بحوث ومقالات في اللغة

رمضان عبد التواب

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: هذه البحوث والمقالات اللغوية، نشر بعضها في شتى المجلات العلمية في مصر والعالم العربي، وبعض مجلات الغرب، كمجلة مجمع اللغة العربية في مصر، ومجلة المجلة العربية، ومجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجلة المورد العراقية، والمجلة التذكارية للمستشرق الألماني "شبيتالر"، ومجلة قافلة الزيت، ومجلة المجمع العلمي العراقي. وبعضها بحوث ألقيتها في بعض المؤتمرات والندوات العلمية، كمؤتمر اللهجات العربية في أسيوط، وندوة التراث العربي بالقاهرة، وندوة جلال الدين السيوطي في أسيوط. وبعضها بحوث تقدمت بها إلى لجنة اللهجات، بمجمع اللغات العربية بالقاهرة، ونوقشت في مجالس المجمع ومؤتمراته، وتضمنت نتائجها بعض توصياته. وبعض هذه المقالات، نشر منذ خمسة عشر عاما، وبعضها حديث لم يمض عليه عام أو بعض العام. غير أنني لم أشا أن أنشر هذه البحوث وتلك المقالات، كما كتبتها أول مرة، بل أجريت قلمي فيها هنا وهناك. بالتعديل والتنقيح، والتهذيب والصقل، والحذف والإضافة، مدخلا فيها حصيلة قراءتي عبر السنوات الخالية، وجمعت النظير إلى نظيره في أبواب وفصول. ولم يدفعني إلى ذلك العمل، إلا حرص الزملاء والأصدقاء، من الباحثين والطلاب، على أن أجمع هذه البحوث في كتاب، وبعضها مما

تهافت الباحثون على تصوير نسختي الخاصة منه، كأسطورة الأبيات الخمسين، في كتاب سيبويه، ورأي في تفسير الشواذ في لغة العرب، وغيرها وإني لأرجو أن ينال عملي هذا رضا الزملاء والأصدقاء، بعد الله سبحانه وتعالى، وأن يوفق الله عز وجل إلى إخراج ما نشرته من قبل، في الدراسات القرآنية، وتحقيق التراث ونقده، من بحوث ومقالات امتد ببعضها العمر إلى عشرين عامًا أو يزيد. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. د. رمضان عبد التواب

الباب الأول: في أصوات اللغة

الباب الأول: في أصوات اللغة الفصل الأول: صوت القاف بين الفصحى واللهجات يعد صوت القاف من الأصوات التي عانت كثيرا من التغييرات التاريخية1، في اللغة العربية، فإن مقارنة اللغات السامية، تدل على أنه صوت شديد مهموس، ينطق برفع مؤخرة اللسان، وإلصاقها باللهاة، لكي ينحبس الهواء عند نقطة هذا الالتصاق، ثم يزول هذا السد فجأة، مع عدم حدوث اهتزازات في الأوتار الصوتية، ففي العبرية مثلا: Kol قول، وفي الآرامية: Kala قالا، وفي الحبشية: Kal قال، بمعنى: "صوت" في الجميع، وهو يقابل في العربية: "قول". وفي الآشورية: Kulu قول بمعنى: "صراخ"2. وقد عد قدماء اللغويين العرب "القاف" من الأصوات المجهورة3 في العربية الفصحى، فإن صدق وصفهم إياها بالجهر، كان ذلك النطق من التغييرات التاريخية في العربية القديمة. وقد بقي هذا النطق المجهور في أغلب البوادي، في اللهجات العربية المعاصرة4، وإن تقدم مخرجه إلى الأمام قليلا، وأصبح كالكاف الفارسية.

_ 1 لمعرفة الفرق بين التغييرات التاريخية والتركيبية للأصوات، انظر كتابنا: "التطور اللغوي، مظاهره وعلله وقوانينه" 17-36. 2 انظر كتابنا: اللغة العبرية، قواعد ونصوص ومقارنات باللغات السامية ص128. 3 انظر: كتاب سيبويه 2/ 405 وسر صناعة الإعراب 1/ 278 وشرح ابن يعيش للمفصل 10/ 129. 4 انظر كتاب "شبولر" Spuler, Handbuch der Orientalistik 3/ 236-237.

غير أن هناك تغييرات أخرى كثيرة، طرأت على هذا الصوت في البلاد العربية، فهو ينطق صوتا مزجيا "Affricate" كالجيم الفصيحة، في بعض بلدان الخليج العربي، كالبحرين، فقد سمعت بعض أهلها يقولون: "الجبلة" بدلا من "القبلة". كما ينطق في مدينة "الرياض" وضواحيها، في الجزيرة العربية، صوتا مزجيا كذلك، غير أنه مكون من الدال والزاي "dz" في مثل قولهم: "دزبلة" في: "قبلة"، و"دزليب" في: "قليب"، وغير ذلك مما سمعته بنفسي هناك. وفي السودان وجنوبي العراق، تحول نطق القاف إلى غين، ففي حديث إذاعي مع أحد السودانيين، في إذاعة ركن السودان بالقاهرة، في شهر مارس سنة 1978م، وردت الكلمات التالية: لغاء، وغناه ويغدر، والديموغراطية، وعلاغة، واغتصادي، وانتغلت، والاستغلال، بدلا من لقاء، وقناة، ويقدر، والديموقراطية، وعلاقة، واقتصادي، وانتقلت، والاستقلال. وفي اللهجة المصرية كلمتان قلبت فيهما القاف غينا على هذا النحو، هما: "يغدر" ومشتقاتها، بدلا من "يقدر"، و"زغزغ" بمعنى: حرك يده في خاصرة الصبي ليضحكه. والأصل فيها في العربية الفصحى: "زقزق"1. كما تطورت "القاف" إلى "كاف" في نطق الفلسطينيين في المدن2، فهم يقولون مثلا: "كال" في: "قال"، و"برتكان" في: "برتقال"، و"كلته كتل" في "قتله قتلا"، وغير ذلك.

_ 1 انظر مقالتنا، "اللهجة العامية المصرية في القرن الحادي عشر" 115. 2 انظر: الأطلس اللغوي لبرجشتراسر: Bergstrasser, Sprachatlas الفقرة 7.

والتعليل الصوتي لكل هذه الانقلابات، سهل ويسير، فتأثير "قانون الأصوات الحنكية1" واضح في انقلاب القاف إلى نطق مزجي، في بعض بلدان الخليج "كالجيم الفصيحة"، وفي الرياض وضواحيها "دز". والدليل على ذلك أن القاف لا تعاني من هذا القلب إلا إذا وليتها كسرة، تماما كما يتطلب هذا القانون2. كما أن ضياع الانفجار من القاف، وتزحزح مخرجها إلى الأمام قليلا، هو المسئول عن انقلابها غينها في نطق أهالي السودان وجنوبي العراق. وكذلك انقلابها كافا في نطق الفلسطينيين، ليس إلا تزحزحا في مخرجها قليلا إلى الأمام، مع ترقيقها، واحتفاظها بصفة الشدة في نطقها. هذه هي بعض التغييرات التاريخية لصوت القاف في اللهجات العربية المعاصرة، والتعليل الصوتي لحدوثها، غير أن ما يهمنا هنا هو انقلاب القاف همزة في لهجة القاهرة، وبعض اللهجات الأخرى. ويبدو أن هذا النوع من التطور في القاف، قديم في اللغات السامية، فقد نقل "بروكلمان"3 عن "ليتمان"4 أن القاف تحولت في أعلام "الفينيقية" في بعض الأحيان إلى همزة، ثم سقطت، كما سقطت الهمزات الأصلية في الفينيقية، فمثلا: العلم الفينيقي: "Himalkart" "حملقرت" تحول إلى: Himalar " "حملر".

_ 1 انظر في شرح هذا القانون كتابنا: "التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه" 92-94. 2 انظر كذلك: "دراسات في لهجات شرقي الجزيرة "لجونستون 54-55 3 في كتابه: Brockelmann, Grundriss 1/ 125. 4 في مجلة American Journal of theolgy سنة 1904م، ص340.

والعلة الصوتية في هذا التطور، تتلخص في أن مخرج القاف، انتقل إلى الخلف "باحثا عن أقرب الأصوات شبها به من الناحية الصوتية، فتعمق القاف في الحلق عند المصريين، لا يصادف من أصوات الحلق ما يشبه القاف، إلا الهمزة، لوجود صفة الشدة في كل منهما"1. ولعل هذا التطور كانت له بداياته، في عصور الفصاحة، فقد أوردت المعاجم العربية، وكتب اللغة، مجموعة من الألفاظ، رويت لنا مرة بالقاف، وأخرى بالهمزة، والمعنى فيهما واحد. وفيما يلي بعض هذه الألفاظ: 1- يقال: قشبه بشر، وأشبه به، يعني: لامه وعابه "ما اختلفت ألفاظه للأصمعي 18-19 والإبدال لأبي الطيب 2/ 561 وإصلاح المنطق 406". 2- القفز، والأفز، بمعنى: الوثب "الإبدال لأبي الطيب 2/ 562. 3- القوم زُهاق مائة، وزُهاء مائة، أي: قريب من ذلك "الإبدال لأبي الطيب 2/ 562 وإصلاح المنطق 106 ويرى ابن فارس في مقاييس اللغة 3/ 33 أن الهمزة هنا هي التي أبدلت قافا". 4- يقال: زنق على عياله، وزنا عليهم، إذا ضيق عليهم فقرا، أو بخلا "لسان العرب/ زنق 12/ 11 زنأ 1/ 84". 5- روى ابن السكيت: قرم يقرم قرما، إذا أكل أكلا ضعيفا "اللسان/ قرم 15/ 373" وهو قريب مما رواه ثعلب: أرمل ما على المائدة يأرمه، أي أكله "اللسان/ أرم 14/ 279".

_ 1 الأصوات اللغوية، للدكتور إبراهيم أنيس 69.

6- القصر: الحبس "اللسان/ قصر 6/ 407". وروى الكسائي: "أصرني الشيء يأصرني: حبسني. وأصرت الرجل على ذلك الأمر، أي حبسته" "اللسان/ أصر 5/ 82". 7- يقال: تأبض، وتقبض، يعني: شد رجليه "اللسان / أبض 8/ 279". 8- روت المعاجم: "الوقبة: نقرة في الصخر يجتمع فيها الماء" اللسان/ وقب 2/ 31" وهو قريب من قولها أيضا: "الوأبة: النقرة في الصخرة تمسك الماء" "اللسان/ وأب 2/ 290". 9- روى أبو عمرو الشيباني: "الفشق: انتشار النفس من الحرص" "الصحاح/ فشق 4/ 1544 وانظر: الجيم 3/ 44". ولعل لهذا علاقة بقولهم: "تفشأ الشيء، أي انتشر" "الصحاح/ فشأ 1/ 63". وقد تكون الصيغة الأخيرة ناتجة بسبب "الحذلقة في اللغة" "Hyperurbanismus" من "تفشى" بلا همز! 10- قفخته: ضربته على الرأس "الصحاح/ قفخ 1/ 429"، يقال: "أفخته: ضربت يأفوخه، وهو الموضع الذي يتحرك من رأس الطفل "الصحاح/ أفلح 1/ 419". أما انتشار هذه الظاهرة في اللهجات العربية الحديثة، فيذكر المستشرق "شيئا" في كتابه عن اللهجة المصرية1، أن "القاف قلبت همزة في القاهرة وضواحيها، وفي القليوبية، والواسطى، وجزء كبير من الفيوم، وبعض البلاد العربية الأخرى، وعلى الأخص في سوريا".

_ 1 Spitta Grammatik des arabischen Vulgar dialektes von Aegypten ص12.

ويزيد عليه بوركلمان1، أن ذلك "التحول في صوت القاف إلى همزة، يوجد كذلك في تلمسان، وشمالي مراكش2، وعند اليهود في شمال إفريقيا، وكذلك في اللغة المالطية، في معظم الأحوال". وإن كان الشيخ محمد علي الدسوقي يتعجب من أن "أهل جزيرة مالطة ينطقون بالقاف في جميع كلماتهم، التي ورثوها عن العرب الفاتحين، مع أن أهل مصر يستنكفون عن النطق بها"3. ويخبرنا "برجشتر اسر" في الأطلس اللغوي الذي عمله لسوريا وفلسطين سنة 1915 بأن "نطق القاف همزة، يسود معظم مدن سوريا وفلسطين، فيما عدا القليل، ومع ذلك يوجد نطق القاف في المدن أحيانا بين غير المتعلمين"، كما ينقل عن "ليتمان" قوله: "إن المسيحيين في حلب، لا ينطقون إلا الهمزة، على العكس من المسلمين الذين لا ينطقون هناك إلا القاف". كما يقول ليتمان: "وقد سمعت الهمزة من يهودي متعلم، والقاف من مسلم غير مثقف"4. هذا ... ومما يلفت النظر أن كثيرا من اللهجات التي قلبت فيها القاف همزة، لا تحتفظ بنطق الهمزات الأصلية في اللغة. ويبدو أن ترك هذه الهمزات الأصلية، تم في فترة قديمة، ولم يكن إلا امتدادا للهجات الحجازية القديمة في تسهيل الهمزة، ثم توقف هذا التغير بعد فترة، "فما دام هذا التغير قد أصاب جميع الكلمات، التي تقع تحت طائلته، يصبح القانون الذي

_ 1 في كتابه: Grunriss 1/ 121. 2 انظر كذلك: لهجة شمال المغرب، تطوان وما حولها ص81. 3 تهذيب الألفاظ العامية 47. 4 Sprachatlas الفقرة 10.

يفسره، وكأنه قد نسخ، ويمكن للغة أن تخلق مركبات صوتية جديدة، مشابهة كل الشبه للمركبات، التي كان التغير يعمل فيها سابقا، فهذه المركبات تبقي دون تغير، فيقال إنها لم تعد واقعة تحت سلطان القانون"1. وهكذا بعد أن توقفت ظاهرة التخلص من الهمزة، ومضت فترة من الزمن، أخذ صوت القاف يتحول إلى الهمزة، دون أن تجد لهجات الخطاب في ذلك حرجا.

_ 1 اللغة لفندريس 74.

الفصل الثاني: نظرية المحاكاة الصوتية ومناسبة اللفظ للمعنى

الفصل الثاني: نظرية المحاكاة الصوتية ومناسبة اللفظ للمعنى يحاول بعض العلماء أن يفسر لنا نشأة اللغة الإنسانية، بما يسمى بنظرية "المحاكاة الصوتية" Onomatopoeia، وقد عرض لهذا الرأي من علماء المسلمين، العلامة ابن جني في كتابه "الخصائص" فقال1: "وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغة كلها، إنما هو الأصوات المسموعات، كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيح الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس ... ونحو ذلك. ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد". وقد ارتضى "ابن جني" هذا الرأي، فقال معقبا عليه: "وهذا عندي وجه صالح، ومذهب متقبل". ومما قد يؤيد هذه النظرية، ما قد نجده في بعض الأحيان، من اشتراك بعض الأصوات في الكلمات التي تحاكي الطبيعة في عدة لغات، فإن الكلمة التي تدل على الهمس، هي في العربية كما نعرف: "همس"، وفي الإنجليزية: whisper وفي الألمانية Flustern وفي العبرية Safsaf صفصف، وفي الحبشية: Fasaya فاصي، وفي التركية Susmak، فالعامل المشترك بين هذه اللغات جميعها في تلك الكلمة، هو: صوت الصفير السين أو الصاد، وهو الصوت المميز لعملية الهمس في الطبيعة.

_ 1 الخصائص 1/ 46.

غير أن اشتراك اللغات في الكلمات المحاكية للطبيعة، على هذا النحو، أمر نادر. ولو كانت هذه النظرية صحيحة، للاحظنا اشتراكا بين اللغات في الكلمات التي تحاكي الطبيعة، مثل: الشق، والدق، والقطع، والصهيل، والعواء، والمواء، وما إلى ذلك. ولقد سمعت الديك العربي في بلاد العرب، والديك الألماني في بلاد الألمان، يصيحان بطريقة واحدة دون أدنى فرق، غير أننا نحاكي صوت الديك فنقول: كوكوكو! ويقول الألمان: kikeriki كيكيركي! ويرى بعض العلماء، بناء على هذه النظرية، أن مناسبة اللفظ للمعنى، مناسبة حتمية، بمعنى أن اللفظ يدل على معناه دلالة وجوب، لا انفكاك فيها. وممن نادى بهذا الرأي "عباد بن سليمان الصيمريط من المعتزلة، فقد ذهب إلى أن بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية، حاملة للواضع على أن يضع هذه اللفظة أو تلك، بإزاء هذا المعنى أو ذاك. ويروون عن بعض من تابعه على رأيه هذا، أنه كان يقول: إنه يعرف مناسبة الألفاظ لمعانيها، فسئل عن معنى كلمة: "إذغاغ"، وهي بالفارسية: الحجر، كما يقولون. فقال: أجد فيه يبسا شديدا، وأراه الحجر! 1 وإننا نشك كثيرا في صحة هذه الراوية، وصدق نظرية الصيمري، فإنه لو صح ما قاله، لاهتدى كل إنسان إلى كل لغة على وجه الأرض. نعم، قد يحدس الإنسان معنى كلمة من الكلمات في لغة من اللغات، بخبراته في هذه اللغة، فإن مجرد النطق باللفظ، يستدعي إلى الذهن أمثاله من الألفاظ، ويستدعي معها دلالاتها، ويستوحي المرء من كل هذا دلالة لذلك

_ 1 انظر المزهر للسيوطي 1/ 47.

اللفظ المجهول، على أساس ما اختزنه في حافظته، وقد يوفق في هذا الاستيحاء، غير أنه كثيرا ما يخيب، وهنا يؤدي اختلاف الخبرات السابقة إلى اختلاف الحدسات الناتجة. وخذ مثلا كلمة: "عتيد" فإنك إذا ذكرتها أمام من لا يعرف معناها الأصلي، وهو: "حاضر، معد، مهيأ"، فهو لا شك سيقيسها على كلمة: "عنيد" إن كانت من حصيلته اللغوية، فيعطيها نفس معناها، وهو: "جبار" أو "قوي مثلا"، أو يقيسها على كلمة: "عتيق" إن برزت له وقتئذ من بين خبراته اللغوية السابقة، فيعطيها نفس معناها، وهو: "قديم" أو "موغل في القدم". ومن أنصار المناسبة بين اللفظ والمعني، من علماء العربية، العلامة اللغوي أبو الفتح عثمان بن جني، الذي عقد في كتابه "الخصائص" بابا طويلا، جعل عنوانه: "باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني"1، ذكر فيه ألفاظا كثيرة من اللغة العربية، تؤكد كلها نظريته في مناسبة الصوت للمعنى الدال عليه. وأغلب الظن أن بذرة هذه الفكرة، قد وجدت عند قدامى النحويين واللغويين، قبل أن جني؛ لأنه يرجع في هذا الباب إلى بعض آراء الخليل وسيبويه، فهو يروي عن الخليل أن العرب قالوا في الدلالة على صوت الجندب: "صَرَّ"؛ لأن في صوته امتدادا واستطالة، أما البازي فدلت العرب على صوته بالفعل: "صرصر"؛ لأن فيه تقطيعا وعدم استمرار. كما يذكر عن سيبويه تفسيره لوجود الحركات الكثيرة، في المصادر التي جاءت

_ 1 انظر: الخصائص 2/ 158-168 وانظر كذلك المزهر للسيوطي 1/ 48

على وزن: "فعلان" بمناسبتها لدلالة هذا النوع من المصادر، على الاضطراب والحركة، مثل: الغليان" و"الهيجان" و"الطيران" و"الفوران"، وما أشبه ذلك. وأخذ ابن جني بعد ذلك، يذكر نظائر لهذا الذي أتى به الخليل وسيبويه، من مناسبة الصوت للمعنى، فعنده أن المصادر الرباعية المضعفة، إنما تأتي لتكرير الفعل، كالزعزعة، والقلقلة، والجرجرة، والصلصلة، وما إلى ذلك، فإن تكرير المقاطع هنا مناسب لتكرير الفعل، وحدوثه مرات متعددة. أما توالي الحركات في المصادر والصفات، التي تأتي على وزن: "فعلى" مثل: "الجمزَى" لحمار الوحش، و"البشكَى"، و"الحيدَى" من صفات المشي السريع، فإن ابن جني يرى أن هذه الحركات المتوالية في هذا الوزن من أوزان الكلمات العربية، إنما تناسب سرعة الحركة في الحمار الوحشي وصفات المشي المذكورة. كما يرى ابن جني أن تكرير عين الفعل، وهي وسطه، وقلبه، ومركزه، وأهم جزء فيه، يدل على تكرير الفعل والشدة فيه، مثل: "كسَّر" و"قطَّع" و"فتَّح" و"غلَّق" وغير ذلك. وهذا الذي ذكره ابن جني، يصح في بعض نصوص اللغة، دون غيرها، فلو أننا نظرنا مثلا إلى الآية القرآنية التي تقول: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَك} ، لأحسسنا بصوت المزاليج وهي تحكم رتاج الأبواب، وينعدم هذا الإحساس مع الفعل: "أغلق"، الذي يدل على مجرد الإغلاق. غير أن هذا -كما قلنا- لا يطرد في كل نصوص اللغة. ولو راجعنا.

المعاجم العربية، لعرفنا أن هناك كلمات كثيرة، يستوي في معناها الصيغ المشددة وغيرها، والمجرد منها وغير المجرد، فمن ذلك مثلا: "بدأ يبدأ" و"أبدأ يُبدئ". والقرآن الكريم خير شاهد على أن معناهما واحد، يقول الله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْق} . ومثله كذلك. برقت السماء وأبرقت، وجنه الليل وأجنه، إذا أظلم عليه وستره، وحَدَّت المرأة على زوجها وأحدَّت بمعنى: تركت الزينة، وخسرت الميزان وأخسرته، أي: نقصته. وغير ذلك كثير. وقد نزع كثير من نقاد الأدب العربي القديم، منزع بعض اللغويين، في محاولة عقد الصلة بين اللفظ ومعناه، فهذا هو "ابن الأثير"، يكمل ما بدأه "ابن جني" وأسلافه من علماء اللغة، حول مناسبة الألفاظ للمعاني، فيقول1: "اعلم أن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان، ثم نقل إلى وزن آخر أكثر منه، فلا بد من أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا". ومن هنا نشأت الفكرة التي تقول إن "زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى". وقد ضرب "ابن الأثير" من الأمثلة على ذلك قولهم مثلا: "خَشُن" و"اخشوشن"، فمعنى: خشن، دون معنى: اخشوشن، لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو.

_ 1 المثل السائر 2/ 250.

كما يرى "ابن الأثير" أن "اقتدر" أقوى في الدلالة على القدرة من: "قدر" المجردة، وأن الإنسان يحس في قوله تعالى مثلا: {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} بالدلالة على تفخيم الأمر، وشدة الأخذ، الذي لا يصدر إلا عن قوة الغضب. وإذا صدق هذا على بعض الأمثلة في اللغة، فإنه لا يصح أن يغيب عن بالنا، أنه ليس ثمة بين الاصطلاح اللغوي، والشيء الذي وضع له هذا الاصطلاح أية علاقة طبيعية، وإنما هي علاقة تقاليد، كما يقول: "أنطوان مييه"1. وهذا معناه عدم الارتباط الطبيعي بين الاسم والمسمى، فالضمائر: أنا وأنت وهو مثلا، ليس فيها شيء يدل بذاته على أحد الأشخاص، وإنما يستعمل لأنه في جماعة بشرية معينة، جرت التقاليد بأن تستعمل تلك الصيغ، ومن ثم نرى أكثر علماء اللغة دربة، عاجزا كغيره من الناس، أمام خطبة أو نص مكتوب في لغة مجهولة جهلا تاما. ولذلك يجب ألا ننساق وراء الفكرة التي تقول بأن "زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى"، ونعممها على كل مثال وجدت فيه هذه الظاهرة، فقد تكون هناك مثلا كلمتان تدلان على معنى معين، غير أن إحداهما مقتطعة في الأصل من الأخرى، وليست الثانية مزيدة منها، كما توهم علماء البصرة ذلك في "السين" و"سوف"، فقالوا إن "سوف" تدل على الاستقبال البعيد، و"السين" تدل على الاستقبال القريب. وليس في نصوص اللغة ما يشهد لتكلفهم هذا، فقوله تعالى مثلا: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ليس معناه تحقق هذه الكفاية في الغد، كما أن قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ

_ 1 علم اللسان 456.

رَبُّكَ فَتَرْضَى} ليس معناه تأخر الإعطاء عاما أو عامين، بل إن الحقيقة أن "سوف" أقدم من "السين" وأن "السين" جزء مقتطع منها، فمن الحقائق المقررة عند المحدثين من علماء اللغة أن كثرة الاستعمال تبلي الألفاظ1، وتجعلها عرضة لقص أطرافها، تماما كما تبلى العملات المعدنية والورقية، التي تتبادلها أيدي البشر. وهذا هو ما حدث لسوف، التي توجد في صورتها القديمة في الآرامية، وقد روى لنا اللغويون العرب صورا عدة من صور البلي اللفظي في هذه الكلمة، فقد ذكروا أن العرب يقولون: "سَوْ يكون، وسَفْ يكون، وسَايكون، وسَيَكون". وعندما جاء القرآن الكريم، سجل لنا إحدى صور التطور في "سوف"، مع الأصل الذي كان لا يزال يعيش معه جنبا إلى جنب، وروى لنا اللغويون العرب، صور التطور الأخرى، التي لم يكتب لها ما كتب لغيرها من الخلود، حين تبنتها الفصحى، ولغة القرآن الكريم.

_ 1 انظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 98-100

الباب الثاني: في أبنية العربية والتطور اللغوي

الباب الثاني: في أبنية العربية والتطور اللغوي الفصل الأول: كراهة توالي الأمثال في أبنية العربية تميل اللغة العربية إلى التخلص من توالي المقاطع المتماثلة، فتحذف واحد منها، وذلك هو ما يسميه الألمان: Haplologische Sibenellipse ويسميه اللغويون العرب بكراهة توالي الأمثال. ونقصد بالمقاطع المتماثلة هنا، ما يشمل المقاطع ذات الأصوات الصامتة المتماثلة، أو المتقاربة في المخارج، ويحدث ذلك في أول الكلمة، أو في وسطها، أو في آخرها، كما أن العربية تميل كذلك أحيانا، إلى التخلص من توالي الأصوات المتماثلة، سواء أكانت حركات أم أصواتا صامتة، وإن لم تكن المقاطع متماثلة. والسبب في هذا صعوبة تتابع المقاطع والأصوات المتماثلة في النطق. ويقول "بروكلمان" Brockelmann: "إذا توالى مقطعان، أصواتهما الصامتة متماثلة، أو متشابهة جدا، الواحد بعد الآخر في أول الكلمة، فإنه يكتفى بواحد منهما، بسبب الارتباط الذهني بينهما"1. ويعد "برجشتراسر" هذا الظاهرة من الترخيم، فيقول: "ومن الترخيم ما هو جنس من التخالف، وهو حذف آخر مقطعين متتاليين، أولهما حرفان مثلان أو شبهان"2. ونشرح فيما يلى أنواع هذه الظاهرة في العربية:

_ 1 فقه اللغات السامية 79. 2 التطور النحوي للغة العربية 70.

1- صيغ تَفَعَّلَ وتَفَاعَلَ وتَفَعْلَلَ، مع تاء المضارعة، يتكرر فيها المقطع: ta في بدايتها مثل: "تتقدم" و"تتقاتل" و"تتبختر". وحذف أحد هذين المقطعتين كثير الورود في العربية، وقول ابن مالك في ألفيته: وما بتاءين ابتدى قد يقتصر ... فيه على تا كتبين العبر "قد" فيه للتحقيق، أو للتقليل النسبي1، وقد ذكر الأشموني في شرح البيت، أن "هذا الحذف كثير جدا"2. وهذه الظاهرة شائعة في القرآن الكريم، فقد وردت فيه مثلا كلمة: "تذكرون" 17 مرة بالحذف، في مقابل: "تتذكرون" 3 مرات بلا حذف، ففيه: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 52 والأعراف: 57 والنحل: 90 والنور: 1، 7 والذاريات: 49] وفيه {فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62] كما أن فيه: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس: 3 وهود: 24، 30 والنحل: 17 والمؤمنون: 85 والصافات: 155 والجاثية: 23] في مقابل: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 80 والسجدة: 4] وفيه: {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [غافر: 58] . وفي القرآن كذلك: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 221] {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221] {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4] في مقابل: {تَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت: 30] .

_ 1 العيني على هامش الأشموني 4/ 351. 2 شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 4/ 351.

وفيه المضارع: "تولوا" خمس مرات، في مقابل: "تتولوا" أربع مرات، ففيه: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} [آل عمران: 32 وهود: 57 والنور: 54] {وَإِنْ تَوَلَّوْا} [هود: 3] {وَلَا تَوَلَّوْا} [الأنفال: 20] في مقابل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} [محمد: 38 والفتح: 16] {وَلَا تَتَوَلَّوْا} [هود: 52] {لَا تَتَوَلَّوْا} [الممتحنة: 13] . كما أن فيه: {وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] بجانب: {وَلَا تتَفَرَّقُوا} [الشورى: 13] وفيه: {تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [النساء: 97] إلى جانب: {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة} [النحل: 28] . وفيه إلى جانب ذلك كثير من الأفعال، التي ذكر كل واحد منها مرة واحدة بالحذف، مثل: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُون} [الواقعة: 65] {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267] {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ} [التوبة: 52] {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِه} [هود: 105] {وَلا تَبَرَّجْنَ} [الأحزاب: 33] {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25] {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} [الممتحنة: 9] {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: 8] {لَمَا تَخَيَّرُونَ} [القلم: 38] {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: 10] {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15] {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} [آل عمران: 143] {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46] {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] .

{تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [البقرة: 85] {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم: 4] 1. ومن أمثلة ذلك في النثر أيضا قول ابن هشام في سيرة النبي: "فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العَقَنْقَل"2. وهذا الحذف ضروري عندما تتوالى ثلاثة مقاطع فيها التاء3، كما في قول القطامي: وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تَتَبَّعَهُ اتباعا4 والأصل: "تَتَتَبَّعه" وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَتَايعوا في الكذب، كما يتتابع الفراش في النار" 5، بدلا من "لا تتتايعوا". ومن أمثلة هذه الظاهرة في الشعر، ما ورد في كتاب "العين" للخليل بن أحمد من قوله: "وتهرعت الرماح إليه، إذا أقبلت شوارع. قال: عند الكريهة والرماح تهرع أراد: تتهرع"6. كما وردت في قول بشر بن أبي خازم:

_ 1 انظر في بعض هذه المواضع القرآنية: إعراب القرآن المنسوب للزجاج 3/ 849 وما بعدها. 2 سيرة ابن هشام "تحقيق السقا" 1/ 621. 3 انظر كتاب: W. wright, A Grammar of the Arabic Language I 65. 4 ديوان القطامي ق13/ 24 ص40 وما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز القيرواني 267 وانظر مصادر أخرى كثيرة في هامشه. 5 النهاية لابن الأثير 1/ 202. 6 العين للخليل بن أحمد 1/ 122.

فكأن ظعنهم غداة تحملوا ... سفن تكفأ في خليج مغرب1 وقول المثقب العبدي: لمن طعن تطالع من ضبيب ... فما خرجت من الوادي لحين2 وقول مالك بن الريب: ولا تنسيا عهدي خليلي بعدما ... تقطع أوصالي وتبلى عظاميا3 وقول كعب بن زهير: فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول وما تمسك بالوصل الذي زعمت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيل4 وقول طفيل الغنوي: إذا خرجت يوما أعيدت كأنها ... عواكف طير في السماء تقلب5 وقول حرقة بنت النعمان: فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف6 وفي كل ما سبق من الأمثلة، لا يهم تعيين المحذوف، والقول بأنه المقطع الأول أو الثاني، كما أتعب اللغويون أنفسهم في هذا المجال، وحاولوا إقامة الأدلة النظرية على وجهة نظرهم، يقول صاحب إعراب القرآن: "وأصله تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين، والمحذوفة الثانية؛ لأن التكرار

_ 1 ديوانه في 7/ 4 ص35. 2 ديوانه ق5/ 5 ص142 والخصائص 1/ 398 3 نوادر القالي 138. 4 ديوانه ص8 وقصيدة البردة 96-97 5 ديوانه ق2 / 13 ص22. 6 الحماسة بشرح المرزوقي ق449/ 2 ص1203.

بها وقع، وليس الأول بمحذوف؛ لأن الأول علامة المضارعة، والعلامات لا تحذف"1. كما يقول شارح مراح الأرواح: "وتحذف التاء الثانية جوازا في مثل: تتقلد، وتتباعد، وتتبختر، أي فيما اجتمع فيه تاءان في أول مضارع: تَفَعَّل وتفاعل وتفعلل، وذلك حال كونه فعل المخاطب أو المخاطبة، مفردا أو مثنى أو مجموعة، والغائبة المفردة والمثناة دون المجموع، إحداهما حرف المضارعة، والثانية تاء الباب، واختلف في المحذوف، فذهب البصريون إلى أنه هو الثانية؛ لأن الأولى حرف المضارعة، وحذفها مخل -على ما حُكي عن المبرد. وذهب الكوفيون إلى أنه هو الأولى؛ لأن الثانية للمطاوعة، وحذفها مخل، ولأنها زائدة وحذفها أهون. واختار المصنف مذهب البصريين؛ لأن رعاية كونه مضارعا أولى؛ لأن الغرض من الاشتقاق، إنما هو الدلالة على اختلاف المعنى، باختلاف الصيغ. وأما المطاوعة وسائر معاني الأبواب فإنما هي بعد هذا الغرض، ولأن الثقل إنما يحصل عند الثانية. وأما إثبات التاءين فهو الأصل، لدلالة كل واحد منهما على معنى"2. ومع أن سيبويه قال في كتابه3: "فإن التقت التاءان في: تتكلمون، وتترسون، فأنت بالخيار، إن شئت أثبتهما، وإن شئت حذفت إحداهما"، فإنه عاد فقال بعد ذلك مباشرة: "وتصديق ذلك قوله عز وجل: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} ، و {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} . وإن شئت حذفت التاء الثانية، وتصديق ذلك قوله تبارك وتعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} ،

_ 1 إعراب القرآن المنسوب للزجاج 3/ 849. 2 شرحان على مراح الأرواح في علم الصرف 50 3 كتاب سيبويه 2/ 425.

وقوله: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} . وكانت الثانية أولى بالحذف؛ لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله تعالى: {فَادَّارَأْتُمْ} ، {وَازَّيَّنَتْ} ، وهي التي يفعل بها ذلك في: يذَّكَّرون، فكما اعتلت هنا كذلك تحذف هناك". والظاهر أن عبارة: "وإن شئت حذفت إحداهما" مضافة إلى نص سيبويه، وهي ليست منه منه1! 2- نون الأفعال الخمسة "يفعلون وتفعلون ويفعلان وتفعلان وتفعلين" مع نون الوقاية قبل ياء المتكلم، أو مع ضمير المتكلمين المنصوب. وكذلك الفعل المسند إلى نون النسوة قبل هاتين الحالتين. وهذه الظاهرة كثيرة الورود في الشعر، مثل قول الأعشى: أبالموتِ الذي لا بد أني ... ملاق لا أباك تخوفيني2 أي: تخوفينني. وكذلك قول عمرو بن معديكرب: تراه كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني3 أي: فلينني. وكذلك قول جميل: أيا ريح الشمال أما تريني ... أهيم وأنني بادي النحول4 أي: ترينني. وكذلك قول ابن مقبل: عرجت فيها أحييها وأسألها ... فكدن يبكينني شوقا ويبكينا5

_ 1 لم يفطن إلى ذلك الأستاذ عبد السلام هارون في نشرته لكتاب سيبويه 4/ 476 2 أمالي ابن الشجري 1/ 362 والكامل للمبرد 2/ 142 والمنصف لابن جني 2/ 337. 3 ديوانه ق81/ 2 ص173 وكتاب سيبويه 2/ 154 والمنصف لابن جني 2/ 337 والفصول والغايات للمعري 34. 4 الأغاني 8/ 109. 5 ديوانه ق41/ 10 ص319.

أي: يبكيننا. أما قول الشاعر: انظر قبل تلوماني إلى ... طلل بين النقا فالمنحنى1 فقد قال فيه ابن جني: "يريد: تلومانني، فيجوز أن يكون حذف "أن" وهو يريدها، كأنه قال: قبل أن تلوماني، فحذف النون للنصب؛ لأنه قد أضاف "قبل"، وحكم الإضافة أن تكون إلى الأسماء، فإذا أضمر "أن" فكأنه قال: قبل لومكما. ويجوز أن يكون أضاف "قبل" إلى الفعل؛ لأنها ظرف، فجرى مجرى: أقوم يوم يقوم زيد، ثم حذف النون الثانية تخفيفا". وهذا القول الأخير يدل على وجهة نظر ابن جني، في أن المحذوف هنا هو النون الثانية، أو بعبارة أخرى: المقطع الثاني. وقد عبر عن ذلك مرة أخرى بصراحة، عندما قال: "يريد "فلينني" فحذف النون الآخرة، كما حذفها من "تخوفيني". وكانت الآخرة أولى بذلك في: تخوفيني؛ لأن الأولى علم الرفع، والثانية إنما كانت جيء بها في الواحد، ليسلم حرف الإعراب من الكسر، ويقع الكسر عليها، فتركت في الجمع على حد ما كانت عليه في الواحد، فلما اضطر في الجمع حرك النون التي هي علم الرفع بالكسر، ولم يمتنع من ذلك؛ لأنها ليست حرف الإعراب فيكره فيها الكسر"2. ومن أمثال النثر قول ابن هشام: "ما الذي تهنئونا به؟ "3، وقوله كذلك: "فقال لهم: أفلا تعطوني؟ "4.

_ 1 المنصف لابن جني 2/ 337. 2 المنصف 2/ 338. 3 سيرة ابن هشام "نشرة فستنفلد 458 وقد صححت في نشرة السقا "1/ 643" فجعلت: "ما الذي تهنئوننا به"! 4 سيرة ابن هشام "نشر فستنفلد" وقد صححت في نشرة السقا "1/ 77" فجعلت: "أفلا تعطونني"!

وفي الأغاني: "فأخبراه أنهما لا يعرفاني"1، وفيها كذلك: "ألا تجزينيه؟ 2 وفيها أيضا: "هل لك في يد تولينيها؟ "3. وفي عيون الأخبار: "لِمَ تزعجوني من جواركم؟ "4. وفي تفسير الطبري على لسان رجل من بني النضير: "كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقا، ونقتل منهم، ولا يقتلونا5". وفي حديث رواه البخاري، في الباب الخامس عشر، من كتاب الشهادات في صحيحه، على لسان عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك، أنها قالت: "ولئن قلت لكم إني لبريئة، والله يعلم أني لبريئة، لا تصدقوني بذلك"6. ومن النصوص المتأخرة قول أسامة بن منقذ: "فكانوا يقاتلونا النهار كله"7 هذا إلى أن ابن هشام يقول في مغني اللبيب، وهو يتحدث عن نون الوقاية: "ونحو تأمرونني، يجوز فيه الفك، والإدغام، والنطق بنون واحدة. وقد قرئ بهن في السبعة، وعلى الأخيرة فقيل: النون الباقية نون الرفع، وقيل: نون الوقاية، وهو الصحيح"8.

_ 1 الأغاني "بولاق" 5/ 126. 2 الأغاني "بولاق" 7/ 84. 3 الأغاني "بولاق" 20/ 153. 4 عيون الأخبار 1/ 293. 5 تفسير الطبري 8/ 510. 6 انظر أحاديث أخرى في شواهد التوضيح لابن مالك 170-173 7 الاعتبار لأسامة بن منقذ 26. 8 مغني اللبيب 2/ 344.

وعلى الرغم من أن مرسوم المصحف في هذه الآية: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64] بنون واحدة، "فقد قرأها ابن عامر: تأمرونني أعبد، بنونين الأولى مفتوحة، ونافع بواحدة مخففة، والباقون بواحدة مشددة"1. 3- إنّ وأنّ ولكنّ وكأنّ ولعل، مع نون الوقاية قبل ياء المتكلم، أو ضمير المتكلمين المنصوب. يقول ابن هشام، وهو يتحدث عن نون الوقاية: إنها تلحق قبل ياء المتكلم المنتصبة بالحرف "نحو: إنني، وهي جائزة الحذف مع إن وأن ولكن وكأن، وغالبة الحذف مع لعل، وقليلته مع ليت"2. أما أن ذلك غالب في "لعل"؛ فلأن اللام تشبه النون في أنهما من الأصوات المائعة Liquida ومن أمثلة ذلك قول جميل بن معمر العذري: فقالت لَعَنَّا يا جميل نبيعه ... وآجالنا من دون ذاك قريب3 وقول الفرزدق: ألستم عائجين بنا لَعَنَّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام4 وقد روى هذا البيت الأخير: "لَغَنَّا" بالغين المعجمة، على أنها لغة في "لعل" عن الأصمعي5. وقال ابن منظور: "ولَغَنَّ لغة في لعلّ. وبعض بني تميم يقولون: لغنك بمعنى: لعلك"6 ثم ذكر بيت الفرزدق.

_ 1 التيسير للداني 190 وهي في مصاحف الشام بنونين "المقنع 110". 2 مغني اللبيب 2/ 344. 3 ديوانه ص28 والحماسة البصرية 2/ 189. 4 ديوانه 835. 5 القلب والإبدال لابن السكيت 33. 6 لسان العرب "لغن" 17/ 275.

وإبدال الغين من العين صعب التفسير من الناحية الصوتية، ولعله تصحيف قديم لبيت الفرزدق، وإن خلا ديوانه منه! وأما قلة ذلك مع "ليت" فلأنه لا يوجد في هذه الحالة مقطعان متماثلان، أو متقاربان، وإنما سبب حذف النون معها هو الضرورة، ولذلك لا نجد لها أمثلة إلا في الشعر، كقول زيد الخيل الطائي: كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه ويهلك جل مالي1 ويقول الجوهري: "وإني وإنني بمعنى، وكذلك: "كأني وكأنني، ولكني ولكنني؛ لأنه كثر استعمالهم لهذه الحروف، وهم يستثقلون التضعيف، فحذفوا النون التي تلي الياء، وكذلك لعلِّي ولعلّني؛ لأن اللام قريبة من النون"2. ويقول المبرد: "فالذي ذكرنا مما يحذف قولك: إنني، وكأنني، ولعلني؛ لأن هذه الحروف مشبهة للفعل مفتوحة الأواخر، فزدت فيها النون، كما زدتها في الفعل لتسلم حركاتها، ويجوز فيهن الحذف، فتقول: إني وكأني ولكني"2. والحذف مع هذه الأحرف هو الشائع في القرآن الكريم، ففيه مثلا بالحذف لا غير: "وأنَّا" 8 مرات "فإنّي" 6 مرات "أئنا" 10 مرات "فإنّا" 10 مرات "ولكني" 4 مرات "ولكنّا " مرتين "لعلّي" 6 مرات. وفيه كذلك: "أنّا" 17 مرة، في مقابل: "أنّنا مرة واحدة، "بأنّا"

_ 1 ديوانه ق43/ 7 ص87 وكتاب سيبويه 1/ 386 والمقتضب 1/ 250. 2 الصحاح "أنن" 5/ 2073. 3 المقتضب 1/ 249.

مرتين، في مقابل "بأنّنا" مرة واحدة، "إنّي" 124 مرة، في مقابل: "إنّني" 6 مرات، "وإني" 13 مرة، في مقابل: "وإنني" مرة واحدة، "إنّا" 53 مرة، في مقابل: "إنّنا" 5 مرات، "وإنّا" 33 مرة، في مقابل: "وإنّنا مرة واحدة1. 4- الأفعال الخمسة إذا اتصل بها نون التوكيد: والحذف هنا لازم مطرد في العربية. يقول ابن عقيل: "الفعل المؤكد بالنون، إن اتصل به ألف اثنين، أو واو جمع، أو ياء مخاطبة، حرك ما قبل الألف بالفتح، وما قبل الواو بالضم وما قبل الياء بالكسر، ويحذف الضمير إن كان واوا أو ياء، ويبقى إن كان ألفا، فتقول: يا زيدان هل تضربانِّ؟ ويا زيدون هل تضربُنَّ؟ ويا هند هل تضربِنَّ؟ والأصل: هل تضربانِنَّ، وهل تضربونَنَّ، وهل تضربينَنَّ، فحذفت النون لتوالي الأمثال، ثم حذفت الواو والياء لالتقاء الساكنين، فصار: هل تضربُنَّ، وهل تضربِنَّ. ولم تحذف الألف لخفتها، فصار: هل تضربانِّ: وبقيت الضمة دالة على الواو، والكسرة دالة على الياء"2. كما يقول سيبويه: "وإذا كان فعل الجميع مرفوعا، ثم أدخلت فيه النون الخفيفة أو الثقيلة، حذفت نون الرفع وذلك قولك: لتفعلُنَّ ذاك، ولتذهبُنَّ؛ لأنه اجتمعت فيه ثلاث نونات، فحذفوها استثقالا. وتقول: هل تفعلُنَّ ذلك؟ تحذف نون الرفع؛ لأنك ضاعفت النون، وهم يستثقلون

_ 1 انظر كتاب "فلوجل": "G. Flugel, Congordantiae Corani Arabicae "نجوم الفرقان في أطراف القرآن" ليبزج 1898م، ص20، 21، 22، 173، 174. 2 شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/315.

التضعيف، فحذفوها إذ كانت تحذف وهم في ذا الموضع أشد استثقالا للنونات، وقد حذفوها فيما هو أشد من ذا"1. هذا، ويعلل المبرد لذهاب النون هنا بتعليل غريب، فيرى أن النون حذفت، لكي تكون نظيرا للفتح في الفعل المسند للواحد، فيقول: "فإذا ثنيت أو جمعت، أو خاطبت مؤثنا فإن نظير الفتح في الواحد، حذف النون مما ذكرت لك، تقول للمرأة: هل تضربِنَّ زيدا ولا تضربِنَّ عمرا؟ فتكون النون محذوفة، التي كانت في تضربين، ألا ترى أنك إذا قلت: لن تضرب يافتي، قلت للمرأة إذا خاطبتها: لن تضربي، وكذلك: لن تضربا، ولن تضربوا، للاثنين والجماعة، فحذف النون نظير للفتحة في الواحد"2. 5- كلمة "بني" الداخلة على معرف باللام القمرية، مثل: بلحارث، وبلهجيم، وبلعنبر، وبلقين، يعني: بني الحارث، وبني الهجيم، وبني العنبر، وبني القين. وذلك كثير الورود في كتب التراث العربي، ففي تاريخ الطبري: "وأقبل رجلان أخوان من بلقين يقال لهما: ملك وعقيل"3. وفي طبقات ابن سعد: "قالوا: إن بلمصطلق من خزاعة"4. كما تبدأ حماسة أبي تمامة بقوله: "قال بعض شعراء بلعنبر"5.

_ 1 كتاب سيبويه 2/ 154. 2 المقتضب 3/ 20. 3 تاريخ الطبري 1/ 616. 4 الطبقات الكبرى لابن سعد "ليدن 1909" القسم الأول من الجزء الثاني ص45 5 الحماسة بشرح المرزوقي 1/ 22.

ويقول سيبويه في ذلك: "ومن الشاذ قولهم في بني العنبر وبني الحارث بلعنبر وبلحارث، بحذف النون، وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، فأما إذا لم تظهر اللام فيها فلا يكون ذلك؛ لأنها لما كانت مما كثر في كلامهم، وكانت اللام والنون قريبتي المخارج، حذفوها"1. ويقول المبرد: "ومما حذف استخفافا لأن ما ظهر دليل عليه، قولهم في كل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، مثل: بني الحارث، وبني الهجيم، وبنى العنبر، هو بلعنبر وبلهجيم، فيحذفون النون لقربها من اللام؛ لأنهم يكرهون التضعيف، فإن كان مثل: بني النجار، والنمر، والتيم، لم يحذفوا، لئلا يجمعوا عليه علتين: الإدغام والحذف"2. كما يقول المبرد أيضا: "وكذلك كل اسم من أسماء القبائل تظهر فيه لام المعرفة، فإنهم يجيزون معه حذف النون التي في قولك: "بنو"، لقرب مخرج النون من اللام، وذلك قولك: فلان من بلحارث وبلعنبر وبلهجيم"3. ويقول كذلك: "ومن كلام العرب أن يحذفوا النون إذا لقيت لام المعرفة ظاهرة، فيقولون في بني الحارث، وبني العنبر وما أشبه ذلك، بلحارث، وبلعنبر، وبلهجيم"4. ويقول الزجاجي: "ومن الشاذ قولهم في بني الحارث وبني العنبر:

_ 1 كتاب سيبويه 2/ 430. 2 المقتضب 1/ 251. 3 الكامل في اللغة والأدب 3/ 299. 4 الكامل في اللغة والأدب 3/ 360.

بلحارث وبلعنبر، فيحذفون النون، وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة"1. ويقول الجوهري: "وقولهم: بلحارث، لبني الحارث بن كعب، من شواذ التخفيف؛ لأن النون واللام قريبا المخرج، فلما لم يمكنهم الإدغام لسكون اللام، حذفوا النون ... وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، مثل: بلعنبر، وبلهجيم. فإذا لم تظهر اللام فلا يكون ذلك"2. وأخيرا يقول ابن يعيش: "ومما حذف استخفافا على غير قياس لأن ما ظهر دليل عليه، قولهم في كل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، ولا تدغم، نحو: بني العنبر، وبني العجلان، وبني الحارث، وبني الهجين: هؤلاء بلعنبر، وبلعجلان، وبلحارث، وبلهجين. فحذفوا النون لقربها من اللام، وهم يكرهون التضعيف، إذ الياء الفاصلة تسقط، لالتقاء الساكنين، ولا يفعلون ذلك في بني النجار، وبني النمر، وبني التيم، لئلا يجمعوا عليه إعلالين: الإدغام والحذف"3. 6- ومثل ما سبق: دخول حرف الجر "على" على معرف بأل القمرية، مثل قول الفرزدق: وما سبق القيسي من ضعف حيلة ... ولكن طفت عَلْماءِ قلفة خالد4 وكذلك قول قطري بن الفجاءة:

_ 1 الجمل للزجاجي 381 2 الصحاح "حرث" 1/ 279. 3 شرح المفصل لابن يعيش 10/ 155. 4 ديوانه 216 والمقتضب 1/ 251 والجمل للزجاجي 381 وشرح المفصل 10/ 155 وأمالي ابن الشجري 2/ 4.

غداة طفت عَلْماءِ بكر بن وائل ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم1 يريد في البيتين: "على الماء". وكذلك قول الشاعر: وللموت خير لامرئ من حياته ... بدارة ذل عَلْبلايا يوقر2 يريد: "على البلايا". ويقول سيبويه في آخر كتابه: "ومثل هذا قول بعضهم: عَلْماءِ بنو فلان، فحذفوا اللام، يريد: على الماء بنو فلان، وهي عربية"3. ويرى ابن الشجري أن هذا الحذف للتخفيف، فيقول: "ومما حذفوا من الحروف لاجتماعها مع لام التعريف، لام "على" فيما حكاه سيبويه من قولهم: عَلْماءِ بنو فلان، يريدون: على الماء، فهمزة الوصل سقطت في الدرج، وألف "على" سقطت لسكونها، وسكون لام "الماء"، وحذفت لام "على" تخفيفا"4. وقد طرد الباب على وتيرة واحدة في العامية العربية اليوم، فأصبح يقال فيها مثلا: "عَلْباب" و"عَلْمكتب"، كما يقال فيها أيضا: "عَ السطح" و"عَ التراب"، وغير ذلك. 7- ويشبه ما سبق كذلك: دخول حرفي الجر "من" و"عن" على معرفة بأل القمرية، قال ابن منظور: "قال أبو اسحاق: ويجوز حذف

_ 1 الكامل للمبرد 3/ 299 وأمالي ابن الشجري 1/ 97، 2/ 4 والحماسة البصرية 1/ 97 مع اختلاف. 2 المعمرون والوصايا لأبي حاتم السجستاني 66. 3 كتاب سيبويه 2/ 430. 4 أمالي ابن الشجري 2/ 4 وانظر كذلك: شرح ابن يعيش للمفصل 10/ 155.

النون من "من" و"عن" عند الألف واللام، لالتقاء الساكنين، وحذفها من "من" أكثر من حذفها من "عن"؛ لأن دخول "من" في الكلام أكثر من دخول "عن"1. ومن أمثلة ذلك2، قول ابن ميادة: وما أنس مِلْأشياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل3 وقد كثر ذلك في شعر عمر بن أبي ربيعة، فمن ذلك قوله: فلم أنس مِلْأشياء لا أنس نظرتي ... إليها وتربيها ونحن لدى سلع4 وقوله: فما أنس مِلْأشياء لا أنس موقفي ... وموقفها وهنا بقارعة النخل5 وقوله: وما أنس مِلْأشياء لا أنس مجلسا ... لنا مرة منها بقرن المنازل6 وقوله: فملآن لمت النفس بعد الذي مضي ... وبعد الذي آلت وآليت من قسم7 وقوله: فملآن يثن الصبر نفسي أوتمت ... إذا انبت حبل من حبالك فانقضب8

_ 1 لسان العرب "من" 17/ 312. 2 انظر أمثلة أخرى كثيرة في معجم تيمور الكبير 1/ 167. 3 شرح المرزوقي للحماسة ق551/ 1 ص1355 وشرح المضنون 252 والحماسة البصرية 2/ 110. 4 ديوانه "نشر شفارتس" ق56/ 8 ص50. 5 ديوانه "نشر شفارتس" ق168/ 3 ص122 6 ديوانه "نشر شفارتس" ق177/ 4 ص127. 7 ديوانه "نشر شفارتس" ق83/ 9 ص67 8 ديوانه "نشر شفارتس" ق252/ 4 ص174

وقوله: وتعلم أن لها عندنا ... ذخائر مِلْحب لا تظهر1 وقوله: نجيين نقضي اللهو في غير محرم ... ولو رغمت ملكا شحين المعاطس2 وقوله: عشية رحنا ملغميم وصحبتي ... تخب بهم عيس لهن رسيم3 ومثل ذلك أيضا قول الشاعر: أبلغ أبا دختنوس مألكة ... غير الذي قد يقال مِلْكذب4 ومثل قول الآخر: كأنهما مِلْآن لم يتغيرا ... وقد مر للدارين من بعدنا عصر5 ومثل قول النابغة الجعدي: ولقد شهدت عكاظ قبل محلها ... فيها وكنت أعد مِلْفتيان6 ومثل قول النابغة الجعدي كذلك:

_ 1 ديوانه "نشر شقارتس" ق51/ 3 ص44 2 ديوانه "نشر شفارتس" ق223/ 7 ص160 3 ديوانه "نشر شفارتس" ق87/ 17 ص69 4 شرح ابن يعيش 8/ 35 والأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 201 وأمالي ابن الشجري 1/ 97، 1/ 386 واللسان "من" 17/ 312. 5 شرح ابن يعيش 8/ 35 والأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 201 وأمالي ابن الشجري 1/ 386. 6 ديوانه ق10/ 2 ص137 والمعمرون والوصايا 82.

