفُلْكِ: {واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا} ، وحامِداً: {فَقُلِ الحمد للَّهِ الذي نَجَّانَا} ، ومَحْمُولاً: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} ، {وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} ، وبَشَراً: {مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} ، ورَجُلاً: {على رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} ، وخائفاً: {إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ، وعَبْداً: {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} ، وشَكُوراً: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} ، ومَغْلوباً: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر} ، وناصِحاً: {وَأَنصَحُ لَكُمْ} ، ومُجادِلاً: {يانوح قَدْ جَادَلْتَنَا} ولابِثاً: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} ، وهابطاً: {يانوح اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا} ، ومُعْلِناً ومُسِرًّا: {أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} ، وقَوْمُهُ سَمَّوْه مَجْنوناً. وذكره الله تعالى باسمه فى ستة وثلاثين موضعا من القرآن: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ} ، {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ} ، {كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً

هَدَيْنَا} ، {وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} ، {خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} ، {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} ، {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ} ، {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} ، {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} ، {ونادى نُوحٌ ابنه} ، {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي} ، {يانوح اهبط بِسَلاَمٍ} ، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله} ، {وَنُوحاً إِذْ نادى مِن قَبْلُ فاستجبنا لَهُ} ، {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} ، {إِنَّ الله اصطفىءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العالمين} ، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ} ، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} ، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً} ، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} ، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} ، {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} ، {إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ} ، {قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} ، {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} . قال الثعلبىُّ: هو نوح بن لامكْ أَو لَمكْ بن متوشَلْح بن أَخْنوخَ بن يرْد بن مهْلائيل بن أَنوشِ بن قَيْنان بن شِيث بن آدم. أَرسله الله إِلى ولَدِ قابيل ومن تابعُهم من ولَد شيث. قال ابن عبّاسٍ وكان بطْنان من ولدِ آدم أَحدُهما يسْكن السّهل والآخر يسكن الجَبَلَ، وكان رِجال / الجبل صِباحا وفى النّساء دَمامَة، وكانت نِساء السَّهْل صِباحا وفى الرجال دَمامةٌ،

فكثرت الفاحشة من أَوْلاد قابِيلَ، وكانوا قد كَثروا فى طولِ الأَزْمانِ وأَكْثَرُوا الفساد، فأَرْسلَ الله تعالى إِليهم نوحا وهو ابن خَمْسِينَ سَنَة، فلبث فيهم أَلْفَ سَنَة إِلاَّ خَمْسِين عاما يدعوهم إِلى الله تعالَى كما أَخْبر الله تعالى به فى كتابه العزيز، وَيُحذِّرهم ويُخوِّفهم فلم يَنْزَجِرُوا ولهذا قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي إِلاَّ فِرَاراً} ، وقال تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} ، فلمّا طال دُعاؤه لهم وإِيذاؤهم له، وتَماديهم فى غَيّهم سأَلَ اللهَ تعالَى فأَوْحَى إِليه {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} ولمّا [أَخبره] أَنَّه لم يَبْقَ فى الأَصلابِ ولا الأَرْحامِ مؤمنٌ دَعا عليهم فقال: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} ، فأَمره الله تعالَى بإِيجادِ السفينة فقال: يا رَبِّ وأَيْنَ الخَشَب؟ فقال: اغْرِس الشَجَر. فغرَسَ السّاجَ، وأَتى على ذلك أَربعون سنة، وكَفَّ عن الدعاء عليهم، وأَعْقَم الله تعالى أَرْحامَ نسائِهم فلم يُولَدْ لهم وَلَد. فلمّا أَدرك الشَجَر أَمر الله تعالى بقَطْعِه وتَجْفِيفه وصُنْعِهِ الفُلْكَ، وأَعلمه كيف يصنعه وجعل بابَهُ فى جنْبِه. وكان طول السَّفِينة ثمانين ذِراعا وعرْضها خَمْسِين، وسَمْكها إِلى السّماء ثلاثين ذراعا، والذِراع من اليد إِلى المَنْكِب. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أَنّ طولَها كان ستمائة ذِراعٍ وستُّون ذِراعا، وعرْضها ثلاثمائةٍ وثلاثين ذِراعا، وسَمْكها ثلاثةً وثلاثين ذراعا. وأَمر الله تعالى أَن يَحْمِل فيها من كلّ جِنْسٍ من الحيوان زَوْجَيْن اثنين، وحَشَرها الله تعالى إِليه من البَرِّ والبَحْر. قال مجاهد وغيره: كان التَّنّور الذى ابتدأَ فَوَران الماء منه فى الكوفَةِ، ومنها رَكِب نوحٌ السّفينة. وقال مُقاتلٌ: هو بالشام فى قَرْيةٍ يقال لها عَيْن الوركة قريبٌ من بَعْلَبَكّ. وعن ابن عَبّاسٍ أَنَّه بالهِنْد.

قالوا: وأَوّل ما حُمِلَ فى السّفينة الذَرَّة وآخِرُه الحِمارُ، وجعل السِّباع والدوّابَّ فى الطَّبَقة السُّفْلَى، والوُحوشَ فى الطبقة الثانية، والذَرَّ والآدميين فى الطَّبقَة العُلْيا. قيل: كان الآدَمِيّون فى السّفينة سَبْعَةً: نوحٌ وبنو نُوحٍ: سَامٌ، وحامٌ، ويافِثٌ، وأَزْواج بَنِيه. وقيل ثمانية، وقيل عَشَرة، وقيل اثنان وسَبْعُون، وقيل: ثَمانون من الرِجّال والنّساء، حكاه ابن عبّاس. وعن ابن عبّاس أَيضا أَنّ الماء ارْتَفَع حين صارت السّفِينَة أَعْلَى من أَطْوَل جَبَل فى الأَرضِ خمسةَ عَشَر ذِراعا. قالوا: وطافت السّفينة بأَهْلها الأَرض كلَّها فى ستَّة أَشْهُر، ثمّ استقرّت على الجُودىِّ - جَبَلٌ بالمَوْصل - وكان رُكوبُهم السَّفينة لعَشْرٍ خَلَوْنَ من رَجَب، ونَزَلوا منها يوم عاشوراء من المُحَرّم. وبَنَى هو من مَعَه فى السفينة، حين نَزَلوا، قرى فى أَرض الجَزِيرة. ولَمّا حَضَرَتْه الوفاة وَصّى إِلى ابْنِه، وكان سام قد وُلِدَ قبلَ الطُوفان بثمانٍ وتسعين سنة، ويقال إِنَّه كان بِكْرَهُ. وكان نوحٌ أَطولَ الأَنبياء عُمْرا حتى قال بعضهم كان عُمْرُه أَلفا وثلثمائة سنة. ولمّا نزل الوَحْىُ عليه كان عمره ثلثَمائة وخمسين سنة، فلبث أَلف سَنَةٍ / إِلا خمسين عاما يَدْعُوهم. وقالوا ما أَسْلَمَ من الشياطين إِلاَّ شيطانان، شيطان نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلَّم. وشَيْطان نوح عليه السّلام. وقال إِبْلِيسُ لنوحٍ عليه السّلام: خذْ مِنىِّ خَمْسا، فقال لا أُصَدِّقك، فأُوحِىَ إِليه أَنْ صَدِّقْه فى الخَمْس. قال: قلْ. قال: إِيّاك والكِبْرَ فإِنِّى وقعت فيما وقعت بالكِبْرِ. وإِيّاكَ والحَسَدَ، فإِنَّ قابِيلَ قَتَلَ هابِيلَ أَخاه بالحَسَد. وإِيّاكَ والطَّمَعَ، فإِنّ آدم أَوْرثَه ما أَورثَه بالطَّمع، وإِيَّاكَ والحِرْص فإِنّ حوَّاء وقعت فيما وقعت بالحِرْص، وإِيَّاكَ وطولَ الأَمل فإِنَّهما وقَعا فيما وقعا بطولِ الأَمل.

مُر النَّاس بالمعْرُوفِ واغْدُ صَبُوحَا ... وحافِظْ عليهم رَوْحةً وصَبُوحا عِظْ بعضهم وارْفُق وأَعْرِضْ ولا تَخَفْ ... بصَبْرٍ ومِمَّنْ تَسْتَمِيل جُموحا أَلَمْ تَرَ نُوحاً أَلفَ عامٍ دعاهُمُ ... تأوّب أَبْواباً لهم وسُطوحا يُلاطِفهُم قَوْلاً ويَدْعُوهْم إِلى ... مَواعِيدِ صِدْقٍ فالْتَقَوه كُلُوحا يهدّونه صرْحا ويرْمُونَه حصىً ... وعِنْد الدُّعا زادوا أَذًى وجُموحا فدمَّرهُم طُوفان أَمْر عُقُوبةً ... مِنَ اللهِ للإِنْذار أَرْسلَ نوحا

بصيرة فى ذكر ابراهيم عليه السلام

بصيرة فى ذكر ابراهيم عليه السلام وإِبراهِيمُ اسمٌ أَعْجمِيٌّ، وفيه لغاتٌ: إِبْراهامُ، وإِبْراهُوم، وإِبْراهَمُ، وإِبراهُم، وإِبْراهِم، وأَبْرَهَم، وإِبْرُهُم، قال عبد المطَّلب: عُذْت بما عاذَ به إِبْراهِمُ ... [مُسْتَقْبِلَ القبلة وهْوَ قائم] انْفِى لِوَجْهِ القُدْسِ عانٍ راغِم ... مهما تُجَشِّمْنِى فإِنّى جاشِمُ والجمعُ أَبارِه وأَبارِيهُ وأَبارِهة وبَراهِمُ وبَراهيمُ وبَراهمة وبِراهٌ وتصغِيرهُ بُرَيْهٌ، وقيل أُبَيْرِه، وقيل بُرَيْهِيم. وأَكثر المحقِّقين على هذا أَنَّه اسم جامدٌ غير مُشْتَقٍّ. وقال بعض المتكلِّفين، قال: إِنَّه اسمٌ مركَّب من البراءِ والبُرْء والبراءة، ومن الهَيَمانِ والوهْم والهمّة، فقالوا: برِئ من دُونِ اللهِ، فهام قَلْبُه بذكْرِ الله. وقال بعضهم: برأَ من عِلَّة الزَلَّة فهمَّ بالحُلُول فى محَلَّة الخُلَّة. وقيل بَرَأَهُ الله فى قالَبِ القُرْبَة فَهَّم بصدق النيَّةِ إِلى مَلَكوت الهِمَّة. قال بعضهم: وكنتُ بلا وَجْدٍ أَموتُ من الهَوَى ... وهامَ عَلَىَّ القَلْبُ بالخَفَقانِ فَلَّما أَرانِى الوَجْدُ أَنَّك حاضِرِى ... شَهِدْتُك مَوْجُوداً بكلِّ مَكانِ وقال بعضهم: إِبْ بالسُّرْيانِيّة معناه الأَبُ، وراهيم معناه الرَّحِيم، فمعناه أَبٌ رَحِيمٌ.

وقد ذكر الله سبحانَه إِبْراهِيمَ بالتَّعريض والتصْريح فى كتابه بخمسين اسما، منه: المُبْتَلَى بقوله: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} ، والمُتِمّ بقوله: {فَأَتَمَّهُنَّ} . والإِمامُ بقوله: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} ، والمُطَهِّرُ بقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ} والرَّافع بقوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت} ، والحنِيفُ والمُسْلِمُ بقوله: {حَنِيفاً مُّسْلِماً} ، والصّالح بقوله: {وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين} ، والمُطْمَئِنّ: {وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ، والأُمَّةُ والقانِتُ: {أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ} والشاكِرُ والمُجْتَبَى والمَهْدِىُّ: {شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجتباه وَهَدَاهُ} ، والرّائى: {رَأَى كَوْكَباً} ، والبَرِئ: {إِنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ} ، والمُتَوَجِّه إِلى الله: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} ، والحَلِيمُ، والأَوّاهُ، والمُنِيبُ بقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} ، والمُتَبرِّئُ عَمَّا دُونَ الله بقوله: {تَبَرَّأَ مِنْهُ} ، والمُبَشِّرُ بقوله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} ، والبَعْلُ والشَّيْخُ: {وهاذا بَعْلِي شَيْخاً} ، ومُبارَكٌ: {وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ} ، والمُضِيفُ بقوله: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ / إِبْرَاهِيمَ} ، والمَذْكُور: {واذكر فِي الكتاب إِبْرَاهِيمَ} ، والصّدِّيق والَّنبِىُّ: {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً} ، والرَّشِيدُ بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} والفَتَى بقوله: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} ، والوافِى: {وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى} ، والطَّامِع بقوله: {أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} ، ووارثُ الجَنَّة: {واجعلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم} ، وأَبو المِلَّة: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} ، ومُؤَذِّنُ الحَجِّ: {وَأَذِّن فِي الناس بالحج يَأْتُوكَ} ، وسَقِيمُ الحُبّ: {إِنِّي سَقِيمٌ} ، وشِيْعة الأَنبياء: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} ،

والذاهِب إِلى الله: {إِنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي} ، والمُهاجرُ إِلى ربّه: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي} ، ومُنادَى الحَقِّ: {وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإبراهيم} ، والمُحْسِنُ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} ، والمُؤْمِنُ: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} ، والمُرْسَلُ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} ، والحامِدُ: {الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} ، والمَوْهُوب [لَهُ] : {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} : والخَلِيل وإِبْراهيم: {واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . وذكر الله تعالى إِبْراهِيم باسمه فى بِضْعٍ وخمسين موضعا من الكتاب العزيز منها: {نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض} ، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً} ، {وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ} ، {واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت} ، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى} ، {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} ، {فاتبعوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} ، {ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} ، {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً} ، {إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه وهاذا النبي والذين آمَنُواْ} ، {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الكتاب والحكمة} ، {رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بالبشرى} ، {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع} ، {ياإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هاذآ} ، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجعل هاذا البلد آمِناً} ، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين} ، {واذكر فِي الكتاب إِبْرَاهِيمَ} ، {آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} ، {بَرْداً وسلاما على إِبْرَاهِيمَ} ،

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البيت} ، {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} ، {وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإبراهيم} ، {سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ} ، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} ، {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ} ، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى} ، {واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} . قالوا وكان لإِبراهيم عليه السّلام فى طريق الحقّ عشر مقاماتٍ نال بها غاية المرامات: الأَوّل مقام الطَّلَب: {هاذا رَبِّي} ، الثَّانى مقامُ الدَّعْوة: {وَأَذِّن فِي الناس بالحج} ، الثالث مقام الفضيلة: {واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، الرابع مقام الفَقْر والفاقة: {رَبِّ اجعلني مُقِيمَ الصلاة} ، الخامِسُ مقامُ النِّعمة: {والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} ، السّادِس مقام المغفرة: {والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} ، السّابع مقام المحبَّة: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى} ، الثامن مقامُ المعْرِفَة: {واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} ، التَّاسع مقام الهيئة: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} ، العاشر مقام الوِراثة: {واجعلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم} ، وفى هذا المقام حصل له الاستِغناء عن الواسطة والوسِيلة فقال: حسْبِى من سُؤَاله عِلْمُه بحالى. هاج نَسِيمُ الوصْلِ فاسْتَعَرتْ ... نارٌ إِليهِ تحسن المطْلَبا ما ذكراى له مطَّرحا ... وغَيْره سُراىَ له مَشْربا بيْت جمالٍ رامه مسْكَناً ... حبْل وِصالٍ راضَهُ مرْكبا لا يبْتَغِى غَيْر رضا ربِّهِ ... لا يدَّعِى دُون الوفا مذْهبا هذا خليل اللهِ فى غارة ... غار على الكَوْنَيْن فاسْتَغْربا

أرسلَ طَيْر الفِكْر مُسْتَغْنيا ... عن عالمِ العِزَّة حتَّى كَبا /جَنَّ عليه اللَّيْل فى ظلْمةٍ ... راود بدْرا ورأَى كَوْكَبا قال المُؤرّخون؛ هاجر إِبراهيمُ عليه السّلام من العِراق إِلى الشام، وبلغ عُمْرُه مائة وخَمْسا وسبعين سنة، وقيل مائتى سنَة ودُفِن بالأَرض المُقَدَّسة، وقبره مقطوعٌ به أَنَّه فى تلك المربعة، ولا يقطع بقَبْر نبىّ وماكنه غير قبر نبيّنا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم ومكان قبر إِبراهيم عليه السّلام: وروَيْنا فى الصّحيحين قال رُسُول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اخْتَتَنَ إِبراهيمُ عليه السّلام وهو ابن ثمانِين سنة بالقَدُومِ". وفى الصّحيحين مرفوعا: "أَوّل الخلائِق يُكْسَى يوم القيامَة إِبراهيم وفى صحيح مسلم: قال صلَّى الله عليم وسلَّم: حِينَ أُسْرِىَ بِى ورأَيت إِبراهِيمَ وأَنا أَشْبَهُ وَلَدِه به" وفيه أَيضا: أَنّ رَجُلا قال للَّنبِىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يا خَيْرَ البَرِيَّة، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "ذاكَ إِبراهيم". وهذا محمولٌ على التَّواضع لقَوْلِه صَلَّى الله عليه وسلَّم: "أَنا سَيّد وَلَدِ آدم". وعند البُخارِىّ عن ابن عباسِ قال: "كان آخرُ قَوْلِ إِبراهيم حين أُلْقِىَ فى النَّارِ حَسْبِىَ الله ونعْمَ الوَكيل" وفى الصّحيحين فى حديث الإِسراء ورُؤْيَته الأَنْبِياء، وَأَنَّه رأَى إِبراهيمَ فى السَّماء السّادسَة وأَنَّهُ رآه مُسْنداً ظَهْرَهُ إِلى البَيْت المَعْمُور. ورَوَيْنا فى المُوَطَّإِ عن سَعيد بن المُسَيَّب قال: "كان إِبراهيمُ النبىّ صلى الله عليه وسلَّم أَوَّلَ النَّاس ضيّفَ الضَيْفَ، وأَوَّل النَّاس اخْتَتَن، وأَوَّل النَّاس قَصَّ شارِبَه، وأَوّل

النَّاس رأَى الشَيْبَ. فقال يا ربّ ما هذا؟ فقال الله تعالى: وَقارٌ، فقال: يا ربّ زِدْنى وَقاراً". ورَوَيْنا فى تاريخ دمَشْق بزيادةٍ وأَوَّل من اسْتَحَدَّ وَقَّلمَ أَظفارَهُ". أَخبرنى المُسْند المُعَمَّر الشيخ مُحْيِى الدّين أَبو زكريّا يَحْيى بن محلى بن الحَدّاد عن الشيخ أَبى زكريّا يَحْيَى النَّواوِىّ عن أَبى محمَّد بن قُدامَهَ عن أَبى حَفْص بن طَبَرْ زَدْ، عن أَبى فَتْحِ الكروخىّ، عن القاضى ابن عامرٍ، عن أَبى محمّد الجَرّاحىّ، عن أَبى العباس المحتوى، عن أَبى عيسَى التِّرْمذىّ، عن عبد الله بن أَبى زِيادٍ عن يَسارٍ، عن عبد الواحد بن زِيادٍ، عن عبد الرحمن ابن إِسحاق، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أَبِيه عن ابنِ مَسْعُودٍ رضى الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "لَقيتُ إِبْراهيمَ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بى فقال يا محمَّد أَقْرِئ أَمّتَك منى السّلام وأَخبرهم أَنَّ الجنَّة طيِّبَةُ التُّرْبَة، عَذْبَة الماءِ، وأَنَّها قِيعانٌ، وأَنَّ غِراسَها سُبحانَ الله، والحَمْدُ للِه، ولا إِله إِلاَّ الله، والله أَكبر". قال الترمذىّ: حديثٌ حَسَنٌ. وفى تاريخ دمشق: وُلد إِبْراهيم بغُوطَة دِمَشْق بقرية يقال بها بَرْزَةُ هكذا فى هذه الروّاية، والصحيح أَنَّه وُلد بكوثَى من أَرض العراق بإِقْليم بابل، وإِنما نٌسب إِليه هذا للْمُقام بَبْرزَة، لأَنه صلَّى فيه لما جاء مُعيناً للوط عيله السلام. وفى التاريخ المذكور: أَنّ أَبا إِبراهيم آزَرَ كان من أَهل حَرّان، وأَنّ أمّ إِبراهيم اسمُها بونا وقيل نونا، وأَنّ نُمْرُوذَ حَبَسَهُ سَبْعَ سنين ثم ألْقاه فى النار. وأَنَّه كان يُدْعَى أَبا الضِّيفان، وتجارته كانت فى البُرِّ، - وأَنَّ النارَ لم تَنَلْ منه إِلاّ وَثاقه لتَنْطَلق يَداهُ. ولمّا قال الله تعالى: {يانار كُونِي بَرْداً وسلاما على إِبْرَاهِيمَ} بَرَدَت النارُ فى ذلك الوقت على أَهْلِ المَشْرِق والمَغْرِب، وأَنَّ جِبْرِيلَ مَرَّ به حين أُلْقى فى الهَواء فقال: / "يا إِبراهيمُ

أَلَكَ حاجَة؟ فقال: أَمَّا إِلَيْك فَلاَ". وعن علىّ رضى الله عنه، أَنّ البغَال كانت تَتَناسَل وأَنَّها كانت أَسْرَعَ الدّوابِ فى نَقْلِ الحَطَبِ لنارِ إِبراهيمَ فدَعا عليها فقَطَع الله نَسْلَها. وعن الحَسَنِ البصرىّ فى قوله تعالى: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} قال: ابْتلاهُ بالكَوْكَبِ فوَجَدُه صابراً، وابْتلاهُ بالقَمَر فوَجَده صابراً، وابْتلاه بالشَّمْس فوَجَده صابِراً، ثمّ ابتلاه بالنَّار فوجده صابراً، ثمّ ابتلاه بَذْبحِ وَلَده فوجده صابراً. وعن مجاهدٍ أَنَّ إِبراهيم وإِسْماعيل حَجَّا مَاشِيَيْن. وعنه فى قوله تعالى: {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين} إِكرامُهم أَنَّه خَدَمَهم بنَفْسه. وفى حديثٍ مرفوع أَنَّه كان من أَغْيَرِ النَّاس. وكان سَبَب وفاة إِبراهيم أَنَّه أَتاه مَلَكٌ فى صورة شَيْخ كبير يُضَيِّفه، وكان يأْكل كل ويُسيلُ طعامَه على لحْيَته وصدره، فقال إِبراهيم: يا عبدَ الله: ما هذا؟ قال: بلغتُ الكِبَرَ الذى يكون صاحبُه هكذا، قال وكم أَتَى عَلَيْك؟ قال مائتا سنة، - ولإِبراهيم يومئذ مائتا سنة، فكره الحياة لئلا يصير إِلى هذه الحال، فمات بلا مرض. وقال بعض العلماء توفِّىَ إِبراهيمُ وداودُ وسليمانُ صلوات الله عليهم فَجْأَةً، وكذلك موت الصّالحين. وهو تخفيف على المؤمن المراقب.

