بسط الكف في إتمام الصف

السيوطي

سئلت عن عدم إتمام الصفوف

الْحَمد لله الَّذِي لَا يقطع من وَصله وَلَا ينصر من خذله وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أفضل نَبِي أرْسلهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه الطَّائِفَة المكملة وَبعد فقد (سُئِلت عَن عدم إتْمَام الصُّفُوف) والشروع فِي صف قبل إتْمَام صف فأجبت بِأَنَّهُ مَكْرُوه لَا تحصل بِهِ فَضِيلَة الْجَمَاعَة ثمَّ وَردت إِلَيّ فَتْوَى فِي ذَلِك فَكتبت عَلَيْهَا مَا نَصه: لَا تحصل لَهُ الْفَضِيلَة وَبَيَان ذَلِك بتقرير أَمريْن أَحدهمَا أَن هَذَا الْفِعْل مَكْرُوه الثَّانِي أَن الْمَكْرُوه فِي الْجَمَاعَة يسْقط فضيلتها. فَأَما الأول فقد صَرَّحُوا بذلك حَيْثُ قَالُوا فِي الْكَلَام على التخطي يكره إِلَّا إِذا كَانَ بَين يَدَيْهِ فُرْجَة لَا يصل إِلَيْهَا إِلَّا بالتخطي فَإِنَّهُم يقصرون بِتَرْكِهَا إِذْ يكره إنْشَاء صف قبل إتْمَام مَا قبله وَيشْهد لَهُ من الحَدِيث قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتموا الصُّفُوف مَا كَانَ من نقص فَفِي الْمُؤخر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَفِي شرح الْمُهَذّب فِي بَاب التَّيَمُّم لَو أدْرك الإِمَام فِي رُكُوع غير الْأَخِيرَة فالمحافظة على الصَّفّ الأول أولى من الْمُبَادرَة إِلَى الْإِحْرَام لإدراك الرَّكْعَة. وَأما كَون كل مَكْرُوه فِي الْجَمَاعَة يسْقط الْفَضِيلَة فَهَذَا أَمر مَعْرُوف مُقَرر متداول على أَلْسِنَة الْفُقَهَاء يكَاد يكون مُتَّفقا عَلَيْهِ هَذَا آخر مَا كتبت. وَقد أوردت فِي هَذِه الأوراق تَحْرِير مَا قلت بعد أَن تعرف أَن الْفَضِيلَة الَّتِي نفيتها هِيَ التَّضْعِيف الْمعبر عَنهُ فِي الحَدِيث ببضع وَعشْرين لَا أصل بركَة الْجَمَاعَة وَسَيَأْتِي تَقْرِير الْفرق بَين الْأَمريْنِ ثمَّ الْكَلَام أَولا فِي تَحْرِير أَن هَذَا الْفِعْل مَكْرُوه من كَلَام الْفُقَهَاء والمحدثين. قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فِي بَاب الْجَمَاعَة اتّفق أَصْحَابنَا وَغَيرهم على اسْتِحْبَاب سد الْفرج فِي الصُّفُوف وإتمام الصَّفّ الأول ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى آخرهَا وَلَا يشرع فِي صف حَتَّى يتم مَا قبله. هَذِه عِبَارَته. وَلَا يُقَابل الْمُسْتَحبّ إِلَّا الْمَكْرُوه فَإِن قيل يُقَابله خلاف الأولى قلت الْجَواب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْمُتَقَدِّمين لم يفرقُوا بَينهمَا وَإِنَّمَا فرق إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمن تَابعه الثَّانِي أَن الْقَائِلين بِهِ قَالُوا هُوَ مَا لم يرد فِيهِ دَلِيل خَاص وَإِنَّمَا اسْتُفِيدَ من العموميات وَالْمَكْرُوه مَا ورد فِيهِ دَلِيل خَاص وَهَذَا قد وَردت فِيهِ أَدِلَّة خَاصَّة فضلا عَن دَلِيل وَاحِد فَمن ذَلِك الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْفَتْوَى وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس.

قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب // بِإِسْنَاد حسن // وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم // بِإِسْنَاد صَحِيح // عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقِيمُوا الصَّلَاة وحاذوا بَين المناكب وسدوا الْخلَل ولينوا بأيدي إخْوَانكُمْ وَلَا تذروا فرجات للشَّيْطَان وَمن وصل صفا وَصله الله وَمن قطع صفا قطعه الله وَمعنى قطعه الله أَي من الْخَيْر والفضيلة وَالْأَجْر الجزيل. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بَاب أَثم من لَا يتم الصُّفُوف وَأورد فِيهِ حَدِيث أنس مَا أنْكرت شَيْئا إِلَّا أَنكُمْ لَا تقيمون الصُّفُوف فَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر يحْتَمل أَن البُخَارِيّ أَخذ الْوُجُوب من صِيغَة الْأَمر فِي قَوْله سووا وَمن عُمُوم قَوْله صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَمن وُرُود الْوَعيد على تَركه فترجح عِنْده بِهَذِهِ الْقَرَائِن أَن إِنْكَار أنس إِنَّمَا وَقع على ترك الْوَاجِب وَمَعَ القَوْل بِهِ صَلَاة من خَالف صَحِيحَة لاخْتِلَاف الْجِهَتَيْنِ. وأفرط ابْن حزم فَجزم بِالْبُطْلَانِ وَنَازع من ادّعى الْإِجْمَاع على عدم الْوُجُوب بِمَا // صَحَّ // عَن عمر أَنه ضرب قدم أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ لإِقَامَة الصَّفّ وَبِمَا صَحَّ عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ كَانَ بِلَال يُسَوِّي مناكبنا وَيضْرب أقدامنا فِي الصَّلَاة فَقَالَ مَا كَانَ عمر وبلال يضربان أحدا

على ترك غير الْوَاجِب. قَالَ ابْن حجر وَفِيه نظر لجَوَاز أَنَّهُمَا كَانَا يريان التعزيز على ترك السّنة وَقَالَ ابْن بطال تَسْوِيَة الصُّفُوف لما كَانَت من السّنَن الْمَنْدُوب إِلَيْهَا الَّتِي يسْتَحق فاعلها الْمَدْح عَلَيْهَا دلّ على أَن تاركها يسْتَحق الذَّم. وَهَذَا صَرِيح فِي أَنه لَا يحصل لَهُ الْفَضِيلَة. وَفِي الصَّحِيح حَدِيث لتسون صفوفكم أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم قَالَ شرَّاح الحَدِيث تَسْوِيَة الصُّفُوف تطلق على أَمريْن اعْتِدَال القائمين على سمت وَاحِد وسد الْخلَل الَّذِي فِي الصَّفّ. وَاخْتلف فِي الْوَعيد الْمَذْكُور فَقيل هُوَ على حَقِيقَته وَالْمرَاد بتشويه الْوَجْه تَحْويل خلقه عَن وَضعه بجعله مَوضِع الْقَفَا. قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وعَلى هَذَا فَهُوَ وَاجِب والتفريط فِيهِ حرَام. قَالَ وَهُوَ نَظِير الْوَعيد فِيمَن رفع رَأسه قبل الإِمَام وَيُؤَيّد ذَلِك حَدِيث أبي أُمَامَة لتسون الصُّفُوف أَو لتطمسن الْوُجُوه رَوَاهُ أَحْمد // بِسَنَد فِيهِ ضعف //. قلت وَإِذا كَانَ هَذَا نَظِير مسابقة الإِمَام فِي الْوَعيد فَهُوَ نَظِيره فِي

سُقُوط الْفَضِيلَة وَهُوَ أَمر مُتَّفق عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَمِنْهُم من حمله على الْمجَاز. قَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ توقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء وَاخْتِلَاف الْقُلُوب. // وَفِي الصَّحِيح // أَيْضا حَدِيث أقِيمُوا صفوفكم وتراصوا قَالَ الشُّرَّاح المُرَاد بأقيموا اعتدلوا وبتراصوا تلاصقوا بِغَيْر خلل وَفِيه أَيْضا حَدِيث سووا صفوفكم فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف من إِقَامَة الصَّلَاة اسْتدلَّ بِهِ الْجُمْهُور على سنة التَّسْوِيَة وَابْن حزم على وُجُوبهَا لِأَن إِقَامَة الصَّلَاة وَاجِبَة وكل شَيْء من الْوَاجِب وَاجِب. أخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من تَمام الصَّلَاة إِقَامَة الصَّفّ. وَأخرج أَحْمد // بِسَنَد صَحِيح // عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رَأَيْتنَا وَمَا تُقَام الصَّلَاة حَتَّى تتكامل الصُّفُوف. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير // بِسَنَد رِجَاله ثِقَات // عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ والفرج يَعْنِي فِي الصَّلَاة.

وَأخرج أَبُو يعلى عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تراصوا الصُّفُوف فَإِنِّي رَأَيْت الشَّيَاطِين تتخللكم. وَأخرج الإِمَام أَحْمد // بِسَنَد حسن // عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سووا صفوفكم وسدوا الْخلَل فَإِن الشَّيْطَان يدْخل فِيمَا بَيْنكُم. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من نظر إِلَى فُرْجَة فِي صف فليسدها بِنَفسِهِ فَإِن لم يفعل فَمن مر فليتخط على رقبته فَإِنَّهُ لَا حُرْمَة لَهُ. وَالْأَحَادِيث فِي ترك الْفرج وتقطيع الصُّفُوف كَثِيرَة جدا وَفِيمَا أوردناه كِفَايَة. وَمن الْأَحَادِيث الَّتِي فِي التَّرْغِيب وَلَا ترهيب فِيهَا حَدِيث من سد فُرْجَة فِي الصَّفّ غفر لَهُ رَوَاهُ الْبَزَّار // بِإِسْنَاد حسن // عَن أبي جُحَيْفَة. وَحَدِيث من سد فُرْجَة فِي صف رَفعه الله بهَا دَرَجَة وَبنى لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة // بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ // وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء // مُرْسلا. //

