برنامجك في رمضان

عادل حسن يوسف الحمد

برنامجك في رمضان إهداء من جمعية مودة

حقوق الطبع لكل مسلم الطبعة الأولى 1431هـ/2010م

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا برنامج مقترح لاستغلال شهر رمضان المبارك، كنت قد كتبته قبل أكثر من عشر سنوات، وألقيته في أكثر من مناسبة في الأعوام السابقة، وكان الهدف منه إرشاد المسلم إلى كيفية اغتنام الشهر بالطريقة المثلى لتحصيل الغاية من الصيام، والانتفاع بما في هذا الموسم من الأجور العظيمة. وليس الهدف وضع جدول بأوقات محددة لفعل بعض العبادات. وقد اشتمل البرنامج على أهم الأهداف التي ينبغي أن يحققها المسلم في رمضان، مع الإشارة إلى بعض قضايا العبادة في هذا الشهر الفضيل. كما اشتمل البرنامج على

قضايا تتعلق بعادات الناس في رمضان في جوانب الأكل والنوم وغيرها. كما أشرت إلى كيفية التعامل مع العشر الأواخر. وغيرها من القضايا. والله أسأل أن يجعل هذا العمل لوجهه خالصاً وأن يتقبله مني وأن يجعله في ميزان حسناتي، وأن ينفع به كل من اطلع عليه والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عادل حسن يوسف الحمد 3 شعبان 1431هـ البحرين

1 - اختلاف الأفراد في عملية وضع البرامج

برنامجك في رمضان 1 - اختلاف الأفراد في عملية وضع البرامج يتفاوت الناس في وضع برامجهم في مواسم العبادة والخير على أصناف عدة: 1) فمنهم من يلجأ إلى عملية الكتابة المنظمة لما سيقوم به بصورة واضحة منسقة مع زمن الموسم المراد استغلاله. 2) ومنهم من يضع لنفسه تصورا في عقله وفكره لما سوف يقوم به. 3) وآخرون يتركون العملية للوقت، أي يقومون بما يتيسر لهم في وقته بدون تخطيط مسبق. أما الصنف الثالث فغالباً ما يفوتهم الشهر بغير استغلال، ولا يتنبهون لما هم فيه إلا بعد انقضاء الشهر المبارك. ويفوز بالشهر من وضحت له الأهداف التي ينبغي أن يعمل من أجل تحقيقها في هذا الشهر المبارك، فخطط

2 - أهدافك في رمضان

لنفسك بوضوح قبل دخول الشهر، حتى لا يفوتك شيء منه. وفيما يلي بعض النقاط المعينة على التخطيط للاستفادة من شهر رمضان المبارك. 2 - أهدافك في رمضان: العمل بلا هدف مثل التيه في الصحراء، يسير الإنسان طوال النهار ولكن بغير وجهة، فتمضي الأيام عليه وهو يسير، ولعله يهلك قبل أن يصل إلى مراده. من أجل ذلك أقترح عليك أخي الصائم أن تضع هذه الأهداف نصب عينيك، وتعمل على تحقيقها في شهر رمضان؛ حتى تخرج بأكبر فائدة منه بإذن الله تعالى: الهدف الأول: تحقيق التقوى: تحقيق التقوى هدف من أهداف الصيام التي أشار الله إليها في كتابه، فقال: {يَاأَيُّهَا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الَّذِينَ مِنْ تَتَّقُونَ} البقرة: 183

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ((ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال: {تَتَّقُونَ} فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه. فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله، راجيا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى. ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام، يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك، مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى)).

الهدف الثاني: نيل المغفرة

الهدف الثاني: نيل المغفرة: من فضل الله عز وجل على المؤمنين أنه يغفر لهم في شهر رمضان، والمحروم من حرم هذه المغفرة فلم يتعرض لها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ)). رواه الترمذي. وفي رواية ابن حبان لهذا الحديث قال أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صعد المنبر فقال: (آمين آمين آمين) قيل: يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين قال: ((إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين. ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين. ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين)).

الهدف الثالث: الاهتداء بالقرآن

فهذا البعيد الخاسر قد أدرك رمضان ولكنه لم يتعرض للرحمة، إما بإهماله للعمل الصالح، أو بإصراره على المعصية وعدم التوبة، أو أنه لم يعظم الشهر بأي نوع من أنواع الطاعات، أو بغير ذلك من محبطات الأعمال. ولذلك ينبغي على المسلم أن يجعل من أهم أهدافه في هذا الشهر أن يُغفر له وتُعتق رقبته من النار، فيعمل وفق هذا الهدف طوال الشهر. الهدف الثالث: الاهتداء بالقرآن: أنزل الله عز وجل كتابه هداية للناس فقال سبحانه: {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى} البقرة: 185 وشهر رمضان هو شهر القرآن، والناس فيه يحرصون على قراءة القرآن، ولكن القراءة وحدها لا تكفي، بل لابد من الاهتداء بهداية القرآن؛ وهذا يستلزم أن يقرأ المسلم القرآن بتدبر لمعانيه العظيمة، ويتلمس الهداية فيه في كل