بصيرة فى ذكر اسماعيل بن ابراهيم الخليل

بصيرة فى ذكر اسماعيل بن ابراهيم الخليل وهو اسمٌ أَعْجَمىّ كسائرِ أَسماء الأَعْلام الأَعْجَميّة، وهو أَوّل من يُسَمَّى بهذا الاسم من بنى آدَمَ، واحْتَرَزْنا بهذا القَيْد عن الملائكة فإِنّ فيهم إِسماعيل وهو أَمين الملائكة. وتَكَلَّف بعضُ النَّاس وجعل له اشتقاقاً من سَمِعَ، وتركيباً منه ومن إِيل، وهو اسمُ الله عزَّ وجَلَّ، قال: فإِنْ كان وَزْنه إِفْعاليل فمعناه: أَسْمَعَه الله أَمَرَه فقامَ به. والَّذى قال: وَزْنُه فُعاليل لأَنّ أَصله سُماعيل قال: معناه سمع من الله قولَه فأَطاعه. وكان له عليه السّلام عَشْرُ خَصائصَ: الأَوّل أَنّ لغتَه كانت لُغَة العَرَب، وإِليه يرجع أَنْسابُهم، وكان مَرْكَزَ نُورِ النَّبىِّ المصطفَى، ووَلَدَ الخَليلِ، وجَدَّ الحَبِيب، وشَرِيكَ إِبراهيمَ فى بناء الكَعْبَة، ومُسْتَسْلماً مُنْقاداً للذَّبْح عند امتحان إِبراهيم به. واختصّ بخِلْعَة {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} . ومن مفاخر قول النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أَنا ابْنُ الذَّبِيحَيْن، والثانى عَبْدُ الله بن عَبْدِ المُطَّلِب. وقد دعاه الله فى القرآن باثْنَىْ عَشَرَ اسْماً: غُلامٌ، وعَليمٌ، وحَليمٌ، ومُسْلَمٌ، ومُسْتَسْلِمٌ {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ، آمرٌ {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بالصلاة} ، وصابرٌ {إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين} ، مَرْضِىٌّ {وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} ، صادقُ الوَعْد {كَانَ صَادِقَ الوعد} رَسُولٌ نَبِىٌّ {وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} ، مَذْكُورٌ {واذكر فِي الكتاب إِسْمَاعِيلَ} .

وذكره الله تعالى باسمه فى عشرة مواضع فى القرآن: {وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ} ، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت وَإِسْمَاعِيلُ} ، {نَعْبُدُ إلاهك وإلاه آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} ، {وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} ، {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} إِلى قوله {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ، {وَإِسْمَاعِيلَ واليسع وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين} ، {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل كُلٌّ مِّنَ الصابرين} ، {الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ} ، {واذكر فِي الكتاب إِسْمَاعِيلَ} ، وفى صحيح البخارى: " كان النَبِىُّ يُعوّذ الحسنَ والحُسيْنَ رضى الله عنهما؛ أُعِيذُكُما بكَلِماتِ الله التامَّةِ من كُلِّ شَيْطانٍ وهامَّة، ومِنْ كُلِ عيْنٍ / لامَّةٍ، ويقول: إِنّ أَباكُما كان يُعوِّذ بها إِسماعيل وإِسحاق"، وفى البخارى: "أَن النبىَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّ على قَوْم وهم يَنْتَضِلون، فقال: "ارْمُوا بنِى إِسماعيل فإِنَّ أَباكُم كان رامِيا". وكان أَكْبر من إِسْحاقَ، واخْتُلِف فى الذَّبيح منهما، والأَكْثَرون على أَنَّه إِسْماعِيل. وفى الصّحيح: "إِن الله اصطفَى من ولد إِبراهيم إسماعيل، واصْطفى من ولَدِ إِسماعِيل بنى كنانة، واصْطَفَى من بنِى كِنانَة قريشا، واصْطَفَى من قُريْشٍ بنِى هاشِم، واصْطفانِى من بنِى هاشم".

وقصّة إِسماعيل وأُمِّه وزَمْزَم ذكرناها فى موْضعه من غير هذا الكتاب. قال: لا نَسْتَطيعُ لما قَضاهُ ربُّنا ... مِمَّا عَلَيْنا أَوْ لَنَا تَبْدِيلاَ لِقَضائه نَبْكى ونَحْزَنُ والبُكا ... ء وحُزْنُنا لا يُغْنيانِ فَتِيلاَ أَبْصِرْ خَلِيلَ الله جاءَ مُشاوِراً ... فى أَمْرِ رُؤْيا الذّبْحِ إِسْماعِيلاَ فاسْتَعْصَما واسْتَسْلَمَا لِقَضائه ... وَعلَى المُهَيْمِن عَوَّلاَ تَعْوِيلاَ طِبْ يا بُنَىَّ فلا مَرَدَّ لِحُكْمه ... واصْبرْ عليه واتَّخِذْه وَكِيلاً

بصيرة فى ذكر اسحاق عليه السلام

بصيرة فى ذكر اسحاق عليه السلام هو اسمٌ أَعجمىٌّ غير منصرف للعُجْمَة والعَلَميَّة، وهى سُرْيانيَّة، وقيل: مشتقٌّ من السَّحْقِ. والإِسْحاقُ: الإِبْعاد، والسَّحْقُ: البُعْد ومَكانٌ سَحيقٌ: بَعيدٌ. والسَّحْقُ بالفتح: السَّهْل، أَو هو الدَقُّ، ومسْكٌ سَحيقٌ: مَسْحوقٌ. وقد ذكره الله تعالى فى مواضعَ من التَّنْزِيل فقال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} ، وقال: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إِسْحَاقَ} ، {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} ، {عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} ، {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} ، {وَأَوْحَيْنَآ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ} ، {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا} ، {وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} ، وعلى قول من قال هو الذَّبِيح، يكون مُبَشّرٌ، وغُلامٌ، وعَلِيمٌ، وحَليمٌ، وصابِرٌ، وآمِرٌ، ومُسْلَمٌ، من أَسمائه عليه السّلام. عاش مائة وثمانين سنة، وقبرُه عند قبر أَبِيه، ووُلد قبل إِسْماعيل بأَربَعةَ عَشَر سنةً. قال: اللهُ [ربى] كافل الأَرزاقِ ... وهو الحَسيبُ لقِسْمة الأَخْلاقِ قَسَمَ السّوائل والمآكل بَيْنَنَا ... فأَتى الخَلائقَ كُلَّهم بخَلاقِ فالخَلْقُ من حَسَناته والرِّزْقُ منْ ... بَرَكاته والكُلأُّ باسْتحْقاقِ عَجّل وقسّم إِنْ تَشَأ تصديقَها ... فاقْرأَ: وبارَكْنَا عَلَى إِسْحاقِ

بصيرة فى ذكر يعقوب عليه السلام

بصيرة فى ذكر يعقوب عليه السلام وكان اسمه إِسرائيل، وكلاَ الاسمين أَعْجَمىٌّ غير مُنْصَرِف للعُجْمة والعلمية، هذا هو الَّذى عليه الأَكثرون. وتكلَّف بعضُهم فى القول باشتقاقهما، فقال فى إِسْرائيل إِسْر بالسّريانية: الصَّفىّ والخاصَّة، وإِيل بلغتهم: اللهُ، فمعناه صَفىُّ الله وخاصَّتُه. وقيل: أَسْرا مَعناه: الأُسْرَة، وإِيل بمعنى الآل، أَى هو نَبِىٌّ وآلُهُ وأَقارِبُه أَنْبِياءُ. وقيل: أَسْر من الأَسْر، وإِيل اسم شَيْطانٍ. وسُمِّىَ به لأَنَّه عليه السّلام كان خادماً للمَسْجد الأَقْصَى والمَسْجد الحرام على اختلافِ القولَيْن، وكان يُوقِدُ فيه السُّرُجَ للعابدين والمُصَلِّين، وكان الشيطان المسمّى إِيل مُسَلَّطاً عليها يأتيها ويُطْفئُها، فلمّا اطَّلع على ذلك يعقوبُ تَرَصَّد له وأَسَره ورَبَطه إِلى سارِيَةٍ حتى رآه الناسُ عَياناً، فقالوا أَسَرَ إِيل أَى أَسَرَ الشيطان، فخفَّفوه وقالوا أَسْر إِيل. وأَمّا يعقوبُ فإِنَّه سُمِّىَ به لأَنه كان يعقب أَوامَر الله تعالى ونَواهيَه من كتابه فيَعْمَل بها. وقيل: سُمِّىَ يعقوبَ لأَنَّه عاقَبَ شَيْطانَه المتقدّم ذكْرُه. وقيل: لأَنَّه يَعْقُبُه / ذُرِّيَّتُهُ. وقيل: لأَنَّه خرجَ من بَطْنِ أُمِّه متعلِّقا بعَقب أَخيه عيصو، وسُمِّىَ أَخوه عيصُو لأَنَّه عَصَى بالتَّقَدُّم عَلَيْه. وفى بعض الآثار القُدْسيّة أَنَّ الله تعالَى قال: لَوْ عَلمْتُ شيئاً أَبْلَغَ فى عُلُوِّ دَرَجَةٍ من الهَمِّ والحُزْنِ لابْتَلَيْتُه. وأَوْحَى الله إِليه لمّا أَكْثَر من البُكاءِ على فراقِ يوسف، يا يَعْقُوبُ هذا بُكاؤك على فِراقِ الوَلَدِ، فكيف بكاؤك على فِراقِ الوَاحِدِ الأَحَد! وقِيلَ لمَّا قَدِمَ البشيرُ على يَعْقُوبَ يُبَشِّرُه ببَقاءِ يُوسُفَ ولِقائه قال يَعْقُوب: على أَىِّ دِين تَرَكْتَه؟ قال عَلَى الإِسْلام. فقال: الآن تَمَّتِ النِّعْمة. وكان يَعْقوبُ حَفِيدَ الخَلِيل، ووَلَدَ الذَّبِيحِ، ووالِد الصدِّيق، ومُقْدَّمَ الأَسْباط وشَيْخَهم، وجَدَّ أَنْبِياءِ بنى إِسْرائِيلَ، وابن أَخى إِسماعيل، ووارِثَ جَمالِه. واعتكف فى بيت الأَحْزان أَرْبَعِينَ سَنَةً، وقيل: سَبْعِين سنةً. واسْتَنْشَقَ ريحَ ثَوْب يوسفَ من مسافةِ ثمانين فَرْسَخاً.

وقد ذكره الله تعالَى فى مواضِعَ من القرآن المجيد: الأَوّل فى وَصِيَّةِ الذرِّيَّة بمُحافَظَتِهم على المِلَّة {ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} . الثَّانى: فى الخَبَرِ من الحال وَقْت الترحال: {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الموت} . الثالث: فى موافقة الدَّعْوةِ مع أَبْناءِ النُّبُوَّة: {وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} . الرّابع: نسبة الأَسباطِ إِليه للشَّرَف والمَنْزلة {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} إِلى قوله {وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ} . الخامس: البِشَارة بوجُودِه قَبْلَ مَوْلودِه: {وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} . السّادِسُ: المِنَّة على إِبراهيمَ به وبكَوْنه نافِلَةً {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} . السّابع: إِخْلاصُه فى طَريق الدِّيانَة. {واذكر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} . الثامِنُ: فى وَعْدِ يُوسُفَ بتَمام النِّعْمة عليه {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعلى آلِ يَعْقُوبَ} التَّاسع: فى حُصُول المَقْصُود وقَضاءِ الحِاجَة: {إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} . قيل ثمانِيَةُ أَنْفُس ابْتُلُوا بِفراق ثمانِيَةٍ فوقعُوا بإِثْرها فى مِنْحَة أَو مِحْنَة: ابْتُلِىَ آدمُ بِفراق الجَنَّة فوقع على إِثْرها فى مِحَنِ الدُّنْيا {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ} . وابْتُلِىَ نوحٌ بفراق كَنْعان فوقَع فى أَثره فى المَلامَة بسَبب شَفاعَته فيه: {إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} . وابْتُلِىَ يُونُس بِفراقِ القَوْمِ فَوقَع فى أَثَرِه فى ظُلْمَة البَحْرِ وظُلْمَة بَطْن الحُوت {فنادى فِي الظلمات أَن لاَّ إلاه إِلاَّ أَنتَ} . وابْتُلِىَ سُلَيْمان بفِراق المُلْكِ فَوقَع على أَثَرِه

فى الابْتلاءِ والمَلاَمة، لقوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً} . وابْتُلِىَ مُوسَى بِفراقِ أُمِّه فوقع على أَثَره فى قَبْض فِرْعَوْنَ لقوله تعالى: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ} . وابْتُلىَ صَلَّى الله عليه وسلَّم بفراقِ مكَّة فصار على أَثَره فى دار الهِجْرة والمُهاجَرَة: {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} . وابْتُلِىَ يُوسُفُ بِفراقِ أَبِيه فوقع على أَثَرِه فى بِئْر الوَحْشَة وحَبْس البَليَّة: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب} . وابْتُلى يَعْقوب بِفراق يُوسُفَ فوقَع فى بَيْت الأَحْزانِ وزَاوِيَة الهُموم وتوظَّفَتْه الآلام والغُموم: {إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله} ، ثم انتقل من زاويَة المحْنة إِلى بَسْط المِنْحَة وعالَم البُشْرَى والمَسَرَّة. قال: وَرَدَ البَشِيرُ مُبَشِّراً بقُدُومهِ ... فمُلِئْتُ من قَوْل البَشِير سُرُورا /واللهِ لَوْ قَنع البَشِيرُ بمُهْجَتِى ... أَعْطَيْتُه ورَأَيْتُ ذاك يَسِيرا لَوْ قالَ هَبْ لىِ ناظِرَيْكَ لَقُلْتُهَا ... خُذْ ناظِرَىَّ فما سَأَلْتَ كَثِيرَا وكَأَنَّنِى يَعْقُوبُ مِن فَرَحِى بِهِ ... إِذْ عادَ من شَمِّ القَمِيصِ بَصِيرا

بصيرة فى ذكر يوسف عليه السلام

بصيرة فى ذكر يوسف عليه السلام ويُثَلَّثُ سِينُه، وهو اسمٌ أَعْجَمِىٌّ غَيْر مُنْصَرِفٍ للعِلَّتَيْن. وقيل: مُشْتَقّ من الأَسَف، فيُوسف بكسر السِّين يُفْعِل من آسَفَ يُوسفُ إِذا أَحْزَنَ وأَهَمَّ وأَغْضَبَ، لأَنَّه آسَفَ أَباهُ بفِراقه. ويُوسَف بفتح السّين لأَن إِخْوته حَزَّنوه بفراق أَبِيه. وقيل: أَصله يَأسَفُ بفتح الياء والسّين، يَفْعَل من الأَسَف، لأَنه أَسِفَ فى الغُرْبة والمِلْكة. وفى بعض الآثار: لمّا أَخْرَج الله الذُرِّيَّة من ظَهْرِ آدَمَ وعَرَض عليه أَمْثال الذر، أَراه فى الطبقة السّادسة شخصاً مَهيباً من الرِّجال، على وَجْهِه بَهْجَةُ الجمال، قد تُوِّج بتاج الوَقار، وهو مُرْتَدٍ برداءِ الكَرامَة، مُتَّزِزٌ بإِزار الشَرَف، عليه قميصُ البَهاءِ، وفى يَدِه قضيبُ المُلْكِ، وعلى يَمِينه سبعون أَلْفَ مَلك، وعلى يساره هكذا، وخَلْفَه أُممٌ الأَنْبِياءِ، لهم زَجَلٌ بالتسبيح، وبين يَدَيْه شَجَر السَّعادة يَدُور معه حَيْثما دارَ. فقال آدمُ يا ربّ مَنْ هذا الَّذى أَبَحْت له بحبوحَةَ الكَرامة، وأَنْزَلْته هذه الدّرجةَ العالية؟ قال الله تعالى: هذا ابْنك المَحْسُود من إِخْوَته؛ يا آدَمُ انْحَلْهُ وسَمِّه، فنَحَلَه ثُلُثَىْ جَمالِ أَوْلاده، وضَمَّه إِلى صَدْره، وقَبَّل ما بَيْن عَيْنَيْه وقال: يا بنىّ لا تَأسَف [فأَنت يوسف] ، فأَوّل من سَمّاه بهذا الاسْم آدَمُ. وقيل إِنَّ يُوسُفَ ورث الجَمالَ من إِسحاقَ، وإِسحاقَ وَرِثَهُ من أُمِّه سَارة، وسارة وَرِثَتْ من أُمِّها حَوّاء.