وَحَدِيث إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الَّذين يصلونَ الصُّفُوف. رَوَاهُ الْحَاكِم وَغَيره. وَحَدِيث أَلا تصفون كَمَا تصف الْمَلَائِكَة عِنْد رَبهم قَالُوا وَكَيف تصف الْمَلَائِكَة قَالَ يتمون الصَّفّ الْمُقدم ويتراصون فِي الصَّفّ. أخرجه النَّسَائِيّ. وَأخرج عبد الرزاق فِي مُصَنفه وَابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لِأَن تقع ثنتاي أحب إِلَيّ من أَن أرى فُرْجَة فِي الصَّفّ أَمَامِي فَلَا أَصْلهَا. وَأخرج عبد الرزاق عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يكره أَن يقوم الرجل فِي الصَّفّ الثَّانِي حَتَّى يتم الصَّفّ الأول وَيكرهُ ان يقوم فِي الصَّفّ الثَّالِث حَتَّى يتم الصَّفّ الثَّانِي. وَأخرج عَن ابْن جريج قَالَ قلت لعطاء أتكره أَن يقوم الرجل وَحده وَرَاء الصَّفّ قَالَ نعم وَالرجلَانِ وَالثَّلَاثَة إِلَّا فِي الصَّفّ قلت لعطاء أَرَأَيْت إِن وجدت الصَّفّ مزحوما لَا أرى فِيهِ فُرْجَة قَالَ لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا وَأحب إِلَيّ وَالله أَن أَدخل فِيهِ.

16 - وَأخرج عَن النَّخعِيّ قَالَ يُقَال إِذا دحس الصَّفّ فَلم يكن فِيهِ مدْخل فليستخرج رجلا من ذَلِك الصَّفّ فَليقمْ مَعَه فَإِن لم يفعل فَصلَاته تِلْكَ صَلَاة وَاحِدَة لَيست بِصَلَاة جمَاعَة. وَأخرج عَن ابْن جريج قَالَ قلت لعطاء أيكره أَن يمشي الرجل يخرق الصُّفُوف قَالَ إِن خرق الصُّفُوف إِلَى فُرْجَة فقد أحسن وَحقّ على النَّاس أَن يدحسوا الصُّفُوف حَتَّى لَا يكون بَينهم فرج ثمَّ قَالَ {إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} فَالصَّلَاة أَحَق أَن يكون فِيهَا ذَلِك. وَأخرج عَن يحيى بن جعدة قَالَ أَحَق الصُّفُوف بالإتمام أَولهَا. وَأخرج سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وَابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّفّ الأول ثَلَاثًا وعَلى الَّذِي يَلِيهِ وَاحِدَة. وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصَّفّ الأول قَالُوا يَا رَسُول الله وعَلى الثَّانِي قَالَ إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصَّفّ الأول قَالُوا يَا رَسُول الله وعَلى الثَّانِي قَالَ إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصَّفّ

الأول قَالُوا يَا رَسُول الله وعَلى الثَّانِي قَالَ سووا صفوفكم وحاذوا بَين مناكبكم ولينوا فِي أَيدي إخْوَانكُمْ وسدوا الْخلَل فَإِن الشَّيْطَان يدْخل فِيمَا بَيْنكُم بِمَنْزِلَة الْحَذف. وَأخرج عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ كَانَ يُقَال سووا الصُّفُوف وتراصوا لَا تتخللكم الشَّيَاطِين كَأَنَّهُمْ بَنَات الْحَذف وَأخرج عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ مَا خطا رجل خطْوَة أعظم أجرا من خطْوَة إِلَى ثلمة صف ليسدها وَأخرج عبد الرزاق وَابْن أبي شيبَة عَن عبد الرحمن بن سابط قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تغبرت الْأَقْدَام فِي مشي أحب إِلَى الله من رقع صف. يَعْنِي فِي الصَّلَاة. وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فاعدلوا صفوفكم وسدوا الْفرج فَإِنِّي أَرَاكُم من وَرَاء ظَهْري. وَمِمَّا يُنَاسب ذَلِك أَيْضا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ // فِي الصَّحِيح // بَاب الصَّلَاة بَين السَّوَارِي فِي غير جمَاعَة ثمَّ أورد فِيهِ حَدِيث ابْن عمر عَن بِلَال فِي الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة.

قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر إِنَّمَا قيدها بِغَيْر الْجَمَاعَة لِأَن ذَلِك يقطع الصُّفُوف وتسوية الصُّفُوف فِي الْجَمَاعَة مَطْلُوب. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند احْتج البُخَارِيّ بِهَذَا الحَدِيث على أَنه لَا بَأْس بِالصَّلَاةِ بَين الساريتين إِذا لم يكن فِي جمَاعَة. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ كره قوم الصَّفّ بَين السَّوَارِي للنَّهْي الْوَارِد عَن ذَلِك وَمحل الْكَرَاهَة عِنْد عدم الضّيق وَالْحكمَة فِيهِ انْقِطَاع الصَّفّ. فَهَذَا الَّذِي أوردناه من الْأَحَادِيث وَكَلَام شارحيها من أهل الْمَذْهَب وَغَيرهم صَرِيح فِي كَرَاهَة هَذَا الْفِعْل وَفِي بَعْضهَا مَا يُصَرح بِسُقُوط الْفَضِيلَة. ولنذكر الْآن مَا وَقع فِي كتب الْمَذْهَب من المكروهات الَّتِي لَا فَضِيلَة مَعهَا. فَأول مَا صَرَّحُوا بذلك فِي مَسْأَلَة الْمُقَارنَة قَالَ الرَّافِعِيّ رَحمَه الله فِي الشَّرْح قَالَ صَاحب التَّهْذِيب وَغَيره ذكرُوا أَنه يكره الْإِتْيَان بالأفعال مَعَ الإِمَام وتفوت بِهِ فَضِيلَة الْجَمَاعَة. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَشرح الْمُهَذّب وَابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة. قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِم: الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا فِي كَون الْمُقَارنَة مَكْرُوهَة. الثَّانِي تفويتها فَضِيلَة الْجَمَاعَة. فَأَما

الأول فقد صرح بِالْكَرَاهَةِ الْبَغَوِيّ وَتَابعه الرَّوْيَانِيّ. وَكَلَام الإِمَام وَغَيره يَقْتَضِي أَنه خلاف الأولى وَأما الثَّانِي فعبارة التَّهْذِيب إِذا أَتَى بالأفعال مَعَ الإِمَام يكره وتفوت بِهِ فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَلَكِن تصح صلَاته. وَقَالَ ابْن الْأُسْتَاذ فِي هَذَا نظر فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَن يجْرِي الْخلاف فِي صِحَة صلَاته إِلَّا أَن يُقَال تفوته فَضِيلَة الْأَوْلَوِيَّة مَعَ أَن حكم الْجَمَاعَة عَلَيْهِ. قَالَ التَّاج الْفَزارِيّ فِي كَلَام الْبَغَوِيّ نظر فَإِنَّهُ حكم بِفَوَات فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَحكم بِصِحَّة الصَّلَاة وَذَلِكَ تنَاقض وَتَبعهُ أَيْضا السُّبْكِيّ وَصَاحب الْمُهِمَّات والبارزي فِي تَوْضِيحه الْكَبِير. قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهَذَا كُله مَرْدُود فَإِن الصِّحَّة لَا تَسْتَلْزِم الثَّوَاب بِدَلِيل الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْحَرِير وَالدَّار الْمَغْصُوبَة وإفراد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ وَالْحكم بِانْتِفَاء فَضِيلَة الْجَمَاعَة لَا يُنَاقض حُصُولهَا بِدَلِيل مَا لَو صلى بِالْجَمَاعَة فِي أَرض مَغْصُوبَة فالإقتداء صَحِيح وَهُوَ فِي جمَاعَة لَا ثَوَاب فِيهَا قَالَ وَمِمَّا يشْهد لانفكاك ثَوَاب الْجَمَاعَة الْمَسْبُوق يدْرك الإِمَام بعد الرُّكُوع من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة فَإِنَّهُ فِي جمَاعَة قطعا لِأَن اقتداءه صَحِيح بِلَا خلاف وَإِلَّا لبطلت صلَاته وَمَعَ ذَلِك اخْتلفُوا فِي حُصُول الْفَضِيلَة لَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ كل صَلَاة لَا تسْتَحب فِيهَا الْجَمَاعَة كَصَلَاة العراة جمَاعَة فَإِنَّهُ يَصح الِاقْتِدَاء وَمَعَ ذَلِك لَا ثَوَاب فِيهَا لِأَنَّهَا غير مَطْلُوبَة قَالَ وَالْحَاصِل أَن النَّوَوِيّ نفى فَضِيلَة الْجَمَاعَة أَي ثَوَابهَا وَلم يقل بطلت الْجَمَاعَة فَدلَّ على أَن الْجَمَاعَة بَاقِيَة وَأَنه فِي حكم الْمُقْتَدِي لِأَنَّهُ

§1/1