بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن

أبو إسحق الحويني

بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن تأليف أبي إسحاق الحويني الأثري الناشر مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي ت: 868605

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1410 هـ- 1990 م الناشر مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي 14 ش سويلم من ش الهرم خلف مسجد الأنصار - الطالبية ت: 868605

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فما له من هاد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وبعد: فهذا كتاب "بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن" نقدمه للقراء الكرام، بعد ما تفضل الأَخ الشيخ "أبو إسحاق الحويني" علينا بأن ننشره - جزاه الله خيرًا. نقدمه في وقت تنمر فيه بعض المستغربين للحط على السنة وأهلها، وأطلّت على الأمة نابتة سوء وُجهت للغوص في بطون الكتب، لا هَمَّ لها سوى إخراج الأقوال الباطلة، والأصول المتهاوية والحيل الكاذبة، والزلات الغائرة. لصد المسلمين عن طريق السنة وما فيه صلاح الأمة. فإذا سئلوا عن شيء من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعبادته وأحكامه وفتاويه، أجابوا والشيطان ممليهم إما بحديث مكذوب، أو حيلة متهالك متعالم، أو زلة فقيه عالم، أو غير ذلك من الشرور والمخازي، فأضاعوا السنة، وخرقوا البنية، وساء ما يفعلون، و {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} فانتبه يا هذا فإنك على خطر شديد، استحضر عند كتابتك ما يبقى بعدك {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} واتق الله في الغلط على الأئمة إذا نقلت مذاهبهم، فلا تنسب إليهم ما لم يقولوه، واحذر أن تجتمع فيك الشرور بتتبع رخصهم وزلاتهم. وبعد: فكتابنا الذي نقدمه اليوم -قارئي الكريم- هو تقريب وتهذيب وتحقيق وخدمة لكتاب من كتب السنة، والتي هي علم الصدر الأول والتي وصفها الصادق الأمين بمماثلة القرآن المبين فقال: " ... ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" وفي رواية أخرى: " ... ألا إن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرَّم الله". قال الحافظ "الخطيب البغدادي": (... ولما كان أكثر الأحكام لا سبيل إلى معرفته إلا من جهة النقل لزم النظر في حال الناقلين، والبحث عن عدالة الراوين، فمن

ثبتت عدالته جازت روايته، وإلا عدل عنه، والتمس معرفة الحكم من جهة غيره لأن الأخبار حكمها حكم الشهادة في أنها لا تقبل إلا عن الثقات). وكما توجهت عناية علماء الحديت إلى دراسة الحديث من جهة السند، اهتموا أيضًا بدراسة متنه والنظر فيه، ولأنهما جهابذة صدقت نيتهم، وقوت عزيمتهم فقد ألهمهم الله الرشد، فقعدوا القواعد وشيدوا البنيان لمن بعدهم لمعرفة الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله رسلم من غيره فهذا الحافظ "ابن الصلاح" رحمه الله تعالى يقول: "وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره، وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي، فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها". وهذا شيخ الإِسلام ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- يضع قواعد كلية يميز بها بين موضوع الحديث وصحيحه دون النظر في إسناده، وكذلك نقل السيوطي -رحمه الله تعالى- في تدريب الراوي عن كثير من الأئمة قرائن وعلامات لمعرفة الحديث الموضوع الذي يناقض الأصول ويباين المعقول، ويخالف المنقول، وغني عن البيان أنه لا يقوى على ذلك -كما يقول ابن قيم الجوزية- (سوى من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها مَلَكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنة والآثار أو معرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهديه فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر به ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وآله وسلم كواحد من أصحابه، فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز، ما لا يعرفه غيره، وقد ذكر هؤلاء الأئمة وغيرهم أحاديث كثيرة بينوا كذبها ووضعها وكأن هؤلاء الجهابذة قد علموا أنه سيأتي زمان كزماننا تتسرب فيه إلى بعض المستغربين من أبناء المسلمين فرية متهالكة وهى قولهم وبئس ما يقولون -إن اهمام المحدثين كان لدراسة الأسانيد منصرف دون النظر في المتن، وردوا بتلك الفرية أحاديث كثيرة قصرت أفهامهم عن استيعابها، وخالفت أهواءهم وعقولهم، والله حسيبهم هذا وقد أطلت في مقدمتي هذه لعلل يعرفها النابه، وخشية صرفه عن درر هذا الكتاب أتركه معه يخبر عن نفسه، وينبئى مؤلفه -حفظه الله- عن مكنونه وهو به خبير آملين ألا نعدم فائدة يزفها إلينا فاضل، أو فائتة يذكرنا بها نابه، أو نصيحة ينصحنا بها ناصح، ونحن له من الشاكرين، وسنواصل نشره تباعًا. كلما أُنجز جزءٌ نشرناه، والله نسأله القبول. الناشر عماد صابر المرسي رجب 1410هـ فبراير 1990م

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ إنَّ الحَمْدَ لله تَعَالَى نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِيْنُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِالله تَعَالَى مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئاتِ أَعْمَالِنَا. مَن يَهْدِ الله تَعَالَى فلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} [3/ 102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [4/ 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [33/ 70 - 71]. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيْثِ كِتَابُ الله تَعَالَى، وَأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِى النَّارِ. فإني أحمدُ الله تبارك وتعالى أَنْ يسر لي خروج الجزء الأول من هذا الكتاب المبارك -إنْ شاء الله تعالى-. وكنتُ قد بدأتُ العمل فيه في أواخر سنة (1399) هـ. والفضلُ فى ذلك يرجع إلى أُستاذنا الشيخ حامد بن إبراهيم حفظه الله تعالى صاحب مكتبة المصطفى

صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد كنت أتردد على مكتبته العامرة، فرآني أعملُ في "سنن ابن ماجة" فقال لي: لم لا تعمل في "سنن النسائي"؟ فإن أحدًا من أهل العلم لم يوجه عنايته إليها. فلمَّا اعتذرتُ عنها، قال لي: اخدمها، ولو بتخريج أحاديثها فقط، حتى تكون عونًا للمترددين على المكتبة من أهل العلم وطلبته. وقد حدث بالفعل ما أراده. فكتبت الجزء الأول بخط يدي، وصورتُه، ثمَّ أودعتُه المكتبة أما باقي النُّسخ -وقد كانت قليلة- فكنت أعطيها لمن أرى أنه من طلبة العلم رجاء أن يصحح لي ما أخطأتُ فيه. وقد وقع في هذه النسخة أوهامٌ، سواءٌ في الحكم على الحديث أو في تخريجه، والسببُ في ذلك شرحه يطولُ، وسأذكرُهُ -إنْ شاء الله- في "الإِمعان مقدمةُ بذل الإِحسان". وعلى كل حال، فقد بات هذا الشرح أمنيةً عندي، وددتُ لو يسر الله لي فعله، حتى أكشف مزية هذه السنن، التي على أهميتها ما التفت إليها أهل العلم مثلما فعلوا في "الصحيحين" وبقية السنن. وقد بادر بعضُ أهل الخير والفضل من إخواننا، فأرسلوا نسخًا من هذا الكتاب إلى شيخنا الشيخ الإِمام، حسنة الأيام، ناصر الدين الألباني -حفظهُ الله تعالى وأمتع المسلمين بطول حياته- فأثنى عليه خيرًا والحمدُ لله. * فأخبرني الأخ مازن بن نهاد كمال -وهو من نابلس- أنه أعطى الكتاب للشيخ وجاء بعد فترة، ثمَّ سأله عنه، فقال له:

"لقد أعجبتُ به، ورجوتُ له مستقبلًا زاهرًا بشرط أن يستمر على هذا المنوال أو النهج- الشك من الأخ مازن". وقد شافهني بذلك في لقائي به في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، يوم الخميس 19/ جمادى الأولى/ 1406 هـ الموافق 30/ 1/ 1986 عقب صلاة العصر. * وجاءني بعض الإخوة -واسمه كمال- بشريط تسجيل سجله مع الشيخ الألباني وسأَله فيه عن أفضل الشروح على السنن الأربعة وموطأ مالك .. فلما جاء ذكُر "سنن النسائي" قال الشيخ: "أنا لا أعلمُ -أو لم أطلع- على كتابٍ يفيد في هذه الناحية من كتب القدامى، لكن وصلني أخيرًا جزء لأحد الشتغلين بالحديث من الشباب في مصر -ولعل اسمه حجازي-. فقال له الأخ: هناك في مصر كتاب اسمه "بذل إِلاحسان". قال الشيخ: هو هذا، فهو يتوسع في هذا الكتاب، في التخريج مع بيان صحة الأحاديث من ضعفها، وهو في الواقع من الكتب المفيدة بالنسبة لما يؤلَّفُ في هذا العصر". * ولما قابلتُ الشيخ في "عمَّان" سنة (1407 هـ) سألته عن الكتاب، فقال لي بالحرف الواحد: قويٌّ، قويٌّ، ما شاء الله". فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله. ... أمَّا خدمتي لهذا الكتاب فهي كالآتي:

1 - أحكمُ على سند الحديث بما يستحقه من صحة أو حسنٍ أو ضعفٍ، حسب القواعد العلمية الدقيقة التي وضعها أهل الحديث، رضى الله عنهم ثمَّ أترجمُ لرجال الإِسناد ترجمة خفيفة رجاء التعريف بهم، ذاكرًا اسمه واسم أبيه وجدِّه، ثمَّ كنيتهُ، ولا أطيلُ في الترجمة، إلَّا إن كان لا بد من الإِطالة لدحض شبهة مفترٍ، أو بيان تساهل بعض الناس في مسائل الجرح والتعديل ونحو ذلك. وإنْ خالفتُ أحدًا فيما ذهب إليه، أظهرتُ حجتي في مخالفته ليكون أرجى لقبول العذر. 2 - أخرجُ الأحاديث من كتب السنة التي بين يديَّ سواء المطبوعة منها أو المخطوطة، ولا أكتفي بذلك، بل أذكر درجة كل حديثٍ أوردهُ في هذا الشرح، وكثيرًا ما أبسط الكلام عليه إنْ كان هناك ما يدعو إلى ذلك. 3 - ألتزمُ ببيان قول الترمذيّ: "وفي الباب عن فلان وفلان" فأُخرجُ هذه الأحاديث، وأتتبعُ طرقها وعللها مع الترجيح في كل ذلك، لأنَّ هذه الأحاديث تُعدُّ كالشواهد لحديث الباب، فتقويه إنْ كان ضعيفًا -على الشرائط المعتبرة-، أو تزيدُهُ قوة إنْ كان صحيحًا. وأمرٌ آخرُ: وهو أنني تمنيتُ لو صار شرحي هذا مفتاحًا لكتب السنة الأخرى غير النسائي، ولا شك أن هذا يحتاج مني وقتًا مديدًا، وجهدًا جهيدًا، وعزمًا حديدًا كما يعرف ذلك المشتغلون بهذا العلم الشريف. ثمَّ ليكن معلومًا أن ما أُخرِّجُهُ من قول الترمذى: "وفي الباب" هو ما يتعلق بالحديث الذي رواه النسائي، ويكون الترمذيُّ قد رواه أيضًا، أما الأحاديث التي لم يروها النسائيُّ وهي في الترمذيّ فقد أفردت لها كتابًا مستقلًا سميتهُ "العُباب بتخريج قول الترمذيّ وفي الباب" وقد تمَّ منه جزءان. يسر الله إتمامه بخيرٍ.

4 - وضعتُ مقدمة لهذا الشرح سميتُها" الإِمعان مقدمةُ بذل الإِحسان" وهي في ثلاثة أجزاء: * أما الجزءُ الأول: فذكرتُ فيه ترجمة النسائيّ وتكلمتُ على سننه تفصيلًا بما لعله يُعجب الناظرين إن شاء الله، وقد انفصلتُ في بعض أبحاثه إلى تقديم سنن النسائي على سنن أبي داود، وقد برهنتُ على ذلك برهانًا علميًا، لا تعصُّب فيه والحمد لله. وقد حققتُ في هذا الجزء أيضًا شرط النسائي، وذكرت رتبة سننه ومميزاتها، ورواة السنن عنه. وهل في "السنن الصغرى" من اختيار ابن السني، أم من تصنيف النسائيّ، وهل في "السنن" حديثٌ موضوعٌ ثمَّ لماذا لم يخرج النسائي لابن لهيعة، وهل خرّج لمن هو أضعفُ منه؟ ثمَّ هل روى النسائيّ عن البخاري أو أبي داود في السنن؟. ثمَّ ذكرتُ شيوخ النسائي وعدة ما لكل شيخٍ من الأحاديث، مع ذكر الشيوخ الذين تفرد النسائيُّ بالرواية عنهم من دون الجماعة، ثمَّ ذكرتُ عدة ما لكل صحابيٍّ من الأحاديث. ثم ذكرتُ منصب النسائي في الجرح والتعديل، ومؤاخذات الناس عليه مع الجواب عنها. ثمَّ ذكرتُ بعض آرائه كرأيه في اللحن في الحديث، وأخذ الأجرة على التحديث ونحو ذلك. وفصولٌ أخرى. * الجزء الثاني: ذكرت فيه كتابًا اعتنى فيه صاحبهُ بسنن النسائي خاصة، وهو كتاب: "بُغية الراغب المتمني في ختم النسائي

برواية ابن السني" للحافظ شمس الدين السخاوي رحمه الله، وهذا الكتاب لا يزال مخطوطًا. * الجزء الثالث: ذكرتُ فيه قوانين الجرح والتعديل، وجعلته كالأصل يرجع إليه، وهو كتاب كنتُ صنفتهُ قديمًا وسميتُه: "قصد السبيل في الجرح والتعديل" فبدا لي أن أُلحقه بمقدمة هذا الشرح لتعلقه الشديد به. والله أسأل أن يتقبله مني بقبول حسنٍ، وأن يغفر لي ما زلَّ به يراعي. 5 - لقد هممت -بناءً على نصيحة شيخنا الألباني- أن أتكلم على فقه الحديث حتى تتم الفائدة، إذ الغايةُ من الحديث هي العمل به كما قال لي شيخنا، ولكنى رأيتُ الكتاب يعظُم جدًّا، ويتأخر إنجازه، فرأيتُ فصل الفقه عن الحديث وجعله في كتاب مستقلٍّ، وجعلتُ طريقتي فيه ذكر مناسبة ما ترجم به النسائيُّ لحديث الباب، على غرار ما صنع ابنُ المنيِّر في كتابه "المتوارى على تراجم أبواب البخاري "وكذا ما صنعه بدر الدين ابن جماعة في كتابه "مناسبات تراجم البخاري"، وهذا يُظهر لنا منزلة الإِمام النسائي في الفقه، وقد قال الحاكمُ: "فأمّا كلام أبي عبد الرحمن النسائيِّ على فقه الحديث، فأكثر من أن يُذكر في هذا الموضع، ومن نظر في كتابه "السنن" له، تحيَّر من حُسْنِ كلامه" اهـ. وسميتُ هذا الكتاب: "تقريبُ النائي لتراجم أبواب النسائي" وقد نجز منه حتى الآن "كتاب الطهارة" إلا قليلًا منه.

6 - فقد نصحني بعضُ أهلِ العلم والفضل أن أجعل عملي على "سنن النسائي الكبرى"، لا سيما وعندي منها نسخة مخطوطة جيدة جدًّا لكنها ناقصة، فعسُر عليَّ ذلك لأنني قطعتُ في "السنن الصغرى" شوطًا كبيرًا، فتمَّ منها عندي -اثنا عشر جزءً- وصلتُ فيه إلى "كتاب الجنائز"، وقد توقفت عنها منذ أكثر من خمس سنين لأشياء عرضت لي، ثمَّ بدا لي أن أحصل مقصود هؤلاء الأفاضل، فرأيتُ أن أحقق الأحاديث التي لم تُذكر في "المجتبى" وهي في "السنن الكبرى"، وأُلحقها بآخر كل كتابٍ. فمثلًا بعد الانتهاء من طبع "كتاب الطهارة"، أُذيِّلُ عليه بالأحاديث المذكورة في "السنن الكبرى" وهي غير موجودة في "الصغرى" وبهذا يتمُّ تحقيق الكتابين جميعًا. والله الموفق. 7 - صنعت كتابًا مستقلًا فيه زوائد النسائي على "الصحيحين"، ثمَّ كتابًا آخر في زوائده على الكتب الخمسة، ومنه علمتُ منزلة هذه السنن، وأنها أقلها حديثًا ضعيفًا، ورجلًا مجروحًا. وهذا آخر ما قصدتُ ذكره لبيان منهجي في تقريب هذه السنن، ولا يفوتني أن أذكر أن ما سطرتُه في كتابي هذا، إنما هو بحسب ما بلغه اجتهادي بعد إعمال القاعدة العلمية، مع الاستفادة من استقراء الأئمة المحسنين لهذا الشأن. ولا شك أنه قد وقع خللٌ في بعض ما ذهبتُ إليه، فأنا لا أؤكدُ الثقة به، وكلُّ من عثر على حرفٍ فيه، أو معنىً يجبُ تغييرُه، فإني أناشدُهُ الله في إصلاحه، وأداء حق النصيحة فيه، وما أبرأ من العثرة والزلة، وما أستنكف أنْ

أراجع الصواب إنْ بان لي مأخذُهُ، فإن هذا الفن لطيفٌ، وابنُ آدم إلى العجز، والضعف، والعجلة أقرب. فرحم الله أخًا نظر فيه نظرة تجرُّدٍ وإنصافٍ، ودعا لي بظهر الغيب على صوابٍ وفقني الله إليه، واستغفر لي زلاتي الكثيرة فيه. والله أسألُ أن يجعله زادًا لحُسْنِ المصير إليه، وعتادًا ليُمْنِ القدوم عليه، إنه بكل جميلٍ كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل. والحمد لله أولًا وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا. وكتبه راجي عفو ربه الغفور أبو إسحاق الحويني الأثري عفا الله عنه بمنه وكرمه غرة ذي القعدة / 1409 هـ

كتاب الطهارة

كِتَابُ الطَّهَارَةِ

باب تأويل قوله عز وجل (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق).

باب تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ). 1 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِى وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 1 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * قتيبة بنُ سعيد: هو ابنُ جميل بن طريف، أبو رجاء البغلاني. روى عنه الجماعة، إلا ابن ماجة، فإنه روى عنه نازلًا بواسطة الذهليِّ عنه. وكذا روى المصنف عن زكريا السجزي، عنه، نازلًا. وهو ثقةٌ جليلُ القدر. وقد أكثر المصنفُ عنه، بحيث لا أعلمُهُ روى عن شيخٍ أكثر منه. فروى عنه في "سننه" (687) حديثًا فقد رحل إليه المصنفُ سنة (230)، فأقام عنده سنةً كاملةً، على ما ذكره الذهبيُّ في "السير" (11/ 20). وكان قتيبةُ من المكثرين، بحيث روى نحوًا من مائة ألف حديث، ومع سعة ما روى، ما أعلمُ أنه روى حديثًا أنكروه عليه، سوى حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - في جمع التقديم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الحاكم في "علوم الحديث" (ص- 120): " ... وقد قرأ علينا أبو عليٍّ الحافظُ هذا الباب، وحدثنا به عن أبي عبد الرحْمَن النسائي، عن قتيبة بن سعيد. ولم يذكر أبو عبد الرحمن، ولا أبو عليٍّ للحديث علَّةً، فنظرنا فإذا الحديثُ موضوع، وقتيبةُ ثقةٌ مأمونٌ" اهـ. * قُلْتُ: كذا قال الحاكم رحمه الله تعالى!، وحكمه على الحديث بالوضع لم يوافق عليه، بل الحديث صحيحٌ، وما أُعلَّ به، فليس بعلةٍ، كما يأتي شرحه في هذا الكتاب -إن شاء الله-. * سفيان، هو ابنُ عيينة. وهو ثقةٌ نبيلٌ، جليلٌ. كان يدلسُ عن الثقات فقط، فهو المدلسُ الوحيدُ الذي تستوى عنعنته وتصريحه بالتحديث. قال ابنُ حبان في "مقدمة صحيحه" (1/ 90): "وأما المدلسون الذين هم ثقاتٌ وعدولٌ، فإنا لا نحتجُّ بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا ... اللهم إلا أن يكون المدلسُ يُعلم أنه ما دلَّس قطُّ إلا عن ثقةٍ، فإن كان كذلك قُبلت روايتهُ وإن لم يُبين السماع، وهذا ليس في الدُّنيا إلا لسفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يُدلسُ، ولا يدلسُ إلا عن ثقةٍ متقنٍ، ولا يكادُ يوجد لسفيان بن عيينة خبرٌ دلَّس فيه إلا وُجد ذلك الخير بعينه قد بين سماعُه عن ثقةٍ مثل نفسه، والحكمُ في قبول روايته لهذه العلة -وإن لم يُبين السماع فيها- كالحكم في رواية ابن عباس إذا روى عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما لم يسمع منه" اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * والزهري: هو محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ. وهو ثقةٌ، جبلٌ، حافظٌ، ربما دلَّس. وأنكر بعضُ أصحابنا أن يكون ابن شهاب مدلسًا، واستعظم ذلك جدًّا، وبالغ حتى زعم أن مخالفهُ: "تردى في وهدةٍ سحيقةٍ"! وأنه: "ادعى باطلًا ليس له فيه سلفٌ"! كذا قال!! وإنكار المشار إليه، هو الذي ينبغي أن يُستعظم، فقد وصفه بالتدليس الشافعىُّ، والدَّارقطنىُّ، وغيرهما، على ما ذكره الحافظ في "طبقات المدلسين". وذكره الذهبىُّ في أول "منظومته" في المدلسين، فقال: خُذِ المُدَلِّسِيْن يَاذَا الفِكْرِ ... جَابِرٌ الجُعْفِىُّ ثُمَّ الزُّهْرِيّ بل قال الرهانُ الحلبى في "التبيين": "مشهور به"! كذا قال! وليس بصوابٍ عندي. فقد قال الحافظ في "الفتح" (2/ 5): " ... وابنُ شهاب جُرب عليه التدليس". وقال في "موضع آخر" منه (10/ 427): " ... وإدخالُ الزهري بينه وبين عروة رجلًا، مما يؤذن بأنه قليل التدليس". وصرّح بذلك الذهبىُّ تصريحًا، فقال في "الميزان": "كان يُدلِّسُ في النادر". نعم، ينكر على بعض المشتغلين بالعلم أن يُعلُّوا الحديث بعنعنة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الزهري، فإن التدليس لم يكن من عادته، بل كان يفعله أحيانًا كما تقدم، فالصوابُ عدم الإِعلال بعنعنة الزهري، إلا إذا كان المتنُ منكرًا، ورجال الإِسناد ثقات، ولا مدخل للإِعلال إلا بعنعنة الزهري. والله أعلمُ. * أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف. ثقةٌ جليلٌ حافظٌ، مشهورٌ بكنيته، وقد اختُلف في اسمه على أقوال. وقال مالكُ بنُ أنس: "اسمُه كنيتُهُ". ... وللحديث طرقٌ كثيرةٌ عن أبي هريرة، وهي: 1 - أبو سلمة، عنه. أخرجه مسلمٌ (278/ 87)، وأبو عوانة في "صحيحه" (1/ 263)، وأحمدُ (2/ 241، 259، 382)، والشافعيُّ في "مسنده" (1/ 27)، والحميدىُّ (951)، والدارمي (1/ 161)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (9)، وكذا ابنُ خزيمة (1/ 52/ 99)، وابنُ حبان (ج2 / رقم 1059)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج10/ رقم 5961)، وابنُ عديّ في "الكامل" (1/ 197)، والدارقطنىُّ في "العلل" (ج 3 /ق 21/ 1)، والبيهقيُّ (1/ 45)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 407) من طريق الزهري، عن أبي سلمة. وتابعه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه أحمد (2/ 382،348) وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 12/ 1)، وابنُ أبي شيبة في "المصنف" (1/ 98)، وأبو يعلى (ج 10/ رقم 5973)، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 22) وسنده حسنٌ. وأخرجه الترمذيُّ (24)، وابنُ ماجة (393)، والطحاوي (1/ 22)، والدارقطني في "العلل" (ج 3/ ق 20/ 2)، والبيهقي (1/ 244)، والخطيبُ في "التاريخ" (11/ 300)، وابنُ جُميع في "معجمه" (341 - 342) من طريق أبي سلمة وسعيد بن المسيب جميعًا، عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال الترمذي: "حديث حسنٌ صحيحٌ". 2 - الأعرج، عنه. أخرجه البخاريُّ (1/ 263 - فتح)، بزيادةٍ في أوله، ومسلمٌ (278/ 88)، وأبو عوانة (1/ 263)، ومالك (1/ 21/ 9)، والشافعي (ج 1 / رقم 68، 69)، وأحمد (2/ 465)، والحميدي (952) وابنُ المنذر في "الأوسط" (1/ 143، 372)، وابنُ حبان (ج 2 / رقم 1060)، والبيهقيُّ (1/ 45)، وابنُ النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (2/ 184)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 406)، من طريق أبي الزناد، عن الأعرج. وقد رواه عن أبي الزناد: "مالك، وابنُ عيينة". وتابعهما هشام بنُ عروة، عن أبي الزناد به، مع زيادة: "ويُسمى قبل أن يدخلها". يعني يده. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ عديّ في "الكامل" (4/ 1501)، والعقيلىُّ في "الضعفاء" (2/ 300)، من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام به. * قُلْتُ: وهذه الزيادةُ منكرةٌ، والحديثُ غيرُ محفوظٍ عن هشام بن عروة. قال ابن عدي: "وهذا غريبُ الإِسناد والمتن. فمن قِبلِ الإِسناد: من حديث هشام بن عروة، عن أبي الزناد. لا أعلم يرويه عن هشام غير عبد الله بن محمد بن يحيى. وغرابة المتن: "ويسمى قبل أن يدخلها" وهذه اللَّفظةُ (غريبةٌ) (¬1) في هذا الحديث" اهـ. * قُلْتُ: يعني منكرة، فلم يذكرها أحدٌ ممن روى الحديث. وآفة هذا الإسناد: عبد الله بن محمد بن يحيى هذا. فقد تركه أَبو حاتم، وقال: "ضعيفُ الحديث جدًّا". وقال العقيلي: "لا يتابعُ على كثيرٍ من حديثه". وقال ابنُ حبان: "يروى الموضوعات عن الثقات". فالسندُ تالفٌ. = ¬

_ (¬1) هذه اللَّفظةُ سقطت من "مطبوعة الكامل"، واستدركتها من "لسان الميزان" (3/ 332). ونسخة "الكامل" كثيرة السقط والتحريف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 3 - سعيد بن المسيب، عنه. أخرجه مسلمٌ (278/ 87)، وأبو عوانة (1/ 264)، والمصنفُ في "كتاب الغسل" -ويأتي-، وأحمد (2/ 265، 284)، وابنُ عدي (1/ 197)، والطحاويُّ (1/ 22)، والدارقطنيُّ في "العلل" (ج3 / ق 20/ 2). وأخرجه الترمذيُّ، وابنُ ماجة، وغيرُهُما عنه، وعن أبي سلمة معًا عن أبي هريرة. وقد مرّ تخريجه قريبًا. 4 - أبو صالح، عنه. أخرجه أبو داود (104)، وأحمد (2/ 253)، وأبو عوانة (1/ 264)، والطيالسىُّ (2418)، وابنُ عديّ (2/ 708)، والسهميُّ في "تاريخ جرجان" (138)، والطحاويُّ (1/ 22)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 232 - 233)، والبيهقيُّ (1/ 47)، من طُرقٍ عن الأعمش، عن أبي صالحٍ به. وتابعه سهيلُ بنُ أبي صالحٍ، عن أبيه. أخرجه ابنُ المقرى في "معجمه" (ق 65/ 2)، وأبو نُعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 147) من طريق إبراهيم بن طهمان، عن هشام، عن سهيل به. وسندهُ صحيحٌ. 5 - أبو رزين، عنه. أخرجه مسلمٌ (278/ 87)، وأبو عوانة (1/ 264)، ووكيع في "نسخته عن الأعمش" (18)، وأحمد (2/ 471)، والطحاوي (1/ 22)، والبيهقىُّ (1/ 45) من طريق الأعمش، عن أبي صالح، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأبي رزين معًا، عن أبي هريرة. وأخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 98) من طريق الأعمش، عن أبي رزين وحده. 6 - عبد الله بن شقيق، عنه. أخرجه مسلمٌ، وأبو عوانة (1/ 263)، وابنُ خزيمة (100)، وكذا ابنُ حبان (ج 2 / رقم 1061، 1062)، والدَّارقطني (1/ 49)، والبيهقيُّ (1/ 46). قال ابنُ خزيمة: "خبرٌ غريبٌ"!! * قُلْتُ: وهذة الغرابة التي عناها ابن خزيمة، هي من قبل شيخه محمد بن الوليد. قال ابنُ خزيمة: "نا محمد بن الوليد بخبرٍ غريب، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن خالدٍ الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة مرفوعًا، وفيه: "فإنه لا يدري أين باتت يدُهُ منه". فزاد محمد بن الوليد لفظة: "منه". وهذه اللفظة هي التي استغربها ابنُ خزيمة، كما يُفهم من كلام البيهقيّ، ونبه على ذلك الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 3/ ق 57/ 2). ولم يتفرد محمد بن الوليد بذكر هذه اللَّفظةُ فلقد تابعه اثنان عليها: أ - الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله. قال في "مسنده" (2/ 455):

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة بسنده سواء. وفيه اللَّفظةُ الزائدةُ. ب- محمد بن يحيى الذهليّ. أخرجه ابن المقرى في "معجمه" (ق 118/ 2)، وابنُ عساكر (12/ 2/ 334) من طريق أبي الحسن عمران بن موسى بن المهرجان النيسابورى (¬1)، ثنا محمد بن يحيى الذهلىُّ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوراث، ثنا شعبة به. 7 - الحسن البصريُّ، عنه. أخرجه الدارقطنيُّ في "حديث أبي الطاهر الذهليّ" (¬2) (رقم 99)، من طريق خالد، عن يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعًا به، ولم يذكر الجملة الأخيرة منه. وأخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (6/ 2371 - 2372) من طريق معلي بن الفضل، ثنا الربيع بن صبيح، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعًا به، وزاد: "فإن غمس يده في الإِناء من قبل أن يغسلها، فليروا ذلك الماء" قال ابنُ عديّ: "وقولُهُ في هذا المتن: "فليروا ذلك الماء"، منكرٌ لا يُحفظُ". وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 263): "حديث ضعيف". * قُلْتُ: ومعلى بن الفضل في حديثه نكارة. والربيع بن صبيح في حديثه ضعفٌ. = ¬

_ (¬1) من شيوخ ابن حبان. (¬2) في الجزء الثالث والعشرين منه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والحسن البصريّ لم يسمع من أبي هريرة على رأى الأكثرين. نعم، سمع بعض أحاديث منه، ولكنه مدلسٌ وقد عنعنهُ. ثم قوله في هذا الحديث: "فليرق ذلك الماء" منكرٌ كما قال ابنُ عديّ، والذهبىُّ في "الميزان" (4/ 150) لأمرين: * الأوَّلُ: أن هذه الزيادة لم تقع في أيِّ طريق من طرق الحديث على كثرتها، فدلَّ ذلك على أنها غير محفوظة، لا سيما وفي السند ما قد رأيت من العلل. * الثاني: أن الأكثرين من العلماء حملوا الحديث في غسل اليدين على الاحتياط، لأن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "فإنه لا يدرى أين باتت يدُهُ" فعلقه بأمرٍ موهومٍ، وما عُلِّق بالموهوم لا يكون واجبًا، وأصلُ الماء والبدن الطهارةُ، وهذا يقينٌ لا يزولُ بمجرد الوهم. ويرى أحمد، وإسحق، وجوب غسل اليدين بعد النوم قبل وضعهما في الإِناء. ويُفرق أحمد بين نوم الليل ونوم النهار. وقال بوجوب غسل اليدين داود الظاهري، وابن جرير، قالوا: إذا أدخل يده في الإناء قبل الغسل، ينجُس الماء. وفي هذا القول نظرٌ. لأن الحكمة في غسل اليد عقب القيام من النوم، قد تكون لخوف نجاسةٍ تكونُ على اليد، مثل مرور يده على موضع الاستجمار مع العرق، كما قال الشافعىُّ، وأحمدُ، وغيرُهُما. فلن يكون هذا أعظم من البول في الماء الدائم، وقد دلَّ الدليلُ على أن الماء لا ينجُس. ولذلك حكى شيخُ الإِسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (21/ 45) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الاتفاق على أن غمس القائم من النوم يده في الإِناء، لا يقتضي تنجيس الماء. وفي دعوى الاتفاق نظرٌ، لما تقدم. والله أعلم. 8 - همام بن مُنبه، عنه. أخرجه مسلم (278/ 88)، وأبو عوانة (1/ 264)، وأحمد (2/ 316). 9 - جابر بن عبد الله، عنه. أخرجه مسلمٌ (278/ 88)، وأبو عوانة (1/ 263)، وأحمد (2/ 403)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج10/ رقم 5863) من طريق أبي الزبير، عن جابر وقد رواه عن أبي الزبير اثنان: أ- معقل بن عبيد الله. عند مسلمٍ، وأبي عوانة. ب- ابن لهيعة. عند أحمد، وأبي يعلى. وقد صرَّح أبو الزبير بالتحديث في طريق ابن لهيعة، لكنه سيىء الحفظ، والراوي عنه ليس من القدماء. ثم هو مدلسٌ أيضًا وقد عنعن. وخالفهما عبدُ الملك بن أبي سليمان، فرواه عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا وزاد فيه: "ولا على ما وضعها" (¬1). فجعله من "مسند جابر" لا من "مسند أبي هريرة". أخرجه ابنُ ماجة (395)، والدارقطنيُّ (1/ 49)، وحسَّنهُ، والخطيبُ (10/ 450) من طريق زياد بن عبد الله البكائي، عن عبد الملك. وقد رواه عن زياد البكائيّ ثلاثةٌ: = ¬

_ (¬1) في قلبي شيءٌ من هذه الزيادة. والله أعلم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "إسماعيلُ بن توبة، ومحمد بنُ نوح، وموسى بن بحر ". * قُلْتُ: ورواية معقل وابن لهيعة أرجحُ عندي من رواية عبد الملك ابن أبي سليمان، فإن هذا، وإنْ كان من رجال مسلمٍ إلاَّ أنه ربما أخطأ، وفي الطريق إليه زيادُ البكائيُّ، وكان كثير الخطأ، وبعضُهُم يُضعِّفُهُ مطلقًا. والصّوابُ كما قال أبو حاتم: "يكتبُ حديثُهُ، ولا يُحتجّ به". وهو يعني بهذه العبارة: "يكتبُ حديثه في المتابعات والشواهد، ولا يُحتجُّ به إذا انفرد" وقد رأيتُ في كلام أبي حاتم ما يُصوِّبُ هذا الفهم. ففي ترجمة إبراهيم بن الهاجر البجليّ، من "الجرح والتعديل" (1/ 1/ 133)، قال أبو حاتم: "إبراهيم بن مهاجر ليس بالقويّ، هو وحصين بن عبد الرحمن، وعطاءُ بنُ السائب. قريبٌ بعضُهُمْ من بعض. محلُّهم عندنا محلُّ الصدق. يُكتبُ حديثُهُمْ، ولا يُحتجُّ بحديثهم. قلتُ لأبي -القائلُ هو ابنُ أبي حاتم-: ما معنى: لا يُحتجُّ بحديثهم؟! قال: كانوا قومًا لا يحفظون، فيُحدثون بما لا يحفظون، فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطرابًا ما شئت" اهـ. وكذلك في ترجمة: "فُضيل بن مرزوق" من "الجرح" (3/ 2/ 75) قال ابنُ أبي حاتم: "وسألتُ أبي عنه ... فقال: هو صدوقٌ، صالح الحديث، يهمُ كثيرًا، يُكتبُ حديثه. قلتُ: يُحتج به؟! قال: لا! ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ =10 - عبدُ الرحْمن بنُ يعقوب المدنيُّ، عنه. أخرجه مسلمٌ (278/ 88)، وأبو عوانة (1/ 265)، من طريق ابنه، العلاء بن عبد الرحمن، عنه. 11 - ثابتٌ مولى عبد الرحمن بْنِ زيد، عنه. أخرجه مسلمٌ، وأبو عوانة (1/ 264)، وأحمد (2/ 271). 12 - محمدُ بْنُ سيرين، عنه. أخرجه مسلمٌ (278/ 88)، وأحمد (2/ 507)، وابنُ أبي شيبة (1/ 98)، والبزَّارُ -كما في "نصب الراية" (1/ 3) وابنُ قتيبة في "الغريب" (1/ 10) - من طريق هشام بن حسَّان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا. ويرويه عن هشام بن حسَّان: "عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عند مسلمٍ. ويزيد بن هارون عند أحمد، وأبو خالد الأحمر، عند ابن أبي شيبة" (¬1). وتابعهم إبراهيمُ بْنُ طهمان، عن هشام به، وزاد: "ثم ليغترف بيمينه من إنائه، ثمَّ ليصب على شماله، فليغسل مقعدته". ذكره ابنُ أبي حاتم في "العلل" (1/ 65/ 170) ونقل عن أبيه: "ينبغي أن يكون: "ثم ليغترف بيمينه ... " إلى آخر الحديث من كلام إبراهيم بن طهمان، فإنه قد كان يصل كلامه بالحديث، فلا يميزه المستمعُ" اهـ. = ¬

_ (¬1) ووقع عند ابن قتيبة: " .. حتى يفرغ عليها ثلاثًا" فذكر العدد في رواية ابن سيرين غير محفوظٍ كما يأتي تحقيقه فلا أدري أهو خطأ ناسخ أو طابع. أم هو وهم من ابن قتيبة أو شيخه؟!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ * قُلْتُ: وله طريقان آخران عن ابن سيرين: أ- عوف بن أبي جميلة، عنه. أخرجه أحمد (2/ 395)، وابنُ النَّجَّار في "ذيل التاريخ" (2/ 132) من طريق هوذة بن خليفة، عن عوف. وسندهُ قويٌّ. وفي هوذة كلامٌ لا يضرُّ. ب- سالمُ الخياط، عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج1 رقم 949) قال: حدثنا أحمدُ، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا زهيرُ بنُ محمدٍ، عن سالم الخياط، قال: سمعتُ محمد بن سيرين به. وذكر فيه: " ... حتى يُفرغ على يديه ثلاث مرات ... ". * قُلْتُ: أحمدُ، شيخ الطبرانيّ، هو ابنُ يحيى الحُلْوانيُّ، ثقةٌ، وَثقهُ غيرُ واحدٍ -كما في "تاريخ بغداد" (5/ 212 - 213) -. وعمرو، هو ابْنُ أبي سلمة التنيسي. وهو صدوقٌ، ولكن وقعت منه أوهامٌ في حديثه، لا سيما في حديثه عن زهير بن محمد، حتى قال أحمدُ بن حنبل: "روى عن زهير أحاديث بواطيل، كأنه سمعها من صدقة، فغلط، فقلبها عن زهيرٍ" اهـ. فكأن هذا آتٍ من قبل أن عمرو بن أبي سلمة شاميُّ. وقد قال أحمدُ، والبخاريُّ، وغيرُهُما: "ما روى أهلُ الشام عن زهيرٍ، فإنه مناكيرُ" وهذا منها. وسالمُ، هو ابنُ عبد الله الخياط. مختلفٌ فيه. وحديثُهُ جيد في المتابعات. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثم اعلم أنه مما يستنكر في هذا الحديث، قولُهُ: "يفرغ على يديه ثلاث مراتٍ". فذكرُ العدد غيرُ محفوظٍ من حديث ابن سيرين، كما يُرشدُ إليه كلام مسلمٍ في "صحيحه". فقد قال ما مُلخصُهُ: "قولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يغسلها ثلاثًا". رواه عن أبي هريرة: "الأعرجُ، ومحمدُ بْنُ سيرين، وعبدُ الرحمن بنُ يعقوب، وهمامُ بْنُ مُنبِّه، وثابتٌ مولى عبد الرحمن بن زيد، جميعهم لا يذكرُ العدد في غسل اليدين. ووقعت رواية "الثلاث" في حديث جابر بن عبد الله، وابن المسيب، وأبي سلمة، وعبد الله بن شقيق، وأبي صالحٍ، وأبي رزين" اهـ. فهذا يُبيّن أن ذكر العدد في رواية ابن سيرين منكرٌ. والله أعلمُ. 13 - موسى بن يسار، عنه. أخرجه أحمد (2/ 500)، حدثنا يزيد، ثنا محمد -يعني ابن إسحاق-، عن موسى بن يسار، عن أبي هريرة. وعن الزهريّ وغيره، قالوا: قال رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ... فذكره. * قُلْتُ: وسنده حسنٌ لولا تدليس ابن إسحق. ثم قوله: "وعن الزهري وغيره" فلم يظهر لي وجهُهُ. لأن موسى بن يسار هو المطلبي عمُّ محمد بن إسحق، ولم يرو الزهري عنه شيئًا بعد البحث والتتبُع. إلا أن يكون المقصود أن محمد بن إسحاق يرويه عن الزهري، وعن موسى بن يسار معًا. فيكون طريق الزهريّ منقطعًا؛ لأنه لم يسمع من أبي هريرة. ويبعُدُ جدًّا - =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عندي- أن يكون موسى بن يسار هو الأرْدُنيُّ، والذي يقال فيه: "موسى بن سيار". فالله أعلم بحقيقة الحال. ثم ظهر لي وجهٌ آخر. فلعلَّ ابن إسحق يرويه عن الزهري مرسلًا أو معضلًا. والله أعلمُ. 14 - أبو مريم، عنه. أخرجه أبو داود (105)، وابنُ حبان (ج2/ رقم 1058)، والدارقطنيُّ (1/ 50)، والبيهقيُّ (1/ 46) من طريق معاوية بن صالح، عنه وسندهُ حسنٌ -كما قال الدارقطنيُّ- رحمه الله. 15 - نُعيم بن عبد الله، عنه. أخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 911) من طريق أبي الجنيد الضرير، عن عثمان بن مقسم، عن نُعيم به. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا. وأبو الجنيد هذا، هو خالد بن الحسين. قال ابْنُ معين: "ليس بثقةٍ". وضعَّفهُ ابنُ عديٍّ. وعثمان بن مقسم، تركه يحيى القطَّان، والنسائيُّ، والدَّارقطنيُّ. وغلا فيه الجوزجاني، فكذَّبه. ... قال الترمذيُّ: "وفي الباب عن ابن عمر، وجابر، وعائشة". * قُلْتُ: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أمَّا حديث ابن عمر، رضي الله عنهما. فأخرجه ابنُ ماجة (394)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 22)، والدارقطنيُّ (1/ 49 - 50)، وعنه البيهقيُّ (1/ 46)، وكذا ابنُ خزيمة في "صحيحه" لمن (1/ 75/ 146) من طريق ابن وهبٍ، أخبرني ابنُ لهيعة، وجابر بن إسماعيل، عن عقيل، عن ابن شهابٍ، عن سالم، عن أبيه، مرفوعًا: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يدخل يده في الإِناء، حتى يغسلها [ثلاثًا] ". وقد رواه عن ابن وهبٍ جماعةٌ، منهم: "حرملةُ بن يحيى، وأصبغُ بنُ الفرج، وأحمدُ بْنُ عبد الرحمن بن وهب" وخالفهم سفيانُ بنُ وكيعٍ، فرواه عن ابن وهبٍ، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعًا به. أخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 1254)، وقال: "وهذا، قد زلَّ فيه سفيانُ بْنُ وكيعٍ، أو لُقِّن، أو تَعمَّدَ، حيث قال: ثنا ابنُ وهبٍ، عن يونس، عن الزهري ... وكأن هذا الطريق أسهلُ عليه (¬1). وإنما يرويه ابنُ وهبٍ عن ابن لهيعة، وجابر بن إسماعيل، عن عقيل، عن الزهريِّ" اهـ. فالمحفوظ هو طريق ابن وهبٍ، عن ابن لهيعة وجابر بن إسماعيل. قال ابنُ خزيمة عقب الحديث: "وابنُ لهيعة ليس ممن أخرجُ حديثه في هذا الكتاب إذا تفرَّد بروايةٍ، وإنما أخرجتُ هذا الخبر، لأن جابر بن إسماعيل معه في الإسناد" اهـ. = ¬

_ (¬1) كذا! ولعله: "أشكل عليه" مع أن السياق له وجهٌ أيضًا. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الدارقطنيُّ: "إسنادُهُ حسنٌ". وقال البوصيريُّ في "الزوائد". "إسنادُهُ صحيحٌ على شرط مسلم". فقال السنديُّ: "قلتُ: كأنه لانضمام جابر بن إسماعيل إلى ابن لهيعة، وإلا فابن لهيعة مشهور بالضعف" اهـ. * قُلْتُ: نعم، الحديث على شرط مسلم لأجل جابر بن إسماعيل ولكن ابن لهيعة، وإن كان سيىء الحفظ، غير أن رواية القدماء عنه صحيحة، ويُحسنها الذهبيُّ وغيرُهُ. والحديث هنا من رواية ابن وهبٍ عنه، وقد سمع منه قديمًا. وقد غلا بعضُ الناس، فأسقط حديث ابن لهيعة كلَّهُ، سواءٌ كان من رواية القدماء أو المتأخرين. وفرَّط بعضُهُمْ، فصحَّح حديثه كلَّهُ، حتى من رواية المتأخرين عنه.!! وهكذا يضيعُ الحقُّ بين الإفراط والتفريط! والحقُّ، أن حديث ابن لهيعة من رواية القدماء عنه قويُّ مقبولٌ، ولم يكن دلَّس فيه. أما بعد احتراق كتبه، فقد وقعت منه مناكيرُ كثيرةٌ في حديثه. وقد أنكر بعضُ الناس أن تكون كتبه احترقت كما حكاه يزيد بن الهيثم عن ابن معين. وهو قولٌ يحتاجُ إلى تحريرٍ، لعلى أذكره في "كشف الوجيعة، ببيان حال ابن لهيعة" يسر الله إتمامه بخيرٍ. وقد وقع لي أسماءُ جماعةٍ من الذين سمعوا من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، منهم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 1 - عبد الله بن المبارك. 2 - عبد الله بن وهب. 3 - عبد الله بن يزيد المقرىء. 4 - عبد الله بن مسلمة القعنبيُّ. 5 - يحيى بن إسحق. 6 - الوليدُ بنُ مزيد. 7 - عبد الرحمن بنُ مهدي. 8 - إسحقُ بْنُ عيسى. 9 - اللَّيْثُ بنُ سعدٍ. 10 - بشرُ بنُ بكر. * قُلْتُ: نصَّ على الثلاثة الأول: الساجيُّ، وعبدُ الغني بْنُ سعيد، وغيرُهُما. قال الذهبيُّ في "تذكرة الحفاظ" (1/ 238): "حدَّث عنه ابنُ المبارك، وابنُ وهب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وطائفةٌ قبل أن يكثر الوهمُ في حديثه، وقبل احتراق كتبه، فحديثُ هؤلاء عنه أقوى، وبعضُهُمْ يصححه، ولا يرتقي إلى هذا" اهـ. وقال ابنُ مهدي: "لا أعتدُّ بشيء سمعتُه من حديث ابن لهيعة، إلا سماعُ ابن المبارك ونحوه" وكذا قال ابنُ حبان في "المجروحين" (2/ 11). ونصَّ ابنُ حبان على القعنبي. ذكره عنه الذهبي في "الميزان" (2/ 482)، وفي "السير" (8/ 23). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ونصَّ على: "يحيى بن إسحق"، الحافظُ في "التهذيب" (2/ 420) في ترجمة حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص. ونصَّ على الوليد بن مزيد: الطبرانيُّ في "المعجم الصغير" (1/ 231). ونص على عبد الرحمن بن مهديّ: الحافظُ في "مقدمة اللسان" (1/ 10 - 11). ولي بعضُ النظر حول سماع ابن مهدى من ابن لهيعة. ونصَّ على إسحق بن عيسى: أحمدُ بْنُ حنبلٍ. ففى "الميزان" (2/ 477) للذهبيّ: "قال أحمدُ: حدثني إسحق بْنُ عيسى أنه لقى ابن لهيعة سنة أربعٍ وستين ومائة، وأن كُتبه احترقت سنة تسع وستين". ونصَّ على اللَّيث بن سعدٍ: الحافظُ ابنُ حجر. فقال في "الفتح" (4/ 345): " ... وفيه ابنُ لهيعة، ولكنه من قديم حديثه، لأن ابن عبد الحكم أورده في "فتوح مصر" من طريق الَّليث عنه" اهـ. ونصَّ على بشر بن بكر: العقيليُّ بسنده. فقال في "الضعفاء" (2/ 294): "حدثنا حجاج بن عمران، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن الوزير، قال: حدثنا بشر بن بكر، قال: لم أسمع ابن لهيعة شيئًا بعد سنة ثلاث وخمسين ومائة". ورجاله ثقات، غير شيخ العقيليّ، فلم أقف له على ترجمة. وحاصلُ البحث، أن حال ابن لهيعة يجبُ فيه التفصيلُ، لا أنْ تردَّ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مروياته، كما يفعل البوصيريُّ -رحمه الله- في "الزوائد"-، فإنه رغم تسامحه في النقد، متشددٌ في حق ابن لهيعة. والله تعالى الموفق. وحديث ابن عمر، هذا: أخرجه أيضًا ابنُ عدي (2/ 744) من طريق الحسن بن أبي الحسن، البغدادي، ثنا سفيان بن عُيينة، عن الزهريّ، عن سالم، عن أبيه مرفوعًا به. قال ابنُ عدي: "وهذا الحديث عن ابن عُيينة، عن الزهري، بهذا الإِسناد، غيرُ محفوظٍ، وإنما يروى هذا الحديث ابنُ وهبٍ، عن ابن لهيعة، وجابر بن إسماعيل الحضرمي، عن عقيل، عن الزهري" اهـ. * قُلْتُ: وآفة الإِسناد هو الحسن هذا. قال ابنُ عدي: "منكرُ الحديث عن الثقات، ويقلبُ الأسانيد ... ولم أر له كثير حديثٍ، ومقدار ما رأيتُهُ، لا يشبه حديثه حديث أهل الصدق" اهـ. وهذا القولُ من ابن عدي - رحمه الله - يُعدُّ شديدًا؛ لأنه من المتوسطين، ويظهرُ في نقده أثرُ التسامح. والله أعلمُ. حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما. فمرَّ الكلامُ عليه قريبًا. ... حديث عائشة، رضي الله عنها. ذكره ابنُ أبي حاتم في "العلل" (1/ 62) قال: "سُئل أبو زرعة عن حديثٍ رواه ابنُ أبي ذئبٍ، عمن سمع أبا سلمة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ابن عبد الرحمن، يُحدث عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من النوم ... الحديث". وروى الزهريُّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث. فقال أبو زرعة: هذا عندي وهمٌ، يعني حديث ابن أبي ذئبٍ" اهـ. (تنبيه) قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 163): "وأما حديث عائشة فأخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" وحكى عن أبيه أنه وهمٌ" كذا!، ولعله سبق قلم أو نظر، فالذي في "العلل": "عن أبي زرعة" وليس "عن أبي حاتم". وتبعه على هذا، المباركفوريُّ. في "تحفة الأحوذي" (1/ 111). ... وفي الباب أيضًا: حديث علي بن أبي طالب. وهذا لم يذكره الترمذيُّ. أخرجه ابنُ ماجة (396) قال: حدثنا أبو بكر بنُ أبي شيبة، وهذا في "مصنفه" (1/ 100) حدثنا أبو بكر بنُ عياش، قال: حدثنا أبو إسحق، عن الحارث، قال: دعا عليُّ بماءٍ، فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإِناء، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صنع. * قُلْتُ: وسندُهُ واهٍ. وأبو بكر بن عياش، وإن كان عدلًا، فحفظُه ساء لما كبر وأبو إسحق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = السبيعي مدلسٌ. والحارث الأعور واهٍ على التحقيق. والله أعلمُ.

باب السواك إذا قام من الليل

باب السِّوَاكِ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ 2 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 2 - إسْنَادُهُ صَحِيح. * أما إسحقُ بن إبراهيم، فهو ابنُ راهويه. أخرج له الجماعة سوى ابن ماجة. وقد روى عنه المصنفُ (348) حديثًا، وقال عنه: "إسحقُ أحدُ الأئمة، وهو ثقةٌ مأمونٌ". وقال أبو حاتم الرازي: "والعجبُ من إتقانه وسلامته من الغلط، مع ما رزق من الحفظ" ومناقبُهُ جمَّةٌ، والثناء عليه كثيرٌ وعاطر. رحمه الله تعالى. * جرير، هو ابنُ عبد الحميد الضبيُّ، أبو عبد الله الرازيُّ. ترجه البخاريُّ في "الكبير" (1/ 2/ 214)، وابنُ أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1/ 1/ 505 - 507) وقال: "قلتُ لأبي: جرير يُحتجُّ به؟ قال: نعم، جريرٌ ثقةٌ". قال: "وسمعتُ أبا زرعة يقولُ: جريرٌ صدوقٌ من أهل العلم" ووثقه النسائيُّ، والعجليُّ، وغيرُهُما. حتى قال أبو القاسم اللالكائي: "مجمعٌ على ثقته".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ * قُلْتُ: والأمر على ما قال، وحسبك بكلام أبي حاتمٍ فيه، وهو متعنتٌ جدًّا. وإذا وثق رجلًا، فهنيئًا له!! وقد قال الذهبيُّ في "سير النبلاء" (13/ 260): "إذا وثق أبو حاتم رجلًا، فتمسك بقوله، فإنه إلاَّ يوثق إلاَّ رجلًا صحيح الحديث، وإذا ليَّن رجلًا، أو قال فيه: "لا يحتجُّ به"، فتوقف حتَّى ترى ما قال غيرُهُ فيه، فإن وثقه، فلا تَبْنِ على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنتٌ في الرجال، قد قال في طائفةٍ من رجال "الصحاح": "ليس بحُجةٍ" أو"ليس بالقويّ"، أو نحو ذلك" اهـ. وفي ترجمة "بهز بن أسد" من "التهذيب": "قال جرير بنُ عبد الحميد: اختلط عليَّ حديث عاصم الأحول، وأحاديث أشعث بن سوَّار، حتى قدم علينا بهزٌ فخلَّصها" فعلق الإِمام أحمد على ذلك بقوله: "لم يكن بالذكيِّ!، -يعني جريرًا- اختلط عليه حديث أشعث، وعاصم الأحول، حتى قدم عليه بهزٌ، فعرَّفَهُ". * قُلْتُ: وهذا لا يضرُّ جريرًا كما يأتي. ولكن هناك من يتلمسُ العثرات، ولا يراعى لأحدٍ حرمةً، كصاحب "تأنيب الخطيب" الشيخ محمد زاهد الكوثري -المتعصب المعروف-، فإنه اتخذ مقالة أحمد سُلَّمًا يطعن بها على جريرٍ، فقال: "مضطربُ الحديث، وكان سيىء الحفظ، انفرد برواية حديث الأخرس الموضوع. والكلام فيه طويلُ الذيل، وليس هو ممن يُساق خبرُهُ في صدد سرد المحفوظ عند النقلة، إلا على مذهب الخطيب!! " اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد ردَّ عليه الشيخُ العلامة، ذهبيُّ العصر، المحققُ البارع، عبد الرحمن بن يحيى المعلميُّ اليمانيُّ - رضي الله عنه - في كتابه الفذ: "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" ردًّا قويًّا، فلخصتُه هنا لطرافته، وقد زدتُ عليه شيئًا يسيرًا. أما قولُ الطاعن: "مضطربُ الحديث"، فكلمةٌ لم يقلها أحدٌ قطُ من السالفين. فأيُّ قيمةٍ لجرح هذا المتأخر المجروح؟!! وأما قصه الأخرس، فالجوابُ عنها من وجهين: * الأول: أن القصة تفرد بها سليمان بن داود الشاذكوني، وكان غير ثقة كما قال النسائيّ. وتركه أبو حاتمٍ، بل كذَّبه صالح بن محمد. وقال البخاري فيه: "منكرُ الحديث". وقد نقل الذهبي في "الميزان" (1/ 6، 202) عن البخاريِّ قوله: "كل من قلتُ فيه: "منكر الحديث" فلا تحلُّ الروايةُ عنه". فهذا عنده جرحٌ شديدٌ بلا ريْبٍ. وإذ الأمر كذلك، فالحملُ على الشاذكوني أولى، وأليقُ بالصنعة، من الحمل على جرير. هذا إن كان لجريرٍ فيه ذنبٌ!! * الثاني: أن القصة تفيد تدليسًا، ولا تفيد اضطرابًا، هذا إن صحَّتْ، فكيف وقد تقدَّم ذكرُ العلة؟! فقد زعم الشاذكوني أن جريرًا ذكر أولًا عن مغيرة، عن إبراهيم، في طلاق الأخرس. ثم ذكر ثانيًا: عن سفيان، عن مغيرة. ثم ذكر ثالثًا عن ابن المبارك، عن سفيان. ثم قال: "حدثنيه رجلٌ خراسانيُّ عن ابن المبارك". فلو صحَّت القصة لما كان فيها إلا التدليس، بإسقاط =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثلاثةٍ، ثم اثنين، ثم واحد. قال الحافظُ: "إن صحَّتْ حكاية الشاذكونيّ، فجريرٌ كان يُدلِّسُ". * قُلْتُ: وقد عرَّفْناك أنها لم تصح، وصنيع الحافظ يدلُّ على ذلك. فإنه لم يذكر شيئًا من ذلك في "التقريب"، ولا في "طبقات المدلسين"، فهو لم يورده فيها أصلًا. بل قال أبو خيثمة: "لم يكن جريرٌ يدلسُ". أما قول الطاعن: "سيئ الحفظ"!! فهذا تخديشٌ في الرُّخام!!، بل هذا القولُ -من هذا المتأخر المجروح- يذهب أمام الحقيقة العلمية: "كضرطة عيرٍ في فلاةٍ"!! فإن جريرًا -كما هو معلومٌ- كان لا يحدثُ من حفظه إلا نادرًا، وإنما كان يعتمدُ على كتابه، ولم ينكروا عليه شيئًا حدَّث به من حفظه، وأثنوا على كُتُبه بالصحة. قال ابْنُ عمار الموصليُّ: "حُجَّة، كانت كُتُبه صحاحًا". فأما ما حكاه العقيلي (ق 38/ 1) عن أحمد: "لم يكن بالذكيِّ! اختلط عليه حديث أشعث، وعاصم الأحول، حتى قدم جمليه بهزٌ فعرَّفه" فهذا لا يعطي ما زعمه الطاعنُ من سوء حفظ جرير. بل إني أنظرُ إلى قولة أحمد، فأجدها ترفع جريرًا ولا تضعه!!. ذلك أنه بن تمام التقوى، وكمال الصدق أن يُبين ما اختلط عليه ولا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يُخفيه، فإنه لا يُطلب من المحدث أن لا يشُكَّ في شيءٍ، وإنما المطلوبُ منه أن لا يحدث إلا بما يتقنه، فإن حدث بما لا يتقنه، بيَّن الحال، فإذا فعل ذلك، فقد أمِنَّا من غلطه، وحصل بذلك المقصود من الضبط. فمعنى هذا: أن جريرًا بيّن لمن يروي له، أن حديث أشعث وعاصم اختلط عليه، حتى ميَّز له بَهْزٌ، ويُفهم من هذا أنه لم يُحدث بها حال اختلاطها عليه، حتى قدم بَهْزٌ، فكان إذا حدَّث بيَّن الحال أفيُلام جريرٌ على مثل هذا الصنيع المشكور؟! إذا محاسني اللاتي أدل بها عدت ... عيوبًا، فقل لي كيف أعتذرُ؟! وقد ذُكرتْ كلمة أحمد لابن معين، فقال: "ألا تراه قد بيَّنها". يعني أن جريرًا يُشكر على فعله، ولا يجوز أن يُقدح فيه بحالٍ. فإن قيل: فإنه يؤخذ مما مضى، أنه لم يكن يحفظ، وإنما كان اعتمادُهُ على كُتُبه؟! فالجواب: أن هذا لا يعطى ما زعمه الطاعن أنه كان سيىء الحفظ، فإن هذه الكلمة إنما تُطْلق في صدد القدح فيمن لا يكونُ جيد الحفظ، ومع ذلك يُحدث من حفظه، فيُخْطىء. فأما من كان لا يُحدث من حفظه إلا بما أجاد كجريرٍ، فلا معنى للقدح فيه بأنه لم يكن جيد الحفظ. والله الموفقُ. * منصور، هو ابن المعتمر. ترجمه البخاريُّ في "الكبير" (4/ 1/ 346) ونقل عن يحيى بن سعيد أنه قال: "كان من أثبت الناس". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال أبو حاتم -وسُئل عن الأعمش ومنصور-: "الأعمش حافظٌ، يخلطُ ويُدَلِّسُ، ومنصور أتقن، لا يخلطُ، ولا يدلِّسُ". نقله عنه ولدُهُ في "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 177). * وأبو وائل، هو شقيقُ بْنُ سلمة، ثقةٌ، فحلٌ، مخضرمٌ. ... والحديث أخرجه البخاريُّ (1/ 356 و 2/ 375 و 3/ 19 - فتح)، ومسلمٌ (255/ 46 - 47)، وأبو عوانة (1/ 192)، وأبو داود (55)، وابْنُ ماجة (286)، والدارميّ (1/ 140)، وأحمدُ (5/ 382، 390، 402، 407)، وابنُ أبي شيبة في "المصنف" (1/ 168)، والطيالسيُّ (409)، والحميديُّ (441) وابن الجعد في "مسنده" (رقم 2691)، وابنُ خزيمة (ج1 رقم 136)، وابنُ حبان في "صحيحه" (ج2 / رقم 1069)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 3 / رقم 2948)، وفي "الصغير" (2/ 97 - 98)، وابنُ الأعرابي في "معجمه" (ق 74/ 2)، وابنُ نصر في "قيام الليل" (47)، والبيهقيُّ (1/ 38)، وأبو نُعيم في "الحلية" (7/ 180 - 181)، والخطيبُ في "التاريخ" (3/ 147 و 11/ 98) والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 395) من طرقٍ، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فذكره. وقد رواه عن أبي وائل غيرُ واحدٍ، منهم: "منصور بن المعتمر، وحصين، والأعمش، وسعيد بن مسروق" ووقع في رواية حصين: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "كان إذا قام للتهجُّد". واختُلف عن حصين فيه. فرواه عنه يحيى بن سلمة بن كُهيل، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله بن مسعود فذكره. فجعل الحديث من "مسند ابن مسعود". أخرجه ابنُ عدي في "الكامل" (7/ 2654) من طريق جبارة، ثنا يحيى به. * قُلْتُ: وهذا منكرٌ، لأن عامة أصحابْ حصين، يجعلونه من "مسند حذيفة". وجبارة بن المغلس، ويحيى بن سلمة ضعيفان، ويحيى أضعفُ الرجُلين. وقد اختُلف على يحيى بن سلمة فيه. فرواه محمد بن كثير، عنه، عن أبيه، عن أبي وائل، عن حذيفة مثل رواية الجماعة. أخرجه ابْنُ عديٍّ أيضًا (6/ 2258). وسندُهُ واهٍ. ومحمد بن كثير، قال ابنُ عديٍّ: "الضعف على حديثه ورواياته بَيِّنٌ". بل تركه الساجي وغيره. وكان ابن معين حسن الرأى فيه. ويحيى بن سلمة تقدم القولُ فيه. ... وهناك وجوهٌ أخرى من الاختلاف في هذا الحديث، سأذكرها -إن شاء الله تعالى- في كتاب "قيام الليل" (1623). والله أسألُ أن يوفقنا لإِتمامه بخير، وأن يتقبله منا بقبول حسنٍ، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

كيف يستاك

كَيف يَسْتَاكُ 3 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَسْتَنُّ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ وَهُوَ يَقُولُ «عَأْعَأْ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 3 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * أحمدُ بنُ عَبدَة، هو ابنُ موسى الضبيُّ، أبو عبد الله البصريُّ. وثقه أبو حاتم، والنسائيُّ، وابنُ حِبَّان. روى عنه الجماعةُ، حاشا البخاريّ، ففي غير "الصحيح". أما ابنُ خراش -رحمه الله تعالى- فتكلم فيه، فما أصاب. قال الذَّهبيُّ: "قال ابنُ خراش: تكلم الناسُ فيه، فلم يُصدق ابنُ خراشٍ في قوله هذا، فالرَّجُل حُجَّةٌ" اهـ. وقد روى عنه المصنف تسعة أحاديث في كتابه. * حمادُ بْنُ زيد، هو ابنُ درهم الأزديُّ، أبو إسماعيل البصريُّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ، ثبتٌ، حُجَّةٌ، كثيرُ الحديث. قال أحمدُ: "حمَّادٌ، من أئمة المسلمين، من أهل الدِّيْن والإِسلام". * غَيْلان بنُ جرير، هو المعوليُّ، البصريُّ. أخرج له الجماعة، ووثقه ابنُ معين، وأبو حاتم، والمصنفُ، وابنُ سعدٍ، والعجليُّ، وابْنُ حِبَّان. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * أبو بردة، هو ابنُ أبي موسى الأشعري. قيل اسمه: "الحارث"، وقيل: "عامر" والذي يترجحُ هو الأخيرُ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ، صدوقٌ. ... والحديثُ أخرجه البخاريُّ (1/ 355 - فتح)، ومسلمٌ (254/ 45)، وأبو عوانة (1/ 192)، وأبو داود (49)، وأحمدُ (4/ 417)، وابْنُ خزيمة (1/ 73)، وابنُ حِبِّان (ج2 / رقم 1070) وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج1/ رقم 336، 337)، والبيهقي (1/ 35)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 396) من طرقٍ عن حماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبي موسى به .. وقد رواه عن حماد بن زيد جماعةٌ، منهم: "مُسدَّدُ بنُ مسرهد، وسليمان بنُ داود العتكيُّ، وأبو النعمان عارمُ، وأحمدُ بنُ عَبْدةَ، والهيثمُ بنُ جميل، ويحيى بنُ حبيب الحارثيُّ، ومحمد بن عيسى الطبَّاعُ". ووقع عند البخاري: "وهو يقولُ: أع، أع، والسواكُ على فيه، كأنَّه يتهوعُ" وليس في رواية مسلم وأحمد ذكرُ الصوت. وعند أبي داود، وأبي عوانة، وابن المنذر: "وهو يقولُ: إه، إه". وعند أبي عوانة أيضًا: "وهو يقول: عق، عق". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وروايةُ ابن خزيمة، وابن حبان، كرواية المصنف هنا. وأفاد الحافظُ في "الفتح" أن عند الجوزقي: "وهو يقول: إخ، إخ". قال الحافظُ: "وإنما اختلفت الرواةُ لتقارب مخارج هذه الأحرف". قال البغويُّ -رحمه الله- في "شرح السُّنة": "يستنُّ: أي يستاك، ويتهوعُ: أي يتقيأ. والسواكُ مستحب في عموم الأحوال. وهو في حالتين أشدُّ استحبابًا: عند القيام إلى الصلاة، وعند تغيُّر الفم بنومٍ، أو كل شيءٍ يُغيِّرٌ الفم. ولا بأس أن يستاك بسواك الغير" اهـ. * قُلْتُ: يشيرُ البغوي بآخر كلامه إلى ما رواه البخاري (8/ 138 - فتح) والبيهقيُّ (1/ 39) وابن بشكوال في "الغوامض" (1/ 459) عن القاسم، عن عائشة، قالت: "دخل عبد الرحمن بنُ أبي بكرٍ ومعه سواكٌ يستنُّ به، فنظر إليه رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقلتُ له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقصمتُهُ، ثم مضغتُهُ، فأعطيتُه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاستنَّ به وهو مستندٌ على صدري". بوَّب عليه البخاري بقوله: "بابُ من تسوك بسواك غيره" وأخرجه البخاريُّ أيضًا (1/ 377) وأحمد (6/ 200، 274) وابنُ بشكوال في "الغوامض" (1/ 458) من طريق عروة، عن عائشة، والسياق السابق لروايته عنها. ورواه ابن أبي مليكة عنها أيضًا. أخرجه أحمد (6/ 48). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وفي الباب أيضًا عن ابن عمر، رضي الله عنهما. أخرجه البخاري (1/ 356) - فتح، ومسلمٌ (2271/ 19 و 3003/ 70)، والبيهقي (1/ 39 - 40) من طريق نافع، عنه، مرفوعًا: "أراني أتسوَّكُ بسواكٍ، فجاءني رجلانِ أحدُهما أكبرُ من الآخر، فناولتُ السواكَ الأصغر منهما، فقيل لي: كبِّر، فدفعته إلى الأكبر منهما". قال الحافظُ في "الفتح" (1/ 357): "وفيه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروهٍ، إلا أن المستحَبَّ أن يغسله، ثم يستعمله" اهـ. وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها. أخرجه أبو داود (52)، ومن طريقه البغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 397) من طريق عنبسة بن سعيد الكوفي الحاسبُ، حدثني كثيرٌ، عن عائشة، قالت: "كان نبيُّ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستاكُ، فيعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به وأستاكُ، ثمَّ أغسلُهُ، وأدفعه إليه". * قُلْتُ: وسندُهُ حسن في الشواهد. وكثير بن عبيد، هو رضيعُ عائشة. لم يوثقه إلا ابنُ حِبَّان وروى عنه جماعةٌ. وقال النووي في "المجموع" (1/ 283): "حديثٌ حسنٌ، رواه أبو داود بإسنادٍ جيدٍ" قال الحافظُ في "الفتح" (1/ 357): "وهذا دالٌّ على عظم أدبها، وكبير فطنتها، لأنها لا تغسله ابتداءً حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه، ثم غسلته تأدبًا وامتثالًا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ويُحتمل أن يكون المرادُ بأمرها بغسله، تطييبُه، وتليينُه بالماء قبل أن يستعمله. والله أعلمُ" اهـ.

باب هل يستاك الإمام بحضرة رعيته.

باب هَلْ يَسْتَاكُ الإِمَامُ بِحَضْرَةِ رَعِيَّتِهِ. 4 - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - قَالَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعِى رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِى وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِى وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَاكُ فَكِلاَهُمَا سَأَلَ الْعَمَلَ قُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا أَطْلَعَانِى عَلَى مَا فِى أَنْفُسِهِمَا وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ قَلَصَتْ فَقَالَ «إِنَّا لاَ - أَوْ لَنْ - نَسْتَعِينَ عَلَى الْعَمَلِ مَنْ أَرَادَهُ وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ». فَبَعَثَهُ عَلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَرْدَفَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضى الله عنهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ 4 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * عمرو بن عليٍّ، هو ابنُ بحرٍ بن كُنيز، أبو حفص البصريُّ. وهو ثقةٌ جليلٌ، من رجال الجماعة. تكلم ابنُ المديني في روايته عن يزيد بن زريعٍ. قال الحافظ: "لأنه استصغره فيه". قال الحاكمُ: "وكان عمرو يقولُ أيضًا في عليِّ بن المديني، وقد أجلَّ الله تعالى محلهما جميعًا عن ذلك" اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يعني أن كلام الأقران غيرُ معتبرٍ في حقِّ بعضهم بعضًا، إذا كان غير مفسرٍ لا يقدحُ. هذا كلامُ الحافظ -رحمه الله-. روى عنه المصنف (297) حديثًا. * يحيى بن سعيد القطان. أخرج له الجماعةُ. ثقةٌ، ثبتٌ، جبلٌ. إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. * قرة بنُ خالد السدوسيُّ. وثقهُ أحمدُ، وابنُ معين، وأبو حاتم، والمصنفُ، وغيرُهُمْ. * حميدُ بْنُ هلال هو ابنُ هبيرة. وثقهُ ابنُ معين، وأبو حاتم، والمصنفُ، والعجليُّ. أمَّا ابنُ سيرين، فكان لا يرضاهُ. * قُلْتُ: إنَّما كان لا يرضاه لتدخله في عمل السلطان كما قال أبو حاتمٍ. وهذا ليس بجرحٍ قادحٍ، يُطرح حديثُ الراوي من أجله. ففي ترجمة أحمد بن عبد الملك بن واقد. قال الميموني: "قُلْت لأحمد: إنَّ أهْلَ حرَّان يُسيئون الثناء على أحمد بن عبد الملك؟! فقال: أهلُ حرَّان قل أن يرضوا عن إنسانٍ هو يغشى السلطان". قال الحافظُ في "هدي الساري" (ص- 387): "فأفصح أحمدُ عن السبب الذي طعن فيه أهلُ حرّان من أجله، وهو غيرُ قادحٍ" اهـ. وكذا ترك زائدةُ بنُ قدامة حديث حميد الطويل. وقال مكي بنُ إبراهيم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "أأسمع من الشرطي؟! " يعني حميدًا. فكلام مكيّ بن إبراهيم يومئ إلى دخول حميد الطويل في شيءٍ من عمل السلطان. وقد احتجَّ الناس بحديث حميد الطويل. ... والحديث أخرجه البخاريُّ (12/ 268 - فتح)، ومسلمٌ (3/ 207 - 208 نووي)، وأبو عوانة (1/ 193)، وأبو داود (4354)، والمصنفُ في "القضاء - من الكبرى" -كما في "أطراف المزي" (6/ 449) -، وأحمدُ (4/ 409)، وابنُ حبان (ج2/ رقم 1068)، وبحشل في "تاريخ واسط" (238)، والبيهقيُّ (8/ 195) من طرقٍ عن يحيى بن سعيد القطان بإسناده سواء. وزادوا: " .... ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلمَّا قدم عليه قال: انزل. وألقى إليه وسادة، وعنده رجلٌ موثقٌ. قال: ما هذا؟!. قال: هذا كان يهوديًّا، فأسلم، ثم راجع دينه، دين السوء، فتهوَّد!! قال: لا أجلس حتى يُقتل، قضاءُ الله ورسوله، ثلاث مراتٍ فأمر به فقُتل. ثم تذاكرا قيام الليل. فقال أحدهما -يعني معاذ-: أمَّا أنا فأنام وأقومُ، وأرجو في نومتى ما أرجو في قومتى". وقد أخرجه البخاريُّ (4/ 439 و 13/ 125)، وأبو داود (3579) وأحمد (4/ 411، 417) مختصرًا. ويأتي ذكر طرقه، والاختلاف في بعضها عند الحديث (5382) من كتاب "آداب القضاة" باب: "ترك استعمال من يحرص على القضاء". يسر الله ذلك بمنِّه وكرمه.

باب الترغيب فى السواك

باب التَّرْغِيبِ فِى السِّوَاكِ 5 - أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ - قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى عَتِيقٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 5 - إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَهُوَ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. * حميدُ بنُ مسعدة، هو ابنُ المبارك الباهليُّ. أخرج له الجماعة، حاشا البخاريّ. وثقه المصنف، وروى عنه (55) حديثًا، وابنُ حِبَّان. قال أبو حاتم: "كان صدوقًا". * محمد بْنُ عبد الأعلى، هو الصنعاني البصري. روى عنه المصنفُ (160) حديثًا. ووثقه الرازيان، وابنُ حِبَّان. روى عنه الجماعة إلا البخاريَّ، وأبا داود، وروى له الأخير في "كتاب القدر". قال المصنفُ في "أسماء شيوخه": "كتبنا عنه"، وأثنى عليه خيرًا. * يزيد بنُ زريعٍ، هو العيشيّ، أبو معاوية البصريُّ. أخرج له الجماعة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أطنب أحمدُ في الثناء عليه. ووثقه ابنُ معين، وأبو حاتم، وغيرُهُما. * عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق. لم يخرج له من الجماعة سوى المصنف، والبخاريّ، في "الأدب المفرد". أما المصنفُ -رحمه الله- فلم يخرج له سوى هذا الحديث الواحد، وأما البخاريُّ -رحمه الله- فلم يخرج له في "الأدب" إلا حديثًا واحدًا برقم (984) عن نافع، عن ابن عمر، في فضيلة البدء بالسلام. وثقه ابنُ حبَّان. وقال أحمدُ: -كما في "علل ولده" (2/ 44): "لا أعلمُ إلا خيرًا". * وأبوه: عبد الله بنُ أبي عتيق، واسمُ أبي عتيق: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر. أخرج له الشيخان، وابنُ ماجة. ووثقه العجليُّ، وابنُ حبان. وقال مصعبُ الزبيريُّ: "كان امرأً صالحًا، وكانت فيه دعابةٌ". ... والحديث أخرجه البخاريُّ (4/ 158 - فتح) مُعلَّقًا (¬1)، ووصله = ¬

_ (¬1) قال المنذري في "الترغيب" (1/ 101): "رواه البخاري معلقًا مجزومًا. وتعليقاته المجزومة صحيحة" وقال النووي في "المجموع" (1/ 268): "وهذا التعليق صحيح لأنه مجزوم به".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أحمدُ (6/ 124)، وأبو يعلى (ج8 / رقم 4916)، وأبو بكر المروزيّ في "مسند أبي بكر" (109)، وابنُ حِبَّان (143)، والمعمريُّ في "عمل اليوم والليلة"، والبيهقيُّ (1/ 34)، والمزيُّ في "تهذيب الكمال" (ج 2/ لوحة 799)، والحافظُ في "التغليق" (3/ 164) من طريق يزيد بن زريع، عن عبد الرحمن بن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة به. قال البغوي في "شرح السُّنة" (1/ 394): "حديثٌ حسنٌ" وقال النووي في " المجموع" (1/ 267): "حديث صحيح". وقد توبع عبد الرحمن بن أبي عتيق عليه. تابعه محمد بنُ إسحق، حدثني عبدُ الله بنُ محمدٍ، عن عائشة به. أخرجه الشافعيُّ في "المسند" (ج1/ رقم/71)، وفي "الأم" (1/ 23)، وأحمدُ (6/ 47، 62، 238)، والحميديُّ في "المسند" (162)، وأبو يعلى (ج8/ رقم 4598) وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج1/ رقم 338)، والبيهقي (1/ 34)، وأبو نُعيم في "الحلية" (7/ 159)، وابنُ الدُّبيثي في "ذيل تاريخ بغداد" (1/ 284). وسندُهُ حسنٌ. وتصريح ابن إسحق بالتحديث، وقع في رواية لأحمد. وقد اختُلف فيه عن عبد الرحمن بن أبي عتيق، وابن إسحق معًا. فأما عبد الرحمن: فرواه عنه يزيد بن زريعٍ، على الوجه السابق. وخالفه حمادُ بنُ سلمة، فرواه عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبي بكر الصديق مرفوعًا به. فجعل الحديث من "مسند أبي بكر". أخرجه أحمدُ (رقم 7، 62)، وأبو يعلى (ج1/ رقم 109، 110)، و (ج8 / رقم 4915)، وأبو بكر المروزيُّ في "مسند أبي بكر" (رقم 108، 110)، وتمام الرازي في "الفوائد" (ج2 / ق 21/ 2)، وأبو العباس السرَّاج في "المسند " -كما في " الفتح" (4/ 159) -، وفي "البيتوتة" (رقم 5) من طُرُقٍ عن حماد بن سلمة. قال أبو يعلى: "سألتُ عبد الأعلي بن حماد عنه، فقال: هذا خطأ". وقال ابنُ أبي حاتم في "العلل" (ج1/ رقم 6): "سألتُ أبي وأبا زرعة عن حديثٍ رواه حمادُ بنُ سلمة ... فذكره. قالا: هذا خطأ، إنما هو: ابنُ أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة. قال أبو زرعة: أخطأ فيه حمَّادٌ. وقال أبي: الخطأ من حماد أو ابن أبي عتيقٍ" اهـ. وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج1 / ق 23/ 2): "يرويه حمادُ بنُ سلمة، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكرٍ. وخالفه جماعةٌ من أهل الحجاز وغيرُهُم، فرووه عن ابن أبي عتيقٍ، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الصوابُ (¬1) " اهـ. = ¬

_ (¬1) وأعلَّهُ الهيثمي في "المجمع" (1/ 220) بأن عبد الله بن محمد لم يسمع من أبي بكرٍ رضي الله عنه، ولم يلتفت لعلة الاختلاف فيه. وطريقة الهيثمي أنه يجري على ظاهر السند، وغالبًا ما يُهمل العلة التي أشار إليها صاحب الكتاب. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: فمقتضى كلام الدَّارقطنيّ أن الخطأ من حمَّادٍ، وليس من ابن أبي عتيق. وهو الأقربُ عندي، بل هو الصوابُ، وقد جزم أبو زرعة بذلك. فقد رواه عن ابن أبي عتيق جماعةٌ منهم: "يزيد بن زريع، والدراورديّ، وسليمانُ بنُ بلالٍ، وغيرُهُمْ"، وهم أثبتُ من حماد بن سلمة. وقد قال الحافظُ في "التغليق" (3/ 166): "شذَّ حمادُ بنُ سلمة فرواه .... وهو خطأ". قال الدَّارقطنيُّ في "العلل": "وابنُ أبي عتيقٍ هذا، هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر". * قُلْتُ: كذا وقع في "العلل"، وذلك أن محمد بن عبد الرحمن كان يُكْنى: "أبا عتيقٍ"، فهو بهذا الاعتبار صحيحٌ لا محيد عنه كما قال الحافظُ في "التغليق" (3/ 164)، ولكن ابنُ أبي عتيقٍ، الواقعُ في السند، هو ولدُهُ عبد الرحمن، لا شك في ذلك. والله أعلمُ. وقد أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج1/ رقم 278) قال: حدثنا أحمد بن رشدين، قال: حدثنا روح بن صلاح، قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا به. قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن أبي أيوب إلا روحُ بْنُ صلاح". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيف جدًّا. وشيخ الطبرانيِّ واهٍ، بل كذَّبه غير واحدٍ كما وقع في كلام ابن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عديٍّ. وروح بنُ صلاح مختلفٌ فيه. فوثقه ابنُ حبان، والحاكمُ، وزاد: "مأمونٌ" وضعّفه ابنُ عدي، والدارقطنيُّ، وابنُ ماكولا. وقال ابنُ يونس في "تاريخ الغرباء": "رويت عنه مناكيرُ". أمَّا محمدُ بنُ عبد الله بن أبي عتيقٍ، فلا أدرى هل هو أخٌ لعبد الرحمن أم لا؟ ولم أقف على ما يثبت ذلك أو ينفيه. وقد ترجمه ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح والتعديل" (3/ 2/ 302 - 303)، وقال: "روى عن عمر بن عبد العزيز، روى جعفر بن ربيعة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يوسف عنه". ولم يزد فيه على ذلك، فهو مجهولٌ. ووجه آخر من الاختلاف على عبد الرحمن بن أبي عتيقٍ فيه. فرواه سليمان بنُ بلال، عنه، عن القاسم بن محمد، عن عائشة مرفوعًا به. فصار شيخُ عبد الرحمن هو: القاسمُ بنُ محمد". أخرجه البيهقيُّ (1/ 34) من طريق ابن وهبٍ، عن سليمان. وسندُهُ قويٌّ، ويشبه أن يكون لعبد الرحمن فيه شيخان. وقد توبع عبد الرحمن على هذا الوجه. تابعه داودُ بنُ الحصين، عن القاسم به. أخرجه أحمد (6/ 146)، والدَّارميُّ (1/ 140)، ومن طريقه الحافظُ في "التغليق" (3/ 165) -، وابنُ أبي شيبة (1/ 169)، وأبو يعلى (ج8/ رقم 4569) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبي حبيبة، أخبرني داود بن الحصين به. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ لأجل إبراهيم هذا. فقد ضعّفه ابنُ معين والمصنفُ، وغيرُهُما. وهناك وجوهٌ أخرى من الاختلاف يأتي ذكرُها. أما الاختلاف على ابن إسحق فيه. قال الدارقطنيُّ في"العلل" (ج 5/ ق 101/ 1 - 2): "يرويه محمدُ بنُ إسحق، واختُلف عنه. فرواه عبدُ الله بنُ إدريس، عن محمد بن إسحق، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة، عن عائشة. ولم يُتابع عليه. ورواه مؤمَّلُ، عن شعبة والثوريّ، عن محمد بن إسحق، عن رجُلٍ، عن القاسم، عن عائشة (¬1). وكذلك رواه مصعبُ بن () (¬2) عن الثوريّ، عن ابن إسحق. واختُلف عن ابن عيينة. فرواه عليُّ بْنُ عبد الحميد الغضائريُّ (¬3) الحلبيُّ، عن ابن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن مسعرٍ، عن ابن إسحق، عن عبد الله بن أبي عيينة، عن عائشة. وخالفه الحميديُّ وغيرُهُ، فرووه عن ابن عيينة، عن ابن إسحق، ولم يذكروا فيه: "مسعرًا"، وقالوا فيه: "عن ابن أبي عتيق، عن عائشة"، وابنُ أبي عتيقٍ هو: عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصدِّيق، وقد سمع هذا الحديث = ¬

_ (¬1) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/ 94) ولكن عنده: "عن ابن إسحق عن ابن أبي عتيق عن القاسم". (¬2) بياضٌ بالمخطوطة، ولعله مصعب بن ماهان، أو مصعب بن المقدام، وكلاهما يروى عن الثوري. والله أعلمُ. (¬3) كما في "تبصير المنتبه" (ص- 1012).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من عائشة. وأبو محمد هو: أبو عتيق. وكذلك رواه ابن أبي عديٍّ، عن ابن إسحق. ورواه داود بن الزِّبْرقَان، عن ابن أبي عتيق، عن القاسم، عن عائشة، وليس هو بمحفوظٍ. ورواه يزيدُ بنُ زريع، عن عبد الرَّحمن بنْ أبي عتيقٍ، عن أبيه، عن عائشة، فإن كان حفظ اسمه، فهو عبد الرَّحمن بن عبد الله بن أبي عتيقٍ، والصوابُ أن ابن أبي عتيق سمعه من عائشة، وذكرُ القاسم عنه غيرُ محفوظٍ" اهـ. * قُلْتُ: هذا كلُّهُ كلامُ الدَّارقطنيُّ رحمه الله، نقلتُهُ لنفاسته، وفيه كثيرٌ من الطرق التي غابت عنا مصادُرها. وقد ذكر أبو نعيم في "الحلية" (7/ 94) بعض هذه الوجوه، والصحيحُ من هذه الوجوه هو: "محمد بن إسحق، عن عبد الله بن محمد، عن عائشة" والله أعلمُ. وللحديث طريق آخر عن عائشة مرفوعًا. يرويه عبيد بن عمير، عنها. أخرجه ابنُ خزيمة في "صحيحه" (1/ 70)، والبيهقيُّ (1/ 34)، وأبو نُعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 105) من طريق ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عبيد بن عمير به. وسندُهُ صحيحٌ لولا عنعنة ابن جريجٍ. وحديثُ الباب صححه النوويُّ، وحسنه البغويُّ. وقال ابنُ الصلاح: "إسنادُهُ صالحٌ". ... * قُلْتُ: وفي الباب عن أبي هريرة، وابن عمر، وابن عباسٍ، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأبي أمامة، رضي الله عنهم. أولًا: حديث أبي هريرة، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ حِبَّان (144) قال: حدثنا ابنُ زهير، بتُستر، حدثنا عبد القدوس بن محمد بن عبد الكبير، حدثنا حجاجُ بنُ المنهال، حدثنا حماد بنُ سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعًا: "عليكم بالسواك، فإنه مطهرةٌ للفم، مرضاة للربِّ". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ظاهرُهُ الصحةُ. وشيخُ ابن حِبَّان هو: أحمد بن يحيى بن زهير التستريُّ. لكني رأيتُ الحافظ أعلَّهُ في "التلخيص" (1/ 60) فقال: "والمحفوظ عن حماد بغير هذا الإِسناد من حديث أبي بكرٍ، كما تقدَّم، والمحفوظ عن عبيد الله بن عمر بهذا الإِسناد بلفظ: "لولا أن أشقَّ ... رواه النسائيُّ وابنُ حِبَّان" اهـ. ويأتي الكلام عليه بعد حديثٍ إنْ شاء الله تعالى. ثانيًا: حديث ابن عمر، رضي الله عنهما. أخرجه أحمدُ (2/ 108) حدثنا قتيبةُ بنُ سعيد، ثنا ابنُ لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: "عليكم بالسواك، فإنه مطيبةٌ للفم، ومرضاةٌ للرَّبِّ". * قُلْتُ: وهذا سندٌ حسنٌ في الشواهد (¬1)، لأجل ابن لهيعة، = ¬

_ (¬1) أما الشيخُ أبو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله فقال في "شرح المسند" (8/ 134): "إسنادُهُ صحيح"!! وهذا جريًا منه على توثيق ابن لهيعة!، ولم يفعل الشيخ رحمه الله شيئًا!!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقتيبة بنُ سعيد ليس من قدماء أصحابه. وزعم بعضُ أصحابنا أن قتيبة بن سعيد يلتحق بقدماء أصحاب ابن لهيعة لجلالته!! كذا قال!!، وسقوطُهُ أظهرُ من تكلُّف الردِّ عليه! وهذا الحديث عزاه الهيثمي للطبرانيّ في "الأوسط" وقال (1/ 220): "فيه ابنُ لهيعة، وهو ضعيف"! والحقُّ، أن الهيثمي مضطربٌ جدًّا في شأن ابن لهيعة، فمرَّةً يوثقُهُ مع غمز خفيفٍ، ومرةً يُحسِّنُ حديثه، ومرةً يضعِّفُهُ وقد ذكرتُ نماذج كثيرة تدلُّ على ذلك في كتابي: "كشف الوجيعة ببيان حال ابن لهيعة"، فلِلَّه الحمدُ. ثالثًا: حديث ابن عباس، رضي الله عنهما. أخرجه البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (4/ 2/ 396)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج11/ رقم 12215) من طريق خليفة بن خياط، حدثنا حمرانُ بن عبد الله الدَّارميُّ، قال: نا يعقوب بن إبراهيم بن حنين، مولى ابن عباس، عن أبيه، عن جدِّه، عن ابن عباس مرفوعًا: "السِّواكُ يُطيِّبُ الفَمَ، وَيُرْضِى الرَّبَّ". * قُلتُ: كذا وقع اسم شيخ خليفة: "حمران بن عبد الله الدارميّ " ووقع في "معجم الطبراني" أنه "حباب" بالمهملة ثم باء. هكذا، بغير نسبة. وفي "الجرح والتعديل" (1/ 2/ 302): "حباب بن عبد الله الدارمي"، وفيه أيضًا (4/ 2/ 201): "حباب بن عبيد الله". وعلى كل حالٍ فهو مجهولُ الحال، وكذا يعقوبُ بنُ إبراهيم، وأبوه، وجدُّه، ترجمهم ابنُ أبي حاتم في "كتابه"، ولم يذكر فيهم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = جرحًا ولا تعديلًا. وله طريق آخر عند الطبراني في "الأَوسط" وفيه زيادة: "ومجلاةٌ للبصر". قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 220): "فيه بحر بن كُنيز السقاء، وقد أجمعوا على ضعفه". وله طريق آخر عن ابن عباس مرفوعًا، بلفظ: "عليكم بالسواك، فإنه مطهرةٌ للفم، ومرضاةٌ للرَّبِّ عزَّ وجلَّ، مفرحة للملائكة، يزيد في الحسنات، وهو السُّنَّة، يجلو البصر، ويشدُّ اللَّثة، ويُذهب البلغم، ويُطيب الفم". أخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 929). والبيهقيُّ في "الشُعب" -كما في "طرح التثريب" (2/ 63) من طريق بقية، عن الخليل بن مرة، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس به. * قُلتُ: وهذا حديث منكرٌ. وبقيَّةُ بن الوليد، مدلسٌ وقد عنعنهُ. والخليلُ بنُ مرة، ضعّفه المصنفُ، الساجي، والعقيليُّ، وابنُ الجارود وابنُ السكن، وأبو الحسن الكوفي وزاد: "متروك". وقال البخاريُّ: "منكرُ الحديث". أمَّا أبو زُرعة فقال: "شيخٌ صالحٌ". وقال العراقي في "طرح التثريب" (2/ 63): "والحديث لا يصحُّ". رابعًا: حديثُ أبي أمامة، رضي الله عنه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ ماجة (289) من طريق عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، مرفوعًا: "تسوَّكوا، فإن السواك مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرب. ما جاء جبريلُ إلا أوصاني بالسواك، حتى لقد خشيت أن يُفرض عليَّ، وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشقَّ على أمتي لفرضته عليهم، وإني لأستاك حتى لقد خشيتُ أن أُحفي مقادم فمي". قال البوصيريُّ في "الزوائد" (126/ 1): "هذا إسنادٌ ضعيف". وكذا قال الحافظ في "التلخيص" (3/ 120). سبقهما العراقيُّ في "طرح التثريب" (2/ 70). وقال البدرُ العيني في "العمدة" (6/ 181): "لم يثبُتْ". * قُلْتُ: عثمان بنُ أبي العاتكة، ضعيفُ الحفظ. وروايتُه عن علي بن يزيد فيها نكارةٌ. لكنه لم يتفرد به. بل تابعه عبيدُ الله بنُ زَحْر، عن علي بن يزيد به، بلفظ: "السواكُ مطيبةٌ للفم، مرضاة للرب عزَّ وجل". أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج 8/ رقم 7846) من طريق يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بنُ زحر به. وسندهُ ضعيف. يحيى بن أيوب، وعبيد الله بن زحر فيهما مقالٌ. ويحيى أقوى الرجلين وعلي بنُ يزيد الألهاني ضعيفٌ (¬1) = ¬

_ (¬1) وقال العراقي في "طرح التثريب" (2/ 63): "لا يصحُّ، وعلي بن يزيد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لكنه توبع. تابعه يحيى بن الحارث، عن القاسم به. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 8 / رقم 7744) من طريق بقية، عن إسحق بن مالك الحضرمي، عن يحيى بن الحارث. * قُلتُ: وسندهُ ضعيف. بقيةُ بنُ الوليد مدلسٌ، وقد عنعنهُ. وإسحق بنُ مالك الحضرمي، ضعَّفه الأزدي، وروى له هذا الحديث، وقال: "لا يصحُّ هذا". وقال ابنُ القطان: "لا يُعرف". والقاسم بنُ عبد الرحمن صدوق له أوهامٌ، وكان يُغرب كثيرًا. ... (تنبيه) هذا الحديث هو أولُ زوائد النسائي على أصحاب الكتب الخمسة. ¬

_ = الألهاني ضعيفٌ جدًّا" اهـ.

باب الإكثار فى السواك

باب الإِكْثَارِ فِى السِّوَاكِ 6 - أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «قَدْ أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِى السِّوَاكِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 6 - إِسنَادُهُ صَحِيحٌ ... * عمرانُ بنُ موسى، هو ابنُ حيان، أبو عمرو البصريُّ. أخرج له الترمذيُّ، وابنُ ماجة. وثقه المصنف، وروى عنه عشرين حديثًا، والدارقطنيُّ، وكذا مسلمةُ بنُ قاسمٍ. وقال أبو حاتمٍ: "صدوقٌ". * عبد الوارث، هو ابنُ سعيد البصريُّ. أخرج له الجماعة. وثقه ابنُ معين، وأحمدُ، وأبو زُرعة، والمصنفُ، وغيرُهُم. * شعيبُ بنُ الحبحاب هو الأزديُّ، أبو صالحٍ البصريُّ. أخرج له الجماعة، حاشا ابن ماجة. وثقهُ أحمد، والمصنفُ، وابنُ سعدٍ، وابنُ حبان. ورجالُ السندُ كلّهُم بصريون. ... والحديث أخرجه البخاريُّ (2/ 374 - فتح)، والإِسماعيليُّ في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "المستخرج" -كما في "الفتح" (2/ 376) -، والدارمي (1/ 139)، وأحمدُ (3/ 143، 249)، وابنُ أبي شيبة (1/ 171)، وأبو يعلى (ج7 / رقم 4171)، وابنُ حِبَّان (ج2/ رقم 1063)، والبيهقيُّ (1/ 35)، وأبو نُعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 125) من طرق عن عبد الوراث بن سعيد، عن شعيب، عن أنسٍ به. وقد رواه عن عبد الوارث جماعةٌ، منهم: "حميد بن مسعدة، وعمران بن موسى، وعمرانُ بن ميسرة المنقريُّ، وعفان بنُ مسلم، وسعيد بن زيد، ومحمد بن عيسى".

باب الرخصة فى السواك بالعشى للصائم

باب الرُّخْصَةِ فِى السِّوَاكِ بِالْعَشِىِّ لِلصَّائِمِ 7 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 7 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * مالكٌ، هو ابنُ أنسٍ، إمامُ دار الهجرة، وعالمُ الدُّنيا. ولشهرته، فهو مستغنٍ عن الترجمة. ومن غُرر كلامه: "أكُلَّما جاءنا رجلٌ أجدلُ من رجلٍ، تركنا ما نزل به جبريلُ على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم لجدله؟!! ". ذكره أبو نُعيم في "الحلية" (6/ 324). * أبو الزناد، هو عبد الله بن ذكوان. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ نبيلٌ. وثقه أحمدُ، وابنُ معين،، والمصنفُ، والعجليُّ، في آخرين. * الأعرج، هذا لقبٌ، واسمه عبد الرحمن بن هُرْمز. أخرج له الجماعةُ، وهو من أروى الناس عن أبي هريرة. وثقهُ ابنُ المدينى، وأبو زرعة، وابنُ سعدٍ، والعجليُّ. ... وهذا الحديثُ، يرويه أبو هريرة، رضي الله عنه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ويرويه عنه جماعةٌ، منهُمْ: 1 - الأعرج، عنه. أخرجه مالكٌ في "موطئه" (1/ 166 /114)، والبخاريُّ (2/ 374 و 3/ 224 فتح (¬1))، ومسلمٌ (252/ 42)، وأبو عوانة (1/ 191)، والدارميّ (1/ 139 - 140)، والشافعيُّ في "مسنده" (ج 1 / رقم 72)، وفي "الأم" (1/ 23)، وأحمدُ (2/ 245، 531)، والحميديُّ (965)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 139)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج 11 / رقم 6270، 6343)، وابنُ حبان (ج2 / رقم 1065) وتمام في "الفوائد" (152)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 44)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 926)، والبيهقيُّ (1/ 35)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 392) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج. وتابعه جعفر بن ربيعة، عن الأعرج. أخرجه البخاريُّ. وكذا سعيد بنُ أبي هلالٍ، عن الأعرج. أخرجه أحمدُ في "مسنده" (2/ 400). 2 - أبو سلمة بن عبد الرحمن، عنه. أخرجه الترمذيُّ (22)، وأحمدُ (2/ 259، 287، 399، 429)، والطحاويُّ (1/ 44) وتمام في "الفوائد" (151)، وابنُ عدي في "الكامل" (5/ 1704)، وأبو نُعيم في "الحلية" ¬

_ (¬1) وعلَّقه أيضًا (4/ 159 - فتح) بصيغة الجزم. قال المنذريُّ في "الترغيب" (1/ 101): "وتعليقاته المجزومة صحيحةٌ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (8/ 386)، والخطيبُ في "تاريخه" (9/ 346) والذهبيُّ في "السير" (15/ 581) من طرقٍ عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة. وسندُهُ حَسَنٌ. 3 - حميدُ بنُ عبد الرحمن، عنه. أخرجه أحمدُ (2/ 460، 517)، وابنُ خزيمة (ج/1 رقم 140)، وابنُ الجارود (63)، والطحاويُّ (1/ 43)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 335)، والبيهقيُّ في "السنن" (1/ 35)، وكذا في "خطأ من أخطأ على الشافعيّ" (107، 111، 112، 117) جميعًا من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة مرفوعًا. وقد رواه عن مالك هكذا جماعةٌ من أعيان أصحابه، منهم: "الشافعيُّ، وابنُ وهبٍ، وعبدُ الرحمن بن مهدي، وروح بنُ عبادة، وإسماعيلُ بنُ أبي أويس، وبشرُ بنُ عمرو". وخالفهم يحيى بنُ يحيى، فرواه عن مالكٍ بسنده سواءٌ، ولكنه أوقفه على أبي هريرة، بلفظ: "لولا أن يشُقَّ على أمته، لأمرهم بالسواك مع كل وضوء". كذا في "الموطأ" (1/ 66/ 15) برواية يحيى بن يحيى اللّيْثيِّ. وروايةُ الجماعة أرجح بغير شكٍّ. ويُمكن الجمع بثبوت المرفوع والموقوف، والله أعلمُ. على أن يحيى توبع على وقفه. تابعه عبد الرزاق في "مصنفه" (10/ 431/ 19605) فرواه عن معمر، عن الزهري، عن رجُلٍ، عن أبي هريرة، قولَهُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فكأن المبهم في هذا السند، هو: حميدُ بنُ عبد الرحمن. والله أعلمُ. 4 - سعيدُ المقبُريُّ، عنه. أخرجه المصنفُ في "الصوم -من الكبرى" -كما في "أطراف المزي" (9/ 479) -، وابنُ ماجة (287)، وأحمدُ (2/ 250)، وعبدُ الرزَّاق في "المصنَّف" (1/ 555/ 2106)، والطحاويُّ (1/ 44)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (2/ 246)، والبيهقيُّ (1/ 36)، والسُّلميُّ في "طبقات الصوفية" (509 - 510)، من طريق عبيد الله بن عمر، عن المقبريّ. وفي متنه زيادةٌ. وقد رواه عن عبيد الله جماعةٌ، منهم: "يحيى القطانُ، وعبد الرزَّاق، وحماد بنُ مسعدة، وابنُ نمير، وابن المبارك، وهشام بن حسَّان، وأبو أسامة، وإسحق الأزرق". وخالفهم حمادُ بْنُ سلمة في متنه. فرواه عن عبيد الله بن عمر بهذا الإِسناد، بلفظِ: "عليكم بالسِّواكِ، فإنَّهُ مَطْهرةٌ لِلْفَمِ، مرضاةٌ لِلرَّبِّ". قال الحافظُ في "التلخيص" (1/ 60): "المحفوظ عن عبيد الله بن عمر بهذا الإِسناد: "لولا أن أشقَّ .. الحديث" اهـ. فالحافظُ يُعلُّ رواية حماد بن سلمة بقوله هذا. ولولا ما قيل في حفظ حمادٍ لما كبر، لما امتُنِعَ أن يكون الحديث على الوجهين. والله أعلمُ. وقد توبع عبيدُ الله بن عمر، على متن حديث الباب. تابعه أبو معشر، عن سعيد المقبريّ به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه الطيالسيُّ (2328). وأبو معشر، اسمه نجيح، وهو سيء الحفظ. وكذا تابعه عبدُ الرحمن السرَّاج، عن سعيد به. أخرجه الحاكم (1/ 146)، والبيهقيُّ (1/ 36) من طريق حماد بن زيدٍ، عن عبد الرحمن السرَّاج، وفيه: " ... لفرضتُ علهم السواك مع الوضوء". قال الحاكمُ: "لم يُخرجا لفظ "الفرض" فيه، وهو صحيحٌ على شرطهما جميعًا، وليس له علَّةٌ". ووافقه الذهبيُّ!! * قُلْتُ: لا، وعبدُ الرحمن بنُ عبد الله السرَّاجُ من رجال مسلم وحده، فليس الحديثُ على شرط البخاريّ. ولفظُ "الفرض (¬1) " له شاهدٌ. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "المصنف" (1/ 170) قال: حدثنا عبيدة بنُ حميد، قال: حدثنا الأعمش، عن عبد الله بن يسار، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بعض أصحاب النبِّي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، رفعه: "لولا أنْ أشُقَّ على أمتى، لفرضتُ على أمَّتى السِّواكَ، كما فرضتُ عليهم الطهور". وأخرجه الطحاويُّ (1/ 43) من طريق أبي عوانة، عن الأعمش، ثنا عبد الله بن يسار به. = ¬

_ (¬1) وكذا رواه المصنِّفُ في كتاب الصوم -من "الكبرى" بلفظ: "لفرضتُ عليهم" بدل "لأمرتُهُمْ" ذكره المزي في " الأطراف" (9/ 479)، والحافظُ في "الفتح" (3/ 375) من رواية المقبري، عن أبي هريرة ..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهذا سند صحيح. وصحَّحه النووي في "المجموع" (1/ 273) وقد صرَّح الأعمش بالتَّحديث وسيأتي له شاهدٌ آخر عن العباس، رضي الله عنهُ. (تنبيه) وقع في "مسند أحمد" (2/ 433): حدثنا يحيى، قال: أخبرني سعيد، عن أبي هريرة ... الحديث. وقد سقط من السند "عبيد الله بن عمر"، وهو شيخ يحيى القطان فيه؛ لأن يحيى لا يدرك المقبريّ. فليصحح هذا. والله الموفق. 5 - عطاء مولى أم صُبَيَّة، عنه. أخرجه أحمدُ (2/ 509)، والطحاويُّ (1/ 44)، والبيهقيُّ (1/ 36 - 37) من طريق محمد بن إسحق، عن سعيد المقبريّ، عن عطاء به، وصرَّح ابن إسحق بالتحديث عند الطحاويّ. وهذا سندٌ لا بأس به في المتابعات، وعطاء مولى أم صُبَيَّة -بالباء- مجهولٌ، وإن ذكره ابنُ حبان في "الثقات" (5/ 207). ولكني أرى أن هذا أحد الوجوه في الاختلاف على سعيدٍ المقبريّ في إسناده. ورواية يحيى القطان ومن معه أرجح في نظري من رواية ابن إسحق. والله أعلمُ. وقد رواه أحمد (1/ 120) من طريق ابن إسحق بسنده المتقدم عن أبي هريرة، عن عليّ بن أبي طالب. وهذا إن لم يكن خطأ، فهو وجه آخر من الاختلاف في سند الحديث. ثم رأيتُ -بَعدُ- الشيخ أبا الأشبال رحمه الله رجح أن زيادة: "عن عليٍّ" وقعت خطأ. وانظر كلامه في "شرح المسند" (2/ 203). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الترمذيُّ: "وفي الباب عن: أبي بكرٍ الصديق، وعليٍّ، وعائشة، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن خالدٍ، وأنس، وعبد الله بن عمروٍ، وابن عمر، وأمِّ حبيبة، وأبى أمامة، وأبى أيوب، وتمَّام بن العباس، وعبد الله بن حنظلة، وأمِّ سلمة، وواثلة بن الأسقع، وأبي موسى الأشعريِّ" اهـ. رضي الله عنهم جميعًا. * قُلْتُ: وقولُ الترمذيّ: "وفي الباب عن فلانٍ" لا يقتضي حديث الباب بلفظه، بل يريدُ أحاديث أخرى يصحُّ أن تكتب في الباب. قال الحافظُ العراقي -رحمه الله-: "وهو عملٌ صحيحٌ، إلا أنَّ كثيرًا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمَّى من الصحابة، يروون ذلك الحديث بعينه، وليس كذلك، بل قد يكون ذلك، وقد يكونُ حديثًا آخر، يصحُّ إيرادُهُ في ذلك الباب" اهـ. ذكره صاحب "تحفة الأحوذيّ" (1/ 25). وقال السيوطي في "تدريب الراوي" (1/ 237): "وهكذا يفعل الترمذيُّ في "الجامع" حيث يقولُ: وفي الباب عن فلانٍ، وفلانٍ، فإنه لا يُريد ذلك الحديث المُعيَّن، بل يُريد أحاديث أُخَرَ يصحُّ أن تُكتب في الباب". ثم نقل قول العراقي المذكور. وعلى كل حالٍ، فسأبدأُ بذكر حديث الباب بلفظه، إن استطعتُ إلى ذلك سبيلًا، فإن لم أجد، أثبتُّ ما يصلُح أن يُكتب في الباب، ويقارب مراد الترمذيِّ -رحمه الله تعالى-. وليس معنى قولي: "ما يصلُح أنْ يُكتب" أن يكون ما أُوردُهُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = صحيحًا يصلُح للاحتجاج له، بل ما يصلُح أن يكون مرادًا للترمذيّ، وإن كان ضعيفًا، أو دون ذلك. كل هذا مع التحقيق العلميِّ الدقيق -إن شاء الله تعالى-. أمَّا الأحاديث التي أشار إليها الترمذي، فهاك تخريجُها مراعيًا فيها الترتيب، وقد زدتُ عليه أحاديث صحابةٍ آخرين لم يذكرهم، والحمدُ لله على التوفيق. 1 - حديثُ أبي بكرٍ الصديق، رضي الله عنه. * قُلتُ: مرّ تخريجُهُ في أثناء الحديث (رقم 5). 2 - حديث عليِّ بن أبي طالبٍ، رضي الله عنه. أخرجه عبدُ الله بنُ أحمد في "زوائد المسند" (607)، والبزَّار (ج1/ رقم 491)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج2/ رقم 1260)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 43)، والخطيبُ في "تاريخه" (4/ 255) من طريق محمد بن إسحق، حدثني عمِّي عبدُ الرحمن بنُ يسار، عن عبيد الله بن أبي رافعٍ، عن أبيه، عن عليٍّ مرفوعًا: "لولا أن أَشُقَّ على أمتي، لأمرتهم بالسواك مع كل وضوءٍ". وللبزَّار في آخره زيادةٌ. قال الطبرَانيُّ: "لا يروى هذا الحديث عن عليٍّ إلا بهذا الإِسناد، تفرَّد به محمد بن إسحق". وقال البزَّارُ: "لا نعلمه مرفوعًا عن عليٍّ إلا بهذا الإِسناد، وقد روى عن غيره من وجوهٍ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وسندُهُ حسنٌ كما قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 221)، وسبقه إلى تحسينه المنذريُّ في "الترغيب" (1/ 101). وقال الهيثميُّ في موضع آخر من "المجمع" (2/ 97): "رواه البزار عن ابن إسحق، حدَّثنى عبدُ الرحمن بْنُ يسار، عن عبيد الله بن أبي رافعٍ ... وعبدُ الرحمن وثقه ابنُ معين .. " اهـ. .... وحديثٌ آخر عن عليٍّ، رضي الله عنه. أخرجه البزار (ج 1/ رقم 496) من طريق فُضيل بن سليمان، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلميِّ، عن عليٍّ، أنه أمر بالسواك، وقال: قال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إنَّ العبدَ إذا تسوَّكَ ثمَّ قام يُصلى، قام الملكُ خلْفَهُ، فيسمعُ لقراءته، فيدنو منه -أو كلمةً نحوها-، حتَّى يضعُ فاه على فيه، فما يخرجُ من فيه شيءٌ من القرآن، إلا صار في جوف الملك، فطهِّروُا أفواهكم للقرآن". قال البزَّارُ: "لا نعلمه عن عليٍّ بأحسنَ من هذا الإِسناد، وقد رواه بعضُهُمْ عن أبي عبد الرحمن السُّلميِّ، عن عليٍّ، موقوفًا" (¬1) اهـ. قال الحافظُ العراقي في "طرح التثريب" (2/ 66): = ¬

_ (¬1) وقد رواه الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أي عبد الرحمن السُّلميِّ، عن عليٍّ، قال: "إذا قام أحدكم من الليل فليستك ... " موقوف. ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 22 - 23/ 32). وقد أخطأ فيه بعضهم، فرواه عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن حذيفة مرفوعًا. ووهَّم أبو حاتم وأبو زرعة من رفعه. وصوَّبا الموقوف ..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "ورجاله رجال الصحيح، إلا أنَّ فيه فضيل بن سليمان النميري وهو وإن أخرج له البخاريُّ ووثقه ابن حبان، فقد ضعّفه الجمهور". * قُلتُ: تابعه شعبة، عن الحسن بن عبيد الله به. أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (1536، 1537). وقال المنذري في "الترغيب" (1/ 102): "رواه البزَّار بإسنادٍ جيدٍ لا بأس به، وروى ابن ماجة بعضه موقوفًا، ولعلَّهُ أشبهُ." اهـ. وقال الهيثميُّ (2/ 99): "رجاله ثقات"! وأخرجه البيهقيُّ في "سُننه" (1/ 38) من طريق خالدٍ، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي عن علي، قال: أُمِرنا بالسواكِ. وقال: إن العبد إذا قام يصلي، أتاهُ الملك، فقام خلفَهُ ... الحديث". فهذا موقوفٌ. وإن كان له حكمُ الرفع، لقوله: "أُمِرنا" وكذلك باقي المتن، لا يُعرف بطريق الاجتهاد، لكونه غيبًا، فله حكمُ الرفع أيضًا. وخالد، هو ابنُ عبد الله الواسطي الطحان، وهو ثقة ثبت. وله شاهدٌ مرفوعٌ من حديث جابرٍ، رضي الله عنه. أخرجه البيهقي في "الشّعب"، وتمام الرازي في "الفوائد"، وأبو نعيم في "السِّواك"، والضياء في "المختارة" بسندٍ قال فيه ابن دقيق العيد: "رجاله ثقات". كذا في "فيض القدير" (1/ 412) للمُناوي. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أمَّا ما أشار إليه المنذري، والهيثمي من وقفه على عليِّ، فقد أخرجه ابن ماجة (291) قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا بحر بن كُنيز، عن عثمان بن ساج، عن سعيد بن جبير، عن عليِّ بن أبي طالبٍ، قال: "إنَّ أفواهكم طرقٌ للقرآن، فطيبوها بالسِّواك". كذا رواه شيخُ ابن ماجة فيه. وخالفه محمدُ بنُ زكريا القرشيُّ، ومحمدُ بنُ محمد بنِ سليمان الباغندي، فروياه عن مسلم بن إبراهيم بسنده سواء مرفوعًا. أخرجه أبو نُعيم في "الحلية" (4/ 296)، وأبو سَعدٍ السَّمعَانِيُّ في "أَدَبِ الإملاءِ" (27 - 28). قال أبو نُعيم: "غريبٌ من حديث سعيدٍ، لم نكتبه إلا من حديث بحر". * قُلتُ: وسندُهُ واهٍ. أمَّا بحرُ بن كنيز، فضعّفه أبو حاتمٍ. وقال ابنُ معين: "لا يُكتب حديثُهُ". وتركه المصنِّف، والدارقطنيُّ. ولذلك قال الحافظ العراقي -كما في "الطَّرْح" (2/ 66) -: "ضعيف جدًّا". وسعيدُ بن جبيرٍ، لم يسمع من عليِّ بن أبي طالبٍ. قاله أبو زرعة -كما في "المراسيل" (ص- 74) لابن أبي حاتم-. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وعثمانُ بنُ ساج، تكلَّم فيه العقيلي. وقال أبو حاتم: "يُكتبُ حديثُهُ، ولا يُحتجُّ به". فيظهر من هذا البحث أن الحديث لا يصحُّ موقوفًا ولا مرفوعًا بهذا اللَّفظ. وإنما التعويل على رواية أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن عليٍّ، وقد تقدمت. والله أعلمُ. 3 - حديثُ عائشة، رضي الله عنها. وله عنها طريقان: 1 - أبو سلمة بن عبد الرحمن، عنها. أخرجه ابنُ حبان في "صحيحه" (ج2/ رقم 1066) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، ثنا سليمان بنُ بلالٍ، عن ابن عَجْلان، عن سعيد المقبُريّ، عن أبي سلمة، عن عائشة مرفوعًا بنحو حديث الباب. * قُلتُ: وهذا سندٌ ظاهرهُ الحُسْنُ، ولكني أهابُ أن يكون إسماعيل بن أبي أويس وهم فيه. والله أعلمُ. 2 - عُرْوَةُ بنُ الزُّبير، عنها. أخرجه البزَّارُ (ج1/ رقم 493) من طريق معاوية بن يحيى الصدفيِّ، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا: "لولا أن أشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسواك عند كل صلاةٍ". قال البزَّارُ: "رواه الحفاظ عن الزهري، بسنده إلى أبي هريرة. ولا نعلمُ أحدًا تابع معاوية على هذه الرواية. ومعاويةُ ليِّنُ الحديث". * قُلْتُ: حاصلُ كلام البزَّار أن معاوية بن يحيى الصدفي وهم فيه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على الزهري. ووهمهُ -عندي- وقع في السند والمتن كليهما.!! أمَّا في السَّنَدَ: فقد رواه مالك، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لولا أن أشُقَّ على أمَّتى ... الحديث". وقد مرّ الكلام عليه. وأمَّا في المَتنِ: فإن معاوية بن يحيى الصدفي، يروى عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا: "ركعتان بسواكٍ، أفضلُ من سبعين ركعة بغير سواكٍ". أخرجه البزَّارُ (ج 1/ رقم 502)، وأبو يعلى في "مسنده" (252 - زوائده)، وابنُ حبان في "المجروحين" (3/ 5) وتمام في "الفوائد" (154)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (6/ 2395)، وبحشل في "تاريخ واسط" (200) والبيهقي في "الشعب" (ج1/ق 451/ 1)، وابنُ الجوزي في "الواهيات" (1/ 336). وهو حديثٌ باطلٌ، كما حققتُه قديمًا في "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة" رقم (163) وهو مطبوعٌ، فأغنى عن إعادة الكلام عليه. فالحاصل أنَّ معاوية بن يحيى الصدفي وهم فيه سندًا ومتنًا. وقد قال ابنُ عديٍّ: "عامَّةُ رواياته فيها نظرٌ". ثمَّ إنَّ معاوية بن يحيى الصدفي هذا غير معاوية الدمشقي أبي مطيع، وقد فرَّق بينهما غيرُ واحدٍ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أمَّا ابنُ حبان، فقد جعلهما واحدًا! فقال في "المجروحين" (3/ 3 - 5): "معاوية بنُ يحيى الصدفي الأطرابلسي، كُنيتُهُ أبو مُطيع".!! كذا قال!، ولم يصنع شيئًا كما قال الذهبي رحمه الله تعالى. هذا: وقد فرَّق بينهما: البخاري في "الكبير" (4/ 1/ 336)، وابنُ أبي حاتم في "الجرح" (4/ 1/ 383، 384)، وابنُ عدي في "الكامل" (6/ 3695، 3697)، ومن المتأخرين: المزيُّ، والذهبي، وابنُ حجرٍ. والله الموفق. وقد مرّ لعائشة رضي الله عنها حديث آخر في السواك رقم (5) ويأتي لها آخر في الحديث القادم -إنْ شاء الله تعالى- ولها حديث رابعٌ ... أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (رقم 399 - زوائده) من طريق السريِّ بن إسماعيل، عن الشعبيِّ، عن مسروق، عن عائشة، قالت: "كنا نضعُ سواك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع طَهُوْره، قالت: قُلْتُ: يا رسول الله! ما تدعُ السواك؟! قال: "أجل، لو أني أقدرُ على أنْ يكون ذلك مني عند كُل شفعٍ من صلاتي، لفعلتُ". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا. والسريُّ بنُ إسماعيل تالف. فتركه أحمدُ، والمصنفُ، وضعّفه الساجي جدًّا. وكان ابنُ معين شديد الحمل عليه. بل قال يحيى القطان: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "استبان لي كذبُه في مجلسٍ واحدٍ".!! وقد اختلف في سياق متنه. وقد أخرجه البزَّارُ (ج 1/ رقم 499) من طريق يزيد بن هارون، أنبأ السريُّ بن إسماعيل بسنده سواء، بلفظ: " ... قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسواك، وقال: نعم الشىء هو"! قال الهيثمي في "المجمع" (2/ 99): "فيه السريُّ بنُ إسماعيل"، هو ضعيفٌ"!! كذا قال!، ولا يخفى ما فيه من التساهل بعد تقدُّم الكلام فيه. "وقد قال قبل هذا الموضع (2/ 98): "متروكٌ". وهو الصوابُ. ... وحديثٌ خامسٌ. أخرجه البيهقي (7/ 49 - 50) من طريق أحمد بن عمر، ثنا ابنُ وهبٍ، ثنا يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن عبد الله، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: "لقد لزمتُ السِّواك، حتى تخوفتُ أن يدردني". * قُلْتُ: وسندُهُ حسنٌ إن ثبت سماع المطلب بن عبد الله من عائشة. فقد قال أبو حاتم: "روايتُه عن عائشة مرسلةٌ، لم يُدْركها". وسُئل أبو زرعة عن ذلك، فقال: "نرجو أنْ يكون سمع منها" فكأنه يشك في سماعه منها. والله أعلم. وأصحُّ من كل ما تقدَّم حديثها الطويل، وفيه: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = " ... كنا نُعِدُّ سواكه، وطَهوْرَهُ، فيبعثهُ الله ما شاء أن يبعثَهُ من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويُصلي ... الحديث". أخرجه مسلمٌ (746/ 19)، وأبو عوانة (2/ 231، 323)، وأبو داود (56، 1342، 1346)، والمصنفُ (3/ 199 - 200)، وأحمد (6/ 53 - 54، 236)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج1/ رقم 506) وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج1/ رقم 342) وغيرُهُم. وفي سنده اختلافٌ، يأتي شرحه في "كتاب قيام الليل" إن شاء الله تعالى. .... وحديثٌ سادسٌ .. أخرجه أبو داود (57)، من طريقه البيهقيُّ (¬1) (1/ 39) حدثنا محمد بنُ كثير، حدثنا همامٌ، عن علي بن زيد، عن أم محمد، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يرقُدُ من ليلٍ، ولا نهارٍ، فيستيقظ، إلا تسوَّك قبل أن يتوضأ. * قُلتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. وعلي بنُ زيد بن جُدعان كان ضعيف الحفظ. وأم محمد هي أمينةُ، امرأةُ زيد بن جدعان، والدُ علي، وهي مجهولةٌ. 4 - حديثُ ابْنُ عباس، رضي الله عنهما. * قُلْتُ: مرّ له حديثٌ قريبًا، وانظر شواهد الحديث رقم (5) = ¬

_ (¬1) وقع في السند عند البيهقي: " .. أبو بكر بن داسة؟ ثنا ابن كثير .. " وقد سقط "أبو داود" من الوسط، لأنه شيخ ابن داسة، وروايته هي التي يعتمدُ عليها البيهقي. فليصحح هذا السقط من هنا. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ... وحديثٌ آخر عنه، مرفوعًا: "أُمِرتُ بالسِّواكِ حتى ظننتُ -أو حسبتُ- أن سينزلُ فيه قُرْآنٌ". أخرجه أحمدُ (1/ 237، 307، 315، 337)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج 4/ رقم2330)، والخطيبُ في "الجامع" (857) من طُرُقٍ عن شريك النخعيّ، عن أبي إسحق، عن التميمي، عن ابن عباس مرفوعًا به. وقد رواه عن شريكٍ جماعةٌ منهم: "يزيدُ بنُ هارون، وأسودُ بنُ عامرٍ، وحجاج، ويحيى بن آدم، وبشر بنُ الوليد". * قُلتُ: وقد وهم شريكٌ في رَفعِهِ. والصوابُ أنه موقوفٌ. فقد رواه شعبةُ -وهو من قدماء أصحاب أبي إسحق السبيعيّ-، قال: سمعتُ أبا إسحق، يُحدث أنه سمع رجلًا من بني تميمٍ، عن ابن عباس، قال: "لقد أمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسواك، حتى ظننًّا أنه سينزلُ عليه فيه". أخرجه أحمدُ (1/ 339 - 340)، والطيالسيُّ (2739). وتابعه سفيان الثوريُّ، عن أبي إسحق. أخرجه أحمدُ (1/ 285). وشعبةُ، وسفيانُ من قدماء أصحاب أبي إسحق، وقد سمعا منه قبل اختلاطه. واستفدنا من رواية شعبة، تصريح أبي إسحق بالسماع، إذ هو مدلسٌ. والتميمي الذي رواه عن ابن عباسٍ، هو إربدة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ترجمه البخاريُّ في "الكبير" (1/ 2/ 63)، وابنُ أبي حاتم في "الجرح" (1/ 1/ 345)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. ووثقه العجليُّ في "ثقاته" (54)، وابنُ حبان (4/ 52). وأوردهُ عباسُ الدُّوريُّ في "تاريخه" (3/ 518)، ولم يذكر لابن معين فيه قولًا .. وقد روى ابنُ عديٍّ في "الكامل" (1/ 133) عن عبد الله بن أحمد الدورقيّ قال: "كل من سكت عنه يحيى بن معين، فهو عنده ثقةٌ". فلو سلم كلامُ الدورقيّ من الخلل لكان تقوية لإِربدة. والله أعلمُ. وعلى كلِّ حالٍ، فسندُ هذا الحديث حسنٌ. والغريبُ أنَّ الشيخ أبا الأشبال أحمد شاكر رحمه الله تعالى صحَّح حديث شريك السابق في "شرح المسند" (4/ 3/ 2125) وعزاه للطيالسيِّ بنحوه عن شعبة، وذهل أنَّ لفظ الطيالسيِّ موقوفٌ، وأنَّ حديث شريكٍ معلولٌ. ولنا وقفةٌ مع الشيخ -رحمه الله- في حال شريكٍ. وانظر الحديث رقم (26). .... وحديث ثالثٌ عن ابن عباسٍ مرفوعًا بلفظ: "أُمِرتُ بالسِّواك، حتَّى خِفْتُ على أسناني"! أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج11/ رقم 12286) قال: حدثنا محمدُ بن عليٍّ المروزيُّ، ثنا الحسينُ بْنُ سعد بن عليّ بن الحسين بن واقدٍ، حدثني جدي عليُّ بْنُ الحسين، حدثني أبي، ثنا عطاء بنُ السائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أمَّا شيخُ الطبرانيّ، فقد وثقه الخطيبُ في "تاريخه" (3/ 68). والحسين بْنُ سعدٍ، لم أهتد إلى ترجمته. وعليُّ بنُ الحسين ضعّفه أبو حاتمٍ. وقال النسائيُّ وغيرُهُ: "لا بأس به". ورجَّح الذهبيُّ أنه صدوقٌ. وعطاء بْنُ السائب كان قد اختلط، والحسينُ بْنُ واقدٍ سمع منه في الاختلاط على ما يظهر من النظر في ترجمته. .... وحديث رابعٌ عن ابن عباسٍ، مرفوعًا بلفظ: "لولا أنْ تضعفوا، لأمرتُكم بالسِّواك عند كل صلاةٍ". أخرجه البزَّارُ (ج 1/ رقم 494، 495)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 11/ رقم 11125، 11133)، وأبو نُعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 295) من طرقٍ عن مسلم الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباسٍ .. قال الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 97): "فيه مسلمُ المُلائيُّ، وهو ضعيفٌ" (¬1). * قُلْتُ: وهو الصوابُ، بل لعلَّهُ واهٍ، ولم أر أحدًا أثنى عليه إلا البزَّارُ. فقد قال عقب تخرج الحديث: "والملائي ليس به بأسٌ"! والبزَّارُ نَفَسُهُ رخوٌ في نقد الرواة، علمتُ ذلك بالتتبُع. والله أعلمُ. وأخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (1/ 242) من طريق إبراهيم بن = ¬

_ (¬1) وقال في موضع آخر من "المجمع" (1/ 296): "مسلم الملائي، وقد اختلط في آخر عمره".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ مرفوعًا: "لولا أن يضعُفُوا ... الحديث". * قُلْتُ: وسندُهُ واهٍ. وإبراهيمُ بْنُ الحكم تركه النسائيُّ وغيرُهُ. وقال البخاريُّ: "سكتوا عنه". وهو جرحٌ شديدٌ عنده. وقال ابْنُ عديٍّ: "عامَّةُ ما يرويه، لا يُتابَعُ عليه". .... وحديث خامسٌ عن ابن عباس، قوله: "في السِّواك عشرُ خصالٍ: مرضاةٌ للرَّبِّ، ومسخطةٌ للشيطان، ومفرحةٌ للملائكة، جيدٌ لِلَّثةِ، ويجلو البصر، ويطيبُ الفم، ويقلل البلغم، وهو من السُّنَّة، ويزيدُ في الحسنات". أخرجه الدَّارقطنيُّ (1/ 58) من طريق معلى بن ميمون، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، وقال: "مُعلى بن ميمون ضعيفٌ، متروكٌ". .... وحديث سادسٌ عنه، قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي بالليل، ركعتين ركعتين، ثم ينصرف، فيستاك". أخرجه -المصنِّفُ في "الكبرى" -كما في "أطراف المزيّ" (4/ 406) قال: أخبرنا قتيبةُ. وأخرجه ابنُ ماجة (288) قال: حدثنا سفيانُ بنُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وكيع، كلاهما عن عَثَّام بن عليٍّ، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ فذكره. وهذا سندٌ رجالُهُ ثقات. ... 6 - حديثُ حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه. مرّ تخريجُهُ برقم (2). ... 6 - حديْثُ زيدِ بنِ خالدٍ، رضي الله عنه. أخرجه أبو داود (47)، والمصنِّفُ في "الصوم- من الكبرى"- كما في "أطراف المزي" (3/ 243 - 244)، والترمذيُّ (23)، وأحمدُ (4/ 114، 116و 5/ 193)، وابنُ أبن شيبة (1/ 168)، وكذا الطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 43)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج5/ رقم 5223، 5224)، والسهميُّ في "تاريخ جرجان" (455)، والبيهقي (1/ 37) من طرقٍ عن محمد بن إسحق، عن محمد بن إبراهيم التيميّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن زيد بن خالد مرفوعًا: "لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ، ولأخَّرْتُ صلاة العشاء إلى ثُلُثِ اللَّيْل". قال: "فكان زيدُ بنُ خالدٍ يشهد الصلوات في المسجد، وسواكُهُ على أُذُنه موضع القلم من أُذُن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استنَّ، ثمَّ ردَّهُ إلى موضعه". قال الترمذي: "وحديثُ أبي سلمة عن أبي هريرة، وزيد بن خالدٍ، عن النبيِّ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كلاهما عندي صحيحٌ، لأنَّهُ قد روى من غير وجهٍ، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم هذا الحديث. وحديثُ أبي هريرة إنَّما صحَّ لأنه روي من غير وجهٍ. وأمَّا محمدُ بنُ إسماعيل، فزعم أنَّ حديث أبي سلمة، عن زيد بن خالدٍ أصحُّ". ثمَّ قال عن حديث زيد بن خالدٍ: "وَهَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". قال الحافظ في "الفتح": "رجَّح البخاريُّ طريق محمد بن إبراهيم لأمرين: الأول: أن فيه قصةً، وهي قولُ أبي سلمة: فكان زيدُ بن خالدٍ يضع السِّواكَ منه موضع القلم من أُذُن الكاتب، فكُلَّما قام إلى الصلاة استاكَ. ثانيهما: أنه تُوْبِعَ. فأخرج الإِمام أحمدُ (4/ 116) من طريق يحيى بن أبي كثير، حدثنا أبو سلمة، عن زيد بن خالدٍ، فذكر نحوه" اهـ. وقد اختلف على ابن إسحق فيه. فأخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (7/ 2692) من طريق يحيى بن يمان، عن سفيان الثوريّ، عن محمد بن إسحق، عن أبي جعفرٍ، عن جابرٍ، قال: "كان السواك من أذن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم موضع القلم من أذن الكاتب". * قُلْتُ: وهذا منكرٌ، والمحفوظ ما تقدم من رواية ابن إسحق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثمَّ هذا من فعل زيد بن خالد كما قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 71) وفي "علل الحديث" (1/ 55/ 141) لابن أبي حاتمٍ: "قال أبي أبو زرعة: هذا وهمٌ، وهم فيه يحيى بن يمان" اهـ. * قُلْتُ: وهو سيىء الحفظ. وانظر كتابنا "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة" (رقم 276). 7 - حديث أنسٍ، رضي الله عنهُ. قد مرَّ له حديثٌ برقم (6)، فانظرهُ. .... وله حديثٌ آخر. أخرجه أبو نُعيم في " أخبار أصبهان" (2/ 148، 317) من طريق العلاء بن أبي العلاء، قال: حدثني جدي مرداس (¬1) الأصبهاني، عن أنسٍ مرفوعًا: "ما لكم تدخلون عليّ قُلْحًا!، لولا أن أَشُقَّ على أمَّتى، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. لابُدَّ لِلْنَّاس من العريف، والعريفُ في النار. يؤتى بالجلواز يوم القيامة، فيقال له: ضع سوطك، وادْخُلِ النار!! ". واقتصر في الموضع الثاني، على محلِّ الشاهد فقط. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. والعلاء بن أبي العلاء وجدُّهُ لم أعرف من حالهما شيئًا، وقد ذكرهما أبو نُعيم في "أخبار أصبهان"، وساق لهما هذا الحديث الواحد، فهما مجهولا العنت أيضًا. = ¬

_ (¬1) لا أدري هل هو مرداس بن أدية أم غيرُهُ؟! فإن يكُنْهُ فهو مجهول العين والصفة. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقوله: "لا بُدَّ للناس من العريف، والعريف في النار". له شاهد من حديث رجُلٍ، عند أبي داود (2934) وفي سنده مجاهيلٌ لا يعرفون. والله أعلمُ .. .... وحديثٌ ثالثٌ لأنسٍ، مرفوعًا: "أمرتُ بالسِّواكِ، حتى خشيتُ أن أدْرَد، أو: حتى خشيتُ على لثتي وأسناني"! أخرجه البزَّارُ (ج 1/ رقم 497) من طريق عمران بن خالد، عن ثابت، عن أنسٍ مرفوعًا به. قال الهيثميُّ (2/ 99): "فيه عمرانُ بنُ خالدٍ، وهو ضعيفٌ"!! * قُلْتُ: بل تركه أحمدُ. .... وحديث رابعٌ له مرفوعًا بلفظ: "عليكم بالسِّواكِ، فنعم الشىء السِّواكُ، يذهب بالحفر، وينزعُ البلغم، ويجلو البصر، ويشُدُّ اللَّثة، ويذهبُ بالبخر، ويُصْلِحُ المعدة، ويزيد في درجات الجنة، وتحمدُهُ الملائكة، ويرضى الربَّ، ويُسخط الشيطان". أخرجه القاضي عبدُ الجبار الخولانيُّ في "تاريخ داريا" (ص- 105) قال: حدثنا جعفرُ بنُ محمد بن هشام، حدثنا أحمد بْنُ إبراهيم ابن عبد الله القرشيُّ، حدثنا سليمانُ بْنُ عبد الرحمن، حدثنا عبدُ الله ابْنُ عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزديُّ، حدثنى أبو محمَّدٍ الحكمىُّ، عن قتادة، عن أنسٍ به. * قُلْتُ: وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وفي سنده مجاهيلٌ. بل القاضى عبد الجبار وشيخُهُ لا نعرف من حالهما ما يوجب قبول خبرهما، وأبو محمد الحكمى، ذكره المزيُّ في "تهذيب الكمال" (ج2 / لوحة 704) من شيوخ عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد. ولا أعرف عنه شيئًا. فلا أدرى ممن الآفةُ؟! 8 - حديثُ عبد الله بْنِ عمرو، رضي الله عنهما. أخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (2/ 856) من طريق الوليد بن مسلم، ثنا ابنُ لهيعة، عن حيى بن عبد الله المعافريّ، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو، مرفوعًا: "لولا أنْ أَشُقَّ على أمَّتى، لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار"!. وعزاه الحافظُ في "التلخيص" (1/ 62 - 63) لأبي نُعيم في "كتاب السِّواك". وقال المباركفورى في "التحفة" (1/ 106) بعد عزوه لأبي نعيم: "وفيه ابنُ لهيعة". فلعلَّ السند عند أبي نعيم كالذى عند ابن عديٍّ هنا. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. الوليدُ بنُ مسلمٍ يُدلِّسُ التسوية، وقد عنعن. وابنُ لهيعة ساء حفظهُ بآخرةٍ، وكان مدلسًا. وحيى بن عبد الله فيه مقالٌ، وهو صدوقٌ. والله أعلمُ. ... 9 - حديثُ ابْنِ عُمر، رضي الله عنهما. أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 43)، والعقيليُّ في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "الضعفاء" (2/ 246) من طريق عبد الله بن خلف الطُفاوى، ثنا هشام بنُ حسَّان، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر مرفوعًا: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ، ولأخرتُ العشاء إلى نصف اللَّيْل". قال الطحاويُّ: "هذا حديثٌ غريبٌ". * قُلْتُ: ووجهُ الغرابةِ فيه، أنه لا يُحفظُ من حديث هشام بن حسَّان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. والطفاويُّ، قال فيه العقيليُّ: "في حديثه وهمٌ، ونكارةٌ". وقد خالفه عبدُ الأعلى بنُ عبد الأعلى الساميُّ، فرواه عن هشام بن حسَّان بهذا الإِسناد، ولكنه جعله من "مسند أبي هريرة" أخرجه العقيليُّ، (2/ 246): وهو المحفوظُ. نعم؛ توبع الطفاويُّ، ولكن من وجهٍ ضعيفٍ. تابعه مُحمَّدُ بنُ صالح بْنِ مهران النطاح، عن أرطاة بن المنذر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر مرفوعًا به. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 12 / رقم 13389)، وفي "الأوسط" (68 - مجمع البحرين)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (1/ 421). قال ابْنُ عديٍّ: "والحديثُ عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ، خطأ. إنَّما يرويه عبيدُ الله، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة. على أنَّهُ قد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = روى هشامُ بْنُ حسَّانٍ، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عُمر، وهذا خطأ أيضًا. وهذا الطريق كان أسهل عليه، إذ قال: عبيد الله، عن نافعٍ عن ابن عُمر، لأنه طريقٌ واضحٌ -وبهذا الإسناد أحاديثُ كثيرةٌ- من أن يقول: عبيد الله، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة. ولأرطأة أحاديثُ كثيرةٌ غير ما ذكرتُهُ، وفي بعضها خطأ، وغلطٌ" اهـ. * قُلْتُ: أمَّا قولُ الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 98): "وفيه أرطأة بن المنذر، ولم أجد من ذكرهُ"!! فوهمٌ غريبٌ، فقد ذكره ابنُ عديٍّ كما تقدّم، وتبعه صاحب "الميزان" و"اللِّسان". ثمَّ علمتُ أنه ذهولٌ من الحافظ الهيثميّ - رحمه الله - لأنَّه قال في موضعٍ آخر -لحديثٍ آخر- من "المجمع" (9/ 46): "وفيه أرطاةُ بنُ المنذر أبو حاتم، وهو ضعيفٌ". قال الحافظ في "اللِّسان" (3/ 282): "ورواه أحمدُ من طريق عبد الله بن ربيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع، عن ابْنِ عمر رضي الله عنهما". * قُلْتُ: ولم أقف عليه في "المسند "، ولم أمعن النظر، فلو صحَّ أنَّ عبيد الله هو ابْنُ أبي جعفر، وليس: "عبيد الله بن عمر" لكان اختلافًا في السند. وقد مرَّ في شواهد الحديث رقم (5) أن عبيد الله ابن أبي جعفر يروى عن نافعٍ، عن ابن عمر مرفوعًا: "السِّواكُ مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرَّبِّ". فالحاصلُ أنَّ الحديث عن ابن عمر غير محفوظٍ، من الطرق التي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ذكرتُها. ثمَّ وقفتُ على كلامٍ لشيخنا الألبانيّ -حافظ الوقت- حول حديث ابن عمر هذا. فقال في "الإِرواء" (1/ 111) بعد أنْ ساق طرقه باختصارٍ: "فهذا يدلُّ على أن للحديث أصلًا عن ابْنِ عُمر". والذي يظهر من التحقيق السابق أن حديث ابن عمر غير محفوظٍ كما نصّ على ذلك ابنُ عديٍّ وغيرُهُ. والله أعلمُ. (تنبيه) أنكر النوويُّ -رحمه الله- في "المجموع" من حديث ابن عمر المتقدم قوله: "نصف اللَّيْلِ" وقال: "منكرٌ لا يُعْرفُ، وقولُ إمام الحرمين أنه حديثٌ صحيحٌ ليس بمقبولٍ منه، فلا يُغترُّ به". قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 64، 65): "وكأنَّهُ -يعني النوويَّ- تبع في ذلك ابنَ الصلاح، فإنه قال في كلامه على "الوسيط": لم أجد من ذكره من قوله: "إلى نصف اللَّيْل" في كُتُب الحديث، مع شدَّةٍ البحث!!. قال الحافظُ: وهذا يُتعجَّبُ فيه من ابن الصلاح أكثر من النوويِّ!، فإنهما -وإن اشتركا في قلَّة النَّقل من مستدرك الحاكم، فإنَّ ابن الصلاح كثير النَّقْل من "سنن البيهقيِّ"، والحديث فيه أخرجه عن الحاكم، وفيه: "إلى نصف اللَّيْل" بالجزم، ورواه الترمذىُّ بالترُّدد" اهـ. * قُلْتُ: "وهو عند الحاكم (1/ 146)، والبيهقُّي (1/ 36). .... وحديث آخر عن ابن عمر، بلفظ: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم لا ينامُ، إلاَّ والسِّواكُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عندهُ، إذا استيقظ، بدأ بالسِّواكِ". أخرجه أحمدُ (2/ 117)، والطيالسيُّ في "مسنده" (¬1) -كما في "نصب الراية" (1/ 8) -، والبخاريُّ في "التاريخ" (1/ 1/ 24)، وأبو يعلى في "مسنده" (128 - زوائده)، وابنُ نصرٍ في "قيام اللَّيْل" (47) من طريق محمد بن إبراهيم بن مسلمٍ، سمعتُ جدِّي، يحدِّثُ عن ابن عمر ... فذكره. ووقع عند محمد بن نصر: " ... محمد بن مهران القرشيّ، حدثني حبِّي أبو المثنى، عن ابن عمر ... ". ومحمد بن مهران، هو محمد بن إبراهيم، ولكنه نُسب إلى والد جدِّه، أما قوله: "حدثني حبي" هكذا بحاءٍ مهملةٍ، ثم باء، ثم ياء تحتانية وأظنُّ أنها تصحفت عن "جدِّي" كما في بقية المصادر، مع أن لها وجهًا، وتكونُ مشتقةً من "الحُبِّ". والله أعلمُ. وأبو المثنى هي كنية جدِّه، وانظر "الثقات" (7/ 371) لابن حِبَّان. * قُلْتُ: وهذا سندٌ حسنٌ. قال الدَّارقطنيُّ: "محمد بن إبراهيم بن مسلمٍ، بصريٌّ يحدِّثُ عن جدِّه، ولا بأس بهما". وقال ابنُ معينٍ في محمدٍ هذا: = ¬

_ (¬1) لم أجدْه في "المسند" المطبوع، ويبدو أنه فُقد مع جملة المفقود من المسند. ومما يدُلُّ على أن الطيالسيّ رواه، أن محمد بن نصر قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقّي، ثنا أبو داود ثنا محمد بن مهران ... إلخ. أبو داود هو الطيالسيُّ. الله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "ليس به بأس". أمَّا ابن حبان، فقال: "يُخْطىء". وقال الحافظُ الهيثمي - رحمه الله - (2/ 263): "رواه أحمدُ، وفيه من لم يُسم"! ولم أدر ما وجه هذا القول؟! إلَّا أن يعنى الهيثمُّي أن قوله: "عن جدِّه" يُعدُّ إبهامًا، وهذا بعيدٌ جدًّا في نظرى، فالله أعلمُ .. ثمَّ رأيتُ البخاريَّ في "التاريخ الكبير" في الموضع السابق، قال: "حدثنا موسى، حدثنا محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران، عن رجُلٍ -يعني جدِّه- عن ابن عمر مثله". * قُلْتُ: فلو وقعت روايةٌ في "مسند أحمد" كهذه، لسُلِّمَ للهيثميّ قولهُ، وقد كان محمدٌ يُبهم اسم جدِّه. قال البخاري: "أكثر عليه أصحابُ الحديث، فحلف أنْ لا يُسمِّي جدَّهُ". ... وله طريقٌ آخر عن ابن عمر، بلفظٍ مقاربٍ، يرويه عطاء بْنُ أبي رباحٍ، عنه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم لا يتعارَّ ساعةً من اللَّيْل، إلا أجرى السِّواك على فِيْهِ". أخرجه أبو يعلى (127 - زوائده)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 12/ رقم 13598) من طريق حسام بن مصك، عن عطاء به. * قُلْتُ: وسندُهُ واهٍ. وحسام بن مصك شبهُ المتروك، بل تركه غيرُ واحدٍ ولكنه لم يتفرَّدْ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = به. فتابعه سعيد بْنُ راشدٍ، ثنا عطاء، عن ابن عمر به أخرجه الطرسوسيُّ في "مسند ابن عمر" (رقم 23)، قال: ثنا محمد بن سعيد بن زياد، ثنا سعيد بن راشد باللَّفظ المتقدم مثل رواية حسام بن مصك. * قُلْتُ: كذا رواه محمد بن سعيد بن زياد، عن سعيد بن راشد وخالفهُ عيسى بن إبراهيم، ثنا سعيد بن راشد بسنده سواء لكن بلفظ: "لولا أنْ أشُقَّ على أمَّتى ... الحديث". أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 12/ رقم 13592). وتابعه طالوت بن عباد، ثنا سعيد بن راشد بسنده سواء، ولكنه جمع بين اللَّفظين. أخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 1218). وهو على كل حالٍ واهٍ. لأن سعيد بن راشد تركه النسائيُّ. وقال البخاريُّ: "منكرُ الحديث". وهذا جرحٌ شديدٌ عنده. وقال ابنُ معين: "ليس بشيءٍ". وقد صرَّح أحمدُ، وابنُ المديني، أنَّ عطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر، وإنْ كان رآه. والله أعلمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 10 - حديثُ أمِّ حبيبة، رضي الله عنها. أخرجه أحمدُ (6/ 325)، والبخاريُّ في "الكُنى" (ص- 19)، وابْن أبي خيثمة في "تاريخه" -كما في "التلخيص" (1/ 64) -، وأبو يعلى في "مسنده" (253، 254 - زوائده) من طريق محمد بن إسحق، حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبي الجراح مولى أمِّ حبيبة، عن أمِّ حبيبة مرفوعًا: "لولا أنْ أشُقَّ على أُمَّتي لأمرتُهُمْ بالسِّواكِ عند كل صلاةٍ، كما يتوضؤن". قال الحافظُ: "سندُة حسنٌ". ولعلَّهُ يعني في الشواهد، لأن أبا الجراح لم يوثقه سوى ابن حِبَّان (5/ 561). ومنه تعلمُ ما في قول الهيثميِّ -رحمه الله- من الخلل، قال: "رجالهُ ثقات"!! وقد رأيتُهُ يعتدُّ بتوثيق ابن حبان كثيرًا، وهذا بخلاف ما عليه أهلُ التحقيق. وقد اختُلف في سنده. فأخرجه أحمدُ (6/ 429) من الوجه السابق، فذكر فيه: " ... عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحشٍ مرفوعًا". فصار الحديث من "مسند زينب". ولعلَّ هذا الاختلاف من أبي الجراح. والله أعلمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 11 - حديثُ أبي أمامة، رضي الله عنه. مرَّ ذكرُهُ في شواهد الحديث رقم (5). ... 12 - حديثُ أبي أيوب الأنصاريّ، رضي الله عنه. أخرجه محمدُ بْنُ نصر في "قيام اللَّيْل" (47) من طريق عيسى بن يونس، ثنا واصلُ بنُ السائب، عن أبي سَوْرة، عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قام من اللَّيْل، يتسوَّكُ مرتين أو ثلاثًا". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا. واصل بن السائب تركه النسائيُّ، والأزديُّ. وقال البخاريُّ، وأبو حاتمٍ، ويعقوبُ بْنُ سفيان، والساجيُّ: "منكرُ الحديث". وضعّفه ابنُ معين وأبو زرعة، والدارقطنيُّ، وابنُ حبان وغيرُهم وأبو سورة، معروف بكنيته. ضعّفه يحيى بن معين جدًّا. وقال البخاريُّ والساجىُّ: "منكرُ الحديث". وجهَّله الدارقطنيُّ!! وقال البخاريُّ: " لا يُعرف لأبي سورة سماعٌ من أبي أيوب". .... وهناك حديثٌ آخر لأبي أيوب مرفوعًا: "أربعٌ من سنن المرسلين: التَّعطُّرُ، والنكاحُ، والسِّواكُ، والحِنَّاءُ". أخرجه أحمدُ (5/ 421)، وابنُ أبي شيبة (1/ 170)، وعبدُ بنُ حميدٍ في "المنتخب" (ج 1/ رقم 220) قالوا: ثنا يزيدُ بْنُ هارون، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثنا الحجاجُ بْنُ أرطاةٍ، عن مكحولٍ، قال: قال أبو أيوب الأنصاريُّ. فذكره مرفوعًا. ووقع عند أحمد: "الحياء" -بتحتانيةٍ- بدل "الحناء" بنونٍ. * قلْتُ: كذا رواه يزيدُ بْنُ هارون (¬1)، عن حجاجٍ. وهو منقطعٌ. وخالفه حفصُ بْنُ غياثٍ، وعبَّادُ بنُ العوَّام، فروياه عن حجاجٍ، عن مكحولٍ، عن أبي الشمال، عن أبي أيوب، مرفوعًا به فجُبر الانقطاع بين مكحولٍ وأبي أيوب بذكر: "أبي الشِّمال" أخرجه الترمذيُّ (1080)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 4/ رقم 4085) وفي "مسند الشاميين" (3581). قال الترمذيُّ: "هَذَا حَدِيْث حَسَنٌ غَرِيْبٌ (¬2) "! * قُلْتُ: كذا قال الترمذيُّ -رحمه الله تعالى-، وفيه نظرٌ لأن أبا الشمال مجهولٌ كما قال الحافظُ. وقال أبو زرعة: "أبو الشِّمال، لا يُعرف إلاَّ بهذا الحديث". = ¬

_ (¬1) ورواه مع يزيد هكذا جماعةٌ -كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى-. وقد رواه عبد الواحدُ بنُ زيادٍ، عن حجاجٍ به. وفيه "الحناء". ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 247 /2231) .. (¬2) قال النووي في "المجموع" (1/ 274) بعد نقل تحسين الترمذي: "هذا كلامه!، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وأبو الشمال. والحجاج ضعيفٌ عند الجمهور!، وأبو الشمال مجهول، فلعله اعتضد بطريقٍ آخر فصار حسنًا .. " اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال أبو موسى المديني في "الاستغناء في استعمال الحناء": "هذا حديثٌ مختلف في إسناده ومتنه" نقله النووي في "المجموع" (1/ 275). وقال المباركفورىُّ في "تحفة الأحوذيّ" (4/ 198): "في تحسين الترمذيّ هذا الحديث نظرٌ، فإنه قد تفرَّد به أبو الشِّمال، وقد عرفت أنه مجهولٌ، إلاَّ أن يُقال: إنَّ الترمذيَّ قد عرفه، ولم يكن عنده مجهولًا!، أو يُقال: إنَّهُ حسن لشواهده، فروى نحوه عن غير أبي أيوبٍ" اهـ. * قُلْتُ: أمَّا الاحتمالُ الأوَّلُ، فبعيدٌ، ولو عرفه الترمذيُّ، لصرَّح بذلك في موضع الحديث، لا سيَّما أنه لا يُعرف له غيرهُ كما قال أبو زرعة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة إليه لا يجوز. أمَّا الاحتمالُ الثاني -وهو الشواهد المروية فسننظر فيه قريبًا بإذن الله. ثمَّ قال الترمذىُّ: "روى هذا الحديث: هُشيمٌ، ومحمدُ بنُ يزيد الواسطيّ، وأبو معاوية، وغير واحدٍ، عن الحجاج، عن مكحول، عن أبي أيوب، ولم يذكروا فيه: "عن أبي الشِّمال"، وحديث حفص ابن غياث، وعبَّاد بن العوام أصحُّ" اهـ. * قُلْتُ: ليس معنى قول الترمذىّ هذا أنَّ حديث حفصٍ وعبَّادٍ صحيحٌ، ولكن معنى كلمة "أصحّ" هنا، أي أنَّ الحديث بإدخال: "أبي الشمال" بنت مكحولٍ وأبي أيوب، هو الصوابُ الصحيحُ، أما حذفُهُ، فمرجوحٌ. هذا مرادُ الترمذىِّ. والله أعْلَمُ. وهناك علَّةٌ أخرى للحديث غير ما تقدَّم، وهي: تدليسُ الحجاج بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أرطاة. ثمَّ وجدتُ شيخنا قال في "الإِرواء" (1/ 117): "إنَّ الحجاج قد صرَّح بالتحديث في روايته عنه. فقال المحامليُّ (¬1) في "الأمالي" (ج 8 / رقم 25): حدثنا محمودُ بْنُ خداشٍ، ثنا عبَّادُ ابنُ العوام، ثنا حجاجٌ، ثنا مكحولٌ به. وهذا سندٌ رجاله كلُّهُمْ ثقات (!)، وبذلك زالت شبهةُ التدليس، وانحصرت العلَّةُ في جهالة أبي الشِّمال، ولولاها لكان السَّنَدُ صحيحًا (¬2) " اهـ. أمَّا الشواهدُ التي أشار إليها المباركفوريّ، فهي عن: أ- ابن عباسٍ، مرفوعًا: "من سنن المرسلين: الحياءُ، والحلمُ، والحجامةُ، والسِّواكُ، والتَّعطُّر، وكثرةُ الأزواج". أخرجه العقيليُّ في "الضعفاء" (1/ 83) والسِّياقُ لهُ، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (6/ 2074)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 11/ رقم 11445)، من طريق قدامة بن محمد الأشجعيِّ، قال: حدثنا إسماعيلُ ابن شبيب، عن ابن جريجٍ، عن عطاء، عن ابن عباسٍ مرفوعًا به. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا. قال العقيليُّ في ترجمة إسماعيل هذا، بعد أن ساق له أحاديث: "إسماعيلُ بْنُ شبيب، عن ابن جريجٍ، أحاديثُهُ مناكير، ليس منها = ¬

_ (¬1) المحاملىُّ: هو الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الضبيُّ البغداديُّ، وهو إمامٌ ثقةٌ مترجمٌ في "تاريخ بغداد" (8/ 19 - 23)، و"سير النبلاء" (15/ 258 - 263) وغيرها من المصادر. (¬2) كذا!، وفيه نظرٌ، لأن الحجاج بن أرطأة كثير الخطأ مع صدقه. فلا يرقى حديثه إلى الصحة. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = شىءٌ محفوظٌ. ثمَّ قال: كلُّ هذه الأَحاديث غيرُ محفوظةٍ من حديث ابن جريجٍ، ولا من حديث غيره، إلاَّ من حديث مَنْ كان مثله في الضَّعْفِ أو نحوهُ، أمَّا من حديث ثقةٍ، فلا" اهـ. وإسماعيلُ هذا، واهٍ، متهافت. تركه النسائيُّ. وقدامةُ بنُ محمدٍ. قال ابنُ معين: "لا أعرفُهُ"! وضعّفه ابنُ حِبَّان، وابنُ عديٍّ. وقال أبو حاتمٍ، وأبو زرعة: "لا بأس به". وابنُ جُريْجٍ مدلسٌ، وقد عنعن الحديث. ولا فرق -عندي- بين عنعنة ابن جريجٍ عن عطاء أو غيره، خلافًا لشيخنا الأَلباني حافظ الوقت، وقد جلَّيْتُ هذا البحث في "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة" (رقم 108) وهو مطبوعٌ. ب- حديثُ جدِّ مُليح بن عبد الله مرفوعًا: "خمسٌ من سُنن المرسلين: الحياءُ، والحلمُ، والحجامةُ، والسِّواكُ، والتَّعَطُّرُ". أخرجه البخاريُّ في "الكبير" (4/ 2/ 10)، والبزَّارُ (ج 1/ رقم 500) والدُّولابي في "الكُنى" (1/ 44) والدارقطنيُّ في "المؤتلف" (4/ 2046)، وابنُ أبي عاصم في "الآحاد والمثانى"، والحكيمُ الترمذيُّ في "نوادر الأصول" -كما في "تخريج الإحياء" (3/ 177) للعراقى-، والطبرانيُّ في "الكبير"، وأبو نُعيم في "المعرفة"، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والبيهقيُّ في "الشُّعب"، والبغويُّ في "المعجم" -كما في "الإِتحاف" للزبيديِّ-، والدارقطنيُّ في "المؤتلف والمختلف" (4/ 2046) من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، كنا عمرُ بْنُ محمد الأسلميُّ، عن مليح بن عبد الله الخطمى، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا به. قال البزَّارُ: "لا نعلمُ روى الخطميُّ إلا هذا، ولا نعلمُ له إلَّا هذا الإِسناد". وقال البيهقىُّ: "عمرُ ينفردُ به". وقال الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 99): "مليحٌ، وأبوه، وجدُّه، لم أجد من ترجمهم"! * قُلتُ: كذا قال! ومليحُ بنُ عبد الله، ترجمه البخاريُّ في "الكبير" (4/ 2/ 10)، وابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 367)، وابنُ حبان في "الثقات" (7/ 526) وما زادوا في ترجمته على: "روى عن أبيه، روى عنه عمرُ بن محمَّد الأسلميُّ". فيظهر أنه مجهولُ العين والصفة. وعمرُ بنُ محمَّد الأسلميُّ، قال الذهبيُّ: "مجهولٌ". ولذا قال الحافظُ العراقي: "سندُهُ ضعيفٌ". فهذه الشواهد مع ضعفها لا تحتمل التقوية، فيصبحُ الاحتمالُ الثاني الذي أبداهُ المباركفورى - رحمه الله - ضعيفًا أيضًا. والله أعلمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 13 - حَدِيْثُ تَمَّامِ بْنِ العَبَّاسِ، رَضِىَ الله عَنْهُ. أخرجه أحمدُ (1/ 214)، ومن طريقه الخطيبُ في "الموضح" (2/ 256) حدثنا إسماعيل بن عمر أبو المنذر، حدثنا سفيانُ، عن أبي عليٍّ الزرَّاد، حدثني جعفر بن تمام بن العباس، عن أبيه، قال: أتوا النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، فقال: "ما لي أراكم تأتوني قُلْحًا؟!، لولا أن أشقَّ على أُمَّتى، لفرضتُ عليهم السِّواكَ كما فرضتُ عليهم الوضوء". هكذا رواه إسماعيلُ بنُ عمر عن الثوريّ. وخالفه معاويةُ بنُ هشامٍ: قال ثنا سفيان، عن أبي عليٍّ الصيقل، عن قثم بن تمام -أو تمام بن قثم-، عن أبيه، قال: أتينا النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: "ما بالُكم تأتونى قُلحًا ... الحديث". * أخرجه أحمد (3/ 442)، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة" (ق 108/ 2). ورواية إسماعيل بن عمر أرجح، لأنه أثبت من معاوية بن هشام. قال الحافظ في "التعجيل" (ص-60): "وروايةُ معاوية بن هشام شاذَّةٌ، وهو موصوفٌ بسوء الحفظ". وقد رواه غير واحدٍ عن سفيان على أول الأول الذي رواه إسماعيلُ. هذا، وقد توبع سفيانُ على الوجه الأوَّلُ. تابعه منصور بن المعتمر، عن أبي عليٍّ الزراد، عن جعفر بن تمام، عن أبيه مرفوعًا ... أخرجه أبو يعلى (120 - زوائده)، وأبو نُعيم في "المعرفة" (ق 108/ 2). وتابعه أيضًا قيسُ بن الربيع، عن أبي عليٍّ به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه الخطيبُ في "الموضح" (2/ 256) من طريق أبي النضر، ثنا قيس. وقد اختُلف عن منصور وقيس في إسناد الحديث كما أشار إليه الخطيبُ. ويأتي، وعلى كل حالٍ، فالوجه الأوَّلُ أرجح. فننظرُ فيه. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. وله ثلاث عللٍ: * الأولى: جهالةُ أبي عليٍّ الزراد. فقد ترجمه البخاريُّ في "الكُنى" (52)، والحافظُ في "التعجيل" (507)، وقال: "قال أبو عليٍّ بن السَّكن: مجهولٌ". وأقرَّهُ العراقيُّ في "طرح التثريب" (2/ 64). فتعقب هذا الحكم الشيخُ أبو الأشبال رحمه الله تعالى، فقال في "شرح المسند" (3/ 246): "ينبغى الحكمُ بتوثيقه، فقد نقل في "التهذيب" في ترجمة منصور ابن المعتمر عن أبي داود: "كان منصور لا يروى إلاَّ عن ثقةٍ"، ورواية منصور عنه ثابتةٌ" اهـ. * قُلْتُ: كذا قال الشيخُ!، وهو تعقُّبٌ ضعيفٌ، لما تقرر في "المصطلح" أن رواية العدل عمن سمَّاهُ، ليست بتعديلٍ له، وعليه الأكثرون من المحققين. وقد روى منصور بن المعتمر عن أبي صالح باذام وهو ضعيفٌ، وروى عن عاصم بن بهدلة، والمنهال بن عمرو، وقد تكلم فيهما غير واحدٍ، وروى عن زياد بن عمرو بن هند، وعبيد الله ابن علي بن عرفطة ولا تُعرف لهما رواية إلاَّ من جهة منصور فقط. على أن الشيخ أبا الأشبال رحمه الله قال في "شرح الترمذيّ" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (1/ 35): "أبو عليّ الصيقل الزراد مجهولٌ". فنقض قوله الآخر. ويبدو لي أن كلامه في "المسند" هو المتأخر، لأنه شرح الترمذيّ قديمًا، ويُعرف ذلك أيضًا بكثرة إحالته إلى شرحه على الترمذيِّ. والله أعلمُ. والحقُّ أن قول الحفاظ: "فلانٌ لا يروى إلَّا عن ثقةٍ" قولٌ لا يؤمنُ وقوع الخلل فيه. فكم من إمامٍ قالوا فيه هذه العبارة، ووجدنا له شيوخًا ضعفاء، بل وضعفاء جدًّا. وعندنا مثلًا: شعبةُ بْنُ الحجَّاج، قالوا: "لا يروى إلَّا عن ثقةٍ" وثبت أنه روى عن جابرٍ الجعفيّ، وإبراهيم الهجريّ، ومحمد بن عبيد الله العرزميّ، وعاصم بن عبيد الله، وغيرهم. حتى قال الخطيبُ -كما في "نصب الراية" (4/ 174) -: "لقد أساء شعبةُ حيثُ حدَّث عن محمد بن عبيد الله العرزميّ". وقال ابنُ عديٍّ: "لعلَّ شعبة لم يرو عن أضعف منه". ولذلك قال الذهبيّ في "الميزان" (3/ 613): "شيوخ شعبة نقاوةٌ، إلا النَّادر منهم". فهذا الذي ينبغي أن يُتمسَّك به في كل من يقولون فيه: "لا يُحدِّثُ إلَّا عن ثقةٍ". وقد فصَّلْتُ هذا البحث في كتابي: "الرغبة في تبرأة شُعبة" يسَّرَ الله طبْعَهُ .. * العلَّةُ الثانيةُ: الإِرسال. قال ابنُ حِبَّان في "الثقات" (4/ 85): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وممن روى عن الصحابة من التابعين ... تمامُ بْنُ العباس بن عبد المُطَّلب الهاشمىُّ، يروى عن أبيه، روى عنه ابنهُ جعفر بن تمام". * الاختلافُ في سنده. وقد اختُلف فيه على منصورٍ اختلافًا عظيمًا. وأخرجه البخاريُّ في "الكبير" (1/ 2/ 157)، والبيهقىُّ (1/ 36)، والخطيبُ في "الموضح" (2/ 256) من طريق منصور ابن المعتمر، عن أبي عليٍّ، عن جعفر بن تمام، عن أبيه، عن ابن عباسٍ فذكره. فصار الحديث من "مسند ابن عباسٍ". وقد أخرجه الخطيبُ في "الموضح" (2/ 256)، وفي "الجامع" (858)، من طريق قيس بن الربيع، عن عيسى الزرَّاد، عن تمام بن معبد، عن ابن عباسٍ به. وعيسى، هو أبو عليٍّ الزرَّاد. وقد اختُلف في تعيين شيخه. وأخرجه الحاكم (1/ 146) من طريق إسحق بن إدريس البصريّ، ثنا عمر بن عبد الرحمن الأبَّار، حدثني منصورٌ، عن جعفر بن تمام، عن أبيه، عن العباس بن عبد المُطَّلب مرفوعًا. ولم يذكر الجملة الأولى. وسكت عنه الحاكم والذهبيُّ!! فانتقل الحديث إلى "مسند العباس". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا. وإسحق بن إدريس، تالفٌ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تركه ابنُ المدينى، ووهَّاهُ أبو زُرْعة. بل قال ابنُ معين: "كذَّابٌ يضعُ الحديث". لكنه لم يتفرَّدْ به. فتابعه سليمانُ بْنُ كران -بصريٌّ مشهورٌ ليس به بأسٌ-، ثنا عمرُ ابْنُ عبد الرحمن الأبَّارُ، بسنده سواء. أخرجه البزَّارُ (ج1/ رقم 498) وقال: "لا نعلمه بهذا اللَّفْظِ عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، إلَّا عن العبَّاسِ، بهذا الإِسناد". وعزاه الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 97) للطبرانيِّ في "الكبير"، وأبي يعلى في "مسنده" بنحوه. وسليمانُ بن كران -ويقال: كراز-، ولعل الأول أصوب، قال العقيليُّ (2/ 138): "الغالبُ على حديثه الوهمُ". وضعّفه ابنُ عديٍّ، كما يُفْهم من صنيعه في ترجمته. ولكنه توبع عليه. قال الذهبيُّ في "الميزان" (2/ 221): "وقد رواه فُضيلُ بْنُ عياضٍ، عن منصور، فخلُص منه سليمانُ". وقال الحافظُ في "اللِّسان" (3/ 101): "قد رواه البغداديُّ في "معجمه" عن سريج بن يونس، عن الأبَّار، فخلُص سليمانُ من عهدته". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: فحاصلُ الاختلاف أنه مرة يروى عن "تمام بن العباس" مرسلًا، ومرة عن: "ابن عباسٍ"، ومرةً عن: "العباس" كلُّهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم. وقد قال الخطيبُ في "الموضح" (2/ 257) بعد أن ساق هذا الاختلاف: "وأقربُها إلى الصحة حديثُ -سفيان الثورىّ، وحديث أبي النضر عن قيس بن الربيع، فإنه كان للعباس ابنٌ يقال له: "تمام" إلا أنهُ لم يسمع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم شيئًا، وكان له يوم قُبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم ستة أشهر" اهـ. فانفصل الخطيب على ترجيح أنه من رواية "تمام" مرسلًا، وهو الصوابُ عندي. بينما رجَّح الشيخُ أبو الأشبال أحمد شاكر أن يكون الحديث من رواية "تمام بن العباس، عن أبيه"، ووافقه شيخُنا الألباني في "الإِرواء" (1/ 111)!! وما مضى من التحقيق يؤيدُ ما ذهبتُ إليه. والله أعْلَمُ. وجملة القول أن الحديث ضعيفٌ لما ذكرتُهُ من عللٍ. ولذلك قال البدرُ العينى في "عمدة القارى" (6/ 181): "لا يثبُتُ". وقال النوويُّ في "المجموع" (1/ 268، 272): "حديثٌ ضعيفٌ". ... 14 - حديثُ عبد الله بن حنظلة، رضي الله عنه. قال المباركفورى -رحمه الله-في "التحفة" (1/ 107): "لم أقف عليه". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: قد وقفتُ عليه، والحمد لله. أخرجه أبو داود (48)، وأحمدُ (5/ 225) والفسويُّ في "تاريخه" (1/ 263 - 264) من طريق ابن إسحق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، قال: قُلْتُ: أرأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة، طاهرًا أو غير طاهر، عمَّ ذلك؟. فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله ابن حنظلة بن أبي عامر، حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم أمر بالوضوء لكل صلاةٍ، طاهرًا أو غيرس طاهرٍ، فلمَّا شقَّ ذلك عليه، أمر بالسِّواكِ لكُلِّ صلاة .. " فكان ابنُ عمر يرى أن به قوةً، فكان لا يدعُ الوضوء لكل صلاةٍ. قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (2/ 70): "في إسناده محمدُ بْنُ إسحق، وقد رواهُ بالعنعنة، وهو مدلسٌ". * قُلْتُ: كذا قال! وقد صرّح ابنُ إسحق بالتحديث عند الإِمام أحمد، فكأنه لم يقف عليه!، والحديثُ سندُهُ حسنٌ كما قال الحافظ في "التلخيص" (3/ 120) .. ووقع في رواية أحمد: "عبيد الله بن عبد الله بن عمر" بدل "عبد الله". وكلاهما ثقةٌ .. ... 15 - حديثُ أمِّ سلمة، رضي الله عنها. أخرجه البيهقيُّ (7/ 49) من طريق خالد بن عبيد، حدثني عبد الله ابن بريدة، عن أبيه، عن أم سلمة مرفوعًا: "ما زال جبريلُ يوصينى بالسِّواك، حتى خشيتُ على أضراسى"!! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وسندُهُ واهٍ. وخالدُ بنُ عبيد، قال البخاريُّ في "الكبير" (2/ 1/ 161 - 162): "فيه نظرٌ". وهذا جرحٌ شديدٌ عنده. وقال أبو أحمد الحاكم: "ليس حديثُهُ بالقائم". وضعّفه ابنُ عديٍّ، والعقيلىُّ. وقال ابنُ حِبَّان في "المجروحين" (1/ 279): "لا تَحلُّ كتابةُ حديثه". ولكنه توبع. تابعه عبد المؤمن بن خالد، عن ابن بريدة به. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 23/ رقم 510) حدثنا عبدُ الله ابْنُ أحمد بْنِ حنبلٍ، ثنا محمد بن حميد، ثنا أبو تميلة، ثنا عبد المؤمن به. قال الهيثميُّ (2/ 99): "رجالُهُ موثقون، وفي بعضهم خلافٌ"!! وقال المنذريُّ في "الترغيب" (1/ 102): "رواه الطبرانيُّ بإسنادٍ ليّنٍ"!! * قُلْتُ: كذا قالا!! ومحمد بن حميد الرازى واهٍ، بل كذَّبه أبو زرعة وغيرُهُ. وعبد المؤمن فيه كلام يسيرٌ. وقد نقل البيهقيُّ عن البخاريّ أنه قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "حديثٌ حسنٌ"!! ... 16 - حديثُ واثلة بْنِ الأسقع، رضي الله عنه. أخرجه أحمدُ (3/ 490) حدثنا إسماعيلُ، قال: ثنا ليث، عن أبي بردة، عن أبي مليح بن أسامة، عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا: "أُمرتُ بالسِّواك حتى خشيتُ أن يُكتب عليَّ". وأخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 22/ رقم 189، 190) من طُرُقٍ عن ليثٍ به. ووقع عند الطبرانّي في الموضع الأول: " ... ليث، عن أبي المليح ". فسقط في ذكر أبي بردة! فلا أدرى! أهو من ناسخٍ، أو طابعٍ، أم هو اختلافٌ على ليثٍ في إسناده؟!! وعلى كُلِّ حالٍ، فالحديثُ ضعيفٌ لضعف ليث بْنِ أبن سليم. قال الحافظُ في "التقريب": "صدوق اختلط أخيرًا، ولم يتميز حديثُهُ، فتُرك". أمَّا قول الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (2/ 70): "إسنادُهُ حسنٌ"! وقولُ الهيثميّ (2/ 98): "فيه ليث بن أبي سُليم، وهو ثقةٌ مدلسٌ"!! ففيه تسامحٌ عن الجرح الذي فيه. والهيثميُّ - رحمه الله - يضطربُ كثيرًا في كتابه "مجمع الزوائد" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فقد رأيتُهُ ضعّف ليثًا مطلقًا (10/ 180). بل قال في موضعٍ آخر (6/ 254): "الغالبُ عليه الضعفُ"!! وكنتُ قد جمعتُ -منذ سنواتٍ- رجال "مجمع الزوائد" مع نقد الحافظ الهيثمىِّ -رحمه الله تعالى-، فرأيتُ أوهامًا يكثر التعجُّبُ من وقوعها، مع الإقرار بالجهد التام المشكور في جمع الكتاب. فالله تعالى يسامحه، ويرضى عنه. وقال المنذريُّ في "الترغيب" (1/ 102): "فيه ليثُ بْنُ أبي سُليم". وهو يشير بقوله هذا إلى أنه علَّةُ الحديث. والله أعلمُ. ... 17 - حديثُ أبي موسى الأشعرى، رضي الله عنه. * قُلْتُ: مرّ له حديثان برقم (3، 4)، فانظرهما غير مأمورٍ وهناك أحاديث أخرى في الباب لم يذكرها الترمذيُّ - رحمه الله -، فأنا أشيرُ إليها إشارة خفيفة. 18 - حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما. أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في "العلل" (1/ 35/ 70)، وابنُ عدىٍّ في "الكامل" (4/ 1616 - 1617) من طريق عبد الرحمن بن أبي الموال، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابرٍ مرفوعًا. "لولا أنْ أشقَّ على أمَّتى ... الحديث". قال أبو حاتمً: "ليس بمحفوظٍ. حدثنا به حرملةُ، عن ابن وهبٍ، عن ابن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبي الموال، عن ابن عقيل، عن النبيِّ صلي الله عليه وعلى آله وسلَّم، مرسلٌ. والرسلُ أشبهُ" اهـ. وأخرجه ابنُ عديٍّ (2/ 561) من طريق عبد الوهاب بن الضحَّاك، ثنا ابنُ عيّاشٍ، عن جعفر بن الحارث، عن منصورٍ، عن أبي عتيقٍ، عن جابرٍ مرفوعًا: "لولا أنْ أشُقَّ على أمَّتى، لجعلتُ عليهم السِّواك عزيمة". ** قُلْتُ: وهذا سندٌ ساقطٌ. وعبد الوهاب بن الضحاك تالفٌ البتة. كذبه أبو حاتمٍ، وتركه النسائيُّ وغيرُهُ. وقال البخاري: "عنده عجائبٌ". وقال أبو داود: "يضعُ الحديث". وجعفر بن الحارث، ضعّفه ابنُ معين والنسائيُّ. وقال البخاريُّ: "منكرُ الحديث". ... 19 - حديثُ سهلِ بْنِ سَعْدٍ، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 3 / رقم 2108) من طريق عبيد بن واقد القيسى، قال: سمعتُ شيخًا من غفارٍ، يُكْنى أبا عبد الله يحدث عن سهل بن سعد مرفوعًا: "أمرنى جبريلُ عليه السلام بالسواك، حتى ظننتُ أن سأدردُ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الطبرانيُّ: "لا يروى هذا الحديث عن سعدٍ، إلا بهذا الإِسناد، تفرد به عبيدُ ابْنُ واقد". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ. وعبيد بن واقد ضعّفه أبو حاتمٍ، وابنُ عدىٍّ، وغيرُهُما. وشيخُهُ مجهولٌ. والله أعلمُ. ... 20 - حديثُ عبد الله بن الزبير، رضى الله عنه. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "المصنف" (1/ 169) قال: حدثنا معاوية بنُ هشام، قال: حدثنا سليمانُ بْنُ قرمٍ، عن أبي حبيبٍ، عن رجُلٍ من أهل الحجاز، عن عبد الله بن الزبير مرفوعًا: "لولا أنْ أشُقَّ على أمَّتى، لأمرتُهُمْ بالسِّواك عند كل صلاةٍ". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ. معاويةُ بن هشام، وسليمانُ بن قرمٍ متكلمٌ فيهما. ومعاوية أقوى الرجُلين. لكنهما لم يتفردا بالحديث. فأخرجه البزَّارُ (ج 1/ رقم 492) قال: حدثنا خالد بنُ يوسف، ثنا أبو عوانة، عن سنان أبي حبيبٍ، عن رجُلٍ، عن ابن الزبير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلَّم كان يأمر بالسِّواك". ولم يذكر اللَّفْظ الأول. قال البزَّارُ: "لا نعلمه يروى عن ابن الزبير، إلَّا من هذا الوجه". وعزاه الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 97) للطبرانيّ في "المعجم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الكبير". وقال: "فيه راوٍ لم يُسمّ". * قُلْتُ: وشيخُ البزار ضعيفٌ. ثمَّ جهالةُ الراوى عن عبد الله بن الزبير. أمَّا سنانُ، بن حبيب، أبو حبيبٍ، فقال أحمدُ: "لا بأس به". رواه عنه ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 252). * قُلْتُ: وفى الباب بعضُ أحاديث أُخر، ومن أراد الزيادة فعليه بـ "مجمع الزوائد". والله الموفقُ. ... 21 - حديثُ نافع بن جبير، مرسلًا. أخرجه الخطابيُّ في "الغريب" (1/ 103) من طريق سعيد بن منصور، ثنا سفيان، عن أبي الحويرث، سمع نافع بن جبير، يرفعُهُ: "لزمتُ السِّواك، حتى خشيتُ أن يُدْردنى"! * قُلْتُ: وهذا مرسلٌ ضعيفُ الإِسناد لأجل أبي الحويرث واسمه عبد الرحمن بنُ معاوية وهو ضعيفٌ. وسفيان الراوى عنه ذكروا أنه الثوريّ، وهذا مشكل، فإنهم لم يذكروا لسعيد بن منصور رواية عن الثورى، إنما عن ابن عيينة، فالله أعلمُ.

