بحوث في المصطلح للفحل
ماهر الفحل
الاختلاف والاضطراب
المبحث الأول الاختلاف لغة واصطلاحاً المطلب الأول تعريف الاختلاف لغة الاختلاف: افتعال مصدر اختلف، واختلف ضد اتفق، ويقال: ((تخالف القوم واختلفوا، إذا ذهب كُلّ واحد مِنْهُمْ إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر)) . ويقال: ((تخالف الأمران، واختلفا إذا لَمْ يتفقا وكل ما لَمْ يتساو: فَقَدْ تخالف واختلف)) . ومنه قولهم: اختلف الناس في كَذَا، والناس خلفة أي مختلفون؛ لأن كُلّ واحد مِنْهُمْ ينحي قَوْل صاحبه، ويقيم نفسه مقام الَّذِيْ نحّاه (1) . ومنه حَدِيْث النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -: ((سَوّوا صفوفكم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) (2) . وبعد أن ساق الزَّبِيديُّ (3) هَذَا الْحَدِيْث قَالَ في معناه: ((أي: إذا تقدّم بعضُهم عَلَى بَعضٍ في الصُّفُوفِ تأثرت قُلوبُهم، ونشأَ بينهم اختلافٌ في الأُلْفَةِ والموَدَّةِ)) (4) . ويستعمل الاختلاف عِنْدَ الفقهاء بمعناه اللُّغويِّ.
أمّا الخِلافُ - بالكسر - فهو المُضَادّةُ، وَقَدْ خالَفَهُ مُخالَفَةً وخِلافاً كَمَا في اللسان (1) . والخِلافُ: المُخَالَفَةُ، قَالَ تَعَالَى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} (2) أي: مُخُالَفَةَ رَسُولِ اللهِ (3) . المطلب الثاني تعريف الاختلاف اصطلاحاً لَمْ أجد تعريفاً للعلماء في الاختلاف، لَكِنْ يمكنني أن أعرفه بأنه: ما اختلف الرُّوَاة فِيْهِ سنداً أو متناً. وعلى هَذَا التعريف يمكننا أن نقسّم الاختلاف عَلَى ضربين: الأول: اختلاف الرُّوَاة في السند: وَهُوَ أن يختلف الرُّوَاة في سند ما زيادة أو نقصاناً، بحذف راوٍ، أو إضافته، أَوْ تغيير اسم، أَوْ اختلاف بوصل وإرسال، أَوْ اتصال وانقطاع، أو اختلاف في الجمع والإفراد (4) . الثاني: اختلاف الرُّوَاة في الْمَتْن: زيادة ونقصاناً، أو رفعاً ووقفاً. وَقَدْ أحسن وأجاد الإمام مُسْلِم بن الحجاج (5)
إذ صوّر لنا الاختلاف تصويراً بديعاً فَقَالَ في كتابه العظيم " التمييز ": ((اعلم، أرشدك الله، أن الَّذِيْ يدور بِهِ مَعْرِفَة الخطأ في رِوَايَة ناقل الْحَدِيْث – إذا هم اختلفوا فِيْهِ - من جهتين: أحدهما: أن ينقل الناقل حديثاً بإسناد فينسب رجلاً مشهوراً بنسب في إسناد خبره خلاف نسبته الَّتِيْ هِيَ نسبته، أو يسميه باسم سوى اسمه، فيكون خطأ ذَلِكَ غَيْر خفيٍّ عَلَى أهل العلم حين يرد عليهم … والجهة الأخرى: أن يروي نفر من حفّاظ الناس حديثاً عَنْ مثل الزهري (1) أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد مجتمعون عَلَى روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فِيْهِ في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عَنْهُ النفر الَّذِيْنَ وصفناهم بعينه فيخالفهم في الإسناد أو يقلب الْمَتْن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذٍ أنَّ الصَّحِيْح من الروايتين ما حدّث الجماعة من الحفاظ، دون الواحد المنفرد وإن كَانَ حافظاً، عَلَى هَذَا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الْحَدِيْث، مثل شعبة (2)
وسفيان بن عيينة (1) ويحيى بن سعيد (2) وعبد الرحمان بن مهدي (3) وغيرهم من أئمة أهل العلم)) (4) . المبحث الثاني الفرق بَيْنَ الاضطراب والاختلاف الْحَدِيْث المضطرب: هُوَ ما اختلف راويه فِيْهِ، فرواه مرة عَلَى وجه، ومرة عَلَى وجه آخر مخالف لَهُ. وهكذا إن اضطرب فِيْهِ راويان فأكثر فرواه كُلّ واحد عَلَى وجه مخالف للآخر (5) .
ومن شرط الاضطراب: تساوي الروايات المضطربة بحيث لا تترجح إحداها عَلَى الأخرى. أما إذا ترجحت إحدى الروايات فلا يسمى مضطرباً، بَلْ هُوَ مطلق اختلافٍ، قَالَ العراقي (1) : ((أما إذا ترجحت إحداهما بكون راويها أحفظ، أو أكثر صُحْبَة للمروي عَنْهُ، أو غَيْر ذَلِكَ من وجوه الترجيح؛ فإنه لا يطلق عَلَى الوجه الراجح وصف الاضطراب ولا لَهُ حكمه، والحكم حينئذ للوجه الراجح)) (2) . وهذا أمر معروف بَيْنَ الْمُحَدِّثِيْنَ لا خلاف فِيْهِ؛ لذا نجد المباركفوري يَقُوْلُ: ((قَدْ تقرر في أصول الْحَدِيْث أنّ مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب، بَلْ من شرطه استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قُدِّمَ)) (3) . فعلى هَذَا شرط الاضطراب تساوي الروايات، أما إذا ترجحت إحداهما
عَلَى الأخرى فالحكم للراجحة، والمرجوحة شاذة أَوْ منكرة. وعليه فإن كَانَ أحد الوجوه مروياً مِنْ طريق ضعيف والآخر من طريق قوي فلا اضطراب والعمل بالطريق القوي، وإن لَمْ يَكُنْ كذلك، فإن أمكن الجمع بَيْنَ تِلْكَ الوجوه بحيث يمكن أن يَكُوْنَ المتكلم باللفظين الواردين عَنْ معنى واحد فلا إشكال أَيْضاً؛ مِثْل أن يَكُوْنَ في أحد الوَجْهَيْنِ قَدْ قَالَ الرَّاوِي: عَنْ رجل، وفي الوجه الآخر يسمي هَذَا الرجل، فَقَدْ يَكُوْن هَذَا المسمى هُوَ ذَلِكَ المبهم؛ فَلاَ اضطراب إذن ولا تعارض، وإن لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بأن يسمي مثلاً الرَّاوِي باسم معينٍ في رِوَايَة ويسميه باسم آخر في رِوَايَة أخرى فهذا محل نظر وَهُوَ اضطراب إِذْ يتعارض فِيْهِ أمران: أحدهما: أنه يجوز أن يَكُوْن الْحَدِيْث عَنْ الرجلين معاً. والثاني: أن يغلب عَلَى الظن أن الرَّاوِي واحد واختلف فِيْهِ (1) . فههنا لا يخلو أن يَكُوْن الرجلان كلاهما ثقة أو لا، فإن كانا ثقتين فهنا لا يضر الاختلاف عِنْدَ الكثير؛ لأنّ الاختلاف كيف دار فهو عَلَى ثقة، وبعضهم يقول: هَذَا اضطراب يضر؛ لأنه يدل عَلَى قلة الضبط (2) .
إذن شرط الاضطراب الاتحاد في المصدر، وعدم إمكانية التوفيق بَيْنَ الوجوه المختلفة والترجيح عَلَى منهج النقاد وعلى ما تقدم يتبين لنا أنّ بَيْنَ الاضطراب والاختلاف عموماً وخصوصاً، وَهُوَ أن كُلّ مضطرب مختلف فِيْهِ، ولا عكس. فالاختلاف أعم من الاضطراب إِذْ شرط الاضطراب أن يَكُوْن قادحاً، أما الاختلاف فربما كَانَ قادحاً وربما لَمْ يَكُنْ قادحاً. ثُمَّ إنه ليس كُلّ اختلاف يؤدي إلى وجود الاضطراب، إِذْ إن ما يشبه أن يَكُوْن اضطراباً ينتفي عَنْ الْحَدِيْث إذا جمع بَيْنَ الوجوه المختلفة أو رجح وجه مِنْهَا عَلَى طريقة النقاد لا عَلَى طريقة التجويز العقلي. المبحث الثالث أنواع الاختلاف من البدهي أن يختلف الرُّوَاة سنداً ومتناً فِيْمَا يؤدونه من الأحاديث النبوية؛ ذَلِكَ لأن مواهب الرُّوَاة في حفظ الأحاديث تختلف اختلافاً جذرياً بَيْنَ راوٍ وآخر، فمن الرُّوَاة من بلغ أعلى مراتب الحفظ والضبط والإتقان، ومنهم أدنى وأدنى. ولا عجب أن يختلَّ ضبط الرُّوَاة من حال إلى حال ومن وقت إلى وقت مع تغيرات الزمان واختلاف الأحوال وتبدل الصحة. هَذَا مع اختلاف الرُّوَاة في عنايتهم في ضبط ما يتحملونه من الأحاديث فمنهم من يتعاهد حفظه ومنهم من لا يتعاهد، ومنهم من لا يحدّث إلا بصفاء الذهن ومراجعة الأصول (1)
ومنهم دون ذَلِكَ. زيادة عَلَى الآفات الَّتِيْ تصيب الإنسان مِمَّا تؤدي إلى اختلال مروياته ودخول بعض الوهم في حديثه. فهذا كله من الأسباب الرئيسة العامة في وجود الاختلاف. ثُمَّ إن اختلاف الرُّوَاة يرجع إلى نوعين رئيسين: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد (1) . فاختلاف التنوع: هُوَ أن يذكر كُلّ من المختلفين من الاسم أَوْ اللفظ بعض أنواعه، كأن يختلف الرُّوَاة عَلَى راوٍ فبعضهم يذكره باسمه وبعضهم يذكره بكنيته وبعضهم بلقبه وبعضهم بوصف اشتهر بِهِ. وربما أطلق عَلَى هَذَا الاختلاف اختلاف في العبارة وَهُوَ: أن يعبر كُلّ من المختلفين عَنْ المراد بعبارة غَيْر عبارة صاحبه، والمعنى واحد عِنْدَ الْجَمِيْع (2) . والنوع الآخر من أنواع الاختلاف: اختلاف التضاد، وَهُوَ الاختلاف الحقيقي القادح، وَهُوَ: أن يختلف الرُّوَاة في متن حديثين أحدهما يخالف أَوْ ينافي الآخر أو أن يختلف الرُّوَاة في راوٍ أَوْ رواة مختلفين عَن الآخرين مع عدم إمكان الترجيح والتوفيق عَلَى طريقة النقاد؛ إِذْ تتساوى وجوه الروايات. المبحث الرابع أسباب الاختلاف
فطر الله تَعَالَى الناس عَلَى أن يختلفوا في مواهبهم وقدراتهم وتنوع قابلياتهم في الدقة والضبط والإتقان والحرص عَلَى الشيء، كَمَا أن الناس يختلفون في أحوالهم الأخرى قَالَ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات} (1) ، وهذه المواهب والمنح من الله يعطي من شاء ما شاء. والناس كذلك يختلفون في حرصهم واجتهادهم لِذَلِكَ عَدَّ الإمام الشَّافِعِيّ (2) الحرص من لوازم العلم فَقَالَ: أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عَنْ تفصيلها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ... وصحبة أستاذ وطول زمان (3) فالحرص إذن من أساسيات العلم، وإن قَلَّ حفظ الرَّاوِي أو كلّت ذاكرته، فإن بوسعه الحِفاظ على مروياته بالمذاكرة والمتابعة والتعاهد لمحفوظه ومراجعة أصوله، حفظاً للسنة النبوية من الخطأ فِيْهَا – بزيادة أَوْ نقص أو تغيير –.
ومع هَذَا كله فإننا لَمْ نعدم في تاريخنا الحديثي بعض الرُّوَاة الَّذِيْنَ لَمْ يبالوا بمروياتهم، وَلَمْ يولوها الاهتمام الكافي، سواء أهمل الرَّاوِي نفسه تعاهد محفوظاته أَوْ مراجعته كتابه، أو تدخل عنصر بالعبث بمروياته (1) ، أو غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تكون نتيجته وقوع الوهم في حَدِيْث ذَلِكَ الرَّاوِي، ويؤول بالنهاية إلى حدوث الاختلاف مع روايات غيره، عَلَى أن الخطأ والوهم لَمْ يسلم مِنْهُ كبار الحفاظ مع شدة حرصهم وتوقيهم، لذا قَالَ ابن معين (2) : ((لست أعجب ممن يحدّث فيخطئ، إنما أعجب ممن يحدث فيصيب)) (3) . غَيْر أنّ الأحاديث الَّتِيْ حصل فِيْهَا الوهم تعد قليلة مغمورة في بحر ما رووه عَلَى الصواب. وبإمكاننا أن نفصل أسباب الاختلاف بما يأتي: أولاً. الوهم والخطأ:
الخطأ والوهم أمران حاصلان وواقعان في أحاديث الثقات فضلاً عَنْ وقوعه في أحاديث الضعفاء، ونحن وإن نذكر في حد الصَّحِيْح كون راويه تام الضبط إلا أن ذَلِكَ أمر نسبيٌّ (1) ، وإلا فكيف اشترطنا في الصَّحِيْح (2) أن لا يَكُوْن شاذاً ولا معللاً مع كون راويه ثقة فيتخرج عَلَى هَذَا أن الوهم والخطأ يدخل في أحاديث الثقات؛ لأن كلاً من الشذوذ والعلة داخل بمعنى الوهم والخطأ. ثُمَّ إن الوهم والخطأ من الأسباب الرئيسة للاختلاف بَيْنَ الأحاديث. وبالسبر والنظر إلى كتب السنة النبوية نجد عدداً كبيراً من الرُّوَاة الثقات قَدْ أخطؤوا في بعض ما رووا، وَهُوَ أمر متفاوت بَيْنَ الرُّوَاة حسب مروياتهم قلة وكثرة وربما كَانَ حظ من أكثر من الرِّوَايَة أكبر خطأً من المقلين؛ لذا نجد غلطات عُدَّتْ عَلَى الأئمة العلماء الحفاظ لكنها لَمْ تؤثر عليهم في سعة ما رووه (3) ، قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل (4)
: ((ومن يعرى من الخطأ والتصحيف)) (1) . وَقَالَ الإمام مُسْلِم بن الحجاج: ((فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا – وإن كَانَ من أحفظ الناس وأشدهم توقياً وإتقاناً لما يحفظ وينقل – إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله)) (2) . وَقَالَ الإمام الترمذي (3) : ((لَمْ يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم)) (4) ، ثُمَّ ساق الترمذي عدداً وافراً من الروايات تدلل عَلَى تفاوت أهل العلم بالحفظ وتفاضلهم بالضبط وقلة الخطأ، ثُمَّ قَالَ: ((والكلام في هَذَا والرواية عَنْ أهل العلم تكثر، وإنما بيّنا شيئاً مِنْهُ عَلَى الاختصار ليُستدل بِهِ عَلَى منازل أهل العلم وتفاضل بعضهم عَلَى بعض في الحفظ والإتقان، ومن تُكلمَ فِيْهِ من أهل العلم لأي شيء تُكلمَ فِيْهِ)) (5) .
ولما كَانَ الخطأ في الرِّوَايَة أمرٌ بدهيٌّ، وأنه لا يسلم إنسان مِنْهُ نجد الأكابر قَدْ وهمّوا الأكابر، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قَدْ وهّمت عدداً من الصَّحَابَة في عدد من الأحاديث، وَقَدْ جمع ذَلِكَ الزركشي (1) في جزءٍ (2) ، لذا قَالَ الإمام عَبْد الله بن المبارك (3) : ((ومن يسلم من الوهم، وَقَدْ وهّمت عائشة جَمَاعَة من الصَّحَابَة في رواياتهم للحديث)) (4) . وفيما نقلنا عَنْ الأئمة الأعلام كفاية ودليل عَلَى أن دخول الخطأ والوهم أمرٌ نسبيٌّ ممكن في أحاديث الرُّوَاة ثقاتً كانوا أو غَيْر ذَلِكَ، فالخطأ والوهم والنسيان سجية البشر، وَقَدْ قَالَ الشاعر: نَسِيتُ وَعْدَكَ والنِّسْيَانُ مُغْتَفَرٌ ... فَاغْفِرْ فَأوَّلُ نَاسٍ أوَّلُ النَّاسِ (5)
ثانياً. ظروف طارئة (1) : قَدْ يطرأ عَلَى الرَّاوِي حين تحمله (2) الْحَدِيْث أَوْ أدائه (3) ظروف تدخل الوهم في حديثه أو أحاديثه. وهذه الظروف ليست عامة بَلْ هِيَ خاصة تطرأ عَلَى بعض الرُّوَاة في بعض الأحيان دون بعضٍ، تبعاً لاختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ؛ إِذْ قَدْ يطرأ الخلل في كَيْفِيَّة تلقّي الأحاديث كَمَا حصل لهشيم بن بشير (4)
؛ إِذْ إنَّهُ دخل عَلَى الزهري فأخذ عَنْهُ عشرين حديثاً، فلقيه صاحبٌ لَهُ وَهُوَ راجع، فسأله رؤيتها، وَكَانَ ثمة ريح شديدة، فذهبت بالأوراق من يد الرجل، فصار هشيم يحدّث بِمَا علق مِنْهَا بذهنه، وَلَمْ يَكُنْ أتقن حفظها، فوهم في أشياء مِنْهَا،ضعف حديثه بسببها (1) خاصة في الزهري (2) . فهذا أمر طارئ عَلَى هشيم وَهُوَ ثقةٌ من الثقات الكبار النبلاء أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة (3) لكنه ضُعِّفَ خاصةً في الزهري لهذا الطارئ الَّذِيْ طرأ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ الحافظ ابن حجر (4) : ((أما روايته عَنْ الزهري فليس في الصحيحين مِنْهَا شيءٌ)) (5) . وكذلك يختلف حال ضبط الرَّاوِي باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سمعه من بعض شيوخه، أو بسبب حدوث ضياعٍ في بعضِ ما كتبه عَنْ بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت الناس في هَذَا الشيخ خاصة. ومما يذكر في الظروف الطارئة ما حصل لمؤمل بن إسماعيل (6)
إِذْ كَانَ قَدْ دفن كتبه، ثُمَّ حدث من حفظه فدخل الوهم والاختلاف في حديثه (1) . ثالثاً. الاختلاط: الاختلاط لغة: يقال خلطت الشيء بغيره خَلْطاً فاختلط، وخالطهُ مخالطةً وخِلاطاً، واختلط فلانٌ، أي: فسد عقلُهُ، والتخليط في الأمر: الإفساد فِيْهِ والمختلط من الاختلاط، واختلط عقله إذا تغير، فهو مختلط، واختلط عقله: فسد (2) . أما في اصطلاح المحدثين: فَقَدْ قَالَ السخاوي (3)
: ((وحقيقته فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال، إما بخرف، أو ضرر، أو مرض، أو عرضٍ من موت ابن وسرقة مالٍ كالمسعودي (1) ، أو ذهاب كتب كابن لهيعة (2) ، أَو احتراقها كابن الملقن (3)) ) (4) . إذن الاختلاط: آفة عقلية تورث فساداً في الإدراك، وتصيب الإنسان في آخر عمره، أو تعرض لَهُ بسبب حادث لفقد عزيز أو ضياع مالٍ؛ ومن تصبه هَذِهِ الآفة لكبر سِنّهِ يقال فِيْهِ: اختلط بأخرة، ويقال: بآخره (5) .
فالاختلاط قَدْ يطرأ عَلَى كثير من رواة الْحَدِيْث النبوي مِمَّا يؤثر عَلَى روايته أحياناً فيدخل في رِوَايَته الوهم والخطأ مِمَّا يؤدي ذَلِكَ بالمحصلة النهائية إلى وجود الاختلاف بَيْنَ الروايات. ثُمَّ من كَانَ مختلطاً فدخل الوهم في حديثه لا تضر روايتُه رِوَايَةَ الثقات الأثبات؛ إِذْ إنّ الرِّوَايَة الصَّحِيْحَة لا تُعلُّ بالرواية الضعيفة، فرواية المختلط ضعيفة لا تقاوم رِوَايَة الثقات، ولا تصلح للحجية إلا إذا توبع المختلط في روايته أَوْ كَانَتْ روايته مِمَّا حدث بِهِ قَبْلَ الاختلاط. وعلماؤنا الأجلاء أحرقوا أعمارهم شموعاً تضيء لنا الطريق من أجل بَيَان كُلّ ما يدخل الْحَدِيْث من خطأ ووهم واختلاف، إِذْ إنّ مَعْرِفَة المختلطين لَيْسَ بالأمر السهل بَلْ هُوَ أمرٌ شاقٌ عَلَى الْمُحَدِّثِيْنَ للغاية، بَلْ كَانَ الْمُحَدِّثُوْنَ أحياناً يعيدون سَمَاع الأحاديث نفسها الَّتِيْ سمعوها من ذَلِكَ الشَّيْخ من أجل أن يعرفوا ويحددوا الاختلاط من عدمه، ويحددوا وقت الاختلاط؛ لِذَلِكَ قَالَ حماد بن زيد (1)
: ((شعبة كَانَ لا يرضى أن يَسْمَع الْحَدِيْث مرة يعاود صاحبه مراراً)) (1) . ومما يذكر في هَذِهِ الباب ما قَالَهُ حماد ابن زيد: قَالَ: حَدَّثَنِي عمرو بن عبيد الأنصاري، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الزعيزعة (2) -كاتب مروان (3) - أن مروان أرسل إلى أبي هُرَيْرَة، فجعل يسأله، وأجلسني خلف السرير وأنا أكتب، حَتَّى إذا كَانَ رأس الحول، دعا بِهِ فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله من ذَلِكَ الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدّم ولا أخّر (4) .
وروى الحافظ أبو خيثمة زهير (1) بن حرب في " كتاب العلم " (2) قَالَ: حَدَّثَنَا جرير (3) ، عَنْ عمارة بن القعقاع (4) ، قَالَ: قَالَ لي إبراهيم (5) : حَدِّثنِي عَنْ أبي زرعة (6) فإني سألته عَنْ حَدِيْث، ثُمَّ سألته عَنْهُ بَعْدَ سنتين فما أخرم (7) مِنْهُ حرفاً)) .
وهذا نوع من أنواع الكشف عَنْ الخلل المتوقع طرؤه عَلَى المحدّث عِنْدَ تقدم السَّمَاع لَهُ، وكانت ثمة طرق أخرى للمحدّثين يستطيعون من خلالها الكشف عَنْ حال المحدّث، وهل طرأ لَهُ اختلاط في ما يرويه أَوْ بعض ما يرويه أم أنه حافظ ومتقن لما يروي ويحدّث؟ ومن طرق الْمُحَدِّثِيْنَ في مَعْرِفَة اختلاط الرُّوَاة: أن الناقد مِنْهُمْ كَانَ يدخل عَلَى الرَّاوِي ليختبره فيقلب عَلَيْهِ الأسانيد والمتون، ويلقنه ما ليس من روايته، فإن لَمْ ينتبه الشيخ لما يراد بِهِ فإنه يعد مختلطاً ويعزف الناس عَنْ الرِّوَايَة عَنْهُ، ومما يذكر في هَذِهِ البابة ما أسند إلى يحيى بن سعيد قَالَ: ((قدمت الكوفة وبها ابن عجلان (1) وبها ممن يطلب الْحَدِيْث: مليح بن وكيع (2) وحفص بن غياث (3) وعبد الله بن إدريس (4) ويوسف بن خالد السمتي (5)
، فقلنا: نأتي ابن عجلان، فَقَالَ يوسف بن خالد: نقلب عَلَى هَذَا الشيخ حديثه، ننظر تفهُّمه، قَالَ: فقلبوا فجعلوا ما كَانَ عَنْ سعيد عَنْ أبيه، وما كَانَ عَنْ أبيه عَنْ سعيد، ثُمَّ جئنا إِلَيْهِ، لَكِنْ ابن إدريس تورّع وجلس بالبابِ وَقَالَ: لا استحلُّ وجلست مَعَهُ. ودخل حفص، ويوسف بن خالد، ومليح فسألوه فمرّ فِيْهَا، فلما كَانَ عِنْدَ آخر الكتاب انتبه الشيخ فَقَالَ: أعد العرض (1) ، فعرض عَلَيْهِ فَقَالَ: ما سألتموني عَنْ أبي فَقَدْ حَدَّثَنِي سعيد بِهِ، وما سألتموني عَنْ سعيد فَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ أبي، ثُمَّ أقبل عَلَى يوسف بن خالد فَقَالَ: إن كُنْتَ أردت شيني وعيبِي فسلبك الله الإسلام، وأقبل عَلَى حفص فَقَالَ: ابتلاك الله في دينك ودنياك، وأقبل عَلَى مليح فَقَالَ: لا نفع الله بعلمك. قَالَ يحيى: فمات مليح وَلَمْ ينتفع بِهِ، وابتلي حفص في بدنه بالفالج (2) وبالقضاء في دينه، وَلَمْ يمت يوسف حَتَّى اتُّهمَ بالزندقة (3) . وعلى الرغم من اختلاف العلماء في جواز ذَلِكَ وعدمه (4)
، إلاّ أنهم استطاعوا أن يحددوا في كثير من الأحيان الفترة الزمنية الَّتِيْ دخل فِيْهَا الاختلاط عَلَى هَذَا الرَّاوِي، كَمَا حددوا اختلاط إسحاق بن راهويه (1) بخمسة أشهر، فَقَالَ أبو داود (2) : ((تغيّر قَبْلَ أن يموت بخمسة أشهر، وسمعتُ مِنْهُ في تِلْكَ الأيام فرميت)) (3) . وكذلك حددوا وقت اختلاط جرير بن حازم (4) ، قَالَ أبو حاتم (5)
: ((تغيّر قَبْلَ موته بسنة)) (1) . وحددوا وقت اختلاط سعيد بن أبي سعيد المقبري (2) ، قَالَ ابن سعد (3) : ((ثقة، إلا أنه اختلط قَبْلَ موته بأربع سنين)) (4) . وعلى الرغم من احتياطات الْمُحَدِّثِيْنَ وإمعانهم في تحديد وقت الاختلاط، فإنهم لَمْ يتمكنوا من تحديد الساعات الأولى لبدء الاختلاط، فالاختلاط – كَمَا سبق – آفة عقلية تبدأ بسيطة ثُمَّ تكبر شَيْئاً فشيئاً، ويتعاظم أمرها بالتدريج، وفي هَذِهِ الفترة الواقعة بَيْنَ بداية الاختلاط وظهوره وتفشيه، يَكُوْن المختلط قَدْ رَوَى أحاديث تناقلها الرُّوَاة عَنْهُ، من غَيْر أن يعرفوا اختلاطه حين أخذهم عَنْهُ، ولربما كَانَ هَذَا الأمر سبباً في دخول الاختلاف والاضطراب في بعض أحاديث الثقات.
غَيْر أن علماء الْحَدِيْث – رحمهم الله – لَمْ يتركوا قضية الاختلاط والمختلطين عَلَى عواهنها، بَلْ إنهم نقبوا وفتشوا أحوال الرُّوَاة جيداً، وقسموا الرُّوَاة عَنْ المختلطين عَلَى أربعة أقسام: الأول: الَّذِيْنَ رووا عَنْ المختلط قَبْلَ اختلاطه. الثاني: الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ بَعْدَ اختلاطه. الثالث: الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ قَبْلَ الاختلاط وبعده، وَلَمْ يميزوا هَذَا من هَذَا. الرابع: الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ قَبْلَ اختلاطه وبعده وميزوا هَذَا من هَذَا. ووضعوا حكماً لكل قسم من هَذِهِ الأقسام: فمن رَوَى عَنْ المختلط قَبْلَ الاختلاط قبلت روايته عَنْهُ، ومن رَوَى عَنْهُ قَبْلَ الاختلاط وبعده، وميز ما سَمِعَ قَبْلَ الاختلاط قُبِلَ، وَلَمْ يُقبل ما سَمِعَ بَعْدَ الاختلاط، ومن لَمْ يميز حديثه أو سَمِعَ بَعْدَ الاختلاط لَمْ تقبل روايته (1) .
ولعل الحافظ العراقي كَانَ أشمل في بيان الحكم من غيره، إِذْ قَالَ: ((ثُمَّ الحكم فيمن اختلط أنه لا يقبل من حديثه ما حدّث بِهِ في حال الاختلاط، وكذا ما أبهم أمره وأشكل، فَلَمْ ندرِ أحدّث بِهِ قَبْلَ الاختلاط أو بعده؟ وما حدث بِهِ قَبْلَ الاختلاط قُبِلَ، وإنما يتميز ذَلِكَ باعتبار الرُّوَاة عَنْهُمْ، فمنهم من سَمِعَ مِنْهُمْ قَبْلَ الاختلاط فَقَطْ، ومنهم من سَمِعَ بعده فَقَطْ، ومنهم من سَمِعَ في الحالين، وَلَمْ يتميز)) (1) . وَقَدْ قسّم الْمُحَدِّثُوْنَ المختلطين من حَيْثُ تأثير الاختلاط في قبول مروياتهم عَلَى ثلاثة أقسام قَالَ العلائي (2) : ((أما الرُّوَاة الَّذِيْنَ حصل لَهُمْ الاختلاط في آخر عمرهم فهم عَلَى ثلاثة أقسام: أحدها: من لَمْ يوجب ذَلِكَ لَهُ ضعفاً أصلاً، وَلَمْ يحط من مرتبته؛ إما لقصر مدة الاختلاط وقلَّتِهِ كسفيان بن عيينة (3) ، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم؛ وإما لأنه لَمْ يروِ شيئاً حال اختلاطه، فسلم حديثه من الوهم كجرير بن حازم، وعفان بن مُسْلِم (4) ، ونحوهما.
ثانيها: من كَانَ مُتَكلَّماً فِيْهِ قَبْلَ الاختلاط، فَلَمْ يحصل من الاختلاط إلا زيادة في ضعفه؛ كابن لهيعة (1) ، ومحمد بن جابر السُّحيمي (2) ، ونحوهما. ثالثها: من كَانَ محتجاً بِهِ، ثُمَّ اختلط، أو عُمِّر في آخر عمره، فحصل الاضطراب فِيْمَا رَوَى بَعْدَ ذَلِكَ، فيتوقف الاحتجاج بِهِ عَلَى التمييز بَيْنَ ما حدّث بِهِ قَبْلَ الاختلاط عما رَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ)) (3) . رابعاً. ذهاب البصر:
من المعروف في بَدَائِهِ علم الْحَدِيْث أنّ الضبط شرط أساسي في صحة الْحَدِيْث النبوي الشريف (1) ، والضبط: هُوَ إتقان ما يرويه الرَّاوِي بأن يَكُوْن متيقظاً لما يروي غَيْر مغفل، حافظاً لروايته إن رَوَى من حفظه، ضابطاً لكتابه إن رَوَى من الكتاب، عالماً بمعنى ما يرويه، وبما يحيل المعنى عَنْ المراد إن روى بالمعنى (2) ، حَتَّى يثق المطّلع عَلَى روايته والمتتبع لأحواله بأنه أدى الأمانة كَمَا تحملها، لَمْ يغير مِنْهَا شَيْئاً، وهذا مناط التفاضل بَيْنَ الرُّوَاة الثقات، فإذا كَانَ الرَّاوِي عدلاً ضابطاً سمي ثقةً (3) . ويعرف ضبطه بموافقة الثقات الضابطين المتقنين إذا اعتبر حديثه بحديثهم، ولا تضر مخالفته النادرة لَهُمْ، فإن كثرت مخالفته لَهُمْ، وندرت الموافقة، اختل ضبطه وَلَمْ يحتج بحديثه (4) . والضبط نوعان: ظاهر وباطن. فالظاهر من حَيْثُ اللغة. والباطن: ضبط معناه من حَيْثُ تعلق الحكم الشرعي بِهِ، وَهُوَ الفقه. ومطلق الضبط الَّذِيْ هُوَ شرط الرَّاوِي، هُوَ الضبط ظاهراً عِنْدَ الأكثر؛ لأنه يجوز نقل الْحَدِيْث بالمعنى عِنْدَ الكثير (5) من العلماء (6) .
فمما تقدم نستخلص أن الضبط قسمان: ضبط صدر، وضبط كتاب. وضابط الكتاب يحتاج أن يقرأ كتابه من أجل الرِّوَايَة والمقابلة، وضابط الصدر يحتاج إلى أن يعاود حفظه وكتابه من أجل ضبط مروياته، وربما يمكن أن يحصل هَذَا لبعض الرُّوَاة بمفردهم، وقسم مِنْهُمْ يستعين بمن يثق بِهِ ليعاونه عَلَى ذَلِكَ. إذن فالبصر مهم في ذَلِكَ وله دور كبير في المحافظة على الحفظ؛ لذا فإنّ زوال البصر وذهابه قَدْ يؤدي بالمحصلة النهائية إلى دخول الوهم في بعض روايات الْمُحَدِّثِيْنَ مِمَّا يؤدي إلى حصول اختلاف بَيْنَ الروايات. ومن الَّذِيْنَ ذهب بصرهم: عَبْد الرزاق بن همام الصنعاني (1) صاحب المصنف قَالَ الحافظ ابن حجر العسقلاني: ((عمي في آخر عمره فتغير)) (2) . وكذا علي بن مسهر (3)
قَالَ العجلي (1) : ((صاحب سنة ثقة في الْحَدِيْث صالح الكتاب كثير الرِّوَايَة عَنْ الكوفيين)) (2) ، وَقَالَ أبو عَبْد الله أحمد بن حَنْبَل لما سئل عَنْهُ: ((لا أدري كيف أقول كَانَ قَدْ ذهب بصره فكان يحدّثهم من حفظه)) (3) . خامساً. ذهاب الكتب: قَدْ علمنا مِمَّا سبق أن ضبط الكتاب (4) هُوَ أحد قسمي الضبط، والعمدة في هَذَا القسم عَلَى كتاب الرَّاوِي، وتطرق الخلل إلى كتابه أمر مضر بالثقة في مرويات ذَلِكَ الرَّاوِي، وَقَدْ يصل الأمر إلى أن يدع الرَّاوِي روايته جملة بسبب فقد كتابه. إلاّ أن بعض الرُّوَاة قَدْ يعلق في أذهانهم شيء من تِلْكَ المرويات الَّتِيْ دونوها في كتبهم المفقودة، فيحدّثون بِهَا، ولما كَانَ معتمدهم أصلاً في الرِّوَايَة عَلَى كتبهم لا عَلَى حفظهم فإن وجود الخطأ والوهم في تِلْكَ الروايات وارد. ومن رواة الأحاديث الَّذِيْنَ ذهبت كتبهم مع اعتمادهم عَلَى تِلْكَ الكتب في حفظهم: عَبْد الله بن لهيعة، أبو عَبْد الرحمان الحضرمي، الفقيه قاضي مصر، كَانَ متقناً لكتابه، قَالَ الإمام أحمد: ((ابن لهيعة أجود قِرَاءة لكتبه من ابن وهب (5)
)) (1) . وَقَدْ كَانَ جل اعتماده في روايته عَلَى كتبه، فلما احترقت ضُعِّف في الرِّوَايَة لكثرة ما وجد من الوهم والخطأ في روايته بَعْدَ ذهاب كتبه. قَالَ إسحاق بن عيسى الطباع (2) : ((احترقت كتب ابن لهيعة سنة تسع وستين)) (3) . وَقَالَ البخاري (4) عَنْ يحيى بن بكير (5) : ((احترق منْزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين ومئة)) (6) .
وربما يَكُوْن لغياب الكتب نَفْسُ أثرِ فَقْدِ الكتب ويكون مدعاة للوهم والخلاف، فإذا حدّث الرَّاوِي - الَّذِيْ يعتمد في الأداء عَلَى كتابه - في حالة غياب كتبه عَنْهُ، وقع الوهم والخطأ في حديثه، وتحديثه في غَيْر بلده - أَيْضاً - مظنة (1) لوقوع ذَلِكَ كَمَا حصل لمعمر بن راشد (2) قَالَ ابن رجب (3) : ((حديثه بالبصرة فِيْهِ اضطراب كثير، وحديثه باليمن جيد)) (4) ، وَقَالَ الإمام أحمد في رِوَايَة الأثرم (5)
: ((حَدِيْث عَبْد الرزاق عَنْ معمر أحب إليّ من حَدِيْث هؤلاء البصريين، كَانَ يتعاهد كتبه وينظر، يعني باليمن، وَكَانَ يحدّثهم بخطأٍ بالبصرة)) (1) . وَقَالَ يعقوب بن شيبة (2) : ((سَمَاع أهل البصرة من معمر، حين قدم عليهم فِيْهِ اضطراب؛ لأن كتبه لَمْ تَكُنْ مَعَهُ)) (3) . ومن هَؤُلاَءِ أَيْضاً: إسماعيل بن عياش (4) قَالَ مُحَمَّد بن عثمان بن أبي شيبة (5) : ((سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْنٍ يَقُوْل: إسماعيل بن عياش ثقة فِيْمَا رَوَى عَنْ الشاميين، وأما روايته عَنْ أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عَنْهُمْ)) (6) . سادساً. عدم الضبط: سبق الكلام أن الضبط من شروط صحة الْحَدِيْث الأساسية؛ ولكن بعض الرُّوَاة
-وإن كانوا ضابطين - إلا أنهم في بعض الأحايين يخف ضبطهم لبعض الأحاديث خاصة، وَهُوَ أمرٌ اعتيادي يحصل لبني الإنسان؛ لأن الضبط كَمَا سبق أمرٌ نسبيٌّ. وهذا الباب الَّذِيْ يمكن من خلاله دخول الوهم في بَعْض أحاديث الثقات يعدُّ سبباً من أسباب اختلاف الروايات متناً وإسناداً مِمَّا يؤدي بالمحصلة النهائية إِلَى حصول بَعْض الاختلافات في بَعْض الأحاديث. وهذا الأمر نراه جلياً في أحاديث الثقات الَّتِيْ أخطؤوا فِيْهَا. وما يأتي في كَثِيْر من الأمثلة اللاحقة دليل لما أصّلناه في أن الضبط أمرٌ نسبيٌّ ينفك عَنْ بعض الثقات أحياناً في بعض الأحاديث. وَكَانَ هناك رواة، لَهُمْ كتب صحيحة متقنة وفي حفظهم شيء وهؤلاء كانوا أحياناً إِذا حدثوا من حفظهم غلطوا وإذا حدثوا من كتابهم أصابوا، وهذا أمر أولاه العلماء عناية؛ لأن فِيْهِ مزيد ضبط في رِوَايَة هَذَا الرَّاوِي خاصة، ومن الأمثلة عَلَى ذَلِكَ شريك القاضي وَهُوَ شريك بن عَبْد الله النخعي، الكوفي، القاضي بواسط، ثُمَّ الكوفة، أبو عَبْد الله: صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة (1) . قَالَ فِيْهِ مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عمار الموصلي (2) : ((شريك كتبه صحاح فمن سَمِعَ مِنْهُ من كتبه فهو صَحِيْح، قَالَ: وَلَمْ يَسْمَع من شريك من كتابه إلا إسحاق الأزرق (3)
)) (1) . وَقَالَ فِيْهِ يعقوب بن شيبة: ((كتبه صحاح)) (2) . وفي رِوَايَة الْخَطِيْب البغدادي (3) عَنْ يعقوب في شريك: ((ثقة صدوق، صَحِيْح الكتاب، رديء الحفظ مضطربه)) (4) . ومن الأمور الَّتِيْ يدخل الاختلاف بسببها لعدم الضبط، هُوَ عدم الضبط في بلد معين، وَهُوَ أن يَكُوْن الرَّاوِي ضابطاً إلا أنه في سماعه لحديث أهل بلدٍ معين لا يَكُوْن ضابطاً لحديثهم لعدم تأهبه لِذَلِكَ؛ لأن الضبط كَمَا يَكُوْن في الأداء يَكُوْن في التحمل فإن لَمْ يتحمل جيداً -لاختلال في السَّمَاع، أو عدم جودةٍ في تقييد الكتاب- لَمْ يؤد جيداً، ومثل هَذَا قَدْ حصل لعدد من الرُّوَاة، فتجد أحاديثهم جياداً في روايتهم عَنْ أهل بلد معين، وتجدها دون ذَلِكَ عِنْدَ أهل بلد آخر لخلل طرأ في السَّمَاع والتحمل. ومن أولئك الرُّوَاة الَّذِيْنَ تضعّف روايتهم في بلد دون آخر إسماعيل بن عياش، وَهُوَ إسماعيل بن عياش بن سليم العَنْسيُّ - بالنون - أبو عتبة الحمصي: صدوق في روايته عَنْ أهل بلده مُخَلِّط في غيرهم (5) . قَالَ يعقوب بن سفيان (6)
: ((تكلَّم قومٌ في إسماعيل، وإسماعيل ثقة عدلٌ، أعلم الناس بحديث الشام، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يُغرِبُ عَنْ ثقات المدنيين والمكيين)) (1) . وَقَالَ أبو بكر بن أبي خيثمة: سُئِلَ يحيى بن معين عَنْ إسماعيل بن عياش، فَقَالَ: ((ليس بِهِ بأس في أهل الشام. والعراقيون يكرهون حديثه)) (2) . وَقَالَ مضر بن مُحَمَّد الأسدي (3) ، عَنْ يَحْيَى: ((إذا حدَّث عَنْ الشاميين وذكر الخبر، فحديثه مستقيم، وإذا حدّث عَنْ الحجازيين والعراقيين، خلّط ما شئت)) (4) . وَقَالَ أبو داود: سألت أحمدَ عَنْ إسماعيلَ بنِ عياش فَقَالَ: ((ما حدّث عَنْ مشايخهم. قلت: الشاميين؟ قَالَ: نعم. فأما ما حدث عَنْ غيرهم، فعنده مناكير)) (5) . وَقَالَ أبو طَالِب أحمد بن حميد (6) : سَمِعْتُ أحمد بن حَنْبَل يَقُوْل: ((إسماعيل بن عيّاش ما رَوَى عَن الشاميين صَحِيْح، وما رَوَى عَنْ أهل الحجاز فليس بصحيح)) (7) . سابعاً. التدليس (8)
: هُوَ أحد الأسباب الرئيسة الَّتِيْ تدخل الاختلاف في المتون والأسانيد؛ لأن التدليس يكشف عَنْ سقوط راوٍ أحياناً فيكون لهذا الساقط دور في اختلاف الأسانيد والمتون ولما كَانَ الأمر عَلَى هَذِهِ الشاكلة، فلابدّ لنا من تفصيل القَوْل في التدليس: فالتدليس لغة: من الدَّلَسِ - بالتحريك - وَهُوَ اختلاط الظلام، والتدليس: إخفاء العيب وكتمانه (1) . أما في الاصطلاح، فإن التدليس عندهم يتنوع إلى عدة أنواع: الأول: تدليس الإسناد: وَهُوَ أن يروي الرَّاوِي عمن لقيه ما لَمْ يسمعه مِنْهُ بصيغة محتملة (2) . والمراد من الصيغة المحتملة: أن لا يصرح بالسماع أَوْ الإخبار مثل: حَدَّثَنَا، وأخبرنا (3) وأنبأنا، وسمعت، وَقَالَ لنا، وإنما يجيء بلفظ يحتمل الاتصال وعدمه، مثل: إن، وعن، وَقَالَ، وحدّث، وروى، وذكر، لذا لَمْ يقبل الْمُحَدِّثُوْنَ حَدِيْث المدلس ما لَمْ يصرِّح بالسماع (4) . الثاني: تدليس الشيوخ:
وَهُوَ أن يأتي باسم شيخه أَوْ كنيته عَلَى خلاف المشهور بِهِ تعمية لأمره وتوعيراً للوقوف عَلَى حاله (1) . وهذا النوع حكمه أخف من السابق، وفي هَذَا النوع تضييع للمروي عَنْهُ وللمروي وتوعير لطريق مَعْرِفَة حالهما. ثُمَّ إن الحال في كراهيته يختلف بحسب الغرض الحامل عَلَيْهِ، إِذْ إن من يدلس هَذَا التدليس قَدْ يحمله كون شيخه الَّذِيْ غيّر سمته غَيْر ثقة، أو أصغر من الرَّاوِي عَنْهُ، أو متأخر الوفاة قَدْ شاركه في السَّمَاع مِنْهُ جَمَاعَة دونه، أو كونه كثير الرِّوَايَة عَنْهُ فلا يحب تكرار شخص عَلَى صورة واحدة (2) . الثالث: تدليس التسوية (3) : وَهُوَ أن يروي عَنْ شيخه، ثُمَّ يسقط ضعيفاً بَيْنَ ثقتين قَدْ سَمِعَ أحدهما من الآخر أو لقيه، ويرويه بصيغة محتملة بَيْنَ الثقتين (4) . وممن اشتهر بهذا النوع: الوليد بن
مُسْلِم (1) ، وبقية بن الوليد (2) . وهذا النوع من التدليس يشترط فِيْهِ التحديث والإخبار من المدلس إلى آخره (3) . الرابع: تدليس العطف: وَهُوَ مثل أن يقول الرَّاوِي: حَدَّثَنَا فُلاَن وفلان، وَهُوَ لَمْ يَسْمَع من الثاني (4) . الخامس: تدليس السكوت: وَهُوَ كأن يقول الرَّاوِي: حَدَّثَنَا أَوْ سَمِعْتُ، ثُمَّ يسكت برهة، ثُمَّ يقول: هشام بن عروة (5) أو الأعمش (6)
موهماً أنه سَمِعَ منهما، وليس كذلك (1) . السادس: تدليس القطع: وَهُوَ أن يحذف الصيغة ويقتصر عَلَى قوله مثلاً: الزهري عَنْ أنس (2) . السابع: تدليس صيغ الأداء: وَهُوَ ما يقع من الْمُحَدِّثِيْنَ من التعبير بالتحديث أَوْ الإخبار عَنْ الإجازة موهماً للسماع، وَلَمْ يَكُنْ تحمله لِذَلِكَ المروي عَنْ طريق السَّمَاع (3) . وهذه الأنواع السبعة ليست كلها مشتهرة إنما المشتهر مِنْهَا والشائع الأول والثاني وعند الإطلاق يراد الأول. وهذا القسم هُوَ الَّذِيْ لَهُ دورٌ في الاختلافات الحديثية متوناً وأسانيد، إِذْ قَدْ يكشف خلال البحث بَعْدَ التنقير والتفتيش عَنْ سقوط رجل من الإسناد وربما كَانَ هَذَا الساقط ضعيفاً أَوْ في حفظه شيءٌ، أو لَمْ يضبط حديثه هَذَا. ومن الأمثلة عَلَى ذَلِكَ ما رَوَاهُ ابن حبان (4) من طريق ابن جريج (5) ، عَنْ
نافع (1) ، عَنْ ابن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَبُلْ قائماً)) (2) . وهذا الإسناد رجاله ثقات إلا أنَّ ابن جريج مدلسٌ (3) وَقَدْ عنعن هنا وَلَمْ يصرح بسماعه من نافع، وَهُوَ قَدْ سَمِعَ من نافع أحاديث كثيرة، فهُوَ معروف بالرواية عَنْهُ، وروايته عَنْهُ في الكتب الستة (4) . ولكن النقاد ببصيرتهم الناقدة ونظرهم الثاقب كشفوا أنَّ في هَذَا السند واسطة بَيْنَ ابن جريج ونافع، وأن ابن جريج لَمْ يسمعه من نافع مباشرة، بَلْ سمعه من عَبْد الكريم بن أبي المخارق الضعيف (5) ، وَقَدْ صرّح ابن جريج في بعض طرق الْحَدِيْث بهذا الساقط، فبان تدليسه؛ فَقَدْ رَوَى
عَبْد الرزاق (1) ، ومِنْ طريقه ابن ماجه (2) ، وأبو عوانة (3) ، وابن عدي (4) ، وتمام الرازي (5) ، والحاكم (6) ، والبيهقي (7)
، عَنْ ابن جريج، عَنْ عَبْد الكريم بن أبي المخارق، عَنْ نافع، بِهِ. ومن بدائه علم الْحَدِيْث أن حَدِيْث الثقة ليس كله صحيحاً (1) ، كَمَا أنّ حَدِيْث الضعيف ليس كله ضعيفاً (2) ، ومعرفة كلا النوعين من أحاديث الفريقين ليس بالأمر اليسير إنما يطلع عَلَى ذَلِكَ الأئمة النقاد الغواصون في أعماق ما يكمن في الروايات من صحة أو خطأ، لذا فتّش العلماء في حَدِيْث ابن أبي المخارق هل توبع عَلَيْهِ، أم أخطأ فِيْهِ؟ وخالف الثقات الأثبات أم انفرد؟ فنجدهُمْ قَدْ صرّحوا بخطأ ابن أبي المخارق لمخالفته الثقات الأثبات في ذَلِكَ، قَالَ البوصيري (3) في مصباح الزجاجة - بَعْدَ أن ضعّف حَدِيْث ابن أبي المخارق -: ((عارضه خبر عبيد الله بن عمر العمري (4) الثقة المأمون المجمع عَلَى ثقته، ولا يُغتر بتصحيح ابن حِبّان هَذَا الخبر من طريق هشام بن يوسف (5)
، عَنْ ابن جريج عَنْ نافع، عَنْ ابن عمر. فإنه قَالَ بعده: أخاف أن يَكُوْن ابن جريج لَمْ يسمعه من نافع، وَقَدْ صحّ ظنُّه، فإنّ ابن جريج إمّا سمعه من ابن أبي المخارق كَمَا ثبت في رِوَايَة ابن ماجه هَذِهِ والحاكم في المستدرك واعتذر عَنْ تخريجه أنه إنّما أخرجه في المتابعات)) (1) . وَقَالَ الترمذي: ((إنما رفع هَذَا الْحَدِيْث عَبْد الكريم بن أبي المخارق، وَهُوَ ضعيف عِنْدَ أهل الْحَدِيْث، ضعّفه أيوب السختياني (2) وتكلم فِيْهِ. وروى عبيد الله، عَنْ نافع عَنْ ابن عمر قَالَ: قَالَ عمر - رضي الله عنه -: ما بلتُ قائِماً منذُ أسلَمْتُ. وهذا أصح من حَدِيْث عَبْد الكريم)) (3) . أقول: رِوَايَة عبيد الله الموقوفة أخرجها ابن أبي شيبة (4) ، والبزار (5)
في مسنده (1) من طريق عبيد الله بن عمر، عَنْ نافع، عَنْ ابن عمر، عَنْ عمر موقوفاً، وَهُوَ الصواب. ومما يدل عَلَى عدم صحة حَدِيْث ابن أبي المخارق أن الحافظ ابن حجر قَالَ: ((وَلَمْ يثبت عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في النهي عَنْه شيء)) (2) . بَعْدَ هَذَا العرض السريع بان لنا واتضح أن التدليس سبب من أسباب الاختلاف لدى الْمُحَدِّثِيْنَ؛ إِذْ إنه قَدْ يسفر عَنْ سقوط رجلٍ من الإسناد فيخالف الرَّاوِي غيره من الرُّوَاة. ثامناً. الانشغال عَنْ الْحَدِيْث: الْحَدِيْث النبوي الشريف أحد المراجع الرئيسة للفقه الإسلامي، لذا كَانَ علم الْحَدِيْث رِوَايَة ودراية من أشرف العلوم وأجلها، بَلْ هُوَ أجلها عَلَى الإطلاق بَعْدَ العلم
بالقرآن الكريم الَّذِيْ هُوَ أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم، فالحديث هُوَ المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، بعضه يستقل بالتشريع، وكثيرٌ مِنْهُ شارح لكتاب الله تَعَالَى مبينٌ لما جاء فِيْهِ. قَالَ تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1) من هَذَا أدرك المسلمون أهمية الْحَدِيْث النبوي الشريف فعانوا ما عانوا من أجل حفظ الْحَدِيْث النبوي الشريف، فتخلوا عَنْ كُلّ شيء أمام هَذَا الهدف العزيز الغالي، وَهُوَ حَدِيْث النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (2) . وللحرص الشديد عَلَى حفظ السنة، اهتمَّ المسلمون بمذاكرة الْحَدِيْث ومدارسته من أجل حفظه وضبطه وإتقانه، فكان الْمُحَدِّثُوْنَ يكتبون بالنهار ويعارضون (3) بالليل ويحفظون بالنهار ويتذاكرون بالليل. وهكذا شأن الْمُحَدِّثِيْنَ، ومن لَمْ يَكُنْ كذلك فلا يسمى من أهل الْحَدِيْث، وأسند الإمام مُسْلِم في مقدمة صحيحه (4) عَنْ أبي الزناد (5)
قَالَ: ((أدركت بالمدينة مئة، كلهم مأمونون ما يؤخذ عَنْهُمْ الْحَدِيْث يقال: ليس من أهله)) (1) . وَقَالَ مالك بن أنس (2) : ((أدركت مشايخ بالمدينة أبناء سبعين وثمانين لا يؤخذ عَنْهُمْ، ويقدم ابن شهاب وَهُوَ دونهم في السن فتزدحم الناس عَلَيْهِ)) (3) . وهناك أمور جعلت عدداً من جهابذة الْمُحَدِّثِيْنَ لا يأخذون عَنْ عدد كبير من الرُّوَاة هي أن هؤلاء الرُّوَاة كانوا يتشاغلون عَنْ الْحَدِيْث. والتشاغل عَنْ الْحَدِيْث مدعاة لعدم ضبط الْحَدِيْث وعدم إتقانه وربما كَانَ مآل ذَلِكَ إلى دخول بعض الوهم والعلل والاختلافات؛ لأن المذاكرة والمراجعة يعينان عَلَى ضبط الْحَدِيْث وإتقانه. والانشغال في بعض الأمور ربما يحول دون المذاكرة والمراجعة مِمَّا يؤدي إلى عدم ضبط الروايات. ومن تِلْكَ الأمور: أ.…ولاية القضاء: إنّ ولاية القضاء من الأمور الدينية المهمة، والمجتمع الإسلامي بحاجة لازمة إلى هَذَا المنصب قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} (4) . ولمكانة هَذِهِ الوظيفة في الإسلام وأهميتها البالغة فالأمر يستدعي من القاضي توفيراً واسعاً لمزيدٍ من الوقت، وتهيئة جوٍّ ملائم للقضاء؛ لأن القضاء مسؤولية دينية ودنيوية، وَقَدْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -:
((مَنْ وُلِّيَ القَضَاءَ، أو جُعِلَ قاضِياً بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيرِ سِكِّين)) (1) . إذن فهذه المسؤولية تستدعي تفرغاً وتفكُّراً ومراجعة، والحديث النبوي يحتاج كَذَلِكَ إِلَى تفرُّغٍ نِسبِيٍّ للمراجعة والمذاكرة من أجل الحِفَاظ عَلَى الضبط. وَقَدْ وجدنا حِيْنَ استقرأنا حال كَثِيْر من الرُّوَاة الَّذِيْنَ ولوا القضاء أنهم قَدْ خفّ ضبطهم لانشغالهم بهذا المنصب الوظيفي، ومن أولئك: شريك بن عَبْد الله النخعي الْقَاضِي، حدّد ابن حِبّان تَخليطه بَعْدَ عام خمسين ومئة حِيْنَ تولى قضاء الكُوفَةِ (2) . وكذلك مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان بن أبي ليلى (3) قَالَ أبو حاتم الرازي: ((شغل بالقضاء فساء حفظه)) (4) . ب.…الاشتغال بالفقه:
الفقه الإسلامي يمثل الشريعة الإسلامية الغراء وذلك لما احتواه من الأصول العظيمة الَّتِيْ تصلح لكل زمان ومكان، والفقه الإسلامي واسع في أصوله وفروعه. ومن يشتغل بهذا العلم العظيم يحتاج إلى خلفيات بعدة علوم. وهذا يستدعي وقتاً واسعاً وتفرغاً كبيراً، ومن كَانَ الفقه أكبر همه ربما قصَّر في ضبط بعض أحاديثه؛ لأن ذَلِكَ ربما شغله عَنْ مراجعة حديثه. وكثير من الَّذِيْنَ يشتغلون بعلم من العلوم ويستفرغون العمر في تخصصهم يَكُوْن ذَلِكَ مدعاة للتقصير بالعلوم الأخرى. وَقَدْ وجدنا بعض جهابذة الْحَدِيْث تَكَلَّمَ في بعض الرُّوَاة لِقَصْرِ تهممهم (1) عَلَى الفقه، ومن أولئك حماد بن أبي سليمان (2) من كبار الفقهاء وشيخ أبي حَنِيْفَة النعمان (3) قَالَ عَنْهُ أبو إسحاق الشيباني (4)
: ((ما رأيت أحداً أفقه من حماد)) (1) . ومع هَذَا فَقَدْ نقل عَبْد الرحمان بن أبي حاتم (2) عَنْ أمير المؤمنين في الْحَدِيْث شعبة بن الحجاج قوله: ((كَانَ حماد - يعني: ابن أبي سليمان - لا يحفظ)) . ثُمَّ عقّب ابن أَبِي حاتم عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: ((يعني: إن الغالب عَلَيْهِ الفقه وإنه لَمْ يرزق حفظ الآثار)) (3) . وَقَالَ أبو حاتم: ((هُوَ صدوق ولا يحتج بحديثه، هُوَ مستقيم في الفقه، وإذا جاء الآثار شوّش)) (4) . ومن هنا وضع علماء الجرح والتعديل قواعد في أنّ الفقهاء غَيْر الْمُحَدِّثِيْنَ يغلب عليهم الفقه دون حفظ المتون، قَالَ ابن رجب الحنبلي: ((الفقهاء المعتنون بالرأي حَتَّى يغلب عليهم الاشتغال بِهِ، لا يكادون يحفظون الْحَدِيْث كَمَا ينبغي، ولا يقيمون أسانيده ولا متونه، ويخطئون في حفظ الأسانيد كثيراً، ويروون المتون بالمعنى، ويخالفون الحفاظ في ألفاظه)) (5) . وابن رجب مسبوق بهذا التنظير فَقَدْ قَالَ ابن حِبّان: ((الفقهاء الغالب عليهم حفظ المتون وأحكامها وأداؤها بالمعنى دون حفظ الأسانيد وأسماء الْمُحَدِّثِيْنَ، فإذا رفع محدث خبراً، وَكَانَ الغالب عَلَيْهِ الفقه، لَمْ أقبل رفعه إلا من كتابه؛ لأنه لا يعلم المسند من المرسل، ولا الموقوف من المنقطع، وإنما همته إحكام الْمَتْن فَقَطْ)) (6) . ج. الاشتغال بالعبادة:
سبق لنا أن ذكرنا مراراً أن الْحَدِيْث النبوي يحتاج إلى متابعة ومذاكرةٍ وتكرارٍ من أجل حفظ الروايات وصونها من الخطأ والزيادة والنقص، وأن ترك ذَلِكَ يؤول في نهاية المطاف إلى عدم ضبط الأحاديث ودخول الوهم والاختلاف فِيْهَا فِيْمَا بعد. ومن الأمور الَّتِيْ حَدَتْ ببعض الْمُحَدِّثِيْنَ للتقصير في ضبط مروياتهم انشغال بعضهم بالعبادة وصرف غالب أوقاتهم بِذَلِكَ دون متابعة ضبط رواياتهم. وَقَدْ أصل ابن رجب في ذَلِكَ قاعدة فَقَالَ: ((الصالحون غَيْر العلماء يغلب عَلَى حديثهم الوهم والغلط)) (1) . والحافظ ابن رجب إنما أخذ ذَلِكَ من أقوال أئمة هَذَا الشأن العارفين بعلله الغواصين في معانيه وأسراره قَالَ نجم العلماء (2) مالك بن أنس: ((أدركت بهذا البلد - يعني الْمَدِيْنَة - مشيخة لَهُمْ فضلٌ وصلاحٌ وعبادة يحدِّثون، ما سَمِعْتُ من واحد مِنْهُمْ حديثاً قطُّ، فقيل لَهُ: وَلِمَ يا أبا عَبْد الله؟ قَالَ: لَمْ يكونوا يعرفون ما يحدِّثون)) (3) . وَقَالَ أَيْضاً: ((لا يؤخذ العلم من أربعة، ويؤخذ ممن سوى ذَلِكَ، لا يؤخذ من سفيه مُعلن بالسَفه وإن كَانَ أروى الناس، ولا يؤخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس، إذا جرب ذَلِكَ عَلَيْهِ، وإن كَانَ لا يُتَّهَمُ أن يكذب عَلَى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا من صاحب هوىً يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخٍ لَهُ فضلٌ وعبادة إذا كَانَ لا يعرف ما يحدّث بِهِ)) (4) .
