انيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء

قاسم بن عبد الله القونوي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف الحمد لله الذي كمل آلاؤه، وشمل نعماؤه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي اقتدى به أصفياؤه وأنبياؤه، وعلى آله وأصحابه الذين اهتدى بهم أتقياؤه وأولياؤه وبعد فلما صعبت اصطلاحات الفقهاء في الكتب في مفاتح الأبوبة والكتب، استحثني نهاية العجز على الحد، والثني غاية الحرص على الجد، فالتجأت من فترة الخواطر إلى حصون العلماء، واسترجعت أذيال الفحول من الفضلاء، لما نحتاج في الظواهر تأويلا فضلا على البواطن تعليلا، وتجرعت من نحورهم ذوقا وتشممت من بخورهم شوقا، واكتحلت من آثارهم غبرة دواء دوى عيني عبرة وأزبر فيها ما إليه أوفق حتى يكون زبرا زبره، متوسما بأنيس الفقهاء سمة ومتوشما برسوم الفضلاء شمة ومن الله أستمد الرشاد في العاجل وإليه أبتهل الإسعاد في الآجل، وبه أستعين، وعليه التكلان، وهو حسبي ونعم المستعان.

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة مدخل ... كتاب الطهارة الكتاب لغة: إما مصدر من كتبه كتبا وكتابا وكتبة وكتابة بمعنى الجمع سمي به المفعول للمبالغة، أو فعال بُني للمفعول كاللباس للملبوس وعلى التقديرين يكون بمعنى المجموع. واصطلاحا: مسائل اعتبرت مستقلة شملت أنواعا: كذا في "درر الحكام في شرج غرر الأحكام" اختار لفظ كتاب على باب؛ لأن فيه معنى الجمع والباب بمعنى النوع وكان الغرض بيان أنواع الطهارة لا نوعا. وفي الصحاح: "والكتاب معروف والجمع: كُتُبٌ وكُتْبٌ، والكتاب الفرض والحكم والقدر". والكاتب عندهم: العالم، والجمع الكَتْبُ، والكُتَّاب: الكَتَبة، والمُكْتب الذي يعلم الكتابة، والكتيبة: الجيش. الطهارة: مصدر: طهر الشيء وطهر خلاف نجس، والطهر خلاف الحيض، والتطهير: الاغتسال يقال: طهُرت: إذا انقطع عنها الدم. والطَهُور بالفتح مصدر بمعنى التطهير ومنه "مفتاح الصلاة الطهور" 1 واسم لما يتطهر به كالسحور والفطور والقطوع، وصفة في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} . [سورة الفرقان: آية 48] . كذا في المغرب. وفيه ما حكي عن ثعلب2 "أن الطهور ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره". وفي المحيط الطهارة نوعان: حقيقة: وهي إزالة النجاسة الحقيقية. وحُكْمية: وهي الوضوء والغسل. وكلا الطهارتين يحصل بالماء المطلق. وإنما لم تجمع الطهارة لأنه مصدر والأصل فيه أن لا يثنى ولا يجمع ومن جمعها قصد التصريح به.

_ 1 رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: هذا الحديث أصح شيءٍ في هذا الباب. 2 هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار النحوي الشيباني بالولاء كان إماماً في النحو واللغة وكان ثقة حجّة، مشهوراً بالحفظ والمعرفة بالعربية ورواية الشعر. ولد سنة مائتين وتوفي سنة إحدى وتسعين ومائتين. انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 1/36 وشذرات الذهب 2/207.

وإنما قدم الطهارة لأنها شرط الصلاة والشرط مقدم على المشروط. وخص الطهارة بالبداية من بين شروط الصلاة لكونها أهم لأنها لا تسقط بعذر فسبب وجوبها الصلاة بشرط الحدث. وهي لغة: النظافة وخلافها الدنس، وشرعا: النظافة المخصوصة المتنوعة إلى وضوء وغسل وتيمم وغسل البدن والثوب ونحوه. النَّجَس بفتح الجيم: عين النَّجَاسَة، وبكسرها: ما لا يكون طاهرا كالثوب النَّجِس. هذا في اصطلاح الفقهاء، وأما في اللغة فيقال: نجس الشيء يَنْجُس فهو نَجِس ونَجَس بالكسر والفتح. فرض الوضوء: الفرض لغة: القطع والتقدير، وشرعاً: حكم لزم بدليل قطعي، وحكمه أن يستحق العقاب تاركه بلا عذر ويكفر جاحده كذا في الدرر. وفي الصحاح للجوهري: الفرض: العطية المرسومة يقال: ما أصبت منه فرضاً ولا قرضاً. الوضوء في اللغة: من الوَضَاءة وهو الحُسْن والنظافة والنقاوة، وفي الشرع: الغسل والمسح في أعضاءٍ مخصوصةٍ وفيه المعنى اللغوي لأنه يحسن الأعضاء التي يقع فيها الغسل. وفي الاختيارات: الوضوء ثلاثة أقسام: أحدها: فرض، وهو وضوء المحدث عند إرادة الصلاة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} . [سورة المائدة: الآية 6] الآية. وثانيها: واجب، وهو الوضوء للطواف حول الكعبة لقوله صلى الله عليه وسلم: "الطواف صلاة إلا أن الله أباح فيه المنطق" 1. وثالثها: مندوب أي: مستحب، وهو الوضوء للنوم، وغسل الميت وبعد الغيبة وبعد القهقهة. وفي المغني: والخلاصة أن الوضوء بعد الغيبة وإنشاد الشعر والقهقهة مندوب. وهو بالضم المصدر وبالفتح الماء الذي يتوضأ به وقد وضؤ وتوضأ وضوءاً حسناً

_ 1 أخرجه أحمد في مسنده 3/414 والترمذي في التحفة 4/33 وما بعدها، والنسائي في سننه 5/176 والدارمي 2/44 والبيهقي 5/87 والحاكم في المستدرك 1/459.

بوضوء طاهر كذا في الصحاح والمغرب. والغُسْل: الإسالة، والغُسَالة: ما غسلت به الشيء: والغسول: الماء الذي يغتسل به وكذلك المغتسل، والمغتسل أيضا: الذي يغتسل فيه. والغِسْلُ بالكسر ما يُغسل به الرأس من خطمي وغيره، ومنه الغِسْلين: وهو ما انغسل من لحوم أهل النار ودمائهم. كذا في الصحاح. وفي المغرب: غسل الشيء: إزالة الوسخ ونحوه عنه بإجراء الماء عليه. والغُسْلُ بالضم: اسم من الاغتسال وهو غسل تمام الجسد واسم للماء الذي يغتسل به أيضا. ومنه حديث ميمونة1 رضي الله عنها: "فوضعت غسلا للنبي صلى الله عليه وسلم" 2. والمني: ماء الرجل وهو مشدّد. والمذْي بالتسكين: الماء الذي يخرج من الذكر عند الملاعبة والتقبيل يقال: مذى وأمذى ومذّى. والوَدْي بالتسكين: ماء يخرج بعد البول، وكذلك الوديُّ بالتشديد. والخِتَان: موضع القطع في الذكر، وقد تسمى الدعوة لذلك ختاناً. والحشفة: ما فوق الختان. والمسح: هو الإصابة، والمساحة قدر عرض مفاصل الأصابع. اليد: من المنكب إلى أطراف الأصابع والجمع: أيد والأيادي جمع الجمع، وأصل اليد يَدْيٌ على فَعْل ساكنة العين لأن جمعها أيدٍ وَيُديٌ. السواك يجيء بمعنى الشجرة التي يستاك بها، وبمعنى المصدر وهو المراد ههنا كذا

_ 1 ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها سنة سبع، وكان اسمها برّة، فسمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة. توفيت سنة إحدى وخمسين، انظر أسد الغابة 7/272 وما بعدها والاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/1914 وما بعدها. 2 هذا الحديث جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في كتاب الغسل 1/57 والدارمي في كتاب الطهارة 1/91 والترمذي في كتاب الطهارة 1/350 وابن ماجه في كتاب الطهارة 1/190 وأحمد بن حنبل 6/335.

في الدرر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وفي رواية "عند كل وضوء لأنه مطهر للفم" 1. وقال صلى الله عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب" 2. وقال صلى الله عليه وسلم: "طهروا مسالك القرآن بالسواك" 3. وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك" 4 وقال صلى الله عليه وسلم: "استاكوا عرضاً وادهنوا غبًّا واكتحلوا وِترًا" 5. والمستحب أن يستاك عرضا لا طولا،

_ 1 أخرجه البخاري في كتاب الجمعة "باب السواك يوم الجمعة 1/159 ومسلم في كتاب الطهارة 1/220 وأبو داود في كتاب الطهارة 1/12 والنسائي الطهارة 1/16 وابن ماجه كتاب الطهارة 1/105 وأحمد بن حنبل في مسنده 1/80 والترمذي في كتاب الطهارة 1/101 وما بعدها. 2 أخرجه البخاري في كتاب الصوم 1/331 والنسائي في كتاب الطهارة 1/15 وابن ماجه كتاب الطهارة 1/106 والدارمي كتاب الطهارة 1/174 وأحمد بن حنبل 1/3، 10. 3 هذا الحديث لم أقف على من خرجه بهذا اللفظ لكن ابن ماجه أخرج في سننه عن علي بن أبي طالب موقوفاً ما نصه: "إن أفواهكم طرق للقرآن فطيّبوها بالسواك". وقال عنه: إسناده ضعيف. انظر سنن ابن ماجه كتاب الطهارات 1/106. 4 هذا الحديث روي من طرق متعددة وبألفاظ متقاربة وقد ضعف النووي هذا الحديث وقال ما نصه: "ضعيف رواه البيهقي من طرق وضعفها كلها كذا ضعف غيره، وسبب ضعفه: أنّ مداره على ابن إسحاق وهو مدلس ولم يذكر سماعه. انتهى كلام النووي. لكنه روي من طرق أخرى: فقد رواه أبو نعيم من حديث الحميدي عن الزهري ورجاله ثقات. ورواه ابن عدي في كامله عن أبي هريرة بلفظ يقاربه. وعليه فطرق هذا الحديث يقوي بعضها بعضاً فتجعله يصلح للعمل به خاصة وأنه من فضائل الأعمال. انظر شرح المهذب 1/331، وكشف الخفا 2/26. 5 هذا الحديث لم يثبت، قال عنه النووي: "هذا الحديث ضعيفٌ غير معروف ونقل عن ابن الصلاح أنه قال: "بحثت عنه فلم أجد له أصلاً وليس له ذكر في شيءٍ من كتب الحديث.

أي يجعل السواك مما يلي عرض الأسنان لا مما يلي عمودها، ويدهن غباً: أن يدهن يوماً ويترك يوماً ويكتحل وتراً أي: في كل عين ثلاثة أطراف وقيل: بل في اليمنى ثلاثاً وفي اليسرى اثنان. والمضْمَضةُ: تحريك الماء في الفم ويقال ما مضمضت عيني بنوم أي: ما نمت، وتمضمض في وضوئه، كذا في الصحاح. وفي الطلبة: المضمضة: تطهير الفم بالماء، وأصلها تحريك الماء في الفم. الاستنشاق: إدخال الماء في الأنف. وفي الطلبة: الاستنشاق تطهير الأنف بالماء. وفي الصحاح استنشقت الماء وغيره إذا أدخلته في الأنف. الاسْتِنْثار: استنشاق وهو نثر ما في الأنف بنفس، ومما يدل على أنه غير الاستنشاق ما روي أنه صلى الله عليه وسلم: "كان إذا توضأ يستنشق ثلاثا في كل مرة يستنثر" 1 وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليجعل الماء في أنفه يستنثر". وفي حديث آخر "إذا استنشقت فانثر" 2 بوصل الهمزة وقطعها، وأنكر الأزهري القطع كذا في المغرب. الإغماء عند الفقهاء: وهو كون العقل مغلوبا فيدخل فيه السكر، وعند الأطباء: امتلاء بطون الدماغ من بلغم بارد غليظ، وفي حدود المتكلمين: الإغماء سهو يلحق الإنسان مع فتور الأعضاء لعلة. والغَشْي عند الأطباء: "تعطل القوى المتحركة الحساسة لضعف القلب واجتماع الروح إليه بسبب خفي في داخل فلا يجد منفذاً، ومن أسباب ذلك امتلاء خانق، أو مؤذ بارد، أو جوع شديد، أو آفة في عضو مشارك كالقلب والمعدة. والجُنون: وهو كون العقل مسلوبا. صَدِيد الجُرح ماؤه الرقيق المختلط بالدم قبل أن تغلظ المِدّة.

_ 1 هذا الحديث لم أقف على من أخرجه بهذا اللفظ وأخرج البخاري فيما يقرب من لفظه ومعناه في كتاب الوضوء فليرجع إليه 1/43. 2 أخرجه مسلم في كتاب الطهارة 1/212 وأحمد بن حنبل 2/242 والنسائي كتاب الطهارة 1/57.

القَيح: المِدّة لا يخالطها دم. والمِدّة بالكسر: ما يجتمع في الجرح من القيح. والقَيْء: إلقاء ما أكل أو شرب. والاستقاء: التكلّف. والمِلاَء: بالكسر ما يأخذه الإناء إذا امتلأ. والملأ بالفتح: مصدر الإناء. والاضطِجاع: أن ينام على جنبه. الاتّكاء: وهو أن يخرج الرجلين من أحد الجانبين ويقعد على المقعد ويسند أحد الجانبين بشيء والمقعد على الأرض.

باب التيمم

باب التيمم المناسبة بين البابين أن الأول أصل والثاني خلف ولهذا أخره وهو في اللغة القصد على الإطلاق. وفي الشرع: القصد إلى الصعيد لإزالة الحدث، وفي الدرر: وشرعا: استعمال الصعيد بقصد التطهير. وفي الصحاح: يَمَّمْتُه قصدتُه وتيمّمته تقصدته، وتيممت الصعيد للصلاة، وأصله التعمد والتوخي من قولك تيمّمتُك وتأمَّمْتُك. قال ابن السكيت1: قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} . [سورة النساء: آية 43] أي: اقصدوا الصعيد، ثم كثر استعمالهم لهذه الكلمة حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب.

_ 1 هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت، أخذ عن الفراء وأبي عمرو الشيباني والأصمعي، اشتهر بمصنفاته ومن أشهرها كتاب إصلاح المنطق، وكان مؤدباً لأولاد المتوكل ولكنه اختلف معه لما كان يظهره من مودة لآل على فأمر المتوكل بضربه وحمل من عنده مقتولاً سنة 244 هـ وقيل غير ذلك. راجع وفيات 2/408 وتاريخ الأدب العربي 2/205 وشذرات الذهب 2/106.

عن الفراء1: الصعيد: التراب، وقال ثعلب: وجه الأرض لقوله تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} . [سورة الكهف: آية: 40] . والجمع: صُعُد وصُعُدات مثل: طرق وطرقات، والصعود خلاف الهبوط، والصعود بالضم: المصدر يقال: صعد في السلم صعودا كذا في الصحاح.

_ 1 هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي المعروف بالفراء الديلمي الكوفي. كان أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، قال ثعلب: "لولا الفراء لما كانت عربية لأنه خلصها وضبطها ولولا الفراء لسقطت العربية لأنها كانت تتنازع ويدعيها كل من أراد ويتكلم الناس فيها على مقادير علومهم وقرائحهم فتذهب" من أشهر مؤلفاته: الحدود في النحو والمشكل. توفي سنة 207 هـ. راجع وفيات الأعيان 2/301 وتاريخ الأدب العربي 2/199 وشذرات الذهب 2/19.

باب المسح

باب المسح مناسبة هذا الباب بباب التيمم أنه خلف عن الكل والمسح خلف عن البعض ظاهرا ولهذا قدم التيمم كذا في التبين وفي المغرب: المسح: إمرار اليد على الشيء وفيه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم: "مال بيده في مقدم الخف إلى الساق أي ضرب بها" 1 لما يقال: مال بيده على الحائط أي ضرب بها. وروي عن أبي حنيفة2 رحمه الله تعالى أنه قال كنت لا أدري المسح على الخفين حتى وردت آثار أضوء من الشمس. وعدم روايته أولا كان قياسا إذ القياس أن لا يجوز المسح عليهما كأن لا يجوز على القلنسوة والعمامة لكن لما

_ 1 الحديث أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط من رواية جابر بن عبد الله على ما حكاه الزيلعي في النصب 1/181. وبما يقارب لفظه ومعناه ما أخرجه ابن ماجه في سننه عن طريق جابر أيضاً بإسنادٍ ضعيف 1/183 والبيهقي من رواية المغيرة بن شعبة 1/292. 2 هو النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه مولى تيم الله بن ثعلبة.. الإمام الفقيه والمجتهد الكبير وصاحب الفضائل الكثيرة والمناقب العظيمة وهو لفضله وإمامته أشهر من أن يعرف. ولد سنة 80 هـ. وتوفي ببغداد سنة 150 هـ. راجع تهذيب الأسماء واللغات 2/216. وفيات الأعيان 2/215 وشذرات الذهب 1/227 ومعجم المؤلفين 13/104.

وردت الآثار في جوازه ترك القياس كذا في شرح الطحاوي1. عن محمد بن سلمة2 أنه قال ليس في المسح على الخفين اختلاف فقيل الشيعة لا يجوزونه. يقال الناس رجلان: أهل الفقه وأهل الحديث وسائرهم لا شيء كذا في الاختيارات. فإن قيل: ما الحكمة في إيجاب غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس حيث لم يفرض غسله قلنا في ذلك حكم ومصالح لا تحصى منها: أن العذاب في الآخرة لهذه الأعضاء على ما نطق به القرآن فالوجه قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} . [سورة آل عمران: آية 106] واليد قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} . [سورة الحاقة: آية 25] . والرأس والرجل قوله تعالى: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} . [سورة الرحمن: آية 41] فقدر حكم التطهير تخليصا لها بميامن الطهارة عما يتوجه عليها من العقوبات بهذه. ولما كانت الثلاثة المغسولة أعظم ذنبا وأدخل في مباشرة المعاصي فقدر لها الغسل بخلاف الرأس فإنه ليس بهذه المثابة فلم يقدر. ومنها أنه لما خلق آدم وأدخل الجنة منع هو وزوجته من قربان الشجرة فوسوس

_ 1 أحمد بن محمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي الأزدي، كان إماماً جليل القدر فقيهاً حافظاً، وكان يقرأ على المزني: والله لا يجيء منك شيء، فغضب وانتقل من عنده وتفقه في مذهب أبي حنيفة وصار إماماً. والطحاوي نسبة إلى طحية قرية بصعيد مصر. ولد سنة ثلاثين ومائتين وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. 2 أحمد بن محمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي الأزدي، كان إماماً جليل القدر فقيهاً حافظاً، وكان يقرأ على المزني الشافعي وهو خاله وكان يكثر النظر في كتب الحنفية فقال له المزني: والله لا يجيء منك شيء، فغضب وانتقل من عنده وتفقه في مذهب أبي حنيفة وصار إماماً. والطحاوي نسبة إلى طحية قرية بصعيد مصر. ولد سنة ثلاثين ومائتين وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. راجع الجواهر المضية 1/102 والفوائد البهية ص21. ووفيات الأعيان 1/23.

لهما الشيطان حتى تقربا وتناولا. وتعصي هذه الأعضاء يصدر من الرجلين: المشي، ومن اليدين: البطش، ومن الوجه: التوجه إليها. ثم وضع آدم صلوات الله تعالى على نبينا وصلى الله عليه وسلم حين أصابه وسقط عنه حمل يده على رأسه فقدر لها حكم الغسل تطهيرا لها عن دنس هذه المعاصي. ولما كان ذنب الرأس أقل قدر له المسح لا الغسل. فإن قيل الفم حصل منه ذنب المضغ والابتلاع فيجب أن تكون المضمضة فرضا. قلنا: انعقد الذنب قبله بمباشرة هذه الأعضاء فيعد ذلك ذنب له كمن كسب حراما وترك لوارثه فيأكله، فلو سلم فظاهر الآيه أن الممنوع هو القربان غير صادر منه. الاستِنْجاء: من النجو وفي مجمل اللغة النجو ما يخرج من البطن. والاستنجاء منه وهو طلب الفراغ عنه وعن أثره كذا في المغرب. وفيه نجا وأنجى إذا أحدث ثم قالوا: استنجى إذا مسح موضع النجو أو غسله. الخلاءُ ممدوداً: المتوضأ، والخلاء أيضا: المكان الذي لا شيء فيه كذا في الصحاح. وفيه الخلاء مقصورا الرطب من الحشيش الواحدة خلاة.

باب ما يختص بالنساء

باب ما يختص بالنساء وهي ثلاث: "حيضٌ ونفاسٌ واستحاضةٌ". قال الشيخ الإمام العلامة "أبو نصر أحمد بن محمد البغدادي"1 رحمهما الله: الحيض في اللغة: عبارة عن خروج الدم يقال: حاضت الشجرة إذا خرج منها الصمغ الأحمر، وفي الشرع: "هو دم ينفضه رحم امرأة سالمة عن داء" وفي الاختيار: قال "الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري" رحمهما الله "الحيض: هو الدم الذي ينفضه رحم

_ 1 هو الشيخ أحمد بن محمد بن نصر الفقيه المعروف بالأقطع تفقه على أبي الحسين أحمد القدوري وشرح كتابه المختصر. برع في الفقه وأتقن الحساب، سكن بغداد ودرس الفقه ثم خرج منها إلى الأهواز، توفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة. راجع الجواهر المضية 1/119. والفوائد البهية ص 40. وكشف الظنون 2/1631 ومعجم المؤلفين 2/148.

امرأة سليمة عن صغر وداء والجمع الحيض". والاستحاضة: وهو الدم الخارج من الفرج دون الرحم. والنفاس: وهو ما يخرج مع الولد وعقيبه. الاستحاضة استفعال من الحيض وقالت فاطمة بنت قيس للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أستحيض فلا أطهر. وأما الشرع فإنه خص الاسم بدم دون دم ومن شخص دون شخص وسمى كل نوع منهما باسم. وفي الإشراف: أما الفرق بين الدمين فدم الحيض ثخين منتن ودم الاستحاضة أحمر لا نتن فيه. وفي المغرب: النفاس: مصدر نفست المرأة بضم النون وفتحها إذا ولدت فهي نفساء وهن نِفَاس وكل هذا من النفس وهو الدم وفي الصحاح والنفاس بالفتح ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء ونسوة نفاس وليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء ويجمع أيضا على نفساوات وعشراوات وامرأتان نفساوان أبدلوا من همزة التأنيث واوا. وقولهم: النفاس هو الدم الخارج عقيب الولد تسمية بالمصدر كالحيض. وفي مصرحة الأسماء: "أوغلن طوغرت عورت نفساوان جمع نفاس جمع نفس "تنى وستى وجان نفس دم ودماء1. وفي المغرب والنَّفَس بفتحتين واحد الأنفاس وهو ما يخرج من الحي حال التنفس ومنه لك في هذا نفس أي وسعة، ونفسة أي: مهلة، ونفس الله تعالى كربتك أي: فرجها. الإياس: بمعنى اليأس وهو انقطاع الرجاء. قال ابن السكيت: أيست منه آيس يأساً لغة في يئست منه أيأس يأسا ومصدرهما واحد. وآيسني منه فلان مثل أيأسني وكذلك التأييس. كذا في الصحاح. وفي المغرب: وأما الإياس في مصدر الآيسة من الحيض فهو في الأصل أيئاس بوزن

_ 1 كلمات فارسية.

أيعاس كما قرره الأزهري1 إلا أنه حذف منه الهمزة التي هي عين الكلمة تخفيفا وليس بمصدر أيس كما ظنه بعضهم وتمام الفصل في المغرب.

_ 1 أبو منصور محمد بن أحمد بن طلحة الأزهري اللغوي صاحب كتاب تهذيب اللغة. توفي سنة 370 هـ. يرجع إلى كشف الظنون 1/515. وهدية العارفين 2/49.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة مدخل ... كتاب الصلاة وهي فعلة من صلى كالزكاة من زكى واشتقاقها من الصَّلا وهو العظم الذي عليه الإليتان لأن المصلي يحرك صلويه في الركوع والسجود وقيل للثاني من خيل السباق المصلي لأن رأسه يلي صلوى السابق. ومنه سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر رضي الله تعالى عنهما وعن سائر الصحابة. وسمى الدعاء صلاة لأنه منها. ومنه: "إذا كان صائما فليصل أي فليدع" 1. ثم سمي بها الرحمة والاستغفار لأنهما من لوازم الدعاء كذا في المغرب. والصلاة لغة: الدعاء. وشرعاً: الأركان المعهودة المقصودة. قال الجوهري رحمه الله تعالى الصلاة من الله تعالى رحمة، والصلاة واحدة الصلوات المفروضة، وهي اسم يوضع موضع المصدر يقال صليت صلاة ولا يقال تصلية. وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم وصليت العصا إذا لينتها وقومتها. معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته". والمصلى: موضع الصلاة والدعاء أيضا في قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} . [سورة البقرة: آية 125] . وصلوات في قوله تعالى: {وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} . [سورة الحج: آية40] . قال ابن

_ 1 أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي. يرجع إلى صحيح مسلم 2/1054. كتاب النكاح ومسند الإمام أحمد 2/279 وسنن أبي داود 2/331 كتاب الصوم وسنن الترمذي مع التحفة 3/493 وما بعدها كتاب الصوم.

السكيت: هي كنائس اليهود أي: مواضع الصلوات. أوقات الصلوات المفروضة: الوقت: من الأزمنة المبهمة. والميقات: الوقت المضروب للفعل والموضع، والجمع: المواقيت فاستعير للمكان. ومنه مواقيت الحج لمواضع الإحرام يقال: هذا ميقات أهل الشام: للموضع الذي يحرمون منه، وتقول أيضاً: وقته فهو موقوت إذا بين للفعل وقتا يفعل فيه ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} . [سورة النساء: آية 103] أي مفروضا في الأوقات. والتوقيت: تحديد الأوقات. والمُوقِت: مفعل من الوقت. الفَجْر: الشق والفتح، يقال فجر الماء إذا فتحه والفجر أيضا: ضوء الصبح لأنه انصداع ظلمة عن نور أي انشقاقها عنه ولهذا سمي به الصديع. وهو فجران: كاذب: وهو المستطيل وصادق وهو المستطير هذا أصله ثم سمي به الوقت. وقولهم: الفجر ركعتان على حذف المضاف لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الفجر فجران فجر مستطيل يحل به الطعام ويحرم فيه الصلاة وفجر مستطير أي منتشر يحرم به الطعام ويحل فيه الصلاة" 1. رواه ابن عباس2 رضي الله عنه وفي رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال صلى الله عليه وسلم: "إن

_ 1 هذا الحديث صححه الحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وهو موقوف ولم يرفعه غير أبي أحمد الزبيدي عن الثوري عن ابن جريج لكن له شاهد صحيح من رواية جابر. يرجع إلى المستدرك للحاكم 1/191 وصحيح ابن خزيمة 1/184 وسنن الدارقطني 2/165 وتلخيص الحبير 1/177. 2 عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد المناف أبو العباس القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمى حبر هذه الأمة ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفي سنة سبعين وقيل غير ذلك. راجع أسد الغابة 3/290 والاستيعاب 3/933 وصفة الصفوة 1/746.

للصلاة أولا وآخراً" 1. وأول وقت الفجر حين يطلع الفجر الثاني وآخر وقتها حين تطلع الشمس". كذا في المحيط والاختيار وتبيين الحقائق وشرح مختصر القدوري للشيخ الإمام العلامة أبي نصر أحمد بن محمد البغدادي. وفي التبيين أيضا: وإنما قدم وقت الفجر وإن كان الواجب تقديم وقت الظهر لأنها أول وقت فرضت فيها الصلاة لعدم الاختلاف في أوله وآخره بخلاف غيره. وفي الهداية: ولا معتبر بالفجر الكاذب لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل" 2. والخيط الأسود: الفجر المستطيل ويقال: سواد الليل. والخيط الأبيض: الفجر المعترض كذا في الصحاح. وفي المغرب: الخيط الأبيض ما يبدو من الفجر الصادق وهو المستطير والخيط الأسود ما يمتد معه من ظلمة الليل وهو الفجر المستطيل وهو استعارة. قال قاضي خان: الفجر فجران تسمي العرب الأول كاذبا وهو البياض الذي يبدو كذنب السرحان3 ويعقبه ظلام لا يخرج به وقت العشاء ولا يثبت به شيء من أحكام النهار. والثاني وهو الذي يستطير ويعترض في الأفق ولا يزال يزداد حتى ينتشر، وسمي مستطيرا لذلك يثبت به أحكام النهار في حرمة الطعام والشراب للصائم وجواز أداء الفجر. الإسفار الإضاءة يقال أسفر الصبح إذا أضاء وفي الحديث: "أسفروا بالفجر فإنه

_ 1 هذا جزء من حديث طويل في بيان مواقيت الصلاة أخرجه الترمذي وهو من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش، وللعلماء في رواية محمد بن الفضيل عن الأعمش نظر. وفي الباب أحاديث أصح من هذا. راجع تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي 1/469. 2 أخرجه مسلم في كتاب الصيام 2/770، والترمذي في كتاب الصوم 3/390. وأبو داود في كتاب الصوم 6/471. والنسائي كتاب الصوم 4/122. 3 السرحان: اسم للذئب، وأنثاه تسمى سرحانة وقد يسمى الأسد بذلك وهو المعروف عند هذيل. يرجع إلى الصحاح 1/374 وتاج العروس 6/466، 467، والقاموس المحيط 1/236.

أعظم للأجر" 1. الغلس: ظلمة الليل والتغليس خلاف النور. الظهر: بعد الزوال ومنه صلاة الظهر كذا في الصحاح والمغرب وفيه "وأما ابردوا بالظهر، وصلى الظهر فعلى حذف المضاف" والفيء: ما بعد الزوال من الظل، وإنما سمي الظل فيئاً لرجوعه من جانب إلى جانب. الظل: ما نسخته الشمس والفيء ما نسخ الشمس. والزوال: الذي يتحرك في مشيته كثيرا وما يقطعه من المسافة قليل. يقال زال الشيء من مكانه يزول زوالا وأزاله غيره. كذا في الصحاح. العَصْر: الدهر وفيه لغتان أخريان عُصْر وعُصُر مثل: عُسْر وعُسُر. والعصران: الليل والنهار، والعصران أيضاً: الغداة والعشي ومنه سميت صلاة العصر. الدهر: الزمان ويجمع على دهور ويقال للدهر أبد، وقولهم: دَهْرٌ دَاهِرٌ كقولهم: أبد أبيد، والدُهري بالضم: المسن. والدَّهري بالفتح: الملحد. والعَشي والعشية: من صلاة المغرب إلى العتمة. والعِشاء بالكسر والمد: مثل العشى، والعشاءان: المغرب، والعتمة، والعشاء بالفتح والمد: الطعام بعينه وهو خلاف الغداء، والعشى بالقصر: مصدر. والعَتَمَة: وقت صلاة العشاء، قال الخليل: العتمة هو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق هكذا في الصحاح. قال الإمام الفخر الرازي2: فذهب عامة العلماء إلى أن الشفق هو الحمرة وهو

_ 1 أخرجه أبو داود في باب المواقيت 2/92 والترمذي في باب ما جاء بالإسفار بالفجر 1/478 وقال عنه: حديث حسن صحيح والنسائي في باب الإسفار 1/218 وما بعدها وابن ماجه في باب وقت الفجر 1/221. 2 هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري الفقيه الشافعي. ولد في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة بالري، وتوفي يوم الاثنين سنة ست وستمائة بمدينة هراة. انظر وفيات الأعيان 1/600 وطبقات الشافعية للسبكي 8/81 وما بعدها وشذرات 5/21.

