انتقاض الاعتراض في الرد على العيني في شرح البخاري

ابن حجر العسقلاني

انْتِقَاض الاعتِرَاض في الرَّدِّ على العَيْنيِّ في شَرحِ البُخَارِيِّ تأليف شيخ الإسلام الإمام العلّامة الحافظ قاضي القضاة أبي الفضل أحمَد بَن عَلي بَن حَجَر العَسّقَلَاني 773 هـ - 852 هـ حققه وعلق عليه حمدي بن عبد المجيد السَّلفي وصبحي بن جاسم السامرائي الجزء الأوّل مكتبة الرشد الرياض

مقدمة التحقيق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونسغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إِلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمَّدًا عبده ورسوله؛ أمّا بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمَّد - صلّى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة وبعد: فقد ألف الحافظ ابن حجر كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاريّ الذي لم يؤلف مثله إذ لم يترك شيئًا يتعلّق بالجامع الصّحيح إِلَّا وأتى به سواء من حيث المتون والأسانيد والشواهد وفقه الحديث، وكان كل أقرانه ممّن ألف عالة عليه ومن بحره اغترفوا ومنهم، العلَّامة محمود العيني رحمه الله، فإنّه في كتابه عمدة القاري عالة في كثير من شرحه عليه. ألف العيني كتابه عمدة القاري في شرح صحيح البخاريّ وجعله كأنّه رد على الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وكان يتعقب كلما رأى مجالًا، فنجده كثيرًا ما يبتر عبارة الحافظ أو ينقلها محرفة أو مشوهة ليكون هناك مجال للاعتراض عليه، وقلما يفوته عنوان من عناوينه أو شرح لحديثه إِلَّا وتجد له اعتراضًا أو أكثر، وياحبذا لو كانت اعتراضاته ذات فائدة أو فيها زيادة علم. فانبرى له الحافظ في كتابه انتقاض الاعتراض، وأجاب فيه على تلك الاعتراضات الّتي ساقها العيني في شرحه عمدة القاري، وأجاب عنها إجابة جيدة، ولكنه اقتصر رحمه الله على الاعتراضات المهمة منها، إذ لو أجاب عنها كلها لبلغ حجم الكتاب

منهجنا في التحقيق

أكبر من عمدة القاري، وقد لاحظنا أنّ الحافظ تصرف أحيانًا في عبارة الفتح، وأوضح أحيانًا ما أورده. في الفتح بالزيادة والبيان، وقد يذكر الحافظ عبارة الفتح وعبارة العمدة. ولا يعلق على ذلك بل يكل ذلك إلى القارىء الفهم ليكون هو الحكم العدل. منهجنا في التحقيق 1 - وجدنا بعض الأخطاء الاملائية وغير الاملائية كثيرًا ما وقعت في المخطوط فأصلحناها، ورجعنا في ذلك إلى الفتح والعمدة وأكملنا النواقص إن وجدت، وقد أخذت منا جهدًا كبيرًا، ولم نشر بالهامش إلى تلك الأخطاء والتي لا فائدة من ذكرها. 2 - أشرنا إلى مكان ما ينقله الحافظ من فتح الباري إلى مكان وجوده في الصفحة والجزء، وكذلك بالنسبة لعمدة القارئ، ولم نجعل من أنفسنا حكمًا عليهما إذ لم نرجح قول أحدهما على الآخر بل أحلنا ذلك إلى القارىء. 3 - ربما نقلنا عبارة من كتاب مبتكرات اللاليء والدرر للبوصيري المتوفى سنة 1354 وسيأتي وصفه. كتاب مبتكرات اللاليء والدرر في المحاكمة به العيني وابن حجر تأليف الشّيخ عبد الرّحمن البوصيري. وهذا الكتاب طبع بالمطبعة الحكومية لولاية طرابلس الغرب سنة 1959م وهو كتاب نافع وكثير الفوائد ردَّ فيه على العيني، رتبه على شكل محاكمات بلغت ثلاثة وأربعين وثلثمائة محكمة. وهذه ترجمة يسيرة للحافظ ابن حجر. إمام الحفاظ وحافظ الأئمة شيخ الإسلام أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني، وابن حجر لقب لأحد أجداده. ولقب بأمير المؤمنين في الحديث، والحافظ. لم يقاربه أحد من أقرانه بسعة علمه، اجتمع له من

الشيوخ الأكابر ما لم يجتمع لغيره كالزين العراقي، والعز بن جماعة، والبلقيني، ونور الدِّين الهيثمي، والمجد الفيروزبادي، وسراج الدِّين بن الملقن، والبوصيري والتنوخي .. وتخرج به أئمة كبار كالسخاوي والبقاعي. تصدى رحمه الله لنشر حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - إقراءًا وقراءة وتصنيفًا وإفتاءًا وإملاءًا على تلاميذه، وألف في مختلف فنون العلم وبرع وانفرد بالحديث وعلومه وزادت تآليفه على 150 تأليفًا ومعظمها في الحديث وعلومه وفنونه وفيها من فنون الأدب والفقه وغير ذلك. وِاستفاد من تصانيفه أقرانه وشيوخه ففي الرجال تهذيب التهذيب الذي زاد فيه على الحافظ المزي في تهذيب الكمال رحمه الله فوائد كثيرة، وتقريب التهذيب الذي ابتكر فيه وقسم الرواة إلى طبقات ومراتب ولم يسبقه إلى مثله أحد. وفي التخريج كهداية الرواة في تخريج أحاديث المصباح والمشكاة، وتخريج مختصر ابن الحاجب. وأذكار النووي وغيرها وفي المصطلح كالنكت على مقدمة ابن الصلاح ونخبة الفكر ونزهة النظر، وفي كثير من علوم الحديث له فيه تأليف. ظهر في وقتنا الحاضر جماعة جهال نسبوا أنفسهم إلى العلم وهذه الجماعة لا تعرف قدر نفسها أخذت تتهجم على الحافظ ابن ججر الذي نذر نفسه لإعلاء سنة رسول الله والحفاظ عليها وتدريسها ونشرها وتنقصه وهم. أبعد النَّاس عن العلم بل هم من أدعيائه هذا الإمام الذي ملأت تصانيفه المكتبات يرمونه بالجهل وعدم المعرفة، فبئس الجهال هؤلاء، ولا ينبغي لطلاب العلم ومحبي سنة رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - الالتفات إلى ذلك والاهتمام بما يكتبه هؤلاء، بل ينبغي الحذر منهم ولَعلَّ هؤلاء ينفذون مخططًا لهدم السُّنَّة وعلومها. رحل الحافظ ابن حجر إلى كثير من البلدان الإسلامية للسماع والقراءة وقرأ واطلع على كثير ممن لم يطلع عليه غيره من أقرانه وكتابه المعجم المفهرس (مخطوط) يدلُّ على سعة اطلاعه وكثرة الكتب التي قرأها سيما فِي الحديث

العلامة محمود العيني

وعلومه. رحم الله الحافظ ابن حجر وجعلنا من محبيه. توفي رحمه الله في القاهرة في ذي الحجة سنة 852 هـ ودفن بالقرافة. وأفرد تلميذه السخاوي كتابًا في ترجمته سماه الجواهر والدرر في ترجمه شيخ الإسلام ابن حجر. العلّامة محمود العيني أبو محمد محمود بدر الدِّين العيني نسبته إلى عينتاب. تتلمذ على الحافظ العراقي والحافظ سراج الدِّين البلقيني والحاقظ نور الدِّين الهيثمي وغيرهم وصنف الكثير. ومن مؤلفاته. عمدة القارئ في شرح صحيح البخاريّ (طبع) ونخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار (خط)، وعقد الجمان في تاريخ أبناء الزّمان (خط)، وشرح سنن أبي داود (خط)، والعناية في شرح الهداية في الفقه الحنبلي وغيرها. توفي رحمه الله سنة 852 هـ -. النسخ المعتمدة في التحقيق: اعتمدنا على ثلاث نسخ: الأولى:- مخطوطة مكتبة الآثار العامة في بغداد كتبها عبد الرّحمن بن عبد العظيم سنة 1088هـ وجعلناها أصلًا، وعدد أوراقها 250 ورقة وهي نسخة جيدة ورقمها في دار صدام للمخطوطات 29620 الثّانية: نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق رقم الثّالثة: نسخة جستربتي. صبحي بن جاسم السامرائي حمدي عبد المجيد السلفي بغداد في 10 رجب 1407هـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه ثقتي اللَّهُمَّ إنِّي أحمدك في ما ألهمت من المحامد، وأشكرك على فضلك البادي والعائد، وأستنصرك على كلّ معاند ومكائد، وأعوذ بك من شر كلّ باغ وحاسد، وأصلّي وأسلم على نبيك محمَّد وعلى آله وصحبه الصادعين بالحق في جميع المشاهد. أمّا بعد فإني شرعت في شرح صحيح البخاريّ في سنة ثلاث عشرة وثمان مئة بعد أن كنت خرجت ما فيه من الأحاديث المعلقة في كتاب سميته: "تغليق التعليق" وكمل في سنة أربع وثمان مائة في سفر ضخم، ووقف عليه أكابر شيوخي، وشهدوا بأني لم أسبق إليه. ثمّ عملت مقدمة الشرح فكملت في سنة ثلاث عشرة المذكورة، ومن هناك ابتدأت في الشرح، فكتبت منه قطعة أطلت فيها التبيين، ثمّ خشيتُ أنّ يعوق عن تكملتة على تلك الصِّفَة عائق، فابتدأت في شرح متوسط، سميته "فتح الباري بشرح البخاريّ" فلما كان بعد خمس سنين أو نحوها وقد بيض منه مقدار الربع على طريقة مثلي وقد اجتمع عندي من طلبة العلم المهرة جماعة وافقوني على تحرير هذا الشرح بأن أكتب الكراس ثمّ يحصله كل منهم نسخًا، ثمّ يقرؤه أحدهم ويعارض معه رفقته مع البحث في ذلك والتحرير، فصار السَّفر لا يكمل منه إِلَّا وقد قوبل وحرر من ذلك النظر في ذلك الزمن اليسير لهذه المصلحة، إلى أن يسر الله تعالى إكماله في شهر رجب سنة اثنتين وأربعين. وفي أثناء العمل كثرت الرغبات في تحصيله ممّن اطلع على طريقتي فيه

حتّى خطبه جماعة من ملوك الأطراف بسؤال علمائهم لهم في ذلك فاستنسخت لصاحب الغرب الأدنى نسخة ممّا كمل منه، وذلك بعناية الإمام المتقن زين الدِّين عبد الرّحمن البرشْكي بكسر الموحّدة والراء المهملة وسكون المعجمة، وكان ملك الغرب يومئذ عبد العزيز الحوصي المعروف بابن فارس، وكان الذي كمل من الكتاب المذكور حينئذ قدر ثلثيه، واستنسخت لصاحب المشرق نسخة بعد ذلك بعناية العلّامة الحافظ شيخ القراء شمس الدِّين الجزري، والملك يومئذ شاه رخ، وجهزت له من قبل الملك الأشرف، ولم يكن الكتاب كمل ثمّ في سلطته الملك الظّاهر جهز له نسخة كاملة، وكان سبب رغبتهم فيه اشتهار المقدِّمة فصار من يعرف فصولها يتشوق إلى الأصل. وفي سنة اثنتين وعشرين أحضر إليَّ طالب علم كراسة بخط محتسب القاهرة الذي تولى بعد ذلك قضاء الحنفية في الدولة الأشرفية، فرأيت فيه ما نصه: الحمد لله الذي أوضح وجوه معالم الدِّين، وأفضح وجوه الشك بكشف النقاب عن وجه اليقين، بالعلماء المستنبطين الراسخين، والفضلاء المحققين الشامخين، فاستمر في هذا المهيع يذكر من تصدى لجمع السنن النبوية، إلى أن ذكر البخاريّ وذكر فضل كتابه الصّحيح، وأنّه فإن غيره، ولذلك أقبل عليه كبار العلماء وعملوا عليه شروحًا إلى أن قال: لكن لم يقع لي شرح يشفي العليل، ويروي الغليل، لأنّ منهم من طول فأمل، ومنهم من قصر فأخل، على أنّه لم يقصد واحد منهم على كثرتهم لشرحه لما هو المقصود، ثمّ ذكر أنّ الذي دعاه إلى شرح هذا الكتاب أمور: أحدها: أن يعلم أنّ في الخبايا زوايا (¬1). ¬

_ (¬1) في عمدة القاري الزوايا خبايا، وهو الصواب.

وثانيها: قطع حجة من يدعي الانفراد في هذا الباب. وثالثها: إظهار ما منحه الله من العلوم، ثمّ أخذ في ذم أهل زمانه جميعًا، أمّا علماؤهم فلما عندهم من الحسد، وأمّا رؤساؤهم فلما عندهم من الشح والتهاون بالعلماء. ثمّ وصف ما عزم عليه من شرح هذا الكتاب بأن يظهر صعابه، ويبين معضلاته، ويوضح مشكلاته، بحيث أنّ الناظر فيه إن أراد المنقول ظفر بآماله، وإن أراد المعقول فاز بكماله .. إلى أن قال: فجاء هذا الكتاب بحمد الله فوق ما في الخواطر، فائقًا على سائر الشروح بكثرة الفوائد والنوادر. ثمّ ذكر سنده إلى البخاري. ثمّ ذكر مقدمة لطيفة انتزعها من القطعة الّتي كتبها شيخ الإسلام النووي، ولو كان نسخها من نسخة صحيحة ونسبها إليه لاستفاد السلامة ممّا وقع في خطه من التصحيف لكثير من الأسماء والسمات، والتحريف لبعض الكلمات (¬2)، وقد تتبعت ما وقع به من ذلك في تلك الكراسة الّتي ابتدأ بها خاصّة، فزاد على ثمانين غلطة، فأفردت كذلك في جزء سميتهُ "الاستنثار على الطاغي المعثار". فكتبت عليها علماءُ ذلك العصر كقاضى القضاة جلال الدِّين البلقيني، ورفيقاه قاضى القضاة علاء الدِّين المغلي، وقاضى القضاة شمس الدِّين بن الديري. ومن المشايخ شرف الدِّين بن التباني، وشمس الدِّين بن الديري، وشمس الدِّين البرماوي، كتبوا كلهم بتصويب ما تعقبته عليه، ومن جملة ما أنكره عليه البلقيني: ¬

_ (¬2) عمدة القاري (1/ 2 - 11).

قوله ما ذكره في وصف كتابه، قال: وقوله: أفصح لَحْنٌ، فإن الرباعي إنّما استعمل في اللازم مثل أفصح البشر. ومن جملة ما أنكره عليه ابن المغلي قوله: إنَّ علم الحديث استوى فيه النَّاس ممّن لا يفرق بين الأنواع والأجناس، فإنّه ما قارب فيه صوابًا ولا سعد خطابًا. وقوله: ممّن لا يفرق إن أراد أنّ العالم والعامي استوى فيه فهو قول إفك موقع في الهلاك، وإن أراد أنّ أصحاب الحديث لا يفرقون بينهما بحسب الإصطلاح الحادث، فتلك "شكاة ظاهر عنك عارها" لأنّ لهم أسوة بخيار السلف. وأنكر عليه أيضًا أنّ ظاهر الخبر أنّه لشرحه وأوصافه لما اشتمل عليه، يقتضي أنّ أكمله أو أكثره ولم يكن كتبت منه سوى شيءٍ يسير. ثمّ لما مضى من هذه القصة عدة سنوات عاد المذكور لما كان شرع فيه من الشرح بزعمه بعد أن كثرت النسخ بما كمل من شرح كاتبه فاستعار من بعض الطلبة ما حصله منه أوَّلًا فأولًا، وقرأت بخطه أنّه شرع في شرحه في شهر رجب سنة عشرين وثمان مائة، فكتب منه مجلدين في سنة، ثمّ ترك إلى أن أكمل المجلد الثالث في جمادي الأولى سنة ثمان وثلاثين، فلم يعد إلى الكتابة فيه حتّى شارف فتح الباري الفراغ فصار يستعير من بعض من كتب. لنفسه من الطلبة فينقله إلى شرحه من غير أن ينسبه إلى مخترعه. وقد رأيت أن أسوق في ذلك أمثلة كثيرة يتعجب منها كل من وقف عليها، ثمّ أعود إلى إيراد ما أردت منه الجواب من اعتراضاته على فتح الباري. وقد رمزت إلى الفتح بحرف (ح) مأخوذة من الفتح، ومن أحمد وإلى شرحه بحرف (ع) مأخوذه من العيني ومن المعترض.

وسميت هذا التعليق: "انتقاض الاعتراض" وبالله الكريم عوني، وأسأله عن الخطأ والخلل صوني، فمن أراد ما أغار على فتح الباري أول شَيْءٍ فيه وهي التّرجمة من:

نماذج من الاعتراضات

1 - باب كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال (ح): قوله: "فَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِيءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا ... الخ" كذا الأصوِل الصحيحة ليس فيه: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله" فساق الكلام على ذلك، إلى أن قال: وإن كان الإِسقاط منه فالجواب عنه ما قال الحافظ أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد في أجوبة على البخاريّ ما ملخصه. أحسن ما يجاب به هنا أنّ البخاريّ قصد أن يجعل لكتابه صدرًا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من النَّاس من استفتاح كتبهم بخطبة تتضمن معاني ما ذهبوا إليه من التأليف، فكان ابتداؤه بنية رد علمها إلى الله تعالى، فإن علم منه أنّه أراد الدنيا أو عوض إلى شيءٍ من معانيها فسيجزيه بنيته ونكب عن أحد وجهي التقسيم مجانبة للتزكية الّتي لا يناسب ذكرها في هذا المقام (¬3). قال (ع): فإن قيل لم اختار من هذا الحديث مختصره ولم يذكر مطوله هنا قلت: لما كان قصده التنبيه على أنّه قصد به وجه الله وأنّه سيجزيه بحسب نيته ابتدأ بالمختصر الذي فيه إشارة إِلَّا أنّ الشخص يجزى بقدر نيته، فإن كانت نيته وجه الله تعالى [بالثواب] والخير في الدارين، وإن كانت نيته وجهًا من وجوه الدنيا فليس له حظ من الثّواب، ولا من خير الدارين، وحذف الجملة الأخرى فرارًا من التزكية (¬4). ¬

_ (¬3) فتح الباري (1/ 15). (¬4) عمدة القاري (1/ 22).

قال (ح): في الكلام على حديث عائشة أن الحارث بن هشام سأل هكذا في أكثر الروايات فيحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك، وعلى ذلك اعتمد أصحاب الأطراف فأخرجوه في مسند عائشة ويحتمل أن يكون الحارث أخبرها بذلك بعد ويؤيد هذا الثّاني ما أخرجه أحمد والبغوي من رواية عامر بن سالم الزميري عن هشام، فقال: عن أبيه عن عائشة عن الحارث قال: سألت (¬5). قال (ع): قال بعض الشارحين: هذا الحديث أدخله الحفاظ في مسند عائشة دون الحارث. قلت: أدخله الإمام أحمد في مسند الحارث بن هشام، فإنّه رواه عن عامر بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحارث بن هشام قال: سألت. قلت: فأخذ الكلام فبالغ حتّى نسبه إلى نفسه حتّى قال: قلت، ونظيره (¬6). قال (ح): في الكلام على حديث عائشة في بدء الوحي يخلو بغار حراء فيتحنث هي بمعنى يتحنف أي يتبع الحنيفية وهي دين إبراهيم، والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم. وقد وقع في رواية ابن هشام في السيرة يتحنف بالفاء، أو المراد بقوله يتحنث يلقي عنه الحنث (¬7). ¬

_ (¬5) فتح الباري (1/ 19) والحديث رواه أحمد (6/ 257) والطبراني في الكبير (3343 و3344). (¬6) عمدة القاري (1/ 39). (¬7) فتح الباري (1/ 32).

وهو الإثم كما قالوا: تأثم وتحرج، أي فعل فعلًا ألقى عنه الفعل والتحرج ونحو ذلك، فقال في كلام طويل نقله من كلام ابن بطّال والكرماني وغيرهما من شراح البخاريّ. وقال التيمي [التميمي]: هذا من المشكلات ولا يهتدي إليه إِلَّا الحذاق. وسئل ابن الأعرابي عن قوله: يتحنث؟ فقال: لا أعرفه إنّما هو يتحنف من الحنيفية دين إبراهيم. قال (ع): وقع في سيرة ابن هشام يتحنف بالفاء (¬8). قوله: وفي حديث ابن عبّاس وكان أجود ما يكون. قال (ح): هو برفع أجود إِلَّا أن قال: ووجه ابن الحاجب الرفع من خمسة أوجه. قلت: ويرجحه وروده بغير لفظة كان عند المؤلِّف في الصوم (¬9). قال (ع): بعد أن نقل [من] كلام النووي أنّه سأل ابن مالك ... الخ. قلت: من جملة مؤكدات الرفع وروده بدون كان في صحيح البخاريّ في كتاب الصوم (¬10). قوله في حديث أبي سفيان مع هرقل، قال: أشراف النَّاس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. ¬

_ (¬8) عمدة القاري (1/ 49). (¬9) فتح الباري (1/ 30 - 31). (¬10) عمدة القاري (1/ 76) وما بين المعكوفين في نسخة الظاهرية.

قال (ح): المراد بالأشراف أهل النخوة والتكبر منهم، لا كل الأشراف حتّى لا يدخل مثل أبي بكر وعمر وحمزة وغيرهم ممّن أسلم قبل هذا السؤال، فأمّا ما وقع في رواية ابن إسحاق تبعه منا الضعفاء والمساكين، فأمّا ذو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد فهو محمول على الأغلب (¬11). قال (ع): قال بعضهم: المراد بالأشراف أهل النخوة لا كل الأشراف. قلت: هذا على الغالب وإلا فقد سبق إلى اتباعه أكابر وأشراف منهم الصديق والفاروق وحمزة وغيرهم وهم أيضًا كانوا أهل النخوة (¬12). قلت: فأخذ الكلام فادعاه ثمّ اعترض عليه، فاعتراضه مردود لأنّه حذف من كلامه قوله: والتكبر وبهذه اللفظة يندفع اعتراضه لأنّ أبا بكر ومن ذكر معه وإن كانوا أشرافًا أهل النخوة لم يكونوا أهل تكبر، فالتكبر محطة الفرق بين الفريقين فحذفها المعترض ليعترض، وهذا ذكرته على سبيل المثال وإلا فقد استعمل مثل هذا في بقية هذا الحديث وفي غيره. قوله: فأتوه: قال (ح): فيه حذف تقديره أرسل إليهم يلتمس منهم المجيء، فجاء الرسول بذلك فأتوه ووقع عند المصنف في الجهاد أن الرسول وجدهم ببعض الشّام. وفي الدلائل لأبي نعيم تعيين الموضع وهو غزة، قال: وكانت وجه متجرهم، وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي عن الزهري (¬13). ¬

_ (¬11) فتح الباري (1/ 35) بتصرُّف. وفيه لا كل شريف. وليس فيه وحمزة. (¬12) عمدة القاري (1/ 85) وكلمة "التكبر" موجودة في النسخة المطبوعة من عمدة القاري. (¬13) فتح الباري (1/ 34).

قال (ع): قوله: فأتوه، تقدير الكلام أرسل لي طلب إتيانهم، فجاء الرسول فطلب إتيانهم فأتوه ثمّ قال: فإن قلت: هم في أي موضع كانوا حتّى أرسل إليهم. قلت: في الجهاد ذكر البخاريّ من أن الرسول وجدهم ببعض الشّام، وفي رواية أبي نعيم في الدلائل تعيين الموضع غزة. قال: وكانت وجه متجرهم، وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي عن الزهريّ (¬14). تنبيه: بين (ح) اختلاف الرواة في الألفاظ الواقعة في حديث أبي سفيان مع هرقل على ترتيب الحديث من أوله إلى آخره، وبين ما خالف بعضهم بعضًا في الأسماء والزيادة والنقص وغير ذلك، فجمع (ع) ذلك كله في مكان واحد وترجم له بيان اختلاف الروايات فذكرها نقلًا من كلام (ح) موهمًا أنّه من تصرفه وتتبعه، وهكذا يَصْنَع في كثير من الأحاديث وإنّما نبهت على ذلك بطريق الِإجمال لتعسر تتبع ذلك فيحصل الملل، وفي الإشارة ما يغني عن الإِسهاب فيطول الخطب والله المستعان. قوله: وكان ابن الناطور ... الخ. قال (ح): الواو عاطفة، والتقدير أنّه لما انتهى المتن عند قول أبي سفيان حتّى أدخل عَلَيَّ الِإسلام. قال الزهريّ بالسند المذكور إليه، وكان ابن الناطور ... الخ، فقصة ابن الناطور موصولة لا معلقة كما زعم بعض من لا عناية له بهذا الشأن، وكذلك زعم بعض المغاربة فجعلها معطوفة على قول أبي سفيان، والتقدير ¬

_ (¬14) عمدة القاري (1/ 90).

قال أبو سفيان: وكان ابن الناطور، وهذا وإن كان محتملًا عقلًا فقد بين أبو نعيم في دلائل النبوة أنّ الزهريّ قال: لقيت ابن الناطور في زمن عبد الملك بن مروان فذكر عنه القصة. ووقع في سيرة ابن إسحاق ما يوهم أنّها من رواية الزهريّ عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس عن ابن الناطور، فإنّه ساق السند إلى ابن عبّاس، قال: افتتح هرقل حيث انفرد فذكر القصة بمعناه، والذي بدأت به هو الذي جزم به الحفاظ، وهو ممّا ينبغي التنبيه عليه (¬15). قال (ع): قوله: وكان ابن الناطور الواوفيه عاطفة لما قبلها داخلة في سند الزهريّ والتقدير عن الزهريّ أخبرني عبيد الله ... الخ، ثمّ قال: قال ابن الناطور فذكر القصة، فذكر قصة ابن الناطور موصولة لا معلقة كما توهمه بعضهم، وهذا موضع يحتاج فيه إلى أبي سفيان عنه، وإنّما هي عن الزهريّ عنه، وقد بين ذلك أبو نعيم في دلائل النبوة أنّ الزهريّ قال: لقيته بدمشق في زمن عبد الملك بن مروان (¬16). قلت: فانظروا وتعجبوا فإن هذا الموضع لم ينبه عليه أحد قبلي وتناوله من كتابي وتصرف فيه بالتقديم والتأخير، وأوهم أنّه من تصرفه وتنبيهه والله المستعان. قوله: رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر. قال (ح): قال الكرماني: يحتمل ذلك من وجهين أن يروي البخاريّ عن الثلاثة بالإسناد المذكور، كأنّه قال أخبرنا أبو اليمان عن الثّلاثة عن ¬

_ (¬15) فتح الباري (1/ 40). (¬16) عمدة القاري (1/ 93) وفي النسخ الثلاث قال: قال ابن الناطور وهو خطأ والصواب ما صححناه "وكان ابن الناطور" كما في عمدة القاري وصحيح البخاريّ.

الزهريّ، وأن يروي عنهم بطريق آخر، كما أنّ الزّهريّ يحتمل أيضًا في رواية الثّلاثة أن يروي لهم عن عبيد الله عن ابن عبّاس، وأن يروي لهم عن غيره، هذا ما يحتمل اللّفظ وإن كان الظّاهر الاتحاد. قلت: هذا الظّاهر كاف لمن شم أدنى رائحة من علم الإِسناد، والاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن، وأمّا الاحتمال الأوّل فأشد بعدًا لأنّ أبا اليمان لم يلحق صالح بن كيسان، فإن مولده بعد وفاة صالح، ولا سمع من يونس، ولو كان من أهل النقل لاطلع على كيفية رواية هؤلاء الثّلاثة لهذا الحديث بخصوصه فاستراح من هذا التردد. وقد أوضحت ذلك في كتابي "تغليق التعليق" وأشير إليه هنا إشارة مفهمة، فرواية صالح أخرجها المؤلِّف في كتاب الجهاد بتمامها إِلَّا قصة ابن الناطور وكذا أخرجها مسلم. ورواية يونس أخرجها المؤلِّف في الجهاد من طريق اللَّيث، وفي الاستئذان من طريق عبد الله بن مبارك كلاهما عن يونس عن الزهريّ بسنده بعينه مختصرًا ولم يسقه بتمامه، وساقها الطبراني بتمامها من طريق عبد الله بن صالح عن اللَّيث وفيها قصة ابن الناطور. ورواية معمر ساقها المؤلِّف بتمامها في التفسير. والطرق الثّلاثة عن الزهريّ عن عبيد الله عن ابن عبّاس، كرواية أبي اليمان عن شعيب عن الزهريّ، ولو كان سند الحديث عند هؤلاء عن الزهريّ عن غير عبد الله لأفضى ذلك إلى الشذوذ أو الإِضطراب المانع من الصّحيح، فظهر بطلان الاحتمالات المذكورة والله المستعان (¬17). قال (ع): رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهريّ، أي ¬

_ (¬17) فتح الباري (1/ 44 - 45) وتغليق التعليق (2/ 18 - 19).

روى هذا الحديث المذكور صالح بن كيسان عن الزهريّ عن عبيد الله عن ابن عبّاس، أخرجه البخاريّ بتمامه في الجهاد، ولم يذكر قصة ابن الناطور، وكذا أخرجه مسلم بدونها. وأخرج رواية مسلم في الجهاد مختصره من طريق اللَّيث. وفي الإِستئذان مختصره من طريق عبد الله بن المبارك، كلاهما عن يونس عن الزهريّ بسنده بعينه ولم يسقه بتمامه. وقد ساقه الطبراني بتمامه من طريق عبد الله بن صالح عن اللَّيث وفيه قصة ابن الناطور. وأخرج رواية معمر بتمامها في التفسير. فقد ظهر لك أنّ روايات هؤلاء الثّلاثة عند البخاريّ عن غير أبي اليمان، وأن الزهريّ إنّما رواه لأصحابه بسند واحد عن شيخ واحد وهو عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس لا كما توهمه الكرماني حيث يقول: أعلم أنّ هذه العبارة تحتمل وجهين، فذكر كلامه ثمّ قال بعده: وهذا فاسد من وجهين: أحدهما: أنّ أبا اليمان لم يلحق صالح بن كيسان ولا سمع من يونس. والآخر: أنّه لو احتمل أنّ يروي الزّهريُّ هذا الحديث لهؤلاء الثّلاثة عن شيخ آخر لكان ذلك إختلافًا قد يفضي إلى الإضطراب الموجب للضعف، وهذا إنّما نشأ لعدم تحريه في النقل واعتماده في هذا الفن على العقل انتهى كلامه (¬18). فأخذ الكلام بطوله فقدم فيه وأخر وأوهم أنّه من تصرفه وليس كذلك. قوله: وقال مجاهد ... الخ. ¬

_ (¬18) عمدة القاري (1/ 100 - 101) ورواية يونس عند الطبراني في الكبير (7270).

قال (ح): وصل هذا التعليق عبد بن حميد في تفسيره (¬19) والمراد أنّ الذي تظاهرت عليه الأدلة من الكتاب والسُّنَّة هو شرع الأنبياء كلهم. تنبيه: قال شيخنا الِإمام البلقيني: وقع في أصله الصّحيح في جميع الروايات في أثر مجاهد هذا تصحيف قل في تعرض لبيانه، وذلك أنّ لفظ مجاهد (شرع لكم) أوصيناك يا محمَّد وإياه دينًا واحدًا، والصواب أوصيناك يا محمَّد وأنبياءه كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطّبريّ وابن المنذر في تفاسيرهم، وبه يستقيم الكلام، وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح وحده مع أنّ في السياق ذكر جماعة انتهى، وإفراد الضمير لا يمتنع لأنّ نوحًا أفرد في الآية فلم يتعين التصحيف، وغاية ما ذكر من مجيء التفسير بخلاف لفظه أن يكون المصنف ذكره بالمعنى (¬20). قال (ع): أخرج أثر مجاهد عبد بن حميد في تفسيره بسنده عنه، ورواه ابن المنذر بلفظ وصاه، وقوله: وإياه، يعني نوحًا. قال: وقد قيل إنَّ الذي وقع في أثر مجاهد تصحيف، والصواب أوصيناك يا محمَّد وأنبياءه وكيف يقول مجاهد بإفراد الضمير مع نوح وحده، مع أنّ في السياق ذكر جماعة. قلت: ليس بتصحيف بل هو صحيح، ونوح أفرد في الآية وبقية الأنبياء عطفت عليه وهم داخلون فيما وصى به، ونوح أقرب مذكور وهو أولى بعود الضمير. انتهى (¬21). ¬

_ (¬19) الذي في الفتح (1/ 48) وصل هذا التعليق عبد الرزاق في تفسيره. وفي تغليق التعليق (2/ 25) أنّ عبد بن حميد وعبد الزراق وصلاه. (¬20) فتح الباري (1/ 48) وتغليق التعليق (2/ 24). (¬21) عمدة القاري (1/ 117)

فأخر جواب الإعتراض فزاد فيه قليلًا وادعى أنّه من تصرفه وليس كذلك. قوله: "دعاؤكم إيمانكم" صنع فيه (ع) نحو ما صنع فيما قبله من أخذه كلام (ح) بحروفه وإيهامه أنّه من تصرفه لكن زاد فيه ونقص. قوله:

2 - باب أي الإسلام أفضل ... إلى أن قال: قالوا: يا رسول الله

2 - باب أي الإِسلام أفضل ... إلى أن قال: قالوا: يا رسول الله قال (ح): رواه مسلم والحسن بن سفيان وأبو يعلى في مسنديهما عن سعيد بن يحيى شيخ البخاريّ فيه بإسناده هذا بلفظة قلنا. ورواه ابن منده من طريق حسين بن محمَّد القباني أحد الحفاظ عن سعيد بن يحيى هذا ولفظه. قلت: فتعين أنّ السائل أبو موسى ولا تخالف بين الروايات لأنّ في هذه صرح، وفي رواية مسلم أراد نفسه ومن معه من الصّحابة إذ الراضى بالسؤال في حكم السائل. وفي رواية البخاريّ أبهم السائل وهو المراد وقد سأل هذا السؤال أيضًا أبو ذر رواه ابن حبّان، وعمير بن قتادة رواه الطبراني (¬22). قال (ع) مغيرًا على هذا الفصل: غير مناسب له لمن حرره وتعب عليه فقال: قوله: قالوا: فاعله جماعة، ووقع في رواية مسلم والحسن بن سفيان وأبي يعلى في مسنديهما عن سعيد بن يحيى شيخ البخاريّ بإسناده المذكور بلفظة "قلنا" ورواه ابن منده من طريق حسين بن محمَّد القباني أحد الحفاظ عن سعيد بن يحيى بلفظة قلت. ¬

_ (¬22) فتح الباري (1/ 55) حديث أبي ذر عند ابن حبّان (361) وإسناده ضعيف جدًا. وحديث عمير بن قتادة عند الطبراني في الكبير (ج 17 رقم 105) وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف.

فتعين من هذا أنّ السائل هو أبو موسى وحده، ومن رواية مسلم أنّ أبا موسى أحد السائلين، ولا تنافي بين هذه الروايات، لأنّ في رواية البخاريّ أخبر عن جماعة هو داخل فيهم، وفي رواية مسلم صرح بأنّه أحد جماعة السائلين. فإن قلت: بين رواية قالوا ورواية، [قلت منافاة]. قلت: لا لإِمكان التعدد وقد سأل هذا السؤال أيضًا إثنان من الصّحابة، أحدهما أبو ذر، وحديثه عند ابن حبّان، والآخر عمير بن قتادة. وحديثه عند الطبراني (¬23). فلم يزد إِلَّا قوله إمكان التعدد، ويرد عليه أنّه لم ينحصر الأمر في التعدد لأنّ لقائل أنّ يقول: الأصل عدم التعدد والجمع بين الروايتين بغير الرَّدِّ واضح وهو أنّ عادة الجماعة إذا سألوا عن شيءٍ أن يتولى الخطاب عنهم أحدهم، فحاصل الجمع أن جماعة منهم أبو موسى اجتمعوا في السؤال عن ذلك، وكان الذي باشر السؤال لهم هو أبو موسى، فإن كان أبو ذر وعمير ممّن كان مع أبي موسى وإلا فنسبة السؤال إلى كلّ منهم بطريق المجاز مع احتمال التعدد أيضًا. ¬

_ (¬23) عمدة القاري (1/ 136) ووقع الأصل "لا منافات قلت لا لِإمكان" وهو خطأ صححناه من عمدة القاري.

فصل

فصل ما تعمده هذا المعترض ومما استلبه كما هو في قدر ورقة وأكثر ما ساقه (ح) في شرح باب إثم من كذب على النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ونظائر ذلك كثيرة جدًا، وفي باب عظة الِإمام النِّساء فإن فيه تعقب على الكرماني نحو نصف صفحة قائلًا فيه: قلت: ثمّ ساق كلام (ح) بعينه من استلاب فوائد الذي سبقه كما هي موهمًا أنّها من تصرفه وتحصيله واستنباطه لو وقع تتبعه بطريق الإِستيعاب لطال الشرح جدًا، لكن لم أكتب إِلَّا ما طال فيه الإستلاب من غير أن يزيد من قبل نفسه شيئًا إِلَّا ما يستحق الخدش فيه، ووجدته أحيانًا يذكر ما يستلبه في غير المكان الذي استلبه منه لظنه أنّه يخفى كما صنع في الكلام على حديث أنس "لا يُؤْمِنُ أَحَدكُمْ حَتَّى يُحبَّ لَأخِيه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" فإنّه قال فيه: إنَّ رواته كلهم بصريون فوقع له من الغرائب أن إسناد هذا كلهم بصريون، وإسناد الذي قبله كلهم كوفيون، والذي قبله كلهم مصريون، فوقع له التسلسل في الأبواب الثّلاثة على الولاء انتهى. وهذا الكلام برمته قاله (ح) في الكلام على حديث عبدَ الله بن عمر ذكر باب إطعام الطّعام ما نصه، رواة هذا الإِسناد كلهم بصريون، والذي قبله كلهم كوفيون، والذي بعده من طريقيه كلهم مصريون، فوقع له التسلسل في الأبواب الثّلاثة على الولاء وهو من اللطائف (¬24). ومن ذلك ما منعه في الكلام على إسناد هذا الحديث، فقد قال (ح): قوله: وعن حسين المعلم هو معطوف على شعبة، والتقدير عن شعبة وحسين ¬

_ (¬24) فتح الباري (1/ 56).

كلاهما عن قتادة، وإنّما لم يجمعهما لأنّ شيخه أفردهما فأورده المصنف معطوفًا اختصارًا، ولأن شعبة قال: عن قتادة. وقال حسين: حدّثنا قتادة، وأغرب بعض المتأخرين فزعم أنّ قوله وعن حسين تعليق وهو غلظ، فقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم الحربيّ عن مسدد شيخ المصنف عن يحيى القطان عن حسين المعلم. وأبدى الكرماني بحسب التحرير العقلي احتمال أن يكون تعليقًا أو معطوفًا على قتادة، فيكون شعبة رواه عن حسين عن قتادة وذلك ممّا يغفر عنه من مارس شيئًا من علم الإسناد. ثمّ قال: واللفظ الذي ذكر هنا شعبة، وأمّا لفظة حسين فهو فيما أخرجه الحربيّ بلفظ: "لَا يُؤْمِنُ حَتَّى يُحِبَّ لَأخِيهِ وَلجارِهِ" ... إلى أن قال: وأمّا طريق شعبة فصرح أحمد والنسَائي في روايتهما بسماع قتادة له من أنس فانتفت تهمة تدليسه (¬25). قال (ع): قوله عن حسين، عطف على شعبة، فالتقدير عن حسين وشعبة كلاهما عن قتادة، وإنّما لم يجمعهما لأنّ شيخه أفردهما فأورده معطوفًا اختصارًا، ولأن شعبة قال: عن قتادة وحسين قال: حدّثنا قتادة، وقال بعض المتأخرين طريق حسين معلقة وهو غير صحيح. فقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم الحربيّ عن مسدد شيخ البخاريّ فيه عن يحيى القطان عن حسين المعلم. وقال الكرماني: قوله: وعن حسين عطف، إمّا على حدّثنا مسدد. فساق كلام الكرماني بطوله ثمّ قال: قلت: وهذا كله مبني على حكم العقل وليس كذلك وليس هو بعطف على مسدد ولا على قتادة، وإنّما هو عطف على شعبة كما ذكرنا. ¬

_ (¬25). فتح الباري (1/ 57).

والمتن الذي ذكر هنا لفظ شعبة، وأمّا لفظ حسين وهو الذي رواه أبو نعيم فذكره ثمّ قال: فإن قيل قتادة مدلس. قلت: قد صرح شعبة عن أحمد والنسائي بسماع قتادة له من أنس فانتفت تهمة تدليسه انتهى (¬26). فأخذ كلام غيره فنسبه لنفسه من غير اعتذار عنه، وقد صنع في الباب الذي يليه قريبًا من ذلك، وما ظننت أنّ أحدًا يرضى لنفسه بذلك، وإذا تأمل من ينصف هذه الأمثلة عرف أنّ الرَّجل هذا عريض الدعوى بغير موجب متشبع بما لم يعطه منتهب لمخترعات غيره ينسبها إلى نفسه من غير مراعاة عاتب عليه وطاعن ممّن يقف على كلامه وكلام من أغار عليه، ولو حلفت أنّه لم يخل بابًا من أبواب هذا الكتاب على غزارتها من شيءٍ من ذلك لَبَرَرْتُ، وشاهدي على ذلك عدل من كلامه نصًا لا اختصارًا، بل مصالقة ومناهبة، حتّى أنّه يغفل فينقل لفظة قلت الدالة على الإِختراع له والإِعتراض منه، ويكون ذلك كله لمن سبقه، ومن عجائب ما وقع له أنّه بالغ الإِنكار على من يأخذ [مِنْ] من سبقه فيحكيه ولا ينسبه لصاحبه، ثمّ وقع فيما عابه من ذلك وبالغ الإِكثار، وسيأتي قريبًا في باب خوف المؤمّن أنّ يحبط عمله. قال (ع) في من يأخذ كلام غيره ولا ينسبه إليه: ومن عجيب ما وقع له أنّه نقل عن الكرماني شيئًا ولم يرضه، فرد عليه بكلام (ح) قائلًا في أوله: قلت: موهمًا أنّ ذلك من تصرفه وتتبعه واجتهاده (¬27). قال البخاريّ: ¬

_ (¬26) عمدة القاري (1/ 141). (¬27) فتح الباري (1/ 111) وعمدة القاري (1/ 276).

3 - باب الكفيل في السلم

3 - باب الكفيل في السلم فذكر حديث عائشة اشترى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - طعامًا من يهودي نسيئة ورهنه له درعًا من حديد. قال (ع): قيل: ليس في هذا الحديث ما ترجم به، وأجاب الكرماني بأنّه إمّا أن يراد بالكفالة الضمان فلا شك أنّ المرهون هنا من الدين من حيث أنّه يباع فيه وإما أنّ يقيسه على الرَّهْن بجامع كلّ منهما وثيقة، ولهذا كلما صح الرَّهْن فيه صح ضمانه وبالعكس. قال: (ع): قلت إثبات المطابقة بين هذا الحديث وبين التّرجمة، فهذا الكلام إنّما هو بالجر الثقيل، ومع هذا فالجواب الثّاني فيه بعض قرب، والأولى أن يقال: إن عادته جرت أن يشير إلى بعض ما ورد في بعض طرق الحديث. وقد روى في الرَّهْن عن مسدد عن عبد الواحد عن الأعمش قال: تذاكرنا عند إبراهيم الرَّهْن والقبيل في السلف، فذكر إبراهيم هذا الحديث وفيه التصريح بالرهن والكفيل لأنّ القبيل هو الكفيل، وبهذا يجاب عن قول الكرماني ليس فيه ذكر السلم لأنا نقول فيه ذكر السلف وهو السلم (¬28). وقريب من هذا ما وقع له في باب أحب الدين إلى الله أدومه ذكر كلام (ح) بعينه في قصة الحولاء بنت ثويب قائلًا قلت موهمًا أنّه من تصرفه، ثمّ ¬

_ (¬28) عمدة القاري (12/ 68) وفتح الباري (4/ 433 - 434).

بدء الوحي

لما أمعنت النظر في كتابه رأيته أكثر من مثل هذا لكنه أغنى عن التصريح بقوله، قلت: قليل بالنسبة إلى الأخذ بغير لفظه. قلت: وسيجزي الله تعالى كلا بفعله، وما الله بظلام للعبيد، ومن هنا أشرع في بعض اعتراضاته على ترتيب الكتاب والله الهادي للصواب، من باب كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - (¬29). الحديث الأوّل قال (ح): قوله: حدّثنا الحميدي .. إلى أنّ قال: كأن البخاريّ امتثل قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "قَدِّموا قُرَيْشًا" فافتتح كتابه بِالرِّوَايَةِ عنه لكونه أفقه قرشي أخذ عنه، ولأنّه مكي كشيخه فناسب أنّ يذكر في أول ترجمة بدء الوحي لأنّ ابتداءه كان بمكة ومن ثمّ ثنى بالرواية عن مالك لأنّه شيخ أهل المدينة، وهي تالية لمكة في نزول الوحي وفي جميع الفضل، ومالك وابن عيينة قريبان. قال الشّافعيّ: لولاهما لذهب العلم من الحجاز (¬30). قال (ع): فإن قلت: لم قدم رواية الحميدي على غيره من مشايخه؟ قلت: هذا السؤال ساقط لأنّه لو قدم رواية غيره لكان يقال لم قدم على غيره. وقال بعضهم: قدم الرِّواية عن الحميدي لأنّه قرشي، وساق كلام (ح) ثمّ قال: قلت: وليس البخاريّ هنا في صدد بيان فضيلة قريش ولا مكّة حتّى يبتدىء برواية قرشي مكي، وأيضًا فقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "قَدِّمُوا قُرَيْشًا" إنّما هو ¬

_ (¬29) فتح الباري (1/ 101) وعمدة القاري (1/ 256). (¬30) فتح الباري (1/ 10).

الحديث الثاني

في الإمامة الكبرى ليس إِلَّا، وفي غيرها يقدم الباهلي العالم على القرشي الجاهل. وقوله: لأنّ ابتداء الوحي ... الخ إنّما يستقيم أنّه لو كان الحديث في أمر الوحي، وإنّما الحديث في النية فلا يلزم من ذلك ما قال (¬31). قلت: أجوبة هذا الفصل ظاهرة لكل من يبتدىء طرفًا من العلم، وما كنت أظن أن العصبية تنتهي به إلى هذه المكابرة، وهب أنّ البخاريّ ليس هنا في صدد فضيلة قريش تمتنع أن تقصد المناسبة المذكورة، وحصره الذي ادعاه في "قَدِّمُوا قَرَيْشًا" مردود، لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب، وهو لا يزال يحتج بهذه القاعدةُ، ولما لم توافق هواه ردها وأكد الرَّدِّ. وقوله: يقدم الباهلي ... الخ يفهم منه أنّ القرشي الجاهل في الإِمامة الكبرى يقدم على الباهلي العالم وليس كذلك، لأنّ شرط الإمام الأعظم أن يكون عالمًا، وأمّا رده الأخير فجوابه أنّ الحديث وإن كان في النية لكن المناسبة المذكورة إنّما هي في التّرجمة لأنّها في بدء الوحي فتمت المناسبة. قوله: الحديث الثّاني قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد. قال (ح): موصول بالسند المذكور وإنّما أعاد لفظ قالت ليفصل بين ما نقلته عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - من قوله، وبين ما حكته عنه من حاله وليس هذا بمعلق، لأنّ الأصل في الكلام أن يكون في حكم ما قبله حتّى يظهر الفاصل (¬32). ¬

_ (¬31) عمدة القاري (1/ 22). (¬32) فتح الباري (1/ 22).

الحديث الثالث

قال (ع): هذا اللّفظ يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون معطوفًا على الذي قبله بغير أداة عطف ويكون مُسْنَدًا. والثّاني: أن يكون كلامًا برأسه فيكون معلقًا، ونفى بعضهم أن يكون معلقًا ولم يقم عليه دليلًا، فنفيه منفي (¬33). الحديث الثّالث قوله في الكلام على حديثها: أول ما بدىء به رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا ... إلى أنّ قال: فقلت: "مَا أَنَا بقَارِيءٍ" (ما) نافية إذ لو كانت إستفهامية لم تدخل الباء عليها، وإن حكي جوازه عن الأخفش فإنّه شاذ، وإنّما الباء زائدة لتأكيد النفي، وجَوَّز أبو شامة أن تكون (ما) الأولى للإِمتناع، والثّانية للإِخبار، والثالثة للإِستفهام. قلت: ويؤيده أنّ في رواية أبي الأسود عن عروة في مغازيه كيف أقرأ ونحوه من وجه آخر عن الزّهري في الدلائل للبيهقي (¬34). قال (ع): العجب من هذا الشارح يغلط من قال: إنها إستفهامية، ثمّ يذكر رواية أبي الأسود وهي مصرحة بأنّها إستفهامية (¬35). قلت: انظر وتعجب. قوله: "فرجع بها". ¬

_ (¬33) عمدة القاري (42 - 43). (¬34) فتح الباري (1/ 24) (¬35) عمدة القاري (1/ 57).

قال (ح): أي بالآيات أو بالقصة (¬36). قال (ع): قوله: أو بالقصة لا وجه له أصلًا على ما لا يخفى (¬37). قلت: من يخفى عليه مثل هذا ما له يعترض على من يفهم. قوله: ويكسب المعدم. قال (ح): بفتح أوله على المشهور، وبالضم وعليها قال الخطابي: الصواب المعدم بضم الميم بلا واو أي الفقير لا يكسب. قال (ح): ولا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم، لكونه كالمعدوم الميِّت الذي لا تصرف له (¬38). قال (ع): الصواب ما قاله الخطابي، وكذا قال الصغاني في العباب، وتكسب المعدوم أي تعطي العائل وتردفه (¬39). قال (ح): قوله: "فَحَمِيَ الْوحْيُ" أي قوي وجاء كثيرًا، وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخيره بالفتور، إذ لم ينته إلى الانقطاع، فوصف بالمصدر وهو البرد. وقوله: "وتتابع" أي تكاثر وهو تأكيد معنوي، ووقع في الكشميهني وأبي الوقت، "وتواتر" ومعناه مجيء الشيء يتلو بعضه بعضًا من غير خلل (¬40). قال (ع) قالوا: الشراح كلهم معنى حمى، وتتابع واحد فأكد أحدهما بالآخر. ¬

_ (¬36) فتح الباري (1/ 24). (¬37) عمدة القاري (1/ 57). (¬38) فتح الباري (1/ 24). (¬39) عمدة القاري (1/ 51) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 19 - 20) للبوصيري حيث أيد الحافظ ابن حجر في قوله. (¬40) فتح الباري (1/ 28).

الحديث الخامس

قلت: ليس معناهما واحد، فإن معنى حَمِيَ النهار اشتد حره، ومعنى تتابع تواتر، فالمراد حَمِيَ الوحي اشتداده وهجومه، وتتابعه تواتره وعدم انقطاعه، وإنّما يكتف بحمي لأنّه لا يستلزم الإستمرار والدوام، فلذلك قال: وتتابع، وهذا من الأسرار الرِّبَانية والأفكار الرّحمانية، والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضًا من غير خلل، ولقد أبعد من قال: وتتابع تأكيد معنوي، لأنّ التأكيد المعنوي ألفاظه مخصوصة، وإن لم يردّ التأكيد الإِصطلاحي فهو ما يكون بين لفظين معناهما واحد، وقد ثبت تغايرهما (¬41). قال (ح): لم يقتصر الجميع على ما ادعاه من وحدة المعنى فيهما بل جوزوا المغايرة، وقد جوزوا رد الأوّل إلى الثّاني، فقالوا: حمي كناية عن مجيئه كثيرًا، ومعنى الكثرة موجود في التتابع أيضًا، وليس هذا بعجيب فإن اللّفظ قد يصير بمعنى اللّفظ بضرب من التّأويل، ثمّ في قوله الشراح كلهم مجازفة عظيمة لأنّه حين كتابته هذا الشرح لم يستمد إِلَّا من الفتح أو الكرماني. ولم يراجع إلى التلويح والتوضيح وكل شيءٍ ينسبه إلى أي مصنف اتفق من شراح البخاريّ إنّما يتلقاه عنه من أحد الشيوخ الثّلاثة، فكيف يتوجه قوله الشراح كلهم؟! والله المستعان. قوله: الحديث الخامس تابعه عبد الله بن يوسف وأبو صالح. قال (ح): هو عبد الله بن صالح كاتب اللَّيث ووهم من زعم أنّه أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني (¬42). ¬

_ (¬41) عمدة القاري (1/ 66). (¬42) فتح الباري (1/ 28).

قال (ع): لم يتبين لي وجهة في الترجيح لأنّ البخاريّ روى عن كليهما (¬43). قلت: وما علي إذا لم يمكن انتزاع له بأن الذي جزمت به يترجح من أوجه: أحدها: كثرة رواية عبد الله بن صالح عن اللَّيث لأنّه كان كاتبه، واشتهر بملازمته بخلاف عبد الغفار. ثانيها: كثرة إيراد البخاريّ الروايات المعلقة عن عبد الله بن صالح عن اللَّيث، وأخرج عنه مواضع يسيرة موصولة عن خلق في بعضها، وأمّا عبد الغفار فأخرج عنه شيئًا يسيرًا موصولًا، ولم يخرج شيئًا معلقًا في سائر الكتاب. ومنها أنّ رواية عبد الله بن يوسف وجدت عند يعقوب بن سفيان في هذا الحديث بعينه أخرجه عنهما مقرونًا برواية اللَّيث. ذكر صاحب الروض أنّها ثلاثة أحاديث فقط. وقال الكلاباذي: أخرج عنه في آخر البيوع، وفي غزوة خيبر، ولم يرقم المزي في مشايخه رقم البخاريّ إِلَّا على يعقوب بن عبد الرّحمن. قلت: والذي أخرجه عنه في الموضعين حديث واحد وهو حديث عمرو بن أبي عمرو عن أنس في قصة صفية بنت حيي، وتزويجها ووليمته عليها برواية في غزوة خيبر بابن وهب، وأفرده في آخر كتاب البيوع، ولم يخرج عنه عن اللَّيث شيئًا. ¬

_ (¬43) عمدة القاري (1/ 68).