وقال كَعْبٌ. قُسّم الجمالُ عَشَرَة أَجْزاء، تسعةٌ منها ليُوسُف وواحدٌ لجميع أَولاد آدم. وقال النبىّ صلَّى الله عليه وسلم: "رَأَيْت يُوسف لَيْلَة أسْرىَ بى فى السَّماءِ الرّابعَة، فقيل: كيف رَأَيْتَه يا رسولَ الله؟ فقال: كالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْر"، وقال: أُعْطِىَ يُوسُف وأُمُّهُ شَطْرَ الحُسْنِ. وقال: جاءنى جِبْريلُ وقال: "يا مُحَمّد إِنَّ الله تعالَى أَلْبَس يُوسُفَ الجَمالَ من نورِ الكرْسىِّ وأَلْبَسَكَ جَمالَك من نور الْعَرْش" ولَمَّا قرأَ صلَّى الله عليه وسلَّم قوله: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبّ إِلَىَّ ممّا يَدْعُونَنى إِلَيْه} قال: "رَحم الله أَخى يُوسُفَ هَلاّ سَأَل الله العَفْوَ والعافيَة" ولمّا قرأَ قوله {فَاسْأَلْهُ ما بالُ النِّسْوَة اللاّتى} قال: "رحم الله يُوسُفَ لَوْ كنْتُ أَنَا لبادَرْت البابَ" قال: إِذا ما أَتاكَ الدَّهْرُ يَوْماً بنَكْبَةٍ ... وأَصْبَحْتَ منها فى حُزون من الحُزْنِ فلا تَيْأَسَنْ فالله مَلَّك يُوسُفاً ... خَزائنَه بعد الخَلالص من السِّجْن فرّقت قصص الأَنبياء فى القرآن، وجَمَعَ الله قصّتَه جميعها فى سورة واحدة، وسمّاه فى هذه السّورة بثلاثةٍ وثلاثين اسْماً: المُجْتَبَى: {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} ، والمُعَلَّم: {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} ، غلامٌ: {يابشرى هاذا غُلاَمٌ} ، مُكرَمٌ: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} ، نافعٌ: {عسى أَن يَنفَعَنَآ} ، وَلَد: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} ، مُخْلَصٌ: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} ، مُحْسِنٌ: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} ، راءٍ: {لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} ، فَتًى: {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ} ، أَحَبّ: {وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا} ، مَلَكٌ كَرِيمٌ: {إِنْ هاذآ / إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} ،

مُسْتَعْصِمٌ: {فاستعصم} ، صِدِّيقٌ: {أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا} ، مُسْتَخْلَص {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} ، حَفيظٌ وعَليمٌ: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ، أَمينٌ ومَكِينٌ: {لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} ، مُمَكَّنٌ: {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} ، مُرْسَلٌ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً} ، رَسُولٌ: {وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ} ، إِلى قوله: {رَسُولاً} ، أَخٌ: {إني أَنَاْ أَخُوكَ} ، زَعِيمٌ: {وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} ، عَلِيمٌ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} ، رَفِيعٌ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ} ، رافِعٌ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش} ، عَزِيزٌ: {ياأيها العزيز} ، مُتَصَدِّقٌ: {إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين} ، تَقِىٌّ وصابِرٌ: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ} ، صالِحٌ ومُسْلِمٌ: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} . وذكره تعالى باسْمِه فى خمسةٍ وعشرين موضعاً من التَّنْزِيل: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ} ، {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ} ، {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا} ، {اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه} ، {قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} ، {مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ} ، {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا} ، {وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} ، {كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً} ، إِلى قوله: {وَيُوسُفَ} ، {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هاذا} ، {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا} ، {إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ} ، {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} ،

{وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} ، {وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ} ، {كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ} ، {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا} ، {وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ} ، {ياأسفى عَلَى يُوسُفَ} ، {تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ، {فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ} ، {هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} ، {قالوا أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ} ، {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} . مَحَنَهُ الله تعالى بعَشْرِ مِحَنٍ، وكافأَه بعَشْرِ مِنَحٍ: الأَوَّل بِفراقِ أَبِيهِ، وختم بمَسَّرةِ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش} ، وابْتُلِىَ بجَفاءٍ الإِخْوة وخَتم بمَسَرَّةِ: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً} ، وابْتُلِىَ بوَحْشَةِ الجُبِّ، وجُوزِىَ بفَرْحَة: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هاذا} ، وابْتُلِىَ بمَلكَة عَزِيزِ مِصْرَ وكُوفئ بمَلِكَة أَهْلِ مِصْرَ قاطِبَة: {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} ، وابتُلِىَ بقَصْدِ زليخا، ونجا بشهادة طِفْلٍ لم يَنْطق بعدُ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ} ، وابْتُلِىَ بِحيلَة نِساءِ مِصْرَ، وخُتِمَ ببراءتِه وقَوْلهنّ: {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء} ، وابْتُلِىَ بدَعْوة الشَّيْطان، وصِينَ بِعصْمَة الرّحْمان: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السواء والفحشآء} ، وابْتُلِىَ بالسّجن والحَبْسِ، وكُوفئ بالمُلْكِ والسَّلْطَنَة: {ياأيها العزيز} ، وابْتُلِىَ بالزُّورِ والبُهْتان وصار ذلك أَظْهَر من كلّ عَيانٍ: {الآن حَصْحَصَ الحق} ، وابْتُلِىَ بالمالِ والمُلْكِ واتِّساع الدّنيا، وأُبْعِد عنه ضَرُّها بولاية المَوْلَى فى الآخِرَة والأُولَى: {أَنتَ وَلِيِّي فِي الدنيا والآخرة} .

قال: كَمْ نِعْمَةٍ مَسْتُورَة فى الظَّلام ... كَمْ نِعْمَةٍ مغمورَة فى الكَلامْ آدَمُ فى الجَنَّة نالَ النَّوَى ... ونالَ فى الطُّوفان نُوحٌ سَلامْ يَعْقُوبُ قد عُوقِبَ فى هَجْره ... بَيْتَ أَحزان رَهِين اغْتمام ثم ابنه قد صُرّ من بئره ... فقيل يا بُشْرَى هذا غلام

بصيرة فى ذكر ادريس عليه السلام

بصيرة فى ذكر ادريس عليه السلام واسمه بالسّريانية خنوخ ويُقال أَخْنوخ، ومعناه كثير العِبادة - وأَمّا إِدريس فاسمٌ أَعجمىٌّ غير مُنْصَرِف. وقيل: مشتق من الدّرْس والدّراسة بمعنى القِراءة، سمّى به لكثرة ما دَرَس من كُتب الله عزَّ وجلّ، فإِنَّه كان يحفظ صُحُفَ آدم وصُحُفَ شِيثٍ / على ظَهْرِ قَلْبه، وكانت صحفُ آدَمَ واحداً وخمسين صحيفةً، وصحفُ شيثٍ عِشْرِينَ، وصحفهُ خاصّة ثلاثين، وكان يفحظ الجميع ويُدَرِّسه. قال النَّبِىُّ صلَّى الله عليه وسلم: "ما اجْتَمَع قَوْمٌ فى مَسْجِدٍ من مَساجِدِ اللهِ يَتْلُون كتابَ اللهِ ويَتدارَسُونَه إِلاَّ نَزَلَتْ عليهم السَّكِينَة وغَشِيَتْهُم الرَّحْمَة، وذَكَرَهُم الله فِيمَن عِنْدَه". قال: العِلْمُ أَنْفَسُ عِلْقٍ أَنْتَ ذاخِرُهُ ... مَنْ يَدْرُس العِلْم لم تَدْرُس مَفاخِرُهُ فاجْهَدْ لِتَعْلَمَ ما أَصْبَحْتَ تَجْهَلُه ... فأَوَّلُ العِلْمِ إِقْبالٌ وآخِرُهُ وكان إِدْرِيسُ أَوَّلَ من خَطَّ، وأَوّلَ من خاطَ، وأَوّلَ من أَخَبْرَ عن عِلْم الهَيْئَة والحِساب وأَحْكام النُّجُوم وتأْثِير الكواكب بالتَّأْييد السَّماوىّ والمدد الرّبّانىّ، رفع الله عنه بدُعائه إِحساسَ حَرارَة الشمْسِ، وعَبَدَ الله حتَّى تمنَّت الملائكةُ المقَرَّبون صُحْبته. ودعاه الله فى التَّنْزيل باثْنَىْ عَشَر اسْما: السَّاجِدُ، والباكِى {خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً} مُجْتَبًى ومَهْدِىٌّ {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا واجتبينآ} ، رفَيعُ الشَّأْن عَلِىُّ المَكان {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} . صالحُ {وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ} ، صابِرٌ {كُلٌّ مِّنَ الصابرين} ، صِدِّيقٌ ونَبىٌّ

{إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً} ، مَذْكُور وإِدْرِيسُ {واذكر فِي الكتاب إِدْرِيسَ} . وذكره باسمه فى موضعين: {وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل كُلٌّ مِّنَ الصابرين} ، {واذكر فِي الكتاب إِدْرِيسَ} . أَنْشَدنا بعضهم: اصْدُق ولا تأْتِ قَطُّ تَلْبِيسا ... ولا يَرَى اللهُ مِنْكَ تَدْلِيسا إِدْرِيس فى عِلْمِه وحِكمَته ... بالأَنْجُمِ الزُّهْرِ كان نِقْرِيسَا مَكانُه عزَّ مِنْ مَكانَتهِ ... أَنْزَلَه صِدْقُه الفَرادِيسا وآيةُ إِجْلالِه وعِزَّتهِ ... فى "واذْكُرْ فى الكتابِ إِدْرِيسَا"

بصيرة فى ذكر يونس عليه السلام

بصيرة فى ذكر يونس عليه السلام وفيه ثلاثُ لُغاتٍ: ضَمُّ نُونِه وفَتْحهُ وكَسْرُه، وهو اسمُ علمٍ أَعجمىّ ممتنع من الصَّرْف، وقيل: مُشْتَقٌ وَزْنُه يُفْعِل من آنَس يُؤْنِسُ إِيناساً بمعنى أَبْصَر، قال الله تعالى: {آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً} ، وقيلَ من الأُنْسِ ضدّ الوَحْشة، سُمِّىَ بِه لأُنْسِهِ بطاعةِ الله، أَو لأَنَّه أَبصر رُشْدَه فى العبادة. قيل: أَوْحَى الله تعالى إِلى يُوْنُسَ أَنْ قُلْ لأُمَّتِكَ قولُوا لا إِله إِلاَّ الله ثم اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ. وقال النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تُفَضِّلُونى على يُونُسَ بنِ مَتّى" وقال: مَنْ قال أَنا خَيْرٌ من يُونُسَ بنِ مَتّى فَقَدْ كَذَب". ودعاه الله تعالَى فى القُرْآن بأَحَدَ عشر لَقباً: ذوُ النُّونِ ومُغاضِبٌ فقال {وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} ، ومُنادِى الحَقّ {فنادى فِي الظلمات} ، ومُسْتَجابُ الدَّعْوة {فاستجبنا لَهُ} والمُنَجَّى {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم} ، والمُرْسَل {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين} والآبِقُ إِلى الحَقِّ {إِذْ أَبَقَ إِلَى الفلك المشحون} ، والمُدْحَضُ {فَكَانَ مِنَ المدحضين} ، مُلِيمٌ {وَهُوَ مُلِيمٌ} ، مُسَبِّحٌ {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ} ، صاحِبُ الحُوت {وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت} ، مَكْظُومٌ {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} ، مُجْتَبَى وصالِح {فاجتباه رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصالحين} .

وذكره الله تعالى باسمه فى مواضع من التَّنْزيل: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين} . {فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} ، {وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين} . ويُرْوَى أَنَّه لَمَّا الْتَهمَهُ الحُوتُ جعل يُسَبِّح الله تعالى فى بَطْنِه فقالت ملائكة السَّماءِ يا رَبَّنا إِنَّا نَسْمَع صوتَ عبدِ معروفٍ من مكانٍ مَجْهولٍ، فقال الله تعالَى: ذاك صوتُ عَبْدِى يونُس قَنَّط عبادى / من رَحْمَتِى فأَوْقَعْتُه فى ظُلْمة البحر وبَطْن الحوت. وكان يُونُس يَنُوحُ على نفسه فى جَوْف الحوت ويقول: إِلهِى من الجِبال انْزَلْتَنِى، ومن بين العِباد أَخْرَجْتَنِى، وفى البحار صَيَّرْتَنِى، وفى بَطْنِ الحُوتِ حَبَسْتَنِى، وبشُؤْم الزَلَّةِ ابْتَلَيْتَنِى، فلو نَجَّيْتَنِى من سِجْنِك لأَعْبُدَنَّك عِبادَةً لم يَعْبُدْك أَحَدٌ من العالمين، {لاَّ إلاه إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} . قال: آثَرَ اللهُ فارْضَ بالقُوتِ ... لا تَسَخَّطْ قَضاءَ مَوْقُوتِ إنَّما الصَّبْرُ والرِّضَا عَقدا ... عِقْدَيْن من لُؤْلُؤٍ ويَاقُوتِ أَخُور الرِّضا صائرٌ إِلى مِقَةٍ ... وصاحِبُ السُّخْط شَرُّ مَمْقُوتِ قيلَ لصَدْر الأَنامِ ارْضَ ولا ... تكُنْ جَزُوعا كصاحِب الحُوتِ

بصيرة فى ذكر لوط عليه السلام

بصيرة فى ذكر لوط عليه السلام وهو اسم أَعجمىّ مقال نُوح يجوز صرْفُه، وهو أَوّل من سُمّى بهذا الاسم، وهو لُوطُ ابن هارون بن تارَح ويقال تِيرَح، وهو ابن أَخى إِبراهيمَ الخليل عليه السّلام. وقد ذكره الله فى القرآن بعَشَرَة أَسماءِ: النَّاجِى {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} ، الشَّاكر {كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ} ، نَذِيرٌ {فَتَمَارَوْاْ بالنذر} ، مُنْذِرٌ {وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} مُرْسَل {وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ المرسلين} ، الأَخُ {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} ، رَسُولٌ {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} ، مُتَطَهِّر {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} . ودعاه باسمه فى عَشَرة مَواضِعَ من القرآن: {وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا} ، {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} ، {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} ، {إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ} ، {جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سياء بِهِمْ} ، {يالوط إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} ، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين} ، {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} ، {إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} . خرج لوطٌ من أَرض عراق مع عمّه إِبراهيم تابِعاً له على دِينه مهاجِراً إِلى الشَّام،

ومعهما سارة امرأةُ إِبراهيم، وخرج معها آزَرُ أَبو إِبراهيم مخالِفاً لإِبْراهِيم فى دينه، مُقِيما على كُفْره، حتَّى وصلوا حَرَّانَ، فمات آزرُ ومضى إِبراهيم ولُوطٌ وسارة إِلى الشَّام، ثمّ مَضَوْا إِلى مِصرَ ثمّ رجعوا إِلى الشَّام، فنزل إِبراهيم فلسطين، ونزل لوطٌ الأُرْدُنَّ، فأَرسله الله تعالى إِلى أَهْلِ سَدُومَ وما بينهما، وكانوا كُفَّاراً يَأْتونَ الفَواحِشَ، ومنها إِتْيانُ الذُكْرانِ ما سَبَقَهم بها من أَحَدٍ من العالَمِين، ويَتضارَطُون فى مجالسهم، فلمّا طال تمادِيهم فى غَيّهم ولم يَنْزَجِروا دعَا عليهم لُوطٌ وقال: {رَبِّ انصرني عَلَى القوم المفسدين} فأَجاب الله دُعاءَه وبعث جبريلَ وميكائيلَ وإِسرافيل عليهم السّلام لإِهلاكهم وبِشارَة إِبْراهيم بالوَلَد، فأَقبلوا فى صورة رِجالٍ مُرْدٍ حِسانٍ، فنزلوا على إِبراهيم ضيفاناً وبَشَّروه بإِسحاق ويعقوب. ولمّا جاء آلَ لُوطٍ العذاب فى السَّحر اقتلع جبريلُ قَرَياتِ لُوطٍ الأَربع، فى كلّ قرية مائة أَلف، ورفعهنَّ على جَناحه بين السَّماءِ والأَرض حتى سمع أَهلُ الدّنيا نُباحَ كِلابِهم وصِياحَ دِيَكَتِهِنَ ثمّ قَلَبَهُنَّ فجعل عالِيَها سافِلَها وذلك قوله تعالى: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ} . وهلكت امرأَة لوط مع الهالِكين. قال أَبو بكر بن عَيّاش: استَغْنَتْ رِجالُهم بِرجالهم، ونِساؤهم بِنسائهم، فكان عليهم من العذاب ما كان. قال بعضهم: طَهِّرْ فُؤادكَ واحْتَضِنْه مَحُوطَا ... لا تَمْنَحَنْه قَساوَةً وقُنوطَا /إِنَّ الَّذِين اسْتَبْدَلوا مِنء طَيِّب ... خُبْثاً رَأَوْا فى إِثْر ذاكَ حُبُوطَا بحِجارة مَنْظُودَة مَوْسُومَة ... اللهُ أَمْطَرَها فشَدَّ سُقُوطَا جُعِلَتْ أَعالى دراهمْ كأَسافِلٍ ... وأَبادَ خَضْراهُم ونَجَّى لُوطَا

بصيرة فى ذكر شعيب عليه السلام

بصيرة فى ذكر شعيب عليه السلام وهو شُعَيْبُ بن يَصْهُر، قال عطاءٌ وغيره: هو شُعيْبُ بن ميكيل بن يَشْجُر بن مدْين ابن إِبْراهِيم الخليل. وكان يُقال لشُعيْبٍ خَطِيب الأَنْبياء، وكان رسولاً إِلى أَهل مَدْين أَصحاب الأَيْكَة، وكان كثير الصّلاة والعِبادة، وكان عذاب قَوْمه بالنَّار، وكان عصى مُوسى تَذْكِرةً منه إِلَيْه. وقد ذكره الله تعالى فى مواضع من التَّنْزيل، ودعاه بأَربعة عشَر اسْما: مُرْسَلٌ {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيكة المرسلين} ، أَخٌ {وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} ، رسُولٌ: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} ، أَبٌ وشَيخٌ كبيرٌ {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ، صادِقٌ {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} ، صالِحٌ {إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} ، خائفٌ {وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} ، حلِيمٌ ورشِيدٌ: {إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد} ، مُتَوَكِّل ومُنِيبٌ {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} . وذكره باسمه فى مواضع: {وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} ؛ {لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب} {لَئِنِ اتبعتم شُعَيْباً} ، {الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين} ، {ياشعيب أصلاوتك تَأْمُرُكَ} ، {ياشعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ} ، {وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً} .