قول ابن عباس والكلبي1 ومقاتل2 رضي الله تعالى عنهم، ومن أهل اللغة: قول الليث3 والفراء والزجاج4. قال صاحب الكشاف5: الشفق الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء إلا ما يروى عن أبي حنيفة رحمه الله في إحدى الروايتين أنه البياض وروى أسد بن عمرو6 رحمه الله أنه رجع

_ 1 هو الشيخ الإمام العلامة الحافظ المفسر "أبو عبد الله محمد المدعو القاسم بن أحمد بن محمد بن جزي الكلبي" الغرناطي الأندلسي صاحب كتاب التسهيل لعلوم التنزيل. توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين 292هـ. 2 هو أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء الخراساني المروزي البلخي وهو صاحب التفسير المشهور. توفي سنة خمسين بالبصرة. انظر وفيات الأعيان 2/147 وشذرات الذهب 1/227 وهدية العارفين 2/47. 3 هو أبو الحرث الليث بن سعد بن عبد الرحمن إمام أهل مصر، وهو لشهرته أغنى عن التعريف. ولد في سنة أربع وتسعين للهجرة وقيل غير ذلك، وتوفي يوم الخميس وقيل يوم الجمعة في منتصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة. انظر وفيات الأعيان 1/554 وما بعدها والجواهر المضية 1/416 وشذرات الذهب 1/285. 4 هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السري بن سهل الزجاج النحوي، كان من أهل العلم بالأدب والدين، أخذ الأدب عن المبرد وثعلب رحمهما الله، وكان يخرط الزجاج ثم تركه واشتغل بالأدب، صنف كتباً كثيرة منها: كتاب في معاني القرآن الكريم، وكتاب الأمالي، وكتاب العروض وغير ذلك: توفي سنة 316هـ وقيل: 310 وقيل غير ذلك. 5 انظر تفسير الكشاف للزمخشري 4/235 وكتاب الكشاف تفسير مشهور يمتاز بإظهار الجانب البلاغي في القرآن، وصاحبه أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي المتوفي سنة 538هـ فرغ من تأليفه ضحوة يوم الإثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر في عام ثمان وعشرين وخمسمائة. لكنه رأس في الاعتزال عفا الله عنه. راجع وفيات الأعيان 2/107 وكشف الظنون 2/1475. 6 أسد بن عمرو القاضي البجلي الكوفي صاحب الإمام أبي حنيفة، تفقه عليه، ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، ولي القضاء بعد أبي يوسف للرشيد وحجّ معه. توفي سنة تسعين ومائة وقيل غير ذلك. انظر الجواهر المضية 1/140 وما بعدها والفوائد البهية ص 44 وما بعدها وشذرات الذهب 1/236.

عنه، سمي لرقته. ومنه الشفقة على الإنسان: رقة القلب عليه كذا في الكبير.

باب الأذان

باب الأذان هو في اللغة: الإعلام مطلقا قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} . [سورة التوبة: آية 3] . أي إعلام منهما. وفي الشرع: هو الإعلام على الوجه المخصوص. ولما كان الأذان موقوفا على تحقق الوقت أخره عنه. وأما الأذان المتعارف فهو من التأذين كالسلام من التسليم. وفي الدرر: وشرعا هو إعلام وقت الصلاة بوجه مخصوص ويطلق على الألفاظ المخصوصة. واعلم أن أصل الأذان على ما اختاره صاحب النهاية إنما ثبت بالسنة: ذلك ما روي أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لما أسري بي إلى بيت المقدس فأذن جبريل وأقام وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه الملائكة وأرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام". وفي المحيط: والأصل في ثبوته ما روي أن عبد الله بن زيد رضي الله عنه1 قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت وكنت بين النائم واليقظان نازلا من السماء قائم على جذم حائط واستقبل القبلة وقال: الله أكبر الله أكبر، وذكر الأذان إلى آخره ثم قعد على هيئته ثم قام وقال مثل ذلك إلا أنه قد زاد فيه: قد قامت الصلاة مرتين فقال صلى الله عليه وسلم علمه بلالا فإنه أندى صوتا منك" 2. وفي شرح الطحاوي أصل الأذان ثبت برؤيا عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه:

_ 1 عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد من بني جشم بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي الحارثي يكنى أبا محمد، قال عبد الله بن محمد الأنصاري: ليس في آبائه ثعلبة وهو صحابي جليل شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن أربع وستين. راجع أسد الغابة 3/247 والاستيعاب 3/912. 2 أخرجه الترمذي 1/564 والدارقطني 1/241 وابن خزيمة 1/192 والزيلعي في نصب الراية 1/259.

وذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه جمع أصحابه رضي الله عنهم وشاورهم في الأمر للأذان فقال بعضهم يضرب بالناقوس فقال صلى الله عليه وسلم: "هو للنصارى" وقال بعضهم: يضرب بالدف فقال صلى الله عليه وسلم: "هو لليهود" وقال بعضهم: ينفخ بالشبور وهو البوق وهو شيء ينفخ فيه ليس بعربي محض، وقال بعضهم: توقد النار فقال: "هو للمجوس" فلم تتفق آراؤهم على شيء ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهتما مغتما فلما أصبح جاء عبد الله بن زيد فقال يا رسول الله: كنت بين النائم واليقظان فرأيت شخصا نزل من السماء وعليه ثوبان أخضران وقام على جذم حائط من الحرم واستقبل القبلة وقال: الله أكبر الله أكبر فحكى الأذان المعروف. ثم قعد هنيهة ثم قام فقال مثل ذلك إلا أنه زاد فيه قد قامت الصلاة مرتين. فقال صلى الله عليه وسلم: "علمه بلالا فإنه أندى صوتا". وقال عمر رضي الله عنه وأنا أيضاً رأيت مثل ما رأى هو إلا أنه سبقني فكرهت أن أقطع عليه قوله. وقيل: أمر الأذان أجل من أن يثبت بالرؤيا وإنما ثبت بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما أسري بي إلى بيت المقدس فأذن جبريل صلى الله عليه وسلم وأقام وتقدم صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه الملائكة وأرواح الأنبياء عليهم السلام":. كذا في الاختيار. وقيل: نزل به جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: أذن جبريل عليه السلام في السماء فسمعه عمر بن الخطاب في الأرض. قال صاحب النهاية: يجوز أن يكون كلها واقعا لعدم المنافاة. وفي شرح السنة: الأذان إعلام بحضور الوقت. والإقامة: أذان بفعل الصلاة فيه. وقال الخطابي1: أراد بالأذانين الأذان والإقامة، حمل أحد الاسمين على الآخر كقولهم: الأسودين للتمر والماء وإنما الأسود أحدهما، وكقولهم: سيرة العمرين يريدون أبا بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما ويحتمل أن يكون الاسم لكل واحد منهما حقيقة

_ 1 حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الإمام أبو سليمان الخطابي البستي. كان إماماً في الحديث والفقه واللغة، توفي سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. انظر طبقات الشافعية للسبكي 3/282 ووفيات الأعيان 1/208 وشذرات الذهب 3/127 وما بعدها.

كما ذكر آنفا. وفي الإشراف: اختلفوا في الأذان والإقامة فقال أبو حنيفة والشافعي ومالك رحمهم الله تعالى: هما سنتان، وقال أحمد1: هما فرضان على أهل الأمصار على الكفاية إذا قام بهما بعضهم أجزأ عن جميعهم. واتفقوا على أنه إن أجمع أهل البلد على ترك الأذان والإقامة قوتلوا على ذلك لأنه من شعائر الإسلام فلا يجوز تعطيله. وقيل: إنه واجب. وعن عطاء2 رحمه الله: من ترك الإقامة أعاد الصلاة كذا في مجمع الفتاوى. روي عن أبي محذورة مؤذن مكة أنه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشر كلمة "بدايع". الإقامة: مصدر أقام بالمكان إقامةً، والهاء عوض عن عين الفعل لأن أصله إقواماً. وأقام الشيء أي: أدامه من قوله تعالى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [سورة البقرة: آية 3] كذا في الصحاح. وتخالج في روع الفقير أن يكون الإقامة المتعارفة من أقام الشيء بمعنى أدامه، لكن المرئي من سياق الجوهري من أقام بالمكان. وعلى هذا التقدير تكون الإقامة بمعنى القيام لأن أقام في أقام بالمكان لازم، يشم روح التعدية في الإقامة لأنه إعلام للحاضرين لأن يقوموا إلى الصلاة وإعلام القيام إلى الصلاة ينزل بمنزلة الإقامة لها فتأمل. وفي الكافي: الأولى أن يتولى العلماء أمر الأذان. وفي مجمع الفتاوى: وينبغي أن يكون المؤذن مهيباً ويتفقد أحوال الناس ويزجر المتخلفة عن الجماعة. وسنة الأذان في

_ 1 أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني حامل لواء السنة وإمام المحدثين. ولد سنة أربع وستين ومائة وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين. انظر طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى الحنبلي 1/4 وما بعدها ووفيات الأعيان 1/20 وما بعدها وشذرات الذهب 2/96 وما بعدها. 2 أبو محمد عطاء بن أبي رباح، كان من كبار التابعين وفقهاء مكة وزهادها، وإليه وإلى مجاهد انتهت فتوى مكة. توفي سنة خمس عشرة ومائة وقيل غير ذلك. انظر وفيات الأعيان 1/401 وشذرات الذهب 1/147 وما بعدها وصفة الصفوة 2/211 وما بعدها.

موضع عال والإقامة على الأرض. وفي الملتقط: لا ينبغي أن يقول لمن فوقه في العلم والجاه: حان وقت الصلاة سوى المؤذنين لأنه استفضال لنفسه. وعن الحلواني1 رحمه الله تعالى: أن الإجابة بالقدم لا باللسان حتى لو أجاب باللسان ولم يمش إلى المسجد لا يكون مجيباً. ولو كان في المسجد ولم يجب لا يكون آثما. كذا في النهاية والقنية. وفي حلية الأبرار في فصل أحوال تعرض للذاكر. إذا سمع المؤذن أجابة في كلمات الأذان والإقامة. قالوا إن إجابتهما واجبة على كل من سمعه وإن كان جنبا أو حائضا إذا لم يكن في الخلاء أو على الجماع. وفي مجمع الفتاوى: سمع من كل جانب.. يكفيه إجابة واحدة ... يتكلم في الفقه فسمع الأذان يجب الإجابة، سمع الأذان وهو يمشي.... فالأولى أن يقف ساعة ويجيب. عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - إذا سمع الأذان فما عمل بعده فهو حرام، وكانت تضع مغزلها".

_ 1 عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح شمس الأئمة الحلواني البخاري. كان إمام الحنفية في بلاد الري تفقه على الحسين النسفي وأخذ عنه السرخسي والبزدوي. ومن مصنفاته المبسوط في الفقه، والنوادر، توفي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وقيل غير ذلك.

باب شروط الصلاة

باب شروط الصلاة الشرط: ما يتوقف عليه الشيء وليس منه كالطهارة للصلاة. وفي الدرر: الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء ولا يدخل فيه. قيل: الشروط على ثلاثة أنواع. شرط الانعقاد: كالنية والتحريمة. وشرط الدوام: كالطهارة وستر العورة واستقبال القبلة. وشرط الوجود: في حالة البقاء وألا يشترط فيه التقدم والمقارنة بابداء الصلاة كالقراءة فإنه ركن في نفسه شرط في سائر الأركان لأن القراءة مأخوذة في جميع الصلاة تقديراً. كذا في الاختيارات. التحريمية: التكبيرة الأولى. والتحريم: جعل الشيء محرماً والهاء لتحقيق الاسمية

وخصت التكبيرة الأولى بها لأنها تحرم الأشياء المباحة قبل الشروع بخلاف سائر التكبيرات. كذا في الدرر. والتكبير: هو الوصف بالكبرياء وهو العظمة وكذلك الكبر. والتكبير: التعظيم، والتكبر والاستكبار: التعظيم. كذا في الصحاح. التحري في الأشياء: هو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن. يقال: فلان حري بكذا على وزن فعيل أي: خليق. وفي مجمل اللغة: تحرى فلان بالمكان إذا تمكث فالتحري من هذا هو التثبيت في الاجتهاد لطلب الحق والرشاد وعند تعذر الوصول إلى حقيقة المطلوب والمراد. القيام: مصدر قام الرجل قياما: والقومة المرة الواحدة والأصل فيه الواو ثم جعلت الواو ياء لأجل الكسرة. والمقام بالفتح موضع القيام، ومنه مقام إبراهيم عليه السلام وهو الحجر وفيه أثر قدميه. وأما المقام بالضم: فموضع الإقامة. كذا في المغرب. والقوم: الرجال دون النساء لا واحد له من لفظه كذا في الصحاح. القراءة: مصدر قرأت الكتاب قراءةً. وفي الصحاح: قرأت الشيء قرآناً جمعته وضممت بعضه إلى بعض وقرأت الكتاب قراءة وقرآنا. ومنه سمي القران لأنه يجمع السور قيضمها. وقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} . [سورة القيامة: آية 17] . أي جمعه وقراءته. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} . [سورة القيامة: آية 18] . قال ابن عباس رضي الله عنه: فإذا بيناه لك بالقراءة فاعمل بما بيناه لك. وفلان قرأ عليك السلام وأقرأك السلام بمعنى، وأقرأه القران فهو مقرىء، وجمع القارىء قرأه مثل: كافر وكفرة، والقراء: المتنسك، وقد تقرأ أي: تنسك، والجمع: القراءون. وفي المغرب: القرآن اسم لهذا المقروء المجموع بين الدفتين على هذا التأليف وهو معجز بالاتفاق إلا أن وجه الإعجاز هو المختلف فيه، وأكثر المحققين على أن الوجه هو اختصاصه برتبة من الفصاحة خارجة عن المعتاد، وتقديره في المعرب وفي المختلف لهما. القرآن: اسم للنظم العربي والمعنى جميعاً. وقال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} . [سورة الزخرف: آية 3] . وقال عز

وجل: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} . [سورة الشعراء: آية 195] . فإتيان أحدهما لا يكون قرآنا له. القرآن اسم للمعنى دون النظم دل عليه قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} . [سورة الشعراء: آية 196] وقوله عز وجل: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} . [سورة الأعلى: آية 18] والزبر والصحف لم يكن بهذا النظم. وأما قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} . [سورة الزخرف: آية: 3] قلنا ذاك لا يوجب اختصاص القرآن بالعربي كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} . [سورة الرعد: آية 37] . والحكم بالعربي حكم بالفارسي سواء. قال العلامة في الكشاف رحمه الله تعالى: التوراة والإنجيل اسمان أعجميان وتكلف اشتقاقهما من الورى والنجل تفعلة وأفعيل إنما يصح بعد كونهما عربيتين. كذا في حدائق الأزهار. وفي الصحاح: الإنجيل كتاب عيسى عليه السلام يذكر ويؤنث فمن أنث أراد به الصحيفة ومن ذكر أراد به الكتاب. والحَصَر: بفتحتين العي وضيق الصدر يقال حصرت صدورهم أي ضاقت. قال الله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} . [سورة النساء: آية: 90] الآية. وكل من امتنع من شيء فلم يقدر عليه فقد حصر عنه. ومنه الحصر في القراءة. وفي التفسير الكبير للرازي رحمه الله تعالى: إذا لم يحسن الرجل قراءة الفاتحة بتمامها فإنه لا يخلو من أن يحفظ بعضها أو لا يحفظ شيئا منها أصلاً. أما الأول: فإنه يقرأ ما حفظ منها ومعه شيء آخر من القرآن بقدر وسعها. وأما الثاني: فإنه إن حفظ شيئا آخر لزمه قراءة ذلك المحفوظ لقوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} . [سورة المزمل: الآية: 20] وإن لم يحفظ شيئا من القرآن. يلزمه أن يأتي بالذكر وهو التكبير والتحميد، وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يلزمه شيء. وحجة الشافعي رحمه الله ما روى رفاعة بن مالك رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمره الله تعالى ثم ليكبر فإن كان معه

شيء من القرآن فليقرأ وإلا فليحمد الله وليكبر" 1. وإن لم يحفظ شيئا من الأذكار بالعربية فإنه يؤمر بذكر الله سبحانه وتعالى بأي لسان قدر عليه تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" 2. والله تعالى أعلم. من التفسير للرازي رحمه الله. فصل: هو المصدر يحتمل أن يكون بمعنى الفاعل كرجل عدل أي: فصل بين ما ذكر قبله وبين ما ذكر بعده. ويحتمل أن يكون بمعنى المفعول، والمعنى: هذا المفصول عما قبله، فإذا ذكرت بعده "في" ترفع وتنون على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هذا فصل. وإن لم تذكر يسكن آخره لأنك إذا وقفت على كلمة أسكنت. والإمام: من يؤتم به أي يقتدى به ذكراً كان أو أنثى ومنه: "قامت الإمام وسطهن". لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" 3. وفي بعض النسخ: الإمامة وترك الهاء هو الصواب لأنه اسم لا وصف "كالإنسان والفرس" فهو يشمل الذكور والإناث فلا يحتاج في الوصف. وأمَام بالفتح قدام وهو من الأسماء اللازمة للإضافة كذا في المغرب. والمؤتم المقتدي. والمقتدي: من أدرك الإمام مع تكبيرة الافتتاح والقدوة: من يقتدى به. والدرك: من أدرك الإمام بعد تكبيرة الافتتاح. والمسبوق: من سبق في الصلاة وغيرها، ولكن يغلب على من سبق في الصلاة وهو الذي أدرك الإمام بعد ركعة أو أكثر.

_ 1 هذا الحديث من رواية رفاعة بن مالك بن العجلان الأنصاري الخزرجي الزرقي. صحابي جليل، شهد المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي في أول إمارة معاوية. وحديثه أخرجه أبو داود في باب "صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود". انظر سنن أبي داود 1/228. 2 أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام 4/258 ومسلم في كتاب الحج 2/975 والنسائي في كتاب الحج 5/83 وابن ماجه في المقدمة 1/3. 3 أخرجه البخاري في الفتح 2/173 ومسلم 1/309 وابن ماجه 1/392 وأبو داود في العون 2/311.

واللاحق: من أدرك أول الصلاة ولم يتم مع الإمام بعذر. الركوع: الانحناء ومنه ركوع الصلاة يقال انحنى إذا انعطف وعطفت أي: ملت. وعطفت العود فانعطف ... يتعدى ولا يتعدى كذا في الصحاح. وفي المغرب: يقال ركع إذا صلى ومنه: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} . [سورة البقرة: آية: 43] . وأما قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} . [سورة ص: آية: 24] فمعناه: ساجداً شاكراً وركعة الصلاة معروفة. السجود: الخضوع، ومنه سجود الصلاة وهو وضع الجبهة على الأرض. والاسم السجدة بالكسر، يقال: أسجد الرجل: أي طأطأ رأسه وانحنى. والطأطأ من الأرض: ما انهبط، وهبط هبوطا كذا في الصحاح. والمسجد: بيت الصلاة والمسجدان مسجدا مكة والمدينة، والجمع: المساجد، والمَسْجِد والمَسْجد واحد المساجد، وسورة السجدة بالفتح. كذا في الصحاح. وأما المساجد في قولهم: ويجعل الكافور في مساجده فهي موضع السجود من بدن الإنسان جمع مسجَد بفتح الجيم لا غير. قال الجوهري رحمه الله: والمسجد بالفتح: جبهة الرجل حيث يصيبه ندب السجود. والآراب السبعة: مساجد. وفي الحدائق: السجود في اللغة: التطامن والذلة. وفي الشريعة: وضع الجبهة والأنف أو أحدهما على الأرض. وفي أنوار التنزيل: والسجود في الأصل: تذلل مع تطامن. وفي الشرع وضع الجبهة على الأرض على قصد العبادة. وفي الكشاف: السجود لله تعالى على سبيل العبادة، ولغيره على وجه التكرمة: كسجود الملائكة لآدم عليه السلام وأبوي يوسف عليه السلام وإخوته له. ويجوز أن يختلف الأحوال والأوقات فيه. والسَّجَادة: الخمرة وأثر السجود في الجبهة أيضاً. والإسجاد: إدامة النظر. والخمرة: المسجد وهي حصير صغير قدر ما يسجد عليه سميت بذلك لأنها تستر الأرض على وجه المصلي وتركيبها دال على معنى الستر، ومنه الخمار: وهو ما تغطي به المرأة رأسها. قال الفراء: كل ما كان على فعل يفعل مثل: دخل يدخل والمفعل منه بالفتح اسماً

كان أو مصدراً، ولا يقع فيه الفرق مثل دخل مدخلاً وهذا مدخله إلا أحرفاً من الأسماء ألزموها كسر العين. من ذلك: المسجد، والمطلع، والمشرق، والمسقط، والمفرق، والمجز، والمسكن، والمرفق، والمنبت، والمنسك. فجعلوا الكسر علامة للاسم وربما فتحه بعض العرب في الاسم، وقد روي: مَسكِنٌ ومَسكَن وقال: سمعت المَسْجِد والمَسْجَد والمطلِع والمطلَع، وقال: والفتح في كله جائر وإن لم نسمعه. وفي مصرحة الأسماء: سجادة بالتخفيف: "نشان سجدة بريشاني" وسجادة بالتشديد: "جاي نماز". المحراب: مقدم المجلس وأشرفه، وكذلك هو في المسجد، والجمع: المحاريب. كذا في تفسير الغريب. قال الفراء: المحاريب: صدور المجالس، ومنه سمي محراب المسجد. والمحراب أيضاً: الغرفة. وقوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ} . [سورة مريم: آية: 11] قالوا: من المسجد. كذا في الصحاح. التشهد: قراءة التحيات لله لاشتمالها على الشهادتين. ومعنى التحيات لله: كلمات التحايا والأدعية، لا أن هذه تحية له وتسليم عليه فإن ذلك منهي عنه، وبوجه آخر معنى التحيات لله أي: العبادات القولية، والصلوات أي: العبادات الفعلية. والطيبات أي: العبادات المالية مختصة ومستحقة لله تعالى. وقال الجوهري رحمه الله: التحية: الملك، والتحيات لله تعالى: قال يعقوب: أي الملك لله تعالى. ويقال: حياك الله أي: ملكك. وعن ابن مسعود1 رضي الله تعالى عنه أنه قال: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا:

_ 1 عبد الله بن مسعود بن غافر الهذلي ويكنى أبا عبد الرحمن صحابي جليل، هاجر إلى الحبشة الهجرتين وشهد بدراً والمشاهد كلها، وكان سادس من دخل في الإسلام وهو ممن أوتي فقهاً وعلماً، ولي قضاء الكوفة وبيت المال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وصدراً من خلافة عثمان رضي الله عنه، ثم صار إلى المدينة فمات بها سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن بضع وستين. راجع صفة الصفوة 1/395 والاستيعاب 3/987 وأسد الغابة 3/384.

"السلام على الله من عباده فقال عليه السلام: "لا تقولوا السلام على الله ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات" 1 إلى آخر الحديث. القُنُوت: الطاعة والدعاء والقيام كما في قوله عليه السلام: "أفضل الصلاة طول القنوت" 2. والمشهور الدعاء وقولهم دعاء القنوت إضافة بيان وهو: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوب إليك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونركع ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق". المعنى يا الله نطلب منك العون على الطاعة وترك المعصية ونطلب المغفرة للذنوب ونثني من الثناء وهو المدح وانتصاب الخبر على المصدر، والكفر نقيض الشكر وقولهم كفرت فلانا على حذف المضاف والأصل كفرت نعمتة، ونخلع: من خلع الفرس رسنه إذا ألقاه وطرحه، والفعلان موجهان إلى "من" والمعمل منهما نترك، ويفجرك: يعصيك ويخالفك. والسعي: الإسراع في الشيء، ونحفد أي: نعمل لك بطاعتك في الحفد وهو الإسراع في الخدمة، وألحق بمعنى: لحق ومنه إن عذابك بالكفار ملحق أي: لاحق. القَعْدة: بالفتح: المرة الواحدة، والقِعدة بالكسر: نوع منه، وذو القعدة شهر والجمع ذوات القعدة، كذا في الصحاح. الجِلسة: بالكسر: الحال التي يكون عليها الجالس، وجالسته: فهو جِلسي وجليسي، والمجلس: موضع الجلوس، والمجلس بفتح اللام: المصدر، ورجل جلسة مثال همزة أي: كثير الجلوس. كذا في الصحاح.

_ 1 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه. انظر فتح الباري 11/12. وصحيح مسلم 1/301 وعون المعبود 3/248 وسنن ابن ماجه 1/290. 2 أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين 1/520 وابن ماجه في كتاب الإقامة 1/456 وأحمد بن حنبل في مسنده 3/302.

السلام والسلامة والسلم بالتحريك: الاستسلام، واستسلم: أي انقاد، والسلام: الاسم من التسليم، والسلام: اسم من أسماء الله تعالى. والتسليم: بذل الرضا بالحكم، والتسليم: السلام، وأسلم أمره إلى الله تعالى أي سلم وأسلم أي دخل في السلم وهو الاستسلام وهو الانقياد لما مر آنفا. والسلم: بالكسر: الإسلام والمذهب، والسلم: الصلح يفتح ويكسر ويذكر ويؤنث والتسالم: التصالح، والمسالمة: المصالحة. واستلم الحجر: لمسه بالقبلة أوباليد كذا في الصحاح. وفي مصرحة الأسماء: الإسلام والإيمان: مسلماني. المسلم والمؤمن والحنيف: مسلمان والمسلمون والمؤمنون والحنفاء جمع. الحَدَث: الحادث ومنه: "إياك والحَدَث في الإسلام" يعني: لا تحدث شيئا لم يعهد قبل. كذا في المغرب وفي الصحاح: الحدوث: كون شيء لم يكن، يقال: حدث أمر حدوثا، والحديث: نقيض القديم، وحدث أمر أي: وقع، والحَدَث والحُدْثى والحادثه والحدثان بمعنى واحد، وأحدث الرجل من الحدث. ورجل حديث مثال فسيق أي: كثير الحديث، والحديث: الخبر يأتي على القليل والكثير ويجمع على أحاديث على غير قياس. قال الفراء: نرى أن واحد الأحاديث أحدوثة، والأحدوثة ما يتحدث به ثم جعلوه جمعا للحديث.

باب الوتر والنوافل

باب الوتر والنوافل لما فرغ من بيان الفرائض شرع في بيان النوافل، وأخرها لأنها شرعت مكملات ومتممات لها. وإنما جمع بينهما لأن الوتر يناسب النفل من حيث أنه زيادة على المفروض كالنفل. ولأنه نفل عندهما وعند الشافعي رحمهم الله تعالى. وقال الجوهري رحمه الله تعالى:

الوتر بالكسر: الفرد. وفي الدرر: الوتر فرض عملي لا اعتقادي وهو المراد بما روي أنه واجب. وفي الظهيرية: أنه فريضة عملاً لا علماً، وواجب علما، وهو سنة مؤكدة عندهما فلا يكفر جاحده، تفريع على كونه غير اعتقادي ويقضى تفريع على كونه فرضاً إذ لو كان سنة لم يقض. وفي شرح الطحاوي: قال الأعمش1 رحمه الله: الوتر أعلى درجة من السنة، حتى لو تركها ناسيا أو عامدا يجب عليه قضاؤها وإن طالت المدة وأنها لا تؤدى على الراحلة من غير عذر وأنها لا تجوز إلا بنية الوتر ولو كانت سنة لكفته نية الصلاة كما في التطوع أو السنة. وأجمعوا على أنه أدون درجة من الفريضة حتى لو جحدها جاحد لا يكفر. ولو كانت فريضة لكان جاحدها كافرا كجاحد إحدى الصلوات الخمس. وأنه ليس لها أذان ولا إقامة، وأنه يجب القراءة في الركعة الثالثة، ولو كانت فرضا لما وجبت القراءة في الركعات كلها. فأبو حنيفة رحمه الله: ألحق حكمها بالفرائض وهما رحمهما الله ألحقا حكمهما بالسنة. وفي التتمة: الاقتداء بالوتر خارج رمضان يجوز، وكذا في النوازل، وفي الواقعات: أنه لا يجوز. وفي الاختيارات: والمعنى من عدم الجواز: الكراهية لا عدم أصل الجواز، وبأن الروايتين تخالفان الإجماع لأن أداء الوتر بالجماعة يختص بشهر رمضان لانعقاد الإجماع عليه من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وانعقاد الإجماع يكفي دليلا على عدم أصل الجواز.

_ 1 أبو محمد سليمان بن مهران مولى بني كاهل من ولد أسد المعروف بالأعمش الكوفي الإمام المشهور. كان ثقة عالماً فاضلاً، ولد سنة ستين للهجرة، وقيل: سنة إحدى وستين وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائة. وقيل غير ذلك. انظر وفيات الأعيان 1/267 وما بعدها وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/154 ميزان الاعتدال 2/224 وشذرات الذهب 1/220 وما بعدها.

الوجوب: اللزوم، يقال: أوجب البيع أي لزم وتقرر، وأوجب الرجل: إذا عمل ما يجب به الجنة أو النار، ويقال للحسنة: موجبة وللسيئة: موجبة. كذا في الصحاح والمغرب. الواجب: ما ثبت بدليل فيه شبهة. وحكمه: حكم الفرض عملا لا اعتقادا حتى لا يكفر جاحده. وفي التعريفات للشريف: "الواجب في العمل اسم لما لزم علينا بدليل فيه شبهة كخبر الواحد والعام المخصوص والآية المؤولة كصدقة الفطر والأضحية. الحسنة: ما يتعلق المدح في العاجل والثواب في الآجل. والسيئة: ما يتعلق الذم في العاجل والعقاب في الآجل. والثواب: جزاء الطاعة. والجزاء: العوض والمستحق. والعوض: ما يعطى في مقابلة العمل. والأجر: هو الثواب. والطاعة: الانقياد. والمكروه: ما ثبت النهي فيه مع العارض، وحكمه: الثواب بتركه وخوف العقاب بالفعل، وعدم الكفر بالاستحلال. فالأحكام سبعة: الواجب: وهو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه. والمندوب1: وهو ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه. والمباح: ما يستوي جانباه. والمحظور: ما يعاقب على فعله.

_ 1 الندب في اللغة: بمعنى الدعاء، ندبه إلى أمر أي: دعاه إليه، ومنه قول قريظ بن أنيف العنبري: لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهاناً ويأتي بمعنى أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، وبمعنى الندب على الميت أي: تعداد محاسنه، والجمع: ندب وأنداب وندوب.

