بحوث ومقالات في اللغة والأدب وتقويم النصوص (مقالات محمد أجمل الإصلاحي)

محمد أجمل الإصلاحي

بين يدي الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم بين يدي الكتاب الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد، فهذه طائفة من البحوث والمقالات ألقيت في ندوات علمية أو نشرت في بعض المجلات والملحقات التراثية. وقد اقترح عليّ قبل سنوات شيخنا الحاج الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي أن أجمعها في كتاب ليتيسر الاستفادة منها. وذلك لأن الموضوعات التي تنشر في المجلات والدورات تختفي بعد مدة من الزمن عن أنظار الباحثين، فيصعب البحث عنها والرجوع إليها على الذين قد عاصروا صدورها واطلعوا عليها، فضلًا عن ناشئة الدارسين الذين لم يدركوها فغاب عنهم أمرها البتة. ثمّ إذا كانت الكتابة عبارة عن جمع وتلخيص وإعادة ترتيب، فخطبها هيّن، ولا يضير الدارس عدم وقوفه عليها، ولكن الضير كل الضير في اختفاء البحوث والمقالات التي تضيف شيئًا جديدًا إلى العلم، بما فيها من فكرة بديعة، أو كشف عن مجهول، أو استدراك فائت، أو تصحيح غلط قديم، أو تقويم نصّ

منآد، أو حلّ مشكلة عويصة، أو فصل خلاف متشعب، وما أشبه ذلك؛ ولا ريب أن بقاء مثل هذه الكتابات مدفونة في بطون المجلات ظلم على طلبه العلم. وعلى تأييدي لكلام الشيخ وصوابه الظاهر، لم أنشط للعمل على اقتراحه، لأن ما نشرته لا يرقى إلى مستوى الكتابات العالية التي أشار إليها، فلم أزل مترددًا إلى أن زارني يومًا صديق فاضل يحمل رسالته العلمية التي نال عليها شهادة الدكتوراه، وهو يريد تقديمها إلى إحدى دور النشر، فرغب إليّ أن أنظر فيها نظرةً قبل نشرها. فرأيته في بعض فصوله قد خصّ فقرة كاملة بكتاب مطبوع باسم "الموضح في التفسير" لأبي النصر الحدادي. وقد سبق أن نشرت سنة 1412 هـ مقالًا في ملحق التراث بصحيفة المدينة كشفت فيه عن حقيقة هذا الكتب المزعوم، وبينت أن ناشره وقع على رسالة لمؤلف مجهول جرّد فيها شواهد كتاب "الموضح لعلم القرآن" للحدادي، كما صرّح بذلك في خاتمتها، فأضاف إليها من عنده أسماء السور ونصوص الآيات التي استشهد عليها المؤلف بتلك الآيات، وسماه كما شاء: "الموضح في التفسير"! ولما قصصت ذلك على الباحث الفاضل هاله الأمر، ثم تعجب كيف فاته المقال المذكور مع متابعته لما كان ينشر في ملحق التراث. وهنالك غيّرت رأيي، وقررت أن أهيئ بضاعتي، وأزجيها - على علاّتها - إلى إخواتي الباحثين والدارسين، لينتفعوا بما فيها من الحق والصواب، وهم أحقّاء بمعرفة سمينها من غثّها ومتينها من رثّها. وتشتمل هذه المجموعة على أربعة عشر موضوعًا، ولكن معظم صفحاتها قد استأثرت بها قراءات نقدية لكتب من التراث اللغوي والأدبي، توفّر على تحقيقها أساتذة أفاضل. ومنها دراسة مبسوطة دارت حول تحقيق كتاب "إصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله النمري في تفسير معاني أبيات الحماسة "للأسود

الغندجاني، من مطبوعات معهد المخطوطات العربية بالكويت، ونشرت سنة 1410 هـ بعنوان "إصلاح الإصلاح" في ثلاثة أجزاء من مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق. وقد استطالت الدراسة لأنها لم تعقد على نماذج مختارة من المآخذ، بل عنيت بإصلاح الخلل الواقع في الكتاب كلّه، وحلّ جميع مشكلات النصّ التي قد تجاوزها المحقق الفاضل. وقد استغرق بعض المباحث التي انطوت عليها أكثر من ستّ صفحات أو سبع من صفحات المجلة. وقد بلغني فيما بعد أن علاّمة الشام الأستاذ أحمد راتب النفاخ رحمه الله كان يثني على هذا النقد، وأنّ لجنة المجلة قد رأت اختصارها، ولكنّ الأستاذ أصرّ على نشره برمّته. ومن القراءات التراثية أيضًا: قراءة كتاب المجرد لكراع النمل، وشعر ابن وكيع التنّيسي، وكتاب المجموع اللفيفي للقاضي أمين الدولة الأفطسي. وهنا أ؛ ب أن أوضح أني لم أقصد إلى نقد هذه الكتب أو غيرها ابتداء، وإنما أقبلت على قراءتها مستفيدًا مستمتعًا فحسب، وما جاء نقدها إلا اتفاقًا. أضف إلى ذلك أن الكتابة نفسها لا تستهويني، بل كثيرًا ما أجدني أنفر منها نفورًا، وإذا دُفعت إليها فكأنما أحمل نفسي على مركب صعب، وبلأي ما يسلس قيادها. ولكني شفغت بالقراءة، فهي الهمّ والهوى، وغرضي منها الفائدة والمتعة لا غير. بيد أن هذا التراث العظيم الذي آل إلينا أمانة ثقيلة تنوء بالعصبة أولي القوة، ولا يمكن أداؤها على الوجه المطلوب إلا إذا تظاهرت عليه جهود المحقق القدير والناقد البصير، بل يجب على كل قارئ لكتاب من كتب التراث، إذا فتح الله عليه بشيء مما غاب عن ناشره أن ينبهه عليه. وقد عبر عن هذا المعنى أحد شيوخ التحقيق في عصرنا - وهو الأستاذ السيد أحمد صقر رحمه الله - بكلمة بليغة ينبغي أن تكون دائمًا نصب أعيننا، وقد ختم بها مقدمة تحقيقه لكتاب الموازنة للآمدي، وأسوقها هنا بتمامها لنفاستها وأهميتها. قال لله درّه:

"وإني - على نهجي الذي انتهجت منذ أول كتاب نشرت - أدعو النقاد إلى إظهاري على أوهامي فيها، وتبيين ما دقّ عن فهمي من معانيها، أو ندّ عن نظري من مبانيها؛ وفاء بحق العلم عليهم، وأداء لحق النصيحة فيه، لأبلغ بالكتاب فيما يستأنف من الزمان، أمثل ما أستطيع من الصحة والإتقان. والنشر فن خفي المسالك، عظيم المزالق، جمّ المصاعب، كثير المضايق؛ وشواغل الفكر فيه متواترة، ومتاعب البال وافرة، ومبهضات العقل غامرة، وجهود الفرد في مضمارها قاصرة؛ يؤودها حفظ الصواب في سائر نصوص الكتاب، ويعجزها ضبط شوارد الأخطاء ورجعها جميعا إلى أصلها؛ فيأتي الناقد وهو موفور الجمام فيقصد قصدها، ويسهل عليها قنصها. ومن أجل ذلك قلت - وما أزال أقول -: إنه يجب على كل قارئ للكتب القديمة أن يعاون ناشريها يذكر ما يراه فيها من أخطاء، لتخلص من شوائب التحريف والتصحيف الذي منيت به، وتخرج للناس صحيحة كاملة". وقد صدرت في نظراتي في كتب التراث عن هذا الأصل الذي ذكره الشيخ، غير أنها نظرات قارئ لا نظرات ناقد كما أسلفت، فإنني في خلال قراءة الكتاب أشير إلى الفوائد التي تمرّ بي، وإذا عنّت لي ملحوظة قيّدتها في حاشيته، وقد تقتضي كثرة المآخذ أو أهميتها أن أنشرها، مشاركةً للمحقق في أداء الأمانة، وشكرًا له على ما استفدت واستمتعت من الجهد الذي بذله في إخراج الكتاب، ونصحًا للدارسين؛ ولكن كثيرًا ما يغلب عليّ طبعي الذي أشرت إليه، فتبقى تعليقاتي زمنًا يطول أو يقصر، حتى يبعث باعث قويّ على إظهارها. ومن بحوث هذه المجموعة بحث عن كتاب الجماهر في معرفة الجواهر للعالم العبقري المشهور أبي الريحان البيروني. وهو أقدم محتويات الكتاب، فقد تلقيت دعوة من "معهد أبي الكلام آزاد للبحوث" في حيدراباد الدكن

للمشاركة في المهرجان الذي عقده سنة 1975 م (1395 هـ) بمناسبة مرور ألف سنة على وفاة البيروتي، فأعددت هذا البحث بعنوان "جولة أدبية في كتاب الجماهير لأبي الريحان البيروني"، وأرسلته إلى المعهد، ولم أتمكن من الحضور في المهرجان وكان البحث الوحيد الذي قدّم فيه باللغة العربية. ولم أحفل بنشره حتى قدمت المدينة المنورة سنة 1402 هـ، فعرضته على الدكتور شكري فيصل رحمه الله، فغّير عنوانه إلى "مواقف أدبية ولغوية في كتاب .... " مما أضفى على البحث وقارًا من حيث عنوانه على الأقل، ثمّ بعثت به إلى مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، فنشر فيها. وقد ضممته إلى هذه المجموعة لأنه ينتمي إلى مرحلة عزيزة من العمر، إذ كتبته قبل أن ألتحق بالدراسات العليا في جامعة عليكره. ولا يخلو مع ذلك من فوائد، وأقربها كلمة للبيروني نقلتها من كتابه "الصيدنة"، وهي قوله: "الهجو بالعربية أحبّ إليّ من المدح بالفارسية". وقد هاتفني الدكتور شكري رحمه الله ذات يوم من أجل هذه الكلمة، ليتحقق من نصّها ويستشهد بها في محاضرة له عن اللغة العربية ألقاها في النادي الأدبي بالمدينة المنورة. وفي المجموعة عدة مقالات نشرت في ملحق التراث بصحيفة المدينة ثم بصحيفة البلاد، الذي كان يشرف عليه الصديق الكريم الأستاذ الدكتور محمد يعقوب التركستاني، ولولا حثّه المتصل على المشاركة في الملحق المذكور ما ظهرت تلكم المقالات المعدودات. والذي وصل حبلي بحبله هو أستاذي وصديقي الدكتور ف عبد الرحيم الذي صحبته نحو اثني عشر عامًا في مدينة النبي عليه الصلاة والسلام، وأفدت كثيرًا من علمه الغزير. فللصديقين الجليلين خالص الشكر والتحية والتقدير. أما الحاج الحبيب اللمسي فله منّتان على هذه المجموعة، إذ هو الذي اقترح إعدادها، ثم هو الذي تولّى إصدارها ضمن مطبوعات دار الغرب الإسلامي، فجزاه الله خيرًا، وشكر مساعيه في خدمة العلم وأهل العلم.

ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ، وافسح اللهّم في أجلهما، وهوِّن عليهما من وطأة الكبر، واحفظهما من سطوة الأسقام والعلل؛ وأصلح لي ذريّتي، وارزقهم العلم النافع والعمل الصالح. وصلّ اللهمّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم. الرياض محمد أجمل أيوب الإصلاحي 18 صفر 1428 هـ

(1) جمل الغرائب للنيسابوري وأهميته في علم غريب الحديث

كتاب جمل الغرائب للنيسابوري وأهميته في علم غريب الحديث (1) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، نبينا محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، وعلى من تمسّك بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد، فإن أشرف العلوم ما وضع لخدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد اعتنى علماء الإسلام بهذين الأصلين اعتناء عظيمًا لا نظير له في تاريخ الأمم. ومن أوائل فنون العلم التي نشأت لخدمة القرآن الكريم ما سمي بفن غريب القرآن. ورديفه من أنواع علم الحديث دعي بفن غريب الحديث. والمقصود بالغريب هنا ما وقع في متن الحديث من لفظ أو أسلوب خفي معناه وأشكل لسبب من الأسباب، "وهو فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث خاصة ثم أهل العلم عامة، والخوض فيه ليس بالهين، والخائص فيه حقيق بالتحرّي جدير بالتوقّي" كما قال ابن الصلاح (643 هـ)، ونقل أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله سئل عن حرف من غريب الحديث، فقال: "سلوا أصحاب الغريب، فإني

_ (1) قدّم مختصر منه إلى في ندوة "عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية" التي عقدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنّورة في 15 - 17/ 3/1425 الموافق 4 - 6/ 5/2004 م.

أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن، فأخطئ" (1). وكان نشوء هذا الفن في القرن الثاني الهجري على أيدي علماء اللغة ثم اضطلع به العلماء الذين كانوا بجانب تمكّنهم من اللغة مشاركين في علم الحديث والفقه، فأبدعوا في التأليف فيه، وكان أولهم أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (224 هـ). ثم تتابعت المصنّفات في هذا الفن، حتى أربى عددها - فيما بلغه علمنا - على مائة مصنف. وقد وصل إلينا معظم أمهات هذا الفن - على نقص في بعضها - وطبع، وهناك كتب لا تزال مخطوطة، ومنها كتب جمل الغرائب لبيان الحق محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري من علماء القرن السادس الهجري. ليس كتاب النيسابوري هذا من أصول هذا الفن، ولكن له مزية على نظائره من كتب المتأخرين. وهو أن مؤلفه استقى مادته من أصول كثيرة نص عليها في مقدمته. ومنها كتب الأوائل التي ضاعت فيما ضاع من تراث الإسلام، نحو كتب النضر بن شميل (203 هـ) وقطرب (206 هـ) وأبي عبيدة (210 هـ) والأصمعي (216 هـ) وأبي سعيد الضرير. ومن موارده كتاب لم أر من ذكره أو اقتبس منه ولا وقفت على ترجمة مؤلفه، وهو كتاب الأغفال لأبي بكر الحنبلي (2). وقد وضع النيسابوري رموزًا لموارده ليثبتها قبل نقل الحديث وتفسيره منها. فهذا يعين على معرفة المادة التي احتوت عليها تلك الكتب الضائعة. ثم رتّب النيسابوري كتابه على الموضوعات مثل الجوامع والمسانيد من كتب الحديث. وهو منهج لم يسبقه فيه إلا أبو عدنان السلمي من أصحاب أبي زيد الأنصاري (215 هـ) إذ رتّب كتابه على أبواب السنن.

_ (1) علوم الحديث: 272. (2) ومن كتابنا هذا نقل حاجي خليفة عنوان الكتاب واسم مؤلفه في كشف الظنون: 131.

ولهاتين المزيتين - ولا سيما الأولى - رأيت أن أعرّف بالكتاب المذكور في هذا البحث الذي أقدمه في المحور الثاني (الموضوع الحادي عشر) من محاور الندوة التي يعقدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة عن السنة والسيرة النبوية. وقد انتظم هذا البحث تمهيدًا وفصلين: فالتمهيد يشتمل على ذرو من القول في نشأة فن غريب الحديث، ومصنّفاته المشهورة ومناهجها مع الإلماع إلى أهمّ ما طبع منها وما لا يزال مخطوطًا. والفصل الأول في سيرة بيان الحق النيسابوري ومؤلفاته. وقد ترجم له ياقوت ترجمة مقتضبة وعليها اعتمد السيوطي وغيره، فأثبتّها أولًا، ثم أضفت إليها بعض المعلومات المستخرجة من كتب النيسابوري وغيرها. وناقشت ما زعمه بعضهم من أنه ارتحل إلى حلب ودرس في المدرسة الحلاوية، وبينّت الخلط الذي بني عليه هذا الزعم. وتحدّثت في الفصل الثاني عن الغرض من تأليف كتاب جمل الغرائب، وموارده وترتيبه، ومنهجه في التلخيص والتفسير، وبعض المآخذ عليه. وليس هذا البحث دراسة لكتاب جمل الغرائب، وإنما قصد به التعريف والتنويه. وليس بين يديّ عند إعداده إلا قسم من نص الكتاب مطبوعًا على الحاسوب، بعث به إليّ من لندن أخي الدكتور محمد راشد أيوب الإصلاحي الذي يحقّقه عن ثلاث نسخ، فجزاه الله أحسن الجزاء. وإني لشاكر لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة على أن شرفني بدعوتي للمشاركة في هذه الندوة التي تقام في مدينة رسولنا صلى الله عليه وسلم، ويتحدث فيها المتحدثون عن سنته السنية وسيرته العطرة، فما أشرف المقام، وما أجلّ الموضوع، وما أطيب الحديث، وما أسعد المتحدثينّ. أسأل الله عزّ وجلّ أن يتقبّل أعمالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يحيينا ويميتنا على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

التمهيد لمحات عن علم غريب الحديث متى نشأ علم غريب الحديث؟ وكيف كانت عناية أهل العلم به؟ وما أهمّ المصنّفات فيه، وما وجوه التماثل والتفاضل فيما بينها؟ قد أبدع القول في هذا الموضوع من علمائنا المتقدمين: أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (388 هـ) ثم مجد الدين ابن الأثير الجزري (606 هـ)، فكلاهما كتب في مقدمة غريبه فصولًا بليغة أرّخ فيها علم غريب الحديث ذاكرًا أهم الكتب التي ألفت فيه إلى زمنه، مبينًا عن مراتبها وكاشفًا عن خصائصها التي ينفرد بها بعضها عن بعض. أما الباحثون المعاصرون، فلعلّ أول من أرّخ هذا العلم منهم هو الدكتور حسين نصّار الذي عقد له فصلًا في كتابه "المعجم العربي - نشأته وتطوّره" استغرق نحو 13 صفحة (1)، ومن المعلوم أن الكتاب المذكور أصله رسالة علمية نوقشت في 23/ 6/1356 م، وطبعت لأول مرة سنة 1956 م. ثم لما عني الدكتور شاكر الفحّام بتحقيق كتاب الدلائل في غريب الحديث للعوفي (302 هـ) قدم بين يديه سلسلة مقالات نفيسة ضافية نشرها في سنتي 1975 و 1976 م في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ودرس فيها تاريخ هذا العلم إلى عهد العوفي ومخطوطات كتابه دراسة بارعة متقنة. وكتب الغريب التي نشرت، تصدرتها جميعًا مقدّمات عرض فيها محققّوها

_ (1) المعجم العربي 1: 42 - 54.

هذا الموضوع حسب طرائقهم في الاختصار أو الإطناب. ثم كتبت فيه بعض الرسائل الجامعية (1). ومع كل ذلك، فإن علم غريب الحديث لخليق بأن تقدم دراسة تاريخية له في هذه الندوة الكريمة مع عرض شامل لمصنّفاته، ما وصل منها وما لم يصل، وما طبع منها وما لم يطبع. ولعلّ أحد الباحثين الأفاضل المشاركين في هذه الندوة سينهض بتلكم الدراسة. أما هذا البحث الذي عقد للتعريف بكتاب واحد من كتب غريب الحديث المخطوطة، فلا موضع فيه للتفصيل، فأكتفي هنا بكلمة مقتضبة تكون مدخلًا إلى موضوع البحث. (1) نشأة علم غريب الحديث ظهرت الكتب الأولى في غريب الحديث في القرن الثاني الهجري، ولكن من السابق إلى التأليف فيه؟ لم يجزم في ذلك أبو محمد عبد الله بن جعفر المعروف بابن درستويه (347 هـ) حينما تحدّث عن كتب غريب الحديث فقال: "وكتاب غريب الحديث أول من عمله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وقطرب، والأخفش، والنضر بن شميل، ولم يأتوا بالأسانيد، وعمل أبو عدنان النحوي البصري كتابًا في غريب الحديث ذكر فيه الأسانيد ... فجمع أبو عبيد عامة ما في كتبهم ... " (2). فجعل ابن درستويه العلماء الأربعة بل الخمسة في قرن واحد، ولم يصرح بسبق بعضهم بعضًا، وإن استهل كلامه بذكر أبي عبيدة معمر بن المثنى؛ خلافًا

_ (1) ومنها رسالة ماجستير بعنوان "دراسات في غريب الحديث" أعدّها الأخ الأستاذ بدر الزمان النيبالي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة سنة 1407 هـ. ومنها رسالة أعدها إبراهيم يوسف في دار العلوم بالقاهرة بعنوان "غريب الحديث حتى نهاية القرن السادس"، ذكرها محقق غريب الحربي في مراجعه 3: 1409. (2) تاريخ بغداد 12: 403، وانظر الإنباه 3: 14.

لحديثه فيما بعد عن غريب القرآن إذا صرح فيه بأن "أول من صنّف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، قم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش ... ". ولكن الحافظ أبا عبد الله الحاكم النيسابوري (405 هـ) قال جازمًا: "فأول من صنّف الغريب في الإسلام النضر بن شميل له فيه كتاب، هو عندنا بلا سماع. ثم صنّف فيه أبو عبيد القاسم بن سلام" (1). نقل أبو عمرو ابن الصلاح (643 هـ) قول الحاكم في مقدّمته، ثم عقّب عليه: "ومنهم من خالفه، فقال: أول من صنّف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى" (2). وقد أيّد شمس الدين السخاوي (902 هـ) في فتح المغيث قول الحاكم، فقال: "وهو الظاهر"، واستدلّ بأن النضر بن شميل "مات في سنة ثلاث وثمانين ومائة" ثم أكدّ ذلك حينما نعى علي ابن الأثير (606 هـ) والمحب الطبري (694 هـ) ذهابهما إلى القول الثاني "مع أن وفاته - يعني أبا عبيدة - كانت في سنة عشر ومائتين بعد الأول - يعني النضر - بسبع وعشرين عامًا (3). ولا ريب أن ما قاله السخاوي وهم محض، فلا خلاف بين المؤرّخين أن النضر بن شميل توفّي سنة 203 هـ وقيل سنة 204 هـ (4). ولا حقيقة لهذا القيل إلا أنه "مات في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، ودفن في أول

_ (1) معرفة علوم الحديث: 88. وعليه اقتصر السيوطي في كتاب الوسائل في مسامرة الأوائل: 101. (2) علوم الحديث: 372. لخص السيوطي في آخر المزهر 2: 295 - 414 كتاب مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي (351 هـ) وجاء في ضمن ترجمة أبي عبيدة (2: 402): "وهو أول من ألفّ في غريب الحديث" والسياق يدلّ على أن ذلك من كلام أبي الطيب مثل سابقه ولاحقه، ولكن هذه الجملة لا توجد في الكتاب المطبوع بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. (3) فتح المغيث 4: 24. كذا في المطبوع "بسبع" والصواب: بسبعة. (4) نزهة الألباء: 75.

المحرم" (1)، فقال بعضهم إنه توفّي سنة 204 هـ. أما أنه توفّي سنة 183 هـ قبل وفاة أبي عبيدة (210 هـ) بسبعة وعشرين عامًا، فلم يقل بذلك أحد قبل السخاوي ولا بعده. ثم ولد أبو عبيدة سنة 110 هـ، وولد النضر في حدود سنة 122 هـ فأولهما أقدم من الثاني باثني عشر عامًا. ولكن ليس في شيء من ذلك حجة على كون أحدهما سابقًا والآخر مسبوقًا في تأليف غريب الحديث، فإنهما على كل حال عاشا ثمانين سنة في زمن واحد. والقول الثاني الذي ذكره ابن الصلاح هو الذي عوّل عليه ابن الأثير الجزري (606 هـ) في مقدمة النهاية، فقال: "فقيل إن أول من جمع في هذا الفن شيئًا وألّف أبو عبيدة معمر بن المثني التيمي، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتابًا صغيرًا ذا أوراق معدودات ... ثم جمع أبو الحسن النضر ابن شميل المازني بعده كتابًا في غريب الحديث أكبر الحديث أكبر من كتاب أبي عبيدة، وشرح فيه وبسط على صغر حجمه ولطفه، ثم جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي ... " (2). لم يشر ابن الأثير - كما نرى - إلى قول الحاكم، وإنما ذكر قولًا واحدًا وهو أن أبا عبيدة سبق معاصره النضر بن شميل إلى التأليف في غريب الحديث وأكّد ذلك باستعمال كلمتين: "ثم" و"بعده". ولم يكن افتتاح ابن الأثير كلامه هنا بلفظة "قيل" للتضعيف، فإنه لم يشر البتة إلى قول آخر يرجحه في هذه المسألة، وإنما كان سبيله سبيل من يجد بين يديه قولين أو أكثر، فيختار منهما ما يستحسنه ويميل إليه، وإن كان لا يملك حجة قاطعة عليه. وبالجملة فهما قولان مأثوران في هذه المسألة أشهرهما ما اختاره ابن الأثير "ويكاد الإجماع ينعقد عليه" كما يقول الدكتور محمود الطناحي (3).

_ (1) سير أعلام النبلاء 9: 331. (2) النهاية 1: 5. (3) في اللغة والأدب: 1: 397.

ولكن الدكتور حسين نصّار ذهب إلى رأي ثالث وهو أن أول كتاب في هذا الفن ألفه أبو عدنان السلمي، ونسب ذلك إلى صاحب الفهرست، فقال: "عز أكثر الباحثين الكتاب الأول في غريب الحديث إلى أبي عبيدة معمر بن المثني (210 هـ) تبعًا لابن الأثير. ولكن هذا القول يجب ألا يؤخذ قضية مسلّمة، فقد نسب ابن النديم الكتاب الأول من هذا النوع إلى أبي عدنان عبد الرحمن بن عبد الأعلى". ثم نقل ما جاء في الفهرست: "وله ... كتاب غريب الحديث، وترجمته (ما جاء من الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم مفسّرًا)، وعلى إثره ما فسّر العلماء من السلف" (1). وأيّد ما فهمه من كلام ابن النديم بأن أبا عدنان "راوية لأبي البيداء الرياحي، وهو معاصر ليونس بن حبيب، أستاذ أبي عبيدة، فأبو عدنان إذن وأبو عبيدة متعاصران، ومن المحتمل أن يسبق أحدهما الآخر في التأليف في غريب الحديث، ولكن إذا كان لنا أن نعتمد على مؤرخ، فالأجدر بالترجيح ابن النديم، لأنه أقدمهم وأقربهم إلى عصر هؤلاء المؤرّخ لهم، فنقدم بذلك أبا عدنان على أبي عبيدة". لم يصرح ابن النديم بأن أبا عدنان أول من ألّف في غريب الحديث ولكن الدكتور حسين نصّار تأول كلامه على هذا، وذلك أنه زعم أن عنوان كتاب أبي عدنان: "ما جاء من الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم مفسرًا" (2)، أما الجملة التي بعدها فهي كلام مستأنف، و"ما" في قوله "ما فسر" زائدة، وقصد به ابن النديم أن العلماء من السلف إنما فسروا غريب الحديث بعد أبي عدنان. وهذا التأويل لكلام ابن النديم يبدو صحيحًا لأول وهلة. ولكن يضعفه أمور منها: 1 - لو قصد ابن النديم ما ذهب إليه حسين نصّار لما كان لقوله "من

_ (1) الفهرست: 51. (2) المعجم العربي: 1: 42 - 43.

السلف" وجه من الكلام، ولكان لغوًا من القول. 2 - نقل جمال الدين القفطي (426 هـ) ترجمة أبي عدنان عن الفهرست، وأورد عنوان كتابه على هذا الوجه: " .. وترجمته: ما جاء من الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم مفسّرًا ما فسّر العلماء" (1). وهذا يدلّ على أن الجملة التي فصلها الدكتور حسين نصّار يراها القفطي جزءًا من عنوان الكتاب. 3 - صحيح أن أبا عدنان معاصر لأبي عبيدة، ولكن عداده في أصحابه، فقد نصّ الصفدي في ترجمته على أنه "أخذ عن أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة، والأصمعي وطبقتهم" (2). وكذلك ذكر القفطي في ترجمة شمر بن حمدويه الهروي (255 هـ) أنه لقي جماعة من أصحاب أبي عمرو الشيباني وأبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والفراء، ثم عد منهم: الرياشي (257 هـ) وأبا نصر (231 هـ) وسلمة بن عاصم (270 هـ) وأبا عدنان (3). وذكره أبو الطيب اللغوي مع أبي عكرمة الضبي صاحب كتاب الخيل (250 هـ) وقال: "وقد روى أبو عدنان عن أبي زيد كتبه كلها" (4). فالظاهر أن ما ورد في الفهرست إلى قوله "العلماء من السلف" هو العنوان الكامل لكتاب أبي عدنان، ومعناه أنه أورد في كتابه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأتبعها بما فسّرها به العلماء من السلف. ولعلّ في نصّ الفهرست شيئًا من الخلل يدلّ عليه ما نقله القفطي في كتاب الإنباه. وإني لأستغرب أن الباحثين في غريب الحديث لم يتعرضوا إلى ما ذهب إليه الدكتور حسين نصّار، وكان أحقّهم بذلك الدكتور محمود محمد الطناحي،

_ (1) إنباه الرواة 4: 148، وفيه: "في الحديث"، و"نشر" تحريف. (2) الوافي 18: 156. (3) إنباه الرواة: 2: 77. (4) مراتب النحويين: 144.

لأنه كتب في هذا الموضوع أكثر من مرة. فهل ظنّوا أن عدم الالتفات إلى رأي الدكتور حسين نصّار أولى به وأن ذلك يجعله مطرحًا منسيًا؟ ولكني ألفيت أحد الباحثين قد تأثر بهذا الرأي، فافتتح الفصل الذي عقده في كتابه لإحصاء معاجم غريب الحديث بكتاب أبي عدنان السلمي (1). (2) الغرائب المشهورات ومناهجها منذ ظهرت الكتب الأولى في غريب الحديث على أيدي علماء اللغة لم تنقطع سلسلة التأليف في هذا الفن، فلم يخل عصر من العصور من الجامعين فيه. وقد بلغ عدد مصنفات غريب الحديث فيما أحصاه أحد الباحثين نحو 90 كتابًا، مع أنه قد فاته ذكر بعض الكتب التي وصلت إلينا فضلًا عن غيرها (2). وقد تنوّعت مناهج المؤلّفين في ترتيب كتبهم وتفسير الغريب، أشير إليها في السطور الآتية بإيجاز، مع الإلماع في غضون ذلك إلى مكانتها: 1 - منهج اللغويين الأوائل وهو المنهج الذي اتبّعه أبو عبيدة وغيره من علماء اللغة في القرنين الثاني والثالث، فكانوا يوردون الأحاديث دون ذكر أسانيدها، ثم يفسّرون غريب ما فيها باختصار أو شيء من البسط (3). 2 - منهج أبي عدنان كان أبو عدنان من أصحاب أبي عبيدة وأبي زيد وطبقتهما كما سبق، لكنه

_ (1) معجم المعاجم: 23. (2) المرجع السابق: 23 - 41. (3) انظر ما سبق من كلام ابن درستويه في الفقرة السابقة، ومقدمة غريب الخطابي 1: 49 - 50.

اختار لكتابه في غريب الحديث منهجًا جديدًا، فرتّب كتابه على أبواب السنن والفقه وذكر فيه الأسانيد أيضًا، كما وصفه ابن درستويه. 3 - منهج أبي عبيد لما ألّف أبو عبيد القاسم بن سلام (224 هـ) كتابه الحافل وجمع فيه ما تفرّق في كتب أبي عبيدة والأصمعي وغيرهما، وأضاف إليه أحاديث وآثارًا كثيرة أوردها مع أسانيدها، قدم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتبعها آثار الصحابة ثم التابعين، جامعًا آثار كل منهم في مكان واحد. وامتاز تفسيره "بصحة المعنى وجودة الاستنباط وكثرة الفقه (1) ". فصار كتابه قدوة "لما حواه من الأحاديث والآثار الكثيرة، والمعاني اللطيفة والفوائد الجمة" (2). وحذا حذوه في هذا المنهج ابن قتيبة (276 هـ) الذي تتبع ما فات أبا عبيد، فاستدرك عليه في كتابه المشهور، وكذلك أبو محمد قاسم بن ثابت العوفي السرقسطي (302 هـ) في الأندلس، وأبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (388 هـ) في المشرق، وكلاهما استدرك على ابن قتيبة، ولم يطّلع الثاني على كتاب الأول. وهذه الكتب الأربعة هي أمهات هذا الفن، وإن لم يشتهر كتاب العوفي - مع علو منزلته - في بلاد المشرق، لتأخّر وصوله إليها. وقد دارت حول هذه الأصول الجلية مؤلفات كثيرة لشرحها أو اختصارها، أو ترتيبها، أو إصلاح غلطها، أو الانتصار لها، أو تفسير شواهدها، أو جمعها وتلخيصها في كتاب واحد.

_ (1) غريب الحديث للخطابي: 1: 50. (2) النهاية في غريب الحديث والأثر 1: 6.

4 - منهج إبراهيم الحربي انتهج أبو إسحاق إبراهيم الحربي (285 هـ) في كتابه منهجًا بديعًا إذا أراد أن يجمع فيه بين نظام المسانيد عند علماء الحديث ونظام التقاليب الذي اخترعه الخليل بن أحمد (175 هـ)، فلم يسلم له هذا ولا ذاك. فإذا ذكر حديثًا من أحاديث صاحب المسند، ليفسّر الكلمة الغريبة التي ورد فيها، أتبعه أحاديث من المسانيد الأخرى، وردت فيها ألفاظ من مادة الكلمة الأولى، وقد يقلب المادة ولا يكون في بعض تقاليبها حديث أو أثر ولكنه يفسّر ألفاظًا لغوية من تلك التقاليب (1). ثم أفاض في تفسير غريب الحديث وشرحه وأكثر من الاستشهاد، وأسند رواياته عن علماء اللغة وغيرهم، "فطال بذلك كتابه، وبسبب طوله ترك وهجر، وإن كان كثير الفوائد جم المنافع، فإن الرجل كان إمامًا حافظًا متفننًا عارفًا بالفقه والحديث واللغة والأدب" (2). وما وصل إلينا من كتاب الحربي شاهد بصحة ما وصفه به ابن الأثير. 5 - منهج الهروي كان أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (401 هـ) صاحب الأزهري (370 هـ) معاصرًا للخطابي (388 هـ). وهو أول من جمع في كتابه بين غريب القرآن وغريب الحديث، ولعلّ فكرة الجمع هي التي هدته إلى منهج جديد ميسّر لترتيب كتابه، فاستخرج الألفاظ الغريبة من الأحاديث ورتّبها على أصول حروفها بادئًا بالحرف الأول ملتزمًا بالثاني ثم الثالث إلا إذا خاف في كلمة أن لا يفرّق طلبة الحديث بين الحرف الأصلي والحرف الزائد فيها، فأثبتها في باب

_ (1) انظر تفصيل هذه الخلاصة في مقدمة المحقق لغريبه 1: 92 - 96. (2) النهاية 1: 6.

الحرف الأول وإن كان زائدًا. ثم كان شرطه الاختصار فحذف الأسانيد وقلل الشواهد، وأوجز التفسير، "فانتشر كتابه بهذا التسهيل والتيسير في البلاد والأمصار، وصار هو العمدة في غريب الحديث والآثار" كما قال ابن الأثير (1). واستدرك على كتاب الغريبين للهروي الحافظ أبو موسى محمد بن عمر المديني الأصفهاني (581 هـ) فجمع ما فاته في كتاب مرتّب على ترتيب الأول ومقارب له في حجمه وفائدته. وعلى هذين الكتابين بني مجد الدين ابن الأثير (606 هـ) كتابه "النهاية في غريب الحديث والأثر" فاستخلص منهما مادة غريب الحديث، مشيرًا إلى كل منهما برمز خاص، ثم زاد عليهما زيادات كثيرة من الكتب الأخرى، فجمع كتابه بين مزيتين: مزية الإحاطة بغريب الحديث ومزية حسن الترتيب وقرب المأخذ، فصار صيته في الآفاق، واستغنى طلاب العلم عن غيره من المصنّفات. 6 - منهج الزمخشري اتبع أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (583 هـ) منهج الهروي غير أنه رأى أن الحديث الواحد عنده يتفرّق في حروف مختلفة حسب الكلمات الغريبة التي وردت فيه، فحرص في كتابه الفائق على أن يورد الحديث، ويفسّر ألفاظه الغريبة كلها في مكان واحد، فأدّى ذلك إلى أن جاءت كثير من الألفاظ في غير حروفها. فتدارك ذلك بالإشارة في آخر كل فصل إلى الكلمات الباقية منه والإحاطة على مواضعها. ولعلّ النسخة التي اطّلع عليها ابن الأثير من كتاب الفائق خلت من تلك الإحاطات فقال: "ولكن في العثور على طلب الحديث منه كلفة ومشقة"، وقال أيضًا: "فترد الكلمة في غير حروفها، وإذا تطلبها الإنسان

_ (1) المرجع السابق 1: 9.

تعب حتى يجدها" (1). هذه هي المناهج التي اتبعها أصحاب غريب الحديث في ترتيب مؤلفاتهم، ثم كان لكل كتاب منها سمات خاصة في تفسير الغريب لا موضع لتفصيلها هنا. الكتب المذكورة آنفًا تناولت غرائب الأحاديث والآثار بصورة عامة. وهناك قسم من كتب الغريب قصرها مؤلفوها على كتاب من كتب الحديث، نحو تفسير غريب الموطأ لأبي عبد الله أصبغ بن الفرج بن سعيد (225 هـ)، وكتاب أبي عمر الزاهد (345 هـ) في تفسير غريب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وشرح غريب كتاب الإمام البخاري لابن الصابوني (423 هـ). وقد أفرد أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (328 هـ) رسائل لتفسير بعض الأحاديث نحو شرحه لغريب كلام هند بن أبي هالة في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرحه غريب حديث أم زرع، وشرحه غريب خطبة عائشة أم المؤمنين في أبيها، رضي الله عنهما. ولابن الأنباري كتاب مستقل في غريب الحديث أيضًا. (3) من الغرائب المخطوطة لم يبق من تراث غريب الحديث إلا الثلث أو أزيد منه قليلًا. ونحمد الله سبحانه على أن معظم أصول هذا الفن ومصنّفاته المشهورة قد وصلت إلينا وتم تحقيقها وطبعها. ومنها الكتب الأربعة الأمهات: كتب أبي عبيد (2) وابن قتيبة (3)

_ (1) النهاية 1: 9. (2) صدرت طبعته الأولى في الهند عن دائرة المعارف العثمانية بحيدراباد الدكن في أربعة مجلدات سنة 1964 - 1967 م، ثم حققه الدكتور حسين شرف تحقيقًا علميًا نشره مجمع اللغة بالقاهرة في 5 مجلدات سنة 1404 - 1415 هـ =1984 - 1994 م. ثم صدرت فهارسه في مجلد سنة 1419 هـ = 1999 م. (3) طبع بتحقيق الدكتور عبد الله الجبوري ببغداد في ثلاثة أجزاء سنة 1977 م، ولم تكن في المخطوطات مخطوطة كاملة، فبقي فيها نقص. ولابن قتيبة أيضًا كتاب إصلاح الغلط =

والعوفي (السفران الثاني والثالث) (1) والخطابي (2). ثم مجلدة - وهي المجلدة الخامسة - من كتاب الحربي (3)، ثم كتب الهروي (4)، وأبي موسى المديني (5)، والزمخشري (6)، وابن الأثير (7). ثم كتاب عبد الملك بن حبيب القرطبي (238 هـ)، وكتاب أبي عبد الله محمد بن عبد الحق المالكي (625 هـ) في تفسير

_ (1) = في غريب الحديث لأبي عبيد حققه الدكتور الجبوري ونشرته دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة 1983. صدر الكتاب في ثلاثة مجلدات بتحقيق الدكتور محمد بن عبد الله القناص عن مكتبة العبيكان بالرياض سنة 1422 هـ. ولا تشتمل هذه الطبعة إلا على تحقيق 376 صفحة من نسخة الرباط البالغة 614 صفحة. ولكن الناشر لم ينبه على هذا في أول الكتاب، فيحسب القارئ أنه يحتوي على ما وجد منه كاملًا. (2) طبع في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1402 هـ بتحقيق عبد الكريم إبراهيم عزباوي. (3) نشرت هذه المجلدة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، بتحقيق الدكتور سليمان بن إبراهيم العائد سنة 1405 هـ. وقد حظيت هذه النشرة بتحقيق علمي متقن، وطباعة رائقة فائقة. وليت غرائب أبي عبيد وابن قتيبة والخطابي أيضًا طبعت على غرارها! . (4) صدر الجزء الأول منه بتحقيق الدكتور محمود الطناحي في القاهرة سنة؟ ثم صدرت طبعة كاملة في دائرة المعارف العثمانية بحيدرابان الدكن سنة 1407 هـ. ونشرة أخرى كاملة صدرت عن المكتبة العصرية في بيروت سنة 1419 هـ بتحقيق أحمد مزيد المزيدي. (5) نشر كتابه المجموع المغيث بتحقيق عبد الكريم إبراهيم عزباوي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1406 هـ. (6) طبع لأول مرة سنة 1906 م في دائرة المعارف النظامية بحيدراباد الدكن، ثم صدر بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي عن دار إحياء الكتب العربية في القاهرة في السنوات 1945 - 1948 م (ذخائر التراث: 551). (7) طبع لأول مرة طبعة حجرية سنة 1269 هـ = 1852 م في طهران، ثم طبع غير مرة في القاهرة، قبل صدوره بتحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي في السنوات 1963 - 1966 م (ذخائر التراث: 39)، وقد نشر كتاب آخر لابن الأثير "منال الطالب في شرح طوال الغرائب" بتحقيق الدكتور محمود الطناحي في جامعة أم القرى سنة 1403 هـ.

غريب الموطأ (1)، وكتاب مشارق الأنوار في صحاح الآثار للقاضي عياض (544) (2)، ومجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار لمحمد الفتَّني (986 هـ) (3). ومن رسائل أبي بكر ابن الأنباري شرح خطبة عائشة رضي الله عنها (4). ومن كتب غريب الحديث التي لا تزال مخطوطة: 1 - مجموع غريب الحديث لأبي منصور محمد بن عبد الجبار السمعاني (450 هـ) وهو من مصادر الصغاني في كتابي العباب والتكملة (5). وقد أشرت على أحد زملائي - وهو الدكتور عثمان نجران - بتحقيقه، ودللته على نسخته الثانية المحفوظة في المتحف البريطاني - وكانت مجهولة المؤلف - فنال بتحقيق قسم منه شهادة الدكتوراة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة سنة 1423 هـ. 2 - مجمع الغرائب للحافظ أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي النيسابوري (529 هـ) (6). 3 - تقذية ما يقذي العين من هفوات كتاب الغريبين للحافظ أبي موسى

_ (1) صدر كتاب ابن حبيب "تفسير غريب الموطأ" وكتاب ابن عبد الحق "الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب" كلاهما بتحقيق الدكتور عبد الرحمن العثيمين سنة 1421 هـ عن مكتبة العبيكان بالرياض. (2) كتاب مشهور طبع غير مرة. (3) طبع أولًا سنة 1248 هـ = 1832 م في مطبعة نولكشور بمدينة لكناو (الهند). ثم طبع عدة مرات في الهند، انظرها في كتاب معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية الباكستانية: 259 - 260. والطبعة التي بين يدي هي طبعة مكتبة دار الإيمان بالمدينة المنوّرة لسنة 1415 هـ. (4) نشره الدكتور صلاح الدين المنجد سنة 1962 م في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق. المجلد 3: 414 - 427. (5) التكملة والذيل والصلة 1: (المقدمة). وبحوث وتحقيقات للميمني 2: 388. (6) معجم المعاجم: 31.

المديني الإصبهاني (581 هـ) صاحب المجموع المغيث (1). 4 - إيجاز الغرائب وإنجاز الرغائب لجمال الدين عبد الرزاق بن أبي جعفر البيهقي النيسابوري (القرن السادس). وقد كنت قرأت في مذكرات الميمني رحمه الله قوله في الكتاب المذكور: "كتاب في غرائب الألفاظ جليل جدًا. مرتّب كالمجمل" (2) فأغراني كلامه بالاطّلاع عليه، ولكن لما وصلتني صورة من نسخته المحفوظة في مكتبة ولي الدين وجدته كتابًا في غريب الحديث مبنيًا على اختصار شديد. 5 - مقاصد أبي عبيد في معرفة غرائب أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لأبي منصور المظفّر بن الحسين الفارسي (القرن السادس). ذكرته هنا لأنه مما فات فؤاد سزكين ذكره في الكتب الدائرة حول كتاب أبي عبيد. ومنه نسخة مصوّرة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة وأصلها كتب سنة 513 هـ. 6 - مجمع الغرائب ومنبع الفوائد لأبي عبد الله محمد بن محمد بن علي الكاشغري (705 هـ). وقد حقق سنة 1409 هـ في رسالة ماجستير في جامعة أم القرى (3). 7 - جمل الغرائب لبيان الحقّ النيسابوري (القرن السادس). ولما كان هذا الكتاب الأخير قد انفرد ببعض المزايا رأيت أن أعرّف به في هذه الندوة الكريمة، ولكن قبل أن أتحدّث عنه يحسن أن نقف على سيرة مؤلفه.

_ (1) تاريخ التراث العربي 8: . ونسبه صاحب معجم المعاجم: 41 إلى "أبي الكرم عبد السلام بن محمد بن الحسن الحجي (من القرن السادس) " مع أنه ذكر نسخة بودليانا نفسها. (2) مجلة معهد المخطوطات العربية 29: 79. (3) دليل الرسائل العلمية: 364.

الفصل الأول سيرة بيان الحق ومؤلفاته من الطريف أن ثلاثة كتب من غرائب الحديث المخطوطة التي ذكرت من قبل، أصحابها من نيسابور، وأحدهم مشهور، وهو الحافظ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي (451 - 529 هـ) (1) والثاني مجهول وهو عبد الرزاق بن أبي جعفر البيهقي (2). والثالث صاحبنا بيان الحقّ الذي ترجم له ياقوت الحموي (626 هـ) في معجم الأدباء ترجمة قصيرة لا تشفي الغليل فإنه لم يشر فيها إلى زمنه فضلًا عن مولده ووفاته (3). وهذه الترجمة هي التي نقلها بنصّها جلال الدين السيوطي (911 هـ) في بغية الوعاة (4)، وعن السيوطي تلميذه شمس الدين الداوودي (945 هـ) في

_ (1) سير أعلام النبلاء 20: 16 وانظر المصادر الأخرى لترجمته في الحاشية. (2) لم أصب له ترجمة. أما أبوه أبو جعفر أحمد بن علي بن أبي جعفر البيهقي صاحب تاج المصادر المتوفّى سنة 544 هـ، فهو مشهور. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 20: 208 - 209. وقد ورد ذكر عبد الرزاق بن أبي جعفر في غرر الأمثال لعلي بن زيد البيهقي (نسخة ليدن ق 149/ب)، وكذلك ذكره أبوه بكنيته أبي الفتوح بخطه على نسخة من كتابه ينابيع اللغة ممن سمعه عليه. انظر تاريخ بيهق، مقدمة المترجم، ص 32. (3) معجم الأدباء 6: 2686. (4) بغية الوعاة 2: 277.

طبقات المفسّرين (1). وقد أفاد الدكتور إحسان عباس في حاشية نشرته لمعجم الأدباء إلى أن صلاح الدين الصفدي (764 هـ) ترجم لبيان الحق في الوافي، وعدّ له كتبًا كثيرة، وأورد فاتحة كتابه إيجاز البيان. لم أتمكن من الاطلاع على مخطوطة الوافي، ولكن أظن أن الصفدي لم يأت بجديد فيما يتعلق بحياة بيان الحق، وإلا ذكره الدكتور إحسان عباس (2). وإنني أورد هنا أولًا نص ترجمته من معجم الأدباء. (1) ترجمته في معجم الأدباء قال ياقوت: "محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري، الغزنوي، يلقب ببيان الحق. كان عالمًا بارعًا مفسّرًا لغويًا فقيهًا متفننًا فصيحًا. له تصانيف ادّعى فيها الإعجاز. منها كتاب خلق الإنسان، وجمل الغرائب في تفسير الحديث، وإيجاز البيان في معاني القرآن، وغير ذلك. ومن شعره: فلا تحقرن خلقًا من الناس علّه ... وليُّ إله العالمين ولا تدري

_ (1) طبقات المفسرين 2: 311. (2) صدر بأخرة الجزء الخامس والعشرون من الوافي (باعتناء محمد الحجيري، بيروت 1420 هـ) الذي فيه ترجمة بيان الحق (ص 284 - 286)، وقد وجدتها كما توقعت. غير أنه زاد على ياقوت بعض عناوين بيان الحق، ثم نقل قصة البيتين الآتيين عن العكيمي عن القاضي أبي العلاء محمد بن بيان الحق، وأورد ثمانية أبيات أخرى من قصيدة طويلة له، مع تعقيبه بأن التكلّف بادٍ عليها. ونقل الصفدي في ترجمة ابنه محمد (5/ 7) عن السمعاني أن والده كان "من مشاهير العلماء صاحب الكتب الحسان مثل التفسير وخلق الإنسان".

فذو القدر عند الله يخفى على الورى ... كما خفيت عن علمهم ليلة القدر" (1) هذه الترجمة لا تشير إلى زمن المؤلف كما سبق، ومن ثم يعد ما أفاده إسماعيل باشا البغدادي من أنه أكمل كتابه إيجاز البيان عن معاني القرآن سنة 553 هـ بالخجند (2)، أهم إضافة إلى ما جاء في كتاب ياقوت، فقد تعين بذلك زمن المؤلف. ولعلّ البغدادي وقف على نسخة لكتاب إيجاز البيان ذكر في آخرها زمن تأليفه، فنقله منها. وليس بوسعنا توثيق هذا النقل لأن النسخ الخمس التي عرفناها من كتاب إيجاز البيان خلت من ذكره. ونسخ جمل الغرائب وباهر البرهان وخلق الإنسان أيضًا لا تفيدنا في هذا الشأن، غير أن بعض الأخبار المذكورة في هذه الكتب تدلّ على أن بيان الحقّ عاش في القرن السادس الهجري. (2) زيادات متفرقة وهناك إشارات قليلة متفرقة تضيف بعض الملامح إلى سيرته الواردة في كتاب ياقوت نذكرها فيما يلي: أ- وردت كنية المؤلف في أول إيجاز البيان: "أبو القاسم" ولعلّه وردت أيضًا في نسخة جمل الغرائب التي وقف عليها حاجي خليفة فإنه كنّى المؤلف بهذه الكنية. و"قاسم" أحد ابنيه اللذين ذكرهما المؤلف في مقدمة جمل الغرائب. ب- اللقب الذي اشتهر به المؤلف "بيان الحق"، ذكره ياقوت وورد في

_ (1) في البغية: خافٍ عن الورى. (2) هدية العارفين: 403.

أوائل كتبه. ولقّبه حاجي خليفة بـ"نجم الدين" في رسم إيجاز البيان، والتذكرة والتبصرة (1)، ولم يقف عليهما وإنما مصدره فيما وصفهما به كتاب جمل الغرائب، ولكنه لما ذكر جمل الغرائب (2) قال: "للقاضي بيان الحق شهاب الدين محمود بن أبي الحسن النيسابوري" فهل وجد لقب المؤلف في نسخة جمل الغرائب "شهاب الدين" أو "نجم الدين"؟ السياق يقتضي أن يقبل "شهاب الدين" الذي ذكره في رسم جمل الغرائب. ولكنّ ذكره "نجم الدين" في موضعين، ثم اقتصار البغدادي عليه مع وقوفه أيضًا على جمل الغرائب، وإغفاله لقب "شهاب الدين" كل ذلك يرجّح "نجم الدين" وإن كنا لا نملك دليلًا قاطعًا على ذلك. ج- نسبة "النيسابوري" أجمعت عليها فواتح كتبه واقتصر عليها بيان الحق في مقدمة جمل الغرائب، أما "الغزنوي" فذكرها ياقوت تالية للنيسابوري، وذلك يدلّ على أن أصل بيان الحق في نيسابور، ولد ونشأ فيها، ثم ارتحل إلى "غزنة" وأقام فيها (3)، ومما يؤيّد نسبة "الغزنوي" أن بيان الحق حينما ذكر الدولة الغزنوية قال: "وقد نظم ذلك بعض كتّاب هذه الدولة في الأمير الماضي رحمه الله ... ". ثم نقل بيتين لأبي الفتح البستي قيل إنهما في السلطان محمود الغزنوي (421 هـ) (4). وقد نقل في موضع آخر أيضًا قصة جرت بين يدي السلطان بلفظ "وقد حكي أن رسولًا من أهل بلغار ورد على الأمير الماضي - أنار الله برهانه - ... " (5). وجاء نص آخر في كتاب جمل الغرائب: " ... ولقد حمل جفنته عليه السلام بعض السادة إلى الحضرة فشرب منها السلطان الرضي قدس الله روحه .. ".

_ (1) كشف الظنون: 205، 393. (2) المرجع السابق: 601. (3) وفي الوافي: "النيسابوري ثم الغزنوي". (4) باهر البرهان: 3: 1405. (5) المرجع السابق.

هنا وردت في نسخة الإسكوريال حاشية لأحد العلماء، وقد تكون للناسخ: "السلطان الرضي هو إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين". ومن المعلوم أن السلطان المذكور توفّي سنة 492 هـ بعدما حكم نحو أربعين سنة (1). فإشارة بيان الحق في النص الأول إلى الدولة الغزنوية بلفظ "هذه الدولة" وكذلك ذكره السلطان محمودًا والسلطان إبراهيم بالوصف دون تسميتها، صريح الدلالة على أن بيان الحق عاش في ظل الدولة الغزنوية، وفيها شاب رأسه لأنه ألّف جمل الغرائب في كبره. وقد انتهت الدولة الغزنوية سنة 548 هـ حينما استولى علاء الدين الغوري على غزنة ونهبها وأحرقها. أما نسبة "القزويني" التي تفرّد بها إسماعيل باشا البغدادي وذكرها مع النيسابوري، فأخشى أن يكون تحريفًا لنسبة "الغزنوي" والله أعلم. د- جاء في خطبة باهر البرهان: "قال القاضي الإمام العالم بيان الحق خاتم المفسّرين ... " فعلم من ذلك أن بيان الحق كان قاضيًا، ووصفه بذلك صاحب كشف الظنون أيضًا (2) ولكن أين تقلّد القضاء ومتى؟ لعلّ ذلك كان في الدولة الغزنوية. وفي خطبة إيجاز البيان وصف بـ"فخر الخطباء"، وهذا الوصف أيضًا لم يرد في كتاب ياقوت. هـ- ذكر بيان الحق في مقدمة كتابه جمل الغرائب ابنين له محمدًا وقاسمًا. قال: " ... وأن يسعد ابنيه محمدًا وقاسمًا بأنفع العلم فيما يتعلّمانه، وأرشد العمل بما يعلمانه، حتى يفوزا بالسعادة في الآخرة والأولى، ويحظيا بالقرة من الله تعالى والزلفى، إنه وليه والقادر عليه".

_ (1) البداية والنهاية 16: 73 - 168. (2) كشف الظنون: 601.

وقد عثرت محققة باهر البرهان على ذكر أولهما في روضات الجنات للخوانساري (3: 104) إذ قال: "هذا ومن جملة من يعرف بلقب النيسابوري أيضًا هو الشيخ معين الدين قاضي القضاة محمد بن محمود بن أبي الحسن النيسابوري صاحب غريب القرآن المأخوذ من كتاب الشيخ أبي بكر محمد بن عزيز السجستاني المشهور وقد كتبه لأجل ولده القاضي جمال الدين محمود. وكان عندنا نسخة منه مختصرة لطيفة" (1). يدلّ هذا النص الذي يظهر أن الخوانساري نقله من نسخة الكتاب التي كانت عنده أن ابن بيان الحق، وحفيده كليهما كان قاضيًا. وقد روى أبو الخطاب عمر بن محمد بن عبد الله العليمي عن ابنه سبب إنشاد بيان الحق للبيتين السابقين فقال: "سمعت القاضي أبا العلاء محمد بن محمود بن أبي الحسن الغزنوي قدم علينا بنيسابور رسولًا ... " (2). وكان القاضي أبو العلاء صديقًا لأبي سعد السمعاني (652 هـ) وله كتاب "سر السرور" في ذكر شعراء عهده (3). (3) هل ولي بيان الحق التدريس في حلب؟ ذكرت محققة باهر البرهان في ترجمة بيان الحق أنه تولّى التدريس في

_ (1) مقدمة باهر البرهان: 85 - 86. (2) نقله القاسي في مقدمة إيجاز البيان 1: 19 عن الوافي (80/ب) نسخة طوب قابي. (3) طبقات الشافعية: 4: 328، وكشف الظنون 987. وقد ترجم الصفدي للقاضي أبي العلاء في الوافي (5/ 7) ونقل من تاريخ مرو للسمعاني أنه قال: "لقيته ببلخ في شهر رجب سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وهو من أهل غزنة، وكان إمامًا فاضلًا واسع العلم متفننًا عارفًا بالأدب مليح المحاورة كثير المحفوظ، جمع كتابًا مليحًا في شعراء عصره سمّاه سرّ السرور ... وقدم خراسان رسولًا مرتين من صاحب غزنة إلى السلطان سنجر ابن ملكشاه، وكان ولي القضاء بغزنة".

المدرسة الحلاوية في حلب ثم في المدرسة المعينية بدمشق (1). وقالت في موضع آخر في ذكر رحلاته بعنوان "رحلته إلى بلاد الشام": "أ- رحلته إلى حلب: أشار إلى ذلك القفطي وابن قطلوبغا واللكنوي فبعد عدة رحلات وتنقلات ... توجّهت أنظاره تلقاء بلاد الشام .. فقصد مدينة حلب، وبقي فيها مدة من الزمن لم أقف على تحديدها، يدرس فيها في المدرسة الحلاوية". وأحالت على إنباه الرواة 2/ 138 - 139 وتاج التراجم: 58 والفوائد البهية: 188. ثم قالت: "ب- انتقل بعدها المؤلف إلى دمشق - أشار إلى ذلك النعيمي - وبها وقف قطار سفره، وكانت مستقرة حيث أخذ يمارس مهنة التعليم فيها في المدرسة المعينية، حتى توفّاه الله عزّ وجلّ". وأحالت على الدارس في تاريخ المدارس 1: 589 (2). وذكر محقق إيجاز القرآن (ط دار الغرب الإسلامي) أيضًا أن بيان الحق درس في المدرسة المعينية بدمشق استدلالًا بهذا الموضع من كتاب الدارس. وفي ذلك كله نظر. أما رحلته إلى حلب وتدريسه في المدرسة الحلاوية فاستدلت محققة باهر البرهان عليه بقول القفطي في ترجمة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي الأشيري المغربي (561 هـ): "وسلمه الله إلى أن وصل إلى حلب ونزل على العلاء محمود الغزنوي المدرس بمدرسة الحلاويين ظاهر باب الجامع، وأقام عنده مرة ... " وكذلك بما ذكره ابن قطلوبغا واللكنوي في ترجمة رضي الدين

_ (1) مقدمة تحقيق باهر البرهان: 87 - 88. (2) المرجع السابق: 93.

محمد بن محمد السرخسي (571 هـ) أنه قدم حلب ودرس بالمدرسة الحلاوية بعد محمود الغزنوي. ثم قالت: "ولعلّ المذكور هو المؤلف رحمه الله". الحق أنه لا صلة للمذكور بل للمذكورين بالمؤلف. فإن المذكور في ترجمة السرخسي: محمود بن العلاء الغزنوي، والعلاء الغزنوي فقيه مشهور كان يدرس بالنورية والحلاوية، وهو عبد الرحمن بن محمود بن محمد بن جعفر، أبو الفتح، وقيل أبو محمد الحنفي الملقّب علاء الدين. ذكره ابن شداد ووصفه بـ"الفقيه الإمام" وقال إنه تولّى المدرسة بعد خروج برهان الدين البلخي وقام بها مدرسًا إلى أن توفّي بحلب سنة 564 هـ، وتولّى تدريسها بعده ولده محمود وكان صغيرًا فتولى تدبيره وترتيبه الحسام علي بن أحمد بن يكي الرازي الوردي (1). وقد ولى نور الدين الرضي السرخسي بعد محمود. قال ابن العديم: "ولاّه نور الدين المدرسة الحلاوية بعد ولد العلاء الغزنوي" (2). وبذلك يمكن تصحيح ما ورد في كتاب الإنباه للقفطي. فقوله: "ونزل على العلاء محمود الغزنوي"، صوابه: "العلاء بن محمود". لأن النازل - وهو أبو علي المغربي - أقام عنده إلى سنة 559 هـ ثم توفّي سنة 561 هـ، والذي تولّى التدريس بالمدرسة الحلاوية في هذه المدرسة هو العلاء الغزنوي لا ابنه محمود. وبهذا التفصيل انتفت رحلة بيان الحق النيسابوري إلى حلب. أما رحلته إلى دمشق وتدريسه في المدرسة المعينية فالدليل الوحيد على ذلك أن النعيمي عد مدرسيها فقال: "والذي علم من مدرسيها الشيخ رشيد الدين الغزنوي إلى حين توفّي بها، ثم من بعده نجم الدين النيسابوري إلى حين

_ (1) الأعلاق الخطيرة: 1: 267. وانظر الجواهر المضية 2: 544. (2) بغية الطلب 10: 4351، ونقل عنه القرشي في ترجمة السرخسي في الجواهر المضيّة 3: 357، فقال: "قدم حلب، ودرس بالنورية والحلاوية بعد محمود الغزنوي".

توفّي، وتولّى من بعده سراج الدين محمد ولده" (1). فاعتقدت المحققة أن "نجم الدين النيسابوري" هو بيان الحق الذي لقبّه حاجي خليفة نجم الدين، وكذلك ابنه سراج الدين محمد ولد بيان الحق. ولكن ما الدليل على أن نجم الدين هذا هو بيان الحق؟ ألا يمكن أن يكون هذا نجمًا آخر من نجوم الدين طلع في سماء نيسابور نفسها؟ ثم اللقب الذي اشتهر به ولده محمد هو معين الدين لا سراج الدين، كما سبق. (4) مذهبه في العقيدة يسلك بيان الحق في تأويل الصفات مسلك الأشاعرة والماتريدية. وقد ذكر في تفسير سورة الفاتحة قاعدة في ذلك، فقال: "وههنا إشكال آخر معنوي في كيفية غضب الله، فينبغي أن تعلم أن الغضب من الله يخالف غضبنا، فإنه منا شهوة الانتقام عند غليان دم القلب، ومن الله إرادة المار بمن عصاه. وها هنا أصل تعرف به عامة الصفات المشكلة المعاني، وهو أن لا يذهب فيها إلى التوهم اللفظي بحسب المبدأ، ولكنه بحسب التمام، فأوصاف الله تعالى تحمل على الأغراض الانتهائية لا على الأعراض الابتدائية مثاله الرأفة والرحمة ... وكذلك المحبة ... والغضب يعرض لنا فينتقض الطبع على جهة الحمية ويتغير الوجه وتحمر العين، وربما يرتعد البدن، ثم يدعو إلى جنس من العقوبة يضاد الرضى. فيوصف الله تعالى به على هذا المعنى الأخير الذي هو الغاية والمآل. وعلى هذا يجري القول في الصفات، والله أعلم". وللفخر الرازي (604 هـ) في تفسير كلام شبيه بكلام بيان الحق وقرّر أن هذا هو القانون الكلي في هذا الباب (2). وقد ردّ على هذا الكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه فقال:

_ (1) الدارس 1: 589. (2) تفسير الفخر الرازي 2: 145.

"وأن قول القائل (الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام) فليس بصحيح في حقنا، بل الغضب قد يكون لدفع المنافي قبل وجوده، فلا يكون هناك انتقام أصلًا. وأيضًا فغليان دم القلب يقارنه الغضب، ليس أن مجرد الغضب هو غليان دم القلب ... وأيضًا فلو قدر أن هذا هو حقيقة غضبنا لم يلزم أن يكون غضب الله تعالى مثل غضبنا، كما أنّ حقيقة ذات الله ليست مثل ذاتنا، فليس هو مماثلًا لنا: لا لذاتنا، ولا لأرواحنا. وصفاته كذاته (1). وكذلك فسر قوله تعالى {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} (البقرة 210)، فقال: "المراد: إتيان آيات الله، فذكر الله لتفخيم شأن الآيات" (2) وستأتي أمثلة من تأويله عند الحديث عن كتاب جمل الغرائب. وفي بعض المسائل يساير بيان الحق المعتزلة أيضًا، ومنها نفي نسبة الإغفال والإضلال ونحوه إلى الله تعالى (3). (5) مذهبه في الفقه كان بيان الحق في الفقه من أتباع المذهب الحنفي. ويستعمل في مؤلفاته لفظ "عندنا"، و"عند أصحابنا"، و"مذهبنا" للأحناف، ويحتج لمذهبه، ويشير أحيانًا إلى المذهب الشافعي أيضًا (4). ومن أمثلة ذلك قوله في الكلام على قوله تعالى {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى} (البقرة: 196):

_ (1) مجموع الفتاوى 6: 119. (2) باهر البرهان: 204. (3) باهر البرهان: 50، 855، 492 وانظر فهرس المسائل العقدية في ص 1810. (4) ينظر مثلًا: جمل الغرائب: 271، 279، 281، وإيجاز البيان: 133 وباهر البرهان: 184، 185، 805.

"قال الشافعي رحمه الله تعالى: الإحصار منع العدو، لأنها نزلت في عمرة الحديبية عام صد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه قال: (فإذا أمنتم). وعندنا يكون الإحصار بالمرض أيضًا، وهو مذهب ابن عباس وابن مسعود. وخطأ أبو عبيدة وإسماعيل ابن إسحاق القاضي الشافعي وقالا: الإحصار في المرض، والحصر في العدو" (1). (6) مؤلفاته لم يذكر ياقوت في ترجمة بيان الحق من مؤلفاته إلا ثلاثة كتب، ثم قال: "وغير ذلك". ولولا أن بيان الحق أشار في مقدمات كتبه التي وصلت إلينا إلى مؤلفات أخرى له لم يبلغ عددها عند البغدادي تسعة كتب فإنه اعتمد في قائمته على كشف الظنون ومقدمة إيجاز البيان، على تفرده بعنوان جديد لا نعرف مصدره، ووهمه في أحدها، وسهوه عن ذكر كتاب خلق الإنسان مع كونه مذكورًا في كشف الظنون. وقد أشار بيان الحق في أثناء كتبه أيضًا إلى بعض مؤلفاته. فعني كل من حقق كتابًا من كتبه بإحصاء مؤلفاته في ضوء المراجع والكتاب الذي اعتنى به. وقد بذتهم جميعًا سعاد بابقي محققة كتاب باهر البرهان، إذ تصفحت كتب بين الحق المخطوطة أيضًا واستخرجت منها أسماء مؤلفاته فبلغ عددها في الفهرس الذي أعدته نحو 20 كتابًا. وقد زدت عليها كتابين، وأورد هنا عناوينها مرتبة على حروف المعجم مع تقديم المطبوع على المخطوط ثم المفقود. أولًا: المطبوع 1 - إيجاز البيان عن معاني القرآن ذكره المؤلف في مقدمة جمل الغرائب. وقد طبع مرتين: مرة بتحقيق

_ (1) باهر البرهان: 184 وانظر إيجاز البيان: 131.

الدكتور حنيف بن حسن القاسمي سنة 1995 م بدار الغرب الإسلامي في بيروت وأصله رسالة علمية قدمت لنيل درجة الدكتوراه ونوقشت في جامعة أم القرى سنة 1411 هـ = 1991 م. واعتمد المحقق فيها على ثلاث نسخ من الكتاب محفوظة في مكتبة شورى ملي بطهران، ومكتبة كوبريلي، وجامعة إستنبول. ومرة أخرى طبع الكتاب بتحقيق الدكتور علي بن سليمان العبيد سنة 1418 هـ = 1977 م، ونشرته مكتبة التوبة بالرياض. واعتمد فيها على نسختي طهران وبرلين. وللكتاب نسخة خامسة في مكتبة معهد البحوث العربية والفارسية بمدينة تونك في الهند، وهي في 159 ورقة وكتبها عبد الله بن محمد بن محمد الترمذي بمدينة الخجند سنة 658 هـ. وقد مرة في أول هذا الفصل ما ذكره البغدادي أن النيسابوري فرغ من تأليف هذا الكتاب بالخجند سنة 553 هـ. 2 - باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن ذكره المؤلف في مقدمة إيجاز القرآن. وتحتفظ مكتبة تشستربيتي بمجموع يشتمل على عدة كتب منها كتاب لبيان الحق سمي في المخطوط بعنوان "وضح البرهان في مشكلات القرآن" وحقّقه عن هذه النسخة وبهذا العنوان صفوان عدنان داوودي. وصدرت هذه النشرة عن دار القلم بدمشق والدار الشامية في بيروت سنة 1410 هـ. وعن النسخة المذكورة نفسها حققته سعاد بن صالح بن سعيد بابقي في رسالة ماجستير تحقيقًا علميًا بذلت فيه جهدًا جهيدًا. ونشرتها جامعة أم القرى في أربعة مجلدات (1)

_ (1) النص في ثلاثة مجلدات صفحاتها 1920، ومقدمة التحقيق في مجلد مستقل في 535 صفحة. وقد عرضت المحققة في آخر مقدمتها (ص 319 - 526) الأغاليط التي وقع فيها محقق الطبعة الأولى بعنوان وضح البرهان من أسقاط وتحريفات وزيادات والملحوظات الأخرى التي أثبتت أنها طبعة غير أمينة ولا يصح الاعتماد عليها. والجدير =

سنة 1418 هـ = 1997 م. وقد رجحت المحققة أن كلمة "وضح" في عنوان المخطوط من عمل النسّاخ، لأن عنوان "وضح البرهان" لم يرد في كتب بيان الحق ثم ما وصف به المؤلف كتابه "باهر البرهان" في مقدمة إيجاز القرآن يصدق على هذا المخطوط، ومن ثم نشرته بعنوان "باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن". ثانيًا: المخطوط 3 - جمل الغرائب في تفسير غريب الحديث، ذكره ياقوت وصاحب كشف الظنون (1). ويشتغل بتحقيقه أخي الدكتور محمد راشد أيوب الإصلاحي في لندن على ثلاث نسخ وهو موضوع هذا البحث. 4 - جملة الغرائب في الحساب موضوعه الفرائض. ونسخة منه في 45 ورقة محفوظة في معهد البيروني

_ = بالذكر أن المحقق المذكور قد أخرج من قبل من المجموعة نفسها كتابين آخرين لأبي النصر أحمد بن محمد الحدادي: الموضح في التفسير، والمدخل لعلم تفسير كتاب الله عزّ وجلّ. فنشرت مقالًا عن الكتاب الأول في ملحق التراث بجريدة المدينة عدد 6 جمادى الآخرة سنة 1412 هـ = 12/ 10/1991 م، وكشفت أن المطبوع ليس بكتاب الموضح، وإنما جمع فيه شخص مجهول شواهد كتاب الموضح لعلم القرآن للحدادي كما صرح به في آخر النسخة، فأضاف إليه صفوان داوودي سياق الشواهد من الآيات دون تنبيه على ما فعل، وسماه "الموضح في التفسير". وقد أشرت في هذا المقال المذكور - وهو ضمن هذه المجموعة - إلى أن الكتاب الآخر أيضًا - وهو المدخل لعلم تفسير كتاب الله عزّ وجلّ - بحاجة إلى طبعة علمية أمينة لكثرة ما فيها من الأسقاط والأغلاط. (1) كشف الظنون 601.

بطشقند برقم 2022، وتاريخ نسخها سنة 647 هـ (1). لم يذكر هذا الكتاب في المراجع. 5 - خلق الإنسان ذكره ياقوت وصاحب كشف الظنون (2). وصل إلينا نصفه الثاني في نسخة بدار الكتب المصرية برقم 2445 أدب وهي في قسمين: القسم الأول في 150 ورقة والقسم الثاني في 302 ورقة. وصورة منها في مكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى (3). ثالثًا: المفقود 6 - الأسولة الرائعة والأجوبة الصادعة ذكره بيان الحق في مقدمة كتابه إيجاز القرآن وكلمة "الأسولة" كذا جاءت بالواو في نسخ الكتاب، وهي لغة في "الأسئلة". وسمّاه البغدادي " ... الصارعة إلى حلبة البيان وحلية الإحسان" (4). وفيه تحريف وزيادة. أما التحريف ففي كلمة الصارعة بالراء، وصوابها بالدال. والزيادة سببها الخطأ في فهم عبارة بيان الحق وهي قوله: "ومن أراد محاورة المتكلمين ومحاضرة المتأدبين فلينظر من أحد كتابينا: إما كتاب "باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن"، وإما كتاب "الأسولة الرائعة

_ (1) "من نوادر مخطوطات معهد البيروني في طشقند" للدكتور عبد الرحمن فرفور، مجلة آفاق الثقافة والتراث، دبي، المجلد الثاني، العدد الخامس، المحرم 1415 هـ = يونية 1994 م. ص 94. (2) كشف الظنون: 722. (3) فهرس المصوّرات الميكروفلمية الموجودة بمكتبة مركز البحث العلمي 1: 104 - 105. (4) إيضاح المكنون: 83، هدية العارفين: 403.

والأجوبة الصادعة" إلى حلبة البيان، وحلية الإحسان، وزبدة التفاسير، ولمعة الأقاويل" (1). قول المؤلف "إلى حلبة البيان ... " متعلق بقوله "فلينظر". فتوهّم البغدادي أنه متعلق بكلمة "الصادعة" ولعلّه رأى أن الحلبة موضع الصراع، فقرأها "الصارعة" بالراء. وله وهم آخر في فهم هذه العبارة وسيأتي. وقد تبع البغدادي في التحريف والزيادة كليهما محققا وضح البرهان (2)، وإيجاز البيان (طبعة الرياض) (3)، وفي الزيادة فقط محققة باهر البرهان (4). 7 - أصول الفقه ذكره في جمع الغرائب بقوله: "وقد أوردت في (أصول الفقه) من تصنيفي جملة أنواع المجاز ... فمن أراد تحقق هذه التأويلات فعليه بذلك الكتاب" (5). 8 - أعلام العلوم ورد في مخطوطة كتابه خلق الإنسان (ل 284/ب): " ... ولنا من جملة كتب الغرائب في الحديث، وكتب أعلام العلوم، كتاب في الأدب ... ".

_ (1) إيجاز البيان (ط دار الغرب) 1: 66، أما محقق ط الرياض فقد أثبت في النص "الأسئلة" بالهمزة و"الصارعة" بالراء تبعًا للبغدادي. (2) وضح البرهان 1: 14. (3) إيجاز البيان 1: 28. (4) مقدمة تحقيق باهر البرهان: 99. (5) جمل الغرائب: 24.

كذا نقلته محققة باهر البرهان (1)، ولعلّ الصواب: وكتاب أعلام العلوم. 9 - التأثيرات الروحانية ذكره في كتابه خلق الإنسان (ل 77/أ) وهو في علم الفلك (2). 10 - التذكرة والتبصرة وهو في الفقه. ذكره المؤلف في مقدمة جمل الغرائب قائلًا: " ... وكذلك أرشده سبحانه وتعالى في متفق الفقه من كتاب التذكرة والتبصرة إلى ألف نكتة حرّرها وأوجزها، تطرد أكثر مسائل الفقه عليها، ويسند الاجتهاد في الفتوى ظهره إليها". ثم ذكر أنه هو وكتابه ملتقى الطرق "لا يزيدان على مائة ورقة بين بين". ومن هنا ذكره حاجي خليفة وغيره (3). 11 - التفصيل للتفسير والتأويل وهو عنوان كتاب كبير له في التفسير. ذكره في كتابه خلق الإنسان (ل 201/أ) بقوله: " ... وشرحنا جميعها بألخص شرح في التفسير الكبير المعنون (التفصيل للتفسير والتأويل) ... ". وسمّاه في موضع آخر منه (ل 28/ب) بـ"كتاب التفصيل بين التفسير والتأويل" (4). 12 - دور الكلمات على غرر الآيات الموهمة للتعارض والشبهات تفرد بذكر البغدادي (5)، ولم يورد أوله.

_ (1) مقدمة تحقيق باهر البرهان: 99. (2) المرجع السابق: 106. (3) كشف الظنون: 393، هدية العارفين: 403. (4) مقدمة تحقيق باهر البرهان: 100. (5) إيضاح المكنون: 468 وهدية العارفين: 403.

13 - شرح الأبيات الواردة في كتاب باهر البرهان أشار إليه في كتاب باهر البرهان بقوله: "كما نشرحه في كتاب بعد هذا مفرد في معاني أبيات هذا الكتاب" (1). 14 - شوارد الشواهد وقلائد القصائد ذكره المؤلف في مقدمة إيجاز البيان (2). 15 - العلالة في مسألة اليمين على شرب ماء الكوز ولا ماء في الكوز ذكره في كتابه باهر البرهان (3). في الطبعتين من الكتاب "غلالة" بالغين المعجمة، وضبطت في طبعة أم القرى بفتح الغين، ولا معنى لها، ولعلّ الصواب: علالة، بضم العين المهملة كما أثبتنا، وهي في اللغة: ما يتلهى به، وكذلك بمعنى الجري بعد الجري. 16 - غرر الأقاويل في معاني التنزيل ذكره في مقدمة إيجاز البيان بقوله "ومن أراد التبحّر والتكثّر فعليه بكتابنا "غرر الأقاويل في معاني التنزيل". ومن هنا ذكره البغدادي في إيضاح المكنون (4) ولكن سها عن ذكره في هدية العارفين، ولما ذكره ناشر وضح البرهان قال: "أو زبدة التفاسير ولمعة الأقاويل" (5)، كأن للكتاب عنوانين، وهو خطأ محض.

_ (1) باهر البرهان: 1: 140. (2) قال الصفدي في الوافي (25: 284): "يشتمل على أشعار مختارة". (3) باهر البرهان 1: 85. (4) إيضاح المكنون: 144. (5) وضح البرهان: 1: 14.

17 - قطع الرياض في بدع الاعتراض ذكره في كتاب باهر البرهان في الكلام على الجملة المعترضة (ولن تفعلوا) في قوله تعالى {فإن لمَّ تفعلوا ولن تفعلوا فاتَّقوا النَّار الَّتي وقودها النَّاس والحجارة أعدَّت للكافرين} (البقرة: 24) فقال إنها اعتراض بين الشرط والجزاء، وأنشد بيتين لكثير وعبيد الله بن الحر ثم قال: " ... والاعتراض في أشعار العرب كثير، لأنه يجري مجرى التوكيد، ولنا فيه كتاب اسمه (قطع الرياض في بدع الاعتراض) " (1). 18 - كتاب في الرد على الباطنية ذكره في كتابه خلق الإنسان (ل 281/ب)، فقال: "وقد صنفنا في الرد عليهم وذكر أحكامهم في الشرع كتابًا مبسوطًا ... وهو من الكتب اليومية التي صنفناه في يوم واحد من وقت استواء الشمس في كبد السماء إلى مثله في الغد ... " وأشار إليه في موضع آخر منه أيضًا (2). 19 - كتاب في الرد على الشبه الاعتقادية أجاب فيه عن رسالة كتبها إليه بعض أصحابه، ذكره أيضًا في كتاب خلق الإنسان (ل 276/أ) (3). 20 - المقلدات في علم العربية يشتمل على قصائد مختارة من شعر العرب أعربها المؤلف. قاله الصفدي ونقل ذلك عن كتابه الوافي الدكتور إحسان عباس (4).

_ (1) باهر البرهان 1: 45 - 46. (2) مقدمة تحقيق باهر البرهان: 98. (3) المرجع السابق. (4) معجم الأدباء 6: 2686 (حاشية المحقق). وانظر الوافي 25: 284.

21 - المقرطات وهي قصائد مختارة من شعراء المحدثين قاله الصفدي (1). 22 - ملتقى الطرق في الفقه، ذكره المؤلف في مقدمة جمل الغرائب بقوله: " .. كما هداه جلّ وعزّ بفضله في مختلف الفقه من كتاب "ملتقى الطرق) إلى مجامع نكاتها ومنابع كلماتها ... " ثم ذكر أن كلا الكتابين هذا وكتاب التذكرة والتبصرة "لا يزيدان على مائة ورقة بين بين". وقد خفي على محقق إيجاز البيان (ط دار الغرب الإسلامي) هذه العبارة، فظنّ أن "إلى مجامع .. " متعلق بـ"ملتقى الطرق"، فسمى الكتاب "ملتقى الطرق إلى مجامع نكاتها ومنابع كلماتها"، والصواب أن "إلى" متعلق بالفعل "هداه". وقد وقع البغدادي في مثل هذا الخطأ في فهم كلام النيسابوري في مقدمة إيجاز البيان كما سبق في كتاب الأسولة الرائعة. 23 - كتاب يشتمل على الألفاظ التي تتوجه إلى صورتين مما جاء في نثر الكلام ونظمه ذكره المؤلف في كتاب باهر البرهان، ولم يسمه (2). رابعًا: المنسوب إليه خطأ 1 - زبدة التفاسير ولمعة الأقاويل نسبه إليه البغدادي (3)، إذ أخطأ في فهم عبارة بيان الحق في مقدمة إيجاز

_ (1) زدته من مطبوعة الوافي (25: 284). ولم يذكره الدكتور إحسان عباس في حاشيته على معجم الأدباء، لما وقع من تحريف في اسم الكتاب في نسخة الوافي التي كانت بين يديه. (2) باهر البرهان: 1019. (3) إيضاح المكنون: 610، وهدية العارفين: 403.

القرآن، وقد نقلناها آنفًا في الكلام على كتاب الأسولة الرائعة برقم 6. وقد تبع البغدادي في هذا الخطأ محقق إيجاز القرآن، (طبعة الرياض) (1)، وأخطأ ناشر وضح البرهان خطًا آخر، إذ جعله عنوانًا ثانيًا لكتاب غرر الأقاويل في معاني التنزيل كما سبق. ونبّه على الخطأ محققًا كتاب إيجاز البيان (ط القاسمي) (2)، وباهر البرهان (3). 2 - الموجز في الناسخ والمنسوخ نسب في فهرس تشستربيتي إلى بيان الحق (4)، وتبعه ناشر وضح البرهان (5). ونبهت محققة باهر البرهان على خطأ هذه النسبة، ولكن سمت الكتاب "المجاز في .... "! (6). وسأفرد قريبًا - إن شاء الله - مقالًا للكشف عن مؤلف هذا الكتاب.

_ (1) إيجاز البيان عن معاني القرآن (طبعة الرياض) 1: 29. (2) إيجاز البيان (ط القاسمي) 1: 25 - 26. (3) مقدمة تحقيق باهر البرهان 107. (4) فهرس المخطوطات العربية في مكتبة تشستربيتي 1: 517. (5) وضح البرهان 1: 14. (6) مقدمة تحقيق باهر البرهان: 107.

الفصل الثاني كتاب جمل الغرائب كان بيان الحق النيسابوري عالمًا متفننًا، كما وصفه ياقوت، ويشهد بذلك تنوّع مؤلفاته. فقد ألّف في التفسير عدّة كتب، وكذلك في الفقه وأصوله، وفي الرد على الباطنية، وفي الأدب والبلاغة. وجمع في كتابه خلق الإنسان بين علم اللغة وعلم الأخلاق. أما هذا الكتاب "جمل الغرائب" فوضعه في تفسير غريب الحديث. وقد ذكره ياقوت (626 هـ) في ترجمته، كما ذكره الصغاني (650 هـ) من موارده في كتابيه التكملة (1) والعباب الزاخر (2). وقد عرفنا في الفصل الأول أن عددًا كبيرًا من العلماء سبقوا بيان الحق إلى التأليف في فن غريب الحديث، ومنهم أصحاب الكتب الأمهات: أبو عبيد، وابن قتيبة، والخطابي، ثم إبراهيم الحربي، وأبو عبيد صاحب الغريبين. فما الغاية التي قصد إليها بيان الحق بتأليف الكتاب؟ وهل سلك في ترتيبه أو تفسير الغريب فيه مسلكًا جديدًا يستحق منا العناية بكتابه؟ (1) غاية التأليف أشار بيان الحق في مقدمة جمل الغرائب إلى مذهبه في تأليف كتبه وغايته

_ (1) التكملة والذيل والصلة 1: 7 (المقدمة). (2) بحوث وتحقيقات للميمني 2: 388.

منها بصورة عامة، فقال بعد خطبة الكتاب: " ... فإن لكل علم رجالًا، بأيديهم ترتفع أعلامه، وعلى ألسنتهم تفتق أكمامه؛ ولكل عالم في علمه طريقًا قد استولى على مناره وتجديد آثاره. ومؤلف هذا الكتاب محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري في ذلك من بين من هو وقف على تحصيله، وحبيس في سبيله، عاكف الفكر من لدن شب إلى أن شاب على إرهاف قدوده وإخطاف خصوره، دائم الجدّ في تمييز لبابه من قشوره. وقد وفقه الله تبارك وتعالى منه في تفسير كتابه لغير واحد حتى استوى من مطولاته التي صنّفها على كتاب "إيجاز البيان في معاني القرآن" أوجز كتاب لفظًا، وأطوله وأبسطه معنى، يشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة في مقدار ست طاقات بياض. وكذلك أرشده سبحانه وتعالى في متفق الفقه من كتاب "التذكرة والتبصرة" إلى ألف نكتة حرّرها وأوجزها ... كما هداه جلّ وعزّ بفضله في مختلف الفقه من كتاب "ملتقى الطرق" إلى مجامع نكاتها ومنابع كلماتها ... ولعلّ الكتابين غير زائدين على مائة ورقة بين بين. وهلم جرا في سائر الفنون إلى كل مجموع وجيز غاية الإيجاز، بمثله يعرف عمل العقل في صناعته التي هي الاختصار، وحرفته التي هي الاختيار. ولعلّ في تسهيل طريق المنبعثين إلى تحصيل ذلك من ثواب الله عزّ وجلّ ما يهب لفاعله حياة يحبر فيها، ويجعلها فيما يحب ويرضى وأن يرزقه مماتًا على صدق طاعته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ... ". فأوضح بيان الحق أنه - بالإضافة إلى كتبه الكبيرة - ألّف في كل فنّ كتبًا بناها على الاختيار والاختصار. وجمع في كل كتاب رؤوس مسائله وعيون أقوال العلماء فيها بعد تحريرها وتلخيصها في عبارة موجزة غاية الإيجاز، ليكون مع غزارة فرائده خفيف المحمل قريب المأخذ، فجمع في كتاب إيجاز البيان أكثر من عشرة آلاف فائدة في مقدار ست طاقات بيض، وجمع في كتاب التذكرة

والتبصرة ألف نكتة في متفق الفقه يطرد أكثر مسائل الفقه عليها، ثم ألّف في مختلف الفقه كتابًا آخر، وكلاهما لا يزيد على مئة ورقة. وقصده بذلك نفع طلبة العلم بتقريب أصوله إليهم وتسهيل طريق التحصيل عليهم، راجيًا بذلك ثواب الله عزّ وجلّ. وأراد بيان الحقّ أن يؤلّف كتابًا في علم الحديث أيضًا ولكن لم يكن - مع ثنائه على المحدثين في كتابه خلق الإنسان (1)، وكثرة استشهاده بالأحاديث في كتابيه إيجاز البيان، وباهر البرهان - من أصحاب الحديث المختصّين بصناعته، وإنما اشتهر بعلوم التفسير والفقه والأدب واللغة، فرأى أن أقرب فنون الحديث إلى اهتماماته فن غريب الحديث، فجمع فيه كتاب جمل الغرائب، وذهب فيه مذهبه في مؤلفاته الأخرى التي ذكرت من قبل من الاختيار والاختصار. فقال في مقدمة الكتاب: "وغذا كان علم الحديث بعد علم التفسير من بين العلوم أوضح منارًا وأزخر بحارًا، وأطيب منالًا وأرحب مجالًا، وأعمّ فقهًا وحكمة، وأتمّ خيرًا وبركة، وأدنى من السداد، وأهدى إلى الرشاد، وكان تباعد أطرافه ربما يقعد بوراده في حلباته، وتفاوت ما بين أشواطه يبعد بفرسانه عن غاياته، سألت الله عزّ وجلّ التوفيق في جمع شتاته وشرح مشكلاته". ويدخل في "المشكلات" مع الألفاظ والتراكيب الغريبة بعض ما يسمّى "مشكل الحديث" أو "مختلف الحديث". وقد صنّف العلماء في هذا الفنّ كتبًا مستقلة، إلا أن كتب غريب الحديث أيضًا كانت تشتمل من القديم على تفسير بعض الأحاديث المشكلة. وقد حدّد بيان الحق في كلامه هذا الغرض من تأليف كتاب جمل

_ (1) مقدمة تحقيق باهر البرهان: 209.

الغرائب. وهو: "جمع شتات علم الحديث وشرح مشكلاته". ولتحقيق هذين الأمرين عمد أولًا إلى مصادر أصيلة في فن غريب الحديث وبعض شروحه وانتقى منها الأحاديث المشكلة في ألفاظها أو معانيها، واختصر ما جاء فيها من شرحها وبيانها، ثم رتّب الأحاديث على نحو جديد يباين معظم المناهج التي اتبعها أصحاب الغريب. فما المصادر التي اعتمد عليها بيان الحق؟ (2) مصادر الكتاب من مزايا هذا الكتاب أن بيان الحق نصّ في مقدمته على المصادر التي استقى منها الأحاديث وتفسيرها. فقال: " ... فعرجت على غرائبه المجموعة من جهة الأصمعي، وأبي عبيدة، وأبي عبيد، وأبي سعيد الضرير، وابن قتيبة، ومحمد بن المستنير، والنضر بن شميل، وشمر بن حمدويه، وإبراهيم الحربي، وابن الأنباري، وأبي سليمان الخطابي، وأبي عبيد الهروي، وأبي بكر الحنبلي فيما وجدت من كتابه "الأغفال" رحمة الله عليهم أجمعين ... ". هذا النص قد رفع من شأن كتاب جمل الغرائب، فإنه فاق من هذه الجهة كتاب الفائق للزمخشري (538 هـ) الذي لم يصرّح في مقدمته بالمصادر التي اعتمد عليها. ثم قد بلغ بيان الحق بهذه الخصلة غايتها حينما جعل لهذه الكتب رموزًا أثبتها في بداية الأحاديث التي نقلها منها. نحو "ع" لكتاب أبي عبيد، و"ق" لكتاب ابن قتيبة، و"س" لأبي سليمان الخطابي، و"ص" للأصمعي، و"بين" لكتاب الغريبين. وهو نص تاريخي نادر يعرف قدره المهتمون بتاريخ حياة الكتب في الحضارة الإسلامية، فإنه يفيدنا بأن كتب النضر بن شميل وقطرب وأبي عبيدة والأصمعي وأبي سعيد الضرير وابن الأنباري وشمر بن حمدويه كانت متداولة في القرن السادس الهجري. والجدير بالذكر أن الحسن بن محمد الصغاني الذي

توفّي سنة 650 هـ قبل سقوط بغداد في أيدي التتر، ألّف كتابه العباب الزاخر في آخر حياته وذكر أن مصادره فيه تربي على ألف مصدر، وأول ما سمّاه منها كتب غرائب الحديث، وهي تسعة كتب ليس فيها من الكتب المذكورة إلا كتاب أبي عبيدة. وقد يقال إن الصغاني لم يستقص في ذكر غرائب الحديث، وإنما ذكر ما ذكر على وجه التمثيل. ولكن ألم يكن ذكر تلك الكتب الأصول - لو كانت بين يديه - أولى من ذكر مجموع الغرائب للسمعاني وكتابنا جمل الغرائب هذا؟ والمصادر التي سمّاها المؤلّف في النص المنقول آنفًا يبدو أول وهلة أن عددها 13 مصدرًا، ولكنها في الواقع 15 كتابًا، لم يصل إلينا منها ثمانية كتب، والتاسع وجدت منه المجلدة الخامسة فحسب. ومن هذه المصادر أربعة كتب لعلماء اللغة الأوائل: وهم النضر بن شميل (203 هـ) وقطرب (206 هـ) وأبو عبيدة (210 هـ) والأصمعي (217 هـ). وقد سبق خلافهم في أول من ألف في غريب الحديث أنه أبو عبيدة أو النضر بن شميل، وأيا كان الصواب فإن كتابيهما جميعًا كانا من موارد بيان الحق. وذكر ابن الصلاح (643 هـ) أن كتابيهما صغيران (1)، وقال ابن الأثير (606 هـ) أن كتاب النضر أكبر من كتاب أبي عبيدة وشرح فيه وبسط على صغر حجمه ولطفه (2). أما كتاب الأصمعي فقال فيه الخطابي (388 هـ): "وكتاب ينسب إلى الأصمعي يقع في أوراق معدودة" (3). وينبئ كلامه بأنه اطّلع على الكتاب المذكور، ولكن ذكر ابن النديم أنه رأى نسخة منه بخط السكري في نحو مائتي ورقة (4). أما كتاب قطرب فلم أر من ذكر حجمه، ثم يفهم من كلام ابن درستويه أن أبا عبيد جمع في كتابه عامة ما في كتب أبي عبيدة وغيره، وذكر

_ (1) علوم الحديث: 272. (2) النهاية 1: 5. (3) غريب الحديث 1: 49. (4) الفهرست: 61.

منهم قطربًا أيضًا، ولكن لم أجد في كتاب أبي عبيد أي نقلًا عن قطرب. ويلحق بالكتب المذكورة كتاب شمر بن حمدويه الهروي (255 هـ) وكتاب ابن الأنباري (304 هـ). أما كتاب شمر فقال ياقوت إنه "كبير جدًا" (1) وقال السخاوي: "وكتابه يقال إنه قدر كتاب أبي عبيد مرارًا" (2). ولما ذكر الخطابي في مقدمة غريبه كتب أبي عبيدة والأصمعي وقطرب والنضر والحربي وغيرهم وانتقدها بقوله: "وفي بعض هذه الكتب خلل من جهة التفسير، وفي بعضها أحاديث نكرة لا تدخل في شرط ما أنشئت له هذه الكتب"، قال في كتاب شمر: "وكتاب شمر أشفاها وأوفاها" (3). أما كتاب ابن الأنباري فأثنى عليه الخطابي وقال: "ولابن الأنباري من وراء هذا مذهب حسن في تخريج الحديث وتفسيره. وقد تكلّم على أحاديث معدودة وقع إلي بعضها، وعامتها مفسره قبلة إلا أنه قد زاد عليها وأفاد، وله استدراكات على ابن قتيبة في مواضع من الحديث" (4). وقول الخطابي "أحاديث معدودة" يدلّ على أنه لم يقف على كتابه الكبير في غريب الحديث الذي يقال إنه اشتمل على خمسة وأربعين ألف ورقة (5). ومن مصادر جمل الغرائب: غريب الحديث لإبراهيم الحربي (285 هـ) وقد سبق قول ابن الأثير فيه أنه "بسبب طوله ترك وهجر، وإن كان كثير الفوائد، جم المنافع" ولم يصلنا منه إلى المجلدة الخامسة، وهي مطبوعة. ومن مصادر جمل الغرائب الكتب الثلاثة الأمهات: كتب أبي عبيد وابن قتيبة والخطابي. أما أبو سعيد أحمد بن خالد الضرير، فليس له كتاب مستقل في

_ (1) معجم الأدباء 3: 1421. (2) فتح المغيث 4: 26. (3) غريب الحديث: 1: 50. (4) المرجع السابق: 1: 51. (5) وفيات الأعيان 4: 342.

غريب الحديث، وإنما ألف كتابًا في الرد على أبي عبيد، قال أبو علي الحسين بن أحمد السلامي البيهقي (300 هـ) في كتابه نتف الطرف: "خرج أبو سعيد على أبي عبيد من غريب الحديث جملة مما غلط فيه، وأورد في تفسيره فوائد كثيرة" (1) وكان أبو سعيد من شيوخ ابن قتيبة، وقد استقدمه عبد الله بن طاهر (230 هـ) من بغداد إلى نيسابور. ومن مصادره كذلك كتاب الغريبين للهروي (401 هـ) وهو مشهور مطبوع. والكتاب الأخير الذي ذكره بيان الحق هو كتاب الأغفال لأبي بكر الحنبلي. ولفظه: "فيما وجدت من كتابه الأغفال" يشير إلى أنه لم يقف على الكتاب كاملًا. ولم أجد ذكرًا لهذا الكتاب ولا لمؤلفه في المراجع التي بين يدي إلا كشف الظنون، ومصدره أيضًا - فيما أرى - كتاب جمل الغرائب هذا. ثم لا تجد في كشف الظنون إلا عنوان الكتاب واسم مؤلفه، أما النصوص التي نقلها بيان الحق منه فيظل كتاب جمل الغرائب هو المصدر الوحيد لها إلى أن يعثر على الكتاب. وأظن ظنًا أن مؤلف كتاب الأغفال أبو بكر بن عبد الله بن إبراهيم الحنبلي الذي ذكر أبو سعد السمعاني (562 هـ) في كتاب مرو أنه رثى الخطابي (388 هـ) في بست بشعره (2). فإن صدق ظنّي، فإنه من رجال القرن الرابع، ولعلّه توفّي في القرن الخامس الهجري. والظاهر أنه قصد في كتابه الأغفال إلى الاستدراك على كتاب الخطابي ليكون بذلك حلقة رابعة في هذه السلسلة. هذه الكتب الثلاثة عشر من المصنّفات في غريب الحديث عمومًا. وضم إليه بيان الحق كتابين آخرين للخطابي. وهما أعلام الحديث في شرح الجامع

_ (1) معجم الأدباء: 1: 254. (2) معجم الأدباء 2: 487.

الصحيح للبخاري، ومعالم السنن في شرح سنن أبي داود. واختيار هذين الكتابين دليل على حسن نظر النيسابوري ورجاحة عقله، فإنه لم يقصر كتابه على السنن بل أراد أن يكون جامعًا لشرح ما يحتاج إليه من غريب الحديث في التوحيد والنبوة والمعاد والسنن والأحكام والحكم والآداب والمحاسن والمساوئ والأمثال والمواعظ وما إلى ذلك. وقد اعتنى الخطابي في تفسير الكتابين بإيضاح المشكل من متون ألفاظهما وشرح المستغلق من معانيهما بالإضافة إلى بيان وجوه الأحكام وغير ذلك. فتهيأت لبيان الحق - بضم هذين الكتابين الجليلين إلى كتب الغرائب - مادة متنوّعة غزيرة، ينتقي منها ما شاء من تفسير غريب الحديث ومشكله. (3) ترتيب الكتاب لم يتبع بيان الحق في ترتيب كتابه منهج أبي عبيد وصاحبيه، فيورد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يتبعها أحاديث الصحابة فالتابعين كلٍ على حدة، ولا اقتفى أثر الهروي صاحب الغريبين، فيرتب الأحاديث على الموارد اللغوية، بل صنّف كتابه على الموضوعات، فقال في مقدمته: "وخرجته على أربعة عشر كتابًا يفترّ كل كتاب عن خطبة غراء تلمع بفوائد ذلك الكتاب، كما يتقدّم الصباح شروق الشمس، والرياح طلوع السحاب". وهي: 1 - كتاب التوحيد والإيمان وما جاء في القرآن. 2 - كتاب النبوات وذكر بعض المعجزات. 3 - كتاب البدء والحياة والحال والمآل. 4 - كتاب الموت والبعث والثواب والعقاب. 5 - كتاب العبادات.

6 - كتاب أحكام المعاملات. 7 - كتاب زواجر الجنايات. 8 - كتاب الحرب والسلطان. 9 - كتاب المواعظ والوصايا. 10 - كتاب الحكم والآداب. 11 - كتاب الألفاظ والأمثال. 12 - كتاب المحاسن والمحامد. 13 - كتاب المساوئ والمناهي. 14 - كتاب النساء. لم يقسم بيان الحق هذه الكتب إلى أبواب، ولكنه عقد أحيانًا بعض العناوين في داخلها وجمع تحته أحاديث في موضوع واحد، ففي كتاب النبوات نجد العناوين الآتية: - أخبار في مقدمة النبوة. - ومن الأحاديث في خلقه عليه السلام. - ومن الأحاديث في خلقه وسمته وذكر مجالسه وأحواله صلى الله عليه وسلم. - ومن الأحاديث التي فيها الجواب عن مطاعن ممن يلحد في النبوة لجهله ويدعي التناقض لخبث اعتقاده. - أحاديث فيما أخبر به عما يكون بعده صلى الله عليه وسلم. وكذلك في كتاب العبادات بعد تفسير أحاديث الطهارة والصلاة عقد العناوين الآتية: - ومن غرائب الأحاديث في الزكاة. - غرائب أحاديث في الصوم. - أحاديث في الحج.

وقد سبق في الفصل الأول أن أبا عدنان عبد الرحمن بن عبد الأعلى السلمي - وهو من أصحاب أبي زيد وأبي عبيدة - صنّف كتابه في غريب الحديث على أبواب السنن، وقد وقف عليه ابن درستويه (347 هـ) فوصفه بقوله: "ذكر فيه الأسانيد، وصنّفه على أبواب السنن والفقه، إلا أنه ليس بالكبير" (1). وقد رأى أبو الخير سلامة بن غياض الشامي الكفرطابي النحوي (534 هـ) نسخة من كتاب أبي عدنان بالري. فكان كتاب أبي عدنان إذن موجودًا في زمن بيان الحق، ولا ندري أوقف عليه أم لا، غير أنه لم يكن بين يديه حينما ألف كتابه جمل الغرائب. ولا نعرف من أصحاب الغريب من اتبع أبا عدنان في ترتيب غريب الحديث على الموضوعات غير بيان الحق. ولكن بينهما اختلافًا ظاهرًا من عدة وجوه، منها أن بيان الحق لا يذكر الأسانيد، ومنها أن كتابه - في عناوين أبوابه - يشبه الجوامع والمسانيد من كتب الحديث من جهة، ومن جهة أخرى يشبه كتب الأدب والأخبار، وأما السنن فليست إلا جزءًا من كتابه. ثم كتاب أبي عدنان لم يكن كبيرًا، أما كتاب بيان الحق فهو كتاب حافل كبير. وقد افتتح بيان الحق كل باب بخطبة تشير إلى فوائده، أنشأها بأسلوبه الأدبي. وأورد هنا خطبة قصيرة منها لتكون نموذجًا لسائرها. وهي التي استهل بها كتاب زواجر الجنايات. "الحمد لله المحمود في أوصافه وأسمائه، المعبود في أرضه وسمائه. دلّ بانتهاء كل شيء على ابتدائه، وخبّر بتغير كل أمر عن انقضائه. يدعو رجاؤه إلى الحسنات، ويكف خوفه عن السيئات. ويؤدي مراقبته إلى العفو والنجاة، وتبعث ألطافه على البرّ والتقاة. وتفيء فروضه إلى أوفى الفلاح، وتفيض حدوده بأوفر الصلاح. له الحكم المبين، والكيد المتين. يهلك المعتدين،

_ (1) تاريخ بغداد 12: 403.

وينشيء بعدهم قرنًا آخرين. يخشى سطوه على المسيئين، ويرجى عفوه للمنيبين. لا يني لطفه في اصطفاء الأخيار، ولا ينثني بأسه عن إرداء الفجار. يحاسب في اليسير والكثير، ويجازي بالكثير على اليسير. تعنو لعزة وجهه الوجوه، ولا يحمد غيره على المكروه. لا يعذّب قبل التحذير وتقدمة النذير، ولا يعزب عن علمه عظيم ولا حقير، ولا يخلو عن فضله صغير ولا كبير. لا يفارق حمده بالنا وفكرنا، ولا يزايل شكره مقالنا وذكرنا. شاهدين بأنه بادئ الأديان وخاتمها، وفارض الأحكام وحاتمها. ورادع أهل الزيع بعقوباته عن جهالتهم، ووازع أولي الضلال بحدوده عن ضلالتهم. جاعل محمد سراج هذا العالم، وسيد ولد آدم، وباعثه بالقول الصادق، والوعظ الصادع، والهدي الساطع، والسيف القاطع. فجاهد في ذاته حتى لان الأبي، ودان العصي، وهان القوي، واستكان الغوي، فصلى الله عليه وعلى آله الذين ما غيّروا ولا بدّلوا، الذين قضوا بالحق وبه عدلوا". (4) منهجه في تفسير الحديث لما ذكر بيان الحق في مقدمة الكتاب موارده في غرائب الأصمعي وغيره قال: "وانتخبت من فوائدهم، واستعذبت من مواردهم، ما حقه أن يكتب بالتبر على الأحداق، لا بالحبر على الأوراق. وتصرفت في التأويلات بين الإيجاز والإعجاز". فدلّ من منهجه في كتابه على أمرين: اختيار الفوائد من الموارد المذكورة، ثم اختصارها بغاية الإيجاز. ولعلّ قوله "بين الإيجاز والإعجاز" هو الذي قرأه ياقوت فقال في ترجمته: "وقد ادّعى الإعجاز في بعض تصانيفه" (1). وهو يقصد كتاب جمل الغرائب هذا، فإنه لم يذكر من مؤلفاته إلا كتاب إيجاز

_ (1) معجم الأدباء 6: 2686.

البيان وخلق الإنسان وهذا الكتاب. وأرى أن في قول النيسابوري "بين الإيجاز والإعجاز" تلميحًا إلى كتاب لبلديه الشهير أبي منصور الثعالبي النيسابوري (429 هـ) سمّاه "الإعجاز والإيجاز" ويسمّى أيضًا "إعجاز الإيجاز"، ولم يخرج كلامه مخرج الادعاء بأن كتابه معجز، وإنما غرضه أنه اختصر الكلام بأقصى ما يستطاع. كما قال ياقوت نفسه في مقدمة معجم الأدباء، وهو يصف منهجه فيه: "جمعت في هذا الكتاب ما وقع إلي ... مع إيثار الاختصار، والإعجاز في نهاية الإيجاز". على أن هذا أيضًا غير مسلّم للنيسابوري ولا لياقوت، ولكن بعض المصنفين - غفر الله لهم - جروا على إطراء كتبهم. على كل حال، فإن طريقته التي سار عليها في هذا الكتاب أنه ينصّ أولًا على المصدر الذي ينقل منه مشيرًا إليه برمزه، ثم يثبت الحديث من غير سنده، ويتبعه تفسير ما جاء فيه من الألفاظ الغريبة ملخصًا إياه من المصدر نفسه. وإليكم أنموذجًا لهذا التلخيص والاختصار. نقل أبو عبيد حديث حكيم بن حزام أنه قال: "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ألا أخرّ إلا قائمًا"، ثم ذكر سنده، ثم قال: "وقد أكثر الناس في معنى هذا الحديث، وماله عندي وجه إلا أنه أراد بقوله (لا أخرّ) أي لا أموت، لأنه إذا مات فقد خرّ وسقط. وقوله (إلا قائمًا) يعني: إلا ثابتًا على الإسلام. وكل من ثبت على شيء وتمسّك به، فهو قائم عليه. قال الله تبارك وتعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء اللَّيل وهم يسجدون} (آل عمران: 113). وإنما هذا من المواظبة على الدين والقيام به. وقال الله عزّ وجل {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم مَّن إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائمًا} (آل عمران: 75) ". ثم نقل أبو عبيد بسنده عن مجاهد تفسير "قائمًا" في قوله تعالى: {إلَّا ما

دمت عليه قائمًا} قال: مواكظًا أي مداومًا. ثم قال: ومنه قيل في الكلام للخليفة: هو القائم بالأمر، وكذلك: فلان قائم بكذا وكذا، إذا كان حافظًا له متمسّكًا به. وفي بعض الحديث أنه لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبايعك ألا أخر إلا قائمًا، فقال: أما من قبلنا فلن تخرّ إلا قائمًا. أي لسنا ندعوك ولا نبايعك إلا قائمًا، أي على الحق" (1). هذا الحديث وشرحه المستفيض اختصره بيان الحق على هذا الوجه: "ع: حكيم بن حزام: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخرّ إلا قائمًا" أي لا أموت إلا ثابتًا على الإسلام، وهو قوله تبارك وتعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمَّةٌ قائمة يتلون آيات الله} (آل عمران: 113) (2). فنرى أن النيسابوري أثبت أولًا "ع" وهو رمزه لكتاب أبي عبيد، ثم ذكر اسم الصحابي صاحب الحديث، ثم أورد الحديث بعدما حذف سنده، ثم اختصر تفسير الحديث، واكتفى بآية واحدة من الآيتين اللتين استشهد بهما أبو عبيد وحذف سائر الكلام. وإذا كان تفسير أبي عبيد مما أنكره أبو سعيد الضرير أورد بيان الحق التفسير والتعقيب كليهما. ومن أمثلة ذلك أن أبا عبيد فسّر ما جاء في نعت النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان شبح الذراعين، فقال: "يعني عبلهما، عريضهما" (3). نقل بيان الحق تفسير أبي عبيد وأضاف: "وأنكره أبو سعيد وقال: العبولة في أذرع النساء، وصفة الرجال أن يكون شبح الذراعين معرقًا لحمهما، وإنما هو عصب وعظام في طول كأيدي السباع" (4).

_ (1) غريب الحديث لأبي عبيد 4: 92 - 94. (2) جمل الغرائب: 40. (3) غريب أبي عبيد 2: 321. (4) جمل الغرائب: 92.

وكذلك ينقل نقد ابن قتيبة لتفسير أبي عبيد، وردّ ابن الأنباري - إن كان له ردّ - على ابن قتيبة أيضًا. كما فعل في تفسير حديث "ما سقي بعلًا أو كان عثريًا ففيه العشر" (1). ولكن لا يقتصر المؤلف دائمًا على تلخيص ما جاء في موارده بل كثيرًا ما يزيد في الشرح. ومن ذلك ما نقله من كتاب أعلام الحديث للخطابي في تفسير حديث زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب. قال الخطابي في تفسير الحديث: "قوله: "على أثر سماء" يريد على أثر مطر، وسمي المطر سماء لنزوله من السماء على مذهبهم في استعارة اسم الشيء لغيره إذا كان مجاورًا له أو بسبب منه، و"النوء": الكوكب، ولذلك سمّوا منازل القمر "الأنواء"، وإنما سمّي النجم نوءًا، لأنه ينوء طالعًا عند مغيب رقيبه من ناحية المغرب، وكان من عادتهم في الجاهلية أن يقولوا: مطرنا بنوء كذا، فيضيفون النعمة في ذلك إلى غير الله عزّ وجلّ وينسون الشكر له على ذلك، وهو المنعم عليهم بالغيث والسقيا، فزجرهم عن هذا القول، فسماه كفرًا، إذ كان ذلك يفضي بصاحبه إلى الكفر إذا اعتقد أن الفعل للكوكب، وهو فعل الله عزّ وجلّ لا شريك له" (2). أثبت النيسابوري الحديث من قوله "صلّى الصبح" إلى آخره، إلا أن لفظه: "فقال: ألم تسمعوا ما قال ربكم قالوا: لا، قال: ما أنعمت على عبادي

_ (1) جمل الغرائب: 228. (2) أعلام الحديث 1: 553.

نعمة إلا أصبح بها كافر ومؤمن، فأما من قال ... ". ثم اختصر شرح الخطابي هكذا: "سمّي المطر سماء لنزوله من السماء، والنجم نوءًا، لأنه ينوء طالعًا عند مغيب رقيبه من ناحية الغرب". وحذف ما قاله الخطابي: "وكان من عادتهم" إلى آخره. ثم أضاف: "وقيل على عكس هذا، فإن النوء غيبوبة الكوكب في المغرب وطلوع رقيبه المسمى البارح في المشرق غدوة. وقال الخليل (1): النوء اسم المطر الذي يكون مع سقوط النجم، لأن المطر ينهض مع سقوطه. وأصل النوء: النهوض، كما جاء في حديث آخر: "مالها، خطأ الله نوءها"، أي نهوضها إلى كل شيء تنهض له وتطلبه. وتأويل الحديث ما قاله الزجاج (2): أن العرب كانت تزعم أن ذلك المطر الذي جاء عند سقوط النجم هو فعل النجم ولا يجعلونه سقيًا من الله عزّ وجلّ عند سقوط النجم، فجاء هذا النوع من التغليظ، فأما من نسب ذلك إلى الله عزّ وجلّ وجعل سقوط الكوكب وقتًا كمواقيت الليل والنهار كان ذلك حسنًا. واستدلّ على جواز هذا أن عمر رضي الله عنه حين استسقى بعباس في المصلى نادى العباس: كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: إن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعًا بعد وقوعها، فوالله ما تمت السبع حتى غيث الناس" (3). ويصلح هذا المثال أيضًا لما جاء في هذا الكتاب من تفسير بعض الأحاديث المشكلة لما يتوهم فيها من التعارض والاختلاف. وقد جمع بيان الحق في كتاب النبوة أحاديث من هذا النوع مما يتّصل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعنوان "ومن الأحاديث التي فيها الجواب عن مطاعن من يلحد في النبوة لجهله ويدعي التناقض لخبث اعتقاده".

_ (1) لا يوجد قول الخليل هذا في العين 8: 391 وفيه "الشيء إذا مال إلى السقوط تقول ناء ينوء نوءًا بوزن ناع، وإذا نهض في تثاقل يقال ناء ... ". (2) لعله نقل من كتاب الأنواء للزجاج، وقد نقل منه نصًا في كتاب باهر البرهان 3: 1391. (3) جمل الغرائب: 27 - 28. وانظر التهذيب في اللغة 15: 539.

وكان النيسابوري من حفاظ دواوين الشعر، وله عناية خاصة بديوان هذيل كما يظهر من كثرة استشهاده بشعرهم. وكثيرًا ما يستشهد على المعاني، وتنهال الشواهد على لسانه، ولكن شرط الاختصار يكفّه. فأنشد في موضع الأبيات الآتية على أن الثياب بمعنى الأخلاق: قال أبو الأسود: ألم تر أني والتكرم عادتي ... وما المرء إلا لازم ما تعودا أطهر أثوابي عن الغدر والخنا ... وأنحو الذي قد كان أولى وأعودا وقال شريك بن بشر الباهلي: لقد رزئت بنو سهم بن سهم بن عمرو ... بلا نكس ولا دنس الثياب بأبيض يملأ الشيزي إما ما ... رأيت الضر في وجه الكعاب وقال آخر: فلا بعدي يغيّر حال ودي ... عن العهد القديم ولا اقترابي ولا عند الرخاء بطرت يومًا ... ولا في فاقة دنست ثيابي ثم قال: "وأمثال هذا كثيرة، ولولا سبق الضمان بالاختصار لسالت على كل حديث شعاب من الشعر والمعاني" (1). سبق في ترجمة بيان الحق أنه كان حنفي المذهب، ولكنه تجنّب ذكر مذاهب الفقهاء في هذا الكتاب. فلما فسّر حديث المصراة قال في آخر كلامه: "وهذا تفسير غريب هذا الحديث، وأما تأويله على مذهبنا فقد استقيصناه في كتبنا الفقهية" (2). وقد رأيته في بعض المواضع - من القسم الذي بين يدي من

_ (1) جمل الغرائب: 158. وقد أنشد بيان الحق بيتي أبي الأسود ضمن شواهد أخرى في كتاب باهر البرهان 3: 1575. (2) جمل الغرائب: 271.

نص الكتاب - ذكر مذهب الأحناف. ومنها أنه نقل من غريب القتبي تفسير الحديث "من قتل في عمِّيّا فهو خطأ" أن يترامى القوم فيوجد بينهم قتيل لا يدري من قتله، ويعمى أمره. ثم قال: "وديته عند أبي حنيفة رحمه الله على عاقلة القبيلة التي وجد معهم إذا لم يدع أولياء القتيل على غيرهم، وعند أبي يوسف رحمه الله على عاقلة الفريقين الذين اقتتلوا معًا" (1). (5) مآخذ على الكتاب ظهرت لي من خلال تصفّح الكتاب ثلاثة مآخذ، أحدها يرجع إلى مذهبه في العقيدة، والآخران إلى منهجه في التلخيص والتفسير. 1 - أما الأول فهو أنه حينما يفسّر أحاديث الصفات يؤولها على طريق الأشاعرة والماتريدية. ومن ذلك ما نقله من كتاب أعلام الحديث للخطابي في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته"، قال الخطابي: قوله "لا تضامون" يروى على وجهين: أحدهما تضامون - مفتوحة التاء مشدودة الميم - وأصلها تتضامون فحذفت إحدى التاءين، أي لا يضام بعضكم بعضًا، كما يفعله الناس في طلب الشيء الخفي الذي لا يسهل دركه، فيتزاحمون عند ذلك ينظرون إلى جهته. فيضامّ بعضهم بعضًا، يريد أنكم ترون ربكم وكل واحد منكم وادع في مكانه لا ينازعه رؤيته أحد. والوجه الآخر: لا تضامون من الضيم، أي لا يضيم بعضكم بعضًا في رؤيته" (2). لخص بيان الحق كلام الخطابي هكذا: "لا تضامون في رؤيته أي لا يضام بعضكم بعضًا كما يفعله الناس في تبصّر الشيء الخفي الذي لا يسهل دركه، فيتزاحمون عنده، فبيّن عليه السلام، أنكم ترون ربكم لا رؤية الأشخاص للأشخاص، ولا في جهة، ولا من جهة واحدة بل كل واحد منكم وادع في

_ (1) جمل الغرائب: 322. (2) أعلام الحديث 1: 430 - 431.

مكانه لا ينازعه في رؤيته أحد". فنرى أن بيان الحق زاد في كلام الخطابي قوله: "لا رؤية الأشخاص للأشخاص، ولا في جهة، ولا من جهة واحدة بل ... ". ثم قال في آخر شرحه: "وقد تكون الرؤية بمعنى العلم، كقوله تعالى: {وأرنا مناسكنا} وكقول حطائط: أريني جوادًا مات هزلًا لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدا وما أحق ما قال علي رضي الله عنه: "إذا حدثتم عن رسول الله فظنّوا به الذي هو أتقى، والذي هو أهيا، والذي هو أهدى". وحدث الدوري عن أبي عبيد: نحن نروي هذه الأحاديث ولا نريغ لها المعاني" (1). قلت: وما ذكره من احتمال أن يكون الرؤية في الحديث المذكور بمعنى العلم، فلا وجه له، وهو باطل قطعًا، ويردّه سياق الحديث نفسه. ومذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة أن المؤمنين يرون ربهم في الدار الآخرة في عرصة القيامة، وبعدما يدخلون الجنة. يرونه بالأبصار عيانًا كما يرى القمر ليلة البدر صحوًا (2). وكذلك لما نقل عن أبي عبيد حديث أبي رزين العقيلي "قال يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض، فقال: كان في عماء تحته هواء وفوقه هواء" فسّره بقوله: "العماء: السحاب الرقيق. فأراد: أين كان عرش ربنا فحذف المضاف. قال الله تعالى: {وكان عرشه على الماء} (هود: 7)، والسحاب يقلّ الماء فكنى عنه بالماء". ثم نقل رواية "في عمى" مقصورًا وفسّرها ثم قال: "وأبو عبيد رحمه الله لم يزد في الحديث على أنه لا يدري كيف

_ (1) جمل الغرائب: 21. (2) انظر مجموع الفتاوى 6: 485، وحادي الأرواح: 476.