ولم يكن فى الأَنبياء بعد نبيّنا محمّد صلَّى الله عليه وسلم أَفصح ولا أَبْلَغَ من شعيب. قرأَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قِصَّته فى سورة وما كان مِنْه ومن قومه وتأَمّل فى أَلفاظ تَذْكِيرِه لِقَوْمه فقال: "رحِم الله أَخِى شعيْباً، ذاك خَطِيب الأَنْبياء، كان يُحْسِن مراجعة قَوْمه". قال بعضهم: أَصاحِ انَّ الفَصاحةَ خَيْر خِلِّ ... تُكُلِّفَ حَوْلَها سَيْفٌ وسَيْبُ فما فِى مُبْتَداهُ عُمْرُ وَعْىٍ ... وما فى المنْتَهَى شَكٌّ ورَيْبُ حديثٌ جاءنا حسنٌ صحِيحٌ ... رَواه عن الرَّسولِ لنا خُبَيْبُ فقال لقَوْلِه لمَّا تَلاهُ ... خَطِيبُ الأَنْبياء أَخِى شُعَيْبُ

بصيرة فى ذكر أيوب عليه السلام

بصيرة فى ذكر أيوب عليه السلام وأَيّوبُ اسمٌ أَعجمىّ غير منصرف كسائر نظائره، وقيل: عربىٌّ معناه الرّجاع إِلى الحقِّ فى جميع أَحواله من المِحْنَة والبلاء، والمِنْحة والرَّخاء، مِنْ آبَ يَؤُوبُ أَوْباً وإِياباً، فهو آيِبٌ وأَوَّابٌ. وقيل: هو فى اللَّغة العبرية معناه أَيضا الرَّجَّاع إِلى الله فى كُلِّ حال. وروينا فى الصّحيحين عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "بيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِل عُرْياناً خَرَّ عليه رِجْلُ جَرادٍ من ذَهبٍ، فجعل يَحْثِى فى ثَوْبه، فناداه ربُّه: يا أَيّوبُ أَلَمْ أَكنْ أَغْنَيْتك عمّا تَرى؟ قال بلَى يا ربِّ ولكن لا غِنَى لِى عن بركَتك": ويُرْوى أَنَّ أَيّوب ناجَى ربَّه وقال: إلهى ما رأَيتَ عُرْياناً إِلاَّ أَلْبَسْتَه، ولا جائعاً [إِلا] أَشْبعْتَه، فَلِمَ ابْتَلَيْتَنى؟ فنُودِىَ صدقْتَ، ولكنَّك لو أَصْبحْتَ أسيراً فى يدِ عبْدٍ من عبيدى يُحكِّم فيك ما يُرِيد لأَصْبحْتَ فى بلاءٍ أَشَدَّ مِنْ هذا، ولكنَّك أَصبحت فى يدِى وأَنا أَرحمُ الرّاحمين. وقيل: لمّا اشتدّ البلاءُ بأَيّوب قِيل له لَوْ دعوْتَ الله حتَّى يَشْفِيك! فقال: قد أَتَى علَىّ فى الرّخاء سبعون، لأَصْبِرنَّ إِلى أَنْ يأتِىَ علىّ فى البلاء سبْعون، فإِن زاد البلاءُ على الرّخاء، فحينئذ أَدْعُو ربّى. وقيل: لَمَّا قَدّم أَيّوبُ فى البلاء جِسْمه قَدَّم الله فى الثَّناءِ اسْمه، إِشارة إِلى أَنّ أَسماء جمِيع الأَنبياء فى / أَثناء قِصصِهم واسْمُ أَيُّوب فى صدْرِ قِصّته. وقد دعاه الله تعالى فى القرآن بأسماء: صابِرٌ {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ العبد} ، أَوّابٌ: {إِنَّهُ أَوَّابٌ} مُنادى: {إِذْ نادى رَبَّهُ} ، وهو أَوّلُ من دعا الله بأْرَحَمِ الرّاحِمِين. وذكره الله تعالى باسمه فى كتابه العزيز قال تعالى: {كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً} إِلى قوله: {وَأَيُّوبَ} ، {وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ} ، {واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ} ،

ويُرْوَى أَنَّ الله تعالى أَوْحى إِلى أَيّوب بأَنَّ هذا البلاء قد اختاره سبعون نبيًّا قَبْلَك، فما اخترتُه إِلاَّ لك، فلمّا أَراد الله كَشْفَه قال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضر} حتَّى زال عنه ما اختاره الله له. قال بعضهم: اسْتَصْحِبِ الصَّبْر يوْماً ظَلُّ منْكوبا ... إِنْ كنتَ ذا قدْرةٍ أَو كنْت مغْلوباً الصَّبْرُ لِلْفَرج المَرْجُوِّ مُنْعَرَجٌ ... الصَّبْرُ صَبْرٌ أَمَرّ المُرِّ مَقْلوبَا يَعْقوبُ فى أَسَفٍ يَرْثِى لِصاحِبِه ... فالصَّبْر جاء بِه أَعْطاه يَعْقوبَا أَيُّوب فى صَبْرِه يَشْكو مَضَرَّتَهُ ... أَشْفَى عليه الشفا فانْتابَ أَيُّوبَا وكان أَيّوبُ ببلاد حَوْران من الشَّام، وقبره فى قرية بقرْب نَوَى، عليه مَشْهَدٌ ومَسْجِد وقريةٌ موقوفةٌ على مصالحه، وعينٌ جارية فيها قَدَمٌ فى حَجَرِ يقولون إِنَّه أَثَرُ قَدَمه، والناس يغتسلون من العَيْن ويشربون متبرّكين، ويقولون إِنَّها المذكورة فى القرآن، وهناك صخرة عليها مَشْهَدٌ يقولون إِنَّه كان يستند إِليها.

بصيرة فى ذكر موسى عليه السلام

بصيرة فى ذكر موسى عليه السلام وموسى اسمٌ مُعَرَّبٌ أَصله مُوشا، ومُو بالعِبْرِيَّة الماء، وشا الشَّجَر، سمّى به لأَنَّه وجد فى الماء والشجر الذى كان حول قصر فرعون فى عين الشمس، وهى موضع معروفٌ بمصر لا يَنْبُت شجر البَلَسان إِلاَّ فيه. قيل: سُئِل النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما بَال الله أَكْثَرَ ذِكْرَ موسى فى القرآن؟ فقال: لأَنَّ الله يُحِبُّه، ومنْ أَحبَّ شَيْئاً أَكثر ذِكْرَه. قال كعبٌ: سَمِع موسى كلام الله يوم الطُّور غير ما سمِعه قبل ذلك، فقال موسى: يا ربّ وكيف هذا؟ قال الله تعالى: إنما كلَّمتك على قَدْر طاقَتِك، ولو كلَّمتك أَشدَّ من هذا لَذُبْتَ. وقد دعاه الله تعالى فى القرآن بخمسين اسْما تصريحاً وتعريضاً، هادِى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} ، دَاعِى: {ادع لَنَا رَبَّكَ} ، نَاجِى: {وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ} ، ساقى: {وَإِذِ استسقى موسى} ، نَاسِى: {لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} ، صادقٌ: {وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} ، صاعِقٌ: {وَخَرَّ موسى صَعِقاً} ، مُصْطَفَى: {إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس} ، شاكِرٌ: {وَكُنْ مِّنَ الشاكرين} ، صَابِرٌ: {إِن شَآءَ الله صَابِراً} ، آمِرٌ: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} ، غَضْبانُ وأَسِفٌ: {إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} ، مَذْكُور: {واذكر فِي الكتاب موسى} ، مُخْلَص: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً} ، رَسُولٌ ونَبِىٌّ: {وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} ، مُنادى: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطور الأيمن} ، مُقَرَّبٌ ونَجِىٌّ: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} ، مُختارٌ: {وَأَنَا اخترتك} ، مُسْتمِع: {فاستمع لِمَا يوحى} ، مُسَبِّح: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً}

مَحْبُوبٌ: {عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} ، مُصْطَنَع الحقّ: {واصطنعتك لِنَفْسِي} ، قُرَّةُ عين: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ} ، {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} ، أَعْلَى: {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} ، كَبِيرٌ: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} ، مُسْتَعْجل: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى} ، رَسُولٌ كريمٌ: {وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} ، مُرْسَلٌ: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين} ، ولِيدٌ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً} ، لابِثٌ: {فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أَهْلِ مَدْيَنَ} ، مُبَرَّأٌ: {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا / قَالُواْ} ، مُبارَكٌ: {أَن بُورِكَ مَن فِي النار} ، وَجِيهٌ: {وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً} ، بالِغٌ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} ، ظَهيرٌ: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} ، خائفٌ: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً} ، فَقِيرٌ: {إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} ، قَوِىٌّ وأَمينٌ: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوي الأمين} ، أَجير: {على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} ، قاضى: {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} ، مُقْبِل: {أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ} ، آمِنٌ: {إِنَّكَ مِنَ الآمنين} ، مَنْصُورٌ: {وَنَصَرْنَاهُمْ} ، غالِبٌ: {فَكَانُواْ هُمُ الغالبين} ، مَهْدِىٌّ: {وَهَدَيْنَاهُمَا الصراط المستقيم} ، مُحْسِنٌ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} ، مُؤْمِنٌ: {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} ، رَجُلٌ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً} . وذكره الله تعالى فى القرآن باسْمه فى مائة وثلاثين موضعاً، منها: {وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى} ، {آتَيْنَا مُوسَى الكتاب} ، {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ موسى} ، {وَقَالَ موسى يافرعون} ،

{وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} ، {رَبِّ موسى وَهَارُونَ} ، {أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ} ، {يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ} ، {ياموسى ادع لَنَا رَبَّكَ} ، {ياموسى اجعل لَّنَآ إلاها} ، {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني} ، {وَلَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا} ، {وَخَرَّ موسى صَعِقاً} ، {ياموسى إِنِّي اصطفيتك} ، {واتخذ قَوْمُ موسى} إِلى قوله: {جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ} ، {رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ} ، {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} ، {واختار موسى قَوْمَهُ} ، {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} ، {قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُواْ} ، {فَمَآ آمَنَ لموسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ} ، {وَقَالَ موسى رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ} إِلى قوله: {رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ} ، {وَفِي موسى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} ، {آتَيْنَا موسى تِسْعَ} ، {إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً} ، {وَإِذْ قَالَ موسى لِفَتَاهُ} ، {قَالَ لَهُ موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ} ، {واذكر فِي الكتاب موسى} ، {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى} ، {نُودِيَ ياموسى} ، {أَلْقِهَا ياموسى} ، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} ، {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} ، {جِئْتَ على قَدَرٍ ياموسى} ، {فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} ، {قَالَ لَهُمْ موسى} ، {ياموسى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ} ، {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} ، {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} ، {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} ، {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى} ، {هاذآ إلاهكم وإلاه موسى} ، {وَأَنجَيْنَا

موسى} ، {نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ موسى} ، {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى} ، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى} ، {فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ} ، {قَالَ لَهُ موسى} ، {قَالَ ياموسى إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} ، {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} ، {ياموسى إني أَنَا الله} ، {ياموسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ} ، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وموسى} ، {وَلَقَدْ مَنَنَّا على موسى وَهَارُونَ} ، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب فاختلف فِيهِ} ، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى} ، {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً} ، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى} ، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى} ، {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ موسى} . قيل لمّا سأَل موسى الرّؤية أَتاه من كلّ سماءٍ سبعون أَلف مَلَكٍ، وبيد كلّ واحد شعلة نار، ويقولون يا ابن النِّساء الُحيَّضِ، أَتطمع فى رؤية ربِّ العزَّة؟! وقال السُّدّىُّ لمّا قال: {رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ} أَحفّ الله الطور نيراناً، وأَحفَّ النيران ملائكةً، وأَحفَّ الملائكة بالبرْق، والبرْقَ بالظُّلْمة، والظُّلمة بالزَّلْزلَة، ونُودِى لَنْ تَرانِى. وقال وهبٌ وابن إِسحاق: لمّا سأَل موسى الرّؤية أَرسل الله تعالى الضَّباب / والصّواعق والظُّلمة والرَّعْد والبَرْقَ وأَحاطَتْ بالجبل الذى عليه موسى أَربعة فراسخ من كلّ جانبٍ، وأَمر الله تعالَى ملائكة السَّماوات أَن يُعْرَضوا عليه، فمرّت به ملائكة السّماء الدّنيا كثيران البقر تتابع أَفواههم التسبيح والتَّقديس بأَصوات عظيمة كصوت الرّعد الشديد، ثم أَمر الله تعالى ملائكة السّماء الثانية أَن اهبطوا على مُوسى فاعترضوا عليه، فهَبطُوا عليه أَمْثال الأُسُودِ لهم لَجَبٌ بالتَّسبيح والتَّقديس، ففَزِع العبْدُ الضَّعِيفُ ممّا رأَى وسمِع، واقشعرّت كلّ شعرة

فى رأْسِه وجسده، ثم قال: لقد نَدِمْت على مسْألتِى، فهل يُنْجِيِنى من مكانى الَّذى أَنا فيه شئ؟ فقال له خير الملائكة ورئيسهم: يا موسى اصْبِرْ لما سأَلت، فقليلٌ من كثير ما رأَيت. ثمّ أَمر الله تعالى ملائكة السّماء الثَّالثة، أَن اهبطوا على مُوسى واعترضوا عليه فَهَبطُوا أَمثال النُّسورِ لهم قَصْف ورجْفٌ ولَجبٌ شَدِيدٌ، وأَفواههم تتابُع التسبيح والتقديس كلَجَبِ الجيْش العظيم، أَلوانهم كلَهَب النَّار، ففزع موسى واشتدَّ نَفَسُه وأَيِس من الحياة، فقال له خير الملائكة: مكانَك يا ابْنَ عِمْرانَ حتى ترى ما لا تَصْبِرُ عليه. ثمّ أَمر الله تعالى ملائكة السّماء الرّابعة أَن اهْبِطوا على موسى فاعْتَرِضوا عليه، فهبطوا وكان لا يشبههم شئ من الذين مرّوا به قبلهم، أَلوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثَلْجِ الأَبيض، أَصواتُهم عالية بالتسبيح والتَّقْديس، لا يُقاربهم شئ من أَصوات الَّذين مرُّوا به قبلهم، فاصطكت رُكْبتاه وأُرْعِد قلبُه، واشتدّ بُكاؤه، فقال له خير الملائكة ورأسهم: يا بْنَ عِمْران اصبر لما سأَلت، فقليل من كثير ما رأَيت. ثمّ أَمر الله تعالى ملائكة السّماءِ الخامسة أَنِ اهبطوا فاعترِضوا على موسى، فهَبطوا عليه لهم سبعةُ أَلوان فلم يستطع موسى أَن يُتْبِعهم بصره، لم ير مثلَهم ولم يسمع مثل أَصواتهم، فامتلأَ جوفُه خوفا، واشتدّ حزنه وكثر بكاؤه، فقال له خير الملائكة ورأسهم: يا بن عِمْران اصبر حتى تَرى بعض مالا تصبر عليه، ثمّ أَمر الله ملائكة السّماء السادسة أَن اهْبِطوا على عبدى الَّذى طلب يرانى فاعترِضُوا عليه، فهبطوا عليه فى يد كلّ ملَكٍ منهم مثل النَّخلة الطَّويلة ناراً أَشدّ ضوءًا من الشمس ولِباسُهم كلَهَبِ النار، إِذا سبحوا وقَدّسوا جاوبهم من مكان قبلهم من ملائكة السّماوات كلّهم يقولون بشدّة أَصواتهم سبّوح قُدُّوسٌ ربُّ الملائكة والرُّوح، ربُّ العِزَّة أَبداً لا يمُوت، فى رأس كلّ ملَكٍ منهم أَربعةُ أَوْجُه. فلمّا رآهم موسى، رفع صوته يسبّح معهم حين سبّحوا وهو يبْكى ويقول: ربّ اذكُرْنى ولا تَنْس عبْدك، لا أَدرى أَنْفَلِتُ ممّا فيه أَم لا؟ إِن خَرَجْت احْتَرقْت، وإِن مكَثْت مِتُّ! فقال له خير الملائكة ورأسهم: اسكت يا بنَ عِمْران: [أَوْشك] أَنْ يشتدّ خَوْفُك وينخلع قَلْبُك فاصبر

للذى سأَلت. ثم أَمر الله تعالى أَن يحمل عرشه فى ملائكة السَّماء السّابعة، فلمّا بدا نورُ العِزَّة انفرج الجبل من عظمة الرّب تعالَى، ورفعت ملائكة السماوات أَصواتَهم جميعاً يقولون: سبحان المِلك القُدُّوسُ ربُّ العِزَّة أَبداً لا يمُوت، بشدّة أَصواتهم، فارتجَّ الجبل، وانْدَكَّ. كُلّ شجرة كانت فيه / وخَرَّ العبد الضَّعيف موسى صعِقاً على وجْهِه وليس معه رُوحه، فأَرسل الله تعالى برحْمتَه الرُّوح فتَغَشّاه، وقَلَب عليه الحجر الَّذى كان عليه موسى وجعله كهَيْئة القُبَّة لئلاّ يحْتَرِق موسى، فأَقامه الرُّوح مثل الأُمّ، فقام موسى يسبِّحُ الله تعالى ويقول: بِكَ آمنت ربِّى وصدَّقْتُ أَنَّه لا يراك أَحدٌ فيَحْيا، ومن نظر إِلى ملائكتك انْخَلَع قلبُه، فما أَعظَمكَ وأَعْظَم ملائكتك، أَنت ربُّ الأَرْباب وإِله الآلهة، ومَلِكُ المُلوك، لا يعْدِلُك شئٌ، ولا يقُوم لك شئٌ، ربِّ تُبْتُ إِليك، الحمدُ لَكَ لا شريك لَكَ، ما أَعْظَمك وما أَجلَّك ربُّ العالمين. أَنشد بعض الأَدباء: لِلْحُبّ نورٌ مُنَوّرْ ... فى عَرْصة الجِنانِ للَّذِكر حُسْنُ أُنْسٍ ... يُنْسِى جَنَى الجِنان الحُبُّ فى كَمالٍ ... والحُبُّ فى جمالٍ أَضحى أَخا كَلالٍ ... عن وصفه لِسانى الشَّوْق فى الْتِهابِ ... والدَّمْع فى انْسِكابِ السِرُّ فى اضْطراب ... يَنْبُو عن البَيان فيهم لَقِيتُ كَرْبا ... حتىّ انْتَشَيْت شرباً ثمّ اشْتَهَيْت قرْباً ... من سُكْرٍ اعْترانىِ نادَيْت يا حَبِيبِى ... ارحَمْ عَلا نحيبى اسْمَع من الغَرِيب ... انْظرْ إِلى المُهانِ بادِرْ إِلَىَّ عَطْفاً ... اصْبُبْ لَدَىّ لطْفاً وامْننْ عَلَىّ كَشْفاً ... فى مَجْلس التَّدانى نُودِيتُ يا ابْن آدَمْ ... نسيتَ عِلْمَ عالِمْ يا سيّدى إِلى كَمْ ... من قَهْر لَنْ تَرانى

بصيرة فى ذكر هارون عليه السلام

بصيرة فى ذكر هارون عليه السلام وهارُونُ اسمٌ أَعجمىٌّ غير منصرف، وقيل: مُعَرَّب أَرُون، والأرَنُ: النَّشاطُ، سُمِّىَ به لِنَشاطه بالطَّاعة، ثم قيل: هارون، كما قالوا فى إِيّاك هِيّاك، وفى إِبْرِيّة هِبْرّية. وقد سمّاه الله تعالى فى التنزيل بعشرة أَسماء تَصرِيحاً وتعريضاً: وَزِيرٌ {واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ} ، أَخٌ: {اغفر لِي وَلأَخِي} ، رَسُولٌ: {إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ} مُرْسَلٌ: {فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ} ، نَبِىٌّ: {أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً} ، رِدْءٌ: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً} ، أَفْصحُ: {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} ، مُصَدِّقٌ: {يُصَدِّقُنِي} ، خَلِيفةٌ: {اخلفني فِي قَوْمِي} . وهارُون اسْمُه العَلَم، وقد ذكره الله تعالى بهذا الاسم فى مواضع من التنزيل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان} ، {رَبِّ موسى وَهَارُونَ} ، {لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي} ، {هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} ، {فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ} ، {أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً} ، {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً} ، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعلىٍّ رضى الله عنه "يا عَلِىُّ أَنتَ مِنِّى بمنزلة هارُونَ من مُوسَى".

وقال الثَّعْلَبِىّ: كان هارُون فصيحَ اللِّسان بَيّنَ الكلام، وكان أَطولَ من مُوسَى وتُوفِّىَ قَبْلَ مُوسَى. وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم أَنَّ مُوسَى دَفَنَ أَخاه هارونَ عليهما السّلام فى شِعْب أُحُدٍ. أَخرجه الإِمام ابن عَساكر. وفى حديث الإِسراء من تاريخ دمشق عن أَبى سَعِيدٍ الخُدْرِىّ عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "ثم صعدت إِلى السّماء الخامِسة فإِذا أَنَا بهارون ونِصْف لِحْيَته أَبيض ونِصْفُها أَسْوَدُ، تكاد لحْيَتُه تَضْرِب سُرَّتَه من طُولِها، قلت يا جِبْرائيل من هذا؟ قال: هذا المَحُبَّبُ فى قَوْمِهِ، هذا هارُون بنُ عِمْران". وفى الصّحيحين: "فإِذا بِهارُون فرَحَّب ودَعا لى بخير".