والمكروه: ما يثاب على تركه. والصحيح: ما يتعلق به النفوذ ويعتد به. والباطل: ما يتعلق به النفوذ ولا يعتد به. النفل: في اللغة مطلق الزيادة: وفي الشرع الزيادة على الفرائض والواجبات، ومنه نافلة الصلاة بالإضافة، والنافلة أيضا بالقطع للتعريف. وفي الصحاح: النفل والنافلة: عطية التطوع من حيث لا يجب. والعطية: الشيء المعطى. وفي التعريفات: النفل في الشرع: اسم لما شرع زيادة على الفرائض والواجبات وهو المسمى بالمندوب والمستحب والتطوع. والمستحب: ما يستحسن فعله في الشرع، والمستحسن: ما يعد به حسنا. والتطوع بالشيء: التبرع به، والتبر: "دادن نه برسبيل وجوب"1. والسنة: الطريقة المسلوكة في الدين تشمل قوله وفعله صلى الله عليه وسلم، وهي في اللغة: عبارة عن مطلق الطريق خيرا كان، أو شرا وفي الشريعة عبارة عن الخضوع والخشوع والتذلل فيما أمر. والأدب: ما فعله صلى الله عليه وسلم مرة وتركها أخرى، وفي البزازية الأدب ما فعله الشارع عليه السلام مرة وتركها أخرى. والسنة: ما واظب عليه صلى الله عليه وسلم ولم يترك إلا مرة أو مرتين. وفي الغاية: السنة: ما في فعله ثواب وفي تركه ملامة وعتاب لا عقاب. وبكذا قال الإمام خواهر زاده2. والحديث: مختص بالقول.

_ 1 كلمات فارسية. 2 هو الإمام "محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين البخاري" المعروف ببكر خواهر زاده، كان إماماً فاضلاً، وهو صاحب كتاب المبسوط المعروف "بمبسوط خواهر زاده" توفي سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. راجع الجواهر المضية 1/236 و2/49 والفوائد البهية ص 163، وكشف الظنون 2/1580.

والبدعة: خمسة، واجبة: كنظم الدلائل لرد شبهة الملاحدة وغيرهم. ومندوبة: كتصنيف الكتب وبناء المدارس ونحوها. ومباحة: كالبسط في الألوان والأطعمة وغيرها. ومكروهة وحرام وهما ظاهران. كذا ذكر في شرح المشارق عن العلماء من السلف. التراويح: جمع ترويحة وهي في الأصل مصدر لكن غلبت التسمية بالترويحة لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات. وفي شرح مختصر القدوري: الترويحة الجلسة أصلا ثم سمى الركعات التي أجزنا الترويحة بها ... كما أطلقوا اسم الركوع على الوظيفة التي تقرأ في القيام لأنها متصلة بالركوع. وفي المحيط: التراويح سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقامها في بعض الليالي وبين العذر في ترك المواظبة عليها وهو خشية أن يكتب علينا، ثم واظب عليها الخلفاء الراشدون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وجموع المسلمين من زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى يومنا هذا. وقد قال عليه السلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" 1. وقال صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" 2. وقال صلى الله عليه وسلم: "ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن" 3.

_ 1 وهذا الحديث جزء من حديث العرباض بن سارية والذي أخرجه الترمذي في باب العلم 7/439 وقال عنه: حديث حسن صحيح، وأبو داود في كتاب السنة 12/359 وابن ماجه 1/15 والدارمي 1/44. 2 هذا جزء من حديث عبد الله بن مسعود وأوله: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه". قال العجلوني فيه: إنّه موقوف حسن، وقد أخرجه البزار والطيالسي والطبراني وأبو نعيم والبيهقي. ونقل عن ابن الهادي أنه مرفوع عن أنس بإسناد ساقط والأصح وقفه على ابن مسعود. انتهى كلامه مع تصرف يسير. يرجع إلى مسند الإمام أحمد بن حنبل 1/379 وكشف الخفا 2/188. 3 هذا الحديث رواه البيهقي وأسنده الديلمي عن ابن عباس على ما حكاه العجلوني، وروي بمعناه على ما أخرجه السجزي وابن عساكر والبيهقي وابن عدي كلهم عمن عمر بن الخطاب قال: ابن الجوزي عنه: هذا الحديث لا يصح، لأنّ في سنده نعيماً وهو مجروحٌ، وعبد الرحيم قال عنه ابن معين كذاب. وفي الميزان هذا الحديث باطل اهـ. والكلام عليه كثيرٌ، وأكثر أهل العلم على تضعيفه. راجع كشف الخفا 1/132 وفيض القدير 4/76.

قيل الحكمة في ركعات التراويح بعشرين توافقها الفرائض الاعتقادية والعملية، وقال مالك رحمه الله: وهي ستة وثلاثون ركعة كذا في التبيين. وفي شرح الطحاوي: عن الحسن1 عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى: التراويح سنة للرجال وللنساء جميعا توارثها الخلف عن السلف. وقال قوم من الروافض: سنة الرجال دون النساء، وقال قوم: ليست بسنة أصلا أي: لا للرجال ولا للنساء وإنما أحدثها العمر رضي الله عنه. وعند أهل السنة والجماعة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقا لما مر من الذكر آنفا.

_ 1 هو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي: صاحب أبي حنيفة، كان يقظاً فطناً نبيهاً صحب أبا حنيفة وولي القضاء بالكوفة، ثم استعفى، وكان محباً للسنة واتباعها وحافظاً للروايات عن أبي حنيفة. توفي سنة أربع ومائتين. راجع الجواهر المضية 1/193 والفوائد البهية ص 61 ومعجم المؤلفين 3/226.

باب قضاء الفوائت

باب قضاء الفوائت: ولم يقل قضاء المتروكات ظنا بالمؤمنين خيرا لأن ظاهر المسلم أنه لا يترك الصلاة وإنما فاته من غير قصد لاشتغاله بأمر لا بد منه لأن فوات الشيء غيبوبته عذرا أو تركه إرساله أصلاً. السفر: في اللغة: قطع المسافة، والجمع: الأسفار، إلا أن المراد في الشرع مسافة تغير به الأحكام. كذا في التبيين. وفي الاختيار: فرض المسافر في كل رباعية ركعتان لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها أنها قالت: "فرضت الصلاة في الأصل ركعتين فزيدت في الحضر وأقرأت في السفر" 2. ولا يعلم ذلك إلا توقيفا. وقال عمر رضي الله عنه: "صلاة السفر ركعتان

_ 1 هو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي: صاحب أبي حنيفة، كان يقظاً فطناً نبيهاً صحب أبا حنيفة وولي القضاء بالكوفة، ثم استعفى، وكان محباً للسنة واتباعها وحافظاً للروايات عن أبي حنيفة. توفي سنة أربع ومائتين. راجع الجواهر المضية 1/193 والفوائد البهية ص 61 ومعجم المؤلفين 3/226. 2 أخرجه البخاري ومسلم. يرجع إلى البخاري مع الفتح 1/464 كتاب الصيام ومسلم 1/478 كتاب صلاة المسافرين وقصرها.

وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم عليه السلام" 1. وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "إن الله تعالى فرض عليكم الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين"2. ومثله عن علي رضي الله عنه. أما ما وقع في الكتب الفقهية من أن السفر مسقط والإقامة مثبت، فيعارض الأحاديث المذكورة لأن الإسقاط يقتضي الحط عن الأصل الحط ينافي الأصل أما الفجر والمغرب والوتر فلا قصر فيهما بالإجماع. ولو أتم الأربع فقد خالف السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "لما صلى بأهل مكة بعد الهجرة صلى ركعتين ثم قال لهم: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر" 3. وفي النوازل: عن ابن عباس رضي الله عنهما: "كان رجلان أحدهما يتم في السفر والآخر يقصر، فقال عليه السلام للذي يقصر: "أنت أكملت وقال للآخر: قصرت" 4. وأما السنن فلا رخصة في تركها في السفر، وعند البعض يترك السنن.

_ 1 أخرجه النسائي وابن ماجه في سننهما وابن حبان في صحيحه. واعترض على النسائي بأن فيه انقطاعاً وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع هذا الحديث من عمر، وأجيب عن ذلك بأن مسلماً حكم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى من عمر. وعليه فقد زال الانقطاع. يرجع إلى سنن النسائي 3/97 وسنن ابن ماجه 1/338 ونصب الراية 2/189. 2 أخرجه مسلم في صحيحه 1/479 كتاب صلاة المسافرين وقصرها والنسائي في سننه 3/97 وأحمد في مسنده 1/355. 3 أخرجه أبو داود في باب متى يتم المسافر 4/96 وأخرجه الترمذي في باب التقصير بالسفر 3/115 بغير هذا السياق. 4 هذا الحديث بهذا اللفظ لم أقف على من خرجه.

باب الجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء

باب الجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء الجمعة: اسم من الاجتماع كالفرقة من الافتراق، أضيف إليها اليوم والصلاة ثم كثر الاستعمال حتى حذف منها المضاف ويجمع على جمعات وجمع كذا في المغرب

وفي الصحاح: يوم الجمعة يوم العروبة وهي من اسمائهم القديمة وكذلك الجمُعة بضم الميم. قال العلامة صاحب الكشاف: يوم الجمعة: يوم الفوج المجموع، كقولهم ضُحُكة للمضحوك منه، ويوم الجمعة بفتح الميم: يوم الوقت الجامع: كقولهم ضُحَكَة ولُعَنَة ولُعَبَة ويوم الجمعة تثقيل للجمعة كما قيل عسرة في عسرة. اختلفوا في تسمية هذا اليوم جمعة ... منهم من قال: لأن الله تعالى جمع فيها خلق آدم عليه السلام. وقيل: لأن الله تبارك وتعالى فرغ من خلق الأشياء فاجتمعت فيه المخلوقات. وقيل: لاجتماع الجماعات فيه وقيل: لاجتماع الناس فيه للصلاة وقيل أول من سماها جمعة كعب بن لؤي وكان يقال له يوم العروبة. وعن ابن سيرين1: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة، وهم الذين سموها الجمعة، وذلك أنهم قالوا: "لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى يوم فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله سبحانه وتعالى ونصلي فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة.. فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة2 فصلى بهم ركعتين فسموه يوم الجمعة، ثم أنزل الله تعالى في ذلك بعده

_ 1 أبو بكر محمد بن سيرين البصري أحد الفقهاء من أهل البصرة المذكور بالورع في وقته، وكانت له اليد الطولى في تعبير الرؤيا. روى عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعمران بن حصين وأنس بن مالك رضي الله عنه. وكانت ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عثمان. وتوفي تاسع شوال يوم الجمعة سنة عشر ومائة. انظر: وفيات الأعيان 1/573 وصفة الصفوة 3/241 وتذكرة الحفاظ 1/77 وما بعدها. 2 أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري، أبو أمامة. وهو أول الأنصار إسلاماً، شهد العقبة الأولى والثانية وبايع فيهما. توفي في السنة الأولى من الهجرة في شوال قبل بدر. انظر أسد الغابة 1/86 وما بعدها والاستيعاب 1/80 وما بعدها والإصابة في تمييز الصحابة 1/34.

وروى عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب1 أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة، فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة. قال: لأنه أول من صلى قلت كم كنتم يومئذ؟ قال أربعون. وأما أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه على ما ذكر أهل السير: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجرا نزل قباء على بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين اثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول حين امتد الضحى، فأقام بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجداً، ثم خرج من بين أظهرهم قاصداً المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا فجمع هناك وخطب. نقل من اختلفوا في صدر البحث إلى هنا من معالم التنزيل للإمام البغوي2 رحمه الله. والمسجد الجامع وإن شئت قلت: مسجد الجامع بالإضافة كقولك: الحق اليقين وحق اليقين، بمعنى: مسجد اليوم الجامع وحق الشيء اليقين لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز إلا على هذا التقدير. وكان الفراء يقول: العرب تضيف الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظين. وقال صاحب الدرر: وهي فرض لقوله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} . [سورة الجمعة: آية 9] . والأمر بالسعي إلى الشيء خاليا عن الصارف لا يكون إلا لإيجابه.

_ 1 كعب بن مالك بن أبي كعب الأنصاري الخزرجي السلمي. كان أحد شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يردون الأذى عنه. شهد العقبة الثانية. وهو أحد الثلاثة الأنصار الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ثم تاب فتاب الله عليه. توفي زمن معاوية سنة خمسين وقيل سنة ثلاث وخمسين. انظر أسد الغابة 4/487 وما بعدها والاستيعاب 3/1323 وما بعدها والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 3/314. 2 أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء البغوي الفقيه الشافعي المحدث المفسر توفي في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة. من أشهر مؤلفاته: شرح السنة، والتهذيب، والمصابيح. انظر: وفيات الأعيان 1/182 وما بعدها، وتذكرة الحفاظ 4/1257 وما بعدها، وطبقات الشافعية 7/75 وما بعدها، وشذرات الذهب 4/48 وما بعدها.

وفي شرح الجامع الصغير: من شرائط الجمعة أن تؤدى على سبيل الاشتهار، حتى إن أميرا لو أغلق باب الحصن وصلى فيه الجمعة مع أصحابه لا يجوز لأنها من شعائر الإسلام وخصائص الدين فتجب إقامتها على سبيل الاشتهار. وإن افتتح أبواب قصره وأذن للناس بالدخول جاز، ويكره لأنه لم يقض حق المسجد الجامع كذا في المحيط وفي الاختيارات: روي عن جابر بن عبد الله1 رضي الله عنه أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله تعالى فرض صلاة الجمعة عليكم في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا فريضة واجبة إلى يوم القيامة فمن تركها في حال حياتي أو بعد وفاتي جحودا بها أو استخفافا وله إمام عادل أو جائر فلا جمع الله تعالى له شمله ولا بارك الله له في أمره ألا لا صلاة له ألا لا زكاة له ألا لا صوم له ألا لا حج له إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه" 2. الخطبة: مصدر خطبت على المنبر خُطبة بالضم، وخطبت المرأة خِطبة بالكسر. والخطيب: الخاطب واختطب القوم فلاناً: إذا دعوه إلى تزويج صاحبتهم. كذا في الصحاح. وفي الإشراف: قال اللغويون: الخطبة مشتقة من المخاطبة. وقال بعضهم سميت خطبة لأنهم كانوا يجعلونها في الخطب وهو الأمر العظيم. وفي المحيط: والمخاطبة تتحقق بالكلمة القصيرة كما تتحقق بالطويلة. والمنبر: محل رفع الصوت أو آلته. وفي الصحاح: نبرت الشيء أنبره نبراً. رفعته ومنه سمي المنبر. وفي درر الحكام في شرح غرر الأحكام: ولو نوى بفرض الوقت جاز إلا في الجمعة

_ 1 جابر بن عبد الله عمرو بن حرام الأنصاري السلمي من بني سلمة، حضر العقبة الثانية مع أبيه وهو صغير وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ بدراً وأحداً. وكان من المكثرين في الحديث الحافظين للسنن. توفي سنة ثمان وسبعين. انظر أسد الغابة 1/307 وما بعدها والاستيعاب 1/219 وما بعدها وصفة الصفوة 1/648. 2 أخرجه ابن ماجه في باب إقامة الصلاة 1/343. قال عنه صاحب الزوائد: إسناده ضعيف، لأنّ في سنده علي ابن زيد بن جدعان وعبد الله بن محمد العدوي وكلاهما ضعيف.

للاختلاف في فرض الوقت فيها، ففيها ينوي صلاة الجمعة والأحوط أن يصلي بعدها الظهر قبل سنتها قائلا نويت آخر ظهر أدركت وقته ولم أصله بعد لأن الجمعة التي صلاها إن لم تجز فعليه الظهر وإن جازت أجزأته الأربع عن ظهره فاتت عليه ثم يصلي أربعا بنية السنة لأنها أحسن من مطلق النية وفيه أيضا لا يستخلف الإمام للخطبة أصلا وللصلاة بدءا يعني أن الاستخلاف للخطبة لا يجوز أصلا ولا للصلاة ابتداء بل يجوز بعدما أحدث الإمام وهو معنى ما قال في الهداية في كتاب أدب القاضي بخلاف المأمور بإقامة الجمعة حيث يستخلف لأنه على شرف الفوات لتوقفه فكان الأمر به إذنا بالاستخلاف. العيد: مشتق من عيد إذا جمع. وفي الإشراف: وعند أهل اللغة إنما سمي عيدا لاعتياد الناس به كل حين ومعاودته إياهم وجمعه أعياد. والقياس أن يكون أعوادا لأن الياء منقلبة عن الواو والجمع يرد الأشياء إلى أصولها كالتصغير إلا أنه جمع بالياء ليكون فرقا بينه وبين جمع العود وهو أعواد الخشب وقيل للزومها في الواحد. والمناسبة بينهما: أن الجمعة عيد لقوله صلى الله عليه وسلم: "لكل مؤمن في كل شهر أربعة أعياد أو خمسة". كذا في التبيين. الكسوف: مصدر كسفت الشمس تكسف كسوفا إذا ذهب ضوءها واسودت. وقيل: كسفت الشمس والقمر جميعا، وقيل: الخسوف ذهاب الكل والكسوف ذهاب البعض. وكيف ما كان فقول محمد1 رحمه الله: كسوف القمر صحيح وأما الانكساف فعامي. وقد جاء في حديثه عليه السلام: "أنّ الشمس والقمر آيتان لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته" 2.

_ 1 هو الإمام محمد بن الحسن بن واقد أبو عبد الله الشيباني، صحب أبا حنيفة وأخذ الفقه عنه ونشر علمه وكان من أئمة زمانه وأعلمهم بكتاب الله. توفي سنة سبع وثمانين ومائة. راجع وفيات الأعيان 1/574. والجواهر المضية 2/42 والفوائد البهية ص163. 2 يرجع إلى البخاري مع الفتح 2/526 كتاب الكسوف وصحيح مسلم 2/621 كتاب الكسوف والنسائي 3/101 كتاب الكسوف وابن ماجه 1/401 كتاب إقامة الصلاة.

والاستسقاء: طلب السقي وهو الحظ من الشرب. والمناسبة بين البابين والباب السابق: أن صلاة الكسوف والاستسقاء تؤدى بالجمع العظيم كصلاة العيد أو لأن للإنسان حالتين: حالة السرور وحالة الحزن، فلما فرغ من بيان العبادة في حالة السرور شرع في بيانها في حالة الحزن.

باب الجنايز

باب الجنايز الجنايز: جمع جنازة وفي المغرب قال ابن الأعرابي1 بالكسر: السرير، وبالفتح: الميت. وقيل: هما لغتان، وعن الأصمعي2: لا يقال بالفتح. والعامة تقول. الجنازة بالفتح. والمعنى: الميت على السرير فإذا لم يكن عليه الميت فهو سرير ونعش. وفي المحيط: سبب وجوب غسل الميت: هو الموت لأنه إنما وجب غسله لتطهير نجاسة حلت به بالموت لأن الآدمي ينجس بالموت كسائر الحيوانات الدموية، ولهذا لو وقع في الماء القليل قبل الغسل ينجس الماء فيجب تطهيره بالغسل شرعا وكرامة وشرفا. وفي الإشراف: واختلفوا فيه: هل ينجس الآدمي بالموت؟ فقال أبو حنيفة وأحمد والشافعي رحمهم الله: ينجس، إلا المسلم إذا غسل طهر. وقال مالك رحمه الله لا ينجس. والأصل في غسل الميت تغسيل الملائكة لآدم عليه السلام. وقالوا لولده هذه سنة موتاكم، كذا في الاختيار، وفي الصحاح: "يقال لحنظلة بن الراهب3 رضي الله عنه غسيل الملائكة

_ 1 هو أبو عبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي الكوفي وهو من موالي بني هاشم كان راوية لأشعار القبائل ناسباً، أحد العالمين باللغة المشهورين بمعرفتها، ناقش العلماء واستدرك عليهم وخطأ كثيراً من نقلة اللغة، وكان رأساً في الكلام الغريب، ولد بالكوفة سنة 150 هـ. وتوفي سنة 231 وقيل غير ذلك. 2 هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع المعروف بالأصمعي الباهلي كان صاحب لغة ونحو وإماماً في الأخبار والنوادر والمِلَح والغرائب، ولد سنة اثنين وعشرين ومائة وتوفي سنة ست عشرة ومائتين وقيل غير ذلك. 3 حنظلة بن أبي عامر الراهب الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف: صحابي جليل قتل يوم أحد رضي الله عنه. انظر: أسد الغابة 2/66 وما بعدها.

لأنه استشهد يوم أحد فغسلته الملائكة". الموت: ضد الحياة يقال: مات يموت فهو ميِّت وميْت وقوم موتى وأموات وميتون وأصل ميت مَيْوِت على فعيل ثم أدغم ثم خفف ويستوي فيه المذكر والمؤنث قال تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} . [سورة الفرقان: آية 49] . ولم يقل ميتة كذا في الصحاح. وفي المصرحة: "موت مرك موتان بي جان موتان مرك جهار باي موتان الفؤاد دل ميت مرده أموات جمع ميت جمع ميتة مردار" وما رواه الحليمي يخالف مما في الصحاح لأنه يفرق بين الميّت والميْت ويسوى بينهما الجوهري بالمعنى. تأمل. والميتة بالكسر للنوع كالجلسة والركبة يقال: مات فلان ميتةً حسنةً. والموات بالضم: الموت والموات بالفتح ما لا روح فيه، وأيضا الأرض التي لا مالك لها من الآدميين ولا ينتفع بها أحد والموتان: بالتحريك خلاف الحيوان. يقال: اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان أي اشتر الأرض والدور ولا تشتر الرقيق والدواب. كذا في الصحاح. الشهيد: وهو فعيل بمعنى مفعول سمي به لأنه مشهود له بالجنة بالنص، أو لأن الملائكة يشهدون موته إكراما له أو بمعنى فاعل لأنه حي عند الله تعالى حاضر. والشهيد: بمعنى المستشهد المقتول كذا في المغرب. وهو في الشرع كل مسلم طاهر بالغ قتل ظلما ولم يجب بقتله مال ولم يرتث. وفي الصحاح: وارتث فلان وهو افتعل على ما لم يسم فاعله أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق. والشهيد: القتيل في سبيل الله. ثم اعلم أن الأصل في هذا الباب شهداء أحد فإنهم كفنوا وصلي عليهم ولم يغسلوا لأنه صلى الله عليه وسلم قال في حقهم: "زملوهم لكلومهم ودمائهم ولا تغسلوهم فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دماء اللون لون الدم والريح ريح المسك" 1. الحديث. وكل من بمعناهم يلحق بهم في عدم الغسل ومن ليس بمعناهم ولكنه قتل ظلما أو مات حريقا أو غريقا أو مبطونا أو مطعونا، فلهم ثواب الشهداء مع أنهم يغسلون وهم شهداء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم2 ألا يرى أن عمر وعليا رضي الله عنهما حملا إلى بيتهما بعد

_ 1 يرجع إلى سنن النسائي 4/65 كتاب الجنائز ومسند أحمد بن حنبل 5/431. 2 أخرجه مسلم في كتاب الإمارة 3/1521 وأحمد بن حنبل في مسنده 3/441.

الطعن وغسلا وكانا شهيدين بقوله عليه السلام هكذا في الكافي. القبر: ما يقبر به الميت، والقبر واحد القبور، والمقبرة بفتح الباء وضمها واحدة المقابر. وقد جاء في الشعر المقبر: لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد.1 وقبرت الميت أقبره قبرا أي: دفنته وأقبرته أي: أمرت بأن يقبر. قالت تميم للحجاج2: أقبرنا صالحا وكان قد قتله أي: ائذن لنا في أن نقبره. وقال ابن السكيت: أقبرته أي صيرت له قبرا يدفن فيه وقوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} . [سورة عبس: آية:21] . أي جعله ممن يقبر ولم يجعله ممن يلقى للكلاب، وكأن القبر مما أكرم به بنو آدم. كذا في الصحاح. اللحد بالتسكين: الشق في جانب القبر مما يلي القبلة، واللحد بالضم لغة فيه يقال: لحدت القبر لحدا وألحدت له أيضا فهو ملحد والملتحد الملجأ لأن اللاجيء يميل إليه كذا في الصحاح. وألحد الرجل أي: ظلم في الحرم والملحد: الجائر بمكة. وفي الإشراف: اتفقوا على أن السنة اللحد وأن الشق ليس بسنة لقوله عليه السلام: "اللحد لنا والشق لغيرنا" 3 وصفة اللحد أن يحفر مما يلي قبلة القبر لحد ليكون الميت تحت قبلة القبر إذا نصب اللبن عليه إلا أن تكون الأرض رخوة فيبنى لها بالحجارة شق

_ 1 قائل هذا البيت هو عبد الله بن ثعلبة الحنفي على ما ذكره في الصحاح 2/784 ولسان العرب 5/68 وتاج العروس 13/356. 2 هو الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي الطائفي ولي بالحجاز سنين ثم العراق وخراسان عشرين سنة. كان صاحب سفك وبطش. مات سنة خمس وتسعين فأراح الله العباد منه. روي أنّه لما بلغ موته الحسن البصري سجد شكراً لله وقال: اللهم كما أمته فأمت سنته. 3 هذا الحديث روي من حديث ابن عباس ومن حديث جرير ومن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم. أما حديث ابن عباس فقد أخرجه السنن الأربعة من طريق عبد الأعلى وفيه مقال، ونقل ابن عدي عن أحمد بن حنبل أنه منكر الحديث، وقال أبو زرعة عنه: إنه ضعيف، وقال الترمذي: حديث غريب، وكذا باقي طرقه فإن فيها ضعفاً.

كاللحد ولا تلحد منها. وصفة الشق أن يبنى من جانب القبر كأنه تابوت. قال الشيخ أبو إسحاق1 رحمه الله: إن السنة اللحد فإن كانت الأرض رخوة شق له. وتسنيم القبر خلاف تسطيحه، قال أبو حنيفة رحمه الله: التسنيم هو السنة، وقال الشافعي السنة: هي التسطيح2. نور قبورنا يا لطيف. الكعبة: البيت الحرام، يقال سمي بذلك لتربيعه، والتربيع جعل الشيء مربعاً. ويقال: برد مكعب: فيه وشي مربع. وثوب مكعب أي: مطوي شديد الاندراج كذا في الصحاح. وفي المغرب. المحرم: الحرام والحرمة أيضا وحقيقته موضع الحرمة، ومنه: هي له محرم وهو لها محرم وذو رحم محرم بالجر صفة للرحم وبالرفع لذو. والحرمة: اسم من الاحترام وفي الصحاح: والمحرم: الحرام يقال: ذو محرم منها إذا لم يحل له نكاحها. والحرام: ضد الحلال وكذلك الحرم بالكسرة. ومكة: حرم الله تعالى. والحرمان: مكة والمدينة. والحرم: قد يكون الحرام ونظيره زمن وزمان. وفي مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار: والحرم والحرام بمعنى واحد عبر عنهما بالحرم لكون القتال والاصطياد والدخول فيها بغير إحرام محرما. وفيه أيضا: وهي أفضل بقاع الأرض لما روي أنه عليه السلام قال لمكة: "إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله تعالى ولولا أني أخرجت منك لما خرجت" 3. وفيه أيضاً: مكة علم للبلد الحرام وبكة لغة فيها، وقيل مكة البلد وبكة

_ 1 إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن إسحاق بن شيث بن الحكم أبو إسحاق، ركن الإسلام الزاهد المعروف بالصفار، من أهل بيت علم وفضل. وهو شيخ قاضي خان. توفي سنة 534 هـ ببخارى انظر الجواهر المضية 1/35 وما بعدها والفوائد البهية ص 7. 2 وتنسيم القبر: ارتفاعه عن الأرض. 3 أخرجه الترمذي في أبواب المناقب وصححه وقال عنه: حسن صحيح، كما أخرجه الدارمي في كتاب السير وابن ماجه في كتاب المناسك. يرجع إلى سنن الترمذي مع التحفة 1/426 وسنن الدارمي 2/239 وابن ماجه 2/1037.

موضع المسجد وقيل اشتقاقها من بكة: إذا زحمه لازدحام الناس فيها، وقيل: هي تبك أعناق الجبابرة أي تدقها كذا في الكشاف. والتمكك: الاستقصاء، وسميت مكة لقلة الماء بها، وقيل بل كانت تمك من ظلم فيها أي تبكه وتنقصه كذا في المجمل. والمدينة: فعيلة وتجمع على مدائن بالهمزة، وتجمع أيضا على مُدْن ومُدُن، ويقال: مَدَن بالمكان أقام به، ومنه سمي المدينة، وفيه قول آخر: أنه مفعلة من دنت أي ملكت. وسألت أبا علي1 عن همز مدائن فقال فيه: قولان: من جعله فعيلة من قولك: مدن بالمكان أي: أقام به: همزة، ومن جعله مفعلة من قولك دين أي: ملك لم يهمزه كما يهمز معايش. وإذا نسبت إلى مدينة الرسول عليه السلام: قلت مدني وإلى مدينة المنصور: مديني وإلى مدائن كسرى: مدائني للفرق بين النسب لئلا يختلط ومدين قرية شعيب هكذا في الصحاح.

_ 1 أبو علي "إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد بن سليمان بن القالي". كان أحفظ أهل زمانه للغة والشعر ونحو البصريين. ولد سنة 288هـ بمنازجرد من بلاد أرمينية وقدم بغداد سنة 303 وأخذ عن علمائها، ثم في سنة 330هـ ارتحل إلى قرطبة ونقل إليها علم الأدب واتخذها موطناً له وتوفي بها سنة 356هـ. ولقد ألف كتباً نافعة من بلاد أشهرها: كتاب "الأمالي، والمقصور والممدود، والبارع".

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة عقب الصلاة بالزكاة اقتداء بقوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} . [سورة البقرة: آية 43] . وقوله تعالى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} . [سورة البقرة: من آية 3] . وبالسنة لقوله عليه السلام: "بني الإسلام على خمس" 1. الحديث. وقيل: قدم الصلاة لأنها تجب على جميع البالغين العاقلين بخلاف الزكاة.

_ 1 يرجع إلى البخاري مع الفتح 8/184 وصحيح مسلم 1/45 كتاب الإيمان والترمذي مع التحفة 7/340 كتاب الإيمان وسنن النسائي 8/95 كتاب الإيمان.

وهي طهارة لغة، والقدر المخرج من النصاب الحولي إلى الفقير شرعاً، وقيل على الزيادة والنماء وهو الظاهر كذا في المغرب. وسميت الزكاة شرعا زكاة؛ لأنها يزكو بها المال بالبركة ويطهر المرء بالمغفرة كذا في الطلبة. وزكى ماله تزكيةً: إذا أدى عنه زكاته، وزكى نفسه أي: مدحها، وزكاه أيضا: إذا أخذ زكاته، وتزكى تصدق وزكى الزرع يزكو زكاء أي: نما كذا في الصحاح. النصاب من المال: القدر الذي يجب فيه الزكاة إذا جمعه نحو مائتي درهم وخمس من الإبل. الركاز: المعدن، وهو أعم من المعدن. والكنز والمعدن: ما خلق الله تعالى في الأرض. والكنز اسم لما دفنه بنو آدم. وفي الصحاح الركاز المعدن أو الكنز لأن كلا منهما مركوز في الأرض. جنات عدن: جنات إقامة لأن الناس يقيمون فيه، وفي الحديث: "عدن دار الله تعالى التي لم ترها عين ولا تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النبيين والصديقين والشهداء يقول الله تعالى: طوبى لمن دخلك" 1. عن تفسير القاضي في سورة التوبة في آية: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} . [سورة التوبة: آية 72] . الآية. العُشُر: بالضم أحد الأجزاء العَشْرَة والعَشِير في معناه كذا في المغرب. وفي الصحاح: وجمع العشير مثل نصيب وأنصباء، وفي الحديث: "تسعة أعشراء الرزق في التجارة وجزء في السابياء" 2. أي في النتاج. قال صاحب الدرر: وفي التمر تاشي: ما يوجد في الجبال والبراري والموات من العسل والفاكهة إن لم يحمه الإمام فهو كالصيد وإن حماه ففيه العشر لأنه مال مقصود.