الحديث السادس

الحديث السّادس قوله: ومما يحرك به شفتيه: قال (ح): قال الكرماني: أي كان العلاج ناشئًا من تحريك الشفتين، أو "ما" بمعنى من أي كان ممّن يحرك شفتيه، وقال بعضهم: فيه نظر لأنّ الشدة حاصلة له قبل التحريك (¬44). قال (ع): في نظره نظر لأنّ الشدة وإن كانت كذلك لكنها ما ظهرت إِلَّا بالتحريك لأنّه أمر يظن فلم يقف عليه الراوي إِلَّا بالتحريك (¬45). قلت: هذا الحصر مردود، فجائر أن يكون عرفه بإخبار النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عن نفسه، والأحاديث المصرحة بثقل الوحي وشدته شهيرة، ومنها قول زيد بن ثابت: حتّى كاد يرض فخذي. وحديث الناقة عند نزول سورة الفتح. وحديث عائشة الماضي قريبًا، فتفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا، ولم يذكر في شيءٍ منها تحريك الشفتين. الحديث السابع قال (ح): "وكان أجود ما يكون في رمضان" عند الأصيلي "أجودَ" بالنصب على أنّه خبر كان، وتعقب بأنّه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها، ¬

_ (¬44) فتح الباري (1/ 29). (¬45) عمدة القاري (1/ 72).

وأجيب بجعل اسم كان ضمير النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأجود الخبر، والتقدير وكان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - مدة كونه في رمضان أجود منه في غيره (¬46). قال (ع): هذا لا يصح لأن كان إذا كان فيه ضمير النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لا يصح أن يكون أجود خبرًا لكان، فإنّه مضاف إلى الكون، ولا يخبر بكون عما ليس يكون، فيجب أنّ يجعل مبتدأ وخبره في رمضان، والجملة خبر كان وإن استتر فيه ضمير الشأن (¬47). قوله: "أَمَّا بَعْدُ". قال (ح): في أمّا معنى الشرط، وهذه الكلمة تستعمل لتفصيل ما يذكر بعدها غالبًا، وقد ترد مستأنفة فلا تفصيل كالذي هنا. وقال الكرماني: هي للتفصيل هنا والتقدير أمّا الإبتداء فهو بسم الله ... الخ، وأمّا المكتوب فهو من محمَّد رسول الله ... الخ (¬48). قال (ع): هذا تعسف (¬49). قوله: أَسْلْمِ تَسْلَمْ أَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ. قال (ح): يحتمل أن يكون الأمر الأوّل للدخول في الإسلام، والثّاني للدوام عليه كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ ...} الآية (¬50). قال (ع): الأصوب أن يكون للتأكيد والآية في حق المنافقين، أي: ¬

_ (¬46) فتح الباري (1/ 31). (¬47) عمدة القاري (1/ 76). (¬48) فتح الباري (1/ 38). (¬49) عمدة القاري (1/ 92). (¬50) فتح الباري (1/ 38) ومبتكرات اللآلي والدرر (ص 23).

يا أيها الذين آمنوا نفاقًا آمنوا إخلاصًا، كذا في التفسير (¬51). قلت: في كلامه مع مخالفة القاعدةُ في تقديم التأسيس على التأكيد إن كان المنقول، لأن القولين ذكرا عن أهل التفسير. قوله: إنّه ليخافه. قال (ح): بكسر الهمزة لا بفتحها لثبوت اللام في خبرها (¬52). قال (ع): بل يجوز فتحها أيضًا على أنّه مفعول من أجله، وقد قرئ في الشاذ {أَلَّا إنَّهُمْ لَيَأْكُلُون} والمعنى على الفتح لأنّ أبا سفيان أراد تعظيم أمر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لأجل أنّه يخافه ملك الروم (¬53). قلت: والتعظيم مستفاد من التأكيد في المكسورة وفي اللام معًا، والذي جزم به المعربون في القراءة المذكورة أن اللام زائدة والتقدير ألا إنّهم ليأكلون أي ما جعلناهم رسلًا إلى النَّاس إِلا لكونهم مثلهم في ذلك. قوله هذا ملك هذه الأُمَّة قد ظهر. قال (ح): كذا للأكثر بضم ثمّ سكون، وللقابسي بفتح ثمّ كسر، ولأبي ذر عن الكشميهني وحده يملك بلفظ الفعل المضارع. قال القاضي عياض: أظنها ضمة الميم اتصلت بالميم تصحفت. ووجهه السهيلي في أماليه بأنّه مبتدأ وخبر، أي هذا المذكور يملك هذه الأُمَّة. وقيل: يملك نَعْتٌ، أي هذا رجل يملك. وقال شيخنا: يجوز أن يكون الموصول حذف، أي هذا الذي يملك، ¬

_ (¬51) عمدة القاري (1/ 93). (¬52) فتح الباري (1/ 40) ومبتكرات اللآلي والدرر (ص 23). (¬53) عمدة القاري (1/ 93).

وهو جائز عند الكوفيين، وعندهم أيضًا يجوز استعمال اسم الإشارة بمعنى الاسم الموصول (¬54). قال (ع): هذه الروايات تحتاج إلى توجيه مرضي، ولم أر أحدًا من الشراح قديمًا وحديثًا شفى العليل ولا أروى الغليل، وإنّما رأيت شارحًا نقل عن السهيلي شيئًا فذكره، ثمّ قال: وهذا فيه خدش لأن قوله: قد يظهر يبقى سائبًا من هذا الكلام. قال: ونقل هذا الشارح عن شيخه أنّه قال فذكره. ثمّ قال: وهذا أيضًا فيه خدش كما في الذي قبله، أيضًا من وجه آخر فنقول بعون الله تعالى: هذا مبتدأ أو جملة من الفعل، والفاعل في محل الرفع، وقوله: هذه الأُمَّة مفعول يملك، وقوله: وقد ظهر جملة وقعت حالًا (¬55). قلت: إذا فهم المنصف اعتراضه وجوابه عرف قدر فهمه ومبلغ علمه. قوله: البطارق. قال (ح): البطارقة جمع بطريق بكسر أوله وهم خواص دولة الروم (¬56). قال (ع): هذا التفسير غير موجه، وصدر كلامه بأن قال: البطارقة قواد الملك وخواص دولته، وأهل الرأي والشورى منهم، وقيل: البطريق المختال المتعاظم، ولا يقال للنساء، وفي العباب قال: اللَّيث البطريق العابد انتهى (¬57)، فلينظر وجه عدم التوجيه. ¬

_ (¬54) فتح الباري (1/ 42). (¬55) عمدة القاري (1/ 94). (¬56) فتح الباري (1/ 41). (¬57) عمدة القاري (1/ 87).

كتاب الإيمان

قوله: إلى حمص. قال (ح): مجرور بالفتحة منع صرفه العلمية والتأنيث، ويحتمل أن يجوز صرفه (¬58). قال (ع) لا يحتمل أصلًا لأنّه وإن كان ساكن الوسط لكن فيه ثلاث علل، فإذا زالت الواحدة بقيت ثنتان فيمنع الصّرف. انتهى ملخصًا (¬59). وظنه أنّ (ح) جَوَّزَ الصّرف من أجل سكون الوسط فاسد لأنّه أراد أنّ الذي ينطق به إن أراد البلد صار مذكرًا فيجوز صرفه، ومعنى قوله ثلاث علل: العجمة والتأنيث والعلم، ولكن من جوز فيه الصّرف لا يجعل للعجمة تأثيرًا لأنّها لا تمنع صرف الثلاثي ولا التأنيث إذا قصد البلد فيبقى علة العلمية وحدها. من: كتاب الإِيمان قوله: ¬

_ (¬58) فتح الباري (1/ 42) ومبتكرات اللآلي والدرر (ص 24) (¬59) عمدة القاري (1/ 94).

4 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بني الإسلام على خمس

4 - باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بني الإِسلام على خمس قال (ح): الحديث فيه تسمية الشيء باسم بعضه (¬60). قال (ع): لا تسمية هنا ولا إطلاق (¬61). قوله: ¬

_ (¬60) فتح الباري (1/ 46). (¬61) عمدة القاري (1/ 102).

5 - باب أمور الإيمان وقول الله: {ليس البر ... المتقون} إلى قوله {قد أفلح المؤمنون ... الخ}

5 - باب أمور الإِيمان وقول الله: {لَيْسَ الْبِرَّ ... الْمُتَّقُونَ} إلى قوله {قَدْ أَفْلَحَ اْلمُؤمِنُونَ ... الخ} قال (ح): قد ذكر قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} بلا أداة عطف والحذف جائز، والتقدير وقول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ اْلمُؤمِنُون} وقد ثبت المحذوف في رواية الأصيلي، ويحتمل أن يكون ذلك تفسيرًا لقوله: {اْلمُتَّقُون} أي المتقون هم الموصوفون بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ ألمُؤمِنُونَ ... الخ} (¬62). قال (ع): الحذف غير جائز، ولئن سلمنا فذاك في الشعر، وقوله: تفسيرًا لقوله لا يصح لأن الله ذكر من وصف بذلك في الآية، ثمّ قال: {وَأُوِلَئِكَ هُمُ اْلمُتَّقُونَ} فأي شيءٍ يحتاج بعد ذلك إلى تفسير المتقين في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ}. ثمّ قال: وكان يمكن صحة هذه الدعوى لو كانت آية {قَدْ أَفْلَحْ} تلو آية البقرة. انتهى ملخصًا (¬63). وأقول: المراد بالحذف أن بعض الرواة حذف الواو وبعضهم أثبتها، فإنكار هذا القدر بعد تقدّم بيانه عجيب، والمراد بالتفسير أنّ الموصوفين بالتقوى لسبب اتصافهم بما ذكر من الأوصاف أفادت أنّه قد أفلح أنّ ثوابهم على ذلك أنّهم الوارثون الفردوس. ¬

_ (¬62) فتح الباري (1/ 51) ومبتكرات اللآلي والدرر (ص 25 - 26). (¬63) عمدة القاري (1/ 123).

6 - باب "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"

6 - باب "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانهِ وَيَدِهِ" قال (ح) يحتمل أن يكون المراد بذلك الإِشارة إِلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه، لأنّه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى (¬64). قال (ع): فيه نظر وخدش من وجهين: أحدهما: في قوله الإشارة ممنوع، لأن الإشارة ما ثبت بنظم الكلام وتركيبه مثل العبارة، غير أنّ الثابت من الإِشارة [غير] مقصود من الكلام، ولا سيق الكلام له، فهل نجد في هذا الكلام هذا المعنى الثّاني؟! قوله: الأولى ممنوع أيضًا، ومن أين الأولوية في ذلك وهي موقوفة على تحقيق المدعى، والدعوى غير صحيحة لأنا نجد كثيرًا من النَّاس يسلم النَّاس من لسانهم ويدهم، ومع هذا لا يحسنون المعاملة مع الله تعالى (¬65). قلت: لا يمنع ذلك الحث المذكور فطاح الاعتراض والله أعلم. قوله: "والمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ". قال (ح): المراد بالناس هنا المسلمون كما في الرِّواية الموصولة "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمونَ" والمسلمون هم النَّاس في الحقيقة، ويمكن حمله على عمومه على إرادة شرط، وهو إِلَّا بحق وإرادة هذا الشرط متعينة على كلّ حال (¬66). ¬

_ (¬64) فتح الباري (1/ 53). (¬65) عمدة القاري (1/ 132). (¬66) فتح الباري (1/ 54).

قال (ع): فيه نظر من وجوه: الأوّل: يلزم أن يكون غير المسلمين من بني آدم ليسوا بإنسان حقيقة وليس كذلك، بل النَّاس تكون من الإنس والجن قاله في العباب. الثّاني: استعمال الإمكان هنا غير سديد بل هو عام قطعًا. الثّالث: تخصيصة الشرط بهذا الحديث غير موجه بل هو عام، فبهذا الشرط يخرج عن العموم، ولما في حق المسلم والذمي فعلى عمومه (¬67). قلت: أعرضت عن جوابه لوضوحه. قوله: ¬

_ (¬67) عمدة القاري (1/ 134).

7 - باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه

7 - باب من الإِيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه قال (ح): أورد الكرماني أنّه قدم لفظه من الإيمان بخلاف الذي قبله حيث قال: حب الرسول من الإِيمان ونحوه، وقال: ذلك إمّا للإِهتمام بذكره وإما للحصر. قال (ح): هو توجيه حسن إِلَّا أنّه يرد عليه أنّ الذي بعده أليق بالإهتمام والحصر معًا، أو هو حب الرسول، فالظاهر أنّه أراد التنويع أو اهتم بحب الرسول فقدمه (¬68). قال (ع): هذا لا يرد على الكرماني وإنّما يرد على البخاريّ، حيث لم يقل باب من الإِيمان حب الرسول، ويمكن أن يجاب عنه فإنّه إنّما بدل لفظ حب الرسول للاهتمام بذكره والاستلذاذ باسمه. انتهى فانظره وتعجب! (¬69). قوله: ¬

_ (¬68) فتح الباري (1/ 57). (¬69) عمدة القاري (1/ 139) قال البوِصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 26 - 27) إن قول أظنه إِلا صادرًا منه من غير ترو، لأنّ البخاريّ أورد التّرجمة من غير تعليل ولا بيان نكتة التقديم، وإنّما حملها عليه الكرماني، مع أنّ المعروف في البلاغة أنّ لتقديم المعمولات في الكلام أسرارًا كثيرة بحسب المقامات كما في التلخيص وغيره فلا يعلم من البخاريّ مذهب في هذه الاعتبارات، وربما كانت نكتة غيرها ممّا فات السكالي والقزويني، فكيف يعترض على البخاريّ بشيء نسبه إليه غيره؟ فتأمله.

8 - باب

8 - باب بغير ترجمة وذكر فيه حديث عبادة بن الصامت في البيعة إلى أن قال (ح): وقال عياض: ذهب أكثر العلماء إلي أنّ الحدود كفارات، واستدلوا بهذا الحديث، ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "لا أَدْري الْحُدُودُ كَفَّارَة لِأهْلِهَا أَمْ لَا" لكن حديث عبادة أصح إسنادًا، ويمكن أن يكون حديث أبي هريرة ورد أوَّلًا قبل أن يُعْلِمَهُ الله تعالى أنّ الحدود كفارة، ثمّ أعلمه بعد ذلك انتهى كلامه. وفيه نظر سنذكره وذلك أنّ حديث أبي هريرة الذي ذكره أخرجه البزار والحاكم من رواية معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة (¬70).وهو صحيح أخرجه أحمد عن عبد الرزّاق عن معمرًا (¬71). ورجاله رجال الصّحيح، لكن قال الدارقطني: أنّ عبد الرزّاق تفرد بوصله، وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر وأرسله. قلت: وقد وصله آدم بن أبي أياس عن ابن أبي ذئب أخرجه الحاكم (¬72) أيضًا فقويت رواية عبد الرزّاق وإذا كان صحيحًا فالجمع الذي ذكره القاضي عياض حسن، لكن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة هذا كان ¬

_ (¬70) رواه البزار (1543 كشف الأستار) والحاكم (1/ 36) وقال البزار: لا نعلم رواه عن ابن أبي ذئب إِلَّا معمر قلت ترد عليه رواية الحاكم الآتية، فإنها من رواية آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب. (¬71) لم أره عند أحمد في المسند، ولا نسبه إليه الهيثمي في المجمع. (¬72) رواه الحاكم (2/ 450).

بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - البيعة الأولى بمنى، وأبو هريرة إنّما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام حنين، فكيف يكون حديثه متقدمًا؟! وقالوا في الجواب عنه: يمكن أن يكون أبو هريرة ما سمعه من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وإنّما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قديمًا ولم يسمع بعد ذلك من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - الحديث الذي يدلُّ على أنّ الحدود كفارة كما سمعه عبادة. قلت: وفي هذا الجواب تعسف ويبطلة أنّ أبا هريرة صرح بسماعه من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وأن الحدود لم تكن نزلت آنذاك، والحق عندي أنّ حديث أبي هريرة صحيح وهو سابق على حديث عبادة، والمبايعة المذكورة في حديث عبادة على الصِّفَة المذكورة إنّما وقعت ليله العقبة، ونص بيعة العقبة هو ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال لمن حضر من الأنصار: "أُبَايعُكُمْ عَلى أَنْ تَمْنَعُوني مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبنَاءَكُمْ" فبايعوه على ذلك، وسَيأتي في كتاب الفتن من وجه أخر قال: بايعنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره .. الحديث. وأصرح من ذلك في هذا المراد ما أخرجه أحمد والطبراني من وجه آخر عن عبادة في قصة جرت له مع أبي هريرة عند معاوية بالشام فقال: يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المنشط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله إذا قدم علينا يثرب فنمنعه ممّا نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنَّة، فهذه بيعة رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - الّتي بايعناه عليها. وعند الطبراني له طرق أخرى وألفاظ قريبة من هذه، فوضح بهذا أن الذي وقع في العقبة ما ذكر.

وصدرت بعد ذلك مبايعات أخرى سيأتي ذكرها في كتاب الأحكام، منها المبايعة على مثل بيعة النِّساء، والذي يؤكد أنّها متأخرة ما جاء في بعض الطرق أنّها كانت في فتح مكّة، وآية النِّساء كانت نزلت قبل ذلك بسنتين بعد الحديبية فسيأتي في الحدود من رواية سفيان بن عيينة عن الزّهريُّ في حديث عبادة هذا أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لما بايعهم قرأ الآية كلها، وفي تفسير سورة الممتحنة فتلا عليه آية النِّساء {أَنّ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا}. وللنسائي من طريق الحارث بن فضيل عن الزهريّ في أول هذا الحديث: "أَلَا تُبَايِعُوني عَلى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بالله شَيْئًا ... " الحديث. وللطبراني من وجه آخر: بايعنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - على ما بايع عليه النِّساء يوم فتح مكّة ... الحديث. وهذه الطرق يحتمل أنّ تتعلّق بقوله: بايعنا، وبقوله: بايع. ولمسلم من طريق أبي الأشعث عن عبادة: أخذ علينا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - كما أخذ على النِّساء. ففي هذه الطرق كلها دلالة ظاهرة على أن هذه المبايعة بهذه الصِّفَة إنّما صدرت بعد بيعة العقبة بمدة ولا سيما الطريق المفسرة بأنّها كانت في فتح مكّة وذلك بعد إسلام أبي هريرة قطعًا. ويؤيده ما أخرجه ابن أبي خيثمة من طريق أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "أُبَايِعُكُمْ عَلىَ أنّ لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا ... " فذكر نحو حديث الباب ورجاله موثوقون. وقد قال إسحاق بن راهويه: إذا صح الإِسناد إلى عمرو بن شعيب فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر .. انتهى. وإذا كان عبد الله بن عمرو حضر هذه المبايعة وليس هو من الأنصار ولا

ممّن حضر بيعه العقبة ظهر تغاير البيعتين. ومثله ما رواه الطبراني من حديث جرير: بايعنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - على مثل ما بايع عليه النِّساء ... فذكر الحديث، وإسلام جرير متأخر عن إسلام أبي هريرة وإنّما وقع الإلتباس لأنّ عبادة حضر البيعتين، وكانت بيعة العقبة من أعظم ما يمتدح به، وكان يذكرها إذا حدث تنويهًا بسابقتيه كما ذكرها في قصة توبته في الحديث الطويل، ورجح شهودها على شهود بدر، فلما حدث بالبيعة الّتي وقعت على مبايعة النِّساء ذكر أنّه شهد العقبة وبايع فيها فتوهم من لم يقف على حقيقة ذلك أنّهما جميعًا وقعا في ليلة واحدة. ونظير ما وقع من هذا التوهم ما أخرجه أحمد من طريق محمَّد بن إسحاق عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده وكان أحد النقباء قال: بايعنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بيعة الحرب، وكان عبادة من الإثنى عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى على بيعة النِّساء وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر ... الحديث. ووقع ذكر بيعة النِّساء في ليلة العقبة. وفي رواية أخرى لابن إسحاق من طريق الصنابحي عن عبادة، وهذا ظاهر في اتحاد البيعتين لكن فيه وهم، وسيأتي في كتاب الأحكام من وجه آخر عن يحيى بن سعيد على الصواب ليس فيه ذكر بيعة النِّساء والحرب، وإنّما أذن فيها بعد الهجرة وذلك بعد بيعة العقبة فيحمل الأمر على أنّ عبادة حضر البيعات كلها، وكان يجمعها تارة ويفرد بعضها أخرى، والعلم عند الله تعالى. وحاصل ما تأولته أنّ قول عبادة إنِّي من النقباء الذين بايعوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أي ليلة العقبة على الإيواء والنصر والسمع والطاعة كما تقدّم ثمّ قال: وقال: بايعنا ... الخ أي في وقت آخر وليس ذلك تفسيرًا لبيعة العقبة.

ويؤيده الإتيان بالواو العاطفة في قوله: وقال: بايعناه وقد ارتفع بهذا التفسير الذي نهجت طريقة الإشكال الذي بين حّديثي عبادة وأبي هريرة وأنّه - صلّى الله عليه وسلم - كان يقول: "أوَّلا لَا أَدْري الْحُدُود كَفَّارة لِأَهْلِهَا أمْ لَا" حتّى سمعه أبو هريرة منه ثمّ أعلمه الله أنّ الحدود كفارة فسمعه عبادة بسماعه منه بعد ذلك ولم يَسمعه أبو هريرة (¬73). قال (ع): ويبطله أنّ أبا هريرة صرح بسماعه من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بعد ما سمعه من صحابي آخر فلذلك صرح بالسماع وهذا غير ممنوع ولا محال (¬74). قال (ح): هذا لا يغير شيئًا لأنّه يبقى الإِشكال الأوّل على حالة إذا بنينا على أنّ حديث عبادة متقدم وحديث أبي هريرة متأخر. قال (ع): الثّاني يحتمل أنّه صرح بالسماع من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لتوقفه بالسماع من صحابي آخر فإن الصّحابة كلهم عدول لا يتوهم فيهم الكذب (¬75). قال (ح): قوله: الصّحابة كلهم عدول مسلم، لكن لا يعرف عن أحد منهم ولا عمن بعدهم من أهل الصدق أن يقول: سمعت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، ومراده أنّه سمع ذلك ممّن سمعه منه، ولو وجد ذلك لما بقي معنى ما يفصل المنقطع من المتصل، ولو اطرد هذا التجوز لما تميز حديث المدلس إذا صرح من حديثه وإذا عنعن. قال (ع): وقوله: والحدود لم تكن نزلت إذ ذاك لا يلزم منه أنّ الحدود تكون كفارات في المستقبل (¬76). قال (ح): فينحل إلى أن التقدير من أذنب ذنبًا بعد أن نزلت الحدود ¬

_ (¬73) فتح الباري (1/ 66 - 67). (¬74) عمدة القاري (1/ 158). (¬75) عمدة القاري (1/ 158). (¬76) عمدة القاري (1/ 158).

ثمّ أقيم عليه حده فهو كفارة له، ولا يخفى ما فيه من التعسف. قال (ع): وقوله: الحق عندي أن حديث أن هريرة صحيح غير مسلم، فإن الحديث أخرجه الحاكم وقد علم مساهلة الحاكم في باب التصحيح، وقول الدارقطني أن هشام بن يوسف أرسله، إلى أن قال: وحديث عبادة أصح، فلا يساوي حديث أبي هريرة حتّى يقع بينهما التعارض فيحتاج إلى الجمع (¬77). قال (ح): لا يلزم من نسبة الحاكم إلى المساهلة في التصحيح أن يكون كلّ حديث صححه تساهل فيه، بل ينظر في السند فإن كان من رجال الصّحيح له ولم يكن فيه علة خفية قادحة فهو صحيح كما قال، والأمر هنا كذلك في الرجال، والعلّة الّتي ذكرها الدارقطني غير قادحة فإن الوصل عند كثير من المحدثين وجميع أهل الفقه والأصول مقدم على الإرسال، سلمنا أن الإرسال مقدم لكنه في رواية معمر وقد ذكرنا أن آدم وصله ولم يعارضه فيه معارض، وأما دعواه أن الجمع لا يكون إِلَّا في المتعارضين وأن شرط المتعارضين أن يتساويا في القوة، فهو شرط لا مستند له فيه بل إذا صح الحديثان وكان ظاهرهما التعارض وأمكن الجمع بينهما فهو أولى من الترجيح. قال (ع): والدّليل على أن عبادة كان ممّن بايع ليلة العقبة، فذكر طرفًا ممّا تقدّم في سياق (ح) وأتعب نفسه في ذلك فإن (ح) ما نفى أن يكون عبادة شهد ليلة العقبة حتّى يستدل عليه. قال (ع): وإستدلاله بقراءة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - آية النِّساء لا حجة له فيه لاحتمال أن يكون عبادة لما صار يحدّث بحديث ليلة العقبة كان يذكر فيه قراءة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - آية النِّساء لأنّه حضر البيعتين (¬78). ¬

_ (¬77) عمدة القاري (1/ 158). (¬78) عمدة القاري (1/ 159).

قال: ولا يخفى تعسفه وما تقدّم حمله عليه أقرب فهو أولى. قال (ع): وتمسك هذا القائل بما وقع في حديث الصنابحي في الحديث المذكور من زيادة قوله: ولا ينتهب على أن هذه البيعة متأخرة، لأنّ بيعة الحرب إنّما شرعت بعد ليلة العقبة، والإنتهاب فرع مشروعية الحرب، وهذا التمسك فاسد لأن الإنتهاب أعم من أن يكون في المغانم وغيرها (¬79). قال (ح) لكنه المتبادر [فالتمسك] وهذا التمسك به صحيح، ولو لم يكن في هذا الكتاب إِلَّا هذا الموضع لكان في غاية الدلالة على التحامل، والتغيير في وجوه المحاسن وطمس معالم الصواب والله المستعان. قوله: ¬

_ (¬79) عمدة القاري (1/ 159).

9 - باب {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}

9 - باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} قال (ح): مُنَوَّن في الرِّواية والتقدير [هذا] بابُ تفسير قوله تعالى {فَإِنْ تَابُوا ... الخ} وتجوز الإِضافة، والتقدير باب تفسير قوله تعالى، وإنّما كان الحديث تفسيرًا للآية، لأنّ المراد بالتوبة في الآية قوله: {فَإِنْ تَابُوا} الرجوع عن الكفر إلى الإيمان، وفسره بقوله: "حَتَّى يَشْهَدوا أَنَّ لَا إله إِلَّا اللهُ ... الخ" (¬80). قال (ع): فيه نظر من وجوه: الأوّل: باب هو منون في الرِّواية دعوى بلا برهان، فمن قال من المشائخ الكبار ممّن يعتمد كلامهم: إنَّ هذه رواية، على أنَّ الرِّواية إذا خالفت الدراية لا تقبل، اللَّهُمَّ إِلَّا إذا وقع نحو هذا في الألفاظ النبوية فحينئذ يجب تأويلها على وفق الدراية، وقد قلنا: إنَّ هذا بمفرده لا يستحق الإِعراب إِلَّا إذا قدرنا [نحو] هذا باب بالتنوين أو بالإِعراب بلا تنوين بتقدير الإِضافة إلى الجملة، ثمّ استمر في المناقشة بمثل هذه الإِيرادات الّتي يمجها سمع كل من له فهم قدر ورقة، فمن أراد أن يضيع الزّمان في غير فائدة فليراجعه من كتابه (¬81). قوله: ¬

_ (¬80) فتح الباري (1/ 75). (¬81) عمدة القاري (1/ 178).

10 - باب من الدين الفرار من الفتن

10 - باب من الدِّين الفرار من الفتن قال (ح): عدل المصنف عن التّرجمة بالإيمان مع كونه يترجم بذلك لأكثر الأبواب مراعاة للفظ الحديث، ولما كان الإيمان والإِسلام في عرف الشّرع عنده مترادفين، وقال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} صح إطلاق الدِّين في موضع الإيمان (¬82). قال (ع): فإن قلت: لِمَ لَمْ يقل باب من الإيمان الفرار من الفتن كما ذكر في أكثر الأبواب الماضية والآتية. قلت: إنّما قال ذلك ليطابق التّرجمة الحديث بذكره في الباب فإن المذكور فيه الفرار بالدين من الفتن، ولا يحتاج أن يقال لما كان الإيمان والإِسلام عنده مترادفين وقال الله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} أطلق الدِّين في موضع الإسلام. انتهى (¬83). فانظر كيف أخذ كلام (ح) الموجز فأسهب فيه ولم يزد عليه من جهة المعنى إِلَّا أنّه أوهم أن المناسبة الأولى من تصرفه، والثّانية من تصرف غيره ولا يحتاج إليها. قال (ح): قوله: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ" يعني أمرني الله عَزَّ وَجَلَّ لأنّه لا آمر لرسول الله - صلّى الله عليه وسلم - إِلَّا الله، وقياسه في الصحابي إذا قال: أمرت، فالمعنى: أمرني رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، ولا يحتمل أن يريد أمرني صحابي آخر لأنّهم ¬

_ (¬82) فتح الباري (1/ 69). (¬83) عمدة القاري (1/ 160 - 161).

من حيث إنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر، وإذا قال التابعي احتمل. والحاصل أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الآمر له ذلك الرئيس (¬84). قال (ع): أخذ كلام الكرماني وقلبه، وذلك أن الكرماني قال: إذا قال الصحابي أمرت فهم منه أن الرئيس أمره، فجعل الكرماني قوله: فإن الرئيس علة لقوله فهم منه وجعله هذا القائل حاملًا وداعيًا. وقوله: من حيث إنهم مجتهدون، لا دخل له هنا لأنّ الحيثية تقع قيدًا، وهذا القيد غير محتاج إليه هنا لأنّ المدعى ههنا أن الصحابي إذا قال: أمرت فمعناه أمرني رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - من حيث إنّه هو الآمر فيهم والمشرع، وليس المعنى أمرني رسول الله من حيث إنِّي مجتهد. وهذا كلام في غاية السقوط (¬85). قلت: أقول بالموجب، وقوله: هذا إشارة إلى الكلام القريب ففيه غفلة عن المراد، وهو تقسيم القائل إلى مجتهد وغير مجتهد، فإذا أورد الصحابي ¬

_ (¬84) فتح الباري (1/ 76). (¬85) عمدة القاري (1/ 181) وقال البوصيري في مبتكرات اللآلي (ص28) بعد أن نقل نص كلام الحافظ بن حجر: إنَّ من المقطوع به أن النسخة الّتي نقل منها العيني كلام ابن حجر محرفة تحريفًا لا يقبل الإِصلاح؛ لأن ما اعترض به العيني عليه لا ينصب على عبارة ابن حجر الّتي نقلتها، وهي نظيفة لا يحتاج فهمها إلى إعمال فكر ولا إشكال في منطوقتها ولا في مفهومها بل زاد على الكرماني علة نفي أن يراد في الفاعل أن يكون صحابيًا مثله حيث لا يكون الآمر مجتهدًا مثله، والمجتهد لا يقلد غيره كما هو مقرر في كلّ كتاب من كتب الأصول، وهو مبني على أن للصحابي أن يجتهد زمنه، - صلّى الله عليه وسلم - وهو الحق، بل هو واقع كثيرًا، علمناه من الوقائع الكثيرة.

الكلام في مساق الاحتجاج دل على أنّه اجتهد في ذلك الحكم فاحتج له بقوله: أمرت، فلو فرض أن آمره صحابي أخر للزم تقليد المجتهد للمجتهد وهو باطل، فتعين أن يكون آمره الرسول لأنّه المشرع، وإذا لم يورده الصحابي في مقام الاحتجاج جاز أن يكون الآمر به غير الرسول كأبي بكر أو غيره، ممّن له الحكم بطريق الاجتهاد والمأمور مقلد، وإنّما جاء قوله ممّن اشتهر ... الخ تذييلًا للكلام المتقدم وتقوية له فلينظر المتأمل وينصف المناظر. ومن العجائب أن (ع) يعيب على من يأخذ كلام غيره ويتصرف فيه موهمًا أنّه من تصرفه حتّى في هذا الباب بعينه، ولم نسمع بأحد اعتمد ذلك في شرحه غيره حتّى إنّه يزيد على غيره بأن يكتب كلام السابق حتّى قول السابق. قلت، فيكتبها موهمًا أنّه هو القائل، فإن تعمد فهي سرقة قبيحة، وإن غفل عن مثل ذلك فناهيك. وأما قوله: هذا القيد غير محتاج لأنا قلنا: إنَّ الصحابي إذا قال: أمرت فمعناه أمرني النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أن ذلك لم يخف على (ح) وإنّما أراد تنقيح المناط بأن حمل قول الصحابي أمرت على ذلك محله ما إذا أورد الحديث مجيبًا لمن سأله عن الحكم على سبيل بيان مسنده فحينئذ يحمل قوله: أمرت على أن آمره يشرع له تقليده بخلاف إذا كان بصدد الرِّواية خاصّة فإن المجتهد يحق له أن يروي عن مجتهد آخر شيئًا من اختيار ذلك المجتهد ولا يجوز له أن يورد كلامه في مقام الاحتجاج لأنّ المجتهد لا يقلد مجتهدًا آخر، فمن لا يفهم هذا القدر مع وضوحه كيف يدعي أنّه كلام في غاية السقوط فالله المستعان. قوله:

11 - باب من قال إن الإيمان هو العمل لقوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون}

11 - باب من قال إنَّ الإيمان هو العمل لقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قال (ح): قال النووي بعد أن حكى ما ذكره البخاريّ في قوله تعالى: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الآية وجه آخر وهو المختار والمعنى: "لَنَسْأَلَنَّهُمْ" عن أعمالهم كلها الّتي يتعلّق بها التكليف، وقول من خصه بلفظ التّوحيد دعوى لا دليل عليها فلا تقبل، وأمّا الحديث الذي أخرجه التّرمذيّ عن أنس فهو ضعيف (¬86). قلت: لتخصيصهم وجه من جهة التعميم في قوله: "أجمعين" بعد أن تقدّم ذكر الكفار إلى قوله: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} فيدخل فيه الكافر والمسلم، فإن الكافر مخاطب بالتوحيد بلا خلاف، بخلاف باقي الأعمال ففيها الخلاف، فمن قال إنهم مخاطبون يقول إنهم مسؤولون عن الأعمال كلها، ومن قال إنهم غير مخاطبين يقول: إنّما يسأل عن التّوحيد فقط، فالسؤال عن التّوحيد متفق عليه، فهذا دليل التخصيص فحمل الآية عليه أولى بخلاف العمل على جميع الأعمال لما فيه من الاختلاف (¬87). قال (ع): هذا القائل قصد بكلامه الرَّدِّ على النووي ولكنه تاه في كلامه، فإن النووي لم يقل بنفي التخصيص لعدم التعميم في الكلام وإنّما ¬

_ (¬86) شرح النووي على على صحيح البخاريّ (ص 168 - 169). (¬87) فتح الباري. (1/ 78).

قال: دعوى التخصيص بلا دليل خارجي لا يقبل، وإنّما قال ذلك لأنّ الكلام عام في السؤال عن التّوحيد وغيره، فمن خصه بالتوحيد يحتاج إلى دليل، فإن استدلوا بالحديث فهو ضعيف، وهذا القائل فهم أن النزاع إنّما هو من جهة التعميم في قوله {أَجْمَعِينَ} وليس كذلك، وإنّما هو في قوله {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فإن العمل هنا أعم من أن يكون توحيدًا أو غيره، وتخصيصه بالتوحيد تحكم، قوله: فيدخل فيه المسلم والكافر غير مسلم، لأنّ الضمير في قوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ} يرجع إِلَى الْمُسْتَهْزِئِينَ {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} وهم ناس مخصوصون، ولفظ {أَجْمَعِينَ} وقعت تأكيدًا للضمير المذكور في النِّسْبَةِ مع الشمول في أفراده المخصوصين ثمّ تعليل هذا القائل، فإن الكافر ... الخ ليس له دخل في صورة النزاع على ما لا يخفى (¬88). قلت: لا يخفي ما في كلامه من الخبط والتحامل ودعواه أن الضمير في "لَنَسْألَنهُمْ" للمستهزئين مردود بل هو راجع إلى المشركين المذكِورين في قوله {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} فذكر المستهزئين وقع استطرادًا، وفائدته التحريض على امتثال الأمر بالصدع المأمور به. قوله: سئل أي العمل أفضل؟ قال: "إيمَانٌ باللهِ وَرَسُولهِ" قيل: ثمّ ماذا؟ قال: "الْجِهَادُ في سبيلِ اللهِ" قيل: ثمّ ماذا؟ قال: "حَجٌ مَبرُورٌ". قال الكرماني: الإيمان لا يتكرركالحج، والجهاد قد يتكرر، والتّنوين ليس للإفراد الشخصي (¬89) والتعريف للكمال لأنّ الجهاد لو وقع مرّة ثمّ احتيج إليه فلم يقع لم يكن أفضل. ¬

_ (¬88) عمدة القاري (1/ 185) وفي عمدة القاري "ثمّ تفريع هذا القائل" بدل ثمّ "تعليل هذا القائل". (¬89) كذا في النسخ الثلاث والذي في الفتح وعمدة القاري فالتنوين للافراد الشخصي وهو الصواب.

قال (ح). فيه نظر لأن من جملة وجوه التنكير التعظيم وهو يفيد الكمال، ومن جملة وجوه التعريف العهد وهو يعطي الإِفراد الشخصي فلم يسلم الفرق، وقد أخرج الحديث الحارث ابن أبي أسامة عن إبراهيم بن سعد بسند البخاريّ فيه ولفظه "ثُمَّ جهادٌ" فوافى بين الثّلاثة في التنكير، فظهر أن التنكير والتعريف فيه من تصرف الرواة (¬90). قال (ع). هذا التعقيب فاسد لأنّه لا يلزم من أن التعظيم من جملة وجوه التنكير أن يكون دائمًا للتعظيم إلى آخر كلامه الذي من تأمله عرف قصوره وإقدامه على الدفع بالصدر إلى غير ذلك (¬91). ¬

_ (¬90) فتح الباري (1/ 78) ومبتكرات اللآلي والدرر (ص 28 - 29). (¬91) عمدة القاري (1/ 188 - 189).

12 - باب من قال إن الإيمان هو العمل لقوله تعالى: {لمثل هذا فليعمل العاملون}

12 - باب من قال إنَّ الإِيمان هو العمل لقوله تعالى: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} قال (ح): يحتمل أن يكون قائل ذلك المؤمن الذي رأى قرينه ويحتمل أن يكون كلامه انقضى عند قوله: "الفَوْزُ العَظيمْ" والذي بعده ابتدأ من قول الله عَزَّ وَجَلَّ، أو بعض الملائكة لا حكاية عن قول المؤمن والاحتمالات الثّلاثة مذكورة في التفسير، ولعلّ هذا هو السر في إبهام المصنف القائل (¬92). قال (ع): المفسرون ذكروا في قائل هذه الثلاثة أقوالًا: الأوّل: المؤمّن. الثّاني: الله الثّالث: بعض الملائكة. فلا يحتاج أن يقال في هذا يحتمل لأنّه يوهم أنّه من تصرفه ولا يصح ذلك. وقوله: ولعلّ هذا هو السر لا يصح من وجهين: أحدهما: أن البخاريّ لم يقصد ما ذكره هذا الشارح قط لأن دعواه من ذكر هذه الآية بيان إطلاق العمل على الإيمان ليس إِلَّا. والثّاني: ذكر فعل وإبهام فاعله من غير مرجح له ومن غير قرينة على تعيينه غير صحيح (¬93). ¬

_ (¬92) فتح الباري (1/ 78). (¬93) عمدة القاري (1/ 186).

قلت. انظروا واحمدوا الله على العافية، والعجب من جزمه بأن البخاريّ ما أراد ذلك وتأكيده هذه الشّهادة بالنفي بقوله قط، وبقوله ليس إِلَّا، وأمّا وجهه الثّاني فجوابه أن القرينة موجودة قوله:

13 - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة

13 - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة قال (خ): في قول سعد إنِّي لا أراه مؤمنًا: وقع بضم الهمزة هنا في رواية أبي ذر وغيره، وكذا في الزَّكاة وفي رواية الإِسماعيلي وغيره. وقال القرطبي: جازمًا به، وهو بمعنى أظنه. وقال النووي: بفتحها بمعنى أعلمه، ولا يجوز ضمها لقوله بعد ذلك ثمّ غلبني ما أعلم منه، ولأنّه راجع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مرارًا، فلو لم يكن جازمًا بإعتقاده لما تكرر. انتهى (¬94). ولا دلالة فيما ذكر على تعين الفتح لجواز إطلاق العلم على الظن في مثل هذا كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} لكن لا يلزم من إطلاق العلم أن لا تكون مقدماته ظنية فيكون نظريًا لا يقينيًا (¬95). قال (ع): بل الذي ذكره يدلُّ على تعيين الفتح لأنّه أقسم وأكد، واللام وصاغة في صور الإسمية، وراجع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ونسب العلم بنفسه فدل على أنّه كان جازمًا باعتقاده، واللزوم الذي ذكره (ح) لا يساعده لأنّ سعدًا كان وقت الأخبار عالمًا (¬96). قلت: انظروا في تحامله وأي السبيلين أولى بالقبول من يوصل إلى الجمع بين الأمرين أو من اقتصر على أحدهما، لأنّ محصل الكلام أن سعدًا ¬

_ (¬94) شرح النووي على صحيح البخاريّ (ص 172). (¬95). فتح الباري (1/ 80). (¬96) عمدة القاري (1/ 194).

ذكر أوَّلًا بأن جزمه هو من أصل ظني لأنّه لا اطلاع له على الباطن ولكنه لما انضمت إلى ظنه القرائن قوي ظنه حتّى صار علمًا، فأطلق قوله لا أعلم منه ولولا أن غير السخط يتغطى لما نازع أحد في أن الآية الّتي استدل (ح) بها مطابقة لقصة سعد لاشتراكهما في المتعلّق وهو الإيمان على أن (ح) أجاب في مكان آخر بأنّه لو ثبت أن الرِّواية بالفتح لأمكن أن يرجع لأنّها من الرأي وهو يشمل ما تهيأ عن العلم وعن الظن لا من الرِّواية، وأمّا احتجاجه بكونه جزم فلا حجة فية لأنّ الجزم لم ينحصر فيما يفيد العلم، ويجوز الجزم بما يغلب على الظن حتّى يسوغَ أن يحلف ولا يحنث. قال (ح): في الكلام على قول المعرور بن سُوَيْد: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، في رواية الإسماعيلي: أَتَيْتُ أبا ذر فإذا حلة عليه منها ثوب وعلى عبده منها ثوب، وهذا يوافق ما في اللُّغة أن الحلة ثوبان من جنس واحد، ويؤيده أن عنده في الأدب فرأيت عليه بردًا وعلى غلامه بردًا، فقلت: لو أخذت هذا فلبسته كانت حلة. ولمسلم: لو جمعت بينهما. ولأبي داود: لو أخذت هذا الذي على غلامك فجعلته مع الذي عليك لكانت حلة، وهذا أصرح، ولو كان كما في رواية الباب لكان إذا جمعهما يصير عليه حلتان، ويمكن الجمع بين الروايتين بأنّه كان عليه برد جديد تحته ثوب خلق من جنسه، وغلامه كذلك، فكأنّه قيل له لو أخذت البرد الجيد فأضفته إلى البرد الجيد الذي عليك وأعطيت الغلام البرد الخلق بدله لكانت حلة جيدة، فتليتم الروايتين ويكون معنى قوله في الرِّواية الأخرى لكانت حلة: أي كاملة الجودة والتكثير للتعظيم (¬97). قال (ع): تحمل رواية الباب على أن المجاز باعتبار ما يؤول ويضم إلى ¬

_ (¬97) فتح الباري (1/ 86).

الثّوب الذي كان على كلّ واحد منهما ثوب آخر وباعتبار إطلاق اسم الكل على الجزء وأطلق على البرد حلة باعتبار ما يؤول. ورواية الإسماعيلي أيضًا مجاز لكن في موضع واحد. وفي رواية الباب المجاز في الموضعين، هذا الذي صح لي هنا من الأنوار الإلهية. وما ذكره بعضهم ليس بجمع فإنّه نصّ رواية الباب على حلتين، وفي رواية الإِسماعيلي على حلة واحدة، والتعارض بينهما ظاهر. قال: وقوله: في الرِّواية الأخرى لكانت حلة أي كاملة الجودة، كلام صادر من غير تأمل لأنّه لا فرق بينه وبين رواية الإسماعيلي في المعنى، والتنكير فيه ليس للتعظيم وإنّما هو للإِفراد (¬98). قلت: اشتمل كلامه على أنّه أبدًا احتمال تمكن قبوله إمّا دعواه أنّه لا يمكن غيره، فدعوى مردودة، وأمّا الاحتمال الأوّل فظاهر فيه التحامل. قال (ح): في الكلام على حديث ابن مسعود لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا} استنبط منه المازري جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ونازعه عياض فقال: ليس في هذه القصة تكليف عمل، بل تكليف اعتقاد بتصديق الخير، واعتقاد التصديق لازم لأول وروده، فما في الحاجة المؤخرة لأول البيان، لكن لما أشفقوا بين لهم المراد انتهى، ويمكن أن يقال: المعتقدات أيضًا تحتاج إلى البيان، فلما أجمل الظلم حتّى تناول إطلاقه المعاصي شق عليهم حتّى ورد البيان فما انتفت الحاجة، والحق أن في القصة بيان التأخير عن وقت الخطاب لأنّهم حيث احتاجوا إلى البيان لم يتأخر (¬99). ¬

_ (¬98) عمدة القاري (1/ 207). (¬99) فتح الباري (1/ 88) ووقع في نسخة الظاهرية "الأزدي" بدل "المازري" وهو خطأ.

قال (ع): لو فهم هذا القائل كلام القاضي لما استدرك عليه لأنّ القاضي يقول اعتقاده التصديق لازم، فالذي يفهم هذا الكلام كيف يقول فما انتفت، الحاجة (¬100). قلت: رمتني بدائها وانسلت. قوله: هذا الناموس. قال (ح): هو صاحب السر كما جزم به المؤلِّف في أحاديث الأنبياء، وزعم ابن ظفر وغيره أن الناموس صاحب سر الخير، والجاسوس صاحب سر الشر، والصّحيح الذي عليه الجمهور الأوّل، وقد سوى بينهما رؤبة بن العجاج أحد فصحاء العرب (¬101). قال (ع): ليس بصحيح بل الصّحيح الفرق بينهما كما نقله النوويِ في شرحه عن أهل اللُّغة، وكذا ذكر أبو عبيد الهروي. وقال الصغاني في العباب: ناموس الرجل صاحب سره الذي يطلعه على باطن أمره ويخصه به ويستره عن غيره، وأهل الكتاب يسمون جبريل الناموس الأكبر (¬102). ¬

_ (¬100) عمدة القاري (1/ 216). (¬101) فتح الباري (1/ 26). (¬102) عمدة القاري (1/ 52) قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 20) بعد أن نقل كلام العيني: فكلام العيني يقتضي أن الذي صححه ابن حجر هو ما قاله رؤبة من التسوية بينها، مع أن صريح كلام ابن حجر أن الذي صححه هو الأوّل الذي قاله البخاريّ، وشرح عليه العيني أوَّلًا، فهما متفقان حرفًا بحرف، وبينه وبين ما قاله ابن ظفر العموم والخصوص، فالناموس أعم، لكن العيني رحمه الله ناقض، حيث جعل الفرق بينهما وهو الصّحيح، فكلام ابن حجر لا غبار عليه فاعرفه.

قلت: انظرْ وتعجب يورد كلام الصغاني في مقام الإِحتجاج به وهو حجة عليه. قوله: فقالت له خديجة: يا ابن عم، كذا وقع هنا وهو الصّحيح لأنّه ابن عمها، ووقع في رواية لمسلم يا عم. قال (ح): هذا وهم لأنّه وإن كان صحيحًا لإِرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد، ومخرجها متحد، فلا يحمل على أنّها قالت له في ذلك المجلس: يا عم يا ابن عم فتعين العمل على الحقيقة (¬103). قال (ع): ليس بوهم بل هو صحيح لأنّها سمته عمها مجازًا للإِحترام، وهذه عادة العرب في مخاطبة الكبير، ولا يحصل هذا الغرض بقوله: يا ابن عم، فعلى هذا فتكون تكلمت باللفظين، وكون القصة متحدة لا ينافي اللفظين (¬104). قوله: الناموس الذي أنزل على موسى. قال (ح): كذا وقع وتقدم أن ورقة كان قد تنصر فكيف لم يقل على عيسى؟ وأجيب: بأن كتاب موسى يشتمل على الأحكام بخلاف كتاب عيسى فإن أكثره مواعظ وإنّما فيه من الأحكام ما نسخ كما قال تعالى: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} وكذلك كتاب محمَّد - صلّى الله عليه وسلم - يشتمل على جميع الأحكام. وأجيب أيضًا: بأن موسى بعث بمهلكة فرعون ومن معه بخلاف عيسى، وكذلك النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بعث بهلاك فرعون هذه الأُمَّة وهو أبو جهل كما ¬

_ (¬103) فتح الباري (1/ 25). (¬104) عمدة القاري (1/ 54).

وصفه بذلك في غير هذا الحديث فحصلت المناسبة من وجهين (¬105). قال (ع): هذا بعيد لأنّ ورقة ما كان يعلم في ذلك الوقت بوقوع هلاك أبي جهل كما كان يعلم بوقوع هلاك فرعون حتّى يذكر موسى ويترك عيسى انتهى (¬106)، وما نفاه هو البعيد لأنّه مانع من أن يعلم الشيء قبل وقوعه ممّا اطلع عليه من الكتب السالفة، فقد قال الله تعالى في حق عيسى {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} فإذا بشر عيسى بوجوده أيمتنع أن يذكر من صفته ما يستدل به ورقة على ما ذكر من المناسبة كما علم من ما سيأتي من تمالي قومه عليه حتّى قال: لئن أدركني يومك لأنصرنك. قوله: قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة إنّما أتى بحرف العطف في قوله: وأخبرني ليعلم أنّه معطوف على الإسناد السابق إلى ابن شهاب، فكأنّه قال: أخبرني عروة عن عائشة، وكذا وأخبرني أبو سلمة عن جابر بكذا، وعلى هذا فقد أخطأ من زعم أنّه معلق (¬107). قال (ع): عرض بهذا الكرماني ولا معنى للإنكار، لأنّ الحديث صورته في الظّاهر صورة المعلق ولو كان عنده مُسْنَدًا من وجه آخر فلا وجه للتخطية يعرف من التعليل الذي ذكر؟ ثمّ قال (ع): فإن قلت: لم قال؟ قال ابن شهاب، ولم يقل روى أو وعن ونحو ذلك. قلت: لأنّ الحديث إذا كان ضعيفًا لا يقال فيه قال بالجزم، بل يقال حكى، أو قيل بصيغة التّمريض انتهى (¬108). ¬

_ (¬105) فتح الباري (1/ 26). (¬106) عمدة القاري (1/ 55). (¬107) فتح الباري (1/ 28). (¬108) عمدة القاري (1/ 65).

ولم تنحصر صيغة الجزم في قال، بل مثلها حكى وروى وذكر ونحو ذلك كلّ ذلك إذا بني للفاعل واما عن فلا يختص بالجزم ولا بالتّمريض بل تستعمل لكل منهما. وكذا قوله: وفي الباب عن فلان، فلو سأل سائل: لم قال ابن شهاب ولم يقل: ذكر ابن شهاب؟ لكان له وجه من جهة أخرى ليس هذا موضع بيانها، بل قد فرغ من بسطها في كتب علم الحديث، ومما أخذه مصالقة أن (ح) ذكر في باب متى يصح سماع الصغير؟ اعترض ابن أبي صفرة على البخاريّ لكونه أورد قصة محمود بن الربيع وهو ابن خمس، وأغفل قصة عبد الله بن الزبير في يوم بني قريظة، وفيها أنّه رأى أباه يختلف إلى بني قريظة وقص قصته تدل على أنّه ضبطها، وسنه يومئذ ثلاث سنين أو أربع، فكان هو أولى بالذكر. ونقلت ما أجبت به عن اعتراضه بأن قصة محمود يستفاد منها سنة مقصودة نقلها عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، ويستفاد منها ثبوت صحبته، وقصة ابن الزبير موقوفة. ثمّ قلت: وغفل الزركشي فقال: يحتاج المهلب إلى ثبوت أن قصة ابن الزبير صحيحة على شرط البخاريّ. انتهي. والبخاري قد أخرج قصة ابن الزبير المذكورة في مناقب الزبير في الصّحيح، فالإيراد موجه (¬109). والعجب ممّن يتكلم على كتاب يغفل عما وقع فيه في المواضع الواضحة ثمّ يعترض. قال (ع): في هذا الموضع ناقلًا نصَّ ما لخصه (ح) هنا ناسبًا له لنفسه، ولفظه: ¬

_ (¬109) فتح الباري (1/ 173) وعمدة القاري (2/ 72).

فائدة تعقب ابن أبي صفرة على البخاريّ ذكره حديث محمود ابن الربيع في اعتبار خمس سنين، وأغفل له حديث عبد الله بن الزبير أنّه رأى أباه يختلف إلى بني قريظة في يوم الخندق ويراجعهم فيه، ففيه السمع منه وكان سنه إذ ذاك ثلاث سنين أو أربع فهو أصغر من محمود، وليس في قصة محمود ضبطه لسماع شيء، وكان ذكره حديث ابن الزبير أولى. وأجيب: بأن البخاريّ إنّما أراد نقل السنن النبوية لا الأحوال الوجودية، ومحمود نقل سنة مقصودة في كون النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مج مجة في وجهه لإفادته البركة بل في مجرد رؤيته فائدة شرعية ثبت بها كونه صحابيًا. وأمّا قصة ابن الزبير فليس فيها نقل سنة من السنن النبوية تدخل في هذا الباب. وقال الزركشي في تنقيحه: ويحتاج المهلب إلى ثبوت أن قصة ابن الزبير صحيحة على شرط البخاريّ. قلت: هذا غفلة منه فإن قصة ابن الزبير أخرجها البخاريّ في مناقب ابن الزبير في الصّحيح، فالجواب على ما ذكرناه. انتهى (¬110). فانظر كيف أخذ ما نقله غيره فلم ينسبه إليه بل أوهم أنّه نقله من موضعه ثمّ زاد بأن ادعى الاعتراض على الزركشي ونسبه إلى الغفلة بصريح قوله قلت ... الخ. ولو لم يكن فيما انتهبه هذا الرَّجل من هذا الشرح إِلَّا هذا الموضع لكانت فيه كفاية لمن تدبر، فإنّه مع استلابه كلام غيره لا يؤدِّيه على جهته بل يتصرف فيه طلبًا لإخفائه حالة، وينشأ من تصرفه غلط لا يهتدي لصوابه، ولفظ الزركشي الذي نقله (ح). هو الموجود في تنقيحه وهو قوله: يحتاج المهلب إلى ¬

_ (¬110) عمدة القاري (2/ 72 - 73).