بصيرة فى ذكر فرعون

بصيرة فى ذكر فرعون وفِرْعَونُ اسمٌ أَعجمىٌّ ممنوعٌ من الصّرف، والجمع فَراعِنَةٌ كقَياصِرة وأَكاسِرَة / وهو اسمٌ لكلّ من مَلَك مِصْرَ، فإِذا أُضِيفَت إِليها الاسكَنْدرِيّةَ سُمِّىَ عَزِيزاً. واختلف فى اسمه، فقيل: مُصْعَب بن الولِيد، وقِيل رَيَّانُ بن الوَلِيد، وقيل الوَلِيدُ ابن رَيّان. وكان أَصله من خُراسانَ من مدينة بسورمان، وقيل من قرية مجهولة تسمّى نوشخ. ولما قَعَد على سرير الملك قال: أَين عجائِز نُوشَخ. وقد صدر منه ما لَمْ يَصْدُر من أَحَدٍ من الكُفَّار والمتمرِّدين، ولا من قائِدهم إِبْليس، منها: إِنكارُ العبوديّة ودَعْوَى الرُّبُوبِيّةِ بقوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} ، {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إلاه غَيْرِي} ، ومنها: نَكالُ زَوْجَته وقَتْلُها أَشدَّ قِتْلَة بسبب إِيمانها بالله؛ ومنها: جَمْعُ السَحَرة لمُعارَضةِ الأَنْبِياء. وقد دعاه الله تعالَى فى القرآن بأَسماءٍ تُشْعِر بخِذْلانِهِ وذُلِّهِ وخِزْيه، منها: المُكَذِّب والعاصى: {فَكَذَّبَ وعصى} ، مُدْبِرٌ وساعِى: {ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى} ، حاشِرٌ، ومُنادِى: {فَحَشَرَ فنادى} ، مُدَّعِى ومُعْتَدِى: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} ، مُسْتَعْلِى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ} مُفْسِدٌ: {وَكُنتَ مِنَ المفسدين} ، مُجْرِمٌ: {وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} ، مُسْرِفٌ: {وَأَنَّ / المسرفين هُمْ أَصْحَابُ النار} ، كَيّادٌ: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ} ، مَكَّار: {فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} ، مُتَكَبِّر وجَبَّارٌ: {يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ

مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} ، عَدُوٌّ: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ} ، فِرعَونُ وطاغِى: {إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} . وقد ذكره الله تعالى باسمه مقرونا بأَنواع فساده: 1- إِلزام الحجّة: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ إلى فِرْعَوْنَ} . 2- إِتيانُ موسى ببيان الحَقِّ له: {يافرعون إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق} . 3- تسميتهم مُوسى بالسّاحِر: {قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هاذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} . 4- إِصرارُهم على الكُفْرِ وقَسَمُهُم بعزَّته: {وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} . 5- فى جَمْعه السَّحَرة للمَكْر والحِيلة: {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي المدآئن حَاشِرِينَ} . 6- استدعاؤه السّحرة فى حال الخَلْوة: {وَجَآءَ السحرة فِرْعَوْنَ} . 7- تهديدُه السَّحرة لَمّا آمنُوا: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ} . 8- {وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى} . 9- الإِخبارُ بهلاكه ودماره: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ} . 10- الإِخبارُ عن كَيْدِ بعد الهرب والهزيمة: {فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} . 11- الإِخبار عن إِضلاله قومه: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ}

12- الإِخبار عن مُوافَقَتِه لأَهل الكُفْرِ لشَقاوته: {وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد} . 13- الإِخبارُ عن مُجادلته موسى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين} . 14- الإِخبارُ عن تَمرُّده وتجبُّره: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض} . 15- الإِخبارُ عن كونه فى الخَطأ ليلاً ونَهاراً سِرّاً وجهاراً: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} . 16- الإِخبارُ عن إِظْهار القُدْرةِ بجعْل تَرْبية موسى على يد فِرْعون: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} . 17- الإِخْبارُ عن مُلاطفات آسِيةَ ومساعِيها فى نَجاة مُوسى وسلاَمته: {وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} . 18- تَشَبُّه كفَّار مكة فى قُبْح سيرتهم بفِرْعَوْن {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} . 19- الإِخبار عن هلاكهم وسُوء عاقِبَتِهم: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سواء العذاب} . 20- الإِخبار بأَن يجرى عليهم نظيرُ ما جَرَى على قومِ عادٍ وثمود: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العماد} إِلى قوله: {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد} قال: تَكَبَّر فِرْعَوْنُ القُبَيْطىّ عاتِياً ... فصارَ غَرِيقَ البَحْرِ فى قَعْرِ يَمِّهِ كما تاه / إِبْليسُ اللَّعِين تَجَبُّراً ... وكانَ وَقوداً للسَّعِير بغَمّه

بصيرة فى ذكر هامان

بصيرة فى ذكر هامان وهو اسمٌ أَعجمىٌّ، وقد تقدّمت نظائره، وكان وزيرَ فِرْعَوْنَ، وأَصله من خراسان من قرية يقال لها بوشنج، وكان قد قَرأَ كتبَ المتقدّمين، وكان له اليَدُ الطُّولَى فى حساب النُّجوم وكان يستدلّ مِنْ طالِعِه على مُجْمَل أَحوالِه وأَحوالِ فِرْعَوْن، فاتَّفقَا وسافرا جميعا من خراسان إِلى أَن بَلَغَ أَمرُهما ما بَلَغ. وذِكْرُ شواهد شَقاوَته وخذْلانه فى مواضِع من الكتاب العزيز، قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ} ، {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} ، {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ} ، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى} إِلى قوله {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} ، {فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين} ، {ياهامان ابن لِي صَرْحاً} . يقال: خمسةُ وُزراء ما لَهُمْ سادِسٌ، اثنان مُسْلِمان وثلاثة كُفَّار، امّا المُسْلِمان فهارونُ وزير مُوسَى {واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي} ، والثَّانى آصِفُ بن بَرْخِيا وَزِيرُ سليمان عليه السّلام. وأَمّا الثلاثة الكَفَرة: فبُزُرْجُمُهْر وزير نُوشروان، وأَرِسْطاطالِيس وزيرُ ذِى القَرْنَيْن، وهامانُ وزيرُ فِرْعَوْن. قال: مَنْ كان فى وِدادِه خَوّانَا ... فارَق مِنْ فَساده الإِخْوانا زادَ على عُدْوانه عُدْوانَا ... كأَنَّه مُعاقِلٌ هامانَا

بصيرة فى ذكر قارون

بصيرة فى ذكر قارون وهو اسمٌ عِبْرِىٌّ غير مُنْصَرِف، وقيل مشتقّ من قَرَنَ، فاعُول منه للمُبالَغَة، سُمِّىَ به لأَنَّه قُرِنَ بالمُلْكِ ثم قُرِنَ بالهُلْك. وكان ابنَ عَمِّ موسىَ ومتزوّجا بأُختْهِ، وكان عامِلاً لِفِرْعَوْنَ على بنى إِسرائيل قبل مجِئِ مُوسَى، وكان فى الجَمال على حدِّ الكَمال، بحيث كانوا يُلَقِّبُونه بالمُنَوَّرِ، لأَنّ المجلس كان يُنَوَّرُ بجَمالِه. وسبب جمعه للمال العظيم اطَّلاعُه على صَنْعَةِ الكِيمِياء، يقال كان يعلم مِنْه ثُلُثَه، وأَخذ ثُلُثاً من هارُونَ وثُلُثاً من أُخْتِ مُوسَى، فكَمُلَ له وكَثُر مالُه حتى صارت مفاتِيح خَزائنه تُحْمَلُ على ثمانِين بَعيراً. قال: وَعَدْتَنِى وَعْدَكَ حَتَّى إِذا ... أَطْمَعْتَنِى فى كَنْز قارُونْ جئْتَ من اللَّيْل بغَسَّالَة ... تَغْسِلُ ما قُلْتَ بصابُونْ

بصيرة فى ذكر السامرى

بصيرة فى ذكر السامرى وكان رجلاً من بنى إِسرائيل، وكان غريباً بينهم، ويُقال إِنَّه كان من أَهْلِ كَرْمان، وقيل: من باجَرْمَى وكان اسْمُه مِيخا، وقيل مُوسَى بن ظَفَر، وقيل له السّامِرىّ نسبة إِلى قبيلة كبيرة من بنى إِسرائيل اسمها سامِرَة، وكانت صنعتُه الصّياغَة، وصحب قوماً كانوا يَعْبُدون العِجْلَ وكانت مَحَبَّته فى قَلْبِه. ولمّا غَرِق فرعون وخرجت بنو إِسرائيل من البَحْرِ سالِمين مَرُّوا على قَوْمٍ من عَبَدَةِ العِجْل فقالوا لِمُوسَى: {اجعل لَّنَآ إلاها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ومن هُنا طَمع السّامرىّ فى أَنْ يَدْعُوَهم إِلى عِبادة العجل، وتذكّرَ أَنَّ اليوم الَّذى كان جبريل مقدّمة جُنودِ فرعون ليُدْخِلَهم فى البَحرِ، كان على فَرَسِ الحيوان، فرأَى السّامرىُّ طَرَف حافِرِ فَرَسِهِ، فقبض من أَثَرِ وَطْئِه قَبْضَةَ تُراب وجعله فى صُرَّةٍ، وكان معه إِلى اليوم الذى طَرَحَ بنو إِسرائيل ذَهَبَهُمْ وحُلِيَّهم، ووَقَعَت فيها النارُ وذابَتْ، فأَلْقَى السّامِرىُّ تلك التُّربةَ على ذلك الذهبِ الذَّائب وقال: كُنْ عِجْلاً / فصار عِجْلاً جَسَداً له خُوارٌ، وكان ذلك العجْلُ سببَ فِتْنَة بنى إِسرائيل. وفى بعض الآثار النبويَّة: "إِنَّ لِكُلّ أُمَّةٍ فتْنَةً، وإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِى وعِجْلَها المال".

وقد ذكر الله تعالَى فى التنزيل ضَلالَ السامِرىّ وإِضْلالَه فقال: {وَأَضَلَّهُمُ السامري} {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري} ، {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ ياسامري} ، {قَالَ فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} . قال بعضهم: أَلاَ مَنْ رامَ أَسْبابَ الرِيّاسَةْ ... يُرَى بين الرِيّاسَة والسِّياسَةْ ومن طَلَب الرِيّاسة مِنْه شَوْقاً ... إِلَيْها يَطْلبُ الرؤُساءُ رَاسَهْ

بصيرة فى ذكر الخضر عليه السلام

بصيرة فى ذكر الخضر عليه السلام وفيه لُغَتان: فَتْح الخاء وكَسْر الضَّاد: وكَسْر الخاء وسُكُون الضَّاد، وهو لقبٌ له، واسمه: بَلْيا، بفتح الباء الموحدة وسكون اللام بعدها مثنَّاة تحتيّة، ابن مَلْكان، بفتح الميم وسكون اللاَّم، ابن فالغ بن عابَر بن شالَخ بن ارْفَخْشَذْ بن سامِ بن نُوحٍ. وكان أَبوه من الملوك. واختلفوا فى سبب تلقيبه بالخَضِر، فقال الأَكثرون: لأَنَّه جلس على فَرْوةٍ بيضاء فصارت خضراء، والفروة وجه الأَرض، وقيل الهَشِيم من النَّبات. وقيل لأَنه كان إِذا صلَّى اخْضَرّ ما حولَه. والصّحيح الأَول لما فى الحديث الصحيح من سند البخارى "إِنَّما سمّى الخَضِرُ خَضِراً لأَنَّه جلس على فَرْوَةٍ بيضاء فإِذا هى تهتزّ تَحْتَه خَضْراء"، وهذا نصّ صريح فى سبب تلقيبه. وكنية الخضر: أَبو العبّاس، وهو صاحبُ موسى النبىّ عليه السّلام الذى سأل السبيل إِلى لقائه، وقد أَنبأَ الله عز وجلّ، فى كتابه بقوله {فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} ، وأَخبر الله تعالى فى باقى الآيات بتلك العجائب والغرائب. وموسى الَّذى صحبه هو موسى بنى إِسرائيل كَلِيمُ الله تعالى، كما جاء به الحديث المشهور فى صحيحى البخارى ومسلم. واختلف العلماء فى حياة الخَضِر وفى نبوّته، فقال الأَكثرون: هو حىٌّ موجود بين أَظْهُرِنا، وذلك مُجْمَعٌ عليه عند المشايخ والصّوفية وأَهل الصّلاح والمعرفة، وحكاياتهم فى رويته والاجتماع به والأَخذ منه وسؤاله وجوابه ووجوده فى المواضع الشريفة ومواطن الخير أَكثر من أَن تحصر، وأَشهر من أَن تذكر. قال الشيخ أَبو عَمْرِو بن الصّلاح فى فَتاوِيه: هو حىٌّ عند جَماهِير العلماء والصّالحين والعامّة معهم فى ذلك، وإِنمّا شذَّ بإِنكاره بعض المحدِّثين، قال: هو نبىٌّ، واختُلِف فى كونه مرسلاً. وقال أَبو القاسم القُشَيْرِىُّ

فى الرِسّالة: لم يكن الخَضِر نبيّاً وإِنَّما كان وَلِيّاً. وقال قاضى القضاة الماوَرْدِىّ فى تفسيره: "قيل: هو وَلِىٌّ، وقيل: نَبىٌّ، وقيل: من الملائكة، وهذا الثالث غريبٌ ضعيف أَو باطلٌ. وفى صحيح مسلم فى حديث الدَّجَّال أَنَّه يَقتل رَجُلاً ثمّ يُحْييه، قال إِبراهيم بن سُفْيان صاحب مُسْلِم: يقال إِنَّ ذلك الرّجلَ هو الخَضِر. وكذا قال مَعْمَرٌ: إِنَّه يقال إِنَّه الخَضِر. وقال الثَّعْلَبِىّ: اختلفوا فى أَنّ الخضر كان فى زَمَن إِبراهيم الخليل أَو بعده بقليل أَو بكثير، ثم قال: والخضر على جميع الأَقوال نبىٌّ مُعَمَّرٌ محجوبٌ عن الأَبصار. قال: وقيل إِنَّه لا يمُوتُ إِلاَّ فى آخر الزمان حِينَ يُرْفع القرآن. وقيل: إِنّ الخضرَ على طبع الناس / إِنسىٌّ مَلَكىٌّ، أَرْضِىٌّ سماوىّ، موكَّل على البحارِ لِغْوث الغريق، مستغن عن الطعام والشَّراب، وفى الشريعة والعِبادة موافق لأُمّة النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويعتكف فى شَهر رمضان هو وإِلياس فى الجامع الأَقصى من بيت المقْدِس، ويحضرانِ عرفةَ مع الحاجّ، ويجتمعان فى السّنة مرتين: مرة فى الحج، ومرّة فى أَيّام الاعتكاف. ولمّا قال لموسى {هاذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} واضطر موسى إِلى المفارقة قال له: يا نبىَّ الله أَوْصِنى. فقال: كن بشَّاشاً ولا تكن غَضّاباً، وكن نافِعاً ولا تكن ضاراً، وانْزِعْ عن اللَّجاجة، ولا تَمْشِ فى غير حاجة، ولا تضحك من غير عجب، ولا تُعيِّر الخَطَّائِين بخَطاياهُم، وابْكِ على خطيئتك يا بْن عِمْران. قال بعضهم: تَعاوَنْ فى التُّقَى والبِّر (م) فى أَوْقات إِمْكان صدِيقُ الخَيْرِ والصِدِيق عِند الله سِيّان قَرينُ الشَرِّ بالإِجْماع مِنْ أَقْران هامانِ [وصديق] الصِّدْق مَقْرُنٌ ... كخِضْر وابن عِمْران

بصيرة فى ذكر الياس عليه السلام

بصيرة فى ذكر الياس عليه السلام وإِلياس اسم أَعجمىّ كسائر أَشكاله، لا مجال للعربية فيه، وإِلْياسِين المذكور فى التَّنزيل إِشارة إِلى إِلْياس وأَتباعه، والَّذى يقرأُ آل ياسين المُراد إِلْياس وأَتْباعه أَيضاً لأَن نسبه: إِلْياس بن ياسِين بن فِنْحاص بن عيْزار بن هارُون بن عِمْران، وقيل: آل ياسِين المراد به آلُ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكن فيه ضعف من حيث المعنى، فإِنَّه لا مناسبة بينه وبين ما قبله. وكان إِلْياسُ من أَنبياء بنى إِسرائيل، أرسل إِلى قوم كانوا ببعْلَبَكَّ، وكانوا يعبدون صنماً سمَّوْه بَعْلاً. وبلغ قومُه فى إِيذائه وجفائه الغايةَ، وعاقبهم الله تعالى أَنواعاً من العقوبة، وكانوا يلْجؤون إِلى إِلْياس، فكان يسأَلُ الله لهم العفْو فيأتيهم الفَرجُ بدُعائه إِلى أَن ملّ إِلياسُ من أَذاهُمْ ونَقْضِ عهْدِهم، فتضرّع إِلى الله تعالى وسأَله الخلاص من مُقاساتهِم فأَذِنَ له فى مفارقَتِهم، وسلبه شهوةَ الطَّعام والشراب حتى يطَّبع كطَبْع المَلَك، فصار إِنسيّاً مَلَكِيّاً أَرْضِيّاً سماوِيّاً، شرقيّاً غَرْبِيّاً، برِّيّاً، مثل أَخيه الخَضِر. وقد دعاه الله تعالى فى القرآن بخمسة أَسماءٍ: مُؤْمِنٌ {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} ، مُحْسِنٌ {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} ، إِلْياسِين {سَلاَمٌ على إِلْ يَاسِينَ} ، إِلْياسٌ ومُرْسَلٌ، {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين} . قال: يا منْ تنزّه عن صِفاتِ النَّاسِ ... يا منْ بلذَّةِ ذِكْرِه اسْتِئْناسِى ما كُنْتُ للذِّكرَى زماناً ناسِى ... فى ذِكْرِكم قد مِلْتُ نحو الْياسِ

بصيرة فى ذكر اليسع عليه السلام

بصيرة فى ذكر اليسع عليه السلام وهو اسمٌ أَعجمىٌّ ممنوعٌ من الصّرف، وقيل عربىّ وزنه لفع وكان فى الأَصل يسْعى، وقيل: وزنه يَعَلُ وكان فى الأَصل يوْسع، وقيل: وزنه فَعَل والياء من أَصل الكلمة. وقيل له يَسَعُ لِسَعَةِ عِلمه، أَو لسعْيه فى طلب الحقّ وطاعته. ويَسَعُ كان خليفة إِلْياس. ولمّا خرج إِلْياس من بين الناس وركب المركب الَّذى بعثه الله تعالى له كان يَسَعُ معه، فلمّا رأَى المركب ارتفع فى الهواء علم أَنَّه آخر عهده به، فقال: يا إِلْياس بِمَ تأَمرنى؟ وكان معه كساء فطرحه إِليه، فعلم أَنَّه جعله ولىَّ عهده، فاشتغل بدعوة قوم / إِلْياس. وقام بشرائط شرعه. وذكر الله تعالى الْيسَعَ فى التنزيل مع جملة الأَنْبِياء: {واليسع وَذَا الكفل وَكُلٌّ مِّنَ الأخيار} .

بصيرة فى ذكر ذى الكفل

بصيرة فى ذكر ذى الكفل اختُلِفَ فيه، كان نَبيّاً أو وَليّاً، فقيل: كان عبداً صالحاً يَكْفل بَعَملِ عبد صالحٍ، وقيل كان نائبَ نَبىٍّ، ولمّا خرج ذلك النبىّ من بين قَوْمه أَوْصَى إِليه، ووصّاه بقيام اللَّيل وصيام النَّهار، والعدل فى الحكم بالحق بين الأمّة. وقيل: بل كان نبيّاً ونائب نبىّ بأَن يَدْعُوَ الخَلْق إِلى الحقّ ويُعينَهم على الحق، فلما قام بذلك حَقَّ القيام وصَبَر على مُعاناة الخَلْقِ ومُقاساتهم، ذَكره الله تعالى فى جُمْلة المُرْسَلين، وعَدَّه من الأَنبياء الصّابرِين، فقال: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل كُلٌّ مِّنَ الصابرين} ، ثمّ ذكره مع الكُمَّل الخيِّرين فقال: {وَذَا الكفل وَكُلٌّ مِّنَ الأخيار} .