_ 1 هذا الحديث من رواية أبي الدرداء على ما ذكره الزمخشري في تفسيره. 2 ذكره الجوهري في صحاحه لكني لم أقف على تخريجه في كتب الحديث انظر الصحاح 2/746.

وعن أبي يوسف1 رحمه الله لا عشر فيه لأنه باق على الإباحة. صدقة الفطر: من قبيل إضافة الشيء إلى الشرط، وإنما قدمت على الصوم مع أنها تجب بعده لأنها عبادة مالية كالزكاة واجبة خلافا للشافعي رحمه الله فإن عنده فرض. الصدقة: وهي العطية التي بها تبتغى المثوبة من الله تعالى، وفي المغرب: يقال: تصدق على المساكين أي: أعطاهم الصدقة. الفطر: اسم من أفطر الصائم، ورجل فطير وقوم فطر أي مفطرون. وهو في الأصل مصدر يقال فطرته أنا تفطيراً، ورجل مفطر، والفطور ما يفطر عليه، والفطرة بالكسر الخلقة كذا في الصحاح. وفي المحيط: قال عليه السلام: "ثلاث من أخلاق الأنبياء: تعجيل الفطور وتأخير السحور ووضع اليمين على الشمال في الصلاة تحت السرة" 2. والسحور: ما يتسحر به أي: ما يؤكل في وقت السحر وهو قبيل الصبح.

_ 1 هو الإمام يعقوب بن إبراهيم بن حبيب أبو يوسف، كان صاحب حديث، حافظاً، ولزم أبا حنيفة وغلب عليه الرأي، وولي قضاء بغداد، فلم يزل بها حتى مات سنة 183هـ، وهو أول من وضع الكتب على مذهب أبي حنيفة وأملى المسائل ونشرها وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض. 2 هذا الحديث رواه الطبراني مرفوعاً وموقوفاً على أبي الدرداء والموقوف صحيح. ورواه البيهقي من حديث ابن عباس وضعفه. يرجع إلى سنن البيهقي 4/238 ونصب الراية 2/470.

كتاب الصوم

كتاب الصوم الصوم في اللغة: ترك الإنسان الأكل وإمساكه عنه. ثم جعل في الشرع: عبارة عن هذه العبادة المخصوصة. يقال صام صوما وصياما فهو صايم وهو صوم وصيم كذا في المغرب. وفي الطلبة: الصوم في اللغة: هو الكف والإمساك، يقال: صامت الشمس في كبد السماء أي: قامت في وسط السماء ممسكة عن الجري في مرأى العين، وفي الشرع: عبارة عن الإمساك عن الأكل والشرب والمباشرة في جميع النهار.

وفي درر الحكام: "عقب الزكاة بالصوم اقتداء بالحديث حيث قال عليه السلام: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان". الحديث الاعتكاف: الاحتباس لغة، واللبث في المسجد مع الصوم والنية. الاعتكاف شرعا: افتعال من عكف إذا دام من باب طلب وعكفه: حبسه، وسمي به هذا النوع من العبادة لأنه إقامة في المسجد مع شرائطه كذا في المغرب. ولما كان الصوم شرطا في الاعتكاف أخره عنه.

كتاب الحج

كتاب الحج هو القصد أصلاً، وقد غلب على قصد الكعبة للنسك المعروف اصطلاحاً كذا في المغرب. فالعبادات على ثلاثة أنواع: بدنية محضة كالصلاة، ومالية محضة كالزكاة، مركبة منهما: كالحج، فلما بين النوعين الأولين شرع في بيان النوع الأخير. والحج بفتح الحاء وكسرها لغتان: معناهما القصد إلى الشيء المعظم كذا في الاختيار. وفي الشرع: عبارة عن قصد مخصوص إلى مكان مخصوص في زمان مخصوص كذا في التبيين. والحجة بالكسر: المرة والقياس الفتح إلا أنه لم يسمع من العرب على ما حكاه ثعلب، ويدل على ذلك ذو الحجة لشهر الحج؛ لأنهم يجرون الفتح ولسانهم على صيغة المرة والكسر على النوع. الحُرمُ بالضم: الإحرام وأحرم بالحج والعمرة: لأنه يحرم عليه ما كان له حلالا من قبل كالصيد والنساء. والإحرام أيضا والتحريم بمعنىً. والحِرم بكسر الراء: الحرمان كذا في الصحاح. الشعائر: أعمال الحج، وكل ما جعل علما لطاعة الله، الواحدة: شعيرة، ومشاعر: مواضع النسك. والمشعر الحرام: أحد المشاعر وكسر الميم لغة.

إشعار الهدي: طعنه في سنامه الأيمن حتى يسيل منه دم ليعلم أنه هدي كذا في الصحاح. وعَرَفات: علم الموقف وهي منونة لا غير، ويوم عرفة التاسع من ذي الحجة كذا في المغرب. القِرِان: هو الجمع بين الحج والعمرة بإحرام واحد في سفر واحد. وهو في الأصل: مصدر قرن بين الحج والعمرة إذا جمع بينهما وهو قارن كذا في المغرب. والعُمْرة: اسم من الاعتمار وأصلها القصد إلى مكان عامر ثم غلب على الزيارة على وجه مخصوص كذا في المغرب. وفي الصحاح: وعمرت الخراب عمارة فهو عامر أي معمور مثل: "ماء دافق أي مدفوق" وعيشة راضية أي: مرضية. ومعنى التمتع: الترفق، وهو الانتفاع بأداء النسكين العمرة والحج في سفر واحد من غير أن يلم بأهله كذا في الهداية. المتاع في اللغة: كل ما انتفع به، الطعام متاع، وأثاث البيت متاع، وأصله النفع الحاضر. والمراد في قوله تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ} . [سورة يوسف: آية 65] . أوعية الطعام. وفي الصحاح: المتاع السلعة والمتاع أيضا المنفعة، وتمتعت بكذا واستمتعت به بمعنى، والاسم: المتعة، ومنه: متعة النكاح، ومتعة الطلاق، ومتعة الحج لأنه انتفاع، وأمتعة الله تعالى بكذا ومتعه بمعنى. التلبية: مصدر لَبّى إذا قال: لبيك والتثنية للتكرير، وانتصابه بفعل مضمر ومعناه: "إلبابا لك بعد إلباب" أي لزوما لطاعتك بعد لزوم من ألب بالمكان إذا أقام. وهي واجبة عند مالك رحمه الله ويجب بتركها دم. وقال الشافعي وأحمد: هي سنة. صفتها: أن يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك". فهذه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يخل بشيء منها فإن زاد عليها شيئا جاز عند مالك والشافعي رحمهما الله واستحب عند أبي حنيفة رحمه الله وكره عند أحمد.

واتفقوا على أن إظهار التلبية مسنون في الصحاري واختلفوا في الأمصار وفي مساجدها فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله تعالى: غير مسنون فيها وقال الشافعي: هو مسنون فيها. الجِنَاية ما يجتنيه من شر أي: يحدثه تسمية بالمصدر من جنى عليه شرا، وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل، وأصله من جني الثمر وهو أخذه من الشجر كذا في المغرب. وقيل: وهي مصدر وأريد بها الحاصل بالمصدر بدليل جمعها والمصدر لا يجمع. وفي درر الحكام: والمراد بها فعل ما ليس للمحرم أن يفعله، ثم إن الواجب بها قد يكون دما وقد يكون دمين وقد يكون تصدقا أو دما وقد يكون غير ذلك. فالبحث طويل الزيل فليطلب في محله. الإحْصَار لغة: المنع مطلقا يقال: حصره العدو وأحصره المرض أي منعه. وشرعا: منع الخوف أو المرض من وصول المحرم إلى تمام حجته أو عمرته. وفي رواية المغرب الحصر: المنع من باب طلب ويقال: أحصر الحاج إذا منعه خوف أو مرض من الوصول لإتمام حجه أو عمرته. وإذا منعه سلطان أو مانع قاهر في حبس أو مدينة قيل حُصِر هذا هو المشهور. الهديُ: وهو اسم ما يُهدى إلى مكة للتقرب من شاة أو بقر أو بعير، الواحدة: هدية كما يقال جدي وجدية. ويقال هديٌّ بالتشديد على فعيل الواحدة هديّة كمطيّ ومطية ومطايا. وفي الصحاح: الهدي ما يهدى إلى الحرم من النعم، والنعم: واحد الأنعام وهي المال السائمة.

كتاب النكاح

كتاب النكاح مدخل ... كتاب النكاح لا بد له من المال كما أن الحج لا يجب إلا على من له المال فتناسبا. وفي درر الحكام اختلف في معناه لغة. واختار صاحب المحيط وتبعه صاحب الكافي وسائر المحققين أنه الضم والجمع، وسمي النكاح نكاحاً: لما فيه من ضم أحد الزوجين إلى الآخر شرعاً: إما وطئاً أو عقداً حتى صارا فيه كمصراعي باب، وزوجي خف. ومعناه شرعا: عقد موضوع لملك المتعة أي: لحل استمتاع الرجل من المرأة. وهو احتراز عن البيع فإنه عقد موضوع لملك اليمين.

ويسن النكاح حال الاعتدال أي: اعتدال المزاج بين الشوق القوي إلى الجماع وبين الفتور عنه. ويجب في التوقان: وهو الشوق القوي، ويُكره لخوف الجور أي: عدم رعاية حقوق الزوجية. كذا في الدرر. وفي المغرب: أصل النكاح: الوطء. ثم قيل للتزوج: نكاحا مجازا لأنه سبب للوطء المباح. وقولهم: النكاح: الضم مجازا أيضا إلا أن هذا من باب تسمية المسبب باسم السبب، والأول على العكس. ونكاح المتعة: أن يقول الرجل لامرأة: متعيني نفسك بهذه العشرة من الدراهم مدة كذا فتقول له: متعتك نفسي فالحاصل لا بد من لفظ التمتع فيه. وصورة الموقت: أن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام. والفرق بينهما أن يذكر لفظ التزويج والنكاح في الموقت ولفظ التمتع في نكاح المتعة. الشِّغار بالكسر: نكاح كان في الجاهلية وهو أن يقول الرجل للآخر زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو أختي، على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى، كأنهما رفعا المهر وأخليا البضع كذا في الصحاح.

باب الولي والكفؤ

باب الولي والكفؤ الولي: ضد العدو. وفي المغرب: ولي اليتيم والقتيل مالك أمرهما، ومنه والي البلد. ومصدرهما: الولاية بالكسر، وبالفتح: النصرة والمحبة. وفي الصحاح: الولي: القرب والدّنو، يقال تباعدنا بعد ولي، وكذا ولي الرجل. وقال أبو عبيدة1: يعني الموالي أي: بني العم. وفي تبيين الحقائق: الأولياء جمع ولي

_ 1 أبو عبيدة: "معمر بن المثنى من معاصري تلاميذ الخليل. ولد سنة 110هـ في البصرة وكان مولى لتيم قريش. قال ابن قتيبة: كان عارفاً بأخبار العرب وأشعارها إلا أنه مع معرفته يكسر البيت إذا أنشده ويخطئ إذا قرأ القرآن، وعرف عنه بغضه للعرب فقد ألف في مثالبها كتباً، وكان يرى رأي الخوارج. توفي سنة 210هـ وقيل غير ذلك.

وهو من الولاية وهي تنفيذ الحكم إلى الغير شاء أو أبى". الكفؤ: النظير، ونظير الشيء مثله، والمصدر: الكفاءة بالفتح والمد. وقولهم: لا كفاء له بالكسر وهو في الأصل مصدر: أي لا نظير له والأكفاء جمع كُفُؤ بتسكين الفاء وضمها وهمز الآخر وبتسكين الفاء وآخره بالواو وهو النظير والمساوي. وفي الكشاف: وقريء كفؤا بضم الكاف والفاء وبضم الكاف وكسرها مع سكون الفاء. قال الفقيه أبو الليث رحمه الله قرأ عاصم1 في رواية حفص2 كُفُوا بغير همزة وقرأ حمزة3 كفؤا بهمزة وذلك يرجع إلى معنى واحد. قال القاضي رحمه الله: وقرأ حمزة ويعقوب4 ونافع5 في رواية كفؤا بالتخفيف

_ 1 هو عاصم بن بهدلة بن أبي النجود أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي الحناط، شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القراء السبعة، تابعي ثقة صالح، توفي سنة سبع وعشرين ومائة. يرجع إلى طبقات ابن سعد 1/346. 2 هو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان بن عدي أبو عمر الدوري الأزدي. إمام القراء ثقة ثبت كبير ضابط. توفي سنة ست وأربعين ومائتين. يرجع إلى طبقات ابن سعد 1/255 وشذرات الذهب 2/111. 3 هو حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الإمام أبو عمارة الكوفي التيمي الزيات، أحد القراء السبعة، إمام حجة ثقة ثبت عالمٌ عابد. توفي سنة ست وخمسين ومائة. يرجع إلى الطبقات 1/261 وشذرات الذهب 1/240. 4 هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق أبو محمد الحضرمي مولاهم البصري، أحد القراء العشرة وإمام أهل البصرة ومقريها، صدوقٌ تقي زاهد، مات سنة خمس ومائتين، وله ثمانٍ وثمانون سنة. 5 هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم أبو رويم المقري المدني، أحد القراء السبعة، ثقة صالح، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة، توفي سنة تسع وستين ومائة يرجع إلى تاريخ يحيى بن معين 3/172 والطبقات 2/330 وشذرات الذهب 1/270.

وحفص كفوا بالحركة وقلب الهمزة واواً. المهرُ: الصداق. وفي المغرب صداق المرأة مهرها، والكسر أفصح وكذلك الصدقة. ومنه قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} . [سورة النساء: آية 4] والصدقة مثله كذا في الصحاح. والجمع صدق والأصدقة قياس لا سماع وأصدقها: سمى لها صداقا كذا في المغرب. العُقُر: صداق المرأة إذا وطئت بشبهة وسمي العقر عقراً لأنه يجب على الوطء. يعقر إياها بكارتها أي: يجرحه. بكارة الجارية: عذرتها وأصله من ابتكار الفاكهة وهو أكل باكورتها. ومنه: ابتكر الخطبة: أدرك أولها، وبَكَر بالصلاة: صلاها في أول وقتها: والبكر بالبكر: جلد مائة تقديره: حد زنى البكر بالبكر كذا، أو إن زنى البكر بالبكر حده كذا. والبَكرُ: بالفتح من الإبل والباكورة أول الفاكهة. الرَّتَق: بفتح التاء انسداد الرحم بعظم ونحوه والمرأة الرتقاء التي لا يصل إليها زوجها. القَرَن: في الفرج مانع يمنع سلوك الذكر فيه إما غدة غليظة أو لحمة مرتتقة أو عظم. وامرأة قرناء بها ذلك. والقرن: ميقات أهل نجد جبل مشرف على عرفات. كذا في المغرب. الرقيق: هو المملوك كُلاًّ أو بعضا. والقِنّ: هو المملوك كلا كذا في الدرر. وفي الصحاح: القِنّ: العبد إذا ملك هو وأبواه يستوي فيه الاثنان والجمع والمؤنث. وربما قالوا: عبيد أقنان ثم يجمع على أقِنّة. القَسْم: هو بفتح القاف مصدر قسم القاسم المال بين الشركاء فرقه بينهم وعين أنصباءهم. ومنه القسم بين النساء وهو إعطاء حقهن في البيتوتة عندها للصحبة والمؤانسة لا في المجامعة لأنها تبتنى على النشاط فلا يقدر على التسوية فيها كما في المحبة. كذا في درر الحكام.

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع مدخل ... كتاب الرضاع الرضاع في اللغة: مصُّ الثدي مطلقاً. وفي الشرع: مص الصبي الرضيع من ثدي آدمية في مدته كذا في الدرر. وفي الزيلعي: جعل في الديوان فتح الراء أصلاً والكسر لغة وجعل الفعل من باب علم أصلا وكونه من باب ضرب لغة. ومدة الرضاع: ثلاثون شهرا عند أبي حنيفة رحمه الله. وقالا رحمهما الله: سنتان وهو قول الشافعي رحمه الله، وقال زفر1: ثلاثة أحوال كذا في الاختيارات.

_ 1 زفر بن الهذيل بن قيس البصري، كان من أخص أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وكان يبجله ويعظمه ويقول: هو أقيس أصحابي وكان من المقدمين في مجلسه. دخل البصرة في ميراث أخته فتشبث به أهل البصرة فمنعوه الخروج منها ومات بها سنة ثمان وخمسين ومائة.

في النافع. الكناية عند الأصولين: ما استتر المراد به حقيقة كان أو مجازا كذا في الدرر. وفي الصحاح: الكناية: أن يتكلم بشيء ويريد غيره. وفي تعريفات الشريف الجرجاني رحمه الله: الكناية كلام استتر المراد منه بالاستعمال وإن كان معناه ظاهرا في اللغة سواء كان المراد به الحقيقة أو المجاز فيكون التردد فيما أمر به. فلا بد من النية أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال كدلالة مذاكرة الطلاق ليزول التردد ويتعين ما أريد منه. والكناية عند علماء البيان هي أن يعبر عن شيء لفظا أو معنى بلفظ غير صريح في الدلالة عليه لغرض من الأغراض كالإيهام على السامع نحو: جاءني فلان، أو لنوع فصاحة نحو: كثير الرماد. والفرق بينها وبين التعريض على ما وقع في مغرب اللغة: أن الكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف كقولك: فلان طويل النجاد وكثير الرماد ويعني أنه طويل القامة ومضياف. والتعريض: تضمين الكلام دلالة ليس لها فيه ذكر، كقولك: ما أقبح البخل تعرض بأنه بخيل. والتصريح: خلاف التعريض كقولك: "أنت بخيل" ممن يعتقد أنه بخيل. الحقيقة: اسم لما أريد به ما وضع له، وفي الاصطلاح: هي كلمة مستعملة فيما وضعت له، والتاء فيه للنقل من الوصفية إلى الاسمية كالعلامة لا للتأنيث. والمجاز اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما: كتسمية الشجاع أسداً، سمي به لأنه متعد من محل الحقيقة إلى محل المجاز من جاز إذا تعدى. التفويض: التسليم وترك المنازعة ومنه المفوضة: وهي التي فوضت بضعها إلى زوجها أي: زوجته نفسها بلا مهر كذا في المغرب. وقال الجوهري: فوض إليه الأمر أي رده إليه. والتفويض في النكاح التزويج بلا مهر. البينونة: مصدر بان الشيء عن الشيء أي: انقطع عنه وانفصل بينونة وبيونا. وقولهم: أنت بائن مؤل كحائض وطالق. وأما طلقة باينة وطلاق باين مجاز والهاء للفصل.

وقال الجوهري: وتطليقة بائنة وهي فاعلة بمعنى مفعولة. وبين بمعنى وسط يقول: جلست بين القوم كما تقول: وسط القوم بالتخفيف، وهو ظرف فإن جعلته اسماً أعربته تقول: لقد تقطع بينكم برفع النون ونصبها، فالرفع على الفاعل أي: تقطع وصلكم والنصب على الحذف يريد ما بينكم. والبَون: الفضل والمزية، يقال بانه يبينه ويبونه وبينهما بون بعيد وبين بعيد والواو أفصح. الرجعة: اسم من رجع رجوعا ورجعة وله على امرأته رَجْعة ورِجْعَة بكسر الراء وفتحها والفتح أفصح، ومنها الطلاق الرجعي كذا في المغرب. وفي الدرر: الرجعة هي استدامة القائم في العدة أي إبقاء النكاح على ما كان ما دامت في العدة فإن النكاح قائم فيها لقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} . [سورة البقرة: آية 231] . الآية. فإن الإمساك عبارة عن استدامة القائم لا عن إعادة الزائل فيدل على شرعية الرجعة وشرطية بقاء العدة. إلا أن الاستدامة إنما تتحقق ما دامت العدة باقية إذ الملك باق في العدة زائل بعد انقضائها. واختلفوا هل من شرط الرجعة الشهادة أو لا؟ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله تعالى: ليس بشرطها الشهادة بل هي مستحبة وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه الشهادة شرط فيها وعن أحمد رحمه الله مثله. والمعلقة من النساء: التي فقد زوجها قال الله تعالى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} . [سورة النساء: آية 129] الآية. من علقت الشيء تعليقاً.

باب الإيلاء

باب الإيلاء المناسبة بين البابين أن الطلاق سبب للحرمة، والرجعة رافعة لها، فكذلك الإيلاء سبب للحرمة، والفيء رافع لها. والإيلاء في اللغة: اليمين مطلقا وهو الحلف بالله سبحانه وتعالى أو غيره من الطلاق أو العتاق أو الحج أو نحو ذلك. وفي الشرع: حلف على ترك قربانها مدته.

باب الخلع

باب الخلع: الخُلع: بضم الخاء وفتحها لغة: الإزالة مطلقا، وبضمها شرعاً الإزالة المخصوصة كذا في الدرر. وقال الزيلعي: يقال خالعت زوجها إذا افتدت منه بمالها والاسم الخلع بالضم. والمناسبة بينهما: أن الإيلاء يكون بناء على نشوز الزوج، والخلع بناء على نشوز الزوجة غالباً. وفي المغرب: إنما قيل ذلك لأن كلا منهما لباس لصاحبه فإذا فعلا ذلك كأنهما نزعا لباسهما. النشوز: مصدر نشزت المرأة نشوزا إذا استعصت على بعلها وأبغضته، ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها. كذا في الصحاح.

باب الظهار

باب الظهار الظهار لغة: مقابلة الظهر بالظهر، يقال: تظاهر القوم إذا تدابروا كأنه ولى كل واحد منهم ظهره إلى صاحبه إذا كان بينهم عداوة. وشرعا: قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي. وهو أيضا بناء على النشوز مأخوذ من الظهر.

باب اللعان

باب اللعان اللعان لغة: من اللعن وهو الطرد والإبعاد، وهو مصدر لاعن يلاعن ملاعنة ولعاناً. وفي الشرع: عبارة عما يجري بين الزوجين من الشهادات الأربعة، وركنه الشهادات الصادرة منهما. وشرطة قيام الزوجية، وسببه قذف الرجل امرأته قذفا يوجب الحد في الأجنبي. وأهله: من كان أهلا للشهادة عندنا، وعند الشافعي رحمه الله من كان أهلا لليمين. وحكمه حرمة الاستمتاع لما فرغا من اللعن، ولكن لا تقع الفرقة بنفس اللعان عندنا حتى لو طلقها في هذه الحالة طلاقا بائنا يقع. وكذا لو كذب الرجل نفسه حل له الوطء من غير تجديد النكاح بمنزلة ما لو أسلم أحد الزوجين يحرم الوطء. ولا تقع الفرقة قبل التفريق. كذا في الكفاية. والملاعنة تكون بين اثنين غالبا، وهنا في كلام الزوج وحده. واختلفوا هل اللعان يمين أو شهادة؟ فقال مالك والشافعي رحمهما الله: هو يمين ويصح من كل زوجين حرين كانا أو عبدين عدلين أو فاسقين أو أحدهما.

وقال أبو حنيفة رحمه الله: هو شهادة لا يصح إلا بين زوجين يكونان من أهل الشهادة وذلك أن يكونا حرين مسلمين، فأما العبدان والمحدودان في القذف فلا يجوز عنده لعانهما، وكذلك إذا كان أحدهما من أهل الشهادة والآخر ليس من أهلها، لأن اللعان عنده شهادة. وعن أحمد روايتان: أحدهما كمذهب أبي حنيفة رحمه الله، وهي التي اختارها الخرقي1 منهما. والأخرى كمذهب مالك والشافعي رحمهما الله وهي أظهر الروايتين. العفيف: من يباشر الأمور على وفق الشرع، يقال: عف عن الحرام يعف عفا وعفة وعفافة أي: كف فهو عف وعفيف، والمرأة عفة وعفيفة وتعفف أي: تكلف في العفة كذا في الصحاح. والعصيان: ترك الانقياد. والعِصْمَة: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها. العِنّين: من لا يقدر على الجماع أو يصل إلى الثيب دون البكر أو لا يصل إلى امرأة واحدة بعينها فحسب وإنما يكون ذلك لمرض به أو لضعف في خلقته أو لكبر سنه أو لسحر، فهو عنين في حق من لا يصل إليها لفوات المقصود فيه، فيؤجله الحاكم سنة لأن حقها مستحق بعقد النكاح وطئا في الجملة لا في كل زمان، والعدم في الحال لا يدل على العدم في الثاني من الزمان، لأن ذا قد يكون بمرض وذا لا يوجب الخيار، وقد يكون خلقية وإنما يتبين ذلك بالتأجيل إلى سنة، لأن المرض غالبا يكون لغلبة البرودة أو الحرارة أو اليبوسة أو الرطوبة، وفصول السنة مشتملة على الرطوبة والحرارة واليبوسة والبرودة، فعسى يوافق فصل منها طبعه فيزول ما به من المرض باعتدال الطبع، فمتى مضت السنة ولم يزل، فالظاهر أنه خلقة وأن حقها المستحق فات فيفرق القاضي بطلبها لأنه حقها. كذا في الكفاية. فهو من عن إذا حبس في العُنَّة وهي حظيرة الإبل من الشجر ليقيها من البرد والريح.

_ 1 عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد أبو القاسم الخرقي: صاحب المختصر في الفقه. توفي سنة 334هـ. يرجع إلى طبقات الحنابلة 2/75 وشذرات الذهب 2/336.

أو من عن إذا عرض، لأنه يَعُنّ يميناً وشمالا ولا يقصده. وقيل سمي العنين عنينا لأن ذكره يسترخي فيعن يمينا وشمالا ولا يقصد للمأتي من المرأة. كذا في الكفاية. والمجبوب: مقطوع الذكر والخصيتين. والخصي: مقطوع الخصيتين. والخنثى: الذي له ما للذكر والأنثى. وتخنيث الكلام تليينه. واشتقاق المخنث منه، وجمع الخنثى الخناث كالأنثى والإناث، والخناثى بالفتح كالحبلى والحبالى. والقاضي الذي رفعت إليه هذه القضية في الجاهلية "عامر بن الظرب العدواني" ولما اشتبه عليه حكمها قالت له خصيلة وهي أمة له: "أتبع الحُكْم المبال" ويروى أنها قالت حكّم المبال أي اجعل موضع البول حاكماً. وعلى هذا قوله عليه السلام: "يورث من حيث يبول" 1. كذا في المغرب.

_ 1 هذا الحديث أخرجه البيهقي من طرق متعددة لكن أسانيده ضعيفة، لأن في أسانيده الكلبي وأبا صالح وسليمان بن عمرو، والنخعي، وقد رموا بالكذب على ما نقله الزيلعي في نصه عن جملة من المحققين. وقد رواه ابن الجوزي في الموضوعات. وأخرجه الدارمي بسنده عن علي موقوفاً. انظر سنن البيهقي كتاب الفرائض باب ميراث الخنثى 6/261 وسنن الدارمي الفرائض 2/365 ونصب الراية للزيلعي 4/417.

باب العدة

باب العدة العدة هي لغة الإحصاء يقال: عددت الشيء أي: أحصيته. وشرعا: تربص أي: انتظار ووقف يلزم المرأة مدة معلومة كذا في الدرر. وقال أبو حنيفة رحمه الله: هي الحيض، وقال مالك والشافعي رحمهما الله: هي الأطهار. وعن أحمد رحمه الله روايتان أظهرهما الحيض.

باب الحضانة

باب الحضانة الحضانة: تربية الولد: من حضن الطائر بيضه إلى نفسه تحت جناحه كذا في الدرر. الحاضِنة: المرأة توكل بالصبي فترفعه، وقد حضنت المرأة ولدها حضانة من باب طلب.

باب النفقة

باب النفقة النفقة: وهي مشتقة من النفوق الذي هو الهلاك، يقال: نفقت الدابة إذا ماتت وهلكت. ومنه النفقة لأن فيها هلاك المال. وقال صاحب الدرر: هي اسم بمعنى الإنفاق.

قال هشام1 سألت محمدا رحمه الله عن النفقة فقال: هي الطعام والكسوة والسكنى، كذا في الخلاصة.

_ 1 هو هشام بن عبد الله الرازي فقيه محدث وقد وثقه أهل العلم فقال عنه أبو حاتم: صدوق ما رأيت أعظم قدراً منه بالري. تفقه على أبي يوسف ومحمد، توفي سنة 201هـ.

باب العتاق

باب العتاق العِتَاق لغة: القوة مطلقا، وشرعاً: قوة حكيمة تظهر في حق الآدمي بانقطاع حق الأغيار عنه. وقيل بوجه آخر: وهو إثبات القوة الشرعية التي بها يصير المعتق أهلاً للشهادات والولايات قادراً على التصرف في الأغيار وعلى دفع تصرف الأغيار عن نفسه. كذا في الدرر. وفي الصحاح: العتق: الحرية وكذلك العتاق والعتاقة. وفي المغرب: العتق: الخروج من المملوكية، يقال: عتق العبد عتقا وعتاقة، وعتاقا وهو عتيق وهم عتقاء وأعتقه مولاه. وقد يقام العتق مقام الإعتاق. ومنه عتق مولاك إياك. والعتيق القديم. وفرس عتيق: رائع جواد. وعتاق الخيل كرائمها.

باب الجعل

باب الجعل الجُعْل: بالضم: ما جعل للإنسان من شيء على شيء يفعله، وكذلك الجعالة بالكسر. كذا في النهاية.

باب التدبير

باب التدبير التدبير: عتق العبد عن دبر، وهو أن يعتق بعد موت صاحبه، وبوجه آخر وهو تعليق العتق بالموت، وبوجه آخر وهو النظر إلى عاقبة الأمر. وفي رواية المغرب عن الأزهري: التدبير الإعتاق عن دُبر وهو ما بعد الموت. وفي الصحاح الدَّبر والدُّبُر بالتحريك والتسكين الظهر ودبر الأمر آخره. والدِّبرة خلاف القبلة.

باب الكتابة

باب الكتابة الكتابة لغة: الضم والجمع، ومنه الكَتِيبَة: وهي الطائفة من الجيش العظيم. والكتب لجمع الحروف في الخط. وشرعاً: جمع حرية الرقبة مآلاً مع حرية اليد حالاً. أورد هذا الباب ههنا لأن الكتابة من توابع العتق كالتدبير والاستيلاد. ومنه المكاتب: وهو اسم مفعول من كاتب عبده مُكاتبةً وكتاباً، وفي الصحاح: المكاتبة والتكاتب بمعنى. والمُكاتَب: العبد الذي يكاتب على نفسه بثمنه، فإن سعى وأداه عُتق.

كتاب الأيمان

كتاب الأيمان وهو جمع يمين.. وهو لغة: القوة، وشرعاً: تقوية أحد طرفي الخبر بذكر اسم الله تعالى أو التعليق، فإن اليمين بغير الله عز وجل ذكر الشرط والجزاء، حتى لو حلف أن لا يحلف وقال: إن دخلت الدار فعبدي حر يحنث. فتحريم الحلال يمين لقوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} . [سورة التحريم: آية 1] إلى قوله: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} . [سورة التحريم: آية 2] . وفي الصحاح: اليمين: القسم، والجمع الأيمن والأيمان. وفي الطلبة: واليمين اليد اليمنى، وكانوا إذا تحالفوا تصافحوا بالأيمان تأكيدا لما عقدوا فسمي القسم يمينا لاستعمال اليمين فيه. واليمين في عرف الفقهاء: عبارة عن تأكيد الأمر وتحقيقه بذكر اسم الله أو بصفة من صفاته عز وجل. اليمين الغموس: الحلف عل فعل أو ترك ماض كاذبا؛ سميت به لأنها تغمس صاحبها في الإثم. اليمين اللغو: ما يحلف به ظانا أنه كذا وهو خلاف، وقال الشافعي رحمه الله: ما لا يعقد الرجل قلبه عليه كقوله: لا والله وبلى والله. واليمين اللغو ما يقع على الحال. ذكر الأيمان عقيب العتاق لمناسبتها له في عدم تأثير الهزل والإكراه فيهما.