الهدف الرابع: قيام ليلة القدر

قضايا الحياة كما قال تعالى: {إِنَّ يَهْدِي لِلَّتِي} الإسراء: 9. الهدف الرابع: قيام ليلة القدر: من رحمة الله بهذا الأمة أن جعل لها ليلة في السنة العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر، ألا وهي ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا فِي خَيْرٌ وَالرُّوحُ هِيَ} القدر: 1 - 5 وهذه الليلة في شهر رمضان كما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ)). رواه النسائي وقد ورد في بيان فضلها أحاديث عدة، منها:

الهدف الخامس: الصوم على بصيرة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ((مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)). رواه البخاري ومسلم. وإذا كان هذا فضل هذه الليلة فالعاقل يجعل من أهدافه في رمضان أن يدرك هذه الليلة ويقومها؛ لينال هذا الأجر العظيم فيها. الهدف الخامس: الصوم على بصيرة: بمعنى أن يعرف المسلم أحكام الصيام، فيدخل فيه على بصيرة لا على ما اعتاده الآباء والأجداد، ولا على حسب العادات والتقاليد في كل بلد. وتعلم المسلم لأحكام الصيام يجعله ينال الفضل الوارد في حديث معاوية - رضي الله عنه -، والذي قال فيه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - يَقُولُ: ((مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَاتِيَ أَمْرُ اللَّهِ)). رواه البخاري

الهدف السادس: حفظ الصوم من الجوارح

ومن فوائد تعلم أحكام الصيام: صحة الصوم، واجتناب الوساوس فيه، وإدراك أبواب الأجور العظيمة في شهر رمضان. ويمكن للمسلم أن يحقق هذا الهدف بسماع بعض المحاضرات في الصوم، أو قراءة بعض الكتب فيه. الهدف السادس: حفظ الصوم من الجوارح: لا يكفي أن يصوم الإنسان، بل لابد أن يحفظ هذا الصيام مما يخدشه وينقص أجره. وهذا الحفظ يجعل الصائم يحقق معنى الصيام الحقيقي، فليس الصوم عن الطعام والشراب فقط، بل لابد أن يصوم الإنسان عما حرم الله عليه، ولذلك جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)). رواه البخاري. فيكون نصيب المسلم من هذا الصيام الذي لم يحفظه مما يجرحه الجوع والعطش فقط، كما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ((رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ

3 - عبادتك في رمضان

صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ)). رواه ابن ماجة. هذه بعض الأهداف المهمة التي ينبغي أن يراعيها كل مسلم حريص على اغتنام شهر الصيام، ويضع مخططه في اغتنام الشهر على ضوئها. 3 - عبادتك في رمضان: شهر رمضان شهر العبادة، فإذا دخل رمضان عليك وخرج ولم تتغير عبادتك، فأنت أحد رجلين؛ إما عابد قد بلغت الغاية في العبادة في رمضان وغير رمضان، فلم تحتج إلى زيادة، وأحسب أن هذا النوع من الرجال قلما يوجد بين الناس. وإما رجل لم ينتفع من الشهر، وبقي على تقصيره في العبادة. وحتى نحقق العبادة في رمضان على أكمل وجه فنحن بحاجة إلى الوقوف مع بعض الحقائق:

أ - شمولية العبادة

أشمولية العبادة: لا تقتصر العبادة على الشعائر الظاهرة من الصلاة والصيام والصدقة ونحوها، وإنما تشمل العبادة كل ما شرعه الله في كتابه أو جاء به رسوله -، ولذلك عرفها ابن تيمية رحمه الله بقوله: ((العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة)) (¬1). وبناءً على هذا التعريف تدخل العبادة في كل معروف يقوم به المسلم في حياته. ب هدي النبي - في العبادة في رمضان: من المهم للعُبَّاد أن يتعرفوا على هدي النبي - في رمضان ليدركوا الفرق في حياة النبي - في رمضان وفي غير رمضان. ونبينا الكريم - كان أعبد الناس ومع ذلك إذا دخل رمضان ازداد من العبادة. قال ابن القيم رحمه الله: ((وكان من هديه - في شهر رمضان الإكثار من العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح ¬

_ (¬1) ابن تيمية، العبودية 38.

ت - الاقتصار في العبادة على ما شرعه الله

المرسلة، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف. وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور)) (¬1). ت الاقتصار في العبادة على ما شرعه الله: عندما نتحدث عن العبادة والإكثار منها في رمضان، فإننا لا نعني أن نفتح الباب على مصراعيه بغير ضوابط، بل لابد من ضوابط تضبط لنا هذه العبادة، وإلا كانت من البدع، أو من العبادة المردودة وإن كانت مشروعة، ومن هذه الضوابط: أن تكون العبادة مما شرعه الله وثبت عن رسوله -، وبالطريقة التي فعلها -، وإلا كانت هذه العبادة من البدع. ولذلك نبه العلماء على ما يذكر عن بعض العباد في عبادتهم إذا خالفت تلك العبادة هدي النبي -، كما قال الذهبي: ((وقد روي من وجوه متعددة أن أبا بكر بن عياش مكث نحواً من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم ¬

_ (¬1) ابن القيم، زاد المعاد 2/ 32.