وَقَالَ ابن منده (1) : ((إذا رأيت في حَدِيْث (فُلاَن الزاهد) فاغسل يدك مِنْهُ)) (2) . وممن كانت حاله عَلَى ما قدمنا: أبان بن أبي عياش: فيروز البصري، أبو إسماعيل العبدي، قَالَ فِيْهِ الإمام المبجل أحمد بن حَنْبَل: ((متروك)) (3) . قَالَ ابن رجب الحنبلي: ((ذكر الترمذي من أهل العبادة المتروكين رجلين: أحدهما أبان بن أبي عياش)) (4) . وقَالَ الإمام الترمذي: ((رَوَى عَنْ أبان بن أبي عياش غَيْر واحد من الأئمة (5) ، وإن كَانَ فِيْهِ من الضعف والغفلة ما وصفه أبو عوانة (6)
وغيره (1) فلا يغتر برواية الثقات عَنْ الناس؛ لأنه يروي عَنْ ابن سيرين أنه قَالَ: إن الرجل ليحدِّثني، فما أتهمه، ولكن أتهم من فوقه. وَقَدْ رَوَى غَيْر واحد (2) عَنْ إبراهيم النخعي عَنْ علقمة عَنْ عَبْد الله بن مسعود: أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقنتُ في وتره قَبْلَ الركوع. وروى أبان بن أبي عياش، إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عَبْد الله بن مسعود: ((إن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقنت في وتره قَبْلَ الركوع)) . هكذا رَوَى سفيان الثوري عَنْ أبان بن أبي عياش (3) ، وروى بعضهم (4) عَنْ أبان بن أبي عياش بهذا الإسناد نحو هَذَا، وزاد فِيْهِ: قَالَ عَبْد الله بن مسعود: ((أخبرتني أمي أنها باتت عِنْدَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فرأت النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قنت في وتره قَبْلَ الركوع)) . وأبان بن أبي عياش وإن كَانَ قَدْ وصف بالعبادة والاجتهاد، فهذا حاله في الْحَدِيْث والقوم كانوا أصحاب حفظ، فرب رجل وإن كَانَ صالحاً لا يقيم الشهادة ولا يحفظها …)) (5) . الدكتور ماهر ياسين الفحل
الكشف عن الاختلاف الكشف عن الاختلافات الحديثية الواقعة في الأسانيد والمتون ليس بالأمر الهيّن اليسير، بَلْ هُوَ أمر شاق للغاية، ولا يتمكن لَهُ إلا من رزقه الله فهماً واسعاً واطلاعاً كبيراً. ومعرفة الاختلافات الواقعة في المتون والأسانيد لا يمكن الوصول إليها إلا بجمع الطرق والنظر فِيْهَا مع الْمَعْرِفَة التامة بالرواة والشيوخ والتلاميذ، وكيفية تلقي التلاميذ من الشيوخ والأحوال والوقائع وطرق التحمل وكيفية الأداء من أجل مَعْرِفَة الخطأ من الصواب وكيفية وقوع الخلل والخطأ في الرِّوَايَة. وهذا يستدعي جهداً جهيداً، قَالَ الحافظ ابن حجر: ((هَذَا الفن أغمض أنواع الْحَدِيْث وأدقها مسلكاً، ولا يقوم بِهِ إلا مَنْ منحه الله تَعَالَى فهماً غائصاً، واطلاعاً حاوياً وإدراكاً لمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة)) (1) . وَقَالَ ابن رجب الحنبلي: ((حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كُلّ واحد مِنْهُمْ، لَهُمْ فهم خاص يفهمون بِهِ أن هَذَا الْحَدِيْث يشبه حَدِيْث فُلاَن، ولا يشبه حَدِيْث فُلاَن فيعللون الأحاديث بِذَلِكَ)) (2) . ويشترط فيمن يتكلم في العلل ويكشف عن اختلافات المتون والأسانيد أن يَكُوْن ملماً بالروايات مطالعاً للكتب واسع البحث كثير التفتيش، لذا قَالَ ابن رجب الحنبلي: ((ولابدَّ في هَذَا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكرة بِهِ فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين كيحيى القطان، ومن تلقى عَنْهُ كأحمد وابن المديني (3)
وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذَلِكَ، وفهمه وفقهت نفسه فِيْهِ وصارت لَهُ فِيْهِ قوة نفس وملكة، صلح لَهُ أن يتكلم فِيْهِ)) (1) . ويشترط فيمن يريد الكشف عن الاختلافات الحديثية أن يعرف الأسانيد الصحيحة والواهية. والثقات الذِيْن ضعفوا في بعض شيوخهم، والثقات الَّذِيْنَ تقوّى أحاديثهم بروايتهم عن بعض الشيوخ؛ لأنه مدار الترجيح وبه يعرف تعيين الخطأ من الصَّحِيْح. وبالإمكان تنظير نقاط ندرك من خلالها الاختلافات سواء أكانت في المتون أم في الأسانيد، يستطاع من خلالها كشف الوهم والاختلافات، وكيفية التعامل مع ذَلِكَ تصحيحاً أَوْ تضعيفاً وكما يأتي: أولاً. مَعْرِفَة من يدور عَلَيْهِ الإسناد من الرُّوَاة (2) : إنّ مَعْرِفَة من يدور عليهم الإسناد من الرُّوَاة المكثرين الَّذِيْنَ يكثر تلامذتهم وتتعدد مدارسهم الحديثية، فِيْهِ فائدة عظيمة لناقد الْحَدِيْث الَّذِيْ من همه مَعْرِفَة الاختلافات وكيفية التوفيق بينها؛ لأن هَذَا يعطي صورة واضحة للأسانيد الشاذة أَوْ المنكرة، واختلاف الناقلين عن ذَلِكَ المصدر. وإنا نجد علماء الْحَدِيْث الأجلاء يهتمون بهذا أيما اهتمام، فَقَدْ سأل عَبْد الله بن الإمام أحمد (3)
أباه: ((أيما أثبت أصحاب الأعمش؟ فَقَالَ: سُفْيَان الثوري أحبهم إليَّ، قلت لَهُ: ثُمَّ من؟ فَقَالَ: أبو معاوية (1) في الكثرة والعلم - يعني: عالماً بالأعمش - قلت لَهُ: أيما أثبت أصحاب الزهري؟ فَقَالَ: لكل واحد مِنْهُمْ علة إلا أن يونس (2) وعقيلاً (3) يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة (4) ، وليس هم مثل معمر، معمر يقاربهم في الإسناد. قلت: فمالك؟ قَالَ: مَالِك أثبت فِي كُلّ شيء …)) (5) . وَقَدْ اهتم الإمام عَلِيّ بن المديني بهذا الباب، فذكر فِي علله من يدور عَلَيْهِمْ
الإسناد (1) ، وبهذا الاهتمام البالغ استطاع الْعُلَمَاء مَعْرِفَة من يدور عَلَيْهِمْ الإسناد، ومَنْ أَكْثَر الناسُ عَنْهُمْ جمعاً ورواية، وَقَدْ طبقوا هَذَا المنهج عَلَى الرُّوَاة كافة حَتَّى تعرَّفوا عَلَى أوثق النَّاس فِيْهِ وأدناهم، كَمَا ثبَّتوا حماد بن سَلَمَة (2) فِي ثابت البناني (3) ، وهشام بن حسان (4) في ابن سيرين (5) . وهذه الأمور تعين الناقد عَلَى مَعْرِفَة الاختلافات، ثُمَّ كيفية الترجيح والتوفيق بَيْنَ الروايات. ثانياً. مَعْرِفَة الرُّوَاة (6) :
وهذه النقطة تتفرع إلى صور: أ. مَعْرِفَة وفيات الرُّوَاة ومواليدهم: وهذه الصورة لها خصيصة كبيرة؛ إِذْ بمعرفة الولادة والوفاة تتضح صورة اتصال التلميذ بالشيخ، وإمكانية المعاصرة من عدمها. ب. مَعْرِفَة أوطان الرُّوَاة: وهذه الصورة لها أَيْضاً خصيصة عالية إذ إن بعض الرُّوَاة ضُعِّفُوا في روايتهم عن بعض أصحاب المدن خاصة كَمَا في إسماعيل بن عياش فهو غاية في الشاميين (1) ، مخلط عن المدنيين (2) ، وَقَالَ الْحَاكِم في " مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث " (3) : ((الكوفيون إذا رووا عن المدنيين زلقوا)) . ج. مَعْرِفَة شيوخ الرُّوَاة وتلاميذهم (4) : وهذه الصورة لها أهمية بالغة؛ إذ بِهَا يعرف السند المتصل من المنقطع من المدلس. ويستطاع من خلال ذَلِكَ التمييز بَيْنَ المجملين (5) في السند.
د. مَعْرِفَة السابق واللاحق من الرُّوَاة (1) : وحقيقته مَعْرِفَة من اشترك في الرِّوَايَة عَنْهُ راويان متقدم ومتأخر تباين وقت وفاتيهما تبايناً شديداً فحصل بينهما أمد بعيدٌ، وإن كَانَ المتأخر منهما غَيْر معدود من معاصري الأول وذوي طبقته (2) . ومعرفة هَذَا النوع من علوم الْحَدِيْث لَهُ أهمية كبيرة حَتَّى لا يظن انقطاع ما ليس بمنقطع ولا يجعل الصواب خطأً. هـ. مَعْرِفَة الثقات ودرجاتهم ومراتبهم وضبطهم وأيهم الَّذِيْ يقدم عِنْدَ الاختلاف (3) : وهذا الأمر مهم للغاية ومن خلاله يتم الترجيح بَيْنَ الرُّوَاة. و. مَعْرِفَة المتشابه من الأسماء وكذا الكنى: وهذا الأمر لَهُ أهمية بالغة في مَعْرِفَة الاختلافات. ومن خلال مَعْرِفَة المتشابه يتنبه الناقد إلى عدم الخلط بَيْنَ الرُّوَاة إِذْ قَدْ تتفق الأسماء ويختلف الشخص وعدم الْمَعْرِفَة والتمييز يؤدي إلى الخلط. ز. لابد من مَعْرِفَة من اشتهر بالتدليس من الرُّوَاة: وكذلك من يرسل، وكذا من ضعِّف حديثه لآفة صحية أَوْ تَغَيَّرَ اوِ اختلط (4) . ثالثا. جمع الأبواب (5) :
لا يمكن للبصير الناقد أن يكشف عن الاختلافات ويقارن بينها إلا بَعْدَ جمع طرق حَدِيْث الباب والموازنة والمقارنة والنظر الثاقب، قَالَ علي بن المديني: ((الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه)) (1) . ……………………… الدكتور ماهر ياسين الفحل… ………………العراق /الأنبار/الرمادي/ص.ب 735 ……………… [email protected]………………
أهمية معرفة الاختلافات في المتون والأسانيد
أهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد إذا كَانَ كُلّ علم يستمد شرفه من مدى نفعه -كَمَا قررناه آنفاً-،فإن العلم بمعرفة الاختلافات الَّتِيْ تقع في المتون والأسانيد لَهُ أهمية كبيرة؛ لأن علم الْحَدِيْث من أشرف العلوم الشرعية، ومعرفة الاختلافات لها أثر كبير في تمييز الْحَدِيْث الصَّحِيْح من السقيم. ثُمَّ إن الَّذِيْ يزيد هَذَا الفن أهمية أنه من أشد العلوم غموضاً، فلا يدركه إلا من رزق سعة الرِّوَايَة، وَكَانَ مع ذَلِكَ حاد الذهن ثاقب الفهم دقيق النظر واسع المران كَمَا تقدم. ومعرفة الاختلافات والترجيح بينها من الأمور الَّتِيْ لا تنال إلا بممارسة كبيرة في الإعلال والتضعيف ومعرفة السند الصَّحِيْح من الضعيف، فَمَنْ أَكْثَرَ الاشتغال بعلم الْحَدِيْث وحفظ جملة مستكثرة من المتون وعرف خفايا المتون والأسانيد ومشكلاتها استطاع أن يميز الْحَدِيْث الصَّحِيْح من الْحَدِيْث المختلف فِيْهِ، لذا قَالَ الربيع بن خُثَيْم (1) : ((إن للحديث ضوءاً كضوء النهار تعرفه وظلمة كظلمة الليل تنكره)) (2) .
ومعرفة العلل واختلافات المتون والأسانيد هِيَ لُبُّ القضايا في علوم الْحَدِيْث وأدقها وأغمضها، وَقَدْ قعّد الْمُحَدِّثُوْنَ النقاد القواعد لتنقية الأحاديث النبوية وحفظها من أوهام الناقلين وأخطائهم. ومصدر اختلاف المتون والأسانيد يبقى خفياً غامضاً لا يكشفه إلا من جمع بَيْنَ الحفظ والفهم والمعرفة. ومعرفة الاختلافات في المتون والأسانيد أمر خفيٌّ غامض لا يصل إِلَيْهِ نظر الباحث إلا بالغربلة والدراسة المعمقة مع رصيد كبير من الممارسة الحديثية. ثُمَّ إنّ الخبرة وطول المذاكرة وزيادة الحفظ والملكة القوية، وجمع الأبواب والتمرّس المستمر في ذَلِكَ هُوَ الَّذِيْ جعل الأئمة النقاد يعرفون الاختلافات بالنظر إِلَيْهَا لمخالفتها ما لديهم من صواب في المتون والأسانيد. ثُمَّ إنّ عَلَى طالب الْحَدِيْث قَبْلَ أن يعلَّ حديثاً بالاختلاف أن يجمع طرق الْحَدِيْث ويستقصيها من المصنفات والجوامع والمسانيد والسنن والأجزاء، ويسبر أحوال الرُّوَاة فينظر في اختلافهم وفي مقدار حفظهم ومكانتهم من الضبط والإتقان، وعند ذَلِكَ وبعد النظر الشديد في القرائن والمرجحات والاستعانة بأقوال الأئمة نقاد الْحَدِيْث وحفاظ الأثر وإشاراتهم؛ يقع في نفس الباحث الناقد أن الْحَدِيْث معلٌّ بالاختلاف، كأن يَكُوْن الْحَدِيْث الموصول معلاً بالإرسالِ أَوْ الانقطاع أَوْ يَكُوْن المرفوع معلاً بالوقف (1) أو أن هناك سقطاً بسبب التدليس، أو يجد دخول حَدِيْث في حَدِيْث أو يجد وهم واهمٍ أو ما أشبه ذَلِكَ من العلل القادحة.
والنظر العميق في التعرف عَلَى الاختلافات في المتون والأسانيد لَهُ أهمية بالغة للفقيه فضلاً عَنْ المحدِّث؛ لأن الفقيه لا يستطيع أن يعرف صحة الْحَدِيْث من عدمها حَتَّى يقر في نفسه ويعتقد أنّ هَذَا الْحَدِيْث خالٍ من الخلل والوهم بسبب الاختلافات. والنظر والتنقير في الترجيح بَيْنَ الاختلافات عَلَى حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالحديث تعطي الفقيه والمحدّث مَعْرِفَة هل أنّ الْحَدِيْث صالح للاحتجاج والعمل أم لا؟ إنّ جهابذة الْحَدِيْث ونقاده وصيارفته وأفذاذه حثوا عَلَى مَعْرِفَة الاختلافات، فَقَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل – يرحمه الله –: ((إن العالم إذا لَمْ يعرف الصَّحِيْح والسقيم، والناسخ والمنسوخ من الْحَدِيْث لا يسمى عالماً)) (1) . وَقَالَ قتادة (2) : ((من لَمْ يعرف الاختلاف لَمْ يشم أنفه الفقه)) (3) . وَقَالَ سعيد بن أبي عروبة (4) : ((من لَمْ يَسْمَع الاختلاف فلا تعدوه عالماً)) (5) . وَقَالَ عطاء بن أَبِي رباح (6)
: ((لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حَتَّى يَكُوْن عالماً باختلاف الناس)) (1) . هذا وغيره من أقوال الأئمة النقاد في حثهم عَلَى تعلّم الاختلافات ودراستها حَتَّى يخرج طالب العلم فقيهاً محدّثاً، وَقَدْ أدرك الصدر الأول من أهل العلم أهمية ذَلِكَ للفقيه والمحدِّث، وأنَّ الفقه والحديث صنوان لا ينفكان وتوأمانِ مُتلازمان لا غِنَى لأحدهما عَنْ الآخر، ومَنْ كَلَّ في أحدهما خيف عَلَيْهِ السقط في الآخر وَلَمْ يُؤْمَن عَلَيْهِ من الغلط، بَلْ ربما كَانَ مدعاة للوهم والإيهام. ونجد السابقين من العلماء حثوا عَلَى تعلم العلمين، نقل الكتاني (2) في " نظم المتناثر" (3) عَنْ سفيان الثوري (4) وسفيان بن عيينة وعبد الله بن سنان (5)
قالوا: ((لَوْ كَانَ أحدنا قاضياً لضربنا بالجريد (1) فقيهاً لا يتعلم الْحَدِيْث ومحدّثاً لا يتعلم الفقه)) . وَقَدْ نبّه الْحَاكِم النيسابوري عَلَى أن علم الفقه أحد العلوم المتفرعة من علم الْحَدِيْث، فَقَدْ قَالَ: ((مِنْ علم الْحَدِيْث مَعْرِفَة فقه الْحَدِيْث،إِذْ هُوَ ثمرة هَذِهِ العلوم، وبه قوام الشريعة، فأما فقهاء الإسلام أصحاب القياس والرأي والاستنباط والجدل والنظر فمعروفون في كُلّ عصر وأهل كُلّ بلد، ونحن ذاكرون بمشيئة الله في هَذَا الموضع فقه الْحَدِيْث، عَنْ أهله ليستدل بِذَلِكَ عَلَى أن أهل هَذِهِ الصنعة من تبحر فِيْهَا لا يجهل فقه الْحَدِيْث، إِذْ هُوَ نوع من أنواع هَذَا العلم)) (2) . ثُمَّ إنا نلاحظ أن العلماء من أهل الفقه والحديث قَدْ ألّفوا كتباً جامعة تناولوا فِيْهَا الاختلافات فأبدعوا فِيْهَا؛ لذا نجد أن الإمام الشَّافِعِيّ ألّف فِي اخْتِلاَفِ الْحَدِيْث (3) ، ثُمَّ تبعه ابْن قتيبة (4) ، وأبو يَحْيَى زكريا بن يَحْيَى الساجي (5)
، والطحاوي (1) ، وابن الجوزي (2) . وهذه الكتب تضم اختلافات المتون والأسانيد، وَهِيَ دراسات علمية جادة قل نظيرها تدلنا عَلَى اهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بالجانبين الفقهي والحديثي والتعرف عَلَى الاختلافات لذين العِلْمَين تعصم صاحبها من الزلل وتقيه من الوهم. الدكتور ماهر ياسين الفحل… العراق /الأنبار/الرمادي/ص.ب 735 ……………… [email protected]………………
اختلاف الثقة مع الثقات
اختلاف الثقة مع الثقات إن الاختلافات الواردة في المتن أو الإسناد تتفرع أنواعاً متعددة، لكل نوع اسمه الخاص به، ومن تلك الاختلافات هو أن يخالف الثقة ثقات آخرين، مثل هذه المخالفة تختلف، ربما تكون من ثقة يخالف ثقة آخر، أو من ثقة يخالف عدداً من الثقات، وإذا كان المخالف واحداً وليس جمعاً فيشترط فيه أن يكون أوثق ممن حصل فيه الاختلاف، وهذا النوع من المخالفة يطلق عليه عند علماء المصطلح الشاذ (1) ، وهو: أن يخالف الثقة من هو أوثق منه عدداً أو حفظاً. وهذا التعريف مأخوذ من تعريف الشافعي للشاذ، فقد روي عن يونس بن عبد الأعلى (2)
، قال: قال لي الشافعي -رحمه الله-: ((ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ: أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس)) (1) . والشاذ في اللغة: المنفرد، يقال: شذّ يَشُذُّ ويشِذُّ – بضم الشين وكسرها – أي: انفرد عن الجمهور، وشذَّ الرجلُ: إذا انفرد عن أصحابه. وكذلك كل شيء منفرد فهو شاذ. ومنه: هو شاذ من القياس، وهذا مما يشذ عن الأصول، وكلمة شاذة…وهكذا (2) . إذن: الشذوذ هو مخالفة الثقة للأوثق حفظاً أو عدداً، وهذا هو الذي استقر عليه الاصطلاح (3) ، قال الحافظ ابن حجر: ((يختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف رواية من هو أرجح منه)) (4) . ثم إن مخالفة الثقة لغيره من الثقات أمر طبيعي إذ إن الرواة يختلفون في مقدار حفظهم وتيقظهم وتثبتهم من حين تحملهم الأحاديث عن شيوخهم إلى حين أدائها. وهذه التفاوتات الواردة في الحفظ تجعل الناقد البصير يميز بين الروايات، ويميز الرواية المختلف فيها من غير المختلف فيها، والشاذة من المحفوظة، والمعروفة من المنكرة.
ومن الأمثلة لحديث ثقة خالف في ذلك حديث ثقة أوثق منه: ما رواه معمر بن راشد (1) ، عن يحيى بن أبي كَثِيْر، عن عبد الله بن أبي قتادة (2) ، عن أبيه (3) ، قال: ((خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حماراً فحملت عليه، فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكرت أني لم أكن أحرمت، وأني إنما اصطدته لك؟ فأمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فأكلوا، وَلَمْ يأكل مِنْهُ حِيْنَ أخبرته أني اصطدته لَهُ)) (4) . فهذا الحديث يتبادر إلى ذهن الناظر فيه أول وهلة أنه حديث صحيح، إلا أنه بعد البحث تبين أن معمر بن راشد – وهو ثقة – قد شذ في هذا الحديث فقوله: ((إنما اصطدته لك)) ، وقوله: ((ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له)) . جملتان شاذتان شذ بهما معمر بن راشد عن بقية الرواة.
قال ابن خزيمة: ((هذه الزيادة: ((إنما اصطدته لك)) ، وقوله: ((ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته لك)) ، لا أعلم أحداً ذكره في خبر أبي قتادة غير معمر في هذا الإسناد، فإن صحت هذه اللفظة فيشبه أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم ذلك الحمار قبل [أن] (1) يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله امتنع من أكله بعد إعلامه إياه أنه اصطاده من أجله؛ لأنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قد أكل من لحم ذلك الحمار)) (2) . هكذا جزم الحافظ ابن خزيمة بتفرد معمر بن راشد بهاتين اللفظتين، وهو مصيب في هذا، إلا أنه لا داعي للتأويل الأخير لجزمنا بعدم صحة هاتين اللفظتين – كما سيأتي التدليل عليه -. وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري (3) - شيخ الدارقطني -: ((قوله: " اصطدته لك "، وقوله: " ولم يأكل منه "، لا أعلم أحداً ذكره في هذا الحديث غير معمر)) (4) .
وقال البيهقي: ((هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه، وقد روينا عن أبي حازم بن دينار، عن عبد الله بن أبي قتادة في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل منها، وتلك الرواية أودعها صاحبا الصحيح (1) كتابيهما دون رواية معمر وإن كان الإسنادان صحيحين)) (2) . وقال ابن حزم: ((لا يخلو العمل في هذا من ثلاثة أوجه. إما أن تغلب رواية الجماعة (3) على رواية معمر لا سيما وفيهم من يذكر سماع يحيى من أبي قتادة (4) ، ولم يذكر معمرا، أو تسقط رواية يحيى بن أبي كثير جملة؛ لأنه اضطرب عليه (5) ، ويؤخذ برواية أبي حازم وأبي محمد وابن موهب الذين لم يضطرب عليهم؛ لأنه لا يشك ذو حسٍّ أن إحدى الروايتين وهم، إذ لا يجوز أن تصح الرواية في أنه عليه السلام أكل منه، وتصح الرواية في أنه عليه السلام لم يأكل منه، وهي قصة واحدة في وقت واحد في مكان واحد في صيد واحد)) (6) . وسأشرح الآن شذوذ رواية معمر، فأقول:
خالف معمر رواية الجمع عن يحيى، فقد رواه هشام الدستوائي (1) – وهو ثقة ثبت (2) -، وعلي بن المبارك (3) -وهو ثقة (4) -، ومعاوية بن سلام (5) -وهو ثقة (6) -، وشيبان بن عبد الرحمان (7) -وهو ثقة (8) -، فهؤلاء أربعتهم رووه عن يحيى بن أبي كثير، ولم يذكروا هاتين اللفظتين.
كما أن الحديث ورد من طريق عبد الله بن أبي قتادة من غير طريق يحيى بن أبي كثير، ولم تذكر فيه اللفظتان مما يؤكد ذلك شذوذ رواية معمر بتلك الزيادة؛ فَقَدْ رَوَاهُ عثمان بن عَبْد الله بن موهب (1) – وَهُوَ ثقة (2) -، وأبو حازم سلمة بن دينار (3)
- وَهُوَ ثقة (1) -، وعبد العزيز بن رفيع (2) –وَهُوَ ثقة (3) -، وصالح بن أبي حسان (4) - وهو صدوق (5) -؛ فهؤلاء أربعتهم رووه عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، ولم يذكروا هاتين اللفظتين، كما أن هذا الحديث روي من طرق أخرى عن أبي قتادة، وليس فيه هاتان اللفظتان: فقد رواه نافع مولى أبي قتادة (6) -وهو ثقة (7) -، وعطاء بن يسار (8)
- وهو ثقة (1) -، ومعبد بن كعب بن مالك (2) - وهو ثقة (3) -، وأبو صالح مولى التوأمة (4) - وهو مقبول (5) - فهؤلاء أربعتهم رووه دون ذكر اللفظتين اللتين ذكرهما معمر، وهذه الفردية الشديدة مع المخالفة تؤكد شذوذ رواية معمر لعدم وجودها عند أحدٍ من أهل الطبقات الثلاث. والذي يبدو لي أن السبب في شذوذ رواية معمر بن راشد دخول حديث في حديث آخر؛ فلعله توهم بما رواه هو عن الزهري، عن عروة، عن يحيى بن عبد الرحمان ابن حاطب، عن أبيه أنه اعتمر مع عثمان في ركب، فأهدي له طائر، فأمرهم بأكله، وأبى أن يأكل، فقال له عمرو بن العاص: أنأكل مما لست منه آكلاً، فقال: إني لست في ذاكم مثله، إنما اصطيد لي وأميت باسمي (6) .
فربما اشتبه عليه هذا الحديث بالحديث السابق، والله أعلم. الدكتور ماهر ياسين الفحل العراق الأنبار الرمادي ص ب 735 [email protected]
اختلاف الضعيف مع الثقات
اختلاف الضعيف مع الثقات إذا خولف الثقة في حَدِيْث من الأحاديث فهنا مسألة يأخذها النقاد بنظر الاعتبار فيوازنون ويقارنون بَيْنَ المختلفين فإذا خولف الثقة من قِبَلِ ثقة آخر فيحكم حينئذٍ لرواية من الروايات بحكم يليق بِهَا وكذا تأخذ المقابلة الحكم بالضد أما إذا خولف الثقة برواية ضعيف من الضعفاء، فلا يضر حينئذٍ الاختلاف لرواية الثقة؛ إذ إن رِوَايَة الثقات لا تعل برواية الضعفاء (1) ؛ فرواية الثقة معروفة ورواية الضعيف منكرة فعلى هَذَا المنكر من الْحَدِيْث هُوَ: المنفرد المخالف لما رَوَاهُ الثقات (2)
قَالَ الإمام مُسْلِم: ((وعلامة المنكر في حَدِيْث المحدّث إذا ما عرضت روايته للحديث عَلَى رِوَايَة غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لَمْ تكد توافقها)) (1) . وعليه فإن رِوَايَة الضعيف شبه لا شيء أمام رِوَايَة الثقات الأثبات ولا تعل الرِّوَايَة الصحيحة بالرواية الضعيفة، وَقَدْ وجدنا خلال البحث والسبر أن بعض العلماء قَدْ عملوا بأحاديث بعض الضعفاء وَهِيَ مخالفة لرواية الثقات، ومثل هَذَا يحمل عَلَى حسن ظنهم برواية الضعيف وعلى عدم اطلاعهم عَلَى رِوَايَة الثقات. مثال ذَلِكَ: ما رَوَاهُ أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي (2) ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن وهب (3) ، قَالَ: أخبرني يحيى بن أيوب (4) ، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري (5)
، عن أبيه (1) ((أن الصعب بن جَثامة (2) أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - عجز حمار وحش، وَهُوَ بالجُحْفَة (3) فأكل مِنْهُ وأكل القوم)) (4) . فهذا الْحَدِيْث مخالف لرواية الثقات، وفيه راويان فيهما مقال: الأول: يحيى بن أيوب الغافقي:
فهو وإن حسّن الرأي فِيْهِ جَمَاعَة من الْمُحَدِّثِيْنَ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ آخرون، فَقَدْ ضعّفه أبو زرعة (1) ، والعقيلي (2) ، وَقَالَ أحمد: كَانَ سيء الحفظ (3) ، وَقَالَ أبو حاتم: ((محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج بِهِ)) (4) ، وَقَالَ النسائي: ((ليس بذاك القوي)) (5) ، وَقَالَ ابن سعد: ((منكر الْحَدِيْث)) (6) ، وَقَالَ الذهبي: ((حديثه فِيْهِ مناكير)) (7) ، وَقَالَ ابن القطان: ((هُوَ ممن قَدْ علمت حاله، وأنه لا يحتج بِهِ لسوء حفظه)) (8) ، وَقَالَ: ((يحيى بن أيوب يضعف)) (9) ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((في بعض حديثه اضطراب)) (10) ، وَقَدْ ضعفه ابن حزم (11) . الثاني: يحيى بن سليمان الجعفي: قَالَ عَنْهُ أبو حاتم: ((شيخ)) (12) ، وَقَالَ النسائي: ((ليس بثقة)) (13) . وذكره ابن حبان في " الثقات " وَقَالَ: ((ربما أغرب)) (14) . ومع تفرد هذين الراويين بهذا الْحَدِيْث فَقَدْ خالفا الثقات في روايته قَالَ ابن القيم عن هَذِهِ الرِّوَايَة: ((غلط بلا شك، فإن الواقعة واحدة، وَقَد اتفق الرُّوَاة أنه لَمْ يأكل مِنْهُ، إلا هَذِهِ الرِّوَايَة الشاذة المنكرة)) (15) .
والرواية المعروفة الصَّحِيْحة هِيَ ما وردت برواية الجم الغفير عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عَبْد الله بن عتبة بن مسعود، عن عَبْد الله بن عَبَّاسٍ، عن الصعب بن جثامة الليثي، أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حماراً وحشياً وَهُوَ بالأبواء (1) ، أو بودان (2) ، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قَالَ: ((إنا لَمْ نرده عليك إلا أنا حرم)) (3)
الدكتور ماهر ياسين الفحل العراق / الأنبار / الرمادي ص ب 735 [email protected]
مثال لاختلاف الضعيف مع الثقات
مثال لاختلاف الضعيف مع الثقات تفرد أبو هلال مُحَمَّد بن سليم (1) بحَدِيْث، عن عَبْد الله بن سوادة (2) ، عن أنس بن مالك من بني عَبْد الله بن كعب، قَالَ: ((أغارت علينا خيل رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيت رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يتغدى فَقَالَ: ((أدن فكل)) قلت: إني صائم، قَالَ: ((اجلس أحدثك عن الصوم أو الصيام، إن الله - عز وجل - وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم، أو الصيام …)) . رَوَاهُ بهذه الرِّوَايَة: ابن أبي شيبة (3) ، وابن سعد (4) ، وأحمد (5) ، وعبد بن حميد (6) ، وأبو داود (7) ، وابن ماجه (8) ، والفسوي (9) ، وابن أَبِي عاصم (10) ،
وعبد الله بن أحمد (1) ، وابن خزيمة (2) ، والطحاوي (3) ، وابن قانع (4) ، والطبراني (5) ، وابن عدي (6) ، وأبو نعيم (7) ، والبيهقي (8) ، والمزي (9) . ورواه الترمذي (10) من هَذَا الطريق دون أن يذكر (عن المسافر) الثانية وهذه اللفظة – أي: (عن المسافر) – منكرة وذلك لتفرد أبي هلال بِهَا وَهُوَ: مُحَمَّد بن سليم الراسبي، وثقه أبو داود (11) ، وَكَانَ عَبْد الرحمان يحدّث عَنْهُ، ولكن كَانَ يحيى لا يحدث عَنْهُ (12) ، وَقَالَ ابن سعد: ((فِيْهِ ضعف)) (13) ، وَقَالَ أحمد: ((احتمل حديثه)) (14) ، وأورده البخاري في " الضعفاء الصغير " (15) ، وَقَالَ أبو حاتم: ((محله الصدق وَلَمْ يَكُنْ بذاك المتين)) (16) ، وَقَالَ أبو زرعة: ((لين)) (17) ، وَقَالَ النسائي: ((ليس بقوي)) (18) ، وساق لَهُ ابن عدي في " الكامل " (19) عدداً من المناكير ثُمَّ قَالَ:
((ولأبي هلال غَيْر ما ذكرت، وفي بعض رواياته ما لا يوافقه الثقات عليه)) ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((ضعيف)) (1) ، وأورده ابن حبان في " المجروحين " (2) ، وَقَالَ: ((وَكَانَ أبو هلال شيخاً صدوقاً، إلا أنه كَانَ يخطئ كثيراً من غَيْر تعمد حَتَّى صار يرفع المراسيل ولا يعلم … وأكثر ما كَانَ يحدث من حفظه، فوقع المناكير في حديثه من سوء حفظه، وَقَالَ ابن حجر: ((صدوق فِيْهِ لين)) )) (3) . فَقَدْ رَوَاهُ وهيب بن خالد، عن عَبْد الله بن سوادة، عن أبيه، عن أنس، بِهِ عِنْدَ النسائي (4) ، والفسوي (5) ، والبيهقي (6) . ورواه سفيان الثوري، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك القشيري، بِهِ عِنْدَ البخاري في " تاريخه " (7) ، والنسائي (8) ، وابن خزيمة (9) ، والطبري (10) ، والبيهقي (11) .
وروي من طرق أخرى عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أنس في بعض الروايات، عن أبي قلابة، عن رجل قَالَ: حَدَّثَنِي قريب لي يقال لَهُ أنس بن مالك، بِهِ عِنْدَ عَبْد الرزاق (1) ، وأحمد (2) ، والبخاري في " تاريخه " (3) ، والنسائي (4) ، وابن خزيمة (5) ، والطبراني (6) ، وللحديث طرق أخرى (7) . كُلّ هَذِهِ الروايات ليس فِيْهَا لفظة ((عن المسافر)) الَّتِيْ في رِوَايَة أَبِي هلال، كَمَا ويكفي لرد هَذِهِ الزيادة حذف الترمذي لها مع أنها ثابتة من طريقه وَقَدْ حسن الْحَدِيْث بدونها (8) . وَقَدْ وجدت لأبي هلال متابعة عَلَى روايته عِنْدَ الطبراني (9) من طريق أشعث بن سوار، عن عَبْد الله بن سوادة، عن أنس بن مالك القشيري، بِهِ، وهذه المتابعة لا تعضد رِوَايَة أبي هلال لضعف أشعث بن سوار فَقَدْ ضعّفه أحمد بن حَنْبَل (10) ، وأبو زرعة (11) ، والنسائي (12) ، والدارقطني (13) .
الاختلاف بسبب خطأ الراوي
الاختلاف بسبب خطأ الراوي الخطأ في رِوَايَة الثقات أمرٌ وارد، إِذْ لا يلزم من رِوَايَة الثقة أن تكون صواباً، إِذ الأصل فِيْهَا الصواب والخطأ طارئٌ محتمل، فالراوي الثقة مهما بلغ أعلى مراتب الضبط والإتقان فالخطأ في روايته يبقى أمراً محتملاً وليس بعيداً، والخطأ في حَدِيْث الثقة لا يتمكن من مَعْرِفَته إلا الأئمة الجامعون، وَقَدْ يطلع الجهبذ من أئمة الْحَدِيْث عَلَى حَدِيْث ما فيحكم عليه بخطأ راويه الثقة مع أن ظاهر الْحَدِيْث السلامة من هَذِهِ العلة القادحة، لَكِن العالم الفهم لا يحكم بِذَلِكَ عن هوى بَلْ يترجح لديه أن أحد الرُّوَاة قَدْ أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث، وذلك للقرائن الَّتِيْ تحيط بالحديث، ومثل هَذِهِ الْمَعْرِفَة لا تتضح لكل أحد، بَلْ هِيَ لِمَنْ منحه الله فهماً دقيقاً واطلاعاً واسعاً وإدراكاً كبيراً ومعرفة بعلل الأسانيد ومتونها ومشكلاتها وغوامضها، ومعرفة واسعة بطرق الْحَدِيْث ومخارجه، وأحوال الرُّوَاة وصفاتهم. وما دام إدراك الخطأ في حَدِيْث الثقة أمراً خفياً لا يتمكن مِنْهُ كُلّ أحد، ولا ينكشف لكل ناقد فإن بعضاً من أخطاء الثقات قَدْ ظن جَمَاعَة من القوم أنها صحيحة لظاهر ثقة رجالها واتصال إسنادها وظاهر خلوها من العلة، وَقَدْ أخذوا بتلك الأحاديث وعملوا بِهَا تحسيناً لظنهم بأولئك الرُّوَاة الثقات فحصل اختلاف بَيْنَ الأحاديث مِمَّا أدى إلى اختلاف في الفقه الإسلامي. مثال ذَلِكَ: حَدِيْث وائل بن حجر في الجهر بآمين بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة في الصلاة.
فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث: سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل (1) ، عن حجر بن العنبس (2) ، عن وائل بن حجر، قَالَ: ((سَمِعْتُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فَقَالَ: آمين ومد بِهَا صوته)) (3) . وَقَدْ أخطأ الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج، في هَذَا الْحَدِيْث فخالف سفيان في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث إِذْ رَوَاهُ عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، عن علقمة بن وائل، عن وائل، قَالَ: ((صلى بنا رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قرأ: {غَيْر المغضوب عليهم ولا الضالين} قَالَ: آمين وأخفى بِهَا صوته)) (4)
فَقَدْ خالف شعبة سفيان في سند الْحَدِيْث: عندما أضاف علقمة. أبدل حجر بن عنبس بـ: (حجر أبو العنبس) . خالفه في الْمَتْن فَقَالَ: ((خفض بِهَا صوته)) قَالَ الإمام الترمذي: ((سَمِعْتُ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْل – البخاري – يقول: ((حَدِيْث سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل في هَذَا الباب أصح من حَدِيْث شعبة، وشعبة أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث في مواضع، قَالَ: ((عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، وإنما هُوَ حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر، ليس فِيْهِ علقمة، وَقَالَ: ((وخفض بِهَا صوته)) وَالصَّحِيْح أنه جهر بِهَا)) وسألت أبا زرعة فَقَالَ: ((حَدِيْث سفيان أصح من حَدِيْث شعبة، وَقَدْ رَوَاهُ العلاء بن صالح (1)) ) (2) . وَقَدْ عقّب الحافظ البيهقي عَلَى قَوْل هذين الجهبذين فَقَالَ: ((أما خطؤه في متنه فبين، وأما قوله: ((حجر أبو العنبس)) فكذلك ذكره مُحَمَّد بن كثير عن الثوري (3)
، وأما قوله: عن علقمة فَقَدْ بين في روايته أن حجراً سمعه من علقمة، وَقَدْ سمعه أَيْضاً من وائل نفسه (1) ، وَقَدْ رَوَاهُ أبو الوليد الطيالسي عن شعبة نحو رِوَايَة الثوري)) (2) . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((كَذَا قَالَ شعبة وأخفى بِهَا صوته، ويقال: إنه وهم فِيْهِ؛ ولأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل، وغيرهما رووه عن سلمة، فقالوا: ورفع صوته بآمين، وَهُوَ الصواب)) (3) . والذي يهمنا في مجال بحثنا هُوَ خطأ الإمام شعبة بقوله: ((أخفى بِهَا صوته)) ، والمرجح هنا هُوَ رِوَايَة سفيان، وعند الاختلاف من غَيْر مرجحات فرواية سفيان أقوى من رِوَايَة شعبة؛ إِذْ قَالَ شعبة نفسه: ((سُفْيَان أحفظ مني)) ، وَقَالَ لَهُ رجل: وخالفك سُفْيَان قَالَ: ((دمغتني)) ، وَقَالَ يحيى بن سعيد القطان: ((ليس أحدٌ أحب إليّ من شعبة، ولا يعدله عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان)) (4) . وَقَالَ البيهقي: ((لا أعلم اختلافاً بَيْنَ أهل العلم بالحديث أن سفيان وشعبة إذا اختلفا فالقول قَوْل سفيان)) (5) . وَقَدْ احتج ابن قيم الجوزية (6) بترجيح رِوَايَة سفيان بخمس حجج: الأولى: قَوْل العلماء السابق في ترجيح رِوَايَة سفيان. الثانية: متابعة العلاء بن صالح (7)
، ومحمد بن سلمة بن كهيل (1) لسفيان في روايتيهما عن سلمة بن كهيل (2) . الثالث: هُوَ أن أبا الوليد الطيالسي رَوَى عن شعبة في الْمَتْن بنحو حَدِيْث الثوري، إذن فَقَد اختلف عَلَى شعبة في روايته فَقَالَ البيهقي: ((فيحتمل أن يَكُوْن تنبه لِذَلِكَ فعاد إلى الصواب في متنه، وترك ذكر ذَلِكَ عن علقمة في إسناده)) . الرابع: هُوَ أن رِوَايَة الرفع متضمنة لزيادة، وكانت هَذِهِ الزيادة أولى بالقبول. الخامس: هِيَ أن هَذِهِ الرِّوَايَة موافقة ومفسرة لحديث أبي هُرَيْرَة: ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) (3) . ثُمَّ إن الْحَدِيْث ورد من طريق علقمة بن وائل (4) ، وعبد الجبار بن وائل (5) ، وكليب بن شهاب (6) ؛ ثلاثتهم رووه عن وائل بن حجر بنحو رِوَايَة سُفْيَان، وهذا كله يدل عَلَى أن شعبة قَدْ أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث.
الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان مترددا بين ثقة وضعيف
الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف الاختلاف في الأسانيد ملحظ مهم للرجل الذي يحب الكشف عن العلل الكامنة في الأسانيد؛ لأن الاختلافات تومئ إِلَى عدم ضبط الروايات وتخرج الْحَدِيْث غالباً من حيّز القبول إِلَى درجات الرد. والاختلافات الَّتِي تقدح في صحة الإسناد هِيَ الَّتِي يَكُوْن مدارها واحداً، ومصدر خروجها واحداً، فإذا حصل الاختلاف على من هذا شأنه فهو أمر يهتم به العلماء غاية الاهتمام؛ إذ هو يدلل على خلل طارئ من الأصل الذي روى الحديث أو من الرواة عنه. فإذا توبع الرواة على اختلاف رواياتهم فالحمل إذن على من دارت عليه الأسانيد، فهو بلا شك حدث الجميع على أوجهٍ مختلفة متباينة فهو إذن فاقد لضبط الحديث في هذا الحديث خاصة، وإن كان من الثقات الأثبات ومن أنواع تلك الاختلافات الكثيرة: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه. ومما اختلف الرواة فيه اختلافاً كبيراً ما رواه الطحاوي (1) من طريق عفان ومسدد، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي صُعَيْر، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أدوا زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو نصف صاع من بر - أو قال: قمح - عن كل إنسان صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو مملوك، غني أو فقير)) . أقول: هذا الحديث هو حديث شيخ الزهري ثعلبة بن أبي صعير - كما في الرواية الآنفة -، وقد اختلف في اسمه ونسبه اختلافاً كثيراً حتى إن بعض أهل العلم ضعّف الحديث به.
قال ابن حزم: ((هذا الحديث راجع إلى رجل مجهول الحال، مضطرب عنه، مختلف في اسمه، مرة: عبد الله بن ثعلبة، ومرة: ثعلبة بن عبد الله، ولا خلاف في أن الزهري لم يلق ثعلبة بن أبي صُعَيْر، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة)) (1) . وَقَالَ الزيلعي في " نصب الراية ": ((حاصل ما يعلل به هذا الحديث أمران: أحدهما: الاختلاف في اسم أبي صُعَيْر، فقد تقدم من جهة أبي داود عن مسدد: ثعلبة بن أبي صُعَيْر، أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صُعَيْر، وكذلك أيضاً عن أبي داود في رواية بكر ابن وائل المتقدمة: ثعلبة بن عبد الله، أو قال: عبد الله بن ثعلبة على الشك، وعنده أيضاً من رواية محمد بن يحيى، وفيه الجزم بعبد الله بن ثعلبة بن أبي صُعَيْر، وكذلك رواية ابن جريج، وعند الدارقطني من رواية مسدد عن ابن أبي صُعَيْر، عن أبيه لم يسمه …)) (2) . ولهذا الاختلاف الشديد مال الحافظ إلى التفريق وجعلهما اثنين فقال: ((هذا يقتضي أن يكون ثعلبة بن صُعَيْر غير ثعلبة بن أبي صُعَيْر، والله أعلم)) (3) . وقد حاولت جاهداً جمع طرق الحديث، والتنقيب عن الاختلافات الواردة فيه، وسأفصل ذلك، فأقول: الحديث سبق ذكره من رواية النعمان بن راشد، وعنه حماد بن زيد وقد اختلف على هذا الطريق: فقد أخرجه الإمام أحمد (4) من طريق عفان بن مسلم، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ابن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه. وأخرجه البخاري (5) عن مسدد عن الزهري، عن ثعلبة بن صعير، عن أبيه.
وأخرجه أبو داود (1) ، عن سليمان بن داود، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير، عن أبيه. وأخرجه الفسوي (2) ، عن أبي النعمان، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة، عن أبيه. وأخرجه ابن (3) قانع (4) ، قَالَ:حدثنا: الحسن بن المثنى (5) ، قَالَ: حدثنا: عفان، قَالَ: حدثنا: أحمد بن بشر المرثدي، قَالَ:حدثنا: خالد بن خداش (6) جميعاً، عن حماد ابن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه. وأخرجه الدارقطني (7) ، عن إسحاق بن أبي إسرائيل (8) ، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن صعير أو عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن أبيه.
وأخرجه أيضاً (1) ، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أو عن ثعلبة عن أبيه. وأخرجه أيضاً (2) ، عن سليمان بن حرب (3) ، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه. وأخرجه أيضاً (4) ، عن مسدد، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ابن أبي صعير، عن أبيه. وأخرجه البيهقي (5) ، عن مسدد عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه. وأخرجه أيضاً (6) ، عن سليمان بن داود ومسدد، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري -وفي رواية سليمان بن داود-، عن عبد الله بن ثعلبة، وثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه. والحديث رواه غير النعمان بن راشد، عن الزهري، وحصل فيه الاختلاف عينه في اسم راويه. فقد أخرجه البخاري (7) ، وأبو داود (8) ، وابن أبي (9)
عاصم (1) ، وابن خزيمة (2) ، والطحاوي (3) ، وابن قانع (4) ، والطبراني (5) ، والحاكم (6) ، وابن الأثير (7) ، من طريق بكر بن وائل، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن أبيه. وأخرجه أبو نعيم (8) ، وابن حزم (9) من طريق بكر بن وائل، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صُعير، عن أبيه. وأخرجه أبو نعيم (10) من طريق بحر السقاء، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة ابن صعير، عن أبيه. ثم إن الحديث قَدْ اختلف فيه اختلافاً غير هذا، واضطرب في إسناده فقد أخرجه الدارقطني (11) من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن أبي صعير، عن أبي هريرة، به. وأخرجه عبد الرزاق (12) ، وأحمد (13) ، والبخاري (14) ، والطحاوي في شرح المعاني (15) ، والدارقطني (16) ، والبيهقي (17) عن معمر، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به موقوفاً ثم قال - يعني: معمراً -: وبلغني أن الزهري كان يرويه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخرجه الدارقطني (18) ، من طريق سليمان بن أرقم (19)
، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب (1) ، عن زيد بن ثابت. وأخرجه عبد الرزاق (2) ، والبخاري (3) ، والدارقطني (4) ، من طريق ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (5) . وأخرجه ابن أبي شيبة (6) ، من طريق سفيان بن حسين، والبخاري (7) ، من طريق إبراهيم بن سعد الزهري، والطحاوي (8) ، والبيهقي (9) كلاهما من طريق عبد الرحمان بن خالد وعقيل. أربعتهم: (سفيان وإبراهيم وعبد الرحمان وعقيل) ، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، به مرسلاً. هذا ما استطعت جمعه من طرق الحديث، وهذه الاختلافات الشديدة مضعفة للحديث للإشعار بعدم ضبط راويه. والحديث لم يقتصر على الخلاف في سنده، بل اختلف في متنه، قال الدارقطني: ((واختلفوا أيضاً في متنه في حديث سفيان بن حسين عن الزهري صاعاً من القمح، وكذلك قال النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه صاع من قمح عن كل إنسان، وفي حديث الآخرين نصف صاع قمح، وأصحهما عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلاً)) (10) .
قال ابن المنذر: ((لا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتمد عليه، ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاعٍ منه يقوم مقام صاع من شعير وهم الأئمة)) (1) . وَقَالَ البيهقي: ((وقد وردت أخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صاع من بر، ووردت أخبار في نصف صاع، ولا يصح شيء من ذلك، وقد بينت علة كل واحد منهما في الخلافيات)) (2) . وَقَالَ ابن عبد البر: ((هذا نص في موضع الخلاف، إلا أنه لم يروه كبار أصحاب ابن شهاب، ولا من يحتج بروايته منهم إذا انفرد)) (3) .
المضطرب
المضطرب أخرج الإمام أحمد (1) ، وابن خزيمة (2) ، والخطيب في تاريخه (3) من طريق: روح (4) ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن جريج (5) ، قَالَ: أخبرني عَبْد الله بن مُسافع (6) ، أن مصعب بن شَيْبَة (7) أخبره، عن عُقْبَة بن مُحَمَّد بن الحارث (8)
، عن عَبْد الله بن جَعْفَر (1) ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((من شك في صلاته، فليسجد سجدتين، وَهُوَ جالس)) . فهذا الحَدِيْث اختلف في لفظه الأخير، فَقَدْ أخرجه النَّسَائِيّ (2) من طريق حجاج (3) وروح مقرونين، عن ابن جريج، عن عَبْد الله بن مسافع، عن مصعب بن شَيْبَة، عن عتبة بن مُحَمَّد، عن عَبْد الله بن جَعْفَر، بِهِ: قَالَ النَّسَائِيّ: ((قَالَ حجاج: ((بعدما يسلم)) ، وَقَالَ روح: ((وَهُوَ جالس)) )) (4) .
وأخرجه النَّسَائِيّ (1) أيضاً من طريق الوليد بن مُسْلِم وعبد الله بن المبارك فرّقهما؛ كلاهما (الوليد، وابن المبارك) عن ابن جريج، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسافع، عن عتبة (2) بن مُحَمَّد، عن عَبْد الله بن جَعْفَر (3) ، بِهِ بلفظ: ((بعدما يسلم)) ، وَفِي بعضها: ((بَعْدَ التسليم)) . أخرجه أحمد (4) ، وأبو دَاوُد (5) ، والنَّسَائِيّ (6) ، والبَيْهَقِيّ (7) ، والمزي (8) من طريق حجاج، وأخرجه أحمد (9) عن روح. كلاهما (حجاج وروح) عن ابن جريج، عن عَبْد الله بن مسافع، عن مصعب ابن شَيْبَة، عن عتبة بن مُحَمَّد، عن عَبْد الله بن جَعْفَر، به بلفظ: ((بعدما يسلم)) وَفِي بعضها: ((بَعْدَ أن يسلم)) . فهذا الحَدِيْث اضطرب في لفظه: ((وَهُوَ جالس)) . ويفهم مِنْهُ أَنَّهُ قَبْلَ التسليم، والرِّوَايَة الأخرى: ((بعدما يسلم)) .
الاضطراب في المتن
الاضطراب في المتن سبق الكلام أن الاضطراب نوعان: اضطراب يقع في السند، واضطراب يقع في المتن، وقد شرحت الاضطراب الذي يعتري الأسانيد. أمّا هنا فسيكون الكلام على النوع الثاني، وهو الاضطراب في المتن؛ إذ كَمَا أن الاضطراب يَكُوْن في سند الْحَدِيْث فكذلك يَكُوْن في متنه. وذلك إذا وردنا حَدِيْث اختلف الرُّوَاة في متنه اختلافاً لا يمكن الجمع بَيْنَ رواياته المختلفة، ولا يمكن ترجيح إحدى الروايات عَلَى البقية، فهذا يعد اضطراباً قادحاً في صحة الْحَدِيْث، أما إذا أمكن الجمع فَلاَ اضطراب، وكذا إذا أمكن ترجيح إحدى الروايات عَلَى البقية، فَلاَ اضطراب إذن فالراجحة محفوظة (1) أو معروفة (2) والمرجوحة شاذة (3) أو منكرة (4) . وإذا كان المخالف ضعيفاً فلا تعل رِوَايَة الثقات برواية الضعفاء (5) فمن شروط الاضطراب تكافؤ الروايات (6) . وقد لا يضر الاختلاف إذا كان من عدة رواة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ يذكر الْجَمِيْع، ويخبر كُلّ راوٍ بِمَا حفظه عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - (7) . وَلَيْسَ كُلّ اختلاف يوجب الضعف (8) إنما الاضطراب الَّذِي يوجب الضعف هُوَ عِنْدَ اتحاد المدار، وتكافؤ
الروايات، وعدم إمكان الجمع، فإذا حصل هذا فهو اضطراب مضعف للحديث، يومئ إلى عدم حفظ هذا الراوي أو الرواة لهذا الحديث. قال ابن دقيق العيد: ((إذا اختلفت الروايات، وكانت الحجة ببعضها دون بعضٍ توقف الاحتجاج بشرط تعادل الروايات، أما إذا وقع الترجيح لبعضها؛ بأن يكون رواتها أكثر عدداً أو أتقن حفظاً فيتعين العمل بالراجح، إذ الأضعف لا يكون مانعاً من العمل بالأقوى، والمرجوح لا يمنع التمسك بالراجح)) (1) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطرباً إلا بشرطين: أحدهما استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم، ولا يعل الصحيح بالمرجوح. ثانيهما: مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد الْمُحَدِّثِيْن، ويغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه، فحينئذ يحكم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب، ويتوقف عن الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك)) (2) . وَقَالَ المباركفوري: ((قَدْ تقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف، لا يوجب الاضطراب، بل من شرطه استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجح أحد الأقوال قدم)) (3) . وقد يكون هناك اختلاف، ولا يمكن الترجيح إلا أنه اختلاف لا يقدح عند العلماء لعدم التعارض التام، مثل حديث الواهبة نفسها، وهو ما رواه أبو حازم (4) ، عن سهل بن سعد، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني قَدْ وهبت لك من نفسي، فقال رجلٌ: زوجنيها، قال: ((قَدْ زوجناكها بما معك من القرآن)) .