ولبست مِلْإسلام ثوبا واسعا ... من سيب لا حرم ولا منان1 ومثل قول أعشى بن قيس بن ثعلبة: وأحكم من قس وأجرأ مِلَّذي ... بذي الفيل من خفان أصبح حاردا2 ومثل قول عروة بن الورد: وما أنس مِلْأشياء لا أنس قولها ... لجارتها ما إن يعيش بأحورا3 ومثل قول فضالة بن زيد العدواني: وكان سليطا مقولي متناذرا ... شذاه فصرت اليوم مِلْعي أبكما4 ومثل قول القتال الكلابي: وما أنس مِلأشياء لا أنس نسوة ... طوالع من حوضي وقد جنح العصر5 ومثل قول ذي الإصبع العدواني: أجعل مالي دون الدنا غرضا ... وما وهي مِلْأمور فانصدعا6 ومثل قول الراجز: لو يستطيع فدية فداك ... بنفسه مِلْموت إن أتاك7 ومثل قول الحارث بن خالد المخزومي: عاهد الله إن نجا مِلْمنايا ... ليعودن بعدها حرميا8

_ 1 ديوانه ق10/ 5 ص137 والمعمرون والوصايا 82 2 المعمرون والوصايا 87 3 ديوانه ص63 وتهذيب الألفاظ 491. 4 المعمرون والوصايا 104 5 ديوانه 16/ 3 ص49 ومعجم البلدان 2/ 263، 3/ 637 6 المفضليات بشرح ابن الأنباري ق29/ 6 ص313. 7 الحماسة البصري 2/ 404. 8 الكامل للمبرد 3/ 360.

ويقول المبرد بعد هذا البيت: "وقوله: مِلمنايا، يريد: من المنايا، ولكنه حذف النون لقرب مخرجها من اللام، فكانتا كالحرفين يلتقيان على لفظ، فيحذف أحدهما ومن كلام العرب أن يحذفوا النون، إذا لقيت لام المعرفة ظاهرة". ومثل قول العرجي: وما أنس مِلْأشياء لا أنس قولها ... لخادمها قومي اسألي لي عن الوتر1 ومثل قول عمرو بن السليح: دلفنا للأعاجم من بعيد ... بجمع مِلْجزيرة كالسعير2 ومثل قول عدي بن زيد: يسارقن مِلْأستار طرفا مفترا ... ويبرزن من فتق الخدور الأصابعا3 ومثل قول أبي قيس بن الأسلت: فولوا سراعا هاربين ولم يؤب ... إلى أهله مِلْجيش غير عصائب4 ومثل قول عمرو بن كلثوم: فما أبقت الأيام مِلْمال عندنا ... سوى جذم أذواد محذفة النسل5 ومثل قول تأبط شرا: فادركنا الثأر منها ولما ... ينج مِلْحيين إلا الأقل6

_ 1 ديوانه ص178 والأغاني 1/ 399. 2 الأغاني 2/ 141 وأمالي ابن الشجري 1/ 96. 3 ديوانه ص139 والشعر للشعراء 1/ 232 والأغاني 2/ 150. 4 ديوانه ص70 والسيرة النبوية لابن هشام 1/ 59. 5 الحماسة بشرح المرزوقي ق160/ 3 ص476 ونظام الغريب 131 وأمالي ابن الشجري 1/ 97. 6 الحماسة بشرح التبريزي ص384

ومثل قول الشاعر: ألا أبلغ بني عوف رسولا ... فما مِلْآن في الطير اعتذار1 ومثل قول جميل بن معمر العذري: وما أنس مِلْأشياء لا أنس قولها ... وقد قربت نضوي أمصر تريد2 ومثل قول مليح بن الحكم الهذلي: فلما دنت مِلْأرض حتى تقربت ... إليها وحتى طبقت بالكلاكل3 ومثل قول المرقش الأكبر: لم يشج قلبي مِلْحوادث إلـ ... لا صاحبي المتروك في تغلم4 8- الفعل "استطاع" ومضارعه، في قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] ، وقوله تعالى: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 82] . ويقول ابن السكيت: "ويقال: ما أستطيع، وما أسطيع، وما أستيع، بمعنى واحد"5. ومن أمثلة ورود ذلك في الشعر، قول عدي بن زيد العبادي: ولا تقصرن عن سعي من قد ورثته ... فما اسطعت من خير لنفسك فازدد6

_ 1 لسان العرب "منن" 17/ 312. 2 ديوانه ص62 والحماسة البصرية 2/ 106. 3 التمام في تفسير أشعار هذيل 240. 4 الخصائص 1/ 296. 5 القلب والإبدال 46. 6 ديوانه ق23/ 30 ص106 والحماسة البصرية 2/ 49

وقول العباس بن مرداس: تأبى رفاعة مولاها وأنفسها ... أن يسلموني ولا يسطاع ما منعوا1 وقول المرار: ويرى دوني فلا يسطيعني ... خرط شوك من قتاد مسمهر2 وقول يحيى بن زياد الحارثي: دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت ... تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا3 9- مصغر "ابن" عند إضافته إلى ياء المتكلم. وهذا الحذف لازم، إذ يقال دائما: "بُنَيّ"، وأصله: "بُنَيِّي". 10- مثال: مَيِّت، وهَيِّن، ولَيِّن، ونحوها، إذ تخفف أحيانا، فيقال: مَيْت، وهَيْن، ولَيْن. وهذا معناه حذف المقطع: "yi" فرارا من تكرار الياء. وقد وردت كلمة: "أَيِّم" بالتخفيف في بيت العجاج: وبطن أيْمٍ وقواما عُسلجا وقال عنه ابن السكيت: "والأصل: أيِّم، فخفف نحو، لَيِّن ولَيْن، وهَيِّن وهَيْن"4. 11- عبارة: ايْمُنُ الله، يقال فيها: "ايْمُ الله"!

_ 1 تهذيب الألفاظ 26. 2 المستقصى في الأمثال للزمخشري 2/ 82. 3 الحماسة بشرح المرزوقي ق281/ 3 ص861. 4 القلب والإبدال 17.

12- كلمة: لله، يقال فيها: "لاهِ"، وذلك كما في قول ذي الإصبع العدواني: لاهِ ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني1 "أراد: لله ابن عمك، فحذف لام الجر واللام التي بعدها"2. 13- الفعل المضارع إذا كان نوني الفاء وهو مسند لجماعة المتكلمين. وقد ورد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وكذلك نُجِّي المؤمنين" [الأنبياء: 88] في قراءة ابن عامر وعاصم3. وفي الآية تخريجات أخرى واهية، ذكرها ابن هشام فقال: "وقد يجيء هذا الحذف في النون. ومنه على الأظهر قراءة ابن عامر وعاصم: وكذلك نُجِّي المؤمنين، أصله: نُنَجِّي، بفتح النون الثانية. وقيل الأصل: نُنْجي، بسكونها، فأدغمت كإجّاصة وإجّانة. وإدغام النون في الجيم لا يكاد يعرف. وقيل: هو من نجا ينجو، ثم ضعفت عينه، وأسند لضمير المصدر. ولو كان كذلك لفتحت الياء؛ لأنه فعل ماض"4. وهذا التخريج الثالث في كلام ابن هشام، هو الرأي الوحيد عند الفراء، في قوله: "وقد قرأ عاصم، فيما أعلم: نُجِّي، بنون واحدة ونصب "المؤمنين" كأنه احتمل اللحن، ولا نعلم لها جهة إلا تلك؛ لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه، إلا أن يكون أضمر المصدر في: نُجِّي، فنوى به

_ 1 الأغاني 3/ 105 والمفضليات ق31/ 4 ص160 والاقتضاب 441 وشرح شواهد المغني 147 وأمالي القالي 1/ 260. 2 انظر: الصحاح "ليه" 6/ 2248. 3 انظر: التيسير للداني 155. 4 أوضح المسالك 293.

الرفع، ونصب "المؤمنين"، فيكون كقولك: ضُرِب الضرب زيدا، ثم تكنى عن الضرب، فتقول: ضرب زيدا. وكذلك نُجِّي النجاءُ المؤمنين"1. وقد رد ابن جني هذا الرأي الذي ارتآه الفراء، على النحو الذي قدمه ابن هشام من قبل، يقول ابن جني: "وأما قراءة من قرأ: وكذلك نُجِّي المؤمنين، فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل، ونصب المفعول الصريح؛ لأنه عندما على حذف إحدى نوني: "نُنَجِّي"، كما حذف ما بعد حرف المضارعة في قول الله سبحانه: "تذكرون" أي تتذكرون. ويشهد أيضا لذلك سكون لام "نجي"، ولو كان ماضيا لانفتحت اللام إلا في الضرورة"2. وقد أورد ابن الشجري معظم هذه الأقوال في أماليه، ثم قال: "وخطر لي في هذه القراءة وجه يخرج الفعل من بنائه للمفعول، وعن إدغام النون في الجيم، ولا يخرجه عن قياس العرب، وهو أن يكون القارئ نجي، أراد: ننجي، مفتوح النون مشدد الجيم، فحذف النون الثانية كراهة توالي مثلين متحركين، كما حذف التاء من قرأ: تذكرون، خفيف الذال، حذف التاء الثانية من تتذكرون، وكما حذفوا بإجماع التاء الثانية من تتنزل، وقرءوا كلهم: تنزل الملائكة والروح"3. 14- مضارع وزن "أفعل". وأصل كراهة توالي الأمثال هنا في المضارع المسند إلى ضمير المتكلم، إذ الأصل فيه: "أؤكرم"، فصار بعد

_ 1 معانى القرآن للفراء 2/ 210. 2 الخصائص 1/ 398. 3 أمالي ابن الشجري 2/ 216.

حذف أحد المقطعين المتماثلين: "أُكْرِمُ"، ثم حملت باقي صيغ المضارعة على هذه الصيغة، طردا للباب على وتيرة واحدة"1. وقد فطن إلى ذلك أبو العباس المبرد، فقال: "أكرم يُكرم، وأحسن يُحسن. وكان الأصيل: يؤكرم، ويؤحسن، حتى يكون على مثال: يدحرج؛ لأن همزة: أكرم مزيدة، بحذاء دال: دحرج، وحق المضارع أن ينتظم ما في الماضي من الحروف، ولكن حذفت هذه الهمزة؛ لأنها زائدة، وتلحقها الهمزة التي يعني بها المتكلم نفسه، فتجتمع همزتان، فكرهوا ذلك وحذفوا إذ كانت زائدة، وصارت حروف المضارعة تابعة للهمزة التي يعني بها المتكلم نفسه، كما حذفوا الواو التي في: "يَعِد" لوقوعها بين ياء وكسرة. وصارت حروف المضارعة تابعة للياء"2. ويقول ابن جني في ذلك: "قولهم: أنا أكرم، حذفوا الهمزة التي كانت في: "أكرم"، لئلا يلتقي همزتان؛ لأنه كان يلزم: أنا أؤكرم، فحذفوا الثانية، كراهة اجتماع همزتين، ثم قالوا: نكرم وتكرم ويكرم، فحذفوا الهمزة، وإن كان لو جاءوا بها لما اجتمع همزتان، ولكنهم أرادوا المماثلة، وكرهوا أن يختلف المضارع، فيكون مرة بهمزة وأخرى بغير همزة، محافظة على التجنيس في كلامهم"3. كما يقول أبو البركات بن الأنباري: "وكذلك قالوا: "أكرم، والأصل فيه: أؤكرم، فحذفوا إحدى الهمزتين استثقالا لاجتماعهما. وقالوا: نكرم،

_ 1 انظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 70-71. 2 المقتضب 2/ 97. 3 المنصف 1/ 192 وانظر كذلك: شرحان على مراح الأرواح 57.

وتكرم، ويكرم، والأصل فيها: نؤكرم وتؤكرم، ويؤكرم ... فحذفوا الهمزة، وإن لم يجتمع فيها همزتان، حملا على: أكرم، ليجري الباب على سنن واحد"1. وقد يضطر بعض الشعراء إلى استخدام الأصل، الذي لا تتوالى فيه الأمثال، مثل قول ليلى الأخيلية: تدلت على حص ظماء كأنها ... كرات غلام في كساء مُؤرنب2 ومثل قول الآخر: وصاليات ككما يُؤثفين3 وقول الثالث: فإنه أهل لأن يُؤَكرما4

_ 1 الإنصاف لابن الأنباري 148. 2 المنصف 1/ 192 وانظر ديوانها ق4/ 21 ص56. 3 المنصف 1/ 192. 4 المنصف 1/ 37، 1/ 192 والإنصاف 7، 48، 461 وقد نسب العيني هذا الرجز لأبي حيان الفقعسي أو غيره، فقال في شرح الشواهد الكبرى "هامش خزانة الأدب 4/ 578": "قد مر الكلام عليه مستوفي في شواهد النعت، وفي شواهد نوني التوكيد". وهو يقصد بذلك قوله "4/ 80": قد سالم الحيات منه القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما وقوله "4/ 329": يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخا على كرسيه معمما وقد وهم في ذلك العيني، إذ لم يتقدم البيت في القصيدة التي رواها لأبي حيان الفقعسي "4/ 80". وقد رد عليه البغدادي في "شرح شواهد الشافية" "4/ 58"، فقال: "وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والعشرون: فإنه أهل أن يؤكرما، على أنه شاذ، والقياس: يُكرم، بحذف الهمزة. وهذا المقدار أورده الجوهري في صحاحه في مادة "كرم" غير معزو إلى قائله، ولا كتب عليه ابن بري شيئا في أماليه، ولا الصفدي في حاشيته، وهو مشهور في كتب العربية قلما خلا عنه: وقد بالغت في مراجعة المواد والمظان، فلم أجد قائله ولا تتمته. وقال العيني: تقدم الكلام عليه مستوفى في شواهد باب النعت، وفي شواهد نوني التوكيد. وأقول: لم يذكره فيهما أصلا، فضلا عن أن يستوفي الكلام عليه".

15- عبارة: وعَبَدَ الطاغوت، في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] ، فقد عد لها ابن جني1 عشر قراءات مختلفة، إحداها من جهة أحمد بن يحيى ثعلب، مبنية على كراهة توالي المقاطع المتقاربة في المخارج والصفات، يقول: "ومن جهته "أحمد بن يحيى" أيضا: وعبد الطاغوت، وقال: أراد عَبَدَةَ، فحذف الهاء. قال: ويقال: عبدة الطاغوت والأوثان، ويقال للمسلمين: عباد"2. ومن الطريف أن الطبري يرى أنه "لو قرئ: وعبد الطاغوتِ، بالكسر، كان له مخرج في العربية صحيح"3، ثم يقول: "وإن لم أستجز اليوم القراءة بها، إذ كانت قراءة الحجة من القرأة بخلافها. ووجه جوازها في العربية أن يكون مراد بها: وعَبَدَةَ الطاغوت، ثم حذفت الهاء للإضافة". كما يقول الفراء: "وكان أصحاب عبد الله "بن مسعود" يقرءون: وعبد الطاغوتِ، على فعل، ويضيفونها إلى الطاغوت، ويفسرونها: خدمة الطاغوت. ولو قرأ قارئ: وعَبَدَ الطاغوتِ، كان صوابا جيدا، يريد: عبدة الطاغوت، فيحذف الهاء، لمكان الإضافة"4.

_ في المحتسب 1/ 214-216. 2 المحتسب لابن جني 1/ 216. 3 تفسير الطبري 10/ 441. 4 معاني القرآن للفراء 1/ 314.

والحقيقة أن التاء لم تحذف للإضافة، كما يرى ذلك الطبري والفراء، وإنما حذفت لكراهة توالي المقاطع المتقاربة في الصفات. وقد تحير: "نولدكه" Th. Noldeke في معنى هذه الآية، فظن فيها نوعا من القلب، وقال في الفصل الذي كتبه عن "لغة القرآن" في كتابه: "مقالات جديدة في علم اللغات السامية"1: "وهناك نوع من القلب في: من لعنه الله، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، فإن ترتيب الكلمات على حسب المعنى المراد يكون كالآتي: "من عبد الطاغوت ولعنه ... الخنازير"!! 16- ويشبه الآية القرآنية: عدا الأمر في قول زهير: إن الخليط أجدوا البين فانجردوا ... وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا2 فقد قال فيه الجوهري: "أراد: عدة الأمر، فحذف الهاء عند الإضافة"3. تلك هي معظم أمثلة ظاهرة كراهية توالي الأمثال في العربية. ولا تقتصر هذه الظاهرة على العربية وحدها، ففي الفصيلة السامية أمثلة

_ 1 Neue Bitrage zur Semitischen Sprachwissens chaft, s 12. 2 الصحاح للجوهري "وعد" 1/ 548. 3 انظر كذلك: شرحان على مراح الأرواح 116 وألف باء للبلوي 1/ 426 واللسان "غلب" 2/ 143 "وعد" 4/ 477.

تؤخذ إسكانر كثيرة لها، مثال ذلك كلمة: " arya في اللغة السريانية، بمعنى: "ليث" أصلها: aryaya 1. ومن اللغات الأوروبية مثلا كلمة: Der Beamte بمعنى: "الموظف" في الألمانية، فأصلها: der Beamtete 2. ومثال ذلك أيضا الكلمة الألمانية: Stipendium بمعنى: "منحة دراسية"، فهي مستعارة في القرن السادس عشر الميلادي من اللاتينية: Stipendium بمعنى: "ضريبة" أو "صرف الأجر". وهي مركبة في اللاتينية من كلمتين، وأصلها Stipi - pendium الكلمة الأولى: Stips بمعنى: "مساعدة مالية" أو "تبرع" "والثانية": Pendere بمعنى: "صرف" 3. وليس الحذف هو السبيل الوحيد للفرار من كراهة توالي الأمثال في العربية، بل هناك طريق آخر هو قلب أحد الصوتين المتماثلين صوتا آخر، يلغب أن يكون من الأصوات المتوسطة المائعة، أو من أصوات العلة، وهو ما يسمى بالمخالفة الصوتية Dissimilation. وهناك طريق ثالث، هو إيجاد فاصل بين الصوتين المتماثلين، يخفف من ثقل اجتماعهما، كما هو الحال في توكيد الفعل المسند إلى نون النسوة، إذ تزيد فيه اللغة العربية ألفا بين نون النسوة ونون التوكيد. وهذه الألف يسميها الصرفيون بالألف الفارقة.

_ 1 انظر كتاب "موسكاتي": S. Moscati. An introduction, p, 62 وكتاب "بروكلمان": C. Brock elmann, Syrische Grammtik, s 42> 2 انظر قاموس: Der sprach Brockhaus, 61 يقول: Eigentlich der Beamtete, Lutherzeit 3 F. kluge, Etymologi sches worterbuch der deutschen sprache برلين 1960 ص 751.

وقد لخص جلال الدين السيوطي كل هذه الحالات الثلاث أحسن تلخيص، فقال "وهو يسمى المخالفة بالقلب": "اجتماع الأمثال مكروه، ولذلك يفر منه إلى القلب أو الحذف أو الفصل، فمن الأول: قالوا في دهدهت الحجر: دهديت، قلبوا الهاء الأخيرة ياء، كراهة اجتماع الأمثال. وكذلك قولهم في: حاحا زيد: حيحا زيد، قلبوا الألف ياء لذلك. وقال الخليل: أصل "مهما" الشرطية: ماما، قلبوا الألف الأولى هاء، لاستقباح التكرير ... وكذلك: دينار، وديباج، وقيراط، وديماس، وديوان، أصلها: دِنَّار، ودِبَّاج، ودِوَّان، قلب أحد حرفي التضعيف ياء لذلك. ولَبَّى أصله: لَبَّبَ، قلبت الباء الثانية، التي هي اللام ياء؛ هربا من التضعيف، فصار: لبي، ثم أبدلت الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار: لَبَّى. "ومن الثاني: حذف أحد مثلى ظللت ومسست وأحسست، فقالوا: ظلت، ومست، وأحست. وحذف إحدى الياءين من: سيّد، وميّت، وهيّن، وليّن. وقيل: وهو مقيس على الأصح. وقال ابن مالك: يحفظ ولا يقاس عليه ... "ومن ذلك "الثالث" قال ابن عصفور: لم تدخل النون الخفيفة على الفعل، الذي اتصل به ضمير جمع المؤنث؛ لأنه يؤدي إلى اجتماع المثلين، وهو ثقيل فرفضوه لذلك، ولم يمكنهم الفصل بينهما بالألف، فيقولون: هل تضربنانْ؟ لأن الألف إذا كان بعدها ساكن غير مشدد حذفت، فيلزم أن يقال: هل تضربنَنْ؟ فتعود إلى مثل ما فررت منه، فلذلك عدلوا عن إلحاق الخفيفة، وألحقوا الشديدة، وفصلوا بينهما وبين نون الضمير بالألف، كراهية اجتماع الأمثال، فقالوا: هل تضربنانِّ؟ "1.

_ 1 الأشباه والنظائر 1/ 18.

الفصل الثاني: رأي في تفسير الشواذ في لغة العرب

الفصل الثاني: رأي في تفسير الشواذ في لغة العرب كثيرا ما تقابلنا في كتب النحو العربي عبارة: "وهي لغة شاذة"1. وقد اجتهد علماء العرب في تعريف هذا الشاذ، وحصر أمثلته المختلفة2، غير أنهم لم يذكروا شيئا عن الأسباب، التي تؤدي إلى وقوع الأمثلة الشاذة، في لغة من اللغات. وقبل أن نعرف شيئا عن أهم الأسباب، التي يحدث من أجلها الشاذ في اللغة، نود أن نؤكد هنا شيئا، فرغ منه المحدثون من علماء اللغات، منذ فترة طويلة، وهو أن اللغة كائن حي؛ لأنها تحيا على ألسنة المتكلمين بها، وهم من الأحياء3، وهي لذلك تتطور وتتغير بفعل الزمن، فهي عبارة عن سلسلة متلاحقة الحلقات، يسلم بعضها إلى بعض، وكل حلقة منها تتكون من مجموعة من الظواهر المطردة القواعد؛ لأن كل لغة لا بد لها من منطق معين، حتى تصلح لكي يتفاهم بها أهلها. وهذا المنطق هو ما نطلق عليه اسم "القواعد المطردة".

_ 1 انظر مثلا: "شرح ابن عقيل 1/ 71، 1/ 75، 1/ 79، 1/ 124، 1/ 130، 1/ 26، 1/ 271، 1/ 426، 2/ 12، 2/ 38، 2/ 188 ومعاني القرآن للزجاج 1/ 55 والعيني على هامش الخزانة 4/ 94 والمرتجل لابن الخشاب 26 وغير ذلك. 2 انظر في ذلك: الخصائص 1/ 96، 116، 1/ 266 والاقتراح 20 والأشباه والنظائر 1/ 214 والمزهر 1/ 226. 3 انظر مثلا ما كتبه "يسبرسن" O. Jespersen عن "حياة اللغة" في مقدمة كتابه: Die sprache.

تؤخذ إسكانر غير أننا نلحظ في كل حلقة من حلقات التطور اللغوي، أمثلة شاذة عن تلك القواعد المطردة، ويرجع السبب في وجودها في اللغة، في غالب الأحيان، إلى واحد من ثلاثة أمور، فإما أن تكون تلك الشواذ، بقايا حلقة قديمة، ماتت واندثرت، وهو ما نسميه نحن: "الركان اللغوي للظواهر المندثرة في اللغة"، وإما أن يكون هذا الشاذ بداية وإرهاصا لتطور جديد، لظاهرة من الظواهر، تسود حلقة تالية، وتقضي على سلفها في الحلقة القديمة، وإما أن يكون ذلك الشاذ، شيئا مستعارا من نظام لغوي مجاور. وكل مثال شذ لسبب من الأسباب الثلاثة السابقة، على القواعد المطردة، في حلقة من حلقات التطور اللغوي، إنما كان مطردا في بيئته، وتوافقا مع القواعد السائدة في تلك البيئة، فالركام اللغوي، كان أمرا مطردا في تلك الحلقة، التي بادت واندثرت. وبدايات التطور في ظاهرة من ظواهر اللغة، نراها سائدة مطردة بعد ذلك، في حلقتها الجديدة، التي آلت إليها لغة من اللغات. وكذلك تلك الأمثلة المستعارة في أية لغة، من نظام لغوي مجاور، هي شاذة هنا، غير أنها قد تكون مطردة تمام الاطراد، في ذلك النظام اللغوي المجاور. والشكال التالي بين كل هذه الأمور بوضوح، مع ملاحظة أن العلامة "*" تعنى المرحلة المندثرة، والعلامة = تعنى المرحلة الحالية، والعلامة O تعنى المرحلة التالية، والعلامة × تعنى: "النظام اللغوي المجاوري: يوجد شكل رسم يسحب إسكانر

واصطلاح "الركام اللغوي" اصطلاح صنعناه نحن، قياسا على: "الركام الحجري"، ذلك الاصطلاح الجغرافي، الذي يعنون به تلك الأحجار، التي تجرفها السيول والانهيارات الثلجية، من مكان إلى مكان. أما نحن فنعنى بمصطلحنا "الركام اللغوي" بقايا الظواهر اللغوية المندثرة؛ لأننا نعتقد أن الظاهرة اللغوية الجديدة، لا تمحو الظاهرة القديمة بين يوم وليلة، بل تسير معها جنبا إلى جنب مدة من الزمن، قد تطول وقد تقصر، وهي حين تتغلب عليها، لا تقضي على أفرادها قضاء مبرما، بل يتبقى منها بعض الأمثلة، التي تصارع الدهر، وتبقى على مر الزمن. ومن أمثلة ذلك: مراحل تطور الأفعال المعتلة في اللغة العربية، وأخواتها اللغات السامية، فقد تركت بعض هذه المراحل ركاما لغويا في تلك اللغات هنا وهناك. ونعني بالأفعال المعتلة ما كان منها "أجوف"، مثل، قال، وباع، وخاف، وطال أو ناقصا، مثل: دعا، وقضى، أو من نوع "اللفيف المقرون"، مثل روى، وهوى، فإن كل هذا الأفعال، وما شابهها، بصورتها التي ذكرناها هنا، تعد آخر مرحلة من مراحل تطورها في اللغات السامية. أما أولى هذه المراحل، فإنها كانت: قول، وبيع، وخوف، وطول، ودعو، وقَضَى، ورَوَى، وهَوَى، على نمط الصحيح تماما. وهذه المرحلة بقيت كما هي في اللغة الحبشية1، في بعض الأفعال الجوفاء، وفي كل الأفعال الناقصة، أو من نوع اللفيف المقرون، مثال الأجوف فيها:

_ 1 انظر: A. Dillmann, Grammatik der athiopischen sprache 163-165.

تسحب إسكانر وقد بقيت من هذه المرحلة، عدة أفعال في العربية، مثل: "عور". بمعنى: فقد إحدى عينيه، و "حور"، والحور: نقاء بياض العين واشتداد سوادها، و "هيف" بمعنى: ضمر بطنه، و "استحوذ" في مثل قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة 58/ 19"، و "استنوق الجمل"، وهو مثل عربي، يقال إن "طرفة بن العبد" هو أول من قاله، حين سمع "المتلمس" ينشد شعرا له، ويقول فيه: وقد أتناسى الهم عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم1 والصيعرية: سمة للنوق، فجعلها المتلمس للجمل، وسمعه طرفة ينشد البيتن فقال: استنوق الجمل، فضحك الناس، وسارت مثلا. أما المرحلة الثانية في تطور هذه الأفعال المعتلة، فهي مرحلة التسكين، أو ضياع الحركة بعد الواو والياء للتخفيف، فيصبح الفعل على نحو: قول:، وبيع وخوف وقضي، ورمى ... الخ. وقد فطن العلامة "ابن جني" بحسه اللغوي، إلى ضرورة وجود هذه المرحلة في طريق تطور الأفعال المعتلة، فقال: "ومن ذلك قولهم: إن أصل قام: قوم، فأدبلت الواو ألفا، وكذلك: باع، أصله: بيع، ثم أبدلت الياء

_ 1 انظر: الصناعتين، لأبي هلال العكسري 92.

ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها. وهو لعمري كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدا من الحرفين إلا بعد أن أسكنته، استثقالا لحركته، فصار إلى: قوم، وبيع"1. وقد بقيت هذه المرحلة عند قبيلة طيئ، فقد روى لنا عنها أنها تقول مثلا: "حبلى" و"أفعى" و"هدى"، وما شابه ذلك، في الوصل والوقف2. وأغلب الظن أن الراجز الذي قال: وفرج منك قريب قد أتى وزميله الذي قال: يمنعهن الله ممن قد طغى إنما كان من شعراء هذه القبيلة كذلك3. ولعل هذه الظاهرة كانت شائعة عند قبيلة "هذيل" كذلك لأنهم كانوا عندما يضيفون المقصور إلى ياء المتكلم، في مثل: "هداي" و"هواي" وغيرهما، يقولون، هدى "= هدى + ي"، وهوى "= هوى + ي" وغير ذلك. وعلى لغتهم جاء قول أبي ذؤيب الهذلي: سبقوا هويَّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنب مصرع4 كثيرا، وقالوا عنه إنه "لغة بني بكر بن وائل، وأناس كثير من تميم5، كما

_ 1 الخصائص 2/ 471-472 وانظر كذلك: شرح مراح الأرواح 122 2 انظر: كتاب سيبويه 2/ 287 ومعاني القرآن للزجاج 1/ 87. 3 انظر: المنصف لابن جني 1/ 160 ومعاني القرآن للزجاج 1/ 87. 4 شرح ديوان الهذليين 1/ 7 وانظر معاني القرآن للزجاج 1/ 87. 5 انظر: شرح شواهد الشافية 4/ 15.

يروى عن قبيلة ربيعة كذلك1. ومن أمثلته قول القطامي: إذا هدرت شقاشقه ونشبت ... له الأظفار تُرْك له المدار2 وقول القطامي كذلك: ألم يجز التفرق جند كسرى ... ونُفْخوا في مدائنهم فطاروا3 وقول الأخطل: وما كل مغبون ولو سَلْف صفقه ... براجع ما قد فاته برادد4 وقول الأخطل كذلك: فإن أهجه يضجر كما ضَجْر بازل ... من الأدم دَبْرت صفحتاه وغاربه5 وقول الشاعر: وقالوا ترابي فقلت صدقتم ... أبي من تراب خَلْقه الله آدما6 وقول الآخر: فإن النبيذ الصرد إن شُرْب وحده ... على غير شيء أحق الكَبْد جوعها7 وقول أبي خراش الهذلي:

_ 1 انظر: الصاهل والشاحج 440، 486، 666 2 ديوانه ق29/ 57 ص86 وانظر البيت برواية أخرى في الصاهل والشاحج 440 3 شرح شواهد الشافية 4/ 15 وفي ديوانه ق29/ 39 ص84: "وأجلوا عن مدائنهم". وفي هامشه عن إحدى نسخ الديوان الخطية: "ونفخوا". 4 ديوانه ص137 وشرح شواهد الشافية 4/ 18 ورسالة الغفران للمعري 312 والخصائص 3/ 338. 5 ديوانه ص217 والكامل 3/ 177 والصاهل والشاحج 486 والشاحج 486 وإصلاح المنطق 36 6 البيت في أمثال أبي عكرمة 128 مع مصادر أخرى في هامشه. 7 الصاهل والشاحج 440.

ولحم امرئ لم تطعم الطير مثله ... عشية أمسى لا يبين من البَكْم1 وقول الشاعر: ألا يا ليتها لُدْغت ... وأدعى كيم ذي أرقى2 وقول أبي النجم العجلي: لو عُصْر منها البان والمشك انعصر3 وقوله كذلك: حتى إذا ما رَضْي من كمالها4 وقول الراجز: رُجْم به الشيطان في هوائه5 وقول الآخر: قالت أراه دالفا قد دُنْي له6 ومن أمثال العرب قولهم: "لم يُحرم من فُصْد له"7. والمرحلة الثالثة في تطور الأفعال المعتلة، هي تلك المرحلة التي تسمى في عرف اللغويين المحدثين: "انكماش الأصوات المركبة"8 kontraktion der Diphthonge والأصوات المركبة في العربية هي: الواو والياء المسبوقتان

_ 1 شرح ديوان الهذليين 3/ 1345 وشرح شواهد الشافية 4/ 18. 2 الصاهل والشاحج 486. 3 شرح شواهد الشافية 4/ 15 وإصلاح المنطق 36. 4 الصاهل والشاحج 666. 5 إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه 8 6 التمام في تفسير أشعار هذيل 223 واللسان "دنا" 18/ 300. 7 انظر: كتاب الأمثال لمؤرج السدوسي 50 مع مصادر أخرى في هامشه. 8 انظر: C. Brockelmann, Syrische Grammatik 32 ff

تسحب إسكانر بالفتحة، في مثل: "قول" و "بيت"، فإن الملاحظ في تطور اللغات، هو انكماش هذه الأصوات، فتتحول الواو المفتوح ما قبلها إلى ضمة طويلة ممالة، كقولنا في اللهجة المصرية مثلا: Som, nom, yom بدلا من "يوم" و "نوم" و "صوم". وكذلك تنكمش الياء المفتوحة ما قبلها، فتتحول إلى كسرة طويلة ممالة، كقولنا في اللهجة المصرية مثلا: let , zet , bet f بدلا من "بيت" و "ليل" و "زيت" وغير ذلك. وهذه المرحلة هي الشائعة في اللغة الحبشية، في الأفعال الجوفاء1، ففيها مثلا: "باع" وغير ذلك كما توجد هذه المرحلة أيضا، في اللهجات العربية التي تميل، في مثل قوله تعالى: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} في قراءة من أمال 2. وفي ذلك يقول الزجاج: "والإمالة إلى الكسر، لغة بنى تميم وكثير من العرب. ووجهها أنها الأصل في ذوات الياء، فأميلت لتدل على ذلك"3. أما المرحلة الرابعة والأخيرة في تطور تلك الأفعال المعتلة، فتتمثل في التحول من الإمالة إلى الفتح الخالص، ذلك أن الحركة الممالة الناتجة من انكماش الصوت المركب، كثيرا ما تتطور في اللغات المختلفة، فتتحول إلى فتحة طويلة4، فمثلا كلمة: "فأين" تطورت بعد سقوط الهمز منها إلى: "فين" Fen، بدلا من "فين"، وفي بعض اللهجات: "وين".

_ 1 انظر: 79 F. praetorius Aethiopische Grammatik 2 انظر: التيسير في القراءات السبع 223. 3 معاني القرآن للزجاج 1/ 144. 4 انظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 51.

تسحب إسكانر wen المتطورة عن "وين" بعد سقوط الهمز من "وأين". غير أننا نسمع بعض أهال مصر العليا، ينطقون الكلمة الأولى بالفتح الخالص، فيقولون: "فإن" بدلا من "فين" fen الشائعة فيما عدا ذلك في بلاد مصر، أي أن التطور في هذا الصوت المركب، كان على النحو التالي: a > e > ay. وهذا التطور الأخير، هو الذي وصلت إليه العربية في مثل: "قام" و "باع" و "خاف" و "دعا" " وقضى" و "رمى"1. كما وصلت اللغة العبرية في مثل: توجد فقرة سرياني يجسب أن تسحب إسكانر؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وقد حدث مثل ذلك في لغة طييء، في الأفعال المعتلة المكسورة العين في الماضي كذلك، مثل قولهم: "رضا" في "رضى"، و "فنا" في: "فني"، و "هذا" في: "هدى" وغير ذلك 2. تلك هي مراحل تطور الأفعال المعتلة، وقد رأينا كيف خلفت تلك المراحل ركاما لغويا، في العربية الفصحى، واللغات السامية، واللهجات العربية المختلفة، ومن كل ذلك نرى أن ما يقوله النحاة من أن "قال" مثلا، أصلها: "قول"، صحيح: بصرف النظر عن تعليلهم هذا، بتحرك الواو

_ 1 انظر أيضا: C. Rabin, Ancient west, - Arabian 160. 2 انظر: كتاب سيبويه 2/ 290 وخزانة الأدب 4/ 149.

وانفتاح ما قبلها، وإن كان ابن جني مثلا يزعم أن ذلك الأصل لم يوجد في العربية يوما ما، إذ عقد في "الخصائص" بابا سماه: "باب مراتب الأشياء وتنزيلها تقديرا وحكمًا لازمانا ووقتا"، وقال فيه: "هذا الموضع كثير الإيهام لأكثر من يسمعه، لا حقيقة تحته، وذلك كقولنا: الأصل في قام: قوم، وفي باع: بيع ... وفي استقام: استقوم ... فهذا يوهم أن هذه الألفاظ وما كان نحوها -مما يدعى أن له أصلا يخالف ظاهر لفظه- قد كان مرة يقال، حتى إنهم كانوا يقولون في موضع: قام زيد: قوم زيد، وكذلك نوم جعفر، وطول محمد ... وليس الأمر كذلك، بل بضده، وذلك أنه لم يكن قط مع اللفظ به إلا على ما تراه وتسمعه. وإنما معنى قولنا: إنه كان أصله كذا، أنه لو جاء مجيء الصحيح ولم يعلل، لوجب أن يكون مجيئه على ما ذكرنا، فأما أن يكون استعمل وقتا من الزمان كذلك، ثم انصرف عنه فيما بعد إلى هذا اللفظ، فخطأ لا يعتقده أحد من أهل النظر"1. ويحاول ابن جني أن يؤكد فكرته تلك مرة أخرى في كتابه: "سر صناعة الإعراب". غير أنه يعود فيعترف بأن الظاهرة اللغوية القديمة، قد تبقى منها أمثلة تعين على معرفة الأصل، وهو ما نسميه هنا: "بالركام اللغوي"، يقول ابن جني: "فبهذا ونحوه استدل أهل التصريف على أصول الأشياء المغيرة، كما استدلوا بقوله عز اسمه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} ، على أن أصل استقام: استقوم، وأصل استباع: استبيع، ولولا ما ظهر من هذا ونحوه، لما أقدموا على القضاء بأصول هذه الأشياء، ولما جاز ادعاؤهم إياها"2.

_ 1 الخصائص 1/ 256. 2 سر صناعة الإعراب 1/ 194 كما يقول المبرد في المقتضب 2/ 97: "وقد يجيء في الباب الحرف والحرفان على أصولهما، وإن كان الاستعمال على غير ذلك، ليدل على أصل الباب، فمن ذلك: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} ، وأغيلت المرأة".

وهكذا نرى ابن جنى، لا يريد أن يعترف بوجود الأصل القديم لهذه الظاهرة في الواقع اللغوي، غير أنه حين عثر على مثال من "الركام اللغوي" وهو قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} اضطر إلى الاعتراف به. ومن أمثلة "الركام اللغوي" كذلك، ما نعرفه من إلحاق الفعل علامة تثنية أو جمع في بعض ما روي لنا من أمثلة في العربية، فمن المعروف في العربية الفصحى، أن الفعل يجب إفراده دائما، حتى وإن كان فاعله مثنى أو مجموعا، أي أنه لا تتصل به علامة تثنية ولا علامة جمع، للدلالة على تثنية الفاعل أو جمعه، فيقال مثلا: "قام الرجل" و"وقام الرجلان" و"قام الرجال"، بإفراد الفعل: "قام" دائما، إذ لا يقال في الفصحى مثلا: "قاما الرجلان" ولا "قاموا الرجال". وعلى هذا النحو، جاءت جمهرة الجمل الفعلية في القرآن الكريم، يقول الله تعالى مثلا: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146] ولم يقل: قاتلوا معه. كما قال جل شأنه: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122] ولم يقل: همتا طائفتان. تلك هي القاعدة المطردة في العربية الفصحى شعرا ونثرا. غير أنه قد وردت في كتاب الله تعالى بعض آيات، لحق الفعل فيها علامة جمع للفاعل المجموع، كقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة: 71] ، وقوله عز وجل: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] .

وقد أكثر النحويون والمفسرون علماء اللغة العرب، القول في تخريج هاتين الآيتين الكريمتين، فقد قال الإمام القرطبي، في تفسير الآية الأولى مثلا: " {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} ، أي عمي كثير وصم، بعد تبين الحق لهم بمحمد عليه السلام، فارتفع "كثير" على البدل من الواو، كما تقول: رأيت قومك ثلثيهم، وإن شئت كان على إضمار مبتدأ، أي العمي والصم كثير منهم. ويجوز أن يكون على لغة من قال: أكلوني البراغيث"1. كما قال في الآية الثانية: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} ، أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب، ثم بين من هم، فقال: الذين ظلموا، أي الذين أشركوا، فالذين ظلموا بدل من الواو في "أسروا" وهو عائد على الناس المتقدم ذكرهم. قال المبرد: وهو كقولك: إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله، فبنو بدل من الواو في: انطلقوا. وقيل: هو رفع على الذم، أي هم الذين ظلموا. وقيل: على حذف القول، أي يقول الذين ظلموا. وقول رابع: أن يكون منصوبا بمعنى: أعنى الذين ظلموا وأجاز الفراء أن يكون خفضا بمعنى: اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم، فهذه خمسة أقوال. وأجاز الأخفش الرفع على لغة من قال: أكلوني البراغيث، وهو حسن. وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير، ومجازة: والذين ظلموا أسروا النجوى"2. تلك هي آراء المفسرين والنحاة واللغويين العرب، في هذه الظاهرة، وهم فيها مقلبون لكل الأوجه الممكنة في العربية، من التخريج والتأويل. غير

_ 1 تفسير القرطبي 6/ 248. 2 تفسير القرطبي 11/ 268 وانظر معاني القرآن للفراء 1/ 316.

تسحب إسكانر أن مقارنة اللغات السامية، أخوات العربية، تؤدي إلى معرفة أن الأصل في تلك اللغات، أن يلحق الفعل عامة التثنية والجمع للفاعل المثنى والمجموع، كما تلحقه علامة التأنيث، عندما يكون الفاعل مؤنثا سواء بسواء1. ففي اللغة العربية مثلا: توجد فقرة سرياني تسحب إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟.؟؟؟؟؟؟؟ وترجمته الحرفية: "لا يقومون الأشرار بالعدل3". ومثل ذلك في الآرامية في مثل: فقرة سرياني تسحب إسكانر؟؟ ؟؟ وكذلك الحال في الحبشة في نحو وترجمته الحرفية: "وكثروا أطفالهم 6".

_ 1 هذا على عكس مما يراه بروكلمان Grundriss 11 173 من أن ظواهر المطابقة تختلف في كل لغة من اللغات السامية، كاختلاف نظام الجملة فيها، وأننا لا نستطيع إرجاع إحدى استعمالاتها في هذين الأمرين إلى السامية الأم! 2 سفر روث 1/ 5. 3 سفر المزامير 1/ 5. 4 أحيقار حكيم من الشرق الأدنى القديم 33/ 1 5 انظر: F. Praetorius aethiopische Grammatik m chrestomathia 41 6 انظر: F. praetorius, aethiopsische grammatik, crrestomathia 42

وقد تخلصت العربية الفصحى، من هذه الظاهرة رويدا رويدا، غير أن بقاياها ظلت حية عند بعض القبائل العربية القديمة، كما بقيت بعض أمثلتها في الفصحى، وهو ما نسميه هنا بالركام اللغوي. وتعرف هذه الظاهرة عند النحاة العرب بلغة "أكلوني البراغيث"، وقد عرفت بهذا الاسم؛ لأن سيبويه هو أول من مثل لها في كتابه، واختار هذا المثال فقال: "في قول من قال: أكلوني البراغيث"1، كما قال في موضع آخر: "ومن قال: أكلوني البراغيث، قلت على حد قوله: مررت برجل أعورين أبواه"2. وإن كان قد ضرب لهذه الظاهرة أمثلة أخرى في كتابه، فقال: "واعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك، وضرباني أخواك، فشبهوا هذه بالتاء التي يظهرونها في: قالت فلانة، فكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامة، كما جعلوا للمؤنث علامة، وهي قليلة"3. وقد حكيت هذه اللغة عن قبيلة "بلحارث بن كعب"، كما حكاها أهل البصرة عن قبيلة "طيئ"، وبعض النحاة يحكيها عن قبيلة "أزد شنوءة"4. وقد بقيت هذه الظاهرة شائعة في كثير من اللهجات العربية الحديثة، كقولنا مثلا في لغة الخطاب، في مصر: "ظلموني الناس" و"زارونا الجيران" وغير ذلك. كما بقيت بعض أمثلتها في القرآن الكريم، والحديث الشريف، واحتفظ بها الكثير من أبيات الشعر العربي القديم.

_ 1 كتاب سيبويه 1/ 5. 2 كتاب سيبويه 1/ 237. 3 كتاب سيبويه 1/ 236. 4 انظر الجنى الداني للمرادي 171.

أما القرآن الكريم، فقد سبق الحديث عما فيه من أمثلة هذه الظاهرة. ومما جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" 1، بدلا من: "تتعاقب فيكم ملائكة" وإن كان بعض العلماء يرى في هذا الحديث أنه مختصر من حديث طويل، وأن الواو فيه ضمير يعود على اسم ظاهر متقدم، وليس علامة جمع، وأن أصل الحديث: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار"2. أما أبيات الشعر القديم، التي وردت فيها هذه الظاهرة، فما أكثرها في دواوين الشعر العربي، ومن أمثلة ذلك قول عمرو بن ملقط الطائي، وهو شاعر جاهلي: ألفيتا عيناك عند القفا ... أولى فأولى لك ذا واقيه3 بدلا من: ألفيت عيناك. ومثله قول أمية بن أبي الصلت: يلومونني في اشتراء النخيـ ... ـل أهلي فكلهم يعذل4 بدلا من: يلومني أهلي. وكذلك قول أبي عبد الرحمن العتبي: رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر5 أي: رأت الغواني: كما يقول الفرزدق:

_ 1 انظر: مغني اللبيب 2/ 356 2 انظر: شرح الأشموني على الألفية 2/ 48. 3 شرح شواهد المغني 113. 4 ديوانه ص16 والدرر اللوامع 1/ 142 وشرح التصريح 1/ 276 وفي شرح شواهد المغني 265: "عزاه السخاوي في المفصل إلى أحيحة بن الجلاح". 5 العيني على هامش الخزانة 2/ 473.

ولكن ديافي أبوه وأمه ... بحوران يعصون السليط أقاربه1 أي: يعصر أقاربه. ويقول ابن قيس الرقيات: تولى قتال المارقين بنفسه ... وقد أسلماه مبعد وحميم2 أي: أسلمه مبعد وحميم. وكذلك يقول عروة بن الورد: دعيني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير وأبعدهم وأهونهم عليهم ... وإن كانا له نسب وخير3 أي: كان له نسب وخير. ومثله قول مجنون ليلى: ولو أحدقوا بي الإنس والجن كلهم ... لكي يمنعوني أن أجيك لجيت4 أي: ولو أحدق الإنس والجن. وإنما أطلنا في ذكر هذه الأمثلة، لنبرهن على شيوع الظاهرة في الشعر العربي. ومن "الركام اللغوي" كذلك، مجيء ما تصرف من "أفعل بالهمزة"، في مثل قول ليلى الأخيلية. تدلت على حص ظماء كأنها ... كرات غلام في كساء مؤرنب5

_ 1 ديوانه ص50 وكتاب سيبويه 1/ 236 وأمالي ابن الشجري 1/ 133 وشرح ابن يعيش 3/ 89. 2 ديوانه ق35/ 2 ص196. 3 ديوانه ص91. 4 ديوانه ق58/ 4 ص74. 5 ديوانها ق4/ 21 ص56 والمنصف 1/ 192.

وقول الراجز: وصاليات ككما يؤثفين1 وقول الآخر: فإن أهل لأن يؤكرما2 وقد تخلصت العربية الفصحى من الهمز في هذه الأمثلة وما شابهها، بسبب ما يسمى "كراهة توالي الأمثال في أبنية العربية". وتتحقق هذه الكراهة في الأصل في المضارع المسند إلى ضمير المتكلم، إذ الأصل فيه: "أؤكرم" فصار بعد حذف أحد المقطعين المتماثلين: "أكرم"، ثم حملت باقي صيغ المضارعة والتصاريف الأخرى، على هذه الصيغة، طردا للباب على وتيرة واحدة3. ومع ذلك بقيت من "الركام اللغوي" لهذه الظاهرة، تلك الأمثلة السابقة. وإذا كانت العربية الفصحى، قد آثرت تطبيق نظرية "المخالفة النوعية بين الحركات" في جمع المؤنث السالم، الذي ينصب بالكسرة بدلا من الفتحة4، فإن الأصل وهو النصب قد بقي لنا في شيء من الركام اللغوي، فيما روي لنا عن أبي خيرة الأعرابي، أنه قال: "استأصل الله عرقاتَهم5"، وفيما رواه الكوفيون عن بعض العرب من قولهم: "سمعت لغاتَهم، وقول الرياشي: سمعت بعض العرب يقول: أخذت إراتَهم6.

_ 1 المنصف لابن جني 1/ 192. 2 الإنصاف 7/ 48، 461 والمنصف 1/ 37، 1/ 192 3 انظر الفصل السابق: كراهة توالي الأمثال في أبنية العربية. 4 انظر: فقه اللغات السامية 78 "الفقرة 141". 5 انظر: الخصائص 1/ 384، 3/ 304. 6 انظر: منهج السالك لأبي حيان 11.

ولعل من هذا "الركام اللغوي" كذلك، ما وصل إلينا من نصب الجزأين بعد "ليت" في مثل قول عبد الله بن مسلم الهذلي: لكنه شاقه أن قيل ذا رجب ... يا ليت عدة دهري كله رجبا1 وقول العجاج: يا ليت أيام الصبا رواجعا2 وقول الشاعر: ألا يا ليتني حجرا بوادٍ ... أقام وليت أمي لم تلدني3 ومن ذلك أيضا قولهم في الأمثال: "ليت القسي كلها أرجلا"4. ويقال إن نصب "ليت" للجزأين لغة لبني تميم5. ويقول ابن سلام: "وهي لغة لهم. سمعت أبا عون الحرماني يقول: ليت أباك منطلقا، وليت زيدا قاعدا"6. ولعل السرفي نصب الجزأين على هذا النحو، أن "ليت" أصلها: "رأيت"7، بدليل بقاء هذا الأصل، بعد تخفيف الهمز، في اللهجات العامية، إذ يقال في مصر مثلا: "يا ريتني غني! ". وقد قلبت راؤها لاما منذ زمن بعيد في الفصحى، وحمل التمني في معناها، على الترجي في "لعل"،

_ 1 مجالس ثعلب 2/ 407 وانظر شرح أشعار الهذليين 2/ 910 والتمام لابن جني 168 2 ملحق ديوانه ق33/ 1 ص82 وطبقات فحول الشعراء 1/ 78 ولم ينسب في كتاب سيبويه 1/ 284 وخزانة الأدب 4/ 290 والتمام لابن جني 168. 3 همع الهوامع 1/ 134 والدرر اللوامع 1/ 112. 4 مجمع الأمثال للميداني 2/ 90 والمستقصي 2/ 302. 5 انظر: خزانة الأدب 4/ 291. 6 طبقات فحول الشعراء 1/ 78. 7 انظر: C. Brock elmann, Grundriss 1 137, 11 30.

فعملت علمها، ومع ذلك بقي لنا الأصل في هذا "الركام اللغوي" الذي رأيناه في الشواهد السابقة، وقد قاس الفراء والكسائي على تلك الشواهد، بناء على مذهبهما في توسيع دائرة القياس اللغوي1. وهناك أمثلة أخرى لهذه النظرية -نظرية الركام اللغوي- في العربية، يضيق المقام عن ذكرها وكلها تبرهن بما لا يدع مجالا للشك، على أن الظاهرة اللغوية، عندما تتطور، لا تموت أو تندثر تماما، وإنما تبقى منها بقايا تدل عليها، وفي ذلك يقول العالم اللغوي فندريس: "التغيير لا يكون تاما إطلاقا، فكثيرا ما تبقى الصيغ القديمة، إلى جانب الصيغ المستحدثة، حتى لتلاحظ في النظام العام للغات التي لها تاريخ طويل، والتي عانت تطورا ضخما، كالفرنسية أو الإنجليزية، مزيجا من النظم التي تضم حالات مختلفة"2. أما السبب الثاني من أسباب الشذوذ في اللغة، وهو ما سميناه من قبل: "بدايات التطور" أو "إرهاص التطور" لظاهرة من الظواهر اللغوية، فإن خير أمثلة ما نراه في العربية الفصحى، في صيغتي: "تفعَّل" و"تفاعل"، إذ رويت لنا فيهما صورة أخرى هي: "اتفعَّل" و"اتفاعل".

_ 1 انظر: شرح المفصل لابن يعيش 8/ 84. 2 اللغة لفندريس 423.

والصورة الأولى لهاتين الصيغتين أقدم من الثانية، وعليها جمهرة الأفعال التي رويت لنا في الفصحى، مثل: تعلم، وتكلم، وتقاتل، وتضارب، ومنها في القرآن الكريم قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] ، وقوله جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] ، وقوله عز وجل: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] ، وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} ، [البقرة: 158] ، وقوله جل وعلا: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [النمل: 49] . كما روى لنا من الصورة الثانية، بعض الأمثلة في العربية الفصحى، ومنها في القرآن الكريم قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} [يونس: 24] ، وقوله عز وجل: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} [الصافات: 8] ، وقوله سبحانه وتعالى: {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10] ، وقوله جل شأنه: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُون} [النمل: 66] . وهذا التطور حدث أولا في مضارع صيغتي: "تفعل" و"تفاعل"، إذ تتأثر التاء فيهما -بعد تسكينها للتخفيف- بفاء الفعل، إذا كانت صوتا من أصوات الصفير، كالسين والشين، أو الأصوات الأسنانية، كالدال والتاء، فتقلب صوتا من جنس هذه الأصوات، ثم قيست على ذلك صيغة الفعل الماضي، فالفعل: "اذكر" مثلا، مقيس على "يذكر". وأصله كما قلنا: "يَتْذَكَّر" بتسكين التاء للتخفيف من: "يَتَذَكَّر".