ثبوت أن قصة ابن الزبير صحيحة على شرط البخاريّ، فزاد هذا الرَّجل هذا النقل زيادة ليست في كلام هذا القائل ولا في كلام من نقل عنه والله المستعان. ومن ذلك قوله في باب مسح الرّأس كله، وسئل مالك أيجزيء أن يمسح بعض رأسه فاحتج بحديث عبد الله بن زيد. قال (ح): السائل عن ذلك هو إسحاق بن عيسى بن الطباع بينه ابن خزيمة في صحيحه من طريقه ولفظه سألت مالكًا عن الرَّجل يمسح مقدم رأسه في وضوئه أيجزئه ذلك، فقال: حدثني عمرو بن يحيي عن أبيه عن عبد الله بن زبير قال: مسح رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في وضوئه من ناصيته إلى قفاه، ثمّ رد يده إلى ناصيته يمسح رأسه كله (¬111). فأخذه هو فقال (ع): السائل عن مالك في مسح الرّأس هو إسحاق، واستمر إلى قوله فمسح رأسه كله انتهى (¬112). وهذه الفائدة لم يذكرها شيخنا ابن الملقن ولا شيخه مغلطاي ولا شيخه القطب ولا ذكرها ابن بطّال ولا ابن التين وهما أجدر بأمور مالك لكونهما على مذهبه، ولا الكرماني ولا الزركشي وهؤلاء هم الذين يستمد من كلامهم من يتكلم على صحيح البخاريّ لوجود شروحهم بين أيديهم بخلاف كثير من الشارحين ممّن بعد العهد بالوقوف على كتبهم وما ظفر (ح) بها إِلَّا بعد التعب الشديد والبحث الطويل، ولولا أنّه كان أولع بالتعب على تعاليق البخاريّ، ومن وصلها ما تهيأ له أن يعرفها لما شرع في الشرح فجاء هذا المستريح اختطفها بغير شكر ذلك الأثر. وفي باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "أنا أعلمكم بالله" إلى أن قال (ح): هذا ¬

_ (¬111) صحيح ابن خزيمة (1/ 81) وفتح الباري (1/ 290). (¬112) عمدة القاري (3/ 68).

الحديث من أفراد البخاريّ عن مسلم وهومن غرائب الصّحيح لا أعرفه إِلَّا من هذا الوجه فهو مشهور عن هشام فرد مطلق من حديثه عن أبيه عن عائشة (¬113). هذا ما كنت كتبته أوَّلًا فاستلبه (ع) فقال: هذا الحديث من أفراد البخاريّ عن مسلم وهو من غرائب الصّحيح لا يعرف إِلَّا من هذا الوجه فهو مشهور عن هشام فرد مطلق من حديثه عن أبيه عن عائشة (¬114). قلت: غير من الكلام لا أعرفه فجعلها لا يعرف بضم أوله على البناء للمجهول فوقع مع الإِستيلاب في دعوى لا عذر له فيها كعذر الذي قبله لأنّ المأخوذ منه نفي معرفة نفسه، وهذا نفي معرفة غيره. وقد رجع (ح) عن ذلك واطلع على وجدان متابعته لهشام، ولو كانت غير تامة وقد ألحق هنا ذلك وأشار إلى بيان مكانها من صحيح البخاريّ (¬115). وقد أشار (ع) على ما ذكره (ح) من الكلام على قوله كان إذا أمرهم أمرهم، ومن رواها بالتكرير ومن أفردها، وتقدير كلّ من ذلك، ومن راجع هذا الموضع من شرحه رأى العجب من إقدامه على أخذ كلام غيره كما هو من غير أن ينسبه إلى قائله بل يوهم أنّه من تصرفه والله المستعان (¬116). قوله: وفي باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ... الخ}. نبه (ح) في السند على وهم الكرماني في نسب أبي روح حرمي بن عمارة بن أبي حفصة وفي اسمه (¬117). ¬

_ (¬113) فتح الباري (1/ 72). (¬114) عمدة القاري (1/ 166). (¬115) فتح الباري (10/ 513 - 514). (¬116) فتح الباري (1/ 71) وعمدة القاري (1/ 166 - 167). (¬117) فتح الباري (1/ 75).

فقال (ع). وهم الكرماني في موضعين، فذكر ما ذكره (ح) من غير أن ينسبه إليه بل ختم كلامه بأن قال. والصواب ما ذكرنا (¬118). ثمّ أغار (ع) على ما ذكره (ح) في البحث مع النووي في الاستدلال بحديث الباب على قتل تارك الصّلاة، ومع الكرماني على قتل تارك الصّلاة، فأخذ كلام (ح) في ذلك مصالقة وأسقط منه شيئًا فقوي بحثه والله المستعان (¬119). وفي قوله: ¬

_ (¬118) عمدة القاري (1/ 179). (¬119) فتح الباري (1/ 76) وعمدة القاري (1/ 181).

14 - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة

14 - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة تكلم (ح) في قول البخاريّ رواه يونس وصالح ومعمر وابن أخي الزّهريّ عن الزّهريّ على من وصل هذه التعاليق وعلى ما وقع في رواية مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن الزّهريّ، وأن الصواب أن سفيان هذا أدخل بينه وبين الزّهريّ في هذا الحديث معمرًا فأغار (ع) على جميع ذلك في نحو ورقة يسوق كلام (ح) كما هو موهمًا أنّه الذي تعب على ذلك وحصله وبحث فيه ونقحه والله المستعان (¬120). ومن عجيب ما استلبه ما وقع في باب وضوء الرجل مع امرأته وتوضأ عمر بالحميم. نقل (ح) عن الرافعي أنّه قال: إنَّ الصّحابة تطهروا بالماء المسخن بين يدي رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليهم، وتعقبه المحب الطّبريّ بأنّه لم يره في غير الرافعي. قال (ح): قلت: قد وقع لبعض الصّحابة فيما رواه الطبراني إلى آخر الكلام في نحو صفحة نقلها من كلام (ح) بلفظه مع التعبير بقوله قلت. ولا يستحيي ممّن يطالع شرحه الجديد وينظر في شرح الذي قبله فيجد ¬

_ (¬120) فتح الباري (1/ 81) وتغليق التعليق (2/ 32 - 36) وعمدة القاري (1/ 196).

نقلا نقل كلام غيره وادعاه لنفسه من غير مبالاة بعيب عائب أو عتاب عاتب والله المستعان (¬121). ومن عجيب ما استلبه أن يأخذ كلام الشارح ويبسطه يوهم أنّه من تصرفه كما وقع في أثناء الطّهارة. ¬

_ (¬121) انظر التلخيص الحبير (1/ 21 - 22) وعمدة القاري (1/ 83).

15 - باب من الكبائر أن لا يستبرىء من بوله

15 - باب من الكبائر أن لا يستبرىء من بوله قال (ح): قوله من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بحائط أي بستان. وللمصنف: خرج النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - من بعض حيطان المدينة، فيحمل على أن الحائط الذي خرج منه غير الحائط الذي به مر. وفي الأفراد للدارقطني من حديث جابر أن الحائط كان لأمِّ مبشر الأنصارية، وهو يقوي رواية الأدب أنّه جزم فيها بالمدينة من غير شك [في رواية شريك] (¬122). فقال: مر في حائط أي بستان النخل إذا كان عليه جدار ويجمع على جدران. واسترسل في هذا إلى أن قال: فإن قلت أخرج: البخاريّ: هذا من الأدب، ولفظه خرج النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - من بعض حيطان المدينة، وهنا مر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بحائط وبينهما تنافٍ. قلت: ففيه أن الحائط الذي فرج منه غير الحائط الذي مر به. وفي أفراد الدارقطني ... الخ حتّى أن (ح) لما ذكر الجواب عما وقع في مسلم نقل عن النووي أنّه جمع بأن يكون معمر حدث به على الوجهين (¬123). ¬

_ (¬122) لم يظهر لنا وجه ما بين المعكوفين مع أنّه ليس موجودًا في فتح الباري ولا عمدة القاري. (¬123) عمدة القاري (1/ 115) وفتح الباري (1/ 317).

فقال (ع) ما نصه: وأجاب النووي بأنّه يحتمل أن سفيان سمعه من الزّهري مرّة، ومن معمر عن الزّهري فرواه على الوجهين فقال بعض الشراح فيه نظر ولم يبين وجهه ووجهه أن معظم الروايات في الجوامع والمسانيد عن ابن عيينة عن معمر عن الزّهري بزيادة معمر ولم يوجد بإسقاطه إِلَّا عند مسلم إلى آخر الكلام. قوله: إنَّ معظم الروايات ... الخ كلام (ح) بعينه بزيادة أيضًا والله المستعان (¬124). ثمّ أخذ كلامه في قصة جعيل الذي قال سعد في حقه إنِّي لأراه مؤمنًا من قوله، فإن قيل: كيف لم تقبل شهادة سعد الجعيل بالإِيمان فكتب من ذلك نحو الصفحة بعضها على الولاء وبعضها يزيد في الكلام حشوًا، ويقدم بعضًا ويؤخره ولا تخفى هذه المصالقة عند من له أدنى حذق والله المستعان (¬125). وقد كنت قصدت أن أتتبع جميع ما أخذه بها وأبين كيفية أخذه له على نمط ما قدمته في هذه الأبواب طلبنا أنّه يقع له أحيانًا، فلما أمعنت وجدت الأمر فيه يطول جدًا لأنّه لا يخلو في جميعه عن شيءٍ من ذلك إمّا في الكلام على الإِسناد وإما في الكلام في المتن، وإنّما يخفي عمله في ذلك لا يتبع ما حذفته من كلام الكرماني، ومن كلام ابن الملقن بما أرى منه حشوًا وتكريرًا ومردودًا، فإني اعتقبت في هذا الفتح بالإِيجاز ما وجدت إليه سبيلًا، ثمّ أني لا أحب أن أضيع الوقت في بسط الرَّدِّ على من وهم بل أكتفي بالإِشارة في غالب الأحوال، وكأنّه يظن أني أغفلته سهوًا فيبادر هو إلى إيراده كله وربما ¬

_ (¬124) عمدة القاري (1/ 192 - 193). (¬125) عمدة القاري (1/ 194 - 195).

بالغ في بسط الكلام على إعراب جملة أو تصريف كلمة بما لا يستفاد منه كبير أمر كقوله: "آيةُ اْلمُنَافِقِ ثَلَاثٌ". فإن قلت: ما وزان آية؟ قلت: فيه أربعة أقوال. فاستمر يسرد ورقة في النقل عن أهل التصريف، فلو التزم ذلك في جميع أنظاره لكان كتابه أضعاف ما اقتصر عليه، لكنه بحسب ما يجده مسطورًا لغيره فيحب أن يتكثر به ويقع له نحو ذلك إذا وجد مغلطاي قد تكلم على لغات بعض الأسماء فإنّه لما يشرح كلمة الكذب قال: الْكَذِب نقيض الصدْق، كذب يكذب كذبًا وكذبة وكذبة وكذابًا وَرجل كَاذِب وَكَذَّاب وتكذاب وكذوب وكذوبة وكذبان (¬126). واستمر في هذا الهذيان ضعفي ما ذكره في تصريف آية. ومما أعتمده في هذا الفتح أن لا أطيله بتراجم الرواة اعتناء بالكتب المؤلّفة في ذلك، لكن إن اتفق التباس الراوي بغيره بينته، وكذا من ليست له رواية في البخاريّ إِلَّا في موضع أو موضعين، وكذا من ذكرنا بالتضعيف فاعتنى بالبحث عن ذلك ويرفع اللوم عن من أورد حديثه في الصّحيح فظن هذا الرَّجل يظن أني غفلت عن هذا الفن مع اشتهار تصانيفي فيه وتحقيقي بمعرفته فرأى مكان القول ذا سعة فبسط قلمه مكثرًا بما هو مستغن عن سياقه، وربما تعرض لإعراض بعض الأحاديث فزل قدمه فيه تارة ويأتي بما لا طائل تحته تارة، فلما رأيت ذلك اقتصرت على هذا العنوان. قال (ح) في الكلام على حديث: "آية المنافق ثلاث": الآية العلامة، وإفراد الآية إمّا على إرادة الجنس، أو أن العلامة إنّما تحصل باجتماع الثلاث ¬

_ (¬126) عمدة القاري (1/ 219 - 220).

والأول أليق بصنيع المؤلِّف فلهذا ترجم بالجمع وعقب بالمتن الشّاهد بذلك (¬127). قال (ع): كيف يراد الجنس والتاء فيها تمنع ذلك لأنّ التاء فيها كالتاء في التّمرة فالآية والآي كالتّمرة والتّمر. وقوله: والعلامة إنّما تحصل باجتماع الثلاث يشعر بأنّه إذا فقدت فيه واحدة من الثلاث لا يطلق عليه اسم المنافق وليس كذلك، بل يطلق عليه اسم المنافق غير أنّه إذا وجد فيه الثلاث كلها يكون منافقًا كاملًا (¬128). قلت: وليس في كلام الأصل ما يخالف هذا، ودعوى المنع في الأوّل ممنوعة والله أعلم. قال (ح) في الجمع بين حديث أبي هريرة "آيَةُ اْلمُنَافِق ثلاث" وبين حديث عبد الله بن عمرو: "أًرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيه كَانَ مُنَافِقًا" فقال: ليس بين الحديثين تعارض لأنّه يلزم من عد الخصلة في النفاق وكونها علامة على أن في رواية لمسلم من طريق العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة ما يدلُّ على عدم إرادة الحصر فإن لفظة من علامة المنافق ثلاث، وكذا في الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد، وإذا حمل على الأوّل هذا لم يرد السؤال فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت وبعضها في وقت (¬129). قال (ع): كيف ينفي هذا القائل الملازمة الظاهرة ولا فرق بين الخصلة والعلامة لأنّ كلا منهما يستدل به على الشيء. وقوله: على أن في رواية لمسلم .. الخ ليس بجواب طائل بل المعارضة ¬

_ (¬127) فتح الباري (1/ 89). (¬128) عمدة القاري (1/ 225). (¬129) فتح الباري (1/ 89 - 90).

ظاهرة بين الروايتين، وحمل اللّفظ الأوّل على هذا لا يصح من جهة التركيب (¬130). قلت: هي دعوى بلا دليل وإثبات المعارضة معارض بقوله في أول ما استفتح الكلام على هذا الموضع بما نصه. فإن قلت: يعارضه الحديث الذي فيه لفظ أربع. قلت: لا معارضة. أصلًا، ثمّ نقل كلام النووي حيث قال: لا منافاة، وكلام الطيبي كذلك، وكلام القرطبي باحتمال أن يكون استجد له العلم بالخصلة الرّابعة، ثمّ رد جميع ذلك بأن التخصيص بالعدد لا مفهوم له. ثمّ تشاغل بالإعتراض على كلام (ح) بما تقدّم فانظر وتعجب (¬131). قال (ح): في قوله تابعه شعبة عن الأعمش وصل المؤلِّف هذه المتابعة في كتاب المظالم، وروايةِ قبيصة. عن سفيان وهو الثّوريّ ضعفها يحيى بن معين، واعتذر النووي بأن البخاريّ إنّما أوردها علي طريق المتابعة لا الإِصالة، وتعقبه الكرماني بأنّها مخالفة لها في اللّفظ والمعنى من عدة جهات فكيف تكون متابعة. قلت: المراد بالمتابعة هنا كون الحديث مخرجًا في صحيح مسلم وغيره من طريق أخري عن سفيان الثّوريّ، وعند المؤلِّف من طريق أخري عن الأعمش شيخ سفيان فيه منها رواية شعبة المشار إليها وهذا هو السر في ذكرها هنا، وكأن الكرماني فهم أن المراد بالمتابعة حديث أبي هريرة المذكور الباب وليس كذلك، إذ لو أفاده لسماه شاهدًا. وأمّا دعواه أن بينهما مخالفة في المعنى فليس لما قررناه آنفًا. وغايته أن ¬

_ (¬130) عمدة القاري (1/ 221). (¬131) عمدة القاري (1/ 221).

يكون في أحدهما زيادة وهي مقبولة لأنّها من ثقة متقن (¬132). قال (ع): نفيه التسليم ليس بمسلم لأنّ المخالفة في اللّفظ ظاهرة لا تنكر وكأنّه فهم من قوله من جهات أن الاختلاف يتعلّق بالمعنى وليس كذلك بل يتعلّق بقوله لفظًا انتهى (¬133). ولينظر التعقب في قول الكرماني مخالفة لها في اللّفظ والمعنى من عدة جهات هل يكون قوله من عدة جهات تختص باللفِظ دون المعنى وقد أخذ هذا المعترض ما تعب فيه السابق في شرح هذا الحديث فتصرف فيه بالتقديم والتأخير وإيهام أنّه الذي تعب في تحرير ذلك ولفظه في تعقب كلام الكرماني. قلت: أراد البخاريّ بالمتابعة هنا كون الحديث مرويًا من طريق آخر عن الثّوريّ منها رواية شعبة عن الأعمش نبه على ذلك هاهنا وإن كان قد رواها في كتاب المظالم، وكذلك هو مروي في صحيح مسلم وغيره من طرق أخرى عن الثّوريّ فانظر كيف يأخذ كلام الشارح فيدعيه ثمّ يتعقب منه مالًا يرتضيه ولو كان في نفس الأمر مرضيًا أو ما لا يفهمه على وجهه والله المستعان. قال (ح): في الكلام على حديث من يقم ليلة القدر غفر له، وفي استعمال الشرط مضارعًا والجواب ماضيًا نزاع بين النحويينِ فمنعه الأكثر وأجازه آخرون لكن بقلة، واستدلوا بقوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ ... آية} لأنّ قوله فظلت بلفظ الماضي وهو تابع للجواب، وتابع الجواب جواب، واستدلوا أيضًا بهذا الحديث وعندي في الاستدلال به نظر لأني أظنه من تصرف الرواة، لأنّ الروايات فيه مشهورة بلفظ المضارع في الشرط والجواب. ¬

_ (¬132) فتح الباري (1/ 91). (¬133) عمدة القاري (1/ 225).

وقد رواه النسائي عن محمَّد بن علي بن ميمون عن أبي اليمان شيخ البخاريّ فيه ولم في يخالف بين الشرط والجزاء بل قال: من يقم ليلة القدر يغفر له. ورواه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عن أحمد بن عبد الوهّاب بن نجدة عن أبي اليمان بلفظ: "لَا يَقُومُ أَحَدٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا إيمَانًا وَإحْتَسابًا إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وقوله: فيوافقها زيادة بيان، وإلا فالجزاء مرتب على قيام القدر ولا يصدق قيام ليلة القدر إِلَّا على من وافقها، والحصر المستفاد في النفي والإثبات مستفاد من الشرط والجزاء، فوضح أن ذلكَ مستفاد من تصرف الرواة بالمعنى لأن مخرج الحديث واحد (¬134). قِال (ع): لا نسلم أن تابع الجواب جواب بل هو في حكم الجواب، وفرق بين الجواب وحكم الجواب (¬135). وقوله: عندي في الاستدلال به نظر، ثمّ ساق ما تقدّم مختصرًا، ثمّ قال: ولقائل أن يقول لم لا يجوز أن يكون من تصرف الرواة فيما رواه النسائي والطبراني فإن رواية الراويين المذكورين لا تعادل رواية البخاريّ فيكون اللّفظ بالمغايرة بين الشرط والجزاء هو اللّفظ النبوي (¬136). قلت: أمّا التجويز فلا مانع منه لكن الرواة إذا اختلفوا في اللّفظ الوارد امتنع الاحتجاج في اللُّغة ببعض المختلف لأنّه يطرقه الاحتمال سواء كان الاحتمال راجحًا أو مرجوحًا، وأمّا تقديم رواية البخاريّ على غيره فمسلم لكن يحتمل أن يكون الاختلاف من شيخهم فحيث حدث به البخاريّ ¬

_ (¬134) فتح البارى (1/ 91 - 92). (¬135) عمدة القاري (1/ 227). (¬136) عمدة القاري (1/ 227).

حدثه باللفظ الذي نقله عنه وحيث حدث به غيره حدثهم باللفظ الآخر ويدلُّ على ذلك الألفاظ الزائدة في رواية شيخ الطبراني فإنّما تدل على أبي اليمان، ولما حدثه به أورده بالألفاظ الزائدة وإلا فليس هو بأحفظ ممّن رواه عن أبي اليمان، وإذا وقع التصرف في اللّفظ من أبي اليمان امتنع الجزم بأن اللّفظ النبوي هو بعض تلك الألفاظ فامتنع الاحتجاج بذلك في اللُّغة ولم يلزم من ترجيح البخاريّ على أن تجده، والمنوي الجزم بأن اللّفظ الذي رواه هو اللّفظ النبوي بعينه ليصح الاحتجاج في اللُّغة والله أعلم. قال (ح): قوله:

16 - باب الجهاد من الإيمان

16 - باب الجهاد من الإِيمان أورد البخاريّ هذا الباب بين قيام ليلة القدر وبين قيام رمضان وصيامه فأمّا مناسبة إيراده معها في الجملة فواضح لاشتراكهما في كونها من خصال الإيمان، وأمّا إيراده بين هذين البابين مع أن تعلّق أحدهما ظاهر لم أر من تعرض لها بل قال الكرماني: صنيعه هذا دال على أن النظر مقطوع عن [غير] هذه المناسبة أعني اشتراكها في كونها من خصال الإِيمان. وأقول: بل قيام ليلة القدر وإن كان ظاهر المناسبة لالتماس ليلة القدر يستدعي محافظة زائدة ومجاهدة تامة ومع ذلك فقد يوافقها أَو لا، وكذلك المجاهدة يلتمس الشّهادة، وإعلاء كلمة الله قد يحصل له ذلك أو لا فتناسبا في أن كلًّا منهما قد يحصل المقصود الأصلي أو لا، والقائم لالتماس ليلة القدر مأجور فإن وافقها كان أعظم أجرًا، والمجاهد لالتماس الشّهادة مأجور فإن وافقها كان أعظم أجرًا (¬137). قال (ع): وجه المناسبة من حيث أن المذكور في الباب الأوّل هو قيام ليلة القدر ولا يحصل إِلَّا المجاهدة التامة. وساق كلام (ح) وتصرف فيه بالتقديم والتأخير والزيادة والنقص، ثمّ قال قال الكرماني: وساق لفظه وتعقبه بأنّه كلام من يعجز عن إبداء وجه ¬

_ (¬137) فتح الباري (1/ 92).

المناسبة الخاصة مع بيان المناسبة العامة وما ينبغي أن يذكر ما ذكرته فافهم (¬138). قلت: انظروا وتعجبوا. قال: (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬138) عمدة القاري (1/ 228).

17 - باب الصلاة من الإيمان

17 - باب الصّلاة من الإِيمان قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} يعني صلاتكم عند البيت إلى أن قال: قال النووي: هذا مشكل فإن المراد صلاتكم إلى بيت المقدس، وهذا مراده فتناول كلامه عليه. قلت: يحتمل أن يكون مراده بقوله: عند البيت إلى البيت ويراد به بيت المقدس أو يراد به الكعبة فإن صلاتهم كانت إلى بيت المقدس والكعبة بينهم وبين بيت المقدس. قيل: إنَّ فيه تصحيفًا والصواب يعني صلاتكم لغير البيت، ولا تصحيف فيه عندي بل هو الصواب الموجه، فإن العلماء اختلفوا في الجهة الّتي كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يصلّي إليها وهو بمكة، فقيل: كان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، وأطلق آخرون أنّه كان يصلّي إلى بيت المقدس، وقيل: إنّه كان يصلّي وهو بمكة إلى الكعبة، فلما تحول إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس، وهذا ضعيف إذ يلزم منه النسخ مرتين والأول أصح لأنّه يجمع القولين، وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عبّاس. كأن البخاريّ أشار إلى الجزم بالأصح من أن الصّلاة لما كانت عند البيت كانت إلى بيت المقدس (¬139). قال (ع): هذه اللفظة ثابتة في الأصول ومعناها صحيح غير أنّه واقع ¬

_ (¬139) فتح الباري (1/ 96) وشرح النووي على صحيح البخاريّ (ص210).

فيها حذف والتقدير يعني صلاتكم إلى بيت المقدس عند البيت. انتهى (¬140). فحكى كلام (ح) ثمّ ادعى حذفًا، والأصل عدم الحذف، ثمّ اعترض بأن قول من قال فيه تصحيف غلط، قال ولو كان الذي حكاه يعرف ما هو التصحيف لم يقل ولا تصحيف فيه، بل كان يقول: ليس هذا تصحيفًا، بل نقل كلام الصغاني في تعريف التصحيف لفظة بلفظة ثمّ قال: ومن لم يعرف معنى التصحيف كيف في يجيب عنه بالتحريف (¬141). قلت: مراد القائل أن فيه تصحيفًا أن لفظة غير تصحفت بلفظ عند وتعريف التصحيف بأنّه تغيير لفظ بلفظ ناقص بل لا بد من زيادة تخصيص وهو بلفظ يقاربه في الخط وإلا لكان كلّ لفظ تغير بلفظ ولو لم يكن فيه حرف من حروفه يسمى تصحيفًا وليس كذلك عرفًا، فعرفت أنّه هو الذي ما عرف ما المراد بالتصحيف هنا لا تصويرًا ولا تعريفًا. قال (ح): في الكلام على حديث البراء في تحويل القبلة فداروا كما هم قبل، أي قبل البيت الذي بمكة ولهذا قال: فداروا كما هم قبل البيت و (ما) موصولة، والكاف للمبادرة. وقال الكرماني: للمقارنة وهم مبتدأ خبره محذوف (¬142). قال (ع) لم يقل أحد أن الكاف للمقارنة، ثمّ نقل كلام صاحب المغني في معاني الكاف فأطال ثمّ قال: يحتمل وجهين أن يكون للإِستعلاء والتقدير، فداروا عِلى ما هم عليه، والثّاني: للمبادرة، أي فداروا مبادرين في الحال، والأول أحسن (¬143). ¬

_ (¬140) عمدة القاري (1/ 140). (¬141) عمدة القاري (1/ 240 - 241). (¬142) فتح الباري (1/ 97). (¬143) عمدة القاري (243).

وأقول. كيف يكون أحسن والثّاني يستلزم الأوّل من غير عكس، ثمّ دعواه بنفي ورودها للمقارنة ممتنعًا حجة لفظية لأنّ المراد بالمقارنة أنّهم داروا مبادرين لم يتشاغلوا بأمر آخر وهذا عين المقارنة. قال (ح): في قوله في هذا الحديث أيضًا، وكان اليهود أعجبهم إذ كان يصلّي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فاعل أعجبهم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وأهل الكتاب بالرفع عطفًا على اليهود، وهو من عطف العام على الخاص. وقيل: المراد النصارى لأنّهم من أهل الكتاب وفيه نظر، لأنّ النصارى لا يصلون لبيت المقدس فكيف يعجبهم. وقال الكرماني: كان إعجابهم بطريق التبعية لليهود. قلت: وفيه بعد لأنّهم أشد عداوة لليهود فكيف يتبعونهم ويحتمل أن يكون بالنصب والواو بمعنى مع أي يصلّي مع أهل الكتاب إلى بيت المقدس (¬144). قال (ع): قوله: وأهل الكتاب بالرفع على قوله اليهود، فهو من قبيل عطف العام على الخاص لأنّ أهل الكتاب يشمل اليهود والنصارى وغيرهما ممّن يتعبد بكتاب منزل. وقال الكرماني: أو المراد به النصارى فقط من عطف خاص على خاص. قال بعضهم: فيه نظر لأنّ النصارى لا يصلون لبيت المقدس. قلت: سبحان الله إنَّ هذا عجيب شديد كيف لم يتأمل هذا كلام الكرماني بتمامه حتّى نظر فيه فإنّه قال: لما أراد به النصارى فقط، قال: وجعلوا تابعة لأنّه لم تكن قبلتهم بل إعجابهم كان بالتبعية لليهود على أن ¬

_ (¬144) فتح الباري (1/ 97).

نفس عبارة الحديث تشهد بإعجاب النصارى أيضًا، لأن قوله وأهل الكتاب إذا كان عطفًا على اليهود يكونون داخلين فيما وصف بهم اليهود والنصارى من جملة أهل الكتاب فهم أيضًا داخلون فيه وإلا ظهر أن يكون أهل الكتاب بالنصب والواو بمعنى مع، وهذا الوجه يدخل فيهم النصارى أيضًا لأنّهم من أهل الكتاب (¬145). قلت: لم يقل (ح) أن النصارى لم يكونوا في أهل الكتاب، ولا صرح بإخراجهم بل كلامه ظاهر في إدخالهم، ولا صرح أيضًا بنفي إعجابهم، بل نظر على الإطلاق لا سيما وقد جعلهم الكرماني تبعًا، إذ لا يلزم من إعجابهم بصلاته إلى غير الكعبة أن يكونوا في ذلك تبعًا لليهود بل اعجاب اليهود من وجهين: أحدهما: مخالفته لقبلة إبراهيم -عليه السّلام- مع قوله إنّه على ملة إبراهيم. ثانيهما: موافقته لهم في قبلتهم وإعجاب النصارى من الجهة الأولى فقط، فطاح جميع ما اعترض وانقلب عجبه ممّن تقدّم عَجَبًا مِنْهُ، ثمّ أنّه لا يبالي أن يأخذ كلام السابق أولًا وآخرًا فيدعيه لنفسه ثمّ يتعقب منه ما يظن أنّه متعقب والله المستعان. قال (ح): في قول البخاريّ عقب حديث البراء قال -وهو حدّثنا أبو إسحاق عن البراء- في حديثه هذا أنّه مات على القبلة قبل أن تحول رجال الحديث. قوله: قال زهير، أي ابن معاوية بالإسناد المذكور بحذف أداة العطف كعادته في الموصول، وإثبات حرف العطف في المعلق، ووهم من قال: أنّه ¬

_ (¬145) عمدة القاري (1/ 244).

معلق، وقد ساقه المصنف في التفسير عن أبي نعيم عن زهير مع جملة الحديث سياقًا واحدًا (¬146). قال (ع): قال الكرماني: يحتمل أن البخاريّ ذكره على سبيل التعليق منه، ويحتمل أن يكون داخلًا تحت حديثه السابق. وقال بعضهم: وهم من قال إنّه معلق، فإن المصنف ساقه في التفسير مع الحديث مساقًا واحدًا. قلت: أمّا الكرماني فإنّه جوز، وأمّا القائل المذكور فإنّه جزم بأنّه مسند ووهم من قال: إنّه معلق، وهذا هو الواهم لأن صورته صورة المعلق بلا شك، ولا يلزم من سوقه في التفسير جملة واحدة سياقًا واحدًا أن يكون هذا موصولًا وهذا ظاهر لا يخفى. انتهى (¬147). وهذا ممّا يتعجب منه جدًا فإن (ح) ما وَهَّمَ كلام من جوز لقيام الاحتمال وإنّما وهم الكلام من جزم فإنّه معلق فكيف يتوجه عليه الإِعتراض ثمّ قوله: لا يلزم ... الخ كلام من لا يعرف إصطلاح المحدثين في مثل هذا وقد نسي ما ذكره هنا وأثبت ما نفاه بعد قليل حيث قال: قول البخاريّ: وقال مالك: عن زيد بن أسلم ... الخ هذا تعليق بلفظ جازم فهو صحيح. وقال ابن حزم: إنّه قادح في الصِّحَّة لأنّه منقطع، وليس كما قال لأنّه موصول من جهات أخر (¬148). قال. (ح): فانظر وتعجب!! في بقية الكلام على الحديث المذكور. قوله: إنّه مات على القبلة: أي قبلة بيت المقدس قبل أن تحول رجال ¬

_ (¬146) فتح الباري (1/ 98). (¬147) عمدة القاري (1/ 248). (¬148) عمدة القاري (1/ 2250).

وقتلوا، ذكر القتل لم أره إِلَّا في رواية زُهَيْر إلى أن قال: والذين ماتوا بعد فرض [الصّلاة] وقبل تحويل القبلة من المسلمين عشرة أنفس، إلى أن قال: ولم أجد في شيءٍ من الأخبار أن أحدًا من المسلمين [قتل] قبل تحويل القبلة لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة حمل على أن بعض المسلمين ممّن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد ولم يضبط إسلامه [اسمه] لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك ثمّ وجدت في المغازي ذكر رجل اختلف في إسلامه وهو سُوَيْد بن الصامت، فقد ذكر ابن إسحاق أنّه لقي النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قبل أن يلقاه الأنصار في العقبة فعرض عليه الإسلام فقال: إن هذا القول حسن فانصرف إِلى المدينة فقتل بها في وقعة بعاث وكانت قبل الهجرة، وكان قومه يقولون: لقد قتل وهو مسلم، فيحتمل أن يكون هو المراد. انتهى (¬149). وقال (ع): قوله على القبلة قبل أن تحول إِلى أن قال: والذين ماتوا على القبلة المنسوخة قبل تحويلها إلى الكعبة عشرة أنفس، فنقل كلام (ح) بلفظه ثمّ قال: فإن قلت: كلامه يشعر بقتل رجال قبل تحويل القبلة وليس بشيء لأنّه لم يعرف قط في الأخبار أن أحدًا من المسلمين قتل قبل تحويل القبلة على أن لفظ وقتلوا لا يوجد في غير رواية زهير وإنّما في غيرها ذكر الموت فقط فيحتمل أن تكون هذه غير محفوظة. وقال بعضهم: فإن كانت محفوظة فيحمل أن بعض المسلمين ممّن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد ولم يضبط اسمه لقلة الإعتناء بالتاريخ إذ ذاك. فساق كلام (ح) بعينه إِلى قوله: فيحتمل أن يكون هو المراد، ثمّ قال: فيه نظر من وجوه: ¬

_ (¬149) فتح الباري (1/ 98).

الأوّل: أن هذا الحكم بالإِحتمال فلا يصح. الثّاني. قوله لقلة الإِعتناء بالتاريخ إذ ذاك ليس كذلك فكيف اعتنوا بضبط [أسماء] العشرة الميِّتين ولم يعتنوا بضبط الذين قتلوا، بل الاعتناء بالمقتولين أولى، لأنّ لهم مزية على غيرهم. الثّالث: أن الذي وجده في المغازي لا يصلح دليلًا لتصحيح اللّفظ المذكور، لأنّ الرَّجل لم يتفق على إسلامه، ولأن قوله: وقتلوا بصيغة الجمع يدلُّ على أن المقتولين جماعة وأقلها ثلاثة أنفس وهذا واحد. الرّابع: أن وقعة بعاث كانت في الجاهلية كما قال الصغاني، ولم يكن في ذلك الوقت إسلام، فكيف يستدل يقتله في بعاث على أن قتله كان في وقت كون القبلة هو بيت المقدس فهذا ليس بصحيح. انتهى قول المعترض (¬150). فأمّا قوله: هذا حكم بالإِحتمال فمردود لأنّه لم يحكم بذلك بل ذكره احتمالًا. وقوله: في رد كونهم لم يعتنوا بالتاريخ لا يساوي سماعه لأنّ الذين نسب عليهم قلة الاعتناء ما اعتنوا بضبط أسماء العشرة، وإنّما اعتنى به المتأخرون الذين اعتنوا بالتاريخ فتتبعوهم من أنباء الأخبار الواردة في السيرة النبوية، وانظر هل نرى ذكرهم مجموعًا في شيءٍ من كلام المتقدمين في عهد الصّحابة وكأنّه ما تأمل. قوله إذ ذاك فإنّه مفهومه أن الاعتناء بالتاريخ وقع بعد ذلك فهو كذلك. ¬

_ (¬150) عمدة القاري (1/ 249).

وقوله: ان الذي وجده لا يصح لأنّ الرّجل لم يتفق على إسلامه فجوابه أن ذلك لا يمنع الاحتمال. وقوله: يدلُّ على أن المقتولين جماعة وأقلها ثلاثة لا يمنع لأن اللّفظ صالح إذا أريد التوزيع فيكون تقدير الكلام ومات وقتل رجال فيصح أن يكون من مات أكثر ممّن قتل وبالعكس، ولو كان أحد الشقين واحدًا أو إثنان. والذي بني على قول الصغاني أن وقعة بعاث كانت في الجاهلية إن وقت قتل سُوَيْد لم يكن في ذلك الوقت إسلام خطأ نشأ عن قلة فهم لأن الجاهلية تطلق ويراد بها قياس قبل البعثة، وتطلق ويراد بها ما قبل الإسلام من يحكي عنه. والثّاني هو المراد هنا ودليله أن نفس القصة المذكورة عن ابن إسحاق أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عرض على سُوَيْد الإسلام فانتفى أن يكون وجوده قبل الإِسلام وبالله التوفيق. قال (ح) في الكلام على فوائد حديث البراء المذكور وفيه بيان ما كان في الصّحابة من الحرص على دينهم والشفقة على إخوانهم، وقد وقع لهم نظير هذه المسألة لما نزل تحريم الخمْر كما صح عن حديث البراء فنزلت {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ...} إلى قوله: {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وقوله: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}، ولملاحظة هذا المعنى عقب المصنف هذا الباب بقوله: باب حسن إسلام المرء (¬151). ¬

_ (¬151) فتح الباري (1/ 98).

قال (ع): بعد أن نقل هذا كله منسوبًا لبعضهم انظر يا هذا هل ترى له تناسبًا لوجه المناسبة بين البابين (¬152). قلت: يوضح وجه المناسبة أن الصّحابة لما أشفقوا على إخوانهم الذين ماتوا قبل تحويل القبلة بينت الآية أن كلا من الطائفتين مستحسن في عمله، أمّا الذين ماتوا فلطاعتهم وعملهم بما أمروا به، وأمّا الذين تعبوا فلإشفاقهم عليهم، ولما ذكر الإِحسان في العمل فناسب أن يعقبه بما ليس أحسن في عمله من الثّواب فمن تخفى عليه هذه المناسبة له وللاعتراض ولا سيما بهذا التركيب القلق، على أن (ح) قد أشار إلى هذا في آخر كلامه، فقال بعد قول إسلام المرء فذكر الدّليل على أن المسلم إذا فعل الحسنة أثيب عليها بما ذكر، فحذف (ع) هذا القدر وشرع في الإِعتراض والله الموفق. قال (ع) في الكلام على حديث أبي سعيد الخدري: إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه بضم الراء، لأنّ إذا وإن كانت من أدوات الشرط لكنها لا تجزم عند الجمهور (¬153). قال (ع): هذا كلام [من] لم يشتم شيئًا من العربيّة، وقد قال الشاعر: استغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل قال: فجزم تصبك (¬154). قلت: لم يدع إجماعًا. قوله: في أول الحديث: إذا أسلم العبد فحسن إسلامه. ¬

_ (¬152) عمدة القاري (1/ 249). (¬153) فتح الباري (1/ 99). (¬154) عمدة القاري (1/ 251).

قال (ح) في فوائده: فيه الرد على من أنكر الزيادة والنقص في الإسلام من قوله فحسن إسلامه، لأنّ الحسن تتفاوت درجاته (¬155) قال: هذا كلام ساقط لأنّ الحسن وصف ولا يلزم من قابلية الوصف الزيادة والنقصان قابلية الموصوف، كذا قال (ع) (¬156). وقال (ح): في الكلام على. قوله: "أَحَبُّ الدِّين إلى اللهِ أَدوَمُهُ" مراد المصنف الإِستدلال على أن الإِيمان يطلق على الأعمال، لأنّ المراد بالدين هنا العمل الصالح، والدين الحقيقي هو الإسلام، والإِسلام الحقيقي مرادف الإِيمان، فيصح بهذا مقصودة ومناسبته لما قبله من قوله: "عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ" لأنّه لما قدم أن الإسلام يحسن بالأعمال الصالحة أراد أن ينبه على أن جهاد النفس في ذلك إلى حد المغالبة غير مطلوب بل المطلوب استمراره بعد ذلك (¬157). قال (ع): فيه نظر من وجوه: الأوّل: أن قوله: مراد المصنف إلى قوله على الأعمال، غير صحيح لأنّ الحديث ليس فيه ذلك، والاستدلال بالتوحيد ليس باستدلال يقوم به المدعى، لأنّ قوله في الحديث: "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ" أي إلى الله، ما داوم عليه صاحبه ليس المراد بالدين في الحديث الدين، وإنّما المراد به الطّاعة، فإن لفظ الدين مشترك بين معاني كثيرة. قلت: سياق هذا الكلام يغني عن تكلف الرد عليه. ثمّ قال: الثّاني: قوله: الإسلام الحقيقي مرادف الإِيمان، وقال: إنَّ ¬

_ (¬155) فتح الباري (1/ 100). (¬156) عمدة القاري (1/ 253). (¬157) فتح الباري (1/ 101).

الإِيمان يطلقُ على الأعمال، ثمّ قال الإسلام يحسن بالأعمال الصالحة، فكأنّه قال: الإسلام يحسن بالإِسلام قلت: ليس هذا المراد، وإنّما المراد الإيمان يطلق على الأعمال مجازًا. ثمّ قال: الثّالث: قوله: فيصح بهذا مقصودة ومناسبته لما قبله غير مستقيم لأنّه لا يظهر وجه المناسبة لما قبله، لما قاله أصلًا (¬158). كذا قال، وجوابه "لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتأْتِيَ مِثْلَه". قال (ح) في الكلام على حديث طلحة في قصة ضمام بن ثعلبة قال: هل [عَلي] غيرها؟ قال: "لا إِلَاَّ أن تَطَوَّعَ" من قال: إن الاستثناء منقطع يحتاج إلى دليل، لأنّ الأصل الاتصال، لكن دليله ما رواه النسائي وغيره أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان أحيانًا ينوي صوم التطوع ثمّ يفطر. وفي البخاريّ أنّه - صلّى الله عليه وسلم - أمر جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه. فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإِتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم وبالقياس في الباقي، فيظهر وجه حمل الاستثناء في الحديث على الانقطاع (¬159). قال (ع): من العجب أن هذا القائل لم يذكر الأحاديث الدالة على استلزام الشروع في العبادة الإِتمام، وعلى القضاء بالإِفساد، كحديث عائشة: أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأهديت لنا شاة فأكلنا، فقال لنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "صومًا يَوْمًا مَكَانَهُ" أخرجه أحمد، والأمر للوجوب فدل على أن الشروع ملزم وأن القضاء بالإِفساد واجب. وفي الدارقطني أن أم سلمة صامت يومًا تطوعًا فأفطرت فأمرها النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أن تقضي يومًا مكانه. ¬

_ (¬158) عمدة القاري (1/ 255). (¬159) فتح الباري (1/ 107).

والجواب عن حديث النسائي أنّه ليس فيه أنّه عليه الصّلاة والسلام ترك القضاء، وإفطاره ربما كان عن عذر، وحديث جويرية أنّه أمرها بالإفطار لتحقق واحد من الأعذار، وكذا كلّ ما جاء من حديث هذا الباب (¬160). قلت: حديث عائشة أخرجه مع أحمد أصحاب السنن الثّلاثة (¬161)، ورجح التّرمذيّ أنّه عن الزّهري عن عائشة منقطع، وأسند عن ابن جريج: سألت الزّهري فقال: لم أسمع من عروة في هذا شيئًا، وصححه ابن حبان من وجه آخر عن عائشة (¬162) وله شاهد عن ابن عمر عن عبد الرزّاق (¬163). وأخرجه عن ابن عبّاس عند الطبراني في الكبير وعن أبي هريرة في الأوسط (¬164). وحديث أم سلمة أخرجه الدارقطني وفيه الضحاك بن حُمْرَةَ وهو ضعيف. ويجوز الجمع يحمل الأمر على على الندب إن ثبت الخبر، وإلا فالراجح من حيث السند حديث عائشة وجويرية والله أعلم. قال (ح) في الكلام على قوله: ¬

_ (¬160) عمدة القاري (1/ 268). (¬161) رواه أحمد (6/ 263) وأبو داود (2457) والترمذي (735) والنسائي في الصِّيام من الكبرى كما في تحفة الأشراف (12/ 5) وأبو يعلى (4639) والبغوي في شرح السُّنَّة (1814). (¬162) رواه ابن حبّان (951 موارد). (¬163) رواه البزار (1063 كشف الأستار) والطبراني في الأوسط (ص 139 مجمع البحرين) وفيه حماد بن الوليد، وهو ضعيف. (¬164) رواه الطبراني في الأوسط (ص 139 مجمع البحرين) وفيه محمَّد بن أبي سلمة المكي وقد ضعف بهذا الحديث كذا في مجمع الزوائد (3/ 202).

18 - باب اتباع الجنائز

18 - باب اتباع الجنائز ختم المصنف معظم التراجم التي وقعت له من شعب الإيمان بهذه التّرجمة لأنّه آخر أحوال الدنيا (¬165). قال (ع): هذا ليس بصحيح لأنّه بقي من الأبواب المترجم بها شعب الإيمان باب أداء الخمس من الإيمان (¬166). قلت: قد احترز عن ذلك بقوله: معظم، فانتفى نفي الصحة. قال (ح) في الكلام على قوله: من تبع تمسك بهذا اللّفظ من زعم أن المشي خلفها أفضل ولا حجة فيه لأنّه يقال: تبعه إذا مشى خلفه، وإذا مر به فمشى معه (¬167). قال (ع): هذا القائل نفي حجة هؤلاء بما هو حجة عليه، لأنّه فسر لفظ تبع بمعنيين: أحدهما: حجة لمن يزعم أن المشي خلفها أفضل وإلا فهو ليس بحجة له ولا هو حجة لخصمه. انتهى (¬168). وذكر هذا الرد كاف عن تكلف الرد عليه، كأنّه ما درى أن اللّفظ إذا ¬

_ (¬165) فتح الباري (1/ 108). (¬166) عمدة القاري (1/ 270). (¬167) فتح الباري (1/ 109). (¬168) عمدة القاري (1/ 273).

احتمل معنيين لم يكن فيه حجة لأحدهما لاحتماله إرادة الثّاني، ولم يدع الشارح أن في هذا اللّفظ حجة لمن قال: يمشي أمامها حتّى يقال في التعقيب لا حجة فيه. قال (ح): في معنى قول ابن أبي مليكة كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنّه على إيمان جبريل وميكائيل؛ أي لا يجزم أحد منهم بعدم عروض النفاق له كما يجزم بذلك في إيمان جبريل، وفي هذا إشارة إلى قولهم بتفاوت درجات المؤمنين في الإِيمان خلافًا للمرجئة (¬169). قال (ع): هكذا فسره الكرماني وتبعه بعضهم وليس المعنى هكذا وإنّما المعنى كلهم كانوا على حذر وخوف من أن يخالط إيمانهم النفاق، ومع هذا لم يكن أحد منهم يقول: إنَّ إيمانه كإيمان جبريل لأنّ جبريل معصوم لا يطرأ عليه الخوف من النفاق بخلاف هؤلاء فإنهم غير معصومين (¬170). فلينظر المنصف هل بين المقالتين تفاوت إِلَّا في تطويل العبارة وإيجازها والله المستعان. قال (ح): في الكلام على حديث زبيد بن الحارث سألت أبا وائل عن المرجئة، أي عن مقالة المرجئة. ولأبي داود الطيالسي عن شعبة عن زبيد لما ظهرت المرجئة أتيت أبا وائل فذكرت وذلك له، فظهر من هذا أن سؤاله كان عن معتقدهم، فإن ذلك كان حين ظهورهم (¬171). قال (ع): هذا التقدير لا يصح لأنّه لا يطابق الجواب السؤال، وإنّما ¬

_ (¬169) فتح الباري (1/ 111). (¬170) عمدة القاري (1/ 275). (¬171) فتح الباري (1/ 112) ورواه أبو داود، الطيالسي (2268).

المطابق أن يكون التقدير سألت أبا وائل عن المرجئة هل هم يصيبون في مقالتهم أو مخطئون؟ فأجابه بالحديث الدال على خطيانهم، ثمّ قال: ولا نسلم أن في رواية الطيالسي دلالة تدل أنّه وقف على مقالتهم حتّى سأل أبا وائل هل هي صحيحة؟ أو باطلة؟ انتهى (¬172). وكلام (ح) لا يخالف التقدير المذكور، بل هو ساكت عن كون السائل اطلع على مقالتهم واستفهم عن صحتها، أو لم يطلع فسأل عن كيفيتها وحمله على الأوّل أولى وبالله التوفيق. قوله: "سِبَابُ المُسْلِمِ" هو بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة. قال (ح): وهو مصدر. وقال الحربيّ: السباب أشد من السب (¬173). قال (ع): ليس هذا مصدرًا لِسَبَّ يسب، وإنّما هو اسم بمعنى السب، أو مصدر بمعنى المفاعلة، وكلام الحربيّ يدلُّ على أنّه ليس بمصدر (¬174). قال (ح): في تأويل قوله: "سِبَابُ اْلمُسْلِم فُسُوق وَقِتَالُهُ كُفْر" أوله الكرماني بأن المراد أنّه يؤول إلى الكفر لتشوفه أو أنّه كفعل الكفار. وأوله الخطابي بالمستحل، والأول بعيد والثّاني أبعد لأنّه لا يطابق التّرجمة ولو كان مرادًا لم يحصل الفرق بين السباب والقتال، فإن مستحل لعن المسلم بغير تأويل كفر أيضًا (¬175). ¬

_ (¬172) عمدة القاري (1/ 279). (¬173) فتح الباري (1/ 112). (¬174) عمدة القاري (1/ 278). (¬175) فتح الباري (1/ 113).

قال (ع): إذا كان اللّفظ محتملًا لتأويلات كثيرة لا يلزم أن يكون جميعها مطابقًا للترجمة، ومن ادعى هذه الملازمة فعليه البيان، فإذا وافق أحد التأويلات التّرجمة فإنّه يكفي التطابق. وقوله: لو كان مراد ... الخ غير مسلم لأن تخصيص الشق الثّاني بالتأويل لكونه مشكلًا بحسب الظّاهر، والشق الأوّل لا يحتاج إلى التّأويل لكونه ظاهرًا غير مشكل (¬176). قلت: لم يرد الشارح الأوّل الملازمة، وإنّما مراده أن الأولى لشارح الكتاب أن يختار من التأويلات إذا اقتصر على بعضها أقربها إلى مطابقة التّرجمة، فهذا وجه الاستبعاد وجوابه عن الإِعتراض الأخير لا يمنع من ذكره. قال (ح) في الكلام على حديث عبادة بن الصامت: خرج ليخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان فرفعت. قال القاضي عياض: فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة بأنّها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان، وفيه أن المكان الذي يحضره الشيطان يرفع منه الخير والبركة. فإن قيل: كيف تكون المخاصمة في طلب الخق مذمومة؟ قلنا: إنّما كانت لوقوعها في المسجد، وهو محل الذكر لا اللغو، ثمّ في الوقت المخصوص أيضًا بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان، فالذم لما عرض فيها لا لذات الخصومة، ثمّ إنّها مستلزمة لرفع الصوت، ورفعه بحضرة الرسول منهي عنه لقوله تعالى {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ..} إلى قوله: {.. أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}. قلت: ومن هذا اتضح مناسبة هذا الحديث للترجمة ومطابقتها له، وقد ¬

_ (¬176) عمدة القاري (1/ 279).

خفيت على كثير من المتكلمين على هذا الكتاب حتّى قال بعضهم: إنَّ إيراد هذا الحديث في هذه التّرجمة وهو خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر سهو من بعض من نسخ الكتاب (¬177). قال (ع): أخذ هذا الكلام من الكرماني وهو عجيب شديد يأخذ كلام النَّاس وينسبه إلى نفسه مدعيًا أن غيره قد خفي عليه ذلك على أن هذا الذي ذكره الكرماني في وجه المطابقة إنّما يقاد بالجر الثقيل على ما لا يخفى على من تأمله، فإذا أمعن الناظر فيه لا يجد لذكر هذا الحديث هنا مناسبة ولا تطابقًا للترجمة. انتهى (¬178). وفيه مناقشات: الأولى: دعواه أخذ الكلام من الكرماني ولا زيادة يوهم أخذ جميعه من غير تصرف فيه بنقص وليس كذلك ومن أراد بيان ذلك، فليتأمل ما ذكره الشارح هنا، وفيما ذكره الكرماني يظهر له التفاوت. الثّانية: قوله: مدعيًا أن غيره قد خفي عليه ليس كذلك، وإنّما ذكر أنّه خفي على كثير فليس فيه دعوى خفاء ذلك على غيره بطريق التعميم فإن مفهومه أن القليل منهم لم يخف عليه فيدخل فيه الكرماني. الثّالثة: دعواه نفي المناسبة والمطابقة بعد التأمل مكابرة، ويكفي في الرد عليه أنّه نافٍ، والسابق مثبت والمثبت مقدم على النافي، والذي لا ارتياب فيه أن المناسبة والمطابقة ظاهرة ولا سيما عند التأمل، وحاصله أن ارتكاب المؤمن ما نهي عنه قد يحبط عمله وهو لا يشعر لتهاونه كما في رفع الصوت بحضرة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لقوله تعالى في ذلك: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} وقد ظهر أثر ذلك من رفع صوت المتخاصمين بحضرته - صلّى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬177) فتح الباري (1/ 113). (¬178) عمدة القاري (1/ 279 - 280).