فهذا الحديث تفرد به أبو حازم (1) ، واختلف الرواة عنه فِيْهِ فبعضهم قال: ((أنكحتُكها)) وبعضهم قال: ((زوجتكها)) ، وبعضهم قال: ((ملكتكها)) ، وبعضهم قال: ((مُلِّكْتَها)) وبعضهم قال: ((زوجناكها)) ، وبعضهم قال: ((فزوجه)) ، وبعضهم قال: ((أنكحتك)) ، وبعضهم قال: ((أملكتها)) ، وبعضهم قال: ((أملكتكها)) ، وبعضهم قال: ((زوجتك)) ، وبيان ذلك في الحاشية (2)
ومع هذا فلم يقدح هذا الاختلاف عند العلماء، قال الحافظ ابن حجر: ((وأكثر هذه الروايات في الصحيحين، فمن البعيد جداً أن يكون سهل بن سعد - رضي الله عنه - شهد هذه القصة من أولها إلى آخرها مراراً عديدة، فسمع في كل مرة لفظاً غير الذي سمعه في الأخرى (1) . بل ربما يعلم ذلك بطريق القطع – أيضاً – فالمقطوع به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذه الألفاظ كلها في مرة واحدة تلك الساعة، فلم يبق إلا أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفظاً منها، وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى)) (2) .
اضطراب في المتن
اضطراب في المتن مَا روي عن عَمَّار بن ياسر من أحاديث في صِفَة التيمم فَقَدْ ذكر بَعْض العُلَمَاء أنَّ هَذَا من المضطرب، وسأشرح ذَلِكَ بتفصيل: فَقَدْ روى الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدَّثَني عبيد الله بن عَبْد الله، عن ابن عَبَّاس، عن عَمَّار بن ياسر؛ أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَّسَ (1) بأولات الجيش ومعه عَائِشَة فانقطع عِقدٌ لَهَا من جَزْعِ ظِفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذَلِكَ، حَتَّى أضاء الفجر، وَلَيْسَ مَعَ الناس ماء فتغيظ عَلَيْهَا أبو بَكْر، وَقَالَ: حبستِ الناس، وَلَيْسَ مَعَهُمْ ماءٌ، فأنزل الله تَعَالَى عَلَى رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - رخصة التَّطَهُّرِ بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مَعَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - فضربوا بأيديهم إِلَى الأرض، ثُمَّ رفعوا أيديهم، وَلَمْ يقبضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بِهَا وجوههم، وأيديهم إِلَى المناكب، ومن بطون أيديهم إِلَى الآباط (2)
وَقَدْ ورد حَدِيث آخر لعمار في التيمم بلفظ: ((أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمره بالتيمم للوجه والكفين)) ، وَفِي رِوَايَة: ((إنما يكفيك أن تَقُوْل بيديك هكذا: ثُمَّ ضرب الأرض ضربة وَاحِدَة، ثُمَّ مسح الشمال عَلَى اليمين، وظاهر كفيه ووجهه)) ، وَفِي رِوَايَة: ((ضرب النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض، ونفخ فِيْهما، ثُمَّ مسح بهما وجهه وكفيه)) ، وَفِي رِوَايَة: ((ثُمَّ ضرب بيديه الأرض ضربة وَاحِدَة)) ، وَفِي رِوَايَة: ((وأمرني بالوجه والكفين ضربة وَاحِدَة)) ، وَفِي رِوَايَة: ((يكفيك الوجه والكفان)) (1) . فهذا الحَدِيْث يختلف عن الحَدِيْث الأول مِمَّا دعى بَعْض العُلَمَاء إلى الحكم عليه بالاضطراب، قَالَ الإِمَام التِّرْمِذِي: ((ضعف بَعْض أهل العِلْم حَدِيث عَمَّار عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في التيمم للوجه والكفين لما روي عَنْهُ حَدِيث المناكب والآباط)) (2) .
وَقَالَ ابن عَبْد البر: ((كُلّ مَا يروى في هَذَا الباب فمضطرب مختلف فِيهِ)) (1) . إلا أن بَعْض العُلَمَاء حاولوا أن يوفقوا بَيْنَ الحَدِيْث الأول والثَّانِي باعتبار التقدم والتأخر، وباعتبار أن الأول من فعلهم دُوْنَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ الأثرم: ((إِنَّمَا حكى فِيهِ فعلهم دُوْنَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا حكى في الآخر أَنَّهُ أجنب؛ فعلّمه عَلَيْهِ الصَّلاَة والسلام)) (2) . وَقَالَ ابن حبان: ((كَانَ هَذَا حَيث نزل آية التيمم قَبْلَ تعليم النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عماراً كَيْفِيَّة التيمم ثُمَّ علمه ضربة وَاحِدَة للوجه والكفين لما سأل عمارٌ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن التيمم)) (3) . وذهب الحنفية إلى ترجيح روايته إلى المرفقين لحديثين أحدهما حَدِيث أبي أمامة الباهلي وحَدِيث الأسلع (4) . وَقَالَ البَغَوِيّ: ((وما روي عن عَمَّار أَنَّهُ قَالَ: تيممنا إلى المناكب، فَهُوَ حكاية فعله، لَمْ ينقله عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - كَمَا حكى عن نَفْسه التمعك في حالة الجنابة، فلما سأل النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأمره بالوجه والكفين انتهى إليه، وأعرض عن فعله)) (5) . قُلْتُ: وما ذكر من توجيه عَلَى هَذَا النحو يشكل عَلَيْهِ أَنَّهُ ورد في الحَدِيْث الأول: ((فقام المسلمون مَعَ رَسُوْل الله فضربوا بأيديهم ... )) .
المقلوب
المقلوب المقلوب: اسم مفعول من (قَلَبَ) ، ومعناه: تحويل الشيء عن وجهه، وقَلَبَه يَقلِبُه قَلْباً، وَقَدْ انقلب وقَلَب الشيء وقَلَّبه. تقول: قلبت الشيء فانقلب: إذا كببته، وقلّبه بيده تقليباً، وكلام مقلوب: ليس عَلَى وجهه، والقَلْبُ: صرفك إنساناً تَقْلِبُه عن وجهه الَّذِيْ يريد، وقلّب الأمور: بحثها ونظر في عواقبها، ومنه قوله تَعَالَى: {وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ} (1) ، وتَقلَّب في الأمور والبلاد: تصرف فِيْهَا كيفما شاء، وفي التنْزيل: {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} (2) . وَقَالَ ابن فارس: ((القاف واللام والباء أصلان صحيحان: أحدهما يدل عَلَى خالص الشيء وشريفه، والآخر عَلَى ردِّ شيء من جهة إلى جهة)) . ومنه المثل العربي: (( ((أَقْلِبْ قَلاّب)) يضرب لِمَنْ تفرط مِنْهُ سقطة، فيتلافاها بقلبها إلى غَيْر معناها)) (3) . أما في الاصطلاح: فهو الْحَدِيْث الَّذِيْ أبدل فِيْهِ راويه شَيْئاً بآخر في السند أو في الْمَتْن عمداً أو سهواً (4)
العلاقة بَيْنَ المعنى اللغوي والاصطلاحي: نلاحظ أن معنى القلب متوافر في المعنى الاصطلاحي، فهو في اللغة تغيير الشيء عن وجهه، فسميَ بِهِ هَذَا الفعل في الاصطلاح فكأن الرَّاوِي قلب الْحَدِيْث وأخرجه عن وجهه الصَّحِيْح، عمداً كَانَ فعله أم سهواً. المطلب الثاني: أنواعه القلب يقع تارة في الْمَتْن وتارة في السند وتارة فيهما، وعليه فيمكننا جعله عَلَى ثلاثة أنواع (1) : الأول: القلب في الْمَتْن. الثاني: القلب في الإسناد. الثالث: القلب في الْمَتْن والإسناد. النوع الأول: القلب في المتن وَهُوَ أن يقع الإبدال في متن الْحَدِيْث لا في سنده، وَهُوَ قسمان (2) : الأول: أن يبدل في متن الْحَدِيْث بالتقديم والتأخير: بحيث يَكُوْن التغيير إما بتقديم جملة عَلَى جملة، أو كلمة عَلَى جملة، فإما أن يزيد لفظاً من خارج الْحَدِيْث فهو مدرج لا مقلوب. مثاله: ما روي من طريق علي بن عثمان اللاحقي (3) ، عن حماد بن سلمة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كَانَ قبلكم اختلافهم عَلَى أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوه، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه ما استطعتم)) (4) .
فهذا الْحَدِيْث مقلوب في متنه. والذي تفرد بقلبه عن حماد بن سلمة هُوَ علي بن عثمان اللاحقي، إذ روي هَذَا الْحَدِيْث من طريق وكيع (1) ،وعبد الرحمان بن مهدي (2) كلاهما عن حماد بن سلمة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كَانَ قبلكم بسؤالهم، واختلافهم عَلَى أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فاتبعوه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) فالصواب الرِّوَايَة الثانية، وتابع حماد بن سلمة عَلَى الرِّوَايَة الثانية عن مُحَمَّد بن زياد: شعبة (3) ، والربيع بن مُسْلِم (4) القرشي (5) فرووه عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة برواية الثانية.
كَمَا أن علي بن عثمان اللاحقي قَدْ قلب الإسناد والمتن في موقع آخر فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث عن حماد بن سلمة، عن أيوب وهشام، عن مُحَمَّد بن سيرين، عن أبي هُرَيْرَة برواية الأولى المقلوبة الْمَتْن فَقَدْ خالف هنا وكيعاً، وعبد الرحمان بن مهدي اللذِيْنَ روياه عن حماد بن سلمة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة، برواية الثانية كما مَرَّ، فعلي بن عثمان خالف هنا من هم أحفظ مِنْهُ عدداً وحفظاً أَيْضاً وخالفهم هنا في السند والمتن، كَمَا أن هَذَا الْحَدِيْث لَمْ يروَ من طريق مُحَمَّد بن سيرين، عن أبي هُرَيْرَة، إلا من رواية علي بن عثمان، فَقَدْ روي من عدة تابعين عن أبي هُرَيْرَة وليس فِيْهِمْ مُحَمَّد بن سيرين (1)
ومثاله: ما سبق في نوع المدرج (1) في حَدِيْث عَبْد الله بن مسعود، إِذْ روي مقلوباً من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن عَبْد الله بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - كلمة وقلت أخرى، قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة)) قَالَ: وقلت أنا: من مات يشرك بالله شَيْئاً دخل النار (2) . فَقَدْ خالف أَبُو معاوية بقية الرُّوَاة عن الأعمش، إِذْ رَوَاهُ عَنْهُ: أبو حمزة السكري (3) : عِنْدَ البخاري (4) . حفص بن غياث: عِنْدَ البخاري (5) ، وابن منده (6) . شعبة: عِنْدَ الطيالسي (7) ، وأحمد (8) ، والنسائي (9) ، وابن خزيمة (10) ، والشاشي (11) ، والخطيب (12) .
عَبْد الله بن نمير (1) : عِنْدَ أحمد (2) ، ومسلم (3) ، وابن خزيمة (4) ، والشاشي (5) ، وابن منده (6) . عَبْد الواحد بن زياد: عِنْدَ البخاري (7) ، وابن منده (8) . وكيع بن الجراح: عِنْدَ أحمد (9) ، ومسلم (10) ، وابن منده (11) . جميعهم عن الأعمش، عن شقيق، عن عَبْد الله بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات يشرك بالله شَيْئاً دخل النار)) وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة.
أضف إلى ذَلِكَ أن عاصم بن أبي النجود (1) ، وسيار (2) ، والمغيرة (3) ، رووا هَذَا الْحَدِيْث عن شقيق، عن عَبْد الله بن مسعود باللفظ الصَّحِيْح. وبهذا يَكُوْن أبو معاوية قَدْ خالف الرُّوَاة الأكثر مِنْهُ عدداً في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث مقلوباً، لذا قَالَ ابن خزيمة: ((وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية وتابعهما أَيْضاً سيار أبو الحكم (4) ، عن أبي وائل، عن عَبْد الله)) (5) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر نقلاً عن الإسماعيلي: ((إنما المحفوظ أن الَّذِيْ قلبه أبو معاوية وحده، وبذلك جزم ابن خزيمة في " صحيحه "، والصواب رِوَايَة الجماعة)) (6) . ثُمَّ قَالَ: ((وهذا هُوَ الَّذِيْ يقتضيه النظر؛ لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن وجاءت السنة عَلَى وفقه، فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف جانب الوعد فإنه في محل البحث إِذْ لا يصح حمله عَلَى ظاهره)) (7) .
الثاني: أن يبدل الرَّاوِي عامداً سند متنٍ بأن يجعله لمتن آخر، ويجعل للمتن الأول سنداً آخر، ودافع هَذَا الفعل أحد أمرين (1) : 1. إما بقصد الإغراب وفاعل ذَلِكَ داخل في صنف الوضاعين ملحقاً بالكذابين (2) . مثاله: ما رواه عمرو بن خالد الحراني (3) ، عن حماد بن عمرو النصيبي (4) ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَة مرفوعاً: ((إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤوهم بالسلام … الْحَدِيْث)) (5) .فهذا حَدِيْث قلبه حماد بن عمرو فجعله عن الأعمش، عن أبي صالح، وإنما هُوَ مشهور بسهيل بن أبي صالح، عن أبيه أبي صالح (6) ، هكذا رَوَاهُ الناس، عن سهيل، مِنْهُمْ: أبو بكر بن عياش: عِنْدَ الطحاوي (7) . جرير بن عَبْد الحميد: عِنْدَ مُسْلِم (8) ، والبيهقي (9) . خالد بن عَبْد الله (10)
: عِنْدَ ابن النجار (1) . زهير بن معاوية: عِنْدَ أحمد (2) ، وابن الجعد (3) ، وأبي عوانة (4) . سفيان الثوري: عِنْدَ عَبْد الرزاق (5) ، وأحمد (6) ، والبخاري في " الأدب " (7) ، ومسلم (8) ، وأبي عوانة (9) ، وأبي نعيم (10) ، والبيهقي (11) . سليمان بن بلال: عِنْدَ أبي عوانة (12) . شعبة بن الحجاج: عِنْدَ الطيالسي (13) ، وأحمد (14) ، ومسلم (15) ، وأبي داود (16) ، وأبي عوانة (17) ، والطحاوي (18) ، وابن حبان (19) . عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي: عِنْدَ مُسْلِم (20) ،والترمذي (21) ،وأبي عوانة (22) . معمر بن راشد: عِنْدَ عَبْد الرزاق (23) ، وأحمد (24) ، وأبي عوانة (25) ، والبغوي (26) . الوضاح بن يزيد اليشكري أبو عوانة: عِنْدَ أبي عوانة (27) ، وابن حبان (28) .
وهيب بن خالد: عِنْدَ البخاري في " الأدب " (1) ، وأبي عوانة (2) . يحيى بن أيوب: عِنْدَ الطحاوي (3) . يحيى بن سعيد: عِنْدَ أبي عوانة (4) . 2. أن يَكُوْن بقصد الامتحان لمعرفة حفظ الشيخ وضبطه. مثاله: ما وقع للإمام البخاري – رحمه الله – لما قدم بغداد، فأراد أهل الْحَدِيْث اختبار حفظه، فعمدوا إلى مئة حَدِيْث فقلبوا أسانيدها، وجعلوا أسانيد هَذِهِ لمتون تِلْكَ، ثُمَّ دفعوها إلى عشرة رجال لكل رجل عشرة أحاديث، فلما جاء البخاري وجلس للإملاء، وَكَانَ المجلس غاصاً بأصحاب الْحَدِيْث والفقهاء، قام لَهُ رجل من العشرة فسأله عن حَدِيْث من تِلْكَ الأحاديث، فَقَالَ البخاري: لا أعرفه، فسأله عن الآخر فَقَالَ: لا أعرفه، إلى تمام العشرة، ثُمَّ قام الثاني فالثالث حَتَّى نهاية العشرة، والبخاري لا يزيد عَلَى قوله: لا أعرفه، فكان من حضر المجلس من الفهماء يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: الرجل فهم. ومن كَانَ مِنْهُمْ غَيْر ذَلِكَ يقضي عَلَى البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم.
فلما علم أنهم فرغوا التفت إلى الأول مِنْهُمْ فَقَالَ: أما حديثك الأول فهو كَذَا، وحديثك الثاني كَذَا حَتَّى أتم العشرة، ثُمَّ أقبل عَلَى الثاني فالثالث، ورد المتون كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأقرّ لَهُ الناس بالحفظ وأذعنوا لَهُ بالفضل (1) . وَكَانَ الحافظ العراقي لا يتعجب من رد البخاري الخطأ إلى الصواب لسعة معرفته واطلاعه، وإنما كَانَ يعجب من حفظ الأحاديث المقلوبة عَلَى الموالاة من مرة واحدة (2) . وَقَدْ وقع نحو هَذَا الامتحان لعدد من الْمُحَدِّثِيْنَ مِنْهُمْ: أبان بن عياش اختبره شعبة (3) ، وأبو نعيم الفضل بن دكين امتحنه يحيى بن معين (4) ، وأبو جعفر العقيلي (5) ، ومحمد بن عجلان (6) ، وغيرهم.
وفي جواز قلب الأحاديث لامتحان حفظ المشايخ خلاف، إِذْ لَمْ يرتضه بعض الْمُحَدِّثِيْنَ مثل: حرمي بن عمارة (1) ، ويحيى بن سعيد القطان (2) ، قَالَ الحافظ العراقي: ((وهذا يفعله أهل الْحَدِيْث كثيراً، وفي جوازه نظر إلا أنه إذا فعله أهل الْحَدِيْث لا يستقر حديثاً)) (3) ، فجوازه إذن مشروط بالبيان (4) . وَقَدْ يَكُوْن بالتقديم والتأخير في اسم الرَّاوِي مثل: كعب بن مرة (5) ، فيجعل: مرة ابن كعب (6) . 3. الثالث: أن يقع في الإسناد والمتن معاً مثاله: ما رواه الْحَاكِم في "مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث" (7) من طريق المنذر بن عَبْد الله الحزامي، عن عَبْد العزيز بن أبي سلمة الماجشون (8) ، عن عَبْد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذا افتتح الصلاة قَالَ: ((سبحانك اللهم تبارك اسمك وتعالى جدك …)) .
فهذا الْحَدِيْث مقلوب سنداً ومتناً، أما سنداً فإن عَبْدالعزيز بن أبي سلمة يرويه عن عَبْد الله بن الفضل (1) ، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع (2) ، عن علي بن أبي طالب. وأما القلب في الْمَتْن فإن لفظ حَدِيْث عَبْد العزيز: أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذا استفتح الصلاة يكبر ثُمَّ يقول: ((وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين …)) . هكذا رَوَاهُ حجين (3) ، وأبو غسان مالك (4) بن إِسْمَاعِيْل (5) عن عَبْد العزيز بن أَبِي سلمة. ورواه أَيْضاً: أحمد بن خالد (6)
: عِنْدَ ابن خزيمة (1) ، والطحاوي (2) . أبو سعيد (3) : عِنْدَ أحمد (4) ، وابن حزم (5) . عَبْد الله بن رجاء: عِنْدَ الطحاوي (6) . عَبْد الله بن صالح: عِنْدَ الطحاوي (7) . أربعتهم، عن عَبْد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عَبْد الله بن الفضل والماجشون كلاهما، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي، بِهِ عَلَى الصواب. ورواه أَيْضاً: أبو داود الطيالسي: في " مسنده " (8) ، ومن طريقه الترمذي (9) . أَبُو صالح عَبْد الله بن صالح (كاتب الليث (10)) : عِنْدَ ابن الجارود (11) ، وابن خزيمة (12) . أبو النضر هاشم بن قاسم: عِنْدَ أحمد (13) ، ومسلم (14) ، وابن حبان (15) . أبو الوليد: عِنْدَ الترمذي (16) .
حجاج بن منهال: عِنْدَ ابن الجارود (1) ، وابن خزيمة (2) . حجين: عِنْدَ أحمد (3) ، وابن خزيمة (4) . سويد بن عمرو الكلبي (5) : عِنْدَ ابن أبي شيبة (6) . عَبْد الرحمان بن مهدي: عِنْدَ مُسْلِم (7) ،والنسائي (8) ،وأبي يعلى (9) ،وابن حزم (10) . معاذ بن معاذ بن نصر: عِنْدَ أبي داود (11) . يحيى بن حسان: عِنْدَ الدارمي (12) ، والطحاوي (13) . يزيد بن هارون: عِنْدَ الدارقطني (14) .
جميعهم، عن عَبْد العزيز بن أَبِي سلمة، عن يعقوب الماجشون منفرداً، عن الأعرج، عن عبيد الله، عن علي، بِهِ (1) .
أسباب القلب
أسباب القلب مِمَّا لا شك فِيْهِ أن قابليات الرُّوَاة تتفاوت ما بَيْنَ إتقان وضبط وتعاهد للمحفوظ، ثُمَّ إنهم مختلفون في ما ركزه الله فِيْهِمْ من العدالة أو ضدها، وعليه فَقَد اختلفت دوافع القلب في المرويات تبعاً لهذا التفاوت، ويمكن أن نجعل جملة الأسباب الَّتِيْ تؤدي بوقوع القلب في حَدِيْث الرُّوَاة ثلاثة، هِيَ (1) : 1. رغبة الرَّاوِي في إيقاع الغرابة في حديثه ليُرَغِّبَ الناس حَتَّى يظنوا أنه يروي ما ليس عِنْدَ غيره فيقبلوا عَلَى التحمل مِنْهُ. عَلَى نحو ما وقع في حَدِيْث حماد بن عمرو النصيبي الَّذِيْ سقناه قَبْلَ قليل (2) . ولهذا السبب كره أهل الْحَدِيْث تتبع الغرائب، قَالَ الإمام أحمد: ((لا تكتبوا هَذِهِ الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء)) (3) . 2. الإمعان في التثبت من حال المحدِّث أحافظ هُوَ أم غَيْر حافظ؟ وهل يفطن لما وقع في الْحَدِيْث من القلب أم لا؟ فإن تبين لَهُ أنه حافظ متيقظ يطمئن القلب في الْحَدِيْث عَنْهُ، أقبل عَلَى التحمل عَنْهُ، وإن تبين لَهُ خلاف ذَلِكَ، بأن كانت فِيْهِ غفلة أو بلادة ذهن أعرض عَنْهُ وتركه. كَمَا وقع للبخاري والعقيلي والفضل بن دكين ومحمد بن عجلان والمزي وغيرهم - مِمَّا أسلفنا ذكرهم - (4) . 3. خطأ الرَّاوِي وغلطه بأن يقع القلب في حديثه من باب السهو لا العمد، وهذا النوع راويه معذور فِيْهِ؛ لأنه لَمْ يقصد إيقاعه، إلا أنه إذا كثر في حديثه استحق الترك (5) .
مثاله: الْحَدِيْث الَّذِيْ رَوَاهُ جرير بن حازم، عن ثابت البناني، عن أنس قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حَتَّى تروني)) (1) . فهذا الْحَدِيْث انقلب إسناده عَلَى جرير، وإنما هُوَ مشهور ليحيى بن أبي كثير، عن عَبْد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، هكذا رَوَاهُ الجمع، عن يحيى بن أبي كثير مِنْهُمْ: أبان: عِنْدَ أبي داود (2) . حجاج بن أَبِي عثمان الصواف (3) : عِنْدَ مُسْلِم (4) ، وابن خزيمة (5) ، وأبي عوانة (6) ، وابن حبان (7) ، وأبي نعيم في " المستخرج " (8) . شيبان (9) : عِنْدَ البُخَارِيّ (10) ، ومسلم (11) ، وأبي عوانة (12) ، وأبي نعيم في "المستخرج" (13) .
علي بن المبارك (1) : عِنْدَ البخاري (2) ، وأبي عوانة (3) ، وابن حبان (4) . معاوية بن سلام (5) : عِنْدَ ابن خزيمة (6) . معمر: عِنْدَ عَبْد الرزاق (7) ، وابن أبي شيبة (8) ، ومسلم (9) ، والترمذي (10) ، وأبي عوانة (11) ، وابن حبان (12) ، وأبي نعيم في " المستخرج " (13) . هشام: عِنْدَ البُخَارِيّ (14) ، والدارمي (15) ، وأبي نعيم في "مستخرجه" (16) ، والبيهقي (17) . همام: عِنْدَ الدارمي (18) .
قَالَ الترمذي: ((سألت محمداً عن هَذَا الْحَدِيْث فَقَالَ: هُوَ حَدِيْث خطأ، أخطأ فِيْهِ جرير بن حازم. ذكروا أن الحجاج الصوّاف كَانَ عِنْدَ ثابت البناني، وجرير بن حازم في المجلس، فحدّث الحجاج، عن يحيى بن أبي كثير، عن عَبْد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حَتَّى تروني)) ، فوهم فِيْهِ جرير بن حازم فظن أن ثابتاً حدّثه عن أنس بهذا)) (1) .
الإدراج
الإدراج المُدْرَجُ لغة - بضم الميم وفتح الراء -: اسم مفعول من (أدرج) ، تقول: أدرجت الكتاب إذا طويته، وتقول: أدرجت الميت في القبر إذا أدخلته فِيْهِ، وتقول: أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فِيْهِ وضمنته إيّاه (1) . قَالَ ابن فارس: ((الدال والراء والجيم أصل واحد يدل عَلَى مُضِيِ الشيء والمُضِيِّ في الشيء)) (2) . وأدَرَجَ الكتيب في الكِتَاب: جعله في درجه -أي- في طيه وثنيه (3) ، ومنه: الدَّرَجة وَهِيَ المرقاة؛ لأنها توصل إلى الدخول في الشيء حسياً أو معنوياً، فهي من باب تسمية السبب بنتيجته. وفي اصطلاح الْمُحَدِّثِيْنَ: هُوَ ما كانت فِيْهِ زيادة ليست مِنْهُ. أو هُوَ الْحَدِيْث الَّذِيْ يعرف أن في سنده أو متنه زيادة ليست مِنْهُ، وإنما من أحد الرُّوَاة من غَيْر توضيح لهذه الزيادة (4) . العلاقة بَيْنَ المعنى اللغوي والاصطلاحي:
وجدنا أن معنى الفعل الثلاثي المجرد (دَرَجَ) يدور عَلَى أمرين: طيّ الشيء. إدخال الشيء في الشيء. وكأنَّ المُدْرِج طوى البيان، فَلَمْ يوضّح تفصيل الأمر في الْحَدِيْث. أو كأنه أدخل الْحَدِيْث في الْحَدِيْث، فالاستعمال الاصطلاحي باقٍ عَلَى الوضع اللغوي الأول، وَلَمْ يخرج إلى المجاز. المطلب الثاني: أنواعه يتفق الباحثون والكتّاب في مجال علوم الْحَدِيْث عَلَى جعل المدرج عَلَى أنواع. لَكِنْ تقسيمهم لهذه الأنواع يختلف زيادة ونقصاً، كَمَا يختلف باعتبار الحيثيات الَّتِيْ ينبني عَلَيْهَا ذَلِكَ التقسيم. وهكذا نجد الحافظ ابن الصَّلاَحِ يصدر كلامه عن المدرج بقوله: ((وَهُوَ أقسام، مِنْهَا ما أدرج في حَدِيْث رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - من كلام بعض رواته بأن يذكر الصَّحَابِيّ أو مَنْ بعده عقيب ما يرويه من الْحَدِيْث كلاماً من عِنْدَ نفسه، فيرويهِ مَنْ بعده موصولاً بالحديث غَيْر فاصل بينهما بذكر قائله، فيلتبس الأمر فِيْهِ عَلَى من لا يعلم حقيقة الحال، ويتوهم أن الجميع عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -)) (1) . فنراه قيّد وقوع الإدراج بكونه عقب الْحَدِيْث، والحق أن هَذَا التنظير خلاف الواقع، وإذا كَانَ غالب الإدراج أن يقع عقب الْحَدِيْث، فليس هَذَا مسوغاً لحصر الإدراج بِهِ، فنجد أنه قَدْ يقع في أول الْحَدِيْث كَمَا يقع وسطه وآخره. زدْ على أنه يقع في الإسناد أَيْضاً لا كَمَا يوهم كلام ابن الصَّلاَحِ من انحصاره بالمتن فَقَطْ. وعلى هَذَا يدل صنيع الْخَطِيْب البغدادي في كتابه " الفصل للوصل المدرج في النقل " (2)
وتأسيساً عَلَى ما مضى يمكننا أن نقسم الإدراج من حَيْثُ مكان وقوعه إلى نوعين: النوع الأول: الإدراج في الْمَتْن. النوع الثاني: الإدراج في السند. النوع الأول: الإدراج في الْمَتْن: وَهُوَ أن تقع الزيادة في متن الْحَدِيْث دون إسناده. ويمكن تقسيم هَذَا النوع باعتبار مكان وقوعه من الْمَتْن إلى ثلاثة أقسام (1) : أن يقع الإدراج في أول الْمَتْن. أن يقع الإدراج في وسط الْمَتْن. أن يقع الإدراج في آخر الْمَتْن. فمثال ما وقع الإدراج في أول الْمَتْن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار)) . فرواه الْخَطِيْب البغدادي في كتابه " الفصل " (2) من طريق أبي قطن وشبابة –فرّقهما– عن شعبة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ. فقوله: ((أسبغوا الوضوء)) مدرج من كلام أبي هُرَيْرَة، نص عَلَى هَذَا الْخَطِيْب وغيره فَقَالَ: ((وَهِمَ أبو قطن عمرو بن الهيثم وشبابة بن سوار في روايتهما هَذَا الْحَدِيْث عن شعبة عَلَى ما سقناه، وذلك أن قوله: ((أسبغوا الوضوء)) كلام أبي هُرَيْرَة، وقوله: ((ويل للأعقاب من النار)) كلام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -)) (3) . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث عن شعبة عامة أصحابه فبينوا أن هَذِهِ الزيادة من كلام أبي هُرَيْرَة، وهم: آدم بن أبي إياس، عِنْدَ البخاري (4) . حجاج بن مُحَمَّد، عِنْدَ أَحْمَد (5) . أبو داود الطيالسي، كَمَا في " مسنده " (6) . عاصم بن علي (7)
، عِنْدَ الْخَطِيْب (1) . علي بن الجعد، عِنْدَ الْخَطِيْب (2) . عيسى بن يونس (3) ، عِنْدَ الْخَطِيْب (4) . غندر (5) ، عِنْدَ أَحْمَد (6) . معاذ بن معاذ (7) ، عِنْدَ الْخَطِيْب (8) . النضر بن شميل (9) ، عِنْدَ الْخَطِيْب (10) . هاشم بن القاسم، عِنْدَ الدارمي (11) . هشيم بن بشير، عِنْدَ الْخَطِيْب (12) . وكيع بن الجراح، عِنْدَ أَحْمَد (13) ، ومسلم (14) ، والخطيب (15) . وهب بن جرير، عِنْدَ الْخَطِيْب في " الفصل " (16) .
يحيى بن سعيد، عِنْدَ أَحْمَد (1) . يزيد بن زريع (2) ، عِنْدَ النسائي (3) . وَقَدْ رَوَاهُ البخاري –كَمَا مضى– من طريق آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن مُحَمَّد بن زياد (4) ، عن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((ويل للأعقاب من النار)) فهؤلاء خمسة عشر نفساً من أصحاب شعبة اتفقوا عَلَى جعل قوله: ((أسبغوا الوضوء)) من كلام أبي هُرَيْرَة، في حين أخطأ أبو قطن وشبابة فأدرجاه في الْحَدِيْث (5) . وهذا القسم أقل الأقسام وروداً، وَهُوَ قليل جداً، الأمر الَّذِيْ دفع الحافظ ابن حجر لأن يقول: ((وفتشت ما جمعه الْخَطِيْب في المدرج، ومقدار ما زدت عليه مِنْهُ فَلَمْ أجد لَهُ مثالاً آخر إلا ما جاء في بعض طرق حَدِيْث بسرة الآتي من رواية مُحَمَّد بن دينار (6) ، عن هشام بن حسان)) (7) .
وهذا يناقض قَوْل ابن الجلال المحلي وَهُوَ يتحدث عن الإدراج في أول الْحَدِيْث: ((وَهُوَ أكثر مِمَّا في وسطه؛ لأن الرَّاوِي يقول كلاماً يريد أن يستدل عليه بالحديث فيأتي بلا فصل، فيتوهم أن الكل حَدِيْث)) (1) . ومثال ما وقع الإدراج في وسطه ما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ في " سننه " (2) من طريق عَبْد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة بنت صفوان، قالت: سَمِعْتُ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَنْ مَسّ ذَكَرَهُ، أو أنثييه أَوْ رفغه فليتوضأ)) . فَقَدْ أدرج عَبْد الحميد بن جعفر ذكر ((الأنثيين والرفغ)) في الْحَدِيْث المرفوع، قال الدَّارَقُطْنِيّ: ((والمحفوظ أن ذَلِكَ من قول عروة غَيْر مرفوع)) (3) . وَقَالَ الْخَطِيْب البغدادي: ((وذكر الأنثيين والرفغين ليس من كلام رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما من قول عروة بن الزبير فأدرجه الرَّاوِي في متن الْحَدِيْث وَقَدْ بيّن ذَلِكَ حماد بن زيد وأيوب السختياني في روايتهما عن هشام)) (4) . فوهم عَبْد الحميد بن جعفر وأدرج كلام عروة في الحديث، في حين اقتصر الثقات من أصحاب هشام عَلَى ذكر ((الذَّكَر)) ، وهم: أبو أسامة حماد بن أسامة، وروايته عِنْدَ الترمذي (5) ، وابن خزيمة (6) ، وابن الجارود (7) ، والطبراني (8) . إِسْمَاعِيْل بن عياش، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ (9) .
أنس بن عياض (1) ، عِنْدَ البيهقي (2) . أيوب السختياني، وسيأتي التفصيل في طريقه. حماد بن زيد، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ (3) ، والطبراني (4) ، والحاكم (5) ، والخطيب (6) . حماد بن سلمة، عِنْدَ الطبراني (7) . ربيعة بن عثمان (8) ، عِنْدَ ابن حبان (9) ، والطبراني (10) ، والحاكم (11) . سعيد بن عَبْد الرَّحْمَان (12) ، عِنْدَ البيهقي (13) . سفيان بن سعيد الثوري، عِنْدَ ابن حبان (14) ، والدارقطني (15) ، والطبراني (16) . شعيب بن إسحاق (17)
، عِنْدَ ابن حبان (1) ، والدارقطني (2) ، والحاكم (3) ، والبيهقي (4) . عَبْد الله بن إدريس، عِنْدَ ابن ماجه (5) ، والطبراني (6) . علي بن المبارك (7) ، عِنْدَ ابن حبان (8) . علي بن مسهر، عِنْدَ الطبراني (9) . عنبسة بن عَبْد الواحد (10) ، عِنْدَ الْحَاكِم (11) ، والبيهقي (12) . المنذر بن عَبْد الله (13) ، عِنْدَ الْحَاكِم (14) . وهيب بن خالد، عِنْدَ الطبراني (15) . يحيى بن سعيد القطان، عِنْدَ الطبراني (16) . يزيد بن سنان (17) ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ (18) .
فهؤلاء ثمانية عشر نفساً من أصحاب هشام رووه عَنْهُ مقتصرين عَلَى ((الذَّكَر)) من غَيْر إدراج للرفغ والأنثيين في المرفوع مِنْهُ. أما رِوَايَة أيوب الَّتِيْ أرجأنا الكلام عَنْهَا، فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث عن أيوب يزيد بن زريع، واختلف عَلَى يزيد في روايته وأكثر الرُّوَاة عَنْهُ يروونه عَنْهُ، عن أيوب، عن هشام من غَيْر إدراج وهم: أَحْمَد بن عبيد الله العنبري (1) ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ (2) . أَحْمَد بن المقدام (3) ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ (4) . عبيد الله بن عمر (5) القواريري (6) . عمرو بن علي، عِنْدَ الْخَطِيْب (7) . لذا عدَّ الْخَطِيْب أيوب ممن بَيّنَ الإدراج في الْحَدِيْث (8) . في حين أن أبا كامل الجحدري رَوَاهُ عن يزيد بن زريع، عن أيوب مدرجاً، كَمَا أخرجه الطبراني (9) ، فعاد الْخَطِيْب فعدّ أيوب ممن أدرج الْحَدِيْث (10) .
فالذي يترجح رِوَايَة الجمع عن أيوب، فيعدّ أيوب ممن بيّن الإدراج، وبالتالي فتترجح رِوَايَة الجمع ممن بَيّنَ الإدراج في روايتهم عن هشام بن عروة، ويؤيد هَذَا قَوْل الْخَطِيْب: ((رَوَى كافة أصحاب هشام بن عروة عَنْهُ حَدِيْث الوضوء من مس الذكر خاصة، وَلَمْ يذكر أحد مِنْهُمْ الأنثيين والرفغين في روايته)) (1) . وَقَدْ حكم الْخَطِيْب البغدادي عَلَى عَبْد الحميد بن جعفر بتفرده بالإدراج عن هشام بن عروة (2) . واعترض عليه الحافظ العراقي برواية أبي كامل الجحدري (3) الَّتِيْ مضى الكلام عَلَيْهَا، وبرواية ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة بلفظ: ((إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه)) (4) . والذي يبدو أن حكم الْخَطِيْب حكم مقيد لا مطلق، والمقيد ذهني إِذْ أنه عنى التفرد من طريق يعتد بِهَا، أما هاتان الطريقان فلا اعتماد عليهما لما يأتي: أما رِوَايَة أبي كامل فَقَدْ بينا أنه خالف فِيْهَا جمهور الرُّوَاة عن أيوب، فلا يلتفت إِلَيْهَا. وأما رِوَايَة ابن جريج فَقَدْ حكم الدَّارَقُطْنِيّ والحافظ ابن حجر عَلَيْهَا بالإدراج أَيْضاً (5) . وهناك طريقان آخران عن هشام بن عروة ورد فيهما الإدراج (6) : فَقَدْ رَوَى مُحَمَّد بن دينار، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة هَذَا الْحَدِيْث مدرجاً، وروايته أخرجها: الطبراني (7) ، والدارقطني (8) . ومحمد بن دينار ليس ممن يعتمد عَلَى حفظه (9) .
وروى هشام بن حسان، عن هشام بن عروة، عن أَبِيْهِ، عن بسرة مدرجاً. وَقَدْ رَوَاهُ عن هشام هكذا مدرجاً اثنان من أصحابه هما (1) : عَبْد الأعلى بن عَبْد الأعلى، حَيْثُ رَوَاهُ ابن شاهين في كتاب " الأبواب " من طريق ابن أبي داود ويحيى بن صاعد –كلاهما– عن مُحَمَّد بن بشار، عن عَبْد الأعلى، عن ابن حسان (2) . ورواه الدَّارَقُطْنِيّ في " العلل " (3) من طريق عَبْد الله بن بزيع، عن هشام بن حسان، بِهِ. والظاهر أن هشام بن حسان لَمْ يضبط الْحَدِيْث جيداً، إِذْ رَوَاهُ يزيد بن هارون عَنْهُ بلفظ: ((إذا مس أحدكم ذكره، أو قَالَ: فرجه، أو قَالَ: أنثييه، فليتوضأ)) رَوَاهُ ابن شاهين (4) في كتاب " الأبواب " (5) ، والدارقطني في " العلل " (6) . قَالَ ابن حجر: ((فتردده يدل عَلَى أنه ما ضبطه)) (7) . وَقَدْ رَوَاهُ عمار بن عمر، عن هشام بن حسان، من غَيْر إدراج، وروايته أخرجها الطبراني في " الكبير " (8) ، والدارقطني في " العلل " (9) . فانتهت نتيجة البحث إلى ضعف المتابع الأول، وعدم ضبط الثاني (10) .
وَقَدْ كَانَ لهذا الْحَدِيْث أثر في اختلاف الفقهاء تقدم الكلام عَنْهُ في الفصل الثاني المبحث الثالث: ما تعم بِهِ البلوى، ولا نريد إعادته بغية عدم الإطالة. ومثال ما وقع الإدراج في آخر الْحَدِيْث: ما رَوَاهُ زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر (1) ، عن القاسم بن مخيمرة (2) ، عن علقمة، عن عَبْد الله بن مسعود أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - علّمه التشهد في الصلاة، فَقَالَ: ((قل: التحيات لله.. فذكر الْحَدِيْث)) . وفي آخره: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رَسُوْل الله، فإذا قلت هَذَا فَقَدْ قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد)) (3) .
فزيادة: ((فإذا قلت هَذَا …)) إلى نهاية الرِّوَايَة، مدرجة من قَوْل ابن مسعود، أدرجها زهير بن معاوية في روايته عن الحسن بن الحر، نصَّ عَلَى هَذَا جمع من الحفاظ مِنْهُمْ: الدَّارَقُطْنِيّ (1) ، والحاكم (2) ، والبيهقي (3) ، والخطيب البغدادي (4) ، ونقل النووي في " الخلاصة " اتفاق الحفاظ عَلَى إدراجها (5) .
واستدل الحافظ ابن الصلاح عَلَى الإدراج بقوله: ((ومن الدليل عليه أن الثقة الزاهد (1) عَبْد الرحمان بن ثابت بن ثوبان (2) ، رَوَاهُ عن راويه الحسن بن الحر كذلك، واتفق حسين الجعفي (3)
وابن عجلان وغيرهما في روايتهم عن الحسن بن الحر عَلَى ترك ذكر هَذَا الكلام في آخر الْحَدِيْث، مع اتفاق كُلّ من رَوَى التشهد عن علقمة – وعن غيره – عن ابن مسعود عَلَى ذَلِكَ، ورواه شبابة، عن أبي خيثمة ففصله أَيْضاً)) (1) . وهذا كلام مجمل بيانه فِيْمَا يأتي: أولاً: رَوَاهُ عَبْد الرحمان بن ثابت بن ثوبان، عن الحسن بن الحر، بسند زهير بن معاوية، وفَصَل نهاية الرِّوَايَة وبيّن أنها من قَوْل ابن مسعود، وروايته عِنْدَ ابن حبان (2) ، والطبراني (3) ، والدارقطني (4) ، والحاكم (5) ، والبيهقي (6) ، والخطيب البغدادي (7) . ثانياً: رَوَاهُ حسين الجعفي وابن عجلان واتفقا عَلَى عدم ذكر هذا الكلام في نهاية الرِّوَايَة. ورواية حسين أخرجها ابن أبي شيبة (8) ، وأحمد (9) ، وابن حبان (10) ، والطبراني (11) ، والدارقطني (12) ، والخطيب (13) . وأما رِوَايَة ابن عجلان فأخرجها الطبراني (14) ، والدارقطني (15) ، والخطيب (16)
ثالثاً: إن الرُّوَاة عن زهير بن معاوية اختلفوا عليه في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث، فرواه كُلّ من: أحمد بن عَبْد الله بن يونس اليربوعي (1) . أبو داود الطيالسي (2) . عاصم بن علي (3) . عَبْد الله بن مُحَمَّد (4) النفيلي (5) . علي بن الجعد (6) . مالك بن إسماعيل (7) النهدي (8) . موسى بن داود (9) الضبي (10) . أبو النضر هاشم بن القاسم (11) .
يحيى بن أبي بكير (1) الكرماني (2) . يحيى بن يحيى النيسابوري (3) . عشرتهم عَنْهُ مدرجاً. ورواه شبابة بن سوار (4) ، عَنْهُ – أعني: زهير بن معاوية – ففصله وبين أنه من قَوْل عَبْد الله بن مسعود، وروايته عِنْدَ: الدَّارَقُطْنِيّ (5) ، والبيهقي (6) ، والخطيب (7) . وهذا النوع من الإدراج هُوَ الغالب من حَيْثُ وقوعه في متون الأحاديث (8) .
أسباب وقوع الإدراج
أسباب وقوع الإدراج إن الباعث للراوي عَلَى الإدراج يختلف من شخص لآخر، ومن حَدِيْث إلى حَدِيْث غيره، ما بَيْنَ بيان لتفسير كلمة، أَوْ استنباط لحكم، أَوْ قلة ضبط. ويمكننا أن نجمل سبب وقوع الإدراج فِيْمَا يأتي (1) : أن يريد الرَّاوِي تفسير بعض الألفاظ الغريبة الواردة في متن الْحَدِيْث، فيحملها عَنْهُ بعض الرُّوَاة من غَيْر تفصيل لتفسير تِلْكَ الألفاظ. مثاله: حَدِيْث عقيل (2) ، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين في قصة بدء الوحي، وفيه: ((وَكَانَ يخلو بغار حراء فيتحنث فِيْهِ، وَهُوَ التعبد …)) (3) . فقوله: ((وَهُوَ التعبد)) مدرج من كلام الزهري في الْحَدِيْث (4) . أن يقصد الرَّاوِي إثبات حكم ويستدل عليه بالحديث المرفوع. ومثاله ما ورد (5) في حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: ((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار)) . أن يريد الرَّاوِي بيان حكم يُستَنبطُ من كلام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. ومثاله ما تقدم (6) في حَدِيْث بسرة بنت صفوان رضي الله عَنْهَا: ((مَنْ مس ذكره أو رفغه أو أنثييه فليتوضأ)) .
قَالَ السيوطي: ((فعروة لمّا فهم من لفظ الخبر أن سبب نقض الوضوء مظنة الشهوة جعل حكم ما قرب من الذكر كذلك فَقَالَ ذَلِكَ، فظن بعض الرُّوَاة أنه من صلب الخبر فنقله مدرجاً فِيْهِ، وفهم الآخرون الحال ففصلوا)) (1) . اختصار الْحَدِيْث والرواية بالمعنى. الخطأ الناشئ عن عدم ضبط الرَّاوِي لمروياته.
وقوع الإدراج في السند دون المتن
وقوع الإدراج في السند دون الْمَتْن ويمكن أن نجعل هَذَا النوع عَلَى خمسة أقسام (1) : القسم الأول: أن يَكُوْن الْمَتْن مختلف الإسناد بالنسبة إلى أفراد رواته، فيرويه راوٍ واحد عَنْهُمْ، فيحمل بعض رواياتهم عَلَى بعض ولا يميز بينها. ومثاله ما رَوَاهُ عَبْد الرحمان بن مهدي ومحمد بن كثير العبدي، عن سفيان الثوري، عن منصور والأعمش وواصل الأحدب (2) ، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل (3) ، عن ابن مسعود، قُلْتُ: ((يا رَسُوْل الله أي الذنب أعظم؟ … الْحَدِيْث)) (4) . فَقَدْ أدرج عَبْد الرحمان بن مهدي ومحمد بن كثير في هَذَا السند، إِذْ إن منصوراً والأعمش يرويانه عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن ابن مسعود، أما واصل فيرويه عن أبي وائل، عن ابن مسعود لا يذكر فِيْهِ عمرو بن شرحبيل. وَقَدْ رَوَاهُ عن واصل بن حيان الأسديِّ الأحدبِ جَمَاعَة من الرُّوَاة مِنْهُمْ: سعيد بن مسروق (5) : عِنْدَ الْخَطِيْب (6) .
شعبة بن الحجاج: وروايته عِنْدَ: الطيالسي (1) ، وأحمد (2) ، والترمذي (3) ، والنسائي (4) ، والخطيب (5) . مالك بن مِغْوَل (6) : عِنْدَ: النسائي في " الكبرى " (7) ، والخطيب (8) ، قَالَ ابن حجر: ((أخرجه ابن مردويه من طريق مالك بن مغول بإسقاط أبي ميسرة)) (9) . مهدي بن ميمون (10) : عِنْدَ: أحمد (11) ، والخطيب (12) . فَلَمْ يذكروا في روايتهم عن واصل عمرو بن شرحبيل، وإنما عمرو مذكور في رِوَايَة منصور والأعمش. وَقَدْ بيّن الإسنادين يحيى بن سعيد القطان في روايته، فأخرج: البخاري (13) ، والدارقطني (14) ، والخطيب (15) ، من طرق عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، قَالَ: حَدَّثَنَا منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن أبي ميسرة، عن عَبْد الله. قَالَ سفيان: وحدثني واصل، عن أبي وائل، عن عَبْد الله، بِهِ (16) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ((قَالَ لنا أبو بكر النيسابوري: هكذا رَوَاهُ يحيى، وَلَمْ يذكر في حَدِيْث واصل عمرو بن شرحبيل ورواه عَبْد الرَّحْمَان بن مهدي ومحمد بن كَثِيْر فجمعا بَيْنَ واصل ومنصور والأعمش، عن أبي وائل، عن عَمْرو بن شرحبيل، عن عَبْد الله، فيشبه أن يَكُوْن الثوري جمع بَيْنَ الثلاثة لعبد الرحمن بن مهدي ولابن كثير فجعل إسنادهم واحداً، وَلَمْ يذكر بينهم خلافاً، وحمل حَدِيْث واصل عَلَى حَدِيْث الأعمش ومنصور، وفصله يحيى بن سعيد فجعل حَدِيْث واصل عن أبي وائل، عن عَبْد الله –وَهُوَ الصواب–؛ لأن شعبة ومهدي بن ميمون روياه عن واصل، عن أبي وائل، عن عَبْد الله كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى، عن الثوري، عَنْهُ، والله أعلم)) (1) . القسم الثاني: أن يَكُوْن متن الْحَدِيْث عِنْدَ الرَّاوِي بإسناد إلا طرفاً مِنْهُ فإنه عنده بإسناد آخر، فيدرجه من رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى الإسناد الأول ويسوق الْمَتْن تاماً، ولا يذكر الإسناد الثاني. مثاله: ما رَوَاهُ سفيان بن عيينة وزائدة بن قدامة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر – وذكر حَدِيْث صفة صلاة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - - وفي آخره: ((ثُمَّ جئتهم بَعْدَ ذَلِكَ في زمان فِيْهِ برد شديد فرأيتهم يحركون أيديهم من تحت الثياب)) (2) .
فقوله: ((ثُمَّ جئتهم بَعْدَ ذَلِكَ…)) من رِوَايَة عاصم بن كليب، عن عَبْد الجبار بن وائل، عن بعض أهله، عن وائل بن حجر، وممن رَوَاهُ عَلَى هَذِهِ الشاكلة فميز بَيْنَ جزأي الْمَتْن: زهير بن معاوية: وروايته عِنْدَ: أحمد (1) ، والطبراني (2) ، والخطيب (3) . شجاع بن الوليد: عِنْدَ الْخَطِيْب (4) . ومما يقوي الحكم بالإدراج في إسناد هَذَا الْحَدِيْث أن أحد عشر راوياً وهم: سفيان الثوري، وشعبة، وأبو الأحوص، وأبو عوانة، وخالد بن عَبْد الله (5) ، وصالح بن عمر، وعبد الواحد بن زياد، وجرير بن عَبْد الحميد، وبشر بن المفضل، وعبيدة بن حميد (6) ، وعبد العزيز بن مُسْلِم، رووا هَذَا الْحَدِيْث عن عاصم وَلَمْ يتطرقوا إلى ذكر هَذَا الإدراج (7) .
قَالَ الحافظ موسى بن هارون الحمال: ((وذلك – يعني رِوَايَة سفيان وزائدة – عندنا وَهم، وإنما أدرج عليه، وَهُوَ من رِوَايَة عاصم، عن عَبْد الجبار بن وائل، عن بعض أهله، عن وائل، هكذا رَوَاهُ مبيناً زهير بن معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد، فميزا قصة تحريك الأيدي من تحت الثياب وفصلاها من الْحَدِيْث وذكرا إسنادهما كَمَا ذكرنا)) . ثُمَّ قَالَ: ((وهذه رِوَايَة مضبوطة، اتفق عليه زهير وشجاع بن الوليد، وهما أثبت لَهُ رِوَايَة ممن رَوَى ((رفع الأيدي من تحت الثياب)) عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل)) (1) . القسم الثالث: أن يَكُوْن المتنان مختلفي الإسناد، فيدرج بعض الرُّوَاة شَيْئاً من أحدهما في الآخر ولا يَكُوْن ذَلِكَ الشيء من رِوَايَة ذَلِكَ الرَّاوِي. مثاله: ما رَوَاهُ أبو مُحَمَّد سعيد بن أبي مريم الحكم بن مُحَمَّد المصري (2) ، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا، وكونوا عباد الله إخواناً … الْحَدِيْث)) ، رَوَاهُ من هَذِهِ الطريق: الْخَطِيْب (3) ، وابن عَبْد البر (4) . قَالَ الحافظ حمزة بن مُحَمَّد الكناني (5)
: ((لا أعلم أحداً قَالَ في هَذَا الْحَدِيْث عن مالك: ((ولا تنافسوا)) غَيْر سعيد بن أبي مريم)) (1) . فسعيد أدرج لفظ: ((ولا تنافسوا)) من متن حَدِيْث آخر، رَوَاهُ مالك، عن أبي الزناد (2) ، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَة مرفوعاً: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الْحَدِيْث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا)) . والحديثان عَلَى الصواب عِنْدَ رواة " الموطأ " كافة مِنْهُمْ: أحمد بن أبي بكر (3) : عِنْدَ ابن حبان (4) . إسحاق بن عيسى الطباع: عِنْدَ أحمد (5) . إسماعيل بن أبي أويس (6) : عِنْدَ البخاري في " الأدب المفرد " (7) . جويرية بن أسماء (8) : عِنْدَ الْخَطِيْب في " الفصل " (9) . روح بن عبادة: عِنْدَ أحمد (10) .
سويد بن سعيد الحدثاني: كَمَا في " الموطأ " بروايته (1) . عَبْد الرحمان بن القاسم: كَمَا في " موطئه " (2) . عَبْد الله بن مسلمة القعنبي: عِنْدَ: أبي داود (3) ، وأبي نعيم (4) ، والخطيب (5) . عَبْد الله بن وهب: عِنْدَ الطحاوي في " شرح المشكل " (6) . عَبْد الله بن يوسف التنيسي: عِنْدَ البخاري (7) . الفضل بن دكين: عِنْدَ ابن عَبْد البر (8) . قتيبة بن سعيد: عِنْدَ: أبي أحمد الْحَاكِم (9) ، والخطيب (10) ، والعلائي (11) . مُحَمَّد بن الحسن: كَمَا في " موطئه " (12) . مُحَمَّد بن سليمان المصيصي (لوين) (13) : عِنْدَ أبي أحمد الْحَاكِم (14) . أبو مصعب الزهري: كَمَا في " الموطأ " بروايته (15) . معن بن عيسى القزاز: عِنْدَ الْخَطِيْب (16) . يحيى بن بكير: عِنْدَ العلائي (17) . يحيى بن يحيى الليثي: كَمَا في " موطئه " (18) . يحيى بن يحيى النيسابوري: عِنْدَ مُسْلِم (19) .
وَلَمْ ينفرد مالك بهذا الحديث، بَلْ تابعه متابعة تامة عليه: سفيان بن عيينة وابن أبي ذئب وزمعة عِنْدَ: الطيالسي (1) ، وسفيان وحده عِنْدَ: الحميدي (2) ، وأحمد (3) ، ومسلم (4) ، والترمذي (5) ، وأبي يعلى (6) . شعيب بن أبي حمزة: عِنْدَ: أحمد (7) ، والبخاري (8) . مُحَمَّد بن الوليد الزبيدي (9) : عِنْدَ مُسْلِم (10) . معمر بن راشد: عِنْدَ: عَبْد الرزاق (11) ، وأحمد (12) ، ومسلم (13) . فظهر أن الحديثين اختلطا عَلَى سعيد بن أبي مريم فأدرج من متن الثاني لفظاً في الْمَتْن الأول بإسناد الأول (14) . القسم الرابع: أن يَكُوْن الْمَتْن عِنْدَ راوٍ إلا جزءاً مِنْهُ، فإنه لَمْ يسمعه من شيخه فِيْهِ، وإنما سمعه من واسطة بينه وبين شيخه، فيدرج الرُّوَاة الجزء من الْحَدِيْث من غَيْر تفصيل (15) .
مثاله: الْحَدِيْث الَّذِيْ رَوَاهُ إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير (1) ، عن حميد الطويل، عن أنس في قصة العرنيين، وأن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُمْ: ((لَوْ خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها)) (2) . فلفظه: ((وأبوالها)) لَمْ يسمعها حميد من أنس مباشرة، وإنما سمعها من قتادة، عن أنس، فأدرجها إسماعيل في الْمَتْن الأول بإسناد الْحَدِيْث الأول من غَيْر تفصيل، قَالَ الحافظ الْخَطِيْب البغدادي: ((هكذا رَوَى إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري جميع هَذَا الْحَدِيْث عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، وفيه لفظة واحدة لَمْ يسمعها حميد عن أنس، وإنما رواها عن قتادة عن أنس، وَهِيَ قوله: ((وأبوالها)) )) (3) . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث عَلَى الصواب ففصل رِوَايَة قتادة عدة رواة من أصحاب حميد، مِنْهُمْ: ابن أَبِي عدي (4) : عِنْدَ: أَحْمَد (5) ، والنسائي (6) ، والخطيب (7) . بشر بن المفضل: عِنْدَ الْخَطِيْب (8) .
خالد بن الحارث (1) : عِنْدَ النسائي (2) . عَبْد الله بن بكر السهمي (3) : عِنْدَ الطحاوي (4) ، والخطيب (5) . مروان بن معاوية الفزاري (6) : عِنْدَ الْخَطِيْب (7) . معتمر بن سليمان: عِنْدَ الْخَطِيْب (8) . يزيد بن هارون: عِنْدَ أحمد (9) ، وأبي عوانة (10) ، والبغوي (11) ، والخطيب (12) . قَالَ الحافظ ابن حجر: ((كلهم يقول فِيْهِ: ((فشربتم من ألبانها)) قَالَ حميد: قَالَ قتادة، عن أنس – رضي الله تَعَالَى عَنْهُ –: ((وأبوالها)) فرواية إسماعيل عَلَى هَذَا فِيْهَا إدراج وتسوية)) (13) .