باب السواك فى كل حين

باب السِّوَاكِ فِى كُلِّ حِينٍ 8 - أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى - وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ - عَنْ مِسْعَرٍ عَنِ الْمِقْدَامِ - وَهُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ بِأَىِّ شَىْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَتْ بِالسِّوَاكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 8 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * عليُّ بْنُ خشرمٍ، هو ابن عبد الرحمن بن عطاء، أبو الحسن. روى عنه المصنِّفُ (12) حديثًا. أخرج له مسلمٌ والترمذيُّ أيضًا. وقد وثقه المصنِّفُ، وابنُ حبان، ومسلمةُ بْنُ قاسمٍ .. * عيسى بْنُ يونس، هو ابنُ أبي إسحق السبيعيّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ نبيلٌ. وقال ابنُ المدينى: "حُجَّةٌ". أنكر عليه أحمدُ، وابنُ معين أنه وصل حديثًا أرسلهُ غيرُهُ. وهو ما: أخرجه البخاريُّ (5/ 210 - فتح)، وأبو داود (3536)، والترمذيُّ (1953)، وفي "الشمائل" (350)، وأحمدُ (6/ 90)، والبيهقيُّ (6/ 180)، وأبو الشيخ في "الأخلاق" (252)، والخطيبُ في "التاريخ" (4/ 223)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (6/ 105) من طريق عيسى بن يُونس، عن هشام بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: "كان النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم يقبلُ الهدية، ويُثيبُ عليها". قال البخاريُّ عقبه: "لم يذكر وكيعُ ومحاضر: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة". ويقصدُ البخاريُّ أن عيسى بْنَ يونس خولف في رفعه. وكذلك قال البزَّارُ. وقال أبو داود: "تفرَّد بوصله عيسى بنُ يونس، وهو عند الناس مرسلٌ". * قُلْتُ: ولم يُجب الحافظ عن هذا الإِعلال بشىءٍ في موضع الحديث، ويمكن أن يقال: عيسى ثقةٌ حجَّةٌ، لم يختلف فيه أحدٌ، فزيادتُهُ مقبولةٌ، ولعلَّ هذا مستندُ البخاريّ في تخريج الحديث في "صحيحه" وقد قال الترمذيُّ: "حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ، لا نعرفُهُ إلَّا من حديث عيسى بن يونس، عن هشام" اهـ. * مسعر، هو ابنُ كدام بن ظهير، أبو سلمة الكوفيُّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ ثقة. قال ابنُ أبي حاتمٍ: "سألتُ أبي عن مسعر إذا خالفه الثوريُّ؟! قال: الحُكْمُ لمسعرٍ، إنَّهُ المُصْحَفُ!! ". * المقدامُ بنُ شريحٍ، هو ابنُ هانىءٍ الكوفيُّ. أخرج له الجماعة حاشا البخاريَّ، ففي "الأدب المفرد". وثقهُ أحمدُ، والمصنِّفُ، وأبو حاتم، وزاد: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "صالحٌ". * أبوه: شريحُ بنُ هانىءٍ. أخرج له الجماعة حاشا البخاريّ ففي غير "الجامع". وثقهُ أحمدُ، وابنُ معين، والمصنِّفُ، وابنُ سعدٍ. وقال ابن خراشٍ: "صدوق". ... والحديثُ أخرجه مسلمٌ (3/ 143 - 144 نووى)، وأبو عوانة (1/ 192)، وأبو داود (51)، وابنُ خزيمة (1/ 70) وابن المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 341)، والبيهقيُّ (1/ 34) من طريق مسعر، عن المقدام، عن أبيه، عن عائشة. وتابعه سفيانُ الثوريُّ، عن المقدام به. أخرجهُ أحمدُ (6/ 188، 192)، وابنُ حبان (ج 2/ رقم 1071). وتابعه أيضًا شريك النخعيّ، عن المقدام. أخرجه ابنُ ماجة (290)، وأحمدُ (6/ 110، 182، 237)، وسندُهُ حسنٌ في المتابعات، لأنَّ شريك النخعيَّ سيْىء الحفظ.

باب ذكر الفطرة

باب ذِكْرِ الْفِطْرَةِ أ - الاِخْتِتَانُ 9 - أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الاِخْتِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبْطِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 9 - إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ .. * الحارثُ بْنُ مسكين، هو أبو عمرو المِصريُّ. الإمامُ، الفقيهُ، الحافظُ. أخرج له أبو داود أيضًا وروى عنه المصنف (140) حديثًا. ووثقه هو وأحمدُ، وابنُ معين، والحاكمُ، والخطيبُ وغيرُهُم ثم إنه على مدار "السُنن" يقولُ المصنفُ هذه العبارة في حقِّ الحارث بن مسكين وحده: "قراءةً عليه وأنا أسمع". فقيل: إن خشونة وقعت بينه وبين شيخه الحارث، فكان النسائيُّ المصنِّفُ يحضُر وهو متخفٍّ في ناحيةٍ بحيث يسمع الصوت، ولا يراهُ شيخهُ". ذكر ذلك ابنُ الأثير في مقدمة "الجامع". * ابنُ وهبٍ، هو عبدُ الله، الإِمامُ المصرى العلمُ. أخرج له الجماعة. أثنى عليه أحمدُ، ووثقه ابْنُ معينٍ، والمصنِّفُ، وابنُ سعدٍ في آخرين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الخليلىُّ: "ثقةٌ متفقٌ عليه". ومن غُرر كلامه - رحمه الله - ما رواه ابنُ أبي حاتمٍ بسنده الصحيح إليه، قال: "نذرتُ أني كلَّما اغتبتُ إنسانًا، أنْ أصوم يومًا، فكنتُ أغتابُ وأصومُ!! فأجهدنى، فنويتُ أني كُلَّما اغتبتُ إنسانًا أن أتصدق بدرهمٍ، فمن حُبِّ الدراهم، تركتُ الغيبة"!! قال الذهبيُّ في "السير" (9/ 228) معلقًا: "هكذا والله كان العلماءُ، وهذا هو ثمرة العلم النافع. وعبدُ الله حُجةٌ مطلقًا، وحديثهُ كثيرٌ في الصحاح، وفي دواوين الإِسلام، وحسبك بالنسائيّ وتعنته في النقد حيث يقولُ: ابْنُ وهبٍ ثقةٌ، ما أعلمه روى عن الثقات حديثًا منكرًا" اهـ. * يونس، هو ابنُ يزيد بن أبي النجاد. أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ. وقد تكلَّم أحمدُ في بعض حديثه عن الزهرىّ، من ذلك حديث: "فيما سقت السماء العُشر". وهو حديثٌ صحيحٌ لا شك فيه، وسيأتي إنْ شاء الله تعالى الكلامُ عليه برقم (2487). وقد قال أحمد بن صالح: "نحنُ لا نقدِّمُ في الزهري على يونس أحدًا". وفيه بعضُ النظر، والمقصود تثبيت رواية يونس عن الزهريّ. * سعيد بن المسيب، هو ابْنُ حزن. الإمام، الحُجَّةُ، النبيل. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرج أبيه الجماعةُ. قال ابْنُ حبان: "كان من سادات التابعين، فقهًا، ودينًا، وورعًا، وعبادة، وفضلًا، وكان أفقه أهل الحجاز، وأعْبَرَ الناس لرؤيا. ما نودى بالصلاة من أربعين سنة، إلا وسعيدُ في المسجد" اهـ. رحمه الله ورضى عنه. وللحديث طرق عن أبي هريرة، رضي الله عنه. 1 - سعيد بن المسيب، عنه. أخرجه البخاريُّ في "الصحيح" (10/ 349 و 11/ 88 - فتح)، وفي "الأدب المفرد" (1292)، ومسلمٌ (3/ 146 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 190)، وأبو داود (4198)، والمصنفُ -ويأتي في "كتاب الزينة" باب رقم 65 - والترمذيُّ (2756)، وابْنُ ماجة (292)، وأحمدُ (2/ 229، 239، 283، 410، 489)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج10/ رقم 5872)، وابنُ حبان (ج 7 / رقم 5455، 5456، 5457)، وابْنُ المنذر في "الأوسط" (1/ 238 - 239)، وتمام الرازى في "الفوائد" (رقم 158)، والطحاويُّ في "المشكل" (1/ 296)، وعبد الرزاق في "المصنف" (11/ 174/ 20243)، والحميديُّ في "مسنده" (936)، والبيهقيُّ (1/ 149)، وفي "الآداب" (832)، والبغوي في "شرح السُّنة" (12/ 109) من طرق عن الزهريّ، عن سعيد. وقد رواه عن الزهري جماعةٌ منهم: "سفيان بْنُ عيينة، ومَعْمَرُ بْنُ راشد، ويونس بن يزيد، وإبراهيم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ابن سعدٍ في آخرين". 2 - أبو سلمة بْنُ عبد الرحمن، عنه. أخرجه البخاريُّ في "الأدب المفرد" (1257)، وأبو اللَّيث السمرقنديُّ في "تنبيه الغافلين" (ص- 233) من طريق ابن إسحق، عن محمد بن إبراهيم التيميّ، عن أبي سلمة به، إلا أنه جعل مكان: "الاختتان": "السواك". وسندُهُ حسنٌ، لولا عنعنة ابن إسحق. 3 - عروة بن الزبير، عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 1/ رقم357) حدثنا أحمد ابن رشدين، قال: حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثنا ابْنُ الهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير به، لكنه جعل "السواك" مكان: "قصِّ الشارب". قال الطبرانُّي: "لم يرو هذا الحديث عن عروة، عن أبي هريرة، إلا أبو الأسود، تفرّد به ابنُ لهيعة". * قُلْتُ: وابنُ لهيعة وإن كان سيىء الحفظ بسبب احتراق غالب أصوله، إلا أن شيخ الطبرانيّ: "أحمد بن رشدين" واهٍ. قال ابْنُ عديٍّ: "كذبوه، وأنكرت عليه أشياء". 4 - سعيد المقبريُّ، عنه .. أخرجه المصنفُ في "كتاب الزينة" (8/ 128)، والبخاريُّ في "الأدب" (1293) من طريق عبد الرحمن بن إسحق، عن سعيد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المقبريّ، عن أبي هريرة مرفوعًا به. * قُلْتُ: كذا رفعه عبدُ الرحمن بنُ إسحق. وخالفه مالكٌ، فرواه عن سعيد، عن أبي هريرة موقوفًا أخرجه في "موطئه" (2/ 921/ 3)، والمصنفُ (8/ 129)، والبخاريُّ في "الأدب" (1294). ورواية مالك أثبت. وعبد الرحمن بنُ إسحق وإن كان حسن الحديث لكنه لم يكن بالثبت في روايته، وقد وقعت منه أوهامٌ ومناكيرُ في بعض ما يرويه. والله أعلمُ. ... * قُلْتُ: وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة، منهم: 1 - عمَّارُ بْنُ ياسر، رضي الله عنهُ. أخرجه أبو داود (54)، وابْنُ ماجة (294)، وأحمدُ (4/ 264)، والطيالسيُّ (641)، وأبو عبيد في "الطهور" (ق 12/ 1)، والطحاويُّ في "شرح المعانى" (4/ 229)، وفي "المشكل" (1/ 296)، من طرق عن حماد بن سلمة، عن عليّ بن زيد، عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن عمار بن ياسر مرفوعًا: "من الفطرة: المضمضةُ، والاستنشاقُ، والسِّواكُ، وقصُّ الشارب، وتقليمُ الأظفار، ونتفُ الإِبط، والاستحدادُ، وغسلُ البراجمِ، والانتضاح، والاختتانُ" هذا سياقُ ابن ماجة، وبعضهم يزيد وينقُص. * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ، كما قال النووىُّ في "المجموع" (1/ 283). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عليّ بْنُ زيد بن جدعان، كان ضعيف الحفظ. وسلمة بن محمد، مجهولٌ كما قال الحافظ. وقال البخاريُّ: "لا نعرف أنه سمع من عمار أم لا". وقال ابنُ معين: "حديثُهُ عن جدِّه: مرسلٌ". ووقع عند أبي داود من رواية موسى بن إسماعيل: "سلمة بن محمد بن عمار، عن أبيه ... ". ويُفهم من هذا أنَّ سلمة يرويه عن أبيه مرسلًا، ليس فيه ذكر: "عمار". ولكنَّ الأكثرين يخالفون موسى بن إسماعيل في ذلك. فرواه عفانُ بْنُ مسلم، وداود بن شبيب، وأبو داود الطيالسىُّ، وخالدُ بْنُ عبد الرحمن، جميعهم يقولُ: " ... سلمة بن محمد بن عمار، عن عمار". وهذا هو الصحيح. والله أعلمُ. قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 77): "صححه ابنُ السَّكن، وهو معلولٌ". وقال الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (2/ 74): "على تقدير صحته ... ". ... 2 - حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه. أخرجه الخطيبُ في "الموضح" (2/ 199) من طريق عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنسٍ مرفوعًا: "خمسٌ من الفطرة: قصُّ الشارب، ونتفُ الإِبط، وتقليمُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأظفار، وحلق العانة، والختان". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيف. وعبد الله بن جعفر هو والد عليّ بن المديني وهو ضعيفٌ. وقد وهاه بعضُهُمْ. ... 3 - حديث عائشة، رضي الله عنها. أخرجه مسلمٌ (261/ 56)، وأبو عوانة (1/ 190 - 191)، وأبو داود (53)، والمصنِّفُ في "كتاب الزينة" (8/ 126 - 128)، والترمذيُّ (2757)، وابْنُ ماجة (293)، وأحمدُ (6/ 137)، وابْنُ خزيمة (1/ 47 / 88)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج 8 / رقم 4517)، وابنُ أبي شيبة (8/ 379 - 380) مختصرًا، وابْنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/رقم 339)، والطحاويُّ في شرح المعاني" (4/ 229)، وفي "الشكل" (1/ 297)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (ق 211/ 1)، والبيهقيُّ (1/ 36، 52، 53، 300)، والدَّارقطنيُّ (1/ 94 - 95)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 397 - 398) من طُرُقٍ عن وكيع، ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة مرفوعًا: "عشرة من الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللّحية، والسواك، والاستنشاقُ بالماء، وقصُّ الأظفار، وغسلُ البراجم، ونتفُ الإِبط، وحلقُ العانة، وانتقاصُ الماء". قال زكريا: نسيتُ العاشرة، إلا أنْ تكون المضمضة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الترمذي: "حديثٌ حسنٌ"! وقال الدارقطنيُّ: "تفرد به مصعبُ بْنُ شيبة، وخالفه أبو بشر، وسليمان التيمىُّ فروياه عن طلق قولهُ غير مرفوعٍ". وسبقه المصنِّفُ -رحمه الله- إلي ذلك، فروى الحديث (8/ 128) من طريق سليمان التيمي وجعفر بن إياس أبي بشر، عن طلق بن حبيب قال: عشرة من الفطرة ... فذكره، ثم قال: "وحديث سليمان التيمي وجعفر بن إياس أشبهُ بالصواب من حديث مصعب بن شيبة، ومصعب منكرُ الحديث" اهـ. قال الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 76): "وهذا الحديث وإنْ كان مسلمٌ أخرجه في "صحيحه" ففيه علَّتان، ذكرهما الشيخُ تقيُّ الدين في "الإمام"، وعزاهما لابن مندة: إحداهما: الكلام في مصعب بن شيبة. قال النسائيُّ: "منكَرُ الحديث" وقال أبو حاتمٍ: "ليس بقوىٍّ، ولا يحمدونه". الثانية: أنَّ سليمان التيمي رواه عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير مرسلًا. هكذا رواه النسائيُ في "سننه"، ورواه أيضًا عن أبي بشر، عن طلق ابن حبيب، عن ابن الزبير مرسلًا. قال النسائيُّ: وحديث التيمىّ وأبى بشر أولى. ومصعب بن شيبة منكر الحديث. انتهى. قال (¬1): ولأجل هاتين العلتين لم يخرجه البخاريّ، ولم يلتفت مسلمٌ إليهما؛ لأن = ¬

_ (¬1) القائل هو ابنُ دقيق العيد، كما جزم بذلك السيوطي في "زهر الرُّبى" (8/ 128). وقوله قبلها: "انتهى" يعني كلام ابن مندة. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مصعبًا عنده ثقةٌ، والثقةُ إذا وصل حديثًا، يقدَّمُ وصلُهُ على الإِرسال" اهـ. * قلتُ: كذا أجاب رحمه الله تعالى!، وهو جوابٌ ضعيفٌ. وقولُ ابن دقيق العيد - رحمه الله - أن مصعب بن شيبة ثقةٌ عند مسلم، فيه نظر؛ لأنه بناه عام كون مسلمٍ أخرج له، ومسلمٌ قد يخرج للراوى المتكلم فيه ما لم يُنْكِرهُ عليه، فينتقى من حديثه ما وافقه عليه الثقات، ويكونُ له عذرٌ في التخريج له، كالعلوِّ ونحو ذلك. وقد روى عن مسلمٌ عن سويد بن سعيد، نسخة حفص بن ميسرة. مع أن سويد بْنَ سعيد تكلموا فيه، حتى قال ابْنُ معين: "لو كان عندي فرسٌ ورُمْحٌ، كنتُ أغزوهُ"!! وكان لمسلم في التخريج له علَّةٌ. قال إبراهيمُ بن لأبي طالبٍ: "قُلْتُ لمسلمٍ: كيف استجزت الرواية عن سويد في "الصحيح"؟ فقال: ومن أين كنتُ آتى بنسخة حفص بن ميسرة؟! " وقال سعيد البرذعىُّ: شهدتُ أبا زُرْعة ذكر "صحيح مسلمٍ"، ونظر فيه، فإذا حديثٌ لأسباط بن نصر، فقال: ما أبعد هذا عن الصحيح!! ثم رأى "قطن ابن نُسير"، فقال لي: وهذا أطمُّ!!، ثم نظر، فقال: ويروى عن أحمد بن عيسى؟! وأشار إلي لسانه، كأنه يقول: الكذب!. تم قال: يحدثُ عن أمثال هؤلاء، ويتركُ ابن عجلان ونظراءهُ، ويطرقُ لأهل البدع علينا، فيقولوا: ليس حديثُهُمْ من الصحيح؟!. فلمَّا ذهبتُ إلي نيسابور ذكرتُ لمسلمٍ إنكار أبي زُرْعة، فقال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إنما أدخلتُ من حديث أسباط وقطن وأحمد ما رواه ثقات، ووقع لي بنزولٍ، ووقع لي عن هؤلاء بارتفاعٍ، فاقتصرتُ عليهم، وأصلُ الحديث معروف .... " اهـ. وانظر "سير النبلاء" (12/ 571). فلا يُتصور أن مسلمًا يوثق كل راوٍ أخرج له. فغيرُ سديدٍ إطلاق توثيق مسلمٍ لمصعب بن شيبة لمجرد أنه أخرج له. هذا مع كون الفحولِ تكلموا فيه. قال أحمدُ: "روى أحاديث مناكير". وقال أبو حاتمٍ: "لا يحمدونه، وليس بقوىٍّ". أسنده عنهما ابنُ أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 305). وقال أبو داود: "ضعيف". وقال النسائي: "منكرُ الحديث". وقال مرةً: "في حديثه شيءٌ". وقال الدارقطنيُّ: "ليس بالقوىِّ، ولا بالحافظ". ووثقهُ ابْنُ معين، والعجليُّ (1732). وقد لخصّ الحافظ حاله في "التقريب"، فقال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "ليِّنُ الحديث". فلو تأمَّلْنا، وجدنا أن جانب الجارحين أقوى لإمامتهم، ثم لكثرتهم. ومع هذا الجرح، فقد كان مصعب بن شيبة قليل الحديث كما قال ابْنُ سعدٍ. بل هذا مما يُثبت الجرح، لأن الأوهام قد تغتفر مع سعة الرواية. فإذا قلنا: إنَّ مصعب بن شيبة حسن الحديث في المتابعات والشواهد، فمثله لا يقوى على مخالفة سليمان التيميّ، وجعفر بن إياس، وهذا القدر قويٌّ جدًّا. وقد وقع في كلام ابن دقيق العيد أن النسائيَّ رواه عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير، مرسلًا. والذي في "سنن النسائي": " .... عن طلق بن حبيب قال: فذكره" ولم يذكر: "ابن الزبير" فالرواية مقطوعةٌ، وليست مرسلة. والله أعلمُ (¬1). ثمَّ وجدتُ جوابًا آخر عن هذا الحديث للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى. فقال في "الفتح" (10/ 337): "ورجَّح النسائيُّ الرواية المقطوعة على الموصولة المرفوعة، والذي يظهرُ لي أنها ليست بعلةٍ قادحةٍ، فإن راويها مصعب بن شيبة وثقهُ ابن معين والعجليُّ وغيرُهُما، وليَّنه أحمد وأبو حاتم وغيرُهُما، فحديثُهُ حسنٌ. وله شواهدُ في حديث أبي هريرة وغيره. فالحكم بصحته من هذه الحيثية سائغٌ!!، وقول سليمان التيميّ: "سمعتُ طلق بن حبيب يذكر عشرًا من الفطرة" يُحتمل أنه يريدُ أنه سمعه يذكرها من قبل نفسه على ظاهر ما فهمه النسائيُّ، ويُحتمل= ¬

_ (¬1) وكذا وقع في "علل الدارقطني" (ج 5/ ق 20/ 1).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أن يريد أنه سمعه يذكرها وسندها، فحذف سليمانُ السند" اهـ. * قُلْتُ: كذا أجاب الحافظُ رحمه الله تعالى، وهو جوابٌ ضعيفٌ عندي أيضًا، وضعفُهُ من وجهين: * الأول: قولُهُ: "مصعب بن شيبة .. فحديثُهُ حسنٌ". فنقول: متى يُحسن حديثُهُ؟! الذي لا يشك فيه ناقد أن ذلك يكون في حالة وجود المتابعة، مع عدا وجود الخالف، لا سيّما إنْ كان المخالف أثبت وأحفظ وكلاهما مفقودٌ هنا. لأن المخالف موجودٌ، وهو أثبتُ وأحفظُ. فقد خالفه سليمان التيميُّ، وأبو بشر جعفر بن إياسٍ. أمَّا سليمانُ التيميُّ، فهو ابْنُ طرخان. وكان ثقةً، ثبتًا، متقنًا، من أثبت أهل البصرة. وجعفر بن إياسٍ، كان ثقةً كما قال الأكثرون، وإنَّما ضعَّفهُ شعبةُ في حبيب بن سالم ومُجاهدٍ. فهذان خالفا مصعب بن شيبة في إسناده، فلا يشكُّ أحدٌ في تقديم روايتهما. ثمَّ رأيتُ الدَّارقطنيَّ -رحمه الله- سُئل في "العلل" (ج5/ق 20/ 1) عن هذا الحديث، فقال: "يرويه طلقُ بنُ حبيب، واختُلف عنه. فرواه مصعبُ بْنُ شيبة عن طلق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم. وخالفه سليمانُ التيميُّ وأبو بشرٍ جعفر بن إياس فرواه عن طلق بن حبيب قال: كان يقال: عشرٌ من الفطرة. وهما أثبتُ من مصعب بن شيبة، وأصحّ حديثًا" اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهو نصُّ قولنا والحمد لله على التوفيق. * الثاني: ما ذكره الحافظُ - رحمه الله - من وجود شواهد عن أبي هريرة، وغيره. فلا يخفى ما فيه من الخلل! لأن حديث أبي هريرة، وحديث ابن عمر رضي الله عنهم شاهدان قاصران لحديث عائشة، ليس فيهما غير خمس خصالٍ فقط، وحديث عائشة هنا فيه عشرُ خصالٍ، فنحتاجُ إلى شواهد للخمس خصالٍ الأخرى. وقد وقع ذلك في حديث عمار بن ياسر، ولكنه ضعيفٌ كما تقدم تحقيقُهُ. وقد سلك الحافظ هذا المسلك وهو يردُّ على الحافظ شرف الدين الدمياطي لأنه صحَّح حديث: "ماءُ زمزم لما شُرب له" (¬1) من طريق سويد بن سعيد، عن ابن أبي الموال، عن ابن المنكدر، عن جابر. قال الحافظ في" التلخيص" (2/ 268): "واغتر الحافظُ شرفُ الدين الدمياطى بظاهر هذا الإِسناد، فحكم بأنه على رسم الصحيح؛ لأنَّ ابن أبي الموال، انفرد به البخاريُّ، وسويد انفرد به مسلم، وغفل عن أن مسلمًا أخرج له ما توبع عليه، لا ما انفرد به، فضلًا عمَّا خولف فيه .... " اهـ. أمَّا الاحتمالُ الذي أبداهُ الحافظُ - رحمه الله - في آخر بحثه، فلا يخفى ضعفُهُ وتكلُّفُه. وما فهمه النَّسائيُّ هو المتبادر عند أهل الفن، وإلَّا فيمكننا في كُلٍّ إرسالٍ، أو إعضالٍ أن نقول: لعلَّ الراوى سمع السند موصولًا، فحذفه اختصارًا! ولا يخفى فسادُهُ. هذا، وقد استنكر العقيليُّ أيضًا العدد في حديث عائشة والله تعالى أعلمُ. وقد ذكر الحافظ ابنُ عبد الهادي حديث عائشة هذا في "المحرر" (رقم 32) وقال: "له علَّةٌ مؤثرةٌ". = ¬

_ (¬1) وهو حديثٌ صحيحٌ، سبق لي تصحيحُهُ في "فصل الخطاب بنقد المغنى عن الحفظ والكتاب" (ص 120 - 123) وأصله "جنة المرتاب" (2/ 441 - 445).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 4 - حديث ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- موقوفٌ. أخرجه ابْنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 885) من طريق خالد بن يزيد بن أبي مالكٍ، ثنا أبو رَوْقٍ، عن الضحَّاك، عن ابْنِ عباسٍ، قال: "عشر من السُّنة، خمسٌ في الرأس، وخمسٌ في البدن. فأمَّا التي في الرأس، فالسِّواك، والفرق، والاستنشاق، والمضمضة، والأخذُ من الشارب، ولم يذكر التي في الجسد". * قُلْتُ: وسندُهُ واهٍ. وخالد بن يزيد ضعيفٌ، بل اتهمه يحيى بْنُ معينٍ. والضحَّاكُ هو ابْنُ مزاحمٍ، لم يسمع من ابن عباسٍ. ولكن له سندٌ آخرُ، بسياقٍ فيه اختلافٌ يسيرٌ. أخرجه عبدُ الرزاق في "تفسيره"، ومن طريقه ابنُ جرير الطبرىُّ في "تفسيره" (1910)، وفي "التاريخ" (1/ 144)، والحاكم (¬1) (2/ 266)، والبيهقيُّ (1/ 149) من طريق معمر بن راشد، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباسٍ، في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} - (2/ 124). قال: ابتلاهُ الله بالطهارة، خمسٌ في الرأس، وخمسٌ في الجسد. في الرأس: قصُّ الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرقُ الرأس، وفي الجسد: تقليمُ الأظفار وحلقُ العانة، والختانُ، ونتف الإِبط، وغسلُ أثر الغائط والبول بالماء". قال الحاكم: = ¬

_ (¬1) سقط سند الحاكم من "المستدرك" وقد رواه البيهقيُّ من طريق شيخه الحاكم موصولًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "صحيحٌ على شرط الشيخين" ووافقه الذهبيُّ. وهو كما قالا، وقد اختلف عن عبد الرزاق في سنده فرواه عنه الحسن ابْنُ يحيى، بالوجه السابق. وخالفه إسحقُ، فرواه عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الحكم بن أبان، عن القاسم بن أبي بزَّة، عن ابن عباسٍ مثله، ولم يذكر "أثر البول" .. أخرجه ابنُ جرير أيضًا (1911) حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحق به والوجه الأولُ أثبتُ. والحكم بن أبان في حفظه لينٌ. والقاسم بن أبي بزة يظهر لي أنه لم يسمع من ابن عباسٍ، فإنه يروى عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وغيرهم ممن أخذوا عن ابن عباس. والله تعالى أعلمُ .. ... 5 - حديثُ أبي الدرداء، رضي الله عنه. أخرجه البزَّارُ (ج 3/ رقم 2967)، والطبرانيُّ -كما في "التلخيص" (1/ 67) - من طريق معاوية بن يحيى الصدفي، عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس، عن أبي الدرداء مرفوعًا: "الطهاراتُ أربعٌ: قصُّ الشارب، وحلقُ العانة، وتقليمُ الأظفار، والسِّواك". قال الهيثميُّ في "المجمع" (5/ 168): "فيه معاوية بنُ يحيى الصدفي، وهو ضعيفٌ". * قُلْتُ: والراوي عن معاوية بن يحيى عند البزار هو "إسحق بن سليمان" وقد قال أبو حاتمٍ: "روى عنه إسحق بن سليمان أحاديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مناكير، كأنها من حفظه". وقال ابنُ خراش: "رواية إسحق الراوى عنه مقلوبةٌ". وقال الدَّارقطنىُّ: "يُكتب ما روى الهقل عنه، ويُجتنب ما سواه، خاصة رواية إسحق ابن سليمان" اهـ. ولا أدرى هل رواية الطبرانيّ عن إسحق بن سليمان أيضًا أم عن غيره؟!

ب: "تقليم الأظفار"

ب: "تَقْلِيمُ الأَظْفَارِ" 10 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ مَعْمَرًا عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَالاِسْتِحْدَادُ وَالْخِتَانُ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 10 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * المعتمر، هو ابْنُ سليمان التيميّ. أخرج له الجماعة ... وثقهُ ابْنُ معين، وأبو حاتمٍ وزاد: "صدوقٌ"، وابنُ سعد وغيرُهُمْ. قال أحمدُ: "ما كان أحفظ معتمر بن سليمان!، قلَّ ما كُنَّا نسألُهُ عن شيءٍ إلَّا عنده فيه شىءٌ". وجرحُ يحيى القطان، وابن خراشٍ له بأنه "سيء الحفظ" غُلوٌّ، وقد ردَّهُ الذهبيُّ بقوله: "هو ثقةٌ مطلقًا"، وهو كما قال: * معمر بن راشد هو الحداني، أبو عروة البصريُّ، نزيلُ اليمن أخرج له الجماعة، وهو إمامٌ، ثقةٌ، نبيلٌ، من أثبت الناس في حديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الزهرىّ، غير أنه لما دخل البصرة لزيارة أمه، لم يكن معه كتبه، فحدث من حفظه، فوقع للبصريين عنه أغاليط -كما يقولُ الذهبيُّ في "السير" (7/ 12). وقال يحيى بْنُ معين: "إذا حدثك معمر عن العراقيين، فخالفه إلَّا عن الزهريّ، وابن طاووس، فإن حديثه عنهما مستقيمٌ". وقد نسبه بعضُهم إلى الغفلة استنادًا إلى حكاية لا تصحُّ، ذكرتها مع تفنيدها في كتابي "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة" (رقم 231). ... وقد تقدّم تخريجُ الحديث. وأزيد هنا أن المصنف أخرجه في "كتاب الزينة" (8/ 181) بذات السند هنا. والحمدُ لله.

"نتف الإبط"

" نتْفُ الإبطِ" 11 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَأَخْذُ الشَّارِبِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 11 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * محمد بن عبد الله بن يزيد، أبو يحيى بن أبي عبد الرحمن المكيُّ. أخرج له ابْنُ ماجة أيضًا. روى عنه المصنفُ (54) حديثًا، ووثقه هو وأبوُ حاتمٍ، ومسلمة ابن قاسم. وقال الخليلىُّ: "ثقة، متفقٌ عليه".

"حلق العانة"

" حَلْقُ العَانَةِ" 12 - أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ -قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ- عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْفِطْرَةُ قَصُّ الأَظْفَارِ وَأَخْذُ الشَّارِبِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 12 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * حنظلة بنُ أبي سفيان، هو ابنُ عبد الرحمن بن صفوان الجُمحي المكيُّ. أخرج لهُ الجماعةُ. وثقهُ المصنفُ، وأبو زرعة، وأبو داود وغيرُهُم. قال أحمد: "ثقةٌ ثقةٌ". وقال ابنُ معين: "ثقةٌ حجةٌ". وناهيك بذلك منهما. * نافع، مولى ابن عمر. أخرج له الجماعة. وهو ثقةٌ نبيل، كما قال ابنُ خراش. ووثقه المصنفُ، وأحمد، وابنُ معين، في آخرين. قال الخليليُّ: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "لا يُعرف له خطأ في جميع ما رواه". ... والحديث أخرجه البخاريُّ (10/ 349 - فتح)، وأحمدُ (2/ 118)، وابنُ حبان في "صحيحه" (ج7/ رقم5454)، والطحاويُّ في "المشكل" (1/ 296)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (1/ 239)، وأبو أمية الطرسوسىُّ في "مسند ابن عمر" (1) رقم- 80)، والبيهقيُّ (1/ 149) (3/ 244) من طرق عن حنظلة بن أبي سفيان، عن نافع، عن ابن عمر. وقد رواه عن حنظلة جماعة منهم: "ابنُ وهبٍ، والوليدُ بْنُ مسلمٍ، ومكيُّ بن إبراهيم، وإسحق بن سليمان". (تنبيه) هذا الحديث عزاه شيخُنا الألباني في "الإرواء" (1/ 112) للنسائي وابن حبان، وفاته العزو للبخاريّ وهو أولى، كما لا يخفى. والله أعلمُ.

"قص الشارب"

" قَصُّ الشَّارِبِ" 13 - أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَارِبَهُ فَلَيْسَ مِنَّا». ـــــــــــــــــــــــــــــ 13 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * علىُّ بْنُ حُجْرٍ، هو ابنُ إياس السَّعْديُّ. أخرج له الشيخان، وأبو داود. قال المصنِّفُ: "ثقةٌ، مأمونٌ، حافظٌ". وقال الحاكمُ: "كان شيخًا فاضلًا ثقةً". روى عنه المصنفُ (137) حديثًا. * عبيدة بنُ حميد، هو ابن صهيب التيمي، أبو عبد الرحمن الكوفيُّ، المعروف بـ "الحذَّاء" أخرج له الجماعة إلا مُسلمًا. وثقهُ أحمدُ، وابنُ معينٍ، وابنُ سعدٍ، وعثمانُ بن أبي شيبة، والدَّارقطنىُّ، في آخرين. * يوسفُ بْنُ صهيب، هو الكنديُّ، الكوفيُّ. أخرج له أيضًا أبو داود، والترمذيُّ. قال أبو حاتمٍ، والنسائيُّ: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "لا بأس به". ووثقهُ ابنُ معينٍ، وأبو داود، وعثمانُ بنُ أبي شيبة، والفسويُّ، في آخرين. * حبيب بن يسار، هو الكنديُّ، الكوفيُّ. أخرج له الترمذيُّ. وثقهُ ابنُ معين، وأبو زُرْعة، وأبو داود. ... أخرجه المُصنَّفُ في "السنن الكبرى" (ج1/ ق3/ 1) (¬1)، وفي "كتاب الزينة" (8/ 129 - 130)، ويأتي إن شاء الله برقم (5047)، والترمذيُّ (2761)، وأحمدُ (4/ 366؛ 368)، وعبدُ بنُ في حميدٍ في "المنتخب" (264)، وابنُ أبي شيبة (8/ 376 - 377)، ويعقوبُ بن سفيان في "المعرفة" (3/ 233)، وابنُ حبان (ج 7 /رقم5453)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 5/رقم5033، 5034، 5036)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (6/ 2361)، والبيهقيُّ في "الآداب" (831)، والخطيب في "التاريخ" (11/ 324)، وفي "الجامع" (864)، وأبو سعد السمعاني في "أدب الإِملاء" (28)، والقضاعيُّ في "مسند الشهاب" (356، 357، 358)، والمزيُّ في "التهذيب" (5/ 406) من طُرُقٍ عن يوسف بن صهيب، عن حبيب بن يسار، عن زيد بن أرقم به، قال الترمذيُّ: = ¬

_ (¬1) قال فيها: أخبرنا عبد الله بن محمد بن إسحق، قال: نا يحيى بن سعيد، عن يوسف ابن صهيبٍ، بسنده سواء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وقال الحافظ في "الفتح" (10/ 337): "سندُهُ قويٌّ". وقد رواه هكذا جمعٌ من الثقات، منهم: "عبيدة بن حميد، ويحيى القطان، وجرير، وأبو نُعيم، وأبو أسامة، ومعتمر بن سليمان، ومحمد بن يوسف الفريابى، ويعلى ابن عبيدة، وأخوه محمد بن عبيدة، وحمزة الزيات، وشعبة بن الحجاج، ومندل بن علي، وعبدة بن سليمان". وخالفهم الربيعُ بنُ زياد الهمدانىُ الضبىُّ، فرواه عن يوسفى بن صهيبٍ، عن زيد العمى، عن ابن عمر. * قُلْتُ: فخالفهم في موضعين: الأوَّلُ: أنه جعل شيخ يوسف بن صهيبٍ، هو زيد العمى، بدلًا من "حبيب بن يسار". الثاني: أنه جعل الحديث من "مسند ابن عمر". ذكره الدَّارقطنى في "العلل" (ج2/ ق50/ 1) وقال: "ورواه يحيى القطان، ومعتمر بن سليمان، وقيل: عن شعبة، وغيرهم، عن يوسف بن صهيبٍ، عن حبيب بن يسار، عن زيد بن أرقم، وهو الصوابُ" (¬1) اهـ.= ¬

_ (¬1) قولُهُ: "وقيل: عن شعبة" يشير بهذا إلى ما رواه الخطيب في "تاريخه" (11/ 324) من طريق محمد بن معاذ بن المستهل دران، حدثنا مسدد بن مسرهد، حدثا يحيى، حدثنا شعبة، حدثنا يوسف بن صهيب به. قال الخطيب: تفرد برواية هذا الحديث "دران" عن مسدد هكذا، ورواه غيرُهُ عن مسدد، عن يحيى، عن يوسف بن صهيب من غير ذكرٍ لشعبة، وقيل هو الصوابُ" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: والربيع بْنُ زياد الهمدانيُّ، قال فيه الذَّهبيُّ: "ما رأيتُ لأحدٍ فيه تضعيفًا، وهو جائزُ الحديث. وقال ابنُ عديٍّ: له عن يحيى بن سعيد والمدنيين أحاديث لا يتابع عليها" اهـ. فمثله لا يقوى على مخالفة أحدٍ من المتقدمين، فضلًا عن جميعهم. وقد قال صالحُ بنُ محمدٍ في "طبقات همدان": "لم يكن مشهورًا بالتحديث". ذكره في "لسان الميزان" (2/ 444). وخالف الجماعة في إسناده أيضًا، خلَّادُ بْنُ يحيى الكوفيُّ، فرواه عن يوسف بن صهيبٍ، عن حبيب بن يسار، عن أبي رملة، عن زيد ابن أرقم مرفوعًا. فزاد فيه: "أبا رملة". أخرجه الطحاويُّ في "المشكل" (2/ 138). ورواية الجماعة أرجح، وخلاد بنُ يحيى وإن كان ثقةً، فقد كان يغلطُ قليلًا كما قال ابن نُمير. وأبو رملة، هو عبد الله بن أبي أمامة، وهو صدوقٌ. هذا: وقد توبع يوسف بن صهيبٍ. تابعه اثنان: 1 - الزبرقان السرَّاج، عن حبيب بن يسار به. أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج5/ رقم 5035)، وفي "الصغير" (1/ 100)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (6/ 2360) من طريق مصعب بن سلّام، عن الزِّبْرِقان السرَّاج، عن حبيب بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يسار (¬1) به. قال الطبرانىُّ: "لم يروه عن الزبرقان أبي بكر السرَّاج، إلا مصعب بن سلّام". * قُلْتُ: وهذه روايةُ خطأ. فإن مصعب بن سلام أراد أن يقول: "يوسف بن صهيبٍ"، فقال: "الزِّبْرِقان السرَّاج"، انقلب عليه السندُ كما قال ابنُ عديٍّ. ومصعب بن سلّام، ضعّفه ابن معينٍ في رواية، ووهَّاهُ أبو داود وتكلَّم غيرُ واحدٍ في حفظه. والزبرقان بن عبد الله السرَّاج في حديثه وهمٌ كما قال البخارىُّ. 2 - زكريا بن يحيى البَدْيُّ، عن حبيب بن يسار به. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج1/ رقم526) من طريق جرير ابن عبد الحميد، عن زكريا به. وقال: "له يرو هذا الحديث عن زكريا بن يحيى، إلا جرير". * قُلْتُ: وزكريا هذا، قال فيه ابنُ معينٍ: "ليس بثقةٍ". ... قال الترمذيُّ: "وفي الباب: عن المغيرة بن شعبة". = ¬

_ (¬1) وقع عند ابن عديٍّ: " .. الزبرقان السراج عن أبي رزين". قال ابنُ عديٍّ: "وأظنُّ أنَّ أبا رزينٍ هذا، هو حبيب بن يسار".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: أما حديث المغيرة بن شعبة فقد: أخرجه أبو داود (188)، والنسائيُّ في "الوليمة" -كما في "أطراف المزيّ" (8/ 492) -، والترمذيُّ في "الشمائل" (¬1) (136)، وأحمدُ في "مسنده" (4/ 252 - 253، 255)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 230) من طريق مسعر بن كدامٍ، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن المغيرة بن عبد الله، عن المغيرة بن شعبة، قال: ضفتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم ذات ليلةٍ، فأمر بجنبٍ فشُوى، وأخذ الشفرة، فجعل يحِزُّ لي بها منه، قال: فجاء بلالٌ فآذنهُ بالصلاة. قال: فألقى الشفرة، وقال: "ماله؟! تربت يمينُهُ" وقام يُصلى. وكان شاربى وفى، فقصَّهُ لي على سواكٍ، أو قال: "أقُصُّهُ لك على سواكٍ"؟. والسِّياق لأبي داود. * قُلْتُ: وسندُهُ حسنٌ صحيحٌ. والمغيرة بن عبد الله اليشكريُّ، روى له مسلمٌ. ووثقه العجليُّ (1779)، وابنُ حبان. وأخرجه الطحاويُّ (4/ 229)، والبيهقيُّ (1/ 150) عن الطيالسيِّ، وهذا في "مسنده" (698) من طريق المسعوديِّ، ثنا أبو عونٍ محمد بن عبيد الله، عن المغيرة بن شعبة أنَّ رجلًا أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلّم طويل الشارب، فدعا النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بسواكٍ، ثمَّ دعا بشفرةٍ فقصَّ شارب الرجل على سواكٍ. = ¬

_ (¬1) عزاه الخطيبُ التبريزي في "المشكاة" (4236) للترمذيّ، وكان ينبغى تقييده بـ "الشمائل" فإن هذا الإِطلاق يعني أنه رواه في "سننه"، وليس كذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وظاهر هذه الرواية يخالف الرواية الأولى، ففي الأولى: أنَّ صاحب الحكاية هو المغيرة نفسُهُ، وفي الثانية: أنَّ المغيرة يحكيها عن رجلٍ آخر، واتحادُ المخرج ينفى التعدُّد. ولكن يمكن أن يقال: إن الراوى قد يُبهم نفسه لمصلحةٍ. غير أن سند هذه الرواية ضعيف من وجهين: الأول: اختلاط المسعوديّ. الثاني: أنَّ محمد بن عبيد الله لم يدرك المغيرة بن شعبة. فقد قال أبو زُرْعة: "محمد بن عبيد الله، عن سعد: مرسلٌ". حكاه عنه ابنُ أبي حاتمٍ في "المراسيل" (ص- 184). ولئن كان ذلك، فالمغيرةُ بنُ شعبة توفي قبل سعد بن أبي وقاص فقد قال غيرُ واحدٍ أنَّ المغيرة توفي سنة (50)، بل نقل الخطيبُ إجماع أهل العلم على ذلك .. وأمَّا سعدُ بنُ أبي وقاصٍ -رضي الله عنه- فقيل توفي سنة (51)، ولكن المشهور أنه توفي سنة (55) حكى ذلك إبراهيمُ ابن المنذر، وأبو بكر بنُ حفصٍ، وابنُ سعدٍ، فالتعويلُ على هذه الرواية والله أعلم، وقد رجَّح الحافظ في "الإِصابة" (3/ 83) أنه توفي سنة (55). ... وفي الباب مما لم يذكرْهُ الترمذيُّ. 1 - حديث ابن عباسٍ، رضي الله عنهما. أخرجه الترمذيُّ (2760)، وأحمدُ (1/ 301)، والسِّياق له، وأبو يعلى (ج5 / رقم 2715)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 230)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبيِّ" (279 - 280) من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = طريق الحسن بن صالحٍ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقُصُّ شاربه، وكان أبوكم إبراهيمُ من قبله يقصُّ شاربه". وعند الطحاويُّ وأبي الشيخ: "يجزُّ شاربه". قال الترمذيُّ: "حديث حسنٌ غريبٌ". ووافقه الحافظُ في "الفتح" (10/ 347). أمَّا الشيخُ أبو الأشبال -رحمه الله- فقال في "شرح المسند" (4/ 260): "إسنادُهُ صحيحٌ". * قُلْتُ: لا، والمانعُ من ذلك أن سماك بن حرب كان يُلقَّنُ فيتلقن، وليس الحسنُ بنُ صالحٍ قدماء أصحابه كشعبة مثلًا. ولكن الحديث حسنٌ لشواهده الكثيرة. ورواه زائدةُ بنُ قدامة عن سماك بسندة، ولم يذكر شطره الثاني. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 379) وقد زاد المحقق في السند: "عن ابن عباسٍ" بناءً على رواية المسند المتقدمة، وهو تصرفٌ خطأ؛ لأنه لا يجوز التصرفُ في الأسانيد بمجرد المقارنة بالكتب الأخرى. فقد يكون زائدة أرسله مثلًا. والله أعلمُ. ولابن عباسٍ فيه حديثٌ آخرٌ. أخرجه أحمدُ (1/ 243)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب" (1456)، والخطابي في "الغريب" (1/ 221)، والطبرانىُّ في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "الكبير" (ج11/ رقم 12224) من طريق إسماعيل بن عياشٍ، أخبرني ثعلبة بن مسلم، عن أبي كعبٍ مولى ابن عباس، عن ابن عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّهُ قيل له: يا رسول الله! لقد أبطأ عنك جبريلُ عليه السلامُ؟! فقال: "ولم لا يبطىء عني؟ وأنتم حولى لا تستنُّون، ولا تقلمون أظفاركم، ولا تقصون شواربكم، ولا تُنقون رواجبكم" (¬1). قال العراقيُّ في "المغني" (1/ 138): "فيه إسماعيل بنُ عياش"! * قُلْتُ: كذا قال -يرحمه الله تعالى-.! فهو يُعلُّ الحديث بإسماعيل، وهو غيرُ صوابٍ. لأن الآفة في رواية إسماعيل أن يروى عن غير أهل الشام، كالحجازيين مثلًا. وثعلبةُ بنُ مسلم شاميٌّ. وقد قال البخاريُّ وغيرُهُ: "ما حدَّث عن أهل بلده، فصحيحٌ". وعلَّةُ الحديث هي جهالةُ أبي كعبٍ، مولى ابن عباسٍ. قال أبو زُرْعة: "لا يُسمى، ولا يُعرف إلا في هذا الحديث". ونقل الهيثميُّ في "المجمع" (5/ 167) هذا القول أيضًا عن أبي حاتمٍ الرازىّ. وقال في "التعجيل" (1384): = ¬

_ (¬1) الرواجب: هي البراجم، وهي ما بين عقد الأصابع من داخلٍ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "فيه جهالةٌ". فالسندُ ضعيفٌ. أمَّا الشيخُ أبو الأشبال، فقال في "تخريج المسند" (4/ 32): "إسنادُهُ حسنٌ ... وأبو كعبٍ لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو تابعيٌّ حاله على الستر حتى يتبين. فلذلك حسَّنَّا حديثه" اهـ. * قُلْتُ: وغالبُ ما يُنتقد فيه الشيخ أبو الأشبال -رحمه الله- هو اعتمادُه على قاعدة ابن حبان في إثبات العدالة، وأنَّ الراوى الذي لا يُعرف بجرحٍ فهو على العدالة حتى يتبين فيه ما يخرجه عنها. وهذا المذهب وصفه الحافظُ في "مقدمة اللسان" بأنه: "مذهبٌ عجيبٌ"!! ومذهبُ الجمهور يُخالفُهُ. وإنما جرَّ ابن حبان إلى هذا القول، أنه لا يعتبر الجهالة جرحًا، خلافًا للجماهير. فإنه يأتي على الرجل الذي لا يعرفُ عنه شيئًا فيضعه في "الثقات"، وهاك أمثلةً على ذلك: 1 - قال في (4/ 37): "أبان. شيخٌ .. لا أدرى من هو، ولا ابن من هو". 2 - قال في (4/ 39): "الأزهر بن عبد الله .. إن لم كن الحرازى، فلا أدرى من هو". 3 - قال في (4/ 126): "الحسن الكوفيُّ. شيخٌ .. لا أدرى من هو، ولا ابن من هو". 4 - قال في (4/ 146): "الحكم، يروى عن ابن عباس ... ثم قال: الحكم شيخٌ يروى عن أنس بن مالك، ... لا أدرى من هما، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولا من أبوهما". 5 - قال في (4/ 384): "صيفى. شيخٌ ... إن لم يكن الأول فلا أدرى من هو، ولا ابن من هو". 6 - قال في (5/ 143): "عباد القرشى ... إنْ لم يكن عباد بن عبد الله بن الزبير، فلا أدرى من هو". 7 - قال في (5/ 207): "عطاء المدني ... لا أدري من هو، ولا ابن من هو". 8 - قال في (5/ 497): "وقاص ... شيخٌ. لا أدرى من هو". 9 - قال في (6/ 146): "جميل، شيخٌ ... لا أدرى من هو، ولا ابن من هو". 10 - قال في (6/ 249): "حضرمى، شيخٌ ... لا أدرى من هو، ولا ابن من هو". 11 - قال في (6/ 226): " حنظلة، شيخٌ يروى المراسيل، لا أدرى من هو". 12 - قال في (6/ 418): "سهيل بن عمرو، شيخٌ ... لا أدرى من هو، ولا ابن من هو". 13 - قال في (8/ 41 - 42): "أحمد بن عبد الله الهمدانى ... إنْ لم يكن ابن أبي السفر، فلا أدرى ابن من هو". 14 - قال في (7/ 188): "عمر الدمشقيُّ، شيخٌ ... لا أدرى من هو، ولا ابن من هو". 15 - قال في (7/ 294): "عكرمة، شيخٌ يروى عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأعرج، لستُ أعرفُهُ ولا أدرى من أبوهُ". * قُلْتُ: فهذا خمسة عشر موضعًا يُبين لك أن ابن حبان لا يعتبر الجهالة جرحًا، ولعلى لو أنعمتُ النظر في "الثقات" لوقفتُ على نماذج أخرى. وفيما ذكرتُه كفايةٌ. وقد بدا لي شىءٌ هامٌ. وهو أنَّ الجهالة لا تُعد جرحًا عند ابن حبان إذا كان الراوى عن ذلك المجهول ثقة، فإن كان الراوى عن المجهول ضعيفًا، فابنُ حبان يعترف بجهالته! وقد وقعتُ على نصٍّ له في ذلك. ففي ترجمة "سعيد بن زياد" من "المجروحين" (1/ 327 - 328) قال: "والشيخُ إذا لم يرو عنه ثقة، فهو مجهولٌ لا يجوز الاحتجاجُ به، لأنَّ رواية الضعيف لا تُخرج من ليس بعدلٍ عن حدِّ المجهولين إلى جملة أهل العدالة، كأنَّ ما روى الضعيفُ وما لم يرو، في الحُكْمِ سيَّان" اهـ. وقد تبَّين لي بالتتبُّع أنَّ الشيخ أبا الأشبال - رحمه الله - ينحو نحو ابن حبان. فقال في موضعٍ آخر من "تخريج المسند" (3/ 216): "وأبو ميسرة ... فهذا تابعيٌّ لم يجرحه أحدٌ، فهو علي الستر والثقة" اهـ. وله غيرُ ذلك كثيرٌ -يرحمه الله- وسأناقشه في موضعه من كتابنا هذا إنْ شاء الله تعالى. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 2 - حديث عبد الله بن بُسْر، رضي الله عنه. أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/ 472) من طريق منصور بن إسماعيل، عن صفوان بن عمرو، وأبي بكر بن أبي مريم، وحريز بن عثمان، عن عبد الله بن بسر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه آله وسلم يطُرُّ شاربه طرًّا". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. ومنصور بن إسماعيل ذكره العقيلي في "الضعفاء". وأبو بكر بن أبي مريم، وإنْ كان واهيًا، لكنه متابع كما هو ظاهر. والله أعلمُ. ... 3 - حديث عائشة، رضي الله عنها. أخرجه البزَّارُ (ج 3/ رقم 2969) من طريق عبد الرحمن بن مسهر، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبصر رجلًا، وشاربُهُ طويلٌ، فقال: "ائتونى بمقصٍّ وسواكٍ"، فجعل السِّواك على طرفه، ثمَّ أخذ ما جاوز .. قال البزَّارُ: "لا نعلمُ رواه عن هشام إلَّا ابنُ مسهر، ولم يتابع عليه، وليس بالحافظ". * قُلْتُ: وهذا من الأدلَّة على تساهل البزّار رحمه الله في النقد، فإن عبد الرحمن بن مسهر هذا تركه أبو حاتمٍ والنسائي وغيرهما. وقال البخاريُّ: "فيه نظر". أمَّا الهيثمي فقال في "المجمع" (5/ 168): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "كذَّابٌ". مع أنَّه قال في موضعٍ آخر (10/ 125): "ضعيفٌ"!! ... 4 - حديثُ عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما. أخرجه ابنُ أبي شيبة (8/ 378) حدثنا إسحق بنُ منصورٍ، قال: حدثنا هريمُ، عن ابن عجلان، عن مكحول، عن عبد الله بن عمرو، قال: "أُمِرْنا أن نبشر الشوارب بشرًا " أي نحفها حتى تبين بشرتُها. * قُلْتُ: ورجاله ثقات، غير أنَّ مكحولًا لم يسمع من عبد الله ابن عمرو وقد قال أبو مُسْهر: "لم يسمع إلَّا من أنس وحده"! 5 - حديثُ الحكم بن عمير الثمالى، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 3 / رقم 3195) من طريق بقية ابن الوليد، ثنا عيسى بن إبراهيم، عن موسى بن أبي حبيب، عن الحكم ابن عمير الثمالى مرفوعًا: "قُصُّوا الشارب مع الشفاة". وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا. فيه عنعنة بقية، فقد كان يدلسُ التسوية. وعيسى بن إبراهيم بن طهمان تركه أبو حاتم والنسائيُّ وغيرهُما .. ... 6 - حديثُ أبي هريرة، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" -كما في "المجمع" (2/ 170) -، والبزَّارُ (ج1/ رقم 623) من طريق إبراهيم بن قدامة الجُمحي، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة، أن رسول الله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = صلى الله عليه وآله وسلم كان يُقلِّمُ أظفاره، ويقصُّ شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة. قال البزَّارُ: "لا يروى هذا عن أبي هريرة من وجهٍ غير هذا. وإبراهيمُ بن قدامة مدنيٌّ، تفرد بهذا، ولم يُتابع عليه، وإذا انفرد بحديثٍ فليس بحُجةٍ، لأنَّهُ ليس بمشهورٍ" اهـ. وأقرَّهُ الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 170). وقال الذهبيُّ في "الميزان" (1/ 53): "خبرٌ منكرٌ". ولإِبراهيم بن قدامة فيه سندٌ آخر. أخرجه أبو نُعيم في "معرفة الصحابة" (ق 44/ 1) من طريق عبد الله بن صالح، ثنا أبو مصعب، ثنا إبراهيم بن قدامة، عن عبد الله ابن محمد بن حاطب، عن أبيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذُ من شاربه وظفره يوم الجمعة. * قُلْتُ: وهذا الاختلاف في سنده من إبراهيم هذا. قال الذهبيُّ: "لا يُعرف". وعبد الله بن صالح فيه ضعفٌ من قبل حفظه. وعبد الله بن محمد ابن حاطب لم أهتد إلى ترجمته. والله أعلمُ ..

التوقيت فى ذلك

التَّوْقِيتُ فِى ذَلِكَ 14 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الإِبْطِ أَنْ لاَ نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ 14 - إِسْنَادُهُ جيِّدٌ. * جعفر بنُ سليمان، هو الضُبعى، أبو سليمان البصريُّ. أخرج له الجماعةُ، إلَّا البخارىَّ ففي "الأدب المفرد". وثقه ابنُ معين، وابنُ المدينى، وابنُ سعد وقال: "فيه ضعفٌ"، وابنُ حِبِّان. وقال أحمدُ: "لا بأس به". وتكلَّم فيه البخاري، والسعديُّ. وقد اتُّهم بالرفض. قال ابنُ حبان في "الثقات" (6/ 140): "حدثنا الحسن بن سفيان، ثنا إسحق بن أبي كاملٍ، ثنا جرير بن يزيد بن هارون، بين يدي أبيه، قال: بعثنى أبي إلى جعفر بن سليمان الضُبعى، فقلتُ له: بلغنا أنك تسبُّ أبا بكرٍ وعُمر؟ قال: أمَّا السبُّ فلا، ولكن البُغض ما شئت!! قال: وإذا هو رافضيٌّ كالحمار!! ". * قُلْتُ: إسحق بن أبي كامل، لعله المترجم في "الجرح والتعديل" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (1/ 1/ 233)، وقد قال فيه أبو حاتم: "صدوق". أما جرير بن يزيد بن هارون، فلم أقف له على ترجمة، ولكنه متابعٌ على هذه الحكاية. قال ابنُ عديٍّ في "الكامل" (2/ 568): "ثنا ابنُ ناجية، سمعتُ وهب بن بقية يقولُ: قيل لجعفر بن سليمان: زعموا أنك تسُبُّ أبا بكرٍ وعُمر!؟ فقال: أمَّا السبُّ فلا، ولكن بُغضًا يا لك. ثنا محمد بن نوح الجُنْدَيْسَابُوريُّ، ثنا أحمد بن محمد القطَّان، قال: سمعتُ الخضر بن محمد بن شجاع يقول: قيل لجعفر بن سليمان، بلغنا أنك تشتم أبا بكرٍ وعُمر؟! قال: أما الشَّتْمُ فلا، ولكن بُغْضًا يا لك"! * قُلْتُ: وابنُ ناجية، هو عبد الله بن محمد بن ناجية. قال الخطيبُ في "تاريخه" (10/ 104): "كان ثقةً ثبتًا". وقال الذهبيُّ في "السير" (4/ 164): "الإِمامُ، الحافظ، الصادق ... كان إمامًا حُجَّةً بصيرًا بهذا الشأن، له مسندٌ كبيرٌ". ووهب بن بقية، أبو محمدٍ ثقةٌ حافظ، يروى عن جعفر بن سليمان فهذا سندٌ صحيحٌ. وأمَّا محمد بن نوح، فقد وثقه أبو سعيد بن يونس وزاد: "حافظ". وقال الدَّارقطنيُّ: "ثقةٌ مأمون، ما رأيتُ كتبًا أصحَّ من كتبه، ولا أحسن". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وانظر "سير النبلاء" (15/ 34 - 35). وأحمد بن محمد القطان هو ابن يحيى بن سعيد القطان. قال ابنُ أبي حاتم: "كان صدوقًا". وذكره ابنُ حبان في "الثقات" وقال: "كان متقنًا". والخضر بن محمد بن شجاع الجزريُّ وثقه أحمدُ وابنُ حبان. وقال أبو حاتمٍ: "ليس به بأس، كان صدوقًا". وهذا سندٌ صحيحٌ أيضًا. وقال العقيليُّ في "الضعفاء" (1/ 189): "حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أحمدُ بْنُ سنان، قال: حدثني سهل بن أبي حدويْه، قال: قُلت لجعفر بن سليمان: بلغني أنك تشتُمُ أبا بكرٍ وعُمر؟ فقال: أما أشتُمُ فلا، ولكن البغضُ ما شئت!! ". وهذا سندٌ رجالُهُ ثقات خلا شيخ العقيليّ محمد بن مروان القرشىّ فلم أقف له على ترجمة. وأحمد بن سنان وثقه النسائيُّ، وأبو حاتم وزاد "صدوق" والدارقطنيُّ، والحاكم وزاد "مأمون" وغيرهم. وسهل بن أبي حدويْه، كذا وقع "حدويه" بالحاء المهملة، ووقع في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 197): "سهل بن حسان بن أبي خدويه" بالخاء المعجمة، وقال: "كان من الحفاظ تقادم موتُهُ". * قُلْتُ: فيُلاحظُ من هذه الأسانيد أن القصة ثابتةٌ على جعفرٍ والأحاديث المرفوعة تثبتُ بمثل هذه الأسانيد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد أجاب عنا العلماء بجوابين: * الأول: قول الذهبيِّ في "السير" (8/ 198): "هذا غيرُ صحيحٍ عنه"! فهذا من الذهبيّ فيه نظر، ولعله اتكأ على سند ابن حبان المتقدم فقط! وقد ذكرتُ أسانيد أخرى صحيحة! * الثاني: قال ابنُ عديٍّ: "سمعتُ السَّاجى يقولُ: وأما الحكاية التي رويت عنه، إنما عني به جارين كانا له، وقد تأذَّى بهما، يُسمى أحدهما أبا بكرٍ والآخر عُمر، فسئل عنهما، فقال: السبُّ لا، ولكن بُغْضًا يا لك!، ولم يَعْنِ به الشيخين، أو كما قال" اهـ. * قُلْتُ: لم تطمئن نفسى لمثل هذا التأويل، والحكاية لطرافتها تبدو غريبة، لأن جعفرًا كان معروفًا بالتشيع، فإذا سأله سائلٌ عن رأيه في أبي بكرٍ وعمر، فلا ينصرف الذِّهنُ إلا إلى الشيخين، وهذا بدهيٌّ لا يحتاج إلى شرح! وقد علق الذهبيُّ علي هذه الحكاية فقال في "الميزان": "قُلْتُ: ما هذا ببعيدٍ، فإن جعفرًا قد روى أحاديث في مناقب الشيخين رضي الله عنهما، وهو صدوقٌ في نفسه، وينفرد بأحاديث عُدَّتْ مما يُنْكر" اهـ. ويمكن أن يقال: لعل هذا السبَّ كان في مبدأ أمره، ثمَّ أقلع عن ذلك، وأراد أن يبرهن على صدق إقلاعه هذا فروى أحاديث كانت عنده في فضائل الشيخين أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما. أضف إلى ذلك أنه لم يكن داعيةً إلى مذهبه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال ابن حبان: "وكان جعفر من الثقات في الروايات، غير أنه كان ينتحلُ الميل إلى أهل البيت، ولم يكن بداعيةٍ إلى مذهبه. وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلافٌ أنَّ الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعةٌ، ولم يكن يدعو إليها، الاحتجاجُ بخبره جائزٌ" اهـ. * أبو عمران الجَوْنيُّ. اسمه عبد الملك بن حبيب، وهو بصريٌّ. أخرج له الجماعةُ ووثقه ابن معين، وابنُ سعدٍ. وقال أبو حاتمٍ: "صالحٌ". وقال المصنِّفُ: "لا بأس به". ... والحديث أخرجه مسلمٌ (258/ 51)، وأبو عوانة (1/ 190)، والترمذيُّ (2759)، وابنُ ماجة (295) وعليُّ بن الجعد في "مسنده" (3417)، والبيهقيُّ (1/ 150) من طريق جعفر بن سليمان، عن أبي عمران، عن أنسٍ. قال العقيليُّ: "في حديث جعفرٍ هذا نظرٌ". وقال ابنُ عبد البر: "لم يروه إلا جعفر بن سليمان، وليس بحُجَّةٍ لسوء حفظه، وكثرة غلطه"!!. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: كذا قال ابنُ عبد البرِّ -يرحمه الله تعالى-! وفي قوله نظرٌ من وجهين: * الأول: أنَّ جعفرًا لم يوصف بسوء الحفظ، ولا بكثرة الغلط. إنما قال البخاريُّ: "يخالفُ في بعض حديثه". وقال السعديُّ: "روى أحاديث منكرة، وهو ثقةٌ متماسك". فهذا لا يعطي سوء الحفظ ولا كثرة الغلط كما ادعى ابن عبد البر والقولُ فيه ما قال البخاريُّ رحمه الله. فإن خالف من هو أوثق منه ترجح عليه الخالف له، أمَّا إذا انفرد ولم يخالفهُ أحد فهو مقبولٌ، فإن توبع فذلك أقوى .. وقد توبع كما يأتي. أمَّا قول الجُوْزجَاني: "روى أحاديث منكرة". فأظُنُّه يعني أحاديث في فضائل عليٍّ رضي الله عنه، وكان الجوزجاني يحمل على كل متشيعٍ، يدلُّ عليه آخر كلامه: "وهو ثقةٌ متماسكٌ" وناهيك بهذا التوثيق من الجوزجاني. وقد زعم السيد صبحى البدرى السامرائى في مقدمته على كتاب "أحوال الرجال" (ص 16) أن الجوزجاني لم يكن ناصبيًّا، واستدلَّ على ذلك بأدلَّةٍ واهية علي التحقيق، سأناقشها -إن شاء الله- في ترجمة الجوزجاني من هذا الكتاب. ولو سلَّمنا أن جعفر بن سليمان روى أحاديث مناكير -على الجادَّة من هذه الكلمة- فهذا لا يعطى سوء الحفظ ولا كثرة الغلط. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والله الموفق. * الوجه الثاني: أنَّ جعفرًا لم يتفرَّدْ به. فتابعه صدقةُ بنُ موسى، صاحبُ الدقيق، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أنسٍ بنحوه. أخرجه أبو داود (4200)، والترمذيُّ (2758) وعليّ بن الجعد في "مسنده" (3413 - 3415)، وأحمدُ (3/ 122، 203، 255)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (4/ 1394) وأبو يعلى (ج 7 / رقم 4185)، والبيهقيُّ (1/ 150)، والخطيبُ في "الجامع" (865). قال الترمذيُّ: "هذا -يعني حديث جعفر- أصحُّ من حديث صدقة، وصدقةُ بْنُ موسى ليس عندهم بالحافظ". * قُلْتُ: يستشهد بحديثه في المتابعات. وقد أخرجه الطيالسيُّ في "مسنده" (2141) قال: حدثنا جعفر ابن سليمان، عن صدقة، عن أبي عمران، عن أنسٍ ..... فذكره. كذا وقع السندُ. وظنِّي أنه خطأ، وصوابُهُ عندي. "جعفر بن سليمان وصدقة"، لأنى لم أقف على ما يثبت رواية جعفر عن صدقة. وشىءٌ آخر، وهو أن صدقة من شيوخ الطيالسيّ وقد قال ابنُ عديّ: "ما أعلمُ رواهُ عن أبي عمران غيرهما". ***

إحفاء الشارب، وإعفاء اللحى

إِحْفَاءُ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحَى 15 - أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى». ـــــــــــــــــــــــــــــ 15 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ .. * عبيد الله بنُ سعيدٍ، هو ابن يحيى بن برد اليشكريُّ، أبو قدامة السَّرَخْسِيُّ. أخرج له الشيخان أيضًا. روى عنه المصنِّفُ (107) حديثًا، وقال عنه: "ثقةٌ، مأمونٌ، قلَّ من كتبنا عنه مثله". وقال ابنُ عبد البرِّ: "أجمعوا على ثقته". * عبيد الله هو ابن عمر بن حفصٍ، أبو عثمان أحد الفقهاء السبعة المشهورين. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ، نبيلٌ، جليلٌ. قال أحمدُ بْنُ صالح: "عبيدُ الله أحبُّ إليَّ من مالكٍ في حديث نافعٍ"! ... وللحديث طرقٌ عن ابن عمر، رضي الله عنهما: 1 - نافع، عن ابن عمر. وله عن نافعٍ طرقٌ: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أ - عبيد الله بن عمر، عنه. أخرجه البخاريُّ (10/ 351 - فتح)، ومسلمٌ (259/ 52)، وكذا أبو عوانة (1/ 189)، والمصنِّفُ في "كتاب الزينة" (8/ 181 - 182)، والترمذيّ (2763)، وابنُ أبي شيبة في "المصنف" (8/ 376)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 230)، والجوزقانى في "الأباطيل" (654). ب - أبو بكر بن نافعٍ، عنه. أخرجه مسلمٌ (259/ 53)، وأبو داود (4191)، والترمذيُّ (2764)، وأبو عوانة في "صحيحه" (1/ 189)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (1/ 239)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 230)، والخطيبُ في "التاريخ" (6/ 247)، وفي "الجامع" (863)، والبيهقيُّ في "السنن" (1/ 151)، وفي "الآداب" (830)، والبغويُّ في "شرح السنُّة" (12/ 107) جميعًا من طريق مالكٍ، وهذا في "موطئه" (2/ 947 / 1) عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه نافعٍ، عن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللِّحى. وقد رواه عن مالك هكذا جماعةٌ من أعيان أصحابه، منهم: "عبدُ الله بنُ مسلمة القعنبيُّ، وقتيبةُ بنُ سعيد، ويحيى بنُ يحيى، وابنُ وهبٍ، وإسماعيل بن إبراهيم، وأبو مصعبٍ، ومُطرِّف، ومحمدُ بْنُ حرب بن سليمان". وخالفهم النعمان بنُ عبد السلام، فرواه عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر. هكذا على الجادَّةِ، ولم يذكر: "أبا بكر بن نافع". أخرجه أبو نُعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 278،67)، والخطيبُ في "التلخيص" (547/ 1) من طريق الحجاج بن يوسف، عن النعمان به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: والنعمانُ بْنُ عبد السلام وإنْ كان ثقةً، لكنه لا يقوى على مخالفة عامة أصحاب مالك، وفيهم من اشتهر بملازمته. نعم، لم يتفرد النعمانُ بذلك. بل تابعه ابنُ وهب، عن مالك، عن نافعٍ، عن ابن عمر. أخرجه الطحاويُّ (4/ 230) قال: حدثنا ابنُ أبي عقيل، قال: ثنا ابنُ وهبٍ به لكن أواه يونُس وغيرُهُ عن ابن وهبٍ مثل رواية الجماعة. فظاهر الاختلاف أنه ممن روى عن ابن وهبٍ، ورواية الجماعة أصحُّ. ثمَّ رأيتُ -بعدُ- الدَّارقطنيَّ جزم بذلك في "العلل" (جـ2/ ق 90/ 2) وساق وجوهًا أخرى من الاختلاف. فللَّه الحمدُ. جـ- عمرُ بْنُ محمد، عنه. أخرجه البخاريُّ (10/ 349 - فتح)، ومسلمٌ (259/ 54)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (12/ 107). زاد البخاريُّ: "وكان ابنُ عمر إذا حجَّ أو اعتمر، قبض على لحيته، فما فضل أخذه". د - أبو معشر، عنه. أخرجه أبو يعلى (ج 11 رقم 6588)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (7/ 2517) وسندُهُ ضعيفٌ. وأبو معشر اسمه نجيح، وهو ضعيفٌ. 2 - ميمون بن مهران، عن ابن عُمر. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2 / رقم 1055) قال: حدثنا أحمدُ، قال: حدثنا النفيليُّ، قال: قرأتُ على معقل بن عبيد الله، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر؛ قال: ذكر رسولُ الله صلى الله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عليه وعلى آله وسلم المجوس، فقال: إنَّهم يوفرون سبالهم، ويحلقون لحاهُم، فخالفوهم". * قُلْتُ: أمَّا شيخُ الطبرانيّ أحمد بن صالح، فلم أقف له على ترجمةٍ. والنفيليُّ هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن نُفيل، وهو ثقة مأمونٌ. ومعقل بن عبيد الله، صدوقٌ حسنُ الحديث وميمونُ بْنُ مهران ثقةٌ. فهذا الطريق قويٌّ في المتابعات. 3 - عبدُ الرَّحمن بنُ علقمة، عن ابْنِ عُمر. أخرجه أحمد (2/ 52)، والبخاريُّ في "الكبير" (3/ 1 / 323)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج10 / رقم 5738) من طريقين عن سفيان، قال: سمعتُ عبد الرَّحمن بن علقمة. * قُلْتُ: وسندُهُ صحيحٌ. وسفيانُ، هو الثوريُّ. وعبدُ الرَّحمن بنُ علقمة وثقهُ المُصنِّف، وابنُ مهدى وقال: "كان من الأثبات الثقات"، والعجليُّ. وابنُ حبان، وابنُ شاهين. ... * قُلْتُ: وفي الباب عن جماعةٍ من الصحابة: 1 - حديثُ أبي هريرة، رضي الله عنه. وللحديث طرقٌ عنه: 1 - عبدُ الرَّحمن مولى الحرقة، عنه. أخرجه مسلمٌ (260/ 55)، وأبو عوانة (1/ 188)، وأحمدُ (2/ 365، 366)، والطحاويُّ في "الشرح" (4/ 230)، والبيهقيُّ (1/ 150) من طريق العلاء بن عبد الرَّحمن، عن أبيه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عبد الرَّحمن، عن أبي هريرة مرفوعًا: "أحفوا الشوارب، وأعفوا اللِّحى، خالفوا المجوس". 2 - أبو سلمة بن عبد الرَّحمن، عنه. أخرجه أحمد (2/ 356، 387)، والبخاريُّ في "الكبير" (1/ 1/ 40)، والبزَّار (ج3 / رقم 2971)، والطبرانيُّ في "الصغير" (2/ 16 - 17)، والطحاويُّ (4/ 230)، والخطيبُ في "تاريخه" (5/ 317) من طرق عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا: "أعفوا اللِّحى، وخُذوا الشوارب". زاد أحمدُ في روايةٍ: "وغيروا شيبكم ولا تشبهوا باليهود ولا النصارى". وقد رواه عن أبي سلمة: "ابنُه عمر، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن عبد الله بن أبي مريم" وبعضهم فيه كلام، ولكن المتابعات تقوى أمرهم. 3 - سعيدٌ المقبريُّ، عنه. أخرجه أبو يعلى (ج 11 / رقم 6588)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (7/ 2517) من طريق أبي معشر، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم أنْ نأخذ من الشوارب، ونُعفى اللِّحى. وسندُهُ ضعيف لأجل أبي معشر السندى. وقد تقدم حاله قريبًا. 4 - الوليدُ بنُ رباحٍ، عنه. أخرجه البزَّار (ج 3/ رقم 2970) قال: حدثنا زريق بنُ السخت، ثنا محمد بن عمر بن واقد، عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عن أبي هريرة مرفوعًا: "إنَّ أهل الشرك يعفون شواربهم، ويُحفون لحاهُمْ، فخالفوهم، فأعفوا اللِّحى، وأحفوا الشوارب". * قُلْتُ: وهذا الحديث مما فات الهيثميَّ في "المجمع" (5/ 166) أن ينسبه للبزّار، ونسبه للطبرانيّ بإسنادين كما للبزار. أمَّا شيخُ البزَّار، فقال الهيثميُّ في موضعٍ آخر (6/ 263): "زُريق بْنُ السخت، لم أعرفُهُ". كذا قال! وقد ترجمه ابنُ ماكولا في "الإكمال" (4/ 56 - 57) وقال: "حدَّث عن إسحق بن يوسف الأزرق، وبشير بن زاذان، وغيرهما روى عنه أحمدُ بْنُ عمرو البزار، وأبو عمر النيسابوريُّ يوسف بن يعقوب، والحسين بن محمد بن محمد بن عفير الأنصاريّ، وغيرُهُم، وقيل فيه: بتقديم الراء على الزاى، والأولُ أصحُّ، والبزَّارُ أحفظُ" اهـ. ثمَّ رأيتُهُ في "الثقات" (8/ 256) لابن حبان، قال: "ثنا عنه شيوخُنا ... مستقيمُ الحديث إذا روى عن الثقات" اهـ. ومحمد بن عمر بن واقد، هو الواقديُّ. وهو واهٍ جدًّا، متروكٌ وقد كذَّبه كثير من النقاد وسقتُ حاله بتوسُّعٍ في كتابي "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة" (رقم). وكثير بن زيد مختلفٌ فيه، ولا بأس به كما قال أحمدُ وغيرهُ والوليدُ بْنُ رباح حسنُ الحديث كما قال البخاريُّ. فالسندُ ضعيفٌ جدًّا لأجل الواقدى. والله الموفق. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2 - حديث أنس بن مالكٍ، رضي الله عنه. أخرجه البزَّارُ (ج3 / رقم 2972)، والطحاويُّ (4/ 230) من طريق الحسن بن أبي جعفر، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي طلحة، عن أنسٍ مرفوعًا: "خالفوا على المجوس، جُزُّوا الشوارب، وأوفوا اللِّحى". زاد الطحاويُّ: "ولا تشبهوا باليهود". قال الهيثميُّ (5/ 166): "فيه الحسن بن أبي جعفر، وهو ضعيفٌ متروكٌ". ... 3 - حديث أبي أمامة، رضي الله عنه. أخرجه أحمدُ (5/ 264 - 265)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 8 /رقم 7924) من طريق زيد بن يحيى بن عبيد، ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، حدثني القاسم، قال: سمعتُ أبا أمامة ... فذكر حديثًا، وفيه: "فقُلْنا: يا رسول الله! إنَّ أهل الكتاب يقصون عثانينهم، ويوفرون سبالهم. قال: فقال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب" (¬1). قال الهيثميُّ (5/ 131): = ¬

_ (¬1) السِّبال: هي الشوارب. والعثانين: هي اللِّحى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "رجالُ أحمد رجالُ الصحيح، خلا القاسم وهو ثقةٌ، وفيه كلامٌ لا يضرُّ". * قُلْتُ: وزيد بن يحيى ليس من رجال الصحيح، كما نبه عليه شيخُنا في "حجاب المرأة" (ص-94). والحديث حسَّنه الحافظُ في "الفتح" (10/ 348). ... 4 - حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "المصنف" (8/ 379) قال: حدثنا عائذُ ابنُ حبيبٍ، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، قال: "كُنَّا نؤمر أن نوفى السِّبال، ونأخُذ من الشوارب". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيف. وأشعث هو ابن سوار، وهو ليِّنُ الحديث مع صدقه. وأبو الزبير مدلسٌ، وقد عنعنه. وقد رواه عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي الزبير، عن جابرٍ ولكن بلفظ: "كُنَّا نُعفى السِّبال، إلا في حجٍّ أو عمرةٍ". أخرجه أبو داود (4201) حدثنا ابنُ نُفيلٍ، حدثنا زهيرٌ، قرأتُ على عبد الملك بن أبي سليمان به. قال الحافظ في "الفتح" (10/ 350): "سندُهُ حسنٌ"!! كذا قال! وأبو الزبير مدلسٌ، وقد عنعنه. ... 5 - حديثٌ يرويه المهديُّ، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = جدِّه، عن أبائه، قالوا: قدم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفدٌ من العجم، قد حلقوا لحاهم، وحفوا شواربهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "خالفوا عليهم، فحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى" قال: والحفُّ أنْ يؤخذ على طُرَّة الشفة. أخرجه ابنُ النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (2/ 89) وسندُهُ ضعيفٌ مجهولٌ. واللهُ أعلمُ. ... 6 - ومن مرسل عبيد الله بن عتبة، قال: جاء رجلٌ من المجوس إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحلق لحيته، وأطال شاربه. فقال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما هذا؟ " قال: هذا في ديننا!! قال: "في ديننا أن نجزَّ الشارب، وأنْ نُعفى اللِّحية". أخرجه ابنُ أبي شيبة (8/ 379) قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا أبو العميس، عن عبد الحميد بن سهل، عن عبيد الله بن عتبة به وهذا مرسلٌ صحيحُ الإِسناد إلى عبيد الله. ويقال: "عبد الله". ***

الإبعاد عند إرادة الحاجة

الإِبْعَادُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَاجَةِ 16 - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِىُّ عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنِى الْحَارِثُ بْنُ فُضَيْلٍ وَعُمَارَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى قُرَادٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْخَلاَءِ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 16 - إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ .. * أبو جعفر الخطميُّ، هو عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب أخرج له أصحابُ السنن ووثقهُ ابنُ معين، والمصنِّفُ، وابنُ نميرٍ، والعجليُّ، وغيرُهُم. قال عبد الرَّحمن بن مهديّ: "كان أبو جعفر، وأبوه، وجدُّه يتوارثون الصدق، بعضُهم عن بعضٍ". * الحارث بن فضيل، هو الخطميُّ أبو عبد الله المدنيُّ. أخرج له مسلمٌ، وأبو داود، وابنُ ماجة. وثقه ابنُ معين، والمصنفُ، وابنُ حبان. وروى مهنأ عن أحمدٍ، قال: "ليس بمحفوظ الحديث". وقال أبو داود، عن أحمدٍ: "ليس بمحمود الحديث". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: ولم أر من جرحه، ولا أدرى: هل تصحَّفت كلمة "محمود" عن "محفوظ" أم لا؟! مع أنَّ معناهما قريبٌ. فلعلّ أحمد قصد بقوله: "ليس بمحفوظ الحديث" أنه لم يكن له كثير حديثٍ. وهذا شبيهٌ بقول ابن معين في الراوى: "مُظْلمٌ" يعني ليس مشهورًا في الحديث كغيره. ففي ترجمة عبد الله بن همام، قال ابن معين: "مظلمٌ". قال النباتي: "قولُ ابن معين: مظلمٌ، يعني أنه ليس بالمشهور". * عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاريُّ، أبو عبد الله. أخرج له أصحابُ السنن ووثقهُ المصنفُ، وابنُ سعدٍ. أمَّا ابنُ حزمٍ، فقال: "مجهولٌ، لا يُدْرى مَنْ هُوَ!! ". وقد رددتُه عليه في "الجَزْمُ بشذوذ ابْنِ حزم". * عبد الرَّحمن بن أبي قراد، صحابيٌّ ليس له عند المصنف سوى هذا الحديث. قال مسلمٌ، وأبو الفتح الأزديُّ: "تفرّد عمارة بن خزيمة بالرواية عنه" كذا قالا! وروايةُ المصنف هنا تردُّ عليهما. ... والحديث أخرجه ابنُ ماجة (334)، وأحمدُ (3/ 443 - 4/ 237،224)، وابنُ خزيمة في "صحيحه" (ح 1/ رقم51)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (4/ 224) من طرقٍ عن يحيى بن سعيد القطّان بإسناده سواء. وفي لفظٍ لأحد: "خرجتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم حاجًّا، فرأيتُهُ خرج من الخلاء فاتبعته بالإِداوة أو القدح، فجلستُ له بالطريق، وكان إذا أتى حاجته أَبْعَدَ". وقد رواه عن يحيى القطان جماعة من أصحابه، منهم: "أحمدُ بنُ حنبلٍ، ويحيى بنُ معين، وعفان بنُ مسلمٍ، ومحمد بنُ بشَّارٍ، وعمرو بْنُ عليٍّ، وابنُ أبي شيبة". ***

17 - أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ قَالَ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ - وَهُوَ فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ - فَقَالَ «ائْتِنِى بِوَضُوءٍ». فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ إِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِى كَثِيرٍ الْقَارِئُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 17 - إسنادُهُ حَسَنٌ .. * إسماعيل: هو ابن جعفر بن أبي كثير، كما قال ابنُ السُّني في آخر الحديث أخرج له الجماعة. وثقهُ ابنُ معين، وأحمدُ، والمصنفُ، وابن المدينى، وأبو زُرْعة في آخرين .. * محمد بن عمرو، هو ابن علقمة بن وقاص اللَّيثيُّ. روى له أصحاب السنن، والبخاريُّ مقرونًا بغيره، ومسلمٌ في المتابعات. وقد ذكرتُ شيئًا مفصلًا عنه في "جنة المرتاب" فليراجع. وحديثُهُ حسنٌ، لما عنده من بعض ضعفٍ في حفظه. ... والحديث أخرجه أبو داود (رقم 1)، وابنُ ماجة (331)، والترمذيُّ (20)، والدَّارميُّ (1/ 169)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 50)، وأحمدُ (4/ 248) وابن المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 250)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (27)، والحاكمُ (1/ 140)، والبيهقيُّ (1/ 93)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 373) من طُرُقٍ عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة بن شعبة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد رواه عن محمد بن عمرو جماعةٌ، منهم: "إسماعيل بن جعفر، ويزيدُ بن هارون، والدَّراورديُّ، وعبد الوهاب الثقفى، ويعلى بن عبيد، ومحمد بن عبيد". قال الترمذيُّ: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وقال الحاكمُ: "صحيحٌ على شرط مسلمٍ" ووافقه الذهبيُّ!! * قُلْتُ: لا، ومحمد بن عمرو لم يخرج له مسلمٌ احتجاجًا، إنما في المتابعات، كما تقدَّم ذكرُهُ، فلا يكون على شرطه. والله الموفق. وله طريق آخر عن المغيرة. أخرجه الدارمي (1/ 134)، وأحمدُ (4/ 249 - 250)، مطوّلًا، وعبدُ بْنُ حميدٍ في "المنتخب" (395) وابن المنذر (ج 1/ رقم251) من طريقين عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهبٍ، عن المغيرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أنَّه كان إذا تبرز، تباعد" والسِّياقُ للدارميّ، وقال: "هو الأدبُ". وسندُهُ صحيحٌ .. وصحَّحه النوويُّ في "المجموع" (2/ 77). ... قال الترمذيُّ: "وفي الباب عن عبد الرحمن بن أَبي قراد، وأبي قتادة، وجابر، ويحيى بن عبيد، عن أبيه، وأبي موسى، وابن عباسٍ، وبلال بن الحارث". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 1 - حديث عبد الرَّحمن بن أبي قراد، رضي الله عنه. * قُلْتُ: مرّ تخريجه برقم (16). ... 2 - حديث أبي قتادة، رضي الله عنه. * قُلْتُ: لم أقف عليه. ... 3 - حديث جابر بن عبد الله الأنصاريُّ، رضي الله عنهما. أخرجه أبو داود (رقم 2)، ومن طريقه الخطابى في "المعالم" (1/ 9) والبغوي في "شرح السنة" (1/ 374)، وابنُ ماجة (335)، والحاكمُ (1/ 140)، والبيهقيُّ (1/ 93) من طريق إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" كان إذا أراد البراز، انطلق حتى لا يراه أحدٌ". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. وإسماعيل بن عبد الملك، ضعّفه الأكثرون. قال أبو حاتم: "ليس بقوىّ في الحديث، وليس حدُّهُ التركُ" وأبو الزبير مدلسٌ، وقد عنعنهُ. واللهُ أعلمُ. وقال النوويُّ في "المجموع" (2/ 77): "إسناده فيه ضعفٌ يسيرٌ، وسكت عليه أبو داود فهو حسنٌ عنده"!! ... 4 - حديثُ ابْنِ عباس، رضى اللهُ عنهما. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" عن ابن عباسٍ، قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "كان رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم إذا أراد الحاجة أبْعَدَ، فانطلق ذات يوم لحاجته، ثمَّ توضأ ولبس أحد خُفَّيْه، فجاء طائرٌ أخضر، فأخذ الخُفَّ الآخر، ثمَّ ارتفع به، ثمَّ ألقاهُ، فخرج منه أسودُ سالحٌ! فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "هذه كرامةٌ أكرمني الله بها"، ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم: "اللَّهم إني أعوذُ بك من شرِّ من يمشي على بطنه ومن شرِّ من يمشي على رجلين، ومن شرِّ من يمشي على أربع". قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 203): "فيه سعد بنُ طريفٍ، واتُّهم بالوضعِ". وعزاه البرهان فورى في "كنز العمال" (2/ 208/ 3790) للطبرانيّ في "الكبير" عن ابن عباس! وأظنه خطأ من الطابع أو الناسخ فقد عزاه السيوطي في "جمع الجوامع" (7/ 3717) للطبراني في "الأوسط". والله أعلم. ... 5 - حديثُ بلال بن الحارث، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ ماجة (336)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 1/ رقم 1142، 1143)، وأبو موسى المدينى في "نزهة الحفاظ" (81/ 82) من طريق عبد الله بن كثير بن جعفر، ثنا كثير بن عبد الله المزنيُّ، عن أبيه، عن جدِّه، عن بلال بن الحارث، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "كان إذا أراد الحاجة أبعد". قال البوصيريُّ في "الزوائد" (143/ 1): "هذا إسنادٌ واهٍ. كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، قال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فيه الشافعي: "ركنٌ من أركان الكذب". وقال ابنُ حبان: "روى عن أبيه، عن جدِّه نسخةً موضوعة، لا يحلُّ ذكرها في الكتب ولا الرواية إلا على جهة التعجُّب" اهـ. ... 6 - حديثُ يحيى بن عبيد، عن أبيه. أخرجه ابنُ قانعٍ في "الصحابة" والطبرانيُّ في "الأوسط" -كما في "المجمع" (1/ 204) -، والحارث بنُ أبي أسامة في "مسنده" -كما في "المطالب" (36) -، وإبراهيمُ الحربيُّ، وابن مندة في "المعرفة"، وأبو نُعيم في "الصحابة" من طريق واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عبيد بن رُحى، عن أبيه، قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتبوأ لبوله كما يتبوأُ لمنزله". قال أبو زرعة: "ليس لوالد يحيى بن عبيد صحبةٌ". وقد اختُلف في إسناد هذا الحديث اختلافًا يترشح منه ضعف الحديث بكل حالٍ. وانظر "الإِصابة" (4/ 411) للحافظ. ... 7 - حديثُ أبي موسى الأشعريّ، رضي الله عنه. * قُلْتُ: لم أقف على حديثٍ له في معنى حديث الباب. والله أعلمُ. وممَّا لم يذكره الترمذي - رحمه الله - أحاديثُ جماعةٍ من الصحابة، منهم: 8 - حديثُ عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه. أخرجه العقيليُّ في "الضعفاء" (1/ 44) من طريق إبراهيم بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كُهيل، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن سلمة بن كهيلٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة خيبر، فأردنا أن نتبرز، وكان إذا أراد ذلك تباعد، حتى لا يراهُ أحدٌ ..... ثم ساق حديثًا. * قُلتُ: وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا. إبراهيم بن إسماعيل. قال ابنُ نُمير: "روى مناكير". وقال ابنُ حبان: "روى عن أبيه بعض المناكير". وقال العقيلي: "لم يكن إبراهيمُ يقيمُ الحديث". وإسماعيل بن يحيى وأبوه متروكان. والله الموفق. ... 9 - حديث أنس، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ ماجة (332) من طريق عمر بن عبيد (¬1)، عن عمر بن المثنى (1)، عن عطاء الخراساني، عن أنسٍ؛ قال: كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم في سفرٍ، فتنحى لحاجته، ثمَّ جاء فدعا بوضوءٍ، فتوضأ. * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ. = ¬

_ (¬1) وقع في "المطبوعة": " ..... عمرو بن عبيد، عن محمد بن المثنى! " وكلاهما خطأ فاحشٌ، والصواب ما أثبتُّه هنا. والله المستعان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وعُمر بن المثنى، ذكره العقيليُّ في "الضعفاء" وعطاء بن أبي مسلمٍ الخراساني، كان كثير الوهم، والأكثرون على أنه لم يسمع من أحدٍ من الصحابة، لكن الطبرانيُّ يثبتُ لعطاء سماعًا من أنسٍ -كما في "التهذيب" (7/ 215) -، وسماعُهُ من أنسٍ جائزٌ، فإنَّ أنسًا توفي سنة (93) على أكثر تقديرٍ، وتوفي عطاء سنة (135) عن نحو (85) سنة، فيكونُ له ثلاثٌ وأربعون سنةً يوم مات أنسٌ رضي الله عنه، ولكن يمنع من الاتصال أن عطاء كان يُدلسُ، وقد عنعن. والله أعلمُ، وله طريقٌ آخر عن أنسٍ. أخرجه البزَّارُ (ج1/ رقم 238) قال: حدثنا السريُّ، عن عاصمٍ، ثنا عبد السلام بنُ حربٍ، ثنا الأعمش، عن أنسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد الحاجة أبعد. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ لأنَّ الأعمش لم يسمع من أنسٍ. ... 10 - حديثُ يعلى بن مرة، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ ماجة (333) قال: حدثنا يعقوبُ بنُ حميدٍ بن كاسب، ثنا يحيى بن سُليم، عن ابن خُثيم، عن يونس بن خبابٍ، عن يعلى بن مرة، أن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم كان إذا ذهب إلى الغائط، أبْعَدَ. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. يعقوب بن حميدٍ، ويحيى بن سليم صدوقان، ولكن في حفظهما شىءٌ. وقد قال أحمدُ: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "يحيى بن سليم كان قد أتقن حديث ابن خثيم" ويونس بن خباب منكرُ الحديث كما قال البخاريُّ. ثمَّ إنه لم يسمع من يعلى بن مرة. والله أعلم. ... 11 - حديثُ ابن عمر، رضي الله عنهما. أخرجه أبو يعلى (110 - زوائده)، والطبراني في "الكبير" (ج 12/ رقم 13638)، وفي "الأوسط" (32 - مجمع البحرين) من طرق عن سعيد بن أبي مريم، أنا نافع بن عمر الجُمحي، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذهب لحاجته إلى المُغَمَّسِ" قال نافع: نحو ميلين من مكة. قال الهيثميُّ في "المجمع" (10/ 203): "رجالُهُ ثقات من أهل الصحيح" ولابن عمر فيه حديثٌ آخر بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أراد الحاجة، تنحَّى، ولا يرفع ثيابه حتى يدنو من الأرض". أخرجه البيهقي (1/ 906) من طريق أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصى ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر بشطره الثاني. واختلف فيه على الأعمش. فرواه زهير بن حرب ثنا وكيع، عن الأعمش، عن رجل، عن ابن عمر به. أخرجه أبو داود (14) ومن طريقه البيهقيُّ (1/ 96). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ورواه وكيع، وأبو يحيى الحماني، عن الأعمش، قال: قال ابن عمر فذكره. فسقطت الواسطة بين الأعمش وابن عمر. ذكره الترمذيُّ في "السنن" (1/ 22) وقال: "مرسل. ويقال: لم يسمع الأعمش من أنسٍ ولا من أحدٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم". ورواه عبد السلام بنُ حربٍ الملائي، عن الأعمش، عن أنسٍ به فجعل الحديث من "مسند أنسٍ". أخرجه أبو داود (14)، والترمذيُّ (14)، والدارميُّ (1/ 136)، والحكيم الترمذيُّ في "المنهيات" (ص- 11). قال أبو داود: "هو ضعيف". وقال الترمذيُّ: "وهكذا روى محمد بن ربيعة، عن الأعمش، عن أنسٍ هذا الحديث". قال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2 / ق 20/ 1): والحديث غير ثابتٍ عن الأعمش". وقال في موضع آخر (ج 2/ ق 43/ 2): "يرويه الأعمش، واختُلف عنه. فرواه وكيع عن الأعمش، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر. وقال عبد السلام بن حربٍ ومحمد بن ربيعة، عن الأعمش، عن أنسٍ، وكلاهما غير ثابتٍ." اهـ. وقال العقيليُّ في "الضعفاء" (1/ 252): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = " .... إنما يروى هذا من معلول حديث الأعمش مرسلًا. رواه عبد السلام بن حرب الملائي، وسعيد بن مسلمة، ومحمد بن ربيعة، عن الأعمش، عن أنس. ورواه وكيع وأبو يحيى الحمّاني، عن الأعمش، عن ابن عمر، وقد قال بعضهم: عن وكيع، عن الأعمش، عن رجلٍ، عن ابن عمر، ولا يصحُّ" اهـ. * قُلْتُ: وعندي أن الطريق الأول أشبهُ. وهو الذي يرويه وكيع، عن الأعمش، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر فإن السند جيدٌ، ليس فيه مجروحٌ، فأين العلَّةُ فيه؟! ***

الرخصة في ترك ذلك

الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ ذَلِكَ 18 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ أَنْبَأَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ فَدَعَانِى وَكُنْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 18 - إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * الأعمشُ: هو سليمان بنُ مِهْران. أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ، ثبتٌ، حُجَّةٌ. قال عيسى بنُ يونس: "لم نر مثل الأعمش، ولا رأيتُ الأغنياء والسلاطين عند أحدٍ أحقر منهم عند الأعمش، على فقره وحاجته". وكان يُدلسُ. ولكن قال الذهبيُّ في "الميزان" (2/ 224): "هو يُدلسُ، وربما دلَّس عن ضعيفٍ ولا يدرى به، فمتى قال: "حدثنا" فلا كلام، ومتى قال: "عن" تطرق إليه احتمالُ التدليس، إلَّا في شيوخٍ أكثر عنهم, كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا المصنف محمولةٌ على الاتصال" اهـ. ... والحديث أخرجه البخاريُّ (1/ 328 - فتح). ومسلمٌ (3/ 165 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 197، 198)، وأبو داود (23)، والترمذيُّ (13)، وابنُ ماجة (305)، والدَّارميُّ (1/ 171)، وأحمد (5/ 382، 402)، والطيالسيُّ (406)، وابنُ خزيمة (1/ 35 - 36)، وابنُ حبَّان (ج2 / رقم 1421، 1422 =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 1424، 1425)، وابن المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 252، 282)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (36)، وابنُ أبي شيبة (1/ 123)، والحميديُّ في "مسنده" (442)، والبيهقيُّ (1/ 100, 270، 274)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ق 11/ 1)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 386) من طرقٍ عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة فذكره وبعضُهُم لا يذكر: "المسح على الخُفَّيْن" وقد رواه عن الأعمش جماعةٌ من ثقات أصحابه، منهم: "شعبةُ، والثوريُّ، وأبو عوانة، ووكيع، وعبد الواحد بنُ زيادٍ، وزهيرُ بن معاوية، في آخرين". وقد توبع الأعمشُ. تابعه منصور بن المعتمر، عن أبي وائلٍ، عن حذيفة به، ولم يذكر "المسح". أخرجه البخاريُّ (1/ 329 و 5/ 117 - فتح)، وأبو عوانة (1/ 197)، والمصنَّفُ ويأتي برقم (27)، والطيالسيُّ (407). وفي لفظ للبخاريِّ، وغيره: " ..... عن أبي وائل، قال: كان أبو موسى الأشعريِّ يشدِّدُ في البول [وفي روايةٍ: كان يبولُ في قارورةٍ ويشدد في البول] ويقول: إنَّ بني إسرائيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضهُ. قال حذيفة: ليتهُ أمسك! أتى رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم سباطة قومٍ، فبال قائما". وتابعه عُبَيْدَةُ بْنُ مُعَتِّبٍ الضَبِّيُّ، حدثني أبو وائلٍ شقيق بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = سلمة عن حذيفة، بنحو لفظ الأعمش. أخرجه الطبرانيُّ في "الصغير" (2/ 129) قال: حدثنا هارون بن محمد بن مُنخَّل الواسطيُّ، حدثنا أحمدُ بنُ منيعٍ، حدثنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد، عن عبيدة به. وقال: "لم يروه عن عبيدة إلَّا أشعثُ، تفرَّد به أحمدُ بنُ منيعٍ". * قُلْتُ: أمَّا شيخُ الطبرانيّ، فلم أقف له على ترجمةٍ، وأشعث بن عبد الرحمن، ليَّنَهَ أبو زُرْعة، فقال: "ليس بالقويّ". وقال أبو حاتم: "شيخٌ محله الصدق" وناهيك بهذا من مثل أبي حاتمٍ، رحمه الله أمَّا النسائيُّ فقال: "ليس بثقةٍ"! فقال ابنُ عديٍّ: "وعندي أنَّ النسائيَّ أفرط في أمره، حيثُ قال: "ليس بثقةٍ"، وقد تبحرتُ حديثه مقدار ما له، فلم أر له حديثًا منكرًا" اهـ. وبقية رجال السند ثقات. فهذا السندُ يُحسَّنُ في المتابعات. وتابعه أيضًا الشعبيُّ، عن شقيق أبي وائل، عن حذيفة به. أخرجه الطبرانيُّ في "الصغير" (1/ 266) قال: حدثنا القاسم بنُ عفاف بن سليم الفوزيُّ الحمصيُّ، حدثني عمي أحمد بن سليم، حدثنا عيسى بنُ يونُس، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبيِّ به ثمَّ قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "لم يروه عن الشعبيِّ إِلَّا زكريا , ولا عنه إلا عيسى، تفرد به أحمدُ بنُ سليمٍ". * قُلْتُ: أما زكريا وعيسى، فثقتان. وأمَّا أحمدُ بنُ سليم، وابنُ أخيه -شيخ الطبراني- فلم أجدهما، فهؤلاء أربعةٌ يروون الحديث، عن أبي وائل، عن حذيفة. وخالفهم عاصم بنُ بهدلة، فرواه عن أبي وائلٍ، عن المغيرة بن شعبة. فنقله من "مسند حذيفة" إلى "مسند المغيرة" أخرجه ابنُ ماجة (306)، وأحمدُ في "العلل" (2/ 168)، وعبدُ بن حميدٍ في "المنتخب" (399)، والبيهقيُّ (1/ 101) من طريق عاصم. وعند ابن ماجة والبيهقيّ: "قال شعبة: قال عاصم يومئذٍ: وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائلٍ، عن حذيفة، وما حفظهُ!!. فسألتُ عنه منصورًا، فحدثنيه عن أبي وائلٍ، عن حذيفة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى سباطة قومٍ، فبال قائمًا". وفي "علل أحمد": "قال عاصم: وما هو كما يقولُ الأعمشُ، ما حدثنا أبو وائلٍ إلَّا عن المغيرة!. قال شعبة: وقد كنتُ سمعتُ حديث الأعمش منه، ثمَّ لقيتُ منصورًا، فحدثنيه عن أبي وائل، عن حذيفة ..... فذكره". * قُلْتُ: كذا اعترض عاصمٌ!! والأعمشُ أثبتُ منه وأحفظُ، فكيف وقد تابعه منصورٌ؟! غير أن عاصمًا لم يتفرد به فتابعه حمادُ بن أبي سليمان، عن أبي وائلٍ، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عن المغيرة به. أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 246)، وفي "العلل" (2/ 169)، وعبدُ بنُ حميدٍ (396)، وابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 63) وابنُ شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ق 11/ 1) من طريق حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان، وعاصم بن بهدلة، عن أبي وائلٍ، عن المغيرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى سباطة بني فُلانٍ، ففحج رجليه، وبال قائمًا". وقولُهُ: "ففحج رجليه"، وقعت في رواية حماد بن أبي سليمان كما في رواية أحمد. وعند ابن خزيمة: "ففرج رجليه". وفي القلب شيء من هذه الزيادة، لم أقف لها على شاهدٍ يثبُتُ. والله أعلمُ. ولها شاهدٌ من مرسل الحسن عند ابن أبي شيبة (1/ 122). قال الترمذيُّ: "حديث أبي وائل، عن حذيفة أصحُّ". وقال البيهقيُّ: "كذا رواه عاصمُ بنُ بهدلة، وحماد بنُ أبي سليمان، عن أبي وائلٍ، عن المغيرة، والصحيحُ ما روى الأعمشُ ومنصور عن أبي وائلٍ, عن حذيفة، كذا قاله أبو عيسى الترمذيُّ". فتعقبه ابنُ التركماني في "الجوهر النقيُّ" بقوله: "قلتُ: الذي في كتاب الترمذيّ: حديثُ أبي وائل، عن حذيفة أصحُّ، ويُحتمل أن يكون لشقيقٍ في هذا الحديث إسنادان، ولهذا أخرج أبو بكر بنُ خزيمة في "صحيحه" رواية حمادٍ، ولم يُبال بالاختلاف" اهـ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وجنح المباكفوريُّ - رحمة الله - في "تحفة الأحوذي" (1/ 71) إلى رأى ابن التركماني، فقال: "والظاهر أن الروايتين صحيحتان، ورواية الأعمش ومنصور أصحُّ، والله أعلمُ"! كذا قال!. قال الشيخُ أبو الأشبال - رحمه الله - في "شرح الترمذيّ" (1/ 20): "أقولُ: والذي رجحه ابنُ خزيمة هو الصوابُ؛ لأن احتمال الخطأ في الحفظ من عاصمٍ رفعه متابعة حمادٍ له كما هو ظاهرٌ، وبعيدٌ أن يتفقا معًا على الخطأ، والراوى الثقة إذا خيف من خطئه وتابعه غيرهُ من الثقات، تأيدت روايتُه وصحَّتْ" اهـ. * قُلْتُ: وروايةُ الأعمش ومنصور أصحُّ عندى بلا ريبٍ. وعاصمُ وحمادُ، وإنْ كانا إمامين، الأولُ في القراءة، والثاني في الفقه، فقد تكلَّم فيهما غير واحدٍ، ورماهما بسوء الحفظ. أمَّا عاصمُ بنُ بهدلة: فقال أبو حاتمٍ: "ليس محلُّهُ أن يقال: "ثقة"، ولم يكن بالحافظ". وقال ابنُ عيينة: "كل من اسمه عاصمٌ سيىء الحفظ"! وقال العقيليُّ: "لم يكن فيه إلا سوء الحفظ". وقال البزَّارُ: "لم يكن بالحافظ". وقال الدارقطنيُّ: "في حفظه شيءٌ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأمَّا حمادُ بنُ أبي سليمان: فقال أحمد: "رواية القدماء عنه مقاربةٌ: شعبة، والثوريُّ، وهشام الدستوائي، أمَّا غيرُهم فقد جاءوا عنه بأعاجيب". وقال مرةً: "وحماد عنده عنه تخاليط. يعني حماد بن سلمة". وهذا من رواية حماد بن سلمة عنه، فتأمَّلْ! وقال شعبةُ: "كان حماد بنُ أبي سليمان لا يحفظُ". وقال أبو حاتمٍ: "هو صدوقٌ إلا يُحتجُّ بحديثه، وهو مستقيمٌ في الفقه، فإذا جاء الآثار شوَّش"!. * قُلْتُ: فالحاصلُ أن كليهما كان سيىء الحفظ، فلو تابع أحدهما الآخر -كما هو الحالُ هنا-، فنقبل حديثهما بشرط عدم وجود المخالف، لا سيما إنْ كان مثل الأعمش ومنصور. أمّا مع وجوده فلا. وقد قال أحمد في "العلل": "منصور والأعمش، أثبتُ من حماد وعاصم" يشير بذلك إلى ترجيح ما رجحناهُ (¬1). وقد نقل الحافظ في "الفتح" (1/ 329) كلام الترمذيّ في ترجيح حديث الأعمش ومنصور، ثم قال: "وهو كما قال، وإن جنح ابنُ خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سليمان وافق = ¬

_ (¬1) ورجح رواية الأعمش أبو حاتم الرازي -كما في "العلل" (9) لولده- أما أبو زرعة فقال: الصحيح حديث عاصم عن أبي وائلٍ، عن المغيرة"!!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عاصمًا على قوله: "عن المغيرة"، فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما، فيصحُّ القولان جميعًا. لكن من حيثُ الترجيح، رواية الأعمش ومنصور لإِتقانهما أصحُّ من رواية عاصم وحماد لكونهما في حفظهما مقالٌ" اهـ. وممّا يرجِّحُ رواية الأعمش أيضًا ما: أخرجه أحمدُ (5/ 394) من طريق يونس بن أبي إسحق، عن أبي إسحق، عن نهيك بن عبد الله السلوليّ، عن حذيفة ..... فذكره. وهذا سندٌ رجاله ثقات، خلا نهيك السلوليّ، فإن ابن أبي حاتمٍ ترجمه في "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 497) ولم يحك فيه شيئًا. وذكره ابنُ حبان في "الثقات" (5/ 480). ثمَّ تدليسُ أبي إسحق السبيعيّ. وهناك وجهٌ آخرٌ من الاختلاف في سنده: فرواه الحسن بن الصباح، وعليُّ بنُ يونس الواسطيُّ عن عبد المجيد بن أبي روَّادٍ، عن ياسين الزيات، عن الأعمش، عن أنسٍ، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بال على سباطة قومٍ، فتوضأ، ومسح على الخُفَّيْن. وخالفهما سختويه، فرواه عن عبد المجيد، عن ياسين الزيات، عن الزهريّ، عن أنسٍ به. ذكره الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2 / ق 20/ 1) وقال: "وكلاهما وهمٌ، والمحفوظ: عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن حذيفة" اهـ. ... هذا: والبول من قيامٍ وإن كان جائزًا، فالقعودُ أفضلُ. وسيأتي مزيدُ تفصيلٍ لهذا البحث في الحديث رقم (29) فانتظره، والله تعالى الموفقُ.

القول عند دخول الخلاء

الْقَوْلُ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلاَءِ 19 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 19 - إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * إسماعيلُ: هو ابنُ إبراهيم بن مقسم، المعروف بـ "ابن عُليَّة". أخرج له الجماعةُ. وهو متفقٌ على ثقته وإتقانه. قال أحمدُ: "إليه المنتهى في التثبُّت بالبصرة". وقال ابنُ معين: "كان ثقةً، صدوقًا، مأمونًا، مسلمًا، ورعًا، تقيًّا". وناهيك بهذا من ابْن معينٍ! أمَّا ما حُكِيَ عن أحمد، أنه سُئل عن وهيبٍ، وابن عُليَّة، فقال: "وهيبٌ أحبُّ إليَّ، وابنُ عُليَّة ما زال وضيعًا في الكلام الذي تكلم به إلى أنْ مات! قلتُ: أليس قد رجع وتاب على رؤوس الناس؟! قال: بلى!. إلى أن قال: وكان لا ينصفُ بحديث الشفاعات". وكان منصور بن سلمة الخُزاعيُّ يحدثُ مرةً، فسبقه لسانُه، فقال: ثنا إسماعيلُ بنُ عُليَّة، ثمَّ قال: لا, ولا كرامة! بل أردتُ زهيرًا، ثمَّ قال: ليس من قارف الذَّنْب كمن لم يقارف، وأنا والله استتبتُ ابن عُلية".=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الذهبيُّ في "الميزان": "وهذا من الجرح المردود, لأنَّه غلوٌ. وإمامةُ إسماعيل لا نزاع فيها. وقد بدتْ منه هفوةٌ وتاب منها، فكان ماذا؟! إني أخاف الله لا يكون ذكرنا له من الغيبة". اهـ. ثمَّ إنَّ "عُليَّة" هي أمُّ إسماعيل على الراجح، خلافًا لعليّ بن حُجْر إذ زعم أنها جدَّتُه لأمِّه. وكان إسماعيلُ يكره أن بنسب إلى أمه، فكان يقول: "من قال ابن عُليَّة فقد اغتابنى". ولكن المحدثين لم يروا أن هذا من الغيبة، وإنما نسبوه لأمه تمييزًا له عن غيره، لحفظه وشرفه. كما أنه لا يُعدُّ من الغيبة أن نقول: "الأعمش، والأعرج، والأحول ....... " ونحو ذلك. وضابطُ ذلك، ما قاله ابنُ حبان في "المجروحين" (1/ 18): " ..... إن إخبار الرجل بما في الرجل على جنس الإبانة، ليس بغيبة، وإنما الغيبةُ ما يريدُ القائل القدح في المقول فيه". وقد فصَّلْتُ هذا البحث في كتابي "قصد السبيل في الجرح والتعديل" وهو أحد أقسام "الإمعان مقدمة بذل الإحسان" يسر الله نشرها. وقد علَّق الذهبيُّ في "السير" (9/ 108) على قول إسماعيل، فقال: "هذا سوءُ خُلُقٍ - رحمه الله -، شىءٌ قد غلب عليه فما الحيلة؟! قد دعا النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير واحدٍ من الصحابة بأسمائهم مضافًا إلى الأم. كالزبير بن صفيّة، وعمار بن سُميَّة" اهـ. * عبد العزيز بن صُهيبٍ، هو البُناني أخرج له الجماعةُ. وثقهُ أحمدُ , وابنُ معين، وابنُ سعدٍ، والمصنِّفُ، والعجليُّ. وقال أبو حاتمٍ: "صالح"!!. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والحديثُ أخرجه البخاريُّ (1/ 242 و 11/ 129 - فتح)، وفي "الأدب المفرد" (692)، ومسلم (4/ 70 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 216)، وأبو داود (4)، والمصنِّفُ في "اليوم والليلة" (74)، والترمذيُّ (5، 6)، وابنُ ماجة (296)، والدارميُّ (1/ 171)، وأحمدُ (3/ 99، 282،101)، وابنُ أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 1)، وعليُّ ابنُ الجعد، في "مسنده" (1473، 1474، 2560)، وأبو يعلى (ج 7 / رقم 3902)، وكذا ابنُ حبان (ج 2 / رقم 1404) وتمام الرازي في "الفوائد" (147)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 258)، وابنُ السُّنى في "عمل اليوم والليلة" (16)، والطبرانيُّ في "الدُّعاء" (ج 2 / رقم 359)، والبيهقيُّ (1/ 95)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 376)، وابنُ النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (2/ 87)، وابنُ اللَّمش في "تاريخ دُنيسر" (ص 46،45)، والذهبيُّ في "السير" (11/ 467) من طرقٍ عن عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنسٍ به. قال الترمذيُّ: "هذا حديثٌ حسن صحيحٌ" وقد رواه عن عبد العزيز بن صهيبٍ جماعةٌ منهم: "شعبةُ، وحماد بنُ سلمة، وعبد الوارث بنُ سعيدٍ، وابنُ عُليَّة، ومعمر بن راشد، وهشيم بن بشير، وحماد بن زيد، وزكريا بنُ يحيى بن عمارة، وحماد بنُ واقد، وسعيدُ بْنُ زيد" وتابعهم أيضًا عبد العزيز بن المختار، عن عبد العزيز بن صهيبٍ بلفظ: "إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخُبُث والخبائث".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه المعمريُّ في "اليوم والليلة". قال الحافظ في "الفتح" (1/ 244): "إسنادُهُ على شرط مسلمٍ، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه الرواية" اهـ. وقال في "نتائجُ الأفكار" (1/ 196): "رواتُهُ موثقون". * قُلْتُ: وقولُهُ: "على شرط مسلمٍ" كنتُ أظُنه على شرط الشيخين، لا سيما وعبد العزيز بن المختار من رجالهما. ثمَّ تبين لي أن قوله: "عبد العزيز" خطأ لا أدرى ممَّن؟ وصوابُه "عبد الله بن المختار" لأمرين: الأول: أنه هو الذي يروى عن عبد العزيز بن صهيبٍ. الثاني: أنه هو الذي تفرد به مسلم دون البخاريّ، فيوافق بذلك حكم الحافظ رحمه الله. ثمَّ قول الحافظ:"ولم أرها في غير هذه الرواية" يعني من حديث أنسٍ متعقب بما: أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 1)، وابنُ أبي حاتمٍ في "العلل" (ج 1 / رقم 167)، والطبرانيُّ في "الدعاء" (ج 2 / رقم 358)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (7/ 2519) من طريق أبي معشر، عن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا دخل الكنيف، قال: "بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث". وسندُهُ ضعيفٌ، لأجل أبي معشر، واسمه نجيح السنديّ، وفي حفظه ضعفٌ. ثمَّ وقفتُ -منذ أيامٍ- على كتاب "تمام المنة" لشيخنا الألباني =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حفظه الله تعالى، وأمتع المسلمين بطول حياته، فرأيتُه يميل إلى أن زيادة "بسم الله" في حديث أنسٍ شاذَّةٌ. قال الشيخُ (ص 57): "وهي -يعني الزيادة- عندي شاذَّةٌ، لمخالفتها لكل طرق الحديث عن عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنسٍ في "الصحيحين" وغيرهما ممن سبقت الإِشارة إليهم" اهـ. * قُلْتُ: والأقربُ عندي إلى القاعدة أن عبد الله بن المختار لم يخالف أصحاب عبد العزيز بن صهيبٍ بذكر "التسمية"، بل هو زاد عليهم ذلك. ثمَّ هو ثقة ولم يغمزه أَحدٌ، فزيادتُه مقبولةٌ. وقد قبل الشيخُ زيادة علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر مرفوعًا: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى". وسائر أصحاب ابن عمر -وهم يقاربون العشرين- يروون الحديث بلفظ: "صلاة الليل مثنى مثنى" فلم يذكروا: "النهار" وضربُ الأمثلة على ذلك يطولُ. ولستُ ممن يرى قبول زيادة الثقة بإطلاق، بل يحكم لكل حديث بما يُناسب الحال. والله تعالى أعلى وأعلمُ. وللحديث طرقٌ أخرى عن أنسٍ: 1 - الزهريُّ، عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2 / ق 119/ 1)، وفي "الصغير" (2/ 44)، وفي "الدُّعاء" (ج 2 / رقم 360) قال: حدثنا محمد بن الحسن بن كيسان المصيصيُّ ثنا إبراهيم بن حميد الطويل، ثنا صالحُ بنُ أبي الأخضر، عن الزهري، عن أنسٍ مرفوعًا: "إنَّ هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخلها أحدكم فليقُل: اللهُمَّ إني أعوذ بك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من الخُبُث والخبائث". قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الزهريّ، إلا صالحُ بنُ أبي الأخضر، ولا عنه إلا إبراهيمُ بنُ حميدٍ، تفرَّد به محمد بن الحسن بن كيسان". * قُلْتُ: أمَّا شيخُ الطبرانيّ، فلم أقف له على ترجمةٍ. وإبراهيم بنُ حميد الطويل، وثقه أبو حاتم الرازيُّ -كما في "الجرح والتعديل" (1/ 1/ 94)، وابنُ حبان في "ثقاته" (8/ 68) وقال: "يخطيء". وأبو حاتمٍ أدرى به من ابن حبان، لا سيما وهو من شيوخ أبي حاتم الذين لقيهم، وكتب عنهم. فالله أعلمُ. وصالحُ بن أبي الأخضر، يُضعف حديثه في الزهريّ. فسند الحديث ضعيفٌ. 2 - قتادةُ، عنه. "أخرجه ابنُ السُّني في "اليوم والليلة" (20)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 3 / رقم 2824)، وفي "الدعاء" (ج 2 / رقم 356)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (3/ 371) من طرقٍ عن قطن بن نُسير، ثنا عديُّ بن أبي عمارة، قال: سمعتُ قتادة يحدثُ عن أنسٍ مرفوعًا: "إنَّ هذه الحشوش محتضرةٌ, فإذا دخل أحدكم الخلاء، فليقُلْ: بسم الله، اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث.". قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة، عن أنسٍ، إلا عديُّ، تفرَّد به قطنُ". * قُلْتُ: أما قطنُ بنُ نُسير، ففيه مقالٌ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان أبو حاتم وأبو زرعة يحملان عليه ... وعديُّ بنُ أبي عمارة. قال العقيليُّ: "في حديثه اضطرابٌ". ولذلك قال الحافظُ في "نتائج الأفكار" (1/ 95): "هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه ..... وأخرجه الدَّارقطنيُّ في "الأفراد" من هذا الوجه، وقال: تفرد به عديٌّ عن قتادة". 3 - عبد الله بن أبي طلحة، عنه. وقد سبق تخريجه قبل قليلٍ. ثمَّ إنه قد اختلف في إسناده فرواه هشيم، عن أبي معشر، عن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنسٍ كما مرّ ذكره. وخالفه محمد بن بكار فقال: ثنا أبو معشر، عن حفص بن عمر بن أبي طلحة، عن أنسٍ به. فصار شيخ أبي معشر هو "حفص بن عمر". أخرجه الطبرانيُّ في "الدُّعاء" (ج 2/ رقم 357) وهذا الاضطراب من أبي معشر، لسوء حفظه. ... قال الترمذيُّ: وفي الباب عن عليٍّ، وزيد بن أرقم، وجابر، وابن مسعودٍ". 1 - حديثُ عليٍّ، رضي الله عنه. أخرجه الترمذيُّ (606)، وابنُ ماجة (297)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 378) من طريق محمد بن حميد الرازى، حدثنا الحكمُ بنُ بشيرٍ بن سليمان، حدثنا خلَّادٌ الصفَّارُ، عن الحكم بن عبد الله النصريّ، عن أبي إسحق، عن أبي جحيفة، عن عليّ بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبي طالبٍ رضي الله عنه، مرفوعًا: "سترُ ما بين أعين الجنِّ، وعورات بني آدمٍ، إذا دخل أحدهمُ الخلاء، أنْ يقول: بسم الله" (¬1). قال الترمذيُّ: "هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، وإسنادُهُ ليس بذاك القويّ" وأقرَّهُ البغويُّ. * قُلْتُ: وهذا هو الصوابُ. وخالف في ذلك جماعة. فقد رمز السيوطيُّ له بالحُسْنِ. قال المُناوى في "الفيض" (4/ 96 - 97): "رمز المصنف لصحته (كذا وهو خطأ، والصواب: لحُسْنه) وهو كما قال أو أعلى، فإن مُغُلْطاى مال إلى صحته، فإنه لما نقل عن الترمذيّ أنه غيرُ قويٍّ، قال: لا أدرى ما يوجبُ ذلك؛ لأنَّ جميع من في سنده غيرُ مطعونٍ عليهم بوجهٍ من الوجوه، بل لو قال قائلٌ: إسنادُهُ صحيحٌ، لكان مصيبًا" اهـ. ونقل الشوكانيُّ هذا الكلام في" تحفة الذاكرين" (109) وأقرَّهُ!!. وقال شيخُنا الألبانيّ في "تمام المنة" (ص- 20): "لكن مال مُغُلْطاى إلى صحته كما قال المُناوى، وله شاهدٌ من حديث أنسٍ عند الطبراني من طريقين، فالحديث به حسنٌ على أقل الدرجات" اهـ. * قُلْتُ: وتتابُعهم على هذا الخطأ يُعدُّ من الغرائب!! فإن هذا الحديث ضعيفٌ، بل واهٍ. وله عللٌ: = ¬

_ (¬1) وعزاه السيوطي في "الجامع الصغير" لأحمد، ولم أجده فيه. فالله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * الأولى: محمدُ بْنُ حميدٍ، شيخُ الترمذيّ، وابن ماجة واهٍ. قال البخاريُّ: "في حديثه نظرٌ". وقال النسائيُّ: "ليس بثقةٍ". وقال أبو نُعيم بنُ عديٍّ: "سمعت أبا حاتمٍ الرازيّ في منزله، وعنده ابنُ خراشٍ، وحماعةٌ من مشايخ أهل الريِّ، وحُفَّاظهم، فذكروا ابن حميدٍ، فأجمعوا على أنه ضعيف الحديث جدًّا، وأنه يحدثُ بما لم يسمعه، وأنه يأخذُ أحاديث أهل البصرة والكوفة، فيحدث بها عن الرازيين" اهـ. وقال ابنُ خراشٍ: "ثنا محمدُ بنُ حميدٍ، وكان -والله- يكذبُ" وكذَّبهُ أبو زرعة الرازى، وصالح جزرة. واتهمه غير واحدٍ بسرقة الحديث. وقال فضلك الرازيُّ: "عندي عن ابن حميدٍ خمسون ألف حديثٍ، ولا أحدثُ عنه بحرفٍ". أمَّا الشيخُ أبو الأشبال - رحمه الله تعالى - فله شأنٌ آخر! فقال في "شرح الترمذيّ" (2/ 503 - 504): "محمد بنُ حميدٍ، هو أحدُ الحفاظ، وثقه أحمدُ، وابنُ معينٍ، وغيرُهما. وتكلَّم فيه النسائيُّ وغير واحدٍ، حتى غلا بعضُهُمْ فرماه بالكذب. ونستخيرُ الله في أنه "ثقة"! ترجيحًا لقول من وثقه وصحَّح أحاديثه" اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: كذا قال الشيخ - رحمه الله -، وهذا من تساهله الذي عُرف به عند أهل العلم بالحديث. أمَّا توثيق أحمد وابن معينٍ لمحمد بن حميدٍ، فحكايتُه ما ذكره أبو حاتم الرازيُّ، قال: "سألنى يحيى بنُ معينٍ عن ابن حميدٍ من قبل أن يظهر منه ماظهر، فقال: أيُّ شىءٍ ينقمون منه؟ قلتُ: يكون في كتابه شىءٌ، فيقول: ليس هذا هكذا، فيأخذ القلم فيغيرُهُ! فقال ابنُ معين: بئس هذه الخصلة، قدم علينا بغداد، فأخذنا منه كتاب يعقوب، ففرقنا الأوراق، ومعنا أحمدُ، فسمعناه، ولم نر إلَّا خيرًا" اهـ. فظاهرٌ من الحكاية أنَّ توثيق أحمد وابن معين لمحمد بن حميد كان بعد هذا المجلس. وقد كان ابنُ معين وغيرُه يوثق الراوى بناءً على مجلسٍ واحدٍ يسمعه منه على الاستقامة. وهذا التوثيق ضعيفٌ، لأن عامة أهل الريّ أجمعوا على أن محمد بن حميد ضعيفُ الحديث جدًّا، وهو رازيٌّ أيضًا، فهم أعلمُ به من أحمد وابن معين؛ لأن بلديَّ الرجل أعلمُ به وأخبر. وقد قال الشيخُ أبو الأشبال في "شرح الترمذيّ" (1/ 266): " ..... وخصوصًا مع اختيار مالك حديثهما، وإخراجه في "موطئه"، وهو أعرفُ الناس بأهل المدينة، وأشدُّهم احتياطًا في الرواية عنهم" اهـ. نقولُ: وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان -وغيرُهما من أهل الريّ- أعلمُ من غيرهما بأهل البلد. وقد قال أبو القاسم ابن أخي أبي زرعة: "سألتُ أبا زرعة عن محمد بن حميدٍ، فأومأ بأصبعه إلى فمه! فقُلت له: كان يكذب؟! فقال برأسه: نعم. فقُلْتُ له: كان قد شاخ، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لعلَّهُ كان يُعمل عليه ويُدلَّسُ عليه؟! فقال: لا يا بُنى، كان يتعمد". فهذا يدُلُّك على أن أبا زرعة -وهو من هو- قد سبر غور ابن حميد فنفى عنه أيَّ احتمال في تبرئته، وأثبت أنه كان يتعمد. ولأبي حاتمٍ الرازى حكايةٌ تدلُّ على سقوطه، وهي مذكورةٌ في "التهذيب". وقد قال أبو عليّ النيسابوريُّ لابن خزيمة: "لو حدَّث الأستاذُ عن محمد بن حميدٍ، فإنَّ أحمد قد أحسن الثناء عليه؟ فقال: إنَّه لم يعرفه كما عرفناهُ، ولو عرفه ما أثنى عليه أصلًا". فهذا يؤكِّدُ ما ذكرتُه من أن توثيق أحمد وابن معين ضعيفٌ. وما ذكره الرازيون هو من الجرح المفسر، الذي يُقدَّمُ على التعديل، لا شك في ذلك والحمد لله. فالعجبُ من مُغُلْطاى - رحمه الله - كيف زعم أنَّ: "جميع من في سنده غيرُ مطعونٍ عليهم بوجهٍ من الوجوه"!! * العلة الثانية: أن الحكم بن عبد الله النضريّ، لم يوثقه إلَّا ابنُ حبان. وتوثيقه لينٌ إذا تفرد به، كانو مشتهرٌ عند أهل الحديث. * العلة الثالثةُ: أنَّ أبا إسحق السبيعى، واسمه عمرو بن عبد الله، كان قد اختلط، والراوى عنه لم يسمع منه في حال الصحة، على ظاهر ما في ترجمته، ثمَّ هو مدْلسٌ، ولم أره صرَّح بتحديثٍ. واللهُ أعلمُ. فالحديث ضعيفٌ جدًّا بهذا السند. أمَّا قولُ الشيخ أبي الأشبال: "ونحن نخالفُ الترمذيَّ في هذا، ونذهب إلى أنه حديثٌ حسنٌ، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إنْ لم يكن صحيحًا!!، وقد ترجمنا رواته، وبيَّنا أنهم ثقات"!! * قُلْتُ: لو قال الشيخُ إنه حديثٌ حسنٌ لغيره، لوافقناه على ذلك لوجود شواهد له. أمَّا أن يكون حسنًا لذاته أو صحيحًا فهذا مردودٌ بما سبق من التحقيق. والله أعلمُ. ... 2 - حديثُ ابْنِ مسعودٍ، رضي اللهُ عنه. أخرجه الِإسماعيليُّ في "معجمه" (¬1) (ج1/ق101/ 1)، ومن طريقه الخطيبُ في "التاريخ" (4/ 262) قال: أخبرنى عبد الله بن محمد بن ياسين، أبو الحسن، ثبتٌ صاحبُ حديثٍ، قال: حدثني أحمدُ بْنُ عبد الجبار السكونيُّ، بغداديٌّ، قال: حدثنا أبو يوسف القاضى، عن أبي إسحق الشيبانى، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، كان إذا دخل الغائط، قال: "أعوذ بالله من الخُبث والخبائث". قال البدرُ العينى في "عمدة القارئ" (2/ 272): "إسنادُهُ جيدٌ"! * قُلْتُ: كذا قال! وفيه نظرٌ. لأن أحمد بن عبد الجبار السكونى، قد ذكر الخطيبُ أنه هو: أحمد ابن محمد بن عيسى، أبو جعفر السكونى. وترجمه أيضًا (5/ 59 - 60) وروى هذا الحديث في ترجمته، ثمَّ نقل عن الدارقطنيّ أنه قال: "بغداديٌّ متروك". وقال الحافظ في "اللسان" (1/ 288 - 289): = ¬

_ (¬1) وأنا على وشك الانتهاء من تحقيقه وتخريجه، يسر الله ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وهذا الشيخُ اختلفوا في نسبه. فقال محمد بن مخلد، ووكيع القاضى ..... في نسبه: "أحمد بن محمد بن عيسى السكونى" وروى عنه عبد الله بن محمد بن سعيد الحمَّال، ومحمد بن سليمان بن محبوبٍ، فقالا: "أحمد بن عيسى السكونى"، فإنهما نسباه إلى جدِّه. وروى عنه عبد الله بن محمد بن ياسين، فقال: "ثنا أحمد بن عبد الجبار السكونى" كذا قال! وهو هو. فإنَّ الحديث الذي رواه عنه هؤلاء كلُّهم، حديثٌ واحدٌ من روايته عن أبي يوسف، عن أبي إسحق الشيبانى، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعودٍ، في القول عند دخول الخلاء. وهو حديثٌ غريبٌ بهذا الإسناد، وقد ذكر الدَّارقطنُّى في "الأفراد" أن السكونيَّ تفردَّ به" اهـ. ... 3 - حديثُ زيد بْنِ أرقم، رضي اللهُ عَنْهُ. أخرجه أبو داود (6) والمصنِّف في "اليوم والليلة " (رقم 75)، وابنُ ماجة (296)، وأحمدُ (4/ 369)، والطيالسيُّ (679)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 69)، وابنُ حبان (ج2 / رقم 1405)، والحاكم (1/ 187)، والبيهقيُّ (1/ 96) من طرقٍ عن شعبة، عن قتادة، قال: سمعتُ النضر بن أنسٍ، يحدث عن زيد بن أرقم مرفوعًا: "إنَّ هذه الحشوش محتضرةٌ، فإذا دخلها أحدُكُمْ، فليقُلْ: اللَّهُمَّ إنى أعوذُ بك من الخُبُثِ والخبائث". وقد وقع تصريح قتادة عند الطيالسيّ، وابن حبان. وقد رواه عن شعبة هكذا جماعةٌ من أصحابه، منهم: "محمد بنُ جعفر، وعبدُ الرحمن بنُ مهديٍّ، وابنُ أبي عديٍّ، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والطيالسيُّ، وخالد بن الحارث، وعمرو بن مرزوق". وخالفهم عيسى بن يونس (¬1)، فرواه عن شعبة، عن القاسم الشيبانى، عن زيد بن أرقم به. فجعل شيخ شعبة هو" القاسم" بدلًا من "النضر بن أنس". أخرجه ابنُ حبان (ج2 / رقم 1403) من طريق علي بن خشرم، قال: حدثنا عيسى بن يونس به. * قُلْتُ: ورواية عيسى شاذَّةٌ -عندي-، لمخالفتها لرواية الجماعة عن شعبة. ومما يدلُّ على ذلك أن يحيى القطان قيل له: "إن ابن أبي عروبة روى عن قتادة، عن القاسم بن عوف، عن زيد بن أرقم يعني حديث الحشوش. وشعبة يحدث به عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن زيد. فقال يحيى: لو علم شعبةُ أنه عن القاسم لم يحمله، إنه رأى القاسم وتركه". فالصواب في رواية شعبة ما رواه الجماعةُ عنه. قال الترمذيُّ في "سننه" (1/ 11): "وحديث زيد بن أرقم في حديثه اضطرابٌ. روى هشام الدستوائى وسعيد بنُ أبي عروبة، عن قتادة. فقال سعيدٌ: عن القاسم بن عوف الشيبانى، عن زيد بن أرقم. وقال هشام الدستوائى: عن قتادة، عن زيد بن أرقم. ورواه شعبة ومعمر، عن قتادة، عن النضر بن أنسٍ. فقال شعبة: عن زيد بن أرقم. وقال معمر: عن النضر بن أنس، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم وسألتُ محمدًا عن هذا؟ فقال: يُحتمل أن يكون قتادةُ روى عنهما جميعًا" اهـ.= ¬