ذلك العماء وما مبلغه، والله أعلم بذلك" (1). الذي في كتاب أبي عبيد أن العماء في كلام العرب: السحاب الأبيض، قال الأصمعي وغيره وهو ممدود ثم أنشد بيتين وفسرهما، ثم قال: "وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عندهم ولا ندري كيف كان ذلك العماء ... " (2). وما كان أحرى المؤلف بأن يقتفي أثر أبي عبيد فيقول بقوله. 2 - المأخذ الثاني وهو مما يتعلق بمنهجه أنه لا يميّز بين ما يلخصه من مصدره وما يضيفه إليه. ولا شك أن مراجعة المصادر التي وصلت إلينا تعين على الفصل والتمييز، ولكن لا سبيل إلى ذلك في المصادر التي ضاعت، فإذا أراد أحد أن يجمع نصوص كتاب ضائع من موارد جمل الغرائب - ولو كانت مختصرة من الأصل - لم يتأت له ذلك. فلو فصل بيان الحق بين الأصل والزيادة بلفظ "قلت" مثلًا لازدادت قيمة الكتاب. 3 - لاحظت في بعض المواضع أن بيان الحق لم يحسن تلخيص ما في مصدره، فأصابه شيء من الخلل. ومن ذلك ما جاء في غريب أبي عبيد في تفسير قول أبي بكر رضي الله عنه: "طوبى لمن مات في النأنأة". قال أبو عبيد بعد ذكر سند الحديث: "أما المحدثون فلا يهمزونه. قال الأصمعي: هي النأنأة - مهموزة - ومعناها: أول الإسلام، وإنما سمي بذلك، لأنه كان قبل أن يقوى الإسلام ويكثر أهله وناصره، فهو عند الناس ضعيف. وأصل النأنأة: الضعف، ومنه قيل: رجل نأنأ، إذا كان ضعيفًا. قال امرؤ القيس يمدح رجلًا: لعمرك ما سعدٌ بخلّة آثمٍ ... ولا نأنأٍ عند الحفاظ ولا حصر

_ (1) جمل الغرائب: 19. (2) غريب أبي عبيد 2: 227 - 229.

قال أبو عبيد: ومن ذلك قول علي رضي الله عنه لسليمان بن صرد. وكان تخلف يوم الجمل ثم أتاه بعده، فقال له علي: تنأنأت وتربعت وتراخيت فكيف رأيت الله صنع". وبعدما ذكر سنده قال: " (تنأنأت) يريد: ضعف واسترخيت. قال الأموي عبد الله بن سعيد: يقال: نأنأت الرجل إذا نهيته عما يريد وتعففه عنه، فكأنه يعني: أني حملته على أن ضعف عما أراد وتراخى. وقال غير هؤلاء من أهل العلم: إنما سمي أول الإسلام النأنأة، لأنه كان والناس ساكنون هادئون، لم تهج بينهم فتنة، ولم تشتت كلمتهم. وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول، يقول: لم يقو الشتتت والاختلاف والفتن فهو ضعيف لذاك" (1). ويمكن تلخيص كلام أبي عبيد بأن نقول: "أي في أول الإسلام قبل أن يقوى ويكثر أهله وناصره. وأصل النأنأة: الضعف. وقيل إنما سمي بذلك لأن الناس كانوا حينئذ ساكنين هادئين. وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول، أي لم يقو التشتت والاختلاف بينهم". فلننظر كيف لخص بيان الحق: نقل الحديث بلفظ "طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام" ثم قال: "أي أول الإسلام قبل أن يقوى الإسلام. وأصل النأنأة: الضعف، ورجل نأنأ ضعيف. وإنما قال لأول الإسلام: النأنأة لأنه كان والناس ساكنون هادئون، لم تهج بينهم الفتن، ولم تشتت كلمتهم، فكأنه لم يقو التشتت والاختلاف" (2). المأخذ الأول هنا أن بيان الحق نقل الحديث بلفظ "نأنأة الإسلام" والذي ورد في كتاب أبي عبيد: "النأنأة" بدون إضافة، وكذا في كتب الغريب

_ (1) غريب أبي عبيد 4: 109 - 111. (2) جمل الغرائب: 40 - 41.

الأخرى (1). ثم خلط بين قولين، وجعل تأويل القول الثاني وهو "لم يقو التشتت .. " علة للقول الأول وهو "قبل أن يقوى الإسلام" مع أنهما في كلام أبي عبيد قولان مختلفان، والقول الأول موافق لمعنى الكلمة في اللغة واضح لا يحتاج إلى تأويل، أما القول الثاني فتلطف أبو عبيد لتأويله إلى معنى القول الأول، ولذلك قال: "وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول"، فاستعمل "قد" ومن هنا قال بيان الحق: "فكأنه"، ولكن غفل بعد ذلك عن عدم ملاءمة تعليله هذا لما قال في أول الكلام "قبل أن يقوى الإسلام". والجدير بالذكر أن الأزهري حينما نقل الحديث المذكور وكلام أبي عبيد في تفسيره لم يتلفت إلى القول الثاني. وكذلك صاحب الغريبين. وإنما أشار إليه الزمخشري بقوله: "ويجوز أن ... " (2). مع هذه المآخذ التي ذكرناها آنفًا، لا يخفى ما لهذا الكتاب من قيمة علمية وتاريخية، من وجوه عديدة قد أبانت عنها المباحث السابقة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

_ (1) الغريبين 6: 1797. الفائق 3: 399. تهذيب اللغة 15: 543. (2) المراجع السابقة.

مراجع البحث (1) - الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة لابن شداد، الجزء الأول، القسم الأول، تحقيق يحيى زكريا عبارة، وزارة الثقافة، دمشق 1991 م. - أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري للخطابي، تحقيق د. محمد بن سعد ابن عبد الرحمن آل سعود، جامعة أم القرى، مكة المكرمة 1409 = 1988 م. - إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة 1406 هـ. - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، إسماعيل باشا البغدادي - طبعة يالتقايا وزميله، مكتبة المثنى بيروت. - بحوث وتحقيقات، عبد العزيز الميمني، إعداد محمد عزير شمس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1995. - البداية والنهاية لابن كثير، دار هجر، القاهرة، 1417 هـ. - بغية الطلب لابن العديم، تحقيق سهيل زكار، دار الفكر، بيروت. - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، 1399 هـ.

_ (1) لم أذكر في هذا الفهرس كتب النيسابوري وكتب غريب الحديث التي ذكرت طبعاتها في أثناء البحث.

- تاريخ بيهق لفريد خراسان علي بن زيد البيهقي، ترجمه عن الفارسية وحقّقه يوسف الهادي. ابن النديم لروائع التراث، دمشق، 1425. - تاريخ التراث العربي، فؤاد سزكين، المجلد الثامن، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض 1408 هـ. - تاريخ بغداد للخطيب، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417 هـ. - تفسير الفخر الرازي، دار الفكر، بيروت، 1405 هـ. - التكملة والذيل والصلة للصغاني، تحقيق عبد العليم الطحاوي، دار الكتب، القاهرة 1970 م. - تهذيب اللغة للأزهري، الجزء 15 تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967 م. - الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي، تحقيق عبد الفتاح الحلو، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413 هـ. - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم، تحقيق يوسف علي بديوي، دار ابن كثير بدمشق، 1413 هـ. - الدارس في تاريخ المدارس، للنعيمي، تحقيق جعفر الحسني، طبعة مصوّرة 1988. - دليل الرسائل الجامعية في المملكة العربية السعودية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1415 هـ. - ذخائر التراث العربي الإسلامي، عبد الجبار عبد الرحمن، مطبعة جامعة البصرة، 1403 هـ = 1983 م. - سير أعلام النبلاء للذهبي، تحقيق لفيف من الباحثين، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1410. - طبقات المفسّرين للداوودي، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، 1392 هـ.

- علوم الحديث لابن الصلاح، تحقيق نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق 1406 هـ = 1986 م. - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، شمس الدين السخاوي، تحقيق علي حسين علي، دار الإمام الطبري، 1412 هـ. - فهرس المخطوات العربية في مكتبة تشستربيتي، إعداد آربري، ترجمة محمود شاكر سعيد، مؤسسة آل البيت، عمّان، 1993 م. - فهرس المصوّرات الميكروفيلمية الموجودة بمكتبة مركز البحث العلمي. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1406 هـ. - الفهرست للنديم، تحقيق رضا تجدد، طهران، 1971 م. - في اللغة والأدب - دراسات وبحوث للدكتور محمود محمد الطناحي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2002 م. - كتاب الدلائل في غريب الحديث، الدكتور شاكر الفحّام، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1976 م. - كتاب العين للخليل بن أحمد، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، الجزء الثامن، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1985 م. - كشف الظنون، حاجي خليفة، طبعة محمد شرف الدين يالتقايا وزميله، مكتبة المثنى، بغداد. - مجلة آفاق الثقافة والتراث، مركز جمعة ماجد للثقافة والتراث، دبي. - مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق. - مجلة معهد المخطوطات العربية، الكويت. - مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية، دار عالم الكتب، الرياض، 1412 هـ. - مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، الطبعة الثانية 1394 هـ = 1974 م. - المزهر للسيوطي، تحقيق البجاوي ورفيقيه، دار التراث، القاهرة.

- معجم السنن للخطابي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416 هـ. - معجم الأدباء، لياقوت الحموي، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993 م. - المعجم العربي - نشأته وتطوّره، الدكتور حسين نصّار، مكتبة مصر، 1988 م. - معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية الباكستانية منذ دخول المطبعة إليها حتى عام 1980 م. للدكتور أحمد خان، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1421 هـ = 2000 م. - معجم المعاجم، أحمد الشرقاوي إقبال، دار الغرب الإسلامي بيروت، 1993 م. - معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري، تصحيح السيد معظم حسين، تصوير طبعة دائرة المعارف العثمانية، المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت. - نزهة الألباء في طبقات الأدباء لأبي البركات ابن الأنباري، تحقيق إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الأردن، 1405 هـ. - هدية العارفين، إسماعيل باشا البغدادي، طبعة يالتقايا وزميله، مكتبة المثنى، بيروت. - الوافي بالوفيات، للصفدي، الجزء 18 باعتناء أيمن فؤاد سيد، فرانز شتايز، شتوتغارت، 1411 هـ. - الوسائل في مسامرة الأوائل للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ. - وفيات الأعيان لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت. - Catalogue of the Arabic Manuscripts, vol. 1, Shaukat Ali Khan, Arabic & Persian Research Institute, Tonk, 1980.

(2) نظرات في كتاب المجرد لكراع النمل

نظرات في كتاب المجرد لكراع النمل (1) أبو الحسن علي بن الحسن الهنائي الدوسي الأزدي المعروف بلقبه "كراع النمل" من جلة علماء اللغة. وقد عاش في مصر في القرن الثالث الهجري، وتوفّي في أوائل القرن الرابع. لم ترو لنا كتب التراجم عن حياته وسيرته العلمية شيئًا يذكر. أقدم من ترجم له ابن النديم في الفهرست، فذكره من علماء النحو واللغة ممن خلطوا المذهبين، وقال: "اسمه علي بن الحسن، ويكنى أبا الحسن، من أهل مصر، وكان كوفي المذهب، وقد أخذ عن البصريين، ويعرف بالدوسي، وكتبه بمصر موجودة مرغوب فيها". ثم كر من مصنفاته كتاب المجرد - ونقل أوله - وكتاب المنضد، وكتاب الفريد (2). على هذه الترجمة اعتمد القفطي، وزاد بعض المعلومات من خلال ما ملكه أو وقف عليه من مؤلفات كراع، وذكر أنها مرغوب فيها في المغرب

_ (1) نشر في مجلة الدراسات اللغوية الصادرة في الرياض، المجلد 7 العدد الثاني (ربيع الآخر - جمادى الآخرة 1426 هـ) ص 143 - 188. وقد عثر على نسخة كاملة من كتاب المجرد، ويجري تحقيق عنها - فيما بلغني - في الكويت. (2) الفهرست: 91 - 92.

أيضًا (1). وعليها اعتمد ياقوت أيضًا، وأضاف أسماء أخرى لكتبه (2). وأثنى عليه الفيروزابادي في البلغة، فقال: "إمام متضلع نحوًا ولغة وعربية وغريبا، وله مصنفات حسنة"، ثم أضاف عدة عناوين إلى ما ورد في المصادر السابقة (3). أما السيوطي فلم يأت - مع تأخره - في بغية الوعاة بجديد، وإنما اكتفى باختصار ما قاله ياقوت (4). قد اشتهر كراع بشغفه بالغريب، وتفرد بمادة وافرة من اللغة. فالناظر في لسان العرب وغيره من المعجمات الخاصة والعامة يجد ألفاظًا أسندت إلى كراع وحده. وقد أربى عدد مؤلفاته المذكورة في المصادر على عشرة كتب، ولكن لم يصل إلينا منها إلا ثلاثة، وهي المنجّد، والمنتخب، والمجرّد. صدر المنجّد في القاهرة سنة 1976 م بتحقيق الدكتورين أحمد مختار عمر وضاحي عبد الباقي، وقد اطلع المحقّقان على مخطوطة دار الكتب المصرية من كتاب المنتخب أيضًا، وعرّفا به في مقدمتهما، ثم نشر أولهما بحثًا عنه في مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي (5) التي كانت تصدر من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، ولكن فضل تحقيقه ونشره كان مكتوبًا للدكتور محمد بن أحمد العمري أحد أساتذة كلية اللغة العربية بالجامعة المذكورة، فأخرج الكتاب عن نسخة دار الكتب المصرية ونسخة أخرى مغربية، وصدر الكتاب من

_ (1) إنباه الرواة 2: 240. (2) معجم الأدباء: 1673. (3) البلغة في تراجم أئمة اللغة: 151. (4) بغية الوعاة: 2: 158. (5) العدد الثالث: 407 - 417.

جامعة أم القرى في جزأين سنة 1409 هـ = 1989 م. ثم في سنة 1414 هـ صدر فهرس مواده اللغوية في جزء مستقل أعده الدكتور مصطفى عبد الحفيظ سالم. وقد وقف الدكتور العمري في أثناء تحقيقه لكتاب المنتخب على مخطوطة ناقصة الآخر مجهولة المؤلف والعنوان صورت من مكتبة الأحقاف بتريم، ففطن إلى أنها نسخة من كتاب المجرد لكراع، فتجرد لتحقيقه عنها وعن قطعة أخرى من وسط الكتاب محفوظة في دار الكتب المصرية. ونشر السفر الأول من تحقيقه - وهو يشتمل على أبواب الهمزة والباء والتاء والثاء - سنة 1413 هـ. ثم توقف، وقد مضت الآن ثلاث عشر سنة ولما يصدر بقية الكتاب، وهي الأبواب من حرف الجيم إلى حرف الشين الذي تنتهي بنهايته نسخة الأحقاف. وقد طالعت هذا الجزء قبل مدة، وعلقت على مواضع منه، ثم انتظرت صدور بقية أجزائه، ولكن لما طال الانتظار، وأتيحت لي فسحة من الوقت، رأيت أن أنشر من تعليقاتي ما يتّصل بتصحيح النص وتوثيقه، فذلك من حق الكتاب وناشره الفاضل والدارسين. وقد أغراني بقراءة كتاب المجرد ثم نشر هذه التعليقات خلال ثلاث: الأولى تفرّد كراع النمل بمادة لغوية غزيرة. وإن كانت جملة منها نقلت إلى كتب اللغة، فإن شيئًا كثيرًا منه لا يزال مصونًا لم يمسّه أصحاب المعاجم. وهنا أمر يحتاج إلى بحث وتأمل، وهو أن جماعة من العلماء قد وقفوا على مؤلفات كراع ونّصوا على كونها من مواردها، واستقوا منها، وأحالوا عليها أو عليها أيضًا، ولكنهم سلكوا مسلك الانتقاء دون الاستقصاء، فما الذي منعهم من إثبات جميع ما تفرّد به كراع، فهذا رضي الدين الصغاني ألّف كتاب التكملة والذيل والصلة، وغرضه فيه الاستدراك على الجوهري، وذكر كتاب المجرد ضمن موارده، ثم لم يورد في كتابه جميع مواد المجرد. وهكذا صرّح ابن سيده بأن كتب كراع - على وجه العموم - من موارد كتابية المحكم والمخصص، ولكنه هو أيضًا لم

يضمّنهما مفردات كراع بحذافيرها. فهل يرجع ذلك إلى شك في صحة بعض ما ينقله كراع نفسه، أو عدم الحصول على أصول صحيحة من كتبه؟ ولكن ذلك يصدق أيضًا على الألفاظ الأخرى التي نقلوها عن كراع مسندة إليه وحده. الخلة الثانية أن هذا السفر الأول (إلا باب الثاء) نشر عن نسخة فريدة يشيع فيها التصحيف والتحريف، والاعتماد على مثلها في التحقيق مزلة بذاتها، فكيف إذا كان الكتاب لكراع الذي ينفرد بأشياء لا أثر لها في مظانها من كتب اللغة. ثم قد جلب كراع نفسه بعض أسباب الفساد إلى كتابه هذا، والأصل الذي اختصره منه، وهو معجمه الكبير "المنضد"، إذ رتّب الألفاظ فيهما حسب صورتها الظاهرة دون التمييز بين الأصول والزوائد جاعلًا الحرف الأول بابًا والحرف الثاني فصلًا، فوضع كل كلمة تبدأ بالهمزة - أصلية كانت أو زائدة - في باب الألف، فأصبح أكبر أبواب الكتاب، إذ دخل فيه - بالإضافة إلى الأسماء - جميع الأفعال والمصادر من أبواب الثلاثي المزيد والرباعي المزيد المبدوءة بالهمزة، فتجد السلع، والأسقف، واستلم، واسبكر، واستفحل كلها في باب الألف، فصل أس. وهكذا أنى، وأنفل، وانهاض، وانهلّ، وأنجم في فصل أن. فهذا الترتيب قد يهدي القارئ - إذا أشكلت عليه المادة - إلى حرفين من أصولها كما في كلمة "الإباء" الواردة في فصل أب، وقد يدلّه على حرف واحد فحسب نحو كلمة "أنفل" المذكورة في فصل أن، وقد لا يهدي إلى شيء منها كما في كلمة "انهلّ" وجميع الأفعال والمصادر من باب انفعل التي وضعت في فصل أن، والأفعال والمصادر من باب استفعل التي وضعت في فصل أس. فإذا وقع تحريف في فعل منها فلن يعينك هذا الترتيب على معرفة أصولها، لارتفاع الضابط وغياب الرقيب. فهذا المنهج الجديد الذي اختاره كراع في ترتيب معجمه ابتغاء التيسير

والتقريب قد أساء إلى الكتاب، وزاد من مشكلات التحقيق. ولو سلك هذا في كتب غريب القرآن ونحوه لم يؤد إلى كبير ضرر لكون ألفاظها مشهورة محصورة، أما أن يرتّب معجم لغوي كامل على هذه الطريقة فذلك يعني أن المؤلف نفسه قد فتح الباب للتصحيف والتحريف ودعا الناسخين إلى أن يتلعبوا بكتابه كما شاؤوا، ولا سيما إذا كان المعجم يشتمل على الغرائب والشوارد. ومن ثم كان من شجاعة الدكتور العمري أن أقدم على تحقيق هذا الكتاب والتصدّي لما يلقاه في سبيله من مصاعب راجعة إلى تفردات كراع، وجناية ترتيبه، وعيوب نسخته الوحيدة؛ فلم يثنه شيء من هذه المثبطات، ومضى في طريقه قدمًا غير منتظر للعثور على نسخة كاملة متقنة، متطلعًا إلى الفائدة العظيمة المرجوة من إخراجه في تحقيق المعاجم القديمة، وبخاصة في توثيق الألفاظ المنقولة فيها عن كراع، وفي وضع معاجم جديدة موعبة، وإثراء الدراسات اللغوية في مناحيها المختلفة. فإذا كان الكتاب مع عظيم خطره وجليل قدره على ما أسلفنا من حزونة وعسر وجب على قرائه أن يؤازروا محقّقه ويشاركوه في تقويم ما انآد من النص واعتاص. وينبغي أن يكون ذلك دأبهم في كل ما ينشر من تراثنا العتيق، لكنه في مثل هذا الكتاب أحق وأوجب. وهذه هي الخلة الثالثة من الخلال الثلاث التي دعتني إلى قراءة هذا الجزء ونشر بعض ما علقت على نسختي. صدّر المحقّق الفاضل كتاب المجرد بمقدمة اشتملت على ترجمة موجزة لكراع وذكر مصنّفاته وأثره في كتب اللاحقين، ثم تحدث عن موضوع الكتاب وترتيبه، وقفّى بوصف نسختيه الخطيتين والمنهج الذي اتبعه في تحقيقه. وقد وقفت عند بعض ما جاء في مقدمة المحقق، ومن ذلك: - في ص 10 ذكر من مؤلفات كراع "كتاب المجهد" بالجيم والهاء، وأحال على بغية الوعاء 2: 158. وأراه تحريفًا لا غير، فإن السيوطي لخص

ترجمة كراع من معجم الأدباء، ونص قول ياقوت (ص 1673): "له من التصانيف كتاب المنضد ... ثم اختصره في كتاب المجرد، ثم اختصره في كتاب المنجد". وفي بغية الوعاة: "قال ياقوت: ... صنّف المنضد في اللغة، المجرد مختصره، المجهد مختصره ... ". قول ياقوت بأن المنجد مختصر للمجرد فيه نظر، ولكن واضح من هذا السياق أن "المجهد" في البغية تحريف للمنجد في معجم الأدباء. - في ص 11 ذكر كتابًا آخر بعنوان "المعوف" بالعين، وأحال على البلغة للفيروزابادي، وقال: "كذا اسم الكتاب بدون ضبط". الظاهر أن الصواب: "المفوّف" بالفاء مكان العين، وقد نسج كراع في تسمية كتبه على منوال ابن حبيب (245 هـ) الذي من مؤلفاته: المحبر، والمنمق، والموشّى، والمفوّق، والمشجّر، والمذهّب. فسمّى كراع بالمنظّم، والمنمنم، والموشى، والمنضد وغيره. ونحا نحوهما المرزباني (384 هـ) فسمى بالموشح، والمدبّج، والمزخرف، وغيره. - من مصنّفات كراع المذكورة في الفهرست لابن النديم (280): كتاب الفريد، ولكن المحقّق لا ذكره في مقدمة المنتخب ولا في مقدمة المجرد. ولعلّه نظر إلى قول محققي المنجد (ص 13): "لعلها مصحفة عن (الغريب) "، ولكن مثل هذا لا يعوّل عليه في إسقاط عنوان من العناوين بالكلية. - يضاف إلى مؤلفات كراع التي ذكرها المحقّق: "كتاب الحروف"، نقل منها الخفاجي في شفاء الغليل: 235. وقد يكون الاسم محرفًا، ولكن ليس عندنا ما يقطع بذلك. وفي موضع آخر منه أحال على "غريب كراع" (280) ولم يسم الكتاب. - في ص 14 ذكر المحقق من الناقلين من كتاب المجرد الزبيدي صاحب التاج، فقال: "وقد كانت أول إشارة لكتاب كراع قوله في مقدمته عند ذكر

المصادر التي اعتمد عليها في معرض سرد مصادر الكتاب: والمجرد لكراع". وهذا غير صحيح، فإن الزبيدي لم يذكر المجرد من موارده في التاج، وإنما ذكره ضمن الكتب المصنّفة في اللغة (1: 12) نقلًا عن المزهر (1: 96). والجدير بالذكر أن السياق في مطبوعة المزهر: "والمنضد لكراع، والتهذيب للأزهري ... ". وفي التاج: "والمجرد لكراع، والمقصد لابنه سويد، والتذكرة لأبي علي الفارسي، والتهذيب للأزهري ... ". فالمذكور في مطبوعة المزهر: المنضد، لا المجرد؛ ثم سقط منها كتابان أحدهما كتاب المقصد لسويد بن كراع، وهذا نص عزيز يفيد أن كراعًا كان له ابن اسمه "سويد"، وكان عالمًا في اللغة مثله، وصاحب مصنف فيها عنوانه "المقصد"، ولم أر أحدًا أشار إليه ولا إلى كتابه. أما إحالات صاحب التاج على المجرد التي أشار إليها المحقق فأراها جميعًا منقولة من اللسان أو غيره، فإن الزبيدي لم يصرح بالاطلاع على المجرد. - في ص 17 أشار المحقق إلى من نقل عن المجرد، وأضيف فيما يلي أسماء أخرى وقعت عليها دون استقصاء: 1 - أبو محمد الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن صاحب خلق الإنسان في اللغة، وقد أحال على كتاب المجرد في ص 54، 59، 248، 301. وفي مواضع أخرى كثيرة نقل عن كراع دون تعيين الكتاب. 2 - الحسن بن محمد الصغاني (650 هـ)، ذكره في موارد كتابيه التكملة (انظر خاتمة التاج) والعباب الزاخر 1: 29. 3 - ابن مالك (672 هـ)، ذكره من موارد كتابه وفاق المفهوم في اختلاف المقول والمرسوم (ص 45)، ونقل منه مصرحًا به في ص 184. 4 - أحمد بن محمد الفيومي (770 هـ)، ذكره من موارده في المصباح المنير (ص 712). 5 - كمال الدين محمد بن موسى الدميري (808 هـ)، نقل منه في حياة

الحيوان الكبرى 2: 681، 3، 462، 4: 67. 6 - الحافظ ابن حجر (852 هـ)، نقل منه في فتح الباري 8: 222. أما المنهج الذي اتبعه المحقّق الفاضل في تحقيق الكتاب والتعليق عليه، فخلاصته - حسبما وصفه - أنه عرض جميع مواد الكتاب على معاجم اللغة فما كان مطابقًا لها ترك التعليق عليه، وأما الكلمات أو معانيها التي لم يجدها في كتب اللغة المشهورة بحث عنها في مظان أخرى، فإن وجدها أشار إليها، وإلا قلب الأمر على وجوه منها احتمال التصحيف، فإذا رآها بعيدة من ذلك صرّح بأنه لم يتمكّن من العثور على تلك الكلمة أو ذلك المعنى، وعد ذلك مما تفرّد به كراع. وهذا منهج سليم لا عيب فيه. ولا ريب أن عرض مواد الكتاب كلها على المعاجم كلف المحقق جهدًا جهيدًا، بعدما أغمض المؤلف نفسه الطريق إلى معرفة أصول الألفاظ، وأحوج محقق كتابه إلى الإمعان في البحث والتفتيش. وكنت لما قرأت هذا الجزء من كتاب المجرد عنيت خصوصًا بالمواضع التي صرّح فيها المحقق الفاضل بأنه لم يجد هذه الكلمة أو ذلك المعنى، فظفرت بجملة منها في مصادر المحقق نفسها في الغالب، وانكشف لي في بعضها ما اعتراه من التصحيف، وأمكن توثيق بعضها من كتابي المنجد والمنتخب لكراع. وقد وقع في الكتاب أخطاء في تنسيق المواد وفي الضبط غير ما تضمنه جدول التصحيحات، وهذه لم أنبّه عليها في هذا المقال، ولعلّ المحقّق الفاضل إذا أكمل تحقيق الكتاب أن يعيد طباعة هذا الجزء مع سائر الأجزاء، ويعتني بصحة الضبط وحسن الإخراج. وطريقتي في التنبيهات الآتية أني أورد رقم الصفحة ونص الكتاب بخط بارز مقرونًا بتعليق المحقق عليه، ثم يأتي تعقيبي عليه مسبوقًا بشرطة.

ص 43: "والآنك: الأسرب، وهو الرصاص". كذا أثبت كلمة "الأسرب" في النص وعلق عليها: "في المصورة "الأسرف" والتصويب من اللسان (أنك) والقاموس المحيط (سرب) ". - قلت: النص في المخطوط صواب محض، وليت المحقق لم يتعجّل في تخطئته. فإن "الأسرف" بالفاء لغة في "الأسرب" كما جاء في هذا الكتاب نفسه ص 132. - ص 43: فسّر المؤلّف لفظة الآمّة بأنها الشجة التي تبلغ أم الرأس يعني الدماغ ويقال إنها جلدة رقيقة تكون على الدماغ ثم قال: "وهو رجل أميم ومأموم مثل قتيل ومقتول، والفاعل: آمّ". فعلق المحقق على "مأموم" بقوله: "رجل أميم ومأموم: الذي يهذي من أم رأسه". - هذا التفسير لا محلّ له هنا. فالأميم والمأموم في كلام المصنّف كما هو بيّن من السياق: الذي أصيب أمُّ رأسه. والآمّ: الذي أصابه. ص 51: "ويقال: أبعته الفرس: إذا عرضته للبيع، ويقال: أبعته فرسًا إذا أعرته إياه يغزو عليه، وأبعت الشيء فهو مباع: عرضته للبيع ... ". وقد علق المحقق على قوله: "أبعته فرسًا إذا أعرته إياه يغزو عليه" لأنه لم يجد "أبعته" بهذا المعنى. - يظهر من سياق العبارة في النص وضبطها أن "أبعته" فيها من أباع، والصواب أن الفعل فيها "أبعيته" من البعو وهو العارية. ذكر الصغاني في التكملة من قول الأصمعي: أبعني فرسك، أي أعرنيه، واستبعى يستبعي إذا استعار. وفي المحيط (2: 174): "استبعاني، فأبعيته فرسًا وغيره بمعنى أخبلته وأعرته". ولا أدري أأخطأ كراع في قراءة عبارة الأصمعي "أبعني" بكسر العين، فقرأها بكسر الباء، أم صحف ناسخ المجرد. ولكن من الطريف أن برهان الدين

البقاعي (885 هـ) تكلم في نظم الدرر 1: 536 على مادة بيع، فذكر أنها بجميع تقالبيها التسعة يائية وواوية مهموزة وغير مهموزة ... تدور على الاتّساع، ثم تكلم على مادة "بيع" فأورد ضمن مشتقاتها: "وكذا أبعت الرجل فرسًا أي أعرته إياه ليغزو عليه"، وهذا النص شبيه بنصّ المجرد. ثم في ص 538 تناول مادة "البعو" فقال: "والبعو: الجناية والجرم لأن ذلك يوسع الكلام في العرض، وهو أيضًا: العارية ... " وكان موضع العبارة السابقة هنا ولكن لم يفطن البقاعي لذلك. فأظن أن الخطأ قد وقع في بعض مصادر البقاعي. ص 53: "الأبلمة بمعنى الخوصة مثلثة الهمزة واللام". ذكر المؤلف اللغات الثلاث وجاء بعدها: "وبلمة لم يعرف بلمة" ثم نقل قولهم: "الأمر بيني وبينك شق الإبلمة". فيظهر من السياق أن "بلمة" لغة رابعة في الإبلمة، ولكن المشكل قوله: "لم يعرف بلمة". وأظن أنها تعقيب لأحد القرّاء على اللغة الرابعة بأنها غير معروفة. وقد أغرب المحقق في توجيه هذه الجملة إذ قال في تعليقه: "لم أجد معنى لهذه الجملة، ولم أجد الجملة على النحو المذكور، ولعلّ المعنى: أبله لم يعرف كلمة، لأن في التاج (بلم): الأبلم كالأبله". - قول الزبيدي "كالأبله" ليس تفسيرًا لمعنى الأبلم، وإنما المقصود ضبطه، وسياق كلام الزبيدي: "ومما يستدرك عليه: البلمة - محركة - برمة - العضاه عن أبي حنيفة ... ونخل مبلَّم - كمعظّم - حوله الأبلم، وهي البقلة المذكورة، ... والأبلم - مثل الأبله - كالبلّم محرّكة" (التاج - بلم). وهذا الأبلم هو الذي ذكره كراع بعد قليل بالكسر، وأشار المحقق في تعليقه إلى أنه في اللسان بفتح الهمزة. ص 55: "والأبة: العار" وقال المحقق في تعليقه: "لم أجد هذا المعنى". - الصواب: "الإبه". انظر إصلاح المنطق: 409 واللسان (وأب).

ص 62: ذكر المؤلف "اثعنجر" ثم قال: "ويقال: اثعنجج الماء بغير راء: سال". - قوله "بغير راء" يقتضي أن يكون الجيمين كما في المخطوط، ولكن الذي ذكروه في "اثعنجر" هو "اثعنجح" بالجيم ثم الحاء، فقال الصاحب: "وحكى أيضًا - يعني الخارزنجي صاحب التكملة - اثعنجح الماء بمعنى اثعنجر، إذا سال". المحيط 2: 277. والجدير بالذكر أن كراعًا لم يذكره بالحاء. ص 65: ورد في سياق "الجولان": "ويقال: اجتولت الأرض: إذا كرهت المقام بها وإن كنت في نعمة". - كذا أثبت المحقق "اجتولت" باللام، وقال في تعليقه إن لم يجده بالمعنى المذكور. والصواب أنه "اجتويت الأرض ... ". انظر النص بعينه في الغريب المصنف 1: 416 نقله عن أبي زيد، وانظر اللسان 14: 158 (جوا). ص 65: "وأجحم عن الأمر إجحامًا وأجحمه إجحامًا: تأخر عنه". - قوله: "أجحمه" خطأ. والصواب في أحدهما أحجم: (بالحاء ثم الجيم) والآخر: أجحم (بالجيم ثم الحاء). ص 67: "الإجرد من أحرار البقول، ويقال بل هو شجر، واحدته إجردة". قال المحقق في تعليقه على الإجرد": "كذا في النسخة: والذي في معاجم اللغة "الإجرد" بتشديد الدال". - قلت: نقل في اللسان عن النضر قال: "ومنهم من يقول إجرد بتخفيف الدال مثل إثمد ... " 3: 119 (جرد). وفي القاموس: "الإجردّ بالكسر، كإكبرٍّ. وقد يخفف كإثمد". ص 67: "وقد أجرذ إلي: أي اضطّر إليه". قال المحقق في تعليقه: "المعنى لهذه الصيغة لم نجده في المعاجم المشهورة كاللسان والقاموس وشرحه".

- المعنى الذي ذكره كراع موجود في اللسان والقاموس وشرحه جميعًا. في اللسان 3: 485 (جرذ): "أجرذه إلى الشيء: ألجأه واضطرّه. أنشد ابن الأعرابي: وحاد عني عبدهم وأُجرذا أي أُلجيء ... " وفي القاموس: "أجرذه: أخرجه، وأفرده و- إليه: اضطّره". ص 73: "رجل أحبى، وهو الشديد، ويقال: الشرس الضبس". ونقل المحقق في حاشيته من اللسان: "رجل أحبى: ضبس شرِّير" ثم قال: "ولم نجد الأحبى بمعنى الشديد". - ورد الأحبى بمعنى الشديد في المنتخب لكراع 1: 173 وهناك أحال المحقق على هذا الموضع من المجرد، فكان ينبغي هنا أن يوثّق نصّ المجرد بما جاء في المنتخب. وذكر الصاحب أنه قيل في قول رؤبة: والدهر أحبى يفتل المفاتلا أي شديد طويل يصرّف المصارف يمينًا وشمالًا. المحيط 3: 225. ص 75: "واحتمّ: مثل اهتم، ويقال الاحتمام بالليل خاصّة". وقال المحقق في تعليقه على "خاصة": "لم أجد هذا المعنى لهذه الصيغة بهذا المعنى الخاص. والذي في اللسان (حمم): واحتم الرجل: لم ينم من الهم". - المعنى المذكور موجود في القاموس، قال الفيروزابادي: "واحتمّ: اهتمّ بالليل، أو لم ينم من الهم". وانظر التاج. ص 75: "أحجاء البلاد: ما منعك منها". قال المحقق في حاشيته: "في اللسان (حجا): أحجاء البلاد: أطرافها ونواحيها. وبهذا المعنى لم أجدها في المعاجم المعتمدة في التحقيق".

- قلت: هذا المعنى مأخوذ من ألفاظ قول ابن مقبل: لا تمنع المرء أحجاء البلاد ولا ... تبنى له في السماوات السلاليم ديوانه: 273. ص 76: "رجل إحريض: ساقط مثل الحرض". - في المنجد 117: "ساقط القوة مثل الحرض". فلعلّ كلمة القوة سقطت هنا من النص. ص 77: "الاحزوّاز: الانكماش، ويقال: الانتصاب، وقد احزوزي يحزوزي فهو محزوزٍ". - مصدر احزوزى احزيزاء لا احزوّاز، وقد ورد في المنتخب 1: 373: "واحزوزى احزيزاء: قلق وضجر، ويقال: انتصب، ويقال انكمش"، فالظاهر أن ما هنا تحريف لا غير. ص 181: "الأحمس أيضًا: الذي لم يصبه الجدري". قال المحقق: "لم نجد في معاجم اللغة أن أحمسه الجدري: لم يصبه". - قلت: ذكره ابن القطاع في الأفعال 1: 203 قال: " [حمس] الإنسان: لم يصبه الجدري". والمجرد من مصادر ابن القطاع. ص 82: "أحنطته إحناطًا: أعطيته صلة أو أجرةً". قال المحقق: "لم نجد هذا المعنى لهذه المادة في اللسان والتاج والقاموس المحيط (حنط) ". - وردت العبارة بلفظ "أحنطت الرجل: أعطيته صلة أو أجرة" في كتاب ابن القطاع 1: 240 أيضًا. وهي بنصّها منقولة في اللسان (حنظ) عن ابن بري، ولكن بالظاء المعجمة "أحنظت". قال الزبيدي: "وزاد ابن السيد في الفرق: والرجل الذي أعطي أجرة على عمل عمله أو صلة على خبر جاء به حنيظ كأمير"

(حنظ). وهذا يدلّ على أن ما ورد في المجرد وأفعال ابن القطاع مصحف، والصواب بالمعجمة. ص 82: "وأحنّ عن الأمر إحنانًا: عدل عنه وتركه". وذكر المحقق أنه لم يجده في اللسان بالمعنى المذكور. - هذا صحيح ولكن ذكره المؤلف في المنتخب 1: 277 فكان ينبغي للمحقق أن يوثقه منه ليطمئن القارئ بأن النص سليم هنا. ص 84: "ما احتششت منه طائلًا: أي ما أصبت". وقال المحقق إنه لم يجده بالمعنى المذكور. - وهو أيضًا مذكور في المنتخب 1: 354. ص 91: "الأخيل: الشِّقّراق عند العرب، وهو طائر صغير وجمعه خيل، ويقال: هو الصُّرد، سمي بذلك لاختلاف لونه بالسواد والبياض، وهو يصيد صغار الطير والعصافير، والعرب تتشاءم به". وقال المحقق في حاشيته على "الصرد": لم نجد في معاجم اللغة والحيوان للجاحظ وحياة الحيوان للدميري أن الأخيل هو الصرد". - قلت: في القاموس: "الأخيل: طائر مشؤوم، أو هو الصرد، أو هو الشقرّاق ... ". وقال ابن سيده: "الصرد والجمع الصردان والأنثى بالهاء ... ويسمّى: الشميط والأخيل" (المخصص 8: 151). - وفي حاشية أخرى ذكر المحقق أنه لم يجد في المصادر السابقة - يعني معاجم اللغة وكتابي الجاحظ والدميري - أنه يصيد صغار الطير. قلت: ذكر ذلك ابن سيده في الموضع السابق من كتابه المخصص عن أبي حاتم قال: "وهو يصطاد العصافير وصغار الطير وهو يتشاءم به". ص 97: "الاذليلاء: انطلاق في استخفاء". وذكر المحقق أنه لم يجد

هذا المعنى في مادة (ذلل). - قلت: انظر مادة (ذلا) في اللسان والقاموس تجد المعنى فيهما بنصه. ص 99: "أراع إراعةً وأراعه على الأمر: أداره عليه". وقال المحقق: "لم نجد هذا المعنى للصيغ المذكورة في كل من (راع، ريع) وكذلك لم نجده في مادة (راغ) على احتمال أن الكلمة لحقها التحريف". - النص مصحف والصواب بالغين المعجمة، والمعنى مذكور في اللسان (روغ) قال: "فلان يديرني على أمر وأنا أريغه ... وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه سمع بكاء صبي فسأل أمه فقالت: إني أريغه على الفطام (في اللسان: الطعام، تحريف. انظر النهاية) أي أديره عليه وأريده منه". ص 103: "ارتفد الشيء: اجتمع". وقال المحقق: "رسم الكلمة يحتمل (ارتقد، وارتغد، وارتفد) وفي كل المواد المذكورة لم نجد معنى قريبًا إلا ما جاء في (رفد): وارتفد المال: اكتسبه". - قلت: لعل الصواب: ارتضد بالضاد. ص 103: "ارجحن وارجعنّ واجرعنّ: تمايل". علق المحقق على الكلمة الأخيرة، وبعدما نقل معانيها من اللسان قال: "ولم نجد الكلمة بالمعنى المذكور". - قلت: هي بالمعنى المذكور في القاموس. قال في اجرعنّ "قلت ارجعنّ وبمعناه". وقال في ارجعنّ: "لغة في ارجحنّ بمعانيه". وذكر من معاني ارجحنّ: "مال، واهتزّ". ص 105: "أردف فلان على امرأته: تزوّج عليها". ذكر المحقق أنه لم يجد في مادة ردف في اللسان والقاموس وشرحه نص ما ذكره كراع. - قلت: هو مذكور في أفعال ابن القطاع 2: 15.

ص 107: "أرشى إليه رمحه: أدناه منه، وأرشى في قتله غير واحد: أي شارك". ذكر المحقق أنه لم يجد الكلمة بالمعنيين المذكورين. - كلاهما مذكور في أفعال ابن القطاع 2: 70. ص 109: "الأرفاد: الأعجاز لا أعرف واحدها". ذكر المحقق أنه لم يجد الأرفاد: الأعجاز. - ذكرها الصاحب في المحيط 9: 293 وقال: "واحدها رفد". ص 110: أركيت في الأمر إركاء: تأخرت، وكذلك أركأ بالهمز". وذكر المحقق أنه لم يجد أركأ" بالهمز مادة ومعنى في معاجم اللغة. - قلت: ذكره ابن القطاع 2: 71. ص 111: "أرمعت السباع بأولادها إرماعًا: إذا ولدت". قال المحقق إنه لم يجد هذا المعنى في مصادره. - ذكره ابن القطاع بنصه 2: 32. وذكر معنى الولادة للمجرد (رمع) في اللسان والقاموس أيضًا. 111: "ارمعلّ السقاء أذا رقّ وفسد". قال المحقق إنه لم يجد هذا المعنى. - ذكره ابن القطاع 2: 80. ص 111: "أرمل العرفج: أصوله". قال المحقق إنه لم يجد هذه الصيغة ولا معناها. - لعل الصواب: "أرامل العرفج" بصيغة الجمع لأنه فسّره بالجمع. والنص بعينه في اللسان (رمل): "أرامل العرفج: أصوله". وكذا في المنجد: 121 غير أن كراعًا زاد: "الواحد على القياس: أرمل". وقال الفيروزابادي

(رمل): "أرمولة العرفج: جذموره، ج: أرامل وأراميل". ص 116: "ازدبى ما عنده: ذهب". قال المحقق إنه لم يجد هذا المعنى في المعاجم المعتمدة في التحقيق. - المعنى مذكور في أفعال ابن القطاع 2: 115. ص 125: "استدام الرجل واستدمى: إذا طأطأ رأسه ليخرج الدم منه". ونقل المحقق في تعليقه مثل هذا النص من اللسان (ديم) منسوبًا إلى كراع. - قلت: ونحوه في المنجد: 123. ص 126: "راس ريسًا: أكل". وأشار المحقق إلى أنه لم يجد في اللسان (ريس) شيئًا حول هذا المعنى. - قلت: ذكره ابن القطاع 2: 76. ص 128: "استنجى الناس من كل وجه: إذا أكلوا الرطب". وذكر المحقق أن في المصورة "واستنجوا الناس" وأنه أثبت ما يتفق مع ما في اللسان (نجا). - قلت: ورد النص على الصواب في المنجد: 124، وهو أولى بأن يستعان به في التصحيح ويحال عليه. ص 138: " .... وأشبى هو - يعني الرجل - ولده: شرّفه". وذكر المحقق أن هذا المعنى مما تفرّد به كراع ولم تنقله عنه المعاجم في الغالب. - جاء في أفعال ابن القطاع 2: 225: "أشبى: أكرم. أشبى الرجل: رفعته للمجد". ص 147: "وأصعنَّت الأذن فهي مصعنَّة: إذا حدّ طرفها". كذا ضبط الفعل بفتح الهمزة وتشديد النون، واسم الفاعل بكسر العين وتشديد النون، وقال في تعليقه إن في معاجم اللغة "مصعنَّة" بفتح العين.

- قلت: إذا كان الفعل من باب افعلّ - وهو المذكور في كتب اللغة - فلا وجه لضبط الفعل بفتح الهمزة ولا ضبط اسم الفاعل بكسر العين. ص 148: "صلاع الشمس: حرّها". قال المحقق: كذا بضم الصاد، وفي اللسان (صلع) "صلاع" بكسر الصاد. - قلت: وفي المنجد 125 أيضًا بالضم، أما اللسان فقد ضبط في مطبوعته بالكسر ولكن قال الزبيدي في التاج: " (صلاع الشمس ككتاب: حرّها) نقله ابن عبّاد، وهو في اللسان بالضم". ولا أدري أوهم الزبيدي أم كان في نسخته من اللسان مضبوطًا بالضم. وفي المحيط 1: 333 بالكسر كما قال. ص 152: "أضرّ الرجل فهو مضرّ: إذا كانت عليه ضرّة من مالٍ وهو من الماشية خاصة". - النص بعينه في المنجد 126. وفيه: " .. وهو الكثير من الماشية خاصة دون العين". والظاهر أن لفظ "الكثير" ساقط من نصّ المجرّد. ص 152: "ويقال: اضطفأت منه واضطنيت: استحييت". ذكر المحقق في تعليقه على الكلمة الأولى أنها كذا بالفاء. ثم نقل حاشية وردت في الأصل نصّها: "المحفوظ: اضطنأ بالنون، وكان بخط الرجل اضطبأ بالباء ولكن يقال: ضبأ بالأرض: إذا لصق بها". قال المحقق: "وهذا التعليق تصويب لما ورد حيث لم نجد ضفأ في معاجم اللغة". - قلت: وهذه الحاشية تدلّ على أن الكلمة الواردة في المتن بالباء لا بالفاء. وقد وقف عليها المحشي بخط كراع، ولكنه عقّب عليها بأن المحفوظ بالنون لا بالباء. ويؤيّد ذلك أن المؤلف ذكر في المنتخب 374 في باب الاستحياء: "اضطبأت منه واضطنأت". ص 154: "وأطر أيضًا، لزم طرة الأرض، يعني حاشيتها". قال المحقق

إنه لم يجد هذا المعنى لأطرّ، والذي وجده في اللسان والتاج: "طرر الكتاب: حواشيه". - أولًا: كان ينبغي للمحقق أن يشير إلى ما ورد في المنجد: 252. ونصّه: "طرة البرد: حاشيته، وكذلك طرة الأرض. ومنه قولهم: أطري إنك ناعلة، أي امشي في طرة الأرض". وثانيًا: ورد في اللسان: "طرة الأرض: حاشيتها. وطرة كل شيء حرفه". وفي تفسير المثل المذكور: "أطري أي خذي في أطرار الوادي: وهي نواحيه ... " ومثله في التاج أيضًا. ص 156: "أطرم الحبّ إطرامًا: تغيّر ماؤه وكثر طيبه". ذكر المحقق أنه لم يجد هذا المعنى في اللسان. - قلت: لا يصح لفظ الطيب هنا، فإنه موقع الخبث ولعلّ الصواب: "كثر طينه" بالنون. والجدير بالذكر أن ابن القطاع أورد هذا في الأفعال 2: 301 ولكن اكتفى في التفسير بقوله "تغير ماؤه". ص 156: "الاطلاع: النجاة". وقد ورد هذا في اللسان عن كراع فنقله المحقق في التعليق، وكان الأولى أن يشير إلى المنجد: 126. ص 160: "اعتسّ الرجل من مال ولده اعتساسًا: أخذه منه وهو كاره". وذكر المحقق أنه لم يجد الكلمة بهذا المعنى. - الظاهر أن النص محرّف. والصواب: اعتسر - بالراء اعتسارًا. في اللسان (عسر): "واعتسر الرجل من مال ولده إذا أخذ من ماله وهو كاره. وفي حديث عمر: "يعتسر الوالد من مال ولده" أي يأخذه منه وهو كاره، من الاعتسار وهو الاقتسار والقهر، ويروى بالصاد". ص 160: "الاعتشاء: الظلم". ذكر المحقق أنه لم يجدها بالمعنى

المذكور وقال: "أخشى أن تكون الكلمة محرّفة عن الاعتساف .... ". - قلت: قد سبقت مادة الاعتساف. أما الاعتشاء فمعنى الظلم مذكور في اللسان وأفعال ابن القطاع، ولكن لم يذكر فيهما باب افتعل بهذا المعنى. في الأفعال 2: 394: "عشي فلان عليّ: ظلمني". وفي اللسان: "قال أبو زيد: عشي الرجل عن حق أصحابه يعشى عشىً شديدًا إذا ظلمهم ... وقال: عشي عليّ فلان يعشى عشىً، منقوص: ظلمني". ص 160: "الاعتفاء: الاحتشاء ... ويقال اعتفيته وعفوته: سألته". قال المحقق إنه لم يجد في (عفا) في اللسان المعنيين المذكورين. - المعنى الثاني مشهور ومذكور في اللسان وغيره. في اللسان من قول أبي عبيد: "كل من جاءك يطلب فضلًا أو رزقًا فهو عافٍ ومعتفٍ". وفي المنجد: 260: "العافي: السائل وجمعه عفاةٍ". ص 161: "اعتترت اعتتارًا: تنحيت في ناحية". كذا أثبت الفعل والمصدر بالتاء والراء من (عتر) وقال إنه لم يجد هذا المعنى للصيغة المذكورة. - النص مصحف، والصواب: "اعتنزت اعتنازًا" من (عنز). انظر المنتخب 1: 317 واللسان (عنز). ص 162: "واعتتنت الأمر اعتتانًا: اعترضت فيه اعتراضًا". كذا أثبت من (عتن) وقال: "لم أجد هذا المعنى لصيغة اعتتن". - هنا أيضًا وقع تصحيف. فالصواب: اعتننت (من عنن). انظر المنتخب 2: 662. واللسان (عنن). ص 162: "أعذبت الرجل إعذابًا: منعته من الظلم". نقل المحقق في تعليقه عن اللسان: "وأعذبه عن الطعام: منعه وكفّه" ثم قال: "ولم أجده المنع عن الظلم".

- قلت: ذكره ابن دريد في الجمهرة 3: 1297 قال: "وقال بعضهم: أعذبه عن ظلمي، أي امنعه عني". وفي المحيط 1: 468: "أعذبه عن ظلمه: امنعه". وفي المحكم 2: 61: "أعذبه عن الظلم: منعه وكفّه" والظاهر أن النص الوارد في اللسان منقول من المحكم، فلعلّ "الظلم" فيه تحريف إلى "الطعام". ص 163: "أعلقت السوط إعلاقا: جعلت له علاقةً، فإن بطنه بها قلت: علقته تعليقًا". علّق المحقّق على كلمة "بطنه" فقال إن في المصورة كلمة تشبه ما أثبت، ولم يجدها معنىً لصيغة علّق. - قلت: لعلّ الصواب: "فإن ربطته بها ... ". ص 172: "أفاض الإناء وأفاض دمعه بمعنىً". - كذا ضبط الإناء والدمع بالرفع. والصواب بالنصب. في المنجد: 130: "أفاض الإناء: أراقه، وكذلك الدمع". ص 174: "فلان قوي على أفتن دهره أي صروفه، واحدها فتن". علّق المحقّق على كلمة "أفتن" وقال: "كذا رسمها ولم أجدها بالمعنى المذكور". - في المنجد 283: "هما فتنان أي ضربان ولونان: الواحد فتن"، فهذا ضبط المفرد، وجمعه: أفتن. وقد نص على المفرد والجمع في المحيط 9: 445. ص 176: "أفرع القوم من سفرهم إفراعًا: وذلك أوان قدومهم حين يقدمون". - في اللسان (فرع): "قدموا وليس ذلك أوان قدومهم"، وهو منقول من المحكم 2: 89، وقد ذكره المحقق في حاشيته. ولكن كان ينبغي له قبل ذلك أن يوثّق ما ورد هنا من المنجد: 131 فالنص فيه كما في المجرد، وذلك يدلّ على أنه لا سقط في نسخته.

ص 177: "وأفصم المطر وأفصى: إذا أقام أيامًا لا يقلع". ذكر المحقق أن معناهما في المنتخب 2: 444 واللسان (فصم وفصى): أقلع. والذي هنا ضده. - قلت: لعلّ تكملة النص: " ... لا يقلع، ثم أقلع" فسقط آخره. ص 178: "أفقرك الصيد إفقارًا: أمكنك من فقره، أي ناحيته". - كذا ضبط: "فقره" بكسر الفاء وفتح القاف. والصواب: "فقره" بضم الفاء وسكون القاف. انظر القاموس (فقر). والنص في المنجد: 132. ص 179: "أفلطني إفلاطًا: مثل أفلطني: فاجأني". - لعلّ في النص سقطًا وتحريفًا. والصواب: " .... مثل أفلتني. وأفلطني: فاجأني". يدلّ على ذلك ما ورد في أفعال ابن القطاع 2: 476 - وقد عرفنا أنه كثيرًا ما ينقل من المجرد-: "وأفلتني وأفلطني مثله. وأفلطني الشيء: فاجأني". في اللسان: "أفلطني الرجل إفلاطًا: مثل أفلتني وقيل: لغة في أفلتني، تميمية قبيحة، وقد استعمله ساعدة بن جؤية ... " (فلط). ص 180: "سهم أفوق: مكسر الفوق. وجمعه فوق، مثل أحمر وحمر". قال المحقق إنه لم يجد هذا الجمع في المعاجم التي رجع إليها، وإنما وجد فيها أن الجمع: فوق كصرد وأفواق. - الفوق والأفواق جمعان للفوق من السهم، لا للأفوق. ص 180: "وأقاد النبت وانقاد: اتّصل". قال المحقق إنه لم يجد في (قيد) و (قود) معنى اتّصال النبت. - قلت: النص بعينه في أفعال ابن القطاع 3: 56، وزاد: "وقاد كذلك". ص 181: "اقتفّ ما في المائدة اقتفافًا: أكل ما عليها". قال المحقق: "لم أعثر على هذا المعنى".

- وقعت هذه المادة بين اقتفر واقتمع. فلا يبعد أن تكون هذه اقتمّ وهي المعروفة بهذا المعنى. في اللسان: "اقتمّ الرجل ما على الخوان إذا أكله كله" (قمم). ولكن ذكر الزبيدي في مستدركه: "في رواية النسائي في حديث أم زرع: إذا أكل اقتفّ، أي أتى على جميعه لشرهه ونهمته" (قفف). ص 184: "الأقزل: الأعرج، ويقال: المقعد". وقال المحقق إنه لم يجده بمعنى المقعد. - كان ينبغي له أن يشير إلى كتاب المنتخب: 315 الذي ذكر فيه المعنيان. ص 190: "اكتننت بالشيء اكتنانًا: قنع به". - كذا أثبت الفعل والمصدر من (كنن)، وأراه مصحفًا. والصواب: اكتنت اكتناتًا. نقل في اللسان (كون 13: 369) في شرح قول عدي بن زيد: فاكتنت لاتك عبدًا طائرًا ... واحذر الأقتال منا والثؤر قال أبو نصر: "اكتنت: ارض بما أنت فيه". وانظر القاموس (كنت). ص 194: "أكننت الشيء في نفسي وأكننته: أخفيته". وعلّق المحقّق على الفعل الثاني وقال: كذا في المصورة، وربما تكون "أكنثه" ولم أجد في (كنث) معنى مشابهًا لما هنا". - لعلّ الصواب في الفعل الثاني: "كننته". وكثيرًا ما يذكرون الفعلين معًا، في اللسان (كنن): قال أبو زيد: "كننته وأكننته بمعنى". ويجوز أن يكون: أكتننته" من الاكتنان لأنه أيضًا بمعنى أكننت. ص 197: "ألحمه إلحامًا: غمّه ولذّبه". علّق المحقّق على "لذّبه" وقال: "كذا ولم أجد لها وجهًا وأحسبها محرّفة من عذبه". - لعلّ الصواب: "لزّ (بالزاي) به" وقد جاءت الكلمة فيها نقله الصاحب عن أبي زيد: "ألحمه القتال إلحامًا: لزّ به وغشيه". المحيط 3: 120.

ص 198: "الألس: السرق". وقال المحقق في تعليقه على (السرق): "كذا في المصورة، وفي معاجم اللغة: السرقة". - السرق مصدر سرق، وهو مذكور في اللسان والقاموس وغيرهما. ص 199: "يقال للمدينة أيضًا: إلقه وجمعها: إلق". كذا أثبت المحقق "للمدينة" وقال في تعليقه على (إلق): "لم أجد هذا الاسم للمدينة في معجم البلدان، ومعجم البكري، ومعاجم اللغة التي رجعت لها. ولم أجده أيضًا في باب أسماء المدينة في كتاب المنتخب للمؤلف 1: 405. - "للمدينة" تحريف، والصواب: "للذئبة". قال كراع في المنتخب 1: 126: "ويقال للذئبة: سلقة وإلقة، والجميع سلق، وإلق". ص 201: "ألمظه إلماظًا: إذا أعطاه شيئًا قليلًا يتلمّظه". وقال المحقق إنه لم يجد الصيغة بمعناها بفصّها ونصّها. - في الأفعال لابن القطاع 3: 137: "أعطاه قليلًا قليلًا". ص 201: "ألمعت بالشيء: ذهبت به. ومثله ألمأت". وقال المحقق إنه لم يجد هذا الفعل في (لمأ). - ذكره ابن القطاع في الأفعال 3: 146. ص 207: "الأمرط: اللصّ، والجميع: الأمارط. وسهم أمرط: تحاتّ ريشه". وذكر المحقق في تعليقه أنه لم يجد "الأمارط" في جمع الأمرط والذي في معاجم اللغة: أمراط ومراط. - ذكر المؤلف الجمعين في المنتخب 2: 500، ثم قال: وجمع الجمع: الأمارط. وكان ينبغي للمحقق أن يشير إلى هذا الموضع. ص 213: "الأموان: جمع أمه". وقال المحقق: "كذا رسم الكلمتين ولم أستطع حلّها".

- يضبط النص على هذا الوجه: "الأموان: جمع أمةٍ". والأموان بضم الهمزة وكسرها. وقال الفيروزابادي إنها مثلثة. انظر اللسان والقاموس (أما). ص 214: "أنأيت الشيء إنآءً فهو منئيّ: باعدته". - كذا ضبط اسم المفعول منه، والصواب: منأىً. ص 214: "أنأت إناتةً: رجع". وقال المحقق إنه لم يجد هذا المعنى. - أخشى أن يكون النص محرّفًا عن "أناب إنابةً". ص 216: "انتجعت الشيء انتجاعًا: استخرجته". وقال المحقق إنه لم يجد الانتجاع بمعنى الاستخراج. - قلت: هو محرّف. والصواب: انتجفت بالفاء، في اللسان (نجف): "انتجفت الشيء: استخرجه. وانتجاف الشيء: استخراجه. يقال: انتجفت إذا استخرجت أقصى ما في الضرع من اللبن ... ". ص 218: "انثمّ الرجل انثمامًا: ولّى وكبر". ونقل المحقق من اللسان (ثمم): "انثم جسم فلان أي ذاب" ثم قال: "والمعنى قريب من هذا". - قلت: بل المعنى بنصه موجود في اللسان، قال: "وانثم الشيخ انثمامًا: ولّى وكبر وهرم"، ومنه في التاج (ثمم)، وأصله في المحكم 11: 122. ص 218: "انثال الرمل انثيالًا: تبع بعضه بعضًا، مثل انهال، وانهار، وانهام، وانكال"، علّق المحقق على "انهام" فنقل من اللسان ما يدلّ على وجود معنى الرمل وانهياره في المادة، ولكن لم يجد صيغة "انهام". أما "انكال" فقال إنه كذا صورة الكلمة في النسخة ولم يجدها بمعنى انهيار الرمل. - انهام وانكال كلاهما مذكور في المنتخب 1: 419. ص 218: "انجعف انجعافًا [و] انجاف انجيافًا: وقع لجنبه". ذكر

المحقق أنه لم يجد الانجياف بمعنى السقوط على الجنب. - الصواب: انجأف - بالهمزة - انجئافًا. انظر اللسان (جأف). ص 223: "وقد انقرض الغصن مثل انخضد: إذا انكسر ولم ينحطم فيبن". "انقرض" كذا بالقاف وقال المحقق إنه جاء هكذا في المصورة، وترتيب المواد يقتضي أن تكون "انفرض" بالفاء. - الصواب بالغين: انغرض. في المحيط 4: 549: "انغرض الغصن: إذا انكسر ولم ينحطم". وفي اللسان (غرض): "انغرض الغصن: تثنى وانكسر انكسارًا غير بائن". ص 224: "أنقلهم فلان حديثًا إنقالًا من النقلة وهي النميمة". وعلّق المحقق على كلمة النميمة فقال: "لم نجد في (نقل) هذا المعنى. وجاء في حاشية الكتاب: "ليس هذا بأصل في اللغة، وإنما الأصل في أنفلهم من الغنيمة، ولعلّه استعير". وأظن أن كلمة "النميمة" تصحفت عن "الغنيمة". - أولًا: في اللسان: النقلة: النميمة تنقلها (نقل 11: 674). - ثانيًا: الحاشية التي وردت في الأصل لا صلة لها بهذه المادة، بل هي تعقيب من كاتبها على مادة أنفل الآتية بعد سبع مواد كما صرح بذلك، وسأتكلم عليها في الملحوظة التالية. - ثالثًا: لا أدري كيف يصح معنى الغنيمة هنا إذا وضعت مكان النميمة كما ظنّ المحقق. ص 224: "أنفل الشيء إنفالًا: انحلّ". وقال المحقق إنه لم يجد في (نفل) هذا المعنى. - الصواب في ضبط النص: "أنفل الشيء إنفالًا: أنحله" أي أعطاه. في اللسان (نفل): "أنفلت فلانًا ونفلته، أي أعطيته نافلةً من المعروف.

وأراد كاتب الحاشية المذكورة في الملحوظة السابقة أن "أنفل" ليس عامًّا بمعنى أعطى، بل هو بمعنى أعطى من الغنائم. ص 227: "ضربه حتى أنهج إنهاجًا: بكى". قال المحقق: "لم أجد أنهج بمعنى بكى". - قلت: هو مذكور في اللسان بنصّه، وفي زيادة: "ضربه حتى أنهج أي انبسط، وقيل بكى" وانظر التاج، وأصله في المحكم 4: 123. ص 230: "أوبطته وأوبقته: أهلكته". وذكر المحقق إنه لم يجد "أوبط" بمعنى أهلك، قال: وهي بالمعنى نفسه في كتاب المنتخب 1: 343. - قلت: وذكره ابن القطاع في أفعاله 3: 312. ص 232: "أورعت بينهم إيراعًا: أصلحت" نقل المحقق من اللسان أن ورّع بينهما وأورع: حجز. وذكر أن المادة بنصّها موجودة في المنتخب 1: 223. - وهذه أيضًا مذكورة في كتاب ابن القطاع 3: 304. ص 236: "الأولق: الرفق والرفاهية". وعلّق المحقق بقوله: "لم نجد هذا المعنى في (ألق، ولق) في معاجم اللغة، ويلاحظ أن المادة قد وردت قبل مادتين .. بمعنى الجنون، وهنا يرد احتمال التصحيف، ولكنا لا نجزم بذلك. ويبقى هذا المعنى لهذه الصيغة مما ذكره كراع ولم تنقله عنه معاجم اللغة". - الكلمة محرّفة بلا ريب، والصواب: "الأون". وقد فصله المحقق عن تكملة النص. وهو قوله: "ويقال: أن على نفسك: أي ارفق. وقد آن يؤون. والأون: الجمل. والأون: التكلف للنفقة". فالمحقق جعل "أن على نفسك ... " مادة جديدة، مع أنه يختل بذلك ترتيب الكتاب، فهذا فصل أو، لا فصل أن. وقد ذكر المؤلف هنا ثلاثة معان للأون.

ثم أورد المؤلف مادة جديدة وهي: "ومن دعاء الخيل: أوِّ، تأمره بالرجوع إلى ألافه" فأثبتها المحقق موصولة بالمادة السابقة. فذلك الوصل وهذا الفصل كلاهما خطأ. ص 236: "أوهضت الرجل إيهاضًا: إذا عبته وقلت فيه". وقال المحقق إنه لم يجد معناها في المعاجم المعتمدة في التحقيق. - هي في كتاب ابن القطاع 3: 309 بالصاد المهملة، قال: "أوهصه: عابه". ص 240: "الإهلاس: الضحك الخفي ... وكذلك الإهلاج". وقال المحقق إنه لم يجد الإهلاج بالمعنى المذكور. - "الإهلاج" مذكور في المنتخب 1: 242، وهناك أحال المحقق على المجرد، وذكر أن في التاج: "أهلجه: أخفاه"، ولم ينص على الضحك. - قلت: قال الصاغاني في التكملة (هلج): "الإهلاج والإهماج: الإخفاء" ثم أنشد قول رؤبة. كأن برقًا طار في ارتعاج ... إبراقهن الضحك ذا الإهلاج وقال: "ويروى الإهماج". ولا يبعد أن يكون المعنى الذي ذكره كراع مأخوذًا من بيت رؤبة هذا. ص 242: "ويبًا لهذا الأمر وويبٌ: أي عجبًا له". - كذا أثبت المحقق "ويبًا" بالواو وقال في تعليقه عليها: في المصورة "أيت أو أيب" ولا وجه لهما، والأرجح ما أثبت بناء على ما في اللسان (ويب). - قلت: لا وجه لما أثبته، فإن "ويبًا" موضعه في باب الواو، فصل "وي" وهذا باب الألف، فصل "أي"، فالحرفان الأولان من الكلمة لا ريب فيهما. فهي "أيبٌ" دون شك.

ص 243: "أيتنت المرأة .... : ولدت ولدًا أيتنًا". - كذا أثبت "أيتنًا"، والصواب: "أتنًا" أو "يتنًا". وفيه لغة ثالثة: "وتنًا". انظر اللسان (يتن). ص 243: "الأيدع إنسان الذي يدعى دم الأخوين". كذا أثبت المحقق "إنسان" وقال: "جاءت هذه الكلمة برسم يحتمل "إنسان" أو "ألسان"، ولم نجد لها حلًا، ثم نقل من اللسان الأقوال في الأيدع. - الظاهر أن الكلمة محرفة، وصوابها: "النبات". ص 244: ذكر المؤلف للريح الصّبا ست لغات: إير وهير، وأير وهير، وأيِّر وهيِّر. وقد ضبط الأخيران بفتح الياء المشددة، والصواب بكسرها. ولكن الجدير بالذكر أن المؤلف نفسه قد ذكرها في المنجد: 52 للريح التي تأتي من قبل بنات نعش يعني الشمال. ص 252: "الباغجة: الفخذ عن أهل اليمن". وأحال المحقق على المنتخب 1: 55. - وردت هذه الكلمة في كتاب خلق الإنسان لأبي محمد: 75 بالعين المهملة، قال: "الباعجتان: الفخذان، لغة يمانية" ونسخة هذا الكتاب جليلة وكتاب المجرد من مصادره، وكثيرًا ما ينقل أبو محمد عن كراع باسمه، ولكن لم يسمه هنا. ص 252: بعد النص السابق: "وإذا كثر الرمث في وطاء من الأرض سمي: باغجة". وقال المحقق إنه لم يجد هذا المعنى. - قلت: هذه أيضًا بالعين المهملة. في اللسان (بعج): الباعجة: أرض سهلة تنبت النصيّ. والبواعجة: أماكن في الرمل تسترقّ، فإذا نبت فيها النصي كان أرقّ له وأطيب".

ص 253: "باض الحرّ". كذا جاء دون تفسير، فقال المحقق: "باض الحر أي اشتد، ولعلّ هناك سقطًا". - قلت: كان ينبغي له أن يحيل على كتاب المنجد 137، فقد ورد فيه "باض الحرّ: اشتدّ". ص 254: "امرأة مبتلّة: كل جزء منها بنفسه في الحسن". كذا ورد، وقال المحقق: "لعلّ هناك سقطًا، ويمكن تداركه كلمة "يقوم". - لعلّ المحقق أخذ "يقوم" من المنتخب: 178 الذي ورد فيه: " ... كل عضو منها يقوم بنفسه في الحسن والكمال" ولكن لماذا لم يحل عليه؟ ص 255: "البثير: العطاء الكثير والقليل أيضًا". - "البثير" صوابه: "البثر". قال المؤلف في المنجد: 137: "البثر: العطاء الكثير، والقليل أيضًا، ضدّ" وفي المنتخب 2: 585: "أعطيته عطاء بثرًا: أي كثيرًا. والبثر: القليل أيضًا، ضدّ". ص 258: "المرأة البخترية: الحسنة في الجلاء". كذا أثبت "الجلاء" وقال: "لم أجد هذا المعنى في المعاجم كاللسان والتاج". - الظاهر أن "الجلاء" تحريف "الخيلاء". ص 259: "امرأة بخدن: رخصة رطبة، وجمها: بخادن". قال المحقق إنه لم يجد صيغة الجمع. - لعل المحقق يقصد اللسان والتاج وغيرهما من المعاجم، ولكن كان ينبغي الإشارة إلى المنتخب: 180، الذي ذكر المؤلف فيه هذا الجمع. ص 262: "بذأت عيني فلانًا بذًا وبذاءةً، وعيناي تبذّّآنه". كذا ضبط الفعل الأخير وقال: "لم أجد في اللسان صيغة تفعّل هذه".

- سياق المؤلف يدلّ على أن هذا الفعل المضارع للفعل الماضي المذكور، فحقّه أن يضبط: "تبذآنه". ص 262: "في خلقه بذاذة وبذَّة، أي رثاثة". وعلق على "بذّة" بأنّه لم يجدها في اللسان. - أخشى أن يكون صوابها: "بذوذة". ص 264: "ماء براد: بارد". ذكر المحقق أنه لم يجد هذه الصيغة. - هي مذكورة في القاموس في أول المادة. قال: "ماء برد وبارد وبرود وبراد ومبرود". ص 266: "برّح الرجل تبريحًا: استحدأ". علّق المحقق على الكلمة الأخيرة وقال: "كلمة تشبه رسم ما أثبت، ولم أستطع قراءتها ولم أجد معنىً لها في المعاجم". - المادة ومعناها كلاهما مصحف والصواب: برّخ بالخاء المعجمة. والمعنى: استخذى بالخاء والذال المعجمتين: وروي قول العجاج: ولو يقال: برِّخوا لبرَّخوا ... لمار سرجيس وقد تدخدخوا بالراء. وقال أبو عمر: بزّخوا بالزاي، قال: هكذا رأيته أي استخذوا. قال الأزهري، وهو بالزاي أشبه. انظر اللسان (برخ، بزخ). ولكن صواب النص هنا بالراء المهملة لا غير، فإنه ورد في فصل "بر". واسخذى أي ذلّ وخضع، ويجوز فيه استخذأ بالهمز، قيل لأعرابي في مجلس أبي زيد: كيف استخذأت؟ - ليتعرف منه الهمز - فقال: العرب لا تستخذئ! فهمز. انظر اللسان (خذا). ص 226: "البردج: السَّبي، وهو بالفارسية: برده". علّق المحقّق على الكلمة الفارسية فقال: "في المصورة (وردة) وهو تصحيف".

- قلت: الذي ورد في النسخة صواب محض، وليت المحقّق أثبته في المتن كما ورد! فإن الكلمة باللغة الفهلوية - وهي الفارسية القديمة التي عربت منها البردج - VARTAK انظر "برهان قاطع" 1: 253، والحرف الأول فيها ينطق كما ينطق حرف V. وفي التعريب يبدل فاء أو باء. ومما يجرد التنبيه عليه هنا أن الجيم في البردج ليست بدلًا من الهاء في "ورده" أو "برده" كما ذهب إليه أئمة العربية في نظائرها، بل أبدلت بالكاف الفارسية التي كانت موجودة في آخر الكلمة الفهلوية عند التعريب، ثم حذفت في الفارسية الحديثة وحلّت محلها هذه الهاء للاحتفاظ بفتحة آخر الكلمة، وهي تسمى الهاء المختفية، ولا تنطق. انظر مقدمة الدكتور ف. عبد الرحيم لنشرته لمعرب الجواليقي (ص 32). ص 270: "البرك طائر صغير يسمى السِّيق، وجمعه أبراك وبركان". علّق المحقّق على كلمة السيق، وقال: "كلمة تشبه ما أثبت، ولم أجد اسم هذا الطائر". - الصواب: "الشيق" بالشين. في المنتخب 1: 120 "والشيق: طائر يسمى البرك وجمعه بركان". وانظر اللسان (شيق). ص 272: "رجل بزابز: نشيط في السفر، وجمعه بزابز". قال المحقق في تعليقه على المفرد: كذا في المصورة. وفي اللسان: "بزبز" ولعله الصواب نظرًا لأن الجمع كما يذكر بعد قليل "بزابز". - قد فات المحقق الكريم أنه بعد سطر واحد ذكر في اللسان نفسه: "البزابز: السريع في السير" ثم ذكرت مرتين أخريين بمعنى آخر وهو: الشديد من الرجال إذا لم يكن شجاعًا". ص 273: "رجل بسيط الوجه وبسط وبسط أي طليق". ذكر المحقق أنه

لم يجد ضبطًا للصيغتين الأخيرتين. - قلت: تضبط إحداهما بكسر الباء والأخرى بضمها مع سكون السين فيهما. يدلّ على ذلك ما نقل في اللسان (بسط) عن ابن الأنباري في قول عروة: مكتوب في الحكمة ليكن وجهك بسطًا تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء، أي متبسّطًا منطلقًا. قال: وبسط وبسط بمعنى مبسوطتين". وأصله في تهذيب اللغة 12: 345، وضبط فيه "بسطًا" في قول عروة. ص 275: "البشك في حضر الفرس أن ترتفع حوافره ... ولا يبسط يداه". - كذا ضبط "لا يبسط". والصواب: "لا تنبسط" كما في المنجد 142 والمنتخب: 324 وقد أحال عليهما المحقق في تعليقه. ص 278: "رجل بعث وبعث وهو الذي لا يزال همّه من نومه ويؤرقّه". قال المحقّق في الحاشية: كذا وردت العبارة ولعل فيها تقديمًا وتأخيرًا، واستقامة الكلام: لا يزال همّه يؤرقه من نومه. أو يكون هناك سقط ويكون الكلام على النحو التالي: لا يزال همه يبعثه من نومه ويؤرقه. والله أعلم. - ورد النص في المنجد 142 سليمًا لا سقط فيه، وهو كما اقترحه المحقق في آخر تعليقه. فلو نظر فيه لاستفاد في تقويم النص هنا ولم يحتج إلى تقدير أو قياس، واستفاد كذلك في التعليق على النص من وجه آخر وهو أن الكلمة في المنجد وردت بتثليث الباء مع سكون العين، فهي ثلاث لغات ليس شيء منها بكسر العين. أما اللغات المذكورة في اللسان فهي بفتح الباء مع سكون العين وكسرها (وهما المذكورتان هنا في المجرد) وفتحها. ص 278: "البعثر: الاست". وذكر المحقق أنه لم يجدها في اللسان والتاج. ووجدها في المنتخب 1: 61. - لم يذكر المحقق أنها في المنتخب بضم الباء والثاء. وهي مذكورة في

كتاب خلق الإنسان لأبي محمد: 76 وضبطها فيها بفتحهما. ص 279: "بعذرني بعذارةً: نفضني" ونقل المحقق في تعليقه الفعل ومعناه من اللسان وقال: لم يرد المصدر. - المصدر ذكره الصغاني في التكملة (بعذر) عن أبي زيد، والصواب في ضبطه: "بعذارة" بكسر أوله. وانظر التاج. ص 280: "البعل صنم كان لقوم يونس عليه السلام". وأشار المحقق في تعليقه إلى أنه ورد في اللسان (بعل) عن كراع، وفي التاج (بعل) نقله من كتاب المجرد لكراع. وفي تعليق آخر ذكر المحقق أنه وردت في الأصل بعد يونس مباشرة: كلمة "إلياس" بدون إضافة أو إشارة إلى أنه قول آخر، فاستبعدها نظرًا لأن المنقول عن كراع من المجرد أنه لقوم يونس كما في التاج. - قلت: ونحوه في المنجد 142: "البعل صنم كان لقوم يونس عليه السلام. وفي القرآن: {أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين} ". وهذا النص يؤكد أنه وهم وهمه كراع، فإن الآية التي استدل بها جزء من قول إلياس لقومه. وقبلها: {وإنَّ إلياس لمن المرسلين * إذ قال لقومه ألا تتَّقون} (الصافات: 123 - 124). - وكلمة "إلياس" التي وردت في الأصل بجانب "يونس" - كما ذكر المحقق - هي تصحيح من قارئ. ص 285: "ويقال: بلج، إذا غاص". وقال المحقق إنه لم يجد هذا المعنى. - ذكره ابن القطاع في كتاب الأفعال 1: 79. ونصّه: "وبلج الماء: غاض". ص 286: طبلد الشيء يبلد بلودًا: درس، فهو بالد بلغة طيء". وقال

المحقق إنه لم يجد لغة طيء بالمعنى المذكور في اللسان (بلد). - في أفعال ابن القطاع 1: 77: "درس، لغة طائية". والمعنى مذكور في الجيم 1: 85 غير منسوب لطيء. ص 291: "يقال: بما فعلت كذا كان كذا، أي هذا بذا". وقال المحقق إنه لم يجدها على النحو الذي ذكر المصنف. - هو أسلوب معروف من أساليب العربية. ومنه قول ابن أخت تأبط شرًا: فلئن فلّت هذيل شباه ... لبما كان هذيلًا يفلُّ وبما أبركهم في مناخ ... جعجعٍ، ينقب فيه الأظلُّ - قال المرزوقي: "إن هذيل قد تمكّنت منه فكسرت حدّه، وأتعست جدّه، فهو بما كان يؤثر من قبل في هذيل، فيطأ حريمها، ويكثر قتيلها. والعرب تقول: هذا بذاك، أي هو عوض منه" شرح الحماسة 2: 835. وانظر نمط صعب ونمط مخيف: 235. وقد أفاض الكلام على هذا الأسلوب وشواهده الدكتور شاكر الفحام في كتابه "نظرات في ديوان بشار بن برد": 61 - 67. ص 292: "خرجنا بعد بنك من الليل أي بعد قطعة منه". وقال المحقق إنه لم يجد البنك بمعنى قطعة من الليل. - هو مذكور في القاموس (بنك) ونصّه "البنك بالضم: أصل الشيء، أو خالصه، والساعة من الليل، وطيب". ص 297: "بيّحت الشيء تبييحًا: فرّقته". وقال المحقق إنه لم يجد معنى هذه الكلمة. - وهذه أيضًا مذكورة في القاموس (بيح) قال: "وتبييح اللحم: تقطيعه وتقسيمه".

ص 305: "التامال: الأمل". قال المحقق في تعليقه: "كذا صورتها ولم أجدها، ولعلّ تصحيفًا أو تحريفًا لحقها". - الظاهر أنه: "التأمال" مصدر أمَّل. ص 306: "تأيّح العشب تأيّحًا: إذا طال وحسن نباته". ذكر المحقق أن هذه المادة تحتمل تأيّج وتأيح وتأيخ. ولم يجدها بالمعنى المذكور وقال: ولعلّ هذا مما تفرد به كراع. - لعلّ الصواب: "تألّخ" باللام والخاء، والمذكور في اللسان (ألخ): ائتلخ العشب. وائتلاخه: عظمه، وطوله والتفافه. ص 306: "منزل بني فلان تياح عنا أي: بعيد". وذكر المحقق أنه لم يجد المادة بالمعنى المذكور. - لم يذكر المحقق أن النص بعينه ورد في كتاب المنتخب: 240 وضبطه هناك بالخاء المعجمة. ص 307: "والتبّان: التبين". وقال المحقق: "كذا قرأتها، ومعناها: الذي يبيع التبن، ولكن المعنى الذي جاء بعدها عبارة عن كلمة وهي تشبه في الرسم ما أثبتنا ... ". - لعلّ الصواب: "التِّبيان: التبيُّن" يعني: أن كليهما مصدر تبيَّن. ويؤيّد ذلك أنه قال في فصل "تل" (ص 343): "وتلقّيت الكلام من فيه تلقّيًا وتلقاءً: أخذته منه. ليس في الكلام تفعّلت تفعالًا إلا التلقاء والتِّبيان". ص 307: "التبليغ: التظرّف والتكيّس". وقال المحقق في حاشيته: "كذا صورتها ولم أجدها بالمعنى المذكور وأخشى أن تكون مصفحة عن التبليخ ... ". - قلت: الصواب: "التبلتع". وقد سبق في فصل "بل" ذكر كلمة "بلتعة" وجاء فيها: "وقد تبلتع: إذا تكيّس وتظرّف" (ص 285). وفي المنتخب:

184: "المتبلتع: المتظرّف المتكيّس". وانظر اللسان. ص 310: "حمل على القوم فما تبازح عنهم، أي: ما انكسر". ذكر المحقق أنه لم يجدها بمعناها في برج، برح، بزج، بزح، بزخ. ولعلها من "برح" أي ما برح مكانه. - النص سليم. في اللسان: تبازخت عن هذا الأمر أي تقاعست عنه. وقد سبق في فصل بز: "بزخت ظهره بزخًا: كسرته" (ص 271). ص 311: "وتبتّل بالمكان: أقام به". وذكر المحقق في حاشيته معنى التبتل إلى الله وقال: والمعنى مقارب لما هنا. - الصواب: "تبنّك" بالنون والكاف. انظر القاموس (بنك). ص 311: جاء في فصل (تت): "ويقال رجل ترعٌ عتلٌ، وقد ترع ترعًا، وعتل عتلًا: إذا تسرّع بالشرّ". قال المحقق في تعليقه على (ترع): "كذا وردت صيغ هذه المادة بتاء واحدة، وقد خالف المصنف نظام الكتاب في هذا الفصل كما ترى". - يعني بالمخالفة أنه أورد "ترع" في فصل (تت) ومكانها الصحيح في فصل "تر). وقد وردت قبل هذه المادة "تتابع وتتايع"، وقبلهما: "تترّع إلينا بالشرّ أي تقدّم ... " فالظاهر أن المادة المذكورة تابعة لهذه، وقد وقعت خطأ في غير موقعها. فلم يخالف المؤلف نظامه، وإنما هو من أخطاء الناسخين. ص 313: "تجمّأت عليه تجمّؤًا: التخفيف". وقال المحقق في تعليقه: "كذا وفي اللسان والتاج (جمأ): .. تجمعوا، وتجمأ عليه: أخذه فواراه". - قوله "التخفيف" لعلّ صوابه: التحفت به أو عليه. كما ورد في تفسير تلمّأ. قال في فصل (تل): "تلمأت عليه تلمّؤًا: التحفت عليه" (ص 340). ص 314: "التحوّس: الشؤم". وذكر المحقق أنه لم يجد هذا المعنى.

- أخشى أن يكون "الشؤم" تحريفًا لـ "التشجّع" أو "التوجع". في القاموس (حوس): "التحوّس: التشجّع، والتوجع لشيء، والإقامة مع إرادة السفر". ص 315: "التحيي: التدقّم والاستحياء". علّق المحقق على "التدقم" بقوله: "كلمة رسمها مثل المثبت ولم أجد لها وجهًا". - الصواب: "التذمّم. والجدير بالذكر أن المؤلف لم يذكر في المنتخب في باب الاستحياء "التحيّي" بل ذكر "التحشّي" وفسّره بالاستحياء والتذمم، ولم ترد هذه المادة في المجرد، ومكانها في هذا الفصل (تح)، فهي "التحيي" تحريف "التحشي"؟ ص 316: "التخيق: القهر والغلبة". علق المحقق على المادة بقوله: "كهذه صورة الكلمة ولم أجدها بالمعنى المذكور". - الظاهر أنه "التخبّق" بالباء الموحدة. في القاموس (خبق): "تخبّق: ارتفع وعلا". ص 317: "والتخمّط: الاختيال في المشي". وردت هذه المادة بعد مادة "التخامص". وذكر المحقق أن الكلمة مطموسة وأنه اجتهد في استنباطها من سياق الفصل والمعنى. - مادة "التخمط" قد سبق ذكرها في هذا الفصل، ثم ليس من معانيها الاختيال في المشي. وأرى أن الصواب: "التخاجي". انظر المنتخب: 316. ص 317: "تدردر الشيء وتدارك: إذا تدلى". وذكر المؤلف في تعليقه أنه لم يجد الكلمتين بالمعنى الذي نص عليه المصنف كما في المصورة. - قوله "تدارك" لعل صوابه: تدلدل. ومعناهما: اضطرب. والتدلي ليس بعيدًا عنه.

ص 323: "تردّجت الناقة: إذا عطفت". وذكر المحقق أنه لم يجدها بالمعنى المذكور. - ذكرها ابن عباد في المحيط 7: 40. قال: "تردّجت الأم على ولدها: أي أشبلت ورئمت". ص 323: "ترمّغ أنفه: إذا رأيته كأنه يرعد من الغضب". وقال المحقق: "كذا صورتها ولم أجدها بالمدلول المذكور". - الصواب: "ترمع" بالعين المهملة. انظر القاموس. ص 325: "التزوبح بالكلام: التفتح به ورفع الرجل نفسه فوق منزلته". وعلّق المحقق بقوله: "كذا صورتها ولم أجدها بالمعنى المشار إليه". - الصواب: "التزنّح" بالزاي ثم النون والحاء. في اللسان (زنح): "التزنّح: التفتح في الكلام ورفع الإنسان نفسه فوق قدره". ص 325: "والتسك على مثال فعل والتسك بسكون السين: طائر صغير يقال له ابن تمرة. والتمرة هي التسك بالفارسية". وقال المحقق في تعليقه: لم أجد في المعاجم وكتب الحيوان "التسك". - هي مذكورة في اللسان عن كراع على وجهين مصحفين. أهمهما: "التك" بالتاء والكاف المثقلة. قال في اللسان (تك) "والتكّ: طائر يقال له ابن تمرة عن كراع". والآخر: "النُّسك" بالنون. في اللسان (نسك) "والنُّسك بضم النون وفتح السين: طائر عن كراع". والأصل في المحكم 6: 405 (تكك)، 451 (نسك) ولم يكن مصدره كتاب المجرد أو المنضّد، وإلا لدلّه ترتيبهما على الصواب. وقد أفردت من قبل مقالًا في الكشف عن التصحيف الذي وقع في الكلمة (1).

_ (1) انظر "التسك والنسك والتكّ" في هذه المجموعة.

ص 327: "تشأشأ: تضعضع وتطامن". وذكر المحقق أنه لم يجدها على النحو المرسوم. - في القاموس (شأشأ): "تشأشأ أمرهم: اتّضع". ص 330: "تطشّى الرجل من مرضه تطشّيًا: إذا برأ، ويقال: تطشأ بالهمز". وذكر المحقق أنه لم يجد لغة الهمز. - هي موجودة في أفعال ابن القطاع 2: 303. ص 334: "التغيُّش: الكذب". وذكر المحقق أنه لم يجدها في المعنى المنصوص عليه في اللسان والتاج والمخصص. - في المنتخب 340: "التغبيش: الكذب". والمذكور في اللسان (غبش): التغبّش. ومن معانيه: الظلم. يقال: تعبّشني بدعوى باطل ادّعاها عليّ. ص 336: "تفشع الشيب في رأسه: إذا كثر وانتشر". وقال المحقق في تعليقه: "كذا ولم أجدها ولعل هذا مما تفرد به كراع، ولم ينقل عنه في المعاجم التي اعتمدنا عليها". - الصواب بالغين المعجمة: "تفشّغ"، انظر القاموس (فشغ). ص 345: "تمزّيته: تنقّصته". وذكر في تعليقه أنه لم يجدها بالمعنى المذكور. - هي مذكورة في المنتخب: 365 بالراء المهملة، وأحال المحقق هناك على هذا الفصل من المجرد، ولكن ضبطها هنا بالزاي. ص 346: "يقال: تنبّل الرجل: إذا مات، مأخوذ من التَّنبلة وهي الجيفة". - كذا ضبط الكلمتين كأنهما فعلل فعللة. والصواب: تنبّل على وزن تفعّل. مأخوذ من "النبيلة" - كجميلة - وهي الجيفة. انظر المنجد: 155 واللسان (نبل).

ص 346: "رجل تنبال وتنبالة: قصير، والجميع: التنابل والتنابلة". علق المحقق على الجمع الأول "التنابل" فقال: "في اللسان: التنابيل" أما "التنابلة" فقال إنه لم يجد هذه الصيغة. - وهذا صحيح، فلم يذكر الجمعان في اللسان والتاج وقد وردا في كلام العرب ومنه قول النابغة الجعدي: سبقت إلى فرط ناهل ... تنابلةً يحضرون الرساسا شعره: 82 والتنابل أيضًا في قوله (ص 236). شمُّ الأنوف طوال أنضية الـ ... أعناق غير تنابل كزم وقال حسّان بن ثابت: قوم إذا ما صيح في حجراتهم ... لاقوا بأنذال تنابل غزَّل ديوانه: 367. وقال الفرزدق في التنابلة: نابلة سود الوجوه كأنهم ... حمير بني غيلان إذا ثار صيقها ديوانه 1: 35. ص 348: "تناس الناس: رعاعهم". أهمل المحقق ضبط الكلمة، وقال: "كذا صورتها ولم أهتد إلى تصحيحها". - هي "تناس" بضم أولها وتخفيف الثاني، ونقلها في اللسان (تنس) عن كراع. ص 352: "التينة: الإقامة والانتظار، من قولك تأنيت أي تلبثت". وعلّق المحقق تعليقًا طويلًا خلاصته أنه لم يهتد إلى الكلمة غير أن "تأنيت" توحي بأنها أصل المادة وهي تفيد معنى التلبث.

- الصواب: "التئيَّة" ... من قولك: "تأيّيت". وقد ذكر هذا الفعل من قبل في فصل "تا" ص 305. ص 356: "ذاب إليه جسمه يثوب ... ". علق على "جسمه" بقوله: "كذا وفي اللسان (ثوب): ثاب الشيء". - قلت: وهو أيضًا موجود في اللسان. ص 357: "الثبّان: وعاء يجعل فيه الشيء ... وإن جعلته في حضنك فهو خبية". علق على "خبية" بقوله: "رسمها يشبه ما أثبتّ". - الصواب: "خبنة". انظر اللسان (ثبن، خبن). ص 359: "الثَّداء على مثال فعال: نبت". - في المنتخب: ضبط بضم الثاء وتقيل الدال: الثُّداء. ص 361: "الثرعل: الأنثى من الثعالب". وقال المحقق إنه لم يجدها بالمعنى المذكور. - لعل صوابها بالغين المعجمة: "الثُّرغل" نقله الزبيدي عن الصغاني. ولم يذكر المؤلف في المنتخب إلا "الثُّرملة"، وقد مرت في الصفحة الماضية. ص 362: "الثعلب: مخرج الماء من الفرج والحوض، وإذا خشوا على التمر أن يفسد جعلوا حوله حجرًا يسيل منه ماء المطر واسم ذلك الحجر: الثعلب". وجاء في المنجد: 74: "الثعلب: مخرج الماء من الدِّبار أو الحوض. وإذا خشوا على التمر أن يفسد في مربده جعلوا له جحرًا يسيل منه ماء المطر، واسم ذلك الجحر "الثعلب". - يتبين من هذا النص:

- أولًا: أن "حجرًا" في المجرد تصحيف، صوابه: "جحرًا" بالجيم والحاء. - ثانيًا: لعل في المجرد سقطًا بعد "يفسد". وهو: "في مربده" وإليه يعود الضمير في "حوله". ثالثًا: كلمة "الفرج" في المجرد مشكلة. وقد ظننت أنه تحريف "المربد" ثم خشيت أن يكون ناسخ وجد "الدبرة" مفرد الدبار فأخطأ في قراءتها فاستبدل به الفرج. والله أعلم. والدبار فسرها كراع في المنتخب: 461 بأنها أنهار صغار تجري في خلال النخل. - وقد تصحفت الكلمة في المنجد أيضًا في موضع آخر. فورد في ص 158: "والثعلب حجر يجعل في المربد يسيل منه ماء المطر". ولم يفطن المحققان لتصحيفها. وقد ورد النص على الصواب في المنتخب: 460. وهذا آخر ما أردت التنبيه عليه، وغايتي المشاركة في خدمة الكتاب. وليس يغضّ ذلك من الجهد البالغ الذي بذله المحقق الكريم في تصحيحه، فإنما هي مواضع يسيرة بالقياس إلى سائر مواد هذا السفر، ثم قد بقيت مواضع أخر لم أهتد إلى توثيقها أو تصحيحها، وفوق كل ذي علم عليم.

فهرس المراجع - إصلاح المنطق لابن السكيت، تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، 1987 م. - إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، 1406 هـ. - برهان قاطع (معجم فارسي) للتبريزي، تحقيق محمد معين، طهران، 1362. - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر. بيروت، 1399 هـ. - البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة للفيروزابادي، تحقيق محمد المصري، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، 1407 هـ. - تاج العروس للزبيدي، مصورة عن ط الخيرية. - التكملة والذيل والصلة للصغاني، تحقيق عبد العليم الطحاوي وآخرين، دار الكتب، القاهرة، 1970 - 1979 م. - تهذيب اللغة للأزهري، تحقيق عبد السلام هارون وآخرين، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة. - جمهرة اللغة لابن دريد، تحقيق رمزي بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1987. - حياة الحيوان الكبرى للدميري، تحقيق إبراهيم صالح، دار البشائر، دمشق، 1426 هـ. - خلق الإنسان في اللغة لأبي محمد الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن، تحقيق أحمد خان، معهد المخطوطات العربية، الكويت، 1407 م.

- ديوان ابن مقبل، تحقيق عزة حسن، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1381 هـ. - ديوان الفرزدق، دار بيروت، 1400 هـ. - ديوان حسان بن ثابت، تحقيق وليد عرفات، دار صادر، بيروت. - شرح ديوان الحماسة للمرزوقي، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1387 هـ. - شعر النابغة الجعدي، تحقيق عبد العزيز رباح، المكتب الإسلامي، بيروت، 1384 هـ. - شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل للخفاجي، تحقيق د. محمد كشاش، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 هـ. - العباب الزاخر واللباب الفاخر للصغاني، الجزء الأول، تحقيق محمد حسن آل ياسين، مطبعة المعارف، بغداد، 1977 م. - الغريب المصنف لأبي عبيد، تحقيق محمد المختار العبيدي، دار مصر للطباعة، القاهرة، 1416. - فتح الباري لابن حجر، مصورة ط محب الدين الخطيب، دار الفكر، بيروت. - الفهرست لابن النديم، تحقيق رضا تجدد، طهران، 1971 م. - القاموس المحيط للفيروزابادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 هـ. - كتاب الأفعال لابن القطاع، مصورة عن ط دائرة المعارف العثمانية بحيدراباد الدكن، عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ. - كتاب الجيم للشيباني، تحقيق إبراهيم الأبياري وآخرين، مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1394 - 1395 م. - لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت. - مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة. - المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، معهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية، القاهرة.

- المحيط في اللغة للصاحب ابن عباد، تحقيق محمد حسن آل ياسين، عالم الكتب، بيروت، 1414 هـ. - المخصص لابن سيده، مصورة عن ط بولاق. - المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي، تحقيق محمد أحمد جاد المولى بك وآخرين، دار التراث، القاهرة. - المصباح المنير للفيومي، المكتبة العلمية، بيروت. - معجم الأدباء لياقوت الحموي، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1993 م. - المعرب للجواليقي، تحقيق ف. عبد الرحيم، دار القلم، دمشق، 1410 هـ. - المنتخب في غريب كلام العرب لكراع النمل، تحقيق محمد بن أحمد العمري، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1409 هـ. - المنجد لكراع النمل، تحقيق أحمد مختار عمر وضاحي عبد الباقي، عالم الكتب، بيروت، 1988 م. - نظرات في ديوان بشار بن برد لشاكر الفحام، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1983. - نظم الدرر في تناسب الآي والسور للبقاعي، دار الكتب العلمية 1415 هـ. - نمط صعب ونمط مخيف لمحمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، 1416 هـ. - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت. - وفاق المفهوم في اختلاف المقول والمرسوم لابن مالك، تحقيق بدر الزمان النيبالي، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، 1409 هـ.

(3) شعر ابن وكيع التنيسي في كتاب نزهة الأبصار في محاسن الأشعار

شعر ابن وكيع التنّيسي في كتاب نزهة الأبصار في محاسن الأشعار (1) (1) الحسن بن علي الضبّي المعروف بابن وكيع التنّيسي (393 هـ) صاحب كتاب المنصف في بيان سرقات المتنّبي كان أديبًا وشاعرًا مجيدًا ظريفًا، ولد في مدينة تنِّيس وتوفّي بها، وكانت مدينة تنِّيس أجمل مدن مصر، وأطيبها أرضًا، وأصفاها هواءً، وأهلها أكثر الناس رخاءً وثراءً، فاستأثر بشعر ابن وكيع وصف مشاهد الطبيعة الفاتنة، ومظاهر الحياة المترفة اللاهية. وقد أثنى عليه الثعالبي في يتيمة الدهر (1: 356) (2)، فقال: "شاعر بارع، وعالم جامع. قد برع في إبانه على أهل زمانه، فلم يتقدمه أحد في أوانه. وله كل بديعة تسحر الأوهام، وتستعبد الأفهام ... ". وكان لابن وكيع ديوان شعر معروف. ذكره ابن خلكان (3)، واطلع عليه صاحب الخزانة (4)، ثم فقد، فلم يوقف له على خبر. وأوّل من عني بجمع شعره في عهدنا هذا هو الدكتور حسين نصّار الذي نشره مع دراسة جيدة سنة

_ (1) نشر في ملحق التراث بجريدة المدينة السعودية السنة 217 العدد 32، بتاريخ 12/ 6/1414 هـ = 25/ 11/1993 م. (2) طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، 1392 هـ. (3) وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 2: 104. (4) نشرة عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثانية 1979 م، 1: 21.

1953 م، بعنوان "ابن وكيع شاعر الزهر والخمر". وقد تضمنت مجموعته 630 بيتٍ. وبعد مضيّ عشرين سنة على هذه النشرة، استدرك عليها الأستاذ هلال ناجي، وأضاف أكثر من مائتي بيت في مقاله المنشور في مجلة المورد (2: 1) سنة 1973. ثم ظلّ ينقّب عن ديوان ابن وكيع في خزائن المكتبات إلى أن ظفر في دار الكتب التونسية بمخطوط فريد لمؤلف مغربّي مجهول، عنوانه "عذر الخليع بشعر ابن وكيع" (1). وهو عبارة عن مختارات من شعر ابن وكيع جمعها المؤلف من مصادر معدودة نصّ عليها في مقدمة الكتاب (ص 23) فقال: "وجمعته من يتمية الدهر في محاسن أهل العصر للثعالبي، وكتاب نثر زهر الحدائق ودرّ النظم الفائق، والمختار من مستحسن الأشعار لمحمد بن حسين الكاتب، وقطب السرور لابن الرقيق الكاتب، ونزهة الأبصار في محاسن الأشعار للبهاء زهير، وكتاب حلبة الكميت". ونوّه الأستاذ هلال ناجي بذكر أهمية "عذر الخليع" من وجهين: أولهما أنّه يضيف إلى مجموعة الدكتور حسين نصّار أكثر من ثلاثمائة بيت. والآخر أن عددًا من مصادره لا يزال مجهولًا. فبادر الأستاذ إلى تحقيق هذه المخطوطة، وقد تجمّع لديه في خلال هذه المدة نحو ثلاثمائة بيت تخلو منه المخطوطة ومجموعة الدكتور حسين نصّار كلتاهما، فجمعها في ذيلها. وهكذا قدّم إلى الباحثين والنقاد مادة ثريّة من شعر ابن وكيع، يزيد عدد أبياتها على ألف ومائتي بيت، مجموعة في سفر واحد، سمّاه "ديوان الحسن بن علي الضبّي الشهر بابن

_ (1) في تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين (الترجمة العربية): "ديوانه محفوظ في حلب، مكتبة قدور (انظر سباط الملحق 45)، مجموعة حديثة لمجهول في الزيتونة بتونس 394 الورقة 75 - 96 من القرن 12 الهجري" انظر المجلد الثاني، الجزء الخامس: 13 (طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض).

وكيع التنّيسي"، وقد صدر هذا الديوان في بيروت من دار الجيل سنة 1411 هـ. (2) أما الذي يعنينا في هذا المقال الموجز فهو أحد مصادر "عذر الخليع" الذي نسب فيه إلى البهاء زهير. وهو كتاب "نزهة الأبصار في محاسن الأشعار". وقد عدّه الأستاذ هلال ناجي من الكتب المجهولة، فقال في مقدمة الديوان (17): "وتبدو أهمية المخطوطة حين نعلم أن نصف مصادرها غير معروفة في زمننا هذا. وأعني نثر زهر الحدائق، والمختار من مستحسن الأشعار، ونزهة الأبصار في محاسن الأشعار ... ". والحقّ أن الكتاب الأخير ليس مجهولًا، ثم إنّه ليس للبهاء زهير قطعًا. والراجح أنه من تأليف شيخ النحاة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد الأصبحي العنّابي (ت 776 هـ) وهو كتاب مطبوع. وفي الموضع الذي ورد ذكره في مقدمة المؤلف، لاحظ الأستاذ هلال ناجي في تعليقه عليه أنه "لم تذكر مظان ترجمة البهاء زهير هذا الكتاب له" ثم أشار إلى كتاب الأصبحي بقوله "طبع في الكويت سنة 1986 م كتاب بهذا العنوان تصنيف أحمد بن محمد العنابي (ت 776 هـ). بتحقيق مصطفى السنوسي وعبد اللطيف لطف الله". وظاهر من هذه الحاشية أن الأستاذ هلال ناجي لم يطلع على الكتاب المطبوع، وإلا فإنّ نظرة واحدة فيه كانت تكفي لجلاء كل ريب في هذا الأمر. ويبدو أنه أحسن الظن بمؤلف المخطوط (عذر الخليع) وصدّق كلامه في نسبة الكتاب إلى البهاء زهير، فلم يشعر بضرورة الاطلاع على كتاب الأصبحي. وبذلك فاتته الاستفادة من هذا المصدر المهم في مراجعة النصوص المنقولة عنه في عذر الخليع.

والرجوع إلى كتاب الأصبحي يحل مشكلة النسبة أيضًا. فقد اعتمد الناشران في إخراج الكتاب على نسختين: مغربيةٍ من تمكروت، وتركيةٍ من جوروم. وكلتاهما لا تحمل اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، غير أنّ التُّركية - حسب قولهما - أصح من المغربيّة. والأخيرة هي التي نسبت الكتاب إلى البهاء زهير. ولا شك أن هذه النسبة خطأ محض. وأكبر شاهد على بطلانها أن في الكتاب مختارات لشعراء مختارين وجدوا بعد البهاء زهير (ت 581 هـ) نحو ابن شمس الخلافة (ت 622 هـ) وأمين الدين السليماني الإربلي (ت 670 هـ) والسراج الوراق (ت 695 هـ). أما نسبة الكتاب إلى الأصبحي فإنها ثابتة في النسخة التركية وذكره صاحب إيضاح المكنون (1)، ولم نجد ما ينفي نسبته إليه، فهي الراجحة. ولعلّ النسخة المغربية هي التي سقطت في يد المؤلف المغربي لكتاب "عذر الخليع" فاعتمد عليها من غير أن يتحقق من أمر نسبتها، ولم يكن في نظري رجلًا محققًا، كما سيأتي بعض ما يؤكد ذلك. (3) ومراجعة ما ورد في نزهة الأبصار من شعر ابن وكيع، والمقارنة بينه وبين ما نقله صاحب عذر الخليع تمدّنا بفوائد عديدة نذكرها في الفقرات الآتية: أولًا: سبق أن (عذر الخليع) أضاف إلى مجموعة الدكتور حسين نصّار أكثر من 300 بيت، حسب إحصاء الأستاذ هلال ناجي. فإن أكثر من خمس هذه الزيادة مصدرها نزهة الأبصار. فإذا نظرنا إلى عدد المقطوعات، فإنّ عذر الخليع يشتمل على 97 مقطوعة أو قصيدة، و 31 مقطوعة منها منقولة من نزهة الأبصار. وهي كما يلي:

_ (1) إيضاح المكنون للبغدادي (طبعة المثنى) 2: 634 باسم "نزهة الأبصار في أوزان الأشعار" (؟ ). [انظر: الاستدراك في آخر المقال].

11، 12، 13، 14، 15، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 24، 40، 41، 42، 43، 44، (47)، 52، 56، 62، 63، 71، 72، 77، 79، 81، (87)، 96، 97. ولكن نسبة مقطوعتين منها إلى ابن وكيع خطأ في عذر الخليع، وسببه اعتماد مؤلفه على النزهة من غير تثبت ورويّة. إحداهما المقطوعة برقم 47. كأنّه والقرط في أذنه ... بدر الدجى قرِّط بالمشتري قد كتب الحسن على وجهه ... يا أعين الناس قفي فانظري والأخرى برقم 87: قالوا عليك سبيل الصبر قلت فهم ... هيهات إن سبيل الصبر قد ضاقا ما يرجع الصبر عنه حين يبصره ... حتى يعود إليه القلب مشتاقا (1) واكتفى المحقق الفاضل في تعليقه على المقطوعتين بأنهما ليستا في الديوان المطبوع (يعني مجموعة الدكتور حسين نصّار) وذلك ينبئ بأنه لم يجد المقطوعتين لابن وكيع في مصادره الكثرة. والواقع أن المقطوعتين ليستا لابن وكيع. وإنما هما لمنصور بن كيغلغ، وأوردهما له الثعالبي في اليتيمة (1: 93 - 94). ومنشأ الخطأ تحريف وقع في نزهة الأبصار في اسم الشاعر، فجاء فيه: "منصور بن وكيع" (ص 351)، و (وكيع) تحريف (كيغلغ)، فلم يفطن مؤلف عذر الخليع لهذا التحريف، كما لم يتنبه على أن ابن وكيع هو (الحسن) لا (منصور) كما في نزهة الأبصار، فنقل المقطوعتين في كتابه على أنهما لابن وكيع. فلما بحث الأستاذ هلال ناجي عنهما في مصادره - وهو لا يشكّ في نسبتهما لابن وكيع - لم يجدها. وعلى هذا يجب حذف المقطوعتين المذكورتين من ديوان ابن وكيع.

_ (1) كذا في ديوان ابن وكيع، والصواب: "ما يرجع الطرف" كما في نزهة الأبصار (352) ويتيمة الدهر (1/ 94).

وتبقى بعد ذلك 29 مقطوعة، ومجموعة أبياتها 62 بيتًا، ولم يخرّج المحقق الفاضل منها إلا ستّ مقطوعات (11، 14، 24، 44، 48، 77) مما يدلّ على أنّ كتاب نزهة الأبصار تفرَّد بـ 23 مقطوعة. (4) ثانيًا: وفي نزهة الأبصار 5 مقطوعات أخرى لابن وكيع، غير أن مقطوعة ذات بيتين في ص 92 جاءت ضمن مقطوعة ذات أربعة أبيات في ص 108. وأخرى ذات بيتين أيضًا تكررت في ص 500. والأبيات الستة أوردها صاحب عذر الخليع (11، 81). أما المقطوعات الثلاث الأخرى فقد فات صاحب عذر الخليع نقلها في كتابه. ثم مقطوعتان في نزهة الأبصار يضم كل منهما ثلاث أبيات، ولكن ورد في عذر الخليع بيتان فقط، وسقط البيت الثالث من الاثنتين. فلا أدري أكان البيت الثالث ساقطًا في نسخة نزهة الأبصار التي اعتمد عليها مؤلف عذر الخليع، أم هو الذي أسقطه. وبالجملة فإنّ نزهة الأبصار يشتمل على 33 مقطوعة لابن وكيع ومجموع أبياتها بعد حذف المكرر منها 70 بيتًا، ورد منها في عذر الخليع 62 بيتًا، ونثبت فيما يلي الأبيات الثمانية الفائتة استدراكًا على ذيل الديوان: * نزهة الأبصار ص 78: كن بخمول المحلّ قانع ... لا تطلب العزَّ في المجامع فلن يزال الفتى بخير ... ما لم تّشر إليه الأصابع * ص 124: ولم أك غمرًا في الرجال مغفّلًا ... فحنّكني مرُّ الخطوب وأحكما

ولكنه ما زال ذو الحزم كلما ... تماديت في تجريبه كان أحزما كذلك ما يلفى الكبير من الفتى ... أطبَّ بأدواء الأمور وأعلما في النزهة في البيت الثاني (تمادى في) وهو تحريف أخلّ بالوزن. وفي البيت الثالث (يلقى ... أطبُّ) ولعل الصواب ما أثبتنا. ويجوز (تلقى الكبير). * ص 297. ودون جنى النخل التأذّي بشوكه ... كما أن لسع النحل دون جنى الشهد * ص 82: يضاف إلى المقطوعة (20) بيت ثالث: وعزّ القناعة عند الكرام ... تزيد على فرح الفائدة * ص 116: يضاف إلى المقطوعة (44) بيت ثالث في أولها: صديق لي ندمت [على] اختياري ... [له] لما تأمّله اختباري ما بين المعقوفين زيادة مني لتصحيح البيت. (5) ثالثًا: ومراجعة نزهة الأبصار تساعدنا في قراءة بعض الكلمات المطموسة في نسخة عذر الخليع، وتصحيح ما فات المحقق الفاضل من تصحيفاتها، كما يفيدنا في تقييد روايات أخرى في الأبيات. * البيت الأول في المقطوعة 72. أرى البخل عارًا والسماحة [] ... إذا ما تمادى كان للفقر سلّما وقال المحقق في حاشيته إن "ما بين عضادتين كلمة غير مقروءة". والمقطوعة ممّا تفرّد به كتاب النزهة. والكلمة المطلوبة (فرطها). انظر النزهة: 113.

* البيت الثالث في المقطوعة 13: يخونك ذو القربى مرارًا وربّما ... وفي الساعة عند الجهد من لا تناسبه في العجز تحريف اختلّ به وزنه. وصوابه في النزهة: 157، وقد تفردت بالمقطوعة: وفى لك عند الجهد من لا تناسبه * المقطوعة 23: البس على النقص من تصاحبه ... يدم لك الودُّ عنده أبدًا وقارب الناس في عقوقهم ... أولا فعش في الأنام منفردا (عقوقهم) تحريف. صوابه في النزهة: 92 وقد تفردت بالمقطوعة (عقولهم). * البيت الأول في المقطعة 21: إذا كان عندي قوت يومي ... طرحت الهمّ عنّي يا سعيد صدر البيت مختلّ الوزن. وصوابه (إذا ما) ولعلّه خطأ مطبعي. والمقطوعة مما تفرّدت به النزهة: (83). * المقطوعة 40: من شيم العاقل خوف دهره ... وأن يكون عارفًا بقدره يدفع أضغان العدى ببشره ... ما أكسب المقت امرؤٌ ككبره كذا ضبطت الكلمة (امرؤٌ) في الديوان. والصواب: امرًا. ولعله خطأ مطبعي أيضًا. والمقطوعة مما تفرد به كتاب النزهة: 50. * المقطوعة 81: 1 لاق بالبشر من لقيت من النا ... س وعاشر بأحسن الأوصاف

2 إنما الناس إن تأملت داءٌ ... ماله غير أن تداويه شافي 3 لا تخالف وإن أتوا بمحال ... تستدم ودَّهم بترك الخلاف 4 وإذا خفت فرط غيظك فانهض ... عنهم مسرعًا إلى الانصراف (أ) خرّج المحقق هذه البيات في بهجة المجالس 1: 596 (1)، وأشار إلى خلاف في الترتيب، وهو 1 - 3 - 4 - 2. ويبدو لي - والله أعلم - أن هذا هو ترتيب الأبيات في المقطوعة. والتغيير فيه راجع إلى تساهل مؤلف عذر الخليع. فإنّ هذه المقطوعة وردت في نزهة الأبصار مرتين: مرةً ناقصةً في "فصل في مدارة الناس" (ص 92)، وأخرى كاملةً في "فصل في البشر وحسن الخلق والمرافقة" (ص 108)، وترتيبها في الموضع الثاني موافق لترتيبها في البهجة. أما الموضع الأول فورد فيه بيتان فقط: (لاق بالبشر ... وإنما الناس ... ) أي البيت الأول والبيت الرابع حسب ترتيب البهجة والنزهة في الموضع الثاني، وهو صحيح من ناحية الاختيار لمن يريد الاكتفاء ببيتين فقط من هذه المقطوعة. فلما وقف مؤلف عذر الخليع على الموضع الأول (92) من النزهة، نقل البيتين، ثم لما وصل إلى الموضع الثاني (108) نقل البيتين الزائدين، وأضافهما إلى الأولين من غير مراعاة ترتيب الأبيات فيما بينها حسب الموضع الثاني. (ب) وذكر المحقق الفاضل أن رواية البيت الأول في بهجة المجالس (بأحسن الإنصاف). وكذا في نزهة الأبصار في الموضع الأول. وفي الثاني (الإيصاف). فإن صحّت الروايتان فمعناهما هنا: الخدمة والوصافة. أما كلمة

_ (1) الصواب في الإحالة على بهجة المجالس 1: 598. أما (596) فهو خطأ منقول من فهارس البهجة: 491، 628. وقد ذكر محقق البهجة أن الأبيات في اليتيمة 1: 282، ولا وجود لها في هذا الموضع ولا في غيره في ترجمة ابن وكيع.

(الأوصاف) التي وردت في عذر الخليع نقلًا عن نزهة الأبصار، فسيأتي الكلام عليه في الفقرة التالية. (ج) في البيت الثاني في الديوان وبهجة المجالس: (أن تداويه) من المداواة أي العلاج، ولا تخفى مناسبتها في البيت. ولكن التأمل في معنى الأبيات يرجّح ما ورد في نزهة الأبصار (ص 108) وهو (أن تداريه) بالراء، من المداراة. فإن الشاعر بعدما زعم أن "الناس" داء، لا يفيدنا شيئًا إذا قال: لا يشفي هذا المرض إلا علاجه. ولماذا هذا الحصر؟ أما معنى البيت فهو أن الناس ليسوا داءً كالأدواء المعروفة، فإنّ شفاء الأمراض يقتضي معالجتها بما يزيلها، وربما يكن الدواء مرًا، وقد يضطر الطبيب إلى طريقة تزعج المريض وتؤلمه، ويعالج أحيانًا بالكيّ والقطع والجراحة، ثم لا يجوز البتّة شيء من التهاون والمسامحة في أمر الأمراض. أما هذا المرض الغريب (الناس) فهو مضادّ في طبعه للأمراض الأخرى، فإنّما شفاؤه في مسامحته ومداراته، والتغاضي عنه، والترفق به. فالشيء الذي يزيد الأمراض الأخرى تفاقمًا واستعصاءً هو الشفاء لهذا المرض العجاب! * المقطوعة 11: إن شئت أن تصبح بين الورى ... ما بين ممقوت ومغتاب فكن عبوسًا حين تلقاهم ... وخاطب القوم بإعراب خرّجهما المحقق في تتمة اليتيمة 1: 30 وذكر أن رواية عجز الأول فيه (ما بين شتّام) ورواية الثاني (الناس بإعراب). وردت المقطوعة في نزهة الأبصار في موضعين: ص 92 وص 500. ومؤلف عذر الخليع نقل من الموضع الأول (92). أما الموضع الثاني فرواية البيت الأول فيه (ما بين مغتاب وعيّاب)، ورواية البيت الثاني كما في تتمة اليتيمة.

* المقطوعة 12: إذا أردت بقاء الـ ... ـوداد من أحبابك فجد لهم بالتغاضي ... وأعفهم من عتابك رواية صدر البيت الثاني في نزهة الأبصار: 93 (فسسهم بالتغاضي) * البيت الثاني من المقطوعة 62: لا تسأل الناس بذل ملكهم ... وامنعهم ما ملكت إن سألوا في النزهة: 112 (بذل مالهم) * البيت الثاني من المقطوعة 77: فالزهد في الدنيا إذا مارمتها ... فأبت عليك كعفّة العنّين وكذا رواية اليتيمة 1: 397. وعليها اعتمد صاحب عذر الخليع في هذه المقطوعة كما هو ظاهر. ورواية النزهة (83): إذا هي أعرضت ... وأبت عليك كتوبة ... (6) رابعًا: وبمراجعة "عذر الخليع" يمكن أيضًا تصحيح ما دخل من تحريف في شعر ابن وكيع الوارد في نزهة الأبصار. وأودّ أن أنبّه هنا على أن نشرة نزهة الأبصار - مع توفّر أستاذين على تحقيقها - مشحونة بالأغلاط والتصحيفات والأشعار المختلفة الوزن، مما يكاد يخرجها من حيّز التحقيق العلمي. ومقدمة الناشرين أيضًا لا تدلّ على ما يتطلب نشر مثل هذه الدواوين من ثقافة علمية وأدبية. فالكتاب لا يزال بحاجة إلى نشرة علمية جديدة. هذا، والكتاب (نزهة الأبصار) نفسه ليس عملًا يليق بمكانة الأصبحي

المذكورة في كتب التراجم. وفي المطبوع آفات كثيرة قد يرجع معظمها إلى رداءة النسختين، ولكن مردّ بعضها - فيما نرى - اعتماد المؤلف على أصول سقيمة لبعض كتب الاختيار، دون الرجوع إلى دواوين الشعراء. ولتفصيل هذا الكلام موضع آخر، فنقتصر هنا على مراجعة شعر ابن وكيع في هذا الكتاب: * ص 50. إذا ما لم يكن للمرء عقل ... ولا أدبٌ فذاك هو الحمار تراه في ذوى الآداب ضجرًا ... وملتجئًا إلى جنب الجدار رأى المحققان (الحمار) مرفوعًا و (الجدار) مكسورًا، فأرادا الإصلاح بتقييد القافيتين، مما أخرج البيتين من الوزن. والصواب في البيت الأول (أخو الحمار) ومثلها (الجدار). ثم (ضجرًا) في البيت الثاني تصحيف صوابه (صخرًا) انظر عذر الخليع (رقم 41). * ص 50، ورد بيت مفرد كذا: من أمسى وليس له عقل ... يعيش به في الناس قد شقيا وهو خارج من الوزن. والصواب في عذر الخليع (رقم 97): الحمد له من أمسى وليس له ... عقل يعيش به في الناس قد شقيا * ص 84: إن القناعة ليس يؤ ... ثر غيرها غير الكرام كذا (غيرها) وفسد المعنى. والصواب (عزّها) كما في عذر الخليع (رقم 71). * ص 89: غفرت ذنوبي ووبخّتني ... وما غفر الذنوب من وبّخا

الصواب في عجز البيت (وما غفر الذنب) كما في عذر الخليع (رقم 18) ص 92: إنّما الناس إذا تأملت داءٌ ... ماله غير أن تداريه شاف الصواب (إن تأملت) كما في ص 108 وعذر الخليع (رقم 81) * ص 92: ليس العدوّ بشرّ ... من الصديق الحسود فغمَّ أمرك منه ... وداره من بعيد (فغمَّ) تصحيف، صوابه (فعمَّ) من التعمية، كما في عذر الخليع (رقم 22) * ص 93 إذا أردت بقاء الـ ... ودّ من أحبابك الصواب في الشطر الثاني (ـوداد) كما في عذر الخليع (رقم 12) وقد مرّ في الفقرة السابقة. ص 108. لاق بالبشر من لقيت من النا ... س وعاشر بأحسن الإيصاف وإذا خفت فرط غيظك فانهض ... عنهم مسرعًا إلى الإنصاف قال الناشران في تعليقهما على المقطوعة: "الإيصاف: الأوصاف، والإنصاف: العدل". ولا ندري كيف صار (الإيصاف) بمعنى الأوصاف. وما الداعي إلى شرح كلمة الإنصاف؟ ثم إن كان القصد شرح الكلمة (الإنصاف) في البيت الثاني فهو تحريف، صوابه (الانصراف) كما مرّ في الفقرة السابقة. وأظن ظنًا أنهما وجدا في إحدى النسختين كلمة (الأوصاف) بجانب (الإيصاف) أو في

الحاشية، فظنّاها تفسيرًا، ولعلها تصحيح لكلمة الإيصاف. وذلك لأن مؤلف عذر الخليع اعتمد في نقل هذه المقطوعة على نزهة الأبصار، وجاء في عذر الخليع (الأوصاف). * وفي الصفحة 108 نفسها: إذا أردت بناءً ... يبقى على طول دهرك فاصمت ولاق ببشر ... واقنع وقف عند قدرك (بناء) في البيت الأول تصحيف، صوابه (ثناء) كما في عذر الخليع (رقم 56) * ص 112: كن ضنين الوجه غير مبتذل ... لا خير في الوجه حين يبتذل (ضنين) تصحيف. في عذر الخليع (رقم 62): صائن الوجه. غير أن اللفظ القريب من المصحف (صيِّن). * ص 218: خذ لما قد بعثته بقبول ... إنه عن محبّتي ترجمان لم أوجِّه بحسب قدرك عندي ... بل بحسب الوجود والإمكان (خذ) من الأخذ، في البيت الأول تصحيف. الصواب (جد) من الجود. ثم القافية بإضافة (ترجمان) إلى ياء المتكلم: (ترجماني)، كما يدلّ عليه قافية البيت الثاني (الإمكان). انظر عذر الخليع (رقم 79). * * * وبعد، فليس هذا المقال الموجز إلا رسالة تحية وتقدير للأستاذين الجليلين، الدكتور حسن نصّار والأستاذ هلال ناجي، بمشاركة حقيرة في خدمة عمل من أعمالهما الكثيرة المشكورة.