حيث منعوا معرفة ليلة القدر التي كان يحصل بمعرفتها من الخيرات ما شاء الله. الرّابعة: تعجبه ممّن يأخذ كلام النَّاس وينسبه لنفسه وينسى نفسه مع ظهور الفرق بين الآخذين فإن غيره إن أخذه تصرف فيه بنوع من التصرفات المناسبة، وأمّا هو فأخذه لكلام الشارح المذكور واضح لا يحتاج إلى استدلال فما من باب من أول الكتاب إلى هنا، ولا حديث إِلَّا وقد أخذ من كلام الشارح فيه الكثير منه بألفاظه وبالمعنى، وقد أشرت إلى بعض ذلك قريبًا، ومن أقربه قوله في الكلام على قوله. وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فإنّه أخذ الكلام على ترجمته وعلى بيان من خرج أثره هذا بألفاظه، وكذا الأثر الذي بعده عن الحسن أخذ قوله، وأثر الحسن أخرجه الفريابي فإنّه كتب بلفظه نحو الصفحة على الولاء، وقد عقد في الباب الذي بعد هذا الاختلاف ألفاظ الرواة لحديث أبي هريرة في سؤال جبريل عن الإِيمان والإِسلام من كلام الشارح السابق ما يزيد على ورقة بلفظه إِلَّا أنّه جمع ما فصله الأوّل في الكلام على ألفاظ الحديث لفظة بعد لفظة فأورده مساقًا واحدًا، فمن أراد الوقوف على ذلك فليقابل أحدهما بالآخر ليراه واضحًا، وكذا صنع في أكثر الكلام على شرح معاني الحديث المذكور وأوضحها الكلام على قوله لم يذكر الحجِّ لأنّه لم يكن فرض، ويرد هذا ما أخرجه ابن منده إلى آخر الكلام على ذلك في بضع عشر سطرًا على الولاء. وكذا صنع في الكلام على قوله: باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "الدِّينُ النَّصيحَةُ" من قوله التألف أنّه ذكر هذا معلقًا، ولم يخرجه مُسْنَدًا فكتب من كلام الشارح نحوًا من ثلاثين سطرًا كتابة مستريحة، والشارح ما جمع ذلك إِلَّا في أيّام كثيرة مع تعب قوي وسهر شديد، وتتبع زائدٍ، والله المستعان. وكذا في الرد على قول الواقدي أن وفادة ضمام بن ثعلبة كانت في سنة

خمس، فإن (ح) رده من عدة أوجه فتقبلها (ع) باللفظة وصدر بقوله قلت في نحو صفحة. وكذا صنع في حديث عقبة بن الحارث في باب الرحلة، فمن المسألة النازلة في الكلام على سماع ابن أبي مليكة بن عقبة وغير ذلك من تعليقاته يظهر لمن ينظر الأصل والفرع، وهذا ذكرته على سبيل المثال وإلا فالكتاب كله ملآن من ذلك ولله الحمد على كلّ حال، وكلما وقع له من ذلك في أول الكتاب قليل ممّا فعله في وسطه، وأمّا في الثلث منه وخصوصًا في النّصف الثّاني من هذا الثلث، فلو قال قائل: إنّه لم يزل على نسخه لما أبعد. قال (ح) في الكلام على حديث جبريل: قال الخطابي: معنى قوله إذا ولدت الأُمَّة ربتها أن يتسع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبي ذراريهم فإذا ملك الرَّجل الأمة واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها لأنّه ولد سيدها. قال النووي وغيره: هذا قول الأكثرين. وقال بعضهم: لكن في كونه المراد نظر لأن الاستيلاد ما كان موجودًا حين المقالة، والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم واتخاذهم سراري وقع أكثره. في صدر الإِسلام، وسياق الكلام يقتضي الإِشارة إلى وقوع ما لم يقع ممّا سيقع قبل قيام السّاعة (¬179). قال (ع): في نظره نظر، لأنّ قوله: "إِذَا وَلَدَتِ الْأمَةُ رَبتَهَا" كناية عن كثرة التسري من فتوح المسلمين واستيلائهم على بلاد الشرك وهذا بلا شك لم يكن واقعًا وقت المقالة، والتسري وإن كان موجودًا حين المقالة ولكنه لم ¬

_ (¬179) فتح الباري (1/ 122).

يكن من استيلاء المسلمين على بلاد الشرك، والمراد أن يكون من هذه الجهة (¬180). قلت: محصل نظر الأوّل أن الخطابي إن كان أراد مطلق التسري فلا يصح لأنّه كان موجودًا عند المقالة وإن كان أراد بقيد من الاستيلاء فلا يصح لأنّ الاستيلاء قد وجد في صدر الإسلام، والسؤال إنّما وقع عن العلامات التي إذا وجدت قامت السّاعة، وإنّما لم يجزم الشارح بردة لاحتمال أن يكون المراد بالعلامة ما يتجدد بعد وقت المقالة سواء قرب عهد تجدده أم بعد، فاقتصر على قوله: ففيه نظر والله الموفق. قال (ح): قيل: يجوز أن يكون المراد أن العقوق تكثر في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السَّيِّد أمته من الإهانة، فأطلق عليه ربها مجازًا. ويجوز أن يكون المراد بالرب المربي فيكون حقيقة، وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه، ولأن المقام يدلُّ على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربة ومحصلة الإِشارة إلى أن السّاعة بقرب قيامها عند انعكاس الأحوال بحيث يصير المربي مربيًا، والسافل عاليًا، وهو مناسب لقوله في الرِّواية الأخرى: "أَنْ تَصِيرَ الحُفَاةُ الْعُرَاةُ مُلُوكَ الأرْضِ" (¬181). قال (ع): ليس هذا بأوجه الأوجه بل أضعفها، لأنّه إنّما عد هذا. من أشراط السّاعة لكونها على نمط خارج عن العادة أو على وجه دال على فساد الأحوال، والذي ذكره هذا القائل ليس من هذا القبيل (¬182). قلت: الدفع بالصدر مدفوع والله أعلم. ¬

_ (¬180) عمدة القاري (1/ 289). (¬181) فتح الباري (1/ 122 - 123). (¬182) عمدة القاري (1/ 289).

قال (ح): ذكر الطيبي أن قوله: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ" ضمن معنى لن يعترف فلهذا عداه بالباء. قلت: والتصديق يعدى بالباء فلا يحتاج إلى دعوى التضمين لأنّ الأصل خلافه (¬183). قال (ع): الطيبي قال: ضمن الإِيمان معنى الاعتراف، حتّى يقال لا يحتاج. قلت: دار الأمر بين التضمين وبين الإِبقاء على معناه الأصلي وهو التصديق، فإذا كان كلّ منهما تعدى بالباء، فالثّاني متعين ولا يحتاج إلى الأوّل (¬184). أفبمثل هذا يتصدى للاعتراض؟ والله المستعان. قال (ح): قوله عن أشراطها جمع وأقله ثلاثة على الأصح، ولم يذكر هنا إِلَّا اثنين، وأجاب الكرماني بأنّه قد يستقرض القلة للكثرة وبالعكس أو أن الفرق بالقلة والكثرة إنّما هو في النكرات لا في المعارف، فإنّه إنّما ورد على مذهب أن أقل الجمع اثنان أو الثّالث لحصول المقصود بما ذكره. قلت: وفي هذه الأجوبة نظر ولو أجيبَ بأن هذا دليل القول الصائر إلى أن أقل الجمع اثنان لما بعد عن الصوَاب، والجواب المرضي أن المذكور من الأشراط ثلاثة، وإنّما اقتصر بعض الرواة على اثنين منها (¬185). قال (ع): هذا الذي قاله أنّه لا يبعد عن الصواب بعيد عن الصواب لأنّه كيف يكون هذا دليلًا لمن يقول: إنَّ أقل الجمع اثنان وهو لا يخلو، إمّا أن يستدل على ذلك بلفظ الأشراط أو بلفظ إذا ولدت وإذا تطاول، وكل منهما لا يصح أن يكون دليلًا. ¬

_ (¬183) فتح الباري (1/ 17). (¬184) عمدة القاري (1/ 292). (¬185) فتح الباري (1/ 121 - 122).

أمّا الأوّل: فلأنّه لم يقل أحد: إنّه ذكر الأشراط، وأراد به الشرطين بل المراد أكثر من ثلاثة. وأمّا الثّاني: فلأنّه ليس بصورة التثنية حتّى يقال ذكرها وأراد بها الجمع (¬186). قلت: وجه الدلالة أنّه ذكر الأشراط وهي صيغة جمع لا محالة، ثمّ ذكر اثنين فقط فيؤخذ منه أن أقل الجمع اثنان، وهذا إنّما قيل على تقدير تسليم أنّه لم يقع في الحديث إِلَّا ذكر اثنين، كما أشير له به في الأصل. قال (ح): في الكلام على حديث النعمان بن بشير: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ والحَرَامُ بَيِّنٌ". تنبيه: ادعى بعضهم أن التمثيل يعني عن قوله: "كَرَاعٍ يَرْعى حَوْلَ الْحِمى" من كلام الشّعبيّ، وأنّه مدرج في الخبر ولم أقف على دليله إِلَّا ما وقع عند ابن الجارود والإِسماعيلي من رواية ابن عون عن الشّعبيّ، قال ابن عون في آخر الحديث لا أدري المثل من قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أو من قول الشّعبيّ. قلت: لكن تردد ابن عون في رفعه لا يستلزم كونه مدرجًا، لأنّ الأثبات قد جزموا باتصاله ورفعه فلا يقدح شك بعضهم فيه، وكذلك سقوط المثل من بعض الرواة عن الشّعبيّ لا يقدح فيمن أثبته لأنّهم حفاظ، ولعلّ هذا هو السر في حذف البخاريّ قوله: "وقع في الحرام" ليصير ما قبل المثل مرتبطًا به فيسلم من دعوى الأدراج، ومما يقوي عدم الإِدراج رواية ابن حبّان: "اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبيْنَ الْحَرَام سَتْرَةً مِنَ الْحَلَال، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِه، وَمَنْ وَقَعَ كَانَ كَالمُرْتَعِي إلى جَنْب الْحِمَى ... " الحديث، وكذا ثبوت ¬

_ (¬186) عمدة القاري (1/ 293).

المثل مرفوعًا في رواية ابن عبّاس وعمار أَيضًا (¬187). قال (ع): ولعلّ هذا هو السر ... الخ ليس لهذا الكلام معنى أصلًا، ولا هو دليل على منع دعوى الإِدراج لأنّ قوله وقع في الحرام لم يحذفه البخاريّ، وإنّما رواه في هذه الطريق مثل ما سمعه، وقد ثبت عنده في غير هذه الطريق، وكيف يحذف لفظًا مرفوعًا متفقًا عليه لأجل الدلالة على رفع، قيل فيه بالإِدراج. وقوله: ليصير ممّا قبل المثل مرتبطًا به إن أراد الارتباط المعنوي فلا يصح لأنّ كلا منهما كلام بذاته مستقل، وإن أراد به الإِرتباط اللفظي فكذلك لا يصح (¬188). قلت: لا يزال يدفع بالصدر ولا يقيم على ما ينكره دليلًا، وتعجبه من حذف لفظ مرفوع للدلالة لأنّه من تعجب ممّن يجيز الإِختصار من الحديث، وقد عهد ذلك من البخاريّ كثيرًا، وأمّا افتتاح كلامه بدعواه أن ليس للكلام المذكور. معنى، فغايته أنّه لم يفهم المراد منه وما عليّ إذا لم يفهم. قال (ح): في الكلام على حديث ابن عبّاس في وفد عبد القيس: قال النووي: كانوا أربعة عشر رجلًا كبيرهم الأشج واسمه المنذر، وقد سمى صاحب التحرير في شرح مسلم منهم ثمانية, أنفس، ثمّ قال: لم أظفر بأسماء الباقين بعد طول التتبع. قلت: قد ظفرت بهم فذكرهم، وذكر الكتب التي أخرج ذكرهم فيها، ثمّ ذكر حديث مزبدة العبدي قال: بينما رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يحدث أصحابه إذ قال لهم: "سيطلع عليكم من هذا الوجه ركب هم خير أهل المشرق" فقام ¬

_ (¬187) فتج الباري (1/ 128). (¬188) عمدة القاري (1/ 302).

عمر فلقي ثلاثة عشر راكبًا فرحب بهم وقرب وقال: من القوم؟ قالوا: وفد عبد القيس. قلت: وجمع بأن الرّابع عشر كان غير راكب أو كان تخلف عنهم لضرورة، لكن أخرج الدولابي من حديث أبي خيرة الصباحي نسبه إلى صباح بضم المهملة وتخفيف الموحدة بطن من عبد القيس قال: كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، وكنا أربعين رجلًا، ويمكن الجمع بأن الثّلاثة عشر كانوا رؤوس الوفد، وبأن وفادتهم كانت مرتين (¬189). قال (ع): هذا عجب منه لأنّه لم يسلم التنصيص على العدد المذكور فكيف يوفق بين ثلاثة عشر وأربعين، فقد قال وقع في جملة من الأخبار ذكر جماعة من عبد القيس، فسرد من ذلك اثنين وعشرين رجلًا، فعلم أن التنصيص على عدد معين لم يصح، ولهذا لم يخرجه البخاريّ ومسلم بالعدد المعين (¬190). قلت: ومن يكون هذا مبلغ فهمه ماله وللإِعتراض إذا صرح الشارح بأن العدد المعين لم يصح سنده يمتنع أن يقول على فرض الصِّحَّة يجمع بين اختلاف الروايات فيه بكذا، وإذا جمع بين الثّلاثة عشر والأربعين باحتمال أن يكون الزائد على الثّلاثة عشر إتباعًا يمتنع من هذا الجمع التصريح بأسماء اثنين وعشرين نفسًا منهم، أما يكفي دلالة سعة اطلاع هذا الشارح الناشئ عن تبحره في هذا الفن إطلاعه على تسمية نحو الثلاثين. منهم بعد نقل إمام النَّاس الشّيخ محي الدِّين النووي، وقول صاحب التحرير أنّه لم يطلع من أسمائهم إِلَّا على ثمانية أسماء وأنّه بعد التتبع لم يظفر بأسماء الستة ¬

_ (¬189) فتح الباري (1/ 130 - 131). (¬190) عمدة القاري (1/ 309).

الآخرين وتقريره على ذلك، وهل يعترض بمثل ما اعترض به هذا الرَّجل إِلَّا ظاهر الحسد أو سيئ الفهم. قوله: فيه إِلَّا الشهر الحرام وهي رواية مسلم. قال (ح): وهي من إضافة الشيء إلى نفسه كمسجد الجامع (¬191) قال (ع): إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز (¬192). قال (ح): قوله: ¬

_ (¬191) فتح الباري (1/ 132). (¬192) عمدة القاري (1/ 306).

19 - باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة

19 - باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة أي بيان ما ورد [دالًا] على أن الأعمال الشرعية معتبرة بالنية والحسبة، والمراد بالحسبة طلب الثّواب، ولم يستدل بحديث لفظه: الأعمال بالنية والحسبة، وإنّما استدل بحديث عمر على أن الأعمال بالنية، وبحديث أبي مسعود على أن الأعمال بالحسبة. وقوله: "لكل امرئ ما نوى" هو بقية حديث الأعمال بالنية، وكأنّه أدخله على قوله: والحسبة بين الجملتين للإِشارة إلى أن الثّانية تفيد ما لا تفيد الأولى (¬193). قال (ع): قوله: "ولكل امرئ ما نوى" من بعض الحديث الأوّل، وقوله: الحسبة ليس من لفظ الحديث أصلًا لا من هذا الحديث ولا من غيره، وإنّما أخذه من لفظة يحتسبها التي في حديث أبي مسعود المذكور في الباب إلى أن قال: كان ينبغي أن يقول: باب ما جاء أن الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى والحسبة، ولكن لما كان لفظ الحسبة من الاحتساب وهو الإِخلاص كان ذكره عقب النية أوَّلًا من ذكره عقب قوله: "وَلِكُل امْرِيءٍ مَا نَوَى" ولهذا أخرج في هذا الباب ثلاثة أحاديث لكل ترجمة حديث، فحديث لقوله: "الَأعْمَالُ بِالنَيَّةِ" وحديث أبي مسعود لقوله: "والحسبة" وحديث سعد بن أبي وقّاص لقوله: "وَلِكُلِّ امْرِيءٍ مَا نَوَى فلو أخر لفظ الحسبة إلى آخر الكلام كان يفوت قصده التنبيه على ثلاثة تراجم، وإنّما كان يفهم منه ترجمتان: ¬

_ (¬193) فتح الباري (1/ 135).

الأوّل: الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى. والثّانية: قوله: والحسبة. فانظر إلى هذه النكات هل ترى شارحًا ذكرها أو حام حولها، وكل ذلك بالفيض الإِلهي والعناية الرّحمانية (¬194). قلت: إشارته إلى أنّه اخترع ذلك لا يخفى بطلانها. وقوله: كلّ ذلك بالفيض الإِلهي مسلم ولكن على السابق الذي أخذ كلامه الموجز وبسطه فغير مقاصده ووقع بذلك. في اعتراض لا جواب له عنه وهو أن يقال له: لو كان كما ظننت لا اعتراض عليك بأنّه كان يمكنه أن يقدم حديث سعد على حديث أبي مسعود فيصح التركيب ولا يفوت قصد التنبيه على ثلاث تراجم، هذا على تقدير تسليم أن حديث سعد يستفاد منه "ولِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" فإن الذي يظهر أنّه موافق لحديث أبي مسعود، لأنّ لفظ حديث أبي مسعود: "إذا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهٌ صَدَقَةٌ"، وحديث سعد: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةَ تَبْتَغِي بهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ بهَا". وإنّما المناسب لكل امرئ ما نوى قوله: "وَلَكَنْ جهَادٌ وَنيَّةٌ" وهو طَرف من حديث ابن عبّاس: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَاد وَنِيَّةٌ" ومعناه أن نفي الهجرة بعد الفتح لا يمنع مقصود الهجرة، وهو الجهاد إذا خلصت فيه النية, وقد وقعت الإِشارة إلى أن النكتة في توسيط لفظ الحسبة بين الجملتين بألخص عبارة، فما الذي زاده حتّى يتبجح ولا قوة إِلَّا بالله. قال (ح) في الكلام على حديث سعد بن أبي وقّاص: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغي بهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجْرِتَ بهَا، حَتَّى ما تَجْعَلُ في فَمِ امْرَأتِكَ" قوله: "حَتى مَا تَجْعَلُ" حتّى عاطفة وما بعدَها منصوب المحل، وقد وقع في الرِّواية ¬

_ (¬194) عمدة القاري (1/ 311 - 312).

الأخرى حتّى اللقمة، فظهر النصب فيه و (ما) موصولة والعائد محذوف (¬195). قال (ع): هذا سبقه إليه الكرماني، وحتى هذه ابتدائية حرف يبدأ بعده الجمل، لأنّ شرط كونها معطوفة أن تكون جزء لما قبلها أو كجزء منه، ولا يتأتى إِلَّا في المفردات على أن العطف بحتى قليل، والكوفيون ينكرونه البتة وما بعد حتّى جملة، لأنّ قوله: (ما) موصولة مبتدأ وخبره محذوف، وكذا العائد الموصول. ثمّ قال: ووجه آخر يمنع كون حتّى عاطفة، وهو أن المعطوف غير المعطوف عليه، فلو كانت عاطفة لاستفاد أن الذي يجعل في فم المرأة مأجور فيه، وأمّا قول الكرماني إنَّ ذاك يستفاد من حيث إن قيد المعطوف عليه قيد في المعطوف، فمردود لأنّ القيد في المعطوف عليه وهو الابتغاء لوجه الله لأنّ الأجر ليس بقيد فيه، لأنّ الأصل من الكلام والمقصود من المعطوف حصول الأجر بالإِنفاق المقيد بالإِبتغاء. انتهى (¬196). ودعواه أن حتّى لا يصح أن تكون هنا عاطفة لما ذكره من الشروط أخذه من. . . . . . . . . . . . . . . . . ودعوى. . . . . . . أنّها ابتدائية. . . . . . . . . . . . . . . . . (¬197). تنبيه: كلام (ع) يدلُّ على أنّه إنّما اعترض على الكرماني، ولولا الكرماني ما مشى على أحاديث هذا الكتاب لأنّه هو الذي اعتنى بذلك دون من سبقه من الشراح، وهذا إذا لم تتخيل أنت في كلامه ما يقتضي الإِعتراض عليه بأخذه كما هو ولا ينسبه إليه، ويفعل معه ذلك في غالب ما يورده ويتفق أن ¬

_ (¬195) فتح الباري (1/ 137). (¬196) عمدة القاري (1/ 320). (¬197) كذا في النسخ الثلاث بياض.

غالب ما يعترض به عليه يكون الصواب مع الكرماني حتّى في الأمور الواضحة، وقد وقع له في ترجمة جرير البجلي في الكلام على آخر حديث في كتاب الإِيمان أنّه قال: له مئة حديث اتفقا منها على ثمانية، وانفرد البخاريّ بحديث ومسلم بستة، وكذا في شرح الشّيخ قطب الدِّين، وفي شرح النووي له مئتا حديث، انفرد البخاريّ بحديث وقيل بستة، ولعلّ صوابه، ومسلم بستة بدل وقيل بستة. وقال الكرماني في شرحه لجرير مئة حديث ذكر البخاريّ منها تسعة، وهذا غلط صريح (¬198). قلت: إذا قدر أنّهما اتفقا على ثمانية، وانفرد البخاريّ بحديث، كيف يكون قول الكرماني ذكر البخاريّ منها تسعة غلطًا صريحًا فإن تفصيل التسعة هو أن له في المتفق ثمانية، وانفرد بواحدة فمن يكون هذا مبلغ فهمه كيف يليق به أن يعترض على من سبقه ويدعي على ما يذكر من الصواب أنّه خطأ مع أن تخطئته هي الخطأ الصريح والمستعان بالله. من كتاب العلم قوله: ¬

_ (¬198) عمدة القاري (1/ 323).

20 - باب أفضل العلم، وقوله الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا ... الخ}

20 - باب أفضل العلم، وقوله الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ... الخ} قال (ح): حفظناه في الأصول بالرفع على، الاستئناف. (¬199). قال (ع): إن أراد بالإِستنئاف الجواب عن السؤال لم يصح، لأنّه ليس في الكلام ما يقتضي. هذا، وإن أراد ابتداء الكلام فذا لا يصح لأنّه على تقدير الرفع لا يتأتى الكلام، لأنّ قوله: وقول الله ليس بكلام ... الخ (¬200). قوله: "وُسِّدَ" أي أسند. قال (ح): وأصله من الوسادة وكان من شأن الأمير إذا جلس أن تثنى تحته وسادة فمعنى وسد أي فعل له غير أهله وسادة فتكون إلى بمعنى اللام، وأتى بها ليدل على تضمين معنى أسند (¬201). قال (ع): ليس كما قال: وإنّما المعنى إذا وضعت وسادة الأمير لتعير أهلها (¬202). قوله: فقال أين أراه السائل؟ ¬

_ (¬199) فتح الباري (1/ 141). (¬200) عمدة القاري (2/ 4). (¬201) فتح الباري (1/ 143). (¬202) عمدة القاري (2/ 6).

قال (ح): لفظ أراه كلام معترض كان الراوي شك في هذه اللفظة وهي فقال: أين السائل هل قال هذا اللّفظ أو لفظًا آخر، والسائل هنا بالرفع على الحكاية لا بالنصب على أنّه مفعول أراه (¬203). قال (ع): هذا خطأ بل هو مرفوع على الإِبتداء (¬204). قال (ح): في الكلام على: ¬

_ (¬203) فتح الباري (1/ 143). (¬204) عمدة القاري (2/ 6).

21 - باب قول المحدث ثنا وأخبرنا وأنبأنا

21 - باب قول المحدّث ثنا وأخبرنا وأنبأنا بعد أن حكى كلام من سوى بينها ومن فرق: إنَّ التفريق بحسب الإِصطلاح وإلا فلا خلاف عند أهل العلم أنّها سواء بالنسبة إلى اللُّغة عند إراده الإِعلام بالشيء، ومن أدلة ذلك قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فهي بمعنى تخبر أخبارها، وقوله تعالى: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} فهو بمعنى ولا يخبرك مثل خبير (¬205). قال (ع): لا نسلم التسوية لأنّ الحديث هو القول والإِخبار هو الخبر بضم وسكون، وهو العلم بالشيء من خبرت الشيء أخبره خبرًا وخبرة، ومن أين خبرت هذا؟ أي علمته، وكلما ورد من لفظ الخبر وما يشتق منه من القرآن والحديث وغيرهما فمعناه الأصلي هو العلم، وإنّما استوى هذه الألفاظ بالنسبة إلى الإصطلاح (¬206). قلت: الذي استدل به لا ينهض لمدعاه كما لا يخفى، والجامع بينهما من حيث اللُّغة الإِعلام. قال (ح): في الكلام على قوله: وقال أبو العالية: عن ابن عبّاس عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه .. إلى أن قال: وأبو العالية المذكور هنا هو الرياحي، واسمه رفيع بالتصغير، ومن زعم أنّه البراء بالراء المثقلة فقد وهم، فإن الحديث المذكور معروف برواية الرياحي دونه (¬207). ¬

_ (¬205) فتح الباري (1/ 144 - 145). (¬206) عمدة القاري (2/ 11). (¬207) فتح إلباري (1/ 144).

قال (ع): كلّ منهما معروف بالرواية عن ابن عبّاس، فترجيح أحدهما على الآخر برواية هذا الحديث عن ابن عبّاس يحتاج إلى دليل. وقوله: فإن الحديث ... الخ يحتاج إلى نقل أحد ممّن يعتمد عليه (¬208). قلت: قد سبق النقل لكن بطريق الإِشارة وهي في قوله: إنَّ المصنف وصله في التّوحيد، فلو راجعه من ثمّ لما احتاج إلى طلب الدّليل، ثمّ تعبيره بقوله وترجيح أحدهما فيه مناقشة، وفيه أن يقول فيخصص أحدهما، وما أفهمه قوله عن أحد مِمّن يعتمد أن الشارح لا يعتمد عليه إساءة ومخالفة للأئمة من مشايخه وأئمة عصره الذين شهدوا له بالاعتماد، وحسبي إذا رضيت عني عشيرتي ومما يتعجب منه أن الشارح نقل في الكلام على حديث ابن عمر المذكور في الباب اختلاف ألفاظ الناقلين، كقوله: حدثوني ما هي، وأن بعضهم ذكرها بلفظ أخبروني، وبعضهم بلفظ أنبؤني، وبين نسبة كلّ لفظة بمخرجها فنقل (ع) الفصل كله كما هو مقلدًا له في ذلك مدعيًا لترك سبقه إلى من سبقه، لكن الله سبحانه وتعالى بمنه وفضله أعان عليه لأنّه لما أكثر من أخذ كلامه وترك نسبته إليه حتّى يظن من لم ينظر في كلام السابق أنّه من تصرف اللاحق أكثر من الإِعتراض على كلامه بكل وجه أداه إليه فهمه سواء كان الاعتراض موجهًا أو غير موجه فتضمن ذلك اعترافه بأن الذي نوقش في كلامه سابق عليه، فإذا نظر ذلك من له أدنى فهم عرف سبق الأوّل وأخذ الثّاني كلامه نهبًا ومصالقة، فكان كأكل خبز الشعير يستوعبه شبعًا ثمّ يدمه والله المستعان. قوله في: ¬

_ (¬208) عمدة القاري (2/ 13).

21 مكرر - باب القراءة والعرض على المحدث

21 مكرر - باب القراءة والعرض على المحدث قال الكرماني: العرض هو عرض القراءة، فعلى هذا لا يصح العطف لأنّه نفسها, لكن العرض تفسير القراءة، ومثله يسمى العطف التفسيري. وقال (ح): بينهما عموم وخصوص وجهي؛ لأنّ لكل عرض قراءة من غير عكس لأنّ الطالب إذا قرأ كان أعم من أن يكون استقلالًا أو مع المعارضة ... الخ (¬209). قال (ع): هذا كلام مخبط، لأنّه تارة جعل القراءة أعم من العرض، وتارة جعلهما متساويين، واستمر على دعوى أن أحدهما أعم مطلقًا، وليس ذلك مراد (ح) (¬210). قوله في الكلام على حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة فقال فلا تجد عَلَيَّ. قال (ح): مادة وجد متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني (¬211). قال (ع): لا نسلم ذلك كذا، قال: ولم يأت بشيء ينقض الدعوى الأولى (¬212). ¬

_ (¬209) فتح الباري (1/ 149). (¬210) عمدة القاري (2/ 16). (¬211) فتح الباري (1/ 151). (¬212) عمدة القاري (2/ 20).

قوله: ورواه موسى بن إسماعيل عن سليمان بن المغيرة، وصله أبو عوانة في صحيحه وابن منده في كتاب الإِيمان من طريق موسى، وإنّما علقه البخاريّ لأنّه لم يحتج بشيخه سليمان بن المغيرة (¬213). قال (ع): كيف لم يحتج به وقد روى له حديثًا واحدًا عن آدم بن أبي أياس عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد في يوم جمعة يصلّي إلى شيءٍ يستره. الحديث ذكره في باب يرد المصلّي من مر بين يديه (¬214). قلت: هذا يؤيد قوله السابق أنّه لم يحتج به لأنّه من المكثرين، وإذا لم يخرج عنه إِلَّا حديثًا واحدًا له عنده أصل من حديث غيره ممّن أكثر من يخرج حديثه كان في ذلك دلالة على أنّه لم يخرج له إِلَّا في الشواهد والأمر فيه كذلك، لكن المعترض كأنّه لا يفرق بين مطلق التخريج والإِحتجاج والله أعلم. قوله قال (ح): الكلام على قول البخاريّ في ¬

_ (¬213) فتح الباري (1/ 153). (¬214) عمدة القاري (2/ 23).

22 - باب ما يذكر في المناولة

22 - باب ما يذكر في المناولة ورأى عبد الله بن عمر ويحيى بن سعيد ومالك ذلك جائزًا: عبد الله بن عمر هذا كنت أظنه العمري المدني، ثمّ ظهر لي من قرينة تقديمه على يحيى بن سعيد أنّه غير العمري، لأنّ يحيى أكبر منه سنًا وقدرًا، فتتبعت فلم أجده عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب صريحًا، لكن وجدت في كتاب الوصيَّة لأبي القاسم بن منده من طريق البخاريّ بسند له صحيح إلى أبي عبد الرّحمن الحبلي أنّه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث، فقال: انظر في هذا الكتاب فما عرفت منه اتركه، وما لم تعرفه امحه، فذكر القصة وهو أصل في عرض المناولة، وعبد الله يحتمل أن يكون هو ابن عمر بن الخطّاب، فإن الحبلي سمع منه، ويحتمل أن يكون ابن عمرو بن العاص، فإن الحبلي معروف بالرواية عنه. انتهى (¬215). قال (ع) فيه نظر من وجوه: الأوّل: أن تقدّم عبد الله على يحيى لا يستلزم أن لا يكون هو العمري فمن ادعاه فعليه الملازمة. الثّاني: أن قول الحبلي أنّه أتى عبد الله لا يدلُّ اصطلاحًا إِلَّا على عبد الله بن مسعود إن كان من الصّحابة، وعلى عبد الله بن مبارك إنَّ كان ممّا بعدهم. الثّالث: أن قوله ويحتمل أن يكون عبد الله بن عمرو بن العاص إن أراد ¬

_ (¬215) فتح الباري (1/ 154).

أن يكون المراد من قول البخاريّ عبد الله بن عمر غير صحيح , لأنّه لم يثبت في نسخة من البخاريّ إِلَّا عبد الله بن عمر بضم العين. انتهى (¬216). والجواب عن نظره: الأوّل: أنّه لا يلزم من انتفاء الملازمة أن لا يثبت المدعى إذا وجدت القرينة وهي أن التقديم يفيد الاهتمام، والاهتمام بالأسن الأوثق مستقرء. وعن نظره الثّاني: أن الحصر الذي ادعاه مردود، وقد صرح الأئمة بخلافه. فقال الخطيب عن أهل الفن: إذا قال المصري عن عبد الله فمراده عبد الله بن عمرو بن العاص، وإذا قال الكوفي: عن عبد الله، فمراده عبد الله بن مسعود ... الخ، والحبلي مصري. وعن نظره الثّالث: أن الشارح رد بين أن يكون مراد الحبلي ابن عمر بن الخطّاب فيصح تفسيره به أو ابن عمرو بن العاص فلا يصح، فاستدلاله على عدم صحة الاحتمال بأنّه لم يثبت في نسخة ... الخ كلام من لم يفهم مراد الشارح والله الموفق. قال (ح): في الكلام على: ¬

_ (¬216) عمدة القاري (2/ 25).

23 - باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها

23 - باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها إلى أن قال: مناسبة هذا الباب لكتاب العلم من جهة أن المراد بالمجلس وبالحلقة حلقة العلم، ومجلس العلم فيدخل في أدب الطالب من هذا الوجه، وكلما ذكره من أول كتاب العلم إلى هنا يتعلّق بصفات في العلم (¬217). قال (ع): أخذ هذا الكلام من الكرماني وليس فيه بيان المناسبة بين البابين، وإنّما فيه بيان وجه مناسبة إدخال هذا الباب في كتاب العلم ومناسبته للذي قبله من جهة أن فيه المناولة وهي أن يكون مجلس العلم، وهذا في شأن من يأتي إلى مجلس العلم كيف! انتهى (¬218). ولا يخفى تكلفه، ولوقال قائل: المناولة قد تقع في غير مجلس العلم لصدق، والذي ذكره الشارح يشمل هذا بدون تكلف. قوله: فوقفا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. قال (ح): (على) هنا بمعنى عند (¬219). ¬

_ (¬217) فتح الباري (1/ 156). (¬218) عمدة القاري (2/ 31). (¬219) فتح الباري (1/ 157).

قال (ع) لم تجيء (على) بمعنى عند، فمن ادعى فعليه البيان من كلام العرب (¬220). كذا. قال (ح) قوله: وإنّما العلم بالتعلم هو حديث مرفوع، فساق كلام (ح) بعينه إلى قوله: اعتضد بمجيئه من وجه آخر. انتهى (¬221). وليس هذا من شرط هذا الكتاب، وإنّما ذكر تنبيهًا على ما عداه فقد فعل مثل ذلك في الكلام على ابْنِ أبي زر المذكور بعده، وانظر كلامه على حديث ابن عبّاس: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَاب" فإنّه أخذ منه نحو صفحة بلفظه، وله في هذا الكتاب ما لا يدخل تحتَ الحصر من أنظار ذلك، فلا يزال يشبع بما لم يعط إلى أن تلوح له فرصة في التوهيم والتغليظ فيسارع إليها سواء أصاب أم أخطأ والله المستعان (¬222). قوله: ¬

_ (¬220) عمدة القاري (2/ 33). (¬221) فتح الباري (1/ 161) وعمدة القاري (2/ 42) (¬222) فتح الباري (1/ 161 - 162) وعمدة القاري (2/ 42 و 43).

24 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رب مبلغ أوعى من سامع"

24 - باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامعٍ" قال (ح): في حديث: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يِوْمِكُمْ هَذَا" علمهم الشارع بأن تحريم دم المسلم وعرضه وماله أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم، فلا يردّ كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه، لأنّ الخطاب إنّما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشّرع (¬223). قال (ع). لا نسلم أن الشارع قال: حرمة هذه الأشياء أعظم من حرمة تلك الأشياء، حتّى يرد السؤال بكون المشبه به أخفض رتبة من المشبه، وإنّما الشارع شبه حرمة تلك بحرمة هذه من غير تعرض إلى غير ذلك (¬224). قوله في: ¬

_ (¬223) فتح الباري (1/ 159). (¬224) عمدة القاري (2/ 39).

25 - باب فضل من علم وعلم.

25 - باب فضل من عَلِمَ وَعَلَّمَ. قوله: عن أبي بردة عن أبي موسى. قال (ح): أبو موسى هو والد أبي بردة، وكثيرًا ما يقع عن أبي بردة عن أبي موسى تفننًا (¬225). قال (ع): التفنن التنوع في الكلام من الفنن، وأخذ الفنون ولا يكون ذلك إِلَّا باختلاف العبارات، وليس هنا إِلَّا عبارة واحدة، فكيف يكون من هذا القبيل. قلت: العبارة. الثّانية المشار إليها (ح) بأنّها جرت بها العادة، وهل يخفى هذا إِلَّا على من غطى التحامل على قلبه وعينه. قوله: قبِلَتِ المَاءَ من القبول. قال (ح): كذا هو في معظم الروايات المكسورة الخفيفة، ووقع عند الأصيلي بفتح التحتانية المشددة (¬226). قال (ع): هذا الموضع لا خلاف كما قال الشّيخ قطب الدِّين، وإنّما وقعت رواية الأصيلي عند قول إسحاق (¬227). قلت: هذه المؤاخذة ينادي على حاملها بالقصور الشديد في هذا. ¬

_ (¬225) فتح الباري (1/ 176). (¬226) فتح الباري (1/ 176). (¬227) عمدة القاري (2/ 80).

قال (ح) في الكلام على باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر، إلى [الخضر] ظاهر التبويب أن موسى ركب البحر، لما توجه في طلب الخضر، وفيه نظر لأنّ الذي ثبت عند المصنف وغيره أنّه خرج في البرّ، فلما ركب البحر في السفينة هو والخضر بعد أن التقيا فيحمل قوله إلى الخضر على أن فيه حذفًا تقديره إلى مقصد الخضر، لأنّ موسى لم يركب البحر لحاجته، وإنّما ركبه تبعًا للخضر، ويمكن أن يقال: مقصود الذهاب إنّما حصل بتمام القصة، فأطلق على جميعها ذهابًا مجازًا إلى آخر الكلام (¬228). قال (ع): هذا التركيب يفيد أن موسى ركب البحر لما تبعه في طلب الخضر مع أن الذي ثبت عند البخاريّ وغيره أنّه لما خرج إلى البرّ وإنّما ركب البحر في السفينة هو والخضر بعد أن التقيا، ويمكن أن يوجه بتوجيهين: أحدهما: أن المقصود من الذهاب إنّما حصل بتمام القصة، فأطلق على جميعها ذهابًا مجازًا، واستمر يسوق كلام (ح) بتقديم وتأخير إلى أن قال: وقال بعضهم: إِلَّا أن فيه حذفًا [أي] إلى قصد الخضر، لأنّ موسى لم يركب البحر لجاجه نفسه، وإنّما ركبه تبعًا للخضر. قلت: هذا لا يقع جوابًا عن الإِشكال وإنّما هو كلام طائح انتهى (¬229). فأخذ كلامه وتصرف فيه وحرف بعضه وادعى أنّه طائح، والشارح إنّما ذكر الاحتمال مرتبًا على قوله إنّما ركب البحر في السفينة مع الخضر، وعبارته إلى مقصد الخضر وبه يتم التوجيه، فحرفها (ع) بلفظ قصد الخضر، ثمّ ادعى أنّه كلام طائح فلله الأمر. قال: ¬

_ (¬228) فتح الباري (1/ 168) وفي النسخ الثلاث "ظاهر التفريق" والصّحيح من فتح الباري. (¬229) عمدة القاري (2/ 58 - 59).

26 - باب متى يصح سماع الصغير

26 - باب متى يصح سماع الصغير قال الكرماني: معنى الصِّحَّة [جواز قبول مسموعه. قال (ح) هذا تفسير لثمرة الصِّحَّة لا لنفس الصِّحَّة] (¬230). قال (ع): [كأنّه فهم أن] الجواز ثمرة الصِّحَّة، وليس كذلك بل الجواز هو الصِّحَّة، وثمرة الصِّحَّة عدم ترتيب الشيء عليه عند العمل (¬231). كذا رأيت بخط الذي قرأه عليه، وقابل معه وكتب له خطه، وأظن لفظة عدم زائدة والله أعلم. قوله في: ¬

_ (¬230) فتح الباري (1/ 171) وما بين المعكوفين ليس في النسخ الثلاث بل من الفتح والعمدة. (¬231) عمدة القاري (2/ 67) وما بين المعكوفين من العمدة. وليس في النسخ الثلاث.

27 - باب الخروج في طلب العلم

27 - باب الخروج في طلب العلم حدّثنا أبو القاسم خالد بن خَلِيٍّ. قال (ح): بفتح المعجمة على وزن علي، ووقع عند الزركشي بتشديد اللام، وهو سبق قلم أو خطأ من الناسخ (¬232). قال (ع): ليس الزركشي ضبطه هكذا، وإنّما قال: بخاء معجمة مفتوحة ولام مكسورة وياء مشددة انتهى (¬233). كذا قال، ومن أين له الجزم بذلك؟! وهل اعتمد في ذلك إِلَّا على ما وجده في النسخة الّتي وقف عليها، فهل يدفع ذلك وقوعه في نسخة أخرى كما قال (ح)، مع أنّه لم يجزم به عنه، بل قال سهوًا وسبق قلم من الناسخ فهل يعترض بمثل هذا إِلَّا من لا يبالي بما يقول. قال في الكلام على رفع العلم وظهور الجهل. وقوله: وَيَثْبُتَ بفتح أوله وسكون المثلثة وضم الموحدة من الثبوت، وفي رواية مسلم ويبث بضم أوله وفتح الموحدة بعدها فثلثة أي ينشر، وغفل الكرماني فعزاها للبخاري، وإنّما حكاه النووي عن صحيح مسلم (¬234). ¬

_ (¬232) فتح الباري (1/ 175) والهدي الساري (ص 218). (¬233) عمدة القاري (2/ 75). (¬234) فتح الباري (1/ 178) كذا في النسخ الثلاث "عن صحيح مسلم" في الفتح وإنّما حكاها النووي في الشرح لمسلم.

قال الكرماني: وفيه رواية وينبت بالنون بدل المثلثة. انتهي. وليست هذه في الصحيحين (¬235). قال (ع): لم يقل الكرماني، وفي رواية للبخاري، ولا يقال روى البخاريّ، وإنّما قال وفي بعض النسخ يُبث من البث وهو النشر، ولا يلزم من هذه العبارة نسبته للبخاري لإِمكان. أن تكون هذه الرِّواية من غير البخاريّ، وقد كتبت في كتابه وكذا قول الكرماني في الرِّواية الأخرى نبت بالنون، ودعوى الشارح أنّها ليست في الصحيحين لا يلزم من عدم إطلاعه، على ذلك ففيه بالكلية وربما يبين ذلك عند أحد من نقلة الصحيحين، فنقله ثمّ جعل ذلك نسخة، والمدعي بالنفي لا يقدر على إِحاطة جميع ما فيه، ولا سيما علم الرِّواية فإنّه علم واسع لا يدرك ساحله (¬236). قلت: جميع ما قال المعترض دفع بالصدر واعتناده الأوّل ظاهر السقوط، واعتراضه الأخير إنّما مستند الثّاني التمسك بالعدم الذي هو الأصل، فمن ادعى بعد ذلك فعليه البيان، وهذا عياض وابن قرقول وابن الأثير ومن جاء بعدهم ممّن عنى بألفاظ أحاديث الصحيحين إذا لم ينقلوا هذه اللفظة في هذا الحديث مع توفر دواعيهم على منع ذلك وبذل الجهد فيه، أمّا فيهم متسمك لمدعي العلم حتّى يثبتْ المدعى. قوله: أن يرفع العلم في محل النصب، وسقطت أن من رواية النسائي عن عمران شيخ والبخاريّ (¬237). ¬

_ (¬235) فتح الباري (1/ 178). (¬236) عمدة القاري (2/ 82). (¬237) فتح الباري (1/ 178).

قال (ع): هذا غفلة وسهو لأنّ شيخ البخاريّ هو عمران بن ميسرة وشيخ النسائي هو عمران بن موسى (¬238). قلت: كاد أن يصيب في هذا الإِعتراض وهو من النوادر، لكن السهو إنّما وقع لكاتب النسخة التي وقف عليها، فإنّه سقط عليه من قوله عمران، إِلَّا عمران، ولفظ فتح الباري حيث أخرجه عن عمران بن موسى رفيق عمران بن ميسرة شيخ البخاريّ فيه، وكيف ينسب السّهو إلى (ح). قوله "ويشرب الخمر" المراد كثرة ذلك واشتهاره كما عند المصنف في النِّكاح من طريق هشام عن قتادة ويكثر شرب الخمر (¬239). قال (ع): لا نسلم أن المراد كثرة ذلك بل شرب الخمر مطلقًا هو جزء العلّة، وقوله في الرِّواية الأخرى ويكثر، لا يستلزم نفي مطلق الشرب أن يكون من الأشراط، وقد سبقه الكرماني حيث قال: فإن قلت: كيف يكون من علامات السّاعة والحال أنّه كان واقعًا في جميع الأزمان حتّى في زمنه - صلّى الله عليه وسلم -؟ قلت: المراد منه أن يشرب شربًا. فاشيًا ويرد عليه ما وود على هذا الشارح (¬240). قلت: قد سبق في حديث سؤال جبريل في أشراط السّاعة أن تلد الأُمَّة ربتها، كلام من فسر ذلك بالسراري، واعترض من اعترض بأن التسري لم يزل موجودًا. وأجيب: بأن المراد أن يكثر ذلك ويفشو، وذكره هذا المعترض ولم يتعقبه، وإنّما أراد التعصب لمن ذهب إلى أن المطلق لا يجب حمله على المقيد بل يحمل كلّ منهما على ما ورد فيه خلافًا لمن قال بالحمل، ورجح من ذهب ¬

_ (¬238) عمدة القاري (2/ 83). (¬239) فتح الباري (1/ 178). (¬240) عمدة القاري (2/ 82).

إلى ذلك بأنّه أحوط في الامتثال وهذا غير مطرد هنا, لأنّ الاحتياط هنا حمل كلام النبوة على أقوى محامله، فإن السياق يفهم أن المراد بأشراط السّاعة وقوع أشياء لم يكن معهودة حين المقالة، فإذا ذكر منها شيئًا كان موجودًا عند المقالة، فحمله على أن المراد بجعله علامة أن يتصف بصفات زائدة كما كان موجودًا بكثرة، [فالكثرة و] فالشهرة أقرب والله أعلم. وقد وقع في نفس الحديث. ويظهر الزِّنا, وليس المراد تجدد وجوده فإنّه كان موجودًا، وإنّما المراد شهرته وكثرته كما وقع في رواية مسلم: "وَيَفْشُو الزِّنَا". قال (ح) في الكلام على قوله: "وتكثر الرجال وتقل النِّساء": ذكر أبو عبد الملك البوني فيما نقله ابن التين عنه أن فيه إشارة إلى كثرة الفتوح، فتكثر السبايا فيتخذ الرَّجل الواحد عدة موطوآت. انتهى. وفيه نظر لأنّ ذكر العلّة في حديث أبي موسى الآتي في الزَّكاة عند المصنف حين قال: حتّى ليكون للرجل الواحد خمسون امرأة من قلة الرجال وكثرة النِّساء، فالظاهر أنّها علامة محضة وهي كثرة ما يولد من الإناث وكثرة ما يموت من الذكور، وكون كثرة النِّساء من العلامات مناسب لظهور الجهل ورفع العلم (¬241). قال (ع): ليس في حديث أبي موسى شيء من التنبيه على العلّة لا صريحًا ولا دلالة انتهى (¬242). وكأنّه ظن أن المراد علة القلة والكثرة وليس كذلك، وإنّما المراد علة العدد الكثير من النِّساء للواحد من الرجال، والعجب أن (ع) أخذ كلامه ¬

_ (¬241) فتح الباري (1/ 179). (¬242) عمدة القاري (2/ 84).

فنسبه لنفسه فقال: ويمكن أن يقال: تكثر ولادة الإِناث وتقل ولادة الذكور إلى آخر كلامه، فانظر وتعجب. قال (ح): في الكلام على باب فضل العلم، الفضل هنا بمعنى الزيادة، أي ما فضل عنه، والفضل الذي تقدّم في. أول كتاب العلم بمعنى الفضيلة، فلا يظن أنّه كرره (¬243). قال (ع): ليس كما قال، بل قصده بيان فضيلة العلم، فإن الباب في جملة أبواب كتاب العلم، وكأن هذا القائل أخذه من قوله: "ثُمَّ أعْطَيْتُ فَضْلي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ" وهو لا دخل له في التّرجمة، وإنّما ترجم لشرف العلم واستَنبط منه أن إعطاءه فضلة لعمر عين الفضيلة وهو جزء من النبوة، فدل على فضيلة العلم. انتهى (¬244). وجرى على عادته في الدفع بالصدر ودعواه أنّه لا دخل له في التّرجمة مردودة فإن دخوله فيها ظاهر فيها ممّا قرره هو ولا يشعر. قال (ح): قوله في الكلام على: ¬

_ (¬243) فتح الباري (1/ 180). (¬244) عمدة القاري (2/ 85).

28 - باب الفتيا وهو واقف على ظهر الدابة وغيرها

28 - باب الفتيا وهو واقف على ظهر الدابة وغيرها المراد بالدابة في اللُّغة كلّ ما مشى علي وجه الأرض. وفي العرف ما يركب، وبعض أهل العرف خصها بالحمار، فإن قيل: ليس في سياق الحديث ذكر الرُّكوب، فالجواب أنّه أحال به على: الطريق الأخرى، الّتي أوردها في الحجِّ فقال: كان على ناقته (¬245). قال (ع): بعد هذا الجواب كبعد الثرى من الثريا، وكيف يعقد بابًا ثمّ يحال ما يطابق ذلك على حديث يأتي في باب آخر. انتهى (¬246). وهو كلام من لم يمارس تراجم البخاريّ فإنّه يسلك هذه الطريقة جدًا حتّى يكاد يكون مطابقته بالطريق الأخفى أكثر ممّا يكون بالطريق الأجلى، ومراده بذلك بَعث الناظر في كتابه على تتبع الطرق وإبداء ما منه بأكثر اطلاعه، وكونه يحيل على حديث موجود في كتابه أقرب تناولًا ممّا لو أحال به على لفظ لم يذكره في كتابه، وفي الصّحيح من هذا النوع الثّاني جملة كثيرة بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه. والعجب أن المذكور رجع وجوز ما استبعده وقرره على وجه أبعد من الوجه الذي ذكره الشارح أنّه قصد وهو ظاهر لمن راجع كلامه، وقد أكثر في كتابه هذا من الأمرين الإِنكار على من يقول أشار البخاريّ إلى ما ورد في ¬

_ (¬245) فتح الباري (1/ 180 - 181). (¬246) عمدة القاري (2/ 88).

بعض طرق الحديث، وإثبات ذلك بعينه في موضع آخر، لكن الأوّل في كلامه أكثر. فمن الثّاني قوله في كتاب الجمعة باب الدهن للجمعة.، فساق فيه رواية الزهريّ عن طاووس عن ابن عبّاس، وفيه ذكر الطيب دون الدهن. قال (ع): معتذرًا قد ذكر الدهن في رواية إبراهيم بن ميسرة عن طاووس، وزيادة الثقة مقبولة لأنّ الحديث واحد، وكأنّه مذكورة في رواية الزهريّ تقديرًا فإن لم يكن صريحًا (¬247). وقال (ح) أيضًا في: ¬

_ (¬247) عمدة القاري (6/ 177).

29 - باب خروج الصبيان إلى المصلى

29 - باب خروج الصبيان إلى المصلّى وهوفي أبواب العيدين جرت عادة البخاريّ أنّه يترجم بما ورد في بعض طرق حديثه الذي يورده وقال (ع) نحوه (¬248). قوله في حجة الوداع بفتح الواو والاسم التوديع والسلام بمعنى التسليم قاله الكرماني وزاد ويجوز الكسر. قال (ح) نحوه. قال (ع): ما أظن هذا صحيحًا لأنّ الوداع بالكسر بمعنى الموادعة أي المصالحة وليست هذا نحوه (¬249). قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬248) فتح الباري (2/ 464) وعمدة القاري (6/ 297) وهذا كان في النسخ الثلاث مؤخرًا عن قوله في حجة الوداع .... الخ، فقدمناه عليه لأنّه مكانه. (¬249) عمدة القاري (2/ 89) وفتح الباري (1/ 281).

30 - باب القتيا بإشارة اليد والرأس

30 - باب الفتيا بإشارة اليد والرأس قال الكرماني في شرحه: قوله في أكثر الهرج، فقال بيده: فحرفها كأنّه يريد القتل ما نصه الهرج هو الفتنة، فأراد بالقتل من لفظه على طريق التجوز هو لازم بمعنى الهرج بمعنى القتل. قلت: وهي غفلة عما في كتاب الفتن من البخاريّ والهرج القتل بلسان الحبشة (¬250). قال (ع): كون الهرج بمعنى القتل بلسان الحبشة لا يستلزم أن يكون في لغة العرب. انتهى (¬251). ووجه الدلالة على الكرماني أنّه أطلق قوله لغة، فَلَمَّا ثبت في لسان الحبشة [واستعملها أفصح العرب، علم أن مراده معناها بلسان الحبشة،] لا أنّه تجوز بها عن معناها بلسان العرب، جاز أن يكون ممّا توافقت فيه اللغتان، وقد جزم صاحب المطالع بأنّها عربيّة صحيحة. قال (ح): في الكلام على حديث أسماء بنت أبي بكر. قلت: ما شأن النَّاس، فأشارت إلى السَّماء هذا من بعد عائشة فيكون موقوفًا لكن له حكم المرفوع من جهة تقريره - صلّى الله عليه وسلم - لأنّها كانت تصلّي خلف النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وكان في الصّلاة يرى من خلفه (¬252). ¬

_ (¬250) فتح الباري (1/ 182). (¬251) عمدة القاري (2/ 92). (¬252) فتح الباري (1/ 981).

قال (ع): لا يحتاج إلى هذا التكليف، بل وجود شيء في حديث الباب يطابق التّرجمة كاف. انتهى (¬253). وكأنّه لا يفرق بين الاحتجاج بالمرفوع والموقوف، وغفل عن تسمية كتاب البخاريّ الجامع الصّحيح لسنن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وأيامه. قال (ح): في هذا الحديث: حتّى علاني الغشي في رواية كريمة تجلاني بجيم ولام مشددة وجلال الشيء ما غطي به (¬254). قال (ع): لو قال ومنه جلال الشيء لكان لا بأس به تنبيهًا على أنّهما مشتركان في أصل المادة، ولا يقال هذا جلال إنّما يقال جلَّ انتهى (¬255). وهذا من تعينه. قال (ح): فيه إشارة إلى السَّماء، فقال: سبحان الله أي إشارة قائلة سبحان الله (¬256). قال (ع): هذا التقدير فاسد لأنّ قال عطف بالفاء فكيف يقدر حالًا مفردة؛ انتهى (¬257). وهو تفسير معنى وبذلك يندفع الاعتراض. قوله: ¬

_ (¬253) عمدة القاري (2/ 93). (¬254) فتح الباري (1/ 183). (¬255) عمدة القاري (2/ 94). (¬256) فتح الباري (1/ 183). (¬257) عمدة القاري (2/ 94).