بصيرة فى ذكر عزير عليه السلام

بصيرة فى ذكر عزير عليه السلام وعُزَيْرٌ اسمٌ عبْرانىّ على زِنَة فُعَيْل وليس بتَصْغير شَئْ، بل هكذا موضوعٌ، وفى لغتهم لهذا الاسم اشتقاقات كثيرةٌ نحو: عازَر، وَعَيْزَر، وعَيْزار، وعُزَيْر. وعازُوراء. وكان عُزَيْرٌ من أَنبياء بنى إِسرائيل، وكان فى زمن بُخْتَنصّر فهرَب منه وساح، فمرّ على بيت المقدس وكان بختنصّر قد خرّبه، فتعجّب من خَرابه، وجرى على لسانه أَنّى يُحْيِى هذه الله بَعْدَ مَوْتها، فقبض الله تعالى رُوحَه على سبيل التأدِيب والتَّهْذِيب، وأَحياه بعد مائةِ سنة على ما هو مذكور فى القرآن والقَصَص، ثمّ صارت حياته بعد موته سبباً لضلال قَوْمٍ جُهّالٍ حتى سَمَّوْه ابنَ اللهِ، كما قال تعالى {وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله} وفى الأَثر: "أَوحى الله تعالى إِلى عُزَيْرٍ إِذا عَصانى مَنْ عَرَفَنِى سَلَّطْت عليه من لا يَعْرِفُنى". قال: تَأَهَّبْ لِلمَنِيّة وانْوِ خَيْرا ... فلَيْس اللهُ يَأْخُذُ فيكَ غَيْرا فإِنّ الله يُحْيى كُلَّ شَخْصٍ ... كما أَحْيَا بقُدْرَته عُزَيْرا

بصيرة فى ذكر طالوت

بصيرة فى ذكر طالوت وهو اسمٌ أَعجمىّ لُقِّب به، وكان اسمه فى الأَصل سارا وقيل ساوا، فقيل له: طالُوت لطول قامَته. ومعنى طالوت فى اللُّغة العِبْرِية طَوِيلٌ. وكان مَلِكَ بنى إِسرائيل، وكان صفَّى أَشمويل وخاصَّته، وخصّه الله تعالى بزيادة بَسْطة فى العِلْم والجِسْم. وبسببه انتقل تابوت آدمَ الَّذى كان مِيراثَ إِسرائيل وإِسماعيل من العَمالِقة إِلى بَنِى إِسرائيل. وأَجرى الله تعالَى نهر الأُرْدُنِّ بسبب تجربة قومه وابتلائهم، وأَهلك الله جالوتَ الجبّارَ وثلثمائة وثلاثة عشر نفراً من أَصحابه، وأَعْدَمَهُمْ بالقتل والقهر على يَدَىْ داوُد نُصْرةً لطالوت. وذكره الله تعالى فى موضعين من كتابه العزيز: قال تعالى {إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} ، ثم قال لإِظهار كرامته: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بالجنود} ، ثم قال بيانا لخاتمة أَمره وأَمرِ المؤمنين ونَصْرهم، وخاتمة أَمرِ أَعدائه من الكافرين وهزيمتهم وقهرهم: {وانصرنا عَلَى القوم الكافرين * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله} .

بصيرة فى ذكر داود عليه السلام

بصيرة فى ذكر داود عليه السلام ودَاوُدُ اسمٌ أَعجمىٌّ ممنوع من الصّرف، وقيل: داوُدُ معناه قصير العمر، وكان داود أَقصر الأَنبياء عُمْراً، وقيل: معناه داوى جُرحَه بوْدّ. وقيل: إِنّما سُمّىَ داود لأَنَّه داوَى الذُّنوب بوُدّه الودود، وقيل داوَى ذَنْبَه ووَدَّ رَبَّه. وهو أَبو سُلَيْمان / داوُد ابن إِيْشا بهمزة مكسورة ومثنَّاة تحتيّة ساكنة بعدها شين معجمة وأَلف. وقد تظاهرت الآيات والأَحاديث الصّحيحة على عِظَم فضل الله تعالى عليه، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ المؤمنين} وقال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث} الآيات، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير وَأَلَنَّا لَهُ الحديد} . وقال تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ * ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فاحكم بَيْنَ الناس بالحق} الآية، وقال تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً} ، وقال تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} الآيات، وقال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ الله الملك والحكمة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ} وقال تعالى: {واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق * والطير مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الحكمة وَفَصْلَ الخطاب} وقال تعالى: {اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً} ، {كُلاًّ هَدَيْنَا} إِلى قوله {دَاوُودَ} ، وقال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} ، {إِذْ دَخَلُواْ على دَاوُودَ} ، {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} . وفى الأثر "إِنّ داودَ كان يقول فى مُناجاته: إِلهى أَتَيْت أَطباء عبادِك لِيُداوُونى

وكلُّهم عَلَيْك دَلَّونى". وفى الصّحيحين: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: "أَحَبُّ الصّيام إِلى الله صِيامُ داوُدَ، كان يصوم يوما ويُفْطِرُ يوما، وأَحبُّ الصّلاة إِلى الله صَلاةُ داوُدَ، كان يَنام نصفَ اللَّيْل ويَقُوم ثُلُثَه، وَينام سُدُسَه"، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم لأَبى مُوسَى الأَشعرىّ: "لو رَأَيْتَنِى وأَنا أَسْتَمِع قِراءتَك البارِحَة لَقَدْ أُوتيتَ مِزْماراً من مَزامِير آل داوُدَ". وعند البخارىّ قال صَلَّى الله عليه وسلَّم: "خُفَّف على داوُدَ القرآن فكان يأْمُرُ بدوَابِّهِ أَن تُسْرَج فَيقْرَأَه قبل أَن تُسْرَج دَوَابُّهُ، وكان لا يأْكل إِلاَّ من عَمَل يَدَيْه"، المُراد بالقرآن الزَّبور. وعن أَبى الَّدرْداء يرفعه: "كان من دُعاءِ داودَ الَّلهم إِنىّ أَسأَلُكَ حُبَّكَ وحُبَّ مَنْ يُحبّك، والعَمْلَ الَّذى يُبَلِّغنى حُبَّك، الَّلهُمّ اجعل حُبَّكَ أَحَبَّ إِلىّ من نَفْسى وأَهْلِى ومن الماء البارِد". وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إِذا ذَكَر داودَ قال: "كان أَعْبَدَ البَشَر" حسّنه الترمذىّ. وعن الفُضَيْلِ بن عِياض قال: قال داود: إِلهى كنْ لابْنِى سُلَيْمان كما كُنتَ لى، يكن لك كما كنت لك. قال العلماء: لمّا استُشْهِد طالوتُ أَعطت بنو إِسرائيل داودَ خزائنَ طالوت ومَلَّكوه على أنفسهم، وذلك بعد قتل جالوتَ بسبع سِنين، ولم يجتمِع بنو إِسرائيل [بعد يوشعَ ابن نون] على ملِك إِلاَّ داوُدَ. قال كعبُ بنُ مُنَبّه. كان داودُ أَحْمَرَ الوَجْه سَبْطَ الرَأْسِ، أَبيضَ الجِسْم، طويل اللِّحية، فيها جعودة، حَسَنَ الصَوت والخَلْق، طاهر القلب. وقال: وممّا أُعْطِىَ من الفضائل والخصائص الزَّبُورُ وحُسْنُ الصّوت، فلم يُعْطَ أَحدٌ مثل صَوْته. وحكى من آثارِ صوتِه أَشياء عجيبة حتَّى إِنّ وحوش الصّحراءِ وطُيُور الهواء وسُكّان الأَرض والسّماء كانوا يَطْرَبُون لسماع صَوْتِه / ويَتَلَذَّذُون بِحُسْنِ أَلْحانِهِ؛ ومنها تَسْخِير الجِبال والطَّير للتَّسبيح

معه، ومنها الحِكْمَةُ وفَصْلُ الخطاب، قيل: معرفة الأَحكام وإِيقانُها وتسهيلها، وقيل: بيانُ الكلام، وقيل: قوله أمّا بعد، وقيل: الشُّهودُ والأَيمْان؛ ومنها السّلسلة المشهورة؛ ومنها القُوَّة فى العِبادة والمُجاهَدَة؛ ومنها قوّةُ المُلْكِ وتمكينه؛ ومنها قُوّة بَدَنِه وشجاعةُ قلبه؛ ومنها إِلانَةُ الحديد، ومنها صَنْعَةُ الَّلبُوس الباقى إِلى يوم القيامة تُجاهِدُون بهِ الغُزاة فى سبيل الله. قال أَهل التاريخ: كان عُمْرُ داودَ مائةَ سنة، مُدّة ملكه منها أَربعون سنة. صلوات الله على نبيِّنا وعليه. قال بعضهم: الله رازقُنا بالفَضْلِ والجُودِ ... فاسْتَغْنِ فى جُودِهِ عن كلّ مَوْجُودِ نحن العبيد سِراعٌ فى عِبادَتِه ... بلا اعْتِراض على تقْدِير مَعْبُودِ فاطلب مَبَرَّتَه وامْدُدْ مَوَدَّتَه ... وانْظُر إِلى عَبْده ذِى الأَيْدِ دَاوُد

بصيرة فى ذكر سليمان عليه السلام

بصيرة فى ذكر سليمان عليه السلام وسليمانُ اسمٌ أَعجمىّ غير منصرف، وقيل مشتقٌّ من السَّلامة، سمّى به لاستسلام أَعدائه له، ولسلامته من غوائلهم. وفى بعض الأَخبار أَنَّ النمل قال: أَتدرى لمَ سُمِّيت سليمان؟ قال: لا. قال: معناه يا سُلَيْم آنَ لَكَ أَنْ تَتُوبَ. وكان فى الأَصل يا سليم فَخُفِّفَ. ودعاه الله عزَّ وجلّ فى التنزيل بأَحدَ عَشَر اسماً تصريحاً وتعريضاً: مُفَضَّلٌ {الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا} ، مُعَلّم {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير} ، ضاحِكٌ {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً} ، شاكِرٌ {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} ، صالح {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين} ، ناظِر {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ} ، مَلِك {إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً} ، مُتَفَقِّد {وَتَفَقَّدَ الطير} ، حاكِمٌ {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} ، فَهِيمٌ {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ، عَبْدٌ وأَوّابٌ {نِعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ} ، مُنِيبٌ {ثُمَّ أَنَابَ} ، مَوْهوبٌ وسُلَيْمان {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} . وذكره الله تعالى فى التَّنْزيل فى خمسةَ عَشَر موضعا باسمه، غير المكرّر: {كُلاًّ هَدَيْنَا} إِلى قوله: {وَسُلَيْمَانَ} ، {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث} ، {وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً} ، {وَلِسُلَيْمَانَ الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} ، {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً} ، {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} ، {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ

جُنُودُهُ مِنَ الجن والإنس} ، {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} ، {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمان الرحيم} ، {فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ} ، {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} ، {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} ، {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ، {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} ، {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ} . قال الثَّعْلبىّ وورث سليمانُ داودَ أَى نُبُوَّتَه وعِلْمَه وحكمته دون سائر أَولاد داود. قال: وكان لداود اثنَا عشرَ ابنا. وكان سليمان ملك الشام إِلى اصْطَخْر، وقيل: ملك الأَرض. وقد رُوِى عن ابن عبّاس رضى الله عنهما قال: مَلَكَ الأَرضَ مُؤْمنان سليمانُ وذو القَرْنَيْن، وكافران نُمْروذ وبُخْتَنَصَّر. وقال كعبٌ وابن منبّه: كان سليكان أَبيضَ جسيما وسيما وَضَّاءً جميلا خاشعاً متواضعاً، يلبس الثبابَ البيض، ويُجالِس المساكينَ ويقول: مِسْكِينٌ جالسَ مِسْكِيناً، وكان أَبوه يشاورُه فى كثير من أُموره مع صِغَرِ سِنَّهِ لوفور عَقْلِه وعلمه. ولمّا ملك سليمان / كان كثير الغَزْو والجِهاد لا يكاد يتركه، فتَحْمِلُه الريحُ هو وعسكره ودوابّهم حيث أَراد، وتَمُرّ به وبعسكره الريح على المزرعة فلا يتحرَّكُ الزرعُ. قال محمّد بن كعب القرظىّ: بلغنا أَنّ معسكر سليمان كان مائة فرسخ، خمسة وعشرون للإِنس، ومثلها للجنّ، ومثلها للطَّير، ومثلها للوحش. قال: وقال أَهل التاريخ وكان عمر سليمان ثلاثا وخمسين سنة؛ وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة. وابتدأَ بناء بيت المقدس بعد ابتداء ملكه بأَربع سنين.

قال بعضهم: أعْطَى سُلَيْمَانَ فى دُنْياه مَمْلَكَةً ... لَمْ يُعْطِ قَطُّ كما أَعْطاه إِنْسانا طَيْرٌ بأَجنحةٍ ظلَّت مِظَلَّته ... رِيحٌ رُخاءٌ أَتَتْه حَيْثُ ما كانَا آتاه من كلّ شئ ما يُلائمه ... حَتَّى لِمَنْطِق طيرٍ زادَ تِبيانا فصار يَنْصُره يوماً ويَذْكُره ... لَيْلاً ويَشْكُره قَلْباً وقُرْبانا أَفْدِيه من مَلِك أَقوالُه حِكَمٌ ... والله قال: "فَفَهَّمْنا سُليْمانا"

بصيرة فى ذكر ذى القرنين

بصيرة فى ذكر ذى القرنين وذو القَرْنَيْن كُنْيَته وإِنَّما اسمه اسكندر بن فِيلَفُوس، وقيل له ذو القرنين لأَنه ملَكَ قرنين، وقيل لأَنَّه وصل طَرَفَى العالَم، وقيل لأَنَّه كان على جانبَىْ جَنينه طمس وقيل لأَنَّه كان فى رأْسه ذؤابتان من الشعر، وقيل لأَنه جمع بين مُلْكَيْن: ملك الدُّنيا ومُلْكَ الآخرة، وقيل لفضله مع الأَولياء، وعدله مع الأَعداء، وقيل لأَنه ضربوا رأْسه حين دَعا إِلى الله. وكان مَلِكاً فى صورة إِنسان وسِيرَة مَلَك، وكان عالِماً عامِلاً عادلاً حكيماً عاقلاً مؤيّداً مُلْهَماً من الحقّ، صائبَ الرأْى واقفاً على أَسرار الطِّلِّسْمات، مشرفاً على دقائِق الأُمور، والنُّور والظُّلْمة تحت طاعته، ناصِحاً للرّعيّة، فاضحاً للفَجَرة وأَهل المعصية. وذهب بعض النَّاس إِلى أَنَّه كان مَلِكاً وكان نبيّاً، سار من الشرق إِلى الغرب، ومن الجنوب إِلى الشمال وبَنَى السدَّ فى وجوه يأْجُوج ومأْجوج لمصلحةٍ كلِّيَّة، ونفعها باق إِلى آخر الزمان. وقد دعاه الله تعالى فى التنزيل بثلاثة أَسماء: مُمَكَّنٌ {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} ، مُعانٌ {فَأَعِينُونِي} ، بالِغٌ {بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس} وذكره فى ثلاثة مواضع بكُنيته فقال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين} ، {قُلْنَا ياذا القرنين} ، {قَالُواْ ياذا القرنين} آتاه الله المُلْكَ والمَلَكيّة فقال {وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} قال بعضهم: يا ذاهِلَ الذِهْنِ كَلِيلَ العَيْنِ ... بادرْ فَدَنْياك مدارَ البَيْن انْظُر بعَيْنَيْك إِلى هذَيْن ... فى المُلْكِ سُليمانَ وذى القَرْنَيْن

بصيرة فى ذكر لقمان عليه السلام

بصيرة فى ذكر لقمان عليه السلام اتفقوا على أَنه اسمٌ أَعجمىّ ممنوع من الصّرف، قيل عِبْرانىّ، وقيل سُرْيانىّ. قيل هو عادٌ من قوم هُودٍ الذى سأَلَ اللهَ تعالى طولَ العُمْر فاستجاب دُعاءه وعُمِّر ثلاثة آلاف وخمسمائة نسة إِلى أَن أَدْرَك سُلَيْمانَ، وكان له من الحِكَمِ والتجارب ما لم يكن لأَحد. قال وَهْبُ بن منبّه: خُيِّر لُقمانُ بَيْنَ الحِكمة والنبوّة فاختار الحِكْمَة على النبوّة، كأَنه استعظم احتمال أَعباء النبوّة. وقيل لم يكن هذا لقمان عاد، بل كان عبداً أَسْوَدَ أَطاع الله تعالى وأَطاع مالِكَه فارتضاه الله تعالى ورَزقه الحِكْمَة. ومن الدّليل على علوّ قدْره ورِفْعة شأْنه أَنّ الله تعالى ذكر مواعِظه فى أَشرف الكُتب السماويّة الذى هو القرآن، ونقلها / على لسان أَشرف الرّسل إِلى أَشرف الأُمم، وذكر اسمه فى موضعَيْن من التنزيل قال، تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة} ، الثانى عند ذكر مَواعِظه {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يابني لاَ تُشْرِكْ بالله} ، {يابني أَقِمِ الصلاة وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَنِ المنكر} ، {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً} ، {واقصد فِي مَشْيِكَ} . قال الثعلبىّ: كان لقمان مَمْلُوكاً، وكان أَهْوَنَ ممولكِى سَيّدِهِ عليه، وأَوّل ما ظهر من حِكْمته أَنَّه كان مع مولاه فدخل مولاه الخَلاء فأَطالَ الجُلوسَ فناداه لُقْمان: إِنَّ طُولَ الجلوس على الخَلاءِ يَضُرّ بالكَبِد ويُورِث الباسور، ويصَعِّد الحرارة إِلى الرأْس، فاجلس هُوَيْنا وقم، فخرج مولاه وكتب حكمته على باب الخَلاء. ورُوِىَ أَنَّه حبشيّاً نجَّاراً. وقال أَبو هريرة: مرّ رجل بلُقْمان والنَّاس مجتمعون عليه فقال: أَلَسْتَ العَبْدَ الأَسْود الذى كنتَ ترعَى بموضع كذا؟ قال: بلى. قال: فما بَلَغ بك ما أَرَى؟ قال: صِدْقُ الحديث، وأَداءُ الأَمانة، وتَرْكُ ما لا يَعْنِينى.

ويُرْوَى عن لقمانَ أَنَّه قال: ضَرْبُ الوالِدِ [وَلَدَهُ] كالسّماد للزَّرع. وقال لابنه: من يُقارِنْ قَرِينَ السّوء لا يَسْلَمْ، ومن لا يَمْلِكْ لِسانَه يَنْدَم. يا بنىّ كُنْ عبداً للأَخيار [ولا تكن خَليلاً للأَشْرار] . با بنىّ كن أَمينا تكن غنيّاً، جالِس العُلَماء وزاحِمْهم برُكْبَتَيْك، خُذْ مِنْهم والْطُفْ بهم فى السُّؤال ولا تُضْجِرْهم. إِنْ تأَدَّبْتَ صغيراً انْتَفَعْت به كبيراً، كن لأَصْحابِك مُوافقاً فى غير مُعْصِيَة، ولا تَحْقِرَنّ من الأُمور صِغارَه، فإِنّ الصّغار غداً تصير كِباراً. إِيّاك وسوء الخُلق والضَّجَرَ وقِلَّة الصّبر. إِنْ أَردت غِنَى الدُّنيا فاقطع طَمَعَك ممّا فى أَيْدِى النَّاس. قال بعضهم: لقمان أُلْقِمَ حِكمةً مَحْكِيَّةً ... عَنْهُ إِلى يومِ القيامة فى الأُمَمْ اللهُ فى القرآن عَظَّمَ شَأْنَه ... ويَقُول [قد] آتيْتُ لُقْمانَ الحِكَمْ

بصيرة فى ذكر زكريا عليه السلام

بصيرة فى ذكر زكريا عليه السلام وزَكَرِيّا اسمٌ أَعجمىٌّ يُقْصَر ويُمدّ وقرئَ بهما فى السَّبْع. ويقال زَكَرِيا بتخفيف الياء وتشديدها، وزَكَرٌ كَقَلمٍ، خمس لغات. أَرسله الله تعالى إِلى بنى إِسرائيل، وكان عالماً بالتوراة والإِنجيل، وكان إِمامَ علماء بيت المقدس ومُقدّمهم، وكان فى تلاميذه أَربعة آلاف عالم قارئ التوراة، وقد استجاب الله دعاءه فى حصول ولده يحيى بعد أَن كان زكريا عقيماً وزوجته آيساً عاقراً. ودعاه الله فى التَّنزيل بأحَدَ عَشَر اسْماً: كَفِيلٌ {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ، داعٍ {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} ، منادِى {إِذْ نادى رَبَّهُ} ، مُنادَى {فَنَادَتْهُ الملائكة} ، قائم ومُصَلِّى {وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي} ، مُبَشَّر {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى} ، مُسْتجابُ الدّعوة {فاستجبنا لَهُ} ، مُسارِعٌ فى الخَيْر {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات} ، راغبٌ وراهبٌ {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} ، خاشِعٌ {وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} ، ذاكِرٌ {واذكر رَّبَّكَ كَثِيراً} ، مُسَبّح {وَسَبِّحْ بالعشي والإبكار} ، عَبْدٌ وزكريّا {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} .