استدراك (1) كتاب "نزهة الأبصار في أوزان الأشعار" الذي ذكره البغدادي في إيضاح المكنون كتاب مستقل في العروض، وقد ذكره من قبل ابن ناصر الدين الدمشقي في كتاب توضيح المشتبه 6: 154 (ط مؤسسة الرسالة 1414 هـ بتحقيق محمد نعيم العرقسوسي). ونسخة منه محفوظة ضمن مجموع برقم 4730 في مكتبة تشستربيتي، وقد نسخ سنة 753 هـ في حياة المؤلف، وقرئ عليه. وفي آخر الكتاب إجازة المؤلف بخطه لناسخ الكتاب، كتبها في 2 رمضان 754 هـ. وفي المجموع كتاب آخر للمؤلف وهو الوافي بمعرفة القوافي، وقد صدر من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة 1418 هـ بتحقيق الدكتورة نجاة بنت حسن بن عبد الله نولي. فالدليل الوحيد على نسبة "نزهة الأبصار في محاسن الأشعار" هذا إلى العنابي هو نسخة الكتاب التركية، وهي غير موثقة كالنسخة المغربية. وتسمية كتابين بعنوان واحد فيها من الغرابة وضيق العطن ما لا يخفى، بالإضافة إلى ما أشير في المقال من أن هذا الكتاب لا يليق بمكانة العنابي المذكورة في كتب التراجم. وعسى أن تظهر في المستقبل نسخة موثقة للكتاب، تفصل في قضية نسبته إلى مؤلفه. (2) في كتاب مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري ترجمة لابن وكيع أورد فيها 63 بيتًا من شعره، ولكن لا جديد فيه. (3) في شرح المختار من أشعار بشار (ص 24 و 313) مقطوعتان لابن وكيع وبيتان زائدان على المقطوعة الواردة في الديوان برقم 101. (4) في معجم السفر للسلفي (ط باكستان ص 246) مقطوعة بائية من أربعة أبيات.

(4) حول كتاب خلق الإنسان لأبي محمد الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن

حول كتاب خلق الإنسان لأبي محمد الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن (1) استهلت مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق الجزء الثاني من مجلدها الثالث والسبعين (ذو الحجة 1419) بمقال للأستاذ الجليل الدكتور إحسان النص بعنوان "مصنفات اللغويين العربي في خلق الإنسان". سرد فيه أولًا أسماء اللغويين الذين ألفوا في هذا الموضوع أو أفردوا له بابًا أو أكثر في بعض مؤلفاتهم (2)، ثم تحدث عن أربعة كتب من الكتب المفردة فيه بشيء من التفصيل. ورابعها كتاب خلق الإنسان لأبي محمد الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن الذي نشره معهد المخطوطات العربية بالكويت عام 1407 هـ بتحقيق الصديق الدكتور أحمد خان ومراجعة الأستاذ مصطفى حجازي.

_ (1) نشر في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق: المجلد 79، الجزء 2 (صفر 1425 هـ = نيسان 2004 م) ص 239 - 259. وكان قد أرسل إليها في 21/ 5/1420 هـ. وقد نشر معه تعقيب عليه للدكتور إحسان النصّ (ص 260 - 262) وبعض القول ليس له عناج. (2) من المذكورين في هذا الفهرس: ابن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد المتوفي سنة 340 هـ، ولعل الكاتب الفاضل تابع في ذلك محقق كتاب خلق الإنسان (ص 9). وهو وهم بلا شك. فإن ابن الأعرابي المذكور كان محدثًا صوفيًا من أصحاب الجنيد، ولم يعرف له تأليف في اللغة. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 15: 407. أما الذي ألف في خلق الإنسان فهو أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي المتوفى سنة 231 هـ، وكتابه من مصادر خلق الإنسان لثابت، كما ذكر في أوله. ومن أوهام هذا الفهرس أنه لما ذكر أبا موسى الحامض قال: "لم يذكره النديم وذكره القفطي" مع أن النديم ذكره في ص 87 (طبعة تجدد).

وكنت قد اطلعت على كتاب أبي محمد بعد نشره بقليل، وعناني من أمر مؤلفه ما عنى محققه من قبل، ففتشت ونقّبت، فلم أوفق إلى الكشف عن شخصيته، غير أني وقفت فيما بعد في أثناء قراءاتي على نصوص لها صلة بهذا الكتاب، وفيها شيء من الإثارة والطرافة، كما ظفرت بترجمة عبد الله بن الحسن العبدري الذي نسخ نسخته من أصل المؤلف في مدينة الإسكندرية، ولهذه الترجمة أهميتها في تعيين زمن المؤلف، بالإضافة إلى ملحوظات عنت لي في مقدمة المحقق ونص الكتاب، فعلقت كل ذلك في حواشي نسختي. فلما قرأت مقال الدكتور إحسان النص أحببت أن أهدي إليه هو ومحقق الكتاب ما وقفت عليه، مع مراجعتهما في بعض ما ذهبا إليه، والتنبيه على أوهام يسيرة وقعت في كلامهما. (1) كتاب خلق الإنسان بين الصغاني وأبي محمد ذكر الدكتور إحسان النص من المؤلفين في خلق الإنسان رضي الدين الحسن بن محمد الصغاني (650 هـ). وقد سبقه إلى ذلك كثير من الباحثين (1) وكان اعتمادهم جميعًا على بروكلمان الذي أحال على نسخة منه محفوظة في مكتبة داماد زاده ضمن مجموع برقم 1789 (الترجمة العربية 6/ 218)، ولم يفطن الدكتور إحسان إلى أن كتاب أبي محمد الذي تحدث عنه بعد صفحات هو الكتاب نفسه الذي نسب خطًا إلى الصغاني، وذلك على الرغم من أنه اطلع على مقدمة المحقق، وناقشه في ما ذهب إليه في الكشف عن مؤلفه، وقد تكلم المحقق فيها بالتفصيل على قضية نسبة الكتاب ونفيه عن الصغاني. وكان منشأ الغلط - كما أشار الدكتور أحمد خان - أن المجموع المذكور يضم عشرة كتب كلها للصغاني إلا الكتاب العاشر، ثم لم يثبت في أوله عنوان

_ (1) انظر مقدمة المحقق ص 18 الحاشية 5.

الكتاب ولا اسم مؤلفه، فلعل من أعد فهرس الكتب المحفوظة في مكتبة داماد زاده لما تصفّح محتوى المجموع، ورأى تسع رسائل متتالية للصغاني، ولم يجد اسم المؤلف في بداية الكتاب العاشر، استعجل، ولم يدقق في ما ورد في نهايته ولا نهاية الكتاب التاسع بخط مختلف، من اسم الكتاب العاشر واسم مؤلفه، ونسبها كلها إلى الصغاني في دفتر المكتبة الذي استند إليه بروكلمان، ثم عوّل عليه كل من نسب كتابًا في خلق الإنسان إلى الصغاني في هذا القرن. وأكّد الدكتور أحمد خان نفيه عن الصغاني بأنه لم يثبت أصلًا أن الصغاني ألف كتابًا في هذا الموضوع، فلا هو أشار إليه في مؤلفاته، ولا تلامذته ولا أحد ممن ترجم له. الذي أريد أن أضيف هنا أن نسبة هذا الكتاب إلى الصغاني أقدم من هذا بكثير. فقد توارد عدد من العلماء على نقل نص من كتاب في خلق الإنسان نسبوه إلى الصغاني، وهو في الحقيقة مأخوذ من كتاب أبي محمد هذا. ولعلّ أولهم بدر الدين الزركشي (794 هـ) فقد ذكر السيوطي (911 هـ) في كتاب المزهر في كلامه على لفظة "الكسّ" أن لأهل العربية فيها ثلاثة مذاهب: أحدها أنها مولدة، قال به صاحب القاموس، وسلامة الأنباري في شرح المقامات. والثاني أنها عربية، و"رجحه أبو حيان في تذكرته، ونقله عنه الإسنوي في المهمات، وكذا الصغاني في كتاب خلق الإنسان، ونقله عنه الزركشي في مهمات المهمات (1). والثالث أنه فارسي معرب، وهو رأي الجمهور منهم المطرزي في شرح المقامات" (2).

_ (1) ليضف هذا الكتاب إلى ثبت مؤلفات الزركشي، فإنه لم يذكر في ترجمته، وقد فات محققي كتبه - مع رجوعهم إلى كتاب المزهر - لأن فهرس الأعلام فيه أخلّ بهذا الموضع. وقد ذكر صاحب كشف الظنون (ص 1915) كتابين بهذا العنوان: أحدهما للحافظ زين الدين العراقي (806 هـ) والآخر للشيخ سراج الدين اليمني (887 هـ)، ولكن لم يشر إلى كتاب الزركشي هذا. (2) الزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق محمد أحمد جاد المولى بك وزميليه، مكتبة دار التراث، القاهرة، 1: 310.

اقتصر السيوطي هنا في المزهر على ذكر مذاهب العلماء في الكلمة، ولم يورد نص كلامهم، بل أحال على كتاب آخر له قائلًا: "وقد نقلت كلامهم في الكتاب الذي ألفته في مراسم النكاح" (1). وللسيوطي أكثر من كتاب في موضوع النكاح، وقد ذكر بنفسه أنه سوّد فيه مسودات متعددة أكبرها سماها (مباسم الملاح ومناسم الصباح في مواسم النكاح" ولعلها هي التي أشار إليها في كتاب المزهر. وكانت مرتبة على سبعة فنون، وقد بلغت خمسين كراسة فاستطالها، فاختصرها في عشرها باسم "الوشاح في فوائد النكاح"، كما ذكر في مقدمته. ويبدو أن الأصل لم يخرج من المسودة فضاع، أما المختصر فقد وصل إلينا في عدة نسخ محفوظة في مكتبات العالم، وقد طبع أيضًا في مصر عام 1279 هـ (2)، ولكن لم أحصل عليه، فرجعت إلى نسخة مخطوطة منه، وجاء فيها: "قال في القاموس: هو مولد وليس من كلامهم، وسبقه سلامة ابن الأنباري. وقال المطرزي وغيره: فارسي معرب. وقال الصغاني في خلق الإنسان: أما الكسّ فلم أره في تأليف صحيح، ولم أسمع به في شعر فصيح، إلا في رجز لبعض الشعراء وهو: يا قوم من يعذرني من عرسي تعدو وما إن ذرّ قرن الشمس علي بالعتاب حتى تمسي

_ (1) كذا في المزهر (مراسم) بالراء، ولعل الصواب بالواو كما في مخطوطة كتاب الوشاح وكشف الظنون 2/ 5179. (2) انظر بروكلمان (الترجمة العربية) القسم السادس: 658 (ط الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995 م)، ودليل مخطوطات السيوطي وأماكن وجودها، إعداد أحمد الخازندار ومحمد إبراهيم الشيباني، مكتبة ابن تيمية، الكويت، 1403 هـ، ص 254. وزد على مخطوطاته: نسخة محفوظة في مكتبة جامعة أم القرى برقم 1199.

تقول لا تنكح سواء كسّي وطب عن الحور الحسان اللعس نفسًا، وتأباه [علي] نفسي انتهى. وأنشد أبو حيان في تذكرته على أنه عربي قول الشاعر ... ونقله عنه الإسنوي في المهمات وقال: إنه وقعت هذه اللفظة في شعر متقدّم، وأظن أول من أوردها في شعره محمد بن سكرة الهاشمي الشاعر ... " (1). النص الذي عزاه السيوطي إلى خلق الإنسان للصغاني موجود بعينه في كتاب خلق الإنسان لأبي محمد (ص 257). فهل اطلع السيوطي نفسه على مصدر هذا النص؟ طريقته في النقل في كتاب الوشاح تنبئ بذلك، فإنه لم يذكر هنا كتاب الزركشي مهمات المهمات، وأحال مباشرةً على كتاب خلف الإنسان. لكن الذي نرجحه أن السيوطي لم يقف بنفسه على كتاب خلق الإنسان، وإنما اعتمد على نقل الزركشي في مهمات المهمات، كما توحي بذلك عبارته في المزهر. ويؤيد ذلك أننا لا نجد نقلًا آخر من كتاب خلق الإنسان هذا في مؤلفاته الأخرى، ثم هو نفسه لما أراد تأليف كتابه "غاية الإحسان في خلق الإنسان" بحث عن الكتب المؤلفة في هذا الموضوع، فلم يظفر إلا بخمسة كتب: كتاب أبي جعفر النحاس (338 هـ) وكتاب ثابت (من القرن الثالث الهجري) وكتاب الزجاج (311 هـ) وكتاب ابن حبيب (245 هـ) وكتاب أبي القاسم عمر بن محمد ابن الهيثم العصافي (؟ ) فجمع ما في هذه الكتب مع الزيادة عليه. ولم تكلم فيه على اللفظ المذكور قال: "وهو عربي صحيح، وقيل فارسي، وقيل: مولد" (2)،

_ (1) الوشاح في فوائد النكاح، نسخة جامعة الملك سعود برقم 757 هـ، نسخها عمر القباني سنة 1116 هـ. (2) غاية الإحسان في خلق الإنسان، تحقيق مرزوق علي إبراهيم، دار الفضيلة، القاهرة 1991 م ص 197.

فلخّص فيه ما قاله في كتاب المزهر، كما لخّص في المزهر ما أفاض فيه من قبل في كتابه "مواسم النكاح"، ثم اختصره في "الوشاح". أما إغفال السيوطي ذكر مهمات المهمات في الوشاح، فلعل السبب في ذلك أنه لم ترد في كتاب الزركشي فائدة زائدة على هذا النقل من كتاب خلق الإنسان، مما يحوجه إلى ذكره، وهو بصدد اختصار مسودة كبيرة استطالها، بالإضافة إلى اختلاف سياق الأقوال في الكتابين، وشدة اهتمام السيوطي في كتاب المزهر بالنص على مصادره التي ينقل عنها. وقد نقل شهاب الدين الخافجي (1069 هـ) أيضًا هذا النص في كتابه شفاء الغليل، فقال: "قال المطرزي وغيره: فارسي معرب كوز، وقال ابن الأنباري (1): هو مولد، والحق الأول، قال الصغاني في خلق الإنسان: لم أسمعه في كلام فصيح ولا شعر صحيح إلا في قوله ... ". ثم نقل أربعة أشطر من الرجز المذكور، وقول أبي حيّان (2). كتاب المزهر من مصادر الخفاجي، وخاصة النوع الحادي والعشرين منه الذي في معرفة الولد، وقد أحال فيه السيوطي في موضوع النكاح. ومن الملاحظ أن سياقة النص في شفاء الغليل قريبة من سياقته في كتاب

_ (1) في الوشاح: "سلامة ابن الأنباري"، فاختصره الخفاجي بحذف (سلامة)، فأوهم أنه أبو بكر محمد بن قاسم الأنباري المتوفى سنة 328 هـ الذي نقل من كتابه (الزاهر) في عدة مواضع. والمعروف في اسم الأول: سلامة الأنباري، كما في المزهر. وهو سلامة بن عبد الباقي، أبو الخير الأنباري النحوي الضرير المتوفى سنة 590 هـ، من مؤلفاته شرح مقامات الحريري، وهو من مصادر كتاب المزهر. انظر ترجمته في بغية الوعاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر 1399 هـ، 1: 593. (2) شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل، الخانجي، القاهرة، 1325 هـ، ص 171.

الوشاح، أما كتاب المزهر فلم يورد السيوطي فيه نص كتاب خلق الإنسان، وجعل صاحبه مرجحًا لعربية اللفظ، ولا شك أن ذلك وهم منه. وكان الصفدي مصيبًا إذ لخّص مذهب المؤلف بأنه "غير عربي على الصحيح"، كما سنرى في الفقرة الآتية. ومن الشهاب الخفاجي نقل هذا النص محمد أمين المحبي (1111 هـ) في كتابه قصد السبيل (1)، والمرتضى الزبيدي (1205 هـ) في تاج العروس (2)، غير أن الزبيدي كان أمينًا في نقله إذ قال: "وفي شفاء الغليل للخفاجي: قال الصاغاني في خلق الإنسان ... ". أما المحبي فنقل كلام الخفاجي برمته من غير إشارة إليه! اتضح مما سبق أن خمسة من العلماء نسبوا كتاب خلق الإنسان هذا إلى الصغاني قبل بروكلمان، غير أنهم جميعًا نقلوا نصًا واحدًا بعينه، ولم يقف على الكتاب - فيما يظهر - إلا الناقل الأول، وهو بدر الدين الزركشي (794 هـ). فلعله وجد نسخة شبيهة بنسختنا التي تضمنت مع هذا الكتاب رسائل الصغاني فالتبس عليه الأمر، أو سقطت إليه نسخة مفردة منه نسبها ناسخها إلى الصغاني. وسيأتي في الفقرة الرابعة ما يقطع بأن هذا الكتاب ليس للصغاني. (2) اطلاع الصفدي على كتاب أبي محمد وقد وقف صلاح الدين الصفدي (764 هـ) على نسخة من هذا الكتاب، وأعجب به، ولكن لم يعرف مؤلفه. فقد ذكر في كتابه الغيث المسجم، وهو يشرح بيت الطغرائي:

_ (1) قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل، تحقيق عثمان محمود الصيني، مكتبة التوبة، الرياض، 1415 هـ، 2: 395. (2) تاج العروس، المطبعة الخيرية بمصر، 1306 هـ، 4: 233 (كسس).

تاءٍ عن الأهل صفر الكف منفرد ... كالسيف عرِّي متناه عن الخلل أن الإنسان من أعضائه عشرة، أول كل عضو منها كاف؛ وبعد ما عددها حكى أن "بعض أشياخ اللغة طلب منه عدّها، فعدّ تسعة أعضاء ونسي الكلمرة، فلما قام إلى بيت الخلاء ذكرها، وقد كان قبل ذلك قد ذكر الكرش، فقيل له: ليس للإنسان كرش إنما هي الأعفاج" (1). فلما وقف الصفدي على كتاب خلق الإنسان هذا أعجبه أنه زاد على ما ذكره زيادة كبيرة، فقال: "وقد رأيت أنا مجلدًا لم أعرف اسم مصنفه، قد جمع فيه أسماء أعضاء الرجال والنساء على حروف المعجم، وهذا اطلاع كبير، فرأيت فيه زيادة في حروف الكاف على ما ذكرته هنا: الكذوب: النفس، والكعبرة: عقدة مكبلة حائدة عن الرأس ... " وأورد سبع عشرة كلمة مع تلخيص معانيها من هذا الكتاب وعلى نسقه، إلا لفظًا واحدًا أخره لأنه "غير عربي على الصحيح" (2). ويبدو أن السؤال عن أسماء أعضاء الإنسان التي أولها حرف الكاف كان من المسائل الدوارة في مجالس الكبراء، فإن المسألة نفسها كانت سببًا لتأليف هذا الكتاب وترتيبه على حروف المعجم، كما ذكر أبو محمد في فاتحة الكتاب مخاطبًا صاحبه الذي ألفه لأجله: "لما تأدى إلي يا أخي ... فرط إعجابك وشدة شغفك بقول بعض المتأدبين في مجلسك: كم في جسد الإنسان من عضو أول حرف من اسمه كاف. وأنه قطع من حضره، وحصر من سمعه، حثّني ذلك على أن أضع كتابًا ... ". ولعلّ ولوع المتأدبين بهذه المسألة هو الذي أغرى بعض الظرفاء بأن

_ (1) وردت الحكاية مفصلة في المجموع اللفيف للقاضي أمين الدولة (518 هـ)، ولعله نقلها من خط الوزير أبي القاسم المغربي (418 هـ). وفيها أن السائل عبد الملك بن مروان (86 هـ) والمسؤول سويد بن غفلة (81 هـ). انظر المجموع: 229 (تحقيق يحيى الجبوري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1425 هـ). (2) الغيث المسجم في شرح لامية العجم، دار الكتب العلمية، بيروت، 1395 هـ، 1: 127.

ينسب إلى ابن خالويه - وكان شيخه أبو عمر الزاهد أولى به - أنه "وضع مسألة سمّاها (الأنطاكية) اشتملت على ثلاثمائة عضو من أعضاء الإنسان أول كل كلمة منها كاف"! حكاه الصفدي بصيغة التمريض، ولم أجد لها ذكرًا في مؤلفات ابن خالويه ولا في كتب خلق الإنسان. (3) آخر من نقل عنه المؤلف وفاةً ذكر محقق الكتاب أن آخر من أخذ عنه المؤلف زمنًا أبو عمر الزاهد المتوفّى سنة 345 هـ (في المقدمة 350 هـ خطأ)، فاستدرك عليه الدكتور إحسان النص بأن: "الصحيح أن آخرهم هو ابن خالويه الحسين بن أحمد المتوفّى سنة 370 هـ، وقد ذكره المؤلف في أكثر من موضع في كتابه ... ولهذا الاستدراك شأنه في تعيين زمن حياة المؤلف، فمؤلف الكتاب وجد بعد زمن ابن خالويه أو كان معاصرًا له" (ص 230). قلت: بل الصحيح أن آخرهم أبو أسامة جنادة بن محمد بن الحسين الهروي اللغوي الذي قتله الحاكم سنة 399 هـ، وقد نقل عنه المؤلف في ص 141: "وحكى جنادة عن ابن حمدويه ... " (1). (4) ترجمة العبدري الذي نسخ نسخته من أصل المؤلف النسخة التي نشر عنها كتاب خلق الإنسان خالية من اسم الناسخ وتاريخ النسخ، ولكن كتب في آخرها أحد العلماء: "كان في آخر النسخة التي نسخ هذا الكتاب منه ما مثاله بنصه سواء: ووجدت في آخر النسخة التي نقلت منها في سنة تسع وستمائة ما مثاله: كتب عبد الله بن الحسن بن عشير العبدري لنفسه بثغر الإسكندرية المحروس، ونقله من نسخة المؤلف بخطه، والحمد لله وحده".

_ (1) انظر ترجمة جنادة في معجم الأدباء، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993 م، 2: 800.

هذه العبارة في غاية الأهمية، فإنها رفعت نسب النسخة التي وصلتنا إلى أصل المؤلف فبينها وبين الأصل نسختان: الأولى ناسخها مجهول ولكن تاريخ نسخها معلوم وهو 609 هـ، والثانية تاريخها مجهول ولكن ناسخها معلوم، وإن العثور على ترجمته سيفيدنا في معرفة زمن المؤلف، يقول المحقق (ص 14) "ولم يترك لنا الناسخ هذا أية إشارة تدلّ على العصر الذي نسخه فيه ولا يمهد لنا طريقًا يرشدنا إلى هذا العصر". قلت: هذا الناسخ معروف، وقد ترجم له القفطي في إنباه الرواة (1) والسيوطي في بغية الوعاة (2)، ومصدرهما جميعًا معجم السفر للحافظ أبي طاهر السلفي (576 هـ) الذي جاء فيه: "سمعت أبا عبد الله بن الحسن بن عشير العبدري اليابسي النحوي بالثغر يقول: قرأت على أبي الحسين سليمان بن محمد بن طراوة السبائي المالقي النحوي بالأندلس، ولم أر مثله. وكان يعظمه جدًا. أبو محمد هذا كان مصدّرًا في جامع الإسكندرية لإقراء القرآن والنحو. وأنشدني كثيرًا من شعره. وتوفّي سنة ... وكان وصى بأن أصلي عليه، وكان يومًا باردًا، وقد وقع برد عظيم فصليت عليه، ودفن بمقبرة باب البحر، ولم يحضر كثير ناس، فالوحول تحول، ونزول الأمطار يمنع عن قضاء الأوطار" (3). اليابسي: نسبة إلى جزيرة اليابسة بالأندلس، وفي شرقيها جزيرة ميورقة، وأقرب بر إليها مدينة دانية (4).

_ (1) إنباه الرواة على أنباه النحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، 1406 هـ 2: 115. (2) بغية الوعاة 2: 38. (3) معجم السفر، تحقيق شير محمد زمان، مجمع البحوث الإسلامية، إسلام آباد، 1988 م ص 150. (4) انظر الروض المعطار في خبر الأقطار للحميري، تحقيق إحسان عباس، مكتبة لبنان، 1984 م، ص 616.

ولم يذكر في معجم السفر تاريخ وفاة العبدري، ومكانه بياض في النسختين. أما ياقوت فيبدو أنه اعتمد على مصدر آخر، فذكر تاريخ الوفاة مفصّلًا، فقال في رسم اليابسة: "وينسب إليها من المتأخرين أبو محمد عبد الله ابن الحسن (في المطبوعة الحسين خطأ) بن عشير اليابسي الشاعر. مات ليلة السبت في العشرين من المحرم سنة 625 هـ" (1). ولا شك أنه قد وقع خطأ في ذكر السنة، فإن الحافظ السلفي الذي صلّى عليه قد توفي سنة 576 هـ. ولعل صواب ما في معجم البلدان: سنة 525 هـ، كما ذهب إليه محقق معجم السفر. ولا يفوتني هنا أن أنبّه على غلط وقع فيه القفطي فيما نقله من معجم السفر إذ قال: "دفن بمقبرة باب البحر بالإسكندرية ووصى أن يصلي عليه أبو طاهر السلفي، فلم يمكنه ذلك لوحل ومطر كان في ذلك اليوم" (2). فهذا كما ترى مخالف لما صرح به السلفي نفسه من أنه صلى عليه، ولا شك أن ذلك من تسرّع القفطي فيما ينقله من المصادر. وله أمثلة غير قليلة في كتابه الممتع. وترجمة العبدري هذه قاطعة بأن كتاب خلق الإنسان ليس من تأليف الصغاني، فقد توفّي العبدري قبل ميلاد الصغاني في سنة 577 هـ بأكثر من خمسين عامًا. (5) زمن المؤلف في ضوء ما ذكرناه في الفقرة الثالثة من وفاة آخر من نقل عنه المؤلف سنة 399 هـ، وما علمنا في ترجمة العبدري (الذي نسخ نسخته من أصل المؤلف) في الفقرة السابقة أنه توفّي سنة 525 هـ، يتعين الزمن الذي عاش في بعضه

_ (1) معجم البلدان، دار الكتاب العربي، بيروت، 5: 424. (2) إنباه الرواة 2: 115.

المؤلف، وهو من أواخر القرن الرابع إلى أوائل القرن السادس. فإذا افترضنا أنه في أواخر القرن الرابع، فإنه لم يدرك علماءه الذين نقل عنهم، إذ لم يصرح بسماعه عن أحد منهم، وقد توفّي آخرهم في سنة 399 هـ. ومن ثم نرجح أن مؤلف الكتاب من القرن الخامس الهجري. وقد ارتأى الدكتور إحسان النص أنه "عاش في حقبة تمتد من أواخر القرن الرابع الهجري حتى منتصف القرن الخامس الهجري" واستدل على ذلك بأمرين: الأول أنه "لم يذكر أنه أخذ عن أي مصنف بعد ابن خالويه المتوفّى 370 هـ"، وهو خطأ قد سبق تصحيحه. والثاني أنه "قد وجد في القرنين الخامس والسادس علماء صنفوا في موضوع خلق الإنسان، وأشهرهم ابن سيده علي بن إسماعيل المتوفي سنة 458 هـ، وكتابه المخصص أوسع مصدر لبحث خلق الإنسان، فلو أن المؤلف عاش بعد زمنه لكان من المحتم أن يأخذ ... ولا سيما إذا كان المؤلف أندلسيًا حسبما استظهر المحقق، ولهذا أراه توفي قبل أن يؤلف ابن سيده كتابه المخصص" (ص 231) أولًا: لا دليل على كون المؤلف أندلسيًا، وأما ما استظهر به محقق الكتاب على ذلك أعني الجمل الدعائية التي جاءت في فاتحة الكتاب، وظنّها "سمة أندلسية خاصة" فهو أسلوب قديم معروف في كتب أهل المشرق. انظر مثلًا: كتاب الحيوان وكتاب البخلاء للجاحظ (255 هـ) وكتاب من اسمه عمرو من الشعراء لابن الجراح (296 هـ) والزهرة لمحمد بن داوود الأصبهاني (297 هـ) وحروف المعاني للزجاجي (340 هـ) والموازنة للآمدي (370 هـ) والخصائص، وسر صناعة الإعراب لابن جني (392 هـ). ثانيًا: ليس من المحتم أن يأخذ المؤلف عن ابن سيده، ولو كان أندلسيًا عاش بعده. فهذا ابن سيده نفسه عاش حتمًا بعد ابن السيّد المتوفى سنة 382 هـ، وكلاهما أندلسي، وكان ابن السيّد إمامًا في اللغة والعربية، وقد

صنف كتابًا سماه "العالم" في اللغة يقول فيه ابن حزم، وهو يذكر أهم كتب اللغة التي ألفت في الأندلس: "ومنها كتاب أحمد بن أبان بن سيد في اللغة المعروف بكتاب العالم، نحو مئة سفر على الأجناس، في غاية الإيعاب، بدأ بالفلك وختم بالذرة" (1). فكتاب العالم من نمط كتاب المخصص، ولكن لم يشر ابن سيده في المخصص إلى كتاب العالم، فضلًا عن النقل منه (2). وهذا ثابت بن أبي ثابت وراق أبي عبيد (224 هـ) من علماء القرن الثالث الهجري، وكتابه من أحسن الكتب المؤلفة في خلق الإنسان، وعاش بدون شك قبل أبي محمد، ولكن لا نرى له أثرًا في كتابه، بينما هو من أكبر مصادر ابن سيده في كتاب خلق الإنسان من المخصص. وكتاب المخصص الذي ألفه ابن سيده قبل كتاب المحكم، لم يكن حظه من الاشتهار والانتشار كحظ المحكم. فلم يقف عليه القفطي المتوفى سنة 624 هـ - وهو من هو في الشغف بالكتب واقتنائها - فإنه لما ترجم لان سيده في إنباه الرواة أثنى على كتاب المحكم ثناءً بالغًا، وذكر أنه "في وقف التاج البندهي بدمشق في رباط الصوفية". فلم يذكر كتاب المخصص بل اكتفى بقوله: "وله غير ذلك من الكتب الأدبية". ثم نقل عن ابن بشكوال أن من تواليفه "كتاب المحكم في اللغة وكتاب المخصص وكتاب ... " (3) كأنه زاد ذلك فيما بعد لما وقف على كتاب الصلة. وكذلك السيوطي المتوفى في سنة 911 هـ لم يشر إلى كتاب المخصص في ترجمة ابن سيده في بغية الوعاة (4) ولا ذكره في كتاب

_ (1) انظر معجم الأدباء 1: 164 حاشية المحقق. وقد وصل إلينا السفر الثالث منه، وهو يشتمل على فصول في خلق الإنسان. انظر سزكين المجلد الثامن: 491 (الترجمة العربية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1408 هـ). (2) وقيل إن كتاب العالم هو أصل المخصص، بل سلخه ابن سيده سلخًا. انظر بحوث وتحقيقات للميمني، إعداد محمد عزير شمس، دار الغرب الإسلامي بيروت، 1995، 1: 14. (3) إنباه الرواة 2: 226. (4) بغية الوعاة 2: 143.

المزهر، ولا استفاد منه في كتابه في خلق الإنسان. وما لنا نذهب بعيدًا، فنحن في زمننا هذا - زمن الطباعة والحاسوب والناسوخ - لا نعلم أحيانًا عن بعض الكتب أنه قد نشر في بلد من بلادنا المجاورة، وإذا علمنا بنشره تعذر علينا الحصول عليه! وأقرب دليل على ذلك أن كتب خلق الإنسان التي تحدث عنها الدكتور إحسان النص في مقاله أربعة كتب ليس منها كتاب السيوطي "غاية الإحسان في خلق الإنسان"، مع أنه نشر في القاهرة سنة 1991 م أي قبل سبع سنوات من نشر مقاله في مجلة المجمع! فلو وقف عليه ما أغفله، لما يمتاز به من غزارة المادة والاعتماد على مصادر لم يصلنا بعضها. ومحقق كتاب السيوطي يذكر أبا محمد من المؤلفين في خلق الإنسان، ويحيل في ذلك على نشرة أخبار التراث العربي عدد نوفمبر وديسمبر 1985 م، ولا يعلم أن كتاب أبي محمد طبع في الكويت سنة 1986 م، أي قبل إصداره كتاب السيوطي بخمس سنوات! (6) المؤلف ونسبة (الشيرازي) كتاب خلق الإنسان في نسخة داماد زاده يبتدئ في 77/ظ، بعدما تنتهي رسائل الصغاني في 77/و، فكتب بعض القرّاء بعد نهايتها العبارة الأتية: "كتاب خلق الإنسان في اللغة تأليف أبي محمد الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن رضي الله عنه" وهذا يوافق ما جاء في آخر الكتاب ولكنه زاد فيما بعد لفظة "الكامل" بعد كلمة "الإنسان"، كما زاد نسبة "الشيرازي" قبل "رضي .... " وكتب الكلمتين فوق السطر. فهل كان ذلك اجتهادًا من الكاتب، أو اطلع على نسخة أخرى من الكتاب سمي فيها بكتاب "خلق الإنسان الكامل في اللغة"، كما أضيفت فيها إلى اسم المؤلف نسبة "الشيرازي"؟ يقول المحقق في تعليقه على هذه العبارة (ص 14): "ولابد أن هذا

القارئ حين أضاف هذه النسبة كان يعرف المؤلف، ويعلم أنه شيرازي، ومع أن ذلك لا يفيد كثيرًا في كشف الغموض الذي يكتنف اسم المؤلف فإنه ضيّق - إلى حد ما - دائرة الغموض بهذه النسبة". قلت: إن نسبة "الشيرازي" - إذا ثبتت - تثير سؤالًا، بل تجعلنا أمام توافق غريب في الأسماء، وكأننا عثرنا على شخصية المؤلف، فإن والده في ضوء العبارة السابقة: أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، وهو يوافق تمامًا اسم إمام مشهور في علم الحديث توفي في أوائل القرن الخامس، ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء فقال: "الإمام الحافظ المجوّد أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الشيرازي، مصنف كتاب الألقاب سماعنا. سمع أبا بحر محمد بن الحسن البربهاري وأبا بكر القطيعي وعلي بن أحمد المصيصي وأبا القاسم الطبراني ... قال الحافظ شيرويه الديلمي: كان ثقة صادقًا حافظًا، يحسن هذا الشأن جيدًا جدًا، فخرج من عندنا يعني همذان سنة أربع وأربعمائة إلى شيراز، وأخبرت أنه مات بها سنة إحدى عشرة وأربعمائة، كذا قال، وأما أبو القاسم بن مندة، فقال: توفّي في شوال سنة سبع وأربعمائة، فهذا أشبه. قلت: كان من فرسان الحديث، واسع الرحلة ... " (1). ولكن لم يذكر في ترجمته أن له ابنًا يسمى الحسن، وذلك يجعلنا نتردد في قبول زيادة "الشيرازي" إذا كانت اجتهادًا من الكاتب، وخاصة لأنها لم ترد في الأصل، إلا أن زمنه يوافق زمن مؤلف كتاب خلق الإنسان. (7) ترتيب الكتاب على حروف المعجم كتاب خلق الإنسان لأبي محمد مرتّب على حروف المعجم، يقول في

_ (1) سير أعلام النبلاء 17: 242 - 243، تحقيق شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1403 هـ.

ذلك محقق الكتاب: "إن تصنيف الكتب على حروف المعجم على النحو الذي اتبعه المؤلف هنا لا نجد له أثرًا في القرون الأولى من الهجرة حتى القرنين الثالث والرابع، ولعل أول بادرة لهذا النمط من التأليف نجدها في كتب أبي محمد الأعرابي المعروف بالأسود العندجاني (كان يعيش سنة 428 هـ) الذي اهتم بوجه خاص بترتيب مصنفاته على حروف المعجم، لعل كتابنا هذا - وهو شبيه في ترتيبه بكتب أبي محمد الأعرابي - قد ألف في عصره أو قريبًا منه" (المقدمة ص 16). والدكتور إحسان النص أيضًا أشار إلى ذلك، وهو يتحدث عن منهج الكتاب، فقال: "وهذا النهج جديد في بابه، فمصنفات خلق الإنسان السابقة كانت تجعل لكل عضو بابًا مستقلًا، فجاء كتاب المؤلف مغايرًا لما سبقه، وكان معجمًا مرتبًا على الحروف في أسماء أعضاء الإنسان، وتلك ميزة لهذا الكتاب" (232). وأشار الدكتور أيضًا إلى الغندجاني فقال: "وقد جرى المؤلف على نهج الغندجاني في ترتيب أبواب كتابه على الحروف، وهي الطريقة التي اتبعها الغندجاني في مصنفاته ... ". وهنا عدة مآخذ على كلامهما: أولًا: لا يصح أن ترتيب الكتب على حروف المعجم لم يعرف إلى القرن الرابع، فقد سبق كراع النمل المتوفي سنة 310 هـ المتقدمين والمتأخرين، إذ وضع معجمًا كاملًا - وهو المجرد - رتبه على حروف المعجم، وجعل الحرف الأول بابًا والثاني فصلًا مع الاعتداد بالزوائد (1). ولعل الأصل الذي اختصر منه

_ (1) قد صدر السفر الأول من كتاب المجرد بتحقيق محمد بن أحمد العمري سنة 1413 هـ وطبع بمطابع دار المعارف بمصر، وانظر مقدمة المحقق ص 19. وقد أخرج من قبل كتابًا آخر لكراع وهو المنتخب من غريب كلام العرب، نشرته جامعة أم القرى في جزئين سنة 1409 هـ، فهما كتابان اثنان لا كتاب واحد "المنتخب المجرد" كما سماه الدكتور إحسان في مقاله (ص 222).

المجرد - وهو المنضد - أيضًا كان على هذا الترتيب (1). ثانيًا: إذا نظرنا في الكتب المؤلفة في خلق الإنسان فقط، فإن كتاب أبي جعفر محمد بن حبيب مرتبٌ على حروف المعجم، وقد توفّي سنة 245 هـ (2). ثالثًا: لم ينشر من كتب الغندجاني إلا ثلاثة كتب: كتاب فرحة الأديب، وكتاب إصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله النمري في تفسير معاني أبيات الحماسة، وكتاب أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها، وهذا الكتاب الأخير هو الذي رتبه الغندجاني على حروف المعجم. فقول المحقق إن الغندجاني اهتم بوجه خاص بترتيب مصنّفاته على حروف المعجم، وكذلك قول الدكتور إحسان النص: "وهي الطريقة التي اتّبعها الغندجاني في مصنفاته" ينقصه الدقة في التعبير، فإن كلامهما يوحي بأن للغندجاني عدة مصنفات عني بترتيبها على حروف المعجم. والجدير بالذكر أن لأبي منصور عبد الله بن سعيد الخوافي اللغوي كتابًا في خلق الإنسان. وذكر في ترجمته أنه مرتب على حروف المعجم، وقد توفي الخوافي سنة 380 هـ، فهو أقدم من أبي محمد (3). ذكر الدكتور إحسان النص أنه قد تبادر إلى خاطره في أول الأمر أن يكون مؤلف الكتاب "هو الأسود الغندجاني الحسن بن أحمد المتوفى سنة 428 هـ .... ". لم تذكر المصادر أن الغندجاني توفّي سنة 428 هـ، وإنما قال ياقوت "قرأت في بعض تصانيفه أنه صنف في شهور سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وقرئ

_ (1) انظر معجم الأدباء 4: 1673. (2) نشره أخي المحقق الأستاذ محمد عزير شمس ضمن مجموعة "روائع التراث" (ص 259 - 285)، الدار السلفية، بومباي، الهند، 1412 هـ. (3) انظر ترجمة الخوافي في معجم الأدباء 4: 1527 وبغية الوعاة 2: 43.

عليه في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة" (1). ومن هنا كتب الدكتور أحمد خان في عبارته التي نقلناها آنفًا "كان يعيش سنة 428". أما محقق كتب الغندجاني، فكتب على مؤلفاته الثلاثة أنه كان حيًا سنة 430 هـ، اعتمادًا على ما جاء في أول كتاب إصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله النمري ... أنه عمله للمجلس العادلي العالي نوّره الله في شهور سنة ثلاثين وأربعمائة. وقد نبّهت من قبل في مقالي "إصلاح الإصلاح" في نقد نشرة الدكتور محمد علي سلطاني للكتاب الأخير على أن في كتاب إنباه الرواة (4: 174 - 175) ترجمة للغندجاني، ذكر فيها القفطي أنه توفّي بالغندجان سنة 436 هـ (2). (8) قصة بيع الجمهرة بين القالي والفالي من مميزات مخطوطة كتاب خلق الإنسان أن بعض العلماء قابلها بأصل المؤلف، ثم علق في مواضع عديدة منها بالرجوع إلى مصادر أخرى نحو كتاب المجرد لكراع النمل ومختصر العين، وجمهرة اللغة. ومن تعليقاته على لكلمة (العضاض) في الورقة 120/و: "وفي الجمهرة لابن دريد، ونقلته [من] خط أبي علي القالي رحمه الله: الغضاض .... ". أشار محقق الكتاب إلى هذه الحاشية وقال: "ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن نذكر أن النسخة التي كانت أمامه من الجمهرة كانت نسخة المؤلف، وعليها خط أبي علي القالي ... ومن الطريف أن هذه النسخة هي النسخة نفسها التي باعها أبو علي القالي - حين اشتدت الحاجة به - بأربعين مثقالًا، وكتب عليها الأبيات، وتمام الخبر في المزهر للسيوطي" (المقدمة ص 31). ليس في كلام المحشي ما يدلّ على أن نسخة الجمهرة التي نقل منها كانت

_ (1) معجم الأدباء 2: 822. (2) انظر مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 64، الجزء الثاني، ص 290. [والمقال مطبوع ضمن هذه المجموعة].

بخط المؤلف، ولكن غلبت على المحقق حكاية المزهر، وهي كما أوردها السيوطي: "وقال بعضهم: كان لأبي علي القالي نسخة من الجمهرة بخط مؤلفها، وكان قد أعطي بها ثلاثمائة مثقال، فأبى، فاشتدت به الحاجة، فباعها بأربعين مثقالًا، وكتب عليها هذه الأبيات: أنست بها عشرين عامًا وبعتها ... وقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظني أنني سأبيعها ... ولو خلّدتني في السجون ديوني ولكن لعجز وافتقار وصبية ... صغار، عليهم تستهل شؤوني فقلت ولم أملك سوابق عبرتي ... مقالة مكوي الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم من رب بهن ضنين قال: فأرسلها الذي اشتراها وأرسل معها أربعين دينارًا أخرى. وجدت هذه الحكاية مكتوبة بخط القاضي مجد الدين الفيروزابادي صاحب القاموس على ظهر نسخة من العباب للصغاني، ونقل من خطه تلميذه أبو حامد محمد بن الضياء الحنفي، ونقلتها من خطه" (1). هذه الحكاية التي أسندها الفيروزابادي إلى شخص مجهول، قد وقع فيها عدة أخطاء أهمها أن الذي باع نسخته من الجمهرة، وكتب هذه الأبيات التي ضمنها بيتًا قديمًا - وهو البيت الأخير - هو أبو الحسن علي بن أحمد الفالي (بالفاء) المتوفى سنة 448 هـ، لا أبو علي القالي (بالقاف) المتوفى سنة 356 هـ. أطبقت على ذلك كتب التاريخ والتراجم، ولم يشذ عنها إلا هذه الرواية المدخولة (2).

_ (1) المزهر 1: 95. (2) انظر المنتظم لابن الجوزي، دائرة المعارف العثمانية، جيدراباد، الهند 8: 174، ومعجم الأدباء 4: 1646، ووفيات الأعيان تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، =

ولعل أول من نبه على هذا الغلط العلامة عبد العزيز الميمني رحمه الله، إذ قال في شرحه لذيل أمالي القالي وصلة ذيله، وهو الجزء الثالث من سمط اللآلي: "وغلط المتأخرون"، فظنوا الفالي (بالفاء المنقوطة بنقطة واحدة) صاحبنا أبا علي ... " (1). وجاز هذا التصحيف على الأستاذ أحمد أمين في كتابه ظهر الإسلام (1: 117)، فنبه عليه الأستاذ مصطفى جواد في مقدمة كتاب تكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني (2). وقد بسطت في موضع آخر ترجمة أبي الحسن الفالي، مع تحرير قصة بيع نسخته من الجمهرة، وتتبع القصص التي تمثل أصحابها بالبيت القديم الذي ضمنه الفالي (3). * * *

_ = 3: 316، وسير أعلام النبلاء 18: 54، والفلاكة والمفلوكون، مكتبة الأندلس، بغداد، 1385 هـ، ص 148. سمط اللآلي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1354 هـ، 3: 89. (2) تكملة إكمال الإكمال، عالم الكتب، بيروت، 1406 هـ، مقدمة المحقق ص 8 - 10. (3) انظر المقال التالي في هذه المجموعة.

(5) قصة بيع الجمهرة الدريدية صاحبها أبو الحسن الفالي، لا أبو علي القالي

قصة بيع الجمهرة الدريدية صاحبها أبو الحسن الفالي، لا أبو علي القالي (1) لقد فرحت أيّما فرح لمّا بلغني أن ملحق التراث سيعاود صدوره، بعد فترة امتدّت، فشقّت عليّ أنا وأمثالي ممن اتخذوه - منذ أن عرفوه - أنيسهم وجليسهم، يترقبون موعده، ويستبشرون بقدومه، ويستمتعون بما يحمله إليهم من ضروب المعرفة، وطرائف المنظوم والمنثور، وأخبار المخطوط والمنشور. فكم نزهةٍ فيك للناظرين ... وكم راحةٍ فيك للأنفس ثم فوجئنا ذات يوم بأن اختفى هذا الجليس، فلم يزرنا كعهده كل خميس، فأشفقنا عليه من حدثٍ نابه، أو مكروه أصابه، فدعونا له بالسلامة، وقلنا جميعًا: "لا أوحش الله من مؤنس". ثم تمادى غيابه، وانقطعت أخباره، فخامرتنا الشكوك، وساورتنا الهموم، وذهبت بنا الظنون كل مذهب، ولم يبق لنا سوى "التعلل بالتذكار والأمل". وأخيرًا، بعد حول مجرَّم، انجلت الغمرة، وعاد المنتظر، وحلّ بصحيفة البلاد، ولقي منها "أهلًا بأهل وجيرانًا بجيران" فالحمد لله الذي جمع شملنا به، بعدما برّح الشوق، وطال الانتظار، فمرحبًا به من زائر لا يمل: تحية مشتاق وتسليم وامق ... وتجديد عهد من مقيم على عهد * * *

_ (1) نشر في ملحق التراث بجريدة البلاد السعودية في 4 و 11/ 1/1419 هـ = 30/ 4 و 7/ 5/1998 م.

وطلع علينا العدد الأول من الملحق بمقالات وتعقيبات وأخبار كلها ممتعة ومفيدة، ومنها كلمة لطيفة بقلم الدكتور عبد الكريم بن صنيتان العمري بعنوان "الكتاب"، جعلها تمهيدًا لكلمات تالية، يريد أن يقدم فيها تعريفًا لكتاب من كتب التراث الحديث النشر. وقد بيّن الدكتور العمري في مقاله أهمية الكتاب وقيمته، ونقل بهذا الصدد عن جلال الدين السيوطي أنه "كان لأبي علي القالي نسخة من (الجمهرة) بخط مؤلفها، وكان قد أعطي بها ثلاثمائة مثقال، فأبى، فاشتدت به الحاجة، فباعها بأربعين مثقالًا، وكتب عليها هذه الأبيات: أنست بها عشرين عامًا وبعتها ... وقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظنّي أنني سأبيعها ... ولو خلّدتني في السجون ديوني ولكن لعجزٍ وافتقارٍ وصبيةٍ ... صغارٍ، عليهم تستهلّ شؤوني فقلت ولم أملك سوابق عبرتي ... مقالة مكويّ الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم من ربٍّ بهن ضنين قال: فأرسلها الذي اشتراها وأرسل معها أربعين دينارًا أخرى". أورد السيوطي رحمه الله هذه الحكاية في كتابه المزهر (1: 95) وبدايتها فيه: "وقال بعضهم: كان لأبي علي القالي .... " وعقب عليها بقوله: "وجدت هذه الحكاية مكتوبة بخط القاضي مجد الدين الفيروزابادي صاحب القاموس، على ظهر نسخة من العباب للصغاني، ونقلها من خطه تلميذه أو حامد محمد ابن الضياء الحنفي، ونقلتها من خطه". وبيّنٌ من سياقه السيوطي لهذه الحكاية أن سندها ينتهي إلى شخص مجهول، فإن الفيروزابادي نسبها إلى "بعضهم"، ولم يفصح عن اسمه، والسيوطي برّأ ذمّته بإثبات أنه نقلها من خط أبي حامد الذي نقل من خط المجد.

وقد وقع الغلط في هذه الحكاية من عدة وجوه، أهمها أن الذي باع نسخته من الجمهرة، وكتب هذه الأبيات التي ضمّتها بيتًا سائرًا قديمًا، وهو البيت الخامس، هو أبو الحسن علي بن أحمد الفالي - بالفاء - المتوفى سنة 448 هـ لا أبو علي القالي - بالقاف - المتوفى سنة 356 هـ. أجمعت على ذلك كتب التاريخ والتراجم، ولم يشذّ عنها إلى حكاية الفيروزابادي هذه المجهولة الإسناد. ولعلّ أول من نبّه على هذا الغلط العلامة عبد العزيز الميمني رحمه الله، فقال في شرحه لذيل أمالي القالي وصلة ذيله، وهو الجزء الثالث من سمط اللآلي (3: 89): "وغلط المتأخّرون، فظنّوا الفالي (بالفاء المنقوطة بنقطة واحدة) صاحبنا أبا علي ... " وقد فرغ الميمني من شرحه هذا في شوال 1349 = 4 مارس 1931 م، وطبعته لجنة التأليف والترجمة والنشر في القاهرة عام 1354 هـ = 1936 م. والظاهر أن الميمني أشار بكلمة المتأخرين إلى الفيروزابادي وأبي حامد والسيوطي. ولكن كتاب المزهر أكثر تداولًا من سمط اللآلي، ثم لا فرق بين القالي والفالي إلا نقطة واحدة، والقالي (بالقاف) أشهر من الفالي (بالفاء). أما إذا اقترن ذكر أولهما بجمهرة ابن دريد، وهو تلميذ ابن دريد، فلن يشك من لم يعرف القصة أن المذكور هو القالي (بالقاف). بل إذا رأى أن الكلمة منقوطة بنقطة واحدة، لم يتردد في تصحيحها بزيادة نقطة أخرى تيقنًا منه بأن الأولى مصحفة، خاصة إذا لم يذكر معها الاسم أو الكنية. فدواعي التصحيف والخلط متوافرة في هذه القصة. فليس عجبًا أن تنسب القصة إلى القالي، . ولا يبقى بعد ذلك إلا أن يضيف الناقلون إليها حواشي وأصباغًا، لتزويقها واستكمال جوانبها ومضاعفة أثرها. وقد جاز هذا التصحيف على الأستاذ أحمد أمين فقال في كتابه ظهر

الإسلام (1: 117): "وهذا أبو علي (القالي) البغدادي ضاقت به الحال قبل أن يرحل إلى الأندلس، حتى اضطر أن يبيع بعض كتبه، وهي أعزّ شيء عنده، فباع نسخت من كتاب "الجمهرة"، وكان كلفًا بها، فاشتراها الشريف المرتضى، فوجد عليها بخط أبي علي: أنست بها ... الأبيات". ونبّه على خطئه الأستاذ مصطفى جواد في مقدمته لكتاب ابن الصابوني (تكملة إكمال الإكمال) الذي نشره سنة 1957 م، فقال: "وقد تصحفت على هذا العالم الفاضل "الفالي" فصار "القالي". ولما وقر في ذهنه أنه "القالي" أضاف إليه "البغدادي"، وزخرف الحكاية بقوله "قبل أن يرحل إلى الأندلس". ولم يحل في ذلك على كتاب من كتب الأدب ولا من كتب التاريخ. ولو علم أن صاحب القصة والأبيات هو "الفالي" ما وهم ذلك الوهم المستعظم على مثله، المستغرب وجوده في كتابه، ولو درى أنه "أبو الحسن" لا "أبو علي" لتريث في الإقدام عليه" (ص 9). ويبدو أن الأستاذ أحمد أمين قرأ الحكاية في المزهر، وليس فيها ذكر المشتري، ثم قرأها في كتاب الفلاكة والمفلوكون الذي تصحف فيه الفالي إلى القالي (بالقاف) وذكر فيه المشتري أيضًا وهو الشريف المرتضى في هذه الرواية - وهي ضعيفة عندنا - فنسج أحمد أمين حكايته على ذلك المنوال، ولم يفطن لكنية البائع المذكورة في كتاب الفلاكة "بخط بائعها أبي الحسن القالي المذكور" أو عدّها خطأ لما قرأه في المزهر، فلم يعبأ بها. ولكن الذي فاته حقًا "أن أبا علي القالي توفي سنة 356، وأن الشريف المرتضى ولد سنة 355، فالمرتضى كان رضيعًا يوم مات أبو علي" (مقدمة مصطفى جواد ص 11) فأنّى لهذه الصفقة أن تتم! . وممن اغترّ بما ورد في كتاب المزهر، الدكتور أحمد خان محقق كتاب خلق الإنسان في اللغة لأبي محمد الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن، ومراجعه

الأستاذ مصطفى حجازي. وقد نشر الكتاب معهد المخطوطات العربية في الكويت سنة 1407 هـ. فقد رأى الدكتور أحمد في بعض حواشي نسخته كلامًا لأحد العلماء جاء فيه: "في الجمهرة لابن دريد، ونقلت من خط أبي علي القالي" فتذكر ما قرأه في المزهر، فقال: "ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن أذكر أن النسخة التي كانت أمامه من الجمهرة كانت نسخة المؤلف، وعليها خط أبي علي القالي ... ومن الطريف أن هذه النسخة هي النسخة نفسها التي باعها أبو علي القالي - حين اشتدت الحاجة به - بأربعين مثقالًا، وكتب عليها الأبيات، وتمام الخبر في المزهر للسيوطي". مع أن كلام المحشي لا يدلّ على أن نسخته من الجمهرة كانت نسخة المؤلف، ولكن غلبت عليه حكاية المزهر: "كان لأبي علي القالي نسخة من الجمهرة بخط مؤلفها" وهو غلط آخر في هذه الحكاية، فلم يرو أن ابن دريد كتب نسخة من الكتاب بخطه، وإنما أملاه إملاء من حفظه، كما قال نفسه: "وإنما أملينا هذا الكتاب ارتجالًا لا عن نسخة ولا تخليد في كتاب قبله، فمن نظر فيه فليخاصم نفسه بذلك، فيعذر إن كان فيه تقصير أو تكرير إن شاء الله" (ط بعلبكي ص 1085)، وقال في آخر الكتاب: "فإن كنا أغفلنا من ذلك شيئًا لم ينكر علينا إغفاله لأنا أملينا حفظًا، والشذوذ مع الإملاء لا يدفع" (ص 1339). وإنما سقت ذلك كله ليعلم الدكتور عبد الكريم بن صنيتان العمري أنه في اعتماده على كتاب الزهر لم يكن بأول سارٍ غرّه القمر. وقد دفعني إلى التنبيه على الغلط الواقع فيه أن القصة مؤثرة، والأبيات رائقة، والملحق سيار، والكاتب أستاذ، والمزهر كتاب مشهور، والموقف نفسه يحصل كثيرًا في حياة العلماء والأدباء، فيذكّرهم قصة الفالي الذي باع في آخر حياته في بغداد نسخته من جمهرة اللغة فرارًا من فقره وإضاقته، فيتمثلون بأبياته المحزنة التي ضمنها بيتًا قديمًا قاله - أو تمثّل به - أعرابي دفعته فاقته إلى بيع ناقته. فكم من عالم ومحقق في بغداد نفسها بلغنا في السنوات الماضية أنه اضطر في مخصمته إلى

أن يبيع ذخائر مكتبته، فما أشبه الليلة بالبارحة! فإذا كانت دواعي التصحيف قد اجتمعت في نسب الفالي في هذه القصة، فإن نشرها على هذا الوجه في ملحق التراث قد هيأ للغلط الواقع فيها كل أسباب الشيوع والسيرورة والاستحكام. ومن ثم عنيت بتحرير ترجمة أبي الحسن الفالي، وتمحيص قصة بيعه نسخته من الجمهرة، وتتبع القصة التي تمثّل أصحابها بالبيت القديم الذي ضمّنه. وأسرد أولًا مصادر ترجمة الفالي مرتّبةً حسب وفيات مؤلّفيها. أولًا: مصادر ترجمة الفالي (1) الخطيب البغدادي (463 هـ). - تاريخ بغداد 11: 334 (دار الكتاب العربي بيروت). (2) ابن ماكولا (475 هـ). - الإكمال 7: 134 (تصحيح نايف العباس، بيروت 1976). (3) أبو سعد السمعاني (562 هـ). - الأنساب 4: 342 (دار الجنان، بيروت 1408 هـ). (4) أبو الفرج ابن الجوزي (597 هـ). - المنتظم 8: 174 (ط حيدراباد). (5) ياقوت الحموي (626 هـ). - معجم الأدباء 4: 1646 (ط إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993 م). - معجم البلدان (فالة) 4: 232 (دار إحياء التراث العربي، بيروت). (6) ابن نقطة (629 هـ).

- تكملة الإكمال 3: 439 (جامعة أم القرى، 1410 هـ). (7) عز الدين ابن الأثير (630 هـ). - الكامل 6: 294 (مؤسسة الناشر العربي، بيروت 1414 هـ). - اللباب 2: 409 (دار صادر 1400 هـ). (8) ابن خلكان (681 هـ). - وفيات الأعيان 3: 316 (ط إحسان عباس). (9) الذهبي (748 هـ). - تاريخ الإسلام، وفيات 448 هـ (ط عمر تدمري بيروت 1414 هـ). - سير أعلام النبلاء 18: 54 (ط مؤسسة الرسالة). - العبر 3: 216 (ط الكويت). - المشتبه: 496 (ط البجاوي، القاهرة 1962 م). (10) اليافعي (768 هـ). - مرآة الجنان 3: 67 (ط حيدر آباد). (11) ابن كثير (774 هـ). - البداية والنهاية 12: 76 (دار الحديث، القاهرة 1414 هـ). (12) الفيروزابادي (817 هـ). - القاموس (فيل) ط مؤسسة الرسالة. (13) الدلجي (838 هـ). - الفلاكة والمفلوكون: 148 (بغداد 1385 هـ). (14) ابن ناصر الدين (842 هـ). - توضيح المشتبه 7: 31 (ط مؤسسة الرسالة). (15) ابن حجر (852 هـ).

- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: 787 (ط البجاوي). (16) ابن تغري بردي (874 هـ). - النجوم الزاهرة 5: 60 (ط مصورة عن ط دار الكتب). (17) ابن العماد الحنبلي (1089 هـ). - شذرات الذهب 2: 278 (دار الكتب العلمية بيروت). (18) المرتضى الزبيدي (1205 هـ). - تاج العروس (فيل) 8: 69 (ط الخيرية). (19) إسماعيل باشا البغدادي (1339 هـ). - هدية العارفين: 688 (المثني). ثانيًا: ترجمة أبي الحسن الفالي أقدم من ترجم للفالي هو تلميذه الخطيب البغدادي، وعليه عوّل من جاء بعده، فلا نجد عند غيره إلا إضافات يسيرة جدًا، إلا شعر الفالي، فقد وصل إلينا بعضه برواية تلميذ آخر له وهو يحيى بن علي الخطيب التبريزي (502 هـ) ونقل بعضه ياقوت عن كتاب المذيل للسمعاني وعن ابن عساكر (571 هـ). وسأورد هنا نص ترجمته من تاريخ بغداد مقسّمًا إلى فقرات ومقدّمًا كلام الخطيب، ثم أعلق عليه بالرجوع إلى المصادر الأخرى مضيفًا إليه أو منبهًا على ما وقع فيه من وهم أو غلط. (1) اسمه ونسبه ومولده: قال الخطيب: "علي بن أحمد بن علي بن سلّك، أبو الحسن المؤدب المعروف بالفالي، من بلدة تسمى فالة قريبة من إيذج".

- في مرآة الجنان: اسم والده "محمد" وهو خطأ. في معجم الأدباء حذف اسم جده، فقال: "علي بن أحمد بن سلّك". - في تاج العروس (فيل) وهدية العارفين: "سليمان" وهو تحريف "سلّك". - وقفت في ضبط "سلّك" على خمسة وجوه: 1 - (سلَّك) ضبطه ابن نقطة "بفتح السين المهملة وتشديد اللام وآخره كاف" وقال: "نقلته من خط ابن مرزوق الزعفراني [ت 517 هـ] مجودًا". ولم ينص ابن نقطة على حركة اللام، ولعله يعني فتحها، كما ضطبه ابن خلكان: "بفتح السين المهملة وتشديد اللام وفتحها وبعدها كاف. هكذا وجدته مقيدًا". 2 - (سلك) قال ابن خلكان: "ورأيت في موضع آخر بكسر السين وسكون اللام". 3 - (سلِّك) بفتح السين المهملة وتشديد اللام مكسورة. كذا ضبطه الذهبي بخطه في المشتبه. قال ابن ناصر الدين: "والمعروف فتح اللام، وبها قيده ابن خلكان". 4 - (سلِّك) قال ابن ناصر الدين: "ووجدته بخط مبارك بن حمدان ابن المرحل بكسر اللام كما ضبطه المصنف (يعني الذهبي) لكن بكسر أوله". 5 - (سلك) "بفتح المهملة وسكون اللام قبل الكاف)، كذا ضبطه الحافظ ابن حجر في تبصير المنتبه. وقد أحال في ترجمة الفالي على ابن نقطة، وكأنه اعتمد عليه في الضبط أيضًا، لكن ابن نقطة - كما سبق - قد نصّ على تشديد اللام. - كنية الفالي في هدية العارفين وكحالة: "أبو الحسين" تحريف.

- في مطبوعة الفلاكة والمفلوكون: "القالي" بالقاف تصحيف. أما شذرات الذهب فصاحبه هو الذي صحف وأكد تصحيفه بأن نسبه إلى (قالي قلا من ديار بكر)، وقد نبّه على ذلك محقق سير أعلام النبلاء. وخوفًا من وقوع التصحيف فيه نبّه أكثر من ترجم له على أنه بالفاء، وبعضهم يزيد على ذلك، فيقول ياقوت - مثلًا - في معجم الأدباء: "الفالي بالفاء، وليس بأبي علي القالي بالقاف". ومن هنا ترجمت له كتب المشتبه نحو الإكمال لابن ماكولا، والمشتبه للذهبي، وتوضيحه لابن ناصر الدين. - في مطبوعة البداية والنهاية بعد الفالي: "صاحب الأمالي"، وهو غلط من قارئ أقحم هذه العبارة أو ناسخ أسقط شيئًا من كلام المؤلف كتبه للتنبيه على أنه غير القالي صاحب الأمالي، فإني أستبعد أن تلتبس ترجمة صاحب الأمالي على مثل ابن كثير، وهو الذي قد ترجم له في المجلد السابق (11: 212)، ووصفه بصاحب الأمالي، ثم قال: "وصنّف الأمالي، وهو مشهور". فلا أرى أن ابن كثير وهم في ترجمة أبي الحسن، كما ذهب إليه محققًا سير أعلام النبلاء وتكملة الإكمال. - نقل السمعاني عن الخطيب البغدادي أنه قال في فالة: "أظنها من بلاد فارس". ولا يوجد هذا النص في ترجمة الفالي في مطبوعة كتاب الخطيب. وقال ياقوت في معجم البلدان: "بلدة قريبة من إيذج من بلاد خوزستان". وقال ابن خلكان: "وهي بلدة بخوزستان". ومن هنا زاد الذهبي في ترجمة أبي الحسين بعد الفالي "الخوزستاني". وقد أجمعوا على أن بلدة الفالي التي هي قريبة من إيذج بخوزستان اسمها (فالة) بالهاء في آخرها، إلا صاحب القاموس فإنه ذكر مدينة (فال) من فارس ثم قال: "ود بخوزستان منه أبو الحسن علي بن أحمد الأديب، أو هو فالة بزيادة هاء". ولم أعرف مرجع تردده، والصواب الذي لا شك فيه أنه من فالة، وقد صرح بذلك في أول أرجوزة له:

قال علي مذ أتى من فاله ... قصيدة واضحة المقاله وأما ما وقع في مطبوعة تاريخ الذهبي "وفال بليدة قريبة من إيذج" فأرجح أنه تحريف، فإن نشرة تدمري للتاريخ نشرة سقيمة، وقد وجدت في ترجمة الفالي وحدها ثلاثة أخطاء. وخوزستان إقليم في جنوب إيران كان يسمى إلى عهد قريب "عربستان" ثم أعيدت إليه تسميته القديمة في عهد الشاه، وقاعدته الأهواز. أما إيذج فيسمى الآن "مال أمير". (2) الفالي في البصرة وشيوخه بها قال الخطيب: "أقام بالبصرة مدة طويلة، وسمع بها من أبي عمر بن عبد الواحد الهاشمي، وابن خربان النهاوندي، وأبي الحسن بن النجار، وشيوخ ذلك الوقت". وذكر ابن ماكولا من شيوخه الهاشمي والنهاوندي ثم قال: "وحدّث بشيء يسير" يعني في البصرة. وإليكم نبذة عن الشيوخ الثلاثة الذين ذكرهم الخطيب وهم: 1 - الإمام الفقيه المعمر مسند العراق القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي البصري (322 - 414 هـ) (1). - في معجم الأدباء: (عمر بن عبد الواحد)، وفي كتاب ابن خلكان: (أبو عمرو)، وكلاهما تحريف. 2 - القاضي أبو عبد الله بن إسحاق بن خربان البصري، وأصله من نهاوند. توفّي في البصرة في حدود 410 هـ (2).

_ (1) انظر ترجمته في تاريخ بغداد 12: 451، وسير أعلام النبلاء 17: 225. (2) انظر ترجمته في تاريخ بغداد 4: 36.

- جده (خربان) بالخاء المعجمة، نص عليه ابن ماكولا (2: 437) وغيره. وقد تصحفت في ترجمته في تاريخ بغداد إلى (حرمان) بالحاء المهملة والميم، وفي معجم البلدان إلى (جربان) بالجيم مكان الخاء المعجمة. وكان في مخطوطة معجم السفر للسِّلفي (خربان) على الصواب، فغيره المحقق اعتمادًا على مطبوعة البلدان (1). - روى الفالي عن شيخه النهاوندي هذا الكتاب "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" عن مؤلفه القاضي ابن خلاد الرامهرمزي (نحو 360) (2). 3 - الإمام المقرئ المعمر أبو الحسن محمد بن جعفر التميمي النحوي المعروف بابن النجار، من أهل الكوفة، قدم بغداد وحدث بها، توفّي بالكوفة سنة 402 هـ (3). - في ترجمة الفالي في تاريخ بغداد، والأنساب، وكتاب ابن خلكان: (النجاد) بالدال، وهو تحريف، والصواب بالراء كما في ترجمته في تاريخ بغداد. ونص على ذلك ابن ماكولا (7: 333) والسمعاني في ترجمته (5: 458). (3) الفالي في بغداد قال الخطيب: "وقدم بغداد، فاستوطنها، وحدّث بها. كتبت عنه شيئًا يسيرًا، وكان ثقة" وقال ابن ماكولا: "وكان يسمع ببغداد إلى أن مات". (4) وفاته قال الخطيب: "مات في ليلة الجمعة الثامن من ذي القعدة سنة ثمان

_ (1) انظر معجم السفر للسلفي، تحقيق شيرزمان، إسلام آباد، 1988 م، 13: 16. (2) انظر معجم السفر: 16، والمشتبه: 496. (3) انظر تاريخ بغداد 2: 158، وسير أعلام النبلاء 17: 100.

وأربعين وأربعمائة، ودفن في ويوم الجمعة في مقبرة جامع المنصور". وهنا انتهت ترجمة الفالي من تاريخ بغداد. وفي معجم المؤلفين: "توفي في ذي الحجة" وهو خطأ. (5) تلامذته كان الفالي مؤدبًا ومحدثًا، فمن الطبيعي أن يكثر المتخرجون عليه والآخذون عنه، ولكن لا نعرف إلا ثلاثة منهم: 1 - أولهم الخطيب البغدادي، فقد صرّح بنفسه - كما مرّ بأنه كتب عنه شيئًا يسيرًا. ولكن لم يشر إلى مضمون مروياته عنه، ومن ثم شوّقني قول الذهبي وحده في سير أعلام النبلاء: "روى عنه الخطيب في تاريخه". ولكن سرعان ما أخذني اليأس، حينما رجعت إلى كتاب "موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد" للدكتور أكرم ضياء العمري، وقد تتبع مرويات الخطيب في تاريخه من شيوخه المكثرين والمقلين وأحصاها إحصاء، فلم أر فيها ذكرًا لأبي الحسن الفالي. فلعلّ الذهبي رحمه الله تسامح في النقل من بعض مصادره نحو كتاب ابن خلكان الذي فيه: "روى عنه الخطيب في تاريخه وأبو الحسن ابن الطيوري وطائفة". وسترى تسامحًا آخر له في ترجمة الفالي في السير. أما في تاريخ الإسلام فكان معتمده في ترجمة الفالي تاريخ بغداد، فكان قريبًا من الصواب إذ قال: "قال الخطيب: كتبت عنه". 2 - ذكر السمعاني وغيره من تلامذة الفالي بعد الخطيب أبا الحسين المبارك بن عبد الجبار البغدادي الصيرفي ابن الطيوري (500 هـ). وترجم له الذهبي في السير بـ" الشيخ الإمام المحدث المفيد بقية النقلة المكثرين" (1)، وكان صديقًا لابن ماكولًا (2). وهو الذي روى كتاب المحدث الفاصل

_ (1) سير أعلام النبلاء 19: 213. (2) الإكمال 3: 287.

للرامهرمزي عن الفالي (1). وقال تلميذه أبو طاهر السلفي الذي أكثر الرواية عنه: "حصّل ما لم يحصّله أحد من كتب التفاسير والقراءات واللغة والمسانيد والتواريخ والعلل والأبيات والشعر، كلها مسموعة" (2). وفي مطبوعة تاريخ الذهبي في ترجمة الفالي: "ورواه عنه - يعني كتاب المحدث الفاصل - الجلال بن عبد الجبار الصيري" وفيه تحريفان: (الجلال) تحريف (المبارك) و (الصيري) تحريف (الصيرفي). 3 - ومن تلامذة الفالي يحيى بن علي الخطيب التبريزي الأديب المشهور (421 - 502 هـ)، وقد وصل إلينا بعض شعر الفالي من روايته. (6) مؤلفاته لم يذكر أحد ممن ترجم له كتابًا من تأليفه، غير أن صاحب كشف الظنون ذكر "كتاب الاستقامة للشيخ أبي الحسن بن علي المؤدب" (1389) ثم جاء إسماعيل باشا البغدادي فذكر في ذيله على الكشف "كتاب الاستقامة لأبي الحسين (كذا) علي بن أحمد بن علي بن سليمان (كذا) الفالي المحدث المتوفى سنة 448 هـ" (3) وقد نقل كحالة كل ذلك مع تحريفاته من الذيل والهدية (4). (7) ثقافته 1 - كان الفالي مؤدبًا، ذكر ذلك تلميذه البغدادي وغيره كابن ماكولا، والسمعاني، وابن الجوزي، وقد اشتهر بذلك فصار صفة لازمة له. ومن هنا لما نعته صاحب القاموس بـ"الأديب" استدرك عليه الزبيدي قائلًا: "كذا في النسخ والصواب: المؤدب". والحق أن ما في القاموس لا غبار عليه، فقد كان الفالي

_ (1) فهرسة ابن خيرط المثنى: 181، ومعجم السفر: 16. (2) سير أعلام النبلاء 19: 215. (3) إيضاح المكنون 2: 266، وانظر هدية العارفين 1: 688. (4) معجم المؤلفين 8: 20.

مؤدبًا وأديبًا، وقد سبق الفيروزاباديَّ إلى الاقتصار على وصفه بـ" الأديب: ابن خلكان (الفالي الأديب). وانظر ما يأتي في الرقم 3. 2 - وكان محدثًا، وثقه الخطيب وغيره. 3 - لم يذكر الخطيب البغدادي صلة الفالي بالأدب والشعر ولا نقل شيئًا من شعره. وأول من وصفه بأنه "كان أديبًا شاعرًا فاضلًا" هو السمعاني، ثم نقل ابن الجوزي بعض شعره عن تلميذه التبريزي، وقال ياقوت: "له معرفة بالأدب والشعر ... وكان يقول الشعر ... ". وقال ابن الأثير في الكامل: "روى الحديث والأدب" وقال صاحب النجوم الزاهرة: " ... كان محدثًا شاعرًا أديبًا فصيحًا". 4 - نعته الذهبي في سير أعلام النبلاء فقال: "الإمام النحوي ... الشاعر ... له نظم جيد وفضائل". قلت: قد تفرّد الذهبي هنا بوصفه بـ"النحوي". فلم يشر أحد إلى تبريز الفالي في النحو، ولا ترجمت له كتب طبقات النحاة. وإني لفي شك من هذه الكلمة (النحوي) فإن الذهبي التزم وصف الفالي بـ (المؤدب) في سائر كتبه الثلاثة وهي التاريخ والعبر والمشتبه، ولم يغفله إلا في السير. أفليس غريبًا أن يغفل في السير ما درج على التنويه به أكثر كتب التاريخ والتراجم منذ عهد الخطيب البغدادي، وقد التزمه هو في سائر كتبه، ثم يأتي في السير بوصف جديد لم يذكره أحد قبله ولا بعده؟ ومن ثم لا أستبعد أن تكون كلمة (النحوي) تحريفًا لكلمة (المؤدب) في مطبوعة السير أو مخطوطه. (8) شعره أول كتاب ورد فيه شعر الفالي - من المصادر التي بين أيدينا - هو كتاب المنتظم لابن الجوزي (597 هـ)، فقد نقل بسنده المتصل إلى الفالي ثلاث مقطوعات له. وقد أشار ياقوت إلى أن له أرجوزة في عدد آي القرآن أولها:

قال علي مذ أتى من فاله ... قصيدة واضحة المقاله ثم نقل من كتاب المذيل للسمعاني أربعة أبيات صادية، كما نقل عن ابن عساكر (571 هـ) بيتين قافيتين بعد حذف إسناد كل من المصدرين. ولعل السيوطي (911 هـ) وقف على الأرجوزة، فذكرها في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" (1) فقال: "نظم علي بن محمد (كذا، والصواب: أحمد) الفالي أرجوزة في القرائن والأخوات، ضمنها السور التي اتفقت في عدة الآي كالفاتحة والماعون، وكالرحمن والأنفال، وكيوسف والكهف والأنبياء". والظاهر مما نقله السيوطي أن الفالي اعتمد في أرجوزته على العدد البصري، فإن عدد الآيات في كلِّ من سورتي الرحمن والأنفال ست وسبعون آية في العدد البصري، بينما تشتمل سورة الرحمن حسب العدد الكوفي المأخوذ به في مصاحفنا الآن على ثمان وسبعين آية، وسورة الأنفال على خمس وسبعين آية (2). أما المقطوعات الثلاث التي نقلها ابن الجوزي بسنده، فقد ضمن الشاعر كلا منها بيتًا من الأبيات السائرة، وبلغ فيها الغاية في التضمين، ومن ثم غلبت هذه المقطوعات على سائر شعره، فتناقلها الناس في ترجمته. أما سند ابن الجوزي فقال قبل المقطوعة الأولى: "أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أنشدنا أبو زكريا التبريزي، قال: أنشدني أبو الحسن الفالي من لفظه لنفسه". هذا السند قوي جدًا. فإن شيخ ابن الجوزي محمد بن ناصر هو الإمام المحدث الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي البغدادي، كان ثقة ثبتًا

_ (1) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت 1408 هـ، 1: 195. (2) انظر البيان في عدّ أي القرآن للداني، تحقيق غانم قدوري حمد، مركز المخطوطات والتراث والوثائق الكويت 1414 هـ، ص 158، 237.

ضابطًا، وكان من أئمة اللغة، ولد سنة 467 هـ وتوفي سنة 550 هـ (1). وقد تخرّج عليه ابن الجوزي. وشيخ أبي الفضل هو الخطيب التبريزي (502 هـ) من أئمة اللغة والأدب، قرأ عليه الأدب، وكان ثقة في علمه (2). فرجال السند كلهم ثقات من غير خلاف، ثم كل تلميذ كان قوي لصلة بشيخه. وقد أكد التبريزي أن الفالي أنشده "من لفظه لنفسه". ومن هنا تظهر أهمية ترجمة الفالي في كتاب المنتظم فإن سائر الكتب التي نقلت شعر الفالي أغفلت سندها. 1 - أما المقطوعة الأولى فهي: لما تبدّلت المجالس أوجهًا ... غير الذين عهدت من علمائها ورأيتها محفوفةً بسوى الألي ... كانوا ولاة صدورها وفنائها أنشدت بيتًا سائرًا متقدّمًا ... والعين قد شرقت بجاري مائها (أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها) وقد ذكر الأبيات ياقوت في معجم الأدباء بعد قوله: "قال أبو زكريا يحيى ابن علي التبريزي: أنشدنا أبو الحسن الفالي لنفسه"، فلم يشر ياقوت إلى مصدره. وفي البيت الأول في معجمه (المنازل) مكان (المجالس). أما ابن كثير فالظاهر أنه نقلها في البداية والنهاية عن المتنظم بعد حذف سندها. 2 - المقطوعة الثانية، وقبلها في السياق نفسه: "وأنشد لنفسه": تصدّر للتدريس كلُّ مهوّس ... بليد يسمّى بالفقيه المدرّس فحق لأهل العلم أن يتمثّلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس

_ (1) انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 20: 265. (2) انظر ترجمته في السير 19: 270.

(لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كلُّ مفلس) وقد أوردها ياقوت في معجم الأدباء قبل المقطوعة الأولى، وقال: "وكان يقول الشعر، ومنه ... " كأنها من غير رواية التبريزي عن الفالي. والأبيات في الكامل، والبداية والنهاية، وتاريخ الذهبي (وفيه "استامها" في البيت الثالث). وقد وردت هذه الأبيات في معجم الأدباء أيضًا في ترجمة شخص آخر وهو أبو علي الآمدي اللغوي الشاعر الأديب المتوفى 499 هـ (ص 1063) وهو غلط بلا ريب. وقد وقع في ترجمة الآمدي خطأ آخر نبّه عليه الدكتور إحسان عباس، وهو أنه ذكر تاريخ وفاته سنة 444 هـ. وقد أوردها السيوطي أيضًا في بغية الوعاة (1) في ترجمة الآمدي التي بدأها بـ"القفطي" كأنه ينقلها من إنباه الرواة، ولكنه نقلها - على علاتها - من معجم الأدباء. أما المقطوعة الثالثة فهي التي جاءت في قصة بيع الجمهرة. فنذكرها في الفقرة الآتية: ثالثًا: قصة بيع الجمهرة ذكر ابن الجوزي في السياق نفسه: "قال أبو زكريا: وجدت بخط الفالي لنفسه، وكان قد باع الجمهرة لابن دريد، فندم بعد ذلك، أنست بها عشرين حولًا ... " الأبيات. الظاهر من السياق أن هذه القصة أيضًا مما سمعه ابن الجوزي من شيخه الحافظ محمد بن ناصر السلامي الذي رواها عن أبي زكريا. ومما يبعث على الأسف أن الراوي عني هنا بالأبيات أكثر من عنايته بالقصة فلا سمى المشتري، ولا أشار إلى أهمية النسخة وثمنها، وهل اطلع المشتري على أبيات البائع؟ وإن اطلع فكيف؟ ثم يشتاق المرء إلى معرفة موقف المشتري بعد الاطلاع على هذه

_ (1) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت، 1: 533.

الأبيات التي تفيض حزنًا. الحق أن الحافظ ابن الجوزي لو نقل القصة كاملة بسنده هذا عن التبريزي لقطع خطيبه قول كل خطيب! أما الذي أفادنا بالقصة كاملة فهو ياقوت الحموي (574 - 626 هـ) في كتابه معجم الأدباء. وقد اعتمد ياقوت في ترجمة الفالي على ثلاثة مصادر: تاريخ بغداد الذي يخلو من شعر الفالي، وابن عساكر - ولم يذكر كتابه - وكتاب المذيل للسمعاني، وقد نقل من المصدرين الأخيرين بعض شعر الفالي كما تقدم، ولكن قصة بيع الجمهرة وما قال فيها الفالي من الأبيات أوردها ياقوت مسندة إلى الخطيب التبريزي من غير أن يصرح بالمصدر الذي نقلها منه. فقال: "وحدث أبو زكريا التبريزي قال: رأيت نسخة بكتاب الجمهرة لابن دريد، باعها أبو الحسن الفالي بخمسة دنانير من القاضي أبي بكر ابن بديل التبريزي، وحملها إلى تبريز، فنسخت أنا منها نسخة، فوجدت في بعض المجلدات رقعة بخط الفالي فيها، أنست بها ... (الأبيات) فأريت القاضي أبا بكر الرقعة والأبيات، فتوجع، وقال: لو رأيتها قبل هذا لرددتها عليه، وكان الفالي قد مات". لم أجد ترجمة القاضي أبي بكر في المصادر التي بين يديّ، ولعله ابن القاضي أبي الحسين بديل بن علي التبريزي، الفقيه الشافعي، من تلامذة أبي إسحاق الشيرازي (476 هـ) (1). القصة في هذه الرواية تامة متناسقة، وسياقها لا يدلّ على أن التفاصيل الدقيقة التي ذكرت فيها قصد منها زخرفة الحكاية، فهو خالٍ من المبالغة والتكلف. ولكن ابن خلكان (608 - 681 هـ) أورد القصة في ترجمة الشريف المرتضى (355 - 436) عن الخطيب التبريزي نفسه على نحو آخر، فقال: "وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي أن أبا الحسن

_ (1) انظر ترجمته في توضيح المشتبه 2: 24.

علي بن أحمد بن علي بن سلّك الفالي الأديب كانت له نسخة بكتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها، فباعها واشتراها الشريف المرتضى أبو القاسم المذكور بستين دينارًا وتصفحها فوجد بها أبياتًا بخط بائعها أبي الحسن الفالي وهي ... " وذكر الأبيات. وقال المحقق الدكتور إحسان عباس في الهامش: "زاد بعده في المطبوعة: (فأرجع النسخة إليه وترك له الدنانير رحمه الله تعالى) ولم يرد هذا في أصل المؤلف أو في سائر المخطوطات". فهذه الرواية مختلفة عن رواية ياقوت من عدة وجوه: منها أن المشتري فيها الشريف المرتضى لا القاضي ابن بديل التبريزي، وأن ثمن الكتاب فيها ستون دينارًا لا خمسة دنانير، وأن موقف المشتري بعد اطلاعه على الأبيات لم يذكر هنا، فزيد في المطبوعة كما أشار المحقق. ولكن أهم من ذلك كله أن الخطيب التبريزي في رواية ابن خلكان مجرد ناقل لا صلة له بأصل القصة، أما في رواية ياقوت فهو راوي القصة وشاهدها، بل موصول بكل جزء من أجزائها بوشائح قوية: فبائع النسخة شيخه، والمشتري بلديّه، وهو الذي استعارها منه لينسخ منها نسخة لنفسه، وهو الذي عثر في أثناء النسخ في بعض مجلداته على ورقة فيها أبيات الفالي بخطه، فذهب بها إلى المشتري، وأطلعه عليها، فتألم لأن الفالي قد مات 448 هـ. ومن المستغرب أن ياقوتًا وابن خلكان كليهما أسندا روايتهما إلى الخطيب التبريزي، فلا بدّ من فساد إحدى الروايتين لاستحالة الجمع بينهما. فإذا رجعنا إلى ابن الجوزي الذي نقل بسنده المتصل قول الخطيب: "وجدت بخط الفالي لنفسه وكان قد باع الجمهرة لابن دريد ... " تأكدت لنا صحة رواية ياقوت، والحق أنه لا فرق بين رواية ابن الجوزي ورواية ياقوت إلا أن الأولى مجملة لأن اهتمام الراوي كان منصبًا على رواية الشعر فحسب، فألمح إلى القصة دون استقصاء.

ومما يوهن رواية ابن خلكان أن الشريف المرتضى مات سنة 438 هـ وكان الخطيب آنذاك ابن 15 سنة، ولم تذكر المصادر أنه قرأ على المرتضى أو حضر مجلسه، فإن صحت هذه الرواية - وهي غير صحيحة إن شاء الله - فسندها منقطع بين الخطيب والشريف. هذا على أن ابن خلكان لم يذكر أصلًا سنده إلى التبريزي مما زاد حكايته وهنًا على وهن. ولا يشفع لها نقل الذهبي (748 هـ) إياها في السير، فلعله اعتمد فيها على ابن خلكان - وكتابه من مصادره - مع اقتضابها وحذف البيت الرابع من أبياتها (فقلت ولم أملك ... ) مما أخل بنظامها، فإن حذفه جعل البيت الخامس للفالي، وإنما هو بيت قديم ضمّنه. وقد ذكر شهاب الدين الدلجي (838 هـ) أيضًا أن الذي اشترى الجمهرة هو الشريف المرتضى، ولعل مصدره أيضًا كتاب ابن خلكان، فإنه اعتمد عليه وعلى الذهبي في كثير من تراجم كتابه. رابعًا: البيت المضمن والقصص التي تمثل أصحابها به أ) القصص البيت الخامس من أبيات القصة بيت قديم ضمنه الفالي كما سبق، وكان بيتًا سائرًا مشهورًا، فهناك عدة قصص تمثل أصحابها به، أذكر هنا ما وقفت عليه منها: (1) القصة الأولى - وهي أقدمها - ما رواه الزبير بن بكار (256 هـ) بسنده في ترجمة حمزة بن عبد الله بن الزبير فقال: "ابتاع حمزة بن عبد الله جملًا من أعرابي بخمسين دينارًا، فنقده ثمنه، فجعل الأعرابي ينظر إلى جمله ويقول:

قد تنزع الحاجات يا أم مالك ... كرائم من رب بهن ضنين فقال حمزة: خذ جملك، والدنانير لك، فانصرف بجمله وبالدنانير" (1). ونقل القصة عن الزبير ياقوت في معجم الأدباء في ترجمة الفالي. وكان حمزة من أجواد العرب، وتوفّي - كما قال الزبير - في حياة عبد الملك بن مروان (86 هـ). (2) القصة الثانية - وهي قريبة العهد من الأولى - رواها ابن قتيبة (276 هـ) بدون سند في كتابه عيون الأخبار (2)، فقال: "باع أعرابي ناقة له من مالك بن أسماء، فلما صار الثمن في يده نظر إليها، فذرفت عيناه ثم قال: وقد تنزع الحاجات يا أم معمر ... كرائم من رب بهن ضنين فقال له مالك: خذ ناقتك، وقد سوّغتك الثمن". المشتري في هذه القصة مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري. كان هو وأبوه من أشراف أهل الكوفة، ولاّه الحجاج أصفهان وخوارزم، وكان متزوجًا بأخته هند بنت أسماء. وتوفّي نحو 100 هـ (3). ويلاحظ أن في رواية البيت هنا (أم معمر) مكان (أم مالك) ولعل ذلك راجع إلى فطنة الأعرابي المذكور وحضور بديهته، فإنه لما رأى أن مشتري ناقته اسمه مالك، وهو يسمع ما يترنم به، استقبح أن يقول: "يا أم مالك" فاستبدل به

_ (1) جمهرة نسب قريش وأخبارها، تحقيق محمود شاكر، مكتبة دار العروبة، القاهرة، 1381 هـ، ص 49. (2) ط دار الكتب المصرية، 1: 337. (3) انظر معجم الشعراء للمرزباني، تحقيق عبد الستار فراج، الحلبي، 1960، ص 266، والأعلام اللزركلي 5: 257.

اسمًا بدا له مما يناسب وزن الشعر وهو (معمر). (3) روى أبو علي القالي (288 - 356 هـ) في ذيل أماليه (3: 190): "قال التيمي: أنشدنا أبو مسلمة الكلابي، وقد باع جاريته نبأ من عثمان بن سحيم (في المطبوعة بالجيم ونبّه الميمني على تصحيفه) التاجر. فقال له بعض أصحابه: بعت نبأ! فقال: وقد تخرج الحاجات ... البيت، فبلغ أبا مصعب، فاشتراها، وردّها على أبي مسلمة". لعل التيمي راوي القصة هو الشاعر أبو محمد عبد الله بن أيوب التيمي مولاهم، فإنها من جملة الحكايات التي رواها القالي بسنده عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي (235 هـ) والتيمي المذكور كان صديقًا لإبراهيم وابنه إسحاق، ونديمًا لهما، ثم اتصل بالبرامكة ومدحهم، واتصل بيزيد من مزيد الشيباني فلم يزل منقطعًا إليه حتى مات يزيد (1) وكانت وفاة يزيد في سنة 185 هـ (2). فهذه القصة من قصص القرن الثاني الهجري. (4) القصة الرابعة نقلها ابن عبد ربه (246 - 326 هـ) في العقد الفريد (3: 468 ط أحمد أمين) وقد أخرتها مع تقدم صاحب العقد على أبي علي، لأنه لا أسندها ولا ذكر البائع أو المشتري حتى يعرف زمنها. وهي: "قيل لأعرابي، وقد أدخل ناقته في السوق ليبيعها: صف لنا ناقتك. قال: ما طلبت عليها قطّ إلا أدركت، وما طلبت إلا فتُّ. قيل له: فلم تبيعها؟ قال: لقول الشاعر: وقد تخرج الحاجات ... " البيت. وفيه "أم عامر"، ولعله تحريف. (5) وقد ذكر الراغب الأصفهاني (412 هـ) فقال: "دخل أعرابي بفرس يبيعه، فقيل له: صف فرسك، فقال: ما طلبت عليه

_ (1) الأغاني، ط دار الثقافة، بيروت، 19: 319. (2) الأعلام 8: 188.

قط إلا لحقت، ولا سبقت، فقيل له: فلم تبيعه؟ فقال: وقد تخرج ... " البيت (1). وأرى أن القصتين واحدة، وإنما ذكر الراوي هنا الفرس بدلًا من الناقة. ثم في نص المحاضرات كما في المطبوعة سقط، فلا معنى لقوله (ولا سبقت)، ويمكن تصحيحه في ضوء نص العقد، فيكون الصواب: "ما طلبت عليه قط إلا لحقت، ولا طلبت إلا سبقت". ولعل كلمة "السوق" أيضًا سقطت في أول القصة أي "دخل أعرابي السوق بفرسه". ب) قائل البيت وصلته مثل هذا البيت السائر الذي أعجب به الناس، وكثر التمثّل به إلى أن ضمنه أبو الحسن الفالي مقطوعته الرائعة قد يشتاق الإنسان إلى معرفة قائله وهل قبله أو بعده أبيات أخر؟ أما القائل فالظاهر أنه مجهول، وكل من أنشده في القصص المذكورة إنما تمثّل به، إلا القصة الأولى، فقد يكون الأعرابي المذكور فيها قائل البيت، ولكن يصعب القطع بذلك. وقد ذكر الدكتور إحسان عباس أن في مخطوطة كوبريلي من معجم الأدباء حاشية تقول "إن البيت للمجنون وأن الأعرابي تمثّل به أيضًا" يعني في هذه القصة. لكن لم أجد هذا البيت في ديوان مجنون ليلى الذي جمعه الأستاذ عبد الستار أحمد فراج (ط مكتبة مصر 1979). أما ما ذهب إليه الأستاذ عبد المعين الملوحي في نشرته لمجموعة المعاني (2) أنه لأبي مسلمة الكلابي نقلًا عن ذيل الأمالي فذلك غير صحيح، فإن قصة حمزة بن عبد الله بن الزبير أقدم من قصة الكلابي، وقد نبّه الميمني رحمه

_ (1) محاضرات الأدباء، مكتبة الحياة، بيروت، 1: 471. (2) ط دار طلاس بدمشق 1988 م ص 404.

الله في شرح الذيل على أن البيت ليس له. أما صلة البيت، فإن المصدر الوحيد الذي ذكر بيتًا آخر بعده هو كتاب مجموعة المعاني، فأنشد: ولولا الذي يأتي على النفس خاليًا ... من الهمّ لم يسلس لهن قريني خامسًا: تخريج مقطوعة الفالي وتقييد رواياتها قبل أن أختم كلمتي هذه أعود إلى مقطوعة الفالي، وأثبتها مع تخريجها وتقييد رواياتها المختلفة، وقد جاء أكثرها مفرقًا من قبل، فأحببت أن أجمعها هنا تيسيرًا وتقريبًا: أنست بها عشرين حولًا وبعتها ... فقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظنّي أنني سأبيعها ... ولو خلّدتني في السجون ديوني ولكن لعجزٍ وافتقارٍ وصبيةٍ ... صغارٍ عليهم تستهلّ شؤوني فقلت ولم أملك سوابق عبرتي ... مقالة مكويِّ الفؤاد حزين (وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم من ربٍّ بهن ضنين) أ) التخريج وردت المقطوعة في المصادر الآتية: المنتظم، معجم الأدباء، وفيات الأعيان، سير أعلام النبلاء (غير البيت الرابع)، الفلاكة والمفلوكون، المزهر وزد عليها للبيت الخامس وحده: جمهرة نسب قريش وأخبارها، وعيون الأخبار، وذيل الأمالي، والعقد، ومحاضرات الأدباء، ومجموعة المعاني.

ب) الروايات وإليكم الروايات المختلفة حسب ترتيب الأبيات. البيت الأول: - في المزهر: عشرين عامًا. - في معجم الأدباء: فقد طال شوقي البيت الثالث: - في المنتظم: تستهل جفوني. البيت الرابع: - في الفلاكة: عبرة. - في معجم الأدباء: مشوي الفؤاد. البيت الخامس - في جمهرة نسب قريش: قد تنزع (بالخرم). وفي عيون الأخبار ومجموعة المعاني: وقد تنزع. وفي المنتظم: لقد تخرج. - في عيون الأخبار: أم معمر، وفي العقد: أم عامر. - في المنتظم: ذخائر (مكان كرائم)، وفي الفلاكة: ودائع.

(6) دراسة نقدية مبسوطة حول تحقيق كتاب "إصلاح ما غلط فيه النمري ... " للغندجاني

إصلاح الإصلاح (1) (دراسة نقدية حول تحقيق كتاب "إصلاح ما غلط فيه النمري في معاني أبيات الحماسة" للغندجاني) لقد سررت كثيرًا، يوم جاءتني نسخة من كتاب "إصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله النمري مما فسّره من أبيات الحماسة" لأبي محمد الأعرابي الأسود الغندجاني تحقيق الدكتور محمد علي سلطاني، لشغفٍ قديمٍ بحماسة أبي تمام منذ أن عرفناها وقرأنا معظمها أيام الطلب، وكانت مقررة علينا، مما جعلني حريصًا على اقتناء ما ينشر عنها من كتب ودراسات؛ ولما تحويه كتب أبي محمد إلى خفة محملها من علم غزير وفوائد عزيزة من الشعر والأخبار والأنساب. وقد أحسن القفطي في وصفها إذ قال: "ولعمري، إن كتبه من فواكه الكتب، وإنها لنعم الممتع لأهل الرغبة والطلب" (2). لقد سررت كثيرًا، وراقني مظهره طباعة وإخراجًا، ولم أشكّ في طيب مخبره ضبطًا وتعليقًا وتخريجًا. وذلك لأن ناشره معهد المخطوطات العربية بالكويت، والقائمون عليه موصوفون بالجدّ والإخلاص في البحث عن كنوز التراث العربي الإسلامي، والحفاظ عليه، والاهتمام به، والحرص على إخراج المفيد منه على مستوى عال من التحقيق. ويشهد بذلك ما قام به المعهد من

_ (1) نشر في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 64، الجزء 2: ص 287 - 334، والجزء 4، ص 694 - 746؛ والمجلد 65، الجزء 1: ص 93 - 146 (1410 هـ). (2) إنباه الرواة 4: 174.

أعمال جليلة في زمن قصير من عمره قضاه بالكويت. ونسأل الله سبحانه أن يرفع دعائم هذا الصرح العلمي الشامخ، ويحميه من عوادي الزمان، وطوارق الحدثان، وغوائل السياسة الفتّانة القتّالة. ثم لأن تحقيق الكتاب قد تمّ على يدي باحث فاضل أصبح اسمه مقرونًا باسم مؤلفه، بعدما عرف بفضل عناية بآثاره، فأخرج له كتابين من قبل، وهما "فرحة الأديب" و"أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها"، بالإضافة إلى قيامه بنشر نصوص تراثية أخرى، وإشرافه على الرسائل العلمية. وليس بمستنكر بعد ذلك أن المعهد لم يعن بمراجعة الكتاب قبل نشره. فالكتاب صغير، والمحقق معروف، ثم بآثار صاحبه خبير. فلم يكن في حسباني يومئذ أن يريبني من هذا الكتاب اللطيف الطريف ما رابني، وأن يشغلني منه ما شغلني فيما بعد. وقد يؤتى الحذر من مأمنه! فبينما كنت أتصفّح الكتاب ذات يوم عنّت لي هنات، لم أر بها بأسًا. فكلنا خطّاء ولا يضير عملًا أن يكون فيه نقص أو قصور، فذلك من طبيعة العمل البشري لا محالة. ومضيت أقرأ، فوجدت المحقق الفاضل يعزو إلى شرح الحماسة للخطيب التبريزي كلامًا أنكرته، فلما رجعت إلى الشرح المذكور لم أجده فيه، وزاد عجبي، ففزعت إلى فهرس المراجع، فإذا بالمحقق الكريم يعدّ تعليقة الرافعي على الحماسة طبعة من طبعات شرح التبريزيّ ثم بدأت من أول الكتاب أقرؤه برويّة وإنعام نظر، وأتتبع تعليقات المحقق الكريم، فوقفت له على ما وقفت من الأغاليط والتخاليط، والخروج بعض الأحيان - وذلك الخطب الجلل - على ما يقتضيه صريح العقل من أوائل أصول التحقيق. وعندئذ صحّ عزمي على تقويم ما اعوجّ من أمر هذا الكتاب القيم، وقد حفزني إلى التجرّد له عدة أمور: أولها صدور الكتاب من معهد المخطوطات، وله ماله من مكانة جليلة في نفسي ونفس كل غيور على التراث العربي الإسلامي. والثاني كون محقق الكتاب أستاذًا جامعيًا يرجى منه أن يكون قدوة

لتلامذته في استقامة منهج البحث والدقة والتثبت، فإن حاد مثله عن الجادّة، فإن من يعتزّ بإشرافه عليه وتوجيهه له أحرى بأن يحيد عنها، وأخيرًا حقّ هذا التراث علينا أن تتظافر جهودنا جميعًا على تنقيته من الشوائب، وتقديمه إلى الدارسين بصورة أقرب ما تكون من الصحة والكمال. وذلك في سبيل خدمة هذا اللسان العربي الذي اختاره الله سبحانه لكتابه العزيز. وأخذت أعلّق ما يبدو لي على هوامش نسختي، ولكن لم يكن عندي شيء من النسختين اللتين اعتمد عليهما المحقق في تحقيق الكتاب، فخشيت، إذا بنيت كلامي كله على تذوّق وقياس ومراجعة المصادر الأخرى فحسب، أن أخطو على دحض وأمضي على غرر؛ فسعيت للحصول عليهما. وهما نسختان: إحداهما قديمة وهي الأصل، والأخرى حديثة منقولة عن الأولى. فحصلت على صورة من النسخة الحديثة في صيف العام الماضي، وقد زوّدني بها مشكورًا الأستاذ الدكتور حمزة بن حسين الفعر مدير معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، فعارضت المطبوع عليها، ودوّنت ملاحظاتي. وتابعت جهدي للحصول على صورة من الأصل، فبقي ما كتبته مسودة حولًا كريتًا، إلى أن ظفرت بالنسخة المذكورة في صيف هذا العام 1408 هـ. وجزى الله خير الجزاء الدكتور عبد الله الرحيم عسيلان الأستاذ في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الذي تكرّم، فأعارني نسخته المصورة، ثم سمح لي بتصوير نسخة منها، فطوّقني منة كبيرة لا تفي بها هذه الكلمات. ملاحظات عامّة أريد أن أسجّل أولًا ملاحظات عامة معدودة، تتعلق بمقدمة المحقق الفاضل، ومنهجه في تحقيق النص والتعليق عليه، وتكون بمنزلة التراجم للملاحظات الخاصة التي تليها.

(1) ترجمة المؤلف تحدث المحقق في مقدمته عن موضوع الكتاب وعنوانه، وديوان الحماسة وميزاته، وترجم للنمري، وأشار إلى مصادر كتابه "تفسير معاني أبيات الحماسة"، ثم تكلّم على نقدات الغندجاني ومنهجه فيها، وختمها بوصف نسختي الكتاب، ومنهجه في تحقيق النص. أما مؤلف الكتاب فقد سبق أن درس المحقق "حياته ومؤلفاته ومنهجه في ردوده والدوافع الكامنة وراء ذلك ... " في مقدمة أول كتاب أخرجه من كتبه، وهو "فرحة الأديب" الذي صدر في دمشق سنة 1400 هـ أي قبل خمس سنوات من صدور "إصلاح ما غلط فيه النمري"، مما أغناه عن تكراره في هذا الكتاب، وكتاب "أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها" الذي نشره سنة 1402 هـ. وذلك يدل على أن المحقق الفاضل لم يعثر في المصادر خلال هذه السنوات الخمس على خبر جديد يكشف عن جانب مجهول من جوانب حياة الغندجاني. (أ) أول ما أريد أن أشير إليه بهذا الصدد أنّ في الجزء الرابع من إنباه الرواة للقفطي (4: 174 - 175) ترجمة للغندجاني لم يطلع عليها المحقق. والجديد المهم الذي تضيفه هذه الترجمة إلى ما ورد في المصادر الأخرى من معلومات قليلة هو تحديد سنة وفاته. يقول القفطي: "وقيل لي، أو طالعت - الشك منّي - إنه توفي بالغندجان في سنة ستّ وثلاثين وأربعمائة". هذا الجزء الرابع من الإنباه قد صدر سنة 1393 هـ. وليس غريبًا أن يفوت الدكتور سلطاني في بحثه عن ترجمة الغندجاني الرجوع إلى هذا المصدر، ولو أنه قد قضى على صدوره نحو سبع سنوات حينما أخرج فرحة الأديب، وخمس سنوات أخرى لما نشر كتاب "إصلاح ما غلط فيه النمري" فلم يقف على تاريخ وفاة المؤلف، وظلّ يثبت على غلاف كلّ من الكتب الثلاثة أنه "كان حيًّا سنة 430 هـ" أخذًا من الورقة الأولى لمخطوطة الكتاب الأخير، وهي

سنة تأليفه. ثم ليس غريبًا أن يرجع في ترجمة النمري التي أوردها في مقدمة هذا الكتاب "إصلاح ما غلط فيه النمري" إلى كتاب الإنباه، ولا يخطر بباله أن ينظر في فهارس الكتاب، لعله يجد ذكرًا للغندجاني أو شيخه أبي الندى. ولكنّ الغريب حقًا أنه رجع إلى كتاب "حماسة أبي تمام وشروحها" للدكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان، وأحال في المقدمة بصدد تعداد شروح الحماسة على ص 62 وما بعدها منه، وهو الفصل الذي عنوانه "ثبت شروح الحماسة"، ويليه دراسة الشروح الموجودة، وأول شرح درسه الدكتور عسيلان هو "معاني أبيات الحماسة" للنمري. وبعدما فصّل القول في خصائص هذا الشرح (ص 68 - 78) ناقش كتاب الغندجاني هذا في الرد على النمري (79 - 83) واستهلّ الكلام بترجمة للغندجاني، صرّح فيها بأنه "توفّي بالغندجان سنة ستّ وثلاثين وأربعمائة"، وأشار في الهامش إلى مصادر ترجمته، وأولها: "إنباه الرواة"! فهل رجع الدكتور سلطاني إلى هذا الكتاب في تعداد شروح الحماسة، ولم يطّلع على هذا الفصل القيم الذي يليه في دراسة شرح النمري وردّ الغندجاني عليه، وهو الذي ينبغي أن يعنيه في هذا الكتاب قبل الفصول الأخرى كلها (1)؟ (ب) وفي هذا الجزء الرابع من الإنباه (ص 187) ترجمة لأبي الندى شيخ الغندجاني أيضًا وهي مع اختصارها مفيدة. وقد ذكر القفطي من تلاميذه أبي الندى، علي بن الحارث البياري صاحب "شرح الحماسة" و"كتاب صنعة

_ (1) ذكر المحقق أن عدد من عُرف من شراح ديوان الحماسة بلغ خمسة وثلاثين شارحًا، وهو العدد الذي وصل إليه الدكتور عسيلان في كتابه، وقد أحال عليه الدكتور سلطاني. لعلّ من المفيد هنا أن أشير إلى بحث قدّم بعنوان "كتب الحماسة في الأدب العربي" في السنة الثانية من كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سنة 1401 هـ، قد استطاع صاحبه الأستاذ بدر الزمان محمد شفيع النّيبالي أن يصل في استقصائه إلى اثنين وخمسين شرحًا لحماسة أبي تمام. وسجلت ذلك للإفادة فحسب، لأن البحث مخطوط، غير قاصد لنقد ما ورد في مقدمة الدكتور سلطاني أو كتاب الدكتور عسيلان الذي زاد أربعة عشر شرحًا على ما ورد في كشف الظنون.

الشعر" (1). (ج) ويضاف إلى مؤلفات الغندجاني التي ذكرها الدكتور سلطاني في مقدمة "فرحة الأديب" كتاب "زلاّت العلماء". ذكره أبو حيان في تذكرة النحاة: 223 - 420 ونقل منه عشر مؤاخذات على س ويعقوب والكسائي والفراء وأبي عمرو بن العلاء والأحمر، وختم النقل بقوله: (2) "انتهى ما نقلناه من كتاب زلات العلماء لأبي محمد الأعرابي رحمه الله". (2) وصف نسخة الكتاب قد أوجز المحقق الفاضل في وصف نسخة الكتاب (ص 16) إيجازًا شديدًا فلم يتجاوز كلامه خمسة أسطر، بينما استغرق وصفه عند الأستاذ حمد الجاسر أربعة عشر سطرًا في مقاله الآتي ذكره في مجلة العرب. ويمتاز وصف الأخير بأنه تكلم عن الخصائص الإملائية للنسخة، وأشار إلى هوامشها، وأورد التملك الموجود في صفحة العنوان. وكل ذلك يخلو منه وصف الأستاذ المحقق. ثم صرّح الأستاذ حمد بأنّ ناسخ الأصل "هو ناسخ كتاب فرحة الأديب

_ (1) قد أشار العلامة الميمني في محاضرته "ماذا رأيت بخزائن البلاد الإسلامية" إلى وجود نسخة من شرح البياري في مكتبة راغب باشا. انظر مجلة المجمع العلمي الهندي 10. (2) استدركت هذا الكتاب عند إعداد هذه المجموعة للطبع الآن، ومن قبل ذكرت مكانه شرح الحماسة للغندجاني استنادًا إلى قول البغدادي في مقدمة الخزانة (1: 22): "وشرحها للنمري وأبي محمد الأعرابي" وإيراده نصوصًا في شرح حماسية لا توجد في كتاب الإصلاح. وقد عدّه الأستاذ عبد السلام هارون أيضًا في الفهارس (13: 44) شرحًا مستقلًا للحماسة. ولكني أرجح الآن أنّ المراد بالشرح في مقدمة البغدادي ردّ أبي محمد علي النمري لا غيري، وهذا كما سمّى البغدادي ردّه على ابن الأعرابي "شرح نوادر ابن الأعرابي" (1: 350) أما النصوص المتعلقة بشرح الحماسية فلم يصرح البغدادي أنه نقلها من شرح الحماسة لأبي محمد، فلا يبعد أن تكون المقطوعة قد وردت في كتاب آخر من ردود أبي محمد التي كانت عند البغدادي، فنقل تفسير الأبيات منها.

في سنة 592 هـ ... والكتابان في مجلد". وأعاد هذا الكلام في وصف نسخة "فرحة الأديب" (العرب 9: 350)؛ فالخط واحد، والناسخ واحد. أما تاريخ نسخه لكتاب "إصلاح ما غلط فيه النمري" فلا نستطيع تحديدها بالضبط، للنقص الواقع في آخر الكتاب، فيجوز أن يكون سنة 592 هـ نفسها كما يرى الدكتور عسيلان في كتابه "حماسة أبي تمام وشروحها" (ص 80 الهامش 5)، لأن الكتابين مجموع أوراقهما نحو 124 ورقة فقط، ويجوز أن يكون قريبًا من التاريخ المذكور. أما الدكتور سلطاني فلا يشير في وصفه هنا إلى أن الكتابين في مجلد واحد، وأن ناسخهما واحد، وأنه نسخ "فرحة الأديب" سنة 592 هـ، وهو الذي حقق "فرحة الأديب" من قبل، بل يكتفي بقوله (ص 16): "سقطت منها آخر صفحاتها، وفيها تاريخ النسخ، غير أن خطّها لا يبتعد عن القرنين الخامس أو السادس الهجريين" كأنه قد اهتدى إلى ذلك لمعرفته بالخطوط فحسب من غير قرينة واضحة أخرى في الأصل نفسه! (3) ضبط النص وتحريره المهمة الأولى لمن يقوم بتحقيق كتاب أن يعنى بضبط النص وتحريره. ولكن رأيت الدكتور سلطاني أكثر اهتمامًا بالتعليقات والحواشي. والحق أنّه لم يعدّ العدّة لتحرير النص، وأكاد أقول إن هذا النص العتيق قد هان عليه خطبه، فلم يأخذ له أهبته. وذلك أن أبا محمد الأعرابي قد ألّف كتابه هذا للردّ على أبي عبد الله النمري في كتابيه في تفسير معاني أبيات من أبيات الحماسة. وقد وصلت إلينا، كما سبق، نسخة منه من القرن السادس الهجري، وهي نسخة جميلة، مضبوطة غالبًا، مقابلة، لكنها لا تخلو من سقط وتصحيف. وهناك نسخة أخرى حديثة

منقولة من الأصل المذكور، فلا ميزة لها إلا أنها بقلم عالم كبير من علمائنا، وهو العلامة الشنقيطي رحمه الله (1). ومن حسن حظنا قد سلخ التبريزي في شرحه للحماسة معظم كتاب أبي محمد الذي يشتمل على 93 فقرة. فنقل التبريزي منها 60 فقرة بتمامها أوجلّ كلامها مصرّحًا بنقله عنه، و 5 فقرات من غير تصريح (60+5 = 65) فتكوّن هذه الفقرات نسخة أخرى مستقلة ناقصة من كتاب أبي محمد، وتنقصها 28 فقرة. وقد نقل عبد القادر البغدادي - وكانت عنده، فيما يبدو، نسخة مستقلة من هذا الكتاب - في الخزانة 9 فقرات (1، 5، 11، 12، 20، 23، 36، 38، 89)، وقد تكررت منها الفقرتان 12 و 36 في شرح أبيات المغني 4: 32 و 7: 276، ونقل فقرة أخرى (15) في شرح شواهد الشافية: 50 (المجموع 10 فقرات). وقد انفرد البغدادي بنقل الفقرة 89 بينما شارك التبريزي في الأخرى. أما أبو عبد الله النمري المنقود، فقد وصلتنا نسخة فريدة من أحد كتابيه في تفسير معاني أبيات الحماسة، حقّقه عنها الدكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان، ونشره سنة 1403 هـ. ولم يصلنا الكتاب الثاني حتى نظفر بالنص المنقود بأسره، ونحمد الله على أن هذا المطبوع يتضمن نص (56) فقرة مما أورده الغندجاني في نقده، فكأنها نسخة ناقصة أخرى تشتمل على النص المنقود فقط من 56 فقرة من كتاب أبي محمد. وجدير بالذكر أن الدكتور سلطاني قد سبقه إلى نشر نصوص كتاب أبي

_ (1) ويلاحظ أن المحقق الفاضل يسمي النسختين "الأصلين" أحيانًا، و"الأصول" أحيانًا أخرى! كما سنرى في أثناء كلامه المنقول في الملاحظات الخاصة الآتية. وكذلك يرمز إلى نسخة الشنقيطي بعض الأحيان بحرف "ش" بينما سماها في المقدمة "ب". انظر ص 29 الهامش.

محمد هذا: أولًا: العلاّمة حمد الجاسر في مجلة العرب (9: 262: 287) سنة 1394 هـ. وتحتوي نشرته على مقدمة الكتاب و 13 فقرة طويلة، وفهرس الأمثال الواردة في الكتاب، ومعظم حواشي المخطوط، مع ترجمة للمؤلف ووصف لمخطوط الكتاب. ثانيًا: الدكتور عبد الله عبد الرحيم عسيلان، فقد نشر في آخر كتاب النمري ملحقًا يضم الفقرات التي نقل منها الغندجاني، ولم ترد في كتاب النمري هذا. ومجموعها عنده 36 فقرة. وقد فاتته الفقرة 54 فإنها أيضًا لم ترد في كتاب النمري. في ضوء ما قدّمنا يجب على من يتصدّى لتحقيق كتاب الغندجاني هذا: (أ) أن يعتمد أصله، ويستفيد بنسخة الشنقيطي المنقولة عنه. (ب) أن يعدّ منقولات التبريزي والبغدادي نسختين ناقصتين من الكتاب، مع أهميتهما لمكان الناقلين، ويستعين بهما في تصحيح سهو أو تحريف أو إكمال سقط، ويستفيد بتعقيبهما على ما ينقلان أحيانًا. (ج) أن يرجع إلى كتاب النمري المطبوع في توثيق نص النمري المنقود، مع ملاحظة أنه نشر عن نسخة فريدة، وأنها قد تختلف عن النسخة التي وقف عليها الغندجاني. والنظر في النشرتين السابقتين لنصوص من الكتاب لا يخلو من فائدة، وبخاصة نشرة العلاّمة حمد الجاسر. تلك هي الخطوات الأساسية التي يبنى عليها - فيما أعتقد - تحقيق مثل هذا الكتاب. فلننظر ماذا فعل الدكتور سلطاني. أولًا: لم يلتفت الدكتور إلى كتاب النمري البتة، فحرم نفسه الاستفادة منه في توثيق منقولات النمري عند الغندجاني وتقويمها في مواضع كثيرة. (انظر مثلًا الملاحظات: 31، 40، 50، 53، 83، 104، 105، 123، 124، 149).

ثانيًا: رجع إلى شرح التبريزي، ولكن عثر هنا عثرة لا تقال لمثله، فظلّ يرجع إلى شرح الرافعي إلى الفقرة 56، وهو يحسب أنه شرح التبريزي، كما سيأتي الكلام عليه. ولما عاد إلى الصواب أي شرح التبريزي حقًا (طبعة بولاق) لم ييق عنده للاستفادة منه في تقويم نص الغندجاني أو توثيقه إلا 19 فقرة من 65 فقرة، فهل استفاد في هذه الفقرات التسع عشرة؟ نعم، استفاد في تخريج الأبيات الحماسية وبعض الأخبار. أما تحرير النص فلم يستعن به في ذلك، وإن استعان فقلما أصاب! (انظر الملاحظات: 119، 125، 146، 153، 165، 173). ثالثًا: ورجوعه إلى كتابي البغدادي: الخزانة وشرح أبيات المغني أيضًا لم يكن في سبيل الاستفادة منهما في تحرير النص والتعليق عليه من هذه الناحية. (انظر الملاحظات: 4، 6، 8، 12، 20، 23، 24، 44، 176). أما النصوص التي نشرها من هذا الكتاب العلاّمة حمد الجاسر والدكتور عسيلان فلم يحفل بها الدكتور سلطاني. مع أن نشرة العلاّمة حمد دون تحقيق قد تفوق نشرة الدكتور سلطاني من بعض النواحي. فهي أقلّ خطأ وأقرب إلى الأصل، وقد أثبت الأستاذ حمد هوامش الأصل، بينما أغفلها المحقق في الغالب؛ ووصف الأستاذ حمد لمخطوطة الكتاب أتمّ من وصفه كما سبق. فالدكتور سلطاني اقتصر في تحقيق النص على الأصل والنسخة المنقولة عنه، فقال وهو يذكر منهجه (ص 17): "- اتخذت النسخة (أ) أصلًا، وعنها نسخت النص". ثم قابلت ذلك بالنسخة (ب) فاستوى لديّ النص بحمد الله تامًّا. - بذلت له من بعد كل ما ينبغي من ضبط وتوثيق ... مستعينًا بما أتيح لي من أمهات المصادر في الشعر ودواوينه ومجاميعه، والمعاجم والأمثال والبلدان والتاريخ والأيام والأنساب والطبقات ... مما تجد نتاجه في المتن وحواشي التحقيق." انتهى كلامه، والنقط منه، والخط تحت عبارته منّي.