31 - باب تحريض النبي

31 - باب تحريض النّبيّ قال (ح): هو بالضاد المعجمة الحث على الشيء، ومن قال بالصاد المهملة فقد صحف (¬258). قال (ع): إذا كان كلّ منهما يستعمل بمعنى واحد لا يكون تصحيفًا، فإن أنكر استعمال المهملة بمعنى المعجمة فعليه البيان (¬259). قلت: فيه شيئان. أحدهما: إلزام المانع بإقامة الدّليل. والثّاني: لا يلزم. من ترادفهما وقوعهما معًا في الرِّواية والكلام إنّما هو بقيد الرِّواية لا مطلق التجويز. قال (ح) في الكلام. على: ¬

_ (¬258) فتح الباري (1/ 184). (¬259) عمدة القاري (2/ 99).

32 - باب الرحلة في المسألة النازلة

32 - باب الرحلة في المسألة النازلة قوله: أنّه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز. قلت: اسمها غنية بفتح المعجمة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف التحتانية، وكنيتها أم يحيى. وهجم الكرماني فقال: لا يعرف اسمها، وعزيز بمهملة وزاي مكررة وزن عظيم، ومن قال بضم أوله فقد حرف (¬260). قال (ع): قول "الكرماني كنيتها أم يحيى ولم يعلم اسمها ليس كما قال بل علم اسمها فذكره. وقال الكرماني أيضًا في تسمية أبي إهاب، وفي بعض الروايات عزير بضم أوله وآخره راء، وقال بعضهم: من قال عزير بضم أوله فقد حرف. قلت: إن كان مراده الرد على الكرماني فليس نقله بأولى من نقله. انتهى (¬261). وهذا من تحامله فإن له في ذلك سلفًا وهو الحافظ قطب الدِّين الحلبي، فإن هذا المعترض نقل عنه أنّه قال: ليس في البخاريّ عزير بضم العين ولم يتعقبه. قوله في: ¬

_ (¬260) فتح الباري (1/ 184 - 185). (¬261) عمدة القاري (2/ 102).

33 - باب الغضب في الموعظة "فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة"

33 - باب الغضب في الموعظة "فَإِنَّ فِيهمُ المَرِيضَ والضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ" قال (ح) في رواية القابسي وذو الحاجة هو معطوف على محل اسم إن فيجوز الرفع، أو هو استنئاف (¬262). قال (ع) لا يصح أن يكون استئنافًا لأنّه جواب سؤال وليس هذا محله (¬263). قلت: هو دفع بالصدر، وقد سلم أنّه يجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف والتقدير وذو الحاجة كذلك وهو توجيه الاستنئناف الذي دفعه. قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬262) فتح الباري (1/ 186). (¬263) عمدة القاري (2/ 107).

34 - باب تعليم الرجل أمته وأهله

34 - باب تعليم الرَّجل أمته وأهله وفيه: "ثَلَاثَةُ لَهُمْ أَجْرَانِ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بنَبيِّهِ وَآمَنَ بمُحَمَّدٍ" جزم شيخنا بأن ذلك يستمر إلى يوم القيامة، وادعىَ اَلكرماني اَختصاصه بمن آمن في عهد البعثة وعَلَّلَ بأن نبيهم بعد البعثة إنّما هو محمَّد وهو متعقب بمن لم تبلغه الدّعوة فيصح بما قاله شيخنا (¬264). قال (ع): وجوابه أنّهم أهل الدّعوة فدخل الجميع بالفعل والقوة، وأطال في ذلك بما لا يدفع الأحزان المذكور وهو منتزع من الخلاف المشهور في باب من لم تبلغه الدّعوة هل يعاقب في الآخرة أوْ لا؟ والله أعلم (¬265). قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬264) فتح الباري (1/ 191). (¬265) عمدة القاري (2/ 120).

35 - باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب

35 - باب ليبلغ العلم الشّاهد الغائب قاله ابن عبّاس عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، ليس هذا في شيء من طرق هذا الحديث بهذه الصورة، وإنّما هو بحذف لفظ العلم، وكأنّه أراد المعنى لأنّ المأمور بتبليغه هو العلم (¬266). قال (ع): ليس كذلك وإنّما أبرز أحد المفعولين الذي هو مقدر في الحديث وهو لفظ العلم. انتهى (¬267). وهذا الإيراد لا يتشاغل بجوابه. قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬266) فتح الباري (1/ 198). (¬267) عمدة القاري (2/ 138).

36 - باب كتابة العلم

36 - باب كتابة العلم قوله: وكيع عن سفيان هو الثّوريّ، فإن وكيعًا مشهور بالرواية عنه. وقال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف يقال: إنّه ابن عيينة. قلت: لو كان ابن عيينة نسبه لأنّ القاعدةُ في كلّ من روى عن متفقي الاسم أن يحمل رواية من أهمل نسبه على من تكون له خصوصية من إكثار ونحوه، وهكذا نقول هنا، لأنّ وكيعًا قليل الرِّواية عن ابن عيينة بخلاف الثّوريّ (¬268). قال (ع) كلّ ما ذكره ليس يصلح مرجحًا أن يكون، سفيان هذا هو الثّوريّ بعد أن ثبت رواية وكيع عن كلا سفيانين كلّ منهما روايته عن مطرف. وقال أبو علي الغساني في كتاب تقييد المهمل: هذا الحديث محفوظ عن ابن عيينة (¬269). قلت: إنكاره مردود لأنّه مكابرة، والقاعدة ذكرها الخطيب في كتابه المكمل وقررها عن الأئمة. قال (ح) في الكلام على قوله في حديث أبي هريرة: "فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بخَيْر النَّطَرَيْنِ" قال الكرماني: المراد أهل من قتل ونسب إليه لأنّه هو السببَ. ¬

_ (¬268) فتح الباري (1/ 204). (¬269) عمدة القاري (2/ 155).

وقال بعضهم: فيه حذف ووقع بيانه في رواية المصنف في الديات عن أبي نعيم شيخه هنا مسندة بلفظ: فمن قتل له قتيل (¬270). قال (ع): فيه نظر، أمّا كلام الكرماني فيلزم منه الإِضمار قبل الذكر، وأمّا كلام بعضهم فأخذه من قول الخطابي فيه حذف تقديره: من قتل له قتيل فلم يزد بعضهم من عنده شيئًا. والتحقيق: أن يقدر فيه مبتدأ محذوف وحذفه سائغ، فمن أهله قتل فهو خبر، وأهله قتل جملة من المبتدأ والخبر وقعت صلة للموصول (¬271). وقوله فهو مبتدأ وبخير النظرين خبره، والجملة خبر المبتدأ الأوّل، والضمير في قتل يرجع إلى الأصل المقدر ... إلى آخر كلامه ولا يخفى تكلفه وتعقيده. قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬270) فتح الباري (1/ 206). (¬271) عمدة القاري (2/ 164 - 165).

37 - باب السمر في العلم

37 - باب السمر في العلم في قوله: "أَرَأَيتَكُمُ لَيْلَتَكَمُ هَذِهِ؟ " الهمزة للإستفهام والمثناة لأنّها في هَذِهِ ضمير المخاطبين، والكاف ضمير ثان لا محل له هنا، والرؤية هنا بمعنى العلم أو البصر، والمعنى أعلمتم أو أبصرتم ليلتكم وهي منصوبة على المفعولية، والجواب محذوف وتقديره قالوا: نعم، قال: فانتظروها وترد أرأيتكم بمعنى الاستخبار، كما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله}. قال في الكشاف: المعنى أخبروني، ومتعلقة الأخبار محذوف تقديره من تدعون ثمّ بكتهم، فقال: أغير الله تدعون. انتهى (¬272). وزعم شارح أن التقدير في هذا الحديث كالتقدير في الآية. قال (ع): هذا تصرف من لا يد له في العربيّة، ولا تصلح أن تكون الرؤية هنا بمعنى العلم، وقد سبق إليه الزركشي في حواشيه وليس بشيءٍ لأنّ المعنى أبصرتم ليلتكم هذه ولا يحتاج إلى جواب لأنّه ليس استفهامًا حقيقيًا. انتهى (¬273). قال (ح): في الكلام على قوله في الباب المذكور: عن ابن عبّاس: بت في بيت خالتي ميمونة, والحديث ثمّ جاء إلى منزله فصلّى أربع ركعات ثمّ نام ثمّ قام فقال: "نَامَ الغُلَيِّمُ" ثمّ قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه. ¬

_ (¬272) فتح الباري (1/ 211). (¬273) عمدة القاري (2/ 176).

قال ابن المنير ومن تبعه: يحتمل أن يريد أن أصل السمر يثبت بهذه الكلمة وهي قوله. "نامَ الْغُلَيِّم" ويحتمل أن يريد ارتقاب ابن عبّاس لأحواله، ولا فرق بين التعلم من القول والتعلم من الفعل فقد سمر ابن عبّاس ليلته في طلب العلم، زاد الكرماني أو ما يفهم من جعله عن يمينه كأنّه قال: قف على يميني، فقال: وقفت. وقال الكرماني أيضًا تبعًا لغيره: يحتمل أن يكون أخذه تبعًا من أن الأقارب إذا اجتمعوا لا بد أن يجري بينهم حديث للمؤانسة، وحديثه - صلّى الله عليه وسلم - كله علم وفوائد، وما ذكروه معترض لأنّ من تكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرًا، وحديث ابن عبّاس يسمى سهرًا لا سمرًا، إذ السمر لا يكون إِلَّا تحدثًا قاله الإِسماعيلي، وأبعدها الثّالث لأنّ الذي يقع بعد الإنتباه من النوم لا يسمى سمرًا، والأخير ليس في السياق ما يقتضيه، والأولى من هذا كله مناسبة التّرجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى، وهذا يصنعه البخاريّ كثيرًا يريد به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبع طرق الحديث، والنظر في مواقع رواته إلى أن قال: وقد أشار بذلك إلى ما أخرجه في التفسير من طريق كريب عن ابن عبّاس قال: بت في بيت ميمونة فتحدث النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مع أهله، ثمّ رقد فذكر الحديث في صلاته خلفه وإدارته له عن يمينه فصحت التّرجمة، وطابقه الحديث بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن (¬274). قال (ع): هذا الاعتراض كله معترض، أمّا قوله لأنّ من تكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرًا فغير صحيح، لأنّهم فسروا السمر بالتحدث بالليل وهو يصدق بكلمة إذ لم يشرطوا كلمات متعددة، وأمّا قوله يسمى سهرًا لا سمرًا فمردود لأنّ السمر كما يطلق على القول يطلق على الفعل، يقال: ¬

_ (¬274) المتواري (ص 62 - 63) لابن المنير والفتح (1/ 212 - 213).

سمروا الخمر إذا شربوها، وسامر الإِبل ما رعى منها بالليل، وأمّا قوله أبعدها الثّالث نقول: بل هو الأقرب لأنّه موافق لأهل اللُّغة ولأن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لم يكتف بفعل ابن عبّاس بمجرد الفعل، بل عليه موقف المأموم من الإمام أيضًا بالقول ولا سيما أنّه كان حينئذ صغيرًا لا يعرف هذا الحكم. وقوله: والأولى ... الخ ليس بموجه أصلًا فضلًا عن أن يكون أولى، لأنّ من يعقد التّرجمة ويورد في الباب حديثًا ويضع الحديث بعينه في ترجمة أخرى ولفظ مغاير له هل يقال مناسبة التّرجمة مستفادة من ذلك الباب الآخر. وقوله: لأنّ تفسير الحديث بالحديث أول من الخوض فيه بالظن، يجاب بأنّهم فسروا الحديث وذكروا المناسبة بالتقارب، وما ذكره هو الرَّجْم بالظن. انتهى (¬275). ودعواه أن السمر يطلق على الكلمة الواحدة يكفي في ردها ذكرًا. وقوله: أن السمر يطلق على الفعل مسلم لكن بطريق المجاز ولا قرينة في هذه القصة تدل عليه. ودعواه أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - علم ابن عبّاس الموقف بالقول يطالب بمستنده، فإن كان أخذه من كونه كان صغيرًا فهو الرَّجْم بالظن. وقوله: هل يقال مناسبة التّرجمة يستفاد ... الخ؟ جوابه نعم، قد صرح بذلك شراح هذا الكتاب كابن بطّال وابن المنير ومن تبعهما, ولكنهم لقلة اطلاعهم على طرق الحديث قد يقع لهم إبداء مناسبة من لفظ الحديث الذي في الباب، فإذا ظهرت لهم أغنتهم عن تتبع الطرق، لأنّ في التتبع على من لم يكن له ممارسة بها عناءً عظيمًا، وأمّا إذا ظفروا بها فإنهم لا يعدلون ¬

_ (¬275) عمدة القاري (2/ 178).

عنها، وذلك بين في كلامهم بكثرة لا بقلة، ومن أمعن في النظر في كلامهم وجد ذلك، ولكن هذا المعترض حاله كما جاء بل كذبوا بما لم يحيطوا يعلمه، والله المستعان. قال (ح): قوله في هذا الحديث: حتّى سمعت غطيطه، الغطيط صوت نفس النائم، والنَّخيرُ أقوى منه (¬276). قال (ع): يرد هذا التفسير قول صاحب العباب غطيط النائم، والمخنوق نخيرهما، فجعله عينه خلاف الذي غاير بينهما، إذا قالت حذام فصدقوها (¬277). قلت: نقول بموجبه. قال (ح) في الكلام على إعراب الكرماني فقال في الكلام على قوله: ثمّ صلّى ركعتين إنّما فصل بين الخمس وبين الركعتين، ولم يقل سبع ركعات، لأنّ الخمس اقتدى فيها ابن عبّاس بخلاف الركعتين، أو لأن الخمس بسلام والركعتين بسلام آخر، انتهى. وكأنّه ظن أن الركعتين المذكورتين من جملة صلاة الليل وهو محتمل، لكن حملها على سنة الفجر أولى ليحصل الختم بالوتر (¬278). قال (ع): قلت: قط هو ما ظن أن الركعتين من صلاة اللّيل غاية ما في الباب، وقع سؤاله عن التفصيل ولو لم يحمل، فأجاب عن وجه ذلك: ولئن سلمنا أنّه ظن أن الركعتين من صلاة اللّيل ففيه أيضًا الختم بالوتر (¬279). ¬

_ (¬276) فتح الباري (1/ 212). (¬277) عمدة القاري (2/ 179). (¬278) فتح الباري (1/ 212). (¬279) عمدة القاري (2/ 180).

قلت. لا يخفى ما في تركيبه من القلق, ثمّ ختم بالمكابرة وليس المراد بالختم بالوتر إِلَّا أن يقع آخر الصّلاة وترًا موصولة كانت أو مفصولة لا أن يكون مجموع الصّلاة وترًا لأنّه إذا ختم بركعتين يكون ختم بشفع، ولو كان مجموع الصّلاة وترًا لم يصح. قوله: ضُمَّ. قال (ح): عند الكشميهني وغيره ضمه وهو بفتح الميم ويجوز ضمها، وقيل: يتعين لأجل ضمة الهاء، ويجوز كسرها لكن مع سكون الهاء وكسرها (¬280). قال (ع): هذه الكلمة يجوز فيها أربعة أوجه، فذكر الثّلاثة وزاد الفك وهو اضمم، قال: ودعوى التعين غير صحيحة ولا قوله ضمة الهاء، بل الصواب ضمة الضاد، وقوله: مع إسكان الهاء إن كان في الوقف مسلم وإلا منع ومثل هذا لا يتحقق إِلَّا لمن أمعن النظر في العلوم الآلية (¬281). قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬280) فتح الباري (1/ 215). (¬281) عمدة القاري (2/ 184).

38 - باب حفظ العلم

38 - باب حفظ العلم في حديث أبي هريرة فقال: "ابْسُطْ ردَاءَكَ" فغرف بيده فيه ثمّ قال "ضُّمَّهُ". وقع في رواية المستملي وحده فيما حكاه صاحب المطالع "فيحذف" بدل "فغرف" وذكر له توجيهًا، والذي عندي أنّها تصحيف فإن المصنف ساق الحديث في علامات النبوة بهذا الإِسناد بعينه، ووقعت هناك بلفظ: ففرق عند الجميع حتّى المستملي، وقد رواه ابن سعد في الطبقات عن ابن أبي فديك رواية هنا بلفظ: ففرق (¬282). قال (ع): لم يقم برهانًا على ما ادعاه من التصحيف، وسياقه في علامات النبوة، ورواية ابن سعد ليس يقوم بها الدّليل، ولو كان تصحيفًا لنبه عليه صاحب المطالع (¬283). قلت: انظر وتعجب. قوله: في حديث أبي هريرة: حفظت عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وعاءين، وقع في المسند عنه: حفظت ثلاثة أجربة منها جرابين، ويجمع بأن أحد الوعاءين كان أكبر من الآخر بحيث يجيء ما في الكبير في جرابين، وما في الصغير على النّصف من ذلك (¬284). ¬

_ (¬282) فتح الباري (1/ 216). (¬283) عمدة القاري (2/ 184). (¬284) فتح الباري (1/ 216).

قال (ع): أبعد هذا القائل في هذا الحمل (¬285). قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬285) عمدة القاري (2/ 185).

39 - باب ما يستحب للعامل إذا سئل

39 - باب ما يستحب للعامل إذا سئل في شرح حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر. قوله: فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونبه بعض الحذاق على أنّه مقلوب، وأن الصواب بقية يومهما وليلتهما بالنصب لقوله بعد، فلما أصبح أي من الليلة التي تلي اليوم الذي سار جميعه (¬286). قال (ع): هذا احتمال بعيد لأنّه يلزم أن يكون سيرهما بقية [اليوم وجميع] الليلة، واليوم الكامل والليلة الكاملة من اليوم الثّاني وليس كذلك (¬287). قلت: جرى على عادته في الدفع بالصدر وبالله التوفيق. قال (ح) في الكلام عليه: أورد الزمخشري سؤالًا فقال: دلت حاجة موسى إلى التعليم من غيره أنّه موسى بن ميشا كما قيل، إذ النّبيّ يجب أن يكون أعلم أهل زمانه، وأجاب عنه بأنّه: لا نقص بالنبي في أخذ العلم من نبي مثله. قلت: وفي الجواب نظر لأنّه يستلزم نفي ما أوجبه (¬288). ¬

_ (¬286) فتح الباري (1/ 220). (¬287) عمدة القاري (2/ 191) وما بين المعكوفين ليس عند العيني في عمدة القاري. (¬288) فتح الباري (1/ 219) وتفسير الكشاف (2/ 733 - 734).

قال (ع): هذه الملازمة ممنوعة، فلو بين وجه النظر لأجيب عن ذلك انتهى (¬289). فجزم بمنع الملازمة ثم علق الجواب على التبيين، وتبيين النظر المذكور تظهر من صحة الملازمة، وذلك أنه أوجب أن يكون النبي أعلم أهل زمانه، ثم جوز للنبي أن يأخذ العلم من نبي آخر فيقال له: إن كان مما لا يعلمه لزم أن يكون المأخوذ عنه أعلم منه بذلك المأخوذ، فينتفي أن يكون أعلم أهل زمانه، لأن المأخوذ منه من أهل زمانه، ولو كان نبيًا. قوله في: ¬

_ (¬289) عمدة القاري (2/ 196).

40 - باب من خص بالعلم

40 - باب من خص بالعلم في حديث أنس قال: ذكر لي أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال لمعاذ: "مَنْ لَقِيَ الله لَا يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَةَ". قال (ح): اقتصر على نفي الشرك لأنّه يستدعي التّوحيد، ويستدعي إثبات الرسالة باللزوم؛ لأنّ من كذب رسل الله فقد كذب الله، ومن كذب الله فهو مشرك (¬290). قال (ح) في الكلام على:. ¬

_ (¬290) فتح الباري (1/ 228) كذا هو في النسخ الثلاث بدون اعتراض العيني، وها نحن ننقل اعتراض العيني من عمدة القاري بعد ذكره قول الحافظ ابن حجر المذكور (2/ 209) هذا تصور لا يوجد معه التصديق، فإن أراد بالاقتضاء على اصطلاح أهل الأصول فليس كذلك على ما لا يخفى، وإن أراد به على اصطلاح غير أهل الأصول، فلم يذهب أحد منهم إلى هذه العبارة في الدلالات، وقوله أيضًا: ومن كذب الله فهو مشرك، ليس كذلك، فإن المكذب لا يقال له إِلَّا كافر.

41 - باب من خص بالعلم قوما دون قوم

41 - باب من خص بالعلم قومًا دون قوم في شرح حديث معاذ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبهِ إِلَّا حَرَّمَهُ الَّلهُ عَلى النَّارِ" بعد ذكر الإشكال وهو ثبوت دخول جماعة من عصاة الموحدين النّار ثمّ يخرجون بالشفاعة، ونقل عنه أجوبة: منها: أن ذلك كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي، قال: وفيه نظر يعني هذا الجواب الأخير، لأنّ مثل هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض. وقد أورد من حديث أبي موسى عند أحمد بسند حسن، وكان قدومه في السنة الّتي قدم فيها أبو هريرة (¬291). قال (ع): في هذا النظر نظر، لأنّه يحتمل أن يكون ما رواه أبو هريرة وأبو موسى عن أنس كلاهما روياه عنه قبل نزول أكثر الفرائض، ووقعت روايتهما بعد نزول أكثر الفرائض. انتهى (¬292). كذا رأيت بخط من قرأ على هذا المعترض وصحح له نسخته وهو تركيب قلق، وكأنّه أراد احتمال أن يكون أبو هريرة وأبو موسى تحملا ذلك ممّن تحمله قبل نزول أكثر الفرائض، فإن كان هذا مراده فهو مردود لأن سياق ¬

_ (¬291) فتح الباري (1/ 226). (¬292) عمدة القاري (2/ 208).

مسلم صريح في أن أبا هريرة تحمله من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بغير واسطة فطاح الاحتمال، وبقي النظر على حالة وهو يقتضي وهي ذلك الجواب وقوة غيره، وهذا هو المدعى. قال (ح) في الكلام على قوله في آخر هذا الحديث: فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا، قال الكرماني: الضمير في موته يرجع إلى معاذ، ويحتمل أن يرجع إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قال بعضهم: وأغرب الكرماني حيث جوز عود الضمير إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، ويرده ما رواه أحمد في مسنده بسند صحيح إلى جابر قال: أخبرني من شهد معاذًا حين حضرته الوفاة يقول: سمعت من رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - حديثًا لم يمنعني أن أحَدِّثكموه إِلَّا مخافة أن تتكلوا ... فذكر الحديث (¬293). قال (ع) هذا لا يردّ ما قال الكرماني لأنّه يحتمل أن يكون معاذًا أخبر به عند موت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأخبر به أيضًا عند موت نفسه فلا منافاة بينهما (¬294). قلت: الرِّواية الّتي بعدها صريحة في النّهي (¬295). قال (ع): لا نسلم أن النّهي صريح فيه، وإنّما فهم النّهي من كلّ من الحديثين بدلالة النص (¬296). قلت: لا صراحة في الأوّل، وأمّا الثّاني فلفظه قال: ألا أبشر النَّاس؟ قال: "لاِ إِنِّي أخَافُ أن يَتِّكِلُوا" فقوله: "لا"، في جواب المعرض نفي، وقد قال هذا المعترض في آخر كلامه على هذا الحديث: قوله: قال-: "لَا أَخَافُ ¬

_ (¬293) فتح الباري (1/ 226). (¬294) عمدة القاري (2/ 208). (¬295) فتح الباري (1/ 227). (¬296) عمدة القاري (2/ 208)

أن يَتَّكِلوُا" كلمة (لا) للنهي وليست داخلة على أخاف، بل استانف قوله أخاف .... الخ (¬297). قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬297) عمدة القاري (2/ 209 - 210).

42 - باب من استحيى فأمر غيره بالسؤال

42 - باب من استحيى فأمر غيره بالسؤال في شرح حديث علي: كنت رجلًا، مَذَّاءً ... الحديث استدل به بعضهم على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع وهو خطأ، ففي النسائي أن السؤال وقع وعلي حاضر (¬298). قال (ع): وقع في بعض طرقه: فأرسلنا المقداد، في هذا إشارة إلى أنّه لم يحضر مجلس السؤال، وفيه نظر لجواز أن يكون حضر بعد إرساله انتهى (¬299). ورواية النسائي التي أشرف إليها تغني عن ذلك، فإن لفظها عن علي؛ فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فقال: "فِيهِ الْوُضُوءُ". ومن: ¬

_ (¬298) فتح الباري (1/ 230). (¬299) عمدة القاري (2/ 216).

كتاب الوضوء

كتاب الوضوء 43 - باب فضل الوضوء والغر المحجلون قال (ح): كذا للأكثر بالواو على الحكاية لما في مسلم: "أنْتُمُ الْغُرُّ المُحَجَّلُونَ" أو للإِستئناف والخبر محذوف تقديره لهم فضل (¬300). قال (ع): بل الواو عاطفة لأنّ التقدير باب فضل الوضوء وباب هذه الجملة كذا (¬301). قال (ح) في الكلام على باب التخفيف في الوضوء في شرح حديث ابن عبّاس: بت عند خالتي ميمونة فقام النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - من الليل، فلما كان في بعض الليل قام رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فتوضأ، كذا للأكثر فقام، ولابن السكن فنام بالنون بدل القاف، وصوبها القاضي عياض لأجل قوله بعد ذلك فلما كان بعض الليل قام. انتهى. وهي وإن كانت راجحة لكن لا ينبغي الجزم بخطأ الأخرى لأن توجيهها ظاهر، وهو أن الفاء في قوله: فلما كان تفصيلية للجملة الثّانية، وإن كان مضمونها مضمون الأولى لكن المغايرة بينهما بالإِجمال والتفصيل, وعلى هذا فقوله: "من" في قوله "من اللّيل" تبعيضية، أي قال بعض (¬302). ¬

_ (¬300) فتح الباري (1/ 235). (¬301) عمدة القاري (2/ 246). (¬302) فتح الباري (1/ 239).

قال (ع): بل الصواب ما صوبه القاضي وهذا التوجيه غير موجه إذ لا إجمال في الأولى ولا تفصيل في الثّانية، كذا قال والله المستعان (¬303). قال (ح) فيه أيضًا قوله: نام حتّى نفخ، وربما قال: اضطجع حتّى نفخ، ثمّ قام فصلّى أي كان سفيان يقول تارة نام، وتارة اضطجع وليس نام واضطجع مترادفين بل بينهما عموم وخصوص من وجه لكنه لم يرد إقامة أحدهما مقام الآخر بل كان إذا روى الحديث مطولًا قال: اضطجع فنام كما سيأتي، وإذا اختصره قال: نام أي مضطجعًا أو اضطجع أي نائمًا (¬304). قال (ع): الإِضطجاع في اللُّغة وضع الجنب بالأرض، ولكن المراد به النوم، وحينئذ يكون بين قوله: اضطجع حتى نفخ وبين قوله نام حتّى نفخ مساواة، فكيف يقول هذا الشارح ليسا مترادفين. انتهى (¬305). ولا يخفى صواب ما قاله الشارح على من له أدنى تأمل لكن من يتحامل ويَتَعنَّتُ يقع منه أكثر من هذا، والله. الهادي للصواب. والعجب أنّه يرتضي مباحث الشارح وينقلها كما هي موهمًا أنّها من تصرفه، وإذا لاحت أدنى فرصة وَهَّي كلامه ولو كان موجهًا. ومن عجيب ما وقع له هنا أن الشارح قال ما نصه في قوله يخففه: أي لا يكثر الدلك ويقلله أي لا يزيده على مرّة مرّة، وفيه دليل على إيجاب الدلك لأنّه لو كان يمكن اختصاره لاختصره. انتهى وهي دعوى مردودة فإنّه ليس في الخبر ما يقتضي الدلك بل الإِقتصار على سيلان الماء على العضو أخف من قليل الدلك (¬306). ¬

_ (¬303) عمدة القاري (2/ 255). (¬304) فتح الباري (1/ 239). (¬305) عمدة القاري (2/ 256). (¬306) فتح الباري (1/ 239).

قال (ع): قوله: يخففه عمرو أي ابن دينار، والفرق بين التقليل والتخفيف فذكر شيئًا ثمّ نقل كلام ابن بطّال ثمّ قال: وقال ابن المنير: يخففه أي لا يكثر الدلك ويقللة أي لا يزيد على مرّة مرّة، ثمّ قال: وفيه دليل على إيجاب الدلك لأنّه لو كان يمكن إختصاره لاختصره. قلت: فيه نظر، لأنّ قوله: يخففه ينافي وجود الدلك فكيف يكون فيه دليل على وجوبه (¬307). وقال (ح) في قولة: نحوًا ممّا توضأ: قال الكرماني: لم يقل مثلًا لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره - صلّى الله عليه وسلم -. انتهى. وقد ثبت في هذا الحديث كما سيأتي بعد أبواب فقمت فصنعت مثل ما صنع، ولا يلزم من إطلاق المثلية المساواة من كلّ جهة (¬308). فقال (ع): قوله: فتوضأ نحوًا ممّا توضأ أراد أنّه توضأ وضوءًا خفيفًا مثل وضوء النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. وقال الكرماني: قال: نحوًا، ولم يقل: "مثلًا، لأنّ حقيقة مماثلته عليه السّلام لا يقدر عليها غيره. قلت: يرد عليه ما ثبت في هذا الحديث على ما يأتي بعد أبواب: فقمت فصنعت مثل ما صنع، فعلم من ذلك أن المراد من قوله نحوًا مثلًا, لأنّ الحديث واحد والقصة واحدة (¬309). وقال في الباب بعده نحو ذلك وبالغ فقال، وساق كلام (ح) بعينه (¬310) ¬

_ (¬307) عمدة القاري (2/ 256). (¬308) فتح الباري (1/ 239). (¬309) عمدة القاري (2/ 256). (¬310) فتح الباري (1/ 240) وعمدة القاري (2/ 259).

وله أمثال ذلك وقد تقدّم التنبيه على كثير من ذلك ويأتي أكثر من ذلك والله يفتح بيننا وبينه بالحق وهو خير الفاتحين. قال (ح) في الكلام على:

44 - باب التسمية على كل حال وعند الوقاع

44 - باب التّسمية على كلّ حال وعند الوقاع أي الجماع، وعطفه عليه من عطف الخاص على العام للإِهتمام به، وذكر فيه حديث ابن عبّاس في ندب تسمية المجامع إذا أراد أن يأتي أهله وليس في الحديث الذي أورده عموم، لكنه يستفاد بطريق الأولى لأنّه إذا شرع في حالة الجماع وهي ممّا أمر فيه بالصمت فغيره أولى (¬311). قال (ع): من تأمل هذا الكلام وجده في غاية الوهاء (¬312). كذا قال فليتأمله العالم ويحكم بينهما بطريق الإِنصاف. قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬311) فتح الباري (1/ 242). (¬312) عمدة القاري (2/ 266).

45 - باب لا يستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء أو جدار أو نحوه

45 - باب لا يستقبل القبلة بغائط أو بول إِلَّا عند البناء أو جدار أو نحوه في شرح حديث أبي أيوب: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يولِّهَا ظَهْرَة". قال الإِسماعيلي: ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور. وأجيب بثلاثة أجوبة: أحدها: أنّه تمسك بحقيقة الغائط لأنّه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء فتختص النّهي به إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة، وهذا جواب الإِسماعيلي وتلقاه الكرماني [و] جزم به وهو أقوى الأجوبة. ثانيها: استقبال القبلة إنّما يتحقق في الفضاء، فأمّا البناء فإنّه إذا استقبل أضيف إليه الإستقبال، قاله ابن المنير. ثالثها: أشار بالإستثناء إلى حديث ابن عمر المذكور في الباب بعده، وبهذا جزم ابن بطّال وتبعه ابن المنير (¬313). قال (ع): ليس قوله أقوى الأجوبة لأنّهم استعملوا الغائط للخارج وغلب هذا المعنى على المعنى الأصلي حتّى صار حقيقته فهجرت الحقيقة اللغوية، فكيف تراد بعد ذلك؟! (¬314). ¬

_ (¬313) فتح الباري (1/ 245) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 42) فإنّه استرسل قلمه في ذلك. (¬314) عمدة القاري (2/ 275).

قلت: لقد تحجر واسعًا وسيأتي قريبًا في باب لا يستنجى بروث، الكلام على حديث ابن مسعود: أتى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، والمراد بالغائط فيه حقيقته اللغوية جزمًا حتّى قال هذا المعترض في الكلام. قوله: الغائط أي الأرض المطمئنة لقضاء حاجته، والمراد منه معناه اللغوي. انتهى كلامه (¬315). وإنّما قال أهل العلم: إذا تعارضت الحقيقة اللغوية والحقيقة العرفية قدمت العرفية، ولم يقل أحد أن الحقيقة اللغوية لا يصح العمل لوجود العرفية والله المستعان. والعجب منه أنّه وهي هذا الجواب، ووهى جواب ابن المنير بأن العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص [السبب]، ووهى جواب ابن بطّال بأنّه كان ينبغي، أن يذكر في هذا الباب حديث ابن عمر، ثمّ نقل عن صاحب التلويح أن أبا أيوب رواي الحديث فهم من الحديث عكس ما ذكره البخاريّ وهو العموم، ثمّ صرح هذا المعترض بأنّه لا مناسبة بين هذا الحديث وما دل عليه الاستثناء. قال: وهذا بحسب الظّاهر وإلا فالتقريب الذي ذكره يكفي بثبوت المناسبة فانظر وتعجب (¬316). قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬315) عمدة القاري (2/ 302). (¬316) عمدة القاري (2/ 276).

46 - باب من تبرز على لبنتين

46 - باب من تبرز على لبنتين تثنية لبنة بفتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق (¬317). قال (ع): ليت شعري ما معنى قوله: أو غيره، فهل تصنع اللبن من غير الطين؟! (¬318). قلت: أقول كما قال الأوّل: وما عليَّ إذا لم يفهم. قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬317) فتح الباري (1/ 247). (¬318) عمدة القاري (2/ 279).

47 - باب خروج النساء إلى البراز

47 - باب خروج النِّساء إلى البراز بفتح الموحدة. وقال الخطابي: أكثر الرواة يقولونه بكسر أوله وهو غلط لأنّ البراز بالكسر هو المبارزة في الحرب. قلت: بل هو موجه لأنّه يطلق بالكسر على نفس الخارج. قال الجوهري: البراز المبارزة في الحرب، هو البراز أيضًا كناية عن ثُقْلِ الْغِذَاءِ وهو الغائط. انتهى (¬319). فعلى هذا فمن فتح أراد الفضاء، ومن أطلقه على الخارج فهو من إطلاق اسم المحل على الحال كما وقع مثله في الغائط، ومن كسر أراد نفس الخارج (¬320). قال (ع): الذي قالوه غير موجه، والتوجيه مع الخطابي (¬321). قال (ح): في حديث عائشة فيه: كن يخرجن إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح، الظّاهر أن تفسير المناصع بذلك من مقول عائشة (¬322). قال (ع): لا دليل عليه بل يحتمل أيضًا أن يكون مقول عروة أو من دونه (¬323). ¬

_ (¬319) الصحاح (3/ 864) للجوهري. (¬320) فتح الباري (1/ 249). (¬321) عمدة القاري (2/ 282). (¬322) فتح الباري (1/ 249). (¬323) عمدة القاري (2/ 283).

قلت: التعبير بالظاهر لا يمنع الاحتمال، ودليل الظهور أن الأصل كما عطف على ما قبله فهو من كلام الذي نسب إليه الأوّل حتّى يقع التصريح بغيره قال (ح): فيه قوله: وكان عمر يقول للنبي - صلّى الله عليه وسلم -: احجب نساءك، أي امنعهن من الخروج من بيوتهن، بدليل أن عمر بعد نزول آية الحجاب قال لسودة ما سيأتي قريبًا وهو قد عرفناك يا سودة، ويحتمل أن يكون أراد أوَّلًا الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بذلك أحب أن يحجبن أشخاصهن مبالغة في الستر، فلم يجب لذلك لأجل الضّرورة وهو أظهر الاحتمالين (¬324). قال (ع): ليس الأظهر إِلَّا ما قلنا وهو أن معنى أحجب نساءك امنعهن من الخروج من البيوت والاحتمال الذي ذكره هذا الشارح لا يدلُّ عليه هذا الحديث إنّما يدلُّ عليه حديث آخر (¬325). قلت: كأنّه ظن أن المراد بالأظهر الظّاهر وليس كذلك، وإنّما المراد به الأرجح، وقد سلم ما نفاه باعترافه أنّه في حديث آخر وإنّما تلقاه من قول الشارح كما سيأتي قريبًا، ثمّ إنّه ساق تمريض ما ذكره الشارح قال عقب كلامه المذكور: على هذا فقد كان لهن في التستر عند قضاء الحاجة ثلاث حالات فذكرها، فقال هذا المعترض: كان الحجب ثلاثة فذكرها من كلام القاضي عياض ثمّ قال: وكانت لهن في التستر عند قضاء الحاجة ثلاث حالات، فساق كلام الشارح بلفظه، وهذا ممّا يتعجب منه هل [أسن] على الناظر في كلامه أن يطالع كلام من يعترض عليه ويوهبه فيراه قد نقله بعينه موهمًا أنّه من تصرفه غير ناسب له لمن أتعب فيه خاطره وأسهر فيه ناظره والله يحكم بينهما بعدله (¬326). قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬324) فتح الباري (1/ 249). (¬325) عمدة القاري (2/ 283). (¬326) كذا في الأصل [اسى] بدون تنقيط، ومحلها بياض في نسخة الظاهرية وجستربتي.

48 - باب الإستنجاء بالماء

48 - باب الإِستنجاء بالماء في شرح حديث أنس: أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني يستنجي به، وذكر من رواه بلفظ يستنجي بالماء، ومن رواه فخرج علينا وقد استنجى بالماء، وما نقله المهلب عن الأصيلي أنّه أنكر أن يكون قوله: فيستنجي به من قول أنس والرد عليه. ووقع في نكت البدر الزركشي هنا تصحيف فإنّه نسب التعقب المنقول عن الأصيلي للإِسماعيلي (¬327). قال (ع): مثل هذا لا يسمى تصحيفًا، لأنّ التصحيف الخطأ في النقط بأن يكون بالحاء المهملة فيذكره بالمعجمة ونحو ذلك، قال: وأصل التعقيب ليس للأصيلي وإنّما هو للمهلب. انتهى (¬328). والحصر الذي ادعاه مردود، والتصحيف يطلق على أعم من ذلك، وقوله: ليس للأصيلي مكابرة وغفلة عن مراتب النقلة، فإن المهلب ينقل عن الأصيلي لا عكس ذلك. قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬327) فتح الباري (1/ 251). (¬328) عمدة القاري (2/ 288).

49 - باب من حمل معه الماء لطهوره

49 - باب من حمل معه الماء لطهوره بعد أن ذكر حديث أبي الدرداء أليس فيكم صاحب النعلين والطهور والوسادة؟ وحديث أِنس رضي الله عنه: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام منا معنا إداوة من ماء. وإيراد المصنف لهذا الطريق من حديث أبي الدرداء مع حديث أنس يشعر اشعارًا قويًا بأن الغلام المذكور في حديث أنس وابن مسعود، ولفظ الغلام يطلق على غير الصغير مجازًا، وعلى هذا فقول أنس: منا، أي من الصّحابة أو من خدم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬329). قال (ع): فيما قاله محذوران: أحدهما: إرتكاب المجاز من غير داع. فالآخر: مخالفته لما ثبت في صريح رواية الإِسماعيلي حيث قال من الأنصار ومن أقوى ما يرد به كلامه أن أنسًا وصف الغلام بالصغر في رواية أخرى، فكيف يصح أنّه ابن مسعود؟! (¬330). قلت: لا يرد شيءٌ ممّا ذكره إذ ليس في العمل على المجاز محذور، ونفي الداعي مردود، فإنّه موجود لتصحيح الكلام إذا أثبت أبو الدرداء أن ابن مسعود صاحب المطهرة، وقد وصل المصنف الحديث بلفظ صاحب النعلين والوسادة والمطهرة، فإذا جزم أبو الدرداء بأن ابن مسعود صاحب المطهرة، ¬

_ (¬329) فتح الباري (1/ 252). (¬330) عمدة القاري (2/ 292).

وقال أنس: غلام منا كان يحمل الإِداوة فيها الماء ليستنجي بها. كان الظّاهر أنّه هو المراد، فإن قيل: لم يكن حينئذ غلامًا، أجيب بأنّه أطلق عليه ذلك مجازًا ومثل هذا شائع سائغ ولا تمسك في رده برواية الإِسماعيلي، فلا مانع من وصف ابن مسعود بأنّه من الأنصار بالمعنى الأعم لأنّه من جملة من نصر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وأمّا وصفه بالصغر فقد ذكره وأجاب عنه. والعجب أن [هذا] الشارح أورد ما اعترض عليه وأجاب عنه فحذفه المعترض للتشنيع عليه، ونص كلام الشارح، وصاحب النعلين في الحقيقة هو النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، فأطلق أبو الدرداء ذلك على ابن مسعود مجازًا لملازمته لحملهما، وكذلك القول في المطهرة ويتأيد دعوى المجاز في قوله غلام بالحديث الذي فيه أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال لابن مسعود بمكة وهو يرعى الغنم، قال له: "عِلْمي أَنَّكَ لَغُلَامٌ مُعَلَّمٌ" وتقدم ذكر قول الزمخشري في أساسُ البلاغة أنّه يقال للشاب غلام إلى أن يلتحي، ولعلّ ابن مسعود كان أبطأ نبات لحيته، وكان ابن مسعود نحيف الجسم قصير القامة، فلعلّه وصفه بالصغر لذلك إن ثبتت الرِّواية, وقد جوز الشارح أن يكون المراد بالغلام أبو هريرة، وذكر الخبر الوارد فيه فأخذه المعترض أيضًا ونسبه لنفسه، ثمّ تعقبه بأنه ليس من الأنصار، وألحق الشارح بعد ذلك ما يدلُّ على أنّه جائز وهو أنصاري، وكان في ذلك الوقت غلامًا حقيقة من أقران أنس، ولم يقف على ذلك المعترض ولله الحمد (¬331). قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬331) فتح الباري (1/ 251 , 252) وعمدة القاري (2/ 292).

50 - باب من حمل العنزة

50 - باب من حمل العنزة وذكر فيه حديث أنس المذكور قبل، وذكر من فوائد حمل العنزة أنّها كانت ليسير بها عند قضاء الحاجة، كذا قيل وفية نظر لأنّ ضابط السترة في هذا ما يستر الأسافل، والعنزة ليست كذلك، لكن يحتمل أن يكون ليضع عليها الساتر أو يركزها علامة ليمتنع من يريد المرور بقربه (¬332). قال (ع): بعد أن حكى الفائدة: هذا بعيد لأنّ ضابط السترة في هذا ما يستر الأسافل، والعنزة ليست كذلك (¬333). كذا اقتصر عليه وأغفل أن ما تركز ليوضع عليها الثّوب، ولو لم تكن لم يتهيأ التستر بالثوب وكذا يجعلها علامة. ومن عجائبه أن يعترض على الشارح بما يبديه الشارح بحثًا ولا ينسبه إليه. قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬332) فتح الباري (1/ 252) (¬333) عمدة القاري (2/ 293).

51 - باب النهي عن الإستنجاء باليمين

51 - باب النّهي عن الإِستنجاء باليمين عبر بالنهي إشارة إلى أنّه لم يظهر له هل هو للتحريم أو للتنزيه؟ أو لأن القرينة الصارفة له عن التّحريم لم تظهر له (¬334). قال (ع): هذا كلام فيه خبط لأنّ في الحديث: "وإِذَا أتَى الْخَلَاءَ فلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بيَمِينِهِ" فلابد من التعبير بالنهي وإما أنّه للتحريم أو التنزيه فأمر آخر (¬335). قلت: أراد الشارح الأمر الآخر فنبه على أن السبب في العدول عن الجزم بالحكم بأن يقول: باب تحريم الإستنجاء باليمين أو كراهة الإِستنجاء باليمين احتمال أنّه لم يظهر له الحكم فاقتصر على لفظ النّهي الصالح لكل منهما، وقذ ذكر الشارح اختلاف العلماء في الحكم المذكور وأن الجمهور على أنّه للتنزيه، وأن الظاهرية وبعض الشّافعيّة والحنابلة قالوا: إنّه للتحريم قال (ح) في الكلام على حديث الباب، وقد أبدى الخطابي هنا بحثًا وبالغ التبجح به، وحكى عن أبي علي بن أبي هريرة أنّه ناظر رجلًا من فقهاء خراسان فيه فعجز، ومحله أن المستجمر متى استجمر بيساره استلزم مس ذكره بيمينه، ومتى أمسكه بيساره استلزم اسجماره بيمينه وكلاهما منهي عنه. وأجاب الخطابي بأنّه يقصد الجدار ونحوه فيأمن من المحذور، فإن لم ¬

_ (¬334) فتح الباري (1/ 253). (¬335) عمدة القاري (2/ 294).

يتيسر فيلصق مقدمته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه ويستجمر بيساره. انتهى. وهذه هيئة منكرة بل يتعذر فعلها غالبًا، وقد تعقبه الطيبي بأن النّهي عن الإستنجاء باليمين مختص بالدبر، والنهي عن المس مختص بالذكر، قال: فبطل الإِيراد من أصله كذا قال: وفيه نظر لأنّه سلم الإِيراد وادعى التخصيص والأصل عدمه، والمس إن كان يختص بالذكر الذي يلحق به الدبر قياسًا، والتنصيص على الذكر لا مفهوم له بل فرج المرأة ذلك، وإنّما خص الذكر بالذكر لكون المخصوص غالبًا هم الرجال، والصواب في الصورة الّتي أوردها الخطابي ما قاله إمام الحرمين ومن تبعه كالغزالي في الوسيط والبغوي في التهذيب أنّه يمر العضو بيساره على شيءٍ يمسكه بيمينه.، ويمينه قارة غير متحركة فلا يعد مستجمرًا باليمين. ولا ماسًّا ذكره بها بل هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الإِستنجاء (¬336). قال (ع): قوله في الحديث: ولا يستنجي بيمينه يردّ على الطيبي دعواه الإختصاص، وقال بعضهم: الذي ذكره الخطابي هيئة منكرة، والصواب ما قاله إمام الحرمين، دعوى فاسدة، فإن الاستجمار بالجدار لا شناعة فيه، وتصويب ما قاله هؤلاء إنّما يمشي في استجمار الذكر وأمّا في الدبر فلا (¬337). قلت: لم ينكر الشارح الاستجمار بالجدار إنّما أنكر الهيئة المذكورة بعده واعتراضه على الهيئة الّتي ذكرها الغزالي وغيره بأنّها لا تتمشى في استجمار الدبر لا يردّ. عليهم لأنّهم إنّما فرضوها في الذكر كما فرضها الخطابي، والهيئة الّتي ذكروها لا إيراد عليها، وأمّا الدبر فلا يتأتي معه الملازمة المذكورة إذ لا تحتاج عند الاستجمار إلى إمساك بيمين ولا يسار بل يستجمر بيده اليسرى ¬

_ (¬336) فتح الباري (1/ 253 - 254). (¬337) عمدة القاري (2/ 296).

فقط، ويصب الماء بيمينه من آلة كالإبريق أو غيرها فينبغي للناظر في كلام الشارح والمعترض إذا كان ينصف بصفة المنصف أن يفصح بالحق ويذكر المصيب من هذين وأي الفريقين أهدى سبيلا؟! قال (ح) في الكلام عليه، وقع لي رواية الإسماعيلي لا يمس فاعترض على ترجمة البخاريّ بأن المس أعم من الإمساك فكيف يستدل بالأعم على الأخص؟! (¬338). قال (ع): هذا الإِعتراض هذا كلام وَاهٍ، وليس في كلام البخاريّ ذكر المس فكيف يعترض عليه وهذا كلام فيه خباط؟! (¬339). قلت: حذف من كلام الشارح بعد قوله على الأخص، ولا إيراد على البخاريّ لما بيناه وكان سبق له بيان ما تحصل منه الجواب وهو قوله. قال (ح). في الكلام. على: ¬

_ (¬338) فتح الباري (1/ 255). (¬339) عمدة القاري (2/ 297) وفي تعليق الحافظ ابن حجر على عنوان الباب كلام رده العيني (2/ 296 - 297) فتعرض لذلك البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 43) فراجعه.

52 - باب لا يستنجي بروث

52 - باب لا يستنجي بروث في شرح حديث ابن مسعود: فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدتُ حجرين والتمست الثّالث فلم أجده فأخذتُ روثة، فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: "هَذَا رِكْسٌ". استدل الطحاوي به على عدم اشتراط الثّلاثة، قال: لأنّه لو كان شرطًا لطلب ثالثًا، وغفل عما أخرجه أحمد في مسنده من طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود في هذا الحديث فإن فيه: فألقى الروثة وقال: "هَذَا ركْسٌ ائْتِني بحَجَرٍ" ورجاله ثقات أثبات وقد تابع معمرًا عليه أبو شيبة الواسطي أخرجه الدارقطني وتابعهما عمار بن زريق أحد الأثبات عن أبي إسحاق (¬340). قال (ع): لم يغفل الطحاوي عن ذلك، وإنّما الذي نسبه إلى الغفلة هو الغافل، وكيف يغفل ذلك وقد ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق من علقمة فهو عنده منقطع لا يرى العمل به وأبو شيبة الواسطي ضعيف فلا يعتبر بمتابعته فالذي يدعي صنعة الحديث كيف يرضى بهذا الكلام؟! (¬341). قلت: هذا الكلام .... أما استبعاده غفلة الطحاوي مع قوله أنّه ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق من علقمة فلا ملازمة بينهما إذ قد يعرف ¬

_ (¬340) فتح الباري (1/ 257)، (¬341) عمدة القاري (2/ 305) وانظر (الباب 60 الآتي)

أن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة ولا يعرف أنّه روى عنه هذا الحديث بعينه بل لو عرفه لأورده بالإِنقطاع لو كان كما زعم هذا المعترض مع أن هذا الانقطاع لا يقدح عند الطحاوي في صحة الحديث لما. . . . . . . . . . . . (¬342) وأمّا دعواه أن متابعة أبي شيبة لا يعتبر بها لضعفه فماذا يصنع في متابعة عمار الثقة مع أن المتابعات قد يقصد بها الإِعتضاد وبالأصالة وقد يقصد بها تكثر الطرق ليرجح بها عند الحاجة، مع أن معمرًا مستغن عن المتابع فذكر التتابع زيادة قوة، وصاحب الحديث لا يضره الرضى بهذا الكلام بل الذي يرد هذا الكلام هو الذي لا معرفة له بصناعة الحديث. ثمّ نقل هذا المعترض عن ابن القصّار المالكي أنّه قال: روي أنّه أتاه بثالث ولا يصح، ولو صح فالإِستدلال به لمن لا يشترط الثّلاثة قائم لأنّه اقتصر في الموضعين على ثلاثة فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة (¬343). قلت: ارتضى هذا المعترض كلام ابن القصّار ونفيه الصِّحَّة لا يستلزم نفي ما دونها وهو الحسن، ووجوده كان في الاحتجاج وما ادعاه من قيام الإِستدلال بالذي ذكره ... الخ ممنوع. قال (ح) أيضًا: وفي استدلال الطحاوي نظر أيضًا فإن لم تثبت الرِّواية بطلب الثّالث فلعلّ الصحابي اكتفى بطرف أحدهما عن الثّالث لأنّ المقصود بالثلاث أن يمسح ثلاث مسحات وهي تحصل بطرف واحد ثمّ جاء شخص آخر فمسح بطرفه الآخر أجزأهما بلا خلاف (¬344). قال (ع): نظره مردود عليه لأنّ الطحاوي استدل بصريح النص لما ذهب إليه فلا يدفع بالإحتمال البعيد والإِكتفاء المذكور ينافيه اشتراطهم ¬

_ (¬342) هكذا هو بياض في النسخ الثلاث. (¬343) عمدة القاري (2/ 305). (¬344) فتح الباري (1/ 257).

العدد في الأحجار لأنّهم يستدلون للإِشتراط بحديث ولا يجزئ بأقل من ثلاثة أحجار، فقوله: وذلك حاصل ولو بواحد مخالف لصريح الحديث، وهل الإِستدلال بما استدل به إِلَّا مكابرة وتعنت، ومن أمعن النظر عرف أن الحديث حجة عليهم (¬345). قلت: نقول بموجب ما قال من إمعان النظر فنقول: وجدنا الأمر باشتراط الثلاث لأنّه مقتضى الحديث الذي فيه ولا يجزئ بأقل من ثلاث، واستنبطنا من هذا النص معنى يعممه وهو أن المقصود ثلاث مسحات بمسمى ثلاثة أحجار، والمسحات تحصل بما ذكرنا ووجدنا من أجزأ بأقل من ثلاث تمسك بالسكوت عن طلب الثّالث، وزعم أنّه يدلُّ على أنّه اجتزأ بالإِثنين ولا يلزم من السكوت الإِجزاء، وعلى تقدير التسليم فيتعارض العقل وصريح الأمر أو يفرض أن لا دلالة في السكوت، فما الجواب عن دلالة النّهي بعدم الإِجزاء بدون الثلاث. قال (ح) في والكلام على: ¬

_ (¬345) عمدة القاري (2/ 305).