ولقد كانت هذه الظاهرة في سبيل التطور في العربية الفصحى، عندما جاء الإسلام، ولذلك نجد أمثلتها في القرآن الكريم، جنبا إلى جنب في بعض الأحيان، مع الصيغ القديمة التي لم يحدث فيها تطور. ونحن نعد هذا دليلا على أن التطور اللغوي، في أية ظاهرة لغوية، لا يحدث فجأة، فيقضي بين يوم وليلة على كل أثر للقديم. ففي القرآن الكريم أمثلة كثيرة للصورتين الحديثة والقديمة، في سياق لغوي متشابه إلى حد كبير، مما يؤيد ما نذهب إليه من أن معناهما واحد، وأن إحدى الصورتين أصل للأخرى، ومثال ذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] إلى جانب قوله في آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] . كما يقول الله عز وجل: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} [يس: 18] . ويقول سبحانه وتعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68] ، إلى جانب قوله في موضع آخر: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] . ومثله قوله جل شأنه: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269] إلى جانب قوله في آية أخرى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19] . بل إن الآية والواحدة لتحتوي في بعض الأحيان، على الصورتين معا، كقوله تعالى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] .

وقد ظل هذا التطور سائرا في طريقه في لهجات الخطاب، حتى ساد وحده، وقضى على الظاهرة القديمة، ففي اللهجة العامية المصرية نقول مثلا: فلان اصدعت دماغه، واسرع في كلامه. ولا أثر للصيغة القديمة في لهجات الخطاب، إذ لا يقال فيها مثلا: فلان تصدعت دماغه، وتسرع في كلامه. وكذلك الحال في صيغة: "تفاعل" إذ ماتت هي الأخرى، وحلت محلها صيغة "اتفاعل" التي شاهدنا مولدها في عصر نزول القرآن الكريم، إذ نقول الآن في لهجات الخطاب: فلان اشَّاتم مع فلان، واصَّالحوا سوا، بدلا من: تشاتم، وتصالحوا. بل لقد سادت صيغتا: اتفعل واتفاعل، في اللهجة العامية المصرية، حتى ولو لم يكن في الأصل صوت من أصوات الصفير، أو الأصوات الأسنانية، كقولنا مثلا في لهجة الخطاب: "اتفرج" و"اتبهدل" وغير ذلك. ومن أمثلة بدايات التطور في الظواهر اللغوية، في العربية الفصحى كذلك، ما حدث في صيغة: "انفعل"، منذ عصور العربية الأولى، فقد كانت هذه الصيغة موضوعة للدلالة على مطاوعة الفعل الثلاثي، أي قبول أثر هذا الفعل، مثل: "كسرت الإناء فانكسر"، و"فتحت الباب فانفتح"1.

_ 1 في المخصص لابن سيده 14/ 1: "ومعنى قولنا "مطاوعة" أن المفعول به لم يمتنع مما رامه الفاعل، ألا ترى أنك تقول فيما امتنع مما رمته: دفعته فلم يندفع، وكسرته فلم ينكسر، أي: أوردت أسباب الكسر عليه فلم تؤثر".

ومن شواهد المطاوعة في الشعر العربي العربي القديم، قول أبي قيس بن الأسلت: محاجنهم تحت أقرابه ... وقد شرموا جلده فانشرم1 وقول سهم بن حنظلة الغنوي: حتى يصادف مالا أو يقال فتى ... لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا2 وقول سويد بن كراع: فإن تزجراني يابن عفان أنزجر ... وإن تتركاني أحم عرضا ممنعا3 وقول ذي الرمة: سيلا من الدعص أغشته معارفها ... نكباء تسحب أعلاه فينسحب4 ولما كان فاعل هذا الفعل المطاوع، ضميرا يعود على مفعول الفعل السابق عليه في جملته، أصبح الفعل المطاوع مشبها في المعنى للمبني للمجهول، في نحو: "كُسر الإناء" و"فتح الباب"، إذ لا يذكر مع المبني للمجهول غالبا، إلا ما هو مفعول به في المعنى، وأصبح من الممكن أن ينوب هذا المطاوع مناب المبني للمجهول. وقد بدأت هذا الظاهرة في التطور، في عصر نزول القرآن الكريم، ولذلك نجد الفعل المطاع واردًا في النص القرآني، في سياق الأفعال المبنية للمجهول، في بعض الأحيان، كما في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ،

_ 1 لسان العرب "شرم" 15/ 213. 2 الأصمعيات ق12/ 12 ص48. 3 سمط اللآلي 2/ 943 وشرح القصائد السبع 16. 4 ديوانه ق1/ 5 ص2 وجمهرة أشعار العرب 933.

تسحب اسكانر وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 1-5] ، وقوله سبحانه وتعالى. {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 1-4] ، وقوله عز وجل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 1، 2] . تلك كانت بداية التطور في هذه الظاهرة حينذاك. وقد ظل هذا التطور سائرا على ألسنة العامة، وفي لهجات الخطاب، شيئا فشيئا، حتى كادت صيغة المبني للمجهول الأصلية، تندثر في كثير من اللهجات العربية الحديثة، وينوب عنها في الدلالة عن الجهل بالفاعل، صيغة: "انفعل"، إذا يقول العامة في مصر مثلا: "فلان انضرب علأة سخنة، وعيط لما انفق من العياط"! وما حدث في هذه اللهجات الحديثة، حدث مثله تماما في اللغة العبرية القديمة، إذ أصبح المبني للمجهول فيها من الثلاثي هو: بـ " تسحب إسكانر] nif al أي تقابل صيغة "انفعل" في العربية، وضاعت منها الصيغة الأصلية للمبني للمجهول كذلك. أما السبب الثالث من أسباب الشذوذ في اللغة، وهو أن يكون ذلك الشاذ شيئا مستعارا من نظام لغوي مجاور، فقد فطن إليه "ابن جني" حين قال: "وما اجتمعت فيه لغتان أو ثلاث أكثر من أن يحاط به. فإذا ورد شيء من ذلك، كأن يجتمع في لغة رجل واحد لغتان، فقد يجوز أن تكون لغته في

الأصل إحداهما، ثم إنه استفاد الأخرى من قبيلة أخرى، وطال بها عهده، وكثر استعماله لها، فلحقت لطول المدة، واتصال استعمالها بلغته الأولى"1. كما يعيب ابن جني على اللغويين العرب أنهم "جمعوا أشياء على وجه الشذوذ عندهم، وادعوا أنها موضوعة في أصول اللغة على ما سمعوه بأخرة من أصحابها، وأُنْسُوا ما كان ينبغي أن يذكروه، وأضاعوا ما كان واجبا أن يحفظوه". ثم يقول بعد ذلك: "واعلم أن أكثر ذلك وعامته، إنما هو لغات تداخلت فتركبت. هكذا ينبغي أن يعتقد، وهو أشبه بحكمة العرب"2. ومن الأمثلة على ذلك في العربية الفصحى، ما نراه فيها من كلمات غير مهموزة في نصوصها، فمن المعروف أن الفصحى اتخذت طريق تحقيق الهمز، وهو الأمر الذي عرفته قبيلة "تميم" كذلك. كما روي لنا أن بعض القبائل العربية لم تكن تهمز في كلامها، ومنها قبيلة "قريش". قال أبو زيد الأنصاري: "أهل الحجاز وهذيل، وأهل مكة والمدينة لا ينبرون، وقف عليها عيسى بن عمر، فقال: ما آخذ من قول تميم إلا بالنبر، وهم أصحاب النبر، وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا"3. والنبر هو: الهمز، قال ابن منظور "والنبر: همز الحرف: ولم تكن قريش تهمز في كلامها. ولما حج المهدي، قدم الكسائي يصلي بالمدينة، فهمز فأنكر أهل المدينة عليه، وقالوا: تنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالقرآن؟! "4.

_ 1 الخصائص 1/ 372. 2 الخصائص 1/ 374-375. 3 مقدمة لسان العرب 1/ 14. 4 لسان العرب "نبر" 7/ 40.

تسحب اسكانر كما يقول الإمام الرضي: "اعلم أن الهمزة، لما كان أدخل الحروف في الحلق، ولها نبرة كريهة، تجري مجرى التهوي، ثقلت بذلك على لسان المتلفظ بها، فخففها قوم - وهم أكثر أهل الحجاز ولا سيما قريش، روى عن أمير المؤمنين على رضي الله تعالى عنه: نزل القرآن بلسان قريش، وليسوا بأصحاب نبر، ولولا أن جبريل عليه السلام نزل بالهمز على النبي صلى الله عليه وسلم، ما همزنا - وحققها غيرها، والتحقيق هو الأصل كسائر الحروف، والتخفيف استحسان1". ومع ذلك كله، فإننا نرى في الفصحى أمثلةغير مهموزة، وحقها الهمز، ولا تفسير لها إلا بذلك المبدأ، وهو الاستعارة من نظام لغوي مجاور. ومن أمثلة ذلك، كلمة: "ناس"، فإن الأصل فيها هو: "أناس" المستعملة في الفصحة كذلك 2. والديل على أن الهمزة أصلية في الكمة، وجودها في بعض اللغات السامية كالعبريةن فهي فيها توجد فقرة تسحب إسكانر "إيش بمعنى: رجل، والياء فيه بدل من النون، بدليل وجودها في الجمع، كما أن هناك مفردا نادرا الاستعمال في العبرية، يحتوي على هذه النون كذلك، وهو: Enos "إنوش"، ويقابل في العربية كلمة: "إنس".

_ 1 شرح الشافية 3/ 31. 2 يشيع سقوط الهمزة فيها مع أداة التعريف ويندر في غير ذلك. انظر الخصائص 3/ 150 وانظر أيضا: The Noldeke, zur Grammatik 16.

ومن أمثلة هذه الظاهرة كذلك: الفعل "يرى" فهو مضارع "رأى" وعينة همزة -كما ترى، غير أن العربية الفصحى، التي آثرت تحقيق الهمز في نطقها، هي التي استعارت هذا النطق الخالي من الهمز، من قريش ومن جرى مجراها من القبائل المجاورة، ومثل ذلك تماما نراه في فعلي الأمر: "كُلْ" و"خُذْ" في الوصل والابتداء، وكذلك في فعلي الأمر: "مُرْ" و"سَلْ" في الابتداء فقط. وماضي هذه الأفعال الأربعة مهموز -كما تعرف، وهو: أكل، وأخذ، وأمر، وسأل. وكذلك كلمة: "النبي"، تستعملها الفصحى بلا همز، مع أن فعلها هو: "تنبأ". وإذا كانت العربية الفصحى تهمز الكلمات: "أرجأ". و"الكفء" و"برأ" و"ذرأ"، فإن "مرجون" في قوله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: 106] لا تكون حينئذ إلا استعارة من نظام لغوي مجاور، مثلها في ذلك مثل: "أرجه" في قوله عز وجل: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: 111، والشعراء: 36] و"كفوا" في قوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] ، و"البرية" في قوله جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة} [البينة: 6، 7] ، و" ذرية" في قوله عز اسمه: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38] . وكذلك الحال في كلمة: "الله" التي يقول فيها سيبويه: "وكان الاسم -والله أعلم: إله، فلما أدخل فيه الألف واللام، حذفوا الألف، وصارت الألف واللام خلفا منها"1.

_ 1 كتاب سيبويه 1/ 309 وانظر: الخصائص 3/ 150.

وإذا كانت حركة الضمير في ضمير النصب والجر للغائب المفرد المذكر، تتأثر بما قبلها من كسرة طويلة أو قصيرة أو ياء، فتقلب الضمة كسرة1، في العربية الفصحى، فيقال مثلا "ضَرَبْتِهِ"، و"عَلَيْهِ" بدلا من "ضَرَبْتِهُ" و"عَلَيْهِ"، فإن القرآن الكريم، وهو الممثل الأعلى لهذه العربية، قد جاءت به في قراءة حفص عن عاصم، بعض الأمثلة، التي لم يحدث فيها مثل هذا التأثر الصوتي، وهي قوله تعالى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف: 63] ، وقوله عز وجل: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّه} [الفتح: 10] ، وقد انتقل إليها ذلك من اللغة الحجازية، التي حافظت على الأصل في حركة هذا الضمير، يقول سيبويه: "فالهاء تكسر إذا كان قبلها ياء أو كسرة ... وذلك قولك: مررت بهي قبل، ولديهي مال، ومررت بدارهي قبل وأهل الحجاز يقولون: مررت بهو قبل، ولديهو مال. ويقرءون: فخسفنا بهو وبدارهو الأرض"2. كما يقول المبرد: "فأما أهل الحجاز خاصة، فعلى الأمر الأول فيها، يقرءون: فخسفنا بهو وبداره الأرض. ومن لزم اللغة الحجازية قال: عَلَيْهُ مال"3. وهذا مثال أخير لظاهرة الشذوذ عن طريق انتقال اللغة، فمن خصائص اللغة الحجازية فك الإدغام في الأفعال المضارعة المجزومة

_ 1 انظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 25. 2 كتاب سيبويه 2/ 294. 3 المقتضب 1/ 37.

بالسكون، والأمر المأخوذ منها. وقد جرى القرآن الكريم على لغتهم، إلا في أمثلة قليلة جاءت بالإدغام على لغة بني تميم. وقد فطن إلى ذلك قدامي اللغويين العرب، قال الزجاج: "وأهل الحجاز يظهرون التضعيف. وهذه الآية: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} فيها اللغتان جميعا، فقوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ} ، على لغة أهل الحجاز، وقوله: {لَا يَضُرُّكُمْ} ، على لغة غيرهم من العرب"1. كما قال الزركشي2: "أنزل الله القرآن بلغة الحجازيين إلا قليلا فإنه نزل بلغة التميميين، فمن القليل إدغام: {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 4] ، فإن الإدغام في المجزوم والاسم المضاعف لغة تميم، ولهذا قل، والفك لغة أهل الحجاز، ولهذا كثر، نحو: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [البقرة: 217] ، و {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] و {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] و {مَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 13] و {احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 27] وغير ذلك كثير".

_ 1 معاني القرآن للزجاج 1/ 476. 2 البرهان 1/ 285.

الباب الثالث: في أصول الاحتجاج اللغوي

الباب الثالث: في أصول الاحتجاج اللغوي الفصل الأول: أسطورة الأبيات الخمسين في كتاب سيبويه يشيع بين الدارسين للنحو العربي، الاعتقاد بأن في كتاب سيبويه خمسين بيتا فقط من الشعر، لم تُنسب إلى شاعر معين. وسبب هذا الاعتقاد ما رواه صاحب خزانة الأدب، من قوله: "قال الجرمي: نظرت في كتاب سيبويه، فإذا فيه ألف وخمسون بيتا. فأما الألف فقد عرفت أسماء قائليها فأثبتها، وأما الخمسون فلم أعرف أسماء قائليها1 ... وقد رُوي هذا الكلام لأبي عثمان المازني أيضا"2. وقال أبو جعفر بن النحاس في أول شرحه لأبيات سيبويه: "جملة أبيات كتاب سيبويه ... ألف وخمسون بيتا، منها خمسون غير معروفة"3. كما قال ابن هشام: "ولو صح ما قاله "عبد الواحد الطراح" لسقط الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه، فإن فيه ألف بيت قد عرف قائلوها وخمسين مجهولة القائلين"4. وكنت أنا واحدا ممن اعتقد في صحة هذا الكلام، بعد أن قرأته في

_ 1 في البغية للسيوطي 2/ 229، في ترجمة سيبويه: "وقال الجرمي: في كتاب سيبويه ألف وخمسون بيتا، سألته عنها فعرف ألفا ولم يعرف خمسين". ويبدو أن هذا النص مبتور وأن المسئول هو الجرمي، ففي نزهة الألباء 42: "ولم يلق "أبو عمر الجرمي" سيبويه". 2 خزانة الأدب 1/ 8 وانظر كذلك: طبقات النحويين واللغويين للزبيدي 77 3 شرح أبيات سيبويه للنحاس 28. 4 المزهر للسيوطي 1/ 142.

أيام الطلب منذ سنين، ولذلك كنت أسر غاية السرور، عندما أعثر على نسبة بيت مجهول القائل عند سيبويه، في كتاب من كتب اللغة والأدب العربي، وكنت أظن في كل مرة، أن عدد الخمسين بيتا، يتناقص شيئا فشيئا، بالدأب في البحث على مر السنين، كما كنت أنظر بعين الرضا إلى نسختي من الكتاب، وقد تضمنت بعض صفحاتها ما نسبته فيها بقلمي، من أشعارها المجهولة القائل، مع بيان مصدر هذه النسبة. وظننت بعد مدة أنني كدت أقضي على هذه الأبيات الخمسين نسبة وعزوا، فأردت أن أحصي ما تبقى في الكتاب من الأبيات التي لم أعثر على نسبتها طوال السنين الماضية، وكان ظني أنها لن تجاوز العشرين، بعد أن نسبت منها ما نسبت، اعتمادا على نص الجرمي السابق، غير أن هذا الظن كان سرابا، فقد عرفت بعد الإحصاء، أن جملة غير المنسوب في كتاب سيبويه، تبلغ 342 موضعا، منها 43 موضعا سميت فيها قبيلة الشاعر، ولم ينص على اسمه، مثل: "رجل من قشير" أو "رجل من بني دارم" أو "رجل من مذحج" أو "رجل من فزارة" أو "رجل من طهية"، وغير ذلك. وقد نسب الأعلم الشنتمري في شرحه لشواهد الكتاب، المسمى، "تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب" 57 موضعا، أي أن ما يبقى بعد ذلك غير منسوب تماما، عبارة عن 242 موضعا. نعم، قد يمكن القول بأن المطبوعة التي بين أيدينا من كتاب سيبويه، لا تتضمن كل نسبة قام بها الجرمي أو المازني لشواهد الكتاب، غير أن مراجعة مخطوطات الكتاب في دار الكتب المصرية، ومراجعة شرح أبي سعيد السيرافي لكتاب سيبويه، وهو من أقدم الشروح على الكتاب، هذه المراجعة تجعلنا نطمئن إلى القول بأن ما لم ينسب من شواهد الكتاب، أضعاف الخمسين المزعومة.

هذه حقيقة لم يفطن إليها أحد من القدماء -فيما أعلم- وأصبحت عبارة مثل: "وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف لها قائل" تتردد في كتبهم، عند الحديث عن هذا البيت أو ذاك، مما لم يعثروا له على نسبة إلى قائل معين، كالبغدادي الذي ذكر العبارة في خزانته مع اثنين وثلاثين بيتا. ومن العجيب أن أحد هذه الأبيات، نسب في المطبوعة من الكتاب "1/ 80" إلى الأعشى! وبقي عند الأعلم الشنتمري بلا نسبة. ولم يسلم المحدثون من الوقوع في شرك هذه الأسطورة كذلك. ولقد قلت عند نشر هذا البحث لأول مرة في عام 1974م: "وقد انساق الأستاذ عبد السلام هارون"، في نشرته الجديدة لكتاب سيبويه -التي بدأ في إخراجها سنة 1966م، وأخرج منها جزأين حتى الآن- وراء هذه العبارة الأسطورية، وأطلقها على كل بيت صادفه في جزأيه، ولم يتمكن من نسبته إلى شاعر معين. وقد بلغت جملة ذلك في الجزأين 35 مرة، بل لقد قال مرة "1/ 151" في زهو، بعد أن عرف نسبة بيت لأبي وجزة: "فيضاف هذا إلى ما عرفت نسبته من الخمسين". ولو واصل الأستاذ عبد السلام هارون جريه وراء هذه الأسطورة، لوجد نفسه يقع في التناقض في جزئه الثالث، حين يجاوز عدد ما لم يعرف نسبته الخمسين". ثم علقت على ذلك في الهامش بقولي: "صدق حدسي، إذ صدر الجزء الثالث من كتاب سيبويه، بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون في عام 1973م، بعد إعداد هذه المقالة للنشر، وذكر فيه عبارة: "البيت من أبيات سيبويه الخمسين" في 26 موضعا من هذا الجزء. وإذا أضفنا هذا العدد إلى العدد السابق وهو 35 عرفنا أن الأستاذ عبد السلام هارون، تجاوز الخمسين وهو ما يزال يتحدث عن أن هذا البيت أو ذاك من الخمسين! ".

ولم يفطن من علمائنا المحدثين إلى هذا التناقض، بين رواية الجرمي أو المازني، وما يوجد في الكتاب بالفعل غير الشيخ محمد الطنطاوي في كتابه: "نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة"، غير أنه يعتقد كذلك في أسطورة الأبيات الخمسين، ويتعجب من زيادة غير المنسوب في الكتاب عن هذا العدد، ويحاول أن يجمع الأبيات التي نص البغدادي في خزانته على أنها من الخمسين، فيقول: "وسميت الأبيات الخمسون بين العلماء بأبيات سيبويه الخمسين المجهولة القائل. ونسبة الشعر للشاعر الصادرة من الجرمي أو المازني، لم تشمل الألف كلها، في الكتاب المطبوع بين أيدينا، ولا أدري سببا في ذكر القائل في البعض دون البعض، فقد كان في تعيين النسبة للألف كلها، إعلان كاف عن الخمسين المجهولة، فليس وراء المعلوم إلا المجهول، والمهم إنما هو الوصول لمعرفة الأبيات المجهولة الخمسين. وقد استعنت خزانة الأدب للبغدادي، في الوصول إليها، فعلمت منها بالنص اثنين وثلاثين"1. وقد بلغت أسطورة الأبيات الخمسين مداها، عند الشيخين عبد العظيم الشناوي ومحمد عبد الرحمن الكردي، اللذين نشرا كتاب الشيخ محمد الطنطاوي نشرة جديدة بعد موته، مع بعض التعليقات، فقالا في التعليق على الأبيات التي نص صاحب الخزانة على أنها من أبيات سيبويه الخمسين: "قد نجد في كثير من كتب الشواهد، أن بعض هذه الأبيات منسوب إلى معين، والصواب أنها مجهولة القائل"2.

_ 1 نشأة النحو للطنطاوي 72. 2 نشأة النحو للطنطاوي 76.

أما نحن فإننا نشك كثيرا في صحة الخبر، الذي يُعزى إلى الجرمي أو المازني، لما سبق أن قدمناه من أن مخطوطات الكتاب وشرح السيرافي له، لا تنقص إلا القليل من ذلك القدر غير المنسوب، في المطبوع المتداول بين أيدينا من كتاب سيبويه، والذي يزيد على 340 موضوعا. وقد عرفنا من قبل أن الأعلم الشنتمري، نسب المجهول في 57 موضعا عند شرحه لشواهد الكتاب، كما أن الأستاذ العالم أحمد راتب النفاخ، صنع فهرسا لشواهد سيبويه، ونشره في بيروت سنة 1970م، واستطاع أن ينسب بعض المجهول من شواهد الكتاب، اعتمادا على خزانة الأدب في كثير من الأحيان، وكذلك صنع الأستاذ عبد السلام هارون في نشرته الكتاب، فنسب بعض الأبيات معتمدا على بعض المصادر. وكنت قد اهتديت من قبل إلى كثير مما اهتدى إليه هذان العالمان الفاضلان، وزدت عليهما زيادات كثيرة، لم تقع لهما من قبل، فبلغ جملة ما اهتديت إليه حتى الآن 176 موضعا. ويبقى بعد ذلك 99 موضعا لم ينسب فيها الشعر إلى قائل معين، بالإضافة إلى عشرة مواضع أخرى، نسب فيها الشعر إلى رجل من إحدى القبائل العربية. وفيما يلى بيان ذلك كله: أولا: المواضع التي أمكنني نسبة الشعر فيها، ومصادر النسبة: 1- هباء/ المعزاء "كامل" 1/ 88: هما للشماخ بن ضرار في ملحق ديوانه ص427 كما ينسب الثاني لذي الرمة في ملحق ديوانه ص661 وهو غير منسوب في اللسان "شجج" 3/ 128. 2- مائها/ أنسأئها "رجز" 1/ 75: هما لأبي وجزة الفقعسي في معجم البلدان 1/ 86 والتكملة للصاغاني 2/ 313 وفي العيني على هامش

الخزانة 4/ 183: "أقول: قائله هو أبو وجزة السعدي، ويقال: جبر بن عبد الرحمن، وهو الصحيح" وانظر: شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/ 285 وفرحة الأديب 71-72. 3- وتحلب "طويل " 1/ 259= 2/ 7= 2/ 65: نسب البيت في اللسان "قرن" 17/ 211 إلى الأسدي، كما يُنسب في معاهد التنصيص 1/ 115 إلى تأبط شرا. 4- جالب "طويل" 1/ 141: هو للفضل بن عبد الرحمن القرشي في معجم الشعراء للمرزباني 179 وخزانة الأدب 1/ 465 وطبقات الزبيدي 50 وشرح درة الغواص للخفاجي 44 ونسبه البحتري في حماسته 400 إلى العرزمي! 5- جانب "طويل" 1/ 122: "نسب في المطبوع من الكتاب إلى رجل من بني قشير. وهو للعجير السلولي في خزانة الأدب 2/ 298 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 535-536 وفرحة الأديب 99. 6- ضروب "طويل" 1/ 57: هو لأبي طالب في شرح المفصل لابن يعيش 6/ 71. 7 إهابها "طويل" 1/ 421: في سيبويه والشنتمري أنه لرجل من بني دارم، وذكر ابن السيرافي في شرحه لأبياتالكتاب 2/ 150 أنه لسويد ابن الطويلة. 8- أجيب "طويل" 1/ 430: نسب في الكتاب لبعض الحجازيين، وفي الشنتمري أنه لبعض الحارثيين. واحتمال التحريف في أحدهما راجح. وهو لعروة بن حزام في ديوانه ق2 / 2 ص28 وخزانة الأدب 1/ 534، 3/ 615 وينسب إلى كثير عزة كذلك في ديوانه ص22 وانظر

تخريجات الديوان ص523 كما ينسب للأحوص في ديوان ص113 ولمجنون ليلى في ديوانه ص59 وانظر مصادره في الديوانين! 9- أسكوب "بسيط" 2/ 316: لم يذكر سيبويه إلا عجزه، وهذا العجز ينسب إلى زهير بن عروة بن جلهمة بن حجر بن خزاعى، في الأغاني 19/ 156 قال: "وإنما لقب السكب ببيت قاله وقال فيه ... " ثم ساق هذا العجز وقد ساق ابن السيرافي في شرحه لأبيات الكتاب 2/ 437 البيت كاملا، ونسبه لأبي السكب المازني، وصدره فيه: إني أرقت على المطلى وأشأزني". 10- ولا أب "كامل" 1/ 352: نسب في الكتاب لرجل من مذحج. وهو من قصيدة البيت: "أعجب" الذي سبق في المطبوع من الكتاب 1/ 161" بعبارة: "وهو لبعض مذحج، وهو هني بن أحمر الكناني" وهو لهني بن أحمر الكناني كذلك في المؤتلف والمختلف للآمدي 45 وبعض أبيات قصيدته في معجم الشعراء للمرزباني 472 وينسب لهمام بن مرة الشيباني في حماسة ابن الشجري ق185/ 6 ص256 كما ينسب كذلك لضمرة بن ضمرة بن جابر، وعمرو بن الغوث الطائي، وزرافة الباهلي. انظر: خزانة الأدب 1/ 243 والعيني على الخزانة 2/ 339. وشرح شواهد المغني 311 ولسان العرب "حيس" 7/ 362. 11- يغضبوا "كامل" 1/ 469: نسب في الكتاب إلى الفزاري، وحرف في خزانة الأدب 4/ 311 إلى: "الفرزدق" وهو لأبي أسماء بن الضريبة في اللسان "جرم" 14/ 360 وله أو لعطية بن عفيف في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 136 والاقتضاب 313 وعنه في خزانة الأدب 4/ 314.

12- ركائبه "رجز" 2/ 420: ذكر ابن السيرافي في شرحه لأبيات الكتاب 2/ 416 أنه للقناني! وانظر هامش محققه. 13- كلبا "بسيط" 1/ 357: هو لأبي الطفيل عامر بن واثلة الصحابي في خزانة الأدب 2/ 91 والدور اللوامع 1/ 188. 14- طربا "بسيط" 1/ 457: لم يرد منه في سيبويه والشنتمري سوى صدره، وهو: "عاود هراة وإن معمورها خربا". وعجزه هو: "وأسعد اليوم مشغوفا إذا طربا" وهو في خمسة أبيات لرجل من أهل هراة، في لسان العرب "هرا" 20/ 237. 15- كعابا "وافر" 2/ 97: هو لمعاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب المعروف بمعوذ الحكماء، وفي تهذيب الألفاظ 510 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 295 وفرحة الأديب 206 وهو في الواقع ملفق من بيتين في قصيدته التي رواها المفضل الضبي في المفضليات ق105/ 12-13 ص700 والبيتان هما: فأمسى الصدع من كعب فأودي ... وكان الصدع لا يعد ارتئابا رأبت كعبها كعبا وكانت ... من الشنآن قد دُعيت كعابا وانظر كذلك: فرحة الأديب 206. 16- كلابا "وافر" 2/ 160: ورد صدره فقط في الكتاب، ولم يذكره الشنتمري، وهو لجرير في ديوانه ص75 والعيني على هامش الخزانة 4/ 494 والدرر اللوامع 2/ 240 وشرح شواهد الشافية 4/ 163 وعجزه: "فلا كعبا بلغت ولا كلابا". 17- أثوبا "رجز" 2/ 185: هو لمعروف بن عبد الرحمن في اللسان "ثوب" 1/ 238 والتاج "ثوب" 1/ 169 وشرح أبيات الكتاب.

لابن السيرافي 2/ 392 وله أو لحميد بن ثوار في العين على هامش الخزانة 4/ 522 وهو في ديوان حميد ص61 عند المصدرين السابقين. ونسب إلى العجاج في فهرس شواهد سيبويه للنفاخ 68 وهو سهو سببه تقدم ذكر العجاج في البيت السابق عليه في الفهرس! 18- بيثرب "طويل" 1/ 137: ورد في الكتاب عجزه فقط: "مواعيد عرقوب أخاه بيثرب". وهو مثل من الأمثال العربية. انظر قصته في الفاخر 133 وفصل المقال 102 وجمهرة العسكري 1/ 433 والميداني 2/ 177 وثمار القلوب 131 ونهاية الأرب 3/ 389 والصحاح "عرقب" 1/ 180 والمزهر 1/ 494 واللسان "عرقب" 2/ 85 وقد ورد هذا العجز في ثلاثة أبيات لشعراء مختلفين، أولها: وعدت وكان لخلف منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب وهو لجبيهاء الأشجعي في جمهرة اللغة 1/ 124 وفصل المقال 102 ولسان العرب "ترب" 1/ 224 "عرقب" 2/ 85 وعيون الأخبار 3/ 147 ومعجم البلدان 4/ 1009 والمزهر 1/ 495 والمستقصى 1/ 108 والميداني 2/ 177 وشرح المفصل لابن يعيش 1/ 113 وقد نسب خطأ إلى الشماخ في ثمار القلوب 131 كما نسب خطأ إلى علقمة في معجم ما استعجم 4/ 1388، أما البيت الثاني فهو: وقد وعدتك موعدا لو وفت به ... كموعود عرقوب أخاه بيثرب وهو لعلقمة بن عبدة المعروف بعلقمة الفحل في ديوانه ق3/ 8 ص82 وشرح المقامات للشريشي 1/ 228 وفصل المقال 103 ووهم الشنقيطي فنسبه في الدرر اللوامع 2/ 123 إلى امرئ القيس، أما البيت الثالث فهو:

وواعدتني ما لا أحاول نفعه ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب وهو للشماخ بن ضرار في ملحق ديوانه ق6/ 1 ص430 والمستقصى 1/ 108 وشرح المفصل لابن يعيش 1/ 113 والأغاني 15/ 151 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 343 وفرح الأديب 82. 19- حردب "طويل" 1/ 336: نسب في سيبويه والشنتمري لرجل من بني مازن. وهو لمالك بن الريب المازني في ديوانه ق5/ 1 ص72 ومعجم البلدان 2/ 117، 2/ 334 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 528 وفرحة الأديب 186. 20- الحقائب/ الثعالب "طويل" 1/ 59: في العيني على هامش الخزانة 3/ 46 في حديثه عن البيتين ما يلي: "أقول: قائل هذين البيتين هو الأحوص، وهو محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري. وذكر في الحماسة البصرية أن قائلهما هو أعشى همدان يهجو بهما لصوصا. وقال الجوهري: قال جرير يصف ركبا: يمرون بالدهنا ... إلخ. والأظهر ما قاله في الحماسة". وهما لأعشى همدان في الحماسة البصرية 2/ 262-263 ولشاعر من همدان في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 371 وفرحة الأديب 88 والكامل للمبرد 1/ 184 وهما للأحوص في ديوانه 215 ولأعشى همدان في الصبح المنير ق5/ 39-40 ص317 ولم أعثر على نسبتهما إلى جرير، لا فى صحاح الجوهري، ولا في ديوان جرير! 21- بلبيب "طويل" 2/ 409: في رسالة الغفران 431: "وأصحاب بشار يروون له هذا البيت: وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ... وما كل مؤت نصحه بلبيب وفي كتاب سيبويه نصف هذا البيت الآخر، وهو في باب الإدغام،

لم يسم قائله، وزعم غيره أنه لأبي الأسود الدؤلي". وفي الاقتراح للسيوطي 27: "أول الشعراء المحدثين بشار بن برد، وقد احتج سيبويه في كتابه ببعض شعره تقربا إليه؛ لأنه كان هجاه لترك الاحتجاج بشعره". ويشك الأستاذ علي النجدي "سيبويه إمام النحاة 148" في ذلك، ويقول: "وقد رجعت إلى أبيات بشار في الجزء الأول من ديوانه، فلم أعثر على البيت فيه". والبيت لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ق68/ 4 ص99 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 438 والعمدة 2/ 5 وشرح المضنون به 87 والمؤتلف والمختلف للآمدي 224 والحيوان للجاحظ 5/ 601 وله أو لمودود العنبري في شرح شواهد المغني 184 وقال عنه الشنقيطي في الدرر اللوامع 2/ 129: "ولم أعثر على قائل هذا البيت"! 22- محتبي "كامل" 1/ 296: هو للفرزدق في ديوانه ص38 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 503. 23- والتراب "خفيف" 1/ 157: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص431 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 267 وخزانة الأدب 2/ 56 والموشح 315 ومعجم البلدان 1/ 104 وشرح شواهد المغني 14 والخصائص 2/ 281 وشرح ابن يعيش 1/ 121 وأمالى المرتضى 1/ 345، 1/ 346، والدرر اللوامع 1/ 162 ومادة "بهر" في الصحاح 2/ 598 واللسان 5/ 148 والتاج 3/ 62 وجمهرة اللغة 1/ 279 وأمالى ابن الشجري 1/ 266 والمقاييس 1/ 308 والثلاثة لابن فارس 33 24- خلب "رجز" 1/ 480: في العيني على هامش الخزانة 2/ 299: "أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز، وهكذا أنشده

سيبويه في كتابه". وتعقبه صاحب خزانة الأدب 4/ 358 فقال: "والبيت غفل في الكتاب، ولم ينسبه أحد من خدمة الكتاب. وقال العيني: قائله رؤبة بن العجاج، وهكذا أنشده سيبويه في كتابه، وهذا بخلاف الواقع". والبيت عن العيني في ملحق ديوان رؤبة ق4/ 3 ص169 وهو بلا نسبه في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 75. 25- تبيت "وافر" 1/ 359: البيت هو التاسع من تائية عمرو بن قعاس أو قعناس المرادي، المنشورة في الطرائف الأدبية ص72-75 وخزانة الأدب 1/ 459 وشرح شواهد المغني 77. 26- أقلت "طويل" 1/ 490: ذكر في خزانة الأدب 4/ 467 أنه من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يُعرف قائلها. ونسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 149 إلى مليح بن علاق القعيني. 27- بتي/ مشتي "رجز" 1/ 258: البيتان لرؤبة بن العجاج في ملحق ديوانه ق110/ 1-2 ص189 والعيني على هامش الخزانة 1/ 561 والدرر اللوامع 1/ 78. 28- تأججا "طويل" 1/ 446: هو لعبيد الله بن الحر الجعفي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 66 وخزانة الأدب 3/ 660 والدرر اللوامع 2/ 166. 29- الساج "بسيط" 1/ 80: في الكامل للمبرد 3/ 410 قبله: "وقال رجل من أهل البحرين من اللصوص". وهو للجرنفش بن يزيد بن عبدة الطائي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 237. 30- الإرتاج "كامل" 2/ 17: هو لابن ميادة في ديوانه ص30 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 297 ولسان العرب "ثمن" 16/ 230 وخزانة الأدب 1/ 76 والعيني على هامش الخزانة 4/ 352.

31- مصبوح "بسيط" 1/ 356: لم ينسب في الكتاب، ونسبه الشنتمري إلى رجل من النبيت ابن قاصد. وهو لحاتم بن عبد الله الطائي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 573 ونسب الزمخشري عجزه لحاتم الطائي في المفصل، وقال عنه ابن يعيش "1/ 107": "أنشده لحاتم الطائي، وما أظنه له. وقال الجرمي: هو لأبي ذؤيب الهذلي". وفي العيني على هامش الخزانة 2/ 368: "أقول: قائله هو حاتم الطائي، كذا قال الزمخشري في المفصل، ولكنه ما أنشد إلا عجزه. وهذا البيت مما ركب فيه صدر بيت على عجز آخر. وقد أورده هكذا سيبويه والجرمي في كتاب: الفرخ، وأبو بكر في أصوله، وأبو علي في إيضاحه، وتبعهم على ذلك خلق كثير كابن الناظم وغيره. ويقال ابن الزمخشري سلم من ذلك الغلط، ولكنه غلط من وجه آخر، وهو أنه نسبه إلى حاتم الطائي، كما غلط الجرمي إذ نسب البيت كله لأبي ذؤيب، والصواب أنه لرجل جاهلي من بني النبيت، اجتمع هو وحاتم والنابغة الزبياني، عند ماوية بنت عفزر خاطبين لها، فقدمت حاتما عليهم وتزوجته، فقال هذا الرجل شعرا". وانظر هذه القصة والشعر في ديوان حاتم ص35-37، والبيت ملفق -كما يقول العيني- من بيتين هما: ورد جازرهم حرفا مصرمة ... في الرأس منها وفي الأصلاب تمليح إذا اللقاح غدت ملقى أصرتها ... ولا كريم من الولدان مصبوح 32- السريحا "وافر" 1/ 9= 2/ 291: هو في اللسان "جزز" 7/ 184 ليزيد بن الطثرية عند ثعلب والكسائي. وقال ابن بري: "ليس هو ليزيد، وإنما هو لمضرس بن ربعي الأسدي، وهو في شعره". وهو لمضرس في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 61 واللسان "يدي" 20/ 302 ومادة

"ثمن" في اللسان 16/ 231 والتاج 9/ 157 وله في قطعة رواها البغدادي في شرح شواهد الشافية 4/ 481 وله أو ليزيد في شرح شواهد المغني 204 والعيني على هامش الخزانة 4/ 591. وتوهم محققو شروح سقط الزند 3/ 982 أنه منسوب إلى خفاف بن ندبة؛ لأنه معطوف بعبارة: "وأنشد أيضا" على عبارة: "أنشد سيبويه لخفاف بن ندبة"! وتابعهم على ذلك الوهم جامع ديوانه ص109. 33- فأستريحا "وافر" 1/ 423= 1/ 448: هو للمغيرة بن حبناء التميمي في خزانة الأدب 3/ 600 والعيني على هامش الخزانة 4/ 390 وشرح شواهد المغني 169 والدرر اللوامع 82. 34- مكسوحا "رجز" 1/ 465: هو لأبي النجم في أساس البلاغة "طوح" 2/ 83 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 190. 35- مستصرخ "رجز" 1/ 357: نسب في الأشباه والنظائر للسيوطي 4/ 160 وأمالي ابن الشجري 1/ 282 إلى رؤبة بن العجاج، وليس في ديوانه. والصواب أنه للعجاج في التكملة للصاغاني 2/ 168 وديوانه ق41/ 2 ص459 وقال عنه الأستاذ راتب النفاخ في فهرس شواهد سيبويه ص78: "لم يورد منه إلا قوله: حين لا مستصرخ، وقد استشهد عقيبه بقطعة من بيت لسعد بن مالك، تقدم في قافية الحاء، وهي قوله: لا براح، فخفي ذلك على الناشر، فجعلها شاهدا واحدا ... وكذلك جاء في أمالي ابن الشجري 1/ 239 نقلا عن سيبويه، ويظهر أنه خفي على الأعلم فلم يذكره". 36- يقودها "طويل" 1/ 24: نسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 1/ 278 إلى مغلس بن لقيط الأسدي.

37- يزيد "طويل" 2/ 306: هو للمعلوط القريعي في العيني على هامش الخزانة 2/ 22 وشرح شواهد المغني 32. 38- يسود "وافر" 1/ 116: نسبه سيبويه والشنتمري وابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 1/ 388 لرجل من خثعم، وهو لأنس بن مدركة الخثعمي في خزانة الأدب 1/ 476 والدرر اللوامع 1/ 168 وشرح ابن يعيش 3/ 12 وفرحة الأديب 91. 39- عضد "كامل" 1/ 362: البيت لأوس بن حجر في ديوانه ق8/ 1 ص21 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 68 ونسبه ابن يعيش في شرح المفصل 2/ 90 ومحب الدين أفندي في شرح شواهد الكشاف 94 إلى طرفة، وهو في ملحق ديوانه ص151. 40- العبادا/ والجيادا "وافر" 1/ 153: البيتان لشقيق بن جزء بن رباح الباهلي في الحماسة البصرية 1/ 103 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 196 وفرحة الأديب 47. 41- الوادي/ غادي/ السواد "رجز" 1/ 146: الأبيات لرؤبة بن العجاج في العيني على هامش الخزانة 2/ 475 وملحق ديوانه ق26/ 1-3 ص173. 42- الجارود "رجز" 1/ 313: نسبه سيبويه والشنتمري إلى رجل من بني الحرماز، وهو للكذاب الحرمازي عبد الله بن الأعور في الشعر والشعراء 2/ 685 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 472 وله أو لرؤبة في اللسان "سردق" 12/ 23 ولرؤبة في العيني على هامش الخزانة 4/ 210 وهو في ملحق ديوانه ق24/ 1 ص172. 43- طائر "طويل" 1/ 294: البيت لأبي الربيس الثعلبي في خزانة الأدب 2/ 532 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 572.

44- دهارير "بسيط" 1/ 122: ينسب البيت إلى حريث بن جبلة العذري في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 360 والعقد الفريد 3/ 192 في قصيدة: وكذلك في معجم الأدباء 12/ 77 وجمهرة اللغة 2/ 258 وله أو لعثير بن لبيد العذري في اللسان "دهر" 5/ 380 ولعثمان بن لبيد العذري في نزهة الألباء 27 ولجبلة العذري عبد المسيح بن بقيلة الغساني في الحماسة البصرية 2/ 65 وقال الميمني في هامش السمط 2/ 800 تعليقا على البيت: "أو لعبد المسيح بن بقيلة، كما روي عن الحماسة البصرية، وأظنه وهما". ولجبلة بن حرب في شرح الشريشي على المقامات 1/ 179 وينسب لرجل من أهل نجد في العيني على هامش الخزانة 1/ 275 والخصائص 2/ 171 وانظر في الخلاف حول قائل هذا البيت: شرح شواهد المغني 86-87 وفي فرحة الأديب 86: "خلط ابن السيرافي في هذا الاسم "حريث بن جبلة العذري" إنما هو جبلة بن الحويرث العذري"! 45- مياسير "بسيط" 2/ 158: هو من قصيدة البيت السابق. وينسب لحريث بن جبلة العذري في العقد الفريد 3/ 192 ومعجم الأدباء 12/ 76 وله أو لعثير بن لبيد العذري في اللسان "دهر" 5/ 380 ولعثمان بن لبيد العذري في نزهة الألباء 28 ولجبلة العذري عبد المسيح بن بقيلة الغساني في الحماسية البصرية 2/ 65 ولجبلة بن حرب في شرح الشريشي على المقامات 1/ 179 وانظر في الخلاف حول قائل هذا البيت: شرح شواهد المغني 86-87. 46- قراقير "بسيط" 2/ 186: هو في أول أبيات أربعة لجرير الضبي في مادة "أير" من اللسان 5/ 97 والتاج 3/ 22 وهو في بيتين في نوادر أبي زيد 76 لرجل ضبي. وانظر: البلغة لابن الأنباري 74.

47- المعار "وافر" 2/ 65: ينسب هذا البيت إلى بشر بن أبي خازم في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 323 وهو في قصيدة له في المفضليات ق97/ 45 ص676 وعلق عليه ابن الأنباري شارح المفضليات بقوله: "قال الضبي: قال أبو عبيدة: هذا البيت للطرماح، ولم يروه الطوسي لبشر، ورواه الضبي، وقرأته على أحمد بن عبيد لبشر، فلم ينكره". وهو في ديوان بشر ق15/ 55 ص78 ويروى للطرماح في اللسان "عير" 6/ 305 والحور العين 310 وملحق ديوانه ص573. 48- اليخضور "رجز" 2/ 319: هو لغيلان بن حريث في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 408 في روي مجرور! 49- أبصارها/ بكارها "رجز" 1/ 179: نسبهما ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 1/ 312 إلى غيلان بن حريث "خطأ: حريث بن غيلان" وكذلك في إعراب القرآن المنسوب للزجاج ص883. 50- أيسارها/ واستجزارها "رجز" 1/ 366: نسبهما ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 110 إلى غيلان بن حريث كذلك. 51- صبرا "طويل" 1/ 193: هو لابن ميادة في ديوان ق57/ 10 ص48 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 269 وشرح شواهد المغني 226 والدرر اللوامع 1/ 74 وأمالي ابن الشجري 2/ 349 وخزانة الأدب 1/ 217 والعيني على هامش الخزانة 1/ 523 والحماسة البصرية 2/ 111. 52- وتأزرا "طويل" 1/ 349: قال صاحب خزانة الأدب 2/ 102: "وهذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يُعرف لها قائل. وقال ابن هشام في شواهده: إنه لرجل من عبد مناة بن كنانة والله أعلم".

وينسب للفرزدق في شرح شواهد الكشاف 113 وفي ديوانه ص280، 295 عجز بيت يشبه وهو: "إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا" وانظر كذلك: الدرر اللوامع 2/ 197-198 ويُنسب للكميت بن معروف أو الكميت الأسدي في إيضاح شواهد الإيضاح الورقة 53. 53- أعصرا "طويل" 2/ 387: هو لأبي حزابة الوليد بن حنيفة في الأغاني 19/ 156 وعنه في شرح شواهد الشافية 4/ 364 ولمودود العنبري في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 434 ولأحدهما في اللسان "كهمس" 8/ 83. 54- خنزره/ كمره "رجز" 1/ 106= 1/ 293: هما للأعور بن براء الكلبي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 263 وللأعور بن براء الكلابي في فرحة الأديب 65 ومعجم البلدان 2/ 478. 55- الخضر "طويل" 1/ 167: هو لجرير في ديوانه ص212 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 151، 1/ 230 وشرح المفصل لابن يعيش 1/ 121. 56- العشر "طويل" 2/ 174: في الكتاب والشنتمري لرجل من بني كلاب. وهو للنواح الكلابي في العيني على هامش الخزانة 4/ 484 وعلى هامش الأشموني 4/ 63 والدرر اللوامع 2/ 204 وللأعور بن البراء الكلابي في الأشباه والنظائر للسيوطي 3/ 51. 57- ثائر/ عاشر "طويل" 1/ 253: هما لسماعة النعامي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 591. 58- عمار "بسيط" 1/ 144: هو للنابغة الذبياني في ديوانه ق65/ 20 ص235 وجمهرة أشعار العرب ص225.

59- وتذكير "بسيط" 2/ 315: لم يورد منه سيبويه إلا قطعة من صدره، وهي "مشية سجحا". والبيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص214 60- جسر "وافر" 2/ 147: نسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 293 إلى الفارعة بنت معاوية بن قشير القشيرية. 61- ابن عمرو "وافر" 2/ 142: ينسب إلى يزيد بن سنان بن أبي حارثة المري في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 279 وفرحة الأديب 143 وهو له في المفضليات ق13/ 5 ص122. 62- الحمار/ حار "وافر" 1/ 380 هما لفاختة بنت عدي في الأغاني "بولاق" 10/ 65 وقبلهما في ثمار القلوب 68: "وقالت امرأة قتل ابنها غير أكفائه". وفي شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 197: "قالت نائحة عدي بن أخت الحارث بن أبي شمر". وفي الحيوان للجاحظ 6/ 218: "قال الأسدي للحارث الملك الغساني"! 63- كثير/ الصقور "وافر" 1/ 254: هما لإمام بن أقرم النميري في البيان للجاحظ 1/ 386 ولإمام بن أقزم النميري في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 6 وقال في فرحة الأديب 132 "وأنا أشك في أقرم هل هو بالراء أو بالزاي"! 64- الأقدار "كامل" 1/ 58: قال العيني في هامش الخزانة 3/ 543: "أقول: قائله هو أبو يحيى "أبان" اللاحقي. قال المازني: زعم أبو يحيى أن سيبويه سأله: هل تعدى العرب فعلا؟ قال: فوضعت له هذا البيت، وعملته له، ونسبته إلى العرب، وأثبته في كتابه". وانظر كذلك: خزانة الأدب 3/ 456. 65- اعتصاري "رمل" 1/ 462: أورد سيبويه صدره فقط.

والبيت لعدي بن زيد العبادي في ديوانه ق17/ 5 ص93 وخزانة الأدب 3/ 597 وانظر مصادر أخرى في ديوانه ص220. 66- المئزر "سريع" 2/ 297: هو للأقيشر الأسدي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 391 والعيني على هامش الخزانة 4/ 516 والدرر اللوامع 1/ 32 ونسبه ابن الشجري في أماليه 2/ 37 إلى الفرزدق وليس في ديوانه، وقد تعقبه صاحب خزانة الأدب 2/ 280 فقال: "وقال ابن الشجري في أماليه: مر الفرزدق بامرأة وهو سكران يتواقع، فسخرت منه، فقال هذه الأبيات، انتهى. والصواب الأول" أي نسبته إلى الأقيشر. 67- مسور "متقارب" 1/ 176: في خزانة الأدب 1/ 268 أن "هذا البيت من الأبيات الخمسين التي لا يُعرف لها قائل". وقد نُسب إلى أعرابي من بني أسد في العيني على هامش الخزانة 3/ 381 وشرح شواهد المغني 307 وشرح شواهد الكشاف 126 والدرر اللوامع 1/ 163. 68- الخمر/ القمر "رجز" 1/ 253: في الكتاب والشنتمري "رجل معروف من أزد السراة". وهما للميس الثمالي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 5. 69- بالعواور "رجز" 2/ 374: البيت لجندل بن المثنى الطهوي في العيني على هامش الخزانة 4/ 571 وشرح شواهد الشافية 4/ 374. 70- قرقار "رجز" 2/ 40: هو لأبي النجم العجلي في اللسان "قرر" 6/ 399 وتاج العروس "قرر" 3/ 382 وخزانة الأدب 3/ 58. 71- المصعرر "رجز" 2/ 242: ينسب لغيلان بن حريث في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 382 والتكملة للصاغاني 3/ 67. 72- المور/ المهمور/ مسفور "رجز" 1/ 302: الأبيات لحميد.

الأرقط في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 23 وفي الكتاب والشنتمري أنها لبعض السعديين. 73- ونمر "رجز" 2/ 179: هو لحكيم بن معية الربعي من بني تميم، في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 396 والعيني على هامش الخزانة 4/ 586 وشرح شواهد الشافية 4/ 380 وفرحة الأديب 152 واللسان "عيل" 13/ 518 وتاج العروس "عيل" 8/ 41. 74- خزر "رجز" 2/ 239: يروى لعمرو بن العاص أو للنجاشي الحارثي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 395 وقال أيضا: "وأظن أنه يروى لغيرهما أيضا". وعقب عليه صاحب فرحة الأديب 160 بقوله: "إذا فسر المفسر الشعر بأظن وعسى ويجوز ويروى، فاعلم أنه برذون فيه. وهذا الشعر للمساور بن هند". وفي الاقتضاب 408 أنه لعمرو بن العاص أو أرطاة بن سهية المري! 75- النقر "رجز" 2/ 284: في سيبويه والشنتمري أنه لبعض السعديين، وهو لفدكي بن أعبد المنقري، أو عبيد الله بن ماوية الطائي. انظر: العيني على هامش الخزانة 4/ 559 وشرح شواهد المغني 285 واللسان "نقر" 7/ 79 والدرر اللوامع 2/ 141، 234. 76- التنزي "رجز" 1/ 308: هو لرؤبة في ديوانه ق23/ 1 ص163 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 471 وأمالي ابن الشجري 2/ 121، 2/ 300 والعيني على هامش الخزانة 4/ 219 وشرح المفصل لابن يعيش 6/ 138. 77- يتلمس "طويل" 1/ 160: البيت لأبي الغطريف الهدادي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 193.

78- أنيس/ العيس "رجز" 1/ 133= 1/ 365: هما لجران العود النميري في ديوانه ص52 وخزانة الأدب 4/ 197 والعيني على هامش الخزانة 3/ 107 وشرح شواهد الكشاف 158 والدرر اللوامع 1/ 192. 79- أمسا "خمسا "رجز" 2/ 44: في خزانة الأدب 3/ 222: "والبيت الشاهد من أبيات سيبويه الخمسين التي ما عرف قائلها. وقال ابن المستوفي: وجدت هذه الأبيات الثمانية في كتاب نحو قديم للعجاج أبي رؤبة، وأراه بعيدا من نمطه". 80- حريص "وافر" 1/ 440: هو لعمرو بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ص15 ومحاضرات الأدباء "القاهرة 1287هـ" 1/ 157 وينسب في طبعة عبد السلام هارون للكتاب 3/ 73 إلى "عدي بن زيد" وليس في ديوانه! 81- تقضى/ بعضا "رجز" 2/ 300: هما لرؤبة بن العجاج في ديوانه ق29/ 1-2 ص79 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 355 وشرح شواهد الشافية 4/ 235 والعيني على هامش الخزانة 3/ 139 ولسان العرب "أضض" 8/ 383 "دين" 17/ 26 وتاج العروس "أضض" 5/ 6 "دين" 9/ 207. 82- وحضا "رجز" 1/ 175: هو للعجاج في ديوانه ق6/ 32 ص92 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 315 وفرحة الأديب 178 وخزانة الأدب 1/ 275 وشرح ابن يعيش 1/ 119 والعيني على هامش الخزانة 3/ 399 والدرر اللوامع 1/ 163. 83- الحمض "رجز" 2/ 200: نسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 372 إلى أبي عوف أحد بني مبذول بن تيم بن قيس بن ثعلبة.