كتاب الحدود

كتاب الحدود مدخل ... كتاب الحدود هي جمع حد وهو في اللغة: المنع، وفي الشريعة: هو عقوبة مقدرة وجبت حقا لله

عز وجل. وفي الصحاح: الحد: الحاجز بين الشيئين، وحد الشيء منتهاه تسمية بالمصدر. وفي المغرب: يقال لحقيقة الشيء حد لأنه جامع ومانع. ومنه الحداد: البواب لمنعه من الدخول. وسميت عقوبة الجاني حداً لأنها تمنع المعاودة أو لأنها مقدرة، ألا يرى أن التعزيز وإن كان عقوبة لا يسمى حدا لأنه ليس بمقدر، أي ليس له قدر معين، فإن أكثره تسعة وثلاثون سوطا وأقله ثلاثة. قال صلى الله عليه وسلم: "الحدود كفارات لأهلها" 1 أي ستارات. وقد كفر يكفر من حد دخل يدخل إذا ستر. والكفر الذي هو ضد الإيمان: ستر الحق بالباطل، وكفران النعم: سترها. وكفر الزارع البذر: ستره في الأرض وكفر الله تعالى سيئات عبده بالتشديد: أي محاها وسترها. التعزير: في الأصل: الرد والردع وهو المنع، وفي الشرع: هو التأديب دون الحد. وفي الكشاف: العَزْر: المنع، ومنه التعزير لأنه منع من معاودة القبيح. والتعزير يكون بالحبس وقد يكون بالصفع أو تعريك الأذن أو الكلام العنيف أو نظر القاضي إليه بوجه عبوس أو الضرب. والتعزير على أربع مراتب: فتعزير الأشراف كالدهاقنة والقواد وغيرهم: الإعلام والجر إلى باب القاضي، وتعزير أشراف الأشراف كالفقهاء والعلوية: الإعلام فقط بأن يقول بلغني أنك فعلت كذا فلا تفعل، وتعزير الأوساط كالسوقية: الإعلام والجر والحبس، وتعزير الأخساء: الإعلام والجر والضرب والحبس. وفي التاتارخانية: التعزير بأخذ المال إن رأى القاضي والوالي جاز، وفي جملة ذلك: الرجل الذي لا يحضر الجماعة يجوز تعزيره بأخذ المال. كذا في التقرير. الجَلْد: اسم من جلده الحد أي: ضربه وأصاب جلده.

_ 1 الحديث بهذا اللفظ لم أقف على من خرجه، وأخرجه الترمذي بما يقرب من لفظه ومعناه ضمن حديث طويل وقال عنه: حديث حسن صحيح. ونقل عن الشافعي أنه قال: لم أسمع في هذا الباب أن الحد يكون كفارة لأهله شيئاً أحسن من هذا الحديث. كما أخرجه في معناه ابن ماجه والدرامي في كتاب الحدود. انظر سنن الترمذي مع التحفة 4/714.

المحصَن: هو الحر المكلف المسلم وطيء بنكاح صحيح، وقد أحصنت إذا عفت، وأحصنها زوجها أعفها فهي محصنة بالفتح، وأحصنت فرجها فهي محصنة بالكسر، والمحصنات ذوات الأزواج. وشرائط الإحصان في باب الرجم عند أبي حنيفة رحمه الله ست: الإسلام والحرية والعقل والبلوغ والتزويج بنكاح صحيح والدخول. وفي باب القذف: الأربع الأول والعفة كذا في المغرب. الرجم: القتل وأصله الرمي بالحجارة، والرجم بالتحريك: القبر. اللواطة: من الفواحش، وقال مالك والشافعي رحمهما الله: موجبة الحد وفي أظهر الرواية منهما: "حدة الرجل بكل حال بكرا كان أو ثيبا ولا يعتبر فيه الإحصان والبكارة فعلى المحصن الرجم وعلى البكر الجلد وعن أحمد رحمه الله مثله". وقال أبو حنيفة رحمه الله يعزر اللائط في أول مرة فإن تكرر فيه قتل. قيل: الصحيح أن اللائط يرجم بكرا كان أوثيبا فإن الله تبارك وتعالى شرع فيه الرجم لقوله: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} . [سورة الذريات: آية 33] . واتفقوا على أن البينة على اللواط لا تثبت إلا بأربعة شهود كالزنا إلا أبا حنيفة فإنه قال: تثبت بشاهدين. وعن أبي حنيفة ومالك رحمهما الله: يجب على من أتى بهيمة التعزير، وعن الشافعي رحمه الله يجب عليه الحد، فإن كان بكراً جلد وإن كان محصنا رجم، وفي الرواية الأخرى يقتل بكرا كان أو محصنا على كل حال. فشعب هذه المسألة كثيرة لا يليق بهذا المحل فمن شاء فليطلب: باب ما يجب في اللواط في الإشراف على مذاهب الأشراف. السَّرِقة لغة: أخذ الشيء من الغير خفية أي شيء كان، وشرعاً: أخذ مكلف عاقل بالغ خفيةً قدر عشرة دراهم واعلم أنه قدم حد الزنا لأنه شرع لصيانة الأنساب والعرض وفيه إحياء النفوس لأن الولد من الزنا هالك معنى لعدم من يربيه ثم حد الشرب لأنه لصيانة العقول التي بها قوام النفوس ثم حد القذف لأنه لصيانة العرض ثم حد السرقة لأنه لصيانة الأموال والأموال وقاية النفس والعقل والعرض. السَّاج: شجر يعظم جدا قالوا: لا ينبت إلا ببلاد الهند ويجلب منها كل ساجة

مشرجعة مربعة. وقوله: استعار ساجة ليقيم بها الحائط يعني الخشبة المنحوتة المهيأة للأساس ونحوه. القناة: مجرى الماء تحت الأرض وأصلها من قناة الرماح وهي خشبها. الصندل: شجر طيب الرائحة. المَغَرة: الطين الأحمر. الزندان: عظما الساعد.

باب قطع الطريق

باب قطع الطريق لما فرغ من بيان السرقة الصغرى شرع في بيان السرقة الكبرى. وفي غاية البيان: اعلم أن قطع الطريق يسمى سرقة كبرى، أما كونه سرقة: باعتبار أن قاطع الطريق يأخذ المال خفية عن عين الإمام الذي عليه حفظ الطريق. وأما كونه كبرى: فلأن ضرره يعم عامه المسلمين حيث ينقطع عليهم الطريق بزوال الأمن، بخلاف السرقة الصغيرة فإن ضررها خاص، ولأن موجب قطع الطريق أغلظ من قطع اليد والرجل لأن موجبه قتل. وفي الدرر: سواء كان قاطع الطريق جماعة ممتنعين عن طاعة الإمام فقصدوه، أو واحدا يقدر على الامتناع فقصده. العصمة: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها. وفي الصحاح: العصمة: المنع، يقال: عصمه الطعام أي: منعه من الجوع.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد الجهاد: مصدر جاهدت العدو إذا قابلته في تحمل الجهد، أو بذل كل منكما جهده أي: طاقته في دفع صاحبه ثم غلب في الإسلام على قتال الكفار كذا في المغرب. وفي الصحاح: الجَهْد والجُهْد بالفتح والضم: الطاقة، الجهاد بالفتح: الأرض الصلبة. وجاهد في سبيل الله مجاهدة وجهادا والاجتهاد والتجاهد بذل الوسع الجهد والمجهود المشقة ورجل مجهود أي ذو جهد. السِّير: جمع سيرة وهي الحالة من السير كالجلسة والرِكبة للجلوس والركوب ثم نقلت إلى معنى الطريق والمذهب، ثم غلبت في لسان الشرع على أمور المغازي لأن أول أمرنا السير إلى العدو، وأن المراد بها سير الإمام ومعاملاته مع الغزاة والأنصار ومع العداة والكفار.

وإنما سمي بها هذا الكتاب لأنه بين فيه سير المسلمين في المعاملة مع الكافرين من أهل الحرب ومع أهل العهد منهم من أهل الذمة والمستأمنين ومع المرتدين وهم أخبث الكفار بالإنكار بعد الإقرار ومع أهل البغي الذين حالهم دون حال المشركين وإن كانوا جاهلين وفي المغرب: قالوا: السير الكبير فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب كقولهم صلى الظهر وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير. الجزية: ما يؤخذ من أهل الذمة والجمع الجزى مثل لِحية ولِحى. الذمة: العهد لأن نقضه يوجب الذم، وتفسر بالأمان والضمان، وكل ذلك متقارب. ومنها قيل للمعاهدين من الكفار: ذمي لأنه أومن على ماله ودمه بالجزية. ويسمى محل التزام الذمة بها في قولهم: ثبت في ذمه كذا. وفي الصحاح: الذمة: أهل العقد. والذمة: الأمان في قوله عليه السلام: "ويسعى بذمتهم أدناهم" 1. الجعائل: جمع جعيلة أو جعالة بالحركات الثلاث بمعنى الجُعل، وهو ما يجعل للعامل على عمله. وسمي به ما يعطى للمجاهد ليستعين به على جهاده. وأجعلت له أي أعطيت له العجل. الغنيمة: ما نيل من أهل الشرك عنوة أي: قهراً أو غلبة والحرب قائمة وحكمها أن تخمس. وسائرها بعد الخمس للغانمين خاصة كذا في المغرب. وفي الصحاح: المغنم بمعنى الغنيمة. الفَيء: ما نيل منهم بعدما تضع الحرب أوزارها وتصير الدار دار الإسلام، وحكمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس. النَّفل: ما ينفله الغازي أي: يعطاه زائدا على سهمه، وهو أن يقول الإمام أو الأمير: من قتل قتيلا فله سلبه، أو قال للسرية: ما أصبتم فهو لكم أو ربعه أو نصفه ولا يخمس

_ 1 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. يرجع إلى صحيح البخاري بحاشية السندي 4/169.

وعلى الإمام الوفاء. وعن علي بن عيسى الغنيمة أعم من النفل، والفيء أعم من الغنيمة لأنه اسم لكل ما صار للمسلمين من أموال أهل الشرك. قال أبو بكر الرازي رحمه الله: والغنيمة فيء والجزية فيء ومال أهل الصلح فيء والخراج فيء لأن ذلك كله مما أفاء الله على المسلمين. وعند الفقهاء رحمهم الله: كل ما يحل أخذه من أموالهم فهو فيء كذا في المغرب. الجزية نوعان: جزية وضعت بالصلح والتراضي فتعدد بحسب ما يقع عليه الاتفاق، وجزية يضعها الإمام إذا غلب عليهم كذا في الدرر. "وجزى بمعنى قضى فهو بغير همزة ومنه: "لا تجزى عن أحد بعدك" 1 أي: لا يؤدي عنه ولا يقضى، ومنه الجزية لأنها تجزي عن الذمي. وفي الصحاح: الجزية: ما يؤخذ من أهل الذمة والجمع: الجزى مثل: لحية ولحي. الخَراج: ما يخرج من غلة الأرض، ثم سمي ما يأخذه السلطان خراجا فيقال: أدى فلان خراج أرضه وأدى أهل الذمة خراج رؤوسهم يعني الجزية. المُستأمِن: من الاستيمان وهو طلب الأمان من العدو حربيا كان أو مسلما. نبذ العهد: نقضه. الغَلّة: كل ما يحصل من ريع الأرض أو كرائها. والريع: النماء والزيادة وأرض مريعة بفتح الميم أي: مخصبة. والخِصْبُ بالكسر: نقيض الجدب، والخصاب: النخيل الكثير الحمل. والجَدْب: القحط. وقحط المطر: يقحط قحوطا احتبس. والأتاوة: الخراج والجمع: الأتاوي. التُرْك: جيل من الناس واحده: تركي. والروم: هم من ولد الروم بن عيصو، يقال: رومي وروم مثل زنجي وزنج، فليس بين الواحد والجمع إلا الياء المشددة كما في تمر وتمرة، ولم يكن بين الواحد والجمع إلا الهاء والتقييد بهما اتفاقي لأن المراد بهما الكفار من البلدين.

_ 1 هذا جزء من حديث "أبي بردة" المشهور في إجزاء العناق في الأضحية له. أخرجه البخاري في كتاب الأضاحي 3/317 ومسلم كتاب الأضاحي 3/1552 وما بعد والإمام أحمد في مسنده 3/446.

الوظائف: جمع وظيفة وهي ما يقدر للإنسان في كل يوم من طعام أو رزق. والمراد ها هنا العُشر والخراج، فيكون مجازا من قبيل تسمية الشيء باعتبار ما يؤول إليه، يقال: قد وظفته توظيفا. المرتد: اسم فاعل من الارتداد وهو الرجوع على الإطلاق لغة. وفي الشريعة: وهو الرجوع من الدين الحق إلى الباطل، أعاذنا الله سبحانه وتعالى من ذلك فمن ارتد والعياذ بالله عرض عليه الإسلام وكشفت شبهته فإن استمهل حُبس ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قُتل أي إن تاب فبها وإن لم يتب قتل ومعنى "فبها" أي: بالخصلة الحسنة أخذ، وكلمة "إلا" معناها: إن لا وليست للاستثناء كذا في صدر الشريعة. البُغَاة: جمع باغ من البغي وهو الظلم، وهكذا الجمع في اسم الفاعل من المعتل اللام قياس مطرد كالغزاة والقضاة من الغازي والقاضي وكالرواة من الراوي. وفي الصحاح: البغي: التعدي وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء فهو بغي. وفي المغرب: البغي: الفاجرة والجمع: البغايا ومنه بغت: إذا زنت. وفي غاية البيان والمراد من البغاة الخوارج ولهذا في "المبسوط" سمي هذا الباب بباب الخوارج. والسَّبْي: والسباء والاستباء الأسر: ومنه المرأة تسبي قلب الرجل. والأسير: الأخيذ يشد أو لم يشد من الإسار وهو القد. ومنه سمي الأسير وكانوا يشدونه بالقد فغلب على الأخيذ أسيرا وإن لم يشد به، يقال: أسرت الرجل أسرا وإسارا فهو أسير ومأسور والجمع أسرى وأسارى. اللقيط: بمعنى ملقوط وهو لغة: ما يلقط أي: يرفع من الأرض. وقد غلب على الصبي المنبوذ. وفي الصحاح: المنبوذ: الصبي الذي تلقيه أمه في الطريق، وشرعاً: هو مولود طرحه أهله خوفا من العيلة وفرارا من التهمة. والعيلة والعالة: الفاقة. والفاقة: الفقر والحاجة كذا في الصحاح. اللُّقطة: الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه كذا في المغرب. وفي التبيين: اللقطة بضم اللام وفتح القاف اسم الفاعل للمبالغة، وبسكون القاف اسم المفعول كضحكة

وضحكة. وسمي هذا المال الملقوط باسم الفاعل منه لزيادة معنى اختص به، وهو أن كل من رآها يميل إلى رفعها، فكأنما تأمره بالرفع لأنها حاملة إليه فأسند إليه مجازا، فجعلت كأنها هي التي رفعت نفسها. ونظيره قولهم: ناقة حلوب ودابة ركوب، وهو اسم الفاعل سميت بذلك لأن من رآها يرغب في الركوب والحلب فنزلت كأنها حلبت نفسها وركبت نفسها. وفي الدرر: وهي اسم اللقيط في المعنى لكن استعمال اللقيط في الآدمي واللقطة في غيره. وقدم اللقيط على اللقطة لكون النفس أعز من المال وأخذ اللقيط واللقطة شرع لإحياء النفس والمال قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} . [سورة المائدة: آية 32] . إلا أن الأول فرض وهذا مندوب في بعض الصور. الأمانة والأمان: بمعنى وقد أمنت فأنا آمن. وأمنت غيري من الأمن والأمان. والأمن: وهو عدم توقع مكروه في الزمان الآتي. الآبق: وهو مملوك فر من مالكه قصدا مُعنِّدا. والضال: هو الذي ضل الطريق إلى منزله. وفي المغرب: أبق العبد: هرب من بابي ضرب وطلب إباقا فهو آبق وهم أُبَّاق. وفي غاية البيان قال في المبسوط: الإباق: تمرد في الانطلاق وهو من سوء الأخلاق

كتاب المفقود

كتاب المفقود تناسب الكتابين من حيث أن كلا منها منهما غاب لم يدر أثره. وفي المغرب: فقدت الشيء غاب عني ذاتا وأنا فاقد والشيء مفقود. فالمفقود في الشريعة: هو غايب لم يدر موضعه وحياته وموته.

كتاب الشركة

كتاب الشركة وهي اختلاط شيء بشيء لغة. وفي الشريعة عبارة عن اختلاط النصيبين فصاعدا بحيث لا يفرق أحد النصيبين عن الآخر. ثم يطلق هذا الاسم على العقد أي: عقد الشركة وإن لم يوجد اختلاط النصيبين إذ العقد سبب له. ومنه الشَّرَك بالتحريك: حُبالة الصائد لأن فيه اختلاط بعض حبله بالبعض.

ثم أطلقت على العقد مجازا لكونه سببا له ثم صارت حقيقة. وفي المغرب: شرَكَه في كذا شركا وشركة، واسم الفاعل منه شريك، وشارك في كذا واشتركوا وتشاركوا. وطريق مشترك. ومنه الأجير المشترك. وهو الذي يعمل لمن شاء وأما أجير المشترك على الإضافة فلا يصح إلا على تأويل المصدر. وأما قوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . [سورة لقمان: آية 13] . فاسم من أشرك بالله إذا جعل له شريكا. وفسر الشرك بالرياء في قوله عليه السلام: "إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية" 1. وهي أن تعرض للصائم شهوة فتواقعها. والشرك أيضا النصيب تسمية بالمصدر، ومنه بيع شرك من دار شركة. المفاوضة: مصدر فاوضه في كذا إذا جاراه وفعل مثل فعله. والناس فوضى في هذا الأمر أي: سواء لا تباين بينهم ومنه شركة المفاوضة كذا في المغرب. وشركة العنان: أن يشتركا في شيء خاص دون سائر أموالهما وهو مأخوذ من قولهم عن لهما شيء فاشترياه مشتركين فيه أي عرض كذا في الصحاح. وفي الإشراف: وهي في الشرع عبارة عن الشريكين يشتركان بمالهما وأبدانهما، وسمي هذا العقد به لما قال ابن السكيت: كأنه عن لهما شيء فاشتركا فيه أو من عنان الفرس كما ذهب إليه الكسائي2 والأصمعي لأن كلا منهما جعل عنان التصرف في بعض المال إلى صاحبه. وفي الكفاية: وشرعيتها بالسنة فإنه عليه السلام بعث والناس يباشرونها فقررهم عليه. الفَلْس: يجمع في القلة على أفلس وفي الكثرة على فلوس. وقد أفلس الرجل صار

_ 1 أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، قال في الزوائد: في إسناده عامر بن عبد الله لم أر من تكلم فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات. انظر سنن ابن ماجه 2/1406. 2 والكسائي هو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الكسائي. كان من أسرة فارسية الأصل أخذ عن الخليل بن أحمد البصري وهو الذي أمره أن يذهب إلى البادية ليقضي فيها سنين عدداً فيحذق عن أعرابها اللغة الفصيحة، كان إماماً في النحو واللغة والقراءات توفي سنة 183هـ وقيل 189هـ.

مفلسا، كأنما صارت دراهمه فلوسا وزيوفاً. والفلوس النافقة أي: الرابحة. والتبر: ما كان غير مضروب من الذهب والفضة. وعن الزجاج: هو كل جوهر قبل أن يستعمل كالنحاس والصفر وغيرهما. وبه يظهر صحة قول محمد رحمه الله. وفي الصحاح: فإذا ضرب دنانير فهو عين. ولا يقال تبر إلا للذهب وبعضهم يقول للفضة أيضا. والتَّبار: الهلاك وتبره تتبيرا أي كسره وأهلكه. الحديدُ: يطلق على المضروب والتبر على غير المضروب. والصُّفر: بالضم الذي تعمل منه الأواني وأبو عبيدة يقول بالكسر كذا في الصحاح. والنُّقرة: السبيكة. والسبيكة: القطعة المُذابة من الذهب والفضة، أو غيرهما إذا استطالت، يقال: سبكت الفضة وغيرها أسبكها سبكا أذبتها كذا في الصحاح.

كتاب الوقف

كتاب الوقف تناسب الكتابين من حيث أن المقصود من كل منهما الانتفاع لكن الانتفاع بالأول في الدنيا والانتفاع بالثاني في الآخرة ولذا ذكره بعد الشركة. الوقف في الأصل: مصدر وقفه إذا حبسه وقفاً، ووقف بنفسه وقوفاً يتعدى ولا يتعدى وقيل للموقوف: وقف تسمية بالمصدر. وفي الدرر: فإن وقف الذي مصدره الوقف متعدد معناه ما ذكر ووقف الذي مصدره الوقوف لازم. وفي الاختيارات: الوقف: هو الحبس لغة، وفي الشرع: عبارة عن حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنافع على الفقراء مع بقاء العين، كالعارية عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أنه غير لازم حتى لو رجع الواقف يصح عنده، وعندهما رحمهما الله حبس العين على حكم ملك الله سبحانه وتعالى فيزول ملك الواقف. واللزوم عند أبي حنيفة رحمه الله إنما يكون بالحكم أو بالتعليق بالموت. والفتوى على قولهما. كذا في التتمة.

وفي الكافي: أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله إني استفدت مالا وهو عندي نفيس أأتصدق به؟ فقال عليه السلام: "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث لينتفع بثمره" 1. الحديث.

_ 1 يرجع إلى البخاري مع الفتح 5/354 كتاب الشروط ومسلم 3/1255 كتاب الوصية والنسائي 6/191 كتاب الأحباس وابن ماجه 2/801 كتاب الصدقات.

كتاب البيوع

كتاب البيوع مدخل ... كتاب البيوع لما فرغ من بيان العبادات شرع في المعاملات وقدم البيع لأنه أكثر وقوعاً. وفي الإشراف: البيع في اللغة: أخذ شيء وإعطاء شيء آخر. وفي الشريعة: عبارة عن إيحاب وقبول. ثم اختلفوا: هل يشترط ذلك القبول في الأشياء الخطيرة والتافهة؟! فقال مالك وأبو حنيفة في رواية: لا يشترط ذلك في الخطيرة ولا في التافهة وكلما رآه الناس بيع فهو بيع. وقال الشافعي رحمه الله: يجب في الأشياء الخطيرة والتافهة. وقال أحمد رحمه الله يجب في الخطيرة ولا يجب في التافهة. واختلفوا هل ينعقد بالمعاطاة؟: فقال أبو حنيفة رحمه الله في إحدى روايتيه والشافعي وأحمد في إحدى روايتيه: لا ينعقد، وقال مالك رحمه الله ينعقد، وعن أبي حنيفة وأحمد مثله وهذا في كلها على الإطلاق. واتفقوا على أن بيع العين الطاهرة صحيح، واختلفوا في العين النجسة في نفسها، فقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى: لا يجوز بيعها، واستثنى مالك رحمه الله جواز ما فيه المنفعة منها كالكلب والسرجين. ومناسبة البيع للوقف من حيث أن كلا منهما يزيل الملك، ففي الوقف يزول عن ملك الواقف بعد حكم الحاكم من غير أن يدخل في ملك الموقوف عليه. وفي البيع يزول عن ملك البايع ويدخل في ملك المشتري. وإنما قدم الوقف ولم يعكس لأنه كالمفرد، والبيع كالمركب من حيث إن الوقف فيه زوال بلا دخول والبيع فيه زوال ودخول والمفرد سابق على المركب كذا في غاية البيان.

والمبيعات: أصناف مختلفة وأجناس متفاوتة وجمع المصدر لاختلاف أنواعه. وهذا الكتاب لبيان أنواعه لا لحقيقته. وفي المغرب: البيع من الأضداد، يقال: باع الشيء إذا شراه أو اشتراه ويتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه وبحرف الجر وبهما تقول: باعه الشيء وباعه منه. وفي الاختيار: البيع في اللغة: مطلق المبادلة وكذلك الشراء، سواء كانت في مال أو غيره قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} . [سورة التوبة: آية 111] . وقال عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ} . [سورة البقرة: آية 175] . وفي الشرع: "مبادلة المال المتقوم تمليكا وتملكاً" فإن وجد تمليك المال بالمنافع فهو إجارة ونكاح، وإن وجد مجانا فهو هبة. ثم البيع عقد مشروع ثبتت شرعيته بالكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} . [سورة البقرة: آية 275] وقال عز وجل: {إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . [سورة النساء: آية 29] . وأما السنة فلأنه عليه السلام قد باع واشترى مباشرة وتوكيلاً. وعلى شرعيته الإجماع والمعقول: وهو أن الحاجة ماسة إلى شرعيته فإن الناس يحتاجون إلى الأعواض والسلع والطعام والشراب الذي في أيدي بعضهم، ولا طريق لهم إلا بالبيع والشراء، فإن ما جبلت عليه الطباع من الشح والضنة وحب المال يمنعهم من إخراجه من غير عوض فاحتاجوا إلى المعاوضة، فوجب أن يشرع وفقا لهذه الحاجة. وركنه الإيجاب والقبول لأنهما يدلان على الرضاء. وشرطه أهلية المتعاقدين. ومحله المال. وحكمه ثبوت الملك للمشتري في المبيع، وللبايع في الثمن إذا كان باتاً وعند الإجارة إذا كان موقوفاً. الشراء: يمد ويقصر، يقال: منه شريت الشيء أشريه شرى إذا بعته وإذا اشتريته أيضا وهو من الأضداد قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} . [سورة البقرة: آية 207] . وقال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} . [سورة يوسف: آية 20] . أي باعوه وقوله تعالى: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} . [سورة البقرة: آية 16] .أصله اشتريوا ويجمع الشرى على أشرية.

وفي النهاية: البيع ينعقد بالإيجاب والقبول. والانعقاد: عبارة عن انضمام أحد كلام العاقدين إلى الآخر على وجه يظهر أثره في المحل شرعا. والإيجاب: ما ذكر أولا من لفظ بعت واشتريت. والقَبُول: ما ذكر ثانيا وهو المتعارف. وقيل: الإيجاب فعل والفعل خروج الممكن من الإمكان إلى الوجوب أي: إلى التحقق والثبوت. وفي الكفاية: قيل أنواع البيع ترتقي إلى عشرين نوعا أو أكثر والكل مذكور في النهاية. النَّفيس: ما يكثر ثمنه كالعبيد والإماء. والخَسِيس: ما يقل ثمنه كالبقل والرمان واللحم والخبز. والشرط في بيع التعاطي: الإعطاء من الجانبين عند شمس الأئمة الحلواني1. وقيل الإعطاء من أحد الجانبين يكفي. والمجازفة: أخذ الشيء بلا كيل ولا وزن. والجزف أخذ الشيء مجازفة وجزافاً. الصُّبرة: واحدة صبر الطعام تقول: اشتريت الشيء صبرة أي: بلا كيل ولا وزن. والمحاقلة: بيع الطعام في سنبله، وقيل: اشتراء الزرع بالحنطة، وقيل: بيع الزرع قبل صلاحه من الحقل وهو الزرع، وقيل: المزارعة بالثلث والربع وغيرهما وقيل كراء الأرض بالحنطة كذا في المغرب.

_ 1 هو "الإمام عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح شمس الأئمة الحلواني البخاري". والحلواني نسبة إلى عمل الحلوى. كان إمام أهل الرأي في وقته، من مصنفاته: المبسوط في الفقه وكتاب النوادر. توفي سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة.

باب خيار الشرط

باب خيار الشرط. البيع نوعان لازم وغير لازم فلما بين اللازم وقدمه لكونه أقوى وما هو أقوى فهو أولى بالتقديم شرع في بيان غير اللازم وهو ما فيه خيار شرط أو رؤية أو عيب. وإضافة الخيار إليه إضافة الحكم إلى سببه كصلاة الظهر، وقدم خيار الشرط على البواقي لكونه

أعم وجوداً، حتى شرع للعاقدين ولأحدهما ولغيرهما بإذنهما. وفي المغرب: الخيار: اسم من الاختيار، ومنه خيار الرؤية وفي درر الحكام: وخيار الشرط أنواع: فاسد وفاقا كما إذا قال: اشتريت على أني بالخيار أو على أني بالخيار أياماً أو على أني بالخيار أبداً. وجائز وفاقا وهو أن يقول: على أني بالخيار ثلاثة أيام فما دونها. ومختلف فيه وهو أن يقول: على أني بالخيار شهرا أو شهرين، فإنه فاسد عند أبي حنيفة وزفر والشافعي رحمهم الله تعالى جايز عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. الغبن: بالتسكين في البيع والغبن بالتحريك في الرأي، يقال: غبنته في البيع بالفتح أي: خدعته، وقد غبن فهو مغبون، وغبن رأيه بالكسر: إذا نقصه فهو غبين أي: ضعيف الرأي، والتغابن أن يغبن القوم بعضهم بعضا، ومنه قيل: يوم التغابن ليوم القيامة: لأن أهل الجنة يغبنون أهل النار. المراوضة: المداراة والمخاتلة، ومنها بيع المراوضة لبيع المواصفة لأنه لا يخلو عن مداراة ومخاتلة وفي الإجارات البائع والمشتري إذا تراوضا السلعة أي: تداريا فيها. وراد الكلأ أي: طلبه ومنه "إذا بال أحدكم فليرتد لبوله" 1. أي: يطلب مكاناً ليناً أو منحدرا كذا في الصحاح والمغرب أيضاً.

_ 1 تقدم تخريجه.

باب خيار العيب

باب خيار العيب وهو نقص خلا عنه أصل الفطرة السليمة لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة؛ لأن الغالب في الأشياء هو السلامة فيقع العقد على ذلك الوصف لأن كل واحد من العاقدين صاحب عقل وتمييز فيأبى أن يَغْبَن أو يُغْبَن كذا في الكفاية. والعيب نوعان: ظاهري: كالعمى والماء في العين، وباطني: كالسعال وانقطاع الحيض شهرين فصاعداً، أو الإباق أو نحوهما. واعلم أن المراد بالعيب عيب كان عند البائع ولم يره المشتري عند البيع ولا عند

القبض. الجَسُّ: اللمس باليد للتعرف. عِدْل الشيء بالكسر: مثله من جنسه وفي المقدار أيضاً. وعَدلُهُ بالفتح: مثله من خلاف جنسه. كذا في المغرب.