وقد تعجبت كثيرًا لما قرأت كلام المحقق هذا، فإنّ خارقة من الخوارق عندي أن يكون نص عتيق من كتب الغندجاني التي تحوي من نوادر الشعر والأخبار والأمثال مالا نجد أحيانًا في المصادر الأخرى، "قد استوى" على أصل وحيد، ونسخة منقولة عنه! وذلك إذا فرضنا أن المحقق قد أخذ بجميع أسباب الدقة والحذر في نسخ النص من الأصل ثم معارضة نسخته به وبالنسخة المنقولة الأخرى. فكيف باستوائه إذا أخلّ بمعظمها أو بعضها؟ ولا شك أن المحقق الفاضل قد بذل جهدًا كبيرًا في الرجوع إلى المصادر الأخرى الكثيرة التي أشار إليها، ولكن ذلك لا يتدارك ما أغفله من أوائل الأمور، فأبت أعجازه إلا التواء! . ثم هل اتّخذ الأستاذ المحقق النسخة (أ) أصلًا وعنها نسخ النص، مدركًا ما يعني قوله هذا كلّ الإدراك؟ وهل قابل ما نسخه بعد ذلك بنسخة الشنقيطي (ب)؟ يبدو أن المحقق الفاضل اكتفى بنسخ النص من الأصل، ثم لم يعرض ما نسخه على الأصل مرة أخرى. وأنه نسخ العبارة فقط غير ملتفت إلى ضبط الكلمات في الأصل و 0 ب)، مع أن من أصول التحقيق أن يلتزم المحقق ضبط النص كما في الأصل، وخاصة إذا كان الأصل موثقًا ومقابلًا، إلى أن يتحقق عنده خطؤه، فيعدل عنه إلى الصواب، وينبّه على ما في أصله. فليس يعني اتخاذ نسخة أصلًا معتمدًا أن ينسخ منه النص فقط، ويهمل ما اجتهد فيه ناسخه من ضبط الكلمات. وكذلك يبدو أن الأستاذ المحقق لم يقارن بين الأصل و (ب) مقارنة دقيقة. والدليل على ما قلنا وجود الظواهر الآتية في تحقيق النص. (1) سقطت كلمات من النص المطبوع في عدة مواضع، وهي موجودة في الأصل و (ب) كليهما. (انظر الملاحظات 152، 159، 171، 172).

(2) وقع سهو في النسخ عن الأصل، وبقي دون تصحيح، لأن المحقق لا عرض ما نسخه على الأصل، ولاقارنه بنسخته المساعدة (ب). (انظر مثلًا: الملاحظات 36، 49، 62، 74، 118، 136). (3) عدل المحقق أحيانًا في ضبط الكلمات عن الصواب الوارد في الأصل و (ب) إلى ضبط آخر صحيح، ولم ينبّه على ذلك. (انظر الملاحظات 39، 52، 90، 95، 117، 142، 177). (4) وأحيانًا أخرى عدّل عن الصواب الثابت في النسختين إلى خطأ، ولم ينبه على ذلك. (انظر الملاحظات 7، 56، 87، 107، 113، 166، 167، 169، 170). (5) أثبت الكلمة أو ضبطها خطأ، كما في الأصل، ولم يرجع إلى نسخة الشنقيطي (ب) الذي أثبتها على الصواب. (انظر الملاحظات 9، 38، 95، 102، 119، 142). (6) صحح الخطأ الواقع في الأصل بالرجوع إلى مصدر آخر، مع أن النص في (ب) على الصواب (انظر الملاحظة 34). (7) النص في الأصل غير مضبوط، فلم يرجع المحقق إلى (ب) التي ضبطته، وأخطأ في الضبط. (انظر الملاحظات 41، 142، 151، 170، 175). (8) في الأصل ضرب أو تصحيح، فلم ينتبه له المحقق، ولم يرجع إلى الشنقيطي الذي أثبت النص في (ب) على الصواب. (انظر الملاحظتين 32، 51). زد على ما سبق الأمور الآتية: (1) أخطأ المحقق في قراءة النص في مواضع كثيرة، وصحّفه، وحرّفه. (انظر الملاحظات 1، 6، 8، 10، 36، 49، 53، 62، 64، 69، 73، 74، 85، 91،

100، 105، 109، 118، 125، 128، 136، 137، 147، 154، 163). (2) أقحم الهامش في النص في مواضع (انظر الملاحظات 12، 51، 70، 109). (3) في الأصل سقطات وتصحيفات وأخطاء في الضبط، لم ينتبه لها المحقق الفاضل. (انظر مثلًا: الملاحظات 30، 40، 50، 52، 60، 63، 107، 134، 135، 159، 163، 173، 182). (4) أثبت في موضع نصّ النسخة المساعدة دون الأصل، ولم يشر إلى ذلك. (انظر الملاحظة 85). (5) لم يثبت المحقق الفاضل هوامش أصله إلاّ نادرًا، بينما رأينا التبريزي معنيًا بنقل نص الغندجاني مع الهوامش الواردة في نسخته، في مواضعها في داخل النص. ولأهميتها كان الأستاذ العلاّمة حمد الجاسر أيضًا حريصًا على إثباتها في نشرته لنصوص من الكتاب في مجلة العرب. وكثير منها في شرح الأمثال والأمكنة الواردة في النص. ومنها ما يشير إلى خلافات في الرواية، وغير ذلك. ومن الطريف أن المحقق الفاضل قد نقل في التعليق على أحد الأعلام عبارة عن شرح التبريزي، وهي ثابتة تحت العلم المذكور بين السطرين في الأصل وفي الهامش في نسخة الشنقيطي (ب)، فحرص التبريزي على إثبات هذا الهامش مع النص في شرحه، بينما أغفله المحقق إغفالًا، ثم استعاره من شرح التبريزي! (انظر الملاحظة 168). (6) قال المحقق في بيان منهجه في تحقيق النص (ص 17): "إذا صادفت في النص خطأ في النحو أو غيره أبدلته بصوابه - يستوي في ذلك صدوره عن المؤلف أو النساخ - وأشرت إلى ذلك في الحاشية، فأحقق بذلك غايتين: تقديم الصواب في المتن لقرائه فأجنّبهم تعلم الخطأ، والتزام الأمانة ببيان الصورة الحقيقية للنص في الحاشية لمن يعنيهم ذلك من الباحثين".

التعديل في النص، وخاصة إذا عرف صدوره كذا عن المؤلف، أمر له خطره. فهو يقتضي من المحقق أن يكون شديد الحذر، بالغ التيقّظ، طويل الأناة، مع سعة الاطلاع، وتمرّس بأساليب العربية وأسلوب المؤلف. فلا يؤمن الإقدام عليه إلا بعد تثبت، ومراجعة، وتنقيب، وتقليب لوجوه الصواب التي يحتملها النص. فهو سيف هندواني لا يسوّغ إلا لمن يعرف جيدًا متى يسلّه ومتى يغمده. وقد يخفّف من وقعه أن يثبت المحقق في الهامش ما ورد في الأصل أداءً للأمانة، كما وعد الدكتور السلطاني بالتزامها في مقدمته، ولكن المؤسف أنه لم يفِ بوعده. وقد رأينا من قبل عدوله عن أصله، أو عن أصله ونسخته المساعدة جميعًا، دون تنبيه، ثم قد يتسرّع إلى تخطئة ما في أصله، إذا وجد النص في مصدر آخر على وجه مختلف، ودون تعليل. (انظر الملاحظات 39، 44، 55، 59، 61، 112، 158). وأغرب شيء وقعت عليه من هذا الباب، مما أعياني تفسيره، أنّ المحقق الفاضل حذف في ثلاثة مواضع، الخطأ الوارد في نص النمري المنقود، وأثبت مكانه الصواب الذي أورده الغندجاني في نقده فيما بعد. فأصبح النقد لا معنى له، لارتفاع الخلاف بين الناقد والمنقود! والجدير بالذكر أن المحقق لم يشر في موضعين إلى ما في أصله وتعديله في النص! أما الموضع الثالث الذي نبّه فيه على ذلك فإن الصواب فيه غير ما ذهب إليه كلٌّ من النمري والغندجاني. (انظر الملاحظات 94، 148، 159). (4) التعليقات لقد بذل المحقق الفاضل جهدًا كبيرًا يشكر عليه في تعليقاته، يلمسه القارئ في صفحات الكتاب، وفهرس المصادر. وكنا نتمنى لو اتسم هذا الجهد بقدر أكبر من الدقة والرويّة والتعمق، فخلت من الحشو، والاضطراب،

والتكرار، والاشتغال عن المهم بما لا يجدي كثيرًا في خدمة النص، في عدة مواضع. (انظر مثلًا الملاحظات 5، 25، 26، 84، 120) ثم أوقعته العجلة في أوهام أخرى. (انظر مثلًا الملاحظات 67، 77، 82، 86، 121، 127، 155، 178، 180). ولكن الذي رمى تعليقات المحقق بثالثة الأثافي، فأصبحت تعليقاته التي أحال فيها على شرح الحماسة للتبريزي من أول الكتاب إلى ص 111 (55 فقرة) كلها غلطًا محضًا لا يعبأ به، ولا يعوّل عليه، هو اعتماده فيها على طبعة مصوّرة لشرح الرافعي معتقدًا أنها طبعة من طبعات شرح التبريزي! فلما ذكر شرح التبريزي ضمن مصادر البحث والتحقيق قال (ص 227): "واعتمدت فيه طبعتين (ط. مكتبة النوري بدمشق حتى الفقرة 56)، و (ط عالم الكتب، بيروت حتى النهاية) ". الحق أن طبعة مكتبة النوري بدمشق لا صلة لها بشرح التبريزي. وتفصيل ذلك أن محمد عبد القادر سعيد الرافعي صاحب المكتبة الأزهرية بالقاهرة قد أصدر سنة 1322 هـ طبعة من ديوان الحماسة في مجلدين وكتب على الغلاف: "وعليه شرح يحلّ غريب مفرداته، ويبيّن المراد من أبياته. مختصر من شرح العلاّمة التبريزي وغيره، لملتزم طبعه محمد سعيد الرافعي صاحب المكتبة الأزهرية". وفي أولها مقدمة في صفحتين بقلم الرافعي، ختمها بقوله: "وقد هبّت بنا الرغبة من أجل ذلك في نشره وتوفير الوقت على الفضلاء، إذ يرجعون في مثل هذا الكتاب إلى الشروح الطوال ومعاجم اللغة وغيرها، فضبطنا المتن وعلقنا عليه شرحًا يحلّ كل ما فيه، ويظهر من خافيه، مع الإيجاز الواقف عند حدّ الفائدة وتراجم الشعراء حتى يكون الكتاب غنية للمطلع وثقة للمراجع. وبالله التوفيق (محمد عبد القادر سعيد) الرافعي". وفي الطبعة الثالثة التي صدرت سنة 1346 هـ من هذا لاشرح زاد على

الغلاف: "تمتاز بتراجم الشعراء، وذكر سبب الشعر مع زيادة تهذيب وتنقيح". وتحته: "حقوق الطبع محفوظة للشارح". هذا الكلام الذي نقلناه من غلاف هذا الشرح ومقدمته، صريح في دلالته على أن الشارح هو محمد عبد القادر سعيد الرافعي، صاحب المكتبة الأزهرية والناشر لهذا الكتاب، وأنه كان معتمدًا في شرحه هذا على شرح التبريزي وغيره من الكتب. فلما أرادت مكتبة النوري بدمشق، ودار القلم في بيروت تصوير هذه الطبعة سرقةً، تعمدت كل منهما إلى إخفاء معالمها، فأثبتت على الغلاف جهلًا أو خداعًا "شرح العلاّمة التبريزي". ولكن الشيء الذي لم يشعر الناشران بحاجة إلى حذفه هو مقدمة الرافعي، فهي لا تزال جاثمة في مكانها، وبنصّها وفصّها، تنادي بأن الشرح ليس للتبريزي. ومع وجود هذه المقدمة قد اغترّ الأستاذ الدكتور سلطاني بعبارة الغلاف، وجازت حيلة الناشر على أستاذ جامعي قضى ردحًا من الزمن، ولا يزال، يشتغل بالتأليف والتحقيق، والإشراف على الرسائل العلمية، فكيف لا يخفى أمرها على طالب ناشئ أو باحث غرير؟ فما أشد جناية هؤلاء الناشرين! هذا، وذكر الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله هذا الشرح في مقدمته لشرح المرزوقي (ص 15): "وهناك شرح حديث منسوب إلى الأديب "محمد سعيد الرافعي" والحق أنه للمغفور له أستاذنا الشيخ إبراهيم الدلجموني"! (5) الفهارس والمصادر صنع المحقق فهارس متنوعة، لكنه لم يستقص، ففاته شيء كثير في فهارس الأعلام والقبائل والأمثال والأماكن، عدا الأخطاء الأخرى. أما فهرس المصادر، فرأيت فيه أنه اكتفى في مصدرين بذكر اسم الكتاب،

ولم يشر إلى مؤلفه ولا مكان صدوره أو تاريخه. ثم رجع إلى طبعتين من أحدهما من غير تنبيه على ذلك في خلال الحواشي أو فهرس المصادر. (انظر الملاحظتين 198، 200). ولو روجع الكتاب من قبل معهد المخطوطات، قبل أن يدفع إلى المطبعة، لزالت مثل هذه الأخطاء. الملاحظات الخاصة في معظم الملاحظات الآتية صرفت همي إلى نصّ الكتاب وما يتصل من حواشي المحقق الفاضل بضبطه وتوثيقه. فلم أتتبع الحواشي المتعلقة بتخريج الشعر وتراجم الأعلام إلاّ ما وقعت عليه عرضًا. وكذلك لم أتناول من التعليقات التي أحال فيها المحقق على شرح الرافعي ظنًّا منه أنه طبعة من شرح التبريزي إلاّ ما عزا فيه شيئًا إلى التبريزي وهو بريء منه، أو ورد في شرحه على غير الوجه الذي ذكره المحقق، فبيّنت ذلك، ونبّهت عليه. وسأشير في أوّل ملاحظاتي إلى رقم الفقرة (ف) ثم رقم الصفحة (ص)، وإلى رقم السطر (س) أحيانًا. وسأورد كلام المؤلف أو المحقق بنصّه تاماّ بحيث لا يصعب على القارئ الكريم متابعة النقد. (1) ص 27: ورد في مقدمة الغندجاني: " ... فجرى ذكر أبي عبد الله النمري رحمه الله، فأثنى عليه بعض الحاضرين وذكر أنه ... قد استخرج معاني للأبيات من أبيات الحماسة هو فيها السابق المبرّز والجواد المبرّ .. " وعلّق المحقق على (للآبيات) بقوله: "في الأصل (لآبيات) وفيه قصور في الدلالة على بعض الأبيات المشكلة، والتصويب من (ب). وعندي أن العبارة بالإضافة (معاني الأبيات) أبلغ". قول المحقق الفاضل: "في الأصل (لآبيات) .. والتصويب من (ب) " كله

غلط، وفي سائر كلامه نظر. فليس في الأصل (لآبيات) بالمدة، اسم الفاعلات من أبى يأبى، ولا في (ب) أي نسخة الشنقيطي (للآبيات) بالمدة ولام التعريف. وإنما في الأصل و (ب) كليهما: (لأبيات) جمع بيت، مسبوقًا بلام الجرّ. والكلمة واضحة في الأصل (انظر صورة الورقة الأولى في أول الكتاب). ولعلّ المحقق الفاضل حسب الفتحة على همزة (أبيات) في الأصل مدّةً، لأن الناسخ يرسم الفتحة أحيانًا بصورة هلال، كما رسم على الهمزة في (أوسع) والباء في (باب) في الورقة الأخيرة/ أس 11. (انظر صورة الورقة الأخيرة في أول الكتاب). ولكنّ رسم الفتحة لا يشتبه عنده برسم المدّة أبدًا. (انظر المدّة على (استوا) و (شا) في صورة الورقة الأولى/ ب/ س 6، 7 في أول الكتاب). أما الشنقيطي في نسخته (ب) فقد ضبط الباء في (الأبيات) بالسكون فلم يترك مجالًا للشك في الكلمة. وقد أثبت كل من العلاّمة حمد الجاسر في مجلة العرب 9: 271 والدكتورة وجيهة أحمد السطل في مقدمتها لكتاب الملمع: س (لأبيات) على الصواب إلا أن الدكتورة حذفت كلمة (أبيات) الثانية وهو خطأ، وقد وقع في مقدمة الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله لشرح المرزوقي: 14: (للأبيات) بلام التعريف وهو أيضًا خطأ. وبعد، فإذا كان المحقق قد رأى أن الصواب في الكلمة (للآبيات) وأثبته في النص فكيف أباح لنفسه أن يثبت فيما نقله في مقدمته: 12 من كلام الغندجاني (معاني الآبيات)؟ ألمجرد "أنّ العبارة بالإضافة أبلغ" عنده كما قال هنا؟ ! (2) ص 27 س 9: ورد أيضًا في مقدمة المؤلف: "فقال لي: عنتًا باطلًا وظلمًا، إن كنت صادقًا فيما تدعيه، فجرّد لنقيضها كتابًا يدلّ على صحة دعواك .. ".

لم يتنبه المحقق على أن قوله "عنتًا باطلًا وظلمًا" جزء من بيت الحارث ابن حلزة في معلقته، ضمّنه الغندجاني كلامه حسب عادته. وقد أثبته الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله في سطر مستقل، وأشار في الهامش إلى بيت الحارث وهو: عنتًا باطلًا وظلمًا كما تعـ ... ـتر عن حجرة الرّبيض الظباء (1) (3) ف 1 ص 9 الهامش 2: قال المحقق في ترجمة قريط بن أنيف: "ذكر التبريزي 1/ 3 أنه إسلامي". الحق أن التبريزي (1: 5) لم يقل شيئًا عن عهد الشاعر، والمحقق إنما أحال على شرح الرافعي. ولكن الغريب أن البغدادي في الخزانة 7: 446 نسب ذلك إلى الخطيب في شرح الحماسة ونص قوله: "وهو شاعر إسلامي. قاله الخطيب التبريزي في الحماسة. وقد تتبعت كتب الشعراء وتراجمهم فلم أظفر له

_ (1) جاء في لسان العرب (مادة ع ن ن) قوله: "عنَّ يعنُّ ويعنّ عنًّا وعنونا، واعتنَّ: اعترض وعرض ... والاسم: العنن والعنان. قال [الحارث] بن حلّزة: عننًا باطلًا وظلمًا كما تعـ ... ـتر عن حجرة الربيض الظباء وفي حديث طهفة: برئنا إليك من الوثن والعنن. الوثن: الصنم. والعنن: الاعتراض، من عنّ الشيء: أي اعترض. كأنه قال: برئنا إليك من الشرك والظلم. وقيل: أراد به الخلاف والباطل ... ". واستدرك طابع اللسان الأول فذكر أن بيت الحارث بن حلزة قد تقدم إنشاده في مادة (حجر، وربض، وعتر) عنتًا بنون فمثناة فوقية ... وعلّق على ذلك الأستاذ الجليل أحمد تيمور (تصحيح اللسان: 28). وأورد أبو بكر بن الأنباري بيت الحارث بن حلزة في كتابه شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات (ص 484) بنونين وقال في تفسيره: عننًا معناه اعتراضًا. يقول: أنتم تعترضون بنا اعتراضًا، وتدّعون الذنوب علينا ظلمًا وميلًا علينا. يقال: عنَّ يعنّ عنونًا: إذا اعترض .... ". وجاء في شرح المعلقات السبع للزوزني (ص 170) بيت الحارث بن حلزة بنونين، وقال في تفسيره: "العنن: الاعتراض. والفعل: عنّ يعنُّ ... "/ المجلة].

بترجمة." ولا شك أن ذلك وهم من البغدادي. والذي صرّح بكونه إسلاميًا هو العيني في شرح الشواهد 3: 72. وقد فات الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله أن يرجع إلى شرح التبريزي لتوثيق كلام البغدادي في هذا الموضع من الخزانة. وقد أعاد البغدادي هذا الكلام في شرح أبيات المغني 1: 87 فنبّه محققاه على وهمه. (4) ف 1 ص 29 س 5: حكى الغندجاني في نسب الشقيقة عن شيخه أبي الندى قوله: "الشقيقة هي بنت عباد بن زيد بن عمرو بن ذهل بن شيبان ... ". هذا النَّسب وما بعده منقول من جمهرة النسب للكلبي: 503 (1: 216 ط العظم). وكذا ورد نسبها فيه في هذا الموضع. وقد أورد التبريزي والبغدادي كلاهما نصّ الغندجاني بتمامه من هذه الفقرة، ولكنهما اختلفا في نسب الشقيقة. فهو عند التبريزي 1: 6 كما هنا، أما البغدادي فقد نقل في الخزانة 7: 442 وشرح أبيات المغني 1: 85 (عوف بن ذهل)، مكان (عمرو بن ذهل). ويرجّح ما في نسخته من كتاب الغندجاني قول الكلبي في ذكر أولاد سعيد بن عمرو بن ذهل (ص 514) (1: 233 ط العظم): "وأمّهم رهم بنت عباد بن زيد بن عوف بن ذهل وهي أخت الشقيقة التي ينسب إليها ولدها من أسعد بن همام". ويؤيد ذلك أن الكلبي لم يذكر من أولاد عمرو بن ذهل من يسمّى زيدًا، بينما ذكر من ولد عوف بن ذهل (ص 515) زيدًا، ثم من ولد زيد عبادًا. فلعلّ (عمرو) في الموضع الأول من الجمهرة (ص 503) تحريف قديم. هذا، وفي جمهرة ابن حزم: 325 "عباد بن عمرو بن ذهل" والظاهر أنه سقط منه (زيد) بعد (عباد). (5) ف 1 ص 29 س 8: ومن قول أبي الندى: "وأما اللقيطة .. فهي أم حصن بن حذيفة وإخوته، وهم خمسة". وعلق المحقق على قوله: (وهم خمسة): "هم: ندبة ومالك وورد وشريك وعقبة. وأبوهم حذيفة الذي يقال له

رب معدّ. ورد ذلك في جمهرة الأنساب ص 256". تعليق المحقق هذا يوهم أن الضمير (هم) في النص راجع إلى الإخوة، وأن أبناء اللقيطة ستة. وهذا خلاف ما قصد إليه أبو الندى، فإن أبناءها عنده خمسة، والضمير (هم) راجع إلى حصن وإخوته جميعًا، بدليل قوله في آخر الفقرة: "وهي أم حصن ومالك ومعاوية وورد وشريك بني حذيفة". وهناك علّق المحقق بقوله: "زاد ابن حزم على هذه الأسماء (ندبة وعقبة) وأسقط (معاوية). 6) ف 1 ص 29 س 12: جاء في الخبر العزيز الذي حكاه أبو الندى في سبب تسمية أم حصن باللقيطة: " .. وقال لأمّها: استرضعيها وأخفيها عن الناس [فما يكون لك] منها خير". أولًا: (عن) تحريف، صوابه: (من) كما في الأصل، و (ب) والخزانة 7: 443 وشرح الأبيات 1: 86. ثانيًا: علّق المحقق على ما بين الحاصرتين، فقال: "العبارة مطموسة في (ش) وهي في الأصل (فلن يهمك) وواضح أنها من تلفيق الناسخ. أما البغدادي فقد تجاوز هذه العبارة في نقله الخبر في شرح أبيات المغني 1/ 86 وما أثبته أدنى إلى الأصل وإلى المراد.". قلت: وقد تجاوزها البغدادي في الخزانة 7: 443 أيضًا، وقبله التبريزي في شرح الحماسة 1: 6. ولكنّ الذي أثبته المحقق كيف يكون "أدنى إلى الأصل"؟ فشتان ما بين (فلن) و (فما)، و (يهمّك) و (يكون لك)! ولعل الصواب "فلن يعدمك" فتقاربت العين ورأس الدال فتحولتا إلى هاء، ثم وصلت بالميم لقرب طرف الدال منها. (7) ف 1 ص 30 س 3: جاء في الخبر نفسه: "فقال لأخيه ... مالك لا

تتزوج وتجمع النساء نرزق منك عضدًا. كذا ضبط "نرزق" بضم القاف، والصواب بسكونها كما في الأصل و (ب) كليهما. (8) ف 1 ص 30 س 4: في الخبر نفسه: "وقد علمت ما لقيت من العذرية وطلبها". كذا أثبت المحقق (من) والصواب (في) كما في الأصل و (ب) وشرح التبريزي 1: 6 وشرح أبيات المغني 1: 86. وهي تفيد هنا السببية. وفي الخزانة 7: 443 (من)، والظاهر أنه تحريف. (9) ف 3 ص 32 س 2: ورد في النص: "الأخرق ضد الصنع". ضبط المحقق "الصنع" بكسر النون، وكذا في الأصل. وهو خطأ، والصواب بفتحها كما ضبط الشنقيطي في (ب). (10) ف 3 ص 32: ورد في النص البيت الآتي: أحاذر أنباءً من القوم قد دنت ... وأوبة أنقاض لهن دليل كذا أثبت المحقق (دليل) بالدال، وهو تحريف منه. صوابه (زليل) بالزاي كما في الأصل و (ب) وشرح التبريزي 1: 29. قال المخلّب الهلالي من قصيدة رواها الغندجاني في ضالة الأديب عن شيخه أبي الندى: فما تمَّ قرن الشمس حتى أناخه ... بقرنٍ وللمستعجلات زليل نقلها البغدادي في الخزانة 5: 261 وقال في تفسير زليل: "مصدر زلّ يزلّ بالزاي. إذا مرّ مرًّا سريعًا". هذا، وقد أثبت محققو الأغاني (ط دار الكتب) 13: 54 (دليل) بالدال، وكتبوا في الهامش: "وفي ط: "ذليل" بدل "دليل" وفي مختار الأغاني: "هزيل". فلعلّ المحقق اعتمد على الأغاني لأنه رجع إليه في تخريج هذا الشعر

وتصحيح نسبته، ولأّن كلمة (زليل) بالزاي واضحة جدًا في الأصل ونسخة الشنقيطي كليهما. فإن صحّ هذا كان واجبًا عليه التنبيه على ما في الأصل و (ب)، وبيان سبب العدول عنه. (11) ف 4 ص 33: ورد في النص قول بلعاء بن قيس الكناني: وفارسٍ في غمار الموت منغمس ... إذا تأّلى على مكروهةٍ صدقا فقال المحقق في تعليقه عليه: "البيت .. في .. شرح المرزوقي ق 8/ 1 وشرح التبريزي ص 13. وفي صدر البيت في الشرحين (على مكروهه) ورجح ابن جني في إعراب الحماسة 15/ب تأنيثها بتقدير (على حال مكروهة) .. " قوله "صدر البيت" سبق قلم وإنما أراد العجز. ولا يصح أن في الشرحين كلهيما (على مكروهه) بالإضافة إلى الضمير، وإنما هو كذا في متن الحماسة عند المرزوقي وأشار في الشرح إلى الرواية الأخرى. أما شرح الرافعي الذي أحال عليه المحقق ففيه (على مكروهة) بالتاء في آخره، وكذا في شرح التبريزي 1: 31، وأشار إلى الرواية الأخرى. (12) ف 5 ص 34: نص الفقرة: " .. قال تأبط شرا: فأبت إلى فهمٍ ولم أك آيبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر قال أبو عبد الله: .. والهاء في قوله (وكم مثلها) راجعة إلى هذيل. وقوله - وهي تصفر): قيل معناه: أي تتأسف على فوتي". "قال أبو محمد الأعرابي: سألت أبا الندى رحمه الله عن قوله: (وكم مثلها فارقتها وهي تصفر) قال معناه: كم مرة مثلها فارقتها وهي تتلهف كيف أفلتُّ. قال: والرواية الصحيحة (فأبت إلى فهم وما كدت آيبا) والهاء في (فارقتها) راجعة إلى فهم. قال: ورواية من روى (ولم أك آيبا) خطأ. وفهم ابن عمرو بن قيس بن عيلان".

الجملة (والهاء في فارقتها راجعة إلى فهم) أراها قلقةً في هذا الموضع، ناقضةً للكلام السابق. وذلك لأن الظاهر من هذا السياق لكلام النمري ورد الغندجاني أن الخلاف بين النمري وأبي الندى من وجهين: أولًا في رواية البيت، فالصواب عند أبي الندى (وما كدت آئبًا). وثانيًا: في تفسير البيت، فالهاء في (مثلها) و (فارقتها) جميعًا ترجع عند النمري إلى هذيل. أما أبو الندى فالهاء في (مثلها) راجعة عنده إلى كلمة (مرّة)، ولكنها في (فارقتها) تعود على هذيل، لأنّه قال في التفسير: "وهي تتلهف كيف أفلتُّ". فالتلهف على إفلاته وتخلّصه إنما يتصور من قبل أعدائه، وهم بنو لحيان من هذيل، لا من قبل فهم قبيلة الشاعر نفسه. فما أمر هذه الجملة القلقة؟ الواقع أن هذه الجملة مكتوبة عموديًا على هامش الأصل، وفي بدايتها فوق (والهاء) حرف السين كذا (س) وفي آخرها (صح). وبدأت الجملة بإزاء السطر 12 (والرواية الصحيحة ... من روى ولم) من غير علامة اللحق في داخل النص. بينما كتب في الهامش أفقيًا بإزاء السطر 11: (مرّة) والسطر 12: (كدت) بعلامة صح في آخرهما والإشارة إلى اللحق في النص. أي (كم مرة مثلها) و (ما كدت آئبًا). فردّهما العلاّمة الشنقيطي في نسخته إلى موضعهما من النص ولكن ترك الجملة المذكورة كما هي على الهامش. أما الأستاذ المحقق فأدخل هذه الجملة في النص متأسّيًا - فيما أظن - بالبغدادي في الخزانة 8: 376. ولكن التبريزي الذي أورد الفقرة بتمامها في شرحه 1: 41 قد أغفل هذه الجملة مع حرصه - بوجه عام - على إيراد النص مع هوامش نسخته. ويشبه هذا الهامش هامشٌ آخر في الورقة 12/ب في الفقرة 26، فلم يدخله المحقق في النص، بل أورده في تعليقه منسوبًا "لبعض العلماء" خلافًا لما فعل هنا. ومثلهما هامش ثالث في الفقرة 25، ولكن مع علامة اللحق في داخل

النص فأدخله الشنقيطي رحمه الله في نسخته في النص، وتبعه الأستاذ المحقق. إني أرى أن حرف السين في بداية الهوامش الثلاثة يشير إلى نسخة أخرى من الكتاب، بيد أن الأول والثاني من الحواشي الواردة في تلك النسخة، أما الثالث فهو زيادة في النص فيها، وعلامة اللحق تشير إلى مكان الزيادة. وعلى هذا لا يصح إقحام الهوامش الثلاثة في النص. والهامش الذي ورد في هذه الفقرة (والهاء في فارقتها راجعة إلى فهم) يشير إلى تفسير آخر للبيت أورده التبريزي في شرحه، ولكن المعنى حينئذ يختلف عما ذكره أبو الندى. قال التبريزي: "فيكون المعنى: كم مرة فارقتها وأطلت الغيبة عنها، أي عن القبيلة، فهي تلغط في أمري، وتكثر القول في شأني، فمنهم من يقول: إني قتلت، ومنهم من يقول: إني ظفرت، فتعلو أصواتهم، ويكثر كلامهم كالطير تجتمع وتصيح". أما البغدادي فإمّا أن يكون كاتب نسخته قد أقحم هذا الهامش في النص أو أقحمه البغدادي نفسه لسقوط كلمة (مرة) من نسخته، ليستقيم كلام الغندجاني ويخلو من الحشو، فإنه لا يبقى بعد حذفها فرق بين تفسيري النمري وأبي الندى. ولكن لم يكن البغدادي ليرتضي هذا التفسير الذي يردّه سياق الأبيات، فقال (8: 377): "ورجوع الضمير من (مثلها) إلى (فهم) غير مناسب. والمناسب رجوعه إلى لحيان .. ". هذا، وقال المحقق في تعليقه على ( .. راجعة إلى فهم): وهي عند التبريزي كما ذكر النمري عائدة إلى هذيل حيث يقول: "والضمير في (مثلها) يعود إلى هذيل وأراه سديدًا .. " قلت: هذا ما ورد في شرح الرافعي، وليس من كلام التبريزي. وأخذه الرافعي من كلام النمري الذي نقله التبريزي بنصه مع رد الغندجاني.

(13) ف 6 ص 36 الهامش 2: قال المحقق يذكر اختلافهم في نسبة الحماسية 14 (إنّا محيوك يا سلمى فحيينا): "وأما بشامة بن حزن النهشلي فقد مال إلى نسبة الحماسة إليه كل من ... والتبريزي في شرح الحماسة 1/ 25 .... وذكر كل من المرزوقي ...... و ....... بلا ترجيح". قلت: لا التبريزي مال إلى نسبة الحماسية إلى بشامة، ولا الرافعيّ الذي أحال عليه المحقق. أما التبريزي فذكره بلا ترجيح بل بتضعيف كالمرزوقي فقتا (1: 50): "وقال بعض بني قيس بن ثعلبة، ويقال إنها لبشامة بن حزن النهشلي". وأما الرافعي فلم يستطع أن يفرّق بين (بعض بني قيس بن ثعلبة) و (بشامة بن حزن النهشلي)، فجعلهما شخصًا واحدًا، فضلاً عن أن يميل ويرجح نسبة الشعر إلى أحد. فأثبت في النص: "وقال بعض بني قيس بن ثعلبة" وعلّق عليه في الهامش بقوله: "هو بشامة بن حزن النهشلي"! (14) ف 8 ص 39: ورد في نص الغندجاني قول الحارثي المنسوب إلى السموءل: فإن بني الديان قطب لقومهم ... تدور رحاهم حوله وتجول كذا برواية (حوله) فعلق عليه المحقق الكريم: "البيت في ديوان الحماسة 1/ 81 آخر أبيات القصيدة المذكورة. وجاء في العجز (حولهم) وهي مرجوحة، فالضمير مفرد يعود على القطب، كما أن الرحى إنّما تدور حول القطب لا حول الناس". أحال المحقق هنا على ديوان الحماسة 1/ 81 فقط وقال: "وجاء في العجز (حولهم) ولم يشر إلى رواية المرزوقي والتبريزي وديوان السموءل وأمالي القالي، مع أنه قد أحال على هذه المصادر كلها في تخريج القصيدة. أفلا يوهم هذا أن رواية (حولهم) قد تفرَّد بها ديوان الحماسة (تحقيق عسيلان) وقد تكون رواية (حوله) هي الشائعة، مع أنّ الأمر بالعكس. فقد اتّفقت على

هذه الرواية (حولهم) نسخ الحماسة الأربع التي اعتمد عليها الدكتور عبد الله عسيلان، مما يكاد يقطع بأن الرواية عند أبي تمام (حولهم). ولعل المحقق الكريم لم ينس ما نقله في ص 35 من كلام المرزوقي الذي قال: "على أني قد نظرت فوجدت أبا تمام قد غيّر كثيرًا في ألفاظ الأبيات التي اشتمل عليها هذا الكتاب ... ولعلّه لو أنشر الله الشعراء الذين قالوها لتبعوه وسلموا له"، وعقّب عليه: "قلت: ولعلّ هذه أوضح شهادة بفصاحة أبي تمام وتوثيق فقهه ولغة العرب". وبصرف النظر عن مدى صحة قول المرزوقي إنّ أبا تمام غيّر في نصوص الأبيات، ليست رواية (حولهم) مما تفرّدت به حماسة أبي تمام. بل هي الرواية عند المرزوقي والتبريزي في شرح الحماسة. ولم يشر أحد منهما إلى رواية أخرى غيرها. وقد نقل التبريزي نص هذه الفقرة ولكن أغفل رواية الغندجاني. وهي الرواية في ديوان السموءل: 92 وأمالي القالي 1: 27 واللآلي 1: 597 والحماسة البصرية 1: 149 والتذكرة السعدية 1: 50 ونهاية الأرب للنويري 3: 202 والمستطرف 1: 133 والتاج (دين). وفي المقاصد النحوية 2: 78 (حولها) وهي أيضًا ترجع إلى القبيلة (بني الديان) لا لفظ (قطب). أما قول المحقق الفاضل ( .. كما أن الرحى إنّما تدور حول القطب لا حول الناس) فهو كما ترىّ (15) ف 8 ص 40 س 1: ورد في النص المثل "عيّ صامت خير من عيّ ناطق" فعلّق عليه المحقق بقوله: "ورد مجمع الأمثال (2470) 2/ 25 وفيه "عي الصمت أحسن من عي المنطق" وجاء له بأخبار وشعر". نص المثل بلفظ الغندجاني ورد في مجمع الأمثال بعد ورقتين من الموضع الذي أحال عليه المحقق في 2: 29 (رقمه 2495) وانظره بهذا اللفظ في فصل المقال: 29 والمستقصى 2: 175. وقد ضبط المحقق (عي) بكسر

العين في الموضعين كما في الأصل في الموضع الثاني. وقد ضبطت العين بالفتح في المصادر المذكورة كلها إلاّ أن الميداني أشار في آخر كلامه إلى رواية الكسر فقال: "ويروي (عيّ صامت) على المصدر بجعل (صامت) مبالغة كما يقال: شعر شاعر". (16) ف 9 ص 40 الهامش 5 يقول المحقق في تخريج البيت: ولقد شهدت الخيل يوم طرادها ... فطعنت تحت كنانة المتمطّر " ... أما عند التبريزي 1/ 34 فهو "لبعض بني تيم الله بن ثعلبة" وقال في الشرح نقلاً عن الغندجاني: "الذي قال هذا الشعر هو علقمة بن شيبان .... ". قلت: كذا في شرح الرافعي. أما البتريزي فقد نقل في آخر شرحه 1: 67 نص هذه الفقرة بما فيه كلام النمري ونقد الغندجاني. (17) ف 9 ص 41 س 6 في كلام النمري الذي نقله الغندجاني في تفسير البيت: ونطاعن الأبطال عن أبنائنا ... وعلى بصائرنا وإن لم نبصر عن أبي رياش: "البصيرة ها هنا اليقين، فيقول: نقاتل على ما خليت: أكنّا على يقين أم على شك". قد أغفل المحقق هنا تخريج المثل "على ما خيلت" وتفسيره. وقد ورد المثل نفسه ضمن شطر بيت تمثل به الغندجاني في الفقرة 19 ص 56 (فسّره أبو عبد الله "على ما خليت وعلى عماها") وهناك فسّره المحقق فقال: " ..... ومعنى المثل أنه يمضي على غرر من غير يقين. كذا في اللسان (خيل) ". والمثل (على ما خليت) في الفاخر: 27 والزاهر 1: 515 والميداني 1: 312 والأساس 1: 312 (خيل). ومعناه هنا في كلام أبي رياش: على كل حال، كما في قول زهير بن أبي سلمى من قصيدة في ديوانه: 37.

تجدهم على ما خيلت هم إزاءها ... إذا أهلك المال الجماعات والأزل وأنشد ابن قتيبة في الشعر والشعراء 1: 102 قول الشاعر: قل للصعاليك لا تستحروا ... من التماس وسير في البلاد فالغزو أحجى على ما خيّلت ... من اضطجاع على غير وساد وانظر اللسان (هلك) (18) ف 10 ص 42 الهامش 5: "البيت للشميذر الحارثي في ... والتبريزي 1/ 31 ..... وأيد التبريزي هذا بقوله: "المعنى أنا نقتلكم جهارًا ونحكم السيف فيكم حتى يكلّ". لفظ التبريزي في 1: 62 "والمعنى أنا نقتل جهارًا لثقتنا بأنفسنا، ونحكم السيف فيكم إلى أن يكلّ". وقد أخذ منه الرافعي في شرحخ بتصرف، كما ترى فيما نقله المحقق منه، والصواب في رقم الصفحة 32. (19) ف 11 ص 43: ورد في كلام النمري قول ابن زيابة: إنك يا عمرو وترك الندى ... كالعبد إذ قيّد أجماله فعلق عليه المحقق بقوله: " ... وذكره التبريزي في شرحه 1/ 38 والرواية عنده (إني وحواء وترك الندى) وقال في معناه: "إني متى تركت الغزو على حواء واغتنام الأموال وبذلها لم يبق لي هم" فاقتبس رواية الغندجاني وشرحه مما سيرد في المتن بعد سطور. قلت رواية التبريزي 1: 73 مثل رواية النمري لا فرق بينهما، إلا أن التبريزي في آخر تفسيره للبيت نقل رد الغندجاني بنصه. وقد أثبت الرافعي في شرحه رواية الغندجاني ولخص ما جاء في رده من تفسير البيت. وكل ذلك من شرح التبريزي.

20 ف 11 ص 44 س 1: ورد في النص في تفسير البيت السابق: "قال أبو عبد الله: قال ابن السكيت: تقول أنت كالعبد .... " كذا (تقول) وهو خطأ لعله مطبعي. والصواب (يقول) بإسناده إلى الغائب، كما في الأصل و (ب) والنمري: 34 وشرح التبريزي 1: 73 والخزانة 5: 116. (21) ف 11 ص 44 س 7: تمثل الغندجاني بالبيت: فلا يدري نصير من دحاها ... ومن هو ساكن العرش الرفيع لم يضبط المحقق (نصير) أكزبير هو أم كأمير، وكلاهما من أسماء العرب فيشتبه على القارئ، انظر القاموس (نصر). وقد ضبط في الأصل وب كليهما كزبير. وهو فيهما بالصاد المهملة ولكن في الخزانة 5: 116 بالمعجمة. وقد نبّه على ذلك محققه. وقال الأستاذ المحقق في تخريج المثل: "لم أجده في مصادر الأمثال لديّ". قلت: أورد ابن الأنباري في الزاهر 1: 293 قولهم (ما يدري من طحاها) ولعل الشاعر ضمّن بيته هذا المثل الذي يروى بلفظ (دحاها) و (طحاها). (22) ف 11 ص 44 الهامش 3: علّق المحقق على رواية أبي الندى وتفسيره لقول ابن زيابة الذي سبق (انظر رقم 19): "أخذ بهذا وأثبته كل من التبريزي 1/ 38 والبغدادي 2/ 335". قلت: لم يأخذ به التبريزي. وإنما أثبته في آخر شرح البيت كما سبق. (23) ف 12 ص 45 س 6: في النص: "وإنما المعنى أنه لهّف أمه -وهي زيابة- أن لا يلحقه في غاراته فيقتله أو يأسره". وكذا في الأصل (في غاراته) ولكن في شرح التبريزي 1: 75 والخزانة 5: 111 وشرح أبيات المغني 4: 32 (في بعض غاراته). ولعلّ كلمة (بعض)

سقطت من أصلنا، مع صحة العبارة بدونها. وقال المحقق الكريم في تعليقه على النص: "وبهذا المعنى أخذ التبريزي في شرحه". قلت: يد نقل التبريزي تفسير البيت عن أبي هلال ثم أبي العلاء. أما كلام النمري وردّ الغندجاني فنقلهما بعدما فرغ من تفسير الحماسية كلها. (24) ف 12 ص 45: أنشد الغندجاني قول النابغة الذبياني: يا لهف أمّي بعد أسرة جعول ... ألا ألاقيهم ورهط عرار علّق المحقق على (جعول) فقال: لعلها جعون ترخيم جعونة، فليس في أسمائهم جعول في مصادر الأنساب لديّ". كذا (جعول) باللام ثابت في شرح التبريزي 1: 75 والخزانة 5: 110 وشرح أبيات المغني 4: 32. وقال الصغاني في التكملة (جعل): "وجعول مثل جرول من الأعلام". ونحوه في التارج (جعل) (1). (25) ف 13 ص 45 ورد في النص في كلام النمري قول معدان [بن جواس]: وكفنت وحدي منذرًا في ردائه ... وصادف حوطًا من أعاديّ قاتل وقال المحقق في تعليقه: " .. وجاء في الديوان والمرزوقي (بردائه) وكلمة (في) أدلّ على مراد الشاعر من موت ولده ... ". قلت: اهتمّ المحقق برواية الديوان والمرزوقي، ولم يشر إلى ما أثبته الشنقيطي هنا في نسخته: (في ثيابه) كما ورد فيما بعد في إنشاد الغندجاني لأنه رأى في الأصل هنا ضربًا على (ردائه). ولكن الصواب هو ما أثبته المحقق

_ (1) وكذا (جعول) في نسب معدّ واليمن الكبير: 578. وعرار: ابن عرفجة بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب الكلبي.

الكريم فإنه موافق لما ورد في كتاب النمري: 38 في نص البيت. إلا أنه في شرحه قال: "وقوله (بردائه) "! (26) ف 13 ص 45 الهامش 7: قال المحقق في تخريج البيت السابق ونسبته: "ورد البيت في ديوان الحماسة ق 26/ 2 ج 1/ 94 وقال في نسبته: "وقال معدان بن جواس الكندي، وتروى لمعن بن المضرّب، جاهلي يخاطب مالكًا". والبيت لمعدان في: المرزوقي ق 26/ 2 ج 1/ 152 والتبريزي/41 ..... وهما بتان ... ووردا لمعدان كذلك في معجم الشعراء ص 335". ثم عاد إلى ذكر الخلاف في نسبة الشعر في آخر الفقرة ص 47 الهامش 1 فقال: "اختلفت المصادر في قائل هذين البيتين: فهما لمعدان بن جواس، أو لمعن بن المضرّب في ديوان الحماسة، ولمعدان بن جواس الكندي في شرحي المرزوقي والتبريزي كما تقدم. وهما لحجية بن المضرّب في المؤتلف والمختلف 116 - 17 ومعجم الشعراء 335 ... ". قلت: يلاحظ على الحاشيتين أولاً: التكرار، وثانيًا: التناقض فيما نسبه إلى معجم الشعراء، فإنّه قال أولاً في ص 45 إن البيتين في معجم الشعراء: 335 لمعدان، ثم قال في ص 47 إنهما فيه لحجيّة بن المضرّب. وثالثًا: ليس صحيحًا ما نسبه إلى التبريزي، ولفظه في شرحه (1: 77): "وقال معدان بن جواس الكندي ويروى لحجية بن المضرّب السكوني ... ". (27) ف 13 ص 46: تمثل الغندجاني بالبيت الآتي: إذا هبطت حوران من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك في شرح التبريزي 1: 78 عن الغندجاني (كذلك) بدلاً من (هنالك). والبيت لحسان بن ثابت من قصيدة في ديوانه: 85، وانظر تخريج البيت في

الديوان، وقصته وتفسيره في طبقات فحول الشعراء 1: 248. (28) ف 14 ص 48: تمثل الغندجاني بالبيت الآتي: إذا أفسدت أول كل أمر ... أبت أعجازه إلا التواء قلت: أنشده الآمدي في المؤتلف: 44 لعمرو بن أحمر الباهلي. وهو من ثلاثة أبيات في الزاهر 1: 305 بدون عزو. وانظر هامشه. (29) ف 14 ص 48: ورد البيت الآتي: أقدّم فيهم دعلجًا وأكرّه ... إذا أكرهوا فيه الرماح تحمحما فقال المحقق في تعليقه عليه: "أشار التبريزي في شرحه إلى هذه الرواية وصوّبها". قلت: لم يصوّب التبريزي 1: 82 رواية الغندجاني وإنما ختم شرحه بنقل نص الغندجاني كاملاً من غير تعليق عليه. (30) ف 14 ص 48: ورد في نص الغندجاني قول مروان بن سراقة الجعفري: وعبد عمرو منع الفئاما ... ودعلجًا أقدمهم إقداما كذا ورد في الأصل و (ب): (اقدمهم). والصواب -فيما أرى- ما نقله التبريزي في شرحه 1: 82 عن الغندجاني: (أقدمه) وكذا في الأغاني كما ذكر المحقق. و (أقدم) معناه: قدّم. وهو مثل قوله: أقدِّم فيهم دعلجًا وأكرّه فالضمير المفرد المفعول به يرجع إلى (دعلج)، وفاعل (اقدم) عبد عمرو. (31) ف 15 ص 49: نقل الغندجاني عن النمري: "قال بعض بني بولان:

نستوقد النبل بالحضيض ونقـ ... ـــــــتاد نفوسًا بنت على الكرم" كذا ورد في الأصل (نقتاد) بالقاف، وبإسناد الفعلين (نستوقد) و (نقتاد) إلى المتكلمين، وهي رواية في البيت، ولكن الرواية التي ثبتت في كتاب النمري: 44 (تستوقد النبل ... وتصطاد) وعليها فسر البيت، فقال: "يقول: نبلنا تصطاد أي تصيبها، وتستوقد بالحضيض، أي تفعل الفعلين معًا في رمية واحدة ... ". (32) ف 15 ص 51: رواية البيت السابق عند الغندجاني: نوقد النبل بالحضيض ونصـ ... ـــــــطاد نفوسًا صيغت على الكرم كذا أثبت المحقق (الكرم) بأداة التعريف، ولم ينتبه على تصحيح الناسخ في الأصل ولم يرجع إلى نسخة الشنقيطي الذي أثبت (كرم) مجردًا من (ال) على الصواب. (33) ف 16 ص 52: نعى الغندجاني على النمري تفسيره لقول قيس بن الخطيم: طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها وعدم ذكره السبب الذي دعا قيسًا إلى أن طعن ابن عبد القيس، ثم قال: "وكان سبب ذلك أن هذا القيسي قتل عديّاً جدّ قيس بن الخطيم، فقتله قيس بجدّه عديٍّ، وأعانه على ذلك خداش بن زهير العامريّ". فعلّق المحقق الفاضل على ذلك بقوله: " ... وقد تفرّد الغندجاني هنا بخبر عونه ابن الخطيم في ثأره من ابن عبد القيس". قلت: قيس بن الخطيم نفسه صرّح بإعانة خداش في قوله من الحماسية نفسها: وساعدني فيها ابن عمرو بن عامر ... خداش فأدّى نعمة وأفاءها

هذه رواية شرح التبريزي ونسختين من نسخ الحماسة التي اعتمد عليها محققها. وهي الرواية في ديوانه: 45. وفي شرح المرزوقي والنسختين الأخريين من الحماسة (زهير) مكان (خداش). وقد وردت في الديوان: 50 - 51 قصة الأبيات وفيها ذكر عون خداش ابن الخطيم. وذكر صاحب الأغاني 3: 2 - 7 قصة مقتل الخطيم أبي قيس وعديّ جدّه، وأخذ قيس ثأرهما مفصلة، كما ذكرها التبريزي في شرح الحماسة 1: 96، ولم نقل عن الغندجاني. وأبو الفرج والخطيب كلاهما ذكر عون خداش قيسًا ليد كانت لأبي قيس عنده. وانظر جمهرة ابن حزم: 281. ولا أدرى بعد ذلك كيف تفرّد الغندجاني بخبر عون خداش! (34) ف 17 ص 52: تمثل الغندجاني بقول الفرزدق: أراد طريق العنصلين فياسرت ... به العيس في نائي الصوى متشائم وقال المحقق في تعليقه على البيت: "جاء في العروض في رواية الأصل (فباشرت) والتصحيح من الديوان". قلت: في نسخة الشنقيطي (فياسرت) على الصواب، وهي من المحقق على طرف الثمام، فقد اتخذها النسخة المساعدة وقال إنه قابل بها نص الأصل. فما له لم يستعن بها هنا؟ وكذا في شرح التبريزي 1: 101 عن كتاب الغندجاني. وهنا في الأصل و (ب) هامش: "العنصل: واد بين اليمامة وبين الدهناء". وفي شرح التبريزي: "العنصل: واد بين اليمامة والدهناء وثنّاه بما حوله". قد أغفل المحقق هذا الهامش بينما أثبته الأستاذ حمد الجاسر. انظر مجلة العرب 9: 275. (35) ف 17 ص 52 س 4/ ص 53 س 2: فسّر النمري قول الشاعر: أنبئه بأنّ الجرح يشوي ... وأنّك فوق عجلزة جموم بقوله: "يقول لصاحبه أقدم ولا تخم ... " وانتقد الغندجاني تفسيره فقال: " ... كيف يقول لصاحبه أقدم ولا تخم وصاحبه جريح مطروح ... ".

جاء (لا تخم) أولاً في ص 52 في كلام النمري في السطر الثالث من الفقرة ثم جاء مرة أخرى في كلام الغندجاني حين عاب تفسيره في ص 53 في السطر التاسع من الفقرة. وكان ينبغي للمحقق أن يفسره في الموضع الأول، ولكنه تجاوزه وفسّره في الموضع الثاني. أما تفسيره فهو من أغرب الغرائب قال: "وخم يخم: جبن وتثاقل". كذا (وخم) بضم العين في الماضي و (يخم) بكسرها في المضارع! ومعناه: جبن! ولم يرد المحقق الكريم أن يتفضل علينا بالإشارة إلى مصدره فحرمنا نوادر أخرى مثلها! (لا تخم) من يخيم خيمًا وخيامًا وخيمانًا وخيومًا، عن القتال وفيه: جبن وتراجع (المعجم الوسيط) فهو فعل أجوف، وليس مثالاً. (36) ف 17 ص 53 س 5: جاء في تفسير البيت: "ومعنى البيت أنه رأى صاحبه جريحًا فاحتمله خلف فرسه وجعل يؤاسيه ويقوّيه ... " كذا أثبت المحقق (يؤاسيه) من المؤاساة: وهو تحريف منه. صوابه في الأصل و (ب) وشرح التبريزي 1: 101: (يؤسّسه) من التأسية. ضبطت السين في النسختين بالشدة عليها. (37) ف 17 ص 53: أنشد الغندجاني: سما البرق من نحو الحجاز فشاقني ... وكل حجازي له البرق شائق البيت من ثلاثة أبيات بلا عزو في رسالة الحنين إلى الأوطان لابن المرزبان. انظر مجلة المورد العراقية المجلد 16: 1 ص 169 والبيتان منها -وأحدهما هذا البيت- في البيان والتبيين 2: 328 وأمالي القالي 1: 179. وقد أحال محقق رسالة الحنين مع هذين المصدرين على التشبيهات لابن أبي عون: 63 ولم أراجعه.

(38) ف 17 ص 53 س 9: جاء في النص: "وقوله: فإنك فوق عجلزة جموم ... " كذا أثبت المحقق (فإنك) بالفاء وكسر همزة إنّ، كما في أصله، وهو خطأ من ناسخ الأصل، وهناك خطأ آخر في الأصل، وهو أن الناسخ أثبت (فإنّك فإنّك) مكرّرًا. ولو رجع المحقق إلى نسخته المساعدة وأنعم النظر في النص ما اتبع أصله على خطئه. فالصواب (وأنّك) بالواو وفتح الهمزة، كما ورد في البيت في كلام النمري في أول الفقرة وكما سيأتي في إنشاد الغندجاني في آخر الفقرة. وهو في (ب) وشرح التبريزي 101 على الصواب. (39) ف 17 ص 54: أنشد الغندجاني: يديت على ابن حسحاس بن وهب ... بأسفل ذي الجداة يد الكريم قصرت له من الدهماء لمّا ... شهدت وغاب عن دار الحميم أولاً: أثبت المحقق (الجداة) في البيت الأول بالدال المهملة، وهي لغة فيه ولكن الذي في الأصل و (ب) وشرح التبريزي 1: 101 هو (الجداة) بالمعجمة، فأهمله المحقق -وهو أحق بالإثبات- دون تنبيه على ما فعله. ثانيًا: لم يضبط (الجداة) فضلًا عن الإشارة إلى أنه مضبوط في الأصل و (ب) وبفتح الجيم وكسرها معًا. وكلاهما صحيح كما في معجم البكري 1: 372، ونقل التبريزي 1: 100 أن الرواية المشهورة بالكسر. ثالثًا: قال المحقق في تعليقه على البيت الثاني: "في الأصل (وغاب من له من حميم والتصحيح من المرزوقي". قلت: كذا في الأصل و (ب)، وكذا نقل التبريزي في شرحه 1: 101 عن الغندجاني وهو صواب محض. فليس فيه خطأ يحتاج إلى تصحيح، وإنما هي رواية أخرى في البيت. وكذا أنشده أبو عبيدة في النقائض 2: 667. وهي

أوضح من رواية الحماسة (غاب عن دار الحميم) التي قال في شرحها المرزوقي 1: 194: وكان وجهه أن يقول: لما شهدته وغاب حميمه ... ". وحركة الهاء في (له) مختلسة. (40) ف 18 ص 54 س 9: فيما نقل الغندجاني من كلام النمري: "وقوله: لا تكايل بالدم". الصواب (قولها) كما في كتاب النمري: 56، لأن الضمير راجع إلى (امرأة من طيئ). (41) ف 19 ص 56: ورد في النص قول كبشة على ما صححه الغندجاني: أرسل عبد الله إذ حان يومه ... إلى قومه ألاّ تغلّوا لهم دمي كذا ضبط المحقق (تغلّوا) بفتح التاء وضم الغين. والكلمة في الأصل غير مضبوطة. فلم يرجع المحقق إلى نسخة الشنقيطي اذلي ضبطها بضم التاء وكسر الغين (تغلّوا) من الإغلال. وهو الصواب، لقول الغندجاني في تفسيره: "وهو من قولك: أغلّ الجازر: إذا ترك في الإرهاب شيئًا من اللحم" وكذا رواها ابن الأعراب إلاّ أنّه أسند الفعل إلى الغائبين (يغلّوا) بالمثناة التحتية والغين المعجمة انظر الخزانة 6: 358. ورواية القالي في ذيل أماليه 3: 303 (لا تتركوا). (42) ص 59: الهامش 2: "استعر الشعر بين زيادة وابن عمه هدبة .. " كذا (الشعر) وهو خطأ مطبعي صوابه (الشرّ). (43) ف 23 ص 59: ورد في النص بيت سبرة بن عمرو: أتنسى دفاعي عنك إذ أنت مسلم ... وقد سال من ذلّ عليك قراقر وصواب الرواية عند الغندجاني (سال من نصر) وخرّج المحقق البيت في ديوان الحماسة 1: 134 وشرحي المرزوقي 1: 237 والتبريزي 1: 80 ومعجم البلدان 4/ 318 وذكر أن فيها جميعًا (سال من ذل).

قلت: هو في شرح الرافعي الذي قصده بالاحالة على التبريزي 1: 80 وغيره كما قال. أما التبريزي 1: 127 فأثبت في النص (من ذل) ولكنه بعدما نقل تفسير النمري وردّ الغندجاني في آخر شرح البيت عقب عليه بقوله: "وهذا الذي ذكره أحسن ما قيل في هذا البيت كأن الوادي سال عليهم بالرجال". وقد أيّد البغدادي في الخزانة 9: 504 قول الغندجاني فقال: "رواه شراح الحماسة (وقد سال من ذل) .. وأول من حرّفه ألو شارح للحماسة وهو أبو عبد الله النمري". وفي كلام البغدادي نظر فليس النمري أول شارح للحماسة، ولا دليل على أنّه هو الذي حرّفه. (44) ف 23 ص 60 س 8: في آخر الفقرة: "ولبيت سبرة قصة طويلة الذيل، ذكرتها في كتاب السلّ والسرقة". قلت: أولاً: نقل صاحب الخزانة 9: 508 - 511 هذه القصة من كتاب آخر للغندجاني ولا علم لنا بوجوده في المكتبات وهو "ضالة الأديب" في الرد على ابن الأعرابي في نوادره فحبذا لو أحال المحقق هنا على الموضع المذكور من الخزانة. ثانيًا: أثبت المحقق في النص (السلّ) وقال في تعليقه: "في الأصل (السلّة والسرقة) وهو أحد كتب الغندجاني. انظر للاستزادة دراستي لأبي محمد في مدخل كتابه فرحة الأديب" وانظر الفهارس: 221. قلت: قد غيّر المحقق في النص دون أن يذكر سببًا لتصرفه هذا، إلا أنّه أحال للاستزادة على دراسته للغندجاني في أول كتابه فرحة الأديب، فأوهمنا أنه قد تكلم فيها على عنوان الكتاب المذكور وحقق أن الصواب فيه (السلّ) بدون تاء وليس (السلّة)، مما أغناه عن إعادة الكلام هنا. ولكن حينما رجعنا إلى دراسته وجدنا أنه قسم مؤلفاته إلى مجموعتين، وعدّ هذا الكتاب في المجموعة الثانية في ص 20 وقال: "كتاب السلّ والسرقة ويبدو أنه جمع فيه أخبار الشعراء

اللصوص وأشعارهم" وقال في الهامش: "ورد اسمه في البلغة ص 65 (الشك) والسرقة) وهو تصحيف". وهذا كل ما قاله الأستاذ عن هذا الكتاب! فإن كان قصده بكلمة "الاستزادة" معرفة غيره من مؤلفات الغندجاني فليس هذا الكلام هنا إلا حشوًا بعدما قال في المقدمة 15: "أما الغندجاني مؤلف الكتاب فقد سبقت لي دراسة حياته ومؤلفاته ... عند اخراجي كتابه الأول فرحة الأديب" فتعلّق بالحشو، وأعرض عما يعنيه هنا من صميم منهج التحقيق ولا يجوز التغاضي عنه. فليس فيما قاله في تعليقه على هذا الكتاب ولا ما قاله في دراسته في الفرحة سابقًا ما يدعو إلى التغيير في النص. الحق أن (السلّ) و (السلّة) كلاهما مصدر بمعنى السرقة أو السرقة الخفية. ومن الأمثال المشهورة: "الخلة تدعو إلى السلّة" ويقال: "في بني فلان سلّة" إذا كانوا يسرقون. وقال الشميذر الحارثي من مقطوعة في ديوان الحماسة 82: فلسنا كمن كنتم تصيبون سلّةً ... فنقبل ضيمًا أو نحكِّم قاضيا فيصح أن يسمى الغندجاني كتابه بأيهما شاء. ولا يخفى أن المصادر كثيرًا ما تذكر الكتاب بما يشير إلى عنوانه المعروف عندهم ولا تلتزم الدقة فيه، كما أن المؤلفين أنفسهم يحيلون في مؤلفاتهم على كتبهم الأخرى بأسماء مختلفة. وبعد، فلننظر في المصادر التي ترجمت للغندجاني أو ذكرت هذا الكتاب بماذا سمّته؟ أقدم ترجمة وصلتنا للغندجاني هي في معجم الأدباء 7: 261، واسم الكتاب فيه (السلّ) بدون تاء كما ذكره المحقق في دراسته. وقد نقل عنه هذا الاسم كذا بالغدادي في الخزانة 1: 44 فيما نقل من ترجمة الغندجاني. ولكن لم يسمّه بعد ذلك لا في الخزانة ولا في شرح أبيات المغني إلا بالتاء (السلّة والسرقة). وليس ذلك -فيما أرى- من باب التهاون لسببين: 1 - أحدهما أن (السلّة) بالتاء ورد في نص الغندجاني في "إصلاح ما غلط

فيه النمري" في أصل المحقق، وكذا عند البغدادي في الخزانة فيما نقله من هذا النص. وكانت عنده نسخة مستقلة من هذا الكتاب. فكلمة (السلّة) إذن قد أجمعت عليها النسختان مما يرجح أنها ليست من عمل النسّاخ بل هي بلفظ الغندجاني. 2 - والآخر أن البغدادي أحال في ال خزانة 4: 23 وشرح أبيات المغنى 6: 45 على "كتاب السلّة والسرقة" (السلة بالتاء) بصدد كلامه على الشاهد (ومن عضة ما ينبتنّ شكيرها) ونقل عن الصغاني صدره (إذا مات منهم ميت سرق ابنه) ثم قال في شرح الأبيات: "وروى الأسود أبو محمد الأعرابي هذا البيت في كتاب السلة والسرقة على ما تقدم" أما في الخزانة فزاد على هذا الكلام ونقل عن الكتاب نفسه فقال: "وروى أبو محمد الأعرابي هذا البيت في كتاب السلّة والسرقة على ما تقدم، وقال: ومثل آخر: ومن عضة ما ينبتن شكيرها ... قديما ويقتطُّ الزناد من الزند وهذان النصّان يفيدان أن البغدادي قد كانت لديه نسخة من هذا الكتاب أو اطلع عليها فاستفاد منها في هذا الموضع. ويبدو أنه وجد هذا الكتاب في وقت متأخر، ولذلك لم يرجع إليه في قصة بيت سبرة التي أحال فيها الغندجاني عليه، بل نقلها من كتابه الآخر "ضالة الأديب" كما تقدم. ولذلك لا نجد نصوصًا أخرى من هذا الكتاب في الخزانة وشرح أبيات المغني. وبالجملة فإن في ورود (السلّة) في نص الغندجاني في نسختين من "إصلاح ما غلط فيه النمري" واقتباس البغدادي نصّاً من هذا الكتاب وإحالته عليه بهذا الاسم، إنّ في ذلك لدليلاً كافيًا لترجيح (السلّة) على (السلّ) الوارد في كتاب ياقوت. (45) ف 26 ص 63 الهامش 3 "لم يذكره المرزوقي 1/ 261 واقتبس التبريزي في شرحه 1/ 94 ما أورد الغندجاني في قائل هذا الشعر" يعني قول الشاعر:

حميت على العهّار أطهار أمه ... وبعض الرجال المدعين غثاء قلت: لو رجع المحقق الفاضل إلى شرح التبريزي 1: 143 - 144 لعرف أنه نقل معظم هذه الفقرة بما فيه تفسير الغندجاني للبيت وكلامه في قائله. (46) ف 26 ص 64 الهامش 4: " ... وجاء في هامش الأصول بجوار البيت الثاني لبعض العلماء قوله: "المدعى أصله أن رجلاً غار على أمة لبعض أهله، فولدت غلامًا، فدعته له فاشتراه أو وهب له" أما التبريزي فقال في شرح (المدعين): "أي ليس كل من يدعي النسب إلى الآباء يكون له أب" انتهى. قلت: لا يصح ما نسبه إلى التبريزي، وإنما هو في شرح الرافعي. أما الهامش الذي جاء في الأصل و (ب) -وسماها المحقق "الأصول"! - فقد نقله التبريزي أيضًا بعد البيت الثاني، إلا أنّ فيه (أغار) و (وهبوه) انظر شرحه 1: 144. (47) ف 27 ص 65 س 11: صحح الغندجاني رواية قول عمرو بن شأس بقوله: "والصواب إن شاء الله (تجشم خمسًا ليس في سيره يتم) وفسّره بالإبطاء. وعلّق المحقق على الشطر فقال: "رواية النمري (ليس في سيره أمم) أخذ بها كل من الديوان والمرزوقي والتبريزي غير أن المرزوقي أشار إلى الرواية الأخرى بقوله "ويروى: ليس في سيره يتم أي إبطاء". قلت: والتبريزي 1: 150 أيضًا أشار إلى هذه الرواية، وقال في تفسيرها: واليتم: الغفلة، ومنه قيل اليتيم، لأنه مغفول عنه، ولم يشر إلى النمري ولا رد أبي محمد. (48) ف 28 ص 66 الهامش 2: "موسى بن جابر بن أرقم ... ترجمته في ... وشرح التبريزي 1/ 136".

لم يترجم التبريزي 1: 189 لموسى غير ما نقله عن المبهج في اشتقاقه وعجمته وتسمية العرب به. والمحقق يقصد شرح الرافعي. (49) ف 28 ص 67 س 2: ورد في النص: "وأمهما من بني العنبر ... ". قلت: لا توجد الواو في أول الجملة لا في الأصل ولا في نسخة الشنقيطي (ب). (50) ف 29 ص 67 س 7: ورد فيما نقل الغندجاني من كتاب النمري في تفسير البيت: لا يسلمون الغداة جارهم ... حتى يزلّ الشراك عن قدمه "الوجه عندي أن يكون كقولك: لا أترك حتى يطمع فيك، ولا أسلمك حتى أغلب ولم يرد أن يسلمه أذا زل شراكه عن قدمه، والهاء راجعة إلى الجار". قلت: اختار المحقق فأخطأ في اختياره، ثم انحرف عن أصله ونسخته المساعدة من غير داع ودون تنبيه على تصرفه في الموضعين. فأثبت أولاً (أغلب) والصواب (تغلًب) كما في كتاب النمري: 79 وهو ما يقتضيه السياق لأنه قال من قبل (حتى يطمع فيك) ولم يقل الشاعر (حتى يزل الشراك عن أقدامنا). أما أصل كتاب الغندجاني ففيه (حتى تغلب أغلب) كذا. وأثبت الشنقيطي في نسخته (أغلب) لأنّ فوق اللام من (تغلب) في الأصل خطًّا كأنه امتداد لأسفل الضمة التي على التاء، فلعل الشنقيطي ظنّ أن الناسخ ضرب على (تغلب). وسواء أضرب الناسخ أم لم يضرب على الكلمة، فلا يصح ما أثبته الشنقيطي وتابعه عليه المحقق. ثم أثبت الكريم (أن يسلمه) خلافًا لما في أصله ونسخته المساعدة، فإنّ فيهما (أنا نسلمه) وكذا في كتاب النمري: 79. (51) ف 29 ص 68: ورد في كلام الغندجاني: " ... كما قال الفرزدق:

فمهما أعش لا يضمنوني ولا يضع ... لهم حسب ما حرّكت قدمي نعلي أي ما عشت." وعلق المحقق على البيت فقال بعد تخريجه: "ومعنى (لا يضمنوني) أي لا يجدونني ضمنا والضمانة الزمانة وهو ها هنا العجز". قلت: النص في الأصل كما أثبته المحقق، ولكن ناسخ الأصل ضرب على (أي ما عشت) وكتب بجاني البيت عن يساره (أي لا يجدونني ضمنا ما عشت) والظاهر أنه حاشية لبعض العلماء في تفسير البيت أقحم الناسخ جزءًا منها في النص خطأ، ثم تنبّه فضرب عليه. فلمّا نسخ الشنقيطي نسخته أهمل المضروب عليه وكتب الحاشية في مكانها. أما المحقق الفاضل فلم ينتبه على الضرب الواضح في أصله ولم يرجع إلى (ب) ثم جعل ما بقي من الحاشية (أي لا يجدونني ضمنًا) ضمن تفسيره للبيت من غير إشارة إلى وجودها في هامش الأصل و (ب) كليهما شكرًا للعلم. (52) ف 30 ص 69 س 2: روى الغندجاني عن أبي الندى أن اسم الشاعر حسان بن نشبة في الحماسة مصحف والصواب (جساس) واستدل بقول جرير "يهجو جخدب بن خرعب التيمي: أجخدب أشبهت التي كان بظرها ... كطرثوث أرض غير ذات أناس لقد شهدت تيم على أم جخدب ... وكان سراة التيم رهط جساس يعني جساس بن نشبة التيمي هذا". وقال المحقق في تخريج البيتين: "البيتان لجرير في شرح ديوانه ص 327 من قصيدة في تسعة أبيات، قالها لجخدب بن خرعب التيمي ... " قلت: عدل المحقق عن أصله ونسخته المساعدة في ضبط (جخدب) من غير تنبيه على فيهما، ولم يفطن للتصحيف الذي وقع في اسم أبيه (خرعب) في أصله (وب). ولم تكن إحالته على شرح ديوان جرير: 327 دقيقة، فإنّ فيه

(جرعب) بالجيم بدلاً من الخاء. أما الابن (جخدب) فضبط اسمه في الأصل في الموضعين الأولين بضم الجيم والدال (والموضع الأخير غير واضح في الصورة التي عندي) وضبطه الشنقيطي بضم الجيم في المواضع الثلاثة وبضم الدال وفتحها في الموضع الأخير وكتب فوقها (معًا)، فضبط الاسم في ضوء النسختين على وجهين: _جخدب) بضم الجيم والدال، و (جخدب) بضم الجيم وفتح الدال. وهو موافق لضبطه في الاشتقاق: 186، والمحقق الفاضل عدل عن الضبطين إلى ثالث، وهو (جخدب) بفتح الجيم والدال، ولا بأس، فقط نصّ الفيروزابادي (جخدب) على هذا الضبط في العلم المذكور واقتصر عليه. ولكن كان ينبغي له أن ينبه على ذلك في الهامش. أما أبوه فأثبت المحقق (خرعب) بالخاء المعجمة كما في أصله و (ب)، وكذا في التبريزي فيما نقله من هذه الفقرة. وهو تصحيف. والصواب (جرعب) بالجيم، وقد نصّ عليه صاحب القاموس إذ قيّده في فصل الجيم (جرعب) قال: "الجرعب ... والد جخدب النسابة". وانظر المشتبه للذهب 1: 142 والتبصير 1: 244 والإكمال 2: 52، وكذا ورد في شرح ديوان جرير: 327، وقد وقف عليه المحقق وأحال عليه. إن المحقق الفاضل لم يكتف بإغفال ورود الاسم فيه بالجيم فحسب بل صحّفه في إحالته عليه. ومما يحسن التنبيه عليه أن اسم (جخدب) ورد في البيان والتبيين 1: 336 والاشتقاق: 186 بالحاء المهملة، وهو تصحيف (1). فقد نص الذهبي وغيره على أنه بالخاء المعجمة. ولفظ الأمير في الإكمال 2: 52 "أما (جخدب)، بعد

_ (1) [ترجمة في الجرح والتعديل 1/ 1: 551 قال: "جخدب التيمي -ويقال: جحدب- بن جرعب، روى عن عطاء، وروى عنه الثوري وقيس بن الربيع، سمعت أبي يقول ذلك"/ المجلة].

الجيم خاء معجمة، فهو جخدب بنم جرعب أبو الصقعب، كوفي نسّابة، روى عن عطاء بن أبي رباح، وروى عنه سفيان الثوري. وأما (جحدب)، بعد الجيم حاء مهملة، فهو عبد الرحمن بن جحدب الخولاني ... ". وقد نسبه الزبيدي في التاج: جخدب بن جرعب بن أبي قرفة بن زاهر بن عامر بن قامشة بن وائلة. وفي القاموس: "الكوفي النسابة". وزاد الزبيدي: "الشاعر وفيه يقول جرير: قبح الإله ولا يقبح غيره ... بظرًا تفلق عن مفارق جخدب (في المطبوعة: تعلق)، وكان ذا قدر بالكوفة وعلم ... " وانظر محاورته مع خالد بن سلمة المخزومي في البيان والتبيين 1: 336 والتاج. وذكره ابن دريد في الاشتقاق من شعراء التيم السّرندى وعلقة، وقال: "كانوا يجتمعون على هجاء جرير". (53) ف 32 ص 72 س 5: ورد في كلام النمري في التص: "فإنا أدّينا في تفسيرنا أن بعضهم يجامل بعضًا ... " كذا أثبت المحقق (أدّينا) بالدال المشددة من التأدية، وهو تحريف منه. صوابه كما في الأصل و (ب) وكتاب النمري: 84 (أرينا) بالراء المهملة من أرى يرى مبنيًا للمجهول. ولعل المحقق قرأ الراء دالاً وظنّ علامة الإهمال فوق الراء شدّة. وبقيت الضمة على الهمزة، فلم يلتفت إليها. (54) ف 32 ص 72 س 10: ورد في كلام الغندجاني: "والصواب ما أنشدنا أبو الندى رحمه الله، ثم وجدته بعده بخط إسحاق الأعرابي أخي أبي عبد الله كمثل: ونحن بنو عم على ذاك بيننا ... زآنب فيها بغضة وتنافس" وعلق المحقق على (إسحاق) بقوله: لعلها (ابن) الأعرابي، فقد روى

صاحب اللسان البيت عن ابن الأعرابي. انظر اللسان (زأنب) ". قلت: صحيح أن صاحب اللسان روى البيت عن ابن الأعرابي. ولكن إذا كان (إسحاق الأعرابي) محرّفًا من (ابن الأعرابي) فماذا يعني قوله (أخي أبي عبد الله)؟ ألابن الأعرابي أخ يكنى بأبي عبد الله وهو أشهر من ابن الأعرابي حتى يعرف به؟ ثم أليس ابن الأعرابي نفسه يكنى بأبي عبد الله؟ فكيف يستقيم (بخط أبي عبد الله أخي أبي عبد الله)؟ . الحق أن النص مستقيم لا غموض فيه ولا عوج. وإسحاق الأعرابي هو أخو أبي عبد الله بن الأعرابي كما قال الغندجاني، ويكنى بأبي العباس. وقد روى إسحاق هذا بعض كتاب النوادر عن مؤلفه أبي مسحل الأعرابي، كما ورد في مخطوطة الكتاب. انظر صورة صفحة العنوان التي ورد فيها اسمه في أول نوادر أبس مسحل (1). (55) ف 32 ص 72 س 13: وروى الغندجاني بعد البيت السابق تفسيره عن أبي الندى: "قال: قوله (على ذلك) أي على أننا بنو عم. والزآنب: القوارير. قال: ولا أعرف لها واحدًا". وعلق المحقق على كلمة (القوارير) بثوله: "في الأصول (القوارص) والتصحيح من اللسان". قلت: وهل يكفي ذلك لتخطئه ما في كتاب الغندجاني؟ وقد ورد (القوارص) في الأصل و (ب) وشرح التبريزي 1: 208 فيما نقله من هذه الفقرة. وكذا (القوارص) في محيط المحيط وأقرب الموارد عن شرح التبريزي. وإذا

_ (1) ثم رأيت مجلسًا لابن الأعرابي مع الحسين بن الضحاك بحضرة الواثق بالله، نقله الزجاجي برواية أخيه إسحاق هذا عنه: "قال إسحاق بن زياد أبو العباس أخو ابن الأعرابي: قال أبو عبد الله ابن الأعرابي: دخلت على الواثق بالله .... ". مجالس العلماء للزجاجي، تحقيق عبد السلام هارون، وزارة الإعلام، الكويت، 1984.

كان تعقيب التبريزي على كلام الغندجاني (وكذلك ذكر أبو هلال) شاملاً لرواية البيت وتفسيره معًا فمعنى الزآنب: القوارص عند أبي هلال أيضًا، مما يرجح أنه هو الصواب في نص الغندجاني. وأخشى أن يكون (القوارير) تحريفًا، فإن البيت الذي أنشد على هذا المعنى هو بيت أرطاة هذا لا غير ولم يظهر لي وجه القوارير في معنى البيت. أما "القوارص" ففسّر بها أبو العلاء رواية (الزرابيّ) أيضًا، فقال: "إذا صح أن الزرابي يراد بها العداوات والقوارص فهي من قولهم زربت البعم في زريبة إذا أدخلته فيها ..... وقيل إنها في ديوان أرطاة (زرائب) على مثال غرائب فكأنه جمع زريبة فجعل العداوة زريبة لأنها تزرب أي تدخل." انظر شرح التبريزي (1: 208. (56) ف 34 ص 74 ورد في النص المثل: "لن يروي الذود صبابات الوذم ... " كذا ضبط (يروى) بفتح حرف المضارعة، والصواب ضمها من الإرواء كما في الأصل و (ب)، ولعله خطأ مطبعي. (57) ف 35 ص 75: بداية الفقرة في الكتاب هكذا: "قال أبو عبد الله: قال عبد الله عنمة: لا تجعلونا إلى مولى يحلّ بنا ... عقد الحزام إذا ما لبده مالا قوله (يحل بنا عقد الحزام) أي إذا أراد حل عقد حزامع حلّه بإنشاد هجائنا مستريحًا إليه متعللاً به ... ". هذا كلام النمري ويتلوه ردّ الغندجاني. قلت: طريقة المؤلف في ترتيب نقداته في هذا الكتاب أنه ينقل أولاً البيت من كتاب النمري، ثم ينقل تفسيره إذا كان نقده موجهًا إليه ويذكر النمري بكنيته (قال أبو عبد الله) مرتين: مرة قبل إيراد البيت وأخرى قبل إيراد تفسيره. وقد التزم الغندجاني هذه الطريقة في الكتاب كله. فلم يخلّ بها إلا في أربع فقرات من 93 فقرة وهي الفقرات 10 و 77 و 35 و 82. أما الفقرتان 10 و 77 فورد فيهما قبل البيت (قال أبو عبد الله)

وقبل التفسير (قال) فقط، فلا بأس، ولكن في الفقرتين 35 و 82 بدأ التفسير في الأصل بعد البيت من غير فصل. فزاد الشنقيطي في الفقرة 82 (قال أبو عبد الله) وفاته ذلك في هذه الفقرة 35. ولعلّ هذا الإخلال بطريقة المؤلف من قبل النساخ. (58) ف 35 ص 75 الهامش 4: قال المحقق في تعليقه على البيت السابق: " ... وورد في شرح المرزوقي ق 189/ 4 ج 2/ 584 وشرح التبريزي 1/ 228 والمقطوعة عند التبريزي تزيد بيتًا خامسًا سيذكره الغندجاني بعد سطور". قلت: المقطوعة عند التبريزي 2: 70 كما هي عند المرزوقي وفي ديوان الحماسة أربعة أبيات. أما البيت الخامس فأورده التبريزي بعدما فرغ من شرح المقطوعة على أنه صلة البيت الرابع لا أنه جزء من الحماسية، ولذلك أغفل شرحه. أما الرافعي فزاده في متن الحماسية كما ذكر المحقق. والجدير بالذكر أن التبريزي نقل كلام الغندجاني ثم عقّب عليه بقوله: "وليس لردّه على النمري وجه، لأن الذي ذكره محتمل كثير في أشعارهم". (59) ف 36 ص 76: ورد في النص قول باعث بن صريم الغبري: إذ أرسلوني مائحًا بدلائهم ... فملأتها علقا إلى أسبالها كذا مرتين: مرة هنا في ص 76 في أول كلام النمري، وأخرى في ص 77 في آخر كلامه. وعلّق المحقق على الموضع الأول: "في الأصول (لدلائهم) والتصحيح من ديوان الحماسة وشرحية"، وترك الموضع الثاني دون تعليق أو إحالة على التعليق المذكور مما يوهم أن البيت ورد في الموضع الثان في "الأصول" برواية (بدلائهم) كما في الحماسة وشرحيه، والواقع أن في كلا الموضعين في الأصل و (ب) جميعًا (لدلائهم) بلام الجر. ولعلّ المحقق يقصد بالتصحيح أن رواية (بدلائهم) بباء الجر هي الرواية الوحيدة الثابتة في هذا البيت، لا أن "مائحًا لدلائهم" خطأ في اللغة، بدليل أن

هذا اللفظ بعينه ورد في بيت آخر لباعث بن صريم نفسه في آخر هذه الفقرة (ص 78)، وهو قوله: إذ أرسلوني مائحا لدلائهم ... فملأتها حتى العراقي بالدم وأثبته المحقق كما هو في الأصل ولم يعلّق عليه بشيء. وأرى أنه لا داعي إلى تصحيح، فلعله رواية أخرى في البيت توافق قوله الأخير الذي ذكرته آنفًا. وزد عليه أن العلاّمة الميمني كذا أثبت في اللآلي 476 (مائحا لدلائهم) وفي العقد 5: 212 في كلا البيتين (ماتحًا لدلائهم) من متح. (60) ف 36 ص 76 س 9: ورد في النص في كلام النمري عن أبي رياش: "كان عمرو بن هند بعث وائل بن صريم أخا باعث هذا ساعيًا على بني تميم، فبينا هو جالس على شفير بئر يجمع الصدقات ... " علّق الشنقيطي هنا في هامش نسخته: "قف هنا على هذا الخطأ الواضح لا صدقات في الجاهلية". قلت: قد أغفل المحقق هذا التنبيه الذي كان أحق بالإثبات من كثير مما جاء في حواشيه. (61) ف 36 ص 77 س 3: ورد في النص نفسه عن أبي رياش: "فآلى أن يقتل [من] بني تميم حتى تمتلئ دلوه من البئر". كذا أثبت المحقق [من] بين الحاصرتين وقال في الهامش: "زيادة لازمة ليست في الأصول". قلت: لا لزوم لها، والكلام سليم في عربيته، وأراد أنه آلى أن يوقع القتل فيهم حتى .... وجاء هذا الأسلوب مرة أخرى في هذه الفقرة نفسها فيما روى الغندجاني عن أبي الندى من هذه القصة في ص 78 س 5 (وآلى أن يقتلهم على دم وائل حتى يلقي دلوه فيمتلئ دمًا) فلم يقل: (أن يقتل منهم) وسكت المحقق في هذا الموضع. فإن كنت (من) لازمة لا يصح بدونها الكلام فلماذا أبقاه المحقق على خطئه! ثم أثبت المحقق (تمتلئ) بتأنيث الفعل، فصحّف، وأسقط بعد "دلوه"

(دمًا) والصواب "حتى يمتلئ دلوه دمًا من البئر" كما في الأصل و (ب) ونقله محقق كتاب النمري: 262 على الصواب. (62) ف 36 ص 77 س 8: قال الغندجاني: "هذه القصة التي ذكرها أبو عبد الله عن أبي رياش ناقصة، وهي مختلفة أيضًا ليست على نظامها". كذا أثبت المحقق (مختلفة) من الاختلاف، وهو تحريف منه، صوابه (مختلّة) من الاختلال كما في الأصل و (ب). (63) ف 37 ص 79: ورد فيما نقله الغندجاني من كلام النمري في شرح قول عبد الله بن عنمة: فإن ابيتم فأنّا معشر أنف ... لا نطعم الخسف إن السمّ مشروب "يريد بالسم الموت لا السم المعروف. وقوله (مشروب) أي كل أحد يشرب ولا يعفى منه ولا يراح عنه. كقولك: إن الحوض مورود، يريد به الموت أيضًا". أولاً: أثبت المحقق (راح) بالراء المهملة وكذا فيما نقله محقق النمري: 262 من هذا الكتاب. وهو غير واضح في صورة الأصل عندي ولكن الشنقيطي كتب (يزاح) بالزاي. ثانيًا: جاء في النص (يريد به الموت) بإسناد الفعل إلى الغائب، وكذا في الأصل والخزانة 8: 467، والصواب (تريد) بإسناده إلى المخاطب كما في (ب) وهو مقتضى السياق لأنه قال (كقولك). (64) ف 37 ص 79: عقب الغندجاني على كلام النمري في شرح البيت المذكور بقوله: "هذا موضع المثل: ما طعنت في حوضه". كذا أثبت المحقق (حوضه) بالضاد المعجمة هنا في النص وفي فهرس الأمثال في ص 211. وقال في تعليقه عليه: "الطعن الدخول في الشيء. أراد

ما بلغت لباب المعنى". ولم يخرِّخه. وهو تصحيف في الأصل، صوابه (حوصه) بالصاد المهملة كما في نسخة الشنقيطي -ولم يستعن بها المحقق الكريم- وشرح التبريزي 2: 71. وهو من أمثالهم المشهورة ويستعمل على وجوه. قال الزمخشري في الأساس (حوص): "ويقال (لأطعننّ في حوصهم) أي لأفسدنَّ ما أصلحوا. و (ما طعنت في حوصها) أي لم تصب في جوابها. و (طعنت في حوص أمر لست منه في شيء) إذا تكلم فيما لا يعنيه .... " وانظر المثل في اللسان (حوص). (65) ف 38 ص 80: ورد في النص في كلام النمري: "قال الباهلي صاحب كتاب المعاني .... " وهو تفسير لبيت من أبيات عبد الله بن عنمة. فعلّق عليه المحقق بقوله: "ورد خبر كتاب المعاني بلا زيادة في الخزانة 3: 579. ولم أتوصل إلى معرفة المزيد عن هذا المؤلف الباهلي". قلت: قد نقل البغدادي في الموضع المذكور هذه الفقرة برمّتها بما فيها كلام النمري ونقد الغندجاني من هذا الكتاب. وكان حق هذا التعليق أن يشار فيه إلى ذلك. أما الباهلي فهو الإمام أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي المتوفى سنة 231 هـ صاحب الأصمعي. وقد ذكر ابن النديم: 61 من مؤلفاته "كتاب أبيات المعاني. وقد شرحه تلميذه لغدة الأصبهاني، وسمّاه ابن النديم: 89 "شرح كتاب المعاني للباهلي". كما شرحه بندار بن عبد الحميد، وسمّاه القفطي "شرح معاني الباهلي". انظر الإنباه 1: 257 و 3: 43، وانظر معجم الأدباء 3: 81 ومقدمة محقق ديوان ذي الرمة 1: 97 - 98. وقد أشار بروكلمان (الترجمة العربية 2: 161) إلى أن الجرجاني نقل نصّاً من كتاب المعاني للباهلي في كتاب الكنايات: 93. وانظر نصوصًا منه في التهذيب 2: 163 (قرأت في كتاب المعاني للباهلي .... )، و 5: 141 (وأنشد الباهلي في المعاني .... ) و 14: 385 (قال الباهلي في كتابه ... ). وساق القفطي

في الإنباه 3: 279 في ترجمة أبي عبيدة كلامًا للباهلي في المقارنة بين الأصمعي وأبي عبيدة فقال: "وزعم الباهلي صاحب كتاب المعاني .... "، ونقله ابن خلكان في الوفيات 5: 237. (66) ف 38 ص 80 س 7: بعدما أورد النمري تفسير البيت: فازجر حمارك لا يرتع بروضتنا ... إذن يردَّ وقيد العير مكروب عن الباهلي وابن الأعرابي، نقل قول ابن السكيت فقال: "قال يعقوب: هذا مثل، يقول: ردِّأمرك وشرّك عنا ولا تعرض لنا، فإلا تفعل يرجع عليك أمرك مضيّقًا". وعلّق المحقق على قوله (هذا مثل): "ورد في أمثالهم (أحد حماريك فازجري" في مجمع الأمثال (194) 1/ 50 وقوهم: (اربط حمارك إنه مستفر) واستفر بمعن نفر، يضرب لمن يؤذي قومه. انظر مجمع الأمثال (1658) 1/ 310 فلعل النظم غير في عبارة المثل". قلت: تعليق المحقق يدلّ على أنه فهم من كلام النمري أن قول الشاعر (فازجر حمارك) هو المثل عند ابن السكيت، وليس كذلك. وإنما يريد ابن السكيت أن قول الشاعر كله من زجر الحمار عن الرتع بالروض، وردّه مكروب القيد على سبيل المثل. (67) ف 38 ص 80 س 9: عقّب المؤلف على كلام النمري: "هذا موضع المثل: عيٌّ ناطق أعيا من عيٍّ ساكت". وقال المحقق في تعليقه على المثل: "ورد في مجمع الأمثال (495) 2/ 29 وفيه (خير) بدل (أعيا) ". قلت: المثل الوارد في مجمع الأمثال في الموضع الذي أحال عليه المحقق بلفظ (عيّ صامت خير من عيّ ناطق) (1).

_ (1) [يحسن أن نضيف: وعلى هذه الرواية التي جاءت في مجمع الأمثال، فإن قول المحقق في تعليق: "ورد في الأمثال (2495) 2/ 29، وفيه (خير) بدل (أعيا) ... " خطأ محض. ف (خير) لا يصح أن تأتي بدل (أعيا) في المثل الذي ذكره أبو محمد الأعرابي وهو

(68) ف 39 ص 82: ورد في كلام النمري في تفسير قول برج بن مسهر الطائي: فمنهن ألاّ تجمع الدهر تلعة ... بيوتًا لنا يا تلع سيلك غامض "قال ابن الأعرابي: التلعة مسيل الماء ويقال في مثل: "ما أخاف إلا من سيل تلعتي". أي من بني عمي وقرابتي ... ". وعلّق المحقق على المثل فقال: "لم أجد المثل بنصه، غير أن لديهم في الدلالة على العداوة بسيل التلعات قولهم في المثل "ما أقوم بسيل تلعاتك" انظر مجمع الأمثال (3845) 2/ 278. قلت: قول ابن الأعرابي بنصه في اللسان والتاج (تلع)، وانظر المثل بعينه في المستقصى 2: 310 قال: "يضربه الخائف من أقربائه ومداخليه". هذا والصواب في رقم المثل الذي ذكرى المحقق (3844). (69) ف 39 ص 82: ورد في النص بعد الكلام السابق متصلاً: "والكلام تمّ عند قوله (بيوتًا لنا) ... " كذا أثبت المحقق (تمّ) الفعل الماضي من التمام. وهو تحريف. صوابه (يتمّ) المضارع منه كما في الأصل و (ب) وشرح البتريزي 2: 86 وكتاب النمري: 106. (70) ف 39 ص 82: في كلام المؤلف: "هذا موضع المثل: يا نعام إني رجل مضرب في الحمق". وعلّق عليه المحقق بقوله: "مثل يضرب عند الهزء بالإنسان لا يحذر ما حذِّر. انظر قصته في مجمع الأمثال (4707) 2/ 420. ويبدو أن الغندجاني زاد فيه للتوضيح، فنصه عند الميداني "يا نعام إني رجل"، والمضرب المقيم".

______ = (عي ناطق أعيا من عي ساكت) لأنها تؤدي إلى عكس المعنى المراد. وإنما تصح كلمة (خير) في المثل الذي أورده الميداني وهو: (عي صاما خير من عي ناطق)، وكان أبو محمد الأعرابي قد أورد هذه الرواية في الفقرة (8)، ص 40/ المجلة].

لا أوافق على رأي المحقق الفاضل أن الغندجاني يزيد أو ينقص في المثل أو يضع المثل أحيانً. ولا يكفي لإثبات ذلك عدن ورود مثل في كتب الأمثال أو اختلاف لفظه عن لفظها. أما هنا فإنّ المحقق هو الذي زاد في المثل، ولم ينظر، ولم يتثبت، إذ أقحم هامشًا في النص، وأخطأ في قراءة الهامش. فالمثل الوارد في النص في الأصل و (ب) كليهما: (يا نعام إني رجل) كما هو عند الميداني. وفيهما هامش: "يضرب في الحمق". يعني المثل. وفي الأصل كتب فوق الهامش كلمة (حاشية)، ومع هذا التصريح ظنه المحقق لحقًا وأقحمه في النص. وحرّف (يضرب) فأثبت (مضرب) اسم الفاعل من الإضراب وفسّره بمعنى المقيم، وكذا أورد المثل في الفهارس ص 212. وقد أثبت العلاّمة حمد الجاسر في مقاله في مجلة العرب هذا المثل والهامش على الصواب: "يا نعام إني رجل (في الهامش: يضرب في الحمق) " انظر المجلة 9: 276. وقد نقل التبريزي أيضًا هذا الهامش بنصه بعد المثل تفسيرًا له -على طريقته- فيما نقل من هذه الفقرة في شرح الحماسة 2: 86. (71) ف 40 ص 83 الهامش 3: "الأبيات لقبيصة بن النصراني في ... وشرح التبريزي 1/ 247 ونقل الأخير معظم ردّ الغندجاني وروايته". كلام المحقق يصدق على شرح الرافعي. أما التبريزي 2: 88 فقد نقل الفقرة بحذافيرها، بما فيها كلام النمري ورد الغندجاني. (72) ف 40 ص 84: تمثل الغندجاني بالمثل: "ذهب ابن فسوة في بنات طمار". وعلّق المحقق عليه فقال: "تقول العرب وقع فلان في نبات طمار" أي في داهية وشدة. وهو من طمرت الشيء إذا أخفيته، ومنه المطمورة الحبس. انظر اللسان (طمر) ". قلت: المثل في المستقصى 2: 87 والميداني 1: 281 وفيهما (المحلِّق) بدلاً من (ابن فسوة) وقال الميداني: "يضرب فيما يذهب باطلاً". وقال

الزمخشري: "يضرب للمتمني ولمن يجاوز قدره". وفي الأصل و (ب) كليهما هامش بجانب المثل: "هذا المثل يضرب في الأباطيل". وأثبته التبريزي في شرحه 2: 88 بعد المثل تفسيرًا له. وكان هذا الهامش جديرًا بأن يسترعي انتباه المحقق ولكنه أغفله كما أغفل غيره من هوامش مفيدة. وقد نقل الأستاذ حمد الجاسر هذا الهامش في الأمثال في مقاله المشار إليه من قبل. (73) ف 41 ص 85 س 6: في النص: "وإن عنى بذلك أنك كنت تصغر عن العلل والنهل وتصبو، فحملك عليهما لطفًا بك ورحمة لك -فإن ذلك في الحال التي كنت فيها مولودًا- كان حسنًا". كذا أثبت المحقق (فحملك) وضبط الميم واللام بالفتحة. وهو تحريف، صوابه في الأصل و (ب) كليهما (فنحملك) المضارع المسند إلى المتكلمين من (حمل). وقد أثبته محقق كتاب النمري في ملحقه: 264 على الصواب. (74) ف 41 ص 86 س 9: ورد في النص: "وهذا في نهاية البرّ به والإفضال عليه .... ". قلت: صواب النص كما في الأصل و (ب) كليهما: "وهذا نهاية في البرّ به" فقدّم المحقق وأخرّ. ومثله قول المؤلف في الفقرة 66 ص 126: "وهذا نهاية في الحيرة تكون عند مفارقة الأحباب". (75) ف 42 ص 87 الهامش 2: "البيت في ..... والتبريزي 1/ 324 ونقل الأخير عن الغندجاني خبر القصيدة ... ". قلت: هذا في شرح الرافعي. أما التبريزي 2: 141 فقد نقل شرح الغندجاني البيت بلفظه، من غير غزو إليه، ثم أتبعه قصة الأبيات عن الغندجاني. (76) ف 43 ص 88 الهامش 1: "هو شقيق بن سليك الأسدي ... وهو شاعر إسلامي مقل كما في شرح الحماسة للتبريزي 1/ 324 ... ".

قلت: قد اكتفى التبريزي 2: 141 بعزو الأبيات إلى "شقيق بن سليك الأسدي"، ولم يزد على ذلك شيئًا. وما نسبه إليه المحقق يصدق على شرح الرافعي. وفيه زيادة، قال: "وهو أحد بني أسد بن خزيمة بن مضر أو من بني أسد بن ربيعة بن نزار". قلت: الصواب الأول، فهو من بني مالك بن ثعلبه بن دودان بن أسد بن خزيمة، وسيأتي نسبه. (77) وقال المحقق في الهامش نفسه: " ... وله في اللسان (حرم) قصيدة في أحد عشر بيتًا في الحجّ والإحرام". قلت: قد تجسم المحقق عناء البحث عن هذه الأبيات في لسان العرب، ثم عدّها عدّاً فكانت أحد عشر بيتًا، وقيّد ذلك في تعليقه؛ ولم يجد سعة من الوقت ليقرأها قراءة سريعة. وفي خلال تعداد الأبيات وقع بصره على كلمتين: (أحرمت) في البيتين الأولين و (طوفي) في البيت الثالث فظنّ -والظن هنا بمعنى اليقين- أن موضوع الأبيات هو الإحرام والطواف بل الحج. وهل الطواف والإحرام إلا من أعمال الحج وأركانه! وكنت لما قرأت هذا الهامش أعجبني أن يكون لشاعر من الشعراء أحد عشر بيتًا في الإحرام والحج، ورغبت في الاطلاع عليها لأعرف هل وصف الشاعر فيها مناسك الحج فتكون من الشعر الديني الذي يضاف إلى مجموعات شعر الدعوة الإسلامية التي نشرت في السنوات الماضية، أو سلك فيها الشاعر مسلك ابن أبي ربيعة أو الشريف الرضي من الشعراء الغزلين. فرجعت إلى اللسان. فإذا بأبياته المعدودة من ملح الشعر ومستطرفه، ورأيت إحرامًا ولكن دون ميقات، ووجدت طوافًا وليس بالبيت العتيق! ومالي لا أطرفكم بها -معشر المحققين- عسى أن يكون بعض هزلها وبطالتها جمامًا للنفس وعونًا على ما تلاقونه من جدّ البحث وجهد التحقيق! قال: ونبئتها أحرمت قومها ... لتنكح في معشر آخرينا

فإن كنت أحرمتنا فاذهبي ... فإنّ النساء يخنّ الأمينا وطوفي لتلتقطي مثلنا ... وأقسم بالله لا تفعلينا فإما نكحت فلا بالرِّفاء ... إذا ما نكحت ولا بالبنينا وزوِّجت أشمط في غربة ... تجنّ الحليلية منه جنونًا خليل إماء يراوحنه ... وللمحصنات ضروبًا مهينا إذا ما نقلت إلى داره ... أعدّ لظهرك سوطًا متينا وقلّبت طرفك في مارد ... تظلّ الحمام عليه وكونا يشمُّك أخبث أضراسه ... إذا ما دنوت فتستنشقينا كأن المساويك في شدقه ... إذا هنَّ أكرهن يقلعن طينا كأن توالي أنيابه ... وبين ثناياه غسلاً لجنيا وهي ستة عشر بيتًا في الأشباه والنظائر 2: 237 - 238 منسوبة إلى السليك بن السلكة (؟ ) وجاء في اللسان قبل الأبيات: "وحرمه الشيء يحرمه حرمًا بكسر الراء وحرمةً وحريمة وحرمانًا وأحرمه أيضًا إذا منعه إياه وقال يصف امرأة: ونبئتها أحرمت قومها ... لتنكح في معشر آخرينا قال ابن برّي: وأنشد أبو عبيد شاهدًا على (أحرمت) بيتين متباعدًا أحدهما من صاحبه، وهما في قصيدة تروى لشقيق بن السليك، وتروى لابن أخي زرّ بن حبيش الفقيه القارئ، وخطب امرأة فردّته فقال: .... " فالشاهد في هذه الأبيات ورود (أحرم) بمعنى (حرم) أي منع في البيتين الأولين، فأستاذنا المحقق لا وقف على السياق، ولا قرأ الأبيات، وإنما قيّد عددها، وليته اقتصر على ذلك! هذا وينبئ كلام ابن بري بأن الأبيات يتنازعها شاعران: أحدهما شقيق ابن السليك والآخر ابن أخي زرّ بن حبيش. والحق أنّهما واحد، فإنّ شقيقًا هو ابن أخي زرّ بن حبيش بن حباشة. وهو شقيق بن السُّليك بن حبيش بن حباشة

بن أوس بن بلالي بن سعد بن حبال بن نصر بن غاضرة الأسدي. انظر جمهرة الكلبي: 185 (1: 261 ط دمشق، تح محمود العظم) وكذا فيه (بلاليّ) بالياء في آخره، وفي تهذيب التهذيب 3: 321 (بلال وقيل هلال). (78) ف 43 ص 88 الهامش 2: "الأبيات في ديوان الحماسة ... ج 1/ 384 وتررد أبو تمام في نسبتها بين: "معبد بن علقمة وابن أبي شريك الأسدي" وهي بلا نسبة في شرح المرزوقي ج 2/ 777 وشقيق بن سليك الأسدي في شرح التبريزي 1/ 325 أخذًا برأي الغندجاني". إني متحفظ غاية التحفظ في إسناد التردد في نسبة الشعر إلى أبي تمام. ومن تأمل عبارات الإنشاد الواردة في نسخ الحماسة وشروحها، وقارن بينهما، لم يشك في أن اختلافها يرجع إلى كثرة من تداولها من العلماء والأدباء الذين رووها وقرؤوها وتناولوها بالشرح والاختيار، زد على ذلك تصرف النساح وسهوهم. ولنأخذ مثلاً عبارة الإنشاد لهذه الحماسية فهي: (1) "وقال الأسدي" في كتاب النمري المتوفى سنة 359 هـ، ونسخة إسماعيل صائب المنسوخة سنة 426 هـ، وهي أقدم النسخ التي اعتمد عليها محقق الحماسة. وكذا في معجم البلدان 2: 395 - 396 واللسان (ضجع) و (جعل). (2) "وقال آخر" في شرح المرزوقي المتوفى سنة 421 هـ. (3) "وقال الضحاك الأسدي" في نسخة أسعد أفندي المنسوخة سنة 431 هـ. (4) "وقال شقيق بن سليك الأسدي" في شرح التبريزي المتوفى سنة 502 هـ ونسخة تلميذه الجواليقي: 219 ونسخة الزاوية الحمزاوية التي يعتقد أنها بخط الجواليقي أيضًا. (5) وفي نسخة دار الكتب المنسوخة سنة 591 هـ والمقروءة على أبي

الفتح عثمان بن عيسى البلطي سنة 599 هـ التي جعلها محقق الحماسة أمّا وأصلاً هذه العبارة الطويلة: "وقال معبد بن علقمة ويقال: إنها لابن أبي شريك الأسدي، قالها أيام كان الضحاك بن قيس الفهري على الكوفة، وذلك أنه كان وجّه جيشًا إلى خراسان، وذاك في إمرة معاوية فأخرج ابن أبي شريك بديلاً من جرم، فبلغ ذلك الضحاك فغضب وأوعده ثم قال: "أتاني" ثم كلّم الضحاك في أمرع فعفا عنه، فقال الجرمي في ذلك: كفاك الطعن يا ابن أبي شريك ... فوارس غير دودان بن غنم فوارس يطعنون الخيل شزرًا ... وأمّك بين سابية وكرم خنست وكنت خنّاسًا خنوسًا ... وقدنا الخيل نحو خواررزم كفيناك الجهاد وأنت عبد ... لئيم الجدّ ما ترمي بسهم" فزعم الأستاذ المحقق أن أبا تمام هو صاحب هذه العبارة الطويلة، لأنّ محقق الحماسة اتخذ نسخة دار الكتب أصلاً، فأثبت ما جاء فيها. وقد أشار إلى اختلاف النسخ في الهامش ولكن لم يلتفت إليه الدكتور سلطاني، واتهم أبا تمام بالتردد في نسبة الشعر. فلو اعتمد المحقق نسخة الزاوية الحزاوية، فأثبت في النص (قال شقيق بن سليك الأسدي) لنوّه الأستاذ بأنّ أبا تمام سبق الغندجاني إلى نسبته لشقيق! ويبدو لي أن العبارة (قال الأسدي) التي جاءت عند أقدم شارح وصل إلينا شرحه وهو النمري، وفي أقدم نسخة عرفها محقق الحماسة وهي نسخة إسماعيل صائب أقرب ما تكون من أصل أبي تمام. أما نسبتها إلى (شقيق بن سليك الأسدي) فلعل مصدرها الغندجاني، ولكنها انتشرت عن طريق التبريزي الذي أثبتها في شرحها من غير إحالة على الغندجاني، وعن طريق تلميذه الجواليقي. وأما نسبتها إلى (الضحاك الأسدي) في نسخة أسعد أفندي فأراها

غلطًا نشأ من الخلط بين الشاعر (الأسدي) وبين (الضحاك) بن قيس الفهري الذي اعتذر إليه الشاعر بهذه الأبيات وذكره في أولها فقال: أتاني عن أبي أنس وعيد ... وسلّ تغيّظ الضحاك جسمي ومما يفيد التنبيه عليه هنا أن محقق الحماسة قد أدخل أبيات الجرمي الواردة في عبارة الإنشاد في حماسية ابن أبي شريك الأسدي (حسب هذه الرواية) ورقّمها ترقيمًا مسلسلاً، فأصبحت الحماسية عشرة أبيات بزيادة هذه الأربعة. وذلك واضح من قراءة عبارة الإنشاد التي جاءت لبيان مناسبة الشعر والتدليل على أنّها لابن أبي شريك، ويقول الجرمي في أولها: كفاك الطعن يا ابن أبي شريك (79) ف 43 ص 89: ورد في النص المثل "حجحجة في فجفجة" وفسّره المحقق من اللسان ثم قال: "ولم أجد المثل في كتب الأمثال لديَّ". هنا في الأصل و (ب) هامش يفيد إثباته إذ المثل نادر ولم يعثر المحقق عليه، وهو: "هذا المثل يضرب عند إعجاب الرجل بنفسه". في مجلة العرب 9: 276 (عن) مكان (عند) خطأ مطبعي. (80) ف 43 ص 89: أنشد الغندجاني قول ثمامة بن قيس الكلبي في الضحاك: أشهد أنّي لمروان سامع ... مطيع وللضحاك عاص مجانب وقال المحقق في تعليقه على (الكلبي): "شاعر أموي مقل، لم تذكره المصادر لديّ، وروى له الجاحظ بيتًا في وصف مزاحف الحيات في كتابه الحيوان 4/ 175". قلت: بيته في الضحاك أنشده البلاذري في أنساب الأشراف 5: 139، وفيه (مخالف) بدلاً من (مجانب) (1)، وسمَّى جد ثمامة، ودلّ على البطن الذي

_ (1) و "مخالف" تحريف، فإن البيت من مقطوعة بائية. انظر نقائض جرير والأخطل: 17.

ينتمي إليه من بطون كلب، فقال: "ثمامة بن قيس بن حصن أحد بني العبيد من كلب". (81) ف 43 ص 89: انتقد الغندجاني على النمري أنه لم يذكر من المعني بقول الأسدي: وأعطيت الجعالة مستميتًا ... خفيف الحاذ من فتيان جرم ثم قال إن المراد بهذه الصفة هو "حطّان بن خفاف بن زهير بن عبد الله بن رمح بن عرعرة بن نهار. وحطّان هو أبو الجويرية". قلت: ذكره ابن سعد في طبقاته 6: 322 في الطبقة الثالثة من طبقات الكوفيين، وقد روى عن ابن عباس ومعن بن يزيد السلمي وغيرهما، وعنه السفيانان وشعبة وغيرهم، وهو من رجال البخاري. انظر تهذيب التهذيب 2: 396 وفي التاج (حط): "وحطان بن خفان أبو الجويرية الجرمي غزا الروم مع معن بن يزيد السلمي وله حديث نقله ابن العديم في تاريخ حلب" (1). و (خفان) في التاج تحريف، صوابه (خفاف) وقد نصّ الحافظ في التقريب: 171 على ضبطه بضم المعجمة وفاءين الأولى خفيفة. هذا، ونقل التبريزي في شرحه 2: 142 كلام الغندجاني من غير إشارة إليه. (82) ف 45 ص 91: جاء في النص قول هشام أخي ذي الرمة: تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن العين بالماء مترع وهو من حماسية. ومنها قوله: خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهم ... وأمسى بأوفى قومه قد تضعضوا كتب المحقق تعليقًا طويلاً في عشرين سطرًا ترجم فيه لهشام، وذكر مصادر ترجمته، ثم أراد أن يحقق عدد إخوة ذي الرمة وكون أوفى منهم، وردّ

_ (1) انظر بغية الطلب تحقيق سهيل زكار، دار البعث، دمشق، 1988 م (2842، 4381).

على محقق البيان والتبيين والحيوان، ولكن لم يستقص، ولم يتثبت، فجاء بكلام غير محرّر لا محصّل له. 1 - قال: "هشام بن عقبة العدوي أحد إخوة ذي الرمة وهم أوفى ومسعود وكلهم شاعر ترجمته في ... وفي شرح أبيات المغني 5/ 209 - 2010 حيث زاد في إخوة هشام رابعًا وهو حرباس، وليس بثابت. فقد جاء في الشعر والشعراء أن إخوة ذي الرمة: هشام وأوفى ومسعود، وعند محقق البيان والتبيين 2/ 192 (الحاشية 3) والحيوان 7/ 164 (الحاشية 1) أن أوفى هو ابن عم ذي الرمة ... ". قلت ما أدري أيّ شيء غير ثابت عند المحقق الفاضل: أكون إخوة هشام أربعة، أم كون حرباس أحد إخواته؟ ولعله يقصد كلا الأمرين، لأنه ذكر في أول ترجمته أسماءهم: فهم هشام وذو الرمة وأوفى ومسعود. فليس لهشام أخ رابع، وليس منهم من اسمه حرباس. ولعله أراد أن يؤيد كلامه بما جاء في الشعر والشعراء، فأدحل الفاء على الجملة التالية (فقد جاء في الشعر والشعراء ... ) ولكنه بدأ بها سطرًا جديدًا، وأتبعها ردّه على الأستاذ عبد السلام هارون الذي زعم أن أوفى ليس من إخوته بل هو ابن عمه. فاستفاد المحقق من هذه الجملة الواحدة أمرين: تأييدًا للسابق وردًا على اللاحق! وبعد، فإنّ في عدد إخوة ذي الرمة قولين: الأول: أنهم إخوة ثلاثة: ذو الرمة وأوفى ومسعود. وهو قول ابن سلام في طبقات فحول الشعراء: 565 وابن دريد في الاشتقاق: 116. والثاني: أنهم إخوة أربعة: ذو الرمة ومسعود وجرفاس وهشام. وذلك، ما رواه أبو الفرج في الأغاني 18: 3 عن ابن الأعرابي، قال: "كان لذي الرمة إخوة ثلاثة: مسعود وحرفاس وهشام، كلهم شعراء" وهم أربعة عند ابن قتيبة أيضًا ولكن الثالثعنده (أوفى) مكان (جرفاس).

والملاحظ على ابن سلام وابن دريد أنهما أسقطا من إخوة ذي الرمة هشامًا، وهو معروف فيهم، وكان أكبرهم، وهو الي ربّى غيلان ذا الرمة، ولا يبعد عند الأستاذ محمود شاكر أن يكون (جرفاس) لقب (أوفى) بن عقبة أخي ذي الرمة (طبقات فحول الشعراء 2: 565 الهامش 3) ويؤيده ما جاء في الحكاية التي رواها ثعلب في أماليه 1: 31 (1: 39 الطبعة الأولى من مجالس ثعلب) عن عصمة بن مالك قال: "وكان له إخوة يقولون الشعر منهم مسعود، وجرفاس -وهو أوفى- وهشام". وقد رواها صاحب الأغاني 18: 50 أيضًا ولكن لم يرد فيها عنده ذكر إخوة ذي الرمة. ونقلها السيوطي في شرح شواهد المغني 2: 617 وفيها ذكر الإخوة، إلا أن الجملة (وهو أوفى) غير واردة فيها. و(جرفاس) هذا هو الذي تصحّف اسمه في شرح التبريزي 2: 147 وشرح شواهد المغني 2: 617 بـ (خرفاس) بالخاء المعجمة والفاء، وفي شرح أبيات المغني بـ (حرباس) بالحاء المهملة، والباء الموحدة. ولا أصل لهما في اللغة. أما الجرفاس بالجيم المكسورة والفاء فهو: الأسد الهصور، والشديد من الرجال، والجمل العظيم الرأس، وقيل الغليظ الجثة، ومثله جرافس بضم الجيم. انظر التاج (جرفس) والجرفاس من أسمائهم، فكان جعفر بن جرفاس المنقري "من عبّاد أهل البصرة المعدودين" انظر الاشتقاق: 252. 2 - أما المرثي بهذا الشعر (تعزيت عن أوفى بغيلان بعده) فروى أبو الفرج 18: 3 عن الأصمعي أن "مسعودًا يرثي بهذا الشعر أخاه ذا الرمة ويرثي أوفى بن دلهم ابن عمه، وأوفى هذا أحد من يروى عنه الحديث". ونقل ذلك البكري في اللآلي: 586 فقال: "وقال علي بن الحسين عن ابن حبيب وابن الأعرابي: إخوة ذي الرمة مسعود وهشام وجرفاس، ولم يكن فيهم من اسمه أوفى، وأن مسعودًا

منهم رثى بشعره هذا أخاه غيلان وأوفى بن دلهم ابن عمهما"، ثم صوّبه بقوله: "وما أخلق هذا القول بالصواب! " والأستاذ محمود شاكر الذي لا يبعد عنده "أن يكون (جرفاس) لقب أوفى بن عقبة"، أيضًا يقول: "ولكنه غير أوفى بن دلهم الذي جاء ذكره في شعر مسعود" ... وأوفى بن دلهم العدوي روى عن نافع ومعاذة العدوية، وثقه النسائي وحسّن الترمذي حديثه. فهذا بلا شك غير أوفى بن عقبة أخي ذي الرمة" وهذا غير ما ذهب إليه المرزوقي في شرح هذا الشعر ونقله التبريزي بعد تصرف، وسيأتي الكلام عليه. 3 - أما الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله فإنه اعتمد أيضًا على قول الأصمعي وابن الأعرابي، فقال في تعليقه على البيان والتبيين 2: 192: " ... والتحقيق أنه لمسعود أخي ذي الرمة يرثي ذا الرمة، وابن عمه أوفى بن دلهم. انظر الأغاني (16: 107) والشعراء لابن قتيبة" وكذا في تعليقه على الحيوان 7: 164، وأحال على تعليقه في 6: 506 حيث أنشد الجاحظ قول أخي ذي الرمة: ولم ينسي أوفى الملمات بعده ... ولكن نكء القرح بالقرح أوجع فقال في حاشيته: "هو مسعود، كما في الشعراء: 127 والأغاني (16: 107) وأوفى هذا هو أوفى بن دلهم، ابن عم ذي الرمة، وكان أحد رواة الحديث الثقات، ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب. وذكر انب قتيبة أن "أوفى" هذا أخ لذي الرمة والصواب أنه ابن عمه. وقيل البيت ... " وأنشد الأبيات الأربعة التي اختارها أبو تمام مع البيت المذكور. وبيّن من تعليق الأستاذ عبد السلام هارون أنه يرى أن الشعر لمسعود، وأنه في رثاء أخيه غيلان وابن عمه أوفى بن دلهم. وأحال على مصدرين: الأغاني، والشعر والشعراء. أما الأغاني فلأن موضع الإحالة فيه يتضمن كلا الأمرين، وأما الشعراء فلأن ابن قتيبة أثبت الشعر لمسعود إلاّ أنه قال إنّ أوفى

أخو مسعود، فردّ عليه الأستاذ عبد السلام. وتأمل بعد ذلك كلام الدكتور محمد علي سلطاني وردَّه على الأستاذ عبد السلام هارون إذ يقول في حاشيته الطويلة: "فقد جاء في الشعر والشعراء أن إخوة ذي الرمة: هشام وأوفى ومسعود، وعند محقق البيان والتبيين 2/ 192 (الحاشية 3) والحيوان 7/ 164 (الحاشية 1) أن أوفى هو ابن عم ذي الرمة، وأن اسمه (أوفى بن دلهم) كأنه استنتج هذا من قول صاحب المرثية: خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهم ... وأمسى بأوفى قومه قد تضعضوا فإذا صح أن أوفى هو ابن دلهم فليس أخًا لذي الرمة، وإخوته هشام ومسعود، لأنهم جميعًا أبناء عقبة بن بهيش ... كما في جمهرة الأنساب ص 200". "كما أننا إذا انطلقنا من بيت المرثية المتقدم فأبو أوفى ليس بالضرورة دلهم لأن الذي يفهم من هذا البيت أن الشاعر يرثي اثنين: أحدهما بان دلهم وله في المسجد المذكور شأن، وأوفى وهو جليل في قومه. وقد أخذ بهذا الفهم شارحا الحماسة المرزوقي والتبريزي .. " قلت: أشار الدكتور سلطاني إلى تعليق الأستاذ عبد السلام هارون في البيان والتبيين 2: 192 والحيوان 7: 164، وأغفل التعليق الذي قد استوفى فيه صاحبه الكلام، وقد أثبتناه آنفًا، والأستاذ عبد السلام نفسه أحال عليه في الحيوان 7: 164 تجنبًا للتكرار. وكان هذا التعليق أولى تعليقاته بالنظر فيه، والاستفادة منه، والإشارة إليه، ولكن الأستاذ المحقق أعجله التحقيق، فلم يرجع إلى الأغاني مطلقًا في كلامه كله في إخوة ذي الرمة، وقلّ من تكلم في هذه القضية ولم يرجع إلى الأغاني، ثم تخيّل أن عبد السلام هارون استنتج هذا من الشعر! مع أنه بنى رأيه على نص صريح للأصمعي وابن الأعرابي أثبته صاحب الأغاني وصوّبه البكري كما رأينا. 4 - ثم قول الدكتور سلطاني: "الذي يفهم من هذا البيت أن الشاعر يرثي

اثنين ... الخ" يعني أن الشاعر رثى بهذه الأبيات ثلاثة أشخاص: أخويه غيلان بن عقبة، وأوفى بن عقبة، وثالثًا يعرف بابن دلهم له شأن في المسجد المذكور، لأنّه قال في بيت آخر منها وهو أول الحماسية: تعزيت عن أوفى بغيلان بعده وقالوا إن الشاعر قال هذه الأبيات بعد موت أوفى ثم غيلان ذي الرمة، فإذا زدنا ابن دلهم كانوا ثلاثة. وهذا لم يقل به أحد من الرواة والشارحين، ولكن نسب المحقق الفاضل هذا الفهم إلى المرزوقي والبريزي، قال: " .. وقد أخذ بهذا الفهم شارحا الحماسة: المرزوقي التبريزي. ففي المرزوقي ق 264/ 4 ج 2/ 795 قوله بعد بيان مفصل: " ... أراد أن يشبه تضعضع القوم بموت أوفى بخراب المسجد بموت ابن دلهم، فلم يأت بلفظ التشبيه إذ كان معناه في الكلام مفهومًا" وقال التبريزي في شرحه 1/ 329 " ... إن المسجد الذي بناه ابن دلهم خوى وتساقط بناؤه إذ كان هو القائم بأمره وإن أوفى كان قوام عشيرته فلما مات اضطربت أحوالهم". انتهى. وأحب أن أثبت "البيان المفصل" أيضًا حتى لا تبقى شبهة، قال المرزوقي: "ابن دلهم كان السبب في عمارة المسجد الذي أشار إليه، فلما مضى لسبيله صار المسجد خاليًا إذ كان هو المراعي والمتفقد لصلاح أمره. وأوفى -يعني الذي يرثيه- كان قوام أمر عشيرته به، وانتظام شؤونهم بمكانه. فلما ثلّ عرشه وأصيبوا به اضطربت أحوالهم واتضعت رتباتهم، فصاروا بعده كالمسجد المعمور بعد ابن دلهم، أراد أن ... ". هذا نص كلام المرزوقي، وهو واضح كل الوضوح، وهو مبني على افتراض أن ابن دلهم غير أوفى، ولكن لا يعني المرزوقي أبدًا أن الشاعر يرثي بهذا البيت اثنين: أوفى وابن دلهم. وإنما يقصد أنه يرثي به أوفى لا غير، ولكن يشبّه ما أصاب قومه بعد موته من اضطراب بما أصاب المسجد المعمور بموت

ابن دلهم من خراب. ولا أدري كيف التبس هذا الكلام العربي المبين على الأستاذ المحقق. أما التبريزي فنقل عبارة المرزوقي بتصرف يسير حسب عادته، ولم يبال -وتلك آفة التقليد- بمناقضة هذا التفسير لما قاله في عبارة الإنشاد، وهو عين الصواب (قال هشام بن عقبة العدوي أخو ذي الرمة يرثي أوفى بن دلهم وذا الرمة غيلان) فقال في شرح البيت: "وابن دلهم كان السبب في عمارة المسجد الذي أشار إليه، فلما مضى لسبيله كان المسجد خاليًا إذ كان هو المراعي له والمتفقد لصلاح أمره، كأنه يريد أن أوفى كان قوام عشيرته فلما مات اضطربت أحوالهم، فصاروا بعده كالمسجد المعطل بموت ابن دلهم، فلم يأت بلفظ التشبيه إذ كان معناه من الكلام مفهومًا". هذا نص التبريزي، لا ما نقله الدكتور سلطاني من شرح الرافعي الذي نقل بدوره عن التبريزي بتصرف، وأساء في تصرفه إذ حذف معنى التشبيه، ففهم منه الدكتور سلطاني ما فهم، ثم نسبه إلى المرزوقي، ولم ينعم النظر في كلامه. والذي اوهم المرزوقي أن (أوفى) و (ابن دلهم) شخصان، ففسّر البيت على التشبيه هو مجيء الاسم في بيت واحد على وجهين، وقله اعتنائه في شرحه بالأنساب. والخوف من مثل هذا الخطأ في فهم الشعر دعا النمري إلى تفسير قول الأسدي: أتاني عن أبي أنس وعيد ... فسلّ تغيظ الضحاك جسمي ولم أعص الأمير ولم أربه ... ولم أسبق أبا أنس بوغم فقال: ليس في الأبيات كبير معنًى ولكن ذكر أبي أنس والضحاك والأمير يشكل ويلتبس على من لم ينعم النظر، والمعني بهذه الثلاثة رجل واحد، وهو الأمير، وكنيته أبو أنس، والضحاك" انظر إصلاح ما غلط فيه النمري: 88.