84- التقاطا "رجز" 1/ 186: هو لأبي محمد الفقعسي في فصل المقال 508 وينسب إلى نقادة الأسدي في لسان العرب "فرط" 9/ 242 "لقط" 9/ 270 وتاج العروس "لقط" 5/ 218. 85- موضع "طويل" 2/ 24: هو لمسكين الدارمي في ديوانه ق40/ 5 ص49 وخزانة الأدب 2/ 117 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 224 وفرحة الأديب 136. 86- فاجع "طويل" 1/ 358: نسبه سيبويه والشنتمري إلى رجل من بني سلول. ونسب إلى الضحاك بن هنام الرقاشي في خزانة الأدب 2/ 89 وشرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري 405 وزهر الآداب للحصري 2/ 652 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 521 وقال عنه الشنقيطي في الدرر اللوامع 1/ 129: "ولو أعثر على قائله"! 87- بلاقع "طويل" 2/80: هو للبيد بن ربيعة في ديوانه ق24/ 5 ص169 وينسب إلى ذي الرمة في النهاية لابن الأثير 3/ 346 وهو في ذيل ديوانه رقم 58 ص669. 88- صنعوا "بسيط" 2/ 301: هو لابن مقبل في ديوانه ق23/ 5 ص168 وشرح شواهد الشافية 4/ 237 وانظر: شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 383. 89- قنعوا "بسيط" 2/ 301: هو لابن مقبل في ديوانه ق23/ 16 ص172 ولسان العرب "سوف" 11/ 65 وانظر: شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 384. 90- جمعوا بسيط "2/ 301 هو لابن مقبل في ديوانه ق23/ 10 ص170 وفرحة الأديب 170 وانظر: شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 384.

91- ينفعا "طويل" 2/ 152: هو للنجاشي الحارثي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 308 وخزانة الأدب 4/ 564 والعقد الفريد 5/ 391 والعيني على هامش الخزانة 4/ 344 والدرر اللوامع 2/ 97. 92- جنادعا "طويل" 2/ 27: هو للراعي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 318 ولسان العرب "جدع" 9/ 393 "جندع" 9/ 413 ولم يثبته جامع ديوانه! 93- مضاعا "وافر" 1/ 78: نسبه سيبويه إلى رجل من بجيلة أو خثعم، كما نسبه الشنتمري إلى رجل من خثعم. وقال في خزانة الأدب 2/ 369: "والبيت نسبه سيبويه إلى رجل من خثعم أو بجيلة، وتبعه ابن السراج في أصوله: وعزاه الفراء والزجاج إلى عدي بن زيد العبادي، وهو الصحيح، وكذلك قال صاحب الحماسة البصرية". وهو لعدي بن زيد في ديوانه ق2/ 1 ص35 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 123 والعيني على هامش الخزانة 4/ 192 والحماسة البصرية 1/ 65 والدرر اللوامع 2/ 165. 94- وضعه "رمل" 1/ 296: هو لأنس بن زنيم من أبيات قالها لعبيد الله بن زياد بن سمية، في خزانة الأدب 3/ 120 والعيني على هامش الخزانة 4/ 493 وشرح شواهد الشافية 4/ 53 والدرر اللوامع 1/ 212 ونسبها في الحماسة البصرية 2/ 10 إلى عبد الله بن كريز. وقال في الخزانة 3/ 121: "ورويت أيضا لأبي الأسود الدؤلي، والله أعلم بحقيقة الحال". وانظر: ديوان أبي الأسود ص36/ 38. 95- رواجعا "رجز" 1/ 284: قال عنه في خزانة الأدب 4/ 290: "والبيت الشاهد من الأبيات الخمسين التي ما عرف قائلوها،

والله أعلم". وقد نسبه ابن سلام في طبقات فحول الشعراء 65 إلى العجاج، وعنه في شرح شواهد المغني 236 وهو في ملحق ديوانه "أهلورت" ق23/ 1 ص82. 96- الصقيع "وافر" 2/ 180: هو لخالد بن أبي فهر في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 386 وهو لابن مقبل في ديوانه ق22/ 28 ص165 وبلا نسبة في المقتضب 2/ 197 والمخصص 8/ 85. 97- نفاع "كامل" 1/ 296: هو للفرزدق في العيني على هامش الخزانة 4/ 492 وليس في ديوانه. وقال في خزانة الأدب 3/ 122: "والبيت وقع غفلا في كتاب سيبويه والمفصل، ولم يعزه أحد من شراحهما إلى قائله، وزعم العيني أنه للفرزدق، والله أعلم به". 98- بالحي عارف "طويل" "1/ 161= 1/ 175: هو للمنذر بن درهم الكلبي في خزانة الأدب 1/ 277 ومعجم البلدان 2/ 858 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 235 وشرح شواهد الكشاف 192 والدرر اللوامع 1/ 163 وفرحة الأديب 57. 99- للذل عارف "طويل" 1/ 454: هو للقيط بن زرارة في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 133 وفرحة الأديب 77. 100- المطارف "طويل" 2/ 25: هو لحميدة بنت النعمان بن بشير في الأغاني "بولاق" 8/ 139 وسمط اللآلي 1/ 180 وبلاغات النساء 95. 101- تزحف/ ينزف "كامل" 1/ 222: في الكتاب قبلهما: "وأنشد لبعض العرب الموثوق بهم". وهما لبشر بن أبي خازم في ديوانه ق31/ 11-12 ص155 وشرح أبيات الكتاب 2/ 14-15 والأول له في

اللسان "زحف" 11/ 30 وشرح القصائد السبع 500 وقال عنهما في الدرر اللوامع 2/ 166: "ولم أعثر على قائل هذين البيتين"! 102- الشقوق "وافر" 1/ 426: هو لميسون بنت بحدل الكلبية زوج معاوية بن أبي سفيان، في خزانة الأدب 3/ 592، 3/ 622 وشرح شواهد المغني 224 والعيني على هامش الخزانة 4/ 397 وشرح شواهد الكشاف 191 والدرر اللوامع 2/ 10. 103- شافي "كامل" 2/ 152: هو لبنت أبي الحصين من قبيلة مذحج، في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 263 ولبنت مرة بن عاهان الحارثي في خزانة الأدب 4/ 565 والدرر اللوامع 2/ 100 وفرحة الأديب 141. 104- لام ألف "رجز" 2/ 34: هو لأبي النجم العجلي في خزانة الأدب 1/ 49 وشرح شواهد المغني 267 وشرح شواهد الشافية 4/ 156 والدرر اللوامع 2/ 85. 105- خالقه "طويل" 2/ 301: لم يورد سيبويه والشنتمري إلا صدره: "يا عجبا للدهر شتى طرائقه". والبيت بتمامه للراعي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 399 واللسان "طرق" 12/ 91 ولم يثبته جامع ديوانه. وعجزه: "وللمرء يبلوه بما شاء خالقه". 106- لحقيق "طويل" 2/ 408: البيت لغيلان بن حريث في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 441. 107- فريق "وافر" 1/ 468: نسبه في الكتاب للعبدي، ونسبه الشنتمري لرجل من عبد القيس، وهو للمفضل النكري من عبد القيس، واسمه عامر بن معشر بن أسحم بن عدي، في شرح أبيات الكتاب لابن

السيرافي 1/ 208 وهو مطلع قصيدة له تسمى المنصفة في الأصمعيات ق69/ 1 ص231 وحماسة الخالديين 1/ 149 وطبقات فحول الشعراء لابن سلام 223 وشرح شواهد المغني 62 والعيني على هامش الخزانة 2/ 235 والدرر اللوامع 2/ 87 وفي الحماسة البصرية 1/ 53 أنها لعامر بن أسحم بن عدي الكندي، وهي رواية غير الأصمعي. انظر: الأصمعيات ص230 وانظر كذلك تعليقات المحققين في بعض الكتب السابقة، وتعليق الميمني في هامش سمط اللآلي 1/ 125. 108- مخراق "بسيط" 1/ 87: في خزانة الأدب 3/ 477 "والبيت من أبيات سيبويه الخمسين، التي لم يعرف قائلها. وقال ابن خلف: وقيل هو لجابر بن رألان السنبسي، وسنبس أبو حي من طيئ. ونسبه غير خدمة سيبويه إلى جرير، وإلى تأبط شرا، وإلى أنه مصنوع، والله أعلم بالحال". وفي شرح شواهد الكشاف 206 أنه: "لتأبط شرا، وقيل إنه لجرير بن الخطفي". وفي العيني على هامش الخزانة 3/ 563 ونقله عنه في الدرر اللوامع 2/ 204: "أقول: قائل هذا البيت مجهول، وقيل: إنه مصنوع، وقيل: إنه لجرير بن الخطفي". وهو ليس في ديوان جرير، كما أن لتأبط شرا قصيدة مفضلية في أول المفضليات من الوزن والقافية، وليس فيها هذا البيت! 109- مغبق/ القربق/ الأدفق "رجز" 2/ 343 الأبيات لسالم بن قحفان في اللسان "قربق" 12/ 198 وفيه أن أبا عبيد يرويها للصقر بن حكيم بن معية الربعي وانظر نقد ابن بري له هناك! 110- المخترق "رجز" 2/ 301: هو لرؤية في ديوانه ق40/ 1 ص104 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 353 وخزانة الأدب.

1/ 38، 4/ 201 والعيني على هامش الخزانة 1/ 38 وشرح شواهد المغني 259 والدرر اللوامع 2/ 38. 111- العوارك "طويل" 1/ 172: هو لهند بنت عتبة في سيرة ابن هشام 1/ 656 والروض الأنف 5/ 167 وخزانة الأدب 1/ 556 والعيني على هامش الخزانة 3/ 142. 112- تراكها/ أوراكها "رجز" 1/ 123= 2/ 37: البيتان لطفيل بن يزيد الحارثي في لسان العرب "ترك" 12/ 186 وخزانة الأدب 2/ 354 وما بنته العرب على فَعَالِ للصاغاني 82 ولطفيل بن يزيد المعقلي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 307. 113 - مفاصله "طويل" 1/ 141: هو لذي الرمة في ديوانه ق62/ 50 ص476 ولسان العرب "طبق" 12/ 82 وأساس البلاغة 1/ 400 وشرح ابن يعيش 2/ 27. 114- ذليلها "طويل" 2/ 27: ينسب إلى الأعشى في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 238 والمقتضب 3/ 363 وقال عضيمة في هامشه: "ولم ينسب البيت إلى قائل في سيبويه، وليس في ديوان الأعشى، وله قصيدة من بحر الشاهد ورويه في الديوان، ويظهر أنه ساقط منها". 115- الطلل/ خضل "بسيط" 1/ 142: في شرح شواهد المغني للبغدادي في الشاهد رقم 834 أنهما لعمر بن أبي ربيعة: انظر: الخصائص هامش 1/ 296، 3/ 226 وليسا في ديوانه. 116- تفعلا "طويل" 2/ 151: ذكر في خزانة الأدب 4/ 558 أنه من أبيات سيبويه الخمسين، التي لم يعرف قائلها. وهو للنابغة الجعدي

في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 251 والموازنة 1/ 462 وليس في ديوانه! 117- وقابله "طويل" 2/ 39: البيت لحميد بن ثور الهلالي في ديوانه ص117 ونقائض جرير والفرزدق 322 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 317 وهو بلا نسبة في كتاب ما بنته العرب على فَعَالِ للصاغاني ص52. 118- تبالا "وافر" 1/ 408: في خزانة الأدب 3/ 630: "والبيت لا يُعرف قائله، ونسبه الشارح في الباب الذي بعد هذا إلى حسان، وليس موجودا في ديوانه، وقال ابن هشام في شرح الشذور: قائله أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: هو للأعشى، والله أعلم بحقيقة الحال". وانظر كذلك: الدرر اللوامع 2/ 71 وهو لأبي طالب في شرح شذور الذهب 225 ولم أجده في ديوان حسان. وهو في ملحق ديوان الأعشى رقم 177 ص252. 119- التأميلا "خفيف" 1/ 419: في الكتاب والشنتمري لبعض الحارثيين. ويُنسب في المفصل للزمخشري 249 إلى: العنبري! 120- كميلا/ هديلا "متقارب" 1/ 292: هما للعباس بن مرداس السلمي في ملحق ديوانه ق66/ 1-2 ص136 وشرح شواهد المغني 307 والعيني على هامش الخزانة 4/ 489 والدرر اللوامع 1/ 210 وقال عنهما البغدادي في خزانة الأدب 1/ 575: "وهما من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يُعرف لها قائل". ونقل العيني عن الموعب أنهما "للعباس بن مرداس الصحابي، والله أعلم ... وكذا رأيته أنا في شرح ابن يسعون على شواهد الإيضاح لأبي علي الفارسي، منسوبا إلى العباس بن مرداس".

121- وحنظلا "رجز" 1/ 342: البيت لغيلان بن حريث الربعي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 9 ومجالس ثعلب 1/ 254 ولسان العرب "وسط" 9/ 308. 122- من علا "رجز" 2/ 123: هو لغيلان بن حريث الربعي، في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 277 ولسان العرب "نوش" 8/ 255 وقال في خزانة الأدب 4/ 126: "وهذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يُعلم قائلها، والله أعلم. وأنشده صاحب الصحاح في نوش وفي علا. وقال ابن بري في حاشيته عليه: هذا الرجز لغيلان بن حريث الربعي". كما يُنسب إلى أبي النجم في مادة "علا" من الصحاح 6/ 2435 ولسان العرب 19/ 316 وقال عنه في الاقتضاب 427: "لا أعلم لمن هذا الرجز"! 123- مجهل "طويل" 2/ 310: هو لمزاحم بن الحارث العقيلي في ديوانه ق1/ 75 ص11 والمعاني الكبير 1/ 317 وأدب الكاتب 535 والاقتضاب 428 وخزانة الأدب 4/ 253 والعيني على هامش الخزانة 3/ 301 ولسان العرب "صلل" 13/ 406 "علا" 19/ 321 وجمهرة اللغة 3/ 491 والصحاح "علا" 6/ 2438 والدرر اللوامع 2/ 37. 124- لعاقل "طويل" 1/ 155: هو لعبد مناف بن ربع الهذلي في ديوان الهذليين بشرح السكري 2/ 686 وشرح أبيات الكتاب 1/ 130 ومعجم البلدان 3/ 877. 125- الأنامل "طويل" 2/ 37: هو للفرزدق في ديوانه ص611 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 231 وهو بلا نسبة في كتاب ما بنته العرب على فَعَالِ للصاغاني ص8. 126- سبيل "طويل" 1/ 282: هو للأخضر بن هبرة الضبي في

شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 599 وفرحة الأديب 130 ولسان العرب "ضفط" 9/ 218 ويُنسب إلى الأعشى كذلك في ملحق ديوانه رقم 186 ص253. 127- أوقال "بسيط" 1/ 369: لم يُنسب في الكتاب، ونسبه الشنتمري إلى رجل من كنانة، وهو لأبي قيس بن رفاعة من الأنصار، في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 180 ولأبي قيس بن الأسلت في خزانة الأدب 2/ 46 والدرر اللوامع 1/ 189 وفي شرح شواهد المغني 156: "هو لأبي قيس بن رفاعة من الأنصار، كذا في شرح أبيات الكتاب للزمخشري". وفي خزانة الأدب 2/ 49 ما يلي: "البيت الشاهد كونه لابن الأسلت هو ما ذكره أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات، وهو في معرفة الأشعار أديب غير منازع فيها. وقد نسبه الزمخشري في الأحاجي إلى الشماخ، وقد راجعت ديوانه فلم أجده فيه، ونسبه بعض شراح سيبويه إلى رجل من كنانة، ونسبه بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل تبعا للزمخشري في شرح أبيات الكتاب إلى أبي قيس بن رفاعة الأنصاري. أقول: لم يوجد في كتب الصحابة من يقال له أبو قيس بن رفاعة، وإنما الموجود قيس بن رفاعة". 128- الطحال "وافر" 1/ 150: في فرحة الأديب 94: "لا أعرف هذا البيت على هذا الإنشاد، وأعرف "مكان الكليتين من الطحال" في أبيات لشعبة بن قمير المازني، ولعل هذا ذاك فغير. وأبيات شعبة ... " ثم ساق خمسة أبيات منها: وأنا سوف نجعل موليينا ... مكان الكليتين من الطحال وصدره في إنشاد سيبويه له: فكونوا أنتم وبني أبيكم

129- وبال "وافر" 1/ 214: نسب في الكتاب إلى رجل من باهلة، ولم ينسبه الشنتمري. وهو لابن ميادة في شرح أبيات الكتاب 1/ 603 وشرح شواهد المغني 262. 130- رجال "وافر" 2/ 196: لم يورده الشنتمري. وهو للقحيف العقيلي مع آخر في كتاب الأمثال لمؤرج السدوسي ص49. 131- بالمطالي "وافر" 2/ 322: وهو لزبان بن سيار الفزاري في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 412 ومعجم البلدان 2/ 133 وفرحة الأديب 153 وفي لسان العرب "جنف" 10/ 378 لزياد بن سيار الفزاري! وقال في الاقتضاب 471: "لا أعلم قائل هذا البيت"! ويُنسب البيت إلى ابن مقبل في معجم ما استعجم 2/ 398 وعنه في ملحق ديوانه ص392. 132- المقيل "وافر" 1/ 60-1/ 97: هو للمرار بن المنقذ التميمي في العيني على هامش الخزانة 3/ 499. 133- جعال "كامل" 2/ 274: البيت لحاجب بن حبيب بن خالد الأسدي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 373 وذكر البغدادي في شرح شواهد الشافية 4/ 187 أن ابن عصفور نسب هذا البيت إلى لبيد العامري! 134- ذبال "كامل" 2/ 365: هو لابن مقبل في ديوانه ق33/ 13 ص257 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 419. 135- وأظلل "رجز" 2/ 161: البيت للعجاج في ديوانه "أهلورت" ق29 / 88 ص47 "ليس في نشرة الدكتور عزة حسن - بيروت 1971 م" واللسان "ظلل" 13/ 446 "ملل" 14/ 153 والخصائص

1/ 161 ونوادر أبي زيد 44 والصناعتين 150 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 310 ويُنسب إلى أبي النجم العجلي في شرح شواهد الشافية 4/ 491 وليس في لاميته في الطرائف الأدبية 57-71. 136- التدلدل/ حنظل "رجز" 2/ 177= 2/ 202: نُسبا في الكتاب في الموضع الثاني إلى بعض السعديين، ونُسبا إلى خطام المجاشعي أو جندل بن المثني أو سلمى الهذلية في خزانة الأدب 3/ 314 وزاد في الخزانة 3/ 367 أنهما ينسبان إلى دكين أو شماء الهذلية، وينسبان في الدرر اللوامع 1/ 209 إلى خطام أو جندل أو أسماء أو شماء، وإلى أعرابي في شرح الحماسة للمرزوقي 4/ 1874 وإلى جندل أو دكين في فصيح ثعلب 85 وإلى خطام المجاشعي في فرحة الأديب 158 والتنبيهات على أغاليط الرواة 291 وشرح التصريح 2/ 270. 137- عيهل "رجز" 2/ 282: في الكتاب والشنتمري أنه لرجل من بني أسد، وهو لمنظور بن مرثد الأسدي في لاميته رقم 24 ونوادر أبي زيد 53 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 376 وشرح شواهد الشافية 4/ 250 وتهذيب الألفاظ 412 وخزانة الأدب 2/ 551 ومادة "عهل" من اللسان "13/ 509 وتاج العروس 8/ 40 وأراجيز العرب 158. 138- بالهزل "طويل" 2/ 182: نسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 243 إلى عمرو بن شأس الأسدي. 139- وجعل/ العضل "رجز" 1/ 226: نسبهما ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 10 إلى الحذلمي! 140- المصمم "طويل" 1/ 366: هو لضرار بن الأزور المالكي الصحابي في خزانة الأدب 2/ 5 والعيني على هامش الخزانة

3/ 109 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 128 وفرحة الأديب 113 وينسب في قصيدة مفتوحة الروي إلى الحصين بن الحمام المري في المفضليات ق12/ 10 ص106 وانظر كذلك: خزانة الأدب 2/ 7. 141- تقدموا "طويل" 2/ 302: هو لضرار بن الأزور المالكي الصحابي، من قصيدة الشاهد السابق في خزانة الأدب 2/ 5 وفرحة الأديب 114 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 343. 142- هضوم "وافر" 1/ 295: قال عنه عبد السلام هارون في هامش تحقيقه للكتاب 2/ 166: "البيت من الخمسين التي لم يُعرف لها قائل، ولم أجده في مرجع آخر"! وهو في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 575 وفرحة الأديب 188 للأشهب بن رميلة في ثمانية أبيات. 143- القديم "وافر" 1/ 421: نسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 152 إلى البرج بن مسهر. وله قطعة على الوزن والقافية، ليس فيها البيت في الحماسة بشرح المرزوقي 1272 والمؤتلف والمختلف للآمدي ص80. 144- لئيم وافر 1/ 478: هو للمرار بن سعيد الأسدي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 63. 145- المغنم "كامل" 2/ 38: هو للمقعد بن عمرو في ما بنته العرب على فَعَالِ للصاغاني ص79 وفي اللسان "حلق" 11/ 352: "قال ابن بري: البيت للأخزم بن قارب الطائي، وقيل: هو للمقعد بن عمرو" ومثله في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 264 ونسبه في فرحه الأديب 142 للأخزم السنبسي. 146- سناهما "طويل" 1/ 474: هو للشمردل بن شريك اليربوعي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 141.

147- ظلاما "وافر" 1/ 402: هو لسمير الضبي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 183 ولشمير بن الحارث الضبي في نوادر أبي زيد 123 والحيوان للجاحظ 4/ 482، 6/ 197 وخزانة الأدب 3/ 2 ولشمر في الدرر اللوامع 2/ 218 والحماسة البصرية 2/ 246 والعيني على هامش الخزانة 4/ 498 واللسان "حسد" 4/ 126 "أنس" 7/ 308 وشرح ابن يعيش 4/ 16 ولشمر أو الفرزدق أو تأبط شرا في شرح شواهد الكشاف 260. 148- مداما "وافر" 1/ 460: يُنسب إلى الأعشى في لسان العرب "سلم" 15/ 184 وخزانة الأدب 3/ 136 ومن العجيب أن يقول البغدادي بعد ذلك 3/ 137: والبيت الشاهد لم أره منسوبا إلى الأعشى إلا في كتاب سيبويه: وفي غيره غير منسوب إلى أحد والله أعلم". وفي الدرر اللوامع 2/ 63: "ولم أعثر على قائل هذا البيت"! وهو في ملحق ديوان الأعشى رقم 200 ص252 149- يعلما معمما "رجز" 2/ 152: نسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 266 إلى الدبيري. وقال العيني على هامش الخزانة 4/ 80: "أقول: قائله هو أبو حيان الفقعسي، كذا قاله ابن هشام الحنبلي، وقال ابن هشام اللخمي: قائله مساور العبسي، ويقال: العجاج والد رؤبة. وقال السيرافي: قائله الدبيري. وقال الصاغاني: قائله عبد بني عبس" وانظر كذلك في الخلاف حول نسبته: خزانة الأدب 4/ 569 والدرر اللوامع 2/ 98. 150- وأسهم "طويل" 2/ 84: نسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 268 إلى يزيد بن عبد المدان. وله ثلاث أبيات غيره على الوزن والقافية في حماسة البحتري 269.

151- المنظم "طويل" 2/ 186: هو ليزيد بن عبد المدان في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 268 واللسان "عين" 17/ 175 152- براسم "بالبهائم طويل 1/ 288: نسبهما ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 1/ 530 إلى عبد الرحمن بن جهيم أحد بني الحارث بن سعد من بني أسد. وانظر: خزانة الأدب 1/ 313. 153- ذي سلم "بسيط" 1/ 163: هو للأحوص الأنصاري في ديوانه ق152/ 2 ص199 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 275 وخزانة الأدب 1/ 232 وأمالي ابن الشجري 1/ 349. 154- بالوذم "بسيط" 2/ 78: البيت لساعدة بن جؤية الهذلي في ديوان الهذليين ص1134 والمعاني الكبير 2/ 993 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 229. 155- تيتم/ وميسم "رجز" 1/ 375: نسبهما ابن يعيش 3/ 59، 3/ 61 إلى أبي الأسود الحماني، وأخذ عنه هذه النسبة العيني على هامش الخزانة 4/ 71 كما ينسبان إلى حكيم بن معية في خزانة الأدب 2/ 311 وتهذيب الألفاظ 207 وله أو لحميد الأرقط في الدرر اللوامع 2/ 151. 156- قوم/ العوم "رجز" 2/ 297: هما لأبي نخيلة في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 398 وشرح شواهد الشافية 4/ 225. 157- اليمي "رجز" 2/ 379: هو لأبي الأخزر الحماني في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 427 ولسان العرب "كرم" 15/ 416 والاقتضاب 469. 158- متماين "طويل" 1/ 124: نسبه سيبويه والشنتمري إلى

الهذلي، وهو لمالك بن خالد الخناعي الهذلي في ديوان الهذليين بشرح السكري 1/ 447 ويقال إن القصيدة للمعطل الهذلي، وهو لمالك أيضا في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 100. 159- أنانا "وافر" 1/ 171: هو للمغيرة بن حبناء في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 204 ولسان العرب "أنن" 16/ 168. 160- وألومُهُنَّهْ/ إنه "مجزوء الكامل" 1/ 475= 2/ 279: هما لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ق28/ 1-2 ص66 وخزانة الأدب 4/ 487 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 375 وشرح شواهد المغني 47. 161- إيانا/ حسانا "هزج" 1/ 271= 1/ 383: نُسبا في سيبويه والشنتمري في الموضع الثاني إلى بعض اللصوص. وهما لذي الإصبع العدواني في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 179 وخزانة الأدب 2/ 407 وتهذيب الألفاظ 210 وشرح ابن يعيش 3/ 102 وأمالي ابن الشجري 1/ 39 واللسان "أيا" 20/ 323 وينسب الأولى إلى أبي بجيلة في الخصائص 2/ 194. 162- بالأبينا "متقارب" 2/ 101: هو لزياد بن واصل السلمي في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 284 وخزانة 2/ 276 وفرحة الأديب 212. 163- تحوونه/ وتنتجونه "رجز" 1/ 65: هو لقيس بن حصين بن يزيد الحارثي في خزانة الأدب 1/ 198 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 119 والعيني على هامش الخزانة 1/ 530 وقال في فرحة الأديب 164: "قائل هذا البيت رجل من بني ضبة، قاله يوم الكلاب الثاني"!

164- أمين "طويل" 1/ 271: هو لعبد الله بن همام في حماسة البحتري 278 ومحاضرات الأدباء 1/ 78 وبلا نسبة في الأساس 2/ 165. 165- أبوان "طويل" 1/ 341= 2/ 258: نسب في سيبويه والشنتمري إلى رجل من أزد السراة، وهو لعمرو الجنبي في خزانة الأدب 1/ 397 والعيني على هامش الخزانة 3/ 354 وشرح شواهد الشافية 4/ 23 وشرح شواهد المغني 136 والدرر اللوامع 1/ 31، 2/ 18. 166- نَبِّئيني "وافر" 1/ 405: نسبه السيوطي في شرح شواهد المغني 69 إلى المثقب العبدي كما نسبه في اللسان "أبي" 18/ 12 إلى أبي حية النميري، ونسبه العيني على هامش الخزانة 1/ 488 إلى سحيم بن وثيل الرياحي. وقال صاحب خزانة الأدب 2/ 556 فيه ما يلي: "والبيت من أبيات سيبويه الخمسين، التي ما عُرف قائلها والله أعلم به. وزعم العيني وتبعه السيوطي في شرح شواهد المغني أنه من قصيدة للمثقب العبدي ... وهذا لا أصل له، وإن كان الروي والوزن شيئا واحدا، فإن قصيدة المثقب العبدي قد رواها جماعة منهم المفضل الضبي في المفضليات، ومنهم أبو علي القالي في أماليه وفي ذيل أماليه، ولم يوجد البيت فيها، ولم يعزه إليه أحد من خدمة كتاب سيبويه، وهم أدرى بهذه الأمور والله أعلم". وهو في ديوان المثقب العبدي "بتحقيق الصيرفي" ق5/ 47 ص213 كما يروى للمزرد بن ضرار الغطفاني في ديوانه ق16/ 2 ص68 وقال في الدرر اللوامع 1/ 60: "والبيت لم يُعرف قائله، ونسبته إلى المثقب العبدي غير صحيحة". 167 - يعنيني "كامل" 1/ 416: نسب في سيبويه والشنتمري إلى رجل مولد من بني سلول، وكذلك في خزانة الأدب 1/ 173 وشرح شواهد

المغني 107 والعيني على هامش الخزانة 4/ 58 وشرح شواهد الكشاف 307 والدرر اللوامع 1/ 4 وهو لشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ق38/ 3 ص137 ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري 271. 168- الجَعْدِين/ مَنَاتِين "رجز" 2/ 204: هما لضب بن نعرة في اللسان "نتن" 17/ 316. 169- أرانيها "بسيط" 1/ 344: نسبه في سيبويه والشنتمري إلى رجل من بني يشكر. وهو لأبي كاهل اليشكري في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 560 ولسان العرب "رنب" 1/ 418 "تمر" 5/ 161 "شرر" 6/ 69 "وخز" 7/ 265 وجمهرة اللغة 2/ 13، 3/ 423 وتهذيب الألفاظ 606 وشرح شواهد الشافية 4/ 444 وقد خلط العيني على هامش الخزانة 4/ 583 فنسبه إلى أبي كاهل النمر بن تولب اليشكري، وتابعه الشنقيطي في الدرر اللوامع 1/ 157 وقد نبه على هذا الخطأ البغدادي في شرح شواهد الشافية 4/ 446 فقال: "وأنشده صاحب الصحاح في ثلاثة مواضع: وفي هامشه: قيل هو لأبي كاهل، وقيل للنمر بن تولب اليشكري، وجمع بينهما العيني، فقال: هو أبو كاهل النمر بن تولب اليشكري. وهذا غير جيد منه". 170- فواديها "بسيط" 2/ 55: في الكتاب والشنتمري صدره لبعض السعديين. والبيت للحطيئة في ديوانه ق44/ 1 ص201 وشرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/ 319 وبلا نسبة في شرح شواهد الشافية 4/ 410 واللسان "ثفا" 18/ 122. 171- أصباه "كامل" 1/ 39: في الكتاب والشنتمري لرجل من باهلة. وهو في شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 1/ 258 منسوب لوعلة الجرمي.

172- "ومتاليا "طويل" 2/ 200: هو للراعي النميري في شرح المفصل لابن يعيش 5/ 76 ومعجم البلدان 4/ 815 وليس في ديوانه. 173- يُعَيْلِيا/ مُقْلَوْلِيا "رجز" 2/ 59: نسبا إلى الفرزدق في الدرر اللوامع 1/ 11 وكذلك نسبهما إليه الشيخ النجار في هامش الخصائص 1/ 6 وليسا في ديوانه. 174- جُلْذِيَّا/ حَيَّا/ هَيَّا "رجز" 1/ 27-28: الأبيات لابن ميادة في اللسان "جلذ" 5/ 13 وشرح المفصل لابن يعيش 4/ 33 وخزانة الأدب 4/ 59. 175- السُّرَى/ مُبْتَلَى "رجز" 1/ 162: نسبهما ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 1/ 317 إلى الملبد بن حرملة من بني ربيعة بن ذهل بن شيبان: وقال في فرحة الأديب 179 "ليس بيت الكتاب للملبد بن حرملة الشيباني، إنما سئل أبو عبيدة عن قائله فقال: هو لبعض السواقين"! 176- فا/ تا "رجز" 2/ 62: نسبهما ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب 2/ 321 إلى نعيم بن أوس من ربيعة بن مالك. وهما للقيم بن أوس في نوادر أبي زيد 126 وشرح شواهد الشافية 4/ 262 واللسان "معي" 20/ 157 وفي العمدة 1/ 213 عن نوادر أبي زيد أن القائل "نعيم بن أوس" يخاطب امرأته. فلعل أحد الاسمين تحريف عن الآخر. وينسب الرجز إلى حكيم بن معية التميمي في المحكم لابن سيده 2/ 193 واللسان "معي" 20/ 157.

ثانيا: المواضع التي نُسب فيها الشعر إلى رجل من إحدى القبائل العربية: 1- أرزبا/ حبا "رجز" 2/ 64: في الكتاب والشنتمري لرجل من بني طهية. 2- اعتمرا "بسيط" 1/ 12: في الكتاب والشنتمري لرجل من باهلة. 3- وفرضا/ عرضا "رجز" 1/ 82: في الكتاب والشنتمري لرجل من عمان. 4- نوافله "طويل" 1/ 90: في الكتاب والشنتمري لرجل من بني عامر. 5- يحفِلُوا/ يفعلوا "مجزوء الكامل" 1/ 446: في الكتاب والشنتمري لبعض بني أسد. 6- يعتمل/ يتكل "رجز" 1/ 443: في الكتاب والشنتمري لأحد الأعراب. 7- ظالم "طويل" 1/ 436: في الكتاب والشنتمري لرجل من بني أسد. 8- رزاما "الهاما "رجز" 1/ 287: في الكتاب والشنتمري لرجل من بني أسد. 9- الكلام "وافر" 1/ 396: في الكتاب والشنتمري لرجل من عبس. 10- المبهم "رجز" 1/ 95: في الكتاب والشنتمري لرجل من ضبة.

ثالثا: المواضع التي لم يُنسب فيها الشعر مطلقا. وسنذكر الشواهد هنا كاملة، لعل القارئ ينظر فيها، ويتذكر أنه رأى بعضها هنا أو هناك، منسوبا إلى شاعر أو إلى آخر، فيضيفها إلى ما عرفت نسبته من شواهد الكتاب [وما وضعته من الأرقام بين معقوفين هو للأبيات التي ذكر البغدادي أنها من الخمسين] . [1-] من لد شولا فإلى إتلائها "رجز" 1/ 134. 2- وما عرني حوز الرزامي محصنا ... عواشيها بالجو وهو خصيب "طويل" 1/ 254. [3-] هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب "بسيط" 1/ 437. [4-] فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب "بسيط" 1/ 392. 5- كأنها من حجار الغيل ألبسها ... مضارب الماء لون الطحلب اللزب "بسيط" 2/ 178. 6- يالقوم لفرقة الأحباب ... .... ......... ........ "خفيف" 1/ 320. 7- قد علمت ذاك بنات ألبب "رجز" 2/ 61، 2/ 403. 8- تحلب منها ستة الأواطب "رجز" 2/ 200. 9- عجبت من ليلاك وانتيابها ... من حيث زارتني ولم أورا بها "رجز" 2/ 165.

10- بأعين منها مليحات النقب ... شكل التجار وحلال المكتسب "رجز" 1/ 250. 11- وأي فتى هيجاء أنت وجارها ... إذا ما رجال بالرجال استقلت "طويل" 1/ 244، 1/ 305. 12- أفي الولائم أولاد لواحدة ... وفي العبادة أولادا لعلات "بسيط" 1/ 172. 13- لقد علمت أي حين عقبتي "رجز" 1/ 122. 14- ولم أجد بالمصر من حاجاتي ... غير عفاريت عفرنيات "رجز" 2/ 116. 15- خالي عويف وأبو علج ... المطعمان الشحم بالعشج وبالغداة فلق البرنج "رجز" 2/ 288. 16- إذا لقي الأعداء كان خلاتهم ... وكلب على الأدنين والجار نابح "طويل" 1/ 251. [17-] يا لقوم من للعلي والمساعي ... يا لقوم من للندى والسماح يا لعطافنا وبالرياح وأبي ... الحشرج الفتى النفاح "خفيف" 1/ 319. [18-] ثلاث كلهن عمدا ... فأخزى الله رابعة تعود "وافر" 1/ 144. 19- إذا ما الخبز تأدمه بلحم ... فذاك أمانة الله الثريد "وافر" 1/ 434= 2/ 144.

20- وبالجسم مني بينا لو علمته ... شحوب وإن تستشهدي العين تشهد "طويل" 1/ 276. 21- فلولا رجاء النصر منك ورهبة ... عقابك قد صاروا لنا كالموارد "طويل" 1/ 97. 22- أليس أكرم خلق الله قد علموا ... عند الحفاظ بني عمرو بن حنجود "بسيط" 1/ 235. 23- علم القبائل من معد وغيرها ... أن الجواد محمد بن عطارد "كامل" 2/ 27. 25- كل غراء إذا ما برزت ... ترهب العين عليها والحسد "رمل" 2/ 167. 26- يا هند هند بين خلب وكبد "رجز" 1/ 329. 27- وأنت امرؤ من خير قومك فيهم ... وأنت سواهم في معد مخير "طويل" 2/ 27. 28- عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم ... يقول الخنا أو تعتريك زنابره "طويل" 1/ 158. 29- وكنت هناك أنت كريم قيس ... فما القيسي بعدك والفخار "وافر" 1/ 151. 30- والرأس من ثغامة الدواسر "رجز" 2/ 320.

31- أنعت أعيارا رعين الخنزرا ... أنعتهن آيرا وكمرا "رجز" 2/ 185. 32- يقوم تارات ويمشي تيرا "رجز" 2/ 188". 33- قد أرسلت في عيرها الكمري "رجز" 2/ 323". 34- يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار "بسيط" 1/ 320. 35- سماع الله والعلماء أني ... أعوذ بحقو خالك يابن عمرو "وافر" 1/ 170. 36- آبك أيه بي أو مصدر ... من حمر الجلة جأب حشور "رجز" 1/ 391. 37- كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحي مر عقاب كاسر "رجز" 2/ 413. 38- يا سارق الليلة أهل الدار "رجز" 1/ 89= 1/ 90= 1/ 99. 39- قد جعلت مي على الظرار ... خمس بنان قانيء الأظفار1 "رجز" 2 1 177، 2/ 202. 40- لست بليلى ولكني نهر ... لا أدلج الليل ولكن أبتكر "رجز" 2/ 91.

_ 1 نسبا خطأ إلى ابن أحمر في شرح العكبري على المتنبي 3/ 216 وهو تحريف لما في سيبويه من قوله: "وقال الآخر"!

41- مثل الكلاب تهر عند درابها ... ورمت لهازمها من الخزباز "كامل" 2/ 51. 42- فأصبحت بقرقري كوانسا ... فلا تلمه أن ينام البائسا "رجز" 1/ 255". 43- لا مهل حتى تلحقي بعنس ... أهل الرياط البيض والقلنسي "رجز" 2/ 60. [44-] كلوا في بعض بطنكم تعفوا ... فإن زمانكم زمن خميص "وافر" 1/ 108. 45- قد رابني حفص فحرك حفصا "رجز" 2/ 300". 46- ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه ... وسائره باد إلى الشمس أجمع "طويل" 1/ 92 47- أرى ابن نزار قد جفاني وملني ... على هنوات كلها متتابع "طويل" 1/ 81 [48-] بكت جزعا واسترجعت ثم آذنت ... ركائبها أن لا إلينا رجوعها "طويل" 1/ 355 49- ضننت بنفسي حقبة ثم أصبحت ... لبنت عطاء بينها وجميعها ضبابية مرية حابسية ... منيفا بنعف الصيدلين وضيعها "طويل" 1/ 289. 50- فتى الناس لا يخفى عليهم مكانه ... وضرغامة إن هم بالحرب أوقعا طويل 1/ 251. 51- خليلي طيرا بالتفرق أوقعا ... .... .... ...... ..... ....... "طويل" 2/ 302.

[52-] إن على الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا "رجز" 1/ 78. 53- مناعها من إبل مناعها ... ألا ترى الموت لدى أرباعها "رجز" 1/ 123، 2/ 36. 54- ولم يرتفق والناس محتضرونه ... جميعا وأيدي المعتفين رواهقه1 "طويل" 1/ 96. 55- واعوج غصنك من لحو ومن قدم ... لا ينعم الغصن حتى ينعم الورق "بسيط" 2/ 227. 56- أهدموا بيتك لا أبا لكا ... وحسبوا أنك لا أخا لكا وأنا أمشي الدالي حوالكا "رجز" 1/ 176. [57-] دار لسعدي إذه من هواكا "رجز" 1/ 9". [58-] لقد ألب الواشون ألبا لبينهم ... فترب لأفواه الوشاة وجندل "طويل" 1/ 158. [59-] سري بعدما غار الثريا وبعدما كأن ... الثريا حلة الغور منخل "طويل 1/ 201. 60- متى ما يفد كسبا يكن كل كسبه ... له مطعم من صدر يوم ومأكل "طويل" 1/ 396.

_ 1 هو مصنوع. انظر: الكامل للمبرد 1/ 364.

61- .... ..... ..... ....... ... وقالوا اضرب الساقين إمك هابل1 "طويل" 2/ 272 [62-] فلا تلحني فيها فإن بحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلابله "طويل" 1/ 280. 63- أُلام على لو ولو كنت عالما ... بأذناب لو لم تفتني أوائله "طويل" 2/ 33 [64-] أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل "بسيط" 1/ 17 65- بيناه في دار صدق قد أقام بها ... حينا يعللنا وما نعلله "بسيط" 1/ 12 [66-] وهيج الحي من دار فظل لهم ... يوم كثير تناديه وحيهله "بسيط" 2/ 52. 67- مالك من شيخك إلا عمله ... إلا رسيمه وإلا رمله2 "رجز" 1/ 374 68- تظل الأرض كاسفة عليه ... كآبة أنها فقدت عقيلا "وافر" 1/ 477 69- إن لكل أصل البلاد وفرعها ... فالخير فيكم ثابتا مبذولا "كامل" 1/ 262. 70- سادوا البلاد وأصبحوا في آدم ... بلغوا بها بيض الوجوه فحولا "كامل" 2/ 28

_ 1 يرى محققو شرح الشافية للأستراباذي 2/ 262-263 أنه ليس شعرا! 2 اقتبس أولهما علي بن الجهم في شعر له في التشبيهات لابن أبي عون 125

71- يا ليتها كانت لأهلي إبلا ... أو هزلت من جدب عام أولا "رجز" 2/ 46" 72- يهوى بها مرا هوى التتفله "رجز" 2/ 348. 73- سيصبح فوقي أقتم الريش واقعا ... بقاليقلا أو من وراء دبيل "طويل" 2/ 54 [74-] ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخي الأجل "متقارب 1/ 99" 75- قد عرضت دوية ديموم "رجز" 2/ 325" 76- هم القائلون الخير والآمرونه ... إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما1 "طويل" 1/ 96 77- كافا وميمين وسينا طاسما "رجز" 2/ 31 78- هذا طريق يأزما المآزما ... وعضوات تقطع اللهازما "رجز" 2/ 81 79- يا أيها الناس ألا هلمه "رجز" 2/ 279. 80- بكل قريشي إذا ما لقيته ... سريع إلى داعي الندى والتكرم "طويل" 2/ 70

_ 1 هو مصنوع. انظر: الكامل للمبرد 1/ 364.

81- أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائرا ... فقد عرضت أخناء حق فخاصم "طويل" 1/ 303 [82-] وكنت أُرى زيدا كما قيل سيدا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم "طويل" 1/ 472. 83- أخذت بسجلهم فنفخت فيه ... محافظة لهن إخا الذمام "وافر" 1/ 97 84- يا نعم هل تحلف لا تدينها "رجز" 1/ 337. 85- هل تحلفن يا نعم لا تدينها "رجز" 2/ 152 86- مظاهرة نيا عتيقا وعوططا ... فقد أحكما خلقا لها متباينا "طويل" 2/ 377 87- مبرا من عيوب الناس كلهم ... فالله يرعى أبا حرب ويرعانا "بسيط" 1/ 380 88- ومعزى هدبا يعلو ... قران الأرض سودانا "هزج" 2/ 12. 89- قد شربت إلا دهيدهينا ... قليصات وأبيكرينا "رجز" 2/ 142. [90-] من أجلك يا التي تيمت قلبي ... وأنت بخيلة بالود عني "وافر" 1/ 310 91- حالت وحيل بها وغير آيها ... صرف البلى تجرى به الريحان ريح الجنوب مع الشمال وتارة ... رهم الربيع وصائب التهتان "كامل" 2/ 21.

[92-] ووجه مشرق النحر ... كأن ثدياه حقان "هزج" 1/ 281. [93-] حنت قلوصي حين لا حين محن "رجز" 1/ 358 94- لا يحمل الفارس إلا الملبون ... المخض من أمامه ومن دون "رجز" 2/ 47 95- إن عبيدا هي صئبان السه "رجز" 2/ 122 [96-] وقائلة خولان فانكح فتاتهم ... وأكرومة الحين خلو كما هيا "طويل" 1/ 70= 1/ 72 97- لا هيثم الليلة للمطي "رجز" 1/ 354 98- حتى تفضي عرقي الدلي "رجز" 2/ 56 99- متى أنام لا يؤرقني الكري ... ليلا ولا أسمع أجراس المطي "رجز" 1/ 450 رابعا: تكملات لبعض الشواهد الأخرى: 1- إن الغوي إذا نها لم يعتب "كامل" 2/ 291: يُنسب هذا العجز إلى طفيل الغنوي عند سيبويه والشنتمري، ولم نعثر عليه في ديوانه، وهو بلا نسبة في شرح ابن يعيش للمفصل 9/ 76 وقد روي البيت كاملا

في كتاب ما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز القيرواني 263 بلا نسبة. وصدره فيه: لزجرت قلبا لا يريع إلى الصبا والبيت بتمامه غير منسوب كذلك في تفسير الطبري 11/ 61. 2- أفبعد كندة تمدحن قبيلا "كامل" 2/ 151: نُسب في الكتاب لمقنع "؟ " ولم ينسبه الشنتمري. وقال عنه في خزانة الأدب 4/ 558: "وهذا الشعر من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يُعرف لها قائل، والله أعلم". والبيت في الحقيقة لامرئ القيس في ديوانه ق99/ 1 ص158 وصدره: قالت فطيمة خل شعرك مدحه وانظر: الدرر اللوامع 2/ 97.

الفصل الثاني: حاجة تراثنا اللغوي إلى التهذيب والتنقية

الفصل الثاني: حاجة تراثنا اللغوي إلى التهذيب والتنقية عُني اللغويون والنحاة العرب منذ أواخر القرن الأول الهجري، بدراسة الفصحى، وهي تلك اللغة الأدبية المشتركة بين مختلف القبائل العربية، تلك اللغة التي سجل بها الشعراء خواطرهم، ومظاهر الحياة من حولهم، كما استخدمها الخطباء في محافلهم وأسواقهم الأدبية، ثم توجها القرآن الكريم، فأنزله الله تعالى بأعلى ما تصبوا إليه هذه اللغة من مستوى. ومنذ ذلك الحين، ارتبطت هذه اللغة بالقرآن الكريم، واجتهد النحاة واللغويون في دراستها، وتحديد معالمها من نواحي الأصوات، والصيغ والأبنية، والدلالة، وتركيب الجملة، ووظيفة الكلمة في داخل هذا التركيب. وقد نشأت الدراسات اللغوية عند العرب، بين كثير من الدراسات التي قامت لخدمة الدين الإسلامي، ولغرض فهم القرآن الكريم، المصدر الأول للتشريع الإسلامي ودستور المسلمين، فقد أدت الحاجة إلى معرفة معاني الألفاظ الغريبة في القرآن الكريم إلى دراسة الشعر العربي، للاستشهاد به على تلك المعاني، فالسبب في الاشتغال بدراسة هذا الشعر في العصور الإسلامية الأولى، كان -فيما أعتقد- هو الحاجة إلى شرح الكلمات الصعبة من القرآن الكريم، وتفسيرها بالشواهد الشعرية. ومن المعروف أن القرآن الكريم، أنزل بلغة فصحى، تعلو عن مستوى العامة من العرب، ولذلك أخذ الناس في الصدر الأول من الإسلام، يسألون كبار الصحابة، عن تفسير آياته وغريب ألفاظه. وتحدثنا الروايات الإسلامية بأن الناس كانوا يسألون الصحابي المشهور "عبد الله بن عباس".

رضي الله تعالى عنهما، عن معنى ألفاظ معينة من القرآن الكريم، فيفسرها للناس، ويستشهد على تفسيرها بأبيات من الشعر العربي. وقد جمعت هذه الأسئلة وإجاباتها في كتاب مستقل، باسم: "سؤالات نافع بن الأزرق"، ونشرها الدكتور إبراهيم السامرائي، ببغداد سنة 1968م، كما ذكرها جلال الدين السيوطي، في النوع السادس والثلاثين من كتابه: "الإتقان في علوم القرآن"1. ويمكننا لذلك أن نعد تفسير ابن عباس للقرآن الكريم على هذا النحو، نواة للمعاجم العربية، فقد بدأت الدراسة في هذا الميدان من ميادين اللغة، بالبحث عن معاني الألفاظ الغربية في القرآن الكريم، ولذلك نجد التآليف الأولى في المعاجم، كانت تحمل اسم: "غريب القرآن". وأقدم مؤلف يحمل هذا الاسم، هو لأبي سعيد أبان بن تغلب بن رباح البكري، المتوفى سنة 141هـ2. وخلص اللغويون العرب من ذلك شيئا فشيئا، إلى دراسة ألفاظ الشعر، واستخراج معانيها، على غرار ما في كتاب "المعاني الكبير" لابن قتيبة الدينوري، المتوفى سنة 276هـ، كما ساح الرعيل الأول من اللغويين في الجزيرة العربية، يجمعون اللغة من أفواه العرب، فقد روي عن الكسائي المتوفى سنة 189هـ، أنه أنفد خمس عشرة قنينة حبر، في الكتابة عن العرب، سوى ما حفظ3.

_ 1 وانظر بعضها في الكامل للمبرد 3/ 222-228 وإيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري 76-98. 2 انظر: معجم الأدباء 1/ 108. 3 انظر: إنباه الرواة 2/ 258.

وتتردد في مؤلفات هؤلاء اللغويين العرب القدامي، أسماء كثير من البدو الفصحاء، الذين تلقوا اللغة عنهم، مثل: أبي تمام الأعرابي، وأبي ثروان العكلي، وأبي الجراح العقيلي، وأبي جميل الكلابي، وأبي حزام العكلي، وأبي شنبل الأعرابي، وأبي صاعد الكلابي، وأبي الغمر العقيلي، وأبي مرة الكلابي، وأبي مهدي الباهلي، وأبي مهدية الكلابي وغيرهم. بل لقد تلقوا اللغة أحيانا عن الأعرابيات، مثل: أم الحمارس البكرية، وغنية الكلابية، وقريبة الأسدية، وغيرهن. وانتشرت في تلك الفترة المبكرة، طريقة تأليف الرسائل اللغوية الصغيرة، ذات الموضوع الواحد. وممن بقي لنا شيء من تآليفهم على هذه الطريقة في تلك الفترة: الأصمعي المتوفى سنة 216هـ، فقد نشر له "أوجست هفنر" كتابي: "خلق الإنسان" و"الإبل" في ليبزج سنة 1905م، وكتاب "الخيل" في فينا سنة 1895م، وكتاب "الشاء" في فينا سنة 1896م. كما نشر له "رودلف جاير" كتاب "الوحوش" في فينا سنة 1887 م، ونشر له "موللر" كتاب "الفرق" في فينا سنة 1876م، و"لويس شيخو" كتاب: "النبات والشجر" في بيروت سنة 1914م. ومثل الأصمعي معاصره: أبو زيد الأنصاري المتوفى سنة 214هـ، الذي بقي لنا من مؤلفاته اللغوية، ذات الموضوع الواحد: كتاب "المطر" نشره "جوتهايل" في نيويورك سنة 1895م، ثم نشره "لويس شيخو" في بيروت سنة 1914م، وكتاب "اللبأ واللين" نشره "لويس شيخو" في بيروت سنة 1914م، و"كتاب النوادر في اللغة" نشره "سعيد الخوري الشرتوني"، في بيروت سنة 1894م.