_ (¬1) هذا كله مبنى على ثبوت هذه الرواية، وإلا فإنى متخوفٌ من وقوع التصحيف في سنده، فيكون "شعبة" تصحّف عن "سعيد" وهذا واردٌ جدًّا. فالله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: فحاصل البحث أن الرواة قد اختلفوا على قتادة فيه على أربعة أوجهٍ، وقد مرّ وجه. * الوجه الثانى: أنَّ معمر بن راشد رواه عن قتادة، عن النضر بن أنسٍ، عن أبيه أنس بن مالكٍ مرفوعًا به فجعل الحديث من "مسند أنس". أخرجه الطبرانيُّ في "الدُّعاء" (ج 2 / رقم 355) من طريق عبد الرزاق، عن معمر. قال البيهقيُّ (1/ 96): "قال الإِمام أحمد: هو وهمٌ". وعلَّةُ ذلك أن قتادة بصريٌّ، ولما دخل معمر البصرة لزيارة أمِّه، لم يكن معه كتبه، فحدث من حفظه، فوقع للبصريين عنه أغاليط، كما يقول الذهبيُّ في "السير" (7/ 12). فهذا الحديثُ من أوهام معمر رحمه الله. * الوجه الثالث: أن هشام الدستوائى يرويه عن قتادة، عن زيد ابن أرقم. فأسقط الواسطة بين قتادة وزيد. وقتادةُ لم يدرك أحدًا من الصحابة إدراك سماعٍ إلا أنسًا كما قال الحاكمُ في "علوم الحديث". * الوجه الرابع: يرويه سعيد بنُ أبي عروبة، عن قتادة، عن القاسم الشيبانى، عن زيد بن أرقم مرفوعًا به. أخرجه ابنُ ماجة (296/ 2) والمصنف في "اليوم والليلة" (رقم 77)، وأحمدُ (4/ 373)، والحاكمُ (1/ 187) وقد رواه عن سعيدٍ جماعة منهم: "عبد الأعلى بنُ عبد الأعلى، ويزيد بن زُريع، وأسباطُ بْنُ مُحمدٍ، وعبدُ الوهاب بنُ عطاء، وعبدة بنُ سليمان". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وخالفهم إسماعيلُ بنُ عُليَّة، فرواه عن سعيدٍ، عن قتادة، عن النضر بن أنسٍ، عن زيد بن أرقم مرفوعًا به فجعل شيخ قتادة هو "النضر بن أنس" بدلًا من "القاسم". أخرجه المصنِّفُ في "اليوم والليلة" (رقم 76) قال: أخبرنا مؤمل بن هشام، قال: حدثنا إسماعيل به: ورواية الجماعة عن سعيدٍ أرجح. * ثمَّ وجهٌ خامسٌ: فيرويه روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ مرفوعًا به. فصار الحديث من "مسند ابن عباس" وصار شيخ قتادة هو "سعيد بن جبير". أخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (1/ 207) قال: ثنا أحمدُ بن العباس الهاشميُّ، ثنا يحيى بن حبيب بن عربى، ثنا روح بن عبادة به. وآفة هذا الإِسناد، هى من شيخ ابن عديٍّ هذا. قال ابنُ عديٍّ: "كتبتُ عنه بالبصرة، حدَّث عنه يحيى بن حبيب بن عربى بأحاديث بإسنادٍ واحدٍ منكرٍ بذلك الإِسناد". * قُلْتُ: والذي يترجح عندي من هذه الوجوه، هو الوجه الأولُ الذي يرويه شعبةُ لأمرين: الأول: لسلامة رواته من الجرح. الثانى: ثمَّ لوقوع تصريح قتادة بالتحديث من النضر بن أنسٍ. أما طريقُ سعيد بن أبي عروبة، ففيه القاسم بن عوف الشيباني وقد تكلموا فيه. فقد تركه شعبة، وضعّفه النسائيُّ. وقال أبن حاتم: "مضطربُ الحديث، ومحلُّه عندي الصدق". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ووثقه ابن حبان. وقال ابنُ عديٍّ: "هو ممّن يُكتب حديثُهُ". وقال الحاكم عقب روايته لحديث شعبة وسعيد: "كلا الإِسنادين من شرط الصحيح" ووافقه الذهبيُّ. * قُلْتُ: القاسم لم يرو له مسلمٌ إلا حديثًا واحدا في صلاة الأوابين، وقد قدمت الكلام فيه، فالتعويل على حديث شعبة والله تعالى أعلمُ. ... 4 - حديث جابر، رضي الله عنه. قال المباركفوريّ في "التحفة". "لم أقف عليه". ***

باب النهى عن استقبال القبلة عند الحاجة

باب النَّهْىِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ 20 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِىَّ وَهُوَ بِمِصْرَ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِى كَيْفَ أَصْنَعُ بِهَذِهِ الْكَرَايِيسِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ أَوِ الْبَوْلِ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا». ـــــــــــــــــــــــــــــ 20 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ ... * محمد بنُ سلمة، هو ابنُ عبد الله بن أبي فاطمة المراديّ، أبو الحارث المصريّ. أخرج له مسلمٌ، وأبو داود، وابنُ ماجة روى عنه المصنِّفُ (107) حديثًا، وقال عنه: "ثقةٌ، ثقةٌ". ووثقه مسلمة بنُ قاسم في "الصلة". وقال ابن سعيد بنُ يونس: "كان ثبتًا في الحديث". * ابنُ القاسم، هو عبد الرحمن، أبو عبد الله المصريّ. أخرج له البخاريُّ، وأبو داود في "المراسيل". قال ابنُ معينٍ: "ثقةٌ ثقةٌ". وقال المصنِّفُ: "ثقةٌ مأمونٌ" ووثقه أبو زرعة، وابنُ حبان، والحاكم وزاد "مأمونٌ"، ومسلمة بنُ قاسم، والخطيبُ في آخرين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، ثقةٌ حجةٌ كما قال ابن معينٍ. ووثقه أيضًا أبو زرعة، وأبو حاتم، والمصنِّفُ، وغيرُهُم. * رافع بن إسحق، هو الأنصاريّ. وقد رمز له في "التهذيب" برمز (ت، ق) يعني أخرج له الترمذيُّ، وابنُ ماجة. فلم يذكر (س) وهو رمز النسائيّ، برغم ثبوت روايته هنا. ثمَّ تبين لي أنَّ ذكر "ابن ماجة" خطأ من الناسخ أو الطابع. لأنَّ رافع بن إسحق ليس له في الكتب الستة غير حديثين، أولهما حديث الباب هذا، وتفرد به النسائيُّ. والثانى: ما أخرجه الترمذيُّ (2805) وتفرد به عن رافع، عن أبي سعيدٍ مرفوعًا: "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تماثيلُ أو صورةٌ". فدلَّ ذلك على أن صواب الرمز أن يُقال: "س ت". واللهُ أعلمُ. ورافعُ بن إسحق وثقهُ المصنِّفُ، وابنُ حبان، والعجليُّ، وابنُ عبد البر في "التمهيد". ... والحديثُ أخرجه الشافعى في "السنن المأثورة " (112) وأحمدُ (5/ 414)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 232)، وابن أبي شيبة (1/ 150)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 4 / رقم 3931)، وابن المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 260) من طريق مالكٍ، وهو في "موطئه" (1/ 193/ 1) عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحق، عن أبي أيوب الأنصاريّ، فذكره. وقد رواه عن مالك يحيى بنُ يحيى، وإسحق بنُ عيسى، وإسماعيل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ابن أبي أويس، وعبد الرحمن بن القاسم، وابنُ وهبٍ". قال ابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 303): "هذا حديثٌ متصلٌ صحيحٌ". وقد تابع مالكًا عليه جماعة، منهم: 1 - همام بن يحيى، أنا إسحق به. أخرجه أحمدُ (5/ 415) حدثنا عفان، ثنا همَّام به. 2 - حماد بن سلمة، عن إسحق به. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 4/ رقم 3932). 3 - محمد بن يعقوب، عن إسحق. أخرجه الطبرانيُّ (3933). 4 - الأوزاعيّ، حدثنا إسحق، حدثني رجلٌ منا، قال: سمعت أبا أيوب الأنصارىّ، فذكره. أخرجه الطبرانيُّ أيضًا (3934). وهذا الرجل المبهم أظنُّه رافع بن إسحق. ***

باب النهى عن استدبار القبلة عند الحاجة

باب النَّهْىِ عَنِ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ 21 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا». ـــــــــــــــــــــــــــــ 21 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * محمد بنُ منصور هو ابنُ ثابت بن خالد الخزاعيّ أبو عبد الله الجوَّاز انفرد المصنِّفُ بالتخريج له من دون الجماعة، وقد وثقهُ المصنفُ والدارقطنيُّ، وابنُ حبان. وليس له شيخٌ في "السنن" كلها إلا سفيان بن عيينة. وقد وصفه المصنف بـ "المكّي" في بعض الواضع من "سننه" مثل (1/ 266 - 2/ 209، 216 - 3/ 5) وللمصنف شيخٌ آخر هو "محمد بن منصور بن داود الطوسي" يروى عن ابن عيينة أيضًا. ولم أجد المصنف رحمه الله ذكر هذه النسبة "الطوسي" لـ "محمد بن منصور" إلا في موضعين فقط وانظر (5/ 37، 245) وشيخه في الموضعين ليس ابن عيينة إنما الحسن بن موسى. ويعقوب بن إبراهيم فيظهر أن الذي أكثر عنه المصنف أو أهمل نسبته هو "المكى". والله أعلمُ فهذا من المواضع التي أشكلت عليَّ. ثمَّ بعد كتابة ما تقدم وقفت على كلام نفسٍ للحافظ المزيّ رحمه الله يُصوِّبُ ما ظهر لي. فقد سئل المزيّ عن "محمد بن منصور" الذي يروى عنه النسائي، فأجاب -كما في "طبقات الشافعية" (10/ 408) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لابن السبكى-: "وأمَّا محمد بن منصور الذي يروى عنه النسائيُّ ولا ينسبُهُ فهو "المكيُّ" لا "الطوسيّ" ...... وقد روى النسائيُّ عن الطوسيّ عن أبي المنذر إسماعيل بن عمر، والحسن بن موسى الأشيب ويعقوب بن إبراهيم بن سعد وتنسبه في عامة ذلك، قال: ولا أعلمه روى عن ابن عيينة شيئًا". فرحم الله الحافظ المزى، ما أوسع علمه. * سفيانُ، هو ابنُ عيينة. * عطاء بنُ يزيد، هو اللَّيثيُّ ثم الجندعىُّ، أبو محمدٍ، ويُقال: أبو زيد أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ. وثقهُ ابنُ المدينى، وابنُ سعد وزاد: "كثير الحديث"، وابنُ حبان. ... والحديثُ أخرجه البخاريُّ (1/ 245، 498 - فتح)، ومسلم (3/ 152 - 153 نووى)، وأبو عوانة (1/ 199)، وأبو داود (9)، والترمذيُّ (8)، وابنُ ماجة (318)، والدارميُّ (1/ 135)، وابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 57)، وابنُ حبان في "صحيحه" (ج 2 / رقم 1414)، والشافعى في "المسند" (ج 1/ رقم 63)، وفي "السنن المأثورة" (111 - رواية الطحاوي)، والحميديُّ (378)، وأبو إسحق الحربى في "الغريب" (2/ 638) وابن أبي شيبة (1/ 150)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 232)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ق 12/ 1)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج4 / رقم 3937، 3938، 3939، 3940، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 3941، 3942، 3943، 3944، 3945، 3946، 3947، 3948)، وابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 194)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 186)، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 304)، والبيهقيُّ (1/ 91)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 358)، والحازميُّ في "الاعتبار" (ص 71) من طرقٍ عن الزهريّ، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب فذكره. وقد رواه عن الزهريّ جماعة من أصحابه، منهم: "ابنُ عيينة، وابنُ أبي ذئب، وابن أخي الزهريّ، ويونس بن يزيد، ومعمر بن راشد، وعقيل بن خالد، وقرة بن خالد، وسليمان بن كثير، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والنعمان بن راشد، وعبد الرحمن بن إسحق، وسفيان بن حسين". قال الترمذيُّ: "حديثُ أبي أيوب أحسنُ شيءٍ في هذا الباب وأصحُّ". وللحديث طرق أخرى، عن أبي أيوب رضي الله عنه: 1 - عمر بن ثابت، عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 4 / رقم 3917)، والدارقطنيُّ (1/ 60)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 1189)، والخطيبُ في "تاريخه" (2/ 363) من طريق أبي المنذر إسماعيل بن عمر، نا ورقاء، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعًا: "لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائطٍ ولا بولٍ، ولكن شرقوا أو غربوا". قال شيخُنا في "الإِرواء" (1/ 99): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وسندُهُ صحيحٌ"! * قُلْتُ: سعد بنُ سعيد ضعَّفه أحمدُ وابنُ معينٍ في رواية ولينه النسائيُّ، وذكره ابنُ حبان في "الثقات" وقال: "يخطئ". وقال أبو حاتمٍ: "مؤدٍّ"! قال ابن أبي حاتم في تفسيرها: "يعني أنه كان لا يحفظ، ويؤدى ما سمع". ووثقه ابنُ سعد والعجليُّ، وقال ابنُ معينٍ في روايةٍ: "صالح" ومثل هذا يُحسَّنُ حديثه لأجل المتابعات. 2 - عبد الرحمن بن يزيد بن جارية، عن أبي أيوب. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 4 / رقم 3921)، والطحاويُّ (4/ 232) من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهريَّ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية، عن أبي أيوبٍ قال: "نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنْ نستقبل القبلة بغائطٍ أو بوِلٍ، فلما قدمنا الشام وجدنا مرافقهم مراحيض قد استقبل بها القبلة، فنحن ننحرف، ونستغفر الله". وسندُهُ صحيحٌ، ولكن قال أبو حاتم -كما في "العلل" (66) "هو خطأ" ولم يظهر لي وجه الخطأ، وفي السياق كلامٌ غير مفهوم، فلعلَّ هذا هو الذي حجب عني وجه الخطأ. والله أعلم. 3 - أبو الأحوص، عنه. ويأتي ذكرُهُ في الحديث القادم إنْ شاء الله. ***

باب الأمر باستقبال المشرق أو المغرب عند الحاجة

باب الأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ 22 - أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا غُنْدَرٌ قَالَ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَكِنْ لِيُشَرِّقْ أَوْ لِيُغَرِّبْ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 22 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ * يعقوبُ بنُ إبراهيم هو ابنُ كثير بن زيد، أبو يوسف الدورقيُّ أخرج له الجماعة. وروى عنه المصنف (110) حديثًا ووثقهُ هو وابنُ حبان والخطيب وقال أبو حاتمٍ: "صدوقٌ". * غُنْدرٌ، لقبٌ لمحمد بْنِ جعفر أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ نبيلٌ. وثقه الناسُ، وأثنوا عليه خيرًا. قال العيشيُّ: "إنَّما سمَّاهُ غندرًا بنُ جريجٍ، فقد كان يُكثرُ التَّشْغيب عليه، وأهلُ الحجاز يُسمُّون المُشغب غُنْدرًا". ... والحديث أخرجه أحمد (5/ 416، 417، 421)، وأبو عوانة (1/ 199)، وابنُ حبان (ج2 / رقم 1413، 1414) وابن المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 259)، والطبرانيُّ في "الكبير". (ج4 / رقم 3936،3935)، وفي "الأوسط" (ج2 / رقم 1365) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من طرق عن مَعْمَر، عن الزُّهْريّ، عن عطاء، عن أبي أيوب به. ورواه عن معمر: "عبدُ الرزاق، وروحُ بْنُ القاسم، ووهيبٌ". وخالفهم يزيدُ بنُ زريع، فرواه عن معمر، عن الزهريّ، عن أبي الأحوص، عن أبي أيوب مرفوعًا: "إذا أتى أحدُكُمُ الغائط فلا يستقبل القبلة". أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 4 / رقم 3975) قال: حدثنا عبد الله بنُ أحمد بن حنبلٍ، حدثني محمد بن أبي بكر المقدميّ، ثنا يزيد بن زريع به. فصار شيخُ الزهريّ فيه: "أبو الأحوص" بدل "عطاء بن يزيد". * قُلْتُ: وسندُهُ صحيحٌ، رجاله ثقات، ولكن المحفوظ أنه من رواية عطاء بن يزيد عن أبي أيوب. فيُحتمل أنْ يكون هذا من أوهام معمر؛ لأن يزيد بن زريع بصريٌّ، وقد تقدم أن معمرا لما قدم البصرة لزيارة أمه ما كان معن كتابٌ، فحدث من حفظه، فوقع للبصريين عنه أغاليط، ويُحتمل أن يكون للزهريّ فيه شيخان. والله أعلمُ. ... قال الترمذيُّ: "وفي الباب عن: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى، ومعقل ابن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، وأبى أمامة، وأبى هريرة، وسهل بن حنيف". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 1 - حديثُ عبدِ الله بْنِ الحارث بن جَزْءٍ، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ ماجه (317) وابنُ أبي شيبة (1/ 151)، وأحمدُ (4/ 190، 191)، وابنُ أبي عاصم في "الأوائل" (رقم 40)، وابنُ قُطلُوبُغا في "عوالي الليث بن سعد" (40) وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ق 12/ 1) والحازميُّ في "الاعتبار" (ص 73) من طرق عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ الزُّبيدى يقول: أنا أوَّلُ من سمع النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم يقول: "لا يبولنَّ أحدكم مستقبل القبلة" وأنا أوَّلُ من حدث الناس بذلك. قال البوصيريُّ في "الزوائد" (134/ 1): "هذا إسنادٌ صحيحٌ، وقد حكم بصحته: ابنُ حبان، والحاكمُ، وأبو ذرٍ الهرويُّ، وغيرُهم، ولا أعرفُ له علةً" (¬1) اهـ. وهو كما قال. وقد رواه عن اللَّيث جماعة من أصحابه، منهم: "شبابة بن سوار، ومحمد بنُ رمح، وحجاج بن محمد، وموسى بن طارق، ويونس بن محمدٍ". وخالفهم عبد الله بنُ صالح، كاتبُ اللَّيث، فرواه عن اللَّيث قال: حدثني سهل بن ثعلبة، عن عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ فذكره. أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 233). فجعل شيخ اللَّيث هو "سهل بن ثعلبة" بدل "يزيد بن أبي حبيب" ورواية الجماعة عن اللَّيث أرجح بلا ريب، وعبد الله بنُ صالح فيه ضعفٌ. = ¬

_ (¬1) وقال ابن يونس في "تاريخ مصر": "هو حديث معلولٌ" قال البدر العينى في "العمدة" (2/ 277): "ولا التفات إلى قوله هذا، فإن ابن حبان قد صححه".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد توبع اللَّيثُ بنُ سعد. تابعه عبد الحميد بن جعفر، حدثني يزيد بن أبي حبيب به. أخرجه أحمدُ (4/ 190)، وعبدُ بنُ حميدٍ في "مسنده" (487)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 232) من طريق الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر. وتابعه عمرو بن الحارث، وابنُ لهيعة، عن يزيد به. أخرجه الطحاويُّ من طريق ابنُ وهب عن الليث مقرونا بهما. وقد خالفهم جميعًا ابن لهيعة، فرواه عن يزيد بن أبي حبيب، عن جبلة بن رافعٍ، عن عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ به. فجعل بين "يزيد" و"عبد الله بن الحارث": "جبلة بن رافعٍ". أخرجه الطحاويُّ (4/ 233) من طريق ابن أبي مريم، ثنا ابنُ لهيعة به والصوابُ أن يزيد بن أبي حبيب يرويه عن عبد الله بن الحارث بلا واسطة، وهذا من سوء حفظ ابن لهيعة. رحمه الله، لا سيما وسعيد بن أبي مريم ممن سمع منه بعد احتراق كتبه. وقد تقدمت رواية عبد الله بن وهبٍ عن ابن لهيعة وقد وافق فيها الجماعة. وهذه الرواية أولى لكون ابن وهب ممن سمع من ابن لهيعة قديمًا. وقد توبع يزيدُ بنُ أبي حبيبٍ. تابعه اثنان ممن وقفت عليهما: 1 - عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن الحارث. أخرجه أحمد (4/ 191) حدثنا يحيى بنُ إسحق، ثنا ابنُ لهيعة، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن الحارث فذكره. * قُلْتُ: وهذا سندٌ حسنٌ في المتابعات. ويحيى بن إسحق كان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من قدماء أصحاب ابن لهيعة، وعبد الله بن المغيرة مجهول الحال، لم يوثقه سوى ابن حبان. وقد اختلف على ابن لهيعة فيه. فرواه حسن بن موسى، عنه، ثنا سليمان بن زياد، أنه سمع عبد الله ابن الحارث بن جَزْءٍ .... فذكره. أخرجه أحمد (4/ 190). والروايةُ الأولى أولى؛ لأن حسن بن موسى الأشيب متأخر السماع من ابن لهيعة. واللهُ أعلمُ. 2 - سليمانُ بنُ زياد الحضرميُّ، قال: "دخلنا على عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ الزُّبيدى في يوم جُمُعةٍ، فدعا بطستٍ، وقال للجارية: استرينى، فسترته، فبال فيه، ثم قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهى أن يبول أحدكم مستقبل القبلة". أخرجه ابنُ حبان (133) من طريق غوث بن سليمان بن زياد، عن أبيه سليمان بن زياد به. وسندُهُ صحيحٌ. فأمَّا غوث، فقال ابنُ معين: "لم يكن به بأسٌ". ذكره ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح والتعديل" (3/ 2/ 57 - 58) وأبوه سليمان: فوثقه ابنُ معين، ويعقوب بن سفيان، وابنُ حبان وقال النسائيُّ في "الجرح والتعديل": "ليس به بأس". وتابع غوث بن سليمان عليه عرابي بن معاوية. أخرجه الخطيبُ في "التاريخ" (4/ 192 - 193) من طريق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عرابى بن معاوية (¬1) الحضرميِّ، عن سليمان بن زيادٍ الحضرميّ عن عبد الله بن الحارث بن جزء (¬2)، كان يرسلُ إليَّ فأمسكُ عليه المصحف، وهو يقرأ؛ وكان أعمى؛ فعرض له حقن من بولٍ، فدعا جارية له، فجعل بيننا وبينه ثوبًا، ثمَّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "لا يتغوط أحدكم لبوله، ولا لغيره مستقبل القبلة، ولا مستدبرها، شرِّقوا أو غرِّبُوا". * قُلْتُ: وعرابى بن معاوية ترجمه ابنُ أبي حاتم في "الجرح" (3/ 2/ 45) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ... 2 - حديث معقل بن أبي الهيثم، رضي اللهُ عنه. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "المصنف" (1/ 150، 151)، وأبو داود (10)، وابنُ ماجه (319)، والطحاويُ في "شرح المعاني" (4/ 233)، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 304)، والخطيبُ في "الموضح" (2/ 411 - 412)، والحازميُّ في "الاعتبار" (73 - 74)، والبيهقيُّ (1/ 91)، من طرق عن عمرو بن يحيى المازنى، ثنا أبو زيد مولى الثعلبيين، عن معقل بن أبي معقل الأسديّ قال: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم أن نستقبل القبلتين بغائطٍ أو بولٍ". وقد رواه عن عمرو بن يحيى المازني جماعةٌ، منهم: = ¬

_ (¬1) وقع في "التاريخ": "ابن أبي معاوية" وهو خطأ. والصواب ما ذكرتُه. (¬2) وقع في "التاريخ": " .. عن عبد الله الحارثي أن ابن جزء الزبيدى قال .... " وهو خطأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "سليمانُ بْنُ بلال، والدارميُّ، وداودُ العطار، وعبد العزيزُ بْنُ المختار، ووهيب بن خالد.". وقد اختلف الرواة في تسمية الصحابي هل هو: "معقل بن أبي معقل" أو "معقل بن أبي الهيثم" وكلاهما واحدٌ. وقد ذكر هذ الاختلاف الدارقطنيُّ في "العلل". (ج5/ ق12/ 1 - 2). قال الحافظ في "الفتح" (1/ 246): "حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ فيه راويًا مجهولًا". * قُلْتُ: هو أبو زيد مولى الثعلبيين. فقد قال ابنُ المدينى: "ليس بالمعروف". أما قولُ النووي في "المجموع" (2/ 80): "إسنادُهُ جيدٌ، ولم يُضعِّفْهُ أبو داود" فمردود بما سبق من التحقيق. ... 3 - حديث أبي هريرة، رضي اللهُ عنه. * قُلْتُ: يأتي تخريجه إن شاء الله تعالى برقم (40). ... 4 - حديثُ سهل بن حنيفٍ، - رضي الله عنه -. أخرجه أحمد (3/ 487) حدثنا روح وعبد الرزاق، قالا: أنا ابنُ جريجٍ، قال: حدثني عبد الكريم بنُ أبي المخارق، أن الوليد بن مالك بن عبد القيس أخبره -وقال عبد الرزاق: "من عبد القيس" أن محمد بن قيس مولى سهل بن حنيفٍ -من بني ساعدة- أخبره =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أنَّ سهلًا أخبره أن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثه، قال: "أنت رسولي إلى أهل مكة، قل: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرسلنى يقرأ عليكم السَّلام، ويأمركم بثلاثٍ: لا تحلفوا بغير الله، وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولا تستنجوا بعظم ولا ببعرةٍ". وأخرجه الدارميُّ (1/ 135) والحاكم (3/ 412) من طريق ابن جريج عن عبد الكريم به. واقتصر الدَّارميُّ على الفقرة الثانية، والتي هى محلُّ الشاهد. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ، كما قال الهيثميُّ في "المجمع". (1/ 205، 4/ 177). وعبد الكريم بن أبي المخارق ضعيفٌ. والوليد بن مالك، ترجمه البخاريُّ في "الكبير" (4/ 2 / 152)، وابن أبي حاتمٍ في "الجرح" (4/ 2/ 17 - 18) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا وذكره ابنُ حبان في "الثقات" (7/ 552) على عادته. ولم يعبأ الحسينى بذلك، ففي "التعجيل" (1155): "مجهولٌ غير مشهور". ومحمد بن قيس، كذلك، قال فيه الحسينى (969): "ليس بمشهور". 5 - حديث أبي أمامة، رضي الله عنه. * قُلْتُ: لم أقف عليه. ... وفي الباب غير ما ذكر الترمذيُّ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 6 - حديث سهل بن سعد، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 6/ رقم 5735)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (3/ 103 - 104) من طريقين عن الواقديّ، ثنا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، عن العباس بن سهلٍ، عن أبيه مرفوعًا: "إذا ذهب أحدكم إلى الخلاء، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها". قال العقيليُّ: "عبد الحكيم بن عبد الله، عن عباس بن سهلٍ، لا يتابع عليه، ولا يُعرفُ إلا بالواقديّ .... وفي هذا الباب عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحاديث ثابتةٌ من غير هذا الوجه". * قُلْتُ: أما عبد الحكيم، فقال الدارقطنيُّ: "مُقِلٌّ، يُعْتَبَرُ به". ولخص الذهبيُّ عبارته، فقال: "صويلح". لكن علَّةُ الحديث هى الواقديّ. واسمه محمد بن عمر فهو تالف. قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 205): "فيه الواقديُّ، وهو ضعيفٌ"!! وهذا تساهلٌ منه بلا ريب، فقد كذَّبه جماعة من النُّقاد. بل قال الهيثميُّ في موضعٍ آخر (3/ 155): "ضعيفٌ وقد وثق"! وقد أفضتُ في بيان حال الواقدى، في كتابي: "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة" (رقم163) وهو مطبوعٌ والحمد لله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 7 - حديثُ أسامةُ بْنُ زيد، رضي الله عنه. أخرجه أبو يعلى في "مسنده"، وعنه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (4/ 1483) من طريق عبد الكبير بن عبد المجيد، ثنا عبد الله بنُ نافعٍ عن أبيه، عن أسامة بن زيدٍ أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "نهى أن تستقبل القبلة بغائطٍ، أو بولٍ". * قُلْتُ: وعبد الله بنُ نافعٍ أجمعوا على تضعيفه. وقد اختلف عليه في إسناده. فرواه عبد الكبير بنُ عبد المجيد، وأبو بكر الحنفيُّ كما تقدم. ورواه ابنُ أبي فديك، عنه، عن أبيه نافعٍ أن عبد الله بن عمرو العجلاني حدث عبد الله بن عمر، عن أبيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يستقبل القبلتين في الغائط والبول". أخرجه يعقوب بنُ سفيان في "المعرفة" (1/ 329)، والطبرانيُّ في "الكبير" (7/ 12)، وابنُ السكن -كما في "الغوامض" (ص 685 - 686) لابن بشكوال-، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (4/ 1483) من طرقٍ عن ابن أبي فديك به. قال ابْنُ السَّكنِ عقبه: "لم يرو عمرو هذا عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير هذا الحديث، وهو مما ينفرد به عبد الله بنُ نافعٍ" اهـ. * قُلْتُ: وقد عرفت حاله، وهذا الاضطرابُ منه. والله أعلمُ. ... 8 - حديثُ رجلٍ من الأنصار، عن أبيه. أخرجه مالك (1/ 193/ 2) عن نافعٍ، عن رجلٍ من الأنصار، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أنْ تستقبل القبلة لغائطٍ أو بولٍ. * قُلْتُ: هكذا رواه يحيى بنُ يحيى عن مالك. وخالفه ابنُ وهبٍ، فرواه عن مالك، عن نافعٍ، عن رجلٍ من الأنصار، عن أبيه ..... فذكره. فزاد في السند "عن أبيه". أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 232). ووافقه الشافعيُّ، فرواه عن مالك به فزاد في السند "عن أبيه" أخرجه الشافعيُّ في "السنن المأثورة " (113 - رواية الطحاوي)، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (6/ 126) وقال: "وهو الصوابُ إنْ شاء الله". ***

باب الرخصة فى ذلك فى البيوت

باب الرُّخْصَةِ فِى ذَلِكَ فِى الْبُيُوتِ 23 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَقَدِ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 23 - إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. * يحيى بنُ سعيدٍ، هو الأنصاريُّ. أخرج حديثه الجماعة، وهو ثقة متفقٌ على جلالته وإتقانه. قال سعيد بنُ عبد الرحمن الجمحيُّ: "ما رأيتُ أقربَ شبهًا بالزهريِّ، من يحيى بن سعيد، ولولاهما لذهب كثيرٌ من السنن". * محمدُ بْنُ يحيى بن حبان، هو ابن منقذ بن عمرو، أبو عبد الله المدنيُّ الفقيهُ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ. وثقهُ ابنُ معين، وأبو حاتم، والمصنِّفُ، وابنُ حبَّان. * عمُّهُ: واسع بن حبان بن منقذ. وثقه أبو زرعة، والعجليُّ (1925)، وابنُ حبَّان (5/ 498). قال البغويُّ في "معجم الصحابة": "في صحبته مقالٌ" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والحديثُ أخرجه البخاريُّ (1/ 246 - 247 فتح)، والشافعيُّ في "السند" (ج1/ رقم 56) وفي "السنن المأثورة" (114 - رواية الطحاوي)، وأبو داود (12)، وابنُ حبان (ج2/ رقم 1418)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 233 - 234)، والبيهقيُّ (1/ 92) والحازميُّ في "الاعتبار" (ص 76)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 360) كلُّهُمْ من طريق مالكٍ، وهذا في "موطئه" (1/ 193 - 194/ 3)، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر. وقد رواه عن مالكٍ جماعةٌ من أعيان أصحابه منهم: "الشافعيُّ، وابنُّ وهب، والقعنبيُّ، وقتيبةُ بنُ سعيدٍ، وأبو مصعب أحمد بن أبي بكر، ويحيى بنُ يحيى، وعبد الله بن يوسف". وتوبع مالك عليه. تابعه جماعةٌ عليه، منهم: 1 - يزيدُ بنُ هارون، عن يحيى بن سعيد الأنصارى به. أخرجه البخاريُّ (1/ 250 - فتح)، وابنُ ماجه (322)، والدَّارميُّ (1/ 136)، وأحمدُ (2/ 41) وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج1/ رقم 262)، وأبو يعلى في "مسنده" (295 - زوائده)، بزيادةٍ في أوله، والحاكم في "علوم الحديث" (163)، والبيهقيُّ (1/ 92). 20 - سليمانُ بنُ بلالٍ، عن يحيى. أخرجه مسلمٌ (3/ 153)، وأبو عوانة (1/ 201). 3 - الأوزاعيُّ، عن يحيى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ ماجه (322). 4 - هشيمُ بن بشير، عن يحيى. أخرجه ابنُ خزيمة (ج1/ رقم 59)، والطحاويُّ (4/ 234)، والدَّارقطنيُّ (1/ 61)، وابنُ عبد البر (1/ 306)، والبغويُّ (1/ 361). 5 - حفص بن غياث، عن يحيى. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "المصنَّف" (1/ 151). 6 - عبد الوهاب الثقفي، عن يحيى. أخرجه ابنُ خزيمة (ج1/ رقم 59). 7 - أنس بنُ عياض، عن يحيى. أخرجه ابن عوانة (1/ 201). وأخشى أن يكون وقع سقطٌ في السند، فإني لم أقف على ما يثبت رواية أنس بن عياض، عن يحيى بن سعيد الأنصاريّ. والله أعلمُ. وقد توبع يحيى بنُ سعيد الأنصاريّ. تابعه ثلاثة ممن وقفت عليهم: 1 - عبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى. أخرجه البخاريُّ (1/ 250 و 6/ 210 فتح)، ومسلم (3/ 153 - نووي)، وأبو عوانة (1/ 200 - 201)، والترمذيُّ (11)، وأحمدُ (2/ 12، 13)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 59)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (30)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 12 / رقم 13312)، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 306)، والبغويُّ في "شرح السُّنَّةَ" (1/ 359، 361). وقد رواه عن عبيد الله جماعةٌ، منهم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "أنسُ بْنُ عياض، ويحيى القطان، وعبد الرزاق، وعبدةُ بْنُ سليمان، ومحمد بْنُ بشر العبدى، وعقبةُ بْنُ خالد". 2 - ابنُ عجلان، عن محمد بن يحيى. أخرجه ابنُ خزيمة (ج1/ رقم 59)، وابنُ عبد البر (1/ 306). 3 - إسماعيل بن أمية، عن محمد بن يحيى. أخرجه ابنُ خزيمة، وابنُ حبان (ج 2/ رقم 1415)، والطحاويُّ (4/ 234)، والمحامليُّ في "الأمالى" (ق 3) وعنه الخطيبُ في "التلخيص" (178/ 1) من طريق وهيبٍ، عن إسماعيل بن أمية، ويحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمر، ثلاثتهم عن محمد بن يحيى بن حبان به. وقد رواه نافعٌ، عن ابن عمر بنحوه. أخرجه أحمدُ (2/ 99)، والطرسوسي في "مسند ابن عمر" (رقم 64) من طريقين عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن نافعٍ به. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ لأجل أيوب بن عتبة. فقد ضعَّفه أحمدُ، وابن معين في رواية، والمصنِّفُ، ومسلمٌ، وعلى ابن المدينى في آخرين. ووثقه أحمدُ في غير حديث يحيى بن أبي كثير. وفي "الجرح والتعديل" (1/ 1/ 253) عن أحمد قال: "مضطربُ الحديث عن يحيى بن أبي كثير". وهذا الحديث من روايته عنه. ... ثمَّ اعلم -وفقني الله وإياك"- أنَّ المذهب الراجح هو عدم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = استقبال القبلة أو استدبارها سواء في الصحراء أو في البنيان لقوة الأدلة المانعة، وقد فصَّلْتُ ذلك في "النافلة" (285) فارجع إليه هناك. غير أنني رأيتُ -ختامًا لهذا الباب- أن أحقق بعض الأحاديث التي تجيز استقبال القبلة، مع الجواب عن معنى الثابت منها. والله تعالى المستعان. 1 - حديث جابر بن عبد الله الأنصارى، رضي الله عنهما. أخرجه أبو داود (13)، والترمذيُّ (9)، وابنُ ماجه (325) وأحمد (3/ 360)، وابنُ خزيمة (1/ 34)، وابنُ حبان (134)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (31)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 234)، والدارقطنيُّ (1/ 58 - 59)، والحاكمُ (1/ 154) وابنُ شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ق 12/ 2)، والحازميُّ في "الاعتبار" (ص- 75)، والبيهقيُّ (1/ 92) من طريق محمد بن إسحق، عن أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ، عن جابر بن عبد الله، قال: "نهى نبيُّ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نستقبل القبلة ببولٍ، فرأيتُهُ قبل أن يقبض بعامٍ يستقبلها". قال الترمذيُّ: "حديث حسنٌ غريبٌ". وكذا حسَّنه البزَّارُ -كما في "التلخيص" (1/ 104) -، والنوويُّ في "شرح مسلم" (3/ 155)، وفي "المجموع" (2/ 82). وذكر الحافظ في "التلخيص" أن النووي توقف فيه، لعنعنة ابن إسحق. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وقد صرَّح ابن إسحق بالتحديث عند أحمد، وابن حبان، وابن الجارود، والدارقطني، والحاكم، ولعلَّ النووي اطلع على ذلك بعدُ، فحسَنَّهَ. والله أعلم. وصححه البخاريُّ فيما نقله الترمذي، وابنُ السكن. وقال الحاكمُ: "صحيحٌ على شرط مسلمٍ" ووافقه الذهبيُّ!! وليس كما قالا، فإن ابن إسحق ليس من شرط مسلمٍ كما سبق التنبيه عليه في هذا الكتاب. وإنما هو حسنٌ فقط لأجل ابن إسحق وقد ضعَّفه بعضُهُمْ. قال ابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 198): "وأمَّا حديثُ جابرٍ، فإنه من رواية أبان بن صالحٍ، وليس بالمشهور". وقال ابنُ عبد البرِّ في "التمهيد" (1/ 312): "وليس حديثُ جابرٍ بصحيحٍ عنه، فيُعرَّجُ عليه. لأنَّ أبان بن صالحٍ الذي يرويه، ضعيفٌ". وقال ابن مفوز: "وأمَّا الحديث فإنه انفرد به مُحمَّدُ بْنُ إسحق، وليس هو ممن يُحتجُّ به في الأحكام، فكيف أن يعارض بحديثه الأحاديث الصحاح، أو ينسخ به السنن الثابتة؟! " اهـ. * قُلْتُ: أمَّا قولُ ابن حزم وابن عبد البر، فمردودٌ، ولعله نتيجة ذهولٍ منهما. فأبان بن صالح وثقهُ ابنُ معين، وأبو حاتم، وأبو زُرْعة، والعجليُّ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ويعقوبُ بنُ شيبة، وابنُ حبان. وقال النسائيُّ: "لا بأس به". وقد نكت عليهما الحافظ في "التهذيب" فقال: "وهذه غفلةٌ منهما، وخطأ تواردا عليه، فلم يُضعِّفْ أبان هذا أحدٌ قبلهما" اهـ. وكذلك أخطأ شمس الحق آبادى فيه، فقال في "عون المعبود" (11/ 362) تحت حديث: "لا مهديَّ إلا عيسى ..... ": "والحديث ضعَّفه البيهقيُّ والحاكمُ وفيه أبان بن صالح، وهو متروك"!! والغريب أن ينقله صاحبُ "تحفة الأحوذيّ" (6/ 484) ويقرُّهُ عليهِ!! وغالبُ ظنى أنهما أرادا: "أبان بن أبي عياش" فانقلب عليهما، والله أعلمُ. * قُلْتُ: وهذا الحديث مع ثبوته لا يعارض حديث أبي أيوب الأنصاري في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها. وقد أجاب العلماء بأجوبةٍ منها: 1 - أن هذه حكاية فعل لا عموم لها، ولا يُعلم هل كان في فضاءٍ أو بنيان؟ وهل كان لعذْرٍ من ضيق مكان ونحوه، أو اختيارًا؟ فلا يقدَّمُ على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع. 2 - أنَّ حديث ابن عمر وحديث جابر ليس فيهما إلا مجرد الفعل، وهو لا يعارض القول الخاص بالأمة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وفي المسألة بسط، ذكرتُهُ في "النافلة" والحمد لله. ... 2 - حديثُ عائشة، رضي الله عنها. أخرجه ابنُ ماجه (324) وابنُ أبي شيبة (1/ 151)، والبخاريُّ في "الكبير" (2/ 1/ 143)، وأحمدُ (6/ 137، 219)، والطيالسيُّ (1541)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 234)، والدَّارقطنيُّ (1/ 59/ 60)، وكذا ابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 310 - 311) وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج1/ رقم 261)، وابنُ شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ق 12/ 2)، والحازميُّ في "الاعتبار" (ص- 76) من طرق عن حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عراك بن مالك، عن عائشة، قالت: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قومٌ يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: "أراهم قد فعلوها؟! استقبلوا بمقعدتي القبلة". وتابعه هشيم بن بشير، عن خالد الحذاء به. أخرجه ابن شاهين (ق 12/ 2). * قُلْتُ: وهذا حديث منكرٌ، كما قال الذهبيُّ في "الميزان" في ترجمة "خالد بن أبي الصلت". وحكم عليه بالنكارة أيضًا شيخُنا الألبانيُّ -حفظه الله تعالى- في "الضعيفة" (947) في بحثٍ قويٍّ ممتعٍ وأعلَّه بستِّ عللٍ، فانظرها لزامًا. ... 3 - حديثُ ابن عمر، رضي الله عنهما. أخرجه أبو داود (11)، وابن خزيمة (1/ 35)، وابنُ الجارود (32)، والدَّارقطنيُّ (1/ 58)، والحاكم (1/ 154)، وابنُ شاهين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في "الناسخ والمنسوخ " (ق 12/ 2)، والبيهقيُّ (1/ 92)، والحازميُّ في "الاعتبار" (ص- 77) من طريق الحسن بن ذكوان، عن مروان الأصفر، قال: رأيتُ ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثمَّ جلس يبول إليها. فقلْتُ: يا أبا عبد الرَّحمن! أليس قد نُهى عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شىءٌ يستُرُك، فلا بأس". قال الدَّارقطنيُّ: "هذا صحيحٌ، كلُّهُمْ ثقات"! وقال الحاكمُ: "صحيحٌ على شرط البخاريِّ" (¬1) ووافقه الذَّهبيُّ!! وقال الحازميُّ: "حديث حَسَنٌ". * قُلْتُ: أمَّا قول الحاكم فمتعقّبٌ من أوجه: * الأول: أنَّ الحسن بن ذكوان فيه ضعفٌ. ضعَّفه أحمدُ، وابنُ معين، وأبو حاتم، والنسائيُّ، وغيرُهُمْ. ووثقه ابنُ حبان، وقال ابنُ عديٍّ: "أرجو أنه لا بأس به". وقال ابنُ معينٍ: "كان قدريًّا". فقال الساجي: = ¬

_ (¬1) نقل البدر العينى في "العمدة" (2/ 278) أن الحاكم قال: "على شرط مسلم" وردَّه بقوله: "غير صحيح لأن أبان راويه لم يخرج له مسلم شيئًا" كذا، وفي "المستدرك" ما ذكرتُهُ أنا. فالله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "إنما ضعّفه لمذهبه". * قُلْتُ: إن كان كذلك، فهو غير قادحٍ على المذهب الراجح، ولكن يظهر أن ابن معين لم يضعفه للمذهب، فقد قال فيه: "صاحبُ الأوابد، منكر الحديث" وقوله: "صاحبُ الأوابد" جارٍ مجرى التعريف له، لا أنه منكرُ الحديث بسبب أوابده. فتأمَّلْ. * الثانى: أنَّ البخاريَّ لم يحتج بالحسن، إنما أخرج له حديثًا واحدًا متابعةً في "كتاب الرقاق" (11/ 418) من طريق يحيى القطان، عنه، عن أبي رجاء العطارديّ. قال الحافظُ في "الفتح" (11/ 441): "والحسن بن ذكوان تكلم فيه أحمدُ وابن معين وغيرهُما، ولكن ليس له في البخاريّ سوى هذ الحديث من رواية يحيى القطان عنه، مع تعنته في الرجال، ومع ذلك فهو متابعةً" اهـ. * الثالث: أنَّ الحسن بن ذكوان كان مدلسًا، وقد عنعن الحديث. قال الأثرمُ: "قلتُ لأبي عبد الله -يعني: الإِمام أحمد- ما تقولُ في الحسن ابن ذكوان؟ قال: أحاديثُهُ بواطلٌ! يروى عن حبيب بن أبي ثابتٍ ولم يسمع من حبيبٍ، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطي". وكذلك قال أبو داود. وأورد له ابنُ عديٍّ في "الكامل" (5/ 1776) في ترجمة "عمرو بن خالد" حديثين عن حبيب بن أبي ثابتٍ، فأسقط الحسن عمرو من الوسط وعمرو هذا كذَّابٌ كان يضع الحديث، فتدليسه قبيحٌ جدًّا فلستُ أدرى لأيّ شيءٍ قال الدَّارقطنيُّ: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = " ..... كلُّهُمْ ثقات"! مع أنه صرّح في "العلل" (ج 1/ق 76/ 2) بأنه "ضعيفٌ" عند إعلاله لحديث: "إنَّ لله مائة خلق ..... ". وقد توسط الحازميُّ فحسنه. وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 247): "سندٌ لا بأس به"! كذا قال! والسندُ عندي ضعيفٌ لما قدمتُ. والله أعلمُ. وقال شيخُنا في "الإِرواء" (1/ 100): "حسنُ الإسناد". والكلام كلَّه إنما يدور حول الحسن بن ذكوان، مع أنه ضعَّفه في "الضعيفة" (936)، وقال هناك: "الحسنُ بنُ ذكوان، مختلفٌ فيه أيضًا، وقد ضعَّفه الجمهور. وقال أحمدُ: "أحاديثُهُ بواطيل" ....... وقال ابنُ حجرٍ في "التقريب": صدوقٌ يخطئ، وكان يدلسُ، وقد عنعن" اهـ. * قُلْتُ: فمثله لا يُحسَّنُ حديثه منفردًا، إنما في المتابعات ولم أقف على من تابعه. والله أعلم. نعم! أخرج ابنُ ماجة (323)، والدَّارقطنيُّ (1/ 61)، والحكيمُ الترمذيُّ في "المنهيات" (ص- 12)، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 309)، والبيهقيُّ (1/ 93)، والحازميُّ في "الاعتبار" (ص 78) من طريق عيسى الخياط، قال: "قلتُ للشعبيِّ: أنا أعجبُ من اختلاف أبي هريرة وابن عمر. قال نافعٌ، عن ابن عمر: دخلت =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بيت حفصة، فحانت مني التفاتةٌ فرأيتُ كنيف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مستقبل القبلة. وقال أبو هريرة: إذا أتى أحدُكُمُ الغائط، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. قال الشعبيُّ: صدقا جميعًا، أما قول أبي هريرة، فهو في الصحراء. إنَّ لله عبادًا ملائكة وجن يصلون، فلا يستقبلهم أحدٌ ببول ولا غائط، ولا يستدبرهم. وأما كُنُفهم هذه، فإنما هو بيتٌ يُبنى لا قبلة فيه". قال الدَّارقطنيُّ: "عيسى بن أبي عيسى الحناط، وهو عيسى بن ميسرة، ضعيفٌ". ممن قُلْتُ: وتركه مرةً، وكذلك النسائيُّ وغيْرُهُ. والحديث ضعَّفه البوصيريُّ في "الزوائد" (136/ 1) وعزاه لابن عدي في "الكامل"، وكذلك رواه البيهقيُّ من طريقه، ولكنى لم أجده في ترجمة "عيسى" من "الكامل". فالله أعلم. ثمَّ لو صحَّ لم يكن فيه حجةٌ، لأنه فهم من الشعبى وفَّق به بين القولين، مع أنه لا تعارض عندنا بين الدليلين على نحو ما قدمنا ولبسط القول موضعٌ آخر. والله الموفق. ... 4 - حديث أبي قتادة، رضي الله عنه. أخرجه الترمذيُّ (10)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 1/ رقم 174)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 234) من طريقين عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، عن أبي قتادة، أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبول مستقبل القبلة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الترمذيُّ: "وابنُ لهيعة ضعيفٌ عند أهل الحديث ضعَّفه يحيى القطان وغيره. من قبل حفظه". قال الطبرانيُّ: "لا يروى عن أبي قتادة إلا بهذا الإِسناد، تفرد به ابنُ لهيعة". * قُلْتُ: وابنُ لهيعة ضعيفُ الحفظ. وقد رواه عنه قتيبة أسدُ بنُ موسى وسعيد بن أبي مريم، وهم ليسوا من قدماء أصحابه. ثمَّ أبو الزبير، مدلسٌ وقد عنعنه. والله أعلمُ. ولذلك قال ابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 312): "هو حديثٌ لا يُحتجُّ بمثله". ... 5 - حديثُ عمار بن ياسر، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" -كما في "المجمع" (1/ 206) -، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (2/ 560) من طريق جعفر بن الزبير، عن القاسم الشاميّ، عن عمار قال: "رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد النهى يستقبل القبلة ويستدبرها". * قُلْتُ: وهذا حديث باطلٌ. وجعفر بن الزبير كذَّبه شعبةُ. وقال ابنُ معينٍ: "ليس بثقةٍ". وقال البخاريُّ: "تركوهُ".

باب النهى عن مس الذكر باليمين عند الحاجة

باب النَّهْىِ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْحَاجَةِ 24 - أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ دُرُسْتَ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ - وَهُوَ الْقَنَّادُ - قَالَ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى قَتَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَأْخُذْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 24 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ بِمَا بَعْدَهُ. * يحيى بْنُ دُرُست أبو زكريا البصريُّ. أخرج له الترمذيُّ، وابنُ ماجة. وثقهُ المصنِّفُ، وروى عنه (16) حديثًا. * أبو إسماعيل القناد، اسمه إبراهيم بن عبد الملك. أخرج له الترمذيُّ أيضًا. وثقه ابنُ حبان وقال: "يخطيء". وقال المصنِّفُ: "لا بأس به". وضعَّفه ابنُ معين، والساجي، والعقيليُّ ولكنه لم يتفرد بالحديث، فقد توبع. وتأتى المتابعةُ في الحديث القادم إنْ شاء الله. * يحيى بن أبي كثير، أبو نصر اليماميُّ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرج له الجماعةُ. وهو ثقة ثبتٌ، لكنه كان يرسلُ ويدلسُ. ومن غُرر كلامه: "لا يُسْتَطَاعُ العِلْمُ براحة الجسد". أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" (1/ 428) مع أنه ليس من موضوع كتابه. قال النوويُّ في "شرح مسلم" (5/ 113): "جرت عادة الفضلاء بالسؤال عن إدخال هذه الحكاية عن يحيى مع أنه لا يذكرُ في كتابه إلا أحاديث النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم محضةً مع أنَّ هذه الحكاية لا تتعلق بأحاديث مواقيت الصلاة، فكيف أدخلها بينها؟! وحكى القاضى عياض رحمه الله عن بعض الأئمة أنه قال: سببه أن مسلمًا رحمه الله تعالى أعجبه حسنُ سياق هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبد الله بن عمر، وكثرة فوائدها، وتلخيص مقاصدها، وما اشتملت عليه من الفوائد في الأحكام وغيرها، ولا نعلمُ أحدًا شاركه فيها. فلما رأى ذلك أراد أن يُنبِّه من رغب في تحصيل الرتبة التي يُنال بها معرفة مثل هذا، فقال: طريقُهُ أن يكثر اشتغاله، وإتعابُه جسمَهُ في الاعتناء بتحصيل العلم" اهـ. وهو توجيه جيدٌ قويٌّ. رحمه الله. * عبد الله بن أبي قتادة هو الأنصاريُّ السلميُّ. أخرج له الجماعة. ووثقه المصنِّفُ، وابنُ سعدٍ، وابنُ حبَّان. ... والحديثُ أخرجه البخاريُّ (1/ 253، 254 و 10/ 92 فتح)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومسلمٌ (3/ 159 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 220)، وأبو داود (31)، والترمذيُّ (15)، وابنُ ماجة (310)، والدَّارميُّ (1/ 137 - 138)، وأحمدُ (4/ 383 و 5/ 295، 296، 300، 309، 310، 311)، والحميديُّ (428)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 78، 79)، وابنُ حبان (ج2 / رقم 431 وج 7 / رقم 5304) وابنُ المنذرى في "الأوسط" (ج 1/ رقم 289، 324)، وتمام الرازي في "الفوائد" (رقم 149)، والخطيب في "التلخيص" (612/ 2)، والبيهقيُّ في "السنن" (1/ 112 و 7/ 283 - 284) وفي "الآداب" (رقم 675)، وكذا البغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 367 و 11/ 371) من طرقٍ عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه. قال الترمذيُّ: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وصرّح يحيى بن أبي كثير بالتحديث، فانتفى تدليسه. وقد رواه عن يحيى خَلْقٌ من أصحابه، منهم: "الأوزاعى، وهشام الدستوائي، وشيبان، ومعمر، ووكيع، وأيوب السختيانى، والحجاج بن أبي عثمان، وحربُ بْنُ شداد، وأبان بن يزيد العطار". ... قال الترمذيُّ: "وفي الباب عن: عائشة، وسلمان، وأبي هريرة، وسهل بن حنيف". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1 - حديثُ عائشة، رضى الله عنها. يأتي تخريجه برقم (112). 2 - حديث سلمان، رضي الله عنه. يأتي تخريجه برقم (41). 3 - حديث أبي هريرة، رضي الله عنه. يأتي برقم (40). 4 - حديث سهل بن حنيف، رضي الله عنه. قال المباركفورى في "التحفة" (1/ 78): "لم أقف عليه". * قُلْتُ: وكذلك ما وقفتُ عليه بعد البحث والتتبُع. فالله أعلمُ. وفي الباب أيضًا: 5 - حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه. أخرجه البزار (ج1/ رقم 240) من طريق مسدد، ثنا حصين بن نمير، ثنا سفيان بن حسين، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قال رجلٌ من المشركين لعبد الله: إلى لأحسبُ أن صاحبكم علمكم كل شىءٍ، حتى علمكم كيف تأتون الخلاء! قال: إن كنت مستهزئًا فقد علمنا أن لا نستقبل القبلة بفروجنا، وأحسبه قال: ولا نستنجى بأيماننا، ولا نستنجى بالرجيع، ولا نستنجى بالعظم، ولا نستنجى بدون ثلاثة أحجار". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال البزَّارُ: "لا نعلم رواه عن الحكم إلا سفيان، ولا عن حصين إلا مسدد، وإنما يُعرف من حديث عبد الرحمن عن سلمان. ورواه منصور عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن رجلٍ من الصحابة". وقال الهيثميُّ (1/ 205): "رجاله موثقون". وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في الحديث (41). ***

25 - أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى - هُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 25 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ * هنَّادُ بنُ السَّريّ هو ابنُ مصعب، أبو السريِّ الكوفيُّ .. أخرج له الجماعة إلا البخاريَّ، في "خلق الأفعال". وثقه المصنِّفُ، وروى عنه (74) حديثًا. وقال أبو حاتمٍ: "صدوق". وأثنى عليه أحمد. قال قتيبةُ بنُ سعيد: "ما رأيتُ وكيعًا يُعظِّمُ أحدًا، تعظيمه لهنَّادٍ". * وكيع بنُ الجراح الرؤاسى، الإِمام، العلمُ، المفرد. أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ نبيلٌ، جبل. قال ابنُ معينٍ: "والله ما رأيت أحدًا يحدثُ لله تعالى غير وكيعٍ، وما رأيتُ أحفظ منه، ووكيع في زمانه كالأوزاعيّ في زمانه". * قُلْتُ: وقد روى خبرًا منكرًا كاد أن يُقتل به، لولا أن خلَّصه سفيان بن عيينة. وانظره في "السير" (9/ 160). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * هشام، هو ابنُ أبي عبد الله الدستوائي. أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ، ثبتٌ، حافظٌ. ... وقد مرّ تخريجه في الحديث الماضي. ***

باب الرخصة فى البول فى الصحراء قائما

باب الرُّخْصَةِ فِى الْبَوْلِ فِى الصَّحْرَاءِ قَائِمًا 26 - أَخْبَرَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ 26 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * مؤمَّلُ بْنُ هشامٍ، هو اليشكريُّ أبو هشامٍ البصريُّ. أخرج له البخاريّ، وأبو داود. وثقهُ المصنِّفُ وروى عنه (6) أحاديث، وأبو داود، ومسلمة بن قاسم .. وقال أبو حاتمٍ: "صدوقٌ". * وإسماعيل: هو ابن علية. * وسليمان: هو الأعمش. ... وقد تقدم الحديث برقم (18) =

27 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ 27 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * محمد بن بشار هو ابن عثمان، أبو بكرٍ البصريّ. كانوا يلقبونه بـ "بُندار" ومعناها: مَنْ في يده القانون، وهو أصلُ ديوان الخراج. وإنما قيل له ذلك، لأنه كان بُندارًا في الحديث، جمع حديث بلده. وقد أخرج له الجماعةُ. وروى عنه المصنف (186) حديثًا وقال: "صالحٌ لا بأس به". ووثقه العجليُّ، وابن حبان، ومسلمة بنُ قاسم. وقال أبو حاتمٍ: "صدوقٌ". وقال الدارقطنيُّ: "من الحفاظ الأثبات". أمَّا ما حكاه الدورقيُّ عن ابن معينٍ أنه كان لا يعبأ بـ "بندار"، ويستضعفه، فمن الجرح المبهم الذي لا يعول عليه أمام التعديل القويّ. وقد قال الأزديُّ: "وليس قولُ يحيى والقواريرى مما يجرحه، وما رأيتُ أحدًا ذكره إلَّا بخيرٍ وصدقٍ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الذهبيُّ في "الميزان" يردُّ على ابن معين. "قد احتجَّ به أصحاب الصحاح كلُّهم، وهو حجةٌ بلا ريب" أمَّا تكذيبُ الفلاس له، فقد ردّه الذهبيُّ أيضًا بقوله: "كذَّبه الفلاسُ، فما أصغى أحدٌ إلى تكذيبه، لتيقُّنهم أن بندارًا صادق أمين". * محمد، هو ابن جعفر "غُنْدر". ... وانظر الحديث السابق.

28 - أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَنْبَأَنَا بَهْزٌ قَالَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٌ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- مَشَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا. قَالَ سُلَيْمَانُ فِى حَدِيثِهِ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْصُورٌ الْمَسْحَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 28 - إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. * سليمانُ بن عبيد الله هو وابن عمرو، أبو أيوبٍ البصريُّ أخرج له مسلمٌ. وثقهُ المصنِّفُ وروى عنه ثلاثةُ أحاديث. وكذلك وثقهُ ابنُ حبان. وقال أبو حاتم: "صدوق". وقال مسلمةُ بنُ قاسمٍ: "لا بأس به". * بهزٌ هو ابنُ أسدٍ العمى، أبو الأسود البصريُّ. أخرج له الجماعةُ. وثقة يحيى بن سعيد، وابن معين، وأبو حاتمٍ وزاد: "صدوقٌ"، وابنُ سعد، والعجليُّ، في آخرين. قال أحمدُ: "إليه المنتهى في التثبُّت". ... وانظر سابقه.

باب البول فى البيت جالسا

باب الْبَوْلِ فِى الْبَيْتِ جَالِسًا 29 - أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَالَ قَائِمًا فَلاَ تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلاَّ جَالِسًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ 29 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ لِغيرِهِ. * شريك، هو ابنُ عبد الله النخعي، صدوقٌ سيىءُ الحفظ، وقد رمى بالتدليس. وقد ضعَّفه يحيى بنُ سعيد جدًّا. وقال ابنُ المبارك: "ليس حديثه بشىءٍ". وقال الدَّارقطنيُّ: "ليس بالقويّ". وقال ابنُ معينٍ: "ثقة صدوقٌ، إلا أنه يغلط، وإذا خالف فغيرُهُ أحبُّ إلينا منه". وقأل ابنُ سعدٍ: "كان ثقةً، مأمونًا، كثير الحديث، يغلط". والكلامُ فيه طويلٌ، حاصله أنه سيىء الحفظ. فما أعجب دول الشيخ أبي الأشبال أحمد شاكر رحمه الله، إذ قال في "تخريج المسند" (8/ 176): "وقد تكلم فيه بعضُهُمْ بغير حجَّةٍ، إلا أنه كان يخطئ في بعض =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حديثه"!! كذا قال! وهو من تساهله المعروف لدى المشتغلين بالحديث وأيُّ حجةٍ هى أعظمُ من الجرح المفسر الذي وقع في كلام كثيرٍ من الأئمة، حتى قال يعقوب بن شيبة: "ثقةٌ صدوقٌ، سيىء الحفظ جدًّا". وقال إبراهيمُ بنُ سعدٍ الجوهريُّ: "أخطأ شريك في أربعمائة حديثٍ". فكيف يُقال: ليس مع من تكلَّم فيه حجةٌ (¬1)؟! اللَّهُمَّ غفرًا! * المقدامُ بْنُ شريح هو ابنُ هانىءٍ. أخرج له الجماعةُ إلا البخاريَّ في "الأدب المفرد". وثقهُ أحمدُ، وأبو حاتمٍ، والمصنِّفُ، ويعقوبُ بنُ سفيان، وابنُ حبان، في آخرين. * وأبُوهُ: شريحُ بْنُ هانىءٍ. أدرك النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يرو عنه. وذكره ابنُ سعدٍ في الطبقة الأولى من تابعى أهل الكوفة. وثقهُ أحمدُ، وابنُ معين، والمصنِّفُ، وابنُ خراشٍ، وقال: "صدوقٌ". ... والحديثُ أخرجه الترمذيُّ (12)، وابنُ ماجة (307)، والطيالسيُّ (1515)، وابنُ أبي شيبة (1/ 123 - 124)، = ¬

_ (¬1) وقد أقرَّ الشيخ في تعليقه على "المحلى" (4/ 148) أنه كان سيىء الحفظ! لكن تعليقه على المحلى قديمٌ فيما يبدو لي. ورأيه هو المزبور في "تخريج المسند". والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 276) من طرقٍ عن شريك النخعيّ، عن المقدام، عن أبيه، عن عائشة به. وقد رواه عن شريك جماعةٌ، منهم: "ابنُ أبي شيبة، والطيالسيُّ، وعليُّ بنُ حُجْرٍ، وسويدُ بنُ سعيد، وعبد الله بنُ صالحٍ، وإسماعيل بْنُ موسى السديُّ". وقد توبع شريك. تابعه اثنان: 1 - سفيان الثوريّ، عن المقدام. أخرجه أحمد (6/ 136، 192،213)، وأبو عوانة (1/ 198)، والحاكمُ (1/ 181، 185)، والبيهقيُّ (1/ 101) من طرقٍ عنه. 2 - إسرائيل بنُ يونس، عن المقدام، عن أبيه، قال: سمعت عائشة تُقسم بالله ما رأى أحدٌ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبولُ قائمًا منذ أنزل عليه القرآن". أخرجه الحاكم (1/ 185)، والبيهقيُّ (1/ 101 - 102) من طريق عبيد الله بن موسى، نا إسرائيل. قال الحاكم: "صحيحٌ على شرط الشيخين" ووافقه الذهبيُّ! * قُلْتُ: بل هو على شرط مسلمٍ وحده، والمقدامُ بن شريح وأبوه لم يخرج لهما البخاريُّ شيئًا في "الصحيح". قال السيوطيُّ في "زهر الرُّبى" (1/ 26): "قال الشيخ ولىُّ الدين: هذا الحديث فيه لينٌ، لأن فيه شريكًا القاضى، وهو متكلمٌ فيه بسوء الحفظ، وقول الترمذيّ أنه أحسن شىءٍ في هذا الباب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لا يدلُّ على صحته، ولذلك قال فيه ابن القطّان: إنه لا يُقال فيه صحيح، وتساهُلُ الحاكم في التصحيح معروفٌ، وكيف يكون على شرط الشيخين، مع أن البخاريَّ لم يخرج لشريك بالكلية، ومسلمٌ خَرَّج له استشهادًا، لا احتجاجًا .... " اهـ. * قُلْتُ: وفي هذا النقل أمور منها: * الأول: أنى لم أظفر بالحديث في "المستدرك" من طريق شريك البتة وقد فتشت قدر طاقتى، فلم أظفر به، فلا أدرى كيف وقع هذا؟. * الثانى: قول الترمذيّ: "حديث عائشة أحسنُ شىء في الباب وأصحُّ". يحتمل أمرين: أ- أن الترمذيّ يقصد أن حديث عائشة أصحّ شيءٍ في مسألة البول قائمًا وقاعدًا. ب- أنه أصحُّ شىءٍ في "البول قاعدًا". فأما الأوَّلُ، فلا وجه له لأن حديث عائشة لا ينافى حديث حذيفة، ونفيُها كان بحسب علمها، وهذا ما فهمه المصنِّفُ أيضًا، فبوّب عليه بقوله: "البول في البيت"، أما حديثُ حذيفة فكان في الصحراء (¬1). وأما الثاني، وهو الأليق بمراد الترمذيّ فمعناه أن حديث عائشة = ¬

_ (¬1) وفي "سنن ابن ماجة" (309) أن سفيان الثورى عقب على حديث عائشة بقوله: "الرجل أعلمُ بهذا منها".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أصحُّ ما ورد في البول قاعدًا، وهو متجه. وقال النوويُّ في "المجموع" (2/ 84): "إسنادُهُ جيدٌ، وهو حديثٌ حسنٌ". ... قَال التِّرْمِذِيُّ: "وفي الباب عن عمر، وبريدة، وعبد الرَّحمن بن حسنة". * * * 1 - حديث عمر، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ حبان (ج 2 / رقم 1420) من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريجٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر مرفوعًا: "لا تبل قائمًا" قال ابنُ حبان: "أخاف أن ابن جريج لم يسمع من نافعٍ هذا الخبر". * قُلْتُ: وقد صحَّ ظنُّه - كما قال البوصيرى. فقد رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عبد الكريم بن أبي أمية، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن عمر، قال: "رآنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبولُ قائمًا، فقال: يا عمر! لا تبل قائمًا" فما بُلْت قائمًا بعدُ. أخرجه الترمذيُّ (1/ 17) معلقًا، ووصله ابنُ ماجة (308)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 284)، وتمام في "الفوائد" (148)، والحاكم (1/ 185)، والبيهقيُّ (1/ 102). فظهر من هذا التخريج أن ابن جريج أسقط عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيفٌ، وتركه بعضُهُمْ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال ابنُ المنذر: "هذا لا يثبُت". ثُمَّ إن الحديث عند ابن حبان عن "ابن عمر"، والمعروف أنه عن "عمر" فلا أدرى، أهذا اختلافٌ في السند، أم وقع سقطٌ في كتاب ابن حبان. فالله أعلمُ. والحديث ضعَّفه النووي في "المجموع" (2/ 84). قال الترمذيُّ: "وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم ... وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث". يشير بذلك إلى أن الصواب وقفه. فأخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124) وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 338)، والبزار (ج 1/ رقم 244)، والطحاويُّ في "شرح الآثار" (4/ 268) من طُرُقٍ عن عبيد الله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن عمر قال: "ما بُلْتُ قائمًا، منذ أسلمتُ". قال ابنُ المنذر: "ثبت عن عمر". قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 206): "رجالُهُ ثقات". * قُلْتُ: وسندُهُ صحيحٌ. ولكن أخرج ابنُ أبي شيبة (1/ 123)، والطحاويُّ (4/ 268) من طريقين عن الأعمش، عن زيد بن وهبٍ قال: رأيتُ عمر بال قائما. زاد الطحاويُّ: "فأنجح (¬1)، حتى كاد يُصرع". = ¬

_ (¬1) يعني: "مال".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وسندُهُ صحيحٌ، ولا يُعلُّ بتدليس الأعمش، لأن شعبة رواه عنه عند الطحاويّ. وقد ثبت عن شعبة قوله: "كفيتكُمْ تدليس ثلاثة: الأعمش، وقتادة، وأبى إسحق السبيعى". فظاهر الأثرين عن عمر التناقض. وقد جمع بينهما بعضُ أهل العلم. فقال ابنُ المنذر في "الأوسط" (1/ 338): "فقد يجوز أن يكون عمر إلى الوقت الذي قال فيه هذا القول (¬1) لم يكن بال قائمًا، ثمَّ بال بعد ذلك، فرآه زيد بنُ وهبٍ، فلا يكون حديثاه متضادين". وقال ذلك أيضًا الطحاويُّ. * * * 2 - حديث بريدة، رضي اللَّهُ عنه. أخرجه البخاريُّ في "الكبير" (2/ 1/ 496)، والطبرانيُّ في "الأوسط" -كما في "المجمع" (2/ 83) -، والبزَّارُ (ج 1 / رقم 547) من طريق سعد بن عبيد الله، ثنا ابن بريدة، عن أبيه مرفوعًا: "ثلاثٌ من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ في سجوده". زاد البخاريُّ من رواية نصر بن علي عن سعيد: "أربع من الجفاء ...... وأن يسمع المنادى، ثمَّ لا يتشهد مثل ما يتشهد". قال البزَّارُ: = ¬

_ (¬1) يعني قوله: "ما بُلْتُ قائمًا منذ أسلمتُ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "لا نعلم رواه عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، إلَّا سعيد، ورواه عن سعيد عبدُ الله بنُ داود، وعبد الواحد بنُ واصل". وقال الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 83): "رجال البزار رجالُ الصحيح" وقال البدرُ العينى في "العمدة" (3/ 135): "إسنادُهُ صحيحٌ، وقول الترمذيّ يُرد". * قُلْتُ: وقول الترمذيّ أن حديث ابن بريدة: "غيرُ محفوظٍ" هو الصواب عندي، كما يأتي. أمَّا البدر العينى - رحمه الله - فجرى على ظاهر السند وغفل عن العلة الحقيقية. قال المباركفوريّ في "التحفة" (1/ 68) يردُّ على العينى: "الترمذيُّ من أئمة هذا الشأن، فقولُه: حديث بريدة في هذا غير محفوظٍ يعتمدُ عليه، وأما إخراج البزار حديثه بسندٍ ظاهره الصحة، فلا ينافى كونه غير محفوظ" اهـ. وهذا كلامٌ نفيس. رحمه الله. أمَّا علَّةُ الحديث فهي المخالفة. فقد خولف سعيد بن عبيد الله فيه. خالفه قتادةُ، فرواه عن ابن بريدة، عن ابن مسعودٍ أنه كان يقولُ: "أربعٌ من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا، وصلاة الرجل والناس يمرون بين يديه، وليس بين يديه شىءٌ يستُرهُ، ومسحُ الرجل التراب عن وجهه وهو في صلاته، وأن يسمع المؤذن فلا يجيبه في قوله". أخرجه ابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 281) بالفقرة الأولى فقط، والبيهقيُّ (2/ 285) وقال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وكذلك رواه الجريريُّ، عن ابن بريدة، عن ابن مسعود" اهـ. وطريق الجريرى هذا أخرجه البخاريُّ في "الكبير" قال: "وقال نصر: حدثنا عبد الأعلى عن الجريريّ، عن ابن بريدة، عن ابن مسعود نحوه". ونقل البيهقيُّ عن البخاريّ أنه قال: "هذا حديثٌ منكرٌ، يضطربون فيه". * قُلْتُ: وقد مرّ وجهان لهذا الاضطراب: الأول: أن سعيد بن عبيد الله رفعه. الثانى: أن قتادة والجريرى خالفاه في موضعين: أ- أنهما أوقفاه. ب- أنهما نقلاه من "مسند بريدة" إلى "مسند ابن مسعود" وهما يترجحان على سعيد بن عبيد الله، لا سيما وقد قال فيه الدارقطنيُّ: "ليس بالقويّ، يُحدِّثُ بأحاديث يسندها ويوقفها غيرُهُ" وهذا الحديث مثالٌ لذلك. وقد أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 280) من طريق عاصم بن أبي النجود، عن المسيب بن رافع، عن ابن مسعود قال: من الجفاء أن يبول قائمًا. ورجاله ثقات، غير أنه منقطع بين المسيب وابن مسعود، كما صرَّح بذلك أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان. والوجه الثالث: أنَّ كهمس بن الحسن رواه عن ابن بريدة من قوله، ولم يذكر "ابن مسعودٍ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124) حدثنا وكيع، عن كهمس. وسندُهُ صحيحٌ .. فالصواب في الحديث الوقف، وأنه ليس بمرفوعٍ. والله أعلم. * * * 3 - حديثُ عبد الرحمن بن حسنة، رضي الله عنه * قُلْتُ: يأتي في الحديث القادم إن شاء الله تعالى. ***

البول إلى السترة يستتر بها

الْبَوْلُ إِلَى السُّتْرَةِ يَسْتَتِرُ بِهَا 30 - أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى يَدِهِ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ فَوَضَعَهَا ثُمَّ جَلَسَ خَلْفَهَا فَبَالَ إِلَيْهَا فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ انْظُرُوا يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ فَسَمِعَهُ فَقَالَ «أَوَمَا عَلِمْتَ مَا أَصَابَ صَاحِبُ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ شَىْءٌ مِنَ الْبَوْلِ قَرَضُوهُ بِالْمَقَارِيضِ فَنَهَاهُمْ صَاحِبُهُمْ فَعُذِّبَ فِى قَبْرِهِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 30 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * أبو معاوية هو الضرير، واسمه محمدُ بْنُ خازمٍ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ نبيلٌ. قال أبو حاتمٍ: "أثبتُ الناس في الأعمش: سفيانُ، ثمَّ أبو معاوية. ومعتمر بن سليمان أحبُّ إليَّ من أبي معاوية، يعني في غير حديث الأعمش". وقال ابنُ خراشٍ: "صدوق، وهو في الأعمش ثقةٌ". * زيدُ بْنُ وهبٍ، هو الجُهنى، أبو سليمان الكوفي. أخرج له الجماعةُ. وثقه الأعمش، وابنُ معين، وابنُ خراشٍ، وابن سعدٍ وغيرُهُمْ أمَّا يعقوبُ بنُ سفيان، فقال في "المعرفة" (2/ 769): "في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حديثه خلل كثير"!! وقد ردَّهُ الذهبيُّ في "الميزان" (2/ 107) فقال، ونِعْم ما قال: "ولم يُصب الفسويُّ ... ثم ساق حديثا استنكره يعقوب وقال: فهذا الذي استنكره الفسويُّ من حديثه، ما سُبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا لرددنا كثيرًا من السنن الثابتة بالوهم الفاسد، ولا نفتحُ علينا في زيد بن وهب خاصة باب الاعتزال، فردوا حديثه الثابت عن ابن مسعود، حديث الصادق المصدوق، وزيد سيدٌ جليلُ القدر هاجر إلى النبيِّ صلى الله عليه وعلي آله وسلم، فقُبض وزيدٌ في الطريق" اهـ قال الحافظ في "هدى السارى" (ص - 404) "وشذَّ يعقوبُ بنُ سفيان الفسويّ، فقال: "في حديثه خلل كثير"، ثمَّ ساق من روايته قول عمر في حديثه: يا حذيفة! بالله أنا من المنافقين. قال الفسويُّ: هذا محالٌ. قُلْتُ: هذا تعنتٌ زائدٌ، ولا بمثل هذا يُضعَّفُ الأثباتُ، ولا تردُّ الأحاديثُ الصحيحة، فهذا صدر من عمر عند غلبة الخوف وعدم أمن المكر، فلا يلتفتُ إلى هذه الوساوس الفاسدة في تضعيف الثقات". اهـ. * * * والحديثُ أخرجه أبو داود (22)، وابنُ ماجة (346)، وأحمدُ (4/ 196)، وابنُ أبي شيبة (1/ 122 و 3/ 375)، وابنُ الجارود (131)، والحميديُّ (882)، ويعقوب بن سفيان في "تاريخه" (1/ 284)، وابنُ حبان (139)، وابْنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 283)، والحاكم (1/ 184)، والسهمى في "تاريخ جُرْجان" (1/ 12/ 492)، والبيهقي في "السنن" (1/ 104)، وفي "عذاب القبر" (رقم 144) من طُرُقٍ عن الأعمش، عن زيد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ابن وهبٍ، عن عبد الرحمن بن حسنة فذكره. قال الحافظ في "الفتح (1/ 328): "هو حديثٌ صحيحٌ، صحَّحه الدَّارقطنيُّ وغيرُهُ". وقال الحاكمُ: "صحيحُ الإِسناد، ومن شرط الشيخين أن يبلغ". وصرَّح به الذهبيُّ تصريحًا، فقال: "على شرطهما". وقد رواه عن الأعمش جماعةٌ، منهم: "وكيع، وأبو معاوية، وسفيان، وزائدة بنُ قدامة، وعبيد الله بن موسى، وعبد الواحد بنُ زياد، ويعلى بن عبيد". وقال ابنُ المنذر: "خبرٌ ثابتٌ". وله شاهدٌ من حديث أبي موسى الأشعريّ، - رضي الله عنه -. أخرجه أحمدُ (4/ 396، 399، 414)، والطيالسيُّ (519)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 263)، والحاكمُ (3/ 465 - 466)، والبيهقيُّ (1/ 93) من طرقٍ عن شعبة، ثنا أبو التياح، سمعتُ رجلًا وصفه، كان يكون مع ابن عباس قال: كتب أبو موسى إلى ابن عباسٍ إنك رجلٌ من أهل زمانك، وإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن بني إسرائيل كان أحدُهُمْ إذا أصابه الشىءُ من البول، قرضه بالمقاريض، وإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرَّ على دمثٍ -يعني: مكانًا لينًا-، فبال فيه، وقال: إذا بال أحدكم فليرتد لبوله". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتابعه حمادُ بنُ سلمة، أخبرنا أبو التياح به. أخرجه أبو داود (3)، والبيهقيُّ (1/ 93 - 94) وعندهما: "لما قدم عبد الله بن عباس البصرة، فكان يحدث عن أبي موسى، فكتب عبد الله إلى أبي موسى يسأله عن أشياء، فكتب إليه أبو موسى ..... فذكره بدون محلِّ الشاهد. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ لجهالة شيخ أبي التياح وهو يزيد بن حميد. ولكن له طريق آخر عن أبي موسى. أخرجه بحشل في "تاريخ واسط" (ص - 145) قال: حدثني عمر بن عثمان بن عاصم بن صهيبٍ، قال: ثنا عمى عليُّ بنُ عاصمٍ، قال: ثنا خالد الحذَّاء، عن معاوية العنبريّ أبي المورع، عن أبي بردة ابن أبي موسى، عن أبي موسى الأشعريّ، قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبول جالسًا، وقد جافى بين فخذيه حتى إنى لأرثى له من طول الجلوس، ثم قام .... فقال: "صُب، فصاحب بني إسرائيل كان في البول أشدَّ منكم، كان إذا أصاب جسده شىءٌ من بوله، براهُ" وعزاه الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 209) للطبراني في "الكبير". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. عليُّ بن عاصم، فيه ضعف من قبل حفظه، وكان يخطىءُ ويُصرُّ على خطئه فتركه بعض الأئمة لذلك. ومعاوية العنبريُّ لم أقف له على ترجمة. ولكن الحديث ثابتٌ عن أبي موسى الأشعريّ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ففي "صحيح البخاريّ" (1/ 329 - 330 فتح) وغيره من طريق منصور، عن أبي وائلٍ قال: كان أبو موسى الأشعريُّ يُشدِّدُ في البول ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه". هكذا رواه منصور عن أبي وائل، عن أبي موسى موقوفًا. قال أبو داود في "سننه" (1/ 27): "وقال عاصم، عن أبي وائلٍ، عن أبي موسى، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: "جسد أحدهم" اهـ. يعني بدل "ثوب أحدهم". ولم أقف على رواية عاصمٍ هذه موصولةً، ولو صحَّ السند إليه لكان الحديث حسنا، ويتقوى بما تقدم من الطرق. والله أعلمُ. ***

التنزه من البول

التَّنَزُّهُ مِنَ الْبَوْلِ 31 - أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ «إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لاَ يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ». ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا». خَالَفَهُ مَنْصُورٌ رَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ طَاوُسًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ 31 - إِسنادُهُ صَحِيْحٌ. * مجاهد، هو ابنُ جبرٍ المكى، أبو الحجاج المخزومى. أخرج له الجماعةُ. وهو ثقة ثبتٌ جبل. قال قتادة: "أعلمُ من بقى بالتفسير مجاهدٌ". وقال مجاهدٌ: "عرضتُ القرآن على ابن عباس ثلاثين مرةً". * طاوس، هو ابنُ كيسانٍ، أبو عبد الرحمن الحميريُّ. أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ، فحلٌ. وحسبُهُ قولُ ابن عباسٍ فيه: "إنى لأظنُّ طاوسًا من أهل الجنة". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والحديث أخرجه البخاريُّ. (1/ 322 و 3/ 222 - 223، 242 و 10/ 469 فتح)، ومسلم (3/ 200 - 201 نووى)، وأبو عوانة (1/ 196) والمصنِّفُ (4/ 106) ويأتى في "كتاب الجنائز" -إن شاء الله-، وأبو داود (20)، والترمذيُّ (70)، وابنُ ماجة (347)، والدارميُّ (1/ 154)، وأحمد (1/ 225)، ووكيع (444)، وهنَّادُ (360، 1312) كلاهما في "الزهد"، وكذا ابنُ أبي شيبة (1/ 122 و 3/ 375،376 - 377)، وعبدُ بنُ حميدٍ في "المنتخب" (620)، ويعقوبُ بنُ سفيان في "المعرفة" (3/ 149)، والمروزيُّ في "زوائد الزهد" (1220، 1221)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 56)، وابنُ حبان (ج5 / رقم 3118)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (130)، وابنُ جريرٍ في "تهذيب الآثار" (899،898 - مسند عمر)، والآجريُّ في "الشريعة" (362)، وأبو الشيخ في "التوبيخ" (202)، والبيهقيُّ في "السنن" (1/ 104 و 2/ 412)، وفي "عذاب القبر" (رقم 130، 131، 132)، والجوزقانيُّ في "الأباطيل" (347)، وأبو نُعيم في "المستخرج" -كما في "الفتح" (1/ 322) -، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 370) من طرقٍ عن الأعمش، قال: سمعتُ مجاهدًا، عن طاوس، عن ابن عباسٍ فذكره. ورواه عن الأعمش جماعة، منهم: "وكيع، وأبو معاوية، وعبد الواحد بن زياد، وجرير بن عبد الحميد". وقد خولف الأعمش في إسناده. خالفه منصور بْنُ المعتمر، فرواه عن مجاهد، عن ابن عباسٍ به =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فسقط ذكرُ "طاوس" من السند. أخرجه البخاريُّ (1/ 317 و 10/ 472 - فتح)، والمصنِّفُ (4/ 106) في "كتاب الجنائز"، وأحمد (1/ 225)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 55)، وابنُ جرير (901)، والآجرىُّ (361)، والخرائطيُّ في "مساوئ الأخلاق" (ج1 /ق 20/ 2). قال الترمذيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .... وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد، عن ابن عباسٍ، ولم يذكر فيه: "طاوس". ورواية الأعمش أصحُّ". * قُلْتُ: وكأنَّ الترمذيَّ تلقى هذا من البخاري. فقال في "العلل": "سألتُ محمدًا أيهما أصحُّ؟ فقال: رواية الأعمش أصحُّ". وترجيحُ البخاري رواية الأعمش، لا يقتضي أن رواية منصور مرجوحة، بدليل أنه أخرج الروايتين في "صحيحه". قال الحافظ في "الفتح" (1/ 317): "وإخراجُه -يعني البخاريّ- له على الوجهين يقتضي صحتهما عنده، فيُحمل على أنَّ مُجاهدًا سمعه من طاوس، عن ابن عباس، ثمَّ سمعه من ابن عباسٍ بلا واسطةٍ، أو العكس، ويؤيدُهُ أنَّ في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن ابن عباسٍ". اهـ وقد سبقه إلى مثل هذا الجمع بعضُ العلماء، وهذا يقضى أنَّهُ أولى من الترجيح. وهو الصوابُ. قال ابنُ حبان في "صحيحه" (5/ 52): "سمع هذا الخبر مجاهد، عن ابن عباس، وسمعه من طاوس، عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ابن عباسٍ، فالطريقان جميعًا محفوظان" اهـ. وقال ابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 179): "وأمَّا روايةُ هذا الخبر مرة عن مجاهد، عن ابن عباسٍ، ومرةً عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباسٍ، فهذا قوةٌ للحديث، ولا يتعلل بهذا إلَّا جاهلٌ أو مكابرٌ للحقائق؛ لأنَّ كليهما إمامٌ، وكلاهما صحب ابن عباس الصحبة الطويلة. فسمعه مجاهد من ابن عباسٍ، وسمعهُ أيضًا من طاوس، عن ابن عباسٍ، فرواه كذلك، وإلَّا فأيُّ شيءٍ مما يقدحُ في الرواية؟! وددنا أن تبينوا لنا ذلك، ولا سبيل إلى ذلك إلا بدعوى فاسدة لهج بها قومٌ من أصحاب الحديث، وهم فيها مخطئون عين الخطأ، ومن قلَّدهم أسوأ حالًا منهم .... " اهـ. وهذا كلام نفيس، لولا حرارةُ الأنفاس!! وقال بمثل ما تقدم البدر العينى في "عمدة القارئ" (3/ 115)، والمباركفورى في "تحفة الأحوذى" (1/ 234 - 235)، وأحمد شاكر في "شرح الترمذي" (1/ 104) وغيرهم. ومما يدلّ على صحة هذا الجمع أن الأعمش رواه أيضًا عن مجاهد، عن ابن عباس، مثلما رواه عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباسٍ. أخرجه الطيالسيُّ (2646)، وابنُ جرير في "التهذيب". (900 - مسند عمر)، وابنُ حبان (ج 5 / رقم 3119)، والآجريُّ في "الشريعة" (362) من طرق عن شعبة، عن الأعمش به. ... قال الترمذيُّ: "وفي الباب عن أبي هريرة، وأبي موسى, وأبى بكرة, وعبد الرحمن بن حسنة، وزيد بن ثابتٍ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 1 - حديثُ أبي هريرة، رضي الله عنه. وله عنه طرقٌ: 1 - أبو حازم، عنه. أخرجه أحمد (2/ 441)، وابنُ أبي شيبة (3/ 276) والبيهقيُّ في "عذاب القبر" (136) من طريق محمد بن عبيد، ثنا يزيدُ بْنٌ كيسان، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قبرٍ فوقف، فقال: "ايتونى بجريدتين". فجعل إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه. فقلنا: يا رسول الله! أينفعه ذلك؟! قال: "لن يزال يخففُ عنه بعضُ عذاب القبر، ما دام فيهما ندو" وتابعه الوليد بنُ القاسم -وفيه مقالٌ- عن يزيد به. أخرجه ابنُ جرير في "التهذيب" (903 - مسند عمر). * قُلْتُ: وسندُهُ حسنٌ لأجل يزيد. قال الهيثميُّ في "المجمع" (3/ 57): "رجاله رجالُ الصحيح". يعني "صحيح مسلم". 2 - عبد الله بن الحارث، عنه. أخرجه ابن حبان (140) من طريق المنهال بن عمرو، عن عبد الله ابن الحارث، عن أبي هريرة قال: كنا نمشى مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمررنا على قبرين، فقام فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتى رعد كُمُّ قميصه! فقلنا: ما لك يا نبيَّ الله؟ قال: تسمعون ما أسمعُ؟ قلنا: وما ذاك يا نبيَّ الله؟ قال: "هذان رجلان يُعذبان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في قبورهما عذابًا شديدًا في ذنبٍ هينٍ قُلْنا: فيم ذاك؟! قال: "أحدُهُما لا يستنزه من بوله، وكان الآخر يؤذى الناس بلسانه، ويمشى بينهم بالنميمة". فدعا بجريدتين من جرائد النخل، فجعل في كلِّ قبرٍ واحدةً. قُلْنا: وهل ينفعُهم ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم، يُخفف عنهما مادامتا رطبتين". * قُلْتُ: وسندُهُ جيدٌ. وعبدُ الله بْنُ الحارث الأنصاريّ وثقه أبو زرعة، والنسائي، وابنُ حبان. وقال أبو هاشمٍ: "يُكتب حديثُهُ". 3 - أبو الخنساء، عنه. أخرجه البيهقيُّ في "عذاب القبر" (135) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبد العزيز بن صالح، أن أبا الخنساء حدثه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مرَّ بقبرين فأخذ سعفةً -أو جريدةً- فشقها، فجعل أحدهما على أحد القبرين والشقة الأخرى على القبر الآخر. قال ابن وهبٍ: أرى أنه سُئل عن فعلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "رجلٌ كان لا يتقى من البول، وامرأةٌ كانت تمشي بين الناس بالنميمة، فانتظر بهما العذابُ إلى يوم القيامة". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ. وأبو الخنساء مجهولٌ. قال أبو زرعة الرازيُّ: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "لا أعرفُ أبا الخنساء إلا في هذا الحديث، ولا أعرف اسمه". نقله عنه ابن أبي حاتمٍ في "الجرح والتعديل" (4/ 2 / 367). ولأبى هريرة في الباب حديث آخر مرفوعًا: "أكثر عذاب القبر من البول". أخرجه ابنُ ماجة (348)، وأحمد (2/ 388،326، 389)، وابنُ أبي شيبة (1/ 121) وابنُ خزيمة -كما في "الفتح" (1/ 318) -، وابنُ المقرى في "معجمه" (ق 127/ 1)، والحاكم (1/ 183)، والدَّارقطنُّى (1/ 128)، والآجرى في "الشريعة" (363،362)، والبيهقيُّ (2/ 412) وفي "عذاب القبر" (133)، وأبو نُعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 14)، والجوزقانى في "الأباطيل" (348) من طريق أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال الدَّارقطنيُّ: "صحيحٌ". وقال الحاكم: "صحيحٌ على شرط الشيخين، ولا أعرفُ له علَّةً" ووافقه الذهبيُّ وقال الجوزقانى: "هذا حديثٌ حسنٌ مشهورٌ". وقال البوصيرى في "مصباح الزجاجة" (146/ 1): "هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه عن آخرهم محتجٌ بهم في الصحيحين" اهـ وقال المنذريُّ في "الترغيب" (1/ 139) بعد ذكر تصحيح الحاكم: "وهو كما قال" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وفي "فيض القدير" للمناوى (2/ 80): "وقال الضياء المقدسيُّ: سندُهُ حسنٌ. قال مغُلْطاى: وما علم أن الترمذيَّ سأل عنه البخاريّ، فقال: حديثٌ صحيحٌ". * قُلْتُ: وهو صحيحٌ كما تقدم. لكن قال أبو حاتمٍ: "هذا حديث باطلٌ" يعني مرفوعًا. ذكره عنه ولدُهُ في "العلل" (ج 1/ رقم 1081). وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 3 / ق 45/ 1): "والحديث يرويه الأعمش، واختلف عنه. فأسنده أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وخالفه ابنُ فُضيلٍ فوقفه. ويُشبه أنْ يكون الموقوفُ أصحَّ". اهـ. وترجيح أبي حاتم والدارقطنى (¬1) للموقوف فيه نظرٌ عندي؛ لأن أبا عوانة أوثق من محمد بن فضيل بلا شك، فلو سلكنا مسلك الترجيح لوجب تقديم روايته على رواية محمد بن فضيل. وكأنه لذلك لم يعبأ بهذا الإِعلال أحدٌ ممن حكم على الحديث بالصحة. وله طريقٌ آخر عن أبي هريرة مرفوعًا: "استنزهوا من البول، فإنَّ عامة عذاب القبر منه". أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 128) من طريق محمد بن الصباح السمان، أنا أزهرُ بْنُ سعد السمان، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة به. = ¬

_ (¬1) وقد حكم الدارقطني بصحة المرفوع كما تقدّم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الدَّارقطنيّ: "الصواب مرسلٌ". * قُلْتُ: ومحمد بن الصباح قال فيه الذهبيُّ: "بصريٌّ، لا يُعرف، وخبرُهُ منكرٌ". ... 2 - حديثُ أبي موسى الأشعَرىّ، رضي الله عنه. * قُلْتُ: مرَّ تخريجه في الحديث السابق. ... 3 - حديث عبد الرحمن بن حسنة، رضي الله عنه. مرَّ برقم (30). ... 4 - حديث أبي بكرة الثقفي، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ ماجة (349) وابنُ أبي شيبة (1/ 122، 3/ 376)، وأحمد (5/ 39)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر" (137) من طريقين عن الأسود بن شيبان، عن بكر بن مرار، عن جدِّه أبي بكرة قال: بينما أنا أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم ومعى رجل، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمشي بيننا إذ أتى على قبرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إنَّ صاحبى هذين القبرين ليعذبان الآن في قبورهما، فأيُّكُمْ يأتينى من هذا النخل بعسيب؟ ". فاستبقتُ أنا وصاحبى، فسبقتُهُ، وكسرتُ من النخل عسيبا فأتيتُ به النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فشقه نصفين من أعلاهُ. فوضع على أحدهما نصفًا، وعلى الآخر نِصْفًا، وقال: "إنه يهون عليهما ما دام فيما من بلوتهما لشىءٌ، إنهما ليعذبان في الغيبة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والبول". والسياق للبيهقيّ. ورواه عن الأسود بن شيبان وكيع، وأبو داود الطيالسيّ (¬1) وخالفهما جماعة، فرووه عن الأسود بن شيبان، عن بحر بن مرار، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه فذكره بنحوه. من هؤلاء: "أبو سعيد مولى بني هاشم، ومسلم بن إبراهيم، وعبد الله ابن أبي بكر العتكى، والطيالسيّ أيضًا، وسليمانُ بن حرب، وعبد الصمد بن عبد الوارث". أخرجه أحمد (5/ 35 - 36) والبخاريّ في "الكبير" (1/ 2 /127)، والطيالسيُّ (867)، والحربيُّ في "الغريب" (2/ 610)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (2/ 487)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (1/ 154)، والبيهقيُّ (138). * قُلْتُ: وهذا الوجه أصحُّ من الأول؛ لأن بحر بن مرار لم يسمع من أبي بكرة الثقفى. ونقل البوصيريُّ في "الزوائد" (1/ 147) أن المزيَّ قال في "الأطراف": وهو الصواب" اهـ. ولم أجد هذا الترجيح من المزيّ في "التحفة" (9/ 38)، فلا أدرى هل سقط، أم هو وهمٌ من البوصيريّ. وهو ترجيحٌ صحيحٌ على كل حالٍ. = ¬

_ (¬1) ورواه من جهة الطيالسي هكذا البيهقيٌّ. وكذلك وقع في "علل الحديث" لابن أبي حاتم ولم أجد هذه الرواية في "مسند الطيالسي" إنما وجدت الرواية الموصولة، فلعلها فقدت في جملة ما فقد من هذا المسند العظيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثمَّ وجدتُ في "علل الحديث" (ج 1/ رقم 1099) لابن أبي حاتمٍ أنه سأل أباه عن هذا الحديث فقال: "هذا -يعني رواية مسلم بن إبراهيم وغيرُهُ ممن ذكرتهُ قبلُ- أصحُّ من حديث وكيع". اهـ. ولكن قال العقيليُّ: "ليس بمحفوظٍ من حديث أبي بكرة إلا عن بحر بن مرار هذا، وقد صحَّ من غير هذا الوجه". أما البدر العينى فقال في "العمدة" (3/ 117): "سندُهُ جيدٌ" وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 321): "إسناده صحيح"!. * قُلْتُ: وبحر بن مرار وثقه ابن معين. وقال النسائيُّ: "لا بأس به". ولكنه قال في "الضعفاء" (ص- 25): "نكرة، تغير" فتغيَّر رأيهُ فيه. وكذلك تغير فيه رأى يحيى القطان. وضعَّفه أبو أحمد الحاكم، وأبو العرب القيروانى، وابنُ حبان، والعقيليُّ. ووثقه ابنُ شاهين، وابن خلفون. وقال الذهبيُّ في "الكاشف" (545): "صدوق"! وهو تساهلٌ، وإلَّا فأين جرحُ الجارحين، لا سيما وهو مفسرٌ من يحيى القطان، فقد قال: "رأيتُهُ قد خلّط". والله أعلم. ... 5 - حديثُ زيد بن ثابتٍ، رضي الله عنه. قال المباركفورى في "التحفة" (1/ 234): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "لم أقف عليه". * قُلْتُ: وقفتُ على حديثٍ لزيد بن ثابتٍ رضي الله عنه فيه عذاب القبر، ولكن لم يذكر فيه علة حديث الكتاب، فلا أدرى هل يقصده الترمذيُّ أم لا؟ مع أنه يصلح أن يُكتب في الباب على أحد معانى الحديث على ما هو معروف عن الترمذيّ رحمه الله. وهذا الحديث: أخرجه مسلمٌ (2867)، وأحمد (5/ 190)، وابنُ أبي شيبة (3/ 373)، وعبدُ بنُ حميدٍ في "المنتخب" (254)، وابنُ أبي عاصم في "السُّنة" (868)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر" (102) والبغويُّ في "شرح السُّنة" (5/ 161 - 162) من طريق الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم في حائطٍ من حيطان المدينة فيه أقبُرٌ، وهو على بغلته، فحادت به، وكادت أن تُلْقيه! فقال: "من يعرف أصحاب هذه الأقبُر؟ ". فقال رجلٌ: يا رسول الله! قومٌ هلكوا في الجاهلية. فقال: "لولا أنا تدافنوا لدعوت الله عَزَّ وَجَلَّ أن يسمعكم عذاب القبر ....... " وساق حديثًا فيه طولٌ. وقد رواه عن الجريريّ: "ابنُ علية، ويزيد بنُ هارون". وخالفهما خالد بنُ عبد الله، فرواه عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ فذكره. فجعله من "مسند أبي سعيد الخدرى". أخرجه عبد الله بنُ أحمد في "السُّنة" (1354)، وابن حبان (785) وخالد بنُ عبد الله الواسطيّ ثقةٌ ثبتٌ. وقد توبع. تابعه داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ بنحوه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه أحمدُ في "المسند" (3/ 3 - 4)، وابنُهُ عبد الله في "السُّنة" (1383)، والبزَّار (872)، وابنُ أبي عاصم في "السُّنة" (865) من طريق عبَّاد بن راشد، عن داود بن أبي هندٍ. قال البزَّارُ: "لا نعلمه عن أبي سعيدٍ إلا بهذا الإِسناد". وقال الحافظ ابنُ كثيرٍ في "تفسيره" (4/ 417): "وهذا أيضًا إسنادٌ لا بأس به، فإنَّ عباد بن راشد التميميَّ روى له البخاريُّ مقرونًا، ولكن ضعَّفه بعضُهُمْ" اهـ. أما الحافظُ الهيثميُّ فقال في "المجمع" (3/ 48): "رجالُهُ رجالُ الصحيح"!! كذا قال: وعبَّاد ليس من رجال البخاريّ، وإنما روى له مقرونًا كما قال ابنُ كثير، ومع ذلك فقد تكلموا فيه بكلام خلاصته أنه صدوقٌ له أوهامٌ، كما قال الحافظ في "التقريب". وقد خالفه مسلمةُ بنُ علقمة، فرواه عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ موقوفًا ولم يرفعه. أخرجه عبد الله بنُ أحمد في "السُّنة" (1387) قال: حدثني أحمد بن أيوب بن راشد البصريّ، حدثنا مسلمة بن علقمة به. * قُلْتُ: أما أحمد بن أيوب، فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 19) وقال: "ربما أغرب". ومسلمة بن علقمة حاله قريبةٌ من حال عباد بن راشد، والمرفوعُ أشبهُ. والله أعلمُ. فيتحصل مما سبق أن رواية ابن علية أرجح لأنه سمع من الجريرى قبل أن يختلط بثمان سنين، بخلاف خالد بن عبد الله الواسطى. فيظهر أن هذا الاختلاف من الجريرى نفسه، واسمه سعيد بن إياس. والله أعلمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ =* قُلْتُ: ومما لم يذكره الترمذيُّ رحمه الله: ... 6 - حديثُ جابر بن عبد الله الأنصارى، رضي الله عنهما. أخرجه البخاريُّ في "الأدب المفرد" (735)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج 4 / رقم 2055,2050 ,2066) من طريق أبي العوام عبد العزيز ابن ربيع الباهلي، قال: حدثنا أبو الزبير محمد، عن جابر بن عبد الله، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأتى على قبرين يُعذب صاحبهما، فقال: "إنهما لا يُعذَّبان في كبير، وبلى. أمَّا أحدهما فكان يغتابُ الناس، وأما الآخر فكان لا يتأذى من البول" فدعا بجريدةٍ رطبةٍ -أو بجريدتين-، فكسرهما، ثمَّ أمر بكل كسرةٍ فغرست على قبرٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم: "أما إنه سيُهوَّنُ من عذابهما، ما كانتا رطبتين، أو لم تيبسا". * قُلْتُ: وسندُهُ صحيحٌ، لولا تدليس أبي الزُّبير. ولكن له طريقٌ آخرٌ. أخرجه بحشل في "تاريخ واسط" (250) قال: حدثنا موسى بن شبيب، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا إسرائيل، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ، قال: دخل النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم حائطًا لأمِّ مبشر، فإذا بقبرين، فدعا بجريدة رطبةٍ فشقها، ثمَّ وضع واحدةً على أحد القبرين، والأخرى على القبر الآخر، ثمَّ قال: "ترفه عنهما حتى تجفَّا". قيل: يا رسول الله! في أيِّ شىء يُعذَّبان؟! قال: "أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يتنزهُ من البول". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ =* قُلْتُ: ورجاله رجال الصحيح، غير موسى بن شبيب، فلم أعرفهُ. والله أعلمُ. ... 7 - حديثُ أبي أمامة، رضي الله عنه. أخرجه أحمد (5/ 266)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 8 / رقم 7869) من طريق أبي المغيرة، ثنا معان بنُ رفاعة، حدثني علي بن يزيد، قال: سمعتُ القاسم أبا عبد الرحمن، يحدِّثُ عن أبي أمامة قال: مرّ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يومٍ شديد الحرِّ نحو بقيع الغرقد، قال: فكان الناس يمشون خلفه. قال: فلمَّا سمع صوت النعال وقر ذلك في نفسه، فجلس حتى قدمهم أمامه لئلا يقع في نفسه من الكِبْرِ، فلمَّا مرَّ ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دفنوا فيهما رجلين. قال: فوقف النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم فقال: "مَنْ دفنتم هاهنا اليوم؟ " قالوا: يا نبيَّ الله! فلان وفلان. قال: "إنَّهُما ليعذبان الآن ويُفتنان في قبريهما" قالوا: يا رسول الله! فيم ذاك؟ قال: "أمَّا أحدهما فكان لا يتنزهُ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة". وأخذ جريدةً رطبةً فشقَّها، ثم جعل على القبرين. قالوا: يا رسول الله! ولم فعلْتَ؟ قال: "ليُخفَّفَنَّ عنهما" قالوا: يا نبيَّ الله! وحتى متى يعذبهُما الله؟ قال: "غيبٌ لا يعلمه إلا الله" قال: "ولولا تمريغ قلوبكم أو تزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع". قال الهيثميُّ في "المجمع" (3/ 56): "فيه عليُّ بنُ يزيد، وفيه كلام"! وله طريقٌ آخر عن أبي أمامة، بلفظٍ آخر وهو: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "اتقوا البول، فإنه أوَّلُ ما يحاسبُ به العبدُ في القبر". أخرجه ابنُ أبي عاصم في "الأوائل" (93)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 8 / رقم 7605) من طريق الهيثم بن حميد، عن رجُلٍ، عن مكحولٍ، عن أبي أمامة مرفوعًا .... فذكره. وتابعه إسماعيل بن إبراهيم الترجمانى، ثنا أيوب، عن مكحول، عن أبي أمامة. أخرجه الطبرانيُّ (7607). فسمَّى الرجل المبهم "أيوب". قال المنذريُّ في "الترغيب" (1/ 142): "إسنادُهُ لا بأس به". وقال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 209): "رجاله موثقون"! وحسنه السيوطي في "الجامع الصغير" (131). فتعقَّبه المناويُّ في "فيض القدير" (1/ 131) بقوله: "رمز المصنِّفُ لحُسْنه، وهو أعلى من ذلك"! ثمَّ نقل تقوية المنذريّ، والهيثميّ. * قلْتُ: كذا قالوا! وهو وهمٌ منهم جميعًا لأنَّ أيوب هو ابن مدرك، وهو متروكٌ. وقد صرَّح الهيثميُّ نفسُهُ في "المجمع" (2/ 126) بأنه "كذابٌ"، وقال في موضعٍ آخر منه (2/ 64): "منسوبٌ إلى الكذب". ومن الأدلة على كذبه، قولُ ابن حبان في "المجروحين" (1/ 168): "روى عن مكحولٍ نسخةً موضوعةً، ولم يرهُ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 8 - حديث أنسٍ، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2 / رقم 1058)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 918)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر" (142) من طريق خليد بن دَعْلج، عن قتادة، عن أنسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم مرَّ برجُلٍ يُعذَّبُ في قبره من النميمة، ومرَّ برجُلٍ يُعذب في قبره من البول". واقتصر البيهقيُّ على الفقرة الأولى منه. قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 207): "فيه خليد بن دعلج، ضعَّفوه، إلا أبا حاتمٍ قال: صالحٌ وليس بالمتين، وقال ابنُ عديٍّ: عامة ما رواه تابعه عليه غيرُهُ". في حين أنه قال في موضعٍ آخر من "المجمع" (7/ 37): "متروكٌ"!! ولكنه توبع. تابعه أبو جعفر الرازى، فرواه عن قتادة، عن أنسٍ مرفوعًا، ولكنه خالفه في متنه (¬1)، فرواه بلفظِ: "تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه". أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 127)، وقال: "المحفوظ: مرسلٌ". وقد صرَّح بذلك في "العلل" (ج 2 / ق 11/ 1) فقال: "وقيل عن أبي جعفر، عن قتادة، عن أنسٍ، ولا يصحُّ عنه، والمرسلُ هو الصوابُ" اهـ. ¬

_ (¬1) وخالفه في سنده أيضًا. فرواه عن قتادة مرسلًا. ذكره الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 12 ق 11/ 1).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وأبو جعفر الرازى، كان سيىء الحفظ. ولكن له طريق خيرٌ من هذا. أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في "العلل" (ج1/ رقم 42) قال: قال أبي: حدثنا أبو سلمة، عن حمادٍ، عن ثمامة، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: "استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر من البول". قال أبو حاتمٍ: "مرسل، وهذا عندي أشبهُ". وأبو سلمة هو التبوذكيُّ، واسمه موسى بن إسماعيل وهو ثقةٌ حافظٌ. ولكنه خولف في سنده. خالفه حبانُ بن هلال، وهو ثقةٌ ثبتٌ، وحرميُّ بن حفصٍ، وهو ثقةٌ، وإبراهيم بن الحجاج الساميُّ وهو ثقةٌ، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، عن ثمامة بن عبد الله بن أنسٍ، عن أنسٍ مرفوعًا به. ذكره ابنُ أبي حاتمٍ في "العلل" وقال: "قال أبو زُرْعة: المحفوظ عن حماد، عن ثمامة، عن أنسٍ، وقصَّر أبو سلمة" اهـ. ورأىُ أبي زرعة هو ما نميلُ إليه لثقة من رواه عن حماد، وهُمْ جماعة فالسندُ قويٌّ. والله أعلمُ. وللحديث طريقٌ آخر عن أنس. أخرجه البيهقيُّ في "عذاب القبر" (141) من طريق أبي أسامة الكلبي، ثنا عبيد بنُ الصباح، ثنا عيسى بن طهمان، عن أنس بن مالكٍ، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبرين لبنى النجار، وهما يُعذبان بالنميمة والبول. فأخذ سعفةً فشقها باثنين. فوضع على هذا القبر شقةً، وعلى هذا القبر شقةً، وقال: "يُخفف =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عنهما ما زالتا رطبتين". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. وعبيدُ بنُ الصباح، ضعَّفه أبو حاتمٍ (¬1). ذكره عنه ولدُهُ في "الجرح والتعديل" (2/ 2 / 408). وعزاهُ الهيثميُّ (1/ 208) لأحمد والطبراني في "الأوسط"، وقال: "فيه عبيد بن عبد الرحمن، وهو ضعيفٌ". وعبيد بن عبد الرحمن هذا، ترجمه ابنُ أبي حاتمٍ (2/ 2 /410) وقال: "روى عن عيسى بن طهمان، روى عنه أبو أسامة الكلبي .... سألتُ أبي عنه فقال: لا أعرفُهُ، والحديثُ الذي رواه كذبٌ". اهـ ففرق أبو حاتمٍ والذهبى بين عبيد بن الصباح وعبيد بن عبد الرحمن، وقد صرحت روايةُ البيهقيّ أن عبيد بن الصباح يروى عن عيسى بن طهمان، وعنه أبو أسامة الكلبي، فلعلهما واحدٌ. والله أعلمُ. ... 9 - حديثُ يعلى بن سيابة، رضى الله عنه. أخرجه أحمد (4/ 172) واللَّفْظُ له، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 22 / رقم 705) من طرق بن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن حبيب بن أبي جبيرة، عن يعلى بن سيابة قال: كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، في مسيرٍ له، فأراد أن يقضى حاجةً، فأمر وديتين، فانضمت إحداهما إلى الأخرى، ثمَّ أمرهما فرجعتا إلى منابتهما، وجاء بعيرٌ فضرب بجرانه إلى الأرض، ثم جرجر حتى ابتل ما حوله. فقال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم: "أتدرون = ¬

_ (¬1) ووثقه البزار -كما في "المجمع" (4/ 320) -، والبزار نَفَسُهُ رخوٌ في التوثيق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ما يقولُ البعير؟ إنه يزعُمُ أنَّ صاحبه يريد نحرهُ! " فبعث إليه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: "أواهبُه أنت لي؟ " فقال: يا رسول الله! ما لي مالٌ أحبُّ إليَّ منه. فقال: "استوص به معروفًا" فقال: لا جرم، لا أكرمُ مالًا لي كرامته يا رسول الله. وأتى على قبر يُعذَّبُ صاحبُهُ، فقال: "إنه يُعذَّبُ في غير كبيرٍ. فأمر بجريدةٍ فوضعت على قبره، فقال: "لعلَّهُ أنْ يُخفف عنه ما دامت رطبة". وفي رواية الطبرانيّ: "ثمَّ أتى على قبرين يعذبُ صاحباهما، فقال: "إنهما ليعذبان بأمرٍ غير كبير" وأخذ بجريدتين رطبتين فوضعهما على قبرهما، ثم قال: "عسى أن يُخفف عنهما ما كانتا رطبتين". وأخرجه عبدُ بنُ حميدٍ في "المنتخب" (404)، وأحمد (4/ 172)، وكذا ابنُ أبي شيبة (3/ 376)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر" (139) من طريق حمادٍ به مختصرًا على محلِّ الشاهد فقط، بمثل حديث أحمدٍ وقد رواه عن حمادٍ جماعة منهم: "سليمانُ بنُ حربٍ، وأبو سلمة الخزاعيّ، وعفان بن مسلم، وحجاج بن منهال، وأبو عمر الضرير". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيف لجهالة حبيب بن أبي جبيرة. وقد اختُلف في اسمه، وانظر "التعجيل" (173). ويعلى بن سيابة. قال الحافظ في "التعجيل" (173): "ويعلى بن مرة، وهو الذي يقال: "ابن سيابة" بكسر ... =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المهملة وتخفيف المثناة من تحت، وبعد الألف موحدة، وهي أُمُّهُ". وكذا في "الإِصابة" (6/ 353). وظاهر صنيع أحمد كذلك بدليل أنه جعل حديثه ضمن مسند "يعلى بن مرة". وكذا قال ابنُ عبد البر في "الاستيعاب" (2/ 615). ولكن فرَّق بينهما أبو حاتمٍ، وابنُ قانعٍ، والطبرانّى. وقال ابنُ حبان في "الثقات" (3/ 440): "يعلى بن مرة .... ومن قال إنه يعلى بن سيابة، فقد وهم" ثمَّ قال في ترجمة يعلى بن سيابة: "يقال: إن له صحبةً". ... 10 - حديثُ يعلى بن مرة، رضي الله عنه. أخرجه البيهقيُّ في "دلائل النبوة" (7/ 42) من طريق الصباح بن محارب، عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة، عن أبيه، قال: مررنا مع رسول الله على مقابر, فسمعتُ ضغطةً في قبرٍ! فقلتُ يا رسول الله! سمعتُ ضغطةً في قبرٍ. قال: وسمعت يا يعلى؟! قلتُ: نعم. قال: "فإنَّهُ يُعذَّبُ في يسيرٍ من الأمر". قلت: وما هو -جعلني الله فداك-؟ قال: "كان رجلًا فتانًا يمشي بين الناس بالنميمة، وكان لا يتنزه عن البول. قم يا يعلى إلى هذه النخلة، فائتنى منها بجريدةٍ". فجئتُهُ بها فشقها باثنين، فقال: "اغرس إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه، فلعلَّهُ أن يُرفَّه -أو يُخفف- عنه ما لم ييبس هاتان". * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ، وفي متنه نكارة وعمر بن عبد الله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = منكرُ الحديث كما قال أحمد وابن معين وأبو حاتمٍ والنسائيُّ. وقد تركه أبو حاتمٍ في رواية, والدَّارقطنيُّ. ... 11 - حديثُ عبادة بن الصامت، رضي الله عنه. أخرجه البزار (ج1/ رقم 246) قال: حدثنا خالد بن يوسف بن خالد، ثنا أبي، عن عمر بن إسحق، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن أبيه، عن جدِّه، قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البول؟ فقال: "إذا مسَّكُمْ شىءٌ فاغسلوهُ, فإنى أظنُّ أن منه عذاب القبر". قال البزَّارُ: "لا نعلمه عن عبادة إلَّا من هذا الوجه". قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 208): "فيه يوسف بن خالد السمتى، ونُسب إلى الكذب" اهـ. وابنُهُ خالد ضعَّفه الذهبيُّ، والهيثميُّ في "المجمع" (9/ 218) وذكره ابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 915). فالسندُ ضعيفٌ جدًّا. ... 12 - حديثُ عائشة، رضي الله عنها. * قُلْتُ: ويأتي تخريجه برقم (1345) إنْ شاء الله تعالى. ... 13 - حديثُ أبي برزة الأسلميِّ، رضي الله عنه. أخرجه الخطيبُ في "التاريخ" (1/ 182 - 183)، ومن طريقه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الحافظُ في "التغليق" (2/ 492) من طريق أحمد بن سيار، ثنا الشاه ابن عمار، قال: حدثني أبو صالح سليمانُ بْنُ صالح الليثيُّ قال: نبأنا النضر بنُ المنذر بن ثعلبة العبديُّ، عن حماد بن سلمة، عن قتادة أن أبا برزة الأسلميَّ كان يحدثُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرَّ على قبرٍ وصاحبُهُ يُعذَّبُ، فأخذ جريدة فغرسها إلى القبر، وقال: "عسى أن يرفه عنه ما دامت رطبةً". فكان أبو برزة يوصى إذا أنا متُّ فضعوا في قبرى معى جريدتين. قال: فمات في مفازةٍ بين كرمان وقومس، فقالوا: كان يوصينا أن نضع في قبره جريدتين، وهذا موضعٌ لا نُصيبُهما فيه. فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ركبٌ من قبل سجستان فأصابوا معهم سعفًا فأخذوا منه جريدتين، فوضعوهما معه في قبره. * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ. وقتادة لم يسمع من أبي برزة. قال أبو حاتم -كما في "المراسيل" (ص - 175) -: "لم يلق قتادة من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلَّا أنسًا، وعبد الله بن سرجس". وكذلك قال أحمد بن حنبل، ولكن قيل له: "فابنُ سرجس؟! فكأنه لم يره سماعًا". والنضر بنُ المنذر لم أقف له على ترجمة. ... 14 - بريدة بن الحصيب، رضي الله عنه. أخرجه البخاريُّ (3/ 222) معلقًا، ووصله ابنُ سعدٍ (7/ 8) قال: أخبرنا عفانُ بنُ مسلم، قال: حدثنا حمادُ بنُ سلمة، قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخبرنا عاصم الأحول، قال: قال مورق: أوصى بريدةُ الأسلمى أن توضع في قبره جريدتان. فكان مات بأدنى خراسان، فلم توجد إلَّا في جوالق حمّار". ورجاله ثقات، وهو متصلٌ. ... 15 - حديثُ شفيّ بن ماتع الأَصبحيّ، رحمه الله. أخرجه ابنُ المبارك في "الزهد" (328 - زوائد نُعيم)، وابنُ أبي الدُّنيا في "الصمت" (ج 1/ ق 21/ 2)، وفي "ذم الغيبة" (ق 6/ 1)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 7 رقم 7226)، وأبو نُعيم في "الحلية" (5/ 167 - 168)، وابنُ الأثير في "أُسْد الغابة" (2/ 399 - 400)، وبقىُّ بن مخلدٍ في "مسنده"، وابنُ شاهين -كما في "الإِصابة" (3/ 399) -، من طريق إسماعيل بن عياشٍ، حدثني ثعلبة بن مسلم الخثعمى، عن أيوب بن بشير، عن شفى بن ماتع الأصبحى مرفوعًا: "أربعةٌ يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى، يسعون بين الحميم والجحيم، يدعون بالويل والثبور. يقولُ أهلُ النار بعضهم لبعضٍ: ما بالُ هؤلاء قد آذونا على ما بنا من الأذى؟! قال: فرجُلٌ مغلقٌ عليه تابوتٌ من جمرٍ، ورجلٌ يجرُّ أمعاءَهُ، ورجلٌ يسيلُ فوهُ قيحًا ودمًا، ورجلٌ يأكل لحمهُ. قال: فيُقال لصاحب التابوت ما بالُ الأبْعَدِ قد آذانا على ما بنا من الأذى؟! قال: فيقول: إن الأبعد مات في عنقه أموالٌ إلى الناس ما نجدُ لها قضاءً أو وفاءً. ثم يقالُ للذى يجرُّ أمعاءَهُ: ما بالُ الأبعَدِ قد آذانا على ما بنا من الأذى؟! فيقال: إنَّ الأبعَدَ كان لا يبالى إن أصاب البول منه لا يغسلُهُ. ثمَّ يقال للذى يسيلُ فوه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قيحًا ودمًا ما بالُ الأبْعَدِ قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إنَّ الأبْعَدَ كان يأكلُ لحومَ الناس". زاد ابنُ أبي الدُّنيا: "بالغيبة ويمشى بالنميمة". قال المنذريُّ في "الترغيب" (1/ 142، 2/ 606، 3/ 508): "إسنادُهُ ليِّنٌ". * قُلْتُ: وشفيُّ بن ماتعٍ مختلفٌ في صحبته كما قال الطبرانيُّ وابْنُ الأثير ويظهر أن أبا نعيمٍ اعتمد صحبته، ولكن جزم البخاريُّ، وكذا أبو حاتمٍ، وابنُ حبان بأنه تابعيٌّ. فالحديث ضعيفٌ لإرساله. ثمَّ أيوب بن بشير العجلي ترجمه ابنُ أبي حاتم (1/ 1/ 242) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو مجهولُ الحال. وقد صرَّح الذهبيُّ بأنه مجهولٌ في "الميزان" (1/ 284) وفي "الضعفاء" وهو الصوابُ وإن ذكره ابنُ حبان في "الثقات" (6/ 58). والغريب أن يقول الحافظ في "التقريب": "صدوق"! وقال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 209): "رجاله موثقون". فلعله يشير بهذا القول إلى ضعف التوثيق في أيوب، وإلا فالهيثميُّ يعتدُّ بتوثيق ابن حبان، بخلاف المعروف عند المحققين. ... 16 - حديثُ أبي رافعٍ، رضي الله عنه. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 319): "وروى النسائىُّ (¬1) من حديث أبي رافعٍ بسندٍ ضعيف أن الذي = ¬

_ (¬1) ولم أقف عليه في "المجتبى".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أتاه بالجريدة بلالُ، ولفظُهُ: "كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جنازةٍ إذ سمع شيئًا في قبرٍ، فقال لبلالٍ: ائتنى بجريدةٍ خضراء ........ الحديث" وعزاه البدر العينى في "العمدة" (3/ 117) لأبى موسى المدينى في "الترغيب والترهيب". قال البدر العينى: "ومنها حديث ميمونة، ذكره ابنُ مندة في "كتاب الطهارة" ومنها حديثُ عثمان رضي الله تعالى عنه عند اللَّالكائى". ... (تنبيهات) * الأوَّلُ: ذهب بعض العلماء إلى أن وضع الجريدة على القبر من خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. منهم أبو سليمان الخطابى رحمه الله فقال في "معالم السنن" (1/ 19 - 20): "وأمَّا قولُه: "لعله يُخفف عنهما ما لم ييبسا" فإنه من ناحية التبرك بأثر النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدًّا لما وقعت به المسألةُ من تخفيف العذاب عنهما, وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس. والعامةُ في كثيرٍ من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهُمْ ذهبوا إلى هذا, وليس لما تعاطوه من ذلك وجهٌ، والله أعلمُ" اهـ. وقال الشيخُ أبو الأشبال رحمه الله في "شرح الترمذيّ" (1/ 103): "وصدق الخطابيُّ، وقد ازداد العامةُ إصرارًا على هذا العمل الذي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لا أصل له، وغلوا فيه، وخصوصًا في بلاد مصر تقليدًا للنصارى، حتى صاروا يضعون الزهور على القبور، ويتهادونها بينهم، فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحيةً لهم، ومجاملة للأحياء، وحتى صارت عادة شبيهةً بالرسمية في المجاملات الدولية، فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدةً من بلاد أوروبا ذهبوا إلى قبور عظمائها، أو إلى قبر من يسمونه بـ "الجندى المجهول" ووضعوا عليها الزهور، وبعضُهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها، تقليدًا للإِفرنج، واتباعا لسنن من قبلهم، ولا ينكرُ عليهم العلماء أشباه العامة، بل تراهم أنفسهم يصنعون ذلك في قبور موتاهم، ولقد علمتُ أنَّ أكثر الأوقاف التي تسمى أوقافًا خيرية موقوفٌ ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع على القبور، وكل هذه بدعٌ ومنكراتٌ لا أصل لها في الدين، لا مستند لها من الكتاب والسنة، ويجبُ على أهل العلم أن ينكروها، وأن يبطلوا هذه العادات ما استطاعوا" اهـ. * قُلْتُ: وممن ذهب إلى الخصوصية شيخنا الألباني حفظه الله تعالى، فقال في كتابه البديع "أحكام الجنائز" (ص /201 - 202): "ويؤيدُ كون وضع الجريد خاصًّا به صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن التخفيف لم يكن من أجل نداوة شقها أمورٌ: 1 - حديث جابر رضي الله عنه، الطويل في "صحيح مسلم" (¬1) وفيه قال صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم: "إنى مررت بقبرين = ¬

_ (¬1) (18/ 144 - 145 نووى)، وأخرجه أبو يعلى (4/ 43، 53).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يعذبان، فأحببتُ بشفاعتى أن يُردَّ عنهما ما دام الغصنان رطبين". فهذا صريحٌ في أنَّ رفع العذاب إنما هو بسبب شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودعائه، لا بسبب النداوة. وسواءٌ كانت قصة جابر هذه هى عين قصة ابن عباس المتقدمة كما رجحه العينى وغيرُهُ، أو غيرها كما رجحه الحافظُ في "الفتح". أما على الاحتمال الأول، فظاهرٌ. وأمَّا على الاحتمال الآخر فلأن النظر الصحيح يقتضي أنْ تكون العلةُ واحدةً في القصتين للتشابه الموجود بينهما، ولأن كون النداوة سببًا لتخفيف العذاب عن الميت مما لا يُعرف شرعًا ولا عقلًا، ولو كان الأمر كذلك لكان أخف الناس عذابًا إنما هم الكفار الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون بالجنان لكثرة ما يزرع فيها من النباتات، والأشجار التي تظلُّ مخضرةً صيفًا وشتاءً! يُضاف إلى ما سبق أنَّ بعض العلماء كالسيوطي قد ذكروا أن سبب تأثير النداوة في التخفيف كونها تسبِّحُ الله تعالى، فإذا ذهبت من العود ويبُس انقطع تسبيحه! فإنَّ هذا التعليل مخالفٌ لعموم قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}. ب - في حديث ابن عباس نفسه ما يشيرُ إلى أنَّ السرَّ ليس في النداوة، أو بالأحرى ليست هى السبب في تخفيف العذاب، وذلك قوله: "ثمَّ دعا بعسيب فشقه اثنين" يعني طولًا. فإنَّ من المعلوم أن شقَّهُ سببٌ لذهاب النداوة من الشقِّ ويُبسه بسرعةٍ، فتكون مدةُ التخفيف أقل مما لو لم يشق، فلو كانت هى العلةُ لأبقاهُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون شقٍّ، ولوضع على كل قبرٍ عسيبًا أو نصفه على الأقلِّ، فإذ لم يفعل دلَّ على أن النداوة ليست هى السبب، وتعيَّن على أنها علامةٌ على مدة التخفيف الذي أذن الله به استجابةً لشفاعة نبيه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما هو مصَرحٌ به في حديث جابرٍ، وبذلك يتفق الحديثان في تعيين السبب، وإن احتمل اختلافهما في الواقعة وتعددها. فتأمل هذا فإنه شىءٌ انقدح في النفس، ولم أجد من نصَّ عليه أو أشار إليه من العلماء. فإنْ كان صوابًا فمن الله تعالى، وإن كان خطأ فهو مني، وأستغفره من كل ما لا يرضيه. جـ - لو كانت النداوة مقصودة بالذات، لفهم ذلك السلفُ الصالح ولعلموا بمقتضاهُ، ولوضعوا الجريد والآس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها, ولو فعلوا لاشتهر ذلك عنهم، ثمَّ نقله الثقاتُ إلينا، لأنه من التي تلفتُ النظر، وتستدعى الدواعى نقله، فإذ لم يُنْقل دلَّ على أنه لم يقع، وأنَّ التقرُّب به إلى الله بدعةٌ، فثبت المرادُ. وإذا تبين هذا، سهل حينئذٍ فهم بطلان ذلك القياسِ الهزيلِ الذي نقله السيوطي في "شرح الصدور" عمن لم يسمه: "فإذا خُفِّف عنهما بتسبيح الجريدة، فكيف بقراءة المؤمن القرآن؟! قال: وهذا الحديث أصلٌ في غرس الأشجار عند القبور. قلت: فيقالُ له: "ثبت العرش ثمَّ انقش"، "وهل يستقيمُ الظلُّ والعودُ أعوجُ؟ " ولو كان هذا القياس صحيحًا لبادر إليه السلفُ, لأنهم أحرص على الخير منا. فدلَّ ما تقدَّم على أن وضع الجريد على القبر خاصٌ به صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، وأنَّ السرَّ في تخفيف العذاب عن القبرين لم يكن في نداوة العسيب بل في شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودعائه لهما. وهذا مما لا يمكنُ وقوعُهُ مرةً أخرى بعد انتقاله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم إلى الرفيق الأعلى، ولا لغيره من بعده صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم, لأنَّ الاطلاع على عذاب القبر من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = خصوصياته عليه الصلاةُ والسلامُ" اهـ. ثمَّ أجاب عن وصية بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بوضع جريدتين في قبره بقوله: "قال الحافظُ في "شرحه": وكأنَّ بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصًّا بذينك الرجلين. قال ابنُ رشيدٍ: ويظهر من تصرُّف البخاريِّ أن ذلك خاصٌ بهما، فلذلك عقبه بقول ابن عمر: إنما يُظلُّهُ عملُهُ. * قُلْتُ: لا شك أنَّ ما ذهب إليه البخارىُّ هو الصوابُ لما سبق بيانُهُ ورأىُ بريدة لا حجة فيه, لأنَّهُ رأىٌ، والحديث لا يدلُّ عليه حتى لو كان عامًّا، فإن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يضع الجريدة في القبر، بل عليه كما سبق، وخيرُ الهدى هديُ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" اهـ. ... الثانى: قد اختلف العلماءُ، هل الرجلان المذكوران في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما كانا مسلمين أو كافرين؟! قال الحافظُ في "الفتح" (1/ 321): "قيل: كانا كافرين، وبه جزم أبو موسى المدينى واحتج بما رواه من حديث جابرٍ بسندٍ فيه ابن لهيعة: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرَّ على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يُعذبان في البول والنميمة ..... " قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بقويٍّ، فمعناه صحيحٌ, لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى تيبُّس الجريدة معنى، ولكنه لما رآهما يُعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه، فشفع لهما إلى المدة المذكورة" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثمَّ قال الحافظُ: "لكن الحديث الذي احتجَّ به أبو موسى ضعيفٌ كما اعترف به، وقد رواه أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ على شرط مسلمٍ وليس فيه سببُ التعذيب، فهو من تخليط ابن لهيعة" اهـ. فردَّ عليه البدر العينى - رحمه الله - في "عمدة القارى" (3/ 121) بقوله: "قلتُ: هذا من تخليط هذا القائل! لأن أبا موسى لم يُصرح بأنه ضعيفٌ، بل قال: هذا حديثٌ حسنٌ وإنْ كان إسنادُهُ ليس بقويٍّ. ولم يعلم هذا القائلُ الفرق بين الحسن والضعيف, لأن بعضهم عدَّ الحسن من الصحيح لا قسيمه، ولذلك يُقال للحديث الواحد أنهُ: "حسنٌ صحيحٌ"، وقال الترمذيُّ: الحسنُ ما ليس في إسناده من يُتهم بالكذب. وعبد الله بن لهيعة المصريُّ لا يُتَّهمُ بالكذب، على أن طائفة منهم قد صححوا حديثه ووثقوهُ، منهم: أحمدُ رضي الله عنه" اهـ. * قُلْتُ: قد تكلَّف العينى رحمه الله غاية التكلُّف في ردِّه على الحافظ رحمه الله حتى أداه القول بأن يصف الحافظ -حامل رواية الحديث- أنه لم يعلم الفرق بين الحسن والضعيف! وقد أجبتُ عن اعتراضه بتوسُّعٍ في "صفو الكدر في المحاكمة بين العينى وابن حجر" وبرأتُ ساحة الحافظ. ولكنى أذكر هنا ما يتعلق بالمقام فقط. والله المستعان. فأقولُ: ما استظهرهُ الحافظ من تخليط ابن لهيعة حقٌّ لا غبار عليه، فقد روى هذا الحديث ثلاثةٌ ممن وقفتُ عليهم لم يذكر واحدٌ منهم "البول والنميمة" كما ذكر ابنُ لهيعة رحمه الله. منهم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 1 - سفيان الثورى. أخرجه ابنُ أبي داود في "البعث" (13 - بتحقيقنا)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر" (225) من طريقين عن سفيان الثوريّ، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرثًا لبنى النجار، فسمع أصواتهم يعذبون في قبورهم، فخرج مذعورًا، فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر". وإسنادُهُ صحيحٌ. 2 - ابنُ جريجٍ. أخرجه أحمدُ (3/ 296)، وعنه ابنُهُ في "السُّنة" (1360) حدثنا عبدُ الرزاق، وهذا في "مصنفه" (3/ 584/ 6742) أنا ابنُ جريجٍ، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه جابر بن عبد الله، يقولُ: دخل النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يومًا نخلًا لبنى النجار، فسمع أصوات رجالٍ من بني النجار ماتوا في الجاهلية يعذبون في قبورهم. فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزعًا، فأمر أصحابه أنْ تعوَّذوا من عذاب القبر". وسندُهُ على شرط مسلمٍ. 3 - موسى بنُ عقبة. أخرجه البزَّار (ج 1/ رقم 871) من طريق ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخلًا لبنى النجار، فسمع أصوات رجالٍ من بني النجار ماتوا في الجاهلية يعذبون في قبورهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزعًا، فلم يزل يتعوذ من عذاب القبر. وسندُهُ حسن. فهؤلاء ثلاثةٌ من الأثبات ذكروا الحديث ولم يذكروا سبب التعذيب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأنه من النميمة والبول كما ذكر ابنُ لهيعة، وأعظمُ ما يعذبُ به هذا الكافر هو كفرُهُ بالله العظيم، فهل يستقيم أن يترك التنبيه على هذا وأنه سبب عذابه، ثم يقال: إنه يعذب من النميمة والبول؟! هذا محالٌ أمَّا قول العينى رحمه الله: "قال الترمذيُّ: الحسن ما ليس في إسناده ..... إلخ". فالجوابُ: أنَّ مثل هذا لا يخفى على من هو أدنى من الحافظ علمًا، فضلًا عنه وهو العلم المفرد في هذا الفن، مع أن قول أبي موسى المدينى: "هو حديثٌ حسنٌ وإنْ كان إسنادُهُ ليس بقويٍّ" يحتمل أكثر من توجيه. فيقال: لعله يقصد بقوله: "حديثٌ حسنٌ" الحسن اللُّغوى لا الاصطلاحى، ويؤيدُهُ نقلُ الحافظ عنه: "هذا وإن كان ليس بقويٍّ، لكن معناه صحيح". وإن اعترض على ذلك بأن الأصل في الإِطلاق هو إرادةُ المعنى الاصطلاحى، فيحتمل أنه أراد أصل الحديث، ولم يُرد هذه الجملة التي انفرد بها ابنُ لهيعة، وهذا ظاهرٌ جدًّا -إنْ شاء الله تعالى-، ولم يذكر العينى متابعات لابن لهيعة تؤيد دعواه، مع حرصه على تعقب الحافظ وبيان خطئه عنده، فدلَّ ذلك على أنها مجرد دعوى، وهي لا تقبل في محلِّ النزاع. أما تقوية البدر العينى لابن لهيعة وترجيح توثيقه بغضِّ النظر عما قيل فيه فهذا كما يقول القائلُ: "تخديشٌ في الرُّخام"!! وقد اضطرب رأىُ العينى في ابن لهيعة وانظر هذه المواضع من "عمدة القارى" (6/ 234، 235 و 9/ 211، 214 و 10/ 107، 239 و 11/ 234 و 25/ 44) وانظر تمام البحث في "صفو الكدر" وهو على وشك التمام والحمد لله. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وجزم ابنُ العطار في "شرح العمدة" بأنهما كانا مسلمين، وقال: لا يجوزُ أنْ يقال إنهما كانا كافرين, لأنهما لو كانا كافرين لم يدعُ لهما بتخفيف العذاب ولا ترجاه لهما, ولو كان ذلك من خصائصه لبينُه يعني كما في قصة أبي طالبٍ" اهـ. * قُلْتُ: وهذا هو الحقُّ الذي لا محيد عنه - إنْ شاء الله تعالى -. ورجحه الحافظ بقوله: "هو الجوابُ". ويدلُّ على أنهما كانا مسلمين عدَّةُ أمورٍ: * الأول: أنهما مدفونان في البقيع. يدل عليه حديث أبي أمامة المتقدم، وفيه: "فلمَّا مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دفنوا فيهما رجلين ...... الحديث" ومعلومٌ أن البقيع مقبرةٌ لأموات المسلمين. * الثانى: أنهما قد دُفنا حديثًا في زمان النبوة، وليس في عهد الجاهلية. يدلُّ عليه حديث ابن عباس المتقدم، وفيه "مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبرين جديدين ....... " وفي حديث أبي أمامة المتقدم ما يدلُّ على ذلك، وهو قولهُ عليه الصلاةُ والسلامُ: "من دفنتم ههنا اليوم؟ ". * الثالث: يقوى كونهما كانا مسلمين ما جاء في حديث أبي بكرة المتقدم وفيه: " ... يعذبان، وما يعذبان في كبير ... " و"بلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول" قال الحافظُ: "فهذا الحصر ينفى كونهما كانا كافرين, لأنَّ الكافر وإنْ عُذب على ترك أحكام الإِسلام فإنه يُعذب مع ذلك على الكفر بلا خلافٍ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = التنبيه الثالثُ: قولُهُ: "وما يعذبان في كبير" ليس معناه أنهما يعذبان في أمرٍ صغيرٍ. قال البغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 371): "معناه: أنهما لم يُعذبا في أمرٍ كان يكبُر ويشُقُّ عليهما الاحتراز عنه، لأنه لم يكن يشُقُ عليهما الاستتار من البول، وترك النميمة، ولم يُرد أن الأمر فيهما هيَّنٌ غير كبيرٍ من الدين، بدليل قوله: "وإنه لكبير" اهـ وقد عدَّ المصنفون في "الكبائر" كالذهبى وابن حجر الهيثمي الفقيه هذين الفعلين منهما. فقنا اللَّهم عذاب القبر إنك جوادٌ كريمٌ. ***

باب البول فى الإناء

باب الْبَوْلِ فِى الإِنَاءِ 32 - أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَزَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَتْنِى حُكَيْمَةُ بِنْتُ أُمَيْمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ قَالَتْ كَانَ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ يَبُولُ فِيهِ وَيَضَعُهُ تَحْتَ السَّرِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 32 - إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ، وَهُوَ حَسَنٌ بِمَا بَعْدَهُ. * أيوبُ بن محمد الوزَّان أبو محمد الرقيّ. أخرج له أبو داود، وابنُ ماجة. روى عنه المصنِّفُ (10) أحاديث، ووثقه هو وابنُ حبان وقال يعقوبُ بنُ سفيان: "لا بأس به". وقال الخطيبُ: "حديثُهُ كثيرٌ مشهورٌ". * حجاج، هو ابن محمد الأعور. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ نبيلٌ. أثنى عليه أحمدُ، وكان يرفع أمرهُ جدًّا. ووثقه ابنُ المدينى، ومسلمٌ، والنسائيُّ، والعجليُّ في آخرين. وقيل: إنه اختلط، ولا يصح ذلك. وقد رأيتُ لبعض أفاضل عصرنا (¬1) وهمًا شديدًا في هذا. = ¬

_ (¬1) هو الشيخ عبد القادر بن حبيب السندى في رسالته "الحجاب".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فذكر رواية لابن جرير من طريق حجاج الأعور، عن ابن جريجٍ ثمَّ قال: "إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا لثلاث عللٍ خطيرة! ... * الثانية: ضعف حجاج بن محمد الأعور المصيصى، واختلاطه اختلاطًا فاحشًا. قال الإِمامُ الذهبيُّ: قال إبراهيمُ الحربى: لما قدم حجاج بغداد آخر مرةٍ اختلط، فرآه ابن معين يخلط، وقال لابنه: لا تدخل عليه أحدًا، ولذا كان تلميذُهُ سنيد بن داود يُلقِّنُهُ" اهـ. * قُلْتُ: وقد أخطأ هذا الفاضل في إطلاق الضعف على حجاج الأعور فقد قال الحافظ في تلخيص حاله: "ثقةٌ ثبتٌ، لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته" وقال الذَّهبيُّ في "الكاشف" (952): "قال أحمدُ: ما كان أضبطه وأشدَّ تعاهده للحروف، ورفع أمره جدًّا. وقال أبو داود: "بلغني أن ابن معين كتب عنه نحوًا من خمسين ألف حديث، توفي سنة (206) " اهـ. * قُلْتُ: ووثقه ابن المدينى، والنسائي في آخرين كما تقدَّم، ولم أر أحدًا أطلق فيه الضعف كم فعل هذا الفاضل. فإن قال: إنه اختلط. قُلْنا: الاختلاط لا يعني الضعف. وعندنا أبو إسحاق السبيعى كان اختلط، وكذلك عطاء بنُ السائب وجماعةٌ آخرون، ما يُقال في أحدهم أنه ضعيفٌ، وإنما يقال: "اختلط". والفرقُ واضحٌ ذلك أن "الضعيفَ" ينزل حديثه مهما كان الراوى عنه، بخلاف المختلط فإن حديثه يصحّ إن كان الراوى عنه ممن سمع منه حال الصحة. ثمَّ إن الشيخ الفاضل قد هوّل حقًّا في وصف اختلاط حجاج، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فقال: "اختلط اختلاطًا فاحشًا"! فأنا حتى الساعة أُفتِّشُ فما وقعت بأحدٍ يُعتمد عليه قال هذه العبارة .. هذا كلُّه على افتراض أنه اختلط، فكيف ودعوى اختلاطه ضعيفة. إنما الصواب أنه تغيَّر فقط كما قال ابنُ سعد. والتغيُّر أمر يسيرٌ يحدث لمثل شعبة وسفيان وأكابر الحفاظ ولننظر في دعوى الاختلاط. نقل الشيخُ عبدُ القادر عن "ميزان الذهبيِّ" أنه قال: "قال إبراهيمُ الحربيُّ: لما قدم حجاجٌ ...... إلخ". * قُلْتُ: ولم يكن دقيقًا في النقل، إنما فيه: "روى إبراهيمُ الحربيُّ، أخبرني صديقٌ لي، قال: لما قدم حجاج .... " والفرق بينهما شاسعٌ، كما يأتي ذكرُهُ. أما دعوى الاختلاط، ففي "تهذيب الكمال" (5/ 456): "قال إبراهيم الحربي: أخبرني صديقٌ لي، قال: لما قدم حجاجٌ الأعور آخر قدمةٍ إلى بغداد خلَّط، فرأيت يحيى بن معين عنده، فرآه يحيى خلَّط، فقال لابنه: لا تُدْخِلْ عليه أحدًا. قال: فلما كان بالعشي دخل الناس، فأعطوه كتاب شعبة، فقال: حدثنا شعبة، عن عمرو ابن مرة، عن عيسى ابن مريم، عن خثيمة، عن عبد الله. فقال له رجلٌ: يا أبا زكريا! عليُّ بن عاصم حدَّث عن ابن سوقة، عن إبراهيم عن الأسد، عن عبد الله، عِبْتُمْ عليه، وهذا حدَّث عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عيسى ابن مريم، عن خيثمة، فلم تعيبوا عليه؟! قال: فقال لابنه: قد قلتُ لك" اهـ. * قُلْتُ: أمَّا الفرقُ بين هذا النقل ونقل الشيخ عبد القادر فهو =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أن الذي حكى هذه الحكاية صديقٌ لإِبراهيم الحربيّ لا نعرف عينه، ولا صفته، فلا نعتدُّ بروايته. أمَّا الشيخُ عبدُ القادر فإنه ألصق الحكاية بإبراهيم الحربيّش كأنه راويها! ثمَّ على فرض أن صديق إبراهيم الحربى كان ثقةً، لما كان في الحكاية دليلٌ على أنه حدَّث حال الاختلاط. ذلك أن يحيى بن معين سمع من حجاجٍ شيئًا، فرآه خلَّط فيه، فقال لابنه لا تُدْخِلْ عليه أحدًا. ولكن الناس دخلوا في العشيِّ، فلم يُحدث إلا بذاك. الإِسناد الذي فيه: "عيسى بن مريم"! فأنكرهُ الناسُ، فقال يحيى لابنه: قد قلتُ لك. فالظاهر أن المجلس انقطع -كما قال الشيخ المعلمى في "التنكيل" (1/ 226) - وحجبوا حجاجًا حتى مات، فلم يسمع منه أحدٌ في الاختلاط. ولذلك لم يذكر الذهبيُّ شيئًا عن اختلاطه أصلًا فيما ذكره في "الكاشف" ونقلتُهُ قريبًا. ومما يؤكد هذا الفهم عن الذَّهبيِّ أنه ذكر حكاية الاختلاط في "سير النبلاء " (9/ 449) وقال: "قلتُ: كان من أبناء الثمانين، وحديثُهُ في دواوين الإِسلام، ولا أعلمُ له شيئًا أُنْكر عليه، مع سعة علمه". * قُلْتُ: فهذا من الذهبيِّ يؤكدُ أن حجاجًا ما حدَّث بحديثٍ حال اختلاطه، لذلك لم ينكر عليه شيئًا. وجرت العادةُ أن من حدَّث حال اختلاطه أنَّ ذلك يشيع ويُعْرفُ. ويدلُّ على أن دعوى الاختلاط واهيةٌ أنَّ الحفاظ الأكابر مثل أحمد، وابن معين، وابن المدينى، والنسائيّ وغيرهم لم يذكروا هذا الاختلاط أصلًا، ولم يروا ضرورة إلى أن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يشيعوا اختلاط حجاجٍ وبيان تاريخه بل كانوا يوثقونه، لعلمهم أن ما بأيدى الناس من روايته كان في حال تمام ضبطه. وأمَّا ما قاله ذاك الرجل ليحيى بن معين في عيبهم علمًا عليِّ بن عاصم خطأه، وتركهم العيب علمًا حجاجٍ مع أن خطأه أفحش، فوجهُهُ أنَّ عليَّ بن عاصمٍ كان كثير الخطأ، فلم يكن هذا بأول غلط يقع منه، وكانوا ينكرون عليه من قديمٍ، ومع ذلك فكان فيه لجاجُ ولا يرجع عن خطأٍ أخطأهُ، وكان يحتقر الحفاظ، فيكون أولى بالنكير الدائم. أما حجاجُ بن محمدٍ فمع ثقته وضبطه فلم يقع منه أمام الناس غير هذا الخطأ علمًا ما يظهر مع سعة روايته، فلم يستحقّ النكير. وهذا واضحٌ جليٌّ. فننفصل في نهاية هذا البحث على إثبات ثقة حجاجٍ الأعور، وأنه لم يختلط، وإنما تغير فقط، وهر تغير لا يضرُّ كما قال الذهبيُّ في "السير" (9/ 449). أما تلقين سنيد له فلا يثبُتُ له أيضًا. وسنيد كان ممن سمع من حجاجٍ قديمًا حال حفظه وضبطه. والله أعلمُ. * ابنُ جريجٍ، اسمه عبد الملك بن عبد العزيز. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ لكنه مدلسٌ. قال الدارقطنيُّ: "تجنب تدليس ابن جريجٍ، فإنه قبيحُ التدليس، لا يدلسُ إلا فيما سمعه من مجروحٍ مثل إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة وغيرهم". وقد ذكر الشيخ عبد القادر بن حبيب في "رسالته في الحجاب" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هذا النص عن الدارقطنيّ في شأن ابن جريج، وقال: "وابنُ جريجٍ متهمٌ بتدليس التسوية الذي هو شرُّ أنواع التدليس" فهذه هفوةٌ ظاهرة! فمَنْ مِنَ النَّاسِ اتَّهم ابْنَ جريجٍ بأنه كان يدلسُ تدليس التسوية؟! إنما كان يدلسُ التدليس المعتاد كالأعمش وغيره، فإن صرَّح بالتحديث عن شيخه، فلا كلام. وعليه جرى أئمةُ الحديث قديمًا وحديثًا، ولو كان يدلسُ التسوية لاحتجنا أن يصرح في كل طبقات السند كما هو الشأن مع الوليد بن مسلم، وبقية بن الوليد، ومحمد بن مصفى وغيرهم ولم يشترط أحدٌ هذا في رواية ابن جريجٍ فيما أعلمُ. * حكيمة بنْتُ أميمة لا تعرفُ كما قال الحافظ في "التقريب". وقال الذهبيُّ في "الميزان": "تفرَّد عنها ابنُ جريجٍ". وهذا يدلُّ على أنها مجهولةُ العين. ولا اعتداد بذكر ابن حبان لها في "الثقات" (4/ 195). * وأميمةُ بنتُ رقيقة صحابيةٌ وهي بنت عبد الله بن بجاد بن عمير. وهي غير أميمة بنت رقيقة الثقفية. والحديثُ أخرجهُ أبو داود (24)، وابنُ حبان (141)، والحاكم (1/ 167)، والبيهقيُّ (1/ 99)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 388) من طُرُقٍ عن حجاج ابن محمدٍ بسنده سواء. قال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيحُ الإِسناد، وسنةٌ غريبةٌ". ووافقه الذهبيُّ!! * قُلْتُ: وهذا من تساهلهما، ولا سيما الذهبيِّ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد تقدم ذكر علة الحديث وهي جهالة حكيمة بنت أميمة. ومثلُهُ قول النووي في "المجموع" (2/ 92): "رواه أبو داود، والنسائي، والبيهقيُّ، ولم يُضعِّفُوهُ"!!

البول فى الطست

الْبَوْلُ فِى الطَّسْتِ 33 - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَزْهَرُ أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَوْصَى إِلَى عَلِىٍّ لَقَدْ دَعَا بِالطَّسْتِ لِيَبُولَ فِيهَا فَانْخَنَثَتْ نَفْسُهُ وَمَا أَشْعُرُ فَإِلَى مَنْ أَوْصَى قَالَ الشَّيْخُ أَزْهَرُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 33 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * أزهرُ هو ابنُ سعد السَّمان، أبو بكر الباهليُّ البصريُّ. أخرج له الجماعة إلا ابن ماجة. وثقهُ ابنُ معينٍ، وابنُ سعدٍ، وابنُ شاهين. وقال ابْنُ معينٍ: "لمْ يكُنْ أحدٌ أثبت من أزهر في ابْنِ عونٍ". والغريبُ أن يورده أبو العرب الصيقلىُّ في "الضعفاء" لمن لأجل كلمة قالها الإِمامُ أحمد فيه. قال: "ابنُ أبي عديٍّ أحبُّ إليَّ من أزهر". قال الحافظ: "ليس هذا بجرحٍ يوجبُ إِدخاله في الضعفاء". * ابنُ عونٍ، هو عبد الله، أبو عون البصريُّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ نبيلٌ جليلٌ. وثقه أبو حاتم، وابنُ سعدٍ، والنسائي وزاد: "مأمونٌ ثبتٌ" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والعجليُّ، في آخرين. وقال ابن معين: "ثبتٌ". وقال ابن حبان: "كان من سادات أهل زمانه عبادةً وفضلًا وورعًا، ونُسُكًا، وصلابةً في السُّنة، وشدةً على أهل البدع". وقال قُرَّةُ: "كنا نتَعجَّبُ من ورع ابن سيرين، فأنساناهُ ابنُ عونٍ". ومناقبُهُ كثيرةٌ جدًّا، رحمه الله ورضى عنه. * إبراهيمُ هو ابن يزيد النخعيُّ. أخرج له الجماعةُ. قال الأعمش: "كان إبراهيمُ صيرفى الحديث". وأثنى عليه الأئمةُ خيرًا، ومات وهو مختفٍ من الحجاج. * الأسود هو ابن يزيد النخعيُّ. خالُ إبراهيم. وثقهُ أحمدُ، وابنُ معين، والعجليُّ، وابنُ حِبَّان. ... والحديث أخرجه البخاريُّ (5/ 356 و 8/ 148 - فتح)، ومسلمٌ (11/ 89 - نووى) والمصنِّفُ -ويأتي في "كتاب الوصايا" (6/ 241)، والترمذيُّ في "الشمائل" (368)، وابنُ ماجة (1626)، وأحمد (6/ 32)، وابنُ خزيمة (1/ 36 - 37)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1 / رقم 274)، والبيهقيُّ في "السنن" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (1/ 99)، وفي "الدَّلائل" (7/ 226) من طرقٍ عن ابن عونٍ، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة به. وقد رواه عن ابن عونٍ جماعةٌ منهم: "أزهر السمان، وابنُ عُليَّةَ، وسليم بنُ أخضر، وحمادُ بْنُ زيدٍ". قال النوويُّ في "المجموع" (2/ 92): "هذا حديثٌ صحيحٌ". (تنبيه) أخرج الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 3 / رقم 2098) قال: حدثنا أحمدُ (¬1)، قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم البغويُّ، قال: حدثنا يحيى بنُ عبّاد أبو عباد، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحق، عن بكر بن ماعز، قال: سمعت عبد الله بن يزيد مرفوعًا: "لا يُنْقَعُ بولٌ في طَسْتٍ في البيت، فإن الملائكة لا تدخُلُ بيتًا فيه بولٌ يُنقع، ولا تبولنَّ في مغتسلك". وأخرجه الحاكم أيضًا. قال الطبرانيُّ: "لا يروى عن ابن يزيد إلا بهذا الإِسناد، تفرد به يحيى بن عباد". * قُلْتُ: وهو صدوقُ، وقد تكلم فيه بعضُهم بما لا يضرُّهُ. وجوَّد إسناد هذا الحديث الشيخ وليُّ الدين أبو زرعة بن العراقي في "شرح سنن أبي داود". وحسنهُ الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 204)، وسبقه المنذريُّ إلى ذلك في "الترغيب" (1/ 136) وقال الحاكمُ: "صحيحُ الإِسناد". فهذا الحديث لا يتعارض مع حديث الباب؛ لأن البول في الطست أو الإِناء ليلًا ثم إراقتُهُ بعد ذلك ليس فيه معنى النقع الذي يطولُ = ¬

_ (¬1) هو أحمد بن زهير التستريُّ، وهو ثقة حافظ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مكثه، فتزداد رائحتُه نتنًا، فيتأذى منه الحيُّ وقد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم". أخرجه الشيخان وغيرهما. ويأتي تخريجه في "كتاب المساجد" إنْ شاء الله تعالى. ***

كراهية البول فى الجحر

كَرَاهِيَةُ الْبَوْلِ فِى الْجُحْرِ 34 - أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَنْبَأَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى جُحْرٍ». قَالُوا لِقَتَادَةَ وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ فِى الْجُحْرِ قَالَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 34 - إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ. * معاذُ بْنُ هشام هو وابن أبي عبد الله الدستوائى البصريُّ. أخرج له الجماعةُ. وثقهُ ابنُ معينٍ في روايةٍ، وابنُ قانعٍ وزاد: "مأمونٌ" وضعّفه ابنُ معين في روايةٍ أخرى فقال: "ليس بذاك القويّ". وقال مرةً: "صدوق وليس بحجةٍ". ولخص ابنُ عديٍّ حاله، فقال: "ولمعاذ عن أبيه، عن قتادة حديثٌ كثيرٌ. وله عن غير أبيه أحاديثُ صالحة، وهو ربما يغلطُ في الشىء بعد الشىء، وأرجو أنه صدوقٌ". * وأبوهُ، هو هشام الدستوائيُّ الإِمامُ العَلَمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد وثقه خلقٌ كثيرون. قال الطيالسيُّ: "هشام الدستوائى أميرُ المؤمنين في الحديث". * قتادة، هو وابنُ دعامة السدوسيُّ. أحدُ الجبال الرواسى في الحفظ، على تدليسٍ يقعُ منه. وقد تكلم أحمدُ في سماعه من ابن سرجس. ففي "المراسيل" (ص - 517) لابن أبي حاتم: "قال أحمد: "ما أعلمُ قتادة روى عن أحدٍ منِ الصحابة غير أنسٍ. قيل له: فابنُ سرجس؟ فكأنه لم يره سماعًا". أمَّا الحاكمُ، فقد تغيّر اجتهادُهُ في ذلك. فقال في "علوم الحديث" (ص- 111): "لم يسمع من صحابيٍّ غير أنس". وقال في "المستدرك" (1/ 186): "ولعلَّ متوهمًا يتوهمُ أن قتادة لم يذكر سماعهُ من عبد الله بن سرجس؟ وليس هذا بمستبعدٍ. فقد سمع قتادةُ من جماعةٍ من الصحابة، لم يسمع منهم عاصم بن سليمان الأحول. وقد احتج مسلمٌ بحديث عاصمٍ، عن عبد الله بن سرجس، وهو من ساكنى البصرة". اهـ. وقد صحَّح سماعه أبو حاتم وأبو زرعة. قال أبو حاتمٍ: "لم يلْق أحدًا من الصحابة غير أنس، وعبد الله بن سرجس". وأفاد الحافظ في "التلخيص" (1/ 116) أنَّ عليَّ بن المدينى أثبت سماعه منه، وصححه ابنُ خزيمة وابنُ السكن وهو المترجح. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والحديث أخرجه أبو داود (29)، وأحمدُ (5/ 82)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (34) وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1 / رقم 267)، والحاكم (1/ 186)، والبيهقى (1/ 99)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 385) من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن ابن سرجس به. قال الحاكمُ: "صحيحٌ على شرط الشيخين" ووافقه الذهبيُّ! * قُلْتُ: يمنعُ من صحة الحديث عنعنةُ قتادة. فقد وصفه غيرُ واحدٍ بالتدليس، ولم يصرح بتحديثٍ. وقد تقرر في "الأصول" أنَّ المدلس إذا عنعن عن شيخٍ لا يرتابُ أحدٌ في سماعه منه، فإنَّه لا يُقبلُ منه، لاحتمال أنه دلَّسهُ عنه، فكيف إذا كان في سماعه من شيخه كلامٌ أصلًا؟ فلا يطمئن القلب لتصحيح هذا الإِسناد. والله أعلم. وبما تقدَّم من التحقيق تعلم ما في قول الشوكاني في "السيل الجرار" (1/ 66): "إسنادُهُ صحيحٌ، وكلُّ رجاله ثقات"! وسبقه النوويُّ، فقال في "المجموع" (2/ 85): "حديثٌ صحيحٌ، رواه أحمد ..... بالأسانيد الصحيحة" اهـ. فقوله: "بالأسانيد الصحيحة" فيه نظر، فليس له إلا هذا الإِسناد عند من ذكرهم. وقد رأيتُ النووي -رحمه الله- يُكثر من هذه العبارة، مع أن الإِسناد واحدٌ، فلينتبه لذلك. وعزاه الهيثميُّ (8/ 111) للطبراني وأحمد وقال: "رجالُ أحمد رجال الصحيح". وليس في هذا تصحيحٌ للإِسناد كما لا يخفى. =

النهي عن البول فى الماء الراكد

النَّهْيُ عَنِ الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ 35 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 35 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * اللَّيْثُ بنُ سعدٍ، الإِمام المصريُّ العَلَمُ. أخرج له الجماعةُ، وهو فحلٌ جدًّا. وثقه ابنُ معين، وأحمد وزاد: "ثبتٌ" والنسائي، وابنُ سعدٍ، والعجليُّ في آخرين يطول ذكرُهُم. وقال الشافعيُّ: "اللَّيثُ أفقهُ من مالكٍ، إلا أن أصحابه لم يقوموا به". * أبو الزبير المكيُّ، اسمه محمد بن مسلم بن تدرُس وهو ثقةٌ، غير أنه كان مدلسًا. قال الذهبيُّ في "الميزان": "وفي صحيح مسلمٍ" عدة أحاديث مما يوضح أبو الزبير السماع من جابرٍ وهي من غير طريق الليث عنه، ففي القلب منها شىءٌ". وسببُ ذلك ما حكاهُ سعيد بنُ أبي مريم، عن الليث قال: "قدمتُ مكة، فجئتُ أبا الزبير فدفع إليَّ كتابين. فانقلبتُ بهما، ثمَّ قلتُ في نفسى: لو عاودتُه فسألتُه هل سمع هذا كلَّهُ من جابرٍ؟. فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حُدِّثْتُ عنه! فقلتُ: أعلم لي على ما سمعت، فأعلم على هذا الذي عندي". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وسندُ هذه الحكاية صحيحٌ. قال ابنُ حزمٍ في "المحلى" (7/ 396): "فما لم يكن من رواية اللَّيْث عن أبي الزبير، ولا قال فيه أبو الزبير أنَّهُ أخبره به جابرٌ، فلم يسمعه من جابرٍ بإقراره". وكرَّر ابنُ حزم هذا القول في مواضع من "المحلَّى". انظر (9/ 11 و 10/ 33). ... والحديث أخرجه مسلمٌ (3/ 187 - نووى) وأبو عوانة (1/ 216)، وابنُ ماجة (343)، وأحمدُ (3/ 350) وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 18/ 2 - 19/ 1) وابنُ حبان (ج 2 رقم 1247)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1 رقم 265)، والبيهقيُّ (1/ 97) من طرقٍ عن اللَّيْث لابن سعد، عن أبي الزبير، عن جابرٍ به. وقد رواه عن الليث جماعةُ، منهم: "قتيبة بن سعيد، ويحيى بن يحيى، ويزيدُ بْنُ موهب، ومحمدُ بْنُ رمح، وعبد الله بن يزيد المقرى، وشعيبُ بنُ الليث، ويونس بنُ محمدٍ المؤدبُ، وحجين بن المثنى". وقد توبع اللَّيثُ عليه. تابعه جماعةٌ: 1 - ابنُ لهيعة، ثنا أبو الزبير به. أخرجه أحمد (3/ 341). 2 - محمد بن سوقة، عن أبي الزبير. أخرجه أبو نُعيم في "الحلية" (5/ 14). 3 - الأوزاعيُّ، عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه الخطيب في "التاريخ" (4/ 252). 4 - عباد بن كثير، عنه. أخرجه أبو نُعيم أيضًا (8/ 72). 5 - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عنه. أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 18/ 2 - 19/ 1) قال: نا يعقوب بن إبراهيم، عن ابن أبي ليلى به. وابنُ أبي ليلى سيىء الحفظ جدًّا. وله شاهدٌ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ويأتي برقم (57) إنْ شاء الله تعالى.