53 - باب الوضوء مرة مرة

53 - باب الوضوء مرّة مرّة قوله: حدّثنا محمَّد بن يوسف قال: حدّثنا سفيان عن زيد بن أسلم. سفيان هو الثّوريّ، ومحمد بن يوسف هو الفريابي لا البَّيْكندي (¬346). قال (ع): جزمه بأن سفيان هو الثّوريّ، وأن محمَّد بن يوسف هو الفريابي لا دليل عليه، والإِحتمال الذي ذكره الكرماني قائم وهو أن محمّد بن يوسف إمّا البيكندي وإمّا الفريابي وزيد بن أسلم شيخ السفيانيين. ثمّ قال هذا المعترض: سفيان إمّا ابن عيينة وإما الثّوريّ، والراجح أنّه الثّوريّ لأنّ أبا نعيم صرح به (¬347). قلت: قد أثبت ما نفاه من دليل الشارح على أنّه الثّوريّ، وإذا أثبت أنّه الثّوريّ لزم أن يكون محمَّد بن يوسف هو الفريابي لأنّ البيكندي لم يدرك سفيان الثّوريّ، فانظروا وتعجبوا! قال. (ح): في الكلام على: ¬

_ (¬346) فتح الباري (1/ 258). (¬347) عمدة القاري (3/ 2).

54 - باب الوضوء مرتين مرتين

54 - باب الوضوء مرتين مرتين في شرح حديث عبد الله بن زيد: أن النّبي - صلّى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين. هذا الحديث مختصر من حديث عبد الله بن زيد المشهور في صفة الوضوء، ولم يعين فيه الغسل مرتين إِلَّا في اليدين إلى المرفقين، وكان حقه أن يبوب له غسل بعض أعضاء الوضوء مرّة، وبعضها مرتين وبعضها ثلاثًا (¬348). قال (ع): لا يلزم البخاريّ ذلك، وليس في حديث عبد الله بن زيد أنّه غسل بعض الأعضاء من حديث عبد الله بن زيد قصور منه فإن كلّ من رواه لم يذكر في غسل الرجلين عددًا (¬349). قال (ح) الكلام على: ¬

_ (¬348) فتح الباري (1/ 259). (¬349) عمدة القاري (3/ 4) وانظر (الباب 61 الآتي).

55 - باب الوضوء ثلاثا ثلاثا

55 - باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا في شرح حديث عثمان: "مَنْ تَوَضَّأ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا". قال النووي: إنّما قال نحو ولم يقل مثل لأنّ حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره. كذا قال وفيه نظر، لأنّه سيأتي في الرقاق من رواية معاذ عن حمران عن عثمان بلفظ: "مَنْ تَوَضأ مِثْلَ هذَا الْوُضُوء" ولمسلم من رواية زيد بن أسلم عن حمران مثله، لكن قال: "مِثْلَ وُضوئي هَذَا" فالتعبير بمثل ونحو من تصرف الرواة ونحو يطلق على المثلية مجازًا (¬350). قال (ع): ما ذكره ليس بشيء لأنّه ثبت في اللُّغة مجيء نحو بمعنى مثل (¬351). قلت: كأن المعترض معتقدٌ أن المجاز ليس من اللُّغة وإلا فما وجه اعتراضه. قال (ح) في الكلام على قوله في حديث عثمان: "غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ" بعد أن نقل أن المراد الصغائر لثبوت استثناء الكبائر في بعض طرقه، وهَذا في حق من له صغائر وكبائر أو صغائر فقط، فأمّا من ليس له إِلَّا كبائر فإنّه يخفف عنه بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظير ذلك (¬352). ¬

_ (¬350) فتح الباري (1/ 360). (¬351) عمدة القاري (3/ 7) وانظر (الباب 62 الاتي). (¬352) فتح الباري (1/ 260 - 261).

قال (ع): الأقسام الثّلاثة غير صحيحة، فإن الذي ليس له إِلَّا صغائر له كبائر أيضًا، لأنّ كلّ صغيرة تحتها صغيرة فهي كبيرة، والذي ليس له إِلَّا كبائر له صغائر وله كبائر. انتهى (¬353). وحكاية هذا الكلام تغنى عن التشاغل بردة. قال (ح) في الكلام على قوله: وعن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان، قال ابن شهاب: ولكنَّ عروة يحدث عن حمران فلما توضأ عثمان. . . الحديث وهو معطوف على قوله: حدثني إبراهيم بن سعد يعني السند الأوّل وهو قوله: حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدّثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران أخبره أنّه رأى عثمان ... الحديث. وزعم مغلطاي وغيره أنّه معلق وليس كذلك، ولد أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بالإسنادين معًا، ثمّ وجدته عند أبي عوانة من حديث الأويسي المذكور عن إبراهيم بن سعد فصح ما قلته، وقد أوضحت ذلك في تغليق التعليق (¬354). قال (ع): لا يلزم من إخراج مسلم والإسماعيلي أن يكون كذلك عند البخاريّ إِلَّا أنّه يحتمل أن يكون معقبًا بحديث إبراهيم الأوّل فيكون موصولًا ولا ينفي احتمال أن يكون معلقًا، ولا يلزم من كونه عند أبي عوانة من حديث الأويسي أن يكون موصولًا عند البخاريّ لاحتمال أن لا يكون سمعه منه (¬355). قلت: ظهور الرجحان في مثل هذا كاف وهو موجود، ولم يدع القطع حتّى يطالب بنفي الاحتمال. قال (ح) في الكلام على: ¬

_ (¬353) عمدة القاري (3/ 7). (¬354) فتح الباري (1/ 261) وتغليق التعليق (2/ 103 - 104). (¬355) عمدة القاري (3/ 11 - 12).

56 - باب الإستجمار وترا

56 - باب الإِستجمار وترًا في شرح حديث أبي هريرة: "إِذا توَضَّأ أَحدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ في أَنْفِهِ ... " الحديث إلى قوله: " ... فَليُوتِرْ، وإذَا اسْتَيْقَظَ أحَدُكُم مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا في وَضُوءِهِ" الحديث ظاهر سياقه أنّه حديث واحد وليس كذلك هو في الموطأ. وقد أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن يوسف شيخ البخاريّ وفيه كما في الموطأ، وكذا فرقة الإِسماعيلي من رواية مالك. وكذا أخرج مسلم الأوّل من طريق ابن عيينة عن أبي الزِّناد، والثّاني من طريق المغيرة (¬356). قال (ع): لا يلزم من ذلك كله أن لا يكون الحديث واحدًا, ويجوز أن يروي حديث واحد متقطعًا من طرق مختلفة فيتعدد بحسب الظّاهر وهو في نفس الأمر حديث واحد. انتهى (¬357). وما نفى الشارح إِلَّا أنّه ليس كذلك في الموطأ ومن الذي يستطيع رد ذلك. ¬

_ (¬356) فتح الباري (1/ 263) وفي النسخ الثلاث زيادة كلمة "ثلاثة" في الحديث بعد قوله "فليوتر" ولا أصل له في الحديث المذكور ولا ذكره الحافظ ابن حجر، فلذلك حذفناها. (¬357) عمدة القاري (3/ 18).

57 - باب غسيل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة

57 - باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة قال (ح): لم يخرج البخاريّ حديث الفرك بل اكتفى بالإِشارة إليه في التّرجمة على عادته، لأنّه ورد من حديث عائشة أيضًا، فالتقدير باب بيان ما ورد في غسل المني وفركه، وهو حديث واحد اختلف ألفاظ رواته عن عائشة، والطريق المصرحة بالغسل أصح من الطريق المصرحة بالفرك، ويؤيد ذلك الحديث الوارد في غسل ما يصيب المرأة، أي يصيب الثّوب أو الجسد، وسيأتي بعد ذلك في أثناء حديث الماء من الماء (¬358). قال (ع): هذا اعتذار بارد لأنّ الطريقة أنّه إذا ترجم الباب بشيء ينبغي أن يذكره. وقوله: بل اكتفى بالإشارة إليه كلام واه لأنّ المقصود من التّرجمة معرفة حديثها وإلا فمجرد الترجمة لا يفيد شيئًا، واستمر في هذه الدعوى ويكفي في الدفع في كلامه سياقه من غير تكلف التعقب عليه، فإنّه ما زاد على الرد بالصدر ممّن وجا بالإِشارة والله حسيبه. ثمّ شرع في الانتصار لمذهبه في أن المني نجس, ومن جملة إساءته أن قال: إن الشارح أخذ كلامه من الخطابي وهو كلام لا يذكره من له أدنى بصيرة وروية, فقال: وليس بين الحديث في غسل المني والحديث في فركه ¬

_ (¬358) فتح الباري (1/ 332/ 333).

تعارض، لأنّ الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب، وهذه طريقة الشّافعيّ وأحمد وأصحاب الحديث، والجمع على القول بنجاسته واضح أيضًا بأن يحمل الغسل على ما كان رطبًا، والفرك على ما كان يابسًا، وهذه طريقة الكوفيين والطريقة الأولى أرجح لأنّ فيها العمل بالخبر والقياس معًا، لأنّه لو كان نجسًا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره، وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك. قال (ع): قوله: يحمل الغسل على الاستحباب كلام واهٍ وهو كلام من لا يدري مراتب الأمر الوارد من الشارع. ثمّ أخذ من الإكثار من جنس هذه الإِساءة والدفع بالصدر (358/ 2). قال (ح): قال الطحاوي: ويجمع بأن الثّوب الذي فركته ثوب النوم، والذي غسلته ثوب الصّلاة، وفيه نظر لأنّ لفظ عائشة عند مسلم في رواية: لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله فركًا فيصلّي فيه، وأصرح منه رواية ابن خزيمة: إنّما كانت تحكه من ثوبه وهو يصلّي (¬359). قال (ع): ليس كما قال، فإن قوله: وهو يصلّي جملة اسمية وقعت حالًا منتظرة، لأنّ عائشة ما كانت تحك المني من ثوب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - حال كونه في الصّلاة. انتهى (¬360). فتأملوا في هذه الدعوى! ¬

_ (358/ 2) عمدة القاري (3/ 144). (¬359) فتح الباري (1/ 333). (¬360) عمدة القاري (3/ 146).

58 - باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره

58 - باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره قال (ح): ذكر حديث عائشة في غسل المني وهو أثر الجنابة وألحق به غيره قياسًا، وأشار إلى رواية أبي داود عن أبي هريرة أن خولة قالت: يا رسول الله ليس لي إِلَّا ثوب واحد وأنا أحيض فكيف أصنع؟ قال: "إِذَا طَهُرْت فَأغْسِلِيهِ وَيكفِيكِ المَاء وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ" (¬361). قال (ع): لا يعرف ما مراده من هذا القياس هل هو لغوي أو اصطلاحي أو شرعي أو منطقي، وما هو إِلَّا قياس فاسد، ومن أين عرف أنّه أراد ذلك أو وقف عليه، كلّ هذا تخمين بتخبيط (¬362). قوله. ¬

_ (¬361) فتح الباري (1/ 334). (¬362) عمدة القاري (3/ 148 - 149).

59 - باب لا يمس ذكره بيمينه إذا بال

59 - باب لا يمس ذكره بيمينه إذا بال قال (ح): أشار بهذه التّرجمة إلى أن النّهي المطلق عن مسِّ الذكر باليمين كما في الباب الذي قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحًا (¬363). قال (ع): هذا كلام فيه خباط لأنّ الحاصل في متني الحديث واحد وكلاهما مقيد. أمّا الأوّل: فإن قوله: "إِذَا أتَى الْخَلَاءَ" هو كناية عن البول، والجزاء قيد الشرط. وأمّا الثّاني: فصريح، فكيف يقول: المطلق منهما محمول على المقيد مع أن المفهوم منهما جميعًا النّهي عن مسِّ الذكر باليمين عند البول (¬364). ¬

_ (¬363) فتح الباري (1/ 254). (¬364) عمدة القاري (2/ 296 - 297) قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 43) حاصل كلامهما أن ابن حجر يقول: بين حديث الباب والذي قبله الإِطلاق في الذي قبله، والتقييد في حديث الباب، والعيني يقول: في كليهما التقيد ولا إطلاق أصلًا، وأمّا الحكم فمتفقان عليه، وهو إباحة مسِّ الذكر فيما عدا ما ذكر، والحكم يستدعي إيراد نصّ الحديثين أوَّلًا، ثمّ يتأمل بها الإِطلاق والتقييد، وبعد أن ذكر الحديثين قال: وعند التأمل يظهر أن إتيان الخلاء كناية عن البول، وحينئذ فلا فرق بين الحديثين، ثمّ يقال لابن حجر: فلأي شيءٍ لم يعكس الإِطلاق والتقييد، فيقال: الخلاء قيد في البول؟ فما قاله العيني ظاهر، =

كذا قال، وغفل عن الحالة الّتي أولها الوصول إلى الخلاء والشروع في قضاء الحاجة لحل السراويل مثلًا إلى الشروع في الإستنجاء أو الإستجمار. قوله: ¬

_ = إِلَّا أن قوله: هذا كلام فيه خباط لا يقال لمثل من صنف فتح الباري، لأنّ معناه الجنون، قال تعالى {يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}.

60 - باب لا يستنجي بروث

60 - باب لا يستنجي بروث في قول أبي إسحاق: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرّحمن بن الأسود عن أبيه. قال (ح): إنّما عدل أبو إسحاق عن الرِّواية عن أبي عبيدة إلى الرِّواية عن أبي عبد الرّحمن مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصّحيح (¬365). قال (ع): قوله: لم يسمع من أبيه مردود، فقد وقع في الطبراني الأوسط من طريق يونس بن حباب عن أبي عبيدة أنّه سمع أباه فذكر حديثًا، وصحح الحاكم حديثًا من رواية أبي عبيدة عن أبيه، وحسن الترميذي أحاديث، ومن شرط الحديث الحسن أن يكون متصلًا عند المحدثين (¬366). قلت: لم ينف (ح) الخلاف في سماع أبي عبيدة عن أبيه، لكن أثبت أن الراجح عند المحدثين النفي، وقد صرح التّرمذيّ بذلك في هذا الحديث. وقوله: ومن شرط الحسن ... الخ كلام من لم يستحضر اصطلاح أهل الحديث في الحديث الصّحيح والحديث الحسن. قوله: فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: "هَذَا رِكْسٌ". قال (ح): استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثّلاثة، فقال: لو كان شرطًا لطلب ثالثًا، كذا قال، وغفل عما أخرجه أحمد من طريق معمر ¬

_ (¬365) فتح الباري (1/ 257). (¬366) عمدة القاري (2/ 302).

عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود في هذا الحديث فإن فيه: فألقى الروثة وقال: "إِنَّها رِكْسٌ ائتِني بحَجَرٍ" ورجاله ثقات، وقد تابع معمرًا عليه أبو شيبة الواسطي. أخرجه الدارقطني وتابعه عمار بن زريق أحد الثقات عن أبي إسحاق (¬367). قال (ع): لم يغفل الطحاوي، والذي نسبه إلى الغفلة هو الغافل، وكيف يغفل وقد ثبت عدم سماع أبي إسحاق من علقمة، فالحديث عنده منقطع، والمحدث لا يرى العمل به، والذي يدعي صنعة الحديث كيف يرضى بهذا الكلام (¬368). ثمّ قال (ح): وفي إستدلال الطحاوي نظر، أوَّلًا لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأوّل في طلب الثّلاثة فلم يجدد الأمر بطرف أحدهما عن الثّالث لأنّ المقصود ثلاث مسحات، والدّليل على صحته أنّه لو مسح بطرف واحد ثمّ رماه، ثمّ جاء شخص آخر فمسح بطرقه الآخر أجزأهما بلا خلاف (¬369). قال (ع): نظره مردود عليه لأنّ الطحاوي استدل بصريح النص فكيف يدفع بالإِحتمال، وقوله: لأنّ المقصود بالثلاث أن يمسح ثلاث مسحات ينافيه اشتراطهم العدد في الأحجار لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "وَلَا يَسْتَنْج أَحَدُكُمْ بِأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ" فقوله مخالف لصريح الحديث، فكيف يستدل على خصمه بحديث وهو يردّ ظاهر حديثه الذي يحتج به (¬370). ¬

_ (¬367) فتح الباري (1/ 257) وفي النسخ الثلاث كلمة "واحد" بعد "حجر" في الحديث وهي غير موجود عند أحمد (1/ 450) ولا هي موجودة في الفتح والعمدة فلذا حذفناها وانظر (الباب 52 الماضي) (¬368) عمدة القاري (2/ 305). (¬369) فتح الباري (1/ 257). (¬370) عمدة القاري (2/ 305).

61 - باب الوضوء مرتين مرتين

61 - باب الوضوء مرتين مرتين أرود فيه حديث عبد الله بن زيد من رواية فليح عن عمرو بن يحيى وفيه: توضأ مرتين مرتين. قال (ح): هذا الحديث مختصر من حديث عبد الله بن زيد في صفة الوضوء كما سيأتي من رواية مالك وغيره وليس فيه الغسل مرتين إِلَّا في اليدين إلى المرفقين، وكان حقه أن يترجم له غسل بعض الأعضاء مرّة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثًا (¬371). قال (ع): قد ذكر (ح) أن الحديث مجمل، وأن رواية مالك مبينة، ومخرجهما مختلف فلا يقتضي ما ذكره على أنّه ليس في حديث عبد الله أنّه غسل بعض الأعضاء، كذا قال وهو في مسح الرّأس لم يذكر عددًا ولا في غسل الرجلين (¬372). قوله: ¬

_ (¬371) فتح الباري (1/ 259). (¬372) عمدة القاري (3/ 4) وانظر (الباب 54 الماضي)

62 - باب الوضوء ثلاثا ثلاثا

62 - باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا في حديث عثمان مَنْ تَوَضَّأ نَحْوْ وُضُوئِي هَذَا" قال (ح): قيل: إنّما هوقال: "نَحْوَ وُضُوئِي" ولم يقل مثل وضوئي لأنّ حقيقة مماثلة لا يقدر عليها غيره، وتعقب بأنّه أورد الحديث في كتاب الرقاق بلفظ: "مَنْ تَوَضَّأ مِثلَ هَذَا الْوُصوء". وفي الصوم: مَنْ تَوَضَأ وَضُوئَي هَذَا". ومثله لأبي داود. ولمسلم: "مَنْ تَوَضَّأ مِثْل وضْوئي هَذا" فلا يلزم ما ذكره، والتعبير بنحو من تصرف الرواة لأنّها تطلق المثلية مجازًا (¬373). قال (ع): نحو ومثل من أدوات التشبيه، والتشبيه لا عموم له وقد ثبت في اللُّغة مجيء نحو بمعنى مثل (¬374). قوله: "غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قال (ح): هو في حق من له كبائر وصغائر، ومن ليس له إِلَّا صغائر كفرت فيه، ومن ليس له إِلَّا كبائر خفف عنه بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له لا صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظيره (¬375). ¬

_ (¬373) فتح الباري (1/ 360) وتقدم قبل قليل. (¬374) عمدة القاري (3/ 7) وانظر (الباب 55 الماضي) (¬375) فتح الباري (1/ 260 - 261).

قال: هذه الأقسام المذكورة غير صحيحة، أمّا الذي ليس له إِلَّا كبائر فكذلك (¬376). قلت: أن كان كما قال فما الذي يكفر مع أن الذي قاله إنّما هو مذهب بعض من سلف، والجمهور على إثبات الصغائر والكبائر. قوله: وعن إبراهيم ... الخ، وقع فيه: "إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصّلاةِ". قال (ح): أي يشرع في الصّلاة الثّانية (¬377). قال (ع): هذا معنى فاسد، لأنّ قوله: ما بينه وبين الصّلاة يحتمل أن يراد به بين الشروع في الصّلاة وبين الفراغ منها، وأشار إلى الثّاني بقوله حتّى يصلّيها (¬378). قوله: ذكره عثمان وعبد الله بن زيد وابن عبّاس. قال (ح): وأمّا حديث ابن عبّاس فذكره موصولًا في باب غسل الوجه من غرفة وليس فيه ذكر الإستنثار، فلعلّه أشار إلى حديثه الآخر الذي أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم من حديثه مرفوعًا: "إسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا" (¬379). قال (ع): ليس الأمر كما ذكره، قال في بعض نسخ البخاريّ: واستنثر بدل واستنشق، وقوله: وكأنّه أشار ... الخ بعيد (¬380). قوله: ¬

_ (¬376) عمدة القاري (3/ 7). (¬377) فتح الباري (1/ 261). (¬378) عمدة القاري (3/ 13). (¬379) فتح الباري (1/ 262). (¬380) عمدة القاري (3/ 14).

63 - باب الإستنثار في الوضوء

63 - باب الإِستنثار في الوضوء ذكر فيه حديث أبي هريرة: "مَنْ تَوَضَّأ فَلْيَسْتَنْثِرْ". قال (ع): الذين أوجبوا الإِستنثاق هم أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر لظاهر الحديث، لكن ثبت الندب بدليل ما روى الترمذي والحاكم من قوله - صلّى الله عليه وسلم - للأعرابي:، تَوَضَّأ كَمَا أمَرَكَ اللهُ" فأحال على الآية. قال (ح): وجوابه احتمال أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء، فقد أمر الله تعالى باتباع نبيه، ولم يحك أحد ممّن وصف وضؤه على الإِستقصاء أنّه ترك الإِستنشاق ولا المضمضة، وقد ثبت الأمر بالمضمضة في سنن أبي داود بإسناد صحيح (¬381). قال (ع): القرينة الغالية [الحالية والمقالية] ناطقة صريحًا بأن المراد من قوله: "كَمَا أمَرَكَ الله" الأمر المذكور في آية الوضوء فإن استدل بالمواظبة لزمه أن يقول بوجوب التّسمية لأنّه لم ينقل أنّه ترك التّسمية وهي مع ذلك سنة عند إمام هذا القائل (¬382). قلت: لو ثبت مواظبته عليها كما ثبت مواظبته على المضمضة والإِستنشاق لأوجبها أمامنا على قاعدته. ¬

_ (¬381) فتح الباري (1/ 262). (¬382) عمدة القاري (3/ 15).

64 - باب غسل الرجلين في النعلين

64 - باب غسل الرجلين في النعلين ذكر فيه حديث ابن عمر الذي فيه: وأمّا النعال السبتية فإني رأيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يلبسها ويتوضأ فيها. قال (ح): ليس في الحديث تنصيص على الغسل، وإنّما هو مأخوذ من قوله: يتوضأ، لأنّ الأصل في الوضوء هو الغسل، ولأن قوله: "فيها" يدلُّ على الغسل ولو أريد المسح لقال: "عليها" (¬383). قال (ع): مطابقة الحديث للترجمة في قوله: ويتوضأ فيها فإن ظاهره أنّه كان يغسل رجليه وهما في نعليه لأن قوله: فيها، أي في النعال ظرف لقوله: يتوضأ، ولهذا يرد على من قال: ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك ... الخ وأي تصريح أقوى من هذا، وقوله: ولأن قوله "فيها" يدلُّ على الغسل,. ولو أريد المسح لقال "عليها". قلت: هذا التعليل يردّ قوله: ليس في الحديث تصريح بذلك، وهذا من العجائب حيث ادعى عدم التصريح ثمّ أقام دليلًا، انتهى (¬384). أقول: من هذا مبلغ فهمه لا ينبغي أن يتصدى لرد كلام غيره لأنّ (ح) إنّما نفى التنصيص الرافع احتمال إطلاق وضوء الرَّجل على مسحها لأنّه احتمال سائغ فاحتاج إلى إقامة الدّليل، ولأنّه لو أراد نفي هذا الاحتمال وهو أن الأصل في الوضوء الغسل لا المسح لقال "عليها" ولم يقل "فيها" قوله: ¬

_ (¬383) فتح الباري (1/ 268) (¬384) عمدة القاري (3/ 24)

ولا يمسح على النعلين يدلُّ على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخفَّين إذا انخرقا حتّى يبدو القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما [وكذلك] النعلان. قال (ح) في نقله الإجماع نزاع (¬385). قال (ع): مذهب الجمهور أن مخالفة الأقل لا يقدح في الإجماع ولا يشترط فيه عدد التواتر عند الجمهور (¬386). ¬

_ (¬385) فتح الباري (1/ 268). (¬386) عمدة القاري (3/ 25).

65 - باب التيمن في الوضوء والغسل

65 - باب التيمن في الوضوء والغسل قال (ح) في قوله: كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله: أي في تمشيط الشعر وهو تسريحه ودهنه (¬387). قال (ع): اللّفظ لا يدل على الدهن فهو تفسير من عنده ولم يفسره أهل اللُّغة بذلك (¬388). قلت: بل فسروه بذلك ونقله عنهم صاحب المشارق ومن تبعه، وقال رجل شعره إذا مشطه بدهن أو ماء أو شيء يلينه ويرسل بأثره ويمد. . . . ولا شك أن الدهن أمكن من غيره لذلك ولا يعدل إلى غيره غالبًا إِلَّا عند فقده (¬389). قوله في الكلامِ على حديث أبي هريرة: "إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ في إِنَاءِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا" وقد ذكر الطريق الذي فيه التراب. قال (ح): خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفية، فأمّا المالكية فلم يقولوا: بالتثريب أصلًا مع استحبابهم التسبيع، وأمّا الحنفية فلم يوجوا السبع أصلًا بل قالوا: يغسل ثلاثًا (¬390). ¬

_ (¬387) فتح الباري (1/ 269). (¬388) عمدة القاري (3/ 30). (¬389) كذا في نسخة الظاهرية وجستربتي بياض وفي نسخة الآثار هكذا [سععسه] ولا تقرأ. وليس عندنا نسخة المشارق حتّى نراجعها. (¬390) فتح الباري (1/ 276 - 277).

قال (ع): إنّما قالوا لذلك لأنّ أبا هريرة أدري به (¬391). ¬

_ (¬391) عمدة القاري (3/ 40 - 41) وفي النسختين الست بدل السبع وهو مخالف لما في الفتح والعمدة ونسخة جستربتي فلذلك كتبنا مكانها السبع.

66 - باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين

66 - باب من لم ير الوضوء إِلَّا من المخرجين لقول الله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (¬392). قال (ع): نحن نسلم ذلك لكن دعواه الحصر على الخارج مردودة (¬393). قلت: لم يدع الحصر وإنّما فصل أسباب النقض كما سيتضح. قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}. قال (ح): هذا دليل الوضوء من الملامسة (¬394). قال (ع): الملامسة كناية عن الجماع، ثمّ ذكر كلام من فسر الآية بذلك (¬395). قلت: هذا لا يرد على (ح) لأنّ (ع) يظن أن (ح) يوافق على ما تضمنته التّرجمة وليس كذلك، بل خالف ظاهرها وأي عبارة غير صريحة في المخالفة، وحاصل كلامه ليس في الجملة الأولى حصر بدليل الثّانية، وإنّما تضمنت الآية الأمر بالوضوء من الخارج ومن الثّلاثة. ثم قال (ح): وفي معنى الأمر بالوضوء من الملامسة مس الذكر (¬396). ¬

_ (¬392) كأنما سقط في النسختين قول الحافظ ابن حجر الذي رد عليه العيني فقد قال الحافظ في الفتح (1/ 280) فهذا دليل الوضوء ممّا يخرج من المخرجين. (¬393) عمدة القاري (3/ 47). (¬394) فتح الباري (1/ 280). (¬395) عمدة القاري (3/ 47). (¬396) فتح الباري (1/ 280).

قال (ع): هذا أبعد من الأوّل فإن الحديث وإن كان صحيحًا فلنا أحاديث تدفعه (¬397). قوله: وقال جابر بن عبد الله، وإذا ضحك في الصّلاة أعاد الصّلاة ولم يعد الوضوء. قال (ح): قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك لا ينقض خارج الصّلاة، واختلفوا إذا وقع فيها، فخالف من قال بالنقض القياس، وتمسكوا بحديث لا يصح، وحاشا أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله خلف رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. انتهى. على أنّهم لم يأخذوا بعموم الخبر مع صحة الحديث المروي في الضحك بل خصوه بالقهقهة (¬398). قال (ع): هذا القائل أعجبه الكلام المشوب بالطعن على من قال بالنقض من الأئمة، فأقره وفساده ظاهر، لأنّ الأصل التمسك بالأمر، فمن ترك القياس لأجل الأمر لا يذم. وقوله: إنّه لا يصح غير مسلم لأنّ الأحاديث وإن كان فيها وهنًا إذا تعددت طرقها تتعاضد وأيضًا ضعف الراوي من المخالف لا يضر مخالفة. وأمّا قوله: فحاشا أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ... الخ فهو تشنيع مردود، لأنّ من جملة من كان يصلّي خلفه - صلّى الله عليه وسلم - بعض المنافقين والأعراب الذين لم يتفقهوا في. الدِّين هذا مع كون الضحك في الصّلاة ليس من الكبائر سلمنا لكنهم غير معصومين. قال: وأمّا قول (ح): لم يأخذوا بعموم الخبر المروي في الضحك. . . ¬

_ (¬397) عمدة القاري (3/ 57). (¬398) فتح الباري (1/ 280 - 281).

الخ هو كلام من لا ذوق له من دقائق التركيب، وكيف لم يأخذوا بمفهوم الخبر المروي في الضحك، ولو لم يأخذوا ما قالوا الضحك يفسد الصّلاة ولم يخصوه بالقهقهة، فإن لفظ القهقهة ذكر صريحًا في حديث ابن عمر، وجاء بلفظ القرقرة في حديث عمران بن حصين، والأحاديث تفسر بعضها بعضًا (¬399). قلت: يكفي في التعقيب عليهم دعواه الشهرة في هذا الخبر، والواقع أن التقييد فيه بالقهقهة قيد غريب، ومن قواعدهم أيضًا إبقاء العام على عمومه والعمل بكل فرد سواء كان خاصًا أو عامًا ولم يقولوا به هنا. قوله: ويذكر عن جابر أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان في غزوة فرمى رجل منهم بسهم فنزل الدّم فركع وسجد ومضى في صلاته. قال الكرماني: ذكره البخاريّ بصيغة التّمريض لأنّه غير مجزوم به. وقال (ح): لم يجزم به لكونه اختصره (¬400). قال (ع): هذا أبعد من تعليل الكرماني فإن الاختصار لا يستلزم أن يكون بصيغة [التّمريض] (¬401). قلت: والصواب فيه أن يقال: لأجل الاختلاف في محمَّد بن إسحاق. قلت: أخذ كلام (ح) فادعاه أوَّلًا، ثمّ لما وصل إلى قوله: لم يجزم لكونه مختصرًا ساقه حذف بعض كلامه، واقتصر على ما ظن أنّه يتعقب الذي أورده (ح) إلى أن قال: وشيخه يعني صدقة شيخ ابن إسحاق ثقة، وعقيل شيخ صدقة لا أعرف راويًا عنه غير صدقة، فلهذا لم يجزم به المصنِّف أو لكونه اختصره أو للخلاف في ابن إسحاق. انتهى. ¬

_ (¬399) عمدة القاري (3/ 49). (¬400) فتح الباري (1/ 281). (¬401) عمدة القاري (3/ 50).

وإنكار (ع) أن يراد مختصرًا يقتضي إيراده بغير صيغة الجزم كلام من لا أنس له بعلم الحديث، قد نصّ عليه أمام الحديث في زمانه وهو شيخ هذا المنكر في كتابه الذي نكت به على ابن الصلاح. قوله: ومضى في صلاته، قيل احتج به من قال: أن الدم لا ينقض الوضوء إذا خرج من غير السبيلين وإلا لفسدت صلاة الأنصاري لما نزفه الدم، فلو كان أحدث بذلك لم يجز له أن يركع ويسجد. إلى أن قال: وقال الخطابي: لست أدري كيف يصح الاستدلال والدم إذا أصيب البدن أو الثّوب فلا يصح صلاته. قال (ح): ولو لم يظهر الجواب عن كون الدم فالظاهر أن البخاريّ كان يرى أن خروج الدم في الصّلاة لا يبطلها بدليل أنَّه ذكر عقب هذا الحديث أثر الحسن ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم (¬402). قال (ع): هذا أعجب عن العقل كيف يجوز أن ينسب إلى البخاريّ هذا من غير دليل قوي، لأنّه لا يلزم من الصّلاة في الجراحات أن يكون الدم خارجًا، لأنّ الجراحة قد تكون معصبة ومربوطة ومع ذلك لو خرج شيءٍ من الدم لا يفسد الصّلاة إذا لم يكن يسيل، وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن أنّه كان لا يرى الوضوء من الدم إِلَّا ما كان سائلًا (¬403). قلت: احتجاجه بهذا نظير احتجاج غيره بنقض الوضوء بالقهقهة من أن الخبر مشهور لوروده في الضحك، وقد عاب لذلك ليلزمه أن يرجع عن ذلك فأول راض ستره من يسترها. قوله فقال رجل أعجمي: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: الصوت، ¬

_ (¬402) فتح الباري (1/ 281). (¬403) عمدة القاري (3/ 50).

يعني الضرطة، وذكر بعده حديث عبد الله بن زيد: لا ينصرف حتّى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا. قال (ح): أورد البخاريّ هذا الحديث هنا لظهور دلالته عل حصر النقض بما يخرج من السبيلين (¬404). قال (ع): الحديث الثّاني سئل فيه عما يقع في الصّلاة فكان الجواب مطابقًا للسؤال، لأنّ تلك لا يوجد الحدث غالبًا إِلَّا بأحدهما، ولا يؤخذ من هذا حصر النقض بما يخرج من السبيلين، فالقائل إن كان أراد نصرة البخاريّ وتوجيه هذا الحديث في هذا الباب بما ذكره فليس بشيء (¬405). قوله في حديث أبي سعيد: "إذَا أُعْجِلْتَ أُوْ قَحَطْتَ فَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ". قال (ح): يعني أنّ غندرًا وهو محمَّد بن جعفر، ويحيى وهو ابن سعيد القطان رويا هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد والمتن لم يقولا فيه: "عَلَيْكَ الْوُضُوءُ" وأمّا يحيى فهو كما قال قد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده عنه: فليس عليك غسل. وأمّا غندر فقد أخرجه أيضًا في مسنده عنه لكنه ذكر الوضوء ولفظه: "فَلَا غُسْلَ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ". وهكذا أخرجه مسلم وابن ماجه والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عنه، وكذا ذكره أصحاب شعبة كأبي داود الطيالسي وغيره عنه، وكأن بعض أصحاب البخاريّ حدثه به عن يحيى وغندر معًا، فساقه له على لفظ يحيى والله أعلم (¬406) ¬

_ (¬404) فتح الباري (1/ 283). (¬405) عمدة القاري (3/ 54). (¬406) فتح الباري (1/ 285)

قال (ع): قال الكرماني، قوله: لم يقل هو من كلام البخاريّ وغندر هو محمَّد بن جعفر ويحيى بن سعيد القطان ولم يقل فيه الوضوء بل قال: فعليك بحذف المتبدأ جاز ذلك لقيام القرينة عليه، والمقدر كالملفوظ، وقال بعضهم، فساق كلام (ح) بتمامه ثمّ قال: أمّا كلام الكرماني فلا وجه له، فإن قوله: عليك لا يتعين أنّ يكون المحذوف الوضوء بل يحتمل الغسل ويحتمل الوضوء، والاحتمال الأوّل غير صحيح لأنّ رواية يحيى في مسند أحمد التصريح بقوله: "فَلَيْسَ عَلَيْكَ غُسْلٌ". والاحتمال الثّاني هو الصّحيح لأنّ في رواية غندر: "عَلَيْكَ الْوُضوءُ" فحينئذ قوله: لم يقل غندر ويحيى عن شعبة الوضوء معناه لم يذكر لفظ: "عَلَيْكَ الْوُضُوء، وهذا كما رأيت في رواية أحمد عن يحيى ليس فيها: "عَلَيْكَ الْوُضُوءُ"، وإنّما لفظه: "فَلَيْسَ عَلَيْكَ غُسْلٌ". فإن قلت: كيف قال البخاريّ: لم يقولا عن شعبة الوضوء فهذا في رواية غندر ذكر "عَلَيْكَ الْوُضُوءُ". قلت: كأنّه سمع من بعض مشائخه أنّه حدثه عن يحيى وغندر كلاهما فساق شيخه له على لفظ يحيى ولم يسقه على لفظ غندر هذا تقرير ما قاله بعضهم، ولكن فيه نظر على ما لا يخفى (¬407). قوله: ¬

_ (¬407) عمدة القاري (3/ 59).

67 - باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره

67 - باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره قال (ح): أي الحدث الأصغر من مظان الحدث. قال (ع): الحدث الأعم من الأصغر والأكبر، وكأن هذا الشارح إنّما خص بالأصغر نظرًا إلى أن البخاريّ تعرض هنا إلى حكم القراءة بعد الأصغر دون الأكبر، ولكن جرت عادته أنّه يبوب الباب بترجمة ثمّ يذكر فيه جزءًا ممّا تشتمل عليه تلك التّرجمة وههنا كذلك. وأمّا قوله: إنَّ المراد بقوله: وغيره أنّ غير الحدث من مظان الحدث فليس بشيء، لأنّ عود الضمير إلى شيءٍ ليس بمذكور لفظًا ولا تقديرًا بدلالة القرينة اللفظية أو الحالية لا يصح ولم يبين ما مظان الحدث وهي نوعان: أحدهما مثل الحدث والآخر ليس مثله، فإن كان مراده الأوّل فهو داخل في قوله بعد الحدث، وإن كان الثّاني فهو خارج عن الباب، فإذًا لا وجه لما قال. وقد قال الكرماني في قوله وغيره أي القرآن وهو الوجه، لكن قوله كالسلام وسائر الأذكار لا وجه له في التمثيل، ولو قال مثل كتابة القرآن لكان أوجه (¬408). وقوله: وقال منصور [عن إبراهيم] لا بأس بالقرآن في الحمام. قال (ح) بعد أنّ ذكر ما نقله أبو عوانة عن منصور مثله وما نقله الثّوريّ ¬

_ (¬408) عمدة القاري (3/ 62 - 63).

عن منصور بلفظ لم يبن للقراءة، نقل (ع) عن (ح) أنّه قال: هذا يخالف رواية أبي عوانة. قال (ع): لا مخالفة لأنّه يكون عن إبراهيم روايتان. قلت: قد ذكر (ح) هنا ما نصه: وهنا لا يخالف رواية أبي عوانة فإنها تتعلّق بمطلق الجواز فحرفه واعترض عليه (¬409). قوله: ويكتب الرسالة على غير وضوء. قال (ح): هذا الأثر وصله عبد الرزّاق عن الثّوريّ عن منصور: سألت إبراهيم أكتب الرسالة على غير وضوء؟ قال: نعم، وتبين بهذا أن قوله: على غير وضوء يتعلّق بالكتابة لا بالقراءة في الحمام (¬410). قال (ع): لا نسلم بل يتعلّق بالمعطوف والمعطوف عليه لأنّهما كشيء واحد (¬411). ¬

_ (¬409) فتح الباري (1/ 287) وعمدة القاري (3/ 63). (¬410) فتح الباري (1/ 287). (¬411) عمدة القاري (3/ 63).

68 - باب قراءة القرآن بعد الحدث

68 - باب قراءة القرآن بعد الحدث قال (ح) قال ابن بطّال: فيه حجة على من كره قراءة القرآن على غير وضوء أي حديث ابن عبّاس في قراءة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - الآيات ومن آخر سورة آل عمران بعد أن استيقظ ثمّ توضأ وصلّى صلاة اللّيل. وتعقبه الكرماني قال: فإن قلت: رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لا ينام قلبه فلا ينتقض وضوءه. وسبقه ابن المنير وزاد وأمّا وضوءه فلعلّه جدده أو كان أحدث بعد ذلك فتوضأ، وهذا الثاني جيد لأنّه لما أعقب النوم، بالوضوء كان ظاهرًا في أنّه أحدث ولا يلزم من كون نومه لا ينقض وضؤه أنّه لا يقع منه حدث وهو نائم، وخصوصيته أنّه يشعر به بخلاف غيره، وأمّا التجديد فالأصل عدمه (¬412). قال (ع): منع الملازمة غير مسلم بل يلزم من كون نومه لا ينقض وضوءه أن لا يقع منه حدث في حال النّوم لأنّ هذا من خصائصه ويلزم من منع الملازمة أن لا يفرق بين نومه - صلّى الله عليه وسلم - ونوم غيره. وقوله: أن: الأصل عدنم التجديد بل هو عند عدم قيام الدّليل على التجديد، هاهنا قام الدّليل وهو قوله: "تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا ينامُ قَلبي" انتهى. (¬413) ومن أنصف عرف ما في كلامه من الدفع بالصدر والله المستعان. ¬

_ (¬412) فتح الباري (1/ 288). (¬413) ثمّ عمدة القاري (3/ 66).

69 - باب مسح الرأس

69 - باب مسح الرّأس ذكر حديث عبد الله بن زيد في مسح الرّأس كله. قال (ح): موضع الدلالة من الحديث أن لفظ الرّأس في الآية مجمل يحتمل أن يراد مسح كله على أن الباء زائدة ومسح البعض على أنّها تبعيضية، فتبين بفعل النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أن المراد الأوّل (¬414). قال. (ع): لا إجمال في الآية وإنّما الإجمال في المقدار دون المحل فإن الرّأس معلوم وفعله كان بيانًا للإِجمال الذي في المقدار، وهذا القائل لو علم معنى الإِجمال لما قال هذا (¬415). قال (ح) في الكلام على المسح على العمامة: أخرج الشّافعيّ من مرسل عطاء أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه. وأخرج أبو داود نحوه من حديث أنس موصولًا وفي سنده. أبو معقل لا يعرف حاله لكنه اعتضد بالطريق الآخر فحصل القوة من الصورة المجموعة وعضد كلّ من المرسل والموصول الآخر (¬416). قال (ع): هذا من أعجب العجاب لأنّه يدعي أن المرسل ليس بحجة، ثمّ يدعي أنّه اعتضد بحديث موصول ضعيف، ثمّ ادعى القوة فكيف تحصل بشيء ليس بحجة، ومن شيء ضعيف وما ليس بحجة يكون ¬

_ (¬414) فتح الباري (1/ 290). (¬415) عمدة القاري (3/ 68). (¬416) فتح البارى (1/ 293).

في حكم العدم فلا يبقى إِلَّا الضعيف وحدة فمن أين يتصور الصورة المجموعة (¬417) قلت: حقة أن يقال له: ذلك مبلغهم من العلم من لا يتصور أن الشيء يكون ضعيقًا فانضم إليه ضعيف آخر، لو انفرد لكان ضعيفًا، وأن باجتماعهما حدث قوة لم تكن قبل كذلك هو الذي يتعجب من فهمه فإنّه إن كان أنكر ذلك لأنّه لم يجد مثالًا لذلك فقد خفي عليه أفراد الخبر المتواتر فإنّه بالنظر إلى كلّ فرد منها لا يقوم به حجة فضلًا عن أن يقطع بصدقه، فإذا اجتمعت طرقه حدث قوة لم تكن حتّى يصل إلى القطع وكما في شهادة الشّاهد الواحد لو رآها وحده لم يحكم بشهادته، فإذا انضم إليه مثله حدثت قوة لم تكن فحكم بشهادتهما، وفي جدارين تخلخل بناؤهما وهما متلاصقتان يشد كلّ منهما الآخر، فلو كان كلّ منهما لتسارع إليه السقوط وكما مثل المهلب بالسهام المنفردة إذا أريد كسر كلّ سهم منها أمكن بغير معالجة شديدة، وإذا جمعت في ربطة واحدة عسر كسرها إلى غير ذلك من الأمور المحسوسة والمعنوية فإن كان ظن أن الشارح انفرد بذلك فسارع إلى رد كلامه، فقد خفي عليه ما قرره التّرمذيّ ومن بعده من أئمة الحديث في الحديث الحسن، وما قرره الشّافعيّ ومن تبعه من أئمة الأصول في المرسل إذا اعتضد، وأعجب عن ذلك كله أنّه قريب العهد بإثبات ما نفاه حيث تكلم بنقض الوضوء من الضحك في الصّلاة أن أسانيده وإن كانت ضعيفة لكن إجتماعها إذا تعددت طرقها يفيد قوة (¬418) وأمّا قوله: والمرسل عنده ليس بحجة يكون في حكم العدم يقال له: ما الذي خصه بالمرسل الذي اختلف في الاحتجاج به، ولم لا يكون ¬

_ (¬417) عمدة القاري (3/ 71). (¬418) عمدة القاري (3/ 49).

الضعيف المتفق على ترك الإحتجاج به أولى بالعدم. وإذا كان كذلك فأقل درجات المرسل أن يكون كالضعيف، وقد سلم أن الضعيف إذا انضم إلى الضعيف حصلت القوة من المجموعة، فالذي سلب ذلك إذا اجتمع ضعيف ومرسل، ثمّ إنّه يريد [أن] يلزم (ح) بالتناقض لكونه لا يرى المرسل حجة، والواقع أن قائل ذلك يقول: المرسل بانفراده ليس بحجة فإذا أنضم إليه مرسل آخر اعتضد، فإذا كان يعتقد الاحتجاج بالعدم إذا انضم إلى العدم أو ليس احتجاجه بالعدم إذا انضم إلى الموجود أولى وأحرى.

70 - باب غسل الرجلين إلى الكعبين

70 - باب غسل الرجلين إلى الكعبين قوله: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد. قال الكرماني: عمرو هذا هو جد عمرو بن يحيى. قال (ح): أغرب الكرماني هذا تبعًا للحافظ عبد الغني وعمرو بن أبي حسن ليس جدًا لعمرو بن يحيى كما قدمناه، فإن أم عمرو بن يحيى ليست بنتًا لعمرو بن أبي حسن فلم يسلم ما قاله بالاحتمال (¬419). قال (ع): لم يغرب الكرماني ولم يقل بالاحتمالا (¬420). قوله: في حديث ابن عبّاس في صلاة اللّيل. قال (ح): الأظهر أن مناسبة الحديث للترجمة وهي قراءة القرآن بعد الحدث من جهة أن مضاجعة الأهل في الفراش لا يخلو عن الملامسة (¬421). قال (ع): لا نسلم وجود ذلك على التحقق، ولئن سلمنا اللمس باليد أو الجماع فإن كان الأوّل فلا ينقض أصلًا لا سيما في حقه، وإن كان الثّاني فيحتاج إلى الاغتسال ولم يوجد هذا أصلًا في هذه القصة، والظاهر أن البخاريّ وضع هذا الحديث في هذا الباب بناء على ظاهر الحديث حيث توضأ بعد قيامه من النوم وإلا فلا مناسبة في وضعه هنا، كذا قال (¬422). ¬

_ (¬419) فتح الباري (1/ 294). (¬420) عمدة القاري (3/ 72). (¬421) فتح الباري (1/ 288). (¬422) عمدة القاري (3/ 64).

71 - ، باب استعمال فضل وضوء الناس

71 - باب استعمال فضل وضوء النَّاس وأمر جرير بن عبد الله أهله أن يتوضأ بفضل سواكه. قال (ح): أراد البخاريّ أن هذا الصنيع لا يغير الماء فلا يمتنع التطهير به (¬423) قال (ع): من له أدنى ذوق من الكلام لا يقول هذا، وأبعد قول ابن المنير (¬424). فذكر قوله في ختام الكلام على هذه الأحاديث أراد البخاريّ الاستدلال بطهارة الماء المستعمل وهو منقول عن أبي يوسف. وحكى الشّافعيّ في الأم عن محمَّد بن الحسن: أن أبا يوسف رجع عنه، ثمّ رجع إليه بعد شهرين، وعن أبي حنيفة ثلاث روايات: أحدها: طاهر غير طهور وهو اختيار محمَّد. ثانيها: نجس نجاسة خفيفة وهو قول أبي يوسف. ثالثها: نجاسة غليظة رواها الحسن بن زياد. وهذه الأحاديث ترد على من قال بنجاسته لأنّ النّجاسة لا يتبرك به (¬425). قال (ع): قضية هذا الكلام التشنيع على أبي حنيفة بهذا الرد البعيد إذ ¬

_ (¬423) فتح الباري (1/ 295). (¬424) عمدة القاري (3/ 73 - 74). (¬425) فتح الباري (1/ 296).

ليس في الأحاديث ما يدلُّ صريحًا على أن المراد عن فضل وضوءه هو الماء الذي يتقاطر من أعضائه الشريفة، ولئن سلمنا فأبو حنيفة لا ينكر هذا ولا نقول بنجاسة ذلك، وكيف نقول ذلك وهو القائل بطهارة بوله وسائر فضلاته، ومع هذا فقد قلنا: لم يصح عن أبي حنيفة تنجس الماء المستعمل ولا فتوى الحنفية عليه (¬426). قلت: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والبخاري لم يعين من قال بذلك فرده متوجه علىَ من قال به كائنًا من كان. ¬

_ (¬426) عمدة القاري (3/ 79).

72 - باب من توضأ واستنشق من غرفة واحدة

72 - باب من توضأ واستنشق من غرفة واحدة قال: قوله: ثمّ غسل أو مضمض كذا عنده عن مسدد عن خالد بالشك، وأخرجه مسلم عن محمّد بن الصباح هو الإسماعيلي من رواية وهب ابن منبه كلاهما عن خالد بلفظ: فمضمض واستنشق، فالظاهر أن الشك فيه من مسدد، وأغرب الكرماني فقال: الظّاهر أن الشك فيه من التابعي (¬427). قال (ع): كلاهما محتمل ولا ظهور مع عدم القرينة انتهى (¬428). وكأنّه ما فهم المراد ممّا نقل عن روايتي مسلم والإسماعيلي، فإذا اجتمع على رواية شيء فتردد أحدهم وجزم الآخران بغير تردد ما يكون ذلك قرينة في أن الشك من المتردد واحتمال أن التابعي رواه بالشك تارة وبغير الشك تارة مرجوح، إذ الأصل عدم التعدد. قال (ح): قوله: من كفة واحدة وللأكثر من كف بلا هاء. قال ابن بطّال: المراد بالكفة الغرفة، فاشتق لها من اسم الكف عبارة عن ذلك المعنى ولا يعرف في كلام العرب إلحاق هاء التأنيث في الكف، ومحصله أن المراد بقوله: كفة فعلة في أنّها تأنيث الكف (¬429). ¬

_ (¬427) فتح الباري (1/ 279). (¬428) عمدة القاري (3/ 80). (¬429) فتح الباري (1/ 297).

قال (ع): هذا محصل غير حاصل، فكيف يكون كفة تأنيث كف، والكف مؤنث (¬430). قلت: انظر وتعجب حرف الكلام ثمّ اعترض عليه، ويحتمل أن يكون ذلك وقع في النسخة التي وقف عليها فبنى اعتراضه عليها، فالذي في أصلي ما ذكرته ولا إشكال فيه. ¬

_ (¬430) عمدة القاري (3/ 80).

73 - باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة

73 - باب وضوء الرَّجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة قوله: وتوضأ عمر بالحميم ومن بيت نصرانية. قال (ح): مناسبة التّرجمة من جهة أن الغالب أن أهل الرَّجل تبع له فيما يفعل، فأشار المصنف إلى الرد على من كره للمرأة أن تتوضأ بفضل الرَّجل لأنّ الظّاهر من الأثر أن امرأة عمر كانت تتوضأ بفضله أو معه فناسب قوله وضوء الرَّجل مع امرأته أي من إناء واحد (¬431). قال (ع): من له ذوق أو إدراك يقول هذا الكلام البعيد. وقوله: الظّاهر، أي ظاهر دل على هذا قوله عن ابن عمر: كان الرجال والنساء يتوضأون في زمن رسول - صلّى الله عليه وسلم - (¬432). قال (ح): ظاهر قوله كان الرجال للتعميم لكن اللام هنا للجنس لا للاستغراق (¬433). قال (ع): أخذه من كلام الكرماني (¬434). قلت: الكرماني بسط القول في ذلك فلخصه (ح)، ثمّ تعقب (ح) قول الكرماني: فعل البعض ليس بحجة بقوله: التمسك ليس بالإِجماع بل بتقرير الرسول. ¬

_ (¬431) فتح الباري (1/ 299). (¬432) عمدة القاري (3/ 82). (¬433) فتح الباري (1/ 299). (¬434) عمدة القاري (3/ 84).

ثمّ قال: يستفاد من هذا الخبر أن البخاريّ يقول: إنَّ إسناد الفعل إلى زمن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يكون حكمه الرفع (¬435). قال (ع): لا يطابق هذا الحديث التّرجمة لو كان له حكم الرفع (¬436). ثمّ قال (ح): نقل الطحاوي والقرطبي والنووي الاتفاق على جواز ذلك وفيه نظر، لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنّه كان ينهى عنه، وكذا حكاه ابن عبد البرّ عن قوم (¬437). قلت: في نظره نظر لأنّهم قالوا: الإِتفاق دون الإِجماع، كذا قال على أنّه روي جواز ذلك عن تسعة من الصّحابة (¬438). قلت: انظر وتعجب، بينا هو يصحح الإِتفاق إذا به يقتصر على تسعة من الطبقة الأولى. قوله: ¬

_ (¬435) فتح الباري (1/ 299). (¬436) عمدة القاري (3/ 84). (¬437) عمدة القاري (3/ 85). (¬438) عمدة القاري (3/ 85).

74 - باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح، ... الخ

74 - باب الغسل والوضوء في المخضب والقَدَح. . . الخ قال (ح): عطف الخشب والحجارة على المخضب ليس من عطف العام على الخاص فقط، بل بين هذين وهذين عموم وخصوص من وجه (¬439) قال (ع): قصارى فهم هذا القائل أنّه ليس من عطف العام على الخاص ثمْ أضرب عنه إلى بيان [العموم والخصوص] الوجهي بين هذه الأشياء ولم يبين وجه العطف ما هو (¬440). ¬

_ (¬439) فتح الباري (1/ 301). (¬440) عمدة القاري (3/ 88).

75 - باب الوضوء من التور

75 - باب الوضوء من التور قوله: ثمّ أدخل يده في التور فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة. قال (ع): فيكون الجميع ثلاث غرفات، والتركيب لا يدلُّ عليه أو هو يصرح بغرفة واحدة (¬441). ثمّ استرسل في ذلك بما يتعجب منه من رآه من أول وهلة لجمعه بين تحريف النقل والفهم. ¬

_ (¬441) عمدة القاري (3/ 93). كذا في النسخ الثلاث ليس فيهما كلام الحافظ الذي رد عليه العيني. قال الحافظ "قوله من غرفة واحدة" يتعلّق بقوله "فمضمض واستنثر" والمعنى أنّه جمع بينهما ثلاث مرات من غرفة واحدة كما في الفتح (1/ 304).