ويطول بنا القول، لو تتبعنا ما وصل إلينا من مؤلفات لغوية، ذات موضوع واحد، لعلماء عاشوا في هذه الفترة، كابن الكلبي المتوفى سنة 204هـ، والفراء المتوفى سنة 207هـ، وأبي عبيدة معمر بن المثنى المتوفى سنة 210هـ، وابن الأعرابي المتوفى سنة 231هـ، وأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ، وابن السكيت المتوفى في سنة 244هـ. وقد عاش إلى جانب هؤلاء كذلك علماء آخرون، ألفوا معاجم شاملة للغة العربية، غير متخصصة في موضوع واحد، كالخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 175هـ، الذي ألف معجم "العين"، وقد طبع جزء صغير منه، بتحقيق الدكتور عبد الله درويش في بغداد سنة 1976م، ثم صدرت منه عدة أجزاء في بغداد منذ سنة 1980م بتحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي. وبعد الخليل بزمن يسير جاء أبو عمرو الشيباني المتوفى سنة 206هـ، وألف معجم "الجيم". وقد نشر هذا المعجم بعناية مجمع اللغة العربية بمصر سنة 1975م. وبعد هذه الفترة الأولى توقفت حركة جمع اللغة، واقتصر جهد اللاحقين من اللغويين، على تنظيم تلك المادة التي جمعها السابقون، وتبويبها طبقا لمناهج مختلفة، فنشأت عندنا ثلاثة أنواع من المعاجم العربية، أحدها: ينظم المادة على حسب المعاني والموضوعات، بجمع تلك الرسائل اللغوية المفردة -التي تحدثنا عنها من قبل- في مؤلف واحد، يضم أبوابا تشبه عناوينها عناوين الرسائل القديمة، ومن هذا النوع من المعاجم: "الألفاظ الكتابية" لعبد الرحمن بن عيسى الهمذاني المتوفى سنة 320هـ، وقد طبع عدة طبعات آخرها بتحقيق الدكتور البدراوي زهران سنة 1980م، ومعجم "متخير الألفاظ" لابن فارس اللغوي المتوفى سنة 395هـ نشره هلال ناجي

في بغداد سنة 1970م، وكتاب "التلخيص في معرفة أسماء الأشياء" لأبي هلال العسكري المتوفى بعد سنة 395هـ، نشره عزة حسن، بدمشق سنة 1969م، و"مبادئ اللغة" للخطيب الإسكافي المتوفى سنة 421هـ، نشر بالقاهرة سنة 1325هـ، و"فقه اللغة" لأبي منصور الثعالبي المتوفى سنة 429هـ طبع أكثر من مرة بالقاهرة وغيرها. وأهم كتب هذا النوع من المعاجم هو كتاب "المخصص في اللغة" لابن سيده الأندلسي المتوفى سنة 458هـ، وقد طبع في 17 سفرا بالقاهرة سنة 1316هـ. والنوع الثاني من المعاجم العربية، يرتب المادة اللغوية، على حسب مخارج الأصوات، وطريقة التقاليب، مثل تقليب مادة الضاد والراء والباء مثلا، على: ضرب - ضبر - ربض - بضر - برض، وغير ذلك. وقد سار على هذه الطريقة كتاب "العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي كان من الرعيل الأول من اللغويين العرب، وتابعه على ذلك كثيرون منهم: أبو منصور الأزهري المتوفى سنة 370هـ في كتابه: "تهذيب اللغة" الذي نشرته الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر، بتحقيق عبد السلام هارون وآخرين بالقاهرة سنة 1964-1967م، وكذلك ابن سيده الأندلسي، صاحب كتاب "المخصص" السابق، الذي ألف كتابا آخر على طريقة كتاب "العين"، وهو "المحكم والمحيط الأعظم" وقد نشر معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالقاهرة سبعة أجزاء منه حتى الآن. أما النوع الثالث من المعاجم، فإنه يرتب المادة اللغوية، على الترتيب الهجائي المعروف لنا، إما بحسب الأصل الأول للكلمة، كما فعل الزمخشري المتوفى سنة 538هـ في كتابه: "أساس البلاغة"، والفيومي المتوفى سنة

770هـ، في كتابه: "المصباح المنير". وإما بحسب الأصل الأخير للكلمة، مع مراعاة الأصل الأول أيضا. وقد كان المشهور عند الدارسين، أن مبتدع هذا الترتيب هو الجوهري المتوفى حوالي سنة 400هـ، بناء على ما ذكره هو في مقدمة معجمه: "تاج اللغة وصحاح العربية"، من قوله: "على ترتيب لم أسبق له، وتهذيب لم أغلب عليه"، غير أننا اكتشفنا حديثا، معجما أقدم منه، هو: "التقفية" لأبي بشر اليمان بن أبي اليمان البندنيجي المتوفى سنة 284هـ، وقد حققه تلميذي الدكتور خليل العطية، ونشره في بغداد سنة 1976م، وهو يسير على نظام القافية، أو الأصل الأخير من الكلمة. وأغلب الظن أن اللغويين اختاروا هذا النوع من الترتيب، حتى يساعدوا الشاعر على اختيار قافيته في شعره. وممن سار على هذا الترتيب كذلك: ابن منظور الإفريقي المصري المتوفى سنة 711هـ، في معجمه المشهور: "لسان العرب" الذي طبع في بولاق سنة 1300-1307هـ في عشرين جزءا، كما طبع في بيروت سنة 1955م، في خمسة عشر مجلدا. وكذلك مجد الدين الفيروزآبادي المتوفى سنة 817هـ في معجمه الذي طبقت شهرته الآفاق، وهو: "القاموس المحيط". وقد شرحه "الزبيدي" المتوفى سنة 1205هـ، في كتابه: "تاج العروس". هذا أحد جوانب تراثنا اللغوي في العربية، وهو جانب متن اللغة، أو "المعجم". ولا ينكر أحد ما بذله أسلافنا فيه، من الجهد الكبير، في البحث والتنقيب، والجمع والترتيب، غير أنه لم يخل من بعض العيوب التي نلخص أهمها فيما يلي: 1- مادة هذه المعاجم اللغوية، قد جمعها الرعيل الأول من

اللغويين، ثم توقفت حركة الجمع هذه بعد فترة، واقتصر جهد العلماء بعد ذلك، على تبويب هذه المادة وعرضها بطرق مختلفة، وبذلك أغفلوا ناحية مهمة، من نواحي الدراسات اللغوية، تلك هي ناحية التطور اللغوي، في نواحي: الأصوات، والبنية، والدلالة، والأسلوب، فلم يحاول مثلا أحد المؤلفين في المعاجم، في القرن الرابع أو الخامس الهجري مثلا، أن يبين لنا تطور معنى الكلمة التي جمعها من قبله أحد علماء القرن الثاني الهجري، وبعبارة أخرى: لم يبين لنا المعنى، الذي كان يفهم من الكلمة في عصره، كما أنه لم يبين لنا كيف كانت تنطق الكلمة في لغة التخاطب في عصره، وليس لدينا في هذا المجال سوى إشارات سريعة، فيما يسمى بكتب "لحن العامة". 2- قصور هذه المعاجم في الاستدلال على المعنى بالشواهد أحيانا، فهي رغم غناها بالشواهد، من القرآن الكريم، والحديث الشريف، والأمثال، والشعر، فيها الكثير من المواد التي تخلو من هذه الشواهد خلوا تاما، مما قد يشكك في صحه ورودها عن العرب، مثل المواد: كمثل، وكمتل، وكندش، وكندس، وغيرها. وهذه الناحية تستدرك الآن، بعمل معجم للغة العربية، يستمد ألفاظه من الشعر والنثر. وهذه المعجم بدأه المستشرق الألماني "أوجست فيشر" A. Fischer في المجمع اللغوي بالقاهرة، ويخرجه الآن نخبة من المستشرقين الألمان، وعلى رأسهم أستاذنا بروفسور "شبيتالر" A. Spitaler رئيس معهد اللغات السامية بجامعة ميونخ. 3- رغم أن شيئا من اللغات السامية، كان معروفا لدى بعض اللغويين العرب، فإنهم لم يفيدوا من هذه المعرفة، في مقارنة العربية بأخواتها.

الساميات، كالعبرية والآرامية والحبشية. ومن الممكن أن تفيد هذه المقارنات، في إلقاء الضوء على الدلالات المركزية والدلالات الهامشية، لهذه اللفظة أو تلك، والفصل في قضية التعريب والمولد والدخيل، وغيرها من المصطلحات التي تمتلئ بها معاجمنا العربية، دون تحديد واضح لتلك المصطلحات. 4- التضخم الذي نلحظه في المؤلفات المتأخرة، مثل: "لسان العرب" لابن منظور، و"تاج العروس" للزبيدي. والسر في ذلك يرجع -في نظري- إلى نقل المادة اللغوية الواحدة من أكثر من مصدر، فمثلا ينقل صاحب اللسان عن "تهذيب اللغة" للأزهري، و"المحكم" لابن سيده، و"الصحاح" للجوهري. وكل واحد من هذه المعاجم الثلاثة، استخدم بعض المصادر التي استخدمها الآخر، كالغريب المصنف لأبي عبيد، ولذلك تقابلنا مثلا عبارات هذا الكتاب الأخير في "لسان العرب" منقولة ثلاث مرات، عن المصادر الثلاثة المتقدمة. 5- تخلط هذه المعاجم كثيرا، بين مستوى العربية الفصحى واللهجات القديمة، في اللفظ والدلالة، بلا إشارة إلى ذلك في كثير من الأحيان، مثل: السراط، والصراط، والزراط، بمعنى: الطريق مثلا، وكذكرها لكلمة: "العجوز" مثلا، أكثر من سبعين معنى، من بينها: الإبرة والجوع، والسمن، والقبلة، واليد اليمنى. فمن المحال أن تكون هذه المعانى جميعها، مستعملة في الفصحى وحدها. 6- انتاب المادة اللغوية الكثير من التصحيف والتحريف، بسبب كثرة تعاور النساخ لها على مر العصور. وقد وقع اللغويون العرب، في وهم هذا التصحيف والتحريف في معاجمهم، كالتحريف الذي وقع فيه الجوهري

صاحب، "الصحاج" حين استشهد على أن "اللجز" مقلوب: "اللزج" ببيت ابن مقبل: يعلون بالمردقوش الورد ضاحية ... على سعابيب ماء الضالة اللجز ونسي أن هذا البيت من قصيدة نونية في ديوان ابن مقبل1 وصحة الروي فيه: "اللجن"! وهذا هو محمد بن المستنير المعروف بقطرب، والمتوفى سنة 206هـ، يجعل في كتابه عن "الأضداد" كلمة: "برد" بمعنى: "التبريد والتسخين، ويسوق على المعنى الثاني شاهدا، هو قول الشاعر: عافت الماء في الشتاء فقلنا ... برديه تصادفيه سخينا2 ولا شك أن هذا تحريف لعبارة: "بل رديه" من الورود لشرب الماء، قال أبو الطيب اللغوي في التعليق على هذا البيت: "قال قطرب: معنى برديه في هذا البيت: سخنيه. وقال أبو حاتم: هذا خطأ، إنما هو: بل رديه، من الورود، ولكنه أدغم الراء في اللام، كما يقرأ: كلا بل ران على قلوبهم. قال أبو الطيب: وهذا الصحيح، وبه يستقيم معنى البيت"3. ومثل ذلك أيضا، ما وقع فيه "الفيروزآبادي" صاحب: "القاموس المحيط" حين نقل في معجمه4، أن: السواق كسحاب القثاء، وداء يأخذ الإبل فتهلك. وما درى الفيروزآبادي أن هذا "القثاء" ليس إلا

_ 1 ديوان ابن مقبل 307. 2 أضداد قطرب 258. 3 أضداد أبي الطيب 1/ 86. 4 القاموس المحيط "سوف" 3/ 155.

تصحيفا لكلمة: "الفناء" وهو: الهلاك، الموجود في المعنى الثاني، الذي ذكره. 7- عدم المنهجية في ترتيب مفردات المادة الواحدة، فيتحتم على المرء في كثير من الأحيان، أن يقرأ المادة كلها، للعثور على بغيته، إذ يلزم أن تقرأ عشر صفحات، في مادة عرف، إذا كنت تبحث مثلا عن معنى كلمة: "معرفة الفرس" وما شابه ذلك. هذه هي أبرز العيوب في هذا القطاع اللغوي في العربية. وفي مقدورنا بالطبع التغلب على هذه العيوب، إذا أعدنا النظر مرة أخرى في معاجمنا اللغوية، فصفيناها من الحشور والتكرار، وفصلنا بين مستوى الفصحى واللهجات القديمة، في ألفاظها ومدلولاتها، ورتبنا كلمات المادة الواحدة ترتيبا منهجيا صارما، وأعدنا استقراء النصوص القديمة من جديد، لنخلص هذه المعاجم مما فيها من تحريف أو تصحيف، أو مواد هي من صنع اللغويين، ولم تجر بها ألسنة العرب القدماء. هذا، ويعمل مجمع اللغة العربية بالقاهرة، على إخراج معجم كبير للغة العربية، مستخدما المعاجم العربية، التي وصلت إلينا، إلى جانب كتب الأدب واللغة، ودواوين الشعراء. وقد اتبع في تأليفه منهجا صارما، تغلب فيه على شيء من العيوب السابقة. وقد خرج الجزء الأول من هذا "المعجم الكبير" خاصا بحرف الهمزة، وطبع بمطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة سنة 1970م، كما طبع الثاني الخاص بحرف الباء سنة 1981م، وهو جهد يتطلب الكثير من الوقت، وتعاون المتخصصين في هذا الميدان.

هذا هو جانب المعجم في تراثنا اللغوي ... فإذا جئنا إلى الدراسة الخاصة بنظام الجملة، ووظائف الكلمات في داخل الجمل، وجدنا تراثا ضخما تباهي به الأمة العربية سائر الأمم في هذا المضمار. وقد وصل إلينا أول كتاب في هذا المجال كاملا يبهر النفوس، ويستحوذ على القلوب، ويبعث على الإعجاب بعقلية مبدعه، وتفكير منشئه، وهو كتاب سيبويه النحوي البصري المشهور "المتوفى سنة 180هـ" وتوالت المؤلفات العربية في هذا الميدان بعد سيبويه، ومن أهم هذه المؤلفات: كتاب "المقتضب" لأبي العباس المبرد "المتوفى سنة 285هـ"، و"أصول النحو" لابن السراج "المتوفى سنة 316هـ"، و"الجمل" للزجاجي "المتوفى سنة 340هـ"، و"المفصل" للزمخشري "المتوفى سنة 538هـ"، و"الإنصاف" لأبي البركات ابن الأنباري "المتوفى سنة 577هـ" و"شرح المفصل" لابن يعيش "المتوفى سنة 643هـ"، و"الألفية" المشهورة، لابن مالك "المتوفى سنة 672هـ"، وكتب العلامة المصري "ابن هشام" "المتوفى سنة 761هـ" كشذور الذهب، وقطر الندى، وأوضح المسالك، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب، وشرح الأشموني "المتوفى سنة 872هـ " على ألفية ابن مالك، و"همع الهوامع" لجلال الدين السيوطي "المتوفى سنة 911هـ" وغير ذلك كثير كثير ... وإن من يتصفح هذه المؤلفات الكثيرة، يعجب من الجهد المبذول فيها حقا، غير أنه يضل وسط الآراء الجدلية النظرية، التي لا تفيد كثيرا في الدرس النحوي، والابتعاد عن الواقع اللغوي إلى الافتراض. وانظر معي إلى قول الزجاج مثلا: "والمازني يجيز في: يا أيها الرجلُ، النصب في الرجل. ولم يقل بهذا القول أحد من البصريين غيره، وهو قياس؛ لأن موضع المفرد.

المنادى نصب، فحملت صفته على موضعه، وهذا في غير يا أيها الرجل جائز عند جميع النحويين، نحو قولك: يا زيدُ الظريفُ والظريفَ. والنحويون لا يقولون إلا: يا أيها الرجلُ، ويا أيها الناسُ، والعرب لغتها في هذا الرفع ولم يرد عنها غيره"1. ففي هذا النص نجد المازني يبتدع لغة، لم تجر على لسان العرب، ويترك الواقع اللغوي، إلى افتراضات قياسية ما أنزل الله بها من سلطان، فإذا كان العرب قد قالوا: يا زيدُ الظريفَ، فلا مانع عند المازني أن تقول: يا أيها الرجلَ، وإن لم تقل بذلك العرب! وما صنيع المازني في هذا الزمن القديم، إلا كصنيع من يبتدع قياسا باطلا في لهجات الخطاب المعاصرة، ويدعيه على أصحاب هذه اللهجات، فيجيز أن تجمع كلمة: "تاج" على: "أتواج"، قياسا على جمع: مال على أموال، أو يعكس فيجيز أن تجمع كلمة: "مال" على: "ميلان"، قياسا على جمع: تاج على تيجان، وما أشبه ذلك مما لا يصح أن يدخل إلا في دائرة الأوهام والخيالات. وأنت واقع هنا وهناك في التراث النحوي، على كثير من التعليلات الواهية، التي لا يسندها قانون لغوي، أو قاعدة كلية تسري على مجموعة من اللغات البشرية، وتأمل معي قول الزجاج في تعليل إعراب المثنى من اسم الإشارة واسم الموصول: "فإن قال قائل: فما بالك تقول: أتاني اللذان في الدار، ورأيت اللذين في الدار، فتعرب كل ما لا يعرب، في تثنيته نحو: هذان، وهذين. وأنت لا تعرب. هذا ولا هؤلاء؟ فالجواب في ذلك أن جميع

_ 1 معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/ 64.

ما لا يعرب في الواحد مشبه بالحرف الذي جاء لمعنى، فإذا ثنيته فقد بطل شبه الحرف الذي جاء لمعنى؛ لأن حروف المعاني لا تثنى"1. وقد فات الزجاج أن الجمع يمكن أن يقال فيه، ما قاله هو في التثنية، من بطلان شبه الحرف الذي جاء لمعنى، فلماذا لم يُعرب إذن: اسم الموصول المجموع، مثل: "الذين" واسم الإشارة للجمع، مثل هؤلاء؟! وليست كل التفسيرات التي قدمها النحاة القدامي، للظواهر اللغوية في العربية، خطلا نحذر الناس منه، أو خطايا نستغفر الله للنحاة العرب من الوقوع في أدرانها، وإنما نحذر بعض شبابنا الباحثين، من الوقوع أسرى لبعض هذه التفسيرات الواهية، وندعوهم إلى إعمال العقل في المنقول عن هؤلاء النحاة، من مختلف التفسيرات للظواهر اللغوية. ولسنا في دعوتنا هذه نخرج كثيرا عن منهج كبار علمائنا القدامى، ورحم الله عبقري العربية، الخليل بن أحمد، حين سئل عن العلل التي يعتل بها في النحو، فقيل له: عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟ فقال: إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علله، وإن لم ينقل ذلك عنها، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه، فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست، وإن تكن هناك علة أخرى له، فمثلي في ذلك رجل حكيم، دخل دارا محكمة البناء، عظيمة النظم والأقسام، فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها، قال: إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا، ولسبب كذا وكذا، سنحت له وخطرت بباله، محتملة لذلك. فجائز أن يكون الحكيم الباني

_ 1 معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/ 34.

للدار، فعل ذلك للعلة، التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة ... فإن سنح لغيري علة لما عللته من النحو، هي أليق مما ذكرته بالمعلول فليأت بها"1. ومن الأمور التي تلفت النظر، في تراثنا النحوي الضخم، خلوه في بعض الأحيان من الاستقراء الكامل، لبعض صور الظاهرة الواحدة، من الظواهر النحوية. ويكفي أن نذكر هنا بما يقوله النحاة، منذ أيام سيبويه، من أن الاستثناء في الكلام التام غير الموجب المنقطع، كما في مثالهم المشهور: "ما قام القوم إلا حمارًا" يجب فيه نصب المستثى على لغة أهل الحجاز، وبها نزل قول الله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} . أما بنو تميم فإنهم يجيزون فيه الإتباع، كقول زياد بن حمل التميمي: ليست عليهم إذا يغدون أردية ... إلا جيادُ قسي النبع واللجم2 وليس النحاة على حق في هذا، فليس بنو تميم وحدهم في تجويز الإتباع هنا، فهذا جران العود النميري يقول: وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ3 كما يقول ضرار بن الأزور في يوم اليمامة: عشية لا تُغني الرماح مكانها ... ولا النبلُ إلا المشرفيُّ المصمم4

_ 1 الإيضاح في علل النحو للزجاجي 65. 2 انظر: الحماسة بشرح المرزوقي ق577/ 39 ص1402. 3 ديوانه ص52. 4 انظر: تاريخ الطبري 3/ 297.

وضرار شاعر من بني أسد1. ومثله قول الأخطل التغلبي: فرابية السكران قفر فمالهم ... بها شبحٌ الإ سلامٌ وحرملُ2 والسلام: الحجارة. والحرمل: شجر. ومثله قول سعد بن مالك بن ضبيعة، جد طرفة بن العبد البكري: والحرب لا يبقى لجا ... حمها التخيلُ والمراحُ إلا الفتى الصبارُ في ... النجدات والفرس الوقاح3 فهذه الأبيات -كما ترى- لشعراء من نمير، وأسد، وتغلب، وبكر، وغيرها كثير، يثبت أن استقراء النحاة العرب لهذه الظاهرة، كان استقراء ناقصا. ومن العجب قول المرزوقي في شرح هذين البيتين الأخيرين: "إلا الفتى: ارتفع على أنه بدل من التخيل وهذه لغة تميم! ". بل إنه ليلاحظ في هذا التراث النحوي، أن فيه متابعة تكاد تكون كاملة، لكثير مما جاء به سيبويه في كتابه، دون تمحيص أو تدقيق، على ما في بعض مسائله أحيانا من الخطأ المبني على تحريف في الرواية، أو تغيير في الشواهد العربية. وهذا مثال واحد، من أمثلة كثيرة، يدل على صدق ما نذهب إليه: يرى النحاة العرب، منذ أيام سيبويه، أن "كان" الناسخة" تحذف وحدها أحيانا، وذلك بعد أن المصدرية، في مثل قولك: "أما أنت منطلقا انطلقت"، وأصله -كما يقول النحاة- انطلقت لأن كنت منطلقا، ثم قدمت اللام، وما بعدها على: "انطلقت" للاختصاص، ثم حذفت اللام

_ 1 انظر: جمهرة الأنساب لابن حزم 193. 2 ديوان الأخطل ص2. 3 شرح المرزوقي للحماسة 2/ 501.

للاختصار، وحذفت "كان" لذلك، فانفصل الضمير، ثم زيدت "ما" للتعويض، ثم أدغمت النون في الميم للتقارب. هكذا يقول النحاة العرب، ويستشهدون على ذلك بقول العباس بن مرداس السلمي: أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع1 وقول الشاعر: أما أقمت وأما أنت مرتحلًا ... فالله يكلا ما تأتي وما تذر2 ويبدو أن هذه المسألة، مبنية على تحريف وقع في بيت العباس بن مرداس السلمي، وهو البيت الوحيد الصحيح النسبة، بين شاهدي هذه المسألة؛ لأن البيت الثاني يروى بلا نسبة، كما أنه يحتوي على عبارات إسلامية ظاهرة، مما يدل على أنه مصنوع بعد وضع القاعدة وعلى ضوئها. وهذا يعني أن المسألة لا وجود لها في اللغة العربية أصلا، وأن النحاة وعلى رأسهم سيبويه أو شيوخه، قد وقعوا في التحريف في بيت العباس بن مرداس، وقاسوا عليه أمثلتهم الأخرى، وأن صواب رواية البيت: أبا خراشة إمَّا كنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع هكذا: "إما كنت" بدلا من": "أما أنت" التي يزعم النحاة منذ أيام سيبويه أن البيت يروى بها. و"إمَّا" هذه هي: "إن" الشرطية المؤكدة بما الزائدة، وهي كثيرة في الكلام العربي، ويأتى بعدها المضارع، كقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} ، والماضي كقول الأبيرد الرياحي:

_ 1 كتاب سيبويه 1/ 148. 2 خزانة الأدب 2/ 82.

فلا يبعدنك الله إما تركتنا ... حميدا وأودى بعدك المجد والفخر1 ولعل الدليل على صحة ما نقول، أن بيت العباس بن مرداس، يروى كثيرا في غير كتب النحو "التي ينقل بعضها عن بعض"، بالرواية الصحيحة، وهي: "إما كنت" ويكفي أن تراجع ذلك في كتاب العين للخليل بن أحمد 1/ 331 وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري 2/ 110 وتهذيب الألفاظ لابن السكيت 26 وحماسة الخالدين 1/ 89 وجمهرة اللغة لابن دريد 1/ 302 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/ 43 ولسان العرب "خرش" 8/ 143 والاشتقاق لابن دريد 313 والشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 341 وشرح ديوان جرير لمحمد بن حبيب 1/ 349 والحيوان للجاحظ 5/ 24، 6/ 446 وغير ذلك. وهذا مثال ثان يؤكد ما قلنا، من ابتداع بعض النحاة العرب لشيء من القواعد، بناء على رواية مغيرة لهذا الشاهد أو ذاك من شواهد الشعر، يقول ابن قتيبة: "وقد رأيت سيبويه يذكر بيتا يحتج به، في نسق الاسم المنصوب على المخفوض، على المعنى لا على اللفظ، وهو قول الشاعر: معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبالِ ولا الحديدا قال: كأنه أراد: لسنا الجبالَ ولا الحديدا، فرد الحديد على المعنى قبل دخول الباء. وقد غلط على الشاعر؛ لأن هذا الشعر كله مخفوض، قال الشاعر: فهبها أمة ذهبت ضياعا ... يزيد أميرها وأبو يزيد أكلتم أرضنا وجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيد

_ 1 الكامل للمبرد 1/ 215.

ويحتج أيضا بقول الهذلي في كتابه، وهو قوله: يبيت على معاري فاخرات ... بهن ملوب كدم العباط وليست هاهنا ضرورة، فيحتاج الشاعر إلى أن يترك صرف "معار". ولو قال: "يبيت على معار فاخرات"، كان الشعر موزونا والإعراب صحيحا. قال أبو محمد: وهكذا قرأته على أصحاب الأصمعي. وكقوله في بيت آخر. ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح وكان الأصمعي ينكر هذا، ويقول: وما اضطره إليه؟ إنما الرواية: ليبك يزيد ضارع لخصومة"1. وقد أسهم النساخ والطباعون، في شيوع التصحيف والتحريف في كثير من شواهد النحو، ومسائله وقضاياه، وأصبح من الواجب علينا التدقيق في إخراج هذه الكتب محققة، على وجه تخلو فيه من مثل هذه التحريفات الشنيعة، التي تتداول بين الدارسين، في مشاهير الكتب النحوية، فقد استشهد ابن عقيل في شرحه لألفية ابن مالك، على جواز نصب المفعول لأجله، إذا كان محلى بالألف واللام، بقول قريط بن أنيف: فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارةَ فرسانا وركبانا والبيت على هذا الرواية، التي جاءت في كتاب ابن عقيل، ليس فيه شاهد على هذه المسألة؛ لأن "الإغارة" مفعول به، وليس مفعولا له. والذي في شعر قريط بن أنيف: "شدوا الإغارة". ويقول التبريزي في تفسيره: "ويُروى شنوا الإغارة أي فرقوها. ومن روى: شدوا الإغارة، فليس الإغارة

_ 1 الشعر والشعراء 1/ 98.

مفعولا به، ولا انتصابها على ذلك، لكن انتصابها انتصاب المفعول له، أي شدوا للإغارة"1. ويبدو أن ما في كتاب ابن عقيل، تحريف للرواية الأخرى: "شدوا"، وأن المراد: "شدوا الخيل للإغارة، وإن كان شراح شواهده، كالشيخ عبد المنعم الجرجاوي، والشيخ قطة العدوي، يريان حذف المفعول به هنا أيضا، فيقولان: "إن المعنى: شنوا أنفسهم لأجل الإغارة على العدو"، مع أن الذي في المعاجم: "شن الغارة" أي فرقها، ولم يقل: "شنوا أنفسهم" فيما وقفت عليه من نصوص العربية. أما كتب فقه اللغة العربية، من تراثنا اللغوي، فإنها حقا تبعث على الإعجاب والإكبار، إذ يظهر في شيء غير قليل من قضاياها، سبق علمائنا القدامى لأحدث النظريات اللغوية في العصر الحديث، بألف عام أو يزيد، وعلى رأس هذه الكتب: "الخصائص" و"سر صناعة الإعراب" للإمام ابن جني "المتوفى سنة 392هـ"، و"الصاحبي في فقه اللغة" لابن فارس اللغوي "المتوفى سنة 395هـ"، و"المزهر في علوم اللغة وأنواعها" للإمام السيوطي "المتوفى سنة 911هـ"، ففي هذه الكتب وغيرها علم كثير ونظريات لغوية، تقف شامخة أمام ما وصل إليه العلماء، في عصر التكنولوجيا الحديثة، والعقول الإلكترونية.

_ 1 انظر: شرح التبريزي لحماسة أبي تمام.

ولكنك تعجب حين ترى في بعضها اشتغال هؤلاء العلماء بشيء من التعليلات الواهية والجدل العقيم، واسمع معي إلى قول ابن جني، متسائلا: لماذا رفع الفاعل ونصب المفعول؟ ثم يجيب بقوله: "لأن الفعل لا يكون له أكثر من فاعل واحد، وقد يكون له مفعولات كثيرة، فرفع الفاعل لقلته، ونصب المفعول لكثرته، وذلك ليقل في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفون"1. كما يقول ابن جني في موضع آخر: "لماذا يكثر الأصل الثلاثي في اللغة العربية، دون الرباعي والخماسي؟ الجواب هو: لأنه حرف يبتدأ به، وحرف يحشى به، وحرف يوقف عليه، وليس اعتدال الثلاثي لقلة حروفه فحسب، لو كان كذلك لكان الثنائي أكثر منه؛ لأنه أقل حروفا، وليس الأمر كذلك، وأقل منه ما جاء على حرف واحد ... فتمكن الثلاثي إنما هو لقلة حروفه -لعمري- ولشيء آخر، وهو حجز الحشو الذي هو عينه بين فائه ولامه، وذلك لتباينهما، ولتعادي حاليهما، ألا ترى أن المبتدأ لا يكون إلا متحركا، وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكنا؟ فلما تنافرت حالاهما، وسطوا العين حاجزا بينهما، لئلا يفجئوا الحس بضد ما كان آخذا فيه"2. ويدلك على ما نقول كذلك، هذا الجدل العنيف، الذي يثيره ابن جني حول الحركة القصيرة، أهي قبل الحرف أو معه أو بعده؟ وبدلا من أن يلجأ إلى التجربة، أخذ يستخدم منطق أرسطو، في التدليل على أن الحركة القصيرة تقع بعد الحرف، مثلها في ذلك مثل حروف المد، وهي الألف

_ 1 الخصائص 1/ 69. 2 الخصائص 1/ 55.

والواو والياء، فيقول: "واعلم أن الحركة التي يتحملها الحرف، لا تخلو أن تكون في المرتبة قبله أو معه أو بعده، فمحال أن تكون الحركة في المرتبة قبل الحرف؛ إذ لو كانت كذلك لما جاز الإدغام في الكلام أصلا، ألا ترى أنك تقول: قطع، فتدغم الطاء الأولى في الثانية، ولو كانت حركة الطاء الثانية في الرتبة قبلها، لكانت حاجزة بين الطاء الأولى والطاء الثانية، ولو كان الأمر كذلك لما جاز إدغام الأولى في الثانية، فجواز الإدغام في الكلام دلالة على أن الحركة ليست قبل الحرف المتحرك بها.. وبقي أن تكون معه أو بعده، وفي الفرق بينهما بعض الإشكال، فالذي يدل على أن حركة الحرف في المرتبة بعده، أنك تجدها فاصلة بين المثلين، نحو قولك، قصص، ومضض، فإن ظهر هذان المثلان، ولم يدغم الأول منهما في الآخر منهما، فظهورهما دلالة على فصل واقع بينهما، وليس هاهنا فصل ألبتة، غير الحركة المتأخرة عن الحرف الأول"1. أما أبو علي الفارسي، فإنه لم يتصور إمكان استقلال الحركة بالنطق، ولم يستطع أن يفرق بين الصوت الصامت والحركة هذه التفرقة، فكان يرى أن الحركة تحدث مع الحرف، يقول ابن جني: "واستدل أبو علي على أن الحركة تحدث مع الحرف بأن النون الساكنة إذا تحركت، زالت عن الخياشيم إلى الفم، وكذلك الألف إذا تحركت انقلبت همزة، فدل ذلك عنده، على أن الحركة تحدث مع الحرف، وهو لعمري استدلال قوي"2.

_ 1 سر صناعة الإعراب 1/ 32. 2 سر صناعة الإعراب 1/ 37 ومع تحمس ابن جني لرأي أستاذه أبي علي الفارسي، ووصفه دليله بأنه "استدلال قوي"، فإنه لم يرتض هذا الرأي في كتابه الخصائص 2/ 324 ورد استدلاله هناك.

وقد فات أبا علي الفارسي، أن الذي يزول عن الخياشيم إلى الفم، هو الحركة وليست النون، وأن الذي يتحرك هو الهمزة، وليست ألف مد؛ لأن ألف المد حركة طويلة، والحركة لا تحرك! ولم تخل هذه الكتب كذلك من داء التصحيف والتحريف، الذي ابتليت به الكتابة العربية منذ القديم، فقد وقع في كتاب "المزهر" للسيوطي النص التالي: "قال ابن درستويه في شرح الفصيح: قول العامة نحوي لغوي، على وزن: جَهِلَ يَجْهَلُ، خطأ أو لغة رديئة"1. وفي هامشه تعليقا على عبارة: "نحوي لغوي" قال محققو المزهر: "لم نقف على ضبط هذه العبارة"! وهذا الذي لم يقف على ضبطه محققو المزهر، موجود على الصواب في تصحيح الفصيح لابن درستويه، وهو قوله: "فتقول: غَوِيَ يَغْوَى، على نحو جَهِلَ يَجْهَل"2. هذه هي بعض الملاحظات، التي لم يقصد كاتبها إلى الحصر والاستقصاء، وإنما هو تنبيه للأذهان، إلى أنه قد آن الأوان، لتنقية تراثنا اللغوي، من كل هذه الشوائب، التي تركت آثارها الجدرية، في وجه اللغة الحسناء، لغتنا الجميلة.

_ 1 المزهر 1/ 225. 2 تصحيح الفصيح 1/ 119.

الباب الرابع: في تاريخ العربية

الباب الرابع: في تاريخ العربية الفصل الأول: الفصحى وتحديات العصر منيت العربية الفصحى في العصر الحديث، بخصوم حاقدين وأعداء ألداء. وليست تلك الهجمة الضاربة الشرسة على الفصحى، إلا جزءا من الهجوم على الدين الإسلامي الحنيف، فقد فطن أعداء هذا الدين، إلى الارتباط الوثيق بينه وبين اللغة العربية الفصحى، وفي يقينهم أنهم إن أزالوها عن مكانتها الراسخة في القلوب منذ أربعة عشر قرنا. فقد أزالوا الحصن الأكبر من حصون هذا الدين الحنيف، فرموها بكل ما يملكون من أسهم ونبال، واتهموها وما زالوا يتهمون بالصعوبة والتعقيد، وأخذوا يشككون أهلها في قدرة لغتهم على مجاراة العصر، والاتساع للتعبير عن مستحدثات الحضارة، وبذلوا جهدهم في إحلال العامية محلها، بدعوى جمود الفصحى، وانتمائها إلى عصور بادت وانقرضت، وعدم صلاحيتها للحياة وسط هذا الخضم الهائل، من النظريات الفلسفية والاجتماعية والسياسية، التي يموج بها القرن العشرون. حتى خطها، الذي شرق وغرب، واستحسنته أمم غير عربية، فكتبت به لغاتها، لم يسلم هو أيضا من الطعن فيه، والادعاء بأنه هو سبب تأخر العرب، وبذل الجهود في محاولة تنحيته عن الساحة، وأن يستبدل به الخط اللاتيني، حتى إذا ضاعت اللغة، وضاع الخط العربي، فقد تهدمت آخر حصون الدين الإسلامي، وتحطمت أقوى قلاع هذا الشرع الشريف. وقد قاد هذه الحملة الشرسة أقوام من المستشرقين، وتعاون معهم ذيولهم في الوطن العربي، ممن يتسمون بأسماء عربية: سلامة موسى، وعبد العزيز فهمي، وأنيس فريحة، وسعيد عقل، وغيرهم، وما لهم من العروبة إلا

هذه الأسماء، أما قلوبهم وأما اتجاههم فإلى الغرب، ضد العربية وضد الدين. وقد ذهب منهم من ذهب إلى غير رجعة، ومنهم من لا يزال حيا، ينشر المقالات، ويرصد الجوائز والمكافآت لحرب الفصحى، وزعزعة أركان الدين الإسلامي. وفيما يلي تفنيد لدعاوي القوم، وكشف لزيفها وضلالها: أما الدعوى الأولى، فقد أثرت بعض التأثير في نفوس الشباب، الذي لم يتزود من الفصحى بالقدر الذي يحصنه ضدها؛ إذ يسود بين جمهرة المثقفين العرب شعور مدمر، بأن لغتنا الجميلة العربية الفصحى، لغة معقدة القواعد، صعبة التعلم، كثيرة الشذوذ في مسائلها وقضاياها، بحيث تجعل من استخدامها والتحدث بها، عبئا ثقيلا على أهلها. ولقد انتهز المغرضون هذه الفرصة، وأخذوا يصيدون في الماء العكر، ويدعون إلى استخدام العامية، وهجر الفصحى أو خلطها بالعامية. وهي دعوة حمل لواءها منذ فترة طويلة، المعادون للإسلام وأهله، فادعوا أن إعراب العربية الفصحى، أمر عسير التعلم؛ ليصرفوا المسلمين عن منبع دينهم وعماد شريعتهم ودستور حياتهم، وهو القرآن الكريم، الذي أنزله الله عز وجل بهذه العربية الفصحى. ولكيلا ينخدع شبابنا المثقف بهذه الأكذوبة الخداعة، أحب أن ألفت نظرهم إلى أن هذا الإعراب المعقد الصعب، لا تنفرد به العربية الفصحى وحدها، بل هناك لغات كثيرة، لا تزال تحيا بيننا، وفيها من ظواهر الإعراب المعقد ما يفوق إعراب العربية بكثير، فهذه هي اللغة الألمانية مثلا، تقسم أسماءها اعتباطا إلى مذكر ومؤنث، وجنس ثالث لا تعرفه العربية، وهو: "المحايد"، وتضع لكل واحد من هذه الأجناس الثلاثة، أربع حالات

إعرابية، هي حالات: الفاعلية والمفعولية والإضافة والقابلية، والحالة الأخيرة حالة لا تعرفها العربية، وهي إعراب المفعول الثاني، فهي من حالات المفعولية في العربية، وليست حالة خاصة فيها: تلك هي حالات الإعراب الاسم المفرد المعرف في الألمانية، والمفرد المنكر له أربع حالات أخرى، وكذلك الجمع المعرف والجمع المنكر. وبناء الجملة في اللغة الألمانية له نظام صارم، فالفعل يحتل فيها المرتبة الثانية دائما، إلا في الجمل الفرعية، كالجمل التعليلية مثلا، فإن الفعل يؤخر فيها إلى نهاية الجملة. وإن من يشكو من كثرة جموع التكسير في العربية، وغلبة الشذوذ على قواعد هذا الجمع فيها، سيحمد للعربية الاطراد النسبي في هذه القواعد، إذا درس اللغة الألمانية، ورأى كثرة صيغ هذه الجموع فيها، وفقدان القاعدة التي تخضع لها تماما، إلى درجة أن كل كتاب في تعليم قواعد الألمانية، تبدأ صفحاته الأولى بهذه العبارة: "احفظ مع كل اسم أداة تعريفه وصيغة جمعه؛ لأنه ليست هناك قاعدة لذلك"! فليست العربية إذن، بدعا بين اللغات في صعوبة القواعد، غير أن شيئا من هذه الصعوبة يعود بالتأكيد إلى طريقة عرض النحويين لقواعدها، فقد خلطوا في هذه القواعد بين الواقع اللغوي والمنطق العقلي، وبعدوا عن وصف الواقع إلى المماحكات اللفظية، وامتلأت كتبهم بالجدل والخلافات العقيمة، فضل المتعلم وسط هذا الركام الهائل من الآراء المتناقضة في بعض الأحيان. والحقيقة أن القواعد الأساسية لنحو اللغة العربية، يمكن أن تستخلص في صفحات قليلة مصفاة من هذا الحشو الذي لا طائل وراءه. ولقد كثر البحث عن السر في إخفاقنا حتى الآن، في تعليم العربية

الفصحى لأبنائنا، كما ينبغي، فلم تفلح مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا عموما في إنشاء علاقة الود بين المتعلمين وهذه اللغة، ولم تنجح في غرس حب القراءة في النشء منذ الصغر. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى اعتقاد الكثيرين منا، بأن في تعليم قواعد اللغة تعليما للغة. وتفكيرنا في الأمر على هذا النحو، كتفكير من يعلم قواعد العروض لكي ينشئ شاعرا، أو كتفكير من يحفظ صفحتين في قواعد قيادة السيارات، ثم يظن أنه بهذا الحفظ وحده، قد أصبح سائقا ماهرا، فإن اهتمامنا بتعلم القواعد النحوية في مرحلة مبكرة من حياة الطفل، جعلنا نظن أن مقياس إجادة اللغة، هو البراعة في حفظ المصطلحات النحوية، والتفنن في عد مسوغات الابتداء بالنكرة، ومجيء الحال معرفة، وأحوال الصفة المشبهة وما إلى ذلك. كل هذه الأمور وأمثالها، يرددها التلميذ في هذه السن المبكرة بلا وعي، ثم ينساها عقب الفراغ من الامتحان، ولا يبقى في ذهنه منها إلا التندر على صعوبة اللغة العربية، وما لاقاه في تعلمها من عنت ومشقة. وإنني لست بهذا أحط من أهمية قواعد اللغة، ولا أقلل من قدرها في الوقوف على سر اللغة والتمكن منها. ولكني أحذر من وصعها في المقام الأول، ونسيان الفطرة التي جبل عليها الإنسان في تعلم اللغة. خذ لغة التخاطب مثلا، وانظر كيف يتعلمها الطفل؟! إننا لا نشرح له أية قاعدة من قواعدها، ولكن الذي يحدث هو أننا نتكلم، والطفل يحاكي ويقلد، حتى إذا أخطأ لا يجد من حوله يشرحون له القاعدة، وإنما يكررون الصواب أمامه ... وهكذا وعن هذه الطريق وحدها، يلم الطفل بتراكيب اللغة ومعانيها حفظا وفهما، ويهضم كل ذلك ثم يقيس عليه، ويكتمل نضج لغة

الخطاب لديه في وقت قصير دون أن يعلم شيئا عن قواعدها وقوانينها وضوابطها. وإذا كان هذا هو المنهج الفطري في تعلم اللغة، فلماذا لا نفيد منه في تعلم العربية الفصحى؟ حقا إن العربية الفصحى لا يتكلمها الناس في كل وقت حول التلميذ، كما نتحدث بالعامية أمام الطفل، ولكن هناك طريق آخر يقوم مقام السماع، وهو طريق القراءة، قراءة النصوص الأدبية القديمة، وما نسج على نمطها في العصور المختلفة، قراءة واعية صابرة، مع حفظ الكثير والكثير جدا، من هذه النصوص الجيدة شعرا ونثرا. وعلى رأس هذه النصوص جميعها بالطبع، نص القرآن العظيم، وفي هذه الحالة تتكون الملكة القادرة على محاكاة هذه النصوص، والنسج على منوالها. ولقد نادى بمثل ذلك العلامة ابن خلدون، فقال: "ووجه التعليم لمن يبتغى هذه الملكة ويروم تحصيلها، أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم، الجاري على أساليبهم، من القرآن والحديث، وكلام السلف ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المولدين أيضا في سائر فنونهم، حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور، منزلة من عاش بينهم، ولقن العبارة منهم"1. هذا ما قاله ابن خلدون. وإنه لا شيء أجدى على من يريد تعلم لغة ما، من الاستماع إليها، والقراءة الكثيرة في تراثها، وحفظ الجيد من نصوصها، وإذا كنا أمام الفصحى لا ننعم بالوسيلة الأولى وهي الاستماع؛ إذ أكثر ما نسمعه عامي أو فصيح ملحون أو مليء بالخطأ، أو ركيك العبارة

_ 1 مقدمة ابن خلدون 487.

ضحل المضمون، فلا تزال أمامنا فرصة الإفادة من القراءة الواعية للنصوص الجيدة، وعندئذ تتكون السليقة اللغوية عند أبناء العربية، وتجري ألسنتهم بالفصحى العذبة، وتأتي دروس القواعد، فتنظم هذا الكيان اللغوي، الذي نما وترعرع في ظل النصوص. وعندها لا يجد أعداء العربية ما يقولونه، حول صعوبة قواعدها، أو ضعف المتعلمين بها. أما الدعوى الثانية، وهي أن العربية قاصرة عن استيعاب علوم العصر، فالرد عليها هين جدا؛ لأن المنصفين من علماء اللغة يعتقدون اعتقادا جازما في قدرة كل لغة على التعبير على أية فكرة، متى قامت في نفوس أصحابها، "فهناك وجه شبه ظاهر، بين اللغة ومختلف أنواع النقود، التي نستعملها في البيع والشراء، فالنقود في نظر رجال الاقتصاد، ما هي إلا رمز للقوة الشرائية، التي تمكن الإنسان من تملك الشيء، الذي تصبو إليه نفسه، فإن القيمة الحقيقية لما في العملة من ورق أو معدن، تعد شيئا تافها بالنسبة لقواتها الشرائية، فالصكوك والعملة الورقية، لا تساوي في حد ذاتها، أكثر من قيمة الورق الذي طبعت عليه. وللذهب والفضة قيمة محدودة لأغراض الزينة، ولكنهما من الناحية العملية أقل قيمة من المعادن الأخرى، التي تفوقها في الصلابة وقوة الاحتمال. فحقيقة الأمر أن القيمة الحقيقية للنقود، هي صفة يضيفها عليها المجتمع الذي يتعامل بها"1. وكذلك اللغة، فإن قيمتها في تمسك أهلها بها، ورواجها.

_ 1 لغات البشر لماريو باي 22.

بينهم وتداولها على ألسنتهم، واحترامهم إياها، وثقتهم بها في حمل أفكارهم ومعتقداتهم، والتعبير عن انفعالاتهم وعواطفهم، واستخدامهم إياها في كل ما يعن لهم من شئون الحياة السهلة، أو القضايا الفلسفية المعقدة. كما تبدو قيمتها كذلك فيما تعبر عنه من رصيد فكري وحضاري كبير. وإن الجاهلين بهذه المسلمات اللغوية، ليعيبون لغتنا الفصحى، بأنها قاصرة عن استيعاب علوم العصر؛ لأنها -كما يقولون- لغة سلفية جامدة، تتطلع إلى الوراء بدلا من اتجاهها إلى الإمام. ويحضرني هنا في الرد على هذه الفرية، كلام للعالم اللغوي الشهير "فندريس"، يقول فيه: "الواقع أننا لا نعلم إطلاقا لغة قد قصرت عن خدمة إنسان عنده فكرة يريد التعبير عنها"، ثم يقول عقب هذا: "فلا ننصت إذن إلى أولئك المؤلفين العاجزين، الذين يحملون لغاتهم مسئولية النقص الذي في مؤلفاتهم؛ لأنهم هم المسئولون، على وجه العموم، عن هذا النقص"1. واللغة العربية الفصحى، لم تخلد على الزمن، ولم يمتد بها العمر أربعة عشر قرنا، وإلى ما شاء الله، إلا لما تحمل من عناصر البقاء، المتمثل في هذا التراث الحضاري، وتلك العقيدة السامية، التي شرف الله بها العربية، حين اختارها وعاء لما فيها من أفكار وتصورات، ولما آتى الله أهلها من جلد وصبر على تحمل تبعاتها، ودأب في البحث عن أسرارها وخفاياها. وقد امتحنت العربية الفصحى في التاريخ مرتين، في ناحية القدرة على استيعاب الأفكار الجديدة، واجتازت هذا الامتحان بنجاح كبير، فهذه

_ 1 اللغة لفندريس 421.

هي الأفكار الدينية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء، قد استوعبتها العربية الفصحى، وعبرت عنها أدق تعبير وأبلغه. كما أن حركة الترجمة من اللغات الأجنبية في العصر العباسي الأول، لم تقصر العربية الفصحى عن تحمل تبعاتها، ولم يشك واحد من المترجمين آنذاك، من قصور الفصحى عن استيعاب الأفكار الفلسفية والعلمية، التي كانت لمفكري الإغريق والرومان والسريان وغيرهم. وما نجاح تدريس الطب بالعربية الفصحى في سوريا الشقيقة، في عصرنا الحاضر، إلا برهان آخر على قدرة لغتنا الجميلة، على استيعاب علوم العصر، والتعبير عن مظاهر مستحدثات الحضارة. إنهم يعيبون اللغة، والعيب فيهم هم. وفي رأينا أن اللغة لا تعجز عن التعبير عن أي معنى من المعاني، متى قام في نفوس المتكلمين بها، فالفكرة متى قامت في ذهن الإنسان، استطاع التعبير عنها بلغته، إن كان متمكنا من هذه اللغة، وعاملا على رفعة شأنها. أما الدعوى الثالثة، فإننا نرى كيف تعلو من آن لآخر، صيحات أثيمة في الوطن العربي، تدعي صعوبة الكتابة بالفصحى، وتدعو لذلك إلى هجرها، والكتابة بالعامية، بحجج يبدو فيها الزيف والضلال، وهي إن جازت على بعض ذوي العقول الضعيفة، والنفوس المريضة، فإنها لم تخدع بحال من الأحوال جمهرة العرب، الذين آمنوا بربهم، وتمسكوا بكتابهم، وعرفوا أن في حياة هذه اللغة الشريفة حياة لدينهم وتراثهم، وهم في هذه موقنون.

بتحقق وعد الله الكريم، بأن يحفظ الفصحى، حين تكفل عز وجل بحفظ كتابه العزيز، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . وإن من يدعو إلى نبذ الفصحى، والكتابة بالعامية، لهو أحد رجلين، أولهما: حاقد على الفصحى وكتابها الكريم ودينها الخالد، فهو يريد هدم الدين عن طريق هدم لغته، وتضييع كتابه، وهذا ضل سعيه؛ لأنه ممن يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. والآخر رجل جاهل بسر العربية، وما فيها من قدرة بارعة خلاقة في التعبير عن الفكر. ومن جهل شيئا عاداه، كما يقولون. ومن النفر الأول بعض المستشرقين وذيولهم في الوطن العربي، وقد هلل "نولدكه" لمحاولات "محمد عثمان جلال" الكتابة بالعامية المصرية للمسرح، فما باله لو اطلع على الأدب الغث الذي كتب بهذه اللغة الممسوخة، في عصرنا الحاضر؟! إن مما يطمئن النفس أن أصحاب هذا الأدب، يحسون في قرارة أنفسهم بالضعة، ويتجرعون مرارة الإحساس، بأن أدبهم محلي، ليس له رواج إلا في بيئاتهم المحدودة. ولقد يلفت النظر أن قطب الدعاة إلى العامية في نصف القرن الماضي، وهو "سلامة موسى"، لم يكتب واحدا من مؤلفاته، أو يسطر كلمة في مقالاته، باللغة التي كان يدعو إليها. فهل ترى أقسى من هذا على نفوس هؤلاء الحاقدين الحاسدين؟! إنه من الغريب حقا أن يبحث بعض الناس عن لغة أخرى غير الفصحى، لتحل محلها -على زعمهم- في توحيد شعوب الأمة العربية،

ويرون في هذه العامية أملهم في أن تحمل لواء الأدب، وتتسع لمستحدثات الحضارة. فأية عامية تلك التي يريدونها؟ أهي عامية مصر، أم عامية الجزيرة العربية، أم عامية العراق، أم عامية سوريا، أم عامية المغرب، أم عامية السودان؟ وفي مصر مثلا: أهي عامية الصعيد، أم عامية الوجه البحري، وفي الوجه البحري: أهي عامية الشرقية، أم المنوفية، أم البحيرة؟ إن هذا لهو الضلال المبين! وليعرف أبناء اللغة العربية، أن محاولة رفع مكانة العامية، لتحل محل اللغة الأدبية، إنما هو شعار مدرسة ضالة في أمريكا، لم يرض عنها جمهرة علماء اللغة في العالم. وهذا هو "ماريو باي" يرد عليهم فيقول1: "شق الجيل الجديد من اللغويين في أمريكا، عصا الطاعة على النحو التقليدي، وبدءوا يدعون للمبدأ الذي ينادي بأن الصيغة التي يستخدمها الناس، هي الصيغة اللغوية الصحيحة. وقد صار شعار هذه المدرسة: "إن اللغة الحقيقية، هي اللغة التي يستخدمها الناس فعلا، لا اللغة التي يعتقد بعضهم أن على الناس أن يستخدموها". ولكن الصيغة التي يستخدمها الناس، لها مشكلاتها الخاصة بها، فأية صيغة هذه؟ ومن الذي يستخدمها؟ حتى في الدول التي يظهر للناس أنها تستخدم لغة موحدة، هناك مستويات مختلفة لاستخدامها، كما تختلف اللهجات المحلية، باختلاف المناطق التي تستخدمها". ولقد بلغ من خبث بعض دعاة العامية في الوطن العربي أحيانا، أن زعموا أن العامية شكل صحيح من أشكال الفصحى، عنها تطور ومنها

_ 1 لغات البشر 108.

أخذ، وأن استخدام العامية لن يقطع الصلة بيننا وبين الفصحى. ولقد كذبوا في هذا وزيفوا وضللوا، فهم يعرفون تماما أن اللاتينية مثلا، كانت هي اللغة الأدبية في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا في العصور الوسطى، وكانت العاميات المنتشرة في هذه البلاد، هي اللهجات الإيطالية والفرنسية والأسبانية، وهي عاميات لاتينية، تشبه العاميات العربية في صلتها بالفصحى. وقد أدى استخدام الأدباء والشعراء لهذه العاميات بعد ذلك، في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا، وتركهم اللغة اللاتينية الأدبية الأم، إلى موت هذه اللغة، وانسلاخ العاميات عنها، وتكون اللغات الإيطالية والفرنسية والأسبانية، وهذا هو ما يريده دعاة العامية، وهو أن تتفكك لغتنا إلى لغات شتى، في أرجاء الوطن العربي. وخلاصة القول أنه لا يحق لنا، أن نخلط الفصحى بالعامية، بدعوى أنها تمت إليها بصلة، فإن هذه لغة وتلك لغة أخرى، فمن ضاق بالفصحى من هؤلاء الأفاقين، فلا عليه أن يستخدم عاميته في أحاديثه وكتاباته، غير أنه لن ينتزع منها شهادة بأن هذه العامية هي والفصحى سواء. وإنا لهم بالمرصاد، والله الموفق. أما هذا الخط الذي نكتب به لغتنا العربية، منذ مئات السنين، فلا شك في أنه خط غير مبرأ من العيوب، فالهمزة فيه لها مشاكل تعتاص على البراعم الصغيرة من أبنائنا في مراحلهم التعليمية الأولى، فهم يرونها تارة وقد كتبت على ألف، مثل: "سأل" وتارة أخرى على واو، مثل: "يؤمن"، وثالثة على ياء، مثل: "سئل"، ورابعة على السطر بلا حامل يحملها، مثل:

"سماء". والألف المقصورة كذلك، يرونها مرة بالألف، مثل: "دعا"، وأخرى بالياء، مثل: "سعى". وهناك حروف تكتب ولا تنطق، مثل: اللام الشمسية، والألف التي توضع أمام واو الجماعة. وحروف تنطق ولا تكتب، كحروف المد في: هذا، وهذه، وهؤلاء، ولكن، وذلك، وغيرها. وغير هذا وذاك، هناك تشابه محير للطفل، في بعض أشكال الحروف، كالباء والتاء والثاء، والجيم والحاء والخاء، وغيرها، إذ نفرق بين كل مجموعة من هذه المجموعات المتشابهة، بالنقط المفردة والمثناة والمثلثة، من فوق الحرف أو تحته، كما أن الكلمة إذا أهمل ضبطها بالشكل، صارت في بعض الأحيان لغزا، لا يحله إلا فهم المعنى أولا، لكي يقرأ القارئ قراءة سليمة. هذا وغيره، من الأمور المعوقة للقراءة والكتابة عند النشء، جعلت فريقا من الناس يحاول إصلاح هذا الخط وتيسيره، وشاركت المجامع العلمية في هذا الميدان، فأعلن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، قبل حوالي ربع قرن من الزمان، عن مكافأة مالية سخية، لمن يتقدم بمشروع مبرأ من العيوب لإصلاح هذا الخط، وتقدم الكثيرون من العلماء وأشباه العلماء ببحوثهم واقتراحاتهم، ولم يصل واحد منهم إلى حل مقبول لهذه المشكلة العويصة. ومن قبل، أحس سلفنا الصالح، رضوان الله عليهم، بحاجة هذا الخط إلى الإصلاح؛ لأن العرب ورثوه عن النبط جثة هامدة؛ إذ كان يخلو من رموز الحركات القصيرة. وكان أول من فكر في إصلاح هذه الناحية: "أبو الأسود الدؤلي" الذي جعل الفتحة نقطة فوق الحرف، والكسرة نقطة تحت الحرف، والضمة نقطة على يسار الحرف. وكانت هذه النقط تكتب.