وليلة مرة. وهذه عبادة يخضع لها، ولكن متابعة السنة أولى. فقد صح أن النبي - نهى عبدالله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. وقال عليه السلام: لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) (¬1). فالنبي - لم يرخص لأصحابه في قراءة القرآن في أقل من ثلاث، فإذا فعلها رجل بعدهم لم يمدح بفعله؛ لأنه خالف ما أمر به النبي -. قال ابن تيمية رحمه الله: ((فطاعة الله ورسوله قطب السعادة التي عليها تدور، ومستقر النجاة الذي عنه لا تحور. فإن الله خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ژ الذاريات: 56، وإنما تعبدهم بطاعته وطاعة رسوله، فلا عبادة إلا ما هو واجب أو مستحب في دين الله، وما سوى ذلك فضلال عن سبيله)) (¬2). وعلى هذا فعندما نطالب بالإكثار من العبادة فإنما نطالب المسلم أن يكثر مما شُرع وبالطريقة المشروعة، ¬

_ (¬1) الذهبي، تهذيب سير النبلاء 2/ 675. (¬2) ابن تيمية، الفتاوى 1/ 4.

أما أن يبتدع المسلم عبادة أو طريقة في العبادة بحجة الإكثار من الطاعة في شهر رمضان فإن هذا العمل مردود عليه. قال ابن تيمية رحمه الله: ((العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع فإن الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له. والثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله - ولا نعبده بالأهواء والبدع. قال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ... ? ں ں ... ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ژ الجاثية: 18 – 19 وقال تعالى: ژ ھ ے ... ے ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ الشورى: 21، فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله -، من واجب ومستحب، لا نعبده بالأمور المبتدعة)) (¬1). ((فهذا أصل يجب اعتباره، ولا يجوز أن يكون الشيء واجباً ولا مستحبًّا ¬

_ (¬1) المرجع السابق 1/ 80.

إلا بدليل شرعي يقتضي إيجابه أو استحبابه. والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة، فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة)) (¬1). ((ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة، وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع: بدعة سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين، فإن الله لا يُعبد إلا بما هو واجب أو مستحب)) (¬2). ولكن قد يتعذر البعض بأن هذه الطريقة في العبادة وإن كانت لم تفعل على عهد النبي - ولا على عهد أصحابه، إلا أن فيها مصلحة في هذا الزمان، إما أن تكون راجعة على الشخص نفسه، أو أنها من باب مصلحة الدعوة مثلا، فيجتمعون في ليلة من ليالي العشر من رمضان مثلاً فيحيون تلك الليلة بطريقة لم تثبت عن النبي -. فيقال لهؤلاء لو كانت خيراً ما أغفلها النبي - ولأرشد إليها. ¬

_ (¬1) المرجع السابق 1/ 165. (¬2) المرجع السابق 1/ 160.

وقد بين العلماء حكم مثل هذه الطرق المخترعة في العبادة، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها قد يفعلها بعض الناس ويحصل له بها نوع من الفائدة، وذلك لا يدل على أنها مشروعة، بل لو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهي عنها)) (¬1). ((وأصل هذا: أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات حتى تصير سننا ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه. وفيه من الفساد ما تقدم التنبيه على بعضه)) (¬2). وأختم الحديث بهذه الوصية الجليلة من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه في هذا الموضوع حيث يقول: ((ولا ينبغي لأحد أن يخرج في هذا عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة، ودل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه سلف ¬

_ (¬1) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 759. (¬2) المرجع السابق 2/ 633.

ث - العبادة بين الكم والكيف

الأمة، وما علمه قال به، وما لم يعلمه أمسك عنه، ولا يقفو ما ليس له به علم، ولا يقول على الله ما لا يعلم، فإن الله قد حرم ذلك كله)) (¬1). ث العبادة بين الكم والكيف: وإذا كنا نطالب المسلم بالإكثار من العبادة في رمضان، فإننا نطالبه كذلك بأداء المشروع من العبادات على الوجه المشروع، فركعتين بخشوع وخضوع وإتمام في الركوع والسجود أفضل من عشر ركعات مستعجلات لا يتم فيها الركوع ولا السجود ولا يدري ما قال فيها، فلُبُّ الصلاة الخشوع، فإذا فوت على نفسه الخشوع لم ينتفع من تلك الصلاة. وهكذا في سائر العبادات. 4 - أنت والقرآن في رمضان: شهر رمضان هو شهر القرآن الذي فيه أنزل على قلب نبينا محمد -، كما قال تعالى: ¬

_ (¬1) ابن تيمية، الفتاوى 1/ 335.