وأصرح الروايات في هَذَا رِوَايَة أبي عوانة من طريق يزيد بن هارون، عن حميد، وفيه: ((قَالَ حميد: قَالَ قتادة: ((وابوالها)) ، لَمْ أسمعه أنا من أنس)) (1) . هكذا مثّل الْخَطِيْب البغدادي (2) وابن حجر (3) لهذا النوع بهذا المثل، واستدرك بعضهم (4) بأن إسماعيل بن جعفر متابع تابعه: عَبْد الوهاب بن عَبْد المجيد الثقفي: كَمَا عِنْدَ ابن ماجه (5) . وعبد الله بن عمر: عِنْدَ: النسائي (6) ، وأبي عوانة (7) . وهشيم بن بشير الواسطي: عِنْدَ مُسْلِم (8) . والذي يبدو لي أن هَذِهِ الطرق لا يصح استدراكها عَلَى هذين الحافظين لما يأتي: أما متابعة عَبْد الله بن عمر، فعبد الله بن عمر: ضعيف، ضعفه أحمد والعقيلي وابن معين وابن المديني ويحيى بن سعيد وصالح جزرة والنسائي وابن سعد والترمذي وابن حبان والدارقطني وأبو أحمد الْحَاكِم (9) . وأما متابعة هشيم، فإنما رَوَاهُ هشيم عن حميد وثابت وقتادة ثلاثتهم مقرونين، فلعله حمل رِوَايَة بعض عَلَى بعض وَلَمْ يفصّل فِيْهَا. فَلَمْ تبق إلا رِوَايَة عَبْد الوهاب، ويتخرّج أمرها عَلَى محملين: الأول: إنها وإن تابع فِيْهَا عَبْد الوهاب إسماعيل بن جعفر فكل منهما لا يقوى عَلَى مقاومة خلاف أصحاب حميد وهم سبعة أنفس. وهذا أقوى المحملين. الثاني: أن تصح فيصير الحمل حينئذ عَلَى حميد، فكأنه كَانَ يبين لبعض الرُّوَاة الأمر، ويجمله لبعضهم. والله أعلم. القسم الخامس:
أن يسوق المحدّث إسناده فَقَطْ من غَيْر أن يذكر الْمَتْن، ثُمَّ يقطعه قاطع فيذكر كلاماً فيظن بعض من سمعه أن ذَلِكَ الكلام هُوَ متن الإسناد (1) . ومثاله الْحَدِيْث الَّذِيْ رَوَاهُ ثابت بن موسى (2) الزاهد، عن شريك القاضي، عن الأعمش، عن أَبِي سفيان، عن جابر مرفوعاً: ((من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)) (3) . قَالَ الْحَاكِم: ((هَذَا ثابت بن موسى الزاهد دخل عَلَى شريك بن عَبْد الله القاضي والمستملي بَيْنَ يديه، وشريك يقول: حَدَّثَنَا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يذكر الْمَتْن، فلما نظر إلى ثابت بن موسى قَالَ: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار. وإنما أراد بِذَلِكَ ثابت بن موسى لزهده وورعه، فظن ثابت بن موسى أنه رَوَى الْحَدِيْث مرفوعاً بهذا الإسناد، فكان ثابت بن موسى يحدِّث بِهِ عن شريك، عن الأعمش، عن أَبِي سفيان، عن جابر، وليس لهذا الْحَدِيْث أصل إلا من هَذَا الوجه، وعن قوم من المجروحين سرقوه من ثابت بن موسى فرووه عن شريك)) (4) . قَالَ الحافظ العراقي: ((فعلى هَذَا هُوَ من أقسام المدرج)) (5) .
طرق الكشف عن الإدراج
طرق الكشف عن الإدراج لَمْ يَكُن النقد الحديثي في وقت من أوقاته عبارة عن إلقاء للكلام عَلَى عواهنه، بَلْ هُوَ أمر في غاية العسر، تحكمه القرائن وتقويه المرجحات وتسنده أقوال أئمة هَذَا الشأن. ولا ريب أن الكشف عن الْحَدِيْث المعل بأية علة كانت يفتقر إلى اطلاع واسع وخبرة بالرجال ودراية بأقوال النقاد وملاحظة مواضع كلامهم، ومن هنا كَانَ الحكم عَلَى حَدِيْث ما بالإدراج شَيْئاً ليس بالهين. لذا نجد الإمام ابن دقيق العيد يضعف الحكم بالإدراج عَلَى الْحَدِيْث إذا كَانَ اللفظ المدرج في أثناء متن الْحَدِيْث، ويضعف أكثر إذا كَانَ قَبْلَ اللفظ المرفوع، أو معطوفاً عليه بواو العطف (1) . ويعلل هَذَا الضعف بقوله: ((لما فِيْهِ من اتصال هَذِهِ اللفظة بالعامل الَّذِيْ هُوَ من لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم -)) (2) . والحق أنه إذا قامت قرائن ومرجحات تقوي في نفس الناقد الحكم عَلَى تِلْكَ اللفظة بالإدراج فلا مانع من ذَلِكَ، وفي هَذَا يقول الحافظ ابن حجر: ((وفي الجملة إذا قام الدليل عَلَى إدراج جملة معينة بحيث يغلب عَلَى الظن ذَلِكَ، فسواء كَانَ في الأول أو الوسط أَو الآخر، فإن سبب ذَلِكَ الاختصار من بعض الرُّوَاة بحذف أداة التفسير أَو التفصيل، فيجيء مَن بعده فيرويه مدمجاً من غَيْر تفصيل فيقع ذَلِكَ)) (3) . وَقَد وضع العلماء جملة من القواعد الَّتِيْ يعرف بِهَا كون الْحَدِيْث مدرجاً، يمكننا حصرها فِيْمَا يأتي: 1. أن يَكُوْن لفظه مِمَّا تستحيل إضافته إلى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -.
مثاله: حَدِيْث عَبْد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك)) (1) . فقوله: ((والذي نفسي بيده … الخ الْحَدِيْث)) ، مِمَّا تستحيل نسبته إلى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ لا يجوز في حقه أن يتمنى الرِّق، وأيضاً لَمْ تكن لَهُ أم يبرها، ولما فتشنا وجدناه مدرجاً من كلام أبي هُرَيْرَة. فَقَدْ أخرجه البخاري (2) عن بشر بن محمد (3) ، عن عَبْد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن أبي هُرَيْرَة، بِهِ. فأدرج كلام أبي هُرَيْرَة في المرفوع، وفصل القدر المدرج ثلاثة من الرُّوَاة عن ابن المبارك هم: إِبْرَاهِيْم بن إسحاق الطالقاني: عِنْدَ أحمد (4) . عبدان المروزي (5) : عِنْدَ البيهقي (6) . حبان بن موسى المروزي (7) : عِنْدَ الْخَطِيْب (8) .
كَمَا أن ابن المبارك متابع في روايته عن يونس متابعة تامة، تابعه: أبو صفوان الأموي (1) : عِنْدَ مُسْلِم (2) . سليمان بن بلال: عِنْدَ البخاري في " الأدب المفرد " (3) . عَبْد الله بن وهب: عِنْدَ مُسْلِم (4) ، وأبي عوانة (5) ، والخطيب (6) . عثمان بن عمر (7) : عِنْدَ أحمد (8) ، وأبي عوانة (9) . فظهر أن هَذَا الجزء من الْمَتْن مدرج في حَدِيْث رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - من كلام أبي هُرَيْرَة، قَالَ الْخَطِيْب: ((وقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ: ((للعبد الصالح أجران)) فَقَطْ، وما بَعْدَ ذَلِكَ إنما هُوَ كلام أبي هُرَيْرَة)) (10) . 2. أن يرد التصريح من الصَّحَابِيّ بأنه لَمْ يَسْمَع تِلْكَ الجملة من النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مثاله: ما رواه أحمد بن عَبْد الجبار العطاردي (11)
، عن أبي بكر بن عياش (1) ، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش (2) ، عن عَبْد الله بن مسعود، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات وَهُوَ لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة، ومن مات وَهُوَ يشرك بالله شَيْئاً دخل النار)) (3) . فأحمد بن عَبْد الجبار وهم في هَذَا الْحَدِيْث، فأدرج الجملة الثانية في المرفوع من الْحَدِيْث وَهُوَ الجملة الأولى، قَالَ الْخَطِيْب: ((هكذا رَوَى هَذَا الْحَدِيْث أحمد بن عَبْد الجبار العطاردي، عن أبي بكر بن عياش، ووهم في إسناده وفي متنه.
أما الوهم في إسناده فإن عاصماً إنما كَانَ يرويه عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن عَبْد الله، لا عن زر، وَقَدْ رَوَاهُ كذلك عن أبي بكر: أسود بن عامر (1) شاذان، وأبو هشام مُحَمَّد بن يزيد الرفاعي (2) ، وأبو كريب مُحَمَّد بن العلاء الهمداني، ووافقهم حماد ابن شعيب (3) والهيثم بن جهم (4) والد عثمان بن الهيثم المؤذن، فروياه عن عاصم، عن أبي وائل كذلك. وأما الوهم في متن الْحَدِيْث: فإن العطاردي في روايته جعله كله كلام النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وليس كذلك، وإنما الفصل في ذكر من مات مشركاً قَوْل رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، والفصل الثاني في ذكر من مات غَيْر مشرك قَوْل عَبْد الله بن مسعود)) (5) . وَقَدْ رَوَاهُ جمع من الرُّوَاة عن أبي بكر بن عياش وميزوا بَيْنَ الفصلين، وهم: أبوكريب مُحَمَّد بن العلاء: عِنْدَ الْخَطِيْب في " الفصل " (6) .
الأسود بن عامر (شاذان) : عِنْدَ: أحمد (1) ، ومن طريقه الْخَطِيْب (2) . مُحَمَّد بن يزيد أبو هاشم الرفاعي: عِنْدَ أبي يعلى (3) ، والخطيب (4) . ثُمَّ إن أبا بكر بن عياش متابع عليه في روايته عن عاصم، تابعه: حماد بن شعيب: عند الْخَطِيْب (5) . الهيثم بن جهم: عِنْدَ الْخَطِيْب أَيْضاً (6) . أبو أيوب الإفريقي (7) : عِنْدَ الطبراني في " الكبير " (8) و " الأوسط " (9) . ورواه أحمد بن يونس، عن أبي بكر بن عياش مقتصراً عَلَى اللفظ المرفوع (10) . ولفظ الْحَدِيْث كَمَا رَوَاهُ أحمد (11) من طريق أسود بن عامر: قَالَ عَبْد الله: سَمِعْتُ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من جعل لله نداً جعله الله في النار)) ، وَقَالَ: وأخرى أقولها لَمْ أسمعها مِنْهُ: من مات لا يجعل لله نداً أدخله الله الجنة. 3. أن يفصِّل بعض الرُّوَاة فيبينوا المدرج ويَفْصِلُوه عن الْمَتْن المرفوع، ويضيفوه إلى قائله: مثاله: ما رَوَاهُ عَبْد الله بن خيران (12)
، عن شعبة، عن أنس بن سيرين، أنه سَمِعَ ابن عمر رضي الله تَعَالَى عنهما يقول: طلقت امرأتي وَهِيَ حائض، فذكر عمر - رضي الله عنه - ذَلِكَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ((مُرهُ فليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها)) قَالَ: فتحتسب بالتطليقة؟ قَالَ: فمه (1) . قَالَ الْخَطِيْب: ((والصواب أن الاستفهام من قَوْل أنس بن سيرين، وأن جوابه من قول ابن عمر)) (2) . وَقَدْ بيّن ذَلِكَ جَمَاعَة الرُّوَاة عن شعبة، وهم: بهز بن أسد (3) : وروايته عِنْدَ أحمد (4) ، ومسلم (5) . الحجاج بن منهال (6) : عِنْدَ الطحاوي (7) . خالد بن الحارث: عِنْدَ مُسْلِم (8) . سليمان بن حرب: عِنْدَ البخاري (9) . مُحَمَّد بن جعفر (غندر) : عِنْدَ أحمد (10) ، ومسلم (11) ، والخطيب (12) . النضر بن شميل المازني عِنْدَ الْخَطِيْب (13) . يحيى بن سعيد القطان: عِنْدَ الْخَطِيْب (14) . يزيد بن هارون: عِنْدَ ابن الجارود (15) .
فظهر أن عَبْد الله بن خيران أدرج سؤال ابن سيرين وجواب ابن عمر لَهُ في الْحَدِيْث وجعل صورة الكل كأنه مرفوع. ولفظ الْحَدِيْث كَمَا أخرجه أحمد (1) من طريق مُحَمَّد بن جعفر (غندر) ، عن شعبة، عن أنس بن سيرين، أنه سَمِعَ ابن عمر قَالَ: طلقت امرأتي وَهِيَ حائض، فأتى عمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فَقَالَ: ((مُره فليراجعها، ثُمَّ إذا طهرت فليطلقها)) . قُلْتُ لابن عمر: أحسب تِلْكَ تطليقة؟ قَالَ: فمه!! إلا أن الحَافِظ ابن حجر استدرك عَلَى حكمنا عَلَى الْحَدِيْث بالإدراج موافقة لهذه القاعدة الثالثة بأن البت بالحكم هنا لَيْسَ لَهُ قوة البت بالحكم في النوعين الماضيين، فَقَالَ: ((والحكم عَلَى هَذَا القسم الثالث بالإدراج يَكُوْن بحسب غلبة ظن المحدّث الحَافِظ الناقد، ولا يوجب القطع بِذَلِكَ خلاف القسمين الأولين، وأكثر هَذَا الثالث يقع تفسيراً لبعض الألفاظ الواقعة في الْحَدِيْث كَمَا في أحاديث الشغار والمحاقلة والمزابنة)) (2) .
تعارض الاتصال والانقطاع
تعارض الاتصال والانقطاع تقدم الكلام بأن الاتصال شرط أساسيٌّ لصحة الحديث النبوي، وعلى هذا فالمنقطع ضعيف لفقده شرطاً أساسياً من شروط الصحة، وقد أولى المحدثون عنايتهم في البحث والتنقير في الأحاديث من أجل البحث عن توافر هذا الشرط من عدمه؛ وذلك لما له من أهمية بالغة في التصحيح والتضعيف والتعليل. وتقدم الكلام أن ليس كل ما ورد فيه التصريح بالسماع فهو متصل؛ إذ قَدْ يقع الخطأ في ذلك فيصرح بالسماع في غير ما حديث، ثم يكشف الأئمة النقاد بأن هذا التصريح خطأ، أو أن ما ظاهره متصل منقطع، وهذا ليس لكل أحد إنما هو لأولئك الرجال الذين أفنوا أعمارهم شموعاً أضاءت لنا الطريق من أجل معرفة الصحيح المتصل من الضعيف المنقطع. إذن فليس كل ما ظاهره الاتصال متصلاً، فقد يكون السند معللاً بالانقطاع. وعليه فقد يأتي الحديث مرة بسند ظاهره الاتصال، ويُروى بسند آخر ظاهره الانقطاع، فيرجح تارة الانقطاع وأخرى الاتصال، ويجري فيه الخلاف الذي مضى في زيادة الثقة. وأمثلة ذلك كثيرة. منها: ما رواه أحمد بن منيع (1)
، قال: حدثنا كثير بن هشام (1) ، قال: حدثنا جعفر بن برقان (2) ، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كنت أنا وحفصة (3) صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدرتني إليه حفصة، وكانت ابنة أبيها، فقالت: يا رسول الله، إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، قال: ((اقضيا يوماً آخر مكانه)) . أخرجه الترمذي (4) ، والبغوي (5) ، وأخرجه غيرهما من طريق جعفر (6) . هكذا روى هذا الحديث جعفر بن برقان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، متصلاً. وقد توبع على روايته، تابعه سبعة من أصحاب الزهري على هذه الرواية وهم:
صالح بن أبي الأخضر (1) ، وهو ضعيف يعتبر به عند المتابعة (2) . سفيان بن حسين (3) ، وهو ثقة في غير الزهري باتفاق العلماء (4) . صالح بن كيسان (5) ، وهو ثقة (6) . إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة (7) ، وهو ثقة (8) . حجاج بن أرطأة (9) ، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس (10) . عبد الله بن عمر العمري (11) ، وهو ضعيف (12) . يحيى بن سعيد (13) . فهؤلاء منهم الثقة، ومنهم من يصلح حديثه للمتابعة، قَدْ رووا الحديث أجمعهم، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، متصلاً، إلا أنه قَدْ تبين بعد التفتيش والتمحيص والنظر أن رواية الاتصال خطأ، والصواب: أنّه منقطع بين الزهري وعائشة، وذكر عروة في الإسناد خطأ. لذا قال الإمام النسائي عن الرواية الموصولة: ((هذا خطأ)) (14) ، وقد فسّر المزي مقصد النسائي فقال: ((يعني أن الصواب حديث الزهري، عن عائشة وحفصة مرسل)) (15) .
وقد نص كذلك الترمذي على أن رواية الاتصال خطأ، والصواب أنه منقطع وذكر الدليل القاطع على ذلك، فقال: ((روي عن ابن جريج، قال: سألت الزهري، قلت له: أَحدَّثَكَ عروة، عن عائشة؟ ، قال: لم أسمع عن عروة في هذا شيئاً، ولكني سَمِعتُ في خلافة سليمان بن عبد الملك (1) من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث)) (2) . ومن قبل سأل الترمذي شيخه البخاري فَقَالَ: ((سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال: لا يصح حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة)) (3) . وحكم أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان بترجيح الرواية المنقطعة على الموصولة (4) . قلت: قَدْ رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزهري منقطعاً، وهم ثمانية أنفس: مالك بن أنس (5) ، وهو ثقة إمام أشهر من أن يعرف.
معمر بن راشد (1) ، وهو ثقة ثبت فاضل (2) . عبيد الله بن عمر العمري (3) ، وهو ثقة ثبت (4) . يونس بن يزيد الأيلي (5) ، وهو ثقة أحد الأثبات (6) . سفيان بن عيينة (7) ، وهو ثقة حافظ فقيه إمام حجة (8) . عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (9) ، وهو ثقة (10) . محمد بن الوليد الزبيدي (11) ، وهو ثقة ثبت (12) . بكر بن وائل (13) ، وهو صدوق (14) . فهؤلاء جميعهم رووه عن الزهري، عن عائشة منقطعاً، وروايتهم هذه هي المحفوظة، وهي تخالف رواية من رواه متصلاً. وهذا يدلل أن المحدّثين ليس لهم في مثل هذا حكم مطرد، بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيحات المحيطة بالرواية.
وللحديث طريق أخرى (1) ، فقد أخرجه النسائي (2) ، والطحاوي (3) ، وابن حبان (4) ، وابن حزم في المحلى (5) ، من طريق جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة (6) ، عن عائشة. هكذا الرواية وظاهرها الصحة، إلا أن جهابذة المحدّثين قَدْ عدوها غلطاً من جرير بن حازم، خطّأه في هذا أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، والبيهقي (7) ، قال البيهقي: ((والمحفوظ عن يحيى بن سعيد، عن الزهري، عن عائشة، مرسلاً)) (8) . ثم أسند البيهقي إلى أحمد بن منصور الرمادي (9) قال: قلت لعلي بن المديني: يا أبا الحسن تحفظ عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين. فقال لي: من روى هذا؟ قلت: ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد. قال: فضحك، فقال: مثلك يقول هذا! ، حدثنا: حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن الزهري: أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين. وقد أشار النسائي كذلك إلى خطأ جرير (10) . فهؤلاء أربعة من أئمة الحديث أشاروا إلى خطأ جرير بن حازم في هذا الحديث، وعدم إقامته لإسناده.
ولم يرتض ابن حزم هذه التخطئة، وأجاب عن ذلك فقال: ((لم يتحقق علينا قول من قال أن جرير بن حازم أخطأ في هذا الخبر إلا أن هذا ليس بشيء؛ لأن جريراً ثقة، ودعوى الخطأ باطل إلا أن يقيم المدعي له برهاناً على صحة دعواه، وليس انفراد جرير بإسناده علة؛ لأنه ثقة)) (1) . ويجاب عن كلام ابن حزم: بأن ليس كل ما رواه الثقة صحيحاً، بل يكون فيه الصحيح وغير ذلك؛ لذا فإن الشذوذ والعلة إنما يكونان في حديث الثقة؛ فالعلة إذن هي معرفة الخطأ في أحاديث الثقات، ثم إن اطباق أربعة من أئمة الحديث على خطأ جرير، لم يكن أمراً اعتباطياً، وإنما قالوا هذا بعد النظر الثاقب والتفتيش والموازنة والمقارنة. أما إقامة الدليل على كل حكم في إعلال الأحاديث، فهذا ربما لا يستطيع الجهبذ الناقد أن يعبر عنه إنما هو شيء ينقدح في نفسه تعجز عبارته عنه (2) . ثم إن التفرد ليس علة كما سبق أن فصلنا القول فيه في مبحث التفرد، وإنما هو مُلقٍ لِلضوءِ على العِلّة ومواقع الخلل وكوامن الخطأ، ثم إنا وجدنا الدليل على خطأ جرير ابن حازم، إذ قَدْ خالفه الإمام الثقة الثبت حماد بن زيد (3) ، فرواه عن يحيى بن سعيد ولم يذكر عمرة (4) . وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه الطبراني (5) من طريق: يعقوب بن مُحَمَّد الزهري، قال: حدثنا هشام بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الرحمان، عن الحارث بن هشام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
قال الطبراني عقب روايته له: ((لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا هشام ابن عكرمة. تفرد به يعقوب بن مُحَمَّد الزهري)) . قلت: هذه الرواية ضعيفة لا تصلح للمتابعة، إذ فيها علتان: الأولى: يعقوب بن مُحَمَّد الزهري، فيه كلام ليس باليسير، فقد قال فيه الإمام أحمد: ((ليس بشيء)) ، وَقَالَ مرة: ((لا يساوي حديثه شيئاً)) ، وَقَالَ الساجي: ((منكر الحديث)) (1) . والثانية: هشام بن عبد الله بن عكرمة، قال ابن حبان: ((ينفرد عن هشام بن عروة بما لا أصل له من حديثه –كأنه هشام آخر–،لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد)) (2) . وللحديث طريق أخرى، فقد أخرجه ابن أبي شيبة (3) من طريق خصيف بن عبد الرحمان، عن سعيد بن جبير: أن عائشة وحفصة … الحديث. وهو طريق ضعيف لضعف خصيف بن عبد الرحمان، فقد ضعّفه الإمام أحمد، وأبو حاتم، ويحيى القطان، على أن بعضهم قَدْ قواه (4) . وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه البزار (5) ، والطبراني (6) من طريق حماد بن الوليد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر … الحديث. وهو طريق
ضعيف، قال الهيثمي: ((فيه حماد بن الوليد ضعفه الأئمة)) (1) . وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه العقيلي (2) ، والطبراني (3) من طريق مُحَمَّد بن أبي سلمة المكي، عن مُحَمَّد بن عمرو (4) ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: أهديت لعائشة وحفصة … الحديث. وهو طريق ضعيف، قال الهيثمي: ((فيه مُحَمَّد بن أبي سلمة المكي، وقد ضُعِّفَ بهذا الحديث)) (5) . خلاصة القول: إن الحديث لم يصح متصلاً ولم تتوفر فيه شروط الصحة؛ فهو حديث ضعيف لانقطاعه؛ ولضعف طرقه الأخرى (6) . أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء (حكم من أفطر في صيام التطوع)
وما دمنا قَدْ تكلمنا بإسهاب عن حديث الزهري متصلاً ومنقطعاً، وذكرنا طرقه وشواهده، وبيّنا ما يكمن فيها من ضعف وخلل، فسأتكلم عن أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء، فأقول: من شَرَعَ في صوم تطوع، أو صلاة تطوع ولم يتم نفله، هل يجب عليه القضاء أم لا؟ اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: ذهب بعض العلماء إلى أن النفل يجب على المكلف بالشروع فيه، فإذا أبطل وجب عليه قضاؤه صوماً كان أم صلاةً أم غيرهما. وهو مروي عن: ابن عباس (1) ، وإبراهيم النخعي (2) ، والحسن البصري (3) ، وأنس (4) بن سيرين (5) ، وعطاء (6) ، ومجاهد (7) ، والثوري (8) ، وأبي ثور (9) . وهو مذهب الحنفية (10) ، والمالكية (11) ، والظاهرية (12) . والحجة لهذا المذهب:
قوله تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (1) : قال الجصاص الحنفي: ((يحتج به في أن كل من دخل في قربة لا يجوز له الخروج منها قبل إتمامها؛ لما فيه من إبطال عمله نحو الصلاة والصوم والحج وغيره)) (2) . وللشافعي جواب عن هذا فقال: ((المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض، فنهي الرجل عن إحباط ثوابه. فأما ما كان نفلاً فلا؛ لأنه ليس واجباً عليه، فإن زعموا أن اللفظ عام فالعام يجوز تخصيصه، ووجه تخصيصه أن النفل تطوع، والتطوع يقتضي تخييراً)) (3) . جعلوا عمدة قولهم حديث الزهري السابق، وكأنهم رجحوا الاتصال على الانقطاع، أو أخذوا بالحديث لما له من طرق، وجعل ابن حزم الظاهري عمدة قوله حديث جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة. ودافع عن زيادة جرير (4) . وقد تقدم الكلام بأن جريراً مخطئٌ في حديثه، وقد ذكرنا كلام ابن حزم وأجبنا عنه. القول الثاني: ذهب فريق من الفقهاء إلى استحباب الإتمام ولا قضاء عليه، وهو مذهب أكثر أهل العلم، وهو مروي عن: علي (5) ، وعبد الله بن مسعود (6) ، وعبد الله بن عمر (7) ،
وابن عباس (1) ، وجابر بن عبد الله (2) . وإبراهيم النخعي (3) ، ومجاهد (4) ، والثوري (5) ، وإسحاق (6) . وهو مذهب الشافعية (7) ، والحنابلة (8) . والحجة لهم: وهو أن حديث الزهري لم يصح، فهو ضعيف منقطع، ولم يروا الآية دليلاً لذلك، فقد احتجوا بجملة من الأحاديث، منها: حديث عائشة بنت طلحة (9)
، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: دخل عَلَيَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: هل عندكم شيءٌ؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذن صائم. ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس (1) ، فقال: أَرينيه، فلقد أصبحت صائماً، فأكل)) . رواه مسلم (2) . عن أبي جحيفة (3) قال: ((آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان (4) وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرآى أم الدرداء (5)
متبذلة (1) ، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء لَيْسَ لَهُ حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع لَهُ طعاماً، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فإني صائم، قَالَ: ما أنا بآكل حَتَّى تأكل، قَالَ: فأكل، فَلَمَّا كَانَ الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فَقَالَ: نَمْ، فنام، ثُمَّ ذهب يقوم، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ من آخر الليل، قَالَ سلمان: قم الآن، فصليا، فَقَالَ لَهُ سلمان: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فاعطِ كُلّ ذي حق حقه، فأتى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فذكر لَهُ، فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((صدق سلمان)) . أخرجه البُخَارِيّ (2) ، والترمذي (3) ، وابن خزيمة (4) ، والبيهقي (5) . فهذه أحاديث صحيحة أجازت لصائم النفل الإفطار، ولم تأمره بقضاء. حديث أم هانئ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر)) . أخرجه الإمام أحمد (6) ، والترمذي (7) ، والنسائي (8) ، والدارقطني (9) ، والبيهقي (10) . قال الترمذي: ((في إسناده مقال)) (11) . القول الثالث:
التفصيل وهو مذهب المالكية، قالوا: إن أفطر بعذر جاز، وإن أفطر بغير عذر لزمه القضاء (1) .
إذا روي الحديث موصولا ومرسلا
لما كَانَ الاتصال شرطاً للصحة فالانقطاع ينافي الصِّحَّة، إذن الانقطاع أمارة من أمارات الضعف؛ لأن الضَّعِيف مَا فَقَدْ شرطاً من شروط الصِّحَّة (1) . …والانقطاع قَدْ يَكُون في أول السَّنَد، وَقَدْ يَكُون في آخره، وَقَدْ يَكُون في وسطه، وَقَدْ يَكُون الانقطاع براوٍ واحد أو أكثر. وكل ذَلِكَ من نَوْع الانقطاع، والذي يعنينا الكلام عَلَيْهِ هنا هُوَ الكلام عن الانقطاع في آخر الإسناد، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بالمرسل عِنْدَ المتأخرين، وَهُوَ مَا أضافه التَّابِعيّ إلى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - (2)
لِذلِكَ فإن الحَدِيْث إذ روي مرسلاً مرة، وروي مرة أخرى موصولاً، فهذا يعد من الأمور الَّتِي تعلُّ بِهَا بَعْض الأحاديث، ومن العلماء من لا يعدُّ ذَلِكَ علة، وتفصيل الأقوال في ذَلِكَ عَلَى النحو الآتي: القَوْل الأول: ترجيح الرِّوَايَة الموصولة عَلَى الرِّوَايَة المرسلة؛ لأَنَّهُ من قبيل زيادة الثِّقَة (1) . القَوْل الثَّانِي: ترجيح الرِّوَايَة المرسلة (2) . القَوْل الثَّالِث: الترجيح للأحفظ (3) . القَوْل الرابع: الاعتبار لأكثر الرواة عدداً (4) . القَوْل الخامس: التساوي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ والتوقف (5) .
…هَذَا ما وجدته من أقوال لأهل العِلْم في هذِهِ المسألة، وَهِيَ أقوال متباينةٌ مختلفة، وَقَدْ أمعنت النظر في صنيع المتقدمين أصحاب القرون الأولى، وأجلت النظر كثيراً في أحكامهم عَلَى الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها، فوجدت بوناً شاسعاً بَيْنَ قَوْل المتأخرين وصنيع المتقدمين، إذ إن المتقدمين لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث أول وهلة، وَلَمْ يجعلوا ذَلِكَ تَحْتَ قاعدة كلية تطرد عَلَيْهَا جَمِيْع الاختلافات، وَقَدْ ظهر لي من خلال دراسة مجموعة من الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها: أن الترجيح لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية، لَكِنْ يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن، فتارة ترجح الرِّوَايَة المرسلة وتارة ترجح الرِّوَايَة الموصولة. وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية وأكثر التصحيح والتعليل، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرِّجَال وعرف دقائق هَذَا الفن وخفاياه حَتَّى صار الحَدِيْث أمراً ملازماً لَهُ مختلطاً بدمه ولحمه. ومن المرجحات: مزيد الحفظ، وكثرة العدد، وطول الملازمة للشيخ. وَقَدْ يختلف جهابذة الحديث في الحكم عَلَى حَدِيث من الأحاديث، فمنهم: من يرجح الرِّوَايَة المرسلة، ومنهم: من يرجح الرِّوَايَة الموصولة، ومنهم: من يتوقف. وسأسوق نماذج لِذلِكَ مَعَ بيان أثر ذَلِكَ في اختلاف الفُقَهَاء. مثال ذَلِكَ: رِوَايَة مَالِك بن أنس، عن زيد بن أسلم (1) ، عن عطاء بن يسار (2)
؛ أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إذا شك أحدكم في صلاته فَلَمْ يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليصل رَكْعَة، وليسجد سجدتين وَهُوَ جالس قَبْلَ التسليم، فإن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين، وإن كَانَتْ رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان)) . هَذَا الحَدِيْث رَواهُ هكذا عن مَالِك جَمَاعَة الرواة مِنْهُمْ: سويد بن سعيد (1) . عبد الرزاق بن همام (2) . عبد الله بن مسلمة القعنبي (3) . عَبْد الله بن وهب (4) . عُثْمَان بن عُمَر (5) . مُحَمَّد بن الحَسَن الشيباني (6) . أبو مصعب الزُّهْرِيّ (7) . يَحْيَى بن يَحْيَى الليثي (8) . فَهؤلاء ثمانيتهم رووه عن مَالِك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، بِهِ مرسلاً. …والحديث رَواهُ الوليد بن مُسْلِم (9) ، ويَحْيَى بن راشد (10)
المازني (1) عن مَالِك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، بِهِ - متصلاً -. هكذا اختلف عَلَى الإمام مَالِك بن أنس في وصل هَذَا الحَدِيْث وإرساله، والراجح فِيهِ الوَصْل، وإن كَانَ رواة الإرسال أكثر وَهُوَ الصَّحِيح من رِوَايَة مَالِك (2) ، لما يأتي: وَهُوَ أن الإِمَام مالكاً توبع عَلَى وصل هَذَا الحَدِيْث: فَقَدْ رَواهُ فليح بن سليمان (3) ، وعبد العزيز بن عَبْد الله (4) بن أبي سلمة (5) ، وسليمان بن بلال (6) ، ومُحَمَّد (7)
بن مطرف (1) ، ومُحَمَّد بن عجلان (2) خمستهم (3) رووه عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، بِهِ متصلاً. وَقَدْ خالفهم جميعاً يعقوب بن عَبْد الرحمان (4) القَارّي (5) ؛ فرواه عن زيد بن أسلم، عن عطاء، مرسلاً. لَكِنْ روايته لَمْ تقاوم أمام رِوَايَة الجَمْع (6) . إذن فالراجح في رِوَايَة هَذَا الحَدِيْث الوَصْل لكثرة العدد وشدة الحفظ. قَالَ الحافظ ابن عَبْد البر: ((والحَدِيْث مُتَّصِل مُسْنَد صَحِيْح، لا يضره تقصير من قصر بِهِ في اتصاله؛ لأن الَّذِيْنَ وصلوه حُفَّاظ مقبولةٌ زيادتهم (7)) ) . وَقَالَ في مَوْضِع آخر: ((قَالَ الأثرم: سألت أحمد بن حَنْبَل عن حَدِيث أبي سعيد في السهو، أتذهب إليه؟ قَالَ: نعم، أذهب إِليهِ، قلتُ: إنهم يختلفون في إسناده، قَالَ: إِنَّمَا قصر بِهِ مَالِك، وَقَدْ أسنده عدة، مِنْهُمْ: ابن عجلان، وعبد العزيز بن أبي سلمة (8)) ) . ثُمَّ إن هَذَا الحَدِيْث قَدْ تناوله الإمام العراقي الجهبذ أَبُو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ في علله (9) وانتهى إلى ترجيح الرِّوَايَة المسندة. الدكتور
ماهر ياسين الفحل العراق /الأنبار/الرمادي/ص.ب 735 [email protected]……………………
تعارض الوقف والرفع
تعارض الوقف والرفع الوقف: مَصْدَر للفعل وقف وَهُوَ مَصْدَر بمعنى المفعول، أي مَوْقُوْف (1) . والمَوْقُوْف: هُوَ مَا يروى عن الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - من أقوالهم، أو أفعالهم ونحوها فيوقف عَلَيْهِمْ وَلاَ يتجاوز بِهِ إلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -. (2) والرَّفْع: مَصْدَر للفعل رَفَعَ، وَهُوَ مَصْدَر بمعنى المفعول، أي: مَرْفُوْع (3) ، والمَرْفُوْع: هُوَ مَا أضيف إلى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّة (4)
والاختلاف في بَعْض الأحاديث رفعاً ووقفاً أمرٌ طبيعي، وجد في كثيرٍ من الأحاديث، والحَدِيْث الواحد الَّذِي يختلف بِهِ هكذا محل نظر عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَهُوَ أن المُحَدِّثِيْنَ إذا وجدوا حديثاً روي مرفوعاً إلى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ نجد الحَدِيْث عينه قَدْ روي عن الصَّحَابيّ نفسه موقوفاً عَلَيْهِ، فهنا يقف النقاد أزاء ذَلِكَ؛ لاحتمال كون المَرْفُوْع خطأً من بَعْض الرواة والصَّوَاب الوقف، أو لاحتمال كون الوقف خطأ والصَّوَاب الرفع؛ إذ إن الرفع علة للموقوف والوقف علة للمرفوع. فإذا حصل مِثْل هَذَا في حَدِيث ما، فإنه يَكُون محل نظر وخلاف عِنْدَ العُلَمَاء وخلاصة أقوالهم فِيْمَا يأتي: …إذا كَانَ السَّنَد نظيفاً خالياً من بقية العلل؛ فإنّ للعلماء فِيهِ الأقوال الآتية: القَوْل الأول: يحكم للحديث بالرفع لأن راويه مثبت وغيره ساكت، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي؛ لأَنَّهُ علم ما خفي، وَقَدْ عدوا ذَلِكَ أيضاً من قبيل زيادة الثِّقَة، وَهُوَ قَوْل كَثِيْر من المُحَدِّثِيْنَ، وَهُوَ قَوْل أكثر أهل الفقه والأصول (1) ، قَالَ العراقي: ((الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أن الرَّاوِي إذا رَوَى الحَدِيْث مرفوعاً وموقوفاً فالحكم للرفع، لأن مَعَهُ في حالة الرفع زيادة، هَذَا هُوَ المرجح عِنْدَ أهل الحَدِيْث)) (2) . القَوْل الثَّانِي: الحكم للوقف (3) . القَوْل الثَّالِث: التفصيل
فالرفع زيادة، والزيادة من الثِّقَة مقبولة، إلا أن يوقفه الأكثر ويرفعه واحد، لظاهر غلطه (1) . …والترجيح برواية الأكثر هُوَ الذي عَلَيْهِ العَمَل عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ؛ لأن رِوَايَة الجمع إذا كانوا ثقات أتقن وأحسن وأصح وأقرب للصواب؛ لذا قَالَ ابن المبارك: ((الحفاظ عن ابن شهاب ثلاثةٌ: مَالِك ومعمر وابن عيينة، فإذا اجتمع اثنان عَلَى قولٍ أخذنا بِهِ، وتركنا قَوْل الآخر)) (2) . …قَالَ العلائي: ((إن الجماعة إذا اختلفوا في إسناد حَدِيث كَانَ القَوْل فِيْهِمْ للأكثر عدداً أو للأحفظ والأتقن ... ويترجح هَذَا أيضاً من جهة المَعْنَى، بأن مدار قبول خبر الواحد عَلَى غلبة الظن، وعند الاختلاف فِيْمَا هُوَ مقتضى لصحة الحَدِيْث أو لتعليله، يرجع إلى قَوْل الأكثر عدداً لبعدهم عن الغلط والسهو، وَذَلِكَ عِنْدَ التساوي في الحفظ والإتقان. فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قَوْل الأحفظ والأكثر إتقاناً، وهذه قاعدة متفق عَلَى العَمَل بِهَا عِنْدَ أهل الحَدِيْث)) (3) .
القَوْل الرابع: يحمل المَوْقُوْف عَلَى مَذْهَب الرَّاوِي، والمُسْنَد عَلَى أَنَّهُ روايته فَلاَ تعارض (1) . وَقَدْ رجح الإمام النَّوَوِيّ من هذِهِ الأقوال القَوْل الأول (2) ، ومشى عَلَيْهِ في تصانيفه، وأكثر من القَوْل بِهِ. والذي ظهر لي – من صنيع جهابذة المُحَدِّثِيْنَ ونقادهم –: أنهم لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث الَّذِي اختلف فِيهِ عَلَى هَذَا النحو أول وهلة، بَلْ يوازنون ويقارنون ثُمَّ يحكمون عَلَى الحَدِيْث بما يليق بِهِ، فَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة المرفوعة، وَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة الموقوفة، عَلَى حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالروايات؛ فعلى هَذَا فإن حكم المُحَدِّثِيْنَ في مِثْل هَذَا لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية مطردة تقع تحتها جَمِيْع الأحاديث؛ لِذلِكَ فإن مَا أطلق الإمام النَّوَوِيّ ترجيحه يمكن أن يَكُون مقيداً عَلَى النحو الآتي: الحكم للرفع - لأن راويه مثبت وغيره ساكت، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي؛ لأَنَّهُ علم مَا خفي -، إلا إذَا قام لدى الناقد دليل أو ظهرت قرائن يترجح معها الوقف. وسأسوق أمثلة لأحاديث اختلف في رفعها ووقفها متفرعة عَلَى حسب ترجيحات المُحَدِّثِيْنَ. فمثال مَا اختلف في رفعه ووقفه وكانت كلتا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيْحَة: حَدِيث عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: ((ينضح من بول الغلام، ويغسل بول الجارية)) . قَالَ الإمام التِّرْمِذِي: ((رفع هشام الدستوائي هَذَا الحَدِيْث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وَلَمْ يرفعه)) (3) .
وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه، وَفِي وصله وإرساله، وَقَدْ رجح البُخَارِيّ صحته وكذا الدَّارَقُطْنِيّ)) (1) . والرواية المرفوعة: رواها معاذ بن هشام (2) ، قَالَ: حَدَّثَني أبي (3) ، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود (4) ، عن أبيه (5) ، عن عَلِيّ بن أبي طالب،
مرفوعاً (1) . قَالَ البزار: ((هَذَا الحَدِيْث لا نعلمه يروى عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، إلا من هَذَا الوجه بهذا الإسناد، وإنما أسنده معاذ بن هشام، عن أبيه، وَقَدْ رَواهُ غَيْر معاذ بن هشام، عن قتادة، عن أبي حرب، عن أبيه، عن عَلِيّ، موقوفاً)) (2) . أقول: إطلاق البزار في حكمه عَلَى تفرد معاذ بن هشام بالرفع غَيْر صَحِيْح إِذْ إن معاذاً قَدْ توبع عَلَى ذَلِكَ تابعه عَبْد الصمد بن عَبْد الوارث (3) عِنْدَ أحمد (4) ، والدارقطني (5) ، لذا فإن قَوْل الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ أدق حِيْنَ قَالَ: ((يرويه قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، رفعه هشام بن أبي عَبْد الله من رِوَايَة ابنه معاذ وعبد الصمد بن عَبْد الوارث، عن هشام، ووقفه غيرهما عن هشام)) (6)
والرواية الموقوفة: رواها يَحْيَى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن عَلِيّ، فذكره موقوفاً (1) . فالرواية الموقوفة إسنادها صَحِيْح عَلَى أن الحَدِيْث مرفوعٌ صححه جهابذة المُحَدِّثِيْنَ: البُخَارِيّ والدارقطني - كَمَا سبق - وابن خزيمة (2) ، وابن حبان (3) ، والحاكم (4) - وَلَمْ يتعقبه الذهبي –، ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري (5) قَالَ: ((قَالَ البُخَارِيّ: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه، وَهُوَ حافظ)) (6) .
أقول: هكذا صَحّح الأئمة رفع هَذَا الحَدِيْث، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ موقوفاً أيضاً؛ وهذا يدل عَلَى أن الحَدِيْث إذا صَحَّ رفعه، ووقفه، فإن الحكم عندهم للرفع، وَلاَ تضر الرِّوَايَة الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل عَلَى أن الرفع خطأ.
دراسة تحليلية لسيرة الحافظ العراقي
دراسة تحليلية لسيرة الحافظ العراقي لا بد لنا وقد خضنا غمرة تحقيق كتاب شرح التبصرة والتذكرة أن نعرج على تعريف موجز بمؤلف الكتاب، ليس بالطويل المملّ ولا بالقصير المخلّ، لا سيّما أن هذا العمل يُعدّ مفتاحاً للولوج إلى معرفة أكثر بالمؤلف، تعين القارئ على تكوين صورة مجملة عنه، توضح مكانته العلمية والمدة الزمنية التي عاشها. ويشتمل هذا الفصل على ثمانية مباحث نوردها تباعاً: المبحث الأول اسمه، ونسبه، وكنيته، وولادته: هو عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم الكردي (1) الرازياني (2) العراقي الأصل (3) المهراني (4) المصري المولد الشافعي المذهب. كنيته: أبو الفضل، ويلقّب بـ (زين الدين) (5) .وُلِدَ في اليوم الحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة (725 هـ) (6) . المبحث الثاني أسرته: أقام أسلاف الحافظ العراقي في قرية رازيان - من أعمال إربل (7) - إلى أن انتقل والده وهو صغير مع بعض أقربائه إلى مصر (8) ، إذ استقر فيها وتزوج من امرأة
مصرية (1) ولدت له الحافظ العراقي. وكانت أسرته ممن عُرفوا بالزهد والصلاح والتقوى، وقد كان لأسلافه مناقب ومفاخر (2) ، وكانت والدته ممن اشتهرن بالاجتهاد في العبادات والقربات مع الصبر والقناعة (3) . أمّا والدُه فقد اختصَّ – منذ قدومه مصر – بخدمة الصالحين (4) ، ولعلَّ من أبرز الذين اختصَّ والده بخدمتهم الشيخ القناوي (5) . ومن ثَمَّ ولد للمتَرجَمِ ابنٌ أسماه: أحمد وكنَّاه: أبا زرعة، ولقَّبه: بولي الدين (6) ، وكذلك بنت تدعى: خديجة، صاهره عليها: الحافظ نور الدين الهيثمي ورزق منها بأولاد، وأشارت بعض المصادر أنَّ له ابنتين أخريين: جويرية (7) وزينب (8) . المبحث الثالث نشأته:
وُلِد الحافظ العراقي – كما سبق – في مصر، وحمله والده صغيراً إلى الشيخ القناوي؛ ليباركه، إذ كان الشيخ هو البشير بولادة الحافظ، وهو الذي سمَّاه أيضاً (1) ؛ ولكنَّ الوالد لَمْ يقم طويلاً مَعَ ولده، إذ إنَّ يدَ المنونِ تخطَّفته والطفل لَمْ يزل بَعْد طريَّ العود، غضَّ البنية لَمْ يُكمل الثالثة من عمره (2) 0) ، وَلَمْ نقف عَلَى ذكر لِمَن كفله بَعْدَ رحيل والده، والذي يغلب عَلَى ظننا أنّ الشَّيْخ القناوي هُوَ الَّذِي كفله وأسمعه (3) 1) ؛ وذلك لأن أقدم سماع وجد له كان سنة (737 هـ) بمعرفة القناوي (4) وكان يُتَوقّعُ أن يكون له حضور أو سماع من الشيخ، إذ كان كثير التردد إليه سواء في حياة والده أو بعده، وأصحاب الحديث عند الشيخ يسمعون منه؛ لعلوِّ إسناده (5) .
وحفظ الزينُ القرآنَ الكريمَ والتنبيه وأكثر الحاوي مَعَ بلوغه الثامنة من عمره (1) ، واشتغل في بدء طلبه بدرس وتحصيل علم القراءات، وَلَمْ يثنِ عزمه عَنْهَا إلا نصيحة شيخه العزّ بن جَمَاعَة، إذ قَالَ لَهُ: ((إنَّهُ علم كَثِيْر التعب قليل الجدوى، وأنت متوقد الذهن فاصرف همَّتك إِلَى الْحَدِيْث)) (2) . وكان قد سبق له أن حضر دروس الفقه على ابن عدلان ولازم العماد محمد بن إسحاق البلبيسي (3) ، وأخذ عن الشمس بن اللبان، وجمال الدين الإسنوي الأصولَ (4) وكان الأخير كثير الثناء على فهمه، ويقول: ((إنَّ ذهنه صحيح لا يقبل الخطأ)) (5) ، وكان الشيخ القناوي في سنة سبع وثلاثين – وهي السنة التي مات فيها – قد أسمعه على الأمير سنجر الجاولي، والقاضي تقي الدين بن الأخنائي المالكي، وغيرهما ممّن لم يكونوا من أصحاب العلوِّ (6) .
ثمَّ ابتدأ الطلب بنفسه، وكان قد سمع على عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين بن البابا (1) ، وصرف همَّته إلى التخريج وكان كثير اللهج بتخريج أحاديث " الإحياء " وله من العمر -آنذاك- عشرون سنة (2) 0) وقد فاته إدراك العوالي مما يمكن لأترابه ومَن هو في مثل سنّه إدراكه، ففاته يحيى بن المصري – آخر مَن روى حديث السِّلَفي عالياً بالإجازة (3) 1) – والكثير من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب بن العلاّق (4) ، وكان أوّل مَن طلب عليه الحافظ علاء الدين بن التركماني في القاهرة وبه تخرّج وانتفع (5) ، وأدرك بالقاهرة أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسناداً (6) ، ولم يلقَ من أصحاب النجيب غيره (7) ، ومن ناصر الدين محمد بن إسماعيل الأيوبي (8) ، ومن ثَمَّ شدَّ رحاله – على عادة أهل الحديث (9) – إلى الشام قاصداً دمشق فدخلها سنة (754 هـ) (10) ، ثُمَّ عادَ إليها بعد ذلك سنة (758 هـ) ، وثالثة في سنة (759 هـ) (11) ، ولم تقتصر رحلته الأخيرة على دمشق بل رحل إلى غالب مدن بلاد الشام (12) ، ومنذ أول رحلة له سنة (754 هـ) لم تخلُ سنة بعدها من الرحلة إمّا في الحديث وإمّا في الحجّ (13) 0) ، فسمع بمصر (14) 1) ابن
عبد الهادي، ومحمد بن علي القطرواني، وبمكة أحمد بن قاسم الحرازي، والفقيه خليل إمام المالكية بها، وبالمدينة العفيف المطري، وببيت المقدس العلائي، وبالخليل خليل بن عيسى القيمري، وبدمشق ابن الخباز، وبصالحيتها ابن قيم الضيائية، والشهاب المرداوي، وبحلب سليمان بن إبراهيم بن المطوع، والجمال إبراهيم بن الشهاب محمود في آخرين بهذه البلاد وغيرها كالإسكندرية، وبعلبك، وحماة، وحمص، وصفد، وطرابلس، وغزّة، ونابلس … تمام ستة وثلاثين مدينة. وهكذا أصبح الحديث ديدنه وأقبل عليه بكليته (1) 2) ، وتضلّع فيه رواية ودراية وصار المعول عليه في إيضاح مشكلاته وحلّ معضلاته، واستقامت له الرئاسة فيه، والتفرد بفنونه، حتّى إنّ كثيراً من أشياخه كانوا يرجعون إليه، وينقلون عنه – كما سيأتي – حتَّى قال ابن حجر: ((صار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الأسنائي … وهلمَّ جرّاً، ولم نرَ في هذا الفنّ أتقن منه، وعليه تخرج غالب أهل عصره)) (2) . المبحث الرابع مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه: مما تقدّم تبيّنت المكانة العلمية التي تبوّأها الحافظ العراقي، والتي كانت من توفيق الله تعالى له، إذ أعانه بسعة الاطلاع، وجودة القريحة وصفاء الذهن وقوة الحفظ وسرعة الاستحضار، فلم يكن أمام مَن عاصره إلاّ أن يخضع له سواء من شيوخه أو تلامذته. ولعلّ ما يزيد هذا الأمر وضوحاً عرض جملة من أقوال العلماء فيه، من ذلك: 1. قال شيخه العزُّ بن جماعة: ((كلّ مَن يدّعي الحديث في الديار المصرية سواه فهو مدَّعٍ)) (3) .
2. قال التقي بن رافع السلامي: ((ما في القاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ هذا، والقاضي عزّ الدين ابن جماعة)) ، فلمَّا بلغته وفاة العزّ قال: ((ما بقي الآن بالقاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ الشيخ زين الدين العراقي)) (1) . 3. قال ابن الجزري: ((حافظ الديار المصرية ومُحَدِّثُها وشيخها)) (2) . 4. قال ابن ناصر الدين: ((الشيخ الإمام العلاّمة الأوحد، شيخ العصر حافظ الوقت … شيخ الْمُحَدِّثِيْن عَلَم الناقدين عُمْدَة المخرِّجِين)) (3) . 5. قال ابن قاضي شهبة: ((الحافظ الكبير المفيد المتقن المحرّر الناقد، محَدِّث الديار المصرية، ذو التصانيف المفيدة)) (4) . 6. قال التقي الفاسي: ((الحافظ المعتمد، …، وكان حافظاً متقناً عارفاً بفنون الحديث وبالفقه والعربية وغير ذلك، …، وكان كثير الفضائل والمحاسن)) (5) . 7. وقال ابن حجر: حافظ العصر (6) ، وقال: ((الحافظ الكبير شيخنا الشهير)) (7) . 8. وقال ابن تغري بردي: ((الحافظ، … شيخ الحديث بالديار المصرية، … وانتهت إليه رئاسة علم الحديث في زمانه)) (8) . 9. وقال ابن فهد: ((الإمام الأوحد، العلاّمة الحجة الحبر الناقد، عمدة الأنام حافظ الإسلام، فريد دهره، ووحيد عصره، من فاق بالحفظ والإتقان في زمانه، وشهد له في التفرّد في فنه أئمة عصره وأوانه)) (9) . وأطال النفس في الثناء عليه. 10. وقال السيوطي: ((الحافظ الإمام الكبير الشهير،… حافظ العصر)) (10) .
ويبدو أنّ الأمر الأكثر إيضاحاً لمكانة الحافظ العراقي، نقولات شيوخه عنه وعودتهم إليه، والصدور عن رأيه، وكانوا يكثرون من الثناء عليه، ويصفونه بالمعرفة، من أمثال السبكي والعلائي وابن جماعة وابن كثير والإسنوي (1) . ونقل الإسنوي عنه في " المهمات " وغيرها (2) ، وترجم له في طبقاته ولم يترجم لأحد من الأحياء سواه (3) ، وصرّح ابن كثير بالإفادة منه في تخريج بعض الشيء (4) . ومن بين الأمور التي توضّح مكانة الحافظ العراقي العلمية تلك المناصب التي تولاها، والتي لا يمكن أن تسند إليه لولا اتفاق عصرييه على أولويته لها، ومن بين ذلك: تدريسه في العديد من مدارس مصر والقاهرة مثل: دار الحديث الكاملية (5) 0) ، والظاهرية القديمة (6) 1) ، والقراسنقرية (7) 2) ، وجامع ابن طولون (8) والفاضلية (9) 2) ، وجاور مدةً بالحرمين (10) .
كما أنّه تولّى قضاء المدينة المنورة، والخطابة والإمامة فيها، منذ الثاني عشر من جُمَادَى الأولى سنة (788 هـ) ، حتى الثالث عشر من شوال سنة (791 هـ) ، فكانت المدة ثلاث سنين وخمسة أشهر (1) . وفي سبيل جعل شخصية الحافظ العراقي بينة للعيان من جميع جوانبها، ننقل ما زَبَّره قلم تلميذه وخِصِّيصه الحافظ ابن حجر في وصفه شيخه، إذ قال في مجمعه (2) : ((كان الشيخ منور الشيبة، جميل الصورة، كثير الوقار، نزر الكلام، طارحاً للتكلف، ضيق العيش، شديد التوقي في الطهارة، لطيف المزاج، سليم الصدر، كثير الحياء، قلَّما يواجه أحداً بما يكرهه ولو آذاه، متواضعاً منجمعاً، حسن النادرة والفكاهة، وقد لازمته مدّة فلم أره ترك قيام الليل، بل صار له كالمألوف، وإذا صلَّى الصبح استمر غالباً في مجلسه، مستقبل القبلة، تالياً ذاكراً إلى أن تطلع الشمس، ويتطوع بصيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر وستة شوال، كثير التلاوة إذا ركب …)) ، ثُمَّ ختم كلامه قائلاً: ((وليس العيان في ذلك كالخبر)) . المبحث الخامس شيوخه: عرفنا فيما مضى أنَّ الحافظ العراقي منذ أن أكبَّ على علم الحديث؛ كان حريصاً على التلقي عن مشايخه، وقد وفّرت له رحلاته المتواصلة سواء إلى الحج أو إلى بلاد الشام فرصة التنويع في فنون مشايخه والإكثار منهم.
والباحث في ترجمته وترجمة شيوخه يجد نفسه أمام حقيقة لا مناص عنها، وهي أنَّ سمة الحديث كانت الطابع المميز لأولئك المشايخ، مما أدَّى بالنتيجة إلى تنّوع معارف الحافظ العراقي وتضلّعه في فنون علوم الحديث، فمنهم من كان ضليعاً بأسماء الرجال، ومنهم من كان التخريج صناعته، ومنهم من كان عارفاً بوفيات الرواة، ومنهم من كانت في لغة الحديث براعته … وهكذا. وهذا شيء نلمسه جلياً في شرحه هذا بجميع مباحثه، وذلك من خلال استدراكاته وتعقباته وإيضاحاته والفوائد التي كان يطالعنا بها على مرِّ صفحات شرحه الحافل. ومسألة استقصاء جميع مشايخه – هي من نافلة القول – فضلاً عن كونها شبه متعذرة سلفاً، لاسيّما أنه لم يؤلف معجماً بأسماء مشايخه على غير عادة المحدّثين، خلافاً لقول البرهان الحلبي من أنه خرّج لنفسه معجماً (1) . لذا نقتصر على أبرزهم، مع التزامنا بعدم إطالة تراجمهم: 1 – الإمام الحافظ قاضي القضاة علي بن عثمان بن إبراهيم المارديني، المشهور بـ ((ابن التركماني)) الحنفي، مولده سنة (683 هـ) ، وتوفي سنة (750 هـ) ، له من التآليف: " الجوهر النقي في الرد على البيهقي، وغيره (2) . 2 – الشيخ المُسْنِد المعمر صدر الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي المصري، ولد سنة (664 هـ) ، وهو آخر من روى عن النجيب الحراني، وابن العلاق، وابن عزون، وتوفي سنة (754 هـ) (3) .
3 – الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي ثم المقدسي، ولد سنة (694 هـ) ، وتوفي سنة (761 هـ) ، له من التصانيف: " جامع التحصيل "، و " الوشي المعلم "، و " نظم الفرائد " وغيرها (1) . 4 – الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو عبد الله مغلطاي بن قُليج بن عبد الله البكجري الحكري الحنفي، مولده سنة (689 هـ) ، وقيل غيرها، برع في فنون الحديث، وتوفي سنة (762 هـ) ، من تصانيفه: ترتيب كتاب بيان الوهم والإيهام وسمّاه: " منارة الإسلام "، ورتّب المبهمات على أبواب الفقه، وله شرح على صحيح البخاري، وتعقّبات على المزي، وغيرها (2) . 5 – الإمام العلاّمة جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي، شيخ الشافعية، ولد سنة (704 هـ) ، وتوفي سنة (777 هـ) ، له من التصانيف: طبقات الشافعية، والمهمات، والتنقيح وغيرها (3) . المبحث السادس تلامذته: تبين مما تقدّم أنّ الحافظ العراقي بعد أن تبوأ مكان الصدارة في الحديث وعلومه وأصبح المعوّل عليه في فنونه بدأت أفواج طلاب الحديث تتقاطر نحوه، ووفود الناهلين من معينه تتجه صوبه، لاسيّما وقد أقرَّ له الجميع بالتفرد بالمعرفة في هذا الباب، لذا كانت فرصة التتلمذ له شيئاً يعدّه الناس من المفاخر، والطلبة من الحسنات التي لا تجود بها الأيام دوماً.