كراهية البول فى المستحم

كَرَاهِيَةُ الْبَوْلِ فِى الْمُسْتَحَمِّ 36 - أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى مُسْتَحَمِّهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 36 - إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ، وَهُوَ حَديْثٌ حَسَنٌ. * أشعث هو وابنُ عبد الله الأعمى. ووقع في "المطبوعة" من "السنن": "أشعث بن عبد الملك" وهو خطأ لا أدرى ممن؟ فقد رأيتُهُ بذات السند في نسخةٍ مخطوطةٍ للسنن وفيها: "أشعث بن عبد الله"، وهو كذلك عند من أخرج الحديث. والله أعلمُ. وثقه ابنُ معينٍ، والنسائيُّ. وقال أحمدُ: "لا بأس به". وقال البزَّارُ: "ليس به بأسٌ، مستقيمُ الحديث". أمَّا العقيليُّ، فإنه أورده في "الضعفاء" (1/ 29) وقال: "في حديثه وهمٌ". فردَّهُ الذهبيُّ بقوله: "قولُ العقيليِّ "في حديثه وهم"، ليس بمُسلَّمٍ إليه، وأنا أتعجب كيف لم يُخرج له البخاريُّ ومسلمٌ". * الحسن، هو البصريُّ، الإِمامُ الزاهدُ العَلَمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرج له الجماعة، وأثنى عليه كافةُ الناس. غير أنه كان مدلسًا. ولم أر أحدًا تكلم في سماعه من عبد الله بن المغفل، وقد صرَّح أحمدُ وأبو حاتمٍ بسماعه منه، كما في "المراسيل" (ص- 45) غير أنه لم يصرح بسماعٍ. ... والحديثُ أخرجه أبو داود (27)، والترمذيُّ (21)، وابنُ ماجة (304)، وأحمد (5/ 56)، والبخاريُّ في "التاريخ الصغير" (2/ 23)، وابنُ أبي شيبة (1/ 112) وعبد الرزَّاق (978)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (35)، وابنُ حبان (ج2/ رقم 1252)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج1/ رقم 268)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (1/ 29)، والحاكم (1/ 167، 185)، والبيهقيُّ (1/ 98)، والضياء في "المختارة"، من طرق عن معمر، عن أشعث ابن عبد الله، عن الحسن، عن عبد الله بن المغفل (¬1) به. قال الترمذيُّ: "هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه مرفوعًا، إلا من حديث أشعث بن عبد الله". قال الحافظ في "الفتح" (8/ 588): = ¬

_ (¬1) وأخرجه البخاري (8/ 587 - فتح) معلقًا ووصله ابنُ أبي شيبة (1/ 112) والحاكم (1/ 185) من طريقين عن قتادة، عن عقبة بن صهبان، قال: سمعتُ عبد الله بن المغفل يقول: "البول في المغتسل يأخذ منه الوسواس". وسنده صحيحُ موقوف. وقد رواه عن قتادة شعبة، وسعيد بن أبي عروبة. وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبىُّ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وتُعُقِّبَ -يعني الترمذيّ- بأن الطبريَّ أخرجه من طريق إسماعيل بن مسلم، عن الحسن أيضًا. وهذا التعقُّبُ واردٌ على الإِطلاق، وإلَّا فإسماعيل ضعيفٌ" اهـ. وقال الحاكمُ: "صحيحٌ على شرط الشيخين" ووافقه الذهبيُّ! * قُلْتُ: لا، وأشعث لم يخرج له مسلمٌ شيئًا، وأما البخاريُّ فأخرج له تعليقًا، فلا يكون على شرط واحدٍ منهما. وقال النوويُّ في "المجموع" (2/ 91): "حديثٌ حسنٌ". ... قال التَّرمذيُّ: "وفي الباب عن رجُلٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله ومسلم". * قُلْتُ: يأتي تخريجه برقم (238) إن شاء الله تعالى. وله شاهدٌ أيضًا من حديث عبد الله بن يزيد. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 3 / رقم 2098) عنه وفيه: " .... ولا تبولن في مغتسلك". وسندُهُ حسنٌ كما قال المنذريُّ في "الترغيب"، والهيثميُّ في "المجمع"، وجوَّد إسناده أبو زرعة بن العراقي في "شرح سنن أبي داود". وانظر الحديث (رقم 33) فقد مرّ فيه الكلام على هذا الحديث، والحمد لله.

السلام على من يبول

السَّلاَمُ عَلَى مَنْ يَبُولُ 37 - أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ وَقَبِيصَةُ قَالاَ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 37 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * محمود بْنُ غيلان، أبو أحمد المروزيُّ الحافظ، نزيلُ بغداد أخرج له الجماعة، غير أبي داود. وثقهُ المصنِّفُ، وروى عنه (79) حديثًا، وابنُ حبان، ومسلمة ابنُ قاسمٍ. وقال أحمدُ: "أعرفُهُ بالحديث، صاحبُ سُنَّةٍ، قد حُبس بسبب القرآن". * زيد بنُ الحُباب هو ابن الريان. أخرج له مسلمٌ، وأصحابُ السنن. وثقهُ ابنُ معين، وعليُّ بنُ المدينى، وأحمدُ بنُ صالح، والعجليُّ في آخرين أمَّا قولُ ابن معين: "كان يقلبُ حديث الثوريّ". فقد أجاب عنه ابنُ عديٍّ بقوله (3/ 1066): "والذي قاله ابنُ معين أن أحاديثه عن الثورى مقلوبة إنما له عن الثورى أحاديثُ تشبه بعض تلك الأحاديث، تستغربُ بذلك الإِسناد، وبعضُه يرفعه، ولا يرفعه غيرُهُ، والباقى عن الثورى، وعن غير =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الثورى مستقيمةٌ كلُّها". * قبيصة هو ابنُ عقبة بن محمد، أبو عامر الكوفيُّ. أخرج له الجماعةُ. وثقهُ أحمدُ، وابنُ معين، وأبو حاتمٍ، وابنُ سعدٍ في آخرين. وقد تكلموا في روايته عن الثورىّ. قال ابنُ معين: "قبيصة ثقةٌ في كل شيءٍ، إلَّا في حديث سفيان، فإنه سمع منه وهو صغير". وقال حنبلُ: "قلتُ لأبي عبد الله -يعني الإِمام أحمد- فما قصةُ قبيصة في سفيان؟ فقال: كان كثير الغلط. قلتُ: فغيُر هذا؟ قال: كان صغيرًا لا يضبطُ. وقال الفريابي: "رأيتُ قبيصة عند سفيان صغيرًا". وقال صالحُ بنُ محمدٍ: "تكلموا في سماعه من سفيان". * قُلْتُ: أمَّا سماعُهُ من سفيان وهو صغيرٌ، فقد حكى قبيصةُ عن نفسه أنه جالس سفيان، وهو ابنُ ست عشرة سنة، فمثله لا يكون صغيرًا إذا قيس بغيره، وصحةُ السماع إنما تقاس باعتبار التمييز كما عليه الجمهور. وقد حكى الخطيبُ في "الكفاية" أنه سُئل عن صحة سماع الصغير, فقال: إذا عقل وضبط. فذُكر له عن رجلٍ أنه قال: لا يجوز سماعُهُ حتى يكون له خمس عشرة سنة , لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ردَّ البراء وابن عمر, لأنه استصغرهما يوم بدر، فأنكر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هذا القول، وقال: بئس القولُ! فكيف يصنع بسفيان، ووكيع ونحوهما. وأسند الخطيبُ أيضًا عن ابن معين أنه اعتبر صحة السماع عندما يبلُغُ خمس عشرة سنة. وقد قال أبو حاتمٍ: "لم أر من المحدثين من يحفظ، ويأتي بالحديث على لفظٍ واحدٍ لا يُغيِّرُهُ سوى قبيصة وأبى نُعيم في حديث الثوريّ". وناهيك بهذا القول من مثل أبي حاتمٍ. وقال الفضل بن سهلٍ الأعرجُ: "كان قبيصة يحدثُ بحديث الثوريّ على الولاء (¬1) درسًا درسًا حفظًا" وقد احتج الجماعةُ بحديث قبيصة عن سفيان، وهذا يدلُّ على عدم اعتبار هذا جرحًا، وهو الحقُّ. وكأنَّ المصنِّفَ - رحمه الله - قرن قبيصة وزيدًا لأجل هذا الكلام. ... * الضحاك بن عثمان هو ابنُ عبد الله بن خالد الأسديُّ أخرج له مسلم وأصحابُ السنن. ووثقه أحمدُ، وابنُ معين، وابنُ المدينى، وأبو داود، ومصعبُ الزبيريُّ، وابنُ سعدٍ في آخرين. وقال أبو زرعة: "ليس بالقويّ". وقال أبو حاتمٍ: "يُكتبُ حديثُهُ ولا يحتجُّ به، وهو صدوقٌ". = ¬

_ (¬1) أي متتابعًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وللحديث طرقٌ عن نافعٍ. 1 - الضحاك بن عثمان، عنه. أخرجه مسلمٌ (4/ 65 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 216)، وأبو داود (16)، والترمذيُّ (90)، (2720)، وابنُ ماجة (353)، والشافعيُّ في "الأم" (1/ 51)، وابنُ خزيمة (1/ 40)، وابنُ الجارود (38)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 85)، والسَّهْميُّ في "تاريخ جُرْجان" (ص - 149)، والبيهقيُّ (1/ 99) من طرقٍ عن سفيان، عن الضحاك بن عثمان به. قال الترمذيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وقد رواه عن الثورى جماعةٌ، منهم: "عبيدُ اللهُ بنُ موسى، وأبو أحمد الزبيرى واسمه محمد بن عبد الله ابن الزبير، وعبد الله بن نمير، وقبيصة، وزيد بنُ الحباب، ومحمد بن يوسف بن واقد". 2 - محمد بن ثابت العبديُّ، عنه. أخرجه أبو داود (330)، والطيالسيُّ (1851)، وابنُ حِبَّان في "المجروحين" (2/ 251)، والطحاويُّ (1/ 85)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 2 / رقم 540)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (4/ 39)، والدارقطنيُّ (1/ 177)، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (6/ 2145 - 2146) والبيهقيُّ في "السنن" (1/ 206)، وفي "المعرفة" (1/ 460، 461)، والخطيبُ في "التاريخ" (13/ 136 - 137)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 116) من طرقٍ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عن محمد بن ثابتٍ، قال: أخبرنا نافعٌ، قال: انطلقتُ مع ابن عمر في حاجةٍ إلى ابن عباس. فقضى ابنُ عمر حاجته. فكان من حديثه يومئذٍ أنْ قال: مرَّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم في سكَّةٍ من السكك، وقد خرج من غائطٍ أو بولٍ، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه. حتى إذا كاد الرجلُ أنْ يتوارى في السكَّة ضرب بيده على الحائط، ومسح بهما وجهه، ثمَّ ضرب ضربة أخرى، ثمَّ مسح ذراعيه. ثمَّ ردَّ على الرجل السلام، وقال:"إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلامَ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ". * قُلْتُ: وهذا حديثٌ منكرٌ، وفيه التيمم ضربتان. وآفته محمد بن ثابت العبديُّ. ضعّفه ابنُ معين. فقال له الدُّوْرى: "أليس قد قلت مرةً: ليس به بأس؟ قال: ما قلت هذا قطُّ". وقال أبو داود: "سمعتُ أحمد بْن حنبلٍ يقولُ: روى محمد بن ثابت حديثًا منكرًا في التيمم". وقال ابنُ داسة: "قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على "ضربتين"، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورووه فعل ابن عمر". وقال أبو حاتمٍ: "روى حديثًا منكرًا" يعني هذا. وقال ابنُ معين: "يُنكرُ عليه حديث ابن عمر في التيمم لا غير". وقال البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (1/ 1/ 50 - 51): "يُخالف في بعض حديثه .... روى عن نافع، عن ابن عمر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مرفوعٌ في التيمم، وخالفه أيوبُ وعبيد الله والناس، فقالوا: عن نافعٍ، عن ابن عمر فعله". وقال أبو زرعة: "هذا خطأ، والصوابُ موقوفٌ". حكاه عنه ابنُ أبي حاتمٍ في "العلل" (ج 1/ رقم 136). وقد تجلَّد البيهقيُّ رحمهُ الله حقَّ الجلادة في ردِّ إعلال الحفاظ لهذه اللَّفظة المنكرة، وقد ناقشتُهُ في "النافلة" (رقم 288) وهو قيد الطبع. 3 - يزيد بن عبد الله بن الهاد، عنه. أخرجه أبو داود (331) وابنُ حبان (191)، والدَّارقطنيُّ (1/ 177)، والبيهقيُّ (1/ 206) من طريق حيوة بن شريح، عن ابن الهاد، أنَّ نافعًا حدَّثهُ عن ابن عمر قال: أقبل رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم من الغائط، فلقيهُ رجلٌ عند بئر جمل، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على الحائط، ثمَّ مسح وجهه ويديه، ثمَّ ردَّ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم على الرجل السَّلَامَ. 4 - أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عنه. أخرجه ابنُ الجارود (37)، والبزَّارُ في "مسنده" -كما في "نصب الراية" (1/ 6) ومن طريقه عبدُ الحق الأشبيلي في "الأحكام"، والسرَّاج في "مسنده"، والخطيبُ في "التاريخ" (3/ 139) من طريق أبي بكر بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر أن رجلًا مرّ برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يهريق الماء، فسلَّم عليه الرجلُ، فردَّ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمَّ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال: "إذا رأيتنى هكذا فلا تُسلِّمْ عليَّ، فإنك إن تفعل، لا أردُّ عليك السلام" زاد السرَّاجُ: "إنه لم يحملني على السلام عليك إلا إني خشيتُ أن تقول: سلمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ السلام". قال عبدُ الحق الأشبيلي: "وأبو بكر هذا -فيما أعلمُ- هو ابنُ عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. روى عنه مالك وغيرُهُ، ولا بأس به، ولكن حديث الضحاك بن عثمان أصحُّ، فإن الضحاك أوثق من أبي بكرٍ هذا, ولعلَّ ذلك كان في موطنين" اهـ. فتعقبه ابنُ القطان في "الوهم والإِيهام" بقوله: "من أين له أنه هو، ولم يصرح في الحديث باسمه واسم أبيه وجدِّه؟ ". * قُلْتُ: الصوابُ مع عبد الحقِّ، واعتراضُ ابن القطان لا محلّ له، وقد وقع نسبه عند ابن الجارود وأبى العباس السرَّاج. وسندُ هذا الحديث حسنٌ، والله الموفق. قال الترمذيُّ: "وفي الباب عن المهاجرين قنفد، وعبد الله بن حنظلة، وعلقمة بن الفغواء، وجابرٍ، والبراء". 1 - حديث المهاجر بن قنفد، رضي الله عنه. يأتي تخريجُهُ - إنْ شاء الله - في الحديث القادم. ... 2 - حديث عبد الله بن حنظلة، رضي الله عنه. أخرجه أحمدُ (5/ 225) من طريق محمد بن المنكدر، عن رجُلٍ، عن عبد الله بن حنظلة الراهب، أن رجُلًا سلَّم على النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم وقد بال، فلم يرُدَّ عليه، حتى قال بيده إلى الحائط. يعني تيمم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ، لأجل الرجل الذي لم يُسم. 3 - حديث علقمة بن الفغواء، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج / 18 رقم 3)، والطحاويُّ، والدارقطنيُّ -كما في "الإِصابة" (4/ 267) -، من طريق جابرٍ الجعفيّ، عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزمٍ، عن عبد الله بن علقمة بن فغواء، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أهراق الماء فنكلِّمُهُ، فلا يكلِّمُنا، ونُسلِّم عليه فلا يرد علينا حتى يأتي منزلَهُ، فيتوضأ وضوءه للصلاة. قلنا: يا رسول الله! نُكلِّمُك فلا تُكلِّمُنا، ونسلم عليك فلا ترد علينا. قال: حتى نزلت آية الرخصة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}. قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 276): "فيه جابر الجعفيُّ، وهو ضعيفٌ"! * قُلْتُ: وقد اتُّهم بالكذب. ... 4 - حديثُ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. أخرجه ابنُ ماجة (352) وأبو يعلى -كما في "زوائد البوصيرى"-، وابنُ عديٍّ في "الكامل" (7/ 2574)، والخطيبُ في "تلخيص المتشابه" (766/ 2)، وابنُ أبي حاتمٍ في "العلل" (ج 1/ رقم 68) من طرق عن عيسى بن يونس، ثنا هشام بنُ البريد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابرٍ أنَّ رجلًا مرَّ بالنبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبولُ، فسلَّم عليه، فقال: "إذا رأيتنى على هذه الحال، فلا تُسلِّمْ عليَّ، فإنَّك إِنْ فعلت، لم أرد عليك".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد رواه عن عيسى بن يونس جماعةٌ منهم: "سويد بنُ سعيد، ومحمد بْنُ مهران، ونصرُ بنُ عليٍّ، والحكمُ ابْنُ موسى". قال أبو حاتمٍ: "لا أعلمُ روى هذا الحديث أحدٌ غير هاشم بن البريد". وكذلك قال ابنُ عديٍّ. * قُلْتُ: أمَّا هاشم، فقد وثقه ابنُ معين، وأحمدُ في روايةٍ، والعجليُّ، وابنُ حبان، وقال الدارقطنيُّ: "مأمونٌ". أمَّا قولُ الجوزجانى: "كان غاليًا في سوء مذهبه". فيعنى به التشيع، وقولُ الجوزجانى في أهل الكوفة غير مقبولٍ منه، ومع ذلك فقد هوَّل في مقالته، فلم يك غاليًا. وقد قال أحمدُ: "كان فيه تشيُّعٌ قليلٌ". وهذا الحديثُ حسنٌ لأجل الكلام الذي في عبد الله بن محمد بن عقيل. قال البوصيريُّ في "مصباح الزجاجة" (148/ 1): "هذا إسنادٌ حسنٌ". ... 5 - حديث البراء بن عازبٍ، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" عنه، أنه سلَّم على النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبولُ، فلم يرد عليه السلام حتى فرغ. قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 276): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "فيه مَنْ لم أعرفهُ". * قُلْتُ: ومما لم يذكره الترمذيُّ -رحمه الله-: 6 - حديث جابر بن سمرة، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 2 / رقم 1945)، وفي "الأوسط" من طريق الفضل بن أبي حسَّان، ثنا عمرو بن حماد، ثنا أسباط بن نصر، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: دخلتُ على النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبولُ، فسلمتُ عليه، فم يرد عليَّ ثمَّ قام فدخل بيته فتوضأ، ثمَّ خرج إليَّ فقال: "وعليكم السلامُ، وعليكم السلامُ". قال الطبرانيُّ: "تفرد به الفضل بن أبي حسان". قال الهيثميُّ (1/ 276): "ولم أجد من ذكره". * قُلْتُ: وفي سماك بن حرب مقالٌ، من جهة حفظه. ... 7 - حديث أبي هريرة، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ ماجة (351) حدثنا هشام بن عمار، ثنا مسلمة بن عليٍّ، ثنا الأوزاعيُّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: مرّ رجلٌ على النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبولُ، فسلَّم عليه فلم يردَّ عليه، فلمَّا فرغ ضرب بكفيه الأرض فتيمم، ثمَّ ردّ عليه السلام. قال البوصيريّ: "هذا إسنادٌ ضعيفٌ لضعف مسلمة بن عليٍّ. قال فيه البخاريُّ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأبو زرعة: "منكر الحديث". وقال الحاكمُ: يروى عن الأوزاعيّ والزبيدي المنكرات والموضوعات". * قُلْتُ: وهشام بنُ عمار في حفظه ضعفٌ. فالسندُ واهٍ. ... 8 - حديثُ ابن عباس، رضي الله عنهما. يأتي تخريجه برقم (311) إن شاء الله تعالى. ***

رد السلام بعد الوضوء

رَدُّ السَّلاَمِ بَعْدَ الْوُضُوءِ 38 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ أَنْبَأَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ حُضَيْنٍ أَبِى سَاسَانَ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ حَتَّى تَوَضَّأَ فَلَمَّا تَوَضَّأَ رَدَّ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 38 - حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. * معاذ بنُ معاذٍ هو ابن نصر بن حسَّان، أبو المثنى البصريُّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ. أطنب أحمدُ في الثناء عليه. ووثقه يحيى القطان، وابنُ معين، وأبو حاتمٍ، والنسائيُّ في آخرين. * حُضين أبو ساسان، هو ابنُ المنذر بن الحارث. أخرج له مسلمٌ، وأبو داود، وابنُ ماجة. ووثقهُ النسائيُّ، والعجليُّ. وقال ابن حراش: "صدوقٌ". وقال أبو أحمد العسكريُّ: "لا أعرفُ حضينًا بالضاد غيره". وحكى مُغُلْطاى أنه قيل فيه: "بالصاد" المهملة. قال العراقيُّ: "وفيه نظرٌ". ... والحديث أخرجه أبو داود (17)، وابنُ ماجة (350)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأبو الحسن بنُ سلمة في "زوائده على ابن ماجة"، وأحمدُ (4/ 354 و 5/ 80)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 206)، وابنُ حبان (189، 190)، والطحاويُ في "شرح المعاني" (1/ 85)، والطبرانى في "الكبير" (ج 20 / رقم 781)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 19، 293)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبيّ" (74)، والبيهقيُّ (1/ 90)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 116 - 117)، والمزىُّ في "التهذيب" (ج 3 / لوحة 1379) , من طرقٍ عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن حضين، عن المهاجر به. وقد رواه عن سعيدٍ جماعةٌ، منهم: "معاذ بنُ معاذ، وعبدُ الأَعلي بنُ عبد الأعلى، وعبدُ الوهاب بنُ عطاءٍ، وروحُ بْنُ عبادة، ومحمد بن جعفر، ويزيد بنُ زريع". قال الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 5): "إنه معلولٌ .. أمَّا كونُهُ معلولًا فقال ابنُ دقيق العيد في "الإِمام": سعيد بنُ أبي عروبة قد اختلط بآخره، فيراعى فيه سماع من سمع قبل الاختلاط. قال ابنُ عديٍّ: قال أحمدُ بنُ حنبلٍ: يزيدُ بنُ زريع سمع منه قديمًا، قال: وقد رواه النسائيُّ من حديث شعبة عن قتادة به، وليس فيه: "إنه لم يمنعنى ... إلخ" ورواه حماد بن سلمة، عن حميدٍ وغيره، عن الحسن، عن المهاجر منقطعًا، فصار فيه ثلاثُ عللٍ". اهـ. * قُلْتُ: والجوابُ من وجوهٍ: الأوَّلُّ: أمَّا اختلاطُ سعيدٍ، فلا يضرُّ فقد رواه عنه قدماءُ أصحابه، مثل يزيد بن زريع، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبد الأعلى. ومع ذلك فقد توبع. تابعه اثنان: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 1 - شعبة، عن قتادة به. أخرجه الحاكم (1/ 167)، وقال: "صحيحٌ على شرط الشيخين" ووافقه الذهبيّ! * قُلْتُ: فيه نظرٌ، وحضين أبو ساسان لم يخرج له البخاريُّ وقد زال تدليسُ قتادة برواية شعبة عنه. وفي "صحيح أبي عوانة" (2/ 38): "قال شعبةُ: كان همتى من الدُّنيا شفتى قتادة!، فإذا قال: "سمعتُ" كتبتُ، وإذا قال: "قال" تركتُ". ثمَّ اعلم أن النسائيَّ لم يخرج طريق شعبة هذا كما ذكر ابنُ دقيق العيد رحمه الله. فقد قال الحافظُ في "النكت الظراف" (8/ 514): "وقع في أصولنا من "سنن النسائي" رواية ابن السُّنى "شعبة"، وهو تصحيفٌ" اهـ. وقال أبو زرعة بن العراقى في "الأطراف" (ص - 174): "في أصولنا من "سنن النسائي الصغرى" رواية ابن السُّنى "شعبة" وفي رواية ابن الأحمر وابن حيويه "سعيد" وهو الصوابُ". فيبدو أن الآفة من نسخة ابن دقيق العيد رحمه الله. 2 - هشام الدستوائى، عن قتادة. أخرجه الدَّارميُّ (2/ 190)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1 / رقم 19، 293)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 20 / رقم 780) من طريق معاذ بن هشام، حدثنى أبي، فذكره. وقال ابنُ معين: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "أثبتُ الناس في قتادة: سعيد بنُ أبي عروبة، وهشام الدستوائى، وشعبةُ. فمن حدثك من هؤلاء بحديثٍ عن قتادة، فلا تبال أنْ لا تسمعه من غيره" اهـ. * قُلْتُ: وقد رواه الثلاثة عنه، والحمدُ لله تعالى. الوجه الثانى: قوله: "وليس فيه: إنه لم يمنعنى ...... إلخ" (1). * قُلْت: هذه الجملة ثابتةٌ في رواية شعبة عن قتادة، عند الحاكم وقد ذكرها أيضًا يزيدُ بن زريعٍ، وعبد الأعلى، وروح بنُ عبادة، ومحمد بن جعفر، وعبد الوهابِ بنُ عطاء جميعهم عن سعيدٍ، فيبدو أن التقصير من معاذ بن معاذ، وهو لا يضرُّ البتة، ومن التكلُّفِ جعل مثل هذا الأمر علَّة. الوجه الثالث: ذكر فيه الاختلاف على الحسن البصريّ. فقد خولف قتادة. خالفه حميد الطويل، فرواه عن الحسن، عن المهاجر بن قُنْفد به فسقط ذكرُ "حضين" من السند. أخرجه أحمدُ (5/ 80 - 81)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 20/ رقم 779)، والطحاويُّ (1/ 85) من طريق حماد بن سلمة، ثنا حميدٌ به. وتابعه يونسُ بن عبيد، عن الحسن، عن المهاجر به. أخرجه الدارقطنيُّ في "حديث أبي الطاهر الذهليّ" (69). وروايةُ قتادة أرجح عندي لاتصالها, ولعلَّ الحسن كان يسقط حضينًا تدليسًا منه لأجل العلو، والله أعلمُ. * قُلْتُ: فثبت مما ذكرتُ أن الحديث سالمٌ من العلة بحمد الله. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإن قلت: لم يصرح الحسين بسماعه من حضين أبي ساسان؟ فقد أجاب شيخُنا الألباني عن ذلك، فقال في "الصحيحة" (834): "الظاهر أن المراد من تدليسه إنما هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم؛ لأنَّ الحافظ في "التهذيب" أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم يلقهُمْ، وكلهم من الصحابة، فلم يذكروا ولا رجلًا واحدًا من التابعين روى عنه الحسن ولم يلقه. ويشهد لذلك إطباق جميع العلماء على الاحتجاج برواية الحسن عن غيره من التابعين، بحيث أنى لا أذكرُ أن أحدًا أعلَّ حديثًا ما من روايته عن تابعيٍّ لم يصرح بسماعه منه، هذا ما ظهر لي في هذا المقام، والله سبحانه أعلمُ" اهـ. * قُلْتُ: قول الشيخ: " .... عمن لم يلقهم وكلهم من الصحابة .... إلخ" فيه نظرٌ, لأن الحسن إذا روى عمن لم يلقه أخذ حكم "المنقطع" كما قال الذهبيُّ في "الميزان" في ترجمة "الحسن"، وأحدُ أنواع التدليس أن يدلس الراوى عن شيخه الذي لقيه وسمع منه، ما لم يسمع منه. أمَّا ذكرُ إجماع العلماء، فإنى أفرقُهُ، ولم أقف على أحدٍ من السَّالفيْن ذكر الإِجماع، مع رسوخ قدم شيخنا في هذا العلم. فالله أعلمُ. هذا: وقد أعلَّهُ الزيلعيُّ بعلةٍ أخرى، فقال (1/ 6): "أنَّه -أي- الحديث معارضٌ. فروى البخاريُّ ومسلمٌ من حديث كريب، عن ابن عباسٍ قال: بتُّ ليلةً عند خالتي ميمونة زوج النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ومسلم في طولها. فنام =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عليه السلام حتى إذا انتصف اللَّيْلُ -أو قبله أو بعده بقليلٍ- استيقظ، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثمَّ قرأ العشر الخواتيم من سورة "آل عمران"، ثمَّ قام إلى شنٍّ معلقةٍ، فتوضأ منها فأحسن وضوءه ... الحديث، ففي هذا ما يدلُّ على جواز ذكر اسم الله وقراءة القرآن مع الحدث" اهـ. * قلْتُ: أمَّا المعارضة التي ادعاها الزيلعيُّ - رحمه الله - ففيها نظرٌ، لأن النوم في حقه عليه الصلاةُ والسلامُ ليس بناقضٍ للوضوء، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخلاف غيره، يدلُّ على هذا قولُهُ -بأبي هو وأمي-: "تنام عيناى، ولا ينام قلبي". أخرجه أحمدُ (2/ 251، 438)، وابنُ خزيمة (1/ 29 - 30)، وابنُ حبان (2124)، وابنُ الجارود (12)، من حديث أبي هريرة بسندٍ صحيحٍ. وأصرحُ منه، قولُ عائشة: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: "يا عائشة! إنَّ عينيَّ تنامان، ولا ينامُ قلبي" أخرجه البخاريُّ (3/ 33 - فتح)، ومسلمٌ (1/ 509)، وأبو عوانة (2/ 327)، وأبو داود (1341)، والمصنِّفُ (3/ 234) ويأتي في "كتاب قيام اللَّيْل"-، وأحمد (6/ 73،36، 104). وابنُ خزيمة (1/ 30)، وابنُ حبان (ج4/ رقم 2421)، والبيهقيُّ (1/ 122 و 2/ 496 و 7/ 62) وفي "الدلائل" (1/ 371 - 372)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (4/ 4 - 5) من طريق مالك، وهو في "موطئه" (1/ 120/ 9) عن سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة به. وله شاهدٌ من حديث ابن عباسٍ قال: أقبلت يهودُ إلى رسول الله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن أشياء ...... الحديث. وفيه: قالوا: ما علامة النبي؟ قال: "تنام عيناه، ولا ينامُ قلبهُ" أخرجه النسائيُّ في "عشرة النساء" (187)، والترمذيُّ (3117) مختصرًا ببعضه، وأحمدُ (1/ 274)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 12/ رقم 12429)، وأبو نُعيم في "الحلية" (4/ 304 - 305) من طريق بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ به. قال الترمذيُّ: "حسنٌ غريبٌ". وقال أبو نُعيم: "غريبٌ من حديث سعيد، تفرد به بُكير". * قُلْتُ: وبكيرٌ وثقه ابنُ حبان. وقال أبو حاتمٍ: "شيخٌ" وقال الذهبيُّ: "صدوقٌ". فحديثه حسنٌ. وقد اختُلف في إسناده، ولا مجال للتفصيل هنا. فالحاصلُ من هذا أنْ لا معارضة بين الحديثين كما قال الزيلعيُّ، ثمَّ جوابٌ آخر، فعلى التسليم بالتعارض، فهذا في الظاهر فقط، ويمكن الجمع بينهما بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك لبيان الجواز. والله أعلم. فثبت أنَّ حديث الباب صحيحٌ. وقال النووي في "المجموع" (2/ 88) وفي "الأذكار" (ص - 22): "حديثٌ صحيحٌ، رواه أبو داود ..... بأسانيد صحيحة". وقولُهُ: "بأسانيد صحيحة" وَهمٌ منه -رحمه الله- فليس له عندهم إلا إسنادٌ واحدٌ. والله الموفقُ. =

النهي عن الاستطابة بالعظم

النَّهْيُ عَنْ الاِسْتِطَابَةِ بِالْعَظْمِ 39 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ بْنِ سَنَّةَ الْخُزَاعِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدُكُمْ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 39 - إسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ، وَهُوَ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. * أحمد بنُ عمرو بن السرح، أبو طاهر المصريُّ. أخرج له مسلمٌ، وأبو داود، وابنُ ماجة. روى عنه المصنِّفُ (48) حديثًا، ووثقهُ هو وعليُّ بنُ الحسن، بنُ يونُس. وقال أبو حاتمٍ: "لا بأس به". * يونُس هو ابنُ يزيد. ومرت ترجمته في الحديث رقم (9). * أبو عثمان بن سنة الخزاعيّ. قال الذهبيُّ: "ما أعرف روى عنه غير الزهري". فهو بهذا يشيرُ إلى جهالته. وهو الصوابُ. وقال الحافظُ في "التقريب": "مقبولٌ"! يعني في المتابعة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهذا الحديثُ تفرَّد به المصنِّفُ دون الخمسة من هذا الوجه. وهو صحيحٌ لأجل شواهده. وأخرج الدارقطنيُّ (1/ 56) من طريق ابن وهبٍ، حدثني موسى ابنُ عليٍّ، عن أبيه، عن ابن مسعود أن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن نستنجى بعظمٍ حائلٍ، أو روثةٍ، أو حممةٍ. قال الدارقطنيُّ: "عليُّ بنُ رباح لا يثبت سماعه من ابن مسعودٍ، ولا يصحُّ". ولكن له طريقٌ آخر. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 55 - 56) أيضًا من طريق هشام بن عمار نا إسماعيل بن عياش، نا يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عبد الله بن فيروز الديلميّ، عن عبد الله بن مسعودٍ فذكره. قال الدارقطنيُّ: "إسنادٌ شاميٌّ ليس بثابتٍ". * قُلْتُ: لعلَّ ذلك من هشام بن عمار، فكان في حفظه ضَعْفٌ وستأتى شواهدُ لهذا الحديث، عند تخريج الحديث الآتى إن شاء الله تعالى. ***

النهي عن الاستطابة بالروث

النَّهْيُ عَنْ الاِسْتِطَابَةِ بِالرَّوْثِ 40 - أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ قَالَ أَخْبَرَنِى الْقَعْقَاعُ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْخَلاَءِ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا وَلاَ يَسْتَنْجِ بِيَمِينِهِ» وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 40 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * محمدُ بنُ عجلان المدنيُّ، أبو عبد الله. أخرج له أصحابُ السنن. وعلَّق له البخاريُّ، وروى له مسلمٌ في المتابعات. وثقه أحمدُ، وابنُ معين، وأبو حاتمٍ، وأبو زرعة، والمصنِّفُ، والعجليُّ، وابنُ حبان في آخرين. وقال يحيى القطان، عن ابن عجلان: "كان سعيد المقبريُّ يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة، وعن أبي هريرة فاختلط عليَّ، فجعلتُها كلّها عن أبي هريرة". قال ابنُ حبان في "الثقات" (7/ 387): "وقد سمع سعيد المقبريُّ من أبي هريرة، وسمع من أبيه عن أبي هريرة، فلمَّا اختلط على ابن عجلان صحيفتُهُ ولم يميز بينهما، اختلط فيها وجعلها كلها عن أبي هريرة، وليس هذا مما يهى الإِنسانُ به؛ لأن الصحيفة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = كلها في نفسها صحيحةٌ. فما قال ابنُ عجلان: عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة فذاك مما حمل عنه قديمًا قبل اختلاط صحيفته عليه. وما قال: عن سعيدٍ، عن أبي هريرة فبعضُها متصلٌ صحيحٌ وبعضُها منقطعٌ لأنه أسقط أباه منها، فلا يجب الاحتجاج عند الاحتياط إلَّا بما يروى الثقات المتقنون عنه، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، فإنه لو قال ذلك لكان كاذبًا في البعض؛ لأنَّ الكُلَّ لم يسمعه سعيد من أبي هريرة، فلو قال ذلك لكان الاحتجاج به ساقطًا على حسب ما ذكرناه" اهـ. وهذا كلامٌ نفيسٌ جدًّا. رحمه الله. وقد اتَّهمهُ الطحاويُّ بالتدليس في "المشكل" (1/ 100، 101) ونقل الحافظُ كلامه في "الفتح" (13/ 227) ولم يتعقبه! مع أنه لم يذكر شيئًا من ذلك في "التقريب"، وذكر العلائيُّ عن ابن أبي حاتمٍ أنه كان يدلسُ. ويُفهم هذا من صنيع الذهبيّ في "الميزان" فقد قال (3/ 647): "وقد روى عنه عن أنسٍ، فما أدرى هل شافه أنسًا، أم دلَّسَ عنه" اهـ. ثمَّ رأيتُ الذهبيَّ صرّح بذلك تصريحًا، فقال في "منظومة المدلسين": عبادٌ منصور قُلِ ابْن عجلان ... وابنُ عبيدٍ يونسُ ذو الشان وهو قد صرَّح بالتحديث من القعقاع. فلله الحمدُ. * القعقاعُ هو ابنُ حكيمٍ الكنانيُّ المدنيُّ. أخرج له الجماعةُ، إلا البخارىٌ ففي "الأدب المفرد". ووثقه أحمدُ، وابنُ معين، وابنُ حبان. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال أبو حاتمٍ: "ما بحديثه بأسٌ". ... والحديثُ أخرجه أبو داود (8)، وابنُ ماجة (313)، والدَّارميُّ، (1/ 138) وأحمدُ (2/ 247، 250)، وأبو عوانة في "صحيحه" (1/ 200)، والشافعيُّ في "مسنده" (ج 1/ رقم 64)، والحميديُّ (2/ 434 - 435)، والحربيُّ في "الغريب" (1/ 67) بآخِرِهِ، وابن خزيمة (1/ 43 - 44)، وابنُ حبان (128) وابنُ المنذر في "الأوسط" (1/ 344، 355)، والطحاويُّ في "شرح المعانى" (4/ 233)، وابنُ شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ق 12/ 1 - 2)، والبيهقيُّ (1/ 91، 102، 112)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 356) من طرقٍ عن ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة به. وقد رواه عن ابن عجلان جماعةٌ من أصحابه، منهم: "ابنُ المبارك، ويحيى القطَّان، وابنُ عيينة، وروحُ بنُ القاسم، وصفوان بن عيسى، والليث بن سعد، وحيوة بن شرح، ووهيب، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وآخرون". وقد توبع ابنُ عجلان. تابعه سهيل بنُ أبي صالح، عن القعقاع بسنده سواء مرفوعًا بلفظ: "إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". فذكره هكذا مختصرًا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه مسلمٌ (1/ 224/ 265)، وأبو عوانة (1/ 200)، والحازميُّ في "الاعتبار" (ص- 72). وقال النوويُّ في "المجموع" (2/ 94، 95، 102): "حديث صحيحٌ ...... رواه أبو داود والشافعيُّ وغيرهما بأسانيد صحيحة"!! * قُلْتُ: كذا قال! وليس إلَّا إسنادٌ واحدٌ عندهم!

النهي عن الاكتفاء فى الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار

النَّهْيُ عَنْ الاِكْتِفَاءِ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ 41 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَيُعَلِّمُكُمْ حَتَّى الْخِرَاءَةَ. قَالَ أَجَلْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَسْتَنْجِىَ بِأَيْمَانِنَا أَوْ نَكْتَفِىَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 41 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * عبد الرحمن بن يزيد هو ابنُ قيسٍ النخعيُّ، أبو بكرٍ الكوفُّي. أخرج له الجماعةُ. ووثقهُ ابنُ معين، وابنُ سعدٍ، والعجليُّ، وابنُ حبان، والدارقطنيُّ. ... والحديثُ أخرجه مسلمٌ (3/ 152 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 217)، وأبو داود (7)، والترمذيُّ (16)، وابنُ ماجة (316)، وأحمدُ (5/ 437، 438، 439)، وابنُ خزيمة (1/ 41)، وابنُ أبي شيبة (1/ 150، 152)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (1/ 349، 355)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (29)، والدَّارقطنيُّ (1/ 54)، والبيهقيُّ (1/ 91، 102، 112) من طرقٍ عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان به. وتابعه منصور بنُ المعتمر، عن إبراهيم به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه مسلمٌ، وأبو عوانة (1/ 217 - 218)، وابنُ ماجة، والطيالسى (654)، والبيهقي (1/ 112)، في آخرين. قال الترمذىُّ: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وقال الدَّارقطنيُّ: "إسنادُهُ صحيحٌ". ... قال الترمذىُّ: "وفي الباب عن عائشة، وخزيمة بن ثابت، وجابرٍ، وخلَّاد بن السائب، عن أبيه". ... 1 - حديث عائشة رضي الله عنها. يأتي برقم (44) إنْ شاء الله تعالى. 2 - حديث خزيمة بن ثابتٍ، رضي الله عنه. أخرجه أبو داود (41) وعنه البيهقي (1/ 103)، وابنُ ماجة (315) واللَّفْظُ لَهُ، وأحمدُ (5/ 213)، والحميديُّ (433)، وابنُ أبي شيبة (1/ 154)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 4 / رقم 3723، 3725، 3726) من طرقٍ عن هشام بن عروة، عن أبي خزيمة عمرو بن خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه مرفوعًا: "في الاستنجاء ثلاثةُ أحجارٍ، ليس فيها رجيعٌ". وقد رواه عن هشام جماعة من أصحابه، منهم: "وكيع، وأبو معاوية، وأبو أسامة، وابنُ نُمير، وعبدة بنُ سليمان، ومحمدُ بنُ بشر". وخالفهم سفيان بنُ عيينة، فرواه عن هشامٍ، عن أبي وجزة، عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عمارة بن خزيمة، عن أبيه به. فجعل شيخ همام "أبا وجزة" بدل "أبي خزيمة". أخرجه الحميديُّ (432)، والشافعيُّ في "مسنده" (1/ 25) ومن طريقه البغويُّ في "شرح السنة" (1/ 365)، والطبرانيُّ (ج 4/ 3724) وعند الطبرانيّ: "قيل لسفيان: إنهم يقولون: "أبو خزيمة"؟ قال: لا، إنما هو "أبو وجزة" الشاعر". * قُلْتُ: كذا قال ابنُ عيينة!، وقد رواه محمد بنُ الصباح عنه كما رواه وكيع وغيرُهُ كما عند ابن ماجة، فيكون الاختلاف فيه من ابن عيينة نفسه. قال البيهقيُّ في "المعرفة": "هكذا قال سفيانُ: "أبو وجزة"، وأخطأ فيه، وإنما هو "أبو خزيمة" واسمه عمرو بن خزيمة. كذلك رواه الجماعةُ عن هشامٍ. ثمَّ أسند عن عليِّ بن المدينى قال: "قال سفيانُ: فقلتُ: أيش أبو وجزة؟ قالوا: شاعر ههنا، فلم آته" قال عليٌّ: إنما هو أبو خزيمة، واسمه عمرو بن خزيمة، ولكن هكذا قال سفيان. قال عليٌّ: "والصوابُ عندي: عمرو بن خزيمة". اهـ مختصرًا. وقد اختُلف في إسناده على ألوانٍ أخرى ذكرتُها في "مسيس الحاجة" (315) الراجح منها حديث وكيع ومن معه. وهكذا رجح أبو زرعة الرازى - رحمه الله - كما في "العلل" (ج 1/ رقم 139) لابن أبي حاتمٍ. قال النووي في "المجموع" (2/ 104): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "لم يضعِّفْهُ أبو داود ولا غيرُهُ"! * قُلْتُ: عمرو بن خزيمة فيه لينٌ، ولم يوثقه سوى ابنُ حبان (7/ 220)، والحديث صحيحٌ لشواهده الكثيرة. والله أعلمُ. ... 3 - حديث جابر، رضي الله عنه. أخرجه أحمدُ (3/ 400)، وأبنُ أبي شيبة (1/ 155)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 297)، وابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 76)، والبيهقيُّ (1/ 103 - 104) من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ مرفوعًا: "إذا استجمر أحدكم، فليستجمر ثلاثًا". * قُلْتُ: وهذا سندٌ صحيحٌ. قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 211): "رجالُه ثقات". وقد رواه عن الأعمش: "أبو معاوية، والثوريُّ، وعيسى بن يونس، وجرير" ورواه أبو الزبير، عن جابرٍ مرفوعًا بلفظ: "إذا استجمر أحدكم، فليوتر". وهذا أعمُّ من اللَّفظ السابق. أخرجه مسلمٌ (239/ 24)، وأبو عوانة (1/ 219)، وأحمد (3/ 294) من طريق عبد الرزاق، وهذا في "مصنفه" (ج 5/ رقم 9804) أخبرنا ابنُ جُريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرًا فذكره. وتابعه ابنُ لهيعة، ثنا أبو الزبير، عن جابرٍ مرفوعًا: "إذا تغوَّط أحدكم، فليمسح ثلاث مراتٍ". أخرجه أحمد (3/ 336) حدثنا حسنٌ، ثنا ابنُ لهيعة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 4 - حديث خلاد بن السائب، عن أبيه. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 7 / رقم 6623) من طريق حماد بن الجعد، ثنا قتادة، حدثني أبي خلاد الجهني، عن أبيه السائب، مرفوعًا: "إذا دخل أحدكم الخلاء فليتمسح بثلاثة أحجارٍ". قال الهيثميُّ (1/ 211): "فيه حمادُ بنُ الجعد، وقد أجمعوا على ضعفه". * قُلْتُ: وقوله في السند: "عن أبي خلاد" أُراه خطأ، ولعلَّ "أبي" هنا مقحمة من الناسخ. وقد توبع حماد بنُ الجعد. تابعه يزيد بنُ سنان الرهاوى ثنا يحيى بن أبي كثير، عن ابن خلاد (¬1)، عن أبيه بمثله. أخرجه الطبرانُّى (6624) من طريق محمد بن يزيد بن سنان، ثنا أبي ومحمد بن يزيد وأبوه ضعيفان، والوالد أضعف الرجلين. وأخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2 / رقم 1717) من طريق ابن أخي ابن شهاب الزهري، عن ابن شهاب، قال: أخبرني ابن خلاد، أن أباه سمع النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "إذا تغوط أحدكم فليتمسح ثلاث مرارٍ". * قُلْتُ: وهذا سندٌ حسنٌ في الشواهد. وفي سند "الأوسط" يحيى بن عليّ بن عبد الحميد، ترجمه ابن أبي حاتمٍ (4/ 2/ 175) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ¬

_ (¬1) كذا! والصواب "خلاد".

الرخصة فى الاستطابة بحجرين

الرُّخْصَةُ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِحَجَرَيْنِ 42 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ أَتَى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- الْغَائِطَ وَأَمَرَنِى أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُ بِهِنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ «هَذِهِ رِكْسٌ». قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرِّكْسُ طَعَامُ الْجِنِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 42 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * أحمدُ بنُ سليمان، هو أبو الحسين الرهاويُّ الجزريُّ. لم يرو له أحدٌ من الجماعة سوى المصنف. قال في "التهذيب" (1/ 321): "روى عنه النسائيُّ، فأكثر". * قُلْتُ: روى عنه (108) حديثًا، وقال عنه: "ثقةٌ مأمونٌ، صاحبُ حديثٍ". وقال ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح والتعديل" (1/ 1/ 53): "أدركتُهُ ولم أكتب عنه، وكتب إليَّ ببعض حديثه، وهو صدوقٌ ثقةٌ" وذكره ابنُ حبان في "الثقات" (8/ 35) وقال: "كان صاحب حديثٍ، يحفظُ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * أبو نُعيم، هو الملائيُّ الكوفيُّ، الفضلُ بنُ دُكين. أخرج له الجماعةُ، وهو إمامٌ حافظٌ، جليلُ القدر جدًّا. قال أبو عبيد الآجريُّ: "قلتُ لأبي داود: كان أبو نُعيمٍ حافظًا؟ قال: جدًّا". وقال أحمدُ: "أو نُعيم أثبتُ من وكيعٍ". وقال ابنُ معين: "ما رأيتُ أحدًا أثبت من رجلين: أبي نُعيم، وعفان". وقال يعقوب الفسويُّ: "أجمع أصحابُنا أنَّ أبا نعيمٍ كان غايةً في الإِتقان". وممَّا يدلُّ على تمام حفظه - رحمه الله - ما أخرجه ابنُ حبان في كتابه "المجروحين" (1/ 33) عن أحمد بن منصور الرمادى قال: "كنا عند أبي نعيم نسمعُ من أحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن معين. قال: فجاءنا يومًا يحيى ومعه ورقة قد كتب فيها أحاديث من أحاديث أبي نعيم، وأدخل في خلالها ما ليس من حديثه، وقال: أعطه بخضرتنا حتى يقرأ. وكان أبو نُعيم إذا قعد للتحديث في تيك الأيام كان أحمدُ على يمينه، ويحيى على يساره. فلمَّا خفَّ المجلسُ ناولته الورقة، فنظر فيها كلها ثمَّ تأملنى، ونظر إليها ثمَّ قال وأشار إلي أحمد بن حنبل: أمَّا هذا فآدب من أن يفعل هذا، وأمَّا أنت فلا تفعلن!، وليس هذا إلا من عمل هذا!!، ثمَّ رفس يحيى رفسةً رماه إلى أسفل السرير! وقال: عليَّ تعمل؟! فقام إليه يحيى وقبله، وقال: جزاك الله عن الإِسلام خيرًا، مثلكُ يحدّثُ، إنما أردتُ أن أُجربك". وساق الخطيبُ في "تاريخه" (12/ 354) هذه القصة عن الرماديّ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بنحو ما هنا، وفيها: " ....... فرفس يحيى بن معين، فرمى به من الدُّكان، وقام فدخل داره. فقال أحمدُ ليحيى: ألم أمنعك من الرجل وأقُلْ لك إنه ثبتٌ؟! قال -يعني يحيى-: والله لرفستُهُ أحبُّ إليَّ من سفرى!! ". * قُلْتُ: هكذا فليكن الإِتقانُ!، رحمه الله تعالى. * زهيرُ، هو ابنُ معاوية بن حُدَيْجٍ، أبو خيثمة الكوفيُّ. أخرج له الجماعة. قال المصنِّفُ: "ثقةٌ ثبتٌ". ووثقه ابنُ معين، وأبو حاتمٍ وزاد: "متقنٌ" والعجليُّ وزاد: "مأمون". وقال أحمد بنُ حنبلٍ: "زهيرُ فيما روى عن المشايخ ثبتٌ. بَخٍ بَخٍ. وفي حديثه عن أبي إسحق لينٌ، سمع منه بأخرةٍ". وكذا قال أبو زرعة وأبو حاتمٍ، ولكنَّ زهيرًا لم يتفرد به، بل توبع كما يأتي قريبًا -إنْ شاء الله تعالى. * عبد الرحمن بنُ الأسود، هو ابنُ يزيد النخعيُّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ جليلٌ. وثقهُ ابنُ معين، والمصنِّفُ، وابنُ خراشٍ، والعجليُّ، في آخرين. قال الحافظُ: "وقع في "شرح البخاريّ" لابن التين تبعًا للداودى أنَّ عبد الرحمن ابن الأسود الذي أخرج البخاريُّ حديثه "لا يستنجى بروثٍ" عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبيه عن ابن مسعود في الاستجمار هو عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث! وهو وهمٌ، فإنَّ هذا روى عن أبيه، وهو الأسود بن يزيد التابعيُّ المشهورُ، وأمَّا الأسود بن عبد يغوث فمات كافرًا بمكة إما قبل الهجرة وإمَّا بعدها" اهـ. ... والحديثُ أخرجه البخاريُّ (1/ 256 - فتح)، وابنُ ماجة (314)، وأحمدُ (1/ 418)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج 9 / رقم 5127، 5336)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 296) والبزار في "المسند" (ج 1/ق 137/ 2)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 10/ رقم 9953)، والبيهقيُّ (2/ 413) من طرقٍ عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحق، قال: ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن ابنُ الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود به. وقد رواه عن زهيرٍ جماعةٌ منهم: "يحيى القطان، وأحمد بنُ يونس، ويحيى بن آدم، والحسن بن موسى، وأبو نُعيم، وعمرو بن مرزوق، وعمرو بن خالد الحرانى، وأحمد بن عبد الملك بن واقد الحرانىُّ". وخالفهم أبو داود الطيالسىُّ، فرواه في "مسنده" (287) قال: حدثنا زهيرٌ، عن أبي إسحق قال: ليس أبو عبيدة حدثني، ولكنه عبد الرحمن بن الأسود، عن عبد الله بن مسعود. فسقط ذكر الأسود بن يزيد. ولعلَّ هذا الوهم من الطيالسيِّ، فقد قال أبو بشر يونسُ بنُ حبيب راوى السند: "أظنُّ غير أبي داود يقول: عن عبد الرحمن بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأسود عن أبيه". ثم رأيتُ أن الطيالسيَّ رواه كما رواه الجماعة. فأخرجه أحمدُ (1/ 450) عنه، حدثنا زهيرُ، حدثنا أبو إسحق، قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبدُ الرحمن بنُ الأسود، عن أبيه، عن عبد الله به. فإن قُلْتَ: فيكونُ الوهمُ من يونس بن حبيب، وأحمد بنُ حنبل أثبتُ منه وقد رواه عن الطيالسيِّ كما رواه الجماعة. فيقالُ: أمَّا أن أحمد بن حنبل أثبت من يونس بن حبيب، فنعم، ولكن ما عقب به يونس بعد رواية الحديث يُبين لنا أنه تلقاه هكذا من الطيالسيِّ. وهذا واضحٌ جليٌّ. فلعلَّ هذا الاختلاف يكون من الطيالسيِّ نفسه، وهو مع كونه ثقة، إلا أنه كان يغلط أحيانًا. والله أعلمُ. وقد خولف زهيرٌ فيه. خالفه إسرائيل بن يونس، فرواه عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود به. أخرجه الترمذيُّ (17)، وأحمدُ (1/ 388، 465) وابنُ الجوزىّ في "التحقيق" (117)، والطبرانيُّ (9952) فتكلَّم بعضُ أهل العلم في هذا الاختلاف. قال الترمذيُّ عقب حديث إسرائيل لهذا: "وهكذا روى قيسُ بنُ الربيع هذا الحديث، عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، نحو حديث إسرائيل. وروى مَعْمَرُ، وعمار بن رُزيق عن أبي إسحق، عن علقمة، عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عبد الله، وروى زهيرُ، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه الأسود بن يزيد، عن عبد الله. وروى زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله. وهذا حديثٌ فيه اضطراب ... قال: سألتُ عبد الله بن عبد الرحمن -يعني الدارميّ-: أيُّ الروايات في هذا الحديث عن أبي إسحق أصحُّ؟ فلم يقض فيه بشىءٍ. وسألتُ محمدًا -يعني البخاريَّ- عن هذا فلم يقض فيه بشىءٍ، وكأنه رأى حديث زهير، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله أشبه، ووضعه في كتابه "الجامع". قال: وأصحُّ شيءٍ في هذا عندي حديثُ إسرائيل وقيس عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، لأنَّ إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحق من هؤلاء، وتابعه على ذلك قيسُ بنُ الربيع. قال: وزهيرُ في أبي إسحق ليس بذاك؛ لأنَّ سماعه منه بآخرةٍ" اهـ. وقال ابنُ أبي حاتم في "العلل" (ج1/ رقم 90): "سمعتُ أبا زرعة يقولُ في حديث إسرائيل، عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم استنجى بحجرين، وألقى الروثة. فقال أبو زرعة: اختلفوا في هذا الإِسناد فمنهم من يقولُ: عن أبي إسحق، عن الأسود، عن عبد الله. ومنهم من يقولُ: عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله. ومنهم من يقولُ عن أبي إسحق، عن علقمة، عن عبد الله. والصحيح عندي حديث أبي عبيدة، والله أعلمُ، وكذا يروى إسرائيلُ -يعني عن أبي إسحق-، عن أبي عبيدة. وإسرائيل أحفظُهُمْ" اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد ذكر الدَّارقطنيُّ الحديث في "كتاب التتبُّع" (ص 330 - 334) فقال: "وأخرج البخاريُّ عن أبي نُعيم، عن زهيرٍ، عن أبي إسحق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحجرين وروثة ..... الحديث. قال: وقال إبراهيم بنُ يوسف عن أبيه، عن أبي إسحق حدثني عبد الرحمن بنُ الأسود، عن أبيه بهذا. قال: تابعهما أبو حماد الحنفيُّ وأبو مريم، عن أبي إسحق. وكذلك قال الحمانيُّ، عن شريك. وقيل: عن منجاب، عن يحيى بن أبي زائدة، عن أبيه عن أبي إسحق كذلك. وقال يزيد بن عطاء، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، وعلقمة. وقال عليُّ بنُ صالحٍ، ومالك بنُ مغولٍ، وابنُ جريجٍ، وزكريا من رواية سلمة بن رجاءٍ عنه، ويوسف بنُ أبي إسحق من رواية أبي جنادة عنه، وشريك من رواية منجاب عنه عن أبي إسحق، عن الأسود، عن عبد الله. وقال الثوريُّ، وإسرائيل، عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله. وقال حسنُ بنُ قتيبة، عن يونس بن أبي إسحق، عن أبي إسحق، عن أبي الأحوص. وقال زكريا بنُ أبي زائدة من رواية أبي كريبٍ عن عبد الرحيم وإسحق الأزرق، وإسماعيل بن أبان عنه، ومن رواية سهل بن عثمان عن أبيه يحيى، عنه، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله. وقيل: عن ابن عيينة، عن أبي إسحق كذلك. وقال أبو سنان: عن أبي إسحق، عن هبيرة بن يريم، عن عبد الله. وقال مَعْمرُ، وشعبةُ، وورقاء، وسليمان بنُ قرم، وعمار بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = رزيق، وإبراهيمُ بنُ الصائغ، وعبدُ الرحمن بنُ دينارٍ، وأبو شيبة، ومحمد بنُ جابرٍ، وصباحُ بنُ يحيى المزني، وروحُ بنُ مسافر، وشريك من رواية إسحق الأزرق عنه، وإسرائيل من رواية عباد بن ثابتٍ وخالدٍ العبديّ عنه، عن أبي إسحق، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله. عشرة أقاويل عن أبي إسحق. أحسنها إسنادًا الأوّلُ: الذي أخرجه البخاري، وفي النفس منه شىءٌ، لكثرة الاختلاف عن أبي إسحق. والله أعلمُ". وقال الحاكم في "علوم الحديث" (ص- 109): "قال عليُّ بنُ المدينى: وكان زهيرُ وإسرائيل يقولان: عن أبي إسحق أنه كان يقولُ: ليس أبو عبيدة حدثنا ,ولكن عبدُ الرَّحْمن بنُ الأسود، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الاستنجاء بالأحجار الثلاثة. قال ابنُ الشاذكونى: ما سمعتُ بتدليسٍ قط أعجب من هذا ولا أخفى! قال: أبو عبيدة لم يحدثنى ولكن عبدُ الرحمن عن فلانٍ وفلانٍ ولم يقل حدثني، فجاز الحديثُ وسار" اهـ. * قُلْتُ: فالحديثُ متكلَّمٌ فيه من ثلاثة أوجهٍ: * الأولُ: الاختلاف على أبي إسحق السبيعى فيه. * الثاني: الاضطراب. * الثالث: التدليسُ. والجوابُ من وجوهٍ: أولًا: أمَّا الاختلاف على أبي إسحق في إسناده، فهو واقعٌ. وقد مرّ وجهان لذلك، وهما حديث زهير، وحديث إسرائيل. الثالث: أن مَعْمر بن راشد يرويه عن أبي إسحق، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ بنحو حديث الباب. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه أحمدُ (1/ 450)، والبزار في "مسنده" (ج 1/ق 135/ 1)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج10/ رقم 9951)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 312)، والدارقطنيُّ (1/ 55) من طريق عبد الرزاق، عن معمر. قال البزارُ: "كذا قال معمر، عن أبي إسحق، عن علقمة في هذا الحديث". ولكن لم يتفرد به معمر. فتابعه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، عن أبي إسحق به أخرجه الدَّارقطنيُّ (1/ 55) ولكنها متابعةٌ لا يُفرح بها؛ لأن إبراهيم هذا متروكٌ. ثمَّ إن أبا إسحق لم يسمع من علقمة شيئًا. صرَّح بذلك العجليُّ. وقد روى البيهقيُّ في "سننه" (8/ 76) أن رجلًا قال لأبي إسحق: "إنَّ شعبة يقول: إنك لم تسمع من علقمة؟ قال: صدق". ولكن روى حفص بنُ غياث، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشعبيِّ، عن علقمة، عن ابن مسعود، مرفوعًا: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زادُ إخوانكم من الجنِّ". وهذا يقوى رواية أبي إسحق. أخرجه النسائيّ في "السنن الكبرى" (ج1/ق 4/ 2)، والترمذيُّ (18)، وأبو عوانة (1/ 218 - 219)، والحكيمُ الترمذيّ في "المنهيات" (ص 14 - 15)، والبغويُّ في "شرح السُّنَّة" (1/ 363 - 364) ولكن قال الترمذيُّ: "وقد روى هذا الحديث إسماعيلُ بنُ إبراهيم وغيرُهُ، عن داود بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبي هندٍ، عن الشعبى، عن علقمة، عن عبد الله أنه كان مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنِّ ....... الحديث بطوله. فقال الشعبيُّ: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زادُ إخوانكم من الجنِّ". وكأن رواية إسماعيل أصحُّ من رواية حفص بن غياث" اهـ. وقد رجح الدارقطنيُّ ذلك، فقال في "العلل" (ج 1/ق 162/ 2): "يرويه داود بنُ أبي هندٍ، عن الشعبى، عن علقمة، عن عبد الله. ورواهُ عنه جماعةٌ من الكوفين والبصريين. أمَّا البصريون فجعلوا قوله: "وسألوه الزاد ... إلى آخر الحديث" من قول الشعبى مرسلًا. وأما يحيى بنُ أبي زائدة وغيرُهُ من الكوفين، فأدرجوه في حديث ابن مسعود، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم. والصحيحُ قولُ من فصله، فإنَّه من كلام الشعبيِّ مرسلًا". اهـ. * قُلْتُ: والذي يترجح لديَّ خلاف ما ذهبا إليه. وبيانُه: أنَّ إسماعيل بن عُليَّة روى هذا الحديث عن داود بن أبي هندٍ، عن الشعبيِّ، عن علقمة، قال: قلتُ لابن مسعود رضي الله عنه: هل صحب النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنِّ منكم أحدٌ؟ قال: ما صحبه منا أحدٌ، ولكن قد افتقدناه ذات ليلة بمكة، فقلنا: اغتيل أو استُطير، ما فُعل به؟! فبتنا بشر ليلةٍ بات بها قومٌ، حتى إذا أصبحنا، أو كان في وجه الصبح، إذا نحن به يجيىءُ من قبل حراء، قال: فذكروا له الذي كانوا فيه، فقال: أتانى داعى الجنِّ، فأتيتُهم، فقرأتُ عليهم. فانطلق فأرانا أثرهم، وأثر نيرانهم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الشعبيُّ: وسألوه الزاد، وكانوا من جنِّ الجزيرة. فقال: كُلُّ عظمٍ يُذكر اسمُ الله عليه يقعُ في أيديكم أوفر ما كان لحمًا، وكُلُّ بعرةٍ، أو روثةٍ علفٌ لدوابكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "فلا تستنجوا بهما، فإنهما زادُ إخوانكم من الجنِّ". أخرجه مسلمٌ (450/ 150)، والترمذيُّ (3258) والسياقُ له، وأحمدُ (4149). وتابع ابن عُليَّة عليه، يزيد بنُ زريع، عن داود به. أخرجه أبو عوانة (1/ 219). وتابعه أيضًا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة في رواية أحمد عنه في "مسنده" (4149). ولكن لم ينفرد حفص بن غياث بوصل هذا الكلام وجعله من كلام ابن مسعود. فقد تابعه عبدُ الأعلي بنُ عبد الأعلى، عن داود به أخرجه مسلمٌ، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 82)، والبيهقيُّ (1/ 108 - 109) وتابعه أيضًا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، في رواية زياد بن أيوب عنه في "صحيح ابن خزيمة". وهم قد وصلوا الحديث، فهو زيادةٌ منهم، لا سيما وهم من الحفاظ الأثبات، وكأنَّ مسلمً لم يعبأ بهذا الإِعلال فأودع رواية عبد الأعلى في "صحيحه"، وهو تصرفٌ مستقيمٌ. ... الرابع. أنَّ أبا سنان، سعيد بن سنان يرويه عن أبي إسحق، عن هبيرة بن يريم، عن عبد الله بن مسعودٍ به. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج10/ رقم 9957) من طريق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = طريق الصباح بن محارب، عن أبي سنان. والصباحُ صدوقٌ ربما خالف. وسعيد بنُ سنان وإن كان ثقةً، لكن قال ابنُ عديٍّ: "ولعله إنما يهم في الشىء بعد الشىء". وهناك وجوهٌ أخرى من الاختلاف ذكرها الدَّارقطنيُّ -رحمه الله- كما مرّ في كلامه السابق. وهذا الاختلاف هو الذي جعل الترمذيّ يعل الحديث بالاضطراب، وهو: الوجه الثاني: فيقال: قد اضطرب الرواة في تعيين شيخ "أبي إسحق" في هذا الحديث. فمرة يجعلونه: "عبد الرحمن بن الأسود"، ومرة: "علقمة"، ومرةً: "أبو عبيدة"، ومرةً: "عبد الرحمن بن يزيد"، ومرةً: "هبيرة بن يريم". قالوا: فهذا الاضطراب يُشعر بخفة ضبط الرواة، وهو موجبٌ للضعف. فيقالُ: الاضطرابُ هو: أن يروى الحديث على أوجُهٍ مختلفةٍ متقاربةٍ. ثمَّ إن الاختلاف قد يكون من راوٍ واحدٍ، بأنْ رواهُ مرةً على وجه، ومرةً على وجهٍ آخر مخالف له، أو يكونُ أزْيَدَ من واحدٍ بأنْ رواهُ كلُّ جماعةٍ على وجهٍ مخالفٍ للآخر. والاضطرابُ موجبٌ لضعف الحديث لأنه يُشعر بعدم ضبط رواته، ويقع في الإِسناد والمتن كليهما. ثمَّ إنْ رُجِّحتْ إحدى الروايتين على الأخرى بحفظ راويها، أو كثرة صحبته، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، فالحكمُ للراجحة، ولا يكونُ الحديث مضطربًا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والناظر إلى الطرق السابقة، يجزم بترجيح حديث زهر، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ، والتي اختارها المصنِّفُ -رحمه الله- وأودعها البخاريُّ في "صحيحه" وقد قال الدارقطنيُّ فيما تقدم: "وأحسنُها إسنادًا الأوَّلُ الذي أخرجه البخاريُّ، وفي النفس منه شىءٌ، لكثرة الاختلاف عن أبي إسحق". * قُلْتُ: وما في النفس يزول -إنْ شاء الله- بما يأتي من البراهين. ويترجحُ حديثُ زهر بن معاوية على حديث إسرائيل بن يونس بثلاثة أمورٍ: الأول: أنَّ حديث زهيرٍ متصلٌ، وحديث إسرائيل منقطعٌ، وذلك أنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه على رأى العلماء المحققين كأبي حاتمٍ الرازى، والنسائي، والترمذيّ، وابن سعدٍ، وابن حبان، والبيهقيِّ في آخرين، خلافًا للبدر العينى رحمه الله، فإنه زعم في "عمدة القارئ" (2/ 302) أن أبا عبيدة سمع من أبيه، وذكر في ذلك أشياء فيها نظرٌ لا يخفى على المتأمل. وقد ناقشته طويلًا في "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة" (رقم 6) فلا داعى لإعادة القول. ولا يشكُّ أحدٌ في تقديم المتصل على المنقطع. الثانى: أن ظاهر سياق زهير، يشعرُ أن أبا إسحق كان يرويه أولًا عن أبي عبيدة عن أبيه، ثمَّ رجع عن ذلك وصيرهُ عن عبد الرحمن ابن الأسود، عن أبيه. فهذا صريحٌ في أن أبا إسحق كان مستحضرًا للسندين جميعًا عند إرادة التحديث، ثمَّ اختار طريق عبد الرحمن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأضرب عن طريق أبي عبيدة، فإمَّا أن يكون تذكر أنه لم يسمعه من أبي عبيدة، أو كان سمعه منه، وحدَّث به عنه، ثمَّ عرف أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فيكونُ الإِسنادُ منقطعًا، فأعلمهم أنَّ عنده فيه إسنادًا متصلًا، أو كان حدث به عن أبي عبيدة مدلسًا له، ولم يكن سمعه منه. قال الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص 349): فعدول أبي إسحق عن التحديث بحديث أبي عبيدة ترجيحٌ لحديث عبد الرحمن بن الأسود الذي رواه زهيرُ بنُ معاوية. الثالث: أن زهيرًا قد توبع. تابعه جماعةٌ منهم: 1 - يوسف بن أبي إسحق، عن أبيه أبي إسحق به. أخرجه البخاري مُعلَّقًا (1/ 256 فتح) عن إبراهيم بن يوسف، أبيه. وإبراهيمُ هذا لينه النسائيُ وغيرُهُ. وقال أبو حاتمٍ: "حسنُ الحديث، يُكتبُ حديثُهُ". وقال ابنُ عديٍّ: "له أحاديثُ صالحةٌ، وليس بمنكر الحديث، يُكتب حديثُهُ" ووثقه ابن حبان (8/ 61). فمثله يُحسَّنُ حديثه كما هنا -في المتابعات-. 2 - شريك بن عبد الله النخعيِّ، عن أبي إسحق به. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج10/ رقم 9954) من طريق يحيى الحمانى عنه عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود. وهذا إسنادٌ حسنٌ في المتابعات. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 3، 4 أبو حمادٍ الحنفى، وأبو مريم، كلاهما عن أبي إسحق به ذكره الدارقطنيُّ فيما تقدم من كلامه. 5 - زكريا بنُ أبي زائدة، عن أبي إسحق. أخرجه الطبرانيُّ (ج10/ رقم 9955) من طريق يحيى بن زكريا، عن أبيه، عن أبي إسحق به. وسندُهُ صحيحٌ، ولكن خولف فيه يحيى بنُ زكريا. خالفه عبدُ الرحيم بنُ سليمان، فرواه عن زكريا، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأسود بن يزيد، عن ابن مسعودٍ. فجعل شيخ أبي إسحق هو: "عبد الرحمن بن يزيد". أخرجه الطبرانيُّ أيضًا (9956). ويحيى بن زكريا أثبت من عبد الرحيم بن سليمان وأتقن، لا سيما في حديث أبيه. والله أعلمُ. ويضافُ إلى ما تقدم أن ليث بن أبي سليم، تابع أبا إسحق على روايته عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود. أخرجه أحمدُ (4053)، وأبو يعلى (ج 9 / رقم 5184) والبزَّارُ في "مسنده" (ج 1/ق 137/ 1 - 2)، والطبرانيُّ (ج10/ رقم 9959) من طرق عن ليثٍ به. وقد رواه عن ليثٍ: "محمد بنُ فُضيل، وجرير، وجعفر بنُ الحارث". وتابعهم زائدةُ بنُ قدامة، عن ليثٍ به. أخرجه الطبرانيُّ (ج10/ رقم 9958، 9959)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (1/ 355) ورواه عن زائدة: "يحيى بن أبي بكير =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومعاوية بن عمرو". وخالفهما حسين بنُ عليٍّ، فرواه عن زائدة، عن ليثٍ، عن محمد ابن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن بن مسعودٍ. أخرجه أبو يعلى (ج 9 / رقم 5275). وحسين بنُ عليٍّ كان ثقةً ثبتًا، وكان من أروى الناس عن زائدة، فيظهرُ لي أن هذا الاختلاف هو من ليث بن أبي سليم لضعف حفظه، وذلك لثقة من روى عنه الوجهين، وإنْ كُنَّا نرجح الوجه الأول لاتفات الجماعة عليه، عن ليثٍ. قال الحافظُ في "هدى السارى" (349): "وليث، وإنْ كان ضعيف الحفظ، فإنه يُعتبرُ به ويُستشهدُ، فيُعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه أصلًا". اهـ * قُلْتُ: فقد اتفق أبو إسحق، وليث على جعل الحديث عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود. وخالفهما فراتٌ القزازُ، فرواه عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ. فجعل شيخ عبد الرحمن هو "علقمة" بدل "الأسود بن يزيد". أخرجه الطبرانيُّ (9960)، والبزَّارُ (ج 1/ق 135/ 2) من طريق زياد بن الحسن بن فرات، عن أبيه، عن جدِّه فرات. والحسنُ بنُ زيادٍ، قال أبو حاتم: "منكرُ الحديث". وقال الدَّارقطنيُّ: "لا بأس به، ولا يُحتجُّ به". وأبوه، وإن تكلم فيه أبو حاتم أيضًا، فهو خيرٌ من ولده، فقد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وثقه ابنُ معين، وذكره ابنُ حبان في "الثقات". فلا يُعتدُّ بهذا الوجه في المخالفة. والصواب ما رواه أبو إسحق وليث بن أبي سليم. والله تعالى الموفق. ثمَّ أمرٌ رابعٌ. وهو اختيار البخاريّ -رحمه الله- حديث زهير، وإعراضه عن حديث إسرائيل. والبخاريُّ إمامُ الصنعة، وحامل لوائها. هذا: وقد رجح الترمذيُّ حديث إسرائيل بعدة مرجحاتٍ ننظرُ فيها ثمَّ نعقب عليها. ويمكن إجمالُها فيما يأتي: ا- أنَّ إسرائيل بن يونس أحفظ لحديث إسرائيل من زهيرٍ وغيره. ب- أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل على روايته. جـ- أن سماع إسرائيل من أبي إسحق كان قديمًا قبل الاختلاط، أما سماعُ زهيرٍ فبعد الاختلاط. * قُلْتُ: والجواب من وجوهٍ. * الأوَّلُ: أن إسرائيل كان أحفظ لحديث جدِّه، فهذا صحيحٌ فقد كان "عكاز جدِّه" -كما قال الذهبي في "السير" (7/ 359) - بيد أنَّ المتابعات ترجح حديث زهير، بالإضافة إلى ما تقدم ذكرُهُ. * الثاني: أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل على روايته. فيقال: أمَّا قيسُ، فأعدلُ قولٍ فيه، هو قول أبي حاتم: "محلُّهُ الصدقُ، وليس بقوىٍّ، يُكتب حديثُهُ ولا يُحتجّ به". وشريك النخعيُّ أقوى منه مع الكلام الذي فيه. وشريك قد تابع زهيرًا كما مرّ، مع بقية المتابعات، فأين قيسٌ منهم؟! * أمَّا قول الترمذيّ - رحمه اللهُ - أن سماع إسرائيل من جدِّه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قديمٌ، فلا يُسلَّمُ له. فقد قال أحمدُ: "إسرائيلُ، عن أبي إسحق فيه لِيْنٌ، سمع منه بأخرةٍ". وقال أيضًا: "إذا اختلف زكريا وإسرائيلُ، فإن زكريا أحبّ إلى في أبي إسحق، ثمَّ قال: ما أقربهما، وحديثُهُما في أبي إسحق لينٌ، سمعا منه بأخرةٍ". وقال ابنُ معين: "زكريا، وزهير، وإسرائيلُ حديثهم في أبي إسحق قريبٌ من السواء". فثبت بذلك أن إسرائيل سمع من أبي إسحق بعد اختلاطه، فلا وجه لترجيحه على زهيرٍ. وهذا واضحٌ جدًّا. * قُلْتُ: فنخلصُ مما سبق إلى القول بأنَّ حديث زهيرٍ أرجح، فنقدمه على حديث إسرائيل، فينتفى الاضطرابُ بالترجيح -كما أسلفنا، لأن الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجبُ أن يكون مضطربًا إلَّا بشرطين- كما يقولُ الحافظُ: أحدهما: استواءُ وجوه الاختلاف، فمتى رُجح أحد الأقوال قُدِّمَ، ولا يُعلُّ الصحيحُ بالمرجوح. ثانيهما: مع الاستواء أن يتعذر الجمعُ على قواعد المحدثين، ويغلبُ على الظنِّ أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه، فحينئذٍ يُحكمُ على تلك الرواية وحدها بالاضطراب، ويتوقف عن الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك. وهنا يظهرُ عدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحق فيه؛ لأنَّ الروايات المختلفة عنه، لا يخلو إسنادٌ منها من مقالٍ غير=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الطريقين المقدم ذكرهما عن زهير، وعن إسرائيل، مع أنه يمكنُ رد أكثر الطرق إلى رواية زهيرٍ". اهـ. ثمَّ اعلم أنَّ ترجيح أبي زرعة لحديث إسرائيل، فهو بالنسبة لما ساقه من طرق، وليس فيها طريق زهير. وهذا يظهرُ بأدنى تأمُّلٍ. ... أمَّا الوجه الثالث: فزعمُ الشاذكوني أن أبا إسحق دلَّس هذا الحديث. فالجوابُ عنه من وجوهٍ: الأول: أنَّ الشاذكونى -واسمه سليمان بن داود- كان ضعيفًا مطروحًا حتى قال فيه البخاريُّ: "هو أضعف عندي من كلِّ ضعيفٍ"، فلا يُقبل قولُهُ. وليس له بينة على ما يقول إلا مجرد لفظٍ يحتمل أكثر من وجهٍ. الثانى: أن البخاريَّ عقب بعد الحديث برواية يوسف بن أبي إسحق، عن أبيه، قال: حدثني عبد الرحمن بنُ الأسود. فزالت ريبة التدليس. ولكن يمكن للمعترض أن يقول: ما أورده البخاريُّ إنما يفيد في المتابعات، أمَّا في إثبات سماع راوٍ من آخر ففيه نظر، لا سيما وإبراهيم ابن يوسف متكلمٌ في حفظه، فمثله قد يخطىء فيجعل العنعنة تصريحًا بالسماع. فلا يعولُ عليه في هذا البحث. فالجوابُ من وجهين: أ- قال ابنُ دقيق العيد - رحمه الله - كما في "نصب الراية" (1/ 216 - 217): "وذكرُ البخاريِّ لرواية إبراهيم بن يوسف لعضد رفع التدليس، مما يقتضي أنَّه في حيز من ترجح به. ويؤيِّدُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ذلك أنَّ ابنَ أبي حاتمٍ قال: سمعتُ أبي يقولُ: يُكتبُ حديثهُ، وهو حسنُ الحديثِ". ب- وما قاله الإِسماعيليُّ في "مستخرجه" بعد أن روى الحديث من طريق يحيى القطَّان عن زهير، من أنَّ هذا مما لم يدلسه أبو إسحق قال: "لأن يحيى القطان لا يرضى أن يأخذ عن زهيرٍ، ما ليس بسماعٍ لشيخه". قال الحافظُ: "وكأنَّهُ عرف هذا بالاستقراء من حال يحيى، والله أعلمُ". (تنبيه) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 258): "قوله: "هذا ركس" كذا وقع هنا بكسر الراء وإسكان الكاف، فقيل: هى لغةٌ في "رجس" بالجيم. ويدلُّ عليه روايةُ ابن ماجة وابن خزيمة في هذا الحديث، فإنها عندهما بالجيم. وقيل الركسُ الرجيعُ. ردٌّ من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة. قاله الخطابيُّ وغيرُهُ والأولى أنْ يقال: ردٌّ من حالة الطعام إلى حالة الروث. وقال ابنُ بطَّال: لم أر هذا الحرف في الُّلغة، يعني: "الركس" بالكاف. وتعقبه أبو عبد الملك بأن معناهُ: الردُّ، كما قال تعالى: {أرْكِسُوا فيها} أي رُدُّوا، فكأنَّهُ قال: هذا ردٌّ عليك. انتهى، ولو ثبت ما قال لكان بفتح الراء، يُقال: رَكَسَهُ رَكْسًا، إذا ردَّهُ. وفي رواية الترمذيّ: هذا ركسٌ، يعني نجسًا. وهذا يؤيِّدُ الأول. وأغرب النسائيُّ فقال عقب هذا الحديث: الركسُ طعام الجنِّ، وهذا إن ثبت في اللَّغة فهو مريحٌ من الإِشكال". اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: الذي يظهرُك أنَّ النسائيَّ لم يرد المعنى اللُّغويّ، وإنما أراد معنى ما ورد في بعض الأحاديث التي تقدم ذكرها أن الروث طعامُ الجنِّ. فهذا مرادُهُ. والله أعلمُ. ***

باب الرخصة فى الاستطابة بحجر واحد

باب الرُّخْصَةِ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ 43 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاَهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 43 - إِسْنَادُهُ صَحيْحٌ، وَيَأْتِى بِرَقَم (89). * هلالُ بنُ يسافٍ، ويقال: "أساف"، والأول أشهرُ، هو الأشجعي، الكوفيُّ. أخرج له الجماعة، إلا البخاريّ تعليقًا، وهو ثقةٌ. وثقهُ ابنُ معين، وابنُ سعد، والعجليُّ، وابنُ حبّان. ... والحديثُ أخرجه الترمذيُّ (27)، وابنُ ماجه (406)، وأحمدُ (4/ 313, 329، 340)، والحميديُّ (856)، والطيالسيُّ (1274)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 34/ 2)، وابنُ أبي شيبة (1/ 27)، ويعقوب بنُ سفيانُ في "المعرفة" (1/ 334)، وابنُ حبان (149)، والطبراني في "الكبير" (ج 7/ رقم 6306، 6307، 6308، 6309، 6310، 6311، 6312، 6313، 6314، 6315)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 315)، والطحاويُ في "شرح المعاني" (1/ 121)، والبيهقيُّ في "المعرفة" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (1/ 283 - 284)، والخطيبُ في "تاريخه" (1/ 286)، وفي "الموضح" (2/ 72، 163، 303) من طرقٍ عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس به. قال الترمذيُّ: "هذا حديث حسنٌ صحيحٌ". وقد رواه عن منصور بن المعتمر جماعةٌ، منهم: "سفيان الثوريُّ، وجرير بن عبد الحميد، وابن عيينة، ومعمر بن راشد، وحماد بن زيد، وأبو الأحوص، وشعبة، وزائدةُ بنُ قدامة، وقيسُ بنُ الربيع، وأبو عوانة وضاح". (تنبيه) هذا الحديث عزاه الحافظ في "التلخيص" (1/ 111) لأصحاب السنن, وقد علمت من التخرج أن أبا داود -منهم- لم يروه. فكُنْ منه على ذُكْرٍ. والله الموفق. ***

الاجتزاء فى الاستطابة بالحجارة دون غيرها

الاِجْتِزَاءُ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِالْحِجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا 44 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قُرْطٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا فَإِنَّهَا تَجْزِى عَنْهُ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 44 - إِسْنَادُهُ ضعِيْفٌ، وَهُوَ حَدِيْثٌ صحِيْحٌ. * عبد العزيز بنُ أبي حازم، هو أبو تمام المدنيُّ. أخرج له الجماعة، ووثقهُ المصنِّفُ، وابنُ نمير، والعجليُّ، وابنُ سعدٍ، وابنُ حبان، وغيرُهُمْ. وقال أبو حاتمٍ: "صالحُ الحديث". * أبوه، هو سلمةُ بنُ دينارٍ، أبو حازم المدنيُّ. وثقهُ أحمدُ، وأبو حاتمٍ، والمصنِّفُ، والعجليُّ، وابنُ خزيمة في آخرين. * مسلمُ بنُ قُرْط، لا يُعرفُ كما قال الذهبيُّ. قال الحافظ في "التهذيب": "هو مقلٌّ جدًّا، وإذا كان مع قلة حديثه يخطىءُ، فهو ضعيفٌ". وقد أطلق الحافظ عليه الضعف لخطئه اعتمادًا على قول ابن حبان الذي نقله عنه الحافظ وهو "يخطئ" ولكنى لم أجد هذه العبارة في "الثقات" (7/ 447) فالله أعلمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولما ذكره الحافظ في "التقريب" قال: "مقبولٌ"! وكان الصواب أن يقول "ضعيفٌ" كما قال في "التهذيب". ... أخرجه أبو داود (40)، والدَّارميُّ (1/ 137 / 676) والبخاريُّ في "الكبير" (4/ 1/ 271)، وأحمدُ (6/ 108, 133)، وأبو يعلى (ج 17 رقم 4376)، والطحاويّ في "شرح المعاني" (1/ 121)، والدَّارقطنيُّ (1/ 54 - 55)، والبيهقيُّ (1/ 103) من طرقٍ عن أبي حازمٍ، عن مسلم بن قُرْط، عن عروة، عن عائشة به. وقد رواه عن أبي حازم: "ولده عبد العزيز، ويعقوب بن عبد الرحمن، وهشام بن سعد". قال الدَّارقطنيُّ: "إسنادُهُ صحيحٌ"! وذكر الحافظ في "التهذيب" أَنَّ الدَّارقطنيَّ حسَّنَهُ. ونقل النوويُّ في "المجموع" (2/ 93، 96) عن الدارقطنيّ، قال: "إسنادُهُ حسنٌ صحيحٌ"! * قُلْتُ: كذا قال الدارقطنيُّ، وفيه نظر لجهالة مسلم بن قرط كما تقدم ذكرُهُ. ولكن للحديث شواهدٌ، منها حديثُ سلمان الفارسيّ رضي الله عنه وقد مرَّ تخريجُهُ برقم (41). ومنها حديثُ أبي أيوب الأنصاريّ رضي الله عنه مرفوعًا: "إذا تغوَّط أحدُكُمْ فليتمسح بثلاثة أحجارٍ، فإن ذلك كافيه" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 4/ رقم 4055)، وفي "الأوسط" (33 - مجمع البحرين) من طريق عثمان بن أبي سودة، عن أبي شعيب الحضرميّ، عن أبي أيوب. قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 211): "رواه الطبرانيُّ ..... إلا أن أبا شعيبٍ صاحب أبي أيوب لم أر فيه تعديلًا ولا جرحًا". اهـ. فحديثُهُ حسنٌ في الشواهد. وقد مرت أحاديثُ أخرى في هذا المعنى. والله الموفقُ. ***

الاستنجاء بالماء

الاِسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ 45 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا النَّضْرُ قَالَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ أَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ مَعِى نَحْوِى إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِى بِالْمَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 45 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * النضرُ هو ابنُ شُميلٍ المازنيُّ، أبو الحسن البصريُّ. أخرج له الجماعة. وهو ثقةٌ. وثقهُ ابنُ معين، وابنُ المديني، والمصنِّفُ، وأبو حاتمٍ في آخرين. وقال العباسُ: "كان أروى الناس عن شعبة". * عطاء بن أبي ميمونة، أبو معاذٍ، مولى أنس. أخرج له الجماعةُ، إلا الترمذيّ. وثقهُ ابنُ معين، وأبو زرعة، والمصنِّفُ، ويعقوب الفسويُّ. وقال أبو حاتمٍ: "صالحٌ، لا يُحتجُّ به، وكان قدريًّا". * قلتُ: إنْ كان عدم الاحتجاج به بسبب القدر، ففيه نظرٌ، لأنَّ ذلك غير قادحٍ على الراجح، وإن كانت بسبب أخطاءٍ وقعت منه كما قال ابنُ عديٍّ، فيبدو أن خطأه لم يكن كثيرًا، وقد احتج به الشيخان. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الجُوْزجَاني: "كان رأسًا في القدر". فأنكره الذهبيُّ، وقال: "بل هو قدريٌّ صغيرٌ"! ... والحديثُ أخرجه البخاريُّ (1/ 251، 252، 575 - 576 - فتح)، ومسلمٌ (3/ 162 نووى)، وأبو عوانة (1/ 195)، والدارميُّ (1/ 138)، وأحمد (3/ 112، 171)، والطيالسيُّ (2134) والبغوي في "مسند ابن الجعد"، (1308، 1309، 1312)، وابنُ خزيمة (1/ 46) , وابنُ حبان (2/ 509/ 1429)، وابنُ أبي شيبة (1/ 152) وابنُ الجارود (41)، وابنُ أبي شريح في "جزء بيبى" (77)، وابنُ عديّ في "الكامل" (5/ 2005)، والبيهقيُّ (1/ 105)، وابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 96 - 97)، والبغويّ في "شرح السُّنة" (1/ 389)، والذهبيُّ في "الدينار" (37) وفي "السير" (11/ 490) من طرق عن شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنسٍ. وقد رواهُ عن شعبة جماعةٌ من أصحابه، منهم: "غُندر، ووكيع، وروح بن القاسم، وأبو داود الطيالسُّي، وأبو الوليد الطيالسيُّ، ويزيد بنُ هارون، ووهبُ بنُ جريرٍ، وعبد الصمد العنبريُّ، وسالم بن قتيبة، وعليُّ بن المدينى، والأسود بن عامر، وسليمان بن حربٍ". وتابع شعبة عليه، خالدٌ الحذاءُ، عن عطاء بن أبي ميمونة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه مسلمٌ، وأبو عوانة، وأبو داود (43)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج1/ رقم 320)، وأبو القاسم البغوي في "مسند ابن الجعد" (1310) من طرقٍ عن خالد الحذاء به. ***

46 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّى أَسْتَحْيِيهِمْ مِنْهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَفْعَلُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 46 - حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ. * أبو عوانة، اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكريّ. أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ ثبتٌ إذا حدَّث من كتابه، فإن حدَّث من حفظه فربما وهم. وقد وثقه فحولُ الأئمة. ولكن قال ابنُ المدينى: "كان أبو عوانة في قتادة ضعيفًا؛ لأنَّه كان قد ذهب كتابُهُ". ولكنه توبع كما يأتي إن شاء الله. * معاذة، هي بنت عبد الله العدوية، أم الصهباء. قال ابنُ معين: "ثقة حجة". وذكرها ابنُ حبان في "الثقات" (5/ 466) وقال: "كانت من العابدات. وكانت تقولُ: صحبتُ الدُّنيا سبعين سنة، فما رأيتُ فيها قرة عين قط". ... أخرجه الترمذيُّ (19) قال: حدثنا قتيبةُ، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب البصريُ، قالا: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتابعه هما ابن يحيى، عن قتادة بإسناده سواء. أخرجه أحمدُ (6/ 95، 120، 130)، وابن المنذر في "الأوسط" (ج1/ رقم 319)، وأبو يعلى (ج 8/ رقم 4589). وكذا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 152) وأحمد (6/ 236)، وأبو يعلى (ج 8/ رقم 4514)، والبيهقي (1/ 105 - 106). وكذا أبان بن يزيد العطار، عن قتادة. أخرجه أحمد (6/ 114) حدثنا سويد بن عمرو، ثنا أبان وقد توبع قتادة. تابعه يزيد بن أبي يزيد الرشك، عن معاذة به. أخرجه أحمد (6/ 113) حدثنا يونس، ثنا أبان، عن قتادة، ويزيد الرشك، عن معاذة. قال الترمذي: "حديث حسنٌ صحيحٌ". وقال النوويُّ في "المجموع" (2/ 101): "حديثٌ صحيحٌ". * قُلْتُ: وقد صرَّح قتادة بالتحديث في روايةٍ لأحمد (6/ 130). قال الدَّارقطنيُّ في "العلل" (ج 5/ ق 102/ 2 - 103/ 1) وقد سئل عن هذا الحديث: "اختُلف في رفعه على معاذة. فرواه قتادةُ عن معاذة، واختُلف عنه في رفعه. فرفعه مَعْمر، وحمادُ بنُ يزيدٍ، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن معاذة، عن عائشة، ورفعه إبراهيم بنُ طهمان عن أيوب. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ورواه يزيدُ الرشك، واختُلف عنه فرفعه أبانُ العطار، وعبد الله ابن شوذب، عن يزيد الرشك. ورفعه شعبةُ وحمادُ بنُ زيدٍ عنه. ورواه عاصم الأحول، عن معاذة، عن عائشة موقوفًا أيضًا. ورواهُ ابنُ حسانٍ، واختُلف عنه. فرواه عمرُ بنُ المغيرة، عن هشام ابن حسَّانٍ، عن عائشة بنت عرار (؟)، عن معاذة، عن عائشة، ورفعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وتابعه زائدةُ، عن هشام بن حسَّان، على إسناده إلا أنَّه وقفه عن عائشة. ورواه عبدُ الله بنُ رجاء المكيُّ، عن هشام، عن معاذة، عن عائشة مرفوعًا. وأسقط منه "عائشة بنت عرار". ووقفه إسحقُ بنُ سويد، عن معاذة، ورفعُهُ صحيحٌ. ورواه يحيى بنُ أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن عائشة مرفوعًا. وكذلك الأوزاعى، عن أبي عمار، عن عائشة". اهـ. وكذلك رجح أبو زرعة المرفوع، فقال -كما في "علل الحديث" (ج1/ رقم 91) لابن أبي حاتمٍ: "حديثُ قتادة مرفوعٌ أصحُّ. وقتادةُ أحفظُ، ويزيد الرشك ليس به بأسٌ". ... قال الترمذي: "وفي الباب عن جرير بن عبد الله البجليّ، وأنس، وأبي هريرة". ... أولًا: حديثُ جرير بن عبد الله، رضي الله عنه. * قُلْتُ: يأتي تخريجهُ برقم (51) إنْ شاء الله. ... ثانيًا: حديث أنسٍ، رضي الله عنه. مرَّ تخريجه برقم (45). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثالثًا: حديث أبي هريرة، رضي الله عنه. يأتي - إن شاء الله - برقم (50). ***

النهي عن الاستنجاء باليمين

النَّهْيُ عَنْ الاِسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ 47 - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ أَنْبَأَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِى قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِى إِنَائِهِ وَإِذَا أَتَى الْخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 47 - إِسْنَادُهُ صحِيْحٌ. * إسماعيلُ بنُ مسعودٍ، هو الجحدريُّ، أبو مسعودٍ البصريُّ لم يخرج له من الجماعة سوى المصنِّفُ، وروى عنه (148) حديثًا ووثقه هو، وابنُ حبان. وقال أبو حاتمٍ: "صدوقٌ". * خالد، هو ابنُ الحارث بن عُبيد بن سليمان، أبو عثمان البصريُّ أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ ثبتٌ. وثقه ابنُ معين، والمصنِّفُ، وأبو حاتمٍ، والترمذيُّ في آخرين. وقال أحمدُ: "إليه المنتهى في التثبت بالبصرة". * وهشام هو الدستوائي. * ويحيى، هو ابنُ أبي كثير. ... وقد مرَّ تخريجُهُ برقم (24) فانظره.

48 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ يَتَنَفَّسَ فِى الإِنَاءِ وَأَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَأَنْ يَسْتَطِيبَ بِيَمِينِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 48 - إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. * عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهريُّ البصريُّ أخرج له الجماعة، حاشا البخاريّ. وثقهُ المصنِّفُ وروى عنه (26) حديثًا. وكذا وثقه ابنُ حبان، والدَّارقطنيّ، وقال: "قليلُ الخطأ". وقال أبو حاتم: "صدوق". * عبد الوهاب، هو ابن عبد المجيد بن الصلت الثقفي، أبو محمد. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقة، وما ضرَّهُ اختلاطه كما يأتى. وثقه ابن معين، والعجليُّ، وابنُ سعدٍ وقال: "فيه ضعفٌ"! أما ابنُ أبي حاتم فترجمه في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 71) وجعله اثنين فترجم مرة لعبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت، ومرة لـ "عبد الوهاب الثقفى" ثم قال: "سألت أبي عنه، فقال: مجهولٌ"! فتعقبه الذهبيُّ بأنهما واحدٌ، وقال: "وأما الثقفيُّ فثقة مشهورٌ". وقد تكلم بعض العلماء فيه من جهة أنه اختلط. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال ابنُ معين: "اختلط بأخرةٍ". وقال عمرو بنُ علىٍّ: "اختلط حتى كان لا يعقلُ، وسمعتُه وهو مختلط يقولُ: حدثنا محمد ابن عبد الرحمن بن ثوبان، باختلاطٍ شديد". وقال عقبةُ بنُ مكرم: "اختلط قبل موته بثلات سنين أو أربع سنين". وكذا قال أبو داود والعقيليُّ أنه تغير. عقب الذهبي في "السير" (9/ 239) بقوله: "لكن ما ضرَّهُ تغيُّرُهُ، فإنه لم يحدث زمن التغير بشىءٍ". ومستندُ الذهبي في ذلك ما رواه العقيلي في "الضعفاء" (ق 130/ 2) بسندٍ صحيح إلى أبي داود قال: جرير بن حازم، وعبد الوهاب الثقفى تغيرًا، فحُجب الناسُ عنهم". وقد ساق العقيليُّ حديثًا تفرد به عبد الوهاب، فتعقبه الذهبي في "الميزان" بقوله: "الثقفيُّ لا يُنكر له إذا تفرد بحديثٍ، بل وبعشرةٍ". * أيوب، هو ابن تميمة السختيانى، أبو بكر البصريُّ. وهو من أقران يحيى بن أبي كثير، الذي روى عنه هذا الحديث. أخرج له الجماعة، وهو ثقة نبيل، أحدُ الفحول. قيل لأحمد: "تقدم أيوب على مالكٍ؟ قال: نعم! " وقال وهب لمالكٍ: "ليس أحدٌ أحفظ عن نافع من أيوب؟ " فتبسم! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال مالكٌ: "كنا ندخل على أيوب السختياني، فإذا ذكرنا له حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بكى حتى نرحمه". ومن غُرر كلامه: "ما صدق عبدٌ قط، فأحبَّ الشُهْرة". وقد وثقهُ الجمع، ولا أعلم لأحدٍ فيه جرحة. وقد قال أبو حاتمٍ: "ثقةٌ لا يُسأل عن مثله". ... وقد سبق تخريج الحديث، فانظر ما قبله. ***

49 - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ وَشُعَيْبُ بْنُ يُوسُفَ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِىٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّا لَنَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمُ الْخِرَاءَةَ. قَالَ أَجَلْ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِىَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَقَالَ «لاَ يَسْتَنْجِى أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 49 - إِسْنَادُهُ صحِيْحٌ. * شعيب بن يوسف، هو أبو عمرو النسائيُّ. لم يخرج له أحدٌ من الجماعة سوى المصنِّفُ. روى عنه المصنف (19) حديثًا وقال: "ثقةٌ مأمونٌ". وقال أبو حاتمٍ: "صدوقٌ". وقال أبو زرعة الرازى: "ثقةٌ، قدم علينا، وكان صاحب حديثٍ". ... وقد تقدم تخريجُهُ برقم (41). ***

باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء

باب دَلْكِ الْيَدِ بِالأَرْضِ بَعْدَ الاِسْتِنْجَاءِ 50 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- تَوَضَّأَ فَلَمَّا اسْتَنْجَى دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 50 - إِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ. * محمد بن عبد الله بن المبارك المخرميُّ، أبو جعفر البغداديُّ أخرج له البخاريُّ، وأبو داود. روى عنه المصنِّفُ (65) حديثًا ووثقهُ هو وأبو حاتمٍ، والدَّارقطنيُّ، وابنُ حبان، ومسلمة بن قاسمٍ، وابنُ ماكولا. * إبراهيم بن جرير، تأتى ترجمته في الحديث القادم إنْ شاء الله. * أبو زرعة، هو ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجليُّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ. وثقهُ ابنُ معين، وابنُ خراشٍ، وزاد: "صدوق". ... والحديث أخرجه أبو داود (45)، وابنُ ماجة (358)، وأحمدُ (2/ 311، 454)، وابنُ حبان (138)، والبيهقيُّ (1/ 106 - 107) من طريق شريك النخعى، عن إبراهيم بن جرير، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ووقع عند "أبي داود" السند هكذا: " ....... إبراهيم بن جرير، عن المغيرة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة". فوجد "المغيرة" في الإِسناد خطأ، وقد ذكر شارح سنن أبي داود دلائل على ذلك، فراجع بحثه في ذلك (1/ 67 - 68). * قُلْتُ: وهذا سندٌ فيه ضعفٌ من أجل شريك النخعى، فقد كان سيىء الحفظ. أما الشيخ أبو الأشبال رحمه الله فصحح هذا الإِسناد كما في "شرح المسند" (15/ 239)، وإنما صححه جريًا منه على أن شريك النخعى ثقةٌ! وقد أشرنا إلى خطأ ذلك في الحديث (29) فراجعهُ. وقال النووي في "المجموع" (2/ 102): "ولم يضعفه أبو داود، ولا غيرُهُ وإسنادُهُ صحيحٌ إلَّا أن فيه شريك بن عبد الله القاضى، وقد اختلفوا في الاحتجاج به"! وقد اختلف على إبراهيم بن جرير في إسناده، وانظر الحديث القادم. ***

51 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ - يَعْنِى ابْنَ حَرْبٍ - قَالَ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَى الْخَلاَءَ فَقَضَى الْحَاجَةَ ثُمَّ قَالَ «يَا جَرِيرُ هَاتِ طَهُورًا». فَأَتَيْتُهُ بِالْمَاءِ فَاسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَقَالَ بِيَدِهِ فَدَلَكَ بِهَا الأَرْضَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 51 - إِسنادُهُ ضَعِيْفٌ لِانْقِطَاعِهِ. * أحمدُ بن الصباح، هو النهشلىُّ، أبو جعفر الرازى. أخرج له البخاريُّ وأبو داود. لم يرو عنه المصنِّفُ سوى هذا الحديث. وقد وثقهُ هو، وابنُ حبان، وزاد هذا: "يُغرب على استقامته". * شعيب بن حرب، هو المدائنى أبو صالحٍ البغداديُّ. أخرج له البخاريُّ، وأبو داود. ووثقهُ ابنُ معين، وأبو حاتمٍ، والمصنِّفُ، وابن سعدٍ، والدَّارقطنىُّ، وابنُ حبان، في آخرين. وفي "الضعفاء" للبخارى: "شعيب بن حرب منكرُ الحديث، مجهولٌ". قال الحافظ: "والظاهر أنه غيرُهُ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: هو غيرُهُ يقينًا، وقد فرَّق بينهما الذهبيُّ. * أبان بن عبد الله البجليُّ، أخرج له أصحاب السنن. ووثقه أحمد، وابن معين، وابن نمير، والعجليُّ. قال ابنُ عدىٍ: "هو عزيز الحديث، عزيز الروايات، ولم أجد له حديثًا منكر المتن أذكرُهُ، وأرجو أنه لا بأس به". أما النسائيُّ المصنِّفُ، فقال: "ليس بالقوى". وهذا تليينٌ هينٌ. أمَّا ابنُ حبان فقد غلا في جرحه، فقال: "كان ممن فحُش خطؤه، وانفرد بالمناكير"!! * إبراهيمُ بن جرير بن عبد الله البجلىُّ. أخرج له أبو داود، وابنُ ماجة. وهو صدوقٌ. قال ابنُ معين، وأبو حاتمٍ، وأبو داود: "لم يسمع من أبيه". وقال ابنُ سعد، وإبراهيم الحربى في "كتاب العلل": "ولد بعد موت أبيه". وقال ابنُ عديٍّ: "يقولُ في بعض رواياته: حدثني أبي، ولم يُضَعَّفْ في نفسه، وإنما قيل: إنه لم يسمع من أبيه، وأحاديثه مستقيمةٌ تُكتب عنه". فتعقبه الحافظُ بقوله: "إنما جاءت روايتُهُ عن أبيه بتصريح التحديث منه من طريق داود ابن عبد الجبار عنه. وداود ضعيفٌ، وقد نسبه بعضهم للكذب". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والحديث أخرجه ابنُ ماجة (359)، والدارميُّ (1/ 139)، وكذا ابن خزيمة (ج1 / رقم 89)، والبيهقيُّ (1/ 107) من طرق عن أبان بن عبد الله، عن إبراهيم بن جرير، عن أبيه. وقد رواه عن أبان جماعة منهم: "شعيب بن حرب، وأبو نُعيم الفضل بنُ دكين، ومحمد بن يوسف، ومحمد بن عبيد الله أبو عثمان الكوفي". وخالفهم أبو أحمد الزبيرى وأبو داود، ومحمد بن يوسف فرووه عن أبان بن عبد الله، حدثني مولى لأبي هريرة، سمعت أبا هريرة فذكره بنحوه. فجعل الحديث من "مسند أبي هريرة". أخرجه أحمد (2/ 358)، والدارميُّ (1/ 138 - 139)، والبيهقيُّ (1/ 107) وابنُ عديّ في "الكامل" (1/ 379) عن أبي يعلى، وهو في "مسنده" (ج10/ رقم 6136). فإِمَّا أن يكون الاختلاف فيه من أبان، أو يكون له فيه شيخان والله أعلم. وقد اختلف شريكٌ النخعي وأبان بن عبد الله في هذا الحديث على إبراهيم بن جرير. فرجح المصنِّفُ حديث أبان. قال ابنُ المواق: "معنى كلام النسائي أن كون الحديث من "مسند جرير" أولى من كونه من "مسند أبي هريرة"، لا أنه حديث صحيح في نفسه، فإن إبراهيم بن جرير لم يسمع من أبيه شيئًا، قاله يحيى بن معين ... " اهـ. وقال الشيخُ ولىُّ الدين ابن العراقي: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وفي ترجيح النسائي رواية أبان على رواية شريك نظرٌ، فإن شريكًا أعلى وأوسع رواية وأحفظ، وقد أخرج له مسلمٌ في "صحيحه" (¬1)، ولم يُخرج لأبان المذكور. مع أنه اختلف عليه فيه، فرواه الدارقطنيُّ والبيهقيُّ من طريقين عنه، وعن مولى لأبي هريرة، عن أبي هريرة، وهذا الاختلاف على أبان مما يُضعِّفُ روايتهُ، على أنه لا يمتنع أن يكون لإِبراهيم فيه إسنادان، أحدهما عن أبي زرعة، والآخر عن أبيه، وأن يكون لأبان فيه إسنادان أحدهما عن إبراهيم بن جرير، والآخر عن مولى لأبى هريرة". اهـ. * قُلْتُ: وما ذهب إليه ابنُ العراقي هو الذي أميلُ إليه، لا سيما إذا أضيف إلى حديث شريك، ما رواه أبان عن مولى لأبى هريرة، عن أبي هريرة. وهو أحد أوجه الخلاف على أبان فيه. والله تعالى أعلم. ... ¬

_ (¬1) هذا يوهمُ أن مسلمًا احتج بشريك، وهذا غيْرُ صحيحٍ, لأن مسلمًا أخرج له في الشواهد والمتابعات، وبهذا يظهر أن تفضيل شريك على أبان من هذه الجهة لا يجدى. والله أعلم.

تمَّ بحمد الله تعالى الجزءُ الأوَّلُ من "بذل الإِحسان"، ويتلوه الجزء الثانى وأوله: أخبرنا هنادُ بنُ السريّ، .. والله أسأل أن يتقبله مني بقبولٍ جميلٍ، وأن ينفع به إنه ولي ذلك والقادر عليه. وكتبه أبو إسحق الحويني الأثري ... تم صف وتجهيزات هذا الجزء في مطبعة الحرمين 72 ش مصر والسودان - القاهرة - مصر ت: 820392 والحمد لله رب العالمين

تم بحمد الله المنان الجزء الأول من بذل الإِحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن تنبيه للقارىء الكريم: كان في النية إعداد فهارس فنية شاملة لهذا الكتاب غير أنه قد حالت ظروف دون إكمالها على الوجه المطلوب، فآثرنا إرجاءها لأجل قريب بإذن الله تعالى، مكتفين بما أوردناه ها هنا. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الحرمين جمع تصويري * تجهيزات * طباعة 72 شارع مصر والسودان حدائق القبة - القاهرة تليفون: 820392

بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن تأليف أبي إسحاق الحويني الأثري الجزء الثاني الناشر مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي ت: 868605

الطبعة الأولى للكتاب 1412 هـ -1992 م كافة حقوق الطبع والنشر محفوظة الناشر مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي 14 ش سويلم من ش الهرم خلف مسجد الأنصار الطالبية ت: 868605

بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الحَمْد لله تعالى نحمدُهُ، ونستعينُ به ونستغفرُه، ونَعُوْذُ بالله تعالى من شُرور أنفُسنا، وسيئات أعمالنا، مَنْ يَهْد اللهُ تعالى، فلا مُضل له، ومن يُضللْ فلا هَادى له. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك لَهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ. أمَّا بَعْدُ: فإنَّ أصْدَقَ الحديث: كتابُ الله تعالى، وأحْسنَ الهَدْى، هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار. فهذا هو الجُزْءُ الثاني من "بَذْل الإحسان"، أقدمُهُ للباحثين، بعد أنْ ظلَّ حبيس المطبعة نحو عام، بَلْ أكْثَرُ، ولولا لطفُ الله تعالى، لطال أمدُهُ وتأخَّر، وذاك بسبب حَرْب الخليج التي زكا أوَارُها، واشتدَّ ضرامُها، فلله الأمر من قبلُ ومن بَعْدُ. وقد أودعتُ فيه ما نمى إليه علمى، وبلغه فهمى، وكابَدْتُ فيه من الجُهْد، ما أكلُ تقديره لأهل العلم بالنَّقْد، وفي كُل هذا أحاولُ أن أتجنَّبَ -مَا استطعتُ- التقصيرَ فيما اشتَرَطْتُهُ على نفسى أن يكون كتابًا جامعًا عمليًّا لشتات ما تفرَّق في هذا الفن. ذلك أنني لم أدَعْ مسألةً -إلا ما ندَّ عنِّي- تمرُّ بي إلا قَلَّبْتُ فيها وجوه النَّظر، وأطَلْتُ فيها التأمُل والسَّهر، فكم من ليالٍ أنفقْتُها في تصويب تحريف

حديثٍ أو غابرٍ، أو تقويم تصحيفٍ، يمر عليه القارىءُ مُرُوْرَ العَابر، حتى إنه ليهونُ أنْ يكتبَ المرءُ عِدَّة صفحاتٍ، من حُرِّ اللفظ وشريف المعنى، فيكونُ أخفَّ عليه من تصويب تحريف، يستتبعُهُ العَنَاءُ المعنَّي، والنصبُ المنصب ومع كل ذلك، بقيت أشياءُ للمُتعقِّبِ، مع حرصى على إتقان عملى تقريبًا لطُلَّابه، ولكن صدق القائلُ (¬1): لو عُوْرضَ كتاب سَبْعين مرَّة لوجد فيه خَطأ، أبى الله أن يكون كتاب صحيحًا غيرُ كتابِهِ. فَقَد وَقَعَ لي في الجُزْء الأوَلِ قليلٌ من الأوْهَام، بعضُها من سَبْق القلمِ، وبعضُها مما ندَّ عن الفهم، وبعضُها بسبب ما وقعَ في النَّصِّ مِن عِوَجٍ. أما الزياداتُ في التخْرِيجاتِ، والفَوَائِدُ والتعْليقاتُ، فَحَدِّثْ عن ذلك ولا حَرَج، بحيثُ لو أوْدَعتُها كتابًا، لجاءَ في مجلدٍ لطيف، فَأنَا أنَبِّهُ على بعْضِها (¬2) , وأوْدِعُ باقيه في المسْتَدركِ الذي سَأجْعَلُهُ في خَاتِمةِ الجُزْءِ ¬

_ (¬1) هو المُزَنى، صاحب الشافعى رحمهما الله تعالى. (¬2) ومن الظاهر من هذا البعض ما يلى: الأول: أننى في (1/ 209) بعد قول الإِمام أحمد (هو وهم). * قلت: (وعلة ذلك أن قتادة بصرى ولا دخل معمر البصرة .... إلخ) فقد سبق قلمى في هذه العبارة وإلا فالذي رواه عن معمر هو عبد الرزاق فما دخل أهل البصرة هنا!! وإنما صواب العبارة: وعلة ذلك أن قتادة بصرى، وقد قال ابن معين: إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه، إلا عن الزهرى وابن طاووس، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا، فهذا الحديث من أوهام معمر -رحمه الله-. الثانى: (1/ 218) أن قلت: وسنده صحيح لكن قال أبو حاتم ... ولم يظهر لي وجه الخطأ .... إلخ. * قلت: ثم علمت وجه الخطأ وهو أن إبراهيم بن سعد يرويه عن الزهرى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية عن أبي أيوب. أخرجه الطبراني في الكبير والطحاوي في الشرح وابن عدى (1/ 247) فقد خالف =

الثَّالِثِ -إذ شَاْءَ اللهُ تعالى-، وَكَذَلكَ في كُلِّ جُزْءٍ، أجعَلُ في آخِرِهِ ذَيْلًا عَلَى الجُزْءِ السابِقِ عَلَيْهِ، وَذَلك مِنْ أعْظَم العِبَرِ، وَهوَ دَلِيلٌ عَلَى استِيلاءِ النَّقْصِ عَلَى جُمْلَةِ البَشرِ ثم إني أريد أن أُشير إلى شَىءٍ، ألمحتُ إليه في مُقدمة الجُزء الأولِ، وَأجعَلُهُ أصلًا، يَكونُ عليه المُعوَّلُ، ذَلِك أنَّ بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ إلى العِلْم عندَ العّوَامِ، وإنْ لَم يَكُن كَذَلِكَ عِنْدَ العُلَماءِ الأعْلَامِ، لَمَّا اطَّلَعَ عَلَى الجُزْءِ الأوَّلِ من كِتَابِي هَذَا، أُنكَرَ صَنِيعى، وَقَرْطَمَ الكَلَامَ، وَجَعَلَهُ جُذَاذًا، وَصَار يَهْذِى كَالمَحْمُوم، ويتكلَّمُ بِكلام غيْرِ مَفْهوم، ويقولُ: أيُّ شىء يفِيْدُهُ النَّاسُ مِنْ ذِكْرِ اختلافِ الطُّرُقِ، وَمَا عَمَلُ هَذَا وَأمثَالِهِ، وَعِلْمُ الحدِيْثِ نَضَجَ ثمَّ احْتَرَقَ؟!!، ثُمَّ ردُهُ عَلَى العُلَمَاءِ بِدَعْوَى التعقُّبِ، شَهْوَةٌ خفيةٌ، وَتَرْكُهُ إِليَّ أعْجَبُ، عَلَى أنَّ هَذَا وَأمْثَالَهُ لو كَاْنَ لا بدَّ لهُ أنْ يشْتَغِل بالعِلْمِ، فَعَلَيْهِ بتحقيق "جَامِع العلوم"، وَ "كلمة الإخلَاصِ" أو غَيرِهَا من كُتُب ابْن رَجَب!! وأى شَىء مِنَ العِلْم لَدَى المُتأخريْنَ لَمْ يَكُن عِنْد المتقدمِيْنَ، فَيَأكُلُونَ لحُوْمَهُم وَهِى مسمومةٌ، بِدَعوى التَّحْقِيق، وَمَا هُوَ إلا حب الظهورِ، الذِى يَقْصِمُ الظُّهُوْرَ! فَلَمَّا بَلَغَنِي قوله الذي يُعِيد فيه ويبدى -وَقد سَمعتُهُ مِنهُ قَبل عَشرِ سِنيِنَ-، عَلِمتُ أن الاشْتِغَالَ بتَفْهيمِ أمثالِهِ لا يُجْدى، فلا يُنْكرُ هَذَا العِلْمَ وَالتبحُّرَ فِيْهِ ¬

_ = إبراهيم بن سعد عامة أصحاب الزهرى إذ رووه عنه عن عطاء بن يزيد الليثى عن أبي أيوب بينما إبراهيم بن سعد جعل شيخ الزهرى فيه هو عبد الرحمن بن يزيد بن جارية , وقد نبه على ذلك ابن عدي عند تخريجه للحديث ... والله أعلم. الثالث: في (1/ 343) قلت: لعل ذلك من هشام بن عمار فكان في حفظه ضعف. * قلت: لم يتفرد به هشام بل تابعه حيوة بن شريح، قال: حدثنا ابن عياش به. أخرجه أبو داود (39) والبيهقى (1/ 108، 110) وحديث الباب الذي هو برقم (39) أخرجه الطحاوى في شرح المعاني (1/ 123) من طريق ابن وهب. أخبرني يونس بسنده سواء.

إلا مَن بِضَاعَتُهُ مُزْجَاةٌ، وَمَنْ جَهِل شيئًا عَادَاهُ، فَلَا حَولَ وَلَا قوَّةَ إلَا بالله، مَعَ أنَّ قَوْلَهُ: إن عِلْمَ الحَدِيْثِ نَضَجَ ثُم احْتَرَقَ، لَا يَكَادُ يَجْرِى عَلَى خُفٍّ وَلَا حَافرٍ، وَصَدَقَ القائِل: كَم تَرَكَ الأولُ للآخِر، والعِبَارَةُ تَحْتمل مَعَنى غَيْرَ هَذَا مَزْبورٌ في الدَّفَاتِرِ، لكنَّهُ أوْرَدهُ مَوْرِدَ الذَّمِّ لأهْلِهِ، فَأحْبَبْتُ أنْ أقوْلَ قَوْلًا -لِيَتَعلَّمَ بِه- فَيَخْرُجَ مِنْ جَهْلِهِ. فَإنَّ الحُكْمَ على ما في الصُّدورِ دَفِينٌ، لَيْسَ مِن شِيْمَةِ أصْحَابِ الدينِ والوَرَع الثخِيْنِ، وَلَوْ كَاْنَ تَبْيِينُ الخَطأ من الصوَابِ، يُعدُّ لَوْنًا مِن الاغْتِيابِ، فَلَا نَعْلَمُ أحَدًا من الناس إلا جَانَفَهُ، وَارِتَكَبهُ وَقَارَفَهُ، وَإنما هَذَا مَذْهَب لِبَعض الخَامِلِيْنَ، فَهُوَ بالرد قمينٌ، فَإنَّ مُنَاقَشَةَ العُلَماءِ مِنَ السالِفِيْنَ أوِ المُعَاصِرِيْنَ في بَعْضِ مَا ذهبُوا إلَيْهِ لَيْسَ حَطًّا عَلَيْهم، فَضْلًا عَنْ أنْ يَكُوْنَ غيبةً محَرَّمَةً، وَكَيْفَ يَكُوْنُ تعقبُنا لِكُبَرَاءِ شُيُوخِنَا وأئِمتِنا، وعُلَمَاءِ سَلَفِنَا طَعْنًا عَلَيْهِم وَبِهِمْ ذُكِرْنا، وَبِشُعَاع ضِيَائِهِمْ تَبَصرنَا، وَباقْتِفَاءِ وَاضحِ رُسُوْمِهِمْ تَمَيَّزنَا، وَبِسُلُوكِ سَبيلِهمْ عَنِ الهَمَج تَحَيَّزْنَا، بَلْ مَنْ أنْعَمَ النَّظَرَ وَأعْمَلَ الفِكْرَ، وَجَدَ أنَّ بَيَانَ مَا أَهْمَلُوا، وتَسْدِيْدَ مَا أغفَلُوا هُوَ غَايَةُ الإحْسَانِ إلَيهِمْ، فَإنَّ هَولَاءِ الأئمَّةَ يومَ وَضَعُوا الكُتُبَ، أوْ تَكَلَّمُوا في العِلْمِ، إنما كَانُوا يُرِيدُوْنَ بَيَانَ وَجْه الحق، فَإذا أخطَأ الوَاحِدُ مِنْهُمْ، كَانَ هَذا نَقِيْضَ مَا أحبَّ وَقَصَدَ، فَالتَّنبيهُ عَلَى خَطَئِهِ مِن أجلِ إعَادَةِ الأمرِ إلى قَصْدهِ وَمَحْبُوبِهِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْه، -والعِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أهلِهِ-، إذْ لَمْ يَكُن أحدٌ مِنْ هَؤلَاءِ الأئمَّةِ مَعْصُوْمًا مِنَ الزللِ، وَلَا آمِنا مِنْ مُقَارَفَةِ الخَطَل، وإنْ كَاْنَ مَا يُتعقَّبُ بِهِ عَلَيهِمْ لَا يُسَاوى شَيْئًا في جَنبِ مَا احْرَزُوْهُ مِنَ الصوَابِ، فَشَكَرَ اللهُ مَسْعَاهُمْ، وَجَعَلَ الجَنَّةَ مَأوَاهُمْ: وَألحْقَنَا بِهِمْ بِوَاسِع إحْسَانِهِ وَمَنِّهِ، وَحَسْبُنا أنْ نَسُوْق عَلَى كل مسألةٍ دليلَهَا

العلمي حَتَّى لا نُرمَى بسوْءِ القَصْدِ، أوْ بِشَهْوَةِ النقْدِ. وَأنَا عِندَمَا نَبَّهْتُ عَلَى أشْيَاءَ رَكِبَ فيْهَا بَعْضُ المُتَقَدّمِيْنَ أو المُتَأخِّرِيْنَ خِلَافَ الصَّوابِ، وَتجلَّد بَعْضُهم فيها، حَتَّى ضَاقَ عَطنُهُ عَنْ تَحْرِيْرِ الجَوَابِ، مَا كُنْتُ بطاعن في أحدٍ منهم، وَلَا قَاصِدٍ بِذَلِكَ تَنْدِيْدًا لَهُ، وَإزْرَاءً عَلَيْهِ، وَغَضًّا مِنه، بل استْيضاحًا لِلصوابِ، وَاسْتِربَاحًا للثوابِ، مَعَ وَافِرِ التَّوْقِير لَهُمْ والإِجْلَالِ، إذْ "مَا نَحْنُ فِيمَنْ مَضَى إلا كَبَقْل في أصُوْل نَخْلٍ طُوَالٍ" (¬1) وَأنا مَع وَضْعى هَذَا الكتابَ، مَا أبَرئ نَفْسى وَلا كتابِى من الخَطأِ الذي لا يكادُ يَخْلو منه تَصنيفٌ، ولا يخلُصُ من تَوَغُّلِهِ تأليف، وَأنَا أعوذُ بِاللهِ -بارىءِ النَّسَم-، مِنْ كُلِّ مَا طَغَى فيه القَلَمُ، وَجَرَى مِنِّى عَلَى الوَهَم وَأعوذُ بِهِ من كُل متكلف يتتبَّعُ فيه على العَثَرَاتِ، وَيُحْصِى مَا وَقَع فِيْه من الفَلَتَاتِ، وَجُلُّ هَمه إظهارُ الغَلَطَاتِ، وطيُّ الحَسَناتِ، مَعَ أنَّهُ لَوْ أرادَ إِنْسَانٌ أنْ لَا يُخْطِىء في شىءٍ مِنَ الْعِلْمِ لَمَا حَصُلَ لَهُ مُرَادُهُ مَهْمَا فَعَلَ وَهَيْهَات، فَلَيْس إلى العِصْمَةِ مِنَ الْخَطَأِ سَبِيلٌ، إلَّا بتفضُّلٍ رَبِّ الأرْضِ وَالسمَواتِ. بَلْ إِنى أعْتَرِفُ فيه بكمالِ القُصُوْرِ، وَأسْأل اللَهَ الصَّفْحَ عَما جَرَى به القلمُ بهذه السُطوْرِ، وأقولُ لِلنَّاظِرِ فِىٍ كِتَابى هَذَا: لَا تأخُذَنَ في نَفْسِك عَلى شَيْئًا وجَدْتَهُ فِيْهِ مُغَايرًا لِفَهْمِكَ، فَإن الفُهُومَ قَدْ تَخْتَلِفُ، ولقلما تتفِقُ العقول كلها وَتأتَلِفُ، وَلولَا اخْتِلَافُ الأنْظَارِ لَبَارَتِ السَّلَعُ، وهُدَمَتْ صَوَامِعُ وَبِيِع، فَإِنْ رُمْتَ الوُقوْفَ على زَلَّةٍ لِي في مِثْل هَذَا العَمَلِ الَّذِي هُوَ كَاْلبَحْرِ العَيْلَمِ، فَلَا شَكَّ أنَّكَ وَاجِدٌ، وَلَيس هَذَا مِمَّا يُستَحْيَا مِنْهُ، بَل هُوَ مِنَ المَحَامِدِ، وَالسَّعِيْدُ مَنْ عُدَّتْ غَلَطَاتُهُ، وَحُسِبَتْ سقَطَاتُهُ، وَأحْصُوا عَلَيْهِ هَنَاتِهِ لِأنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى نُدْرَتِهَا بِجَنْبِ حَسَنَاته وَالْجَوَادُ يَكبُو، وَالنَّارُ -بَعْد أوَارِهَا- تَخْبُو، ¬

_ (¬1) هذا قول أبي عمرو بن العلاء، رواه عنه الخطيب في مقدمة "موضح الأوهام" (1/ 5).

وَالصَّارِمُ يَنْبُو، وَالفَتى قَدْ يَصْبو. وَلَا يَخْفَى عَلَيكَ أنَّ التَّعَقُّبَ عَلَى الكُتُبِ الطَّوِيْلَةِ سهلٌ بِالنسْبَةِ لتَألِيفها، وَوَضعِهَا وَتَرْصِيْفهَا، كمَا يُشَاهَدُ في الأبنيَة القَدِيْمَة، والهَيَاكِلِ العَظِيْمَة، حَيْثُ يَعْتَرِضُ عَلَى بَانِيهَا مَنْ عَرَى فَنَّهُ القوى والقُدر، بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَضْع حَجرٍ عَلَى حَجَرٍ! فَهَذَا جَوَابِى، عَمَّا وَرَدَ في كِتَابى، فَلربما كَاْنَ اعْتِراضُكَ بَعْدَ هَذا البَيَانِ مِنْ تجاهُلِ العَارِفِ، وَإلا فَلَا يَخْفَاكَ أنَّ الزُّيُوْفَ تَدْخُلُ عَلَى أعلَى الصَيَارِفِ، أمَا إنْكَارُ المُشَارِ إلَيْه أن يَكُوْنَ عِنْدَ المُتَأخِّرِ مَا لَيْسَ عِنْدَ المُتَقَدم، فَتِلْكَ شِنْشِنَةٌ نَعْرِفُهَا مِنْ أخْزَم!!، وَكَما يَقُوْلُ ابْنُ قُتَيْبَةَ -رَحِمَه الله-: "قَدْ يَتَعَثَّر في الرأىِ جِلَّةُ أهْلِ النَّظَر، وَالعُلَمَاءُ المُبَرَّزُوْنَ، "الخَائِفُوْنَ لِلهِ الخَاشِعُوْنَ. وَلَا نَعْلَمُ أن اللْهَ تعَالى أعطَى أحدًا مَوْثِقًا مِنَ الغلَطِ وَأمانا مِنَ الخَطَأِ، فَنَسْتَنْكِف لَهُ مِنْهُ، بَلْ وَصَلَ عِبَادَهُ بالعَجْزِ، وَقَرنَهُم بِالحَاجَةِ، وَوَصَفَهُم بِالضعْفِ، وَلَا نَعلَمُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى خَصَّ بالِعلمِ قَوْمًا دونَ قوْم، وَلَا وَقَفَهُ عَلَى زَمَن دونَ زَمَن بَلْ جَعَلَهُ مُشْتَرَكًا مَقْسُوْمًا بَيْنَ عِبادِهِ، يَفْتَحُ للآخِرِ مِنْهُ مَا أغلَقَهُ عَنِ الأوَلِ، وَيُنَبِّهُ المُقِلَّ مِنْهُ عَلَى مَا أغفَلَ عنْهُ المُكْثِرُ، وَيُحْيِيهِ بِمُتَأخِّر يَتَعَقَّبُ قَوْلَ مُتَقَدِّم، وَتَالٍ يَعْتَرِض عَلَى مَاضٍ، وَأوجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنَ الحَقِّ أن يُظْهِرَهُ وَيَنشُرَهُ، وَجَعَلَ ذَلِك زَكَاةَ العِلْمِ، كَمَا جَعَلَ الصدَقَةَ زَكَاةَ المَالِ". اهـ. وَصَدَق أبوُ العَباسِ المُبَرِّدُ إذ قَال في "الكامِلِ"، وَهُوَ القَائِلُ المُحِقُّ: لَيْس لِقِدَمِ العَهْدِ يُفَضَّلُ القَائِل، وَلَا لِحِدثَانِهِ يُهْتَضَمُ المُصِيْبُ، وَلكن يُعْطى كلٌّ ما يَسْتَحِقُّ. اهـ. وما أحسن ما قالَهُ الزمخشري في مُقدِّمة "المستقصى في أمْثَال العَرَب": "وَكأنِّي بِالعَالِمِ المُنْصِفِ قدِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَارتَضَاهُ، وَأجَالَ فِيْهِ

نَظْرَةَ ذِى علقٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلى حُدُوْثِ عَهْدِهِ وقُرْبِ ميلادِهِ؛ لأنهُ إنَّمَا يَسْتَجِيْدُ الشَّىءَ وَيَسْتَرْذِلُهُ لِجَوْدَتِهِ وَرَداءَتِهِ في ذَاتِهِ، لَا لقدَمِهِ وَحُدُوْثِهِ وَبِالجَاهِلَ المَشطِ قَدْ سَمِع بِهِ، فَسَارَعَ إلى تَمْزِيقِ فَرْوَتِهِ، وَتَوْجِيْهِ المُعَابِ إليْهِ، وَلَمَّا يَعْرِف نَبْعَهُ من غَرَبهِ، وَلا صَقرهُ من خَرَبه، ولا عَجَمَ عُوْدَهُ، وَلَا نَفَضَ تَهَائِمَهُ ونُجُودهُ، والذِى غَرَّه مِنْهُ أنهُ عَمَلٌ مُحْدَثٌ لَا عَمَلٌ قَدِيْمٌ، وَحَسِبَ أنَّ الأشيَاء تُنْقدُ أو تُبَهْرَجُ لأنَّها تَلِيدَةٌ أوْ طَارِفَةٌ. وَلِلَّه دَرُّ مَنْ يَقُوْلُ: إذَا رَصِيَتْ عَنِّي كِرَامُ عَشِيرَتِى ... فَلَا زَال غَضْبَانًا عَلَى لِئَامُها". * قُلْتُ: وَتَعْقِيبِى يَكُوْنُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أ - إما أنْ أكُونَ مُصيبًا في قَوْلِى، فَمَا المَانِعُ أن يُقْبَلَ الصوَابُ مِنى؟. ب- وَإمَّا أنْ أكونَ مخْطِئًا، فَعَلى المُعْتَرِضِ أن يُبيِّن ذَلِكَ بالدَّليْلِ، فَليْسَ قَوِيْمًا، وَلَا في مِيْزَانِ العَدْلِ كَرِيمًا أنْ يقْبَلَ القَوْلُ مِنْ إنسَانٍ لِمُجردِ أنَّهُ قَدِيْمٌ، وَأنْ يُرَدَّ عَلَى المصيبِ قوْلُهُ لَكَوْنِهِ حَدِيثًا! وَقَدْ أجَادَ ابْنُ شَرَفٍ القَيْرَوَانِي (ت: 460 هـ) إذْ قَال: قلْ لِمَنْ لَا يرى المُعَاصرَ شَيئًا ... يَرَى للأوائِلِ التَّقْدِيْمَا إِنَّ ذَاْكَ القَدِيْمَ كان حَدِيثًا ... وَذَاكَ الحَدِيث سَيَبْقَى قَدِيْمَا وَمَعَ مَا فَتَحَ اللهُ تَعَالى بِهِ مِنَ الصَّوَابِ، وأجراهُ عَلَى يَدَيَّ بَيْنَ دَفَّتَىْ هَذَا الكِتَابِ، فَلَا أفْخَرُ بَعَمَلِى وَلَا أزْهُو بِهِ في الآفَاقِ، مَعَاذَ اللهِ! وَهَلْ بَقِى مَعَ الناسِ اليَوْمَ مِنَ العِلْمِ -إِذَا ذُكِرَ الأوَلُ- إلَّا فَضْلُ بُزَاقٍ؟! وَقَدْ -وَاللهِ- أنفَقْتُ عَلَيْهِ النَّفِيْسَ وَالغَالِ، وَكَابَدْتُ فيه من

المَشَقَّةِ، مَا يَطُولُ بِهِ المقَالُ، حَتَّى فُتحَتْ سَمَاء يُسرِهِ، فَكانَتْ أبوَابًا، وَزُحْزِحَتْ جِبَالُ عُسْرِهِ، فَكَانَتْ سَرَابًا. وَإنى لَأرجُو أنْ يرْفَعَ اللَهُ مَنَارَ هَذَا الكتَابِ، وَيَنْفَعَ بِعُلُوْمِهِ الزاخِرَةِ، ؤأنْ يُثيْبَنِي بهِ جَمِيْلَ الذكْر في الدُّنيا، وَجَزِيْلَ الأجْر في الآخِرَةِ، وَأن يَكُوْنَ مِنَ الثَّلَاثِ التِى يَنْقطِعُ عَمَلُ ابْن آدَمَ إذا مَاْتَ إلا مِنْهَا، وأنْ أنَالَ بِهِ الدرَجَات بَعْدَ الوَفَاةِ بِانْتِفَاع كُل مَنْ عَمِلَ بِعُلُوْمهِ، أوْ نَقَلَ عَنْهَا، ضَارِعًا إلَى مَنْ يَنْظرُ مِنْ عُالم في عَمَلِى، أنْ يَسْتُرَ عِثَارِى وَزَلَلِى، وَيَسُدَّ بِسَداد فَضْلِهِ خَلَلِى (¬1). وَاللهَ أسْأل أنْ يَجْعَلَهُ زَادًا إلى حُسْنِ المَصِيْرِ إلَيْهِ، وَعَتَادًا إِلى يُمْنِ القدوم عَلَيْهِ، إنَّهُ بِكُل جميل كفيلٌ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكيلُ. قالَهُ بِلسَانِهِ وقَيَّدهُ بِبَنَانِهِ راجى عَفْوَ رَبهِ الغَفُوْر أبو إسْحَاقَ الحُوينيُّ الأثرِي عَفَا اللهُ عَنْهُ رجب الفرد / 1411 هـ ¬

_ (¬1) وهذا هو اللائق بأهل العلم والفضل، فإن الرفق في إسداء النصح إلى المخالف من أعظم الدوافع إلى قبول الحق، وقد كنت ارتكبتُ ما يخالف هذا المنهج مع الأخ نجم عبد الرحمن خلف، فأغلظتُ له في النصح في مقدمتى لكتاب "الصمت" لابن أبي الدنيا، فإني أعتذر له عن كل شىء لا تعلُّق له بالمعنى العلمى، وقد اعتذرت له قبل ذلك وبلغه، وها أنا أعتذر له علنًا، برجاء أن تطيب نفسُهُ، فيقبل عذرى، أمَّا الشدَّةُ فيحسنُ أن تكون مع المكابر الذي يدفع برأيه الفاسد في نحر النصوص والله المستعان.