أ - هدي النبي - في قراءة القرآن في رمضان

{هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى} البقرة: 185. قال ابن كثير رحمه الله: ((يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم)) (¬1). ومن اغتنام المسلم لهذا الشهر المبارك أن يلتصق بكتاب الله قراءة وتدبراً وعملاً. وحتى يحقق ذلك فلابد من تذكر هذه النقاط: أهدي النبي - في قراءة القرآن في رمضان: كان للنبي - تعامل خاص مع القرآن في شهر رمضان، وكان هذا التعامل يفيض على نفسه فيدفع بها إلى أفعال الخير المتنوعة وزيادة في الجود أكثر مما كانت عليه قبل رمضان. وقد عبر عن ذلك ابْن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - فقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير 1/ 322.

رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ - أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري. وزادت هذه المدارسة في العام الذي قبض فيه النبي -، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ - الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَام الَّذِي قُبِضَ فِيهِ. رواه البخاري. وهذه المدارسة غير التلاوة المجردة، ففيها مراجعة للحفظ، وهذا يعني أن الحفاظ يغتنمون ليالي رمضان في مراجعة حفظهم بتدارس القرآن مع بعضهم. وهذا يعني أيضاً أن ليالي رمضان تشغل بتلاوة القرآن، كما كان يفعل جبريل مع النبي -، وقد كانت هذه سنته منذ البعثة، كما قال ابن حجر رحمه الله تعليقاً على حديث أبي هريرة السابق، قال: ((وهذا ظاهر في أنه كان يلقاه كذلك في كل رمضان منذ أنزل عليه القرآن ولا يختص ذلك برمضانات الهجرة، وإن كان صيام شهر

ب - فضل قراءة القرآن

رمضان إنما فرض بعد الهجرة لأنه كان يسمى رمضان قبل أن يفرض صيامه)) (¬1). ولا يعني شغل الليل بتلاوة القرآن الاقتصار على مراجعة الحفظ، بل يدخل في ذلك تدبر القرآن وفهمه، ولذلك اختار جبريل مدارسة النبي - بالليل، وهذا النوع من المدارسة هو الذي يفضي إلى الازدياد من الخير، قال ابن حجر رحمه الله: ((وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير ... وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم, لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية)) (¬2). ب فضل قراءة القرآن: رغب النبي - في قراءة القرآن فبين أجر القراءة، وأنها تحسب الحسنات بعدد الأحرف، كما في حديث عَبْداللَّهِ بْن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ ¬

_ (¬1) ابن حجر، فتح الباري 9/ 44. (¬2) المرجع السابق 9/ 45.

(الم) حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ)). رواه الترمذي. كما حث النبي - على تزيين الصوت بالقراءة وأن لذلك فضلاً آخر، كما في حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - يَقُولُ: ((حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا)). رواه الدارمي. وأمرنا ربنا سبحانه بترتيل القرآن فقال: ژ ? ? ? ژ المزمل: 4، وبين النبي - فضل ذلك كما في حديث عَبْدِاللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - قَالَ: ((يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَا وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا)). رواه الترمذي. فعلى نحو قراءته في الدنيا سيقرأ في الآخرة. وسر العناية بالترتيل وحسن الصوت يبينه ابن القيم رحمه الله فيقول: ((ولأن تزيينه وتحسين الصوت به والتطريب بقراءته أوقع في النفوس وأدعى إلى الاستماع والإصغاء إليه، ففيه تنفيذ للفظه إلى الأسماع، ومعانيه إلى

ت - في كم تقرأ القرآن

القلوب، وذلك عون على المقصود، وهو بمنزلة الحلاوة التي تجعل في الدواء لتنفذه إلى موقع الداء)) (¬1). ت في كم تقرأ القرآن: يحرص الناس على ختم القرآن في رمضان، وهذا شيء جميل، ولكن الخطأ الذي يقع فيه كثير من المسلمين هو اقتصارهم على الإكثار من الختمات دون مراعاة للفهم، فيتبارى الناس في عدد ختمات القرآن، ولا يتبارون في تدبرهم له. وقد بلغ النبي - أن عبدالله بن عمرو يقرأ القرآن في ليلة فقال له: ((اقْرَا الْقُرْآنَ فِي أَرْبَعِينَ)). رواه الترمذي فلما قال له أنه يطيق أكثر من ذلك وراجع النبي - في المدة قال له -: ((اقْرَا الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ)). قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: ((فَاقْرَاهُ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً)). قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: ((فَاقْرَاهُ فِي سَبْعٍ وَلا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ)). رواه البخاري ومسلم. ¬

_ (¬1) ابن القيم، زاد المعاد 1/ 489.