والأمر الآخر الذي يستدعي كثرة طلبة الحافظ العراقي كثرة مفرطة، أنه أحيا سنة إملاء الحديث – على عادة المحدّثين (1) – بعد أن كان درس عهدها منذ عهد ابن الصلاح فأملى مجالس أربت على الأربعمائة مجلس، أتى فيها بفوائد ومستجدات ((وكان يمليها من حفظه متقنة مهذّبة محرّرة كثيرة الفوائد الحديثية)) على حد تعبير ابن حجر (2) . لذا فليس من المستغرب أن يبلغوا كثرة كاثرة يكاد يستعصي على الباحث سردها، إن لم نقل أنها استعصت فعلاً، فضلاً عن ذكر تراجمهم، ولكن القاعدة تقول: ((ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه)) وانسجاماً معها نعرّف تعريفاً موجزاً بخمسة من تلامذته كانوا بحقّ مفخرة أيامهم وهم: 1 – الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي، مولده سنة (725 هـ) ، وهو من أقران العراقي، برع في الفقه، وله مشاركة في باقي الفنون، توفي سنة (802 هـ) ، من تصانيفه: الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح، وغيره (3) . 2 – الإمام الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي القاهري، ولد سنة (735 هـ) ، وهو في عداد أقرانه أيضاً، ولكنه اختص به وسمع معه، وتخرّج به، وهو الذي كان يعلّمه كيفية التخريج، ويقترح عليه مواضيعها، ولازم الهيثمي خدمته ومصاحبته، وصاهره فتزوج ابنة الحافظ العراقي، توفي سنة (807 هـ) ، من تصانيفه: مجمع الزوائد، وبغية الباحث، والمقصد العلي، وكشف الأستار، ومجمع البحرين، وموارد الظمآن، وغيرها (4) .
3 – ولده: الإمام العلاّمة الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي الأصل المصري الشافعي المذهب، ولد سنة (762 هـ) ، وبكّر به والده بالسماع فأدرك العوالي، وانتفع بأبيه غاية الانتفاع، ودرّس في حياته، توفي سنة (826 هـ) ، من تصانيفه: " الإطراف بأوهام الأطراف " و " تكملة طرح التثريب " و " تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل "، وغيرها (1) . 4 – الإمام الحافظ برهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي المشهور بسبط ابن العجمي، مولده سنة (753 هـ) ، رحل وطلب وحصّل، وله كلام لطيف على الرجال، توفي سنة (841 هـ) ، من تصانيفه: " حاشية على الكاشف " للذهبي و " نثل الهميان " (2) و " التبيين في أسماء المدلّسين " و " الاغتباط فيمن رمي بالاختلاط " وغيرها (3) . 5 – الإمام العلاّمة الحافظ الأوحد شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني المعروف بابن حجر، ولد سنة (773 هـ) ، طلب ورحل، وألقي إليه الحديث والعلم بمقاليده، والتفرد بفنونه، توفي سنة (852 هـ) ، من تصانيفه: "فتح الباري" و "تهذيب التهذيب" وتقريبه و" نزهة الألباب "، وغيرها (4) . المبحث السابع آثاره العلمية:
لقد عرف الحافظ العراقي أهمية الوقت في حياة المسلم، لذا فقد عمل جاهداً على توظيف الوقت بما يخدم السنة العزيزة، بحثاً منه أو مباحثة مع غيره فكانت ((غالب أوقاته في تصنيف أو إسماع)) كما يقول السخاوي (1) ، لذا كثرت تصانيفه وتنوعت، مما حدا بنا – من أجل جعل البحث أكثر تخصصاً – إلى تقسيمها على قسمين: قسم خاصّ بمؤلفاته التي تتعلق بالحديث وعلومه، وقسم يتضمن مؤلفاته في العلوم الأخرى، وسنبحث كلاً منهما في مطلب مستقل. المطلب الأول مؤلفاته فيما عدا الحديث وعلومه: تنوعت طبيعة هذه المؤلفات ما بين الفقه وأصوله وعلوم القرآن، غير أنَّ أغلبها كان ذا طابع فقهي، يمتاز الحافظ فيه بالتحقيق، وبروز شخصيته مدافعاً مرجّحاً موازناً بين الآراء. على أنَّ الأمر الذي نأسف عليه هو أنَّ أكثر مصنفاته فُقدت، ولسنا نعلم سبب ذلك، وقد حفظ لنا مَنْ ترجم له بعض أسماء كتبه، تعين الباحث على امتلاك رؤية أكثر وضوحاً لشخص هذا الحافظ الجليل، وإلماماً بجوانب ثقافته المتنوعة المواضيع. ومن بين تلك الكتب: 1 – أجوبة ابن العربي (2) . 2 – إحياء القلب الميت بدخول البيت (3) . 3 – الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين في مكان واحد (4) . 4 – أسماء الله الحسنى (5) .
5 – ألفية في غريب القرآن (1) . 6 – تتمات المهمات (2) . 7 – تاريخ تحريم الربا (3) . 8 – التحرير في أصول الفقه (4) . 9 – ترجمة الإسنوي (5) . 10 – تفضيل زمزم على كلّ ماء قليل زمزم (6) . 11 – الرد على من انتقد أبياتاً للصرصري في المدح النبوي (7) . 12 – العدد المعتبر في الأوجه التي بين السور (8) . 13 – فضل غار حراء (9) 0) . 14 – القرب في محبة العرب (10) 1) . 15 – قرة العين بوفاء الدين (11) 2) . 16 – الكلام على مسألة السجود لترك الصلاة (12) 3) . 17 – مسألة الشرب قائماً (13) . 18 – مسألة قصّ الشارب (14) . 19 – منظومة في الضوء المستحب (15) . 20 – المورد الهني في المولد السني (16) . 21 – النجم الوهاج في نظم المنهاج (17) .
22 – نظم السيرة النبوية (1) . 23 – النكت على منهاج البيضاوي (2) . 24 – هل يوزن في الميزان أعمال الأولياء والأنبياء أم لا؟ (3) . المطلب الثاني مؤلفاته في الحديث وعلومه: هذه الناحية من التصنيف كانت المجال الرحب أمام الحافظ العراقي ليظهر إمكاناته وبراعته في علوم الحديث ظهوراً بارزاً، يَتَجلَّى لنا ذلك من تنوع هذه التصانيف، التي بلغت (42) مصنفاً تتراوح حجماً ما بين مجلدات إلى أوراق معدودة، وهذه التصانيف هي: 1 – الأحاديث المخرّجة في الصحيحين التي تُكُلِّمَ فيها بضعف أو انقطاع (4) . 2 – الأربعون البلدانية (5) 0) . 3 – أطراف صحيح ابن حبان (6) . 4 – الأمالي (7) . 5 – الباعث على الخلاص من حوادث القصاص (8) . 6 – بيان ما ليس بموضوع من الأحاديث (9) . 7 – تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي (10) . 8 – ترتيب من له ذكر أو تجريح أو تعديل في بيان الوهم والإيهام (11) .
9 – تخريج أحاديث منهاج البيضاوي (1) . 10- تساعيات الميدومي (2) . 11- تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد (3) . 12- التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح (4) 0) . 13- تكملة شرح الترمذي لابن سيد الناس (5) 1) . 14- جامع التحصيل في معرفة رواة المراسيل (6) 2) . 15- ذيل على ذيل العبر للذهبي (7) . 16- ذيل على كتاب أُسد الغابة (8) . 17- ذيل مشيخة البياني (9) . 18- ذيل مشيخة القلانسي (10) . 19 – ذيل ميزان الاعتدال للذهبي (11) . 20- ذيل على وفيات ابن أيبك (12) . 21- رجال سنن الدارقطني (13) .
22- رجال صحيح ابن حبان (1) . 23- شرح التبصرة والتذكرة (2) . 24- شرح تقريب النووي (3) 0) . 25- طرح التثريب في شرح التقريب (4) 1) . 26- عوالي ابن الشيخة (5) 2) . 27- عشاريات العراقي (6) 3) . 28- فهرست مرويات البياني (7) 4) . 29- الكلام على الأحاديث التي تُكُلِّمَ فيها بالوضع، وهي في مسند الإمام أحمد (8) . 30 – الكلام على حديث: التوسعة على العيال يوم عاشوراء (9) . 31- الكلام على حديث: صوم ستٍّ من شوال (10) . 32- الكلام على حديث: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه (11) . 33- الكلام على حديث: الموت كفّارة لكل مسلم (12) . 34- الكلام على الحديث الوارد في أقل الحيض وأكثره (13) . 35- المستخرج على مستدرك الحاكم (14) .
36- معجم مشتمل على تراجم جماعة من القرن الثامن (1) . 37- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأحاديث والآثار (2) . 38- مشيخة عبد الرحمن بن علي المصري المشهور بابن القارئ (3) 0) . 39- مشيخة محمد بن محمد المربعي التونسي وذيلها (4) 1) . 40- من روى عن عمرو بن شعيب من التابعين (5) 2) . 41- من لم يروِ عنهم إلا واحد (6) 3) . 42- نظم الاقتراح (7) 4) . المبحث الثامن وفاته: تتفق المصادر التي بين أيدينا على أنَّه في يوم الأربعاء الثامن من شعبان سنة (806هـ) فاظت روح الحافظ العراقي عقيب خروجه من الحمام عن عمر ناهز الإحدى وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة، صلّى عليه الشيخ شهاب الدين الذهبي ودفن خارج القاهرة (8) رحمه الله. ولما تمتع به الحافظ العراقي في نفوس الناس، فقد توجع لفقده الجميع، ومن صور ذلك التوجع أن العديد من محبيه قد رثاه بغرر القصائد، ومنها قول ابن الجزري (9) : رحمة الله للعراقي تترى ... حافظ الأرض حبرها باتفاق إنني مقسم أليَّة صدق ... لم يكن في البلاد مثل العراقي ومنها قصيدة ابن حجر ومطلعها (10) : مصاب لم ينفس للخناق ... أصار الدمع جاراً للمآقي
ومن غرر شعر ابن حجر في رثاء شيخه العراقي قوله في رائيته التي رثا بها شيخه البلقيني: نعم ويا طول حزني ما حييت على ... عبد الرحيم فخري غير مقتصر (1) لَهْفِيْ على حافظ العصر الذي اشتهرت ... أعلامه كاشتهار الشمس في الظهر علم الحديث انقضى لَمَّا قضى ومضى ... والدهر يفجع بعد العين بالأثر لَهْفِيْ على فَقْدِ شيخَيَّ اللذان هما ... أعزّ عنديَ من سمعي ومن بصري لَهْفِيْ على من حديثي عن كمالهما ... يحيي الرميم ويلهي الحي عن سمر اثنانِ لم يرتقِ النسران ما ارتقيا ... نسر السما إن يلح والأرض إن يطر ذا شبه فرخ عقاب حجة صدقت ... وذا جهينة إن يسأل عن الخبر لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما ... العام كالعام حتى الشهر كالشهر عاشا ثمانين عاما بعدها سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر الدين تتبعه الدنيا مضت بهما ... رزية لم تهن يوما على بشر بالشمس وهو سراج الدين يتبعه ... بدر الدياجي زين الدين في الأثر (2) الدكتور ماهر ياسين الفحل ٍ
دراسة عروضية لنظم ألفية الحافظ العراقي
دراسة عروضية لنظم ألفية الحافظ العراقي: نظم الحافظ العراقي ألفيته المسماة بـ" التبصرة والتذكرة " على بحر الرجز ووزنه: مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ ... مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ وهو بحرٌ كثيرةٌ أوزانُهُ، متعددةٌ ضروبُهُ، واسعةٌ زحافاتُهُ وهو عَذبُ الوزن واضحه؛ إذ هو من البحور ذات التفعيلة الواحدة، مكرَّرُها كما أن في كثرة زحافاته مجالاً لإرادة التصرف في الكلام، وسعةً في إقامة الجمل؛ إذ ليس بمستطاعٍ لشاعر الإتيان بثلاثة مقاطع قصيرة متتابعة في غير (مُتَعِلُنْ ب ب ب -) إحدى أشكال تفعيلة الرجز (مستفعلن - - ب -) ، فضلاً عن أشكال (مُسْتَفْعِلُنْ) الأخرى مثل: (متفعلن ب - ب -) و (مُسْتَعِلنْ - ب ب -) و (مُسْتَفْعِلْ - - -) . . . الخ.
وهذا من غير شكّ تارك للناظم الفرصة واسعة في النَّظْم والتصرف في التعبير بحسب متطلبات المعنى، ولَمَّا كان النظم في المتون العلمية في مسيس الحاجة لهكذا سعة في الجوازات، رُئِي أكثرها منظوماً على هذا البحر هذا الأمر الذي أفاد منه الحافظ العراقي في نظمه للتبصرة فجاءت على هذا البحر بكل أشكاله وتفعيلاته بل لا يكاد بيت يشبه سابقاً له أو لاحقاً في وزن أو ضرب لكثرة ما أفاده من هذا التعدد في أشكال البحر، فقد جاء ضرب البيت الأول (مُسْتَعِلُنْ - ب ب -) ، والثاني (مَفْعُوْلُنْ - - -) ، والثالث (مُتَفْعِلُنْ ب - ب -) ، والرابع (فعولن ب - -) ، والخامس (مُسْتَفْعِلُنْ - - ب -) وهكذا دواليك، هذه الإفادة من الحافظ تركت له الفرصة واسعة للتعبير على حساب الجمال الصوتي والتناسب بين الأبيات، فقد جاءت بعض الانتقالات بين هذا الشكل أو ذاك قوية ثقيلة تركت تبايناً صوتياً واضحاً في أذن المستمع، وإن كان مثل هذا مغتفراً في المتون العلمية، إذ ليس من وَكْدِ الناظم فيها جمال الإيقاع بقدر تحقيق الدقة العلمية في وزن صحيح مقبول. وعوداً إلى بحر الرجز وما يحققه من سعة في التصرف ضمن القالب الشعري، فإنّ التقفية الداخلية المستعملة في المتون العلمية تعدّ شكلاً آخر من أشكال الحرية في صياغة العبارة العلمية في قالب شعري، فالقافية التي طالما كانت شكلاً لازماً في القصيدة العربية تفرض نفسها نمطاً صوتياً يتحكم في صياغة البيت الشعري كلّه الأمر الذي يفرض على الشاعر نهاية صوتية واجبة التحقيق، فضلاً عن الشكل الشعري الواجب أيضاً، لذلك كان في التقفية الداخلية التي استعملها الحافظ العراقي مجالاً للتخلص من هذا القيد - والذي لا تنكر قيمته الصوتية-لأن الدقة في التعبير العلمي مقدمة على الإبداع الصوتي وهذه التقفية التي حقّقت التوافق ما بين عروض البيت وضربه سهَّلت كثيراً حفظ البيت الشعري.
على أن الحافظ العراقي لم يكتفِ بكل ما أتاحه له بحر الرجز من جوازات؛ ليفيد من مبدأ الضرورة الشعرية بشكل واسع جداً، حتى أصبحت الضرورة شيئاً ثابتاً في أبيات " التبصرة "، وهذا يدلّل بشكل واضح على تمكن الحافظ وقدرته على الإفادة مما تتيحه اللغة من ضرورات وإن كان في تكرار بعضها في البيت الواحد ثقل كان يمكن تجاوزه، ومن أبرز الضرورات في نظم الحافظ: 1. إدراج الهمزة، كقوله (78) : في البابِ غيرهُ فذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رأيٍ اقْوَى قَالَهُ ابنُ مَنْدَهْ وقوله (139) : مَعْرِفَةُ الرَّاوي بالاخْذِ عَنْهُ ... وَقِيْلَ: كُلُّ مَا أتانا مِنْهُ وقوله (153) : تَدْلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ ... حَدَّثَهُ، وَيَرْتَقِي بِـ (عَنْ) وَ (أنْ) 2. تسكين بعض الحروف المتحركة: كقوله (82) : كَمُسْنَدِ الطَّيَالِسيْ وَأَحْمَدَا …………… وقوله (162) : …………… وَلِلْخَلِيْلِيْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ 3. قصر الممدود، كقوله (136) : …………… مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، واللِّقَا عُلِمْ وقوله (170) : …………… خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلا وَوَضْعِهْ 4. صرف الممنوع من الصرف، كقوله (809) : …………… أو سَهْلٌ او جَابِرٌ او بِمَكَّةِ وقوله (816) : وَقِيْلَ: إِفْرِيْقِيَّةٍ وَسَلَمَهْ …………… وقد يجمع الحافظ بين ضرورتين في موضع واحد، كقوله (864) : وَاعْنِ بِالاسْمَا والكُنَى وَقَدْ قَسَمْ ……………… والأصل (بالأسماء) فقصر الممدود وأدرج الهمزة. وقوله (867) : ……………… النُّوْنُ فِي أبي قَطَنْ نُسَيْرُ فقد سكّن النون من (قطنْ) وأدغمها في نون (نسير) . وقد تتوالى الضرورات في شطر واحد مما يولد ثقلاً في قراءة البيت، كقوله: …………… أو سَهْلٌ او جَابِرٌ او بِمَكَّةِ فقد أدرج الهمزة في موضعين في (أو) الثانية والثالثة مما يجعل البيت مستثقلاً عند قراءته.
وقد يُعَلّق الحافظ - رحمه الله - معنى البيت بالبيت الذي يليه، وهذه ما يسمى بالتضمين، وهو عيب عند العروضيين، كقوله (7، 8) : فَحَيْثُ جَاءَ الفِعْلُ والضَّمِيْرُ ... لِوَاحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُوْرُ كَـ (قَالَ) أو أطْلَقْتُ … ... ………………….. وقوله (51، 52) : يَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّةِ الوَاصِلِ أو ... مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأوا أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ للرَّفْعِ وَلَوْ ... …………………… وهكذا تنقّل الحافظ العراقي في أبيات نظمه عَلَى وفق ما يتيحه له هذا البحر من أشكال في تفعيلاته، وما يجوّزه له من الزحافات والعلل، زيادة على الضرورات التي غطّت مساحة واسعة من نظمه، مما أعطاه رونقاً وجمالاً خاصّاً وسهولةً وعذوبة وفّرت الجوَّ الملائم تسهيلاً وإفادة لمبتغي هذا العلم.
دراسة كتاب شرح التبصرة والتذكرة
دراسة كتاب شرح التبصرة والتذكرة المبحث الأول منهجه في شرحه لم يلتزم المؤلفون القدامى - لاسيّما الشرّاح منهم - بنهج واحد يسيرون عليه في أثناء شروحهم، بل كانت ثمّة خطوط عريضة يضعها الشارح نصب عينيه، من غير التفات إلى الجزئيات، ومما يزيد الطين بلّة - كما يقولون - أن السواد الأعظم منهم لم يفصحوا عن مناهجهم، وتركوا الباب مشرعاً على مصراعيه للباحثين في الإدلاء بدلائهم لاستنباط منهج الشارح. وقد كان من بين هؤلاء: الحافظ العراقي، فلم يوضّح لنا منهج شرحه، ولا أسلوب كتابته إلا أننا وبعد هذا الوقت الطويل الذي قضيناه برفقته استطعنا أن نتلمس بعض الأسس التي اعتمدها الحافظ العراقي في شرحه، والتي يمكن إيجازها بما يأتي: 1- تعددت شروح الألفية - كما سيأتي الكلام عنها - ولكن جميعها التزمت منهج البسط وهو الكلام عن البيت الشعري مقطّعاً؛ وذلك من خلال إيضاح معاني مفرداته ومن ثم معناه العام. في حين انفرد العراقي في شرحه بأن كانت طريقته تمتاز بجمع الأبيات ذات الموضوع والمغزى المتحد في مكان واحد، ومن ثَمَّ توضيح المراد بها من حيث المعنى والدلالة اللغوية والإعرابية. وهذا نهج مستفيض في أثناء شرحه - يلحظه كلّ متأنٍ - فليس بحاجة إلى تمثيل. 2- بروز المنحى القائم على إيراد الأمثلة، إذ لا يكاد يورد شرحاً إلا مع التمثيل كتمثيله للتعليق المجزوم به (1) ، وتمثيله لتسمية غير المجزوم به معلقاً (2) ، وغيرها (3) . 3- التنبيه على المواقع الإعرابية التي تحتلها بعض مفردات النظم، وتغيُّر موقعها الإعرابي بتغيُّر حركتها، نحو: إعرابه لكلمة: ((معتصماً)) (4) ، وكلمة: ((موقوف)) (5) ،
وكلمة: ((ظناً)) (1) ، وغيرها (2) . 4- جمعه أقوال العلماء وإيرادات بعضهم على بعض، وأجوبة تلك الاعتراضات، وتوظيفها بما يخدم منهجه في الشرح؛ بغية التوصل إلى نتيجة أقرب ما تكون إلى السلامة من الانتقاد، مدعمة بالأدلة، مقنعة للمحاجج. ونجد ذلك واضحاً في مباحث تعريف الحسن (3) . وفي مبحث تحقيق ما يستفاد من سكوت أبي داود (4) وفي مباحث معنى قول الترمذي وغيره: حسن صحيح (5) ، وفي مباحثات تعليل حديث البسملة (6) ، وغيرها (7) . 5- لم يكن نظم الحافظ العراقي وشرحه مجرد تضمين لكتاب ابن الصلاح، خالياً عن الفوائد، بل كان خلاصة جهود ابن الصلاح مضافاً إليها ما أفاده العراقي خلال رحلته العلمية الممتدّة على طول سني حياته. لذا فلم يخلُ هذا المصنَّف من استدراكات وتعقبات على صاحب الأصل (ابن الصلاح) هذا خلا زوائده التي سنبحثها مستقلة فيما بعد، ومن ذلك: استدراكه على ابن الصلاح فيما يتعلق بزيادات الحميدي على الصحيحين (8) ، واستدراكه على تمثيل ابن الصلاح بعفان والقعنبي على ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر (9) . واستدراكه عليه في ذكر الخلاف في مرسل الصحابي (10) 0) . وغيرها (11) 1) .
6- تعقباته على أقوال وتصرفات بعض الأئمة تأييداً أو استدراكاً، مثل: ردّه على قول ابن طاهر في شرط الشيخين (1) . وردّه على صنيع ابن دقيق العيد والذهبي فيما يتعلق بـ" المستدرك " (2) . ومثل تنبيهه على أن أبا الفتح اليعمري لا يشترط في كل حسن أن يأتي من وجه آخر (3) . وغيرها (4) . 7- تنبيهه على ضبط بعض المفردات الواردة في نَظْمِه، لإصابة الغرض المقصود منه، مثل ضبطه للفظة: ((مبهماً)) (5) ، وضبطه للفظة: ((معتصماً)) (6) ، وغيرهما. 8- بدا منهج الشرح اللغوي للمفردات واضحاً، مثل بيانه لمعاني: المرحمة (7) ، والرسم (8) ، والجفلى (9) ، وغيرها. 9- بيانه بعض قيود ومحترزات بعض التعريفات التي يرى إمكان الإيراد عليه عند مَن لم يفهم الخارج بتلك المحترزات (10) 0) . 10- فيما يختص بالنصوص التي ينقلها، كان له إزاءها منهجان: الأول: التدليل على انتهائه بقوله: انتهى بعد النص (11) 1) ، وهذا القسم أقل من الثاني وقد لجأ إليه الحافظ في أثناء مناقشاته، أو عندما يروم تعقب ذلك القول، أو غير ذلك من الأسباب، والدواعي الحاملة له على هذا الصنيع. الثاني: عدم تدليله على انتهاء النص - وهو الأكثر - وذلك إما لكون النص ظاهر الانتهاء، أو لكونه أورده باختزال أو غير ذلك. 11- فيما يتعلق بحرفية النص المنقول، لم يلتزم العراقي كثيراً من الأحيان بحرفيته، فكان كثير التصرف حذفاً وإضافةً، وقد أشرنا إلى بعض ذلك وأغفلنا الكثير لما رأينا الأمر قد تفاقم خشية إثقال الحواشي.
12- كان طابع النقاش العلمي آنذاك يمتاز بعرض النتيجة ومن ثم ملاحظة الاعتراضات عليها والتي تسمى إيرادات أو اعتراضات، ومما يشيد تلك النتيجة أن يجاب عن اعتراضاتها المتوقعة مسبقاً، وهذا ما انتهجه العراقي في شرحه (1) . 13- توضيحه لمصادر كلام بعض العلماء، مثل بيانه لمصدر تحديد النووي لمعنى مصطلح: على شرط الشيخين (2) . ومثل بيانه لمصدر كلام ابن الصلاح في تصحيح حديث ((لولا أن أشق ... )) من طريق محمد بن عمرو (3) . 14- كان الحافظ العراقي حريصاً على إفادة القارئ: وبما أنه التزم أن يكون شرحه مختصراً؛ لذا كان من منهجه أن يحيل إلى كتبه الأخرى في المواطن التي تحتاج إلى إسهاب ولا يحتمل المقام ذلك (4) . 15- نقل أقوال الأئمة التي تعضد ما يروم التدليل عليه، وتوظيفها بمثابة ركائز تعزّز مراده (5) . 16- وضع العراقي الأمانة العلمية نصب عينيه، فكان حريصاً على نسبة كل قول وفائدة إلى صاحبها إيماناً منه بأن بركة العلم نسبته إلى أهله، إلا أنه خالف هذا النهج في موطن واحد فقط نقل فيه بضعة عشر نصاً عن جامع الخطيب حذف أسانيد الخطيب منها وساقها تباعاً من غير نسبة إليه (6) وكان هذا من الحافظ العراقي لسببين اثنين: الأول: طول أسانيد الخطيب - لاسيما مع بضعة عشر نصاً - والتزامه الاختصار غير المخل في شرحه. الثاني: أنه لم يغفل قرينة تدل على عدم كون النص له، وهي قوله قبل سياقته النص: " روينا " وهذا إمعان منه في العمل بمقتضى أمانته العلمية. 17- فهمه دقائق وإشارات كلام ابن الصلاح، فهماً منقطع النظير (7) . وعليه يصدق قول الشاعر:
إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوْهَا ... فَإِنَّ القَوْلَ مَا قَالتْ حَذَامِ 18- لقد كانت لزوائد الحافظ العراقي على ابن الصلاح أهمية علمية كبيرة، تمخضت عنها دراسات حاولت الكشف عن جدية تلك الزوائد، وبذلك أسهمت في إثراء المكتبة العلمية بمؤلفات، ومن ثم وفّرت مادة بحث جديدة للدارسين انصبت اهتماماتهم حولها، أو ضمنها من جاء بعده في مؤلفاتهم طلباً للكمال وسدّاً للإعواز. ولم تكن تلك الزيادات شيئاً نادراً أو قليلاً ليستهان بها، وإنما كانت من الكثرة الكاثرة بمكان، ويكفيك لتعلم غزارة هذه الزوائد أننا في الجزء الأول فقط أحصينا له قرابة خمسين موطناً ما بين زيادة واستدراك وتعقب على ابن الصلاح (1) . 19- كان من منهج الحافظ العراقي أنه لم يترك الأمور على علاتها من غير ترجيح وإنما كان ذا شخصية فذة بارزة في شرحه، يصحّح ويختار ويرجح في ضوء اجتهاده، غير ملتفت إلى مخالفة ابن الصلاح أو موافقته (2) . 20-لم يلتزم الحافظ العراقي في نظمه ومن ثم شرحه ترتيب ابن الصلاح، لاسيّما أن ابن الصلاح لم يخرج كتابه دفعة واحدة، وإنما أملاه شيئاً فشيئاً فخرج على غير الترتيب المقصود (3) . لذا حاول العراقي أن يرتّب مباحث الكتاب على وضع مناسب حسب اجتهاده فقدّم وأخّر، وهذّب وعدّل، ومن ذلك: أ- أنه قدّم موضوع " أول من صنف في الصحيح " على موضوع " تصحيح الأحاديث في العصور المتأخّرة ". ب- دمج بين المنقطع والمسند والمعضل، بخلاف ابن الصلاح الذي فرّق بينها في كتابه. ج- قدّم قول البرذعي في مبحث المقطوع، في حين ذكره ابن الصلاح في نهاية المنقطع. المبحث الثاني مصادره في شرحه:
لقد بات من مسلمات الأمور في طبيعة أي بحث علمي أن تتناسب القيمة العلمية مع مصادر ذلك البحث تناسباً طردياً، وغير خافٍ على القراء أن إغناء جوانب البحث العلمي بكثرة مراجعة المصادر يعدّ دعامة قوية تعزز النتائج والنظريات التي يقدّمها أي باحث. ولسنا نشك أن هذا الأمر كان من أبرز جوانب شرح الحافظ العراقي، فقد لملم شعث الفوائد من بطون الكتب، وجمع غرر العوائد من ملاحظة تصرفات النقاد وحفاظ الأثر، لذا فقد أغنى في نظرنا شرحه غناءً مفرطاً بكثرة مصادره، سواء تلك الأصلية في مجال كتابته أو التي احتاجها بصورة عرضية، الأمر الذي دعانا - في سبيل إثبات ذلك - إلى إحصاء جميع تلك المصادر وقد امتاز منهجه في ذكر مصادره بمميزات منها: أ- أنه كان كثير التصرف في نقله النصوص لا يلتزم حرفية فيه. ب- أنه كان كثير التجوّز في إطلاق أسماء المؤلفات، فمثلاً يسمي كتاب شيخه العلائي " جامع التحصيل " ثم لا يلبث بعد صفحة واحدة أن يسميه " المراسيل " وهكذا في عشرات الكتب، وقد ارتأينا جمعها تحت مسمًى واحد، هو اسم الشهرة لذلك المصنَّف، مراعين مقصد الحافظ في ذلك. جـ- أنه لم يسر على نمط واحد في شرحه بشأن العزو إلى تلك المصادر، وإنما كانت له ثلاث طرق: الأولى: أن يذكر اسم العالم الذي ينقل عنه فقط، من غير ذكر لاسم كتابه أو الواسطة التي نقل عنه بها. الثانية: قد يذكر اسم المؤلف مقروناً بذكر اسم مصنفه. الثالثة: أن يذكر اسم الكتاب فقط، وهو أقل هذه الأقسام. وبغية جعل الأمر أكثر وضوحاً أمام القارئ الكريم، فقد جعلنا مصادره مرتبة حسب هذا التقسيم مراعين الترتيب الزمني في القسمين الأوليين، والترتيب الهجائي في القسم الثالث، مثبتين عدد مرات رجوعه إليها، مستغنين عن ذكر الصفحات خشية تضخم الكتاب. ومن الله العون والسداد. أ. مصادره التي اكتفى فيها بذكر اسم العلم فقط، وهي:
الربيع بن خثيم (قبل 65 هـ) . رجع إليه مرة واحدة. ابن إسحاق (محمد بن إسحاق بن يسار المطّلبي (150 هـ) أو بعدها. رجع إليه أربع مرات. معمر بن راشد. (153 هـ) رجع إليه مرة واحدة. مالك بن أنس. (179هـ) . رجع إليه مرة. عبد الله بن المبارك المروزي (181 هـ) . رجع إليه مرتين. أبو داود الطيالسي (سليمان بن الجارود 204 هـ) مرة واحدة. الشافعي (محمد بن إدريس 204 هـ) . ست مرات. الواقدي (محمد بن عمر بن واقد 207 هـ) مرتين. عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211 هـ) مرتين. الأصمعي (عبد الملك بن قُرَيب 215 هـ) مرة. أبو بكر الحميدي (219 هـ) . مرة. أبو عبيد القاسم بن سلاّم (224 هـ) مرة، ابن سعد (محمد بن سعد 230 هـ) ست عشرة مرة. يحيى بن معين (233 هـ) إحدى عشرة مرة. علي بن المديني (علي بن عبد الله بن جعفر السعدي 234 هـ) ست مرات ابن أبي شيبة (عبد الله بن محمد العبسي 235 هـ) مرتين. عبد الملك بن حبيب الأندلسي القرطبي المالكي (238 هـ) مرة. خليفة بن خياط العصفري (240 هـ) ثلاث عشرة مرة. أحمد بن حنبل (أحمد بن محمد بن حنبل 241 هـ) عشر مرات. محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي (242 هـ) مرة. أحمد بن صالح المصري الطبري (248 هـ) . مرتين. عبد بن حميد (249 هـ) . مرة. الفلاّس (عمرو بن علي 249 هـ) مرتين. الجوزجاني (إبراهيم بن يعقوب السعدي 259 هـ) مرتين. العجلي (أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي 261 هـ) خمس مرات. يعقوب بن شيبة (262 هـ) مرة. أبو زرعة الرازي (عبيد الله بن عبد الكريم 264 هـ) ثماني مرات. المروذي (275 هـ) مرة. ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم بن قتيبة 276 هـ) ثلاث مرات. أبو حاتم الرازي (محمد بن إدريس الحنظلي 277 هـ) ستّاً وعشرين مرة. الفسوي (يعقوب بن سفيان 277 هـ) مرة. أبو بكر بن أبي خيثمة (أحمد بن زهير بن حرب 279 هـ) مرتين.
ابن أبي الدنيا (عبد الله بن محمد بن عبيد 281 هـ) مرة. أبو زرعة الدمشقي (عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله 281 هـ) مرتين. المبرّد (محمد بن يزيد 285 هـ) مرة. ابن وضاح (محمد بن وضاح بن يزيد المرواني 287 هـ) مرة. صالح جزرة (صالح بن محمد بن عمرو 293 هـ) . مرة. البرديجي (أحمد بن هارون 301 هـ) مرة. أبو بكر عبد الله بن أبي داود (310 هـ) مرة. محمد بن جرير الطبري (310 هـ) ثلاث مرات. ابن خزيمة (محمد بن إسحاق 311 هـ) مره. أبو العباس السَّرَّاج (محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي 313 هـ) مرة. أبو الفضل الهروي (محمد بن أحمد بن عمار الجارودي الهروي 317 هـ) مرة. الطحاوي (أحمد بن محمد بن سلامة 321 هـ) . مرتين. ابن دريد (محمد بن حسن بن دريد الأزدي 321 هـ) . مرة. العقيلي (محمد بن عمرو بن موسى 322 هـ) خمس مرات. ابن أبي حاتم (عبد الرحمن بن محمد بن إدريس 327 هـ) . ثلاث عشرة مرة. أبو بكر الصيرفي (محمد بن عبد الله 330 هـ) ثلاث مرات. ابن الأعرابي (أحمد بن زياد البصري 340 هـ) . مرتين. ابن الأخرم (محمد بن يعقوب 344 هـ) . مرة. ابن يونس (عبد الرحمن بن أحمد بن يونس 347 هـ) . ثلاث مرات. أبو علي النيسابوري (الحسين بن علي بن يزيد 349 هـ) . مرتين. ابن قانع (عبد الباقي بن قانع بن مرزوق 351 هـ) إحدى عشرة مرة. ابن السكن (سعيد بن عثمان بن سعيد البغدادي 353 هـ) . مرة. ابن حبان (محمد بن حبان بن أحمد 354 هـ) . سبعاً وخمسين مرة. الرامهرمزي (الحسن بن عبد الرحمن بن خلاّد 360 هـ) اثنتين وعشرين مرة. الطبراني (سليمان بن أحمد بن أيوب 360 هـ) أربع مرات. ابن عدي (عبد الله بن عدي الجرجاني 365 هـ) . اثنتي عشرة مرة. الأزهري (محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي 370 هـ) مرة. أبو عبد الله (محمد بن خفيف الشيرازي 371 هـ) مرة. أبو الفتح الأزدي (محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي 374 هـ) مرتين.
أبو عمرو بن أبي جعفر أحمد بن حمدان الحيري (376 هـ) . مرة. ابن زبر (محمد بن عبد الله بن أحمد 379 هـ) إحدى عشرة مرة. العسكري (الحسن بن عبد الله بن سعيد 382 هـ) مرة. أبو عبيد الله المرزباني (محمد بن عمران بن موسى البغدادي 384 هـ) مرة. الدارقطني (علي بن عمر البغدادي 385 هـ) . سبعاً وعشرين مرة. الخطّابي (حمد بن محمد بن إبراهيم 388 هـ) سبع مرات. المعافى بن زكريا النهرواني (390 هـ) . مرة. الجوهري (إسماعيل بن حماد 393 أو 400 هـ) ست عشرة مرة. ابن فارس (أحمد بن فارس بن زكريا 395 هـ) ثلاث مرات. أبو عبد الله بن منده (395 هـ) أربع عشرة مرة. الكلاباذي (أحمد بن محمد بن الحسين 398 هـ) . مرة. أبو بكر الباقلاني (محمد بن الطيب البصري 403 هـ) . سبع عشرة مرة. أبو الحسن القابسي (403 هـ) . مرة. الحاكم (محمد بن عبد الله بن محمد 405 هـ) . تسعاً وخمسين مرة. عبد الغني بن سعيد الأزدي (409 هـ) مرتين. ابن الحذّاء (محمد بن يحيى التميمي 416 هـ) . مرتين. الإسفراييني (إبراهيم بن محمد بن إبراهيم 418 هـ) مرتين. البرقاني (أحمد بن محد بن أحمد 425 هـ) . مرة. حمزة السهمي (حمزه بن يوسف بن إبراهيم 427 هـ) مرة. أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي (429 هـ) . مرتين. أبو نعيم الأصبهاني (أحمد بن عبد الله بن أحمد 430 هـ) . ست مرات. أبو عمرو الداني (عثمان بن سعيد بن عثمان 444 هـ) . مرتين. أبو نصر السجزي (عبيد الله بن سعيد بن حاتم 444 هـ) . مرة. الخليلي (الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني 446 هـ) خمس مرات. ابن حزم (علي بن أحمد بن سعيد 456) . ثلاث مرات. البيهقي (أحمد بن الحسين بن علي 458 هـ) تسع مرات. ابن سيده (علي بن إسماعيل المرسى 458 هـ) ست مرات. أبو القاسم الفوراني (461 هـ) مرة. الخطيب البغدادي (أحمد بن علي بن ثابت 463 هـ) إحدى وخمسين ومائة مرة.
ابن عبد البر (يوسف بن عبد الله بن محمد 463 هجريه) أربعاً وخمسين مرة. أبو الوليد الباجي (سليمان بن خلف بن سعيد 474 هـ) مرة. ابن ما كولا (علي بن هبة الله بن علي 475 هـ) أربع عشرة مرة. ابن الصباغ (عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد 477 هـ) أربع مرات. إمام الحرمين (عبد الملك بن عبد الله بن يوسف 478 هـ) أربع مرات. أبو عبد الله الحميدي (محمد بن فتوح بن عبد الله الأندلسي 488 هـ) ثلاث مرات. أبو المظفر السمعاني (منصور بن محمد التميمي 489 هـ) تسع مرات. أبو علي البرداني (أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي 498 هـ) مرة. أبو علي الجياني (الحسين بن محمد الغساني 498 هـ) ست مرات. الغزالي (محمد بن محمد بن محمد 505 هـ) مرتين. محمد بن طاهر المقدسي (507 هـ) . خمس مرات. أبو بكر السمعاني (محمد بن منصور بن محمد التميمي 510 هـ) . مرة. أبو زكريا بن منده (يحيى بن عبد الوهاب الأصبهاني511 هـ) خمس عشرة مرة. البغوي (الحسين بن مسعود بن محمد 516 هـ) . أربع مرات. ابن فتحون (محمد بن خلف بن سليمان 520 هـ) أربع مرات. ابن السيد (عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي521 هـ) مرة. البيضاوي (عبد الله بن محمد بن محمد 537 هـ) مرة. أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي (538 هـ) .مرة. عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (544 هـ) سبعاً وسبعين مرة. ابن ناصر (محمد بن ناصر بن محمد 550 هـ) . مرتين. عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفي (574 هـ) مرة. السلفي (أحمد بن محمد بن أحمد 576 هـ) . مرتين. ابن بشكوال (خلف بن عبد الملك بن مسعود 578 هـ) . مرتين. الحازمي (محمد بن موسى بن عثمان 584 هـ) خمس مرات. ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن 597 هـ) تسع مرات. فخر الدين الرازي (محمد بن عمر بن حسين 606 هـ) إحدى عشرة مرة الرافعي (عبد الكريم محمد بن عبد الكريم 623 هـ) خمس مرات.
ابن القطان (علي بن محمد بن عبد الملك 628 هجرية) سبع مرات. الآمدي (علي بن أبي علي بن محمد 631 هـ) سبع عشرة مرة. الضياء المقدسي (محمد بن عبد الواحد بن أحمد 643 هـ) مرة. ابن الحاجب (عثمان بن عمر بن أبي بكر 646 هـ) عشر مرات. أبو العباس القرطبي (أحمد بن عمر بن إبراهيم 656 هـ) مرة. الزكي عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (656 هـ) . مرة. أبو شامة (عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم 665 هـ) مرتين. النووي (يحيى بن شرف 676 هـ) تسع عشرة مرة. ابن خلكان (أحمد بن محمد بن أبي بكر 681 هـ) . مرة. جمال الدين الظاهري (أحمد بن محمد بن عبد الله 696 هـ) مرة. ابن دقيق العيد (محمد بن علي بن وهب 702 هـ) . إحدى عشرة مرة. ابن رشيد (محمد بن عمر بن محمد 721 هـ) مرة. ابن الموّاق (محمد بن يحيى 721 هـ) . ثلاث مرات. أبو الفتح اليعمري (محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس 734 هـ) أربع مرات. المزي (يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف 742 هـ) أربع عشرة مرة. تاج الدين التبريزي (746 هـ) . مرة. الذهبي (محمد بن أحمد بن عثمان 748 هـ) خمس مرات. محمود بن خليفة المنبجي (767 هـ) . مرتين. أبو جعفر بن النرسي. مرة. أبو الحسين محمد بن أبي الحسين بن الوزان. مرة. أبو عبيد الآجري. خمس مرات. ب. مصادره التي صرّح فيها باسم الكتاب مع مؤلفه، وهي: مالك في المدونة. مرة. مالك في الموطأ. ثلاث مرات. الشافعي في اختلاف الحديث. مرة. الشافعي في الأم. مرة. الشافعي في الرسالة. ثلاث مرات. ابن سعد في الطبقات. أربع مرات. أحمد في المسند. ثلاث مرات. البخاري في التاريخ الكبير. أربع عشرة مرة. البخاري في رفع اليدين. مرة. البخاري في القراءة خلف الإمام. مرة. مسلم في التمييز. ثلاث مرات. مسلم في الطبقات. مرتين. مسلم في الكنى. مرة. مسلم في المنفردات والوحدان. مرة. أبو داود في المراسيل. مرة.
ابن قتيبة في المعارف. مرة. يعقوب الفسوي في التاريخ. مرة. ابن أبي خيثمة في الإعراب. مرة. الترمذي في العلل. مرتين. ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان. مرة. ابن أبي الدنيا في النية. مرة. المبرد في الكامل. مرة. ابن الجارود في الكنى. مرة. البزار في مسنده.مرة. البزار في معرفة من يترك حديثه أو يقبل. مرتين. البرديجي في الأسماء المفردة. مرة. البرديجي في جزء لطيف. مرة. النسائي في التمييز. مرة. النسائي في حديث الفضيل بن عياض. مرة. النسائي في الكنى. ثلاث مرات. ابن خزيمة في صحيحه. مرة. أبو الفضل الهروي في مشتبه أسماء المحدثين. مرة. الطحاوي في شرح مشكل الآثار. مرة. العقيلي في الضعفاء. مرة. ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. سبع مرات. ابن أبي حاتم في العلل. مرة. الصيرفي في الدلائل. أربع مرات. الصيرفي في شرح رسالة الشافعي. مرة. أبو العرب في كتاب الضعفاء. مرة. ابن يونس في تاريخ الغرباء. مرة. ابن يونس في تاريخ مصر. مرة. أبو عمر الكندي في كتاب الموالي. مرة. ابن حبان في الثقات. اثنتي عشرة مرة. ابن حبان في كتاب الخلفاء. مرة. ابن حبان في صحيحه. مرتين. ابن حبان في الضعفاء. ثلاث مرات. ابن حبان في معرفة الصحابة. مرة. الرامهرمزي في المحدث الفاصل. ثلاث مرات. الآجري في التصديق بالنظر إلى الله. مرة. الطبراني في حديث محمد بن جحادة. مرة. الطبراني في حديث من كذب علي. مرة. الطبراني في مسند الشاميين. مرة. الطبراني في المعجم الكبير. ثلاث مرات. محمد بن الحسين بن إبراهيم الأثري السجستاني في فضائل الشافعي. مرة. ابن عدي في الكامل. خمس مرات. أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين. أربع مرات. الأزهري في تهذيب اللغة. مرة. الإسماعيلي في حديث الأعمش.مرة. الإسماعيلي في المستخرج. مرة. أبو أحمد الحاكم في الكنى. مرة.
العسكري في معرفة الصحابة. مرتين. الدارقطني في الأخوة والأخوات. مرة. الدارقطني في العلل. مرتين. الدارقطني في القضاء باليمين مع الشاهد. مرة. الدارقطني في المؤتلف. مرة. الخطّابي في معالم السنن. ثلاث مرات. الوليد بن بكر الغمري في الوجازة. مرتين. الجوهري في الصحاح. مرة. أبو عبد الله بن منده في القراءة والسماع والمناولة. مرتين. أبو عبد الله بن منده في معرفة الصحابة. خمس مرات. الكلاباذي فيمن أخرج له البخاري في صحيحه. مرة. الحاكم في تاريخ نيسابور. ثلاث مرات. الحاكم في علوم الحديث. خمس عشرة مرة. الحاكم في المدخل إلى الإكليل. مرة. الحاكم في المستدرك. خمس مرات. عبد الغني بن سعيد الأزدي في إيضاح الإشكال. مرتين. عبد الغني بن سعيد في كتاب عمدة المحدِّثين. مرة. غنجار في تاريخ بخارى. مرتين. البرقاني في اللقط. مرة. أبو نعيم في تاريخ أصبهان. مرتين. أبو نعيم في معرفة الصحابة. مرة. أبو نعيم في علوم الحديث. مرة. أبو القاسم الطحان في ذيله على تاريخ مصر. مرة. أبو يعلى الخليلي في الإرشاد. أربع مرات. محمد بن الحسين التميمي الجوهري في الإنصاف. مرة. الماوردي في الحاوي. مرتين. ابن حزم في المحلى. مرتين. البيهقي في الاعتقاد. مرتين. البيهقي في الدلائل. مرة. البيهقي في الزهد. مرة. البيهقي في السنن. ثلاث مرات. البيهقي في شعب الإيمان. مرة. البيهقي في المدخل. سبع مرات. البيهقي في المعرفة. ثلاث مرات. الخطيب في التفصيل لمبهم المراسيل. مرة. الخطيب في تلخيص المتشابه. مرة. الخطيب في تمييز المزيد في متصل الأسانيد. مرة. الخطيب في الجامع. ست مرات. الخطيب في السابق واللاحق. مرة. الخطيب في القول في علم النجوم. مرة. الخطيب في الكفاية. تسع مرات. الخطيب في المتفق والمفترق. ثلاث مرات. الخطيب في المدرج. مرتين.
الخطيب في الموضح لأوهام الجمع والتفريق. أربع مرات. ابن عبد البر في الاستذكار. مرة. ابن عبد البر في الاستيعاب. أربع مرات. ابن عبد البر في البسملة. مرة. ابن عبد البر في بيان آداب العلم.مرتين. ابن عبد البر في التقصي. مرة. ابن عبد البر في التمهيد. ست مرات. الداودي في شرح مختصر المزني. مرة. أبو القاسم بن منده في القنوت. مرة. أبو القاسم بن منده في المستخرج. مرة. ابن ماكولا في الإكمال.مرتين. أبو إسحاق الشيرازي في اللمع. مرة. ابن الصَّبَّاغ في الشامل. مرة. ابن الصَّبَّاغ في العدة. إحدى عشرة مرة. إمام الحرمين في الإرشاد.مرة. إمام الحرمين في البرهان. ثلاث مرات. الحميدي في تاريخ الأندلس.مرة. الحميدي في الجمع بين الصحيحين. مرة. الجياني في تقييد المهمل.سبع مرات. الروياني في البحر.مرة. الغزالي في الإحياء. مرة. الغزالي في المستصفى. ثلاث مرات. الغزالي في المنخول.مرتين. محمد بن طاهر في أطراف الغرائب.مرة. محمد بن طاهر في شروط الأئمة.مرة. محمد بن طاهر في العلو والنزول. مرة. محمد بن طاهر في مسألة الانتصار. مرة. أبو زكريا بن منده في معرفة الصحابة.مرة. أبو زكريا بن منده في من عاش مائة وعشرين من الصحابة. ثلاث مرات. البغوي في التهذيب. مرة. البغوي في المصابيح. مرتين. ابن فتحون في ذيل الاستيعاب. ست مرات. عبد الغافر الفارسي في السياق. مرة. عبد الغافر الفارسي في مجمع الغرائب. مرة. الزمخشري في الفائق. مرة. الزمخشري في المفصل. مرة. ابن العربي في شرح الترمذي. مرة. عياض في الإلماع. خمس مرات. عياض في المشارق. عشر مرات. الحازمي في الاعتبار. مرة. الحازمي في شروط الأئمة. مرتين. ابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد. مرتين. ابن خير في برنامجه. مرة. السلفي في جزء له في القراءة. مرة. ابن بشكوال في المبهمات. مرة.
أبو موسى المديني في ذيل معرفة الصحابة. مرتين. ابن الجوزي في التحقيق. مرة. ابن الجوزي في التلقيح. خمس مرات. ابن الجوزي في العلل المتناهية. مرة. ابن الجوزي في الموضوعات. مرتين. ابن الأثير الجزري في النهاية. مرة. فخر الدين الرازي في المحصول. مرة. الرافعي في التذنيب. مرة. الرافعي في الشرح الكبير. خمس مرات. ابن النقطة في تكملة الإكمال. مرتين. ابن الدبيثي في الذيل. مرة. النباتي في ذيل الكامل. مرة. ابن الصلاح في فتاويه. مرة. عبد الغني المقدسي في الكمال. مرة. ابن النجار في الذيل. مرة. ابن باطيش في مشتبه النسبة 0 مرة القرطبي في المفهم.مرتين الرشيد العطار في الغرر المجموعة.مرة النووي في الإرشاد.مرة النووي في التقريب والتيسير. أربع مرات. النووي في التهذيب.مرة النووي في الخلاصة. مرة. النووي في زياداته في الروضة. مرة. النووي في شرح مسلم. مرتين. النووي في شرح المهذب. أربع مرات. النووي في مختصر المبهمات. مرة. القرافي في شرح التنقيح. مرة. محب الدين الطبري في تقريب المرام. مرة. ابن دقيق العيد في الاقتراح. ثماني مرات. ابن دقيق العيد في خطبة الإلمام. مرة. ابن دقيق العيد في شرح الإلمام. مرة. ابن الموّاق في بغية النقاد. مرتين. أبو الفتح اليعمري في شرح الترمذي. مرتين. الحافظ عبد الكريم الحلبي في تاريخ مصر. مرة. الحافظ عبد الكريم الحلبي في القدح المعلّى. مرة. المزي في الأطراف. ثلاث مرات. المزي في التهذيب. ست مرات. الذهبي في تاريخ الإسلام. مرة. الذهبي في العبر. ثلاث مرات. الذهبي في مختصر المستدرك. مرة. الذهبي في مشتبه النسبة. ست مرات. الذهبي في معجمه. مرة. الذهبي في ميزان الاعتدال. تسع مرات. ابن التركماني في الدر النقي. مرة. العلائي في جامع التحصيل. أربع مرات. العلائي في الوشي المعلم. مرتين.
جـ. مصادره التي ذكر فيها اسم الكتاب فقط، وهي: الإحياء. مرة. الاستيعاب. مرتين. الأم. مرة. أمالي ابن سمعون. مرة. الإمام. مرة. بيان أسماء ذوي الكنى. مرة. تاريخ أبي بكر بن أبي خيثمة. مرة. تاريخ البخاري. مرة. تاريخ الخطيب. مرة. تاريخ خليفة. مرة. تهذيب الكمال. مرة. تهذيب اللغة. مرة. جزء ابن عرفة. مرة. جزء الأنصاري. مرتين. جزء الغطريف. مرة. الدلائل والاعلام. مرة. الزهد. مرة. سنن البيهقي. مرة. شرح الترمذي. مرة. الصحاح. أربع مرات. طبقات ابن سعد. مرة. العبر. مرة. العمدة. مرة. العين. مرة. " الغريبين ". مرة. الغيلانيات. مرة. كتاب ابن خزيمة. مرة. كتاب ابن معين. مرة. كتاب أبي أحمد الحاكم. مرة. كتاب أحمد بن حنبل. مرة. كتاب الأمير. مرة. الكفاية. مرة. المحصول. إحدى عشرة مرة. المحكم. تسع مرات. المدونة. مرة. مسند أبي داود الطيالسي. مرة. مسند أحمد. خمس مرات. المطالع. مرة. معجم الطبراني. مرة. معرفة الصحابة. مرة. الموطأ. سبع مرات. الموضوعات. مرة. الدكتور ماهر ياسين الفحل
زيادة رجل في أحد الأسانيد
زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد إن من الشروط الأساسية لصحة الحديث الضبط، والزيادة والنقصان في سند من الأسانيد مع اتحاد المدار أمارة من أمارات عدم الضبط، وعدم الضبط مخرج للحديث من حال الصحة إلى حال الضعف. وعليه فإذا روي حديث بأسانيد متعددة، وكان مدار الحديث على رجلٍ واحد، وزيد في أحد الأسانيد رجلٌ ونقص من بقية الأسانيد، ولم نستطع الترجيح بين الروايات؛ مما يدل على أن الخطأ من الذي دار عليه الإسناد، فرواه مرة هكذا، ومرة هكذا، فتبين لنا أن هذا الراوي لم يضبط هذا الحديث، فيحكم على الحديث بالاضطراب، ويتوقف الاحتجاج به حتى نجد له ما يعضده من متابعات، أو شواهد ترفعه من حال الضعف إلى حال القبول. وأحياناً توجد زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد، إلا أنّ الزيادة لا تقدح عند الأئمة إذا كان المزيد ثقة؛ لأن الإسناد كيفما دار دار على ثقة. وقد تختلف أنظار المحدّثين في نحو مثل هذا فبعضهم يعد الزيادة قادحة وبعضهم لا يعدها قادحة. ومما وردت فيه زيادة واختلفت أنظار المحدّثين فيها، والراجح عدم القدح: ما رواه بكير بن عبد الله (1) ، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمان بن جابر ابن عبد الله (2) ، عن أبي بردة (3)
- رضي الله عنه -، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حدٍ من حدود الله)) . فهذا الحديث مداره على بكير بن عبد الله (1) ، وهو هكذا من غير زيادة في إسناده وقد صححه من هذا الوجه الإمام البخاري (2) ، والترمذي (3) . ورواه الليث بن سعد (4) ، وهو ثقة ثبت (5) ، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، به. وتابعه سعيد بن أبي أيوب (6) ، وهو ثقة ثبت (7) ، فهذه متابعة تامة لليث بن سعد.
وتابعه عبد الله بن لهيعة (1) متابعة نازلة فرواه عن بكير بن عبد الله، به لكن قَدْ خولف الإمام الليث بن سعد. خالفه زيد بن أبي أنيسة (2) - وهو ثقة (3) - عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمان بن جابر، عن أبيه، عن أبي بردة بن ينار … الْحَدِيْث، فقد زاد زيد بن أبي أنيسة زيادة فأدخل جابر بن عبد الله بين عبد الرحمان وأبي بردة. وقد توبع زيد بن أبي أنيسة على هذا متابعة نازلةً، تابعه اثنان: الأول: عمرو بن الحارث (4) ، وهو ثقة فقيه حافظ (5) . الثاني: أسامة بن زيد (6) ، وهو صدوق يهم (7) . …فروياه عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمان بن جابر، عن أبيه، عن أبي بردة. هكذا روياه بزيادة: ((أبيه)) بين عبد الرحمان وأبي بردة فتابعا زيد بن أبي أنيسة. هكذا حصلت الزيادة في أحد أسانيد الحديث، ومداره على راوٍ واحد. وقد اختلفت وجهات نظر المحدّثين: فقد صحّح الرواية بدون الزيادة الترمذي - كما سبق -، والدارقطني في العلل (8) ، والبخاري:
وصحح الرواية مع الزيادة البخاري - أيضاً - ومسلم وأبو حاتم (1) ، والدارقطني في التتبع (2) . وقد حكم باضطراب الحديث الأصيلي (3) قال الحافظ: ((ادعى الأصيلي أن الحديث مضطرب، فلا يحتج به لاضطرابه)) (4) . وَقَالَ الشوكاني: ((تكلم في إسناده ابن المنذر والأصيلي من جهة الاختلاف فيه)) (5) . ولم أجد النقل صريحاً عن ابن المنذر إلا أنه قال في الإشراف: ((لم نجد في عدد الضرب في التعزير خبراً عن رسولِ الله ثابتاً)) (6) . أقول: ما ذكر من إعلال الحديث بالاضطراب هو أمرٌ غير صحيح؛ إذ إنَّهُ اختلاف غَيْر قادح فَهُوَ كيفما دار فَهُوَ عن ثقة، وَقَدْ دافع الحَافِظ ابن حجر عن هَذَا الْحَدِيْث دفاعاً مجيداً، فَقَالَ: ((لَمْ يقدح هَذَا الاختلاف عن الشيخين في صحة الْحَدِيْث؛ فإنه كيفما دار يدور على ثقة، ويحتمل أن يكون عبد الرحمان وقع له فيه ما وقع لبكير بن الأشج (7) في تحديث عبد الرحمان بن جابر لسليمان بحضرة بكير؛ ثم تحديث سليمان بكيراً به عن عبد الرحمان، أو أن عبد الرحمان سمع أبا بردة لما حدّث به أباه، وثبته فيه أبوه، فحدّث به تارة بواسطة أبيه وتارة بغير واسطة … وقد اتفق الشيخان على تصحيحه، وهما العمدة في التصحيح)) (8) .