• تنبيه: عَتَبَ عليَّ بعضُ الأحْبَاب، وَلَم يَقَعْ مَوْقِعَ الرِّضىَ مِنْهُمْ -وَلَا مِني- ما كتبهُ الأخ أبو عَبْد الرحمن الأثرى في إهْدَائِهِ لي كتابَ "صِفَةِ المُنَافِق" للفريابى فَقَدْ خَلَعَ عَليَّ من صفاتِ الكَمَالِ، وَجَمِيْلِ الخِصَالِ ما ليس فيَّ عُشْرُ مِعْشَارِهِ. وَإلى هؤلاء الأحْبَاب أقُوْلُ: لَقَدْ أنْكَرْتُ هذا عَلى الأخ أشَدَّ الإنْكَار، وقُلتُ لَهُ: لو قِيْلَ هَذَا الكَلَامُ لأمْثَال البُخَاريِّ لَاسْتَكْثره بَعْضُ النَّاس عَلَيْه، وَمَا قُلْتَهُ فِىَّ -وإِنْ كُنْتُ أعْلَمُ أنك صَادِقُ النية فِيْهِ- هُوَ بِعَينِهِ الهجَاءُ عَنْ طريق المَدْحِ!!، فإنَّ الكلامَ إذا لم يصَادِفْ مَحِلا، لَمْ يَكن إلا ذَمًّا، وَقَدْ هَمَمْتُ أن أبَدِّلَهُ بَعْد مَا نَشَدْتُهُ اللَهَ عَزَّ وَجَل أن يُغَيِّرَهُ، فَأبَى وزعم لي أن تَغْييرَهُ بغير اخْتيارِهِ خِيَانَةٌ، فكتبتُ بِدُوْن عِلْمه حاشيةً في آخر مقدِّمَتِهِ للكتاب أسْتَنْكرُ صَنيعَهُ، وَأعُوْذُ بِاللهِ مِنْ مَشْيَخهٍ قَبْل الأوَانِ، لستُ لَهَا بِأهْلٍ. وقَدْ كَانَ هذَا خُلُق أهْلِ العِلْمِ، وَنحنُ عَلَى دَرْبِهمْ سَائِرُوْنَ ولستُ أنسَى مَا وَقَعَ لِي مَعَ شَيخِنَا الإِمامِ حَسَنَةِ الأيامِ، نَاصرِ الدينِ الألبَانِي، حفظَهُ اللهُ، وَمَتَّعَ بِهِ، لَما أهديتُهُ "كتاب البعث" لابنِ أبي داوُدَ، وكانَ الناشِر كَتَبَ عَلى لوحَةِ الكتِابِ "خرج أحاديثه الشيخُ الحُوَينى السَّلَفِى"، قال لي: ما هذا؟ وأشار إلى كلمة "الشيخ"، فَأعْتَذرتُ عَنْهَا بِأنَّها لَيْسَتْ مِنْ صنعِى، فأنكرها عليَّ, ووالله لقد عَظُمَ الشيخ بَعْدَها في عَيني، وَقَد كَان -قَبْلُ- مَكَانُهُ في الَقلْبِ كَذَلك مِني، وحَسْبُك أنه مَعَ شهادةِ النابِهِيْنَ لَهُ بِالإمَامةِ في هذَا الفنِّ، لَم يَكتُبْ عَلَى لَوْحَةِ كتُبُه إلا اسمَهُ المُجَرَّدَ، مَعَ أنَّ غيره -مِمَّنْ قوْلُهُمْ بجَانِبِ قَوْلِهِ كصَرِيرِ بَابٍ، أوْ طَنيْن ذُبَابٍ، يَكتبُ عَلَى كُتُبه: "تأليف الإمَامِ الحَافِظِ الفقيه الأصولى النظارِ المُجْتَهد ... " زاعِمًا أنَّه من التَّحدُّثِ بنعمةِ الله تعالى، وَهُنَا

تزلُّ الأقْدَام، وتَكْثُر الأوهَام. وأمَّا قولُ الأخ في شأني: "بل ما نظنُّ أنه -هو- قد رأى مثل نفسه" فمعاذ اللهِ أن يكون رأى في نفسى كذلك، وأنا الحقيق بقول القائل: واللهِ! لو علموا قبيح سريرتى ... لأبى السلامَ عليَّ من يلقانى ولأعرضوا عنى وملُّوا صحبتى ... ولبئتُ بعد كرامةٍ بهوان فوالله! ما ظننتُ بنفسى خيرًا، وأنَّى يأتى منها؟! بل يوجَدُ -بحمد الله- في هذه الأمة من أساطين العلماء، وسادة الزهاد والورعين ما لا تصلُ قامتى إلى قدم واحدٍ منهم، فكيف يقال "ما رأى مثل نفسه"، إلا إن كان للعبارة تتمة كأن تكون: "في التفريط واقتراف الذنب" أو نحوها. وأعوذ بالله من شر نفسى وسىء عملي. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ...}. وَبِالجُمْلَةِ: فَإنِّي أنْكِرُ مَا ذَكرَهُ أخونا فِي إهدَائِهِ لي، لأنهُ لَم يُصَادفِ: مَحِلًّا، وَقَدْ رَأيتُ بَعْضَ النَّاس نَسَب إليَّ في بعض تَحْقيقاتِهِ أقْوالًا لَم أقلْهَا، وَلَمْ تخْطُر لِي على بالٍ، فَأقَرِّرُ هُنَا أننِي غَيْرُ مسئُول عَن مَدْح مادحٍ، أَوْ وَهَمِ وَاهِمٍ، إِنما أسألُ عَمَّا نَطقَ بِهِ لِسَانِي، وَخَطَّهُ بَنانِي، وَاللهُ المُسْتَعَانُ، وعَلَيْهِ التكْلَانُ، ولَا حَوْلَ وَلا قوَّة إلا بهِ. ***

44 - باب التوقيت فى الماء

44 - بابُ التَّوْقِيتِ فِى الْمَاءِ 52 - أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِى أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ. فَقَالَ «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 52 - إسناده صحيح .. ويأتى برقم (328). * الحسين بن حريث هو ابن الحسن بن ثابت, أبو عمَّار المروزى أخرج له الجماعة إلا ابن ماجة. وثقه المصنف, وابن حبان, ومسلمة بن قاسم في "الصلة". * أبو أسامة, هو: حماد ابن أسامة بن يزيد القرشى, الكوفى أخرج له الجماعة. قال أحمد: "كان ثبتًا, ما كان أثبته! , لا يكاد يخطىء". ووثقه ابن معين, وابن سعد, والعجلى في آخرين. فالعجب من الأزدى, أورده في "الضعفاء" ثمَّ حكى عن سفيان بن وكيع أنه قال: "إنى لأعجبُ كيف جاز حديثُ أبي أسامة, كان أمره بيِّنًا, وكان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من أسرق الناس لحديث جيِّدٍ" اهـ. وحكى الذهبيُّ في "الميزان" أن الأزديَّ نقل هذا الكلام عن سفيان الثورىّ فلعله قصد سفيان بن وكيع فسبق قلمُهُ، وعلى كل حالٍ فلم يُبال الذهبي به، وقال: "أبو أسامة لم أوردْهُ لشىءٍ فيه، ولكن ليُعرف أنَّ هذا القول باطلٌ". * قُلْتُ: وهذا حقٌّ، ولا يُقبل من سفيان بن وكيع هذا القول في أبي أسامة، فقد كان ضعيفًا، ومن المعروف أن جرح الضعيف للثقة مردودٌ كما صرّح به النقاد كابن حبان والذهبي والعسقلانى وغيرهم. والأزدىُّ أيضًا، فضعيفٌ، وكان ذلق اللسان. قال الذهبيُّ في "السير" (13/ 389) يُعلِّقُ على تضعيف الأزدىّ للحارث ابن محمد: "قُلْتُ: هذه مجازفة! ليت الأزدىَّ عرف ضعف نفسه" وقال في مكان آخر منه (16/ 348): "وعلى الأزدى في كتابه "الضعفاء" مؤاخذات، فإنَّهُ ضعَّف جماعة بلا دليل، بل قد يكونُ غيرُه قد وثقهم". وقد قال ابن حبان: "من المحال أن يجرح العدلُ بكلام المجروح". مع أنه قد يظهر للأزدىّ من العذر ما لا يظهر لسفيان بن وكيع، وذلك أن عادة المصنفين في "الضعفاء" أنهم قد يوردون الثقة لأجل أىِّ مغمزٍ فيه، كما يفعلُ ابنُ عدىٍّ والعقيلى وغيرهما، وإن كان ما أوردوه يشير بجرحٍ، والله أعلمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * الوليدُ بنُ كثيرٍ هو أبو محمد المدنيُّ المخزومىُّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقهٌ جليلٌ. وثقه ابنُ معين، وابنُ راهويه، وأبو داود، وعيسى بنُ يونس، وإبراهيمُ ابنُ سعدٍ، وابنُ حبان. وقال الساجىُّ: "صدوقٌ، ثبت، يُحتجٌّ به". وأغربَ أبو بكر بنُ العربي - رحمه الله - فقال في "أحكام القرآن" (3/ 1420): "وقال الشافعىُّ بحديث القلتين، ورواه عن الوليد بن كثير حُسْنَ ظنٍّ به، وهو مطعون فيه، والحديث ضعيفٌ". كذا قال!! ولم يُصِبْ؛ لأننا لم نجد أحدًا طعن على الوليد بن كثير إلَّا ابْن سعدٍ، فقال: "كان له علمٌ بالسيرة والمغازي، وله أحاديث، وليس بذاك". فهذا جرحٌ مبهم لا يعول عليه مع ثبوت التوثيق الصادر من أئمةٍ هم أمكن من ابن سعدٍ فرادى، فكيف وهم مجتمعون، ولو قصد ابنُ العربى رحمه الله أن أىَّ راوٍ تُكُلِّم فيه فهو مطعون عله، فلن يسلم من ذلك أحد، مع أن عبارته تشعر أن الأكثرين جرحوا الوليد بن كثير، وليس ثمَّ إلَّا ابنُ سعد فيما وقفت عليه. أما قول الساجى وأبى داود: "كان إباضيًّا" فهذا لا يضرُّه مع ثبوت صدقه وضبطه. والله الموفق. * محمَّدُ بْنُ جعفرٍ هو ابنُ الزبير بْنِ العوَّام المدنيُّ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرج له الجماعةُ. وثقه الدارقطنىُّ، وأثنى عليه ابن إسحق. وقال ابنُ سعدٍ: "كان عالمًا، وله أحاديثُ". * عبد الله بن عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن المدنىُّ. أخرج له الجماعةُ، إلَّا ابْنَ ماجة. وثَّقه المصنِّفُ، وأبو زرعة، ووكيع، وابنُ سعدٍ، والعجلىُّ، وابنُ حبَّان. * * * والحديثُ أخرجه أبو داود (63)، وابنُ أبي شيبة في "المصنَّف" (1/ 144)، وعبدُ بن حميدٍ في "المنتخب" (817) وعنه ابن الجوزى في "التحقيق" (1/ 9/ 7)، وابن جريرٍ في "التهذيب" (1106 - مسند ابن عباس)، وابنُ حبان (118)، والطحاوىُّ في "المشكل" (3/ 266) وابن الأعرابى في "معجمه" (ج 7 / ق 134/ 1)، والدارقطني (1/ 13 - 14)، والحاكمُ (1/ 132 - 133)، والبيهقىُّ (1/ 260، 261)، والضياء في "المختارة" (ج 71/ق 501/ 2) والجوزقانى، في "الأباطيل" (321)، من طرقٍ عن أبي أسامة، عن الولد بن كثير، عن محمد بن جعفر، عن عبد الله -المكبر-، عن ابن عمر به وقد رواه عن أر أسامة -هكذا- خَلْقٌ، منهم: "إسحق بنُ راهويه، وأبو بكر، وعثمان ابنا أبي شبة، ومحمد بن العلاء، ويعقوب بنُ إبراهيم الدورقىُّ، وأبو عبيدة بنُ أبي السفر، ومحمد ابنُ عبادة، وحاجبُ بنُ سليمان، وهارون بن عبد الله، أحمدُ بنُ جعفر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الوكيعى، والحسين بنُ حريث، وهنَّادُ بنُ السَّرىِّ، والحسنُ بنُ علىّ ابن عفان، وعبدُ بن حميدٍ، وموسى بن عبد الرحمن الكندى". قال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، فقد احتجا جميعًا بجميع رواته، ولم يُخرجاه، وأظُنُّهما - والله أعلمُ - لم يخرجاهُ لخلافٍ فيه على أبي أسامة على الوليد بنِ كثير". اهـ. وصحَّحُه الشافعي وأحمد وأبو عبيد وابنُ خزيمة، وابنُ حبان، والطحاوىُّ، والدارقطنىُّ، وابن دقيق العيد (¬1) -كما في "طبقات الشافعية" (9/ 245) - لابن السبكىّ، والعلائي في جزءٍ مفردٍ لهُ، والحافظ ابن حجر والشوكانى، وشمس الحرق آبادى، والمباركفورى، وأحمد شاكر، والألبانى في آخرين وجوّدهُ ابنُ معين -كما يأتى-. وقال ابن حزم في "المحلى" (1/ 151): "صحيحٌ ثابتٌ، لا مغمز فيه". وقال الجوزقاني: "هذا حديثٌ حسنٌ". وحسَّنهُ النووىُّ في "المجموع" (1/ 112)، وابنُ تيمية في "الفتاوى" (21/ 41) وقال: "وأمَّا حديثُ القلتين فأكثرُ أهل العلم بالحديث على أنه حديثٌ حسنٌ يُحتجُّ به. وقال ابنُ مندة: "على شرط مسلم"!. = ¬

_ (¬1) وذكر الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 105) عنه أنه ضعّفه في "الإِمام" فلعله رجع إلى التصحيح، وابنُ السبكى يذكر أشهر آراء صاحب الترجمة. والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = كذا، والصواب أنه على شرط الشيخين جميعًا كما قال الحاكمُ. * قُلْتُ: وقولهم هذا هو الصوابُ، لا ريب في ذلك، ولكن خالف بعض الأئمة، فضعَّفوا هذا الحديث. قال ابنُ عبد البر في "التهيد" (1/ 335): وأمَّا ما ذهب إليه الشافعيُّ (¬1) من حديث القُلَّتين، فمذهبٌ ضعيفٌ من جهة النظر، غيرُ ثابتٍ من جهة الأثر؛ لأنه حديثٌ تكلَّم فيه جماعةٌ من أهل العلم بالنقل". اهـ. * قُلْتُ: وقد صنَّف أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسىُّ -رحمه الله- جزءًا ردَّ فيه ما ذكره ابنُ عبد البر (¬2) وغيرهُ، ولم أرهُ. ويمكن إجمال ما ذكروه من الطعن فيما يلي: 1 - أنَّ الحديث مضطربُ السَّند. وذلك أن مداره على الوليد بن كثير، فقيل عنه، عن محمد بن جعفر ابن الزبير، وقيل: عنه، عن محمد بن عباد بن جعفر. وتارة يروى عن = ¬

_ (¬1) قال أبو بكر بنُ العربى في "أحكام القرآن" (3/ 1425): "ألا ترى أن الشافعىّ تعلق بحديث القلتين، وجعله تقديرًا، وخفى عليه أن الحديث ليس بصحيح" اهـ. وقال أيضًا في "عارضة الأحوذى" (1/ 84): "وحديث القلتين مداره على مطعون عليه أو مضطرب في الرواية". وكذا قال أبو محمد علي بن زكريا المنبجى في "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" (1/ 90 - 91)، "ليس فيه شىءٌ من التحرير، وسيأتي الجوابُ مفصلًا إن شاء الله تعالى. (¬2) ذكر ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتارى" (21/ 41 - 42).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وتارة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر. قالوا: وهذا اضطرابٌ يقدح في صحة السند، فإن الثقات المتقنين لا يقع منهم مثلُ هذا، فدلَّ ذلك على أن الرواة لم يحكموه. 2 - أنَّهُ مضطربُ المتن أيضًا. فإن في بعض ألفاظه: "إذا كان الماء قُلَّتين". وفي بعضها: "إذا بلغ الماء قدر قُلَّتيْن أو ثلاثٍ". والذين زادوا هذه اللفظة ليسوا بدون من سكت عنها. ومنهم من يقولُ: "إذا بلغ الماءُ أربعين قُلَّةً". فهذا اضطرابٌ يوجبُ ضعف الحديث. 3 - أنَّهُ مُعَلٌّ بالوقف. فأوقفه مجاهدٌ على ابن عمر. واختلف فيه عليه. وقد اختلف فيه على عبيد الله أيضًا، رفعًا ووقفًا. ورجح شيخا الإِسلام أبو الحجاج المزى، وأبو العباس ابن تيمية وقفه، وسبقهما البيهقي في "سننه" وقفه من طريق مجاهد، وجعله الصواب. 4 - أنَّهُ شاذٌّ. قالوا: "أمَّا الشذوذ، فإن هذا حديثٌ فاصل بين الحلال والحرام، والطاهر والنجس، وهو في المياه كالأوسق في الزكاة، والنُّصب في الزكاة، فكيف =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لا يكون مشهورًا شائعًا بين الصحابة ينقله خلَفٌ عن سلفٍ، وحاجة الأمة إليه أعظم من حاجتهم إلى نصاب الزكاة؟! فإن أكثر الناس لا تجب عليهم زكاة، والوضوء بالماء الطاهر فرضٌ على كل مسلم، فيكون الواجبُ نقل هذا الحديث كنقل نجاسة البول ووجوب غَسْله، ونقل عدد الركعات، ونظائر ذلك. ومن المعلوم أنَّ هذا لم يروه غير ابن عمر، ولا عن أبن عمر غير عبيد الله وعبد الله، فأين نافعٌ، وسالمٌ، وأيوبُ، وسعيدُ بن جبير؟ وأين أهلُ المدينة وعلماؤهم عن هذه السُّنَّة التي مخرجُها من عندهم، وهم إليها أحوجُ الخلْق لعزة الماء عندهم؟!! .... فأىُّ شذوذٍ أبلغُ من هذا؟ ". * قُلْتُ: والجوابُ عمَّا ذكروه من وجوهٍ: * الأوَّلُ: أنَّ ما وقع في سنده من الاختلاف فغيرُ قادحٍ في صحَّته، كما يأتى. وقد رواهُ من تقدَّم ذكرُهم، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد جعفر بن الزبير، عن عبد الله -المكبر- ابن عبد الله بن عمر، عن أبيه. وقد اختلف على محمد بن جعفر فيه. فرواه جمعٌ عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عنه، عن عبيد الله -المصَعَّر- ابن عبد الله بن عمر، عن أبيه. فصار شيخُ محمد بن جعفر هو "عبيدُ الله" المصغر، لا "عبد لله" المكُبَّر. أخرجه المصنِّفُ، ويأتي برقم (328)، والدارمىُّ (1/ 152)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 92)، وابنُ حبَّان (118)، والطحاوىُّ في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "شرح المعانى" (1/ 15)، وفي "المشكل" (3/ 266). وقد رواه عن أبي أسامة -هكذا- جمعٌ، منهم: "يحيى بن حسَّان، ومحمد بن عبد الله بن المبارك المخرميُّ، وموسى بن عبد الرحمن المسروقى، ابنُ أبي شيبة، وأبو الأزهر حوثرة بن محمد البصريُّ". وقد توبع الوليدُ بْنُ كثيرٍ، عن محمد بن جعفر، عن عبد الله -المصغر- عن أبيه. فتابعه: محمد بنُ إسحق، حدَّثنى محمَّدُ بْنُ جعفرٍ به. أخرجه أبو داود (64)، والترمذيُّ (67) وابنُ ماجة (517)، والدارميُّ (1/ 152)، وأحمد (2/ 27)، وابن أبي شيبة (1/ 144)، وابن جرير في "التهذيب" (1109، 1110، 1111، 1115 مسند ابن عباسٍ) وأبو يعلى (ج 9/ رقم 5590)، والطحاويُّ في "الشرح" (1/ 15)، وفي "المشكل" (3/ 266)، الدارقطنيُّ (1/ 19، 21)، والحاكمُ (1/ 133)، والبيهقيُّ (1/ 261) والضياء في "المختارة" (ج 71 /ق 505/ 1): والبغويُّ في "شرح السنُّة" (2/ 58) وابنُ الجوزى في "التحقيق" (1/ 9/ 6). وهذا سندٌ حسنٌ، وصرَّح ابنُ إسحق بالتحديث عند ابن جرير، الدَّارقطنيِّ. وقد رواه عن ابن إسحق جماعة منهم: "يزيد بنُ هارون، وعبدة بن سليمان، ويزيد بن زريع، وابنُ المبارك، وسعيد بن زيد -أخو حماد بن زيد-، وعبد الرحيم بنُ سليمان الكندى، وأبو معاوية الضرير، وحمادُ بنُ سلمة، وعبد الله بنُ نمير، وإبراهيم بنُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = سعدٍ، وعباد بنُ عباد المُهلبى، وسلمة بنُ الفضل، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان الثورى، وأحمد بن خالد الوهبى، وزهيرُ بن حربٍ وزائدة بنُ قدامة". واختلف عن ابن إسحق فيه على ألوانٍ: أ- فيرويه المغيرةُ بنُ سقلاب، عنه، عن نافعٍ، عن ابن عمر مرفوعًا. أخرجه ابنُ عدىٍّ في "الكامل" (6/ 2358). وهذا منكرٌ، والمغيرةُ ضعّفه الدارقطنيُّ، وقال ابنُ عدىّ: "عامة ما يرويه لا يتابع عليه". وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2 / ق 28/ 2). "هو وهمٌ، والصواب: عن ابن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه". اهـ. ب- ويرويه عبد الوهاب بن عطاء، عنه، عن الزهرىّ، عن سالمٍ، عن أبيه مرفوعًا. أخرجه ابنُ حبان في "الثقات" (8/ 476 - 477) عق علي بن الحسن بن بيان، والدارقطنيُّ (1/ 21) عن علي بن سلمة كلاهما عن عبد الوهاب به. وخالفهما يحيى بن أبي طالب، فرواه عن عبد الوهاب، عن ابن إسحق، أنَّه بلغه أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال .. ولم يذكر إسناده. ذكره الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2 / ق 48/ 2 - 49/ 1). قال ابنُ حبان: "هذا خطأ فاحشٌ، إنما هو محمد بنُ إسحق، عن جعفر بن الزبير عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عبيد الله بن عمر، عن أبيه. وقال عثمان -يعني: ابن حرزاذ-: لم يُحدِّث عبد الوهاب هكذا إلَّا بالرقة" اهـ. وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2 / ق 28/ 2): "وقيل: عن عبد الوهاب بن عطاء، عن ابن إسحق، عن الزهرىّ، عن سالمٍ، عن أبيه، وهو وهمٌ أيضًا". اهـ. وقد خولف عبد الوهاب فيه، وهو: * الَّلوْنُ الثالث: فخالفه إسماعيلُ بنُ عيَّاش، فرواه عن ابن إسحق، عن الزهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة مرفوعًا. فجعل شيخ الزهريِّ هو: "عبيد الله" بدل "سالمٍ"، ونقل الحديث من "مسند ابن عمر" إلى "مسند أبي هريرة". أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 21) من طريق محمد بن وهبٍ، عن إسماعيل، وقال: "كذا رواهُ محمد بنُ وهبٍ، عن إسماعيل بن عيَّاش بهذا الإِسناد. والمحفوظ: عن ابن عيَّاش، عن محمد بن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه". * قُلْتُ: والعُهدةُ -عندي- على إسماعيل بن عياش؛ لأن ابْنَ عيَّاش إذا روى عن أهل الحجاز جاء بالمناكير، وشيخه في الحديث ابنُ إسحق، وهو مدنيٌّ، فالاضطرابُ من هنا. والذي يترجحُ من هذا الاختلاف الوجه الذي اتفق عليه الحفاظ وهو ابنُ إسحق، عن محمد بن جعفر، عن عبيد الله، عن أبيه. = * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتوبع محمد بن جعفر أيضًا. فتابعه عاصمُ بنُ المنذر، قال: دخلتُ مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستانًا فيه مقراةُ ماءٍ، فيه جلدُ بعيرٍ ميِّتٍ، فتوضَّأ منه، فقُلتُ له: أتتوضأُ منه، وفيه جلدُ بعيرٍ ميت؟! فحدَّثنى عن أبيه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلَّم، قال: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث". أخرج أبو داود (65) وابن الجارود (46) والطيالسىّ (1954) (¬1)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1 رقم 189)، والطحاويُّ في "الشرح" (1/ 16)، والدارقطنيُّ (1/ 22)، والبيهقُّي (1/ 262) والضياء في "المختارة" (ج 71/ ق 504/ 2) جميعًا من طريق حماد بن سلمة، ثنا عاصمُ بنُ المنذر به. وروى لفظ الحديث هكذا عن حمادٍ جماعةٌ، منهم: "موسى بن إسماعيل، وعفان بن مسلم، والطيالسيُّ، ويزيد بنُ هارون، وعبيد الله بن محمد العيشى، والعلاء بنُ عبد الجبار، ويعقوب بن إسحق الحضرميُّ، وبشر بنُ السريّ". وخالفهم آخرون، فرووه عن حماد بن سلمة بسنده سواء، بلفظ: "إذا بلغ الماء قُلَّتين أو ثلاثًا لم يحمل الخبث". هكذا على الشك. من هؤلاء: "وكيع بن الجراح، وأبو سلمة التبوذكىّ (¬2)، ويزيد بن هارون، = ¬

_ (¬1) وعنده: "عن عاصم بن المنذر قال: كنا مع أبي لابن عمر ... " وهذا المبهم هو: عبيد الله بن عبد الله بن عمر. (¬2) هو موسى بن إسماعيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وعفان بن مسلم، وإبراهيم بن الحجاج، وهُدْبة بنُ خالدٍ، وكامل بن طلحة، وزيد بن الحباب، وعبيد الله بن محمد العيشى". أخرجه ابن ماجة (518)، وأبو الحسن بن سلمة في "زوائده عليه"، وأحمد (2/ 23، 107)، وعبدُ بن حميد في "المنتخب" (818)، وأبو عبيد القاسم بن سلَّام في "كتاب الطهور" (ق 19/ 1)، وابنُ جرير في "التهذيب" (1112، 1113 - مسند ابن عباس)، والدارقطنيُّ (1/ 22)، والحاكمُ (1/ 134)، والبيهقيُّ (1/ 262)، وابنُ الجوزى في "التحقيق" (1/ 11/ 8، 9). * قُلْتُ: وهذا الاختلاف -عندي- عن حماد بن سلمة، فإنَّهُ وإن كان ثقةً، إلَّا أنه تغيَّر في آخر عمره - رحمه الله -، وإنما جعلنا الاختلاف منه دون غيره، لأنَّ الذين رووا عنه الوجهين جماعةٌ، وفيهم حُفَّاظٌ أثبات، منهم يزيد بن هارون، وعفان بنُ مسلم، وعبيد الله بن محمد العيشى، وأبو سلمة التبوذكى، فإنهم رووه بالَّلفظين معًا عن حمادٍ، فدلَّ أن الاختلاف منه دون غيره. والله أعلمُ. هذا: وقد خولف حمَّادُ بْنُ سلمة. خالفه حمَّادُ بْنُ زيدٍ، فرواه عن عاصمٍ بن المنذر. عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه موقوفًا غير مرفوع. ذكره الدارقطنيُّ في "سننه". فخالفه في موضعين: الأول: في وقفه. الثاني: في شيخ عاصم بن المنذر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأشار إلى الموضع الأول من الاختلاف أبو داود في "سننه" فقال: "حماد بن زيد وقفه عن عاصم". فظاهر صنيع أبي داود أنَّ حماد بن زيد رواه بنفس رواية حماد بن سلمة لكن خالفه في رفعه وحماد بن سلمة إنما يرويه عن أبي داود عن عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر لا عن أبي بكر بن عبيد الله. فاللهُ أعلمُ بمراده من ذلك. وكذلك رواه إسماعيلُ بْنُ عُليَّة، عن عاصمٍ، عن رجُلٍ لم يُسمِّهِ، عن ابن عمر موقوفًا. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "المصنَّف" (1/ 144)، وابنُ جرير في "التهذيب" (1104 - مسند ابن عباس). قال عباسُ بنُ محمد الدُّوْرى -كما في "تاريخ ابن معين" (4/ 240) -: "سمعتُ يحيى وسئل عن حديث حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر (¬1) عبيد الله بن عبد الله بن عمر ... فقال: هذا خَيِّر الإسناد -أو قال يحيى: هذا جيدُ الإسناد-. قيل له: فإن ابن عُليَّة لم يَرْفَعْهُ. قال يحيى: وإنْ لم يحفظه ابنُ عُليَّة، فالحديثُ جَيِّدُ الإِسناد، وهو أحسنُ ¬

_ (¬1) وقع في "التاريخ": "عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر" كذا! ولعل لفظة "ابن"، زائدة، وصوابه "عن أبي بكر عبيد الله" لأن "أبا بكر" كنيةُ عبيد الله، والذي جعلنى أميلُ إلى ذلك أن حماد بن سلمة إنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن المنذر، عن عبد الله بن عد الله بن عمر، أمَّا حماد بن زيد فهو الذي يرويه عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر بن عبيد الله. فإت ثبت أنَّ النصَّ صحيحٌ، فيكون اختلافًا آخر على حماد بن سلمة. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = من حديث الوليد بن كثير (¬1) " اهـ. * قُلْتُ: وهذا الترجيحُ من يحيى صحيحٌ، لأنَّ من حفظ حجةٌ على من لم يحفظ، وعندى أنَّهُ لا اختلاف بين الروايتين في الرَّفع والوقف، ومما يدلُّ على ذلك أن حمَّادَ بْنَ سلمة قد رواه موفوفًا أيضًا. أخرجه الطحاويُّ في "الشرح" (1/ 16) قال: حدثنا ربيعُ المؤذِّنُ، ثنا يحيى بن حسَّان، ثنا حماد بنُ سلمة به موقوفًا على ابن عمر. وهذا سندٌ صحيحٌ. وربيعٌ هذا، هو ابن سليمان المراديُّ تلميذُ الشافعىِّ وراوية كتبه، وهو ثقةٌ مأمونٌ، ويحيى بن حسان ثقةٌ متفق عليه. * قُلْتُ: فيظهر من هذا التحقيق أن محمد بن جعفر بن الزبير، يرويه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر -المصغر-، عن أبيه. وقد اختُلف على الوليد بن كثير فيه. فرواه أبو أسامة، عنه، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله -المُكبَّر- ابن عبد الله بن عمر، عن أبيه. فصار شيخُ الوليد بن كثير هو: "محمد بن عباد بن جعفر" لا "محمد ابن جعفر بن الزبير". أخرجه أبو داود (63)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (44)، وابنُ أبي حاتمٍ في "العلل" (ج 1 / رقم 96)، وابنُ حبان (117)، وابنُ الأعرابىّ في "معجمه" (ج 1 / ق 7/ 2)، وابن جرير في "التهذيب" (1108)، والدارقطنيُّ (1/ 15، 16)، والحاكم (1/ 133)، والبيهقيُّ (1/ 260، 261). ¬

_ (¬1) وهو يقصد حديث الوليد بن كثير في بئر بضاعة كما صرح عباس الدورى عقب كلام ابن معين وكذا الحاكم على ما نقله العلائى في "جزئه" (ق 8/ 2).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد رواه عن أبي أسامة -هكذا- جماعةٌ من أصحابه، منهم: "أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، والحسنُ بنُ عليّ بن عفان، ومحمد بن عثمان الوراق، وحجاجُ بنُ حمزة، ومحمد بن سعيد القطان، والحميديُّ، وأحمد بنُ زكريا بن سفيان الواسطيُّ، ومحمد بن حسَّان الأزرق، ويعيشُ ابنُ الجهم، وأبو مسعود أحمدُ بنُ الفرات، ومحمد بن الفضيل البلخيُّ، ومحمد بن عثمان بن كرامة، وأحمدُ بْنُ عبد الحميد الحارثيُّ، وسفيان بنُ وكيع، والحسين بنُ علىّ بن الأسود، وعليُّ بنُ شعيب، وعليُّ بنُ محمد بن أبي الخصيب". وتابعهمُ الشافعيُّ، قال: أخبرنا الثقةُ، عن الوليد بن كثير، بسنده سواء. أخرجه في "مسنده" (ج 1 رقم 36) وفي "الأم" (1/ 4) ومن طريقه الحاكمُ في "المستدرك" (1/ 133) وقال: "الثقةُ: هو أبو أسامة بلا شكٍّ فيه". وقد نظر أهل العلم في هذا الاختلاف، فمنهم من رجَّحَ، ومنهم من جمع. فممَّنْ رجَّح، أبو داود السجستانيُّ - صاحبُ السُّنن. فقال فيها: "وقال عثمانُ والحسنُ بنُ عليّ: "عن محمد بن عباد بن جعفر، وهو الصوابُ". وقال ابنُ أبي حاتمٍ في "العلل" (ج 1 / رقم 96): "قُلْتُ لأبى: إن حجاج بْنَ حمزة حدَّثنا عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، فقال: عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر مرفوعًا. فقال أبي محمد بن عباد بن جعفر ثقةٌ، ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقةٌ، والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبهُ" اهـ. وقال ابنُ مندة -كما في "نصب الراية" (1/ 106) -: "اختُلف على أبي أسامة، فرُوى عنه عن الوليد بن كثير، عن محمد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ابن عباد بن جعفر، وقال مرةً: عن محمد بن جعفر بن الزبير، وهو الصوابُ" اهـ. * قُلْتُ: فرجَّح أبو حاتم والخطابي ويأتي ردُّ العلائى عليه، وابنُ مندة رواية: "محمد بن جعفر بن الزبير"، ورجح أبو داود رواية: "محمد بن عباد بن جعفر"، وليس يصار إلى الترجيح إلَّا مع عدم إمكان الجمع، والجمعُ ممكنٌ، بل هو الراجح يقينًا. فقد رواه شعيب بن أيوب، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر ومحمد بن عباد، عن عبد الله -المكبر- ابن عبد الله عن عمر، عن أبيه. أخرجه الدَّارقطنيُّ (1/ 18)، والحاكمُ (1/ 133)، والبهقيُّ (1/ 260 - 261) قال الدَّارقطنيُّ: "فلما اختُلف على أبي أسامة في إسناده، أحببنا أن نعلم مَنْ أتى بالصواب، فنظرنا في ذلك فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعًا، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ثمَّ أتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر، فصح (¬1) القولان جميعًا، عن أبي أسامة، وصحَّ أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وعن = ¬

_ (¬1) علَّق أبو بكر بن العربى رحمه الله على كلام الدارقطني فقال في "أحكام القرآن" (3/ 1420): "وقد رام الدارقطنيُّ على إمامته أن يصحح حديث القلتين فلم يستطع، واغتصَّ بجُريعة الذقن فيها، فلا تعويل عليه". اهـ. * قلْتُ: فإن لم يكن التعويل على الدارقطنىّ وأمثاله فعلى من يكون؟. وكلام الدارقطنىّ رحمه الله جارٍ على الأصول، وهو دالٌّ على تبحره وتسنمه ذروة هذا الفن، وأبو بكر بن العربى مع جلالته، لا يجرى في مضمار الدارقطنىّ وأمثاله، فرحمهما الله وغفر لهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = محمد بن عباد بن جعفر جميعًا، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، فكان أبو أسامة مرة يُحدث به عن الوليد عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومرة يُحدث به عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفرٍ، والله أعلم". اهـ. وقال الحاكمُ: "هذا خلاف لا يوهنُ هذا الحديث، فقد احتجَّ الشيخان جميعًا بالوليد ابن كثير، ومحمد بن عباد بن جعفر (.....) (¬1) وإنما قرنه أبو أسامة إلى محمد بن جعفر ثمَّ حدَّث به مرةً عن هذا، ومرةً عن ذاك .. ثمَّ قال بعد رواية شعيب بن أيوب: ¬

_ (¬1) هنا سقطٌ من "المستدرك المطبوع" ثمَّ وجدتُه والحمد لله. ففي "ذيل الميزان" (647) للحافظ العراقي في ترجمة محمد بن عباد بن جعفر، قال: "تكلَّم فيه الحاكم في "المستدرك" عقب حديث القلتين، فقال: احتج الشيخان جميعًا بالوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن الزبير، قال: فأمّا محمد بن عباد بن جعفر فغيرُ مُحتجّ به، وإنما قرنه أبو أسامة إلى محمد بن جعفر، ثُمَّ حدَّث به مرة عن هذا، ومرةً عن ذاك. وقد تعقبه البيهقيُّ في "الخلافيات" فقال: "قولُ شيخنا رحمه الله في محمد ابن عباد بن جعفر أنه غير محتجٍ به سهوٌ منه، فقد أخرج البخاريُّ ومسلم حديثه في غير القلتين في الصحيح، فاحتجا به". اهـ. قال الحافظ العراقي: "قلتُ: إن أراد الحاكمُ أنه غيرُ محتج به في "الصحيحين" فهو وَهمٌ فقد احتجا به في حديثه عن جابرٍ في النهى عن صوم يوم الجمعة، واحتج به البخاريُّ في حديثه عن ابن عباسٍ في نزول قوله تعالى: {ألا إنهم يثنون صدورهم}، واحتج به مسلمٌ في حديث له عن ابن عمر وحديثٍ له عن أبي هريرة وغير ذلك وإن أراد أنه غير محتجٍ به مطلقًا فليس كذلك، فقد وثقه ابنُ معين وأبو زرعة، وأبو حاتمٍ، وابنُ سعدٍ، وابنُ حبان، وروى عنه الأئمةُ: الزهريُّ وابن جريح والأوزاعيُّ، ولم أر لغير الحاكم فيه جرحًا، وعلى تقدير أن يكون الحاكمُ أراد أنه غير محتجٍ به في "الصحيحين" فلا ينبغى أن يكون تضعيفًا لأنَّ جماعةٌ من الثقات لم يحتج بهم الشيخان، ولم يُتكلم فيهم بجرحٍ. والله أعلم". اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "قد صحَّ وثبت بهذه الرواية صحةُ الحديث، وظهر أن أبا أسامة ساق الحديث عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا، فإن شعيب بن أيوب ثقةٌ مأمونٌ وكذلك الطريق إليه". ونقل البيهقيُّ في "المعرفة" عن الحاكم قوله: "الحديث محفوظٌ عنهما جميعًا أعنى: عبيد الله وعبد الله، كلاها رواه عن أبيه" وقال: وذهب إليه كثيرٌ من أهل الرواية. وقال الحافظُ العلائى في "جزء له في تصحيح هذا الحديث" (ق 2 - 3)، بعد أن ساق بعض الطرق: "فقد ثبت بهذه الطرق عنهم روايةُ الحديث عن أبي أسامة على الوجهين جميعًا، وذلك يُفيد كونه عند أبي أسامة عنهما جميعًا وإلا لما اختلف الرجل الواحدُ في ذلك، خصوصًا ابنا أبي شيبة في حفظهما وإتقانهما. وقد حكي الترمذي في "كتاب العلل" له أنه سأل الإِمام أبا عبد الله البخاري رحمه الله عن حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" (¬1) وما فيه من الاضطراب، فإن جماعة رروه عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان ورواه آخرون عن أبي قلابة عن أبي الأشعث، عن شداد بن أوس. فقال البخاريُّ: كلاهما عندي صحيحٌ لأن يحيى بن أبي كثير رواه عن أبي قلابة على الوجهين فروى الحديثين جميعًا. قال الترمذي: وهكذا ذكروا عن علي بن المدينى، يعني أنه صحح الحديثين جميعًا لكون يحيى بن أبي كثير رواهما عن أبي قلابة. نعلم بهذا أن= ¬

_ (¬1) حديثٌ صحيحٌ، وقد خرجته تخريجًا وافيًا في "جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب" (ص 373 - 398). ولى فيه جزءٌ مفردٌ، لعله ينشر قريبًا إن شاء الله تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الراوى الواحد إذا كان ضابطًا متقنًا وروى الحديثين على الوجهين المختلف فيهما أنّ كلا منهما صحيحٌ. ثمَّ نقولُ قد روى شعَيبُ بن أيوب الصريفينى هذا الحديث عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، ومحمد بن جعفر بن الزبير جميعًا كلاهما عن عبد الله بن عبد الله بن عمر. أخرجه كذلك الحاكم في "مستدركه" وقال: شعَيبٌ ثقةٌ مأمونٌ، وكذلك رواه الدارقطنيُّ ووثق شُعَيبًا أيضًا، فثبت بذلك أن الحديث عند أبي أسامة عنهما جميعًا، وإنما كان يرويه تارة عن أحدهما، وتارةً يجمع بينهما. ولا يُعترضُ على هذا بما رُوى عن أبي داود أنه قال: "إنى لأخاف الله في الرواية عن شعيب بن أيوب" لأنه قد روى عنه في "سننه"، ولو كان كذلك لم يرو عنه ولم يضعِّفْهُ وكلامه هذا محتمل (¬1)، وقد ذكره ابنُ حبان في "كتاب الثقات" ومثلُ هذا في الحديث كثيرٌ .. = ¬

_ (¬1) قلت: وقول العلائي: ولو كان كذلك لم يرو عنه، فيه نظر؛ لأن أبا داود تكلم في رواةٍ كثيرين وأخرج لهم في "سننه"، وربما يكون قول أبي داود إنما كان لأن شعيب بن أيوب ولى القضاء، ولأن القاضى لابد أن يتلبس بشىء من المظالم فكان بعض العلماء يتورع فيترك الرواية عنه. وقد ذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه قال: خرجنا إلى مكة فقلت لأبي: عمن أكتب؟ فقال: لا تكتب عن أبي مصعب واكتب عمَّن شئت، هذا مع أن أبا مصعب وهو أحمد بن أبي بكر راوي الموطأ من الثقات الفحول، ولم يدر الذهبي وجهًا سائغًا لهذه القولة، بينما قال الحافظ في "التهذيب" (1/ 20): "يحتمل أن يكون مراد أبي خيثمة دخولُه في القضاء أو إكثاره من الفتوى". ومثله ما ورد في ترجمة أحمد بن إسحق بن زيد أنَّ أبا بكر المروذى قال: قيل لأحمد: كتبت عنه؟ قال: لا، تركتُه على عمدٍ -قيل له: أيشٍ أنكرت عليه؟ قال: كان عندي إن شاء الله صدوقًا، ولكتى تركتهُ من أجلِ ابن أكثم، دخل له في شىء. والأمثلة على ذلك كثيرة. فلو صحَّ أن أبا داود تكلَّم في شعيب بن أيوب لذلك، فهو غير قادح بلا ريبٍ، وليس في العبارة ما يقتضي جرحًا، وهي مجملة غير مفسرة، فالعمل على التعديل المحقق. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فمثل ذلك حديثُ أبي هريرة: "مثل المهجر إلى الجمعة كالمهدى بدنة .. الحديث" رواه سفيان بن عيينة وغيرهُ عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن أن هريرة ورواه (...) (¬1) وغيرُهما عن الزهريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. ورواه معمر بن راشد ويونس بنُ يزيد وغيرهُما عن الزهريّ، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة. وقال شعَيبُ ابنُ أبي حمزة وغيرهُ: عن الزهريّ، عن أبي سلمة وعن الأغر كلاهما عن أبي هريرة، ورواه يحيى بن سعيد الأنصارى عن الزهري، عن الثلاثة جميعًا: سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي عبد الله الأغر، فيثبتُ بذلك صحة كل الأقوال، وأنّ الزهرىّ كان سمعه من الثلاثة، فتارة يجمع بينهم، وتارة يرويه عن اثنين، وأخرى عن واحد فقط، والكل صحيحٌ، وكذلك حديثُ القلتين. وقد ظنَّ الإِمام أبو سليمان الخطابى أنَّ إحدى الروايتين غلطٌ، وجعل الصحيح من حديث أبي أسامة كونه عنده عن محمد بن جعفر بن الزبير لما رأى محمد بن إسحق بن يسار قد رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وأنَّ من قال فيه: "محمد بن عباد بن جعفر" فقد غلط، وليس الأمر كذلك لما قد تبين من كونه عند أبي أسامة عنهما جميعًا، وأيضًا قد تقدَّم أنَّ كُلا من الروايتين، رواهما عدد كثير من الأثبات المتقنين عن أبي أسامة، والغلطُ عليهم بعيدٌ، بل لو انفرد واحدٌ بروايته كذلك دون سائر الرواة أمكن أنْ يقال: إنّهُ وهم فيه. ومثالُ ذلك ما روى عبيد الله بن محمد بن عائشة هذا الحديث عن أبي أسامة عن محمد بن إسحق عن محمد بن جعفر بن الزبير، ولم يتابعه على قوله: "محمد بن إسحق" أحدٌ، إنما سائر الرواة عن أبي أسامة قالوا فيه: عن الوليد بن كثير فالذي = ¬

_ (¬1) غير واضح بالأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يظهرُ -والله أعلمُ- أنّ هذه الرواية غلط، وإنْ كان ابنُ عائشُة ثقة. وكونه عند أبي أسامة عن الوليد وابن إسحاق معًا مُمكنًا نردها برواية بضعة وعشرين نفسًا من الثقات عن أبي أسامة بخلاف ذلك، والله أعلمُ" اهـ. * قلْتُ: وهو تحقيقٌ نفيسٌ غالٍ، جزاه الله خيرًا. وقال الحافظُ في "التلخيص" (1/ 28): "إنَّ هذا ليس إضطرابًا قادحًا، فإنه على تقدير أن يكون الجميعُ محفوظًا، انتقالٌ من ثقة إلى ثقةٍ، وعند التحقيق، الصوابُ أنه عن الوليد ابن كثير، عن محمَّد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر -المكبر-، وعن محمَّد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر -المصغر- ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم" اهـ. فتعقَّبهُ الشيخ أبو الأشبال في "شرح الترمذي" (1/ 99) بقوله: "وما قاله من التحقيق غير جيدٍ، والذي يظهر من تتبّع الروايات أنّ الوليد بن كثير رواه عن محمَّد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر، وأنهما كلاهما رواياه عن عبد الله وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر". اهـ * قُلْت: وما قاله أبو الأشبال حقٌّ، يظهر ذاك مما تقدّم من التحقيق. رحمه الله ورضى عنه. لكن قوله: إنهما روياه عن عبد الله وعبد الله ابني عبد الله بن عمر، إن أراد أنَّ محمد بن عباد بن جعفر رواه عن عبد الله بن عمر وهو ظاهرُ عبارته فقد وهم، إنما يرويه محمَّد بن عباد بن جعفر عن عبد الله -المكبرّ- وحده كما حققتهُ، أمَّا محمَّد بن جعفر بن الزبير فيرويه عنهما جميعًا. واللهُ الموفق. فهذا هو الجواب عن دعوى أنه مضطرب السند.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * الوجه الثانى: أنّ ما وقع في متنه من الاختلاف لا يضرّ، وبالترجيح يزول الاضطراب. فرواية: "إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثًا" هكذا على الشكٌ فقد حققنا أنه من حماد بن سلمة، وأنه كان قد تغيرّ في آخر عمره، ولا ريب عندنا أن الحديث بلفظ "القلتين" أقوى للمتابعات السابقة وقال البيهقي (1/ 262): "ورواية الجماعة الذين لم يَشُكوُّا أولى". أما لفظ: "أربعين قلَّةً" فباطلٌ. أخرجه ابنُ عديّ في "الكامل" (6/ 2058) والعقيلى في "الضعفاء" (3/ 473)، والدارقطنىّ (1/ 26)، والجوزقانى في "الأباطيل" (ج 1 / رقم 320)، وابنُ الجوزيّ في "الموضوعات" (2/ 77) وفي "التحقيق" (1/ 12 /10) من طريق القاسم بن عبد الله العمرى، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابرٍ مرفوعًا: "إذا بلغ الماء أربعين قُلَّة، فإنه لا يحملُ خبَثًا". قال ابنُ عدىّ: "وهذا، بهذا الإسناد، بهذا المتن لا أعلمُ يرويه غير القاسم، عن ابن المنكدر، وله عن ابن المنكدر غير هذا من المناكير". وقال الدارقطني: "كذا رواه القاسم العمري عن ابن المنكدر عن جابر، ووهم في إسناده، وكان ضعيفًا كثير الخطأ". وقال البيهقي في "السنن" (1/ 262): "فهذا حديث تفرد به القاسم العمريُّ هكذا، وقد غلط فيه وكان ضعيفًا في الحديث، جرحه أحمد بن حنبل، ويحيى بنُ معين والبخاريُّ وغيرُهم من الحفاظ. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظُ قال: سمعتُ أبا عليٍّ الحافظ يقول: حديث محمَّد بن المنكدر، عن جابرٍ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = خطأ، والصحيحُ: محمَّد بن المنكدر، عن عبد الله بن عمرو قوله". وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله-صلى الله عليه وسلّم-، والمتهمُ بالتخليط فيه: القاسم بنُ عبد الله العمريُّ. قال العقيليّ: قال عبد الله بن أحمد: سألتُ أبي عنه فقال: أف! أف! ليس بشىء". *قلت: وتركه أبو حاتم والنسائي. وقال البخاريُّ: "سكتوا عنه". وهذا جرحٌ شديدٌ عنده. بل كذبهُ أحمد وابنُ معين: وبه أعله ابن عبد الهادي في "التنقيح" (ق 4/ 2). وقد خالفه سفيان الثوري، فرواه عن ابن المنكدر، عن عبد الله بن عمرو، موقوفُ عليه. أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 144)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 19/ 2) وابن جرير في "التهذيب" (1087، 1088 - مسند ابن عباس)، والعقيليُّ (3/ 473)، والدارقطنيُّ (1/ 27)، والبيهقي (1/ 262). وتابعه روح بن القاسم، عن ابن المنكدر. أخرجه ابن جرير (1089)، والدارقطنيُّ، والبيهقيُّ. وكذا معمر، عن ابن المنكدر. أخرجه ابن جرير (1095)، والدارقطنيّ، والبيهقيّ. وخالفهم أيوب السختياني، فرواه عن ابن المنكدر، ولم يتجاوزه. أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 144)، وابن جرير (1090)، والعقيليُّ (3/ 473)، والبيهقيّ.=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأظنُّ أنّ هذا من أيوب - رحمه الله -، فكثيرًا ما يأخذ بالأقل، وقد أوقف أحاديث كثيرة هيبةً وورعًا رفعها الحفاظ الأثبات. فالصواب في الوقفُ. والله أعلمُ. وانظر (ص 76). وله شاهدٌ عن أبي هريرة، قال: "إذا كان الماء أربعين غَرْبًا، لم يفْسدْهُ شىءٌ". أخرجه ابنُ جرير في "التهذيب" (1091) من طريق ابن المبارك، أخبرنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثنا بشير بن عمرو الخولانى، عن عكرمة، عن أبي هريرة. ورجالُه ثقات. وأخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 19/ 2) ومن طريقه الخطيبُ في "التلخيص" (679/ 2) قال: ثنا ابنُ أبي مريم، عن ابن لهيعة، قال: ثنا يزيد بنُ أبي حبيب، عن سليمان بن سنان المزنيّ، عن عبد الرحمن بن أبي هريرة، عن أبي هريرة وتابعه بشرُ بنُ السريّ، عن ابن لهيعة به. أخرجه الدارقطني (1/ 27). وخالفهما عبد الله بن المبارك فقال: أخبرنا ابنُ لهيعة، قال: حدثني يزيد ابنُ أبي حبيب، عن عمرو بن حريث، عن أبي هريرة قال: "لا يُجنب أربعين دلوًا شىءٌ". أخرجه ابنُ جرير (1092). وتابعه عمرو بن طارق، عن ابن لهيعة به. أخرجه أبو عبيد (ق 19/ 2).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: فهذا الاختلاف في إسناده هو من ابن لهيعة، ورواية ابن المبارك عنه أصلحُ، لأنه من قدماء أصحابه. وعمرو بن حريث لم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو مجهولُ الحال. والله أعلمُ. وأخرجه ابنُ جرير (1093) عن ابن المبارك أيضًا، عن ابن لهيعة، قال: حدثني يزيدُ، أنَّ ابنَ عباسٍ، قال: "الحوضُ لا يغتسلُ فيه الجنُبُ، إلا أن يكون أربعين غربًا". وأخرجه ابن جرير أيضًا (1094) عن ابن المبارك، أخبرنا ابنُ لهيعة عن خالد بن أبي عمران، قال: سمعتُ محمَّد بن كعب القُرظى يقول: "إذا كان الماء أربعين غربًا، فلا بأس". فهذا الاختلاف على ابن لهيعة في سنده يُشعر أنه لم يضبطه، حتى وإن كان الراوى عنه ابن المبارك. وقد قال ابنُ حبان في "المجروحين" (1/ 75): "ورأيتُ في القديم (¬1) أشياء مدلَّسةً، وأوهامًا كثيرةً تدلُّ على قلة مبالاةٍ كانت فيه قبل احتراق كتبه". ولو عوَّلنا على طريق عكرمة، عن أبي هريرة، لم يكنْ فيه حجةٌ في مخالفة الحديث المرفوع، إذ هو رأىٌ واجتهادٌ. ولذا قال البيهقي (1/ 263): "وابنُ لهيعة غيرُ محتج به، وقولُ من يوافق قوله من الصحابة قولَ = ¬

_ (¬1) أي في قديم حديثه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى أن يُتبَّع، وبالله التوفيق". اهـ. وقال الحافظ العلائى في "جزء في تصحيح حديث القلتين" (ق 9): "فثبت أن الحديث (¬1) مرفوعًا ليس بصحيحٍ، ولا يجوز الاحتجاج به. وأما ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه، فهو ما رواهُ عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان بن سنان، عن عبد الرحمن ابن أبي هريرة، عن أبيه قال: "إذا كان الماء أربعين قُلَّةً لم يحمل خبثًا". وابنُ لهيعة ضعيفٌ لا تقومُ به الحجةُ. قال الدارقطنيّ: خالفه غيرُ واحدٍ رووه عن أبي هريرة: "أربعين غربًا" ومنهم من قال: "أربعين دلوًا"، فلم يصح عن أبي هريرة قوله: "أربعين قلةً"، ولو صحَّ ذلك لم يكن معارضًا لقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم، وليس أبو هريرة من رواة حديث القلتين حتى يُعلَّلَ الحديث بقوله عند من يقول بأن مخالفة الصحابيّ الراوى للحديث يؤثر فيه. فثبت صحةُ حديث ابن عمر في اشتراط بلوغ الماء قلتين في دفع النجاسة. قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: الحديث صحيحٌ احتج به الشافعيُّ، وأحمدُ بنُ حنبل، وإسحق بن راهويه، وأبو عبيد ويحيى وآخرون غيرُهم. وممن صحَّحهُ الإِمام أبو جعفر الطحاويُّ الحنفيّ ولم يعترض على سنده بشىءٍ وإنما اعترض عليه بحمل مقدار القلتين، وأنه ليس له حد محدودٌ، والجواب عن ذلك موضعُهُ غير هذا، والله أعلمُ" اهـ. * قُلْتُ: فحاصلُ البحث أن الَّلفْظ الثابت هو لفظُ حديث الباب، وما دون ذلك لم يثبت فينتفى الاضطراب رأسًا، والحمد لله على التوفيق. = ¬

_ (¬1) يعني حديث: "إذا بلغ الماء أربعين قُلَّةً".

. . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = *الوجهُ الثالثُ: أنّهُ مُعلّ بالوقف. قالوا: "إنّ مجاهد بن جبرٍ أوقفه على ابن عمر، ومجاهدُ ثقةْ ثبتٌ، وقد رجح وقفه البيهقيّ والمزى وابن تيمية". فالجواب أن يقال: روى هذا الحديث معاوية بن عمرو، قال: نا زائدةُ بنُ قدامة، عن ليثٍ، عن مجاهد، عن ابن عمر موقوفًا: "إذا كان الماء قُلّتين، لم يحمل خبثًا". أخرجه الدارقطني (1/ 23)، والبيهقيّ (1/ 262). وخالفه محمَّد بن كثير المصيصى، فرواه عن زائدة بسنده سواء إلَّا أنه رفعه. أخرجه الدارقطنيّ أيضًا، وقال: "الموقوفُ هو الصواب". وقال في "العلل" (ج2/ 28 / 2): "والموقوف أصحُّ". * قُلْتُ: وليس معنى قوله "أصحٌّ" أنه صحيحٌ، ففى السندِ ضعْفٌ، وليث بْنُ أبي سُلَيْمٍ فيه مقالٌ معروفٌ. وقد خالفه أبو إسحاق السبيعى، فرواه عن مجاهد، ولم يتجاوزْهُ. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "المصنَّف" (1/ 144)، وأبو القاسم البَغَويُّ في "مسند ابن الجعد" (ج 2 /رقم 2201) من طريق شريك النخعى، عن أبي إسحاق. وشريكٌ فيه مقالٌ، ولكن تابعه سفيانُ الثَّوْرى، عن أبي إسحاق به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ جرير في "التهذيب" (1102). وقد توبع أبو إسحق. تابعه ولدُهُ يونس قال: سمعْتُ مجاهدًا يقولُ: "إذا كان الماء قُلَّتين، لم يُنجِّسْهُ شىءٌ". أخرجه أبو عبيد في "الطهور" (ق 19/ 2)، وابنُ جرير (1103) وخالفهم لوط، فرواه عن أبي إسحق، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "إذا كان الماء قلتين، لم يحمل نجسًا". أخرجه ابنُ جرير (1101) (¬1)، والدارقطني (1/ 25)، والبيهقي (1/ 262) من طريق ابن جريج، أخبرنى لوط به. * قلْتُ: ولوط هذا لعلّه ابن يحيى، فإن يكُنْهُ فهو تالف لا يوثق به ليس بثقةٍ، تركه أبو حاتمٍ وغيرهُ. وقال ابنُ عدي: "شيعي محترقٌ". فهذا اختلافٌ على مُجاهدٍ، الراجح منه أنه من قوله، والموقوف فيه ضعفٌ، فكيف يُعارضُ حديث عبيد الله وأخيه بمثل هذا؟!! ثُمَّ أعلم أنَّ قول من قال: "إن البيهقىّ رجح وققه" فيه تدليسٌ أو غفلة، لأنه يوهم بهذا القول أن البيهقيَّ يرجح أن الموقوف على مجاهد أرجح من حديث عبيد الله المرفوع!! = ¬

_ (¬1) وقع في "تهذيب الآثار": " ... عن أبي إسحق، عن محمد، عن ابن عباس" و "محمد" إنما تصحّف عن" مجاهد" يقينًا، ولذلك لم يترجم له الأستاذ محمود شاكر؛ وكنت أظن أن يتفطَّن إليه، والغريبُ أنه قال: "وأبو أسحق لم أستطع أن أتحقق من يكون"!! وهو السبيعى بلا تردُّدٍ .. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وليس كذلك. إنما رجح البيهقيُّ أن الحديث المرفوع من طريق مجاهد لا يصحُّ والموقوف هو الصواب كما ذكرنا ذلك قبل، وقلنا: ليس معنى قوله: "هو الصواب" أنه صحيحٌ. ولو سلمنا -جدلًا- أن موقوف مجاهدٍ صحيحٌ، ولزمنا الترجيحُ لرجحنا حديث عبيد الله بن عبد الله بن عمر، لأنه أولى في أبيه وأخصُّ به من مجاهدٍ، فكيف وقد تابعه أخوهُ عبدُ الله؟!! ... * الوَجْهُ الرَّابِعُ: فقولهم: "إنه شاذٌّ". فالجوابُ: أنه ليس بشاذّ، وقد قال الشافعيّ رحمه الله "ليس الشاذُّ أن ينفرد الثقةُ برواية الحديث، بل الشاذُّ أن يروي خلاف ما رواه الثقات". فيقال لهم: أين السبيل إلى معرفة من هو أوثق من ابن عمر ويروى حديثًا خلاف روايته؟! ولن يجدوا إليه سبيلًا. وأما قولُهم: "إن صحة السند لا تستلزمُ صحة المتن المروى به" (¬1). = ¬

_ (¬1) وهذا القولُ استغلهُ بعض الجهلة بعلم الحديث في عصرنا أسوأ استغلال ومنهم الشيخ محمَّد الغزالى المصري، فإنه يأتى على كل حديث لا يوافق هواه وإن كان في "الصحيحين"، وإسنادُة في غاية القوة، ولم يتكلم عالمٌ في الدُنيا عليه بشىء، فيقول: هذا باطلٌ وإن كان سندُهُ صحيحًا؛ لأنّ صحة السند لا تستلزم صحة المتن!! وجهل المشار إليه أن الذي يُعلُّ الحديث بهذا النوع من الإعلال لا بد أن يكون ناقدًا بصيرًا، أمضى عمره في هذا الفن بحيث اختلط بشحمه ولحمه، فتصير له ملكةٌ فيه، هذا مع الورع والخوف من الله، أمّا المذكور فقد علمنا أنه متخلفُ النظر في هذا العلم، فاقدٌ لأسباب الفلاح فيه، وقد بينتُ شيئًا يسيرًا من بضاعته في العلم في "طليعة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهذا صحيحٌ، ولكن قال العلماءُ: إذا قال عالمٌ ناقدٌ يُرجع إلى قوله إنَّ هذا السند صحيحٌ، فهذا إعلامٌ بصحة المتن أيضًا، وإلاّ ففيه إهدارٌ لأهمية الإسناد، وهذا الحديث قد حكم بصحة إسناده ومتنه جماعةٌ من أعيان العلماء تقدم ذكرهم. وأما قولُهم: "أين نافعٌ، وسالمٌ، وأيوبُ ... " ففى غاية العجب، فما من واحدٍ من هؤلاء وغيرهم إلَّا تفرَّد عن بعض الصحابة بسُنَّةٍ لا يشاركه فيها أحد. وقد تفرَّد الزهريُّ بنحوٍ من ستين سُنَّةٍ، لم يروها غيرُهُ وعملت بها الأمة، ولم ترُدَّها بتفَرُّده. ولا نذهبُ بعيدًا في ضرب الأمثال، فحديث "إنما الأعمال بالنيات" تفرد به عمر بنُ الخطاب رضي الله عنه، ولم يروه عنه إلَّا علقمةُ بنُ وقاصٍ، ولا عن علقمة إلَّا محمَّد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمدٍ إلَّا يحيى ابنُ سعيد الأنصاريّ. = ¬

_ = سمط اللآلي" وسيأتى الكتابُ في جزئين يفضحان بجلاء علم هذا المتسور لمنبر الاجتهاد مع عرائه عن مؤهلاته. فله من الأقوال الفاسدة، والآراء الكاسدة ما يستحقُّ عليه التعزيز الشديد، والحجْرَ المديد، هذا مع سلاطةٍ في اللسان، وصلابةٍ في العناد، نسأل الله الصون من الغواية، والسلامة في النهاية، وهو حسبُنا ونعم الوكيل. ويرى القارئ أنني قد قسوتُ، فأقول: نعم، غير أنني لم أتجن عليه، ولكل مقامٍ مقال. وصدق المتنبي إذ يقول (2/ 11): ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا ... مُضرٌّ، كوضع السيف في موضع الندى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الإمام أحمد: "مدار الإِسلام على ثلاثة أحاديث .. " فذكره منها. وكذا قال جماعةٌ من العلماء كأبى داود وغيره. فهل يُقال: أين سائر الصحابة حتى يتفرد عمر بهذا الحديث الجليل، الذي يحتاج إليه في جميع أبواب العلم؟! وفي "صحيح البخاري" (1/ 9) قال علقمة: سمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يخطب .. فهذا يُبين أن هذا الحديث سمعه جمع غفيرٌ فهذا أدعى لانتشاره، فكيف تفرد به علقمة دون أولئك؟! أم ترى أن الجميع كان نائمًا إلا علقمة فسمعه، أم لم يكن في المسجد أحدٌ غيرهُ؟! تالله إن هذا لعجبٌ عجابٌ. ثُمّ أين أصحاب علقمة حتى يتفرد به محمَّد بن إبراهيم التيمي، وأين أصحاب التيمي حتى يتفرد به يحيى بنُ سعيد الأنصارى؟! ولو طردنا هذا القول الفاسد لأدانا إلى طرح الكثير من السنن ثمّ إن هذا القول يؤدى إلى رد رواية الثقة العدل بدون موجبٍ لردِّها، وسوء ظن به من غير حجةٍ ناهضةٍ، فنعوذ بالله من التحكم والاعتساف، وقلة الإنصاف. واعلم أن الإعلال بهذه الطريقة، هو شنشنةٌ قديمة عهدناها من أهل الأهواء إذا أعوزتهم الحجة، وضاق عطنُهم أمام خصومهم. وقد قال ابن القيم - رحمه الله - في "إغاثة اللهفان" (1/ 441) عند مناقشة من طعن في حديث ابن عباس في المطلقة ثلاثًا: "وقد ردَّهُ آخرون بمسلكٍ أضعف من هذا كلِّه فقالوا: هذا حديث لم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يروه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلَّا ابن عباس وحدهُ، ولا عن ابن عباس إلّا طاووس وحده. قالوا: فأين أكابرُ الصحابة وحفاظُهم عن رواية مثل هذا الأمر العظيم، الذي الحاجةُ إليه شديدةٌ جدًّا؟ فكيف خفى هذا على جميع الصحابة وعرفه ابنُ عباسٍ وحده؟ وخفى على أصحاب ابن عباس كلهم، وعلمه طاورس وحده؟!! وهذا أفسدُ من جميع ما تقدّم، ولا ترد أحاديثُ الصحابة وأحاديثُ الأئمة الثقات بمثل هذا. فكم من حديثٍ تفرد به واحدٌ من الصحابة، لم يروه غيرُهُ، وقبلته الأمة كلهم، فلم يردَّهُ أحدٌ منهم، وكم من حديث تفرَّد به من هو دون طاووس بكثير، ولم يرده أحد من الأئمة. ولا نعلمُ أحدًا من أهل العلم قديمًا وحديثًا قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابيٌّ واحدٌ لم يُقبل، وإنما يحكى عن أهل البدع ومن تبعهم في ذلك أقوالٌ، ولا يُعرف لها قائل من الفقهاء ... ثُمَّ قال: ثُمَّ إن هذا القول لا يمكنُ أحدًا من أهل العلم ولا من الأئمة ولا من أتباعهم طرده، ولو طردوه لبطل كثيرٌ من أقوالهم وفتاويهم. والعجبُ أن الرادِّيْن لهذا الحديث بمثل هذا الكلام قد بنوا كثيرًا من مذاهبهم على أحاديث ضعيفة، انفرد بها رواتُها، لا تعرف عن سواهم، وذلك أشهر وأكثر من أن تُعدَّ"اهـ. • قلت: فظهر من التحقيق أن حديث القلتين لم يُعلّ بعلة حقيقية، هذا من جهة ثبوته أما من جهة الاستدلال به فعليه اعتراضات كثيرة والجواب عنها ممكنٌ وقد أودعت ذلك في جزء لي حول هذا الحديث اسمه "درء العبث عن حديث إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" ولعلى أنشره قريبًا إن شاء الله.

45 - ترك التوقيت فى الماء

45 - تَرْكُ التَّوْقِيتِ فِى الْمَاءِ 53 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ (¬1) ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «دَعُوهُ لاَ تُزْرِمُوهُ». فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِى لاَ تَقْطَعُوا عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 53 - إسنادُهُ صَحيحٌ. * حمادٌ: هو ابنُ زيد. * ثابت، هو ابْنُ أسلم البُنانى، أبو محمدٍ. أخرج له الجماعة، وكان من أئمة المسلمين وسادتهم علمًا وعملًا. وثقه المصنِّفُ، والعجليُّ، وثبَّته أحمد وأبو حاتم. وحسبه تزكيةً، قولُ أنسٍ رضي الله عنه: "إن للخير أهلًا، وإن ثابتًا هذا من مفاتيح الخير". = ¬

_ (¬1) وقع في بعض النسخ المطبوعة: "حماد بن ثابت"!! وهو خطأ نتج عن تصحيفٍ، فليتفطن إلى هذا، ثم اعلم أن أعلى الأسانيد عند النسائى ما كان بينه وبين النبي-صلى الله عليه وسلم- أربعة أنفس، وليس في السنن حديث ثلاثيٌّ قط، والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = رواه حماد بن زيد، عن أبيه، عن أنس. وسندُهُ صالحٌ. وللحديث طرقٌ عن أنسٍ، رضي الله عنه. * 1 - ثابثٌ، عنه. أخرجه البخاريُّ (10/ 449 - فتح)، ومسلمٌ (3/ 190 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 214 - 215)، وابنُ ماجة (528)، وأحمد (3/ 226)، وكذا عبدُ بنُ حميدٍ في "المنتخب" (رقم 1381)، وابن خزيمة (ج1/رقم 296)، وأبو يعلى (ج 6 / رقم 3467)، والبيهقيُّ (2/ 427 - 428) من طرقٍ عن حماد بن زيد (¬1)، عن ثابتٍ. وقد رواه عن حمادٍ جماعةٌ من أصحابه، منهم: "قتيبةُ بنُ سعيدٍ، وأحمدُ بنُ عَبْدَة، وسليمانُ بنُ حربٍ، ويونسُ بن محمدٍ، وإسحقُ بنُ أبي إسرائيل، ومحمدُ بنُ الفضل، وعمرو بنُ عونٍ، وحامد بن عمرو البكراويُّ". * 2 - إسحقُ بنُ عبد الله بن أبي طلحة، عنه. أخرجه البخاريُّ (1/ 322 - فتح)، ومسلمٌ (3/ 190 نووى)،= ¬

_ (¬1) وظنَّ بعضُهم أنه حماد بن سلمة؛ لأنه راوية ثابت البناني، فنقول: بل هو ابنُ زيد، وقد روى أيضًا عن ثابت، والحجة في ذلك أن قتيبة بن سعيد إنما يروي عن ابن زيد لا "ابن سلمة" فإنه ما لحقه كما صرّح بذلك الذهبي في "السير" (7/ 465) فقد ذكر قتيبة من "المختصين بحماد بن زيد" مع جماعة آخرين ثم قال: "فإذا رأيت الرجل من هؤلاء الطبقة قد روى عن حمادٍ وأبهمه علمت أنه "ابن زيد" وأنَّ هذا لم يدرك حماد بن سلمة" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأبو عوانة (1/ 214)، وأحمدُ (3/ 191) والبزار في "مسنده" (ج2/ ق 51/ 2)، وابن خزيمة (ج1 / رقم 293)، وابنُ حبان (ج2/رقم 1398)، وأبو الشيخ في "الأخلاق" (ص 70 - 71، 81) والطبرانى في "الأوسط" (ج1/ق 308/ 1)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 13)، وابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 101)، والبيهقي (2/ 412 - 413 و 10/ 103)، والبغوي في "شرح السُّنة" (2/ 400). ورواه عن إسحق: "همام بنُ يحيى، وعكرمةُ بن عمَّار". قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة إلا عكرمة بن عمار وهمام بن يحيى". *3 - يحيى بنُ سعيد الأنصاريُّ، عنه. ويأتي في الحديث القادم -إنْ شاء الله تعالى-. * 4 - سالم بن أبي الجعد، عنه. فأخرج أبو يعلى (ج 6 / رقم 3626) حديث ابن مسعودٍ -ويأتي قريبًا- قال: جاء أعرابي فبال في المسجد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتُفر، وصُبَّ عليه دلوٌ من ماءٍ. قال الأعرابيُّ: يا رسول الله! المرء يُحب القوم ولمَّا يعملُ بعملهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحبَّ". ثم قال أبو يعلى بعده (3627): حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكرٍ، حدثنا منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ففهم الهيثميُّ - رحمه الله - أن قوله "مثله" يعني حديث ابن مسعودٍ برمته، فأورده في "المجمع" (1/ 286) في "باب في الأرض تصيبُها النجاسة"، وقال: "وروى أبو يعلى عقبه بإسنادٍ رجاله رجال الصحيح عن أنسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: مثله" اهـ. * قُلْتُ: ولا يظهر لي ما فهمه الهيثميُّ رحمه الله، وإنما قول أبي يعلى "مثله" يقصد به آخر الحديث، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحبَّ" دون أوله لأمورٍ: * الأول: أنه لا يحفظ "الحفر" في حديث أنسٍ كما يأتي. *الثاني: أنَّ الحافظ ابن حجر ذكر حديث ابن مسعود في "المطالب العالية" (ج 1 / رقم 16) وعزاه لأبي يعلى ولم يذكر عن "أنسٍ" شيئًا في باب "إزالة النجاسة". * الثالث: أن آخر الحديث هو المحفوظ من حديث سالم عن أنسٍ. فقد أخرجه أحمد (3/ 207، 255) قال: حدثنا أسودُ بنُ عامرٍ، ثنا أبو بكر بن عياش، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنسٍ قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي حتى انتهى إلى المسجد قريبًا منه، قال: فأتاهُ شيخٌ -أو رجلٌ- قال: متى الساعةُ يا رسول الله؟! قال: "وما أعددت لها؟ " فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أعددت لها من كثير صلاةٍ ولا صيامٍ، ولكني أحب الله ورسوله. قال: "فأنت مع من أحببت". وأخرجه ابن الأبار في "معجمه" (ص 70 - 71) عن أحمد ابن عبد الجبار العطاردى، نا أبو بكر بن عياش به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتابعه شعبة، وجرير بن عبد الحميد، والأعمش (¬1)، عن منصورٍ به. أخرجه البخاري (13/ 131 - فتح) ومسلمٌ (2639/ 164)، وأحمدُ (3/ 172، 208)، والطيالسيُّ (2131)، وأبو يعلى (ج 6 / رقم 3631، 3632). وقد توبع منصور. تابعه عمرو بن مرة، عن سالم به. أخرجه البخاريُّ (10/ 557 - فتح) ومسلمٌ (2639)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (ج3/ رقم 1316). وأخرجه البزار في "مسنده" (ج2 /ق 119/ 1) وأبو نعيم في "المحبين" كما في "الفتح" من طريق السميدع بن وهب، نا شعبة, عن منصور وعمرو بن مرة قالا: نا سالم بن أبي الجعد، عن أنسٍ به. وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن شعبة، عن عمرو ومنصور عن سالم عن أنس إلَّا السميدع، ورواه غيرُ السميدع عن شعبة، عن منصور وحده عن سالم عن أنسٍ" اهـ. * قُلْتُ: والسميدع صدوق، أكثر جدًّا عن شعبة. وقال ابن حبان في "الثقات" (8/ 303): "ربما أغرب". فهذا يدل علي أن حديث سالم بن أبي الجعد، عن أنسٍ ليس فيه قصة البائل في المسجد. والله أعلمٌ. ¬

_ (¬1) وكذا أخرجه أبو عوانة في "صحيحه"، من رواية الأعمش، عن سالم واستغربه. كذا قال الحافظ في "الفتح" (10/ 560).

54 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَالَ أَعْرَابِىٌّ فِى الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 54 - إسناده صَحِيحٌ. * عبيدةُ -بفتح أوَّلِهِ- هو ابنُ حميد بن صهيب التيميّ، أبو عبد الرحمن الكوفي الحذَّاءُ. قال ابنُ حبان في "الثقات" (7/ 163): "لم يكن بحذَّاءٍ، كان يجالسُ الحذائين، فنُسب إليهم". وثقه ابنُ معين في روايةٍ، وابنُ سعدٍ، وابنُ عمار، وكذا الدارقطنيُّ، وابنُ حبان، وعثمانُ بنُ أبي شيبة، وابنُ شاهين، وابنُ نُمير. وقال ابنُ معين، والنسائي، والعجليُّ: "لا بأس به". وقد أحسن الثناء عليه الإمامُ أحمدُ، ورفع أمره جدًّا، وقال: "ما أحسن حديثه، وما أدرى ما للناس وله ... كان قليل السقط، وأما التصحيفُ، فليس نجدُه عنده". أما قولُ يعقوب بن شيبة. "لم يكن من الحفاظ المتقنين". فليس هذا بجرحٍ، ومعناه: لم يبلغ أعلى درجات الضبط، وهذا لا ينفى أن يكون حافظًا ضابطًا. وأما قولُ الساجى: "ليس بالقويّ". فجرحٌ مجملٌ، لا يُعبأ به أمام التوثيق المحقق، وقد أثنى على عبيدة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المتقدمون على الساجى في العلم والطبقة، كأنَّ الساجى أخذ هذا الجرح من قول ابن معين: "عابوا عليه أنه يقعُدُ عند أصحاب الكتب" يعني أنه قد يأخذُ منهم، فيقعُ منه التصحيف. وهذه الدعوى، ردَّها الإِمام أحمدُ - رحمه الله - فقال: "ما أدرى! ما للناس وله ... وأمَّا التصحيف فليس نجدُه عنده". وضعّفه عبدُ الحق الأشبيلى، لروايته حديث تقدير صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء والصيف بالأقدام. وقد أجاب عن ذلك الذهبي. فقال في "الميزان" (2/ 25): "وإنما لينُ الخبر من شيخه أبي مالكٍ الأشجعيِّ، عن كثير بن مدرك"! *قُلْتُ: كذا قال الذهبيُّ رحمه الله! وفي قوله نظر يأتي تفصيلُهُ في الحديث (503) إنْ شاء الله تعالى، فانتظره. * * * والحديث أخرجه البخاري (1/ 324 - فتح)، ومسلمٌ (3/ 190 نووى) وأبو عوانة (1/ 213 - 214) والبزار (ج2 / ق 39/ 2 - 40/ 1) وأحمدُ (3/ 114، 167) (¬1)، والدارميُّ (1/ 154)، ومن طريقه برهان الدين التنوخي في "نظم اللآلى في المائة العوالي" (ق 25/ 1)، وعبد الرزاق = ¬

_ (¬1) وقع في "المسند" (3/ 114): "حدثنا عبد الله حدثني أبي، ثنا يحيى بن سعيد الأنصارى ... الخ". وقد سقط من الإسناد شيخ الإِمام أحمد فإنه لم يلحق الأنصارى، ولعله رواه عن يحيى ابن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصارى، فاختلط على الناسخ. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في "المصنف" (ج 1/ رقم 1660)، وأبو يعلى (ج 6 / رقم 3652, 3654)، والخرائطيُّ في "المكارم" (73)، والطحاويُّ في "الشرح" (1/ 13)، وابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 101)، والبيهقي (2/ 427) من طرقٍ عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنسٍ به. وقد رواه عن يحيى الأنصاريّ جماعةٌ من أصحابه، منهم: "يحيى بن سعيد القطان، ويزيدُ بنُ هارون، وجعفر بن عون، وعبدُ العزيز بن محمد الدراورديُّ ويعلى بن عبيد، وإبراهيمُ بن محمدٍ، وابن المبارك". وتابعهم سفيان بنُ عيينة، ثنا يحيى بن سعيد، عن أنسٍ به. أخرجه الترمذي (148)، والشافعي في "الأم" (1/ 52)، وأحمد (3/ 110 - 111)، والحميدى (1196)، وأبو عوانة في "صحيحه" (1/ 214)، والبيهقي (2/ 427) من طرق عن سفيان. ورواه عن سفيان جماعةٌ من ثقات أصحابه , منهم: "الشافعي، وأحمد، والحميدي، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي". وخالفهم عبد الجبار بنُ العلاء، فرواه عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن أنسٍ أنَّ أعرابيًّا بال في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "احفروا مكانه، ثُمَّ صبوا عليه ذنوبًا من ماء". فتفرد بذكر "الحفر". أخرجه الدارقطنيُّ (¬1) -كما في "نصب الراية" (1/ 212) - من طريق = ¬

_ (¬1) لم أجده في "سننه" ويبدو: أنه رواه في "العلل". والله أعلم مع أن صنيع البدر العيني في "العمدة" (3/ 125) يوميء أنه رواه في "سننه".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عبد الجبار بن العلاء، وقال: "وهم عبدُ الجبار على ابن عيينة, لأن أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عنه عن يحيى بن سعيد بدون "الحفر" وإنما روى ابنُ عيينة هذا عن عمرو ابن دينار عن طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احفروا مكانه" مرسلًا" اهـ. * قُلْتُ: فاختلط على عبد الجبار بن العلاء المتنان جميعًا، ودخل عليه حديثٌ في حديث. وقد أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (ج 1/رقم 1659) عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاووس مرسلًا. وتابعه إبراهيم بن بشار، ثنا ابنُ عيينة به. أخرجه الطحاويُّ (1/ 14) حدثنا بكار بنُ قتيبة، ثنا إبراهيم بنُ بشار وكذا تابعهما سعيد بن منصور، عن ابن عيينة به. ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 37) وقال بعد أن ذكر توهيم الدارقطني لعبد الجبار بن العلاء: "وهذا تحقيقٌ بالغٌ، إلا أنَّ هذه الطريق المرسلة مع صحة إسنادها إذا ضُمَّتْ إلى أحاديث الباب أخذتْ قوة". كذا قال هنا، بينما قال في "الفتح" (1/ 325) فقال: "والآخران مرسلان. أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن معقل بن مقرن، والآخران من طريق سعيد بن منصور من طريق طاووس ورواتهما ثقات وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقًا، وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقًا، والشافعيُّ إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وكان من أرسل إذا سمى، لا يسمى إلا ثقةً، وذلك مفقودٌ في المرسلين المذكورين علي ما هو ظاهر من سنديهما، والله أعلم" اهـ. أمَّا مرسل عبد الله بن معقل بن مقرن، فقد: أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 132) , والبيهقيُّ (2/ 428)، وابنُ الجوزي في "التحقيق" (1/ 42/ 60) جميعًا عن أبي داود، وهذا في "سننه" (381) وفي "المراسيل" (ق 7/ 1) من طريق جرير بن حازم، قال: سمعت عبد الملك بن عمير يحدث عن عبد الله بن معقل بن مقرن، قال: صلى أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة (¬1)، قال فيه: وقال: يعني النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا عن مكانه ماء". قال أبو داود: "وهو مرسلٌ. ابْنُ معقلٍ لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ. وقال الخطابى: "هذا الحديث ذكره أبو داود وضعفه، فقال: مرسل". فتعقَّبه البدرُ العينى في "عمدة القاري" (3/ 125): "لم يقل أبو داود: هذا ضعيفٌ، وإنما قال: مرسلٌ" (¬2) اهـ. * قُلْتُ: ولا طائل تحت هذا التعقُّب, لأن الخطابى لم ينسب المقالة لأبي داود باللفظ، إنما بالمعنى, لأن المرسل من قسم الحديث الضعيف، = ¬

_ (¬1) يعني قول الأعرابى: ارحمنى ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا. (¬2) وإنما جرَّ العينى إلى هذا التعقب أنه من الأحناف، وهم يحتجون بالمرسل، وهذا بخلاف ما عليه الجماهير من أهل الحديث. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهو يقول: وهو ضعيفٌ حيث قال فيه: مرسل، كما لو قلت: وهذا الحديث ضعّفه الترمذي فقال: "غريب". والله أعلمُ. وقال ابنُ الجوزى في "التحقيق": "قال الدارقطنيُّ: عبد الله بن معقل تابعيُّ، فهو مرسلٌ. وقال أحمد ابن حنبل: هذا حديثٌ منكرٌ. وقال أبو داود السجستاني: وقد روى مرفوعًا ولا يصحُّ" اهـ. * قُلْتُ: أخشى أنْ يكون ابنُ الجوزى وهم في ذكر قول أحمد هنا، وإنما قاله أحمد في حديث ابن مسعود الآتي قريبًا إنْ شاء الله، كما قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 37). وحديث معقل مع إرساله، فإن عبد الملك بن عمير قال فيه أحمد: "مضطربُ الحديث جدًّا مع قلة روايته". وقال ابنُ معين: "مُخلط". وقال أبو حاتم: "لم يوصف بالحفظ". فأهابُ تقوية مرسل طاووس بمرسل عبد الله بن معقل، وأما الحديثان الموصولان فلا يصحُّ واحدٌ منهما، فنرى أنَّ ذكر "الحفر" غير محفوظٍ, والله أعلمُ. * * *

55 - أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَالَ فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «اتْرُكُوهُ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ أَمَرَ بِدَلْوٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 55 - إسنَادُه صحِيْحٌ. * سويُد بْنُ نصرٍ، هو ابْنُ سويد المروزيُّ أبو الفضل الطوسانيُّ ويعرف بـ "الشاة". وثقهُ المصنِّفُ، وابن حبان في "الثقات" (8/ 295) وزاد: "وكان متقنًا"، ومسلمةُ بنُ قاسم. روى عنه المصنف (210) حديثًا. مات سنة أربعين ومائتين وهو ابنُ إحدى وتسعين سنة كما قال البخاري، رحمه الله ورضى عنه. * عبدُ الله، هو ابْنُ المبارك بْنِ واضح , أبو عبد الرحمن الحنظليُّ. شيخ الإِسلام، عالمُ زمانه، وأميرُ الأتقياء في وقته، المجاهد، السخى، علمُ الأعلام. وهو أكبر من أن ينبه عليه مثلى، وإنما أتبرَّك بذكر شىء من ترجمته. قال إبراهيم بْنُ عبد الله بن الجنيد: "سمعتُ ابن معين، وذكروا عبد الله بن المبارك. فقال رجل: إنّه لم يكن حافظًا!!. فقال ابن معين: كان عبد الله - رحمه الله - مستثبتًا، ثقةً، وكان عالمًا صحيح الحديث، وكانت كتبه التي يُحدث بها عشرين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ألفًا، أو واحدًا وعشرين ألفًا". وقال العباسُ بن مصعب: "جمع عبد الله بن المبارك الحديث، والفقه، والعربية, وأيام الناس، والشجاعة، والتجارة، والسخاء، والمحبة عند الفرق". * قُلْتُ: وكان شاعرًا مُجيدًا، قوالًا بالحق، قائمًا به. قال محمد بن إبراهيم بن أبي سُكينة: "أملى عليَّ ابنُ المبارك سنة سبع وسبعين ومائة، وأنفذها معي الي الفضيل بن عياض من طرسوس: يَا عَابِدَ الحَرَمَيْنِ لَوْ أبْصَرتَنا ... لَعَلِمْتَ أنَّكَ في العِبَادَةِ تَلْعبُ مَنْ كَاْنَ يَخْضِبُ جيْدَهُ بِدُمُوْعِهِ ... فَنَحُوُرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ أوْ كَاْنَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ في بَاطِلٍ ... فَخُيُوْلُنَا يَوْم الصبيحة تَتْعَبُ ريْحُ العَبيْرِ لكُمْ وَنحْنُ عَبِيرنا ... رَهَجُ السَّنَابِكِ وَالغُبَارُ الأطْيَبُ وَلقد أتانَا مِنْ مَقَالِ نبينا ... قَوْلٌ صَحِيْحٌ صَادِقٌ لا يَكذِبُ لا يَسْتَوِى وَغُبَارُ خَيْلِ الله في ... أنْفِ امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلْهَبُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هَذَا كِتَابُ الله يَنطِقُ بَيْنَنَا ... لَيسَ الشَّهِيدُ بِميِّتٍ, لَا يَكذِب قال: فلقيتُ الفضيل بكتابه في الحرم، فقرأه وبكى، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح" اهـ. * * *

56 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ أَعْرَابِىٌّ فَبَالَ فِى الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 56 - إسنَادُهُ صَحِيحٌ. * عبدُ الرحمن بْن إبراهيم، هو ابن عمرو بن ميمون أبو سعيد الحافظ المعروف بـ "دُحيم" من سادة أهل الشام. أخرج له الجماعةُ، إلا مسلمًا والترمذي. عنى بهذا الشأن حتى فاق الأقران، وجرَّح وعدَّل، وصحَّح وعلل، وثقهُ أبو حاتم، والمصنِّفُ وزاد: "مأمون"، والعجلى، والدارقطني. وقال أبو داود: "حجةٌ". وأثنى عليه أحمدُ وقال: "هو عاقل ركين". روى عنه المصنف ثمانية أحاديث. * عمر بنُ عبد الواحد، هو ابنُ قيس السلميُّ أبو حفص الدمشقيُّ. أخرج له أبو داود وابنُ ماجة. وثقهُ دُحيم، والعجليُّ، وابنُ حبان في آخرين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال ابن قانعٍ: "صالحٌ"! * الأوزاعيُّ (¬1) هو: عبد الرحمن بن عمرو بن يُحمد، أبو عمرو. شيخ الإِسلام، وعالم أهل الشام وفقيهُهم. حديثه في الكتب الستة، وفي دواوين الإِسلام، وقد أطبق الجمع على توثيقه والاحتجاج بحديثه. قال أبو مسهر: "ما رُئي الأوزاعيُّ باكيًا قطُّ، ولا ضاحكًا حتى تبدو نواجذُه، وإنما كان يبتسم أحيانًا كما روى في الحديث، وكان يُحيى الليل صلاة، وقرآنًا، وبكاءً. وأخبرني بعض إخواني من أهل بيروت أنَّ أمه كانت تدخل منزل الأوزاعي وتتفقد موضع مصلاهُ، فتجده رطبًا من دموعه في الليل"! وروى ابنُ أبي حاتم في "مقدمة الجرح والتعديل" (ص 185) بسنده إلى عبد الحميد بن أبي العشرين قال: قلت لمحمد بن شعيب بن شابور: أنشدك الله ومقامك بين يديه لقيت أفقه في دين الله من الأوزاعي؟ قال: اللهم لا. قال: قلتُ: فأورع منه؟ قال: لا. قلتُ: فأحلم منه؟ قال: لا وكان مالكٌ شديد التعظيم له، وأخذ الثوري بخطام دابته يسُلُّهُ من الزحام!! ". = ¬

_ (¬1) وقد أفرد له شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر الحنبلى كتابًا في ترجمته سمَّاهُ: "محاسن المساعي في مناقب أبي عمرو الأوزاعى" ذكر فيه الكثير الطيب عن الإِمام رحمه الله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهذا والله من بركة العلم والعمل به. وروى ابنُ أبي حاتم (ص210) بسنده الصحيح أن رجلًا قال لسفيان الثورى: يا أبا عبد الله! رأيتُ كأنَّ ريحانة قلعت من الشام -أراه قال- فذهب بها في السماء. قال سفيان: إنْ صدقت رؤياك، فقد مات الأوزاعيُّ! فجاءه نعيُ الأوزاعى في ذلك اليوم سواء. ومن غرر كلامه: "عليك بآثار من سلفٍ، وإنْ رفضك الناسُ، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول، فإنَّ الأمر ينجلى وأنت على طريق مستقيم". وقال أيضًا. "ما أكثر عبدٌ ذكر الموت، إلا كفاه اليسير من العمل، ولا عرف عبدٌ أنَّ منطقه من عمله، إلَّا قلَّ لغطُهُ". وكان قوَّالًا للحق، آمرًا بالمعروف، وله مواقف محمودةٌ مع بعض الولاة الظلمة، فرحم الله الأوزاعيَّ ورضى عنه، وأين في الناس مثلُ الأوزاعى؟! * محمد بْن الوليد، هو ابنُ عامر الزبيدي, أبو الهذيل الحمصيُّ. أخرج له الجماعةُ، إلا الترمذي. وثقهُ ابن المدينى، وأبو زرعة، والمصنِّفُ، والعجليُّ، وابنُ سعدٍ، ودحيم، وابنُ حبان في آخرين. * عبيد الله بن عبد الله هو: ابنُ عتبة بن مسعود الهذلى، أبو عبد الله المدنيُّ، أحدُ فقهاء المدينة السبعة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرج له الجماعةُ. وثقهُ أبو زرعة، وقال: "مأمونٌ، إمامٌ". وقال العجلي: "تابعيُّ ثقة، رجل صالحٌ، جامعٌ للعلم، وهو معلم عمر بن عبد العزيز". وقال الطبريُّ: "كان مقدَّمًا في العلم والمعرفة بالأحكام والحلال والحرام، وكان مع ذلك شاعرًا مُجيدًا". وقال ابنُ عبد البر: "لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا فيما علمت فقيهٌ أشعر منه، ولا شاعرٌ أفقه منه". * * * والحديث أخرجه البخاريُّ (1/ 323 و 10/ 515 - فتح)، وأحمدُ (2/ 282)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 297)، وابنُ حبان (ج2/ رقم 1396، 1397) والبزار (ق 151/ 1) وابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 330 - 331) والطبراني في "مسند الشاميين" (ق 344، 599)، وابنُ حزم في "المحلى" (4/ 247)، والدارقطنى في "العلل" (ج 2/ ق 134/ 2)، والبيهقي (2/ 428) من طرق عن الزهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ورواه عن الزهري هكذا جماعةٌ من أصحابه، منهم: "شعيب بن أبي حمزة، ويونس بن يزيد، ومحمد بن الوليد الزبيدى والنعمان بن راشد" (¬1). وخالفهم (¬2) سفيانُ بنُ عيينة، فرواه عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة. فجعل شيخ الزهري: "ابن المسيب" بدلًا من "عبيد الله بن عبد الله". أخرجه أبو داود (380)، والترمذيُّ (147)، والشافعى في "مسنده" (ص 20 - 21)، وفي "الأم" (1/ 52)، والحميدي (938) , وأحمد (2/ 239)، وابنُ خزيمة (ج 1/رقم298)، وأبو يعلى (ج10 / رقم 5876)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (141)، والبيهقي (2/ 428) , والبغويُّ في "شرح السنة" (2/ 79)، والدارقطنى في "العلل" (ج 2 /ق 134/ 2). = ¬

_ (¬1) وتابعهم أيضًا صالح بن أبي الأخضر، فرواه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة به. فزاد: "أبا سلمة". أخرجه الدارقطني في "العلل" (ج 2/ ق 134/ 2) من طريق عبد الغفار بن عبيد الله, ثنا صالح بن أبي الأخضر به. وصالح هذا في حفظه مقال. (¬2) وخالفهم أيضًا معمر بن راشد فرواه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أن أعرابيًّا بال في المسجد ... الحديث. أخرجه الدارقطني في "العلل" من طريقين عن عبد الرزاق ثنا معمر به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الترمذيُّ: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". ولم يتفرد به ابنُ عيينة، فقد توبع. تابعه سفيانُ بنُ حسين (¬1)، عن الزهري بمثله. وسفيان بن حسين إنما يُضعَّفُ في الزهريّ خاصةً، ولكن رواية ابن عيينة تؤيد روايته. واعلم أن هذا ليس من اختلاف التضاد، بل هو اختلاف تنوُّعٍ، والزهرى إمام حافظٌ واسعُ الرواية، فلا مانع أنْ يرويه مرةً عن سعيد بن المسيب، ومرةً عن عبيد الله بن عبد الله. وكأنَّ ابن عيينة كان يُثِّبتُ روايته، عندما قال: "ثنا الزهريُّ، كما أقولُ لك لا نحتاج فيه إلى أحدٍ، قال: أخبرني سعيد ابنُ المسيب، عن أبي هريرة". ذكره عنه الحميديُّ في "مسنده". وروى البيهقيُّ عن ابن المدينى قال: ثنا سفيانُ، قال: أحفظُ ذلك من كلام الزهرىّ، عن سعيدٍ، عن أبي هريرة". وقال ابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 331) بعد أن أشار إلى ذلك: "وكلُّ ذلك صحيحٌ، لأنه ممكن أن يكون الحديث عند ابن شهاب عن عبيد الله وسعيد وأبي سلمة. فحدَّث به مرة عن هذا، ومرةً عن هذا، = ¬

_ (¬1) وقع في إسناد ابن خزيمة "سفيان بن حصين" -بالصاد- ومن عجيب أن المحقق قال: "في الأصل: سفيان بن حسين، والتصحيح مما ورد في بداية الإِسناد". وهذا التصحيح الذي أشار إليه خطأ والصواب بالسين لا بالصاد. والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومرةً عن هذا، وربما جمعهم، وهذا موجودٌ لابن شهابٍ، معروفٌ له، كثيرٌ جدًّا" اهـ. وللحديث طريقٌ آخر. يرويه أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه قال: "إن رجلًا من الأعراب قال: اللهم ارحمنى ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لقد تحجرت واسعًا" قال: ثُمَّ قام الأعرابيُّ فبال في ناحية المسجد، فهَمَّ به أناسٌ، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "صُبُّوا عليه، فإنما بُعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين". أخرجه البزار في "مسنده (ج 2/ ق 40/ 2) وأبو بكر الشافعيُّ في "الغيلانيات" (ج 7/ ق 96/ 1) من طريق محمد بن أبي حفصة، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة. * قُلْتُ: ومحمد بن أبي حفصة، وثقه ابن معين في رواية وابن حبان وقال: "يخطيء". وقال ابن المدينى: "ليس به بأسٌ". ولكن ضعّفه يحيى القطان، والنسائيُّ. وقال ابنُ عدي: "هو من الضعفاء الذين يُكتب حديثُهم". ولكنه لم يتفرد به. فتابعه يونس بن يزيد، عن الزهريّ بسنده سواء. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ حبان (ج 3 / رقم 987)، وابنُ مندة في "التوحيد" (194). من طريق ابن وهب، حدثنا يونس به. وتابعه شعيب بن أبي حمزة، عن الزهريّ به. أخرجه البخاريُّ (10/ 438). وكذا الزبيدى عن الزهريّ به. أخرجه المصنفُ، ويأتي برقم (1216) في "كتاب السهو". وخالفهم معمر بن راشد، فرواه عن الزهرىّ، عن عبيد الله أو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنَّ أعرابيًّا بال في المسجد ... فذكر الحديث. فشكَّ في الراوى عن أبي هريرة. أخرجه الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2/ ق 34/ 2) قال: حدثنا النيسابورى ثنا أحمد بن منصور، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر. * قُلْتُ: ولكن رواه إسحق بن إبراهيم الدَّبرى، عن عبد الرزاق في "مصنفه" (ج 1/ رقم 1658)، عن معمر، عن الزهريّ، عن عبيد الله ابن عبد الله أن أعرابيًّا بال في المسجد ... وذكر الحديث بطوله، ولم يذكر "أبا سلمة". ولا أدرى ممن هذا الاختلاف. وهناك وجوةٌ أخرى من الاختلاف ذكرها الدارقطنىّ. هذا: وقد توبع ابنُ شهاب الزهرى. فتابعه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بنحوه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ ماجة (529)، وأحمد (2/ 530)، وابنُ أبي شيبة (1/ 193)، وابنُ حبان (ج 3 / رقم 985 وج 4/ رقم 1402)، والخرائطيُّ في "مكارم الأخلاق" (74)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 85) وسنده حسنٌ. وقد رواه عن محمد بن عمرو جماعةٌ من أصحابه منهم: "يزيد بن هارون والثورى، وعليُّ بن مسهر، وعبدة بن سليمان، والفضل بنُ موسى". ووقع عند الخرائطي: "فقال الأعرابيُّ بعد أن فقه: فقام إليَّ -بأبي وأمي- فلم يسُبّ ولم يضرب، ولم يؤنِّبْ". * قال الترمذيُّ: "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود، وابن عباسٍ، وواثلة بن الأسقع". * حديثُ ابْنِ مسعود، رضى الله عنه. أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (ج 6/ رقم 3626) والطحاوى في "شرح المعانى" (1/ 14)، والدارقطنى (1/ 131 - 132) وعنه ابن الجوزى في "التحقيق" (1/ 43/ 61) من طريق أبي هشام الرفاعى، عن أبي بكر ابن عياش، ثنا سمعان بن مالك المالكىّ، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: جاء أعرابىٌّ فبال في المسجد، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بمكانه، فاحتُفر وصُبَّ عليه دلوٌ من ماءٍ. وعند أبي يعلى وغيره: "فقال الأعرابيُّ: يا رسول الله! المرء يحبُّ القوم ولما يعمل بعملهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المرءُ مع من أحبَّ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال البيهقى (2/ 428): "ليس بصحيحٍ". وقال الدارقطنيُّ: "سمعان مجهولٌ". وقال أبو زرعة: "سمعان بن مالكٍ ليس بالقويّ". وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (ج 1/ رقم 36): "سمعتُ أبا زرعة يقول: حديث سمعان في بول الأعرابى حديث ليس بقوىٍّ" (¬1). وحكى الحافظ في "التلخيص" (1/ 37) عن أحمد أنه قال: "حديثٌ منكرٌ". وعن أبي حاتمٍ أيضًا أنه قال: "حديثٌ لا أصل له" (¬2). وضعّفه الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 286 و 2/ 11)، والحافظُ في "الفتح" (1/ 325). وضعّفه ابنُ الجوزى بأبى هشام الرفاعى وهو محمد ابنُ يزيد، ونقل فيه قول البخارى وحده، ولم ينصف في النقل. * حديثُ ابْنِ عبَّاسٍ، رضي الله عنهما: أخرجه أبو يعلى (ج 4/ رقم 2557) والضياء في "المختارة" (ق 363/ 1)، والبزار (ج 1/ رقم 409)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 11/ رقم 11552) والسياق له من طريق إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال: أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم أعرابىٌّ فبايعه في المسجد، ثُمَّ انصرف، فقام ففحج، ثمَّ بال. فَهَمَّ الناسُ به، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تقطعوا على الرجل بوله". = ¬

_ (¬1) هذا لفظ "العلل". ونقل شمس الحق آبادى في "التعليق المغنى" (1/ 132) أن ابن أبي حاتم نقل في "العلل" عن أبي زرعة أنه قال: "حديثٌ منكرٌ" وكذا نقل عنه ابن الجوزى في "التحقيق" فالله أعلمُ. (¬2) ونقله عنه ابن الجوزي أيضًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثُمَّ قال: "ألست بمسلم"؟ قال: "بلى. قال: "ما حملك على أنْ بُلْت في مسجدنا"؟ قال: والذي بعثك بالحق ما ظننتُه إلَّا صعيدًا من الصعدات، فبُلْت فيه!! فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذنوبٍ من ماءٍ، فصُبَّ على بوله. قال الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 10 - 11): "رجالُه رجالُ الصحيح"!! * قُلْتُ: كذا! وأبو أويس واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس فيه ضعْفٌ، ولم يخرج له البخاريُّ شيئًا، وأما مسلمٌ فمتابعة وليس احتجاجًا، والله أعلم. وهذا السند جيدٌ في المتابعات. * حديثُ واثلة بْنِ الأسقع، رضي الله عنه: أخرجه ابنُ ماجة (530)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج22/رقم192) من طريقين عن عبيد الله بن أبي حميدٍ، ثنا أبو المليح، عن واثلة بن الأسقع، قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم فقال: اللَّهُمَّ! ارحمنى ومحمدًا، ولا تشرك في رحمتك إيانا أحدًا فقال: "لقد حظرت واسعًا، ويحك أو ويلك"! قال: ففشج (¬1) يبولُ! قال أصحابُ النبى صلى الله عليه وسلم: مه!. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوْهُ" ثُمَّ دعا بِسَجْلٍ من ماءٍ، فصُبَّ عليه. وعزاه الحافظُ في "التلخيص" (1/ 37) لأحمد، ولم أجده، فالله أعلمُ = ¬

_ (¬1) الفَشْجُ: هو تفريجُ ما بين الرجلين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال البوصيري في "الزوائد": (212/ 1). "فيه عبيد الله الهذليُّ، قال الحاكمُ: يروى عن أبي المليح العجائبَ، وقال البخاريُّ: منكرُ الحديث" اهـ. * قُلْتُ: فالسَّنَدُ واهٍ. والله أعلم. وفي الباب أيضًا عن: * أبي ليلى، رضي الله عنه: أخرجه الدُّولابى في "الكنى" (1/ 51) قال: حدثنا محمد بن عوف، قال: ثنا محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثني أبي، قال: حدثنى ابنُ أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كنا عند النبى صلى الله عليه وسلم، فجاء الحسنُ بنُ عليٍّ، فبال، فقال: "ابني ابني! لا تقطعوا بوله" فتركه حتَّى قضى بوله، ثُمَّ دعا بماءٍ فصبَّهُ على بوله. * قُلْتُ: وهذا سند رجاله موثقون، غير محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فإنه كان ردىء الحفظ. ثُمَّ قوله: " ... عن أخيه عيسى عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنا ... إلخ" فيه تصحيف، فيظهرُ لي أن الصواب: " ... عن أبيه عبد الرحمن، عن أبي ليلى ... " لأمرين: الأول: أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولفظ الحديث أنه قال: "كنا عند النبى - صلى الله عليه وسلم -". الثانى: أن الدولابى روى هذا الحديث في ترجمة "أبي ليلى" والله أعلم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثُم رأيتُه -بَعْدُ- في "الآحاد والمثاني" (ج 2/ ق 46/ 1) لابن أبي عاصم، قال: حدثنا أبو بكر -يعني: ابن أبي شيبة-، نا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جدِّه أبي ليلى رضي الله عنه ... وذكر الحديث. فيبدو أن قوله: "عن جدِّه" سقط من كتاب الدولابى، أو تصحَّف على الوجه الذي ذكرتُه قبلُ. والحمد لله على توفيقه. * حديث أم سلمة، رضي الله عنها: أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2/ ق 83/ 2) قال: حدثنا محمد ابن حنيفة الواسطيُّ، قال: وجدتُ في كتاب جدى بخطه، عن هشيم، عن يونس عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة أنَّ الحسن أو الحسين بال على بطن النبىِّ - صلى الله عليه وسلم -، فذهبوا ليأخذوه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزرموا ابني ولا تستعجلوه" فتركوه حتى قضى بوله، فدعا بماءٍ فصبه عليه قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن يونس إلَّا هشيم، تفرَّد به محمد بن ماهان". *قُلْتُ: ومحمد بنُ ماهان يظهر أنه القصبانى، بيّض له الذهبيُّ في "الميزان"، ونقل الحافظ في "اللسان" (5/ 357) أنه قال "مجهول"، ثمَّ ذكر الحافظ أن ابن حبان ذكر في "الثقات" محمد بن ماهان السمسار بغدادىٌّ يروى عن أبي نعيم، فكأنه يرجح أن القصبانى هو السمسار فالله أعلمُ، ولو ثبت أنهما اثنان فهما من طبقة واحدة. ولكن علة السند هي شيخ الطبراني، فقد قال الدارقطنيُّ "ليس بالقويُّ". والله أعلمُ.

46 - باب الماء الدائم

46 - بابُ الْمَاءِ الدَّائِمِ 57 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ». قَالَ عَوْفٌ وَقَالَ خِلاَسٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 57 - إسنْادُهُ صَحِيْحٌ. * عوف: هو ابنُ أبي جميلة العبديُّ الأعرابيُّ، أبو سهل البصرىّ. أخرج له الجماعةُ. وثقه أحمدُ وقال: "صالحُ الحديث"، وابنُ معين، والمصنِّفُ وزاد: "ثبتٌ"، وابن سعدٍ وزاد: "كثير الحديث"، وابنُ حبان. وقال أبو حاتم: "صدوقٌ صالحٌ". أمَّا ما رُمى به من البدعة، فلا يضرُّه في روايته ما دام ثقةً أمينًا ضابطًا، على نحو ما فصَّلْتُه في "الإمعان"، ولله الحمدُ. * محمد: هو ابنُ سيرين الأنصاريُّ، الإِمامُ العلم، والثقةُ النبيلُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وثقه أحمدُ، وابنُ معين، والعجليُّ، وابنُ سعدٍ وقال: "كان ثقةً، مأمونًا، عاليًا، رفيعًا، إمامًا كثير العلم، ورعًا". وقال هشام بنُ حسَّان: "حدَّثنى أصدقُ من أدركتُه من البشر: محمد بنُ سيرين". وقال مورقُ العجليُّ: "ما رأيت أحدًا أفقه في ورعه، ولا أورعُ في فقهه من محمد بن سيرين" وكان - رحمه الله - أشهر الناس تعبيرًا للرؤيا. ومن عجيب تعبيره، ما رواه هشام بنُ حسَّان، قال: "قصَّ رجلٌ على ابن سيرين، فقال: رأيتُ كأن بيدىّ قدحًا من زجاجٍ فيه ماءٌ، فانكسر القدح وبقى الماءُ! فقال له: اتق الله فإنك لم تر شيئًا. فقال: سبحان الله! قال ابنُ سيرين: فمن كذب عليَّ. ستلد امرأتك وتموت، ويبقى ولدُها. فلمَّا خرج الرجلُ قال: والله! ما رأيتُ شيئًا. فما لبث أن وُلد له، وماتت امرأتُه". أخرجه ابنُ عساكر في "تاريخه" (ج 15/ ل 452 - 453). قال الذهبيُّ في "السير" (4/ 618). "قد جاء عن ابن سيرين في التعبير عجائبُ يطول الكتابُ بذكرها، وكان له في ذلك تأييدٌ إلهىٌّ" اهـ. * قُلْتُ: ولا يصحُّ الكتابُ المنسوبُ إليه في تفسير الأحلام، فكُنْ على ذُكْرٍ من هذا، أيدك الله تعالى. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واعلم أن لهذا الحديث طرقًا كثيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه. * أولًا: محمدُ بنُ سيرين عنه. ثُمَّ له عن ابن سيرين في طرقٌ منها: 1 - عوف الأعرابى، عنه. أخرجه أحمد (2/ 492)، وابنُ حبان (ج 2/ رقم 1248)، وابنُ المقرى في "معجمه" (ق 139/ 2) والإسماعيلى في "معجمه" (ق 96/ 2) وعنه الخطيب في "تاريخه" (10/ 105)، والبيهقى (1/ 238 - 239). وقد رواه عن عوف جماعةٌ منهم: "عيسى بنُ يونس، ومحمد بن جعفر، وروح بنُ عبادة، والنضرُ بنُ شُميل". 2 - هشام بنُ حسَّان، عنه. أخرجه مسلمٌ (282/ 95)، وأبو داود (69)، والدارميُّ (1/ 152)، وأحمدُ (2/ 362)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 19/ 1)، وأبو يعلى (ج 10/ رقم 6076) والبزار (ج 2/ ق 375/ 2)، والطحاويُّ في "شرح المعانى" (1/ 14)، والبيهقيُّ (1/ 238). وقد رواه عن هشامٍ -هكذا- جماعةٌ منهم: "زائدة بنُ قدامة، وعبد الله بن يزيد وعبد الأعلى الصنعانى، وجرير ابن عبد الحميد، وعبد الله بنُ بكر السهميُّ، ويونُس". وخالفهم ابنُ عُليِّة"، فرواه عن هشام بسنده سواء، لكن وقفه على أبي هريرة. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "المصنَّف" (1/ 141). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وذكر الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 3/ ق 29/ 2) أن هشيمًا رواه عن هشام بن حسَّان موقوفًا. ويُمكن الجمعُ بصحة الموقوف والمرفوع، لثقة من روى الوجهين جميعًا، ولو سلكنا مسلك الترجيح لرجحنا الرواية المرفوعة، لتتابع الثقات عليها. والله أعلمُ. 3 - أيوب السختياني، عنه. أخرجه المصنِّفُ في أول كتاب "الغسل والتيمم" ويأتى -إنْ شاء الله تعالى- برقم (400)، والبيهقيُّ (1/ 239) من طريق سفيان بن عيينة، عن أيوب به موقوفًا على أبي هريرة رضى الله عنه. قال المصنِّفُ بعدها: "قال سفيان: قالوا لهشام -يعنى: ابن حسَّان-: إن أيوب إنما ينتهى بهذا الحديث إلى أبي هريرة؟ فقال: إن أيوب لو استطاع أن لا يرفع حديثًا، لم يرفعه" اهـ. * قُلْتُ: ومقصود هشام أنَّ وقف أيوب لا يضرُّ رفع غيره، إن ثبت الرفع بطريق آخر قوىّ. وإنما كان أيوب يفعل ذلك هيبة وخشية. وقد رواه ابنُ عيينة، عن أيوب فرفعه. أخرجه الحميديُّ في "مسنده" (ج2/ رقم 970)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 66). وابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 139). وتابعه معمرُ بنُ راشد، عن أيوب. أخرجه أحمد (2/ 265) والبزار (ج 2/ ق 266/ 1)، وأبو عوانة في "صحيحه" (1/ 276)، وابن الجارود في "المنتقى" (54)، وابنُ حزمٍ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (1/ 139) جميعًا عن عبد الرزاق، وهذا في "مصنفه" (ج 1/ رقم 300) عن معمر به. وتابعهما أيضًا الحارث بن عمير، عن أيوب. أخرجه الدُّولابى في "الكُنى" (2/ 39). والحارث بن عمير وثقه ابن معين وأبو حاتم، والمصنف، وأبو زرعة وقال حماد بن زيد: "من ثقات أصحاب أيوب". ونقل ابن الجوزى عن ابن خزيمة أنه كذَّبه. وقال ابنُ حبان: "كان ممن يروى عن الأثبات الأشياء الموضوعة". وقال الحاكم: "روى عن حميد الطويل وجعفر بن محمدٍ أحاديث موضوعة". ورجح الذهبيُّ في "الميزان" ضعْفَهُ. وقال في "المغنى" (1245): "أنا أتعجَّبُ كيف خرَّج له النسائيُّ"! * قُلْتُ: سيأتى الكلام عنه مفصَّلًا في موضعه إنْ شاء الله تعالى. ولا بأس بحديثه، لا سيما وقد توبع، ويبعُد أن يكون كذابًا، بل كان يخطىء، ويُفحش في الخطأ أحيانًا. ولربما يكون بريئًا من الوهم، ويكون ممن دونه. والله أعلمُ. وكذا رواه ابنُ عليَّة، عن أيوب مرفوعًا. أخرجه البزار (ج2/ ق 266/ 1) حدثنا يحيى بن حبيب بن عربى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نا إسماعيل بن إبراهيم به. فهؤلاء أربعة رفعوا الحديث عن أيوب. وذكر الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 3/ ق 29/ 2) أن عبد الوهاب الثقفى رواه عن أيوب موقوفًا. وليس هذا بقادحٍ، لما علمنا أن أيوب لم يكن رفَّاعًا، بل يكون الحديث عنده مرفوعًا، ويرويه موقوفًا، وسيأتي مثال لذلك في الحديث رقم (63) فانظره غير مأمورٍ. 4 - سليمانُ بنُ أبي سليمان، عنه. أخرجه ابنُ عدىّ في "الكامل" (3/ 1111) من طريق الخصيب بن ناصح، ثنا سليمان بن أبي سليمان القافلاني، بيَّاع الأقفال، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا. وهذا سندٌ ضعيفٌ، لضعف القافلاني. ضعّفه أحمدُ، وابن معين، وابن المدينى. بل تركه النسائيُّ. وقال ابنُ عدىّ: "لا أرى بأحاديثه بأسًا، إذا روى عنه ثقةٌ". والذي روى عنه الخصيبُ بنُ ناصحٍ، وكان يخطئ كما قال ابنُ حبان. 5 - يونس بن عبيد، عنه. أخرجه ابنُ عدىٍ (4/ 1564) والبزار (ج2/ ق 267/ 2) من طريق عبد الله بن عيسى، عن يونس، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا (¬1) = ¬

_ (¬1) ولفظ البزار: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الدائم".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال: "لا يرويه عن يونس، عن ابن سيرين غير عبد الله بن عيسى". * قُلْتُ: قال فيه النسائيُّ: "ليس بثقةٍ". وقال أبو زرعة: "منكرُ الحديث". وقال ابنُ عدىٍّ: "يروى عن يونس وداود بن أبي هندٍ ما لا يوافقه عليه الثقاتُ". 6 - سلمة بن علقمة، عنه. أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 141) حدثنا ابنُ عُليَّة، عن سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قوله. ووقع في "المصنف": "سلمة عن علقمة"! وهو تصحيفٌ. 7 - عبد الله بن عون، عنه. أخرجه الطحاوي في "شرح المعانى" (1/ 14) والطبرانى في "الأوسط" (ج 1/ق 174/ 2) عن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال سمعتُ ابن عون يحدث عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: نُهى -أو نهى- أن يبول الرجل في الماء الدائم أو الراكد، ثُمَّ يتوضأ منه أو يغتسل منه. قال الطبرانى: "لم يجوده عن ابن عون إلا المقرئ". وتابعه أزهر بن سعد السمان، عن ابن عون به. أخرجه البزار (ج 2 / ق 269/ 2) حدثنا جوثرة بن محمد، نا أزهر به. وسنده صحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 8 - عمران بن خالد، عنه. أخرجه أبو بكر الشافعيُّ في "الغيلانيات" (ج 4/ ق 60/ 1) من طريق محمد بن أبان، ثنا عمران بن خالد عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا. وسندهُ ضعيف. وعمران بن خالد الخزاعى ضعّفه أبو حاتم -كما في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 297). وقال ابن حبان: "لا يجوز الاحتجاجُ به". 9 - خالدُ الحذَّاء، عنه. أخرجه ابنُ الأعرابى في "معجمه" (ج 4/ ق 65/ 2) من طريق عليٍّ بنِ عاصمٍ، نا خالد، عن ابن سيرين به مرفوعًا. وهذا سندٌ رجاله ثقات غير علىّ بن عاصم، كان ردىء الحفظ، يستصغر الأكابر. 10 - يحيى بن عتيق، عنه. ويأتي في الحديث القادم إن شاء الله. ... ثانيًا: همَّامُ بن مُنَبِّه، عن أبي هريرة. أخرجه مسلم (282/ 96)، وأبو عوانة (1/ 276)، والترمذيُّ (68)، وأحمد (2/ 316)، وعبد الرزاق في "المصنف" (ج1/ رقم 299)، وابن الجارود في "المنتقى" (54)، والبيهقيُّ (1/ 97، 238) وفي "السنن الصغرى" (رقم 66)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 66)، والذهبيُّ في "معجم شيوخه" (ق 94/ 1) من طريق معمر بن راشد، عن همَّامٍ به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثالثًا: الأعرج، عن أبي هريرة. أخرجه البخاريُّ (1/ 346 - فتح)، والمصنِّفُ ويأتي برقم (398)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 18/ 2 - 19/ 1) والطبراني في "مسند الشاميين" (ق 641) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج. وعزاه الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 112) لمسلمٍ من هذا الوجه فوهم. وقد رواه عن أبي الزناد: "شعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن عجلان". وخالفهما سفيان بن عيينة، فرواه عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبال في الماء الراكد، ثُمَّ يغتسل منه. أخرجه المصنِّفُ ويأتي برقم (221، 399)، وأحمدُ (2/ 394، 464)، والشافعي في "الأم" (1/ 9)، والحميديُّ (969)، وابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 66)، وابن حِبان (ج 2/ رقم 1251)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 264)، والطحاوي (1/ 14)، والبيهقى (1/ 256). قال الدارقطنىُّ في "العلل" (ج 3 / ق 47/ 1): "يرويه أبو الزناد واختلف عنه فرواه ابنُ عجلان ومالك بن أنس عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. ورواه ابنُ عيينة عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة، ويشبهُ أنْ يكون ابنُ عيينة حفظه" اهـ. * قُلْتُ: وترجيجُ الدارقطنيِّ رواية ابن عيينة فيه نظرٌ من وجوهٍ: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأول: أنَّ الذين رووا الحديث عن أبي الزناد عن الأعرج جماعةٌ, وهم أثبت من ابن عيينة، ولا شك أنَّ العدد الكثير أولى بالحفظ من واحدٍ. الثاني: أنَّ أبا الزناد توبع عليه عن الأعرج. تابعه ابنُ لهيعة وعبد الله بن عيَّاش كلاهما عن الأعرج. أخرجه الطحاويُّ. الثالث: أنه قد اختلف على ابن عيينة فيه. فرواه محمَّدُ بنُ عبد الله بن يزيد، وأبو أحمد الزبيريّ، والثوريُّ، وعبدُ الله بنُ الوليد، ومؤملُ بْنُ إسماعيل، والشافعيُّ، والحميديُّ، وعبدُ الرحمن بنُ أبي الزناد، وعبدُ الجبار بنُ العلاء، وحامدُ بْن يحيى البلخى، والفضلُ بنُ دُكين جميعُهُمْ عن ابن عيينة، عن أبي الزناد عن موسى ابن أبي عمان، عن أبيه، عن أبي هريرة. وخالفهم الشافعيُّ وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي كلاهما عن ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. أخرج الأول الإسماعيلى في "المستخرج" -كما في "الفتح" (1/ 346)، والثاني ابنُ خزيمة في "صحيحه". فهذا يُبين أن سفيان بن عيينة كان يرويه على الوجهين، فيترشح منه صحة الروايتين جميعًا، وأن لأبي الزناد فيه شيخين والله أعلم. ... رابعًا: أبو السائب مولى هشام بن زهرة، عن أبي هريرة. أخرجه مسلمٌ (3/ 188 - 189 نووى)، وأبو عوانة (1/ 276)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والمصنّفُ ويأتي برقم (331)، وابنُ ماجة (605)، وأبو عبيد (ق19/ 1)، وابن خزيمة (1/ 49 - 50)، وابن حبان (ج 2 / رقم 1249)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (56)، والطحاويُّ (1/ 14)، والدارقطنيُّ (1/ 51 - 25)، وابنُ حزم في "المحلى" (1/ 211, 2/ 40 - 41) والبيهقي (1/ 237) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جُنب" فقال: كيف يفعل ما أبا هريرة قال: كتناوله تناوُلًا. وتابعه موسى بنُ أعين، عن عمرو بن الحارث به. أخرجه أبو عوانة في "صحيحه". ... خامسًا: عجلانُ المدنيُّ، عن أبي هريرة. أخرجه أبو داود (70)، وابنُ ماجة (344)، وأحمد (2/ 433)، وابنُ أبي شيبة (1/ 141)، وأبو عبيد (ق 18/ 2) وفي "الغريب" (1/ 225)، والحربيُّ في "الغريب" (3/ 1139)، وابن حبان (ج 2 / رقم 1254)، وابنُ حزمٍ (2/ 41)، والبيهقيُّ (1/ 238). ... سادسًا: حميدُ بن عبد الرحمن، عنه. أخرجه أحمد (2/ 346) والبزار (ج2 / ق 238/ 1) من طريق أبي عوانة، عن داود بن عبد الله الأوديّ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميرى، عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبي هريرة مرفوعًا "يبولن أحدكم ... " الحديث. وهذا سندٌ صحيحٌ، ولكن اختُلف في صحابيه وفي متنة أيضًا وانظر تفصيل ذلك في الحديث رقم (238). ... سابعًا: خلاس, عنه. أخرجه أحمدُ (2/ 259)، والإسماعيلى في "معجمه" (ق 96/ 2 - 97/ 1)، وابنُ المقرى في "معجمه" (ق 139/ 2)، والخطيبُ في "التاريخ" (10/ 105). من طرق عن عوف، عن خلاس به. وأخرجه أحمدُ (2/ 492، 529) عن عوف عن خلاس وابن سيرين معًا، عن أبي هريرة مرفوعًا به. ... ثامنًا: أبو سلمة بْنُ عبد الرحمن، عنه. أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (1/ 242) من طريق الحسن بن محمد البلخي، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: نهى النبي صلى - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم أن يُبال الذي الماء الراكد. قال العقيليُّ: "الحسن بن محمد منكرُ الحديث ... والحديث غير محفوظ لا يُتابع عليه، وقد روى عن أبي هريرة بإسنادٍ صحيحٍ" اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تاسعًا: عطاءُ بْنُ ميناء , عنه. أخرجه ابنُ خزيمة (ج1 / رقم 94)، وابنُ حبان (ج4 / رقم 1256)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 14) من طريق يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا أنس بن عياضٍ، عن الحارث بن أبي ذباب، عن عطاء بن ميناء, عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره وفيه: "أو يشربُ منه". وتابعه ابنُ وهب، أخبرنا أنس بن عياض به. أخرجه البيهقي (1/ 239). ... عاشرًا: أبو مريمَ، عنه. أخرجه أحمد (2/ 288) واللفظ لَهُ، وابنُ أبي شيبة (1/ 141) والبزار (ج 2 / ق 231/ 1) من طريق زيد بن الحباب، قال: أنا معاويةُ بنُ صالحٍ، قال: سمعتُ أبا مريم يذكر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد، ثُم يتوضأ منه. ولفظُ ابن أبي شيبة. "لا يبول أحدكم في الماء الراكد، ثم يتوضأ منه". وتابعه حماد خالد، ثنا معاوية بن صالح به. أخرجه أحمد (2/ 532). وكذا أسد بن موسى، ثنا معاوية بن صالح. أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (ق 379). وسنده جيد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأبو مريم معروف بكُنْيه. وثقه العجليُّ. وقال أحمد. "رأيتُ أهل حمصٍ يُحسنون الثناء عليه". ... حادي عشر: أبو المهزم، عنه. أخرجه الحكيمُ الترمذي في "المنهيات" (ص- 9) قال: حدثنا الجارود بنُ معاذ، نا عمر بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة قال: نُهى أن يُبال في الماء الراكد ثم يغتسل فيه، أو يتوضأ منه. ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه: وليبُل في الماء الجاري إن شاء. * قلتُ: وسندهُ ضعيف جدًّا. وعمر بن هارون البلخيُّ واهٍ، كذبه ابن معين وغيره. وأما قوله: "وليبُل في الماء الجاري" فهذا يؤخذ بدلالة المفهوم من حديث الباب. وقد فهم هذا أبو عوانة، فبوّب في "صحيحه" على حديث جابر الذي مضى برقم (35) بقوله (1/ 215): "بيان حظر البول في الماء الراكد، والدليل على إباحة البول في الماء الجاري، وكذا قال الطحاوي وغيره. • [تنبيه]: أخرج الطبراني في "الأوسط" (ج 2/ رقم 1770) قال: حدثنا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أحمدُ، قال: حدثنا المتوكل بن محمد بن سورة، قال: حدثنا الحارث بن عطية، عن الأوزاعي، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الجاري. وقال: "لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي، إلا الحارث". * قُلْتُ: أما الحارث، فقد وثقه ابن معين وغيره وقال ابن حبان: "ربما أخطأ". وشيخ الطبراني هو أحمد بن محمد بن أبي موسى الأنطاكي ولم أجد له ترجمة، ولعله أحمد بن عبيد الله أبو الطيب الداري الأنطاكي، فقد ذكره الخطيب في "التاريخ" (4/ 252) وذكر له هذا الحديث (¬1)، وهو يرويه عن المتوكل بن أبي سورة بسنده سواء. فهذا يرجح أنه هو لكن الخطيب لم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. والمتوكل بن أبي سبرة لم أهتد إليه. فالغريب أن يقول الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 204): "رجاله ثقات"!! وأغربُ منه قول المنذري في "الترغيب" (1/ 136): "رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادٍ جيدٍ"!! ثُمَّ متن هذا الحديث منكر، والمحفوظ عن جابر: "نهى أن يبال في الماء الراكد". والله أعلم. ¬

_ (¬1) ولكن وقع في متنه: "في الماء الراكد" وأرجح أنه تصحيف وصوابه الجاري، وكنت جعلته في تخريج الحديث رقم (35) فينقل. والله الموفق.

58 - أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ». قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَعْقُوبُ لاَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلاَّ بِدِينَارٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 85 - إسنَادُهُ صَحِيحٌ. * إسماعيلُ: هو ابن عُليَّة. * يحيى بن عتيق، الطفاويُّ البصريُّ. أخرج له مسلم وأبو داود، وعلَّق له البخاري. وثقه أحمد، وابنُ معين، وأبو حاتم، والمصنف، وابنُ سعدٍ، وابنُ حبان وزاد: "وكان ورعًا متقنًا". والحديث أخرجه البزار (ج 2/ ق 273/ 2) والطبراني في "الأوسط" (ج 2 / ق 292/ 2) والخطيب في "التاريخ" (9/ 193 - 14/ 278)، وفي "الكفاية" (ص 156) من طريق يعقوب بن إبراهيم به. ووقع عند الخطيب: "قال أبو بكر بن أبي داود: غرمتُ على هذا الحديث ثلاثة دنانير حتى سمعته منه -يعني من يعقوب"!. ورواه الخطيب من طريق أبي بكر بن أبي داود، ومحمد بن محمد بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = سليمان بن الحارث، ومحمد بن هارون بن حميد المجدر، وأحمد بن عبد الله بن سابور، ويحيى بن صاعد، وصالح بن أبي مقاتل قالوا: ثنا يعقوب بن إبراهيم. قال أبو عمرو الدراج: "كل واحدٍ من هؤلاء الشيوخ ذكر أنه سمع هذا الحديث من يعقوب بثلاثة دنانير"!! وأخرجه ابنُ عدي في "الكامل" (5/ 1858) من طريق عليّ بن عبدة المكتب، ثنا ابنُ علية به وقال: "وهذا لم يُحدث به عن ابن عُليَّة من الثقات غير يعقوب الدورقي ...... وكان يعقوب يأخذُ على هذا الحديث دينارًا سرقه منه عليُّ ابن عبدة هذا". وقد فصَّلْتُ البحث حول أخذ الأجرة على التحديث في "الإمعان" والحمد لله على توفيقه. وقال البزار: "لا نعلم رواه إلا ابنُ عُليَّة، عن يحيى". وقال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث مرفوعًا عن ابن علية إلا السرى بن عاصم ويعقوب الدورقي". ***

47 - باب ماء البحر

47 - باب مَاءِ الْبَحْرِ 59 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِى بُرْدَةَ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدَّارِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 59 - إسنَادُهُ صحيح. ويأتي برقم (332، 4350). * صفوان بنُ سليم المدنيُّ، أبو عبد الله القرشي. أخرج له الجماعةُ. وثقه أبو حاتم، والمصنّفُ، والعجلي، وابنُ حبان، ويعقوب بن شيبة وزاد: "ثبت مشهور بالعبادة". وقال أحمدُ: "ثقة من خيار عباد الله الصالحين". وقال أيضًا: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "هذا رجلٌ يُستسقى بحديثه، وينزلُ القطرُ من السماء بذكره". وقال أنسُ بنُ عياض. "رأيت صفوان، ولو قيل له: غدًا القيامةُ، ما كان عنده مزيدٌ"! وقال ابنُ عيينة. "حلف صفوان أنْ لا يضع جنبه بالأرض حتى يلقى الله، فمكث على ذلك أكثر من ثلاثين سنة". * سعيد بن سلمة المخزومي، من آل ابن الأزرق. أخرج له أصحابُ السنن. وثقه المصنفُ، وابن حبان. * المغيرة بن أبي بردة الكنانيُّ. أخرج له أصحابُ السنن. وثقه المصنفُ، وابنُ حبان. وقال أبو داود: "معروفٌ". وقال أبو بكر المالكي في "رياض النفوس" (ص 80 - 81): "من أهل الفضل، معدودٌ في التابعين". ... والحديث أخرجه البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (2/ 1/ 478)، وأبو داود (83)، والترمذيُّ (69)، وابنُ ماجة (386، 3246)، والدارمي (1/ 151 - 152)، والشافعيُّ في "المسند" (ص 7)، وفي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "الأم" (1/ 3)، وأحمد (2/ 237، 361) ومحمد بن الحسن في "موطئه" (رقم 46)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 30/ 1) وابن أبي شيبة (1/ 131)، وابنُ خزيمة (ج 1 / رقم 111)، وابن حبان (119)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (43)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 157، 158)، والدارقطني (1/ 36)، والحاكمُ في "المستدرك" (1/ 140 - 141)، وفي "علوم الحديث" (ص- 87)، والبيهقي في "السنن" (1/ 3 و 9/ 252)، وفي المعرفة (1/ 150 - 151)، والخطيبُ في "التاريخ" (7/ 139 و 9/ 129)، وفي "التلخيص" (723/ 2)، وابن بشكوال في "الغوامض" (ص- 555)، والجوزقاني في "الأباطيل" (ج 1/ رقم 331)، وابن الجوزي في "التحقيق" (1/ 8 / 4)، والذهبيُّ في "معجم شيوخه الكبير" (ق 112/ 1)، والمزيُّ في "تهذيب الكمال" (10/ 481) جميعًا من طريق مالكٍ، وهو في "موطئه" (1/ 22/ 12) عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، أن المغيرة بن أبي بردة، أخبره أنه سمع أبا هريرة ... فذكره. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وقد رواه عن مالك جَمْعٌ من أصحابه، منهم: "الشافعي، وعبدُ الرحمن بنُ مهدي، وعبدُ الله بنُ مسلمة القعنبيُّ، وقتيبةُ بنُ سعيدٍ، وبشر بن عمر، وعبد الله بنُ يوسف التنيسيُّ، ومعنُ ابن عيسى، وهشامُ بنُ عمار، ومحمد بنُ المبارك، ويحيى بن يحيى، وإسحقُ بنُ عيسى، وأبو سلمة التبوذكيُّ، وعبد الله بنُ وهب، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأبو مصعبٍ، وحماد بنُ خالد، وعبد الوهاب بن عطاء، وأحمد بنُ إسماعيل المدني، وسويد بنُ سعيد". وقد توبع مالكٌ عليه. تابعه إسحقُ بنُ إبراهيم، وعبدُ الرحمن بنُ إسحق كلاهما عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة به. أخرجه الحاكم (1/ 141)، والبيهقي في "المعرفة" (1/ 153). قال الحاكم: "قد رويت في متابعات الإمام مالك بن أنس في طرق هذا الحديث عن ثلاثةٍ ليسوا من شرط هذا الكتاب، وهم: عبد الرحمن بن إسحق، وإسحق بن إبراهيم المزني، وعبد الله بن محمد المقدمي". * قُلْتُ: وعبد الرحمن بنُ إسحق يضعَّف من قبل حفظه، وهو حسن الحديث كما قال أبو حاتم، لا سيما في المتابعات، وإسحق بن إبراهيم هو ابن سعيد المزنى الصواف ضعيفٌ يُقبل حديثُه في المتابعات أيضًا، وعبد الرحمن بن إسحق خيرٌ منه. وخالفهم أبو أويس، فرواه عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، عن أبي بردة بن عبد الله، عن أبي هريرة به. أخرجه أحمد (2/ 392 - 393) حدثنا حسين، حدثنا أبو أويس فخالفهم فجعل شيخ سعيد بن سلمة هو: "أبو بردة بن عبد الله". ورواية مالك ومن معه أرجح. وأبو أويس هو عبد الله بن عبد الله بن أويس، ابن عم مالك، وليس بحجةٍ، لكثرة وهمه وسوء حفظه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد توبع صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة. تابعه الجلاح أبو كثير، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة ابن أبي بردة، أنه سمع أبا هريرة. أخرجه الحاكم (1/ 141)، والبيهقي (1/ 3)، وفي "المعرفة" (1/ 154) من طريق عبيد بن عبد الواحد بن شريك، ثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، حدثني الجلاح به. وقد اختلف على الليث فيه. فرواه قتيبة بنُ سعيد، عنه، عن الجلاح، عن المغيرة، عن أبي هريرة به. أخرجه أحمد (2/ 378)، والدولابي في "الكنى" (2/ 90) فخالف يحيى ابْنُ بكير قتيبة بن سعيد في موضعين: الأول: أنه جعل شيخ الليث هو: "يزيد بن أبي حبيب"، بينما جعله قتيبةُ: "الجلاح". الثاني: أنه جعل شيخ الجلاح: "سعيد بن سلمة"، بينما جعلها قتيبةُ: "المغيرة بن أبي بردة". قال شيخُنا الألباني أيَّدهُ الله في "الصحيحة" (480): "وهذا الاختلاف كما يبدو لأول وهلة إنما هو بين قتيبة بن سعيد، ويحيى، ابن بكير، ولو ثبتت هذه المخالفة عن يحيى لكانت مرجوحة، لأنه دون قتيبة في الحفظ والضبط، فقد أطلق النسائي فيه الضعف، وتكلَّم فيه غيرُهُ، لكن قال ابنُ عديّ: "هو أثبت الناس في الليث"، وهذا القول اعتمده الحافظ في "التقريب": "ثقة في الليث"، وقال في قتيبة: "ثقة ثبت"، وإذا تبين الفرق بين الرجلين، فالنفس تطمئن لرواية قتيبة المتفق على ثقته =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وضبطه، أكثر من رواية يحيى بن بكير المختلف فيه، ولو أن عبارة ابن عدي تعطى بإطلاقها ترجيح روايته عن الليث خاصة على رواية غيره عنه، ومع ذلك فإن في ثبوت هذا السياق عن يحيى نظرٌ؛ لأنَّ الراوى عنه عبيد ابن عبد الواحد بن شريك فيه كلام .... " اهـ. * قُلْتُ: وفي كلام شيخنا نظرٌ؛ لأنه رجح رواية قتيبة من وجهين: أ- أنه أثبت من يحيى بن بكير. ب- أن الراوى عن يحيى بن بكير فيه مقال. أمَّا عن الأمر الأول، فنعم. قتيبةُ أثبتُ من يحيى، لكن يُردُّ على ذلك بأمرين: الأول: أن ضَعْفَ يحيى بن بكير إنما هو في غير الليث، وقد قال ابن عدي: "هو أثبت الناس في الليث". فهو من هذه الجهة لا يقل عن قتيبة، بل قد يزيد. الثاني: أنَّ يحيى بن بكير لم يتفرد به. فتابعه عبدُ الله بن صالح، حدَّثني الليث به. أخرجه البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (2/ 1/ 478)، وعنه البيهقي في "المعرفة" (1/ 155). وعبدُ الله بنُ صالح هو كاتب الليث، لازمه عشرين سنة، مختلفٌ فيه، وهو حسنُ الحديث كما قال أبو زرعة، وحدُّهُ إذا لم يخالف. وتابعه أيضًا أبو النضر هاشمُ بْنُ القاسم، عن الليث. أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 30/ 1) قال: ثنا أبو النضر ويحيى بن بكير، عن الليث به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهاشم بن القاسم ثقةٌ مأمون. وثقهُ ابنُ معين، وابنُ المديني، وابنُ سعد، وأبو حاتم، وابنُ قانع. وقال أحمد: "أبو النضر شيخُنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر". ورجحه على وهب بن جرير. الأمرُ الثاني: أن عبيد بن عبد الواحد لم يتفرد به كما هو ظاهر، فقد تابعه أبو عبيد القاسم بن سلَّام، وهو ثقةٌ حافظ. لذلك لا نشك في ترجيح رواية يحيى بن عبد الله بن بكير. ويعضدها أيضًا رواية عمرو بن الحارث، فقد رواه عن الجلاح عن سعيد ابن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة به. أخرجه البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (2/ 1/ 478)، والبيهقيُّ في "المعرفة" (1/ 155). وقد اختلف على يزيد بن أبي حبيب فيه. فقد رواه عنه الَّليث بنُ سعدٍ على الوجه السابق. وخالفه محمدُ بنُ إسحق. فرواه عن يزيد بن أبي حبيب، عن الجلاح، عن عبد الله بن سعيد. المخزوميُّ، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي هريرة. أخرجه الدارميُّ (1/ 151)، والبيهقي في "المعرفة" (1/ 156) من طريق محمد بن سلمة، ثنا ابنُ إسحق به. وأخرجه البخاريُّ في "التاريخ" أيضًا من طريق محمد بن سلمة، ثنا ابنُ إسحق به، إلا أنه لم يذكر: "والد المغيرة". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتابعه على ذلك عبد الرحمن بن مغراء، ثنا ابنُ إسحق به. أخرجه البخاريُّ أيضًا. وهذا يدلُّ على أن محمد بن إسحق لم يُجوِّدْهُ. أما روايةُ المغيرة عن أبيه، فقد قال ابن حبان في "الثقات" (5/ 410): "من أدخل بينه وبين أبي هريرة أباه، فقد وهم". * قُلْتُ: وهذا يرد على الرافعي قوله: "رواه بعضُهم عن المغيرة، عن أبيه، عن أبي هريرة، ولا يوهم إرسالًا في الإسناد للتصريح فيه بسماع المغيرة من أبي هريرة، يعني فرواية هذا البعض من المزيد في متصل الأسانيد" اهـ. نقله الزرقاني عنه في "شرح الموطأ" (1/ 52). ووجه آخر من الاختلاف على ابن إسحق. فأخرجه البخاريُّ في "الكبير" (2/ 1/ 478 - 4/ 1 / 323)، والبيهقي في "المعرفة" (1/ 156) عن سلمة، ثنا ابنُ إسحق، عن يزيد، عن اللجلاج، عن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة به. وقد أخطأ في قوله: "اللجلاج"، وصوابه "الجلاح". ولذا قال الذهبي في "معجم شيوخه الكبير" (ق 112/ 1)، في ترجمة: "فائد بن رضوان العجلوني": "ورواه ابنُ إسحق عن يزيد بن أبي حبيب، فاضطرب فيه على أقوالٍ ولم يُتْقنْهُ" اهـ. وقد ذكر الدارقطني في "العلل" (ج 3/ ق 67/ 2) أن محمد بن إسحق، رواه عن يزيد بن أبي حبيب، عن الجلاح، عن المغيرة، عن أبي هريرة ولم يذكر: "سعيد بن سلمة"، وقال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وكذلك رواه الليث بن سعد عن الجلاح نفسه عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، لم يذكر سعيد بن سلمة" اهـ. * قلتُ: فينظر حينئذٍ في الراوي عنه. ... ثم اعلم أن هذا الحديث قد صححه جماعة من أهل العلم يأتي ذكرهم إنْ شاء الله تعالى. وقد أعلَّهُ بعضُهم. قال الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 96 - 97): "قال الشيخُ تقيُّ الدين (¬1) في "الإِمام": وهذا الحديث يُعلُّ بأربع علل: * أحدها: جهالة سعيد بن سلمة، والمغيرة بن أبي بردة، وقالوا: لم يرو عن المغيرة بن أبي بردة إلّا سعيد بن سلمة، ولا عن سعيد بن سلمة، إلا صفوان بن سليم. * الثانية: أنهم اختلفوا في اسم سعيد بن سلمة. فقيل: هذا وقيل: عبد الله بن سعيد، وقيل: سلمة بن سعيد. * الثالثة: الإرسال. قال ابنُ عبد البر: ذكر ابنُ أبي عمر الحميدي، والمخزومي عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن المغيرة بن أبي بردة، أن ناسًا من بني مدلج أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث. قال: وهذا مرسل = ¬

_ (¬1) هو ابنُ دقيق العيد رحمه الله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لا يقوم بمثله حجةٌ. ويحيى بن سعيد أحفظ من صفوان بن سليم وأثبت من سعيد بن سلمة. قال الشيخ: وهذا مبنيّ على تقديم إرسال الأحفظ على إسناد من دونه، وهو مشهور في الأصول. * الرابعة: الاضطراب. فوقع في رواية محمد بن إسحاق. عبد الله بن سعيد، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما رواية يحيى بن سعيد، فقيل: عنه، عن المغيرة ابن أبي بردة، عن رجلٍ من بني مدلج، عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذه رواية أبي عبيد القاسم بن سلّام عن هشيم، عن يحيى، ورواه بعضهم عن هشيم، فقال فيه: "المغيرة بن أبي برزة" (¬1) .. وقيل فيه: عن المغيرة ابن عبد أنَّ رجلًا من بني مدلجٍ أتى النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة، أنَّ رجلًا من بني مدلجٍ، وفي رواية: عبد الله بن المغيرة، عن رجل من بني مدلجٍ. وقيل: عن عبد الله بن = ¬

_ (¬1) قال البخاريُّ: "وهم -يعني: هشيمًا- فيه، وهشيم يهم في الإسناد". نقله عنه الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 136)، ولكن اعترضه ابنُ دقيق العيد فقال: وهذا الوهم إنما يلزم هشيمًا إذا اتفقوا عليه فيه، فأما وقد رواه أبو عبيد عن هشيم على الصواب، فالوهم ممن رواه عن هشيم" اهـ. * قُلْتُ: بشرط أن يكون الراوى عن هشيم أقل ضبطًا من أبي عبيد وغيره، فإن كان ثقة حافظًا، فقد يترجح أن الوهم من هشيم، فإذا كان ممن يهم في الإسناد، فلا مانع أن يرويه مرة على الصواب ومرة على الخطأ. والله تعالى أعلم. [تنبيه] كلامُ البخاري هذا نقله البيهقيُّ في "المعرفة" (1/ 158) عن الترمذيّ وعزاه إليه. ووهم في ذلك، فإنما نقله الترمذي عن البخاري. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المغيرة، عن أبيه، عن رجل بن بني مدلجٍ" اهـ. * قلت: والجوابُ من وجوهٍ: * الأوَّل: أنَّ سعيد بن سلمة ليس بمجهول (¬1)، فقد روى عنه صفوان ابن سليم والجلاح أبو كثير، وقد ثبتث رواية الجلاح كما مرَّ قريبًا، وهذا كافٍ في رفع جهالة العين وقد شكك شيخُنا (¬2) في رواية الجلاح، وعلى فرض أنها لا تثبت، فلا يخدش في البحث فقد اختار ابنُ القطان الفاسيُّ في كتابه "بيان الوهم والإيهام"، وصحَّحه الحافظ ابنُ حجر -كما في "فتح المغيث" (1/ 295) للسخاوىّ- أنَّ ثبوت تعديل الراوى الذي لم يرو عنه إلا واحدٌ إذا زكَّاهُ أحمدُ أئمة الجرح والتعديل، وهذا موافق لصنيع البخاري ومسلم في "صحيحيهما" فقد خرَّجا لجماعةٍ من هذا المصنف، منهم حصين بن محمد الأنصاريُّ، فقد اتفقا على الإخراج عنه، وقد تفرَّد الزهرىّ بالرواية عنه، وزيد بن رباح المدني، أخرج له البخاريّ، وتفرَّد مالكُ بن أنس عنه، وجابر بن إسماعيل الحضرميُّ، أخرج له مسلمٌ، تفرّد عنه عبد الله بن وهب، وهكذا في آخرين. فإذا تقرَّر ذلك، فسعيد بن سلمة، قد روى عنه صفوان بن سليم، ووثقهُ النسائيُّ، وابنُ حبان. وقد توبع سعيد بن سلمة، عن المغيرة. = ¬

_ (¬1) خلافًا لابن عبد البر، فقد قال في "التمهيد" (16/ 217): "هو مجهولٌ لا تقوم به حجةٌ عندهم" اهـ. (¬2) في "الصحيحة" (480) وذلك بناءً على ترجيح رواية قتيبة، وقد مرّ تحرير هذا البحث قريبًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = تابعه الجلاح أبو كثير، عن المغيرة، عن أبي هريرة .. فذكره. وقد مرَّ ذكره قريبًا. وتابعه يزيد بن محمد القرشي، عن المغيرة. أخرجه البخاريُّ في "التاريخ" (4/ 2/ 357)، والحاكم (1/ 142)، والبيهقي (1/ 4)، وفي "المعرفة" (1/ 157) من طريق ابن أبي مريم، أخبرني يحيى بن أيوب، حدثني خالد بن يزيد، أن يزيد بن محمد القرشي، حدَّثه عن المغيرة به. ولكنَّ يزيد هذا مجهولٌ. وقد ذكر الحاكمُ أن يحيى بن سعيد الأنصاري: تابع سعيد بن سلمة ولكن الذي وقفتُ عليه أنه خالفه. كما يأتي ذكره. * وأمَّا المغيرة بن أبي بردة، فقد روى عنه جماعةٌ -كما في "التهذيب" (10/ 256) للحافظ، ووثقه النسائي، وابن حبان. وقال أبو داود: "معروفٌ". وقال ابن دقيق العيد في "الإمام" (ج1/ق8/ 2). "هذا مع كونه معروفًا من غير هذا الحديث في مواقف العدو، في الحروب بالمغرب" اهـ. وقد صحح حديثه ابنُ خزيمة، وابن حبان، وابنُ المنذر، والطحاويُّ، والحاكم والبيهقيُّ، وابنُ حزم في آخرين يأتي ذكرهم إن شاء الله، ومعنى هذا أنه عندهم في حيِّز من تقبل روايته. والله أعلم. * الثاني: أن الاختلاف في اسم سعيد بن سلمة ليس بعلةٍ قادحةٍ، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد وهم فيه عبد الرحمن بن إسحق، فإنه هو الذي رواه بالشك كما في "علل الدارقطنى" (ج 3 / ق 67/ 1)، والصوابُ أنه: "سعيد بنُ سلمة" كما قال مالكٌ، وهو أجلُّ من كل من خالفه وأتقنُ، فالمصير إلى روايته. والله أعلمُ. * الثالث: أمَّا الإرسال. فقال ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 220): "أرسل يحيى بن سعيد الأنصاريُّ هذا الحديث عن المغيرة بن أبي بردة، لم يدكر: "أبا هريرة". ويحيى بن سعيد أحدُ الأئمة في الفقه والحديث، وليس يُقاسُ به سعيد بن سلمة ولا أمثالُه، هو أحفظ من صفوان بن سليم، وفي رواية يحيى بن سعيد لهذا الحديث ما يدلُّ على أنّ سعيد بن سلمة لم يكن بمعروف من الحديث عند أهله" اهـ. * قُلْتُ: قد اختلف على يحيى بن سعيد الأنصاريّ في هذا الحديث اختلافًا عظيمًا كما يأتي قريبًا إن شاء الله. وأمَّا ما ذكره ابن عبد البر من الإرسال هو أحدُ وجوه الاختلاف على يحيى بن سعيد الأنصاري في إسناده، فلا أرى أنْ نُعلّ رواية سعيد بن سلمة به، وكأنه لذلك لم يلتفت أحدٌ من الذين صحَّحوا الحديث لمثل تعليل ابن عبد البر. والله أعلم. وقد قال ابنُ دقيق العيد في "الإِمام" (ج1/ق 8/ 2): "وتقديم الأحفظ المُرسِلِ على المُسْنِد الأقل حفظًا، وهذا الأخير إذا ثبتت عدالة المسند غير قادح على المختار عند أهل الأصول" اهـ. الرابع: أمَّا الاختلاف على يحيى بن سعيد الأنصاري فعظيم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد ذكره الدارقطني في "العلل" (ج 3 / ق 67/ 2 - 68/ 1) فقال: "رواه يحيى بن سعيد الأنصاريُّ، واختلف عنه. فرواه هشيم (¬1) عن يحيى بن سعيد الأنصارى، عن المغيرة بن أبي بردة، عن رجل من بني مُدْلجٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال شعبة: عن يحيى بن سعيد، عن المغيرة، عن رجل من قومه، عن رجلٍ سأل النبي صلى الله عليه وسلم. وقال حماد بن سلمة (¬2)، عن يحيى، عن المغيرة بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابنُ عيينة (¬3)، عن يحيى، عن المغيرة ابن عبد الله أو عبد الله بن المغيرة أنَّ ناسًا من بني مُدْلجٍ سألوا النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عيينة: عن يحيى، عن المغيرة بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عبد الله بن المغيرة أنَّ ناسًا من بني مُدلج سألوا النبي صلى الله عليه وسلم. وقال يحيى القطان: عن يحيى، عن عبد الله بن المغيرة، عن رجل من بني مُدْلجٍ أنَّ رجلًا منهم سأل النبي صلى الله عليه وسلم. وقال حماد بن زيد (¬4): عن يحيى، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، عن رجلٍ من بني مدلجٍ اسمه عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال روح بنُ القاسم: عن يحيى، عن المغيرة بن عبد الله = ¬

_ (¬1) أخرجه أبو عبيد (ق 30/ 1)، والحاكم (1/ 141)، والبيهقي في "المعرفة" (1/ 157 - 158). (¬2) أخرجه الحاكم (1/ 141 - 142)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثانى" (ق 313/ 2)، والبيهقي في "المعرفة" (1/ 160). (¬3) أخرجه البيهقى في "المعرفة" (1/ 158)، وعبد الرزاق (ج1/رقم 321)، وابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 219). (¬4) أخرجه البيهقي في "المعرفة" (1/ 159).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أو عبد الله بن المغيرة، عن رجل من بني مدلج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بحر بن كنيز السقاء: عن يحيى بن عبد الله بن المغيرة، عن أبي بردة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال يزيد بن هارون (¬1): عن يحيى عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه زفر بن الهذيل (¬2)، عن يحيى، عن عبد الله ابن المغيرة، عن بعض بني مدلج، عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عبد الجبار بن عمر الأيلي، عن عبد الله بن سعيد، وإسحق بن أبي فروة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن عبد الله المدلجي (¬3) عن النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ. * قُلْتُ: ومما لم يذكره الدارقطنيُّ رحمه الله ما رواه سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة أن رجلًا من بني مدلجٍ قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقيُّ في "المعرفة" (1/ 158 - 159) وذكره الحاكم في "المستدرك" (1/ 142) عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبيه. وأخرج البيهقي في "المعرفة" (1/ 159) كذلك رواية أبي خالد وابن فضيل، وابن أبي زائدة ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن رجل من بني مدلجٍ، أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم = ¬

_ (¬1) أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 30/ 1) حدثنا يزيد بن هارون به. (¬2) أسنده الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 3/ق 68/ 1). (¬3) أخرجه ابن بشكوال في "الغوامض" (ص 556).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عن ماء البحر. وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 130) عن عبد الرحيم بن سليمان عن يحيى ابن سعيد كرواية ابن فضيل. قال البيهقي في "المعرفة" عقب ذكر هذا الاختلاف: "وهذا الاختلاف يدلُّ على أنه لم يحفظ كما ينبغى، وقد أقام إسناده مالك ابن أنس، عن صفوان بن سليم. وتابعه عل ذلك الليثُ بنُ سعد، عن يزيد، عن الجلاح أبي كثير، ثم عمرو بن الحارث عن الجلاح، كلاهما عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فصار الحديث بذلك صحيحًا كما قال البخاريُّ في رواية أبي عيسى عنه. والله أعلم" اهـ. * قُلْتُ: فيظهر أن هذا الاضطراب إنما يؤثر في رواية يحيى بن سعيد خاصةً، أمَّا رواية سعيد بن سلمة فسالمةٌ منه بحسب ما قدمت، وبالله تعالى التوفيق. ... ثُمَّ اعلم أنَّ للحديث طرقًا أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، منها: 1 - سعيدُ بْنُ المسيب، عنه. فأخرجه الدَّارقطنيُّ (1/ 37/ 15)، والحاكم (1/ 142) من طريقين عن إسحق بن إبراهيم بن سهمٍ، ثنا عبد الله بن محمد القدامى، ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا: "هو الطهور ماؤُهُ، الحلُّ ميتتُهُ" وسكت عنه الحاكمُ والذهبيُّ.=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: فهذا منكرٌ وعبد الله بن محمد بن ربيعة القدامى أحدُ الضعفاء أتى عن مالكٍ وغيره ببلايا. ذكره ابنُ عدي في "الكامل" (4/ 1571) وقال: "عامة حديثه غير محفوظ، وهو ضعيفٌ على ما تبين لي من رواياته واضطرابه فيها، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا فأذكره". اهـ وإبراهيم بنُ سعد، فتكلم صالح جزرة في حديثه عن الزهري لأنه سمع منه وهو صغير، وفي المسألة بحثٌ سأذكرهُ في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. 2 - أبو سلمة بن عبد الرحمن، عنه. فأخرجه الحاكم (1/ 142)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (2/ 132) من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا محمد بن غزوان، قال: حدثنا الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثير (¬1)، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر، فقال: "هو الحلُّ ميتتهُ، الطهور ماؤه". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيف منكرٌ. ومحمد بن غزوان، قال أبو زرعة: "منكرُ الحديث". وقال ابنُ حبان في "المجروحين" (2/ 299): = ¬

_ (¬1) وتابعه يحيى بن عباد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا به. ذكره الدارقطني في "العلل" (ج 3 / ق 68/ 1) فقال: "ورواه يعقوب بن عطاء بن أبي رباح، عن يحيى بن عباد به، ويعقوب ضعّفه أحمد وابن معين. وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "شيخٌ من أهل الشام، يقلبُ الأخبار، ويسند الموقوف، لا يحلّ الاحتجاج به". وفي "لسان الميزان" (5/ 338): "قال بن عساكر: نقلت من خط أبو الحسين الرازي أن محمد بن غزوان روى عن الأوزاعيّ حديثًا منكرًا" اهـ. وهو يعني هذا الحديث. * قُلْتُ: الصوابُ أن يكون محمد بن غزوان هذا علة الحديث، فإني رأيت العقيلي أورده في ترجمة: "سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي". وأوُرد فيه قول ابن معين: "ليس بالمسكين بأسٌ، إذا حدث عن المعروفين". فهذا يبين لنا أن العهدة تكون من بعض المجاهيل أو الضعفاء الذين يحدث عنهم سليمانُ، لا مِنه، فأرى أنّه بريءٌ من عهدة هذا الحديث، والله أعلم. وقد اختلف فيه على الأوزاعي، وعلى يحيى بن أبي كثير. فأما الاختلاف على الأوزاعي، فقد رواه مبشر بن إسماعيل، عنه: حدثني عبد الله بن عامر، عن صفوان بن سليم مرسلا، عن أبي هريرة مرفوعًا به. أخرجه العقيليُّ أيضًا في ترجمة "سليمان بن عبد الرحمن". وهذا أولى من رواية محمد بن غزوان؛ لأنَّ مبشر بن إسماعيل ثقةٌ تكلم فيه ابن قانعٍ بلا حُجَّةٍ، كما قال الذهبي. ثُمّ هو متابعٌ. تابعه الوليد بنُ مسلمٍ، عن الأوزاعيّ به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ذكره الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 3 / ق 67/ 2). وخالفهما البابلُتى، فرواه عن الأوزاعى، عن عبد الله بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأسقط "صفوان بن سليم، وأبا هريرة". أخرجه الدارقطني في "العلل" أيضًا. * قُلْتُ: والبابْلُتى -بموحدتين ولام مضمومة، ومثناةٍ ثقيلة- هو: يحيى بن عبد الله بن الضحاك، ابنُ امرأة الأوزاعيّ، طعنوا فيه وفي سماعه من الأوزاعي، فالتعويل على رواية مبشر بن إسماعيل وهي مرسلة أو معضلة. والله أعلم. أما الاختلاف على يحيى بن أبي كثير، فقد مرّ وجهٌ. ووجهٌ آخر. فرواه ابن عيينة، عن يحيى بن أبي كثير، قال: سُئل المغيرة بن عبد الله (ابن عبد) (¬1)، أنَّ ناسًا من بني مُدْلج ... فذكره. أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف" (ج 4/ رقم 8657) عن ابن عيينة. وخولف ابن عيينة فيه. خالفه معمرُ بنُ راشد، فرواه عن يحيى بن أبي كثير، قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر، فقال: "هو الحل ميتته، الطهور ماؤهُ". هكذا أعضله. = ¬

_ (¬1) كذا في "المصنف" واستشكله المحقق ولم يستطع تقويمه، والصوابُ: "أو عبد الله بن المغيرة" كما في "علل الدارقطنى" (ج 3 / ق68/ 1) والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه عبد الرزاق أيضًا (8656) عن معمر. وأخرجه عبد الرزاق (ج 1/ رقم 318) عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجلٍ من الأنصار، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "ماءان لا ينقيان من الجنابة: ماءُ البحر، وماء الحمام". قال معمر: سألتُ يحيى عنه بعد حين، فقال: قد بلغني ما هو أوثق من ذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن ماء البحر، فقال: "ماء البحر طهورٌ، وحلٌّ ميتتُهُ". وقد خولف معمر في هذا. خالفه هشام الدستوائي، فرواه عن يحيى بن أبي كثير، عن رجلٍ من الأنصار، عن أبي هريرة قال: "ماءان لا يجزئان من غسل الجنابة: ماء البحر وماء الحمام". فجعله: "عن أبي هريرة". أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 131) حدثنا ابنُ عُليَّة، عَنْ هشامٍ. * قُلْتُ: أمَّا الذين صحّحوا الحديث، أو وافقوا على تصحيحه فجمع غفيرٌ، أذكر بعضه. 1 - الإِمام البخاري. قال الترمذيّ في "العلل الكبير" (1/ 136): "وسألتُ محمدًا عن حديث مالكٍ .... فقال: هو حديث صحيحٌ". فنقله ابنُ عبد البر في "التمهيد" (16/ 218) عن الترمذى، وقال: "لا أدرى ما هذا من البخاريّ رحمه الله؟!، ولو كان عنده صحيحًا، لأخرجه في "مصنَّفه الصحيح" عنده، ولم يفعل. لأنه لا يُعوِّلُ=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في "الصحيح" إلا على الإسناد" اهـ. قلت: كذا! وفيه نظرٌ، فلا يلزم البخاري في كل حديث صحّحه أن يودعه في جامعه "الصحيح". فقد قال إبراهيمُ بن معقل النسفيُّ: "سمعت البخاري يقول: ما أدخلتُ في كتابي "الجامع" إلا ما صح، وما تركت من الصحيح حتى لا يطول" اهـ. وقال الإسماعيلي عنه: "لم أُخرّج في هذا الكتاب إلا صحيحًا، وما تركتُ من الصحيح أكثر" اهـ. وقد صحّح البخاري عشرات، بل مئات الأحاديث وما يودعها في "صحيحه"، وقد استوفيتُ قسمًا كبيرًا منها في كتابي "درء العبث عن حديث إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وقد قال الحافظ العلائى في "جزء فيه تصحيح حديث القلتين" (ق 3/ 2) وهو يجيب عن أدلة الطاعنين في صحته، قال: "فإن قيل: فلم تركا -يعني: الشيخين- إخراجه، إذا لم يكن هذا -يعني الاختلاف- مؤثرًا؟ قلنا: الذي عليه أئمة أهل الفن قديمًا وحديثًا أنَّ ترك الشيخين إخراجَ حديثٍ لا يدلُّ على ضعفه، ما لم يصرح أحدٌ منهم بضعفه، أو جرح رواته، ولو كان كذلك لما صح الاحتجاج بما عدا ما في "الصحيحين"، وقد صحّ عن كل واحدٍ منهما أنه لم يستوعب في "كتابه الصحيح" من الحديث كُلّه ولا الرجال الثقات، وقد صحح كلّ واحدٍ منهما أحاديثَ سُئل عنها وليست في كتابه". اهـ ثُمَّ رأيتُ ابن دقيق العيد - رحمه الله - أجاب بمثل ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فقال في "الإمام" (ج1 /ق 8/ 2) يردُّ على ابن عبد البر: "هذا غيرُ لازمٍ، لأنّ صاحبي "الصحيحين" لم يلتزما إخراج كل صحيح عندهما" اهـ. 2 - الترمذي. قال: "حديثٌ حسن صحيحٌ". 3 - ابنُ خزيمة، بإخراجه في "صحيحه"، وسكوته عن تعليله. 4 - ابنُ حبّان. لأنه أخرجه في "صحيحه" وقد صرح بأنّه "صحيحٌ" في "المجروحين" (2/ 299) في ترجمة "محمَّد بن غزوان". 5 - أبو جعفر العقيلي. فقال في "الضعفاء" (2/ 132) بعد ما أشار إلى حديث مالكٍ. "وهو الصوابُ". 6 - ابنُ المنذر، فقال: "ثابتٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". 7 - أبو جعفر الطحاويُّ. 8 - أبو سليمان الخطابي. 9 - أبو محمَّد ابن حزم. 10 - ابنُ مندة. 11 - ابنُ عبد البر. وقد صحَّحه لاعتبار آخر، فقال في "التمهيد": "وهو عندي صحيحٌ؛ لأنّ العلماء تلقوه بالقبول له والعمل به، ولا يخالفُ في جملته أحدٌ من الفقهاء" اهـ. 12 - الدارقطني. قال في "العلل" (ج 3 / ق 68/ 1). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وأشبهها بالصواب قولُ مالكٍ ومن تابعه عن صفوان بن سليم" اهـ. 13 - الحاكم في "المستدرك". 14 - البيهقي. قال في "المعرفة" (1/ 151 - 152): "هذا حديثٌ أودعه مالك بن أنس "كتاب الموطأ"، وأخرجه أبو داود وجماعة من أئمة الحديث محتجين به، وقال أبو عيسى الترمذيّ: سألتُ محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ عن هذا الحديث، فقال: حديث صحيح، وإنما لم يخرجه البخاريّ ومسلم بن الحجاج في "الصحيحين" لاختلافٍ وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة .... ثم قال (1/ 160): "هذا الاختلاف يدلُّ على أنه لم يحفظ كما ينبغى، وقد أقام إسناده مالك ابن أنس، عن صفوان بن سليم، وتابعه على ذلك الليث بنُ سعدٍ، عن يزيد، عن الجلاح أبي كثير، ثُمّ عمرو بن الحارث، عن الجلاح كلاهما عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فصار الحديث بذلك صحيحًا كما قال البخاريُّ في رواية أبي عيسى عنه والله أعلمُ" اهـ. وله كلام في "السنن" يُعضد ذلك. 15 - عبد الحق الأشبيلى. 16 - أبو محمَّد البغويُّ. 17 - أبو الفرج ابن الجوزي في "التحقيق". 18 - الجوزقاني. قال في "الأباطيل": "هذا حديثٌ حسنٌ لم نكتبه إلّا بهذا الإسناد، وهو إسنادٌ متصلٌ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 19 - ابن الأثير. قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 14): "وقال ابنُ الأثير في "شرح المسند": هذا حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة في كتبهم، واحتجوا به، ورجاله ثقات" اهـ. 20 - ابنُ دقيق العيد. 21 - ابن العربي "أحكام القرآن" (3/ 1425) وفي "عارضة الأحوذى" (¬1) (1/ 87). 22 - النووي. قال في "المجموع" (1/ 82): "هذا حديثٌ صحيحٌ". 23 - المنذري كما في "مختصر سنن أبي داود" (1/ 81). 24 - ابن تيمية -كما في "الفتاوى" (21/ 26). 25 - ابن القيم كما في "زاد المعاد" (4/ 394). 26 - ابن كثير، فقد احتجَّ به في موضعين من "تفسيره" (3/ 12، 91). وقال في موضع ثالث (6/ 126): "إسنادُهُ جيدٌ". 27 - ابنُ الملقن. فقال في "البدر المنير" -كما في "نيل الأوطار" (1/ 14) -: "هذا الحديث صحيحٌ جليلٌ مروى من طرقٍ حضرنا منها تسعٌ ثُمّ ذكر ما عُلل به الحديث، ودفعه". ¬

_ (¬1) قال فيها: "وهو حديث مشهورٌ ولكن في طريقه مجهولٌ، وهذا الذي قطع بـ "الصحيحين" عن إخراجه، وأصلُ مالكٍ أنَّ شهرة الحديث بالمدينة تغنى عن صحة سنده وإن لم يتابع عليه" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 28 - الحافظ ابنُ ججر. كما في "التلخيص الحبير" (1/ 9 - 12). 29 - عبد الرؤوف المناوى -كما في "الفتح السماوى" (رقم 474). 30 - ابنُ الهمام الحنفى، فقد لخَّص في "فتح القدير" (1/ 61) بحث ابن دقيق العيد. 31 - الصنعاني -كما في "سبل السلام". 32 - الشوكانى -كما في "نيل الأوطار" (1/ 14 - 16). وقال في "السيل الجرار" (1/ 41): "حديثٌ صالحٌ للاحتجاج به، وله طرق كثيرةٌ قد صحَّح الحفاظُ بعضها" اهـ. 33 - شمس الحق العظيم آبادى - كما في "عون المعبود" (1/ 154). 34 - المباركفورى في "تحفة الأحوذى" (1/ 230). 35 - الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر. 36 - شيخنا الألباني. * قُلْتُ: ولو أني تتبعت، لأحرزت المزيد، وفيما ذكرتُه كفايةٌ، والحمدُ لله على التوفيق. ... قال الترمذي: "وفي الباب عن جابر، والفراسيِّ". * أولًا: حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما. أخرجه ابنُ ماجة (388)، وأبو الحسن بنُ سلمة في "زوائده على ابن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ماجة"، وابن خزيمة (1/ 59)، وابنُ حبّان (120)، وابن الجارود في "المنتقى" (879)، والدارقطنيّ (1/ 34)، والحاكمُ (¬1)، والبيهقيُّ (1/ 253 - 254و 9/ 252)، وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 229)، والخطيبُ في "تاريخه" (14/ 398)، وابنُ الجوزى في "التحقيق" (1/ 8 / 5) جميعُهم عن أحمد بن حنبل، وهو في "مسنده" (3/ 373)، وفى "العلل" (2/ 126) حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد، قال: حدثني إسحق بن حازم، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر، فقال: "الحلُّ ميتتُهُ، الطهورُ ماؤهُ". قال أبو عليّ بن السكن: "حديث جابر أصحُّ ما روى في هذا الباب". وقال الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 138): "سألتُ محمدًا عن حديث أحمد بن حنبل ... فذكره، فقال: لا أعرفه إلا من حديث أبي القاسم بن أبي الزناد (¬2). قلتُ: رواه غير أحمد بن حنبل؟ قال: نعم". وقال الحافظُ في "الدراية" (ص 54): "إسنادُه لا بأس به". * قُلْتُ: وأبو القاسم بن أبي الزناد وثقه أحمدُ وأثنى عليه، وابنُ حبّان. وقال ابن معين: "لا بأس به". فالسند قويّ. ¬

_ (¬1) كذا عزاه الحافظ في "التلخيص" (1/ 11) للحاكم من طريق عبد الله بن مقسم عن جابر، ولم أجده في "المستدرك" من هذا الطريق إنما من طريق أبي الزبير عن جابر كما يأتي فالله أعلم. (¬2) وقع في "الكتاب": " ... أبي القاسم عن ابن أبي الزناد" وزيادةُ "عن" خطأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولكن نقل ابنُ التركماني في "الجوهر النقى" (1/ 253) عن ابن مندة قال:" إن هذا الحديث لا يثبتُ"! فلا وجه لما قاله ابنُ مندة - رحمه الله -، إلَّا أن يعني الاختلاف الذي وقع في إسناده، ولا وجه له أيضًا. فقد خولف أبو القاسم بن أبي الزناد. خالفه عبدُ العزيز بنُ عمران بن أبي ثابتٍ، فرواه عن إسحق بن حازم، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، عن أبي بكر مرفوعًا به. فخالفه في موضعين: الأول: أنه جعل شيخ إسحق بن حازم: "وهب بن كيسان". الثانى: أنه نقل الحديث من مسند "جابر" إلى مسند "أبي بكر الصديق". أخرجه الدارقطني (1/ 34) وقال: "عبد العزيز بن عمران ليس بالقوىّ". * قُلْتُ: هو بالترك أولى، فقد تركه النسائى وأبو زرعة. وضعّفه الترمذي والذهلى وزاد:" جدًّا". وقال ابنُ معين: "ليس بثقة". وقال أبو حاتم: "ضعيفُ الحديث منكرُ الحديث جدًّا. يُكتب حديثُه على الاعتبار". وهناك علَّةٌ أخرى. فقال ابن التركمانى: "قال عبد الحق في "أحكامه": إسحق بن حازم شيخ مدنى، ليس بالقوىّ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وهذا خطأ منه، فقد وثقه أحمدُ، وابنُ معين، وكذا ابنُ حبان، وابنُ شاهين. وقال أبو حاتم: "صالح الحديث". وقال أبو داود: "ليس به بأس". فلا أدرى مستند عبد الحق في تضعيفه، إلَّا أن يكون الحديث الذي أورده المزى في "التهذيب" لإسحق بن حازم في ترجمته، ويرويه ابنُ جريج، عن إسحق بن حازم، عن حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه في النهى عن جعل المنديل والقمامة في البيت فإنه مقعد الشيطان. * قُلْتُ: وهذا الحديث أخرجه عبدُ بن حميد (¬1) في "المنتخب" (1108) من طريق يحيى بن أيوب، حدثنا حرام بن عثمان، عن ابني جابر عن أبيهما وساق حديثًا طويلًا. فبرىء إسحق بن حازم من عهدته، لذلك فلم يصب المزى رحمه الله في وضع هذا الحديث في ترجمة إسحق، فلو لم نجد له متابعًا فتعصيب = ¬

_ (¬1) ذكر الحافظ هذا الحديث في "المطالب العالية" (2622) ونقل المحقق عن البوصيرى قوله: "رواه أبو داود في سننه والنسائي في اليوم والليلة مختصرًا وسكت على إسناده وفيه حرام بن عثمان والرواية عنه حرام كما قال الشافعى" اهـ فإن كان النقل عن البوصيرى صحيحًا فقد أخطأ، فلم يرو أحد من الأئمة الستة شيئًا لحرام بن عثمان قط. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الحناية برقبة حرام بن عثمان أولى فإنه متروك. وقال الشافعيُّ وابن معين: "الرواية عن حرام حرامٌ"! وقد أورد الذهبي هذا الحديث في ترجمة حرام فأصاب والله أعلم. وللحديث طريقٌ آخر عن جابر. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 2/رقم 1759)، والدارقطنيُّ (1/ 34)، والحاكمُ (1/ 143) من طريق المعافي بن عمران، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابرٍ مرفوعًا به. قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 11): "إسنادهُ حسن، إلَّا ما يُخشى من التدليس" (¬1). وقد توبع ابنُ جريج. تابعه مبارك بن فضالة، عن أبي الزبير، عن جابر به. أخرجه الدارقطنيُّ. ومبارك يدلسُ أيضًا. * ثانيًا: حديث الفراسيّ، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ ماجة (387) من طريق يحيى بن بُكير، حدثني الليث ابن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مخشى، عن ابن الفراسىّ، قال: كنت أصيدُ وكانت لي قربة أجعل فيها ماء، وإنى = ¬

_ (¬1) وسبقه شيخُه ابنُ الملقن فقال في "البدر المنير" (ج1/ق7/ 1): "وهذا سندٌ على شرط الصحيح إلا أنه يخشى أن يكون ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير فإنه مدلسٌ، وأبو الزبير مدلس أيضًا وقد عنعنا في هذا الحديث" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = توضأت بماء البحر، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" هو الطهور ماؤه، الحل ميتتُهُ". وأخرجه البيهقي، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (16/ 220) من هذا الوجه لكن فيه: "عن الفراسيّ". وأخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 30/ 2) من طريق يحيى بن أيوب، عن جعفر بن ربيعة،، عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن أبي معاوية مسلم بن مخشى، عن الفراسيّ .... فذكره. قال الترمذيّ في "العلل الكبير" (1/ 137): "سألتُ محمدًا عن حديث ابن الفراسى في ماء البحر، فقال: هو مرسلٌ، ابن الفراسى لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، والفراسى له صحبة" اهـ. * قُلتُ: ويبدو أن هذا الاختلاف قديمٌ. قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 23): "فعلى هذا، كأنه سقط من الرواية: "عن أبيه" أو أن قول "ابن" زيادة، فقد ذكر البخاريُّ أن مسلم بن مخشى لم يدرك الفراسيّ نفسه، وإنما يرويه عن ابنه، وأن الابن ليست له صحبة" اهـ. فهو ضعيفٌ كيفما كان؛ لأنه يدور بين الانقطاع والإرسال. وقال البوصيرى في "الزوائد": "رجال هذا الإسناد ثقات إلَّا أن مسلمًا لم يسمع من الفراسى، إنما سمع من ابن الفراسى، ولا صحبة له" اهـ. نقل الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 99) عن عبد الحق الأشبيلى في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "أحكامه" قوله: "حديث الفراسىّ هذا لم يروه فيما أعلم إلَّا مسلم بن مخشى، ومسلم ابن مخشى لم يرو عنه فيما أعلم إلا بكر بن سوادة" اهـ. فتعقبه ابنُ القطّان في "الوهم والإيهام" بقوله: "وقد خفى على عبد الحق ما فيه من الانقطاع، فإن ابن مخشى لم يسمع من الفراسىّ، وإنما يرويه عن ابن الفراسىّ عن أبيه" (¬1) اهـ. * قُلْتُ: وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وابن عباس، وعقبة بن عامر رضي الله عنهم. * ثالثًا: حديث أبي بكر الصديق، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ حبان في "المجروحين" (1/ 355) من طريق السرى بن عاصم بن سهل، عن محمد بن عبيد، عن عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، عن أبي بكر الصديق مرفوعًا: "هو الطهور ماؤهُ، الحلُّ ميتتهُ". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيف، ورفعُه منكرٌ. وآفته السرى بن عاصم. قال ابنُ حبان: "كان ببغداد، يسرقُ الحديث، ويرفع الموقوفات لا يحلُّ الاحتجاج به" اهـ. وقد رواه جماعة عن عبيد الله بن عمر به موقوفًا. أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق30/ 2)، وابنُ أبي شيبة = ¬

_ (¬1) كذا، ولم أقف على رواية ابن الفراسى، عن أبيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (1/ 130)، والدارقطنيُّ في "السنن" (1/ 35)، وفي "العلل" (ج 1 / ق 17/ 1)، والبيهقي (1/ 4) من طرق عن عبيد الله بن عمر، أخبرني عمرو ابن دينار، عن أبي الطفيل، عن أبي بكرٍ قال: "هو الحلال ميتتُهُ، الطهور ماؤهُ". قال الدارقطنيُّ: "الموقوفُ أصحُّ". وكذا صحح الوقف ابنُ حبان. وقال الذهبي في "مهذب سنن البيهقي" (1/ 26) "هذا سندٌ صحيحٌ". وكذا نقله عنه الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 99). * قلتُ: وقد مرّ وجهٌ من الاختلاف في هذا الحديث في "حديث جابر" فيما مضى. والله الموفق. * رابعًا: حديث عليّ بن أبي طالبٍ، رضي الله عنه. أخرجه الدارقطني (1/ 35)، والحاكم (1/ 142) من طريق الحسين بن علىّ بن أبي طالب، عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال: "هو الطهور ماؤه، الحلُّ ميتتُهُ". قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 12): "هو من طريق أهل البيت، وفيه من لا يُعرف". * خامسًا: حديث أنسٍ رضي الله عنه. أخرجه عبد الرزاق (ج 1/ رقم 320)، والدارقطنيُّ (1/ 35) من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = طريق أبان بن أبي عياش، عن أنسٍ مرفوعًا. قال الدارقطنيُّ: "أبان بن أبي عياش متروكٌ". * سادسًا: حديث عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما. أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق30/ 1)، والدّارقطنيُّ (1/ 35) وابنُ عديٍّ في "الكامل" (6/ 2418) من طريق المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا: "ميتةُ البحر حلال، وماؤه طهور". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ. والمثنى بن الصباح ضعيفٌ، وكان اختلط. ولكن تابعه الأوزاعيُّ، عن عمرو بن شعيب به. أخرجه الحاكم (1/ 143). لكن قال الحافط في "التلخيص" (1/ 12): "ووقع في رواية الحاكم: "الأوزاعيّ" بدل "المثنى" وهو غير محفوظٍ". * سابعًا: حديثُ ابْنِ عباس، رضى الله عنهما. أخرجه الدارقطني (1/ 35)، والحاكم (1/ 140) من طريق حماد بن سلمة، عن أبي التياح، نا موسى بن سلمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال: "ماء البحر طهور". قال الدارقطنيُّ: =

. . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "والصواب موقوفٌ". وقال الحافظ في "التلخيص" (1/ 11): "رواتُه ثقات، لكن صحَّح الدارقطني وقفه". أما الحاكم فقال: "صحيح على شرط مسلمٍ" (¬1) ووافقه الذهبيُّ. * ثامنًا: حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. أخرجه أبو عبيد (ق30/ 2) ثنا أبو الأسود، عن ابن لهيعة، عن جعفر ابن ربيعة، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن عقبة بن عامر أنه قال مثله. "هو الطهورُ ماؤه، الحلُّ ميتته". * قُلْتُ: وهذا موقوفٌ، رجاله ثقات إلا ابن لهيعة، ففيه مقالٌ معروفٌ، والله أَعلمُ. ... ¬

_ (¬1) ذكر الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 98) أن الحاكم سكت عنه، فلعل النقص كان في نسخته. والله أعلم.