ولما استمر الحوار وقال عبدالله أنه يطيق قراءة القرآن في أقل من ثلاث ليال، قال له النبي -: ((لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ)). رواه الترمذي. فالهدف من قراءة القرآن ليس الانتهاء من الختمة، وإنما الهدف من القراءة أن يفقه المسلم ما يقرأ ليهتدي بنور القرآن. ولذلك أثر عن الصحابة التحذير من الإسراع في القراءة بغير تدبر، فقد جاء في صحيح البخاري أن رجلاً قال عند عبدالله بن مسعود: قَرَاتُ الْمُفَصَّلَ الْبَارِحَةَ. فَقَالَ له عبدالله بن مسعود: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّا قَدْ سَمِعْنَا الْقِرَاءَةَ وَإِنِّي لأَحْفَظُ الْقُرَنَاءَ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ النَّبِيُّ - ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم. رواه البخاري. وقال أبو جمرة لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين. فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل مثل الذي

5 - صدقاتك في رمضان

تفعل، فإن كنت فاعلاً لابد فاقرأه قراءة تُسمع أذنيك، ويعيه قلبك. رواه البيهقي في السنن. فالذي يرشد إليه الصحابة هو الانشغال بفهم القرآن وتدبره على الإكثار من القراءة، ولذلك أمرنا ربنا بتدبر القرآن، وتدبره لا يكون بسرعة القراءة وإنما بالتروي والتأمل، قال تعالى: {أَفَلَا الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ لَوَجَدُوا فِيهِ كَثِيرًا} النساء: 82، وقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} محمد: 24. والخلاصة ما قاله عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة. رواه البيهقي في شعب الإيمان. 5 - صدقاتك في رمضان: للصدقة فضل عظيم في الإسلام، منها: أن الصدقة تقي صاحبها من النار، كما في حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ

إِلا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إِلا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)). رواه البخاري ومسلم. والصدقة تطفئ الخطيئة كما في حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - يقول لكعب بن عجرة: ((يا كعب بن عجرة، الصلاة قربان، والصيام جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)). رواه أبو يعلى. والمسلم في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عُقْبَة بْن عَامِرٍ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - يَقُولُ: ((كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ)). قَالَ يَزِيدُ وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً أَوْ كَذَا. رواه أحمد وغيرها من الفضائل، فليجعل المسلم لنفسه صدقة في كل يوم من أيام رمضان يدرك بها هذه الفضائل وغيرها.

من فطر صائما

وقد دل حديث ابن عباس في وصف جود النبي - أنه يزيد في رمضان، فهذا من هديه - فلنتأس به. من فطر صائما: من أبواب الصدقات العظيمة في رمضان تفطير الصائمين، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا)). رواه الترمذي. وتفطير الصائمين ميسر في هذا الزمان، ومع ذلك فقد أرشد النبي - إلى طريقة تسهل على الناس المشاركة في هذا الأجر فقال - لأبي ذر: ((يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ)). رواه مسلم. وهذا أمر ميسور للفقير والغني. وفي حديث أبي ذر إشارة إلى أن المحسن عليه أن يلتفت إلى جيرانه في الصدقة والتفطير. ومن المشاريع الجميلة في إفطار الصائمين، مشروع (إفطار أسرة) والذي تقوم به بعض الجمعيات الخيرية؛ لأنه يصل إلى الأسر المحتاجة أكثر من الموائد التي تقام عند المساجد والتي لا يستفيد منها إلا بعض العمال.

6 - قيامك في رمضان

واختم هذه النقطة بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)). رواه البخاري 6 - قيامك في رمضان: قيام رمضان – والمعروف بصلاة التراويح – من الأعمال العظيمة في رمضان، قال عنه النبي - ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)). رواه البخاري. قال أبو الوليد الباجي: ((وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ التَّرْغِيبِ وَأَوْلَى مَا يَجِبُ أَنْ يُسَارَعَ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ فِيهِ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي يَكُونُ التَّكْفِيرُ بِهِ هُوَ أَنْ يَقُومَهُ إيمَانًا بِصِدْقِ النَّبِيِّ - فِي تَرْغِيبِهِ فِيهِ، وَعِلْمًا بِأَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ مَنْ قَامَهُ عَلَى مَا وَعَدَهُ بِهِ، وَاحْتِسَابًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يَقُومُهُ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى لا رِيَاءً وَلا سُمْعَةً وَلا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُفْسِدُ الْعَمَلَ)) (¬1). ¬

_ (¬1) الباجي، المنتقى 2/ 145.

7 - طعامك في رمضان

فليكن من برنامجك أخي المسلم الحرص على هذه الصلاة مع الإمام حتى ينتهي من صلاته؛ لقول النبي -: ((إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ)). رواه الترمذي. 7 - طعامك في رمضان: ليس الهدف من الصيام تجويع المسلم، وإنما الهدف من الصيام تزكية نفسه. وهذه التزكية تحتاج إلى تقليل الانشغال بالملذات حتى تناجي رب البريات إذا جن الليل. ولذلك كانت ليالي رمضان مشغولة بالعبادات الجليلة، وفيها الليلة العظيمة ليلة القدر، فكان من الاستعداد لاغتنام هذه الليالي صوم النهار، فإذا أفسد المسلم على نفسه الليل بكثرة الأكل والانشغال به، فاته الخير الكثير، ولذلك على المسلم أن يتنبه إلى أسلوب حياته في الأكل والشرب في رمضان، ولا يبالغ ويسرف في الأكل، وعليه أن يتأسى بهدي النبي - في الأكل والشرب في رمضان وغيره.