وذكره باسمه فقال: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ، {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا} ، {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا} ، {وَزَكَرِيَّا ويحيى} إِلى قوله: {مِّنَ الصالحين} ، {وَزَكَرِيَّآ إِذْ نادى رَبَّهُ} ، {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} ، {يازكريآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ} . وثبت فى صحيح مسلم أَنّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "كان زكريّا نَجّاراً" وهذه من الفضائل لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَفْضَلُ ما أَكَلَ الرَّجلُ مِنْ عَمَلِ يَدِه". /وذكر المؤرخون أَنّ زكريّا كان من ذرّيّة سلمان بن داود عليهم السّلام، وقُتِلَ زكريّا، بعد قتل ابنه يحْيى صلواتُ الله وسلامه عليهما. قال [بعضهم] : قال النبىُّ المُسْتجاب دُعاؤه ... ما كُنْتُ رَبّى بالدُّعاء شَقِيَّا هب لِى بفَضْلك وارِثاً متَعبِّداً ... واجْعَلْه يا ربَّ العِباد رَضِيّا فأَجاب دَعْوَتَه وأَنْجَزَ وَعْدَه ... بفَتاهُ أَعْنِى عَبْدَهُ زَكريّا

بصيرة فى ذكر يحيى عليه السلام

بصيرة فى ذكر يحيى عليه السلام ويَحْيىَ اسمٌ على زنة يَفْعل مشتق من الحَياة، وأُطلق عليه هذا الاسم لأَنه [جاء] فى حال شيخوخة الوالدين، وغالبا لا يطول عمر من كان كذلك، فوهبه الله هذا الاسم اطمئناناً لقلبهما وشرحاً لصدرهما أَنَّه يَحْيَا كبيراً، وأَنَّه وُلِدَ حَىَّ القلب بالمَحَبَّة، حىَّ الجسم بالطاعة، حَىَّ اللِّسان بالذِّكْر، حىّ السِرِّ بالمعرفة، معصوماً من الزَّلَّة. وقد دعاه الله تعالى بخمسة عشر اسْماً فى التنزيل، طيّب: {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} ، مُصَدِّقٌ {مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله} ، وسيّد وحَصورٌ ونَبِىٌّ وصالِحٌ قال، {وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصالحين} هِبَةُ الله {وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ، وَلىٌّ {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} ، وارثٌ {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} ، رَضِىٌّ {واجعله رَبِّ رَضِيّاً} غُلام {نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ} ، زَكِىٌّ {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً} ، تَقِىٌّ {وَكَانَ تَقِيّاً} قوىٌّ {يايحيى خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ} ، حَكَمٌ صَبىٌّ {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً} ، بارٌّ {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ} . وذكره باسمه يَحْيَى فى مواضع منها: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى} ، {نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمه يحيى} ، {وَزَكَرِيَّا ويحيى} ، {وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ، {يايحيى خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ} . قال المفسّرون أَوّل من آمَن بعيسى يَحْيَى. وقُتِل يَحْيَى قبل أَبيه زكريّا، وثبت فى

الصّحيحين أَنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "ثم عُرِجَ بى إِلى السَّماءِ الثانية فاستَفْتَح جبريلُ ففُتح لنا، وإِذا أَنا بابْنَى الخالَة عِيسَى بن مَرْيَم ويَحْيَى بن زكريّا، فرحَّبا ودَعَوا لى بخير". وفى مسند أَبى يَعْلَى الموصلىّ بسند عن ابن عبّاس أَنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "ما أَحدٌ من وَلَدِ آدَمَ إِلاَّ قد أَخطأَ أَوْ هَمَّ بخطيئة، ليس يَحْيَى بن زكريا" فى سنده علىّ بن زيد بن جُدْعان وهو ضعيف، ويوسف بن مهران وهو مُخْتَلَفٌ فيه. قال الثعلبىّ كان مولد يحيى قبل مولد عيسى بستَّة أَشهر. وقال الكلبىّ: كان زكرّيا يوم بُشِّرَ بالوَلَد ابن ثنتين وتسعين سنة، وقيل تسع وتسعين سنة، وعن ابن عبّاس: كان ابن عشرين ومائة، وكانت امرأَته بنتَ ثمانٍ وتسعين سنة. قال كعب الأَحْبار: وكان يحيى حَسَنَ الصورة والوَجْه، ليِّن الجَناحِ، قليل الشَّعَر، قصير الأَصابع، طويلَ الأَنف، مقرون الحاجبين، رقيق الصّوت، كثير العبادة، قويّاً فى طاعة الله تعالى، وساد النَّاس فى عبادة الله تعالى وطاعته. وقالوا فى قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً} قيل إِنَّ يحيى قال له أَتْرَابُهُ من الصبيان اذهب بنا نلعب، فقال: مَا لِلَّعِبِ خُلِقْتُ. وقيل إِنَّه نُبِّئَ صغيراً، وكان يعظ الناسَ ويقف لهم فى أَعْيادهم ومجامعهم ويدعوهم إِلى الله تعالى، ثمّ ساح يدعو الناسَ. واتفقوا على أَنَّه / قُتِل ظُلْما شهيداً. وغضب الله على قاتليه وسَلَّط عليهم بختنصر وجيوشَه، وكان وعد الله مَفْعولاً. قال بعضهم: أَلاّ طَهِّرْ فؤادكَ واقضِ سَعياً ... وعارضْ بالنُّهَى أَمراً ونَهْياً طَوَى كَشْحاً عن الكَوْنَينِ طُرّاً ... نَبِىُّ الله فى مَوْتٍ ومَحْيَا حياةٌ كله حَيّاً ومَيْتاً ... لِذاكَ اللهُ سَمّاهُ بيَحْيَى

بصيرة فى ذكر هود عليه السلام

بصيرة فى ذكر هود عليه السلام وهو هُودُ بن عابَر بن شالَخ بن فالغ بن ارْفَخْشَذْ بن سام بن نُوح. قيل اسمٌ أَعجمىٌّ كنوح ولُوط ممنوع من الصّرف، وأَكثرون على أَنَّه عربىّ من هَادَ إِذا رَجَع، فهو هائدٌ والجمع هُودٌ. وهود أَيضا اسم جِنْسٍ لليَهُود. وأُضيفت سورة هود إِليه لاشتمالها على خطاب الله تعالى إِيّاه بقوله: {فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ} . وقد دعاه الله تعالى فى نصّ التنزيل باثنى عَشر اسْماً منها: مُرْسَلٌ {كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين} ، رَسُولٌ {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} ، ناصِحٌ وأَمِينٌ {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} ، مُبَلِّغ {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي} ، رَجُلٌ {جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنكُمْ} ، مُنْذِرٌ {لِيُنذِرَكُمْ} ، أَخٌ {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ} ، واعِظُ {أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين} ، نَاجِى {وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً} ، مُتَوكّل {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ} ، بَرِئٌ {أَنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ} . وذكره تعالى باسمه هود فى مواضع من القرآن أَيضاً فقال: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} ، وأَكَّدَ أُخوَّته بقوله: {واذكر أَخَا عَادٍ} ، {ياهود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} {نَجَّيْنَا هُوداً} ، {أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} ، {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} ، {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ}

وكان عليه السّلام من أَشْبَه الناس بآدَمَ بعد نبيّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم. وأَهلك اللهُ بدعائه قومَه بالرِّيح، ووسم سُورَةً من القرآن باسمه. قال بعضهم: أَهُزْءاً بالمواعِظِ والوَصايا ... أَرَدّاً للشَّواهِدِ والشُّهود إِلى كَم ذا المُرُون على المُرودِ ... وكَمْ مِنْكَ الخيانة فى العُهُودِ قديماً قِيل فى مَثَلٍ أَجيدُوا ... بَضَرْبِ الكلب تأْديبَ اليَهُود فما أَجْداك قَوْلُ الله رَدْعاً ... "أَلاّ بُعْداً لِعاد قَوْم هُودِ"

بصيرة فى ذكر عاد

بصيرة فى ذكر عاد وهو اسمٌ عربىٌّ لأَن العادِين كانوا يتكلَّمون بلغة العرب، مشتقٌّ من العُدوان والاعتداء. وأَصله عادِى مثل قاضى. وعادٌ كان أَبا هذا القَوْم، وكان من أَحفاد نُوح عليه السّلام، وهو عادُ بن عَوْص بن إِرَم بنِ سامِ بن نُوحٍ، وسَمَّوْه عادِيا وقومَه عادين؛ لاعتدائهم وتجاوزهم مُدَّة الحياة، الثانى فى زيادة القهر والقوة؛ الثالث فى زِيادة المال والنِّعمة؛ الرابع فى زيادة المُلْكِ والمَكِنَةِ، الخامس فى زِيادَة القَدِّ والقامَة، السّادس فى زيادة الفَساد والمَعْصِيَة. قال ابن عبّاس كان طول أَطولهم مائة ذِراعٍ، وطول أَقصرهم متّين ذراعاً. وقد ذكرهم الله تعالى فى القرآن فى مواضع: قال تعالى {كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين} وقال تعالى {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} إِلى قوله {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} ، {وَعَادٍ وَثَمُودَ} {ألا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} ، {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} ، {فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} ، {واذكر أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف} ، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ} ، {وَأَنَّهُ / أَهْلَكَ عَاداً الأولى} ، {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} ، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العماد} . قال بعض المحدثين: دَعا لَوْمِى فَلَوْمُكما مُعادُ ... ومَوْتُ العاشِقِين له مَعادُ فلو قَتَلَ الهَوَى أَهلَ التَّصابىِ ... لمَا ماتُوا ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا فَمَوْلانا أَرانَا فى عِداه ... نَكالاً حِين سِيمَ الخَسْفَ عاد

بصيرة فى ذكر صالح عليه السلام

بصيرة فى ذكر صالح عليه السلام وصالح اسم علَم عربىّ. وهو أَوّل من سُمِّىَ بهذا الاسم. قال الثعلبى: هو صالح بن عبيد ابن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عَوْص بن إِرَم بن سام بن نُوح. قال أَبو عمرو بن العلاء: سُمِّيت ثَمُود لقلة مائها. والثَّمَدُ: الماءُ القليل. وكانت مساكن ثَمُود الحِجْر بين الحِجاز والشام، وكانوا عَرَباً، وكان صالحٌ عليه السّلام من أَفضلهم نَسَباً، فبعثه الله إِليهم رسولاً وهو شابّ، فدعاهم إِلى أَنْ شَمِطَ ولم يتَّبعه منهم إِلاَّ قليل مستضعَفون. ولمّا طال دعاؤه إِيّاهم اقترحوا أَن تَخْرُجَ له النَّاقةُ من الحَجَرِ آية، وكان من أَمرها وأَمرهم ما ذكره الله عزّ وجلّ فى كتابه، وكان عَقْر النَّاقة يَوْم الأَربعاء. وانتقل صالحٌ بعد هلاك قومه إِلى الشام بمن أَسْلَم معه، فنزلوا رَمْلَة فِلَسْطِين، ثم انتقل إِلى مَكَّة، فتوفِّىَ صالحٌ بها، وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنة، وكان أَقام فى [قومه] عشرين سنة وقيل صار بقيّة المؤمنين من قوم صالح بمدينة جَابَلْص من ناحية المشرق، وبقية المؤمنين من قوم هود بمدينة جَابَلْق من ناحية المغرب. والعامة تلحن وتقول: جابَلْقا وجابَلْصا. وعُرِضَ القَوْمان على النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة المعراج، فدعاهم إِلى دِينه وشَريعته فآمنوا به وصاروا من أُمّته، وسيدخلون يوم القيامة فى شفاعته. ودَعا الله تعالى صالحاً فى القرآن بعشرة أَسماء: مُرْسَلٌ {كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين} رَسولٌ وأَمِينٌ {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} ، أَخٌ {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ} ، مُبَلِّغ {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي} ، صادِقٌ {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين}

ناجِى {فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً} ، بَشَرٌ وواحد {فقالوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ} ناصِح {وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين} ، صالِحٌ {ياصالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً} ، وقال تعالى {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ} ، {يَاصَالِحُ ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ} ، {نَجَّيْنَا صَالِحاً} {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شقاقي} إِلى قوله: {أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} . قال [بعضهم] : يَعِيبُك قَومٌ حين لُقِّيْتَ صالِحا ... ولاَمك قَوْمٌ حين سُمِّيت طالِحَا لَقِيتَ البَلايا إِنْ عُدِدْتَ محارِباً ... وجُرْتَ العَطايا إِن أَتَيْت مُصالحا أَلَمْ يُنْجِيَنَّ الله بيت نبيّه ... وأَرْدَى ثَمُوداً حين كَذَّبَ صالِحا

بصيرة فى ذكر ثمود

بصيرة فى ذكر ثمود وهم قومُ صالح، وقد قدّمنا أَنَّهم سُمُّوا بهذا الاسم لقلَّة مائهم. والثَّمَدُ: الماء القليلُ، وكانوا سَبْعَمائة قبيلة، كُلّ قبيلة لها عددٌ لا يحصيه إِلاَّ الله تعالى، وكان لهم بئرٌ واحدة بوادِى القُرَى من ديار الحِجْر، قال تعالى {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحجر المرسلين} ، وقال تعالى {جَابُواْ الصخر بالواد} . وكانوا من القوّة والمَهارة والحَذاقة بحدٍّ يَبْنُون من الصَّخْر الأَصمّ والجَبل الراسى بَيْتاً عظيماً مَنْحُوتاً. وهم كانوا أَيضاً شَعْباً من عاد قوم هُود، وهم الَّذين قيل لهم عادٌ / الأُولَى. وقيل لثَمُودَ عادٌ الأخْرَى. ولمّا دعاهم صالح إِلى الله طلبوا منه المعجزة، فقالوا عَيِّنُوا لى ما شئتم. فقالوا: على سبيل الاستهزاء أَخْرِج لنا ناقةً من هذا الحجر. فأَوحى الله إِليه إِنَّا قد خلقنا ناقةً فى قلب هذه الصَّخْرة منذ أَربعة آلافِ سنةٍ، وقد ضاق صَدْرها وضاق مكانُها، فادع الله بخلاصها من هذا المَضيق، فدَعاه تعالى فانشقت الصّخرةُ من ساعته، وخرجت ناقةٌ ونُتِجَت فى الحال. ولم يترك القوم تَمَرُّدَهم وتكذيبهم فأَشْرَكها الله معهم فى الماء، وظنُّوا أَنَّها تضيّق عليهم فقصدوها وعقروها، وكان سببَ دَمارهم وخرابَ ديارهم. فذكرهم الله عزَّ وجلّ فى مواضع من القرآن. وقال {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ} ، وقال: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً} ، وقال: {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً} ، وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعبدوا الله فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} ، وقال: {وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ *

وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ} ، وقال: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ} وقال: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} ، وقال: {وَثَمُودَ فَمَآ أبقى} . قال بعضهم: أَإِخْوانِى إِلى الرّحمان عُودُوا ... يَنَلْكُم من كَرامَتِه السُّعودُ ومَنْ يَعْصى الإِله به اغْتِراراً ... لَهُ فى القَبْرِ من نارٍ مُهُودُ يُقالُ له عَدا من كُلّ خَيْر ... أَلاّ بُعْداً كما بَعدَتْ ثَمُودُ

بصيرة فى ذكر ابليس

بصيرة فى ذكر ابليس وهو اسمٌ أَعجمىّ ممنوعٌ من الصّرف. وقيل عربىّ واشتِقاقُهُ من الإِبْلاس؛ لأَنَّ الله تعالى أَبْلَسَه من رَحْمته، وآيسه من مغفرته. قال ابن الأَنبارىّ: لا يجوز أَن يكون مُشْتَقّاً من أَبْلَس لأَنه لو كان مشتقاً لصُرِف، قال أبو إِسحاق: فلمّا لم يُصرَف دلّ على أَنَّه أَعْجَمِىٌّ. قال: ابن جَرير: لم يُصْرَف وإِن كان عربيّاً لقلَّة نظيره فى كلامهم فشبّهوه بالأَعجمىّ. وقال الواحدىّ: الاختيار أَنه ليس بمشتق لاجتماع النحويين على أَنَّه يُمْنع من الصرف للعُجْمَة والعَلَمِيّة. واختلفوا هل هو من الملائكة أَم لا، فرُوِىَ عن طاوُس ومُجاهد عن ابن عبّاس أَنَّه من الملائكة. وكان اسمه عزازيل فلمّا عَصَى اللهَ تعالَى لَعَنَه وجعله شَيطاناً مريداً، وسَمّاه إِبْليسَ وبهذا قال ابنُ مسعودٍ وسعيدُ بن المُسَيِّب وقتادةُ، وابن جُرَيْج وابنُ جَرِير، واختاره ابن الأَنبارىّ والزّجّاج، قال: وهو مستثنىً من جنس المشتثنَى منه، قالوا: وقولُ الله تعالى: {كَانَ مِنَ الجن} أَى طائفة من الملائكة يقال لهم الجنّ. وقال الحسنُ وعبد الرحمن ابن زيد ومسهر، وابن حَوْشَب: ما كان من الملائكة قط، والاستثناء منقطع، والمعنى عندهم أَنَّ الملائكةَ وإِبليسَ أُمِرُوا بالسُّجود فأطاعت الملائكةُ وعصى إِبْليس. والصَّحيح أَنَّه كان من الملائكة لأَنَّه لم يُنْقَل أَنَّ غيرَ الملائكة أُمِرَ بالسُّجود، والأَصل فى المستثنى أَن يكون من جنس المستثنى منه. وعن ابن عبّاس رضى الله عنهما أَنَّ الله تعالى أَمَرَ إِبْليس أَن يأَتِىَ محمّداً صلى الله عليه وسلَّم فى صُورَة إِنسان ويجيبه عن كلّ ما سأَل. قال: فجاء اللَّعين

إِلى باب المسجد وعليه لباسٌ من صُوف وبيده عكَّازه مثل شيخ كبير، / فنظره النَّبى صلَّى الله عليه وسلَّم فأَنْكَرَه إِذ لم يسلِّم عليه، فقال عليه السّلام ما أَنت يا شيخ؟ فقال: أَنا إِبْليس أَمرنى الله تعالَى أَنْ أُجيبَك عن كلّ ما تسأَل، فسَلْ ما تريد. فقال صلى الله عليه وسلَّم: كَمْ أَعداؤكَ من أُمَّتِى؟ قال: خمسة عشر، وأَنت رأْسهم وأَوّلهم، والإِمام العادل، والغنىُّ المتواضعُ، والتَّاجر الصَّدُوق، والعالم المتخشع، والمؤمن النَّاصح، والمؤمن الرّحيمُ القلب، والمتورّع عن الحرام، والمُدِيمُ على الطَّهارة، والَّذى يؤدّى حَقَّ مالِه، والمؤمن السّخىّ، والمؤمن الكثير الصّدقة، وحامل القرآن، والقائم بالليل، والقائم على التَّوبة! قال: فكم رُفَقاؤك من أُمّتى؟ قال: عشرة: السّلطان الجائر، والغَنِىُّ المتكبّر، والتاجر الخائن، وشارب الخمر، وصاحب الزِّنَى، وصاحب الرِّبا، والقَتَّال، وآكلُ أَموال اليتامى، ومانعُ الزكاة، والطويل الأَمَل، هؤلاء خواصِّى. قال: كيف موضع صلاة أُمّتى منك؟ قال: تأْخذنى الحُمَّى! قال فموضع خَوْضِهم فى العلم؟ قال: أَذُوب كما يذوب الرّصاص! قال: فالصوم؟ قال: أَصير أَعْمَى. قال: فقراءة القرآن؟ قال: أَصير أَصَمّ! قال: الحج؟ قال: إِذاً قَيَّدُونى. قال: الجهاد؟ قال: يجمع يداى إِلى عُنُقى بالغُلّ. قال: الصَّدقة؟ قال: مِنْشارٌ يُوضَع على رأْسى فأُقطع نصفين نصف إِلى المشرق ونصف إِلى المغرب. قال: فَلِم ذاك يالعين؟ قال لأَنَّ لهم فى الصّدقة ثَلاثَ خِصال. يكون الله غريماً لهم، وأَن يكونوا من وَرَثة أَهلِ الجَنَّة. وعُصِمُوا منى أَربعين يوماً، وأَىّ مصيبة أَعظم من ذلك! فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَنْ أَبْغَضُ الخلقِ إِليك؟ فقال: العالِمُ النَّاصح لنفسه ولأَئمة المسلمين. فقال: مَنْ أَحَبُّهم إِليك؟ فقال: العالِم البخيل بعِلْمه، الشحيحُ بِدرْهَمِه. فقال: كم لك من الأَعوان؟ فقال: أَكثر من قَطْر المَطَر ووَرَق الأَشجار، ورَمْل القِفار. فقال صلَّى الله عليه وسلم: اللهم اعْصِمْ أُمَّتِى. قال: فولَّى اللَّعينُ هارباً. وقد دعاه الله تعالى فى القرآن العظيم بسبعين اسماً قَبِيحاً. الأَوّل: الشَّيطان {كَمَثَلِ الشيطان} ، وَوَسْواس وخَنَّاس {مِن شَرِّ الوسواس الخناس}