باب البيع الفاسد

باب البيع الفاسد الصحيح: ما كان مشروعاً بأهله ووصفه، والفاسد: مشروع بأصله لا وصفه. ويفيد الملك عند اتصال القبض به، حتى لو اشترى عبدا بخمر وقبضه فأعتقه يعتق. ثم هذا الباب مشتمل عل أربعة أنواع: باطل وفاسد ومكروه وموقوف. فالباطل: ما لا يكون مشروعا بأصله ووصفه ولا يفيد الملك حتى لو اشترى عبدا بميتة وقبضه وأعتقه لا يعتق. والفاسد ما ذكرناه آنفاً. والمكروه: مشروع بأصله ووصفه لكن جاوره شيء منهي عنه كالبيع عند أذان الجمعة. والموقوف: مشروع بأصله ووصفه ويفيد الملك على سبيل التوقف ولا يفيد تمامه لتعلق حق الغير. فالباطل والفاسد بهذا التفسير متباينان، إذ في تعريف كل واحد منهما قيد ينافي تعريف الآخر. ثم لقب الباب بالفاسد وإن كان فيه الباطل والموقوف والمكروه لكثرة وقوعه بتعدد أسبابه. وفي تبيين الحقائق: لأن الفاسد وصف شامل كالعرض العام لما قلنا: إن الباطل فائت الأصل والوصف، والفاسد فائت الوصف لا الأصل، والمكروه فائت وصف الكمال، فعم فوات الوصف الكل كالحركة بالنسبة إلى الحيوان والنبات. ثم الضابطة في تمييز الفاسد من الباطل وهي أن أحد العوضين إذا لم يكن مالا في دين سماوي فالبيع باطل سواء كان مبيعاً أو ثمناً فبيع الميتة أو الحر أو به باطل وإن كان في بعض الأديان مالا دون البعض إن أمكن اعتباره ثمنا فالبيع فاسد فبيع العبد بالخمر أو الخمر بالعبد فاسد وإن تعين كونه مبيعا فالبيع باطل فبيع الخمر بالدراهم أو الدراهم بالخمر باطل وفي الكفاية إذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرما فالبيع فاسد، فالفاسد

أعم من الباطل لأن كل باطل فاسد ولا يعكس. وفي النهاية: البياعات أنواع أربعة: المساومة: وهي التي لا يلتفت إلى الثمن الأول. والوضيعة: وهي التي بنقصان من الثمن السابق. والتولية: وهي التي بالثمن الأول وإنما سمي هذا النوع من البياعات تولية لأن البائع كأنه يجعل المشتري واليا لما اشتراه بما اشتراه. والمرابحة: نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح. والدليل على جوازها أن كل واحد من الثمن والمبيع معلوم ويجوز العقد عليه. فالبيع بإلقاء الحجر والملامسة والمنابذة بيع كان في الجاهلية، صورته كان الرجلان يتساومان المبيع فإذا ألقى المشتري عليه حصاة أو لمسه أو نبذه البائع إليه لزم البيع. ففسدت لورود النهي عنها لما فيه من معنى التعليق كأنه قال: إن ألقيت عليه حجرا فهو لك كذا في مجمع البحرين. والمُزَابنة: بيع التمر في رؤوس النخل بتمر مجذوذ مثل كيله خرصا1. والخَرص: الحزر وهو التقدير. النَّجش: هو أن تستام السلعة بأزيد من ثمنها وأنت لا تريد شراءها ليراك الآخر فيقع فيه، وروي بالسكون كذا في المغرب. الإقالة في اللغة: رفع وإسقاط وفي الشرع: عبارة عن رفع العقد, وقيل: إنه مشتق من القول وهمزته للسلب أي: أزال القول السابق كما في قسط وأقسط أي أزال الجور، وهي غلط لأنهم قالوا: قلته البيع وأقلته. وقال الجوهري رحمه الله: وأقلته البيع إقالة وهو فسخه وربما قالوا قلته وهو لغة قليلة، فدل قلته البيع على أن العين ياء. والوجه الثاني وهو أن تكون الإقالة من القول على البطلان، لأن في الصحاح أورد إقالة البيع في القاف مع الياء لا في ذكر القاف مع الواو كذا في النهاية.

_ 1 الزبن في اللغة: هو الدفع، وزبنت الناقة حالبها: دفعته برجلها، وقيل للمشتري: زبون لأنه يدفع غيره عن أخذ المبيع، وسميت بعض الملائكة زبانية لدفعهم أهل النار إليها. والمزابنة من البياعات التي حرمها الإسلام لما فيها من غبن وجهالة، وقد منعها الجمهور وأجازها أبو حنيفة.

قال عليه السلام: "من أقال نادما بيعته أقال الله تعالى عثرته يوم القيامة" 1 كذا في الهداية

_ 1 أخرجه أبو داود في كتاب البيوع باب: فضل الإقالة 3/274 وابن ماجه في كتاب التجارات باب: الإقالة 2/741 وأخرجه الحاكم في المستدرك كتاب البيوع 2/45 وقال عنه: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه البيهقي في سننه في كتاب البيوع أيضاً 6/27 وأخرجه ابن حبان في صحيحه على ما ذكره الزيلعي في نصب الراية 4/30.

باب الربا

باب الربا تناسب البابين من حيث إن فيهما زيادة لكن في المرابحة زيادة هي حلال وفي الربا زيادة هي حرام، والاحتراز عن الشبهة واجب في كل باب. فإن قيل: كيف يستقيم وجه تناسب اقتران باب الربا بباب المرابحة ويفصل بينهما باب الإقالة؟ قلنا: توسط باب الإقالة بين هذين البابين يقع في هذه المسودة لمراعاة عداد أنواع البياعات على التعاقب والتوالي من غير فصل بإيراد المرابحة في عقب أخواتها، وفي الأصل باب الإقالة مقدم على باب المرابحة وتعاقب فيه باب الربا بباب المرابحة والله تعالى الموفق للسداد وعلى فضله الاعتماد. ثم الربا في اللغة: الفضل والزيادة، يقال: ربا الشيء يربو ربا وربوا أي: زاد. وفي الشرع هو: فضل أحد المتجانسين على الآخر من مال بلا عوض. وفي الصحاح: والربا في البيع، ويثنى ربوان وربيان، وقد أربى الرجل، والربية مخففة لغة في الربا وكان القياس ربوة. النَّسَاء بالمد لا غير: التأخير، يقال بعته بنساء ونسيء ونسيئة بمعنى، كذا في المغرب. وفي الصحاح: ونسأت الشيء نسأ: أخرته وكذلك أنسأته فعلت وأفعلت بمعنى. والنسأة بالضم: التأخير وكذلك النسيئة على فعيلة، وبعته بنسأة وبعته بكلأة وبعته بنسيئة أي: بأخرة. وقال الأخفش: أنسأته الدين: إذا جعلته له مؤخراً، ونسأته دينه إذا أخرته نساء بالمد، وكذلك النساء في العمر ممدودٌ. ومنه قوله: من سره النساء ولا نساء فليخفف الرداء وليباكر الغداء وليقل غشيان النساء.

باب الحقوق

باب الحقوق لما فرغ من بيان ما هو أصل في البيع وهو المبيع والثمن ذكر في هذا الباب ما يتبعهما من الحقوق، وله مناسبة خاصة بالربا، لأن في بابه بيان فضل هو حرام وهنا بيان فضل هو حلال والحقوق جمع حق، والحق أيضا خلاف الباطل. والحق: في لسان أهل اللغة هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وفي اصطلاح أهل المعاني هو الحكم المطابق للواقع يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك ويقابله الباطل. وأما الصدق: فقد شاع في الأقوال خاصة ويقابله الكذب، وقد يفرق بينهما بأن المطابقة تعتبر في الحق من جانب الواقع وفي الصدق من جانب الحكم. فمعنى صدق الحكم: مطابقته للواقع، ومعنى حقيقته، مطابقة الواقع إياه. وهذا الفصل لا يناسب المقام ولكنه أوردها للمناسبة اللفظية، ولأنه مما لا يدل منه استحقاق الحقوق يكون بعدها لا محالة ولهذا أخره عنها. المَنْزل: اسم لما يشتمل على بيوت وصحن مسقف ومطبخ ليسكنه الرجل بعياله. والمطبخ: موضع الطبخ بفتح الميم وكسرها والضم خطأ والباء مفتوحة لا محالة. والطبيخ: ما له مرق وفيه لحم وشحم وإلا فلا، كذا في المغرب. والبيت: اسم لسقف واحد له دهليز. والدِّهْلِيز: ما بين الباب والدار فارسي معرب والجمع: الدهاليز. والدار: اسم يشتمل على بيوت ومنازل وصحن غير مسقف فكانت أعم من أختيها لاشتمالها عليهما. صحن الدار: وسطها. الكنيف: الساتر ويسمى الترس كنيفا لأنه يستر ومنه قيل للمذهب كَنِيف. والكنيف أيضاً: حظيرة من شجر تجعل للإبل. البُنيان: الحائط. والبَنِيّة: على فعيلة: الكعبة كذا في الصحاح. الطِراف: من أدم.

والخِبَاء: من صوف أو أدم ولا يكون من شعر، وأبنية العرب طراف وأخبية، وزاده الجوهري فقال: والخباء واحد الأخبية من وبر أو صوف ولا يكون من شعر وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. كذا في الصحاح. الظُلَّة: كهيئة الصُفة. كذا في الصحاح وأما في المغرب فالظلة كل ما أظللت من بناء أو جبل أو سحاب أي: سترك وألقى ظله عليك. ومرافق الدار: المتوضأ، الواحد: مرفق، وفي الصحاح: ومرافق الدار: مصاب الماء ونحوه. والمُستَراح: المخرج، واستراح الرجل من الراحة.

باب السلم

باب السلم السَّلَم: وهو لغة السلف فإنه أخذ عاجل بآجل، سمي به هذا العقد لكونه معجلاً على وقته، فإن وقت البيع بعد وجود المبيع في ملك البائع، والسلم عادة يكون بما ليس بموجود في ملكه فيكون العقد معجلا كذا في الدرر. وفي المغرب: يقال أسلم الرجل في البر، أي: أسلف، من السلم، وأسلف في كذا. وسلف إذا قدم الثمن فيه. وفي الصحاح: والسلف: نوع من البيوع يعجل فيه الثمن وتضبط السلعة بالوصف إلى أجل معلوم. وهو مشروع بالكتاب وهو قوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ} . [البقرة: آية 282] الآية. فإنها تشمل السلم والبيع بثمن مؤجل وتأجيله بعد الحلول. والسنة وهو قوله عليه السلام: "من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم" 1. والإجماع ويأباه القياس لأنه بيع المعدوم وبيع موجود غير مملوك أو مملوك غير مقدور التسليم لا يصح لكنه ترك لما ذكرنا، ولم يستدل بما روي أنه عليه السلام: "نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم"2.

_ 1 أخرجه البخاري في كتاب السلم بلفظ "من أسلف في شيءٍ" انظر صحيح البخاري مع الفتح 4/429. 2 أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد.

قال أهل الفقه: السلم جايز في المكيلات والموزونات والمعدودات التي لا يتفاوت كالجوز والبيض وفي المزروعات. والأصل في ذلك قوله عليه السلام: "من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم". الحديث. وهذا يدل على جواز السلم في المكيل والموزون. فأما المعدود الذي لا يتفاوت فيجوز فيه السلم. قال الإمام الشافعي رحمه الله: يجوز في الجوز كيلاً ولا يجوز عددا ويجوز في البيض وزناً. قال الإمام الزيلعي رحمه الله: اعلم أن بيع العين بالدين عزيمة وبيع الدين بالعين رخصة، فلما فرغ من بيان الأول شرع في الثاني وهو السلم. والرخصة في الأمر خلاف التشديد. ثم السلم لغة: الاستعجال، وشرعاً: بيع الشيء على أن يكون ديناً على البائع بالشرائط المعتبرة واختص هذا النوع من البيع بهذا الاسم لاختصاصه بحكم يدل عليه وهو تعجيل أحد البدلين قبل حصول المبيع، فالمبيع يسمى مُسلَّما فيه والثمن رأس المال، والبائع مسلماً إليه والمشتري رب السلم، ومعنى قولنا: أسلم في كذا أي: أسلم الثمن فيه، وهمزته للسلب أي: أزال سلامة الدراهم بتسليمه إلى المفلس. المكيال: ما كيل به المكيلات والمكيل بمعناه والكيل مصدر كلت الطعام كيلا ومكالا ومكيلاً. والاسم الكيلة بالكسر مثل: الجلسة والركبة والطعام مكيل ومكيول. والميزان: ما يتزن به، وأصله موزان ويقال: زنت الشيء وزنا وزنة، والاتزان الأخذ بالوزن. الأكارع: مادون الركبة من القوائم. وبيع الغرر: هو الخطر الذي لا يدري أيكون أم لا، كبيع السمك في الماء والطير في الهواء.

باب الصرف

باب الصرف الصرف لغة: بمعنى الفضل والنقل، وإنما سمي بيع الأثمان صرفاً: إما لأن الغالب على عاقده طلب الفضل والزيادة، أو لاختصاص هذا العقد بنقل كلا البدلين من يد إلى يد في مجلس العقد. والمناسبة بين البابين أن رأس المال إذا كان دراهم أو دنانير يكون بيع دين بدين فتناسبا.

ثم البيع بالنظر إلى المبيع أربعة أنواع: بيع العين بالعين: كبيع السلعة بمثلها نحو بيع الثوب بالعبد وهي بيع المقايضة، وقايضه بكذا أي: عاوضه. كذا في المغرب. وبيع العين بالدين: نحو بيع العين بالأثمان المطلقة، وهو أشهر الأنواع ولذا سمي بيعاً باتاً. وبيع الدين بالعين: وهو السلم. والدين بالدين: وهو بيع الأثمان المطلقة كبيع الدراهم بالدنانير فهو الصرف كذا في النهاية. فلما بين الثلاثة الأول شرع في بيان الرابعة، وإنما أخرها لأن الدين بالدين أضعف البياعات حتى شرط قبض البدلين في المجلس. والأموال أنواع: نوع ثمن بكل حال كالنقدين صحبه الباء أولا، قوبل بجنسه أو بغيره. ونوع مبيع بكل حال وهو ما ليس من ذوات الأمثال كالثياب والدواب والمماليك. ونوع ثمن بوجه مبيع بوجه، كالمكيل والموزون،فإذا كان معينا في العقد كان مبيعاً، وإن لم يكن معيناً وصحبه الباء وقابله مبيع فهو ثمن ونوع ثمن بالاصطلاح وهو سلعة في الأصل فإن كان رابحا كان ثمنا وإن كان كاسدا كان سلعة كذا في الكفاية.

باب الكفالة

باب الكفالة الكفالة: وهي في اللغة: الضم قال الله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} . [سورة آل عمران: آية 37] أي: ضمها إلى نفسه. وقال النبي عليه السلام: "أنا وكافل اليتيم كهاتين" 1 أي: ضام اليتيم إلى نفسه كذا في الكفاية. وفي المغرب: الكفيل: الضامن، والكفالة ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة، ويقال للمرأة: كفيل أيضاً. والمناسبة بين البابين أن البيع يوجب دينا في الذمة، والكفالة شرعت وثيقة لاستيفاء الدين غالبا فلها مناسبة خاصة بالصرف لأنه ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة كذا في الهداية. وفي النهاية: أورد الكفالة عقيب البيوع، لأن الكفالة إنما يحتاج إليها غالبا في البياعات

_ 1 أخرجه البخاري في كتاب الأدب 1/436 ومسلم في كتاب الزهد 4/2287 والترمذي في كتاب البر 6/46 وأحمد بن حنبل 2/375.

لعدم اعتماد أحد المتابيعين إلى الآخر. ثم الكفيل من يقبل الكفالة. والمكفول له: من له الدين. والمكفول عنه: من عليه الدين. والمكفول به: المال كذا في التوفيق. الزعيم: الكفيل. والقبيل: الكفيل. والعريف: النقيب وهو دون الرئيس.

باب الحوالة

باب الحوالة الحوالة: هي اسم من الإحالة، والمناسبة بين الحوالة والكفالة ظاهرة من حيث إن في كل واحد منهما التزاما على الأصيل. كذا في النهاية. وفي تبيين الحقائق: وأحلت زيدا بما كان له علي وهو مائة درهم على رجل فاحتال زيد به على الرجل، فأنا محيل، وزيد محال، والمال محال به والرجل محال عليه ومحتال عليه. وقول الفقهاء للمحتال له لغو لأنه لا حاجة إلى هذه الصلة. ويقال للمحتال حويل قياساً على كفيل وضمين كذا في الكفاية. وأصل التركيب دال على الزوال والنقل ومنه التحويل، وهو نقل شيء من محل إلى محل آخر. وإنما سمي هذا العقد حوالة لأن فيه نقل المطالبة أو نقل الدين من ذمة إلى ذمة، بخلاف الكفالة فإن فيها ضم ذمة إلى ذمة. وفي المغرب: وقولهم في المزارعة. الحوالة زيادة شرط على العامل يعنون بها التحويل المعتاد في بعض النبات كالأرز مثلاً. السُّفْتَجَة: تعريب سفقته وهي شيء محكم أو مجوف سمي هذا القرض بها لأنه لإحكام أمره، أو لأنه شبه له بوضع الدراهم في السفاتج، أي: في الأشياء المجوفة كما تجعل العصا مجوفة ويخبأ فيها الماء. توي المال: هلك وذهب توىً فهو توٍ وتاوٍ، ومنه "لا توى على مال امريءٍ

مسلم" 1 وتفسيره في حديث عمر رضي الله عنه في المحتال عليه يموت مفلساً. قال: يعود الدين إلى ذمة المحيل. كذا في المغرب.

_ 1 هذا الحديث بهذا اللفظ لم أقف على من خرجه، لكنه ورد في البخاري ومسلم استعمالاً للفظة "توى" بالمعنى الذي أورده المؤلف، من ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزانة الجنة، كل خزنة باب: أي فل هلمّ فقال أبو بكر: يا رسول الله. ذلك الذي لا توى عليه! قال عليه السلام: إني لأرجو أن تكون منهم". يرجع إلى صحيح البخاري.

كتاب أدب القاضي

كتاب أدب القاضي لما كان أكثر المنازعات يقع في البياعات والديون، ذكر ما هو القاطع لها بعد ذكرها وهو قضاء القاضي. والقاضي يحتاج إلى خصال حميدة حتى يصلح بها للقضاء. ثم اعلم أن القضاء الشرعي أصل المحاسن ومجمعها ومشعب المكارم ومنشؤها، لما أن المراد منه نيابة الله تعالى ونيابة رسوله عليه السلام، فإن القضاء بالحق من أقوى الفرائض بعد الإيمان وهو أشرف العبادات، لما أثبت الله تعالى لآدم عليه السلام اسم الخلافة فقال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} . [سورة البقرة: آية 30] . وأثبت ذلك لداود عليه السلام، فقال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} . [سورة ص: آية 26] . وبه أمر كل نبي مرسل صلوات الله سبحانه وتعالى عليهم أجمعين. لأن المقصود منه إظهار العدل ورفع الظلم من الظالم وإيصال الحق إلى المستحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأدب: أدب النفس والدرس، وقد أدب فهو أديب، وأدبه غيره. فتأدب واستأدب. وتركيبه يدل على الجمع والدعاء، ومنه الأدب بسكون الدال وهو أن تجمع الناس إلى طعامك وتدعوهم، ومنه الأدب بالتحريك لأنه يأدب الناس إلى المحامد أي: يدعوهم إليها. وعن أبي زيد1: الأدب اسم يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في

_ 1 أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري الخزرجي. كان من أئمة الأدب وغلبت عليه اللغة والنوادر والغريب وكان يرى رأي القدر، وكان ثقة في روايته توفي سنة 215هـ.

فضيلة من الفضائل كذا في المغرب. وفي النهاية: والمراد من أدب القاضي هنا هو الخصال الحميدة المندوبة والمدعو إليها، فالأدب للقاضي ما يذكر له من شرائط الشهادة. القضاء لغة: هو الإحكام وشرعاً: إلزام على الغير ببينة أو إقرار، كذا في الكفاية والدرر. وفي النهاية ومعناه شرعا: فصل الخصومات وقطع المنازعات. وفي الصحاح: القضاء: الحكم وأصله قضاي لأنه من قضيت الياء همزت والجمع: الأقضية، والقضية مثله والجمع: القضايا. وفي النهاية فعرف أوصاف القضاء بأوصاف الشهادة لأن أصل الولاية يثبت بأهلية الشهادة وكمال الولاية بالقضاء، وكمال الشيء لا يكون بدون أصله فيصلح أن يكون الأهلية للشهادة أصلاً لأهلية القضاء بهذا الطريق لأن الشهادة توجد بدون وصف القضاء ولا يوجد وصف القضاء بدون وصف الشهادة فكانت ولاية القضاء فرعا للشهادة من هذا الوجه فيصح هذا الكلام لأن كل واحد من باب الولاية. وتفسيرها: هو تنفيذ القول على الغير فالشهادة والقضاء كذلك. ولهذا ينبغي أن يكون القاضي من أهل الشهادة والأمانة. والفاسق لا يؤتمن في أمر الدين لقلة مبالاته فيه، ففسق القاضي بأخذ الرشوة أو غيره مثل الزنا وشرب الخمر. ثم اعلم أن: الرشوة: بكسر الراء وضمها لغتان وهي مأخوذة من الرشاء. وفي المغرب: الرشاء: حبل الدلو والجمع: أرشية ومنه الرشوة بالكسر والضم، والجمع: الرشى، وقد رشاه أي أعطاه الرشوة وارتشى منه أخذ. فإن نازع الماء من البئر لا يتوصل إلى استقاء الماء من البئر إلا به فكذا الإنسان لا يتوصل إلى المقصود من الحرام إلا بها. وقال عليه السلام: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي" 1. والراشي: هو الذي يسعى بينهما ويصلح أمرهما من ريش السهم وهو إصلاح.

_ 1 أخرجه أبو داود في سننه مع العون في كتاب الأقضية 9/495 وما بعدها. والترمذي في سننه مع التحفة 4/565 وما بعدها كتاب الحكم وقال عنه: حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الأحكام 3/775.

ثم الرشوة على وجوه أربعة: منها ما هو حرام من الجانبين وهو ما إذا تقلد القضاء به فلا يصير قاضيا وتكون الرشوة حراما على القاضي وعلى الآخذ سواء كان القضاء بحق أو بغير حق. ومنها ما إذا دفع الرشوة إلى القاضي ليقضي فهذه الرشوة حرام من الجانبين أيضا. ومنها ما إذا دفع رشوة لخوف على نفسه أو ماله فهذه الرشوة حرام على الآخذ وليس بحرام على الدافع. وكذا إذا طمع في ماله فرشاه بعض المال ومنها إذا دفع الرشوة ليستوي أمره عند السلطان حل له أن يدفع ولا يحل للآخذ، فإن أراد أن يحل الأخذ يستأجر الآخذ يوما إلى الليل بما يريد أن يدفع إليه فإنه تجوز هذه الإجارة. ثم إن المستأجر إن شاء استعمله في هذا العمل وإن شاء استعمله في غيره. كذا في فتاوى قاضيخان وأدب القاضي للصدر الشهيد. ويستحق القاضي العزل بالفسق يعني: "نيكوبود غرل ويشي اكرفاسق بود"1 هكذا حكي عن العلامة شمس الدين الكردري2 في تفسيره. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: لا يجوز قضاؤه، قيل: هذا بناء على أن الإيمان يزيد وينقص، فإن الأعمال من الإيمان عنده فإذا فسق انتقض إيمانه، وكذلك قوله: في حل قتل من ترك الصلاة متعمداً. وقال بعض المشايخ رحمهم الله تعالى: إذا قُلِّد الفاسق ابتداء يصح ولو قلد وهو عدل ينعزل بالفسق لأن المقلد اعتمد بعدالته فيتقيد التقليد بحال عدالته فصار كأنه علق بقاء قضاء القاضي بحال عدالته، فلما فسق لم يبق التقليد لارتفاع العدالة كذا في الكفاية.

_ 1 كلمات فارسية ومعناها: "إذا كان القاضي فاسقاً فيحق عزله". 2 هو الشيخ "محمد بن عبد الستار بن محمد شمس الأئمة الكردري" أحد علماء زمانه وفقهاء عصره، كان بارعاً في معرفة المذهب وأحيا علم أصول الدين، ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة وتوفي سنة اثنتين وأربعين وستمائة. ألف جملة من الكتب لكن ليس من بينها كتاب في التفسير، ولم يلقب بشمس الدين وإنما لقبه شمس الأئمة واللقب الأول هو "لإسماعيل شمس الدين الكوراني والذي من بين تصانيفه كتاب في التفسير، فلعله ثمة تصحيف وقع بين الكوراني والكردي".

وفيه قوله حتى يجتمع في المولى على لفظ اسم المفعول ليكون فيه دلالة على تولية غيره إياه بدون طلبه وهو أولى للقاضي. الحكم: مصدر قولك حكم بينهم يحكم أي قضى وحكم له وحكم عليه. والحكم أيضا: الحكمة من العلم. والحكيم: العالم صاحب الحكمة، والحكيم: المتقن للأمور، وقد حكم بضم الكاف أي: صار حكيماً، والحكم بالتحريك: الحاكم، والتحكيم مصدر، وحكمت الرجل تحكيماً: إذا منعته مما أراد. والمحاكمة: المخاصمة إلى الحاكم كذا في الصحاح. وفي المحيط: التحكيم: عبارة عن تصيير غيره حاكما فيكون الحكم في حق ما بين الخصمين كالقاضي في حق كافة الناس، وفي حق غيرهما بمنزلة الصلح، لأنه إنما صار حَكَمًا بتراضي الخصمين، وتراضيهما عامل في حقهما ولم يعمل في حق غيرهما لأن لهما ولاية على نفسهما لا على غيرهما. وأما جوازه فثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. أما الكتاب فقوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} . [سورة النساء: آية 35] . وأما السنة فما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في قريظة حتى سبى ذراريهم وقتل مقاتليهم". وعليه إجماع الصحابة فإنه روي أنه لما وقع بين عمر وبين أبي بن كعب خصومة أتيا زيد بن ثابت1 وحَكَّماه رضي الله تعالى عنهم وحشرنا معهم. وفي المغرب: وحكَّمه: فوض الحكم إليه، ومنه المحكم في نفسه: وهو الذي خير بين الكفر بالله تعالى والقتل فاختار القتل.

_ 1 زيد بن ثابت بن الضحاك، يكنى أبا سعيد، وقيل غير ذلك. قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة، وأجيز في غزوة الخندق، وكان يكتب الوحي للرسول عليه السلام، وهو الذي جمع القرآن على عهد أبي بكر وبأمر منه وكتب المصحف بأمر عثمان رضي الله عنهم أجمعين: توفي سنة خمس وأربعين وقيل غير ذلك.

كتاب الشهادة

كتاب الشهادة مدخل ... كتاب الشهادة أوردها عقيب القضاء لأن كل واحد منهما قول ينتفع به أحد الخصمين ويتضرر به الآخر. وهي إنما تقبل في مجلس القاضي، ولا تكون ملزمة بدون القضاء فلذلك عقبه بها. وفي النهاية أورد كتاب الشهادات بعد أدب القاضي للمناسبة بينهما، إذ القاضي في قضائه يحتاج أولا إلى شهادة الشهود عند إنكار الخصم. وفي الكفاية: والشهادة في اللغة: الإخبار بصحة الشيء عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان بحق على آخر فعلى هذا قالوا: إنها مشتقة من المشاهدة التي تنبئ عن المعاينة. وقيل: هي مشتقة من الشهود بمعنى: الحضور، لأن الشاهد يحضر مجلس القضاء للأداء فسمي الحاضر شاهداً، وأداؤه شهادة. وهي في الشريعة عبارة عن إخبار بتصديق مشروطا فيه مجلس القضاء ولفظة الشهادة. وفي الصحاح: وقولهم أشهد بكذا: أحلف، وشهد له بكذا شهادة أي: أدى ما عنده من الشهادة فهو شاهد والجمع: شَهْد مثل: صاحب وصَحْب، وسافر وسفر، وجمع الشهد: شهود وأشهاد. وفي الكفاية: قال: الشهادة فرض يلزم الشهود أداؤها ولا يسعهم كتمانها إذا طالبهم المدعي لقوله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} . [سورة البقرة: آية 282] إذ النهي عن الإباء عند الدعاء أمر بالحضور عند الدعاء. وقوله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} . [سورة البقرة: آية 283] وعيد، واستحقاق الوعيد يترك الواجب. والشهادة في الحدود يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار لأنه بين حسبتين: إقامة الحد والتوقي عن الهتك، والستر أفضل لقوله عليه السلام للذي شهد عنده "ولو سترته بثوبك لكان خيراً لك" 1 والآية محمولة على الشهادة في حقوق العباد، بدليل سياق الآية، فإن

_ 1 هذا من حديث ماعز أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود واللفظ له. يرجع إلى صحيح مسلم كتاب التوبة 4/2116 والترمذي مع التحفة أبواب التفسير 8/533 وسنن أبي داود كتاب الحدود 4/134.

الستر والكتمان إنما يحرم لخوف فوت حق المدعي المحتاج إلى إحياء حقه من الأموال، وذلك في حق العباد. وأما الحدود فحق الله تعالى وهو موصوف بالغني والكرم وليس فيه خوف فوت حقه، فجاز لذلك أن يختار الشاهد جانب الستر. وفي النهاية: الشهادة صفة من صفات الله تعالى الذاتية، قال الله تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} . [سورة يونس: آية 46] وقال عز وجل: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} . [سورة البروج: آية 9] ومبنى الشهادة على الصدق، وفيها إحياء الحقوق الذاهبة وإبداء الدعاوى الناصبة وهو المقصود. وقال عليه السلام: "أكرموا الشهود فإن الله تعالى يحيي بهم الحقوق" 1 والقياس يأبى أن تكون الشهادة حجة ملزمة، ولكنه ترك القياس بالنصوص والإجماع كذا في التوفيق. البينة: الحجة فيعلة من البينونة وهي الانقطاع والانفصال أو من البيان. والحجة: البرهان، يقال: برهن عليه أي: أقام الحجة. والتزكية: التعديل والزكي والزاكي: الطاهر.

_ 1 أخرجه الخطيب وابن عساكر من حديث عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن جده ابن عباس.

باب الوكالة

باب الوكالة وهي اسم للتوكيل، وهو إظهار العجز والاعتماد على الغير، والاسم التكلان كذا في النهاية وفيه وأما المناسبة بين البابين فلأن كل واحد من الشهادة والوكالة صفة من صفات الله تعالى لقوله تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} . [سورة يونس: آية 46] وقال: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} . [سورة آل عمران: آية 173] وإما لأن كلا منهما إيصال النفع إلى الغير بالإعانة في إحياء حقه، وإما لأن كلا منهما يصلح سببا لاكتساب الثواب والصيانة عن العقاب في المعاملات. وفي تبيين الحقائق: المناسبة بينهما أن كلا منهما من باب الولاية على الغير على سبيل الإعانة في المعاملات ثم هي بفتح الواو وكسرها اسم للتوكيل وهو الحفظ، ومنه

الوكيل في أسمائه تعالى بمعنى الحافظ ولهذا قالوا: إذا قال: وكلتك بمالي أنه يملك الحفظ فيكون فعيلاً بمعنى فاعل. وقيل التركيب يدل على معنى الاعتماد والتفويض. ومنه التوكيل يقال: على الله توكلنا أي: فوضنا أمرنا إليه. فالتوكيل تفويض التصرف إلى الغير. وسمي الوكيل وكيلاً لأن الموكل وكل إليه القيام بأمره أي: فوضه إليه اعتمادا عليه. الوكيل: القائم بما فوض إليه فيكون فعيلاً بمعنى مفعول لأنه موكول إليه الأمر. فالوكالة مشروعة بالكتاب لما قال تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} . [سورة الكهف: آية 19] أخبر الله تعالى عن أهل الكهف: وكلوا واحدا منهم بشراء طعام، وما قص الله تبارك وتعالى عن الأمم الماضية بلا إنكار يكون شريعة لنا ما لم يظهر ناسخه. والسنة وهي: "فقد وكل رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام1 بشراء أضحية" 2. وإجماع الأمة وهي المعقول فقد يعجز الإنسان عن حفظ ماله عند خروجه إلى السفر، وقد يعجز عن التصرف في ماله لقلة هدايته أو لكثرة ماله أو لكثرة أشغاله فيحتاج إلى تفويض التصرف إلى الغير بطريق الوكالة. وفي الإشراف: اتفقوا على أن الوكالة من العقود الجائزة وأن كل ما جازت فيه النيابة من الحقوق جازت فيه الوكالة كالبيع والشراء واقتضاء الديون والخصومة في المطالبة بالحقوق والتزويج والطلاق وغير ذلك.