أ - هدي النبي - في الإفطار

أهدي النبي - في الإفطار: يبدأ التأسي بالنبي - في مسألة الطعام من بداية الإفطار، فالذي اعتاده الناس اليوم لا يوافق هدي النبي - في الإفطار، فقد جاء في حديث أَنَس بْن مَالِكٍ - رضي الله عنه - أنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. رواه أبو داود. وهذه السنة تكاد تكون مهجورة من غالب الناس، فإن أكثرهم يأكل كامل العشاء قبل أن يصلي المغرب، ولذلك يسرف الناس في الأكل، ولو أنهم أفطروا على التمرات أو الرطبات ثم صلوا المغرب وعادوا للعشاء لكان أكلهم أقل مما يفعلون ولكانوا أنشط على العبادة في صلاة العشاء والتراويح. ب المرأة وضياع الوقت في الطبخ: تهتم المرأة بالطبخ في رمضان أكثر من غيره وهذا مخالف للهدي النبوي. والعجيب أن رمضان شهر الصيام، فالمتوقع من الناس تقليل الأكل فيه؛ لأن عدد الوجبات أقل من بقية العام، ومع ذلك ما يصرف على الطعام في

ت - السحور

رمضان، وما يطبخ في البيت، وما يوضع على المائدة أكثر بكثير من بقية العام!!! والمؤسف أن المرأة تمضي أغلب وأثمن وقتها في المطبخ، فتأخذ الظهر والعصر إلى المغرب أو بعده أحياناً، فلا هي انشغلت بالدعاء قبيل الإفطار، ولا هي تنشطت للعبادة في الليل. ويمكن للمرأة أن تختصر الوقت بتربية أهل بيتها على القناعة بالقليل وعدم الإسراف، ولا يلزم أن تطبخ كل الأصناف في كل يوم، ولا كل ما يشتهيه الصائم يأكله. فقد جاء في حديث الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِ يكَرِبَ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - يَقُولُ ((مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتْ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ)). رواه ابن ماجة. ت السحور: ليكن من برنامجك في رمضان إدراك السحور في وقته لما فيه من البركة، فعن أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - ((تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً)). رواه البخاري.

8 - نومك في رمضان

وجاء في حديث ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ)). رواه الطبراني في الأوسط. ولا يلزم الأكل الكثير في السحور، بل يحصل هذا الفضل وهذا الأجر بالقليل من الطعام ولو كان شربة ماء، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ)). رواه أحمد. 8 - نومك في رمضان: جعل الله عز وجل النوم راحة للإنسان، فقال: {وَهُوَ الَّذِي لِبَاسًا سُبَاتًا} الفرقان: 47. قال الشيخ السعدي رحمه الله: ((أي: من رحمته بكم ولطفه, أن جعل الليل لكم بمنزلة اللباس الذي يغشاكم حتى تستقروا فيه وتهدؤوا بالنوم، وتسبت حركاتكم أي: تنقطع عند النوم. فلولا الليل, لما سكن

العباد, ولا استمروا في تصرفهم فضرهم ذلك غاية الضرر. ولو استمر أيضاً الظلام لتعطلت عليهم معايشهم ومصالحهم. ولكنه جعل النهار نشوراً ينتشرون فيه لتجارتهم وأسفارهم وأعمالهم فيقوم بذلك ما يقوم من المصالح)) (¬1). وهذا يعني أخي المسلم أن تجعل لنفسك نصيباً من النوم بالليل يعينك على شغلك بالنهار، أما يحصل اليوم من تصور شهر رمضان بأنه شهر كسل وخمول وتعطل للأعمال فإن هذا مما لم يأت به الإسلام، وإنما هو من سوء تصرف الناس، وياليت سهرهم كان في طاعة الله، ولكن أكثر الناس ينشغلون عن طاعة الله بالليل بما يلهيهم ويؤنسهم. فاجعل برنامج النوم عندك فيما يتوافق مع الشرع، وأظهر للناس صورة مشرقة عن النشاط في رمضان، وهو الشهر الذي انتصرت فيه الأمة على عدوها. ¬

_ (¬1) تفسير السعدي 3/ 444.

9 - العمرة في رمضان

9 - العمرة في رمضان: ليكن من برنامجك في رمضان أداء العمرة فيه، في أي يوم من أيامه من أول الشهر أو من آخره، لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ - مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: ((مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ؟)) قَالَتْ: أَبُو فُلانٍ - تَعْنِي زَوْجَهَا- كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ: ((فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي)). رواه البخاري. 10 - برنامجك في العشر الأواخر: العشر الأواخر من رمضان هي خاتمة الشهر، وأفضل لياليه، وفيها ليلة القدر. وعمل المسلم في هذه الليالي دليل على مدى حرصه على اغتنام هذا الشهر. والسر في ذلك أنك أحد رجلين، إما رجل قد اغتنم الشهر من أوله بالمبادرة في الأعمال الصالحة، أو رجل قد فرط في ذلك كله.