(83) ف 45 ص 91 س 4: ورد في كلام النمري تفسير البيت السابق عن الديمرتي وجماعة: "يقول: مات أوفى وطال الزمان ثم مات ذو الرمة فجاءني حزن شديد، فتعزيت عن أوفى وصرفت همي إلى الحزن الجديد" وقال المحقق في هامشه على كلمة (شديد): "كذا في الأصول (شديد) بالشين". قلت: وكذا في شرح التبريزي 2: 148، وقد نقل هذه الفقرة بنصّها. والصواب: (جديد) كما في كتاب النمري 116 (1)، ويدلّ عليه قوله في آخر التفسير (وصرفت همي إلى الحزن الجديد). (84) ف 45 ص 93: بعدما انتقد الغندجاني تفسير النمري والديمرتي فسَّر نفسه البيت واستدلّ على كلامه بقول الشاعر في هذه القصيدة: ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكن نكء القرح بالقرح أوجع وهذا آخر الفقرة، وهنا علّق المحقق على البيت، فخرّجه في ديوان الحماسة وشرحيه -ولا داعي لذلك فقد مضى من قبل- ثم ذكر الخلاف في نسبة الشعر وأفاض فيه. قلت: كان الأولى بهذا التعليق البيت الأول (تعزيت عن أوفى .... ) في أول الفقرة في ص 92 وعليه مدار الفقرة، ولكنه اكتفى هناك بتخريجه في ديوان الحماسة وشرحيه، وأخّر الكلام في نسبة الشعر إلى البيت الثاني الذي جاء في معرض الاستدلال! ويحسن الإشارة هنا إلى ما قاله البكري في اللآلي 1: 585: "فنسب أكثر العلماء هذا الشعر إلى مسعود ... ". (85) ف 46 ص 94 س 2: ورد في النص المثل: "الكمر أشباه الكمر". وخرّجه المحقق في مجمع الأمثال (3105) 2/ 56 ... ".

_ (1) وكذا نقله ابن السيد عن النمري في طرره على الكامل. انظر القرط على الكامل، تحقيق ظور أحمد أظهر، لاهور، 1401 هـ، ص 339.

قلت: في الأصل: (الكمر أشباه) وكذا نقله الأستاذ حمد الجاسر منه في مجلة العرب 9: 276، وكذا في شرح التبريزي 2: 151 الذي نقل الفقرة برمّتها. ولكن المحقق الفاضل أثبت هنا -ولا داعي لذلك- نص النسخة المساعدة المنقولة من الأصل، ولم ينبّه على ذلك في تعليقه! هذا، والصواب في رقم المثل في مجمع الأمثال: (3106). (86) ف 46 ص 94: نقل الغندجاني من كتاب النمري قوله: "قال متمم بن نويرة: فقال أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك فقلت له إن الأسى يبعث الأسى ... فدعني فهذا كله قبر مالك ثم ردّ عليه فتمثل أولاً بالمثل المذكور آنفًا، ثم قال: "توهم أبو عبد الله أنه ليس في العرب سوى متمم ومالك ابني نويرة ممن ابّن أخاه ورثاه. ليس هذا الشعر لمتمم بن نويرة، بل هو لابن جذل الطعان الفراسي من بني كنانة يرثي أخاه مالكًا". قلت: لم أنحى الغندجاني باللائمة على أبي عبد الله النمري في عزو هذا الشعر إلى متمم؟ ألم يكن أبو تمام هو الذي قد نسب هذا الشعر في أصل الحماسة عند الغندجاني؟ أم لأن النمري تابع أبا تمام على ذلك؟ وبعد، فإن النسخ التي اعتمدها محقق الحماسة، والمصادر الأخرى التي أشار إليها هو والدكتور سلطاني ومحققة شعر متمم وأخيه كلها مجمعة على نسبة الشعر لمتمم، والغندجاني هو الذي تفرّد بنسبته إلى ابن جذل الطعان، ولم يصرح هنا بروايته إياه عن شيخه أبي الندى كما لم يشر إلى اليوم الذي قتل فيه مالك بن جذل. ولكن الطريف أن الغندجاني قد وقف في نسبة الشعر عند الابن، فلما جاء الدكتور سلطاني محققًا لكتابه أبعد النجعة، ورفعها إلى أبيه، وحمل ذلك أبا

محمد، فقال في تعليقه: "اسمه علقمة بن فراس بن غنم ... وجذل الطعان لقبه. أحد مشاهير العرب في الجاهلية، إخوته في جمهرة الأنساب الحارث وجذيمة وليس فيهم مالك مرثّي علقمة عند الغندجاني ... ". قلت: ليس مالك مرثي علقمة عند الغندجاني وإنما هو مرثيّ ابن علقمة، فالبحث عن أخ لعلقمة اسمه مالك في غير محلّه. ولما اشتبه الأمر على المحقق ظلّ يسترسل في تعليقه متحدثًا عن علقمة جذل الطعان، وابنته ريطة، وزوجها ربيعة بن مكدم، وحمايته للظعينة، ومعنى الجذل في اللغة، منصرفًا كل الانصراف عن ابن جذل الطعان أو أبنائه، مع أنّ ابن حزم في جمهرته، في الموضع نفسه (ص 188) الذي أحال عليه المحقق، قال: "وعبد الله بن جذل الطعان من فرسان بني كنانة"، وهو من شعرائهم، وهو الذي كان رئيسًا لبني فراس لما غزا بنو سليم بني كنانة، فقتل عبد الله ذا التاج مالك بن خالد بن صخر بن الشريد رئيس بني سليم، وأخاه كرز بن خالد، وقال من قصيدة: تجنبت هنداً رغبًة عن قتاله ... إلى مالك أعشو إلى ضوء مالك فأيقنت أنّي ثائر ابن مكدّم ... غداتئذ أو هالك في الهوالك فلما أدرك بنو الشريد ثأرهم من بني كنانة يوم الفيفاء قال عباس بن مرداس السلمي يردّ على ابن جذل الطعان: ألا أبلغا عني ابن جذل ورهطه ... فكيف طلبناكم بكرز ومالك انظر العقد 5: 174 - 177 ومعجم البلدان (برزة) 1: 383. ولعبد الله بن جذل الطعان شعر في رثاء ابن مكدم في الأغاني 16: 59، 63، 64 ولا يبعد أن يكون هو المعنيّ بقول الغندجاني دون إخوته. هذا، وقد ذكر (مالك) من إخوة جذل الطعان وأبنائه أيضًا في جمهرة الكلبي: 163 كما ذكر فيه أبناء مالك بن جذل، إلا أنه لم يرد فيه ذكر عبد الله ابن جذل الطعان وهو المشهور والمذكور وحده في جمهرة ابن حزم، وكان

رئيس بني فراس كما قلنا. ثم النص الذي أشار إليه المحقق من جمهرة ابن حزم في إخوة جذل ورد فيه: "فولد فراس بن غنم: علقمة جذل الطعان، والحارث، وجذيمة: منهم فارس العرب ربيعة بن مكدم بن عامر بن خويلد بن جذيمة بن علقمة بن فراس". فأبناء فراس في ضوء هذا النص ثلاثة: علقمة، والحارث، وجذيمة. ونسب ربيعة بن مكدم يدلّ على أن جذيمة ابن علقمة، ولم يذكر ابن حزم أولاد علقمة في هذا النص. وفي جمهرة الكلبي: "فولد فراس: علقمة، وهو جذل الطعان، والحارث، ومالكًا، درج. فولد علقمة: جذيمة، ومالكًا وكعبًا وعامرًا وفرعًا ... منهم ربيعة بن مكدم بن حدبان بن جذيمة بن علقمة". وبالمقارنة بين النصين، ونظرًا لسياق ابن حزم، أخشى أن يكون شيء قد سقط من النص، ولعل صوابه: "فولد فراس بن غنم: علقمة جذل الطعان، والحارث، [فولد علقمة] جذيمة: منهم فارس العرب ... " والله أعلم بالصواب. أما نسب ربيعة ابن مكدم في جمهرة ابن حزم فسيأتي الكلام عليه في الفقرة 55. (87) ف 46 ص 94: ثم أثبت الغندجاني أبيات ابن جذل الطعان كلها، وأولها: ثنى الحزن أرمام غشينا بمنشد ... ورملة قرّى عن يمين الشنابك وهنا ملاحظات: أولاً: في الأصل و (ب) كليهما هامشان بجانب البيت: الأول: "عطف" وهو تفسير (ثنى) والثاني: "مواضع في بلاد كنانة" يعني المواضع المذكورة في البيت الأول، وقد أغفلهما المحقق، بينما أثبتهما الأستاذ حمد الجاسر في مقاله. انظر مجلة العرب 9: 279. ثانيًا: أثبت المحقق (الشنابك) بالباء قبل الكاف كما في الأصل، وقال في

هامشه: "وليس في معجم البلدان (شنابك) بل (شنابك) بالهمز". قلت: راجع المحقق معجم البلدان، ولم يرجع إلى نسخته المساعدة التي قال في المقدمة إنه قابل الأصل بها، وهي على حبل ذراعه! فإن العلاّمة الشنقيطي قد أثبت فيها (الشنابك) بالمدة على الألف وكتب فوقه "صح" حتى لا يظن أحد أنه أخطأ في النسخ. وكذا ورد (شنابك) بالباء الموحدة في شرح التبريزي 2: 151 الذي نقل رد الغندجاني برمّته، فاتفقت على هذا الضبط نسختان من الكتاب. وقد ضبطه البكري في معجمه: 758 (سنابك) بالسين المهملة والباء الموحدة، فقال في كتاب السين المهملة: "على لفظ جمع سنبك، جبيلات مجتمعة، مذكورة في رسم هرشى". وقال في الموضع المشار إليه في ص 1352: "وعلى الطريق من ثنية هرشى إلى الجحفة ثلاثة أودية: غزال، وذو دوران، وكليَّة. تأتي من شمنصير وذروة ... وكلها لخزاعة. وبأعلى كليّة ثلاثة أجبل صغار منفردات من الجبال يقال لها سنابك". والظاهر أن البكري قد نقل هذا الكلام من كتاب عرام ابن الأصبع السلميّ في أسماء جبال تهامة وهو موجود في ص 412 من المطبوع. ولكن ضبط فيه (شنابك) بالشين المعجمة والهمزة، كما ضبطه ياقوت، ونقل في تفسيره عن أبي الفتح نصر الإسكندري مثل كلام السلمي. وعلى ضوء ما أثبته البكري يحتمل أن يكون ما في أصل الغندجاني تصحيفًا للسنابك (بالمهملة والموحدة). هذا، و (شنوكة) الذي ورد ذكره في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وقال فيه ياقوت عن الأديبي إنه جبل، وأنشد بيت كثير: فإن شفائي نظرة إن نظرتها ... إلى ثافل يومًا وخلفي شنائك على أنه جمع (شنوكة) باعتبار أجزائه كما قال الفيروزابادي، فهو غير الأجبل الثلاثة الصغار المنفردات التي يصدق وصفها على ضبطها عند البكري -إن صحّ- تشبيهًا لها بسنابك الخيل. انظر معجم البلدان 3: 366: (شنائك) و 369

(شنوكة) والقاموس مع التاج (شنك) ومعجم البكري: 812 (شنوكة) و 958 (العقيق). ثالثًا: ضبط المحقق (الحزن) بفتح الحاء وكسر النون و (أرمام) بكسر آخره و (غشينا) بضم أوله مبنيّاً للجهول، مخالفًا في كلّ ذلك لأصله ونسخته المساعدة، من غير تنبيه على ما فيهما وبيان لما حمله على العدول عنهما! ثم فسّر البيت في الهامش 3 قائلاً: "أي عند هذه الأماكن دخل علينا منشد نعى إلينا مالكًا". قلت: إذا جعلنا كلام المحقق تفسيرًا لقول الشاعر (غشينا بمنشد .... ) فكيف يفسّر قوله (ثنى الحزن أرمام)؟ أ (أرمام) بدل من (الحزن)؟ وما معنى (ثنى)؟ وكيف يعربه؟ ثم سياق الشعر يأبى هذا التفسير، لأنّ صاحبه لما رآه يبكي لامه، وقال: أتبكي كل رمس رأيته ... لرمس مقيم بالملا والدوانك فقلن له إن الشجا يبعث البكا ... فدعني، فهذا كله قبر مالك فيدل هذا الشعر على أن الذي هاجه على البكاء هو أنه رأى قبورًا وأرماسًا، لا أنّ ناعيًا نعى إليه مالكًا، ثم لا نجد المنشد في اللغة بمعنى الناعي، وبالجملة فهذا التفسير فاسد من كل وجه، وكذلك هذا الضبط للبيت. والصواب كما في الأصل و (ب) كليهما: ثنى الحزن أرمام غشينا بمنشد وكذا أثبته الأستاذ حمد الجاسر في مجلة العرب 9: 279. (الحزن) بضم الحاء المهملة وفتح آخره مفعول به. و (أرمام) بضم آخره فاعل (ثنى). و (غشينا) بفتح أوله مبنيًا للمعلوم، ومفعوله الضمير المحذوف العائد إلى (أرمام). و (منشد) اسم موضع معروف. قال الأحوص:

ولم أر ضوء النّار حتى رأيتها ... بدا منشد في ضوئها والأصافر وقال كثير: عفا رابغ من أهله فالظواهر ... فأكناف هرشى قد عفت فالأصافر قال البكري في معجمه (1269): "الأصافر: جبل مجاور له" يعني لمنشد. وقال في رسم الأصافر (162): "جبال قريبة من الجحفة عن يمين الطريق من المدينة إلى مكة". وقال في ص 954: "عقبة هرشى إلى ذات الأصافر ميلان، ثم إلى الجحفة ... " و (الشنابك) أو (السنابك) على الطريق من ثنية هرشى بينها وبين الجحفة بأعلى كلية، كما سبق. فهذه المواضع كلها متجاورات، ولم أجد (رملة قرى) عند البكري وياقوت. أما (ثنى) فهو بمعنى (عطف) كما في هامش الأصل و (ب). وقد نقل هذه الأبيات من كتاب الغندجاني وفسّر كلمات منها العلاّمة المرصفي في رغبة الآمل 3: 97 - 98، إلاّ أنه أثبت (غشين) بإسناد الفعل للغائبات ولم يضبط أوله، ولكن الظاهر أنه أراد بضم أوله مبنيًا للمجهول، نعتًا لكلمة (أرمام) وقال في تفسيره: (أرمام): جمع رمم، كعنب، ج رمَّة: وهي العظام البالية. ومعنى البيت واضح. فقد هيّج حزن الشاعر ما رآه من عظام باليات في الموضع المذكور. (88) ف 46 ص 94: والبيت التالي من هذه الأبيات: فأسعدت أبكي مالكًا وكأنّه ... بجثوته بيني وبين الشوابك كذا ضبط المحقق (أسعدت) بالبناء للمعلوم، كما في الأصل، وكذا ضبطه الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله، أما العلاّمة الشنقيطي رحمه الله فأهمل ضبطه. ولعل المحقق حينما فسّر الأول بأن ناعيًا نعى مالكًا إلى الشاعر فهم من البيت الثاني أن الشاعر ساعد الناعي في البكاء، ولكن لا ناعي

هنا كما سبق، ولا أحد بكى غير الشاعر كما صرح بذلك في البيت الثالث. فلا إسعاد من قبله ولا من قبل غيره. أما العلاّمة المرصفي رحمه الله فقد ضبط الفعل (أسعدت) بالبناء للمجهول ولم يفسّر البيت، فلعل الشاعر يقصد عنده أن تهييج العظام الباليات لحزنه وحملها إياه على البكاء بمنزلة إسعادها له. (89) ف 46 ص 94: والبيت الثالث منه: ولا صاحبي لم يبك والناس ضاحك ... سليٌّ وباك شجوه غير ضاحك وقال المحقق في الهامش (1): "في هامش الأصل مقابل البيت لأحد الفضلاء قوله: يعني ولا صاحبي بكى.". قلت: أثبت التبريزي 2: 151 بعد البيت هذا الهامش، وفيه زيادة: "يعني ولا صاحبي بكى، لم يبكه غيري." وما أدري أهذا الكلام كله كان بهامش نسخته، فنقله بعد البيت أم زاد فيه توضيحًا له، خلافًا لعادته؟ (90) ف 48 ص 98: ورد في النص قول نهشل بن حرّيّ في رثاء أخيه: أغرّ كمصباح الدجّنة يتقي ... قذى الزاد حتى تستفاد أطايبه وذكر النمري روايتين في البيت: (قذى) بالذال المعجمة و (قدى) بالمهملة، فردّ الغندجاني عليه بأنه لا يجوز هنا بالمعجمة قال: "وإنما هو (قدى) بالدال غير المعجمة ومثل من الأمثال: أفح تقد". وعلّق المحقق على هذا المثل قائلاً: "لم أجده في كتب الأمثال لديّ. وفي اللسان: أفح -واوية ويائية- أي أقم حتى يسكن حرّ النهار، ويبرد. وقدى الفرس يقدي بمعنى أسرع. فيكون معنى المثل: الإبراد أسرع لسيرك، وهو معنى لا يصلح لمراد نهشل في بيته المذكور. ويصح أن يكون المعنى: الإبراد أطيب لريحك، لأنه يعفيه من التعرّق وريحه".

قلت: أرى أن (أفح) في المثل من "فاحت القدر وأفحتها أنا": غلت، كما في اللسان والتاج. أما (تقد) فكذا ضبطه المحقق بفتح أوله من المجرد، وكذا في الفهارس ص 208، وهو مضبوط في الأصل و (ب) بضم أوله (تقد) من المزيد ولم ينبّه على ذلك في الهامش. وكلاهما صحيح في اللغة. وهو من قدى اللحم والطعام يقدي إذا شممت له رائحة طيبة (اللسان) وأقدى المسك: فاحت رائحته (التاج)، ومعنى المثل: لا تعجل، دع القدر تغل، لتفوح رائحة الطعام منها. (91) ف 49 ص 99 س 3: ورد في كلام النمري: "عين أباغ موضع كانت فيها وقعة لهم". قلت: كذا أثبت المحقق (فيها). والصواب: (فيه) كما في الأصل و (ب) وشرح التبريزي 2: 179 وكتاب النمري: 127 جميعًا. (92) ف 49 ص 99: تمثل الغندجاني بالمثل: "غاط بن باط" وشرحه المحقق وخرّجه في مجمع الأمثال 2: 62. قلت: هنا في الأصل و (ب) كليهما هامش في تفسير المثل أغفله المحقق وهو: "باطل بن باطل" وقد نقله التبريزي في شرحه 2: 179، بعدما عقّب على تمثل الغندجاني بالمثل، بقوله: "ولم ينصف". وأثبت الهامش في مجلة العرب 9: 276 أيضًا، ولكن وقع فيه (من) بدلاً من (بن) ولعله خطأ مطبعي. (93) ف 49 ص 99: ورد في النص البيتان الآتيان، وقد أوردهما المرزوقي في شرحه عن ابن الأعرابي برواية مختلفة كما ذكر المحقق: إذا ما المنايا قاسمت بابن مسحل ... أخا واحد لم يعط نصفًا قسيمها فآب بلا قسم وآبت بقسمه ... إلى قسمها لاقت قسيمًا يضيمها

هنا ملاحظات: أولاً: في الأصل و (ب) بجانب البيت الأول هامش جدير بالإثبات وهو: (جعفر) وفوقه: (فخه) ولعله يعني "في نسخة" (جعفر) بدلاً من (مسحل). وأغفله المحقق. ثانياً: في الأصل فوق (أخا واحد) بين السطرين: (أخًا واحدًا) ولعله يشير إلى رواية أخرى دون تصحيح خطأ وقع في نسخه. ولكن الشنقيطي رحمه الله أثبته في نسخته، وكذا في شرح التبريزي 2: 179، ولم ينبه المحقق على ذلك. ثالثاً: في الأصل في البيت الثاني: آبت (بقسمة) بالتاء، وهو خطأ، صوابه ما أثبت المحقق من (ب) أو شرح المرزوقي، ولكن لم ينبه على ذلك، رابعًا: ضبط في الأصل (قسم) أولاً بفتح القاف، ثم في (قسمها) بكسرها. والشنقيطي رحمه الله ضبط في الموضع الأول (قسم) والموضع الثاني (بقسمه) بكسر القاف، ولم يضبط في الموضع الثالث اكتفاء بما سبق. أما المحقق الفاضل فضبط في المواضع الثلاثة بفتح القاف تبعا لضبطها في شرح المرزوقي 2: 883، من غير إشارة إلى ما في أصله أو "أصوله" كما يقول، والراجح هو كسر القاف، بمعنى المقسوم والنصيب (1). (94) ف 50 ص 100 س 8 وص 101 س 1: ورد في كلام النمري قول كعب بن زهير من حماسية له: لقد ولّى أليّته جؤيّ ... معاشر غير مطلول أخوها ورد هذا الاسم (جؤيّ) في البيت المذكور، ثم مرتين في شرح النمري الذي نقله الغندجاني، وأثبته المحقق في المواضع الثلاثة كلها بالجيم.

_ (1) وقد أنشد ثعلب البيتين وفسّرهما. انظر المجالس: 561. وفيها: "يا ابن مسحل"، ولعله خطأ في الضبط.

والصواب كما في الأصل و (ب) وكتاب النمري: 136 (حويّ) بالحاء المهملة لا غير. وإلا لا معنى لقول الغندجاني في نقده: "خلط أبو عبد الله رحمه الله في هذا التفسير من وجوه: منها أنه ذكر أن حويّا بالحاء اسم رجل، وإنما هو جوي بالجيم ترخيم جوية في غير موضعه". والجدير بالذكر أن ناسخ الأصل كتب تحت الحاء في كل موضع علامة الإهمال، ولكن الأستاذ المحقق قلمنا يلتفت إلى مثل هذه الأمور. (95) ف 50 ص 101 س 8: أورد الغندجاني قصة الأبيات فقال: "ونظامها ما أثبتّه لك ها هنا وهو أن رجلاً من مزينة يقال له جويّة، مرّ على الأوس وهم يقتتلون .. " أولاً: ضبط المحقق (أثبتّه) بالشدة على التاء، فعلاً ماضيًا، وهو مضبوط في الأصل بكسر الباء يعني المضارع (اثبته) ولا وجه للعدول عنه، ومن غير تنبيه. ثانياً: سقط هنا في الأصل بعد (الأوس): (والخزرج)، ولو قابل المحقق هذا النص بنسخته المساعدة لوجد الشنقيطي رحمه الله قد أثبته على الصواب! وقد رجع إلى شرح ديوان كعب في تخريج الشعر وتفسيره وترجمة جؤي، ولكن لم يفطن للسقط الذي وقع في أصله، ويدلّ عليه النص في شرح ديوان كعب: 209 "فمرّ رجل من مزينة، يقال له جؤيّ على الأوس والخرزج وهم يقتتلون". ومثله في اللآلي: 628 وشرح التبريزي 3: 20. والمحقق نفسه يقول في ترجمة (جوي) في الهامش 4 من ص 100 "قتلته الخررج في قتال بينهم وبين الأوس .. ". (96) ف 50 ص 102: ورد في القصة بيت ثابت أبي حسان الأنصاري: جاءت مزينة من عمق لتفزعنا ... قرِّي مزين وفي أستاهك الفتل كذا أثبت المحقق (قرّي) بالقاف، وفسّره في الهامش قائلاً: "ورد البيت ... في شرح ديوان كعب ص 210 ومعنى عجزه: لا تتحركي يا مزينة ... " تبعًا لما

ورد في نص شرح الديوان من ضبط وفي هامشه من قول ناشره: "قري: اثبتي في مكانك ولا تتحركي ... ". وفي الأصل (فرّي) بالفاء من الفرار، وكذا في اللآلي: 629، وشرح التبريزي 3: 20، وهو صواب محض، ويؤيده رواية (انجي) في ديوان حسان 1: 174، ولكن المحقق لما رأه في شرح ديوان كعب بالقاف عدل عما في أصله، وكأنّي به كلما يرى النص في أصله المخطوط مختلفًا عما جاء في كتاب مطبوع، يتسرّع إلى اتهام أصله ويعتمد على المطبوع. والبلاء كل البلاء أنه في كثير من الأحيان لا ينبّه على ما في الأصل. وكذلك ضبط في الأصل (مزين) بفتح آخره. وفي شرح ديوان كعب بالضم والفتح معًا، وكلاهما صحيح، ولكن المحقق الفاضل أبي إلا أن يضبطه بالضم خلافًا للأصل. (97) ف 50 ص 102 س 10: ورد في القصة نفسها قوله: "فقتلتهم مزينة على قتل وأسر، وأسر ثابتًا الأنصاري أبا حسّان الشاعر ... ". قلت: النص كذا في الأصل و (ب) وقال الشنقيطي رحمه الله في هامش نسخته: "قف هنا". وقد وقع هنا تحريف في الأصل، وصوابه كما في شرح التبريزي: "فقتلتهم مزينة كلّ قتل، وأسروا ثابتًا الأنصاري". (98) ف 50 ص 103: ورد في النص قول مقرِّن: هلاّ سألت وأنت غير عييّة ... وشفاء ذي العي السؤال عن العمى فعلّق عليه المحقق قائلاً: "البيت أول أربعة أبيات منسوبة إلى مقرن في حاشية شرح ديوان كعب ص 210 ... ". قلت: هي ثمانية أبيات في شرح التبريزي 3: 20، وستة في هامش معجم المرزباني (القدسي) 468 - 469 (ص 436 ط فراج) عن ابن السيد في حواشي نوادر القالي.

(99) ف 51 ص 104: أنشد النمري قول رجل يوصي ابنه: واحلل على النجوات للـ ... عافين واجتنب المسيلا ولم يخرجه المحقق، وقال محقق كتاب النمري: 137: "لم أجده فيما بين يديّ من المصادر". قلت: البيت من قصيدة ذي الإصبع العدواني في الأغاني 3: 100، وهو يوصي ابنه أسيدًا، ورواية الأغاني (واحلل على الأيفاع). (100) ف 51 ص 104 س 11: ورد في النص: "ومعنى البيت أن بني عم هذا المرثي ... كانوا بنجوة من السَّرق والضيم والذل في زمان حياته .... ". قلت: كذا أثبت المحقق (السرق) مصدر سرق، وهو تحريف منه. والصواب في الأصل و (ب) كليهما: (الشرّ). (101) ف 51 ص 105: أورد الغندجاني أبياتًا نادرة لمعن بن أوس المزني، منها: أفاضل من وهب وأبناء عائذ ... ومن آل نصر صارخ متتابع كذا أثبت المحقق (أبناء) جمع ابن، وقال في تعليقه: "وردت الأبيات في ديوان معن بن أوس ... وصرح المحققان الفاضلان بنقلها عن الغندجاني ... وجاء الاختيار في صدر الثالث (وأبناء عائذ) ورجح ذلك عندي. فهي في الأصل (وأفناء عائذ) والأفناء: الناس لا تدرى أصولهم وقبائلهم ج فنو ... فهي رواية لا تتفق ومعرض الفخر والمديح في البيت". قلت: قد أثبت محققا ديوان معن (أبناء) من غير إشارة إلى ما كان في كتاب الغندجاني، فلعله تطبيع. ولا داعي عندي للعدول عما في الأصل و (ب). فالأفناء هنا ليس بالمعنى الذي ذكره المحقق، وهو صحيح في غير هذا الموضع. وإنما أراد بالأفناء بطون عائذ وشعوبها. وقد ورد بهذا المعنى في قول شبيب بن البرصاء المرّي:

وقد علمت أفناء مرة أنني ... إلى الضيف قوام السِّنات خروج انظر تعليق العلاّمة محمود شاكر في طبقات فحول الشعراء: 732/ 3 (1). (102) في 51 ص 105: والبيت السابع منها: وأصبحت أرقي الشانئين رقاهم ... ليربؤ طفل أو ليجبر ظالع وقال المحقق في تعليقه: " ... كما جاء الاختيار (يعني اختيار الديوان) في صدر السابع (أرفى ... رفاهم) بالفاء، وهي في الأصل بالقاف، وهي بالقاف أرجح لديّ ... " قلت: وهنا أيضًا لم ينبّه محققا الديوان على ورود (أرقي) و (رقاهم) بالقاف في المصدر، وأن الصواب فيهما بالفاء. وما أظن أن الأستاذين أخطآ في قراءة الكلمتين في نسخة الشنقيطي التي اعتمدا عليها وهي بالخط المغربي، فقرآ القاف المنقوطة بنقطة واحدة فوق الحرف فاءً قياسًا على الخط المشرقي. فالذي وقع في الديوان خطأ مطبعي لا غير. وأضاف المحقق قائلاً: " .... كما اختار الديوان في عجز السابع (ليربو) بالواو، وهي في الأصل -كما أثبتّ- بالهمز بمعنى يعلو ويرتفع، وهو أفضل للمعنى، لأن النمو أمر عادي يشمل كل المخلوقات، وغاية الشاعر برعايته للطفل أن يسمو ويرتقي".

_ (1) [ويؤيد ما ذهب إليه الأستاذ محمود شاكر ما جاء في شرح ديوان الحطيئة لابن السكيت ص 67 في شرح قوله: فمن مبلغ أفناء سعد فقد سعى ... إلى السورة العليا لكم حازم جلد قال "أفناء سعد: بطونها، ليس لها واحد من لفظها" وانظر ص 194. ومما جاء فيه هذا اللفظ بهذا المعنى قول الحصين بن الحمام المرّيّ: جزى الله أفناء العشيرة كلها ... بدارة موضوع عقوقًا ومأثما بني عمنا الأدنين منهم ورهطنا ... فزارة إذ رامت بنا الحرب معظما المجلة]

قلت: هو في نسخة الشنقيطي بالواو، وكذا ورد في الديوان نقلاً عنه لا اختيارًا، ولا موضع للاختيار، فإن الواو هو الوجه لا غير. والهمز في الأصل خطأ، لأن (ربأ) المهموز اللام لم يرد بضم العين في المضارع، وإنما هو من باب (منع) انظر التاج وغيره. (103) ف 52 ص 106 الهامش 1: ترجم المحقق للشاعر (قراد بن غويّة) فقال: "قراد بن غويّة بن سلمي بن ربيعة بن زبان بن عامر .... شاعر أموي، أبوه وجده شاعران، ولهما كذلك اختيار في ديوان الحماسة. أخبار ذلك في: جمهرة الأنساب ص 204 - 205 وشرح المرزوقي ق 178 وق 350 واللسان (كبل) وانظر الخزانة 3/ 402". قلت: أما جمهرة الأنساب 204 - 205، فلم يرد فيه ذكر الشاعر (قراد) ولا أبيه (غوية)، وإنما ورد اسم عمه وجدخ ("أبي سلمى" محرّفًا وصوابه: أبيّ بن سلمي) في نسب يعلى الضبي جدّ المفضل. وفي شرح المرزوقي في الموضعين المشار إليهما شعر لأبي قراد وجدّه، وفي الخزانة ترجمة لجدّه سلميّ ابن ربيعة. أما اللسان (كبل) فنسب فيه بيتان إلى أبيه (غوية بن سلمي) أولها: وددت مخافة الحجاج أنّي ... بكابل في است شيطان رجيم فدلّ المحقق ذكر (الحجاج) في البيت على أن الأب (غوية) أموي، فلا شك في كون الابن أمويًا، ولعلّه من مخضرمي الدولتين! فبادر إلى القول في تعليقه إن قرادًا (شاعر أموي) وفي غمرة الفرح بهذا الاستنباط نسي أن يضيف (وأبوه أموي كذلك)! ولم يعرّج على ما قاله مصحح اللسان في الهامش: "قوله (وقال غوية بن سلمى) كذا بالأصل. والذي في ياقوت: وقال فرعون بن عبد الرحمن، يعرف بابن سلكة من بني تميم بن مرّ: وددت إلخ"، ولا رجع إلى شرح المرزوقي ق 350 (2: 1001) مع أنه قد أحال على هذا الموضع، ليقرأ ما نقله محققه الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله في ترجمة أبيه (غوية): " .... وفي

معجم المرزباني 307 - 308 (ص 175 ط فراج): "وهو عوية بن سلمي بن ربيعة .... جاهلي ... "! هذا عن أبيه. أما الابن (قراد) فنص المرزباني على كونه جاهليًّا أيضًا. وقد أشار في ترجمته إلى الخلاف في اسمه فهو (قران) بالنون عند ثعلب، و (قرانة) بالنون والتاء عند غيره. وقيل (قراد) بالدال، ثم قال: "وأثبتها عندي قرانة بن غوية بن سلمي بن ربيعة .. الضبي، كان جوادًا شاعرًا جاهليًا" ثم أنشد حماسيته، وشعرًا آخر له. انظر معجم الشعراء (القدسي): 327 (ص 204 ط فراج)، ومعجم الشعراء من مصادر الأستاذ المحقق، ولكن لم يرجع إليه، لا في ترجمة الشاعر (قراد) ولا في ترجمة أبية (غويّة). ولم ينبّهه هامش الأستاذ عبد السلام هارون على أن في معجم الشعراء ترجمًة لغويّة وأنه جاهلي عند المرزباني. زد على ذلك أن الدكتور عبد الله عسيلان محقق الحماسة أيضًا ترجم لقراد، وأحال على المرزباني في ترجمة الشاعر وتخريج الشعر. والدكتور سلطاني قد أحال على ديوان الحماسة في تخرج الحماسية. وقد أشار المحقق الفاضل إلى أن أباه وجدّه شاعران وأن في ديوان الحماسة مختارات من شعرهما. قلت: وأخوه وعمه أيضًا شاعران. وقد اختار أبو تمام مقطوعة لعمه (أبيّ) في الحماسة 1: 287، وسيأتي ذكر أخيه. أما الشعر الذي ورد في اللسان منسوبًا إلى (غوية بن سلمي) فقد ورد له في الوحشيات: 295 أيضًا ولكنه كما نقل مصحح اللسان عن ياقوت (كابل) لفرعون بن عبد الرحمن المعروف بابن سلكة. وله أنشده الجواليقي في المعرّب: 341 - 342 قال: "أنشدني أبو زكريا، قال أنشدني ابن برهان النحوي". وقال الأستاذ أحمد شاكر في تعليقه على المعرب، وهوي يترجم لغوية: " ... هو شاعر جاهلي، فنسبة البيتين إليه غير معقولة ... ". انظر قصة مظلمته بين يدي الحجاج في العقد الفريد 1: 30. (104) ف 52 ص 106: ورد في كلام النمري قول قراد:

ألا ليت شعري ما يقول مخارق ... إذا جاوب الهام المصيّح هامتي كذا (يقول) في الأصل و (ب) فعلّق المحقق قائلاً: "البيت للشاعر في ديوان الحماسة ... وشرح المرزوقي ... وشرح التبريزي 1/ 416 وجاء فيها في صدره (ما يقولن مخارق) ". قلت: وكذا (يقولن) بالنون الخفيفة في كتاب النمري: 142، فلعل (يقول) في كلام النمري في أصل كتاب الغندجاني خطأ من الناسخ. (105) ف 52 ص 106 س 5: ورد في تفسير النمري للبيت: "فيقول: ما يقول ابن أخي إذا قتلت وفتر في طلب ثأري. يحضّه على طلب ثأره". قلت: وكذا في الأصل و (ب) وهو تحريف في النص، صوابه في كتاب النمري: 142 ( ... إذا قتلت وقبرني؟ أيطلب بثأري؟ ) ثم أثبت المحقق (يحضّه) من الحضّ. وفي الأصل و (ب) وكتاب النمري جميعًا: (يحضّضه) من التحضيض. (106) ف 52 ص 106 س 3: قال النمري في شرحه إن مخارقًا ابن أخي قراد بن غوية، وأقره الغندجاني في نقده وتفسيره للبيت، ثم قال في آخر الفقرة: "ومخارق هو حيّان بن غوية" فاستشكله -بحق- الأستاذ المحقق، وقال في تعليقه 3: "كذا في الأصول، وسيرد اسمه بعد سطور (حيّان بن غوية) فهو إذاً أخو قراد، وليس ابن أخيه، إلا أن تكون (عويّة) بالمهملة، ولم أجد في المصادر لديّ ما أجزم به". قلت: لا يفيد كون (عوية) بالمهملة، فقد ورد اسم أبي قراد بالمعجمة والمهملة معًا، فأثبته المرزباني في العين المهملة (عوية) ثم قال: "ويقال غوية، بغين معجمة" والأستاذ المحقق نفسه في كتاب أسماء خيل العرب للغندجاني أثبت مرة (ص 230) بالمهملة، وأخرى (ص 106) بالمعجمة. ولا يساعدنا هنا

التبريزي، فإنه لم ينقل في شرحه من هذه الفقرة. وبعد، فقد اتفق النمري والغندجاني على أن مخارقًا ابن أخي قراد بن غوية. فهو أولى بالصواب، والخطأ محتمل في الجملة التي ورد في آخر الفقرة. فإن لاحظنا أن المجهول في النص هو اسم أخي قراد، وهو الذي يحتاج إلى التنبيه والتبيين، فلعل صواب النص: ومخارق ابن حيّان بن غوية، أو "وأبو مخارق هو حيّان بن غويّة" فيكون (هو) تحريفًا لكملة (ابن) أوس قطت كلمة (ابن) بعد (هو) أو كلمة (أبو) قبل (مخارق). وهناك احتمال آخر هو أن يكون النص: "ومخارق هو حيّان بن سلميّ بن غوية" فسقط (سلمي) وهو أخو قراد، واسمه موافق لاسم جده (سلميّ بن ربيعة) وقد أورد القالي 2: 170 شعرًا لسلمي هذا عن ابن الأعرابي. وانظر اللآلي: 790. (107) ف 53 ص 107: ورد في أول الفقرة في كلام النمري: "قال صنان بن عبّاد اليشكري: لكنه حوض من أودى بإخوته ... ريب المنون فأمسى بيضة البلد" ورد اسم الشاعر في هذه الفقرة ثلاث مرات: أولاً في كلام النمري (صنان بن عباد) ثم مرتين في كلام الغندجاني الذي يرى أن الشاعر (الصنان بن النار) وقد ضبطه المحقق في المواضع الثلاثة بضم الصاد المهملة، ولم يضبط النون بعد الصاد، ولكن تفسيره في هامشه يدلّ على تخفيفها فإنه قال في تعليقه على الموضع الأول: "ذكره التبريزي في شرح الحماسة 1/ 332 والصنان هي الريح الطيبة، ويطلق على الخبيثة، وصنان التيس: ريحه عند هياجه. انظر اللسان (صنن) " فالاسم (صنان) عنده كغراب وكذا أثبته في الفهارس ص 182 و 194. ولا أدري لماذا خالف الأصل و (ب) من غير تنبيه على أن اسم الشاعر مضبوط فيهما بفتح الصاد المهملة وتشديد النون (صنَّان)، وكذا ضبط في شرح التبريزي 2: 297 (طبعة الأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد). ولو أراد تفسيره لم

يعوزه معناه، ففي القاموس المحيط (صنن): (الصنّان: الشجاع). وبعد، فهل هما شاعران: أحدهما صنّان بن عباد والآخر الصنّان بن النار، أو شاعر واحد تصحّف اسمه واسم أبيه؟ الذي يفهم من كلام الغندجاني أنهما شاعران مستقلّان، إلا أن الشعر المذكور عنده لابن النار وليس لابن عباد، لأنه قال في ردّه على النمري: (وقائل هذا الشعر هو الصنّان بن النار، واسم النار قيس عبادة) فلم يشر الغندجاني إلى وقوع تصحيف في اسم الشاعر أو أبيه، ولو عرف ذلك سواء من النمري أو غيره لأقام الدنيا وأقعد. فإن صحّ هذا فنحن إذن أمام شاعرين: صنّان بن عبّاد والصَّنّان بن النّار. أما الأول فنسب إليه هذا الشعر النمريّ وابن برّي. وقد ضبط اسمه في أصل كتاب الغندجاني بفتح الصاد المهملة وتشديد النون (الصنّان) ولكن ضبط في اللسان (بيض) الذي نقل عن ابن برّي، بكسر أوّله (صنَّان) وكلاهما ضبط قلم، ولم أر من ضبط اسمه بالحرف، ولا أعرف له ترجمة ولا شعرًا غيره. أما ثانيهما الذي نسب إليه الغندجاني هذا الشعر فشاعر معروف الاسم والنسب، وقد تصحّف اسمه- بدون شك- في الأصل و (ب) كليهما، فإنّه (الضنّان) بفتح الضاد المعجمة وتشديد النون، فقد أثبته الصغاني في التكملة وصاحب القاموس في باب الضاد المعجمة (ضنن) وضبط الأخير (كشدّاد). وله أخوان: القعقاع- واسمه عمرو- وثوب. وكان ثلاثتهم شعراء في الجاهلية، أبوهم قيس بن عبادة، من بني عمرو بن ثعلبة، أحد بني عدي بن جشم بن حبيب بن كعب بن يشكر بن بكر بن وائل. وعرف الإخوة ببني النار. وقالوا في تلقيبهم بهذا اللقب، كما في القاموس، إن امرأ القيس مرّ بهم، فأنشدوه، فقال: إني لأعجب كيف لا يمتلئ عليكم بيتكم ناراً من جودة شعركم، فقيل لهم: (بنو النار) انظر القاموس (نور) والاشتقاق: 342، ومعجم المرزباني (القدسي): 225 (ص 42 فراج)، والمؤتلف: 93. ولكن كلام الغندجاني يشير

إلى أن النار لقب لأبيهم قيس بن عباد. وأحب أن أنبّه هنا على تحريفات وقعت في المصادر في أسماء هؤلاء الإخوة وأبيهم (النار) فمنها: 1 - ما ورد في القاموس (ضنن): (الضنّان بن المنّان، كشدّاد: شاعر) وكذا في التاج. قلت: (المنّان) تحريف النار. وقد سبق أن ذكر الفيروزابادي في (نور) بني النار الثلاثة. 2 - في المؤتلف: 94 (الضبّان) بالباء الموحدة، وهو تصحيف كذلك. 3 - ومنها ما ورد في التاج (بيض) في نسبة هذا الشعر: (وقال المرزباني إن الشعر لثور بن القار اليشكري). فحرِّف اسم الشاعر وأبيه كليهما والصواب: (لثوب بن النار). (108) ف 53 ص 107 س 10: وبعد تصحيح نسبة الشعر، أشار الغندجاني إلى قصة الأبيات فقال: (وكان سبب هذا الشعر أن سمط بن عبد الله أتاه وقد أورد إبله وملأ حوضه، فأخذ فوق يده، وقدّم إبله فأوردها بمائة الذي استقى، فقال صنان: لو كان حوض حمار ما شربت به ... إلا بإذن حمار آخر الأبد الأبيات. وحمار هو علقمة بن النعمان بن قيس بن ثعلبة). ورد في هذه العبارة علمان: سمط بن عبد الله، وحمار. وعلى الأول ثلاث ملاحظات: أولاً: كذا ورد (سمط) بالسين المهملة في الأصل و (ب)، ولكن ورد في شرح التبريزي بالشين المعجمة (شمط) ثلاث مرات: مرة في التمهيد وثانية في شعر، وثالثة في قصة الشعر عن أبي رياش. وكذا بالمعجمة في اللسان (بيض) عن ابن برّي.

ثانياً: لم يضبط الاسم في الأصل و (ب) وضبطه المحقق بكسر أوله وسكون ثانية (سمط). والذي يدلّ عليه شعر اليشكري أن الصواب في ضبطه تحريك الثاني. وهو قوله في اللسان (بيض) عن ابن برّي، وشرح التبريزي 2: 152 قبل أبيات الحماسة: لما رأس شمط حوضي له ترع ... على الحياض أتاني غير ذي لدد والشعر من البسيط. ولم يضبط (شمط) في اللسان، ولكن الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمة الله ضبطه بفتحتين (شمطٌ) في طبعته لشرح التبريزي 2: 297. ثالثاً: قال الغندجاني إن سمطًا (أو شمطًا إذا كان ما في الأصل مصحفًا) ابن عبد الله اليشكري واقتصر على ذلك. وكذا قال التبريزي أولًا في قصة الأبيات، ولم يشر إلى مصدره، ثم نقل عن أبي رياش أنه حطان بن قيس بن عمرو بن ثعلبة بن عدي بن جشم بن حبيب بن كعب بن يشكر. وكذا في اللسان عن ابن يرّي (شمط بن قيس بن عمرو بن ثعلبة) فلعلّ قيسًا هو عبد الله. أما حمار فقال الغندجاني: (هو علقمة بن النعمان بن قيس بن ثعلبة) وبه قال أبو رياش وابن برّي، إلا أنهما زادا بين قيس وثعلبة (عمر)، وأخشى أن يكون قد سقط (عمرو) من نمص الغندجاني. فإن صحّ ما نقل أبو رياش وابن برّي فإنّ (حمارًا) ابن أخي (شمط). وقال المرزوقي إن حمارًا أخو الشاعر. ولعله استنبط ذلك من قوله في الحماسية: لكنه حوض من أودى بإخوته ... ريب الزمان فأمسى بيضة البلد ولا داعي بعد ذلك للتعليق على ما قال المحقق الفاضل في الهامش 5 من هذه الفقرة: (لم أحد لهذا الخبر وأعلامه ذكرًا في المصادر لديّ سوى ما نقله التبريزي في شرحه 1/ 332 عن الغندجاني، فيصرح باسمه حينًا ويغفل ذلك أحيانًا)، إلا ما قال عن التبريزي، فأولًا: صواب الإحالة عليه 2: 152، وثانيًا: لا أرى أن التبريزي استفاد من الغندجاني في هذه الفقرة. وإلاّ لأشار إلى أن

الشاعر الضنّان بن النار، واسم النار قيس بن عبادة، وإنما نقل التبريزي عن أبي رياش ومصدر آخر لم يذكره، ولكن ليس بالغندجاني، فإنه نقل من ذلك المصدر أربعة أبيات أولها مطلع القصيدة، وكأنها قبل أبيات الحماسة، بينما لم يورد الغندجاني شيئًا منها في هذا الكتاب. (109) ف 53 ص 107 س 4: في نص الغندجاني وهو ينقل كلام النمري: ( ... في كلامٍ يشبه هذا ليس له (إبانة). كذا أثبت المحقق بين القوسين (إبانة) وعلق عليه: (الكلمة في الأصل (إناء زبد) فرجحت ما أثبت). قلت: ما في الأصل عين الصواب، ولكن المحقق الفاضل أخطأ في قراءته، ولم يميز بين النص والهامش، فالصواب في النص: (إتاء) بالتاء المثناة من فوق بعد الهمزة المكسورة، وكذا في الأصل، وقد وضع الناسخ النقطتين على التاء عموديًا، وكتب تحت الكلمة بين السطرين (زبد)، يعني معنى (الإتاء). ولو رجع المحقق إلى نسخته المساعدة لوجد الأمر أشد وضوحًا، فإن الكلمة (إتاء) قد وقعت فيها في آخر السطر، فكتب العلاّمة الشنقيطي بجانبها عموديًا: (أي زبد). وقول الغندجاني (ليس له إتاء) مثل أخذه من قول الشاعر. وهو من أبيات منسوبة لقيس بن الخطيم في ديوان الحماسة: 611. وبعض القول ليس له عياج ... كمخض الماء ليس له إتاء وقد تمثل الغندجاني بالبيت كاملًا في فرحة الأديب: 68 (الذي سبق أن حققه الدكتور سلطاني نفسه) أما في هذا الكتاب فعقّب به الغندجاني على كلام النمري في ثلاثة مواضع، وذلك بالتمثل بجزء منه. والموضعان الآخران قوله في ص 112: ( ... في كلام مثل هذا ليس له عياج) وفي ص 123: ( ... مع كلام يشبه هذا كمخض الماء).

(110) ف 53 ص 107: تمثل الغندجاني بالمثل: (لا يحمل الملبن إلا الملبون ... ) وعلّق عليه المحقق قائلًا: (الملبن: شيء يحمل فيه اللبن، ويبدو أنه كبير الحجم). قلت: هنا في الأصل و (ب) كليهما هامش كان من المفيد إثباته: (الملبن شبه الهودج). وقد نقله الأستاذ حمد الجاسر في مقاله، انظر مجلة العرب 9: 276. ومثله في التاج (لبن): (شبه المحمل). (111) ف 54 ص 108: نقل الغندجاني كلام النمري: (قال ابن أخت تأبط شرا ويقال إن خلفا الأحمر صنعها ونحلها إياه، ومما استدلّ به على ذلك قوله فيها: (جلَّ حتى دقَّ الأجلُّ) فإنّ الأعرابي لا يكاد يتغلغل إلى مثل هذا). ثم رد الغندجاني على النمري، وزعم أن الدليل على كونه مولّدًا أنه ذكر فيه سلعًا وهو بالمدينة وقتل تأبط شرا في بلاد هذيل. وعلّق المحقق الفاضل على قوله (ابن أخت تأبط شرًا) في الهامش 2 قائلًا: (هو الشنفري) وترجم له، ثم في الهامش 3 ترجم لخلف الأحمر، ثم في الهامش 4 علّق على البيت بقوله: ( .. وقد اختلف العلماء في قائل هذه المرثية بين: تأبط شرا نفسه يرثي نفسه، أو ابن أخته، أو للشنفرى وهذا أرجحها، أو أنها من صنيع خلف الأحمر نحلها الشنفري). قلت: لم يكن المحقق الفاضل ليكتب تعليقاته في نسبة القصيدة على هذا الوجه لو اطلع على المقال النفيس الذي دبجته يراعة إمام العربية وجهبذ الشعر العربي العتيق الأستاذ العلاّمة محمود محمد شاكر حفظه الله (1)، ونشر في سبع حلقات في مجلة المجلة سنة 1969 بعنوان (نمط صعب ونمط مخيف)، أي قبل 16 سنة من نشر كتاب الغندجاني هذا. وقد تناول فيه الأستاذ هذه القصيدة الجاهلية تناولاً شاملًا دقيقًا، وشرحها شرحًا لا نظير له، وبحث قضية نسبتها

_ (1) توفى في الرابع من شهر ربيع الآخر سنة 1418 هـ (7/ 8/1997 م). وكان- رحمة الله- أمّة وحده، (وبنيأن قوم تهدما).

بحثًا وافيًا لا مزيد عليه. وطبق عليها منهجه لمدارسة الشعر الجاهلي، وهو خليق بأن يطلع عليه كل من يهمه أمر الشعر الجاهلي، وأرى أن يوصى طلاب جامعاتنا في جميع كلياتها بمطالعة هذا المقال ومراجعته واستيعاب مطالبه ومباحثه، ليقفوا على المنهج الراسخ الشامخ المستقيم للبحث والدراسة والنقد وليعلو بهم هذا المقال على أسرار البيان العربي الذي أنزل الله به كتابه العربي المبين. ولعل المحقق الفاضل لم يطلع كغيره من كثير من الباحثين على المقال المذكور، لأنه نشر في مجلة علمية أدبية، وما أكثر الحواجز في بلادنا دون انتشار العلم والثقافة، واطلاع قطر على إنتاج قطر آخر، مما يؤدي إلى تكرار الجهود وتشتتها وضياعها (1). وبما أن الدكتور سلطاني رجع أن القصيدة للشنفرى وأنه ابن أخت تأبط شرا، أحب أن أورد هنا ما قاله العلاّمة محمود شاكر بهذا الصدد: (وأما من نسبها إلى (الشنفرى) الجاهلي، مترددًا أو غير متردد، فأقدمهم جميعاً ابن دريد (رقم: 3، 9) ثم أبو الفرج الأصفهاني (رقم: 8) ثم البكري رقم (رقم: 3، 9). فلو صحّ ما ذكره صاحب ديوانه المخطوط من أن أم الشنفرى (كانت سبية في هذيل بعد)، وذلك في مقدمة لاميته المشهورة باسم (لامية العرب) فإن هذا السبي الذي لحقها، خليق أن يحمل خال الشاعر أخا أمه، على الغارة على هذيل والنكاية فيها، حتى إذا ما قتلته، جاء ابن أخته الشنفرى فأوقع بهذيل وبلغ منها، والنشفرى يومئذ شاعر معروف مشهور، فهذا وجه، ولكننا لا نجد له ما يعضده في أخبار هذيل وأشعارها، ولا في الذي وصل إلينا من شعر الشنفري وأخباره. هذا مع ما أجده أيضًا من بعد بيان هذه القصيدة، عن بيان الشنفري في قصائده التي انتهت إلينا، على قلتها.

_ (1) وقد طبع المقال المذكور سنة 1416 هـ في صورة كتاب بالعنوان نفسه: (منط صعب ونمط مخيف). وانظر الكلام الآتي فيه ص 56 - 58.

وأما من نسبها إلى (الشنفري) وجعله (ابن أخت تأبط شرًا) (رقم: 7) فهذا باطل من وجوه، أشدّها: ان صحيح شعرتأبط شرًا، دالّ على أن الشنفري مات قبله، وأنه رثاه بقصيدة رواها أبو تمام في كتاب الوحشيات (رقم: 208)، وأبو الفرج في الأغاني (21: 89)، هذا على أننا لم نجد في كتاب آخر قط: أن الشنفري كان (ابن أخت تأبط شرًا) وأول ما وجدناه عند ابن برّي وهو متأخر جدًا، في القرن السادس الهجري، ولم ينقله عن أحد ولم ينسبه إلى سابق، ثم تابعه عليه صاحب الخزانة في القرن الحادي عشر، وكأنه خلط بين الأقوال، إذ رأى الشعر منسوبًا إلى (الشفنري) ومنسوبًا إلى (ابن أخت تأبط شرًا يرثيه)، ورأى في القصيدة قوله: (إن جسمي بعد خالي لخلّ) فقال: (يعني بخاله تأبط شرًا، فثبت أنه لابن أخته الشنفري). وفعل ابن بري ذلك ردًا على الجوهري (كما سلف رقم: 1) حين نسب الشعر إلى تأبط شرًا. أما ما جاء في (رقم: 7) أيضًا من نسبة مثل هذا الخلط إلى ابن دريد، في لسان العرب مادة (خلل) فهو تصرّف معيب من صاحب لسان العرب، لأنه نقل نص ابن دريد في الجمهرة (1: 69) وهو: (وروى البيت المنسوب إلى الشنفري أو تأبط شرًا) فكتب مكانه: (ابن أخت تأبط شرًا) فهذا شيء لا يعتد به. لم يبق بعد ذلك إلا نسبتها إلى مجهول هو: (ابن أخت تأبط شرًا، يرثي خاله تأبط شرًا الفهملي، وكانت هذيل قتلته) وأقدم من قاله هو ابن عبد ربه الأندلسي (رقم: 7): أو نسبتها إلى مسمى، وهو (ابن أخت تأبط شرًا، خاف بن نضلة، يرثي خاله، وكانت هذيل قتلته) وانفرد بهذه التسمية البكري (رقم: 3، 6) ... هذا على أني لم أجد من ذكر (خفاف بن نضلة) فيما بين يدي من الكتب، ولكن البكري الذي قال ذلك، على تأخر زمانه، كان جيد التحرّي شديد الاستقصاء). انتهى كلام الأستاذ محمود شاكر. (112) ف 54 ص 109: نقل الغندجاني عن أبي الندى: (قال: ممّا يدلّ

[على] أن هذا الشعر مولد أنه ذكر فيه سلعًا وهو بالمدينة). كذا أثبت المؤلف [على] بين حاصرتين، وقال في الهامش 2: (زيادة لازمة ليست في الأصول). قلت: كلمة (على) ثابتة بكل وضوح في نسخة الشنقيطي المساعدة! فلعلّ المحقّق يقصد هنا بقوله (الأصول) أصله الوحيد فقط، وذلك من باب الجمع يراد به الواحد! هذا، والنص كذا بدون (علي) في شرح التبريزي (2: 161) الذي نقل الفقرة بتمامها، ولا لزوم لزيادة (علي) هنا، فإن حذف حرف الجر قبل (أن) و (أنَّ) قياس مطرد إذا أمن اللبس. انظر الكافية بشرح الرضي 2: 273. (113) ف 54 ص 109: ورد في قول أخت تأبّط شرًا في رثاء أخيها: من يقتل القرن ويروي الندمان كذا ضبط (يروي) بفتح حرف المضارعة. والصواب بضمه من الإرواء كما في الأصل و (ب) كليهما. (114) في 55 ص 110: نقل المؤلف عن النمري قوله: قال حفص بن الأخيف يرثي ربيعة بن مكدم: نفرت قلوصي من حجارة حرة ... بنيت على طلق اليدين وهوب وقال المحقق في تعليقه على (حفص بن الأخيف): (ورد اسمه في شرح المرزوقي 2/ 905 (حفص بن الأحنف) وقال التبريزي في شرحه 1/ 375 (قال محمد بن سلام: الصحيح أن هذه الأبيات لعمرو بن شقيق أحد بني فهر بن مالك) ثم قال: (ومن الناس من يرويها لكرز بن حفص بن الأخيف العامري. وعمرو بن شقيق أولى بها). قلت: ولم أجد هذا الشعر عند ابن سلام في طبقاته) انتهى. ثم نقل المحقّق الفاضل عن المبهج معنى الحفص والخيف! أولًا: (الأحنف) بالمهلة والنون في شرح المرزوقي وغيره تصحيف،

والصواب بالخاء المعجمة والياء المثناة، كما ورد هنا في النص. انظر تبصير المنتبة 1: 9 وجمهرة ابن حزم: 171 [والإكمال 1: 26]. ثانياً: لم ينقل البريزي في شرحه: 2: 186 عن ابن سلاّم، وإنّما ورد كلامه في شرح الرافعي، وهو منقول عن الأغاني 14: 125 (التقدم) [16: 55 - ط الدار، وقد صحف فيه الأخيف إلى الأحنف، ونسب تبعًا لأحد أصوله فهريًا]. ثالثاً: (كرز) في نص ابن سلاّم المنقول في شرح الرافعي تحريف وصوابه: (مكرز) بكسر الميم وفتح الراء المهملة. وكذا ورد محرّفًا في الأغاني 14: 125 ثم ورد صحيحاً في ص 127. وانظر ترجمة (مكرز) في معجم المرزباني: 470 (القدسي) [438 ط فراج] والإصابة (819)، [نسب قريش: 417، 438، الأشتقاق: 115، ابن حزم: 171] (1). وقعد فإن الشعر مختلف في نسبته، يتنازعه، غير الثلاثة المذكورين، حسان بن ثابت الأنصاري، وضرار بن الخطاب وكرز بن خالد الفهريّان، وصوّب نسبته إلى الأخير الغندجاني. وانظر تفصيل الخلاف وتخريج الشعر في ديوان حسان 410 والكامل: 1458. (115) ف 55 ص 110 الهامش 2: (ربيعة بن مكدَّم بن عامر بن حرثان). قلت: كذا (حرثان) بالحاء، والراء المهملتين في الأغاني 14: 125

_ (1) [وانظر أخبار مكرز في مغازي الواقدي 38 - 39 (مقتل أخيه ثم ثأره به) 130 (فيمن قدم في أسرى بدر) 143 (قدومه فداء سهيل بن عمرو) 599 (قدومه يوم الحديبية)، 602 (إرسال قريش بخمسين رجلًا لعلّه يصيب من المسلمين غرة يوم الحديبية ..... ) 604، 605، 608 (إجارته أبا جندل) 611، 612، 734 (إرسال قريش له في محاولة تجديد الصلح) 783 (كان فيمن بيت خزاعة) / المجلّة].

واللآلي: 911. وفي جمهرة ابن حزم 188 (خويلد) ولعلّ كليهما تحريف. والصواب (حدبان) كما في جمهرة الكلبي: 163. وقد نصّ على ضبطه الأمير في الإكمال 2: 401 (بحاء مضمومة مهملة ودال مهملة أيضًا ساكنة وبعدها باء معجمة بواحدة) قال الكلبي: (ومنهم بنو المطلب بن حدبان بالكوفة). وذكرهم ابن حزم أيضًا، ولكن تصحف الاسم مرة أخرى وصار (جديان) بالجيم والياء المثناة. (116) ف 57 ص 112: تمثّل الغندجاني بقول الشاعر: أكثر ما أسمع منها في السحر ... تذكيرها الأنثى وتأنيث الذكر فقال المحقّق في تعليقه عليه: (المثل أبيات ثلاثة أوردها الجاحظ في البيان والتبيين 1/ 73 و 165 لبعض الشعراء في أم ولد له يذكر لكنتها. وثالثها قوله: والسوءة السوآء في ذكر القمر قلت: هذا الثالث ذكره الشنقيطي في هامش نسخته مقابل البيت الثاني، قال: (وجاء فيه: ... ) فحبذا لو أشار المحقّق إلى هذا المهامش شكرًا للعلم! (117) ف 57 ص 113: ثم عقّب الغندجاني على تفسير النمري للبيت بقوله: (وتفسير العجز أبعد من الصواب من رهوة من نساح) وقال المحقّق في تعلقيه: (ورد المثل أبعد من رهوة من نساح) في فرحة الأديب (فقرة 18) ص 54، ورهوة موضع بنجد، ونساح باليمامة. انظر معجم البلدان 3/ 108 و 5/ 283. قلت: ضبط المحقّق (نساح) بكسر النون، وهو مضبوط في الأصل و (ب) كليهما بفتحها، والشنقيطي رحمة الله قد كتب فوق الكلمة علامة (صح) لئلاّ يتوهّم أحد أنّه خطأ، أو لأنّ الفتح هو الصواب عنده، وقد ضبطه صاحب القاموس على الوجهين (كسحاب وكتاب) وقال ياقوت (5: 283): (ورواه

العمراني بالفتح نصّاً والأزهري قال بالكسر). وقد ورد المثل في رجز أنشده ابن الأعرابي وثعلب: يوعد خيرًا وهو بالزحزاح ... أبعد من رهوة من سناح أنظر معجم الكبري: 680، وفي اللسان والتاج (نسح): (زهرة) مكان (رهوة) وهو تحريف (1). (118) ف 59 ص 116 س 7: في النص: ( ... وإنّما أوصاه باحتمال الضيم والهضيمة). قلت: في الأصل و (ب) جميعًا: (وصّاه) في التوصية بدلًا من (أوصاه) من الإيصاء. (119) ف 59 ص 116: قال الغندجاني: (ومثل هذا قول الآخر وهو أحد اللصوص: وما كان عضّ الطرف منها سجية ... ولكننا في مذحج غربان قلت: أولًا: البيت لطهمان بن عمرو الكلابي كما في اللسان والتاج (غرب) وقبله: وإني والعبسي في أرض مذحج ... غريبان شتّى الدار مختلفان ثانيًا: أثبت المحقّق في صدر البيت (منها) كما في الأصل، والصواب (منّا) كما في نسخة الشنقيطي- ولم يرجع إليها المحقّق- وشرح التبريزي 3: 104 واللسان والتاج. ثالثًا: ضبط المحقّق (غربان) بفتح أوّله وكسر ثانيه كما في الأصل. وهو

_ (1) [جاء في التهذيب: 4: 323، نساح: واد باليمامة، وضبطت النون بالفتح ضبط قلم. وجاء في المحكم 3: 146 رهوة، على الصواب. وفيه نساخ: جبل/ المجلة].

خطأ، ولم يرجع المحقّق مرّة أخرى إلى نسخته المساعدة التي ضبط الشنقيطي رحمة الله فيها (غربان) يضمّ أوّله وثانيه، على الصواب. في اللسان: (رجل غريب وغرب أيضًا، بضم الغين والراء، وتثنيته غربان) وأنشد قول طهمان هذا. (120) ف 60 ص 117، الهامش 1: ترجم المحقّق هنا لمعن بن أوس المزني مرة ثانية، إذ سبق أن ترجم له في الفقرة 51 ص 105، وبين الترجمتين اختلاف من عدة وجوه: 1 - الأولى في 4 أسطر والثانية في 3 أسطر. 2 - أحال في الأولى على 9 مصادر وفي الثانية على 5 مصادر. 3 - أحال في الأولى على معجم الشعراء ص 322 [فراج] وهنا عليه ص 399. وكذلك في الأولى على الخزانة 3/ 255 وهنا 3/ 258. (121) ف 60 ص 118: في آخر الفقرة: فلا تغضبن أن تستعار ظعينة ... وترسل أخرى كلُّ ذلك يفعل وقال المحقّق في تعليقه على البيت: (البيت لمعن بن أوس في ديوان الحماسة في 408/ 1 ج 1/ 563، وهو مطلع الحماسية محور القول، وكذا في شرح التبريزي 3/ 78 .... ). قلت: لا يصحّ أنّ هذا البيت مطلع الحماسية، وقد عزّة صنيع محقّق ديوان الحماسة الذي خلط بين عبارة الأنشاد وأبيات الحماسة. والغريب أنّ الدكتور سلطاني راجع شرح البريزي 3: 78 الذي جعل الحماسية منفصلة عن عبارة الإنشاد، ولكن لم يفطن، وأغرب من هذا أنّ نصّ الغندجاني الذي هو قاطع في هذا الأمر لم يستطع أن ينبّه المحقّق الفاضل. وذلك أنّ أبا تمام أورد في حماسته 13 بيتًا من قصيدة لمعن بن أوس، أولها:

لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول وظاهر أنّ هذا البيت مطلع القصدية، فتكلّم النمري في شرحه على هذا البيت وأشار إلى أن (تغدو) يروي بالغين المهملة والمعجمة، فانتقده الغندجاني، وأورد قصة الأبيات فقال: (وكان من قصة هذا الشعر أنّه كان لمعن بن أوس صديق، وكان معن متزوّجًا بأخته، فاتّفق أنّه طلّقها وتزوّج أخرى، فآلى صديقه ألاّ يكلّمه أبدّا، فأنشأ معن يقول يستعطف قلبه عليه ويسترقّه له: لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول وهذا كما قال الآخر: فأكرم أخاك الدهر ما دمتما معًا ... كفى بالممات فرقة وتنائيا وفي أبيات معن ما يدلّ على القصّة التي ذكرتها لك، وهو: فلا تغضبن أن تستعار ظعينة ... وترسل أخرى كلّ ذلك يفعل) هذا نص الغندجاني. وبيّن جدًا أن الغندجاني أنشد البيت الأخير استدلالاً منه على سياقته لقصة الأبيات، فجاء التبريزي، ولخص كلامه، وجعله مدخلًا لهذا الحماسية في شرحه. فبعدما أثبت عبارة الإنشاد (وقال معن بن أوس) بدأ تمهيده قائلاً: (وكان له صديق وكان معن متزوجًا بأخته فاتّفق أنّه طلقها وتزوّج غيرها، فآلى صديقه أن لا يكلّمه أبداً، فأنشأ معن يقول يستعطف قلبه ويسترقّه له، وفي الأبيات ما يدلّ على القصّة وهو قوله: فلا تغضبن ... ) وأنشد البيت. وقد أحسن مصحّحو طبعة بولاق إذ لم يثبتوا هذا البيت بين القوسين- كعادتهم في الحماسيات- لكونه خارجًا من الحماسية. وهذا التمهيد، كما ترى، منقول من الغندجاني ولكن التبريزي لم يشر إليه، وهو الذي ورد في نسخة دار الكتب التي اعتمدها محقّق الحماسة، في

أوّل الحماسية، ولا فرق بينهما وبين ما في شرح التبريزي إلاّ في حرف. فأقحم محقّق الحماسة البيت (فلا تغضبن ... ) في الأبيات الحماسية، فأصبح هذا البيت أوّلها، والذي كان مطلع الحماسية- وظاهر أنّه مطلع القصيدة- أمسى البيت الثاني! (122) ف 60 ص 118: وأضاف المحقّق في تعليقه هذا قائلًا: ( ... ولم يرد هذا البيت في لامية أوس [كذا! والصواب: معن] في ديوانه ص 57 - 66). قلت: هو ثابت في ديوانه: 94 (طبعة القيسي والضامن) ورقمه في القصيدة: 14 وهذه الطبعة هي التي أحال عليها المحقّق الفاضل من قبل في الفقرة 51، فهل رجع هنا إلى طبعة أخرى للديوان؟ فماله لم يشر إليها؟ وفزعت إلى فهرس المصادر فإذا بعلق فلق! فقد ورد فيه (ص 226): (ديوان معن بن أوس المزني) كذا بالإيجاز! (123) ف 61 ص 118: ورد في النص ( ... قال باعث بن صريم .. ) قلت: كذا نقل الغندجاني عن النمري، ولكن في كتاب النمري المطبوع: 97 (مالك بن رحيم الهمداني) كما في الحماسة. (124) ف 61 ص 118: ثمّ ورد في كلام النمري البيت: بأنّ ثراء المال يعرف أهله ... ويثنى عليه الحمد وهو مذمم في الأصل و (ب) كليهما (ينفع) بدلًا ممّا أثبته المحقّق (يعرف) سهوًا. وفي كتاب النمري: 157: (ينفع ربّه). (125) ف 61 ص 119 س 11: البيت التالي في إنشاد الغندجاني: وأنّ قلال المال للمرء مفسد ... يخزّ كما حزَّ القطيع المحدَّم كذا أثبت المحقّق (المحدّم) بالدال وقال في هامشه: (والقطيع المحدَّم: السوط

المحمَّى على النار، واحتدمت النار اتّدقت. وفي ديوان الحماسة والمرزوقي (المحرَّم) أي السوط الجديد الذي لم يمرَّن بعد فهو أشدّ ما يكون). قلت: أخطأ المحقّق في قراء الكلمة في الأصل لعدم تمييزه بين الدال والراء (انظر الملاحظة رقم 53) ولم يرجع إلى (ب) ولم يلتفت إلى الهامش الوارد في كليهما، وأخيرًا أخطأ في شرحها. فالكلمة في الأصل و (ب) كليهما بالراء (المحرَّم) على الصواب، كما في (الحماسة والمرزوقي) والتبريزي 3: 96 والمصادر الأخرى. وتحت الكلمة في الأصل، وبجانبها في (ب): (الذي لم يدبغ). ثمّ لا يقال (المحدَّم) فإنّه لم يرد (حدّم) في كتب اللغة بتعضيف العين. وقوله (المحمَّى) بتشديد الميم الثانية المفتوحة من التحمية أيضًا خطأ، والصواب (المحمى) من الإحماء. (126) في ص 62 121: ورد في النص: فتى لا يرى قدّ القميص بخصره ... ولكنهما توهى القميص عواتقه كذا (عواتقه). والصواب (كواهله) كما ورد في الفهارس. (127) ف 63 ص 122 س 4: ورد في النص: ( .. فتبع الأثر فأدركهم بقارة الرمّاح .. ) وفسَّر المحقّق في تعليقه معنى (القارة) ثمّ قال: (وفي معجم البلدان (رماح) 3/ 65 (وقارة الرماح في خبر) وليس له ذكر في كتابه (خبر) 2/ 343 - 344). قلت: ضبط المحقّق (الرمّاح) بتشديد الميم كما في الأصل، ولكن سياق ياقوت يشير إلى أنّه على وزن جمع الرّمح (الرماح). ثمّ لم يتأمّل المحقّق كلام ياقوت يشير وجعله غلطًا إذ ضبط (خبر) بسكون الباء، فلم يقصد ياقوت أنّه قد ذكر (قارة الرماح) في رسم (خبز) في 2: 344، وإنما أراد أن موضعًا اسمه (قارة) قد ورد في خبر من الأخبار، ولعلّه يعني هذا الخبر الذي أورده الغندجاني. وقد ذكر (قارة الرماح) الزبيدي في التاج في مستدركه على القاموس (رمح).

وقد ذكّرني تعليق المحقّق هذا تعليقًا آخر له في شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 2: 370 حيث ورد قول المؤلّف في شرح الشاهد 582: (قال القتال الكلابي واسمه عبادة بن مجيب، ويقال: عبيد: .... ) وأنشد بيتين، فتوهّم الدكتور سلطاني أنّ المؤلّف يشير إلى خلاف في نسبة الشعر، فهو للقتّال الكلابي الذي اسمه عبادة بن مجيب، ويقال إنه لعبيد (بن الأبرص) فذكر في حاشيته أنّ البيت الثاني ورد في ديوان القتال في مقطوعة، ثمّ قال: (ولا وجود لشيء منها في ديوان عبيد بن الأبرص)! والحقّ أنّ المؤلّف أشار بقوله (ويقال: عبيد) إلى الخلاف في اسم الشاعر القتال، فهو عبادة أو عبيد. انظر اللآلي: 12، ومقدمة ديوانه: 12، وهما من مصادر ترجمة الشاعر التي أحال عليها المحقّق من قبل في ص 273. (128) ف 63 ص 122: أنشد الغندجاني قول البرج بن مسهر الطائي: أنّى لك الحرقات فيما بيننا ... علن بعيد منك يا بن حمام كذا أثبت المحقّق (علن) باللام بعد العين، وفسّره في الهامش بقوله: (العلن إشاعة الأمر والمجاهرة به). وهو تحريف منه، والصواب (عنن) بالنون المفتوحة بين العين والنون، كما في الأصل، و (ب) والأغاني 14: 12 وفسره محقّق الأغاني في هامشه. (129) ف 63 ص 122: ثمّ انشد قول الحصين بن الحمام المرّي الذي أسر البرج ثمّ منّ عليه: برجٌ يؤثّمني ويكفر نعمتي ... صمّي لما قال الكفيل صمام قلت: لم يفسّر المحقّق هذا البيت، وقد رأيناه يفسر (اليافع) و (العير والبشم) و (الحدوج) عدا تفسيره أعلام الشعراء نقلًا عن المبهج. قوله (صمّى صمام) مثل، انظر الميداني رقم 2099، وفصل المقال: 474، وفي هامش

الأصل و (ب): (يضرب للداهية، أي هذا أمر عظيم) فلو نقل المحقّق هذا الهامش لكان أفضل من إغفال شرح البيت. وهو من سبعة أبيات في الأغاني 14: 12. (130) ف 64 ص 124: أنشد الغندجاني بدون عزو: أشوقًا ولما تمض لي غير ليلة ... فكيف إذا سار المطيّ بنا عشرا وعلق المحقّق على البيت قائلًا: (لم أجد البيت في مصادر الشعر والنحو لديّ، وهو من شواهد المفعول المطلق في جامعة الدروس العربية 3/ 103 بلا نسبة ... ) قلت: البيت لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه: 56، ونسب إلى عبدٍ لبني عقيل في عيون الأخبار 3: 33، وهو في كتاب الكتاب لابن درستويه: 146، ومشكلات أبي تمام للمرزوقي: 33 دون عزو، وفيه: (شهراً). (131) ف 65 ص 124 س 5: فسّر النمري (القعب) بقوله: (والقعب القدح إلى الصخر ما هو) قلت: كذا ورد (الصخر) بالخاء المعجمة، ولعله تطبيع والصواب (الصغر) بالغين المعجمة كما في الأصل و (ب). (132) ف 65 ص 124 س 8: ورد في كلام الغندجاني: ( ... وتمام الربيع الصيف ... ) قلت: هذا مثل أورده الميداني في مجمع الأمثال 1: 122 وقال: (يضرب في استنجاح تمام الحاجة). (133) ف 66 ص 125: نقل الغندجاني عن النمري: (قال أبو عبد الله: وقال آخر ... ) قلت: كذا نقل الغندجاني، وفي مطبوعة النمري 168 (وقال جران العود النميري)! (134) ف 66 ص 125: ثم ورد بيتان ثانيهما:

ثمّ انصرفت إلى نضوى لأبعثه ... إثر الحمول الغوادي وهو معقول قلت: كذا ورد في كتاب الغندجاني عن النمري (الحمول). وفي كتاب النمري: 168 (الحدوج) وهما روايتان في البيت، ولكن الصواب في نص النمري هو (الحدوج) لأنّه فسّر هذه الكلمة، ولم يشر إلى رواية (الحمول) التي أوردها الغندجاني في آخر الفقرة. (135) ف 66 ص 125: ورد في كلام النمري في تفسير البيت: (غقل عن حلّ عقالة من الهم بفراقهم، ثمّ قال: فعلت يوم ارتحلت برحلي قبل برذعتي ... ). في كتاب النمري: (لما عراه من الهم) و (فعلت هذا)، وإذا كان حذف (لما عراه) من الاختصار فإن (هذا) لا بد أنّه سقط من النصّ. (136) ف 67 ص 128: أنشد الغندجاني قول أبي حية النميري: وكنت إذا أخبرت أن مكلَّفًا ... بكى أو تعنّاه عدادٌ يماطله كذا أثبت المحقّق (أخبرت) من الإخبار، وفي الأصل و (ب) كليهما: (خبّرت) من التخبير. (137) ف 68 ص 129 س 4: تمثّل الغندجاني بالمثل: (غاص غاص وجاء بآجره) وعلّق عليه المحقّق بقوله: (في مجمع الأمثال 2/ 67 (أمثال المولدين) قوله (غاص عوصة وجاء بروثة) ولعلّ الغندجاني هذبّه ليكون مقبولًا). أولاً: في الأصل و (ب) كليهما: (فجاء) بالفاء والمحقّق أثبت الواو بدلاً من الفاء من غير تنبيه. ثانياً: في هامش الأصل و (ب) كليهما وردت الرواية الأخرى للمثل:

(غاص غوصة فجاء بروثة) ومرة أخرى بالفاء دون الواو. وأغفل المحقّق الإشارة إلى هذا الهامش. ثالثاً: قول المحقّق الفاضل (لعل الغندجاني هذّبه .... ) حسن ظن به في غير محلّه. فالغندجاني- رحمة الله- الذي لم يزعه وازع من الإقذاع في الرد على أئمة العلم (انظر الأمثال التي ضربها: ف 27، 46، 61، 75، 86)، أفينقزز من كلمة (روثة) وردت في مثل من الأمثال، فيتوخّى تهذيبه ليكون مقبولًا؟ ولعلّ الذي يسَّر للمحقّق قوله هذا ما ذهب إليه من أن الغندجاني يتناول الأمثال بالزيادة والنقص، بل يضعها أحيانًا! وهو رأي مردود لا دليل عليه. (138) ف 69 ص 130 س 3: نقل الغندجاني عن النمري قوله: (الآرام: الأعلام واحدها إرم، وهي حجارة تنضَّد على الطريق يهتدي بها). قلت: كذا (تنضَّد) في الأصل و (ب) وله وجه، ولكن في كتاب النمري: 181 (تنصب) من النصب، وبهذا اللفظ فسّر في اللسان: (الإرم: حجارة تنصب علمًا في المفازة .... حجعارة تجمع وتنصب في المفازة يهتدي بها) فلعلّ (تنضَّد) في هذه النسخة من كتاب الغندجاني تحريف والصواب ما ورد في كتاب النمري. (139) ف 69 ص 130: ورد في كلام النمري: (قال آخر: رمتني وستر الله بيني وبينها ... عشية آرام الكناس رميم فعقّب عليه الغندجاني بأنّ النمري لم يذكر قائل هذا البيت، فقال المحقّق في تعليقه: (بل هو منسوب في متن ديوان الحماسة إلى أبي حية النميري). قلت: نص النمري: (قال آخر) كذا في كتابه المطبوع: 181، وكذا في نسخة الحماسة المنسوخة سنة 431 هـ والتي رمز لها المحقّق بحرف (د)، وقال في وصفها في مقدمته: 11: (ولولا الخرم أو السقط المشار إليه لكانت جديرة تتّخذ أمّاً وأصلًا). فلو جعلها محقّق الحماسة أصلًا ما وجد الدكتور سلطاني

في (متن) الحماسة إلا ما ورد عند النمري ونقله الغندجاني! (140) ف 69 ص 130 س 9: نقل الغندجاني عن أبي الندى أنّ قائل البيت رجل من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن. قلت: وحكى البكري في معجمه: 1135 عن ابن الأعرابي أنّه أنشد البيت للأعور بن براء من بني عبد الله بن كلاب. وانظر تعليق محقّقه. (141) ف 69 ص 130 س 11: نقل الغندجاني الأبيات عن أبي الندى وقال: (وقد أثبتها لك ها هنا لأنها من نواد الشعر وملحه). قلت: كذا ضبطت الكلمة بفتح أوّلها وسكون ثانيها، والصواب: (ملحه) بضمّ أوّله وفتح ثانية كما في الأصول و (ب). (142) ف 69 ص 130: وأوّل هذه الأبيات: أنّك عمري أيَّ نظرة آلفٍ ... نظرت وقدسٌ دونهن وريم قلت: أوّلًا: ضبط المحقّق (عمر) بضم العين خلافًا خلافًا لضبطه في الأصل و (ب) بفتحها، وكلاهما صحيح. ثانيًا: لم يضبط الكاف في (إنك) ولكن ضبط التاء في (نظرت) بالكسر، وهو خطأ، والصواب (نظرت) بإسناد الفعل إلى المخاطب دون المخاطبة و (إنَّك) كما في (ب). وهما في الأصل دون ضبط. (143) ف 69 ص 131: والبيت السابع منها قوله: كما تردع الهيماء عاد لجسمها ... رداعٌ نبا عن مشرب وشميم ضبط المحقّق (شميم) بضمّ آخره، والصواب بكسره على الإقواء كما في الأصل و (ب) (144) ف 70 ص 131: نقل المؤلف عن النمري: (قال المجنون أو غيره:

قصيرة الأيام ودَّ جليسها ... لو دام مجلسها بفقد حميم قلت: في كتاب النمري المطبوع: 185: (قال المجنون) فقط، فهو يخلو من قوله (أو غيره). (145) ف 70 ص 131 الهامش 7: خرّج المحقّق بيت المجنون في ديوانه: 256، ثمّ قال: (وجاء في عجزه (لو باع مجلسها بفقد حميم) ويبدو المعنى على هذه الرواية فاسدًا ... ) قلت: معنى البيت صحيح، ولا فساد فيه، وإنمّا (باع) هنا بمعنى (اشترى). في اللسان: (قال الأزهري: قال أبو عبيد: البيع من حروف الأضداد في كلام العرب. يقال: باع فلان، إذا اشترى، وباع من غيره. وأنشد قوله طرفة: ويأتيك بالأنباء من لم تبع له ... بتاتًا ولم تضرب له وقت موعد أراد: من لم تشتر له زادًا وقال النابغة من قصيدة تروى لأوس بن حجر أيضًا: وقارفت وهي لم تجرب وباع لها ... من الفصافص بالنُّمِّيِّ سفسير انظر ديوان النابغة: 157 وديوان أوس: 41. ومنه قول الفرزدق: إن الشباب لرابحٌ من باعه ... والشيب ليس لبائعيه تجار انظر التاج (بيع). وقال المحقّق في الحاشية نفسها: (فهو في ديوان الحماسة) 108 من مقطوعة في ثلاث أبيات، ورد أوّلها في اللسان (ردع) منسوبًا إلى (قيس بن معاذ مجنون بني عامر) وهو قوله: صفراء من بقر الجواء كأنّما ... ترك الحياة بها رداع سقيم" قلت: في الشطر الثاني تحريف في اللسان، وصوابه:

ترك الحياء بها رادع سقيم (146) ف 70 ص 132: قال الغندجاني: "هذا البيت لمحمد بن يسير الخارجي". قلت: كذا أثبت المحقّق (يسير) بالياء المثناة ثمّ السين المهملة، كما في الأصل و (ب)، وقال في تعليقه عليه: "محمد بن يسير الخارجي البصري أبو جعفر مولى بني أسد، عاصر أبا نواس ومات بعد نحو سنة 2010 هـ. ترجمته في: الشعر والشعراء (تر 205) 2/ 879 - 880 والمحمدون من الشعراء (تر 129) ص 228 وصحّف فيه اسم أبيه إلى بشير. ويلتبس اسم محمد بن يسير هذا باسم شاعر آخر عاش قبله هو محمد بن بشير الخارجي من خارجة عدوان، ومن شعراء الدولة الأموية. ترجم له صاحب الأغاني في 16: 102 - 134 والمؤتلف (تر 132) ص 232 ومعجم الشعراء ص 343 والخزانة 4/ 37، 112". قلت: "انقلب القوس ركوة"! كلام المحقّق في تعليقه هذا كلّه سواء إلاّ قوله في ترجمة الأول: (الخارجى) فلم يثبت أحد ممن ترجم له أنّه كان "خارجيًا" لا من خارجه عدوان، ولا من طائفة الخوارج. وكان هذا اللفظ وحده كافيًا لتنبيه المحقّق الفاضل على أنّ النصّ في أصله و (ب) المنقولة عنه مصحف، وصوابه (بشير) بالموحدة والشين المعجمة. وهو الشاعر الثاني الذي ترجم له المحقّق. وإذا كان اسمه قد صحف في الأصل و (ب) ولم يفطن المحقّق لنسبة (الخارجي) في النص، فغن هامشًا فوق الكلمة، عموديًا في الأصل، وبجانب السطر في (ب)، كان خليقًا بأن ينبّه المحقّق مرّة أخرى، ولكنّه قلما التفت إلى هذه الهوامش. وهو: "منسوب إلى خارجه عدوان". ومعلوم أن المنسوب إلى خارجة عدوان (محمد بن بشير) كما قال المحقّق الفاضل نفسه في حاشيته. أمّا الأوّل فهو "الرياشي" مولاهم أو صليبة. وقيل: مولى بني أسد، وقيل: مولى بني هاشم، وقيل: مولى بني سدوس، ويل: هو من جذام. انظر

أيضًا: اللآلي: 104، والأغاني 14: 17 - 50، وطبقات ابن المعتز: 279 - 282. وقد تصحف الاسم مرّة أخرى في الفقرة التالية: 71 ص 133 س 5 في قول الغندجاني: " ... والصحيح أنّها لمحمد بن يسير الخارجي" وفات المحقّق تصحيحه، مع أنّه رجع إلى شرح التبريوي 3: 166 الذي نقل كلام الغندجاني كلّه من هذه الفقرة، وفيه (بشير) على الصواب. وكذلك في حاشية محقّق الحماسة 2: 102 الذي نقل قول الغندجاني مصحّحًا. (147) ف 72 ص 134 س 6: نقل المؤلّف كلام النمري فقال: "قال أبو عبد الله: هذه روايتنا". قلت: أثبت المحقّق (هذه) سهوًا، وصوابه (هكذا) في الأصل و (ب) وكتاب النمري: 187. (148) ف 73 ص 135: نقل المؤلّف عن النمري: "قال أبو عبد الله: قال أعرابي: وخبِّرت سوداء الغميم مريضة ... فأقبلت من مصر إليها أعودها" قلت: لا يصحّ في إنشاد النمري (سوداء الغميم) وإنّما هو (سوداء القلوب) كما في الأصل، و (ب) وكتاب النمري: 188. وعليه فسّر النمري البيت، فانتقده الغندجاني والصواب عنده (الغميم) بدلًا من (القلوب). (149) ف 73 ص 135 س 9: من كلام النمري وهو يعقب على تفسير الديمرتي للبيت السابق: "والشاعر إنّما وصف امرأة معرفة وهي ها هنا على تفسير نكرة ... ". قلت: كذا في الأصل، والصواب: (على تفسيره) بإضافة (تفسير) إلى ضمير الغائب الذي يعود على الديمرتي، كما في كتاب النمري: 189.

(150) ف 73 ص 136: تمثّل المؤلّف بقول الشاعر: تعيين أمرًا ثم تأتين مثله ... لقد حاس هذا الأمر عندك حائس فعلق عليه المحقّق بقوله: "البيت في اللسان (حوس) وفي صدره (ثمّ تأتين دونه) وقدّم له بقوله "وأنشد شمر" ... وتبدو رواية الغندجاني (مثله) أرجح .. ". قلت: والبيت على رواية الغندجاني في التاج (حوس) عن شمر نفسه [رواية التهذيب 5: 172 "وتأتين مثله"]. (151) ف 73 ص 173: البيت السادس من أبيات العوّام بن عقبة: نظرت إليها نظرًة ما تسرّني ... بها حمر أنعام البلاد وسودها قلت: كذا أثبت المحقّق (تسرّ) بإسناد الفعل إلى الغائبة كما في شرح التبريزي 3: 192" عند الغندجاني، من غير تنبيه على أن في نسخته المساعدة (ب): (يسرّ) بإسناده إلى الغائب. أمّا الأصل فلم يضبط فيه حرف المضارعة إذا كان الفعل مسندًا إلى الغائب. فنراه في هذه الصفحة نفسها (34/ ب) أغفل النقط في (لم يبق) و (فلم يزل يلطف). (152) ف 73 ص 137: أنشد الغندجاني: شقى جدثا بين الغميم وزلفٍة ... أحمُّ الذرا واهي العزالي مطيرها وإن تك سوداء العشية فارقت ... فقد مات ملح الغانيات ونورها كذا أثبت المحقّق البيتين متّصلين، وأسقط عبارة بينهما وردت في الأصل و (ب) كليهما وهي قول المؤلف: (وفيها يقول: ) (153) ف 74 ص 139: ورد في كلام النمري في تفسشير قول زميل بن أبير:

ولست بربل مثلك احتملت به ... حصان نأت عن فحلها وهي حال قال: "يقول ولدتك أمّك من غير ذكر كالربل الذي ينبت من غير مطر. ووصف امرأة بالحصن وهو العفاف، وأنّها لم تزن ليؤكد أنّه ولد من غير والد". قلت: كذا (امرأة) في الأصل و (ب)، وهو تحريف، صوابه (، مَّة) كما في كتاب النمري: 191 وسرح التبريزي 4: 7 الذي نقل كلام النمري. (154) ف 74 ص 140: أنشد الغندجاني: فجئت ابن أحلام النيام ولم يكن ... لبضعك إلا طهرها من تباعل قلت: أولًا: أثبت المحقق (النيام) جمع نائم، وفي الأصل و (ب) كليهما: (المنام) فإذا كان المحقّق عدل عمّا فيهما تبعًا لرواية الحماسة وشرحيها وما نقله التبريزي 4: 7 عن الغندجاني، فكان ينبغي له التنبيه على ذلك. ثانيًا: ضبط المحقق (بضع) بفتح أوّله خلافًا لضبطه في الأصل و (ب) بضمّ ـوّله (بضع) وكلاهما صحيح. ثالثًا: ضبط (طهر) بالرفع. وفي الأصل و (ب): (طهرها) بالنصب. وهو المختار إذا تقدّم المستثنى والكلام منفي. وهو الوجه عند الجمهور في الاستثناء المنقطع. (155) ف 75 ص 140: نقل المؤلف عن النمري: "قال بشير: ... " وعلّق المحقّق على (بشير) فقال: "هو بشير بن أبي بن جذيمة بن الحكم العبسي. شاعر جاهلي مقل. لم تتوسّع المصادر في حياته واختلفت في اسم أبيه: فهو أبيّ تمام في ديوان الحماسة 2/ 164 وشرح التبريزي 4/ 9 وهو أبو جذيمة عند الجاحظ والآمدي وشرح المرزوقي. أخباره في الحيوان 4/ 67 والمؤتلف 97". قلت: أولًا ليست عندي أصول الحماسة التي اعتمدها محقّقها ولكن

الملاحظ أنّه قال في ترجمة الشاعر: "بشير بن أبي جذيمة ... " وأحال على المؤتلف والمختلف 69، ولم يشر إلى خلاف بين اسمه في الحماسة وبينه في المؤتلف. ثمّ أثبت في فهرس الشعراء: 535 وفهرس الحماسيات: 528 "بشير بن أبي جذيمة" خلافًا لما أثبته في عبارة الإنشاد، وقال في ذكر فروق النسخ: "في د زاد (العبسي) بعد أبي جذيمة" والنسخة التي رمز إليها بحرف (د) هي نسخة أسعد أفندي المنسوخة سنة 431 هـ والتي قال فيها المحقّق إنّها كانت جديرة بأن تتّخذ أمّا وأصلا لولا الخرم الموجود فيها. فلا سبيل إلى الجزم بأنّ اسم لأبيه "أبيّ عند أبي تمام".ثمّ نقل الغندجاني هنا عن النمري اسم الشاعر واكتفى به، ولم يذكر اسم أبيه، ولكنه ثابت في كتابه المطبوع: 193 (أبي جذيمة) وقد نقل الغندجاني اسمه عن النمري مرة أخرى في الفقرة: 79، فقال (بشير بن أبي جذيمة) ولم ينكره. فثبت أن والد بشير (أبو جذيمة) ولم ينكره. فثبت أن والد بشير (أبو جذيمة) عند النمري والغندجاني أيضًا. والغريب أنّ المحقّق الفاضل زاد بين حاصرتين [بن] في الفقرة: 79 ص 146 فأثبت: (قال بشير بن أبي [بن] جذيمة) وضبط (أبي) بضم أوله وتشديد الياء خلافًا لما في الأصل و (ب) ولم يأت بدليل على ترجيحه. وقد ورد في جمهرة الكلبي: 443 [2: 152 ط دمشق] (بشير بن أبي بن جذيمة) كما في شرح التبريزي، فإن صحّ ذلك فإنّ التصحيف في اسم أبيه قديم. ولكن الجمهرة نشرت عن نسخة فريدة، فنصوصها بحاجة إلى التوثيق والتثّبت. ثانيًا: قال المحقّق في ترجمته إنّه "شاعر جاهلي" ولا أدري من أين وقع له هذا! فلم أجد في المصادر التي أحال عليها ما يشير إلى كونه جاهليًا. ولعلّه اعتمد على قول محقّق الحماسة في ترجمته: "لعلّه جاهلي" فأخرجه من حيز "لعلّ"، وجعله ثابتًا لا تردّد فيه. ولو تأمّل المحقّق الفاضل ما قاله الغندجاني في الفقرة: 79 إن بشيرًا هجا بقوله:

أتخطر للأشراف يا قرد حذيمٍ ... وهل يستعدُّ القرد للخطران عكرشة أبا الشغب العبسي، ثم اطلع على أبيات عكرشة في الحماسة 1: 453 في خالد بن عبد الله القسر الذي قتل سنة 126 هـ، لعرف أن بشيرًا شاعر أموي. (156) ف 76 ص 142: أنشد الغندجاني: "قول الآخر": إذا حلّت بنو أسد عكاظًا ... رأيت على رؤوسهم الغراب وقال المحقّق في تعليقه عليه: "لم أجده في مصادر الشعر لديّ". قلت: البيت لأبي المورِّق اللحياني الهذلي من خمسة أبيات في شرح أشعار الهذليين 779، وخرّجه محقّقة في الفائق والتمام. وزد عليهما: الزاهر 1: 290 دون عزو. و (بنو أسد) تحريف صوابه: (بنو ليث)، وهم بطن من كنانة، وإياهم قصد الشاعر، فإن بني شجع بن عامر بن ليث قتلوا صاحبه جنيدبًا اللحياني يوم المغمس. انظر الشرح. (157) ف 77 ص 143: تمثّل الغندجاني بالبيت الآتي: إنّ الكريمة ينصر الكرم ابنها ... وابن اللئيمة للئّام نصور وقال المحقّق في هامشه: "أورده التبريزي في شرحه بلا نسبة مع رد الغندجاني". قلت: البيت لجرير من قصيدة في ديوانه: 366، وأورد له الثعالبي في التمثيل والمحاضرة: 70. (158) ف 77 ص 143 س 11: ورد في كلام الغندجاني": " .. وذلك أن الثريا لا تكاد ترى في قعر الجفنة وغيرها من الأواني إلا أن تكون قمة الرأس، ولا تكون قمة الراس إلا في صميم الشتاء .. ".

كذا أثبت المحقّق في الموضعين (قمة) بالتاء وقال في تعليقه: "في الأصل (قّم) في الموضعين. ولم أجده في مصادر اللغة لدّي". قلت: لما كان في الأصل (قمّ) بدون تاء، وكذا في (ب)، وكذا في شرح التبريزي الذي نقل الفقرة في 4: 39، كان جديرًا بالمحقّق الفاضل أن لا يتسرّع في تصفحيه، بل يثبت في النصّ كما في أصله، ويقول في الهامش ما قال ولكن حرصه البالغ على "تقديم الصواب في المتن لقرائه ليجنّبهم تعلم الخطأ" هو الذي حمله على أن يصحّح الكلمة في النص. والذي يحمد للمحقّق أنّه التزم هنا الأمانة العلمية، فأشار في الهامش إلى ما في الأصل. وبعد فها هو ذا الزمخشري يقول في أساس البلاغة (قمم): "وصار النجم قمّ الرأس وقمة الرأس"! وقال أيضًا في (فغر): "أفغر النجم القوم، إذا طلع قمَّ الرأس". (159) ف 78 ص 145: ورد في كلام النمري في تفسير قول الحماسي (وسادة عبسٍ في الحديث نساؤها): "أراد بالنساء ولادة بنت (خليد) العبسية، وكانت تحت عبد الملك، ولدت له الوليد وسليمان" ثمّ قول الغندجاني في الصفحة التالية 146 في الرد عليه: " .. ذكر في تفسير البيت أنّه أراد ولادة بنت الوليد العبسية، وهذا هوس أيضًا، لأنّ أمّ الوليد وسليمان هي ولّادة بنت خليد بن جزء بن الحارث بن زهير. وفي ذلك يقول: ساد الهبيريون بالبيض والقنا ... وساد بنو القعقاع بالطيب والكحل" أولًا: أسقط المحقّق في النص قبل البيت هذه العبارة: ( .. آخر يهجو بني القعقاع بن خليد بن جزء) وهي ثابتة في الأصل و (ب) وشرح التبريزي 4: 47. ثانيًا: أثبت المحقّق في ص 145 في كلام النمري (خليد) بين القوسين وعلّق عليه بقوله: "في الأصل (الوليد) وصوابه ما أثبت استنادًا إلى رد

الغندجاني من جهة مع قرائن تثبت صحة قوله من جهة أخرى .. ". قلت: وهذا نمط من التحقيق مخيف. فإن الغندجاني قد نقل كلام النمري الذي قال عن ولادة بنت (الوليد) لينقضه بأنها بنت (خليد)، فبادر الأستاذ إلى نص النمري وغيّره، وجعله مواقفًا لقول الغندجاني، وليت شعري كيف يعقل بعد ذرك ردّه على النمري على حين لم يبق فرق بين كلاميهما! ولعلّ المحقّق الفاصل ألجأه إلى ذلك - كما قال في مقدّمته - إشفاقه على قرّائه أن يعلق الخطأ بأذهانهم، ولا تمتدّ بهم آجالهم إلى أن يصلوا إلى الصفحة التالية (147) حيث ورد تصحيح الغندجاني، ولذلك لمّا تكرّر الخطأ في هذه الصفحة لم يكترث له، وتركه دون تعديل. ولو اتخذ المحقّق هذا المنهج الذي هو أبو عذره، من أول الكتاب لأخرج للناس كتابًا نادرًا لم يؤلف مثله قط! ثالثًا: قول الغندجاني في الرد على النمري: ( ... وهذه هوس أيضًا، لأن أمّ الوليد وسليمان هي ولادة بنت خليد بن جزء ... ) كذا ورد في الأصل و (ب) وشرح التبريزي، وهو غلط فاحش أربأ بأبي محمد الأعرابي أن يقع في مثله، وهو في موقف الرد على النمري بهذا الأسلوب الحادّ العنيف "وهذا هوس". وإنّما أراه سهوًا من ناسخٍ التبس عليه الأمر بذكر القعقاع بن خليد بن جزء. ولكن الدكتور سلطاني أشار في تعليقه السابق إلى "قرائن تثبت صحّة قول الغندجاني" يعني أن ولادة بنت خليد، إلّا أنّه لم يذكر قرينة واحدة فضلّا عن قرائن، بل رجع إلى شرح التبريزي، واشتغل بتصحيح ما وقع فيه من أخطاء، ولم يطفن لما أسقطه هو نفسه من نصّ الغندجاني، فقال: "وهي عند التبرزي 4/ 46 "ولادة بنت الوليد (مصحف عن خليد) بن حزن (مصحف عن جزء) ... كما أخطأ التبريزي ثانية حين جعل اسم أخيها (خليد بن القعقاع) وصوابه (القعقاع بن خليد) بدليل قوله في بعض ما أورده من خبره "كان قد أدلَّ على سليمان والوليد لأنه خالفهما" وأدلّة أخرى. انظر شرح أبيات سيبويه (133)

1/ 278. ومعجم الشعراء ص 208 وشرحي المرزوقي 3/ 1527 والتبريزي 4/ 46". قلت: فهذا الاحتجاجح و"الأدلة الأخرى" والإحالات = كل ذلك، كما ترى، لتصحيح ما ورد من الخطأ في قول التبرزي: (خليد بن القعقاع). فلا نجد في هذا الهامش شيئًا يعدّ قرينة على أن أبا ولادة (خليد) كما ورد في كتاب الغندجاني، اللهم إلا قول التبرزي إن القعقاع خال سليمان والوليد، وهو صحيح لا شكّ فيه. وقد علّق المحقّق مرّة أخرى على قول المؤلف فى الصفحة التالية 146 (لأن أم الوليد وسليمان هي ولادة بنت خليد بن جزء بن الحارث بن زهير) فقال في الهامش 2: "انظر لهذا النسب في جمهرة الأنساب ص 215 والكامل لابن الأثير 4/ 519 حوادث سنة 86 هـ.". قلت: فإن كان هذا النسب واردًا في جمهرة الأنساب والكامل كما ذكر المحقّق، فذلك دليل على صحّة قول الغندجاني، ولكن أحقًا ورد هذا النسب في المصدرين؟ أما جمهرة الانساب -والصواب في الإحالة عليه ص 251 - فلفظه: "ولادة بنت العباس بن جزء بن الحارث بن زهير، بن جذيمة العبسي". والنص واضح وضح الشمس. فولّادة أبوها العباس، وخليد عمّها، والقعقاع ابن عمّها. وكذا في الكامل لابن الأثير 4: 519 "ولادة بنت العباس بن جزء .. ". فلا أدري ماذا قصد المحقّق الفاضل بقوله: (انظر لهذا النسب ... ) أليس في تعليقه هذا نوع من التدليس؟ هذا، وقد أجمع على كون الولّادة بنت العباس بن جزء كتب التأريخ والنسب، وزد على جمهرة ابن حزم وكامل ابن الأثير، المصادر الآتية: جمهرة

الكلبي: 127 [1: 185 ط. دمشق] والنقائض: 939، والطبري 6: 419، ونسب قريش: 162 والبداية والنهاية 10: 163. (160) ف 78 ص 145: تمثل الغندجاني بقول الشاعر: إذا لم تستطع شيئًا فدعه ... لتبلغ قدر باعك ما يطيق فقال المحقّق في تعليقه الطويل: "البيت لعمرو بن معد يكرب في ديوانه ... قصيدة في 37 بيتًا ... وهي الأصمعية (61) ورواية العجز فيه: (وجاوزه إلى ما تستطيع) وهو كذلك لعمرو في فصل المقال للبكري ص 341 ... " قلت: وهذا أغرب أسلوب وقفت عليه في عزو الشعر وتخريجه، فإنّ قول عمرو بن معد يكرب بيت مشهور من قصيدة عينية طويلة مشهورة. والبيت الذي تمثّل به المؤلّف من قصيدة قافية، فأنّى له أن يكون رواية أخرى لبيت عمرو؟ الظاهر أنّه لشاعر آخر ضمّن في شعره صدر بيت عمرو. وما للأستاذ لم يسلك هذا المسلك في عزو بيت آخر أورده الغندجاني في الفقرة السابقة؟ وهو قول الشاعر: إذا ما الثريا في السماء تعرّضت ... يراها حديد العين سبعة أنجم فاكتفى الأستاذ في تعليقه عليه بقوله: "أورده التبريزي بلا نسبة في شرحه 4/ 39 مع ردّ الغندجاني" فإن مذهبه كان يقتضي أن يقول: "البيت لامرئ القيس في ديوانه ق 1/ 24 ص 14 من قصيدة في 77 بيتّا وهي المعلقة ورواية العجز فيه: تعرُّض أثناء الوشاح المفصّل هذا، وصحّف المحقّق في عجز البيت، إذ لم يعرف طريقة ناسخ الأصل في ضبط حرف المضارعة، ثم لم يرجع إلى نسخته المساعدة التي أثبت فيها الشنقيطي رحمه الله على الصواب:

ليبلغ قدر باعك ما يطيق وقد سبق أنّ ناسخ الأصل يهمل أحيانًا ضبط حرف المضارع إذا كان مسندً إلى الغائب. (161) ف 78 ص 146: ورد في كلام الغندجاني: " .. وإنما هو لحمّاد ابن المحلّف وهو الربيع بن عبد الله أبو مليل اليربوعي .. ". كذا ورد (أبو مليل) بالواو في الأصل و (ب) وشرح التبريزي 4: 47، وهي كنية عبد الله جدّ حماد، فينبغي أن يكون صواب النص (أبي مليل) بالياء أو (وهو أبو مليل) كما قال بعد (المحلّف): "وهو الربيع"، فسقط (وهو) من النص، إلّا أن يكون من باب "علي بن أبو طالب" و"المهاجر بن أبو أميّة" انظر الفائق 1: 14 والنهاية 1: 20. وقال المحقّق في تعليقه: "لم أجد لحمّاد ذكرًا في المصادر لديّ، أما جده أبو مليل اليربوعي فهو فارس سيد في قومه، فرسه العليهان، فخر به جرير في بعض شعره ... ". قلت: وقد ذكر جرير حمادًا أيضًا في قوله: ألا إنّ حمادًا سيوفي بذمة ... عليك وردِّ الأبلخ المتشاوس ونقض بذلك قول جبناء، أحد بني عليم بن جناب ثم من بني مصاد: تحضض حمادا ليسعى بذمّة ... عليك برهط الأبلخ المتشاوس قال أبو عبيدة: حماد بن الربيع أحد بني عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع. انظر قصة الأبيات في النقائض: 25. (162) ف 79 ص 147: أنشد الغندجاني قول مسافع العبسي: أبعد بني خرد أسرُّ بمقبلٍ ... من العيش آو آسى على إثر مدبر

فعلّق عليه المحقّق بقوله: "لم أجده في المصادر لديّ". قلت: البيت من أربعة أبيات للشاعر المذكورؤ في ديوان الحماسة 1: 492 وشرح المرزوقي 2: 989 وشرح التبريزي 3: 24 والخزانة: 5: 172، وأنظر تخريجه في الحماسة. والرواية في المصادر المذكور كلّها (بني عمرو). (163) ف 79 ص 148: ذكر المؤلف أن بشيرًا هجا بقوله (أتخطر للأشراف يا قرد حذيم) "عكرشة أبا الشغب العبسي" فقال المحقّق في ترجمة عكرشة: لعلّه المقصود بعبارة صاحب اللسان حيث يقول في (شغب) 1/ 505 "وأبو الشغب كنية بعض الشعرء". قلت: وهذا كل ما قاله المحقّق في ترجمة عكرشة. وهو من شعراء الحماسة معلوم الاسم والكنية والنسب، فهو عكرشة بن أربد بن عروة بن مسحل بن شيطان بن حذيم بن جذيمة. شاعر أموي. وقد لقيه ابن الكلبي، وفي جمهرته أنه كان شاعر غطفان. وله في الحماسة مقطوعات، ومنها رثاؤه لابنه شغب. انظر جمهرة الكلبي: 444 [2: 152 ط دمشق]، والتاج (شغب) وكنى الشعراء: 284، وترجم له محقّق الحماسة 1: 153. (164) ف 80 ص: 148 الهامش 2: "القائل هو أبو شليل العنزي في البيان والتبيين 3/ 321، وقال في تقديمه: "وضاف أبو شليل العنزي بني حكم -فخذا من عنزة- فقال ... " وفي اللسان شلل: "شليل جد جرير بن عبد الله البجلي" فهل من صلة بينهما ... وجرير شريف في العصر الجاهلي سيد في قومه، وله خبر مفصّل في فرحة الأديب ص 107 - 113". قلت: قول المحقّق: "وفي اللسان ... " إلى آخره إسهاب بلا جدوى. وبحثه عن صلة بين الشاعر وجد جرير البجلي مع العلم بنسبهما موضع غرابة. فالشاعر أبو شليل من بني عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار. أما جرير بن عبد الله البجلي فهو من بني قسر بن عبقر بن أنمار بن إراش، من كهلان بن سبأ، أو

أنمار بن نزار على خلاف بينهم في نسب أنمار. وهناك شاعر آخر من لصوص العرب: أبو الشليل النُّفاثي، ذكر في التكملة والقاموس (شلل) فهل يبحث الأستاذ عن صلة بين الثلاثة! (165) ث 81 ص 150: نقل المؤلف تفسير النمري لقول مرة بن محكان: فنشنش الجلد عنها وهي باركة ... كما تنشنش كفّا قاتل سلبا ثم قال في ردّه عليه: "ههنا خبيئة لم يطلع عليها أبو عبد الله، وذلك أنه لو قال قائل: لم قال (فنشنش الجلد عنها وهي باركة) ولم يذكر: وهي مضطجعة، وليش شيء من الحيوان يسلخ إلّا مضطجعًا؟ " وأجاب الغندجاني نفسه فقال: "قيل له من عادة العرب أنهم إذا نحروا الناقة وخشوا أن تضطجع رفدها الرجال من جانبيها حتى تموت وهي باركة. وذلك أن جزرهم إياها وهي باركة مستوية هو خير من جزرهم إياها وهي مضطجعة على جنبها. فإذا ماتت جزلوها. والجزل أن يحزُّوا أصل العنق ما بين المنكبين حتى يسترخي العنق، ولم يقطعوه كله، وقد فصلوه. ثمّ يكتنفها الرجال. فيكشف السنام رجلان، وذلك أن يكون أحدهما من جانبها من شق، والآخر من الشقّ الآخر، وآخران من قِبل الكتفين، وآخران من قبل العجز. فثلاثة من جانب. وثلاثة من جانب، والسلخ واحد وهي باركة". قلت: قد نقل التبريزي في شرحه 4: 62 نص الغندجاني هذا برمّته، وسرّني أنّ المحقّق الفاضل حاول هنا أن يستفيد في تقويم النصّ بمقارنة ما جاء في شرح التبريزي، ولو بتصويب ما في أصله من تصحيف أو تخطئة ما فيه من صواب. وذلك أنّه أثبت (جزلوها) و (الجزل) بالجيم واللام من شرح التبريزي مخالفًا لأصله ونسخته المساعدة، فإنّ فيهما (حركوها) و (الحرك) بالحاء المهملة والكاف. وليس غريبًا أنه لم ينبّه على ما فعل، ثمّ علّق في الهامش قائلًا: "الجزل القطع على العموم". وذلك قاطع بأن الكلمة في النصّ ليس

(الجزل) وإنما هو (الحرك) لأن المؤلف فسّرها بأن "يجزوا أصل العنق ما بين المنكبين" وهو الحارك والمحرّك. في اللسان (حرك): "قال أبو زيد: حركه بالسيف حركًا، إذا ضرب عنقه، والمحرك. في اللسان (حرك): "قال أبو زيد: حركه بالسيف حركًا، إذا ضرب عنقه، والمرحك أصله العنق من أعلاها، ويقال للحارك محرك ... قال الفراء: حرّكت حاركه: قطعته". ثمّ أثبت المحقّق (فيكشف السنام) من الكشف كما في الأصل و (ب). وهو تصحيف صوابه في شرح التبريزي (فيكتنف) من الاكتناف، ويدلّ عليه قوله من قبل (يكتنفها الرجال). وأخيرًا أثبت (السلخ) كما في الأصل و (ب) وصوابه في شرح التبريزي (السالخ). وبعد، فإن نص الغندجاني هذا بما فيه تفسير (الحرك) فائدة جليلة. (166) ف 82 ص 152: أنشد الغندجاني قول جبيهاء الأشجعي: وقلت تخفّض ما لضيفٍ يضيفنا ... كنين سوى حصن النساء الحرائر قلت: كذا ضبط المحقّق (حصن) بكسر أوّله، ولعلّه ظنّ أن معمى (كنين) هنا: مكان محفوظ. والصواب (حصن) بضم الحاء كما في الأصل و (ب) كليهما. (167) ف 83 ص 153: أنشد المؤلف: ولا أروي ولا يروي شريبي ... وأمنعه إذا أوردن مائي وضبط المحقّف الفعلين في صدر البيت بفتح حرف المضارعة، مع أنهما مضبوطان في الأصل و (ب) جميعًا بضمة البناء للمجهول. ورواية الصدر في معانى القتبي" 1265، وعن الفراء فر الزاهر 1: 99، والأضداد: 260 والأمالي 2: 263 (فلا أسفى ولا يسقى شريبي) ورواية العجز في الزاهر وما بعده (يرويه) بدلًا من (أمنعه). ويتلوه في المعاني بيت آخر: يعلُّ وبعض ما أسقى نهال ... وأشربه على إبلي الظماء

وقد فسّر القتبي البيتين. وتحت (وأمنعه) في الأصل هامش أغفله المحقّق إلا أنه استفاد منه في شرح البيت وهو: "أي لا أمنعه". وكذا في (ب). (168) ف 85 ص 154: تمثل المؤلّف بالبيت الآتي: لو أنَّ لميّاً ليله كنهاره ... وجدِّك ما بعنا لميّاً بفارس وعلق عليه المحقّق بقوله: "في شرح التبريزي 4: 70 قوله "لميّ رجل من فرسان قيس". ولم أجد في المصادر لديّ. قلت: الذي نقله المحقّق من شرح التبريزي ثابت في الأصل تحت (لمّياً) بين السطرين، وكذا في هامش (ب). ومن هنا نقل التبريزي فيما نقل من هذه الفقرة، وقد رأينا فيما سبق أن التبريزي جدّ حريص على نقل هوامش نسخته من كتاب الغندجاني ضمن ما ينقله من نصّه. أفليس غريبًا إذن أن يصرف المحقّق الفاضل نظره عما هو ثابت شاخص في أصله ونسخته المساعدة كليهما، ثم يستعين بشرح التبريزي؟ (169) ف 85 ص 154: قال المؤلف: "لو أن أبا عبد الله رحمه الله عرف من علم النسب وأيام العرب مثل ما عرف من لغاتها ونوادر كلامها لما شقّ غباره في استخراج هذه المعاني نقّاب .. ". قلت: كذا ضبط المحقّق (نقَّاب) بفتح النون وتشديد القاف. والصواب بكسر النون وتخفيف القاف (نقاب) كما في الأصل و (ب). والنقاب هو الرجل الفطن العالم بالأشياء، والكثير البحث عنها، والتنقيب عليها. قال أوس بن حجر: نجيحٌ جوادٌ أخو مأقطٍ ... نقابٌ يحدّث بالغائب ومن كلام الحجاج: إن كان ابن عباس لنقابًا. انظر اللسان (نقب).