_ 1 حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي ابن أخي خديجة بنت خويلد، وهو من مسلمة الفتح، وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، ولد قبل الفيل بثلاث سنوات وتوفي سنة أربع وخمسين وقيل غير ذلك. 2 هذا الحديث من رواية حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام قال الترمذي: حديث حكيم بن حزام لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع من حكيم بن حزام، فالحديث منقطع اهـ كلامه ملخصاً. قال المنذري في إسناده: مجهول اهـ. يرجع إلى الترمذي مع التحفة 4/470 كتاب البيوع وأبو داود مع العون 9/241 كتاب البيوع ونصب الراية 4/90 كتاب الوكالة.

كتاب الدعوى

كتاب الدعوى أوردها عقيب المعاملات لأنها تترتب عليها في الوجود. وهي لغة: قول يقصد به الإنسان إيجاب حق على غيره كذا في الدرر. يقال: ادعى زيد على عمرو مالاً، فزيد: المدعي، وعمرو: المدعى عليه والمال: المدعى، والمدعى به لغو. والمصدر الادعاء، والاسم الدعوى، وألفها للثأنيث فلا تنون، يقال: دعوى باطلة أو صحيحة، وجمعها: دعاوى كفتوى وفتاوى، والتداعي: أن يدعو بعضهم بعضا، ودعوت فلانا: ناديته وهو داع وهم دعاة، وقول عمر رضي الله تعالى عنه: "إنا بعثناك داعيا لا راعيا" أي للأذان وإعلام الناس لا حافظا للأحوال. كذا في المغرب. وقال الجوهري: الدعوة إلى الطعام بالفتح، يقال: كنا في دعوة فلان فهو مصدر يريدون به الدعاء إلى الطعام، والدعوة بالكسر في النسب، يقال: فلان دعي أي بين الدعوة، والادعاء في الحرب: الاعتزاز وهو أن يقول: أنا فلان بن فلان وعزوته إلى أبيه إذا نسبته إليه فاعتزى هو وتعزى أي انتمى وانتسب والاسم العزاء، وفي الحديث: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه" 1. والأدعية مثل الأحجية، والمدعاة: المحاجاة وحاجيته فحجوته: إذا داعيته المفاعلة هنا للمبالغة فغلبته، والدعاء أحد الأدعية وأصله دعاو لأنه من دعوت إلا أن الواو لما جاءت بعد الألف همزت وفي النهاية وذكر شيخ الإسلام الإمام المحبوبي2 أن الدعوى في

_ 1 أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان عن أبي بن كعب قال عنه صاحب مصباح الزجاجة: هذا إسنادٌ ضعيف لانقطاعه بين سعيد وعلي، ولضعف ابن كثير، لكن البزار ذكره بسندٍ جيد لا بأس به مرفوعاً. يرجع إلى مسند أحمد 5/136 وعمل اليوم والليلة للنسائي ص540. ومصباح الزجاجة 1/43. وكشف الخفا 2/240. 2 هو الإمام عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد جمال الدين المحبوبي ينتسب إلى عبادة بن الصامت ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة وكان إماماً كاملاً معدوم النظير في زمانه بارعاً في معرفة المذهب والخلاف. توفي سنة ثلاثين وستمائة.

اللغة عبارة عن إضافة الشيء إلى نفسه حالة المسالمة والمنازعة جميعا مأخوذة من قولهم: ادعى فلان شيئا إذا أضافه إلى نفسه بأن قال لي، وأما شرعا: فيراد به إضافة الشيء إلى نفسه في حالة واحدة مخصوصة وهي حالة المنازعة.

كتاب الإقرار

كتاب الإقرار أورده بعد الدعوى لأن الدعوى تنقطع به فلا يحتاج بعد إلى شيء آخر، حتى إذا لم يوجد يحتاج إلى الشهادة، ولهذا عقبها به. وهو مشتق من القرار، وهو لغة إثبات ما كان متزلزلا كذا في الدرر. وفي الكفاية: وشرعاً: وهو إخبار عن ثبوت حق الغير على نفسه وليس بإثباته. وفي التبيين وهو من قرّ الشيء إذا ثبت. وقيل: الإقرار خلاف الجحود، وحكمه: ظهور المقر به لا ثبوته ابتداء بطريق التمليك في الحال من المقر، ألا ترى أنه لا يصح الإقرار بالطلاق والعتاق مع الإكراه والإنشاء يصح مع الإكراه. ولهذا قالوا: لو أقر لغيره بمال، والمقر له يعلم أنه كاذب في إقراره لا يحل له إذا أخذه عن كره منه فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن يسلمه عن طيب نفسه فيكون تمليكا مبتدأ منه على سبيل الهبة. والملك يثبت للمقر له بلا تصديق وقبول، ولكن يبطل برده. والمقر له إذا صدقه ثم رده لا يصح رده لأنه ملزم على المقر ما أقر به لوقوعه دليلا على صدق المخبر به. الاستثناء: في اصطلاح النحويين: إخراج الشيء عما دخل فيه غيره لأن فيه كفا وردا عن الدخول، وفي اليمين أن يقول الحالف: إن شاء الله تعالى، لأن فيه رد ما قاله بمشيئة الله تعالى كذا في المغرب.

كتاب الصلح

كتاب الصلح وهو لغة: اسم بمعنى المصالحة التي هي المسالمة، وهي خلاف المخاصمة. وشرعاً: عبارة عن عقد وضع لرفع المنازعة بالتراضي كذا في النهاية. وفي الدرر: وهو من الصلاح بمعنى استقامة الحال. وفي الصحاح: الصلاح ضد الفساد، تقول: صلح الشيء يصلح صلوحاً مثل: دخل يدخل دخولاً. قال الفراء: وحكى أصحابنا صلح بالضم، والصلاح بالكسر مصدر

المصالحة والاسم الصلح يذكر ويؤنث وصلاح مثل قطام اسم مكة، والإصلاح نقيض الإفساد، والمصلحة واحدة المصالح. وفي الإشراف: واتفقوا على أن من علم أن عليه حقا فصالح على بعضه، لا يحل لأنه هضم الحق.

كتاب المضاربة

كتاب المضاربة مدخل ... كتاب المضاربة وهي كالمصالحة من حيث إنها تقتضي وجود البدل من جانب واحد. ثم هي مفاعلة من ضرب في الأرض أي: سار فيها ومنه قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} . [سورة المزمل: آية 20] يعني الذين يسافرون للتجارة. ومنه المضاربة لهذا العقد الموصوف، لأن المضارب يسير في الأرض طلبا للربح كذا في المغرب. وفي الصحاح: وضاربه في المال من باب المضاربة وهي القراض بلغة أهل المدينة - نورها الله تعالى – والمقارضة: المضاربة، وقد قارضت فلانا قراضاً، أي: دفعت إليه مالاً ليتجر فيه ويكون "الربح بينكما على ما تشترطان".

باب الوديعة

باب الوديعة الوديعة: هي أمانة تركت للحفظ، والمضاربة للاسترباح، فكانت أكثر وجودا من الوديعة، ولهذا أخره عنها. والإيداع في اللغة: تسليط الغير على الحفظ، وركنها: الإيجاب والقبول، وشرطها: كون المال قابلا لإثبات اليد ليتمكن من حفظه، حتى لو أودعه الآبق أو المال الساقط في البحر لا يصح وكون المودع مكلفاً شرط لوجوب الحفظ عليه. وفي النهاية قال: الوديعة أمانة في يد المودع، فإن قيل: الوديعة والأمانة كلاهما عبارتان عن معنى واحد، فكيف جوز بينهما المبتدأ والخبر، ولا يجوز إيقاع اللفظين المترادفين مبتدأ وخبرا إلا على طريق التفسير، كقولك: الليث أسد، والجيش منعة، ومراد المصنف رحمه الله تعالى هنا ليس تفسير الوديعة بالأمانة! قلنا: جواز ذلك هاهنا بطريق العموم والخصوص، فإن الوديعة خاصة والأمانة عامة وحمل العام على الخاص صحيح دون العكس. فالوديعة هي الاستحفاظ قصداً، والأمانة هي الشيء الذي دفع في يده، سواء كان

قصداً أو من غير قصد، يقال: أودعت زيداً مالاً، واستودعته إياه، إذا دفعته إليه ليكون عنده وديعة، فأنا مودع ومستودع بالكسر، وزيد مودِع ومستودَع بالفتح، والمال مودَع ومستودع أيضا أي: وديعة كذا في المغرب. الأمانة: خلاف الخيانة، وهي مصدر أمن الرجل أمانة فهو أمين إذا صار كذلك، هذا أصلها، ثم سمي ما تأتمن عليه صاحبك أمانة. ومنها قوله تعالى: {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} . [سورة الأنفال: آية 27] والأمين من صفات الله تعالى، يقال أئتمنه على كذا: اتخذه أميناً، ومنه الحديث: "المؤذن مؤتمن" 1 أي يأتمنه الناس على الأوقات التي يؤذن فيها فيعملون على أذانه ما أمروا به من صلاة وصوم وفطر. وأما ما في الوديعة من قوله عليه السلام: "من اؤتمن أمانة" فالصواب "على أمانة" وهكذا في الفردوس، وإن صح هذا فعلى تضمين استحفظ. كذا في المغرب. وقال عليه السلام: "الأمانة تجر الغنى والخيانة تجر الفقر" 2 الحديث. قيل: لما ابتليت زليخا بالفقر وابيضت عيناها من فراق يوسف عليه السلام، حتى جلست على قارعة الطريق في زي الفقراء فمر بها يوسف عليه السلام فقامت ونادت: "أيها الملك اسمع كلامي، فوقف يوسف عليه السلام فقالت: الأمانة أقامت المملوك مقام الملوك، والخيانة أقامت الملوك مقام المملوك". وقيل: فتزوجها ترحماً. من كتاب النهاية في شرح الهداية في أول باب الوديعة.

_ 1 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: "الإمام ضامن والمؤمن مؤتمن". كما رواه ابن حبان من طريق عائشة وصححهما. 2 لم أقف على ذكر له في كتب الحديث لا الصحيحة منها ولا الضعيفة فيما اطلعت عليه ولكنني وجدته في بعض كتب الفقه فقد ذكره الزيلعي في تبيين الحقائق في كتاب الوديعة 5/76 كما ذكره أيضاً في نفس الموضع الإمام قاضي زاده أفندي صاحب تكملة فتح القدير 8/484.

كتاب العارية

كتاب العارية المناسبة بين البابين ظاهرة، لأن الأول أمانة تركت للحفظ والانتفاع، كما أن في العارية فائدة للمستعير. وسميت العارية عارية لتعريها عن العوض. اعلم أن العارية نوعان: حقيقية ومجازية. فالحقيقية: إعارة الأعيان التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، كالثوب والدواء والعبد والدابة والمجازية: إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا بالاستهلاك، كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون والمعدود والمتقارب فيكون إعارة صورة قرضاً معنىً. وفي الصحاح: العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار وعيب، والعارة مثل العارية. وفي المغرب: والعارية فعلية منسوبة إلى العارة اسم من الإعارة. وفي الهداية: هي من العرية وهي العطية. وفي الكافي: من التعاور وهو التناوب فكأنه يجعل للغير نوبة في الانتفاع بملكه إلى أن يعود إليه كذا في الدرر. وفي المبسوط: على أن تعود النوبة بالاستيراد متى شاء. وفي النهاية: وأما محاسن العارية فهي النيابة عن الله تعالى، فإن المعير نائب عن الله تعالى بإذنه في إجابة المضطر، وكذلك من تحققت حاجته وقصرت قدرته لصغر يده عن تملك العين ببدل وهو الشرى، وعن تملك المنفعة بعوض بالاستيجار وهو يحتاج إلى الانتفاع وكل من أجاب مضطرا في إزالة اضطراره كان نائبا عن الله تعالى، وكفى به شرفا أن يكون العبد نائبا عن الله تعالى. فشرف الخليفة والقاضي على سائر الناس لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "السلطان ظل الله في الأرض" 1 الحديث. من حيث إن الناس ينعمون في حمايته ويستروحون برعايته، فكذلك المستعير ينتفع بالمستعار. والعارية لا تكون إلا عند محتاج كالقرض ولذلك زيد ثواب القرض على ثواب

_ 1 رواه ابن النجار عن أبي هريرة. ورواه البيهقي والحاكم عن ابن عمر مرفوعاً. انظر كشف الخفا 1/456.

الصدقة قال النبي عليه السلام: "الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر" 1. لأن القرض لا يقع إلا عند محتاج، والصدقة قد تصادف غير محتاج. وقد ذم الله تعالى أقواما لا يتصدقون ولا يعيرون بقوله عز وجل: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} إلى أن قال: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} . [سورة الماعون: آية 7] . فالماعون ما هو عون لأخيه في حوائجه كالفأس والقدر وغير ذلك. فإذا منع هذه الأشياء كان هو غاية الشح، عصمنا الله تعالى عن سفساف الأمور وشح الصدور. وأيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم باشر الاستعارة، فلو كان العار في طلب العارية لما كان باشرها فإن النبي عليه السلام موصوف بالأخلاق المهذبة والمكرمة والنعوت المعظمة. وأما ما قاله الجوهري وصاحب المغرب في تعليل التسمية للعارية ينافي بما في الهداية والنهاية والمبسوط من الروايات الصحيحة عن خير البرية، والحري أن لا يتعجب أمثال هذا القول من البشرية.

_ 1 هذا الحديث أخرجه ابن ماجه من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وأوله: "قال عليه السلام: رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً إلخ". يرجع إلى سنن ابن ماجه 2/812 كتاب الصدقات.

كتاب الهبة

كتاب الهبة المناسبة بين الكتابين أن كلا منهما تمليك بغير عوض. وهي في اللغة: إيصال النفع إلى الغير. وفي الشريعة: تمليك العين بلا عوض. وفي المغرب: الهبة: هي التبرع والتفضل بما ينفع الموهوب له، يقال: وهب له مالا وهْبا ووَهَبا بالتحريك وهِبةً وكذا في الكفاية، وفيه: ويسمى الموهوب هبة وموهبة والجمع: هبات ومواهب، واتهب منه: قبله، واستوهبه: سأله، ورجل وهاب ووهابة أي: كثير الهبة الهاء للمبالغة. وأهلها: أهل التبرع: وهو الحر المكلف، والتبرع بالشيء: التطوع به، وفعلت كذا متبرعا أي: متطوعا وفي المصادر: "تبرع دادن نه برسبيل وجوب". وركنها: الإيجاب والقبول لأنها عقد، وقيام العقد بالإيجاب والقبول. وفي التوضيح: هبة الدين ممن عليه الدين إبراء والهبة لثواب الآخرة صدقة، ومع

النفل إكراماً هبة ويكفي فيهما البعث والقبض من غير لفظ. اتفقوا على أن تخصيص بعض الورثة بالهبة مكروه، وعلى تفضيل بعضهم على بعض كذلك. ثم اختلفوا: هل يحرم؟ فقال أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله: لا يحرم، وقال مالك رحمه الله: يجوز أن ينحل الإنسان بعض ولده بعض ماله، ويكره أن ينحله جميع ماله، وإن فعل ذلك نفذ إذا كان في الصحة. كذا في الإشراف. العمري: تبقية الشيء مدة عمر الموهوب له أو الواهب، بشرط الاسترداد بعد موت الموهوب له، مثل أن يقول: داري لك عمري، فتملكيه صحيح وشرطه باطل. "وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز العمري والرقبى" 1 وعنه: "لا عمرى ولا رقبى" وعن شريح: "أجاز العمرى ورد العقبى". وتأويل ذلك أن يراد بالرد إبطال شرط الجاهلية، وبالإجازة أن يكون تمليكا مطلقاً. وأما العقبى: فهي في اللغة جزاء الأمر. كذا في الصحاح، وقيل: العاقبة والعقبى: آخر الأمر. والرقبى: فهي أن يقول: أرقبتك داري وجعلتها لك حياتك، فإن مِتُّ قبلي رجع إلي وإن مت قبلك رجعت إليك ولعقبك. وقال أبو حنيفة ومالك: الرقبى باطلة، إلا أن أبا حنيفة يبطل المطلقة دون المقيدة، وصفة المطلقة عنده أن يقول هذه الدار رقبى كذا في الإشراف.

_ 1 أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. يرجع إلى صحيح البخاري بحاشية السندي كتاب الهبة وفضلها 2/96.

كتاب الإجارة

كتاب الإجارة مدخل ... كتاب الإجارة تناسب الكتابين حيث إن كل واحد منهما تمليك المنفعة، لكن الإجارة: تمليك المنفعة بعوض. وفي المغرب: الإجارة: تمليك المنافع بعوض. وفي اللغة: اسم للأجرة وهي كراء الأجير، وقد أجره إذا أعطاه أجرته من بابي: طلب وضرب فهو آجر وذلك مأجور. وفي كتاب العين: آجرت مملوكي أوجره إيجاراً فهو مؤجر.

وفي الأساس: آجرني داره فاستأجرتها، وهو مؤجر، ولا تقل مؤاجر فإنه خطأ قبيح. وفي باب: "أفعل" من جامع الغوري: آجره الله لغة في أجره وآجره من الإجارة. وفي باب: "فاعل" آجره الدار. وهكذا في ديوان الأدب والمصادر. قيل: وفيه نظر. وإنما الصواب ما أثبت في "العين والتهذيب والأساس" على أن ما كان من فاعل في معنى المعاملة كالمزارعة والمشاركة لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد ومؤاجرة الأجير من ذلك فكان حكمها حكمه وما تعاون فيه القياس والسماع أقوى من غيره. فالحاصل أنك إذا قلت: آجره الدار والمملوك فهو من "أفعل" لا غير، وإذا قلت: آجر الأجير كان موجهاً. وأما قولهم: آجرت منك هذا الحانوت شهرا فزيادة "من" فيه عامية، إنما الصواب: آجرتك هذا الحانوت شهراً. واسم الفاعل من نحو آجره الدار فهو: مؤجر، والآجر في معناه غلط، إلا إذا صحت الرواية عن السلف، فحينئذ يكون نظير قولهم: "مكان عاشب وبلد ماحل في معنى معشب ومحمل" واسم المفعول منه مؤجر لا مؤاجر. ومن الثاني: من آجر الأجير مؤجر ومؤاجر، ومن قال واجر فعذره أنه بناه على يواجر وهو ضعيف. وأما الأجير: فهو مثل: الجليس والنديم في أنه فعيل بمعنى المفاعل. وفي درر الحكام: هي لغة فعالة من أجر يأجر من بابي: طلب وضرب اسم للأجرة وهي ما يعطى للأجير. قال صاحب النهاية: وكان شيخي كثيرا ما يقول: فمن محاسن الشرائع أن الفقير ينتفع بفلسته من الاستحمام مثل انتفاع غني صرف الألوف لاستحمامه في بناء الحمام. فالبياعات شرعت على حظ الأغنياء والإجارات شرعت على حظ الفقراء. الأجر: الثواب. والثواب: جزاء الطاعة وكذلك المثوبة كذا في الصحاح. الشتيت: المتفرق، وقوم شتى، ومسائل شتى، وأشياء شتى، وجاؤوا أشتاتا أي: متفرقين.

باب الولاء

باب الولاء الولاء: من آثار العتق، مأخوذ من الولي بمعنى: القرابة يقال: بينهما ولاء أي: قرابة حكيمة حاصلة من العتق أو الموالاة. ومنه قوله عليه السلام: "الولاء لحمة كلحمة النسب" 1 أي: وصله كوصل النسب. وقيل: الولاء والولاية بالفتح: النصرة. وفي الصحاح: الولاء: ولاء المعتق، وفي الحديث: "نهى عن بيع الولاء وعن هبته" 2. والولاء: الموالون. والموالاة ضد المعاداة، والمعاداة والعداوة بمعنى واحد. ثم اعلم أن الولاء نوعان "ولاء عتاقة: ويسمى ولاء نعمة" وسبب هذا الولاء الإعتاق عند الجمهور، "وولاء الموالاة" وسببه العقد الذي يجري بين اثنين. وفي المغرب: المولى على وجوه: ابن العم، والعصبة كلها، والرب، والمالك، والناصر في قوله تعالى ذلك: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} . [سورة محمد: آية 11] والحليف: وهو الذي يقال له مولى الموالاة، والمعتق: وهو مولى النعمة والمعتق في قوله عليه السلام: "مولى القوم من أنفسهم" 3 يعني موالى بني هاشم في حرمة الصدقة عليهم. وهو مفعل من الولي بمعنى القرب. كذا في المغرب. وزاد عليها صاحب المفاتيح: السيد، والمنعم، والمحب، والخليفة، والحر، والعبد، والمنعم عليه، والجار. والولي: ضد العدو، والولي: الصهر، وكل من ولي أمر واحد فهو وليه، ومنه: ولي

_ 1 هذا الحديث روي من حديث ابن عمر ومن حديث ابن أبي أوفى ومن حديث أبي هريرة بزيادة "لا يباع ولا يوهب" أما رواية عمر فقد أخرجها الحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه انتهى. يرجع إلى المستدرك 4/341. 2 أخرجه البخاري في كتاب العتق 2/81 ومسلم كتاب العتق 2/1145 وأبو داود مع العون كتاب الفرائض 8/133 والدارمي في الفرائض 2/398. 3 روي هذا الحديث بطرق متعددة، فقد أخرجه الحاكم في مستدركه عن رفاعة بن رافع الزرقي وقال: حديث صحيح الإسناد يرجع إليه 2/328 كتاب التفسير. وأخرجه أحمد في مسنده من طريق رفاعة أيضاً 4/340. وأخرجه الدارمي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده 2/243 وانظر نصب الراية للزيلعي 4/148.

اليتيم أو القتيل: مالك أمرهما، ووالي البلد: ناظر أمور أهله، ومصدرهما الوِلايَة بالكسر، والولاية بالفتح النصرة والمحبة، وكذا الولاء، إلا أنه اختص بولاء العتق وولاء الموالاة. والتولية: أن تجعله والياً، ومنها بيع التولية. والموالاة: المحاباة. والمحاباة: والمتابعة أيضا، والولاء بالكسر في معناهما. وفي الصحاح: والمحابة: الموادة. والحُبَاب بالضم: الحب.

باب الإكراه

باب الإكراه الإكراه: هو لغة: عبارة عن حمل إنسان على شيء يكرهه. وشرعاً: فقد ذكر في المبسوط: الإكراه اسم لفعل بفعل الآمر لغيره، فينتفي به رضاه أو يفسد به اختياره. وذكر في الوافي: الإكراه عبارة عن تهديد القادر غيره على ما هدده بمكروه على أمر بحيث ينتفي به الرضاء. وفي المغرب: يقال أكرهت فلانا إكراهاً: حملته على أمر يكرهه ولم يرضه. والكَرْه بالفتح: الإكراه، ومنه القيد كره. والكره بالضم الكراهة. وعن الزجاج: كل ما في القرآن من الكُرْه فالفتح فيه جائز إلا قوله تعالى: {وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} . [سورة البقرة: آية 216] . في سورة البقرة وكرهت الشيء كراهة وكراهية فهو مكروه: إذا لم ترده ولم ترضه. وقيل: الكُرْه بالضم: المشقة، والكَرْه بالفتح: تكليف ما يكره فعله، وقيل: هما لغتان في المشقة.

باب الحجر

باب الحجر الحجر في اللغة: المنع، وبه سمي الحطيم حجرا لأنه يمنع عن الكعبة. والحِجْر: بالكسر: ما أحاط به الحطيم مما يلي الميزاب من الكعبة. وقوله: كل شوط من الحجر إلى الحجر سَهْو، وإنما الصواب من الحجر، يعني الحجر الأسود، لأن الذي يطوف يبدأ به فيستلمه ثم يأخذ عن يمينه على باب الكعبة. وحجر: الإنسان بالفتح والكسر: حضنه وهو ما دون إبطه إلى الكشح ثم قالوا: فلان في حجر فلان أي: في كنفه ومنعته وتربيته.

والحِجْر بالكسر: الحرام. والحُجْرُ بالضم لغة. وكل ما حجرته من حائط فهو حِجْر والمحجر بالفتح: ما حول القرية. والمحجر أيضا: الحِجْر وهو الحرام. والحُجرة بالضم: حظيرة الإبل، ومنه حجرة الدار. كذا في الصحاح. ثم المناسبة بين البابين: أن كلا منهما من العوارض التي يزول لسببهما الرضاء.

كتاب المأذون

كتاب المأذون المناسبة بين الكتابين ظاهرة، إذ الإذن يقتضي سابقه الحِجْر، فيترتب عليه الإذن. والإذن: الإعلام لغة. وفي الشرع: فك الحجر مطلقاً. كذا في المغرب.

كتاب الغصب

كتاب الغصب المناسبة بين الكتابين أن الغصب من أنواع التجارة، حتى إن أقر المأذون به صح كما يصح إقراره بدين التجارة، ولم يصح بدين المهر لأنه ليس من التجارة. والعين المغصوبة لا يملكها الغاصب، كالعبد المأذون لا يملك ما اكتسبه. والعبد كما كان محجورا عن التصرف فيما لمولاه بدون إذنه فكذلك الغاصب لا يملك ذلك شرعاً. والغصب في اللغة: أخذ الشيء ظلما وقهراً، ويقال للمغصوب: غصيب تسمية بالمصدر كذا في المغرب. وفي الشرع: أخذ مال متقوم محرم بغير إذن مالكه على وجه يزيل يده إن كان في يده. فالغصب شرعاً: لا يتحقق في الميتة والخمر لأنهما ليسا بمال ولا في خمر المسلم لأنها ليست بمتقومة ولا في مال الحربي لأنه ليس بمحرم ولا فيما أذن المالك بأخذه كالوديعة ولا فيما لا يزول يد المالك كزوائد الغصب كذا في التبيين.

كتاب الشفعة

كتاب الشُّفْعة تناسب الكتابين من حيث أن كل واحد منهما يفضي إلى تملك مال الإنسان بغير رضاه. وهي اسم للملك المشفوع بملكك من قولهم: كان وترا فشفعته بآخر، أي: جعلته زوجاً له ومنه تكره الصلاة بين الإشفاع يعني التراويح، كأنه جمع الشفع وهو خلاف الوتر.

وفي الدرر: وهي لغة: من الشفع وهو الضم، سميت بها لما فيها من ضم المشتراة إلى ملك الشفيع. والشفيع: صاحب الشفعة، وصاحب الشفاعة، والمشفع مقبول الشفعة. القسمة: هي لغة: اسم للاقتسام، كالقدوة للاقتداء. وشرعاً: تمييز بين الحقوق الشائعة بين المتقاسمين. كذا في الدرر. وجه المناسبة بين الكتابين أن الشفعة شرعت لدفع ضرر الجار وتكملة منفعة الملك جبرا فكذا القسمة شرعت لتمليك منفعة الملك ويجري فيها الجبر، إلا أن الشفعة كملت معنى بالمبادلة فقدمت. وفي المغرب أيضاً: وهي اسم من الاقتسام، يقال: تقاسموا المال بينهم واقتسموه بمعنى: قسموه. وفي الصحاح: وقاسمه المال وتقاسماه واقتسماه بينهم: والاسم القسمة مؤنثة، وإنما قال تعالى: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} . [سورة النساء: آية 8] . بعد قوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} . [سورة النساء: آية 8] لأنها في معنى الميراث والمال فذكر على ذلك. والقَسْم: بالفتح: مصدر قسم القَسَّام المال بين الشركاء فرقه بينهم، وعين أنصباءهم. ومنه القسم بين النساء. والقِسم: بالكسر النصيب والحظ. وكذا المقسم.

كتاب المزارعة

كتاب المزارعة المناسبة بين الكتابين أن المزارعة شرعت لتحصيل منفعة الملك وهي النماء، كما أن القسمة شرعت لذلك، إلا أن القسمة أعم لأنها تجري في العقار وغيره. والمزارعة تختص بالأراضي، فلذا أخرها عن القسمة. ثم هي مفاعلة من الزرع وهو الإنبات لغة يقال: زرعه الله أي: أنبته وأنماه. ومنه قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} . [سورة الواقعة: آية 64] والمفاعلة تجري بين اثنين غالبا كالمضاربة. والزرع أيضا طرح البذر، والمزرع في الأصل واحد الزروع، وموضعه مزرعة ومزروع كذا في الصحاح. وفي المغرب: والزرع ما استنبت بالبذر سمي بالمصدر وجمعه: زروع.

المساقاة: هي لغة: مفاعلة من السقي، لأن أصلها مساقية. وشرعاً: دفع الشجر إلى من يصلحه بجزء من ثمره. والسَّقْي: للأناسي. والإسْقاء: للمواشي والأرض، يقال سقيت فلاناً وأسقيته لماشيته وأرضه. والاسم السِّقي بالكسر. وفي الصحاح: المساقاة: أن يستعمل رجل رجلاً في نخيل أو كروم ليقوم بإصلاحها على أن يكون له سهم معلوم مما تغله. وقيل: وهي المعاملة فيما يحتاج إليه في الأشجار ببعض الخارج. والمال من الكل واحد. وفي الدرر: المساقاة كالمزارعة في أنها باطلة عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما رحمهما الله. وأن الفتوى على صحتها. والسِقاء: للبن وللماء. والوَطْب: للَّبَنِ خاصة. والنِّحْيُ: للسمن. والقربة: للماء.

كتاب الذبائح

كتاب الذبائح المناسبة بين الكتابين أن المزارعة إتلاف موجود في الحال، وهو تبذير البذر ليحصل النفع في المال. إلا أن الأول سبب لحصول أقوات الناس والبهائم، وهذه سبب لحصول غذاء بعض الحيوانات. وكذا المساقاة لتحصيل الثمرات، كما أن الذبائح لتحصيل اللحم. ثم الذبائح جمع ذبيحة وهي اسم ما يذبح كالذبح. وقوله: "إذا ذبحتم فأحسنوا الذبيحة" 1. خطأ، وإنما الصواب: الذبحة، لأن المراد الحالة والهيئة

_ 1 أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. يرجع إلى صحيح مسلم 3/1548 كتاب الذبائح وسنن أبي داود 3/100 كتاب الذبائح وسنن النسائي 7/200 كتاب الذبائح وسنن ابن ماجه 2/1058 كتاب الذبائح.

والذبح: قطع الأوداج، وهي جمع الودج، وهو عرق في العنق، وهما ودجان. وقيل: قطع الحلقوم وهو الحلق، وهو منفذ النفس من باطن، وهو أظهر وأسلم. كذا في المغرب. وفي الصحاح: والذبح مصدر ذبحت الشاة، والذبح بالكسر: ما يذبح قال الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} . [سورة الصافات: آية 107] . والذبيح: المذبوح، والأنثى: ذبيحة، وإنما جاءت بالهاء لغلبة الاسم عليها، أي: لانتقالها من الوصفية إلى الاسمية لأنها اسم ما يذبح.