بحبر مخالف لنقط الباء والتاء والثاء، وغيرها من الحروف المنقوطة، حتى لا تختلط بها. ثم جاء "الخليل بن أحمد الفراهيدي"، فوضع رموز الشكل التي نعرفها اليوم، وهي: الضمة والفتحة والكسرة، بل كان هو الذي وضع كذلك: رمز الهمزة والشدة، والسكون، والمدة والوصل، وغير ذلك. هذا هو تاريخ المشكلة، وفي رأيي أن أي تفكير في إصلاح هذا الخط في العصر الحاضر، يجب ألا يبتعد كثيرا عن نماذجه الحالية، فقد ذاع هذا الخط وانتشر، وكتب به تراث ضخم، فأي تفكير في إصلاح عيوبه، لا يصح أن يغفل هذا التراث، فما بالنا إذا رأينا من يدعو إلى هجره تماما، بين الجيل الذي يتعلم هذا الخط، وتراثنا العربي بكامله. وهذا هو ما يريده أعداء العربية. وفي الحقيقة، ليس خطنا العربى بدعا بين الخطوط في مشاكله، فالخط الفرنسي مثلا يعاني من عيوب خطيرة، تتمثل في أن به الكثير من الحروف التي لا تنطق، إلى جانب الدلالة على نطق معين بصور مختلفة من الرموز. ومع ذلك يقول "فندريس" أحد علماء اللغة الفرنسيين، عن محاولات إصلاح هذا الخط الفرنسي1: "فإذا قمنا بإصلاح شامل دفعة واحدة، كنا قد استبدلنا مكان اللغة المكتوبة، التي تعودنا عليها، لغة كتابية أخرى جديدة، ويترتب على هذا أن نطرح وراء ظهرنا دفعة واحدة، جميع المطبوعات التي نشرت بالفرنسية منذ قرون، وهو أمر مستحيل، هذا إلى أن مثل ذلك العمل، يوجب على جيل أو جيلين من الفرنسيين، أن يتعلموا

_ 1 اللغة لفندريس 413.

لغتين، بدلا من لغة واحدة، وإن هناك من العادات والتقاليد الأدبية، ما لا يستطيع المرء أن يغيره بجرة قلم واحدة". وهؤلاء هم الأتراك، عندما نبذوا الخط العثماني، واستبدلوا به الخط اللاتيني، أصبحوا كالمعلقين في الفضاء؛ إذ لا يعلم التركي في أيامنا هذه شيئا عن ماضيه الغابر، كما أنه أصبح حائرا في انتمائه الآن، فلا هو أوربي ولا هو شرقي، ولم يفلح اختياره الخط اللاتيني في تقريبه إلى العرب، في قليل أو كثير.

الفصل الثاني: الفصحى بين الجمود والتحرر

الفصل الثاني: الفصحى بين الجمود والتحرر العربية الفصحى لها ظرف خاص، لم يتوفر لأية لغة من لغات العالم. وهذا الظرف يجعلنا نرفض ما ينادي به بعض الغافلين -عن حسن نية، أو سوء نية أحيانا- من ترك الحبل على الغارب للعربية الفصحى، لكي تتفاعل مع العاميات، تأخذ منها وتعطي، كما يحدث في اللغات كلها. حقا أن اللغة كائن حي، تتطور على ألسنة المتكلمين بها، فينشأ من هذا التطور، اختلاف بين لغة عصر والعصر الذي سبقه. وهنا يحدث الصراع بين أنصار الشكل القديم وأنصار الشكل الجديد، وبعد فترة يصبح قديما ما كان بالأمس جديدا، فيتصارع مع جديد آخر، وتضمحل لغة العصر الأسبق أو تندثر. غير أن كل جديد لا يظهر فجأة، ولا يقضي على القديم بين يوم وليلة، بل يظل الصراع بينهما لفترة قد تطول أو تقصر، غير أن الانتصار يكون في النهاية للشكل الجديد، تلك سنة الحياة، وتاريخ اللغات جميعها يشهد بهذا، ولا نعرف لغة على ظهر الأرض، جمدت على شكل واحد مئات السنين. غير أن العربية الفصحى، لها كما قلنا، ظرف لم يتوفر لأية لغة من لغات العالم، ذلك أنها ارتبطت بالقرآن الكريم، منذ أربعة عشر قرنا، ودون بها التراث العربي الضخم، الذي كان محوره هو القرآن الكريم، في كثير من مظاهره. وقد كفل الله لها الحفظ ما دام يحفظ دينه، فقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . ولولا أن شرفها الله عز وجل فأنزل بها كتابه، وقيض له من خلقه من يتلوه صباح مساء، ووعد بحفظه على تعاقب

الأزمان، لولا كل هذا، لأمست العربية الفصحى لغة أثرية، تشبه اللاتينية أو السنسكريتية، ولسادات اللهجات العربية المختلفة في نواحي الأرض العربية، وازدادت على مر الزمان بعدا عن الأصل الذي انسلخت منه. هذا هو السر الذي يجعلنا لا نقيس العربية الفصحى، بما يحدث في اللغات الحية المعاصرة، فإذا أقصى عمر هذه اللغات في شكلها الحاضر، لا يتعدى قرنين من الزمان، فهي دائمة التطور والتغير، وعرضة للتفاعل مع اللغات المجاورة، تأخذ منها وتعطي، ولا تجد في كل ذلك حرجا؛ لأنها لم ترتبط في فترة من فترات حياتها بكتاب كريم، كما هي الحال في العربية. ولكن هل معنى هذا كله، أن العربية الفصحى لغة جامدة، تحجرت عبر عصور بادت وانقرضت، وفصل بيننا وبينها مئات السنين، مع أن طابع الحياة التجدد والتغير، والعالم يصحو كل يوم على جديد، في العلم والفن والسياسة والاجتماع؟! نقول نحن في الرد على هذا التساؤل، الذي قد يخطر في ذهن بعض الناس: إن العربية الفصحى تحمل في طبيعة تكوينها عنصر التجدد والحياة، إن أفاد أهلها من منهجها العظيم في القياس، والاشتقاق، والنحت، والتعريب. فلا حجر على أي مستخدم للفصحى، يصوغ جملا عربية، تشبه في نظامها جمل العرب، في موقع مفرداتها، وأبنية كلماتها، ودلالة ألفاظها، وإن لم تكن تلك الجمل بعينها مما قاله العرب. وقد أحسن ابن جني حين عقد في كتابه: "الخصائص" فصلا، ذهب فيه إلى أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب1.

_ 1 الخصائص 1/ 357-369.

والاشتقاق المقصود هنا هو الاشتقاق الصرفي، وهو المعروف عند علماء اللغة باسم: "الاشتقاق الأصغر"، ويعرفه السيوطي بأنه: "أخذ صيغة من أخرى، مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية وهيئة تركيب لها، ليدل بالثانية على معنى الأصل، بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفا أو هيئة، كضارب من ضرب، وحَذِرٍ من حَذِرَ"1. وهذا النوع من الاشتقاق قياسي؛ إذ لا يعقل أن يسمع عن أصحاب اللغة، جميع المشتقات في كل مادة من مواد اللغة، فكثير من تلك الصيغ، التي يجوز اشتقاقها لا وجود لها فعلا في نص صحيح من نصوص اللغة، فهناك فرق كبير بين ما يجوز لنا اشتقاقه من صيغ، وما اشتق فعلا، واستعمل في أساليب اللغة المروية عن العرب، فليس من الضروري أن يكون لكل فعل اسم فاعل، أو اسم مفعول، رويا لنا في نصوص اللغة، فربما لا يحتاج المتكلم أو الكاتب إلى كليهما من فعل من الأفعال، فالمشتقات تنمو وتكثير حين الحاجة إليها، وقد يسبق بعضها بعضا في الوجود، ولهذا يجدر بنا ألا نتصور أن الأفعال أو المصادر، حين عرفت في نشأتها، عرفت معها مشتقاتها، فقد تظل اللغة قرونا، وليس إلا الفعل وحده، أو المصدر وحده، حتى تدعو الحاجة إلى ما يشتق منهما. ويخالف في هذا بعض قدامى اللغويين العرب، فيرون أنه لا قياس على كلام العرب في الاشتقاق، وأن كل كلام العرب توقيف. ومن هؤلاء ابن فارس اللغوي، الذي يقول: "إن الذي وقفنا على أن الاجتنان: التستر، هو الذي وقفنا على أن "الجِنَّ" مشتق منه، وليس لنا اليوم أن نخترع، ولا أن

_ 1 المزهر 1/ 346.

نقول غير ما قالوه، ولا أن نقيس قياسا لم يقيسوه؛ لأن في ذلك فساد اللغة، وبطلان حقائقها"1. وفي هذا القول غلو وإسراف في منع القياس على ما اشتقه العرب. ومن أتباع هذا الرأي في العصر الحاضر، أولئك الذي يخطئون استخدام: "تكاتف" بمعنى: تعاون، أي وضع كتفه إلى جانب كتف زميله، صنع من يتعاون مع غيره في حمل شيء ثقيل، فهم يخطئون هذه الاشتقاق؛ لأنه لم يرد في هذه الكلمة عن العرب القدماء، وما دروا أن الاشتقاق مذهب من مذاهب العربية، الذي يجدد شبابها على مر الزمن، وأنه قياسي كما ذهب إلى ذلك جمهور اللغويين. والنحت ضرب من ضروب الاشتقاق في اللغة، وهو أن تعتمد إلى كلمتين، أو جملة فتنزع من مجموع حروف كلماتها، كلمة تدل على ما كانت تدل عليه الجملة نفسها. ولأبي الحسين أحمد بن فارس، اليد الطولى في هذا الموضوع، فهو إمام القائلين بالنحت بين اللغويين القدامي؛ إذ يقول: "واعلم أن للرباعي والخماسي مذهبا في القياس، يستنبطه النظر الدقيق، وذلك أن أكثر ما تراه منه منحوت. ومعنى النحت أن تؤخذ كلمتان، وتنحت منهما كلمة تكون آخذة منهما جميعا بحظ"2. ويذكر ابن فارس، أن الخليل بن أحمد سبقه في هذا الرأي، وأنه يسير على منهجه في ذلك، فيقول: "والأصل في ذلك ما ذكره الخليل، من قولهم: حيعل الرجل، إذا قال: حي على. ومن الشيء الذي كأنه متفق عليه قولهم: عبشمي، وقوله:

_ 1 الصاحبي 67. 2 مقاييس اللغة 1/ 328.

وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترى قبلى أسيرا يمانيا1 ولا شك في أن السير على نهج الفصحى في النحت، يعين على ترجمة كثير من المصطلحات العلمية الكثيرة، التي لا تؤدي العربية معناها عادة إلا بكلمتين أو أكثر، كقولنا في العصر الحاضر: "الدبابات البرمائية" بدلا من "البرية المائية" مثلا. وهذا طريق آخر من طرق تجديد العربية. أما "التعريب"، فإنها كلمة تطلق على العملية التي تجرى على الكلمات الأجنبية، حين يدخلها العرب إلى لغتهم، ويعني هذا أن تلك الكلمات المستعارة في العربية، لم تبق على حالها تماما، كما كانت في لغاتها، وإنما حدث فيها أن طوعها العرب لمنهج لغتهم، في أصواتها وبنيتها وما شاكل ذلك. وليس هذا الأمر بدعا في العربية، إذ تخضع في الغالب الكلمات المقتبسة، للأساليب الصوتية في اللغة التي اقتبسها، فينالها كثير من التحريف في أصواتها وطريقة نطقها، وتبعد في جميع هذه النواحي عن صورتها القديمة. وكان هذا دأب العرب في جاهليتهم، تجري على ألسنتهم بعض الألفاظ، التي يحتاجون إليها، من لغات الأمم المجاورة لهم، بعد أن ينفخوا فيها من روحهم العربية، ويتلقفها الشعراء منهم، فيدخلونها في أشعارهم وأرجازهم. وقد طال الأمد على كثير من هذه الألفاظ في الجاهلية، وألف الناس استعمالها وصارت جزءا من لغتهم، وربما نسوا أصلها في كثير من الأحيان، وجاء القرآن الكريم، فأنزله الله تعالى بهذه اللغة العربية، التي أصبح بعض

_ 1 انظر: فصول في فقه العربية 302-303.

هذا المعرب من مقوماتها، فجاء فيه شيء من تلك الألفاظ، التي عربها القوم من لغات الأمم المجاورة. وكان السلف الصالح من الصحابة والتابعين، يدركون ذلك تماما، فقد "روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم، في أحرف كثيرة "من القرآن الكريم" أنه من غير لسان العرب، مثل: سجيل، والمشكاة، واليم، والطور، وأباريق، وإستبرق، وغير ذلك 1". ولكن قول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ، جعل طائفة من مفكري الإسلام، تذهب إلى إنكار وقوع المعرب في كتاب الله، فهذا أبو عبيدة معمر بن المثنى، يقول: "من زعم أن في القرآن لسانا سوى العربية، فقد أعظم على الله القول". وقد وازن أبو عبيد القاسم بن سلام، بين رأي شيخه أبي عبيدة، ورأي السلف الصالح، وانتهى إلى القول بعربية هذه الألفاظ، بعد أن عربتها العرب، فقال: "فهؤلاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة، ولكنهم ذهبوا إلى مذهب وذهب هذا إلى غيره، وكلاهما مصيب إن شاء الله، وذلك أن هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل، فقال أولئك على الأصل، ثم لفظت به العرب بألسنتها، فعربته فصار عربيا بتعريبها إياه. فهي عربية في هذا الحال، أعجمية الأصل"1. ولكن الشيخ أحمد محمد شاكر، يواصل في العصر الحديث، حملة أبي عبيدة في القديم، على من يقول بوقوع المعرب في القرآن الكريم، فقد راح يتعقب الجواليقي في كتابه: "المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم"، ويحاول أن يعثر على اشتقاق عربي للكلمات التي ذكرها الجواليقي

_ 1 المعرب للجواليقي 5 وانظر فصل التعريب في كتابنا: فصول في فقه العربية 358-368.

في هذا الكتاب، معتسفا الطريق في محاولاته تلك تارة، وغافلا عن سنن اللغات في الاقتراض عن غيرها تارة أخرى. وتعصب الشيخ في هذه القضية لا مبرر له؛ إذ الكلمة المعربة تصبح -كما قلنا من قبل- عربية، باستعمال العرب إياها على مناهجهم في لغتهم، غير أن ما دعا العلماء إلى القول بعدم أصالتها في العربية، أنها تدل على شيء لم يكن له وجود في الأصل، في البيئة العربية، وإنما هو وافد مع اسمه إلى تلك البيئة، كما وفدت علينا في العصر الحديث كلمات مثل: "تليفون، وراديو، وتليفزيون، مع أجهزتها التي سميت بها؛ لأن المفردات التي تقتبسها لغة ما، عن غيرها من اللغات، يتصل معظمها بأمور قد اختص بها أهل هذه اللغات، أو بروزا فيها، أو امتازوا بإنتاجها أو كثرة استخدامها، فمعظم ما انتقل إلى العربية من المفردات الفارسية واليونانية، يتصل بنواح مادية أو فكرية، امتاز بها الفرس واليونان، وأخذها عنهم العرب. وهكذا نرى أنه من العبث إنكار وقوع المعرب في العربية الفصحى والقرآن الكريم. وقد وقف اللغويون العرب بالتعريب، عند عصور الاحتجاج، وهي تلك الفترة السعيدة، التي تشمل الجاهلية وصدر الإسلام وعصر بني أمية، وتعد بجميع ما فيها عربية فصحى، وما عداها مما جاء بعدها مولد لا يصح، يستوي في هذا التطور والتعريب الجديد. وتقوم من آن لآخر صيحات، تنادي بأن نسير على طريقة العرب، في تعريب ما نحتاج إليه من ألفاظ اللغات المعاصرة، ومن هؤلاء عبد القادر المغربي، الذي ألف في ذلك كتابا سماه: "الاشتقاق والتعريب". وتتلخص فكرته، في أن الكلمات الدخيلة الدالة على الأحداث والمعاني لا تعتبر فصيحة، ولا يكون استعمالها من الحسن في شيء، وذلك لأن في اللغة ما يسد مسدها. ولكن هناك اختراعات، أوجدها قوم من غير أبناء لغتنا، ووضعوا لها أسماء: اخترعوا: الأوتوموبيل مثلا، وسموه بهذا الاسم، فنحن معشر العرب نأخذه ونأخذ اسمه. كما أخذ أسلافنا المنجنيق واسمه من لغة اليونان.

وقد وقف مجمع اللغة العربية في مصر، من هذه القضية، موقف المتشدد؛ إذ لم يجز إلا تعريب الألفاظ الفنية والعلمية، التي يعجز عن إيجاد مقابل لها في العربية. ولقد لخص الدكتور علي عبد الواحد وافي، موقفه ذلك أحسن تلخيص، فقال1: أما ما استخدمه المولدون في مختلف العصور، وما أدخله بعض المحدثين في العصر الحاضر، أو يُرى إدخاله في اللغة العربية، من كلمات أجنبية تتعلق بالمخترعات، أو بالمصطلحات العلمية والفنية، فقد رأى مجمع اللغة العربية عدم جواز استعماله؛ لأن في العربية غنية عنه، ولأن في بطون معجماتها مئات الألوف من الكلمات المهجورة، الحسنة النغم والجرس، الكثيرة الاشتقاق، مما يصلح أن يوضع للمسميات الحديثة، بدون حدوث اشتراك؛ لأن بعضها من مراقد الإهمال والنسيان، يصيرها كأنها موضوعة وضعا جديدا. وقد عُني المجمع بتطبيق قراره هذا، فوضع عددا كبيرا من الأسماء العربية لمسميات حديثة، جرت العادة باستخدام كلمات أجنبية في التعبير عنها. غير أنه قد احتاط للحالة التي قد تدعو فيها ضرورة قاهرة، إلى استخدام لفظ أعجمي في الشئون العلمية والفنية، ويتعذر إيجاد لفظ عربي يحل محله، فأجاز في هذه الحالة فقط، استخدام اللفظ الأعجمي، بعد صقله بالأساليب الصوتية العربية. وإليك نص قراره في هذا الموضوع: "يجيز المجمع أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة، على طريقة: العرب في تعريبهم". وفي رأيي أن اللغة لا تفسد بالدخيل بل حياتها في هضم هذا الدخيل لأن

_ 1 فقه اللغة 201.

مقدرة لغة ما، على تمثل الكلام الأجنبي، تعد مزيّة وخصيصة لها، إن هي صاغته على أوزانها وصبته في قوالبها، ونفخت فيه من روحها. والحق أن مشكلة تعريب ألفاظ العلم ومستحدثات الحضارة، هي مشكلتنا الحقيقية في العصر الحديث. ومجامعنا العلمية لم تستطع حتى الآن، معالجة هذه المشكلة معالجة حاسمة، فإنها تنتظر حتى يشيع اللفظ الأجنبي على كل لسان، وتستخدمه العامة والخاصة، وتنشره وسائل الأعلام المختلفة، ثم تسعى بعد فوات الأوان إلى محاربته، والبحث عن بديل له عند العرب القدماء، وبذلك يولد هذا اللفظ ميتا، لاشتهار اللفظ الأعجمي، وشيوعه على الألسنة. وكم من ألفاظ وضعتها المجامع اللغوية لمستحدثات الحضارة، غير أنها لم تتجاوز أبواب هذه المجامع، فمثلا: "المذياع" للراديو، و"المأوى" للوكاندة، و"الخيالة" للسينما و"الطارمة" للكشك، و"الملوحة" للسيمافور، و"المرناة" للتليفزيون، وغير ذلك من الألفاظ، ولدت ميتة لهذا السبب الذي ذكرته. ولو أننا سمينا مستحدثات الحضارة بأسماء عربية، واصطلحنا على هذه التسمية أو تلك، عند أول ظهور هذا المستحدث الحضاري أو ذاك، وعملت وسائل الإعلام المختلفة عندنا، على ذيوعه وانتشاره، لارتبط في أذهان الناس بمسماه، وقضينا على هذه المشكلة من أساسها. وإنك لتعجب حين ترى الألمان يقومون في لغتهم بمثل ما ننادي به هنا، فمعظم المخترعات الأجنبية، لها عندهم أسماء ألمانية خالصة. وفي قدرتنا النسج على هذا المنوال للحفاظ على عروبة لغتنا، أمام هذا الغزو الهائل من الألفاظ الأجنبية، وفي ذلك حياة للغة، وتجديد لشبابها.

الباب الخامس: في مناهج البحث اللغوي

الباب الخامس: في مناهج البحث اللغوي الفصل الأول: في أصول البحث العلمي وتحقيق النصوص يقوم البحث العلمي في الوقت الحاضر، على أسس علمية متعارف عليها، وسأقتصر هنا على جانب واحد منها، وهو جانب مصادر البحث، لما لهذا الموضوع من أهمية كبرى في النتائج التي يصل إليها الباحث في بحثه، ولارتباطه من جانب آخر بموضوع الخط العربي، الذي أصيب بداء التصحيف والتحريف، منذ أول نشأته، بسبب تشابه أكثر حروف الهجاء العربية، واختلاف أماكن النقط وعددها. لذلك، فإن أي باحث في العلوم الإنسانية، يجب -في رأيي- أن يكون على قدر من الخبرة بتحقيق النصوص، حتى لا يثق في المصدر الذي يعتمد عليه وثوقا مطلقا. وقد ارتبطت في الأذهان، فكرة تحقيق النص بإعداده للنشر، وليس الأمر كذلك تماما، بل إن أي باحث في الدراسات الإنسانية مطالب بتحقيق النص الذي يستنبط منه نتائج معينة، قبل أن يقدم على استنباط هذه النتائج، وليس من اللازم أن يكون ذلك النص مخطوطا، فكثير من الكتب المطبوعة التي بين أيدينا، لا تفترق كثيرا عن المخطوطات؛ إذ إن الذين تولوا طبعها ونشرها، طائفة من الوراقين وبعض الأدعياء، الذين لا يدرون عن فن تحقيق النصوص شيئا، ولذلك جاءت هذه المطبوعات في كثير من الأحيان مليئة بالتصحيف والتحريف، نصوصها مضطربة مشوشة، تبعد كثيرا عن الأصل الذي كتبه مؤلفوها. ويعين على عملية تحقيق النص، أن يتعقبه الباحث في مصادره الأولى، ولا يقتنع به في أول مصدر تقع عليه عينه، وبمعنى آخر لا يصح

للباحث أن يكتفي بالمصادر الثانوية في الموضوع، وهي التي تستقي معلوماتها من مصادر أقدم منها، فإذا ذكر أحد اللغويين المحدثين قولا نقله عن "المزهر" للسيوطي مثلا، فإن على الباحث أن يرجع إلى كتاب "المزهر" نفسه، فإذا رأي السيوطي ينقل هذا القول عن ابن جني مثلا، فإن عليه أن يبحث عن هذا النص في كتب ابن جني، التي حفظتها لنا الأيام، ويعد ذلك في كثير من الأحيان مهمة صعبة، إلا إذا نص السيوطي مثلا على اسم كتاب ابن جني، كالخصائص، أو سر صناعة الإعراب، أو غير ذلك. وكلما عثر الباحث على النص الواحد في كتب متعددة، كان أوثق لهذا النص؛ لأن العبارة قد تصاب بتحريف في أحد المصادر، فيقومها المصدر الثاني، ويكفي للتدليل على هذا مراجعة النص الذي اقتبسه السيوطي في القبائل التي تؤخذ عنها اللغة، من كتاب الألفاظ والحروف لأبي نصر الفارابي1 في كتابيه: "المزهر" و"الاقتراح" ومقارنة كل واحد منهما بالآخر، حتى يتبين لنا صدق هذا القول: ففي المزهر: " ... فإنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وإياد، لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب واليمن، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس ولا من عبد القيس وأزد عمان؛ لأنهم كانوا بالبحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة"2.

_ 1 النص مختصر جدا في كتاب "الحروف" لأبي نصر الفارابي، الذي نشره محسن مهدي في بيروت 1969م. 2 المزهر للسيوطي 1/ 212.

وفي الاقتراح: " ... فإنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام، فإنهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط، ولا من قضاعة، ولا من غسان، ولا من إياد؛ فإنهم كانوا مجاورين لأهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون في صلاتهم بغير العربية، ولا من تغلب ولا النمر؛ فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية، ولا من بكر؛ لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس، ولا من عبد القيس؛ لأنهم كانوا سكان البحرين، مخالطين للهند والفرس، ولا من أزد عمان لمخالطتهم للهند والفرس، ولا من أهل اليمن أصلا لمخالطتهم للهند والحبشة"1. وهكذا نرى من مقارنة النصين في كل من "المزهر" و"الاقتراح" أن كلمة: "اليمن" وكلمة: "للقبط" في المزهر، تحريف لكلمتي: "النمر" و"للنبط" وهما في كتاب "الاقتراح". وصحتهما أوضح من أن يساق عليها الدليل. وقد يكون النص موجودا في كتب متعددة، غير أنه منقول فيها كلها عن كتاب واحد محرف، وحينئذ لا يغني التعدد هنا شيئا. ومن أمثلة ذلك نص المزهر المحرف في الموضع السابق، الذي أخذه بتحريفه دون فطنة إلى ذلك، كل من الشيخ محمد علي الدسوقي في كتابه: تهذيب الألفاظ العامية "ص42"، والمستشرق أوجست فيشر في كتابه: المعجم اللغوي التاريخي "ص12-13"، والأستاذ عبد الوهاب حمودة في كتابه: القراءات واللهجات "ص29"، والدكتور مهدي المخزومي في كتابه: مدرسة الكوفة "ص54"، والدكتور صبحي الصالح في كتابه: دراسات في فقه اللغة "ص114"، والدكتورة بنت الشاطيء في كتابها: لغتنا والحياة "ص32" والأستاذ

_ 1 الاقتراح للسيوطي 19.

تسحب اسكانر أحمد عبد الغفور عطار في كتابه: الفصحى والعامية "ص28" والدكتور إبراهيم السامرائي في كتاب: العربية بين أمسها وحاضرها "ص22". وخلاصة القول أن الباحث إذا وجد في المصادر الثانوية ما يحتاجه، فعليه أن يرجع به إلى المصادر الأصلية، ليتحقق من صحته. وقد عودتني التجارب الكثيرة أن العودة إلى المصادر الأصلية ضرورية جدا؛ لأن كثيرا من هذه المصادر الثانوية، قد تسيء فهم المصدر الأصلي أحيانا، أو يصيبها التصحيف والتحريف أحيانا أخرى. وسأضرب هنا بعض الأمثلة من تجاربي في بحوثي المختلفة: فقد رأيت في كتاب: "رابين" عن اللهجات القديمة في غربي الجزيرة العربية النص التالي1: "The dialect of Kab'za "sic is reported to have" Pronounced saq instead of saq "leg" Mukhassas. 52". وترجمته: "يُروى عن قبيلة كبعز أنها كانت تنطق: سأق بدلا من ساق "المخصص 2/ 52". وكان من الممكن أن اقتبس هذا النص، للاستشهاد به على أنه إلى جانب قبيلة طيئ، توجد قبيلة أخرى تسمى قبيلة "كبعز" تهمز الكلمات التي لا تستحق الهمز أصلا، وهو ما يسمى لدى علماء الغرب: Hyperurb anismus: أو Overcorr ectness وأسميه أنا بالحذلقة أو المبالغة في التفصح2، فإن الإحساس بأن نطق كلمة: "راس" أو "ياكل" أو غيرهما، نطق عامي يقابل النطق الفصيح: "رأس" و"يأكل" هذا

_ 1 Rabin, Ancient west , p 202 2 انظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانيه 79-84 ولحن العامة والتطور اللغوي.

تسحب اسكانر الإحساس كان يقود أحيانا إلى الاعتقاد بأن حروف المد الأصلية، مثل: "ساق" و"باز" و"موقد" "من أوقد" نطق عامي، وأن الفصيح فيه: "سأق" و"بأز" و"مؤقد" عن طريق المبالغة في التفصح. أقول: كان من الممكن أن اقتبس نص Rabin السابق، دليلا على أن قبيلة "كبعز" تبالغ في التفصح في ناحية الهمز، تماما مثل قبيلة طيئ، التي اشتهر عنها أنها تقول: "السؤدد" بدلا من: "السودد" "وهو من السيادة، وفعله: ساد يسود، فأصله الواو لا الهمز" غير أن المنهج العلمي يحتم على المرء هنا أن يرجع إلى المصدر الرئيسي، الذي أخذ عنه Rabin هذه النقطة، وهو كتاب "المخصص" لابن سيده "2/ 52: 7"، وبالرجوع إليه وجدت النص فيها كما يلي: "أما قراءة من قرأ: وكشفت عن سأقيها، فإنه همز، لمشابهة الألف الهمزة، وقيل: هي لغة كبأر"، أي أن همز كلمة: "سأق" لغة من اللغات العربية، تماما مثل همز كلمة: "بأز" عند من يهمزها بدلا من: "باز" بمعنى: صقر. والذي أوقع Rabin في هذا الخطأ، أنه قرأ العبارة فيما يبدو: "وقيل هي لغة كبأز"، وعندما نقلها بحروفه اللاتينية، استبدل بالرمز المصطلح عليه بين المستشرقين لكتابة الهمزة، وهو: "د" رمز العين المصطلح عليه عندهم، وهو رأس عين صغيرة ">" سهوا منه، وبذلك صارت الكلمة بالحروف اللاتينية: kabaz غير أن Rabin قد شك في وجود قبيلة عربية بهذا الاسم، وهو ما دعاه إلى أن يضع بعدها بين قوسين كلمة: sic ومعناها باللاتينية: "كذا وردت الكلمة، ولم أتبين وجهها". وهكذا يتبين لنا بالطريق العملي، كيف أن الرجوع إلى المصادر الأساسية، ضروري لتصحيح الخطأ، الذي تقع فيه المصادر الثانوية أحيانا.

وهذا مثال آخر يبين ضرورة الرجوع إلى المصادر الأساسية، فقد ذكر "فلوجل" Flugel" في كتابه: "مدارس العرب النحوية" في ترجمة الكسائي "عن الفهرست لابن النديم" ما يلي1: "Der Fihrist wiederum erzahltm dass, er den Horsaal des mu ad Al Harra Besucht, und wahrenddie Ubrigen Anwesenden einfache Uberwurfe حلل" Uper den Blossen korper trugen, "alleien" mit einem rothlichen Mantel كساء وردا" Bekleidet war" وترجمة العبارة: "ويحكي الفهرست أيضا أنه "أي الكسائي" كان يحضر مجلس معاذ الهراء، وكان سائر الحاضرين يرتدون الحلل على العري، أما هو فكان يرتدي وحده كساء أحمر". وإذا راجعنا نص الفهرست، وجدنا فيه ما يلي: "وإنما سمي الكسائي؛ لأنه كان يحضر مجلس معاذ الهراء، والناس عليهم الحلل، وعليه كساء ورداء"2، ويهمنا هنا العبارة الأخيرة، وهي التي فهمها Flugel خطأ، والظاهر أنه قرأ كلمة: "ورداء" "التي كتبت في مخطوطة الفهرست، التي كان يستخدمها، بلا همزة": "وَرْدًا"، وفهمها على أنها صفة للكساء، أي أنه كساء في لون الورد، فيكون أحمر اللون، وفاته أنه لو كان الأمر كذلك، لوجب أن تكون العبارة: "وعليه كساء وردي"! ومن أمثلة المصادر الثانوية المضرة، ما يوجد في كتاب: "إعراب ثلاثين سورة" لابن خالويه، من قوله: "قال عمرو بن بحر الجاحظ في

_ 1 Flugel, Die grammatischen Schulen der Araber, s. 121. 2 الفهرست لابن النديم 104.

كتاب الحيوان: والتين والزيتون: دمشق وفلسطين"1، فقد يظن من يكتفي بهذا النص، أن الجاحظ يفسر التين والزيتون بهذا التفسير، غير أن من يبحث عن هذا في كتاب الحيوان، يجد الجاحظ يحكي هذا الرأي عن غيره، ويرفضه ويهزأ به بشدة، فيقول: "وقد قال الله عز وجل: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} ، فزعم زيد بن أسلم أن التين دمشق، الزيتون فلسطين، وللغالية في هذا تأويل أرغب بالعترة عنه، وعن ذكره وقد أخرج الله تبارك وتعالى الكلام مخرج القسم، وما تعرف دمشق إلا بدمشق. ولا فلسطين إلا بفلسطين"2، ثم مضى الجاحظ بعد ذلك يعدد فوائد التين والزيتون، وقال بعد ذلك: "وليس لهذا المقدار عظمهما الله عز وجل، وأقسم بهما، ونوه بذكرهما". فأين من يعتمد على هذا النص في مصدره الأصلي، ممن يعتمد على نص مبتور، في مصدر ثانوي، ينسب إلى الجاحظ رأيا لم يقل به؟ ومثل ذلك ما في الفهرست لابن النديم، عند قوله في ترجمة المبرد ما نصه: "قال أبو سعيد رحمه الله: وقد نظر في كتاب سيبويه في عصره جماعة لم يكن لهم كتب عنه، يعني المبرد، مثل أبي ذكوان القاسم بن إسماعيل ... "3 وذكر شخصين آخرين هما عسل بن ذكوان وأبو يعلى بن أبي زرعة. وإذا كان الباحث العجلان يكتفي أحيانا بمثل هذا النص، ليبني عليه أحكاما، فيدعي أن أبا ذكوان وزميليه كانوا من تلامذة المبرد، غير أنهم

_ 1 إعراب ثلاثين سورة 128. 2 الحيوان للجاحظ 1/ 208. 3 الفهرست لابن النديم 95.

لم يؤلفوا كتبا أخذوا مادتها عن المبرد، فإن ذلك كله خطأ؛ إذ إنه ما قال أحد إن هؤلاء الثلاثة كانوا من تلامذة المبرد. ويقضي المنهج العلمي في هذه الحالة، أن تبحث المصادر التي اعتمد عليها الفهرست في هذه النقطة، وقد رأينا النص يبدأ بعبارة: "قال أبو سعيد رحمه الله"، فإذا عرفنا أن ابن النديم كان تلميذا لأبي سعيد السيرافي، وأن هذا الأخير قد ألف كتابا سماه: "أخبار النحويين البصريين"، كان علينا أن نبحث فيه عن النص الذي ذكره ابن النديم في كتابه "الفهرست"، وبالفعل نجد النص في أخبار النحويين البصريين للسيرافي، وفيه: "وقد كان من نظرائه "أي المبرد" في عصره، ممن قرأ كتاب سيبويه على المازني، جماعة لم يكن لهم كنباهته، مثل أبي ذكوان ... وعسل بن ذكوان ... وأبي يعلى بن أبي زرعة"1. ومن هذه المراجعة للمصدر الأصلي للنص، نعرف أن عبارة: "لم يكن لهم كتب عنه" المذكورة في الفهرست، ليست إلا تحريفا للعبارة الأصلية: "لم يكن لهم كنباهته: ويظهر أن السر في هذا التحريف أن الألف في: "نباهته" قصرت بعض الشيء وكذلك الهاء لم تكن واضحة تماما، فقرئت الكلمة لهذا السبب: "كتب عنه". ويطول بنا الحديث، إذا ذهبنا نعرض الأمثلة الكثيرة، التي تؤكد ضرورة تحقيق النص قبل استخدامه، على أي نحو، في البحوث العلمية. هذا، وترتبط فكرة الإلحاح على رؤية النص الواحد في أكثر من مصدر، للتحقق من صحته والاطمئنان إلى خلوه من التصحيف.

_ 1 أخبار النحويين البصريين 80.

والتحريف، بفكرة تخريج النصوص الشعرية، في النص الذي يراد نشره، فقد سار جلة المحققين من المستشرقين والعرب، على الاستقصاء في هذه المسألة، والتنبيه على جمهرة المواضع التي ورد فيها هذا البيت أو ذاك في المصادر التي بين أيديهم. وقد يعيب بعض الناس هذا المنهج؛ إذ يرون فيه مبالغة وإسرافا في التخريج، كما ينادي بعضهم بالاكتفاء بمصدر أو بمصدرين، ولا سيما في الشعر المشهور المتداول. وما درى هؤلاء وأولئك أن هذا التخريج المستقصى، قد يفيد باحثا أو محققا، يجد أمامه هذا البيت أو ذاك في سياق نثري غير مفهوم، إما لاختصار مخل في العبارة، وإما لتصحيف أو تحريف، أصابا هذا النص في كتاب مطبوع أو مخطوط، والوسيلة المأمونة العاقبة في مثل هذه الحالة، هي البحث عن مثل هذا البيت في مصادره المختلفة، لعله يعثر في بعضها على سياقة الخالي من الاضطراب والتشويش. مثل هذا الباحث أو المحقق، يحمد لهذه الطريقة المستقصية في تخريج الأشعار، أن وضعت أمامه جمهرة مصادر البيت الذي يهمه، ووفرت له كثيرا من الجهد والمشقة. وهذا مثال واحد يبين مدى صدق هذا القول، ففي شرح قصيدة عدي بن الرقاع، التي نشرها الأستاذ عبد العزيز الميمني1 شرح البيت التالي: وبها مناخ قلما نزلت به ... ومصمعات من بنات معاها

_ 1 الطرائف الأدبية ص92-97.

بما يأتي: " ... مصمعات يعني بعذاب ملترفات محدرات سعرات لعله "كذا" أكلها وشربها". كذا ساق الميمني نص المخطوطة، كما هو بتحريفه، ولم يتبين وجه الصواب فيه، فكتب بعده كلمة: "كذا". ولو أتيح للأستاذ الميمني أن يعرف مصادر هذا البيت، لرأى في سياق بعضها، ما يعينه على إصلاح هذا التحريف، الذي شوه وجه النص، ففي لحن العوام للزبيدي: "وقال أبو نصر: أتانا بثريدة مصمعة، إذا رفعها كالصومعة، وحدد رأسها، ويقال: بعرات مصمعات إذا كانت ملتزقات عطاشا فيهن ضمور. وأنشد يعقوب لعدي بن الرقاع: ولها مناخ ... "1 البيت. وعلى ضوء نص "لحن العوام يمكن إصلاح الخلل الواقع في نص "الطرائف الأدبية" على النحو التالي: "مصمعات يعني بعرات ملتزقات محددات ببعرات لقلة أكلها وشربها". على أن الاكتفاء بمصدر أو بمصدرين، قد يجر إلى ادعاء خطأ نسبة بيت، وردت في مصادر لم يرها المحقق، أو القول بتحريف أو تصحيف في رواية، لم يجهد المحقق نفسه في البحث عنها، أو ترك التصحيف والتحريف كما هو، لعثوره عليه مرة أخرى في مصدره الذي اكتفى به. وقد وقعت أنا في بعض ذلك، عند تحقيقي كتاب: "لحن العوام" للزبيدي؛ إذ ادعيت أن رواية بيت الفرزدق: وعض زمان يابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجرف محرفة في ديوانه، وأن الصواب: "مجلف"2.

_ 1 لحن العوام للزبيدي 172. 2 لحن العوام للزبيدي 139.

غير أن من يطلع على كتاب "الإبدال" لأبي الطيب اللغوي، يعرف أن البيت يقال بالروايتين: "مجلف"، أو "مجرف"1. هذه هي بعض علامات على الطريق، تسندها خبرة متواضعة في معالجة النصوص، وتجارب شاقة في ميدان البحث العلمي.

_ 1 الإبدال لأبي الطيب اللغوي 2/ 70.

الفصل الثاني: مصادر كتاب المزهر للسيوطي

الفصل الثاني: مصادر "كتاب المزهر" للسيوطي كتاب "المزهر في علوم اللغة وأنواعها" أشهر كتب جلال الدين السيوطي اللغوية، بل إنه أشهر كتب فقه اللغة في العربية، جمع فيه مؤلفه حصاد القرون الطويلة، التي سبقته في الدراسات اللغوية عند العرب، واستوعب فيه كل ما وصلت إليه يده من مؤلفات السابقين، في القضايا التي أثارها في كتابه، بدءا من حديثه عن أصل اللغة ونشأتها، ومرورا بطرق تحمل العلم باللغة، ومعرفة الفصيح والمطرد والشاذ والنادر، والمعرب والمولد، وخصائص العربية في ظواهر الاشتقاق والحقيقة والمجاز، والمشترك والتضاد والترادف، والإتباع والإبدال، والقلب والنحت، والمثنى والمكنى والمبني، والملاحن والألغاز، والأشباه والنظائر.... وانتهاء بالحديث عن آداب اللغوي، ومعرفة ما ينتاب كتابة اللغة من التصحيف والتحريف، وطبقات اللغويين وأسمائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم، وأغلاط الشعراء والرواة وأكاذيب الأعراب، وما إلى ذلك. ولقد بلغت مصادر السيوطي في هذا الكتاب مائتي مصدر، يعود أقدمها إلى القرن الثاني الهجري، كالعين للخليل بن أحمد الفراهيدي، وأحدثها إلى الفيروزآبادي المتوفى "سنة 817هـ" قبل السيوطي بحوالي قرن من الزمان. وقد أتى السيوطي على الكثير من محتويات بعض هذه الكتب، فنقلها إلى مزهره، فقد نقل أكثر ما في كتاب "الإبدال" لابن السكيت، ثم قال: "هذا غالب ما أورده ابن السكيت، وبقيت منه أحرف أخرى، أخرتها

إلى النوع السابع والثلاثين والذي يليه، وفات ابن السكيت ألفاظ جمة مفرقة في كتب اللغة. ومن أهم ما فاته الإبدال بين السين والصاد، نحو: السراط والصراط"1. ومعنى هذا النص أن السيوطي، لم يكن ينقل ما في مصادره، نقلا عشوائيا، وإنما هو نقل واع يتبع منهجا وتخطيطا بالغ الدقة. ومثل ذلك أيضا نقله، ما ذكره الفيروزآبادي من أسماء العسل في كتابه: "ترقيق الأسل لتصفيق العسل"، وقوله بعد أن انتهى منه: "قلت: ما استوفى أحد مثل هذا الاستيفاء، ومع ذلك فقد فاته بعض الألفاظ"2، ثم استكمل هذه الألفاظ من أمالي القالي، وأمالي الزجاجي3. ويشبه هذا أيضا صنيعه مع كتاب "المثنى والمبني" لابن السكيت، فقد نقل منه عشر صفحات كاملة، ثم قال: "هذا ما أورده ابن السكيت في هذا الباب، وقد جمع فأوعى، ومع ذلك فقد فاته ألفاظ"4، وقد استدرك السيوطي هذا الفائت من ديوان الأدب، والغريب المصنف، والجمهرة، وغيرها. وأحيانا ينقل السيوطي فصولا كاملة من مصادره، كما فعل ذلك حين نقل الفصلين الرابع والخامس من كتاب: "لمع الأدلة" لأبي البركات بن

_ 1 المزهر 1/ 469. 2 في الأصل: "الزجاج" وهو تحريف. 3 المزهر 1/ 409. 4 المزهر 2/ 182.

الأنباري "82/ 84" بالحرف الواحد1. وكما فعل في باب: "ذكر ما جاء على فُعالة"؛ إذ نقله كله من "الغريب المصنف" لأبي عبيد، وقال في آخره: "هذا جميع ما في الغريب المصنف"2. وفي بعض الأحيان يلخص السيوطي ما في مصادره تلخيصا شديدا، كما فعل حين لخص كتاب "مراتب النحويين" لأبي الطيب اللغوي، في عشرين صفحة، وقال في آخرها: "انتهى كلام أبي الطيب في كتاب مراتب النحويين ملخصا"3. وهو لا يغفل الإشارة إلى ما لخصه من نصوص مصادره، كما رأينا في العبارة السابقة، وكقوله في موضع آخر مثلا: "انتهى كلام ابن جني ملخصا"4. وقد نثر السيوطي كثيرا من مسائل "الصاحبي" لابن فارس، و"الخصائص" لابن جني في مزهره، فقد نقل عن الأول ست صفحات كاملة في أحد المواضع، ثم قال: "هذا كله كلام ابن فارس"5. كما أكثر من النقل عنه في افتتاحيات كثير من أبوابه6. وقد نص السيوطي على استفادته الكاملة من هذا الكتاب، فقال مرة: "قلت: قد رأيت نسخة من هذا الكتاب مقروءة على المصنف، وعليها خطه، وقد نقلت غالب ما فيه في هذا الكتاب"7. كما نقل عن "الخصائص" كثيرا كذلك؛ إذ نقل منه ست صفحات في أصل اللغة، وقال في آخرها: "هذا كله كلام ابن

_ 1 المزهر 1/ 113-114. 2 المزهر 2/ 119-120. 3 المزهر 2/ 395-414. 4 المزهر 1/ 359. 5 المزهر 1/ 66-71. 6 المزهر 1/ 321-345. 7 المزهر 1/ 403.

جني"1. وهناك نقل آخر في سبع صفحات في موضوع: المهمل والمستعمل، قال بعده: "انتهى كلام ابن جني"2 وفي باب: سقطات العلماء، نقل عنه اثنتي عشرة صفحة، وقال: "انتهى ما أورده ابن جني"3. ومن أمثلة النقل المطول عن المصادر، نقله رسالة في حوالي ثلاثين صفحة4، من ديوان رسائل الشريف أبي القاسم علي بن الحسين المصري، في الألغاز اللغوية، ثم نقله المقامة الثانية والثلاثين في الألغاز من مقامات الحريري كاملة5. ومع تطويله النقل عن بعض المصادر على هذا النحو، نراه لا يستخدم في بعض الأحيان كل الكتب المتخصصة في الموضوع الذي يكتب فيه، ففي موضوع: "المشجر" مثلا، لم يستخدم السيوطي كتاب: "المداخل" لأبي عمر الزاهد "345هـ"، ولا كتاب: "المسلسل" لأبي الطاهر التميمي "538هـ". وفي موضوع: "الإتباع" لم يستخدم كتاب: "الإتباع" لأبي الطيب اللغوي "351هـ". وكذلك في موضوع: "الإبدال" لم يفد من كتاب: "الإبدال" لأبي الطيب اللغوي شيئا. ونراه كذلك في موضوع: "الأمثال" لا يستخدم بعض الكتب المهمة، مثل: "جمهرة الأمثال" لأبي هلال العسكري "395هـ" و"مجمع الأمثال" للميداني "518هـ" و"المستقصى" للزمخشري "538هـ" وغير ذلك.

_ 1 المزهر 1/ 10-16. 2 المزهر 1/ 240-247. 3 المزهر 2/ 369-381 4 المزهر 1/ 591-621. 5 المزهر 1/ 622-635.

وتنقسم مصادر السيوطي في مزهره، إلى أنواع شتى من حيث التخصص، على النحو التالي: 1- كتب في فقه اللغة، كالصاحبي في فقه اللغة لابن فارس، والخصائص لابن جني. 2- معاجم عربية مرتبة على الموضوعات، مثل: الغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام، وفقه اللغة للثعالبي1. أو مرتبة على المخارج، مثل: العين للخليل بن أحمد، ومختصره لأبي بكر الزبيدي، وتهذيب اللغة للأزهري، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، واستدراك الغلط الواقع في كتاب العين للزبيدي، أو مرتبة ترتيبا هجائيا أو على المباني، مثل: الصحاح للجوهري، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، والعباب للصاغاني، وجمهرة اللغة لابن دريد، وديوان الأدب للفارابي، والمجمل لابن فارس. 3- كتب لغوية متخصصة في موضوع واحد، مثل: الإبدال لابن السكيت، والأيام والليالي للفراء، وما اتفق لفظه واختلف معناه للمبرد، والمقصور والممدود لابن ولاد، والأضداد لأبي بكر بن الأنباري، والإتباع لابن فارس، وشجر الدر لأبي الطيب اللغوي، والمقصور والممدود لأبي علي القالي، وما جاء على فَعَالِ للصاغاني، والمثنى لأبي الطيب اللغوي، والموازنة لحمزة بن الحسن الأصفهاني، وخلق الإنسان للصاغاني، والأجناس للأصمعي، والمقصود والممدود لابن السكيت، والفروق لأبي الطيب اللغوي، والأصوات لابن السكيت، والليل والنهار لأبي حاتم السجستاني. 4- كتب في النحو والصرف، مثل: الكتاب لسيبويه، وأصول

_ 1 يلاحظ أن السيوطي لم يستخدم معجمامهما من معاجم الموضوعات، وهو "المخصص" لابن سيده.

النحو لابن السراج، وارتشاف الضرب لأبي حيان، والتسهيل لابن مالك، ولمع الأدلة لأبي البركات بن الأنباري، وشرح التسهيل لأبي حيان، وسفر السعادة للسخاوي، والإنصاف لأبي البركات بن الأنباري، وشرح فصول ابن معط لابن إياز، والغرة في شرح اللمع لابن الدهان، وشرح المفصل للسخاوي، وشرح الشافية للجاربردي. 5- كتب في لحن العامة، مثل: إصلاح المنطق لابن السكيت، وتهذيبه للخطيب التبريزي، وأدب الكاتب لابن قتيبة، وشرحه للجواليقي والزجاجي، والفصيح لثعلب، وشروحه لابن درستويه والمرزوقي وابن خالويه والبطليوسي، وذيله للموفق البغدادي. 6- كتب الأمالي، مثل: أمالي ثعلب المعروفة بمجالس ثعلب، والأمالي لأبي علي القالي، وأمالي الزجاجي، وأمالي ابن دريد، وأمالي أبي عبيد. 7- كتب النوادر، كالكتب التي ألفها كل من أبي زيد الأنصاري، وأبي محمد اليزيدي، وابن الأعرابي، ويونس بن حبيب، وأبي عمرو الشيباني، والنجيرمي. 8- دواوين الأدب والمجاميع الشعرية، مثل: يتيمة الدهر للثعالبي، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والكامل للمبرد، وشرح المعلقات لأبي جعفر النحاس، وربيع الأبرار للزمخشري، ومقامات الحريري، ونشوار المحاضرة للتنوخي، وشرح شعر هذيل للسكري، والحمقى والمغفلين لابن الجوزي، وجمهرة أشعار العرب لمحمد بن أبي الخطاب، وأيام العرب لأبي عبيدة، وشروح المقامات للمطرزي والنحاس وسلامة الأنباري، وشرح كامل المبرد لأبي إسحاق البطليوسي.

9- مجاميع أمثال العرب، مثل: الزاهر في معاني كلمات الناس لأبي بكر بن الأنباري، وجامع الأمثال لأبي علي أحمد بن إسماعيل القمي. 10- كتب في البلاغة والنقد القديم، مثل: الإيضاح للقزويني، ومنهاج البلغاء لحازم القرطاجني، وسر الفصاحة لابن سنان، والعمدة لابن رشيق، وعروس الأفراح لبهاء الدين السبكي، والطريق إلى الفصاحة لابن النفيس. 11- كتب في الأصول والفقه، مثل: شرح منهاج الأصول للإسنوي، والمحصول لفخر الدين الرازي، والوصول إلى الأصول لأبي الفتح ابن برهان، وشرح منهاج البيضاوي لتاج الدين السبكي، وشرح المحصول للقرافي، والملخص في أصول الفقه للقاضي عبد الوهاب السبكي، والروضة للإمام النووي. 12- كتب في التفسير، مثل: تفسير الطبري، والبحر المحيط للزركشي، والتفسير لوكيع، والتفسير لابن جزي. 13- كتب في الحديث، مثل: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والمستدرك للحاكم، وشعب الإيمان للبيهقي، وغريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، والأدب المفرد للبخاري، ومسند أحمد بن حنبل. 14- كتب في التراجم والطبقات، مثل: طبقات فحول الشعراء لابن سلام، وأخبار النحويين البصريين للسيرافي، وطبقات الشعراء لابن المعتز، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي، ومراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي، وطبقات النحويين واللغويين للزبيدي، ومن سمي عمرا من الشعراء لابن الجراح، والمؤتلف والمختلف للآمدي.

15- كتب تاريخية، مثل: تاريخ دمشق لابن عساكر، والبداية والنهاية لابن كثير، وتاريخ حلب للكمال بن العديم، وتاريخ المسعودي "مروج الذهب"، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار. هذه هي جمهرة المصادر التي رجع إليها جلال الدين السيوطي، في تأليف موسوعته اللغوية: "المزهر في علوم اللغة وأنواعها". وبعض هذه المصادر مفقودة لا وجود له الآن، مثل: الأجناس للأصمعي، والأصوات لابن السكيت، والليل والنهار لأبي حاتم السجستاني، والفروق لأبي الطيب اللغوي، وشرح الفصيح لابن خالويه، وأيام العرب لأبي عبيدة، والنوادر لأبي عمرو الشيباني، والنوادر ليونس بن حبيب. وهذا الكتاب الأخير كان قليل الوجود في عصر ابن مكتوم "749هـ"؛ إذ قال عنه السيوطي في المزهر: "وفي النوادر ليونس، رواية محمد بن سلام الجمحي عنه، وهذا الكتاب لم أقف عليه، إلا أني وقفت على منتقى منه، بخط الشيخ تاج الدين بن مكتوم النحوي، وقال عنه: إنه كتاب كثير الفائدة قليل الوجود"1. وبعض مصادر السيوطي في مزهره، لا يزال مخطوطا ينتظر من يحققه وينشره، وينفض غبار الزمن عنه، مستعينا على تحقيقه بالنصوص التي اقتبسها السيوطي منه، مثل: الموازنة لحمزة بن الحسن الأصبهاني، وشرح المفصل للسخاوي، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار، ومن المصادر المخطوطة

_ 1 المزهر 2/ 289.

ما هو تحت الطبع، بعد أن اشتغل بتحقيقها بعض المعاصرين، مثل: العين للخليل بن أحمد، والمقصور والممدود للقالي، والغريب المصنف لأبي عبيد، وارتشاف الضرب لأبي حيان، وسفر السعادة للسخاوي، والأمالي لابن دريد، والنوادر لابن الأعرابي. ومن المصادر ما رآه السيوطي، ثم افتقده في أثناء تأليفه للمزهر، كهذا الكتاب الذي ذكره في النوع السابع والثلاثين، في معرفة ما ورد بوجهين بحيث يؤمن فيه التصحيف، فقال: "وقد رأيت من عدة سنين في هذا النوع مؤلفا في مجلد، لم يكتب عليه اسم مؤلفه، ولا هو عندي الآن حال تأليف هذا الكتاب. ورأيت لصاحب القاموس تأليفا سماه: تحبير الموشين فيا يقال بالسين والشين، ولم يحضر عندي الآن ... فأعملت فكري في استخراج أمثلة ذلك من كتب اللغة"1. وكتاب: "فتيا فقيه العرب" لابن فارس، الذي نشره حسين علي محفوظ، بدمشق سنة 1958م، كان عند السيوطي كذلك، ثم افتقده عند تأليف المزهر، فقال: "وقد ألف ابن فارس تأليفا لطيفا في كراسه، سماه بهذا الاسم "فتيا فقيه العرب" رأيته قديما، وليس هو الآن عندي ... فنذكر ما وقع من ذلك في مقامات الحريري، ثم إن ظفرت بكتاب ابن فارس، ألحقت ما فيه"2. ويبدو أن السيوطي لم يظفر بهذا الكتاب مرة أخرى، حتى مات رحمه الله. ومثل ذلك يتحدث السيوطي عن كتاب: "ليس في كلام العرب".