(170) ف 85 ص 155: ثم قال المؤلف: "ومثل هذا البيت لا يعرف معناه البتة إلاّ بالقصّة المتعلّق بها معناه ولو قرن به كتاب العين والجمهرة". ضبط المحقّق (قرن) بفتح القاف والراء بالبناء للمعلوم. وهو غير مضبوط في الأصل، ولكن ضبط (كتاب) فيه بالرفع يقتضي أن يضبط (قرن) بالبناء للمجهول، كما ضبط الشنقيطي كليهما على الصواب. (171) ف 85 ص 155 س 4: نقل المؤلف عن أبي الندى: " ... وهذا معنى قوله ... ". قلت: سقط قبل هذه العبارة (قال) وهو ثابت في الأصل و (ب) جميعًا. (172) ف 86 ص 156: بدأت الفقرة هكذا: قال بعض طيء يمدح .. ". قلت: سقط هنا أول الفقرة قبل هذه العبارة وهو: (قال أبو عبد الله) وهو ثابت في الأصل و (ب) كليهما. (173) ف 86 ص 156: نقل المؤلف عن أبي الندى قوله: "قتلت نهد ابني زياد الجشميين من بني حرام، فقال الحارث بن عوف أبو حرام يرثيهما .. ". قلت: أثبت المحقّق (أبو حرام) كما في الأصل محرّفًا هنا وفي الفهارس ص 178 و 194. ولم يستعن بنسخته المساعدة ولا بشرح التبريزي 4: 78 مع رجوعه إليه في تخريج الشعر وفيهما: (أخو بني حرام) وهو الصواب عن شاء الله. (174) ف 88 ص 160: ورد في كلام الغندجاني: " ... يحوصون عين النكش من الصقور، وهو الذي يجاء به كبيرًا، ثم يعلَّم وهو كبير فلا يكاد يتعلّم. ويضرب التكش مثلًا لمن يعلم على الكبر". فعلق المحقّق على

(التكش) بقوله: "التكش البازي المسن، ويضرب التكش مثلاً لمن يعلَّم على الكبر فإنّه لا يكاد يتعلّم". ورد هذا في محيط المحيط ص 72 ولم أجده في عدد من معاجم الألفاظ والمعاني وفقة اللغة لديّ". قلت: ولم أجده في مستدرك دوزي، إلاّ أنّي قرأن في كتاب الحيوان للجاحظ 1: 168 قوله: "وإن الشطّار ليخلو أحدهم بالغلام الغرير فيقول له: لا يكون الغلام فتًى أبدًا حتّى يصادق فتى وإلا فهو تكش، والتكش عندهم الذي لم يؤدّبه فتى ولم يخرّجه" ولعلّ الشطّار أخذوا ذلك من المعنى الذي ذكره الغندجاني. وقد فات محقّق الحيوان إثبات هذه الكلمة النادرة في فهارسه المتنوعة النفسية (1). أمّا ما ورد في محيط المحيط فهو منقول من شرح التبريزي الذي أورد هذه الفقرة من كتاب الغندجاني. وشرحه من مصادر البستاني. (175) ف 89 ص 163: أورد المؤلف في هذه الفقرة أرجوزة لخطام الريح المجالشعي، كما أوردها في كتابه فرحة الأديب: 195 أيضًا. وقد نقل البغدادي في الخزانة 7: 204 هذه الفقرة كاملة بما فيها الأرجوزة. ومنها: وهي تداوي ذاك بالتجمل قلت: كذا ضبط المحقّق (المخنشل) بفتح الشين، والصواب بكسرها كما في (ب). في اللسان: "خنشل الرجل: اضطرب من الكبر". وفسّره المحقّق بذلك في هامش الصفحة التالية ثم قال: "وهي في الفرحة المخشّل بمعنى

_ (1) ثمّ قرأت في مجالس ثعلب: 378 قوله: "التكش: البازي يجاء به على راس الكبر فلا يتعلّم، فيسمّى تكشًا".

المرذول". وقوله هذا صريح في الدلالة على أن في "فرحة الأديب" -وقد حقّقها الدكتور سلطاني نفسه عن عدّة نسخ جيّدة- (المخشَّل) بدلًا من (المنخشل). ولكننا إذا رجعنا إلى الفرحة: 159 وجدنا المحقّق أثبت في النصّ (المخشّل) من التخشيل، وقال في تعليقه: "في الأصول المخنشل. والتصحيح من القاموس المحيط، ومعناه الضعيف المرذول"! فالمحقّق هو الذي خالف أصوله، وحرّف النصّ (أو صحّحه، إشفاقًا على قرّائه أن يتعلّموا الغلط) وليس أن القاموس المحيط، أنشد هذا البيت وأثبت فيه (المخشّل) وفسّره بالضعيف المرذول، وإنّما المحقّق أخطأ الطريق إذ رجع إلى القاموس في مادة (خشل) فوجد كلمة (المخشّل) بمعنى المرذول، فلم يتمالك نفسه، وأسرع إلى تخطئة أصوله، وأثبت في النص (المخشّل). وكان ينبغي له أن يبدأ بالبحث عما ورد في أصوله، وهو (المخنشل) فيراجع القاموس في (خنشل) الرباعي، ليجد بغيته عند صاحبه الذي قال: "خنشل: اضطرب من الكبر والهرم". وقد رجع المحقّق إلى الجادة - والحمد لله - في هذا الكتاب، فاثبت في النصّ ما ورد في أصله (المخنشل)، وإن اخطأ في ضبطه فقد أصاب في تفسيره. وكنا نتوقّع -بعد ما تنبّه المحقّق لخطئه- أن يسجّل هنا رجوعه عما وقع فيه في الفرحة، ولكن أن يقول بدلًا من ذلك إنها "في الفرحة المخشّل بمعنى المرذول" فينسب هفوته إلى كتاب الغندجاني وناسخيه ومنهم عبد القادر البغدادي صاحب الخزانة، إنّ هذا لشيء عجابّ (176) ف 89 ص 165: آخر هذه الفقرة ما أنشده المؤلّف لشاعر: قد حلفت بالهل لا أحبّه ... أن طال خصياه وقصر زبّه وكذا في الأصل و (ب). ولكن نجد عند البغدادي الذي نقل الفقرة بحذافيرها في الخزانة 7: 402 بعد البيتين ما نصّه: (" ... يقال لمن هذه صفته: الدوردري." انتهى ما أورده) فقول البغدادي: "انتهى ما أورده" يدلّ على أن

العبارة (يقال ... الدوردي) من نصّ الغندجاني. وقد وردت هذه العبارة في هامش الأصل و (ب) مقابل البيت (كأن خصييه من التدلدل) والظاهر أنها ليست من النص. (177) ف 92 ص 168: ورد في النصّ قول الحماسي في ذم امرأته: ذقن ناقص وأنف قصير ... وجبين كساجة القسطار كذا ضبط المحقّق (القسطار) بفتح القاف، وقال في تعليقه: "البيت في ديوان دعبل المجموع ص 117 ... وضبط آخره (القسطار) بكسر القاف وضمّها. وهي في اللسان (قسطر) بفتحها فقط. فارسي معرب، معناه الصيرفي". قلت: كلام المحقّق هذا ينبئ بأنه لم يعجبه ما فعله محقّق ديوان دعبل، وكأنه أخطأ في ضبط الكلمة بكسر القاف وضمّها خلافًا للسان. والحقّ أن الكلمة ضبطت بضم الكلمة بكسر القاف وضمّها خلافًا للسان. والحقّ أن الكلمة ضبطت بضم القاف فقط غي الأصل وديوان الحماسة 2: 472 وشرح المرزوقي 4: 1875. وضبطت بكسرها فقط في التهذيب 9: 390 والتكملة (قسطر). والضبط الوارد في المصادر المذكورة كلها ضبط قلم، ولكن التبريزي في شرحه 4: 181 - وعليه اعتمد محقّق ديوان دعبل- والجواليقي في المعرب: 263 والخفاجي في شفاء الغليل: 211 كلهم نصّوا على أن القسطار "بضم القاف وكسرها" فتبيّن أن الدكتور سلطاني هو الذي انحرف في ضبط الكلمة عن أصله وديوان الحماسة وشرحيه، واعتمد على اللسان دون أن ينبّه على ذلك! وقول المحقّق الفاضل 'ن (القسطار) "فارسي معرب" خطأ، وإنّما هو لاتيني، أصله quaestor ومنه (قسطاور) بالسريانية بمعنى الخازن و (قسطر) بمعنى الصيرفي. ولعلّ الكلمة دخلت في العربية عن طريق السريانية. انظر المعرب والدخيل: 504 - 505.

(178) ف 93 ص 169: نقل المؤلف عن النمري: قال آخر يصف امرأته: وثدي يجول على نحرها ... كقربة ذي الثلة المعطش فعلّق المحقّق على قوله (آخر): "تردّدت المصادر في قائل هذا الشعر بين: أبي الغطمش الحنفي، والعطمش الضبي. فهو أبو الغطمش الحنفي في: ديوان الحماسة 2/ 478 وشرح المرزوقي 4/ 1881 وشرح التبريزي 4/ 184 والحماسة البصرية 2/ 313 واللسان (كندش). وهو الغطمش الضبي في: البرصان للجاحظ 144 واللسان (غطمش). قلت: ولعلّهما الأب وابنه. وجاءت (الحنفي) بأخذه آراء أبي حنيفة (ت 150 هـ). ولم تكن قد شاعت بعد. يؤيّد هذا إقامة الشاعر في الري كما تذكر المصادر.". "وهو الغطمش بن عمر بن عطية من بني شقرة بن كعب بن ثعلبة بن ضبة. شاعر من مخضرمي الدولتين في الغالب، فقد روى له المفضل الضبي (ت 168 هـ) وهو أوثق من روى الشعر من الكوفيين. أنظر المصادر المذكورة أعلاه" انتهى كلام المحقق. قلت: وهذا نموذج نادر من الخلط والتهافت. وبيانه فيما يلي: أولاً: لا يصحّ البتّة أن المصادر المذكورة تردّدت في قائل هذا الشعر بين أبي الغطمش الحنفي والغطمش الضبي. فإن المصدرين اللذين أحال عليهما المحقّق للغطمش الضبي لم يرد فيهما شيء من هذا الشعر له. وإنّما أورد الجاحظ هذا الشعر بين أبي الغطمش الحنفي والغطمش الضبي. فإن المصدرين اللذين أحال عليهما المحقّق للغطمش الضبي لم يرد فيهما شيء من هذا الشعر له. وإنّما أورد الجاحظ في البرصان قول "الغطمش: أبلغ سميّة أني لست ناسيها ... عمري ولا قاضيًا من حبّها حاجي خود كأنّ بها وهنا إذا نهضت ... تمشي رويدًا كمشي الظالع الواجي" وأما اللسان (غطمش) فأورد في هذه المادة اسمه ونسبه: "غطمش: اسم شاعر،

وهو من بني شقرة بن كعب بن ثعلبة بن ضبة، وهو الغطمش الضبي". فلا محلّ لذكر البرصان واللسان بهذا الصدد، كما لا محلّ لترجمة الغطمش الضبّي هنا. فإنّ الذي نسب إليه منهما هذا الشعر في مصادر المحقّق هو أبو الغطمش الحنفي وحده، دون الغطمش الضبي. ولم أجد مصدرًا آخر كذلك، أشار إلى أن أبا الغطمش الحنفي ينازعه هذا الشعر الغطمش الضبي. فإقحام (الغطمش الضبي) في نسبة هذا الشعر خلط محض تولّدت منه "أخلاط" فاسدة أخرى. ثانيًا: قوله: "وجاءت (الحنفي) يأخذه بآراء أبي حنيفة .. " أبعد من الأول، وباطل من كل وجه. فهل يستسيغ من له أدنى إلمام بالأنساب وتاريخ المذاهب الفقهية أن ينسب شاعر أعرابي إلى مذهب الإمام أبي حنيفة، وهو معاصر له، فيدعى حنفيّاً؟ لأننا إذا افترضنا -إكرامًا للمحقّق الفاضل- أنّ الغطمش الضبّي كان معاصرًا للمفضل الضبي المتوفّى سنة 168 هـ "الذي روى له"-وذلك لأنّه لا يستطيع أن يروي لمن ولد بعد وفاته- وتوفّي الإمام أبو حنيفة سنة 150 هـ، فلابدّ أن يكون الغطمش نفسه معاصرًا لأبي حنيفة. ثمّ لم يدع الابن حنفيًا، بل بقي ضبيّاً ينتمي إلى قبيلته ودعي أبوه وحده حنفيًا لاتباعه المذهب الحنفي! رابعًا: وقوله: "يؤيّد هذا إقامة الشاعر في الري كما تذكر المصادر" لا يغني فتيلًا. لأنّ الذي ورد فيه أنّه "كان مقيمًا بالريّ ومفترضه بها" هو الغطمش الضبي، لا أبو الغطمش الحنفي. على أن ذكر إقامته بالري لم يرد في المصادر التي أحال عليها المحقّق. وظنّي أنّه نظر في أعلام الزركلي (5: 120) الذي نقل هذا الكلام من حماسة ابن الشجري: 205، ولكن الأستاذ لا راجع

حماسة ابن الشجري، ولا أحال على الأعلام، وأخفي ذلك بكلمة (المصادر) مع أن هذا الخبر كان مهمّاً جدًا. خامسًا: قال في ترجمة الغطمش الضبي: "شاعر من مخضرمي الدولتين في الغالب. فقد روى له المفضل الضبي (ت 168 هـ) ... انظر المصادر المذكورة أعلاه". قلت: لم يرد في مصادر المحقق أن المفضل الضبي روى للغطمش الضبي. وإنما جاء في اللسان -وهو من مصادره- في مادة (كندش): "قال ابن الأعرابي: أخبرني المفضّل: يقال هو أخبث من كندش، وهو العقعق، وأنشد لأبي الغطمش يصف امرأة ... " وأنشد ثلاثة أبيات من هذا الشعر. فنص اللسان على أن المفضل أنشد لأبي الغطمش، لا للغطمش. سادسًا: قال المحقق في ترجمة الغطمش: "هو الغطمش بن عمر بن عطية، من بني شقرة بن كعب بن ثعلبة بن ضبة" وأحال على "المصادر المذكورة أعلاه". قلت: أما قوله (من بنى شقرة ... ضبة) فأخذه من اللسان (غطمش)، ولكن قوله (الغطمش بن عمر بن عطية) لم يرد في مصدر من مصادره المذكورة، ولعلّه أخذ ذلك أيضًا من الزركلي ولم يشر إليه. وفيما نقله منه خطأ. فالصواب (عمرو) بالواو كما في التاج، ومنه في أعلام الزركلي. وتمام نسبه كما في جمهرة الكلبي (301): الغطمش بن الأعور بن عمرو بن عطية بن سالم بن عبد الله بن وائلة من معاوية بن شقرة. هذا، وقد سقطت أسماء من نسب (شقرة) المذكور من اللسان. وهو شقرة بن ربيعة بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبّة. انظر جمهرة الكلبي 1: 299. سابعًا: قال المحقّق في تعليقه: "هو أبو الغطمش الحنفي في ... وشرح التبريزي 4/ 184 والحماسة البصرية 2/ 313".

قلت: أما التبريزي فقال بعد إثبات ما في الحماسىة (وأنشد أبو عبيدة لأبي الغطمش الحنفي): "هو أبو المغطش، فسره أبو الفتح من غطش الليل وأغطشه الله ... " فاسم الشاعر عند أبن جني (أبو المغطش) بتقديم الميم على الغين. وعلى ذلك فسّره في المبهج كما نقل التبريزي، وصوّبه، وكذا نقله عن ابن جني الجواليقي في المعرب: 217، فقال: "قال أبو المغطش -كذا قال ابن جني- وقال غيره: الغطمش الحنفي". أما الحماسة البصرية فكان في أصله (أبو المغطش) وناشره هو الذي صحّحه. فتبيّن مما سبق، أولًا: أن المحقّق لم يكن دقيقًا في ما نسب إلى شرح التبريزي والحماسة البصرية. وثانيًا: أنّ (المغطش) بتقديم الميم تفرّد به ابن جني وتبعه من بعده، وهو قول شاذ كما ذهب إليه الأستاذ أحمد شاكر في تعليقه على المعرب؛ ولكن الإشارة إلى قول ابن جني في تعليق الدكتور سلطاني كانت أهمّ من ترجمة الغطمش الضبي الذي لا صلة له بهذا الشعر. وبالجملة فإن الشاعر الذي نسبت إليه الحماسة التي نحن بصددها (أبو الغطمش الحنفي) بتقديم الغين على الميم في اسمه. ونسبته إلى بني حنيفة، وأنشد له هذا الشعر المفضل الضبي، كما في اللسان، وأبو عبيدة كما في الحماسة. واسم الشاعر بهذا الضبط وبهذا النسب أورده المرزباني ص 514 في (باب ذكر من غلبت كنيته على اسمه من الشعراء المجهولين والأعراب المعمورين ممن لم يقع إلينا اسمه ... فاقتصرت في هذا الموضع على ذكر كناهم وقبائلهم). فنصّ المرزباني كما ترى على أنه ذكر قبائلهم لا مذاهبهم الفقهية! وهنا أحبّ أن أنبّه على ما وقع في القاموس المحيط وشرحه من وهم. قال الفيروزابادي (غطمش): "أبو الغطمش شاعر أسدي". فاستدرك عليه الزبيدي بقوله: "وفاته الغطمش الشاعر الضبي .. وأبو الغطمش بن زنمردة

الحنفي، آخر مرّ ذكره في (كندش) وهو في آخر الحماسة". ويدلّ هذا النصّ على أن هناك شاعرين كنيتها (أبو الغطمش): أحدهما: أبو الغطمش. وهو أسدي (عند الفيروزابادي). والآخر: أبو الغطمش بن زنمردة. وهو حنفي. وهو المذكور في آخر الحماسة. وسبق ذكره في (كندش). وعند الرجوع إلى (كندش) نجد الزبيدي يقول ما نصّه: "قال ابن الأعرابي أخبرني المفضل (في المطبوعة: ابن الفضل، خطأ) يقال: هو أخبث من كندش، وأنشد لأبي الغطمش الأسدي. هكذا في الحماسة. وصحّح ابن جني هو لأبي (في المطبوعة: لابن، تحريف) المغطش الحنفي ... ". وهذا النص يدلّ على ما يأتي: أولًا: أنشد المفضل لأبي الغطمش الأسدي. ثانيًا: كذا (أبو الغطمش الأسدي) في الحماسة. ثالثًا: هو (أبو المغطش الحنفي) عند ابن جني. وبالمقارنة والتوفيق بين النصّين ننتهي إلى أن (الأسدي) و (الحنفي) شاعر واحد، لا شاعران. لأن ما قاله الزبيدي في الموضعين: (كندش) و (غطمش) يصدق على قائل هذه الحماسية وحده. فهو المذكور في آخر الحماسة (ولم ينسب إليه شعر آخر في الحماسة) وهو الذي صحّح اسمه ابن جني، وهو الذي أنشد له المفضل. ولكن المشكل قول الزبيدي في (كندش): " ... أنشد لأبي الغطمش الأسدي. هكذا في الحماسة"، فإنه لم يثبت (الأسدي) في نسخ الحماسة الأربعة التي اعتمد عليها محقّقها، ولا في شرحي المرزوقي والتبريزي، ولا في رواية ابن الأعرابي عن المفضل في اللسان. وإن كان هذا الشعر ( .. أخبث من

كندش) وهو في آخر الحماسة، لأبي الغطمش الأسدي، ولا يوجد في الحماسة من يدعى أبا الغطمش غيره، فكيف صحّ للزبيدي أن يستدرك على قول الفيروزابادي (أبو الغطمش شاعر أسدي) فيقول: "وأبو الغطمش بن زنمردة الحنفي، آخر، مرّ ذكره في كندش، وهو في آخر الحماسة". ثمّ في استدرك الزبيدي هذا وهم آخر. وهو قوله (بن زنمردة) ومنشؤه قول الشاعر في أول الحماسة وهو يذمّ امرأته أو أمّ ولده: منيت بزنمردة كالعصا ... ألصّ وأخبث من كندش فوهم الزبيديّ ونسب أبا الغطمش إليها كأنّها أمّه! وبعد، فغن قال أحد إن الحماسي أبو الغطمش الحنفي، ولكن لا يناقض ذلك ما في القاموس فلعلّهما اعران اثنان، متفقان في الكنية، مفترقان في النسب: أحدهما حنفي والآخر أسدي. فإن قال أحد، فذلك وجه، ولكني مرتاب في أمر هذا الأسدي. وذلك لأن المرزباتي الذي خصّ بابا للذين اشتهروا بكناهم لم يذكر غير الحنفي، ولم أجد في المصادر الأخرى ذكرًا للأسدي وبما أن صاحب القاموس اقتصر على ذكر شاعر واحد عرف بأبي الغطمش فكان (الحنفي) أولى بالذكر لأنّه شاعر حماسي، فهل أغلفه؟ ما أنّ. ويبدو لي والله أعلم -أن (الأسدي) وهم من صاحب القاموس أو بعض مصادره، وسببه اختلافهم في صاحب هذا الشعر نفسه. فلمّا أنشده بعضهم لأبي الغطمش واكتفى به كما في اللسان (كندش)، وأنشده غيره للأسدي (وهو إسماعيل بن عمّار كما في الأغاني وكتاب الغندجاني) ظنّ بعضهم أن أبا الغطمش هو الأسدي، وهكذا بالخلط بينهما وجد شاعر القاموس، (أبو الغطمش الضبي) أيضًا، ولعلّه وهم من النساخ. (179) ف 93 ص 170: أول هذه الأبيات:

بليت بزنمردة كالعصا ... ألصُّ وأخبث من كندش كذا ضبط المحقّق (ألصّ وأخبي) بضمّ آخرهما، وهو وجه ولكنهما ضبطا في الأصل و (ب) غيرهما بالفتح على الإتباع، فلا داعي للعدول عما في الأصل وبدون تنبيه. ثمّ ضبط المحقّق (كندش) يضمّ أوّله وثالثه مخالفًا لأصله ونسخته المساعدة دون تنبيه أيضًا. فإنّه مضبوط فيهما (كندش) بكسر أوّله وثالثه، وكذا في التهذيب: 10: 421، وهي لغة فيه استدركها الزبيدي على القاموس. (180) ف 93 ص 170: ومنها قثوله: لها وجه قرد إذا زيّنت ... ولونٌ كبيض القطا الأبرش هذه رواية الغندجاني، وهناك رواية أخرى (ازيّنت) فقال المحقّق في تعليقه على (زيّنت): "التاء والضمير للقرد. وفي رواية الحماسة وشرحها (ازيّنت) يعني المرأة وهي أفضل، أي هذه كذلك في أجمل حالاتها". قلت: لا أدري ما الذي ألجأ المحقّق إلى الاعتقاد بأن الضمير المستتر في (زيِّنت) راجع لا محالة إلى القرد، ولا يمكن عوده إلى المرأة؟ وفوق كل ذي علم عليم! (181) ف 93 ص 170: ورد البيت الآتي في النصّ مرتين: مرة مفردًا، استدلّ به الغندجاني، ثم ضمن الأبيات التي أثبتها على نظامها، فوقع في الموضع الأول هكذا: وأرسخ من ضفدع غثّة ... ينوء على الشط من مرعش كذا في الأصل (ينوء) بإسناده إلى الغائب، والصواب (تنوء) للغائبة كما في الأصل في الموضع الثاني، وفي (ب) في الموضعين، وقد أشار الشنقيطي في نسخته إلى رواية أخرى (تنقّ) وكتب عليها "صح" في الموضع الثاني. وهي رواية الأغاني.

(182) ف 93 ص 171: ومنها قوله: وساقٌ مخلخلها خاتمٌ ... كساق الدجاجة أو أحمش كذا (أحمش) مضبوط بكسر آخره في الأصل و (ب)، والوجه ضمه على الإقواء كما في الأغاني ومجالس ثعلب 1: 75. (183) ف 93 ص 17: والبيت التالي: وأوسع من باب جسر الأمير ... تمرُّ المحامل لم تخدش ضبط المحقّق (تمرُّ) من المرور، وهو مضبوط في الأصل (تمرّ) من الإمرار، وعلى هذا ينبغي أن يضبط (المحامل) بالنصب كما في (ب)، ومثله رواية الأغاني (تجيز المحامل). (184) ف 93 ص 171: وآخر الأبيات في الأصل: وفي كل ضرس لها قرحة ... أضلُّ من القبر ذى المنبش كذا ورد (أضلّ) بالضاد المعجمة، ولعلّه خطأ مطبعي، صوابه بالمهملة كما في الأصل و (ب) أي أنتن. الفهارس الأخطاء التي نجدها في فهارس الكتاب، منها ما وقع من قبل في النصّ، فتكرّر بطبيعة الحال في الفهارس. وقد تكلّمنا عليها في الملاحظات السابقة. ومنها ما هو جديد نذكره فيما يأتي: (185) ص 180: ورد في فهرس الأعلام: "الربيع بن عبد الله = أبو مليل اليربوعي" يظهر من هذا أن الربيع هو أبو مليل، وهو خطأ، فإن أبا مليل عبد الله أبو الربيع.

(186) ص 180: "الطمحان الأسدي". صوابه: أبو الطمحان الأسدي. (187) ص 189: "نصيرة بنت عصيم ... " صوابه: نضيرة ... بالضاد المعجمة. (188) فات المحقّق إثبات عدد من الأعلام في فهرس الأعلام نحو جعول ولميّ ومارية وعرار ومروان بن عبد الملك ونصير ويسار. (186) ص 204: في فهرس أنصاف الأبيات أثبت المحقّق هذا الشطر (جلَّ حتّى دقَّ فيه الأجلَّ) للشنفرى، كأن النمري أو المؤلف عزاه إليه. والصواب إثباته لابن أخت تأبّط شرّاً أو خلف الأحمر كما قال النمري. وإذا كان المحقّق يريد إيضاح قوله، فليكتب بين القوسين (الشنفرى) ليفهم أنه ابن أخت تأبّط شرًا عند المحقّق. وقد مضى الكلام عليه في الملاحظة: 111. (190) ص 207: فات المحقّق إثبات المثل الآتي في فهرس الأمثال الشعرية، وقد ورد في الفقرة: 19 على ما خيّلت وعلى عماها (191) ص 208: وكذلك فاته إثبات الأمثال الآتية في فهرس الأمثال النثرية: 1. أثبت من جدي الفرقد ... الفقرة 70 2. الاشتباه يعمي عن الانتباه ... الفقرة 86 3. تمام الربيع الصيف ... الفقرة 65 (192) ص 208: أثبت المثل (أبعد من رهوة بن نساح) في الأمثال النثرية، وقد أورده في (فرحة الأديب) في الأمثال الشعرية. (193) ص 213: في فهرس الآيات لم تذكر أرقام الفقرات التي وردت فيها.

(194) ص 215: ورد في فهرس القبائل والجماعات: "ابنا زياد الجشميين من بني حرام" الغريب أن المحقّق لم يذكر (بني حرام) في هذا الفهرس في الموضع المناسب -وهو بعد ذكر (بني الحارث بن فهر) - أما ابنا زياد، فكان ينبغي أن يذكرهما في فهرس الأعلام. هذا، والصواب (الجشميّان) بالرفع. (195) ص 215: ومما فات المحقّ إثباته في فهرس القبائل والجماعات: بنو جناب بن بلقين والحارث بن كعب، وذهل بن ثعلبة، وذهل ابن شيبان، وأسرة جعول، ورهط عرار، وأفناء عائذ، وبنو العنبر، وبنو قيس ابن ثعلبة، وآل نصر، ونصر بن قعين، وبنو نهشل، ووهب، وغيرهم. (196) ص 217: فهرس الأماكن ماقص جدًا، فقد فاته إثبات مواضع كثيرة، نحو إوانة وحائل ودكادك، ورملة قرى وريم وساتيدما والسلسلين وشبرج وشنابك وعكاظ وغميم وقدس ومنشد. مصادر البحث والتحقيق (197) ص 225: "ديوان دعبل الخزاعي، ثم -د- عبد الكريم الأشتر". كذا، ولم يشر إلى أنه سيذكره مرّة أخرى في "شعر دعبل الخزاعي" (ص 228) وهناك ذكر مكان الصدور وتاريخه. (198) ص 226: "ديوان معن بن أوس المزني". كذا غفلًا، دون ذكر محقّقه ومكان طبعه وتاريخه. والجدير بالذكر أنّه رجع إلى طبعتين في موضعين: في الفقرة 51 رجع إلى نشرة الدكتور نوري حمودي القيسي والأستاذ حاتم صالح الضامن، التي صدرت في بغداد سنة 1977 م، وفي الفقرة 60 رجع إلى طبعة أخرى لم أقف عليها. (199) ص 227: "شرح ديوان الحماسة -للتبريزي، اعتمدت فيه

طبعتين: (ط -مكتبة النوري بدمشق، حتى الفقرة 56)، و (ط عالم الكتب -بيروت، حتى النهاية) ". طبعة مكتبة النوري ليست شرح التبريزي، وإنما هو شرح الرافعي أو الشيخ إبراهيم الدلجموني، كما تقدّم، على أنه خالف المحقّق ما قال هنا. فإنّه رجع في الفقرة 8 إلى طبعة عالم الكتب (طبع بولاق، تصوير عالم الكتب) ولم يشر إليها. (200) ص 228: "شعر نهشل بن حرّي" كذا ورد غفلًا، دون ذكر جامعه ومكان صدوره وتاريخه! * * * وبعد، فأرجو أن أكون قد أدّيت بعض حقّ هذا الكتاب ومؤلفه ومحقّقه الذي يستحقّ منا الشكر والتقدير على ما بذل من جهد وما عاناه من مشقّة في إخراج آثار الغتدجاني. ولعلّه لا يزال يبحث عن بقية مؤلّفاته التي كانت في متناول العلماء إلى عهد قريب (1). وأستغفر الله من خطل القول وجموح القلم.

______ (1) توفي الدكتور محمد علي سلطاني سنة 1422 هـ، فرحمه الله رحمة واسعة. انظر ترجمته في «ذيل الأعلام» للأستاذ أحمد العلاونة 3: 187 (ط. دار المنارة جدة 1427 هـ).

فهرس المراجع - أساس البلاغة، للزمخشري، تحقيق عبد الرحيم محمود، دار المعرفة، بيروت. - أسماء خيل العرب وأنسابها وفرسانها، للغندجاني، تحقيق محمد علي سلطاني، مؤسّسة الرسالة بيروت، 1402 هـ. - الأشباه والنظائر، للخالديين، تحقيق السيد محمد يوسف، لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة 1958 - 1965 م. - الاشتقاق، لابن دريد، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة 1977 م. - الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، دار الكتاب العربي، بيروت. - الأضداد، لمحمد بن القاسم الأنباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الكويت، 1960 م. - الأعلام، للزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، 1980 م. - الأغاني، لأبي الفرج، المجلد 14 (التقدم)، وغيره من طبعة دار الكتب والهيئة المصرية العامة. - أقرب الموارد، للشرتوني، مطبعة اليسوعيين، بيروت، 1891 م. - الإكمال، لابن ماكول (1 - 6) تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، حيدراباد، الهند، 1962 - 1976 م. - الأمالي، لأبي علي القالي، دار الكتب، 1344 هـ. - إنباه الرواة، للقفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الجزء الرابع، دار الكتب 1393 هـ.

- أنساب الأشراف، للبلاذري، الجزء الخامس، غويت، تصوير مكتبة المثنى، بغداد، 1966 م. - البداية والنهاية، لابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت. - البرصان والعرجان، للجاحظ، تحقيق محمد مرسي الخولي، ط 2 مؤسسة الرسالة، بيروت 1401 هـ. - البيان والتبيين، للجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، ط 5، 1405 هـ. - تاج العروس، للزبيدي. المطبعة الخيرية، 1306 - 1307 هـ. - تاريخ الأدب العربي، لبروكلمان (الترجمة العربية) دار المعارف، القاهرة. - تاريخ الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط 4. - تبصير المتنبه، لابن حجر، تحقيق علي محمد البجاوي، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1964 - 1967 م. - التذكرة السعدية للعبيدي، تحقيق عبد الله الجبوري، المكتبة الأهلية، بغداد، 1972 م. - تذكرة النحاة لأبي حيان، تحقيق عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة بيروت، 1406. - تقريب التهذيب، لابن حجر، تحقيق محمد عوّامة، دار الرشيد، حلب، ط 1، 1406 هـ. - التكملة والذيل والصلة، للصغاني، طبعة دار الكتب. - التمثيل والمحاضرة، للثعالبي، تحقيق عبد الفتاح الحلو، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1381 هـ. - تهذيب التهذيبب، لابن حجر، دائرة المعارف، حيدراباد، الهند. - تهذيب اللغة، للأزهري، الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر. القاهرة. - جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط 4.

- جمهرة النسب، لابن الكلبي، تحقيق ناجي حسن، عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية، بيروت، 1407 هـ. - الحماسة لبي تمام، تحقيق عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان، من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، 1401 هـ. - حماسة أبي تمام وشروحها، دراسة وتحليل، للدكتور عبد الله عسيلان، دار اللواء، الرياض 1403 هـ. - الحماسة البصرية، لصدر الدين البصري، تحقيق مختار الدين أحمد، دائرةالمعارف، حيدر أباد الدكن، الهند، 1383 هـ. - الحماسة الشجرية، لابن الشجري، دائرة المعارفن حيدر اباد، الهند. - الحنين إلى الأوطان، لابن المرزبان، تحقيق جليل العطية، مجلة المورد العراقية 16: 1. - الحيوان، للجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، الحلبي، القاهرة، ط 2. - خزانة الأدب، للبغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة، والخانجي (13 مجلدًا) ط 1، 1979 - 1976 م. - ديوان أوس بن حجر، تحقيق يوسف نجم، دار ادر، بيروت، ط 3، 1399 هـ. - ديوان جرير، تحقيق نعمان أمين طه، دار المعارف، القاهرة، 1969 - 1971 م. - ديوان حسان بن ثابت، تحقيق وليد عرفات، دار صادر، بيروت، 1974 م. - ديوان الحماسة، لأبي تام، بشرح الرافعي، ط 3، المكتبة الأزهرية، القاهرة، 1346 هـ. - ديوان الحماسة، لأبي تمام، تحقيق عبد المنعم أحمد صالح، من منشورات وزارة الثقافة والإعلام بعداد، 1980 م. - ديوان ذي الرمة، بشرح الباهلي، تحقيق عبد القدوس أبو صالح، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1392 هـ.

- ديوان سحيم عبد بنى الحسحاس، تحقيق عبد العزيز الميمني، دار الكتب المصرية، 1950. - ديوان السموءل، دار صادر، بيروت، 1384 هـ. - ديوان قبس بن الخطيم، تحقيق ناصر الدين الأسد، ط 2، دار صادر بيروت، 1387 هـ. - ديوان معن بن أوس، تحقيق نوري حمودي القيسي وحاتم صالح الضامن، ط 1، بغداد، 1977 م. - ديوان النابغة الذبياني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1977 م. - رغبة الأمل من كتاب الكامل، للمرصفي، دار البيان، بغداد، ط 2، 1389 هـ. - الزاهر في كلام الناس، لابن الأنباري، تحقيق حاتم صالح الضامن، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1979 م. - شرح أبيات سيبويه، لابن السيرافي، تحقيق محمد علي سلطاني، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1399 هـ. - شرح أبيات المعني، للبغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح وأحمد يوسف دقاق، دار المأمون للتراث، دمشق. - شرح ديوان جرير، لحمد إسماعيل الصاوي، دار مكتبة الحياة، بيروت. - شرح ديوان الحماسة، للتبريزي، بولاق 1296 هـ، تصوير عالم الكتب بيروت، وط محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة حجازي، القاهرة. - شرح ديوان الحماسة، للمروزقي، تحقيق عبد السلام محمد هارون وأحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط 2. - شرح ديوان كعب بن زهير، للسكر]، دار الكتب 1369 هـ. - شرح شواهد الشافية، للبغدادي، تحقيق محمد نور الحسن وآخرين، مطبعة حجازي، القاهرة. - شرح شواهد المغني، للسيوطي، دار مكتبة الحياة، بيروت.

- شعر زهير بم أبي سلمى، صنعة الأعلم الشنتمري، تحقيق فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة بيروت، 1400 هـ. - الشعر والشعراء، لابن قتيبة، تحقيق أحمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، 1982 م. - شفاء الغليل، للخفاجي، تصحيح محمد عبد المنعم الخفاجي، المطبعة المنيرية، القاهرة، 1371 هـ. - طبقات الشعراء، لابن المعتز، تحقيق عبد الستار فراج، دار المعارف، القاهرة. - طبقات فحول الشعراء، لابن سلّام، تحقيق وشرح محمود شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، 1394 هـ. - الطبقات الكبرى، لابن سعد، دار صادر، بيروت. - العقد الفريد، لابن عبد ربه، تحقيق أحمد أمين وآخرين، لجنة التأليف والترجمة والنشر، تصوير دار الكتاب العربي، بيروت. - عيون الأخبار، لابن قتيبة، طبعة دار الكتب، تصوير الهيئة المصرية العامة، 1973 م. - الفائق، للزمخشري، تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، تصوير دار الفكر، بيروت. - الفاخر، للمفضل بن سلمة، تحقيق عبد العليم الطحاوي، القاهرة 1960 م. - فرحة الأديب، للغندجاني، تحقيق محمد علي سلطاني، دمشق، 1981 م. - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، للبكري، تحقيق عبد المجيد عابدين وإحسان عباس. مؤسسة الرسالة، بيروت، 1391 هـ. - الفهرست، للنديم، تحقيق رضا تجدد، طهران. - القاموس المحيط، للفيروز أبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 هـ. - الكافية، لابن الحاجب، بشرح الرضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ. - الكامل، للمبرد، تحقيق محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 هـ.

- الكامل في التاريخ، لابن الأثير، دار صادر، بيروت، 1385 - 1386 هـ. - كتاب الكتاب، لابن درستويه، تحقيق إبراهيم السامرائي وعبد الحسين الفتلي, دار الكتب الثقافية، الكويت 1397 هـ. - كنى الشعراء، لابن حبيب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ضمن نوادر المخطوطات، المجموعة السابعة، الحلبي، القاهرة، 1393 هـ. - اللآلي، للبكري (سمط اللآلي)، تحقيق عبد العزيز الميمني، لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، 1354 هـ. - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر، بيروت. - مجالس ثعلب، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط 4. - مجلة العرب، دار اليمامة، الرياض. - مجلة المجتمع العلمي الهندي، جامعة عليكره، الهند. - مجمع الأمثال، للميداني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت. - المستظرف، للأبشيهي، مطبعة الاستقامة، القاهرة، 1379 هـ. - المستقصى، للزمخشري، دائرة المعارف، حيدر اباد، الهند، 1381 هـ. المشتبه، للذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الحلبي، القاهرة، 1962 م. - معاني أبيات الحماسة، للنمري، تحقيق عبد الله عبد الرحيم عسيلان، مطبعة المدني، القاهرة، 1403 هـ. - المعاني الكبير، لابن قتيبة، تحقيق سالم الكرنكوي، حيدر اباد، الهند، 1872 م. - معجم الأدباء، لياقوت الحموي، دار المأمون، القاهرة، 1936 - 1938. - معجم البلدان، لياقوت، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - معجم الشعراء، للمرزباني، تصحيح الكرنكوي، القدسي، القاهرة. - معجم ما استعجم، للبكري، تحقيق مصطفى السقا، لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، تصوير عالم الكتب.

- المعرب، للجواليقي، تحقيق أحمد شاكر، دار الكتب، القاهرة، 1389 هـ. - المعرب والدخيل في اللغة العربية مع تحقيق الألفاظ الواردة في كتاب المعرب للجواليقيـ للدكتور ف. عبد الرحيم، رسالة الدكتوراه، مطبوعة على الآلة الكاتبة. - المقاصد النحوية، للعيني، على هامش الخزانة ط بولاق. - الملمّع، للنمري، تحقيق وجيهة أحمد السطل مجمع اللغة العربية بدمشق، 1396 هـ. - المؤتلف والمختلف، للآمدي، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، الحلبي، القاهرة، 1381 هـ. - نسب قريش، للزبيري، تحقيق بروفنسال، دار المعارف، القاهرة، ط 2. - النقائض، لأبي عبيدة، تحقيق بيفان، ط ليدن، تصوير مكتبة المثنى، بغداد. - نمط صعب ونمط مخيف، للعلاامة محمود شاكر، في مجلة المجلة، القاهرة، 1969 م. - نهاية الأرب، للنويري، المؤسسة العامة للتأليف والترجمة، القاهرة. - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، ط الحلبي، تصوير المكتبة العلمية، بيروت. - النوادر، لأبي مسحل الأعرابي، تحقيق عزة حسن، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1380 هـ. - الوحشيات، لبي تمام، تحقيق عبد العزيز الميمني، دار المعارف، 1963 م. - وفيات الأعيان/ لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت.

(7) نظرات لغوية في الترجمات الأردية للقرآن الكريم

نظرات لغوية في بعض الترجمات الأردية للقرآن الكريم (1) الحمد لله الذي أنزل القرآن بلسان عربي مبين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فهذا بحث بعنوان "نظرات لغوية في بعض الترجمات الأردية للقرآن الكريم" أعددته إجابة لطلب كريم من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة، للمشاركة فى الندوة التي يعقدها عن ترجمة معاني القرآن الكريم بعنوان (ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم لماضي وتخطيط للمستقبل). وقد طلب إليّ أن أكتب في موضوع (أخطاء في ترجمات معاني القرآن الكريم مردها خطأ في فهم اللغة)، وهو الموضوع الأول من المحور الثالث من محاور الندوة "المحور اللغوي". وقد اخترت لإجراء هذا البحث بعض الترجمات المشهورة المتداولة من التراجم الأردية، ونظرت فيها نظرات فاحصة من الناحية اللغوية، من غير

_ (1) قدّم إلى ندوة "ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل" التي عقدها مجمع الملك لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة في 10 - 12/ 2/1423 هـ. وقد اشتمل أصل البحث على النقول من الترجمات الأردية، ولكن اضطررنا إلى حذفها -عند نشر البحث في هذه المجموعة- لصعوبة طباعتها بالحروف الأردية.

مراجعة مستوعبة لتلك التراجم، فإن ذلك يحوج إلى زمن طويل تفرّغ تام. وقد رتب البحث على مدخل وفصلين. المدخل في طرف من تاريخ ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الأردية، مع الإشارة إلى أشهر المترجمين الذين لا يزال المسلمون يرجعون إلى ترجماتهم، وذكر الترجمات التي تعرّض لها هذا البحث، ومنهج الباحث فيه. أما الفصلان فأفرد أحدهما للألفاظ القرآنية التي وقع الخطأ والسهو في تفسيرها، وهي تسعة ألفاظ، وفي الفصل الثاني ناقش البحث عددًا من التراكيب النحوية والأساليب والتعبيرات التي لم يصب بعض المترجمين في ترجمة معناها. وأرجو أن تكون هذه النظرات المعدودة كاشفة عن بعض جوانب الموضوع، نافعة للعاملين في مجال ترجمة القرآن إلى اللغات الأخرى، خادمة لمن يريد أن يستفيد من الترجمات الأردية المتداولة التي تناولها هذا البحث، وبخاصة ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله. (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب).

مدخل اللغة الأردية تحظى بثروة عظيمة من ترجمات القرآن الكريم، إلى اللغة الأردية في شالي الهند هو القاضي محمد معظم السنبهلي، وقد أكملها سنة 1131 هـ وسمّاها "تفسير هندي". وقد وقف الدكتور سليم حامد رضوي على نسختها المكتوبة سنة 1133 هـ في إحدى المكتبات الخاصة في مدينة (بهوبال) ووصفها في كتابه عن إسهام (بهوبال) في تطوّر الأدب الأردي (1). ثمّ فسّر بلديه الشاه مراد الله الأنصاري السنبهلي الجزء الثلاثين من القرآن، وأكمله سنة 1185 هـ ويعرف بـ (تفسير مرادية)، وطبع عدّة مرات (2). ولعلّ جهودًا أخرى أيضًا قد بذلت في هذا المجال، ولكن خفيت أخبارهاعلى الباحثين. أما التجمة الاولى الكاملة التي ظهرت، وتلقّاها الناس بالقبول، ولم ينقطع الإقبال عليها حتى الآن، فهي ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله (ت 1243 هـ).

_ (1) انظر مجلة "تحقيق" الباكستانية العدد المزدوج 12 - 13، ص 375. (2) صدرت طبعته الأولى في كلكتا سنة 1251 هـ بعناية مولوي منصور أحمد بردواني الذي اعتمد في تصحيحه على أكثر من عشر نسخ من مخطوطات الكتاب، انظر لمرجع السابق ص 102.

والشاه عبد القادر رحمه الله أحد أبناء العلامة الشاه ولي الدهلوي (ت 1176 هـ) 1176 هـ) الذي نفع الله المسلمين في الهند به وبأسرته المباركة نفعًا عظيمًا، فوفّقهم لنشر علوم القرآن، وعلوم الحديث، وإحياء روح الجهاد. ولولا تعلّق الشاه ولي الله رحمه الله بسلسلة التصوّف وفلسفته ورسومه لكانت نتائج مساعيه الجليلة أصلح وأنفع وأنقى. وكان من جهود هذه الأسرة الكريمة في نشر علم القرآن الكريم أن الشاه ولي الله رحمه الله ترجم القرآن الكريم إلى اللغة الفارسية التي كانت في عصره لغة العلم والأدب في شبه القارة الهندية. وكانت تلك خطوة جريئة تعرّض من جرائها للطعن والمضايقة من قبل بعض الحكّام والعلماء من معاصريه (1)، ولكنّها فتحت بابًا واسعًا من أبواب الخير لعامة المسلمين إذ أمكنهم بواسطتها فهم كتاب الله عزّ وجلّ. ثم تبعه من أبنائه الشاه رفيع الدين والشاه عبد القادر رحمهما الله، فترجم كل منهما القرآن الكريم إلى اللغة الأردية التي قد نمت وترعرعت في زمنهما، وكانت تلك خطوة موفّقة أخرى لها ما بعدها. حتّى بلغ عدد الترجمات الكاملة فقط في خلال قرنين من الزمن 164 ترجمة حسب أحد الفهارس التي صدرت في باكستان عام 1987 م (2). ومن المترجمين الذين اشتهرت تراجمهم بعد ترجمتي الشاه رفيع الدين والشاه عبد القادر رحمهما الله، لا تزال متداولة في شبه القارة الهندية:

_ (1) انظر مقالة الدكتور ظهير أحمد الصديقي عن تراجم القرآن الكريم باللغة الأردية في مجلة "جامعة" عدد سبتمبر سنة 1975 م ص 101. (2) أفادني بذلك أخي الدكتور الحافظ أبو سفيان الإصلاحي معتمدًا على كتاب الترجمات الأردية للقرآن الكريم للدكتور أحمد خان، الذي نشر في إسلام آباد سنة 1987 م، ولم أتمكّن من الاطلاع عليه.

1 - نذير أحمد الدهلوي (ت 1330 هـ). 2 - وحيد الزمان الحيدر ابداي (ت 1338 م) صاحب التفسير الوحيدي. 3 - محمود حسن الديوبندي (ت 1339 هـ). 4 - احمد رضا خان البريلوي (ت 1340 هـ). 5 - أشرف علي التهانوي (ت 1362 هـ) صاحب تفسير بيان القرآن. 6 - سناء الله الأمر تسري (ت 1367 هـ) صاحب التفسير الثنائي. 7 - فتح محمد الجالندهري (ت؟ ؟ ). 8 - أبو الكلام آزاد (ت 1377 م) صاحب ترجمان القرآن. 9 - ألو الأعلى المودودي (ت 1399 هـ) صاحب تفهيم القرآن. 10 - أمين أحسن الإصلاحي (ت 1418 هـ) صاحب تدبر القرآن. وقد رتبت أسماء المترجمين هنا على وفياتهم، ولو رتبت حسب تاريخ صدور ترجماتهم لتغيّر الترتيب وذكر الشيخ أشرف علي مثلًا قبل الشيخ محمود حسن، فإنّ ترجمة الأول صدرت سنة 1326 هـ، أي قبل ست عشرة سنة من صدور ترجمة الشيخ محمود حسن سنة 1342 هـ. ويلاحظ أن أكثر المترجمين المذكورين أصحاب مؤلّفات في تفسير القرآن ونشرت ترجماتهم ضمن تفاسيرهم. أما الترجمات التي عنيت بفحصها لإعداد هذا البحث، فأولها وأهمّها ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله (ت 1243 هـ) وذلك لمكانتها المرموقة بين التراجم الأردية، ولكونها مرجعًا للعلماء والمترجمين إلى وقتنا هذا. وقد أكملت هذه الترجمة سنة 1205 هـ ونشرت في دهلي سنة 1245 هـ بعد وفاة المؤلّف بسنتين. وميزتها أنّها جمعت بين خصلتين يصعب اجتماعهما في الترجمة. وذلك أن تكون الترجمة أدبية بليغة، مع كونها قريبة شديدة القرب من النصّ المترجم. وممّا يشهد ببراعة المترجم رحمه الله أن قد مضى على ترجمته

أكثر من قرنين، وقد تطوّرت اللغة الأردية في هذه الحقبة الطويلة تطوّرًا كبيرًا، فكم من ألفاظ وأساليب وتعبيرات هجرت ونسيت وتغيّرت، ولكن ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله لم تفقد روعتها ووهجها. كبرد اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد ورجعت للمقارنة إلى ترجمة أخيه الأكبر الشاه رفيع الدين رحمه الله (ت 1249 هـ) وهي ترجمة حرفية مبينة، ولها منزلتها بين الترجمات الأردية. وقد أكملت هذه الترجمة سنة 1190 هـ قبل ترجمة الشاه عبد القادر ولكنها نشرت بعدها في كلكتا سنة 1256 هـ. وكذلك رجعت للمقارنة إلى الترجمة الفارسية لوالدهما الشاه ولي الله الدهلوي رحمه الله (ت 1176 هـ)، وذلك لأن هذه الترجمات الثلاث التي صدرت من بيت واحد كانت مصدرًا للمترجمين الذين جاءوا من بعدهم. وللمقارنة أيضًا رجعت إلى ترجمة الشيخ محمود حسن الديوبندي رحمه الله (ت 1339 هـ)، فإنّها نسخة ميسرة مشيرًا إلى أن ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله لما في أسلوبها من الإيجاز الشديد في بعض المواضع ولما فيها من ألفاظ قديمة وتعبيرات غير مألوفة يخشى أن ينصرف عنها عامة الناي إلى تراجم جديدة لا تبلغ مبلغها في الصحة والدقّة، فرأى أن يستبدل بالألفاظ القديمة ألفاظًا معروفة، ويوضّح العبارات الموجزة التي تشكل على القارئ المعاصر (1). ونظرت في ترجمة الشيخ محمد الجوناكري رحمه الله (ت 1360 هـ) ووسمتها بترجمة المجمع، لأن طبعتها التي بين يدي أصدرها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة، بعد تصحيحها ومراجعتها، فتحفّظت في عزو ما أنقله منها الشيخ محمد، فقد يكون بعضها بقلم المصحّحين

_ (1) أنظر مقدّمة المترجم في آخر الترجمة ص 3 - 4.

والمراجعين، وإنما عنيت بها لسعة انتشارها بعد ما طبعها المجمع وتوزيعها مجانًا على الناطقين بالأردية. ونظرت أيضًا في ترجمة الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله (ت 1362 هـ)، لأنها من أشهر الترجمات المتداولة في شبه القارة الهندية. أما ترجمة الأستاذ لأبي الأعلى المردودي رحمه الله، فهي ترجمة تفسيرية أدبية تمتاز بأسلوبها السلس القوي العالي، ويشعر قارئها بأنه يقرأ كلامًا متّصلًا متناسقًا فلا يجد صعوبة في استيعاب معناه. ومن ثمّ لقيت ترجمته قبولًا كبيرًا بين المثقفين وانتفع به خلق كثير. وقد حدّثني الشيخ أبو الحسن علي الحسن الندوي رحمه الله ذات مرّة أنّه يرجع في ترجمة الآيات الكريمة التي ترد في مؤلّفاته إلى ترجمتين: ترجمة الأستاذ المودودي وترجمة الشيخ فتح محمد الجالندهري. وقد وددت عند إعداد هذا البحث لو كانت ترجمة الشيخ فتح محمد رحمه الله أيضًا في يدي، فإنّها من الترجمات المتداولة المعروفة بأسلوبها السهل ولكن لم أتمكّن من الرجوع إليها وإلى ترجمة الشيخ نذير أحمد الدهلوي رحمه الله (ت 1330 هـ) إلّا في موضع واحد. وبالجملة فهذه تسع ترجمات للقرآن الكريم رجع إليها الباحث، ولكن جلّ عنايته كانت مصروفة إلى ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله. الترجمات الأردية التي أشرت إليها آنفًا كان أكثر أصحابها من العلماء االمشهورين، ولهم قدم راسخة في العلوم الدينية المتداولة من التفسير والحديث والفقه، بالإضافة إلى إتقانهم اللغة العربية، ثمّ إنّهم اعتمدوا عند قيامهم بالترجمة على كتب التفسير والترجمات السابقة. فمن الجائز أن يكون بعضهم اختار قولًا مرجوحًا من أقوال المفسّرين، أو لم يوفّق في اختيار كلمة مناسبة أو أسلوب مناسب للتعبير عن معنى النصّ المترجم، ولكن من الصعب أن تجد في

ترجماتهم أخطاء فاحشة مردها الجهل باللغة العربية. وإن وجد فسيكون شيئًا يسيرًا، ومن السهو والذهول الذي لا يخلو منه العمل البشري. وهذا هو الذي قصدت إلى التنبيه عليه في هذا البحث، فالتزمت أن تكون الترجمة التي أناقشها خطأ زاهرًا أو شبيهًا به من الناحية اللغوية, أمّا إذا وافقت قولًا من الأقوال المنقولة في كتب التفسير والغريب، وله شواهد -ولو كانت ضعيفة في نظر الكاتب- فهذا البحث عنها بمعزل.

الفصل الأول في ترجمة الألفاظ الألفاظ التي يتناولها هذا الفصل أنواع: منها ما وقع لخطأ في تفسير أصل معناها، نحو كلمة (الشوى) في سورة المعارج، فسّرها بعض المتردجمين بمعنى الكبد، وكلمة (سجّرت) في سورة التكوير التي ترجمت بمعنى "ردمت وسوِّيت". ومنها كلمة اختار المترجم من وجوه معناها وجهًا غير مناسب لسياق الآية نحو كلمة (الظن) التي جاءت في غير ما لآية بمعنى اليقين، فترجمت فيها بمعنى الشك، وكلمة (الروح) التي فسّرت بمعنى الملك في الآية التي جاءت فيها للحي. ومنها ما تأثّر المترجم في تفسيره باستعمال الكلمة عند المتأخّرين أو في لغته، نحو كلمتي (التنازع) و (المجادلة) اللتين غلب استعمالهما بمعنى الخلاف والخصام. وختم الفصل بكلمة تعرّض معناها لتحريف معتمّد، وهي كلمة (الشجرة) المذكورة في قصّة آدم وإبليس، فترجمها زعيم طائفة منكري السنة بمعنى (المشاجرة)! وإليكم التفصيل. (1) الشوى وردت كلمة الشوى في القرآن الكريم مرّة واحدة في قوله تعالى: {كلَّا إنها لظى - نزاعةً للشوى} (المعارج: 15 - 16). ترجم الشاه عبد القادر كلمة الشوى في الآية بمعنى (كليجه) التي تعني

"الكبد" (1). لم ينقل عن أحد من اللغويين أو المفسرين -على اختلاف أقوالهم- أنّه فسّر كلمة الشوى بمعنى الكبد، ومن الغريب أن الشيخ محمود حسن لم يغيّر هذه الترجمة، فاضطّر الشيخ شبير أحمد العثماني بالتعليق عليها بما معناه: "يعني أن تلك النار لن تترك المجرم أبدًا، بل إنّها ستنزع جلده ثم تخرج الكبد من داخل جسمه" (2). وبيّن من تعليق الشيخ أنه حاول فيه تسويغ ترجمة الشيخ عبد القادر وتصويبها فأضاف في حاشيته معنى "نزع الجلد" الذي فسّرت به الآية في بعض أقوال أهل العلم، حتّى يفضي ذلك إلى نزع "الكبد". أمّا الشاه ولي الله الدهلوي -والد الشاه عبد القادر- ففسّر "الشوى" في ترجمة الفارسية بجلد الرأس (3)، وفسّر أخوه الشاه رفيع لدين بجلد الوجه (4)، والترجمات الأردية الأخرى أيضًا لم تتابع الشيخ عبد القادر، فجمعت ترجمة المجمع بين تفسيري الشاه ولي الله والشاه رفيع الدين، ففسّرت بمعنى جلد الوجه والرأس (5). وفي ترجمة الشيخ أشرف علي بمعنى الجلد (6)، وفي ترجمة الأستاذ المودودي أنّها تأكل اللحم والجلد (7)، وهذه الترجمات كلّها موافقة لأقوال من أقوال المفسّرين. وقد نبّه على خطأ الشيخ عبد القادر في تفسير كلمة الشوى الإمام عبد

_ (1) الشاه عبد القادر: 688. (2) محمود حسن: 755. (3) الشاه ولي الله: 688. (4) الشاه رفيع الدين: 689. (5) المجمع: 1627. (6) اشرف علي: 686. (7) المودوي: 1473.

الحميد الفراهي، فقال: "وقد أخطأ العلامة عبد القادر الدهلوي في ترجمة قوله تعالى - {نزَّاعة للشَّوى} فظنّ أنه الكبد، والموقع ذكر دنو العذاب، لا دخول المنكرين في النار، فإنّ سياق الكلام هكذا: ... (ونقل الآيات 1 - 18 من سورة المعارج بمّ قال• فهذا بيان الموقف، يوم أزلفت الجنة للمتّقين، وبرزت الجحيم للغاوين، فليس لهم حميم. فحيمئذ تدعو الجحيم الكفار وتخرج لظاها فتذهب بلحم سوقهم. وأما أنها تخرج أكبادهم فليس هذا ممّا جاء في شئ من القرآن حتى إنّهم حين يدخلونها لا تحرج أكبادهم ولا قلوبهم" (1). وقد يكون الشيخ عبد القادر أراد أن يبيّن شدّة ما تفعله النار، فاختار تعبيرًا رائجًا في كلام الناس في زمنه، دون النظر إلى ألفاظ الآية. ولكن ترجمته على ذلك ستبقى مرجوحة بلا شكّ، ويشهد بذلك أنّه لم يتابع عليها. (2) مسوّمين قال تعالى في سورة آل عمران: {بلى إن تصبروا وتتَّقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربُّكم ألفٍ من الملائكة مسومين} (آل عمران: 125) ترجم الشاه عبد القادر معنى الجزء الأخير من الآية بما معناه: "بخمسة آلاف من الملائكة، على خيول ربيِّت" (2). وقد وردت كلمة (المسوّمة) نعتًا للخيل في أول هذه السورة في قوله تعالى: {زين للنَّاس حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذَّهب والفضَّة والخيل المسوَّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدُّنيا والله عنده حسن المئاب} (آل عمران: 14).

_ (1) رسائل الفراهي في علوم القرآن 272، وانظر مفردات القرآن له: 46 (ط. دار الغرب الإسلامي: 200). (2) الشاه عبد القادر: 81.

وترجم الشاه عبد القادر (الخيل المسومة) بالخيل التي ربيّت (1). قد فسّرت كلمة (المسوّمة) في هذه الآية بالمرعيّة في المروج والمسارح، أو المعلمة (2). وترجمة الشاه عبد القادر لهذه الآية لا غبار عليها. ولكن إذا فرضنا أن كلمة (مسوّمين) في الآية الأولى من سوّم الماشية في المرعى أي رعاها، فيكون معناها في الآية "بخمسة آلاف من الملائكة مرسلين (خيولهم) في المراعي، ولا يصحّ أن يترجم (مسوّمين) بمعنى "راكبين على خيول مرعيّة". وتنبّه على هذا الخطأ الشيخ محمود حسن، فأصلح ترجمة الشاه عبد القادر بما معناه "بخمسة آلاف من الملائكة، على خيول معلمة] " (3). ولكن الراجح ما ذهب إليه معظم المترجمين ومنهم والد الشاه عبد القادر وأخوه أنّ (مسومّين) بمعنى معلمين (أنفسهم بعلامات) (4)، وهو الأقرب إلى لفظ الآية، وهو الذي تؤيده القراءة السبعية الأخرى (مسوَّمين) بفتح الواو (5) أي "معلمين". (3) سجِّرت قال تعالى: {وإذا البحار سجرت} (التكوير: 6). عامة المترجمين فسّروا (سجرت) في الآية بمعنى أضرمت أو أوقدت (6). ولكن الشيخ نذير أحمد فسرها بمعنى "ردمت وطمرت" (7).

_ (1) المرجع السابق: 63. (2) انظر تفسير الطبري (شاكر) 6: 251 - 257. (3) محمود حسن: 84. (4) انظر الشاه ولي الله: 81 والشاه رفيع الدين: 80 وأشرف علي: 81 والمجمع: 171 والمودودي: 183. (5) وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي. انظر كتاب الكشف لمكي 1: 355. (6) انظر الشاه ولي الله: 710 والمودودي: 1525 والمجمع: 1679. (7) نذير أحمد: 935.

ولعلّه نظر إلى ما روي عن قتادة وغيره أنّه قال في تفسير الآية: غار ماؤها فذهب (1). ولكن الكلمة الأردية التي فسّر بها الشيخ نذير أحمد تعني أنّ تلك البحار سوِّيت فذهب عمقها وصار سطحها مساويًا لسطح الأرض، وذلك لم يقل به أحد. هذا واختار الطبري في تأويل الآية قول من قال إن "معنى ذلك: ملئت حتى فاضت، وانفجرت وسالت"، كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال: {وإذا البحار فجرت} ... " (2).وهو الأقرب إلى استعمال (سجر) في كلام العرب، وهو الذي اختاره التفسير الميّسر الذي أصدره المجمع (3). (4) الظنّ كلمة (الظنّ) في العربية تستعمل أحيانًا بمعنى اليقين، قال ابن قتيبة: " ... لأن في الظن طرفًا من اليقين" (4). وقد أحسن الفراهي في كتابه مفردات القرآن في بيان السرّ في ذلك فقال: "الظن ما يرى المرء من غير مشاهدة. لكون غير المشهود ربّما لا يوقن به تضمن الظنّ معنى الشك. وبهذا المعنى كثر في كلام العرب والقرآن ... ولكن الرأي في غير المشهود ربّما يكون يقينًا، ويطلق الظنّ عليه بالمعنى الأعمّ من غير تضمّنه الشط" (5). وقد جاء (الظن) بمعنى اليقين في آيات كثيرة منها: قوله تعالى: {حتَّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لَّا ملجأ من الله إلَّا إليّه} (التوبة: 118).

_ (1) تفسير الطبري: 30: 68. (2) المصدر السابق: 30: 68 - 69. (3) التفسير الميسّر: 586. (4) تأويل مشكل القرآن: 187 وأنظر الأضداد: 9، 14. (5) مفردات القرآن: 55. (ط. جار الغرب الإسلامي: 296).

(ظنّوا) أي استيقنوا (1)، قال أبو جعفر رجمه الله في تفسيره: "وأيقنوا بقلوبهم أن لا شيء لهم يلجأون إليه ممّا نزل بهم من أمر الله من البلاء" (2). وقد أخطأ الشاه عبد القادر في ترجمة معنى الآية إذ فسّرها بالظن (3). ومنها قوله تعالى: {ورءا المجرمون النَّار فظنُّوا أنَّهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفًا} (الكهف: 53). وهنا أيضًا الشاه عبد القادر كلمة الظن بمعنى التخمين (4): ومثله في ترجمة الشاه رفيه الدين (5). وكذلك في قوله تعالى: {وضلَّ عنهم مَّا كانوا يدعون من قبل وظنَّوا ما لهم مّن مَّحيص} (فصلت: 48) ترجم الشاه عبد القادر بمعنى التخمين (6): وقد أصلح الشيخ محمود حسن ترجمة (ظنّوا) في الآية الأخيرة فقط بما معناه: "وعملوا" (7)، وهو الصواب فيها جميعًا. وبذلك ترجمت الكلمة في الترجمات الأخرى التي بين يديّ (8). (5) أصبح "أصبح" من أخوات كان، وتفيد اتّصاف المسند إليه بالمسند في وقت

_ (1) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 193. (2) تفسير الطبري (شاكر) 14: 543. (3) الشاه عبد القادر: 248. (4) الشاه عبد القادر: 361. (5) الشاه رفيع الدين: 360. (6) الشاه عبد القادر: 580. (7) محمود حسن: 641. (8) أشرف علي: 580، المجمع: 1357، والمودودي: 1213

الصباح. وقد تكون بمعنى صار نحو قوله تعالى: {فأصبحتم بنعمته إخوانًا} (آل عمران: 103) وقوله تعالى: {فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين} (المائدة: 30)، وقوله تعالى في الآية التالية: {فأصبح من النَّادمين - فأصبح من النادمين} (المائدة: 31)، وقوله تعالى: {قد سألها قومٌ من قبلكم ثمَّ أصبحوا بها كافرين} (المائدة: 102). فسّر الشاه عبد القادر رحمه الله (أصبح) في الآيات الثلاث الأولى بمعنى صار، ولكنّه قيدها في ترجمة معنى الآية الرابعة بمعنى الصباح (1). وهو خطأ، وأصلحه الشيخ محمود حسن بحذف الكلمة الأردية التي تعني الصباح الباكر (2). وهناك آيات تحتمل أن تكون "أصبح" فيها مقيّدة بمعنى الصباح، يظهر من مراجعة هذه المواضع في ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله أنّه آثر تقييدها بالصباح بدلًا من تفسيرها بمعنى الصيرورة. ومنها قوله تعالى: - {فترى الَّذين فى قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ فعسى اللَّه أن يأتى بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين} (المائدة: 52). قال أبو حيان: "أي يصيروا نادمين على ما حدثتهم أنفسهم أنّ أمر النبي لا يتمّ ولا تكون الدولة لهم ... " (3). ولكن الشاه عبد القادر رحمه الله قيد المعنى بوقت الفجر (4). وحذف الشيخ محمود حسن في ترجمته كلمة الفجر (5).

_ (1) الشاه عبد القادر: 151. (2) محمود حسن: 146. (3) البحر المحيط 4: 293. (4) الشاه عبد القادر: 142. (5) محمود حسن: 154.

ومنها قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضَّرةً أنَّ الله لطيفٌ خبيرٌ} (الحج: 63). وقيد الشاه عبد القادر معنى "تصبح" بوقت الصبح (1) وهنا أيضًا حذف الشيخ محمود حسن كلمة الصبح (2). ومنها قوله تعالى: {قال عمَّا قليل ليَّصبحنَّ نادمين} (المؤمنون: 40) وترجم الشاه عبد القادر كعادته بما معناه: سيصيرون نادمين في الصباح (3). ولم يحذف الشيخ محمود حسن هنا كلمة الصبح (4). والجدير بالذكر أن الشاه ولي الله والشاه رفيع الدين فسّرا المواضع المذكورة كلّها بمعنى صار، ومن ثمّ لم تتابع فيها الترجمات الأردية التي بين يديّ ترجمة الشيخ عبد القادر رحمه الله. (6) الروح جاءت كلمة الروح في القرآن الكريم على عدة أوجه (5)، منها الوحي نحو قوله تعالى: {ينزل الملائكة بالرُّوح من أمره على من يشاء من عباده} (النحل: 2). وقوله سبحانه: {يلقى الرُّوح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق} (غافر: 15). وفّسر الشاه عبد القادر رحمه الله كلمة الروح في الموضعين بمعنى السرّ (6).

_ (1) الشاه عبد القادر: 409. (2) محمود حسن: 452. (3) الشاه عبد القادر: 415. (4) محمود حسن: 459. (5) انظر فيها كتب الوجوه والنظار نحو كتاب نزهة الأعين النواظر: 322. (6) الشاه عبد القادر: 322، 564.

أمّا والده الشاه ولي الله، ففسّر (الروح) في سورة النحل بالوحي (1)، وأبقى في سورة غافر كلمة الروح نفسها في الترجمة (2). وحافظ الشاه رفيع الدين على كلمة الروح في الموضعين (3). أمّا الآية التي أغرب الشاه عبد القادر رحمه الله في ترجمتها، معناها فهي قوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا} (الشورى: 52)، إذ فسّر الروح فيها بمعنى الملك و (أوحينا) بمعنى "أرسلنا" (4). وذكر الشيخ شبير أحمد العثماني في حاشيته على ترجمة الشيخ محمود حسن أنّ ذلك من قول بعض المفسّرين (5)، ولكن لم أجد هذا القول في كتب التفسير التي رجعت إليها (6). لا شكّ أنّ كلمة الروح فسرت بمعنى الملك في أكثر من آية كقوله تعالى: {نزل به الرُّوح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين} (الشعراء: 193 - 194) وقوله تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سوياً} (مريم: 7)، ولكن لا يستقيم أن يراد بها الملك في سورة الشورى، فإنّ كلمة (أوحينا) لم ترد بمعنى إرسال ملك أو رجل. ولم يتابع أحد من مترجمي الأردية الشاه عبد القادر رحمه الله على هذه الترجمة، بل فسّر بعضهم بالوحي (7)، وحافظ آخرون على كلمة الروح نفسها، ولعلّهم تابعوا في ذلك ترجمة الشاه رفيع الدين رحمه الله (8)، ثمّ بيّنوا في الحاشية أنّها أطلقت على القرآن (9).

_ (1) الشاه وليّ الله: 322. (2) المرجع السابق: 564. (3) الشاه رفيع الدين: 321 ف، 560. (4) الشاه عبد القادر: 588. (5) محمود حين: 650. (6) نحو تفسير ابن جرير، والكشاف، والبحر المحيط، ومفاتيح الغيب، وتفسير ابن كثير. (7) انظر مثلًا ترجمة أشرف علي: 588. (8) الشاه رفيع الدين: 583. (9) انظر مثلًا ترجمة المودودي: 1231 وترجمة المجمع: 1376.

أمّا الشاه وليّ الله رحمه الله ففسّر كلمة الروح في ترجمته الفارسية بالقرآن (1). (7) التنازع كلمة التنازع معروفة بمعنى الخلاف والخصام، ولكنّها إذا استعملت للكأس فأنّها تعني تعاطي الكأس وتناولها، ولكنّها لمّا انتقلت إلى الفارسية ثمّ الأردية انحصرت في معنى الخلاف والتخاصم. ومن ثم فسّر غير واحد من المترجمين كلمة التنازع في قوله تعالى {يتنازعون فيها كأسًا لَّا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ} (الطور: 23) بما معناه الاختطاف والاستلاب. منهم الأخوان: الشاه رفيع الدين والشاه عبد القادر، والشيخ أشرف علي. ومثله في ترجمة المجتمع (2). الكلمة الأردية التي فسّروا بها (يتنازعون) تعني -كما قلنا- الهجوم على الشيء، والاندفاع إليه، واجتذابه واختطافه، وقد أضاف بعضهم بين القوسين ما معناه: "على سبيل المباسطة والمداعبة" كما في ترجمتي الشيخ أشرف علي والمجمع. ولكن المعروف في معنى تنازع الكأس هو تعاطيها وتداوليها. وبه فسّر الآية أبو عبيدة (يتعاطون أي يتداولون) (3) وابن قتيبة (أي يتعاطون) (4) وابن جرير (يتعاطون فيها كأس الشراب ويتداولونها بينهم) (5) وابن كثير (أي

_ (1) الشاه ولي الله: 588. (2) وانظر الشاه رفيع الدين: 226، والشاه عبد القادر: 631 وأشرف علي: 630، والمجمع: 1486. (3) مجاز القرآن: 2: 232. (4) تفسير غريب القرآن: 425. (5) فسير الطبري 27: 28.

يتعاطون (1). وقد أصاب الشاه ولي الله رحمه الله في ترجمته الفارسية (2). (8) المجادلة فسّر الراغب كلمة الجدال بأنّه "المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله ... ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه" (3). فالجدال بمعنى المحاورة والمراجعة والمناقشة. وكثيرًا ما تتحوّل المناقشة إلى مشاجرة ومصارعة، فأصبح الجدال يستعمل بهذا المعنى أيضًا. ويبيّن ذلك القول الآخر الذي نقله الراغب بالتضعيف فقال: "وقيل: الأصل في الجدال: الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة". وردت مشتقات الجدال في آيات كثيرة منها قوله تعالى {فلمَّا ذهب عن إبراهيم الرَّوع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوطٍ} (هود: 74) وقوله {قد سمع الله قول الَّتى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إنَّ الله سميع بصير} (المجادلة: 1). ترجم الشاه عبد القادر رحمه الله كلمة الجدال في الآيتين بكلمة أردية تعني المخاصمة والمشاجرة (4). ومثله ترجمة الشاه رفيه الدين رحمه الله (5). وتابعهما في هذه الترجمة في الموضعين الشيخ محمود حسن (6) والشيخ أشرف

_ (1) تفسير ابن كثير: 4: 244. (2) الشاه ولي الله: 631. (3) مفردات ألفا القرآن: 189 - 190. (4) الشاه عبد القادر: 277، 652. (5) الشاه رفيع الدين: 276، 647. (6) محمود حسن: 304، 719.

علي (1)، وفي الموضع الأول الأستاذ المودودي (2). ولعلّ الكلمة الأردية التي فسّر بها الشاه عبد القادر كلمة الجدال في الآيتين كانت تستعمل في زمنه بمعنى الحوار والنقاش أيضًا كما يظهر من مراجعة بعض المعاجم الأردية (3)، ولكنّها اختصت فيما بعد لمعنى المشاجرة والمخاصمة، فكان ينبغي للمترجمين الذين جاءوا بعده أن يجتنبوا تلك الكلمة. (9) الشجرة لا خلاف بين المفسرين والمترجمين في معنى كلمة (الشجرة) التي جاءت في قصّة آدم وإبليس في قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشَّجرة فتكونا من الظَّلمين} (البقرة: 35، والأعراب: 19) وقوله: {ما نهاكما ربُّكما عن هذه الشَّجرة إلَّا أن تكون ملكين أو تكونا من الخالدين} (الأعراف: 20) وقوله: {فلَّما ذاقا الشَّجرة بدت لهما سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنَّة وناداهما ربُّهما ألم أنهكما عن تلكما الشَّجرة} (الأعراف: 22) ولكن (غلام أحمد برويز) زعيم طائفة منكري السنة فسّرها بمعنى الخلاف والخصام، أخذًا من كلمة المشاجرة والتشاجر (4)، فجعل الأصل فرعًا والفرع أصلًا! وليس ذلك لجهله بمعنى الكلمة، ولكنّه تحريف معتمّد، وكتابه مشحون بأمثاله، وقد نال تحريفه من الألفاظ الشرعية أيضًا نحو الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والجهاد وغير ذلك، فغيّر معانيها تبعًا لهواه. ولم تكن تحريفاته من مجال هذا البحث، وإنّما قصدت بما أوردته هنا إلى الإطراف والإحماض.

_ (1) أشرف علي: 277، 652. (2) المودودي: 5595. (3) معجم جون بلاتس: 405. (4) مفهوم القرآن: 1: 13.

الفصل الثاني في ترجمة التراكيب النحوية والأساليب في هذا الفصل نتناول بعض التراكيب النحوية التي وقع السهو في فهمها فصارت الترجمة خطأ ظاهرًا، ومنها ما اضطرب المترجمون في ترجمتها. ونناقش أيضًا بعض الأساليب والتعبيرات التي اعتمد المترجم في تفسيرها على قول شاذ من أقوال أهل التفسير متنكبًا عن القول المحكم والرأي المبرم. (1) قائمًا بالقسط قال الله تعالى: {شهد الله أنَّه لا إله إلَّا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلَّا هو العزيز الحكيم} (آل عمران: 18). (قائمًا بالقسط) في الآية حال من الضمير (هو) أو لفظ الجلالة (1)، ولكن الشيخ فتح محمد رحمه الله جعله في ترجمته حالًا من الملائكة وأولي العلم (2). (2) ويمح الله الباطل قال تعالى في سورة الشورى: {فإن يشإ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحقُّ الحقَّ بكلماته} (الشورى: 24).

_ (1) انظر التبيان في إعراب القرآن: 1: 247. (2) ترجمة فتح محمد: 51.

(يمح) كذا رسمه في المصحف دون واو، فتوهّم الشاه عبد القادر رحمه الله أنّه مجزوم ومعطوف على (يختم)، وترجم معنى الآية على هذا التركيب (1). وقد تنبّه الشيخ محمود حسن على الخطأ في هذه الترجمة فأصلحه (2). وخوفًا من هذا الالتباس قد عنيت كتب التفسير والمعاني والإعراب ببيان إعراب (يمح) في الآية، فقال الفراء: "وقوله {ويمح الله الباطل} ليس بمردود على (يختم) فيكون مجزومًا. هو مستأنف في موضع رفع وإن لم تكن فيه واو في الكتاب. ومثله ممّا حذفت منه الواو وهو في موضع رفع، قوله {ويدع الإنسان بالشَّرّ} وقوله {سندع الزَّبانية} " (3). وقال الطبري رحمه الله: "قوله {يمح الله الباطل} في موضع رفع بالابتداء، ولكنّه حذفت منه الواو في المصحف، كما حذفت من قوله {سندع الزَّبانية} ومن قوله {ويدع الإنسان بالشَّرّ} وليس بجزم على العطف (يختم) (4). هذا، وقد حكى يعقوب الحضرمي قولًا بأن (يمح) معطوف على (يختم) (5)، ولكن لا أظن الشيخ عبد القادر اطلع على القول المذكور وجنح إليه، فإنّ عامة المفسّرين أغفلوه قديمًا لشذوذه، ونعمّا فعلوا. (3) وفتناك فتونا قال تعالى في قصة موسى عليه السلام:

_ (1) الشاه عبد القادر: 584. (2) محمود حسن: 646. (3) معاني القرآن: 3: 23. (4) تفسير الطبري: 25: 27، وانظر البحر 9: 336. (5) كشف المشكلات: 2: 1198 حاشية المحقّق.

{وقتلت نفسًا فنجينَّك من الغم وفتنَّك فتونًا فلبثت سنين فى أهل مدين ثمَّ جئت على قدرٍ يا موسى} (طه: 40). ترجم الشاه عبد القادر رحمه الله معنى قوله تعالى: {وفتنَّك فتونًا} بما معناه: "وامتحناك امتحانًا يسيرًا" (1). وفي هذه الترجمة نظر، فإن (فتونا) مصدر فتن يفتن، ووقع في الآية مفعولًا مطلقًا، فلا يستفاد منه بيان نوع الفعل، وإنّما يفيد توكيده. فمعنى {وفتنَّك فتونًا}: واختبرناك اختبارًا، كما في رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أو أخلصناك إخلاصًا كما روي عن مجاهد (2). وقيل إنّه يجوز أن تكون كلمة (فتون) جمعًا لفتنٍ أو فتنةٍ ويكون المعنى وفتناك ضروبًا من الفتن (3). وعلى هذا القول أيضًا -إن صحّ- لا يستقيم ترجمة الشاه عبد القادر رحمه الله. أمّا ترجمة أخيه الشاه رفيع الدين رحمه الله والترجمات الأردية الأخرى التي بين يدي فإنّها جميعًا فسّرت (فتونا) بمعنى التوكيد (4). (4) إن المخففة من إنّ من الأخطاء الشائعة في الترجمات الإنجليزية وغيرها أن كثيرًا من

_ (1) الشاه عبد القادر: 378. (2) انظر تفسير الطبري 16: 164، 167، وانظر كشف المشكلات 2: 825. (3) انظر الكشاف 3: 64 والبحر 7: 333. (4) انظر الشاه رفيع الدين: 377، وأشرف علي: 378، ولمجمع: 859. وممّا يحب التنبيه عليه أنّه في حاشية ترجمة المجمع ذكر القولان في كلمة (الفتون)، ونظّر في كونها جمع الفتنة بالحجور جمع الحجرة (بالراء المهملة)، ولعلّه نقل من فتح القدير للشوكاني: 3: 454، وصوابه: الحجوز بالزاي المعجمة، انظر الكشاف 3: 64 والبحر 7: 333 والتاج (حجز).

أصحابها فسروا (وإن) في قوله تعالى: {وإن كانوا من قبل لفى ضلالٍ مبينٍ} (الجمعة: 2) بمعنى (ولوّ)! فتوهموها إن الشرطية، ولم يلتفتوا إلى اللام الفارقة الداخلة على (في) التي تدلّ على أن (إن) (1). وقد وقع الأستاذ المودودي أيضًا في هذا الوهم (2). أمّا المواضع الأخرى التي وردت فيها (إن المخفّفة) في القرآن الكريم فأصاب الأستاذ المودودي في ترجمتها، إلّا أنّه هو وغيره من المترجمين لم يلتزموا مراعاة معنى التوكيد الذي يحدثه في الكلام إن المخففة مع اللام الفارقة. فالشاه عبد القادر رحمه الله ترجم الآية السابقة كأنها لا توكيد فيها (3)، ولكنه في ترجمة قوله تعالى: {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين} (الحجر: 78) راعى معنى التوكيد (4). وقد اغرب الشيخ أشرف علي وصاحب ترجمة المجمع في هذا الموضع، فنقلا معنى التوكيد من الإسناد إلى كلمة (ظالمين) لما نظرا -فيما يبدو- إلى اللام الفارقة الداخلة عليها (لظالمين)، فترجم كلاهما ترجمة تصح إذا كان النصّ على هذا الوجه: "وكان أصحاب الأيكة ظلاّمين" (5). (5) أسلوب القصر لا يراعي بعض المترجمين أحيانًا أسلوب القصر في الآية، فتخلو ترجمته

_ (1) انظر مثلًا ترجمة عبد الله يوسف علي: 1745. وقد نبّه على هذا الغلط الدكتور ف. عبد الرحيم في ورقة قدّمها إلى ندوة ترجمة معاني القرآن الكريم بجامعة مالك بن سعدي في تطوان. (2) المودودي: 1421 وتبعه في الخطأ عبد الرحمن الكيلاني انظر تيسير القرآن: 564. (3) الشاه عبد القادر: 667. (4) المرجع السابق: 321. (5) أشرف علي: 321، المجمع: 722.

من معنى التوكيد الذي يستفاد من هذا الأسلوب. وللقصر طرق عدة في اللغة العربية، منها استعمال ضمير الفصل، فقوله تعالى {ذلك هو الفوز العظم} آكد من قوله {ذلك الفوز العظيم}. ولكن المترجمين لا بفرقون بعض الأحيان بين الجملتين، بل قد يترجمون الجملة الثانية بأسلوب أقوى من ترجمة الجملة الأولى. ويمكن ملاحظة هذا الاضطراب في ترجمة الجملتين الآيتين في ترجمة المجمع وحدها: (1) {ذلك الفوز العظيم} (التوبة: 72، 111) (المؤمن: 9) (الدخان: 57) (الحديد: 12). (2) {ذلك الفوز العظيم} (النساء: 13) (التوبة: 89، 100) (الصف: 12) (التغابن: 64) الناظر في ترجمة الجملتين في هذه الآيات يلحظ أن ترجمة قوله تعالى: {ذلك هو الفوز العظيم} في سورة التوبة: 111 مثل ترجمة قوله: {ذلك هو الفوز العظيم} في سورة التوبة: 100، وهي بمعنى الآية الثانية أليق. وكذلك ترجمة {ذلك الفوز العظيم} في سورة التوبة: 89 وسورة التغابن: 64 مثل ترجمة {ذلك هو الفوز العظيم} في سورة التوبة: 72، والمؤمن: 9 والدخان: 57. وهي بمعنى الآية الأولى ألبق. (6) أولى لك هذا التعبير جاء في القرآن الكريم في موضعين: في سورة محمد، وفي سورة القيامة. الأول قوله تعالى: {ويقول الَّذين أمنوا لولا نزلت سورةٌ فإذا أنزلت سورةٌ محكمةٌ فيها القتال رأيت الَّذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت فأولى لهم} (سورة محمد: 20).

والآخر قوله تعالى: {ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى} (القيامة: 33 - 35). فسر الشاه عبد القادر هذا التعبير في الآيتين على أنّه توعّد وتهديد بمعنى "ويل لك" (1). وترجمه والده الشاه ولي الله في الفارسية على أنّه تحسّر (2). وكذلك أخوه الشاه رفيع الدين (3). وقد تبع الأستاذ المودودي في تفسير سورة محمد ترجمة الشاه ولي الله على أنّه للتحسّر (4).ولكنّه ذهب في تفسير سورة القيامة مذهبًا آخر، فترجم بما معناه: "إنّما يليق هذا السلوك بك" (5)، ففسّر (أولى لك) بمعنى "أولى بك" وذكر في تفسيره (تفهيم القرآن) أنّه قول ابن كثير (6). أمّا ترجمة المجمع فجاءت فيها ترجمة معنى الآيتين مضادة لترجمة الأستاذ المودودي، وقد جمعت ترجمة قوله تعالى في سورة القيامة بين معنى التهديد ومعنى التحسّر (7)، وهما قولان في تفسير "أولى لك" (8)، ويجوز أن تفسّر الآية على هذا أو ذاك، أمّا يستقيم ذلك. وكان ينبغي للمترجم أن يختار أحدهما في الترجمة، ويشير إلى احتمال المعنى الآخر في الحاشية.

_ (1) الشاه عبد القادر: 612، 700. (2) الشاه ولي الله: 612، 700. (3) الشاه رفيع الدين: 607، 690. (4) المودودي: 1283. (5) المرجع السابق: 1501. (6) تفهيم القرآن 6: 176. (7) المجمع: 1660. (8) تهذيب اللغة: 15: 448.

أمّا في سورة محمد فلم يفسّر صاحب ترجمة المجمع قوله تعالى {فأولى لهم} بمعنى التحسّر أو التهديد، بل فسّره بمعنى"خير لهم" وجعله مع قوله تعالى في الآية التالية {طَاَعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} جملة واحدة (1) وهذا ما فسّر به الآية ابن كثير رحمه الله. وقد فسّر (أولى) في الموضعين بمعنى أحقّ وأجدر، فتقاسم فتقاسم تفسيره الأستاذ المودودي وصاحب ترجمة المجمع، فتبعه الأول في سورة القيامة، والآخر في سورة محمد. وتفسير ابن كثير رحمة الله للآيتين فيه نظر. أمّا قوله في تفسير سورة القيامة إن {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} "تهديد ووعيد أكيد من الله تعالى للكافر به المتبختر في مشيه. أي يحقّ لك أن تمشي هكذا، وقد كفرت بخالقك وبارئك، كما يقال هذا في المثل على سبيل التّهكم والتهديد كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ اَلْكَرِيمُ} وكقوله تعالى. . ." فهو تفسير غريب، لم أره فيما رجعت إليه من كتب التفسير، ولعلّ ابن كثير تفرد به. والتفرّد نفسه ليس قادحاً في قول إن كان مؤيدًا بالدلائل والحجج، ولكن ما ذهب إليه رحمه الله مبني على قول نقل في تفسير {فَأَوْلَى لَهُمْ} في سورة محمد إنه بمعنى"أولى بهم"، وهو قول من أضعف الأقوال وأشبه ما يكون بالوهم والغلط، فلنقف وقفة قصيرة عند الآية المذكورة. قال تعالى: {وَيَقُولُ اَلَّذِينَءَامَنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَاَ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا اَلْقِتَالُ رَأَيْتَ اَلَّذِينَ فيِ قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنُظرُونَ إِليْكَ نَظَرَ اَلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ اَلْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ - طَاَعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ اَلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم} (سورة محمد: 20 - 21) جمهور المفسّرين على أنّ قوله في الآية الأولى {فَأَوْلى لَهُمْ} وعيد وتهديد، وقوله في الآية الثانية {طَاَعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُفٌ} كلام مستقل، حذف منه

_ (1) المجمع: 1436

أحد الجزئين إمّا الخبر وتقديره: "أمثل"، وإمّا المبتدأ وتقديره: "أمرنا"، أو نحوه. وكلا القولين جائز حسن عند الخليل وسيبويه والمبرد وغيرهم (1). ووصفهما مكي بن أبي طالب بأنّهما أبين وأشهر (2) فلمّا فسّر قتادة الآية بقوله: "طاعة الله وقول بالمعروف عند حقائق الأمور خير لهم" (3) ، فسّرها على حذف الخبر، لا على أن (أولى لهم) في الآية السابقة بمعنى"خير لهم". ولكن يظهر أنّ بعض المفسّرين أراد أن يؤوّل الكلام هذا التأويل من غير أن يلجأ إلى حذف وتقدير، ورأى أنّ معنى كلمة (أولى) قريب من معنى خير وأمثل، ممّا قدروه خبرًا لكلمة (طاعة)، ففسّر (أولى لهم) بمعنى خير لهم، وذهب إلى أنّ الكلام لم ينقطع على (أولى لهم) بل متّصل بما بعده في الآية الثانية، وأن {فَأَوْلَى لهم - طَاَعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} جملة واحدة. وفاته أنّ الذي بمعنى "أحق وأجدر" لا يقال فيه"أولى له" كما في الآية الكريمة، وإنّما يقال فيه"أولى به". ولا يبعد أن يكون أحد المفسّرين الذين بني كتابه على الاختصار، وقصد فيه إلى تفسير ما أشكل من معاني الآيات، دون بيان الإعراب، لم يفسّر قوله تعالى في الآية الأولى، وتجاوزه لاشتهار معناه، ثمّ فسّر قوله في الآية الثانية (طاعة وقول معروف) بأن طاعة الله كانت أمثل وأولى بهم، فتوهّم بعضهم أن قوله"أولى بهم" تفسير (أولى لهم) في الآية الأولى، فبني على ذلك قوله بأن الكلام متّصل واللام بمعنى الباء. وقد نقل هذا القول أبو حيان في البحر المحيط فقال: "وقيل أولى)

_ (1) انظر الكتاب: 1: 142، 2: 136 ومعاني الزجاج 5: 13، والكامل 2: 573، وانظر تأويل مشكل القرآن: 420، وغريب القرآن: 411 والطبري 26: 55، والقرطبي 16: 161، والبحر 9: 460 - 671. (2) مشكل إعراب القرآن 2: 674. (3) تفسير الطبري 26: 56.

مبتدأ، و (لهم) من صلته، و (طاعة) خبر، كأنّ اللام بمعنى الباء، كأنّه قيل: فأولى بهم طاعة" (1) (1). ثمّ نقل قولاً آخر في إعراب (طاعة) وهو أنّ (طاعة) في الآية الثانية صفة لـ (سورة) في الآية الأولي، وعقب، عليه بأنّه"ليس بشيء، لحيلولة الفصل الكثير بين الصفة والموصوف (2) وما كان أحقّه أن يعقب على القول السابق أيضًا بمثل هذا التعقيب! وذلك لوجوه منها: 1 - (أولى) بمعنى"أحق" لا يقال فيه - كما سبق -"أولى له" باللام، وإنّما يقال بالباء، وعليه التنزيل أينما جاء فيه. فقال تعالى: {إنَّ أَوْلَى اَلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ والَّذِينَءَامَنُوا} (آل عمران: 68). وقال تعالى: {إن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا} (النساء: 135). وقال تعالى: {وَأُلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضِ فيِ كِتَابِ اللَّهِ} (الأنفال: 75). وقال تعالى {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} (مريم: 70). وقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فيِ كِتَابِ اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهَاجِرِينَ} (الأحزاب: 6). ولم تقرأ (أولى) في آية من هذه الآيات كلّها - ولو في قراءة شاذة - باللام مكان الباء. وكذلك لم تنقل كتب اللغة والغريبين والتفسير من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو كلام غيره من العرب ما جاء فيه"أولى له" بمعنى"أولى به".

_ (1) البحر المحيط 9: 470. (2) وهو ممّا أجازه الزّجاج احتمالأ في كتابة معاني القرآن وإعرابه 5: 13 ولعلّه استفاد من كلام الفراء على هذه الآية في تفسير سورة النساء. انظر معاني القرآن له 1: 279.

2 - قوله تعالى (طاعة وقول معروف) جاء مثله في القرآن الكريم في موضعين آخرين أيضًا، والسياق واحد، فإنّها جميعًا في المنافقين. قال تعالى في سورة النساء: {وَيَقُولُونَ طَاَعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} (النساء: 81). وقال تعالى في سورة النور: {قُل لاَّ تُقْسِمُوا طَاَعَةٌ مَّعْرُفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ} (النور: 53). ويدلّ ذلك على أن قوله (طاعة) من التعبيرات الدائرة في كلام العرب على وجه الحذف والاختصار، فيكون القول في تفسيرها واحدًا في المواضع الثلاثة، ويقدّر المحذوف حسب السياق في كل موضع. 3 - "أولى لك" أيضًا من التعبيرات القديمة المشهورة في كلام العرب، ويلقى النحاة عناءً كبيرًا من مثل هذه التعبيرات لقدمها ولما بنيت عليه من الحذف والاختصار، فتشتجر آراؤهم في تحليل أجزائها وبيان دلالتها، لكن مواقع استعمالها تكون معلومة للعامة والخاصة لكثرة جريانها في كلامهم. فمن التعسّف البالغ أن يصرف مثل هذا التعبير عن ظاهره إلي معنى لم تثبت دلالته عليه، ثمّ يزعم بأن اللام بمعنى الباء! وبالجملة فإنّ القول الذي اختاره ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة القتال، وسورة القيامة - وهو أن"أولى له" بمعنى "أولى به" - لا أصل له في كلام العرب، وهو مخالف لأسلوب القرآن الذي التزم الباء في كل موضع جاء فيه"أولى" بمعنى"أحق"، وتفسيره لقوله {طاعة وقول معروف} مخالف لنظائره في القرآن أيضًا. فهو قول إلي الضعف ما هو، فكان أولى بالمترجمين رحمهما الله أن لا يركنا إليه، بل يعتمدا على ما قال به الأكثرون من علماء التفسير والعربية.

فهرس المراجع (1) أشرف على = ترجمة الشيخ أشرف علي التهانوي، سليم بكدبو دلهى، دون تاريخ. (2) الأضداد لابن الأنباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الكويت، 1960 م. (3) البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، دار الفكر، بيروت، 1412 هـ. (4) تاج العروس للزبيدى، طبعة المطبعة الخيرية بمصر، 1307 هـ. (5) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، ط 2، دار التراث، القاهرة 1393 هـ. (6) التبيان في إعراب القرآن للعكبري، تحقيق علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1976 م. (7) ترجمة عبد الله يوسف علي لمعاني القرآن الكريم إلي اللغة الإنجليزية، طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة 1410 هـ. (8) تفسير ابن كثير، دار الحديث، القاهرة، 413 هـ. (9) تفسير الطبري، تحقيق محمود محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة. (10) تفسير الطبري، دار الفكر، بيروت 1408 هـ (ما عدا أجزاء الطيعة المحقّقة). (11) التفسير الميسّر، لجماعة من العلماء، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة 1418 هـ. (12) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت 1398 هـ. (13) تفهيم القرآن لأبي الأعلى المودودي، إدارة ترجمان القرآن، لاهور، ط 15، 1994 م.

(14) تهذيب اللغة للأزهري، الجزء 15، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكاتب العربي، القاهرة 1967 م. (15) تيسير القرآن (ترجمة عبد الرحمن الكيلاني) إسلامك بريس، لاهور، دون تاريخ. (16) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، دار الكتب العلميه، بيروت، 1408 هـ. (17) رسائل الفراهي في علوم القرآن، لعبد الحميد الفراهي، الدائرة الحميدية، سراي مير، أعظم كره - الهند 1411 هـ. (18) الشاه رفيع الدين، ترجمته الأردية للقرآن الكريم، شيخ محمد أشرف، لاهور، دون تاريخ. (19) الشاه عبد القادر، ترجمته الأردية للقرآن الكريم، تاج كميني، لاهور دون تاريخ. (20) الشاه ولي الله الدهلوي، ترجمته الفارسية، دار الكتاب والسنة، كراتشي، دون تاريخ. (21) فتح القدير للشوكاني، المكتبة العصرية، بيروت، 1420 هـ. (22) الكامل للمبرد، تحقيق محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 هـ. (23) كتاب سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة. (24) كشف المشكلات وإيضاح المعضلات لجامع العلوم الأصبهاني الباقولي، تحقيق محمد أحمد الدالي، مجمع اللغة العربية بدمشق 1415 هـ. (25) الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق الدكتور محيي الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، بيروت 1404 هـ. (26) مجاز القرآن لأبي عبيدة، تحقيق محمد فؤاد سزكين، مؤسّسة الرسالة بيروت 1401 هـ. (27) مجلّة"تحقيق" الأردية الصادرة من جامعة السند في باكستان العدد المزدوج 12 - 13، حيدراباد، باكستان 1998 - 1999 م.

(28) مجلة"جامعة" الصادرة من الجامعة الملية الإسلامية بدلهي، عدد سبتمبر سنة 1975 م. (29) المجمع: ترجمة الشيخ محمد الجوناكري، طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة، 1417 هـ. (30) محمود حسن: ترجمة الشيخ محمود حسن الملقب بشيخ الهند، طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة، 1409 هـ. (31) مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق حاتم صالح الضامن، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1405 هـ. (32) معاني القرآن للفراء، تحقيق محمد علي النجار ونجاتي وشلبي، تصوير عالم الكتب، بيروت 1403 هـ. (33) معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تحقيق عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، بيروت، 1408 هـ. (34) معجم جون بلاتس A Dictionary of Urdu, classical Hindi & English, by Gohn T. Platts, Oxford university press 1884 (35) مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان داوودي، دار القلم بدمشق 1418 هـ. (36) مفردات القرآن، لعبد الحميد الفراهي؛ مطبعة إصلاح؛ سراي مير، أعظم كره - الهند 1358 هـ. (وطبعة دار الغرب الإسلامي في بيروت، 2002 م) (37) مفهوم القرآن لغلام أحمد برويز، إدارة طلوع إسلام، لاهور. (38) المودودي: ترجمة الأستاذ أبي الأعلى المودودي، إدارة ترجمان القرآن، لاهور، الطبعة السادسة عشرة، 1416 هـ. (39) نذير أحمد: ترجمة الشيخ نذير أحمد الدهلوي، نولكشور بريس، لكناؤ، 1340 هـ. (40) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي، تحقيق محمد عبد الكريم كاظم الراضي، مؤسّسة الرسالة، بيروت 1404 هـ.

(8) أهذا كتاب "الموضح لعلم القرآن" للحدادي!

أهذا كتاب "الموضّح لعلم القرآن" للحدادي؟ (1) الإمام أبو النصر أحمد بن محمد السمر قندي الحدّادي من أعلام القرن الرابع الهجري. برز في علم القراءات والتفسير، وصفه ابن الجزري في غاية النهاية (1: 105) بأنّه"إمام بارع ناقل رحّال"، وختم ترجمته بقوله: "وكان شيخ القراء بسمرقند، انتهى إليه التحقيق والرواية، وبقي إلي بعد الأربعمائة". ومن شيخوخة الذين ذكرهم ابن الجزري: أبو سعيد السيرافي النحوي (368 هـ) وأبو بكر بن مهران الأصفهاني النيسابوري مؤلف كتاب" الغاية في العشر" (381 هـ) وهبة الله بن سلامة البغدادي صاحب" الناسخ والمنسوخ" (419) وغيرهم. وكان ابنه نصر من شيوخ الإمام الجوّال أبي القاسم الهذلي صاحب" الكامل في القراءات الخمسين" (465 هـ). وذكر ابن الجزري كتابًا له في القراءات" الغنية في القراءات"، وقد وقف عليه، وكان من مصادره في "غاية النهاية". ولم نجد بعد هذا في كتب التراجم والطبقات ذكرًا للحدادي ولا لشيء من مؤلّفاته الأخرى.

_ (1) نشر فى ملحق التراث بجريدة المدينة، السنة 15، العدد في 6/ 6/ 1412 هـ = 12/ 10/1991، ثمّ نشر في مجلّة المجمع العلمي الهندي عدد محرم 1415 هـ = يونيو 1995 م.

ولكن لحسن حظنا تحتفظ مكتبة تشستربيتي - فيما تحتفظ به من نوادر التراث الإسلامي _ بمجموع يحتوي على عدّة كتب قيّمة، منها كتاب في علوم القرآن للحدادي. رقم المجموع 2883، والكتاب المذكور فيه من ق 246 إلي ق 368، وقد فقدت الورقة الأولي التي فيها عنوان الكتاب، غير أن المفهرس سمّاه"المدخل في علم تفسير القرآن"، ولعلّه اعتمد في هذه التسمية على ما ورد في مقدّمة المؤلّف: "وجعلته مدخلاً لعلم تفسير كتاب الله تعالى ومعانيه". وقد صدر هذا الكتاب عن دار القلم بدمشق سنة 1408 هـ، بتحقيق الشيخ صفوان عدنان داودي، باسم"المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى". والظاهر أن الاسم مأخوذ من المقدّمة، ولكن الأخ المحقّق أعرض كل الإعراض، في مقدّمته الطويلة التي جاءت في 48 صفحة، عن قضية عنوان الكتاب، كأنّه أمر مسلم لا نزاع فيه، وكأن الكتاب كان مشهورًا بهذا الاسم بين العلماء والباحثين. وجدير بالذكر بهذا الصدد أن في دار الكتب المصرية نسخة مصوّرة من كتاب"المنتخب من تحفة الولد للإمام المفسر أحمد بن محمد الحدادي". وصاحبه أبو محمد علي بن القاسم البامياني، وذكر في فهرس دار الكتب (1143) أنه" في علم الوجوه والنظائر الواردة في القرآن الكريم، مرتب علي 127 بابًا". وإنّني أرجّح أنّ المراد من"تحفة الولد"كتاب"المدخل" هذا، فإنّ الحدّادي صرّح في مقدّمته بذلك قائلاً: "صنّفت كتابي هذا تحفةً منّي لولدي محمد. . ."، وفي آخر الكتاب أبواب من الوجوه والنظائر، فلعلّ البامياني اختار هذه الأبواب في"المنتخب". والأمر الذي يثير التساؤل هو اسم الكتاب"تحفة الولد"، أهذا هو الاسم الذي سمّاه بت مؤلّفه، أم استخرجه البامياني من مقدّمة المؤلّف، كما فعل مفهرس مكتبة تشستربيتي، ومحقّق الكتاب؟

وقد ذكر أبو النصر الحدادي في مقدّمة كتابه هذا (ص 51) كتابًا آخر له صنّفه قبل هذا الكتاب، وسمّاه"الموضّح لعلم القرآن". ومن هنا ذكره محقّق المدخل في ترجمة الحدادي، ثمّ بشّرنا بوجود نسخة منه عنده، وعزمه على نشره. ولكن الغريب أنّه لمّا نشره عام 1408 هـ خالف المؤلف في تسمية كتابه، وسمّاه"الموضح في التفسير"! ولا ندري ما الذي حمله على ذلك؟ ومرّةً أخرى، لم يتناول قضيّة العنوان في مقدّمته، كأنّه أمر تأباه صناعة"التحقيق"! أمّا مخطوطة الموضح فأشار إليها المحقّق في مقدّمته (ص 20) بأنّها"في مكتبة تشستربيتي ضمن مجموع"، كما ذكر من قبل عن نسخة كتاب"المدخل" في مقدذمته (ص 45) أنّها"مخطوطة في مكتبة تشستربيتي في إيرلندا"، واكتفى بذلك، فلم يذكر هنا ولا هناك رقم هذه ولا تلك. مع أنّ الكتابين جزء من مجموع واحد، وهو المجموع الذي أشرت إليه من قبل، وكان يحسن بالأخ المحقّق أن يصرح بذلك في مقدّمة الكتابين. وليس من غرضي هنا نقد عمل المحقّق في إخراج نصّ الكتابين، إلاّ أنّني أحبّ أن أؤكد حاجة الباحثين إلي نشرة جديدة أمينة لكتاب"المدخل"، روعيت فيها قواعد النشر المتّفق عليها، ليصحّ الاعتماد عليها في الدراسة والبحث. أمّا الأمر الذي قصدت إليه بهذه الكلمة هو التنبيه على أن الرسالة التي نشرها الشيخ داودي باسم"الموضّح في التفسير" ليس بكتاب الموضح. وقد غمَّ عليه أمرها، مع أنّ خاتمتها تكشف عن حقيقتها. وبيان ذلك أنّ الأوراق (229 - 244) من المجموع المذكور تتضّمن رسالتين لمؤلّف مجهول، وكلتاهما خالية مثل معظم كتب المجموع من ورقة العنوان، ولكنّهما تامّتان، وآخرهما يدلّ على محتواهما. فورد في آخر الرسالة الثانية، وهى في ثلاث ورقات (242/أ- 244/ب): "تمّت الأشعار الشواهد من الطريقة الرضوية".

والعبارة واضحة، فهي تفيد أن صاحب الرسالة جمع فيها الشواهد الشعرية التي وردت في كتاب"الطريقة الرضوية". وهو كتاب معروف، في الخلاف، من تأليف رضي الدين أبي الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي النيسابوري الحنفي (524 - 617 هـ) وهو في ثلاث مجلدات، كما قال صاحب كشف الظنون (1113). وهكذا جاء في آخر الرسالة الأولي: "تمّت الأشعار الشواهد في التفسير الموضّح الحدادي" (كذا). وهذه الخاتمة - كما ترى _ مثل خاتمة الرسالة السابقة، فكما جرّد المؤلّف في تلك شواهد الطريقة الطريقة الرضوية ذات المجلدات الثلاث في ثلاث ورقات، جرّد في شواهد كتاب الموضّح في ثلاث عشرة ورقة. وجرى المؤلّف في الرسالتين على سنن واحد: فهما خاليتان من المقدمة, ولا يشير المؤلّف إلي أبواب الطريقة الرضوية أو فصولها ومباحثها في الرسالة الثانية، ولا إلي السور والآيات في الرسالة الأولي. وإنّما يلتقط المسألة النحوية أو التفسير اللغوي الذي استشهد عليه المؤلّف، ثمّ يسوق الشاهد. وإليكم بداية الرسالة الثانية: "التقديم والتأخير جائز في كلام العرب. قال الشاعر: إني إذا ما كلب قوم فغرا ... ألقمت فاه فاتقاني الحجرا أي ألقمت فاه حجرًا - أراد بالكسب المكسوب. قال الشاعر: إذا كانت الأموال اكتساب معشر ... فمالي من كسب سوي المجد والفخر" (كذا في المخطوط، ولعلّ الصواب في صدر البيت: كسب معاشرٍ) فلا يعرف من هذا السياق المبحث الذي أورد فيه مؤلّف الطريقة الشاهدين.

أمّا الرسالة الأولى فبدايتها هكذا: "ذلك بمعني هذا. قال القائل: أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمل خفافًا إنّني أنا ذلكا إي هذا. -الواحد يذكر، ويراد بت الجماعة، قال تعالى: {والملك على أرجائها} أى الملائكة. قال الشاعر: فقلنا أسلموا إنّا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور ولم يقل: إخوانكم. -الغشاوة، وهي الغطاء. قال الشاعر: صحبتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلمّا انجلت قطعت نفسي أذيمها" ولمّا كانت هذه الرسالة تتعلّق بكتاب في تفسير القرآن، كان سهلاً على القارئ معرفة الآيات والسور التي وردت في تفسيرها هذه الشواهد. فظاهرٌ من العبارة التي نقلناها أنّ أوّل شاهد من الشعر ورد في كتاب الموضّح للحدادي هو الآية الثانية من سورة البقرة {ذلك الكتاب لا ريب فيه}. والشاهدان الثاني والثالث في تفسير قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ} فالسمع واحد أريد بت الجمع عند المؤلّف. وهذه الرسالة هي التي وقعت في الشيخ داودي، فزاد فيها من عنده أسماء السور، وزاد الآيات، من غير أن ينبه على ما فعل، ثمّ سمّاها"الموضّح في التفسير"، ونسبها إلي الحدادي! ومّما يلاحظ أن المحقّق لمّا أخبرنا في مقدّمة كتاب"المدخل" بأنه يملك نسخة من الموضح قال (ص 26): "هو عندي مخطوط في 32 ورقة" بينما هو

في 13 ورقة فقط! فهل كان يعني عدد أوراق نسخته التي نسخها هو من الأصل؟ إنني أعتقد أن كتاب"الموضّح لعلم القرآن" كان كتابًا كبيرًا في التفسير. واستظهرت ذلك من كلام المؤلف في مقدّمة"المدخل". وهو قوله: "إنّي لما فرغت من تصنيف كتاب الموضّح لعلم القرآن صنفت كتابي هذا ... وجعلته مدخلاً لعلم تفسير كتاب الله تعالى ومعانيه، وتنبيهًا على ما غمض من طرقه ومبانيه، وردّاً على الملحدين الطاعنين في كتاب الله، لقصور علمهم عن افتنان لطائف لغة العرب وفصاحتها ومذاهبها ... أمّا هذا التعليق الذي توهمه الناشر كتاب الموضّح فلا يصدق عليه لفظ التصنيف بأي وجه من الوجوه. ثمّ الكتاب الذي جعله المؤلف مدخلاً لعلم التفسير جاءت نسخته في أكثر من مائة وعشرين ورقة. فهل يكون تفسيره في ثلاث عشرة ورقة فحسب؟ وقد زعم الأخ المحقّق أنّه كتاب مختصر في غريب القرآن، وهيهات أن يكون كذلك. فهل يعقل أن يقدم عالم من العلماء على تصنيف كتاب مختصر في غريب القرآن - مهما بالغ في اختصاره المخلّ - فيقتصر في سورة الواقعة مثلاً على تفسير {فسلام لك} فيقول: "أي سلامة. والسلام والسلامة واحد. قال الشاعر: نحيّي بالسلامة أم بكر ... وهل لك بعد رهطك من سلام" ثمّ يغفل تفسير الألفاظ الآتية من السورة نفسها: 1 - رجّت الأرض 2 - بسَّت الجبال 3 - هباء منبثّا

4 - المشأمة 5 - ثلّة 6 - موضونة 7 - سدر مخضود 8 - طلح منضود 9 - عربًا 10 - يحموم 11 - رب الهيم 12 - تفكّهون 13 - تورون 14 - المقوين 15 - مدهنون 16 - تجعلون رزقكم أنكم تكذبون 17 - روح وريحان ألم تكن هذه الألفاظ كلها أولى بالتفسير من لفظ"سلام"؟ وهكذا أيرى المؤلف قرّاء بحاجة إلي شرح كلمة"عجل" في قوله تعالى في سورة الأنبياء: 37 {خلق الإنسان من عجلٍ}، ويعتقد أنهم في غني عن شرح {أضغاث أحلام} و{قصمنا} و {كانتا رتقا ففتقناهما} و {نفشت} و {ينسلون} و {حصب جهنم} و {حسيس} وغيرها من مفردات السورة؟ أفقرّاء كتاب الحدادي في القرن الرابع كانوا أعلم من قراء كتب أبي عبيدة واليزيدي وابن قتيبة الذين تجشّموا تفسير الألفاظ المذكورة، في القرنين الثاني والثالث؟ ثم هناك سور كثيرة لم يفسّر شيء من مفرداتها في هذه الرسالة. نحو

الفاتحة، والمؤمنون، والنمل، ولقمان، والأحزاب، وفاطر، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، والقتال، والفتح، والحجرات، والذاريات، والطور وغيرها. فهل وجدهنّ المؤلف خلوًا من"الغريب" (حسب اصطلاح القوم)؟ وأخيرًا نرى الحدادي يحيل في كتابه"المدخل" على كتاب الموضح الذي صنفه من قبل، فقال في باب (ما جاء عن أهل التفسير ولا يوجد له أصل عند النحويين ولا في اللغة): "في قوله تعالى {عينًا فيها تسمَّى سلسبيلاً}. . عن على بن أبى طالب في معناه: سل إلي ربّك سبيلاً. فأول ما قرع سمعي هذه المقالة كنت أبدي عجبًا، وقلت: ليس هذا من قيل علي رضي الله عنه مع فصاحته وفضله. وأين خبر (تسمى)؟ وذكرت في كتاب الموضح هذا القول، وقلت: ليس هذا من علي رضي الله عنه. فسلّمت، وعددته من جملة ما ورد عن أهل التفسير ممّا لا أصل له في اللغة". (المدخل 107). وهذا الموضع الوحيد الذي أحال فيه الحدادي على كتاب الموضح. وكان على الأخ المحقّق أن يرجع إلي الرسالة التي زعمها نسخةً من كتاب الموضح، وهي عنده، ثمّ يشير في الحاشية إلي الموضع الذي ورد فيه هذا النصّ، ولكنّه لم يفعل. ولو رجع إلي تلك الرسالة لم يجد فيها النصّ المذكور، ولخالجه شكٌ فيما زعم، ولكنّه مضى كمضيّ القائل: فمضيت، ثمّت قلت: لا يعنيني وخلوّ الرسالة من النصّ المشار إليه يؤيّد ما سبق من أنّها ليست بكتاب"الموضح في علم القرآن" للحدادي، وإنّما هي تجريد للشواهد الشعرية الواردة فيه، قام به عالم مجهول، وقد صرّح بذلك في خاتمة الرسالة كما سبق. والله أعلم بالصواب.

صورة مخطوط

صورة مخطوط

(9) حول كتاب "المجموع اللفيف" للقاضي أمين الدولة

حول كتاب المجموع اللفيف للقاضي أمين الدولة الحسيني الأفطسي (1) إذا أخبرك أستاذ قديم ومحقق معروف بأنه عثر على نسخة فريدة من كناش عتيق "يضمّ فوائد ونوادر واختبارات من عيون الشعر وروائع النثر من الخطب والرسائل والمواعظ والأحاديث والمسائل الدينية واللغوية والمعارف والثقافات الدينية والتاريخية، والقصص والروايات، والنوادر وأخبار الناس وأجناسهم وعاداتهم، ومجالي العلم والعلماء وما إلى ذلك". وأخبر أيضًا بأن هذه المادة الغنية المتنوعة قد استقيت من مصادر بعضها معروف متداول، وكثير منها مفقود أو مجهول أو مخطوط. وبأن صاحب الكناش أديب شاعر نسابه فقيه عالم باللغة والأدب وعلوم الدين والدنيا! وزاد على ذلك أن النسخة التي وقع عليها هي بخط المؤلف نفسه، ولها ميزة أخرى، وهي أن عليها تعليقات للوزير الأديب الشاعر أبي القاسم المغربي بخطه أيضًا. = إذا أخبرك بهذا الخبر المعجب المطرب الذي كل جزء من أجزائه بشرى مستقلة أستاذ قديم ومحقق معروف، فهل يخالجك أدنى شك في صحة خبره؟

_ (1) نشر في مجلة عالم الكتب (الرياض).