وللحديث شواهد فقد أخرجه عبد الرزاق (1) ، والبخاري (2) ، والنسائي في الكبرى (3) من طريق مسلم بن أبي مريم (4) ، عن عبد الرحمان بن جابر، عمن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - …الحديث. وقد أخرجه الحارث (5) بن أبي أسامة (6) ، من رواية عبد الله بن أبي بكر بن الحارث بن هشام (7) رفعه. وقوّى الحافظ ابن حجر سنده إلا أنه مرسل (8) ، وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه (9) ، إلا أنه لا يفرح به لتفرد عباد بن كثير الثقفي به؛ وَهُوَ متروك (10) .
نموذج لما فيه زيادة في أحد أسانيده
نموذجٌ لما فيه زيادةٌ في أحد أسانيده حديث رِفاعة بن رافع الزُّرقي (1) ، قال: جاء رجل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فصلى قريباً منه، ثم انصرف إليه، فسلّم عليه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أعِدْ صلاتك، فإنك لم تصل)) قال: فرجع، فصلى نحواً مما صلى ثم انصرف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أعد صلاتك فإنك لم تصلِّ)) . فقال: يا رسول الله، كيف أصنعُ؟ فقال: ((إذا استقبلت القبلة، فكبر، ثم أقرأْ بأم القرآن، ثم أقرأ بما شئت، فإذا ركعت، فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك، فإذا رفعت رأسك، فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، فإذا سجدت، فمكن سجودك، فإذا رفعت رأسك، فاجلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة)) . هذا الحديث أخرجه الشَّافِعِيّ (2) ، وعبد الرزاق (3) ، وأحمد (4) ، والدارمي (5) ، والبخاري (6) ، وأبو داود (7) ، وابن ماجه (8) ، والنسائي (9) ، وابن
الجارود (1) ، والطحاوي (2) ، وابن حبان (3) ، والطبراني (4) ، والدارقطني (5) ، والحاكم (6) ، والبيهقي (7) ، وابن حزم (8) من طريق علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، فذكره. وأخرجه الطيالسي (9) ، وأبو داود (10) ، والترمذي (11) ، والنسائي (12) ، وابن خزيمة (13) ، والطحاوي (14) ، والطبراني في " الكبير " (15) ، والبيهقي (16) ، والبغوي (17) من طريق يحيى بن علي بن يحيى بن خلاّد (18) ، عن أبيه (19)
، عن جده (1) ، عن رفاعة بن رافع، فذكره. وأخرجه الطحاوي (2) من طريق يحيى بن علي بن يحيى بن خلاّد، عن أبيه، عن جده رفاعة بن رافع، فذكره. وأخرجه الشافعي (3) ، وأحمد (4) ، والبخاري (5) ، وأبو داود (6) ، والطحاوي (7) ، والطبراني (8) ، من طريق علي بن يحيى، عن رفاعة بن رافع، فذكره (9) .
هكذا اضطرب في هذا الحديث وزيد في إسناده، وَقَد أشار إِلَى الاختلاف الطحاوي (1) إلا أن هذا الحديث لم يقدح بصحته أحد - فيما أعلم - لصحته من حديث أبي هريرة (2) ، على أن الإمام النووي صحح حديث رفاعة فقال: ((حديث رفاعة صحيح، والطمأنينة واجبة في السجود عندنا وعند الجمهور)) (3) .
أخطاء المحررين في نص التقريب
أخطاء المحررين في نص التقريب لما رأيت كثرة الأخطاء التي حصلت للمحررين في نص التقريب عمدت إلى وضع كثير من الأخطاء والسقوطات التي وقع فيها المحرران في جداول، وقد رتبت هذه الجداول على تسلسل تراجم الكتاب كي يستفيد منها من عنده نسخة من التحرير، وقد أحلت إلى رقم الترجمة، ثم الخطأ الذي وقعا فيه، ثم الصواب، ثم بيان سبب الخطأ، ثم بيان موضع التصويب. وقد وصل مجموع تلك الأخطاء إلى مئتين وواحد وثلاثين خطأً. ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 1 ... 197 ... وهم ... ووهم ... تقليد عوامة ... جميع النسخ الخطية والمطبوعة 2 ... 206 ... وقيل ست ... وقيل سنة ست ... تقليد عوامة ... جميع النسخ الخطية والمطبوعة 3 ... 235 ... وثلاثين ... وثلاثين ومائتين ... تقليد عوامة ... جميع النسخ الخطية والمطبوعة 4 ... 277 ... حرمي بلفظ النسب ... حرمي بلفظ النسب بمهملتين ... تقليد عوامة ... جميع النسخ الخطية والمطبوعة 5 ... 284 ... 4 ... د ت ق ... تقليد عوامة ... جميع النسخ الخطية والمطبوعة وتهذيب الكمال والكاشف لكن جاء في تهذيب التهذيب يؤيد الرقم 4؛ لأن النسائي روى له في الكبرى من رواية ابن الأحمر. ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 6 ... 359 ... جاز ... جاوز ... تقليد عوامة ... من جميع النسخ الخطية والمطبوعة والكاشف 7 ... 385 ... بفتح المهملة ... بفتح المهملة واللامين ... تقليد عوامة ... من طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف ومصطفى عبد القادر 8 ... عقيب 558 ... حصل سقط في آخر الإحالة وهي لفظة: يأتي ... من النسخ الخطية والمطبوعة 9 ... 642 ... بالموحدة ... بالموحدة المكسورة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 10 ... 655 ... بركة المجاشعي ... بركة [بفتحات] المجاشعي ... تقليد عوامة ... من النسخ الخطية والمطبوعة
11 ... 669 ... الأصفر ... الأصفر بالفاء ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 12 ... 731 ... أكثم ... أكثم بالمثلثة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 13 ... 741 ... سُليم ... سليم مصغراً ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 14 ... 810 ... ونونين ... ونونين مخففين ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 15 ... 813 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب 16 ... 825 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب 17 ... 827 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 18 ... 951 ... ت س ... ت سي ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال 19 ... 978 ... بعدها مهملة ... بعدها صاد مهملة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 20 ... إحالة عقيب 1031 ... أبو هند في الكنى ... أبو هند، يأتي في الكنى ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة و (ص) 21 ... 1056 ... بوزن عظيم ... بوزن فعيل ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص (الورقة: 30 ب) وأشار في الحاشية إلى أنها في نسخة (عظيم) وهي كذلك في نسخة الأوقاف (الورقة: 36 أ) ولم يتنبها إلى شيء من هذا؛ لعكوفهما التام على طبعة الشيخ محمد عوامة، وبهذا تظهر فائدة النسخ الخطية على خلاف قاعدة الدكتور بشار. 22 ... 1060 ... الحارث: صحابي ... الحارث غير منسوب: صحابي ... تقليد عوامة ... النسخ المطبوعة 23 ... 1081 ... س ... ص ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال ومطبوعة مصطفى 24 ... 1093 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب والنسخ المطبوعة. ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح
25 ... 1099 ... الثانية ... الثالثة ... تقليد عوامة ... من نسخة ص والنسخ المطبوعة 26 ... 1106 ... بأرمينية أميراً ... بأرمينية وكان أميراً ... تقليد عوامة ... من نسخة ص والنسخ المطبوعة 27 ... 1115 ... حبيب المعلم ... حبيب بن المعلم ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 28 ... 1217 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال والنسخ المطبوعة 29 ... 1255 ... سبع وخمسين وقد ... سبع وخمسين ومائتين وقد ... تقليد عوامة ... من نسخة (ص) والنسخ المطبوعة 30 ... 1297 ... من الثانية ... من الثامنة ... تقليد عوامة ... من نسخة (ص) والنسخ المطبوعة 31 ... 1436 ... ابن أخي أنس ... ابن ابن أخي أنس ... تقليد عوامة ... من مخطوطة (ق) والنسخ المطبوعة 32 ... 1447 ... قيسي أو ... قيل: إنه قيسي أو ... تقليد عوامة ... من مخطوطة (ص) (الورقة: 40 ب) والنسخ المطبوعة 33 ... 1500 ... بخ م 4 ... خت بخ م 4 ... تقليد عوامة ... من تصريح المزي (7/279) والنسخ المطبوعة 34 ... 1596 ... م د س ... م د ت س ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال والكاشف والنسخ المطبوعة ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 35 ... 1667 ... سأل عبد الرحمن بن خالد قثم بن العباس ... سأل عبد الرحمن بن خالد بن قثم بن العباس ... تقليد عوامة ... من مخطوطة (ص) (الورقة: 46 أ) ومخطوطة (ق) (الورقة: 57 ب) والنسخ المطبوعة. 36 ... 1669 ... خباب المدني ... خباب بن المدني ... تقليد عوامة ... من مخطوطة (ص) (الورقة: 47 أ) والنسخ المطبوعة 37 ... 1706 ... بوزن كبير ... بوزن كثير ... تقليد عوامة ... من مخطوطة (ص) (الورقة: 47 ب) ومخطوطة (ق) (الورقة: 59 أ) والنسخ المطبوعة 38 ... 1716 ... صد ... مد ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب والنسخ المطبوعة
39 ... قبل 1840 ... حرف الذال ... حرف الذال المعجمة ... عدم الدقة والضبط ... من مخطوطة (ص) (الورقة: 61 أ) ومخطوطة (ق) (الورقة: 63 ب) والنسخ المطبوعة بما فيها نسخة عوامة 40 ... 1845 ... والد قبيصة، مات ... والد قبيصة، صحابي، مات ... تقليد عوامة ... من مخطوطة (ص) (الورقة: 51 أ) ومخطوطة (ق) (الورقة: 64 أ) والنسخ المطبوعة 41 ... 1918 ... س ق ... ص ق ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال (7 / 146) ولهذا رقم له الذهبي في الكاشف (1 / 394 الترجمة 1557) بـ (ق) فقط، فإن (ص) ليس من شرطه ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 42 ... 2013 ... ثم شدة ... ثم مشددة ... تقليد عوامة ... من مخطوطة (ص) (الورقة: 55 ب) والنسخ المطبوعة 44 ... 2175 ... بلفظ الشهر ... باسم الشهر ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) الخطية 45 ... 2211 ... وتثقيلٍ ... وتثقيل الثانية ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 46 ... 2272 ... ثلاث وتسعون ... ثلاث وتسعون سنة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 47 ... 2310 ... من السادسة ... من السادسة أيضاً ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 48 ... 2326 ... خت م د س ... بخ م د س ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وخلاصة الخزرجي وتهذيب التهذيب 49 ... عقيب 2330 ... سليمان ... سليمان الربعي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 50 ... 2337 ... سعيد بن العاص (بالتكرار) ... (بدون تكرار) ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 51 ... 2358 ... آخر أمره ... آخر عمره ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 52 ... 2365 ... تصانيف كثير ... تصانيف لكنه كثير ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح
53 ... 2404 ... نصير بالتصغير ... نصير بضم النون بالتصغير ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 54 ... عقيب 2437 ... مضى في الحاء ... تقدم في الحاء ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 55 ... 2477 ... أول مشاهده ... من أول مشاهده ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 56 ... 2504 ... أبو مسلم الدمشقي ... أبو مسلمة الدمشقي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 57 ... 2545 ... قاضي مكة ... القاضي بمكة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 58 ... 2594 ... أبو عُمَر ... أبو عَمْرو ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف ونسخة (ص) 59 ... 2608 ... ابن أبي نجيح ... ابن نجيح ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 60 ... عقيب 2639 ... سعد بن سنان ... سعد بن سنان تقدم ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 61 ... 2659 ... أبو سعيد البزار ... أبو سعيد البزاز ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة والكاشف ونسخة (ص) 62 ... 2687 ... سبع وستين ... سبع وستين ومائة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 63 ... 2710 ... يقال ... ويقال ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 64 ... 2713 ... ثمان وتسعين ... ثمان وتسعين ومائة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة والكاشف 65 ... 2741 ... رزيق ... زريق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ومخطوطة (ص) (الورقة: 73 ب) ومخطوطة الأوقاف (الورقة: 95 أ) 66 ... 2747 ... الثانية ... الثالثة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) (الورقة: 74 أ) 67 ... 2802 ... المقدم ... المتقدم ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) (الورقة: 75 ب)
68 ... 2861 ... خت م 4 ... خت بخ م 4 ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب التهذيب 4 / 391، وتصريح المزي في تهذيب الكمال 3 / 427 ط 98 69 ... 2885 ... د ت س ق ... د ت سي ق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 3 / 435 وتهذيب التهذيب 4 / 401 70 ... 2890 ... س ... د س ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب التهذيب 4 / 403 ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 71 ... 2892 ... اختلط ... اختلط بأخرة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 72 ... 3005 ... د س ... د سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 3 / 493 73 ... 3020 ... يضع ... يضع الحديث ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 74 ... 3041 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 3 / 517 75 ... 3065 ... عخ 4 ... عخ د ت سي ق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 4 / 11 76 ... 3066 ... جاز ... جاوز ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ومخطوطة (ص) 77 ... 3084 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 4 / 22 وتهذيب التهذيب 5 / 60 78 ... 3095 ... أفرط ... أفرط فيه ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 79 ... 3112 ... مات ... مات قبل ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 80 ... 3116 ... قاص ... قاضي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) (الورقة: 84 أ) ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 81 ... 3117 ... بياع الهروي … صدوق ... بياع الهروي على تقدير محذوف إما بياع القماش أو غيره ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 82 ... 3128 ... وبالتشيع ... والتشيع ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) الورقة: 84 ب)
83 ... 3133 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من نسخة مصطفى عبد القادر وتهذيب الكمال 84 ... 3156 ... عباد السماك ... عباد بن السماك ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) (الورقة: 85 أ) 85 ... 3195 ... 4 ... د ت سي ق ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال 86 ... 3270 ... م س ... م ص ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال 87 ... 3265 ... تسع وسبعين ... تسع وتسعين ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال ومخطوطة (ص) (الورقة: 89 أ) 88 ... 3317 ... س ... ص ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال والنسخ المطبوعة وتهذيب التهذيب 89 ... 3337 ... خت م 4 ... بخ م 4 ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال والنسخ المطبوعة ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 90 ... 3396 ... ت س ق ... ت سي ق ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال 91 ... 3420 ... ت س ق ... ت سي ق ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال والنسخ المطبوعة 92 ... 3513 ... مولى ابن عباس أيضاً من الثالثة ... مولى ابن عباس أيضاً ثقة من الثالثة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 93 ... 3671 ... م د ت س ... م د ت س ق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتصريح المزي في آخر ترجمته 94 ... 3867 ... م 4 ... م د ت سي ق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب 95 ... 3921 ... تشديد المهملة ... تشديد السين المهملة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) (الورقة: 110 ب) 96 ... 3931 ... م س ... م سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب 97 ... 3935 ... وجيم وزن ... وجيم وراء وزن ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 98 ... 3939 ... كان يفهم ... كان يهم ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) الحاشية
ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 99 ... 3942 ... سكون المهملة ... سكون السين المهملة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 100 ... 4059 ... 4 ... د ت سي ق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 101 ... 4080 ... سنة سبع ... سنة سبع ومائتين ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 102 ... 4131 ... من العاشرة ... من العاشرة أيضاً ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 103 ... 4156 ... التعليق وله ... التعليق، وليس هو معلقاً وله ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 104 ... 4185 ... بن سعد ... بن سعيد ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 105 ... 4200 ... ثقة فصيح ... ثقة فقيه ... تقليد عوامة ... من مطبوعة عبد الوهاب ونسخة (ص) الخطية (الورقة: 120 أ) 106 ... 4201 ... علاق ... علاف ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص (الورقة: 120 أ) 107 ... 4213 ... مات ... ومات ... الذهول ... من جميع النسخ الخطية والمطبوعة 108 ... 4215 ... الحادية عشرة ... الحادية عشرة أيضاً ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 109 ... 4262 ... حديثاً في العباس ... حديثاً في فضل العباس ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 110 ... 4268 ... بخ ... بخ س ... تقليد عوامة ... من مطبوعة عبد الوهاب عبد اللطيف وتهذيب الكمال 111 ... 4289 ... شعيث ... شعيب ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص (الورقة: 122 ب) 112 ... 4314 ... ثلاثة ... ثلاث تراجم ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 113 ... 4327 ... عمرو ... عمر ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص (الورقة: 124 أ) 114 ... 4338 ... بالمعجمة ... بالخاء المعجمة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة
115 ... 4353 ... ست وثمانون ... ست وثمانون سنة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 116 ... 4357 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 117 ... 4390 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب 118 ... 4393 ... س ... سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 119 ... 4489 ... ولي مكة ... ولي مكة من الثالثة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 120 ... 4602 ... أبو البصري ... أو البصري ... انعدام الدقة والضبط ... من جميع النسخ بما فيها طبعة عوامة وتهذيب الكمال وغيرها 121 ... 4697 ... س ق ... ص ق ... تقليد عوامة ... من تهذيب التهذيب والنسخ المطبوعة 122 ... 4717 ... بخ م 4 ... بخ مق 4 ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال والنسخ المطبوعة 123 ... 4772 ... ت س ... ت ص ... تقليد عوامة ... من تهذيب التهذيب والنسخ المطبوعة 124 ... 4785 ... د ت س ... د ت ص ... تقليد عوامة ... من تهذيب التهذيب والنسخ المطبوعة 125 ... 5254 ... أبو سعد ... أبو سعيد ... تقليد عوامة ... من مخطوطة ص (الورقة: 150 أ) ومخطوطة ق (الورقة: 183 أ) والنسخ المطبوعة وخلاصة الخزرجي ص 300 126 ... 5504 ... 197 ... الرقم كتابة ... تقليد عوامة ... من جميع النسخ 127 ... 5505 ... 194 ... الرقم كتابة ... تقليد عوامة ... من جميع النسخ 128 ... 5695 ... السيلمي ... السلمي ... تقليد عوامة ... من مخطوطة (ص) (الورقة: 161 أ) ومخطوطة (ق) (الورقة: 197 أ) والنسخ المطبوعة ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 129 ... 5812 ... 56 ... الرقم كتابة ... تقليد عوامة ... من جميع النسخ 130 ... 5922 ... 91 ... كتابة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة والخطية
131 ... 5922 ... من التاسعة ... من الحادية عشرة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة والخطية 132 ... 5930 ... 181 ... كتابة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف (الورقة: 205 أ) 133 ... 5936 ... 271 ... كتابة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف (الورقة: 205ب) 134 ... 5942 ... ثقة مرضي ... ثقة مرضي عابد ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 168 ب 135 ... 6049 ... السابعة ... السادسة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 209ب 136 ... 6126 ... م ت ... مق ت ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 6 / 427 137 ... 6288 ... ابن العجمي ... العجمي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص (الورقة: 178 ب) 138 ... 6384 ... خت م ل ... خت مق ل ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 6 / 551 ط 98 وتهذيب التهذيب 9 / 509 139 ... 6577 ... ت ... ت س ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 7 / 77 وتهذيب التهذيب 10 / 99 ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 140 ... 6578 ... مري بالتصغير ... مري بلفظ النسب ابن قطري ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 226 أ 141 ... 6622 ... د ... د سي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 7 / 95 142 ... إحالة قبيل 6637 ... بن أبي عقرب في الكنى ... بن أبي عقرب أبو عقرب في الكنى ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 228 أ، ص 188 ب 143 ... 6774 ... ابن أبي وهب ... ابن وهب ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 189ب 144 ... 6679 ... المصري ... البصري ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 189ب والأوقاف 229 أ
145 ... 6698 ... بشير ... بشر ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 190ب والأوقاف 230 أ 146 ... 6846 ... عون ... عوف ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب التهذيب 10 / 267 147 ... 6877 ... خمس عشرة ومئة ... 215 ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 7 / 220 وتهذيب التهذيب والكاشف ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 148 ... 6903 ... سُقَير ... شقير ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 237 أو (ص) 196 أ 149 ... 6960 ... مدني الأصل ... مدني كوفي الأصل ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 239 أو (ص) 197 ب 150 ... 6990 ... خت د س ق ... خت بخ د س ق ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال صرح به المزي 7 / 271 151 ... 7043 ... مقبول ... سقطت من المخطوط والمطبوع ... تقليد عوامة ... لم ترد في النسخ المطبوعة والخطية (الأوقاف 242 أونسخة (ص) 199 ب) 152 ... 7059 ... ووهل ... ووهم ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 200 أ 153 ... 7059 ... الخراز ... الخزاز ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 200 أونسخة الأوقاف 242ب 154 ... 7067 ... ت ... ت ق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب التهذيب 155 ... 7295 ... البزار ... البزاز ... الوهم والذهول ... من النسخ المطبوعة ومحمد عوامة وتهذيب الكمال وتهذيب التهذيب والكاشف ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 156 ... 7314 ... هقل: لقب ... هو لقب ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 206ب 157 ... عقيب 7669 ... ابن زكريا ... ابن أبي زكريا ... الوهم والذهول ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 158 ... 7678 ... بينهما مهملة ... بينهما مهملة ساكنة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة
159 ... 7767 ... من السادسة ... من السادسة أيضاً ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 160 ... 7777 ... سنة أربع ... سنة أربع وستين ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 161 ... عقيب 7943 ... أبو سعيد بن أبي ... أبو سعيد أسيد بن أبي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 162 ... عقيب 7962 ... الصفاني ... الصنعاني ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ومخطوطة ص (الورقة: 224 ب) 163 ... 7964 ... س ... ص ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 164 ... 4 / 165 ... العنوان: ((حرف التاء)) ... حرف التاء المثناة ... الذهول ... من جميع النسخ ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 165 ... 4 / 167 ... حرف الثاء ... حرف الثاء المثلثة ... الذهول ... من جميع النسخ 166 ... 8017 ... بخ 4 ... بخ د ت سي ق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 167 ... 8021 ... وقيل جندب بن فيروز ... وقيل: جندب بن صيرور ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 246 أ 168 ... 4 / 175 ... العنوان ((حرف الحاء)) ... حرف الحاء المهملة ... الذهول ... من جميع النسخ 169 ... 8037 ... وقتل هذا باليمامة ... وقيل هذا بالتحتانية ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة والخطية 170 ... 8042 ... م 4 ... م د ت ص ق ... تقليد عوامة ... من نسخة ص وتهذيب الكمال 171 ... إحالة 8046 ... ويقال: فليت ... ويقال له: فليت ... الذهول ... من جميع النسخ الخطية والمطبوعة 172 ... إحالة 8070 ... أبو حيوة ... أبو حية ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ومخطوطة الأوقاف 279 أ، ومخطوطة ص 228 أ 173 ... 8079 ... عن رزيق ... عن زريق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة و (ص) 228 ب، ومخطوطة الأوقاف 279 ب ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح
174 ... 4 / 189 ... عمر بن سعد ... عمرو بن سعد ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 228ب 175 ... 8088 ... الثانية ... الثالثة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 280 أ 176 ... إحالة 8091 ... عبيد الله ... عبد الله ... تقليد عوامة ... من مطبوعة عبد الوهاب ونسخة الأوقاف 280 أ، و (ص) 229 أ 177 ... إحالة 8097 ... صوابه: ابن زرير ... صوابه: ابن رزين ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 280ب 178 ... 8104 ... وإلا فمجهول ... وإلا فهو مجهول ... الذهول ... من النسخ المطبوعة جميعها ونسخة (ص) 179 ... 8105 ... عمارة بن رويبة ... عمارة بن روبية ... الذهول ... من محمد عوامة 180 ... 8105 ... عمارة بن رويبة ... عمارة بن رؤيبة ... الذهول ... من النسخ المطبوعة 181 ... 8105 ... عمارة بن رويبة ... عمارة بن رومة ... الذهول ... من نسخة الأوقاف 182 ... 8167 ... س ق ... ص ق ... تقليد عوامة ... من تهذيب الكمال 183 ... 8284 ... الكوفي ... الكوفي الأكبر ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 184 ... إحالة عقيب 8292 ... هو عمرو ... هو عمر ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 236 أ ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 185 ... إحالة عقيب 8293 ... مسلم بن نذير ... مسلم بن يزيد ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 236 أ 186 ... 8331 ... 4 ... د ت سي ق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 187 ... 8336 ... خت د س ق ... خت م د س ق ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب الكمال 8 / 416 188 ... إحالة عقيب 8338 ... علي بن دواد ... علي بن داود ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 292 ب ونسخة (ص) 238 أ
189 ... إحالة عقيب 8348 ... مخلد ... خالد ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 293 أونسخة (ص) 238 أ 190 ... 8358 ... عن عمر ... عن عمرو ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 238 ب 191 ... 8359 ... ي د س ... ي د ص ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب التهذيب وتهذيب الكمال 192 ... 8360 ... صبيح ... صبح ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة والأوقاف 293 ب 193 ... إحالة عقيب 8377 ... زربي ... رومي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 239 أ ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 194 ... إحالة عقيب 8379 ... ابن أبي طلحة ... ابن أبي طلحة المدني وحذف كلمة (الذي) ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 239 ب 195 ... إحالة عقيب 8382 ... عمرو بن أبي الحجاح ... عمرو بن الحجاج ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 239ب 196 ... 8426 ... … ودمة بن هانئ ... … ودمة، وقيل: ابن هانئ ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 297 أ 197 ... إحالة عقيب 8433 ... بفتح الواو ... بفتح أوله ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 241ب 198 ... إحالة 8453 ... سهيل ... سهل ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 298ب 199 ... إحالة عقيب 8454 ... يعفور ... يعقوب ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 242 أ، ونسخة الأوقاف 298ب 200 ... إحالة قبيل 8459 ... أردك ... أدرك ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 299 أ 201 ... إحالة قبيل 8459 ... عبيد ... عبد ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف ونسخة (ص) 242 ب ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح
202 ... 8460 ... ابن الحجاح ... ابن أبي الحجاح ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة و (ص) 243 أ 203 ... إحالة قبيل 8470 ... الدؤلي ... الهذلي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة و (ص) 244 ب والأوقاف 301 ب 204 ... عقيب 8475 ... ابن لعبد الله ... ابن عبد الله ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 245 أ. 205 ... إحالة قبيل 8484 ... ابن عَنَمة بنون اسمه ... ابن عنمة، اسمه ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة (ص) 245ب 206 ... إحالة عقيب 8484 ... حصن ... حصين ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 303ب 207 ... إحالة قبيل 8487 ... ويوسف ... يوسف بدون (واو) ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 304ب 208 ... 8487 ... لمحمد ... محمد ... تقليد عوامة ... من نسخة عبد الوهاب ونسخة (ص) 246 أ 209 ... عقيب 8488 ... يزيد ... زيد ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 304 ب، و (ص) 246 ب 210 ... عقيب 8498 ... الأنباري: محمد ... الأنباري: هو محمد ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة و (ص) 247 ب 211 ... عقيب 8498 ... عبيد الله الرقي ... عبد الله الرقي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وص 248أونسخة الأوقاف 306 ب ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 212 ... عقيب 8498 ... براء ثم زاي ... براء وزاي ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة و (ص) 248 أ 213 ... عقيب 8498 ... سلم ... سليم ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 308 ب 214 ... عقيب 8498 ... فضيل ... فضل ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة و (ص) 249 ب 215 ... عقيب 8498 ... نسبة ... نسب ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 309 أونسخة ص 249 ب
216 ... عقيب 8498 ... شيخ ... مصبح ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 309 ب ونسخة ص 250 أ 217 ... عقيب 8498 (4 / 360) ... بريرة ... برير ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 310 أونسخة ص 250 ب 218 ... عقيب 8498 (4 / 364) ... ذو النورين: هو عثمان ... ذو النورين، عثمان ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص (الورقة: 251 أ) 219 ... عقيب 8498 (4 / 365) ... زرغونة ... زرعونة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 311 أونسخة ص 251 أ ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 220 ... 8503 ... بخ د ... بخ م د ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة وتهذيب التهذيب 12 / 362 221 ... عقيب 8513 ... أبو روح ... بن روح ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة والخطية ونسخة الأوقاف 315 أ، و (ص) 254 ب 222 ... عقيب 8513 ... أبو روح ... بن روح ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة والخطية نسخة الأوقاف 315 أو (ص) 254ب 223 ... عقيب 8513 (4 / 388) ... عبد الله ... عبيد الله ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة 224 ... 4 / 393 ... عمر ... عمرو ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 255 أ 225 ... 4 / 395 ... اسمه ... اسم ... الذهول ... من النسخ المطبوعة ونسخة الأوقاف 317 ب و (ص) 255 ب 226 ... 4 / 397 ... جملة: عن أبي أيوب ... (هذه الجملة ساقطة) ... تقليد عوامة ... سقطت من المطبوع والمخطوط نسخة الأوقاف 318 أ، و (ص) 256 أ 227 ... 8542 ... عنها ... عمها ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 258 أ ت ... رقم الترجمة ... الخطأ ... الصواب ... السبب ... موضع التصحيح 228 ... 8565 ... الثالثة ... السادسة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 258 أ
229 ... 8571 ... لها حديث ... لها حديث في الرقية ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 258 أ 230 ... 8631 ... الخامسة ... الثامنة ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 259 ب 231 ... 8761 ... عبيد ... عبيد الله ... تقليد عوامة ... من النسخ المطبوعة ونسخة ص 262 ب
التصحيف والتحريف
التصحيف والتحريف التصحيف والتحريف من الأمور الطارئة الَّتِيْ تقع في الْحَدِيْث سنداً أو متناً عِنْدَ بعض الرُّوَاة، وَهُوَ من الأمور المؤدية إلى الاختلاف في الْحَدِيْث. فيحصل لبعض الرُّوَاة أوهام تقع في السند أَوْ في الْمَتْن بتغيير النقط أو الشكل أو الحروف. وهذا النوع من الخطأ يسمى عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ بـ (التصحيف والتحريف) . والتصحيف هُوَ: تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط (1) . والتحريف: هُوَ العدول بالشيء عن جهته، وحرَّف الكلام تحريفاً عدل بِهِ عن جهته، وَقَدْ يَكُوْن بالزيادة فِيْهِ، أو النقص مِنْهُ، وَقَدْ يَكُوْن بتبديل بعض كلماته، وَقَدْ يَكُوْن بجعله عَلَى غَيْر المراد مِنْهُ؛ فالتحريف أعم من التصحيف (2) . ولابد من الإشارة إلى أن المتقدمين كانوا يطلقون المصحف والمحرف جميعاً عَلَى شيء واحد، ولكن الحافظ ابن حجر جعلهما شيئين وخالف بينهما، فَقَدْ قَالَ: ((إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق فإن كَانَ ذَلِكَ بالنسبة إلى النقط فالمصحف، وإن كَانَ بالنسبة إلى الشكل فالمحرّف)) (3) . وعلى هَذَا فالتصحيف هُوَ الَّذِيْ يَكُوْن في النقط؛ أي في الحروف المتشابهة الَّتِيْ تختلف في قراءتها مثل: الباء والتاء والثاء، والجيم والحاء المهملة والخاء المعجمة، والدال المهملة والذال المعجمة، والراء والزاي.
ومعرفة هَذَا الفن من فنون علم الْحَدِيْث لَهُ أهمية كبيرة (1)
؛ وذلك لما فِيْهِ من تنقية الأحاديث النبوية مِمَّا شابها في بعض الألفاظ سواء كَانَ في متونها أم في رجال أسانيدها. وعندما كثر التصحيف والتحريف بَيْنَ الناس شرع الحفاظ من أهل الْحَدِيْث بتصنيف كتب: (التصحيف والتحريف) وكتب (المؤتلف والمختلف) (1) ، وهذا الفن فن جليل لما يحتاج إِلَيْهِ من الدقة والفهم واليقظة، وَلَمْ ينهض بِهِ إلا الحفاظ الحاذقون قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((هَذَا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ)) (2) .
والسبب في وقوع التصحيف والإكثار مِنْهُ إنما يحصل غالباً للآخذ من الصحف وبطون الكتب، دون تلق للحديث عن أستاذ من ذوي الاختصاص؛ لِذَلِكَ حذر أئمة الْحَدِيْث من عمل هَذَا شأنه، قَالَ سعيد بن عَبْد العزيز التنوخي (1) : ((لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي)) (2) . أقسام التصحيف للتصحيف بحسب وجوده وتفرعه أقسام. ينقسم إِلَيْهَا وَهِيَ ستة أنواع: القسم الأول: التصحيف في الإسناد: مثاله: حَدِيْث شعبة، عن العوام بن مراجم (3) ، عن أبي عثمان النهدي (4) ، عن عثمان بن عفان، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها…الْحَدِيْث)) (5) . وَقَدْ صحف فِيْهِ يحيى بن معين، فَقَالَ: ((ابن مزاحم)) – بالزاي والحاء – وصوابه: ((ابن مراجم)) – بالراء المهملة والجيم – (6) . ومنه ما رواه الإمام أحمد (7) ، من طريق شعبة، قَالَ: حَدَّثَنَا مالك بن عرفطة
– قَالَ (1) : وإنما هُوَ خالد بن علقمة – قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد خير يحدّث، عن عائشة، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أنه نهى عن: الدباء (2) ، والحنتم (3) ، والمزفت (4)) ) . وَقَدْ أخطأ الإمام شعبة بن الحجاج فصحف في هَذَا الاسم فَقَالَ: ((مالك بن عرفطة)) ، وصوابه: ((خالد بن علقمة)) كَمَا نبه عَلَى ذَلِكَ الإمام أحمد –كَمَا سبق– (5) وَقَدْ رَوَاهُ أبو عوانة، عن شعبة، فأخطأ فِيْهِ كذلك فِيْمَا أخرجه الْخَطِيْب في موضح أوهام الجمع والتفريق (6) . ثُمَّ رجع إلى الصواب فِيْمَا أخرجه عَنْهُ الْخَطِيْب في " تاريخ بغداد " (7) وَقَالَ: ((عن شعبة، عن خالد بن علقمة، عن عَبْد خير، بِهِ)) . القسم الثاني: التصحيف في الْمَتْن:
ومثاله حَدِيْث أنس مرفوعاً: ((ثُمَّ يخرج من النار من قَالَ: لا إله إلا الله، وَكَانَ في قلبه من الخير ما يزن ذرة)) (1) . قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((قَالَ فِيْهِ شعبة: ((ذُرَةً)) – بالضم والتخفيف – ونسب فِيْهِ إلى التصحيف)) (2) ومثّل ابن الصَّلاَحِ لتصحيف الْمَتْن بمثال آخر فَقَالَ: ((وفي حَدِيْث أبي ذر: ((تعين الصانع)) ، قَالَ فِيْهِ هشام بن عروة – بالضاء المعجمة – وَهُوَ تصحيفٌ، والصواب ما رواه الزهري: ((الصانع)) – بالصاد المهملة – (3) ضد الأخرق (4)
)) (1) . القسم الثالث: تصحيف البصر: وَهُوَ سوء القراءة بسبب تشابه الحروف والكلمات وهذا يحصل في الأعم لِمَنْ يأخذ من الصحف دون تلقٍ. مثاله: ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إِلَيْهِ بإسناده عن زيد بن ثابت: ((أن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم في المسجد)) قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((إنما هُوَ بالراء: ((احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فِيْهَا)) (2) فصحّفه ابن لهيعة؛ لكونه أخذه من كتاب بغير سَمَاع)) (3) . وَقَالَ الإمام مُسْلِم: ((هَذِهِ رِوَايَة فاسدة من كُلّ جهة. فاحشٌ خطؤها في الْمَتْن والإسناد، وابن لهيعة المصحف في متنه، المغفل في إسناده)) (4) . وَقَدْ وصف السخاوي تصحيف البصر بأنه الأكثر (5) . القسم الرابع: تصحيف السمع: ويحدث بسبب تشابه مخارج الكلمات في النطق فيختلط الأمر عَلَى السامع فيقع في التصحيف أَوْ التحريف. نحو حَدِيْث لـ: ((عاصم الأحول)) ، رَوَاهُ بعضهم فَقَالَ: ((عن واصل الأحدب)) وَقَدْ ذَكَرَ الإمام الدَّارَقُطْنِيّ أنَّهُ من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((كأنه ذهب – والله أعلم – إلى أن ذَلِكَ مِمَّا لا يشتبه من حَيْثُ الكتابة، وإنما أخطأ فِيْهِ سمع من رَوَاهُ)) (6) . القسم الخامس: تصحيف اللفظ
ومثاله ما ورد عن الدَّارَقُطْنِيّ: أن أبا بكر الصولي (1) أملى في الجامع حَدِيْث أبي أيوب: ((من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوال)) (2) ، فَقَالَ فِيْهِ: ((شيئاً)) – بالشين والياء – (3) . قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((تصحيف اللفظ وَهُوَ الأكثر)) (4) . القسم السادس: تصحيف المعنى دون اللفظ:
مثاله: قَوْل مُحَمَّد بن المثنى (1) : ((نحن قوم لنا شرف، نحن من عَنَزة)) (2) قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((يريد ما روي: ((أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى عنزة)) (3) فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم، وإنما العنزة هاهنا حربة نصبت بَيْنَ يديه فصلى إليها)) (4) .
الصحيح في اسم كتاب ابن الصلاح
الصحيح في اسم كتاب ابن الصلاح قد بات شيئاً مهمّاً في قواعد علم تحقيق المخطوطات ونشرها، أن يثبت المحقق الاسم الصحيح للكتاب الذي أسماه به مؤلفه، إذ قد تتقاذف الكتاب أيادي الدهر وتتقادم عليه الأيام والسنون، فيبلى بمرورها اسمه ويندثر رسمه، ومن تلك المصنفات التي جرت عليها هذه الجواري كتاب " معرفة أنواع علم الحديث "لابن الصلاح، فقد اشتهر بين الناس أن اسمه " مقدمة ابن الصلاح " أو " علوم الحديث "، والحق أن واحداً من هذين الاسمين لَمْ يسمه به مؤلفه، وقد حقق هذا تحقيقاً علمياً الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر في فصل نفيس ضمَّنه كتابه القيم " توثيق النصوص وضبطها عن المحدِّثين " (1) ، رأيت أن أنقله بنصّه إذ لا مزيد عَلَى ما أتى به فقال - أيده الله -: ((ومثاله أيضاً كتاب " معرفة أنواع علوم الحديث " للإمام الحافظ أبي عمرو عثمان ابن عبد الرحمان الشهرزوري المتوفَّى سنة (643 هـ) . فإن هذا الكتاب عُرِف واشتُهِر بين طلاَّب العلم باسم "مقدِّمة ابن الصلاح" فَمِنْ أينَ جاءته هذه التسمية؟ 1. إن المصنِّف - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - لَمْ يسمِّ كتابه بـ " المقدمة " كما أن أحداً من أهل العلم ممَّن جاء بعد الصلاح لَمْ يسمِّ كتاب [ابن] (2) الصلاح بـ " المقدِّمة ". 2. إن ابن الصلاح قد سمَّى كتابه ونص عَلَى هذه التسمية في فاتحة كتابه فقال: ((… فحين كاد الباحث عن مشكلة لا يلقى له كاشفاً، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفاً، مَنَّ الله الكريم - تبارك وتعالى -، وله الحمد أجمع بكتاب: " معرفة أنواع علم الحديث "، هذا الذي باح بأسراره الخفية …)) (3) .
3. إن نسخة إستانبول المحفوظة في المكتبة السليمانية برقم (351) ، والتي كان الفراغ من قراءتها عَلَى المصنِّف سنة (641 هـ) أي: قبل وفاة ابن الصلاح بعام واحد ونيِّف، والتي أثبت ابن الصلاح – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – خطّه عليها في عدّة مواضع جاء في صورة السماع: ((سَمِعَ جميع هذا الكتاب وهو كتاب " معرفة أنواع علم الحديث " على مصنِّفه …)) . وكتب ابن الصلاح – رَحِمَهُ اللهُ – في آخر طبق السماع: ((صحَّ ذَلِكَ نفعه الله وبلَّغه …)) . 4. وجاء اسم الكتاب في سماع النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم: (155) مصطلح الحديث، وهي نسخة قيمة وموثقة: ((سمعت جميع هذا الكتاب المترجم بكتاب " معرفة أنواع علم الحديث " …)) . 5. أطلق كثير من العلماء عَلَى الكتاب اسم " علوم الحديث " عَلَى اعتبار مضمونه ومادته العلمية. 6. ومن هؤلاء الإمام محيي الدين يحيى بن زكريا النووي المتوفَّى سنة (667 هـ) في كتابه " التقريب " (1) ، وفي " إرشاد طلاب الحقائق " سمّاه "معرفة علوم الْحَدِيْث " (2) . 7. وقال تلميذ ابن الصلاح شمس الدين أحمد بن مُحَمَّد بن خلكان المتوفَّى سنة (681هـ) في ترجمة ابن الصلاح: ((وصنّف في علوم الحديث كتاباً نافعاً …)) (3) . 8. واختصره الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر الدمشقي المعروف بـ: ابن كَثِيْر المتوفَّى سنة (774 هـ) وسمّى هذا المختصر "اختصار علوم الحديث". 9. وكذا سمّاه " علوم الحديث " الإمام الحافظ أحمد بن محمد بن عثمان الذهبي المتوفَّى سنة (748 هـ) في كتابه " سير أعلام النبلاء " (4) .
10. وكذا قال قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن جماعة المتوفَّى سنة (767هـ) فألَّف كتاب "الجواهر الصحاح في شرح علوم الحديث لابن الصلاح"، وله نسخة خطية في دار الكُتُب المصرية تحت رقم (873 هـ) مصطلح الحديث. 11. وكذا سمَّاه الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفَّى سنة (806 هـ) في كتابه " التقييد والإيضاح لما أُطلِق وأُغلِقَ من كتاب ابن الصلاح" (1) . 12. وكذا سمَّاه " علوم الحديث " مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الشهير بالملاَّ كاتب الجلبي والمعروف بحاجي خليفة المتوفَّى سنة (1067 هـ) في كتابه: " كشف الظنون عن أسامي الكُتُب والفنون " (2) . 13. وكذا سمّاه " علوم الحديث " مُحَمَّد بن سليمان الروداني في " صلة الخلف بموصول السلف " (3) . 14. وكذا سمّاه "علوم الحديث"السيد مُحَمَّد بن جعفر الكتَّاني في كتابه " الرسالة المستطرفة " (4) . 15. وكذا عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني المتوفَّى سنة (1382 هـ) في كتابه " فهرس الفهارس والأثبات " (5) . 16. وجاء اسم الكتاب على لوحة العنوان في النسخة الموصلية المحفوظة بخزانة دار الكتب المصرية تحت رقم (1) مصطلح الحديث " علوم الحديث ". وجاءت في اللوحة الأخيرة: ((تمت أنواع علوم الحديث بمشيئة الله تعالى عَلَى يدي عليِّ بن يوسف الموصليِّ – عفا الله عنه – في مستهل جُمادَى الآخرة سنة إحدى وستين وست مئة …)) ، وهي نسخة قديمة وقَيِّمة ومنقولة من أصل عليه سماعات ((وعرضاً في مجالس آخرها يوم الأحد التاسع من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وست مئة)) . وفي آخرها توقيع ابن الصلاح بخطه وجاء فيه: ((هذا صحيح نفعه الله وبلّغه وإياي، وكتب مؤلفه – عفا الله عنه وعنهم –)) .
17. إن " المقدمة " في " علوم الحديث " هو اسم لـ" المقدمة " التي كتبها الإمام الحافظ مجد الدين أبو السعادات المبارك بن مُحَمَّد المعروف بـ: ابن الأثير الجزري المتوفَّى سنة (606 هـ) في " مقدمة " كتابه الجليل " جامع الأصول في أحاديث الرسول " 1/35–178. فإنه قال في فاتحة كتابه " جامع الأصول " الباب الأول: في الباعث عَلَى عمل الكتاب، وفيه مقدمة (1) وأربعة فصول " المقدمة " (2) . وقال في آخر " المقدمة " وهي مقَدمة في " علوم الحديث ": ((هذا آخر القول في الباب الثالث من هذه المقدمة)) 18. لذا لا يمكن التسليم من الناحية العلمية أن كتاب " معرفة أنواع علم الحديث " للإمام الحافظ ابن الصلاح أنّه ((شهير، أو معروف بالمقدمة)) . 19. ويبقى السؤال قائماً: مَن الذي سمّى كتاب ابن الصلاح "معرفة أنواع علم الحديث" بـ " المقدمة "؟ والجواب عَلَى ذَلِكَ: أ. إنّ أول من طبع الكتاب عَلَى الحجر هم الهنود سنة (1304هـ) بعناية الشَّيْخ عبد الحي اللكنوي باسم " مقدمة ابن الصلاح ". ب. ثُمَّ طبع للمرة الثانية في مطبعة السعادة بالقاهرة سنة (1326هـ) بتصحيح الشَّيْخ محمود السكري الحلبي، بعنوان: " كتاب علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح" كما كتب اسم الكتاب بأعلى كل صفحة منها "مقدمة ابن الصلاح".
ج. ثُمَّ نشر الكتاب في المطبعة العلمية بحلب سنة (1350 هـ) بعناية السيد مُحَمَّد راغب الطباخ ومذيلاً بذيلين أحدهما كتاب " التقييد والإيضاح لما أُطلِق وأُغلِق من كتاب ابن الصلاح " للحافظ العراقي، والثاني " المصباح عَلَى مقدمة ابن الصلاح " للشيخ مُحَمَّد راغب الطبَّاخ، غير أن الشيخ مُحَمَّد راغب الطبَّاخ سمَّى كتاب " التقييد " بـ: " التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصَّلاَح "، وأطلق عَلَى كتاب " مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث" لابن الصَّلاَح اسم " المقدمة " (1) . د. ثُمَّ جاءت المحقِّقة الفاضلة الدكتورة عائشة عبد الرحمان (بنت الشاطئ) فطبعت كتاب ابن الصلاح مذيلاً بكتاب " محاسن الاصطلاح " للحافظ سراج الدين البلقيني سنة (1393 هـم) تحت عنوان " مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح " في حين أن اسم الكتاب عَلَى لوحة المخطوط هو " محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح ". وهكذا اشتُهِر الكتاب باسم "المقدمة" تبعاً لطبعتي الهند (1304،1357هـ) ، وطبعة القاهرة (1326 هـ) ، والطبعة الحلبية الأولى (1350 هـ) ، والحلبية الثانية (1386 هـ) . هـ. أمَّا ما جاء عن أرجوزة قاضي القضاة شهاب الدين أبي عبد الله مُحَمَّد بن أحمد بن أحمد بن خليل الخويِّي المتوفَّى سنة (693هـ) ، والمسمَّاة بـ" أقصى الأمل والسول في أحاديث الرَّسُوْل "، والموجود منها نسخة في دار الكُتُب المصرية تحت رقم (256) مصطلح حديث من القول: ((هي أرجوزة نظم فيها مقدمة ابن الصلاح)) (2) ، فهذا القول قاله مؤلفو كتاب " فهرست المخطوطات " لدار الكُتُب المصرية.
و. وكذا ما جاء في تسمية كتاب قاضي القضاة مُحَمَّد بن إبراهيم ابن جماعة المتوفَّى سنة (733هـ) "مختصر تلخيص مقدمة ابن الصلاح في معرفة أنواع علوم الحديث" الموجودة في دار الكتب المصرية تحت رقم (352) مصطلح حديث فإن هذه التسمية هي تسمية النسَّاخ وصانعو فهرست دار الكتب المصرية (1) . وأن اسم الكتاب هو "المنهل الروي في الحديث النبوي" كما جاء في النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (217 طلعت) (2) وتحت هذا الاسم نشر الكتاب. لذا فإن الصواب في اسم كتاب ابن الصلاح هو " معرفة أنواع علم الحديث " وأن تسميته بـ: " المقدمة " هُوَ اجتهاد من ناشري الكِتَاب في الطبعة الهندية الأولى والثانية، وكذا الطبعة المصرية … ثُمَّ سار الناس عَلَى هذه التسمية، وهي تسمية حديثة لَمْ يقلها أحد من أهل العلم)) (3) . الدكتور ماهر ياسين الفحل
المقبول في مصطلح الحديث
المقبول. المقبول لغةً: ضد المردود، وهو المأخوذ المرضي (1) . وهو بنفس المعنى في اصطلاح المحدثين، قال الحافظ ابن حجر: ((المقبول: وهو ما يجب العمل به عند الجمهور)) (2) . هذا فيما يخص الحديث: نعني متنه، أما لفظة: ((المقبول)) من حيث إطلاقها كحكم على أحد رجال السند، فتختلف تبعاً لاختلاف مناهج الأئمة النقاد في جرح الرواة وتعديلهم، واختلاف اصطلاحاتهم بخصوص هذا. إلا أن الذي يهمنا من هذا معناها عند الحافظ ابن حجر، وهو أمر ميسور لنا إذ أن الحافظ بيّن مراده فقال: ((السادسة: مَن ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث)) (3) من هذا يتضح أن الحافظ ابن حجر يضع ثلاثة شروط للمقبول عنده وهي: 1 - قلة الحديث. 2 - عدم ثبوت ما يترك حديث الراوي من أجله. 3 - المتابعة. فالأصل في المقبول عند الحافظ أنه ضعيف، إذ ((لين الحديث)) من ألفاظ التجريح (4) ، فإذا توبع الراوي رفعته المتابعة إلى مرتبة القبول، فالمتابعة شرط لارتقاء الراوي من الضعف إلى القبول عند الحافظ ابن حجر، و ((المقبولية)) أول درجات سلّم القبول بمعناه الأعم. ولكن ينبغي لنا أن لا نَغْفل عن أن الحافظ ابن حجر يضع أصلاً آخر للمقبول عنده، وهو كونه ((قليل الحديث)) ، وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا قلة الحديث؟
نقول: إن الراوي إذا كان قليل الحديث كان من السهل عليه ضبط حديثه وإتقان حفظه، إلا أنه لم يكن ذا شهرة تجعله محط رحال المحدثين، فيشتهر بينهم وتنطلق ألسنتهم بمدحه والثناء عليه، أو ذمه والحط منه، لذا بقي هذا الراوي دائراً في فلك خاص به، فليس هو بالحافظ المشهور فيرتقي إلى مصافهم وليس بالضعيف المعروف فينزل إلى سننهم، ولما كان هو خالياً عن كل حكم من النقاد، وكان حديثه قليلاً ليس فيه ما يدل على خطئه، وتوبع على أحاديثه القليلة، خرج عن حيز الضعف، وصار إلى مرتبة القبول، فإذا اختل شرط من هذه الشروط عدنا إلى الأصل فيه وهو الضعف. ولذا كان من منهجه – رحمه الله – أن الراوي إذا كان بهذه الصورة، إلا أنه قد وجد جرح لأحد النقاد فيه قُدِّمَ الجرح؛ لأنه صار بمثابة مرجح لأحد الطرفين (1) . والشيء الملاحظ على هؤلاء الرواة المقبولين عند الحافظ ابن حجر، أن كثيراً منهم وصف بالجهالة، وهذه فائدة عزيزة يجب التنبه لها، إذ الغالب على هؤلاء – كما سبق – عدم الشهرة، لذا فإن كل راوٍ منهم لم يكن له نصيب وافر من التلامذة الذين حدثوا عنه، وكثير منهم لم يكن له إلا راوٍ واحد، فوصف أحد من الأئمة لأحد هؤلاء الرواة بـ (الجهالة) لا يقدح في اشتراطنا: عدم ثبوت ما يترك حديثه لأجله.
وهذا المنحى من الحافظ قائم على أساس تصحيحه لاختيار أبي الحسن القطان في أن من زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قُبلَ وإلا فلا (1) . خلافاً للقاعدة المشهورة عند جمهور المحدثين في اشتراط راويين لرفع الجهالة (2) فإذا انتفى التعديل عدنا بالراوي إلى الأصل فيه وهو جهالته، وقد نص الحافظ على هذا، فقال في مقدمة التقريب: ((التاسعة: مَن لم يروِ عنه غير واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ: مجهول)) (3) ، فتعديل واحد من النقاد لهؤلاء " الوحدان " – كما هو معروف في اصطلاح أهل الحديث – قائم عند الحافظ مقام الراوي الثاني، المشترط عند الجمهور في رفع الجهالة. فإذا علمنا هذا وجب علينا أن نجعل اصطلاح الحافظ نصب أعيننا إذا ما رمنا تعقبه، وكذلك الحال مع كل إمام له اصطلاح على أمر خاص به، ولا يصح بحال من الأحوال محاكمته إلى غيرها، وإن كانت قواعد مشهورة قال بها الجمهور، وإلا كان هذا من باب المشاحة في الاصطلاح، وهي مسألة غير مقبولة عند الجميع. وهذا الفهم الصحيح السديد – إن شاء الله – كان حظه الغياب من ذهن المحررين، لذا نجدهما تخبطا إزاء الموقف ممن يقول فيه الحافظ: ((مقبول)) فتارة يوثقانه، وأخرى يجهلانه، وثالثة يصفاه بالصدوق الحسن الحديث ورابعة يضعفانه، فكان هذا الموقف المتصلب من الحافظ وأحكامه من أدل الأدلة على أن المحررين لم يكونا ذوي منهج واحد، متصف بالأصالة والإنصاف، فكانت النتيجة أن جاء تحريرهما مشحوناً بألوان التناقض، ويتضح لك هذا جلياً من خلال الإحصائية الآتية:
1 – من قال فيه الحافظ ابن حجر: ((مقبول)) . وقالا: ((حسن الحديث)) أو: ((صدوق حسن الحديث)) ، ومجموع هذا (260) ترجمة، وإليك أرقامها في تحريرهما: 11، 19، 525، 713، 753، 764، 809، 851، 857، 931 933، 995، 996، 1094، 1107، 1205، 1327، 1368 1448، 1664، 1694، 1797، 1786، 1874، 1832، 1905 1949، 2005، 2023، 2053، 2173، 2193، 2211، 2310 2375، 2385، 2596، 2693، 2731، 2751، 2880، 2882 2886، 2912، 2956، 3016، 3167، 3174، 3244، 3261 3273، 3321، 3362، 3368، 3386، 3423، 3451، 3595 3599، 3610، 3685، 3689، 3719، 3732، 3752، 3785 3802، 3818، 3845، 3864، 3916، 3920، 3970، 3988 4019، 4026، 4037، 4038، 4071، 4072، 4089، 4097 4112، 4135، 4153، 4155، 4173، 4177، 4202، 4207 4220، 4226، 4243، 4265، 4284، 4302، 4304، 4337 4338، 4383، 4441، 4460، 4474، 4475، 4487، 4499 4505، 4514، 4524، 4533، 4538، 4556، 4567، 4572 4749، 4780، 4788، 4824، 4852، 4868، 4879، 4921 4930، 4931، 4938، 4970، 5005، 5029، 5047، 5058 5166، 5216، 5225، 5245، 5289، 5293، 5304، 5313 5330، 5339، 5349، 5356، 5359، 5436، 5442، 5519 5525، 5527، 5560، 5562، 5571، 5587، 5599، 5608 5619، 5622، 5626، 5825، 5832، 5858، 5915، 5920 5928، 5929، 5960، 5991، 5994، 6012، 6024، 6047 6063، 6073، 6119، 6205، 6212، 6278، 6350، 6500 6581، 6582، 6640، 6649، 6650، 6653، 6659، 6660 6670، 6679، 6739، 6746، 6757، 6778، 6803، 6817 6822، 6836، 6888، 6922، 6924، 6926، 6950، 6965 6983، 6991، 7015، 7025، 7039، 7043، 7060، 7090 7167، 7168، 7281، 7284، 7339، 7377،
7448، 7506 7547، 7553، 7597، 7621، 7673، 7693، 7732، 7739 7742، 7746، 7765، 7771، 7787، 7832، 7857، 7944 7947، 7956، 7983، 8070، 8073، 8092، 8106، 8132 8137، 8168، 8180، 8229، 8230، 8232، 8233، 8252 8287، 8295، 8349، 8366، 8379، 8452، 8551، 8578 8680، 8729. 2 – من قال فيه الحافظ ابن حجر: ((مقبول)) . وقالا عنه: ((مجهول)) أو ((مجهول الحال)) ، ومجموع ذلك (657) ترجمة، وإليك أرقامها:
22، 40، 462، 555، 647، 651، 656، 672، 719، 787 806، 815، 843، 848، 855، 860، 863، 892، 901 914، 949، 972، 983، 986، 997، 1013، 1023، 1066 1074، 1096، 1108، 1143، 1148، 1155، 1157، 1170 1171، 1283، 1294، 1297، 1298، 1307، 1328، 1362 1386، 1387، 1402، 1409، 1413، 1466، 1482، 1522 1535، 1539، 1540، 1569، 1573، 1574، 1595، 1598 1621، 1665، 1758، 1771، 1782، 1792، 1819، 1829 1833، 1838، 1860، 1910، 1922، 1929، 1931، 1951 1998، 2000، 2006، 2012، 2021، 2058، 2065، 2079 2089، 2091، 2094، 2108، 2109، 2119، 2135، 2137 2141، 2142، 2164، 2167، 2168، 2182، 2187، 2188 2203، 2244، 2256، 2257، 2268، 2271، 2301، 2324 2341، 2357، 2364، 2371، 2383، 2392، 2407، 2428 2440، 2452، 2454، 2481، 2483، 2525، 2537، 2548 2567، 2569، 2579، 2585، 2586، 2607، 2673، 2679 2707، 2708، 2717، 2760، 2784، 2786، 2800، 2804 2812، 2823، 2827، 2835، 2840، 2856، 2858، 2868 2875، 2876، 2878، 2883، 2895، 2899، 2900، 2903 2906، 2924، 2926، 2957، 2958، 2964، 2979، 2981 3006، 3031، 3049، 3107، 3119، 3124، 3166، 3240 3243، 3249، 3254، 3267، 3294، 3314، 3316، 3334 3340، 3349، 3351، 3355، 3367، 3372، 3398، 3426 3428، 3432، 3433، 3453، 3460، 3463، 3480، 3483 3494، 3496، 3503، 3507، 3509، 3514، 3517، 3559 3561، 3566، 3584، 3597، 3612، 3618، 3642، 3644 3647، 3655، 3663، 3681، 3716، 3725، 3769، 3772 3777، 3787، 3805، 3817، 3837، 3841، 3863، 3870 3871، 3872، 3884، 3889، 3894، 3899، 3904، 3908 3912، 3951، 3955، 3957، 3975
، 3976، 3979، 3998 4003، 4004، 4052، 4076، 4084، 4093، 4123، 4128 4157، 4188، 4203، 4212، 4222، 4232، 4250، 4311 4333، 4340، 4342، 4352، 4363، 4381، 4391، 4396 4405، 4406، 4413، 4420، 4447، 4453، 4454، 4456 4465، 4470، 4486، 4512، 4557، 4570، 4581، 4596 4607، 4609، 4610، 4611، 4619، 4632، 4637، 4658 4659، 4676، 4683، 4712، 4746، 4767، 4772، 4774 4778، 4782، 4789، 4822، 4825، 4827، 4831، 4854 4869، 4899، 4901، 4916، 4932، 4957، 4985، 4987 4998، 5000، 5006، 5018، 5023، 5027، 5037، 5038 5056، 5061، 5068، 5069، 5076، 5080، 5116، 5124 5149، 5151، 5173، 5176، 5193، 5257، 5261، 5264 5279، 5316، 5324، 5352، 5353، 5363، 5386، 5414 5464، 5467، 5478، 5480، 5493، 5500، 5516، 5563 5592، 5595، 5612، 5623، 5634، 5654، 5659، 5662 5672، 5699، 5702، 5746، 5838، 5839، 5857، 5879 5891، 5941، 5946، 5955، 5959، 6000، 6004، 6008 6015، 6026، 6037، 6041، 6042، 6059، 6061، 6096 6099، 6102، 6111، 6147، 6148، 6155، 6166، 6191 6240، 6273، 6280، 6283، 6292، 6317، 6406، 6428 6431، 6438، 6447، 6449، 6450، 6452، 6462، 6514 6515، 6518، 6522، 6532، 6536، 6546، 6556، 6560 6568، 6569، 6578، 6585، 6592، 6593، 6618، 6630 6631، 6636، 6639، 6645، 6651، 6654، 6668، 6677 6680، 6697، 6711، 6717، 6731، 6754، 6780، 6786 6792، 6810، 6831، 6841، 6847، 6865، 6866، 6881 6891، 6892، 6902، 6906، 6913، 6914، 6919، 6928 6961، 6974، 6981، 6990، 7008، 7012، 7041، 7052 7058، 7085، 7091، 7096، 7101، 7102، 7106، 7117 7134، 7138
، 7142، 7156، 7169، 7171، 7188، 7191 7214، 7229، 7267، 7272، 7310، 7313، 7326، 7331 7335، 7342، 7351، 7353، 7354، 7363، 7409، 7410 7415، 7441، 7458، 7459، 7460، 7476، 7533، 7567 7595، 7596، 7609، 7611، 7613، 7615، 7666، 7691 7692، 7705، 7750، 7757، 7768، 7800، 7814، 7827 7838، 7846، 7848، 7850، 7863، 7879، 7884، 7910 7927، 7929، 7930، 7932، 7933، 7935، 7936، 7938 7942، 7954، 7969، 7977، 7982، 8012، 8014، 8017 8018، 8028، 8039، 8043، 8045، 8050، 8058، 8060 8071، 8084، 8089، 8100، 8101، 8121، 8123، 8124 8125، 8135، 8139، 8148، 8153، 8159، 8170، 8171 8173، 8177، 8181، 8189، 8200، 8202، 8210، 8216 8240، 8243، 8247، 8255، 8264، 8268، 8279، 8306 8309، 8313، 8320، 8325 م، 8363، 8365، 8368 8369، 8392، 8400، 8401، 8405، 8409، 8420، 8427 8430، 8432 8438، 8446، 8478، 8483، 8484، 8486 8493، 8530، 8533 8549، 8559، 8560، 8566، 8569 8570، 8579، 8580 8582، 8583، 8587، 8589، 8596 8603، 8610، 8626 8649، 8656، 8664، 8677، 8679 8681، 8682، 8685 8692، 8697، 8698، 8700، 8706 8714، 8733، 8736 8745، 8746، 8749، 8750، 8759 8766، 8767، 8769 8774، 8776. 3 – من قال فيه الحافظ: ((مقبول)) . وقالا عنه: ((ضعيف)) أو: ((ضعيف يعتبر به)) ، ومجموع ذلك (20) ترجمة، وإليك أرقامها: 857، 880، 922، 929، 741، 1802، 1370، 1571، 1640 1643، 1671، 1881، 1997، 2180، 2803، 3187، 3748 4530، 4574، 5964. 4 – من قال فيه الحافظ ابن حجر: ((مقبول)) . وقالا عنه: ((مستور)) وذلك ترجمتان: 1301، 1309.