48 - باب الوضوء بالثلج

48 - باب الْوُضُوءِ بِالثَّلْجِ 60 - أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ سَكَتَ هُنَيْهَةً فَقُلْتُ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِى سُكُوتِكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ قَالَ «أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِى مِنْ خَطَايَاىَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِى مِنْ خَطَايَاىَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 60 - إِسنادُهُ صَحِيْحٌ. ويأتى برقم (334، 895). * جرير: هو ابنُ عبد الحميد. * عمارة بنُ القعقاع بن شبرمة الكوفيُّ. أخرج له الجماعةُ وثقهُ ابن مُعين، والمصنِّفُ، وابنُ سعدٍ، ويعقوب بن سفيان، وابن حبان وغيرُهم. وقال أبو حاتم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "صالحُ الحديث". ... والحديث أخرجه البخاري (2/ 188 - 191فتح)، ومسلمٌ (598)، وأبو عوانة (2/ 98)، وأبو داود (781)، وابن ماجة (805)، والدارميُّ (1/ 283 - 284)، وأحمد (2/ 231، 494)، وابنُ أبي شيبة (10/ 213 - 214) والسراج في "مسنده" (ج 5 / ق 79/ 1 - 2)، وابنُ خزيمة (ج1/رقم 465 وج3 / رقم 1579، 1630)، وابنُ حبان (ج 5/رقم 1775، 1778،1776) والبزار (ج 2 / ق 261/ 1)، وابن الجارود (320)، وأبو يعلى (ج10/رقم6081، 6097، 6109)، والبيهقيُّ (2/ 195)، وابنُ حزم في "المحلى" (4/ 96)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (3/ 39 - 40)، من طرق عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة. وقد رواه عن عمارة جماعة منهم: "جرير بن عبد الحميد، وعبد الواحد بن زياد، ومحمد بن فضيل، وسفيان الثورى" (¬1). قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا أبو هريرة، ولا نعلمُ رواه عنه إلا أبو زرعة". ... ¬

_ (¬1) روايته عند المصنف وتأتي برقم (894).

49 - باب الوضوء بماء الثلج

49 - باب الْوُضُوءِ بِمَاءِ الثَّلْجِ 61 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّ قَلْبِى مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 61 - إسنادُهُ صَحِيْحٌ. ويأتي برقم (333) ومُطوَّلًا برقم (5466)، وكذا رقم (5477). والحديث أخرجه البخاريُّ (11/ 176، 181فتح)، ومسلم (589) وأبو داود (1543) مختصرًا، والترمذيُّ (3495)، وابنُ ماجة (3838)، وأحمد (6/ 57، 207)، وابنُ أبي شيبة (10/ 189، 212) والسراج في "مسنده" (ج5/ق 75/ 2) وأبو يعلى (ج 7/ رقم 4474) و (ج8/ رقم 4665)، والحاكم (1/ 541)، والبيهقي (1/ 5) من طرقٍ عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. قال الترمذي: "حديثٌ حسنٌ صحيح". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة" ووافقه الذهبيُّ (!).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وقد وهم في استدراكه عليهما، على نحو ما ذكرتُه مفصلًا في إتحاف الناقم" ولله الحمدُ. وقد رواه عن هشام بن عروة جماعةٌ منهم: "وكيع، وأبو معاوية، وعيسى بن يونس، وعبدة بن سليمان، ووهيب، وابن نمير، وعليُّ بن مسهر، وجرير بن عبد الحميد".

50 - باب الوضوء بماء البرد

50 - باب الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَرَدِ 62 - أَخْبَرَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ شَهِدْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى عَلَى مَيِّتٍ فَسَمِعْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 62 - إسنادُهُ صحِيحٌ. ويأتى برقم (1983، 1984). * هارون بن عبد الله بن مروان البغدادى أبو موسى المعروف بـ "الحمال". أخرج له الجماعةُ، إلا البخاريَّ. قال أبو حاتم والحربيُّ: "صدوق". ووثقه المصنفُ، وابن حبان. وقال المروذيُّ. "قلتُ لأبي عبد الله: أكتبُ عنه؟ قال: إي والله". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الحربى: "لو كان الكذبُ حلالًا، تركه تنُّزهًا". * معن: هو ابن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعى أبو يحيى المدني. أخرج له الجماعةُ. أثنى عليه أبو حاتم، وابنُ معين. وقال ابنُ سعد: "كان ثقةً كثير الحديث، ثبتًا، مأمونًا". ووثقه ابنُ حبان وقال: "كان هو الذي يتولى القراءة على مالك". وقال الخليلي: "قديم متفق عليه، رضي الشافعيُّ بروايته". * معاويةُ بن صالحٍ هو ابن حدير، أبو عبد الرحمن الحمصى. أخرج له الجماعة. وثقه ابن مهدى، وأبو زرعة، والمصنِّفُ، وابنُ سعدٍ، والبزَّارُ وغيرُهم. وكان يحيى بْنُ سعيد لا يرضاه. وقال يعقوبُ بْنُ شيبة: "قد حمل الناسُ عنه، ومنهم من يرى أنه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف، ومنهم من يضعفه". * قُلْتُ: أمَّا تضعيفه مطلقًا فلا وجه له، ولعل من تكلم فيه فبسبب إفرادات تقع في حديثه، فالصواب الحكمُ بما يليقُ بالحال. والله أعلمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد توبع معاويةُ على هذا الحديث كما يأتي إنْ شاء الله تعالى. * حبيبُ بنُ عدي، أبو حفص الحمصيُّ. أخرج له الجماعةُ، إلا البخاريَّ ففي "الأدب المفرد". وثقهُ المصنفُ، والعجليُّ، وابنُ حبان. * جبير بن نفير بن مالك بن عامر، أبو عبد الرحمن -ويقالُ: أبو عبد الله- الحمصيُّ. أخرج له الجماعة، إلا البخاريَّ ففي "الأدب المفرد". وثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، والمصنِّفُ، ودُحَيْم، وابن سعد، وابنُ خراشٍ، والعجليُّ، وابنُ حبان. ... والحديث أخرجه مسلم (7/ 30 - 31 نووى)، والمصنِّفُ ويأتي برقم (1984)، وأحمد (6/ 23)، وابنُ أبي شيبة (3/ 291 و 10/ 214)، والطبرانى في "الكبير" (ج 18/ رقم 78، 79) وفي "مسند الشاميين" (ق 407)، والبيهقي (4/ 40)، والبغويُّ في "شرح السنة" (5/ 356) من طرقٍ عن معاوية بن صالح، عن حبيب بن عبيد، عن جبير بن نفير، عن عوف بن مالك. وقد خولف معاوية بن صالح فيه. خالفه عصمة بن راشد، فرواه عن حبيب بن عبيد، عن عوف بن مالك. فسقط ذكر "جبير بن نفير".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ ماجة (1500) قال حدثنا يحيى بنُ حكيمٍ، ثنا أبو داود الطيالسيُّ، ثنا فرج بنُ فضالة، حدثني عصمة بْنُ راشد به. * قُلْتُ: كذا رواه شيخُ ابنِ ماجة عن الطيالسي. وخالفه يونس بن حبيب فرواه عن الطيالسيِّ، وهذا في "مسنده" (999) قال: حدثنا الفرج بن فضالة، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن حبيب بن عبيد، عن عوف بن مالك. فزاد في الإسناد "أبا بكر بن أبي مريم" بين الفرج بن فضالة، وعصمة ابن راشد. ويونس بن حبيب وإن كان ثقةً، فيحيى بن حكيم أوثق منه، وليس على أحدهما عهدةُ هذا الاختلاف، لا سيما وقد قال عقب روايته لهذا: "ورأيتُ هذا الحديث في موضع آخر عن أبي داود، عن الفرج بن فضالة، قال: حدَّثني عصمة بن راشد، عن حبيب بن عبيد، عن عوف" فيظهرُ لي أن هذا الاختلاف من الفرج بن فضالة؛ لأن جماعة من النقاد ضعّفوهُ، وهو كذلك. فيستغرب أن يشير الحافظ في "النكت الظراف" (8/ 212) إلى هذا الاختلاف، ثم يقول: "فيحتمل أن يكون لفرجٍ فيه شيخان، أو أحدُ القولين وهم". فإنما يَرِدُ الاحتمال الأول لإمام حافظ، ولا يرِدُ لضعيفٍ ردىِء الحفظِ مثل فرج بن فضالة (¬1). = ¬

_ (¬1) وقال الحافظ في"الفتح" (10/ 285 - 286) في حديثٍ آخر: "وشذَّ عمر بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نعم توبع فرج. تابعه إسماعيل بن عياش عن عصمة بن راشد وأبي بكر ابن أبي مريم معًا في حبيب بن عبيد، عن عوف. أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج 18/ رقم 108) ولكن قيل إن فرج بن فضالة إنما سمعه من إسماعيل بن عياش، ولم يسمعه من عصمة بن راشد، فلو صح هذا فهو ينفى الاحتمال الأول، فلعل التصريح بالتحديث الواقع في "سنن ابن ماجة" من سوء حفظ فرج. ثم أبو بكر بن أبي مريم ضعيفٌ وهاه بعضهم، وعصمة ابن راشد مجهولٌ فالمحفوظ رواية معاوية بن صالح، عن حبيب، عن جبير ابن نفير، عن عوف وهذا يدل على أن حبيبًا لم يسمعه من عوف هذا: ولمعاوية بن صالح فيه شيخٌ آخر. فإنه يرويه عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف. أخرجه مسلمٌ، والترمذيُّ (1025)، وأحمدُ (6/ 28)، وابن الجارود في "المنتقى" (538) (¬1)، والبيهقي (4/ 40). وقد توبع معاوية بن صالح على هذا الوجه. تابعه أبو حمزة الحمصيُّ عيسى بنُ سليم، عن عبد الرحمن بن جبير به. أخرجه مسلمٌ، والمصنِّفُ ويأتي برقم (1983) وأبو أحمد الحاكمُ في "الكنى" (ج 7/ ق 115/ 2)، والرُّويانيُّ في "مسنده" (ج24/ق120/ 1)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 18/ رقم 76، 77)، = ¬

_ = عامر .. فلو كان ضابطًا لقلنا: سمعه أبو عثمان من كتاب عمر، ثم سمعه من عثمان ابن عفان" اهـ. وقد استخدم هذه القاعدة مرارًا في (الفتح) وغيره. (¬1) وكنت قد خلطت بين هذه الطرق في "تخريجي عليه"، فالعمدة على ما هنا، والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والبيهقيُّ (4/ 40). فكأن لمعاوية فيه شيخين. وقد توبع جبير بن نفير. تابعه سليم بن عامر، عن عوف بن مالك به. أخرجه الطبرانيُّ في "مُسْنَد الشَّاميين" (ق 79) من طريق صفوان بن صالح، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ابن جابر، عن سليم بن عامر. * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ، لأن الوليد بن مسلم لم يصرح بالتحديث في كل السند. وسليم بن عامر لم يلق عوف بن مالك كما قال أبو حاتم على ما في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 211) لولده عبد الرحمن. * * * * قُلْتُ: وفي الباب عن عبد الله بن أبي أوفى، وسمرة بن جندب رضي الله عنهما. * أما حدثنا ابن أبي أوفى، فيأتي تخريجه (برقم 402). * حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 7 / رقم 6950) من طريق محمد بن أبي نعيم الواسطى، ثنا محمد بن يزيد، ثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن سمرة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "الَّلهم باعدني من ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقِّني من خطيئتى كما نقيت الثوب الأبيض من الدَّنس". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 106). "إسنادُهُ حسنٌ"!! * قُلْتُ: كذا! وإسماعيل بن مسلم المكيُّ ضعيفٌ، والغريبُ أن الهيثميَّ - رحمه الله - صرح بضعفه في مواضع من "المجمع"، وانظر مثلًا (1/ 264 و 4/ 35، 95 و 10/ 18)، بل وصرّح في (5/ 94) بأنه "متروك"!! والعلَّةُ الثانية أن الحسنَ البصريَّ لم يلق سمُرة - رضي الله عنه -. صرّح بذلك يحيى بنُ معين -كما في "المراسيل" (ص 33) لابن أبي حاتم، ولو سلمنا أنه لقيه، فهو مدلِّسٌ وقد عنعنه، فأنَّى للسَّند الحسنُ؟!!. ولكن له طريقٌ آخر. أخرجه الطبرانيُّ أيضًا (ج 7/ رقم 7048) من طريق مروان بن جعفر السمرىّ، ثنا محمَّد بْنُ إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة، ثنا جعفر ابن سعد بن سمرة، عن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن سمرة مرفوعًا: "إذا صلى أحدُكم فليقل: الَّلهُمَّ باعد بينى وبين خطيئتى كما باعدت بين المشرق والمغرب، الَّلهُمَّ أعوذُ بك أن تصدَّ عنى وجهك يوم القيامة، الَّلهُمَّ نقنى من خطيئتى كما نقيت الثوب الأبيض من الدَّنس، الَّلهُمَّ أحينى مسلمًا وأمتنى مسلمًا". قال الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 106): "إسنادُهُ ضعيفٌ". وقال الذهبيُّ في "الميزان" (4/ 89) في ترجمة مروان بن جعفر: "له =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نسخةٌ عن قراءة محمد بن إبراهيم فيها ما يُنكر". ثُمَّ ذكر هذا الحديث. ولكن تابعه يوسف بن خالد ثنا جعفر بن سعد به. أخرجه البزَّار (ج 1/ رقم 523). ويوسف بن خالد كذبه ابن معين وقال: "خبيثٌ عدو الله تعالى". وقال مرةً. "زنديقٌ لا يُكتَبُ حَدِيْثُهُ". وقال أبو حاتم: "ذاهبُ الحديث، أنكرتُ قول ابن معين فيه: "زنديقٌ" حتى حمل إليَّ كتابًا قد وضعه في التجهُّم، ينكرُ فيه الميزانَ والقيامة، فعلمتُ أنَّ ابْنَ معينٍ لا يتكلَّمُ إلا عن بصيرة وفَهْم". وكذبه أيضًا عمرو بن عليّ، وأبو داود. واتهمه ابن حبان بوضع الحديث. ومروان بن جعفر خير منه بلا شك. ومحمد بن إبراهيم بن خبيب ترجمه ابنُ أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 2 / 186) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وجعفرُ بْنُ سعد بن سمرة ترجمه ابن أبي حاتم (1/ 1 /480) ولم يحك فيه جرحًا ولا تعديلًا. وكذا خبيبُ بْنُ سليمان (1/ 2 / 387) وأبوه سليمان بن سمرة (2/ 1/ 118) لم يحك فيهما شيئًا.

51 - باب سؤر الكلب

51 - باب سُؤْرِ الْكَلْبِ 63 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا شَرِبَ (¬1) الْكَلْبُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 63 - إسْنَادُهُ صَحيحٌ. * * * والحديث أخرجه البخاريُّ (1/ 274 - فتح)، ومسلمٌ (279/ 90)، وأبو عوانة (1/ 207) وأبو داود -في رواية أبي الحسن بن العبد عنه - كما في "طرح التثريب" (2/ 119) - والشافعى في الأم (1/ 6) وأحمد، (2/ 460) وابنُ الجارود (50)، وابن المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 227)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 73) وابن الجوزى في "التحقيق" (1/ 38/ 53) جميعًا عن مالكٍ، وهو في "موطئه" (1/ 34/ 35) عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به. وقد رواه عن مالك بهذا الَّلفْظ جماعةٌ من أصحابه، منهم: "الشافعيُّ وقتيبة، وعبد الله بن يوسف، ويحيى بن يحيى، وابنُ وهبٍ، وابن مهدى، وأبو مصعبٍ، وإسحاقُ بنُ عيسى، وروح بن عبادة". = ¬

_ (¬1) وذكره الزركشي بلفظ: "إذا لغب" وهو لفظٌ غريبٌ جدًّا، لم أقف عليه مع كثرة طرق الحديث، ولم يذكره غير الزركشى كما في "العدة" للصنعانى (1/ 142).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال ابنُ عَبْد البرِّ في "التَّمْهيد" (18/ 264): "هكذا يقولُ مالكٌ في هذا الحديث: "إذا شرب الكلب"، وغيرهُ من رواة حديث أبي هريرة هذا بهذا الإِسناد وبغيره على تواتر طرقه وكثرتها عن أبي هريرة وغيره، كلُّهم يقول: "إذا ولغ الكلبُ"، ولا يقولون، "شرب الكلبُ"، وهو الذي يعرفه أهل الُّلغة" اهـ. وقال الإِسماعيلي في "صحيحه" ما معناه: "إن مالكًا قد انفرد عن الكُلِّ بهذه الَّلفظة". وكذا قال ابنُ مندة. * قُلْتُ: هذا يوهمُ أن أصحاب مالكٍ اتفقوا في رواية هذا الَّلفظ عنه، وليس كذلك. فقد رواه روح بنُ عبادة (¬1)، عن مالكٍ بسنده سواء، فقال: "إذا ولغ الكلبُ .. ". أخرجه ابنُ ماجة (364). وتابعه إسماعيلُ بنُ عمر، عن مالك. أخرجه الإسماعيليُّ في "صحيحه" -كما في "نصب الراية" (1/ 133) - من طريق أبي عبيد القاسم بن سلام، وهذا في "كتاب الطهور" (ق 26/ 1). = ¬

_ (¬1) تقدم أن روح بن عبادة رواه عن مالك بلفظ: "إذا شرب" عند ابن الجارود، وقد رواه عن روح على الوجهين محمد بن يحيى مما يدلُّ أنه تلقاهُ عن مالكٍ هكذا، وكذا تلقاهُ مالكٌ عن أبي الزناد، فكلا الَّلفظين صحيحٌ، وإذ كان لفظ الولوغ أشهر. والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وكذا رواه أبو على الحنفي، عن مالك. أخرجه الدَّارقطنيُّ في "المواطآت" -كما في "الفتح" (1/ 275)، وذكره أبو العباس أحمدُ بْنُ طاهرٍ الدَّانى في "أطراف الموطأ" -كما في "طرح التثريب" (2/ 120) -. فالأولى أن يُقال: إن أبا الزناد كان يحدثُ به على الوجهين لتقاربهما في المعنى؛ لأن مالكًا روى عنه الَّلفظين. وعكس أبو عوانة المقالة! فقال بعد أن رواه بلفظ: "إذا شرب": "كذا قال أصحاب أبي الزناد، إلا سفيان فإنه قال: إذا ولغ"! هكذا قال!! وهو خطأ كما يأتي بيانُهُ إنْ شاء الله تعالى، ولعلَّهُ يكونُ من النُّسَّاخ. وقد تابع مالكًا عن أبي الزناد بهذا الَّلفظ:-"إذا شرب"- جماعةٌ منهم: 1 - ورقاءُ بْنُ عُمَرَ، عن أبي الزنَاد. أخرجه أبو بكر الجوزقيُّ في "كتابه". وورقاء ثقةٌ، ولكنى لا أدرى: هل صحَّ السند إليه أم لا؟ فإنى لم أقف عليه. 2 - المغيرةُ بنُ عبد الرَّحمن، عن أبي الزناد. أخرجه أبو يعلى -كما في "الفتح" (1/ 275) (¬1) - وعنه أبو الشيخ الأصبهانيُّ في "الجزء الثالث من العوالى" -كما في "نصب الراية" = ¬

_ (¬1) ولم أقف عليه في مسنده المطبوع. فالله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (1/ 133) - من طريق سعيد بن عبد الجبار، عن المغيرة بن عبد الرحمن. وسندُهُ جيدٌ، وسعيدُ بنُ عبد الجبار هو ابْنُ يزيد القرشيُّ وثقة ابنُ حبان، والخطيبُ. وقال أبو حاتم: "صدوق". والمغيرةُ بْنُ عبد الرحمن المدنيُّ، وثقه ابنُ حبان. وقال أحمد وأبو داود. "ليس به بأسٌ". وقال النسائيُّ. "ليس بالقويّ". وهذا تليينٌ هيِّنٌ، يشعر أنه ليس من الأَثْبَات. 3 - عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه. أخرجه ابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 227) من طريق ابن وهبٍ، عنه وسندهُ حسنٌ. 4 - شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد. أخرجه الطبرانيُّ في "مسند الشاميين" (ق 640) حدثنا أبو زرعة الدمشقيُّ، ثنا عليّ بن عياش، ثنا شعيبٌ به. وسندهُ صحيحٌ. * قُلْتُ: فهذه المتابعاتُ لمالكٍ ترجحُ أن أبا الزنادِ كان يرويه باللفظين. فقول الإِسماعيلى: إن مالكًا انفرد عن الكل بهذه اللفظة لا يصح، وكذا قول ابن عبد البر وابن مندة. وذكر ابنُ مندة أن جعفر بن ربيعة تابع أبا الزناد عليه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد ورد هذا الَّلفظُ في بعض الروايات عن هشام ابن حسَّان، عن ابن سيرين، وسيأتى تحقيقُه قريبًا إنْ شاء الله. وقد اختُلف على مالك في إسناده. فرواه جميعُ من ذكرنا، عن مالكٍ، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا به. وخالفهم يعقوبُ بْنُ الوليد المدنيُّ، فرواه عن مالكٍ، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة موقوفًا: "إذا ولغ الكلب في الإناء، غُسل سبع مرات". أخرجه الإسماعيلي في "معجمه" (ج 1/ق 48/ 2) قال: حدثنا محمد ابن زياد وابن عدي (7/ 2606) حدثنا القاسم المقرى، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (18/ 263) من طريق أبي القاسم البغوي قالوا: حدثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدثنا يعقوب بن الوليد به. * قُلْتُ: وهي مخالفةٌ ساقطةٌ لا يُفرح بها. ويعقوبُ بن الوليد قال فيه أحمد: "كان من الكذَّابين الكبار، يضعُ الحديث". وكذبه أيضًا يحيى بن معين، وأبو حاتم -كما في "الجرح والتعديل" (4/ 2 / 216) لولده عبد الرحمن. وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 3 /ق 38/ 2): "وهم -يعني: يعقوب- فيه على مالكٍ، والصواب: عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة". وقال ابنُ عبد البر (18/ 263): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ليس بمحفوظ لمالك بهذا الإسناد ... وهذا عندي خطأ في الإسناد لا شك فيه، والله أعلمُ". * * * ثُمَّ اعلم -علَّمنى الله وإياك- أنه قد رواه جماعةٌ آخرون عن أبي الزناد غير مالكٍ، منهُم: * 1 - سفيانُ بْنُ عُيَينةَ، عن أبي الزناد. أخرجه الشافعي في "المسند" (ص 7 - 8)، وفي "الأم" (1/ 6)، وأحمد (2/ 245)، والحمديُّ (667) وابن الجارود (25) من طريق سفيان ابن عيينة به بلفظ: "إذا ولغ الكلبُ في إناء أحدكم، فليغسله سبع غسلات". وتابعهم عبدُ الجبار بن العلاء، نا سفيان به بلفظ: "طهوُر إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلبُ أنْ يغسله سبع مرات". أخرجه ابن خزيمة (ج 1 / رقم 96). * 2 - هشامُ بنُ عروة، عن أبي الزناد. أخرجه ابنُ حبان (ج 4 / رقم 1294)، وابنُ عديّ في "الكامل" (7/ 2634)، من طريق عبد الله بنُ أحمد بن موسى وعبدان، كليهما عن عقبة بن مكرم، عن يونس بن بكير، عن هشام بن عروة به، بلفظ: "إذا ولغ الكلبُ في إناء أحدكم، فاغْسلُوهُ سَبْعَ مرَّاتٍ". وتابعهما إسحاقُ بْنُ زيادٍ الأُبُلى؛ ثنا عقبةُ به، وزاد: "أحسبة قال: إحداهُنَّ بالتراب". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه البزَّار (¬1) (ج 1/ رقم 277). قال الهيثميُّ: "قُلْتُ: هو في "الصحيح" خلا قوله: إحداهن، لم يروه هكذا إلَّا يونس. * قُلْتُ: فهذا يوهم أن الزيادة من يونس، وليس كذلك، فقد رواها عنه عبدانُ وغيره بدونها، فيظهر لي أنها من شيخ البزَّار إسحق بن زياد. وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 119). ويُحتمل أن يكون ذلك من يونس، كأن يذكرها مرةً، ويقصر عنها تارةً. مع قوة الأمر الأول مع أن هذه الزيادة ثابتة، كما يأتي. وقد توبع يونس بن بكير. تابعه إسماعيلُ بنُ عياشٍ، عن هشام بن عروة به. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 65) وقال: "صحيحٌ"، وابنُ المقرى في "معجمه" (ق 53/ 1) والخطيبُ في "التاريخ" (4/ 128) من طريق عبد الوهاب بن نجدة، وخالد بن عمرو عَنْ إسماعيل به. * قُلْتُ: ووقع عند ابن المقرى: "خالد بن أبي الأخيل الحمصيُّ"، وهو خالد بن عمرو السلفيُّ أبو الأخيل، وقد كذّبه جعفر الفريابي، ووهَّاهُ ابنُ عدىّ، وضعّفه الدارقطني، وذكره ابنُ حبان في "الثقات" وقال: "ربما أخطأ"، وكان حقُّه أن يُحوَّل. = ¬

_ (¬1) وقال -كما في "البحر الزخار" (ج 2 /ق 201/ 2): "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، إلَّا يونس بن بُكير".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وخالفهُما عبدُ الوهاب بن الضحاك، فرواه عن إسماعيل، عن هشام بسنده سواء، لكن بلفظ: "يُغسَلُ ثَلاَثًا، أوْ خَمْسًا، أو سَبْعًا". أخرجه الدارقطنيُّ وعنه ابن الجوزي في "التحقيق" (1/ 40/ 58) وقال الدارقطنيُّ: "تفرد به عبد الوهاب عن إسماعيل، وهو متروكُ الحديث، وغيرُه يرويه عن إسماعيل بهذا الإسناد: "فاغسلوه سبعًا"، وهو الصواب" اهـ. وقال أيضًا في "العلل" (ج 3/ ق 26/ 1): "وحدَّث بهذا الحديث عبد الوهاب بن الضحَّاك -وكان ضعيفًا- عن إسماعيل بن عيّاش، عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ولغ الكلب فليغسل سبعًا، أو خمسًا، أو ثلاثًا". وخالفه غيره، فرواه عن إسماعل بن عياش بهذا الإسناد وقال: "فليغسله سبعًا" ولم يزد على ذلك، وهو الصوابُ" اهـ. وقال البيهقيُّ (1/ 240): "وهذا ضعيفٌ بمَّرةٍ. عبد الوهاب بن الضحاك متروك. وإسماعيل بن عياش لا يحتجُّ به خاصةً إذا روى عن أهل الحجاز، وقد رواه عبد الوهاب ابن نجدة، عن إسماعيل، عن هشام، عن أبي الزناد: "فاغسلوه سبع مرات" كما رواه الثقات" (¬1) اهـ. وقال ابنُ الجوزيّ في "الواهيات" (1/ 333): = ¬

_ (¬1) وضعّفه العراقي "طرح التثريب" (2/ 124).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "تفرَّد بهذا عبدُ الوهاب. قال العقيليُّ: متروك الحديث، وابنُ عيَّاش قد سبق ضعفُه". وقال الجوزقاني في "الأباطيل" (255): "تفرَّد به عبد الوهاب بن الضحاك، عن إسماعيل، وهو متروكُ الحديث، وغيره يرويه عن إسماعيل بهذا الإسناد: "فاغسلوه سبعًا" وهو الصواب، ورواه أحمدُ بنُ خالد بن عمرو الحمصيُّ، عن أبيه، عن إسماعيل بن عياش بهذا الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاغسلوه سبع مرات" وهذا أشبهُ بالصواب، مع أن إسماعيل بن عياش ضعيف" اهـ. * قُلْتُ: وذكرُهُم لإسماعيل بن عيَّاش في معرض تعليلهم للحديث فيه نظرٌ، فإن عبد الوهاب بن نجدة وغيره، رووه عن إسماعيل، عن هشام بن عروة -وهو حجازيٌّ- على الاستقامة، فدلَّنا ذلك على أن العُهدة ليست على إسماعيل هنا، بل على عبد الوهاب بن الضحاك وحده لأمرين. * الأوَّلُ: أنه الأضعف، بل كذَّبه أبو حاتم، فتعصيب الجناية برقبته أولى. * الثاني: أن إسماعيل قد توبع عليه. والله أعلم. وأما تضعيف الجوزقاني وابن الجوزي لإسماعيل بن عياش فليس بشىء، لأنه صدوق في نفسه، وإنّما ضعفه في روايته عن غير أهل بلده. وقد تقدَّم أنه رواه عن أبي الزناد أيضًا: المغيرةُ بْنُ عبد الرَّحمن، وورقاءُ ابْنُ عمر، وأبو عليّ الحنفيُّ، وشعيب بن أبي حمزة. وذكر ابنُ مندة -كما في "نصب الراية" (1/ 132) - أنه قد رواه عن أبي الزناد أيضًا موسى بْنُ عُقْبة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهؤلاء سبعةُ أنفسٍ يروون الحديث عن أبي الزناد. * * * وللحَدِيْثِ طُرُقٌ أُخْرَى عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ الله عَنْهُ. * أولًا: محمَّد بنُ سيريْنَ، عَنْهُ. وَلَهُ عن ابْنِ سيريْنَ طرقٌ، مِنْهَا: * 1 - هشامُ بنُ حَسَّانٍ، عنه. أخرجه مسلمٌ (279/ 91)، وأبو عوانة (1/ 207 - 208)، وأبو داود (71)، وأحمدُ (2/ 265، 427، 508)، وعبد الرزاق (ج 1/ رقم 330)، وابنُ أبي شيبة (1/ 173، 14/ 203 - 204)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 26/ 1) والبزار (ج 2 / ق 275/ 2)، وابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 95)، وابنُ حبان (ج 2/ق 1297)، وابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 110)، والبيهقيُّ (1/ 240)، والجوزقاني في "الأباطيل" (356) وابن الجوزي في "التحقيق" (1/ 38 / 54) عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا. "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلبُ، أنْ يغسله سبع مرَّاتٍ، أولاهنَّ بالتراب" واللَّفْظ لمسلم. ورواه عن هشام بن حسان جماعةٌ، منهم: "ابنُ عُليَّة، وزائدةُ بنُ قدامة، وعبد الرزاق، وعبد الله بن بكر السهميُّ، وعبد الأعلى الصنعاني، ويزيدُ بنُ هارون" (¬1). = ¬

_ (¬1) وخالفهم سعيد بن عامر الضُبعي، فرواه عن هشام بسنده سواء موقوفًا على أبي هريرة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتابعهم محمد بن مروان، عن هشام بن حسان بلفظ: "إذا شرب الكلبُ من الإناء ... " = ¬

_ = - رضي الله عنه -. أخرجه الطحاوي في "المشكل" (3/ 268) حدثنا بكار، ثنا سعيد بن عامر. قال الطحاوي: فقال قائل: كيف تقبلون هذا من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رواه هشام بن حسان عن محمد بن سيرين فأوقفه على أبي هريرة لم يتجاوز به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. فكان جوابُنا له في ذلك بتوفيق الله تعالى وعونه: أن أيوب فوق هشام في الجلالة والثبت فزيادته عليه ما زاده عليه في إسناد هذا الحديث مقبولة، وقرةُ وإن لم يكن فوق هشام في الثبت والحفظ، ولكنه لم يكن دونه في ذلك، مع أن محمد بن سيرين قد كان إذا أوقف أحاديث أبي هريرة فسئِل عنها: أهي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: كل حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -" اهـ. * قُلْتُ: وجوابُ الطحاوي رحمه الله لا يخلو من نظر، فلا حاجة إلى الترجيح بين هشام بن حسان وأيوب السختياني، فقد رواه جمعٌ عن النبي مرفوعًا، لا سيما وقد رواه غير واحدٍ عن أيوب موقوفًا أيضًا ولو ألقى الطحاويُّ التبعة على سليمان بن عامر لكان أولى، فقد قال أبو حاتم: "كان في حديثه بعض الغلط". ثم رأيت أن بكارًا خولف فيه. خالفه عبد الله بن محمدٍ، فرواه عن سعيد بن عامر بسنده سواء غير أنه رفعه. أخرجه البيهقي في "السنن الصغرى" (176) من طريق أحمد بن سليمان بن الحسن الفقيه، نا عبد الله بن محمد به. * قُلْتُ: وأحمد بن سليمان هو أبو بكر النجاد شيخُ الحنابلة خاتمة أصحاب أبي داود السجستاني، صدوق. وعبد الله بن محمد، أستبعدُ أن يكون ابن أبي شيبة، فيظهر أن النجاد لم يلحقه. وفي الرواة عن سعيد بن عامر: "أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن أبي قريش" فلو ثبت أنه ثقةٌ، فيُحمل علي الوجهين أعنى أنه صحيحٌ مرفوعًا وموقوفًا. والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابن خزيمة (ج 1/ رقم 97) قال: حدثنا جميلُ بنُ الحسن، نا أبو همام -يعني محمد بن مروان. * قُلْتُ: وجميلُ بنُ الحسن، ذكره ابنُ حبان في "الثقات" (8/ 164) وقال: "يُغرب". ووثقه مسلمة بنُ قاسم. ووقع فيه عبدان الأهوازي، فقال: "كان كذابًا، فاسقًا، فاجرًا"! قال ابنُ عديّ في "الكامل" (2/ 594): "لم أسمع أحدًا يتكلَّمُ فيه غير عبدان. وهو كثيرُ الرواية ... وعنده عن أبي همام الأهوازي غرائبُ، وعن غيره. ولا أعلمُ له حديثًا منكرًا، وأرجو أنه لا بأس به، إلا عبدان فإنه نسبه إلى الفسق، وأما في باب الرواية فإنه صالحٌ" (¬1) اهـ. ومحمد بن مروان العقيلي، فيه لينٌ. وقد وقع في سند ابن خزيمة أن كنيته: "أبو همام" وكذا في "الثقات" وفي "الكامل" وغيرها. وقد ذكروا له في كتب التراجم كنية أخرى، وهي "أبو بكر"، فالله أعلم. = ¬

_ (¬1) وإنما نسبهُ عبدانُ إلى الفسق لما حكاه ابنُ عديٍّ، قال: "قال عبدانُ: سمعتُ ابن معاذ يحكى عن آخر، عن امرأةٍ زعمت أن جميلًا تعرّض لها وراودها، فقالت له: اتق الله! فقال: إنه ليأتي علينا الساعة يحلُّ لنا فيها كل شىءٍ!! قال الحافظ في "التهذيب" (2/ 114): "فكأن هذا مرادُ عبدان بأنه فاسقٌ يكذب، ولكن يؤثر قول المرأة فيه مع كونها مجهولة؟!!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فيظهر من هذا أن هذا اللفظ غير مشهورٍ (¬1) من رواية هشام بن حسان، والمعروفُ من روايته: "إذا ولغ". نعم! لم يتفرد به محمد بن مروان. فتابعه عبد الرزاق، عن هشام بن حسَّان بلفظ: "إذا شرب". أخرجه ابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 228) قال: حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق به. وإسحاق هو ابنُ إبراهيم الدَّبرى. ولكن يعكر على هذه الرواية أنَّ الدَّبري رواه عن عبد الرزاق في "مصنفه" بلفظ: "إذا ولغ". وكذلك رواه أبو عوانة عن الدَّبرى. ورواه أحمد عن عبد الرزاق بلفظ: "إذا ولغ". فلعلَّ الوهم من عبد الرزاق؛ لأن الدَّبرى رواه عنه على الوجهين، وقد قال الذهبي في "السير" (13/ 417) مدافعًا عن الدَّبرى: "والرجلُ، فقد سمع كتبًا فأداها كما سمعها، ولعل النكارة فيه من شيخه، فإنه أضرَّ بأخرةٍ. فالله أعلم" اهـ. ويحتمل أن يكون عبد الرزاق رواه بالَّلفظين، فتتقوى رواية محمد بن مروان. والله أعلم بحقيقة ذلك. ¬

_ (¬1) ثم رأيتُ البدر العيني صرَّح، بذلك في "عمدة القاري" (3/ 39) فلله الحمدُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 2 - أيوبُ السختيانيُّ، عن ابن سيرين. أخرجه الترمذيُّ (91) ومن طريقه ابن الجوزى في "التحقيق" (1/ 45/ 66) قال: حدثنا سوار بن عبد الله العنبريُّ (¬1)، حدثنا معتمر بنُ = ¬

_ (¬1) أعلَّه ابنُ الجوزيّ - رحمه الله - بعلَّةٍ غربيةٍ جدًّا، ققال: "فيه سوَّار. قال سفيان الثوري: ليس بشىء"، وقد غلط في هذا غلطًا فاحشًا كما قال الحافظ في "التهذيب" (4/ 269)، فإن شيخ الترمذى وثقة النسائيُّ وابنُ حيان، وقال أحمد: "ما بلغني إلا خيرًا"، ولا يحفظ لسفيان الثورى في سوَّار هذا -شيخ الترمذى قولٌ. كيف؟ وقد مات الثورى قبل أن يولد سوار هذا بعشرين سنة، وإنما قال سفيانُ هذا في سوار ابن عبد الله بن قدامة وهو جدُّ شيخ الترمذى فلهذا كان غلطُه فاحشًا. ونقل الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 135) عن ابن دقيق العيد أنه قال في "الإِمام": "هذا وهمٌ فاحشٌ، فإن سوارًا هذا -شيخ الترمذى- هو: سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله بن قدامة، مات سنة خمس وأربعين ومائتين وروى عنه أبو داود والنسائي وخلق، وقال النسائي: ثقة وذكره ابنُ حبان في "الثقات" وسوَّار الذي جرحه سفيان هو: سوَّار بن عبد الله بن قدامة متقدم الطبقة. اهـ وأخذ صاحب "التنقيح" هذا الكلام برمته فنقله في "كتاب" متعقبًا على ابن الجوزى من غير أن يعزوه لقائله" اهـ. * قُلْتُ: وفي كلام الزيلعيُّ - رحمه الله - نظرٌ من وجهين: * الأول: أن لفظ ابن دقيق العيد فيه اختلاف عما نقله الزيلعيُّ عنه. فقد قال في "الإمام" (ج 1/ ق 56/ 2): "وأما ما اعترض به أبو الفرج ابن الجوزى على هذا الحديث وقد رواه من جهة الترمذيّ عن "سوار بن عد الله العنبرىّ" عن المعتمر، فأجاب بأن "سوار" قال سفيان الثورى: ليس بشىء، فهذا الذي اعترض به أبو الفرج ليس بشىء، لأن "سوار" الذي قال فيه سفيان هذا غير "سوَّار" الذي روى عنه الترمذيّ، ذاك "سوَّار بن عبد الله بن قدامة" متقدمٌ في الطبقة، وشيخ الترمذيّ مات سنة خمسٍ وأربعين ومائتين فيما قيل" اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = سليمان، سمعتُ أيوب يحدث عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: "يُغْسلُ الإناءُ إذا ولغ فيه الكلبُ سبع مرَّات -أولاهنَّ أو أخراهن بالتراب-، وإذا ولغت فيه الهرَّةُ غُسل مرةٌ". وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ" (¬1). وأخرجه الطحاويُّ في "المشكل" (3/ 267 - 268) من طريق سوار ابن عبد الله شيخ الترمذيّ -لكنه قال فيه: "أولاهنَّ بالتراب" ولم يشُك. وكذا رواه المقدميّ، عن المعتمر. أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 21) مع الزيادة. = ¬

_ = * الثاني: أن كلام ابن عبد الهادي في "التنقيح" يختلف عما ذكره ابنُ دقيق العيد. فقال في "التنقيح" (ق 1/ 21): "وتضعيف المؤلف -يعني ابن الجوزي- للطريق الأولى بأن سفيان قال في "سوار" ليس بشيءٍ، وهمٌ فاحشٌ، وأما قول سفيان إنما هو في جدِّ شيخ الترمذيّ، وشيخ الترمذيّ هو "سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله التميمي العنبريُّ أبو عبد الله البصريّ القاضي ابن القاضي ابن القاضي، روى عنه يحيى القطان وجماعةٌ، وروى عنه أبو داود، والترمذي والنسائي وخلق. قال أحمد بن حنبل: "ما بلغني عنه إلَّا خيرًا" وقال النسائيّ: "ثقة" وذكره ابن حبان في "كتاب الثقات". * قُلْتُ: وبمقارنة كلام ابن عبد الهادي مع كلام ابن دقيق العيد لا يظهر تشابهٌ، فكيف يُقال: نقله برمته؟! ثُمَّ اعلم أن هذا الكلام لم يُذكر في الجزء الأول المطبوع من "تنقيح التحقيق"، فلا أدرى كيف حدث هذا؟ (¬1) وقال البزار في "البحر الزخار" (ج 2/ ق 265/ 1): "ورواه عن أيوب المعتمرُ، وزاد قصه الهر ورفعه، وغير المعتمر يجعل غسل الهرِّ مرة من قول أبي هريرة، على أن قرة قد أسنده" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فأخشى أنْ يكون هذا من المعتمر بن سليمان، فهو وإنْ كان ثقة لكن قال فيه ابنُ خراشٍ: "صدوق يخطئ إذا حدَّث من حفظه، وإذا حدَّث من كتابه فهو ثقة". ورواية "أولاهن" أرجح لما يأتي. وقد اختُلف فيه. فرواه مسدد بن مسرهد، حدثنا المعتمر، عن أيوب به موقوفًا. أخرجه أبو داود (72). وتابعه محمد بن عبيد، ثنا حماد بنُ زيدٍ، عن أيوب به موقوفًا. أخرجه أبو داود، والدارقطنى (1/ 64) وقال: "صحيحٌ موقوفٌ". ولا خلاف بين الروايتين، وكان أيوب يُمسك عن رفع الحديث أحيانًا كما يأتي. وقد رواه على الشكِّ أيضًا سفيان بنُ عيينة، عن أيوب. أخرجه الشافعي في "المسند" (ص - 8)، وفي "الأم" (1/ 6)، والحميديُّ (968)، وأبو عوانة (1/ 208)، والبيهقيُّ (1/ 241)، وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 158)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 73 - 74) بلفظ: "أولاهنَّ أو أخراهنَّ بالتراب". ووقع عند الحميديّ. "أو إحداهن" بالحاء المهملة والدال. ولكن رواه بغير شكٍّ بلفظ: "أولاهنَّ" جماعةٌ آخرون عن أيوب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = السختياني، منهم: أ- معمر بنُ راشد. أخرجه عبد الرزاق (ج 1/ رقم 331)، وأحمد (2/ 265) والبزار (ج 2/ ق 265/ 1)، وأبو عوانة (1/ 208). وسندهُ صحيح على شرطهما. ولكن ليس في رواية أحمد ذكرٌ للتراب أصلًا! وأرجح أنَّ هذا هو لفظ هشام بن حسَّان، عن ابن سيرين. لأن الإِمام أحمد ذكر الطريقين معًا بلفظ واحدٍ، لا أنَّ رواية معمر ليس فيها ذكرٌ للتراب. والله أعلمُ. ب- سعيدُ بنُ أبي عروبة. أخرجه أحمدُ (2/ 489) قال: ثنا محمد بن جعفر قال: وسئل عن الإناء يلغ فيه الكلب قال: ثنا سعيد .... إلخ. وأخرجه البزار (ج 2/ ق 265/ 1، 2) حدثنا محمد بن الوليد القرشي نا محمد بن جعفر به. جـ - ابنُ عُليَّة، عن أيوب، ولكنه أوقفه. أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 26/ 1) ثنا إسماعيل بن إبراهيم يعني ابن علية. وقال: "والذي عندنا أنه مرفوعٌ، ولكن أيوب كان ربما أمسك عن الرفع". * قُلْتُ: فرواية "أولاهنَّ" تترجح لتتابُع الثقات عليها. 3 - الأوزاعيُّ، عن ابن سيرين. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 64)، والبيهقيُّ (1/ 240) وفي "السنن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الصغرى" (175) من طريق بشر بن بكر، نا الأوزاعيُّ، عن ابن سيرين به وفيه: "أولاهنَّ بالتراب". قال الدَّارقطنيُّ: "الأوزاعيُّ دخل على ابن سيرين في مرضه، ولم يسمع منه". وقال ابن حبان في "الثقات" (7/ 63): "قد روى عن ابن سيرين نسخةٌ، رواها عنه بشر بن بكر التنيسى، ولم يسمع الأوزاعيُّ من ابن سيرين شيئًا". 4 - قتادة، عن ابن سيرين. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 64) والبزار (ج 2 /ق 271/ 2)، وابن عديّ في "الكامل" (2/ 630 - 631) من طريق الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرات، والسابعةُ بالتراب". قال ابنُ عدىّ: "لا أعلم يرويه عن قتادة غير الحكم". * قُلْتُ: والحكم ضعيفٌ، ولكن لم يتفرد به كما قال ابنُ عدىّ. بل تابعه أبان بن يزيد العطار، حدثنا قتادة، أن محمد بن سيرين حدَّثه، عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره. أخرجه أبو داود (73) والبزار (ج 2/ ق 271/ 2)، والدارقطنيُّ (1/ 64)، والبيهقيّ (1/ 241) من طريق موسى بن إسماعيل، عن أبان. قال الدارقطنيُّ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "صحيحٌ". وأبان بنُ يزيد العطار ثقةٌ حجةٌ. وتابعهما خليد بن دعلج، عن قتادة. أخرجه البزار (ج2/ ق 271/ 2). وتابعهم سعيد بن بشير، عن قتادة بسنده سواء. لكن قال فيه: "الأولى بالتراب". أخرجه البزار والدارقطنيُّ وقال: "صحيحٌ" (¬1). قلت: ومقصود الدارقطنيّ -والله أعلمُ- أنَّ هذه اللَّفظة صحيحة من وجوهٍ أخر، وإلا فسعيد بن بشير ضعيفٌ خاصة في قتادة، ولكنه لم يتفّرد به. فتابعه سعيد بنُ أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا ولغ الكلب في إناء أحد، فليغسله سبع مرَّات، أولاهنَّ بالتراب". أخرجه المصنِّفُ (1/ 177 - 178) ويأتي برقم (339) من طريق عبدة ابن سليمان، عن سعيد بن أبي عروبة. وقد خولف عبدةُ في إسناده. خالفه خالد بنُ يحيى الهلالي، فرواه عن سعيد بن أبي عروبة، عن = ¬

_ (¬1) وقد ذكر الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 3 / ق 25/ 2) أن سعيد بن بشير رواه عن قتادة، عن ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وقال: "ووهم فيه" يعني سعيد ابن بشير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعًا: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلبُ، أنْ يُغسل سبع مرَّاتٍ، الأولى بالتراب". أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 64). فجعل شيخ قتادة هو "الحسن" بدل "ابن سيرين". وروايةُ عبدة بن سليمان أرجحُ من غير شكٍّ، لأمرين: * الأول: المتابعات السابقة. * الثاني: أنه أثبت الناس في سعيد بن أبي عروبة. أما خالدُ بنُ يحيى، فذكره ابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 882) وقال: "ولخالد هذا غير ما ذكرتُ من الحديث إفرادات وغرائب عمن يُحدِّث عنه، وليس بالكثير، وأرجو أنه لا بأس به، لأنى لم أر في حديثه متنًا منكرًا" اهـ. وقال الذهبيُّ في "الميزان". "صويلح". فمثلُه يقبل حديثه بشرط عدم المخالف، ويبدو أن غالب أخطائه في الأسانيد، كما يومى إليه كلام ابن عدى. ومما يدلُّ على اضطراب خالد بن يحيى في إسناده أنه رواه أيضًا عن يونس ابن عبيد، عن الحسن، عن أبي هريرة به. وسيأتى قريبًا إن شاء الله تعالى. فالصوابُ رواية عبدة بن سليمان، لا سيما وقد توبع. تابعه عبدُ الوهاب بنُ عطاء، عن سعيدٍ به، إلَّا أنه قال: "أولاها أو السابعة بالتراب" والشكُّ من سعيدٍ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعانى" (1/ 21). ورواية عبدة أرجح في نظرى، لتثبته في سعيد بن أبي عروبة والله أعلمُ. وراوه عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة به إلَّا أنه قال: "آخره بالتراب". أخرجه البزار (ج 2 / ق 271/ 2) حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن عيسى الضبعى قالا: نا عبد الأعلى. وقد اختلف على قتادة فيه. فرواه سعيدُ بنُ أبي عروبة، وأبان بن يزيد العطَّار، وسعيد بن بشير، والحكمُ بنُ عبد الملك، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. وخالفهم هشام الدستوائى، فرواه عن قتادة، عن خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة مرفوعًا وفيه: "أولاهنَّ بالتراب". أخرجه المصنِّفُ ويأتي برقم (338)، والدارقطنيُّ (1/ 65)، والبيهقيُّ (1/ 241). * قُلْتُ: وهشام الدستوائى من أثبت الناس في قتادة، فكأن قتادة كان يرويه على الوجهين. والله أعلمُ. ولذلك قال الدَّارقطنى: "صحيحٌ". أمَّا البيهقيُّ - رحمه الله - فقال: "هذا حديثٌ غريبٌ إنْ كان حفظه معاذٌ، فهو حسنٌ" اهـ. فكأنَّهُ أعلَّهُ، ولا وجه لاستغرابه فيما يظهرُ لي، وقد صحَّحه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الدارقطنيُّ كما مرَّ آنفًا. والله أعلمُ. 5 - يونس بن عبيد، عن ابْنِ سيرين. أخرجه البزار (ج 2 /ق 268/ 1) / والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2 / رقم 1348)، وابنُ أبي شريح في "جزء بيبى" (رقم 15)، والذهبيُّ في "تذكرة الحفاظ" (2/ 777) من طريقين عن محمد بن بشار، حدثنا إبراهيم بن صدقة، عن يونس بن عبيد به، وفيه: "أولاهنَّ بالتراب" وعند البزار: "أولاهنَّ أو أخراهنَّ". قال البزار: "وهذا الحديث رواه بُندار هكذا، ورواه غيرهُ عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة، وعن هشام عن محمد، عن أبي هريرة، ولا نعلم رواه عن يونس إلا إبراهيم بن صدقة" اهـ. "لم يرو هذا الحديث عن يونس إلا إبراهيم، تفرَّد به بُندار". * قُلْتُ: كلهم ثقات، إلَّا إبراهيم هذا. فقال أبو حاتم: "شيخٌ". وقال ابنُ الجنيد: "محله الصدقُ". فالسندُ جيدٌ، والحمد لله على التوفيق. وقد خولف إبراهيم بن صدقة فيه. خالفه خالد بن يحيى الهلالي، فرواه عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفرعًا به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه الدارقطنيُّ في "سننه" (1/ 64)، وفي "حديث أبي الطاهر الذُّهْلي" رقم (98). وقد مرّ الكلام في خالد بن يحيى. ورواية إبراهيم بن صدقة أشبهُ. والله أعلمُ. 6 - قُرَّةُ بْنُ خالدٍ، عن ابن سيرين. أخرجه ابنُ المقري في "معجمه" (ق 5/ 2)، والطحاويُّ في "المشكل" (3/ 267)، وفي "الشرح" (1/ 19، 21)، والدارقطنيُّ (1/ 64)، والحاكمُ (1/ 160) وابن حزم في "المحلى" (1/ 117) وابن الجوزى في "التحقيق" (1/ 45 - 46/ 67) من طريق الضحاك بن مخلد أبي عاصمٍ النبيل، عن قرة بن خالد بلفظ: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلبُ أن يُغسل سبع مرَّاتٍ الأولى بالتراب، والهرةُ مثل ذلك". قال الدارقطنيُّ: "هذا صحيحٌ". وقال الطحاوي: "وهذا حديثٌ متصلُ الإِسناد". وقال الحاكمُ: "صحيحُ الإسناد على شرط الشيخين ... وإنما تفرَّد به أبو عاصمٍ وهو حجةٌ" اهـ. 7 - عبدُ الله بْنُ عونٍ، عن ابن سيرين. أخرجه ابنُ عديٍّ (2/ 799) وابنُ شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ج 2/ ق 20/ 2)، والخطيبُ في "تاريخه" (11/ 109) والسِّياقُ له من طريق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حفص بن واقد، حدثنا ابن عون به بلفظ: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلبُ سبع مرات، أولاهنَّ بالتراب، والهر مرةً". وذكرُ "التراب" و"الهر" لم يقع في رواية ابن عديّ. قال ابنُ عديّ: "وهذه الأحاديث -وهذا منها- أنكرُ ما رأيتُ لحفص بن واقد ... وحديث ابن عون، لا يرويه عنه غير حفص بن واقد ... ولم أر لحفصٍ أنكر من هذه الأحاديث". 8 - سالمُ الخياط، عن ابن سيرين. أخرجه الطبراني في "الأوسط" (ج 1 / رقم 950) قال: حدثنا أحمدُ، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا زهيرُ بن محمد، عن سالم الخياط، قال: سمعتُ ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره وفيه: "أولها بالتراب". * قُلْتُ: وشيخ الطبرانيّ هو أحمد بن يحيى الحلواني وثقه غيرُ واحدٍ كما في "تاريخ بغداد" (5/ 212 - 213). وعمرو هو ابن أبي سلمة التنيسي، وهو صدوقٌ ولكن وقعت منه أوهامٌ في حديثه، لا سيما عن زهير بن محمدٍ. وانظر ما مضى من الجزء الأول (ص 28) من هذا الكتاب. 9 - حبيبُ بْنُ الشهيد، عن ابن سيرين. ذكره أبو داود في "سننه" (71)، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (18/ 265) وفيه: "أولاهنَّ بالتراب". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 10 - عوفُ بنُ أبي جميلة، عن ابن سيرين. أخرجه أبو طاهر المخلص في "الفوائد" (ج 4 / ق 171/ 1) من طريق أبي زيد النحويّ، ثنا عوف بسنده سواء وفيه: "أولاهنَّ بالتراب". وهذا سندٌ صحيحٌ. وأبو زيد النحويّ هو سعيد بن أوس بن ثابت. وثقهُ صالحُ جزرةُ، وقال أبو حاتم: "صدوقٌ". 11 - مُجاعةُ بنُ الزبير، عن ابن سيرين. أخرجه ابنُ عديّ (6/ 2420). ومجاعةُ قال فيه أحمدُ: "لم يكن به بأسٌ في نفسه". وضعّفه الدارقطنيُّ. فيُمشَّى حديثه في المتابعات. 12 - عمران بن خالد، عن ابن سيرين. أخرجه البزار (ج 2/ق 274/ 1) قال: حدثنا بشر بن معاذ العقديُّ، نا عمران بن خالد، عن محمد بن سيرين به مرفوعًا ولم يذكر "التراب". * قُلْتُ: ورجالُه ثقات إلَّا عمران بن خالد الخزاعيّ. فقد ضعَّفه أبو حاتم -كما في "الجرح والتعديل" (3/ 1 /297). وقال ابنُ حِبَّان: "لا يجوزُ الاحتجاجُ به". * ثانيًا: همَّامُ بْنُ منبهٍ، عن أبي هريرة. أخرجه مسلمٌ (279/ 92)، وأبو عوانة (1/ 208)، وأحمدُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (2/ 314)، وابنُ حبان (ج 4 /رقم 1295) وابن عبد البر في "التمهيد" (18/ 267) وابنُ المنذر (ج 1/ رقم 229) والبيهقيّ (1/ 240) جميعًا عن عبد الرزاق، وهو في "مصنَّفه" (ج 1 / رقم 329) عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة مرفوعًا: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب، أن يُغسل سبع مرات". * * * * ثالثًا: عبدُ الرَّحمن بْنُ أبي عمرة، عن أبي هريرة. أخرجه أحمدُ (2/ 360، 482) من طريقين عن فليح بن سليمان، عن هلال بن عليّ، عن عبد الرَّحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا استجمر أحدكم فليوتر، وإذا ولغ الكلبُ في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات، ولا يمنع فضل ماءٍ ليمنع به الكلأ، ومن حق الإبل أن تحلب على الماء يوم وردها". * قُلْتُ: وهذا سندٌ لا بأس به في المتابعات. وفليحُ بنُ سليمان، فأغلبُ النقاد على تليينه، وبقيةُ رجاله ثقات. والله أعلم. ثُمّ رأيتُ شيخنا الألباني قال في "الإرواء" (1/ 61): "وسندهُ صحيح على شرط الشيخين"! كذا، فكأنه لم يستحضر ما قيل في فليح بن سليمان، وقد رجح الشيخُ تضعيفه في "الضعيفة" (775). وقال في "الضعيفة" (1177) أيضًا بعد ذكر تصحيح الحاكم لحديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على شرط الشيخين، قال: "وفي صحته نظر، فإن فُليحًا هذا وإن كان من رجال الشيخين، ففيه كلام كثير" اهـ. والصوابُ ما ذكره شيخُنا نفسُه في "الصحيحة" (59) فقال عن فليح: "وهو مختلفٌ فيه، وقد ضعّفه جماعةٌ ومشَّاهُ بعضُهم، واحتج به الشيخان في "صحيحيهما" والراجح عندنا أنه صدوقٌ في نفسه، وأنه يخطيء أحيانًا، فمثله حسن الحديث إن شاء الله، إذ لم يتبين خطؤه" اهـ. * * * * رابعًا: عبيد مولى حنين، عن أبي هريرة. أخرجه أحمدُ (2/ 398) قال: ثنا سليمان، ثنا إسماعيلُ. أنا عتبةُ بن مسلمٍ مولى بني تميم، عن عبيد بن حنين مولى بني رزيق به. وهذا سندٌ قوي. وسليمان هو ابن داود، أبو أيوب الهاشميُّ وهو ثقةٌ. وإسماعيل هو ابن جعفر بن أبي كثير المدني. وعتبة بن مسلم. أخرج له البخاريُّ، ووثقه ابنُ حبان. * * * * خامسًا: عبدُ الرحمن بْنُ أبي كريمة، عن أبي هريرة. أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 26/ 1)، وأبو طاهر المخلص في "الفوائد" (ج 4/ ق 159/ 2)، والذهبيُّ في "تذكرة الحفاظ" (2/ 717) من طريق محمد بن سليمان لوينٍ، نا الوليد بن أبي ثور، عن السُّدي، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتابعه محمد بن بكار، ثنا الوليد بن أبي ثور به. أخرجه ابنُ عديّ في "الكامل" (7/ 2538) وقال: "وهذا عن السُّدى، لا يرويه غير الوليد". * قُلتُ: وهو ضعيفٌ، بل لعلَّهُ واهٍ .. فقد كذبه محمد بن عبد الله بن نمير، وقال أبو زرعة: "في حديثه وهاء". وقال ابنُ معين: "ليس بشىء". وقال أبو حاتم: "يكتب حديثهُ، ولا يحتجُّ به". وعبد الرحمن بن أبي كريمة والد السُّدي مجهول الحال. لذا قال الذهبيُّ: "هذا إسنادٌ غريبٌ عالٍ". * * * * سادسًا: الحارثُ بْن عبد الرَّحمن، عن عمِّه، عن أبي هريرة. أخرجه أبو يعلى (ج 12 / رقم 6678) قال: حدثنا محمد بن عباد المكيُّ، حدثنا حاتم، عن الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ذباب، عن عمه، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا ولغ الكلب ... الحديث". وهذا سندٌ لا بأس به في المتابعات. وعمُّ الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، فقد اختُلف في اسمه فقيل: "الحارث" وقيل: "عياض"، وبه ذكره الحافظُ في "الإصابة" (ج 5/ رقم 6132) وقال: "ذكره ابن مندة في "الصحابة". وذكره أيضًا ابنُ الأثير في "أسد الغابة" (4/ 164) وأفاد أن أبا نعيم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ذكره في "الصحابة" والله أعلمُ. * * * * سابعًا: أبو سلمة بْنُ عبد الرحمن، عنه. ويأتى برقم (65). * * * * ثامنًا: ثابتٌ مولى عبد الرحمن بن زيد، عنه. ويأتى في الحديث القادم. * * * * تاسعًا وعاشرًا: أبو صالح وأبو رزين، عنه. ويأتي برقم (66). * * * * حادي عشر: عقبة بن أبي الحسناء اليماني (¬1)، عنه. ذكره الدارقطنيّ في "العلل" (ج 3 /ق 25/ 2) قد يكون الراوى عنه هو فرقد السبخى، فإن كان كذلك فهو ضعيفٌ، ولكن وقع في "كتاب ابن أبي حاتم" أنه فرقد بن الحجاج، وترجم له (3/ 2 /82). وقال: "روى = ¬

_ (¬1) ترجمه البخاريُّ في "الكبير" (3/ 2/ 432)، وابنُ أبي حاتم (3/ 1/ 309 - 310) وابنُ حبان في "الثقات" (5/ 225). ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: "شيخ". وعقبةُ هذا لم يذكره المزيّ في "التهذيب" ضمن الرواة عن أبي هريرة فيستدرك عليه. ولست أقصد بالاستدارك أنه قصَّر، فلست أظن أنه قصد الاستقصاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عن عقبة بن أبي الحسناء ... سألت أبي عنه فقال: شيخٌ". وكذا ترجمه البخاري (4/ 1/ 131)، وابنُ حبان (7/ 322) وأثبتوا روايته عن عقبة بن أبي الحسناء. * * * * * ثاني عشر: يحيى بن سيرين عنه. أخرجه البزار -كما في "تقريب الأسانيد" (2/ 131 - الطرح) للعراقي، ويأتي لفظه في التنبيه الثالث إن شاء الله تعالى. * * * * ثالث عشر: عطاء بن يسار، عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 1/ ق 217/ 1، ق 305/ 2) من طريقين عن إسماعيل بن عياش، قال: نا إبراهيم بن محمد، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فلا يجعل فيه شيئًا حتى يغسله سبع مرات". وقال: "لم يرو هذا الحديث عن صفوان بن سليم إلا إبراهيم بن محمد تفرد به إسماعيل بن عياش". * قُلْت: وهذا سندٌ واهٍ جدًّا. وإبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى الأسلمى، كذَّبه غير واحدٍ من أهل المدينة منهم مالكٌ، وتركه آخرون. وإسماعيل بن عياش إذا حدَّث عن المدنيين جاء بالمناكير ولكن العلة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأولى أقوى. والله الموفق. * قُلْتُ: كل هؤلاء التابعين رووه عن أبي هريرة، فاتفقوا على أن يُغسل من ولوغ الكلب سبع مرَّاتٍ. وخالفهم عطاء بنُ أبي رباح، فرواه عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه، وليغسله ثلاث مرَّاتٍ". أخرجه ابنُ عديّ في "الكامل" (2/ 776)، وعنه الجوزقاني في "الأباطيل" (ج 1/ رقم 354)، وابنُ الجوزيّ في "الواهيات" (1/ 332 - 333) من طريق الحسين بن عليّ الكرابيسى، ثنا إسحق الأزرق، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء به. قال ابنُ عديّ: "هذا لا يرويه غير الكرابيسي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم، وعلى ما ذكر في متنه من الإهراق والغسل ثلاث مراتٍ". وقال الجوزقاني: "هذا حديثٌ منكرٌ، لم يرفعه عن إسحق الأزرق غير الكرابيسي بهذا الإسناد، وهو ضعيفٌ لا يُحتجُّ به، والأصلُ في هذا الحديث موقوفٌ". وقال ابنُ الجوزيّ: "هذا حديثٌ لا يصحُّ، لم يرفعه عن إسحق غير الكرابيسي، وهو ممن لا يُحتجُّ بحديثه، وأصل هذا الحديث أنه موقوفٌ" اهـ. * قُلْتُ: وقد أخطأ الكرابيسي في رفعه كما قال هؤلاء الحفاظ. وخالفه سعدانُ بْنُ نصرٍ، فرواه عن إسحق الأزرق بسنده موقوفًا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = على أبي هريرة. أخرجه الدَّارقطني (1/ 66) وقال: "هذا موقوفٌ، ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء". وسعدان بن نصر، ذكره ابنُ حبان في "الثقات" (8/ 305) وقال أبو حاتم وابنه: "صدوق" -كما في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 290 - 291). وتابعه عمرُ بنُ شَبَّهَ، ثنا إسحق الأزرق بإسناده نحوه موقوف. أخرجه ابنُ عديّ أيضًا وقال: "لا أدرى ذكر فيه الإهراق والغسل ثلاث مرَّات أم لا". وقد ذكر الجوزقانى في "الأباطيل" (1/ 366) أن عمر بن شبة رواه عن إسحق الأزرق بإسناده موقوفًا، ولم يذكر عنه: "فليرقه" ولا ذكر "فليغسله ثلاثًا". وقد توبع إسحق الأزرق به موقوفًا. تابعه أسباطُ بن محمدٍ، عن عبد الملك به. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 66). وأسباطٌ ثقةٌ، تكلموا في حديثه عن الثورى، وليس هذا منه. "وتابعهُ عبدُ السَّلام بنُ حربٍ، عن عبد الملك به. أخرجه الطحاويُّ في "الشرح" (1/ 23). لكن قال ابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 114): "إنما روى ذلك الحبر الساقط عبد السلام بن حرب وهو ضعيفٌ". * قُلْتُ: وهذا من ابن حزمٍ رحمه الله تخديشٌ في الرُّخام كما يقول هو لخصومه، لأمرين: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * الأول: أن عبد السلام ثقةٌ. قال أبو حاتم: "ثقة صدوقٌ". وناهيك بمثل هذا من أبي حاتمٍ مع تعنته، وأنه ممن يغمز الراوى بالغلطة والغلطتين (¬1). وقال الترمذيُّ: "ثقةٌ حافظٌ". وقال العجليُّ: "ثقةٌ ثبتٌ". وقال الدارقطني: "ثقةٌ حجةٌ". ووثقه ابن معين، وقال هو والنسائي: "ليس به بأسٌ" زاد ابنُ معين: "يُكتبُ حديثُهُ". وقال ابْنُ سعدٍ: "كان به ضعْفٌ في الحديث". وقال يعقوب بْنُ شيبة: "ثقةٌ في حديثه لين". وقال العجليُّ: ¬

_ (¬1) قال الذهبيُّ في "سير النبلاء" (13/ 260): "إذا وثَّق أبو حاتمٍ رجلًا فتمسَّكْ بقوله، فإنه لا يوثقُ إلَّا رجلًا صحيح الحديث" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = " ... والبغداديون يستنكرون بعض حديثه، والكوفيون أعلمُ به". * قُلْتُ: فهذا ما قيل في عبد السلام بن حرب، وجانب المعدلين أقوى بلا ريب؛ لأنّ الجرح مبهمٌ غير مفسر في كلام أغلبهم، ولم يأخذ عليه البغداديون شيئًا ذا بالٍ، والكوفيون أعلمُ به كما قال العجليُّ وعبد السلام كوفيٌّ، وقد قال ابن معين -كما في "السير" (8/ 336) -: "ثقةٌ، والكوفيون يوثقونه". وقد عرفنا وجه استنكار من استنكر عليه بعض حديثه. ففي "سير النبلاء" (8/ 336) للذهبي: "قال عليُّ بنُ المدينى: وقد كنت أستنكر بعض حديثه، حتى نظرتُ في حديث من يكثرُ عنه، فإذا حديثُهُ مقاربٌ عن مغيرة والناس، وذلك أنه كان عسرًا، فكانوا يجمعون غرائبه في مكانٍ، فكنتُ أنظرُ إليها مجموعة فأستنكرها" اهـ. فظهر أن الاستنكار وقع بسبب جمع الغرائب كلها في مكان واحدٍ، والغرائب تكثر فيها المناكير، وقد كانوا يجمعونها للمذاكرة والإغراب ونحو ذلك، والله أعلَمُ. * الثاني: أن عبد السلام لم يتفرَّد به، فقد توبع. تابعه إسحاق الأزرق وأسباطُ بن محمدٍ فيما مضى. وتابعه أيضًا ابنُ فُضيل، عن عبد الملك به. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 66). وإنما أعلَّ بعض الحفاظ هذا الحديث بتفرُّد عبد الملك بن أبي سليمان. قال البيهقيُّ في "كتاب المعرفة" -كما في "نصب الراية" (1/ 131): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "تفرَّد به عبدُ الملك من بين أصحاب عطاء، ثُمَّ عطاء من بين أصحاب أبي هريرة. والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء، وأصحاب أبي هريرة يروونه: "سبع مرَّاتٍ"، وعبد الملك لا يقبلُ منه ما يخالفُ الثقات، ولمخالفته أهل الحفظ والثقة -في بعض رواياته- تركه شعبة بنُ الحجاج، ولم يحتج به البخاري في "صحيحه" وقد اختُلف عليه في هذا الحديث، فمنهم من يرويه عنه مرفوعًا، ومنهم من يرويه من قول أبي هريرة، ومنهم من يرويه عنه من فعله. ثم قال: وقد اعتمد الطحاوي على الرواية الموقوفة في نسخ حديث "السبع"، وأنَّ أبا هريرة لا يخالف النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عنه، وكيف يجوز ترك رواية الحفاظ الأثبات من أوجهٍ كثيرةٍ لا يكونُ مثلها غلطًا برواية واحدٍ قد عرف بمخالفة الحفاظ في بعض أحاديثه" اهـ. * قُلْتُ: وقد ثبت فيما مضى أن أبا هريرة أفتى بالغسل سبعًا بإسنادٍ كالشمس في رابعة النهار، ولا شك أن قول أبي هريرة الموافق للسنة أولى من قوله المخالف لها. وقد قال الحافظُ في "الفتح" (1/ 277): "قد ثبت أنه -يعني أبا هريرة- أفتى بالغسل سبعًا، ورواية من روى عنه موافقة فُتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيثُ الإسناد ومن حيث النظر. أمَّا النظر فظاهرٌ، وأما الإسناد فالموافقه وردت من رواية حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عنه. وهذا من أصحِّ الأسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عنه. وهو دون الأول في القوة بكثير" اهـ.=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فتعقبه البدرُ العيني في "العمدة" (3/ 41) بقوله: "أجيب بأن قوله: "ثبت أنَّ أبا هريرة أفتى بالغسل سبعًا" يحتاجُ إلى البيان، ومجرد الدعوى لا تُسمع، ولئن سلمنا ذلك فقد يحتمل أن يكون فتواه بالسبع قبل ظهور النسخ عنده، فلما ظهر أفتى بالثلاث. وأمَّا دعوى الرجحان فغير صحيحةٍ لا من حيث النظر ولا من حيث قوة الإسناد؛ لأنّ رجال كلٍّ منهما رجالُ الصحيح كما بينَّاه عن قريب" اهـ. * قُلْتُ: وجوابُ البدر العينى ضعيفٌ متهافت، وكذلك هو في غالب ما تعقَّب به الحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى؛ ظهر لي بجلاءٍ أثناء تصنيفى لكتاب "صفو الكدر في المحاكمة بين العينى وابن حجر". وبيانُه من وجوه: * الأول: قال العينى: إن قول الحافظ: ثبت أنَّ أبا هريرة أفتى بالغسل سبعًا يحتاج إلى دليل: وهذا عجبٌ، فقد ذكر الحافظ الإسناد إلى أبي هريرة، وهو: حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. وقد أخرجه أبو داود والدارقطنى من طريقين عن حماد بن زيد به. وقال الدارقطنيُّ: "صحيحٌ موقوفٌ". ورواه المعتمرُ بْنُ سليمان، عن أيوب. وكذا ابن علية عن أيوب أخرج الأول أبو داود، والثاني أبو عبيد في "كتاب الطهور" وقد مضى ذكر ذلك كلِّه. فهل يُقال بعد ذلك: إن قوله "ثبت" يحتاج إلى دليلٍ؟!! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = *الثاني: قول العينيُّ: "ولئن سلَّمْنا ذلك فقد يحتمل أن يكون فتواه ... إلخ". فكان الواجبُ عليه أن لا يلجأ إلى الاحتمال هنا، لا سيما وقد قال العلماء: إن النسخ لا يثبت بالاحتمال، ولو عكس عليه خصمُهُ هذا الاحتمال باحتمالٍ مغاير لما قدر على الردِّ. والعجيبُ أن العيني ذكر بعد ذلك قول الحافظ: "وتعقِّب بأن الأمر بقتلها -يعني الكلاب- كان في أوائل الهجرة ... ". فقال العينى (3/ 42): "أجيب بأن كون الأمر بقتل الكلاب في أوائل الهجرة يحتاج إلى دليلٍ قطعي. فهذا الجواب يلزم العيني أيضًا. * الثالث: أمَّا قوله: "لأنّ رجال كل منهما رجال الصحيح". فالجواب أن رجال "الصحيح" ليسوا على درجةٍ واحدةٍ من القوة، بل هناك تفاوت بينهم في الحفظ والثقة، فلا يُعقل أن نسوي بينهم لمجرد أن لهم رواية، في "الصحيح" ولذا فجواب البدر العينى غيرُ ناهضٍ. وسيأتي شيءٌ من أجوبة البدر مع الرد عليها قريبًا إن شاء الله. ... قال الترمذي: "وفي الباب عن عبد الله بن المغفل". * قُلْتُ: سيأتي تخريجُه برقم (67). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وفي الباب أيضًا مما لم يذكره الترمذي: * أولًا: حديث عليّ بن أبي طالبٍ، رضي الله عنه. أخرجه الطبراني في الأوسط (ج 2 /ق 200/ 1) والدارقطنيُّ في "السنن" (1/ 65)، وفي "المؤتلف والمختلف" (2/ 830)، وابنُ الجوزى في "التحقيق" (1/ 39 /57) من طريق الجارود بن يزيد، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن عليٍّ مرفوعًا: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات، إحداهنَّ بالبطحاء". قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلَّا الجارود ولا يروى عن عليٍّ إلَّا بهذا الإسناد" اهـ. قال الدارقطنيُّ: "الجارود هو ابن أبي يزيد، متروكٌ". * قُلْتُ: فيستغربُ حقًّا أن يقول ابنُ المُلقِّن في "خلاصة البدر المنير" (ق 8/ 2): "رواه الدارقطني من حديث عليٍّ بإسناد حسن عندي"!! فهل سها عن قول الدارقطنيِّ عقب الحديث؟ والجارود هذا تركه النسائي أيضًا. وقال أبو داود: "غيرُ ثقةٍ". بل كذبه أبو أسامة وأبو حاتم. وقال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 286): "رواه الطبرانيُّ في "الأوسط" من طريق الجارود، عن إسرائيل، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والجارود لم أعرفه"! كذا قال: وكأنَّه ذهولٌ منه، أو أنه لم يفطن إليه فذكر شيخه، ولا يكادُ الهيثميُّ يفعل هذا. وإلا فقد ذكر الهيثميُّ في موضع آخر من "المجمع" (2/ 259) الجارود بن يزيد وقال: متروكٌ". ... * ثانيًا: حديثُ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما. أخرجه ابن ماجة (366) قال: حدثنا محمَّد بن يحيى، ثنا ابنُ أبي مريم، أنبأنا عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر؛ قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرَّاتٍ" (¬1). قال شيخنا في "الإرواء" (1/ 62): "سندهُ صحيحٌ": * قُلْتُ: كذا رواه شيخ ابن ماجة محمَّد بن يحيى الذهليّ. وخالفه يحيى بن أيوب العلَّاف، فرواه عن سعيد بن أبي مريم، ثنا عبد الله بن عمر -المكبر- عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا به. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 12 / رقم 13357). وتابعه عليُّ بن سهل بن المغيرة، حدثنا ابنُ أبي مريم، نا عبد الله -يعني، المكبر- به. = ¬

_ (¬1) وهذا الحديث مما فات البوصيري فلم يذكره في زوائد ابن ماجة على الكتب الخمسة وهو على شرطه إذ لم يخرجه أحدٌ منهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ الأعرابي في "معجمه" (ج 11/ ق 227/ 2). وعبد الله العمرى -المكبر- مختلف في الاحتجاج بحديثه، بخلاف أخيه عبيد الله فإنه ثقةٌ حافظٌ. فلا أدري من الواهمُ. ولم يتفرَّد به الذهلي. فرواه نصر بنُ عليّ، حدثنا عبدُ الأعلى، عن عبيد الله بن عمر -المصغر-، عن نافعٍ، عن ابن عمر مرفوعًا به. أخرجه الدارقطني في "المؤتلف" (3/ 1420)، وعنه الخطيبُ (¬1) في "تاريخه" (4/ 36). وسنده صحيحٌ، فلعلَّه كان يروى على الوجهين. ثُمَّ رأيتُ المزى رحمه الله ذكر هذا الحديث في "تحفة الأشراف" (6/ 108) في باب "عبد الله العمرى، عن نافع، عن ابن عمر" وعزاه إلى ابن ماجة، ثُمَّ قال: "وقع في بعض النُّسخ: "عن عبيد الله" وهو وهمٌ" اهـ. * قُلْتُ: ولئن قضينا بالوهم على رواية ابن ماجة، فهل نقضى بها على رواية الدارقطنّى؟؟ محلُّ نظرٍ. وأخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 173) قال: حدثنا حماد بنُ خالد، عن العمرى، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا عليه. وأخرجه عبد الرزاق (ج 1/ رقم 338) عن عبد الله العمرى، عن = ¬

_ (¬1) ذكر الخطيبُ عقب الحديث أن أبا عبد الله الزنجاني راوي الحديث عن نصر بن علي قال: "حضر إبراهيم بن أورمة هذا المجلس فقال: يا أبا عمرو لا تروه فليس له أصلٌ، فلا أدرى رواه بعدُ أم لا؟! ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نافع، عن ابن عمر أنه كان يكره سؤر الكلب. والعمريُّ فيه ضعف، ولكن تابعه أخوه عبيد الله بن عمر. أخرجه عبد الرزاق أيضًا (339) عن الثوري، عن عبيد الله بمثله. ... * ثالثًا: حديثُ ابْنِ عبَّاسٍ، رضي الله عنهما. أخرجه البزار (ج1/ رقم 278)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 11/ رقم 11566) وابنُ عدي في "الكامل" (1/ 235) من طرق عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ولغ الكلبُ في الإناء أن يغسل سبع مرَّاتٍ". قال البزارُ: "لا نعلمه يروى عن ابن عبَّاس إلا بهذا الإسناد ... وإبراهيم مشهورٌ مدني، وداود كذلك، وعكرمة تُكُلِّم فيه، ولا نعلم أحدًا ترك حديثه إلَّا مالكٌ". وقال الهيثمي في "المجمع" (1/ 287): "فيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، وثقه أحمدُ واختلف في الاحتجاج به". * قُلْتُ: العلَّةُ عندي هي رواية داود بن الحصين عن عكرمة. فقد قال ابنُ المدينى: "ما روى داود عن عكرمة فمنكرٌ". فهذا وصفٌ ثابتٌ، أمَّا إبراهيم فقد يزول الكلام عن روايته بمتابعةٍ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مثلًا. والله أعلمُ. وقد صحَّ عن ابن عباس أنه قال: "إذا ولغ الكلب في الإناء، فاغسله سبع مرار، فإنه رجسٌ، ثمَّ اشرب منه وتوضأ". ذكره ابنُ عبد البر في "التمهيد" (18/ 268) فقال: "ذكر المروزى قال: أخبرنا أبو كامل، قال: حدَّثنا أبو زرعة، عن أبي حمزة، قال: سمعتُ ابن عباسٍ يقول: فذكره". ... [تنبيهات]: * الأوَّلُ: حكى ابنُ القاسم عن مالكٍ أنه ضعّف هذا الحديث مرارًا، وقال: هذا الحديث ما أدري ما حقيقته؟! ذكره ابنُ عبد البر في "التمهيد" (18/ 270). قال العراقي في "طرح التثريب" (2/ 122): "ما أدرى ما وجه ضعْفهِ، وقد أنكر مالك على أهل العراق ردَّهُمْ لحديث المُصرَّاة، وهو بهذا الإسناد من رواية أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة. فروى ابنُ وهب (¬1)، عن مالكٍ أنه قال: وهل في هذا الإسناد لأحدٍ مقالٌ؟ وصدق رحمه الله. وقد قال البخاريُّ: إن هذا الإِسناد = ¬

_ (¬1) ذكر ابنُ عبد البر في التمهيد (18/ 270) أنَّ مالكًا قال هذا حين بلغه أن أبا حنيفة وغيره من أهل العراق يردون حديث المصراة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أصحُّ أسانيد أبي هريرة" اهـ. * قُلْتُ: قد لاحظتُ أن ابن القاسم يروى عن مالكٍ أكثر أقواله المخالفة للأحاديث الثابتة، فلا أدرى كيف وقع هذا؟ وقد علَّل بعضُ المعاصرين أن ذلك راجع إلى كون أن ابن القاسم كان صاحب رأي، ولم يكن صاحب حديث كما قال مسلمة بنُ قاسم، كذا!!، ولا يخلو من نظرٍ، إلا إن كان لا ينقل نصَّ مالكٍ، إنما ينقل فهمه. والله أعلم. * الثاني: قال الشيخ محمود شلتوت في "الفتاوى" (ص 86 - 87): "وقد فهم كثيرٌ من العلماء أنَّ العدد في الغسل مع الترتيب مقصودان لذاتهما، فأوجبوا غسل الإناء سبع مرّاتٍ، كما أوجبوا أنْ تكون إحداهنَّ بالتراب، ولكن الذي نفهمُهُ هو الذي فهمه غيرُهُم من العلماء وهو أن المقصود من العدد مجرد الكثرة التي يتطلبُها الاطمئنان على زوال أثر لعاب الكلب من الآنية، وأن المقصود من التراب استعمال مادة مع الماء من شأنها تقوية الماء في إزالة ذلك الأثر، وإنما ذكر التراب في الحديث لأنه الميسور لعامة الناس، ولأنه كان هو المعروف في ذلك الوقت مادةً قويةً في التطهير، واقتلاع ما عساه يتركه لعاب الكلب في الإناء من جراثيم، ومن هنا نستطيع أن نقرر الاكتفاء في التطهير المطلوب بما عرفه العلماء بخواص الأشياء من المطهرات القوية، وإنْ لم تكن ترابًا، ولا من عناصرها الترابُ" اهـ. * قُلْتُ: هكذا فليكن الاجتهادُ في مخالفة النصِّ!! والغسل سبعًا واجبٌ، وقد حُكى عن أبي حنيفة، والثوريّ، والليث ابن سعد أنهم قالوا: يُغسل بلا حدٍّ، ولا حُجَّة لأحدٍ مع قول النبي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = صلى الله عليه وسلم، وإنما قالوا ذلك لأنه وقع في بعض طرق حديث أبي هريرة: "فليغسله ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا" وقد بينَّا قبل ذلك أن سنده ضعيفٌ جدًّا لتفرُّد عبد الوهاب بن الضحاك به عن إسماعيل بن عيَّاش. وكذلك حديث عطاء عن أبي هريرة موقوفًا في الغسل ثلاث مرَّاتٍ، تكلَّم فيه الحفاظ على نحو ما ذكرتُه قبلُ. ثُمَّ إن العدد لا يحتمل التأويل، فكما أنه لا يعقل إذا سمعنا قول الله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (24/ 2) أن نقول: المقصود ليس المائة، بل ما تبلغ به العقوبة، فيجلد ثمانين أو دونها، أو مائة وعشرين مثلًا. أمّا عدم اشتراط التراب في الغسل فهو رأيٌ في مقابلة النص، وهو فاسد الاعتبار، وقد استدل العلماء برواية: "أولاهن بالتراب" على اشتراط الترتيب في نجاسة الكلب، وهو قول الشافعي وأحمدَ وإسحق وأبي عبيد، وأبي ثور، والطبرى، وأكثر الظاهرية، وذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعىّ إلى أنه لا يجب الترتيب، وإنما الواجب الماء فقط، واحتج بعضهم في أنه لا يجب التتريب في الغسل من ولوغ الكلب أنَّ مالكًا لم يذكره في روايته لهذا الحديث، وهذا جوابٌ ضعيفٌ متهافتٌ لأنّ ذكر التراب حفظه محمَّد ابن سيرين وأبو رافع عن أبي هريرة، ومن حفظ حجةٌ على من لم يحفظ. وقد قال ابن حزمٍ في "المحلى" (1/ 111): "ولا يجزيء بدل التراب غيرهُ، لأنَّه تعدٍ لحدِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" اهـ. وقال ابنُ دقيق العيد في "شرح العمدة" (1/ 161 - 162): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وقوله: "بالتراب" يقتضى تعيينه، وفي مذهب الشافعيّ قولٌ، أو وجهٌ، أنَّ الصابون والأشنان والغسلة الثامنة تقوم مقام التراب بناءً على أن المقصود بالتراب زيادة التنظيف، وأن الصابون والأشنان يقومان مقامه في ذلك. وهذا عندنا ضعيفٌ؛ لأنَّ النصَّ إذا ورد بشيءٍ مُعيَّن، واحتمل معنىً يختصُّ بذلك الشىء لم يجُزْ إلغاء النصِّ، وإطراح خصوص المعين فيه، والأمر بالتراب وإنْ كان محتملًا لما ذكروه وهو زيادةُ التنظيف، فلا نجزم بتعيين ذلك المعنى فإنه يزاحمهُ معنى آخر، وهو الجمع بين مطهرين أعنى الماء والتراب، وهذا المعنى مفقودٌ في التراب والأشنان. وأيضًا فإن هذه المعاني المستنبط إذا لم يكن فيها سوى مجرد المناسبة، فليست بذلك الأمر القويّ، فإذا وقعت فيها الاحتمالات، فالصواب اتباعُ النصِّ. وأيضًا فإنَّ المعنى المستنبط إذا عاد على النصِّ بإبطالٍ أو تخصيصٍ، فمردودٌ عند جميع الأصوليين" اهـ. وقال النووي في "شرح مسلم" (3/ 185): "ولا يقوم الأشنان والصابون مقام التراب على الأصحِّ" اهـ. وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 310): "الصحيحُ من المذهب -يعني الحنبلي- اشتراطُ التراب" اهـ. فقد يكون عذرُ مالك أنه كان يعتقد طهارة الكلب، فكان يرى أن الغسل مندوبٌ فقط وأن السبع أمرٌ تعبديٌّ، فلم يشترط التتريب ولا إيجاب الغسلات السبع. والله أعلمُ. * الثالث: قال البيهقي في "المعرفة": =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "ومحمد بن سيرين ينفرد بذكر التراب فيه من حديث أبي هريرة". وقال أيضًا في "السنن" (1/ 241) بعد أن رواه من طريق أبي رافع، عن أبي هريرة: "حديثٌ غريبٌ، إنْ كان حفظه معاذٌ فهو حسنٌ، لأنّ التراب في هذا الحديث لم يروه ثقة غيرُ ابْنِ سيرين". قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 23) معلقًا: "فأشار إلى تعليله". قال الحافظ العراقي: "قلتُ: تابعه عليه أخوهُ يحيى بنُ سيرين فيما رواه البزَّارُ، وقال: "أولاهنَّ أو أخراهنَّ بالتراب". * قُلْتُ: ورواه الحسن عن أبي هريرة؛ مرّ ذكرُه ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة إلا أحرفًا يسيرة، وهو مدلسٌ ولم يصرح بالتحديث. * الرَّابِعُ: ادعى بعضُ الأحناف أنَّ الأمر بالغسل سبعًا كان عند الأمر بقتل الكلاب، فلما نهى عن قتلها نُسخ الأمر بالغُسل. قال الحافظُ في "الفتح" (1/ 277): "وتُعُقِّب بأنَّ الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة، والأمر بالغسل متأخرٌ جدًّا، لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل، وقد ذكر ابن مُغفَّلٍ أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل، وكان إسلامُه سنة سبعٍ كأبي هريره، بل سياقُ مسلمٍ ظاهرٌ في أنَّ الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب" اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فتعقَّبه البدر العيني في "العمدة" (3/ 42) بقوله: "أُجيب بأنَّ كون الأمر بقتل الكلاب في أوائل الهجرة يحتاج إلى دليلٍ قطعي ولئن سلمنا ذلك فكان يُمكن أن يكون أبو هريرة قد سمع ذلك من صحابي أنه أخبره أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نهى عن قتل الكلاب نسخ الأمر بالغسل سبعًا من غير تأخير، فرواه أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لاعتماده على صدق المروى عنه؛ لأنّ الصحابة كلّهم عدولٌ" اهـ. * قُلْتُ: لم أظفر بدليلٍ صريح في أن الأمر بقتل الكلاب كان في أوائل الهجرة، وقائل هذه المقالة هو ابنُ حزم. فقد قال في "المحلى" (1/ 115): "وقال بعضُهم: إنما كان هذا إذ أمر بقتل الكلاب، فلما نُهى عن قتلها نُسخ ذلك. ثم قال: وهذا كذبٌ بحتٌ لوجهين: أحدهما: لأنه دعوى فاضحة بلا دليلٍ، وقفو ما لا علم لقائله به وهو حرامٌ. الثاني: أنَّ ابن المغفل روى حديث النهى عن قتل الكلاب، والأمر بغسل الإناء منها سبعًا في خبرٍ واحد معًا، وأيضًا فإن الأمر بقتل الكلاب كان في أول الهجرة، وإنما روى غسل الإناء منها سبعًا أبو هريرة وابن مغفلٍ وإسلامُهُما متأخرٌ" اهـ. ولكن المستغرب أن يطلب البدر العينى - رحمه الله - دليلًا قطعيًّا على كون الأمر بقتل الكلاب كان في أوائل الهجرة، ثم يبدى احتمالًا ضعيفًا مردودًا في أنَّ أبا هريرة سمع نسخ الأمر بالغسل من صحابيٍّ آخر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد ثبت عن أبي هريرة عند ابن ماجة وغيره -ويأتي تخريجُه في الحديث رقم (66) - من رواية أبي رزين، قال: رأيتُ أبا هريرة يضرب جبهته بيده، ويقول: يا أهل العراق! أنتم تزعمون أنِّي أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون لكم المهنأُ وعليَّ الإثمُ؟! أشهدُ لسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ولغ الكلبُ في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرات". وفي المسألة طول، ذكرته في "تقريب النائي لتراجم أبواب النسائي" يسَّر الله إتمامه بخير. * الخامِسُ: ضعّف بعضُ مصنفي الحنفية الرواية التي ذُكر فيها "التراب" بهذا الاضطراب من كونها: "أولاهنَّ" أو "أُخراهنَّ" أو "إحداهُنَّ" أو "السابعة" أو "الثامنة"، فقال: إن هذا الاضطراب يقتضى طرح ذكر "التراب" رأسًا، وكذا قال صاحب "المفهم": إنَّ هذه الزيادة مضطربةٌ. قال العراقي في "الطرح" (2/ 129 - 130): "وفيما قالاه نظرٌ، فإن الحديث المضطرب إنما تتساقطُ الروايات إذا تساوت وجوه الاضطراب، أمَّا إذا ترجح بعض الوجوه، فالحكمُ للرواية الراجحة، فلا يقدح فيها رواية من خالفها كما هو معروفٌ في علوم الحديث، وإذا تقرَّر ذاك، فلا شكَّ أنَّ رواية "أولاهُنَّ" أرجح من سائر الروايات، فإنه رواها عن محمد بن سيرين ثلاثةٌ: هشام بن حسَّان، وحبيب بنُ الشهيد، وأيوب السختياني، وأخرجها مسلمٌ في "صحيحه" من رواية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هشام، فتترجحُ بأمرين: كثرة الرواة، وتخرج أحد الشيخين لها، وهما من وجوه الترجيح عند التعارض. وأمَّا رواية "أخراهنَّ" بالخاء المعجمة والراء فلا توجد منفردة مسندة في شيءٍ من كتب الحديث إلا أن ابن عبد البر ذكر في "التمهيد" أنه رواها خلاس، عن أبي هريرة، ... إلا أنها رويت مضمومةً مع أولاهنَّ كما سيأتي، وأمَّا روايةُ "السابعة بالتراب" فهي وإنْ كانت بمعناها فقد تفرَّد بها عن محمد بن سيرين: قتادةُ، وانفرد بها أبو داود، وقد اختلف فيه على قتادة. فقال أبانُ عنه هكذا، وهي روايةُ أبي داود. وقال سعيد بن بشير عنه "الأولى بالتراب" فوافق الجماعة، رواه كذلك الدارقطنيُّ في "سننه"، والبيهقيُّ من طريقه، وهذا يقتضي ترجيح رواية "أولاهُنَّ" لموافقته للجماعة. وأما رواية "إحداهُنَّ"، بالحاء المهملة والدال، فليست في شيء من الكتب الستة، وإنما رواها البزار. وأما رواية: "أولاهُنَّ أو أخراهنَّ"، فقد رواها الشافعيُّ، والبيهقيُّ من طريقه بإسنادٍ صحيح، وفيه بحثٌ أذكرهُ. وهو أنَّ قوله: "أولاهُنَّ أو أخراهُنَّ" لا تخلو إما أنْ تكون مجموعةً من كلام الشارع، أو هو شكٌّ من بعض رواة الحديث. فإن كانت مجموعةً من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو دالٌّ على التخيير بينهما، ويترجح حينئذٍ ما نصّ عليه الشافعيُّ رحمه الله من التقيد بهما، وذلك لأن من جمع بينهما معه زيادةُ علم على من اقتصر على الأولى أو السابعة، لأنّ كلًّا منهنَّ حفظ مرةً فاقتصر عليها، وحفظ هذا الجمع بين الأولى والأخرى فكان أولى. وإنْ كان ذلك شكًّا من بعض الرواة، فالتعارُضُ قائمٌ، ويُرجع إلى الترجيح فتترجح الأولى كما تقدّم. وممَّا يدلُّ على أن ذلك شك من بعض الرواة لا من كلام الشارع قول الترمذي في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = روايته: "أولاهُنَّ أو قال: أخراهُنَّ بالتُّراب" فهذا يدلُّ على أن بعض الرواة شك فيه فيترجح حينئذٍ تعيين الأولى، ولها شاهدٌ أيضًا من رواية خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة". ***

64 - أَخْبَرَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 64 - إسنَادُهُ صَحِيْحٌ. * إبراهيمُ بنُ الحسن، هو ابن الهيثم الخثعميُّ، أبو إسحق المصيصيُّ. أخرج له أبو داود، وابن ماجة في "التفسير". وثقهُ المصنِّفُ، وابن حبان. وقال أبو حاتم: "صدوقٌ". * حجاج: هو ابنُ محمدٍ الأعور. * زيادُ بنُ سَعْدٍ: هو ابنُ عبد الرحمن الخرساني، أبو عبد الرحمن. أخرج له الجماعةُ. وثقهُ أحمدُ، وابن معين، وابنُ المديني، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والمصنِّفُ، والعجلى، وابن حبان في آخرين. * ثابتٌ هو ابنُ عياض الأحنف، مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب. أخرج له البخاريُّ ومسلمٌ، وأبو داود. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وثقهُ المصنِّفُ، وأحمدُ بنُ صالحٍ، وابنُ حبان. وقال أبو حاتم: "لا بأس به". وقال ابنُ المديني: "معروفٌ". ... والحديث أخرجه أحمد (2/ 271) قال: حدثنا عبد الرزاق، وهذا في "مصنَّفه" (ج 1/ رقم 335) أنا ابن جريج، بسنده سواء. ***

65 - أَخْبَرَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هِلاَلُ بْنُ أُسَامَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ يُخْبِرُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 65 - إسنَادُهُ صَحِيْحٌ. * هلالُ بنُ أُسامة: هو ابنُ عليٍّ. ويُقال: هلال بن أبي ميمونة. أخرج له الجماعةُ. وثقهُ ابنُ حبان، والدارقطني، ومسلمة بنُ قاسم. وقال المصنِّفُ: "لا بأس به". وقال أبو حاتم: "شيخٌ يُكتبُ حديثهُ". ... أخرجهُ أحمد (2/ 271) قال: حدَّثنا عبد الرزاق, وهذا في "مصنَّفه" (ج1 / رقم 335) أنا ابنُ جريجٍ بسنده سواء. [تنبيه]: وقع في "المسند": "هزال بنُ أسامة"! وهو تصحيفٌ، صوابُه: "هلال". =

52 - الأمر بإراقة ما فى الإناء إذا ولغ فيه الكلب

52 - الأَمْرُ بِإِرَاقَةِ مَا فِى الإِنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ 66 - أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى رَزِينٍ وَأَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ». قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ عَلِىَّ بْنَ مُسْهِرٍ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيُرِقْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 66 - إسنَادُهُ صَحِيْحٌ ويأتي برقم (335). * عليُّ بنُ مُسهرٍ، أبو الحسن الكوفي الحافظُ. أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ نبيلٌ. وثقه ابنُ معين، والمصنف, أبو زرعة وزاد: "صدوق". وابنُ سعد وزاد: "كثير الحديث" والعجليُّ وقال: "قرشيٌّ من أنفسهم كان ممن جمع الحديث والفقه، صاحبُ سنةٍ"!. وقال أحمدُ: "صالح الحديث، أثبت من أبي معاوية". وقال أيضًا: "كان قد ذهب بصرُهُ، فكان يحدثهم من حفظه"، وهذا يحتمل أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يكون جرحًا وقد لا يحتمل، كأن يكون تقريرًا لحاله (¬1). والله أعلمُ. * أبو رزين، هو: مسعودُ بْنُ مالكٍ. أخرج له الجماعةُ، إلا البخاريّ ففي "الأدب المفرد". وثقهُ أبو زرعة، والعجلى، وابنُ حبان. ... أخرجه مسلمٌ (279/ 89) وأبو عوانة (1/ 207)، وأحمد (2/ 253)، وابنُ خزيمة (1/ 98) والبزار (ج2 / ق 254/ 1) وعنده زيادة، وابن الجارود (51)، وابن حبان (ج4/رقم 1296)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (1/ 93)، والدارقطنى (1/ 63 - 64) والبيهقى (1/ 18، 239، 256)، وابن حزم في "المحلى" (1/ 110) وابن الجوزى في "التحقيق" (1/ 38/ 55) جميعًا عن الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح، أبي هريرة. قال الدارقطنى: "صحيحٌ" ونقل ابن الجوزي عنه: "إسنادٌ حسن، ورواته كلهم ثقات" وكذا نقل الحافظ في "التلخيص" (1/ 23). قال الطبرانيُّ: "لم يروه عن الأعمش مجموعًا عن أبي صالح وأبي رزين إلا عبد الرحمن ابن حميد". * قُلْتُ: كلا، لم يتفرَّدْ به عبدُ الرحمن بْنُ حميد، بل تابعه علي بنُ = ¬

_ (¬1) وقد قال العراقي في "طرح التثريب" (2/ 122): "وما علمت أحدًا تكلم فيه".

. . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = مسهر، وإسماعيلُ بنُ زكريا، وعبدُ الواحد بْنُ زياد، وأبو معاوية، جميعهم يرويه عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح معًا عن الأعمش. وتابعهم أبان بن تغلب، فرواه عن الأعمش بسنده سواء ولكنه خالفهم في متنه فقال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات". أخرجه الحمامي (¬1) في "حديثه" (ق 58/ 1) من طريق حسان بن إبراهيم، عن أبان بن تغلب به، وقال: "هذا حديث غريبٌ من حديث أبان بن تغلب، تفرد به حسَّان بن إبراهيم" اهـ. * قُلْتُ: وحسَّانُ بْنُ إبراهيم، وإن وثقهُ ابن معين وأحمدُ إلا أن ابن عدى قال: "قد حدث بأفرادات كثيرةٍ، وهو عندي من أهل الصدق، إلا أنه يغلط في الشىء، وليس ممن يُظن به أنه يتعمد في باب الرواية إسنادًا أو متنًا، وإنما هو وهم منه". وقال العقيلي: "في حديثه وهمٌ". ووثقه ابن حبان وقال: "ربما أخطأ". فلعلَّ ما وقع في المتن من غرابةٍ يكون من جهته. ثُمّ وجدت الطبراني رواه في "الصغير" (2/ 60 - 61) وفي "الأوسط" (ج 2 / ق 183/ 1 - 2) من طريق حسان بن إبراهيم، عن أبان بن تغلب، عن الأعمش، عن أبي رزين وحده عن أبي هريرة مرفوعًا فذكر الحديث وفيه: " ... أن يغسله سبع مرات" = ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر الحمامي كان صدوقًا فاضلًا. انظر "السير" (17/ 402).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال: "ولم يروه عن أبان بن تغلب إلا حسّان بن إبراهيم". ففيه اختلاف في السند حيث لم يذكر "أبا صالحٍ" وفي المتن فلا أدري من أين هذا الاختلاف. وأخرجه أحمدُ (2/ 480)، والطيالسى (2417) والطحاويُّ في "الشرح" (1/ 21)، وابن عبد البر في "التمهيد" (18/ 267) من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به. وتابعه سهيل بن أبي صالح، عن أبيه به. أخرجه أبو عوانة (1/ 209). ورواه عن الأعمش: "شُعبةُ، وحفص بن غياث". وقال الدارقطني في "العلل" (ج 3 / ق 38/ 2): "هو صحيحٌ". وأخرجه ابنُ ماجة (363)، وأحمدُ (2/ 424)، وابنُ أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 173 و 14/ 204)، وابنُ عبد البر (18/ 266 - 267)، وابنُ عساكر في "تاريخه" (7/ 78) في ترجمة " أحمد بن عمر الأصبهاني" من طريق الأعمش: عن أبي رزين، عن أبي هريرة به. ورواه عن الأعمش: "أبو معاوية، وأبو أسامة". فيظهرُ أن الأعمش كان يجمعهما تارةً، ويفرقهما أخرى. والله أعلمُ. وقول المصنف -رحمه الله- أن عليَّ بن مسهر تفرد بلفظة: "فليرقه". ووافقه عليه الجماعة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال ابنُ عبد البر في "التمهيد" (8/ 273): "أمَّا هذا اللفظ في حديث الأعمش "فليهرقه"، فلم يذكره أصحابُ الأعمش الثقات مثل شعبة وغيرِه" اهـ. وقال ابنُ مندة: "لا تعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجه من الوجوه إلّا عن علي ابن مسهر بهذا الإِسناد" اهـ. وقال حمزةُ الكناني: "هي غير محفوظة". * قلْتُ: عليُّ بنُ مسهر ثقةٌ، وتفرده محتملٌ، ولذلك أعتمده مسلم في "صحيحه"، وقيل زيادته العراقي في "طرح التثريب" (2/ 121 - 122). قال الحافظ في "الفتح" (1/ 275): "وقد ورد الأمر بالإراقة أيضًا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا. أخرجه ابن عدي، لكن في رفعه نظر، والصحيح أنه موقوف" اهـ. * قُلْتُ: أخرجه ابنُ عدي (2/ 776) وعنه الجوزقاني في "الأباطيل" (354) من طريق الحسين بن علي الكرابيسى، ثنا إسحق الأزرق ثنا عبد الملك، عن عطاء عن (أبي هريرة) (¬1) مرفوعًا: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه, وليغسله ثلاث مرات". وهذا منكرٌ وقد خولف الكرابيسي فيه. = ¬

_ (¬1) وقع في المطبوعة: "عن الزهري"!!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = خالفه عمر بن شبه, وسعدان بن نصر فروياه عن إسحق الأزرق بسنده سواء موقوفًا. أخرجه ابنُ عدي، والدارقطنى (1/ 66) وقال: "لم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء". وقد تقدم ذكرُ ما فيه. وأخرجه الدارقطنيُّ (1/ 64) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: في الكلب يلغُ في الإناء، قال: يهراق ويغسل سبع مرات". وقال: "موقوف صحيح". وكذا صححه الحافظ في "الفتح" (1/ 275). فهذا المعتمد، بخلاف: حديث عبد الملك عن عطاء كما قدَّمتُ. والله الموفق.

53 - باب تعفير الإناء الذى ولغ فيه الكلب بالتراب

53 - باب تَعْفِيرِ الإِنَاءِ الَّذِى وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ بِالتُّرَابِ 67 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ مُطَرِّفًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ وَرَخَّصَ فِى كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْغَنَمِ وَقَالَ «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِى الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 67 - إسنَادُهُ صَحِيْح. يأتي (برقم 336 , 337). * أبو التياح: هو يزيدُ بن حميد الضبعي. أخرج له الجماعة. وثقه ابن معين , وأبو زرعة , والمصنف , وابن سعد , والحاكم وزاد: "مأمون". وقال أحمد: "ثبتٌ، ثقةٌ ثقةٌ". وقال ابن المديني: "معروفٌ". * مطرَّف , وهو ابنُ عبد الله بن الشخير , أبو عبد الله البصري. أخرج له الجماعة. وثقة ابن سعد، والعجليّ , وابنُ حبان. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه مسلمٌ (3/ 183 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 208)، وأبو داود (74)، وابنُ ماجة (365/ 3200 - 3201)، والدارمي (1/ 153 - 154)، وأحمدُ (4/ 86، 5/ 56)، وابنُ أبي شيبة (1/ 174 , 14/ 204) , والحربيّ في "الغريب" (1/ 193)، وابنُ حبان (ج 4/ رقم 1298) وابن الجارود (53) والرويانى في "مسنده" (ج 27 / ق 161/ 1) , والطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 23) وابن مندة - كما في "عمدة القاري" (3/ 41) - والدارقطني (1/ 65) وابن حزم في "المحلي" (1/ 110) وابن عبد البر في "التمهيد" (8/ 404 و 14/ 227 و18/ 266) , والبيهقي (1/ 241 - 242, 251) وابن عدى (3/ 1261) وابن الجوزى في "التحقيق" (1/ 38 - 39/ 56)، والجوزقاني في "الأباطيل" (357) والبغوي في "شرح السنة" (11/ 233) من طرق عن شعبة، عن أبي التياح، عن مطرف، عن عبد الله بن المغفل (¬1) به. قال الدارقطني: "صحيحٌ". وكذا قال الجوزقانى. وقال ابنُ مندة: "إسنادهُ مجمع علي صحته". = ¬

_ (¬1) وقال ابن الجوزي: "انفرد بإخراجه البخاريُّ" كذا, فكأنه سبق قلم إنما انفرد به مسلم , كما ترى والله أعلم. ثم رأيت -بعدُ- أن الحافظ وَهَّم ابن الجوزي في ذلك كما في "التلخيص" (1/ 24).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد رواه عن شعبة جماعة من أصحابه، منهم: "خالد بن الحارث، ومحمد بن جعفر، ومعاذ بن معاذ، ويحيى القطان، وأبو النضر، وشبابة بن سوار، ووهب بن جرير، وعثمان بن عمر، وسعيد بن عامر، وبهز بن أسد، وسليمان بن حرب". وخالفهم سويدُ بن عبد العزيز، فرواه عن شعبة عن يزيد بن خمير، عن مطرف بن الشخير، عن عبد الله بن عمر مرفوعًا به. أخرجه ابن عدي (3/ 1261) وقال: "وأخطأ سويد على شعبة في إسناد هذا الحديث في موضعين أو تعمد، إذ هو حال الضعف حيث قال: "عن يزيد بن خمير" وقال: "عن عبد الله بن عمر". وإنما هو: "عن يزيد بن حميد أبي التياح البصري"، ويزيد بن خمير شاميٌّ، وإنما هو عن عبد الله بن مغفل لا عن ابن عمر ... وهكذا رواه أصحابُ شعبة عنه، وهو الصوابُ" اهـ. * قُلْتُ: أمَّا الأمر بقتل الكلاب , فهو ثابتٌ في أحاديث أخر , وقد فصلت ذلك في "مسيس الحاجة إلى تقريب سنن ابن ماجة" (3202) يسر الله إتمامه بخيرٍ. ***

54 - سؤر الهرة

54 - سُؤْرُ الْهِرَّةِ 68 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَتْ كَلِمَةً مَعْنَاهَا فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ - قَالَتْ كَبْشَةُ - فَرَآنِى أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِى فَقُلْتُ نَعَمْ. قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِىَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 68 - إسناده حسن , يأتي برقم (340). * إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة هو ابن زيد بن سهل الأنصاري المدنيُّ. أخرج له الجماعةُ , وهو ثقةٌ نبيل. وثقة ابن معين وزاد: "حجةٌ" وأبو زرعة , والمصنف , وابن حبان , وغيرهم. وكان مالكٌ يثني عليه, ولا يُقدم عليه أحدًا ... * حميدة بنت عبيد بن رفاعة الأنصارية الزرقية , أم يحيى المدنية. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرج حديثها أصحابُ السنن، وروت عن خالتها كبشة بنت مالك، وروى عنها زوجها إسحق، وولدهُ يحيى، وروايته في "سنن أبي داود" (5036). وأجمع الرواة عن مالك في نسبها: " ... بن رفاعة"، إلا زيد بن الحباب، ويحيى بن يحيى. فأما زيد بن الحباب، فقال: " ... ابن رافع". كذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة (¬1)، عن زيد. وكذا كل من رواه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأخطأ فيه زيد بن الحباب. وتابعه الواقدى عند ابن سعد وهو متروك. وأما يحيى بن يحيى فرواه عن مالكٍ، فقال: "حميدة بنت أبي عبيدة بن فروة". قال ابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 318): "وهكذا قال يحيى، ولم يتابعه أحد على قوله ذلك، وهو غلطٌ منه، وإنما يقولُ الرواة للموطأ كلهم: "ابنة عبيد بن رفاعة". = ¬

_ (¬1) تصرّف محقق كتاب "ابن أبي شيبة" في النص فأفسده. ففي (14/ 233) قال في الحاشية: "في الأصل: رافع" يشير إلي أنه خطأ, ولذلك صحيح ما في الأصل فجعله "رفاعة" ولم يفطن إلي أن زيد بن الحباب أخطأ فيه كما قال ابن عبد البر, وكذا في "سنن ابن ماجة" وقع في نسبها "رفاعة" مع أنه من طريق ابن أبي شيبة فأظنه خطأ من ناسخٍ أو طابعٍ والله تعالى أعلم. وقد رواه الحسن بن علي بن عفان زيد بن الحباب عن مالك مثل رواية الجماعة. أخرجه الحاكم , فإن صح ذلك فلعل الخطأ ممن دون زيد الحباب. والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وذكرها ابن حبان في "الثقات". * كبشة بنت كعب بن مالك الأنصارية. أخرج حديثها أصحاب السنن. وهي زوجة عبد الله بن أبي قتادة. كذلك قال سائر الرواة عن مالك في هذا الحديث: "وكانت تحت ابن أبي قتادة" إلا ابن المبارك، فرواه عن مالك به. فقال: "كبشة امرأة أبي قتادة". قال ابن عبد البر: "هو وهمٌ منه" (¬1). = ¬

_ (¬1) وتابعه عبد الرزاق: في "مصنفه" (ج 1 /رقم 353) عن مالك فقال: "وكانت عند أبي قتادة"، وتصرف محقق الكتاب في النص فأفسده. فقال: "في الأصل: عن أبي قتادة ... فلذا زدت كلمة "ابن". وقد ذكر السيوطي في "تنوير الحوالك" (1/ 46) أن رواية عبد الرازق فيها: "كانت تحت أبي قتادة". وذكرها ابن الأثير في "أسد الغابة" (7/ 249) وقال: "كبشة بنت كعب امرأة أبي قتادة، وعزاه لأبي موسى الأصبهاني، وبدأ نقل السند من عند إسحق بن عبد الله، فلا أدرى من الذي رواه عن مالك. وقال الترمذي: قد روى بعضهم عن مالك وكانت عند أبي قتادة والصحيح ابن أبي قتادة. ولا شك أنّ الصواب: "كانت تحت ابن أبي قتادة" كما جزم بذلك الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (4/ 1971). ثم اختلف في ابن أبي قتادة من هو؟. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وراوه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 26/ 2) ثنا ابن أبي مريم، وإسحق بن عيسى عن مالك بسنده وفيه: "وكانت تحت أبي قتادة، أو ابن أبي قتادة" هكذا على الشك (¬1)، ولا أدرى ممن؟. فقد رواه إسحق بن عيسى عن مالك فقال: "وكانت تحت ابن أبي قتادة" كما عند أحمد والدارقطنيّ. وابنُ أبي مريم هو سعيد بن الحكم ثقةٌ حجةٌ، فالله أعلمُ ومما يؤيد قول الجماعة رواية ابن سعد وفيها: "قالت كبشة: زارتا أبو قتادة". ويؤيد رواية الجماعة أيضًا قوله أبي قتادة لها: "أتعجبين يا ابنة أخي" ولا يحسن تسمية الزوجة باسم المحارم كما قال السيوطي في "تنوير الحوالك" (1/ 46). قال ابن حبان: = ¬

_ = فقال ابنُ سعد في "الطبقات" (8/ 92): "تزوجها ثابت ابن أبي قتادة ونقله الحافظ في "الإصابة" (8/ 92) وأقره عليه، وذكره المزى وتبعه الحافظ في "التهذيب" أنها كانت تحت عبد الله ابن أبي قتادة وكذا في رواية همام بن يحيى عن إسحق بن عبد الله ابن أبي طلحة كما في رواية البيهقي (1/ 245). (¬1) قال السيوطي في "تنوير الحوالك": ووقع في "الأم" للشافعي. وكانت تحت ابن أبي قتادة أو أبي قتادة , الشك من الربيع. كذا وقع في الأصل، قال الرافعي: وفي نسبة الشك إلي الربيع شبهة لأن أبا نعيم عد الملك بن محمد بن عدي روي عن الحسن ابن محمد الزعفراني عن الشافعي عن مالك الحديث وقال كذلك وهذا يوهم أن الشك من غير الربيع. وفي رواية عبد الرزاق عن مالك وكانت عن أبي قتادة وهذا يصدق على التقديرين , وقال: والواقع ما رواه الأكثرون الأول وكذلك رواه الربيع عن الشافعي من غير شك في موضع آخر" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وكبشة لها صُحبة". وتبعه الزبير بن بكار، وأبو موسى الأصبهاني وأقرهم الحافظ في "التهذيب"، وفي "الإصابة" (8/ 92). * * * والحديث أخرجه أبو داود (75)، والترمذي (92)، وابنُ ماجة (367) والدارمي (1/ 153) , وأحمد (5/ 303، 309)، والشافعى في "المسند" (ص- 9)، وفي "الأم" (1/ 8) وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 26/ 2)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (ج 1/ رقم 353)، وابن أبي شيبة (1/ 31 و 14/ 232 - 233)، وابنُ سعد في "الطبقات" (8/ 478)، وابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 104)، وابنُ حبان (121)، وابن المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 226)، والطحاوي في "المشكل" (3/ 270) وفي "شرح المعاني" (1/ 18 - 19)، وابن الجارود في "المنتقي" (60) , وابن مندة في "صحيحه" -كما في "نصب الراية" (1/ 137) - ومحمد بن الحسن في "موطئه" (رقم90)، والدارقطنيّ (1/ 70)، والحاكم (1/ 159 - 160)، والبيقهي (1/ 245) , وابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 319) , وابن حزم في "المحلي" (1/ 117)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 69) , وابن الجوزي في "التحقيق" (1/ 44/ 63) , جميعًا عن مالك , وهو في "موطئه" (1/ 22/ 13) من طريق إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة , عن حميدة بنت عبيد, عن كبشة بنت كعب بن مالك , عن أبي قتادة به. وقد رواه عن مالك جماعة من أصحابه منهم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "الشافعي، وابنُ وهبٍ، والقعنبى عبد الله بنُ مسلمة، ومعن بن عيسى، وزيد بن الحباب، مطرف بن عبد الله، وعبد الله بن نافع، والحكم بن مبارك , وإسحق بن عيسى، وأحمد بن إسماعيل السهميُّ، والواقدى، وعبد الرحمن بن مهدى، وحماد بن خالد الخياط، ويحيى بن يحيى، وعبد الرزاق , وأبو مصعب، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم". وقد توبع مالك عليه. تابعه حسين المعلم، عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أم يحيى، عن خالتها كبشة بنت كعب، عن أبي قتادة بنحوه. أخرجه إسحق بن راهويه في "مسنده" كما في "النكت الظراف" (9/ 272) - والبيهقي (1/ 245)، وأبو يعلى -كما في "التلخيص" (1/ 41) وأم يحيى: هى حميدة بنت عبيد امرأة إسحق بن عبد الله كما قال أبو حاتم وأبو رزعة في "العلل" (ج1/ رقم 126) لأبن أبي حاتم , وكذا قال الدارقطني في "العلل"، والبيهقي. وكذا تابعه همام بن يحيى , عن إسحق به. أخرجه البيهقي (1/ 245). وكذا رواه يونس بن عبيد , عن إسحق. ذكره الدارقطني في "العلل" (ج2 / ق61/ 1). وتابعهم هشام بن عروة، واختلف عليه فيه. فرواه ابن جريج , عنه عن إسحق , عن امرأته , عن أمها (¬1) , عن أبي قتادة بنحوه. = ¬

_ (¬1) كذا وقع في "المخطوطة" ويمكن تأويله بأن الخالة بمنزلة الأم كما في الحديث الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه عبد الرزاق (ج1/ رقم352) عن ابن جريج. وأخرجه الدارقطنيُّ في "الأفراد" من طريق ابن جريج وقال: "صحيحٌ من حديث هشام بن عروة، عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، غريب من حديث ابن جريج عن هشام". كذا في "أطراف الغرائب" (ق 281/ 2) لابن القيسرانى (¬1). وكذلك رواه ابنُ نمير، عن هشام بن عروة بمثل رواية ابن جريج وخالفهما أبو معاوية، فرواه عن إسحق -من بني زريق- عن أبي قتادة. وكذا رواه عبد الله بن إدريس، وعبد الله بن داود الخريبى، عن هشام، عن إسحق , عن أبي قتادة. ذكر ذلك الدارقطني في "العلل" (ج 2/ ق 61/ 1 - 2). ورواه وكيع، عن هشام وعلي بن مبارك، عن إسحق، عن امرأة عبد الله بن أبي قتادة، عن أبي قتادة مرفوعًا: "الهرُّ من الطوافين عليكم أو من الطوافات". أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 32) حدثنا وكيعٌ به. * قُلت: فهذا الاختلاف على هشام أظنُّهُ منه، لثقة من روي عنه والله أعلم. وقد رواه سفيانُ بْنُ عيينة، عن إسحق فلم يُقم إسناده. = ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني أيضًا في "الأفراد" من طريق الدارورديّ, عن أسيد بن أبي أسيد، عن أبيه , أن أبا قتادة كان يصغي الإناء للهرة ... فذكره. قال شيخنا في "الإرواء" (1/ 193): "وأبو أسيد اسمه يزيد ولم أجد له ترجمة , وبقيه رجاله ثقات".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فأخرجه أحمد (5/ 296) , والحميديُّ (430)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 26/ 2) قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنى إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، حدثتني امرأة عبد الله بن أبي قتادة (¬1) أن أبا قتادة كان يأتيهم ... فذكره بنحوه. فنقص سفيان ذكر امرأةٍ من الإسناد. ولكن رواه نصر بن عليٍّ، عن ابن عيينة، عن إسحق، عن امرأة أبي قتادة - أو عن امرأةٍ، عن امرأة أيضًا قتادة، عن أبي قتادة. قال الدارقطنيّ في "العلل" (ج 2 / ق61/ 2): "فإن كان ضبط هذا عن ابن عيينة، فقد أتى بالصواب" اهـ. ثم ساق الدارقطنيّ بعض وجوه الاختلاف في الإِسناد وقال: "وأحسنها إسنادًا ما رواه مالك، عن إسحق، عن امرأته، عن أمها، عن أبي قتادة، وحفظ أسماء النسوة وأنسابهن، وجوَّد ذلك، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ. * قُلت: وكذا قال لعلماء، إن أصحَّ الروايات هى رواية مالك رحمة الله. قال الترمذي: "هذا حديث حسنٌ صحيحٌ، وقد وجود مالك هذا الحديث عن إسحق ابنُ عبد الله أبي طلحة، ولم يأت به أحدٌ أتمَّ من مالكٍ" اهـ. وقال العقيلي في "الضعفاء" (2/ 142): "إسنادٌ ثابتٌ صحيحٌ". = ¬

_ (¬1) وقع في "مسند أحمد": "عبد الله بن أبي طلحة" كذا! وصوابه: "عبد الله بن أبي قتادة" ووقع عند أبي عبيد: "إسحق، عن امرأةٍ، عن أبي قتادة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الدارقطني: "صحيحٌ". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه، على ما أصَّلاهُ في تركه غير أنهما قد شهدا جميعًا لمالك بن أنس أنه الحكم في حديث المدنيين. وهذا الحديث مما صحَّحه مالك، واحتج به في "الموطأ"، ووافقه الذهبيُّ. "وصححه البخاري". وصحّحه النووي في "المجموع" (1/ 171) ونقل عن البيهقي أنه قال: "إسنادُهُ صحيحٌ". وأمَّا ابنُ مندة فأعلَّهُ. قال ابنُ دقيق العيد في "الإِمام" (ق 59/ 1 - 2): "وأمّا ابنُ مندة فخالف في التصحيح، فإنه لما أخرج الحديث في "صحيحه" بالاتفاق والاختلاف. قال: وأُم يحيى اسمُها حُميدة، وخالتُها كبشة، ولا يُعرف لهما روايةٌ إلا في هذا الحديث، ومحلُّها محلُّ الجهالة، ولا يثبُتُ هذا الخبر من وجه من الوجوه وسبيلُهُ المعلولُ". فأجاب ابنُ دقيق العيد بقوله: "فجرى ابنُ مندة على ما اشتهر عن أهل الحديث أنه من لا يروى عنه إلَّا راوٍ واحدٌ فهو مجهولٌ، ولعل من صحَّحه اعتمد على كون مالك رواه وأخرجه مع ما عُلم من تشدده، وتحرزه في الرجال. قرأت بخط الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر وروايته في سؤالات أبي زرعة" قال: سمعتُ الإِمام أحمد بن حنبل يقول: مالكٌ إذا روى عن رجل لم يعرف فهو =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حجةٌ .. وروى طاهر بن خالد بن نزار عن أبيه، عن سفيان بن عيينة أنه ذكر مالك ابن أنس فقال: كان لا يبلغ من الحديث إلا صحيحًا, ولا يُحدت إلا عن ثقات الناس , وما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موت مالك بن أنس، وهذا اللفظ الذي لسفيان أعمُّ من كلام أحمد الذي قبله، مع احتمال كلام أحمد لموافقته ... وذكر بشر بن عمر الزهراني قال: سكت مالك بن أنس عن رجل , فقال: هل رأيته في كتبي؟ قلت: لا. قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي , وهذا يُفهم منه أن كل من في كتبه ثقة , وإن كان قد شغَّب في هذا بعض المتأخرين , لأنه يلزم من كون كل ثقة في كتابه أن يكون كل من في كتابه ثقة , إلا أن هذا يبطل فائدة هذا الكلام بالنسبة إلى السائل , لأنه لو كان في كتابه غير ثقة لم يدل وجوده في كتابه على أنه ثقة , وكلام مالك يدل على أنه أحاله في الثقة علي وجوده في كتابه , وبالجملة فإن سلكت هذا الطريق في تصحيح هذا الحديث أعني الاعتماد على تخريج مالك له وإلا فالقول ما قال ابن مندة , وقد ترك الشيخان إخراجه في "صحيحهما" اهـ. ونقل ابنُ الملقن في "خلاصة البدر المنير" (1/ 20) كلام ابن مندة ثم دفعه , وقال: "والعجب من الشيخ تقي الدين كان تابعه في "الإِمام" على هذه المقولة". * قلت: وسرُّ تعجب ابن الملقن من ابن دقيق العيد أنه تابع ابن مندة في الحكم علي حميدة وكبشة بالجهالة , وقد ذكرت قبل ذلك أن حميدة بنت عبيد روي عنها اثنان. وذكر ابن الملقن أنه روى عنها ثلاثة , وذكرها ابن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حبان في "ثقاته" , وخرّج مالكٌ حديثها في الموطأ، فلا نحكم عليها بالجهالة. وأما كبشة، فهي صحابية، فلا يضرُّ الجهل بها. وأمَّا قولُ ابْنِ مندة عن حميدة: "ولا يعرف لها ذكر إلا في هذا الحديث". فمتعقَّب بأن أبا داود أخرج في "سننه" (5036) لها حديثًا آخر من طريق ابنها يحيى بن إسحق عنها عن أبيها مرفوعًا: "تشمت العاطس ثلاثًا، فإن شئت أن تشمته، وإن شئت فكُفَّ". وذكر الحافظُ في "التلخيص" (1/ 42) أنَّ لها حديثًا ثالثًا رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة". ولذلك قال الزركشي في "المعتبر" (ص230): "صحَّحه الترمذي، وتكلَّم فيه ابنُ مندة بما بان فيه عدمُ تأثيرهِ، كما ذكرتُه في "الذهب الإبريز" (¬1) اهـ. ثم اعلم أن للحديث طرقًا أخرى عن أبي قتادة. فيرويه عنه ابنه عبد الله بن أبي قتادة: فأخرجه البيهقي في "سننه" (1/ 246) عن عبد الواحد بن زياد، ثنا الحجاج، عن قتادة بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: كان أبو قتادة يصغى الإناء للهر فيشربُ، ثمّ يتوضأ به، فقيل له في ذلك، فقال: ما صنعتُ إلا ما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع. = ¬

_ (¬1) هو كتاب "الذهب الإبريز في تخريج أحاديث فتح العزيز".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتابعه معمرُ بْنُ سليمان الرقى، ثنا حجاجٌ به لكن بلفظ: "أنه وضع له -يعني أبا قتادة- وضوء، فولغ فيه السنور، فأخذ يتوضأ. فقالوا: يا أبا قتادة! قد ولغ فيه السنور. فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "السنور من أهل البيت، وإنه من الطوافين أو الطوافات عليكم". أخرجه أحمدُ (5/ 309) حدثنا معمر بن سليمان به. قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 217): "رجاله ثقات، غير أنَّ فيه الحجاج بن أرطاة، وهو ثقةٌ مدلسٌ". * قُلت: حجاج بن أرطاة، صدوق، في حديثه بعضُ الغلط، أشهر ما نقموا به عليه كان التدليس، ولم يصرح بتحديثٍ، وقتادةُ الواقع في السند هو ابن عبد الله بن أبي قتادة كما بيَّن ذلك عبد الواحد بن زياد (¬1) في رواية البيهقي. فترجمه البخاري في "الكبير" (4/ 1/ 187)، وابنُ أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 2 /135)، وابنُ حبان في "الثقات" (7/ 341) ولم يذكروا عنه راويًا إلا الحجاج بن أرطأة. فهو مجهول على هذا الرسْم، فيستدرك بهذا على الهيثمى في قوله: "رجاله ثقات". وأعتقد أن الهيثمي - رحمه الله - ظنَّ أن "قتادة" الواقع في السند هو ابن دعامة السدوسي، لأن شيخ أحمد لم ينسبه ولم يذكر العلماء أن لقتادة ابن دعامة رواية عن عبد الله ابن أبي قتادة فالله تعالى أعلمُ بذلك. = ¬

_ (¬1) أشار إلى ذلك البخاري في "تاريخه".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأخرجه أبو طاهر المُخلص في "فوائده" (ج 11/ ق 220/ 2) قال: حدثنا إسماعيل ابن العباس، ثنا أحمدُ بن منصور بن سيار, ثنا عكرمة بن قتادة بن يحيى ابن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاريّ، حدثني أبي: قتادةُ بْن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة , عن أبيه، عن أمه، عن عبد الله بن أبي قتادة أنَّ أبا قتادة دعا ذات يومٍ بوضوء، وكبشة بنتُ كعب واقفةٌ، فأجازت به هرة، فأصغى إليها الإناء، فتعجبت كبشةُ , فقال: كأنك تعجبت يا ابنة أخي، سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: "هي من الطوافين أو الطوافات عليكم". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ. فإسماعيل بن العباس هو أبو علي الوراق. حدَّث عن ابن عرفة وطبقته. ترجمه الخطيب في "تاريخه" (6/ 300) ونقل توثيقه عن الدارقطني. وأحمد ابن منصور هو الرماديُّ، ثقةٌ من رجال ابن ماجة. وعكرمةُ بنُ قتادة ترجمه ابنُ أبي حاتم (3/ 2/ 11) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وأبوهُ: قتادة بن يحيى، لم أجد له ترجمة ويحيى بن عبد الله ابن أبي قتادة ترجمه البخاريُّ في "الكبير" (4/ 2/ 285) , وابن أبي حاتم (4/ 2/ 160 - 161) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولم أره في "الثقات" لابن حبان. وأمُّهُ عن كبشة بنت كعب. وله طريق آخر عن عبد الله بن أبي قتادة. يرويه يحيى بن أبي كثير، عنه، عن أبي قتادة أنه كان يتوضأ فمرت به هرَّةٌ فأصغى إليها، وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "إنها ليست بنجسة". أخرجه البيهقيّ (1/ 246) من طريق عفان، عن (¬1) همام، ثنا يحيى بن أبي كثير به. قال البيهقيّ. "وقد رواه الشافعيّ عن الثقة، عن يحيى بن أبي كثير". * قلْتُ: وهذا سندٌ صحيحٌ، لولا تدليسُ يحيى بن أبي كثير. فالله تعالى أعلم. وله طريق آخر عن أبي قتادة، رضي الله عنه. يرويه كعب بن عبد الرحمن، عن جده أبي قتادة، قال: رأيتُه يتوضأ فجاء الهرُّ، فأصغى له حتى شرب من الإناء. فقلتُ: يا أبتاه، لم تفعل هذا؟ قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعلُهُ، أو قال: "هي من الطوافين عليكم". أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 19) من طريق قيس بن الربيع، عن كعبٍ به. * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ. وقيسُ بنُ الربيع، فيه مقالٌ. وكعب بن عبد الرحمن بن أبي قتادة، ترجمه البخاري في "الكبير " (4/ 1/ 225 - 226) وقال: = ¬

_ (¬1) وقع في "المطبوعة" "عفان بن همام"! وهو تصحيفٌ لا ريب والصواب كما أثبت. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "كعب بن عبد الرحمن بن أبي قتادة، عن أبيه. قال عبد الله بن محمد، عن أبي داود، عن محمد بن درهم. وقال عبد الله، عن شبابة، عن محمدٍ، عن كعب بن عبد الرحمن: الأنصاري، عن جده أبي قتادة. وقال أبو سعيد عبد الرحمن: عن محمد، عن كعب بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي قتادة، قال: مرّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بأناسٍ من الأنصار يبنون مسجدًا، فقال: أوسعوه تملأوه". وقد اختُلف على محمد ابن درهم في نسب عبد الرحمن والد كعب فرواه زيدُ بْنُ الحُباب، وعليُّ بن عاصم، وحجاجُ بْنُ منهال وغيرُهُمْ عن محمد ابن درهمٍ، عن كعب بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على قومٍ من الأنصار يبنون مسجدًا ... الحديث". أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 1/ 226)، وابنُ خزيمة (ج 2 / رقم 1320)، والعقيلي في "الضعفاء" (4/ 65) , والبيهقي (2/ 439)، والخطيبُ في "تاريخه (5/ 268)، وابنُ الجوزى في "الواهيات" (1/ 401/ 672). وتابعهم الطيالسي، أنبأ محمد بن درهم، عن كعب بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي قتادة به. أخرجه البيهقي (2/ 493) عن يحيى بن أبي طالب، ثنا أبو داود الطيالسي. * قُلْتُ: كذا روى يحيى بن أبي طالب، عن الطيالسي. وخالفه يونس بن حبيب، فرواه عن الطيالسي، وهذا في "مسنده" (5 - 6) حدثنا محمد بن درهم الأسدى، قال: حدثني كعب بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عبد الرحمن الأسدي، عن ابن أبي قتادة، عن أبيه ... فذكره. وكعب بن عبد الرحمن في رواية هؤلاء، هو ابن كعب بن مالك، وكذا في رواية يحيى بن أبي طالب عن الطيالسي وأما رواية يونس بن حبيب، عن الطيالسي، فيظهر لي أنها تلتقى مع رواية يحيى بن أبي طالب في أنه كعب بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك؛ لأنَّ كعب بن مالك "أسدى" بخلاف "أبي قتادة الأنصارى" لكن الخلاف بينهما في شيخ كعب هل هو "ابن أبي قتادة" أم "عبد الرحمن بن كعب". أمًّا عبد الله بن محمد (¬1)، فرواه عن الطيالسي، عن محمد بن درهم عن كعب بن عبد الرحمن الأنصارى عن جدّه أبي قتَادة. أخرجه البخاريُّ في "الكبير" (4/ 1/ 225 - 226). فيقتضى هذا أن كعبًا هو ابن عبد الرحمن بن أبي قتادة. وكذلك رجح البخاري ففرق بينه وبين كعب بن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك، وكذا فعل ابنُ حبان، فترجم لكعب بن عبد الرحمن بن أبي قتادة، في "الثقات" (5/ 335) وقال: "يروى عن جدِّه، إنْ كان سمع منه، روى عنه محمد بن درهم". وترجم لكعب بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك في موضع آخر (7/ 355) وقال: "من أهل المدينة، يروي عن أبيه، روي عنه عتاب بن محمد بن شوذب". = ¬

_ (¬1) لا أدري هل هو ابن أبي شيبة، أم عبد الله بن محمد المسندي، فهما معًا من شيوخ البخاري، وكلاهما يروى عن الطيالسي وعن شبابة بن سوار، وعلي كل حال فكلاهما ثقة. والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ما ابن أبي حاتم فذكر في "كتابه" (3/ 2 /162) أنه "كعب بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك"، وذكر حديث المسجد والاختلاف فيه، ولم يترجم لـ "كعب بن عبد الرحمن بن أبي قتادة". ويرجح ما فعله ابنُ أبي حاتم , صنيع الطبراني. فقد أخرج الحديث في "معجمه الكبير" (ج 19/ رقم 180، 181) وجعله في "مسند كعب بن مالك" (¬1)، ولكن يستدرك عليه أن المحفوظ كون الحديث من "مسند أبي قتادة" وليس من "مسند كعب بن مالك" وكذا رجح الدارقطني كما في "تاريخ بغداد" (5/ 269)، والذهبى في "الميزان" (3/ 541) وهو ظاهر صنيع ابن أبي حاتم في "الجرح" = ¬

_ (¬1) كذا رواه قيس بن الربيع وطلق بن غنام , عن محمد بن درهم , عن كعب بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك , عن أبيه , عن جده. وكذا أخرجه ابن عدي (6/ 2206) عن عثمان بن أبي شيبة ثنا طلق بن غنام , عن قيس بن الربيع , وعن محمد بن درهم , عن كعب بن عبد الرحمن بن مالك عن جده كعب بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ على نفر من الأنصار وهم يحصبون مسجدًا ... الحديث. * قلت: كذا وقع في "المطبوعة" -وهي كثيرة التحريف لا يوثق بها البتة- " ... طلق ابن غنام عن قيس". وهذا خطأ , صوابه عندي , عن طلق بن غنام وقيس , لأن الطبراني رواه من طريق عثمان ابن شيبة , ثنا طلق بن غنام , ثنا محمد ابن درهم. وكذلك كعب ابن عبد الرحمن لا يرويه جده, ولكن المحفوظ أنه يرويه عن أبيه , عن جده فقط سقط ذكر "أبيه" من السند والجملة فالحديث ضعيف والله أعلم. ونقل الخطيب في "تاريخه" (5/ 269) عن الدارقطني قال: "محمد بن درهم ضعيف والحديث غير ثابت" وقال ابن الجوزي: "لا يصحُّ" وكذا يعرف من صنيع العقيلي. والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (3/ 2/ 162). وبالجملة، فأخشى أن يكون قيس بن الربيع أخطأ في قوله: "عن كعب بن عبد الرحمن، عن جدِّه أبي قَتادة". فإن كان حفظه، فقد شكك ابن حبان في سماعه من جده، والله تعالى أعلم بحقيقة ذلك. * * * قال الترمذي: "وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة". * * * * أولًا: حديث عائشة، رضي الله عنها. أخرجه البزار (ج 1 /رقم 275)، والدارقطني (1/ 66 - 67) , وابنُ شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ج 2 / ق 215/ 1) والخطيب في "الموضح" (2/ 193) من طريق عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمرُّ به الهرُّ، فيصغي له الإناء، فيشرب منه، فتوضأ بفضله". قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 216): "رواه البزار والطبرانيُّ في "الأوسط" ورجاله موثقون"!!. فتعقبه أحدهم فكتب على هامش النسخة: "بل في رجال البزار مندلُ بْنُ عليٍّ وهو ضعيفٌ"!. * قلت: ومندلُ بن علي مع ضعفه فقد توبع؛ تابعه يعقوب بن إبراهيم الأنصاري, وابن يوسف القاضى صاحب أبي حنيفة رحمهما الله تعالى. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولكن العلَّة التي فاتت الهيثمي هى عبد الله بن سعيد المقبرى، فإنه متروكٌ كما قال أحمد، والبخاري، وغيرهما. وقال النسائيُّ: "ليس بثقةٍ". ولكنه لم يتفردْ به. فيرويه عبد الحميد بن عمران ابن أبي أنس، عن أبيه، عن عروة عن عائشة .. فذكر نحوه. أخرجه البزار (ج 1/ رقم 276) والدارقطنيّ (1/ 70) , وعنه ابن الجوزي في "التحقيق" (1/ 45/ 65) عن الواقدى محمد بن عمر، ثنا عبد الحميد به. وقال البزَّارُ: "لا نعلم روى عمران عن عروة إلا هذا". * قلْتُ: وسندُهُ ساقط، والواقدي تالفٌ (¬1). وأخرجه الطحاويّ (1/ 19) من طريق خالد بن عمرو الخراساني، قال: ثنا صالح بن حسّان، قال: ثنا عروة بن الزبير، عن عائشة بنحوه. وسندهُ ضعيف جدًّا. خالد بن عمرو أظنه الأموي , متروك اتهمه صالح جزرة، وابن عديّ بالوضع. وصالح ابن حسان. تركه النسائي وأبو نعيم. = ¬

_ (¬1) قال الزيعلي في "نصب الراية" (1/ 133): "والواقدي فيه مقالٌ"!! كذا، وهو تليين هيِّن بشعر بأن الجرح فيه غير مؤثر , والحق غير ذلك قد كذبه جماهير النقاد، ولكن موقف الأحناف من الواقدي معروف , حتى قال ابن الهمام: "والواقدي حسن الحديث عندنا"!!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وضعّفه أحمد وابن معين وأبو داود والدارقطنيُّ. وقال البخاري وأبو حاتم: "منكرُ الحديث". وله طريق آخر عن عائشة. يرويه الدراوردى، عن داود بن صالح، عن أمِّه أن مولاةً لها أهدت إلى عائشة صحفة هريسة، فجاءت بها وعائشةُ قائمةٌ تصلى، فأشارت إليها عائشةُ أنْ ضعيها، فوضعتها. وعند عائشة نسوةٌ، فجاءت الهرةُ فأكلت منها أكلة -أو قال: لقمة-، فلما انصرفت، قالت عائشة للنسوة: كُلْنَ. فجعلن يتقين موضع فم الهرة، فأخذتها عائشة فأدارتها ثم أكلتها، وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنا ليست بنجسٍ، إنها من الطوافين والطوافات عليكم" وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها. أخرجه أبو داود (76)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 26/ 2 - 27/ 1)، والطبراني في "الأوسط" (ج 1/ رقم 366)، والدارقطني (1/ 70) والطحاوي في "المشكل" (3/ 270)، والبيهقي (1/ 246 - 247) والمزي في "تهذيب الكمال" (8/ 403) من طرق عن عبد العزيز ابن محمد الدراوردي به. وهو عند بعضهم مختصرٌ. قال الدارقطنيّ: "رفعه الدراوردى عن داود بن صالح، ورواه عنه هشام بن عروة ووقفه على عائشة". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال في "العلل" (ج 5/ق 104/ 1): "يرويه داود بن صالح التمار، واختلف عنه. فرواه عبد العزيز بن محمد الدراورديّ، عن داود بن صالح، عن أمه، عن عائشة، (موقوفًا) (¬1). واختُلف عن هشام بن عروة. فرواه عن داود بن صالح، عن أمه، عن عائشة موقوفًا. واختُلف عن هشام. فقال عيسى بن يونس وأبو أسامة، عن هشام، عن داود، عن أمه. وقال عليٌّ بن مسهر وأبو معاوية ويحيى بن سعيد الأموي، عن هشام عن داود بن صالح، عن جدَّته، عن عائشة. ولم يختلف عن هشامٍ في إيقافه على عائشة" اهـ. * قُلْتُ: وسندهُ ضعيفٌ لجهالة أم داود بن صالح. قال الطحاوي في "المشكل": "ليست من أهل الروايات التي يؤخذُ مثل هذا عنها، ولا هي معروفةٌ عند أهل العلم". وقال الحافظ في "التلخيص" (1/ 42): "قال الدارقطني: تفرد برفعه داود بن صالح (¬2)، وكما قال الطبراني والبزار، وقال: لا يثبت" اهـ. وقال صاحبُ "آثار السنن" (ص- 11): "إسنادُهُ حسنٌ"!! وفيما تقدم ردٌّ عليه. وله طريق ثالث عن عائشة: ترويه صفيَّةُ بنتُ شيبة، عن عائشة مرفوعًا: = ¬

_ (¬1) كذا في "المخطوطة" والصواب: "مرفوعًا". (¬2) كذا، والذي قاله الدارقطني: "رفعه الدراوردي عن داود بن صالح" ونقل في "نصب الراية" (1/ 133) عن الدارقطني قال: "تفرد به عبد العزيز الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "إنها ليست بنجسٍ، هي كبعض أهل البيت". يعني الهرة. أخرجه ابنُ خزيمة (ج1/ رقم 102)، والدارقطني (1/ 69)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (2/ 141)، والحاكم (1/ 160)، والبيهقيُّ (1/ 246)، وابنُ الجوزيّ في "التحقيق" (1/ 45/ 64) من طريق سليمان بن مسافع، عن منصور ابن صفية، عن أمه، عن عائشة. قال الحاكم: "إسنادٌ صحيحٌ" (¬1). ووافقه الذهبيُّ!! * قُلْتُ: وهو عجبٌ، لا سيما من الذهبي، فإنَّه ذكر سليمانَ بْنَ مُسافعٍ في "الميزان" وقال: "لا يُعرفُ، أتى بخبرٍ منكرٍ" وهو يعني به هذا. وتعقَّبه الحافظ في "اللسان" (3/ 106) فقال: "وليس في نكارةٌ، كما زعم المصنِّفُ" اهـ. وأظن أنَّ النكارة التي عناها الذهبي ليست في معنى الحديث، بل لأن سليمان بن مسافع مع كونه لا يُعرف فإنه رفع الحديث فقد خالفه عبد الملك بن مسافع الحجبي، فرواه عن منصور، عن أُمِّه، عن عائشة قالت: "الهرَّةُ ليست بنجسةٍ، إنَّها من عيال البيت". موقوفٌ. أخرجه العقيليُّ (2/ 142) وقال: "هذا أولى" (¬2). = ¬

_ (¬1) ونقل شمس الحق آبادي في "التعليق المغني" (1/ 70) أن الحاكم قال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وأظنه نقله من "نصب الراية" (1/ 134). (¬2) وزعم محقق "الضعفاء" أن ابن حجر تعقّب العقيلي في قوله، وهذا خطأ، وإنما ابنُ حجر تعقب الذهبي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يعني من حديث سليمان بن مسافع المرفوع، فلعلَّ الذهبيَّ تابع العقيلي في ترجيحه، والله أعلمُ. وله طريقٌ رابعٌ عن عائشة. أخرجه ابنُ شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ج 2/ ق 21/ 2) من طريق أبي يوسف القاضى، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الشعبيِّ، عن عائشة، رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ذات يومٍ، فجاءت الهرَّةُ فشربت من الإناء، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرب منه ما بقي. * قُلْتُ: وفيه ضعْفٌ وانقطاعٌ. قال ابن معين والحاكم: "الشعبي لم يسمع من عائشة". وقال الحافظ في "التلخيص" (1/ 42): "فيه انقطاعٌ". وقد مرّ منذ قليلٍ أن أبا يوسف يرويه عن عبد الله بن سعيد المقبري، فلعلَّ هذا من الاختلاف على أبي يوسف في إسناد. والله أعلم. وطريقٌ خامسٌ (¬1). أخرجه ابنُ عديّ (5/ 1882) عن عبد الله بن شقيق عن عائشة بنحوه. وسنده ضعيفٌ. والله أعلم. ¬

_ (¬1) وله طريقٌ سادسٌ: ترويه عمرة بنت عبد الرحمن عنها. ويأتي تخريجُه في الحديث رقم (72).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * ثانيًا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه. أخرجه ابنُ ماجة (369)، وابنُ خزيمة (ج 2/ رقم 828)، والحاكمُ (1/ 254 - 255)، وأبو طاهر المُخلَّص في "الفوائد" (ج 12/ ق 274/ 1)، وابنُ عديّ في "الكامل" (4/ 1586) من طريق أبي عليٍّ الحنفي (¬1) عبيد الله بن عبد المجيد، نا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: "الهرَّةُ لا تقطعُ الصلاة، لأنها من متاع البيت". وتابعه مهدى بن عيسى، ثنا ابنُ أبي الزناد بسنده سواء. أخرجه البزار (ج 1/ رقم 584) حدثا فردوس الواسطي (¬2)، ثنا مهدى بن عيسى. قال الحاكمُ: "هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم، لاستشهاده بعبد الرحمن بن أبي الزناد مقرونًا بغيره". * قلت: كذا قال! والصواب أنه ليس على شرط مسلم لأنه استشهد = ¬

_ (¬1) هذه كنية عبيد الله بن عبد المجيد، ووقع في "ابن ماجه": "أبو بكر الحنفي" ولا أدري عن السبب في هذا، والمعروف أن كنية عبيد الله هي "أبو علي". ولعلَّ في العبارة سقطًا وهو: "وهو أخو أبو بكر الحنفي" والله أعلم. (¬2) وفردوس الواسطيّ لم أجد له ترجمة في "تاريخ واسط" ولا غيره من الكتب التي عندي، ولكنه لم يتفرَّد به. فقد تابعه أبو غسَّان، نا مهدى، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: "الهرَّةُ من متاع البيت". أخرجه البزار (ج2 /ق185/ 1) نا غسَّان به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بابن أبي الزناد ولم يحتج به ففيه مقالٌ معروف، ولعلَّ الذهبيَّ لم يوافقه، لأنه قال: "قد استشهد" (م) بابن أبي الزناد، ولم ينقل عبارة الحاكم التي فيها ذكر التصحيح كعادته، فلا أدري أوافقه واختصر العبارة، أم أنه قصد موافقة الحاكم على هذه الجزئية دون التصحيح؟ وقد ذكر ابنُ خزيمة علَّةً للحديث، فقال: "إن صحَّ الخبرُ مسندًا، فإن في القلب من رفعه". ثم رواه من طريق ابن وهبٍ، عن ابن أبي الزناد بسنده، موقوفًا وقال: "ابنُ وهبٍ أعلم بحديث أهل المدينة من عبيد الله بن عبيد المجيد". * قُلْتُ: فجعل ابن خزيمة العلة من عبيد الله بن عبد المجيد، وأرى أن العلة هي من ابن أبي الزناد، لأن مهدي بن عيسى قد تابع أبا علي الحنفي عليه، وهو وإن كان مجهول الحال كما قال ابن القطان إلَّا أنه يصلحُ في المتابعات، ويؤيِّدُهُ أن ابن عديّ أورد الحديث في ترجمة ابن أبي الزناد. وله طريق آخر عن أبي هريرة. فأخرجه ابن عدي (2/ 794) من طريق حفص بن عمر العدني، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة موفوعًا: "الهرُّ من متاع البيت". وقال بعد أن سرد أحاديث أخرى: "وهذه الأحاديث عن الحكم بن أبان يرويها عنه حفص بن عمر العدني، والحكمُ بنُ أبان وإن كان فيه لينٌ، فإن حفصًا هذا ألينُ منه بكثير، والبلاء من حفصٍ، لا من الحكم" اهـ. * قُلْتُ: لم يتفرَّدْ به حفصٌ، فقد تابعه إبراهيم بن الحكم بن أبان عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبيه، قال: حدثني أبي، عن عكرمة، عن أبي هريرة مرفوعًا: "الهرُّ من متاع البيت". أخرجه البزار (ج 2/ ق 196/ 1) حدَّثنا سلمةُ بْنُ شبيب، نا إبراهيمُ به. وقال: "هذا الحديث لا نعلمه رواه عن عكرمة، عن أبي هريرة إلَّا الحكمُ بنُ أبان، ولا رواه عنه إلا إبراهيمُ بن الحكم. وإبراهيمُ بْنُ الحكم ليس بالحافظ، في حديثه لِيْن، وإنْ كان قد روى عنه جماعة" اهـ. * قُلْتُ: وقول البزار: "ولا رواه عنه إلا إبراهيم" متعقَّبٌ برواية ابن عدي. وأمَّا إبراهيم بن الحكم فقد تركوه، وقلَّ من مشَّاهُ كما قال الذهبي. وقد ذكر عباس العنبريُّ أن هذه الأحاديث كانت في كتاب إبراهيم مراسيل، ليس فيها "ابنُ عباس" ولا "أبو هريرة" يعني أحاديث أبيه عن عكرمة، فوصلها. [تنبيه]: ذكر المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1/ 309 - 310) أنَّ حديث أبي هريرة الذي عناه الترمذيُّ، هو ما أخرجه الدارقطنيُّ بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار ودونهم دارٌ، فشقَّ عليهم، فقالوا: يا رسول الله! تأتي دار فلان، ولا تأتي دارنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "لأن في داركم كلبًا" قالوا: فإن في دارهم سِنَّورًا: فقال: "السِّنَّور سبعٌ". * قُلْتُ: أخرجه أحمد (2/ 442)، وابنُ أبي شيبة (1/ 32)، والطحاويّ في "المشكل" (3/ 272)، والدارقطنيّ (1/ 63)، والحاكم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (1/ 183)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (3/ 386 - 387)، وإسحق بن راهويه في "مسنده" -كما في "نصب الراية" (1/ 135) -، والبيهقيُّ (1/ 251 - 252) وابن الجوزى في "الواهيات" (1/ 334) من طريق عيسى بن المسيب (¬1)، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال الحاكم: "هذا حديث صحيحٌ ولم يخرجاه، وعيسى بن المسيب تفرَّد عن أبي زرعة إلَّا أنه صدوق، ولم يجرح قطُّ" (¬2)!! فتعقبه الذهبيُّ بقوله: "قال أبو داود: ضعيفٌ، وقال أبو حاتم: ليس بالقويّ". وكذا تعقبه العراقي في "طرح التثريب" (2/ 123). وقال الدارقطنيُّ: "تفرَّد به عيسى بن المسيب، عن أبي زرعة وهو صالحُ الحديث". وقال العقيلي: "لا يتابعه إلَّا من هو مثله أو دونه". * قلْتُ: خالفه أبو نعيم. = ¬

_ (¬1) وقع في "المشكل": "عيسى بن يونس"!! والنسخة سقيمة. (¬2) نقل صاحب "التعليق المغني" (1/ 63) عبارة الحاكم هكذا: "حديث صحيح ولم يخرجاه. وعيسى هذا ليس بالقوي تفرد عن أبي زرعة .... إلخ" وعبارة "ليس بالقوي" زيادة وهي لا تتسق مع مراد الحاكم وقال الحافظ في "التعجيل" (ص 328/ رقم 740): "جازف الحاكم في "مستدركه" وأخرج حديثه وصححه وقال: لم يُجرح قط. كذا قال" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال أبو زرعة الرازي: "لم يرفعه أبو نعيم، وهو أصحُّ وعيسى ليس بقويٍّ". ذكره ابنُ أبي حاتم عنه في "العلل" (ج 1/ رقم 98). * قُلْتُ: وواضحٌ أنَّ الحديث ليس هو مراد الترمذيّ، لأن الترمذيّ ذكره كشاهدٍ في أن سؤر الهرة ليس بنجس، وهذا الحديث احتج به الأحناف مع ضعفه على كراهة سؤر الهرَّة لأنها من السباع، وبوَّب عليه ابن أبي شيبة بقوله: "من قال: لا يجزئ ويغسل منه الإناء" يعني من سؤر الهرَّة. وقد بوّب ابنُ ماجة على ذلك بقوله: "باب الوضوء بسؤر الهرَّة والرخصة في ذلك". والله أعلمُ. ... * قلْتُ: وفي الباب مما لم يذكره الترمذيُّ: * ثالثًا: حديث أنسٍ، رضي الله عنه. أخرجه الطبرانيُّ في "الصغير" (1/ 227 - 228)، وعنه أبو نُعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 71) من طريق جعفر بن عنبسة الكوفي، حدثنا عمر ابن حفص المكيُّ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرضٍ بالمدينة يقالُ لها: بَطحان، فقال: "يا أنس! اسكب لي وضوءًا" فسكبتُ له، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، أقبل إلى الإِناء وقد أتى هِرٌّ فولغ في الإِناء، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فوقف له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقفةً حتى شرب الهرُّ، ثمَّ توضأ، فذكرتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الهِرَّ، فقال: "يا أنس! إنَّ الهرَّ من متاع البيت، لن يقذر شيئًا، ولن يُنجِّسهُ". قال الطبرانيُّ: "لم يروه عن جعفر إلا عمر بن حفص، ولا روى عن علي بن الحسين عن أنس حديثًا غير هذا" اهـ. قال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 216): "فيه حفص بن عمر وثقه ابنُ حبان، وقال الذهبيُّ: لا يُدرى من هو". * قُلْتُ: ويظهر أنَّ الذهبيَّ أخذ هذا من ابن القطان الفاسي. فقد قال في "بيانُ الوهم والإيهام" (ج 1/ ق 225/ 2) بعد أن ذكر حديثًا أخرجه الدَّارقطنيُّ (1/ 304) من طريق جعفر بن عنبسة ثنا عمر بن حفص المكيّ في الجهر بالبسملة، قال: "عِلَّتُهُ الجهلُ بحال عمر بن حفص المكيّ، بل لا أعرفُه مذكورًا في مظانِّ ذكره وذكر أمثاله. قال: وكذلك راويه عنه جعفر بن عنبسة". اهـ مختصرًا. ولكني رأيتُ البيهقيَّ روى في "سننه" (2/ 9 - 10) حديثًا آخر لعمر بن حفص المكيّ عن ابن جريج في باب "من طلب باجتهاده جهة الكعبة" ثم قال: "تفرَّد به عمرُ بْنُ حفص المكيُّ، وهو ضعيفٌ لا يُحتجُّ به" (¬1) = ¬

_ (¬1) ثُمَّ رأيته في "نصب الراية" (1/ 347) نقل كلام البيهقي وزاد: "والحمل فيه عليه" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فكان يمكن أن يستدرك على ابن القطان بتضعيف البيهقيّ له لولا أنه قال: "في مظانّ ذكره وذكر أمثاله" (¬1). وذكر ابنُ الجوزى في "التحقيق" (1/ 309) حديث البسملة المتقدم وقال: "يرويه عمر بن حفص وأجمعوا على ترك حديثه" اهـ. وأقرَّه عليه ابنُ عبد الهادي في "التنقيح" (ق 100/ 2). وهذا عندي وهمٌ من ابْن الجوزيِّ، فإن الذي تركوا حديثه هو "عمر بن حفص أبو حفص العبدي" الذي يروي عن ثابت البناني وأبان بن أبي عياش وغيرهما. وقد فرَّق الذهبي بينه وبين "عُمَرَ بْن حفص المكيِّ" الذي يروي عن ابن جريج. وأمَّا قولُ الهيثميّ: "وثقه ابنُ حبَّان". فقد ذكر في "ثقاته" (7/ 174): "حفص بن عمر، أبو حفص المكيّ. يروي عن سالم، روى عنه هاشم بن القاسم". فإن كان هو، فيستدرك بذلك على ابن القطان، والله أعلمُ. والراوي عنه جعفر بن عنبسة جهله ابنُ القطان كما تقدَّم. ورأيتُ في "دلائل النبوة" (2/ 427) للبهيقيّ في باب "عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب" أنه روى حديثًا من طريق = ¬

_ = وهذه الجملة ليست موجودة في المطبوعة من "السنن". والله أعلمُ. (¬1) مع أن تضيف البيهقيّ لا ينافي تجهيل ابن القطان، فإن الجمهور إذا انفرد بشىء خولف فيه فيضعف به عند النقاد. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبي محمد جعفر بن عنبسة الكوفي، وقال: "إِسنادٌ مجهولٌ". فهذا يلتقى مع حكم ابن القطان. وذكر الحافظ في "اللسان" (2/ 120) أن الطوسي ذكره في رجال الشيعة وقال: "ثقة". * قُلْتُ: الطوسي (¬1) الرَّافضيُّ ليس بعمدةٍ، وكان يسبُّ السَّلف؛ وهو يحتاجُ إلى من يزكيه. فالله المستعان. وبالجملة فالحديثُ ضعيفٌ. والله أعلمُ. ... * رابعًا: حديثُ جابر بْنِ عبد الله، رضي الله عنهما. أخرجه ابنُ شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ج 2/ ق 215/ 2) من طريق سلمة بن عبد الملك العوصي، قال: حدَّثنا أبو الحسن -يعني علي بن صالح-، عن محمد بن إسحق، عن صالح، عن جابر بن عبد الله، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعُ الإناء للسنور، فيلغ فيه ثمَّ يتوضأ من فضله". * قُلْتُ: وسنده ضعيف لتدليس محمد بن إسحق. وصالح هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، لكنه لم يدرك جابرًا فيما يظهر، فنقل في "التهذيب" (4/ 380): "ذكره ابن حبان في = ¬

_ (¬1) وهو محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر الطوسي. له ترجمة في "لسان الميزان" (5/ 135).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "الثقات" وقال: روى عن أنسٍ إنْ كان سمع منه" (¬1). * قُلْتُ: ومات أنس على الراجح سنة (93 هـ)، فلأن يكون لم يسمع من جابر أولى، لأنه مات سنة (73) وأقصى ما قيل في وفاته (سنة 78). ... * خامسًا: حديثُ عليِّ بْنِ أبي طالب، رضي الله عنه، موقوفٌ. أخرجه الخطيب في "تلخيص المتشابه" (58/ 1) من طريق يحيى بن مسلم أبي الضحاك، عن أبيه، عن أبي سعيد الجابري، أنَّ عليًّا سئل عن سؤر الهرِّ يشربُ من الإناء، قال: "لا بأس بسؤر الهرِّ". وفي سنده ضعفٌ. ¬

_ (¬1) عبارة ابن حبان في "الثقات" (6/ 454): "وقد قيل: إنه سمع من أنس بن مالك".