مُوَسْوِسٌ {الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس} ، رَجِيمٌ {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} ، عَدُوٌّ {إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً} ، {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} ، فاتِنٌ {لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} ، مُضِلٌّ {وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ} ، مُزَيِّنٌ {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان} ، كَيّاد {إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً} ، خادِعٌ {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} ، كاذِبٌ كَفَّار {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} ، خَتَّارٌ وكَفُورٌ {كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} ، هامِزٌ {أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} حاضِرٌ {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} ، مُغْو {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ، غَاوِى {لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} ، جِنٌّ {كَانَ مِنَ الجن} ، آبى ومُسْتَكْبر {أبى واستكبر} ، مُزلٌّ {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان} ، لَعِينٌ {عَلَيْكَ اللعنة} ، مُنْظَرٌ {إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} ، مُمَنِّى {وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ} ، آمِرٌ {وَلأَمُرَنَّهُمْ} ، وَلِىّ الكَفَرَة {والذين كفروا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت} ، واعِدٌ بالفَقْر {الشيطان يَعِدُكُمُ / الفقر} ، مَرِيدٌ {وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} ، مارِدٌ {مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} ، مَقْذُوفٌ مَدْحُورٌ {وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً} ، خاطِفٌ: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة} ، مَرْجُومٌ {وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ}

، دَاعِى {إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ} ، باطِلٌ، {والذين آمَنُواْ بالباطل} ، نازِعٌ {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} ، نازِغٌ {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} ، ماسٌّ وطائف {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان} ، مُتَخَبِّطٌ {يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس} ، مُخْلِفٌ {وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} ، مُتَفَحِّشٌ {وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء} ؛ كافِرٌ {وَكَانَ مِنَ الكافرين} ، مَذْءُومٌ {قَالَ اخرج مِنْهَا مَذْءُوماً} ، خَذُولٌ {وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} ، مَلُومٌ {فَلاَ تَلُومُونِي} ، سَفِيهٌ {يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى الله شَطَطاً} ، أَسْفَل {لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين} ، بئس القرين {فَبِئْسَ القرين} ، بَدَلٌ للظَّالمين {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} ، بَرِئٌ {إِنِّي برياء مِّنكَ} ، رَائى {إني أرى مَا لاَ تَرَوْنَ} ، رجْزٌ {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} ، خالِدٌ فى النار {خَالِدِينَ فِيهَا} ، عفْرِيتٌ {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الجن} ، فاسِقٌ {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} ، مُسْتَحْوذٌ {استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان} ، مُسْتَرِقٌ {إِلاَّ مَنِ استرق السمع} . مُنْسِى {فَأَنْسَاهُ الشيطان} ، {وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان} ، مُسَوِّلٌ ومُمْلِى {سَوَّلَ لَهُمْ وأملى لَهُمْ} ، مُدَلِىّ {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} ، مُقْسِمٌ {وَقَاسَمَهُمَآ} ، مُلْقِى {أَلْقَى الشيطان

في أُمْنِيَّتِهِ} ، مُبْدِى {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا} ، مُبِينٌ {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ، مُحْتَنكٌ {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} ، مُشارِكٌ {وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد} ، مُسْتَفْزِرٌ {واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} ، جالِبُ الشَرّ {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ} ، نارِىٌّ {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ} ، خارجٌ {فاخرج مِنْهَا} ، مُخْرِجٌ {أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ} ، خَبِيثٌ {والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً} . قيل: البلد الطَّيِّبُ آدم، والَّذِى خَبُثَ إِبْليس. قال: عَجِبْت مِنْ إِبْلِيسَ فى خُبْثِه ... وقُبْح ما أَظْهَر من طِيَّتِه تاهَ على آدَمَ فى سَجْدَةٍ ... وصار قَوّاداً لِذُرِّيَّتِهِ وذكره الله عزّ وجلّ باسمه المخبر عن إِبلاسه، المنبى عن حرمانه ويأْسه فى مواضع من كتابه العزيز. قال {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر} ، وقال تعالى على طريق إِلزام الحجّة وقَهرٍ ممزوج بلطيفة اللُّطْف {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} ، ثم جعله مُقَدَّم أَهل الفساد والمعصية، قال {اذهب فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} ، الآية. فقام المتمرّد فى معرض المناظَرة مع ربّ الأَرباب، وقال: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ، فقال الربُّ مراغماً لعدُوّه ومحابياً لأَوليائه {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} ، ثم جعله مخْدُوعَ المهْلَة بقوله {إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} ، ونبَّه آدم وأَولاده بشدّة عداوته لهم فقال {إِنَّ هاذا عَدُوٌّ لَّكَ

وَلِزَوْجِكَ} ، وقال {إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً} ، ثم وسمه بوسْم اللَّعْنَة الأَبديّة فقال {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة إلى يَوْمِ الدين} ، وبشَّره بخُلود النَّار ومنْ تبعه من سائر الشياطين فقال {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} . قال بعض المحدثين: وجاوَرَنا عدُوٌّ ليس ينْسَى ... لَعِينٌ ما يمُوت فَنَسْتَريحُ فيالَهَفِى على قَلبِى وخَضْمِى ... لَئِيمٌ يسْتَعِدُّ ويسْتَبيحُ

بصيرة فى ذكر مريم عليها السلام

بصيرة فى ذكر مريم عليها السلام ومرْيمُ اسمٌ أَعجمىٌّ غير منصرف للعجمة والعلمية والتأْنيث. وقيل: معناه بالعِبْرانىّ خادمةُ الله، وقيل /: أَمةٌ الله. وقيل: معناه المُحرَّرة. وشَذَّ بعضُهم فقال: عربىٌ معناه مَرَتْ ورامتْ، أَى حلَبتْ وطَلَبت، أَى استخرجت طاعة الله وطلبت مرضاة الله. وقيل: إِشارة إِلى أَنَّها مرّت على يمِّ الطَّاعة مرور السّفينة والحوت باليمّ. ومن فضائلها: إِتيانُ الملَكِ بفاكهة الجنَّة لأَجْلها، ونَيْلُها فى الشتاء فاكهة الصّيف؛ وتكليمُ الملائكة لها، وإِتيانُ جبريل إِليها، ووِلادتُها لِعيسى رُوحِ الله وكَلِمته من غير مَسِّ الّرجال؛ وبيان براءتها على لسان الطِّفل الرَّيع، وتساقط الرُّطَب الجنِىِّ عليها من النَّخل اليابس، وإِجراء النَّهر السَّرِىّ من تحت قدمها، وتفضيلها على نساء العالَمين، وتطهيرُها من الحيْض والعيْب والعصيان، وتَكْفيلُها لزكريا شيخ الأَنبياء، وقبول الحقّ تعالى إِيّاها بالإنعام والإحسان، وتربيتها بفُنون الإكرام والامْتنان، وتكرار ذكرها بالمدح فى نصّ القرآن. ودعاها الله باثنى عشر اسماً منبئةً بفضلها أَتمّ البيان، دعاها بالمُحرَّر {مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} ، ومُصْطَفاة {إِنَّ الله اصطفاك} ، ومُطَهَّرَة {وَطَهَّرَكِ} ، وقانتَة {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} ، وساجدة وراكعة {واسجدي واركعي} ، ومُحصَنَة {التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} ، وآية {وَجَعَلْنَاهَا وابنهآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} ، وأُمُّ وصدّيقة {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} ، ووالدَةٌ {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي} ، ومَرْيَمُ وبِنْت عِمْران {وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ}

وذكرها باسمها فى مواضع من القرآن {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} ، {يامريم أنى لَكِ هاذا} ، {يامريم إِنَّ الله اصطفاك وَطَهَّرَكِ} ، {يامريم اقنتي لِرَبِّكِ} ، {يامريم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ} ، {إِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ} ، {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ} ، {واذكر فِي الكتاب مَرْيَمَ} ، {يامريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} ، {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} . أُنشدنا لبعضهم: تَوَكَّلْ على الرَّحْمان فى كُلّ حالَة ... ولا تَتْرُكِ الخَلاَّقَ فى كَثْرة الطَّلَبْ أَلَمْ تَر أَنَّ الله قال لِمَريَمٍ ... وهُزّى إِليكِ الجِذْعَ تَسَّاقَطِ الرُّطَبْ ولو شاء أَنْ تَجْنِيه مِن غَير هَزّها ... جَنتْهُ ولكن كُلُّ أَمْرٍ له سَبَبْ

بصيرة فى ذكر عيسى عليه السلام

بصيرة فى ذكر عيسى عليه السلام وعيسى اسمٌ أعجمىٌّ غير منصرف للعجمة والعلميّة. وقيل: اشتقاقه من العَيَس وهو البَياضُ، والأَعْيَسُ: الجَمَلُ الأَبيض، وجمعه عِيسٌ. قيل له عِيسَى لِبَياضِ لَونه، وقيل من العَوْس وهو السّياسة، وأَصله عِوْساً قلبت الواو ياءً لكسرة ما قبلها، وقالوا عِيسا لأَنَّه ساسَ نفسه بالطَّاعة، وقَلْبَه بالمحبّة، وأُمَّته بالدّعوة إِلى ربّ العزَّة. وقد دعاه الله تعالى فى القرآن بخمسة وعشرين اسماً دالاًّ على مَدْحه وفضله، منها: مُؤَيَّدٌ {وَأَيَّدْنَاهُ} ، مَسِيحٌ {اسمه المسيح} ، رُوحُ الله {وَرُوحٌ مِّنْهُ} ، كَلِمَة {مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله} ، وَجِيهٌ {وَجِيهاً فِي الدنيا والآخرة وَمِنَ المقربين} ، صالِحٌ {وَمِنَ الصالحين} ، وَلَدٌ {أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} ؛ غُلامٌ وزَكِىٌّ {لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً} ، مُعَلَّم {وَيُعَلِّمُهُ الكتاب} ، رَسُول {وَرَسُولاً} ، مُبَشِّرٌ {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي} ، مُنَبِّئ {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ} ، مُصَدِّقٌ {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ} ، آيَةٌ {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} ، مُحَلِّلٌ {وَلأُحِلَّ لَكُم} ، مَرْفوعٌ {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} ، مُطَهّر {وَمُطَهِّرُكَ} ، سَرِىٌّ {تَحْتَكِ سَرِيّاً} ،

قُرَّة عَيْن {وَقَرِّي عَيْناً} ، صَبِىٌّ / {مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً} ، عَبْدٌ {عَبْدُ الله} ، نَبِىٌّ {وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} ، مُبارَكٌ {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً} ، وصِىٌّ {وَأَوْصَانِي بالصلاة} ، بارٌّ {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي} ، عِلْمٌ {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} ، بفتح العَينْ وكَسْرها، وقرئ بالوجهين. وذكره تعالى باسمه فى مواضع منها قوله تعالى {إِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدنيا والآخرة وَمِنَ المقربين * وَيُكَلِّمُ الناس فِي المهد وَكَهْلاً وَمِنَ الصالحين} ، وقال تعالى {إِذْ قَالَ الله ياعيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} ، وقال الله تعالى {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الحق مِن رَّبِّكَ} ، وقال تعالى {ياأهل الكتاب لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} إِلى قوله {لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ} ، وقال تعالى {إِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِي عَلَيْكَ وعلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس} ، وقال تعالى {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ} وقوله {وَمَا أُوتِيَ موسى وعيسى} ، {فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر} ، {وَلَمَّا جَآءَ عيسى بالبينات} ، {ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلاهين} ، {قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ اللهم رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً} ، وثبت فى الصّحيحين عن أَبى هريرة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "ما مِنْ

بنى آدَمَ من مولود لا يَمَسُّه الشيطانُ حين وُلِدَ فَيَسْتَهِلُّ صِارخاً من مَسّه إِيّاه إِلاَّ مَرْيَم وابْنَها"، وروياه من طرق بأَلفاظ متقاربة، ثم يقول أَبو هريرة: اقرءُوا إِن شئتم {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم} ، وعنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "أَنا أَوْلَى الناسِ بابْنِ مَرْيَمَ فى الدّنيا والآخرة، ليس بينى وبينه نبىّ، الأَنْبِياءُ إِخْوَة، أَبْناءُ عَلاَّت أُمَّهاتهم شَتَّى ودِينُهم واحد" رواه الشيخان فى الصّحيحين. وَرَوَيا أَيضا فى حديث الإِسراء عن أَنس أَن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأَى فى السّماء الثَّانية ابْنَىِ الخالَة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريّا" وفى الصّحيحين عن أَبى هريرة أَنَّ النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم حِينَ أُسْرِىَ به قال "لَقِيتُ عيسى فإِذا ربْعة أَحْمر كأَنَّما خرج من ديماس" يعنى حمَّاماً. وفى الصحيحين عنه عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "رأَى عيسى بن مريم رجُلاً يسرق فقال له: أَسرقْت؟ قال كّلا والَّذى لا إِله إِلاَّ هو. فقال عيسى: آمنت بالله وكَذَّبْت عينى" وفى الصّحيحين عنه عن النبىّ صلى الله عليه وسلَّم قال "ليُوشِكَنَّ أَنْ ينْزِل فيكم ابن مرْيم حَكَما عدْلاً فيكسر الصّلِيب ويقْتل الخنْزِير، ويضَع الجِزْية، ويفيض المال حتى لا يقبله أَحدٌ حتَّى تكون السَّجْدة الواحدة خيراً من الدُّنيا وما فيها" ثم يقول أَبو هريرة: واقْرءُوا إِن شئتم {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} وفى الصّحيحين عن عبادة بن الصّامت عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال "من شهد أَن لا إِله إِلاَّ الله وحْده لا شريك له، وأَنّ محمّداً عبدُه ورسوله، وأَن عيسى عبدُ الله ورسُوله وكَلمته أَلقاها إِلى مرْيم ورُوحٌ منه، والجنَّة حقٌّ والنار حقٌّ أَدخله الله الجنَّة على ما كان من العمل"، / وفي صحيح مسلم أَنّ رسول الله صلَّى الله عليه

وسلَّم قال: "ينزل عيسى من مرْيم على المنارة البيْضاء شَرْقىَّ دمشْق". وقال إِسحاق الثعلبى: اختلف العلماء فى مدّة حمل مريم بعيسى بن مريم، فقيل: سبعة أَشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: ستَّة، وقيل: ساعة، وقيل: ثلاث ساعات، ووضعته عند الزوال وهى بنت عشر سنين، وكانت حاضت قبله حيضتين، وقيل: بل كانت بنت خمس عشرة سنة، وقيل ثلاث عشرة، وأَنَّه كلَّم الناس وهو ابن أَربعين يوماً، ولم يتكلَّم بعدها حتى بلغ زمن كلام الصبيان. وكان صلَّى الله عليه وسلَّم زاهداً لم يتَّخذ بيتاً ولا متاعاً، وكان قوته يوماً بيوم، وكان سيّاحا فى الأَرض، وكان يمشى على الماء ويُبْرِئُ الأَكْمه والأَبرص ويُحْيِ الموتَى بإِذن الله، ويُخْبرهم بما يأْكلون ويدَّخرون فى بيوتهم، وكان له الحواريّون الذين ذكرهم الله تعالى فى كتابه، وكانوا أَثْنَىْ عشر رجلاً، وكانوا أَصفياءه وأَنصاره ووزراءه، قيل كانوا أَوّلاً صيّادين، وقيل قصّارين، وقيل ملاَّحين. وممّا أَكرمه الله به تأْييده بُروح القُدُس، قال الله تعالى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القدس} قيل: هو الرّوح الذى نفخ فيه، وقيل جِبْرِيل كان يأْتيه ويسير معه، وقيل: هو اسم الله الأَعظم، وبه كان يُحْيِى الموْتى ويُرِى النَّاس العجائب، ومنها علَّمهُ التوراةَ والإِنْجِيل وكان يقْرؤهما حفظا. ومنها أَنَّه يخْلق من الطِّين كهيْئة الطَّيْر فَيْنفخ فيه فيكون طيراً بإِذن الله. قال الثعلبى: قالوا إِنَّما يخلق الخفَّاش خاصَّة لأَنه أَكمل الطَيْر خلْقَةً، له ثَدْىٌ وأَسنان ويَلدُ ويَحيض ويَطير. قال: وقال وهب بن مُنَبّه: كان يطيرُ حتى يغيب عن النَّاس ثم يقع ميّتا ليتميّز خَلْقُ الله من فعْل غيره. ومنها إِبْراؤه الأَكْمه والأَبرص - والأَكمه: الذى وُلد أَعمى - وإِنَّما خصّ هذين لأَنَّه لا يُرْجَى زوالهما، ولا حيلة للمخلوقين فيها، وكان زمنَ الأَطبّاء وظهرت بهما معجزته. ومنها إِحياؤه الموتىَ، قالوا فأَحْيا جماعةً منهم

العازر أَحياه بعد موته ودفنه بثلاثة أَيّام، فقام وعاش مدّة ووُلد له ولد. ومنهم بنْت العاشر، أَحياها وولَدتْ بعد ذلك؛ ومنهم سامُ بن نوح وعُزَيْر وقِصصُهم مشهورة، ومنها إِخباره بالمغيِّبات، قال الله عزَّ وجلّ إِخباراً عنه {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} ومنها مشيُه على الماء، ومنها نزول المائدة عليه من السّماء، ومنها رفْعُه إِلى السّماء. وقد ثبت فى الصّحيحين أَنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "ينْزِل عيسى بن مريم من السَّماء ويقْتل الدَّجَّال بباب لُدّ"، وأَحاديثه فى قصّة الدجّال مشهورة فى الصّحيح. وينزل عيسى حَكَماً عدْلاً رسُولاً، وإِنَّما يُصلِّى وراء الإِمام منَّا تَكْرِمة الله لهذه الأُمة. وجاء أَنه يتزوّج بعد نزوله ويُولَد له، ويُدْفن عند النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم. قال بعضهم: هذا ابْن مرْيم فى مجال الجاه ... فى عِزِّه مُتكاملٌ مُتناهى فى مهْده للأُمّ أَوْحى شاهداً ... مُتَكَلِّماً بأَوامرٍ ونَواهى فالطِّين فى يده كهيْئة طائرٍ ... يرْمى بها طَيْراً يطير كما هى والأَكْمهُ المكْفوف عند دُعائه ... عيْناه تُبْصرُ والبصيرَ يُضاهى /أبْرى من ابْرصَ ما يشين جمالَه ... لَيْس الطبيب بما يليه يُباهى كم ميّت متفتِّت فى قبره ... أَحْيا بإِذن الله رُوحُ الله ولنجعل هذا آخر ما تيسّر من الكلام على لطائف التنزيل العزيز. وإِيراد المعانى الجّمة فى اللَّفظ الوجِيز. وقد وفق الله تعالى لإِكماله وإِتمامه، بمنَّة وجُوده وأَفضاله وإِنعامه فى أَسرع زمان، وأَقرب مدّة الإِمكان. والحمد لله ربّ العالمين على فضله الموفور. وقبوله منَّا عفو خاطرنا المبرور، وصلاته وسلامه على سيّد المرسلين. وخاتم النبيّين، وحبيب ربّ العالمين. وعلى آله وعترته الطاهرين الطيِّبين. وأَصحابه السّادة الغرّ المحجَّلين. وعلى من تعلَّق بحبّهم وتبعهم بإِحسان إِلى يوم الدّين. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

§1/1