أوّلًا يذهب بك الفرح كل مذهب؟ ثم ألا ترى من حقه هو أن يبتهج بالدرة التي ظفر بها ابتهاج الغواص الذي ذكره النابغة في قوله: أو دّرةٌ صدقيةٌ غواصها ... بهجٌ متى يرها يهلَّ ويسجد وقد كنت، حينما أهدى اليّ شيخنا الحاج الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي نسخة من كتاب "المجموع اللفيف" للقاضي أمين الدولة الحسيني الأفطسي بتحقيق الأستاذ الدكتور يحيى الجبوري (ط 1 سنة 1425)، وألقيت نظرة خاطفة على الصفحة الأولى من مقدمة التحقيق، وأنا جالس عند الضيف = شعرت بسعادة غامرة، وغبطت الأستاذ على الكن الذي عدي إليه. وتمنيت لو أخرج المحقق الفاضل من هذه النسخة الخزائنية الجميلة نشرة مصورة دون أن يتجشم تحقيقها! فإن الغرض من تحقيق الكتاب إخراجه قريبًا مما وضعه المؤلف، فإذا كانت النسخة بخط المؤلف، وهو خط واضح جميل أشبه بالخطوط المنسوبة، ثم كانت مزدانة بتعليقات لأديب كبير بخطه، فتلك غاية ما بعدها غاية. ولا يبقى بعد ذلك إلا أن يذيل الكتاب بفهارس كاشفة وتعليقات ضرورية إن اقتضى الأمر. أما أن ينسخ الكتاب من جديد ويطبع، فذلك مفسده لا محالة، بما يجلب إليه من سقط وغلط ونحوه، وعدت بالهدية القيمة إلى منزلي، وقرأت ترجمة المؤلف وعرض محتويات الكتاب ووصف المخطوط، ثم تأملت النماذج المصورة من أوراقه، فإذا هي تتبرأ من أن تكون بخط المؤتلف! قم تصفحت متن الكتاب، فإذا فيه من التصحيفات والتحريفات ما لا يتصور أن يرتكبه المؤلف إذا كان له شدو من العلم. وتعجبت كيف استمر المحقق على وهمه الذي إن كان وقع فيه بادئ ذي بدء عن وهل أو عجل، فإن قراءة النص كانت خليقة بأن تكشف له عن الحقيقة وترده إلى الصواب. وأما أن تكون هذه النسخة قد طالعها أبو القاسم المغربي وعلق عليها

بخطه فرأيت ذلك أبعد مما سبق، بل من المستحيل. وقد جهدت في التماس العذر لأستاذنا الكبير فيما ذهب إليه، فلم أجد إلى ذلك سبيلًا. وسألني الحاج الحبيب في اليوم التالي عن رأيي في الكتاب، فلما أنبأته به أمرني أن أكتب مقالًا عنه، فاعتذرت إليه وقلت: إن أولى من ينهض بنقد هذا الكتاب هو الدكتور جليل العطية المقيم بباريس، إذ رأيته يحيل على نسخته الباريسية الفريدة في تحقيق كتاب الحنين إلى الأوطان لابن المرزبان الكرخي المنشور في مجلة المورد (عدد ربيع 1987 م)، فهو مطلع على النسخة الأصلية، وعارف بعجزها وبجرها. ولكن الحاجّ ألح عليّ، وكلّ ما ذكرته مما أحسبه حجّةً لي، للتنصّل مما يديرني عليه، جعله حجّةً عليّ، وقال: إن كلّ محقق غايته الوصول إلى الحق وتقريره والصدع به، بيد أنه قد يخفى عليه الحق ويعزب عنه، لما يعتري البشر من الذهول والغفلة، ولا غضاضة في ذلك، فيجب على من عرف الحق -ولو كان أقلّ منه علمًا- أن يبيّنه عليه؛ فإن في ذلك خدمةً للعلم، ونصحًا للمحقق، ومعونًة للدارسين. وقد نويت أن أقصر مقالي على أمرين، وهما كون النسخة بخط المؤلف، وكونها مذيلة بتعليقات الوزير المغربي؛ ولكن رأيت أن أشفعهما بالتنبيه على جملة تصفحيات وأخطاء في الضبط قد وجدت في النسخة فتابعها المحقق، لأن وجود مثلها في النسخة يؤكد ما ذهبت إليه في الأمرين المذكورين. أولًا: هل النسخة بخط المؤلف؟ قد سبق أن المحقق الفاضل زعم أن نسخة الكتاب الفريدة المحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس هي بخط المؤتلف، فقال في أول مقدمته (ص 5): "وتعود نفاسة هذا الكتاب إلى أنه جاء بخط مؤلفه ... ". ثم لما وصف المخطوط قال (ص 12):

"وجاءت المخطوطة بخط المؤلف نفسه". وقال أيضًا (ص 13): "أما نهاية المخطوطة فليس فيها تاريخ النسخ أو الانتهاء من تأليفها لأنها بخط المؤلف". لا شك أن المحقق فهم ذلك من العبارة التي جاءت في صفحة العنوان، وهي كما يلي في ثمانية أسطر: 1 - "الجزء الأول من المجموع اللفيف". 2 - تأليف الشريف لأجل الحسيب النسيب القاضي أمين الدولة محمد بن محمد. 3 - ابن هبة الله الحسيني الأفطسي النسابة. 4 - من نسخته بخطه رحمه الله. 5 - برسم الخزانة المعمورة السلطانية خلد الله ملك مالكها. 6 - وأيده الله بالنصر والتوفيق والعز والتمكين. 7 - وحفظه بما حفظه به ... 8 - ومتع ببقائه الإسلام والمسلمين آمين آمين آمين. 9 - وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وسلم. هذه العبارة واضحة في مفهومها، وهي أن هذه النسخة التي كتبت برسم الخزانة المذكورة منسوخة من نسخة المؤلف بخطه. أما ما توهمه المحقق فلا يستقيم إلا إذا افترضنا أن المؤلف كتب هذه النسخة، فوقف عليها بعد وفاته من كان يعرف أنها بخطه وأنه كتبها برسم الخزانة السلطانية، ولعله قد اطلع على الورقة الأولى التي صرح فيها المؤلف بخدمة الخزانة بها فسقطت من الأصل، فأضاف ذلك الشخص ورقة جديدة إلى نسخة المؤلف، وقيد فيها عنوان الكتاب اسم المؤلف مع أدعية طويلة لمالك الخزانة الذي كان لا يزال حيّاً إلى ذلك الحين. وهذا يستلزم أن يكون ناسخ العبارة الواردة في صفحة العنوان غير ناسخ

الكتاب، والواقع أن ناسخهما واحد، إذ لا فرق بين خطها وخطه. وقد ذكر المؤلف في (ص 335) بيتين، ثم قال: "وقد تقدم إثبات هذين البيتين في الكراسة الثانية عشر (كذا) من هذا الجزء". وقال المحقق في تعليقه: "انظر الصفحة 77 ظ". واكتفى بذلك، ولو وقف عند النص قليلًا لتبين له أن النسخة التي بين يديه ليست نسخة المؤلف. وبيان ذلك أن هذه النسخة مقسمة إلى كراريس، وكل كراس في عشر ورقات، وقد التزم الناسخ ترقيم الكراس في أوله. فتراه في ق 111 كتب: "ثاني عشر كراس"، وهكذا كتب في ق 71: "ثامن كراس". فالبيتان اللذان أحال لهما المؤلف على الكراسة الثانية عشرة ينبغي أن يكون موضعهما في الأوراق 111 - 120، ولكنهما واردان في هذه النسخة في ق 77 حسب ترقيم المحقق، أي في الكراسة الثامنة. فكيف تكون هذه نسخة المؤلف؟ وسيأتي في التنبيه على تصحيفات النسخة ما يحيل أن تكون بخط المؤلف، فالناسخ الذي يصحف "جيل" إلى "خيل"، و"النوت" إلى النوب، و"كنت" إلى "كتب"، و"التوزّي" إلى "الثوري"، و"شببت" إلى "شددت"، و"جبان" إلى "جنان"؛ ويحرّف "المرام" إلى "الغرام"، و"لابدّ" إلى "لا يدّ"، و"مساواتك" إلى "مساويك"، و"المحراب" إلى "المغرب"، و"قادة" إلى "قادر" لا يمكن أن يكون "شخصًا كامل الأدوات، قد أحرز الفضل من كل الجهات، ومحلّه في الأدب يوازي محلّه في العلم والنسب" كما وصفه القاضي الرشيد (مقدمة التحقيق/ 8). وقد تنبّه المحقق على بعض التصحيفات، ولما جاء في النسخة: "قال أبو زيد عمد بن شنّة النمري" علّق عليه قائلاً: "في الأصل: (شنّة) مصحفاً. وكثيراً ما يكون في الكتاب تصحيف وتحريف وإهمال الإعجام. (ص 341). فهل يرى

المحقق أن المؤلف الأديب النسابة العالم علوم الدين والدنيا يجهل اسم عمر بن شبّه المؤرخ الرواية الشهير؟ وهل مثل هذه النسخة التي يكثر فيها التصحيف والتحريف تكون مكتوبة بخطه؟ أما أقول المحقق إن نهاية المخطوطة ليس فيها تاريخ النسخ أو الفراغ من تأليفها لأنها بخط المؤلف، فهو إلى الغرابة ما هو! ولا أدري من أين يحظر على كل من ألف كتابًا أو نسخ ما ألفه أن ينص على تاريخ الفراغ منه؟ وكم من نسخ بخطوط مؤلفيها تضمنت تاريخ الفراغ من التأليف ومن النسخ، مع ذكر الساعة من الليل والنهار وتحديد المكان أيضًا. والحق أنه لا يلزم هذا ولا ذاك. أما هذا الكتاب فهو تذكرة كان المؤلف يقيد فيها ما يعجبه أو يهمه من نصوص يمر بها في خلال قراءاته، ومع تسميته بعنوان مناسب لم يكتب مقدمة له، ولعل الباب كان مفتوحًا لنقول أخرى، ولكن انقطع التقييد لوفاة المؤلف أو عارض آخر، ومن ثم لم يكتب كلمة تدل على خاتمة الكتاب. ومما يستغرب أن المحقق مع وعمه هذا لم يعامل نسخته معاملة نسخة المؤلف، فقد تصرف في موضعين تصرفًا خطيرًا، إذ نزّل في موضع عبارةً من المتن إلى الحاشية بحجة أنها مقحمة في الأصل؛ وفي موضع آخر نقل فقرةً من مكانها إلى مكان لأنه أنسب في نظره! وبصرف النظر عن خطورة هذا التصرف عمومًا وفي نسخة المؤلف -على زعمه- خصوصًا، كان المحقق هو المخطئ في الموضعين، كما سيأتي. ثانيًا: هل النسخة عليها تعليقات للوزير المغربي بخطه؟ أما أن النسخة عليها تعليقات الوزير المغربي بخطه، فقال المحقق في أول مقدمته متوهمًا بنفاسة المخطوط:

"وتعود نفاسة هذا الكتاب إلى أنه جاء بخط مؤلفه مع قراءة وتعليقات تفيسة للوزير المغربي وبخطه أيضًا". (ص 5) ثم قال في وصف المخطوط: "فيها تعليقات في الحواشي منها استدراكات للمؤلف، ومنها تعليقات بخط مختلف هو خط الوزير المغربي الذي قرأ النسخة وعلق عليها، وينقل المؤلف عن الوزير المغربي آراءه وأسعاره". (ص 13) قلت: لا يستبعد اجتماع الأمرين، فجائز أن ينقل مؤلف من كتاب بعض العلماء من معاصريه، ثم يطلعه على تأليفه فيعلق ذلك العالم عليه. ولكن لم يورد المحقق الفاضل في مقدمة التحقيق شيئًا من تعليقات الوزير، ولا صوّر للقارئ صفحة تحمل تعليقا للوزير بخط مختلف عن خط النسخة! ثم لم يلفت المحقق الفاض إلى أمر مهم، وهو ورود عبارات الترضية والترحم بعد ذكر الوزير في مواضع كثيرة من نصّ الكتاب، منها قول المؤلف في أوله: "قال الوزير الكامل أبو القاسم الحسين بن على بن الحسين المغربي (صلى الله عليه وسلم) فيما رأيته بخطه ... " (ص 27). وقوله في (ص 29): "هذا كلام الوزير رحمه الله، وحكاية ما نقلته من خطه، قال رحمه الله ... ". وقال في (ص 87): "قال الوزير أبو القاسم رحمه الله ... ". وقال في) ص 101): "وجدت بخط الوزير رحمه الله ... ". فإذا كانت النسخة بخط المؤلف -كما جزم المحقق بذلك- وترحم المؤلف فيها على الوزير، فذلك بداهة أن الوزير قد توفي قبل شروع المؤلف في جمع كتابه؛ فكيف أتيح له أن يقرأ هذا الكتاب ويعلق عليه؟

وكان المحقق إزاء هذه العبارات بين أمرين: إما أن يقول بوفاة الوزير قبل تأليف هذا الكتاب، إذا كان جازماً بكون النسخة بخط المؤلف، فيرجع عن زعمه الثاني. وإما أن يرجع عن زعمه الأول بأنها بخط المؤلف، ويفترض أن عبارات الترحم بزيادة من الناسخ الذي نسخ الكتاب من الأصل. أما الجمع بين الأمرين، فذلك ما لا سبيل إليه حتى يؤوب القارظان! وأخيرًا، ذكر المحقق نفسه في ترجمة الوزير المغربي في المقدمة (ص 7)، وهذا ما نصّ عليه المقريزي في ترجمته في المقفى الكبير (7/ 96). وذلك يعني أن المؤلف ولد بعد وفاة الوزير المغربي بست وأربعين سنة، فأنى للوزير أن يقرأ كتاب القاضي هذا، ثم يعلق عليه، فضلًا أن تكون تعليقاته نفيسة! ثالثًا: تحقيق الكتاب الكتاب كما سبق كناش وتذكره، ويظهر أن الجزء الأول (27 - 385) كله أو جله منقول من تذكرة أخرى للوزير أبي القاسم المغربي بخطه. وهو يشتمل على خواطر وتأملات للوزير وأحداث ووقائع عاصرها، وأخبار وأشعار رواها عن أصحابها، ومنها ما نقله عن أبيه. وقد يعقب الوزير على ما ينقله، ثم قد يعقب المؤلف على كلام الوزير. وهذه مادة قيمة لها أهميتها في دراسة سير الوزير المغربي وعلمه وأدبه. بالإضافة إلى ذلك يشتمل هذا الجزء على نصوص نقلها الوزير من أمالي أبي العباس التميمي (ص 134)، وأمالي أبي بكر ابن الأنباري (ص 147)، وأمالي ابن دريد (ص 175). من نوادر هذا الجزء قصيدة تائية لأبي العميثل (ص 31 - 33)، ورقعة

لمحمد بن الغرس الموصلي (ص 88 - 95)، ورسالة طويلة لأبي الحسن علي بن الحسين الأمير ابن أخت العصفوري إلى الأستاذ علي بن أحمد بن خالد (ص 247 - 285)، وقد تضمنت أخبار حجة وزيارته وفضائل البيت الحرام، والمنازل بين همذان ومكة المكرمة، وعدد المنازل والفراسخ والبرد والمشرفات والعقبات وحبال الرمل بين العذيب ومكة، وأخبارا أخرى. ويشتمل هذا الجزء أيضًا على أخبار نقلها المؤلف من خط الوزير فيما اختصره من أخبار المدينة والكوفة (ص 341)، ولعلها استمرت إلى آخر الكتاب. أما الجزء الثاني من الكتاب (ص 387 - 530) فيحتوي على مختارات من كتاب البيان للجاحظ (ص 387 - 540) ونقول من خط أبي عبد الله بن مقلة (ص 450 - 494) ونصوص لعلها نقلت من كتاب المحبر لابن حبيب. وختم المجموع بنقل من كتاب يعقوب بن إسحاق الكندي في معرفة الجواهر (ص 524 - 530). المادة المهمة في هذا الجزء هي المنقولة من خط ابن مقلة وكتاب الكندي. يتبين من هذا العرض المقتضب أن الكتاب تحفة نفيسة بلا ريب، ولكن مما يبعث على الأسف أن نسخته التي وصلت إلينا نسخة فريدة. ومع كونها منقولة من أصل المؤلف، يشيع فيها التصحيف والتحريف. ولعل ذلك راجع إلى طبيعة الكتاب، فإن صاحبه جمعه تذكرة لنفسه، وقد صرح في بعض المواضع بأنه إنما نقل هذا الخبر أو ذاك ليستفيد به في كتاب النسب له فيما بعد (ص 233، 235)، ومن ثم لم يعن بتجويد خطه فيه أو ضبط ما علّقه ونقطه. والناسخ مع جمال خطه لم يكن صاحب علم، فلم يتمكن من قراءة الأصل، فصحّف وحرّف. فلو كانت هذه النسخة الفريدة مشتملة على مادة معروفة كنقولها من

كتاب البيان أو المحبر لكان تحقيقها سهلًا، ولكنها تشتمل على مادة جديدة ونادرة، ومقدارها كبير. وليست كلها قصصًا وحكايات، بل منها مقطوعات شعرية ورسائل وهي أصعب النصوص. وتحقيق مثل هذه المادة يقتضي من المحقق المصابرة والمرابطة، فكان عليه أن ينعم النظر في النص، ويطيل الوقوف أمام غوامضه ومشكلاته، مع مراجعة المصادر التي هي مظانّ النص، م يتروى ويتأنى، ولا يأخذ الأمر بالهوينى. أما كتابة التراجم الطويلة للأعلام المشهورين وما إلى ذلك، فلا تغني شيئاً في تصحيح النص، وإنما هو تضييع للوقت وتضخيم لحجم الكتاب. وقد ذكر المحقق الفاضل في منهج التحقيق أنه ترجم للأعلام الذين لهم صلة بالأحداث وفي هذه التراجم إثراء للمعنى وإيضاح لمجرى الأحداث (ص 16)، ولما وردت أسماء لأولاد الديلميات من العرب علق في الحاشية: "سنترجم للأعلام الذين لهم صلة بالموضوع ... ونتجنب ذكر الأعلام المشهورين" (ص 28). قلت: هذا هو المطلوب، ولكن المحقق الفاضل قد ترجم لعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، وأبي أيوب الأنصاري، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين. وترجم للخليفة عمر بن عبد العزيز، وللحسن البصري، وأويس القرني، وجعفر الصادق، وللإمام مالك بن أنس والإمام أبي حنيفة. وترجم كذلك لأبي الأسود الدؤلي، وأبي عمرو بن العلاء، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، والأصمعي، والفراء، وثعلب، والمبرد، وابن المقفع، وسيف الدولة، والصاحب ابن عباد وغيرهم. وترجم أيضًا لأرسطو وأفلاطون. وقد ترجم لبعضهم مرتين نحو ترجمته لثعلب (489، 43)، وزياد بن أبيه

(72، 356)، ويونس (135، 415)، والقاضي علي بن النعمان (335، 221)، والكندي الفيلسوف (39، 356). أليس هؤلاء من المشاهير؟ أو لم يكن للمحقق مندوحة عن هذه التراجم وأمثالها، ليجعل الوقت الثمين الذي ذهب في تحريرها ومراجعة مصادرها وفقًا على تحرير النص وضبطه أولًا، ثم على البحث عن تراجم المغمورين، وما أكثرهم! وقد عرضت في الصفحات الآتية إلى أغلاط وقعت في الأصل وجازت على المحقق الفاضل، وكان القصد توكيد ما سبق بيانه من أن النسخة ليست بخط المؤلف. ثم أضفت إليها ملحوظات أخرى تتعلق بمنهج التحقيق وبعض أوهام المحقق. وعندما كتبت هذا الجزء لم تكن بين يدي صورة المخطوط، فخشيت أن يكون بعض التصحيفات من أخطاء الطباعة، وتكون النسخة المحفوظ في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية على الآلة القارئة، وسحرني جمال النسخة الذي قد سحر من قبل محقق الكتاب، فخيل إليه ما خيّل! ص 27: نقل المؤلف في أول الكتاب -وهي الفقرة الثانية- قول الوزير المغربي من خطه: "رأيت في سورة الحديد شيئًا كأنه موعظة لي ولأشباهي، قول الله - عز وجل -: {ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنَّكم فتنتم أنفسكم وتربَّصتم ... } " وبعد ما نقل الآية إلى قوله تعالى: {ولا من الذين كفروا} قال: "يدلك أن الخطاب الأول للمسلمين المتربصين بالعبادة مثلي، فوا حسرتا إن لم يغفر الله ويتداركنا برحمته". وردت هنا في النسخة حاشية مهمة لبعض من قرأ النسخة، لا أدري لم أغفلها المحقق الفاضل، ونصها: "هذه غلطة من الوزير رحمه الله وغفلة من

الشريف (صلى الله عليه وسلم) في اختياره له ونقله. وليس الخطاب للمسلمين كما زعموا، إنما هو للمنافقين، يدل عليه أول الآية، والآية صريحة، فتأمله". ص 28: ذكر من أولاد الديلميات من العرب: حوشب بن يزيد (بكري)، فعلق المحقق عليه بأنه لم يجد له ترجمة فيما يتاح له من المصادر. قلت: هو مذكور في جمهرة الأنساب لابن حزم (ص 325) وهو من مصادر المحقق في هذه الفقرة نفسها، غير أن اسم أبيه فيه: (زيد)، وهو تحريف. قال ابن حزم: "ولي شرطة الحجاج" وفي جمهرة ابن الكلبي (ص 500): "حوشب بن يزيد بن الحارث بن يزيد ... وكان من أشراف أهل الكوفة وكان على شرط الحجاج، وكان أبوه يزيد بن الحارث على شرط مصعب بالكوفة". ص 29: نقل المؤلف كلامًا غريبًا للوزير في تفسير "حصب جهنم" الوارد في قوله تعالى في سورة الأنبياء (28) وآخره: "نسأل الله توفيقا لما أغرب عن ذلك المقام وأعفى من ذلك الغرام". وكذا ورد في الأصل "أعفى" و"الغرام" محرفين. والصواب: وأخفى من ذلك المرام. ص 31: نقل المؤلف قصيدة تائية نادرة لأبي العميثل، ومنها: بانوا ولم يأووا لدى كلف بهم أسوان يحيى مرة ويموت وكذا في الأصل، والصواب: لذي كلف. وليضبط "أسوان" بالفتح. ص 31: ومنها قوله: وكأن منطقها من السحر الذي رؤّى ببابل أهلها هاروت وقال المحقق في تعليقه: "هاروت وماروت ملكان مذكوران في القرآن الكريم"، ثم نقل الآية الكريمة (102) من سورة البقرة، ولم يكتف ذلك، بل زاد: "يعلمان السحر،

وهما مسلسلان معذبان في بئر بأرض بابل منكسين إلى يوم القيامة، فتنتهما امرأة جميلة، فاختارا عذاب الدنيا". وأحال لهذه الترجمة الدقيقة على "الموسوعة العربية الميسرة (2/ 1881) "! قلت: هل خلت مكتبة الأستاذ المحقق أو مكتبة الجامعة التي يدرّس فيها من المصادر الأصيلة، فاضطر إلى الرجوع إلى ما رجع؟ ثم ما الذي دعاه إلى تلك الزيادة المنكرة التي لا دليل عليها من كتاب ولا سنّة، وإنما هي من الأساطير الإسرائيلية التي تناقلتها كتب التاريخ والتفسير؟ قال ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 83): "فهذا أظنه من وصغ الإسرائيليين، وإن كان قد أخبر به كعب الأحبار، وتلقاه عنه طائفة من السلف، فذكروه على سبيل الحكاية والتحديث عن بني إسرائيل ... ويكون من خرافاتهم التي لا يعول عليها". ص 32: ومنها قوله: قصر الحياء حجابه منها على ... عصماء معقل غفرها المأموت كذا ضبط المحقق "معقل" بالكسر، وقال في تفسير البيت: "غفرها: خمارها، والمغفر: خرقة توقي بها المرأة خمارها من الدهن". أزلا: لا وجه لجرّ "معقل"، وإنما هو مرفوع بالابتداء. ثانيا: لم يفسر المحقق "عصماء"، والعصم من الظباء والوعول: التي في أدرعها بياض. ثالثا: تفسير للغفر في غير محله، وهو هنا: ولد الأروية. رايعًا: لم يعلّق على "المأموت"، وقد وردت في الأصل حاشية أغفلها، ونصّها: " المأموت: جبل بالجبلين" (كذا). والمأموت في اللغة بمعنى المحزور والمقدر، ولكن السياق هنا يقتضي أن يكون للجبل، كما في الحاشية؛ لأن

معاقل الوعول هي رؤوس الجبال، ولكن لست على بيّنة من الكلمة. وقد شبّه الشاعر المرأة بالأرويه في امتناعها وتحصنها. ص 34: ورد بيتان هكذا: هوّن فقد الحياة أني ... خلفت ذكرًا على الزمان فالآن فلترشف المنايا ... ما أسأر الدهر من حناني كذا في الأصل: "حناني" بالحاء، والصواب بالجيم: جناني، أي روحي وحياتي. ولم يضبط"فقد" في الأصل، فضبطها المحقق بالضم، والوجه أن ينصب على المفعولية. ص 36: "يعزُّ عن الشيء إذا منعته لعلمك بقلة ما يصحبك إذا أعطيته". وكذا في الأصل، والصواب: "تعزُّ عن الشيء إذا منعته ... ". وقد ضبط"منعته" في الأصل بفتح الميم، وهو خطأ. ص 37: "وما نلت من دنياك، ولا تكثر به فرحا ... ". وكذا في الأصل، والصواب: فلا تكثر. ص 54: ورد فيما نقل المؤلف من قول الحسن البصري في معاوية صلي الله عليه وسلم: " ... تنزّيه علي الناس السفهاء حتي ملك الأمر بغير مشهورة". الصواب: بالسفهاء، كما في الأصل. ص 67: قال الوزير المغربي " أنشدنا أبو النجيب شداد بن إبراهيم الظاهر لنفسه: أري خيل التصوف شر خيل ... فقل لهم وأهون في الحلول أقال الله حين عشقتموه ... كلوا أكل البهائم وارقصوا لي كذا في الأصل، "خيل" بالخاء في الموضوعين (نظر صورة هيه الورقة في

ص 23) وهو تصحيف صوابه فيهما: "جيل" بالجيم. وفي الشطر الثاني تحريف، والصواب، أهون بالحلول، كما في رسالة ابن القارح (ص 37) _ وقد أنشده الظاهر أيضًا _ وبغية الطلب (9/ 4193). وفي معجم الأدباء (ص 1414): أيا جيل التصوف شرّ جيل ... لقد جئتم بأمر مستحيل أفي القرآن قال لكم إلهي ... كلوا مثل البهائم وارقصوا لي وجاء في ترجمة أبي العلاء في معجم الأدباء (ص 309): "قال ابن الهبارية: أنشدني أبو زكريا الخطيب التبريزي قال: أنشدني أبو العلاء. . . لنفسه"، وذكر البيتين، وهو غلط. قال الأستاذ الميمني في طرره علي معجم الأدباء: "والصواب أن البيتين للظاهر كما في رسالة ابن القارح من رسائل البلغاء (ص 200). وليعلم أن الشريف بذئ لا يوثق بمثله ... " انظر: بحوث وتحقيقات (1/ 230). ص 67: ثم أنشد مقطوعتين أخريين للظاهر الجزري، فعلق المحقق علي اسمه في الموضع الثاني - وكان الموضع السابق أولي به، إذ ذكر هناك اسم الشاعر وكنيته - فقال: "لم أهتد لترجمة الظاهر الجزري". قلت: ترجمته في دمية القصر (ص 127)، والإكمال لابن ماكولا (5/ 240)، وبغية الطلب (9/ 4191)، والوافي (16/ 225)، وفات الوفيات (2/ 45). وقالت بنت الشاطئ في حاشية رسالة ابن القارح: "شاعر من القرن الخامس هجري، لم أهتد إلي اسمه ... " رسالة الغفران (ص 37). اسمه سداد بن إبراهيم بن حسن، بالسين المهملة المكسورة كما هنا في المجموع، وقيل: شداد بالمعجمة، وقيل: أبو السداد، انظر: بغية الطلب،

حاشية معجم الأدباء (ص 1414)، ووفيات الأعيان (7/ 341). ص 76: "حدث الثوري أن رجلا جالس قومًا من بني مخزوم ... ". كذا أثبت المحقق"الثوري" بالمثلثة كما في الأصل، وترجم لسفيان الثوري في ثمانية أسطر؛ ومع تخريج النص من"كامل المبرد (ا/231) طـ الدالي" لم يفطن لتصحيف الناسخ وأن الصواب: التوّزي، بالتاء المثناة والواو المشددة والزاي المعجمة! ص 95: ورد بيت من مقطوعة هكذا: نعم وأحذر ما يصدي به حسبي ... وما يدنّس عرضي غاية الحذر كذا أثبت وفقًا لما في الأصل: "يصدي" بضم الياء، وفسره بقوله: "ينتقص من شرفه، ومنه: أصمّ الله صداه، أهلكه". قلت: ضبط الأصل خطأ، والصواب: ما يصدي، وأصله: ما يصدأ. وليضبط"غاية بالنصب. ص 97: ومنها: إن الخلافة من بعد النبيّ إلي ... هارون تفضي سليل السادة العذر كذا أثبت المحقق"العذر" بالعين المهملة والذال المضمومة، وفسر بمعنى الشديدي العزيمة، ولا أدري من أين جاء به؟ والصواب كما في الأصل: الغرر، كقول ابن الرومي من قصيدة في ديوانه (3/ 1137): ما بعدكم من يزيد في عداوته ... آل النبي وقتل السادة الغرر وقول تميم الفاطمي من قصيدة في ديوانه (ص 221): إني وإن كان لي قلب أراك به في القرب والبعد يا ابن السادة الغرر فليس يقنعني رؤياك منفردًا ... بالفكر إن لم يكن رؤياك بالبصر

ص 98: نقل المؤلف أبيات أبي المختار الكلابي التي سعى فيها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعمال أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وقد سماهم في شعره. وهنا كان يجب على المحقق أن يترجم لهم، كما ذكر من قبل أنه يترجم للأعلام الذين في ترجمتهم إيضاح لمجرى الأحداث. وقد ورد في الأصل حاشية ذكر فيها الأشخاص المشار إليهم في الأبيات، ولكن المحقق اكتفى بإثبات الحاشية على ما هي من نقص وتصحيف، ولم يفتش عنهم مع أنهم جميعا معدودون من الصحابة، وترجم لهم الحافظ ابن حجر في الإصابة. وقد وردت القصة مع الأبيات وتعيين الأشخاص المذكورين فيها في فتوح البلدان للبلاذري (ص 377)، والأوائل للعسكري (1/ 247)، والإصابة (6/ 703). ص 98: ومن الأبيات قول الشاعر: فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى ... يهبلون مال الله في الأزم والوفر أولاً: كذا أثبته المحقق"يهبلون" بالباء الموحدة متابعًا للمخطوط، وفسر الكلمة فقال: "يهبلون: يكسبون، يقال: تهبل لأهله: اكتسب. واهتبل الفرصة: اغتنمها". قلت: تفسيره هذا يدل على أنه قرأ"يهبّلون" بالتضعيف، فهل رأى أن الوزن لا ينكسر على قراءته؟ الحق أن الأصل مصحف، والصواب: يهيلون، بالياء المثناة، من هال يهيل. في اللسان (11/ 714 هيل): هلت الدقيق في الجراب: صببته من غير كيل. وكل شيء أرسلته إرسالاً من رمل أو تراب أو حطام أو نحوه، قلت: هلته أهيله هيلاً. في الحديث أن قومًا شكوا إليه سرعة فناء طعامهم، فقال: أتكيلون أم تهيلون؟ فقالوا: نهيل. فقال: كيلوا ولا تهيلوا، فإن البركة في الكيل ...

وأهلت الدقيق لغة في هلت ... وجاء بالهيل والهيلمان والهيلمان، أي جاء بالمال الكثير. هذا، وفي فتوح البلدان والإصابة: يسيغون، وفي الأوائل: يضيعون. ثانيا: أثبت المحقق"الأزم والوفر"، وعلق على كلمة"الأزم" بقوله: "في الأصل: "بالأدم" ولعلها في الأزم بالزاي أي الشدة". قلت لا يصح ما نسبه إلي الأصل، ففيه: "في الأدم والوفر" دون واو العطف، ومع حرف الجر (في) لا (الباء). وضبط"الوفر" في الأصل بضم الواو، وهو ضبط صحيح هنا، يعني جمع الأوفر والوفراء. أما الأدم فيجوز ضبطها بفتح الهمزة والدال وضمهما. ومعنى البيت أنهم يجمعون مال الله في جرب واسعة دون كيل أو حساب. ص 99: الأبيات التي ذكر فيها أسماء العمال هي حسب ما أثبته المحقق: فأرسل إلي الحجاج فاعمل حسابه ... وأرسل إلي حرٍّ وأرسل إلي بشر ولا تدعنّ النافعين كليهما ... ولا ابن غلاب من سراة بني نصر وحصنًا هناك المال وابن محرّش ... وذاك الذي في السوق مولى بني بدر العمال المذكورون في هذه الأبيات تسعة، وهم: 1 - الحجاج 2 - حرّ 3 - بشر 4 و 5 - النافعان 6 - ابن غلاب 7 - حصن

8 - ابن محرش 9 - مولى بني بدر وقد وردت هنا في الأصل حاشية نصها كما أثبتها المحقق: "الحجاج بن علاط السلمي، وحرّ بن معاوية عم الأحنف بن قيس، وبشر ابن الحنفز المزني، نافع بن الحرث، وأخوه أبو بكر، وحصن بن أبي الحرّ العنبري عامل بيسان، وابن محرس أبو مريم الحنفي عامل رامهرمز، تولى بني بدر عامل سوق الأهواز، وكان صهر لهما". وإليكم الآن تحقيق هذه الأسماء إسمًا إسمًا، مع التنبيه على ما وقع فيها في الأبيات أو الحاشية من غلط: أما الأول فهو الحجاج بن عتيك الثقفي، وكان على الفرات. كذا في فتوح البلدان والأوائل والإصابة. وقد تفردت حاشية الأصل بأنه الحجاج بن علاط السلمي. والثاني: جزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس. وقد ورد الإسم صحيحًا في المخطوط، والمحقق هو الذي صحّفه. وكان يلي سُرَّق، كما في تاريخ الطبري (4/ 77). وفي الإصابة (1/ 479) أنه كان عامل عمر على الأهواز. وسرّق إحدى كُوَر الأهواز، انظر معجم البلدان (3/ 214). وفي الأوائل (1/ 249): "سوق" وفي الإصابة (6/ 704): "سرف"، وكلاهما تحريف. والثالث: بشر بن المحتفز المزني. و"الحنفز" في حاشية الأصل تحريف. وفي الأوائل: "المرّي" تصحيف. في الإصابة (1/ 304) أن عمر رضي الله عنه استعمله على السوس، وفي فتوح البلدان والأوائل أنه كان على جنديسابور. وأبوه المحتفز من الفرسان. وكانت داره معروفة في خراسان. أنظر: تاريخ الطبري (7/ 376، 378). وترجمته في الإصابة (5/ 778)، وفيه: المحتفر،

بالراء، وكذا في جمهرة ابن حزم (ص 202). وأخشى أن يكون تصحيفًا. وفي الإصابة (6/ 704) بشر بن المحبوب. وهو تحريف. الرابع والخامس: النافغان، وهما نافع بن الحارث بن كلدة، ونفيع أبو بكرة. ونافع هو الوحيد من بينهم الذي ترجم له المحقق من تاريخ الطبري لما ذكر في القصة فيما بعد أن العمال كلهم شاطروا عمر إلا نافعًا. وأنظر ترجمة نافع في الإصابة (6/ 405). في الإصابة (6/ 704) لما ذكرت هذه القصة قال إن نفيعًا أبا بكرة أخو نافع. وكذا في فتوح البلدان، والأوائل، وحاشية الأصل؛ ولكن في ترجمة أبي بكرة في الإصابة (6/ 467) أن ابن سعد جزم بأنه ابن مسروح، وجزم ابن إسحاق بأن أسمه هو مسروح. وقد اشتهر بكنيته لأنه تدلى إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) من حصن الطائف ببكرة، فاشتهر بأبي بكرة؛ فتبين أن "أبو بكر" في حاشية الأصل تحريف. السادس: ابن غَلاب. وقد ضبطه المحقق بكسر الغين كما في المخطوط، والصواب بفتحها، كما ضبط الحافظ بن حجر في ترجمته في الإصابة (2/ 247)، وغلاب اسم امرأة. وهو خالد بن الحارث بن أوس، من بني دهمان بن نصر. وكان على بيت المال بأصبهان. انظر: الإصابة (6/ 704). السابع: حصن. وقد تفرد هذا الكتاب بذكره، وذكر في حاشيته أنه حصن ابن أبي الحر العنبري عامل بيسان. والواقع أن عامل بيسان هو حصين بن أبي الحر. أنظر: ترجمته في الإصابة (2/ 84). ولا يبعد أن يسميه الشاعر حصنًا لضرورة الشعر، ولكنه مخالف للرواية التاريخية المشهورة التي ذكرت "شبلا" مكان "حصنًا". وهو شبل بن معبد البجلي الذي كان على قبض المغانم. ثم سياق الأبيات في فتوح البلدان وغيره يختلف عنه في هذا الكتاب، ويظهر منه أن أبياتًا سقطت من المخطوط، وتدل على ذلك حاشية المخطوط

أيضًا. وهي كما في الأوائل: فأرسِلْ إلى الحجاج فأعرف حسابه ... وأرسل إلى جَزٍء وأرسل إلى بشرِ ولا تنسينّ النافعَين كليهما ... ولا ابن غَلاب من سَراة بني نصر وما عاصم منها بصُفرٍ عيابُه ... وذاك الذي في السوق مولى بني بدر وأرسل إلى النعمان وابن مغفّل ... وصهر بني غزوان إني لذو خُبر وشبلِ هناك المالُ وابنِ محرّش ... فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر وفي فتوح البلدان والإصابة: "وشبلا فسَلْه المال". وفيهما في البيت الرابع: "ألنعمان واعرف حسابه"، فحذف اسم ابن مغفل. الثامن: ابن محرّش، بالشين المعجمة كما في البيت. وفي حاشية الأصل بالمهملة تصحيف. وهو أبو مريم الحنفي عامل رامهرمز، كما في الحاشية؛ وزاد في الإصابة أنه كان على جسر الفرات (6/ 705). وأنظر ترجمته في الإصابة (1/ 223)، (7/ 396) وطبقات ابن سعد (7/ 91). واسمه إياس بن ضُبَيح (بالضاد المعجمة المضمومة) بن محرش، وكان فتح رامهرمز على يديه، وقد ولى البصرة لعمر أيضًا. وفي الأوائل: صبيح بالصاد المهملة، وهو تصحيف. انظر: الإكمال (5/ 171). التاسع: مولى بني بدر، وهو سمرة بن جندب الفزاري حليف الأنصار، كان على سوق الأهواز كما في الفتوح والأوائل والإصابة. وما جاء في حاشية الأصل فيه تحريف وسقط. هذا، وقد ورد في آخر حاشية الأصل: "وكان صهرًا لهماّ. ولعله تفسير لقول الشاعر: "وصهر بني غزوان"، والحاشية تدل على أن البيت المشار إليه ساقط من الأصل، وهو قوله: وأرسل إلى النعمان وابن مغفل وصهر بني غزوان إني لذو خبر

والمراد بصهرهم: مجاشع بن مسعود السملي، وكان عنده ابنه عتبة بن غزوان، كان على صدقات البصرة كما في الإصابة (6/ 705) (وفيه: "بن سعد" تحريف). وترجمته في الإصابة (5/ 767). وكان النافعان وشبل بن معبد أيضًا أصهار عتبة بن غزوان، فإن صفية بنت الحارث بن كلدة -وهي أخت النافعين- كانت عند عتبة، وأردة بنت الحارث -أخت صفية- كانت عن شبل، كما نقل الطبري عن المدائني في التاريخ (3/ 597)، وذكر المحقق ذلك في ترجمة نافع، ولكن المقصود في البيت مجاشع زوج بنت عتبة. ولعل حاشية البيت أشارت إليه، ولكن وقع فيها سقط وتحريف. والمقارنة بين المجموع والمصادر الأخرى تهدي إلى أن البيت "وحصنا هناك المال" ملفق بين بيتين، وهما: وما عاصم منها بصفر عيابه ... وذاك الذي في السوق مولى بني بدر وحصنًا هناك المال وابن محرش ... فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر وقد وقع في البيت الأول في الأوائل: "عنانه" وفي الإصابة: "بصغر عناية"، وكلاهما تصحيف. ص 99: البيت الأخير من أبيات الكلابي: فخذهم هناك والله وأعلم بأنه ... سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر كذا أثبت المحقق، والصواب: "هداك الله" كما في المخطوط. والشطر الأول في الأوائل (1/ 248)، والإصابة (6/ 704): فقاسِمْهُمُ نفسي فداؤك إنهم وفي فتوح البلدان (ص 337): "أهلي فداؤك".

أما قائل هذه الأبيات أبو المختار الكلابي، فقد ترجم له الحافظ ابن حجر في الإصابة (6/ 703)، وأورد الأبيات في ترجمته هذه كما سبق. وهو يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق، وجده يزيد بن الصعق كان شاعرًا فارسًا جاهليًا. وقد خلط محققًا كتاب الأوائل بين الجد والحفيد. وفي جمهرة ابن حزم (ص 286) أن قائلها "المختار بن قيس بن يزيد بن قيس بن يزيد بن عمرو"، وهو تخليط. ص 101: نقل المؤلف حديثًا من صحيح البخاري فقال: "ذكر البخاري في الصحيح عن يحيي بن سليمان عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله وجعه ... ". خرج المحقق الحديث من طبقات ابن سعد، ثم أحال على صحيح مسلم ومسند أحمد. قلت: الأصل في تخريج الحديث، إذا وجد في صحيح البخاري، أن يكتفي بالإحالة عليه، ولا يركض الباحث هنا وهناك، فليس وراء عبادان قرية! أما إذا نصّ المؤلف على نقله الحديث يسنده من صحيح البخاري -كما هنا- فلا مسوّغ أبدًا لصرف النظر عنه إلى غيره. وقد أخرجه البخاري في مواضع عديدة، ولكن بهذا السند ورد في كتاب العلم، باب كتابة العلم، برقم 114. ص 102: ورد في إسناد حديث: "عن المهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد أو عار بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وآله خطب ... ". كذا أثبت المحقق: "عار بن سعد"، وقال في تعليقه: "كذا جاء في الأصل ولم أهتد إلى صحة الإسم". قلت: الأصل فيه تحريف، وهو عامر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قال الحافظ في ترجمة مهاجر بن مسمار الزهري: "مولى سعد، مدني،

روى عن عامر وعائشة ابني سعد بن أبي وقاص". تهذيب التهذيب (10/ 324). ص 104 - 105: نقل المؤلف من خط الوزير للسلامي: قال السلاميّ إذا شئت أن ... تنصر مرحومًا ومسكينًا فذاك من لم تر في كمّه ... من زمن التنطيح سكينًا كذا أثبت المحقق البيتين، والصواب في البيت الأول: "أن تبصر محرومًا"، وفي الثاني: "البطيخ". وقد تحرّف محرومًا" في الأصل، أما "تبصر" فوضع الناسخ فوقها نقطتين، ولم ينقط من تحت. و"والبطيخ" أهمل إعجامها. وقد ترجم المحقق هنا للشاعر العراقي المشهور أبي الحسن محمد بن عبيد الله السلامي المتوفى سنة 393. وهذا خطأ، فإن الثعالبي أورد البيتين في تتمة اليتيمة (ص 307) "للسلامي المقيم ببخاري"، ولم يذكر أسمه، وهو سلامي آخر بلا شك. ص 105: وردت أربعة أبيات غير منسوبة، وهي للعباس بن الأحنف في ديوانه (ص 45)، ومنها: وما ذاك إلا حين خُبّرتُ أنه ... تمرّ بواد أنت فيه قريب يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى ... إليكم تلقّى طُنْبكم فيطيب الصواب في عجز البيت الأول: "يمر" بالياء، لأن الضمير يعود على السيل، وهو غير منقوط في الأصل. و"فيه" صوابه: "منه"، كما في الأصل. وفي البيت الثاني كذا أثبت: "طنبكم" مضبوطًا بضم الطاء وسكون النون، وفسر الطنب بقوله: "حبل يشد به الخباء والسرادق ونحوهما". والصواب: "طيبكم"، والكلمة صحيحة في الأصل، ولكن الناسخ لم يعجم الياء، وإنما وضع عليها كعادته علامة السكون، فقرأها المحقق نونًا! ص 115: في قصة الشاعر الذي مدح زبيدة بقوله:

تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب ورد قول زبيدة هكذا: "وإنما أراد أن يربي على قول الشاعر: ] الطويل [ شمالك أجود من يمين غيرك ... وقفاك أحسن من وجه سواك فظن أنه إذا ذكر الرجلين أبلغ في المدح". كذا أثبت المحقق هذا "البيت"، وقيّد بحره أيضًا وهو "الطويل". وهنا أعترف بعجزي، فلست بسبّاحٍ، وأخاف الغرق في البحر المتقارب، فكيف بالبحر الطويل أو المديد أو البسيط، وأخشى إن فعلت أن أكون مصداقًا لقول أبي الطيب: يشمّر للُّجِّ عن ساقه ... ويغمره الموجُ في الساحل والذي إخاله أنه ليس بيتًا من الشعر، وليس ذلك مقصودًا في النص. وإنما تريد زبيدة أن تقول إن الشاعر أنشدها البيت المذكور قد مرت عليه مثل هاتين العبارتين في كلام الشعراء، فأراد أن يزيد عليهما ويبالغ في المدح. وأقرب نص مما ورد هنا قرأته في نضر الإغريض (ص 421): " ... لأنه سمع قولهم في الشعر: شمالك أندى من يمين غيرك، وظهرك أحسن من وجه سواك، فظن أن الذي ذهب إليه من ذلك القبيل". وفي زهر الآداب (ص 349): " ... سمع قولهم: شمالك أندى من يمين غيرك فظن أنه ... ". وفي التكرة الحمدونية (2/ 143): " ... سمع الناس يقولون: وجهك أحسن من وجه غيرك، وشمالك أندى من يمني سواك، وقدر أن هذا مثل ذاك". ص 123: " ... أبو المنذر هشام بن محمد قال: حدثني أبي الكلبي أن أسماء كنائن نوح صلى الله عليه، قال: اسم امرأة سام بن نوح ... ". كذا أثبت المحقق النص، ولا تجد فيه خير أن في "أن أسماء"، وعلق بعد

"نوح صلى الله عليه": "في الأصل عبارة مقحمة فيها: (إذا كنت في زوايا برج حمام نمت الفراخ وسلمت من الآفات، قال هشام: قد جرّبته أنا وغيري فوجدته كما قال أبي). السؤال هنا: من أقحم هذه العبارة في المتن؟ ألم يزعم المحقق أن النسخة بخط المؤلف؟ فإذا كان هو الذي أقحمها، فكيف يجوز لنا أن نتصرف في كتابه، فننتزعها من المتن، ونثبتها في الهامش؟ إن هذه لجراءة عجيبة من أستاذ له خبرة طويلة في التحقيق والتدريس، وله كتاب مفرد في أصول التحقيق. وقد أقدم على هذا التصرف دون تأمل ودون تفتيش، فلو تأمل النص لرآه قد أصبح بعد حذف العبارة مبتورًا، ولو فتش عنه لوجده في بعض المصادر بلفظه. وأيًا كان الأمر، فالذي كان خليقًا به - وهو يزعم أن النسخة بخط المؤلف - أن يبقى على النص كما هو. والحق أن العبارة ليس مقحمة، وإنما هو جزء من كلام هشام الذي رواه عن أبيه، ونصه: "أن أسماء كنائن نوح صلى الله عليه إذا كُتبن ("كُتب" في المخطوط، تصحيف، ويجوز: كُتبت) في زوايا برج حمام نمت الفراخ وسلمت من الآفات". وعقّب على ذلك هشام قائلًا: "قال هشام: قد جربته أنا وغيري، فوجدته كما قال أبي". ورواية ابن الكلبي عن أبيه مع تعقيبه بهذا اللفظ موجودة في عيون الأخبار لابن قتيبة (2/ 90). وأنظر أيضًا: نور القبس (ص 259). ص 123: "كنا عند سفيان بن عيينة، فحدّث بحديث، فقال له رجل: يا أبا محمد إن مالكًا يخالفك في هذا الحديث فأطرق مليًّا، ثم رفع رأسه وهو يقول: وابن اللبون إذا ما لزج في قرَن ... لم يستطع صولة البُزل القناعيسِ ثم قال: إنما أنا ابن لبون إلى مالك".

ترجم المحقق لسفيان بن عيينة، ثم علّق على "مالكًا فقال: " هو الصحابي مالك بن أنس، سبقت ترجمته". وهذا وهل بلا شك فالصحابي أنس بن مالك، والمذكور هنا مالك بن أنس. ولم يكن داعٍ إلى ترجمة الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه، ولا ترجمة سفيان بن عيينة أو مالك بن أنس فكلاهما إمام مشهور. وفي حاشية أخرى ذكر المحقق أن البيت لجرير، وأحال على ديوانه والمنتخل للميكالي (2 (590)، ثم قال في تفسيره: "ابن اللبون: من لا يعرف أباه. البزل: الإبل الشديدة. القناعيس: الشديدة المنع. لُزّ: ضيق عليه". قلت: كذا فسّر "ابن اللبون"، ورجعت إلى المنتخل من تحقيقه، فإذا بهذا التفسير بعينه هناك أيضًا! ولا أدري ما هذا التفسير، ومن أين نقله، وكيف خفي على مثله معنى ابن اللبون؟ ألم ير أنّ كلمة البزل إذا كانت للإبل، فلعل ابن اللبون أيضًا قد يكون منها بسبب؟ وقد حيرني تفسير المحقق هذا كثيرًا، كما حيرني من قبل ما قرأته في مقدمته لكتاب المنتخل (ص 18) إذ قال: "فلم يذكره - يعني كتاب المنتخل- حاجي خليفة في كشف الظنون، ولا إسماعيل باشا البغدادي في هدية العارفين، ولا إسماعيل باشا بن محمد أمين الباباني البغدادي في إيضاح المكنون". فهل يعتقد الدكتور فعلًا أن مؤلف إيضاح المكنون غير مؤلف هدية العارفين؟ وكذلك حيرني قديمًا تعليق له في كتابه (قصائد جاهلية نادرة 63) على قول عدي بن وداع الأزدي: فأرخيتُ القناةَ ويزءَنيًّا ... على الأكفال بالطعن المُعاق أراد رمحًا يزأنيًّا، أي منسوبًا إلى ذي يزن مالك حمير (اللسان - زأن)، ولكن المحقق الفاضل قال في شرح الكلمة: "ويزءنيًا: كذا بالأصل، ولعلها من

الوزأ: الشديد الخلق، ووزأت الناقة يراكبها إذا صرعته، وسياق العبارة تعني الطعن الشديد". لقد حيرتني هذه التعليقات، وأعياني تفسيرها، إذ الدكتور الجبوري أجلّ عندي من أن تصدر هذه عنه. ص 125: ( ... فوثب مذعورًا، وتناول ما كان بين يديه فسقط لفرعه". علق المحقق على "لفرعه"، وقال: "الفرع: الطول، أي سقط من قوله". قلت: الكلمة مصحفة، والصواب: "لفزعه". ص 129: "ورد البيتان الآتيان في قصة لثميرة قالهما وهو يتقدم إلى قائل أخيه ليأخذ ثأره: لله درّك ما أردتَ لثائر ... حرّان ليس عن التراب براقد أحقدتم ثم أضطجعت ولم تنم ... أسفًا عليك وأين نوم الحاقد الحرف الأخير من "التراب" في البيت الأول غير معجم في الأصل، فقرأه المحقق بالباء، وصوابه: "الترِّاث". و"أحقدتم" في البيت الثاني خطأ، صوابه كما في الأصل: "أحقدته". و"لم تنم" كذا ورد في الأصل بالتاء، وهو تصحيف صوابه: "لم ينم". والبيتان في محاضرات الأدباء (2/ 175)، وفيه "على التراث" تصحيف. وهما في لباب الآداب (ص 47) مع ثالث. ص 130: من حوار جرى بين سعيد بن العاص ومعاوية رضي الله عنهما: "فسأله معاوية: ما الذي باعد بينك وبين مروان؟ فقال: "خافني على شرفه، وخفته على مثل ذلك. وإني لأحب أن يُنال منه، فإذا كان ذلك غضبٌ له ... ". كذا "لأحب" في الأصل أيضًا، والصواب: "لا أحب ... "، و"غضب"

صوابه: "غضبتُ" كما في الأصل. ص 153: وردت أبيات لعبد الصمد من إنشاد المبرد أولها: أعاذلتي أقصري أبع جدّتي بالمنن كذا ضبط المحقق "جدّتي" بتشديد الدال، والصواب بالتخفيف. والجدة: المال. وقد وردت ثمانية أبيات منها مع أخرى في البصائر والذخائر (3/ 35). ص 158: قال حميد الطويل: "خطب رجل إلى الحسن بنته، وكتب السفير بينهما ... ". كذا أثبت المحقق "كتب"، وكنت أظنه خطأ مطبعيًا، فلم أعرج عليه، ولكن لما راجعت النسخة وجدت فيها هذا التصحيف؛ فهل يقع في مثله مؤلف الكتاب العالم الأديب؟ والصواب ظاهر، وهو: "كنتُ". ص 159: "من دعاء لبعضهم: "اللهم قُرَّ عيني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكلفت لي به ... ". كذا ضبط المحقق "قُرَّعيني"، وهو مهمل في الأصل، والصواب: فرّغني. و"تكلفت" كذا في الأصل محرف، وصوابه: تكفّلت. ص 159: من قول عنترة: فلرب حرب قد شددت ضرامها ... ومضيت قبل تلاحق الأبطال كذا "شددت" في الأصل أيضًا، وهو تحريف "شببت". ص 164 - 165: "وكما قرأ أبو طالوت: } وما يخدعون إلا أنفسهم {". أولًا: لم يضبط المحقق قراءة أبي طالوت، وهي "يُخدعون مبنيًا للمجهول. وقد ذكرها ابن جني في المحتسب (1/ 51)، وأبو حيان في البحر المحيط (1/ 93).

ثانيًا: ترجم المحقق للقارئ أبي طالوت في ستة أسطر، فقال: "أبو طالوت الشامي ... ". ثم ذكر حديثًا يرويه أبو طالوت الشامي عن أنس، ثم نقل قول الذهبي: "لا يدري من هو". قلت: أبو طالوت الشامي غير أبي طالوت القارئ، فذاك مجهول يروي عن أنس. وهذا أسمه عبد السلام بن شداد، روى القراءة عن أبيه، وروى القراءة عن الحسن بن دينار. وسئل عنه الإمام أحمد بن حنبل فقال: لا أعلمه إلا ثقة. أنظر: غاية النهاية (1/ 385). ص 167: "قال: فسلّم، فلم يردُدْ عليه السلام". علق المحقق على "فلم يردُدْ" بقوله: "كذا جاءت بالأصل (يردد) والوجه: يرُدَّ". كذا قال، وأعجب ما شئت! واتل قوله عزّ وجلّ: } قالت أنى يكون لي غُلمٌ ولم يمسسني بشرٌ {] مريم: 20 [. وقوله: } قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر {] آل عمران: 47 [. وقوله: } فانقلبوا بنعمة من الله وفضل مل يمسسهم سوء {] آل عمران: 174 [ونحوه في آيات أخرى. فلغة فكّ الإدغام في المضارع المجزوم والأمر من المضعف، التي توقف فيها الأستاذ، هي التي نزل بها القرآن، وهي لغة أهل الحجاز. أما اللغة الأخرى بالإدغام فلا خلاف في جوازها، ولكنها ليسه هي الوجه. ص 170: "قال يزيد بن مزيد لأصحابه، وهو] يريد أن يواقع [الوليد بن طريف من الغداة ... [. علق على ما بين الحاصرتين بقوله: "العبارة في الأصل: (وهو علي بن واقع الوليد (، والاضطراب واضح". قلت: لعل صواب ما جاء في الأصل: "وهو على أن يواقع الوليد ... ".

ص 179: عن الأصمعي قال: وكان يقال: " ... فإن أول المعروف مُسْتَخفٍ، وآخره مُسْتَقِلٌ ... ولذلك قيل: رد الصنيعة أشد من ابتدائها". قلت: ضبط الفاء من "مستخف" في الأصل بتنوين الكسرة، وكذا "مستقل" في الأصل، والصواب: مُسْتَخَفِّ ... مُستثقَلٌ". و"ردُّ الصنيعة" جاء في الأصل على الصواب" "رب الصنيعة" فحرّفها المحقق. ومعنى ربّها: تعهدها وتنميتها. والنص من توقيع أحمد بن يوسف الكاتب، أنظر عيون الأخبار (3/ 151)، وزهر الآداب (1/ 440). ص 194: من كلام الحكم بن مروان العيسى عن عبس: "رمح حديد، لا تُسَوى طعنتُه". كذا أثبت المحقق "لا تُسَوَّى" مضبوطًا، والصواب: لا تُشوي. ص 208: أورد المؤلف رسالة لبعضهم في الطلب والاستعطاف أولها: "الآمال أعزك الله قرائن النعم، لا ينفك منها، ولا يتحول عنها". كذا في الأصل أيضًا، والصواب: لا تنفك منها، ولا تتحول عنها. ص 208: ومنها: "وحاشي لما أودعك الله من نعمه، وخولك من مواهبه، أن تكون حمىّ على الآمال أن تردَّه". كذا ضبط المحقق "تردَّه" من الردّ، والصواب: "أن ترِدَه" من الورود، أي حاشى لنعمك أن تكون محمية من ورود الآمال. ص 208: ومنها أيضًا: "لأن ذلك ذخيرةٌ من توقي نعمتِه على همته، ويزيد حظه على أمنيته". أخطأ في القراءة وصحّف. والصواب: "ذخيرةُ مَن تُوفي نعمُته ... ".

ص 208: ومنها أيضًا: "فليس يرضى أن تذود عن فنائه أملًا] أن [يجدَ له على ما قبله معوّلًا، ولا بأن يجعل المعاذير جنًّة وهو يجد على ماله وجاهه محتملًا". ما زاده المحقق بين الحاصرتين خطأ، فالجملة "يجدُ له" صفة "أملًا". وفي الرسالة تصحيفات وتحريفات أخرى، فليت المحقق عني بتصحيحها بدلًا من الترجمة لأبي العباس المبرد في هذه الصفحة. ص 211: ورد مثل بهذا اللفظ: "ما أدرى أغازٍ أم مازٍ". كذا أثبت المحقق الكلمتين بالزاي المنونة بالكسر، وفسر "مازٍ" من مازَ الشيء، وماز الأذى عن الطريق، وماز فلانًا عليه. وهذا فعل معتل العين والكلمة "مازٍ" التي أثبتها اسم فاعل من مزي يمزي، وهو فعل معتل اللام! هذا، وقد وردت الكلمتان في الأصل بالراء المهملة على الصواب، وقد وضع الناسخ علامة الإهمال على الرائين، فظنها المحقق نقطة، فقرأهما بالزاي. والمثل: ما أدري أغارَ أم مارَ. في اللسان (مور 5/ 186: ) "وقولهم: لا أدري أغار أم مار، أي أتى غورًا أم دار فرجع إلى نجد"، وأصله في الصحاح (2/ 820). وفي اللسان أيضًا (5/ 187): "والعرب تقول: ما أدري أغار أم مار، حكاه ابن الأعرابي وفسره فقال: غار: أتى الغور، ومار: أتى نجدًا" وهذا أصله في المحكم (11/ 296)، وأنظر مجمع الأمثال للميداني (3/ 299). ص 211: "الغور: تهامة وما وراء نجد". كذا أثبته المحقق محرفًا وفي سطر مستقل، وصوابه: "الغور: تهامة، ومارَ: أنجد". وهو تفسير للمثل السابق ورد بعده متصلًا، ولكن الناسخ كتب الهمزة من "أنجد" في آخر السطر، و"نجد" في أول السطر التالي، فجاء

المحقق، وحرّفه، وفصل بينه وبين المثل. ص 212: "العرب تقول: العرق طلوب، والخال جدوب، والشبه غلوب". كذا أثبت "جدوب" بالدال، وفسر الخال بأنه: "سحاب لا يخلف مطره: أولا مطر فيه". والصواب أن الخال هنا: أخو الأم، و"جَذوب" بالذال، كما في الأصل. يعني أن الولد يشبه خاله. ص 217: من أربعة أبيات أنشدها أبو علي: والذي يعطينَي الأملا ... ما ابتعتُ نفسي بكم بدلا العين من "ابتعت" مهملة في الأصل، وأثبته المحقق مسندًا إلى المتكلم، وهو خطأ، والصواب: "ابتغتْ" بتاء التأنيث من الإبتغاء. ص 217: وبيت آخر منها: لا يَدَ للصبّ أن تبدو صبابتُه ... إذا تبدّل غير الدار بالدار كذا أثبت "لا يَدَ" مفرد الأيدي كما في النسخة، وهو تصحيف فيها، والصواب: لابُدّ. ص 232: من أبيات للحسين اليمامي: إذا استظهر الجبْسُ الدنُّي لحافَه عليه وغطّى الليلُ كلَّ جَنان "جنان" كذا في الأصل أيضًا، وهو تصحيف "جبان". ص 236: من شعر المأمون: لا تلومنّ غير نفسك فيها ... أنت حنَّنْتها عليك فجُنَّتْ قلت: وكذا في الأصل مصحفًا، والصواب: فحَنَّتْ، من الحنين. ص 247: نقل المؤلف رسالة طويلة من خط الوزير المغربي (ص 247 -

285) وفيها مذكرات صاحب الرسالة ومشاهداته في حج بيت الله، وذكر المنازل بين همذان ومكة ووصفها، كما عقد فصلًا في عدد المنازل والفراسخ والبُرُدُ والعقبات وحبال الرمل بين العذيب ومكة، وختمها بنصيحة للمكتوب إليه. قال المؤلف: "هذه رسالة إلى الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد بن أبي خالد، كتبها إليه أبو الحسن علي بن الحسين الأمير ابن أخت العصفري. كذا استلوحت من خط الوزير أبي القاسم على هذه الرسالة، لأن المجلد كان حاف بالقطع عليه. فلم يبق منه إلا التوهم، وذكر أنه لما كتب هذه الرسالة كان وزير فضلون بجنزة، والله أعلم". ترجم المحقق لكاتب الرسالة فقال: "علي بن الحسين المغربي الكاتب أبو الحسن، من وجوه الولة الحاكمية الفاطمية بمصر، كان من أصحاب سيف الدولة ... ثم تغير عليه الحاكم فقتله سنة 400 هـ". قلت: هذه الترجمة لوالد الوزير أبي القاسم المغربي، والرسالة منقولة من خط أبي القاسم، فلو كان كاتبها أباه لم يذكر أسمه على هذا الوجه، بل قال كعادته: هذه رسالة كتبها أبي أو والدي إلى الأستاذ ... ثم وصف الكاتب هنا بالأمير وبأنه ابن أخت العصفري، وما علاقة الوصفين بوالد أبي القاسم؟ ص 250: ذكر كاتب الرسالة أن بعضهم أراد الحج ثلاث مرات، فلم يقدر لأمر من الأمور حال دونه، فقال: "وأما إحداهن فإنه نزل لبعض أمره بعقبة إبليس، وللناس وجيف في المصعد، فإنما هي معدودة يخشى قوتها ... وأحتاج أن يعود إلى الكوفة بعد اللتيّا واللتي". علق المحقق على عقبة إبليس وقال: "أراد موضع رمي الحجارة بمنى حيث يرجم الشيطان بالحصى".

أولًا: موضع رمي الحجارة ليس عقبة، ولا تسمى "عقبة إبليس". ثانيًا: إذا كان الشخص نازلًا في الجمرات، فما الذي يمنعه من الحج وهو في منى؟ ثالثًا: لما ذكر الكاتب في الرسالة نفسها العقبات بين العذيب -وهو على أربعة أميال من القادسية من منازل حاج الكوفة- وبين مكة قال: "عقبة واقصة، وهي عقبة إبليس"، وذكر في (ص 264) أنه لما دخل في البادية بعد القاديسية سار في يومين وليلتين إلى واقصة. وواقصة لا تزال معروفة داخل الحدود العراقية. أنظر: بلاد العرب للأصفهاني (ص 334) الحاشية. وبينها وبين الكوفة 97 ميلًا. أنظر: صفة جزيرة العرب (ص 336). ص 252: من الرسالة نفسها: و"كنت دخلت الزِيّ في آخر سنة خمس وستين، فاستقبلني بعض أشراف العلويين .... ". وقال المحقق في تعليقه: "كذا جاءت الكلمة (الزِيّ) بالزاي، ولعله يريد الهيئة والمنظر، أي أتخذ الزي العلوي. وقد تكررت". قلت: وكذا في الأصل أيضًا بكسر الزاي، والصواب: الرَّيّ، بالراء المفتوحة، يعني مدينة الري المعروفة. ولعل نقطة الزاي كانت علامة الإهمال في نسخة المؤلف، فأخطأ ناسخ هذه المخطوطة. ص 266: ومن الرسالة أيضًا: "ثم نفرنا إلى المعلاة، وكان المسير إلى بطن مرّ"، يعني بعد خروجه من المسجد الحرام، وهو ذاهب إلى المدينة. وعلق المحقق على المعلاة بقوله: "موضع بين مكة وبدر، بينه وبين بدر الأثيل. والمعلاة من قرى الخرج باليمامة (ياقوت: المعلاة) ". ثم قال في تعليق آخر: "بطن مرّ من نواحي مكة ... وبين مرّ وبين مكة خمسة أميال".

قلت: "ليس الطريق هنالكِ! "، ما علاقة اليمامة بالطريق بين مكة والمدينة؟ ثم بطن مرّ أي مرّ الظهران من ضواحي مكة، وهو على خمسة أميال من مكة كما نقل المحقق من ياقوت، وعلى أثنين وعشرين كيلًا شمال مكة، كما في معجم المعالم الجغرافية للسيرة النبوية (ص 288)، فكيف يكون المقصود بالمعلاة التي سار منها الكاتب إلى بطن مرّ: الموضع الواقع بين مكة وبدر، وبدر تبعد عن مكة بثلاثمائة وعشرة أكيال؟ وإنما المقصود بالمعلاة "هو القسم العلوي من مكة المكرمة. ويطلق اليوم على حيّ وسوق بين الحجون والمسجد الحرام. وغالبًا ما يطلق على مقبرة مكة التي صارت تعرف بالمعلاة لوقوعها في هذا الحيّ". لوقوعها في هذا الحيّ". معجم معالم الحجاز (8/ 201). أما الذي ذكر ياقوت أنه بين مكة وبدر، فهو موضع آخر، وعلق عليه صاحب المعجم المذكور بقوله: "لعله يقصد بين المدينة وبدر، وهو ما تقدم معنا باسم المعلّى". وقال في رسم المعلّى: "عين مندثرة بوادي الصفراء بين الواسطة والحمراء". معجم معالم الحجاز (8/ 201). وقال الأستاذ حمد الجاسر: "ولا شك أن كلمة مكة هنا خطأ، والصواب المدينة إذ الأثيل بعد بدر إلى المدينة". أنظر: كتاب الطريق (ص 175 الحاشية). ص 266 - 267: ثم قال "ومنها إلى عُسفان ... ومنها إلى الحليفة ... ومنها إلى خيمتي أم معبد ... ". وقال المحقق في تعليقه على الحليفة: "في الأصل الكلمة محرفة جاءت هكذا (الخليصة)، ولعلها الحليفة. والحليفة قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة ... ". قلت: عٌسفان على 80 كيلًا من مكة شمالًا على طريق المدينة، وبعدها الموضع المذكور. ثم ذكر الزائر خيمة أم معبد، فالجحفة، فالأبواء، فسقيا يزيد، فالعرج، فالروحاء، ثم المدينة. فإن صح ما ذهب إليه المحقق، فذلك

يعني أن الزائر خرج من مكة، فلما وصل إلى عسفان الذي هو على 80 كيلًا من مكة، طار إلى ميقات المدينة ذي الحليفة الذي هو على 9 أكيال فقط من المدينة، ثم رجع طائرًا إلى عسفان مرة أخرى، وبدأ رحلته البرية من جديد! المقصود في النص هو "خُليص" وهي على 14 ميلًا من عسفان. وبين خليص وقديد سبعة أميال، ومن قديد إلى المشلل ثلاثة أميال، وبينهما خيمتا أم معبد. أنظر: معجم ما استعجم (ص 956). وقال صاحب معجم معالم الحجاز (3/ 149) إن وادي خليص يقع شمال مكة على بعد 100 كيل، ومعنى هذا أن بين عسفان وخليص 20 كيلًا. ص 269: ورد في الرسالة أيضًا: "إن إلا كلا ولا حتى رويت الإبل من عند إخفافها"، يعني بينما السماء مصحية إذ أرخت عزاليها وتدفقت. قال المحقق في تعليقه: "كذا جاءت في الأصل: (إن إلاكلولا) ولم أهتد لوجهها". قلت: الصواب: "إن] هو [إلى كَلا ولا حتى ... "، والكاف حف جرّ دخل على لا النافية. وهو تعبير معروف يدل على قصر الزمن، أي لم يمض وقت قليل حتى رويت الإبل. في اللسان (15/ 468 لا): "والعرب إذا أرادوا تقليل مدة فعل أو ظهور شيء خفي قالوا: كان فعلُه كلا، وربما كرروا فقالوا: كلا ولا. ومن ذلك قول ذي الرمة: أصاب خصاصًة فبدا كليلًا ... كلا، وأنفلّ سائرهُ انفلالا وقال آخر: يكون نزول القوم فيها كلا ولا" وهذا الشطر صدر بيت لجرير من نقيضة له في هجاء الفرزدق، وعجزه: غِشاشًا ولا يُدنون رحلًا إلى رحل أنظر ديوان جرير (ص 948). وقال في تفسيره في النقائض (1/ 160):

"يريد أنهم يعرّسون ولا يحطّون عن إبلهم، إنما يخفق أحدهم خفقة ثم ينهض كقولك: لا ولا، في السرعة. والغشاش: العجلة ... ". وقال الراعي من قصيدة في ديوانه (ص 136): فلَبثها الراعي قليلًا كلا ولا ... بلَوذان أو ما حلّلتْ بالكراكر وقال أبو تمام من قصيدة: قبيل وأهل لم ألاقِ مشوقَهم ... لو شك النوى إلآآ فَواقًا كلا ولا قال أبو العلاء: "يقال: كان ذلك كلا ولا، أي وشيكًا عجلًا ... ". أنظر ديوان أبي تمام بشرح التبريزي (3/ 104). ص 270: عقد كاتب الرسالة فصلًا بعنوان "عدد المنازل والفراسخ والبُرُد والمشرفات بين العذيب ومكة"، ثم قال: "أعلم أيدك الله أن البرد المنصوبة يبين العذيب ومكة سبعة وخمسون بريدًا، وسبعة وخمسون مشرفًا، بين كل بريد ومشرف ستة أميال فرسخًا من فراسخ العرب". أولًا: ضبط المحقق "المشرفات" في العنوان بضم الميم وتشديد الراء من التشريف، ثم ضبط "مشرفًا" بفتح الميم وسكون الشين وتخفيف الراء. وقال في تعليقه عليه: "المشارف: مشارف الأرض أعاليها، ومشارف العراق: القرى العربية المشرفة على سواد العراق ... ". قلت: لا يصح هذا التفسير هنا، فالسياق بشير إلى أن المشرف من علامات الطريق كالبريد وغيره. ويؤيد ذلك النصوص الآتية من كتاب الطريق: - "والمشرف على ثلاثة أميال من بطن الأغر" (ص 55). - والمشرف ببطن البراق، وهي آخر ملك بني أسد" (ص 71). وقال ياقوت في رسم "براق": "جبل بين سميراء والحاجر، وعنده المشرف" (1/ 366).

- "والمشرف بموضع يقال له القاطنة" (ص 73). - "والمشرف على جبل يقال له فرعون" (ص 79). - "والمشرف قبل بركة ابن حجر بميلين" (ص 83). -" ... لأن ما بين المعدن والعسيلة مشرفين، ثم برد قصار ... " (ص 224). وقد أستنبط الشيخ حمد الجاسر رحمه الله من العبارة الأخيرة أن كلمة المشرف "تستعمل لقياس المسافات مثل ميل وبريد، والسافة بين معدن النقرة والعسيلة هي 26 ميلًا، وعلى هذا فالمشرف 13 ميلًا تقريبًا". وأرى أن المدلول الدقيق لهذا المصطلح بحاجة إلى مزيد من البحث. ثانيًا: مذا أثبت المحقق "فرسخًا"، والصواب: "فرسخان" كما في الأصل. ص 270: ثم قال الكاتب: "تشتمل البادية من نخل العذيب إلى الرامتين بمكة على مائتين وعشرين فرسخًا، والمنصف: التُّوز، وهو منهل من وراء فيد بمثانية عشر ميلًا مكتوبًا على بابه: هذا المنصف، فإن لم تقبل فارجع وعُدَّ". أولًا: أثبت المحقق "التور" بالراء، وكذا في الأصل، وقد وضع الناسخ على الراء علامة إهمال، وهو تصحيف منه. والصواب بالزاي كما أثبتنا. قال البكري في معجم ما استعجم (1/ 324): "بين مكة والكوفة"، ولعله يعني: في منتصف الطريق بينهما. ثانيًا: النص واضح جدًا، فالتوز منهل واقع في منتصف الطريق بين العذيب ومكة، وحدد الكاتب أن التوز من وراء فَيد بثمانية عشر ميلًا. ومع هذا البيان الواضع علق المحقق على كلمة "المنصف" فقال: "واد يسقى بلاد عامر من حنيفة باليمامة، ومن ورائه وادي قرقري. (ياقوت: المنصف): ! فكلمة "المنصف" التي تعني منتصف الطرق بين الكوفة ومكة جعلها المحقق الفاضل واديًا من أودية اليمامة.

وقد ذكر الهمداني في صفة جزيرة العرب (ص 337) أن من فيد إلى توز 24 ميلًا، ومن توز إلى سميراء 25 ميلًا. وفي كتاب الطريق لوكيع أنه من فيد إلى تُوز 24 ميلًا ونصف (ص 63)، ومن توز إلى سميراء 15 ميلًا ونصف (ص 66)، وأن "المنصف - وهو موضع العلمين- منصف الطريق بين الكوفة ومكة بالذرع، دون سمراء بأربعة أميال" (ص 67). ثالثًا: الكلمة الأخيرة في النص ضبطها المحقق بكون الدال "وعُدْ"، يعني من العودة، والصواب كما اثبتنا من العَدّ، يعني: إن كنت في شك من أن التوز واقع في منتصف الطريق: فارجع، وعُدّ الفراسخ. ص 270: ورد عنوان في الرسالة نفسها: "جبال الرمل بينهما" جبل زرود وهو أولها والمربخ .. ". كذا أثبت المحقق "جبال وجبل" بالجيم، والصواب بالحاء المهملة كما في الأصل، وقد كتب الناسخ حاءً صغيرًة تحت الحاء في الكلمتين علامة للإهمال. وأنظر: كتاب الطريق (ص 52 - 53)، ونظرات في تاج العروس للأستاذ حمد الجاسر (ص 158). ص 273 - 274: "لما خلع جعفر المقتدر، وبويع لعبد الله بن المعتز وكانت خلافته يومًا واحدًا، ثم أعتدت في المقتدر". قال المحقق: "كذا العبارة في الأصل (ثم أعتدت في المقتدر) أي هيئت له". قلت: وفيها تصحيف وتحريف، والصواب: أعيدت إلى المقتدر. ص 274: "طمع إلى مساويك في الرتب، وسما إلى مباراتك في تصدير الكتب".

قلت: وكذا في الأصل أيضًا، وهو تحريف صوابه: إلى مساواتك في الرتب .. ص 275: "إذا انتقلت عن مآلفها الكريمة، ومغارسها القويمة، فإن تغش قومًا غيرهم أو تزرهم، فكالوحش يدنيها من الإنس المحلُّ، ومثله لا يعبأ به ... ". كذا ضبط المحقق "المحلّ" بتشديد اللام، ولم يفطن إلى أن الكاتب تمثل ببيت من الشعر وكتبه ناسخ المخطوط كأنه كلام منثور، وهو: فإن تغشَ قومًا غيرَهم أو تزُرهُمُ ... فكالوحش يُدنيها من الأنَسِ الْمَحلُ والمحل بمعنى الجدب. وهو من أبيات لمسلم بن الوليد في رثاء إسماعيل بن جرير. أنظر تخريجها في ديوانه (ص 332). وهذه هي الرواية المشهورة، أنظر: البيان والتبيين (4/ 48)، والشعر والشعراء (ص 833)، والورقة (ص 86). وفي الأمالي (1/ 167): "يستدنيه للقنَص المحلُ". ص 227 "نعم ولا ترضى (يعني العرب) بتجريد الإسم والكنية عند الشاهي في المدح، حتى يقول: أبيت اللعن، وهبلته أمه ... ". قال المحقق: "كذا وردت (الشاهي)، وحسبتها (الشاهد) ولكنه أراد الملك بالفارسية، بدلالة (أبيت اللعن) بعدها، وهذا ما كان يقال للملوك". قالت: "الشاهي" في الأصل تصحيف، والصواب: "التناهي في المدح" يعني المبالغة فيه. ص 278: "وإنما كان عتابًا في] با [طنه ودّ، وملامًا بين أثنائه نصح ... ". كذا أثبت المحقق، وقال: إن نصف الكلمة -يعني ما بين الحاصرتين-

ساقط سهوًا من الناسخ فكتب: "طنه" فقط، وهو يريد: باطنه. قلت: الكلمة تامّة، وإنما صحّف الناسخ، وأبعد المحقق. والصواب القريب: "في طيّه ود ... ". ص 279: "وبقيت الآن واحدة يبعثني عليها فرط النصيحة، ويقتضيني عنها فضل الحشمة". كذا أثبت "يقتضيني"، وهو تصحيف، صوابه: "يقبضني". ص 337: "عمرو بن أحمر الباهلي. قال ابن داود: في المعمرين، أسلم وغزا ... ". كذا أثبت المحقق "المعمرين"، وكذا في نسخة الكتاب، والصواب: "قال ابن داود في العَمْرِين: أسلم وغزا ... "، والعمرين جمع عمرو، يعني كتابة في أسمه عمرو من الشعراء. ص 341: نقل المؤلف من خط الوزير قول أبي زيد عمر بن شبّة في خبر ذكره: "حفظته عن أبي عبيدة، وهو إمام الناس في زمانه في التثبت في الرواية، والفحص عن صحة الخبر وسقمه". ثم نقل تعقيب الوزير عليه: "هذا فلظه، يعني أبا زيد في أبي عبيدة، وهو عندي، تركته حليلة لأبي عبيدة ... ". كذا ورد النص في الأصل مصحفًا، وتابعه المحقق. والصواب: "وهو عندي تزكية جليلة لأبي عبيدة ... ". ص 342: من شعر ابن المعتز: فسبحان ربي راضيًا بقضائه ... ] و [كان اتقائي الشر يغري بيَ الشرّا زاد المحقق ما بين الحاصرتين من ديوان ابن المعتز (3/ 159)، والبيت

في الديوان منقول من شرح نهج البلاغة. وأرى أن الصواب: كأنّ اتقائي ... ص 360: ذكر المؤلف جذع النخلة الذي كان يستند إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) في خطبته قبل صنع المنبر فقال: " ... ودفن الجذع بين المنبر والمغرب". قلت "المغرب" في الأصل تحريف: "المحراب". هذا، والمشهور أنه دفن تحت المنبر، وأنظر الأقوال الأخرى في كتاب الشفاء للقاضي عياض (ص 428 - 429). ص 387 - 389: افتتح المؤلف الجزء الثاني من الكتاب (387) بإختيارات من كتاب البيان والتبيين للجاحظ: باب أن يقول كل إنسان على قدر خلقه وطبعه، فنقل أقوالًا في السرور ما هو؟ ثم أورد قول المسيح الذي كلما قال بنو إسرائيل شرًّا قال خيرًا، فسأله عنه شمعون، فقال المسيح: كل امرى يعطي مما عنده. علق على ذلك المحقق بقوله: "في الأصل هذه الفقرة جاءت وسط الفقرة السابقة عن: ما السرور، فجعلناها في موضعها المناسب". قلت: وهذا تصرف معيب منه، وبخاصة في كتاب يزعم أن نسخته بخط المؤلف، وقد تقدم مثال آخر من هذه الجراءة. أولًا: الكتاب تذكرة، ينقل فيها المؤلف أخبارًا وأشعارًا وأقوالًا من هذا الكتاب أو ذاك، فليس عيبًا أن يقع خبر في غير موقعه، أو يفصل بين قول وآخر يقول أجنبي عنهما في مغزاه. ثانيًا: إذا افترضنا أنه عيب فالمؤلف هو المسؤول عن ذلك. ثالثًا: هذه الفقرة التي أخرها المحقق لم يحدد موقعها في المخطوط، وإنما أكتفى بالقول بأنها جاءت في وسط الفقرة السابقة، وهي تشتمل على خمسة أقوال، فأين كان مكانها؟ رابعًا: لم يفطن المحقق إلى أن هذا الجزء بدأه المؤلف بمختارات من

البيان والتبيين، وأنه قد أختار هذه الأقوال بحسب ترتيبها في الكتاب المذكور. فقد نقل المؤلف خمسة أقوال من أول الباب (2/ 175)، ثم قفز إلى (ص 177)، ونقل قول المسيح، ثم أقوال امرئ القيس والأعشى وطرفة عن أطيب عيش في الدنيا. فجاء المحقق، وغيّر ترتيب المؤلف، وأثبت قول المسيح بعد قول طرفة. ص 389: أورد المؤلف خمسة أبيات للعتبي، فخرّجها المحقق من طبقات الشعراء لإبن المعتز الذي وردت فيه أربعة أبيات فقط، ومن الأغاني الذي ورد فيه بيتان، وهي كلها في البيان والتبيين (2/ 182). وآخر هذه الأبيات: خلائف في الإسلام في الشرك قادرٌ ... بهم وإليهم فخر كل مفاخر وكذا في الأصل أيضًا قادرٌ"، وهو تحريف واضح، صوابه: "قادة". ص 390: "وقال حاجب بن ذبيان المازني". كذا أثبت المحقق اسم الشاعر، مع أن في المخطوط: "حاجب ابن دينار"، وكذا في مصدر المؤلف أي البيان والتبيين (2/ 183)، وقد نبه الأستاذ عبد السلام هارون على أن "ذبيان" تحريف "دينار". وقد أنشد المؤلف ثلاثة أبيات لحاجب من البيان والتبيين لم يخرجها المحقق، وبيتان منها في الأشباه والنظائر (2/ 212)، منسوبين إلى مالك ابن تاجرة العبدي، قال: ورويت لغيره. والبيت الثالث منها: وإن غضبوا أسْد المفارق ... منهمُ ملوك وحكام كلامهمُ فصلُ وكذا في الأصل "أسدْ المفارق"، والصواب: "سدُّوا المشارف"، كما في البيان والتبيين. ص 465: نقل المؤلف من إنشاد أبي محلّم:

فخلةً ما إن لها عندي ثمنْ ... مكتومة قضاؤها منه ... كذا وضع المحقق نقاطًا، وعلق بقوله: "نهاية الأشطار في الأصل مقطوعة عند التصوير". قلت: الكلمة الساقطة هي "من"، يعني: منه ومنّي، فحذف نون الوقاية مع ياء المتكلم ضرورة. والرجز منسوب إلى رؤبة، وتناقلت كتب النحو ما بعد هذين الشطرين: قالت بنات العم يا سلمى وإن كان فقيرًا معدمًا قالت وإنْ انظر خزانة الأدب (9/ 15)، ص 470: من إنشاد أبي زيد: أقول لحازي إذ أتاني قاصدًا ... مدلًا بحقّ أو مدلًا بباطل لئن لم يصل خيري وأنت مجازئٌ ... إليك فما شرّي إليك بواصل قلت: "لحازي" في البيت الأول تصحيف صوابه: "لجاري"، وفي الأصل وضع الناسخ علامة الإهمال على الراء، فقرأها المحقق بالزاي. و"مجازئُ" في البيت الثاني أيضًا بعلامة الإهمال على الراء، ولكن فيه "تحريفًا فيما أرى، وصوابه: "مجاوري" أو "مجاورٌ". ص 480: "حدثني فريح صاحب أبي عبيدة عنه ... ". كذا أثبت المحقق "فريح" وقال في تعليقه: "في الأصل الكلمة غير معجمة وغير واضحة". الواقع أنها في الأصل "فريح" واضحة معجمة، والظاهر أنه محرف عن: "رُفَيع"، وهو أبو غسان رفيع بن سلمة العبدي المعروف بدماذ، صاحب أبي عبيدة معمر بن المثنى. أنظر ترجمته في الفهرست (ص 60)، وطبقات النحويين واللغويين للزبيدي (ص 181).

وأكتفي بهذه التنبيهات التي قصدت بها في الدرجة الأولى إلى توكيد أن النسخة الباريسية الفريدة التي نشر عنها في كتاب اللفيف ليس بخط المؤلف، وصححت في أثنائها جملة من الأوهام والأخطاء التي وقعت في التحقيق. ومع كل ما ذكرت هنا من مآخذ وما لم أذكر، يبقى الفضل للأستاذ الدكتور يحيي الجبوري الذي عُني بتحقيق هذا الكتاب القيم، فأتاح للدارسين فرصة الإستفادة من مادته النادرة. فالشكر والتقدير له، ثم لشيخ الناشرين الحاج الحبيب اللمسي الذي أصبحت داره دار الغرب الإسلامي بمنشوراتها النفيسة الراقية معلمًا بارزًا من معالم الحركة العلمية والثقافية في العالم العربي.

فهرس المراجع - الأشباه والنظائر: للخالديين، تحقيق السيد محمد يوسف، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1965 م. - الإصابة في تمييز الصحابة: لإبن حجر، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجيل بيروت، 1412 هـ. - الإكمال: لإبن ماكولا، تحقيق عبد الرحمن بن يحي المعلمي، دائرة المعارف العثمانية، حيدراباد الدكن. - الأمالي: لأبي علي القالي، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1344 هـ. - الأوائل: لأبي هلال العسكري، تحقيق وليد قصاب ومحمد المصري، دار العلوم، الرياض، 1401 هـ. - البحر المحيط: لأبي حيان، دار الفكر، بيروت 1412 هـ. - بحوث وتحقيقات: للميمني، إعداد محمد عُزيز شمس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1995. - البداية والنهاية: لإبن كثير، نشرة عبد الله بن عبد المحسن التركي، مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، القاهرة، 1417 هـ. - البصائر والذخائر: لأبي حيان التوحيدي، تحقيق وداد القاضي، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى. - بغية الطلب: لابن العديم، تحقيق سهيل زكار، دار الفكر بيروت. - بلاد العرب: للأصفهاني، تحقيق حمد الجاسر وصالح العلي، دار اليمامة الرياض، 1388.

- البيان والتبيين: للجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1405 هـ. - تاريخ الطبري: تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1979 م. - تتمة يتيمة الدهر: للثعالبي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 هـ. - التذكرة الحمدونية: تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1996 م. - تهذيب التهذيب: لإبن حجر، دائرة المعارف العثمانية، حيدراباد الدكن. - جمهرة أنساب العرب: لإبن حزم، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف القاهرة، 1982. - جمهرة النسب: لإبن الكلبي، تحقيق ناجي حسن، عالم الكتب، بيروت، 1407. - خزانة الأدب: للبغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب ومكتبة الخانجي، القاهرة. - دمية القصر: للباخرزي، تحقيق سامي مكي العاني، دار العروبة، الكويت 1405. - ديوان أبي تمام: بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق محمد عبده عزام، دار المعارف، القاهرة، 1964 م. - ديوان تميم بن المعز لدين الله: دار الكتب المصرية القاهرة، 1377 هـ. - ديوان جرير: تحقيق نعمان محمد أمين طه، دار المعارف، القاهرة، 1986 م. - ديوان الراعي النميري: تحقيق راينهرت فايبرت، فيسبادن، 1401 هـ. - ديوان أبن الرومي: تحقيق حسن نصار، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، 1973 م. - ديوان مسلم بن الوليد: تحقيق سامي الدهان، دار المعارف، القاهرة، 1985 م.

- ديوان شعر ابن المعتز: تحقيق يونس أحمد السامرائي، عالم الكتب، بيروت، 1417. - رسالة ابن القارح: ضمن رسالة الغفران لأبي العلاء، تحقيق بنت الشاطئ، دار المعارف، القاهرة، 1981 م. - زهر الآداب وثمر الألباب: للحصري، تحقيق علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة. - الشعر والشعراء: لابن قتيبة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، 1982 م. - الشفا بتعريف حقوق المصطفى: للقاضي عياض، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الكتاب العربي، بيروت. - الصحاح: للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، 1402 هـ. - صحيح البخاري: دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، 1417 هـ. - صفة جزيرة العرب: للهمداني، تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي، دار اليمامة، الرياض، 1397 هـ. - الطبقات الكبرى: لابن سعد، دار صادر، بيروت. - طبقات النحويين واللغويين: للزبيدي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1984 م. - الطريق للقاضي وكيع: (سمي في طبعته الأولى: كتاب المناسك للحربي) تحقيق حمد الجاسر، دار اليمامة للبحث والترجمة، الرياض، 1420 هـ. - عيون الأخبار: لابن قتيبة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973 م. - غاية النهاية في طبقات القراء: لابن الجزري، تحقيق برجستراسر، مكتبة المتنبي، القاهرة. - فتوح البلدان: للبلاذرى، تحقيق رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403 هـ. -

- الفهرست: للنديم، تحقيق رضا تجدد، طهران، 1971 م. - فوات الوفيات: لابن شاكر الكتبي، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1973 م. - قصائد جاهلية نادرة: تحقيق يحيي الجبوري، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1402 هـ. - الكامل للمبرد: تحقيق محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 هـ. - لباب الآداب: لابن منقذ، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب السلفية، القاهرة، 1407. - لسان العرب: لابن منظور، دار صادر بيروت. - مجمع الأمثال: للميداني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1978 م. - محاضرات الأدباء: للراغب الأصفهاني، دار مكتبة الحياة، بيروت. - المحتسب: لابن جني، تحقيق علي النجدي ناصف وزميليه، دار سزكين، استنبول، 1406. - المحكم: لابن سيده، الجزء الحادي عشر، تحقيق مصطفي حجازي وعبد العزيز برهام، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1419 هـ. - معجم الأدباء: لياقوت الحموي، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993 م. - معجم البلدان: لياقوت الحموي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - معجم ما استعجم: للبكري، تحقيق مصطفى السقا، عالم الكتب بيروت. - معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية: لعاتق بن غيث البلادي، دار مكة، مكة المكرمة، 1402 هـ. - معجم معالم الحجاز: لعاتق بن غيث البلادي، دار مكة، 1399 هـ. - المنتخل: للميكالي، تحقيق يحيي الجبوري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2000 م.

- نضرة الإغريض: للمظفر العلوي، تحقيق نهى عارف الحسن، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1396 هـ. - نظرات في كتاب تاج العروس: حمد الجاسر، الرياض، 1407 هـ. - نقائض جرير والفرزدق: لأبي عبيدة، تحقيق بيفان، ليدن، 1905 م. - نور القبس: لليغموري، تحقيق رودلف زلهايم، فيسبادن، 1384 هـ. - الوافي بالوفيات: للصفدي، الجزء السادس عشر، تحقيق وداد القاضي، بيروت، 1402 هـ. - الورقة: لابن الجراح، تحقيق عبد الوهاب عزام وعبد الستار أحمد فراج، دار المعارف، القاهرة، 1967 م. - وفيات الأعيان: لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت.

(10) كتاب المعرب للجواليقي في نشرة علمية جديدة

كتاب المعرّب للجواليقي في نشرة علمية جديدة (1) كتاب "المعرب من الكلام على حروف المعجم" لأبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي (465 - 540) من أهم المراجع في بابه. فإن الألفاظ الأعجمية التي دخلت في اللغة العربية عبر العصور، وجرت على ألسنة الفصحاء، كانت مبثوثة في كتب اللغة، فجاء أبو منصور، وجمعها في كتاب مفرد، ورتّبها على حروف المعجم، فكان كتابه أكبر كتاب في ذلك العصر. طبع كتاب المعرب مرتين من قبل. طبعه أولاً المستشرق الألماني إدورد زخاو، وصدرت طبعته في ليبزيك سنة 1867 م مذيّلة بتعليقاته بالألمانية. ثمّ حقّقه المحدث الكبير الأستاذ أحمد محمد شاكر رحمه الله عن عدّة نسخ تحقيقًا جيدًا. وظهرت هذه النشرة الثانية سنة 1942 م بالقاهرة. وأخيرًا صدر الكتاب، عن دار القلم بدمشق، في طبعة جديدة أنيقة، تختلف عن الطبعتين السابقتين في طبيعتها، وتفوّقهما في جمالها وروعتها، فهي ليست تحقيقًا جديدًا لكتاب المعرب بالمعنى الاصطلاحي المحدث، فإنّ عمل المحقّق أن يجتهد في إخراج النص، كما صدر عن مؤلّفه، سليمًا من آفات التصحيف والتحريف، ليعتمد عليه العلماء والباحثون في دراساتهم المختلفة؛ وكان الأستاذ أحمد شاكر قد فرغ من ذلك في نشرته. أمّا هذه النشرة الجديدة

_ (1) نشر في ملحق التراث بجريدة المدينة في 6/ 7/1410 هـ: 1/ 2/1980 م.

فإنّها قصدت إلى عمل آخر، وهو تحقيق أصول الكلمات الدخيلة الواردة في كتاب المعرب، وتتبع المراحل التي مرّت بها هذه الكلمات في رحلتها من لغاتها الأصيلة إلى اللغة العربية، وما جرى عليها في مستقرّها الجديد. وإنّ ذلك لعمل خطير وجليل، الخائضون فيه كثير والقادرون عليه قليل، خفّى المسالك شديد المزالق، تتقاصر دونه الهمم وتنقطع الأسباب، تتكاثر فيه الأوهام وتتعثّر الأفهام. ومعظم الوالجين فيه في العصر الحديث كانوا إمّا أصحاب هو، والهوى إذا دخل حمى العلم من جهة خرجت الحقيقة من جهة أخرى، وإمّا طلاب حقّ غير أنّهم لم يستكملوا الأدوات المطلوبة للخوض فيه، فمشوا على غير هدًى، وزلّت بهم الأقدام. وذلك أنّ الخوض في هذا الموضوع يحوج إلى آلات قلّما تجتمع في شخص واحد، فهو يتطلّب أولاً معرفة اللغات التي انحدرت منها الكلمات المعربة، ومتابعة الدراسات اللغوية المتقدّمة التي تقوم فيها. ومعظم الكلمات الدخيلة جاءت من الفارسية واليونانية والسريانية، وقليل منها من اللاتينية والعبرانية. فالباحث الذي يريد أن يحقّق أصولها لا محيص له من معرفة هذه اللغات الخمس جميعًا، بالإضافة إلى التضلّع من علوم العربية والوقوف على دقائقها، ثمّ معرفة علم الأصوات الذي يهدي إلى التغيّرات التي طرأت على الكلمات الدخيلة. ويزداد الأمر صعوبة والمطلب بعدًا إذا علمنا أنّ كتاب المعرب يحوي نحو ثلاثين وسبعمائة كلمة. ولقد قيّض الله سبحانه وتعالى لهذا العمل أخيرًا عالمًا جليلاً ولغويًا ضليعًا، قلّما يدانيه - فيما أعلم - أحد من معاصريه فيما اجتمع عنده من كفايات علمية متعدّدة تجعله خير من يتصدّى لهذه المهمّة الشاقّة. فهو عالم واسع الاطلاع طويل الباع في اللغة العربية، وعارف بعشر لغات أخرى بين إجادة وإلمام، ومتخصّص في فقه اللغة، ومتعمّق في علم الأصوات. ومع هذا

العلم الوافر والفضل الظاهر تراه خفيف الظلّ سهل الخليقة، جمّ التواضع، يكاد حسن أدبه يغرّ كثيرًا من الناس عن علمه، بعدما صار العلم في زماننا تشدّقًا وتفيهقًا وفخفخة وجعجعة بلا طحن. ألا، وهو الأستاذ الدكتور ف. عبد الرحيم مدرّس علم الأصوات في كلية اللغة العربية، والمشرف على شعبة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة. قد اشتهر بخبرته الواسعة في مجال تعليم اللغة العربية، وكتابه المسمّى "دروس اللغة العربية لغير الناطقين بها" في ثلاثة أجزاء متداول في عدد من البلدان. عرفه المتخصّصون بمقالاته وتعقيباته المنشورة في صفحات مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجلّة المجمع العلمي الأردني، وكتابه اللطيف "الدخيل في اللغة العربية واللهجات العربية الحديثة". أمّا قرّاء ملحق التراث فطالما أمتعهم بمقالاته القصيرة في أصول الكلمات المعربة أو تأصيل بقايا الفصاح في اللهجات العربية، فاطلعوا على طرف من علمه الغزير. والحقّ أن شخصيّته العلمية بكافة جوانبها تجلّت لأول مرّة في نشرته هذه لكتاب المعرب. تبدأ هذه النشرة ببحث قيم جعله الأستاذ مدخلاً لدراسة الكلمات الواردة في كتاب المعرب، وقسمه إلى ثلاثة أبواب. الباب الأول فيه فصلان: الفصل الأول في معنى المعرب والدخيل والمولد، والفرق بين هذه المصطلحات الثلاثة. والفصل الثاني في ضوابط معرفة الدخيل، وذكر فيه خمسة ضوابط. والباب الثاني في اللغات التي أخذت منها المعرب. وفيه خمسة فصول: الفصل الأول في اللغة الفارسية، ونبّه فيه الأستاذ الفاضل على أمر مهمّ غفل عنه علماء اللغة - وكان منهم من يجيد الفارسية - فأخطأوا في بيان أصول المعربات الفارسية. وهو أنّ اللغة الفارسية التي كانت تعاصر العصر الجاهلي وصدر الإسلام هي اللغة الفهلوية، ولا الفارسية الحديثة، وكانتا تختلفان اختلافًا غير يسير. ثم أشار إلى نقط الخلاف بينهما، ومنها أن بعض الصيغ بالفهلوية كانت

تنتهي بكاف، وحذفت هذه الكاف بالفارسية الحديثة، نحو كلمة "ديباك" بالفهلوية صارت "ديبا" بالفارسية الحديثة، فالكلمة المعربة: "ديباج" من "ديباك". وإذا وقعت الكاف بعد حركة قصيرة أضيفت بالفارسية الحديثة هاء للاحتفاظ بفتحة الحرف الأخير بعد حذف الكاف نحو "سادك" بالفهلوية صارت "ساده" بالفارسية الحديثة، فالجيم في الكلمة المعربة "ساذج" مبدّلة من الكاف الفارسية ولا من الهاء. الفصل الثاني من هذا الباب في اللغة اليونانية، وكشف اللثام فيه عن المقصود من كلمة "الرومية" عند اللغويّين العرب، والفرق بين اليونانية والرومية ممّا اشتبه على كثير من الباحثين. والفصلان الثالث والرابع في اللغتين اللاتينية والسريانية بالترتيب. أمّا الفصل الخامس فهو في العبرية والحبشية والهندية، وقد أورد في هذه الفصول جملة من الكلمات التي دخلت في العربية منها. الباب الثالث في تغيير المعرب. وتناول فيه الباحث أنواع التغيير التي طرأت على الدخيل عند التعريب. وفيه أربعة فصول: الفصل الأول في الإبدال غير اللازم الذي أشار إيه سيبويه عندما قال: "فأبدلوا مكان الحرف الذي هو للعرب عربيًا غيره". والفصل الثاني في الإبدال اللازم، ومنه تغيير الحروف والحركات وتغيير بناء الكلمة. والفصل الثالث في ضروب أخرى من التغيير تعرّضت لها الكلمات الدخيلة لأسباب شتّى. والفصل الرابع في أنّ العامة تكلّمت بالكلمات المعربة من غير تغيير فعاشت الصيغ الأصلية على ألسنتهم. هذا الباب الأخير كله يشتمل على فوائد عزيزة ونظرات دقيقة، لكن أكثر فصوله طرافًة وإمتاعًا هو الفصل الثالث، وهو بحث مبتكر لم يسبق إليه. وذكر فيه الأستاذ المحقّق ثلاثة عشر سببًا أدّت إلى الضروب الأخرى من التغيير: منها توهّم كون الدخيل جمعًا. ومن أمثلة ذلك كلمة "قرميد" أصله اليوناني "قراميدا" فعرب "قراميد" ثم قيل للمفرد "قرميد". ونحو "جاموس" أصله الفهلوي

gavmesh فنقل إلى "جواميس" للمفرد. ومنها توهّم زيادة الألف والنون، وتوهّم زيادة الواو والنون، وتوهّم زيادة الألف واللام، وتوهّم زيادة أبو وغير ذلك. ومن جملة الأسباب التي ذكرها الباحث: "حذف شطر الكلمة"، وأورد له عدّة أمثلة، أطرفها كلمة "أدرة قيلة". يقول في تحليلها الذي هو أبو عذره: "هي يونانية، وأصلها "هدوركيله"، وهو انتفاخ الخصية لانسكاب سائل فيها. وهو مركب من (هدرو) أي الماء و (كيله) أي الورم، فيكون معنى الكلمة بشطريها ورم في الخصية بسبب نزول الماء فيها. ومنها Hydrocele بالإنكليزية. فحذفوا منها الشطر الثاني واستعملوا الشطر الأول وهو الأدرة، وقالوا للمصاب بها الآدر والمأدور، ولم يشر إلى عجمته أحد من اللغويّين. أمّا الشطر الثاني فلم يذهب سدًى، فإن كان الشطر الأول دخل في الكتب وجرى على ألسنة العلماء والناس المثقّفين، فإنّ الشطر الثاني راج بين العامة، ففي اللسان (أدر): الأدرة .. وهي التي تسمّيها الناس "القيلة" .... هكذا نشأت كلمتان من كلمة واحدة". (ص 80). بعد هذه المقدّمة المفيدة الوافية التي استغرقت 75 صفحة من الكتاب يبدأ نصّ الجواليقي في ص 91 مأخوذًا من طبعة الأستاذ أحمد شاكر، وقد طبع النصّ بالحرف الأسود، ويتلوه تعليقات الأستاذ المحقّق. وقد أقام عمود دراسته للألفاظ المعربة على أربعة أمور ذكرها في تصديره قائلاً: 1 - أعزو الكلمات إلى لغاتها، فقد وقع خطأ في كلام اللغويّين في هذا الصدد بالنسبة إلى بعض الكلمات، وسبحان من لا يخطئ، فقد ذكروا أنّ الأستار والاسفنط والبند والروشم والفندق من الفارسية، وهذا ليس بصحيح. 2 - أذكر أصل الكلمات الدخيلة مكتوبًا بحروفه الأصلية فإن اللغويّين لم يفعلوا هذا إلاّ بالنسبة إلى بعض الكلمات الفارسية.

3 - أذكر المعنى الأصلي بالنسبة لبعض الكلمات مع ذكر ما قيل خطأ في أصلها. فقيل مثلاً إن الديوان أصل معناه الجنّ، والزنديق أصله "زن دين" أي دين المرأة. 4 - أذكر التغييرات التي طرأت على حروف الدخيل وبنائه عند التعريب، وأعلّلها من الناحية الصوتية. (ص 6). وليستكمل جوانب البحث، التزم في منهجه الذي سار عليه في تعليقاته أمورًا أخرى جلبت للباحث والقارئ فوائد كثيرة. فيشير في تعليقه أولاً إلى مصدر المؤلّف، وإذا كان المؤلّف قد تصرّف في العبارة الأصلية تصرّفًا غير يسير يورد العبارة الأصلية بتمامها، وإذا كان الاختلاف يسيرًا يكتفي بذكر موضع الخلاف. ثمّ يذكر أقوال اللغويّين الآخرين فيما يتّصل بأصل الكلمة ومدلولها. ويذكر اللغات المختلفة للكلمة إن وجدت. فذكر في كلمة بغداد مثلاً ثلاث عشرة لغة (ص 196) وإذا كانت الكلمة دخلت في لغات أخرى أيضًا يشير إليها. وهكذا درس المحقّق الفاضل جميع الكلمات الواردة في كتاب المعرب دراسة دقيقة مستوفاة، ووضع ما قاله الجواليقي وغيره من علماء اللغة موضع النقد والتمحيص. فصحّح أخطاء، وأزال أوهامًا، وفتح مغاليق، ولكن في أسلوب علمي هادئ رصين، بعيدًا عن التبجّح والتعالم والهوى. فلم ير غضاضة في الاعتراف بأنّه لم يقف على أصل الكلمة الدخيلة في عدة مواضع من الكتاب. انظر مثلاً ص 502 وص 537 وص 601. وكم من كلمة زعمها بعض اللغويّين القدامى دخيلة وأثبت المحقّق الفاضل عروبتها نحو البارح (ص 184) والتجفاف (ص 223) والسرح (ص 400) والتكوير (ص 545) والمعزى (ص 601) وغيرها. يقول الجواليقي في التجفاف: "فارسي معرب، وأصله بالفارسية تن باه أي حارس البدن، وفي

الحديث قال أبو فرقد: رأيت على تجافيف أبي موسى الديباج" فأورد المحقّق في تعليقه أولاً أقوال ابن دريد والأزهري والجوهري والفيروز ابادي، ثمّ قال: "لم يشر إلى تعريبه إلاّ المؤلّف، وتبعه الخفاجي (ص 82) وذكره أيضًا أدي شير (ص 34). قال الخفاجي وأدي شير إن أصله "تن بناه". وهذا هو الصواب، وما ذكره المؤلّف خطأ، إذ "تن" معناه البدن و"بناه" معناه الوقاية. لكن أين هذا اللفظ من "تجفاف"؟ لا يكاد الفرع وأصله المزعوم يتّفقان في شيء. والصواب أنّه عربي، ففي اللسان: ذهبوا فيه إلى معنى الصلابة والجفوف .... (ص 223 - 224). ولنعرف كيف كانت الروح العلمية تحكم منهجه لدراسة الألفاظ الدخيلة نقرأ السطور التي استهلّ بها الفصل الذي خصّصه لذكر ضوابط معرفة الدخيل في مقدّمته. يقول فيها: "لا يكفي مجرّد اتّحاف الحروف بين كلمتين إحداهما عربية والأخرى أعجمية، للحكم على الأولى أنّها مأخوذة من الثانية، من غير أن نأخذ في الاعتبار أمورًا أخرى هامّة كاشتقاق الكلمتين وتطوّرهما عبر العصور وتاريخ الاتصّال بين اللغة العربية واللغة التي منها هذه الكلمة المشابهة للكلمة العربية ... فكلمة "الفت" بمعنى الأعسر كثيرة الشبه بكلمة Left الإنكليزية وهي بمعنى الشمال، غير أنّ هذا مجرّد وفاق بين اللغتين، وذلك لأنّ اللغة العربية لم تأخذ كلمات من اللغة الإنكليزية في العصور القديمة. وكلمة "ألفت" قديمة، ولها أصل في العربية، وهي مأخوذ من لفته إذا لواه. ومنه يقال للتيس الملتوي أحد قرنيه ألفت". ثمّ قال: "وكذلك لا يمكن دفع العجمة عن كلمة دخيلة من غير الرجوع إلى أصلها وتاريخها ... أنّ كلمة "بَلْغَم" لم ترد في معظم المعاجم، والتي ذكرتها لم تشر إلى عجمتها، وليس في حروفها ولا في بنائها شيء يحملنا على

الشكّ في عروبتها. غير أنّ الذين يعرفون اليونانية يرون أنّها مأخوذة من Phlegma اليونانية. ولها أصل في اليونانية معروف. فهي مشتقّة من فعل يفيد معنى الاحتراق، والمعروف أن الأطبّاء القدامى كانوا يعتقدون أن البلغم نتيجة الاحتراق في الجسم، فهذه من المصطلحات الطبية التي أخذتها العرب من اللغة اليونانية" (ص 18 - 19). وقد أحببت أن أقدم هنا نماذج كاملة من هذا الكتاب تبيّن للقارئ الكريم كيف طبق فيها الأستاذ المحقّق منهجه المشار إليه، ولكن أنّى لمطبعتنا أن تسعفنا بالحروف اليونانية والعبرانية والسريانية والسنسكريتية في وقت واحد، فنكتفي بما ورد من الأمثلة المقتضبة في هذا العرض السريع عسى أن تكون دالّة على ما وراءها من الجهد العظيم. وكم وددنا - ونحت نطالع هذا العمل - لو نهض الأستاذ الفاضل بعمل تالٍ يستدرك على كتاب الجواليقي، يستقصي جميع الكلمات المعربة والمولدة التي دخلت في اللغة العربية فيما بعد ويدرسها مثل هذه الدراسة، فيستقلّ بهذا الباب من أبواب المعجم العربي. ولا يفوتنا في ختام هذه العجالة أن نقدّم تحياتنا للأستاذ الفاضل الدكتور ف. عبد الرحيم على هذا العمل الشامخ الذي خدم به اللغة العربية الشريفة والذي سيبقى مرجعًا معتمدًا في موضوعه للباحثين. ونشكره على هذه الهدية النفيسة التي أثرى بها المكتبة العربية الزاخرة. ونسأل الله تعالى أن يبارك في عمره وجهوده، ويوفقنا وإياه لما يحبّ ويرضاه.

مواقف أدبية ولغوية (1) في كتاب الجماهر لأبي الريحان البيروني أبو الريحان البيروني (362 - 448 هـ) من طليعة أعلام الثقافة الإسلامية وأبنائها الأفذاذ الذين أنجبتهم في أخصب عصورها الأدبية والعلمية، وكانت عبقريّته متعدّدة الجوانب متشعّبة النواحي. وأبت له نفسه الطموح وطبيعته المتطلّعة وهمته البعيدة أن يرضى بفن دون فن، ويقتنع بعلم دون علم، وكانت حاله كما قال أبو العلاء المعري: ولي منطقٌ لم يرض لي كنه منزلي ... على أنني بين السِّماكين نازل وأعانه على شفاء غليله وتحقيق تطلّعاته ما وهبه الله تعالى من توقّد الذهن، وحدة الذكاء، ودقّة الملاحظة، ونفاذ البصيرة، مع شغف بالعلم، وهيام بالحكمة، وتحرّر من سلطان الهوى والعصبية. فأكبَّ على كل ما حوته الثقافة الإسلامية في عصره من علوم عقلية ونقلية وعربية وعجمية بعقل مفتوح، وبجهد مستمر ونشا دؤوب، لا يكلّ ولا يملّ. "فلا يكاد يفارق يده القلم، وعينه النظر، وقلبه الفكر" (2). فلم يترك ثنية إلا طلعها، ولا عقبة إلا اقتحمها، فتخصّص في الرياضيات والهيئة، وتضلع من الفلسفة، والتاريخ، والجغرافيا،

_ (1) قدّم إلى المهرجان الذي عقد في حيدر أباد الدكن سنة 1975 م بمناسبة مرور ألف سنة على وفاة البيروني، ثمّ نشر في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلّد 61، الجزء الأوّل (1986 م) ص 81 - 124. (2) معجم الأدباء (طبعة دار المأمون) 17: 181.

والطب، والطبيعيات، والكيمياء، والحيوان والنبات، وطبقات الأرض، وعلم الأديان مع مشاركة في العلوم الشرعية والأدبية. وأبي أن يكتفي بالوسائط مخافة أن يخلط ويخبط، ويضلّ ويضلّ، فوطّن نفسه على الاستقاء من مناهل ثقافته مباشرة، فتعلم عددًا من اللغات الأجنبية وأهمّها السنسكريتية وأجادها. فتنوّر عقله، وتوسّعت ثقافته، وسلمت معرفته، فصحّح كثيرًا من الأخطاء الشائعة، وفند كثيرًا من الأخبار المنقولة. أمّا اللغة العربية فكان البيروني - مع نشأته الأعجمية - مغرمًا بها. وقد بلغ حبّه لها إلى أن قال في كتاب الصيدنة: "الهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية" (1). فأقبل على علوم العربية من اللغة والأدب والبلاغة والشعر والعروض، فصار من أعلامها. وعدّه ياقوت من الأدباء واللغويين والشعراء المجيدين وإن لم يكن شعره - كما قال ياقوت - في الطبقة العليا فإنّه من مثله حسن (2). ونقل خمسة وثلاثين بيتًا من قصائده المختلفة، تدور حول الأغراض الشعرية الشائعة في عصره من المدح والفخر والهجاء والوعظ والإخوانيات. وذكرت المصادر عدّة آثار أدبية للبيروني منها: شرح شعر أبي تمام، وقد رآه ياقوت بخط البيروني، والتعلّل بإجالة الوهم في معاني نظم أولي الفضل، ومختار الأشعار والآثار، وكتاب الدستور في أحاسن المحاسن، ولكن هذه الكتب الأدبية التي كانت تستطيع أن تمثّل الجانب الأدبي لشخصية البيروني أصدق تمثيل ضاعت فيما ضاع من عظيم كنوز الثقافة الإسلامية وتراثها العلمي والأدبي.

_ (1) كتاب الصيدنة (تحقيق محمد سعيد ورانا إحسان الهي، كراتشي 1973): 13. (2) معجم الأدباء 17: 186 - 190.

(11) مواقف أدبية ولغوية في كتاب الجماهر لأبي الريحان البيروني

كتاب الجماهر في معرفة الجواهر وكان من حسن حظ العلم والأدب والشعر أن من آثار البيروني الخالدة التي أفلتت من أيدي الضياع كتابًا في الجواهر والفلزات سمّاه "كتاب الجماهر في معرفة الجواهر" نشرته دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الدكن سنة 1355 هـ، وقد بالغ المستشرق الألماني الدكتور سالم الكرنكوي (1872 - 1953 م) في تصحيح الكتاب، ولكن الحاجة لا تزال ماسّة إلى طبعة محقّقة مضبوطة لهذا الكتاب القيّم، فقد بقي فيه من التصحيف والتحريف ما استعصى على المصحّح وشوّه الكتاب تشويهًا (1). وقد صنّف البيروني هذا الكتاب في أواخر عمره لشهاب الدولة أبي الفتح مودود بن السلطان مسعود بن السلطان محمود الغزنوي (412 - 441)، كما صنّف له كتابًا آخر في المحاسن وهو الدستور، وكان السلطان مودود آخر ملك اتّصل به البيروني. وكتاب الجماهر من أهم مصادر علم المعادن والجواهر والفلزات، ولكن ليس كتابًا علميًا يقتصر على المباحث العلمية فحسب، بل هو جدير - بفضل ما يحويه من ثروة لغوية وشعرية قيّمة - بأن يعد من مصادر الأدب والشعر واللغة والأخبار كذلك. فهو كتاب يجمع بين حقائق العلم، وغرائب الأخبار، ومحاسن الشعر، وبدائع القول، ولطائف النقد، وطرائف الحكم، وشوارد اللغة، وفوائد التاريخ والاجتماع والاقتصاد والفقه والتفسير وكل ما له صلة قريبة أو بعيدة بموضوع الكتاب. وألّف البيروني كتاب الجماهر - وهو شيخ أحكمته التجارب - بعد ما طوّف في الآفاق وشاهد من صروف الزمان وتقلّبات الأحوال، وبعدما جال

_ (1) علمت بأخرة أنّ طبعة جديدة للكتاب صدرت في طهران بتحقيق الأستاذ يوسف الهادي سنة 1995 م، ولمّا أطلع عليها.

فكره وصال، وأغار قلمه وأنجد في الموضوعات العلمية والأدبية المختلفة المتباينة، فأفرغ في هذا الكتاب عصارة تجاربه العلمية، وأودعه حصيلة معارفه المتنوّعة، فجاء كتابًا ممتعًا خفيفًا، غزير المادة سهل المأخذ، يقبل عليه العالم والأديب والشاعر واللغوي والأخباري بنفس اللذة والشوق والعناية. ويبدو أنّ البيروني تأثّر في كتاب الجماهر بأسلوب الجاحظ في كتاب الحيوان وخاصة في ظاهرة الاستطراد، وقد قرأه ونقل منه في هذا الكتاب، غير أنّ هذا التأثير لا يلاحقه في كتبه العلمية الأخرى التي يتمسّك فيها بحبل الكلام تمسّكًا قويًا، ولا يخرج عن الموضوع البتة. وقد استرعى كتاب الجماهر انتباه الباحثين، فنشر الأستاذ محمد يحيي الهاشمي دراسة اقتصادية له في مجلّة المجمع العلمي العربي بدمشق (1)، كما تناوله من الناحية العلمية الدكتور فاضل أحمد الطائي ونشر مقالة في مجلّة المجمع العلمي العراقي (2). أمّا هذا البحث فهو محاولة متواضعة لاستعراض الثروة اللغوية والشعرية التي يحويها كتاب الجماهر، وكشف ملامح الشخصية الأدبية للبيروني، واستشفاف بعض آرائه ونظراته في اللغة واتّجاهاته في النقد. ترويحات الكتاب يشتمل كتاب الجماهر على فاتحة، وفصلين بينهما خمس عشرة ترويحة، ومقالتين إحداهما في الجواهر والأخرى في الفلزات. أمّا الترويحات فهي مقدّمات تمهيديّة أدارها حول التنويه بموضوع الكتاب من جوانبه المختلفة، وتطرّق فيها إلى الحديث عن عدد من مشكلات الاجتماع والاقتصاد والأخلاق ومصالح الشريعة. وهذه الترويحات جديرة بدراسة مستقلّة ويحمل بعضها مادة أدبية غزيرة مثل الترويحة السادسة (ص 10 - 12) التي

_ (1) مجلّة المجمع العلمي العربي بدمشق 15: 2. (2) مجلّة المجمع العلمي العراقي: 24، 25، 27.

تحدث فيها البيروني عن المروءة والفتوة وفرق بينهما، فقال: "المروءة تقتصر على الرجل في نفسه وذويه وحاله، والفتوّة تتعدّاه إلى غيره، والمرء لا يملك غير نفسه وقنيته التي لا ينازع فيها أنّها له، فإذا احتمل مغارم الناس وتحمل المشاق في إراحتهم، ولم يضن بما أحل الله له وحرمه على من سواه فهو الفتى الذي اشتهر بالقدرة عليها وعرف بالحلم والعفو والرزانة والاحتمال والتعظم". ثمّ نقل حكاية عن جحظة البرمكي أنّه "كان رجل بالبصرة يلبس كل يوم أحسن ثيابه، ويركب أفره دوابه، ويسعى في حاجات الناس فقيل له في ذلك، فأجاب: إنّي قد تلذذت بصافي عقار الدنان، وشربتها على أوتار مجيدات القيان، كأنّها أصوات الأطيار في الأشجار بغرائب الألحان، في أطيب الزمان، فما سررت منها بشيء سروري برجل أنعمت عليه، فشكرني عند الإخوان". وأضاف إلى ذلك ما قيل في الفتوّة فقال: "ولهذا حُدَّت الفتوّة بأنّها بشر مقبول، ونائل مبذول، وعفاف معروف، وأذى مكفوف". ثمّ نقل البيروني ما وقّع به إسماعيل بن أحمد الساماني (ت 295 هـ) على كتاب لأحد أبناء أهل البيوتات حينما توسّل إليه بآبائه: "كن عصاميًا لا عطاميًا"، وشرح التوقيع، وأيّده بآية كريمة، وحكى قول بعض اليونانية وقول الشاعر العربي. ويفصل البيروني الكلام في الفتوّة ومظاهرها حتّى يفضي إلى أحاديث الصعاليك وحاتم الطائي وكعب بن مامة الإيادي، ويختم الترويحة بشعر رائع في وصف الفتيان نحو قول الشاعر: [يجود بالنفس إذ ضن الجواد بها] ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود وقول عمرو بن الأهتم: وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... لشرب صبوح أو لشرب غبوق ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرِّ عدو أو لنفع صديق وقول علي بن الجهم: ولا عار إن زالت عن الحرِّ نعمة ... ولكن عارًا أن يزول التجمل

ويشرح البيروني قول علي بن الجهم فيقول: "عنى بالأول الفتوّة إذ لم يتمكّن منها إلاّ بسعة اليد واتّساع النعمة، وربّما التوى الاجتهاد في حيازتها، ولا ملام على من لم تساعده المقادير على نيل المطلب، وعنى بالأخير المروءة فإنّ أنفس الأحرار تأبى الانخزال، وتبعث على التصوّن من الابتذال، فيظهر السعة، ويخفي الضيق ما أمكن حتّى يحسبهم الجاهل بأحوالهم أغنياء من التعفّف" إلى آخر قوله. وكما تحدّث البيروني في الترويحة التي عرضناها عن الفتوّة ومظاهرها تكلّم ف يالترويحة التاسعة (ص 17 - 22) على الطهارة والنظافة والتجمّل والتطيّب ممّا عليه مدار المروءة التي يعتبرها البيروني "قطب المحامد" وقال: إنّ مدار الأمر في نظافة الإنسان على الماء الطهور، واحتجّ على ذلك بواصايا العرب والعربيات لبناتهن، ونقل منها سبع وصايا كلّها "ترجع إليه وتدور عليه" منها قول عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لابنته حين زوجها: "إيّاك والغيرة فإنّها مفتاح الطلاق، وأنهاك عن إكثار العتاب فإنّه يورث البغضاء، وعليك بالزينة، وأزينها الكحل، وبالطيب وأطيبه الماء". وبعد التنبيه على أهمّية طهارة الجسم، وتجميل البشرة، وفضل الماء فيها، نبّه على أهمّية طهارة الثياب، ونقل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سئل عن المروءة فقال: "إنّها النظافة في الثياب" وقال غيره: "المروءة الظاهرة في الثياب الطاهرة". واستدلّ البيروني على أهمّية نظافة الثياب وجلالة محلّها بما قيل فيمن خالفها من شعر، وبتعبير العرب عن طهارة النفس والقلب بنقاء الثوب والإزار والجيب والذيل، ولا ينسى ما "قال بعض أهل التفاسير في قوله تعالى} وثيابك فطهر {أنّ معناه: قلبك ونيّتك"، ويرى البيروني أنّ ذلك "محتمل وظاهر الآية وباطنها كلاهما في نهاية الحسن على موجب العقل". والترويحة العاشرة (ص 22 - 24) تتناول مظهرًا آخر من مظاهر النظافة التي تكمّل به، وهو التطيّب بالروائح الأرجة، وهنا يبرز ذكاء البيروني في

التوفيق بين الحدود المختلفة للمروءة من اجتناب المحارم وكفّ الأذى، ومن الإرادة للغير ما يراد للنفس، وأن لا يعمل سرًّا ما يستحي منه في العلن فيقول: "ومن حسّن خلقه بتحسين الخلق، وهيّأ مطعمه بالطيب من الحلال، وأشرك غيره بالتسوية، واحتشد فيما زاول بالنظافة، وتمّمه بالطيب الذي هو أحد ما حبّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من علائق الدنيا فقد سرّ أكيله، وآنس جليسه، وأكرم نديمه، وكف أذاه، وأراد له ما أراد لنفسه، وخرج عن العهدة الواردة فيمن منع رفده، وأكل وحده، وضرب عبده". منهج الكتاب ونموذج من استطراد البيروني: أمّا المقالة الأولى فهي في الجواهر وأشباهها وتوابعها والأحجار الكريمة، وأمّا الثانية فهي في الفلزات والشبه المعمولات والممزوجات بالصنعة. ومنهج البيروني في هاتين المقالتين - بصورة عامة - أنّه يستهلّ البحث بآية كريمة إذا وردت فيه، ثمّ يعدد أسماء الجوهر في اللّغات الأخرى، ثمّ يورد أسماءها وصفاتها عند اللغويين والجوهريين، ويشرحها وينتقدها أحيانًا، ويسهب بعد ذلك في المباحث العلمية من خواص الجوهر وأنواعه وألوانه ومعادنه وطرق استخراجه وما يفسده وما يصلحه وثقله النوعي، ثمّ ينقل الأخبار والأساطير والشعر والأمثال والتشبيهات ومسائل الفقه والتفسير وكل ما له صلة بالموضوع حتّى أصبح الكتاب موسوعة في الجواهر والفلزات. ويتخلّل هذه المباحث فصول من اللغة والنقد واستطرادات تطول وتقصر. وأول استطراد في الكتاب استغرق خمس صفحات (56 - 61) وذلك أنّ البيروني عقد فصلاً عنوانه: "أخبار في اليواقيت والجواهر"، وذكر فيه بعض الجواهر التي كانت قنية الأكاسرة وانتقلت إلى المسلمين حينما فتحوها، ووصف حال الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم بالانقباض عنها وصرفها إلى سائر المسلمين، ومدح خلفاء بني أمية "بعدم الترعن غير نفر أو نفرين" فتوفّرت

الجواهر في خزائنهم، ثم ذكر الدولة العباسية ونقد المقتدر وأمّة نقدًا شديدًا، ونقد كذلك حكم النساء فقال (ص 58): "قال الصادق في قوله: فلا كانت الدنيا إذا ساسها النِّسا ... وإن سسن يومًا فالسلام على الدنيا وإن ترد شاهدًا على صدقه فقل من تحمد من النساء كزبيدة في أكثر الفضائل، وسبحتها من يواقيت رمانية كالبنادق مخروزة بمثل شرائح البطيخة، إذا وجد منها الآن شيء عرف بها ونسب إليها، والدر المثقوب بالتصليب من أمرها لتتّخذ منها للوصائف ثيابًا منسوخة منها. وخبر قردها ومقتله وصلاتها عليه واستماعها مرثيته وبكاؤها عليه من القوادح في العقل، وحكايتها محظورة لعظم الحرمة. ثم ماذا يقال بعدها فيمن لا يصلح أن يكون ترابًا لموطئها". ثم يقارن البيروني بين المقتدر ومن قبله من الخلفاء مثل هارون الرشيد، وتطرّق الحديث إلى حظيته خالصة، وقصّتها التي كانت سببًا لتلقيبها بهذا اللقب، وشعر أبي نواس الذي أشار فيه إلى تلك القصة، وهو قوله: لقد ضاع شعري على بابكم ... كما ضاع درّ على خالصه فشكته خالصة إلى الرشيد، فاستحضر أبا نواس وسأله عما حمله على ذلك "فأجابه بأنّ الغلط وقع من الراوي بظنّه الهمزة عينًا، فأظهر الرضا به منخدعًا للتكرّم ومرضيًا للشاكية". ويعلّق البيروني على الخبر فيقول: "ومتى يذهب ذلك على مثل الرشيد وهو من جهابذة الشعر". ويشتطرد البيروني إلى قصّة الحطيئة والزبرقان بن بدر بين يدي عمر بن الخطاب، وقصّة البسامي الشاعر وعبيد الله بن سلمان بن وهب وزير المعتضد وهي قصّة طويلة جاءت في أكثر من صفحتين، ولمّا فرغ منها تنبّه على أنّه أبعد، وخرج عمّا كان فيه فقال: "نرجع الآن إلى ما كنا فيه". وربّما يشير البيروني إلى

غرضه من الاستطراد فيقول (ص 38): "ولنرجع إلى ما كنّا فيه، فما انحرفنا عنه إلا لإشباع التفهيم". البيروني اللغوي: أمّا مباحث اللغة والنقد التي يتضمّنها الكتاب فلا نستطيع أن نعرضها جميعًا، لضيق المجال، ولكن سوف نحاول أن نقدّم صورًا منها تتجلّى فيها شخصية البيروني اللغوي والبيروني الناقد. ظاهرة لغوية ورأي البيروني فيها: من الظواهر البارزة التي يلمسها كل أحد في اللغة العربية واللغة السنسكريتية كثرة الأسماء لمسمّى واحد، ويفطن البيروني لأسباب ذلك، ولكن يعدّها من أعظم معايب اللغة إذا لم ترجع إلى اختلاف القبائل واستئثار كل منها باسم معيّن، وأراني مضطرًا إلى نقل ما قاله في كتاب الهند ليتّضح رأيه في هذه الظاهرة، فقال في مقدّمة الكتاب وهو يتحدّث عن الأمور الحائلة دون ارتباط العرب بالهند: "إن القوم يباينوننا بجميع ما يشترك فيه الأمم، وأوّلها اللغة وإن تباينت الأمم بمثلها. ومتى رامها أحد لإزالة المباينة لم يسهل ذلك لأنّها في ذاتها طويلة عريضة تشابه العربية. ويتسمّى الشيء الواحد فيها بعدّة أسامٍ مقتضبة ومشتقة. وبوقوع الاسم الواحد على عدّة مسميات محوجة في المقاصد إلى زيادة صفات إذ لم يفرّق بينها إلاّ ذو الفطنة لموضع الكلام وقياس المعنى إلى الوراء والأمام. ويفتخرون بذلك افتخار غيرهم به من حيث هو بالحقيقة عيب في اللغة" (1).