كتاب الأضحية

كتاب الأضحية الأُضْحِية: اسم لما يضحى بها أي: يذبح، وجمعها: الأضاحي. ويقال: ضحية وضحايا: كهدية وهدايا، وأضحاة وأضحى: كأرطاة وأرطى، وبه سمي يوم الأضحى. ثم المناسبة بين الكتابين: أن الأضحية من جنس الذبائح، إلا أن الأول أعم والثاني أخص، ولهذا قدمه. وإنما أفردها بكتاب على حدة لأنها واجبة تثبت بشرائط وأحكام، وأسباب خاصة وتجب عند أبي حنيفة رحمه الله ومحمد وزفر وحسن بن زياد رحمهم الله تعالى. وفي إحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله، وعنه في رواية أنها سنة، وهو قول الشافعي رحمه الله. وذكر الطحاوي رحمه الله: أنها على قول واجبة على قولهم، وعلى قولهما سنة. وفي الصحاح: وفيها أربع لغات: أضحية بتشديد الياء وضم الهمزة على وزن أفعولة، وأضحية بفتح الهمزة والجمع: أضاحي، وضحية على فعيلة وجمعها: ضحايا، وأضحاة والجمع: أضحى. وفي الدرر وهي اسم لما يُضحى بها، وتجمع على أضاحي على أفاعيل، من أضحى يضحي إذا دخل في الضحى وسمي ما يذبح أيام النحر بذلك لأنه يذبح وقت الضحى تسمية له باسم وقته. وفي الشرع: اسم لحيوان مخصوص، بسن مخصوص يذبح بنية القربة في يوم مخصوص، عند وجود شرائطها وسببها، وشرائطها: الإسلام والإقامة واليسار الذي يتعلق به وجود صدقة الفطر، وسببها: الوقت وهو أيام النحر. البدنة في اللغة: من الإبل خاصة،

ويقع على الذكر والأنثى والجمع: البُدُن. الكراهية: ضد الطواعية، وهو مصدر كرهت كَرَاهة وكراهيةً بالتخفيف فهو مكروه إذا لم ترده ولم ترضه. كذا في الصحاح والمغرب. والمناسبة بين الكتابين أن الأضحية تشتمل على الواجب والسنة، وكذلك الكراهية تتحقق في الأنواع المختلفة المشتملة على الواجب والحظر والإباحة، ولهذا لقبها في بعض الكتب بكتاب الحظر والإباحة. تكلموا في معنى الكراهية، والمروي عن محمد رحمه الله نصا: أن كل مكروه حرام، إلا أنه لما لم يجد نصاً قاطعا في الحرمة لم يطلق عليها لفظ الحرام، بل أطلق لفظ الكراهية، وفي الحل قال: لا بأس به. وعندهما: الكراهية أقرب إلى الحرام. كذا في الهداية. وما في الواقعات: أما المكروه فقد تكلموا فيه، والمختار ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف أنه إلى الحرام أقرب. وروي عن محمد نصاً: أن كل مكروهٍ حرام ما لم يقم الدليل بخلافه. والشبهة إلى الحرام أقرب، بكذا قال أبو يوسف، لأنه لو لم تكن حقيقة لجعل كذلك احتياطاً. ثم الكراهية نوعان: كراهية تحريم، وكراهية تنزيه، ومما بين الحلال والحرام، فما كان إلى الحرام أقرب: فكراهية تحريم، وما كان إلى الحلال أقرب: فهو كراهية تنزيه. كذا في الاختيارات. يقول الحقير: قد سمعت عن أستاذي وشيخي وسندي سيد البارعين وشيخ المفسرين والمحدثين المرحوم المغفور له مولانا المفخم عبيد الله الشهير بصوفجي زاده وهو روى عن أستاذه أستاذ العالم مولانا "نور الدين" نور الله مرقدهما، وجعل الجنة مثواهما وهو كثيراً ما قال: رحم الله امرءاً شدد العارية وخفف الكراهية. خفف اللهم عنا الكراهية ووفقنا للطواعية. والمباح: خلاف المحظور، يقال: أبحتك الشيء أي: أحللته. والمحظور: المحرم وهو المعاقب على فعله. وفي التعريفات: المباح: ما استوى طرفاه. والمكروه: ما هو راجح الترك، ولا يعاقب على فعله، ويثاب على تركه. والحلال: ما رخصه الشرع في تحصيله بنص قطعي.

والحرام: بخلافه. والباطل: ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به. والصحيح: بخلافه. والشبهة: ما لم يتيقن كونه حراماً أو حلالاً. كذا في التعريفات وفي الصحاح: الشبهة: الالتباس، والمشبهات من الأمور: المشكلات، والمتشابهات: المتماثلات.

كتاب إحياء الموات

كتاب إحياء المَوَات المناسبة بين الكتابين من حيث إن في كل منهما العمل بالأحسن. ففي الكراهية فظاهر. وفي إحياء الموات إنبات أرض جامدة، وإجراء الأنهار تحت النخيل والأشجار وهذا أمر مستحسن، فإن النعم العاجلة نموذج النعم الآجلة. والمراد بالإحياء فيها إحياؤها بالحياة النامية، قال الله تعالى: {فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} . [سورة فاطر: آية 9] وإنما سمي مواتا لبطلان الانتفاع بها، كالميت الحقيقي. وفي المغرب: الموات: الأرض الخراب، وخلافه العامر. وعن الطحاوي: هي ما ليس بملك لأحد، ولا هي من مرافق البلد، وكانت خارجة البلد سواء قربت منه أو بعدت في ظاهرة الرواية. وعن أبي يوسف رحمه الله: أرض الموات: هي البقعة التي لو وقف رجل على أدناه من العامر، ونادى بأعلى صوته، لم يسمعه أقرب من في العامر إليه. ومرافق الدار: المتوضأ والمطبخ والسباطة ونحو ذلك، الواحد: مرفق بكسر الميم وفتح الفاء لا غير. العَطَن والمَعْطِن: مناخ الإبل ومبركها حول الماء، والجمع أعطان ومعاطن، وقوله: "حريم بئر العطن أربعون ذراعاً، وحريم بئر الناضح ستون" 1 فإنما أضاف ليفرق بين ما يستقى منه باليد في العطن، وبين ما يستقى منه بالناضح وهو البعير.

_ 1 أخرجه أحمد بن حنبل وابن ماجه والدارمي بلفظ "من احتفر بيراً فليس لأحد أن يحفر حوله أربعين ذراعاً عطناً لماشيته". قال عنه في الزوائد: مدار الحديث في الإسناد على إسماعيل بن مسلم المكي، تركه يحيى القطان وابن مهدي وغيرهما.

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة الشِرب بالكسر: هو نصيب الماء. اعلم أن الماء نوعان: أحدهما الشرب والثاني الشفة. ثم الشرب نصيب الماء الذي يشترك فيه الكل كماء أودية غير مملوكة، كدجلة ونحوها في عموم المنافع. والشفة: شرب بني آدم والبهائم، ولكل من بني آدم والبهائم حق الشفة في كل ماء لم يحرز بطرف. فإن الأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار" 1. وهو يتناول الشرب والشفة. ثم خص منه الشرب بعد دخول الماء في المقاسم بالإجماع، فبقي منه الشفة، لأن البير ونحوها لم توضع للاحتراز. كذا في الدرر. الأشربة: جمع شراب: وهو ما يشرب من المايعات. وسمي هذا الكتاب بها لأن فيه بيان أحكامها. ثم المناسبة بين الشرب والأشربة ظاهرة، إلا أن الشرب في بيان شرب الحلال، وهذه في بيان الحرام فلذلك فصلها وأخرها عنه. والدُّباء: بالقصر والمد: القرع، الواحدة: دباءة. الحَنْتم: الخزف الأخضر أو كل خزف. وعن أبي عبيدة: هي جرار حمر يحمل فيها الخمر إلى المدينة، الواحدة: حنتمة. والجّرَّة من الخزف، وجمعه: جر وجرار. كذا في الصحاح. وفي المغرب: الجر قيل: هو كل شيء يصنع من مدر. والخزف بالتحريك: الجر.

_ 1 روي هذا الحديث من طرق متعددة، فقد أخرجه أبو داود عن حريز بن عثمان عن أبي خداش بن حبان بن زيد عن رجل من الصحابة. وأخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس.

كتاب الصيد

كتاب الصيد الصَّيْد: مصدر مصدر صاده إذا أخذه، فهو صائد وذلك مصيد. والمِصْيَدة بالكسر: الآلة، والجمع: المصايد. ويسمى المصيد صيدا تسمية

بالمصدر فيجمع صيودا وهو كل ممتنع متوحش طبعا لا يمكن أخذه إلا بحيلة. والاصطياد افتعال. كذا في المغرب ثم المناسبة بين الكتابين: أن كلا منهما من أسباب اللهو والطرب وهما يوجبان الغفلة. قال النبي عليه السلام: "من اتبع الصيد فقد غفل" 1 والمراد منه الاصطياد. وحكم الاصطياد: ثبوت الملك لا الحل لأنه حكم الذكاة. وشرط ثبوت الملك: كون الصيد غير مملوك. وشرط الحل أن يكون الصايد من أهل الذكاة. وسبب ثبوت الملك: كون الصيد غير مملوك للآخذ. ثم الصيد مباح لغير المحرم في غير الحرم. كذا في التبيين. والناب: من السن، ومنه ذو ناب، سمي به الكلب ونحوه لطول نابه. والمِخْلب: للطائر والسباع بمنزلة الظفر للإنسان. والبُنْدُقة: ما يرمى به، واحدة البندق، والجمع: البنادق. والمعراض: السهم الذي لا ريش عليه.

_ 1 هذا الحديث من رواية ابن عباس وفي إسناده وهب بن منبّه وقد تكلم فيه. يرجع إلى سنن أبي داود مع العون 8/61 كتاب الصيد. وسنن الترمذي مع التحفة 6/532 وسنن النسائي 7/172 ومسند الإمام أحمد بن حنبل 1/357.

كتاب الرهن

كتاب الرهن وهو في اللغة: جعل الشيء محبوساً، أي شيء كان بأي سبب كان. وفي الشريعة: حبس الشيء بحق يمكن أخذه منه كالدين. يقال: رهن الرجل الشيء ورهنته، وأرهنته ضيعتي فارتهنها مني، أي: أخذها رهنا والرهن: المرهون تسمية للمفعول بالمصدر، والجمع: رهون ورهان. والتركيب دال على الثبات والدوام. ثم المناسبة بين الكتابين: أن الصيد لا يملك إلا بالأخذ، فكذا الرهن لا يملك إلا بالقبض.

كتاب الجنايات

كتاب الجنايات هي جمع جناية، وهي: ما يُجنى من الشر، أي: يحدث ويكسب. وهي في الأصل: مصدر جنى عليه شرا جناية، وهو عام في كل ما يقبح ويسوء وقد خص بما يحرم من الفعل. ولكن في ألسنة الفقهاء يراد بالجناية: القصاص في النفوس والأطراف. وإنما جمعها باعتبار أنواعها رعاية للتناسب بين اللقب والملقب. ثم المناسبة بين الكتابين: أن الرهن شرع لإحياء الدين وصيانة عن الهلاك. فكذا الجناية حكمها شرع لصيانة النفوس وإحيائها، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} . [سورة البقرة: آية 179] الآية. إلا أن الرهن وسببه مشروعان، والجناية حكمها مشروع، فقدم الرهن عليه. قيل القتل: على خمسة أوجه: عمد: وهو ضرب القاتل المقتول بما يفرق به الأجزاء كسلاح ونحوه. وشبه عمد: وهو ضربه بغير ما ذكر. وخطأ: وهو رمي المسلم بظن الصيد مثلاً. وما أجرِيَ مجرى الخطأ وهو: قتل النائم آخر بسقوطه عليه. والقتل بسبب: وهو قتله بوضع حجر أو حفر بئر في غير ملكه. القَوَد: بالتحريك القصاص. والقِصاص: أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل كذا في المغرب. وفي الصحاح: القصاص: القَوَدُ، وقد أقَصَّ الأمير فلانا من فلان إذا اقتص له منه فجرحه مثل جرحه أو قتله. الدِيَة: مصدر وَدَى القاتل المقتول إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس ثم قيل لذلك المال: الدية تسمية بالمصدر. ولذا جمعت، وهي مثل عدة في حذف الفاء. كذا في المغرب. قيل والتاء في آخرها عوض عن الواو في أولها. الوَرَق: الدراهم المضروبة، وكذلك الرقة، والهاء عوض عن الواو.

وفي الحديث: "في الرقة ربع العشر" 1. الشَجَّة: واحدة شجاج الرأس، ورجل أشج بين الشجج، إذا كان في جبينه أثر الشجة. الشِّجاج: يختص بالوجه والرأس، وفي غيرهما يسمى جراحة. والقَاشِرة: أول الشجاج لأنها تقشر الجلد. وقد قشرت العود أقشره قشرا نزعت عنه قشره. الدامعة: من الشجاج بعد الدامية. والدامية: هي التي تدمي من غير أن يسيل منها دم، فإذا سال منها الدم فهي الدامعة بالعين غير معجمة. والموضِحَة: هي التي توضح العظم أي تظهره. والمُنْقّلة: بكسر القاف. الشِجَّة التي تنقل العظم أي: تكسره حتى يخرج منها فراش العظام. والجَايِفَة: الطعنة التي تبلغ الجوف. والآمّة: التي تبلغ الدماغ حتى يبقى بينها وبين الدماغ جلد رقيق. يقال رجل أميم ومأموم. وأمُّ الدماغ: الجلدة التي تجمع الدماغ. ويقال أيضا: أُم الرأس. كذا في الصحاح. والحارِصَة: الشجة التي تشق الجلد قليلاً. والبَاضِعَة: الشجة التي تقطع الجلد وتشق اللحم وتدمي، إلا أنه لا يسيل الدم، وإن سال فهي الدامعة. والمتَلاَحِمة: الشجة التي أخذت في اللحم ولم تبلغ السمحاق. والسمحاق: قشرة رقيقة فوق عظم الرأس، وبها سميت الشجة إذا بلغت إلى سمحاق. وحكومة العدل: مثلاً أن يقوم العبد صحيحاً وجريحاً مما نقصت الجراحة من القيمة

_ 1 هذه فقرة من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه في كتاب الصدقات، والفقرة كاملة "وفي الرقة ربع العشر فإذا لم يكن إلاّ تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها". وقد أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع متعددة، منها كتاب الزكاة باب: زكاة الغنم 1/253 وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 1/12.

بمعتبر من الدية، فإن نقصت عشر الدية يجب عشر الدية، وإن نقصت ربع عشر القيمة يجب ربع عشر الدية. الأرْش: اسم للواجب على ما دون النفس. وفي المغرب: الأرش: دية الجراحات، والجمع: أرُوش وإراش بوزن فراسٍ اسم موضع. القَسَامة: أيمان تقسم على المتهمين في الدم من أهل المحلة. وفي المغرب: وهي اسم بمعنى الاقتسام. وفي الصحاح: وهي الأيمان تقسم على أهل الأولياء في الدم. المَعاقل بالفتح: على وزن المكارم جمع معقلة بفتح الميم وسكون العين وضم القاف وهي المعقل وهو الدية. وإنما سميت بها لأن أهل الديات كانت تُعقل أي: تُقيد بفناء ولي المقتول، ثم عمّ بهذا الاسم، فسميت الدية: معقلة، وإنما كانت دراهم ودنانير. كذا في الغاية وفي الصحاح: وعقلت القتيل: أعطيت ديته، وعقلت له دم فلان: إذا تركت القود للدية، وعقلت عن فلان أي: غرمت عنه جنايته، وذلك إذا لزمته دية فأديتها عنه، فهذا هو الفرق بين عقلته وعقلت عنه وعقلت له. وفي الحديث: "لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا" 1. قال أبو حنيفة: هو أن يجني العبد على حر. وقال ابن أبي ليلى: هو أن يجني الحر على عبد. وصوبه الأصمعي وقال: لو كان المعنى على ما قال أبو حنيفة لكان الكلام لا تعقل العاقلة عن عبد، ولم يكن: ولا تعقل عبدا. وقال: كلمت أبا يوسف القاضي في ذلك بحضرة الرشيد فلم يفرق بين عقلته وعقلت عنه حتى فهّمته. وعاقلة الرجل: عصبته: وهم القرابة من قِبَل الأب الذين يعطون دية من قتله خطأ. وقال أهل العراق: هم أصحاب الدواوين. والمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها أي: توازيه، فإذا بلغ ثلث الدية صارت دية المرأة على النصف من دية الرجل.

_ 1 الصحيح أنّه من كلام الشعبي على ما نقله الزيلعي عن البيهقي، ولقد أورده الزيلعي في معناه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال عنه: غريب مرفوعٌ. وأعلّه البيهقي بالانقطاع. يرجع إلى سنن البيهقي 8/104 ونصب الراية 4/379.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا وجه إيراد هذا الكتاب في آخر الكتاب ظاهر، لأن آخر أحوال الآدمي في الدنيا الموت، والوصية: معاملة وقت الموت وهو آخر عمره. الوصيّة: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء كان ذلك في الأعيان أو في المنافع. والوصية والوصايا اسمان كذا في التعريفات. وفي الدرر: الوصية اسم بمعنى المصدر ثم سمي به الموصى به. وقال صاحب الاختيار: وهي جمع وصية، وهو طلب فعل يفعله الموصى إليه بعد غيبة الموصى أو بعد موته فيما يرجع إلى مصالحه، كقضاء ديونه والقيام بحوائجه ومصالح ورثته من بعده وتنفيذ وصاياه وغير ذلك. وقال في الدرر: والإيصاء لغة: طلب شيء من غيره ليفعله في غيبته حال حياته وبعد وفاته وشرعا: يستعمل تارة باللام يقال: أوصى فلان لفلان بكذا بمعنى: ملكه له بعد موته. ويستعمل أخرى بإلى يقال: فلان أوصى إلى فلان بمعنى جعله وصيا يتصرف في ماله وأطفاله بعد موته. والقوم لم يتعرضوا للفرق بينهما وبيان كل منهما بالاشتقاق، بل ذكروهما في أثناء تقرير المسائل، وقد بين هاهنا كلا بانفراده. وفي الصحاح: أوصيت له بشيء، وأوصيت إليه: إذا جعلته وصيك، والاسم الوصاية والوصاية. وأوصيته ووصيته أيضا بمعنى، والاسم الوصاة. وتواصى القوم أي: أوصى بعضهم بعضا. وفي الاختيار: الاستيصاء قبول الوصية، يقال: فلان استوصى من فلان إذا قبل وصيته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان" 1. أي اقبلوا وصيتي فيهن فإنهن أسرى عندكم.

_ 1 يرجع إلى البخاري مع الفتح 9/253 كتاب النكاح وصحيح مسلم 2/1091 كتاب الرضاع وسنن الترمذي مع التحفة 4/326 كتاب الرضاع وسنن ابن ماجه 1/594 كتاب النكاح.

ثم الوصية قضية مشروعة وقربة مندوبة دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} . [سورة النساء: آية 12] . والسنة: أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "مرض بمكة فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث، فقال: يا رسول الله إني لا أخلف إلا بنتا أفأوصي بجميع مالي؟ قال: "لا" قال أوصي بثلثي مالي؟ قال: "لا"، قال فنصفه؟ قال: "لا"، قال: فثلثه؟ قال عليه السلام: "الثلث والثلث كثير لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس أي: يسألون الناس كفايتهم" 1. وقال عليه السلام: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم تضعون حيث شئتم، وفي رواية حيث أحببتم" 2. وأما الإجماع: فإن الأئمة المهديين والسلف الصالح أوصوا عليه الأمة إلى يومنا هذا، ولأن الإنسان لا يخلو من حقوق له وعليه، وأنه مؤاخذ بذلك، فإذا عجز بنفسه فعليه أن يستنيب في ذلك غيره، والوصي نائب عنه في ذلك. وفي الصحاح: والوَصِي: الذي يوصى به والذي يوصى له وهو من الأضداد. وفلانة وصي فلان بدون التأنيث أريد به الاسم دون الصفة، وكذلك الوكيل. أجمعوا على أن الوصية غير واجبة لمن ليست له أمانة يجب عليه الخروج منها. ولا عليه دين لا يعلم به من هو له، وليست عنده وديعة بغير إشهاد. ومن كانت ذمته متعلقة بهذه الأشياء فإن الوصية بها واجبة عليه.

_ 1 أخرجه أصحاب الكتب الستة في كتاب الوصايا. يرجع إلى البخاري مع الفتح 5/363 وصحيح مسلم 3/1250 وسنن النسائي 6/201 وسنن ابن ماجه 2/904. 2 هذا الحديث من الأحاديث المشتهرة المتداولة بين الفقهاء، وقد روي من طرق متعددة. فقد رواه أحمد من طريق أبي الدرداء. وابن ماجه من طريق أبي هريرة. والدارقطني من طريق معاذ بن جبل.

كتاب الفرائض

كتاب الفرائض الفرائض: جمع فريضة وهي المقدرة. والفرض التقدير. وفي الصحاح: الفرض ما أوجبه الله تعالى، سمي بذلك لأن له معالم وحدوداً. قوله تعالى: {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} . [سورة النساء: آية 118] . أي:

مقتطعا محدوداً. ثم الفرائض التي وقعت في الخواتيم: الأنصباء المقدرة المسماة لأصحابها أصحاب الفرائض مأخوذة من قوله تعالى في آية المواريث: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [سورة النساء: آية 11] . العَصَبَة البنون وقرابة الرجل لأبيه، كأنها جمع عاصب، وإن لم يسمع به، من عصبوا به إذا أحاطوا حوله. وإنما سموا عصبة لأنهم عُصِبوا بالميت. لأن الأب طرف والابن طرف، والأخ جانب والعم جانب. والجمع: العصبات، فهم يحرزون جميع المال إذا لم يكن معهم صاحب فرض. النذر: إيجاب عين الفعل المباح على نفسه تعظيما لله تعالى. واتفقوا على أن النذر ينعقد بنذر الناذر، إذا كان في طاعة الله، فأما إذا نذر أن يعصى الله تعالى أعاذنا الله تعالى، فاتفقوا على أنه لا يجوز أن يعصى الله تعالى. العَوْل: الارتفاع، وقد عالت أي: ارتفعت. وهو أن يزيد سهاما فيدخل النقصان على أهل الفرائض. وقيل: مأخوذ من الميل وذلك أن الفريضة إذا عالت فهي تميل على أهل الفريضة جميعا فينتقص أنصباءهم. وهو على هذا من الأضداد. فالأصوب أن يكون معنى عَوْل الفريضة الزيادة والارتفاع لمجاوزة سهام الميراث سهام المال. والإدْلاء إلى الميت: التوصل إليه، يقال أدليت الدلو أي: أرسلتها إلى البئر. أدلى بحجته أي: احتج بها، وأدلى بماله إلى الحكام: دفعه: ومنه قوله تعالى: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} . [سورة البقرة: آية 188] يعني الرشوة. وذو الرحم: خلاف الأجنبي. وفي التنزيل: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} . [سورة الأنفال: آية 75] . والرحم في الأصل: منبت الولد ووعاؤه في البطن. ثم سميت القرابة والوصلة من جهة الولاد رحماً، ومنها ذو الرحم. كذا في المغرب. وفي الصحاح: والرحم رحم الأنثى وهي مؤنثة، والرحم أيضا القرابة، والرحم. بالكسر مثله وذو الأرحام يرثون عندنا بالتعصيب أي: نجعلهم عصبة، وعند القوم بالتنزيل، أي: بإنزالهم منازل أصولهم التي بها يتوصلون بالميت، قاله الشيخ الإمام أبو حفص النسفي رحمه الله. والتشبيب: في اصطلاح علماء الفرائض ذكر البنات على اختلاف الدرجات أما

تشبيب القصيدة فهو تحسينها وتزيينها بذكر النساء كذا في المغرب. ومسائل التشبيب من قولهم شبب بالمرأة أي: قال فيها شعرا مطرباً، وهو من الشباب بالفتح الذي هو مصدر الشاب، أي: هو عمل أهل الشباب، وقيل: التشبيب هو التنشيط مأخوذ من شباب الفرس بكسر الشين: وهو أن ينشط ويرفع يديه، وهذه المسائل ينشط الشارع فيها. وقيل: هو من شبب النار أي: أوقدها أي: هي تُذْكي الخاطر. الكَلُّ: اليتيم ومن هو ذو عيال وثقل، ومنه الحديث: "ومن ترك كلا فعلي وإليّ" 1. والمثبت في الفردوس برواية أبي هريرة رضي الله عنه فإلينا والمعنى: أن من ترك ولداً لا كافي ولا كافل له، فأمره مفوض إلينا نصلح أحواله من بيت المال. والكلاَلَة: ما خلا الوالد والولد، فهي في اللغة طويلة الذيل فمن شاء فليطلب في مغرب اللغة والصحاح. والميراث: أصله موراث إعلاله ظاهر، والتراث: أصل التاء فيه واو، تقول ورثت أبي وورثت الشيء من أبي أرثه بالكسر فيهما ورثا وإرثا ورثة، وأورثه الشيء أبوه، وهم ورثة فلان وورثه توريثا أدخله في ماله على ورثته وتوارثوا كابرا عن كابر. كذا في الصحاح. القربى والبعدى: تأنيث الأقرب والأبعد. والمناسخة: من النسخ وهو النقل والتحويل. والتناسخ في الميراث: أن يموت ورثة بعد وارثه وأصل الميراث قائم لم يقسم كذا في الصحاح. الحِيَل: جمع حيلة وهي ما يتلطف به لدفع المكروه أو لجلب المحبوب أي: يترفق به. والترفق: خلاف التعسف. وتكره الحيلة في إبطال الشفعة بعد ثبوتها بالاتفاق، ولا بأس به قبل ثبوتها وهو المختار، لأنه ليس بإبطال حق ثابت، وكذا في الزكاة والربا. كذا في قنية المنية.

_ 1 هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه بلفظ "من ترك مالاً فللورثة، ومن ترك كلاً فإلينا". وللبخاري في كتاب النفقات والفرائض فيما يقرب منه. يرجع إلى صحيح البخاري بحاشية السندي 3/290 و4/167.

مسألة إذا تشفع حنفي المذهب قال القاضي الإمام الحسن الماتريدي1 فإنه يعزر أشد التعزير حتى يترك المذهب الردي ويرجع إلى المذهب السديد. قال شيخ الإسلام عطاء بن حمزة2 رحمه الله: الثبات على مذهب أبي حنيفة رحمه الله خير وأولى له، كذا في مجمع الفتاوى في أول باب الشفعة. ذيل الشيخان: أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله، وتسمية أبي حنيفة به ظاهر. وكذا أبو يوسف لأنه شيخ محمد. الطرفان: أبو حنيفة ومحمد، لأن الطرف الأعلى وهو أبو حنيفة والطرف الأسفل وهو محمد. الآخران: أبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى. الحَنِيفُ: المائل عن كل دين باطلٍ إلى دين حق. وحنيفة هو حي من العرب. وتاء حنيفة للمبالغة لا للتأنيث كتاء خليفة وعلامة. واسم أبي حنيفة: "نعمان بن ثابت البكري" واسم أبي يوسف: "يعقوب بن إبراهيم الأنصاري". ومحمد بن الحسن الشيباني ابن ابن عم أبي حنيفة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وكنية الشافعي: أبو عبد الله واسمه "محمد بن إدريس بن العباس بن العثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن يزيد بن هاشم بن المطلب بن مناف القرشي" وهو تلميذ محمد بن الحسن لأنه قال: "حملت من علم محمد وقر بعير". وقال: "الحمد لله الذي أعانني

_ 1 والإمام الحسن الماتريدي نسبة إلى ماتريد، وهي محلة من سمرقند. كان من الفقهاء المبرزين في القرن الخامس الهجري، وقد آلت إليه وإلى السيد أبي شجاع محمد بن أحمد بن حمزة، والقاضي علي السُغْدي رئاسة الحنفية في وقتهم، وكان المعتبر في زمانهم اتفاقهم على الفتوى لا ينظر إلى من خالفهم. يرجع إلى الجواهر المضية 2/334. والفوائد البهية ص 65. 2 عطاء بن حمزة السُغْدي: من أئمة الحنفية في زمانه، كان عالماً بالفروع والأصول، أخذ عنه جماعة منهم: "نجم الدين عمر النسفي". يرجع إلى الفوائد البهية ص116.

في الفقه بمحمد بن الحسن". قالوا: الفقه زرعه عبد الله بن مسعود، وسقاه علقمة1، وحصده إبراهيم النخعي2، وداسه حماد3، وطحنه أبو حنيفة، وعجنه أبو يوسف، وخبزه محمد، والناس يأكلون من خبزه، والعبرة للوصف الأخير. الفقه: في اللغة: عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه. وفي الاصطلاح: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية. وبوجه آخر: الفقه علم مستنبط يعرف منه أحكام الدين. قال صاحب المنظومة: الفقه هو الوقوف على المعنى الخفي الذي يحتاج في حكمه إلى النظر والاستدلال. فالفقيه: هو العالم بعلم الشريعة. الشريعة: الطريقة الظاهرة في الدين كذا في المغرب. وفي الصحاح: والشريعة ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده من الدين. أي: أظهره وبينه.

_ 1 علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي، وكنيته أبو شبل، التابعي الفقيه الشهير، كان من أفاضل أهل زمانه علماً وعبادة، كان أشبه الناس بعبد الله بن مسعود وعنه أخذ. توفي سنة اثنتين وستين بالكوفة. يرجع إلى طبقات ابن سعد 6/86 وما بعدها وتذكرة الحفاظ 1/48 وصفة الصفوة 3/27. 2 أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود الكوفي الفقيه التابعي الشهير. أخذ عن خاله علقمة بن قيس والأسود بن يزيد. توفي سنة خمس وتسعين، وقيل غير ذلك. يرجع إلى طبقات ابن سعد 6/270 وما بعدها. وتذكرة الحفاظ 1/73 وما بعدها. ووفيات الأعيان 1/3 وصفة الصفوة 3/86. 3 حماد بن أبي سليمان الكوفي، أحد الأئمة الفقهاء، سمع أنس بن مالك رضي الله عنه وتفقه بإبراهيم النخعي. روى عن سفيان بن شعبة وأبو حنيفة وبه تفقه وعليه تخرج وانتفع، وأخذ حماد عنه بعد ذلك. توفي سنة عشرين ومائة. يرجع إلى الجواهر المضية 1/226. وميزان الاعتدال 1/595 وشذرات الذهب 1/157.

المشروعات: أربعة: عبادات، ومعاملات، وعقوبات، وكفارات. وأصولها أربعة أيضاً: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، والقياس. الفتوى: جواب المفتي، وكذلك الفتيا. المُسْتَفْتِي: من يسأل الفقيه. والمُفْتي: من عنها يجيب. ارحم اللهم السائل والمجيب، وإنك بالمنيب خير مجيب، ولك المِنَّة والشكر والحمد على إتمامك جمع المراد، ومنك التوفيق والإمداد، على التوقيف والامتداد. وصل اللهم على محمد نبي الأمجاد وآله الأوتاد وصحبه الأفراد والحمد لله رب العالمين.

§1/1