76 - باب الوضوء بالمد

76 - باب الوضوء بالمد قال (ح): الْمُدّ إناء يسع رطلًا وثلثًا بالبغدادي، قاله جمهور أهل العلم وخالف بعض الحنفية فقالوا: الْمُدّ رطلان (¬442). قال (ع): مذهب أبي حنيفة أن الْمُدّ رطلان، وهذا القائل لم يبين المخالف من هو، وأبو حنيفة استدل بحديث جابر كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يتوضأ بالرطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال، أخرجه ابن عدي (¬443). قال (ح): وكأن أنسًا لم يطلع على أنّه - صلّى الله عليه وسلم - لم يغتسل في الغسل أكثر من ذلك يعني خمسة أمداد، لأنّه جعلها النهاية (¬444). قال (ع): أنس لم يجعل نهاية لا يتجاوز عنها، وإنّما حكى ما شاهده، والحال يختلف باختلاف الحاجة (¬445). قلت: فما وجه الاعتراض؟! ثمّ قال (ح): فيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية، وكذا من قال به من الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار الْمُدّ والصاع (¬446). ¬

_ (¬442) فتح الباري (1/ 304). (¬443) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1673) لكن في إسناده عمر بن موسى الوجيهي ضعفوه واتهموه بالوضع والكذب. (¬444) فتح الباري (1/ 305). (¬445) عمدة القاري (3/ 95). (¬446) فتح الباري (1/ 305).

قال (ع) لا رد على الحنفي لأنّه لم يقل بطريق الوجوب (¬447). ¬

_ (¬447) عمدة القاري (3/ 95).

77 - باب المسح على الخفين

77 - باب المسح على الخفَّين قال (ح): بعد تعقب كلام الكرماني لما ذكر رواية الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه: رأيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يمسح على عمامته وخفيه، وبعدها تابعه معمر عن يحيى عن أبي سلمة عن عمرو، وقول الكرماني: هذه المتابعة مرسلة، لأنّ أبا سلمة لم يسمع من عمرو بن أمية، وأيضًا فليس فيها ذكر العمامة لأنّ عبد الرزّاق رواه عن معمر بدونها. قلت: وقع عند ابن منده في كتاب الطّهارة من طريق معمر بذكرها وسماع أبي سلمة من عمرو ممكن لأنّه مات بالمدينة سنة ستين وأبو سلمة مدني، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو (¬448). قال (ع): كونه مدنيًا وسماعه من خلق ماتوا قبله لا يستلزم سماعه من عمرو وبالاحتمال لا يثبت ذلك (¬449). قلت: نقل مسلم في مقدمة صحيحه الإِتفاق على أن مثل ذلك من غير المدلس إذا كان ثقة محمول على الاتصال، وأبو سلمة ثقة وهذا كاف في الرد على هذا الزاعم أنّه لا يثبت ذلك بالاحتمال، احتجاج البخاريّ بذلك دال على أنّه اطلع على سماعه، لأنّه لا يكتفي بالمعاصرة فيتم الاتفاق والله أعلم. ¬

_ (¬448) فتح الباري (1/ 308 - 309). (¬449) عمدة القاري (3/ 101).

78 - باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان

78 - باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان ذكر حديث المغيرة في المسح على الخفَّين وفيه: فإني أدخلتهما طاهرتين وضوءًا كاملًا ثمّ لبس، فمنْ أوجب التّرتيب لم يكلف اللبس بعد غسل الرجلين مثلًا، ثم التكملة وكذا من لا يوجبه إذا سلم أن الطّهارة لا تتبعض. قال صاحب الهداية: ما محصله شرط إباحة المسح لبسهما على طهارة كاملة، والمراد بالكاملة وقت الحدث لا وقت اللبس، ففي هذه الصورة إذا أكمل الوضوء ثمّ أحدث جاز له المسح لأنّه وقت الحدث على طهارة كاملة، والحديث حجة عليه لأنّ فيه أن الطّهارة قبل اللبس شرط، والمعلق بشرط لا يصح إِلَّا بوجوده، وقد سلم وصف الطّهارة بالكمال (¬450). قال (ع): اشتراط الطّهارة الكاملة لا خلاف فيه، وإنّما الخلاف هل يشترط في الكمال عند اللبس أو عند الحدث، وتظهر ثمرة الخلاف فيما لو غسل رجليه أو لا ولبس خفيه، ثمّ أتم الوضوء قبل أن يحدث، ثمّ أحدث جاز له المسح خلافًا للشافعية، وكذا لو رتب لكن غسل إحدي رجليه، ثمّ لبس الخفّ ثمّ غسل الآخر ولبس الآخر يجوز عندنا خلافًا لهم (¬451). قلت: تقييد الطّهارة بالكاملة يقتضي اشتراط وقوع اللبس بعد تمام غسل الرجلين لا غسل إحداهما. ¬

_ (¬450) فتح الباري (1/ 310). (¬451) عمدة القاري (3/ 102).

79 - باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق

79 - باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق ذكر فيه حديثين في ترك الوضوء من لحم الشاة. قال ابن التين: ليس فيهما ذكر السويق. فقال (ح): فإن السويق دخل بطريق الأولى، لأنه إذا لم يتوضأ من اللّحم مع دسومته فعدمه مع السويق أولى، ولعلّه أشار إلى الحديث الذي في الباب بعده (¬452). قال (ع): فالمضمضة من السويق لماذا؟ والجواب الثّاني أبعد لأنّه عقد على السويق ثانيًا فحينئذ لا يفيد ذكره هنا شيئًا (¬453). قلت: جواب المضمضة ظاهر لمن له أدنى فهم. قال (ح): في حديث: "أنّه أكل من كتف شاة وصلّى ولم يتوضأ" أفاد إسماعيل بن إسحاق القاضي في مسنده أن ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬454). فأخذه (ع) وحرفه فقال: وفي وفي مسند إسماعيل بن إسحاق كان ذلك في بيت ضباعة بنت الحارث بن عبد المطلب (¬455). ¬

_ (¬452) فتح الباري (1/ 311). (¬453) عمدة القاري (3/ 103 - 104). (¬454) فتح الباري (1/ 211). (¬455) عمدة القاري (3/ 104).

فجعل الحارث بدل الزبير، فمن رآه ظن أنّه ظفر بصحابية لم يذكرها أحد ممّن صنف في الصّحابة بل أغفلوها وليس كذلك بل الذي في كتاب إسماعيل ضباعة بنت الزبير.

80 - باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ

80 - باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ ذكر فيه سُوَيْد بن النعمان في ذلك. قال (ح) بعد أن ذكر فوائده: واستدل به البخاريّ على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد (¬456). قال (ع): البخاريّ لم يضع الباب لذلك وإن كان يفهم منه ذلك (¬457). قلت: والشارح لم يقل إنّه استدل هنا، وإنّما ترجم به في موضع آخر، وهذا المعترض قد ذكر قبل اعتراضه بقليل أن البخاريّ أخرجه في الطّهارة في موضعين هذا أولهما، والثّاني يأتي. قوله: ولم يتوضأ. قال (ح) -: في الهمزة روايتان إثبات الهمزة وحذفها مع السكون. قال (ع): لا يقال روايتان بل وجهان أو لغتان أو طريقان (¬458). قلت: لقد تحجرت واسعًا. قال (ح): فيه دليل على أن الوضوء ممّا مست النّار منسوخ لأنّه متقدم وخيبر كانت سنة سبع، كذا قال وأبو هريرة حضر بعد فتح خيبر، وروى ¬

_ (¬456) فتح الباري (1/ 212). (¬457) عمدة القاري (3/ 106). (¬458) عمدة القاري (3/ 106).

الأمر بالوضوء ممّا مست النّار، وأبان يعني به (¬459). قال (ع): الذي قاله الخطأبي لا يستبعد، لأنّ أباهريرة ربما يرويه عن صجابي آخر سمعه قبل أن يسلم أبو هريرة (¬460). قلت: هذا لا يستقيم في الذي يقول به أبوهريزة بسماعه من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬459) فتح الباري (1/ 312). (¬460) عمدة القاري (3/ 106).

81 - باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله

81 - باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله في رواية الأعمش الآتية قريبًا: مر بقبرين، زاد ابن ماجه فقال: إنهما ليعذبان. قال (ح): يحتمل أن يقال أعاد الضمير على ساكني القبرين مجازًا، والمراد من فيهما وأن يقال أعاد الضمير على مذكور لأنّ سياق الكلام يدلُّ عليه (¬461). قال (ع): هذا ليس بشيء لأنّ الذي يرجع إليه الضمير موجود وهو القبران، ولو لم يكن موجودًا لكان لكلامه وجه، والوجه أنّه من باب ذكر الحل وإرادة الحال (¬462). قلت: ما أشبهه بقول المثل: هذا طحينة وعسل، فقال: بل سمن وقطر. وقوله: "يَمْشِي بِالنَّميِمَةِ". قال النووي: هي نقل كلام الغير ... إلى. أن قال وهي كبيرة. وتعقبه الكرماني بأنّه لا يصح على قاعدة الفقهاء لأنّهم يقولون: الكبيرة هي الموجبة للحد ولا حد على النمام (¬463). قال (ع): لا وجه لتعقيبه على الكرماني لأنّه لم يبين قول الجميع من قول ¬

_ (¬461) فتح الباري (1/ 317). (¬462) عمدة القاري (3/ 115). (¬463) فتح الباري (1/ 319).

البعض حتّى يعترض على قول قاعدة الفقهاء (¬464). قال (ح): في الكلام على قول أبي موسى في الترغيب والترهيب إنهما كانا كافرين لما روى ابن لهيعة عن أسامة بن زيد عن أبي الزبير عن جابر قال: مر نبي الله - صلّى الله عليه وسلم - على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية. . . الحديث. قال أبو موسى: هذا حديث حسن وإن كان إسناده ليس بالقوي. انتهى (¬465). وهذا أخرجه الطبراني في الأوسط وقال: لم يروه عن أسامة إِلَّا ابن لهيعة، وجزم أبي موسى بأنّهما كانا كافرين، مردود لضعف الحديث كما اعترف به. وقد أخرجه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه ذكر سبب التعذيب ولا أنّهما كانا كافرين فهذا من تخليط ابن لهيعة. قال (ع): هذا من تخليط القائل لأنّ أبا موسى لم يصرح بأنّه ضعيف بل هذا حديث حسن وإن كان إسناده ليس بقوي، فلم قال هذا القائل الفرق بين الحسن والضعيف (¬466) وقد قال التّرمذيّ: الحسن ما ليس في إسناده من يتهم بالكذب، وعبد الله بن لهيعة لا يتهم بالكذب. قلت: لم يدع الشارح أن أبا موسى صرح بضعفه، بل المراد بقوله اعترف بضعفه قوله: إسناده ليس بالقوي، فمن لازمه أنّه ضعف إسناده فحكمه عليه بالحسن مردود، لأنّ الذي لا يتهم بالكذب يوصف بأنّه ليس ¬

_ (¬464) عمدة القاريِ (3/ 116). (¬465) فتح الباري (1/ 321) وعنده "معناه صحيح" بدل "حديث حسن". (¬466) عمدة القاري (3/ 121).

بالقوي لكن إذا جاء من غير وجه يعتضد، وهذا قد انفرد فلا يصل إلى مرتبة الحسن. وأمّا قوله: أن الشارح لا يفرق بين الحسن والضعيف فهو كقول المثل: رمتني بدائها وانسلت، وأي معرفة عند من يحتج بأن الحديث إذا جاء عن من لم يتهم بالكذب يكون حسنًا لا ضعيفًا بقول التّرمذيّ، والترمذي قال: ذلك إذا انضم إليه أن يروي من غير وجه، والشرط في هذا مفقود لأنّه فرد كما قال الطبراني، وابن لهيعة وإن كان لا يتهم بالكذب فحديثه إذا انفرد ضعيف، ولا يسمع في الوقاحة والبهت أشد من قول هذا المعترض: إن الشارح المذكور لا يفرق بين الحسن والضعف مع اشتهار تصانيفه في تقرير ذلك، وتحريره بحيث أبدًا ما أزال كثيرًا من المشكلات في هذا الفن وبالله المستعان. قال (ح): ليس في سياق ما يقطع به أنّه - صلّى الله عليه وسلم - باشر الموضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكون أمر به (¬467). قال (ع): هذا كلام واه، لأنّه صرح بقوله فوضع على كلّ منهما كسرة، فدعوى احتمال الأمر لغيره بعيدة، وهذه كدعوى احتمال مجيء غلام زيد في قولك: جاء زيد، ومثل هذا الاحتمال لا يعتد به (¬468). قلت: الشارح نفى القطع ولم ينف احتمال مقابله، فما وجه الرد عليه، وليس المثال الذي ذكره مناسبًا، بل المثال المطابق: قطع الأمير يد السارق، أي أمر بقطعها، وهو مجاز سائغ شائع فلا وجه لرد كلامه إِلَّا التحامل. قال (ح) في باب الوضوء من النوم: ومن لم ير من النعسة والنعستين وضوءًا. ¬

_ (¬467) فتح الباري. (1/ 320). (¬468) عمدة القاري (3/ 121).

قال (ح): ظاهر كلام البخاريّ أن النعاس يسمى نومًا، والمشهور التفرقة وإن من قرت حواسه، لكن يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه يسمى ناعسًا (¬469). قال لا نسلم أنّه هذا ظاهر كلام البخاريّ فإنّه عطف على النّوم (¬470) ¬

_ (¬469) فتح الباري (1/ 313 - 314). (¬470) عمدة القاري (3/ 109).

82 - باب الوضوء من غير حدث

82 - باب الوضوء من غير حدث قال (ح) في الكلام على قوله: {يا أيُّها الَّذَينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ...} الآية، بعد أن ذكر الخلاف في وجوب الوضوء لكل صلاة، يمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ بأن يكون الأمر في حق من أحدث على الوجوب، وفي حق من لم يحدث على الندب (¬471). قال (ع): هذا لا يصح لأنّ تناول الكلمة الواحدة لمعنيين مختلفين من باب الألغاز (¬472). قال (ع) في الكلام على الأمر بصب الماء على بول الأعرابي، وفي اصطلاح المحدثين أن مرسلين صحيحين إذا عارضًا حديثًا مُسْنَدًا صحيحًا كان العمل بالمرسلين أولى (¬473). قلت: هذه دعوى مردودة، فإن المعروف عند المحدثين أن المرسل ليس بحجة، هكذا أطلقه مسلم في حكايته عنهم في مقدمة صحيحة، والذين قبلوا المرسل فَهُمْ إذا اعتضد بمرسل آخر، قالوا: لا تقوم به الحجة قيامها بالمسند، وصرح به الإِمام الشّافعيّ. قال في هذا أيضًا: استدل بعض الشّافعيّة على تعين الماء لإِزالة النّجاسة بخلاف غيره من المائعات، وهو استدلال فاسد لأن ذكر الماء لا ¬

_ (¬471) فتح الباري (1/ 316). (¬472) عمدة القاري (3/ 113). (¬473) عمدة القاري (3/ 126).

يدلُّ على نفي ما عداه، والواجب الإزالة والماء مزيل بطبعه، فيقاس عليه كلما كان مزيلًا لوجود الجامع (¬474). قلت: هذا هو القياس الفاسد لأنّه مع وجود الفارق، وأي فرق ظهر من كون الذي لا يزيل بطبعه يقاس على الذي يزيل بطبعه، ودعواه أن الماء لا ينفي ما عداه مردود، لأنّ الأمر أن أورد بالشيء تعين حتّى يوجد ما يساويه في علة الحكم، وإذا لم يوجد استمر التعين. قال (ع): استدل: به بعض الشّافعيّة على أن عصر الثّوب إذا غسل من النّجاسة لا يشترط وهو استدلال فاسد لأنّه قياس مع وجود الفارق (¬475). قلت: بل الجامع بينهما موجود وهو أن العصر وإن كان في الثّوب ممكنًا بخلاف الأرض لكنه لو اشترط لا ينبني على توقف التطهير عليه وهو يقتضي بقاء النّجاسة، والذي يبقى فيه بعد العصر في حكم الذي خرج، فيستلزم أن لا يتصور التطهير، فدل على أن إيراد الماء على النّجاسة يطهرها فلا يشترط العصر ولا الجفاف. ¬

_ (¬474) عمدة القاري (3/ 126). (¬475) عمدة القاري (3/ 126).

83 - باب صب الماء على البول

83 - باب صب الماء على البول ذكر فيه حديث أنس في قصة الأعرابي المذكورة. قال (ح): فيه تعين الماء لإِزالة النّجاسة لأنّ الجفاف أو الريح أو الشّمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو (¬476). قال (ع): هذا استدلال فاسد لأن ذكر الماء لا ينفي غيره (¬477). قلت: كلّ من سمع بهذا الرد لا يتوقف في رده. ¬

_ (¬476) فتح الباري (1/ 325). (¬477) عمدة القاري (3/ 129).

84 - باب. إذا جامع ثم عاد

84 - باب إذا جامع ثمّ عاد قوله: عن إبراهيم بن محمَّد بن المنير عن أبيه قال: ذكرته لعائشة. قال الكرماني: أي قول ابن عمر: ما أحب أن أصبح محرمًا أنفح طيبًا، وكنى عنه لأنّ خبره ذلك معلوم عند أهل الشأن. وقال (ح): حذفه البخاريّ لكون المحذوف معلومًا (¬478). قال (ع): هذا الكلام عجيب لأنّه يقف على هذا الحديث من غير أهل هذا الشأن فيتحير (¬479). ¬

_ (¬478) فتح الباري (1/ 377). (¬479) عمدة القاري (3/ 214).

85 - باب غسل المذي

85 - باب غسل المذي قوله: فأمرت رجلًا، هو المقداد كما تقدّم، وصحح ابن بشكوال أن الذي تولى السؤال عن ذلك هو المقداد. قال (ح): فعل هذا فنسبة عمار إلى أنّه سأل محمولة على المجاز لكونه قصده فتولى المقداد الخطاب دونه (¬480). قال: كلاهما سأل إِلا أن أحدهما سبق، وتعيين ابن بشكوال المقداد يحتاج إلى برهان (¬481). قلت: لا يرد على (ح) شيء من هذا لأنّه فرع على قول الحافظ المذكور. ¬

_ (¬480) فتح الباري (1/ 380). (¬481) عمدة القاري (3/ 219).

86 - باب. من توضأ من الجنابة ثم غسل سائر جسده ولم يعد غسل مواضع الوضوء منه مرة أخرى

86 - باب من توضأ من الجنابة ثمّ غسل سائر جسده ولم يعد غسل مواضع الوضوء منه مرّة أخرى ذكر فيه حديث ميمونة وفيه صفة الغسل، وفي آخره: ثمّ أفاض على رأسه ثمّ غسل سائر جسده ثمّ تنحى فغسل رجليه. قال ابن بطّال: حديث عائشة الذي في الباب قبله أليق بهذه التّرجمة. قال فيه: ثمّ غسل سائر جسده. فقال ابن التين: أراد أن يبين أن المراد بقوله هنا: غسل جسده: أي ما بقي من جسده. وقال ابن المنير: إن قرينة الحال والعرف تخص أعضاء الوضوء. قال (ح): في كلامه تكلف، وفي كلام ابن التين نظر لأنّ قصة ميمونة غير قصة عائشة، والذي يظهر لي أن البخاريّ حمل قوله: ثمّ غسل جسده على المجاز، أي ما بقي، ودليل ذلك قوله بعد ذلك: فغسل رجليه، إذ لو كان قوله غسل جسده على عمومه لكان قوله: فغسل مكررًا، وهذا أشبه بتصرفات البخاريّ إذ من شأنّه الاعتناء بالأخْفَى أكثر من الأجلى (¬482). قال (ع): لا نسلم في هذا الذي ذكره هو أكثر كلفة من كلام هذا القائل لأنّه تصرف في كلامهم من غير تحقيق. وقوله: على المجاز، ألَّا يعلم أن المجاز لا يصار إليه إِلَّا عند تعذر ¬

_ (¬482) فتح الباري (1/ 383)

الحقيقة، وأي ضرورة هنا إلى المجاز، ومن قال. إنَّ البخاريّ قصد هذا؟ (¬483). قوله: إذا ذكر في المسجد أنّه جنب يخرج كما هو. قال (ح): قوله ذكر أي تذكر (¬484). قال (ع): ذكر هنا مصدره الذكر، بضم الذال وهذا فيه دقة لا يفهمها إِلَّا من له ذوق من مكان الكلام، فلو ذاق هذا ما احتاج إلى تفسير فعل بتفعل (¬485). ¬

_ (¬483) عمدة القاري (3/ 223). (¬484) فتح الباري (1/ 383). (¬485) عمدة القاري (3/ 223) وفي النسخ الثلاث "إلى تفسير جعل" فقط والصّحيح من عمدة القاري.

87 - باب غسل المرأة، أباها الدم عن وجهه

87 - باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه وقال أبو العالية: امسحوا على رجلي فإنها مريضة. قال (ح): وصله عبد الرزّاق فذكره بسنده، ورواية ابن أبي شيبة، أنّها كانت مَعْصُوبَةً (¬486). قال (ع): ليس رواية ابن أبي شيبة هكذا، وإنّما المذكور فيه أنّه اشتكى رجله فعصبها وتوضأ ومسح عليها وقال: إنها مريضة، وهذا غير الذي ذكره البخاريّ (¬487). قلت: الذي ذكره البخاريّ في رواية عبد الرزّاق وإطلاق الزيادة صحيح، والمزيد عليه إذا أريد أصل القصة لا يشترط الإِستواء في ألفاظه قوله في حديث سهل بن سعد: بأي شيءٍ دوي (¬488) قال (ح): كذا بحذف إحدى الواوين في الكتابة. قال (ع): في أكثر النسخ بالواوين (¬489). ¬

_ (¬486) فتح الباري (1/ 355). (¬487) عمدة القاري (3/ 182). (¬488) فتح الباري (1/ 355). (¬489) عمدة القاري (3/ 183).

88 - باب دفع السواك إلى الأكبر

88 - باب دفع السِّواك إلى الأكبر قوله: أراني بفتح الهمزة. قال الكرماني: وفي بعض النسخ بضم الهمزة فمعناه أظن. قال (ح): وهم من ضمها (¬490). قال (ع): ليس هو بوهم (¬491). قلت: مستند الوهم أن المقام مقام تحقق الرؤيا بالضم يستعمل للظن، وليست الرؤيا من باب الظن. ¬

_ (¬490) فتح الباري (1/ 357) (¬491) عمده القاري (3/ 186)

89 - باب بول الصبيان

89 - باب بول الصبيان قال (ح): هو بكسر الصاد ويجوز ضمها (¬492). قال (ع): لا يقال بالضم إِلَّا صبوان بالواو، وقد وهم هذا فلم يفرق بين المادة الواوية والمادة اليائية (¬493). قوله: بصبي فبال على ثوبه. قال (ح): هذا ليس بظاهر أصلًا بل هو عبد الله بن الزبير، وقيل الحسن وقيل الحسين (¬494). قلت: قد حكى (ح) المقالات الثلاث، ولفظه: ويحتمل أن الحسن أو الحسين كما روى الطبراني في الأوسط وغيره وبين وجه الاحتجاج أنّه ابن أم قيس، فهذا المعترض أعان الله تعالى عليه بأنّه يترك التأمل ويدفع بالصدر فلا يزال (¬495). قوله: "لم يأكل الطّعام". ¬

_ (¬492) فتح الباري (1/ 325). (¬493) عمدة القاري (3/ 129). (¬494) عمدة القاري (3/ 129) كذا لم يذكر في النسخ الثلات قول الحافظ ابن حجر المردود عليه، فإنّه قال (1/ 326) يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس المذكور بعده. (¬495) فتح الباري (1/ 326).

قال (ح): أي ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتّمر الذي يحنك به، والعسل الذي يلعقه لمداواة وغيرها (¬496). قال (ع): لا يحتاج إلى هذه التقديرات، بل المراد من قوله: "يأكل الطّعام" لم يقدر على مضغ الطّعام ولا على دفعه إلى باطنه، واللبن الذي يرتضعه مشروب لا يسمى طعامًا، والتّمر والعسل ليس تناولهما باختياره بل بالغصب للتبرك والمداواة، لأنّ المراد أنّه يأكل الطّعام قصدًا واستقلالًا (¬497). قلت: هذا زائد على مجرد المضغ الذي ادعى أوَّلًا أنّه المراد. قوله: "فأجلسه". قال (ح): أي وضعه (¬498). قال (ع): ليس كذلك لأنّ الجلوس يكون عن نوم أو اضطجاع، وأمّا القائم فيقال: قعد (¬499). قلت: هذا التفصيل محكي عن أهل اللُّغة ولم يفصل بعضهم (ح). ومن فوائد هذا الحديث حمل الأطفال حال الولادة غير متصور (¬500). قلت: لو تأمل الشرح لم ينطق بهذا. ¬

_ (¬496) فتح البارى (1/ 326). (¬497) عمدة القاري (3/ 132). (¬498) فتح الباري (1/ 326). (¬499) عمدة القاري (3/ 133). (¬500) عمدة القاري (3/ 133) وليس في النسخ الثلاث قول الحافظ المردود عليه، وهو كما في الفتح (1/ 327) ومن فوائد الحديث. . . . وحمل الأطفال إليهم -أهل الفضل- حال الولادة وبعدها

90 - باب البول قائما وقاعدا

90 - باب البول قائمًا وقاعدًا قال ابن بطّال: دلالة حديث الباب على القعود بطريق الأولى. قال (ح): ويجوز أن يكون أشار إلى حديث عبد الرّحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وغيره قال: بال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - جالسًا، فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة (¬501). قال (ع): هذا غير مسلم لأنّ أحاديث الباب كلها في البول قائمًا، والجواز قائمًا حكم شرعي، فكيف يقاس عليه جواز البول قاعدًا بطريق العقل (¬502). ¬

_ (¬501) فتح الباري (1/ 3128). (¬502) عمدة القاري (3/ 134).

91 - باب البول عئد صاحبة والتستر

91 - باب البول عند صاحبه والتستر قوله في حديث حذيفة: فانتبذت منه فأشار إلى فجئته. قال (ع): ترد عليه رواية عصمة عند الطبراني بلفظ: "يَا حُذَيفَةُ استُرْني" ثمّ قال: ويجمع بأنّه أشار أوَّلًا بيده ورأسه ثمّ قال: "اسْتُرْنِي" (¬503). قال: سند حديث عصمة لا تقوم على ساق وهو قابل للتأويل أيضًا (¬504) ثمّ قال (ح): وليست به دلالة على جواز الكلام حال البول (¬505). قال (ع): هذا كلام من غير روية، لأنّ إشارته بقوله: استرني، لم تكن إِلَّا قبل شروعه في البول، فكيف يظن منه ما قال حتّى ينفي ذلك أو يثبته (¬506). قلت: انظروا إلى هذا التناقض. ¬

_ (¬503) عمده القاري (3/ 137) (¬504) هذا من قول الحافظ ابن حجر. (¬505) فتح الباري (1/ 329). (¬506) عمدة القاري (3/ 137).

92 - باب غسل الدم

92 - باب غسل الدم قوله في حديث أسماء: "تَحُتُّه ثُمَّ تَقْرصُهُ بِاْلمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُه". قال. القرطبي: المراد به الرش لأنّ الغسل استفيد من قوله: "تَقْرصُهُ بِاْلمَاءِ" وأمّا النضح فهو لما شكت فيه من الثّوب. قال (ح): فعل هذا فالضمير في قوله: "يَنْضَحُهُ" يعود على الثّوب بخلاف "تَحُتُّهُ" فإنّه للدم، فيلزم منه اختلاف الضمائر وهو على خلاف الأصل (¬507). قلت: فيصير التقدير وتنضح الماء (¬508). قولة في حديث عائشة: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش، الحديث في الاستحاضة وفي آخره: "وإذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّى". قال (ح): قوله: "فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ" أي: واغتسلي، والأمر بالإغتسال مستفاد من طرق أخرى كما سيأتي بسط الكلام على ذلك في كتاب الحيض في باب الاستحاضة أنّه وقع في رواية أبي أسامة عن هشام بن ¬

_ (¬507) فتح الباري (1/ 331) ولم يذكر في النسختين رد العيني على الحافظ ابن حجر، ورده كما في عمدة القاري (3/ 140) قلت: لا نسلم ذلك، لأنّ لفظ الدم غير مذكور صريحًا، والأصل في عود الضمير أن يكون إلى شيءٍ صريح، والمذكور هنا صريحًا الثّوب والماء، فالضميران الأولان يرجعان إلى الثّوب، لأنّه المذكور قبلهما، والضمير الثّالث يرجع إلى الماء، لأنّه المذكور قبله، وهذا هو الأصل. (¬508) هذا من كلام الحافظ في الرد على العيني.

عروة في هذا الحديث: "ثُمَّ اغْتَسِلي وصلِّي" ذكره في باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، وبسط الكلام علىَ ذلك (¬509). قال (ع): هنا قوله: "فَاغْسِلي عَنْكِ الدَّمَ وصلَّي" ظاهره مشكل، والجواب عنه أنّه وإن لم يذكر في هَذه الرِّواية فقد ذكر في رواية أخرى صحيحة قال فيها: "فاغتسلي" ويحتمل أن يحمل الإدبار على انقضاء الحيض، أو غسل الدم محمول على دم آخر يأتي بعد الغسل، والأول أوجه، وأمّا قول. (ح): أي "وغتسلي" فغير موجه أصلًا (¬510). ¬

_ (¬509) فتح الباري (1/ 332). (¬510) عمدة القاري (3/ 143).

93 - باب غسل المني وفركه

93 - باب غسل المني وفركه قال (ح) لم يخرج البخاريّ حديث الفرك، بل اكتفى بالإشارة إليه (¬511) قال (ع): هذا اعتذار بارد لأنّ المقصود من التّرجمة معرفة حديثها (¬512). ثمّ قال (ح): ليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض، لأنّ الجمع بينهما أن يحمل الغسل على التنظيف لا على الإيجاب بدليل حديث الفرك إن قلنا بطهارة المني والغسل على التنظيف والفرك على اليابس إن قلنا بنجاسته (¬513). قال (ع): من هذا الذي ادعى التعارض حتّى يحتاج للجمع، وقوله: يحمل الغسل على التنظيف كلام من لا يدري مراتب الشّرع، لأنّ أعلاها الوجوب وأدناها الإباحة، ودليل الوجوب استمرار غسله - صلّى الله عليه وسلم - الغسل من غير فرك. انتهى (¬514). واستمر هكذا في التعصب والدفع بالصدر إلى أن قال: فإن قال: سقوط الغسل في يابسه يدلُّ على طهارته، قلنا: لا نسلم، وإنّما جاز الفرك في اليابس منه على خلاف القياس. وقال في الجواب في الحديث الذي أخرجه ابن خزيمة من طريق ¬

_ (¬511) فتح الباري (1/ 332). (¬512) عمدة القاري (3/ 144). (¬513) فتح الباري (1/ 332 - 333). (¬514) عمدة القاري (3/ 144).

أخرى عن عائشة: أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثمّ يصلّي فيه ويحته في ثوبه يابسًا ثمّ يصلّي فيه. ليس فيه دليل على الطّهارة بل يكون الفرك يطهر الثّوب، والمني نجس في نفسه كما يصيب النعل من الأذى فيطهره ما بعده. أخرجه أبو داود من حديث أيضًا هريرة، والمراد من الأذى النّجاسة (¬515). قلت: ويحتمل المستقذر ولا دلالة على مدعاه. قال (ح): في رواية مسلم عن عائشة: لئن كنت أفركه من ثوب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فركا فيصلّي فيه، وأصرح منه رواية ابن خزيمة أنّها كانت تفركه من ثوب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وهو يصلّي (¬516). هذا كله صريح في الرد على من أجاب عن أحاديث الفرك أنّها لا حجة فيها لأنّها جاءت في ثوب ينام فيه، ولم يأت في ثوب يصلّي فيه، وهذا بحث الطحاوي وهو محجوج بما ذكرته. قال (ع) مجيبًا عن رواية ابن خزيمة: بأن قوله: وهو يصلّي، جملة إسمية وقعت حالًا منتظره. فيحتمل تخلل الغسل بين الفرك والصلاة (¬517). تنبيه: ذكر (ح) الإختلاف في شيخ قتيبة في حديث عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار عن عائشة في غسل المني، فرجح المزي أنّه يزيد بن زريع، ورجح القطب أنّه ابن هارون، قال: لأنّه لم يوجد من رواية ابن زريع، ووجد من رواية ابن هارون. ¬

_ (¬515) عمدة القاري (3/ 145). (¬516) فتح الباري (1/ 333). (¬517) عمدة القاري (3/ 146).

قال (ح): لا يلزم من عدم الوجدان عدم الوجود، وقد جزم أبو مسعود بأنّه رواه، فدل على وجدانه (¬518). قال (ع): ورجح هذا القائل كلامه في كون يزيد بن زريع لا ابن هارون بشيئين لا ينهض كلامه بهما: أولهما: بقوله: وقد أخرجه الإسماعيلي وغيره من حديث يزيد بن هارون بلفظ مخالف للسياق الذي أورده البخاريّ وهذا من مرجحات كونه ابن زريع. قال (ع): قلت: هذا الذي قاله حجة عليه ورد لكلامه، لأنّ مخالفة لفظ من روى هذا الحديث سياق البخاريّ ليست بمرجحة لكون يزيد هو ابن زريع مع صراحة ذكر ابن هارون. في الروايات المذكورة. والثّاني: أن قتيبة معروف بالرواية عن يزيد بن زريع دون ابن هارون، وهذا أيضًا حجة عبيه ومردود عليه، لأنّ كون قتيبة معروفًا بالرواية عن يزيد بن زريع لا ينافي روايته عن ابن هارون بعد أن ثبت أن قتيبة يروي عنهما جميعًا. ولقد غره ما قاله المزي: الصّحيح أنّه يزيد بن زريع، فإن قتيبة مشهور بالرواية عنه دون ابن هارون، وكأن قصد هذا القائل توهية كلام الشّيخ قطب الدِّين وهو أرجح كذا قال (¬519). قوله: سألت عائشة عن المنى فقالت: كنت أفركه. قال (ح): ليس في ذلك ممّا يقتضي إيجابه (¬520). ¬

_ (¬518) فتح الباري (1/ 333) وعنده "عدم الوقوع" بدل "عدم الوجود". (¬519) عمدة القاري (3/ 147 - 148) وفتح الباري (1/ 333 - 334). (¬520) فتح الباري (1/ 334).

قال (ع): الأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب (¬521) قلت: وأي قرينة أقوى من الإكتفاء بفركه. ¬

_ (¬521) عمدة القاري (3/ 148).

94 - باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره

94 - باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره قال (ح): أي أثر الشيْء (¬522) قال (ع): بل المراد الأثر المرءيُّ للماء لا للمني (¬523). قال (ع): ذكر البخاريّ حديث الجنابة وألحق التّرجمة بدون ذكر حديث موافق للترجمة (¬524). ¬

_ (¬522) فتح الباري (1/ 334). (¬523) عمدة القاري (3/ 148). (¬524) عمدة القاري (3/ 148).

95 - باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

95 - باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها قال (ح): الضمير في مرابضها يعود لأقرب مذكور (¬525). قال (ع): قلت: سبحان الله ما أبعد ذهنه ممّا قاله بل الضمير للعود على الغنم (¬526) قلت: أقول بالموجب. ¬

_ (¬525) فتح الباري (1/ 335). (¬526) انظر عمدة القاري (3/ 150).

96 - ما يقع من النجاسات في السمن والماء

96 - ما يقع من النجاسات في السمن والماء وقال ابن سيرين وإبراهيم: لا بأس بالتجارة في العاج. قال (ح): قال القالي وهو أبو علي إسماعيل البغدادي اللغوي نزيل الأندلس في أماليه العرب تسمي كلّ عظم عاجًا فإن ثبت هذا فلا حجة في الأمر المذكور علي طهارة عظم الفيل (¬527). قال (ع): قد أنكر الخليل أن يسمى عاجًا سوى أنياب الفيلة ومع وجوب النقل عن الخليل لا يعتبر مثل قول القالي (¬528). قلت: القالي مثبت والخليل ناف، والمثبت أولى بالقبول إذا كان ثقة ضابطًا إذ {فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيْمٌ} قال (ح): روى الدارقطني عن أم سلمة مرفوعًا: "لَا بَأْسَ بمَسْكِ المَيْتَةِ إذَا دُبِغَ". وقال: في سنده يوسف بن أبي السَّفر وهو متروك. قال (ع): لا يؤثر ذلك في يوسف بن أبي السَّفر وكان كاتب الأوزاعي إِلَّا بعد بيان الجرح، المبهم غير مقبول عند حذاق الأصوليين، كذا (¬529) قال (ح) في حديث ميمونة سئل النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- عن فأرة سقطت في ¬

_ (¬527) فتح الباري (1/ 343). (¬528) عمدة القاري (3/ 161). (¬529) عمدة القاري (3/ 160 - 161).

سمن، السائل هي ميمونة وقع ذلك في رواية عن يحيى القطان، وجويرية عن مالك في هذا الحديث أن ميمونة استفت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - رواه الدارقطني وغيره (¬530). قال (ع): في رواية البخاريّ من طريقين صريح بأن السائل غير ميمونة فلا يمكن العمل بأنّها هي السائلة (¬531). قلت: عليه بأن يبين ما ادعاه من الصراحة. ¬

_ (¬530) فتح الباري (1/ 343). (¬531) عمدة القاري (3/ 161).

97 - باب إذا ألقى على ظهر المصلى

97 - باب إذا ألقىَ على ظهر المصلى قال (ح): في أثر ابن عمر كان إذا رأى في ثوبه دمًا وهو يصلّي وضعه ومضى في صلاته: وصله ابن أبي شيبة من طريق برد بن سنان عن نافع أن ابن عمر كان إذا كان في صلاته فرأى في ثوبه دمًا فاستطاع أن يضعه وضعه وإن لم يستطع خرج فغسله فبنى على ما كان صلّى، وهذا يقتضي أنّه كان يرى التفرقة بين الإبتداء والإنتهاء (¬532). قال (ع): هذا لا يقتضي أصلًا، وإنما يدلُّ على أنّه كان لا يرى جواز الصّلاة مع وجود النّجاسة في المصلّى مطلقًا (¬533). قال (ح): في حديث ابن مسعود: أيكم يقوم إلى جزور بني فلان: والجزور من الإبل ما يجزر أي ما يقطع (¬534). قال (ع): لا أدري من أي موضع نقل هذا (¬535). ¬

_ (¬532) فتح الباري (1/ 438). (¬533) عمدة القاري (3/ 170). (¬534). فتح الباري (1/ 355). (¬535) عمدة القاري (3/ 172).

98 - باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء

98 - باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء قال (ح): شنع أبو عبيد في كتاب الطّهور على من أخذ بظاهر قول الزّهريُّ: لا بأس بالماء ما لم يغيره طعم أو ريح أو لون، فإنّه يلزم منه أن من بال في إبريق فيه ماء ولم يغير إِلَّا وصفًا أنّه يجوز التطهر به، ولهذا نصر قول التفريق بين القليل والكثير بالقلتين (¬536). قال (ع): كيف ينصر بهذا الحديث وقد قال ابن العربي مداره على ضعيف أو مضطرب في الرِّواية أو موقوف، وحسبك أن الشّافعيّ رواه عن الوليد بن كثير وهو إباضِيٌّ، واختلف في لفظه، فقيل: قلتين: وقيل: قلتين أو ثلاثًا، وقيل: أربعون قلة، وقيل أربعون عزبًا. وقال ابن عبد البرّ: لا حد بحديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت في الأثر. وقال الدبوسي: خبره ضعيف ولم يقل به الصّحابة والتابعون. انتهى (¬537). وكله مردود ولبسطه مواضع أخر. قوله: قال معن: حدّثنا مالك عن ابن شهاب ما لا أحصيه يقول عن ابن عبّاس عن ميمونة. ¬

_ (¬536) فتح الباري (1/ 342). (¬537) عمدة القاري (3/ 159).

قال الكرماني: قائل قال معن هو علي فهو داخل تحت الإسناد، ويحتمل على بعد، إن يكون تعليقًا. قال (ح): هو متصل، وأبعد من قال أنّه معلق (¬538) قال (ع): احتمال التعليق غير بعيد, كذا قال (¬539) قوله: "كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فيْ سَبيلِ اللهِ ... " الحديث, كثر القول في مطابقة الحديث لترجمة الباب وهي مَا يقع من النّجاسة في الماء. قال (ح): أجيب بأن مقصود البخاريّ تأكيد مذهبه في أن الماء لا ينجس بمجرد الملاقاة ما لم يتغير, وذلك لأنّ تبدل الصِّفَة توثر في الموصوف، فكما أن تغير الدم بالرائحة الطيبة أخرجه من الذم إلى المدح، فكذلك تغير صفة الماء إذا تغير بالنّجاسة تُخرجه من صفة الطّهارة إلى النّجاسة (¬540). قال (ع): أخذ الجواب والإشكال من الكرماني فساقهما بعبارة أخرى، ثمّ أورد ما قال الكرماني سؤالًا وجوابًا، ثمّ نقل أجوبة النَّاس بأنّه قال: ويمكن أن يقال لما كان مبنى الأمر في الماء المتغير بوقوع النّجاسة، وأنّه يخرج عن كونه صالحًا لاستعماله لتغير صفته الّتي خلق عليها أورد له نظيرًا بتغير دم الشهيد، فإن مطلق الدم نجس ولكنه تغير بواسطة الشّهادة، ولهذا لا يغسل ليظهر شرفه يوم القيامة لأهل الموقف بانتقال صفته المذمومة إلى الصِّفَة الممدوحة، انتهى (¬541). ولا ترى أعجب من هذا لمن نظر فيه فضلًا عمن ساقه، وهل أتى بقدر زائد فيما يتعلّق بأصل المسألة. ¬

_ (¬538) فتح الباري (1/ 344). (¬539) عمدة القاري (3/ 164). (¬540) فتح الباري (1/ 345). (¬541) عمدة القاري (3/ 164 - 165).

قوله "كَهَيْئَتِهَا إذا طُعِنَتْ " قال (ح): الضمير لقوله: كلم، والتأنيث للجراحة، ويوضحه رواية القابسي كلّ كلمة يكلمها (¬542). قال (ع): الكلم والكلمة مصدران، والجراحة الاسم والإسم لا يعبر به عن المصدر (¬543) ¬

_ (¬542) فتح الباري (1/ 345). (¬543) عمدة القاري (3/ 165).

99 - باب البول في الماء الدائم

99 - باب البول في الماء الدائم ذكر حديث: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في اْلمَاءِ الدَّائِمِ. . ." الحديث. قال (ح): استدل به بعض الحنفية على تنجس الماء المستعمل، لأنّ البول ينجس الماء فكذلك الإغتسال، وقد نهى عنهما معًا وهو للتحريم، فدل على حصول النّجاسة فيهما، ورد بأنّها دلالة اقتران وهي ضعيفة، وعلى تقدير تسليمها فلا يلزم التسوية، فيكون النّهي عن البول لئلا ينجسه، وعن الإغتسالات لئلا يسلبه الطهورية (¬544). قال (ع): هذا عجيب منه لأن دلالة الإقتران عندهم صحيحة، فكيف يرد على القائل بها، مع أن مذهب كثر أصحاب إمامه كالحنفية والتفصيل الذي ذكره تحكم (¬545) ¬

_ (¬544) فتح الباري (1/ 347). (¬545) عمدة القاري (3/ 169).

100 - باب إذا ألقى على ظهر المصلي جيفة أو قذرا لم تفسد عليه صلاته

100 - باب إذا ألقى على ظهر المصلّي جيفة أو قذرًا لم تفسد عليه صلاته قال (ح): قوله: لم تفسد عليه صلاته محله ما إذا لم يعلم بذلك وتمادى، ويحتمل الصِّحَّة مطلقًا على قول من يقول بأن اجتناب النّجاسة في الصّلاة ليس بفرض، وعلى من ذهب إلى تتبع ذلك في الإبتداء دون ما يطرأ وإليه مال المصنف (¬546). قال (ع): من أين له أن المصنف مال إلى هذا، وقد ترجم بعدم الفساد مطلقًا، وأكد بعد ذلك بما نقله عن ابن عمر وغيره (¬547). قال (ح) في الكلام على أثر ابن عمر: كان إذا رأى في ثوبه دمًا وهو يصلّي وضعه، ومضى في صلاته: وصله ابن أبي شيبة من طريق برد بن سنان عن نافع عن ابن عمر: كان إذا كان في الصّلاة فرأى في ثوبه دمًا فاستطاع أن يضعه وضعه، وإن لم يستطيع خرج فغسله ثمّ جاء فبنى على ما كان صلّى، وهذا يقتضي أنّه كان يرى التفرقة بين الابتداء والدوام (¬548). قال (ع): هذا لا يقتضي أصلًا إنّما يدلُّ على أنّه كان يرى جواز الصّلاة مع وجود النّجاسة في المصلّى مطلقًا (¬549). ¬

_ (¬546) فتح الباري (1/ 348). (¬547) عمدة القاري (3/ 170). (¬548) فتح الباري (1/ 348). (¬549) عمدة القاري (3/ 170).

قوله في حديث ابن مسعود: وعد السابع. قال الكرماني: فاعل عد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أو ابن مسعود، وفاعل فلم يحفظه عبد الله أو عمرو. قال (ح): كيف تهيأ له الحصر مع أن في رواية مسلم ما يدلُّ على أن فاعل عد عمرو بن ميمون (¬550) قال (ع): لم يجزم الكرماني بذلك بل ذكره بالشك، فكيف ينكر عليه بلا وجه (¬551) قلت: نعم ينكر عليه لأنّه حصر الشك في اثنين ظهر برواية مسلم أن المراد غيرهما. قوله: "أَيُّكُمْ يَقُومُ إلى جَزُورِ بَني فُلَانٍ". قال (ح): الجزور من الإبل ما يجزر أي يقطع (¬552). قال (ع): لا أدري من أي موضع نقله (¬553). قوله: البصاق ... الخ. قال (ح): دخول هذا الباب في أول الطّهارة من جهة أنّه لا يفسد الماء لو خالطه (¬554). قال (ع): هذا الباب لا ذكر للماء فيه، وإنّما هو في الثّوب لكن إذا كان لا يفسد الثّوب فكذلك لا يفسد الماء (¬555). قلت: فاعترف بما أنكر ولله الحمد. ¬

_ (¬550) فتح الباري (1/ 351). (¬551) عمدة القاري (3/ 174). (¬552) فتح الباري (1/ 350) وتقدم في التعليق (534). (¬553) عمدة القاري (3/ 172) وتقدم في التعليق (535). (¬554) فتح الباري (1/ 353). (¬555) عمدة القاري (3/ 176).

101 - باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا بالمسكر

101 - باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا بالمسكر قال (ح): هو من عطف العام على الخاص (¬556). قال (ع): انما يكون كذلك إذا كان المراد بالنبيذ إذا لم يصل إلى حد الإسكار (¬557) قلت: هو الذي اختلف في الوضوء به فيتخصص بالحيثية. ¬

_ (¬556) فتح الباري (1/ 354). (¬557) عمدة القاري (3/ 178).

102 - باب الغسل بالصاع ونحوه

102 - باب الغسل بالصاع ونحوه قال (ح): قال بعض الفقهاء من الحنفية وغيرهم: إنَّ الصاع ثمانية أرطال، والصّحيح الأوّل يعني أنّه رطل وثلث، والحزر لا يعارض التحديد يعني قول مجاهد: وحزرته ثمانية أرطال مع اتفاق أهل المدينة أن صاع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - رطل وثلث رطل (¬558). قال (ع): هذه العبارة تدل على أن هذا القائل يعرف أنّه مذهب الإمام أبي حنيفة لإتيانه بالعبارة المذكورة، ولم ينفرد أبو حنيفة بهذا بل ذهب إليه النخعي والحكم بن عتيبة والحجاج بن أرطأة وأحمد في رواية, وتمسكوا بقول مجاهد، وترجيح الشارح الأوّل يناقض، قوله: التحديد لا يعارض الحزر، وقد اختلفوا في ذلك الفرق (¬559). قلت: الكلام إنّما هو في الْمُدّ. قوله: دخلت أنا وأخو عائشة، فسألها أخوها عن غسل رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. قال (ح): لما كان السؤال محتملًا للكيفية والكمية بينت لهما ما يدلُّ على الأمرين جميعًا، أمّا الكيفية فبالإقتصار على إفاضة الماء, وأمّا الكمية فبالإقتصار بالصاع (¬560) قال (ع): لا نسلم أن السؤال عن الكمية، ولئن سلمنا فهو لم يتعرض ¬

_ (¬558) فتح الباري (1/ 364). (¬559) عمدة القاري (3/ 196 - 197). (¬560) فتح الباري (1/ 365).

إِلَّا للكيفية، وأمّا الكمية فقد طلبت أناءً مثل صاع من ماء فيحتمل أن يكون أقل وأكثر (¬561). قال (ح): المراد من الروايتين أن الإغتسال وقع بمثل الصاع من الماء تقريبًا (¬562). قال (ع) قد تقدّم قوله أن الحزر لا يعارض به التحديد ونقض كلامه ذاك بقوله هذا قوله ثمّ أمنا في ثوب (¬563). قال (ح): فاعل أمنا هو جابر كما سيأتي واضحًا في كتاب الصّلاة ولا التفات إلى من جعله من قوله، والفاعل رسول الله (¬564). قال (ع): أراد الرد على الكرماني، واستدلاله بهذا الحديث المذكور الذي أشار إليه لا وجه له (¬565). قوله: عن ابن عبّاس أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد. قال (ح): يستفاد مناسبة هذا الحديث للترجمة وهي: باب الغسل بالصاع ونحوه من مقدمة أخرى وهو أن أوانيهم كانت صغارًا، فيدخل هذا أحديث تحت قوله: ونحوه أي نحو الصاع، أو يحمل المطلق فيه على المقيد في حديث عائشة وهو الفرق لكون كلّ منهما زوجة له واغتسلت بعد فيكون حصة كلّ منهما أزيد من صاع فيدخل تحت التّرجمة بالتقريب (¬566). ¬

_ (¬561) عمدة القاري (3/ 198). (¬562) فتح الباري (1/ 365). (¬563) عمدة القاري (3/ 198) وفي النسخ الثلاث كانت العبارة هكذا "لا يعارض به أن التحديد نقض" والتصحيح من العمدة. (¬564) فتح الباري (1/ 366). (¬565) عمدة القاري (3/ 199). (¬566) فتح الباري (1/ 367).

قال (ح) أبدى الكرماني مناسبات أخرى: أحدها: أن يراد بالإناء، الفرق المذكور. الثّاني: كان الإناء معهودًا عندهم أنّه هو الذي يسع الصاع فترك تعريفه اعتمادًا على العرف. الثّالث: أنّه من الاختصار وأن في تمام الحديث ما يدلُّ عليه كما في حديث عائشة. قال (ع): ذكر (ح) وجوهًا أكثرها تعسفات وأبعد وجهًا من الذي قاله الكرماني؛ لأنّ المراد من هذا الحديث جواز اغتسال الرجال والمرأة من إناء واحد وليس المراد منه بيان مقدار الإناء (¬567). ¬

_ (¬567) عمدة القاري (3/ 199).

103 - باب من أفاض على رأسه ثلاثا

103 - باب من أفاض على رأسه ثلاثًا قوله في حديث جبير بن مطعم: "أَما أَنَا، فَأَفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا". قال الكرماني: أمّا للتفصيل فأين قسيمه؟ قلت: محذوف يدلُّ عليه السياق. قال (ح): قد أخرجه مسلم بلفظ: تماروا في الغسل عند النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - , فقال بعض القوم: أمّا أنا فأغسل رأسي .... الحديث، وأمّا أنا فهذا هو القسيم المحذوف (¬568). قال (ع): الواجب أن يعطي من كلّ كلام بما يقتضيه الحال فلا يحتاج إلى تقدير شيءٍ من حديث جاء من طريق أخرى في باب آخر قوله ثلاثًا (¬569). قال (ح): يحتمل أن يكون للتكرار وأن يكون للتوزيع على جميع البدن (¬570). قال (ع): قد أخرج الطبراني في الأوسط بلفظ: ثمّ تفرغ على رأسك ثلاث مرات تدلك رأسك كلّ مرّة (¬571). قلت: ما بالعهد من قدم بقول قبل هذا بغير واسطة لا يحتاج إلى تقدير شيء من حديث آخر. ¬

_ (¬568) فتح الباري (1/ 367). (¬569) عمدة القاري (3/ 201). (¬570) فتح الباري (1/ 367). (¬571) عمدة القاري (3/ 201).

قوله في حديث جابر: كيف الغسل؟ قال (ح): السؤال في الحديث الأوّل كان عن الكمية ويشعر بذلك قوله في الجواب "يَكْفِيكَ صَاعٌ" (¬572). قال (ع): ليس الأمر كذلك وإنّما السؤال في الموضعين عن حال الغسل, والجواب بالكمية, لأنَّ الحالة هي الكيفية لم يقع السؤال عن حقيقة الغسل بل عن حالته (¬573). من كتاب ¬

_ (¬572) فتح الباري (1/ 368). (¬573) عمدة القاري (3/ 202 - 203).

103 - مكرر- كتاب الغسل

103 - مكرر- كتاب الغسل قوله: وقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ...} الخ. قال (ح): قدم الآية الّتي من سورة المائدة على الآية التي من سورة النِّساء لدقيقة, وهي أن لفظ المائدة {فَاطَّهَّرُوا} ففيها إجمال لصدقه على الغسل وعلى الوضوء ولفظ النِّساء {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} فصرح بالإغتسال تبينًا للتطهير المذكور (¬574). قال (ع): لا إجمال في {فَاطَّهَّرُوا} معناه فطهروا أبدانكم، وتطهير الأبدان هو الإغتسال فلا إجمال لا لغة ولا اصطلاحًا (¬575). قال (ح): في الجمع بين حديثي ميمونة وعائشة في تأخير غسل. الرجلين: ويمكن حمل رواية عائشة على المجاز (¬576). قال (ع): هذا خباط, لأنّ المجاز لا يصار إليه إِلَّا عند الضّرورة (¬577). قوله في الحديث: "وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأذَي". قال (ح): أي المستقذر وليس لفظ الأذى بظاهر في النّجاسة (¬578). قال (ع): هذه مكابرة (¬579). ¬

_ (¬574) فتح الباري (1/ 359). (¬575) عمدة القاري (3/ 191). (¬576) فتح الباري (1/ 361 - 362). (¬577) عمدة القاري (3/ 93) والذي في العمدة هذا خطأ. (¬578) فتح الباري (1/ 362). (¬579) عمدة القاري (3/ 194).