فإن كنت من النوع الأول – وأسأل الله أن نكون كلنا كذلك – فأنت بحاجة إلى الثبات على العمل الصالح حتى آخر لحظة من الشهر؛ لأن الأعمال بخواتيمها، كما في القصة التي وقعت في زمن النبي -، فعَنْ سَهْلِ ابْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ - إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ، فَقَالَ: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا))، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -: ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا)). رواه البخاري وإن كنت من النوع الثاني، فأنت بحاجة إلى استدراك ما فاتك من العمل، وهذا لا يكون إلا بالاجتهاد في العشر الأواخر.

أ - هدي النبي - في العشر الأواخر

لذا كان لزاماً على المسلم أن يراعي في برنامجه في العشر الأواخر الإكثار من الطاعة وفق الهدي النبوي، والابتعاد عن الملهيات. وهذه بعض العناصر المعينة على ذلك: أ- هدي النبي - في العشر الأواخر: دلت سيرة النبي - أنه كان يعامل العشر الأواخر معاملة مختلفة عن الأيام التي سبقتها، فكان مع إكثاره من الطاعة طوال الشهر، إلا أنه إذا دخل العشر شمر عن ساعد الجد والاجتهاد ليجود خاتمته فيها، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. رواه البخاري. قال ابن حجر: ((وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير، إشارة على الحث على تجويد الخاتمة. ختم الله لنا بخير أمين)) (¬1). ¬

_ (¬1) ابن حجر، فتح الباري 4/ 270.

ب - الاعتكاف في العشر الأواخر

ب- الاعتكاف في العشر الأواخر: الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله. وكان من هدي النبي - الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان. وإنما اعتكف النبي - العشر الأواخر ليجتهد في هذا الأيام وليدرك فضل قيام ليلة القدر. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقُلْتُ: أَلا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ نَتَحَدَّثُ. فَخَرَجَ فَقَالَ قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ النَّبِيِّ - فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ. فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ. فَقَامَ النَّبِيُّ - خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: ((مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ - فَلْيَرْجِعْ فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ)). وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ فَأُمْطِرْنَا فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ

ج - قيام ليلة القدر

الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ - وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ. رواه البخاري فليكن من برنامجك أخي المسلم أن تعتكف في العشر الأواخر لتتفرغ للعبادة والصلاة وقراءة القرآن والذكر في هذه الليالي الفاضلة، ولتدرك ليلة القدر فتقومها إيماناً واحتساباً. ج-قيام ليلة القدر: قيام ليلة القدر من أهدافك في رمضان، وحتى يتحقق لك هذا الهدف لابد من التنبه لهذه الحقائق: 1 - النبي - أنسي متى ليلة القدر: كما في الحديث الذي مر قبل قليل. وكذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - قَالَ: ((أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَنُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ)). رواه مسلم. 2 - ليلة القدر في العشر الأواخر: نستطيع أن نجزم أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، لما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، وهذا يعني أن

التفريط في هذه العشر تفريط في تحري ليلة القدر، وأن الانشغال في هذه العشر بشواغل الدنيا من التسوق وغيرها، قد يفوت على الإنسان خيراً كثيراً كان بيده أن يكتسبه. ولذلك اعتكف رسول الله - في العشر الأواخر ليتفرغ تماماً لنيل هذا الفضل في هذه الليالي. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ: ((تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ)). رواه البخاري ومسلم. 3 - احرص على السبع البواقي من ليالي العشر: قد تكون ليلة القدر في السبع البواقي من رمضان، لذا كن حريصاً على هذه السبع فلا تنشغل بشواغل الدنيا واحرص على قيام الليل فيها، لما ورد عن النبي - فيها من أحاديث منها: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ فَمَنْ

كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ)). رواه البخاري ومسلم. 4 - احرص على الأوتار من ليالي العشر: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - قَالَ: ((تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ)). رواه البخاري ومسلم. 5 - قد تكون ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين: دلت الأحاديث على احتمالية أن تكون ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين، ومن هذه الأحاديث: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - قَالَ: ((الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى)). رواه البخاري. 6 - قد تكون ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين: وقد تكون ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين لحديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - قَالَ: ((أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ)) قَالَ فَمُطِرْنَا

لَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ. رواه مسلم. 7 - قد تكون ليلة القدر ليلة خمس وعشرين: قد تكون ليلة القدر ليلة خمس وعشرين لحديث أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - قَالَ: ((اطْلُبُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ، وَسَبْعٍ يَبْقَيْنَ، وَخَمْسٍ يَبْقَيْنَ، وَثَلاثٍ يَبْقَيْنَ)). رواه أحمد. 8 - قد تكون ليلة القدر ليلة سبع وعشرين: وقد تكون ليلة القدر ليلة سبع وعشرين لحديث مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ: ((لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ)). رواه أبو داود. 9 - قد تكون ليلة القدر ليلة تسع وعشرين: وقد تكون ليلة القدر ليلة تسع وعشرين، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: ((إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ أَوْ تَاسِعَةٍ وَعِشْرِينَ، إِنَّ الْمَلائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى)). رواه أحمد

10 - قد تكون ليلة القدر آخر ليلة من الشهر: كثيراً ما يفرط الناس في آخر ليلة من ليالي العشر، لاعتقادهم أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، في حين أن النبي - نبهنا على أنها قد تكون آخر ليلة من ليالي رمضان هي ليلة القدر، أي ليلة الثلاثين. عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((هِيَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ)). رواه البخاري. وإذا مضت تسع ليالي من العشر، لم يبق إلا الليلة العاشرة، وهي آخر ليلة من الشهر. عَنْ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ)). رواه ابن نصر المروزي في قيام رمضان. 11 - علامة ليلة القدر: بين لنا النبي - العلامة الدالة على ليلة القدر، وهي علامة تأتي بعد مضيها، ألا وهي طلوع الشمس صبيحتها بغير شعاع، فعَنْ زِرٍّ قَالَ سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ وَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ

11 - دعاؤك في رمضان

الْقَدْرِ. فَقَالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ - يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي- وَوَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا. رواه مسلم فهذه علامة ليلة القدر، أن تشرق الشمس من اليوم التالي بيضاء لا شعاع لها حتى ترتفع، وإنما جعلت العلامة بعدها ليفرح من اغتنمها، ويستدرك من فرط فيها. والخلاصة أن ليلة القدر ليلة من ليالي العشر الأواخر، لا يعلمها قبل وقوعها إلا الله، ولذلك ليكن من برنامجك قيام العشر كلها لتدرك ليلة القدر بإذن الله. 11 - دعاؤك في رمضان: الدعاء هو العبادة كما سماه النبي -، فقد جاء في حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - قَالَ: ((الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ. قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)). رواه أبو داود. وإذا كان الدعاء هو العبادة، وشهر رمضان شهر عبادة، كان حرياًّ بالمسلم أن يشتمل برنامجه في هذا الشهر على الدعاء،

12 - البرنامج الرياضي

خاصة وأن له دعوة لا ترد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -: ((ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ)). رواه البيهقي في شعب الإيمان. ومن منا له ثلاثون مطلباً يدعو به طوال شهر رمضان؟! غالب الناس لا تصل أمنياتهم فيما يريدون من خير الدنيا والآخرة إلى ثلاثين أمنية، والسبب أنهم لا يعطون الدعاء حقه من العبادة. 12 - البرنامج الرياضي: هل نحن بحاجة إلى برنامج رياضي في رمضان؟ نظراً لاختلال برنامج الحياة عن الناس في رمضان، فيغلب عليهم الكسل في النهار والنشاط في الليل، ونظراً لكون النفوس طوال العام غير معتادة على الإكثار من العبادة، تصبح ليالي رمضان مملة للناس، فيعمدون إلى شغل أوقاتهم بالمرح والتسالي وغيرها، ومن ذلك الرياضة. فنجد بعض البرامج الرياضية التي تقام في ليالي رمضان، مثل دوري كرة القدم، أو دوري كرة الطائرة، أو غيرها. وهذا إذا كان صادراً من الأندية الرياضية فلا

نستغرب الشيء من معدنه، لكن أن يصدر مثل هذا من المساجد، فإن هذا أمر مستغرب، كان الأولى أن تكون برامج المساجد كلها تصب في أهداف رمضان، فتربط الناس بالعبادة في شهر العبادة؛ كان الأولى أن يربط الناس بالقرآن قراءة وفهماً وتدبراً وحفظاً في شهر القرآن، كان الأولى أن تعمر المساجد بالذاكرين، أما الرياضة فلها وقتها بعد رمضان. والملاحظ أن كثيراً من المساجد توقف الدروس المعتادة الأسبوعية في رمضان، بل وغالب مراكز تحفيظ القرآن تتوقف في شهر القرآن، ويفعلون ذلك محتجين أن السلف كانوا يوقفون الدروس في رمضان. وإذا كان علماء السلف يوقفون التدريس في حلقات العلم ويتفرغون للعبادة في شهر رمضان، فكان الأولى بنا أن نتشبه بهم، فنتفرغ للعبادة، ونشغل الناس بها. لذا أنصحك أخي المسلم أن تغتنم رمضان في النهل من خيراته وحسناته.

وختاماً، فهذه بعض الأفكار التي أردت بها فتح آفاق الاستفادة من شهر رمضان بما يحقق الهدف الرئيس من الصيام ألا وهو تحقيق التقوى، أسأل الله العظيم رب العظيم أن يوفقنا لتحقيقها وأن يتقبلها منا، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1