5 – من قال فيه الحافظ: ((مقبول)) . وقالا عنه: ((ثقة)) أو: ((ثقة له مناكير)) أو: ((ثقة له أفراد)) ، ومجموع ذلك (27) ترجمة، وإليك أرقامها: 256، 360، 413، 774، 1419، 1626، 1722، 1009 2351، 2773، 3050، 3154، 5091، 5329، 5485، 6323 6396، 6678، 6759، 6814، 6880، 6911، 6929، 6946 7015، 7036، 7056. وخلاصة هذا المبحث: إن مجموع هذه التراجم البالغ تعدادها (1139) ترجمة، لا يرد منها شيء على الحافظ ابن حجر البتة؛ وذلك لأن المحررين بنيا أساس استدراكهما عليه بمحاكمته إلى غير اصطلاحه، وهي عملية في غاية الضعف، والثاني أن الحافظ قد بين منهجه في الكتاب، فمن استشكل شيئاً منه فإنما هو لقصورٍ في فهمه، لا لتقصير الحافظ، فالتعقب عليه بهذا النحو: تسويد أوراق لا طائل تحته، ولم نشأ تعقب المحررين في كل ترجمة مما ذكر خشية الإطالة، وتضخم الكتاب، وهذه ومثيلاتها جعلت المحررين يفرحان بازدياد العدد وتكاثره من أجل الحط من صنيع الحافظ ابن حجر، ولكن يأبى الله إلا أن يحق الحق. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الدكتور ماهر ياسين الفحل
توثيق ابن حبان
رابع عشر: (ص 32) : قالا: ((هذا الموقف المضطرب من توثيق ابن حبان والعجلي وابن سعد وأضرابهم، والذي يمكن تقديم عشرات الأمثلة عليه لا يمكن إحالته على سبب من الأسباب، سوى الابتعاد عن المنهج وخلو الكتاب منه، ومثله مثل مئات التراجم التي لم يحررها تحريراً جيداً، بحيث ضعَّف ثقات، ووثق ضعفاء، وقبل مجاهيل، واستعمل عبارات غير دقيقة في المختلف فيهم مما سيجده القارئ الباحث في مئات الانتقادات والتعقبات التي أثبتناها في " تحرير أحكام التقريب ")) . أما القاعدة الصحيحة في الموقف من توثيق ابن حبان، فهي كما يلي: 1- ما ذكره في كتابه " الثقات " وتفرد بالرواية عنه واحد - سواء أكان ثقة أم غير ثقة - ولم يذكر لفظاً يفهم منه توثيقه، ولم يوثقه غيره، فهو يعد مجهول العين، وهي القاعدة التي سار عليها ابن القطان الفاسي وشمس الدين الذهبي، ولهما فيها سلف عند الجهابذة، فقد قال علي ابن المديني في جري بن كليب السدوسي البصري: ((مجهول لا أعلم روى عنه غير قتادة)) ، وقال في جعفر بن يحيى بن ثوبان: ((شيخ مجهول لم يرو عنه غير أبي عاصم (الضحاك بن مخلد النبيل)) ) ، وقال أبو حاتم الرازي في حاضر بن المهاجر الباهلي: ((مجهول)) مع أن شعبة بن الحجاج روى عنه. 2- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه اثنان، فهو مجهول الحال. 3- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه ثلاثة، فهو مقبول في المتابعات والشواهد. 4- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه أربعة فأكثر، فهو صدوق حسن الحديث. 5 - إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدل على التوثيق فمعنى هذا أنه فتش حديثه فوجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات، فمثل هذا يوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار، لما لابن حبان من المنزلة الرفيعة في الجرح والتعديل.
6- أما تضعيفه، فينبغي أن يعد مع الجهابذة المجودين، لما بينه في كتابه من الجرح المفسر، وربما يعترض معترض علينا في عدم اعتبار ذكر ابن حبان لراو تفرد عنه الواحد والاثنان في " الثقات "، فنقول: إن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح، وإن كان لا يعرفه، وهذا لا يدل على توثيق أصلاً، فقد قال في " الثقات " مثلاً: ((سلمة، يروي عن ابن عمر، روى عنه سعيد بن سلمة، لا أدري من هو ولا ابن من هو)) ! وقال في موضع آخر: ((جميل، شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة روى عنه عبد الله بن عون، لا أدري من هو ولا ابن من هو)) وقال في ترجمة الحسن بن مسلم الهذلي: ((يروي عن مكحول روى عن شعبة، إن لم يكن ابن عمران فلا أدري من هو)) . أقول مستعيناً بالله: انطوى كلامهما هذا بطوله على جملة من التوهمات والقواعد الباطلة والتناقضات الواضحة، أقتصر الرد فيها على الأمور الآتية: أولاً: وصفهما لكتاب ابن حجر بالخلو من المنهج والابتعاد عنه، تهمة قذفا بها الحافظ وهي بهما أحق، ومن خلال تتبعي لتراجم تحريرهما وقفت على جملة أشياء، تثبت بما لا يقبل الشك، خلو تحريرهما من المنهج، وافتقارهما إلى سبيل واضحة يسيران عليها، الأمر الذي نجم عنه ظهور ما يأتي: 1- من بدهيات علم التحقيق: أن المحقق يسير على طريق واضحة، يتخذها نهجاً له في الكتاب كله، والمحرران تجردا في تحقيقهما لنص التقريب من أي منهج، ومن الأمثلة على هذا أنهما اضطربا في مسألة إثبات الصواب في المتن أو الهامش، وسأجلي لك عظم هذا الاضطراب من الإحصائية الآتية: أ. أثبتا الصواب في الأصل، وأشارا إلى الخطأ في الهامش، في مئة وثمان وعشرين (128) ترجمة، وإليك أرقامها:
عقيب: 85، 395، 535، 549، 558، 598، 601، 609، 773 882، عقيب: 901، 907، 1092، 1459، 1521، 1580 1599، 1618، 1620، 1664، 1875، 1997، 2024، 2207 2442، 2600، 2669، 2763، 2823، 2900، 2912، 2949 3288، 3327، 3388، 3436، 3503، 3510، 3539، 3577 3616، 3654، 3760، 3795، 4035، 4217، 4278، 4383 4598، 4629، 4630، 4827، 4886، 4941، عقيب: 5262 5531، 5735، 5746، 5822، 5862، 5913، 5934، 5992 6019، 6065، 6098، 6139، 6140، 6225، 6229، 6241 6312، 6412، 6440، 6448، 6491، 6498، 6499، 6546 6576، 6592، 6648، 6673، 6700، 6722، 6750، 6777 6778، 6822، 6926، 6954، 6988، 7070، 7081، 7241 7349، 7359، 7386، 7427، 7472، 7497، 7603، 7626 7627، 7639، 7682، 7756، 7783، 7883، 7888، 7932 7946، 8049، 8102، 8148، 8174، 8237، 8239، 8327 8339، 8349، 8421، 8447، 8685، 8801، عقيب: 8807 عقيب: 8813، 8822. ب. أثبتا الخطأ في الأصل، وأشارا إلي الصواب في الهامش، في مئة وأربع وأربعين (144) ترجمة، وإليك أرقامها:
38، 44، 56، 146، 176، 193، 223، 262، 336، 368 418، 444، 568، 573، 589، 607، 643، 670، 783 815، 836، 861، 894، 910، 946، 952، 954، 962 967، 1007، 1028، 1070، 1124، 1150، 1154، 1591 1619، 1628، 1859، 1974، 2059، 2108، 2466، 2490 2589، 2602، 2802، 2833، 2964، 3044، 3136، 3264 3303، 3314، 3325، 3348، 3396، 3398، 3454، 3457 3486، 3491، 3500، 3517، 3524، 3534، 3585، 3607 3615، 3648، 3667، 3677، 3689، 3724، 3728، 3766 4060، 4127، 4277، 4300، 4304، 4314، 4315، 4333 4336، 4378، 4384، 4397، 4416، 4417، 4440، 4482 4491، 4817، 4879، 5004، 5329، 5465، 5679، 5970 6079، 6114، 6178، 6314، 6569، 6867، 6890، 6993 7110، 7150، 7162، 7203، 7224، 7226، 7244، 7304 7334، 7347، 7354، 7414، 7456، 7532، 7553، 7565 7616، 7680، 7749، 7847، 7859، 7872، 7873، 8013 8275، إحالة 4 / 243 (أبو عمر الندبي) ، 8283، إحالة 4 / 344 (العائذي) ، إحالة 4 / 353 (الهجري) ، إحالة 4 / 365 (زوج درة) إحالة 4 / 366 (سابق العرب) ، 8522، 8573، 8745، 8799. أفليس هذا من الابتعاد عن المنهج وعدم الالتزام به؟! . 2 - ومن الأمثلة على فقدان المنهج عند المحررين، أنهما أضافا ترجمتين ادعيا أنهما من عندهما - ولست أريد هنا أن أدخل في نقاش معهما في ذلك فقد تناولت ذلك مفصلاً في موضعه من كتابي " كشف الإيهام "- ولكن الذي تجدر الإشارة إليه أنهما لما أضافا ترجمة (زياد بن عمرو بن هند الجملي) كررا رقم الترجمة التي قبله وأعقباها بحرف (ب) ولما أضافا ترجمة (عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي) كررا أيضاً رقم الترجمة التي قبله، وأعقباها بحرف (م) .
فهل هذا من المنهج في شيء؟ ولو كان لديهما منهج لظهر هنا، إذ الأمر في منتهى اليسر فليست سوى ترجمتين، فأي الكتابين أبعد عن المنهج؟! وقس أنت الأمور واحكم، فلئن أخلا بالمنهجية في هذه الجزئية الصغيرة، فما بقي كان أعظم؟! ثانيا: وضعا جملة من المباحث أسموها ((قاعدة صحيحة)) في الموقف من توثيق ابن حبان، وهي أمور في المنتهى من الغرابة، أوجز الرد عليها بما يأتي: 1- إن مَنْ يُنَظِّر شيئاً ينبغي عليه أن يكون أول العاملين به، وهذا مما أخل به المحرران، فقد نصا في الفقرة الأخيرة من كلامهما على: ((أن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح، وإن كان لا يعرفه، وهذا لا يدل على توثيق أصلاً)) والمحرران بهذا يرميان إلى التفريق بين ذكر ابن حبان للراوي فقط دون النص على توثيقه، وبين ذكره مع النص على توثيقه، وهذا أمر نتفق معهم على بعضه؛ لكن المحررين نسيا هذه القاعدة البتة أثناء عملهما في المجلد الأول من تحريرهما، ولم تخطر هذه القاعدة لهما على بالٍ إلا في ثلاثة تراجم (420، 964، 1694) وستجد الكثير مما أشرت إليه في كتابي" كشف الإيهام "، وكذلك نسيا هذه القاعدة في كثير من المواضع للمجلدات الأخرى، عزبت عن التنبيه إليها هنا خشية الإطالة. 2- تكلم المحرران في الفقرة (6) عن تضعيف ابن حبان فقالا: ((أما تضعيفه فينبغي أن يعد مع الجهابذة المجودين، لما بينه في كتابه من الجرح المفسر)) أقول: إن كان ابن حبان في جرحه للرواة في مصاف الجهابذة المجودين، فهل يصح أن نهمل أو نغمر جرح من هو جهبذ مجود، كلما عنَّ ذلك لسبب أو لغير سبب؟! وإليك نماذج لتراجم تركا فيها قول ابن حبان، فقالا بغير قوله من غير ما التفات إلى ما ذكرا: أ- الترجمة (2723) لم يعتدا بجرح ابن حبان وغمزا قوله: ((ربما خالف)) ب- الترجمة (3282) وصفا جرحه بالتعنت، وقرعا بالحافظ لاعتداده بجرحه.
ج- الترجمة (3336) غمزا فيها جرح ابن حبان. د- الترجمة (3745) ردا فيها جرح ابن حبان. فكيف سيكون قولك إذا علمت أن ابن حبان لم ينفرد بجرحه؟ بل جرح المترجمَ سيدُ النقاد الإمام البخاري بالصفة نفسها التي جرحه بها ابن حبان والمحرران يلمحان إلى رد نقدهما فقالا: ((أما قول ابن حبان في " الثقات ": يخطئ ويهم، فنظنه أخذه من البخاري)) ، فكيف الأمر وقد ردا جهبذين مجودين؟!!! هـ- الترجمة (4275) أقذعا القول فيها لابن حبان، فقالا: ((فهذا - يردان جرحه للراوي - من قعقة ابن حبان)) . و الترجمة (5846) غمزا ابن حبان، فقالا: ((وذكره ابن حبان وحده في " الثقات "، وقال: يخطئ ويخالف، وهذا من عجائبه!)) . فحتى وإن سلمنا جدلاً بأن ابن حبان أخطأ في بعض هذا فلسنا ندعي عصمته، فقد كان لازماً عليهما أن يتحدثا عنه بكل أدب واحترام. 3- اضطرب موقف المحررين من توثيق ابن حبان - حسب ما يستجد لهما من قرائن، وليت استقراء القرائن عندهما كان دقيقاً، فهما يعميان الأمر على القارئ، فإذا أرادا توثيق الراوي قالا: وثقه ابن حبان، وحقيقة الأمر أنه إنما ذكره فقط، وإذا تكلما في الراوي ضربا عن توثيقه صفحاً، وإليك مثُل ذلك: أ- الترجمة (2906) قالا: ((ولم يوثقه سوى ابن حبان، وتوثيقه شبه لا شيء)) . ب- الترجمة (3343) قالا: ((ولم يوثقه سوى العجلي وابن حبان وتوثيقه شبه لا شيء عند انفرادهما)) . ج- الترجمة (3349) جهلا الراوي وقالا: ((حينما ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " قال: يخطئ)) . د- الترجمة (3360) اعتدا فيها بذكر ابن حبان له في الثقات. هـ- الترجمة (3617) ضعفا الراوي ثم قالا: ((وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ ويخالف)) وهذا اعتداد منهما بالجرح دون التوثيق.
4- بخصوص نص ابن حبان على توثيق الرواة، قالا: ((إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدل على التوثيق، فمعنى هذا أنه فتش حديثه ووجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات، فمثل هذا يُوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار، لما لابن حبان من المنزلة الرفيعة في الجرح والتعديل)) . أقول: من أسس قاعدة ثم هدمها بمعول مخالفته لها، حريٌّ بمن بعده عدم الأخذ بها، وأكتفي هنا بمثالين، جاءت إدانتهما فيه من قلميهما، فقد قال الحافظ ابن حجر في الترجمة (3660) : ((عبد الله بن نافع الكوفي، أبو جعفر الهاشمي مولاهم: صدوق، من الثالثة. د عس)) . فتعقباه بقولهما: ((بل مجهول، تفرد بالرواية عنه الحكم بن عتيبة، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: صدوق)) فأين المنزلة الرفيعة؟ وأين أنزلا توثيق ابن حبان من توثيق الأئمة الكبار؟؟ وهل الأمر سوى محاولة تعقب الحافظ ابن حجر؟ نسأل الله السلامة. والمثال الثاني: قال الحافظ (1221) الحسن بن جعفر البخاري: ((ثقة)) وقد تعقباه بقولهما: ((بل مقبول، روى عنه اثنان ولم يوثقه سوى ابن حبان)) . أقول: وابن حبان قد صرح بتوثيقه (8 / 173) فقال: ((الحسن بن جعفر من أهل بخارا، ثقة)) وتصريح ابن حبان في توثيقه للمترجم نقله الإمام المزي في " تهذيب الكمال " (6 / 73) ، وابن حجر في " تهذيب التهذيب " (2 / 260) .
ثالثاً: مسألة كثرة الرواة عن الشخص هل تعني توثيقاً؟ أو تحسن من حال الراوي؟ وهي مسألة أحب الدخول معهم بصددها في نقاش علمي، ولذا سيتمحور ردي في كل فقرة منه على محورين، الأول: إبطال ما قعداه، الثاني إيراد أمثلة عملا فيها بخلاف ما قعداه؛ ولكنني وقبل الولوج في هذا أود أن أتناول قاعدة لهج بها المحرران كثيراً في كتابهما، ألا وهي رواية الجمع، فقد كررا القول مراراً: ((روى عنه جمع)) فهل رواية الجمع تنفع الراوي أم لا؟ . أقول: لا بد في كل راوٍ – لكي تقبل روايته – من معرفة حاله، وخبرة سيرته حتى يتسنى للناقد الحكم بقبول رواية ذلك الراوي أو ردها، إلا أن بعض الرواة لم يستطع العلماء أن يتعرفوا حالهم، وهم الذين يدعون (بالمجاهيل) وليسوا في طبقة واحدة، بل المشهور أنهم ثلاثة: مجهول العدالة ظاهراً وباطناً، ومجهول العدالة باطناً وهو الذي يسمى (مجهول الحال) ، ومجهول العين. وقد نصت كتب المصطلح أن من روى عنه شخص واحد، ولم يعلم حاله فهو مجهول العين فإن روى عنه آخر صار مجهول الحال، فزيادة العدد هنا قد حسنت من حال الراوي، لكن ينبغي التنبه لثلاثة أمور: الأول: إن هذه الزيادة لم تخرجه عن حيز الجهالة، بل غاية نفعها أن أزالت عنه شيئاً من جهالته، فنقلته من مرتبة جهالة إلى مرتبة جهالة أخرى أخف منها. الثاني: إن هذه الزيادة حتى وإن عظمت فبلغت أكثر من اثنين غير مقتضية لإثبات العدالة، وقد نص الخطيب البغدادي وغيره على ذلك، فقال: أقل ما ترتفع به الجهالة – يعني: جهالة العين – أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك؟ …إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه)) (الكفاية: ص:150) .
الثالث: إن العبرة أصلاً ليست بكثرة الرواة وقلتهم، بل بالمعرفة والسبر وللحافظ ابن القطان الفاسي كلام نفيس في كتابه " بيان الوهم والإيهام " (4 / 13 عقيب 1432) حول قبول رواية المستور فقال – رحمه الله -: ((والحق في هذا أنه لا تقبل روايته، ولو روى عنه جماعة، ما لم تثبت عدالته، ومن يذكر في كتب الرجال برواية أكثر من واحد عنه مهملاً من الجرح والتعديل، فهو غير معروف الحال عند ذاكره بذلك، وربما وقع التصريح بذلك في بعضهم)) . وقال الإمام السيوطي في شرحه لألفية العراقي (ص 244) : ((الرواية تعريف له – [يعني: للراوي] والعدالة بالخبرة، وبأنه قد لا يعلم عدالته ولا جرحه)) وقال أحد الباحثين: ((ذكرت في المبحث السابق عن عدد من أئمة النقد أنهم قد يعدون الراوي مجهولاً إذا لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، وقد يعدّونه ثقة، وقد يجهلون من روى عنه جماعة، وقد يوثقونه، أو يذكرون أنه معروف، وهذا يعني أن العبرة عندهم ليست في عدد الرواة عن الشيخ، وإنما العبرة بمعرفته واستقامة روايته)) (رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ص (194)) . والآن حان الوقت للدخول في مناقشة كلام المحررين: 1- إن من ذكره ابن حبان في ثقاته، وكان له راوٍ واحد، فهو مجهول العين وهذه قاعدة تكاد تكون محل اتفاق المحدثين، إلا أن المحررين لم يلتزما ذلك رغم كونها عميقة الأصالة لدى المحدثين، وسأسوق أمثلة على ذلك: أ- الترجمة (188) ، تفرد بالرواية عنه الأوزاعي، وذكره ابن حبان في الثقات (6 / 21) ، وقال ابن حجر: مجهول، تعقباه بأنه: ثقة!! ب- الترجمة (1385) ، تفرد بالرواية عنه الزهري، وذكره ابن حبان في الثقات (4/159) وقال ابن حجر: صدوق الحديث، ولم يتعقباه!!
ج- الترجمة (1722) تفرد بالرواية عنه محمد إسحاق، وذكره ابن حبان في الثقات (6/271) وقال ابن حجر: مقبول، فتعقباه بأنه: ثقة!! د- الترجمة (3569) تفرد بالرواية عنه أبو سعيد جعثل بنص الذهبي في الميزان (2 / 483 و 499) وذكره ابن حبان في الثقات (5 / 51) قال عنه ابن حجر: صدوق، فتعقباه بأنه: ثقة!! هـ- الترجمة (3669) ، تفرد بالرواية عنه عبد الله بن أبي مليكة بنصهما وذكره ابن حبان في ثقاته (5 / 47) ، وقال عنه ابن حجر: وثقه النسائي، فتعقباه بأنه: ثقة!! و الترجمة (5091) تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي بنصهما وذكره ابن حبان في الثقات (5 / 180) ، قال الحافظ عنه: مقبول فتعقباه بأنه: ثقة!! ز- الترجمة (5214) ، تفرد بالرواية عنه عمرو بن دينار، ذكره ابن حبان في الثقات (5 / 281) قال الحافظ: ليس بمشهور، تعقباه بأنه: صدوق حسن الحديث!! ح- الترجمة (5878) تفرد بالرواية عنه سليمان بن حرب، وذكره ابن حبان في الثقات (7 / 422) ، قال الحافظ: مقبول، فتعقباه بأنه: ثقة!! ط- الترجمة (7200) تفرد بالرواية عنه الأوزاعي، ذكره ابن حبان في الثقات (7 / 545) قال الحافظ: ثقة، فتعقباه بأنه: صدوق حسن الحديث!! ي- الترجمة (7338) تفرد بالرواية عنه عبد الله بن عون، ذكره ابن حبان في الثقات (7/573) قال الحافظ: مجهول، فتعقباه بأنه: ثقة!! ك- الترجمة (8349) تفرد بالرواية عنه أبو مجاهد سعد الطائي، ذكره ابن حبان في الثقات (5 / 72) ، قال الحافظ: مقبول، فتعقباه بأنه: صدوق حسن الحديث!!
وبهذا القدر أكتفي خشية الإطالة وإملال القارئ؛ لكن المحررين ربما اعتذرا عن بعض ذلك بوجود من وثقه، وهذا العذر لا يسعفهم في شيء، فقد أكثرا من الذهاب إلى تجهيل من انفرد عنه بالرواية واحد، وإن وثقه الجمع أما الحافظ ابن حجر فربما عدّل من حاله هكذا لقرينة خاصة كصحة أحاديث الراوي أو غيرها. 2- من ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه اثنان، فهو مجهول الحال، أود الإشارة هنا إلى أن المحررين لم يعتدا هنا بذكر ابن حبان للراوي في الثقات وذلك لأن رواية الاثنين عن الشيخ رافعة لجهالة العين مبقية على جهالة الحال، وهو أمر شاع بين المحدثين، فما قيمة ذكر ابن حبان عندهما هنا؟! وقول المحررين قول شاذ غريب؛ لأننا لم نعهد عن أحد من العلماء المتقدمين إهمال ذكر ابن حبان للراوي في ثقاته بالكلية، وإنما كانوا يفصلون في ذلك فيفرقون بين شيوخه وبين من عرفهم وبين غيرهم كما سيأتي إيضاحه، فلا يحكمون لأول وهلة بل يوازنون ويقارنون. 3- من ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه ثلاثة، فهو مقبول في المتابعات والشواهد، أقول: هذا تنظير غير صحيح، فكيف يختلف لديهما الحكم من اثنين إلى ثالث، وقد سبق الكلام على أن رواية الجمع لا تؤثر في التوثيق وكيف يفرقان بين هذه الفقرة وبين التي قبلها في الحكم، والمحصلة النهائية لحكمهما واحد، إذ إن كلاً منهما مقبول في المتابعات والشواهد. وهذا التنظير يعدم بالكلية الفائدة من ذكر ابن حبان للرواة في الثقات بالمرة إذ إن المخشي من توثيق ابن حبان توثيق المجاهيل، فإذا كان المترجم من شيوخه أو شيوخ شيوخه، أو ممن عرفهم وجالسهم فما المانع من قبول توثيقه؟! 4- من ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه أربعة فأكثر، فهو صدوق حسن الحديث.
أقول: ما بال زيادة راوٍ واحد نقلت الشيخ من فلك إلى فلك آخر، ومن رتبة إلى أخرى، وقد سبق قولي: إن العدد لا يؤثر في توثيق الراوي، وما يَرِدُ على الفقرة السابقة يَرِدُ هنا، فقد يكون الراوي من شيوخه أو شيوخ شيوخه أو من أهل بلده أو ممن عرفهم!! ويحسن بنا ونحن في هذا المقام أن نعرض لما قرره العلامة المعلمي اليماني – رحمه الله – وشاع بين كثير من الناس، إذ قال في التنكيل (2 / 450 – 451) (مجلة الحكمة العدد السابع عشر ص 393) : ((والتحقيق أن توثيقه على درجات: الأولى: أن يصرح به، كأن يقول: ((كان متقناً)) أو ((مستقيم الحديث)) أو نحو ذلك. الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم. الثالثة: أن يكون الرجل من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة. الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة. الخامسة: ما دون ذلك. فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل – والله أعلم -)) . وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله - معقباً على كلام المعلمي: ((هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف المعلمي – رحمه الله – وتمكنه من علم الجرح والتعديل وهو مما لم أره لغيره فجزاه الله خيراً. غير أنه قد ثبت لدي بالممارسة أن من كان منهم من الدرجة الخامسة فهو على الغالب مجهول لا يعرف، ويشهد بذلك صنيع الحفاظ كالذهبي والعسقلاني وغيرهما من المحققين، فإنهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة، بل والتي قبلها أحيانا)) .
والحق في ذلك أن ما قرره العلامتان المعلمي والألباني إطلاق يفتقر إلى تقييد، لتصحح هذه القاعدة، وقد أجاد بعض الباحثين في تفصيل ذلك، إذ قسم الرجال الذين ترجم لهم ابن حبان في ثقاته إلى قسمين: القسم الأول: الذين انفرد بالترجمة لهم. القسم الثاني: الذين اشترك مع غيره بالترجمة لهم، وهم على قسمين أيضاً: الأول: الرواة الذين أطلق عليهم ألفاظ الجرح والتعديل، وهؤلاء الرواة لم يكونوا على درجة واحدة، بل كان فيهم الحافظ والصدوق والمجروح والضعيف والمجهول. الثاني: الرواة الذين سكت عنهم، وفيهم الحافظ والصدوق والمستور والمجهول والضعيف ومنكر الحديث. وختاماً نص الباحث نفسه فقال: ((والفصل في الرواة الذين سكت عليهم ابن حبان هو عرضهم على كتب النقد الأخرى، فإن وجدنا فيها كلاماً أخذنا بما نراه صواباً مما قاله أصحاب كتب النقد، وإن لم نجد فيها كلاماً شافياً طبقنا قواعد النقاد عليهم، وقواعد ابن حبان نفسه. وأغلب الرواة الذين يسكت عليهم ابن حبان، ويكون الواحد منهم قد روى عنه ثقة، وروى عن ثقة، يكونون مستورين، يقبلون في المتابعات والشواهد ولذلك فإنني قلت في رسالتي عن ابن حبان في الرواة الذين ترجمهم ساكتاً عليهم: بأنهم على ثلاث درجات: 1- فمنهم الثقات وأهل الصدق. 2- ومنهم رواة مرتبة الاعتبار. 3- ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في المقبول، وهؤلاء ذكرهم للمعرفة – والله أعلم -)) (رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل (ص72)) .
والذي أميل إليه: أن ما ذهب إليه المحرران من تقييد ذلك بعدد الرواة خطأ محض نشأ عن تسرع في الأحكام وعجلة كان ينبغي بمن مثلهما أن لا يقع فيها وأن ما ذهب إليه اليماني وتابعه عليه العلامة الألباني وما نظره الباحث جيد؛ غير أن الأولى أن يقال أن ذلك لا يناط تحت قاعدة كلية مطردة بل الأمر يختلف من راوٍ إلى راوٍ حسب المرجحات والقرائن المحيطة التي تحف الراوي، فعندها يحكم على ذلك، وعليه يحمل صنيع الإمامين الجهبذين الذهبي وابن حجر، إذ إنهما لم يعملا ذلك تحت قاعدة كلية، بل مرجع ذلك إلى القرائن المحيطة وحال الراوي وقرب عهده من بُعْدِه، وكونه من المعروفين أو غير المعروفين، وكونه من أهل بلد ابن حبان من غيرهم، ولو أدرك المحرران لما وصفا صنيع الحافظ باضطراب المنهج وخلو كتابه من المنهجية، نسأل الله الستر والعافية.
حكم التدليس، وحكم من عرف به
حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ: مضى بنا في أنّ مجموع معانيه تؤول إلى إخفاء العيب، وليس من معانيه الكذب، ومع ذَلِكَ فَقَدْ اختلف العلماء في حكمه وحكم أهله. فَقَدْ ورد عن بعضهم ومنهم - شعبة - التشديد فِيْهِ، فروي عَنْهُ أنه قَالَ: ((التدليس أخو الكذب)) (1) ، وَقَالَ أَيْضاً: ((لإنْ أزني أحب إليّ من أن أدلس)) (2) . ومنهم من سهّل أمره وتسامح فِيْهِ كثيراً، قَالَ أبو بكر البزار: ((التدليس ليس بكذب، وإنما هُوَ تحسين لظاهر الإسناد)) (3) . وَالصَّحِيْح الَّذِيْ عليه الجمهور أنه ليس بكذب يصح به القدح في عدالة الرَّاوِي حَتَّى نرد جميع حديثه، وإنما هُوَ ضَرْبٌ من الإيهام، وعلى هَذَا نصّ الشَّافِعِيّ -رحمه الله- فَقَالَ: ((ومن عرفناه دلّس مرة فَقَدْ أبان لنا عورته في روايته، وليست تِلْكَ العورة بالكذب فنرد بِهَا حديثه، ولا النصيحة في الصدق، فنقبل مِنْهُ ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق)) (4) . ويمكن حمل التشدد الوارد عن شعبة عَلَى ((المبالغة في الزجر عَنْهُ والتنفير)) (5) . وإذا تقرر هَذَا، فما حكم حَدِيْث من عرف بِهِ؟ للعلماء فِيْهِ أربعة مذاهب:
الأول: لا تقبل رِوَايَة المدلس، سواء صرح بالسماع أم لا، حكاه ابن الصَّلاَحِ عن فريق من أهل الْحَدِيْث والفقه (1) ، وهذا مبني عَلَى القَوْل بأنّ التدليس نفسه جرح تسقط بِهِ عدالة من عُرِف بِهِ (2) . وهذا الَّذِيْ استظهره عَلَى أصول مذهب الإمام مالك القاضي عَبْد الوهاب في الملخص (3) . الثاني: قبول رِوَايَة المدلس مطلقاً، وَهُوَ فرع لمذهب من قَبِلَ المرسل ونقله الْخَطِيْب البغدادي عن جمهور من قَبِلَ المراسيل (4) ، وحكاه الزركشي عن بعض شارحي أصول البزدوي من الحنفية (5) . وبنوا هَذَا عَلَى ما بنوا عَلَيْهِ قبول المرسل؛ من أنّ إضراب الثقة عن ذكر الرَّاوِي تعديل لَهُ، فإن من مقتضيات ثقته التصريح باسم من روى عَنْهُ إذا كَانَ غَيْر ثقة (6) . الثالث: إذا كَانَ الغالب عَلَى تدليسه أن يَكُوْن عن الثقات فهو مقبول كيفما كانت صيغة التحديث، وإن كَانَ عن غَيْر الثقة هُوَ الغالب رد حديثه حَتَّى يصرح بالسماع، حكاه الْخَطِيْب عن بعض أهل العلم (7) ، ونقله الزركشي عن أبي الفتح الأزدي (8) . الرابع: التفصيل بَيْنَ أن يروي بصيغة مبينة للسماع، فيقبل حديثه، وبين أن يروي بصيغة محتملة للسماع وغيره فلا يقبل. وهذا الَّذِيْ عَلَيْهِ جمهور أَهْل الْحَدِيْث وغيرهم (9) وصححه جمع، مِنْهُمْ: الْخَطِيْب البغدادي (10) وابن الصَّلاَحِ (11) وغيرهما.
ثالثاً. حكم الْحَدِيْث المدلس: لما كَانَ في حَدِيْث المدلس شبهة وجود انقطاع بَيْنَ المدلس ومن عنعن عَنْهُ، بحيث قَدْ يَكُوْن الساقط شخصاً أو أكثر، وَقَدْ يَكُوْن ثقة أَوْ ضعيفاً. فلما توافرت هَذِهِ الشبهة اقتضى ذَلِكَ الحكم بضعفه (1) . الدكتور ماهر ياسين الفحل
سنة الوفاة بالهجري
الاسم ... سنة الوفاة ... الاسم ... سنة الوفاة ابن المسيب ... 94 ... الطيالسي ... 204 الشعبي ... 103 ... الواقدي ... 207 ابن سيرين ... 110 ... عَبْد الرزاق ... 211 الحسن البصري ... 110 ... أبو عاصم النبيل ... 212 همام بن المنبه ... 132 ... الفريابي ... 212 أبو حَنِيْفَةَ ... 150 ... الحميدي ... 219 معمر ... 154 ... عَبْد الله بن مُسْلِم القعنبي ... 221 الأوزاعي ... 157 ... أبو عبيد القاسم بن سلام ... 224 شعبة ... 160 ... سعيد بن مَنْصُوْر ... 227 الثوري ... 161 ... مسدد ... 228 ابن طهمان ... 163 ... ابن سعد ... 230 الليث بن سعد ... 175 ... ابن جعد ... 230 مالك ... 179 ... يحيى بن مَعِيْنٍ ... 232 ابن المبارك ... 181 ... علي بن المديني ... 234 هُشَيم ... 183 ... زهير بن حرب (أبو خيثمة) ... 234 أبو يوسف ... 183 ... ابن أبي شيبة ... 235 عَلِيّ بن زياد ... 183 ... مصعب الزبيري ... 236 المعافي بن عمران الموصلي ... 185 ... إسحاق بن راهويه ... 238 مُحَمَّد بن الحسن الشيباني ... 189 ... أبو ثور ... 240 عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم ... 191 ... سويد بن سعيد ... 240 وكيع بن الجراح ... 196 ... خليفة بن خياط ... 240 سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ ... 198 ... أحمد بن حنبل ... 241 عَبْد الرحمان بن مهدي ... 198 ... أبو مصعب الزهري ... 242 يَحْيَى بن سعيد القطان ... 198 ... ابن أبي عمر ... 243 مُحَمَّد بن حسن بن زبالة ... 199 ... هناد بن السري ... 243 يَحْيَى بن آدم ... 203 ... مُحَمَّد بن عَبْد الله الأزرقي ... 244 الشَّافِعِيّ ... 204 ... أبو حاتم الرازي ... 277 أحمد بن منيع ... 244 ... يعقوب بن سُفْيَان ... 277 يحبى الليثي ... 244 ... التِّرْمِذِيّ ... 279 ابن حبيب ... 245 ... ابن أبي الدنيا ... 281 عَبْد بن حميد ... 249 ... أبو زرعة الدمشقي ... 281 الدارمي ... 250 ... إسماعيل الْقَاضِي ... 282
ابن زنجويه ... 251 ... الحارث ... 282 الدورقي ... 252 ... ابن خراش ... 283 البُخَارِيّ ... 256 ... إبراهيم الحربي ... 285 الزبير بن بكار ... 256 ... ابن أبي عاصم ... 287 ابن عَبْد الحكم ... 257 ... عَبْد الله بن أحمد ... 290 الجوزجاني ... 259 ... بحشل (أبو الحسن) ... 292 مُسْلِم ... 261 ... البزار ... 292 العجلي ... 261 ... المروزي ... 294 ابن شبة ... 262 ... ابن الضريس ... 294 يعقوب بن شيبة ... 262 ... عثمان بن أبي شيبة ... 297 المزني ... 264 ... الفريابي ... 301 أبو زرعة الرازي ... 264 ... النسائي ... 303 داود الظاهري ... 270 ... الحسن بن سُفْيَان ... 303 ابن الجنيد ... 270 ... وكيع المؤرخ ... 306 الطرسوسي ... 273 ... أبو يعلى ... 307 أبو داود ... 275 ... الروياني ... 307 ابن ماجه ... 273 أو 275 ... ابن الجارود ... 307 ابن قتيبة ... 276 ... ابن المنذر ... 309 البلاذري ... 276 ... الدولابي ... 310 بقي بن مخلد ... 276 ... الطبري ... 310 ابن خزيمة ... 311 أبو بكر الخلال ... 311 أبو عوانة ... 316 ... ابن شاهين ... 385 أبو القاسم البغوي ... 317 ... الخطابي ... 388 أبو عروبة الحراني ... 318 ... ابن منده ... 395 الطحاوي ... 321 ... ابن جَمِيْع الصيداوي ... 402 ابن المنذر ... 321 ... الحاكم ... 405 العقيلي ... 322 ... عبد الغني بن سعيد الأزدي ... 409 ابن أبي حاتم ... 327 ... السلمي ... 412 الخرائطي ... 327 ... تمام الرازي ... 414 المحاملي ... 330 ... اللالكائي ... 418 الخِرَقِيّ ... 334 ... السهمي ... 427 الشاشي ... 335 ... ابن منجويه الأصبهاني ... 428 ابن الأعرابي ... 340 ... أبو نعيم ... 430 ابن قانع ... 351 ... الخليلي ... 446 ابن حبان ... 354 ... البكري ... 447 أبو الفرج الأصبهاني ... 356 الطبراني ... 360 ... القضاعي ... 454
الرَّامَهُرْمُزِيّ ... 360 ... ابن حزم الأندلسي ... 456 الآجري ... 360 ... البَيْهَقِيّ ... 458 ابن السني ... 364 ... الْخَطِيْب ... 463 ابن عدي ... 365 ... ابن عبد البر ... 463 أبو الشَّيْخ ... 369 ... الواحدي ... 468 الخولاني ... 370 ... الباجي ... 474 الجصاص ... 370 ... ابن ماكولا ... 475 الإسماعيلي ... 371 ... الشيرازي ... 476 أبو أحمد الحاكم ... 378 ... بيبي ... 477 المقدسي ... 380 ... أبو عبد الله الحميدي ... 488 الجوهري ... 381 ... البغوي ... 494 الدارقطني ... 385 ... ابن مردويه ... 498 الغساني ... 498 ... ابن مالك ... 672 الجياني الأندلسي ... 498 ... النووي ... 676 القيسراني ... 507 ... ابن الصابوني ... 680 الديلمي ... 509 ... ابن خلكان ... 681 أبو الخطاب الكلوذاني ... 510 البغوي (شرح السنة) ... 516 ... محب الطبري ... 694 أبو يعلى الفراء ... 526 ... ابن دقيق العيد ... 702 الزمخشري ... 538 ... ابن تيمية ... 728 ابن عطية الأندلسي ... 542 ... ابن جَمَاعَة ... 733 الجوزقاني ... 543 القاضي عِيَاض ... 544 ... ابن سيد الناس ... 734 السمعاني ... 562 ... المزي ... 742 ابن عساكر ... 571 ... الطيبي ... 743 ابن خير الإشبيلي ... 575 ... ابن عبد الهادي ... 744 ابن بشكوال ... 578 ... ابن التركماني ... 745 السهيلي ... 581 ... الذهبي ... 748 الحازمي ... 584 ... ابن القيم ... 751 ابن الجوزي ... 597 ... العلائي ... 761 عبد الغني المقدسي ... 600 ... الزيلعي ... 762 ابن الأثير مجد الدين ... 606 ... مُغلطاي ... 762 الرافعي ... 623 ... ابن شاكر الكتبي ... 764 ابن فرح ... 624 ... الصفدي ... 764 ياقوت الحموي ... 626 ... اليافعي ... 768 ابن الأثير ... 630 ... السبكي ... 771 ابن الصلاح ... 643 ... الأسنوي ... 772 الضياء المقدسي ... 643 ... ابن كثير ... 774
سبط ابن الجوزي ... 654 ... الكرماني ... 786 المنذري ... 656 ... الزركشي ... 794 القرطبي ... 671 ... ابن رجب الحنبلي ... 795 ابن فرحون ... 799 ... السندي ... 1138 البلقيني ... 805 ... الصنعاني ... 1182 العراقي ... 806 ... الزبيدي ... 1205 الهيثمي ... 807 ... الشوكاني ... 1255 الفيروزآبادي ... 816 الجرجاني ... 816 الولي العراقي ... 826 الفاسي ... 832 ابن الجزري ... 833 ابن قاضي شهبة ... 851 ابن حجر العسقلاني ... 852 العيني ... 855 ابن تغري بردي ... 874 ابن قطلوبغا ... 879 البقاعي ... 885 ابن فهد ... 885 السخاوي ... 902 السيوطي ... 911 الخزرجي ... 923 الأنصاري ... 925 ابن الكيال ... 929 مُحَمَّد بن أياس ... 930 الداودي ... 945 ابن طالون ... 953 علي القاري ... 1014 المناوي ... 1031 ابن العماد الحنبلي ... 1039 الدكتور ماهر ياسين الفحل
((شيوخ أبي داود كلهم ثقات)) الحقيقة بين التنظير والتطبيق
((شيوخ أبي داود كلهم ثقات)) الحقيقة بين التنظير والتطبيق لقد لهج محررا "تقريب التهذيب" كثيراً بتوثيق شيوخ أبي داود، وتكررت مقولتهما: ((وأبو داود لا يروي إلا عن ثقة)) ، فما هي صحة هذه القاعدة، وما مدى التزام المحررين بها؟ وهكذا فإن طبيعة البحث العلمي تحتم علينا أن نجعل الكلام ذا شقين، الصحة ثم التطبيق. لكن يحسن بنا بدءاً أن نتكلم أولاً عن التطور الزمني لنشوء هذا الادعاء. والحقيقة أن هذه القاعدة قديمة النشوء، سبقت - يقيناً - الحافظ ابن القطان (ت 628 هـ) ، إذ أنه أقدم من وجدناه ذكرها (بيان الوهم والإيهام 5 / 39 عقيب 2279) ، وهي نتيجة استقرائية، ظهرت من خلال تتبع شيوخ أبي داود، ولعل هذا الذي كان من شدة انتقاء أبي داود لشيوخه، إنما كان تأثراً بشيخه الإمام المبجل أحمد بن حنبل - رحمه الله -، وهي نتيجة لم يتفرد بها هذان الإمامان، بل شاركهما فيها عدد من الأئمة الحفاظ أمثال: عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، ومالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وبقي بن مخلد، وغيرهم. والذي يجب أن نلحظه على هذا الادعاء جملة من الأمور هي: 1 - أنها نتيجة استقرائية وليست شرطاً التزم به أبو داود، لذا قال الحافظ ابن القطان (الموضع السابق) : ((هذا لم نجده عنه نصاً، وإنما وجدناه عنه توقياً في الأخذ)) (1) . 2 - أنها خاصة به دون غيره، ومعلوم أن ما كان خاصاً بأحد لا يتعدى حكمه إلى غيره، ولذا فإن الحافظ ابن حجر لما ذكرها في تهذيبه، خصها بقوله: ((إلا عن ثقة عنده)) (2) .
3 – أنها من باب التوثيق الإجمالي، وهذا يعني عدم اطرادها، فهي قاعدة أغلبية لا كلية، لذا نجد الحافظ ابن حجر ينقل في ترجمة عمر بن هشام القبطي أو اللقيطي، عن ابن المواق، أنه قال فيه: ((هذا من مشايخ أبي داود المجهولين)) (1) . ومما يمعن في تأكيد هذا الذي قررناه، أن ثلاثة من الأئمة ممن قيل فيهم: أنه لا يروي إلا عن ثقة، وهم: شعبة بن الحجاج، ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان، رووا ثلاثتهم عن عاصم بن عبيد الله العمري (2) مع ضعفه، ولم تنفعه روايتهم شيئاً. 4 – أن هذه القاعدة – على فرض صحتها جدلاً – خاصة بشيوخه في السنن ولا تشمل بقية مصنفاته، كالمسائل والتفرد والناسخ والمنسوخ وفضائل الأنصار والقدر والمراسيل ومسند مالك، وقد نص المحرران على ذلك في مقدمتهما (3) . 5 – أن أبا داود نفسه ضعَّف وتكلم وغمز بعضاً من شيوخه الذين حدَّث عنهم في السنن، ومنهم: أ - (226 تحرير) إبراهيم بن العلاء بن الضحاك. قال أبو داود: ((ليس بشيء)) (4) . والمحرران جعلا معولهما في توثيقه رواية أبي داود عنه!! ب - (492 تحرير) إسماعيل بن موسى الفزاري. قال أبو داود: ((صدوق في الحديث وكان يتشيع)) (5) .
ج – (1331 تحرير) الحسين بن علي بن الأسود العجلي. قال أبو داود: ((لا ألتفت إلى حكاياته، أراها أوهاماً)) (1) . د – (7300 تحرير) هشام بن عبد الملك بن عمران اليزني. قال أبو داود: ((شيخ ضعيف، وقال مرة: شيخ مغفل)) (2) . هـ – (1473 تحرير) حكيم بن سيف بن حكيم الأسدي. قال الآجري: ((سألت أبا داود عن حكيم بن سيف الرقي فلم يقف عليه)) (3) . و– (2666 تحرير) سهل بن محمد بن عثمان السجستاني. قال أبو داود: ((جئته أنا وإبراهيم – يعني الأصبهاني – في كتاب وهب بن جرير، فأخرجه إلينا، فإذا فيه: حدثنا وهب، حدثنا جرير بن حازم. هكذا كله، فتركناه ولم نكتبه)) . وقال الآجري: ((سمعت أبا داود يقول: كان أعلم الناس بالأصمعي أبو حاتم)) . قال: ((وكان أبو داود لا يحدث عنه بشيء)) (4) . ز – (2794 تحرير) شعيب بن أيوب بن زريق الصريفيني. قال أبو داود: ((إني لأخاف الله في الرواية عن شعيب بن أيوب – يعني: يذمه -)) (5) . 6 – إن أبا داود روى عن شيوخ تكلم فيهم النقاد بما يقدح في مروياتهم وروى عن أشخاص لم يذكرهم أحد بجرح أو تعديل، أو ذكرهم واحد فقط، وإليك نماذج من ذلك: 1 – (155 تحرير) إبراهيم بن بشار الرمادي. قال البخاري: يهم في الشيء بعد الشيء، وهو صدوق. ((يريد الوهم من غير تعمد)) . قال أحمد: كأنَّ سفيان الذي يروي عنه إبراهيم بن بشار ليس هو سفيان بن عيينة – يعني: مما يغرب عنه – وكان مكثراً عنه.
وقال: كان يحضر معنا عند سفيان فكان يملي على الناس ما يسمعون من سفيان، وكان ربما أملا عليهم ما لم يسمعوا، ويقول – كأنه يغير الألفاظ – فيكون زيادة ليست في الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء، لم يكن يكتب عند سفيان وكان يملي على الناس ما لم يقله سفيان. وقال النسائي: ليس بالقوي. وعدّ له العقيلي أحاديث ليس لها أصل من حديث من حدّث عنه (1) . 2 – (251 تحرير) إبراهيم بن المستمر العروقي، قال ابن حبان: ربما أغرب (2) . 3 – (362 تحرير) إسحاق بن الضيف الباهلي، قال ابن حبان: ربما أخطأ (3) . 4 – (470 تحرير) إسماعيل بن عمر القطربلي. لم يوثقه أحد البتة. 5 – (492) إسماعيل بن موسى الفزاري، قال ابن حبان: كان يخطئ (4) . 6 – (624 تحرير) أيوب بن منصور الكوفي. قال العقيلي: في حديثه وهم (5) . 7 – (2584 تحرير) سليمان بن عبد الحميد البهراني. قال النسائي: كذاب ليس بثقة ولا مأمون (6) . وقال الذهبي: ضعّف (7) . 8 – (3606 تحرير) عبد الله بن مخلد بن خالد التميمي. ليس فيه توثيق ولا جرح البتة بنصهما. 9 – (4349 تحرير) عبيد الله بن أبي الوزير. لم يوثقه أحد. 10 – (696 تحرير) مبشر بن عمار القهستاني. لم يذكره أحد بجرح أو تعديل إلا إيراد ابن حبان له في الثقات (8) . 11 – (1249 تحرير) الحسن بن شوكر البغدادي. ليس فيه تعديل أو تجريح إلا ذكر ابن حبان له في الثقات (9) .
12 – (1268 تحرير) الحسن بن عمرو السدوسي. ليس فيه جرح أو تعديل. وذَكَرَ ابن حبان في ثقاته شخصاً باسم ((الحسن بن عمرو)) تردد المزي في الجزم بأنه هذا الراوي أو غيره (1) . 13 – (1331 تحرير) الحسين بن علي بن الأسود العجلي. قال أحمد: لا أعرفه. وقال ابن عدي: يسرق الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها. وقال الأزدي: ضعيف جداً، يتكلمون في حديثه. ولما ذكره ابن حبان في ثقاته قال: ربما أخطأ. وقال ابن المواق: رمي بالكذب وسرقة الحديث (2) . 14 – (1332 تحرير) الحسين بن علي بن جعفر الأحمر. قال أبو حاتم: لا أعرفه (3) ، وليس فيه أكثر من هذا. 15 – (1361 تحرير) الحسين بن يزيد بن يحيى الأنصاري. قال أبو حاتم: لين الحديث. وذكره ابن حبان في ثقاته. وليس فيه غير هذا (4) !! 16 – (1812 تحرير) داود بن مخراق الفريابي. ليس فيه جرح أو تعديل لأحد من النقاد، سوى ذكر ابن حبان له في الثقات (5) . 17 – (2374 تحرير) سعيد بن عمرو الحضرمي. قال أبو حاتم: شيخ. وليس فيه إلا هذا (6) !! 18 – (2404 تحرير) سعيد بن نصير البغدادي. ليس فيه جرح أو تعديل (7) .
19 – (2652) سهل بن تمام بن بزيع الطفاوي. قال أبو زرعة: لم يكن بكذاب، كان ربما وهم في الشيء. وقال أبو حاتم: شيخ (1) . ولما ذكره ابن حبان في الثقات قال: يخطئ (2) . 20 – (2730 تحرير) شاذ بن فياض اليشكري. قال ابن حبان: كان ممن يرفع الموقوفات، ويقلب الأسانيد، لا يشتغل بروايته، كان محمد بن إسماعيل البخاري –رحمة الله عليه– شديد الحمل عليه (3) . وقال الساجي: صدوق عنده مناكير (4) . وذكره ابن الجوزي في كتاب الضعفاء (5) . 21 – (2834 تحرير) شيبان بن فروخ أبي شيبة الحبطي. قال أبو حاتم: كان يرى القدر واضطر الناس إليه بأخرة. وقال أبو داود: صدوق، ابن عائشة (6) أثبت منه. وقال الآجري: سألت أبا داود عن هدبة وشيبان فقال: هدبة أعلى عندنا (7) . 22 – (2864 تحرير) صالح بن سهيل النخعي. ليس فيه سوىذكر ابن حبان له في الثقات (8) ، وقول الذهبي: ثقة (9) . 23 – (3080 تحرير) عاصم بن النضر بن المنتشر التيمي. ليس فيه إلا ذكر ابن حبان له في الثقات (10) .
24 – (3248 تحرير) عبد الله بن الجراح بن سعيد التميمي. قال أبو حاتم: كان كثير الخطأ ومحله الصدق (1) . 25 – (3606 تحرير) عبد الله بن مخلد بن خالد التميمي. ليس فيه جرح ولا تعديل البتة (2) . 26 – (3700 تحرير) عبد الله بن يحيى بن ميسرة. ليس فيه جرح ولا تعديل البتة، بل ولا يعرف روى عنه غير أبي داود (3) . 27 – (3845 تحرير) عبد الرحمن بن حسين الحنفي. لا يعلم فيه إلا ذكر ابن حبان له في الثقات (4) . 28 – (4097 تحرير) عبد العزيز بن السري الناقد. ليس فيه جرح أو تعديل (5) . 29 – (4173 تحرير) عبد الملك بن حبيب المصيصي. ليس فيه سوى مقولة لعثمان بن خرزاد لا تدل على جرحه أو تعديله (6) . 30 – (4349 تحرير) عبيد الله بن أبي الوزير. ليس فيه سوى قول الذهبي في ميزانه: ((ما عرفت أحداً روى عنه سوى أبي داود ولا بأس به)) (7) وهذا القول من الذهبي يسقطه قوله في الكاشف: ((لا أعرفه)) (8) . 31 – (4514 تحرير) عثمان بن محمد بن سعيد الدشتكي. قال الذهبي: فيه لين (9) . وقال في الميزان: ((صويلح، وقد تكلم فيه)) (10) . وقال ابن الجوزي في التحقيق: تكلم فيه (11) . 32 – (4879 تحرير) عمر بن حفص بن عمر الحميري الوصابي. ليس فيه إلا قول ابن المواق: لا يعرف حاله (12) .
33 – (5760 م تحرير) محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة. ليس فيه سوى قول الذهبي: ((لا يكاد يعرف)) (1) . 34 – (5808 تحرير) محمد بن حسان بن خالد الضبي. قال أبو حاتم: ليس بالقوي، وكذا قال الدارقطني (2) . 35 – (5825 تحرير) محمد بن حفص القطان البصري. ليس فيه إلا ذكر ابن حبان له في الثقات. وقول أبي عبد الله بن منده: حدّث عنه (كذا في تهذيب التهذيب وفي تعليق محقق تهذيب الكمال ولعل الصواب (عن)) ابن عيينة ويحيى القطان بالمناكير (3) . 36 – (5858 تحرير) محمد بن خلف بن طارق الداري الشامي. ليس فيه جرح أو تعديل أبداً (4) . 37 – (6263 تحرير) محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي. قال أبو حاتم: لين الحديث. وقال ابن عدي: كثير الغلط (5) . وقال مسلمة: كان كثير الوهم، وكان لا بأس به. وقال ابن وضاح: كان كثير الغلط (6) . وقال الذهبي: لمحمد هذا أحاديث تستنكر (7) . 38 – (6304 تحرير) محمد بن مصفى بن بهلول الحمصي. قال صالح جزرة: كان مخلطاً وأرجو أن يكون صادقاً، وقد حدث بأحاديث مناكير. وقال ابن حبان: كان يخطئ (8) . وذكره العقيلي في الضعفاء. وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن حديث رواه محمد بن مصفى عن الوليد فأنكره أبي جداً (9) . 39 – (6323 تحرير) محمد بن مكي بن عيسى المروزي. ليس فيه إلا ذكر ابن حبان له في الثقات (10) .