_ (1) كتاب الهند (دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الدكن سنة 1958 م): 9.

ويكشف البيروني هذا العيب في موضع آخر من الكتاب نفسه وهو يذكر عدد الأرضين وأسماءها عند الهنود فيقول: "لم يختلفوا في عدد الأرضين ولا في الأقسام العليا، وإنّما اختلفوا في أساميها، وفي ترتيب الأسامي. فربّما أحمل ذلك الاختلاف على سعة اللغة، فإنّهم يسمّون الشيء الواحد بأسماء كثيرة جدًا، والمثال بالشمس فإنّهم سمّوها بألف اسم على ما ذكروا، كتسمية العرب الأسد بقريب من ذلك، بعضها مقتضبة اقتضابًا، وبعضها مشتقّة من الأحوال المغايرة فيه أو الأفعال الصادرة. وهم من شابههم يتبجّحون بذلك، وهو من أعظم معايب اللغة. فموضوعها إيقاع اسم على كل واحد من الموجودات وآثارها بمواطأة بين نفر، يعرف بها بعضهم عن بعض غرضه عند إظهار ذلك الاسم بالنطق، فإذا كان الاسم الواحد بعينه واقعًا على عدّة مسمّيات دلّ على ضيق اللغة، وأحوج السامع إلى سؤال القائل عمّا يعنيه بلفظه، فسقط ذلك الاسم إمّا بآخر مثله يغني، وإمّا بتفسير معرف للمعنى. وإذا كان للشيء الواحد أسماء كثيرة، ولم يكن سبب ذلك استبداد كل قبيلة أو كل طبقة بواحد منها، وكان في الواحد منها كفاية اتّصفت الباقية بالهمز والهذيان والهذر، وصارت سبب التعمية والإخفاء أو تحمل المشاق لحفظ الجملة بلا فائدة غير ضياع العمر" (1). أمّا في كتاب الجماهر فذكر هذه الظاهرة عدّة مرّات ولم ينس الهنادك، فقال (ص 104): "وأسماء الشيء الواحد تكثر بحسب اللغات، ويزيدها كثرة تمايز الطوائف بالشعوب وتحيّزها بالقبائل حتى إنّ لغاتها وإن لم تتغاير بالكلية فإنها تختلف بالشيء بعد الشيء. وللهند ولوع بكثير الأسامي لمسمّى واحد تقتضب بعضها وتشتقّ بعضها من صفاتها وحالاتها". وقال في موضع آخر (ص 107): "وأسماء اللآلي تكثر في العربية جدًا ككثرة أسماء الأسد فيها، ولسنا

_ (1) المصدر السابق: 112.

نشتغل بذكر جميعها عجزًا مرة، واستثقالًا أخرى". ولعلّك تستغرب هذا الرأي بعد ما علمت أنّ البيروني لم يكن فلسفيًا فحسب بل كان أديبًا وشاعرًا ولغويًا. وممّا يزيد الأمر غرابة أنّ البيروني لا يجهل أسباب تعدّد الأسماء وكثرتها، وقد أشار إلى بعضها في العبارة السابقة، فكيف يفنّد هذه الظاهرة التي تدلّ على مرونة اللغة وحيويّتها وتطوّرها وحدة ذكاء الناطقين بها ودقّة ملاحظتهم ورهافة شعورهم وخصب خيالهم وقدرتهم على التفنّن في التعبير والتصوير، ولذلك تعدّ من أكبر ميزات اللغة وخصائصها، ويحقّ لأهلها أن يفتخروا ويتبجّحوا بها. فكيف غمّ الأمر على صاحبنا العبقري؟ وما الذي حمله على هذا النقد الشديد؟ للإجابة عن هذا السؤال نرجع مرّة أخرى إلى كتاب الهند الذي يقول فيه البيروني عن كتب الهند: "وكتبهم في العلوم مع ذلك منظومة بأنواع من الوزن في ذوقهم، وقد قصدوا بذلك انحفاظها على حالها وتقديرها وسرعة ظهور الفساد فيها عند وقوع الزيادة والنقصان ليسهل حفظها، فإنّ تعويلهم عليه دون المكتوب، ومعلوم أنّ النظم لا يخلو من شوائب التكلّف لتسوية الوزن وتصحيح الانكسار وجبر النقصان، ويحوج إلى تكثير العبارات، وهو أحد أسباب تقلقل الأسامي في مسمّياتها، فهذا من الأسباب التي تعسّر الوقوف على ما عندهم" (1). وقال في موضع آخر: "وكما أخبرنا أنّ كتب الهند منظومة بشعر، وبحسب ذلك يولعون بالتشبيهات والمدائح البديعة عندهم" (2). يتبيّن ممّا نقلنا أولًا أن الهنود كانوا ينظمون كتبهم العلمية بأوزانٍ من الشعر ملائمة لذوقهم، ويرمون بذلك إلى أن يسهل حفظها على الذاكرة وبقاؤها على أصلها، فإذا اعتراه تغيير وتحريف دلّ عليه الوزن الشعري. وثانيًا أنهم

_ (1) المصدر السابق: 14. (2) المصدر السابق: 326، 327.

كانوا مولعين بالتشبيهات والاستعارات والمجاز ممّا هو أبعد ما يكون من الأسلوب العلمي. والنظم يحبس ويضيّق، والخيال يطلق ويحلّق، فكان طبيعيًّا أن تبرز المادة العلمية في ثوب فضفاض من نسج الخيال، وتكثر ألوان المجاز والكنايات، والذي ينشد الحقائق العلمية المجرّدة يضلّ فيها ويتيه. فاضطرار النظم وإطلاق الخيال كانا يوسعان المجال للأسماء الكثيرة لشيء واحد في الكتب العلمية، وبذلك يتوعّر سبيل الوصول إلى ما فيها، فكان البيروني ينزعج بذلك ويضيق به ذرعًا، لأنّه لم يكن من أهل اللغة السنسكريتية، ولأن هذه الأسماء الكثيرة التي تعجّ بها كتبهم العلمية والتي لا حاجة لها ولا تأثير في حلّ المسألة تحول دون فهمها والاطلاع عليها. فكان ينبغي له أن يفرّق بين الأسلوب العلمي والأسلوب الأدبي ويقول: إن الأسلوب العلمي يفسده النظم ويضادّه الخيال ولا يلائمه إلاّ التعبير القريب الموجز المباشر الذي توزن فيه الكلمات وزنًا دقيقًا، فلا حاجة فيها إلى حشد الأسماء الكثيرة لمسمّى واحد بل يضرّ بذلك بالغرض. ولكن البيروني خلط كخلط الهنود، وأطلق القول فأخطأ الصواب. ولكن لم يستنكر البيروني كثرة الأسماء في كتاب الجماهر استنكاره في كتاب الهند، وإنّما نعى على علماء اللغة الذين حشدوا في المعاجم كل ما سمعوا من القبائل المختلفة للتبجّّح بوفرة ما عندهم، وربّما نحلوا الشعر للاستشهاد عليه، وبذلك نبّه على سبب من أسباب الاضطراب في المعاجم العربية فقال (104 - 105): "وأكثر أصحاب اللغة يجمعون المسموعات كلّ طائفة وقبيلة، ويعسرون بذلك على المستفيد ضبطها من غير فائدة لهم فيها سوى الإغراق في التفاخر والتكاثر حتى إنهم طرحوا الأمانة، وصاغوا للاستشهاد فيها شعرًا طوّقوا أهل المقابر وسمّوه بالأول والآخر عملًا بما قيل في الوصايا: إذا أردت أن تكذب فكن ذكورًا ولا تستشهد بحيّ حاضر يردّه عليك،

واقصد فيها الموتى فإنّه غيب على الأبد. قد اتّهم البيروني هنا علماء اللغة بطرح الأمانة، ووضع الشعر ونسبته إلى الأول والآخر، وهو كلام مرسل لا يصحّ على هذا الوجه من العموم. الثروة اللغوية في كتاب الجماهر يعدّد البيروني في بداية المباحث - كما أسلفنا - أسماء الجواهر والفلزات في اللغات المختلفة نحو اليونانية والرومية والسريانية والسنسكريتية والتركية والفارسية والعربية، فيقول مثلًا في الذهب (ص 232): "هو بالرومية خروصون، وبالسريانية دهبا، وبالهندية سورن، وبالتركية ألطن، وبالفارسية زر". وكذلك يستهلّ فصل الفضّة بذكر أسمائها في هذه اللغات (ص 242): "هي بالرومية أرجوسا، وبالسريانية سيما (1)، وبالفارسية سيم، وبالتركية كمش (2) وبالهندية روپ". ويشرح البيروني هذه الأسماء الأعجمية أحيانًا نحو قوله في المهو (ص 182): "أمّا المهو فهو حجر أبيض يعرف ببصاق القمر وبزاقه، ويسمّى بالرومية أفروسالينوس أي زبد القمر فإنّ القمر هو ساليني". وربّما ينظر في هذه الأسماء ويقارن بينها، ويشير إلى نقل بعضها من بعض نحو قوله في المغناطيس (ص 212 - 213): "وبالهندية كدهك وأيضًا هرباج، وكأنّه منقول من آهن رباي، فإن لحرفي الجيم والياء في أكثر اللغات اشتراكًا به يتبادلان". وقوله في الزجاج (ص 222): "هو بالرومية إيوي لوسيس، وبالسريانية زغروغتا (3)، وكأنَّ الزجاج معربه".

_ (1) كذا ولعلّ صوابه "سينا" بالنون كما في المعجم السرياني لمؤلّفه Payne Smith: 375. (2) بإشمام الكاف الفارسية وإمالة الميم. (3) كذا ولعلّ صوابه "زغوغيثا".

وبعد ذكر أسماء الجواهر والفلزات في اللغات الأعجمية يفيض البيروني في تفصيل أسمائها وصفاتها العربية عند اللغويّين وأصحاب الجواهر شرحًا وتعليلًا ونقدًا ومقارنة. ولا يقتنع بمجرّد ما قاله علماء اللغة، ولكن يتعمّق في تحقيق معنى الكلمة. ويطيل النظر في دواوين الشعراء المتقدّمين منهم والمتأخّرين، ويحاول الوصول إلى أصلها والتغييرات التي طرأت عليها، فينتقد آراء اللغويين ويخالفهم أحيانًا ويدلّ على أخطائهم، ويؤيّد رأيه بكلام العرب ويستعين بثقافته اللغوية الواسعة التي بذَّ فيها علماء اللغة، فيتوسّع في المباحث اللغوية. وربّما يعقد فصلًا طويلًا في اللغة يستغرق سبع عشرة صفحة كفصل "أسماء اللآلي وصفاتها عند اللغويّين" (ص 107 - 124). وهنا تظهر شخصيّته اللغوية واضحة الملامح بارزة المعالم. وإن هذه الثروة الغنية من الكلمات الأعجمية والعربية التي يزخر بها كتاب الجماهر تجعله من أهم مصادر اللغة، ومما يزيد قيمته اللغوية أن المعاجم اللغوية الموجودة تخلو من كثير من هذه الكلمات والفوائد اللغوية الأخرى، فلا يمكن الاستغناء عنه عند إعادة النظر في المعجمات العربية وإعداد معجم عربي موعب. تحقيقات وتعليقات لغوية: 1 - ومن الكلمات التي أطال الكلام فيها وأكثر من الاستشهاد بالشعر حتّى استغرق البحث ثلاث صفحات كلمة "البحر" وكلمة "الجمانة". وقد استوعب البيروني كل ما قيل في سبب تسمية البحر بالبحر مع الشواهد الشعرية، فذكر أنّ عليّ بن عيسى اعتمد فيه الكثرة، وأبو حنيفة الدينوري السعة، ويرى صاحب ديوان الأدب أن البحر سمّي لاستبحاره أي انبساطه، وقيل إنه من أبحر الماء، إذا ملح، وقيل: سمّي بحرًا لبعد قعره وانشقاق الأرض وانخفاض وجهها بعمقه.

ولكن البيروني أدلى برأيه بعد سرد هذه الأقوال، وهو أنّه سمّي لتغيّر مائه بالغلظة والكدورة، يقال: دم باحر وبحراني إذا كان ثخينًا أسود (ص 139، 140). 2 - أما كلمة "الجمانة" فحكى فيها قولين: أحدهما أنّها اللؤلؤ، والآخر أنّها مصوغة من فضّة، ثم أورد أحد عشر بيتًا منها بيتان لامرئ القيس وبيت لكل من عدي بن زيد وحاتم الطائي والنابغة الذبياني من شعراء الجاهلية، ولذي الرمّة وقيس بن الملوح من شعراء العصر الإسلامي، وللمتنبي والخوارزمي من المتأخّرين، عدا أبياتًا للأعشى والأسود بن يعفر جاء بها الاستطراد. وهذه الأبيات كلها تحتمل عند البيروني أن يكون الجمان لؤلؤًا، كما يحتمل أن يكون مصوغًا من فضة. ثم أتى ببتيني أحدهما للبيد بين ربيعة والآخر للمسيب بن علس يصرحان بأن الجمان هو اللؤلؤ، ثم يتبعهما بيتًا لهدبة بن خشرم يصرح بأنه معمول من الفضّة. وبعد سرد هذه الأبيات التي قسمها إلى ثلاثة أقسام يشير إلى قول في الجمان بأنه فارسي معرب (1)، ويعلّق عليه قائلًا: "فإن كان كذلك فهو من كمان" وهو الظن الذي لا يتحقّق معه أهو اللؤلؤ أم مشبه به، وهذا يميل إلى أنّه معمول من الفضّة، فقلّما تقع الشبهة في اللؤلؤ، وإنّما تقع في أشباهه" (ص 109 - 112). 3 - ومن الكلمات التي استعان البيروني في تحقيقها بثقافته الهندية كلمة "العندم". وكثرت هذه الكلمة في كلام العرب كما كثر اختلاف علماء اللغة فيها فقال حمزة: إنّه جريال العصفر، وحمله قوم على البقَّم، وآخرون على الأيدع، وقال أبو حنيفة الدينوري مخبرًا عن بعض الأعراب أنّها بقلة تسمّى النيل لها نور أحمر مظلم يسمّى: العندم. ثم نقل عن الفارابي صاحب ديوان الأدب أن العندم دم الأخوين وقال: يسمّى بالفارسية "خون سياؤشان" لاعتقادهم فيه أنه ينبت من دم سياؤش بن كيكاؤس المسفوح على الأرض. وهنا تدله ثقافته الهندية على

_ (1) انظر المعرب للجواليقي (تحقيق شاكر): 115.

شبه بين اسم العندم في الفارسية وبينه في الهندية فقال (ص 36 - 37): "وقريب منه تسمية الهند إيّاه "باندورت" يعنون دم "باندو" وهم قوم جرى بينهم وبين أعمامهم الملقبين بكورو حروب مشهورة أجلت عن تفاني الفريقين في القتال". ثم ينشد البيروني بيتين للعجاج وردت فيهما كلمة العندم. 4 - ومن الكلمات التي خالفت فيها البيروني علماء اللغة استنباطًا أو ترجيحًا كلمة "العسجد". نقل البيروني عن الفارابي أن العسجد هو الذهب، قال: وهذا الاسم يجمع الجواهر كلّها من الدر والياقوت (1). ويرد البيروني القول الأخير فيقول (ص 232): "وليس كذلك فإن الذهب وحده إذا سمّي عسجدًا، ولم تسم تلك الجواهر على حدتها عسجدًا لزمت الصفة الذهب وفارقتها". ويفطن البيروني لاختلاط الأمر على الفارابي فيقول: "وكأنه ذهب إلى تاج من عسجد وقد تضمّن تلك الجواهر، وظنّ أن العسجد وقع على كل واحد منها، وليس يمتنع أن يقال في مثله "تاج من ذهب" لا يتجّه إلاّ على الذهب وحده، ولا يقع على شيء معه، ولكن يكتفي بذكره عن ذكر ما عليه، إذ التاج لا يخلو من الترصيع، فالعسجد إذن هو الذهب فقط". 5 - ومنها كلمة "المحارة". قال البيروني: إن صغار الأصداف بلبل وكباره محار، وأنشد بيتًا عزاه إلى امرئ القيس، والصواب أنه للشماخ، قال: لها منسمٌ مثل المحارة خفّه ... كأنّ الحصى من خلفه خذف أعسرا (2)

_ (1) لا نجد هذا النصّ على هذا النحو في ديوان الأدب تحقيق الدكتور أحمد مختار عمر، القاهرة 1395 هـ 2: 25 وفيه "العسجد: الذهب" وانظر القول بأنّه يجمع الجواهر كلّها في التهذيب 3: 312 واللسان (عسجد). (2) انظر ديوان الشماخ، تحقيق صلاح الدين الهادي، دار المعارف، 1977 م: 138، ولعلّ البيروني - إذا كان السهو منه - اشتبه عليه بيت الشماخ ببيت امرئ القيس (في =

ونقل قول الخليل بن أحمد إن المحارة اللحم الذي بين دفّتي الصدف وهي حيوانه (1). وردّه البيروني فقال: "وليس كذلك، إنما المحارة: الصدفة، سواء خلت أو امتلأت باللحم"، واستشهد بقول الراعي: فصبَّحن المقرَّ وهن خوص ... على روح يقلّبن المحارا وشرحه بقوله (تتمة ص 3): "أي صبحت الإبل هذا الموضع - وقيل: إنه ساحل البحر - غائرات الأعين واسعات الخطى أخفافها كالأصداف الكبار". 6 - ومنها كلمة "القبقب" قال ابن دريد في الجمهرة: "القبقب ضرب من صدف البحر فيه لحم يؤكل" (2). نقل البيروني ذلك وعلق عليه فقال (تتمة ص 3): "فإن كان كذلك فالأصداف كلها قباقب لأن جميعها يشوى ويؤكل، ويستطاب لحومها ويشبه لحمها وطعمها بطعم البيض المصلوق". 7 - ومنها كلمة "الطِّرَّان" قيل: إن "الطران" هو الألماس، ولكن البيروني يرد ذلك فيقول: "يظنّ بعضهم أن الطران هو الألماس، وليس به، وإنّما هو اسم مأخوذ من الطر، وهو القطع، الذي منه يسمّى الطرار طرارًا" (3). ويرى البيروني أن الطران "إما الحديد الذكر المسقي وإما الفولاذ" ويحتجّ بما جاء في أوائل كتاب يوشع: "سيف من طران" ويقول: "وهذا نصّ يسقط

_ (1) = ديوانه بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف: 64): كأّن الحصى من خلفها وأمامها ... إذا أنجلته رجلها حذف أعسار وفي الجماهر: "كالمحارة" وهو تحريف. أمّا عبارة الخليل في الجزء الثالث: 229 من كتاب العين، تحقيق المخزومي والسامرائي فهي: "المحارة، دابة في الصدفين". (2) انظر الجمهرة 1: 32. (3) النص في المطبوعة (ص 92) مصحف.

معه معنى الألماس من الطران، على ما يجيء منه في الشعر معجم الظاء قال امرؤ القيس: تطاير ظرّان الحصى بمناسمٍ ... صلاب العجى ملثومها غير أمعرا كأنَّ صليل المرو حين تشذُّه ... صليل زيوف ينتقدن بعبقرا (1) " وقال أبو الحسن الصنوبري (2): "بجسرةٍ ينجل الظِّران منسمها ... إذا توقد في الديمومة الظرر" (3) 8 - ومنها كلمة "العاج"، قيل: إن العرب تسمي اللؤلؤ عاجًا لأن العاج عندهم مما يتحلّى به استشهادًا بقول أعرابي: وما عميرة من ثدياء حاليةٍ ... كالعاج صفّرها الإكنان والطيب (4) ولكن البيروني يرد ذلك فيقول (ص 135): "وما أظنّه عنى اللؤلؤ لأن اللؤلؤ ممدوح بالإكنان، وإنما عنى العاج نفسه وهو يصفر كما يصفر اللؤلؤ بما ذكروا من رسمهم، ورسم الهند أن يعملوا لنسائهم من العاج أسورة دقاقًا متفاضلة في السعة والضيق بحسب حلقة المعصم ويسمّونه وقفًا، قال النابغة الجعدي: كوقف العاج مسَّ ذكيَّ مسكٍ ... يجيء به من اليمن التِّجار تعليلات لغوية انتقدها البيروني 1 - وكثير من التعليلات اللغوية انتقدها البيروني وفندها في هذا الكتاب منها تعليل الصدف بأنه من صدف يصدف إذا مال لأنه يصدف عن اللؤلؤ، حكاه

_ (1) في الديوان (ص 64) "تطيره" مكان "تشذه". (2) كذا في الكتاب، والمعروف في كنية الصنوبري: أبو بكر، وفي نسخة خزانة القيصرية: الحسن الترمذي، والبيت مشهور للبيد (من تعليق كرنكو). (3) الجماهر: 92 - 93. (4) في الجماهر: "وماء عميرة من يد حالية"، وهو تحريف، والبيت لسليمان بن مسلم بن الوليد. انظر معجم الأدباء 11: 256.

ابن جني عن اللغويين، فعلق البيروني على هذا التعليل بقوله (تتمّة ص 3): "لو قال من صدفي الجبلين المتقابلين في الوادي لما بعد، لأن دفتي هذا الحيوان إذا افتتحتا متشابهتان لهما وإن كانتا مقلوبتين نحو الأرض". 2 - وقال البيروني وهو يعدّد أسماء الفضة في اللغة العربية: "قيل في أسمائها: "الغرب"، "لتغيّبها في المعدن". ردّ هذا التعليل بقوله (ص 242، 243): "وليس هذا التغيب مما يخصّ الفضّة فيعلّل به اسمها، إنما هو عام لجميع الجواهر المخزونة". 3 - ونقل البيروني عن كتاب شرح العلل لأحمد بن علي "إن النهار سمّي: "نهارًا" لأن الضوء فيه يجري من المشرق إلى المغرب جريان النهر حتى يأخذ ما بينهما". ويعلّق البيروني على هذا التعليل فيقول (ص 106): "وليت شعري ما الفرق بينه وبين الليل إذا قيل: ظلامه المستدير من المشرق يجري إلى المغرب جريان النهر حتى يأخذ ما بينهما". الثروة الشعرية في كتاب الجماهر: كتاب الجماهر حافل بروائع الشعر الذي لا يختصّ بعصر دون عصر ولا طبقة دون طبقة. فإذا عقد البيروني فصلًا أورد فيه ما يتّصل به من الشعر، عدا ما جاء به لتحقيق كلمة أو تأييد رأي وخبر أو تفنيدهما أو شرح بيت ومقارنته أو إشارة إلى ما أخذ عنه المتأخّر، وما جاء به الاستطراد لتشحيذ القرائح وجلاء الأذهان وتسلية القارئ. فإذا ذكر مثلًا كيفية الغوص استهلّ البحث بقوله (ص 143): "وهذا إذا رمنا تنسمه من أشعار العرب سمعنا منها قول المخبل السعدي". وينشد بيتين له ويشرحهما، ثم يأتي بستة أبيات للمسيب بن علس، وسبعة

أبيات للقطامي وينصرف بعد ذلك إلى الأخبار المسموعة في ذلك. وكذلك إذا ذكر المرجان قال (ص 137 - 138): "المرجان هو صغار اللآلي، ثم يجيء من الشعر ما يشهد له، ويجيء منه ما يشهد عليه، وفي تردّد بعضها على المسامع نزهة وجلاء للأذهان". ويأتي بتسعة أبيات لعدد من الشعراء كالأخطل وأبي نواس وذي الرمة وأبي حية النميري والصنوبري وغيرهم. ونقل البيروني من كتاب الأحجار لمؤلّف مجهول أن للجزع بالصين معدنًا لا يقربونه تطيرًا منهم، وكذلك ملوك اليمن كانوا يتحامونه بسبب اسمه، وعلّق على الخبر فقال: "أما هذا فإلى أصحاب اللغة، وأما ذاك فإلى الخاصيات وامتحانها بالاعتبار، وليس بمستنكر تشاؤم أمّة بشيء لأسباب بعد أن يصحّ الخبر به". ثم يرد البيروني ما نسب إلى ملوك اليمن ويحتجّ ببيت للمرقش الأصغر ويقول: "وأمّا ما ذكر فيه من تبابعة اليمن فلو حقَّ لما عدّ المرقش الجزع في جملة ما يتحلّى به ويتزيّن في قوله: تحلَّين ياقوتًا وشذرًا وصيغةً ... وجزعًا ظفاريًّا ودرًّا توائما وقال عبيد الله بن قيس الرقيات: حييت عنَّا أمَّ ذي الودع ... والطَّوق والخرزات والجزع وقال آخر: والنِّيل يجري فوق رضراضٍ من الجزع الظفاري وهما عنيا الجزع اليماني، وأضافاه إلى ظفار بلدة باليمن كانت التبابعة تنزلها". واستطرد إلى ذكر نادرة من نوادرهم فقال: "وكان قد وفد على بعضهم وافد وهو في مستشرف عال فأشار عليه بالجلوس وقال له بالحميرية: ثب، أي

اقعد؛ فظنّ المأمور أنه يأمره بالوثوب ففعل وتردّى إلى أسفل فهلك، وعند ذلك قيل: من دخل ظفار حمّر". ولا يترك البيروني هذا الخبر والمثل بدون تعليق فيقول: "بل لو قيل: من ملك ظفار، فتفنن، فخاطب (1) كل إنسان بما يعرف، كان أصوب". ولم ينس البيروني كلمة "توائم" في بيت المرقش فشرحها ثم رجع إلى رد خبر تطير التبابعة باسم الجزع محتجًّا بشاعر يمني وهو امرؤ القيس فقال: "ولو كان ما حكي من تشاؤم ملوك اليمن صدقًا لازداد على طول الأيام، ولاشتهر في العوام فتأسوا بهم، وتخلقوا بأخلاقهم. ونحن نرى شعراءهم لا يزالون يصفون الجزع، فلا يتحرّجون عن ذكره، ولا يتطيّرون به. وهذا امرؤ القيس من أبناء ملوك كندة يقول: كأنَّ عيون الوحش حول بيوتنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقَّب" وأتى بعد ذلك بتسعة أبيات في الجزع لأمرئ القيس والفرزدق وأبي الطمحان القيني ولبيد بن ربيعة والصنوبري وغيرهم (ص 177 - 179). وبذلك تضخّمت الثروة الشعرية في كتاب الجماهر الذي يبلغ عدد صفحاته 282 صفحة ويربو عدد الأبيات التي وردت فيه على (360) بيت، وتتضاعف أهميّة الكتاب إذا عرفت أنه يحتوي على كثير من الأبيات التي لا تعثر عليها في الدواوين المطبوعة. فيجب على من يصنع ديوانًا لشاعر من شعراء العصر الجاهلي أو القرون الأربعة الأولى للهجرة أن ينظر في كتاب الجماهر على أن يجد ما يسدّ به ثغرًا. بل لو راجع أديب فارسي كتاب الجماهر لم يرجع خالي الوفاض، وزوّده صاحبنا ببيتين من الشعر الفارسي أحدهما للغضائري من كبار الشعراء المتّصلين بالحضرة الغرنوية من معاصري البيروني (ص 80) والآخر قول شاعر سمّاه

_ (1) كذا في الجماهر بالفاء. ولعلّ الصواب بدونها أو "فليخاطب".

"منصور مورد" ولم نقف على ترجمته (1) (ص 81). وكل ذلك يدلّ على كثرة محفوظات البيروني من الشعر وصلته الوثيقة بدواوين الشعراء والمصادر الأدبية. البيروني الناقد لا يكتفي البيروني بإيراد بيت فيمرّ به سريعًا، بل يقف عنده إذا كانت فيه كلمة غريبة، وكثيرًا ما يغوص في الأبيات المشكلة البعيدة الغور، ويكشف معنى فات الشراح. ويورد بيتًا فتستهويه محاسنه التي ينطوي عليها، فيتذوّقها ويشرك معه القارئ، فيبيّنها له. وربّما يقارنه بأبيات أخرى متّحدة معه في المعنى ومشابهة له في التعبير، ويدلّ على أول من عبّر عن ذلك المعنى ثم أخذ عنه الشعراء. 1 - فإذا أنشد البيروني قول المخبل السعدي في وصف الغواص (ص 143): أغلى بها ثمنًا وجاء بها ... شخت العظام كأنَّه سهم (2) بلبانه زيتٌ، وأخرجها ... من ذي غوارب وسطها اللُّخم (3) شرحه، فقال: "يقول: اشتريت هذه الدرة بثمن وافر من غواص خفيف بدقّة عظامه، قد جعل الزيت على صدره لتجفيف الشمس والماء المالح إياه، وأخرجها من بحر متموّج من أعاليها اللخم (كذا). وقد قالوا في اللخم: إنه

_ (1) هل هو الشاعر المشهور أبو منصور المعروف بـ"صرَّدرَّ" المتوفّى 465 هـ، فوقع تحريف في النصّ والأصل: (أبو منصور صردر)؟ انظر ترجمته في وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر بيروت سنة 1397 هـ، 3: 385 - 386. (2) في المطبوعة: أعطى بها ثمنًا، والتصحيح من المفضليات، تحقيق شاكر وهارون، دار المعارف القاهرة، 1964، 115. (3) في المفضليات: وسطه.

ضرب من السمك خبيث له ذنب طويل يضرب به، ويسمّى "جمل البحر". وهذا بما قال فيه الشاعر أليق، لانطباق أهوال البحر فيه إلى الخطر في المغاص" (كذا) واستدلّ البيروني بقول ابن أحمر: رأى من جريها الغواص هولًا ... هراكلةً وحيتانًا ونونا (1) وأسلم نفسه عندًا عليها ... وكان بنفسه حينًا ضنينا وشرح الغريب: "الهركل: الضخم من كل شيء، وعندًا: غضبان" ثمّ أنشد بيتًا للعجاج: أو كعبابي ذي أواذيَّ غطمّ ... ذي واسقات تترامى باللُّخم (2) ونقل قول الفراء بأنّ اللخم هي: الضفادع، وقول أبي العباس العماني إن اللخم بالفارسية: فيشواز، وهو غير مؤذ، والمؤذي خرست، وهو المعروف بالكوسج، وردَّ البيروني قولهما فقال (ص 144): "إذا كان اللخم غير مؤذ لم يفد ذكره في الشعر". 2 - وأنشد البيروني قول أبي داود الإيادي ودرةٌ غاص عليها تاجرٌ ... جليت عند عزيزٍ يوم ظلّ (3) وشرحه بقوله (ص 131 - 132): "فالتاجر هو الآمر أجراءه بالغوص، القيم بالأمر دون الغواص. ونسبة الغوص إلى التاجر كما نسبة الزراعة إلى رب

_ (1) لم أجد البيت الأول في "شعر عمرو بن أحمر الباهلي" جمع وتحقيق حسين عطوان، ط. مجمع اللغة العربية بدمشق. (2) الرجز في المطبوعة محرف، والتصحيح من ديوانه بتحقيق عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق 1971، 1: 175. (3) في المطبوعة: خليت (بالخاء المعجمة) وهو تصحيف، وقال المحقّق: "لم أجد بيت أبي داود في كتاب آخر عندي". أقول البيت في تفسير الطبري 12: 110 برواية "طل"، وانظر دراسات في الأدب العربي لغرنباوم ترجمة إحسان عباس وزميليه: 329.

الضيعة دون الأكار وإن كان الفعل له. والعزيز: كبير القوم، فليس يرغب في الدرر إلاّ مثله من أرباب النعم. فإن قيل: إنه أراد ملك مصر فإنّه لقب ملوكهم كان وجهًا بعيدًا، وعلى بعده ركيكًا. وأراد بيوم الظل انقطاع الشمس عنها، ووقع الظلّ عليها لأن الشمس إذا أشرقت عليها نقص رونقها في المنظر وكانت كسراج في ضحى، وإنما يستبين حسنها في الظلّ كما تستبين الأشياء بأضدادها. ولكل قوم من المتحرفين في حرفهم مواضع وأوقات لعرض سلعهم وما يفعلونه من ذلك ضرب من الغش والتمويه". ولا تفوته رواية أخرى للبيت وهي "يوم طل بالطاء المهملة، فيشرح هذه الرواية ويقول: "وقد قيل: يوم طل، غير معجم. ونزول الطل يكون بالليل، ثمّ يرتفع بالغداة، ولا يمنع الشمس عن الإشراق بل يزيدها ضياء بتصفية الهواء وترطيبه. وإذ المقصود غيبة الشمس فانّ مطر السحاب الساتر لها إذا انفض عن الرش لم يمتنع مانع عن تشبيهه بالطل". ثمّ يأتي ببيتين لعمرو بن أحمر أضاف فيها الدرر إلى الصائغ كما أضافه أبو داود إلى التاجر وهما: وما ألواح درَّة هبرقيٍّ ... جلا عنها مختِّمها الكنونا يلفِّفها بديباج وخزٍّ ... ليجلوها وتأتلق العيونا (1) ويقول: "يعني ما لاح من الدرة عند كشف الغطاء عنها، فإنما أضافها إلى الصائغ لأنه يزاول الجواهر ويصوغ الجمان عند من يراه من الفضة". ويتبعها بيتين لحسان بن ثابت يتفّقان مع بيت أبي داود في ذكر الملك: فلأنت أحسن إذ برزت لنا ... يوم الخروج لساحة القصر من درّةٍ أغلى بها ملكٌ ... مما تربّب حائر البحر 3 - وينشد البيروني في الجزع بيت امرئ القيس الذي نقلناه آنفًا وهو:

_ (1) البيت الثاني لا يوجد في شعره الذي جمعه وحقّقه الدكتور حسين عطوان.

كأنَّ عيون الوحش حول بيوتنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقَّب فيذكر في شرحه قولين فيقول (ص 178): "قد شبه عيون الوحش - في ظهور بياضها المحدق بسوادها الذي لا يبدو من عينها إلاّ بتقليب مقلها وانقلابها بالنزع أو الموت - بالجزع، لا يغادر منها شيئًا سوى الثقب، فإن المقل ليست بمثقوبة. وقيل: إن الذي يعمل الخرز منه فهو أردؤه وأميله إلى السواد، وإذا عمل منه يثقب لا محالة لينظم في سلك. والذي يعمل منه الفصوص هو أجود لصفاء جوهره وعدم ثقب فيه، فكأنّه يشير من النوعين إلى أشرفها". ويكشف البيروني عن وجه آخر من معنى قوله "لم يثقب" فيقول: ويجوز أن يكون معناه أن عيون الوحش المشابهة للجزع ليست تنتظم في القلائد وإنما تقع باتفاق متفرّقة كالخرز التي لم ينظمها سلك لعدم الثقب". ولا يذهب على صاحبنا أن علماء البلاغة يتمثّلون بهذا البيت فيما سمّوه بالإيغال فينقل ما قاله العسكري في هذا البيت. 4 - وينشد البيروني قول النابغة الذبياني: رقاق النعال طيِّبٌ حجزاتهم ... يحيِّون بالريحان يوم السباسب ويذكر ما قال الشارحون في السباسب فيقول (ص 21): "قالوا في السباسب إنه يوم الشعانين، لأن البيت مقول في الغساسنة، وكانوا على النصرانية، وكأنهم عنوا بالريحان ما كان في أيدي الداخلين مع المسيح عليه السلام من قضبان الزيتون والأترجّ". ويرى البيروني هذا التخريج "غير بعيد" ولكن المقصود في البيت عنده: "عزَّة الرياحين أيّام قطع المهامه، وأنهم يحيّون فيها بها، ولا يعوزهم ما يعوز غيرهم، مثل ما يحمل من الرياحين والبقول في البادية مع من حجّ من الملوك وكبار المترفين. وكل ما عزَّ وجوده يتيمن به". ويحتجّ على رأيه بقول بكر بن النطاح الحنفي:

جئتك بالرّامش رامشنةً ... أطيب من رامشنة الآس ويقول: "وهذه الرامشنة ورقتا آس متّحدتان إلى الوسط متباينتان منه إلى الرأس، وتوجد في الندرة، فيحي بها الكبار وخاصة الدَّيلم" (1). 5 - ويورد البيروني بيتًا لعدي بن زيد العبادي في تحقيق الجمانة: ألبس الجيد وشاحًا محكمًا ... وجمانًا زانه نظم عذارى (2) فتستوقفه كلمة "عذارى"، ويبيّن بلاغته في البيت فيقول: "وإنما خصّ العذارى لفراغهن من مراعاة "الكدخذاهيّة" (3) وشدة حرصهن على الزينة وما في طبعهن من الغلمة والشبق والشوق إلى الأزواج فيتدرّبن في مزاولة ذلك، والتنوق والاهتداء لتحسين النظم مع لطف الكفّ ونعومة البشرة بالإقبال في الشباب" ويشفعه ببيت للنابغة: أخذ العذارى عقدها فنظمنه ... من لؤلؤٍ متتابعٍ متسرِّد 6 - وينشد البيروني بيتًا لابن المعتز يشبه فيه نفاخات الماء بالبلور فيقول: أما رأيت حباب الماء حين بدا ... كأنَّه قحف بلُّور إذا انقلبا ثم يقفّيه بقول العوفي: كأنَّما القطر على مياهها ... إذا انتشى يطلع من حيث هبط قباب درٍّ حولها وصائف ... في رفعهنَّ يرتمين باللِّيط

_ (1) نقل البيروني في كتاب الصيدنة عن حمزة (ص 34) قال: الرامشنة ورقها تتّفق في خلال ورق الآس ذات رأسين وأصل واحد، يضعونها على آذانهم إجلالًا لها تيمّنًا بها، وإذا حيّوا بها قالوا: شاذى وآرامش. (2) البيت غير موجود في ديوان عدي بتحقيق محمد جبار المعيبد، بغداد، 1965، ولعلّه من القصيدة ذات الرقم 17. (3) الكلمة معرب "كدخدائي"، وهي كلمة فارسية تعني الزواج والقيام بالشؤون المنزلية.

ويقارن بين القولين، وينتقد قول العوفي فيقول (ص 185): "والنفاخات إذا كانت من در لم يشفَّ ولم ير ما فيها ولا ما وراءها، وأمّا تشبيهها بالبلور فهو المستحسن". 7 - ووصف أبو منصور الثعالبي خط علي بن مقلة فقال: خطُّ ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودَّت جوارحه لو حوِّلت مقلا فالدرُّ يصفرُّ لاستحسانه حسدًا ... والورد يحمرُّ من نوّاره خجلا ويلاحظ البيروني عدم الملاءمة بين اصفرار الدر واحمرار الورد فيقول (ص 119): "اصفرار الدر بإطلاق ليس كاحمرار الورد بإطلاق، فإن الأول عيب والآخر منقبة". 8 - وعقد البيروني فصلًا في مائية اللؤلؤ الرطب (ص 120 - 124)، وبين المراد من وصفه بالرطوبة فقال: "وأما ما ذكر في اللؤلؤ من الرطوبة فإن معناه: ماء الرونق والبهاء، ونعمة البشرة وتمام النقاء، وليس يعني بها نقيض اليبوسة، حتى يتعجّب منها، كما تذكر الفرس في الذهب المستشار". وأنشد أبياتًا كثيرة في اللؤلؤ الرطب، منها قول نمير العقيلي في مجدور: ما أثَّر الجدريُّ في خدِّه ... وإنما أثَّر في قلبي كأنه البدر لتمٍّ بدا ... منقَّطٌ باللؤلؤ الرطب وكأني بالبيروني وقد ظهرت على شفتيه ابتسامة يشوبها سخرية، ولكن سرعان ما تحوّلت إلى تقزُّز واشمئزاز ونقد لاذع، فيقول: "وهذا لعمري اللؤلؤ الرطب حقًا! ولكن تصوُّره عند السماع يهوِّع، من غير ذلك العاشق العمي العين والقلب من معايب المعشوق". ثم يورد أبياتًا أخرى في الاعتراض، ويحكي عن الصاحب ابن عباد أنه كان إذا سمع قول عوف بن محلم:

إنّ الثمانين - وبلّغتها - ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان قال: "بلَّغتها" حشوة ولكنّها حشوة اللَّوزينج، ثمّ ينشد البيروني قول عدي بن زيد: ولو كنت الأسير - ولا تكنه - ... إذًا لعلمت معه ما أقول ويشفعه بيتين لذي الرمة: أسيلة مجرى الدمع هيفاء طفلة ... رداح كإيماض الغمام ابتسامها كأنَّ على فيها - وما ذقت طعمه - ... مجاجة خمر طاب فيها مدامها وإذا سمح صاحبنا قطعت كلامه - ولا أدري من أي نوع تكون هذه الحشوة عند ابن عباد - وأنشدته قول أبي صعترة البولاني: فما نطفة من حبِّ مزنٍ تقاذفت ... به جنبتا الجوديِّ والليل دامس فلمّا أقرَّته اللِّصاب تنفست ... شمالٌ لأعلى مائه فهو قارس بأطيب من فيها - وما ذقت طعمه - ... ولكنني فيما ترى العين فارس (1) ويفسّر البيروني قول ذي الرمة بقول ابن الرومي: وما ذقته إلاّ بشيم ابتسامها ... وكم مخبر يبديه للعين منظره ثمّ يرجع إلى قول العقيلي، ويقارن بينه وبين الأبيات التي أنشدها من قبل ويعلّق عليه تعليقًا طريفًا فيقول: "واللؤلؤ في هذا البيت على خلافه، فإنه وقر في الأسماع، وقذًى في العين، وخناق في الآناف، وصابٌ في الأفواه، وشوك في اللمس، وقضَّة في المضجع". ويقارنه بقول الوأواء، فيقول: أبيض واصفرَّ لاعتلال ... فصار كالنرجس المضعَّف يرشح منه الجبين قطرًا ... كأنَّه لؤلؤ منصَّف (2)

_ (1) حماسة أبي تمام بشرح المرزوقي تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، الطبعة الثانية، القاهرة، 3: 1281. (2) في المطبوعة: "لاعتدال" و"فصال" مكان "لاعتلال فصار" وهو تحريف، انظر ديوان =

وينشد البيروني بعد ذلك خمسة أبيات رائعة وصف فيها الصنوبري حبوب الجرب وما فعلت به وأبدع في الوصف أيما إبداع فقال: الشيب عندي والإفلاس والجرب ... هذا هلاك، وذا شؤم، وذا عطب إن دام ذا الحكُّ لا ظفر يدوم ولا ... يدوم جلد ولا لحم ولا عصب أما تراه على الكفّين منتظما ... كأنّه لؤلؤ ما إن له ثقب كحبّة العنب الصغرى تبين ولا ... تزال تعظم مالا يعظم العنب ولقّبوه بحبّ الظَّرف ليتهم ... يا نفس ضاعوا كما قد ضاع ذا اللقب صراع بين العلم والشعر قد انتقد البيروني عددًا من الأساليب والتراكيب والتشبيهات المعروفة المتداولة التي لاحظت فيها ثقافته "الجوهرية" ضعفًا علميًا، ووصفها بأنها "مستحسنة اللفظ مستهجنة المعنى". ونرى في هذه الملاحظات صراعًا بين الصدق العلمي والصدق الشعري. فيدرك البيروني مغزى هذه التراكيب والتشبيهات ولكن يودّ لو روعيت فيها الحقائق العلمية. وهنا تطغى شخصيّته العلمية - وهي قوية غلاّبة - على شخصيّته الأدبية، فيقول: 1 - "ومن المستحسن لفظه في الشعر قول الأول: أمسى فؤادي عند خمصانة ... ذات وشاح قلق جائل كأنَّها من حسنها درَّةٌ ... أخرجها اليم إلى الساحل ثم إنه المستقبح معنى لأن المقذوف لا يكون إلاّ في صدف ميت وهو في هذه

______ = الوأواء تحقيق سامي الدهان، المجمع العلمي العربي بدمشق، سنة 1369 هـ: 153 ويتيمه الدهر للثعالبي تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة حجازي، القاهرة 1: 276.

الحالة على شفا من العيوب من التغيّر والتآكّل، وما دام الصدف حيًّا فإنه ملازم للقرار غير معترض للتيار حتى ينقذف إلى الساحل". ثم يورد بيتًا لشاعر سمّاه "مسرورًا" يشبه ما قبله: أو درةٌ ضحكت زهراء عن صدف ... مجَّت بها قذفات البحر ذي الزبد ويتبعه قول منصور القاضي: فتًى، إذا فاض ندى كفِّه ... غضَّ من الغيث إذا ما هتن كالبحر إن هاج طمى بالرَّدى ... ويقذف الدرَّ إذا ما سكن ويكشف البيروني عن عواره فيقول: "فإن حمل قذف البحر الدر في الصدف الحي باهتياج وجبٍ حادثٍ في قعره من أشباه الزلازل والرجفات التي تكون في البر حتّى يزعج ما على قراره إلى وجهه لكان قولًا ما، ولكن قذفه إيّاه وقت السكون أعجب ما يكون". وروى بعضهم. "يعطى" مكان "يقذف" في قول المتنبي، فيقول البيروني: "وكأن من روى قول المتنبي: كالبحر يعطي للقريب جواهرًا ... جودا ويبعث للبعيد سحائبا فطن لهذا، فأبدل القذف بالإعطاء". ثمّ يشير البيروني إلى أن منصورًا القاضي أخذ المعنى من قول المتنبي: هو البحر، غص فيه إذا كان ساكنا ... على الدر واحذره إذا كان مزبدا إلاّ أن منصورًا "أفسد الدرة وحولها بعرة (1) وكذلك يذكر أن ابن سمودة أخذ منه في قوله: ولم يدر أنَّ البحر يعبر ساكنًا ... وإن هاج يومًا فالسَّفين كسير ويستطرد البيروني استطرادًا يؤكّد رأيه فيقول: "هؤلاء شبّهوا الممدوح في

_ (1) في المطبوعة: بغيره، وهو تصحيف.

سخائه بالبحر، ورفعه أبو الفرج بن هندو عنه فقال: البحر يخزن دره في قعره ... وغثاؤه المبذول للوراد وأقل مبذول لطارق رحله ... درر يجيب بهنّ حيث ينادي" ويستوقف البيروني ما وعته ذاكرته من الأبيات في هذا المعنى فيقول: "ورسوب الدر وطفو الغثاء معنى قد تداولته الشعراء وأكثروا فيه، قال ابن الرومي: جيفٌ أنتنت فأضحت على اللُّجـ ... ـجة والدرُّ تحتها في حجاب وينسب إلى شمس المعالي شعر فيه: أما ترى البحر يعلو فوقه جيف ... ويستقرّ بأقصى قعره الدرر" 2 - ومن هذا النوع يعد البيروني تشبيه الكؤوس بالدر وقشور اللآلي، فيقول: "وكذلك تشبيههم الكؤوس بالدر وقشور اللآلي مستحسن اللفظ مستهجن المعنى فإن المطلوب في الكؤوس هو الشفاف ليرى من خارج ما وراءها من غير اطلاع فيها ... وليس في اللؤلؤ هذا الشفاف المقصود" ثمّ أنشد عدّة أبيات شبّهت الكأس فيها باللؤلؤ وقشره، منها قول إبراهيم النظام: يسقى بلؤلؤة في جوف لؤلؤة ... من كفّ لؤلؤة فاللون حسِّيُّ ماء وماء وفي ماء يديرهما ... ماء جرى فيهما والفكر وهميُّ وقول ابن المعتز: موج من الذهب المذاب يضمّه ... كأس كقشر الدرة البيضاء (1) ويرى البيروني أن كلّهم - في تشبيه الكأس باللؤلؤ - عيال على أبي نواس

_ (1) في المطبوعة: مزج، ولعلّ صحّته موج كما في ديوانه تحقيق لوين، إستانبول 1950، 3: 6 وكتاب التشبيهات لابن عون تصحيح عبد المعيد خان، كمبردج، 1359 هـ: 191.

الذي أصمى وأشوى في قوله: فالخمر ياقوتة، والكأس لؤلؤة ... في كفِّ لؤلؤةٍ ممشوقة القدِّ وعلى عبد الله بن المعتز في "الذهب المذاب" ثمّ ساق بضعة أبيات في ذلك (ص 115 و 116). وقال في موضع آخر ينتقد هذا التشبيه (ص 223): "إنّ الشعراء قصدوا في صفة الكؤوس بالبياض صفاءها، ثمّ تجاوزوا إلى اللؤلؤ وقشوره، فبعدوا عن المقصود في ظاهر اللفظ عن فضيلة الشفاف في الأقداح، فإذا تشابهت الدرر لم ير ما وراءها إلاّ أن يطلع إليها مطلع من فوقها، فترى الخمر منها في سواء الحجم، وتبطل به تشبيهاتهم وصفتهم شعاعها ولونها وحبابها إذا غارت في جوف الدرة عن الأعين، سواء البصير فيها والضرير". وكما تشبه الكأس بقشور اللآلي كذلك يشبهون البشرة بها، وبينما ينكر البيروني التشبيه الأوّل إذا هو يحمد الثاني فيفرّق بينهما ويقول (ص 116): "ليس هذا بمضاه لتشبيههم الأبشار بقشور الآلي فإنّ الدر المركب من البياض وسمة من الصفرة ووفور البريق ممّا يحمد مثله في البشرة ولا يحتاج معه إلى استشفاف ما وراءها". ثم أنشد أبياتًا لأبي نواس ونصيب وبشار وغيرهم، فيقول أبو نواس: كأنما أوجههم رقّةً ... لها من اللؤلؤ أبشار وقال بشار: كأنما خلقت من ماء لؤلؤة ... في كل أكنافها حسن بمرصاد 3 - وكذلك ينتقد البيروني تشبيه الماء بالفضّة ويراه شرًا من تشبيه الكأس باللؤلؤ ويقول (115): "وتشبيه الماء بالفضة شر من ذلك، والبلاء فيه من تسويتهم بين العديم اللون كالماء الزلال وكالبلور، وبين الأبيض كاللبن والحجر

الأبيض كالمينا، ووصفهم لكل الصنفين بالبياض". وتحدّث البيروني عن قوله تعالى {بيضاء لذَّة للشَّاربين} فقال: "البيضاء صفة الوعاء لا الشراب إذ لا يحمد ذلك منه في العادة، والمراد بهذا البياض: التعرّي عن الألوان كالبلور، لا الأبيض اليقق اللبني، فإنّ هذا البياض مع السواد متقابلان على التضاد ولن يشفّ واحد منها". ثمّ قال (ص 183): "وعلى هذا المنهج وصفهم الأبيض النقي بالفضة ولا بمعنى الشفاف فليست الفضّة منه في شيء". ويقيس البيروني تركيب "قوارير من فضة" على ذلك، فإنّ "المقصود من أواني الزجاج هو الشفاف الصادق ليرى من خارجها ما في أجوافها، فإذا كانت فيها خواص الفضة لم يحصل المقصود". وقد فصل القول في ذلك فقال (ص 223): "إنّ المراد بها خواص القوارير دون خواص الفضّة، ولا مدخل للفضّة إلاّ من جهة التعارف ووقوع بياضها على العديم اللون دون الأبيض اللبني، كما أن الشعراء قصدوا في صفة الكؤوس بالبياض صفاءها ثمّ تجاوزوه إلى اللؤلؤ وقشوره ... ". ونقل البيروني ما قال علي بن عيسى الرماني في تفسيره، ولعلّه هو الذي حمل البيروني على هذا التفصيل والتنبيه. قال الرماني: "إنّ الفضّة الشفافة كالبلور أفضل من الياقوت والدر، وهما أفضل من الذهب، فتلك الفضّة أفضل من الذهب". يفند البيروني هذا القول فيقول: "هذا كلام خطبى خال عن محصول له، لا في الوجود ولا في الوهم، إذ لا يكاد يتصوّر غير ما شوهد له في الوجود نظير، إما لكله وإمّا لأجزائه في حالات مختلفة، ثمّ يتمكّن الوهم من جمعها وتركيبها، وإن استحال وجود ذلك التركيب في المعهود. وكل أبيض نقي براق فإنّه يشبه بالفضّة، ولم يشاهد قط أبيض شفاف، ولن يوجد في اللبن إلاّ بعد التجبن وتفصيل الأبيض منه، وأمّا المتعارف في هذا الأبيض على الذي عدمه

وعدم سائر الألوان". ثمّ أنشد البيروني قول عنترة: جادت عليه كل بكرٍ ثرةٍ ... فتركن كل قرارة كالدرهم وقال يشرح التشبيه: "لم يعن أنه وسمها كالدرهم، فإنّ الجود يفيض ويسيل، ولا ذهب إلى استدارة الدرهم، وإنّما قصد الصفة بالنقاء والصفاء فشببها بالفضّة وعبّر عنها بالدرهم لأنّه منها يعمل". ويرى البيروني أن العرب لما كانوا يصفون الماء والكأس بالبياض، ثمّ يشبّهونه بالفضّة، ويعنون الصفاء والنقاء والبريق، نزل القرآن بلغتهم وجرى على أساليبهم، يقول البيروني (ص 183): "وعليه قوله تعالى: {قواريرا من فضَّةٍ} والعرب هم أول المخاطبين بالقرآن فالخطاب معهم على عرفهم". 4 - قد جمع الله تعالى بين الياقوت والمرجان في قوله {كأنَّهنَّ الياقوت والمرجان} ففسّر بعضهم بأن الله تعالى أراد صفاء الياقوت وبياض المرجان، ولكن البيروني يرد هذا التفسير فيقول (ص 223 و 224): "وعلى مثله جمعهم بياض المرجان إلى صفاء الياقوت دون حمرته المقصودة في هذا التشبيه فلقد يوجد ما هو أصفى من الياقوت مثل البلور والزجاج". وإنما الغرض - عند البيروني - في ذكره "هو التركيب من حمرة الياقوت وبياض المرجان، فخلو البياض عن الحمرة غير مستحسن في أبشار البشر، ولأجله قالوا: الحسن أحمر". واحتجّ البيروني بأبيات بشار يقول فيها: فخذي ملابس زينة ... ومصبغات هنّ أفخر وإذا دخلت تقنعني ... بالحسن إن الحسن أحمر وقال:

هجان عليها حمرة في بياضها ... تروق بها العينين والحسن أحمر البيروني وأبو تمام: شهد العصر العباسي انقلابًا عظيمًا في الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية، وأحدث اختلاط العناصر المختلفة ولقاح الثقافات المتباينة تغيّرًا في الذوق، وتغيّرًا في التفكير، وتغيّرًا في التعبير، فكان طبيعيًّا أن يتطور الشعر بتطوّر الحياة ويسلك طريقًا غير طريق المتقدّمين فيعبّر عن المعاني الجديدة تعبيرًا عصريًا. فنرى أبا تمام في هذا العصر يسلك - بفضل ثقافته العصرية وعقليته الممتازة - مذهبًا جديدًا وصف بغموض المعاني والتدقيق الفلسفي وكثرة الحوشي والإغراق في الطباق، بينما نرى تلميذه البحتري يؤثر أسلوب الأوائل الذي يمتاز بصحّة السبك وحسن الديباجة وانكشاف المعاني وقرب المأخذ، ويلتزم بما سمّوه "عمود الشعر العربي" التزامًا قويًا. فاحتدمت المعركة الأدبية بين أنصارهما، وتمخّضت عن ثروة أدبية ضخمة منها كتاب الموازنة بين الطائيين لأبي القاسم الآمدي (م 370 هـ) وهو أول كتاب ظهر في هذا الموضوع. وادّعى الآمدي في هذا الكتاب عدّة مرّات اعتماد الحق وتجنّب الهوى وترك التحامل "لتباين الناس في العلم واختلاف مذاهبهم في الشعر"، ولكن نظرة خاطفة في الكتاب تكفي للدلالة على أنه تحامل على أبي تمام في كثير من المواضع. أمّا البيروني فليس من الغريب بعدما عرفنا من ثقافته العلمية الواسعة المتنّوعة وما رأينا من ذوقه العلمي في ملاحظاته على التراكيب والتشبيهات الأدبية المعروفة أن يعجبه مذهب أبي تمام فيحبّه ويناصره دون أن يتعصّب على البحتري وأمثاله. ولعلّك تذكر أنه قد شرح ديوان أبي تمام، وقد رأى ياقوت

هذا الشرح بخط البيروني نفسه. فلمّا رأى صاحبنا الآمدي يتحامل على أبي تمام ويجحف بحقّه حمله حبّه للحق والعدل فضلًا عن إعجابه بأبي تمام على أن يدافع عنه في كتاب الجماهر. فينقل البيروني من كتاب الموازنة ويعلّق عليه فيقول (ص 120): "إنّ أبا القاسم الآمدي أنشد لأبي تمام: مفصلة باللؤلؤ المنقى لها ... من الشعر إلاّ أنها لؤلؤ رطب وقال: عنى به المحدث، وهذا من اختراعاته، ولم يخرجه مخرج المدح والرضى فإن فضل ميله إلى البحتري على الانحاء أبي تمام (كذا) مع ادّعائه الإنصاف بينهما في كتاب الموازنة بين شعريهما". ويرد البيروني على الآمدي فيقول: "فإن كان أبو تمام اخترعه فقد اتّبعه الكافة، ولهجوا بذكره، ولم يصابروا عنه، وكل محدث فتي في جنسه من حيوان أو غصن أو نبات فإنه لا محالة أنعم وأرطب بسبب استعداده لقبول النماء، فإن كان اللؤلؤ في الصدف ناميًا فله من تلك الرطوبة حظ، وإن برز فليس يعني غير مائه وبهائه، وإن كان أصلب من الحجارة والحديد". وكذلك عاب الآمدي قول أبي تمام "باللؤلؤ المنتقى" وقال قولًا يدلّ على عصبية عمياء وهو قوله: "إن المنتقى من الشعر لا يكون إلاّ مسروقًا، وقبيح فاحش أن يعترف بالسرقة". ورحم الله أبا الريحان، فقد دافع عن أبي تمام وأحسن الدفاع، فقال: "وكأن أبا القاسم عرف هذه السرقة بالكهانة أو الطالع والعيافة، فلست أرى لها في البيت أثرًا، وما على الرجل إذا قال في قصيدته إنها مفصلة لؤلؤ من الشعر ذي ماء ورونق، مختار لسمطها، منقح من العيوب، مهذب عن المقادح، وقد أكددت خاطري في انتقائها، كما قال عدي بن الرقاع: وقصيدةٍ قد بتّ أجمع بينها ... حتّى أقوم ميلها وسنادها"

ومن حضور بديهة البيروني أنه أنشد بيتًا للبحتري الذي استعمل الكلمة نفسها التي انتقدها الآمدي في بيت أبي تمام، ويقول: "وكما قال البحتري: بمنقوشة نقش الدنانير ينتقى ... لها اللفظ مختارًا كما ينتقى التبر وهذا هو الانتقاء لولا التجنّي والقلى، وما أعلمه أنه عنى بقوله من الشعر شعر غيره دون شعر نفسه". ثم أنشد البيروني تسعة أبيات في التشبيه باللؤلؤ الرطب منها قول ابن المعتز: كأن الكأس في يده عروس ... لها من لؤلؤ رطب وشاح وقال: "ثم تجاوز اللؤلؤ في الرطوبة إلى الجواهر الرطب بإطلاق فقال: نظمت قلائد زهرها بجواهر ... رطب زمرُّدها ندٍ عقيانها بل من الزمرد والعقيان إلى أدون الخرز: يا غصنا من سبجٍ رطب ... أصبح منك الدر في كرب" وأورد البيروني مثالًا آخر لتحامل الآمدي على أبي تمام فقال (ص 124): "وما يزيدك استيقانًا بسوء رأي أبي القاسم لأبي تمام أنه قال في قوله: فكل كسوف في الدَّراري شنعة ... ولكنّه في الشمس والبدر أشنع كسوف الكواكب أن يسترها كوكب فلكه دونها ولا يتفقّده إلاّ المنجّمون، فليست فيه شنعة لأن الشنعة تكون فيما عمت رؤيته". ثمّ ردّ البيروني على الآمدي ردًّا مفحمًا، ودافع عن أبي تمام دفاعًا قويًا وختم البحث بقوله: "وأبو تمام مظلوم جدًا من أبي القاسم في أكثر الأمر". ولا يخفى ما ينمّ عنه هذا التعليق من تألّم شديد لتحامل الآمدي على أبي تمام وما غمط من حقّه وطمس من محاسنه، ولعلّ تحامله هو الذي دفع البيروني إلى أن يشرح شعر أبي تمام، ويرد خصومه، ويكشف القناع عن

محاسنه فيعود الحق إلى نصابه والماء إلى مجاريه. وإني آمل أن يكون هذا العرض السريع للمباحث الأدبية التي يتضمّنها كتاب الجماهر عونًا على تحديد مكانة الكتاب الأدبية، وإنارة ملامح الشخصية الأدبية للبيروني وإبراز جانب مهمّ من جوانب عبقريته.

(12) التسك والنسك والتك

التُّسك، والنُّسك، والتُّكّ (1) جاء في كتاب المجرّد لكراع النَّمل (ت 310 هـ) في باب التاء فصل تس (ص 325): "والتسك على مثال فعل، والتسك بسكون السين: طائر صغير، يقال له ابن تمرة. والتمرة هي التسك بالفارسية" (2). وعلّق عليه محقّق الكتاب بقوله: "لم أجد في المعاجم وكتب الحيوان "التسك". أمّا ابن تمرة فهو معروف، وقد ذكره المصنّف في هذا الكتاب، كما أنني لم أجد في المعرب للجواليقي هذه اللفظة". قلت: وذكر المصنّف "ابن تمرة" في كتابه المنتخب (1: 370) أيضًا: ولكن لم يشر إلى لفظ "التسك"، كما لم يذكره في "باب ما دخل من لغات العجم في لغات العرب" (ص 60 - 603) من الكتاب المذكور (3).

_ (1) نشر في ملحق التراث بجريدة المدينة، السنة 18، العدد 33 الصادر في 29/ 5/1415 هـ: 3/ 11/1994 م. (2) المجرد في غريب كلام العرب ولغاتها لكراع النمل، تحقيق محمد أحمد العمري، السفر الأول، مطابع دار المعارف بمصر 1413 هـ. (3) المنتخب من غريب كلام العرب لكراع النمل، تحقيق الدكتور محمد بن أحمد العمري مركز إحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى بمكة المكرمة، 1409 هـ.

وصدق المحقّق الفاضل، فلم يرد هذا اللفظ فيما طبع من كتب اللغة والحيوان والمعرب والدخيل، على نحو ما رسم في كتاب المجرد هذا. غير أننا وجدنا في بعض المعاجم الكبيرة كلمتين نقلتا عن كراع النمل في مادتين مختلفتين، ولا نشك أن وجودهما نتيجة لما أصاب كلمة "التسك" من تصحيف وتحريف. ويبدو أن الضيم لحقها قديمًا على يد ناسخ في كتاب من كتب كراع اعتمد عليه بعض علماء اللغة - وهو ابن سيده فيما نرى - فنقلها مصحفة في كتابه الذي كان مصدرًا لأصحاب المعاجم فيما بعد. (1) أمّا الكلمة الأولى فهي "النسك" بالنون. تصحّفت فيها المثناة إلى الموحدة. جاء في لسان العرب: "والنسك بضمّ النون وفتح السين: طائر؛ عن كراع". (1) هذا النص في اللسان منقول من كتاب المحكم لابن سيده (2) الذي اعتمد كثيرًا على كتب كراع في كتابيه المحكم والمخصّص. أمّا المخصّص فإن ترتيبه لا يفيد في ضبط الكلمات، إلاّ أن هذا اللفظ ورد فيه أيضًا بالنون. ونصّه (8: 165): ""التمير" وهو أبو تمرة. وأظنّه التمرة ... والتمرة هو النسك بالفارسية .. " (3). وكذا أورده مصحفًا صاحب القاموس في (نسك) وأيّده شارحه:

_ (1) لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت، 10: 499. (2) المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، معهد المخطوطات، القاهرة، 1392 هـ، 6: 451. (3) المخصّص لابن سيده، دار الطباعة الأميرية بالقاهرة 121 هـ، تصوير دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة.

" (و) النسك (كصرد طائر) عن كراع" (1). وزيادة الشارح "عن كراع" مأخوذ بدون شك من اللسان". ونرجّح أن مصدر القاموس أيضًا هو المحكم لابن سيده. والزبيدي الذي يظهر من بعض كلامه في التاج أنه اعتمد فيه على كتاب المجرّد لكراع لم يرجع إليه في توثيق هذه الكلمة. (2) ومرّة أخرى أسيء إلى كلمة "التسك" حينما أخفى بعض النساخ أسنان السين، فقرئت "التك". وهذه الصورة المحرّفة أيضًا وردت في اللسان (تكك): "والتك طائر يقال له ابن تمرة عن كراع" (2). ومصدر هذا التحريف أيضًا نسخة المحكم التي اعتمد عليها صاحب اللسان (3). ولمّا كان الفيروزابادي سلم من هذا التحريف استدرك عليه شارحه الزبيدي فأضاف نقلًا من اللسان: "والتك بالضم طائر يقال له ابن تمرة. عن كراع" (4). ومن هذين المعجمين الكبيرين: اللسان والتاج، أو أحدهما، نقلت الكلمتان المذكورتان "النسك" و"التك" في بعض المعاجم الحديثة نحو متن اللغة للشيخ أحمد رضا (5)، ومحيط المحيط للبستاني (6)، وأقرب الموارد للشرتوني (7)،

_ (1) تاج العروس للزبيدي، المطبعة الخيرية، 1307، تصوير ليبيا للنشر والتوزيع 7: 187. (2) اللسان 10: 406. (3) المحكم 6: 405. (4) تاج العروس 7: 116. (5) متن اللغة لأحمد رضا، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1377 هـ 1: 401 و 5: 452. (6) محيط اللغة للبستاني، مكتبة لبنان، بيروت 1977 م ص 891. (7) أقرب الموارد لسعيد الشرتوني، بيروت 1894 م 2: 1297، 3: 66.

ولعل الفريق أمين معلوف كان هو الوحيد الذي نقل في كتابه معجم الحيوان (ص 240) "النسك" من كتاب المخصص دون الرجوع إلى اللسان أو التاج (1). وأخشى أن يكون المعجم الكبير الذي يصدره مجمع اللّغة العربية بالقاهرة قد أثبت أيضًا "التك" في الجزء الثالث الذي يتضمّن حرف التاء (2). وكان أولئك كان معذورًا، لأن كتاب المجرد لكراع لم يسمع له خبر بعد الزَّبيدي، إن صحَّ أنه اطلع عليه، وظلّ مجهولًا حتى أخرج الدكتور محمد أحمد العمري كتاب المنتخب لكراع، وبشر بعثوره على قطعة من كتاب المجرّد له، ثم أخرج السفر الأول منه سنة 1413 هـ. ولا ريب أن النسخة التي طبع عنها كتاب المجرد مشحونة بالتصحيفات والتحريفات، ولكن لفظ "التسك" لا مجال في صحّتها لأدنى شك، فإنّ كراعًا أثبته في باب التاء وفصل تس. فهذا نصّ صريح على ضبط الحرفين الأول والثاني. وكراع هو الذي ينتهي إليه إسناد هذا اللفظ كما رأينا في نصّ اللسان، ولكن الكتاب الذي اعتمد عليه ابن سيده من مؤلفّات كراع لم يكن بكتاب المنضد أو المجرّد الذي اختصره من الأول. فإنه لو كان كذلك لدلّ ترتيب الكتاب على ضبط هذه الكلمة، ولصانها موقعها من أي تصحيف في فائها أو عينها. وجملة القول أن الكلمتين: "النسك" بالنون، و"التك" بالتاء والكاف المضعفة لا أصل لهما. والثابت عن كراع إنما هو "التُّسك" بضم التاء وفتح السين، و"التُّسك" بضم التاء وسكون السين. أما بعد، فإن الفضل في هذا التصحيح راجعٌ إلى الدكتور محمد أحمد العمري الذي تجرّد لتحقيق كتاب المجرّد، ولم يثن عزيمته ما تتّصف به نسخة

_ (1) معجم الحيوان للفريق أمين معلوف، دار الرائد العربي، بيروت. (2) وقد صدر الجزء الثالث، فوجدت فيه (3: 98) "التُّك" - كما خشيت - نقلًا عن كراع.

الكتاب من سقم شديد ونقص بالغ. وإن عمله هذا لخليق بكلّ شكر وتقدير واحتفاء من جميع المعنيين باللسان العربي، ونسأل الله عزّ وجلّ أن يعينه على إخراج ما تبقّى من مخطوطة هذا الكتاب الذي هو أصل من أصول المعاجم العربية. وأرجو أن أعود إليه قريبًا إن شاء الله بجهد متواضع يخدم الكتاب ومحقّق الكتاب (1)، وبالله التوفيق.

_ (1) انظر: "نظريات في كتاب المجرد لكراع النمل" في هذه المجموعة.

سواء السبيل إلى ما في العربية من الدخيل (1) كتاب جديد حظيت به المكتبة العربية حديثًا، من تأليف العالم اللغوي المعروف الدكتور ف. عبد الرحيم أستاذ اللغويات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة سابقًا. وهو الكتاب الرابع الذي أصدره ضمن مشروعه الجليل لرصد الألفاظ المعربة والدخيلة في اللسان العربي ودراستها التأصيلية. وقد استهلّ هذه السلسلة قبل تسع سنوات بإصدار نشرة جديدة لكتاب المعرب لأبي منصور الجواليقي (540 هـ)، وكان أصلها رسالة علمية نال عليها المؤلّف شهادة الدكتوراة من جامعة الأزهر. ولم يقصد بذلك تحقيق الكتاب بالمعنى الاصطلاحي المعروف، فقد كفاه مؤونته الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في نشرته التي صدرت بالقاهرة سنة 1361 هـ، وإنما كان همّه الدراسة التأصيلية للألفاظ التي ضمّها كتاب المعرّب، وهي نحو 732 كلمة، فتناول أقوال اللغويين التي نقلها الجواليقي بالنقد والتمحيص، وردّ الكلمات المعربة إلى أصولها الأعجمية، وكتبها بحروفها، منبّهًا على التغيّرات الصوتية التي طرأت عليها، مع كتابة مقدّمة نفيسة في 75 صفحة، جعلها مدخلًا لدراسة الألفاظ الواردة في كتاب المعرّب. وقد صدر الكتاب بهذه الدراسة النقدية سنة 1410 هـ من دار القلم بدمشق.

_ (1) نشر في ملحق التراث بجريدة البلاد السعودية في 1/ 12/1419 هـ = 18/ 3/1999 م.

(13) سواء السبيل إلى ما في العربية من الدخيل

والخطوة التالية كانت تأصيل الكلمات التي لم ترد في كتاب الجواليقي، إما لأنها فاتته أو دخلت في العربية بعد زمنه. فلما نظر المؤلّف في تلك الكلمات وجد بين يديه كمًّا هائلًا، يحوج حصرها ودراستها إلى مدّة مديدة وجهد جهيد. فاستحسن، كلّما فرع من دراسة عدد صالح منها، أن يخرجها في كتاب يتداوله الباحثون. فأصدر عام 1411 هـ كتابه "القول الأصيل في ما في العربية من الدخيل"، ودرس فيه نحو خمسمائة كلمة جديدة استدركها على كتاب الجواليقي. وقد نشرته مكتبة لينة للنشر والتوزيع في دمنهور بمصر. وبعد سنتين أصدر كتابًا ثالثًا في هذا المجال، سمّاه "الإعلام بأصول الأعلام الواردة في قصص الأنبياء عليهم السلام" (دار القلم بدمشق 1413 هـ)، قصره على فئة خاصة من الدخيل، كما هو بيّن من عنوان الكتاب، جمعها من كتب التفسير والسيرة والتاريخ. والكتاب عمدة في بابه، ولا غنى عنه لمن يهمّه تحقيق كتب الأقدمين في العلوم المذكورة، فإن الأعلام التي درست في هذا الكتاب قليل منها دخلت في المعاجم، كما لم تتعرّض لها كتب التراجم والرجال، فإنّها ليست من أعلام هذه الأمة، ولا يتعلّق بها تصحيح حديث أو تضعيفه. وقد كثر فيها التصحيف والتحريف لكونها أعلامًا أعجمية لا يعين على تصحيحها لقواعد اللغة ولا سياق الكلام. فلا شكّ أن كتاب الإعلام قد سدّ فراغًا قائمًا في المكتبة العربية. وبعد ستة أعوام من صدور الكتاب السابق، ظهر هذا الكتاب الذي بين أيدينا، ونشرته دار المآثر بالمدينة المنوّرة بعنوان "سواء السبيل إلى ما في العربية من الدخيل". وهو في اسمه ورسمه وطريقته ومصادره صنو كتاب "القول الأصيل"، ويضمّ نحو أربعمائة كلمة من الدخيل، خلت منها كتبه الثالثة الأولى، رصدها من كتب اللغة والأدب والأخبار، وكتب التاريخ والتراجم والرحلات والبلدان، وكتب الطب والصيدلة والجواهر وغيرها.

ومن ثم تنوعّت المجالات التي تتعلّق بها هذه الكلمات الدخيلة، فمنها مصطلحات علمية، ومصطلحات سياسية وعسكرية، وألفاظ دينية، وكلمات حضارية تتّصل بالملابس والحلي، والأطعمة والأشربة، والصناعات والمهن، وآلات اللهو والطرب. واللغات التي تنتمي إليها هذه الألفاظ كثيرة، منها الفارسية والتركية والعبرانية والسريانية واليونانية واللاتينية والهندية والقبطية والفرنسية والإيطالية. ولكن اللغتين اللتين استأثرتا بمعظمها هما الفارسية واليونانية. وقد تفاوتت معالجة الألفاظ في طولها وقصرها حسب مقتضى الحال، فإذا كانت معالجة بعضها لم تتجاوز ثلاثة أسطر، فإنّ بعضها الآخر استغرق صفحتين أو أكثر نحو "فيلسوف" و"مالق" (آلة الطيّان"، و"برمك" (لقب جد البرامكة"، و"فهر" (من أعياد اليهود"، و"فرفخ" (البقلة الحمقاء)، و"جنك" (من آلات الطرب). أما طريقة المؤلف في دراسة الألفاظ فهي كالتي اتبعها في الكتب الثلاثة السابقة، خصوصًا في "القول الأصيل". فهو يورد أولًا نصًّا من بعض المصادر يتضمّن الكلمة الدخيلة، ثم يذكر أقوال اللغويين في أصلها ومعناها - إن كانت اللغة تعرّضت لها - ليعلّق عليها بالتصويب أو التخطئة، ثم يذكر اللغة التي انحدرت منها الكلمة، ويكتب أصلها بحروف تلك اللغة، مشيرًا إلى ما طرأ عليها من إبدال أو إدغام أو قلب أو زيادة أو نقص. وكثيرًا ما يشير المؤلف إلى اللغات الأخرى (غير العربية) التي دخلت فيها الكلمة الأصلية أو الصيغة العربية، فيزيد البحث ثراءً، والقارئ إمتاعًا، بتتبّع رحلة الألفاظ من لغة إلى لغة أخرى، وما يعتريها في كلّ منزلة تحلّ فيها من تغيّر قليل أو كثير. وللتمثيل على منهج هذا الكتاب ننقل هنا نصّ ما قاله المؤلّف في كلمة "بلخش":

"حجر كريم أحمر. ذكره الزبيدي في شرح (بذخشان)، وهو ممّا استدركه في ترجمة (الباذش). قال: بذخشان - ويقال له بذخش - بلدة في أعلى طخارستان، والعامة يسمّونها بلخشان ... وفي جبالها معادن البخلش واللازورد وحجر الفتيلة وغيرها اهـ. وقال الحميري في الروض المعطار في ترجمة بلخشان (101): موضع على مقربة من غزنة ... فيها معدن البلخش اهـ. وسمّاه البيروني في الجماهر (81) اللعل البذخشي. قال عبد الرحيم: هو بالفارسية (بدخش) بالدال، ويبدو أن إبدال الدال لامًا تم في اللغة العربية، وهذا الإبدال جائز من الناحية الصوتية، فقد وقع في (ألماس) وأصله باليونانية (أدماس). انظر المعرب للجواليقي بتحقيقنا ص 72. والجدير بالذكر أن هذه الصيغة العربية دخلت في اللغة اللاتينية المتأخّرة بصورة balascus - بتقديم الشين التي أصبحت سينًا على الخاء التي أصبحت كافًا - ومنها balascio بالإيطالية، و balais بالفرنسية، و balas بالإنكليزية. أما balax بالأسبانية القديمة فيبدو أنها مأخوذة من العربية مباشرة". انتهت عبارة الكتاب. ومن فوائد هذا الكتاب القيّم أنه ينبه على تحريفات وتصحيفات وقعت في المعاجم وغيرها من المصادر، وفاتت محقّقيها الأفاضل. ومن ذلك كلمة (الزرخ) وردت في كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ (ص 205) وذكر محقّقه الدكتور قاسم السامرائي أنه كتب في هامش المخطوط: "وهو الطيهوج"، وأن دوزي فسّرها بذلك نقلًا عن نسخة لكتاب الحيوان، فعلّق على ذلك الدكتور ف. عبد الرحيم بقوله: "لم تذكره المعاجم العربية، والظاهر أنه تصحيف، والصواب (زرج) بالجيم، فبالفراسية (زرچ) بفتح الزاي، وكسر الراء، بعدها

جيم مهموسة، وهو نوع من الحجل". ومنها كلمة (برلغ). جاء في صبح الأعشى: "من المطلقات البرالغ - بالباء الموحّدة والراء المهملة والألف واللام والغين المعجمة - جمع برلغ، وهي لفظة تركية معناها المرسوم. وعليها جرى عرف كتاب بلاد الشرق، وقل أن تكتب بالديار المصرية" (7/ 229). يقول الدكتور عبد الرحيم إن "هذا تصحيف، والصواب (يرلغ) بالياء المثناه التحتية". ويحيل إلى باب الياء الذي نقل فيه نصًا من رحلة ابن بطوطة، وردت فيه الكلمة على الصواب، وهو قوله: "وكتبوا بذلك إلى السلطان أبي سعيد، فأمضاه، ونفّذ له اليرليغ - وهو الظهير - بذلك اهـ. (179). ثم ذكر أن اللفظ المذكور تركي، وأصله yarlig، ومعناه المرسوم، الأمر الملكي. ومنها كلمة (لوالب). جاءت في كتاب التكملة والذيل والصلة لمرتضى الزبيدي (ط المجمع اللغوي بالقاهرة) في مادة الإسكاف: "من يعمل اللوالب والشمشكات". وصوابه: اللوالك، بالكاف، وهو جمع لالكة بمعنى الحذاء وأصله: لالك، بفتح اللام، ولالكا. ومن الألفاظ التي استدركها الزبيدي على القاموس كلمة (يهموت)، فقال في مادة (يهت): ويهموت: "الحوت الذي عيه الأرض"، ونقل من كتاب عناية القاضي للخفاجي أنه "غلط من ضبطه بالموحدة". فخطّأه الدكتور ف. عبد الرحيم قائلًا: "الصواب كونه بالباء الموحّدة أي (بهموت)، وهو دخيل في العربية من العبرية، أصله في تلك اللغة (بهيموث)، ويرى علماء تلك اللغة أنها جمع (بهيمة) بمعنى البهيمة". ثم أشار إلى أن الكلمة المذكورة وردت في كتب اليهود في موضعين: في سفر أيوب 40/ 15 وسفر أشعياء 30/ 6.ويرجّح علماء العبرانية أن معناها فرس البحر (hippopotamus)، فإن وصفه الذي جاء في سفر أيوب ينطبق عليه تمامًا. ولم ينس أن يرد على قول الزبيدي

(الحوت الذي عليه الأرض) بأنه "لا يستند إلى العقل ولا النقل، وهو من الخرافات". ومن التحقيقات الممتعة التي يضمّها كتاب سواء السبيل تحقيق لفظ (دكنكص) الذي ذكر الصاحب ابن عباد في كتابه المحيط نقلًا عن الخليل أنه اسم نهر بالهند. واستدركه الصغاني في حاشيته على كتابه التكملة قائلًا: "لم أسمع به ولا أعرفه، وليس في كلام أهل الهند صاد". (دكص 4/ 11). وذكره مرة أخرى في معجمه الكبير العباب الزاخر، وأفاض في الكلام عليه، فقال إن في ذلك - يعني أنه اسم نهر بالهند - نظرًا من وجوه: "أولًا أن الخليل لم يذكره، وثانيًا لأن الصاد ليس في لغة غير العرب، وثالثًا أني شرقت وغربت في الهند والسند نيفًا وأربعين سنة، وشاهدت أكثر أنهارها، وبلغني أسماء ما لم أشاهد منها، وهي تربي على تسعمائة نهر، فلم أر هذا النهر، ولم أسمع به، غير أن لهم نهرًا عظيمًا إذا زاد الماء يكون عرضه فرسخًا، وإذا نقص يكون مثلي عرض دجلة في زيادة الماء، كفار الهند يحجّون إليه من أقطار الهند، فيتبرّكون به ويحلقون عنده رؤوسهم ولحاهم، ويسرحون فيه موتاهم على السرر رجاء تمحيص ذنوبهم على زعمهم، ومن أحرقوه من موتاهم يذرون حممه ورماده فيه، وهو من أشهر أنهارهم، واسمه (كنك)، فإن كان وقع فيه التحريف، وإلاّ فليس في الهند نهر اسمه (دكنكص) ". كلام الصغاني هذا نقله الزبيدي في شرح القاموس الذي ذكر فيه الفيروزابادي لفظ (دكنكص) نقلًا عن ابن عباد، و (دكنكصوص) نقلًا عن أبي منصور بن عزيز اللغوي، وقال: "وكأنه وهم" محتجًا بأن "الصاد ليس في لغة غير العرب ... " فاكتفى بالوجه الثاني من الوجوه التي أوردها الصغاني. إذا تأمّل أحد أن اللفظ الدخيل يتعلّق بالهند، وشهد شاهد من أهلها أنه لا يعرفه ولم يسمع به، وهو الإمام الصغاني الذي ولد في (لاهور) وشرق وغرب

في الهند أكثر من أربعين سنة كما صرّح بذلك، ثمّ نقل كلامه مرتضى الزبيدي ولم يعارضه. وهو الذي ولد في بلدة (بلجرام) في الولاية الشمالية (أترابراديش حاليًا) في الهند، ونشأ فيها، ودرس على بعض مشاهير علمائها في دلهي وغيرها، قبل أن يخرج إلى اليمن. ويرى الفيروزابادي الذي لم يكن غريبًا عن الهند، فقد كان ممّن زارها، أن اللفظ كأنه وهم = إذا تأمّل أحد ذلك وضمّ إليه ما قاله الصغاني في الوجه الأول إن الخليل لم يذكره - وعليه كان اعتماد ابن عباد في نقله - بدأ الشك يساوره في صحّة نقل ابن عباد، وإن كان حديث عهد بكتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي سارع إلى اتّهام ابن عباد باختلاقه. والكلمات لها حظوظ مثل حظوظ الناس، فأتيح لكلمة (دكنكص) - بعد وفاة الصغاني (650 هـ) بنحو ثمانية قرون - لغوي آخر من الهند، يزيل عنها غبار الشك الذي أثاره كلام بلديه، فنقض الوجوه التي أوردها، وصوّب نقل ابن عباد، وردّ الكلمة الدخيلة إلى أصلها، وفسّر ما أصابها من تغيّر قبل انتقالها إلى العربية. فقال في ردّه على الوجه الأول من الوجوه الثلاثة التي ذكرها الصغاني: إنّ الخليل ذكر كلمة قريبة منه، فقال في العين (5/ 425): "الدككص اسم نهر بالهند، بلغتهم، ليست بالعربية، ودليل ذلك أنه لا يلتقي في كلمة عربية حرفان مثلان في حشو الكلمة إلاّ بفصل لازم كالعقنقل ... ". ويرى كاتب هذه السطور أن ذلك راجع إلى اضطراب في نسخ العين، فالظاهر أن النسخة التي كانت بين يدي الصغاني لم يرد فيها (دكنكص) ولا (دككص). أمّا نسخته التي اعتمد عليها ابن عباد فكان فيها (دكنكص) لا غير (1). وممّا يدلّ على ذلك أن الأصول التي اعتمد عليها ناشر كتاب العين

_ (1) لم ترد كلمة (دكنكص) في فهرس المواد اللغوية في آخر المحيط، لأن المنهج الذي سلكه محقّقه فرض عليه أن يثبت في المتن (ركنكص) بالراء، لأنّها جاءت كذا في النسخة التي اتّخذها أصلًا!

خلت من لفظ (دككص)، . وإنّما زاده في المطبوعة نقلًا من مختصر العين للزبيدي (1). أمّا الاستدلال الصغاني بعدم حرف الصاد في غير العربية على استحالة كون (الدكنكص) باللغة الهندية، فردّه مؤلّف سواء السبيل بأنه غير سليم، فكم من كلمة معربة تحوي حروفًا عربية بحتةً كـ (الصنج) و (القرطق) و (الحب) بمعنى الزير و (العنبر) بمعنى جناح المبنى، وذلك بسبب الإبدال. وذكر الصغاني في الوجه الثالث النهر المشهور الذي يقدّسه كفار الهند، وقال: "إنّ اسمه (كنك) فإن كان (دكنكص) تحريفًا لـ (كنك)، وإلاّ فليس في الهند نهر يسمّى بهذا الاسم". فبيّن الدكتور عبد الرحيم أن " (دكنكص) هو (كنك) نفسه، ولكن ليس تحريفًا له، إنّما هو تعريب لاسمه باللاتينية، وهو Ganges (كنكس) بالكاف المجهورة في الموضعين وبسين في آخره - وهي من حروف الزيادة في تلك اللغة - وأبدلت صادًا عند التعريب". ثمّ أشار إلى أن الاسم اللاتيني للنهر المذكور قد دخل في العربية بصيغة أخرى أيضًا، وهو (جنجس) بالجيم في موضع الكاف المجهورة، وإبقاء السين سينًا، كما جاء في التنبيه والإشراف للمسعودي (ص 50): "ومنها نهر الهند العظيم المعروف بـ (جنجس) " وكذا في مروج الذهب أيضًا (1/ 102). ولكن بقي إشكال في الصيغة الأولى، وذلك أن في أوّلها دالًا يخلو منها الأصل اللاتيني المذكور. كشف الدكتور عبد الرحيم عن سر هذه الزيادة قائلًا: "أمّا الدال في كلمة (دكنكص) فأرى أنها تمثّل حرف البحر اللاتيني de بمعنى

_ (1) في مطبوعة مختصر الزبيدي 2: 14 (نشرة نور حامد الشاذلي، عالم الكتب، بيروت، 1417 هـ) تحت مادة (دكض): "الدكيضض". وهو تصحيف "الدكنصص" الوارد في مختصر الإسكافي: 826 (نشرة هادي حسن حمودي، سلطنة عمان 1419 هـ). والصواب الظاهر ما نقله ابن عباد.

(عن)، وقد جعل جزءًا من الكلمة، فكأن الأصل كان de Ganges أي (عن كنكص) ". إن التصرّف الذي حصل في هذه الكلمة، من نقلها إلى العربية مع حرف الجر في أوّلها، يذكرنا ببعض الكلمات الأعجمية التي عربوها بحذف أوّلها ظنًا منهم أنه حرف جر، نحو كلمة (مارستان) بمعنى المستشفى، أصلها في الفارسية: بيمارستان مركب من (بيمار) ومعناه: المريض. و (أستان) لاحقة تفيد معنى المكان، وتحذف همزتها في التركيب؛ ونحو كلمة (زماورد) لنوع من الطعام، أصلها بالفارسية: (بزماورد). هذا الحوار الممتع الذي دار حول كلمة (دكنكص) يكشف عن أمر بالغ الخطورة، وهو أن تأصيل كلمة دخيلة قد يستعصي على عالم اللغة التي يرجع إليها الكلمة. وقد ينكر وجودها في لغته - وهو من أهلها - أشدّ الاستنكار، ويكون معذورًا في ذلك، لأنه لم يعرف اللغة الثالثة التي مرّت بها الكلمة في طريقها إلى اللغة العربية، وقد تغيّرت ملامحها في تلك المرحلة، فلمّا انتقلت منها إلى مستقرها الجديد ازداد تغيّرًا باعدها من أصلها. إن كتب الدكتور ف. عبد الرحيم حافلة بمعالجات دقيقة بارعة كهذه، والمطلع عليها يتمنّى أن يتفرّغ الدكتور لدراسة ما تبقّى من الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية على هذا المنهج المشوق، فإنّه - كما قلت في كلمة سابقة نشرت في هذا الملحق قبل تسع سنوات - قلّما يدانيه أحد من علماء العربية المعاصرين فيما اجتمع له من الكفايات العلمية العديدة التي تجعله خير من يتصدّى لهذا الجانب الوعر من معجم اللغة العربية.

دار الغرب الإسلامي بيروت - لبنان لصاحبها: الحبيب اللمسي شارع الصوراتي (المعماري) - الحمراء، بناية الأسود التليفون: Tel: 009611 - 350331 - الخلوي: Cellulaire: 009613 - 638535 فاكس: Fax: 009611 - 742857/ ص. ب. 113 - 5787 بيروت، لبنان DAR AL-GHARB AL-ISLAMI B.P.: 113 - 5787 Beyrouth, LIBAN الرقم: 2007/ 8/1000/ 454 التنضيد: مطبعة الصراط - بيروت - لبنان الطباعة: مطبعة الصراط - بيروت - لبنان

(14) الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح للفراهي

كتاب الرأي الصحيح في من هو الذبيح للفراهي (1) من التحريفات الفظيعة التي ارتكبها اليهود في كتابهم، ما فعلوه في قصّة إبراهيم عليه السلام، ولأهّميتها الكبرى كان نصيبها من التلاعب أوفر من القصص الأخرى. فلم يكن الذين يزعمون أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه ليرضوا بأن يذهب إخوانهم بنو إسماعيل بطرف من شرف، بله اختصاصهم ببيت الله والمنحر والنبوّة الخاتمة. فلم يألوا جهدًا في لبس الحقّ بالباطل، وحاولوا أن يغيّروا بنية القصّة كلّها بالحذف والتبديل والتقديم والتأخير والكذب والافتراء، بغيًا وظلمًا وحسدًا. وإذا أنعمت النظر في جهودهم لتحريف قصة إبراهيم عليه السلام وطمس معالمها وجدتّها ترمي من قريب أو بعيد إلى نقطة واحدة، وهي تمويه قصّة الذبيح. فإنّها مركز الإشعاع في هذه القصّة وقطب رحاها بل إنسان عينها، ولكن يأبى الله إلا أن يتمّ نوره. فترى أمر الذبيح في كتابهم عجبًا، فهو يستعلن من حيث يعتمّدون إخفاءه، وكلّما أخفوا جانبًا منه انكشف جانب آخر على رغم أنوفهم. ولما رأى أهل الكتاب أن القرآن الكريم لم ينصّ على الذبيح، ومن ناحية أخرى وجدوا المسلمين يؤمنون برسل الله وأنبيائه جميعًا لا يفرّقون بين أحد من رسله، ولا يحملون في صدورهم حقدًا وتعصّبًا على الملل الأخرى، ولا يتحرّجون من الاستماع إلى كلام اليهود والنصارى في تاريخ الأوائل وقصص الغابرين وفيما لا يمسّ بعقائدهم وأصول دينهم، صادفوا فرصة سانحة لبثّ

_ (1) نشر في صدر كتاب الرأي الصحيح، الطبعة الثانية، الدائرة الحميدية، الهند، 1414 هـ. وقد صدرت طبعة ثالثة منه سنة 1420 هـ عن دار القلم بدمشق.

أكاذيبهم ودسّ أقاويلهم بين المسلمين. ومنهم، من الذين أسلموا منهم تلقّيت الإسرائيليات التي ملأت كتب التفسير والتاريخ، وأثارت عثيرًا ضلّت فيه الحقائق بعض الأحيان أو كادت. وكم من قول صار أشهر الأقوال، كأنّه أحسنها، وإنما هو أضعفها وأوهنها. والقرآن الكريم ينبّه على تحريفات أهل الكتاب ويقيم الحجّة عليهم، ولكن له طرائقه وأساليبه الحكيمة في الاحتجاج والجدال بالتي هي أحسن. فمن غفل عنها، ولم يتدبّر نظام الآيات حقّ التدبّر خفيت عليه مقاصد الكلام، ويخشى أن تجوز عليه دسائس المبطلين. وقد حدث ذلك في تفسير القرآن الكريم وخاصّة في قصص النبيّين، وبوجه أخصّ في قصّة إبراهيم عليه السلام. فمع أن أمر الذبيح لم يكن من الدقّة والخفاء بمكان كبير، جنح بعض كبار المفسّرين رحمهم الله إلى أنه إسحاق عليه السلام، وانتصر لقوله كالإمام ابن جرير (ت 310 هـ). ومنهم من اكتفى بسرد الروايات دون نقد. ومنهم من ذكر القولين دون ترجيح إلاّ أنه قدّم القول بكون الذبيح إسماعيل ممّا يشير إلى رجحان ذلك عنده. وبعضهم قال إنّ ذلك هو الأظهر. أمّا الذين صرّحوا ببطلان هذا المذهب، ولم تغرّهم الأقوال المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين، فهم العلماء المحقّقون النقّاد الذين كانوا من أهل العلم بالقرآن، وقد اطلعوا على كتب اليهود والنصارى أيضًا، نحو شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) وتلميذه الإمام ابن القيم (ت 751 هـ) رحمهما الله. يقول ابن القيم في زاد المعاد: "وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأمّا القول بأنّه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجهًا، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا القول إنّما هو متلقّى عن أهل الكتاب، مع أنه باطل بنصّ كتابهم! " (1).

_ (1) زاد المعاد: 1/ 71.

ونصّ كلام شيخ الإسلام في الفتاوى: " ... وفي الجملة فالنزاع مشهور ولكن الذي يجب القطع به أنه إسماعيل. وهذا الذي عليه الكتاب، والسنة، والدلائل المشهورة، وهو الذي تدلّ عليه التوراة التي بأيدي أهل الكتاب" (1). ومنهم الحافظ ابن كثير (ت 774 هـ) الذي يقول في تفسيره: "وما أظن ذلك - يعني القول بأنّ الذبيح إسحاق - تلقّي إلاّ عن أحبار أهل الكتاب، وأخذ ذلك مسلَّمًا بغير حجّة" (2). وكان يجب بعد هذا القول الفصل في القضية أن ينحسم الخلاف فيها، ولا يتلجلج أحد في هذا الحق الأبلج، ولكنّ للروايات سلطانًا على النفوس، وتعلّقًا بالقلوب. والذين يعتمدون عليها أكثر من اعتمادهم على نظام الآيات وسياق الكلام ودلالات الألفاظ والأساليب يشقّ عليهم التخلي عنها، فألّف العلامة السيوطي (ت 911 هـ) بعدما اطلع على كلام الإمام ابن القيم رسالةً في الذبيح سمّاها "القول الفصيح" (3) ولكنّه ختمها بقوله: "وكنت ملت إليه - يعني القول بأنّ الذبيح إسحاق - في علم التفسير. وأنا الآن متوقّف في ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم" (4)، فأراد السيوطي - رحمه الله - كما ترى أن يفصح فأعجم وجمجم. ولعلّ وقوفه على كلام ابن القيم هو الذي أدّاه إلى التوقّف في هذه المسألة، ولولا ذلك لظلّ على مذهبه السابق الذي نسبه القرطبي للأكثرين! (5). وقد تناول عدد من العلماء غير السيوطي مسألة الذبيح في رسائل مفردة نحو مكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 هـ) في "كتاب الاختلاف في الذبيح

_ (1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 4/ 331. (2) تفسير ابن كثير: 4/ 16. (3) هذه الرسالة ضمن كتاب الحاوي للفتاوى للسيوطي: 1/ 492 - 498. (4) الحاوي 1/ 498. (5) تفسير القرطبي: 15/ 99.

من هو؟ " (1) والقاضي أبي بكر ابن العربي (ت 543 هـ) في رسالته "تبيين الصحيح في تعيين الذبيح " (2)، وتقي الدين السبكي (ت 756 هـ) في رسالته "القول الصحيح في تعيين الذبيح" (3). وابن طولون (ت 953 هـ) في رسالته "الميمون التصريح بمضمون الذبيح" (4) وعلي بن برهان الدين الحلبي (ت 1044 هـ) في رسالته "القول المليح في تعيين الذبيح" (5). وقد وصل إلينا بعض هذه الرسائل كرسالة السبكي. أشار في أوّلها إلى بعض الأدلة التي احتجّ بها القائلون بأنّ الذبيح إسماعيل، ثم قال: "وهي أمور ظاهرة لا قطعية، وتأمّلت القرآن، فوجدت فيه ما يقتضي القطع أو يقرب منه، ولم أر من سبقني إلى استنباطه. وهو أن البشارة مرتين ... " وفصّل هذا الدليل، ثم ردّ ما يمكن إيراده عليه. وهذه الرسالة في ورقة واحدة (6). ورسالة السيوطي التي مرّ ذكرها في ثلاث ورقات. وقد وصلت رسالتا القاضي ابن العربي وابن طولون أيضًا لكن لم نطلع عليهما (7). ويبدو أن الرسائل المذكورة كلّها كانت لطيفة صغيرة الحجم. أما هذه الرسالة التي نقدّمها اليوم فهي كتاب حافل في هذا الباب. وقد سبق ما أشار إليه الإمام ابن القيم - رحمه الله - من أنّ القول بكون الذبيح إسحاق باطل بأكثر من

_ (1) معجم الأدباء: 19/ 170، إنباه الرواة للقفطي 3: 316، وذكر أنّه في "جزء". (2) ذكرها في كتابه أحكام القرآن: 3/ 1617، ويدلّ كلامه في الأحكام أنّ الذبيح عنده إسماعيل. (3) كشف الظنون: 2/ 1364. (4) المرجع السابق: 2/ 1919، وقف عليها مؤلّف الكشف فقال: "صرّح فيها بأنّ الذبيح إسماعيل" ونسخة منها في التيمورية. (5) المرجع السابق: 2/ 1365. (6) وقد علقها السبكي سنة 651 هـ، ونسخة منها ضمن مجموع مخطوط في مكتبة عارف حكمت برقم 272 مجاميع (ق 134/ب - 135/أ). (7) انظر قانون التأويل لابن العربي، مقدّمة المحقّق: 154.

عشرين وجهًا. ولكن لم نقف على تلك الوجوه ولا على نصفها فيما وصل إلينا من مصنّفات العلماء قبله أو بعده، وإنّما وجدنا مصداق كلامه في هذا الكتاب القيم، فإنّه جاء بأكثر من عشرين دليلًا على أن الذبيح إسماعيل عليه السلام، ونصفها من التوراة المحرّفة التي لا يزال اليهود والنصارى متمسّكين بها. وما رأينا من هذه الوجوه المستنبطة من التوراة في غير هذا الكتاب إلاّ وجهًا أو وجهين. وهو كتاب فريد لإمام نابغة من جهابذة علماء الإسلام، أراد الله به خيرًا ففقّهه في الدين وعلّمه التأويل، وفتح عليه من علوم كتابه العزيز ما شاء، فكان في فهم القرآن منقطع القرين. كان غاية بل آية في حدّة الذكاء، ووفور العقل، ونفاذ البصر، وشدّة الورع، وحسن العبادة، وغنى النفس، ولئن تأخّر به زمانه لقد تقدّم به علمه وفضله، وهو الإمام عبد الحميد الفراهي رحمه الله (1280 - 1349 هـ) صاحب تفسير "نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان". وتصدّى الإمام الفراهي رحمه الله في كتابه هذا لإبطال ما زعم اليهود من أن الذبيح إسحاق عليه السلام، والكشف عن تحريفاتهم لإثبات ذلك في التوراة. وقد يظنّ بعض الناس أنّ هذه المسألة مسألة فرعية جزئية من التاريخ، وسواء أإسماعيل كان الذبيح أم إسحاق، فكلٌّ من أنبياء الله ورسله. فليست لذلك أهمّية شرعية تستوجب اهتمامًا كبيرًا كهذا. ولكنه ظنّ لا نصيب له من الصحّة. وقد شرح الإمام الفراهي - رحمه الله - في مقدّمة كتابه الأسباب الداعية إلى تأليفه، وهي ثلاثة أمور: أوّلها: هو مكانتها العظمى في ملّتنا، وتكلّم على خطر هذه المسألة في تاريخ الإسلام وأهمّيتها لفهم حقيقة الإسلام نفسه كلامًا في غاية النفاسة. وهو باب عظيم من علم أسرار الدين. ولقد وددنا أن نلخّص هذا الكلام هنا، ولكن تعذّر ذلك لما يمتاز بيان المؤلّف من شدّة الإيجاز وحسن الرصف، فكلّ ما قاله هو الخلاصة بعينها. يقول في آخره: "فمن زعم أن هذا الابتلاء وقع على جبل

أرشليم، وقرّب عليه إسحاق عليه السلام كان في غطاء كثيف عن حقيقة هذه البعثة العظمى وحقيقة هذا الذبح ومكانته في ملّتنا". والأمر الثاني: "أن في القرآن آيات كثيرة يتوقّف فهم تأويلها ونظامها على معرفة هذه المسألة وما يتعلّق بهذا الذبح ... واستيفاء البيان في كتابنا "نظام القرآن" تحت كل آية تشتمل على ذلك الأمر، يفضي إلى تكرار وإطناب. فأفردت له كتابنا هذا، وجعلناه من مقدمّة تفسيرنا، لكي نحوّل إليه عند الحاجة". والأمر الثالث: "أنّ اليهود لم يبالغوا في كتمان أمر مثل مبالغتهم في ذلك. فإنّهم قد ارتكبوا تحريفات وأكاذيب صريحة في أمر إسماعيل والكعبة ... وقد بيّن الله قصة هذا الذبح في التوراة ولكن اليهود قد دسّوا فيها أهواءهم فأصلحها القرآن ... ومع أنّ الناقدين من علماء المسلمين من أهل العلم والنظر - كما ستعلم - قد استدلّوا بنصوص التوراة أنفسها على كون إسماعيل عليه السلام هو الذبيح، فإن اختلاف كلمتنا جعل هذا الأمر العظيم من الأمور التي لا يعتدّ بها، بل عدم اعتدادهم به أمكن اختلافهم فيه، فإنّهم لو علموا ما لهذا الذبح من المكانة في ملّتنا لتحذّروا عن الغفلة في أمره. فلهذه الأمور الثلاثة التي كلّها على غاية الأهمية احتجنا إلى كشف القناع عن هذه المسألة". وبعد هذه المقدّمة يشتمل الكتاب على ثلاثة أبواب وخاتمة. الباب الأوّل في الاستدلال بالتوراة وما اعترف به علماء أهل الكتاب. والباب الثاني في الاستدلال بالقرآن المجيد وحده. والباب الثالث فيما روي من الآثار وأقوال السلف وآراء المفسّرين والاستدلال بأحوال العرب وأقوالهم قبل الإسلام. وقدّم الاستدلال بالتوراة لأنّه أراد إقامة الحجّة على أهل الكتاب من كتابهم. وبدأ هذا الباب بفصلين تمهيدًا لاستدلاله من التوراة: الفصل الأول في معارف تتعلّق بشريعة القربان وبالوحي الذي يكون في الرؤيا وهي عشرة أمور. والفصل الثاني في ذكر أصول ومبادئ للنظر في صحف اليهود. ثمّ جاء بثلاثة

عشر دليلًا من التوراة التي عند اليهود على أن الذبيح إسماعيل عليه السلام. ومعظم هذه الدلائل كما قلنا جديدة لم يّسبق إليها. وكشف المؤلّف رحمه الله في هذا الباب عن كثير من تحريفات اليهود في كتابهم، وفسّر بعض نصوص التوراة ممّا استغلق عليهم أو تجنّبوا بيانه كتمانًا للحقّ وظنًّا لن يفطن أحد لوجه الاحتجاج به. ومن أهمّ التحقيقات العلمية التي تضمّنها هذا الباب تحقيقه لموضع الذبح. وقد تعرّض اسمه في صحف اليهود لتحريف شديد في قراءته وتفسيره. فجاء في سفر التكوين (22: 2) حسب الترجمة السبعينية: "إلى الأرض العالية"، وحسب النسخة العبرانية: "إلى أرض موره"، وفي ترجمة أقيلا: "الأرض المستعلنة"، وترجمة سماخوس: "أرض الرؤيا". وفي السفر نفسه في مكان آخر (12: 6) في السبعينية: "البلوطة العالية"، وفي العبرانية: "ميدان موره". أمّا في القراءة فقرأوا: "مريّاه"، و"مورياه"، و"موره". وقد أفاض المؤلّف في ذكر هذه التحريفات، ثمّ أورد أقوال بعض علمائهم في الاعتراف بالتحريف في هذه الكلمة والردّ على زعم اليهود بأنّ هذا الموضع هو مكان هيكل سليمان في أورشليم وزعم النصارى بأنّه موضع صلب المسيح حسب معتقدهم. وأشار إلى اقتراح بعضهم أنّ هذا الموضع على جبل جريزيم، وردّ عليه. ثمّ نبّه المؤلّف على مداخل التوهّم والتحريف في الكلمة مستدلًا بقواعد اللغة العبرانية ووجود التشابه الشديد بين الحروف في الخط العبراني ممّا يسهّل عمل التحريف لمن يتعمّده. ثمّ أثبت المؤلّف رحمه الله أن الصواب في اسم موضع الذبح هو "المروة" فقال: "إنّ ذلك الموضع هو الذي في مساكن بني إسماعيل ولم يزل مشهورًا باسم المروة. ويؤيّد ذلك ما في صفحهم. فإنّه قد جاء في سفر القضاة (7: 1): "وكان جيش المديانيين شماليّهم عند تلّ موره في الوادي، فتبيّن أن! هذا تلّ موره

كان معسكرًا للمديانيين. ولا شكّ أنّ المديانيين هم العرب. واسم مديان يطلق عليهم وعلى أرضهم. وقد جاء التصريح في صحفهم بأنّ مديان هم الإسماعيليون". ثمّ أورد نصوصًا من التوراة وقال: "فبعد ذلك أيّ شيء يبقى من دعواهم بأنّه على جبل أورشليم؟ أم أي شيء يدفع ما لم يزل الإسماعيليون يعرفونه بالمروة؟ وكانت عندهم أشهر من نار على علم، وكانوا يطوفون بها في حجّهم. وحين خاطبهم القرآن في أمر الطواف لم يحتج إلى تعريفها، ولكن بيّن أنّها من شعائر الله. وهناك أشار إلى تحريف أهل الكتاب في أمرها وسوء صنيعهم فيما يكتمون من آيات الله من بعد ما بينّها الله تعالى في كتابهم". فيرى المؤلف رحمه الله تعالى أن في قوله تعالى في سورة البقرة (159) {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} بعد قوله تعالى (158) {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم} تلميحًا إلى ما حرفت اليهود في اسم المروة ورسمها وموضعها لحسدهم إسماعيل وذريته، فردّ الله عليهم بإشارة لطيفة. وتفصيل ذلك في الفصل الثاني والثلاثين. ولخّص في آخر الفصل قصّة الذبح فقال: "فتطابق الأمور يدلّ على أنّ إبراهيم عليه السلام جاء من جهة الشرق، وترك غلاميه على جبل قريب، وذهب بابنه الوحيد إسماعيل إلى المروة ساعيًا وملبّيًا لدعوة الرب. وكان مسكن إبراهيم عليه السلام إلى جانب الصفا كما جاء في سفر التكوين (12: 1 - 8) حيث جاء ذكر رحلته إلى أرض موره في رواية أخرى لقصّة الذبح. ولكنّهم أسقطوا منها ذكر هذا الذبح، واكتفوا بذكر رحلته، فلم تزل الصفا والمروة في بني إسماعيل قائمتين من لدن إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا مع الاسم والرسم والمناسك الدالّة على تلبية إبراهيم للرب وسعيه لإتمام أمره. وليس

لليهود والنصارى شيء من هذه المناسك .. ". وقد أعان المؤلّف رحمه الله على القيام بهذا التحقيق العلمي الرائع مدارسته لكتب اليهود والنصارى، ومعرفته للغة العبرانية، واطلاعه على الدراسات الحديثة التي قامت على العهدين القديم والجديد. أمّا الباب الثاني الذي هو في وجوه الاستدلال المأخوذة من القرآن الكريم وحده، فبدأه المؤلّف رحمه الله كالباب السابق بذكر أصول ومبادئ للتدبّر في قصص القرآن وحججه. وهي أمور مهمّة لفهم منهج القرآن الكريم في إيراد القصص والاحتجاج في المعقول والمنقول. والوجوه التي استدلّ بها المؤلّف في هذا الباب جلّها منثور في كتب السابقين ولكنّها جاءت في هذا الكتاب على أحسن وجه في التحرير والتلخيص والتشييد. ومن عجيب ما استدلّ به المؤلّف رحمه الله في هذا الباب عدم تسمية الذبيح في القرآن الكريم. فقد جعل ذلك حجّة على كون إسماعيل هو الذبيح، فقال: "ليس لقائل أن يقول: إن كان إسماعيل عليه السلام هو الذبيح فلم لم يصرح القرآن به؟ فإنّ هذا السؤال عائد عليه في أمر إسحاق عليه السلام على سواء، مع أنّه لم يكن مانع لذكره، وأمّا إسماعيل عليه السلام فلعدم التصريح باسمه وجوه من الحكمة". ثمّ فصّل القول في هذه الوجوه، وهي أربعة أوّلها: "أنّه من عادة القرآن الصفح والإعراض عن اللجاج الذي لا ينفصم لكيلا يشتغل الخصم به، ويترك ما يلقى إليه من الحجّة الدامغة. وقد أدخلت اليهود اسم إسحاق عليه السلام في قصّة الذبح، فلو صرح القرآن بخلاف ذلك لتمسكوا بما في كتبهم، وجادلوا بباطلهم، وأنكروا بما جاء به النبي لخلافه الصريح بما عندهم. فالقرآن يلزمهم ما كان موجودًا في صحفهم أو كان ظاهرًا بيّنًا عند العقل لكيلا يترك لهم متمسّكًا وعذرًا، وقد أشار إلى ذلك في غير ما آية تارة يخاطب النبي ويأمره بالصفح

عنهم، وتارة يخاطب المسلمين بترك جدالهم إلاّ بحسن القول، وتارة يخاطب أهل الكتاب ويدعوهم إلى مسلماتهم". ثمّ أورد أمثلة على ذلك وقال: "وبالجملة فإنّ القرآن قد اجتنب مجادلتهم فيما تمسّكوا بظاهر الكتاب، وفي ذلك حكمة بيّنة لعدم التصريح باسم الذبيح، فلو كان هو إسحاق عليه السلام لم يكن مانع من تسميته ههنا". ومن أروع فصول هذا الباب الفصلان الأخيران اللذان استدلّ فيهما المؤلّف رحمه الله بما صرّح به القرآن من أحوال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وما جاء في القرآن على سبيل إبطال ما افترت اليهود في أمر إسماعيل عليه السلام، وكلاهما من جوامع الأدلّة. وسترى فيهما كلامًا بديعًا في تفسير معاني الآيات وحسن نظامها ومحكم ترتيبها وبعيد مراميها ولطيف أسلوبها. وختم المؤلّف رحمه الله هذا الباب بقوله: "ولو فصلناها - يعني الأدلّة - لصارت أكثر عددًا ولكنّا اخترنا الثلاثة عشر كما اخترنا في القسط الأوّل رعاية لسني عمر إسماعيل عليه السلام حين قدّمه الخليل عليه السلام قربانًا لربّه". أمّا الباب الثالث الأخير من هذا الكتاب فأورد فيه المؤلّف أوّلًا ما روي عن الصحابة والتابعين والسلف والأقدمين في هذه المسألة، ثمّ ذكر ما قاله ابن جرير رحمه الله وهو القائل بأنّ الذبيح إسحاق عليه السلام، وردّ على احتجاجه. ثمّ ذكر في فصل مستقلّ ما قاله الرازي (606 هـ) في تفسيره تبعًا للزمخشري (ت 538 هـ)، ونبّه على بعض مواضع الوهم في كلامهما. ولخّص في فصل تالٍ كلام ابن كثير من تفسيره وقال: "لا يخفى أنّ ابن كثير رحمه الله أتى بأكثر الأدلّة الظاهرة. ولم نجد في المتأخّرين من زاد عليها، فلا حاجة إلى استقصاء أقوالهم، ولكن نذكر في الفصل التالي من أقوال المشهورين منهم ما يكفي للدلالة على مذاهبهم في هذه المسألة". فذكر أقوال البغوي (510 هـ) والبيضاوي (ت 685 هـ) والنسفي (701 هـ) والخازن (ت 741 هـ) والجلال المحلّي

(ت 864 هـ)، وأشار إلى رسالة السيوطي (ت 911 هـ). والظاهر أنّ المؤلّف رحمه الله لم يقف عند تأليف كتابه على كلام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، مع شغفه بمصنّفاته، ومصنّفات شيخه الإمام ابن تيمية رحمه الله. وللمؤلّف رحمه الله كلام جميل في هذا الفصل في الدفاع عن العلماء الذين لم يتّخذوا موقفًا قويًا في هذه المسألة، فاكتفوا بذكر القولين دون الجزم بأحدهما أو بمجرد الترجيح، وقد أحسن كل الإحسان إذ صيّر ذلك من مناقبهم فقال: "والسبب في ذلك - والله أعلم - أنّ علماءنا رحمهم الله تعالى براء من التعصّب لنبي من الأنبياء. ثمّ إنّهم لا يجترئون على القطع في تأويل القرآن ما لم يكونوا على بصيرة فيه، ثمّ إنّ المتأخّرين منّا على غاية مراعاة الأدب للسلف. فإذا وجد أحدهم اختلافًا من السلف في تأويل أمسك عن القطع بأحد وجوهه، واكتفى بالإشارة إلى ما هو المرجّح عنده، ومع ذلك من كان على بيّنة من أمره جاء بقول فصل. وفي اختيار ابن جرير رحمه الله أنّ إسحاق عليه السلام هو الذبيح لأكبر شهادة على أنّ المسلمين لم ينظروا في هذه المسألة نظر المتعصّب المعاند، وكذلك الشهادة في عدم القطع من بعضهم بأحد الجانبين". وآخر فصول هذا الباب في الاستدلال بأحوال العرب قبل الإسلام وأقوالهم تكملة للقرائن التاريخية التي وردت في البابين السابقين، وتفصيلًا للإشارات التي تضمنها قوله تعالى في سورة آل عمران في أمر بيت الله: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا} ... الآية. والكتاب كلّه من أوّله إلى آخره نمط عالٍ من التحقيق والتأليف، ومثل خليقٌ بالاحتذاء في أدب الخلافة والمجادلة الحسنة، في أسلوب علمي يتميّز ببراعة التحليل ودقّة الاستنباط، وقوّة الاستدلال، وحسن التأتّي للمعضلات، ونقد الآراء في تواضع جمّ واحترام تامّ لأصحابها، مع إحكام النسج، ونهاية الإيجاز، ونصاعة البيان.

فهرس الموضوعات بين يدي الكتاب 5 (1) جمل الغرائب للنيسابوري وأهميته في علم غريب الحديث 11 (2) نظرات في كتاب المجرّد لكراع النمل 73 (3) شعر ابن وكيع التنّيسي في كتاب نزهة الأبصار في محاسن الأشعار 119 (4) حول كتاب خلق الإنسان لأبي محمد الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن 135 (5) قصة بيع الجمهرة الدريدية صاحبها أبو الحسن الفالي، لا أبو علي القالي 155 (6) دراسة نقدية مبسوطة حول تحقيق كتاب "إصلاح ما غلط فيه النمري ... " للغندجاني 181 (7) نظرات لغوية في الترجمات الأردية للقرآن الكريم 325 (8) أهذا كتاب "الموضح لعلم القرآن" للحدّادي! 359 (9) حول كتاب "المجموع اللفيف" للقاضي أمين الدولة 371 (10) كتاب المعرب للجواليقي في نشرة علمية جديدة 423 (11) مواقف أدبية ولغوية في كتاب الجماهر لأبي الريحان البيروني 433 (12) التسك والنسك والتك 469 (13) سواء السبيل إلى ما في العربية من الدخيل 475 (14) الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح للفراهي 485

§1/1