55 - باب سؤر الحمار

55 - باب سُؤْرِ الْحِمَارِ 69 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَتَانَا مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 69 - إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ، وسيأتي برقم (4340). * سفيان: هو ابن عيينة. * أيوب: هو ابن تميمة السختياني. * محمد: هو ابن سيرين. ... والحديث أخرجه البخاري (7/ 467 - فتح)، ومسلم (13/ 94 - نووي)، وأحمد (3/ 111)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (4/ 205)، والبيهقيُّ (9/ 331) من طريق سفيان بن عيينة بسنده سواء بلفظ أطول من هذا. ولفظ البخاريّ: "صبَّحنا خيبر بُكرةً، فخرج أهلُها بالمساحيِّ، فلما بَصُروا بالنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمدٌ والله! محمدٌ والخميسُ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أكبرُ، خربت خيبر، إنا إذا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين"، فأصبنا من لحوم الحمر، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجسٌ". وقد رواه عن ابن عيينة جماعةٌ من أصحابه منهم: "صدقة بن الفضل، وابن أبي عمر، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل". وقد توبع ابنُ عيينة. تابعه عبد الوهاب الثقفي، ومعمر بن راشد، وحماد بن زيد. أخرجه البخاريُّ (7/ 467 - 468 و 9/ 653 - 654 فتح)، وابنُ ماجة (3196)، وأحمدُ (3/ 164)، وعبد الرزاق (ج 4/ رقم 8719)، وابنُ حبان (ج 7/ رقم 5250)، والطحاويُّ (4/ 205)، وابن حزمٍ في "المحلى" (7/ 406)، والبيهقيُّ (9/ 331). وتوبع أيوبُ السختيانيُّ. تابعه هشامُ بْنُ حسَّان، عن ابْنِ سيرين به. أخرجه مسلمٌ (13/ 94)، والدَّارميُّ (2/ 14)، وأحمدُ (2/ 115، 121)، وابنُ أبي شيبة (8/ 74 و 14/ 467)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج 5/ رقم 2828)، والطحاويُّ (4/ 206)، وابنُ عبد البرّ في "التمهيد" (10/ 127). * قُلْتُ: وله شواهدُ كثيرةٌ يأتي ذكرُهَا في "كتاب الصيد والذبائح" إنْ شاء الله تعالى.

56 - باب سؤر الحائض

56 - باب سُؤْرِ الْحَائِضِ 70 - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كُنْتُ أَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ فَيَضَعُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاهُ حَيْثُ وَضَعْتُ وَأَنَا حَائِضٌ وَكُنْتُ أَشْرَبُ مِنَ الإِنَاءِ فَيَضَعُ فَاهُ حَيْثُ وَضَعْتُ وَأَنَا حَائِضٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 70 - إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ، ويأتي برقم (279، 280، 341، 377، 378، 379). * عبد الرحمن: هو ابنُ مهديّ. * سفيان: هو ابن سعيد الثوريّ. والحديث أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 125/ 1) ومسلمٌ (3/ 210 - 211 نووي) والمصنِّفُ في "عشرة النساء" (رقم 234)، وأبو عوانة (1/ 311)، وأبو داود (259)، وابنُ ماجة (643)، وأحمد (6/ 62، 64، 127، 192، 210، 214) وعبد الرزاق في "المصنف" (ج 1/ رقم 388) والحميدى (166)، والطيالسيُّ (1514)، وابنُ خزيمة (1/ 58) وابن حبان (ج 2/ رقم 1357، 1358) وابن المنذر في "الأوسط" (ج 1/ رقم 213) والدَّارميُّ (1/ 197 - 198)، والبيهقيُّ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (1/ 311 - 312) والبغويُّ الكبير في "مسند ابن الجعد" (رقم 2374)، وأبو موسى المدينى في "اللطائف" (ق 18/ 1 ق 38/ 1) والبغويُّ في "شرح السنُّة" (2/ 134) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 100، 136) من طرق عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة به. وقد رواه عن المقدام جماعةٌ من أصحابه، منهم: "سفيان الثوري، وشعبة، وإسرائيل بن يونس، ومسعر بن كدام، ويزيد بن المقدام، وشريك النخعيُّ، والأعمش". ***

57 - باب وضوء الرجال والنساء جميعا

57 - باب وُضُوءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا 71 - أَخْبَرَنِى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ ح وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَمِيعًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ 71 - إسناده صَحِيْحٌ. ويأتي برقم (342). * معنٌ: هو ابن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي. أخرج له الجماعة. وكان من أوثق الناس في مالك. بل قدَّمهُ أبو حاتم على ابن وهبٍ في مالك. أمَّا قول أحمدَ: "ما كتبتُ عنه شيئًا" فليس بجرحٍ، إِنَّما هو إخبارٌ منه بأنه لم يكتب عنه شيئًا. * ابنُ القاسم: هو عبدُ الرَّحْمَن صاحبُ مالكٍ. أخرج له البخاريُّ حديثًا واحدًا، وأبو داود في "المراسيل". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وثقه ابن معين وزاد: "ثقة"، وأبو زرعة، والنسائى والحاكم وقالا: "مأمونٌ"، وابنُ حبان وزاد: "كان خيِّرًا فاضلًا ممن تفقه على مالك، وفرَّع على أصوله وذبَّ عنها، ونصر من انتحلها". ووثقه الخطيبُ، ومسلمة بنُ قاسم، والخليليُّ وغيرُهم. ... والحديث أخرجه البخاريُّ (1/ 298 - فتح)، وأبو داود (79)، وابنُ ماجة (381)، والشافعيُّ في "الأم" (1/ 8)، ومحمد بن الحسن في "موطئه" (رقم35) وعبد الرزاق (ج 1/ رقم 1033)، وأحمد (2/ 113)، وابنُ خزيمة (ج 1/ رقم205)، وابن حبان (ج 2/ رقم 1262)، والبيهقيُّ (1/ 190) وابن عبد البر في "التمهيد" (14/ 163)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 25 - 26) جميعًا من طرق مالك، وهو في "موطئه" (1/ 24/ 15) عن نافعٍ، عن ابن عمر. وقد رواه عن مالك جماعةٌ من أصحابه منهم: "الشافعيُّ، وابنُ وهب، والقعنبيُّ، وأبو مصعبٍ، ومحمَّدُ بْنُ الحسن، وعبدُ الله بْنُ يوسف، وعبدُ الرحمن بْنُ مهدى، وهشامُ بْنُ عمَّارٍ". وقد تابع مالكًا جماعةٌ منهم: 9 - أيوبُ السختيانيُّ، عن نافعٍ. أخرجه أبو داود (79)، وأحمد (2/ 4)، وأبو القاسم البغويّ في "مسند ابن الجعد" (3134، 3135، 3136)، وابنُ خزيمة (ج1/ وقم 205)، وابن عبد البر في "التمهيد" (14/ 165). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ورواه عن أيوب: "حمَّادُ بْنُ زيدٍ، وابنُ عُليَّة، ويزيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وعبدُ الوارث بْنُ سعيدٍ، والحارثُ بنُ نَبْهَان". 2 - عبيدُ الله بْنُ عمر. أخرجه أبو داود (80) وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 18/ 1)، وأحمد (2/ 103، 142) وابن خزيمة (ج 1/ ت 120، 121)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (58) والحاكم (1/ 162) وابنُ حبان (ج 2/ رقم 1260) والدارقطني (1/ 52)، والبيهقيُّ (1/ 190) وفيه: "من الإناء الواحد". ورواه عن عبيد الله بن عمر: "يحيى القطان، ومحمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وعبدُ الله بْنُ نُمير، ومُعْتمرُ بْنُ سُلَيمانَ، وعليُّ بْنُ مُسْهرٍ، وأبو خالد الأحمر سليمانُ بن حيَّانَ". قال الحاكم: "صحيحٌ على شرطهما ولم يخرجاه بهذا اللفظ" ووافقه الذهبي. وقد وهم في استدراكه على البخاري، إلَّا ما كان من أمر هذه اللفظة الزائدة. والله أعلم. 3 - صخرُ بن جويرية. أخرجه أبو القاسم البغويّ في "مسند ابن الجعد" (3132). 4 - يونسُ بْنُ يزيد. أخرجه البيهقيُّ (1/ 190). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 5 - عبدُ الله بْنُ عمر. أخرجه عبدُ الرزَّاق (ج1/ رقم 400)، والبيهقيُّ (1/ 190). 6، 7 - أسامةُ بْنُ زيد، والحجَّاجُ بْنُ أرطاة، عن نافعٍ. أخرجه البزَّارُ (ج 2/ ق 9/ 1). ***

58 - باب فضل الجنب

58 - باب فَضْلِ الْجُنُبِ 72 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الإِنَاءِ الْوَاحِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 72 - إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. ويأتي برقم (228، 231، 232 - 236، 344، 411 - 414). أخرجه البخاريُّ (1/ 363 - فتح)، ومسلم (4/ 2، 3، 4)، وأبو عوانة (1/ 294 - 295)، وابنُ ماجة (376)، والدارميُّ (1/ 157)، ومالك (1/ 44 - 45/ 68)، والشافعيُّ في "مسنده" (ص- 9)، وأحمدُ (6/ 127، 173، 199) وابن أبي شيبة (1/ 35) والحميدى (159)، والطيالسى (1438)، وأبو إسحاق الحربي في الغريب (2/ 346) وعبد الرزاق (جـ1/ رقم 1027) وأبو يعلى (ج8/ رقم 4546)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (57)، وابنُ حبان (ج 2/ رقم 1198)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 296)، وابن عبد البر في "التمهيد" (8/ 100)، والطحاويُّ (1/ 24 - 2/ 50)، والطبراني في "الأوسط" (رقم 378، 1200 - المطبوع) وكذا (ج 2/ق 182/ 1) بزيادة في أوله، وأيضًا في "مسند الشاميين" (ق 548)، وتمام الرازى في "الفوائد" (212)، والبيهقيُّ (1/ 187، 193)، والذهبيُّ في "المعجم المختص" (ق 32/ 1 - 2) من طرق عن الزهرىّ، عن عروة، عن عائشة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد رواه عن الزهرىّ جماعة منهم: "مالك (¬1)، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة (¬2)، وابن أبي ذئب، ومعمر بن راشد، والأوزاعى، وجعفر بن برقان، وأيوب بن موسى وإسحق بن راشد، والقعنبيُّ، وابنُ جريج وعبدُ الرحمن بْنُ نمر اليحصبى" (¬3). وخالفهم إبراهيم بن سعد، فرواه عن الزهرىّ، عن القاسم بن محمد، عن عائشة. فجعل شيخ الزهرى هو "القاسم" بدل "عروة". أخرجه النسائُّي -كما في "أطراف المزىّ" (12/ 285) -، وأبو يعلى (ج 7/رقم 4412) وابنُ عدي (1/ 247)، وابن عبد البر (8/ 101)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 3/ رقم 2412)، وأبو بكر الشافعىّ في "الغيلانيات" (ج 6/ق 78/ 2 - 79/ 1) والبيهقى (1/ 194) من طرق عن إبراهيم بن سعد به. وقد رواه عن إبراهيم: "إسحاق بْنُ منصور، وحفصُ بْنُ عمر، وعبدُ العزيز بْنُ أبي سلمة، ومُحمَّدُ بْنُ عثمان العثمانيُّ، وسليمانُ بْنُ داود الهاشميُّ". = ¬

_ (¬1) ولفظه مختصرٌ، ليس فيه: "في الإناء الواحد". (¬2) وقع عند أبي يعلى حدثنا محمد بن عباد المكيّ حدثنا سفيان قال: سمعتُه من الزهريّ والله كما أخبرتك. (¬3) وقد روى عن الزهري صحيفة طويلة ذكرها الطبراني في "مسند الشاميين" (ق 548 - 554).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن الزهريِّ، عن القاسم، إلا إبراهيمُ". قال الحافظ في "الفتح" (1/ 363): "كذا رواه أكثر أصحاب الزهري -يعني عنه عن عروة- وخالفهم إبراهيم بن سعد فرواه عنه عن القاسم بن محمد أخرجه النسائيُّ، ورجح أبو زرعة الأول، ويُحتمل أن يكون للزهرى شيخان، فإن الحديث محفوظ عن عروة والقاسم من طرق أخرى" اهـ. * قُلْتُ: وما رجحَهُ أبو زرعة رحمه الله تعالى -كما في "العلل" (ج 1/ رقم 159) لابن أبي حاتم -هو الراجح عندى- لأن الاحتمال الذي أبداه الحافظ - رحمه الله - إنما يَرِدُ إن كان الراوى عن الزهري ثبتًا فيه. ولكن الراوى عنه هو إبراهيم بن سعد، وهو وإن كان ثقةً، إلا أن صالح جزرة تكلم في روايته عن الزهري خصوصًا، وذكره ابنُ عدي في "الكامل" وساق له أحاديث خالف فيها أصحاب الزهرى المتقنين. وأشار إلى ذلك ابنُ عديٍّ، فقال: "وهذا الحديث يرويه إبراهيمُ بْنُ سعدٍ، عن الزُّهرىِّ، عن القاسم، عن عائشة، وأصحابُ الزهريّ خالفوه فرووه عن الزهرىّ، عن عروة، عن عائشة". ثُمَّ رأيتُ الدارقطني - رحمه الله - أشار إلى رجحان ما رجحه أبو زرعة وهو الذي اخترناه والحمد لله. فقال رحمه الله في "العلل" (ج5/ ق 24/ 1): "خالفهم إبراهيمُ بْنُ سعدٍ، فرواه الزهريُّ، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، والقولُ قولُ من قال: عن عروة" اهـ. فالحمد لله على التوفيق. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد توبع الزهريُّ، عن عروة، فتابعهُ: 1 - هشامُ بْنُ عروة، عن أبيه. أخرجه البخاريُّ (1/ 374 - فتح) مختصرًا، وعبد الرزاق (ج 1/ رقم 1034)، وأحمد (6/ 130 - 131، 162، 193، 230، 231)، وابنُ خزيمة (ج1/رقم 119، 239)، وأبو يعلى (ج 7 / رقم 4429، 4484 وج 8 / رقم 4726، 4895)، وابنُ حبان (ج 2/ رقم 1191) والحاكم (1/ 169) والطحاوي (1/ 26)، وابن أبي داود في "مسند عائشة" (4، 71) وابن المنذر (ج 1/ رقم 210)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2 / رقم 1248)، وابنُ أبي شريح في "جزء بيبى" (رقم 114) وابن عدي (2/ 753)، والبيهقيُّ (1/ 31، 175، 188). وقد رواه عن هشام جماعةٌ منهم: "حماد بن زيد، وعمر بن عليّ، وعبيد الله بن عمر وهشام بن حسَّان، وجرير بن حازم، وأبو معاوية، وأبان العطار، وابن المبارك، وهمام بن يحيى، ومالك، ووكيع، ومعمر، وابن نمير، وعبدة بن سليمان، وعيسى بن يونس، وشعبة، وحماد بن سلمة". وتابعهم عبدُ الرحمن بْنُ أبي الزِّناد عن هشام به وزاد: "وكان له - صلى الله عليه وسلم - شعرٌ فوق الجمة ودون الوفرة". أخرجه الترمذيُّ (1755). وأخرجه أيضًا في "الشمائل" (20) وكذا أبو داود (4187)، وابن ماجة (3635)، وأحمد (6/ 108، 118) وابن عدي (4/ 1586)، والطحاويُّ في "المشكل" (4/ 321) من طرقٍ عن ابن أبي الزناد بالزيادة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فقط (¬1). قال الترمذيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه، وقد رُوى من غير وجهٍ عن عائشة أنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، ولم يذكروا فيه هذا الحرف: "وكان له شعر فوق الجمة، ودون الوفرة" وعبد الرحمن بن أبي الزناد (ثقةٌ) (¬2)، كان مالك بن أنس يوثقه ويأمر بالكتابة عنه" اهـ. وقال ابْنُ عديّ: "لا أعلمُ روى هذا الحديث عن هشام غير ابن أبي الزناد". * قُلْتُ: وتَفردُ ابْن أبي الزناد ضعيفٌ. 2 - أبو بكر بْنُ حفص، عن عروة. أخرجه البخاريُّ (1/ 374 - فتح) والطحاوي (1/ 24)، والبيهقيُّ (1/ 187 - 188). 3 - تميمُ بْنُ سلمة، عن عروة. أخرجه أحمدُ (6/ 230) حدثنا أبو معاوية ثنا الأعمش، عن تميم بن سلمة به. وسندُهُ صحيحٌ. = ¬

_ (¬1) اللفظ عند أبي داود وغيره يخالف لفظ حديث الترمذي، وقد وفق بينهم الحافظ وغيرُهُ. وانظر "تحفة الأحوذى" (5/ 444 - 445)، والفتح (10/ 358). (¬2) في "تحفة الأحوذي" (5/ 444): "ثقةٌ حافظ" وليس عنده: "وكان مالكٌ ... إلخ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد خولف أبو معاوية في إسناده. خالفه أبو إسحق الفزاريُّ، فرواه عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن عروة، عن عائشة به. فصار شيخُ الأعمش هو: "شقيق بن سلمة" بدل "تميم بن سلمة". أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 1 / ق 198/ 1) قال: حدثنا الحسين ابن السميدع، قال: نا موسى بن أيوب النصيبى، قال نا أبو إسحاق الفزارى به. وقال: "لم يرو هذا الحديث عن الأعمش، عن شقيق، عن عروة إلا أبو إسحاق الفزارى، تفرد به موسى بن أيوب". * قُلْتُ: وهذا سندٌ رجالُه ثقات. والحسين بن السميدع، شيخُ الطبراني وثقهُ الخطيبُ كما في "تاريخه" (8/ 51)، وموسى بن أيوب النصيبى، أبو عمران الأنطاكى وثقه العجليُّ وابنُ حبان. وقال أبو حاتم: "صدوق". وأبو إسحق الفزارى الإمام العلم صاحب السير. واسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث ثقة حافظ. أثنى عليه الجمع، إلَّا أن ابن سعدٍ بعد الثناء عليه قال: "كان كثير الخطأ في حديثه"! كذا! وابنُ سعد ليس بعمدةٍ إذا خالف، وهاك العلماء الكبار لم يذكر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = واحدٌ منهم ما ذكره ابنُ سعدٍ، ولا قريبًا منه. ورواية شقيق بن سلمة أبي وائل عن عروة عزيزة جدًّا، وهى من رواية الأكابر عن الأصاغر. ولم أر أحدًا ذكر لشقيقٍ روايةً عن عروة. وهذا دليلٌ على ندرتها، فالله أعلم. ... وللحديث طرقٌ أخرى كثيرةٌ عن عائشة رضي الله عنها وقد مرَّ وجهٌ: 2 - الأسودُ، عنها. أخرجه البخاريُّ (1/ 403 - فتح)، وأبو عوانة (1/ 309)، وأبو داود (77) وعبد الرزاق (ج 1/ رقم 1031) والطحاوي (1/ 26)، وأحمد (6/ 189، 191، 192، 210) وابن حبان (ج2/ رقم 1361، 1364)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (2/ 637) والبغوي في "شرح السنة" (2/ 131)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 35)، من طريق منصور، عن إبراهيم النخعى، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة (¬1) به. ¬

_ (¬1) وعزاه المزِّي في "الأطراف" لـ "صحيح مسلم - في كتاب الطهارة"، ولم أجده فيه بعد البحث والتتبُّع، وقد عزاه لـ "مسلمٍ" من هذا الوجه البغويُّ في "شرح السنة" (2/ 131) بعدما رواه من طريق البخاري، وأظنُّ البغوي قصد الاتفاق على أصله من هذا الوجه، وليس على كل لفظه، والله أعلمُ. فقد قال الحافظ في "النكت الظراف" (11/ 369): "قال بعضُهم: ليس هو عند مسلمٍ في "الطهارة"، فليحرر" اهـ. وقال وليُّ الدين ابن العراقي في "الأطراف بأوهام الأطراف" (ص- 217): =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وزاد البخاريُّ وأحمدُ: "وكان يأمرنى فأتزر، فيباشرنى وأنا حائض، وكان يُخرج رأسه إليَّ وهو معتكفٌ، فأغسله وأنا حائض". وقد أخرج هذه الزيادة أيضًا من هذا الوجه: البخاريُّ (4/ 274)، ومسلم (293/ 1)، وأبو عوانة (1/ 309)، وأبو داود (268) والمصنِّفُ ويأتي برقم (286، 374)، وفي "العشرة" (رقم 233، 242)، والترمذيُّ (132)، وابنُ ماجة (636)، وأحمد (6/ 134، 174، 189)، وعبد الرزاق (ج 1/ رقم 1237) وأبو القاسم البغوي في "مسند ابن الجعد" (907) وابن الجارود (106)، والطيالسيُّ (1375)، والطحاوي في "شرح المعاني" (3/ 36)، والبيهقيُّ (1/ 310)، وابنُ عدي في "الكامل" (2/ 649، 6/ 2405)، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (3/ 166). قال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وقد رواه عن منصور (¬1): "سفيان الثورى، وشعبة، وأبو عوانة، وجرير بن عبد الحميد". ورواه حجاج بن نصير عن شعبة فخالف فيه. أخرجه ابن عدي (2/ 649). = ¬

_ = "لم أره في "صحيح مسلم" هنا، فليراجع" اهـ. (¬1) وتوبع منصور. تابعه الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي به. أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 25).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ويأتي تفصيل ذلك في الحديث (286) إن شاء الله تعالى. * قُلْتُ: ويظهر لي أنه حديث واحد، فرَّقه المخرجون له بحسب الفقه الذي فيه. والله أعلمُ. 3 - القاسم بن محمد، عنها. أخرجه البخاريُّ (1/ 373 - فتح)، والإسماعيلي في "مستخرجه"، ومسلمٌ (4/ 5 - 6 نووى)، وأبو عوانة (1/ 284) والطحاويُّ (1/ 26)، وأبو بكر الشافعى في "الغيلانيات" (ج 6/ ق 79/ 1 - 2) والذهبى في "معجمه الكبير" (ق 31/ 1)، وفي "المعجم المختص" (ق 21/ 1)، وابنُ نقطة في "التقييد" (2/ 270) من طرقٍ عن أفلح بن حميد، عن القاسم به. ورواه عن أفلح: "القعنبيُّ، وإسحاق بنُ سليمانَ، وابْنُ وهبٍ، وابنُ أبي فُدَيْك، وحَمَّادُ بنُ زيدٍ. وتابعه عبَّادُ بن منصور، عن القاسم. أخرجه الطيالسيُّ (1421)، وأبو بكر والشافعيُّ في "الغيلانيات" (ق 79/ 1). وكذا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه. أخرجه البخاريُّ (1/ 374)، والمصنَّفُ ويأتي (برقم 233)، وابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 250)، وابن حبان (ج 2/ رقم1259، 1261)، والطيالسيُّ (1416) وابنُ عدي (6/ 2121)، وأبو بكر الشافعى في "الغيلانيات" (ق 79/ 2) وعنه الخطيب في "التلخيص" (318/ 1). ورواه عن عبد الرحمن بن القاسم: "شعبةُ بن الحجاج، وعليُّ بن ميسر" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وزاد عمرو بن مرزق وغيرهُ في روايته عن شعبة قال: "فأعجبنى هذا الحديث لأنه قال فيه: من الجنابة". وزاد عليُّ بن ميسر في روايته: "من إناء واحدٍ ليس الماء بالكثير". وقد اختلف في إسناد ومتنه. أمَّا في إسناده فقد رواه جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن عائشة به. فزاد: "أبا أمامة" بين القاسم وعائشة. أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 3/ رقم 2959) حدثنا إبراهيم بن صالح الشيرازي، قال: حدثنا عثمان بن الهيثم، قال: حدثنا جعفر بن الزبير به، وقال: "لا نعلم أبا أمامة روى عن عائشة غير هذا، ولا يروى إلَّا من هذا الوجه". وأخرجه ابنُ عدي (2/ 560) من طريق إبراهيم بن راشد، ثنا عثمان بن الهيثم بإسناده سواء. * قُلْتُ: وهذا سندٌ ساقطٌ البتة، وجعفر بن الزبير تالفٌ فقد كذبه شعبةُ وقال: "وضع عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أربعمائة حديث". وقد تركه عمرو بن عليٍّ، والبخارىّ، وأبو حاتم، والنسائى، والدارقطنيُّ وعليُّ بن الجنيد والأزدى. وقال ابن حبان: "يروى عن القاسم وغيره أشياء موضوعة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهذه المخالفة لا قيمة لها، وإنما أوردتها للبيان. والله المستعان. وأما في المتن: فقد أخرجه الطبرانيّ في "جزء من اسمه عطاء" (ص 22)، وأبو بكر الشافعيّ في "الغيلانيات" (ج 6/ ق 79/ 1) من طريقين عن ابن لهيعة، ثنا عطاء بن خباب المكيُّ، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناءٍ واحدٍ. فإن سبقنى لم أقربه، وإن سبقتُه لم يقربه". قال الطبرانيُّ: "وقد روى هذا الحديث عن عائشة جماعةٌ، ورواه عن القاسم بن محمد جماعةٌ منهم الزهري، وأفلح بن حميد، وعيسى بن ميمون فلم يذكر هذه الَّلفظة عن عائشة: "فإن سبقته إلى الإناء لم يقربه" إلا عطاء بن خباب" اهـ. * قُلْتُ: وهذه لفظة منكرةٌ، وعطاء بن خباب المكىّ ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 331) وابن حبان في "الثقات" (7/ 253) وقالا: "يروى عن أبيه ... وعنه ابنه محمد". وترجم البخاريُّ له في "تاريخه الكبير" (3/ 2/ 473)، وترجم للذى يروى عن القاسم بترجمة مستقلة، فجعلهما اثنين. وعلى أيِّ تقدير فهو مجهول، فتفرده بمثل هذه الَّلفظة يُعدُّ منكرًا والله أعلم. 4 - معاذةُ العدويَّةُ، عنها: أخرجه مسلمٌ (4/ 6 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 233 - 234) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والمصنَّفُ ويأتى (239)، وأحمد (6/ 103، 118، 171، 172، 235، 265)، والطيالسيُّ (1573)، والحميديُّ في "مسنده" (168)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج 8/ رقم 4547)، وابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 236) وابنُ حبان (ج 2/ رقم 1192)، وأبو بكر الشافعيُّ في "الغيلانيات" (ج7/ ق 96/ 2) والطحاويُّ (1/ 25)، والبيهقيُّ (1/ 188)، والبغويُّ في "شرح السنة" (2/ 22) من طرق عن عاصم بن سليمان الأحول، عن معاذة. وقد رواه عن عاصمٍ جماعةٌ من أصحابه، منهم: "شعبة، وابن عيينة، ويزيد بن هارون، وسعيد بن أبي عروبة، وابن المبارك، وأبو خيثمة، وعبد الواحد بن زياد، وإبراهيم بن طهمان (¬1)، ومحاضر بن المورع". وتابعهم حمادٌ فرواه عن قتادة وعاصم الأحول معًا، عن معاذة، عن عائشة به. وفيه: "يبادرنى مبادرة". أخرجه أحمد (6/ 123) حدثنا بهز وعفان، وأبو يعلى (ج 7 / رقم 4483) قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج، قال ثلاثتهم: حدثنا حمادٌ به. * قُلْتُ: وحمادٌ هو ابنُ سلمة كما وقع مصرَّحًا به في رواية أحمد، وقد ذكر بعضُهم أنه "حماد بن زيد" متكئًا على أن إبراهيم بن الححاج روى عن الحمادين معًا، وهذا صحيحٌ، ولكن حماد بن سلمة هو الذي يروى عن = ¬

_ (¬1) وهذا مما فات المزى رحمه الله، فلم يذكر إبراهيم بن طهمان في الرواة عن عاصم الأحول وقد وقعت روايتة عنه في "الغيلانيات"، وقد ذكر المزى في ترجمة إبراهيم بن طهمان "عاصمًا الأحول" من شيوخه، والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قتادة لا حماد بن زيد والله الموفق. وأخرجه أحمد (6/ 171) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة وحده، عن معاذة عن عائشة. وتابعه أيضًا يزيد الرشك، عن معاذة. أخرجه ابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 251)، وعنه ابنُ حبان (ج 2/ رقم 1189) من طريق عبد الوارث بنُ سعيد، عن يزيد الرشك، عن معاذة، قالت: سألتُ عائشة: أتغتسل المرأة مع زوجها من الجنابة من الإناء الواحد جميعًا؟ قالت: الماء طهور، ولا يُجنب الماء شىءٌ، لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإناء الواحد. قالت: أبدأْهُ، فأفرغُ على يديه من قبل أن يغمسهما في الماء. وتابعه شعبة، عن يزيد الرشك به وفيه. "يبدأ فيغسل يديه" (¬1). أخرجه أحمد (6/ 172) ثنا محمد بن جعفر والطحاوى (1/ 26) عن وهب بن جرير قالا: ثنا شعبة. * قُلْتُ: وسندُهُ صحيحٌ. ويزيد الرشك ثقةٌ. وأخرجه أحمد (6/ 91) والطحاويُّ (1/ 26) من طريق المبارك بن فضالة حدثتنى أمى، عن معاذة به. ومبارك فيه ضعف، وأمه لا أعرفها (¬2). = ¬

_ (¬1) وفي حديث سعيد بن أبي عروبة عن عاصم الأحول: "وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبدأ قبلها". أخرجه أحمد (6/ 265). (¬2) ولم أر لها ذكرًا في "التعجيل"، وهي على شرطه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 5 - حفصةُ بْنتُ عبد الرحمن، عنها. أخرجه مسلم (4/ 5 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 296)، وابنُ حبان (ج 2 / رقم 1199)، والبيهقيُّ (1/ 195) من طريق الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن حفصة بنت عبد الرحمن ابن أبي بكر، وكانت تحت المنذر بن الزبير، أنَّ عائشة أخبرتها أنها كانت تغتسل هى والنبي - صلى الله عليه وسلم - في إناءٍ واحدٍ، يسعُ ثلاثة أمدادٍ، أو قريبًا من ذلك. 6 - عمرةُ بنتُ عبد الرحمن عنها. أخرجه ابن ماجة (368)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 19)، والدارقطنيُّ (1/ 52، 69)، وابنُ عدي في "الكامل" (2/ 616)، وابنُ شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (ج 2 / ق 21/ 1) من طريق حارثة بن محمد، عن جدَّته عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: "كنت أغتسلُ أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإناء الواحد، وقد أصابت منه الهرَّةُ قبل ذلك". ورواه عن حارثة بن محمد: "يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وشجاعُ بنُ الوليد". وتابعهما سفيان الثوريّ، نا حارثةُ به. أخرجه عبد الرزاق في "مصنَّفه" (ج1/ رقم 356)، والطحاويُّ في "الشرح" (1/ 19)، وفي "المشكل" (3/ 269)، والخطيبُ في "الموضح" (2/ 66). ورواه عن الثوريّ اثنان من ثقات أصحابه، هما: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "ابنُ وهبٍ، وعبد الرزاق". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ، وزيادةُ "الهر" منكرةٌ. وحارثة بن محمد ضعيفٌ، بل لعلَّهُ واهٍ. فقد تركه أحمدُ، وابنُ معين، والنسائيُّ، وعليُّ بن الجنيد. ووهَّاهُ أبو زرعة الرازى، ولم أر أحدًا أثنى عليه إلا ما نقله صاحبُ "التعليق المغنى" (1/ 69) عن الزيلعيّ أنه قال: "قال الدارقطنيُّ: لا بأس به" فالله أعلمُ. واختُلف على الثوريّ في إسناده. فرواه ابن وهب، وعبد الرزاق، عنه، عن حارثة بن أبي الرجال به. وخالفهما مؤملُ بنُ إسماعيل، فرواه عن الثورىّ، عن أبي الرَّجال عن أمه عمرة، عن عائشة. فجعل شيخ الثورىّ هو "الوالد" بدل "الابن". أخرجه الطحاويُّ في "الشرح" (1/ 19)، وفي "المشكل" (3/ 269). وقال: "هذا مما أخطأ فيه مؤمل بنُ إسماعيل في إسناده على الثورىّ فرواه عنه، عن أبي الرجال، وأبو الرجال الثقةُ المأمون، وإنما هو عن حارثة بن أبي الرجال، وهو ممن يُتكلَّم في حديثه، ويُضعَّفُ غاية الضعف" (¬1) اهـ. = وخالفهم جميعًا مصعبُ بنُ ماهان، فرواه عن الثورىّ، عن هشام بن = ¬

_ (¬1) يستفاد قول الطحاوى في حارثة، ولم يذكره أحدٌ عه، لا صاحب "التهذيب" ولا "الميزان"، وسبب ذلك أن الطحاوي لم يشتهر بنقد الرجال. والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: "توضأتُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، قد أصابته الهرَّةُ قبل ذلك" فجعل شيخ الثورىّ "هشام بن عروة"، وجعل "عروة" بدل "عمرة". أخرجه أبو بكر الشافعيُّ في "الغيلانيات" (ج5/ ق 68/ 1)، والطبرانيُّ، وعنه الخطيبُ في "التاريخ" (9/ 146) قالا: حدثنا عمر بن حفص، ثنا سلم بن المغيرة، قال: ثنا مصعبُ بْنُ ماهان به. قال الخطيبُ: "تفرَّد برواية هذا الحديث عن سفيان الثورى، مصعبُ بْنُ ماهان، ولم أره إلا من حديث سلم بن المغيرة عنه، وقد رواه عبد الله بنُ وهبٍ، عن الثورىّ، عن حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة. ورواه مؤمَّلُ بنُ إسماعيل، وعمرو بن محمد بن أبي رزين، عن الثورى، عن (ابن) (¬1) أبي الرجال، عن أمِّه عمرة، عن عائشة" اهـ. وهو في "علل الدارقطني" (ج5/ق 104/ 1 - 2). * قُلْتُ: وهذا أيضًا غير محفوظٍ. ومصعب بْنُ ماهان حدَّث عن الثوري بأحاديث لم يتابع عليها، وكان كثير الوهم عليه. وسلْمُ بْنُ المغيرة، قال فيه الدارقطنيُّ: "بغدادىٌّ، ليس بالقوىّ". = ¬

_ (¬1) كذا في "التاريخ" وزيادة "ابن" خطأ لأمرين: الأول: أن مؤمل إنما جعله عن الثورى عن أبي الرجال كما تقدَّم. الثاني: أن عمرة هي "أم" أبي الرجال و"جدة" ابن أبي الرجال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 7 - مسروقٌ، عنها. أخرجه أحمد (6/ 129، 157) من طريقين عن إسرائيل، عن جابر عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: "كنت أغتسلُ أنا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، وإنَّا لجُنُبان، ولكن الماء لا يجنُبُ". * قُلْتُ: وهذا سندٌ رجالُهُ ثقات، غير جابر وهو الجعفىّ فهو ضعيفٌ جدًّا. ولكنه لم يتفرَّدْ به. فتابعه حريثُ بْنُ أبي مطر الفزاريُّ، عن عامر الشعبي به. أخرجه الطحاويُّ في "الشرح" (1/ 25)، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين" (2/ 337) من طريق يعلى بن عبيد، حدثنا حريثٌ به. * قُلْتُ: وهي متابعةٌ لا يُفرحُ بها! وحريث ضعيفٌ، بل تركه النسائي والدولابى في آخرين. 8 - عطاءُ بْن أبي رباح، عنها. أخرجه تمام الرازى في "الفوائد" (213)، وأبو موسى المديني في "اللطائف" (ج 3 /ق 29/ 2 - ج 6 / ق 68/ 1)، والخطيب في "تاريخه" (1/ 309) من طريق محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل، أملاه في مجلس أبي محمد البر بهارىّ-، قال: نا أبي أحمد بن صالح، قال: نا جدى أحمد بن حنبل، قال: نا روح بن عبادة، عن مالك ابن أنس، عن سفيان الثورى، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة به. قال أبو موسى المدينى -وأخرجه من طريق الدارقطنىّ-: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "قال الدارقطنيُّ: هكذا حدثنا به هذا الشيخُ، وإنما يُعرف هذا الحديث عن روح، عن ابن جريج، ليس فيه مالك ولا الثوريّ". وقال الخطيبُ: "لم أر هذا الحديث من رواية أحمد بن حنبل، عن روح بن عبادة، عن ابن جريج". * قُلْتُ: المحفوظ هو ما رواه أحمد في "مسنده" (6/ 168) وعنه الخطيب في "تاريخه" (1/ 309) والبيهقي (1/ 188) عن عبد الرزاق، وهذا في "مصنفه" (ج1/ رقم 1028) أخرنا ابنُ جريج، أخبرني عطاء، عن عائشة فذكره وسندُهُ صحيحٌ. وتوبع ابنُ جريج. تابعه عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن عائشة. أخرجه أحمد (6/ 170) وأبو يعلى (ج 7 / رقم4457) من طريق هشيم، عن عبد الملك (¬1). وضعّفه المحقق لـ "مسند أبي يعلى" لأن هشيمًا كان كثير التدليس وقد عنعن!! كذا قال، وليس بصواب كم له من مثله لأن هشيمًا صرح بالتحديث عن عبد الملك. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 36) عن هشيم قال: أنا عبد الملك. ولئن لم يصرح، فلقد توبع. تابعه زائدة، عن عبد الملك به. = ¬

_ (¬1) وزاد: "ولكنه كان يبدأ" وعند أبي يعلى: "فيتوضأ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه ابنُ حبان (ج 2 / رقم 1190). وتابعهما سليمان بن موسى، عن عطاء به. أخرجه ابنُ عدىّ (3/ 1118) من طريق بقية بن الوليد، ثنا عتبة بن أبي حكيم، عن سليمان بن موسى به. * قُلْتُ: وسندهُ ضعيفٌ. وبقيةُ يدلس التسوية. وعتبة بن أبي حكيم مختلفٌ فيه. وقال ابن حبان: "يعتبر حديثه من غير رواية بقية عنه". وهذا الحديث من رواية بقية عنه. وتابعهم رباح بن أبي معروف، عن عطاء به. أخرجه الطحاويُّ (1/ 25) وسنده حسنٌ في المتابعات، ورباح فيه ضعف. 9 - عبيد بن عمير، عنها. أخرجه مسلمٌ (4/ 12 - نووى) والَّلفْظُ لَهُ، وأبو عوانة (1/ 315)، والمصنِّفُ ويأتي (برقم 416)، وأحمدُ (6/ 43)، وابنُ ماجة (604)، وابنُ خزيمة (1/ 123) والدارقطنيُّ (1/ 52) مختصرًا، والبيهقيُّ (1/ 181) والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2/ق 26/ 1) مختصرًا، من طريق أبي الزبير، عن عبيد بن عمير قال: "بلغ عائشة أنَّ عبد الله بن عمرو يأمرُ النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن. فقالت: يا عجبًا لابن عمروٍ هذا (¬1)!! = ¬

_ (¬1) وعند ابن خزيمة: "يا عجباه لابن عمروٍ هذا، لقد كلفهنَّ تعبًا". وعند أبي عوانة: "يا عجيبة من ابن عمروٍ ... أفلا يأمرهنَّ أن يحززن روؤسهن؟ ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = يأمرُ النساء إذا اغتسلن أن ينقُضن رؤوسهن! أفلا يأمرهنَّ أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغاتٍ". وقد رواه عن أبي الزبير بعضُ أصحابه منهم: "أيوب السختياني وحماد بن سلمة، وإبراهيم بن طهمان". وتابعهم روح بنُ القاسم، عن أبي الزبير، عن عبيد بن عمير، عن عائشة. أخرجه أبو عوانة في "صحيحه" (1/ 314 - 315)، وأبو نُعيم في "مستخرجه"، وعنه الذهبيُّ في "معجم شيوخه الكبير" (ق50/ 1) من طريق عبد الوهاب بن عطاء، نا روح بن القاسم به. وقد خولف عبد الوهاب في إسناده. خالفه عيسى بن شعيب، فرواه عن روح بن القاسم، عن أبي الزبير، عن عبيد بن عمير، عن أم سلمة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ وإحدٍ، يأخذ كلُّ واحدٍ منا على حِدَتِهِ". فنقله إلى "مسند أم سلمة". أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 23/ رقم 935) من طريق عقبة ابن مكرم، ثنا عيسى بن شعيب. * قُلْتُ: ورواية عبد الوهاب أشبه، لا سيما وقد توبع روح بن القاسم على جعله من "مسند عائشة". وعيسى بن شعيب قال عمرو بن عليّ الفلّاس". "صدوق". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وغلا فيه ابنُ حبان، فإنه ترجم له في "المجروحين" (2/ 120). وقال: "كان ممن يخطىء حتى فحش خطؤه، فلما غلبت الأوهام على حديثه استحق الترك". ثم ساق له حديثًا رواه عن الحجاج بن ميمون، عن حميد بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن دلهمٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قدس العدس على لسان سبعين نبيًّا" ... إلخ. * قُلْتُ: ولا ذنب لعيسى بن شعيب فيه، وإنما العمل على من فوقه من رجال الإسناد. قال الحافظ في "التهذيب" (8/ 213) في ترجمة "عيسى": "وشيخهُ ضعيفٌ مجهولٌ، وليس إلصاق الوهن به بأولى من إلصاق الوهن بالآخر، وشيخُ شيخه ضعيف أيضًا" وصدق يرحمه الله. وقد اختلف على أبي الزبير فيه. فرواه أيوب، وحماد بن سلمة، وروح بن القاسم وغيرهم كما تقدم عن أبي الزبير، عن عبيد بن عمير، عن عائشة. وخالفهم الحسن بن أبي جعفر، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن عائشة بنحوه. فجعل شيخ أبي الزبير: "أبا الطفيل" بدل "عبيد بن عمير". أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2/ ق185/ 1) قال: حدثنا محمد ابن موسى الاصطخريُّ، ثنا أبو أسامة عبد الله بن .... الكلبيُّ، ثنا مضر ابن غسَّان بن مضر، ثنا الحسن بن أبي جعفر به. وقال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل إلا الحسن بن أبي جعفر، تفرد به مضر بن غسَّان. ورواه أيوب السختيانى، وحماد بن سلمة، وروح بن القاسم عن أبي الزبير، عن عبيد بن عمير عن عائشة". * قُلْتُ: والمحفوظ أن أبا الزبير يرويه عن عبيد بن عمير. والحسن بن أبي جعفر ضعّفه غير واحدٍ لغفلته عن ضبط الحديث كابن المدينى، وأحمد والنسائيُّ وابن حبان. وقال البخاري: "منكرُ الحديث". ومضر بن غسَّان الأزدى لا بأس به، صالح الحديث صدوقٌ كما قال أبو حاتم على ما في "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 442) لولده عبد الرحمن. 10 - سعيد بن المسيب، عنها: أخرجه الطبرانيُّ في "الصغير" (2/ 119 - 120) وابنُ عدي في "الكامل" (3/ 1184) من طريق سالم بن نوحٍ، حدثنا عمر بن عامر، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة به. وقال: "لم يروه عن عمر بن عامر، إلا سالمُ بنُ نوحٍ". * قُلْتُ: وهو من رجال مسلم، فيه بعضُ الضعف. وقد اختلف عليه في إسناده. فرواه عنه عبد الرحمن بن بشر عن عمر بن عامر، عن قتادة، عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قالت: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم -تعني: وهي- يغتسلان من إناءٍ واحد". أخرجه ابنُ عدىّ (3/ 1184) وقال: "سمعتُ ابن صاعدٍ يقُول: "ذكر في هذا الإسناد قتادة، وليس فيه قتادة". وسيأتي الكلام عليه في حديث "أم سلمة" الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى. ولكن هناك علَّةٌ أخرى، وهي عنعنة قتادة. فقد قال إسماعيل القاضى في "أحكام القرآن": "سمعتُ عليَّ بن المديني يُضعِّفُ أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب تضعيفًا شديدًا، ويقولُ: أحسبُ أن أكثرها بين قتادة وسعيد رجال" اهـ. 11 - يوسف بن ماهك، عنها: أخرجه أبو بكر الشافعيُّ في "الغيلانيات" (ج 6/ ق 79/ 1) عن طريق أبي عاصم، عن عباد بن منصور، عن القاسم ويوسف بن ماهك عن عائشة به وفيه: "غير أنه يبدأ قبلي". * قُلْتُ: وعباد بن منصور في حفظه مقال، لأنه تغير بأخرةٍ. 12 - عكرمة، عنها: أخرجه أحمدُ (6/ 255)، وأبو يعلى (ج 8/ رقم 4872) والطحاوي (1/ 25) من طريق أبان بن صمعة، عن عكرمة، عن عائشة به. وعند أبي يعلى: "يبدأ قبلي". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وسندهُ جيِّدٌ. وقد صرّح عكرمة بالتحديث عند أحمد. وأبان بن صمعة وثقه غيرُ واحدٍ. قال أحمد: "تغير بأخرةٍ". ولكن قال ابنُ عديّ في "الكامل" (1/ 383): "وأبان بن صمعة له من الروايات قليلٌ، وإنما عيب عليه اختلاطُه لما كبر، ولم ينسب إلى الضعف، لأن مقدار ما يرويه مستقيمٌ، وقد روى عنه البصريون مثل سهل بن يوسف، ومحمد بن أبي عدي، وأبي عاصم وغيرهم بأحاديث، وكلها مستقيمة غير منكرة، إلا أن يدخل في حديثه شىءٌ بعدما تغير واختلط" اهـ. * قلْتُ: وقد روى عنه هذا الحديث روح بن عبادة (¬1)، يزيد بن زريع، كلاهما بصريٌّ. والله أعلم. وتابعه عمرو بن هرم، عن عكرمة، عن عائشة بنحوه. أخرجه ابنُ ماجة (383)، وابنُ عديّ (2/ 809) من طريق حبيب بن أبي حبيب عن عمرو وسنده حسنٌ في المتابعات. والله أعلمُ. 13 - أبو سلمة، عنها: أخرجه مسلمٌ (4/ 4 - 5 نووى) من طريق مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة فساق حديثًا في الغسل من الجنابة وفيه: "كنت أغتسلُ أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، ونحن جُنبان". = ¬

_ (¬1) وهو ممن فات المزى رحمه الله في "تهذيب الكمال" فلم يذكره في الرواة عن "أبان ابن صمعة"، ولم يذكر "أبان" في شيوخه. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأخرجه أحمد (6/ 64، 103) من طريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن عائشة به. وسندهُ حسنٌ في المتابعات. وأخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2/ رقم 1289) من طريق محمد بن حسان، حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا أبو الأشهب جعفر بن الحارث النخعيّ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن أبي سلمة، عن عائشة به وقال: "لم يرو هذا الحديث عن أبي الأشهب، إلَّا محمد، تفرَّد به محمد بن حسان". * قُلْتُ: محمد بن حسان هو ابن فيروز الواسطيُّ ثقةٌ، وكذلك محمد ابن يزيد الواسطيُّ. فالآفة من جعفر بن الحارث، فضعّفه ابن معين والبخاريُّ وغيرُهما. وأخرجه أحمد (6/ 171) من طريق محمد بن عمرو (¬1)، عن أبي سلمة، عن عائشة به. وسندهُ حسنٌ. 14 - أم النعمان الكندية، عنها: أخرجه ابنُ عديّ في "الكامل" (2/ 612) من طريق الحارث بن شبل، عن أم النعمان الكندية، عن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، كأنا طيران". = ¬

_ (¬1) وقع في "المسند": "محمد بن عمرو بن أبي سلمة" والصواب ما ذكرتهُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وهذا منكرٌ، غير محفوظ. والحارث بن شبل ضعيفٌ منكر الحديث. ضعّفه أبو حاتم، والعقيلىّ، وابن الجارود، وابنُ عدي، وغيرهم. أما ابنُ حبان فذكره في "الثقات"! وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 2/ 271): "ليس بمعروفٍ في الحديث". وهذا مما يوهن أمره، فعلى الرغم من أنه قليل الحديث إلا أن مقدار ما يرويه لا يتابع عليه. وأم النعمان الكندية لم أجد لها ترجمة، ويظهر أنها مجهولة والله أعلمُ. 15 - صفية بنت شيبة، عنها. أخرجه ابنُ خزيمة (ج 1/ رقم 238)، والطحاويُّ (1/ 25) من طريقين عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية بنت شيبة، عن عائشة قالت: "كنتُ أنازعُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم الطسَّ الواحد، نغتسل منه". * قُلْتُ: وسندهُ صحيحٌ على شرط الشيخين، كما قال شيخُنا في تعليقه على "ابن خزيمة". 16 - ذر بن عبد الله الهمدانيُّ، عنها: أخرجه الإسماعيليُّ في "معجمه" (ج1/ق6/ 1) قال: حدثنا أحمد بن يعقوب المقرئ، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا هشيم، عن عمر بن ذر، عن أبيه، عن عائشة قالت: "كنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ من الجنابة".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وهذا سندٌ رجاله ثقات. وشيخ الإسماعيلى ترجمه الخطيبُ في "تاريخه" (5/ 225) وقال: "كان ثقةً". ومحمد بن بكار هو ابن الريان ثقةٌ من رجال مسلم ومن فوقه ثقات أيضًا، إلَّا أن هشيم بن بشير كان يدلسُ. والله أعلمُ. 17 - مجاهد بن جبر، عنها: أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2 / ق 75/ 2) قال: حدثنا محمد بن بكير بن كردان، ثنا عثمان بنُ دلهمٍ، ثنا محمد بن كثير، نا ليث، عن مجاهدٍ، عن عائشة ... فذكرته. وقال: "لم يرو هذا الحديث عن ليثٍ إلَّا محمد بن كثير". * قُلْتُ: محمد بن كثير هو القرشيُّ أبو إسحق القصاب. قال أحمدُ: "خرقنا حديثه". وقال ابنُ المديني: "كتبنا عنه عجائب، وخططتُ على حديثه". وقال البخاريُّ: "منكرُ الحديث". ومشَّاهُ ابنُ معين. وليث هو ابنُ أبي سليم، وفيه مقالٌ معروفٌ. 18 - عليّ بن أبي طالبٍ، عنها: أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2 / ق 108/ 1) قال: حدثنا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = محمد بن رزيق، ثنا هارون بن سعيد، نا أنس بن عياض، عن حسين ابن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جدِّء، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي الله عنه، عن عائشة به. وقال: "لا يروى هذا الحديث عن عليّ بن أبي طالبٍ، عن عائشة إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به أنسُ بن عياضٍ". * قُلْتُ: أنسُ بن عياضٍ ثقةٌ، ولكن الآفة من شيخه فقد كذبه مالك وأبو حاتم. وقال أحمدُ: "لا يساوى شيئًا". وقال ابن معين: "ليس بثقةٍ ولا مأمون". وضرب أبو زرعة على حديثه. * قُلْتُ: وفي الباب عن أم سلمة، وأم صُبَيَّة، وميمونة بنت الحارث، وأم هانىء بنت أبي طالب، وأنس، وعليّ بن أبي طالب، وجابر، وابن عمر، رضي الله عنهم. * أولًا: حديث أم سلمة، رضي الله عنها: أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج/ 2 رقم 1716) من طريق قتيبة ابْنِ سعيدٍ، أخبرنا سالمُ بْنُ نوحٍ، عن عمر بن عامر، عن قتادة، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن زينب بنتِ أُمِّ سلمة، عن أُمِّ سلمة، قالت: بينا أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخميلة، إذ حِضْتُ، فانسللت =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = آخذُ ثياب حيضتي. فضحك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "أنفِسْتِ؟ " قلتُ: نعم. قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائمٌ، ويغتسلان من إناءٍ واحدٍ". قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة، إلَّا عمرُ، ولا عن عُمَرَ إلَّا سالمٌ، تفرَّد به قتيبةُ". * قُلْتُ: كذا قال! ولم يتفرَّد به قتيبةُ. فتابعه عبدُ الرحمن بنُ بشر بن الحكم، ومحمد بن أبان البلخيُّ، قالا: ثنا سالمُ بن نوحٍ به. أخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (3/ 1184) وقال: "سمعتُ ابن صاعدٍ يقولُ: ذُكر في هذا الإسناد "قتادة"، وليس فيه: "قتادة". قال: وحدثناه عمرُ بنُ شبة، ثنا سالمُ بنُ نوحٍ. بإسناده نحوه، ولم يذكر في إسناده "قتادة"، وهكذا الحديث، عن عمر بن عامر، عن يحيى" اهـ. * قُلْتُ: وكذا أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 23/ رقم 913) من طريق عقبة بن مكرم، ثنا سالمُ بنُ نوحٍ، عن عمر بن عامر، عن يحيى ابن أبي كثير به. وقد اختلف على سالم بن نوحٍ في إسناده. وقد مرّ وجهٌ. ورواه محمدُ بْنُ عبد الله بن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالكٍ، قال: حدثنا سالم بنُ نوحٍ، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أُمِّه، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عن أم سلمة ... فذكرته. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 23 / رقم 868)، وفي "المعجم الصغير" (1/ 177)، وابنّ عدىّ في "الكامل" (3/ 1183)، وابنُ أبي شريح في "جزء بيبي" (رقم 26). قال الطبرانيُّ: "لم يروه عن يونس إلَّا سالمُ بْن نوحٍ، تفرَّد به محمد بن عبد الله بن حفصٍ". وقال ابنُ عديّ: "يرويه عن يونس بهذا الإسناد سالمُ بنُ نوحٍ، ولا أعلمُ رواه عن سالمٍ، إلَّا محمد بن عبد الله بن حفصٍ هذا". * قُلْتُ: ومحمد بن عبد الله هذا محلَّه الصدقُ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وهذا الاختلاف عندي هو من سالم بن نوحٍ، فإنه كان يخطىء ويخالف. والوجهُ الأوَّلُ هو المحفوظُ، وهو ما يرويه يحيى بْنُ أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن زينب أم سلمة، عن أُمِّ سلمة. فهكذا: أخرجه مسلمٌ (4/ 7 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 285، 310)، وابنُ ماجة (280)، وأحمدُ (6/ 291، 310،318)، والدارميُّ (1/ 195)، وابنُّ أبي شيبة (1/ 35)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج12/رقم 6991)، وابنُ حبان (ج2/ رقم 1360 وج 9/ رقم 3890)، والطبراني، "الكبير" (ج23/ رقم 807، 914)، والبيهقيُّ (1/ 189) من طريق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = هشام الدستوائىّ، عن يحيى بن أبي كثير بسنده سواء. ورواه عن هشام جماعةٌ من أصحابه، منهم: "ابنهُ معاذٌ، والطيالسيُّ، وابنُ عُليَّة، وعبدُ الملك بْنُ عمروٍ، وعبدُ الصمد بنُ عبد الوارث، ووهبُ بنُ جرير". وخالفهُمْ سعيدُ بنُ عامر، فرواه عن هشام الدستوائىِّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن أبي هريرة، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان هو وبعض أهْلِهِ يغتسلون من إناءٍ واحدٍ. أخرجه البزَّارُ في "مسنده" (ج 1/ رقم 324 - كشف) حدثنا سوَّارُ ابْنُ سهلٍ الضبيُّ (¬1)، ثنا سعيد بن عامرٍ به، وقال: "لا نعلم رواهُ إلَّا سعيد بنُ عامرٍ عن هشامٍ، وهذا لفظُهُ أو معناه". * قُلْتُ: وسعيدُ بنُ عامرٍ وإنْ كان ثقةً، إلَّا أنه يغلط قليلًا كما قال أبو حاتمٍ. بل قال البخاريُّ: "كثيرُ الغلط". نقله عنه الترمذيُّ في "العلل الكبير" (1/ 318). فالصوابُ ما رواه معاذُ بنُ هشام ومن معه. ويؤكدُهُ أن شيبان بن عبد الرحمن، وهمام بنُ يحيى، وحسين المعلم، ومعاوية بن سلَّام وغيرهم رووا هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن زينب، عن أُمِّها. = ¬

_ (¬1) كذا في "المطبوع" وفي المخطوط عندي (ج 2/ق 196/ 1): "الضبعيّ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه البخاريُّ (1/ 422 - فتح)، وأبو عوانة (1/ 285)، وأحمدُ (6/ 300)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 25)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 23 / رقم 810)، وفي "مسند الشاميين" (ق 535)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 129). وقد اختُلف فيه على عكرمة. فرواه يحيى بن أبي كثير عنه، عن أبي هريرة كما تقدَّم. وخالفه سماك بن حرب، فرواه عن عكرمة، عن ابن عباس، عن ميمونة قالت: "كنتُ أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسلَّم من إناءٍ واحدٍ". أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج 23 / رقم 1031) من طريق يحيى الحماني، ثنا شريك عن سماكٍ به. ويحيى الحماني وشريك فيهما مقالٌ، وسماك بن حرب تغيَّر، وكان يُلقَّنُ. غير أن عكرمة توبع على هذا الوجه كما يأتي في "حديث ميمونة" إن شاء الله تعالى. وقد اختُلف عن أبي سلمة فيه. فرواه يحيى بنُ أبي كثير، عنه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة كما تقدَّم. وخالفه عمَّارُ الدُّهْنِي، فرواه عن أبي سلمة، عن أم سلمة به فسقط ذكرُ "زينب". أخرجه أحمدُ (6/ 319)، ومحمَّدُ بْنُ عاصم في "جزئه" (ق 3/ 1) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج 1 / رقم 211)، والطبراني في "الأوسط" (ج 2/ ق 4/ 2) وفي " الكبير" (ج 23 / رقم 521، 522، 523)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج 12 / رقم 7016). * قُلْتُ: وعمَّارُ بن معاوية الدُّهنيُّ ثقةٌ، فيُحمل على أن أبا سلمة رواه على الوجهين. والله أعلمُ. وقد توبع عمَّارُ الدُّهنى. تابعه عنبسةُ بنُ عمَّار المدني، والحاطبيُّ، عن أبي سلمة، عن أم سلمة. أخرجه الطبرانيُّ أيضًا (ج 23 / رقم 541، 548). وعبسةُ بنُ عمَّار، وثقه أبو داود وابنُ حبان. وله طرق أخرى عن أم سلمة منها: 1 - ناعم مولى أم سلمة، عنها. أخرجه المصنفُ، ويأتي برقم (237)، والطحاويُّ (1/ 25). 2 - المقبريّ، عنها. أخرجه الطبرانيُّ (ج 23 / رقم 965). 3 - عبد الله بن رافع، عنها. أخرجه الطبرانيُّ (رقم 1004). 4 - سليمان مولى أم سلمة، عنها. أخرجه الطبرانيُّ أيضا (رقم 638 - ، 963) وفي "الأوسط" (ج 1 / ق 242/ 1). * ثانيًا: حديث أم صُبيَّة، رضي الله عنها: أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 35)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 24 / رقم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 596، 598)، والبيهقيُّ (1/ 190)، والخطيب في "الموضح" (2/ 144) والطحاوي (1/ 25)، وابن الأثير في "أسد الغابة" (7/ 353) من طرق عن أسامة بن زيد، عن سالم بن النعمان بن خربوذ، عن أم صُبَيَّة الجهنية قالت: "اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحدٍ". وقد رواه عن أسامة بن زيد جماعة، منهم: "ابنُ وهب، والدراورديُّ، وعبد الوهاب بن عطاء" (¬1). وخالفهم وكيعٌ، فرواه عن أسامة بن زيد، عن النعمان بن خرَّبوذ، قال: سمعت أم صُبَيَّة ... فذكرته. فجعله "النعمان بن خربوذ" بدل "سالم بن النعمان بن خربوذ". أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 35) حدثنا وكيع. = ¬

_ (¬1) خالفهم سفيان الثورى، فرواه عن أسامة بن زيد، عن سالم بن النعمان، عن امرأةٍ يقال لها أم صفية -بالفاء-. ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (رقم 1/ 161)، ونقل قول أبي زرعة: "هكذا قال قبيصة -يعني عن سيفان-: "أم صفية"، وإنما هي "أم صُبَيَّة"، والواهمُ في هذا هو قبيصة كما يوميء إليه كلام أبي زرعة وقد صرّح البخاريُّ بذلك تصريحًا كما في "علل الترمذي" فقال: "أخطأ فيه قبيصة" ثم قال: حدثنا محمد بن يوسف، عن سفيان، وقال: "أم صُبيَّة" يعني بالباء الموحدة. وأخرج هذه الرواية الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 24 رقم599) ولكن وقع في الكتاب "أم صبية" بالباء، هو تصحيف لما علمنا أن قبيصة كان يحكيه بالفاء على الغلط. وقد ذكر الحافظ في "النكت الظراف" (13/ 90) أن رواية قبيحة بالفاء لا بالباء، فليصحح من هنا. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ووَهَّمَ أبو زرعة وكيعًا فيه، فقال: "ووهم وكيع في الحديث، والصحيحُ حديث ابن وهبٍ. وسالم هو ابن النعمان. قال أبو محمدٍ -يعني ابن أبي حاتم-: يعني أن وكيعًا قال: عن النعمان بن خربوذ، فهذا الذي وهم فيه". ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (ج1 / رقم 161). وكذا أنكره عليه البخاريُّ، فقال: "وهم وكيع، والصحيحُ، عن أسامة بن زيد، عن سالم بن خربوذ أبي النعمان" اهـ. ذكره الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 131). * قُلْتُ: قد رواه محمد بن عبد الله بن نمير ويحيى الحمانى، وابن أبي شيبة في رواية عبيد بن غنام عنه، ثلاثتم عن وكيع فقالوا: "سالم بن النعمان بن خربوذ". أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج 24 / رقم 597). فهذا قد يبرىء وكيعًا من الوهم لأنهم لم يتفقوا عليه يؤيده أن عبد الله ابن محمد النفيلى رواه عن وكيع فقال: "ابن خربوذ". أخرجه أبو داود (78) عن النفيلى. فيحتمل أن يكون المقصود بـ "ابن خربوذ" سالم بن النعمان بن خربوذ، أو "النعمان بن خربوذ" وعلى كل حال فلو ثبت أن هذا من وكيع فهو واهمٌ، وإلَّا فقد يكون الوهم من أسامة بن زيد، فقد تكلموا في حفظه. والله أعلمُ. وأخرجه الطبرانيُّ (ج 25/ رقم 409) من طريق قبيصة بن عقبة، ثنا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = سفيانُ، عن أسامة بن زيد، عن النعمان بن خرَّبوذ، عن أمِّ صفية به. فلو ثبتت هذه الرواية، فهي تؤكدُ براءة وكيع من الوهم، ولكن أخشى أن يكون وقع سقطٌ من الإِسناد، ويكون صوابهُ: "عن أبي النعمان بن خربوذ"، فالله أعلمُ. وقد صحَّح أبو زرعة قول من قال: "سالم بن النعمان"، وعكس البخاريُّ قول أبي زرعة. فقال في "التاريخ الكبير" (2/ 2 / 113): "سالم بن سرج، ويقال: خرَّبوذ أبو النعمان. وقال بعضُهم: ابن النعمان، ولم يصحّ" اهـ. وقد أخرجه ابنُ ماجة (382)، عن أنس بن عياضٍ، وأحمدُ (6/ 367) وعنه المزى في "التهذيب" (10/ 143) والترمذي في "العلل" (1/ 130) عن يحيى بن سعيد، كلاهما عن أسامة بن زيدٍ، عن سالم أبي النعمان، عن أم صبُيَّة به. وأخرجه البخاريُّ في "الأدب المفرد" (1054)، والترمذيُّ (¬1) في "العلل الكبير" (1/ 132)، وأحمد في "المسند" (6/ 366) والطبراني في "الكبير" (ج 24 / رقم 595) والدارقطني (1/ 53 - 54)، والخطيبُ = ¬

_ (¬1) روى الترمذى هذا الحديث في "علله" فقال: حدثنا محمد بن إسماعيل، نا ابن أبي أويس، حدثني خارجة، فقال محقق الكتاب: "محمد بن إسماعيل هو ابن يوسف السلمى أبو إسماعيل الترمذى" وأقول: الذي يظهر لي أن محمد بن إسماعيل هو البخارىّ، لأنه رواه في "الأدب المفرد"، ولأنه ينقل عنه التعليل، فالمناسب أن يرويه عنه، والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في "الموضح" (2/ 143)، والمزى في "التهذيب" (8/ 6) من طريق خارجة بن الحارث، عن سالم بن سرج، عن أم صبُيَّة (¬1) به. * قُلْتُ: وسندهُ حسن كما قال العراقي في "طرح التثريب" (2/ 39). وسالم بن سرج وثقه ابن معين، وابنُ حبان. وأم صُبية هي خولة بنت قيس كما قال البخاري وأبو زرعة ووهم ابن مندة فقال هي: "خولة بنت قيس بن قهد" وردَّ عليه أبو نعيم، قال الحافظ في "الإصابة" (8/ 72): "فأصاب وقد فرق بينهما ابنُ سعدٍ وغيرهُ" اهـ. قال العراقي في "طرح التثريب" (2/ 39): "وليست أم صبُيَّة هذه زوجة ولا محرمًا، نعم قيل إنها خولة بنت قيس وإنها كانت زوجة حمزة، وقيل: إن زوجة حمزة غيرها، ولو ثبت ذلك فزوجة العم ليست محرمًا، والجواب أنه لا يبعُد عدّ ذلك من الخصائص، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيل عند أم حرام كما ثبت في الصحيح" (¬2)، وقوله القاضى عياض ومن تبعه أنها كانت بينهما محرمية من الرضاع ردَّه الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في جزء له = ¬

_ (¬1) ورواه أبو حفص، عن أبي النعمان، عن أم صبية. أخرجه الطبراني (600) عن محمد بن مهزم عنه. (¬2) في "صحيح البخاري (6/ 10 - فتح) من حديث أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله وسلم فأطعمته وجعلت تفْلي رأسه، فنام ... الحديث". وسيأتي برقم (3171) إنْ شاء الله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = في (¬1) ذلك، وقد رأيتُ في كلام بعض العلماء من غير الشافعية الإشارة إلى أن ذلك من الخصائص ولم يذكر أصحابُنا" اهـ. * ثالثًا: حديث ميمونة بنت الحارث، رضي الله عنها: أخرجه مسلم (322/ 47)، وأبو عوانة (1/ 284)، والمصنِّفُ، ويأتي (برقم 236)، والترمذيُّ (62) وابن ماجة (377). والشافعيُّ في "المسند" (ص- 9)، وفي "الأم" (1/ 8)، وأحمد (6/ 329)، والحميديُّ (309)، وابنُ أبي شيبة (1/ 35)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 18/ 1)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (ج / 1رقم 1032)، وأبو يعلى (ج12 / رقم 7080)، والطبراني في "الكبير" ج 23/ رقم (1032 وج 24 / رقم 33) والطحاوى في "شرح المعاني" (1/ 25)، والبيهقيُّ (1/ 188) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، حدثتنى ميمونة قالت: كنت أغتسلُ أنا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ. ورواه عن سفيان هكذا جماعةٌ من أصحابه منهم: "الشافعي، وأحمد بنُ حنبل، عبد الرزاق، وابنُ أبي شيبة، والقعنبيُّ، وسعيد بن منصور، والحميديُّ (¬2)، وقتيبة بن سعيد، وإسحق ابن إسماعيل الطالقاني، وأبو خيثمة، ويحيى بن مولى، ومحمد بن = ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (11/ 78): "وبالغ الدمياطي في الرد على من ادعى المحرمية"، وراجع بحث الحافظ فإنه مفيدٌ. (¬2) زاد الحميديُّ في روايته: "قال سيفان: هذا الإسنادُ كان يُعجب شعبة: "سمعتُ" "أخبرني" "سمعتُ" "أخبرني" كأنه اشتهى توصيله" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إسماعيل الأحمسى، وعبد الرحمن بن بشر، وابن أبي عمر، وإبراهيم بن بشار ... ". وخالفهم أبو نعيم الفضل بن دكين، فرواه عن ابن عيينة بإسناده، لكنه جعله من "مسند ابن عباس". أخرجه البخاري (1/ 366) وقال: "كان ابنُ عيينة يقول أخيرًا: "عن ابن عباس، عن ميمونة"، والصحيحُ ما روى أبو نعيم" اهـ. قال الحافظ: "وإنما رجح البخاري رواية أبي نُعيم جريًا على قاعدة المحدثين؛ لأنَّ من جملة المرجحات عندهم قدم السماع لأنه مظنة قوة حفظ الشيخ" اهـ. * قُلْتُ: وترجيح البخاري - رحمه الله - فيه نظر من وجهين: * الأول: أن الحميديَّ أثبت من أبي نعيم في ابن عينة، بل قال أبو حاتم: "هو أثبت الناس في ابن عيينة، وهو رئيس أصحابه" وقد لازمه الحميدي من قديم، لا سيما وقد تابعه هذا الجمع الغفير وفيهم الشافعيُّ وأحمدُ، على جعل الحديث من "مسند ميمونة". قال الحافظ: "ولرواية الآخرين جهة أخرى من وجوه الترجيح، وهي كونهم أكثر عددًا وملازمة لسيفان" اهـ. * الثاني: أن ابن عباس لا يمكن أن يطَّلع على النبي صلى الله عليه وسلم في حال اغتساله مع ميمونة حتى يصف الأمر، فهذا يدلُّ على أنه أخذه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = منها، ذكره الإسماعيليُّ (¬1). فمن جهة الترجيح لا شك في ترجيح رواية من جعله من "مسند ميمونة"، ولكن يمكن الجمع بأن ابن عباس كان مرة يذكر "ميمونة"، ومرة يقتصر على ذكر الواقعة من نفسه، والله أعلمُ. فَإنْ قُلْتَ: تتأيد رواية الفضل بن دكين عن ابن عيينة في جعل الحديث من "مسند ابن عباس" بما رواه ابنُ جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، قال: أكبرُ علمى، والذي يخطرُ على بالى. أن أبا الشعثاء أخبرني، أن ابن عباسٍ أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة. أخرجه مسلمٌ (323/ 48)، واللفظ لَهُ وأبو عوانة (1/ 284) (¬2)، وعبد الرزاق (¬3) (ج 1 / رقم 1037)، والدارقطنى (1/ 53)، والبيهقيُّ (1/ 188)، والطبراني في "الكبير" (ج 23/ رقم 1033) من طرق عن ابن جريج. قال الدارقطنيُّ: "إسنادهُ صحيحٌ". = ¬

_ (¬1) هذا واضحٌ أن الإسماعيلي لا يرجح ما ذكره البخاري، ولكن وقع في "عمدة القارى" (3/ 200) للبدر العينى أن الإسماعيلى رجع ما صححه البخاري ولكن بقية العبارة تنقض ذلك، فلا أدرى من السبب في اضطراب العبارة، أهو البدر العيني نفسه أم الناسخ أم الطابع؟. (¬2) وقع السند عند أبي عوانة هكذا: " ... ثنا حجاج، قال: أخبرنى عمرو بن دينار" وقد سقط من بينهما "ابن جريج" يقينًا. فحجاج هو ابن محمد الأعور من أثبت الناس في ابن جريج، ولم أقف على من اسمه "حجاج" يروى عن عمرو بن دينار والله أعلم. (¬3) وقع السند في "المصنَّف" هكذا: "عبد الرزاق قال: أخبرني عمرو بن دينار" .. وقد سقط "ابن جريج" شيخ عبد الرزاق فيه، فليستدرك. والله الموفق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فها هو ابنُ جريج خالف سفيان بن عيينة، فجعله من "مسند ابن عباس". * قُلْتُ: نعم! سبق إلى ترجيح رواية ابن جريج الإمام الدراقطنيُّ -رحمه الله- فقال في "العلل" (ج5 / ق 181/ 2): "يرويه عمرو بن دينار واختلف عنه. فرواه ابنُ عيينة عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد عن ابن عباس، عن ميمونة، وخالفه ابنُ جريج فرواه عن عمرو، عن جابر، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة، وقول ابن جريج أشبهُ" اهـ. * قُلْتُ: إن كان سبيلُنا هو الترجيح، فلا نرتاب في تقديم رواية ابن عيينة على رواية ابن جريج، لأن سيفان بن عيينة هو أثبت الناس في عمرو ابن دينار على الإطلاق. فقال عثمان الدراميُّ: "سألتُ ابن معين: ابنُ عيينة أحبُّ إليك في عمرو بن دينار أو الثوري؟ قال: ابن عيينة أعلمُ به. قلتُ: فحماد بن زياد؟ قال: ابن عيينة أعلم به. قلتُ: فشعبة؟ قال: وأيش روى عنه". وقال أبو مسلم المستملى: "سمعتُ ابن عيينة يقول: سمعتُ من عمرو بن دينار ما لبث نوحٌ في قومه". وقال اللالكائيُّ: "أجمع الحفاظ أنه أثبت الناس في عمرو بن دينار". فهذا سبيلُ التَّرجيج، ولكنَّ الجمع ممكنٌ كما قدَّمتُ، والله أعلمُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * رابعًا: حديث أم هانيء، رضي الله عنها: أخرجه المصنِّفُ، ويأتي برقم (240)، وابنُ ماجة (378)، وأحمدُ (6/ 342)، وابن خزيمة (ج 1/ رقم 238)، وابنُ حبان (227) والطبراني في "الكبير" (ج 24/ رقم 1051)، والبيهقي (1/ 7) من طرق عن إبراهيم ابن نافعٍ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن أم هانىء قالت: "اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة من إناء واحد، قصعةٍ فيها أثرُ العجين". ورواه عن إبراهيم بْنِ نافعٍ جماعةً، منهم: "يحيى بنُ أبي بكير، وزيدُ بْنُ الحُباب، وعبدُ الرحمن بْنُ مهدى، وعبدُ الملك بْنُ عمرو". قال التِّرمذيُّ في "سننه" (1781 - من كتاب اللباس): "قال محمدٌ -يعني البخاريَّ -: لا أعرفُ لمجاهدٍ سماعًا من أم هانئ" اهـ. * قُلْتُ: لم أجد هذا إلا عن البخاري، ويشبهُ أن يكون على طريقته في الإعلال إذا لم يجد ولو سندًا واحدًا في سماع بعض الرواة من شيخه. فيحكم بعدم الاتصال. وسماعُ مجاهدٍ من أم هانئ ممكنٌ. فقد ولد مجاهد سنة (21) في خلافة عمر، وتوفي سنة (102) وقيل (103)، وتوفيت أم هانئ بعد سنة (50) فقد لقيها يقينًا، وهو ليس بمدلس على الراجح، فتحمل عنعنته على الاتصال. والله أعلم. ***

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * خامِسًا: حَدِيثُ أنسِ بن مَالِكٍ، رضى الله عَنْهُ: ويأتي في الحديث القادم. ... * سادسًا: حَدِيْثُ عَلِيِّ بْن أبِي طَالبٍ، رَضىَ الله عَنْهُ: أخرجه ابنُ ماجة (375)، وأحمدُ (1/ 77)، وابنُ أبي شيبة (1/ 36)، والبزَّارُ في "مسنده" (ج1 / ق 95/ 2) من طريق عبيد الله، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحق، عن الحارث الأعور، عن علي بن أبي طالب قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأهله يغتسلون من إناءٍ واحدٍ". وزاد ابن ماجة والبزار: "ولا يغتسل أحدهما بفضل الآخر". قال البزار: "لا نعلمه يروى عن عليٍّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه". * قُلْتُ: وسنده واهٍ، لوهاء الحارث الأعور. وضعّفه البوصيري في "الزوائد" (158/ 1). وقد خولف فيه عبيد الله بن موسى. خالفه مالك بن إسماعيل فرواه عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباسٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وأهله كانوا يغتسلون من إناءٍ واحدٍ. فخالفه في موضعين: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأول: أنه جعل شيخ "أبي إسحاق" هو"سعيد بن جبير". الثاني: أنه نقله إلى "مسند ابن عباس". أخرجه ابنُ الأعرابي في "معجمه" (ج 1 ق 34/ 1). وهذا سندٌ صحيحٌ لولا تدليس أبي إسحاق، وهو أجود من حديث عبيد الله بن موسى. لكنى رأيت الدارقطني - رحمه الله - قال في "العلل" (3/ 166): "وقيل: عن إسرائيل، عن أبي إسحق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ، ولا يصحُّ". * قُلْتُ: ولم أفطن لمراد الدارقطني، -رحمه الله-. وقد رواه صباحُ بنُ يحيى، عن أبي إسحق، عن الحارث الأعور عن عليّ، فأوقفه. قال الدارقطنيُّ في "العلل" (3/ 165): "وحديثُ إسرائيل أولى بالصواب" اهـ. ... * سابِعًا: حَدِيْثُ جَابِرِ بْنِ عَبدِ الله، رَضيَ الله عَنْهُمَا: أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 36)، وعنه ابنُ ماجة (379) من طريق شريك النخعيّ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه يغتسلون من إناءٍ واحدٍ". قال البوصيري في الزوائد (159/ 1): "هذا إسناد حسن". * قُلْتُ: لعلَّهُ يعني في الشواهد. وأخرجه ابنُ عديّ في "الكامل" (3/ 992) من طريق الربيع بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بدر، عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة اغتسلا من إناءٍ واحدٍ. ثم قال ابنُ عدي بعد أن ذكر أحاديث هذا منها: "وهذه الأحاديث معروفةٌ بالربيع بن بدر ... وعامة حديثه رواياته عمن يروى عنهم مما لا يتابعه أحدٌ عليه". ... * ثامنًا: حَدِيْثُ ابْن عُمَرَ، رَضىَ الله عَنْهُمَا: وقد مرّ تخريجُه في الحديث الماضي. ***

59 - باب القدر الذى يكتفى به الرجل من الماء للوضوء

59 - بابُ الْقَدْرِ الَّذِى يَكْتَفِى بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ 73 - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ (¬1) وَيَغْتَسِلُ بِخَمْسَةِ مَكَاكِىَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 73 - إِسنادهُ صَحِيْحٌ. * يحيى: هو ابنُ سعيد القطَّان. * عبد الله بن عبد الله بن جبر، هو ابن عتيك الأنصاريُّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ. وثقه ابن معين، والمصنِّف، وابنُ أبي حاتم، وابنُ حبان وقد اختلفوا في جدِّه، هل هو "جبر" أم "جابر". فذهب البخاريُّ تبعًا لمالكٍ أنه "ابن جابر". فقال في "تاريخه" (¬2) -كما في "التهذيب" (5/ 282) -: "عبد الله بن عبد الله بن جابر، سمع ابن عمر، وأنسًا، قاله مالك، = ¬

_ (¬1) المكوك هو المُدُّ وقيل الصاع، والأول أشبهُ. -قاله في "النهاية". (¬2) لا أدرى أيَّ تاريخٍ عناه الحافظُ، وقد ذكر البخاريُّ شيئًا من هذا في "تاريخه الكبير" (3/ 1/ 126) لكن من غير ترجيحٍ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال شعبة، ومسعر، وأبو العميس، وعبد الله بن عيسى. عن عبد الله بن عبد الله بن جبر، ولا يصحُّ جبر، إنما هو جابر بن عتيك، قال: وقال بعضُهم: عن عبد الله بن عيسى، عن جبر بن عبد الله" يعني قلبه. وأَيَّدهُ ابن منجوية، فقال في "رجال صحيح مسلم" (1/ 372): "عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك الأنصارى المدنى، أهلُ المدينة يقولون: "جابر"، والعراقيون يقولون: "جبر" ويُقال: لا يصحُّ "جبر" إنما هو "جابر". وقال الخطيب في "رفع الارتياب عن المقلوب في الأسماء والأنساب": "قال عمار بن رزيق": عن عبد الله بن عيسى عن جبر بن عبد الله ابن عتيك، وكذا حكى الثورى وحمزة الزيات". قال الخطيبُ: "والصواب: عبد الله بن جبر، قال: والكوفيون يضطربون فيه". وحكى المزيُّ أنهما واحدٌ. * قُلْتُ: فيصير ههنا أربعةُ أقوالٍ. 1 - أنه عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك. 2 - أنه عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك. 3 - أنه جبر بن عبد الله. 4 - أنهما واحدٌ، ووقع الخلاف في اسم جدِّه. والصواب الذي يقتضيه التحقيق -والله أعلمُ- أنه "عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك"، أمَّا ابن جابر، فاسم آخر. وقد فرَّق بينهما ابنُ أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 2 / 90 - 91) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وكذلك فرّق بينهما النسائيُّ في "الجرح والتعديل" وقد اتفق كلٌّ من مسعر وشعبة وعبد الله بن عيسى على جعله "ابن جبر" أما مالك وحده فقد جعله: "ابن جابر" في حديث عيادة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن ثابت، وسيأتي إن شاء الله برقم (1846)، ولا شك أن اجتماع هؤلاء يترجح على ما ذهب إليه مالك وحده. قال الحاكم في "علوم الحديث" (ص- 150): "قال الشافعيُّ: صحَّف مالك: "جبر بن عتيك" إلى "جابر بن عتيك". وقال الدارقطنيُّ: "لم يتابع مالكًا أحدٌ على قوله "جابر بن عتيك". وقد رجحه الحافظ في "الفتح" (1/ 305). أمَّا "جبر بن عبد الله"، فإنه خطأ. فأخرجه أحمد (3/ 264) قال: حدثنا معاوية بن عمرو، ثنا زائدة، عن سفيان، عن عبد الله بن عيسى، قال: حدثني جبر بن عبد الله، عن أنس بن مالك ... الحديث". وقد تقدم كلام الخطيب في ذلك. أمَّا قول الحافظ المزيّ: هما واحدٌ، ففيه نظرٌ لما تقدم ذكرهُ. ... والحديث أخرجه البخاري (1/ 374 - فتح)، والإسماعيليُّ في "مستخرجه" -كما في "الفتح" (1/ 375) -، ومسلمٌ (4/ 7 - نووى)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وأبو عوانة (1/ 232)، والدارميُّ (1/ 141)، وأحمدُ (3/ 112، 116، 209، 249، 259)، وابنُ حبان (ج 2 / رقم 1200، 1201)، وابن خزيمة (1/ 61)، والطيالسيُّ (2102)، والطحاويُّ (1/ 25، 2/ 51)، والبيهقيُّ (1/ 189)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 51) من طريق شعبة، عن عبد الله بن عبد الله بن جبر، عن أنس. وزاد بعضهم: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأهله يغتسلون من إناء واحد". وقد رواه عن شعبة جماعةٌ منهم: "أبو الوليد الطيالسيّ، ويحيى القطان، ومحمد بن جعفر، ووهب بن جرير، وعفان بن مسلم، وعثمان بن عمر، وسعيد بن عامر". وخالفهم أبو داود الطيالسىّ، فرواه في "مسنده" (2120) وعنه الخطيب في "التلخيص" (328/ 1) فرواه عن شعبة، عن يحيى بن يزيد الهنائى، عن أنسٍ بالزيادة. فجعل شيخ شعبة: "يحيى بن زيد" بدل "عبد الله بن عبد الله بن جبر" فلا أدرى هل وهم الطيالسىّ فيه على شعبة، أم أنه رواه عنه على الوجهين، لا سيما وقد رواه عن شعبة مثل رواية أصحاب شعبة. وقد توبع شعبة. تابعه سفيان الثورىّ، عن عبد الله بن عبد الله بن جبر، عن أنسٍ لكن بالزيادة فقط. أخرجه أبو عوانة (1/ 233)، وأبو يعلى (ج 7 / رقم 4309) من طريقين عن سفيان. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ووقع عند أبي عوانة "عبد الله بن جبر" فلربما نُسب إلى جدِّه. وتابعهما عتبة بن أبي حكيم، قال: حدَّثنى عبدُ الله بْنُ عبد الله بن جَبْر ابن عتيك، قال: سألنا أنسًا عن الوضوء الذي يكفى الرجل من الماء؟ فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمُدٍّ فيسبغ الوضوء، وعسى أن يفضل منه". قال: سألناه عن الغُسل من الجنابة كم يكفى من الماء؟ قال: الصاع. فسألتُ عنه: أعَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكرُ الصاع؟ قال: نعم، مع المد". أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعانى" (2/ 50) من طريق بقية بن الوليد، عن عتبة بن أبي حكيم. * قُلْتُ: وفي مسنده ضعفٌ، وعتبة بن أبي حكيم مختلفٌ فيه. قال ابنُ حبان: "يعتبر بحديثة من غير رواية بقية عنه" وهذا منها. وتابعهم عبد الله بن عيسى، فرواه عن ابن جبرٍ، عن أنسٍ مرفوعًا لكن بلفظ: "يجزيء في الوضوء رطلان من ماء". أخرجه الترمذي (609) ومن طريقه البغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 52) عن وكيع، عن شريك، عن عبد الله بن عيسى به. وقال الترمذي: "هذا حديث غريبٌ لا نعرفه إلَّا من حديث شريك على هذا الَّلفْظ". ومقصود الترمذي أن ذكرَ "الرطلين" لا يعرف إلا من حديث شريك، وإلا فقد خولف وكيع في لفظه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فرواه أسود بنُ عامر، شاذان (¬1)، ومحمد بن الصباح البزار، وسعيد بن منصور، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، جميعًا عن شريك، عن عبد الله ابن عيسى، عن عبد الله بن جبر، عن أنس، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ برطلين، ويغتسل بالصاع". وفي رواية الحمانى عن شريك: "كان يتوضأُ بمُدٍّ، وهو رطلان". أخرجه أبو داود (95)، وأحمد (3/ 179)، والطحاويُّ (2/ 50)، فلعلَّ هذا الاختلاف من شريك النخعي. وخولف شريك في سنده. خالفه سفيان الثورى، فرواه عن عبد الله بن عيسى، عن جبر بن عبد الله، عن أنس. أخرجه أحمد (3/ 264) من طريق زائدة، عن سفيان. وهذا خطأ من سفيان الثورى كما تقدّم. * قُلْتُ: والعمدةُ في هذا على رواية شعبة، التي اختارها المصنِّفُ، وكذا رجح البيهقيُّ وغيرهُ. [تنبيه]: استغرب الترمذي حديث شريك لأنه حدد قدر الماء المجزىء برطلين وقال: "لا نعرفه إلَّا من حديث شريك على هذا الَّلفظ" فيتعقّب بما أخرجه الدارقطني (1/ 94 - 2/ 153) عن طريق موسى بن نصر، نا عبدة بن سليمان، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن جرير بن يزيد، عن = ¬

_ (¬1) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3/ 179) ووقع فيه: " ... أحمد حدثنا أسود بن عامر ثنا شاذان ... " كذا وإنما "شاذان" لقبٌ لأسود بن عامر فلفظة "ثنا" مقحمةٌ، فالله المستعان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أنسٍ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ برطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال". قال الدارقطني: "تفرَّد به موسى بن نصر، وهو ضعيف الحديث". وكذا أخرجه الدارقطنيّ (2/ 154) بسندٍ واهٍ أيضًا. ***

74 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ثُمَّ ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ (جَدَّتِه) (¬1)، وَهِىَ أُمُّ عُمَارَةَ بِنْتُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- تَوَضَّأَ فَأُتِىَ بِمَاءٍ فِى إِنَاءٍ قَدْرَ ثُلُثَىِ الْمُدِّ. قَالَ شُعْبَةُ فَأَحْفَظُ أَنَّهُ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَجَعَلَ يَدْلُكُهُمَا وَيَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بَاطِنَهُمَا وَلاَ أَحْفَظُ أَنَّهُ مَسَحَ ظَاهِرَهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ 74 - إسناده صحيح. * محمد: هو ابن جعفر، غُنْدَر. * حبيبُ هو ابْنُ زيد بن خلاد الأنصاريُّ المدنُّي. أخرج له الأربعةُ ترجمه ابنُ أبي حاتم (1/ 2/ 101) ونقل توثيقه عن ابن معين وكذا وثقه المصنِّف، وابنُ حبان. وقال أبو حاتم: "صالحٌ". * عباد بن تميم: هو ابنُ غزية الأنصاريُّ. أخرج له الجماعة. ووثقه المصنِّفُ، والعجليُّ (834)، وابنُ حبان (5/ 141). ... الحديث أخرجه أبو داود (94)، وعنه البيهقيُّ (1/ 196) من طريق = ¬

_ (¬1) في النسخة المطبوعة: "عن جدتي"، والتصويب من النسخة المخطوطة المحفوظة في المكتبة الأزهرية (ج 1/ ق 7/ 1)، وما ورد في "المطبوعة" متجهٌ أيضًا، وقد رواه أبو داود كذلك. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = محمد بن جعفر، ثنا شعبة بإسناده وبأخصر مما ذكره المصنّفُ هنا. وقد خولف محمد بن جعفر في إسناده. خالفه يحيى بن زكريا بن زائدة، فرواه عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتى بثلثى مُدٍّ من ماءٍ، فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه. أخرجه البيهقيُّ (1/ 196). وتابعه أبو خالد الأحمر، ثنا شعبة به. أخرجه البيهقيُّ أيضًا. وتابعهما معاذ بن معاذ، ثنا شعبة به ولم يذكر قدر الماء. أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 32). وسئل أبو زرعة الرازي عن هذا الاختلاف، فقال: "الصحيح عندي حديث غُنْدَر". ذكره عنه ابنُ أبي حاتم في "العلل" (ج 1/ رقم 39). [تنبيه] عُزى هذا الحديث في "تحفة الأشراف" (13/ 93) إلى ابن ماجة، وأظنُّه خطأ من ناسخ أو طابع؛ لأنَّ المزيّ يذكر تخريجه، إنما ذكر أبا داود والنسائي. فالله أعلمُ.

60 - باب النية فى الوضوء

60 - باب النِّيَّةِ فِى الْوُضُوءِ 75 - أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِىٍّ عَنْ حَمَّادٍ وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِى مَالِكٌ ح وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 75 - إسْنَادْهُ صحِيْحٌ - ويأتي برقم (3794) إن شاء الله. * يحيى بن حبيب بن عربى: هو الحارثي أبو زكريا البصريُّ. أخرج له الجماعة حاشا البخاريّ. وثقهُ المصنفُ، وابنُ حبان. ومسلمة بن قاسم. وترجمه بن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 2 / 137) وحكى عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبيه أنه قال: "صدوقٌ". * حماد: هو ابن زيدٍ. * ابنُ القاسم: هو عبد الرحمن صاحب مالك. * سليمان بن منصور، هو أبو الحسن البلخيُّ. تفرَّد المصنِّف بالتخريج له. ذكره ابنُ حبان في "الثقات" (8/ 279) وقال: "مستقيمُ الحديث". وقال المصنِّفُ: "لا بأس به". * محمد بن إبراهيم بن الحارث التيميُّ أبو عبد الله المدنيُّ. أخرج له الجماعةُ. وثقه ابنُ معين، وأبو حاتم، والمصنِّفُ، وابنُ سعدٍ، ويعقوب بن سفيان، وابن حيان، وابنُ خراش. ونقل العقيليُّ في "الضعفاء" (4/ 20) عن الإِمام أحمد أَنَّهُ ذكر محمد ابن إبراهيم وقال: "في حديثه شيءٌ"، يروى أحاديث مناكير -أو منكرة- والله أعلمُ. * قُلْتُ: وقولُ الناقد: "يروي مناكير" لا يلزمُ منه أن يكون: "منكر الحديث" كما لا يخفى: معناه أنه إن وهم في بعض حديثه فلا يلزم أن نتوقف في كل حديثه، نعم نتوقف إذا خالف من هو أمكنُ منه وأثبت، ولا نعلمُ أحدًا توقف في قبول حديثه هذا والاحتجاج به، بل أطبق الجميع على تصحيحه.=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد وجه الحافظ في "هدى السارى" (ص- 437) كلمة أحمد، فقال: "المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له، فيُحمل على هذا، وقد احتج به الجماعةُ" اهـ. * قُلْتُ: وهو توجيهٌ حسنٌ. ولم يعتبر الذهبيُّ كلمة الإِمام من الجرح القادح، فذكره في "الميزان" (3/ 445) وقال: "وثقه الناس، واحتجَّ به الشيخان، وقفز القنطرة" اهـ. وقال في "سير البلاء" (5/ 295): "ومن غرائبه المنفرد بها "حديث الأعمال" عن علقمة، عن عمر، قد جاز القنطرة، واحتجَّ به أهل الصحاح بلا مثنوية" (¬1) اهـ. ... والحديث أخرجه البخاريُّ (1/ 9، 135 و 5/ 160 و 7/ 226 و 9/ 115 و 11/ 572 و 12/ 327 - فتح)، ومسلمٌ (1907/ 155)، وأبو عوانه (5/ 78)، أبو داود (2201)، والترمذيُّ (1647)، وابن ماجة (4227)، وأحمد (1/ 25، 43)، والحميديُّ (28)، والطيالسيُّ (ص- 9)، وابنُ المبارك (1/ 1/ 62)، ووكيع (351)، وهنّاد بن السري (805)، وابنُ أبي عاصم (رقم 206)، والبيهقيُّ (243) خمستهم في "كتاب الزهد"، وابن خزيمة في "صحيحه" (ج 1/ رقم 142، = ¬

_ (¬1) يعني: بلا استثناء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 455)، وكذا ابن حبان (ج2 / رقم 388، 389)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (64)، والبزار في "مسنده الكبير" (ج 1/ق 39/ 1 - 2)، ومحمد بنُ الحسن في "الموطأ" (983)، وابن جرير في "تهذيب الآثار" (ص 784 - 785 - مسند عمر)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 1/ رقم 40)، وابنُ أبي حاتم في "المقدمة" (ص- 213)، والخليلى في "الإرشاد" (457)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 369)، وابنُ الأعرابي في "معجمه" (ج4 / ق 62/ 2 - ج 10/ ق 199/ 1)، وتمام الرازى في "الفوائد" (ج 5 / ق 79/ 1) والدَّارقطنيُّ (1/ 50 - 51) وفي "العلل" (ج1/ق 61/ 2)، والطحاوي في "شرح الآثار" وابنُ مندة في "الإيمان" (154/ 1)، وفي "مسند إبراهيم بن أدهم" (13) وأبو أحمد الحاكم في "شعار أصحاب الحديث" (ص-45)، وابن زاذان في "الفوائد" (ج 1/ق 99/ 1 - 115/ 2)، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 42)، وفي "أخبار أصبهان" (2/ 115، 227)، وفي "معرفة الصحابة" (رقم 211) والحاكم في "كتاب الأربعين" -كما في التلخيص الحبير (1/ 55) -، وأبو إسماعيل الهروى في "الأربعين في دلائل التوحيد" (39 - 40)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (ق 1، 2، 1171، 1172)، وابنُ عساكر في "الأربعين البلدانية" (ق 2/ 1) وفي "تاريخ دمشق" (38/ 65 - 7/ 21، 35، 193)، وابنُ حزمٍ في "المحلى" (1/ 73)، والبيهقيُّ في "السنن" (1/ 41، 215 - 2/ 14 و 4/ 112 و 5/ 39)، وفي "المعرفة" -كما في "نصب الراية" (1/ 302) وفي "شعب الإيمان" (6837) -، وفي "الاعتقاد" (254)، وفي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "الآداب" (رقم 1138)، وفي "السنن الصغير" (ق 2/ 2)، والخطيبُ في "التاريخ" (4/ 244 و 6/ 153، 9/ 345 - 346)، وفي "التلخيص" (491/ 1)، وفي "الجامع" (ق 3/ 2)، وابنُ الدبيثى في "ذيل تاريخ بغداد" (1/ 106 - 107) والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (ج3/ ق 63/ 2 - 64/ 1) وابن جميع في "معجمه" (310)، وأبو بكر الشافعيُّ في "فوائده" (ج 4 / ق 49/ 2)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 401) والحسن بن محمد الخلال في "المجلس الثاني من الأمالى" (ق 2/ 1)، والقاضى عياض في "الإلماع" (54 - 55)، والشجرى في "الأمالى" (1/ 9)، وابن الجوزى في "مشيخته" (134 - 135)، وصدر الدين البكرى في "الأربعين" (58 - 59)، وابنُ المستوفى في "تاريخ إربل" (1/ 98 - 99، 108، 164 - 165، 212، 270 - 271) والرافعيُّ في "التدوين" (4/ 77)، والسِّلفيُّ في "معجم السفر" (114)، والنوويُّ في "الأذكار" (ص- 4)، وفي "بستان العارفين" (22 - 23)، والمزيُّ في "تهذيب الكمال" (157/ 1)، والذهبيُّ في "معجم شيوخه الكبير" (ق 185/ 1 - 2)، وابنُ السبكيّ في "طبقات الشافعية" (5/ 208)، والعراقيُّ في "تقريب الأسانيد" (2/ 2 - 3) وبرهان الدين التنوخى في "نظم اللآلي بالمائة العوالى" (ق2/ 1) من طرقٍ عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ... فذكره. وقد رواه عن يحيى بْنِ سعيد الأنصاريِّ خَلْقٌ من أصحابه، منهم: مالكٌ، والثوريُّ، وشعبةُ، وابنُ عيينة، وحمادُ بنُ زيد، وأبو خالدٍ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الأحمر سليمان بن حيان، وعبدُ الوهاب بْنُ عبد المجيد الثقفى، ويزيد ابن هارون، وابنُ المبارك، وحفص بن غياث، والليثُ بْنُ سعد، ويحيى القطان، والمحاربي، وأبو حنيفة، وعيسى بْنُ يونس، وزهر بْنُ معاوية، والأوزاعى، وابنُ جريج، وإبراهيمُ بنُ أدهم، ويحيى بْنُ أيوب، ومروانُ ابْنُ معاوية الفزارى، وزهيرُ بْنُ محمد، والقاسمُ بن معن، وعمرو بن أبي قيس، وجعفرُ بْنُ عون، وخالدُ بْنُ عبد الله الواسطى، وعليُّ بن هاشم، وعمرو بن الحارث. قال الترمذيُّ: "هذا حديث حسنٌ صحيحٌ". وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 1/ق 61/ 1): "هو حديثٌ صحيحٌ". وقال الخليليُّ في "الإرشاد": "هذا أصلٌ من أصول الدين، ومداره على يحيى بن سعيد". وقال أبو نعيم في "الحلية": "هذا الحديث من صحاح الأحاديث وعيونها". وقال ابن عساكر: "هذا حديث صحيحٌ من حديث أمير المؤمنين أبي حفص عُمَرَ بْنِ الخطَّاب ... وثابتٌ من حديث علقمة بْنِ وقاص الليثيُّ، لم يروه عنه غير أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن الحارث القرشىّ التيميُّ المدنيُّ، واشتهر عنه برواية أبي سعدٍ يحيى بن سعيد بن قيس الأنصارى المدنى القاضى، وهو ممن انفرد به كل واحدٍ من هؤلاء عن صاحبه، ورواه عنه يحيى العددُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الكثيرُ، والجمُّ الغفيرُ" اهـ. وقال شيخُ الإِسلام ابْنُ تيمية في "الفتاوى" (18/ 247): "هذا حديث صحيحٌ متفقٌ على صحته، تلقته الأمة بالقبول والتصديق مع أنه من غرائب الصحيح". وقال برهان الدين التنوخى في "نظم اللآلى في المائة العوالى" (ق 2/ 1 - 2): "هذا حديثٌ صحيحٌ غرِيبٌ جدًّا بالنسبة إلى أوله، لا يصحُّ مُسْندًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلَّا من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص، كما لم يروه عن علقمة إلَّا محمد بن إبراهيم، ولا عنه إلا يحيى بن سعيد، وهم ثلاثةٌ كلُّهم تابعٌ يروى بعضُهم عن بعضٍ، مشهورٌ بالنسبة إلى آخره، ورواه عن يحيى العددُ الكثير، والجمُّ الغفير، وأخرجه الأئمةُ السُّنَّةُ في "كتبهم" عن أصحاب أصحابه، وهو حديثٌ جليلٌ عظيمُ الموقع، كبيرُ الغَنَاءِ" اهـ. * قلْتُ: "وفي الباب عن أبي سعيد الخدرى، وأنس بن مالك، وعلىّ ابن أبي طالب، وأبي هريرة رضي الله عنهم". * أولًا: حديث أبي سعيد الخُدْري، رضي الله عنه. أخرجه الخليلى في "الإرشاد" (ص 233)، وأبو عمران (¬1) البزار في "أحاديثه" (ق56/ 1)، واالدارقطنيُّ في "غرائب مالك"، والحاكم في "تاريخ نيسابور" -كما في "الأمالى على الأذكار" للحافظ بن حجر، = ¬

_ (¬1) وهو موسى بن سعيد، وله ترجمة في "سير النبلاء" (15/ 305 - 306) و "تاريخ بغداد" (13/ 59).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المجلس (183) -، والخطابي في "معالم السنن" -كما في "التقييد" (267) للعراقى-، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 342) وابن عساكر في "غرائب مالك" -كما في "طرح التثريب" (2/ 4) للعراقى-، والقضاعى في "مسند الشهاب" (1173) من طرق عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، ثنا مالك بنُ أنس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدرى مرفوعًا: "إنما الأعمال بالنية ... الحديث". * قُلْتُ: كذا رواه عبدُ المجيد عن مالك، ووهم فيه عليه فقد رواه القعنبيُّ، وابنُ القاسم ويحيى بن قزعة، وأبو مصعب وغيرُهم عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب. وقد حكم الحفاظ بوهم عبد المجيد فيه. قال أبو حاتم: "هذا حديث باطلٌ، لا أصل له، إنما هو مالكٌ، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمىّ، عن علقمة بن وقاص، عن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم". ذكره عنه ولدُه عبد الرحمن في "علل الحديث" (ج 1/ رقم 362). وقال الدارقطنيّ في "العلل" (2/ 193 - 194): "رواه عبد المجيد بن عبد العزيز عن مالك عن زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرى، ولم يُتابع عليه، وأمَّا أصحابُ مالكٍ الحفاظ، فرووه عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر، وهو الصواب".=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الخليلى في "الإرشاد" (ص- 167): "وعبد المجيد قد أخطأ في الحديث الذي يرويه عن مالك في الحديث الذي يرويه مالك والخلْقُ عن يحيى بن سعيد الأنصارى ... فقال عبد المجيد وأخطأ فيه: أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدرى ... فذكره، وهو غيرُ محفوظٍ من حديث زيد بن أسلم بوجهٍ". وقال أبو نُعيم: "غريبٌ من حديث مالك عن زيد، تفرَّد به عبد المجيد، ومشهوُرُهُ ما في "الموطأ": مالك، عن يحيى بن سعيد" اهـ. وقال الحافظ في "الأمالى": "غريب من هذا الوجه". وقال العراقيُّ في "طرح التثريب" (2/ 4): "وهو غلطٌ من ابْنِ أبي روَّاد، وقول الخطابي (¬1): إنه يقال: إن الغلط إنما جاء من قبل نوح بن حبيب الذي رواه عن ابن أبي روَّاد، فليس بجيّدٍ من قائله، فإنه لم ينفرد به نوح عنه، بل رواه غيره عنه، وإنما الذي تفرَّد به ابنُ أبي روَّاد كما قال الدارقطني وغيره". * قُلْتُ: تابع نوحَ بْنَ حبيب إبراهيمُ بنُ محمد بن مرران بن هشام عند الدارقطني في "الغرائب" وعليُّ بنُ الحسن الذهليُّ عند الحاكم في "تاريخ = ¬

_ (¬1) قال في "عمدة القاري" (1/ 20): "أحال الخطابي الغلط على نوح". قُلْتُ: لم يفعل ذلك الخطابي، وإنما أحال على غيره، فقال، (يُقال) وقد بينتُ أن قائل ذلك هو البزار. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نيسابور". "فهذا يدلُّ على أن نوح بن حبيب -مع ثقته- لم يتفرَّد به، وقائل هذه المقالة هو البزار. قال الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 302): "وقال -يعني البزّار- في "مسند الخُدْرى": حديثٌ رُوى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدرى، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الأعمالُ بالنيَّة" أخطأ فيه نوح بن حبيب، ولم يُتابع عليه، وليس له أصل عن أبي سعيد" اهـ. * ثانيًا: حديث أنسٍ، رضي الله عنه: أخرجه ابنُ عساكر في "جزء من أماليه" -كما في "التقييد" (268) للعراقى- وفي "تاريخه" (ج2 / لوحة 546) في ترجمة: "إبراهيم بن محمود بن حمزة النيسابورى"، من طريقه، نا أبو هبيرة، محمد بن الوليد الدمشقي، نا أبو مسهر، نا يزيد بن السمط، نا الأوزاعيّ، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أنسٍ مرفوعًا: "إنما الأعمال بالنيات ... الحديث". وقال: "المحفوظُ حديث محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاصٍ، عن عمر، وهذا غريب جدًّا". قال العراقي في "طرح التثريب" (2/ 4): "والمعروف من حديث أنسٍ ما رواه البيهقيّ (¬1) من رواية عبد الله بن = ¬

_ (¬1) أخرجه في "سننه" (1/ 41) وقال البدر العيني في "العمدة" (1/ 22): لكن في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = المثنى الأنصارى، حدثني بعض أهل بيتى عن أنسٍ فذكر حديثًا فيه": "إنه لا عمل لمن لا نيَّة له". ... * ثالثًا: حديث أبي هريرة رضى الله عنه: قال العراقى في "الطرح": "رواه الرشيد العطَّار في بعض تخاريجه، وهو وهم أيضًا" اهـ. وقد أفاد في "التقييد والإيضاح" (268) أن لفظه كلفظ حديث عمر، رضي الله عنه. ... * رابعًا: حديثُ علي بْنِ أبي طالب، رضي الله عنه. قال العراقيُّ في "التقييد" (267): "رواه ابن الأشعث في "سننه"، والحافظ أبو بكر محمد بن ياسر الجياني في "الأربعين العلوية" من طريق أهل البيت، بلفظ: "الأعمال بالنية" وفي إسناده من لا يعرف" اهـ. وقال في "الطرح": "إسناده ضعيفٌ". * قُلْتُ: أمَّا ما ذكره ابن مندة (¬1) في كتابه "المستخرج من كتب = ¬

_ = إسناده جهالة". (¬1) ليس هو أبا عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة، وإنما هو ابنه أبو القاسم عبد الرحمن. ذكره العراقي في "التقييد" (267).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الناس للتذكرة، والمستطرف من أحوال الناس للمعرفة" (¬1) أن هذا الحديث رواه عن غير عمر بن الخطاب جماعةٌ من الصحابة منهم: سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعتبة بن عبد السلمىّ، وهلال بن سويد، وعبادة بن الصامت، وجابر بن عبد الله، وعقبة بن عامر، وأبو ذر، وعتبة بن مسلم" اهـ. فما ذكره ابنُ مندة ليس بلفظ حديث عمر، وإنما هو في مطلق النيّة، فهي شواهد بالمعنى، وقد زاد عليه العراقي آخرين, وفات العراقى كثير، وهذا مما يتعسر حصرهُ وتتبُّعه. والله أعلمُ. لذلك لم أخرج إلَّا أحاديث من رووها كلفظ حديث عمر. والحمد لله. ثمَّ اعلم -وفقك الله تعالى للخير- أنَّ كل راوٍ من رواة حديث عمر قد توبع، ولكن هذه المتابعات لا تثبت عند أهل العلم، فإنما أذكرها تنبيهًا. * أما علقمةُ بنُ وقاص، فقال ابنُ مندة. "هذا الحديث رواه عن عمر غيرُ علقمة: ابنه عبد الله، وجابر، وأبو جحيفة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وذو الكلاع، وعطاء بن يسار، وواصل بن عمرو الجذاميّ، ومحمد بن المنكدر". * وأما محمد بن إبراهيم التيمي، فتابعه: "سعيد بن المسيب، ونافع مولى ابن عمر". * وأما يحيى بن سعيد الأنصارىّ. = ¬

_ (¬1) تمام الاسم من "نصب الراية" (1/ 302).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فتابعه محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم التيمي بإسناده سواء. أخرجه ابنُ حبان في "الثقات" (6/ 298 - 299)، والخليلي في الإرشاد" (ص- 631)، وابنُ عديّ في "الكامل" (3/ 997)، والذهبيُّ في "تذكرة الحفاظ" (2/ 774) من طريق محمد بن عبيد الهمداني، نا الربيع بن زياد الضبيُّ، نا محمد بن عمرو به. * قُلْتُ: ولكن الحفاظ أعلّوا هذه المتابعة. قال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 1 / ق 62/ 1): "إنما رواه عن محمد بن عمرو بن علقمة: الربيع بنُ زياد الهمداني وحده، ولم يُتابع عليه". وقال ابنُ عديّ: "وهذا لا أصل له ... وأما عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، فلم يروه عنه غير الربيع بن زياد. وقد روى الربيع بنُ زياد عن غير محمد ابن عمرو من أهل المدينة بأحاديث لا يتابع عليها" اهـ. وقال الخليلي: "تفرَّد به الربيع عن محمد بن عمرو بن علقمة، والمحفوظ هذا من حديث يحيى بن سعيد الأنصارى، عن محمد بن إبراهيم التيمي". وقال الذهبي: "غريبٌ جدًّا من حديث محمد بن عمرو، تفرَّد به عنه الربيع بن زياد، وما أظنُّ رواه عنه غير ابن عبيد، هو صدوقٌ". وقال الحافظ في "اللسان" (2/ 444 - 445) في ترجمة "الربيع": "وهو من غرائبه، والظاهر أنه سمعه من يحيى بن سعيد، فحدَّث به =

. . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عن محمد بن إبرهيم على سبيل الخطأ) هـ. * قلتُ: وذكر ابنُ مندة أنه قد تابع يحيى بن سعيد: داود بن أبي الفرات، ومحمد بن إسحق، وحجاج بن أرطاة، وعبد الله بن قيس الأنصاري. وقد نبهنا أن كل هذه المتابعات والشواهد لا تصحُّ، والله تعالى الموفق. وقد خولف يحيى بن سعيد في إسناده. خالفه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، فروه عن أبيه محمد بن إبراهيم قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وعك أصحابه، وقدم رجلٌ فتزوج امرأةً كانت مهاجرة، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فقال: "يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية" ... الحديث وساق كلامًا آخر يأتي ذكره قريبًا. أخرجه الزبير بن بكَّار في "أخبار المدينة" -كما في "اللمع" (ص 114) للسيوطي- قال: حدثني محمد بن الحسن، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبيه. هكذا معضلًا. * قلتُ: وهذه مخالفة لا قيمة لها، إنما ذكرتها تنبيها، وموسى بن محمد تركه الدارقطني. وقال النسائي: "منكر الحديث". وضعفه أحمد، وابن معين وغيرهما. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومحمد بن الحسن هو ابن زبالة. كذبه ابن معين، وأبو داود وغيرُهما. وتركه النسائي والدارقطنيُّ ووهَّاهُ أبو زرعة. [تنبيهات]: * الأوَّلُ: اشتهر بين العلماء أن سبب هذا الحديث أنَّ رجلًا هاجر لأجل امرأةٍ، رواه الزبير بن بكار في "أخبار المدينة"، قال: حدثنى محمد بن الحسن، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبيه. قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وعك أصحابُه فيها، وقدم رجل فتزوج امرأةً كانت مهاجرة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: "يا أيها الناس! إنما الأعمال بالنية،" ثلاثًا ... الحديث، ثُمَّ رفع يديه، فقال: "اللهم انقل عنا الوباء". ثلاثًا. فلما أصبَح قال: "أُتيت هذه الليلة بالحمى، فإذا بعجوزٍ سوداء مُلبَّبة في يدى الذي جاء بها، فقال: هذه الحمى، فما ترى؟ فقلت: اجعلوها بِخِمّ". * قُلْتُ: هكذا ذكره العلماء في أسباب ورود الحديث كالسيوطي في "اللمع" (114) وغيرِهِ، وفيه نظرٌ من وجهين: * الأول: أنه في النهاية من الضعف، وقد بينتُ ذلك آنفًا. * الثانى: أنه على فرض صحته، ليس فيه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك لأجل الرجل الذي تزوج المرأة، وقد ذكر في بعض الآثار أنها أم قيس، وأن الرجل الذي تزوجها سمى "مهاجر أم قيس". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد روى سعيد بن منصور في "سننه"، وعنه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 9/ رقم 8540) ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق, قال: قال عبد الله بن مسعود: من هاجر يبتغى شيئًا، فهو له، قال: هاجر رجل ليتزوج امرأةً يُقال لها "أم قيس"، وكان يسمى "مهاجر أم قيس". قال العراقي في "تخريج الإِحياء" (4/ 352): "إسنادهُ جيِّدٌ". وقال في "طرح التثريب" (2/ 4): "رجاله ثقات". وكذا قال البدر العيني في "العمدة" (1/ 28). وقال الهيثميُّ في "المجمع" (2/ 101): "رجاله رجال الصحيح". وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 10): "وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أنَّ حديث "الأعمال" سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيءٍ من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك" اهـ. [تنبيه] ذكر ابنُ السبكى في "طبقات الشافعية" (6/ 378) حديث ابن مسعود في "مهاجر أم قيس" وقال: "ذكره ابنُ مندة وأبو نعيم في "الصحابة" غير موصول الإِسناد" اهـ. * قُلْتُ: كذا قال، وهو عجبٌ! لأن ابن مندة وأبا نعيم خرجاه من طريق إسماعيل بن عصام بن يزيد، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال: وجدت في كتاب جدى يزيد -الذي يُقال له حبر- حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: كان فينا رجلٌ خطب امرأةً يقال لها: "أم قيس"، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها، فكنا نسميه: "مهاجر أم قيس". قال ابن مسعود: "من هاجر لشىءٍ فهو له". قال أبو نعيم: "تابعه عبدُ الملك الذمارى، عن سفيان" (¬1). فإن كان ابنُ السبكى - رحمه الله - يقصد جهالة "حبر"، فقد صرّح أبو نعيم بأن عبد الملك بن عبد الرحمن الذمارى تابعه، وحتى لو لم نجد من تابعه، هل إذا وجد في الإِسناد مجهولٌ يوصف بالانقطاع؟ الراجح أنه لا يوصف بذلك، فكان ينبغى أن يقول: "ضعيف الإسناد"، وإلَّا فقد علمت أنه إسنادٌ صحيحٌ، ولعله لم يقف على الخبر في "سنن سعيد بن منصور". والله أعلمُ. وقد يكون أعلَّه بذلك لأن الخبر وجادة، فإن كان كذلك فلا وجه له أيضًا لأن الوجادة أحد وجوه التحمل. * الثانى: هذا الحديث قد أخرجه الأئمة الستة -كما رأيت-، فيستغرب صنيع الحافظ المنذرى - رحمه الله -، إذ عزاه في "الترغيب" (1/ 57 - = ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الإصابة" (8/ 269): "وهو يدفع إشارة أبي موسى أنه من أفراد حبر" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 2/ 298) إلى الستة دون ابن ماجة. وظننتُ أنه وهمٌ من الناسخ أو الطابع، لأنه عزاه إلى ابن ماجة في "مختصر سنن أبي داود" (3/ 130) حتى وقفت على كلام للحافظ الناجى في "عجالة الإملاء" (¬1) (ق 6/ 1 - 140/ 1 - 2) فقال: "عزوه الحديث إلى الخمسة دون ابن ماجة عجيبٌ، وقد رواه بلا شكٍّ" اهـ. فعلمتُ أنه ذهولٌ من المنذرى - رحمه الله -. * الثالث: ذكر الحافظ أبو الخطاب ابن دحية (¬2) الكلبى في "أماليه" أن هذا الحديث أخرجه مالكٌ في "الموطأ"، فوهمهُ غير واحدٍ في ذلك. قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 55): " ... وإنْ كان ابنُ دحية وهم في ذاك، فادَّعى أنه في "الموطأ"، = ¬

_ (¬1) واسم الكتاب كاملًا: "عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب، على، ما وقع للحافظ المنذرى من الوهم وغيره في كتابه "الترغيب والترهيب". ومنه نسخة كاملة في المكتبة المحمودية، وهي عندى، فيه نفائس عوالٍ، ودُررٌ غوالٍ، أطنب شيخنا الألباني -حفظه الله- في مدحه في مقدمة كتابه "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 62، 64) فقال: "وهو لعمر الله كتاب هامٌ جدًّا، دلَّ على أن مؤلفه رحمه الله كان على ثروة عظيمة من العلم، وجانب كبير من دقة الفهم، جاء فيه بالعجب العجاب، وطرَّزه بفوائد كثيرة تسر ذوى الألباب، قلَّما توجد في كتاب ... ". * قلْتُ: ومؤلفه هو إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر، برهان الدين الحلبى، توفى سنة (900 هـ) وله ترجمة في "الضوء اللامع" (1/ 166) للسخاوى، وقد أشار إلى كتابه هذا فقال: "ويقال إنه علق على "الترغيب" للمنذرى شيئًا في مجلدٍ لطيفٍ" اهـ. (¬2) له ترجمة في "سير النبلاء" (12/ 389 - 395) للذهبي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نعم، رواه الشيخان والنسائيُّ من حديث مالك" اهـ. وقال في "الفتح" (1/ 11): "ثُمَّ إن هذا الحديث متفقٌ على صحته، أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ، ووهم من زعم أنه في "الموطأ" مغترًا بتخريج الشيخين له والنسائيّ من طريق مالك" اهـ. وقال البدر العينى في "عمدة القارى" (1/ 21): "ولم يبق من أصحاب الكتب المعتمد عليها من لم يخرجه سوى مالك، فإنه لم يخرجه في "موطئه"، ووهم ابنُ دحية الحافظ، فقال في "إملائه" على هذا الحديث: أخرجه في "الموطأ"، ورواه عنه الشافعي، وهذا عجيب منه" اهـ. وقال الحافظ الناجى في "عجالة الإملاء" (ق 6/ 1): " .... لكنه ليس في "الموطأ"، وإن كان البخاريُّ ومسلمٌ قد روياه عن القعنبىِّ، والنسائى عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم، كلُّهم عن الإمام مالك، فتوهم الحافظ ابنُ دحية أنه في "الموطأ"، فوهم" اهـ. * قُلْتُ: لا وجه عندى لتوهيم ابن دحية، نعم لم يروه أحدٌ ممن روى "الموطأ" عن مالك -فيما أعلمُ- إلَّا محمد بن الحسن الشيبانى , فلربما اعتمد ابنُ دحية على ذلك فعزاه لمالك، وهو تصرفٌ صحيحٌ. والله أعلمُ. ... * الرابع: هذا الحديث مع صحته فهو غريبٌ، وقد زعم بعض المتأخرين أَنَّه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = متواتر، وليس كذلك، نعم، إن عنى أنه تواتر عن يحيى بن سعيد الأنصارى فهو كما قال، فقد رواه عنه خَلْقٌ. قال محمد بن عليٍّ بن سعيد النقاش الحافظُ: "رواه عن يحيى الأنصارىّ مائتان وخمسون نفسًا". وسرد أسماءهم أبو القاسم بن مندة فجاوز الثلاثمائة. وروى أبو موسى المدينى عن بعض مشايخه مذاكرة عن الحافظ أبي إسماعيل الأنصارى الهروى، قال: "كتبتُه من حديث سبعمائة من أصحاب يحيى الأنصارى". فتعقَّبه الحافظ في "الفتح" (1/ 11) بقوله: "وأنا أستبعد صحة هذا، فقد تتبَّعتُ طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبتُ الحديث إلى وقتى هذا، فما قدرت على تكميل المائة، وقد تتبَّعْتُ طرق غيره فزادت على ما نقل على ما تقدّم" اهـ. وقال في "التلخيص" (1/ 55): "تتبَّعْتهُ من الكتب والأجزاء، حتى مررت على أكثر من ثلاثة آلاف جزء، فما استطعت أن أكمل له سبعين طريقًا" اهـ. * قُلْتُ: ولا تنافى بين القولين، فمن لم يكمل سبعين طريقًا يصحُّ أن يقال فيه: "لم يكمل المائة"، مع أن عبارة "الفتح" يظهر أنها المتأخرة. والله أعلمُ. = ***

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * الخامسُ: صرّح علماء الحديث وحفاظه أن هذا الحديث لا يصحُّ إلا بهذا السند، مثل النسائىّ، والترمذىّ، والطبرىّ، وحمزة الكنانى. قال أبو بكر البزار: "لا نعلم روى هذا الحديث إلا عن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا بهذا الإسناد" اهـ. وكذا قال أبو على بنُ السكن، والخليلى، وأبو عبد الله محمد بن عتاب، وابنُ الجوزى وغيرُهم. قال الخطابى: "لا أعلمُ خلافًا بين أهل العلم أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ مسندًا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا من حديث عمر رضى الله عنه" اهـ. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 11): "وأطلق الخطابى نفى الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلَّا بهذا الإسناد وهو كما قال لكن بقيدين: أحدهما الصحةُ، لأَنَّهُ ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطنيُّ، وأبو القاسم ابن مندة وغيرُهما، ثانيهما: السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية" اهـ. * قُلْتُ: ما نقلتُه عن الخطابى ذُكر فيه القيد الأول، فقال: "لا يصحُّ مسندًا"، فلا يستدرك عليه ذلك. والله أعلمُ. = ***

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * السَّادسُ: نقل البدر العينى في "العمدة" (1/ 20) أن ابن ماكولا قال في "تهذيب مستمر الأوهام" أن يحيى بن سعيد لم يسمعه من محمد بن إبراهيم التيمىّ، وذكر في موضعٍ آخر أنه يقال: لم يسمعه التيمىّ من علقمة. وأجاب بقوله: "قلت: رواية البخارى عن يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم التيمى أنه سمع علقمة يردُّ هذا، وبما ذكرنا أيضًا يرد ما قاله ابنُ جرير الطبرىّ في "تهذيب الآثار" أنَّ هذا الحديث قد يكون عند بعضهم مردودًا لأنه حديثٌ فردٌ" اهـ. ***

61 - باب الوضوء من الإناء

61 - باب الْوُضُوءِ مِنَ الإِنَاءِ 76 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَحَانَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِى ذَلِكَ الإِنَاءِ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 76 - إسنَادهُ صحِيْحٌ. * إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، الأنصاريُّ المدني. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقة نبيلٌ. وثقه ابن معين وزاد: "لا حجة"، وأبو حاتم، والمصنِّفُ، وأبو زرعة وقال: "وهو أشهر إخوته وأكثرهم حديثًا"، وابنُ حبان وقال: "كان ينزل في دار أبي طلحة، وكان مقدَّمًا في رواية الحديث، والإتقان فيه". ... والحديث أخرجه البخاري (1/ 271 - 6/ 580 فتح)، ومسلمٌ (15/ 39 نووى) والترمذي (3631)، وأحمد (3/ 132)، والشافعي في "المسند" (ص 15 - 16)، وفي "الأم" (1/ 28) والفريابي في "دلائل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = النبوة" (ق 6/ 1)، وابن حبان في "صحيحه" (ج8/ رقم 6505)، والبيهقيُّ (1/ 193) في "دلائل النبوة" (4/ 121)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (2/ 24) جميعًا عن مالك، وهذا في "موطئه" (1/ 32/32) عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنسٍ به. قال الترمذيُّ: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وقد رواه عن مالكٍ جماعةٌ من أصحابه، منهم: "قتيبة بنُ سعيد، وعبد الرحمن بن مهدى، ومعن بن عيسى، والقعنبى، وأبو مصعب , وابنُ وهب، وعبد الله بن يوسف, ويحيى بن يحيى، والشافعيُّ". ... وللحديث طرقٌ أخرى عن أنسٍ. منها: 1 - ثابت البُنانى, عنه, قال: "دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بماءٍ، فأُتى بقدحٍ وحراحٍ, فجعل القوم يتوضئون، فحزرت ما بين الستين إلى الثمانين، قال: فجعلتُ أنظر إلى الماء ينبُع من بين أصابعه". أخرجه البخاريُّ (1/ 304 - فتح) , ومسلمٌ (15/ 38 - نووى) , وأحمد (3/ 147) وابنُ سعد في "الطبقات" (1/ 178) وابنُ خزيمة (ج 1 / رقم 124) والفريابى في "الدلائل" (ق 6/ 2)، وأبو يعلى (ج 6 / رقم 3329)، وابنُ حبان (ح8 / رقم 6512)، والبيهقيُّ (1/ 30) وفي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "الدلائل" (4/ 122، 123) وفي "الاعتقاد" (273، 274)، والبغوى (2/ 25) من طرقٍ عن حماد بن زيد، عن ثابتٍ. وقد رواه عن حماد جماعةٌ من أصحابه، منهم: "مسدد بن مسرهد، وأبو الربيع الزهراني سليمان بن داود، وسليمان ابن حرب، ويونس بن محمد المؤدب , وعفان بن مسلم، ومحمد بن عبيد ابن حسَّاب" كلُّهم قالوا في روايتهم: "بقدحٍ رحْرَاح". وتابعهم أحمد بن عبدة عند ابن خزيمة لكنه خالفهم في هذا الحرف، فقال: "بقدح زجاج". وبوَّب عليه ابنُ خزيمة بقوله: "بابُ إباحة الرضوء من أوانى الزجاج، ضد قول بعض المتصوفة الذي يتوهَّمُ أن اتخاذ أوانى الزجاج من الإسراف، إذ الخزفُ أصلبُ وأبقى من الزجاج". ثُمَّ ذكر ابنُ خزيمة أن غير واحدٍ رواه عن حماد بن زيد بلفظ "رحراح" ثم قال: "والرحراح إنما يكون الواسعُ من أوانى الزجاج لا العميق منه" فوفق بين الروايتين. ولكن قال الحاقظ في "الفتح" (1/ 304): "وصرّح جمعٌ من الحُذَّاق بأن أحمد بن عبدة صحَّفها، ويقوى ذلك أنه أتى في روايته بقوله "أحسبُهُ" فدلَّ على أنّه لم يُتقنْهُ، فإن كان ضبطها فلا منافاة بين روايته ورواية الجماعة، لاحتمال أن يكونوا وصفوا هيئته، وذكر هو جنسه" اهـ. * قُلْتُ: وهذا الاحتمال الأخير أولى. والله أعلمُ. وتابعه حمَّادُ بنُ سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "حضرت الصلاة، فقام جيران المسجد يتوضئون، وبقى ما بين السبعين والثمانين وكانت منازلهم بعيدة، فدعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بمخضبٍ فيه ماء، ما هو بملآن، فوضع أصابعه فيه، وجعل يصبُ عليهم ويقول: "توضئوا" حتى توضئوا كلُّهم، وبقى في المخضب نحو ما كان فيه، وهم نحو السبعين إلى المائة". أخرجه أحمد (3/ 175، 248) عن عفان ومؤمل وابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 218) عن عفان، ثنا حماد بن سلمة به وسندهُ صحيحٌ على شرط مسلم. وأخرجه ابنُ سعدٍ في "الطبقات" (1/ 178) أخبرنا عفان، أخبرنا حماد ابن سلمة به. وتابعه أيضًا سليمان بن المغيرة، عن ثابتٍ قال: قلت لأنس: يا أبا حمزة! حدَّثْنا من هذه الأعاجيب شيئًا شهدته، لا تُحدِّثُهُ عن غيرك (¬1)، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر يومًا ثم انطلق حتى قعد على المقاعد التي كان يأتيه جبريل عليها، فجاء بلالٌ فناداه بالعصر فقاء كلُّ من كان له بالمدينة أهلٌ حتى يقضى الحاجة، ويصيبَ من الوضوء، وبقى رجالٌ من المهاجرين ليس لهم أهالى بالمدينة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحٍ أرْوح فيه ماءٌ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفَّهُ في الإناء، فما وسع الإناء كفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّها، فقال بهؤلاء الأربع في الإناء ثم قال: "ادنوا فتوضئوا" ويدهُ في الإناء، = ¬

_ (¬1) كذا عند جميع المخرجين، ووقع عند أبي يعلى: "لا يحدِّثهُ غيرك" وقد رواه ابن حبان عن أبي يعلى وفيه: "لا تحدثه عن غيرك"، وكذا هو عند الفريابي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فتوضأوا حتى ما بقى منهم أحدٌ إلَّا توضأ. قال: قلت: يا أبا حمزة! كم تراهم؟ قال: ما بين السبعين والثمانين". أخرجه أحمد (3/ 139، 169)، والَّلفْظُ له، وابنُ سعد (1/ 177 - 178) وعبدُ بن حميد في "المنتخب" (1284) والفريابى في "الدلائل" (ق 6/ 2)، وأبو يعلى (ج 6 / رقم 3327)، وابنُ حبان (ج8 / رقم 6509) من طرق عن سليمان بن المغيرة (¬1). * قُلْتُ: وما وقع في رواية حماد بن سلمة أن العدد كان نحو السبعين إلى المائة يُجمع بينه وبين الرواية الأخرى أنهم كانوا ما بين السبعين والثمانين بأنَّ أنسًا لم يكن يضبط عدَّتهم، وقد وقع في رواية حميد لمطويل، عن أنسٍ: "أنهم كانوا ثمانين وزيادة" فالمائة زيادةٌ على الثمانين، فلربما جزم بالمجاوزة حيثُ يغلب ذلك على ظنِّه، والله أعلمُ. وتابعهم عبيد الله بن عمر، عن ثابت به. أخرجه البيهقيُّ في "الدلائل" (4/ 123). ... 2 - حميد الطويل، عن أنسٍ، قال: "حضرت الصلاةُ فقام مَنْ كان قريب الدار إلى أهله وبقى قومٌ, فأُتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمخضبٍ من حجارةٍ فيه ماءٌ، فصغُر المخضبُ أن يبسُط فيه كفَّهُ، فتوضأ القومُ كلُّهم. قلنا: كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة. = ¬

_ (¬1) ورواه عن سليمان جماعة منهم: "هاشم بن القاسم، وحجاج، وعفان بن مسلم وهُدْبة بن خالدٍ".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه البخاريُّ (1/ 301 - فتح) والَّلفْظ له وأبو يعلى (ج 4 / رقم 3745) والبيهقيُّ في "الدلائل" (4/ 123)، وابنُ حبان (ج 8 / رقم 6511) عن عبد الله بن بكر، حدثنا حميد به. ولم يذكر ابن حبان لفظة: "وزيادة". ورواه يزيد بن هارون، أخبرنا حميد به. أخرجه البخاريُّ (6/ 581 فتح)، وابن أبي شيبة (11/ 475)، وأحمد (3/ 106)، والفريابى في "الدلائل" (ق 6/ 2 - 7/ 1). وقد وقعت الزيادة عند أحمد. ... 3 - قتادةُ، عن أنسٍ، قال: "أُتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإناءٍ وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبُع من بين أصابعه، فتوضأ القومُ". قال قتادةُ: قلتُ لأنسٍ: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة. أخرجه البخاري (6/ 850 - فتح)، والَّلفْظُ لَهُ، ومسلمٌ (2279/ 6)، وأحمدُ (3/ 170، 215)، وأبو يعلى (ج 5 / رقم 3193)، واللالكائى في "أصول الاعتقاد" (رقم 1480) والبيهقى في "الدلائل" (4/ 124 - 125) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنسٍ به. ورواه عن قتادة جماعةٌ من أصحابه، منهم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "محمد بن جعفر، وابنُ أبي عدىّ، وخالد بن الحارث، ومحمد بن بكر". وخالفهم مكيُّ بن إبراهيم، فرواه عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن أنسٍ به. أخرجه أبو نعيم في "الدلائل". ورواية الجماعة أرجح من رواية مكيّ بن إبراهيم. قال الحافظ في "الفتح" (6/ 585): "فلو كان هذا محفوظًا اقتضى أنَّ في رواية الصحيح انقطاعًا، وليس كذلك, لأنَّ مكىَّ بْنَ إبراهيم ممن سمع من سعيد بن أبي عروبة بعد الاختلاط" اهـ. * قُلْتُ: ووقع للحافظ ذهولٌ غريب، فقال في الموضع المتقدم: "لم أره من رواية قتادة إلا معنعنًا"!! وقد صرّح قتادة بالتحديث عن أنسٍ في "صحيح مسلمٍ". وقد توبع سعيد، عن قتادة. فتابعه همام بن يحيى، عن قتادة به. أخرجه أحمد (3/ 289) والفريابى في "الدلائل" (ق 6/ 1 - 2)، وأبو يعلى (ج 5 / رقم 2895)، وابنُ حبان (ج 8 / رقم 6513) , وأبو نُعيم في "الدلائل" (رقم 317). وتابعه أيضًا شعبةُ، عن قتادة. أخرجه أبو يعلى (ج 5/ رقم 3172) حدثنا أبو موسى، حدثنا محمد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ابن جعفر، حدثنا شعبة. * قُلْتُ: هكذا رواه أبو يعلى عن أبي موسى محمد بن المثنى. وقد أخرجه مسلمٌ، والبزار (ج 3/ رقم 2416) وقوام السنة الأصبهانيُّ في "الدلائل" (رقم 131) عن محمد بن المثنى, عن محمد بن جعفر, عن سعيد بن أبي عروبة. وتابعه أحمد بن حنبل، فرواه في "مسنده" (3/ 170) عن محمد بن جعفر، عن سعيد بن أبي عروبة به. قال المزىّ في "الأطراف" (1/ 311, 334): "وقال بعضُهم: غُنْدر، عن شعبة، والصحيح: عن سعيد" اهـ. فإن ثبت هذا الوهم فهو ممن دون محمد بن المثنى لمتابعة الإِمام أحمد إياه, مع أنه ليس هناك ما يمنع أن يرويه محمد بن جعفر على الوجهين. [تنبيه]: وهم الهيثميُّ وهمًا غريبًا عندما أثبت حديث أنس في "روائد البزار" ثم قال: "هو في الصحيح خلا قوله "ثلاث مائة" وبهذا السند والَّلفظ في "صحيح مسلم" كما مرّ بك آنفًا. ... 4 - الحسن البصريّ، قال: حدثنا أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال: "خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بعض مخارجه ومعه ناسٌ من أصحابه، فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاةُ فلم يجدوا ماءً يتوضئون. فانطلق رجلٌ من القوم، فجاء بقدحٍ من ماءٍ يسير, فأخذه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ، ثمَّ مدَّ أصابعه الأربع على القدح، ثم قال: "قوموا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فتوضئوا"، فتوضأ القومُ حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء، وكانوا سبعين أو نحوه". أخرجه البخاريُّ (6/ 581 - فتح) والَّلفْظُ لَهُ، وأحمد (3/ 216)، وابنُ سعدٍ في "طبقاته" (1/ 178 - 179)، وأبو يعلى (ج 5/ رقم 2759)، والفريابي في "دلائل النبوة" (ق 12/ 2) والبيهقي في "الدلائل" (4/ 124) من طريق حزم بن مهران القطعيّ، عن الحسن به. ... 5 - سعيد بن سليم الضبيُّ، حدثنا أنسُ بنُ مالكٍ .. فذكر حديثًا طويلًا وفيه: " .... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه "قوموا واقضوا حاجتكم"، ففعلوا ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: "هل مع أحدٍ منكم ماءٌ؟ " قال رجل منهم: يا رسول الله ميضأةٌ فيها شىءٌ من ماءٍ. قال: "جىء بها"، فجاء بها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحها بكفيه ودعا بالبركة، ثم قال لأصحابه: "تعالوا فتوضأوا" فجاءوا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبُّ عليهم حتى توضئوا، وأذَّن رجل منهم وأقام، قال: فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لصاحب الميضأة: "ازدهر بميضأتك، فسيكون لها نبأ" ... الحديث. أخرجه أبو يعلى (ج 7 / رقم 4238). قال الهيثميُّ في "المجمع" (8/ 300): "فيه سعيد بن سليم الضبى وثقه ابن حبان وقال: "يخطىء" وضعّفه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = غيرهُ وبقية رجاله رجال الصحيح". * قُلْتُ: ويظهر أن صاحب الميضأة هو أبو قتادة الأنصارىّ. وقد أخرج حديثه مسلم (681/ 311)، وأحمد (5/ 302)، وابنُ أبي شيبة (ج 14 / رقم 18812)، وعبد الرزاق (ج 11 / رقم 20538) والفريابى في "الدلائل" (8/ 2 - 9/ 1) وابن سعد (1/ 180 - 182). وأبو نعيم في "الدلائل" (رقم 315، 316) من طرق عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة وساق حديثًا طويلًا وفيه. " ... ثم دعا بميضأةٍ كانت معي فيها شىء من ماءٍ، فتوضأ منها وضوء دون وضوءٍ. قال: وبقى فيها شىء من ماء، ثم قال لأبي قتادة: "احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ ... الحديث". وسيأتي تخريجه في "كتاب الصلاة" إن شاء الله تعالى. ... قال الترمذيُّ: "وفي الباب عن عمران بن حصين، وابن مسعودٍ، وجابرٍ، وزياد بن الحارث الصدائى". * أولًا: حديث عمران بن حصين، رضي الله عنه. يأتي برقم (321). ... * ثانيًا: حديث ابن مسعود، رضي الله عنه. يأتي في الحديث القادم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ * ثالثًا: حديث جابر رضي الله عنه. يأتي بعد حديثٍ. ... * رابعًا: حديث زياد بن الحارث الصدائى، رضي الله عنه. أخرجه الفسويُّ في "تاريخه" (2/ 495 - 496)، وابنُ عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص 312، 313) والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 5 / رقم 5285)، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (رقم 321)، والفريابى في "دلائل النبوة" (ق 11/ 2)، والبيهقيُّ في "السنن" (1/ 380 - 381)، وفي "الدلائل" (4/ 125 - 127 و 5/ 355 - 357). من طريق عبد الرحمن بن زياد الأفريقى، ثنا زياد بن نعيم، قال: سمعتُ زياد بن الحارث الصدائى. فساق حديثًا طويلًا وفيه: "حتى إذا طلع الفجر نزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم انصرف إلى وهو يتلاحق أصحابه فقال: "هل من ماءٍ يا أخا صداء؟ " قلتُ: لا إلَّا شىءٌ قليل لا يكفيك. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اجعلْهُ في إناءٍ ثمَّ ائتنى به". ففعلتُ، فوضع كفَّهُ في الماء. قال الصدائيُّ: فرأيتُ بين أصبعين من أصابعه عينًا تفورُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أنى أستحيى من ربى - عزَّ وجلَّ - لسقينا واستقينا، ناد أصحابى من له حاجة إلى الماء"، فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم شيئًا. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فأراد بلالُ أن يُقيم، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداءٍ هو أذَّن، فهو يُقيم" ... الحديث. وأخرج آخره من هذا الوجه: أبو داود (514)، والترمذيُّ (199)، وابنُ ماجة (717)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = والبخاريُّ في "التاريخ الكبير" (2/ 1/ 344)، وأحمد (4/ 169)، وابنُ أبي شيبة (1/ 216)، وعبد الرزاق (ج1/ رقم 1833) وعنه الطبرانى في "الكبير" (ج 5/ رقم 5286 - 5287)، وابنُ سعدٍ في "الطبقات" (1/ 326 - 327)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 265 - 266) وفي "الحلية" (7/ 114) وعنه الخطيب في "السابق واللاحق" (ص 120). قال الترمذيُّ: "وحديثُ زياد إنما نعرفه من حديث الأفريقى، وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث ضعّفه يحيى بنُ سعيد القطان وغيرهُ، قال أحمدُ: لا أكتبُ حديث الأفريقى. قال: ورأيتُ محمد بن إسماعيل يُقوى أمرهُ، ويقول: هو مقاربُ الحديث" اهـ. وحسَّن هذا الحديث ابن عساكر، فتعقَّبه شيخُنا الألباني في "الضعيفة" (رقم 35) بما يُنظر فيه. والله أعلمُ. ... * قُلْتُ: وفي الباب أيضًا عن ابن عباس، رضي الله عنهما: أخرجه أحمدُ (1/ 324،251)، والفريابى في "الدلائل" (ق 12/ 1)، والبيهقيُّ أيضًا في "الدلائل" (4/ 127 - 128) من طرق عن أبي كدينة، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباسٍ، قال: "أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في العسكر ماءٌ، فقال رجلٌ: يا رسول الله! ليس في العسكر ماءٌ، قال: "هل عندك شىءٌ" قال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نعم. فأتى بإناءٍ فيه ماءٌ. قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في فم الإِناء، وفتح أصابعه، قال: فرأيتُ العيون تتبع من بين أصابعه، قال: فأمر بلالًا ينادى في الناس: "الوضوء المبارك". * قُلْتُ: وأبو كدينة واسمه يحيى بن المهلب وثقه ابنُ معين، وأبو داود، والنسائيُّ، والعجليُّ، والفسويُّ، وابنُ حبان وقال: "ربما أخطأ". وقد خالفه خلف بنُ خليفة، فرواه عن عطاء بن السائب، عن الشعبى، عن ابن عباس به وفيه زيادةٌ في آخره. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج 12/ رقم 12560) والطحاوي في "المشكل" (3/ 179 - 180) بالزيادة، والبزار (ج3 / رقم 2415) من طريقين عن خلف بن خليفة به. قال البزَّارُ: "لا نعلمُ أحدًا حدَّث به عن عطاء، عن الشعبى إلا خلف، ولا نعلم أسند عطاء عن الشعبى إلَّا هذا، ورواه أبو كدينة عن عطاء، عن أبي الضحى، عن ابن عباس" اهـ. فهذا تعليلٌ من البزار لرواية خلف، ولا شك أن أبا كدينة أقوى من خلف بن خليفة، فروايته أرجح، ولكن تبقى في الحديث علةُ اختلاط عطاء ابن السائب، غير أن الحديث يتقوى بشواهده. والله أعلمُ. ... * وفي الباب عن البراء بن عازب، رضي الله عنه: أخرجه البخاريُّ (6/ 581 و 7/ 441 فتح) والَّلفْظُ له، وابنُ أبي شيبة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (11/ 475 - 476 و 14/ 435)، والفريابى (ق 9/ 2) وقوام السنة الأصبهانى (129)، وأبو نعيم (318)، والبيهقيُّ (4/ 110) أربعتهم في "الدلائل"، وهذا أيضًا في "الاعتقاد" (275) من طريق أبي إسحق، عن البراء رضي الله عنهما أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة أو أكثر، فنزلوا على بئر فنزحوها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى البئر وقعد على شفيرها ثم قال: "ائتونى بدلوٍ من مائها" فأتى به، فبصق فدعا، ثم قال: "دعوها ساعة" فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا. وقد صرّح أبو إسحق بالتَّحديث في روايةٍ للبخارىّ. وتابعه يونس بن جبير، عن البراء بسياقٍ آخر. أخرجه أحمدُ (4/ 292، 297)، والفريابى (ق 9/ 1 - 2)، والطبرانى في "الكبير" (ج 2/ رقم 1177) من طريق سليمان بن المغيرة، ثنا حميد ابن هلالٍ، ثنا يونس بن جبير. قال الهيثميُّ في "المجمع" (8/ 300): "رجالُه رجالُ الصَّحيْح". [تنبيهٌ]: قد رأيت أنَّ أحاديث تكثير المَاءِ ببركتِهِ صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ, قد رواها غير واحدٍ من الصحابة، فيستغربُ أن يقول ابنُ بطَّال - رحمه الله -: "هذا الحديث شهده جماعةٌ كثيرةٌ من الصحابة، إلَّا أنه لم يرو إلَّا من طريق أنسٍ، وذلك لطول عمره وتطلب الناس العلو في السند" اهـ. فتعقَّبه الحافظ في "الفتح" (6/ 585) بقوله: "وهو ينادى عليه بقلة الاطلاع والاستحضار لأحاديث الكتاب الذي شرحه، وبالله التوفيق" اهـ.