_ 1 المزهر 1/ 537. 2 المزهر 1/ 622.

لابن خالويه، فيقول في باب: معرفة الأشباه والنظائر1: "هذا نوع مهم ينبغي الاعتناء به، فبه تعرف نوادر اللغة وشواردها، ولا يقوم به إلا مضطلع بالفن واسع الاطلاع، كثير النظر والمراجعة. وقد ألف ابن خالويه كتابا حافلا، في ثلاثة مجلدات ضخمات، سماه: كتاب ليس، موضوعه: ليس في اللغة كذا إلا كذا. وقد طالعته قديما. وانتقيت منه فوائد، وليس هو بحاضر عندي الآن. وأنا أذكر إن شاء الله في هذا النوع، ما يقضي فيه الناظر العجب، وآت فيه ببدائع وغرائب، إذا وقع عليها الحافظ المطلع، يقول: هذا منتهى الأرب". وهذا أحد المواضع التي يظهر فيها أسلوب السيوطي، في التقديم لأبواب المزهر المختلفة. أما الفوائد التي انتقاها من كتاب: "ليس" لابن خالويه قديما، فتظهر منثورة هنا وهناك في المزهر، ومنها في أحد المواضع اثنتا عشرة صفحة، قال في آخرها: "هذا آخر المنتقى من كتاب ليس لابن خالويه"2. وبعض مصادر "المزهر" كانت عند السيوطي بخطوط مؤلفيها، فقد ذكر أنه رأى تاريخ حلب للكمال بن العديم بخطه3، كما كانت عنده تذكره الشيخ تاج الدين بن مكتوم القيسي بخطه4، وكانت عنده ثلاثة كتب للنجيرمي كلها بخطه، وهي: التعليق5، والفوائد6،

_ 1 المزهر 2/ 3. 2 المزهر 2/ 78-90. 3 المزهر 2/ 225. 4 انظر: المزهر 1/ 275، 1/ 421. 5 المزهر 1/ 382. 6 المزهر 2/ 304.

والنوادر1، كما نقل "من خط الشيخ بدر الدين الزركشي في كراسة له سماها: عمل من طب لمن حب"2. وتبلغ نسبة النصوص المنقولة عن كتب مفقودة، في "المزهر" حوالي 40% من حجم الكتاب. ومن هنا تبدو قيمة كتاب "المزهر" للسيوطي، الذي حفظ لنا نصوصا كثيرة، ضاعت أصولها ولم تصل إلينا. وهو في مثل هذه النصوص، يعد مصدرا أصيلا في البحث العلمي. وتختلف معاملة السيوطي لمصادره من مؤلف إلى مؤلف، فهو أحيانا ينقل نقلا حرفيا ما أمامه من نصوص في مصادره، مثلما ذكرناه من قبل، من نقله الفصلين الرابع والخامس من كتاب: "لمع الأدلة" لابن الأنباري، بالحرف الواحد. وأحيانا يتصرف، ويقدم ويؤخر، ويحذف ويختصر، كما فعل في باب: "الأضداد"3 الذي نقله من كتاب: "الغريب المصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام، فإننا إذا طالعنا هذا الكتاب الأخير، رأينا أبا عبيد يروي في باب الأضداد منه عن أبي زيد، ثم عن اليزيدي، ثم عن أبي زيد مرة ثانية، ثم عن الأصمعي، ثم عن أبي عبيدة، ثم عن الكسائي، ثم عن أبي زيد مرة ثالثة، ثم عن الكسائي مرة ثانية، ثم عن الأموي، ثم عن الأصمعي مرة ثانية، ثم عن أبي عبيدة مرة ثانية، ثم عن أبي عمرو، ثم عن أبي عبيدة مرة ثالثة، ثم عن الأحمر، ثم عن الأصمعي مرة ثالثة، ثم عن أبي عبيدة مرة رابعة، ثم عن

_ 1 المزهر 2/ 291. 2 المزهر 2/ 366. 3 المزهر 1/ 389-391.

الأصمعي مرة رابعة، ثم عن أبي عبيدة مرة خامسة، ثم عن الكسائي مرة ثالثة. وهكذا ينتهي الباب. أما السيوطي، فإنه جمع آراء كل عالم بعضها إلى بعض، فبدأ بأبي زيد، فالأصمعي، فأبي عبيدة، فالكسائي، فالأموي، فأبي عمرو، فالأحمر. أما أبو عبيدة فإنه كان -فيما يبدو- يدون في غريبه المصنف، ما سمعه من شيوخه، حسبما كان يقع إليه هذا المسموع يوما بعد يوم. هذا إلى أن السيوطي، حذف كلام اليزيدي، والشواهد الشعرية المختلفة، التي يمتلئ بها الغريب المصنف، في هذا الباب. وبعد ... فماذا للسيوطي في كتابه: "المزهر"؟ إن له أولا فضل جمع الجزئيات الصغيرة من هنا وهناك، في الموضوع الذي يكتبه. وهو يعزو كل قول إلى صاحبه في أمانة علمية فائقة. وإذا كانت تلك عادته في كل نقوله هنا وهناك. فإننا لا ندري السر الذي جعله يجهّل مصدره في تلك المواضع القليلة جدا في كتابه، كقوله مثلا: "وقال بعضهم"1، أو: "وفي بعض المجاميع"2 أو: "قال أهل الأصول"3، أو: "قال المعري في بعض كتبه"4، أو: "قال صاحب زاد المسافر"5 أو: "رأيت لهذه الأبيات شرحا في كراسة"6.

_ 1 المزهر 1/ 94، 1/ 274، 2/ 286، وفي الموضع الأخير ذكر السيوطي قصيدة توجد في المقامة السادسة والأربعين من مقامات الحريري، وهي المقامة الحلبية. ولا ندري السر في إغفاله مصدره هنا؟! 2 المزهر 2/ 368. 3 المزهر 1/ 368، 1/ 387، 1/ 405. 4 المزهر 2/ 105. 5 المزهر 1/ 351. 6 المزهر 1/ 380.

ولم يخل كتاب: "المزهر" بالإضافة إلى هذا الجمع الدءوب، والترتيب المعجب الرائق، من خطرات هنا وهناك للمؤلف تعزى إليه وحده، وهي في بعض الأحيان رأي له، واجتهاد وصل إليه بثاقب فكره، وطول خبرته باللغة. فهو يدخل أحيانا بجمل اعتراضية، تفسر مبهما، أو تشرح غامضا، أو تضيف جديدا، كقوله مثلا: "وقال ابن جني في الخصائص -وكان هو وشيخه أبو علي الفارسي معتزليين"1 وتوضيحه اسم إسماعيل بن القاسم البغدادي، بأنه "هو أبو علي القالي"2، وتعليقه على تعليم آدم للملائكة أسماء الأشياء، بأن "في هذا فضيلة عظيمة، ومنقبة شريفة لعلم اللغة"3، ووصفه الراغب الأصفهاني بأنه "من أئمة السنة والبلاغة"4، وتعليقه على قول السيرافي إن الخليل بن أحمد عمل أول كتاب العين، بأن "هذه العبارة من السيرافي صريحة في أن الخليل لم يكمل كتاب العين، وهو الظاهر لما سيأتي من نقل كلام الناس في الطعن فيه، بل أكثر الناس أنكروا كونه من تصنيف الخليل"5. وليست كل تعليقات السيوطي على هذا النحو من الاختصار. وهذه تعليقه طويلة، يعرفنا فيها بقراءته لكتاب: "استدراك الغلط الواقع في كتاب العين للزبيدي"، ويذكر لنا محتواه، فيقول: "قلت: وقد طالعته إلى

_ 1 المزهر 1/ 10. 2 المزهر 1/ 83. 3 المزهر 1/ 30. 4 المزهر 1/ 201. 5 المزهر 1/ 76.

ولم يخل كتاب: "المزهر" بالإضافة إلى هذا الجمع الدءوب، والترتيب المعجب الرائق، من خطرات هنا وهناك للمؤلف تعزى إليه وحده، وهي في بعض الأحيان رأي له، واجتهاد وصل إليه بثاقب فكره، وطول خبرته باللغة. فهو يدخل أحيانا بجمل اعتراضية، تفسر مبهما، أو تشرح غامضا، أو تضيف جديدا، كقوله مثلا: "وقال ابن جني في الخصائص - وكان هو وشيخه أبو على الفارسي معتزليين1"، وتوضيحه اسم إسماعيل بن القاسم البغدادي، بأنه "هو أبو على القالي 2"، وتعليقه على تعليم آدم للملائكة أسماء الأشياء، بأن "في هذا فضيلة عظيمة، ومنقبة شريفة لعلم اللغة"3، ووصفه الراغب الإصفهاني بأنه "من أئمة السنة والبلاغة 4"، وتعليقه على قول السيرافي إن الخليل بن أحمد عمل أول كتاب العين، بأن "هذه العبارة من السيرافي صريحة في أن الخليل لم يكمل كتاب العين، وهو الظاهر لما سيأتي من نقل كلام الناس في الطعن فيه، بل أكثر الناس أنكروا كونه من تصنيف الخليل 5". وليست كل تعليقات السيوطي على هذا النحو من الاختصار. وهذه تعليقه طويلة، يعرفنا فيها بقراءته لكتاب: "استدراك الغلط الواقع في كتاب العين للزبيدي"، ويذكر لنا محتواه، فيقول: "قلت: وقد طالعته إلى

_ 1 المزهر 1/ 10 2 المزهر 1/ 83. 3 المزهر 1/ 30. 4 المزهر 1/ 201. 5 المزهر 1/ 76.

"قلت: معاذ الله! هو بريء مما رمي به. ومن طالع الجمهرة رأي تحريه في روايته، وسأذكر منها في هذا الكتاب ما يعرف منه ذلك. ولا يقبل فيه طعن نفطويه؛ لأنه كانت بينهما منافرة عظيمة ... وقد تقرر في علم الحديث أن كلام الأقران في بعضهم لا يقدح"1. وكذلك رد على الفخر الرازي، حين ذكر أن أهل اللغة أهملوا البحث عن أحوال اللغات ورواتها جرحا وتعديلا، فقال: "وأقول: بل الجواب الحق عن هذا، أن أهل اللغة والأخبار، لم يهملوا البحث عن أحوال اللغات، ورواتها جرحا وتعديلا، بل فحصوا ذلك وبينوه، كما بينوا ذلك في رواة الأخبار. ومن طالع الكتب المؤلفة في طبقات اللغويين والنحاة وأخبارهم وجد ذلك. وقد ألف أبو الطيب اللغوي كتاب: مراتب النحويين، بين فيه ذلك، وميز أهل الصدق من أهل الكذب والوضع"2. وحين قال أبو الطيب في هذا الكتاب، عن أبي عبيد القاسم بن سلام: "ولا نعلمه سمع من أبي زيد شيئا"، رد عليه السيوطي فقال: "قلت: قد صرح في عدة مواطن من الغريب المصنف بسماعه منه"3. وتبدو سعة علم السيوطي، حين يهمل مصدره تفسير شيء ما، فيعثر عليه السيوطي مفسرا في كتاب آخر فيذكره، كقوله مثلا: "وقال ابن ولاد في المقصور والممدود، عُشُورا، بضم العين والشين. زعم سيبويه أنه لم يعلم في الكلام شيء على وزنه، ولم يذكر تفسيره ... قلت: ذكر القالي في

_ 1 المزهر 1/ 93-94. 2 المزهر 1/ 120. 3 المزهر 2/ 412.

كتاب: المقصور والممدود أن العشورا: العاشوراء. قال: وهي معروفة"1. وهو كثير التخريج لنصوص مصادره، من أجل توثيقها، فقد خرج في أحد المواضع مجموعة من الأخبار التي نقلها من كتاب: "الصاحبي" لابن فارس، في المصاحف لابن أشتة، والمستدرك للحاكم، والأوائل لأبي هلال العسكري، والطيوريات لأبي طاهر السلفي، والمصاحف لأبي بكر بن أبي داود، ومسند أحمد بن حنبل2. وفي موضع آخر خرج حكاية رواها عن تصحيف العسكري، في معجم الأدباء لياقوت، والحمقى والمغفلين لابن الجوزي3. وهو في تعليقاته حريص كل الحرص على توثيق نقوله، بذكر خطوط العلماء الذين نقل عنهم، كقوله مثلا: "وجدت هذه الحكاية، مكتوبة بخط القاضي مجد الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس، على ظهر نسخة من العباب للصاغاني، ونقلها من خطه تلميذه أبو حامد محمد بن الضياء الحنفي، ونقلتها من خطه"4. بل إنه ليعلمنا في بعض هذه التعليقات، بملكيته لنسخة ثمينة من جمهرة اللغة مقروءة على العلماء، فيقول: "قلت: ظفرت بنسخة من الجمهرة بخط أبي النمر أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس الطرابلسي اللغوي، وقد قرأها على ابن خالويه، بروايته لها عن ابن دريد، وكتب عليها حواشي من استدراك ابن خالويه على مواضع منها، ونبه على

_ 1 المزهر 1/ 169. 2 المزهر 2/ 341-343. 3 المزهر 2/ 354. 4 المزهر 1/ 95.

بعض أوهام وتصحيفات"1. وهو في أحد المواضع يقابل نسختين من كتاب الجمهرة، فيقول: "وقال ابن دريد في الجمهرة: باب ما تكلمت به العرب من كلام العجم حتى صار كاللغز. وفي نسخة: حتى صار كاللغة"2. ويبدو في بعض تعليقات السيوطي، استدراكه المكمل لبعض المؤلفات السابقة قد استدرك على القاموس المحيط أشياء، وقال: "قلت: ومع كثرة ما في القاموس من الجمع للنوادر والشوارد، فقد فاته أشياء ظفرت بها في أثناء مطالعتي لكتب اللغة، حتى هممت أن أجمعها في جزء مذيلا عليه"3. كما استدرك على كتاب: "الإتباع" لابن فارس، وقال: "وقد ألف ابن فارس تأليفا مستقلا في الإتباع، وقد رأيته مرتبا على حروف المعجم، وفاته أكثر مما ذكره. وقد اختصرت تأليفه وزدت عليه ما فاته، في تأليف لطيف سميته: الإلماع في الإتباع"4. وهو أحيانا يذكر الأقوال المناظرة لما هو فيه، فبعد أن ذكر عن "الصاحبي" لابن فارس، أن ابن خالويه قال: جمعت للأسد خمسمائة اسم وللحية مائتين، قال: قلت: ونظير ذلك في فقه اللغة للثعالبي: قد جمع حمزة بن الحسن الأصبهاني من أسماء الدواهي ما يزيد على أربعمائة، وذكر أن تكاثر أسماء الدواهي من الدواهي. قال: ومن العجائب أن أمة وسمت معنى واحدا بمئين من الألفاظ5.

_ 1 المزهر 1/ 95. 1 المزهر 1/ 279 وفي الجمهرة 3/ 499: "كاللغة"! 3 المزهر 1/ 103. 4 المزهر 1/ 414 ويحمل قوله "1/ 420": "وفي كتاب إلماع الإتباع لابن فارس" على السهو! 5 المزهر: 1/ 325.

ونرى من بعض تعليقات السيوطي، كيف أن علمه رحمه الله كان ينمو بكثرة الاطلاع على المصادر المختلفة بمرور الأيام، فهذه فائدة استفادها من جمهرة اللغة، كان قد سئل عنها فلم يعرفها، يقول: "وهذه فائدة لطيفة، لم أرها إلا في الجمهرة، فكانت العرب تسمي: صفر الأول وصفر الثاني، وربيع الأول، وربيع الثاني، وجمادى الأولى وجمادى الآخرة، فلما جاء الإسلام وأبطل ما كانوا يفعلونه من النسيء، سماه النبي صلى الله عليه وسلم شهر الله المحرم ... وبذلك عرفت النكتة في قوله: شهر الله. ولم يرد مثل ذلك في بقية الأشهر ولا رمضان. وقد كنت سئلت من مدة عن النكتة في ذلك، ولم يحضرني فيها شيء، حتى وقفت على كلام ابن دريد هذا"1. وهذه فائدة أخرى وجدها السيوطي عند ثعلب، بعد أن طالب سؤاله عنها، فقد قال بعد أن روى عن ثعلب في أماليه شرحا للمثل: "لا يدري الحي من اللي" أي لا يعرف الكلام البين من الكلام غير البين: "قلت: رضي الله عنه سيدي عمر بن الفارض، ما كان أوسع علمه باللغة! قال في قصيدته اليائية: صار وصف الضر ذاتيا له ... عن عناء والكلام الحي لي ولما شرحت قصيدته هذه ما وجدت من يعرف منها إلا القليل. ولقد سألت خلقا من الصوفية عن معنى قوله: "والكلام الحي لي"، فلم أجد من يعرف معناه، حتى رأيت هذا الكلام في أمالي ثعلب"2. ولم تخل بعض تعليقات السيوطي من الوهم. ومن ذلك اعتقاده أن

_ 1 المزهر 1/ 300-301. 2 المزهر 1/ 501.

كلمة: "السبت" تعني في أصل اللغة: "الدهر"، فقال في موضوع العام الذي خصص: "ثم رأيت له مثالا في غاية الحسن، وهو لفظ: "السبت" فإنه في اللغة: الدهر، ثم خصص في الاستعمال لغة بأحد أيام الأسبوع، وهو فرد من أفراد الدهر"1. والحقيقة أن "السبت" كلمة معربة عن العبرية: SABBAT ومعناها: الراحة! ولكن تلك الأوهام لا تقلل من قيمة الفوائد الجليلة، التي نثرها في صفحات كتابه الضخم، كقوله مثلا: "فائدة: حيث أطلق أبو عبيد في الغريب المصنف أبا عمرو فهو الشيباني، فإن أراد أبا عمرو بن العلاء قيده. وحيث أطلق النحاة أبا عمرو فمرادهم ابن العلاء. وحيث أطلق البصريون أبا العباس فالمراد به المبرد، وحيث أطلقه الكوفيون فالمراد به ثعلب"2. ومن تعليقات السيوطي النادرة، ما ذكره عن طريقة الأمالي اللغوية، عند قدامى اللغويين، فقال: "يكتب المستملي أو القائمة: مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا، ويذكر التاريخ، ثم يورد المملي بإسناده كلاما عن العرب الفصحاء، فيه غريب يحتاج إلى التفسير، ثم يفسره، ويورد من أشعار العرب وغيرها بأسانيده، ومن الفوائد اللغوية، بإسناد وغير إسناد ما يختاره"3. وقد ذكر السيوطي بعد ذلك محاولته التي لم يقدر لها النجاح، في إحياء هذه الأمالي، فقال: "وقد كان هذا في الصدر الأول فاشيا، ثم مات

_ 1 المزهر 1/ 427. 2 المزهر 2/ 455-456. 3 المزهر 2/ 314.

الحفاظ، وانقطع إملاء اللغة من دهر مديد، واستمر إملاء الحديث ... وقد أردت أن أجدد إملاء اللغة وأحييه بعد دثوره، فأمليت مجلسا واحدا، فلم أجد له حملة، ولا من يرعب فيه فتركته"1. هذا، ونحب أن نشير في خاتمة هذا البحث إلى شيء مهم جدا، وهو ضرورة مراجعة المزهر على مصادره، لسد ما أصاب نصه من خلل من كثير من المواضع. وهذه بعضها: أ- روى السيوطي النص التالي عن "ثعلب في أماليه: ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعة تميم، وتلتلة بهراء، وكسكسة ربيعة، وكشكشة هوازن، وتضجع قريش"2. وصوابه، كما في مجالس ثعلب ومصادر أخرى كثيرة: "وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجع قيس"3. ب- روى السيوطي النص التالي عن كتاب: "الألفاظ والحروف" للفارابي، في القبائل التي تؤخذ عنها اللغة: "وبالجملة فإنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وإياد، لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب واليمن، فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس"4.

_ 1 المزهر 2/ 314. 2 المزهر 1/ 211. 3 مجالس ثعلب 1/ 80 وانظر: الخصائص 2/ 11 وسر صناعة الإعراب 1/ 234-235 وخزانة الأدب 4/ 495. 4 المزهر 1/ 212.

ويقف المرء حائرا أمام هذا النص؛ إذ كيف يمكن لليمن أن تكون بالجزيرة مجاورة لليونان؟ ثم كيف لبكر أن تمتد بجناحيها في شمالي الجزيرة العربية، فتجاور في الشرق الفرس في إيران، كما تجاور في الغرب القبط في مصر؟ وصواب العبارة كما في المصادر: "ولا من تغلب والنمر فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية، ولا من بكر لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس"1. فانظر كيف حرفت كلمة: "النمر" فصارت في نشرة المزهر: "اليمن"، كما حرفت أختها: "النبط"، فصارت في هذه النشرة كذلك: "القبط"! ج- روى السيوطي النص التالي عن ابن درستويه، فقال: "قال ابن درستويه في شرح الفصيح: قول العامة: نحوي لغوي، على وزن: جهل يجهل، خطأ أو لغة رديئة"2. وفي هامشه تعليقا على عبارة: "نحوي لغوي" قال محققو المزهر: "لم نقف على ضبط هذه العبارة"! وهذا الذي لم يقف على ضبطه محققو الكتاب، موجود على الصواب في مصدره: تصحيح الفصيح لابن درستويه، وهو قوله: "فتقول: غَوِيَ يَغْوَى، على نحو: جَهِلَ يَجْهَلُ"3.

_ 1 الاقتراح 19 وانظر الحروف للفارابي 147. 2 المزهر 1/ 225. 3 تصحيح الفصيح 1/ 119.

وبعد ... فقد بلغ السيوطي في تآليفه شأوا لا يدرك، وجهدا تقصر دونه الخطى ... وكتابه: "المزهر في علوم اللغة وأنواعها" تاج على رءوس هذه المؤلفات، وغرة في وجه هذه التصانيف، يشهد له بطول الباع في الدراسات اللغوية العربية. والصبر والجلد في القراءة والجمع. رحم الله السيوطي رحمة واسعة.

الباب السادس: في اللهجات العربية

الباب السادس: في اللهجات العربية الفصل الأول: الخصائص اللغوية القبيلة طيئ القديمة ... الباب السادس: في اللهجات العربية الفصل الأول: الخصائص اللغوية لقبيلة طيئ القديمة نسب طيئ: تنسب قبيلة طيئ إلى جدها الأكبر: طيئ بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ1. و"طيئ" لقب له، واسمه: "جلهمة"، قال ابن حزم: "ولد أدد بن زيد: مرة بن أدد، ونبت ابن أدد وهو الأشعر، وجلهمة بن أدد، وهو طيئ، ومالك بن أدد، وهو مذحج"2. وقبيلة طيئ هي في الأصل إحدى القبائل القحطانية اليمنية، فإن "سبأ" هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان3. ويبدو أن هذه القبيلة، قد انتقلت مع غيرها من القبائل اليمنية، إلى شمائل الجزيرة العربية، بعد خراب سد مأرب، في عهد عمران بن عامر "ماء السماء" بن حارثة "الغطريف" بن امرئ القيس "البطريق" بن ثعلبة "البهلول" بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ4.

_ 1 العقد الفريد 3/ 399. 2 جمهرة أنساب العرب 397. 3 الاشتقاق لابن دريد 361. 4 انظر: معجم البلدان "مأرب" 4/ 385 وجمهرة أنساب العرب 330 وصفة جزيرة العرب 370-374 وسيرة ابن هشام 1/ 13.

ويرى الشيخ "حمد الجاسر" أن تحديد انتقال القبائل اليمنية، بخراب سد مأرب "أمر مشكوك فيه، وذلك أن المتقدمين يؤرخون حادثة الخراب، بأنها في عصر الملك الفارسي: دارا بن بهمن. ودارا هذا هو الذي غزاه الإسكندر الأكبر، في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد. والأدلة التاريخية والنقوش التي عثر عليها في أمكنة كثيرة في جنوبى الجزيرة وشماليها، وفي أمكنة أخرى خارجها، تدل على انتشار كثير من تلك القبائل، التي ورد ذكرها خارج اليمن، قبل سيل العرم". كما يقول: "وليس من المعقول أن تلك الرقعة الصغيرة من الأرض، وهي مأرب، تتسع لعدد كبير من السكان يتكون من قبائل. والأمر الذي لا ريب فيه أن انتقال تلك القبائل، كان في فترات متفرقة، وفي أزمان متباعدة، فعندما تضيق البلاد بسكانها، ينتقل قسم منها بحثا عن بلاد تلائم حياتهم"1. مكان إقامة طيئ: أقامة قبيلة طيئ في شمالي الحجاز. قال ابن خلدون: "كانت منازلهم باليمن، فخرجوا منه على إثر خروج الأزد منه، ونزلوا سميراء وفيدا في جوار بني أسد، ثم غلبوا بني أسد على أجأ وسلمى، وهما جبلان في بلادهم، يعرفنا بجبلي طيئ، فاستمروا فيها، ثم افترقوا في أول الإسلام في الفتوحات"2.

_ 1 في سراة غامد وزهران، لحمد الجاسر 224. 2 العبر لابن خلدون 2/ 254 وانظر: قلائد الجمان للقلقشندي 72 ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي 326.

وقد ذكر اليعقوبي بعض الأماكن التي كانت تقيم فيهم على طريق الحاج من الكوفة إلى المدينة ومكة، فقال: "والأجفر منازل طيئ، ثم فيد، وهي المدينة التي ينزلها عمال طريق مكة، وأهلها طيئ، وهي في سفح جبلهم المعروف بسلمى، وتوز وهي منازل طيئ"1. كما يقول الإصطخري: "وليس بين المدينة والعراق، مكان يستقل بالعمارة والأهل جميع السنة، مثل: فيد، وفيد في ديار طيئ. وجبلا طيئ منها على مسيرة يومين، وفيها نخيل وزرع قليل لطيئ، وبها ماء قليل، يسكنها بادية من طيئ، ينتقلون عنها في بعض السنة للمراعي"2. ويذكر الزمخشري بعض مياههم وأمكنتهم، مثل: أبضة، وحساء، ريث، والحوراء، وغضور، والسبعان، وبلطة، ومناع، وغير ذلك كثير3. فصاحة طيئ: تعد طيئ عند اللغويين والنحاة العرب، من القبائل الفصيحة، التي تؤخذ عنها اللغة، فقد قال أبو نصر الفارابي، وهو يتحدث عن العرب: "فإن فيهم سكان البراري، وفيهم سكان الأمصار، وأكثر ما تشاغلوا بذلك

_ 1 البلدان لليعقوبي 71-72 وانظر كذلك: صفة جزيرة العرب 337 2 المسالك والممالك 54. 3 انظر: الأمكنة والمياه والجبال للزمخشري "فهرس أعلام الأشخاص والجماعات 247".

من سنة تسعين إلى سنة مائتين. وكان الذي تولى ذلك من بين أمصارهم، أهل الكوفة والبصرة من أرض العراق، فتعلموا لغتهم والفصيح منها، من سكان البراري منهم، دون أهل الحضر، ثم سكان البراري من كان في أوسط بلادهم ومن أشدهم توحشا وجفاء، وأبعدهم إذعانا وانقيادا، وهم قيس وتميم وأسد وطيئ ثم هذيل، فإن هؤلاء هم معظم من نقل عنهم لسان العرب. والباقون فلم يؤخذ عنهم شيء؛ لأنهم كانوا في أطراف بلادهم، مخالطين لغيرهم من الأمم، مطبوعين على سرعة انقياد ألسنتهم لألفاظ سائر الأمم المطيفة بهم، من الحبشة والهند والفرس والسريانيين وأهل الشام ومصر"1. ومما يدل على مكانة اللغة الطائية في نفوس القوم، ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، من حديث طلحة بن عبيد الله أنه قال: "فوضعوا اللج على قفي"، ثم فسره فقال: "وقوله: قفي، هي لغة طائية. وكانت عند طلحة امرأة طائية، ويقال إن طيئا لا تأخذ من لغة أحد، ويؤخذ من لغاتها"2. وما يؤخذ من لغات طيئ إلا لفصاحتها ومكانتها بين القبائل الأخرى. كما أن اعتزاز طيئ بلغاتها، كان هو السبب -فيما يبدو- في عدم أخذها عما عداها من لغات العرب، فيما رواه لنا أبو عبيد.

_ 1 الحروف للفارابي 147 وقد نقل السيوطي هذا النص في كتابيه المزهر 1/ 211 والاقتراح 19 بصبغة مختلفة، فقال: "وقال أبو نصر الفارابي في أول كتابه المسمى: الألفاظ والحروف: والذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي، من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ من غيرهم من سائر قبائلهم". 2 غريب الحديث 4/ 11 وانظر كذلك: الفائق الزمخشري 3/ 91.

تسحب اسكانر اشتقاق طيئ: "قال ابن خالويه: سئل ثعلب عن طيئ مم أُخذ؟ فقال: من طاءة الفرس، وهو أعلاه"1. فكأن ثعلبا يرى في طيئ علوا في النسب، وإن كان ابن الكلبي يرى أنه "سمي طيئًا؛ لأنه أول من طوى المناهل"2. وطيء المناهل عبارة عن بناء الآبار بالحجارة. طييء واللغة السريانية: عرفت اللغة السريانية الاسم: هنا فقرة تسحب إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟ tayyaya "طيابا" بمعنى: "الرجل الطائي" ثم بمعنى: "العربي" مطلقا. كما تسمى العربية عند السريان: lessana tayyaya "لشانا طيايا" بمعنى: "اللسان العربي". وقد عرف العرب هذه التسمية السريانية، لقبيلة طييء، فقد روى أن المفضل الضبي، الراوية الكوفي المشهور، التقى في الكوفة بأعرابي، فقال له المفضل: ممن الرجل؟ قال: من طييء، فقال له المفضل - وكان قليل المزح: وما طييء إلا نبيط تجمعت ... فقالوا طيابا، كلمة فاستمرت

_ 1 نوادر أبي مسحل 1/ 326. 2 الاشتقاق لابن دريد: 380 وجمهرة اللغة 1/ 109. 3 انظر: إنباه الرواة 3/ 300.

تسحب اسكانر 1- موقف طييء من الهمزة: يبدو أنه قبيلة طييء، كانت تميل إلى التخلص من صوت الهمزة، في مثل: يؤاخي، ويؤاكل، ويؤاسي، فتبدلها حرفا من جنس حركة ما قبلها، فتصير الأمثلة السابقة، يواخي، ويواكل، ويواسي1، وتشتق الماضي من هذه الصيغ الجديدة، فتقول: واخيت، وواكلت، وواسيت. ويؤيد كراهية طييء لنطق الهمزة، ما روى لنا عنهم من أنهم كانوا يبدلون الهمزة في بعض المواضع هاء، فقد "حكى ابن جني عن قطرب أن طيئا تقول: هن فعلت فعلت، يريدون: إن فيبدلون 2". وهذا يذكرنا بما حدث في اللغة العبرية، إذ قلبت فيها همزة "إن" الشرطية، هاء كذلك، فيقال فيها: hinne "هني" = إن. ولم يقتصر الأمر في قلب الطائيين الهمزة هاء على "إن" الشرطية وحدها، بل حكى ذلك عنهم في همزة الاستفهام كذلك، يقولون: "هزيد فعل ذلك؟ يريدون: أزيد فعل ذلك؟ 3 ". ومثل هذا حادث في اللغة العبرية كذلك. أما ما رواه لنا الفراء عن طييء، من أنهم كانوا يهمزون ما لا يستحق الهمز، في قوله: "وربما غلطت العرب في الحرف، إذا ضارعه آخر من الهمز، فيهمزون غير المهموز، سمعت امرأة من طييء تقول: رثأت زوجي

_ 1 تهذيب اللغة 7/ 623 واللسان "أخا" 18/ 23. 2 اللسان "أنن" 16/ 178 والممتع لابن عصفور "1/ 397. 3 اللسان "ها" 20/ 373.

بأبيات. ويقولون: لبأت بالحج، وحلأت السويق، فيغلطون"1 فليس هذا الهمز منهم إلا حذلقة، أو مبالغة في التفصح وتقعرا في الكلام، وكلها اصطلاحات من عندنا لما يقابل في اللاتينية Hyperurb anismus وفي الإنجليزية: Overcorr ectness 2، وهو اصطلاح اتخذ لدى علماء اللغة، للصيغ التي تنتج بسبب الحرص الشديد، على محاكاة اللغة الأدبية، ممن لا يملك زمامها من عامة الشعب، فهو يحاول أن يرد العامية التي يتحدث بها إلى نمط اللغة الأدبية، وهو في محاولته هذه لا يفرق بين الظواهر الجديدة والقديمة، في لغة الخطاب، فإذا رد كلمة جديدة إلى القديم أصاب، أما إذا فعل مثل ذلك مع الكلمات التي احتفظت بالأصل القديم، وشابهت مع ذلك الجديد، فإنه حينئذ يكون متقعرا ومتحذلقا، وذلك كمن يعرف أن الصوت المركب: aw مثلا في العربية الفصحى، يقابل حركة الضم الممالة: "o" في العامية، وذلك مثل: صُوم في صَوْم، وعُوم في عَوْم، ونُوم في نَوْم، ويُوم في يَوْم، فهو إذا رد هذه الكلمات إلى أصلها كان مصيبا في كلامه، غير أن هناك كلمات لها مثل هذه الصورة في الأصل، في اللغة الفصحى نفسها، مثل: "ثُوم" و"حُوت" و"رُوح" وغير ذلك. وهنا يحاول ذلك المتفصح أن يقلب هذه الضمات الأصيلة إلى الصوت

_ 1 معاني القرآن للفراء 1/ 459 وقد حرف الأزهري طيئا، فجعلها: "غني" في هذا الخبر، ونقل عنه صاحب اللسان الكلمة محرقة، يقول الأزهري "تهذيب اللغة 15/ 683= لسان العرب 1/ 10": "ومنها همزة التوهم، كما روى الفراء عن بعض العرب أنهم يهمزون ما لا همز فيه إذا ضارع المهموز. قال: وسمعت امرأة من غني، تقول، رثأت زوجي بأبيات. قال: ويقولون: لبأت بالحج، وحلأت السويق، فيغلطون". 2 يسمي فندريس "اللغة 80" هذه الظاهرة: الإسراف في المدينة، والغلو في مراعاة الصحة. انظر كذلك كتابنا: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه 79-84.

المركب، الذي تتميز به اللغة الفصحى، فيقول: ثَوْم وحَوْت ورَوْح، قياسا على ما فعله في تلك الكلمات السابقة، وعندئذ يأتي بشيء لا هو في لهجات الخطاب، ولا هو في اللغة الفصحى. وليس ما فعله إلا نوعا من أنواع القياس الخاطئ. وعلى هذا النحو يمكن تفسير همز ما ليس أصله الهمز، في خبر الفراء السابق؛ لأن أولئك الطائيين يتركون الهمز في كلامهم -كما سبق أن عرفنا- فيقولون مثلا: فقيت عينه، ووجيت بطنه، بلا همز، ولكنهم يسمعون اللغة الأدبية في شعر الشعراء، ومواقف الجد من القول، وفيها: فقأت عينه، ووجأت بطنه، بالهمز، فيقولون بناء على هذا: حلأت السويق، ولبأت بالحج، ورثأت الميت، عن طريق القياس الخاطئ، مبالغة في التفصح، بدلا من: حليت ولبيت ورثيت. كما يمكن فهم ما روي عنهم من أنهم كانوا يهمزون: "السؤدد"1، وهو من سوَّدته، أي جعلته سيدا، فلا أثر للهمز في أصله. وبمثل هذا أيضا يمكن أن يفسر الهمز عند طيئ للألف المقصورة، في مثل: "حُبْلَأ" بدلا من: "حُبْلَى"2. 2- جهر السين والصاد: السين والصاد من الأصوات الأسنانية اللثوية، المهموسة أي التي

_ 1 انظر: الاشتقاق لابن دريد 211. 2 انظر: أصول النحو لابن السراج 2/ 320.

لا تتذبذب معها الأوتار الصوتية. والسين هي مرقق الصاد، والصاد هي مفخم السين. وقد روي عن قبيلة طيئ أنها كانت تجهر الصوتين، أي تجعل الأوتار الصوتية، تتذبذب معهما، وقد دل اللغويون على هذا الجهر فيهما بقلبهما زايا، فقالوا: إن طيئا تقول في: سقر: زقر، وفي الصقر: زقر، وفي الصراط: زراط. والزاي هي المقابل المجهور للسين. أما المقابل المجهور للصاد، فهو الزاي المفخمة التي تشبه نطق العوام للظاء، في مثل كلمة: ظلم. وأغلب الظن أن الطائيين كانوا ينطقون الصاد نطقا مماثلا لهذا النطق، غير أن اللغويين دلوا عليه بالزاي المرققة، لعدم وجود رمز للزاي المفخمة في الكتابة العربية، وإن كان هؤلاء اللغويون يتحدثون عما يسمونه بإشمام الصاد صوت الزاي، فقد قرأ كل من حمزة والكسائي وخلف ورويس قوله تعالى: {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} 1، وقوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} 2 فإشمام الصاد زايا. وقد سمى ابن سينا هذا النطق: "الزاى الظائية" وقال عن نطقها: "يكون وسط اللسان فيها أرفع، والاهتزاز في طرف اللسان خفي جدا"3. ويزعم ابن الكلبي أن هذه الظاهرة تسمى: "الرسو" و"التمعدد"، وهو يفسر قول حاتم طيئ: إلههم ربي وربي إلههم ... فأقسمت لا أرسو ولا أتمعدد

_ 1 سورة القصص 28/ 23 وانظر: إتحاف فضلاء البشر 210. 2 سورة الزلزلة 99/ 6 وانظر: إتحاف فضلاء البشر 273. 3 أسباب حدوث الحروف 19.

قال: الرسو أن يقال للصقر: زقر، ولسقر: زقر، وللصراط: زراط، وللصقعب: زقعب ... قال: وسمعت أبا أسماء وغير واحد من طيئ يقولون: اللهم إنا نعوذ بك من شر زقر. وهذا كلام معد، فلذلك قال: لا أتمعدد"1. ومع أن حاتما الطائي ينفي هذه الظاهرة عن نفسه -إن صح تفسير ابن الكلبي للبيت- فقد روي أنه هو نفسه قد قلب الصادر زايا، في حكاية رواها لنا مؤرج السدوسي، فقال: "وكانت عنزة أسروا حاتم طيئ، فغزت رجالهم، وتُرك مع النساء والضعفة من الرجال، فقالوا له: افصد لنا، فقام إلى ناقة فعقرها، فقالوا له: أهكذا الفصد؟ وأوجعوه ضربا. قال: هكذا فزدي أنه، يريد: فصدى أنا"2. ويقيد أبو الطيب اللغوي، انقلاب الصادر زايا في لغة طيئ، بسكونها؛ إذ يقول: "ويقال: هي المزدعة والمصدغة، للمخدة. وطيئ تقلب كل صاد، ساكنة زايا. قال الأصمعى: كان حاتم الطائي أسيرا في عنزة، فجاءته النساء بناقة ومفصد، وقلن له: افصد هذه الناقة، فأخذ المفصد فلتم في سبلتها، أي نحرها، وقال: هكذا فزدي أَنَهْ، أي: فصدى أنا"3.

_ 1 ديوان حاتم ق3 / 1 ص5 ولا وجود للرسوم والتمعدد بهذا المعنى في المعاجم العربية! 2 كتاب الأمثال لمؤرج 51 وفي المثل: لم يحرم من فزدله، يعنون: من فصد له ذراع البعير، وكانوا يفعلون ذلك عند المجاعات، ويطبخون الدم ويأكلونه. انظر: لحن العوام للزبيدي 194. 3 الإبدال لأبي الطيب 2/ 126.

3- قلب الياء والواو في مثل: "بَقِيَ" و"سَرُو" ألفا. من المعروف في اللغة العربية الفصحى، أن الياء والواو إذا تحركتا وفتح ما قبلهما، قلبتا ألفين، مثل: سَعَى، وأصلها: سَعَيَ، دعا، وأصلها: دَعَوَ. فإن كان ما قبلهما مكسورا أو مضموما، لم تقلب واحدة منهما ألفا. ولذلك بقيت الياء في مثل: "رضي" والواو في مثل: "سرو" لاختلال شرط الفتح قبلهما. أما قبيلة طيئ، فإنها تطرد الباب على وتيرة واحدة، ولطيئ توسع في اللغات"1 كما روي عنها، فهي هنا تطرد الباب على وتيرة واحدة، فتقلب كل ياء أو واو متحركة ألفا، بشرط تحرك ما قبلها على الإطلاق، دون تخصيص هذه الحركة بالفتح. قال الجوهري: "وطيئ تقول: بقا وبقت، مكان: بقي وبقيت. وكذلك أخواتها من المعتل"2. كما يقول القزاز القيرواني: "ومما يجوز للشاعر أن يقول في دُهِيَ: دُهَا، وهي لغة لطيئ. وكذلك يجوز له أيضا أن يفعل في الواو. وحُكي أن ذلك في طيئ أيضا، وأنهم يقولون في قرنوة وعرقوة: قرناة وعرقاة، فيصنعون في الواو ما صنعوا في الياء من البدل"3. ويمتلئ شعر الطائيين بهذه الظاهرة، ويتضح ذلك بصورة خاصة في شعر زيد الخيل الطائي، فمن ذلك قوله:

_ 1 انظر في هذا القول: الأفعال لابن القوطية 5 والأفعال لابن القطاع 1/ 15 والمزهر للسيوطي 2/ 98. 2 الصحاح "بقي" 6/ 2284 وانظر كذلك: تسهيل الفوائد لابن مالك 311 وشرح المفضليات لابن الأنباري "767 والمصباح المنير "بقي" 1/ 32 وشمس العلوم 1/ 31 والممتع لابن عصفور 1/ 153 والجنى الداني للمرادي 390 والبارع للقالي 512 واللسان "فني" 20/ 23 3 ما يجوز للشاعر في الضرورة 262-264.

أفي كل عام مأتم تبعثونه ... على محمر ثوبتموه وما رُضَا1 وكذلك قوله: تجدون خمشا بعد خمش كأنه ... على فاجع من خير قومكم نُعَا2 وقوله كذلك: لعمرك ما أخشى التصعلك ما بَقَا ... على الأرض قيسي يسوق الأباعرا3 وقوله أيضا: فردوا علينا ما بَقَا من نسائنا ... وأبنائنا واستمتعوا بالأباعر4 وقوله: فلولا زهير أن أكدر نعمة ... لقاذعت كعبا ما بَقَيْتُ وما بَقَا5 وقوله: فليت أبا شريح جار عمرو ... حَيَا عوف وغيبه القبور6

_ 1 ديوانه في 1/ 1 ص25 وسيبويه 1/ 65، 2/ 290 ونوادر أبي زيد 80 والخزانة 4/ 149 وجمهرة اللغة 2/ 143 والجمانة 11 والبارع 511 وشرح شواهد سيبويه 1/ 121 وشرح ديوان كعب 131 ونوادر القالي 25. 2 ديوانه ق1/ 2 ص26 والبارع للقالي 511 نوادر أبي زيد 80 وشرح أبيات الكتاب 1/ 121 وشرح ديوان كعب 132 ونوادر القالي 25 3 ديوانه ق25/ 8 ص62 ونوادر أبي زيد 68 وتفسير القرطبي 3/ 370 4 شرح أبيات الكتاب 2/ 278 وروايته في الديوان ق27/ 2 ص64: "بني أسد ردوا علينا نساءنا" ولا شاهد فيه. 5 ديوانه ق1/ 6 ص27 والبارع للقالي 511 ونوادر أبي زيد 80 وشرح ديوان كعب 134 ونوادر القالي 26. 6 ديوانه ق24/ 1 ص60 والبارع للقالي 511 ونوادر أبي زيد 80.

وقوله: نصول بكل أبيض مشرفي ... على اللاتي بَقَا فيهن ماء1 كما يقول جوين بن عامر الطائي: وأسمر مربوع رَضَاه ابن عازب ... فأُعْطَى ولم ينظر ببيع حلال2 وكذلك يقول البولاني3. نستوقد النبل بالحضيض ونصـ ... ـطاد نفوسا بُنَتْ على الكرم4 كما قال رجل من طيئ: إذا لم يكن مال يرى شنفت له ... صدور رجال قد بَقَا لهم وفر5 وهذه الظاهرة، وإن عزيت في المصادر العربية إلى طيئ وحدها، فإننا نجد لها أمثلة لدى شعراء من قبائل أخرى غير قبيلة طيئ، فمثلا يقول بشر بن أبي خازم الأسدي: بدعلبة براها النص حتى ... بلغت نضارها وفَنَا السنا6 ومثله قول طفيل الغنوي: لزجرت قلبا لا يريع إلى الصبا ... إن الغوي إذا نُهَا لم يُعْتِبِ7

_ 1 ديوانه ق2/ 1 ص30 والاقضاب 427. 2 نوادر أبي زيد 78. 3 بولان بطن من طيئ. انظر: شرح المرزوقي للحماسة ق31. 4 الصحاح "بقي" 6/ 2284 واللسان "بقي" 18/ 86. 5 نوادر أبي زيد 179. 6 ديوان ق41 ص204 وشرح اختيارات المفضل الضبي للتبريزي 3/ 1399. 7 عجزه منسوب لطفيل الغنوي في سيبويه والشنتمري 2/ 291 والبيت بتمامه بلا نسبة ما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز 263 وتفسير الطبري 11/ 61 وليس في ديوانه.

وكذلك قال طفيل الغنوي: فلما فَنَا ما في الكنائن ضاربوا إلى ... القرع من جلد الهجان المجوب1 كما يقول المستوغر بن ربيعة التميمي: هل ما بَقَا إلا كما قد فاتنا ... يوم يكر وليلة تحدونا2 ويقول زهير بن أبي سلمى المزني: تربع صارة حتى إذا ما ... فَنَا الدحلان عنه والإضاء3 ويقول معن بن أوس المزني: أعاذل هل يأتي القبائل حظها ... من الموت أم أُخْلَا لنا الموت وحدنا4 كما يقول كلثوم بن صعب "؟ ": فليت غدا يوم سواه وما بَقَا ... من الدهر ليل يحبس الناس سرمدا5 وقد فطن إلى ذلك بعض علماء العربية، كابن سلام الذي يقول: "بقا وفنا لغتان لطيئ، وقد تكلمت بهما العرب، وهما في لغة طيئ أكثر"6، كما يقول ابن دريد: "وما رُضَا في معنى: ما رَضِيَ، وهي لغة لطيئ، وقد تكلم بها بعض العرب"7، غير أنها "لغة فاشية في طيئ"8. وبعض هؤلاء الشعراء من قبائل تجاور طيئا، كبشر بن أبي خازم الأسدي، كما أن زهير بن أبي سلمى كان متزوجا من طائية9.

_ 1 ديوانه ق1/ 60 ص13 والجيم لأبي عمرو 3/ 121 واللسان "قرع" 10/ 137. 2 طبقات ابن سلام 1/ 33. 3 ديوانه ص65 وطبقات ابن سلام 1/ 33. 4 ديوانه ق7/ 1 ص23. 5 الحماسة بشرح المرزوقي ق576/ 2 ص1388. 6 طبقات ابن سلام 1/ 33 7 جمهرة اللغة 2/ 143. 8 الممتع لابن عصفور 1/ 153 وديوان امرئ القيس ص23 9 ديوانه بشرح ثعلب 283.

وقد رويت لنا بعض أبيات الشعر، وفيها هذه الظاهرة، بلا نسبة لشاعر معين، فيمكن لذلك أن تكون لبعض الطائيين أو لغيرهم، فمن ذلك قول الشاعر: ألا ليت عمي يوم فرق بيننا ... سُقَا السم ممزوجا بشب يماني1 وقول لآخر: لم تلق خيل قبلها ما قد لَقَتْ ... من غب هاجرة وسير مسأد2 وقول امرأة: يا من بمقلته زُهَا الدهر ... قد كان فيك تضاءل الأمر3 وبعض شعراء طيئ كانوا يحرصون على طريقة العربية الفصحى في هذه الظاهرة، فلا يقبلون الياء ألفا، إلا إذا فتح ما قبلها، كحاتم الطائي الذي يقول: كريم لا أبيت الليل جاذ ... أعدد بالأنامل ما رزيت إذا ما بت أشرب فوق ريي ... لسكرت في الشراب فلا رويت إذا ما بت أختل عرس جاري ... ليخفيني الظلام فلا خفيت أأفضح جارتي وأخون جاري ... معاذ الله أفعل ما حييت4 كما يقول كذلك: تبع ابن عم الصدق حيث لقيته ... فإن ابن عم السوء إن سر يُخلف5

_ 1 جمهرة اللغة 1/ 32 وتثقيف اللسان 271. 2 المحكم لابن سيده 6 / 312 واللسان "لقا" 20/ 120 وانظر اللسان "سأد" 4/ 184. 3 سمط اللآلي 1/ 162. 4 ديوانه ق36 ص21. 5 ديوانه ق27/ 2 ص22.

ولم تقتصر هذه الظاهرة على الأفعال المعتلة عند طيئ، فإنهم يقلبون كل ياء ألفا، إذا تحركت وتحرك ما قبلها في الأسماء كذلك، فيقولون: ناصاة1، وباداة2، وتوصاة3، وخظاه بظاة4، وفالاة5، وباناة6 وباقاة7، وأوداة8، في: ناصية، وبادية، وتوصية، وخظية بظية، وفالية، وبانية، وباقية، وأودية. وقد ورد بعض ذلك في شعر طيئ، كقول حريث بن عتاب الطائي: لقد آذنت أهل اليمامة طيئ ... بحرب كناصاة الحصان المشهر9 ومثل ذلك قول حاتم الطائي: فقلت لأصباة صغار ونسوة ... بشهباء من ليل الثمانين قرت10 يريد: أصبية، جمع: "صبي".

_ 1 اللسان نصا" 20/ 199 "وري" 20/ 268 والممتع 2/ 557 والمخصص 6/ 40 وتفسير القرطبي 3/ 370. 2 اللسان "نصا" 20/ 199 وديوان امرئ القيس 123 والمخصص 6/ 40 3 اللسان "وري" 20/ 268. 4 اللسان "خظا" 18/ 254 5 مجالس ثعلب 2/ 496. 6 مقاييس اللغة 1/ 302 واللسان "بني" 18/ 104 والمخصص 6/ 40 7 الممتع 2/ 557. 8 اللسان "ودي" 20/ 263. 9 نوادر أبي زيد 124 وما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز 262 واللسان "نصا" 20/ 199. 10 ديوانه ص10.

وقد وردت هذه الظاهرة في شعر امرئ القيس كذلك في قوله: رب رامٍ من بني ثغل ... مخرج كفيه من ستره عارض زوراء عن نشم ... غير باناة على وتره1 يريد: غير بانية. والبانية من القسي، التي لصق وترها بكبدها حتى كاد ينقطع وترها في بطنها من لصوقة بها، وهو عيب فيها. ويبدو حرص حاتم الطائي على استخدام العربية الفصحى مرة أخرى، في قوله: يا كعب إنا قديما أهل رابية ... فينا الفعال وفينا المجد والخير2 4- ألف المقصور ياء: روي لنا عن قبيلة طيئ أنهم كانوا يقولون في مثل: أَفْعَى وحُبْلَى، وغيرهما مما ينتهى في العربية الفصحى بالألف المقصورة، أَفْعَيْ وحُبْلَيْ، بالياء في الوقف والوصل. ويشارك طيئا فزارة وناس من قيس، في هذه الظاهرة في الوقف فقط، قال سيبويه: "قول بعض العرب في أَفْعَى: هذه أَفْعَىْ، وفي حُبْلَى: هذه حُبْلَيْ وفي مُثَنَّى: هذا مُثَنَّيْ، فإذا وصلت صيرتها ألفا، وكذلك كل ألف في آخر الاسم. حدثنا الخليل وأبو الخطاب أنها لغة لفزارة وناس من قيس، وهي قليلة: فأما الأكثر والأعرف فأن تدع الألف في الوقف على حالها، ولا تبدلها ياء، فإذا وصلت استوت اللغتان ... وأما طيئ فزعموا أنهم يدعونها في الوصل على حالها في الوقف"3.

_ 1 ديوانه ق17/ 2 ص123 ومقاييس اللغة 1/ 302 والمخصص 6/ 39. 2 ديوانه ص6. 3 كتاب سيبويه 2/ 287.

كما يقول أبو علي الفارسي: "الياء في الأواخر وقعت موقع الألف في الوصل والوقف، وذلك لغة طيئ فيما حكاه "سيبويه" عن أبي الخطاب وغيره من العرب، وذلك قولهم في أَفْعَى: أَفْعَيْ ... كما أن ناسا يقولون: أفعيْ في الوقف، فإذا وصلوا قالوا: رأيت الأفعى فاعلم. وجعلت طيئ الحرف في الوصل والوقف ياء"1. ويرى علماء العربية أن الألف المقصورة هي الأصل، وأن الياء في مثل: حبليْ وأفعيْ، في لهجة طيئ وغيرها، ليست إلا انقلابا لتلك الألف، انظر مثلا إلى قول ابن جني: "ومنهم من يبدل هذه الألفات في الوقف ياء"2. غير أن الاطلاع على اللغات السامية من جانب، وتحكيم القوانين الصوتية من جانب آخر يدلان على أن مثل: حبليْ وأفعيْ بالياء، أسبق في سلسلة التطور اللغوي من: أفعى وحبلى بالألف. فإن النظر إلى الأفعال الناقصة، مثل: رمى ودعا، وهي تماثل في صورتها هذه، صورة الأسماء المقصورة في الفصحى، يرينا أنها في أصلها الأول في اللغات السامية، كانت تتصرف تصرف الصحيح تماما. والدليل على ذلك وجود هذا الأصل القديم في اللغة الحبشية الجعزية، وهي إحدى اللغات السامية، ففيها مثلا يقال: "صَحَوَ" في: صحا، و"تَلَوَ" في: تلا، و"رَمَيَ" في: رمى. وليس الأمر مقصورا في الحبشية على الأفعال

_ 1 الحجة لأبي علي الفارسي 1/ 63-64. 2 المحتسب 1/ 77.