40 – (7009 تحرير) موسى بن مروان التمار البغدادي. ليس فيه إلا ذكر ابن حبان له في الثقات (1) . 41 – (7505 تحرير) يحيى بن إسماعيل الواسطي. قال أبو حاتم: أدركته ولم أكتب عنه. وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل ذكره، فقال: أعرفه قديماً، وكان لي صديقاً. وهذه عبارة لا تعني التعديل من الإمام أحمد، ثم هي إضراب من أبي داود عن الكلام فيه جرحاً أو تعديلاً أيضاً، وناهيك تضعيفاً به أن أبا داود لم يرو عنه في سننه أبداً إلا في موطن واحد (4842) قرنه بابن أبي خلف. وعلى هذا نص الجياني في شيوخ أبي داود (الورقة: 96) ، كما نقله الدكتور بشار في تعليقه على تهذيب الكمال (2) . وهذا الراوي سكت عنه الإمام الذهبي إمام النقاد في الكاشف (3) ، وقال في الميزان: لا يعرف وخبره منكر (4) . وقال في الديوان: مجهول (5) . فمثل هذا يكون حسن الحديث؟! 42 – (7623 تحرير) يحيى بن الفضل السجستاني. ليس فيه جرح أو تعديل البتة (6) . أما في الجانب التطبيقي: فقد سبق قولنا تعليقاً أن ابن القطان الفاسي – وهو من قدماء من قال بهذه القاعدة – اضطرب منهجه في المجال التطبيقي أزاء هذا وقد تابعه المحرران على اضطرابه، وتجاوزا فيه حد الإفراط فكانا متخبطين يميعان القاعدة وفقاً لمخالفتهما للحافظ، ويظهر لك هذا جلياً من خلال ما يأتي: أولاً: أقدم المحرران على إنزال سبعة وأربعين (47) راوياً، عن مرتبة ((ثقة)) إلى مرتبة أدنى خلافاً لهذه القاعدة، علماً بأنهم جميعاً من شيوخ أبي داود وإليك هم: ت ... رقم الترجمة في التحرير ... اسم الراوي ... حكم المحررين 1 ... 362 ... إسحاق بن الضيف الباهلي ... صدوق ربما أخطأ
2 ... 470 ... إسماعيل بن عمر ... قال الحافظ: مقبول وأقراه 3 ... 492 ... إسماعيل بن موسى الفزاري ... صدوق 4 ... 624 ... أيوب بن منصور الكوفي ... ضعيف يعتبر به، ولم يوثقه أحد 5 ... 696 ... بشر بن عمار القهستاني ... قال الحافظ: صدوق وأقراه 6 ... 1249 ... الحسن بن شوكر البغدادي ... قال الحافظ: صدوق وأقراه 7 ... 1251 ... الحسن بن الصباح البزار ... صدوق 8 ... 1268 ... الحسن بن عمرو السدوسي ... قال الحافظ: صدوق وأقراه 9 ... 1331 ... الحسين بن علي بن الأسود العجلي ... ضعيف 10 ... 1332 ... الحسين بن علي بن جعفر الأحمر الكوفي ... قال الحافظ: مقبول وأقراه 11 ... 1361 ... الحسين بن علي بن يحيى الأنصاري ... حسن الحديث ت ... رقم الترجمة في التحرير ... اسم الراوي ... حكم المحررين 12 ... 1421 ... حفص بن عمر الضرير البصري ... قال الحافظ: صدوق وأقراه 13 ... 1473 ... حكيم بن سيف بن حكيم الأسدي ... قال الحافظ: صدوق وأقراه 14 ... 1537 ... حمزة بن نصير بن حمزة الأسلمي ... قال الحافظ: مقبول وأقراه 15 ... 1753 ... الخليل بن زياد المحاربي ... قال الحافظ: مقبول وأقراه 16 ... 2374 ... سعيد بن عمرو الحضرمي ... صدوق حسن الحديث 17 ... 2404 ... سعيد بن نصير البغدادي ... قال الحافظ: صدوق وأقراه 18 ... 2584 ... سليمان بن عبد الحميد بن رافع البهراني ... قال الحافظ: صدوق وأقراه 19 ... 2588 ... سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى التميمي ... صدوق حسن الحديث 20 ... 2652 ... سهل بن تمام بن بزيع ... ضعيف يعتبر به ت ... رقم الترجمة في التحرير ... اسم الراوي ... حكم المحررين 21 ... 2666 ... سهل بن محمد بن عثمان السجستاني ... قال الحافظ: صدوق فيه دعابة. وأقراه 22 ... 2794 ... شعيب بن أيوب بن زريق الصريفيني ... قال الحافظ: صدوق وأقراه 23 ... 2834 ... شيبان بن فروخ أبي شيبة الحبطي ... صدوق حسن الحديث
24 ... 3210 ... عبد الله بن إسحاق الجوهري البصري ... صدوق 25 ... 3248 ... عبد الله بن الجراح بن سعيد التميمي ... صدوق حسن الحديث 26 ... 3606 ... عبد الله بن مخلد بن خالد التميمي ... صدوق حسن الحديث 27 ... 3659 ... عبد الله بن نافع الصائغ المخزومي ... صدوق حسن الحديث 28 ... 3700 ... عبد الله بن يحيى بن ميسرة ... قال الحافظ: لا يعرف ولم يتعقباه 29 ... 3845 ... عبد الرحمن بن حسين الحنفي ... صدوق حسن الحديث ت ... رقم الترجمة في التحرير ... اسم الراوي ... حكم المحررين 30 ... 3851 ... عبد الرحمن بن خالد بن يزيد القطان ... قال الحافظ: صدوق وأقراه 31 ... 4072 ... عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر الوابصي ... صدوق حسن الحديث 32 ... 4097 ... عبد العزيز بن السري الناقد ... صدوق حسن الحديث 33 ... 4173 ... عبد الملك بن حبيب المصيصي ... صدوق حسن الحديث 34 ... 4349 ... عبيد الله بن أبي الوزير ... مقبول في أقل أحواله 35 ... 4514 ... عثمان بن محمد بن سعيد الرازي ... صدوق حسن الحديث 36 ... 4879 ... عمر بن حفص بن عمر الحميري الوصابي ... صدوق حسن الحديث 37 ... 5760 ... محمد بن بكر بن عثمان البرساني ... صدوق حسن الحديث 38 ... 5760 م ... محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة ... اعتمدا قول الذهبي: لا يكاد يعرف ت ... رقم الترجمة في التحرير ... اسم الراوي ... حكم المحررين 39 ... 5808 ... محمد بن حسان بن خالد الضبي ... صدوق حسن الحديث 40 ... 5825 ... محمد بن حفص القطان البصري ... صدوق حسن الحديث 41 ... 5858 ... محمد بن خلف بن طارق الداري الشامي ... صدوق حسن الحديث 42 ... 6263 ... محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي ... صدوق حسن الحديث 43 ... 6304 ... محمد بن مصفى بن بهلول الحمصي ... صدوق حسن الحديث 44 ... 7009 ... موسى بن مروان التمار البغدادي ... صدوق حسن الحديث
45 ... 7300 ... هشام بن عبد الملك بن عمران اليزني ... صدوق حسن الحديث 46 ... 7505 ... يحيى بن إسماعيل الواسطي ... صدوق حسن الحديث 47 ... 7623 ... يحيى بن الفضل السجستاني ... صدوق حسن الحديث ثانياً: أعمل المحرران هذه القاعدة حتى في شيوخ أبي داود خارج السنن، وهو أمر يدل بلا ريب على فقدان المنهج، واطراد التناقض في هذا " التحرير " الذي لا يمت إلى التحرير بنسب ولا صلة، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ولا حول ولا قوة إلا بالله. وينجلي هذا الأمر من خلال التراجم الآتية التي سنذكرها على سبيل التمثيل، فإن المقام طال، حتى خشينا على القراء من الملال، فنقول وبه الاستعانة: 1 – (303 تحرير) الأزهر بن جميل بن جناح. إنما روى له أبو داود في " كتاب الزهد " خارج السنن بنص المحررين. 2 – (3599 تحرير) عبد الله بن محمد بن يحيى الخشاب الرملي وحديثه عند أبي داود في " المراسيل " ورقمه: (مد) . 3 – (5005 تحرير) عمرو بن الحباب العلاف البصري وحديثه عند أبي داود في " المراسيل " ورقمه: (مد) . 4 – (6062 تحرير) محمد بن عبد الجبار الهمذاني. إنما روى له أبو داود في " المراسيل " ورقمه: (مد) . 5 – (6146 تحرير) محمد بن عقيل بن خويلد. إنما روى له أبو داود في " كتاب الناسخ والمنسوخ " ورقمه: (خد) . 6 – (6232 تحرير) محمد بن قدامة بن إسماعيل السلمي البخاري وحديثه خارج السنن. 7 – (6400 تحرير) محمد بن يزيد بن عبد الملك الأسفاطي البصري وحديثه عند أبي داود في كتاب " القدر "، ورقمه: (قد) . 8 – (7114 تحرير) نصر بن عاصم الأنطاكي (1) .
فبعد هذا كله نقول: لا يصح بحال استعمال هذه القاعدة أو غيرها من قواعد التوثيق الإجمالي، في رفع مرتبة راوٍ، ومن ثم قبول حديثه، إذ قبول الحديث يترتب عليه إثبات شرع، ورحم الله الحافظ ابن حجر إذ يقول: ((وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل؛ فإنه إن عدل أحداً بغير تثبت، كان كالمثبت حكماً ليس بثابت، فيخشى عليه أن يدخل في زمرة ((من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب)) . وإن جرح بغير تحرز؛ فإنه أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك، ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً والآفة تدخل في هذا تارة من الهوى والغرض الفاسد – وكلام المتقدمين سالم من هذا غالباً – وتارة من المخالفة في العقائد)) (1) . وخلاصة القول: إنه لا يحق لنا ولا لغيرنا توثيق أحد من شيوخ أبي داود على هذه القاعدة، وأن من ذكر ما ذكر من العلماء فإنما عنوا القبول العام لا التوثيق المطلق، وما أوقع المحررين في توثيق شيوخ أبي داود على هذه القاعدة افتقارهم إلى التوثيق واحتياجهم إلى ذلك من أجل مخالفة أحكام الحافظ. الدكتور ماهر ياسين الفحل
دراسات تجديدية في أصول الحديث
دراسات تجديدية فِي أصول الْحَدِيْث: التفرد التَّفَرُّدُ في اللغة: مأخوذ من الفعل الثلاثي المزيد بحرفين (تَفَرَّدَ) . يقال: فَرَدَ بالأمر والرأي: انْفَرَدَ، وفَرَدَ الرجلُ: كَانَ وحده مُنْفرِداً لا ثاني مَعَهُ. وفَرَّدَ برأيه: اسْتَبَدَّ. وَقَدْ أشار ابن فارس (1) إلى أن تراكيب هَذَا الأصل واشتقاقاته كلها تدل عَلَى الوحدة. إِذْ قَالَ: ((الفاء والراء والدال أصل صَحِيْح يدل عَلَى وحدة. من ذَلِكَ: الفرد وَهُوَ الوتر، والفارد والفرد: الثور المنفرد …)) (2) . التفرد في الاصطلاح: عرّف أبو حفص الميانشي (3)
الفرد بأنه: ما انفرد بروايته بعض الثقات عن شيخه، دون سائر الرُّوَاة عن ذَلِكَ الشيخ (1) . ويظهر من هَذَا التعريف بعض القصور في دخول بعض أفراد المُعَرَّف في حقيقة التعريف، إِذْ قَصَرَه عَلَى انفراد الثقة فَقَطْ عن شيخه (2) . وعرّف الدكتور حمزة المليباري التفرد وبيّن كيفية حصوله، فَقَالَ: ((يراد بالتفرد: أن يروي شخص من الرُّوَاة حديثاً دون أن يشاركه الآخرون)) (3) . وهذا التعريف الأخير أعم من التعريف الأول، فإنه شامل لتفرد الثقة وغيره، وعليه تدل تصرفات نقاد الْمُحَدِّثِيْنَ وجهابذة الناقلين، ولقد كثر في تعبيراتهم: حَدِيْث غريب، أو تفرّد بِهِ فُلاَن، أو هَذَا حَدِيْث لا يعرف إلا من هَذَا الوجه، أَوْ لا نعلمه يروى عن فُلاَن إلاّ من حَدِيْث فُلاَن، ونحوها من التعبيرات (4) . ولربما كَانَ الحامل للميانشي عَلَى تخصيص التعريف بالثقات دون غيرهم، أن رِوَايَة الضعيف لا اعتداد بِهَا عِنْدَ عدم المتابع والعاضد. ولكن من الناحية التنظيرية نجد الْمُحَدِّثِيْنَ عِنْدَ تشخيصهم لحالة التفرد لا يفرقون بَيْنَ كون المتفرد ثقة أو ضعيفاً، فيقولون مثلاً: تفرد بِهِ الزهري، كَمَا يقولون: تفرد بِهِ ابن أبي أويس (5) .
وبهذا المعنى يظهر الترابط الواضح بَيْنَ المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، إِذْ إنهما يدوران في حلقة التفرد عما يماثله. والتفرد ليس بعلة في كُلّ أحواله، ولكنه كاشف عن العلة مرشد إلى وجودها، وفي هَذَا يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي: ((وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الْحَدِيْث إذا تفرد بِهِ واحد – وإن لَمْ يروِ الثقات خلافه -: إنه لا يتابع عَلَيْهِ.ويجعلون ذَلِكَ علة فِيْهِ، اللهم إلاّ أن يَكُوْن ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أَيْضاً ولهم في كُلّ حَدِيْث نقد خاص، وليس عندهم لِذَلِكَ ضابط يضبطه)) (1) . ومعنى قوله: ((ويجعلون ذَلِكَ علة)) ، أن ذَلِكَ مخصوص بتفرد من لا يحتمل تفرده، بقرينة قوله: ((إلا أن يَكُوْن ممن كثر حفظه …)) ، فتفرده هُوَ خطؤه، إِذْ هُوَ مظنة عدم الضبط ودخول الأوهام، فانفراده دال عَلَى وجود خلل ما في حديثه، كَمَا أن الحمّى دالة عَلَى وجود مرض ما، وَقَدْ وجدنا غَيْر واحد من النقاد صرح بأن تفرد فُلاَن لا يضر، فَقَدْ قَالَ الإمام مُسْلِم: ((هَذَا الحرف لا يرويه غَيْر الزهري، قَالَ: وللزهري نحو من تسعين حديثاً يرويها عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يشاركه فِيْهَا أحد بأسانيد جياد)) (2) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر: ((وكم من ثقة تفرد بما لَمْ يشاركه فِيْهِ ثقة آخر، وإذا كَانَ الثقة حافظاً لَمْ يضره الانفراد)) (3) . وَقَالَ الزيلعي (4)
: ((وانفراد الثقة بالحديث لا يضره)) (1) . وتأسيساً عَلَى ما أصّلناه من قَبْل من أن تفرد الرَّاوِي لا يضر في كُلّ حال، ولكنه ينبه الناقد عَلَى أمر ما، قَالَ المعلمي اليماني: ((وكثرة الغرائب إنما تضر الرَّاوِي في أحد حالين: الأولى: أن تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة. الثانية: أن يَكُوْن مع كثرة غرائبه غَيْر معروف بكثرة الطلب)) (2) . وتمتع هَذَا الجانب من النقد الحديثي باهتمام النقاد، فنراهم يديمون تتبع هَذِهِ الحالة وتقريرها، وأفردوا من أجل ذَلِكَ المصنفات، مِنْهَا: كتاب " التفرد " (3) للإمام أبي داود، و " الغرائب والأفراد " (4) للدارقطني، و " المفاريد " (5) لأبي يعلى، واهتم الإمام الطبراني في معجميه الأوسط والصغير بذكر الأفراد، وكذا فعل البزار في مسنده، والعقيلي (6) في ضعفائه. وَهُوَ ليس بالعلم الهيّن، فهو ((يحتاج لاتساع الباع في الحفظ، وكثيراً ما يدعي الحافظ التفرد بحسب علمه، ويطلّع غيره عَلَى المتابع)) (7) .
وفي كُلّ الأحوال فإن التفرد بحد ذاته لا يصلح ضابطاً لرد الروايات، حَتَّى في حالة تفرد الضعيف لا يحكم عَلَى جميع ما تفرد بِهِ بالرد المطلق، بَلْ إن النقاد يستخرجون من أفراده ما يعلمون بالقرائن والمرجحات عدم خطئه فِيْهِ، وَهُوَ ما نسميه بعملية الانتقاء، قَالَ سفيان الثوري: ((اتقوا الكلبي (1) ، فقيل لَهُ: إنك تروي عَنْهُ، قَالَ: إني أعلم صدقه من كذبه)) (2) . ومثلما أن تفرد الضعيف لا يرد مطلقاً، فكذلك تفرد الثقة – وكما سبق في كلام ابن رجب – لا يقبل عَلَى الإطلاق، وإنما القبول والرد موقوفان عَلَى القرائن والمرجحات. قَالَ الإمام أحمد: ((إذا سَمِعْتَ أصحاب الْحَدِيْث يقولون: هَذَا حَدِيْث غريب أَوْ فائدة. فاعلم أنه خطأ أو دخل حَدِيْث في حَدِيْث أَوْ خطأ من المُحدِّث أَوْ حَدِيْث ليس لَهُ إسناد، وإن كَانَ قَدْ رَوَى شعبة وسفيان، فإذا سمعتهم يقولون: هَذَا لا شيء، فاعلم أنه حَدِيْث صَحِيْح)) (3) . وَقَالَ أبو داود: ((والأحاديث الَّتِيْ وضعتها في كتاب " السنن " أكثرها مشاهير، وَهُوَ عِنْدَ كُلّ من كتب شَيْئاً من الْحَدِيْث، إلا أن تمييزها لا يقدر عَلَيْهِ كُلّ الناس، والفخر بِهَا: بأنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب، وَلَوْ كَانَ من رِوَايَة مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم)) (4) .
ونحن نجد أمثلة تطبيقية متعددة في ممارسة النقاد، مِنْهَا قَوْل الحافظ ابن حجر في حَدِيْث صلاة التسبيح: ((وإن كَانَ سند ابن عَبَّاسٍ يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر)) (1) . ويمكننا أن نقسم التفرد – حسب موقعه في السند – إلى قسمين: الأول: تفرد في الطبقات المتقدمة: كطبقة الصَّحَابَة، وطبقة كبار التَّابِعِيْنَ، وهذا التفرد مقبول إذا كَانَ راويه ثقة –وهذا الاحتراز فِيْمَا يخص طبقة التَّابِعِيْنَ –، فهو أمر وارد جداً لأسباب متعددة يمكن حصرها في عدم توفر فرص متعددة تمكّن الْمُحَدِّثِيْنَ من التلاقي وتبادل المرويات، وذلك لصعوبة التنقل في البلدان، لا سيما في هذين العصرين. فوقوعه فيهما لا يولد عِنْدَ الناقد استفهاماً عن كيفيته، ولاسيما أن تداخل الأحاديث فِيْمَا بينها شيء لا يكاد يذكر، نظراً لقلة الأسانيد زياد على قصرها. هَذَا فِيْمَا إذا لَمْ يخالف الثابت المشهور، أو من هُوَ أولى مِنْهُ حفظاً أَوْ عدداً. وإن كَانَ المتفرد ضعيفاً أَوْ مجهولاً -فِيْمَا يخص التَّابِعِيْنَ- فحكمه بيّن وَهُوَ الرد (2) . الثاني: التفرد في الطبقات المتأخرة
فبعد أن نشط الناس لطلب العلم وأداموا الرحلة فِيْهِ والتبحر في فنونه، ظهرت مناهج متعددة في الطلب والموقف مِنْهُ، فكانت الغرس الأول للمدارس الحديثية الَّتِيْ نشأت فِيْمَا بَعْد، فكان لها جهدها العظيم في لَمِّ شتات المرويات وجمعها، والحرص عَلَى تلقيها من مصادرها الأصيلة، فوفرت لَهُم الرحلات المتعددة فرصة لقاء المشايخ والرواة وتبادل المرويات، فإذا انفرد من هَذِهِ الطبقات أحد بشيء ما فإن ذَلِكَ أمر يوقع الريبة عِنْدَ الناقد، لا سيما إذا تفرد عمن يجمع حديثه أَوْ يكثر أصحابه، كالزهري ومالك وشعبة وسفيان وغيرهم (1) . ثم إنّ العلماء قسموا الأفراد من حَيْثُ التقييد وعدمه إلى قسمين: الأول: الفرد المطلق: وَهُوَ ما ينفرد بِهِ الرَّاوِي عن أحد الرُّوَاة (2) . الثاني: الفرد النسبي: وَهُوَ ما كَانَ التفرد فِيْهِ نسبياً إلى جهة ما (3) ، فيقيد بوصف يحدد هَذِهِ الجهة. وما قِيْلَ من أن لَهُ أقساماً أخر، فإنها راجعة في حقيقتها إلى هذين القسمين.
أما الحكم عَلَى الأفراد باعتبار حال الرَّاوِي المتفرد فَقَطْ من غَيْر اعتبار للقرائن والمرجحات، فهو خلاف منهج الأئمة النقاد المتقدمين، إذن فليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة، أو رد تفرد الضعيف، بَلْ تتفاوت أحكامهما، ويتم تحديدها وفهمها عَلَى ضوء المنهج النقدي النَّزيه؛وذلك لأن الثقة يختلف ضبطه باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يحدث في كيفية التلقي للأحاديث أَوْ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سَمعه من بعض شيوخه، أو لحدوث ضياع في بعض ما كتبه عن بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت أصحابهم وألزمهم، ولذا ينكر النقاد من أحاديث الثقات – حَتَّى وَلَوْ كانوا أئمة – ما ليس بالقليل. الدكتور ماهر ياسين الفحل
مسند الإمام الشافعي
مسند الإمام الشافعي رَبِّ يَسِّرْ يَا كَرِيْمُ [قَالَ العَبْدُ الفَقِيْرُ إلَى اللهِ تَعَالَى أَبُو سَعِيْدٍ سَنْجَرُ بُنُ عَبْدِ اللهِ النَّاصِرِيُّ، عُرِفَ بِالجَاوَلِي، عَفَا اللهُ عَنْهُ:] الحمْدُ للهِ الذِي هَدَانا لِدِيْنِهِ، ووَفَّقَنَا لِلأَخْذِ بِمَا جَاءَ عَنْ مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ وأَمِيْنهِ، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهوَ الْمُهْتَدِ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً، وأشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَشَرِيْكَ لَهُ، شَهَادَةً تُشْعِرُنِي أَمْناً، وتُقِيْمُ لِي يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ، أرْسَلَهُ بالْهُدَى ودِيْنِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُوْنَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وأصْحَابِهِ، صَلاَةً تُرَقِّيْهِمْ أعْلَى الدَّرَجَاتِ، وتُبَوِّؤُهُمْ أسْنَى مَرَاتِبِ الكَرَامَاتِ. أمَّا بَعْدُ: فَإنَّ هَذَا مُسْنَدُ الإمِامِ أبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إدْرِيْسَ الشَّافِعِيِّ الْمُطَّلِبِيِّ، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، رِوَايَةُ الشَّيْخِ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيِّ المِصْرِيِّ الْمُؤَذِّنِ (1)
، الذِي خَرَّجَهُ أبو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ الأُمَوِيُّ الأَصَمُّ (1) وَجَمَعَهُ فَإِنَّهُ لَمَّا سُمِعَ عَلَيَّ بِالقُدْسِ الشَّرِيْفِ بالْجَامِعِ الأَقْصَى، وَرَأَى مَنْ سَمِعَهُ مِنَ الْجَمَاعَةِ، أنَّ كَثِيْراً مِنَ الأحَادِيْثِ قَدْ تَكَرَّرَتْ في الْمُسْنَدِ في عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِها، وَهِيَ مَسْرُوْدَةٌ فِيْهِ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيْبٍ ولاَ نَسَقٍ، إنَّما هِيَ مُخَرَّجَةٌ مِنْ أَمَاكِنِهَا مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ - رضي الله عنه - عَلَى مَا شَرَحَهُ فِي الْمُسْنَدِ، ولاَ تَكَادُ أحَادِيْثُهَا تَنْتَظِمُ، ولاَ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَيَحْتَاجُ الطَّالِبُ لِلْحَدِيْثِ أنْ يَتَجَشَّمَ (2) كُلْفَةَ التَّطَلُّبِ (3) والاعْتِبَارِ لِذَلِكَ الْحَدِيْثِ في أيِّ مَوْضِعٍ قَدْ جَاءَ مِنَ الْمُسْنَدِ.
سَأَلَنِي مِنَ الْجَمَاعَةِ مَنْ لاَ يُرَدُّ سُؤَالُهُ، أنْ نَنْقُلَ الأَحَادِيْثَ التِي في الْمُسْنَدِ إلَى الْمَوَاضِعِ اللاَّئِقَةِ بِهَا، ونُرَتِّبَهَا كُتُباً وأبْوَاباً، ونَذْكُرَ كُلَّ حَدِيْثٍ في كِتَابِهِ وَبَابِهِ؛ لِتَكُوْنَ الهِمَمُ لَهَا أطْلَبَ، وفِيْهَا أرْغَبَ، وكَانَ يَمْنَعُنَا مِنْ ذَلِكَ كَثْرَةُ الأَشْغَالِ، فَلَمَّا مَنَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَلَيْنا، وذَهَبَ عَنَّا مَا كُنَّا فيهِ مِنَ الاشْتِغَالِ، لِمَا قَدَّرَهُ مِنْ تَرْتِيْبِ هَذَا الكِتَابِ، فاللهُ تَعَالَى يَجْعَلُ الْخِيَرَةَ لَنا فِيْمَا اخْتَارَ، وَلَمَّا كَانَ الأمْرُ عَلَى ذَلِكَ استَخَرْنَا اللهَ تَعَالَى وسَأَلْنَاهُ التَّوْفِيْقَ والْهُدَى، ومُجَانَبَةَ الرِّيَاءِ واتِّبَاعِ الْهَوَى.
فَأَمَّا بَيَانُ مَا قَصَدْنَاهُ مِنْ هَذَا التَّرْتِيْبِ، فَإنَّا نَبْدَأُ فِي أوَّلِ حَدِيْثٍ مِنْ كُلِّ بَابٍ ونَقُوْلُ: أخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ وَنَذْكُرُ الإسْنَادَ ثُمَّ نَذْكُرُ مَتْنَ الْحَدِيْثِ وَلَمْ نَذْكُرْ فِيْمَا بَعْدَهُ مِنَ الأحَادِيْثِ التي فِي البَابِ الشَّافِعِيَّ إلاَّ مَا قَدْ جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ، فإنَّا نَذْكُرُهُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ، وإنْ كَانَ قَدْ جَاءَ الْحَدِيْثُ مِنْ طَريْقٍ أَوِ اثْنَيْنِ أوْ ثَلاَثَةٍ ذَكَرْنَاهَا فِيْ موْضِعٍ واحِدٍ، وإنْ كَانَ قَدْ تَكَرَّرَ الْحَدِيْثُ في مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْمُسْنَدِ نَقَلْنَاهُ إلَى هَذا الموضِعِ، ونَذْكُرُ في أيِّ كِتَابٍ جَاءَ في المسْنَدِ، وَمِنْ ذَلِكَ أرْبَعَةُ أحَادِيْثَ لَمْ يَسْمَعْهَا الرَّبِيْعُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، سَمِعَهَا مِنَ البُوَيْطِيِّ (1)
عَنِ الشَّافِعِيِّ تَرِدُ فِي أبْوَابِهَا مُقَدَّمٌ بِذِكْرِ البُوَيْطِيِّ في سَنَدِ الْحَدِيْثِ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وقَالَ في آخِرِ كِتَابِ الْمُسْنَدِ مِنْ كِتَابِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ وعمَارَةِ الأرَضِيْنَ، مِمَّا لَمْ يَسْمَعِ الرَّبِيْعُ مِنَ الشَّافِعِيُّ. وقالَ: أعْلَمُ أنَّ ذَا مِنْ قَوْلِهِ وَبَعْضُ كَلاَمِهِ، هَذا سَمِعْتُهُ في الكِتَابِ الكَبِيْرِ الْمَبْسُوْطِ، ومِنْ كِتَابِ اخْتِلاَفِ عَلِيٍّ وعَبْدِ اللهِ مِمَّا لَمْ يَسْمَعِ الرَّبِيْعُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، هذا نَصُّ لَفْظِهِ في الْمُسْنَدِ، أوْرَدْتُ كُلَّ حَدِيْثٍ منهُ فِي بَابِهِ، وقُلْتُ في أوَّلِ كُلِّ حَدِيثٍ منهُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ في كِتَابِهِ، أوْ أخْبَرَنا الشَّافِعِيُّ في كِتَابِهِ عَلَى حُكْمِ مَا جَاءَ في الْمُسْنَدِ مِنْ: قَالَ أوْ أخْبَرَنَا تَنْبِيْهاً عَلَيْهِ، وَمَا لَمْ نَذْكُرْ فِيْهِ كِتَابَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ. ونَسْأَلُ اللهَ العَظِيْمَ التَّوْفِيْقَ لِمَا فِيْهِ رِضَاهُ، والإعَانَةَ عَلَى مَا قَصَدْنَاهُ، وأنْ يَعْصِمَنَا مِنَ الزَّيْغِ والزَّلَلِ، ويَهْدِيَنَا إلى أوْضَحِ السُّبُلِ، وهوَ حَسْبُنَا ونِعْمَ الوَكِيْلِ. وأَنَا أسْألُ كُلَّ مَنْ وقَفَ عَلَيْهِ مِنْ أُولِي الفَهْمِ والدِّرَايَةِ، وأرْبَابِ النَّقْلِ والرِّوَايَةِ، ورَأَى فيهِ خَلَلاً، أَوْ لَمَحَ مِنْهُ زَلَلاً أنْ يُصْلِحَهُ، فإنِّي مُقِرٌّ بالتَّقْصِيْرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ الكَبِيْرِ مُعْتَرِفٌ بالعَجْزِ عَنِ الإحَاطَةِ بهَذَا البَحْرِ الغَزِيْرِ، واللهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ في القَوْلِ والعَمَلِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. وَلِنَذْكُرِ الآنَ طَرِيْقَ رُوَايَتِنَا مُسْنَدَ الشَّافِعِيِّ - رضي الله عنه -، فَنَقُوْلُ:
أَخْبَرَنَا (1) بجَمِيْعِهِ القَاضِي الإمامُ العَالِمُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ دَانِيالُ بنُ مَنْكلِي بنِ صرفا التُّرْكُمَانيُّ الكَرَكِيُّ الشَّافِعِيُّ (2) قَاضِي الشَّوْبَكِ (3) في شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَسِتِّ مِئَةٍ (4) بقَلْعَةِ الشَّوْبَكِ بالْمنظرةِ (5) مَنْزِلِ النِّيَابَةِ قِرَاءَ ةً عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، قِيْلَ لَهُ أَخْبَرَكَ الشَّيْخُ الإمَامُ الصَّالِحُ أبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ موَفَّقِ بنِ عَلِيٍّ الْخَازِنُ (6) شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ بِبَغْدَادَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وأرْبَعِيْنَ وسِتِّ مِئَةٍ، فأَقَرَّ بهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الشَّيْخُ أبو زُرْعَةَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ (1) في جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ إحْدَى وسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مِئَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الْحَسَنِ مَكِّيُّ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلاَّنَ (2) سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَنِيْنَ وأرْبَعِ مِئَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا القَاضي أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الْحَسَنِ بنِ أحمدَ الْحَرَشِيُّ (3) الحِيْرِيُّ (4) بِنَيْسَابُورَ سَنَةَ ثَمانِ
عَشرَةَ وأرْبَعِ مِئَةٍ قَال: حَدَّثَنَا أبو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقوبَ بنِ يُوسُفَ الأصَمُّ (1) ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ المؤَذِّنُ المِصْرِيُّ (2) ، قَالَ أَخْبَرَنَا الإمامُ الشَّافِعِيُّ أبو عبدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابنُ إدْرِيْسَ بنِ العَبَّاسِ بنِ عُثْمَانَ بنِ شَافِعِ بنِ السَّائِبِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عَبْدِ يزيدَ بنِ هاشِمِ بنِ الْمُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مُنَافِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فَهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ ابنِ إلْيَاسَ بنِ مُضَرَ ابنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ، ابنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. هَذِهِ النِّسْبَةُ جَاءَتْ في الْمُسْنَدِ في أوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنَ الإمْلاَءِ في سَنَدِ حديثِ النَّهْيِ عنِ الشِّغَارِ، واختَرْنا أنْ نَذْكُرَهَا في أوَّلِ الكِتَابِ تَيَمُّناً بها. e كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابٌ في مَاءِ البَحْرِ
1- أَخْبَرَنَا الإمَامُ أبو عبدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ (1) ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ سَلَمَةَ - رَجُلٍ مِنْ آلِ ابنِ الأزْرَقِ - أنَّ الْمُغِيْرَةَ بنَ أبي بُرْدَةَ - وهوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - أخبَرَهُ: أنَّهُ سَمِعَ أبا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، يقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ ونَحْمِلُ مَعَنا القَلِيْلَ مِنَ الْمَاءِ، فإنْ تَوَضَّأْنَا بهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ البَحْرِ؟ فقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((هُوَ الطَّهُورُ ماؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ)) (2) . أخْرَجَهُ مِنْ كِتَابِ الوُضُوْءِ، وهوَ أوَّلُ حديثٍ في الْمُسْنَدِ (3) . بَابٌ في مَاءِ البِئْرِ
2- أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ (1)
، عَنِ ابنِ أبي ذِئْبٍ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، أو عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ العَدَوِيِّ، عَنْ أبي سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: إنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ (1) يُطْرَحُ فِيْهَا الكِلاَبُ والْحِيْضُ (2) ، فقَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيءٌ)) (3)
أخْرَجَهُ مِنْ كِتَابِ اخْتِلاَفِ الْحَدِيْثِ (1) . بَابٌ في الْمَاءِ الدَّائِمِ 3- أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَنَا ابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أبي الزِّنَادِ، عَنْ مُوْسَى بنِ أبي عُثمانَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أبي هُرَيرةَ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((لاَ يَبُوْلَنَّ أحَدُكُمْ في الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ يَغْسِلُ مِنْهُ)) (2)
أخْرَجَهُ مِنْ كِتَابِ اخْتِلاَفِ الحديثِ (1) . بَابٌ في القُلَّتَيْنِ 4- أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ (2) ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ أبيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَساً، أو خَبَثاً)) (3)
5- أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ - بإسْنَادٍ لاَ يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: ((إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَساً)) . وفي هَذا الحديثِ بِقَلاَلِ هَجَرَ، قالَ ابنُ جُرَيْجٍ: وقَدْ رَأَيْتُ قِلاَلَ هَجَرَ، فَالقُلَّةُ: تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ، أوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئاً (1)
أخْرَجَ / الأوَّلَ مِنْ كِتَابِ الوُضُوْءِ (1) ، والثَّانِي مِنْ كِتَابِ اخْتِلاَفِ الحديثِ (2) ، وهوَ آخِرُ مَا فيهِ. بَابٌ في سُؤْرِ الْحُمُرِ والسِّبَاعِ 6- أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ سَالِمٍ، عَنْ ابنِ أبي حَبِيْبَةَ، أو ابنِ حَبِيْبَةَ (3) ، عَنْ داودَ بنِ الْحُصَيْنِ (4) ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ سُئِلَ: أنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتِ الْحُمُرُ؟ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ كُلُّهَا)) (5) . أخرَجَهُ مِنْ كِتَابِ الوُضُوْءِ (6) . بَابٌ في سُؤْرِ الهِرَّةِ
7- أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَنَا مالِكٌ (1) ، عَنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، وكَانَتْ تَحْتَ ابنِ أبي قَتَادَةَ، أو أبي قَتَادَةَ - الشَّكُّ مِنَ الرَّبِيْعِ - أنَّ أبا قَتَادَةَ دَخَلَ، فَسَكَبْتُ لَهُ وُضُوْءاً، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ، فَشَرِبَتْ منهُ. فَقَالَتْ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ، فَقَالَ: أتَعْجَبِيْنَ يَا بِنْتَ أخِي؟ إنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إنَّها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِيْنَ عَلَيْكُمْ أوِ الطَّوَّافَاتِ)) (2) . أخْرَجَهُ مِنْ كِتَابِ الوُضُوْءِ (3) . بَابٌ فِي سُؤْرِ الكَلْبِ
8- أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ (1) - رضي الله عنه -، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ (2) ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيرةَ: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((إذا شَرِبَ الكَلْبُ في إناءِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ)) (3) . 9- أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أبي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّ/ رسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((إذَا وَلَغَ الكَلْبُ في إنَاءِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ)) (4) . 10- أَخْبَرَنَا ابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أيُّوْبَ بنِ أبي تَمِيْمَةَ، عَنِ ابنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((إذَا وَلَغَ الكَلْبُ في إنَاءِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُوْلاَهُنَّ أوْ أُخْرَاهُنَّ بالتُّرَابِ)) (5)
أخْرَجَ الثَّلاَثَةَ الأحَادِيْثَ مِنْ كِتَابِ الوُضُوْءِ (1) . بَابٌ في فَضْلَةِ (2) الغُسْلِ والوُضُوْءِ 11- أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ (3) - رضي الله عنه -، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا –: أنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ القَدَحِ – وَهوَ الفَرَقُ (4) – فَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وهوَ مِنْ مَاءٍ واحِدٍ (5) .
12- أَخْبَرَنَا مَالِكٌ (1) ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – قالَتْ: كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إناءٍ وَاحِدٍ (2) . 13- أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – قالَتْ: كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا ورَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إناءٍ وَاحِدٍ، فَرُبَّمَا قُلْتُ: لَهُ: أَبْقِ لِي، أبْقِ لِي (3) . 14- أَخْبَرَنَا ابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ: أنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إناءٍ وَاحِدٍ (4)
15- أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الدكتور ماهر ياسين الفحل
توثيق شيوخ بقي بن مخلد الأندلسي
توثيق شيوخ بقي بن مخلد الأندلسي في بادئ ذي بدأ نود أن نقول: إن قواعد التوثيق الإجمالي هي قواعد أغلبية لا ينبغي جعلها مطردة في كل راوٍ وسبب ذلك أن هؤلاء الرواة كانوا شديدي التحرز في شيوخهم الذين يروون عنهم، ولكن هذا غير مانع أن تقع في رواياتهم بعض الروايات عن الضعفاء إذ قد لا يعرف الراوي حال شيخه، لاسيما إذا كان غريباً كما هو حال بقي بن مخلد. ولذا فإن الأمثلة التسع التي سنوردها، نلحظ فيها، أن الحافظ حكم على ثمانية منهم بالصدق، والتاسع بأنه مستقيم الحديث، ولا يخفى أن هذا ليس من باب المصادفة في شيء، بل هو التطبيق الواقعي لما قررنا آنفاً. ولنأخذ أول راوٍ من هؤلاء التسعة وهو: إبراهيم بن العلاء، فقد قال فيه أبو حاتم: صدوق، وقال ابن عدي: إبراهيم هذا حديثه عن إسماعيل بن عياش وبقية وغيرهما مستقيم. (تهذيب الكمال 1 / 127 ط 98) . وقال أبو داود: ليس بشيء. (تهذيب التهذيب 1 / 149) . وأما الثاني منهم، وهو: أزهر بن مروان الرقاشي، فقد قال فيه ابن حبان: مستقيم الحديث، ووثقه مسلمة الأندلسي. (تهذيب الكمال 1 / 166 ط 98) . والثالث وهو: عبد الله بن أحمد بن بشير، فقد قال عنه ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صدوق. (تهذيب الكمال 4 / 83 ط 98) . والرابع وهو: عبد الله بن عامر بن زرارة، فقد قال فيه أبو حاتم: صدوق وقال ابن حبان: مستقيم الحديث. (تهذيب الكمال 4 / 174 ط 98) . وهكذا بقية التراجم.
إلا أن الشيء المهم هو: أن قلم محرري "تقريب التهذيب" أول راد لهذه القاعدة إذ ضعفا عدداً وأنزلا عدداً من الرواة عن درجة ((ثقة)) مع إنهم من شيوخ بقي، وقد اكتفينا بذكر بعضهم، وهو أمر يدل على التناقض الظاهر عند المحررين، وعدم التزامهما بمنهج، وقاعدة، بل الأمر خاضع لمخالفتهما للحافظ، فهما حين يهويان التوثيق يوثقان الراوي، وعند العكس فالعكس. نسأل الله السلامة والسداد. شيوخ بقي بن مخلد الرواة الذين وثقاهم طبقاً لهذه البابة ت ... رقم الترجمة في التحرير ... اسم الراوي ... حكم الحافظ ... حكم المحررين 1 ... 226 ... إبراهيم بن العلاء بن الضحاك الزبيدي ... مستقيم الحديث ... ثقة 2 ... 312 ... أزهر بن مروان الرقاشي ... صدوق ... ثقة 3 ... 3203 ... عبد الله بن أحمد بن بشير البهراني الدمشقي ... صدوق ... ثقة 4 ... 3404 ... عبد الله بن عامر بن زرارة الحضرمي الكوفي ... صدوق ... ثقة 5 ... 3603 ... عبد الله بن محمد اليمامي ... صدوق ... ثقة 6 ... 3939 ... عبد الرحمن بن عبيد الله بن حكيم الأسدي الحلبي ... صدوق ... ثقة 7 ... 5804 ... محمد بن حرب الواسطي النشائي ... صدوق ... ثقة 8 ... 7270 ... هدبة بن عبد الوهاب المروزي ... صدوق ربما وهم ... ثقة 9 ... 7513 ... يحيى بن بشر بن كثير الحريري الكوفي ... صدوق ... ثقة شيوخ بقي بن مَخْلَد الذين أنزلاهم عن مرتبة الثقة ت ... رقم الترجمة في التحرير ... اسم الراوي ... حكم الحافظ ... حكم المحررين 1 ... 492 ... إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي ... صدوق يخطئ ... صدوق 2 ... 1331 ... الحسين بن علي بن الأسود العجلي الكوفي ... صدوق يخطئ كثيراً ... ضعيف 3 ... 2285 ... سعيد بن حفص بن عمرو النفيلي الحراني ... صدوق تغير في آخر عمره ... صدوق 4 ... 2794 ... شعيب بن أيوب بن زريق الصريفيني القاضي ... صدوق يدلس ... صدوق
5 ... 6304 ... محمد بن مُصفى بن بهلول الحمصي القرشي ... صدوق له أوهام وكان يدلس ... صدوق حسن الحديث 6 ... 7009 ... موسى بن مروان التمار البغدادي ... مقبول ... صدوق حسن الحديث الدكتور ماهر ياسين الفحل
فرائد الفوائد
فرائد الفوائد …هذه فوائد مهمة وقواعد نافعة تنفع المشتغل بالحديث وقد انتقيتها من مؤلفاتي وتعليقاتي على بعض كتب المصطلح 1 - معرفة الخطأ في حديث الضعيف يحتاج إلى دقة وجهد كبير كما هو الحال في معرفة الخطأ في حديث الثقة. 2 - التفرد بحد ذاته ليس علة، وإنما يكون أحياناً سبباً من أسباب العلة ويلقي الضوء على العلة، ويبين ما يكمن في أعماق الرواية من خطأ ووهم. 3 - المجروحون جرحاً شديداً - كالفساق والمتهمين والمتروكين - لا تنفعهم المتابعات؛ إذ أن تفردهم يؤيد التهمة عند الباحث الناقد الفهم. 4 - الحديث الضعيف إذا تلقاه العلماء بالقبول فهو مقبول يعمل به ولا يسمى صحيحاً. 5 - قد تُعَلّ بعض الأحاديث بالمعارضة إذا لم يمكن الجمع ولا التوفيق. 6 - من كثرت أحاديثه واتسعت روايته، وازداد عدد شيوخه فلا يضر تفرده إلا إذا كانت أفراده منكرة. 7 - فرق بين قولهم: ((يروي مناكير)) وبين قولهم: ((في حديثه نكارة)) . ففي الأولى أن هذا الراوي يروي المناكير، وربما العهدة ليست عليه إنما من شيوخه، وهي تفيد أنه لا يتوقى في الرواية، أما قولهم: ((في حديثه نكارة)) فهي كثيراً ما تقال لمن وقعت النكارة منه. 8 - قول ابن معين في الراوي: ((ليس بشيء)) تكون أحياناً بمعنى قلة الحديث 9 - أشد ما يجرح به الراوي كذبه في الحديث النبوي، ثم تهمته بذلك، وفي درجتها كذبه في غير الحديث النبوي، وكذلك الكذب في الجرح والتعديل لما يترتب عليه من الفساد الوخيم. 10 - بين قول النسائي: ((ليس بقويٍّ)) ، وقوله: ((ليس بالقوي)) فرق فكلمة: ليس بقوي تنفي القوة مطلقاً وإن لم تثبت الضعف مطلقاً وكلمة: ((ليس بالقوي)) إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة.
11 - أبو حاتم الرازي يطلق جملة: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)) فيمن عنده صدوق ليس بحافظ يحدث بما لا يتقن حفظه فيغلط ويضطرب، ومعنى كلامه: يكتب حديثه في المتابعات والشواهد، ولا يحتج به إذا انفرد. 12 - قول ابن معين في الراوي: ((لم يكن من أهل الحديث)) معناها: أنه لم يكن بالحافظ للطرق والعلل، وأما الصدق والضبط فغير مدفوعين عنه. 13 - كون أصحاب الكتب الستة لم يخرجوا للرجل ليس بدليل على وهنه عندهم، ولا سيما من كان سنه قريباً من سنهم، وكان مقلاً فإنهم كغيرهم من أهل الحديث يحبون أن يعلوا بالإسناد. 14 - وقول ابن حبان في الثقات: ((ربما أخطأ)) أو ((يخطئ)) أو ((يخالف)) أو ((يغرب)) لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه. 15 - ليس من شرط الثقة أن يتابع بكل ما رواه. 16 - الجرح غير المفسر مقبول إلا أن يعارضه توثيق أثبت منه. 17 - جرح الرواة ليس من الغيبة؛ بل هو من النصيحة. 18 - يشترط في الجارح والمعدِّل: العلم والتقوى والورع والصدق والتجنب عن التعصب ومعرفة أسباب الجرح والتزكية، ومن لم يكن كذلك لا يقبل منه الجرح ولا التزكية. 19 - اعتماد الراوي العدل على كتابه دون حفظه لا يعاب عليه، بل ربما يكون أفضل لقلة خطئه. 20 - الخطأ في حديث من اعتمد على حفظه أكثر منه في حديث من اعتمد على كتابه. 21 - الثقة هو من يجمع العدالة والضبط. 22 - صدوق، ولا بأس به، وليس به بأس، مرتبة واحدة، وهي تفيد أن الراوي حسن الحديث. 23 - قولهم في الراوي: ((صالح)) بلا إضافة تختلف عن قولهم: ((صالح الحديث)) ، فالأولى تفيد صلاحه في دينه، والثانية صلاحه في حديثه. 24 - قولهم: ((متروك)) ، و ((متروك الحديث)) بمعنى واحد.
25 - فرق بين قولهم: ((تركوه)) ، وقولهم: ((تركه فلان)) فإن لفظ: ((تركوه)) يدل على سقوط الراوي وأنه لا يكتب حديثه، بخلاف لفظ: ((تركه فلان)) فإنه قد يكون جرحاً وقد لا يكون. 26 - إذا قال البخاري في الراوي: ((سكتوا عنه)) فهو يريد الجرح. 27 - إذا قال البخاري: ((فيه نظر)) فهو يريد الجرح في الأعم الغالب. 28 - قولهم: ((تعرف وتنكر)) المشهور فيها أنها بتاء الخطاب، وتقال أيضاً: ((يُعرف وينكر)) بياء الغيبة مبنياً للمجهول، ومعناها: أن هذا الراوي يأتي مرة بالأحاديث المعروفة، ومرة بالأحاديث المنكرة؛ فأحاديث من هذا حاله تحتاج إلى سَبْر وعَرْض على أحاديث الثقات المعروفين. 29 - قول أبي حاتم في الراوي: ((شيخ)) ليس بجرح ولا توثيق، وهو عنوان تليين لا تمتين. 30 - قولهم في الراوي: ((ليس بذاك)) قد يراد بها فتور في الحفظ. 31 - قولهم: ((إلى الصدق ما هو)) بمعنى أنه ليس ببعيد عن الصدق. 32 - قولهم في الراوي: ((إلى الضعف ما هو)) يعني أنه ليس ببعيد عن الضعف. 33 - قولهم في الراوي: ((ضابط)) أو ((حافظ)) يدل على التوثيق إذا قيل فيمن هو عدل، فإن لم يكن عدلاً فلا يفيد التوثيق. 34 - وقوع الأوهام اليسيرة من الراوي لا تخرجه عن كونه ثقة. 35 - قولهم في الراوي: ((لا يتابع على حديثه)) لا يعد جرحاً إلا إذا كثرت منه المناكير ومخالفة الثقات. 36 - قولهم في الراوي: ((قريب الإسناد)) معناه: قريب من الصواب والصحة، وقد يعنون به قرب الطبقة والعلو. 37 - قول البخاري في الراوي: ((منكر الحديث)) معناه عنده لا تحل الرواية عنه. ويطلقها غيره أحياناً في الثقة الذي ينفرد بأحاديث، ويطلقها بعضهم في الضعيف الذي يخالف الثقات. 38 - إن نفي صحة الحديث لا يلزم منه ضعف رواته أو اتهامهم بالوضع.
39 - أكثر المحدثين إذا قالوا في الراوي: ((مجهول)) ، يريدون به غالباً جهالة العين، وأبو حاتم يريد به جهالة الوصف والحال. 40 - التوثيق الضمني - وهو تصحيح أو تحسين حديث الرجل - مقبول عند بعض أهل العلم. 41 - يعرف ضبط الراوي بموافقته لأحاديث الثقات الأثبات. 42 - نتيجة الاعتبار: معرفة صحة حديث الرجل، لا الحكم عليه أنه ثقة. 43 - الثبت: هو المتثبت في أموره. 44 - المتقن: هو من زاد ضبطه على ضبط الثقة. 45 - قولهم: ((موثق)) معناه أنه ملحق بـ ((الثقة)) إلحاقاً، أو مختلف في توثيقه. 46 - ((مقارب الحديث)) ، بفتح الراء معناه أن غيره يقاربه، وبالكسر هو يقارب حديث غيره، وهما على معنى التعديل سواء بفتح الراء أو كسرها، وهي عند الإمام البخاري والترمذي من ألفاظ تحسين حديث الرجل. 47 - قول الذهبي: ((لا يعرف)) يريد جهالة العين أحياناً، ويريد جهالة العدالة أحياناً، والقرائن هي التي ترشح المراد. 48 - اصطلاح الرازيين أبي حاتم وابنه، وأبي زرعة في ((المجهول)) : يقصد بها مجهول الحال، وقد يريدون جهالة العين، وقد يطلق أبو حاتم: ((مجهول)) في بعض أعراب الصحابة. 49 - يقدم قول الجارح والمعدل لرجل من بلده على من كان من غير بلده. 50 - قولهم في راوٍ: ((كان يخطئ)) لا يقال إلا فيمن له أحاديث، لا حديث واحد. 51 - عادة ابن حبان في المختلف في صحبته أن يذكره في قسم الصحابة وقسم التابعين. 52 - قد يقدح ابن حبان في متن حديث بناءً على الفهم والفقه، ويأتي غيره فيزيل إشكاله. 53 - ابن حبان يتناقض فيذكر الراوي أحياناً في الثقات، ثم يذكره في المجروحين. 54 - ابن خراش رافضيٌّ لا يقبل قوله إذا خالف أو انفرد. 55 - ابن معين يطلق أحياناً: ((لا أعرفه)) على من كان قليل الحديث جداً. 56 - قول البخاري في الراوي: ((لا يحتجون بحديثه)) بمثابة قوله: ((سكتوا عنه)) .
57 - إذا روى البخاري لرجل مقروناً بغيره فلا يلزم أن يكون فيه ضعف. 58 - إكثار البخاري عن رجل وهو شيخه المباشر: توثيق له ودليل على اعتماده. 59 - إذا كتب الذهبي في الميزان علامة: ((صح)) بجانب ترجمة فمعناه المعتمد توثيقه. 60 - الثقة لا يضره عدم المتابعة. 61 - ربما قالوا: ليس بثقة للضعيف أو المتروك. 62 - الشهرة لا تنفع الراوي، فإن الضعيف قد يشتهر. 63 - قبول التلقين قادح تسقط الثقة به. 64 - الصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط. 65 - بلدي الرجل أعلم به. 66 - ليس كل ضعيف يصلح للاعتبار. 67 - لا يلزم من احتجاج إمام بحديث تصحيحه له. 68 - توثيق الرجال وتضعيفهم أمرٌ اجتهادي. 69 - ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل يتفاوت. 70 - لا يلزم من قولهم: ((ليس في الباب شيء أصح من هذا)) صحة الحديث. 71 - الحديث الضعيف الإسناد يعبر عنه: بـ ((ضعيف بهذا الإسناد)) لا ضعيف فقط. 72 - يوصف الحديث المقبول بلفظ: الجيد، والقوي، والصالح، والمعروف والمحفوظ، والمجود، والثابت. 73 - الإرسال والتدليس ليس بجرح، وهو غير حرام. 74 - كلام الأقران في بعضهم لا يعبأ به إذا كان بغير حجة. 75 - جرح الراوي بكونه أخطأ لا يضعفه ما لم يفحش خطؤه. 76 - كل طبقة من النقاد لا تخلو من متشدد ومتوسط. 77 - قولهم في الراوي: ((ليس بذاك القوي)) تلين هين. 78 - غشيان السلطان للحاجة ليس بجارح. 79 - معرفة تصاريف كلام العرب شرط لعالم الجرح والتعديل. 80 - يغتفر في المتابعات والشواهد ما لا يغتفر في الأصول. 81 - قولهم: ((ليس هو كأقوى ما يكون)) تضعيف نسبي. 82 - لا يسمع قول مبتدع في مبتدع كناصبي في شيعي. 83 - اضطراب الرواة عن الشيخ لا يؤثر في الشيخ. 84 - إذا كان الجارح ضعيفاً فلا يقبل جرحه للثقة. 85 - فرق بين قولهم: تركه فلان، وقولهم: لم يرو عنه.
86 - لا يلزم من كون الراوي ضعيفاً ضعفه في جميع رواياته. 87 - ابن حبان متعنت في الجرح. 88 - رواية الإمام البخاري عن المختلط هي قبل اختلاطه، وبعد اختلاطه ينتقى من حديثه ما صح منه. 89 - لا يقبل الجرح إلا بعد التثبت خشية الاشتباه في المجروحين. 90 - حفظ الراوي للحديث ليس بشرط لصحة حديثه. 91 - ولاية الحسبة ليست بأمر جارح. 92 - الجرح الناشئ عن عداوة دنيوية لا يعتد به. 93 - قوة الحفظ وقلة الغلط أمر نسبي بين حافظ وحافظ. 94 - يكون بعض الرواة متقناً في شيخ، وضعيفاً في غيره. 95 - جرح الراوي بأنه من أهل الرأي ليس بجرح. 96 - لا يجرح الثقة بشهره السيف على الحاكم. 97 - إذا قرنوا لفظة: ((ثقة)) بلفظة: ((صدوق)) ، فهي تفيد إنزاله، فثقة لعدالته ودينه، وصدوق لخفة في ضبطه. 98 - يشترط فيمن يطلب الحديث ما قاله الذهبي: ((فحق على المحدث أن يتورع في ما يؤديه وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذاً إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل: فَدعْ عَنْكَ الكتابةَ لستَ مِنها ولو سودتَ وجهكَ بالمدادِ قال الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فإن آنست يا هذا من نفسك فهماً وصدقاً وديناً وورعاً وإلا فلا تتعن، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك فبعد قليل ينكشف البهرج وينكب الزغل ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فقد نصحتك فعلم الحديث صلف فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب)) . (تذكرة الحفاظ 1 / 4) . 99 - إقران المشيئة للفظ التعديل منزل له عن مرتبته.
100 - قولهم: ((ثقة صدوق)) أعلى من ((صدوق)) فقط وأدنى من ((ثقة)) فقط. 101 - قولهم: ((ثقة لا بأس به)) أعلى من: ((لا بأس به)) فقط وأدنى من ((ثقة)) فقط. 102 - قولهم: ((ثقة يغرب)) أشد من قولهم: ((ثقة له أفراد)) ، لما يستفاد من معنى الاستغراب. 103 - إن الإمام البخاري لا يُقْدم على إقران راوٍ بآخر في صحيحه إلا لنكتةٍ مثل: الدلالة على اتحاد لفظ الراويين، أو بيان أن للشيخ أكثر من راوٍ أو الإشارة إلى متابعة، أو غير ذلك. 104 - الدلالة المعنوية للصدق تختلف ما بين المتقدمين والمتأخرين، فعلى حين كان ذا دلالة راجعة إلى العدالة فقط في مفهوم المتقدمين، ولا تشمل الحفظ بحال من الأحوال؛ لذا كان أبو حاتم الرازي كثيراً ما يقول: ضعيف الحديث، أو: مضطرب الحديث ومحله عندي الصدق. فقد أصبح ذا دلالة تكاد تختص بالضبط عند المتأخرين، ولذا جعلوا لفظة صدوق من بين ألفاظ التعديل. 105 - الاختلاف في اسم الراوي أو نسبته أو كنيته لا يدل بحال من الأحوال على جهالة ذلك الراوي، وقد نص الخطيب وغيره على ذلك. الدكتور ماهر ياسين الفحل