77 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَأُتِىَ بِتَوْرٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَيَقُولُ «حَىَّ عَلَى الطَّهُورِ وَالْبَرَكَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». ـــــــــــــــــــــــــــــ 77 - إِسْنَادهُ صَحِيْحٌ. * سفيان: هو الثوريُّ. * إبراهيم: هو النخعيُّ. ... والحديث أخرجه أحمد (1/ 401 - 402)، وابن حبان في "صحيحه" (ج 8/ رقم 6506)، والبيهقيُّ في "دلائل النبوة" (4/ 129 - 130) من طريق عبد الرزاق، ثنا سفيان الثورى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ. وقد خولف عبد الرزاق فيه. خالفه قبيصة بنُ عقبة، فرواه عن الثورىّ، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ به. فجعل شيخ الثورىّ هو "منصور" لا: "الأعمش". أخرجه ابنُ صاعد في "حديث ابن مسعودٍ" (ج 2/ ق 9/ 1 - 2). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال: نا محمد بن عثمان بن كرامة، نا قبيصةُ، عن سفيان به. * قُلْتُ: وهذا عندي ليس بقادح, لأن الحديث محفوظٌ من رواية منصور والأعمش معًا عن إبراهيم كما يأتي قريبًا ومما يدلُّ على ذلك أن قييصة رواه عن الثوريّ عن الأعمش مثل رواية عبد الرزاق. أخرجه ابن صاعدٍ أيضًا (ق 9/ 2). فهذا يدلُّ على أن قبيصة كان يرويه على الوجهين، وهو وإن تكلَّم فيه بعض النقاد في خصوص روايته عن الثورى, فإنَّ في ذلك نظرًا كما بينته في الحديث رقم (37) من هذا الكتاب فراجعه. هذا: وقد رواه آخرون عن الأعمش، منهم: 1 - عمَّار بن رزيق، عنه: أخرجه الدَّارميُّ (1/ 22)، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (311) من طريق محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبو الجواب، عن عمار بن رزيق بسنده سواء. وهذا سندٌ صحيحٌ. 2 - أبو إسحق الهمدانى، عنه: أخرجه الإِسماعيليُّ في "معجمه" (ق 57/ 2)، والطبرانيُّ في "الصغير" (2/ 59) وأبو الشيخ في "ذكر رواية الأقران" (ق 4/ 1)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 156) والذهبيُّ في "تذكرة الحفاظ" (3/ 848) من طريق عن يحيى بن إسحق، حدثنا عبد الكبير بن دينار، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = حدثنا أبو إسحق الهمدانيُّ، حدثنا الأعمش بسنده سواء. قال الطبرانيُّ: "لم يروه عن أبي إسحق إلا عبد الكبير بنُ دينار، ولا عنه إلَّا يحيى ابن إسحق". * قُلْتُ: أمَّا يحيى بن إسحق، فهو الكاشَغُونى -بضم الغين بعدها واو ساكنة ثم نون-. قال الحافظ في "التبصير" (ص 1202): "روى عن عبد الكبير بن دينار الصائغ؛ وعنه محمد بن عبد الله بن قهزاذ، حديثُه في "معجم الطبرانيّ". وذكره ابن حبان في "الثقات" في ترجمة عبد الكبير بن دينار، ولم أقف على حاله. وعبد الكبير بن دينار، ذكره ابن حبان في "الثقات" (7/ 139). ووقع عند الدّارميِّ وغيره: " ... أن الأرض زلزت على عهد عبد الله -يعني: ابن مسعود- فأُخبر بذلك، فقال: إنَّا كنا أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم نرى الآيات بركات، وأنتم ترونها تخويفًا، بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، إذ حضرت الصلاةُ وليس معنا ماء إلا يسير ... ثم ساق الحديث بنحوه. وقد توبع الأعمش. وتابعه منصور بن المعتمر، عن إبراهيم، بسنده سواء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه البخاريُّ (6/ 587 - فتح)، والترمذيُّ (3633)، والدَّارميُّ (1/ 22)، وأحمدُ (1/ 460)، وابنُ أبي شيبة (11/ 475)، وكذا ابنُ خزيمة (ج 1 / رقم 204) والفريابى في "الدلائل" (ق 9/ 1)، وأبو يعلى في "مسنده" (ج 9 / رقم 5372)، والطبرانيُّ في "الصغير" (1/ 227)، وابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 219) وابن صاعد في "حديث ابن مسعود" (ج2 / ق 8/ 2، 9/ 1)، وأبو نعيم في "الدلائل" (312) , واللالكائى في "أصول الاعتقاد" (1479)، والبيهقيُّ في "الدلائل" (4/ 129)، وفي "الاعتقاد" (139 - 140)، وقوام السُّنة الأصبهانى في "دلائل النبوة" (رقم 5، 128) والبغوي في "شرح السنة" (13/ 290) من طرق عن إسرائيل بن يونس، عن منصور بن المعتمر. قال الطبرانيُّ: "لم يروه عن منصور، إلا إسرائيل". * قُلْتُ: وهو ثقةٌ نبيلٌ (¬1). وتابعه عمرو بن أبي قيس، عن منصور بسنده سواء، وفيه: "وجعلتُ -القائلُ: ابنُ مسعودٍ- لا آلو ما جعلت في بطنى، وعرفتُ أنها بركةٌ من الله نزلت". أخرجه ابنُ صاعد في "حديث ابن مسعودٍ" (ج 2 / ق 9/ 2) نا محمد ابن إسحق، نا محمد بن حميدٍ، نا هارون بنُ المغيرة، عن عمرو بن أبي قيسٍ به. = ¬

_ (¬1) وقد رواه عنه جماعة من أصحابه منهم: "عبيد الله بن موسى، والوليد بن القاسم بن الوليد, وأبو أحمد الزبيرى محمد بن عبد الله بن الزبير: وإسماعيل بن عمرو البجلي".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهذا سندٌ واهٍ، ومحمد بن حميد هو الرازى؛ تالفٌ مع حفظه كما تقدَّم ذكرهُ في هذا الكتاب. ومحمد بن إسحق هو الصاغانى. وخالفهما جرير بن عبد الحميد، فرواه عن منصور، عن إبراهيم، قال: بلغ عبد الله خسفًا ... فذكره. فأسقط "علقمة". أخرجه ابنُ صاعدٍ أيضًا، وقال: "رواه جرير مرسلًا" اهـ. والزيادة مع الواصل، وقد قبلها البخاريُّ وغيرهُ. قال الترمذيُّ: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". وعند الدَّارميِّ وغيره: " ... سمع عبدُ الله بخسفٍ، فقال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفًا ... ثم ساق الحديث بنحوه. وفي آخره: قال عبدُ الله: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل". ***

87 - قَالَ الأَعْمَشُ فَحَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ أَبِى الْجَعْدِ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرٍ كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ قَالَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 78 - إسْنَادهُ صَحِيْحٌ. وهو معطوف على الإِسناد السابق. وأخرجه أحمدُ (1/ 402) مثل رواية المصنف، وكذا ابن حبان (ج 8/ رقم 6506). ... والحديث أخرجه البخاريُّ (10/ 101 - فتح)، والَّلفْظُ لَهُ، ومسلمٌ (1856/ 73) والدارميُّ (1/ 22) مختصرًا، والفريابى في "الدلائل" (ق 9/ 2) وابن حبان (ج 8/ رقم 6504، 6506)، والبيهقيُّ في "الدلائل" (4/ 116 - 117) من طرق عن جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، حدثني سالم بنُ أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما هذا الحديث، قال: "قد رأيتُنى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حضرت العصر وليس معنا ماءٌ، غير فضلة، فجُعل في إناءٍ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم به، فأدخل يده فيه وفرَّج أصابعه ثم قال: "حي على أهل الوضوء. البركةُ من الله"، فلقد رأيتُ الماء يتفجَّرُ من بين أصابعه, فتوضأ الناسُ وشربوا، فجعلتُ لا آلو ما جعلتُ في بطنى منه، فعلمتُ أنه بركة. قلت لجابر: كم كنتم يومئذٍ؟ قال ألفُ وأربعمائة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد رواه عن جرير بن عبد الحميد جماعةٌ، منهم: "إسحق بن راهوية، وقتيبةُ بنُ سعيد، وعثمان بن أبي شيبة". وهذا الاختلاف في العدد سيأتي تأويلُه إنْ شاء الله تعالى. وقد توبع الأعمش. تابعه اثنان ممن وقفت عليهما: 1 - حصين بن عبد الرحمن، عن سالم، عن جابرٍ قال: "عطش الناسُ يوم الحديبية، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين يديه رَكْوةٌ، فتوضأ منها ثُمَّ أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لكم؟ " قالوا: يا رسول الله! ليس عندنا ماءٌ نتوضأُ به ولا نشربُ إلَّا ما في ركوتك. قال: فوضع النبيُّ صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون. قال: فشربنا وتوضأنا. فقلتُ لجابرٍ: كم كنتم يومئذٍ؟ قال: لو كنا مائة ألفٍ لكفانا، كنَّا خمس عشرة مائة". أخرجه البخاريُّ (6/ 581 و 7/ 441 فتح)، والَّلفْظُ لَهُ، ومسلمٌ (1856/ 73) وأبو عوانة (4/ 488 - 489) مختصرًا، وأحمدُ (3/ 329)، وابنُ أبي شيبة (14/ 444) وابن خزيمة (ج 1/ رقم 125)، والفريابي في "الدلائل" (ق 9/ 1 - 2)، وابنُ حبان (ج 8 / رقم 6507، 6508)، وأبو نعيم (313، 314)، وقوام السُّنة الأصبهاني (130)، والبيهقيُّ (4/ 115 - 116) ثلاثتهم في "الدلائل"، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (13/ 291) من طرق عن حصين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 2 - عمرو بن مرة، عن سالم بنحوه: أخرجه البخاريُّ (8/ 587 - فتح)، ومسلمٌ (1856/ 72)، وأبو عوانة (4/ 488) وأحمد (3/ 308)، والفريابى (9/ 2)، وقوام السُّنة الأصبهاني (25) كلاهما في "الدلائل"، وابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 220)، وأبو طاهر المخلص في "الفوائد" (ج 6 / ق 186/ 1)، والبيهقي في "الاعتقاد" (238)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (1104)، والحميديُّ (1225)، وابنُ سعد في "الطبقات" (2/ 98)، والطيالسيُّ (239). وأخرجه المصنِّفُ في "كتاب التفسير" (ج 2/ رقم 526) والدارميُّ (1/ 21)، وأحمدُ (3/ 353، 365) وابنُ سعد (1/ 182 - 183)، وأبو القاسم البغوىّ في "مسند ابن الجعد" (1/ 285/ 84)، واللالكائى في "أصول الاعتقاد" (1481، 1482) والبيهقيُّ في "الدلائل" (6/ 11) وفي "الاعتقاد" (272) وابنُ مندة في "التوحيد" (177)، وقوام السُّنة الأصبهانى في "الدلائل" (130) (294) من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، وحصين معًا، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ... ثم اعلم -علَّمنى الله وإياك- أن للحديث طرقًا أخرى عن جابر. 1 - أنس بن مالكٍ، عنه. أخرجه الدارميُّ (1/ 22)، وأحمدُ (3/ 343)، وأبو يعلى (ج4 / رقم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 2107)، والبيهقيُّ في "الدلائل" (6/ 12) من طرقٍ عن جعفر بن سليمان، أخبرنا الجعد أبو عثمان، عن أنس بن مالك، عن جابر بن عبد الله، قال: "شكا الناسُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا العطشَ، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِعُسٍّ. قال: وقال: "عند أحدٍ منكم ماءٌ؟ ". قال: فأُتى بميضأةٍ فصَبَّ فيه. قال: ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في العُسِّ. قال جابر: فكنتُ أنظرُ إلى العيون تنبعُ بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناسُ يستقون. * قُلْتُ: وسندهُ قوىٌّ. 2 - نُبيح العنزىّ، عنه. أخرجه الدَّارميُّ (1/ 21) والَّلفظُ لَهُ، وأحمدُ (3/ 292، 358)، وابنُ أبي شيبة (11/ 474 - 475)، والفريابى (9/ 1)، وابنُ خزيمة (1/ 56 - 57)، والبيهقيُّ في "الدلائل" (4/ 117) من طريق الأسود بن قيس، عن جابرٍ قال: غزونا أوسًا، فسرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن يومئذٍ بضعة عشر ومائتين، فحضرت الصلاةُ، فقال رسول الله صلى الله عليه رسلم: "هل في القوم من طهور؟ " فجاء رجلٌ يسعى بإداوةٍ فيها شىءٌ من ماءٍ، وليس في القوم ماءٌ غيرهُ، فصبَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في قدحٍ, ثمَّ توضأ فأحسن الوضوء، ثمَّ انصرف وترك القدح، فركب الناسُ ذلك القدح، وقالوا: تمسحوا، تمسحوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلكم" حين سمعهم يقولون ذلك، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفَّهُ في الماء والقدح وقال: "بسم الله"، ثمَّ قال: "أسبغوا الطهور"، فوالذى هو ابتلانى ببصرى، لقد رأيتُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = العيون، عيون الماء، تخرج من بين أصابعه، فلم يرفعها حتى توضئوا جميعًا". * قُلْتُ: وهذا سندٌ صحيحٌ. وهو حديثٌ طويلٌ، أخرج الحاكم بعضه (4/ 111) وصححه ووافقه الذهبيُّ. ... 3 - عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عنه. وقد ساق حديثًا طويلًا، وفيه: " ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جابر! ناد بوضوءٍ". فقُلتُ: ألا بوَضُوْءٍ؟ قال: قلت: يا رسول الله! ما وجدت في الرَّكب من قطرةٍ. وكان رجل من الأنصار يُبَرِّدُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الماء في أشجابٍ (¬1) له على حِمَارةٍ (¬2) من جريد. قال: فقال لي: "انطلقَ إلى فلان بن فلان الأنصارى فانظر هل في أشجابه من شيءٍ". قال: فانطلقتُ إليه فنظرتُ فيها فلم أجد فيها إلا قطرةً في عزلاء شجْبٍ منها لو أني أفرغهُ لشربه يابِسُهُ (¬3)!!، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسول الله! إني لم أجد فيه إلَّا قطرةً في عزلاء شجبٍ منها لو أني أُفْرِغُهُ لشربه يابِسُهُ. قال: "اذهب فائتني" فأتيتُه به، فأخذه بيده، = ¬

_ (¬1) الأشجاب جمع شَجْبٍ وهو السقاء البالي. (¬2) الحمارةُ بكسر الحاء وتخفيف الميم هى أعواد تُعلَّقُ عليها أسقيةُ الماء. (¬3) ومعناه أن الماء قليل جدًّا فلو أردت أن أفرغه لاشتفه جلدُ السقاء اليابس ولم ينزل منه شيء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فجعَل يتكلَّمُ بشيءٍ لا أدري ما هو، ويغمز بيديه، ثم أعطانيه فقال: "يا جابر! ناد بجفنةٍ" فقلتُ: يا جفنة الركب!، فأتيتُ بها تُحملُ، فوضعتُها بين يديْ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا، فبسطها، وفرَّق بين أصابعه، ثمَّ وضعها ثم قعر الجفنة، وقال: "خذْ يا جابر فصُبَّ عليَّ وقلْ بسم الله". فصببتُ عليه وقلتُ: بسم الله، فرأيتُ الماء يتفَوَّرُ من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ فارت الجفنةُ ودارت حتى امتلأت. فقال: "يا جابر! ناد من كان له حاجةٌ بماءٍ". فأتى الناس فاستقوا حتى رووا. قال: فقلتُ: هل بقى أحدٌ له حاجةٌ؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة، وهى ملأى .... ". أخرجه مسلمٌ (18/ 145 - 146 نووي) والَّلفْظُ لَهُ، وقوامُ السُّنة الأصبهاني، (37)، والبيهقي (6/ 7 - 10) كلاهما في "الدلائل" من طريق يعقوب بن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد. وقد رواه عن جابر آخرون كأبي الزبير، وعمرو بن دينار وغيرُهما. ثُمَّ اعلم أن هذه الأحاديث جرت في وقائع متعددة كما صرَّح بذلك ابنُ حبان وغيره، فصلى الله وسلم على نبينا ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون. ***

62 - باب التسمية عند الوضوء

62 - باب التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ 79 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ وَقَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَضُوءًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ». فَوَضَعَ يَدَهُ فِى الْمَاءِ وَيَقُولُ «تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ». فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. قَالَ ثَابِتٌ قُلْتُ لأَنَسٍ كَمْ تُرَاهُمْ قَالَ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 79 - إسْنَادهُ صَحِيْحٌ. ... والحديث أخرجه أحمدُ (3/ 165)، وأبو يعلى في "مسنده" (5/ 379) وابنُ خزيمة (1/ 74)، وابنُ حبان (ج8/ رقم6510)، وابنُ السُّنِّي في "عمل اليوم والليلة" (رقم 27)، وابنُ مندة في "التوحيد" (176). وابنُ عبد البر في "التمهيد" (1/ 219) والدارقطني (1/ 71)، والبيهقيُّ (1/ 43)، وقوام السُّنة الأصبهاني في "الدلائل" (293) جميعًا من طريق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عبد الرزاق وهو في "مصنفه" (ج11/ رقم 20535) عن معمر، عن ثابتٍ وقتادة، معًا، عن أنس به. [تنبيه]: هذا الحديث من زوائد المصنف على أصحاب الكتب الخمسة. ... بوَّب المصنِّفُ -رحمه الله- على هذا الحديث بقوله: "باب التسمية عند الوضوء" وكذا بوّب ابنُ خزيمة وابنُ السني، والدارقطني والبيهقيُّ. قال البيهقيُّ: "هذا أصحُّ ما ورد في التسمية". مع أنه قد ورد في هذا الباب، ما هو أصرحُ من حيثُ لفظه من حديث الباب وهو: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"، فكأنَّهُ لم يصح شيءٌ منها على شرطه، ولكن هذا الحديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده. وقد رواه جماعةٌ من الصحابة، فأنا أسوق أحاديثهم مع النظر فيها، والله المستعانُ. ... * أولًا: حديث أبي بكر الصديق، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ أبي شيبة في "المصنَّف" (1/ 3)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 7/ 2) من طريق خلف بن خليفة، عن ليث، عن حسين بن عمار، عن أبي بكر قال: "إذا توضأ العبدُ فذكر اسم الله في وضوئه، طهَّر جسده كُلَّهُ، وإذا توضأ ولم يذكر اسم الله، لم يُطِّهرْ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = إلَّا ما أصابه الماءُ". * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ موقوفٌ". وفيه ليث اين أبي سليم، وفيه مقالٌ مشهورٌ. ... * ثانيًا: حديث عليِّ بن أبي طالب، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ عديّ في "الكامل" (5/ 1883) من طريق عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جدِّه، عن علي بن أبي طالبٍ رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". قال ابنُ عديّ: "هذا الإسناد ليس بمستقيمٍ". * قُلْتُ: عيسى بن عبد الله متروكٌ كما قال الدارقطنيُّ. وقال ابنُ حبَّان في "المجروحين" (2/ 121 - 122). "يروى عن أبيه، عن آبائه أشياء موضوعةً، لا يحلُّ الاحتجاجُ به، كأنَّهُ كان يهمُ ويخطىءُ، حتى كان يجيىء بالأشياء الموضوعة على أسلافه، فبطل الاحتجاجُ بما يرويه لما وصفتُ" اهـ. ... * ثالثًا: حديثُ أبي سعيد الخُدْري، رضي الله عنه. أخرجه ابن ماجه (397) والترمذي في "العلل الكبير" (1/ 112 - 113)، وابنُ أبي شيبة (1/ 2 - 3)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (ق 7/ 2)، وأحمدُ (3/ 41)، وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 324، 424)، وابنُ السكن في "صحيحه"، والبزَّارُ -كما في "التلخيص" (1/ 73) -، وابنُ السني في "اليوم والليلة" (رقم 26)، والطبرانيُّ في "الدعاء" (ق 46/ 1 - 2)، وابنُ عديّ في "الكامل" (3/ 1034)، والدارقطنيُّ (1/ 71)، والحاكمُ (1/ 147)، والبيهقيُّ (1/ 43)، والحافظ في "نتائج الأفكار" (1/ 230) من طريق كثير بن زيد، ثنا ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". * قُلْتُ: وهذا سندٌ حسنٌ. أمَّا كثيرُ بنُ زيدٍ فقد وثقه ابنُ حبَّان، وابنُ عمار الموصليُّ. وقال أحمد وابنُ معين وابنُ عديّ: "لا بأس به". وقال أبو زرعة: "صدوقٌ، فيه لينٌ". وقال أبو حاتمٍ: "صالحٌ، ليس بالقوي، يُكتبُ حديثُهُ". وضعفه النسائيّ، وابنُ معين في روايةٍ، والطبريُّ. وخلطه ابنُ حزمٍ بـ "كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف" فلم يُصبْ. وحاصلُ البحث أنَّ كثير بن زيد أقرب إلى القوة منه إلى الضعف، وها هنا قاعدةٌ جليلةٌ في الرواة المُخْتَلَفِ فيهم، ذلك أَنَّنا نعتبرُ الجَرْحَ والتَّعْديْل فيهم، فحيث يستويان، فحديثهُ" حسنٌ في الشواهد، وإنْ غلب جانب المعدلين مع عدم تفسير الجرح، كان إلى القوة أقرب، وإنْ غلب جانب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الجارحين ضُعِّف. أمَّا رُبيح بن عبد الرحمن -بضم الراء وفتح المُوَحَّدَةِ- فوثَّقَهُ ابْنُ حبَّان. وقال ابنُ عديّ: "أرجو في أنَّه لا بأس به". وقال أبو زرعة: "شيخٌ". ذكره عنه ابنُ أبي حاتم في "الجَرْح والتعديل" (1/ 2/ 519). وقال ابنُ أبي حاتم في "كتابه" (1/ 1/ 37): "وإذا قيل في الراوى: "شيخ ما فهو بالمنزلة الثالثة، يُكتبُ حديثُهُ، ويُنظر فيه" اهـ. أمَّا قولُ أحمد: "ربيح رجلٌ ليس بالمعروف". فمن عرف حجةٌ على من لم يعرف، وقد عرفه غيره". أمَّا البخاريُّ، فقال: "منكرُ الحديث". ويغلبُ على ظني -والله أعلمُ- أن حكم البخاريّ رحمه الله تعالى له اعتبارٌ آخر، بخلاف حال رُبيح في نفسه. وقولُ أبي زرعة -رحمه الله تلخيص جيد لحال ربيح بن عبد الرحمن، وقد زعم ابن عدي -رحمه الله- أبي زيد بن الحباب قد تفرَّد بالحديث عن كثير بن زيد، وليس كذلك. بل تابعه أبو أحمد الزبيريّ، وأبو عامر العقديّ، وغيرُهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال أحمد بن حفص: "سُئل أحمد بن حنبل -يعني وهو حاضرٌ- عن التسمية في الوضوء؟ فقال: لا أعلمُ فيه حديثًا يثبت. وأقوى شيءٍ فيه حديث كثير بن زيد، عن ربيح، وربيحٌ رجلٌ ليس بالمعروف". رواه ابنُ عديّ في "الكامل" (3/ 1034 - 6/ 2087). وقال أبو بكر الأثرم أحمدُ بْنُ محمد بن هانىء. "قُلتُ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: التسميةُ في الوضوء؟ فقال: أحسنُ شيء فيه حديث رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدريّ". رواه العقيلي في "الضعفاء" (1/ 177)، والحاكمُ (1/ 147). وقال إسحق بن راهوية: "هو أصحُّ ما في الباب". وقال الحافظ في "نتائج الأفكار" (1/ 231): "حديثٌ حسنٌ". ... رابعًا: حديثُ أبي هريرة، رضي الله عنه. أخرجه أبو داود (101)، والَّلفْظُ له، والترمذيُّ في "العلل الكبير" (1/ 111)، وابنُ ماجه (399)، وأحمدُ (2/ 418)، وأبو يعلى (ج11/ رقم 6409)، وابنُ السكن في "صحيحه" -كما في "التلخيص" (1/ 72) -، والطبرانيُّ في "الدعاء" (ق 47/ 1)، وعنه الحافظ في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "النتائج" (1/ 225) والدارقطنيُّ (1/ 72، 79)، والحاكم (1/ 146)، والبيهقيُّ (1/ 43)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 409) من طريق يعقوب بن سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه". قال الحاكمُ: "صحيحُ الإسناد، فقد احتجَّ مسلمٌ بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة دينار" اهـ. * قُلْتُ: قد وهم الحاكم رحمه الله تعالى من وجهين: * الأوَّلُ: أنَّ يعقوب ليس هو ابْنَ أبي سلمة الماجشون. قال ابنُ الصلاح: "انقلب إسناده على الحاكم". وكذا قال النوويُّ في "المجموع" (1/ 344). وقال الحافظُ في "النتائج" (1/ 226): "إنَّما هو يعقوبُ بْنُ سلمة لا ابْنَ أبي سلمة، وهو شيخٌ قليلُ الحديث، ما روى عنه من الثقات سوى محمَّد بْن موسى، وأبوهُ مجهول ما روى عه سوى ابْنه" اهـ. وقال أيضًا في "التلخيص" (1/ 72): "ادعى الحاكمُ أنه الماجشون! والصوابُ أنه الَّليْثيُّ". وسبقه إلى ذلك الذهبيُّ. وقال ابْنُ دقيق العيد: "لو سُلِّم للحاكم أنه يعقوبُ بْنُ أبي سلمة الماجشون، واسمُ أبي سلمة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = دينارٌ، فيُحتاج إلى معرفة حال أبي سلمة، وليس له ذكرٌ في شىء من كتب الرجال، فلا يكون أيضًا صحيحًا". * الثاني: قال البخاريُّ في "الكبير" (2/ 2/ 76): "لا يُعرف لسلمة سماعٌ من أبي هريرة، ولا ليعقوب من أبيه" (¬1). وقال الشَّوْكانيُّ: "ليس في إسناده ما يُسقطه عن درجة الاعتبار". وللحديث طرقٌ أخرى عن أبي هريرة، رضي الله عنه. 1 - محمَّد بنُ سيرين، عنه مرفوعًا: "يا أبا هريرة! إذا توضأت فقل: بسم الله، والحمد لله، فإنَّ حفظتك لا تستريحُ، تكتُبُ لك الحسنات حتى تُحدث من ذلك الوضوء". أخرجه الطبرانيُّ في "الصغير" (1/ 73) من طريق عمرو بن أبي سلمة، حدثنا إبراهيم بن محمد البصريُّ، عن علي بن ثابت، عن محمد بن سيرين به. وقال: "لم يروه عن عليّ بن ثابت، (أخو) (¬2) عزرة بن ثابت، إلَّا إبراهيم ابن محمد البصري، تفرد به عمرو بن أبي سلمة". قال الحافظُ الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 220): "إسنادهُ حسنٌ"!! وكذا قال العيني في "شرح الهداية" -كما في "رد المحتار" (1/ 113). = ¬

_ (¬1) وذكره عنه الترمذيُّ في "العلل الكبير". (¬2) وقع في "المعجم": " ... علي بن ثابت أخو ابن أخي عزرة" وهو خطأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وهو عجبٌ! وإبراهيم هو ابنُ محمد بن ثابت الأنصاريُّ المترجم في "اللِّسان" (1/ 98) وثقه ابنُ حبان. وقال ابنُ عديّ في "الكامل" (1/ 260، 261): "روى عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره مناكير" ثمَّ قال: "وأحاديثه صالحةٌ محتملة، ولعلَّهُ أُتي ممن قد رواه عنه". * قُلْتُ: وهذا الترجي من ابن عديّ -رحمه الله- فيه نظرٌ، فإنه ساق له أحاديث، الراوي عنه فيها هو أبو مصعب الزهريّ، وعمرو بن أبي سلمة وكلاهما ثقةٌ، فلا تكون المناكير إلَّا من إبراهيم. وقد أشار الحافظ في "اللِّسان" في ترجمة إبراهيم هذا إلى هذا الحديث ثُمَّ قال: "وهو منكرٌ". وقال في "النتائج" (1/ 228): "عليُّ بنُ ثابت مجهولٌ، والراوى عنه ضعيفٌ". وقد أوردهُ ابنُ الجوزيّ في "الموضوعات" (3/ 185 - 186) من طريق عمرو بن أبي سلمة به، مع طريق أخرى، ثم قال: "هذا حديثٌ ليس له أصلٌ، وفي إسناده جماعةٌ مجاهيلُ لا يعرفون أصلًا". 2 - أبو سلمة، عنه. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 71)، والبيهقيُّ (1/ 44)، والحافظ في "النتائج" (1/ 226) من طريق محمود بن محمد أبو يزيد الظفريّ، ثنا أيوب بن النجار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا. "ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه، وما صلى من لم يتوضأ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = قال الحافظ في "النتائج": "هذا حديثٌ غريبٌ، تفرَّد به الظفريُّ، ورواتُه من أيوب فصاعدًا مخرجٌ لهم في "الصحيح"، لكن قال الدارقطنيّ في الظفريّ، ليس بقويٍّ، وقال يحيى بن معين: سمعتُ أيوب بن النجار يقولُ: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير سوى حديثٍ واحدٍ، وهو حديثُ: "احتجَّ آدمُ وموسى"، فعلى هذا يكون في السند انقطاعٌ، إنْ لم يكن الظفريُّ دخل عليه إسنادٌ في إسنادٍ" اهـ. وسبق البيهقيُّ إلى حكاية هذا عن ابن معين. 3 - مجاهد، عنه. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 74)، ومن طريقه البيهقي (1/ 45)، والحافظ في "النتائج" (1/ 227) من طريق مرداس بن محمد، ثنا محمد بن أبان، ثنا أيوب بن عائذ، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من توضأ فذكر اسم الله تطهر جسدُهُ كلُّهُ، ومن توضأ فلم يذكر اسم الله لم يطهر سوى موضع الوضوء". قال الحافظ: "هذا حديثٌ غريبٌ، تفرَّد به مرداسُ بنُ محمدٍ، وهو من ولد أبي موسى الأشعريّ، ضعّفه جماعةٌ، وذكره ابنُ حبان في "الثقات" وقال: يغرب وينفرد، وبقيةُ رجاله ثقات" اهـ. فمثله يصلحُ للاعتبار. والله أعلمُ. ***

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = خامسًا: حديث سعيد بن زيد، رضي الله عنه. وقد اختُلف فيه على ألوانٍ، مع زيادةٍ في متنه. * الأوَّلُ: يرويه عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال المُرِّيِّ، عن رباح بن عبد الرحمن، عن جدته، عن أبيها سعيد بن زيد، مرفوعًا. "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". وقد رواه عن عبد الرحمن بن حرملة جماعةٌ على هذا الوجه، منهم: 1 - بشر بنُ المفضل. أخرجه الترمذيُّ في "سننه" (25)، وفي "العلل الكبير" (1/ 109 - 110)، والدارقطنيُّ في "سننه" (1/ 73)، وفي "المؤتلف والمختلف" (2/ 1029)، والطبرانيُّ في "الدعاء" (ق 45/ 2 - 46/ 1). 2 - وهيب بن خالد. أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 3)، وأحمدُ (6/ 382) والهيثم بن كليب في "مسنده" (ق 31/ 1) وابنُ المنذر في "الأوسط" (ج1/ رقم 344)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (1/ 177)، والطبراني في "الدعاء" (ق 46/ 1)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 26 - 27)، والدارقطنيُّ (1/ 73)، والبيهقيُّ (1/ 43). 3 - ابنُ أبي فديك. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 72 - 73)، وفي "المؤتلف" (2/ 1029)، والبيهقيُّ (1/ 43). 4 - يعقوب بن عبد الرحمن. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 73). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 5 - يزيدُ بْنُ عياض. أخرجه ابنُ ماجة (398)، وأحمدُ (4/ 70)، وابنُ شاهين في "الترغيب" (ق18/ 1)، والطبراني في "الدعاء" (ق45/ 1). 6 - سليمانُ بنُ بلال. أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 7/ 2)، والطحاويُّ (1/ 27)، والحاكمُ (4/ 60). 7 - الحسنُ بْنُ أبي جعفر. أخرجه الطيالسيُّ (242، 243) قال: حدثنا الحسنُ بنُ أبي جعفر المدني، عن أبي ثفال، عن أبي حويطب بن عبد العزى، عن جدَّته، عن أبيها مرفوعًا فذكره. كذا رواه الطيالسي. وخالفه أبو أمية خلَّاد بن قرة السدوسيُّ، عن الحسن بن أبي جعفر، عن أبي ثفال، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله عبدٌ لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي عبدٌ لا يحبُّ الأنصار". فجعل الحديث من "مسند أبي هريرة". أخرجه أبو الشيخ في "الطبقات" (1/ 98 - 99)، وأبو نُعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 306) من طريق محمد بن عامر بن إبراهيم، ثنا أبي، ثنا أبو أمية خلادُ بْنُ قرة به والطيالسيُّ أوثق من خلَّاد بن قرة، بل هذا لا يُعرف من حاله ما يوجبُ الركون إلى خبره، ولكن الشأنُ في الحسن ابن أبي جعفر، فإنه ضعيفٌ. والله أعلمُ. وخالفهم جماعةٌ، وهو: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * الَّلوْنُ الثَّاني: فرووه عن عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن، عن جدَّته، عن النبي صلى الله عليه وسلم به. فلم يذكروا: "سعيد بن زيد". قاله حفص بن ميسرة، وأبو معشر، وإسحق بن حازم ذكر ذلك الحافظ في "التلخيص" (1/ 74) نقلًا عن الدارقطنيّ. * قُلْتُ: الذي وقفتُ عليه من حديث حفص بن ميسرة وأبي معشر أنه ذكر "سعيد بن زيد" في روايته، فوافق بشر بن المفضل ومن معه. أخرجه أحمدُ (4/ 70 و 5/ 381 - 382 و 6/ 382)، والطبرانيُّ في "الدعاء" (ق 46/ 1)، وابنُ الجوزيّ في "الواهيات" (1/ 336 - 337) من طريق الهيثم بن خارجة، ثنا حفص بن ميسرة، عن ابن حرملة، عن أبي ثفال المريّ، عن رباح بن عبد الرحمن، عن جدَّته، عن أبيها به. وأمَّا ما أشار إليه الدارقطنيّ -رحمه الله تعالى- من مخالفة حفص بن ميسرة فلم أقف عليها حتى ننظر في حال الراوى عن حفصٍ، فإنْ كان أوثق من خارجة بن الهيثم، ترجحت عليه روايتُه، وإلَّا فالعكسُ. وإنْ تساووا الحفظ، فكون حفصٌ رواه على الوجهين. والله أعلمُ. ثُمَّ وقفتُ على "علل الدارقطنيّ" (ج1/ق 130/ 2) فرأيتُهُ رواه من طريق سويد بن سعيد، عن حفص بن ميسرة به، ولم يذكر "سعيد بن زيد". والهيثم بنُ خارجة أوثقُ من سويد بن سعيد؛ لأنَّ هذا تكلَّم فيه أحمدُ، وابنُ معين، وأبو حاتم، وغيرهُم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * وأما رواية أبي معشر: فأخرجها الطبرانيُّ في "الدعاء" (ق 46/ 1) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدَّثنى محمد بن أبي بكر المقدميّ، ثنا أبو معشر البراء، ثنا ابن حرملة، أنه سمع أبا ثفال، يقول: سمعتُ رباح -أو رياح: شك المقدميُّ- ابن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، يقول: حدثتني جدتي، أنها سمعت أباها يقولُ: سمعت، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار". * قُلْتُ: هكذا روى أبو معشر، فوافق بشر بن المفضل في ذكره "سعيد بن زيد". ولكن اختُلف في سنده. فأخرجه أحمد (6/ 382) قال: حدثنا يونسُ، ثنا أبو معشر، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال المريّ، عن رباح بن عبد الرحمن بن حويطب، عن جدَّته، مرفوعًا فذكرته بمثله مع تقديم وتأخيرٍ. فسقط ذكرُ "سعيد بن زيد". * قُلْتُ: ويظهر أنَّ هذا الاختلاف من أبي معشر، واسمه يوسف بن يزيد، وذلك لثقة من روى عنه. أما يوسف، فقد ضعّفه ابنُ معين. وقال أبو داود: "ليس بذاك". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال أبو حاتم: "يُكتبُ حديثُهُ". ووثقه محمد بن أبي بكر المقدميّ، وابنُ حبَّان. * وأمَّا روايةُ إسحقَ بْنِ حازمٍ. فقال ابنُ أبي حاتم في "العلل" (ج 2/ رقم 2589): "سألتُ أبي عن حديثٍ رواه أسدُ بنُ موسى، قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن إسحق بن حازم -أو خازم، شكَّ أسدٌ-، قال: أخبرني عبد الرحمن بْنُ حرملة الأسلميُّ، عن ثفال بن أبي ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن بن شيبان، عن أمِّه بنت زيد بن نفيل، قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لم يُحبب الله من لم يحببني، ولم يحبني من لم يحب الأنصار، ولا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". قال أبي: هذا خطأ في مواضعَ. والصحيحُ: عبدُ الرحمن بْنُ حرملة، عن أبي ثفال المريِّ، عن رباح بن عبد الرحمن بن حويطب، عن جدَّته، عن أبيها سعيد بن زيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -" اهـ. * قُلْتُ: وسعيدُ بْنُ سالم القدَّاحُ وثقه ابنُ معين، ورضيه آخرون ولكن تكلَّم فيه ابنُ حبان، وضعّفه الساجي وعثمان الدارميّ. وقال العجليُّ: "ليس بحجةٍ". فهولاء الثلاثة متكلَّمٌ فيهم، ومخالفَتُهم للثقات المتقدمين مرجوحةٌ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * الَّلوْنُ الثّالثُ: أنَّ الدراورديُّ، عبدَ العزيز بْنَ محمدٍ، رواه عن أبي ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن، عن ابن ثوبان، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا. هكذا ذكر الدارقطنيُّ في "العلل" -كما في "التلخيص" (1/ 74) -. فاختلف الدراوردىّ مع عبد الرحمن بن حرملة في إسناده. ولكن اختُلف على الدراوردىّ فيه. فأخرجه الطبراني في "الدعاء" (ق 46/ 1) من طريقين عن الدراورديّ، عن أبي ثفال المرىّ، قال: سمعتُ رباح بن عبد الرحمن بن حويطب، يُحدثُ عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". * قُلْتُ: فلو كان ذكرُ "أبي هريرة" محفوظًا، لكان اختلافًا قادحًا في رواية الدراورديّ، ولكن الشأن فيمن روى عن الدراورديّ الرواية المرسلة. ثُمَّ رأيتُ الحديث في "شرح معانى الآثار" (1/ 27) للطحاويّ، فرواه من طريق محمد بن سعيد، قال: أنا الدراورديّ، عن ابن حرملة، عن أبي ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن العامريّ، عن ابن ثوبان، عن أبي هريرة مرفوعًا به. فلا أدرى، هل هذا من خطأ النسخة، أم هو اختلافٌ آخر على الدراوردىّ؟ ذلك أنَّ شيخ الدراورديّ في سند الطحاويّ، هو عبد الرحمن ابن حرملة، بينما شيخُه عند الطبراني هو "أبو ثفال المريّ". فالله أعلمُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = بحقيقة الحال. * الَّلوْنُ الرَّابِعُ: رواه حمَّادُ بْنُ سلمة، عن صدقة مولى آل الزبير، عن أبي ثفال، عن أبي بكر بْنِ حويطب (¬1) مرسلًا عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم. أخرجه الدُّولابيُّ في "الكُنى" (1/ 120). وذكره البيهقيُّ (1/ 44) عن الترمذيّ وهو في "العلل الكبير" (1/ 111)، قال: "هو حديثٌ مرسلٌ". وصدقةُ مولى آل الزبير جَهَّلَهُ الدَّارقطنيُّ، كما نقله ابنُ الجوزى في "الواهيات" (1/ 338). * قلْتُ: والراجحُ من هذا الاختلاف هو الوجهُ الأوَّلُ، الذي رواه بشر بن المفضل، ووهيب ومن معهما كما قال الدَّارقطنيُّ رحمه الله. وإذ قد رجحنا الوجه الأول، فلننظر فيه .. قال الترمذىّ في "العلل" (1/ 112): "سمعتُ إسحق بن منصورٍ، يقولُ: سمعتُ أحمد بن حنبلٍ، يقولُ: لا أعلمُ في هذا الباب حديثًا له إسنادٌ جيِّدٌ". وقال البخاريُّ: "أحسنُ شيءٍ في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرَّحمن". = ¬

_ (¬1) هو رباح بن عبد الرحمن كما صرّح بذلك الترمذي في "العلل" قال: "ينسبُ إلي جدِّه".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال العقيليُّ: "الأسانيد في هذا الباب فيها لينٌ". وقال ابنُ أبي حاتم في "العلل" (ج1/ رقم 129). "سمعتُ أبي وأبا زرعة، وذكرتُ لهما حديثًا رواه عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال ... فذكره. فقالا: ليس عندنا بذاك الصحيح. أبو ثفال مجهولٌ، ورباح مجهولٌ". وقال البيهقيُّ: "أبو ثفال، ليس بالمعروف جدًّا". * قُلْتُ: أمَّا أبو ثفال (¬1)، فقد قال البخارىّ: "في حديثه نظرٌ". قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 74): "وهذه عادته فيمن يضعِّفُهُ". وقد فرَّق الشيخُ العلامةُ -ذهبيُّ العصر- المُعلمى اليمانيُّ رحمه الله بين قول البخاريّ: "فيه نظرٌ" وبين: "في حديثه نظرٌ". فقال رحمه الله تعالى في "التنكيل" (1/ 205): "فقولُه: "فيه نظرٌ" يقتضي الطعن في صدقه، وقولُه: "في حديثه نظرٌ" تُشعر بأنَّهُ صالحٌ في نفسه، وإنما الخلل في حديثه لغفلةٍ أو لسوء حفظٍ". ¬

_ (¬1) قال الترمذي: في "العلل الكبير": قلت له -يعني للبخاري-: أبو ثفال المرى ما اسمه؟ فلم يعرف اسمه. وسألت الحسن بن عليّ الخلَّال فقال: اسمه ثمامة بن وائل ابن حصين" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: وقولُ الشيخ رحمه الله في تفسير قول البخارىّ "فيه نظر" بأنَّ ذلك يقتضي الطعن في صدقه، فيه نظرٌ، فقد قال البخارىّ في "عبد الرحمن بن هانئ النخعى" -كما في "التهذيب" (6/ 290) -: "فيه نظرٌ، وهو في الأصل صدوقٌ"، فهذا يُبين أنَّ المقتضى لا يدوم، إنما يُقال: إنَّ هذه العبارة تحتمل الطعن في صدقه، إلَّا أنْ يُقال: مَنْ قال فيه البخاريُّ هذه العبارة مطلقة، فالأصلُ أنها لا تشمل صدقه، إلا أن يردفها بالقرينة التي تُقيِّدُ هذا الإطلاق كما في المثال الذي ذكرتُه، وفيه بعْدٌ عندي، فهذا يحتاجُ إلى نَصٍّ من الإِمام، أو استقراءٍ تتابع عليه جماعةٌ حتى يوثق بفهمهم، مع أننا وجدنا أنَّ البخاريّ أطلق هذه العبارة في جماعةٍ ثقات، لا يشك أحدٌ في صدقهم مثل راشد بن داوث الصنعاني، وسليمان ابن داود الخولاني، وعبد الرحمن بن سليمان الرُّعينى وغيرهم. والصوابُ: ألَّا يُطَّرد هذا الفهم. وأيضًا: فتفسير الشيخ اليماني رحمه الله لقول البخارىّ: "في حديثه نظرٌ" تفسيرٌ حسنٌ رائقٌ، ويضافُ إليه أنَّ البخارىّ قد يقولُ هذه العبارة، ولا يقصدُ بها الراوى أصلًا، وإنما يقصدُ أنَّ حديثه لا يصحُّ، وتكونُ الآفةُ ممن دونه، والله تعالى أعلمُ. وأبو ثفال هذا، ذكره ابنُ حبان في "الثقات"، إلا أَنَّهُ قال: "ليس بالمعتمد على ما تفرَّد به". قال الحافظُ: "فكأنَّما لم يوثِقْهُ". وأمَّا قول البزار: "أبو ثفال مشهور" فيقصد به نفى جهالة العين، لا الحال، وقد قال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عقب الخبر: "رباح وجدُّتُهُ لا نعلمهما رويا إلا هذا الحديث, ولا حدَّث عن رباح إلَّا أبو ثفال، فالخبرُ من جهة النقل لا يثبتُ" اهـ. فهذا بخصوص أبي ثفال. أمَّا رباح، فمجهولٌ كما قال أبو حاتم وأبو زرعة. والله أعلمُ. وفي "نصب الراية" (1/ 4): "وأعلَّهُ ابنُ القطان في "كتاب الوهم والإيهام" وقال: فيه ثلاثةٌ مجاهيلُ الأحوال: جدَّةُ رباحٍ , لا يُعرف لها اسمٌ ولا حالٌ، ولا تُعرف بغير هذا. ورباحٌ أيضًا مجهولُ الحالِ، وأبو ثفال مجهولُ الحال أيضًا مع أنه أشهرهم لرواية جماعةٍ عنه، منهم الدراورديُّ" اهـ. وتعقَّبه الحافظُ في "التلخيص" (1/ 74) فيما يتعلَّقُ بـ "جدَّةَ رباحٍ" فقال: "كذا قال! فأمَّا هي فقد عُرف اسمها من رواية الحاكم، ورواه البيهقي أيضًا مصرِّحًا باسمها. وأمَّا حالُها فقد ذُكرتْ في "الصحابة"، وإنْ لم يثبُت لها صحبةٌ، فمثلها لا يُسأل عن حالها" اهـ. وبعد هذا التحقيق يُعلم ما في قول الشيخ أبي الأشبال أحمد شاكر رحمه الله، إذ قال في "شرح الترمذيّ" (1/ 38): "إسناده جيِّدٌ حسنٌ"! أمَّا ابنُ القطان، فقال: "الحديثُ ضعيفٌ جدًّا"! * قُلْتُ: كذا قال! وهو ضعيفٌ فقط، ويصلح في الشواهد والمتابعات، ولا يضرُّ الاختلاف في سنده مع ظهور وجه الترجيح، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد تحقق هنا. والله أعلمُ. قال الحافظ في "النتائج" (1/ 230): "لم يبق في رجال الإسناد من يتوقفُ فيه سوى رباح، وقد تقدَّم النقل عن البخاريّ أن حديثه هو أحسن حديث في الباب" اهـ. ... * سادسًا: حديثُ أنسٍ، رضي الله عنه. قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 75): "رواه عبد الملك بنُ حبيب الأندلسيُّ، عن أسد بن موسى، عن حماد ابن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، مرفوعًا: "لا إيمان لمن لم يؤمن بي، ولا صلاة إلا بوضوءٍ، ولا وضوء لمن لم يُسم الله". * قُلْتُ: ورجاله ثقات إلا عبد الملك، فهو شديدُ الضعْفِ. والله أعلمُ. ... * سابعًا: حديثُ سهل بن سعد, رضي الله عنه. أخرجه ابنُ ماجة (400) وابنُ أبي عاصم -كما في "نكت الأذكار" للسيوطى (4/ 1 - 2) -، والدارقطنيُّ (1/ 355) مقتصرًا على الفقرة الثالثة منه، والحاكمُ (1/ 269) والطبراني في "الكبير" (ج 6/رقم 5698)، والبيهقيُّ (2/ 379) من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعديّ، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم يُصلِّ على النبيِّ، ولا صلاة لمن لا يحبّ الأنصار". * قُلْتُ: وهذا خبرٌ منكرٌ، وسنده ضعيفٌ جدًّا. وعلَّتُهُ عبدُ المهيمن هذا، فإنه متروكٌ. قال الحاكم: "لم يخرج هذا الحديث على شرطهما, لأنهم لم يُخرجا عبد المهيمن". وقال الذهبيُّ: "عبدُ المهمين واهٍ". وقال الدارقطنيُّ عقبه: "عبد المهيمن ليس بالقوىّ". ولكنه لم يتفرَّدْ بمحل الشاهد. فتابعه أخوه أُبيُّ بن العباس، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا بالفقرتين الأوليين دون الأخيرتين. أخرجه الطبرانيُّ في "الكيير" (ج 6 / رقم 5699)، وفي "الدعاء" (ق 46/ 2)، ومن طريقه الحافظ في "النتائج" (1/ 234). ولم يتكلم عليه المُناوى بشىءٍ في "الفيض" (6/ 440). وقال الشوكاني في "النَّيل" (1/ 160): "أُبيُّ مُختلفٌ فيه". وقال الحافظ عقب تخريجه له: "عبد المهيمن ضعيفٌ، وأخوهُ أُبيٌّ الذي سُقْتُه من روايته أقوى منه". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: ولا يُفهم من قول الحافظ هذا، أنه يقوى أُبيَّ بن العباس إنما ساق مقالته مساق المقارنة، إذ الراجحُ في "أُبي" أنه ضعيفٌ، وأخوه "عبد المهيمن" أنه متروكٌ، فالضعيفُ أقوى من المتروك بلا ريبٍ. وقد أقمتُ الدلائل على ذلك في "كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء". فراجعه إن شئت. (ص29 - 32). ... * ثامنًا: حديثُ عائشة، رضي الله عنها. أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 3)، وإسحق بن راهويه في "مسنده"، وكذا أبو يعلى (119 - زرائده)، والبزار (ج / 1 رقم 261)، والطبرانيُّ في "الدعاء" (ق 46/ 2)، وابنُ عدىّ في "الكامل" (2/ 616)، والدارقطنيُّ (1/ 72) من طريق حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقومُ إلى الوضوء، فيسمي الله حتى يكفى الإناء على يديه، ثمَّ يتوضًا فيسبغ الوضوء". وهو عند بعضهم مختصرٌ. * قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ. وحارثة هو ابن عبد الرحمن، كان أحمد يُضعِّفهُ ولا يعتدُّ به. وقال البخاريُّ وأبو حاتمٍ: "منكر الحديث". زاد أبو حاتم: "ضعيفُ الحديث". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وتركه النسائيُّ. وكان الإِمام أحمد - رحمه الله - ينتقد على إسحق بن راهويه أنه أخرج هذا الحديث في "مسنده". قال الحربيُّ: "قال أحمد: هذا يزعمُ أنه اختار أصحَّ شىءٍ في الباب، وهذا أضعفُ حديثٍ فيه"!!. وقال ابن عدىّ: "بلغني عن أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه نظر في "جامع إسحق بن راهويه"، فإذا أولُّ حديثٍ أخرجه في "جامعه" هذا الحديث، فأنكره جدًّا وقال: أولُ حديثٍ في "الجامع" يكونُ عن حارثة"؟!!. ... * تاسعًا: حديثُ أبي سَبْرة، رضي الله عنه. أخرجه الدُّولابيُّ في "الكُنى" (1/ 36) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثانى" (ج 1/ ق 92/ 2)، وأبو القاسم البغويُّ في "الصحابة" -كما في "النتائج" وابن قانع -كما في "تجريد الصحابة" للذهبي-، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج 22 / رقم 755) وفي "الأوسط" (ج 2 / رقم 1119)، وفي "الدعاء" (ق 46/ 2)، وعنه الحافظ في "النتائج" (1/ 236) من طريق يحيى بن عبد الله نا عيسى بن سبرة، عن أبيه، عن جدِّه، قال: صعد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله عزَّ وجلَّ وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناسُ! لا صلاة إلَّا بوضوءٍ، ولا وضوء لمن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لم يذكر اسم الله عليه، ولم يؤمن بالله من لم يؤمن بي، ولم يؤمن بي من لم يعرف حقَّ الأنصار". وعزاه الحافظ في "الإصابة" (2/ 146) إلى "ابن مندة" في "المعرفة"، وابن السكن، وسمّويه في "فوائد"، وأبي نعيم في "المعرفة". قال الطبرانيُّ: "لا يروى هذا الحديث عن أبي سبرة إلَّا بهذا الإسناد". وقال الحافظُ في "الإِصابة" (8/ 237): "وأخرجه أبو موسى في "المعرفة" وقال: في إسناد حديثه نظرٌ". * قُلْت: أمَّا عيسى بن سبرة، فقال فيه أبو القاسم البغويُّ: "منكر الحديث". ذكره الحافظ في "النتائج". وأبوه: مجهول الحال. وقال الهيثمي (1/ 228): "عيسى بن سبرة، وأبوه، وعيسى بن يزيد لم أر من ذكر أحدًا منهم". وقال أيضًا في نفس الصفحة: "ويحيى بن أبي يزيد بن عبد الله لم أر من ترجمه" ويحيى بن عبد الله من رجال التهذيب (11/ 242). وفيما تقدَّم استدراك على بعض ما قال. وضعّفه الشوكاني في "النَّيْل" (1/ 160).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الحافظ في "النتائج": "حديثٌ غريبٌ". وقال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" (2/ 170): "هُوَ حديثٌ مُنْكرٌ". ... * عاشرًا: حديثُ ابْنِ مسعودٍ، رضي الله عنه. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 73 - 74)، والبيهقيُّ (1/ 44) وابنُ عديّ (7/ 2707)، وابنُ جُميع في "معجمه" (291 - 292)، وابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (39/ 2) في ترجمة "ابن مسعود" من طريق أبي بكر الشافعي، وهو في "الغيلانيات" (ج 5/ ق 68/ 1) عن يحيى بن هاشم (¬1)، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعودٍ مرفوعًا: "إذا تطهر أحدكم، فليذكر اسم الله، فإنه يُطهِّرُ جسده كُلَّهُ، وإنْ لم يذكر اسم الله في طهوره، لم يطهر منه إلَّا ما مرَّ عليه الماءُ. فإذا فرغ من طهوره فليشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، فإن قال ذلك فُتحت له أبوابُ السماء". قال الدَّارقطنيُّ: "يحيى بنُ هاشم ضعيفٌ". وقال البيهقيُّ: = ¬

_ (¬1) وقع في "معجم ابن جُميع": "يحيى بن هشام" وهو غلطٌ، وأشار المحقِّقُ إلى أن "هاشم" كتبت في الحاشية، ومع هذا فقد أثبت الخطأ في المتن. فالله المستعان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "هذا ضعيفٌ، لا أعلمهُ" رواه عن الأعمش غير يحيى بن هاشم، ويحيى ابنُ هاشمٍ متروكُ الحديث". وقال بنحو ذلك الحافظ في "النتائج"، و "التلخيص" (1/ 75). وقد ذكر الحافظُ في "النتائج" (1/ 255) أنَّ يحيى بن هاشم لم يتفرَّدْ به، قال متعقبًا البيهقىَّ: "قلتُ: بل تابعه محمد بن جابر اليمامى، عن الأعمش. أخرجه أبو الشيخ في "كتاب الثواب" من طريقه، مقتصرًا على أواخره. ومحمد ابن جابر أصلحُ حالًا من يحيى بن هاشم، والله أعلمُ" اهـ. * قُلْتُ: ليس فيه محلُّ الشاهد، فلا يقويه. والله أعلمُ. ... * حادي عشر: حديثُ ابْنِ عمر، رضي الله عنهما. أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 74 - 75)، والبيهقيُّ (1/ 44) من طريق عبد الله بن حكيم، أبي بكر الداهريّ، عن عاصم بن محمدٍ، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: "من توضأ فذكر اسم الله عليه، كان طهورًا لجسده، ومن توضأ فلم يذكر اسم الله عليه لم يُطهِّرْ إلا مواضع الوضوء منه". قال البيهقيُّ: "وهذا أيضًا ضعيفٌ، أبو بكر الداهريُّ غيرُ ثقةٍ عند أهل العلم بالحديث". وقال الحافظ في "النتائج" (1/ 237): "تفرَّد به أبو بكر الداهريُّ، واسمه عبدُ الله بْنُ حكيم، وهو متروكُ الحديث". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * ثاني عشر: حديثُ البراء بْنِ عازبٍ، رضي الله عنه. أخرجه المستغفريُّ في "كتاب الدعوات" -كما في "كنز العمال" (9/ 299) مرفوعًا: "ما من عبدٍ يقول حين يتوضأ: بسم الله، ثُمَّ يقول لكلِّ عُضْو: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك لَهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسولُهُ، ثُمَّ يقولُ حين يفرغُ: اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين، إلا فُتحت له ثمانيةُ أبواب الجنة، يدخلُ من أيِّها شاء، فإن قام من فوره ذلك فصلى ركعتين يقرأ فيهما، ويعلمُ ما يقول، انفتل من صلاته كيوم ولدتُه أمُّه، ثُمَّ يقالُ له: استأنف العمل". قال المستغفريُّ: "حسنٌ غريبٌ". * قُلْتُ: لم أقف على سنده، وإني لأستبعد صحته جدًّا، بل فيه نكارةٌ، فلم يصح حديثٌ فيما يقوله المتوضيء على أعضائه. فقد قال النوويُّ في "شرح المهذب" (1/ 465): "لا أصل له ولا ذكره المتقدمون" وقال في "الأذكار" (ص- 24): "وأمَّا الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجىء فيه شىء عن النبي صلى الله عليه وسلم" (¬1). = ¬

_ (¬1) ومن الغريب أن يقول النووي، رحمه الله عقب هذا: "وقد قال الفقهاء: يستحبُّ فيه دعواتٌ جاءت عن السلف ... " ثم سرد بعضها. وكان اللائق به - رحمه الله - أن يقول في هذا الموضع وفي مثله ما قاله في "المجموع" (1/ 464) في بحث مسح العنق، فذكر أقوالًا منها استحبابه، ثم قال: "القول الرابع: لا يُسنُّ ولا يستحبُّ، وهذا الرابعُ هو الصوابُ ... ولم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت في "صحيح مسلم" وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "شر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" وفي روايةٍ لمسلم "من عمل عملًا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال ذلك أيضًا في "الروضة" (1/ 62). وقال ابنُ القيم في "المنار" (ص- 120): "أحاديثُ الذِّكْرِ على أعضاء الوضوء كلُّها باطلةٌ، ليس فيها شىءٌ يصحُّ" (¬1). وكذا قال في "زاد المعاد" (1/ 195) ويأتي لفظه قريبًا. ثُمَّ رأيتُ في "إتحاف السادة" (2/ 368) للزبيدى أنَّ المستغفرى رواه من طريق سالم بن أبي الجعد، عن البراء، وهذه آفة اختصار السند، فإن = ¬

_ = ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ" اهـ. والملاحظ أن كثيرًا من الفقهاء لا يجرى في بعض ما يقرره على الأصول، فإن الاستحباب أحد الأحكام الشرعية الخمسة، ولا يثبت إلا بدليلٍ، فأين الدليل في مسألتنا هذه؟ ومثله قول النووي في "الأذكار" (ص - 23): "قال بعض أصحابنا وهو الشيخ أبو الفتح نصر المقدسيُّ الزاهدُ: يستحب أن يقول في ابتداء وضوئه بعد التسمية: أشهد أن لا إله إلا الله ... إلخ وهذا الذي قاله لا بأس به، إلَّا أنه لا أصل له من جهة السنة ... " اهـ فتأمَّلْ -يرحمك الله- كيف أنه صرَّح أنه لا أصل له عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك قال: لا بأس به، وكان الصوابُ أن يفتى بعدم جوازه. فالله المستعان. [تنبيه] تعقب الحافظُ النووىَّ في قوله: "إلا أنه لا أصل له من جهة السنة" فقال في "النتائج" 1/ 247 بعد أن ذكر حديث البراء: "وفيه تعقب على المصنف في قوله الذي قبل هذا أن التشهد بعد التسمية لم يرد" اهـ. * قُلْتُ: لم يقل النوويُّ: "لم يرد"، ولكن قال: "لا أصل له من جهة السُّنة" يعني الصحيحة, وحتى لو قال ما ذكره الحافظ فلا يُحمل إلَّا على الورود الصحيح، لأن مجرد الورود لا يعتبر إلَّا من الثبوت، وإلَّا فورود الحديث عن غير الثقات هو والعدم سواء. والله الموفق. (¬1) وانظر "التلخيص الحبير" (1/ 100) للحافظ ابن حجرٍ رحمه الله تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الناظر إلى هذا القدر من السند يجزم بصحته، والعلة غالبًا تكون فيمن دون من بدأ النقل به. وتبين لي -فيما بعدُ- أن الزبيدى نقل هذا من الحافظ ابن حجر. فإنه قال في "نتائج الأفكار" (1/ 246): "أخرجه جعفر المستغفرى الحافظ في "كتاب الدعوات" من طريق سالم بن أبي الجعد، عن البراء ... فذكره ثمَّ قال: هذا حديثٌ غريبٌ". وقد رأيتُ في المجلس "الثامن والأربعين" من "النتائج" رواية للطبرانى في "الأوسط" من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان مرفوعًا: "من توضأ فأحسن الوضوء ثمَّ قال عند فراغه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم اجعلنى من التوابين ... الحديث". ولم يذكر التسمية. ثم قال الحافظُ: "سالم لم يسمع من ثوبان، والراوى له عن الأعمش ليس بالمشهور". * قُلْتُ: فكأن هذا من الاختلاف على سالم بن أبي الجعد في إسناده والله أعلمُ. ولعل تحسين المستغفرىّ له يكون لجملته بقطع النظر عن خصوص ألفاظه. والله المستعان. * قُلْتُ: فالحاصلُ أن الحديث حسنٌ على أقلِّ أحواله، صحيحٌ على الراجح بمجموع شواهده، وأقصدُ بها حديثَ أبي سعيد الخُدْرى، وبعض الطرق من حديث أبي هريرة، وسعيد بن زيد، وسهل بن سعد. وما عدا ذلك فضعْفُهُ لا يُحتمل. وقد قوى الحديث جماعة من أهل العلم، منهم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 1 - إسحق بن راهويه، قال: "أصحُّ شىءٍ فيه حديث كثير بن زيد". 2 - البخاريُّ، قال: "حديثُ سعيد بن زيد أحسنُ شىءٍ في هذا الباب". 3 - أبو بكر بنُ أبي شيبة، قال: "ثبت لنا أنَّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم -". 4 - الحافظ المنذريُّ، قال في "الترغيب" (1/ 100). "وفي الباب أحاديثُ كثيرة، لا يسلمُ شىءٌ منها عن مقالٍ، وقد ذهب الحسنُ، وإسحقُ بنُ راهويه، وأهلُ الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء، حتى أَنَّهُ إذا تعمد تركها أعاد الوضوء، وهو روايةٌ عن الإِمام أحمد، ولا شكَّ أنَّ الأحاديث التي وردت فيها، وإنْ كان لا يسلمُ شىءٌ منها عن مقالٍ، فإنها تتعاضدُ بكثرة طرقها، وتكتسبُ قوةً، والله أعلمُ" اهـ. 5 - أبو عمرو ابن الصلاح: نقل عنه الحافظ في "النتائج" (1/ 237) قولَهُ: "ثبت بمجموعها ما يثبُتُ به الحديثُ الحسنُ. والله أعلمُ". 6 - أبو الفتح اليعمريُّ، ابنُ سيد الناس، قال: "أحاديث الباب إمَّا صريح غير صحيح، وإمَّا صحيح غيرُ صريح". وقد يكونُ مراده نفى الصحة وحدها لا الحسن. والله أعلمُ. 7 - الحافظُ العراقيُّ في "تخريج الإحياء" (1/ 133)، وحَسَّنَهُ في "محجة القُرب في فضل العرب" (ص 27 - 28). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 8 - ابنُ القيم فقال في "المنار" (45): "أحاديث التسمية على الوضوء، أحاديث حسان". وقال في "الزَّاد" (1/ 195): "وكلُّ حديث في أذكار الوضوء الذي يُقال عليه، فكذبٌ مختلقٌ، لم يقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا منه، ولا علَّمهُ أمته، ولا ثبت عنه غير التسمية في أوَّلِهِ" اهـ. 9 - الحافظُ ابْنُ كثيرٍ. قال في "تفسيره" (1/ 34 - طبع الشعب): "حديثٌ حسنٌ". وقال الشوكانيُّ في "السيل الجرار" (1/ 76): "قال ابن كثير في "الإرشاد": طرقهُ يشدُّ بعضها بعضًا، فهو حديثٌ حسنٌ أو صحيح". 10 - الحافظُ ابنُ حجر. قال في "التلخيص" (1/ 75): "والظاهر أنَّ مجموع الأحاديث يحدث منها قوة، تدلُّ على أن له أصلًا". وكذلك قوَّاهُ الصَّنْعانيُّ في "سبل السلام" (1/ 80)، والشَّوْكانيُّ في "نيل الأوطار" (1/ 160)، وفي "السيل الجرار" (1/ 77)، والمباركفورى في "تحفة الأحوذى" (1/ 116)، والشيخ أبو الأشبال في "شرح الترمذي" (1/ 38)، وشيخُنَا محدِّثُ العَصْرِ ناصرُ الدين الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (7573)، وكذلك في "الإرواء" (1/ 122) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال: "إنَّ النفس تطمئنُّ لثبوت الحديث". أمَّا قولُ الإِمام أحمد - رحمه الله -: "لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسنادٌ جيدٌ". فأجاب عنه الحافظ في "النتائج" (1/ 223) فقال: "لا يلزم من نفى العلم، ثبوتُ العدم. وعلى التنزُّل: لا يلزمُ من نفى الثبوت، ثبوتُ الضعف، لاحتمال أن يراد بالثبوت: "ثبوت الصحة"، فلا ينتفى الحكمُ بـ "الحُسْن" وعلى التنزُّل: لا يلزم من نفى الثبوت عن كل فردٍ، نفيه عن المجموع" اهـ. قُلْتُ: وهذا تحقيقٌ بديعٌ من الحافظ رحمه الله، وما أظنُّ منصفًا يأباهُ. وقد أجبت عن مقالة الإِمام أحمد رحمه الله تعالى في "كشف المخبوء" فراجعه غير مأمور، والله المستعانُ، لا ربَّ سواهُ. ***

63 - باب صب الخادم الماء على الرجل للوضوء

63 - باب صَبِّ الْخَادِمِ الْمَاءَ عَلَى الرَّجُلِ لِلْوُضُوءِ 80 - أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ - وَاللَّفْظُ لَهُ - عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَيُونُسَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ سَكَبْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ تَوَضَّأَ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ 80 - إِسْنَادهُ جيدٌ، والحديثُ صحيحٌ. سليمانُ بْنُ داود, هو ابنُ حمَّادٍ، أبو الربيع. أخرج له أبو داود، ووثَّقهُ هو والمصنَّفُ. وقال ابنُ يونس: "كان زاهدًا، وكان فقيهًا على مذهب مالكٍ". وذكره ابنُ حبان في "الثقات" (8/ 279). يونس: هو ابنُ يزيد. تقدت ترجمتهُ. عمرو بن الحارث: هو ابنُ يعقوب، أبو أمية الضمريُّ. أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ حُجَّةٌ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وثقه ابنُ معين، وأبو زرعة، وأبو حاتمٍ، ويعقوب بن شيبة، والعجليُّ، في آخرين. وقال أبو حاتم الرازى: "كان عمرو أحفظ أهل زمانه، لم يكن له نظيرٌ في الحفظ في زمانه". وناهيك بهذا من أبي حاتم، فقد كان مع عمرو أئمة أعلامٌ كالليث، ومالك وابن عيينة ويونس وجماعة. وقال ابنُ وهبٍ: "ما رأيتُ أحفظ من عمرو". وقال النسائيُّ المصنِّفُ: "عمرو بن الحارث أحفظ من ابن جريجٍ". * عبَّادُ بنُ زيادٍ، هو ابنُ أبي سُفْيانَ، ويُكْنَى أبا حربٍ. لم يوثقه إلا ابنُ حبَّانَ (7/ 158). وقال ابنُ المدينى: "مجهولٌ، لم يرو عنه غير الزهريّ". قُلْتُ: ذكر المزيُّ أن مكحول الشاميَّ روى عنه أيضًا، فتنتفى بذلك جهالةُ عينه، وقد روى له مسلم هذا الحديث الواحد. وقد أخطأ مالكٌ في نسبه كما يأتي. * عروة بن المغيرة بن شعبة، أبو يعفور الكوفيُّ. أخرج له الجماعةُ. قال الشعبيُّ: "كان خير أهل بيته". ووثقه ابنُ حبان (5/ 195) وقال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "كان من أفاضل أهل بيته". وقال العجليُّ: "كوفيٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ". ... والحديث أخرجه ابنُ وهبٍ في "موطئه" -كما في "التمهيد" (11/ 123) ومن طريقه المُخلَّص في "الفوائد" (ج 11 / ق 233/ 2)، وعنه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق" (ج 8 / ق 881) عن مالكٍ، ويونس، وعمرو بن الحارث، وابن سمعان، أنَّ ابن شهابٍ أخبرهم، عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة, عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة ابن شعبة به. قال المُخلَّص. "لم يذكر مالكٌ: عروة بن المغيرة، ولم يذكر ابنُ سمعان: عبَّادًا". وقال ابنُ عبد البرّ (11/ 123 - 124): "ولم يذكر مالكٌ عروة بن المغيرة، ولم يذكر ابنُ سمعانَ عبادًا, هكذا قال ابنُ وهبٍ عن هؤلاء كُلِّهم، جمعهم في إسنادٍ واحدٍ، ولفظ واحدٍ كما ترى، إلَّا ما خصَّ من ذكر مالكٍ في عروة، وذكر ابن سمعان في عبَّاد ابن زياد من ولد المغيرة إلَّا من رواية ابن وهبٍ هذه، وإنما يُعرف هذا لمالكٍ. وأظنُّ ابْنَ وهبٍ حمل لفظ بعضهم على بعضٍ، وكان يتساهل في مثل هذا كثيرًا، وقد كان ابنُ شهابٍ ربما أرسل الحديث عن عروة بن المغيرة، ولا يذكرُ عبَّاد بْنَ زيادٍ في ذلك، فمن هنالك لم يذكر ابْنُ سمعان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عبَّاد بْنَ زيادٍ. والله أعلمُ" اهـ. وأخرجه ابْنُ خزيمة (ج1/ رقم 203)، وابنُ عساكر (ج8 / ق 882) عن ابن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث وحده، عن الزهرىّ به. وأخرجه أبو داود (149)، وابنُ حبَّان (ج3/ رقم 2221)، وابْنُ عساكر (ج 8 / ق 881) عن ابن وهبٍ، عن يونس بن يزيد وَحْدَهُ، عن الزهريِّ به. وأخرجه ابنُ عبد البر في "التمهيد" (11/ 123) عن سليمان بن بلال، عن يونسَ به وزاد "حمزة بن المغيرة" مع "عروة بن المغيرة". ... وقد رواه عن الزُّهْريِّ جماعةٌ آخرون، منهم: 1 - ابْنُ جريجٍ عنه. أخرجه مسلمٌ (274/ 105)، وأبو عوانة (1/ 214 - 215)، والمصنِّفُ في "السنن الكبرى" (ج1/ ق 14/ 2)، وأحمدُ (4/ 251)، والشافعيُّ في "الأم" (1/ 32 - 33)، وفي "المسند" (1/ 28، 29، 32)، وعبد الرزاق في "المصنَّفِ" (ج1/ رقم 748)، وعبدُ بْنُ حُميدٍ (397)، وابنُ خزيمة (ج 3 / رقم 1515)، والطبرانيُّ في "الكبير" (ج20 / رقم 880)، وابْنُ عبد البر في "التمهيد" (11/ 125 - 126)، والبيهقيُّ (1/ 274 و 2/ 295 - 296)، وابنُ عساكر في "التاريخ" (ج 8 / ق 880)، والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 455 - 456)، والمزيُّ في "تهذيب الكمال" (14/ 121 - 122) من طرقٍ عن ابن جريج، به مطوَّلًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 2 - صالحُ بْنُ كيسان، عَنْهُ. أخرجه أبو عوانة (1/ 215)، وأحمدُ (4/ 249)، وعنه ابنُ عبد البر (11/ 124 - 125)، وابنُ عساكر (ج8 / ق 880) من طريق يعقوب بن إبراهيم -زاد أحمدُ: وسعد بن إبراهيم- قالا: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهابٍ، قال: حدثني عبَّاد بْنُ زيادٍ -قال سعدٌ: ابنُ أبي سفيان (¬1) -، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه المغيرة بن شعبة ... فذكره. وأخرجه المصنِّفُ في "الكبرى" (ج1/ ق 14/ 2) أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، نا عمِّى، نا أبي، عن صالح بن كيسان به. 3 - عُقَيْلُ بْنُ خالدٍ عَنْهُ. أخرجه الدَّارميُّ (1/ 249) قال: أخبرنا عبدُ الله بْنُ صالح، حدَّثنى الَّليْثُ بْنُ سَعْدٍ، حدَّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، أخبرني عباد بن زيادٍ، عن عروة بن المغيرة وحمزة بن المغيرة، عن المغيرة فذكره. وقد خولف الدَّارميُّ في سنده. خالفه هارون بن كامل المصريُّ، ثنا عبد الله بْنُ صالحٍ, حدَّثنى الَّليْثُ، حدَّثنى يونسُ بن يزيد، عن ابن شهابٍ، عن عباد بن زيادٍ، عن حمزة بن المغيرة، عن أبيه. فجعل شيخ الليث هو "يونس" بدل "عقيل" = ¬

_ (¬1) المرادُ: أنَّ سعد بْنَ إبراهيم نَسَبَ عبَّاد بن زيادٍ، فكأنه قال: هو عبَّادُ بْنُ زياد بن أبي سفيان. ووقع في "التمهيد": " ... ابن شهاب، حدثني عباد بن زياد قال: حدثنا سعد بن أبي سفيان ... " كذا!! وهو خطأٌ فاحشٌ جدًّا، ما أدرى كيف مرَّ على المحقق؟!! فالله المستعانُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 2/ رقم 881) عن شيخه هارون ابْنِ كامل. قُلْتُ: وشيخُ الطبرانيِّ لم أعرفهُ, وقد رأيتُ له في "المعجم الأوسط" (ج 2 ق 300/ 2 - 301/ 1) أربعة عشر حديثًا، شيوخُه فيها: "عبد الله ابن صالحٍ، وسعيد بن عُفير، وسعيد بن أبي مريم، ويحيى بن بكير، وعمرو بن خالد الحرَّانى، وعبد الغفار بن داود، أبو صالحٍ الحرانيّ". وذكره المزيُّ في "التهذيب" في الرواة عن عبد الله بن صالح كاتبِ الَّليْثِ. ثُمّ رأيتُ شيخنا الألباني -أيَّدهُ الله- قال في "الصحيحة" (4/ 186): "وهارونُ بْنُ كامل المصريُّ، لم أجدْ له ترجمةً" (¬1) اهـ. لكنَّهُ لم يتفرَّد به. فتابعه يعقوبُ بْنُ سفيان، فقال في "المعرفة" (1/ 398): حدثنا أبو صالح، عبد الله بن صالح، حدثنا الَّليْثُ بسنده سواء، غير أنه جعله عن "حمزة وعروة ابني المغيرة" كما في رواية الدارميّ السابقة. على أن الحديث محفوظٌ من روايتهما معًا، ومن رواية كل واحدٍ منهما منفردًا عن الآخر، كما يأتي إن شاء الله تعالى. وهذا الاختلافُ -عندي- هو من كاتب الليث، ففي حفظه مقالٌ معروفٌ، مع الصدق والأمانة. رحمه الله تعالى. = ¬

_ (¬1) وأخطأ محقق "المعجم الصغير" للطبرانيّ إذ قال "هارونُ بْنُ كامل المصريُّ، قال ابْنُ الجزرى: في "غاية النهاية" (2/ 347): مقرىءٌ، ثقةٌ، شيخُ القراء بدمشق" اهـ. وإنما قال ابنُ الجزريّ هذا في "هارون بن موسى الأخفش". فالله المستعانُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد خالف مالكٌ مَنْ تقدَّم ذكرُهُمْ، فرواه عن الزهريّ، عن عبَّاد بْنِ زيادٍ، من ولد المغيرة، عن أبيه، عن المغيرة بْنِ شعبة. أخرجه في "موطئه" (1/ 35 - 36/ 41) برواية يحيى بن يحيى الَّليْثيِّ (¬1)، عنه. وقد توبع يحيى بن يحيى عليه. تابعه عبدُ الرحمن بْنُ مهدىٍ، عن مالكٍ بسنده سواء. أخرجه أحمدُ (4/ 247)، وعنه ابنُ عبد البرِّ في "التمهيد" (11/ 122). وتابعهما مصعبُ بنُ عبد الله الزبيريُّ، حدَّثنى مالكٌ بسنده سواء (¬2). أخرجه أحمد (4/ 247)، وابنُ عبد البرِّ، وابنُ عساكر (ج8 / ق 880). وفي آخر الحديث، قال مصعبٌ: "أخطأ فيه مالكٌ خطأ قبيحًا". واختُلف فيه على مالكٍ. فرواه أبو مصعبٍ، عن مالكٍ، عن الزهريّ، عن عبَّادٍ، عن المغيرة. = ¬

_ (¬1) وقد رأيتُ بعضَهُمْ يقولُ: إنَّ مُسْلِمًا يروى حديث مالكٍ في "صحيحه" عن يحيى ابن يحيى الليثى، راوى الموطأ، وليس ذا بصوابٍ، إنما يرويه عن يحيى بن يحيى بن بكير أبي زكريا النيسابورىّ، أمَّا الليثى فلم يرو عنه مسلمٌ شيئًا. والله الموفقُ. (¬2) هذا يدلُّ على أن رواية مصعبٍ مثل رواية ابن مهدى، ولكنى رأيتُ ابْنَ عبد البرِّ في "التمهيد" (11/ 121) وروى هذا الحديث من طريق أحمد، فقال فيه: " .... عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة، عن أبيه .. " وذكر الحديث ثم قال: "فذكره سواء كما في الموطأ". وأحسبُ أن "المغيرة" سقط من السند، يدلُّ عليه ما في "المسند" و"الموطأ" والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فأسقط ذكر "عروة بن المغيرة". أخرجه ابنُ عساكر (ج8 / ق 879). * قُلْتُ: فهذا يدلُّ على أنَّ الخطأ فيه من مالكٍ، وقد صرَّح بذلك جماعةٌ من الحفاظ. وقد مرّ قولُ مصعبٍ الزبيرىّ. * وقال الشافعيُّ - رحمه الله -: "وهم مالكٌ - رحمه الله - فقال: عبَّادُ بْنُ زيادٍ من ولد المغيرة بن شعبة وإنما هو مولى المغيرة بن شعبة" اهـ. ذكره البيهقيُّ في "مناقب الشافعيّ" (1/ 490)، وعنه ابنُ عساكر (ج 8/ ق 883) بسنده الصحيح إلى الشافعيّ. * وقال ابنُ عساكر عقبهُ: "أصاب الشافعيُّ - رحمه الله - في أَخذِهِ على مالكٍ - رحمهُ الله - ووهم في قوله: مولى المغيرة"!. * وقال البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (3/ 2/ 32): "وقال مالكٌ: عبَّاد بْن زيادٍ، من ولد المغيرة ... ويقالُ: إنَّهُ وَهَم". * وقال أبو حاتم الرازيُّ: "وهم مالكٌ في نسب عبَّادٍ، وليس من ولد المغيرة". ذكره عنه ولدهُ في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 80). * وقال ابنُ أبي حاتم في "العلل" (ج1/ رقم 182): "سمعتُ أبي، وذكر الحديث الذي رواه مالكُ بنُ أنسٍ، عن ابن شهاب، ... فذكره. فسمعتُ أبي يقولُ: وهم مالكٌ في هذا الحديث في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = نسب عبَّاد بْنِ زيادٍ، وليس هو من ولد المغيرة، ويُقال له: عباد بن زياد بن أبي سفيان، وإنما هو: عباد بن زياد، عن عروة وحمزة ابني المغيرة ابن شعبة، عن المغيرة بن شعبة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -" اهـ. * وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2/ ق 101/ 1). "وهم فيه مالكٌ - رحمهُ الله - وهذا ممَّا يعتدُّ به عليه, لأنَّ عباد بن زياد ابن أبي سفيان، وهو يروى هذا الحديث عن عروة بن المغيرة، عن أبيه" اهـ. * وقال ابنُ عبد البرّ في "التمهيد" (11/ 120): "هكذا قال مالكٌ في هذا الحديث: عن عبَّاد بْنِ زيادٍ وهو من ولد المغيرة بْنِ شعبة، لم يختلفْ رواةُ الموطأ عنه في ذلك، وهو وَهَمٌ وغلطٌ منه، ولم يتابِعْهُ أحدٌ من رواة ابن شهابٍ ولا غيرهم عليه، وليس هو من ولد المغيرة عند جميعهم" اهـ. * وقال المزيُّ في "التهذيب" (14/ 119): "وقال مالكٌ: عباد بن زياد من ولد المغيرة, وذلك معدودٌ من أوهامه" اهـ. وقد حاول بعضُهُمْ دفع كلام الحفاظ في توهيم مالكٍ رحمه الله فقال الشيخ محمد زكريا الكاندهلوى في "أوجز المسالك" (1/ 244 - 245): "الأوجهُ عندي أنَّه وقع التحريفُ في سند هذا الحديث من النُّسَّاخ، لا وهم فيه عن الإِمام مالكٍ، والصوابُ: عن ولد المغيرة بن شعبة، عن أبيه المغيرة بن شعبة، فوقع الغلط من النُّسَّاخ في لفظ "عن" قبل قوله: "ولد المغيرة"، فكتبوا لفظ "مِنْ" بدلها!!، والثاني في زيادة لفظ "عن"، كما في نسخة الزرقاني بعد قوله: "عن أبيه" والصوابُ إسقاطُهُ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ومثلُ هذا الغلط، بل أشدُّ منه بكثير لا يبعُدُ من النُّسَّاخ كما لا يخفى على من عالجهم، ويؤيدهُ ما تقدَّم عن البخاريِّ أنَّ بعضَهُمْ رواه عن مالكٍ على الصواب، فتأمَّلْ" اهـ. * قُلْتُ: تأمَّلْتُ قولك - رضى الله عنك - فوجدتُهُ حقيقًا بالوهاء، لا يجرى على طريقة العلماء!، فإنَّ هذه الدعوى تتمُّ إذا اختلفت النُّسخ, أمَّا أن يقول ابنُ عبد البرِّ -وهُوَ مَنْ هُوَ في سبر روايات الموطأ-: لم يختلف رواةُ الموطأ عنه في ذلك، فلا يتجه القول بالتصحيف البتة، لا سيما وقد حكم على الإمام بالوهم جماعةٌ من القدماء كمصعب الزبيرىّ، والشافعيِّ وأبي حاتمٍ، وهؤلاء كانوا يأخذون الرواية مشافهة وليس من الصُّحف حتى يتجه قولُك. ولا شكَّ أنَّ النُّسَّاخ يقعُ منهم ما هو أشدُّ من ذلك، ولكن لا يتمُّ لك تعصيب الجناية بهم في هذا الموضع لعدم قيام الدليل على ذلك. أمَّا ما ذكره البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (3/ 2/ 32) عن بعضهم قال: عن مالكٍ، عن الزهريِّ، عن عباد، عن ابن المغيرة، عن أبيه، فإننا لا ندرى شيئًا عن حال هذا "البعض"، فهو مجهول عينًا وحالًا، ومثل هذا لا قيمة لروايته ما لم نعرف قدره من الضبط والإتقان والثقة، فلا تُدفع رواية الفحول بنقل مجهول، ولعلَّ البخاريَّ أبهمه لضعفه أو وهمه. والله أعلمُ. نَعَمْ! روى هذا الحديث روحُ بْنُ عبادة، عن مالكٍ، عن الزهرىّ، عن عبَّاد بن زيادٍ، عن رجلٍ من ولد المغيرة، عن المغيرة. ذكره الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2 / ق 101/ 1) وقال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "فإن كان روحٌ حفظه عن مالكٍ هكذا، فقد أتى بالصواب عن الزهريِّ" اهـ. قُلْتُ: والمطالع لكلام ابن عبد البرِّ، مع ارتياب الدَّارقطنيِّ يعلم أنه ليس بمحفوظ، وكأن الدارقطنيَّ توقف في رواية روحٍ لعدم معرفة القدماء لها إذ المشهور عن مالكٍ - رحمه الله - أنَّهُ كان يقول: "من ولد المغيرة" كما قال الحافظُ في "التهذيب"، والله أعلمُ. فالحاصلُ أن مالكًا - رحمه الله - وهم في موضعين: * الأولُ: في نسب عباد بن زياد، وقد تقدَّم ذلك. * الثاني: في إسقاطه "عروة بن المغيرة" من السند. قال ابنُ عبد البرِّ في "التمهيد" (11/ 121): "وروايةُ مالكٍ لهذا الحديث عن ابن شهابٍ، عن عبَّاد بن زياد، عن المغيرة، مقطوعةٌ، وعباد بن زياد لم ير المغيرة، ولم يسمعْ منه شيئًا" اهـ. نَعَمْ! رواه مكحولٌ، عن عباد بن زياد، عن المغيرة. ذكره الدارقطنيُّ في "العلل" وقال: "الصحيحُ: قول يونس، وعمرو بن الحارث ومن تابعهما". وخالف الجميعَ معمرُ بْنُ راشد، فرواه عن الزهريّ، عن المغيرة، فأعضله. أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف" (ج 1/ رقم 747) عن معمر. والصوابُ رواية ابن جريجٍ ومن معه، عن الزهريّ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وللحديث طرقٌ كثيرةٌ يأتى تفصيلُها بعد حديثين، والله تعالى يعيننا على إتمامه بخير، والحمد لله على التوفيق. ... [تنبيه] حديثُ الباب دليل ظاهرٌ على جواز الاستعانة بالغير في الوضوء، وهو ما فهمه المصنِّفُ رحمه الله، فهذا دليلٌ على بطلان ما أخرجه البزار (ج1/ رقم 260)، وأبو يعلى (ج1/ رقم 231) من طريق النضر بن منصور، حدثنا أبو الجنوب، قال: رأيتُ عليًّا يستقى ماءً لوضوئه، فبادرتُه أستقى له، فقال: مَهْ يا أبا الجنوب! فإنى رأيتُ عمر يستقى ماءً لوضوئه، فبادرتُهُ أستقى له، فقال: مه يا أبا الحسن! فإنى رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقى ماءً لوضوئه، فبادرتُه أستقى له، فقال: "مه يا عمرُ! فإنى أكره أن يشركنى في طهورى أحدٌ". قال البزَّار: "لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلَّا عن عمر بهذا الإسناد". وقال الهيثميُّ في "المجمع" (1/ 237): "فيه أبو الجنوب وهو ضعيفٌ" اهـ، كذا اقتصر الهيثميُّ، وهناك علَّةٌ أخرى وهي النَّضرُ بْنُ منصور منكرُ الحديث. وقال عثمان الدارميُّ: قلتُ لابن معين: النضر بن منصور، عن أبي الجنوب، وعنه ابنُ أبي معشر، تعرفُهُ؟ قال: "هؤلاء حمالة الحطب"!!. وقال الحافظ ابنُ كثير في "مسند عمر" (1/ 114):

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "النضر بنُ منصور الباهليُّ ضعّفه عدولٌ من الأئمة، وشيخُهُ أبو الجنوب عقبة بن علقمة، ضعّفه أبو حاتم الرازى" اهـ. ولذلك قال النووي في "المجموع" (1/ 339): "باطلٌ لا أصل له". فتعقَّبه ابنُ المُلقِّن في "خلاصة البدر المنير" (ق 19/ 2) بقوله: "في ذلك نظرٌ" اهـ. * قُلْتُ: لو أراد النوويُّ - رحمه الله - بقوله: "لا أصل له" ما هو مستقرٌ عند المتأخرين أنه "لا إسناد له" لتوجه تعقُّبُ ابْنِ الملقن، مع أن عبارة النووي تحتمل نفى الصحة، فيعنى بها "لا أصل له صحيحٌ" كما يقع في كلام ابن حبَّان وابن الجوزيّ، والبطلان الذي عناه النووي يرادف النكارة، ومن النقاد من يطلق لفظة البطلان يريد بها النكارة كأبي حاتم الرازى وغيره، والنكارة في هذا الحديث تكمُنُ في مخالفته لأحاديث كثيرة استعان فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بغيره في الوضوء، سنذكر بعضها قريبًا إنْ شاء الله. * وفي الباب عن ابن عبَّاسٍ، رضي الله عنهما. أخرجه ابنُ ماجة (362) من طريق مطهر بن الهيثم، ثنا علقمة بن أبي جمرة الضبعيّ، عن أبيه أبي جمرة، عن ابن عبَّاسٍ، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلُ طهوره إلى أحدٍ، ولا صدقته التي يتصدق بها، يكون هو الذي يتولاها بنفسه". قال البوصيرىّ في "الزوائد" (154/ 1): "هذا إسنادٌ ضعيفٌ. علقمةُ بن أبي جمرة مجهولٌ، ومطهر بن الهيثم ضعيفٌ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال مُغلُطاي في "شرح ابن (¬1) ماجة": "علقمة مجهول، ومطهر بن الهيثم متروكٌ". * وله شاهدٌ من حديث عائشة رضي الله عنها. أخرجه أحمدُ بْنُ منيع في "مسنده" -كما في "المطالب العالية" (ق 5/ 1) - قال: حدثنا أبو العلاء -هو الحسن بنُ سوّار (¬2) -، عن معاوية بن صالح، أنَّ أبا حمزة حدَّثه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ولا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلُ صدقةً إلى غير نفسه حتى يكون هو الذي يضعُها في يد السائل، ولا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلُ وضوءه إلى غير نفسه، حتى يكون هو الذي يُهيىء وضوءه لنفسه حين يقوم من الليل". * قُلْتُ: وهذا سندٌ رجالُهُ ثقات، لكنه منقطع، وأبو حمزة هو عيسى ابْنُ سليم الحمصيُّ لم يدرك أحدًا من الصحابة. وله شاهدٌ مرسلٌ. أخرجه ابنُ أبي شيبة (3/ 206) قال: حدثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن عباس بن عبد الرحمن المدنيُّ، قال: "خصلتان لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكلهما إلى أحدٍ من أهله: كان يناول المسكين بيده، ويضع الطهور لنفسه". وهذا مرسلٌ ضعيفُ الإِسناد، لأجل موسى بن عبيدة وهو الرَّبذى فإنه ضعيفُ الحفظ. ¬

_ (¬1) واسم هذا الشرح "الإِعلام بسنته عليه السلام" وقفت عليه في دار الكتب المصرية العامرة، في ثلاثة مجلدات منقولة من خط المؤلف برقم (275) فلعل الله يقيّض له من ينشره ففيه نفائسُ. (¬2) لم يذكر المزى في "التهذيب" (6/ 169) معاوية بن صالح في شيوخ الحسن بن سوار وفي ترجمة "معاوية" (جـ 3 / ل 1345) لم يذكر "الحسن بن سوار" في جملة الآخذين عنه، فيستفاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثُمَّ في هذا والذي قبله نكارةٌ. فقد أخرج مسلمٌ (746/ 19)، وأبو عوانة (2/ 231، 323)، وأبو داود (56، 1342، 1346)، والمصنِّفُ (3/ 199 - 200) وغيرُهُم عن عائشة رضي الله عنها أنَّها ذكرت حديثًا وفيه: " .. كُنَّا نُعِدُّ له سواكه، وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلى ... الحديث". فهذا يدلُّك على أنهم كانوا يُعدُّون له طهوره، ولو صحت أحاديثُ ترك الاستعانة لحُمل على وقتٍ دون وقتٍ. والله أعلمُ. ... ثُمَّ اعلم -رَضىَ الله عنك- أن الأحاديث التي دلَّتْ على جواز الاستعانة بالغير في الوضوء كثيرةٌ، ليس من غايتنا استقصاؤها, ولكنى أنبه على جملةٍ منها. فالله الموفق. * أولًا: أسامة بن زيدٍ، رَضىَ الله عَنْهُمَا. أخرجه البخاريُّ (3/ 519 - فتح) ومسلمٌ (1280/ 266) من طريق كريب مولى ابْنِ عبَّاس، عن أسامة بن زيدٍ قال: "ردفتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفاتٍ، فلمَّا بلغ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الشِّعْب الأيسر، الذي دون المزدلفة، أناخ، فبال، ثُمَّ جاء فصببتُ عليه الوضوء، فتوضأ وضوء خفيفًا، ثُمَّ قلتُ: الصلاة يا رسول الله! فقال: "الصلاة أمامك" ... الحديث". ويأتي تخريجه والكلام على الاختلاف في سنده عند الحديث رقم (610) إن شاء الله تعالى. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = [تنبيه] قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 97): "ليس في "البخارىّ" ذكر الصبِّ" اهـ. وهو وَهَمٌ، فهو مذكورٌ في الموضع الذي أشرتُ إليه. والحمدُ لله. ... * ثانيًا: حديثُ الرُّبيِّع بِنْتِ مُعَوِّذٍ، رضي الله عنها، قَاْلَتْ: "أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بميضأةٍ، فقال: "اسكبى" فسكبتُ، فغسل وجهه وذراعيه ... الحديث". أخرجه أحمد (6/ 358، 359) وأبو داود (126)، والترمذيُّ (33)، وابْنُ ماجة (390) وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 38/ 1)، والبيهقيُّ (1/ 64، 237). قال الترمذيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ" وتعقبه الشيخ أبو الأشبال بما يستحق النظر، وسيأتي في "مسح الرأس" إنْ شاء الله تعالى. ... * ثالثًا: حديث ثوبان، رضى الله عنه. أخرجه أبو داود (2381)، والنسائيُّ في "الكبرى" -كما في "أطراف المزيّ" (8/ 234) -، والترمذيُّ (87)، وأحمد (6/ 443)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 1/ ق 216/ 1)، وغيرُهم عن معدان بن أبي طلحة أنَّ أبا الدرداء حدَّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، فلقيتُ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إنَّ أبا الدرداء حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، قال: صدق، وأنا صببتُ له وضوءه. وهو حديث صحيح: تكلمت عليه في "غوث المكدود" (رقم 8). ... وفي الباب أحاديث أخرى ذكرتها في "مسيس الحاجة" فلله الحمدُ.

64 - باب الوضوء مرة مرة

64 - باب الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً 81 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً. ـــــــــــــــــــــــــــــ 81 - إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. ويأتي مطوّلًا برقم (102، 103). * محمَّدُ بْنُ المُثنَّى هو ابنُ عبيد بن قيس بن دينار العَنَزيُّ، أبو موسى الحافظُ، الزَّمِنُ (¬1). روى عنه الجماعة، وذكر في "التهذيب" أنَّ المصنِّف روى عنه نازلًا بواسطة زكريا بن يحيى السجزى المعروف بـ "خياط السُّنَّة"، ولم تقع للمصنِّف هذه الرواية النازلة في "السنن الصغرى"، فلعل ذلك في "الكبرى" والله أعلمُ. وأبو موسى هذا ثقةٌ حُجَّةٌ. فوثقه ابنُ معينٍ، وابنُ حبان والدارقطنيُّ، ومسلمة بْنُ قاسم، والخطيبُ وقال: "ثبتٌ، احتجَّ به سائرُ الأئمة". وقال الذهليُّ: = ¬

_ (¬1) الزَّمِنُ: ذو الزَّمانة يعني العاهة.

. . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "حجَّةٌ". وقال أبو حاتم: "صالحُ الحديث، صدوقٌ". وقال أبو عروبة: "ما رأيتُ بالبصرة أثبت من أبي موسى، ويحيى بن حكيم". [تنبيه] ذكر الذهبيُّ في "سير النبلاء" (12/ 126) عن أبي أحمد بن النَّاصح، قال: سمعتُ محمد بن حامد بن السرىّ، وقلتُ لَهُ: لم لا تقولُ في محمد بن المثنى إذا ذكرته: "الزَّمِن"، كما يقولُ الشيوخُ؟ قال: لم أرهُ زَمِنًا، رأيتُهُ يمشي، فسألتُه فقال: كنتُ في ليلةٍ شديدةِ البرد فجثوتُ على يديَّ ورجليَّ، فتوضأتُ، وصليتُ ركعتين، وسألتُ الله، فقمتُ أمشى. قال: ورأيته يمشي، ولم أره زمنًا". قال الذهبيُّ: "حكاية صحيحةٌ، رواها السِّلَفيُّ، عن الرازى، أخبرنا أبو القاسم عليُّ ابْنُ محمدٍ الفارسيُّ، حدثنا ابنُ النَّاصح". هذا: وقد ذكروا أنَّ محمد بن بشار بندارًا تكلَّم في أبي موسى صاحب الترجمة، ولم أقف على ما يوجبُ ذلك سوى ما ذكره الخطيبُ في "تاريخه" (2/ 103) بسنده إلى الفرهيانيِّ، قال: سمعتُ أبا موسى -وكان صنَّف حديث داود بن أبي هندٍ، ولم يكن بندارٌ صنَّفهُ-، فسمعتُ أبا موسى يقولُ: مِنَّا قومٌ لو قدروا أن يسرقوا حديث داود لسرقوه -يعني: بندارًا" اهـ. مع أنَّ كلمة أبي موسى يمكن أن تحمل على وجه الثناء على بُندار، =

. . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وذلك أن السارق إذا سرق فإنما يأخذُ النفيس الغالى، وهذا يدلُّ على حُسْنِ انتقاء بندار لأحاديث داود بن أبي هند. ونظيره ما رواه ابنُ أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1/ 1/ 330) عن ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدى قال: "كان إسرائيل -يعني: ابن يونس- في الحديث لِصًّا". قال ابنُ أبي حاتم: يعنى: أنَّهُ يتلقفُ العلم تلقُّفًا". وروى هذه الكلمة عثمان بن أبي شيبة، عن ابن مهدىّ بلفظ: "إسرائيل لصٌّ يسرقُ الحديث". فكأنه رواها بالمعنى، ولو سُلِّم أنَّ هذا لفظ ابن مهديّ لحُمل على ما فسره به أبو حاتم، بدليل أن ابن مهدىّ كان يقدم إسرائيل في حديث أبي إسحق السبيعى على الثورىّ وشعبة؛ فمن المحال أن يقصد بسرقة الحديث ما هو معروف في "الاصطلاح". لذلك لم يُحسن الحافظُ - رحمه الله - صنعًا، لأنَّهُ أورد كلمة ابن مهدىّ برواية عثمان بن أبي شيبة، عنه بدون تعقيبٍ عليها. فالله تعالى يسامحُنا وإيَّاهُ. وكلماتُ الثناء التي ظاهرُها الجرحُ موجودة في كلمات بعض العلماء من ذلك قول أبى حاتم الرازى أنَّ شعبة كان يقول: "إسماعيلُ ابْنُ رجاء شيطانٌ" يعني من حُسْن حديثه. ذكره ابنُ أبي حاتم في "علل الحديث" (ج 1/ رقم 248) عن أبيه. وهذه فائدةٌ نفيسة خلت منها كتب التراجم التي ترجمت لإسماعيل، فاهنأ بها!. وقد تحتملُ كلمةُ أبي موسى وجهًا آخر، حاصلُه أنَّ بندارًا كان حريصًا على جمع العلم والاستئثار به، فلو قدر على الاستحواذ على حديث داود بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبي هند، فلا يشركه فيه أحدٌ لفعل. يدلُّ على ذلك ما رواه الخطيبُ في "تاريخه" (2/ 104) عن طريق محمد ابن المسيب، قال: لمَّا مات بُندار جاء رجلٌ إلى أبي موسى، فقال: يا أبا موسى! البُشرى مات بندارٌ!! قال: جئت تبشرنى بموته؟! عليَّ ثلاثون حجة إنْ حدثتُ أبدًا بحديثٍ، فبقى أبو موسى بعد بندارٍ تسعين يومًا، ولم يحدث بحديث ومات". * قُلْتُ: فتصرُّفُ أبي موسى تصرفُ محبٍّ عاقل، ولو كان حانقًا لقال كلمة تشف كما عهدناه في كلام الأقران. ولو سلَّمْنا أن أحدهما تكلَّم في صاحبه، فلا نقبلُه، وقد أجلَّ الله تعالى محلهما من العلم والدين، والله الموفق. * يحيى: هو ابنُ سعيد القطان. * سفيانُ: هو الثوريُّ كما وقع في رواية الدارميِّ؛ وقد يحتمل أن يكون سفيان بن عيينة، لأن يحيى القطان يروى عنهما معًا، أنَّ السفيانين أخذا جميعًا عن زيد بن أسلم، ولكني أرجحُ أنَّه الثوريُّ، لأمرين: * الأوَّلُ: أنه جاء مصرحًا به في رواية عبد الرزاق والدارمىّ، وابن الجارود، والمحلى لابن حزمٍ. * الثاني: هب أننا لم نجد ذلك صريحًا، فالقاعدةُ في كلِّ من روى عن متفقى الاسم أنْ يُحمل من أهمل نسبُه على من يكون له به خصوصيةٌ من إكثارٍ ونحوه. وقد روى هذا الحديث وكيع، عن سفيان، كما عند الترمذيّ وغيره، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ووكيع من القدماء وهو قليلُ الرواية عن ابن عيينة، بخلاف الثوريّ. ورواه أيضًا أبو نعيم الفضل بنُ دكين، والضحاك بن مخلد أبو عاصم، وهُمَا يرويان عن الثورىّ. ثُمَّ رأيتُ كلامًا نفيسًا للذهبيِّ - رحمه الله - في ذلك. فقال في "السير" (7/ 466): "فأصحابُ سفيان الثورى كبارٌ قدماءُ، وأصحاب ابن عيينة صغارٌ، لم يدركوا الثورىّ" وذلك أبْيَنُ، فمتى رأيت القديم قد روى، فقال: حدثنا سفيانُ، فأبهم، فهو الثوريُّ، وهم: كوكيع، وابن مهدىّ، والفريابى، وأبي نُعيم، فإن روى واحدٌ منهم عن ابن عيينة بَيَّنَةُ، فأمَّا الذي لم يلحق الثورىَّ، وأدرك ابن عيينة، فلا يحتاج أن ينسبه، لعدم الإلباس، فعليك بمعرفة طبقات الناس" اهـ. * قُلْتُ: وهذا من الذَّهبيّ رائقٌ -كعهدنا به- ومَنْ ذكرهم قد رووه عن سفيان كما نبهت قريبًا. وقد أخرجه البخاريُّ قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 258): "هو الفريابى، لا البيكندى" يعني: محمد بن يوسف. والفريابى من الكبار كما تقدَّم في كلام الذهبي. ولكن البدر العينى اعترض الحافظ -كعادته- فقال في "العمدة" (3/ 2): "وقال بعضهم: سفيانُ هو الثوريُّ، والراوى عنه الفريابي لا البيكندىّ. قلتُ: جزمُ هذا القائل بأن سفيان هو الثورىّ، وأنَّ محمد ابن يوسف هو الفريابى لا دليل عليه، والاحتمال المذكور الذي ذكره الكرمانيُّ عن مدفوع، فافهم" اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: الاحتمالُ الذي ذكره الكرمانيُّ في "شرح البخاريّ" (2/ 206) أنَّ محمد بن يوسف إمَّا أن يكون البيكندى، وإمَّا الفريابى، واعتراضُ البدر العينى بدون تقديم الدليل شنشنةٌ عرفناها منه، العجيبُ قولُهُ: "جزمُ هذا القائل بأن سفيانَ هو الثورى لا دليل عليه" مع أنه قال بعد ذلك بأسطُرٍ: "والراجح أنه الثوريُّ لأن أبا نُعيم صرَّح به في كتابه" اهـ. وإذا ترجح أنه الثوريُّ، فقد يترجح أن الراوى عنه هو الفريابى، لأنه كثير الرواية عن الثورىّ لذلك لم ينسبهُ، والحافظُ أقعدُ في هذا الفنِّ من الكرمانى ومن العينى، وكم من ترجيحات رجَّحها البدرُ العينى ليس عليها دليلٌ واضحٌ مثل هذا الموضع، فالله تعالى يسامحُنا وإياهُ، فإن كثيرًا من اعتراضاته على الحافظ واهية، وبعضُها ساقطٌ دعاه إليه المنافرة الواقعة بينهما، حتى إنه كان حريصًا على تعقُّب الحافظ ما أمكنه ذلك، وإن لم يكن للاعتراض وجهٌ، مما أوقعه في تناقضٍ كثيرٍ، وهذا الموضع دليلٌ على ذلك: فقد روى البخاريُّ في "كتاب العلم" من "صحيحه": باب ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كى لا ينفروا". قال البخاريُّ: حدثنا محمد بن يوسف، قال: أخبرنا سفيان ... فقال العينى في "العمدة" (2/ 44): "وقال الكرمانيُّ: هو محمد بن يوسف أبو أحمد البيكنديُّ، وهذا وَهَمٌ، لأنَّ البخارىَّ حيث يُطلق "محمد بن يوسف" لا يريد به إلَّا الفريابي (¬1)، وإن كان يروى عن البيكندىّ، فافهم"!!. = ¬

_ (¬1) وممَّا يدلُّ على ذلك أن المزىَّ - رحمه الله - ذكر في "تهذيب الكمال" (11/ 187) الرواة عن سفيان بن عيينة، فذكر منهم: "محمد بن يوسف البيكندى (خ)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ثُمَّ قال العينى: "سفيان هو الثورىّ. فإن قُلْت: محمدُ بنُ يوسف الفريابى يروى عن سفيان بن عيينة أيضًا كما ذكرنا فما المرجح ها هنا لسفيان الثورى؟ قلت: الفريابى وإن كان يروى عن السفيانين لكنه حيثُ يُطلق لا يريد يه إلَّا الثورى". * قُلْتُ: فتأمَّلْ -يرحمك الله- هذا التناقُض، ولو كان هذا الموضع بعد ذاك، لقلنا عَلِمَ بعد أن لم يكن يعلم، من أَنَّ الظاهر أن البدر -رحمه الله- أخذ هذا الكلام من الحافظ، وقد صرّح به الحافظُ في "الفتح" (1/ 162)، ولكن العينى طوّل العبارة لأمرٍ لا يخفى على ذوى الفطن. فالله المستعانُ. * زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، أبو أسامة، ويُقال: أبو عبد الله المدنيُّ الفقيهُ مولى عمر. أخرج له الجماعةُ. وثقه أحمدُ، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائيُّ، وابن خراش، وابنُ سعد، ويعقوبُ بنُ شيبة، وابنُ حبان في آخرين. وقال ابنُ عجلان: "ما هِبْتُ أحدًا قطُّ، هيبتى زيد بْنَ أسلم". = ¬

_ = ومحمد بن يوسف الفريابى" ووضع بعد البيكندى علامة "خ"، يعني البخاريّ، ولم يُعلم لـ "محمد بن يوسف الفريابى" بشىءٍ، ومعنى هذا أن الفريابى لم يرو شيئًا عن سفيان بن عيينة في "صحيح البخارى". وفي ترجمة سفيان الثورى من نفس الجزء (11/ 163) ذكر المزىّ الرواة عنه، فذكر منهم: "محمد بن يوسف الفريابى (خ م س ق) " ولم يذكر البيكندىّ فاحفظ هذا فإنه مهمٌّ، والله يتولانا وإياك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وذكر ابنُ عبد البرِّ في "مقدمة التمهيد" ما يدلُّ على أنَّهُ كان يدلسُ، وقد صرّح بالتحديث هنا. والحمد لله. * عطاءُ بنُ يسارٍ، أبو محمدٍ الهلاليُّ المدنيُّ. أخرج له الجماعةُ. وثقه ابنُ معين، وأبو زُرعة، والنسائيُّ، وابنُ سعدٍ، في آخرين. ... والحديثُ أخرجه أبو داود (138)، والترمذيُّ (42)، وابنُ ماجة (411)، وابنُ حبان (ج3 / رقم 1095) والبزار (ج3/ ق 312)، وابنُ حزمٍ في "المحلى" (2/ 34) من طرقٍ عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثورىّ بإسناده سواء. وقد رواه عن يحيى جماعةٌ من أصحابه، منهم: "محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ومسدد بن مسرهد، وعمرو بن على، وأبو بكر بن خلاد الباهليُّ". قال الترمذيُّ: "وحديثُ ابن عباسٍ أحسنُ شىءٍ في هذا الباب وأصحُّ". * وقد توبع يحيى القطان. تابعه محمد بن يوسف الفريابي، وعبد الرزاق (¬1)، وأبو عاصم النبيل، = ¬

_ (¬1) وقد رواه عبد الرزاق أيضًا (131) عن الثورى، عن يحيى بن سعيد، عن رجلٍ، عن ابن عباس أنه توضأ مرة مرة. فخالفهم في إسناده ومتنه، ورواية بعد الرزاق مع الجماعة أولى. والله أعلمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقبيصة بن عقبة، وأبو نعيم الفضلُ بن دكين وعبد ربه بن نافع أبو شهاب الحناط، ومؤمل بن إسماعيل، وروَّادُ بنُ الجراح. أخرجه البخاريُّ (1/ 258)، والدارميُّ (1/ 143، 146) والبزار (ج 3/ ق 313)، والطحاويُّ في "شرح المعانى" (1/ 29)، وابنُ عدىّ في "الكامل" (3/ 1038)، والبيهقيُّ (1/ 67، 72، 73، 80) والبغويُّ في "شرح السُّنة" (1/ 442) وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 34/ 1)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (ج1/ رقم 128)، وعنه أحمد (1/ 365)، وابنُ الجارود في "المنتقى" (69). * وقد توبع سفيان الثوريُّ، تابعه جماعةٌ منهم: 1 - محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم به. أخرجه المصنِّفُ ويأتي برقم (103) وابنُ ماجة (439)، وابنُ أبي شيبة في "المصنَّف" (1/ 9)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 148)، وابنُ حبان (ج3/ رقم 1078، 1086) والبزار (ج 3/ ق 313)، وأبو يعلى (ج 4/ رقم 2486) والبيهقيُّ في "السنن" (1/ 55، 73)، والضياء في "المختارة" (ج 63/ ق 353/ 2). جميعًا من طريق عبد الله بن إدريس، عن ابن عجلان به. وسندهُ قويّ. 2 - سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم به. أخرجه البخاريُّ (1/ 240 - 241 فتح)، وأحمدُ (1/ 268) والبيهقي (1/ 72). 3 - معمر بن راشد، عن زيد بن أسلم. أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف" (ج 1/ رقم 126). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وسندهُ على شرط مسلمٍ، لأنَّ البخاريَّ لم يخرج لمعمر عن زيد بن أسلم شيئًا. والله أعلمُ. 4 - داود بن قيس، عن زيد. أخرجه عبد الرزاق (ج1/ رقم 127) والبزار (ج 3 / ق 313)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 150 - 151) وسندهُ على شرط مسلمٍ كما قال الحاكمُ. 5 - ورقاء بن عمر اليشكريُّ، عن زيد. أخرجه أبو بكر الشافعيُّ في "الغيلانيات" (ج 4/ ق 54/ 2)، والبيهقيُّ (1/ 73،67) من طريق يزيد بن هارون وعبد الصمد بن النعمان، عن ورقاء بن عمرو به. قال البيهقيُّ: "هذا إسنادٌ صحيحٌ". وخالفهما حجاج بن نصير، قال: نا ورقاء عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس بنحوه. أخرجه البزَّارُ (ج 3/ ق 313)، وقال: "لا نعلمُ أحدًا حدَّث به كما حدَّث به حجَّاجٌ، لأن غير حجَّاجٍ يُحدِّثُ به عن زيد بن أسلم، وقال حجاج، عن ورقاء عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، ولا نعلمُ أنَّ عمرو بْنَ دينارٍ روى عن عطاء، عن ابن عباس حديثًا" اهـ. * قُلْتُ: ولا يعتدُّ بهذه المخالفة؛ لأنَّ حجَّاجَ بْنَ نصير ضعيفٌ، كان يقبل التلقين. وقال النسائيُّ: "ليس بثقةٍ ولا يكتب حديثهُ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 6 - أبو بكر بن محمد، عن زيد. أخرجه عبد الرزاق في "المصنَّفِ" (ج1/ رقم 129). 7 - خارجة بل مصعب، عن زيد. أخرجه الطيالسيُّ في "مسنده" (2660). وسندهُ ضعيفٌ جدًّا، وخارجةُ متروكُ الحديث. 8 - عبدُ العزيز بْنُ محمَّد الدراورديُّ، عن زيد. أخرجه المصنِّفُ، ويأتي برقم (102) وابنُ ماجة (403)، والدارميُّ (1/ 143 / 703)، والشافعيُّ في "الأم" (1/ 31 - 32)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 171)، وابنُ حبان (ج 3 / رقم 1076)، وأبو يعلى (ج 5 / رقم 2670، 2672)، وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 34/ 1 - 35/ 1)، والطحاويُّ (1/ 32، 35) والبزار (ج3/ ق 312 - 313)، والحاكم (1/ 150)، والبيهقيُّ (1/ 50، 72)، وفي "المعرفة" (1/ 220، 225). * قُلْتُ: وقد تكلَّم البيهقيُّ في بعض ألفاظٍ في رواية الدراوردىّ وهشام بن سعد الآتية، وقد ناقشت ذلك في الحديث رقم (102)، فلله الحمدُ. 9 - هشام بنُ سعدٍ، عن زيد. أخرجه أبو داود (137)، والبزار (ج3/ ق313)، وابنُ الأعرابى في "مُعجمه" (ج 8/ ق158/ 2)، والحاكم (1/ 147)، والبيهقيُّ (1/ 73)، وفي "المعرفة" (1/ 222). 10 - محمد بن جعفر بن كثير، عن زيد. أخرجه البيهقيُّ (1/ 73). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = 11 - عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه. أخرجه ابنُ عديّ في "الكامل" (4/ 1503، 1583) من طريقين عن عبد الرحمن به. وسندهُ واهٍ لأجل عبد الرحمن. * قُلْتُ: كلُّ من ذكرنا رووا هذا الحديث عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس. وخالفهم الضحَّاك بن شرحبيل، فرواه عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب قال: "رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضأ مرَّةً مرّةً". فخالفهم في موضعين: * الأول: أنه جعل شيخ زيد بن أسلم "أباه" بدل "عطاء بن يسار". * الثاني: أنه نقله إلى "مسند عمر" بدل "ابن عباس". أخرجه ابنُ ماجة (412)، وأحمدُ (1/ 23)، والبزار في "مسنده" (ج 1/ رقم 292) من طريق رشدين بن سعد، ثنا الضحَّاك بن شرحبيل به. قال الترمذيُّ (1/ 61): "وروى رشدين بنُ سعدٍ وغيرهُ هذا الحديث عن الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرَّةً مرَّةً، وليس هذا بشىءٍ، والصحيحُ ما روى ابنُ عجلان، وهشامُ بنُ سعدٍ، وسفيان الثوريُّ، وعبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم" اهـ. * قلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ كما قال البوصيري في "الزوائد" (60/ 1) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = لضعف رشدين بن سعد. وقد توبع -كما مرَّ في كلام الترمذيّ-، فتابعه ابنُ لهيعة، ثنا الضحاك ابن شرحبيل بإسناده سواء. أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 34/ 1)، وأحمد (1/ 23)، وعبدُ بْنُ حميد في "المنتخب" (12) وابن أبي حاتم في "العلل" (ج 1/ رقم 72)، والطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 29) من طرق، عن ابن لهيعة به. قال الحافظ ابن كثير في "مسند عمر" (1/ 110): "هذا إسنادٌ حسنٌ"!. كذا قال! وابنُ لهيعة سىءُ الحفظ، وروايتُه هنا لا تقوى رواية رشدين بن سعد لوجود المخالف القوىّ لهما، أمَّا إذا روى أحدهما حديثًا وتابعه الآخر مع عدم وجود الخالف فقد تتقوى روايتهما. لكن متابعة أحدهما للآخر هنا تدلُّ على أن تعصيب الوهم بغيرهما أولى، وهو ما صرّح به البزَّارُ فقد قال عقب الحديث: "وهذا الحديث خطأٌ، وأحسبُ أن خطأه أتى من قِبَلِ الضحاك بن شرحبيل، فرواه عنه رشدين بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر. والصوابُ ما رواه الثقات عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عبَّاسٍ" اهـ. * قُلْتُ: وهو تصرفٌ سديدٌ قائمٌ على الأصول، والضحَّاك فيه ضَعْفٌ. أمَّا الشيخ أبو الأشبال - رحمه الله - فله شأن آخر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فإنه قال في "شرح الترمذىّ" (1/ 61): "إسنادها ضعيفٌ لضعف رشدين بن سعد، ولكن الشارح -يعني: المباركفورى-، أشار إلى أنَّ ابن لهيعة رواه أيضًا عن الضحاك، ولم أطَّلع عليها، فإن ثبت هذا صحَّ إسنادها، لأن ابن لهيعة ثقةٌ" اهـ. كذا قال!! وهو من تساهله المعهود، فإنه لما وقف بعد ذلك على رواية ابن لهيعة في "مسند أحمد" (رقم 149) قال: "إسنادهُ صحيحٌ". وقد صرَّح أبو حاتم بغلط هذه الرواية، فقال: "هذا خطأ، إنما -هو-: زيد، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم". نقله عنه ولدُهُ في "علل الحديث" (ج 1/ رقم 72). وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2/ رقم 170) عن رواية ابن لهيعة: "وَهَمٌ". وخالف حميعَ من تقدَّم عبدُ الله بْنُ سنانٍ، فرواه عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر به. أخرجه العقيليُّ في "الضعفاء" (2/ 263)، وابنُ عدىّ في "الكامل" (4/ 1560) من طريقين، عن عبد الله بن سنان. قال العقيليُّ: "رواه سفيان الثوريُّ، ومعمر، وداودُ بنُ قيس الفراء، وعبد العزيز ابن الدراورديّ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباسٍ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، وهذه الرواية أولى". وقال ابنُ عدىّ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "ولم يقُلْ: زيد بن أسلم، عن ابن عمر، غير عبد الله بن سنان، وقد روى هذا عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس ... ثم قال: ولعبد الله بن سنان غير ما ذكرتُ من الحديث، وليس بالكثير، وعامَّةُ ما يرويه لا يتابع عليه إمَّا متنًا، وإمَّا إسنادًا" اهـ. وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (ج 2 / رقم 170): "وَهَمٌ". * وقد توبع عطاء بن يسار، عن ابن عبَّاسٍ. تابعه عبيد الله بن عبدِ الله بن عتبة، عن ابن عباسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضأ مرَّةً مرَّةً، ومسح رأسه ببلل يده. أخرجه الآجريُّ في "الفوائد المنتخبة على أبي شعيب" (ق 13/ 2) من طريق سليمان بن أرقم، عن الزهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله به. وهذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا، وسليمانُ بْنُ أرقم متروكٌ. تركه أبو حاتم وأبو داود والترمذيُّ وابنُ خراشٍ، والدارقطنيُّ، وأبو أحمد الحاكم. وقال ابنُ معين: "ليس بشىءٍ، لا يسوى حديثه فِلْسًا"!! فلا يثبت من هذا إلَّا حديث عطاء بن يسار، عن ابن عباس. وتابعه المطلب بن عبد الله بن حنطب، أن ابن عبَّاسٍ كان يتوضاُّ مرَّةً مرَّةً ويُسند ذاك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ابن عمر كات يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ويُسندُ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 34/ 1)، والطيالسيّ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = (2760)، وأحمدُ (2/ 38 - 39) وعنه ابنُ عساكر في "تاريخه" (ج16/ ق 594) من طرقٍ عن الأوزاعىّ، عن المطلب به. ورواه عن الأوزاعى بعض أصحابه، منهم: "ابن المبارك، والوليد بن مسلم، وروح بن عبادة، وعفيف بن سالم الموصليُّ". * قُلْتُ: وهذا سندٌ صحيحٌ، ويأتي الكلام عليه في الحديث رقم (82). ... قال التِّرمذيُّ: "وفي البَاْبِ عن: عُمَرَ، وجابرٍ، وبُرَيْدَةَ، وَأَبي رافعٍ، وابْنِ الفاكِهِ". * أوَّلًا: حديثُ عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ، رَضي الله عَنْهُ. وقد مرّ منذ قليل. ... ثانيًا: حديثُ جَابِرِ بْنِ عَبْد الله، رَضيَ الله عَنْهُما. أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 9 - 10) قال: حدثنا شريك. وابنُ ماجة (410) قال: حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، ثنا شريك بن عبد الله النخعيّ، عن ثابت بن أبي صفية الثماليِّ؛ قال: سألتُ أبا جعفرٍ، قُلتُ له: حُدِّثْت عن جابر بن عبد الله أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرَّةً مرَّةً؟ قال: نعم. قُلتُ: ومرتين مرتين وثلاثًا ثلاثًا؟ قال: نَعَمْ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلت: كذا رواه ابن أبي شيبة، وعبد الله بن عامر بن زرارة، عن شريك، فقالا: "حُدِّثْت عن جابر" فهذا صريحٌ في الانقطاع. وخالفهما إسماعيل بن موسى الفزاريّ ابن بنت السديّ (¬1)، قال: حدثنا شريك، عن ثابت بن أبي صفية، قال: قلتُ لأبي جعفر: حَدَّثك جابر ... وساق الحديث، وفيه: قال -يعنى: جابر-: نعم". فهذا صريحٌ في أنَّ أبا جعفر أخذه من جابرٍ سماعًا. أخرجه الترمذيُّ (45)، والدارقطنيُّ (1/ 81). وإسماعيل صدوقٌ، ولروايته متابعٌ يأتى قريبًا، ولا أرجح بينه وبين ابن أبي شيبة وعبد الله بن عامر، ففي السند ما سوف تراه! * قُلْتُ: وهذا سندٌ واهٍ. وشريك النخعيّ فيه مقالٌ معروفٌ، ولكنه توبع على إسناده، تابعه وكيع ابن الجرَّاح، عن ثابت بن أبي صفية، قال: قلت لأبى جعفرٍ: بلغنا عنك أنك قُلْت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة؟ قال: نَعَمْ, حدثنيه جابر بن عبد الله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه الترمذي (46)، والخطيبُ في "الموضح" (2/ 12) من طرق عن وكيع. قال الترمذي: ¬

_ (¬1) صرّح في "التهذيب" (1/ 335) بأنه "نسيب السُّدي"، ونقل في آخر الترجمة عن أبي على الجياني أنه قال في "رجال أبي داود": "هو ابنُ أخت السدى"، لكن قال البخاري في "التاريخ الصغير" (2/ 382): وفي "الكبير" (1/ 1/ 373) أنه "ابن بنت السدي" وكذا قال الذهبي في "الميزان" (1/ 251).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وهذا أصحُّ من حديث شريك؛ لأنه قد روى من غير وجه هذا عن ثابت نحو رواية وكيعٍ، وشريك كثير الغَلَطِ" اهـ. * قُلْتُ: مقصود الترمذي أن وكيعًا رواه فذكر الوضوء: مرةً مرةً، ولم يزد على ذلك، أما شريك فذكره بالثلاثة الأحوال. وقد توبع وكيع على ذلك. تابعه حفص بن غياث، ثنا ثابت الثُّمالي، عن أبي جعفر، عن جابر ابن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرَّةً مرَّةً. أخرجه ابنُ عدى في "الكامل" (2/ 520) وقال: "وهذا الحديث رواه عن أبي جعفر غيرُ أبي حمزة الثمالى، إلا أنى أردت أنَّ حفص بن غياث حدَّث به" (¬1). = ¬

_ (¬1) وفي العبارة اضطراب، كأن سقطًا وقع فيها، ومن كثرة الأخطاء في هذه النسخة، صار المرءُ شديد الفَرَق منها، فكم من الساعات التي أهدرتُها -فضلا عن غيرى- لتصويب تصحيف وقع في حرف من كلمة كتبها أحدُ الجهلاء العابثين من النساخ، ولم يلق لها بالا، ومع ذلك يكتب الناشر الذي لا يهاب الله عَزَّ وَجَلَّ على لوحة الكتاب: "تحقيق وضبط ومراجعة لجنة من المتخصصين بإشراف الناشر"!! وقُدِّر لنا أن نرى أمثال هؤلاء "المتخصصين" الذين يعبثون بأثمن ما تملكه أمتنا المسلمة، فإذا هم فتية صغار من طلبة الجامعة والمرحلة الثانوية، لم يخطر ببال أحدهم أن يقرأ كتابا في قواعد تحقيق المخطوطات، ولا سمع بكتب المشتبه، يبحثون عن لقمة العيش، فوقعوا -ولا أدرى: كيف؟ - في قبضة هؤلاء الناشرين، فسخروهم بأجر زهيد تافه، ليحققوا أعلى ربح من وراء نشر الكتاب، ولأن الزمان استدار، فقد حدثنى أحدُ الصادقين أن الناشر فلانا كان يتكلم مع بعض المتخصصين حقًّا في محاولة طبع "إرشاد السارى" للقسطلانى على هيئة "فتح البارى"، وبعد أن اتفقوا، ذهب هذا الناشر إلى أماكن الرذيلة ليقضى بقية ليلته مع النساء والخمر! فهؤلاء هم الذين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهذا يؤيد ما ذكره الترمذى، وثابت الثمالى وإن كان أضعف من شريكٍ، إلا أنه رواه على الوجهين. ويزيدهُ وضوحا أن جعفر بن محمد، رواه عن أبيه أبي جعفر محمد بن على بن الحسين، عن جابر قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مرَّةً مرَّةً. أخرجه ابنُ عدى (2/ 614) من طريق الحارث بن عمران الجعفرى، عن جعفر بن محمد به. وقال: "وهذا الحديثُ لا أعلمُ رواه عن جعفر غير الحارث هذا، وللحارث عن جعفر بهذا الإسناد غير حديث، لا يتابعه عليه الثقات" .. ثم قال: وللحارث أحاديث غير ما ذكرتُ عن جعفر بن محمدٍ، وعن غيره، والضعفُ بَيِّنٌ على رواياته" اهـ. * قُلْتُ: وهذا الترجيح نظريٌّ لا يُقوى الحديث, لأن ثابت بن أبي صفية تركه الدَّارقطنى في رواية. وقال الفلاسُ والنسائى: "ليس بثقةٍ". والجمهور على تضعيفه. ومتابعة جعفر بن محمدٍ له لا تنفعه، ففى الطريق إليه الحارث بن عمران وقد ذكرتُ فيه كلام ابن عدى، وتركه الدارقطنى. بل قال ابنُ حبان: "كان يضع الحديث على الثقات". = ¬

_ = ينشرون كتب التفسير والحديث؟! فواغوثاه بالله عز وجل، وهو المستعان على كل بليَّةٍ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فهذه المتابعة والعدمُ سواء!! [تنبيه] عقَّب الشيخ أبو الأشبال في "شرح الترمذيّ" (1/ 66) على ترجيح الترمذى رواية وكيع على رواية شريك النخعى، فقال: "شريك هو ابن عبد الله النخعى الكوفي القاضى، وهو ثقةٌ مأمونٌ كما قال ابن سعد، والخطأ لا يأمن منه إنسانٌ، ولكن زيادة الثقة مقبولةٌ، وإنما نلجأ إلى الترجيح بين الثقات إذا خالف بعضهم بعضًا، أمَّا إذا زاد أحدهم شيئًا لم يروه الآخرُ، ولم يكن بين الروايتين تعارضٌ: فلا موضع للترجيح، بل نقبلُ الزائد، إذ هو بمثابة حديثٍ آخر رواه الثقة" اهـ. * قلت: نعَمْ! الغلط لا يأمنُ منه إنسان، فهل يستوى غلطُ مالكٍ وشعبة، والثورى مع غلط شريك، وابن لهيعة، والحجاج بن أرطاة؟! وإنما تقبل الزيادةُ من الحافظ المتقن الذي لم يكن الغلط معروفًا عنه، إنما كان يغلطُ في النادر مع الأمانة والضبط، أمَّا من يصفه النقاد بأنه كثيرُ الغلط، سىء الحفظ، فمن المحال أن يُجعل ما يزيده ثابتًا بنفسه، لا سيما إذا انضم إلى ذلك مخالفةُ بعض الفحول له. وقد قدمت في الحديث (29) شيئًا من حال شريك، فراجعه. ... * ثالثًا: حَدِيْثُ بُرَيْدَةَ بْنِ الحُصيْبِ، رَضِيَ الله عَنْهُ. أخرجه الطبراني في "الأوسط" (ج1/ق 211/ 2) قال: حدثنا سيف ابن عمرو الغزيُّ، نا محمد بن أبي السريّ العسقلانى، نا أبو هنيدة، نا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: دعا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فتوضأ واحدةً واحدةً، فقال: "هذا الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به". ثم توضأ ثنتين ثنتين، فقال: "هذا وضوءُ الأمم قبلكم"، ثُمَّ توضأ ثلاثًا ثلاثًا، فقال: "هذا وضوئى ووضوء الأنبياء من قبلى". قال الطبرانى: "لا يروى هذا الحديث عن ابن بريدة إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد ابن أبي السرى". * قلْتُ: شيخُ الطبرانى، لم أجد له ترجمة، ووهم محقق "المعجم الصغير" للطبراني وهمًا فاحشًا، إذ قال (1/ 297): "قال الفتنى في "قانون الموضوعات" (262): متروكٌ، اتهم بالوضع والزندقة، وكان وضاعًا". وهذا إنما قيل في "سيف بن عمر الضبى"، فلله الأمر من قبلُ ومن بعدُ. ومحمد بن المتوكل بن أبي السرى العسقلانى صدوق، له بعض ما يُنكر عليه، وأبو هنيدة، لم أجد له ترجمة، وليس هو الذي ترجم له ابنُ أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 455 - 456) فإن هذا يروى عنه داود بن أبي هند، فهو متقدمٌ في الطبقة على ذاك. وابنُ لهيعة فيه مقال مشهور، وبه أعل الهيثمي الحديث (1/ 231). ولكن له طريق آخر عن ابن بريدة. أخرجه ابنُ عدى (6/ 2236) من طريق محمد بن يوسف الفريابى، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرَّةً مرَّةً" اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولم يذكر بقية المتن. قال ابنُ عدى: "وهذا يُعرف بـ "علي بن قادم" عن الثورى بهذا الإسناد، وقد رواه الفريابى، والفريابى له عن الثورى إفرادات، وله حديث كثير عن الثورى، وقد قُدِّم الفريابى في سفيان الثورى على جماعةٍ مثل عبد الرزاق ونظرائه، وقالوا: الفريابى أعلمُ بالثورى منهم ... والفريابى فيما تبين هو صدوق لا بأس به". قال الذهبيُّ في "الميزان" (4/ 71) تعقيبا على قول ابن عدي: له عن الثورى إفرادات: "قلْتُ: لأنهُ لازمه مدةً، فلا يُنكر له أن ينفرد عن ذاك البحر" اهـ. وأمَّا رواية علي بن قادم التي ذكرها ابنُ عدى: فأخرجها الرُّويانى في "مسنده" (ج 16/ ق 3/ 1) قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، نا عليُّ بنُ قادم، نا سفيان، عن علقمة، عن ابن بريدة، عن أبيه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرَّةً. وأخرجه تمام الرازى في "الفوائد" (171، 172) من طريقين آخرين عن على بن قادمٍ به. وهذا سند صحيح. وعلقمة هو ابن مرثد، وابنُ بريدة: هو سليمانُ. ثُمَّ أخرجه الرويانيُّ أيضا: نا ابنُ حميد، نا جرير، عن ليث، عن عثمان ابن عمير، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرةً مرة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا سند ضعيف جدًّا. وابنُ حميد هو محمد، وهو واهٍ كما قدمنا. وليث هو ابنُ أبي سليم، يُضعَّفُ. وعثمان بن عمير أبو اليقظان ضعيف منكر الحديث (¬1). ... * رابعًا: حَدِيْثُ أبِى رافِع , رَضىَ الله عَنْهُ. أخرجه الرويانى في "مسنده" (ج 25/ ق 139/ 1)، والطبرانى في "الأوسط" (ج1 /رقم 911) واللفظُ لَهُ من طريق سعيد بن سليمان الواسطى، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردى، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي رافع، قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثا، وغسل يديه ثلاثا، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل رجليه ثلاثًا، ورأيتُهُ مرةً أخرى توضأ مرة مرة". قال الطبرانى: "لا يروى هذا الحديث عن أبي رافع, إلا بهذا الإسناد، تفرد به الدراوردى". ورواه سعيدُ بن سليمان الواسطى أيضا، عن الدراوردى، عن عمرو ابن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع, عن أبيه، عن جدِّه فزاد في سنده: "عبيد الله بن أبي رافع". = ¬

_ (¬1) لم يذكره المزى في "التهذيب" (11/ 370) في الرواة عن سليمان بن بريدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أخرجه الطحاوى في "الشرح" (1/ 30). وتابعه على هذا الوجه نعيم بن حماد -واختلف فيه عليه كما يأتي- وسليمان الشاذكونى، وهو واهٍ. ذكره الدارقطنى في "العلل" (ج 2/ ق 87/ 2). * قُلْتُ: وهذا الوجهُ أولى، فقد ذكر البخاريُّ أن الدراوردى لم يضبطه، ويدل على ذلك أن سعيد بن سليمان رواه عنه على الوجهين. وقد رجح الدارقطنى رواية من قال: "عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده". يؤيدُ هذا الوجه ما: أخرجه الرويانيُّ في "مسنده" (ج 25/ ق 138/ 2) قال: نا العباسُ، نا عثمان بْنُ محمدٍ، نا يعقوبُ بْنُ عبد الله المخزومى، عن عبد الله بن أبي رافعٍ، عن أبيه عن جده، قال: "رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ورأيتُهُ يتوضأ مرةً مرةً". وعبد الله بن أبي رافع: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع , يُشْبِهُ أن يكون نُسب إلى جده. والله أعلمُ. وهذا سند قوى. والعباس هو ابنُ عبد العظيم العنبرى. وهذه الرواية أولى من رواية عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي رافع، فقد قال الحافظ في "التهذيب" (5/ 306) في ترجمة "عبد الله ابن عبيد الله بن أبي رافع": "قُلْتُ: في روايته عن جده نظر، ولهذا ذكره ابن حبان في أتباع التابعين" اهـ. * ووجه آخر من الاختلاف في سنده. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = فرواه عبد الله بن عمر الخطابى، وأبو الوليد الطيالسى معا، عن الدراوردىّ، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه فذكره. أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (ج1/رقم 171) وأبو عبيد (ق 33/ 2)، والطبرانى في "الكبير" (ج1/ رقم 937)، والدارقطنى (1/ 81). وهذا سند حسن. قال الهيثمى في "المجمع" (1/ 231): "رجاله رجال الصحيح". وقال صاحب "التعليق المغنى" (1/ 81): "إسناده صحيحٌ". ورواه أحمد بن أبان، عن الدراوردى، أنا عمرو بن أبي عمرو، عن ابن أبي رفع، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرةً. أخرجه البزار (ج1/ رقم 272). وابنُ أبي رافع: هو عبيد الله. وأخرجه أبو عبيد (ق 33/ 2) ثنا نعيم بن حماد، عن عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن رجُلٍ -قال عبدُ العزيز: نسيتُ اسمه-، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه مثله. قال أبو عُبَيْدٍ: "وفي غير حديث نُعيم تسميةُ هذا الرجل أنه عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه، عن جده". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقد ذكر البخاريُّ وجوها من الاضطراب في سنده. فقال في "التاريخ الكبير" (3/ 1/ 138 - 139): "وقال مرة -يعنى عبد العزيز الدراوردى، عن عمرو-: عبيد الله ويعقوب بن خالد، عن أبي رافع". وقال الدارقطنى في "العلل" (ج2/ ق 87/ 2): "ورواه أبو همام عن الدراوردى بهذا الإسناد (¬1) إلا أنه لم يذكر: "عمرو بن أبي عمرو"، ورواه سعيد بن منصور وضرار بن صرد، وخلف بن هشام، عن الدراوردى، عن عمرو بن أبي عمرو، عن يعقوب بن خالد، عن أبي رافع، ورواه الحسن بنُ الصباح الزعفرانيُّ عن سعدويه (¬2) عن الدراوردى، عن محمد بن عمارة، ويعقوب بن المسيب، عن أبي رافع. وأشبههما بالصواب: حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافعٍ، عن أبيه، عن جده". ... * خامسًا: حديثُ ابْنِ الفَاكِهِ، رَضىَ الله عَنْهُ. أخرجه البخارى في "الكبير" (3/ 1/ 244) وأبو عبيد في "كتاب الطهور" (ق 33/ 2)، وأبو القاسم البغوى في "مسند ابن الجعد"، (ج2 / رقم 3572) من طريق على بن الجعد، أنا عدى بن الفضل، عن = ¬

_ (¬1) يعنى الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده. (¬2) هو سعيدُ بن سليمان الواسطى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن ابن الفاكه. قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة". * قُلْتُ: وسنده ضعيف جدا. وعديُّ بن الفضل تركه أبو حاتم، وأبو زرعة، والدارقطنيُّ. وقال ابنُ معين، والنسائى وغيرهما. "ليس بثقة". وابنُ الفاكه، قيل: هو عبد الرحمن بن الفاكه، كذا أفرده البغوى وابن حبان. وقال البغوى: "ليس له غير هذا الحديث". أمَّا البخارى فإنه يرى أن عبدَ الرحمن بن أبي قراد -وقد مرّ له حديث برقم (16) - هو ابْنَ الفاكه، لذلك أورد هذا الحديث في ترجمته، فالله أعلمُ. ... * قُلْتُ: وفي الباب أحاديثُ أخرى لم يذكُرْهَا الترمذى، مِنها: * سادسا: حديْثُ عَبدِ الله بْنِ عُمَرَ، رَضى الله عَنْهُمَا. ولَهُ عن ابْنِ عُمَرَ طرقٌ، منها: 1 - معاوية بن قرة، عنه، قال: "توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مرةً، فقال: "هذا الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به"، ثُمَّ توضأ مرتين مرتين، فقال: "هذا القصد من الوضوء، يضاعف لصاحبه أجرُهُ مرتين". ثُم توضأ ثلاثا ثلاثا فقال: "هذا وضوئى، ووضوءُ خليل الله إبراهيم، ووضوء الأنبياء قبلى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وهو وظيفة الوضوء، فمن توضأ وضوئى هذا، ثُم قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدا عبدُهُ ورسولُه, فتحت له ثمانيةُ أبواب الجنة، يدخلُ من أيها شاء". أخرجه أبو يعلى (ج9/ رقم 5598)، وابنُ حبان في "المجروحين" (2/ 161 - 162)، وابنُ الأعرابى في "معجمه" (ج1 /ق 16/ 2 وج4/ق 72/ 2)، والعقيلى في "الضعفاء" (2/ 288)، من طريق عبد الرحيم (¬1) بن زيد العمي، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن ابن عُمَرَ. ورواه عن عبد الرحيم بن زيدٍ -هكذا- جماعة، منهم: "محمد بن موسى الحرشى، وسوار بن عمارة، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبى، وأحمد بن بشير المذكر". وتابعهم مرحومُ بْنُ عبد العزيز العطَّار، حَدَّثنا عبدُ الرحيم به. أخرجه ابن ماجةَ (419) قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهليُّ، حدثنى مرحوم به. وقد خولف شيخُ ابْنِ ماجة فيه. خالفه بشر بن عبيس بن مرحوم، فرواه عن جده مرحوم بن عبد العزيز، عن عبد الرحيم بن زيد، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن جدِّه .... ثُم ذكر الحديث. أخرجه الطبرانى في "الأوسط" (ج 2 /ق 90/ 1) قال: حدثنا محمد = ¬

_ (¬1) في "كتاب العقيلى": "عبد الرحمن"!! وهو تصحيفٌ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ابن على الصائغُ، نا بشر بن عبيس به وقال: "هكذا روى هذا الحديث مرحوم بن عبد العزيز، عن عبد الرحيم بن زيد، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن جده". * قُلْتُ: وأبو بكر -واسمه محمد- ابن خلاد أقوى من بشر بن عبيس، وهذا الاختلاف هو من عبد الرحيم أو من أبيه. وذكر الدارقطنى فى "العلل" (ج 4/ق 52/ 1) أن مرحوم بن عبد العزيز العطار رواه عن عبد الرحيم بن زيد، عن أبيه زيد العَمِّى، عن معاوية بن قرة مرسلاً (¬1). ولم أقف على راويه عن مرحوم بن عبد العزيز، وفي ظنى لن يكون أوهى من عبد الرحيم بن زيد، وهو أضعفُ مَنْ في السند فقد كذبه ابن معين، وتركه أبو حاتم والنسائى، ووهاهُ أبو زرعة الرازى، فالسندُ تالفٌ. وقد توبع على الوجه الأول. فتابعه سلام الطويل، عن زيد العَمِّي، عن معاوية بن قرة، عن ابْنِ عمر. أخرجه الطيالسي (1924)، وابنُ أبى حاتم فى "العلل" (ج 1/ رقم 100)، وابنُ عدى في "الكامل" (3/ 1146 - 1147) وعنه البيهقى (1/ 80 - 81) ولكنها متابعةٌ ساقطةٌ لا يُفرح بها. وسلام الطويل متروكٌ أيضًا. = ¬

_ (¬1) ورواه داود بن المحبر، عن أبيه، عن جده، عن معاوية بن قرة، عن أبيه مرفوعًا أخرجه ابنُ عدي (3/ 966). وداود بن المحبر ساقطٌ البته هو والعدم سواء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وزيد العَمِّي (¬1) ضعيفٌ، وهاهُ الذهبى، وضعّفه الجمهورُ. قال ابن أبي حاتم في "العلل" (ج1 / رقم 100): "سألتُ أبي عن حديث رواه عبد الرحيم بن زيد العَمِّى ... فذكره، فقال أبي: عبد الرحيم بن زيد متروكُ الحديث، وزيد العَمى ضعيفُ الحديث، ولا يصح هذا الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، وسئل أبو زرعة عن هذا الحديث فقال: هو عندى واهٍ، ومعاويةُ بْن قرة لم يلحق ابن عمر .. ". ثُمّ نقل ابن أبي حاتم عن أبيه قوله في حديث سلام الطويل: "سلام الطويل متروك الحديث، وزيد العَمى ضعيفُ الحديث". وقال البيهقيُّ: "وهكذا روى عبد الرحيم بن زيد العَمى عن أبيه وخالفهما غيرُهما، وليسوا في الرواية بأقوياء". * قُلْتُ: يشير البيهقى إلى أن سلام الطويل وعبد الرحيم بن زيد قد خولفا في سند هذا الحديث. فخالفهما أبو إسرائيل إسماعيل بن خليفة الملائى، فرواه عن زيد العَمِّى، عن نافع، عن ابن عمر فذكره. أخرجه أحمدُ (2/ 98) وعنه الدارقطنى (1/ 81). وأبو إسرائيل الملائى الراجحُ ضعفُهُ , وهو خيرٌ من سلَّام وعبد الرحيم = ¬

_ (¬1) العَمِّي -بفتح المهملة وتشديد الميم. قال أحمد بْن صالحٍ: "إنما سُمِّي العَمِّي لأنه كان إذا سئُل قال: حتى أسأل عمِّي"!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = ولكن قال الدارقطنى في "العلل" (ج 4 /ق 52/ 1): "وهم فيه -يعني أبا إسرائيل- والصوابُ قول مَنْ قال: عن معاوية ابن قرة" اهـ. وقال الهيثمى في "المجمع" (1/ 230): "رواه أحمدُ، وفيه زيد العَمى، وهو ضعيف، وقد وُثِّق، وبقيَّةُ رجاله رجال الصحيح"! قال الشيخ أبو الأشبال في "شرح المسند" (8/ 86): "وهم جدًّا، والعجبُ من الهيثمي أن يسهو فيذكر أن رجاله رجال الصحيح، وما كان أبو إسرائيل الملائى من رجال الصحيح قطُّ! ما روى له واحد من الشيخين، وما صحح له واحد من الأيمة" اهـ. وأمَّا قولُ أبي زرعة: "معاوية بن قرة لم يلحق ابْنَ عُمَرَ"، فتعقَّبه الشيخ أبو الأشبال رحمه الله في "شرح المُسند" (8/ 87) فقال: "وفى هذا نظرٌ، بل هو خطأ؛ لأن معاوية بْنَ قرَّة مات سنة (113) وهو ابْنُ (76) سنة، فقد ولد نحو سنة (73) وأدرك ابْنَ عمر إدراكا طويلًا، وهو ثقةٌ لم يذكر بتدليس" اهـ. * قُلْتُ: وهذا الذي ذكره أبو الأشبال متجهٌ، ولكن نقل الحافظ في "التهذيب" أن أبا حاتم قال:"لم يلق ابنَ عمر"، وهذا أخصُّ في الدعوى من كلام أبي زرعة فإن الإدراك أعمُّ من اللُّقيا، كمثل أبي سلمة الخزاعى منصور بن سلمة، قال الحافظ في "الفتح" (1/ 241): "أدركهُ البخارىُّ، لكنه لم يلقه" (¬1). = ¬

_ (¬1) ومثله قول أبي حاتم في "سوار بن عمارة الرملى": "أدركته ولم أسمع منه" ومثلُهُ كثير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وكأنه لذلك لم يذكر أحدٌ من القدماء ممن ترجم لمعاوية بن قرة مثل البخارى في "التاريخ الكبير" (4/ 1/ 330)، وابنُ أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 378 - 379)، وابنُ حبان في "الثقات" (5/ 412)، لم يذكر واحدٌ منهم "ابن عمر" في شيوخ معاوية بن قرة، وإنما ذكروا "أنس بن مالك"، ولو كان لمعاوية رواية عن ابن عمر لذكروه في شيوخه، لا سيما أنه من الصحابة. يؤيدُهُ أن الحاكم ذكر هذا الحديث في "المستدرك" (1/ 150) وقال: "مرسلٌ مشهور" وهو يعنى بالإرسال هنا الانقطاعَ على عادة القدماء في تسمية الانقطاع بالإرسال. وكل هذا الذي ذكرتُه قد يرجح الانقطاع، لكنى لا أجزمُ به والله أعلمُ. ووجهٌ آخر من الاختلاف في سنده. فرواه عبد الله بْنُ عرادة (¬1) الشيباني وهو ضعيفٌ، عن زيد العَمى، عن معاوية بن قرة، عن عبيد بن عمير، عن أبَيِّ بْنِ كعب ... فذكره. أخرجه ابْنُ ماجة (420) والهيثمُ بْنُ كليب في "مسنده" (ق 106/ 1 - 2)، والدارقطنى (1/ 81)، والعقيلى في "الضعفاء" (2/ 288)، والآجرى في "الأربعين" (ص-58). قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 82): "وعبد الله بن عراده، وإنْ كانت روايتُه متصلة، فهو متروك" اهـ. وقال الدارقطنى في "العلل" (ج4/ق 52/ 1): = ¬

_ (¬1) وقع في "مسند الهيثم": "عبد الله بن عبادة"! وهو تصحيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "ورواه عبد الله بن عرادة ... ولم يُتابع عليه". وقال العقيليُّ: "فيه نظر". 2 - عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. أخرجه الدارقطنى (1/ 80)، والبيهقى في "السنن" (1/ 80)، وفى "المعرفة" (1/ 232) من طريق المسيَب بْنِ واضح، قال: حدثنا حفض ابن ميسرة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر ... فذكره. قال الدارقطنى: "تفرَّد به المسيّبُ بْنُ واضحٍ، عن حفص بن ميسرة، والمسيب ضعيف". وقال البيهقى: "وهذا الحديث من هذا الوجه يتفرد به المسيبُ بْنُ واضحٍ وليس بالقوى". وقال في "المعرفة": "المسيبُ بْنُ واضح غيرُ محتجّ به، وروى من أوْجُهٍ كلها ضعيف". وقال عبدُ الحق الأشبيلى في "الأحكام": "هذا الطريق من أحسن طرق الحديث". نقله الزيلعيُّ في "نصب الراية" (1/ 28). قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 82): "وهو كما قال لو كان المسيب حفظه، ولكن انقلب عليه إسنادُهُ، وقال ابنُ أبي حاتم: المسيبُ صدوق إلا أنَّه يخطىءُ كثيرًا". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = * قُلْتُ: ومعنى قول عبد الحق أنَّ هذا الطريق هو أخفُّ الطرق ضعفًا، لا أنَّهُ حسنٌ، فكُنْ منه على ذكْرٍ. وقد اختُلف على المسيب بن واضح في إسناده. فرواه محمد بن تمام بن صالح، ثنا المسيبُ بْنُ واضح، ثنا سليمان بن عمرو النخعيُّ، عن أبي حازمٍ، عن ابن عمر، قال: "توضأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مرَّةً مرَّةً، فأسبغ الوضوء، ثُمَّ قال: "هذا وظيفة الوضوء، ووضوء من لا يقبل الله صلاة إلا به" ثُمَّ توضأ مرتين مرتين، ثُمَّ قال: "هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين" ثُمَّ توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: "هذا وضوئى ووضوء الأنبياء قبلى وما زاد فهو إسرافٌ وهو من الشيطان". أخرجه ابنُ عدىّ (3/ 1097) في "الكامل". وسنده تالفٌ، وأبو داود النخعيُّ قال ابن معين: "كذَّابٌ خبيثٌ". 3 - نافع، عنه. أخرجه تمام الرازىّ في "الفوائد" (169) من طريق على بن الحسين بن الجنيد، نا أبو نعيم عبيد بن هشام الحلبيُّ، نا عبدالعزيز بن محمد الدراورديُّ، عن عبيد الله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم توضأ مرَّةً مرَّةً. قال تمام: "لم يحدث به غير ابن الجنيد". * قُلْتُ: ابن الجنيد ثقةٌ حافظٌ. وثقه ابنُ أبي حاتم (3/ 1/ 179). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الذهبيُّ في "السير" (14/ 16): "الإِمام الحافظ الحجة، من أئمة هذا الشأن". وبقية رجال السند ثقات إلا عبيد بن هشام فإنهم ضعّفوه لكونه يتلقن لتغيُّرٍ حدث له. عافانا الله وسائر أحبابنا في الله تعالى. وأخرجه تمام أيضًا (170) من طريق سعيد بن عبد الملك نا يونس بن بكير الشيبانى، عن محمد بن إسحق، عن نافع، عن ابن عمر به. وسنده ضعيفٌ لضعف سعيد بن عبد الملك، وعنعنة ابن إسحق. ... * سَابِعًا: حَدِيْثُ عَبدِ الله بْنِ عمرو، رَضىَ الله عَنْهُمَا. أخرجه البزَّارُ (ج1 / رقم 269)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج2 / ق 163/ 1) من طريق بكر بن يحيى بن زبان، نا مندلُ بْنُ عليٍّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن عبد الله بن عمرو، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرَّةً مرَّةً زاد الطبرانُّي: "ثمَّ قام فصلى". قال البزَّارُ: "لم يروه عن عبد الله بن عمرو إلا مجاهدٌ , ولا عنه إلا ابْنُ أبي نجيح". وقال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن ابن أبي نجيح إلا مندلُ، تفرَّد به بكر بن يحيى". * قُلْتُ: أمَّا مندلُ بْنُ عليٍّ فضعيفٌ. ولكن تابعه عبيد الله بن عمرو الرقيّ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = عن ابن عمرو فذكره. أخرجه الطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/ 29) من طريق يحيى بن صالح الوحاظى، قال: ثنا عبيدُ الله بن عمرو به. ويحيى الوحاظى فيه مقالٌ من قبل حفظه، وقد خالفه عليُّ بنُ معبد الرقيِّ، وهو أوثقُ مِنْهُ، فرواه عن عبيد الله بن عمرو، عن الحسن بن عمارة، عن ابْنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو به. أخرجه الطحاويُّ أيضًا. والحسنُ بن عمارة متروك الحديث، كان شعبةُ شديد الحمل عليه، وكان يُكذِّبُهُ. ... * ثامِنًا: حَدِيْثُ عَائِشة، رَضىَ الله عَنْهَا. أخرجه ابنُ عديٍّ (7/ 2683) من طريق يحيى بن ميمون بن عطاء، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضأ مرَّةً مرَّةً، وقال: "هذا فرضُ الوضوء". وتوضأ مرَّتين مرَّتيْن، فقال: "من زاد زاده الله" وتوضأ ثلاثًا ثلاتًا، وقال: "هذا وضوؤنا معاشر الأنبياء، فمن زاد فقد أساء وظلم". * قُلْتُ: وهذا سندٌ واهٍ جدًّا. ويحيى بن ميمون تركه الدارقطنيُّ، بل كذَّبه عمرو بْنُ عليٍّ والسَّاجى. وقال النسائيُّ: "ليس بثقةٍ ولا مأمونٍ". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال أحمدُ: "ليس بشيءٍ , خرقنا حديثه، كان يقلبُ الأحاديث". وفي "علل الحديث" (ج1/ رقم 146) لابن أبي حاتمٍ قال: "سُئل أبو زرعة عن حديثٍ ... فذكر هذا الحديث. فقال أبو زرعة: هذا حديث واهٍ منكرٌ، ضعيفٌ". وقال في موضع آخر من "العلل" (ج1/رقم 172): "قال أبو زُرعة: ليس لهذا الحديث أصلٌ، وامتنع من قراءته، ولم يقرأه علينا". ... * تاسِعًا: حَدِيثُ زيد بن ثابتٍ وأبي هريرة، رَضىَ الله عَنْهُما. أخرجه الخلَّال في "الأمالى" (95) والدَّارقطنيُّ في "غرائب مالك" -كما في "نصب الراية" (1/ 29) -، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 258) من طريق عليّ بن الحسن الساميِّ , ثنا مالكُ بنُ أنسٍ , عن ربيعة، عن ابن المسيب، عن زيد بن ثابتٍ وأبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنَّهُ دعا بالماء فتوضأ مرَّةً مرَّةً وقال: "هذا الذي لا يقبلُ الله العمل إلا به"، وتوضأ مرَّتين مرَّتين، وقال "هذا يضاعفُه الله للأجر" وتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: "هذا وضوئى ووضوء الأنبياء قبلى صلوات الله عليهم أجمعين". قال الدَّارقطنيُّ: "تفرَّد به عليُّ بْنُ الحسن، وكان ضعيفًا".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = وقال الحافظُ في "التلخيص" (1/ 82): "هو مقلوبٌ، ولم يروه مالكٌ قطُّ" اهـ. وقال الذهبيُّ في "الميزان" (3/ 120). "هو في عداد المتروكين". وقال ابنُ حبان: "لا يحلُّ كتبُ حديثه إلا على جهة التعجُّب". ... * عاشرًا: حَدِيْثُ أنسٍ، رَضىَ الله عَنْهُ. أخرجه ابنُ شاهين في "الترغيب" (¬1) (ق 262/ 1 - 2) من طريق محمد بن مصفى، أنا ابنُ أبي فديك، قال: حدَّثنى طلحة بن يحيى، عن أنس بن مالكٍ قال: "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوءٍ، فغسل وجهه مرَّةً ويده مرَّةً، ورجليه مرَّةً مرَّةً، وقال: "هذا وضوء لا يقبلُ الله عَزَّ وَجَلَّ الصلاة إلا به" ثمَّ دعا بوضوءٍ فتوضأ مرتين مرتين، وقال: "هذا وضوءٌ، من توضأ ضاعف الله له الأجر مرتين" ثمَّ دعا بوضوءٍ فتوضأ ثلاثًا وقال: "هكذا وضوءُ نبيكم صلى الله عليه وسلم والنبيين قبله، أو قال: هذا وضوئى ووضوء الأنبياء قبلي". وعزاه الحافظُ في "التلخيص" (1/ 82 - 83) لأبي علي بن السكن في "صحيحه". قال شيخُنا الألباني في "الصحيحة" (1/ 466): ¬

_ (¬1) كما في "الصحيحة" (261) لشيخنا حفظه الله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = "وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف ولكنه منقطع، فإن طلحة بن يحيى هو ابن النعمان بن أبي عياش الزرقى لم يذكروا له روايةً عن أحدٍ من الصحابة، بل ولا عن التابعين" اهـ. ... * حادي عشر: حَدِيْثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ. أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير" (ج20/رقم 125) من طريق محمد بن سعيد , عن عبادة بن نسى، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبلٍ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ واحدةً، واثنتين , وثلاثًا، كلُّ ذلك كان يفعل. * قُلْتُ: وسندُه تالفٌ البتة. ومحمَّدُ بْنُ سعيد هو المصلوب عن الزندقة كذابٌ يضعُ الحديث وتساهل الهيثميُّ في شأنه، فقال في "المجمع" (1/ 233) يعلُّ هذا الحديث: "فيه محمد بن سعيد المصلوب، وهو ضعيفٌ"!!. ثم وجدتُه في مكان آخر من "المجمع" (8/ 83) قال: "يضعُ الحديث". ... * ثاني عشر: حديثُ الجُلّاسِ بْنِ صليت اليربوعي، رضي الله عنه. أخرجه ابنُ مندة، وأبو نعيم في "الصحابة" من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، حدثتنا مُرار بنت منقذ الصليتية، حدثتنى أم منقذ بنت الجلاس بن صليت، عن أبيها أنَّه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ = الوضوء، فقال: "واحدةٌ تجزيء وثنتان" قال: ثمَّ رأيتُه توضأ ثلاثًا ثلاثًا. قال ابنُ مندة: "غريبٌ لا يُعرف إلا من هذا الوجه". قال الحافظ في "الإصابة" (1/ 495): "عبد الرحمن متروك الحديث". تمَّ بحمد الله تعالى الجزءُ الثاني من "بذل الإحسان" ويتلوهُ "الجزءُ الثالث"، وأوَّلُهُ: أخبرنا سويدُ بْنُ نصرٍ ... والله أسألُ أن يتقبَّله مني بقبولٍ حسنٍ، وأن ينفع به، وأن يطيل في طاعته عمري، حتى أوفق إلى إتمامه على الوجه الذي يرضيه إن شاء الله، إنه ولي ذلك والقادرُ عليه. وكتبه أبو إسحق الحويني الأثري مسلمًا، حامدًا لله تعالى، ومصليًّا على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ***

§1/1