الناقصة، بل إن الأفعال الجوفاء، يعامل شيء منها معاملة الصحيح كذلك، فيقال فيها مثلا: "دَيَنَ" في: دان، و"بَيَنَ" في: بان، وغير ذلك1. ولم تبق من هذه المرحلة في اللغات السامية الأخرى إلا بقايا قليلة في العربية، من الأفعال الجوفاء، مثل: حَوِرَ، وعَوِرَ، وهَيِفَ، واستحوذ، واستنوق، وغيرها. وإذا رجعنا بالاسم المقصور إلى هذه المرحلة القديمة فإنه يكون مثل: هُدَيٌ، وفَتَيٌ، وعَصَوٌ، وقَفَوٌ، وما إلى ذلك. أما المرحلة الثانية في تطور الأفعال المعتلة والأسماء المقصورة، فهي مرحلة التسكين، أو سقوط الحركة بعد الواو والياء للتخفيف، فيصبح الفعل على نحو: قَضَيْ ودَعَوْ، كما تصبح الأسماء المقصورة على نحو: أَفْعَيْ وعَصَوْ. وقد فطن العلامة "ابن جني" بحسه اللغوي، إلى ضرورة وجود هذه المرحلة في طريق تطور الأفعال المعتلة، فقال: "ومن ذلك قولهم: "إن أصل قام: قَوَمَ، فأبدلت الواو ألفا، وكذلك باع، أصله: بيع، ثم أبدلت الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، وهو لعمري كذلك، إلا أنك لم تقلب واحدا من الحرفين، إلا بعد أن أسكنته، استثقالا لحركته، فصار إلى: قَوْمَ وبَيْعَ"2. وقد بقيت هذه المرحلة عند قبيلة طيئ، فيما روي لنا من الأمثلة السابقة: أَفْعَيْ وحُبْلَيْ ومُثَنَّيْ وغيرها. وقد كنا في انتظار أن يظهر الفرق

_ 1 انظر: Dillmann, Grammatik der athiopischen sprache 163-165. 2 الخصائص 2/ 471-472 وانظر كذلك: شرح مراح الأرواح 122.

بين الأصل الواوي، والأصل اليائي في المقصور في هذه الحالة، ويبدو أن تلك كانت الحال في بداية الأمر، فكان يقال: هذه حُبْلَيْ وهذه عَصَوْ. ولكن يبدو أن بعض طيئ قد قاست الواوي على اليائي، فقالت في الجميع: حُبْلَيْ وعَصَيْ، على حين قاس ناس منهم اليائي على الواوي، فقالوا: حُبْلَوْ وعَصَوْ، يقول أبو علي الفارسى: "الياء يبدلها من الألف في الوقف والوصل طيئ، والواو يبدلها منها بعض طيئ"1. كما يقول ابن جني: "ومنهم من يبدل هذه الألفات في الوقف ياء، فيقول: هذه عَصَيْ، ورأيت حُبْلَيْ، وهذه رَجَيْ، أي الناحية، يريد: رَجا. ومنهم من يبدلها في الوقف أيضا واوا، فيقول: هذه عَصَوْ وأَفْعَوْ وحُبْلَوْ"2. ويبدو أن بعض الأفعال المعتلة، قد وصلت إلى هذه المرحلة عند طيئ كذلك يدلنا على هذا، ذلك الرجز الذي يساق في المصادر العربية، للاستشهاد على قلب ألف المقصور ياء عند طييئ. وأغلب الظن أنه لواحد من رجازهم، يقول: إن لطي نسوة تحت الغَضَيْ ... يمنعهن الله ممن قد طَغَيْ بالمشرفيات وطعن بالقَنَيْ3 يريد: الغضا، وطغى، والقنا. ووصول المقصور إلى هذه المرحلة عند طيئ وغيرها، هو الذي

_ 1 الحجة 1/ 64. 2 المحتسب 1/ 77. 3 المنصف1/ 160 والمحتسب 1/ 77.

يفسر لنا صورة هذه المقصور عندهم، عندما يضاف إلى ياء المتكلم؛ إذ كانوا يقولون في مثل: هَوَايَ وهُدَايَ: هَوَىَّ "هَوَيْ + يَ" وهُدَيَّ "هُدَىْ + يَ" وغير ذلك. ففي حديث طلحة بن عبيد الله: "فوضعوا اللج على قفيَّ" يعني السيف على قفاي1، فقد نصت المصادر على أن: "قفيَّ" هنا لغة طائية، وقالوا: وكانت عند طلحة امرأة طائية". وقالوا: "وكانت عند طلحة امرأة طائية". وقد عرفت هذه الظاهرة عند غير طيئ كذلك، قال الفراء: "وهي لغة في بعض قيس وهذيل: يا بُشْرَيَّ، كل ألف أضافها المتكلم إلى نفسه، جعلها ياء مشددة، أنشدنى القاسم بن معن "لأبي ذؤيب الهذلي": تركوا هَوَيَّ وأعتقوا لهواهم ... ففقدتهم ولكل جنب مصرع وقال لي: بعض بني سليم: آتيك بموليَّ فإنه أروى منى. قال: أنشدنى المفضل "للمنخل اليشكري": يطوف بي عكب في معد ... ويطعن بالصملة في قفيَّا فإن لم تثأروا لي من كعب ... فلا أوريتما أبدا صديَّا2 فهذا النص للفراء يعزو الظاهرة لبعض قيس وهذيل وبعض بني سليم ولليشكريين كذلك. وقد صدق ابن جني حين قال: "هذه لغة فاشية في هذيل وغيرهم"3.

_ 1 غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 11 والفائق للزمخشري 3/ 91 والنهاية لابن الأثير 4/ 94 واللسان "قفا" 20/ 55. 2 معاني القرآن 2/ 39 وانظر: المحتسب 1/ 76 والخصائص 1/ 177 3 المحتسب 1/ 76.

ومما يصدق هذا أيضا، ورودها في بيت لأبي داود الإيادي، وهو: فأبلوني بليتكم لعلِّي ... أصالحكم وأستدرج نَوَيَّا1 وبيت آخر لأبي السود الدؤلي "من بكر" وهو: أحبهم لحب الله حتى ... أجيء إذا بعثت على هَوَيَّا2 كان هذه كله في المرحلة الثانية من مراحل: تطور المقصور والأفعال المعتلة في العربية واللغات السامية، أما المرحلة الثالثة، فهي تلك المرحلة التي تسمى في عرف اللغويين المحدثين: "انكماش الأصوات المركبة"3. والأصوات المركبة في العربية هي الواو والياء المسبوقتان بالفتحة، في مثل: "قَوْل" و"بَيْت" فإن الملاحظ في تطور اللغات هو انكماش هذه الأصوات، وتحولها إلى حركات ممالة، مثل قولنا في العامية، يُوم، وصُوم، ونُوم، بدلا من: يَوْم، وصَوْم، ونَوْم. ومثل قولنا كذلك، بَيِت، ولَيِل، وعَيِن، بدلا من: بَيْت ولَيْل، وعَيْن. وهذه المرحلة هي الشائعة في اللغة الحبشية في الأفعال الجوفاء، ففيها مثلا: "قُومَ" بمعنى: قام، و"شِيَط" بمعنى: باع، وغير ذلك. كما توجد هذه المرحلة أيضا، في اللهجات العربية التي تميل، في مثل قوله تعالى:

_ 1 النقائض 1/ 408 والخصائص 2/ 341. 2 الكامل للمبرد 3/ 205. 3 انظر: C. Brock elmann, Syrische Grammatik, s. 6.

"والضحى، والليل إذا سجى، ما ودعك ربك، وما قلى" في قراءة من أمال1. أما المرحلة الرابعة والأخيرة في تطور الأسماء المقصورة، والأفعال الناقصة والجوفاء، فتتمثل في التحول من الإمالة إلى الفتح الخالص، ونحن نلحظ ذلك في تطور عبارة: "السلام عليكم" إلى: "السلام علاكم" في بعض لهجات الخطاب القديمة والحديثة، فقد مرت هذه اللهجات بالإمالة أولا، ثم الفتح الخالص. ونحن نلحظ مثل هذا التطور في العربية القديمة، في قول بعض العرب: "إن الرجز لعاب، أي لعيب. والرجز: ارتعاد مؤخر البعير"2، كما جاء في قولهم: "تبت إليك فتقبل تابتي، وصمت إليك فتقبل صامتي، أي توبتي وصومتي. ذكره الواحدي في تفسير قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} . قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي لغة بلحارث بن كعب، وهي قبيلة من اليمن"3، وهي تلك القبيلة التي روي لنا عنها أنها كانت تلزم المثنى الألف في جميع أحواله4، فقد قال أبو زيد الأنصاري في تفسير قول الراجز: طارت علاهن فشل علاها "وعلاها" أراد: عليها. ولغة بلحارث بن كعب قلب الياء الساكنة، إذا

_ 1 التيسير في القراءات السبع للداني 223 2 النوادر لأبي زيد 3 3 شرح مراح الأوراح 120. 4 تسهيل الفوائد 12 وشرح التسهيل 1/ 66

انفتح ما قبلها ألفا، يقولون: أخذت الدرهمان، واشتريت ثوبان، والسلام علاكم. وهذه الأبيات على لغتهم"1. وهذا الطور الأخير، هو الذي وصلت إليه العربية، في المقصور والناقص والأجوف، في نحو: الفتى والهدى، وحبلى وأفعى، ودعا وسعى، وقام وباع، وغير ذلك. 5- لغة أكلوني البراغيث: من المعروف في العربية، أن الفعل يجب إفراده دائما، حتى وإن كان فاعله مثنى أو مجموعا، أي أنه لا تتصل به علامة تثنية ولا علامة جمع، للدلالة على تثنية الفاعل أو جمعه، فيقال مثلا: "قام الرجل" و"قام الرجلان" و"قام الرجال"، بإفراد الفعل: "قام" دائما؛ إذ لا يقال في الفصحى مثلا: "قاما الرجلان" ولا "قاموا الرجال". تلك هي القاعدة المطردة في العربية الفصحى، شعرا ونثرا. أما قبيلة طيئ، فقد روي لنا عنها2 أنها كانت تلحق الفعل علامة تثنية للفاعل المثنى، وعلامة جمع للفاعل المجموع. وتُعرف هذه الظاهرة عند النحاة العرب، بلغة "أكلوني البراغيث".

_ 1 النوادر لأبي زيد 58 وانظر: الصاحبي لابن فارس 49. 2 انظر: الجنى الداني للمرادي 171 وشرح درة الغواص للخفاجي 152 وبصائر ذوي التمييز 5/ 149 وشرح التصريح 1/ 275، 2/ 110 وهمع الهوامع 1/ 160 والقاموس المحيط "الواو" 4/ 413 والنهاية لابن الأثير 3/ 297 والفائق للزمخشري 3/ 74.

وقد سبق أن عرفنا أن هذه اللغة هي الأصل في اللغات السامية1، كما عرفنا أن هناك ركاما لغويا كثيرا من هذه الظاهرة، في القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشعر العربي القديم. وقد استمرت هذه الظاهرة في أشعار المولدين من الطائيين وغيرهم، فها هو أبو تمام الطائي، يمتلئ ديوان شعره بالأبيات التي جاءت على هذه اللغة، مثل قوله: شجى في الحشى ترداده ليس يفتر ... به صُمْنَ آمالي وإني لمفطرُ وقد قال عنه أبو العلاء المعري في هذا الموضع2: "يبين في كلام الطائي أنه كان يختار إظهار علامة الجمع في الفعل، مثل قوله: صمن آمالي، ولو قال: صام آمالي لاستقام الوزن. وقد جاء بمثل ذلك في غير هذا الموضع". ومن أمثلة ذلك في شعره أيضا. وغدا تبين كيف غب مدائحي ... إن مِلْنَ بي هممي إلى بغداد3 ومنها كذلك قوله: ولو كان الأرزاق تجري على الحجا ... هَلَكْنَ إذن من جهلهن البهائم4

_ 1 انظر الفصل الذي عنوانه: "رأي في تفسير الشواذ في لغة العرب" من فصول الباب الثاني. 2 شرح الديوان للخطيب التبريزي 2/ 214. 3 شرح الديوان للخطيب التبريزي 2/ 131. 4 شرح الديوان للخطيب التبريزي 3/ 178 وانظر أمثلة أخرى في 1/ 224، 2/ 128، 2/ 288، 3/ 10، 3/ 74 وغيرها.

وقد جاءت بعض أمثلة هذه الظاهرة في شعر المتنبي، فمن ذلك قوله: ورمى وما رمتا يداه فصابني ... سهم يعذب والسهام تريح1 وقال كذلك: نفديك من سيل إذا سئل الندى ... هول إذا اختلطا دم ومسيح2 وإذا كانت العربية الفصحى، قد تخلصت رويدا رويدا من هذه الظاهرة فإن بقاياها ظلت حية، عند بعض القبائل العربية القديمة، كقبيلة طيئ. وقد حُكيت لنا هذه اللغة كذلك عن قبيلة: "بلحارث بن كعب"3، وقبيلة: "أزد شنوءة"4، وهما من القبائل اليمنية، التي تمت لأصل قبيلة طيئ بصلة5. 6- ذو الموصولة: تستخدم قبيلة طييء "ذو" اسما موصولا. وهم اسم موصول قديم في اللغات السامية، منه بقايا في لغة الشعر العبرية6. ومن أمثلته فيها: Halo adonay zu Hatanu lo "أليس الرب الذي أخطأنا إليه"7.

_ 1 ديوانه ص165 وانظر كذلك أمالي ابن الشجري 1/ 133. 2 ديوانه ص169 وانظر كذلك أمالي ابن الشجري 1/ 133. 3 انظر: بصائر ذوي التمييز 5/ 149 والقاموس المحيط "الواو" 4/ 413 ومغني اللبيب 2/ 365. 4 انظر: بصائر ذوي التمييز 5/ 149 وشرح التصريح 1/ 276 والقاموس المحيط "الواو" 4/ 413 ومغني اللبيب 2/ 365. 5 انظر: الاشتقاق لابن دريد 361. 6 انظر: Gesenius, Hebraische Grammatik 115, 467. 7 سفر إشعيا 42/ 24 وانظر أمثلة أخرى في المزامير 132/ 12، 142/ 4، 143/ 8 وغير ذلك.

وقد ورد كذلك في نفش عربي قديم، هو "نقش النمارة"، الذي اكتشفه المستشرق "رينيه ديسو"، في مدفن امرئ القيس بن عمرو بن عدي ويرجع تاريخه إلى سنة 328 بعد الميلاد، ففي السطر الأول من هذا النقش، نقرأ الجملة التالية: "تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج"، وهي تعني: "هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلها الذي حاز التاج"1. وقد شاع استخدام "ذو" هذه في كلام أهل طيئ، اسما موصولا عاما للمفرد والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث، بصورة واحدة لا تتغير في كل ذلك2. وهي كثيرة الورود بهذه الصورة في أشعار طيئ، فمن أمثلة ذلك قول سنان الفحل الطائي: فإن الماء ماء أبي وجدي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت3 وقول قيس بن جروة الطائي الملقب بعارق: لئن لم تغير بعض ما قد صنعتم ... لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه4

_ 1 انظر كتابنا: فصول في فقه العربية 55-56. 2 انظر في ذلك: لسان العرب "الألف اللينة" 20/ 348 وشرح الحماسة للمرزوقي 2/ 591 والأزهية للهروي 303 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 وشرح الرضي على الكافية 2/ 41. 3 البيت له في شرح المرزوقي للحماسة 2/ 591 وشرح التصريح 1/ 137 واللسان "الألف اللينة" 20/ 348 والأزهية 303 ومجمع الأمثال 1/ 45 وتوضيح المقاصد للمرادي 1/ 228 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 222 وشرح ابن يعيش للمفصل 3/ 147 وتهذيب اللغة 15/ 44 والدرر اللوامع 1/ 59 وعجزه في شرح الرضي للكافية 2/ 41 وبصائر ذوي التمييز 3/ 25. 4 البيت له في ديوان حاتم الطائي 170 والنقائض 2/ 1082 وشرح المرزوقي للحماسة 3/ 1447، 4 / 1746 وخزانة الأدب 3/ 330 والمزهر 2/ 438 وألقاب الشعراء 2/ 327 وشرح ابن يعيش للمفصل 3/ 148 وينسب له أو لعمرو بن ملقط الطائي في نوادر أبي زيد 61.

وقول قوّال الطائي: قولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا ... هلم فإن المشرفي الفرائض1 وقوله كذلك: أظنك دون المال ذو جئت تبتغي ... ستلقاك بيض للنفوس قوابض2 وقول ملحة الجرمي الطائي: يغادر محض الماء ذو هو محضه ... على إثره إن كان للماء من محض يروي العروق الهامدات من البلى ... من العرفج النجدي ذو باد والحمض3 وقول حاتم الطائي: إذا ما أتى يوم يفرق بيننا ... بموت فكن يا وهم ذو يتأخر4 وقوله كذلك: ومن حسد يجور عليَّ قومي ... وأي الدهر ذو لم يحسدوني5 وقوله أيضا: كلوا ما به خضرا وصفرا ويانعا ... هنيئا وخير النفع ذو لا يكدر6

_ 1 البيت له في شر المرزوقي للحماسة 2/ 640 وخزانة الأدب 2/ 295 وهو بلا نسبة في شرح الرضي على الكافية 2/ 41. 2 البيت في شرح المرزوقي للحماسة 2/ 642 وخزانة الأدب 2/ 296. 3 البيتان له في شرح الحماسة للمرزوقي 4/ 1809 ومعجم الشعراء للمرزباني 444. 4 ديوانه ص272 وشعراء النصرانية قبل الإسلام 103 ورواه ابن قتيبة في: الشعر والشعراء 1/ 249: "بموت فكن أنت الذي يتأخر" ولا شاهد فيه! 5 ديوانه ص290 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 222 والعيني على هامش الخزانة 1/ 451. 6 ديوانه ص373.

كما قال رجل من طيئ أدرك الإسلام: فإن بيت تميم ذو سمعت به ... فيه تنمت وأرست عزها مضر1 وقد وردت هذه الظاهرة كذلك في شعر رجل من بني أسد "وقبيلة أسد تجاور طيئا" وهو منظور بن سحيم الفقعسي الأسدي، في قوله: فإما كرام موسرون أتيتهم ... فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا2 كما وردت هذه الظاهرة أيضا في أمثال قبيلة طيئ، نحو قولهم: "أتى عليهم ذو أتى"3، أي: أتى عليهم الذي أتى على الناس، وهو الموت. وجاءت كذلك في قول زيد الخيل الطائي لبني فزارة، وذكر عامر بن الطفيل: "إني أرى في عامر ذو ترون"4. ويروي الجاحظ عن الأصمعي أنه قال: "قال أبو سليمان الفقعسي لأعرابي من طيئ: أبامرأتك حمل؟ قال: لا وذو بيته في السماء، ما أدري! والله ما لها ذنب تشتال به، وما آتيها إلا وهي ضبعة"5. كما وردت "ذو" الموصولة أيضا، على لسان "حذيفة بن سور العجلاني" حين قابل الأصمعي، فسأله من هو؟ قال الأصمعي: أنا عبد الملك بن قريب الأصمعي. فقال حذيفة: ذو يتتبع الأعراب، فيكتب ألفاظهم؟ "6.

_ 1 نوادر أبي زيد 61 والكامل للمبرد "3/ 217 والأزهية للهروي 303 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 وصدره في لسان العرب "الألف اللينة 20/ 348 وتهذيب اللغة 15/ 45. 2 شرح المفصل لابن يعيش 3/ 148 ومعجم الشعراء 282 والدرر اللوامع 1/ 59 وشرح التصريح 1/ 137. 3 انظر: مجمع الأمثال للميداني 1/ 45 ونوادر أبي مسحل 2/ 462 ولسان العرب "الألف اللينة" 20/ 348 وتهذيب اللغة 15/ 45. 4 انظر: الكامل للمبرد 3/ 219 وعنه في ديوان زيد الخيل الطائي 107. 5 البيان والتبيين 2/ 81 وانظر كذلك: لسان العرب "ضبع" 10/ 85. 6 المزهر للسيوطي 2/ 308.

ويبدو أن قبيلة طيئ، لم تكن كلها تجعل ذو الموصولة، ملازمة لحالة واحدة دائما، فقد كان بعض الطائيين يجريها مجرى "ذي" بمعنى صاحب، فيقيسها عليها، ويعربها بالحروف. قال المرادي: "وبعض طيئ يعرب "ذو" الطائية، إعراب التي بمعنى: صاحب، فيقول: جاء ذو قام، ورأيت ذا قام، ومررت بذي قام"1 وقد حكى ذلك ابن الدهان أيضا2. وعلى لغة هؤلاء روي قول منظور بن سحيم السابق: فإما كرام موسرون أتيتهم ... فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا3 كما أن بعض الطائيين، يفرق بين المذكر والمؤنث في الموصول، فيجعل "ذو" للمذكر مطلقا، مفردا ومثنى ومجموعا، و"ذات" للمؤنث مطلقا، مفردا ومثنى ومجموعا كذلك4، قال ابن الشجري: "وذو موحدة على كل حال في التثنية والجمع، وكذلك ذات موحدة مضمومة في كل حال"5. وحكى هذه اللغة الجزولي6. وقد جاء عليها ما رواه الفراء في كتابه: "لغات القرآن" من أنه سمع

_ 1 الجنى الداني 242 وانظر: شرح التسهيل لابن مالك 1/ 222 وشرح التصريح 1/ 137. 2 انظر: شرح الرضي على الكافية 2/ 41. 3 روي البيت على هذه اللغة في شرح الحماسة للمرزوقي 3/ 1158 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 222 والمقرب 1/ 59 وتوضيح المقاصد للمرادي 1/ 229. 4 انظر: الأزهية 303 وشرح الرضي على الكافية 2/ 41 ولسان العرب "الألف اللينة" 20/ 348. 5 أمالي ابن الشجري 2/ 305. 6 انظر: شرح الرضي على الكافية 2/ 41.

أعرابيا من طيئ يسأل ويقول: "بالفضل ذو فضلكم الله به، وبالكرامة ذات أكرمكم الله به"1، أي بها. وبعض هؤلاء الطائيين، يصرف هذا الاسم تصريفا كاملا، يختلف في المفرد والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث2، فيقول: هذا ذو نعرف، وهذان ذوا نعرف، وهؤلاء ذوو نعرف، وهذه ذات نعرف، وهاتان ذواتا نعرف، وهؤلاء ذوات نعرف. ويضمون التاء من: "ذات" و"ذوات" على كل حال. وأنشد الفراء على هذه اللغة، قول رؤبة بن العجاج: جمعتها من أينق موارق ... ذوات ينهضن بغير سائق3 وخلاصة القول في هذه المسألة، أن طيئا تنقسم في "ذو" الموصولة، على أربع فرق: الأولى: توحد "ذو" دائما وتبنيها على الضم. الثانية: توحد "ذو" دائما، وتعربها إعراب "ذي" بمعنى: صاحب. الثالثة: تجعل "ذو" لمفرد المذكر ومثناه وجمعه، و"ذات" لمفرد المؤنث ومثناه وجمعه.

_ 1 انظر: شرح التصريح 1/ 138 والأزهية 303 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 واللسان "الألف اللينة" 20/ 348 وتهذيب اللغة 15/ 44 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 218 والمقرب 1/ 59. 2 روى ذلك الفراء في كتاب: لغات القرآن. انظر شرح التصريح 1/ 138 والمقرب 1/ 59. 3 انظر: الأزهية 303 وأمالي ابن الشجري 2/ 305 1/ 58 وشرح التصريح 1/ 138 وشرح التسهيل لابن مالك 1/ 218 وانظر كذلك ملحق ديوان رؤبة ق70/ 1 ص180.

الرابعة: تصرف "ذو" على حسب الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث. والفرقة الأولى، تمثل الظاهرة في صورتها القديمة، بدليل ما في العبرية، والنقوش العربية القديمة. وما عند غير هذه الفرقة، تطور لعب فيه القياس اللغوي دورا كبيرا. 7- الوقف على تاء التأنيث: من المعروف أن العربية الفصحى، تقف على تاء التأنيث في الاسم بالهاء1، ولكن قبيلة طيئ وحدها، من بين القبائل العربية القديمة، كانت تقف على هذه التاء بغير إبدال، فتبقيها تاء كحالتها في الوصل سواء بسواء، "قال الفراء: والعرب تقف على كل هاء مؤنث بالهاء إلا طيئا، فإنهم يقفون عليها بالتاء، فيقولون: هذه أَمَتْ، وجَارِيَتْ، وطَلْحَتْ"2. وقد ذكر سيبويه هذه الظاهرة، وإن لم يسم القبيلة التي تخصها، وروى ذلك عن أبي الخطاب الأخفش، فقال: "وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون في الوقف: طلحت، كما قالوا في تاء الجميع قولا واحدا في الوقف والوصل"3.

_ 1 انظر في تفسير هذه الظاهرة: مقدمة تحقيقنا لكتاب البلغة لابن الأنباري. 2 اللسان "ها" 20/ 370 وانظر كذلك: شرح شواهد الشافية 4/ 199. 3 كتاب سيبويه 2/ 281 وانظر: شرح شواهد الشافية 4/ 218.

وعلى هذه اللغة، جاء قول بعضهم: "وعليه السلام والرحمتْ"1، وقول أبي النجم العجلي: الله نجاك بكفي مَسْلَمَتْ ... من بعدما وبعدما وبعد مت صارت نفوس القوم عند الغَلْصمَتْ ... وكادت الحرة أن تُدعَى أَمَتْ2 وقول سور الذئب: بل جوز تيهاء كظهر الحَجَفَتْ3 وهذا الذي تصنعه قبيلة طيئ، هو ما يوجد في اللغتين: الأكادية والحبشية4 من اللغات السامية، أخوات اللغة العربية. وهو يروى كذلك عن اللغة الحميرية، قال ابن منظور: "والوثب: القعود، بلغة حمير، يقال: ثِبْ، أي: اقعد. ودخل رجل على ملك من ملوك حمير، فقال له الملك: ثب، أي اقعد، فوثب فتكسر، فقال الملك: ليست عندنا عَرَبِيَّتْ، من

_ 1 شرح ابن يعيش للمفصل 9/ 81 والخصائص 1/ 304 والمحتسب 2/ 92 وشرح شواهد الشافية 4/ 199، 4/ 220. 2 الأبيات لأبي النجم في اللسان "ما" 20/ 361 وشرح التصريح 2/ 344 والدرر اللوامع 2/ 214 وهي بلا نسبة في شرح المفصل 5/ 89، 9/ 81 والخصائص والعيني على هامش الخزانة 4/ 559 والدرر اللوامع 2/ 235 والخزانة 2/ 148 والخصائص 1/ 304. 3 هو لسؤر الذئب في 14 بيتا في اللسان "حجف" 10/ 383 و13 بيتا في شرح شواهد الشافية 4/ 200 وبلا نسبة في اللسان "بلل" 13/ 74 والإنصاف 232 والمحتسب 2/ 92 والمخصص 9/ 7، 16/ 84 16/ 96، 16/ 120 وشرح المفصل 2/ 118، 4/ 67. 5/ 89، 9/ 81، 10/ 45 والخصائص 1/ 304، 2/ 98. 4 انظر: فقه اللغات السامية لبروكلمان 96.

دخل ظفار حمر، أي تكلم بالحميرية. وقوله: عربيت، يريد: العربية، فوقف على الهاء بالتاء، وكذلك لغتهم"1. وقد حدث ذلك أيضا في كثير من المؤنثات العربية، التي دخلت اللغة التركية، ولذلك كتبها الأتراك بالتاء المفتوحة، ومنها كثير من الأعلام العربية، التي جاءتنا من تركيا بصورتها الجديدة، مثل: طلعت، وعزت، وألفت، وقسمت، ونعمت، وحشمت، ومدحت، وعفت، وبهجت، وعصمت، وشوكت، ومرفت، وثروت، وغيرها. فهذه الأعلام ليست في الحقيقة، إلا الصورة التركية، للمصادر والأسماء العربية التالية: طلعة، وعزة، وألفة، وقسمة، ونعمة، وحشمة، ومدحة، وعفة، وبهجة، وعصمة، وشوكة، ومرفة، وثروة، ونحوها. غير أن المصادر العربية، تروي لنا كذلك أن قبيلة طيئ، كانت تقف على تاء جمع المؤنث السالم وما يماثلها بالهاء، وهذا ما يحكيه قطرب عنهم2، فقد سمع بعضهم يقول: "دفن البناه من المكرماه" يريد: دفن البنات من المكرمات، ويقول: "كيف الإخوة والأخواه" يريد: كيف الإخوة والأخوات. ومثل ذلك أيضا قولهم: "هيهاه" و"أولاه" في: هيهات وأولات3.

_ 1 لسان العرب "وثب" والخصائص 2/ 28 وإصلاح المنطق 162 والمخصص 16/ 84. 2 انظر: الممتع 1/ 402 وشرح التصريح 2/ 343 وشرح ابن يعيش للمفصل 10/ 45. 3 انظر: شرح الأشموني 4/ 214 وهمع الهوامع 2/ 209 والممتع 1 402 وشرح التصريح 2/ 343.

ويبدو أن ذلك لم يكن لغة لهم جميعا، بدليل قول بعض المصادر العربية في عرض هذه الظاهرة: "وسمع إبدالها هاء في قول بعضهم"1. ونحن نفترض في بعض هؤلاء الطائيين، أنهم كانوا يقفون على تاء التأنيث في المفرد بالهاء2، كما في العربية الفصحى تماما، غير أن هؤلاء القوم قاسوا تاء جمع المؤنث السالم، على تاء تأنيث المفرد، ولا سيما تلك التاء التي تقع في المفرد بعد ألف، مثل تاء: صلاة، وزكاة، وحياة، وقناة، وأداة، وأناة، ونجاة، وحماة، وفلاة، ووفاة، وحصاة، ونواة، وفتاة، ودواة، ومهاة، وغيرها. وقد فطن إلى هذا، الشيخ خالد الأزهري، فقال وهو يتحدث عن المثال: دفن البناه من المكرماه: "بإبدال تاء الجمع هاء في الوقف، تشبيها بتاء التأنيث الخالصة"3. وفي بعض اللهجات العربية المعاصرة، كلهجة "القصيم" في الجزيرة العربية، قياس عكسي في هذه الظاهرة؛ إذ يقف الناس في لهجات الخطاب هناك على تاء التأنيث المسبوقة بالألف في المفرد، بالتاء، قياسا على الوقف على تاء جمع المؤنث السالم بالتاء.

_ 1 انظر: شرح الأشموني 4/ 214. 2 وانظر: شرح المفصل لابن يعيش 10/ 45. 3 شرح التصريح 2/ 343.

الفصل الثاني: من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة

الفصل الثاني: من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة في ظن كثير من الناس أن اللهجات الحية المعاصرة في البلاد العربية المختلفة، ليست إلا انحطاطا من العربية الفصحى، وليس هذا الظن إلا وليدا لاعتقادهم بأن العربية الفصحى، كانت هي اللغة الوحيدة السائدة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وأنها فسدت باختلاطها باللغات المجاورة، عقب الفتوحات الإسلامية. غير أن ذلك الظن، ليس إلا سرابا خداعا، فقد روي لنا الكثير والكثير جدا، عن تعدد اللهجات العربية القديمة، بتعدد القبائل المختلفة، وهذا يتفق مع ما ينادي به بعض المحدثين من علماء اللغة، من أنه يستحيل على أية مجموعة بشرية تشغل مساحة شاسعة من الأرض، أن تحتفظ في لهجات الخطاب بلغة موحدة. نعم ... فقد كانت الجزيرة العربية قبل الإسلام، تموج بشتى اللهجات المتباينة، التي يخالف بعضها بعضا، في شيء من الصوت، أو البنية، أو الدلالة، أو التركيب ... ولكن اللغويين العرب، لم يصفوا لنا تلك اللهجات العربية القديمة وصفا دقيقا كاملا في كثير من الأحيان، وذلك لانشغالهم في المقام الأول بالعربية الفصحى، تلك اللغة الأدبية المشتركة، بين مجموع القبائل العربية، والتي كانوا يستخدمونها في مواقف الجد من القول، وينظمون بها أشعارهم، ويصبون فيها حكمهم وأمثالهم، ثم شرفها الله تعالى، فأنزل كتابه الكريم، بأعلى ما تصبو إليه هذه اللغة من فصاحة وبلاغة.

ومنذ ذلك الحين، ارتبطت هذه اللغة بالقرآن الكريم، واجتهد النحاة واللغويون في دراستها، وتحديد معالمها، من نواحي الأصوات، والصيغ والأبنية، والدلالة، وتركيب الجملة، ووظيفة الكلمة في داخل هذا التركيب. ومع أن الهدف الأساسي عند هؤلاء اللغويين، كان هو محاولة رسم معالم اللغة الأدبية، لغة القرآن الكريم والشعر والخطابة، وغير ذلك من الفنون الأدبية، وهي تلك اللغة التي اصطلحنا على تسميتها بالفصحى، فإننا نراهم يروون لنا في بعض الأحيان، مقتطفات مبتورة، عن تلك اللهجات العربية القديمة، معزوة إلى أصحابها حينا، وغير معزوة حينا آخر، ومختلطة بالفصحى كذلك في بعض الأحيان. وتمتلئ المصادر العربية القديمة، بالحديث عن كثير من خصائص هذه اللهجات القديمة، كفحفحة هذيل، وعنعنة تميم، وتلتلة بهراء، وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوزان، وقطعة طيئ، وعجعجة قضاعة، وغير ذلك من الظواهر اللهجية، الملقبة بألقاب مختلفة عند اللغويين العرب، كما حدثونا عن شيء كثير من الظواهر، التي لم يلقبوها لهذه القبيلة أو تلك. وإن من يتأمل هذا الذي روي لنا عن اللهجات القديمة، في بطون المصادر العربية، يخرج بنتيجة صريحة واضحة، وهي أن ما نراه الآن في بعض لهجاتنا الحية المعاصرة، ليس في بعض ظواهره، إلا امتدادا لهذا الذي روي لنا في القديم. وفيما يلي نضرب بعض الأمثلة على ذلك:

نحن نعرف أن العربية الفصحى، تفتح حرف المضارعة في الثلاثي، في نحو: يكتب، ويفتح ويضرب، ويقول، ويبيع، ويروي، وغير ذلك، على حين نرى كثيرا من اللهجات الحية المعاصرة في البلاد العربية المختلفة تكسر حرف المضارعة في هذه الأمثلة وأشباهها. وهذا عينه هو ما رواه لنا أكثر القدماء1 عن قبيلة "بهراء"، وتعرف هذه الظاهرة عند هؤلاء القدماء باسم: "تلتلة بهراء". وعزاها صاحب لسان العرب إلى كثير من القبائل العربية، فقال: "وتِعلم، بالكسر: لغة قيس، وتميم، وأسد، وربيعة، وعامة العرب. وأما أهل الحجاز، وقوم من أعجاز هوزان، وأزد السراة، وبعض هذيل، فيقولون: تَعلم، والقرآن عليها. وزعم الأخفش أن كل ما ورد علينا من الأعراب، لم يقل إلا تِعلم بالكسر"2. ويقول الفراء إن النون في نستعين "مفتوحة في لغة قريش. وأسد وغيرهم يكسرها"3. وقد جاءت هذه الظاهرة، في رجز لحكيم بن معية الربعي، وهو: لو قلت ما في قومها لم تِيثم ... يفضلها في حسب وميسم4

_ 1 مجالس ثعلب 1/ 81 وعنه في الخصائص 2/ 11 وسر صناعة الإعراب 1/ 235 ودرة الغواص 114 والخزانة 4/ 596. 2 لسان العرب "وقي" 20/ 283. 3 الصاحبي لابن فارس "نشره الشويمي" 48 وفيه: "في لغة قيس" وهو تحريف، والصواب ما في نشرة السيد صقر 28 والمزهر 1/ 255 عن ابن فارس. وقد وقع "رابين" Ancient p. 6.1 في وهم آخر، حين عطف "أسدا" على "قريش" في هذا النص! 4 خزانة الأدب 2/ 311 وتهذيب الألفاظ 207.

أي: "لم تأثم"، التي صارت بعد كسر حرف المضارعة: "تِئثم"، وخففت الهمزة فصارت: "تِيثم" كما في البيت. وقد روى ابن جني بيتا عن أعرابي من بني عقيل، كسرت فيه الهمزة في الفعل: "أخاف"، فقال: وأنشدني عقيلي فصيح لنفسه: فقومي هم تميم يا مماري ... وجوثة ما إِخاف لهم كثارا فكسر الهمزة من: "إخاف"1. كما روى ابن الأنباري بيتا للمرار الفقعسي، كسر فيه التاء من: "تعلم" في قوله: قد تِعلم الخيل أياما تطاعنها ... من أي شنشنة أنت ابن منظور وقال بعده: "قال أبو بكر: قال أبي: أنشدنيه أبو جعفر: قد تِعلم، بكسر التاء، وقال: هي لغة بني أسد، يقولون: تِعلم، وإِعلم، ونِعلم، ومثله كثير"2. وقد قرئ بهذه اللغة، في بعض القراءات الشاذة، فقد رُوي عن يحيى بن وثاب، والأعمش، وطلحة بن مصرف، وحمزة بن حبيب الزيات، أنهم قرءوا قوله تعالى: "ولا تِركنوا للذين ظلموا فتِمسكم النار" [هود: 113] بكسر التاء في الفعلين. وقال ابن جني في التعليق على هذه القراءة: "هذه لغة تميم، أن تكسر أول مضارع ما ثاني ماضيه مكسور، نحو عَلِمْت تِعْلَم، وأنا إِعْلَم، وهي تِعْلَم، ونحن نِرْكَب. وتقل في الياء، نحو: يِعْلَم، ويِرْكَب، استثقالا للكسرة في الياء، وكذلك ما في أول ماضيه همزة وصل مكسورة، نحو: تِنطلق، ويوم تِسود وجوه وتِبيض وجوه"3.

_ 1 المنصف 1/ 322. 2 المفضليات بشرح ابن الأنباري 20. 3 المحتسب لابن جني 1/ 330.

وهذه الظاهرة -ظاهرة كسر حرف المضارعة- سامية قديمة، توجد في العبرية1، والسريانية2، والحبشية3. والفتح في أحرف المضارعة، حادث في رأيي، في العربية القديمة، بدليل عدم وجوده في اللغات السامية الأخرى، وبدليل ما بقي من الكسر في كثير من اللهجات العربية القديمة. وهناك دليل ثالث على أصالة الكسر في حروف المضارعة، في اللغات السامية، وهو استمراره حتى الآن في اللهجات العربية الحديثة كلها؛ إذ نقول مثلا: "مين يِقرا ومين يِسمع؟ "، بكسر حرف المضارعة، في لغة التخاطب اليومية، ولم يبق فتح حرف المضارعة في اللهجات الحديثة -فيما أعلم- إلا في لهجة نجد، إذا كانت فاء المضارع ساكنة، مثل: يَرْمي، ويَلْعب، ويَرْكض. ولا يكسر حرف المضارعة في هذه اللهجة، إلا إذا كان ما بعده متحركا، مثل: يِسُوق، ويِنُوم "مضارع: نام"، ويسابق، ويلاكم، ويهاوش، وغير ذلك. وقد بقيت بعض آثار هذا القديم، في العربية الفصحى نفسها، في بعض الأمثلة؛ إذ يكسر في الفصحى حرف المضارعة، في: "إِخال" بمعنى: "أظن" في كثير من النصوص التي وصلت إلينا. ومن شواهده قول أبي ذؤيب: فغبرت بعدهم بعيش ناصب ... وإِخالُ أني لاحق مستتبع4

_ 1 انظر: Gesenius, Hebraische Grammatik, s 133. 2 انظر: Broc elmann, Syrische Grammatic , s 85. 3 انظر: Praetorius, Aethiopische Grammatik, s. 48. 4 ديوان الهذليين 1/ 8 والمنصف لابن جني 1/ 322.

وقول العباس بن مرداس: قد كان قومك يحسبونك سيدا ... وإِخالُ أنك سيد معيون1 وقول زهير بن أبي سلمى: وما أدري وسوف إِخالُ أدري ... أقوم آل حصن أم نساء2 وقول كعب بن زهير: أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إِخالُ لدينا منك تنويل3 وهذا هو ما سميناه هنا من قبل: "الركام اللغوي للظواهر المندثرة في اللغة"، ومعناه أن الظاهرة اللغوية، قبل أن تموت، قد تبقى منها أمثلة، تعين على معرفة الأصل. ومن الأمثلة التي تؤيد ما نذهب إليه، من أن اللهجات المعاصرة ليست إلا امتدادا لشيء من اللهجات العربية القديمة أيضا، ما يشيع في بعض اللهجات العربية الحديثة، في مصر وغيرها، من استعمال اسم المفعول من الفعل الأجوف اليائي على التمام، أي على وزن مفعول، دون إعلال يطرأ عليه، فيقول الناس في مصر مثلا: "فلان مديون، أي عليه دين، ومريوح، أي ضعيف لا يقدر على حمل الأثقال، ومطيور، أي متسرع في عمله، ومخيول: أي منشغل بما في خياله من أوهام. كما يقال في

_ 1 ديوانه ق38/ 2 ص108 ولسان العرب "عين" 17/ 186. 2 ديوانه ص73 ولسان العرب "قوم" 15/ 408 3 ديوانه ص9.

بعض البلاد العربية عن الثوب إنه مخيوط، وعن فلان من الناس إنه مهيوب، وعن الشيء إنه معيوب ومبيوع، وعن الحب إنه مكيول ... وغير ذلك. والعربية الفصحى تُعِل هذه الأسماء وما يشابهها بما يسمى الإعلال بالنقل، فتقول مثلا: مَدِين، ومَخِيط، ومَعِيب، ومَبِيع، ومَكِيل، وغير ذلك. غير أن هذا الذي قد شاع في اللهجات العامية المعاصرة، ليس إلا لهجة لقبيلة تميم1، من القبائل العربية القديمة. قال البغدادي في التعليق على قول العباس بن مرداس السلمي: قد كان قومك يحسبونك سيدا ... وإِخالُ أنك سيدا مَغْيُون "قوله: "مغيون، جاء على لغة تميم. ولغة غيرهم: مَغِين ... ومغيون -بالغين المعجمة- اسم مفعول من قولهم: غِين على قلبه، أي: غُطِّي عليه. وفي الحديث: "وإنه ليغان على قلبي". ولكن الناس ينشدونه بالباء، وهو تصحيف. وقد رُوي بالعين غير المعجمة، أي مصاب بالعين. والأول هو الوجه، وكلاهما مما جاء فيه التصحيح، وإن كان الاعتلال فيه أكثر كقولهم: "طعام مزيوت، وبر مكيول، وثوب مخيوط. والقياس: مَغِين، ومَزِيت، ومَكِيل، ومَخِيط"2. وقد أشار سيبويه إلى هذه اللغة، وإن لم ينسبها إلى تميم، فقال: "وبعض العرب يخرجه على الأصل، فيقول: مخيوط ومبيوع"3. وكثير

_ 1 انظر: شرح الشافية 3/ 149. 2 شرح شواهد الشافية 4/ 388-389. 3 كتاب سيبويه 2/ 363.

من هذه الكلمات السابقة، تذكر في بعض المعاجم العربية، بالتصحيح والإعلال، جنبا إلى جنب، دون نسبة إلى قبيلة معينة"1. ومن الأمثلة على موضوعنا كذلك: ما شاع على ألسنة الناس من قولهم في لهجات الخطاب: "ظلموني الناس" و"لامني العواذل" و"زارونا الجيران" و"تَنُّو صاحي لحد ما رجعوا العيال من بره"، أي بإلحاق الفعل علامة جمع، وهو متقدم على الفاعل المجموع. ومن المعروف في العربية الفصحى، أن الفاعل يجب إفراده دائما، حتى وإن كان فاعله مثنى أو مجموعا، أي أنه لا تتصل به علامة تثنية ولا علامة جمع، للدلالة على تثنية الفاعل أو جمعه، فيقال مثلا: "قام الرجل" و"قام الرجلان" و"قام الرجال" بإفراد الفعل: "قام" دائما؛ إذ لا يقال في الفصحى مثلا: "قاما الرجلان" ولا "قاموا الرجال". تلك هي القاعدة المطردة في العربية الفصحى، شعرا ونثرا. أما قبيلة طيئ القديمة، فقد روي لنا عنها2 أنها كانت تلحق الفعل علامة تثنية للفاعل المثنى، وعلامة جمع للفاعل المجموع. وقد حُكيت لنا هذه اللغة

_ 1 انظر مثلا: الصحاح "عيب" 1/ 190 "خيط" 3/ 1126 "بيع" 3/ 1189 "خيل" 4/ 1691 "كيل" 5/ 1814 "دين" 5/ 2117 "عين "6/ 2171. 2 انظر: الجنى الداني للمرادي 171 وشرح درة الغواص للخفاجي 152 وبصائر ذوي التمييزه 5/ 149 وشرح التصريح 1/ 275، 2/ 110 وهمع الهوامع 1/ 160 والقاموس المحيط "الواو" 4/ 413 والنهاية لابن الأثير 3/ 297 والفائق للزمخشري 3/ 74.

كذلك، عن قبيلة "بلحارث بن كعب"1، وقبيلة "أزد شنوءة"2، وهما من القبائل اليمنية، التي تمت لأصل قبيلة طيئ بصلة3. وقد عرفنا من قبل4 أن مقارنة اللغات السامية أخوات العربية، وهي: العبرية والآرامية والحبشية والأكادية، تدل على أن الأصل في تلك اللغات، أن يلحق الفعل علامة التثنية والجمع، للفاعل المثنى والمجموع، كما تلحقه علامة التأنيث، عندما يكون الفاعل مؤنثا، سواء بسواء. كما ذكرنا من قبل أيضا أن هذه اللغة هي التي تعرف عند علماء النحو باسم "لغة أكلوني البراغيث". ويبدو أنها كانت شائعة كذلك في عصر الحريري "المتوفى سنة 516هـ" الذي عدها من اللحن5، ورد عليه الشهاب الخفاجي، فقال: "وليس الأمر كما ذكره، فإن هذه لغة قوم، من العرب، يجعلون الألف والواو، حرفي علامة للتثنية والجمع، والاسم الظاهر فاعلا، وتعرف بين النحاة بلغة: أكلوني البراغيث؛ لأنه مثالها الذي اشتهرت به، وهي لغة طيئ، كما قاله الزمخشري. وقد وقع منها في الآيات، والأحاديث، وكلام الفصحاء ما لا يحصى"6.

_ 1 انظر بصائر ذوي التمييز 5/ 149 والقاموس المحيط "الواو" 4/ 413 ومغني اللبيب 2/ 365. 2 انظر: بصائر ذوي التمييز 5/ 149 وشرح التصريح 1/ 276 والقاموس المحيط "الواو" 4/ 413 ومغني اللبيب 2/ 365. 3 انظر: الاشتقاق لابن دريد 361. 4 انظر هنا فصل: "رأي في تفسير الشواذ في لغة العرب". 5 انظر: درة الغواص في أوهام الخواص 65. 6 انظر: شرح درة الغواص للشهاب الخفاجي 152.

وقد بقيت هذه الظاهرة، شائعة -كما قلنا- في كثير من اللهجات العربية الحديثة. وهي امتداد للأصل السامي واللهجات العربية القديمة، بلا شك. ومن الظواهر اللغوية الشائعة في اللهجات المعاصرة، وهي امتداد للقديم كذلك: ظاهرة سقوط الهمزة، في غير أول الكلمة كثيرا، مثل قولنا في لهجات الخطاب: بير، وياكل، وراس، ويملا، ويقرا، وريّس، وخطيّة، ورُوس، وفوس، وعَباية، ومِلاية، ويودي، وجِينا، ومروة، ونحو ذلك، بدلا من بئر، ويأكل، ورأس، ويملأ، ويقرأ، ورئيس، وخطيئة، ورءوس، وفئوس، وعباءة، وملاءة، ويؤدي، وجئنا، ومروءة، وغير ذلك في العربية الفصحى. كما يقع الهمز من أوائل بعض كلمات العامية، في حالات قليلة، مثل: سنان، في أسنان، وسبوع، في: أسبوع، وإيه اللي صابك؟ في: أصابك، وبراهيم، وسماعين، في: إبراهيم وإسماعيل، ويوم الحد، في: يوم الأحد، وغير ذلك. وليست هذه الظاهرة في اللهجات المعاصرة، إلا امتدادا لما كان عند الحجازيين القدماء، في نطقهم لهذه الكلمات وأمثالها. ومع أن هذا الصوت أصيل في اللغات السامية، فإن الجهد العضلي الذي يتطلبه في نطقه، أدى إلى ضياعه في كثير من اللغات السامية، واللهجات الحجازية القديمة في العربية، قال ابن يعيش: "اعلم أن الهمزة

حرف شديد مستثقل، يخرج من أقصى الحلق؛ إذ كان أدخل الحروف في الحلق، فاستثقل النطق به؛ إذ كان إخراجه كالتهوّع، فلذلك الاستثقال ساغ فيه التخفيف، وهو لغة قريش، وأكثر أهل الحجاز، وهو نوع استحسان لثقل الهمزة، والتحقيق لغة تميم وقيس"1. ولهذا السبب لم يبق هذا الصوت على حاله، في كثير من اللغات السامية، منذ زمن قديم، ولم يكن العرب على سواء في معاملة هذا الصوت، في العصر الجاهلي، فلم يكن ينطق به على صورته الأصلية إلا القبائل النجدية، وبخاصة تميم وقيس. ويسمى اللغويون العرب نطقهم هذا: بتحقيق الهمز، كما رأينا في نص ابن يعيش السابق. وقد تبنت العربية الفصحى لغة القرآن الكريم، هذا التحيقق للهمز، وسارت فيه على الأصل إلا في كلمات قليلة اقترضتها من اللغة القرشية2. أما القبائل الحجازية3، وعلى رأسها قبيلة قريش، فإنها كانت تسقط الهمزة من نطقها، في غير أول الكلمة، في غالب الأحيان4، قال

_ 1 شرح ابن يعيش للمفصل 9/ 107 وانظر كذلك: شرح مراح الأرواح 99 2 ذكرنا بعض هذه الأمثلة في فصل: "رأي في تفسير الشواذ في لغة العرب". 3 يبدو أن بعض القبائل الحجازية كانت تحقق الهمز كذلك، فقد قال سيبويه "2/ 80": "قد بلغنا أن قوما من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحققون نبيء وبريئة، وذلك قليل رديء". وقال "2/ 169": "واعلم أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من تميم وأهل الحجاز". 4 يقول "برجشتراسر" في التطور النحوي 45: "أكثر الهمزات كانت لا تنطق في لهجة الحجاز، إلا ما كان منها في أوائل الكلمات، وبعض ما وقع منها بين حركتين".

أبو زيد الانصاري: "أهل الحجاز وهذيل، وأهل مكة والمدينة لا ينبرون، وقف عليها عيسى بن عمر، فقال: ما آخذ من قول تميم إلا بالنبر، وهم أصحاب النبر، وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا. قال: وقال أبو عمر الهذلي: قد توضيت، فلم يهمز وحولها ياء، وكذلك ما أشبه هذا من باب الهمز"1. وقال ابن منظور: "ولم تكن قريش تهمز في كلامها. ولما حج المهدي قدم الكسائي يصلي بالمدينة، فهمز، فأنكر أهل المدينة عليه، وقالوا: تنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن؟! "2. كما قال ابن عبد البر في التمهيد: "قول من قال: نزل القرآن بلغة قريش، معناه عندي: في الأغلب؛ لأن لغة غير قريش موجودة في جميع القرآن، من تحقيق الهمزة ونحوها، وقريش لا تهمز"3. وهذا كله معناه أن لهجة الحجازيين الأصلية، تسهيل الهمز. أما قول عيسى بن عمر الثقفي فيما تقدم: "فإذا اضطروا نبروا"، فيمكن أن يكون معناه أن الحجازيين، إذا اصطنعوا اللغة المشتركة، أي اللغة العربية الفصحى، حققوا الهمز، كما يمكن أن يكون عيسى بن عمر قد قصد بذلك، الهمزة التي توجد في أول كلمة. ولذلك يعد الجواليقي "المتوفى سنة 539هـ" سقوط الهمز من أول الكلمة، على ألسنة الناس في عصره، من اللحن، فقد روي لنا مثلا أن

_ 1 انظر: مقدمة لسان العرب لابن منظور 1/ 14. 2 لسان العرب "نبر" 7/ 40 وانظر: غريب الحديث لابن قتيبة 2/ 633. 3 انظر: البرهان للزركشي 1/ 284.

الناس كانوا يسقطون همزة "أبو" في كلامهم، فقال: "وهو أبو رياح، لهذا الذي يلعب به الصبيان وتديره الريح، ولا تقل: بُرْياح. وكذلك يقولون للقرد: بُوزَنَّة، وإنما هو: أبو زَنَّة، وهي كنيته". ولا تزال هذه الظاهرة شائعة في تونس والجزائر مثلا، في قولهم: "بومدين" و"بوتفليقة"، و"جميلة بوحريد". وكان لنا زميل تونسي بجامعة ميونخ اسمه: "عثمان بوغانمي". كما تشيع هذه الظاهرة في بعض الأسماء في الجزيرة العربية، مثل: "باحسين" و"باخشوين" و"باكلا" و"بابطين". ولسنا نريد هنا الإكثار من الأمثلة، التي تدل على مذهبنا، في أن كثيرا من الظواهر اللهجية المعاصرة في العربية، ليست إلا امتدادا لشيء من القديم. ويكفي أن نذكّر هنا بكشكشة ربيعة، التي تشيع في بلاد الخليج العربي، وبعض قرى مصر، وكسكسة هوزان، التي تشيع في كثير من بلاد نجد، وإبدال بني تميم الجيم ياء، وامتداد ذلك في جنوبي العراق وبلدان الخليج، في مثل: مسيد، ودياي، وريال، بدلا من: مسجد، ودجاج، ورجل ... وغير ذلك كثير كثير ... يحتاج بحثه واستقصاؤه إلى شيء من الصبر، وكثير من الجهد ... الصبر على قراءة المطولات من أمهات كتب العربية، والجهد في التقصي والتتبع والتفسير ... والله الموفق.

فهرس الكتاب

فهرس الكتاب: الموضوع ص مقدمة 5 الباب الأول: في أصوات اللغة 7 الفصل الأول: صوت القاف بين الفصحى واللهجات 9 الفصل الثاني: نظرية المحاكاة الصوتية ومناسبة اللفظ للمعنى 17 الباب الثاني: في أبنية العربية والتطور اللغوي 25 الفصل الأول: كراهة توالي الأمثال في أبنية العربية 27 الفصل الثاني: رأي في تفسير الشواذ في لغة العرب 57 الباب الثالث: في أصول الاحتجاج اللغوي 87 الفصل الأول: أسطورة الأبيات الخمسين في كتاب سيبويه 89 الفصل الثاني: حاجة تراثنا اللغوي إلى التهذيب والتنقية 141 الباب الرابع: في تاريخ العربية 163 الفصل الأول: الفصحى وتحديات العصر 165 الفصل الثاني: الفصحى بين الجمود والتحرر 179 الباب الخامس: في مناهج البحث اللغوي 189 الفصل الأول: في أصول البحث العلمي وتحقيق النصوص 191 الفصل الثاني: مصادر كتاب "المزهر" للسيوطي 203 الباب السادس: في اللهجات العربية 225 الفصل الأول: الخصائص اللغوية لقبيلة طيئ القديمة 227 الفصل الثاني: من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة 263 قائمة المصادر العربية 277 قائمة المصادر الإفرنجية 288

§1/1