قال (ح): أبعد من استدل به على نجاسة المني أو على نجاسة فرج المرأة (¬580). فإن هذا القائل هو الذي أبعد (¬581). قال (ح): تمسك الحنفية للقول بوجوب المضمضة والإستنشاق في الغسل بفعله -صلّى الله عليه وسلم - ويلزمهم القول بوجوبهما في الوضوء لأنّه فعلهما فيه، وتعقب بأن الفعل المجرد لا يدلُّ على الوجوب إِلَّا إذا كان بيانًا لمجمل تعلّق به الوجوب وليس الأمر كذلك (¬582). قال (ع): ليس كما قال لأنّهم إنّما أوجبوهما بالنص وهو قوله تعالى: {فَاطَّهَّرُوا} (¬583). وقوله: فجعل ينفض الماء بيده استدل به على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهر خلافًا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته (¬584). قال (ع): الذي قال بنجاسته لم يقل بأنّه نجس حالة التقاطر وإنّما يكون نجسًا عنده إذا سال من أعضاء المتطهر واجتمع (¬585). ¬

_ (¬580) فتح الباري (1/ 362). (¬581) كذا في النسخ الثلاث، وهذه العبارة للعيني، حيث قال بعد أن ذكر قول الحافظ الماضي في العمدة (3/ 194) قلت: هذا القائل هو الذي أبعد. (¬582) فتح الباري (1/ 362). (¬583) عمدة القاري (3/ 194) (¬584) فتح الباري (1/ 363). (¬585) عمدة القاري (3/ 195).

104 - باب المضمضة والاستنشاق

104 - باب المضمضة والاستنشاق قال (ح): أشار ابن بطّال وغيره إلى أن البخاريّ استنبط عدم وجوبهما في الغسل لأنّ في بعض طرق ميمونة الذي في الباب في صفة الغسل: توضأ وضوءه للصلاة، فدل على أن فعلهما في الوضوء وقام الإِجماع على أن الوضوء غير واجب في الغسل وهما من توابع الوضوء, فإذا سقط وجوبهما في الوضوء سقط في توابع الوضوء فيحمل ما ورد من أنّه فعلهما على الأفضل (¬586). قال (ع): هذا الاستدلال غير صحيح لأنّ حديث الباب ليس له تعلّق بالحديث الذي يأتي فيه اللّفظ المذكور، وقد جاء أنّه كان يفعلهما ويواظب عليهما وعدم النقل بتركهما. انتهى (¬587). وحكاية هذا الكلام تغني عن تكلف الرد عليه، وقد صرح الحذاق بأن عدم النقل لا يدلُّ على عدم الوقوع ولا سيما إنَّ وجدت قرينة تدل على عدم الوقوع، وهذا أكثر هذا المعترض من الطعن علي من تقدمه في حمل الكلام على المجاز أحيانًا قائلًا: المجاز لا يصار عليه إِلَّا عند تعذر الحقيقة، وهم لا يدعون المجاز إِلَّا عند تعذرها، وذلك أن لا يقع بين التّرجمة وحديثها مناسبة في الظّاهر مثلًا ومن أمثلة ذلك قوله: ¬

_ (¬586) فتح الباري (1/ 372). (¬587) عمدة القاري (3/ 206) وفي النسخ الثلاث "عدم" فزدنا قبله الواو ليصح الكلام.

105 - باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة

105 - باب هل يدخل الجنب يده في الإِناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة قال (ح): أي حكمها لأنّ أثرها محتمل فيه (¬588). قال (ع) الجنابة أمر معنوي فلا توصف بالقذر فإن كان مراده حكمها الأغلب فلا دخل له هنا، وإن كان النّجاسة فالمؤمن لا ينجس، وإن كان مراده بقوله: أثرها المني فهو طاهر في زعمه (¬589). قلت: من لا يفهم أن المراد النّجاسة الحكمية عنها الغسل؟! (¬590). قلت: بحثه يسقط الكلام معه وترديده المذكور يغنى سماعه عن تكلف التشاغل به، والقذر بفتح المعجمة أعم من أن يكون طاهرًا أو نجسًا. قوله: ¬

_ (¬588) فتح الباري (1/ 373) كذا في النسخ الثلاث "محتمل فيه" والذي في الفتح والعمدة "مختلف فيه". (¬589) عمدة القاري (3/ 207). (¬590) كذا هو في النسخ الثلاث.

106 - باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده ولم يعد مواضع الوضوء مرة أخرى

106 - باب من توضأ في الجنابة ثمّ غسل سائر جسده ولم يعد مواضع الوضوء مرّة أخرى قال ابن بطّال وابن التين وابن المنير: تكلموا على ذلك، واعتنى ابن المنير بالجواب عنه، والحديث المذكور هو حديث ميمونة في صفة الغسل أورده بلفظه فاكفأ بيمينه على شماله ثمّ غسل فرجه، ثمّ ضرب بيده الأرض، ثمّ تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثمّ أفاض على رأسه الماء، ثمّ غسل جسده، ثمّ تنحى فغسل رجليه (¬591). قال (ح): مطابقة الحديث للترجمة يحمل قوله: ثمّ غسل جسده على مجاز الحذف والتقديم، ثمّ غسل بقية جسده كما في الرِّواية الأخرى: ثمّ غسل سائر جسده (¬592). فقال (ع). هذا الذي ذكره أشد كلفة وأي ضرورة للحمل علي المجاز، ومن قال إنَّ البخاريّ قصد هذا؟ إلى آخر كلامه (¬593). قوله: وعن أبي هريرة هو معطوف على الإسناد الأوّل، وجزم الكرماني بأنّه تعليق بصيغة التّمريض، فأخطأ فإن الخبرين ثابتان في نسخة همام بالإِسناد المذكور، وقد أخرج البخاريّ هذا الثّاني في أحاديث الأنبياء من رواية عبد الرزّاق بهذا الإسناد (¬594). ¬

_ (¬591) انظر المتواري (ص 77 - 78) لابن المنير. (¬592) فتح الباري (1/ 383). (¬593) عمدة القاري (3/ 223). (¬594) فتح البارى (1/ 387).

قال (ع) الكرماني لم يجزم بذلك، وإنّما قال: تعليق صيغة التّمريض بناء لي الظّاهر لأنّه لا يطلع على ما ذكر (¬595). قلت: انظر وتعجب والله المستعان. ¬

_ (¬595) عمدة القاري (3/ 231).

107 - باب إذا احتلمت المرأة

107 - باب إذا احتلمت المرأة قال (ح): إنما قيده بالمرأة مع أن حكم الرَّجل كذلك لموافقة صورة السؤال، ثمّ للإشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون لرجل كما حكاه ابن المنذر عن إبراهيم النخعي. وقد استبعد النووي في شرح المهذب صحته عنه، لكن رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد جيد (¬596). قال (ع): فإن قلت: حكم الرَّجل إذا احتلم مثل حكم المرأة، فما وجه تقييد هذا الباب بالمرأة وتخصيصه بها؟ قلت: الجواب عنه بوجهين: أحدما: أن صورة السؤال كان في المرأة فقيد الباب بها لموافقة صورة السؤال. والثّاني: فيه الإشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون الرَّجل، فنبه على أن حكم المرأة كحكم الرَّجل في مثل هذا، إلى أن قال: ونسب منع هذا الحكم في المرأة إلى إبراهيم النخعي على ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد جيد، وكأن النووي لم يقف على هذا فاستبعد صحته عنه (¬597). قلت: انظر وتعجب. ¬

_ (¬596) فتح الباري (1/ 388) والمجموع (2/ 49) ومصنف ابن أبي شيبة (1/ 81). (¬597) عمدة القاري (3/ 234 - 235).

108 - باب من اغتسل عريانا وحده، ومن تستر فالستر أفضل

108 - باب من اغتسل عريانًا وحده، ومن تستر فالستر أفضل ذكر فيه حديث بهز بن حكيم تعليقًا. قال (ح): ظاهر [حديث] بهز أن التعري في الخلوة غير جائز، لكن استدل المصنف للجواز بحديث أبي هريرة في قصة موسى وأيوب عليهما السّلام (¬598). قال (ع): فعلى هذا لا يكون حديث بهز مطابقًا للترجمة فلا وجه لذكره هنا لكنا نقول: إنّه مطابق وإيراده موجه لأنّه عنده محمول على الندب (¬599). قلت: لم يفهم المراد من قول ظاهر حديث بهز. . . الخ. قوله: في حديث أبي هريرة: "كَانَتْ بَنُوا إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً،. . . إلى قوله: فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا" قال أبو هريرة: والله إنّه لندب بالحجر. . . الحديث. قال الكرماني هو إمّا تعليق من البخاريّ، وإما من تتمّة مقول همام فيكون موصولًا قال (ح): هو من تتمّة قول همام وليس بمعلق (¬600). ¬

_ (¬598) فتح الباري (1/ 386). (¬599) عمدة القاري (3/ 228). (¬600) فتح الباري (1/ 386).

قال (ع): الإحتمال ظاهر، والقطع بأحد الأمرين غير مقطوع به (¬601). قلت: لم يدع أحد القطع هنا بمعنى، لأنّها احتمال بل المراد ما سيأتي به الحكم بالترجيح، ومن راجع نسخة همام من طريق البخاريّ عرف الرجحان المذكور. قوله: وعن أبي هريرة ... فذكر قصة أيوب. قال (ح): هو معطوف على الإسناد الأوّل، ويذلك صرح أبو مسعود وخلف في الأطراف وهو مقتضى صنيع الإسماعيلي وأبي نعيم في مستخرجيهما. وقال الكرماني: هو تعليق بصيغة التّمريض فأخطأ، فإن الخبرين ثابتان في صحيفة همام بالسند المذكور (¬602). قال (ع): لم يجزم الكرماني بذلك، بل قال: هو تعليق بصيغة التّمريض بناء على الظّاهر لأنّه لم يطلع على ما ذكر (ح) (¬603). قلت: انظر وتعجب ¬

_ (¬601) عمدة القاري (3/ 231). (¬602) (فتح الباري) 1/ 387) وتقدم في التعليق (594). (¬603) عمدة القاري (3/ 231) وتقدم في التعليق (595).

109 - باب كينونة الجنب في الييت

109 - باب كينونة الجنب في البيت قال (ح): وهذه التّرجمة زائدة، يعني باب نوم الجنب مستغنى بباب الجنب يتوضأ ثمّ ينام الماضية، ويحتمل أن يكون ترجم على الإطلاق، ثمّ ترجم للتقييد فلا تكون زائدة (¬604). قال (ع): بل هي زائدة؛ لأنّ المعنى الحاصل فيهما واحد وليس فيه زيادة فائدة فلا حاجة إلى ذكره (¬605). قوله (ح) يرقد وهو جنب؟ قال: " نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ". قال (ح): نقل ابن العربي عن مالك والشّافعيّ فقال: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ، وأنكر بعض المتأخرين من الشّافعيّة هذا النقل وقال: لم يقل الشّافعيّ بوجويه، ولا يعرف ذلك أصحابه، وهو كما قال، ويحتمل أن ابن العربي أراد نفي الإباحة المستوية الطرفين لا إثبات الوجوب، أو أراد أنّه واجب وجوبه كما صرح الشّافعيّ بنظيره في غسل الجمعة، والمراد تأكد استحبابه ويؤيده كونه قَابَلَة بقول ابن حبيب هو واجب وجوب الفرائض (¬606). قال (ع): إنكار المتأخرين هذا القول إنكار مجرد لا يقاوم الإِثبات, وعدم معرفة أصحابه بذلك لا يستلزم عدم قوله ذلك. ¬

_ (¬604) فتح الباري (3/ 393). (¬605) عمدة القاري (6/ 242). (¬606) فتح الباري (1/ 394).

وأبعد من ذلك حمله كلام ابن العربي على ما قال يعرف ذلك من دقق نظره فيه (¬607). ثمّ قال (ح): جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن مالكًا روى عن ابن عمر أنّه كان يتوضأ وهو جنب فلا يغسل رجليه (¬608). قال (ع): هذا القائل ما أدرك كلام الطحاوي ولا ذاق معناه لأنّ الطحاوي ذهب إلى نسخ هذا الحكم أصلًا (¬609). ¬

_ (¬607) عمدة القاري (3/ 243). (¬608) فتح الباري (1/ 394). (¬609) عمدة القاري (3/ 244).

110 - باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس

110 - باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس قال (ح): في قول أبي هريرة: فانْخَنسْتُ منه بعد أن ذكر اختلاف الروايات واقتصر على رواية المتقنين كتاب كأبي ذر الهروي وأبي علي بن السكن والمستملي وغيرهم من الحفاظ. ثمّ قال: ولم يثبت لي من طريق الرِّواية غير هذه الروايات يعني المتقدمة وهي أربع وأشبهها الرِّواية الأولى، وقد نقل الشراح فيها ألفاظًا مختلفة ممّا صحفه بعض الرواة ممّا لا معنى للتشاغل بذكره (¬610). قال (ع): لا يلزم من عدم ثبوت غيرها عنده عدم ثبوتها عند غيره، وليس بأدب أن ينسب بعض غير ما وقف عليه إلى التصحيف، لأنّ الجاهل بالشيء ليس له أن يدعي عدم علم غيره به (¬611). قلت: الملازمة ثابتة هنا لأنّ القصة واحدة والمخرج واحد، واللفظ الذي نطق به أبو هريرة واحد، فما بقي إِلَّا الترجيح والمرجوح أن يثبت في الرِّواية حمله على أن الراوي ذكر تلك اللفظة بالمعنى، وإن لم يثبت حمل على أنّه صحفه وحمل رواية الحافظ المتقن على الصواب أولى من حمل رواية من ليس بمتقن على الصواب، فهذا وجه الكلام وليس هنا ما يثبت الجهل ولا يزيل الأدب، ولكن رمتنى بدائها وانسلت ¬

_ (¬610) فتح الباري (1/ 390). (¬611) عمدة القاري (3/ 238).

قال (ح): وفي الحديث استئذان التابع المتبوع إذا أراد أن يفارقه (¬612). قال (ع): هذا بعيد لأنّه لا من عبارة الحديث ولا من إشارته ولا فيه تابع ولا متبوع لأنّ أبا هريرة إنّما لقي النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- في بعض طرق المدينة اتفاقًا (¬613). قلت: ومن ثمّ هنا يناسب أن يقال: ذلك مبلغهم من العلم، أمّا توجيه الدعوى فإنها مأخوذة من قوله -صلّى الله عليه وسلم -: "أيْنَ كُنْتَ؟ " لأنّه لما لقيه ماشيًا كما في رواية الباب الذي يليه ثمّ انخنس فتفقده حينئذ، فلما رجع إليه قال له: "أيْنَ كُنْتَ؟ " فلو كان استأذنه في التوجه للاغتسال ينكر عليه، فيؤخذ منه استحباب الاستئذان وإنكار كون أبي هريرة تابعًا، والشعبي متبوعًا معاندة ولا سيما وقد وقع في رواية الباب الذي بعده فمشيت معه. ومن العجب أن المعترض غفل عن اعتراضه هذا فقال في الكلام على الحديث في الباب الذي بعده وفيه أن من حسن الأدب لمن مشى مع رئيسه أن لا ينصرف عنه ولا يفارقه حتّى يعلمه بذلك لقوله لأبي هريرة: "أيْنَ كُنْتَ؟ " فدل على أنّه استحب أن لا يفارقه حتّى يعلمه، هذا كلامه بحروفه فانظر وتعجب (¬614). ¬

_ (¬612) فتح الباري (1/ 391) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 50). (¬613) عمدة القاري (3/ 240). (¬614) انظر عمدة القاري (3/ 241).

111 - باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره

111 - باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره ذكر فيه حديث أنس أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه في اللَّيلة الواحدة، وله يومئذ تسع نسوة. قال (ع): المشي أعم من أن يكون من بيت إلى بيت ومن بيت إلى سوق (¬615). قلت: إن كان قال هذا معترضًا فمردود، وإن قاله شارحًا فعسى، ولكن ذكر السوق يؤخذ من حديث أبي هريرة لأنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أقره على ذلك. ¬

_ (¬615) عمدة القاري (3/ 241) قاله في الرد على الحافظ ابن حجر في قوله (وغيره أي وغير السوق كما في الفتح (1/ 391).

112 - باب إذا التقى الختانان

112 - باب إذا التقي الختانان قال (ح): عقب حديث هشام عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة حديث: "إذَا جَلَسَ بَيْن شُعَبِهَا الأرْبَعِ. . .. " الحديث تابعه عمرو بن مرزوق، وصرح به في رواية كريمة، وقد روينا حديثه موصولًا في فوائد عثمان بن أحمد السماك قال: حدّثنا عثمان بن عمر الضبي حدّثنا عمرو بن مرزوق حدّثنا شعبة عن قتادة، فذكره مثل سياق حديث الباب لكن قال: "وَأَجْهَدَهَا" وعرف بهذا أن شعبة رواه عن قتادة عن الحسن لا عن حسن نفسه، فالضمير في تابعه يعود على هشام لا على قتادة. وقرأت بخط الشّيخ مغلطاي أن رواية عمرو بن مرزوق هذه عند مسلم عن محمَّد بن عمرو بن جبلة عن وهب بن جرير وابن أبي عدي كلاهما عن عمرو بن مرزوق عن شعبة، وتبعه على ذلك بعض الشراح وهو غلط، فإن ذكر عمرو بن مرزوق في إسناد مسلم زيادة بل لم يخرج مسلم لعمرو بن مرزوق شيئًا. قوله: وقال موسى: حدّثنا أبان حدّثنا قتادة حدّثنا الحسن ... الخ. قرأت بخط مغلطاي أيضًا أن رواية موسى هذه عند البيهقي أخرجها من طريق عفان وهمام كلاهما عن موسى عن أبان وهو تخليط أيضًا، تبعه عليه بعض الشراح أيضًا. وإنّما أخرجها البيهقي من طريق همام وأبان جميعًا عن قتادة، فهمام شيخ أبان لا رفيقه، وأبان رفيق همام لا شيخ شيخه، ولا ذكر لموسى فيه أصلًا بل

عفان رواه عن أبان ي رواه عن موسى فهو رفيقه لا شيخه. انتهى (¬616). أخذ هذا الفصل (ع) فادعاه ولم ينسب لمن نسبه إليه حرفًا ولفظه عمرو بن مرزوق هذه عند مسلم عن محمَّد بن عمرو بن جبلة عن وهب بن جرير وابن أبي عدي كما عن عمرو بن مرزوق عن شعبة، وتبعه على ذلك صاحب التوضيح يعني ابن الملقن وهومن الغلط الصريح، وذكره في إسناد مسلم حشو زائد بلا فائدة. وقوله: وقال موسى: حدّثنا ابن أبان. قال صاحب التلويح: رواية موسى هذه عند البيهقي أخرجها من طريق عفان وهمام كلاهما عن موسى، وتبعه على ذلك صاحب التلويح وكلاهما قد خلطا ولم يخرج البيهقي إِلَّا من طريق عفان عن همام وأبان جميعًا عن قتادة. انتهى (¬617). تنبيه: حق هذا الباب أن يكون في القسم الأوّل، ولكن كتب هنا استطرادًا. ¬

_ (¬616) فتح الباري (1/ 396). (¬617) عمدة القاري (3/ 250).

113 - باب غسل ما يصيب من فرج المرأة

113 - باب غسل ما يصيب من فرج المرأة ذكر حديث زيد بن خالد أنّه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت إذا جامع الرَّجل امرأته فلم يُمْنِ؟ فقال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك. قال (ح): في قوله: فأمروه التفات لأنّ الأصل أن يقول: فأمروني أوْ لا إلتفات فيه بل هو مقول عطاء بن يسار الداودي عن زيد بن خالد فيكون مرسلًا (¬618). قال (ع): لا التفات فيه أصلًا لأنّ عثمان سأل هؤلاء عن المجامع الذي لم يمن بذلك أي يغسل الذكر، والوضوء والإشارة في قوله بذلك يرجع إلى الجملة باعتبار المذكور (¬619). قلت: إنكاره الإلتفات مكابرة ولو كان الذي قدره محتملًا لكن لم يتحقق أنّه كان هناك رجل سأل، وإنّما صور زيد بن خالد المسألة في رجل وقع له ذلك ماذا يفعل؟ لا أن رجلًا بعينه سأله عن ذلك، فالضمير لزيد بن خالد وأمرهم له أعم من أن يكون وقع له بنفسه، فالحكم في حقه ذلك أو وقع لغيره، وتولى هو السؤال عنه، وأنّه في حق الرَّجل ذلك. ¬

_ (¬618) فتح الباري (1/ 397). (¬619) عمدة القاري (3/ 252) ..

وأمّا جزم المعترض بأن عثمان هو الذي سأل الأربعة المذكورين، فغلط منه لا سلف له فيه، وإنّما الذي جزم به الأئمة أن زيد بن خالد لما سأل عثمان فأجابه بما ذكر، سأل بعد عثمان الأربعة المذكورين، فوافقوا عثمان، وكذلك جزم أصحاب الأطراف فذكروا ذلك في ترجمة زيد بن خالد عن علي وعن غيره ممّن ذكر معه والله المستعان. ثمّ قال (ح): وهذا أي القول بوجوب الغسل هو الظّاهر من تصرفه أي البخاريّ، فإنّه لم يترجم بجواز ترك الغسل، وإنّما ترجم ببعض ما يستفاد من الحديث من غير هذه المسألة (¬620). قال (ع): من ترجمته يفهم جواز ترك الغسل لأنّه اقتصر على غسل ما يصيب الرَّجل من المرأة (¬621). قلت: هذا إنّما يفهم من جواب السؤال، وأمّا غسل الذكر وهو المترجم به فمقصود من يترجم به أنّه مشروع أعم من أن يكون غسل جميع الجسد واجبًا أولا، وهذا على رأي من لا يرى اندراج إزالة النّجاسة في غسل جميع الجسد بل يشترط لها غسلًا آخر. ¬

_ (¬620) فتح الباري (1/ 398). (¬621) عمدة القاري (3/ 253).

114 - أبواب الحيض

114 - أبواب الحيض قوله: وقول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "هَذَا شَيْءٌ. . . ". قال (ح): يشير إلى حديث عائشة المذكور عقبه لكن بلفظ هذا أمر، وقد وصله بلفظ شيءٍ من طريق أخرى بعد خمسة أبواب، والإشارة بقوله: هذا إلى الحيض. انتهى (¬622). فقال (ع): قال بعضهم: وقول النّبيّ: "هذا شيءٍ" يشير إلى حديث عائشة المذكور عقبه. قلت: هذا كلام غير صحيح، بل قوله: "هذا شيء" يشير به إلى الحيض، وكذلك بلفظ شيء في الحديث الذي سيأتي في الباب السّادس ولكنه بلفظ: "فَإِنَّ ذَلِكِ شيءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ" وعلى كلّ تقدير فالإشارة إلى الحيض. ثمّ قال: وقد استدرك هذا القائل في آخر كلامه بقوله: والإشارة بقوله: هذا إلى الحيض (¬623). قلت: ظن (ع) أن فاعل يشير في كلام (ح) هو النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، فبادر إلى الإنكار الممزوج بالإشارة، وليس ذلك مرادًا وإنّما فاعل يشير في كلام (ح) للبخاري، والمعنى أن هذا المعلق أشار به المصنف إلى الموصول وأمّا كلامه الأخير ففاعل يشير هو النّبيّ-صلّى الله عليه وسلم-، والمشار إليه الحيض لا تردد في ذلك. ¬

_ (¬622) فتح الباري (1/ 400). (¬623) عمدة القاري (3/ 255).

ثمّ قال (ح): في الجمع بين الحديث وهو قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ" وبين قول بعضهم. قال الداودي: ليس بينهما منافاة، فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم، فعلى هذا يكون من العام الذي أريد به الخصوص (¬624). قال (ع): ما أبعد هذا وكيف يجوز تخصيص عموم كلام النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بكلام غيره (¬625). قلت: إنّما قال ذلك تحسينًا للظن بالداودي إنَّ كان له فيما ذكر مستندًا فيكون من هذا الباب، ثمّ أثبت (ع) ما نفاه فقال: ظهر لي في التوفيق بينهما أن الله عاقب بني إسرائيل بقطع الحيض عنهن مدة، ثمّ رحمهن فأعاده، لأنّ الحيض سبب الغسل عادة، فلما أعاده كان ذلك أول الحيض بالنسبة إلى مدة الانقطاع، فأطلق الأوّل بهذا الاعتبار. قلت: قبل رميت إخراج بعض بنات آدم من عموم كتابة الحيض عليهن، وهذا غير مخصص للعموم، وكان قد عاب قول (ح) يمكن الجمع بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لا ابتداء وجوده. قال (ع): هذا كلام من لا يذوق المعنى، وأنّه مناف لقوله: أول ما أرسل، وفي أين ورد مكثه في نساء بني إسرائيل، ومن نقل هذا انتهى (¬626). فيقال: وفي أين ورد أن الحيض انقطع عن نساء بني إسرائيل مدة، ثمّ عاد؟ ومن نقل هذا أعجب ما يأتي به هذا الرَّجل ولا سيما مع قرب العهد. ¬

_ (¬624) فتح الباري (1/ 400). (¬625) عمدة القاري. (3/ 256). (¬626) عمدة القاري (3/ 256).

115 - باب. غسل الحائض رأس زوجها وترجيله

115 - باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله ذكر حديث عائشة: كنت أرجل رأس رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وأنا حائض، فليس في الحديث ذكر الفعل المترجم به. قال (ح): لعلّه ألحق الغسل قياسًا أو أشار به إلى حديثها الآتي في باب مباشرة الحائض، فإن فيه ذكر الغسل (¬627). قال (ع): لا وجه لما قال لأنّ وضع التراجم في الأبواب هل هو حكم شرعي حتّى يقاس حكم فيها على حكم آخر (¬628). ¬

_ (¬627) فتح الباري (1/ 401). (¬628) عمدة القاري (3/ 258).

116 - باب ترك الحائض الصوم

116 - باب ترك الحائض الصوم ذكر فيه حديث أبي سعيد وفيه: قلن: وما نقصان ديننا؟ قال (ح): نفس هذا السؤال قال على نقصان العقل لأنّهن سلمن ما نسب إليهن من إكثار اللعن وكفران العشير والإذهاب ثمّ استشكلن كونهن ناقصات (¬629). قال (ع): هذا استفسار وليس باستشكال (¬630) قلت: هذا هو التعنت. ¬

_ (¬629) فتح الباري (1/ 406). (¬630) عمدة القاري (3/ 271).

117 - باب اعتكاف المستحاضة

117 - باب اعتكاف المستحاضة قال (ح) في الكلام على حديث عائشة: أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - اعتكف معه بعض أزواجه وهي مستحاضة. قال (ع): فإن قلت قال ابن الجوزي: ما عرفنا من أزواج النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - من كانت مستحاضة، والظاهر أن عائشة أشارت بقولها: من نسائه، إلى أي من النِّساء المتعلّقات به، وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش زوج النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قلت: كأن ابن الجوزي قد ذهل عن الروايتين في هذا الباب إلى آخر الكلام على ما يتعلّق بذلك فأخذه برمته من كلام (ح) إلى أن وصل إلى قول (ح). قوله: وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر. قال (ح): هو العنعنة: أي. حدثني عكرمة عن عائشة بكذا، وزعم عكرمة أن عائشة رأت فهو موصول وأبعد من زعم أنّه معلق. قال (ع): أراد الرد على الكرماني فإنّه قال: وهذا إمّا تعليق من البخاريّ وإما من بقية قول خالد فيكون مُسْنَدًا أو هو عطف من جهة المعنى على عكرمة، أي قال خالد: كان عكرمة، أي قال عكرمة. قال (ع): ووجه الكلام مع الكرماني فلا وجه لرده (¬631). ¬

_ (¬631) فتح الباري (2/ 411) وعمدة القاري (3/ 279) كذا في كلّ النسخ، وفي عمدة القاري أي قال خالد: قال عكرمة، وزعم عكرمة.

كذا قال، وأي رد هنا إنّما قال (ح): أبعد، لأنّ الأوّل أظهر فهو أقرب ولم ينف الاحتمال، فانظر إلى من يأخذ كلام من تقدمه بألفاظه ولا ينسب إليه شيئًا بل يعبر بقوله. قلت: والذي قال إنّما هو من أغار على كلامه حتّى إذا ظن أنّه. . . . من. . . لا يسامحه فيها بل يظهرها ويعيبها, ولو كان لها وجه من الصواب فلله الأمر (¬632). ¬

_ (¬632) كذا في النسخ الثلاث تبين بياض قبل وبعد كلمة "من".

118 - باب هل تغتسل المرأة في ثوب حاضت فيه

118 - باب هل تغتسل المرأة في ثوب حاضت فيه ذكر فيه حديث إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عائشة. قال (ح): في آخر هذا الباب: فائدة: ظن بعضهم في هذا الحديث من جهة دعوى الانقطاع، ومن جهة دعوى الإضطراب ... وساق الكلام على ذلك (¬633). فقال (ع) في أول الباب قيل: هذا الحديث منقطع ومضطرب، فساق ما ذكره وعبر عنه بقوله ورد عليه، ولم ينسب شيئًا من ذلك لمن أسهر فيه ليله وأتعب فيه فكره، فالله حسيبه (¬634). ¬

_ (¬633) فتح الباري (1/ 413). (¬634) عمدة القاري (3/ 280).

119 - باب دلك المرأة نفسها إذا طهرت من الحيض

119 - باب دلك المرأة نفسها إذا طهرت من الحيض أورد من طريق منصور عن صفيه عن عائشة أن امرأة سألت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عن غسلها من الحيض فأمرها كيف تغتسل، فقال: "خُذي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرِي بِهَا" إلى أن قالت عائشة: فاجتبذتها إليَّ، فقلت: تبتغي أثر الدم. قال (ح): ليس في الحديث ما يطابق التّرجمة لأنّه ليس فيه الغسل ولا الدلك. وأجاب الكرماني تبعًا لغيره بأن تتبع أثر الدم يستلزم الدلك وبأن المراد من كيفية الغسل الصِّفَة المختصة بغسل الحيض وهو التطييب لا نفس الإغتسال انتهى (¬635). وهو حسن على ما فيه من كلفة ثمّ قال في شرح قولها: فأمرها كيف تغتسل قال: "خذي" فقال الكرماني: هو بيان لقولها: أمرها، فإن قيل: كيف يكون بيانًا للإغتسال والإغتسال صب الماء لا أخذ الفرصة؟ فالجواب: أن السؤال لم يكن عن نفس الإغتسال، لأنّه معروف لكل أحد بل كان لقدر زائد على ذلك. وسبقه الرافعي في شرح المسند وابن أبي جمرة وقوفًا مع هذا اللّفظ الوارد، وأحسن منه في الجواب أن المصنف جرى على عادته في التّرجمة ممّا ¬

_ (¬635) فتح الباري (1/ 414) وفي النسخ الثلاث "منصور صفقة عن عائشة" وهو خطأ وصححناه "منصور عن صفية عن عائشة".

تضمنه بعض طرق الحديث الذي يورده، وإن لم يكن المقصود منصوصًا فيما ساقه، وبيان ذلك أن مسلمًا أخرج هذا الحديث من الوجه الذي أخرجه منه البخاريّ, فقال بعد قوله: كيف تغتسل ثمّ تأخذ، فأتى بلفظة ثمّ الدالة على تراخي تعليم الأخذ عن تعليم الإغتسال. ثمّ رواه من طريق أخرى عن صفية عن عائشة فقال فيها: "تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطّهور، ثمّ تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتّى تبلغ شؤون رأسها ثمّ تصب عليها الماء، ثمّ تأخذ فرصة" الحديث فهذا مراد التّرجمة لاشتماله على كيفية الغسل والدلك، وإنّما لم يخرج المصنف هذه الطريق لكونها من رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفية وليس هو على شرطه (¬636). قال (ع) مغيرًا على هذا الفصل برمته غافلًا عما تقدّم له من إنكاره أن يكون البخاريّ يترجم بشيء ويحيل به على ما ورد في بعض طرق ذلك الحديث عنده في موضع آخر فضلًا عن غيره، وقد تكرر إنكاره لذلك فيما مضى، وأمّا هنا فإنّه قال مطابقة هذا الحديث التّرجمة أنه يدلُّ على الدلك بطريق الإستلزام، وأمّا كيفية الغسل فالمراد بها الصِّفَة المختصة بغسل المحيض وهي التطيب لا نفس الإغتسال مع أن الكيفية مذكورة في أصل الحديث الذي ذكره واكتفى به على عادته أنّه يذكر ترجمة ويذكر فيها ما تضمنه بعض طرق الحديث الذي يذكره. وتمامه عند مسلم فإنّه أخرجه من طريق ابن عيينة، فساق [كلام] (ح) إلى قوله وليس هو على شرطه. فأغار على كلام من سبقه فادعاه وخالف عادته في إنكار مثل ذلك على ما تقدّم صوابًا، فكيف رضي به هنا لأنَّ كان الذي ذكره هنا صوابًا؟ فما وجه تكرار إنكار مثله فيما مضى وعدم التورع في ¬

_ (¬636) (فتح الباري. (1/ 414 - 415)

إيهام ما تعب غيره عليه بأن ينسبه إلى نفسه والله المستعان (¬637). وقد رجع إلى ارتضاء هذا الجواب فقال في باب امتشاط المرأة عند غسلها ما نصه: قيل جرت عادة البخاريّ في كثير من التراجم أنّه يشير إلى ما تضمنه بعض طرق الحديث وإن لم يكن منصوصًا فيما ساقه كما تقدّم في باب دلك المرأة نفسها (¬638). ¬

_ (¬637) عمدة القاري (3/ 284 - 285). (¬638) عمدة القاري (3/ 288).

120 - باب مخلقة وغير مخلقة

120 - باب مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَة قال (ح) رويناه بالإضافة والتقدير باب تفسير قوله تعالى: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَة} وبالتنوين وتوجيهه ظاهر (¬639). وذكر فيه حديث أنس: أن الملك يقول: "إذا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ في الرَّحِمِ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ ... ، الحديث. ومطابقته للترجمة أن الحديث مفسر للآية، وأوضح منه ما أخرجه الطّبريّ من طريق علقمة عن ابن مسعود قال: "إذا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ في الرَّحِمِ بَعَثَ اللهُ مَلَكًا فَقَالَ: يَارَبِّ مُخَلَّقَةٌ أوْ غَيْرُ مُخَلَّقَةٌ ... الخ " (¬640). قال (ع): ليت شعري أنّه روى هذا عن البخاريّ نفسه أم عن الفربري، وكيف يقول: باب تفسير قوله تعالى: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} وليس في قوله تعالى وغير مخلقة، وإنّما ذكر المضغة وهي مخلقة وغير مخلقة، انتهى (¬641). ¬

_ (¬639) فتح الباري (1/ 418) (¬640) فتح الباري (1/ 418) (¬641) عمدة القاري (3/ 291) قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص151) إنِّي قدمت مرارًا أن العيني رحمه الله تعالى لا يبالي بنقل عبارة ابن حجر بتراء أو مقصوصة الجناح، وليس ذلك من دأب الأمين، والكلام المنقول معروض على البحث والتطبيق، وإذا لم يطابق تسقط الدعوى بطبيعتها، وهو خلاف المقصود من فن الجدل. حاصله أن العيني اعترض على إعرابه بالإِضافة، واستحسن تنوين الباب =

ومن هذا الإعتراض يعرف مقدار فهم هذا المعترض ومعرفته بتركيب الكلام واللهُ المستعان. وقد تلقى هذا المعترض ما ذكره (ح) في شرح هذا الباب فأغار عليه ولم ينسب إليه منه إِلَّا ما ظن أنّه غير مرضى كقول (ح) لما ذكر قول ابن بطّال غرض البخاريّ إدخال هذا الحديث في أبواب الحيض بكونه مذهب من يقول: إنَّ الحامل لا تحيض. قلت: وفي الإستدلال بهذا الحديث لذلك نظر لأنّه لا يلزم من كون ما يخرج من فرج الحامل هو السقط الذي لم يصور أن لا يكون الدم الذي تراه ليس بحيض، وما ادعاه المخالف من أنّه رشح من الولد أو من فضلة غذائه أو دم فساد لعلّه يحتاج إلى دليل، وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت لأنّ هذا دم بصفات الحيض في زمن إمكانه، فله حكم دم الحيض فمن ادعى خلافه فعليه البيان (¬642). قال (ع): أنا ادعيت الخلاف وعليَّ البيان أمّا أوَّلًا فنقول: لنا أحاديث، فذكر حديث ابن عمر في طلاق امرأته وهي حائض، وحديث أبي ¬

_ = بالمعنى الذي طول فيه الذيول، ثمّ تهكم بتمنيه أن يعلم روايته الإضافة هي عن نفس البخاريّ أو عن الفربري، وهو يعلم أن الرِّواية عن شيخه، وهو عن مثله وهكذا إلى الفربري أو ابن قرنية أو ابن شاكر عن البخاريّ كما هو مقيد في أول هذا للشرح، ونحن لو لم نعلم أن سند العيني عن شيخه العراقي وابن حيدرة إلى محمَّد بن يوسف بن مطر الفربري، لسألناه: هل روايتك عن البخاريّ نفسه أو بواسطة؟ لكن مثل هذا ليس من دأب المحصلين ولا المفيدين ولا المستفيدين، على أن استحسانه تنوين الباب لا بد من أن يكون رواه كذلك، وأفعل التفضيل يقتضي أن يكون رواه غير منون، ولا يكون إِلَّا بالإضافة، ويكاد يكون عين ما قاله ابن حجر، وكفانا ذلك مؤونة الكلام المتولد بعضه من بعض فافهم والله أعلم. (¬642) فتح الباري (1/ 419).

سعيد في سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتّى تضع، ولا حائل حتّى تحيض، وحديث رويفع بن ثابت بمعناه. قال: فجعل وجود الحيض على براءة الرّحم من الحبل. وذكر أثرًا عن علي: أن الله رفع الحيض عن الحبلى، وآخر عن ابن عبّاس نحوه، وأثرًا عن عائشة قالت: الحبلى لا تحيض (¬643). قلت: نحن لا نمنع أن الحامل لا تحيض مطلقًا، بل نسلم أن الغالب أنّها لا تحيض، ولكن ربما حاضت، ودليلنا المشاهدة فهم يدعون أنّه دم فساد وهو محل النزاع. ¬

_ (¬643) عمدة القاري (3/ 293).

121 - باب إقبال المحيض وإدباره.

121 - باب إقبال المحيض وإدباره. فيه أثر عن زيد بن ثابت وقد خبط فيه (ع) ما يعرفه من نظر في كلامه إلى أن قال: قال (ح): نسبه أن تكون بنت زينب هي أم كلثوم، وزعم بعض الشراح أنّها أم سعد (¬644). قال (ع): أراد بقوله بعض الشراح مغلطاي ليت شعري ما الفرق بين زعم هذا وزعمه هو حيث قال: وكأنّها هي المبهمة. انتهى. ووجه الترجيح أن أم كلثوم كانت زوج سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأمّا الرِّواية: فلم أر لواحدة من أولاد زينب بنت زيد بن ثابت رواية إِلَّا لها، وأمّا مغلطاي فاستند إلى ابن عبد البرّ ذكرها في الصّحابة. قلت: لم يذكرها إِلَّا من رواية عبسة بن عبد الرّحمن، ولم يذكر أحد من أهل المعرفة بالنسب لزيد بن ثابت ابنة يقال لها أم سعد. قال (ع): ذكره الذهبي فقال: أم سعد بن زينب. انتهى (¬645). فالذهبي تبع ابن عبد البرّ، والذي نفاه (ح) إنّما هو عن أهل العلم بالنسب، فكيف يستقيم هذا الرد؟! ثمّ قال (ح): قيل عابت عليهن لكون ذلك كان في غير وقت الصّلاة وهو جوف اللّيل، وفيه نظر لأنّه وقتا العشاء (¬646). ¬

_ (¬644) فتح الباري (1/ 420 - 421). (¬645) عمدة القاري (3/ 298). (¬646) فتح الباري (1/ 421).

قال (ع): لم يدل شيء على إنّه كان وقت العشاء لأنَّ طلب الصباح لأمر لا يكون غالبًا إِلَّا في شدة الظلمة, وشدة الظلمة لا تكن إِلَّا في جوف اللّيل. انتهى (¬647). وكأن عنده أن وقت العشاء لا يمتد إلى الفجر ولا إلى نصف اللّيل بل وإلى ثلث اللّيل بل ولا إلى ربع اللّيل, ولا يشك أحد قبل أن يمضي ربعه تشتد ظلمته, فما وجه الإعتراض؟! ¬

_ (¬647) عمدة القاري (3/ 298 - 299).

122 - باب المرأة تحيض بعد الإفاضة

122 - باب المرأة تحيض بعد الإفاضة قوله في حديث عائشة في قصة صفية: "أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ؟ " قالوا: بلى. قال (ح): كذا فيه قالوا: موضع قلت بالإفراد، وقلن بالجمع المؤنث، وكأنّه ذكره باعتبار من معهن من محارمهن أو خدمهن (¬648). قال (ع): ليس هذا بصحيح لأنّ فيه تغليب الإناث على الذكور. وقال الكرماني: أي قال النَّاس والأوجه أن يقال قالوا أي الحاضرون هناك وفيهم الرجال والنساء (¬649). قلت: الرجال هم المراد بقوله: محارمهن وخدمهن. ¬

_ (¬648) فتح الباري (1/ 428) وراجع مبتكرات اللآلي والدرر (ص 52 - 53). (¬649) عمدة القاري (3/ 4313)

123 - باب إذا رأت المستحاضة الطهر

123 - باب إذا رأت المستحاضة الطهر قال (ح): أي امتاز لها دم العرق من دم الحيض، فسمي دم الاستحاضة طهرًا، أو المراد إنقطاع الدم أصلًا والأول أوفق (¬650). قال (ع): هذا يقتضي في دمها مستمر والترجمة ليست كذلك لأنّ حقيقة الطهر الإنقطاع عن الحيض، ودعوى المجاز لا داعي ولا فائدة، ودعواه أن الأوّل أوفق مردودة بل الثّاني الموافق (¬651). ¬

_ (¬650) فتح الباري (1/ 429). (¬651) عمدة القاري (3/ 314).

123 مكرر- كتاب التيمم

123 مكرر- كتاب التَّيمُّم قوله: قول الله، في رواية الأصيلي وقول الله بزيادة واو، والجملة استئنافية (¬652) قال (ع): وقع في رواية الأصيلي بلا واو فوجهه أن يكون مبتدأ وخبره قوله {فَلَمْ تَجِدُوا} وفي رواية غيره بواو العطف والتقدير وفي مثال قول الله. قال: وقال (ح) الجملة استئنافية وهو غير صحيح، لأنّ الإستئناف جواب عن سؤال مقدر وليس له محل هنا، فإن قال: الإسئناف لغوي، قلنا: ليس بصحيح أيضًا لأنّه في اللُّغة الإعادة ولا محل له هنا (¬653). قوله في حديث جابر. "وَكَان النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلى قوْمه وبُعثْتُ إلى النَّاسِ عامَّةً". قال (ح): لا يعترض بأن نوحًا كان مبعوثًا إلى أهل الأرض بعد الطوفان، لأنّه لم يبق إِلَّا من كان مؤمنًا معه". وقد كان مرسلًا إِليهم، لأنّ هذا العموم لم يكن في أصل بعثته، وإنّما اتفق بالحادث الذي وقع، وهو ¬

_ (¬652) فتح الباري (1/ 432). (¬653) عمدة القاري (4/ 2). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 53.) بعد ذكر قوليهما: وحيث أن العيني نفى الاستئناف هنا بوجهيه لزم بيانها أولا، ثمّ المطابقة بالجواز وعدمه. فالإِستئناف لغة الإِبتداء، ففي القاموس: والإِستئناف الإِبتداء، وبعده في التاج: وقد استأنف الشيء وائتنفه أخذ أوله وابتدأه، وقيل استقبله. وأما معناه اصطلاحا ترك الواو بين جملتين نزلت إحداهما منزلة السؤال، وتسمى الثّانية استئنافا أيضًا, ولا يصار إليه إِلَّا لجهة لطيفة، إمّا لتنبيه السامع على معرفته أو لاعتنائه أن يسأل، أو لقصد تكثير المعنى مع قله اللّفظ إلى غير ذلك كما في الكليات، وعليك أنت بتطبيق هذه الوجوه كلها على كلمات ابن حجر أفلا تجدها مناسبة لها؟ مثلًا إذا سأل السامع لقول البخاريّ (كتاب =

انحصار الخلق في الوجود من بعد هلاك سائر النَّاس، وأمّا نبيّنا صلّى الله عليه وسلم فثبت اختصاصه بذلك، وساق الكلام في ذلك فانتهبه بحذافيره إلى أن قال: وعندي جواب آخر وهو أن الطوفان لم يرسل إِلَّا على قومه الذي هو منهم ولم يكن عامًا. انتهى (¬654). وكأنّه تلقى ذلك من دعوى أهل الملل أن الطوفان لم يكن عامًا في جميع الأرض، وهو خلاف ما أطبق عليه أهل الإسلام. ¬

_ = التميم) وقال: ماذا يناسب هذا الكتاب من القرآن؟ أفلا يكون الجواب (يناسبه قول الله تعالى الخ) وهكذا يقال في تطبيق الباقي بما يناسبه. وأمّا تطبيقه على أنّه استئناف لغوي فظاهر، وتقديره وقول الله (فلم تجدوا) مناسب لكتاب التَّيمُّم، وهذا كلة مجاراة لقول العيني: وقال بعهضم (ابن حجر) الواو للاستئناف. وأمّا عبارته التي نقلها فهذا نصها: والجملة للإستئناف، فهذه الجملة الوجيزة لك أن تذهب معها كلّ مذهب، في كون الكلام في ذات الواو أو غيرها مع مراعاة الاستئنافين فافهم. (¬654) فتح الباري (1/ 436) وعمدة القاري (4/ 9). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 54) بعد نقل كلاهما: ما علل به العيني نظره هو من جملة كلام ابن حجر الذي أعرض العيني عن نقله. وحاصل الإشكال الذي ملأ دفاتر الأولين والآخرين أن قوله "وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى النَّاس عامة" ينافي عموم رسالة نوح بدليل غرق جميع من على الأرض. بإضافة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وجواب ابن حجر أن رسالة نوح خاصّة إلى قومه كما هو في جميع القرآن كقوله {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} وعمومها صوري لعدم وجود غير قومه، إِلَّا أنّه يرد عليه أن احتمال وجود غير قومه الذين لم يرسل إليهم قد نالهم الغرق، ولا عذاب إِلَّا بإرسال الرسل. أمّا جواب العيني الذي استحسنه وتبجح به، فهو في غاية الحسن في الظّاهر لولا ما قاله علماء التاريخ كابن الأثير وابن خلدون بل والمفسرون ممّا يخالفه، ثمّ ذكر قولهما، ثمّ قال وبعد فإن المسألة قديمة مشهورة، وبحثنا ينحصر في كلامي الشيخين وقد سمعته، والله أعلم.

124 - باب التيمم ضربة

124 - باب التَّيمُّم ضربة كتاب التَّيمُّم .. إلى أن قال: باب التَّيمُّم للوجه والكفين. قال (ح): جزم بالحكم مع شهرة الخلاف لقوة دلالته، فإن الأحاديث الواردة في صفة التَّيمُّم لم يصح منها سوى حديث أبي جهم وعمار، وما عداهما إمّا ضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح وقفه، فأمَّا حديث أبي جهم فورد بذكر اليدين مطلقًا، وأمّا حديث عمار فورد بذكر الكفين [المرفقين] في الصحيحين وبذكر الكتفين في السنن وما في الصّحيح أصح (¬655). قال (ع): لم يصح ... الخ غير مسلم لأنّه صح، فروي عن جابر مرفوعًا وصححه الحاكم، فلا يلتفت إلى قول من منع صحته. انتهى (¬656). وهذا دفع بالصدر لأنّه دخل في قول (ح) وما عداها فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، وحديث جابر من الشق الثّاني. قال (ح): قال الخطابي وغيره: فيه دليل على أن عبد الله كان يرى أن المراد بالملامسة الجماع، فلهذا لم يدفع دليل أبي موسىَ وإِلَّا لكان يقول له: المراد من الملامسة التقاء البشرتين فيما دون الجماع، وجعل التَّيمُّم بدلًا من الوضوء لا يستلزم أن يكون بدلًا من الغسل (¬657). قال (ح): قوله في سورة المائدة: قال الخطابي وغيره فساق ما نقله (ع) ¬

_ (¬655) فتح الباري (1/ 444 - 445) (¬656) عمدة القاري (4/ 20). (¬657) فتح الباري (1/ 356).

بعينه. ثمّ قال: قلت: لو أراد بالملامسة الجماع لكان يخالف الآية صريحًا, وإنّما تأولها على معنى غير الجماع. انتهى (¬658). وفي كون هذا يعترض به كلام الخطابي نظر والله المستعان. قال (ع): قوله قلت "وإنّما كرهتم هذا لذا" قائل ذلك هو شقيق قاله الكرماني، وليس كما قال بل هو الأعمش، والمقول له هو شقيق كما صرح بذلك في رواية عمر بن حفص التي مضت قبل هذه (¬659). قلت: انظروا وتعجبوا ممّن يأخذ كلام من قبله فينسبه إلى نفسه قائلًا: قلت: وهو مع ذلك يعير المذكور حيث استعان ببعض كلام غيره في كلام له. ¬

_ (¬658) عمدة القاري (4/ 37) (¬659) عمدة القاري (4/ 37) وفتح االباري (1/ 456).

125 - باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوات الصلاة وبه قال عطاء

125 - باب التَّيمُّم في الحضر إِذا لم يجد الماء وخاف فوات الصّلاة وبه قال عطاء قال (ح): أي بهذا المذهب قال: الصواب أن يقول أي بما ذكر. قال: باب التَّيمُّم للوجه والكفين إلى أن قال: حدّثنا حجاج. قال (ح): تابعه علي بن عبد العزيز عن حجاج عن ابن المنذر والطبراني، وخالفهما محمّد بن خزيمة شيخ البخاريّ، فقال في السند عن عبد الرّحمن بن أبزى عن أبيه، أخرجه الطحاوي عنه وأشار إلى أنّه وهم فيه لأنّه سقطت من روايته لفظة ابن ولابد منها، وكانت عن ابن عبد الرّحمن وأبزى والد عبد الرّحمن لا رواية له في هذا الحديث (¬660). قال (ع): قال البخاريّ: حدّثنا حجاج فساقه قال: وقال الطحاوي: حدّثنا محمّد بن خزيمة في إسناده عن عبد الرّحمن بن أبزى عن أبيه، وإنّما هو عن ذر عن عبد الرّحمن بن أبزى. قال (ع): قلت: رواية محمّد بن خزيمة مبني على صحة قول من يقول أن ابن أبزى والد عبد الرّحمن صحابي وهو قول ابن منده، ثمّ ساق كلام ابن الأثير في ترجمة أبزى والد عبد الرّحمن، وآخر ما قال: ولا تصح له صحبة ولا رواية ولأبيه عبد الرّحمن صحبة ورؤية، ولذلك لم يذكر أبو عمر أبزى في الصّحابة، ثمّ ذكر الاختلاف في صحبة عبد الرّحمن. انتهى (¬661). ¬

_ (¬660) فتح الباري (1/ 445) فتح الباري (1/ 441) (¬661) عمدة القاري (4/ 21) عمدة القاري (4/ 13).

والبناء الذي ذكره مردود فإنّه على تقدير أن يصح لا يرى صحبته، لكن لا رواية له في شيء من الطرق الموجودة في هذه الكتب المتداولة، والذي أثبت صحبته احتج له برواية أخرى [باب بسند آخر قال الأتقياء] (¬662). قال (ح): قوله: التَّيمُّم للوجه والكفين أي هو الواجب (¬663). قال (ع): لا يفهم منه الوجوب لأنّه أعم (¬664). قال (ح): وأتى بالجزم مع شهرة الخلاف لقوة دليله لأنّ الأحاديث الواردة لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما ضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح وقفه، وحديث أبي جهم ورد بذكر اليدين مجملًا، وحديث عمار ورد بذكر الكفين في الصحيحين، وورد بذكر المرفقين في السنن، فكان ما في الصّحيح هو الراجح (¬665). قال (ع): قوله: لم يصح منها غير مسلم لأنّ الحاكم صحح حديث جابر، وكونه ورد موقوفًا لا يمنع صحته مرفوعًا بل يقويها (¬666). وقوله: ورد مجملًا، ليس كذلك بل هو مطلق, إِلَّا إن كان يريد الإِجمال اللغوي، وقد بين الدارقطني المراد بقوله إلى اليدين بقوله: فمسح وجهه وذراعيه. قوله: يكفيك الوجه والكفين. قال (ح): كذا لأبي ذر بالنصب فيهما على المفعولية أو بإضمار أعني أو ¬

_ (¬662) ما بين المعكوفين كذا هو في النسخ الثلاث. (¬663) فتح الباري (1/ 444). (¬664) عمدة القاري (4/ 20). (¬665) فتح الباري (1/ 444 - 445) وتقدم في التعليق (655). (¬666) عمدة القاري (4/ 20).

أخص أو بتقدير مسح الوجه والكفين أي أن يمسح (¬667). قال (ع): هذا كلام من لم يمس من العربيّة, لأنّ الأوّل يبقى الفعل بلا فاعل عل العام فواجد الفعل فاعل فلا حاجة لتقدير (¬668). قال (ح): هذه المسألةُ يعني أن التَّيمُّم يرفع الحدث وافق فيها البخاريّ الكوفيين والجمهور على خلاف ذلك (¬669). قال (ع) هكذا عكس القضية، بل الجمهور على الموافقة (¬670). قال (ح): واحتج البخاريّ بقوله في هذا الحديث: "فإنّه يكفيك" أي ما لم تحدث أو تجد الماء، وحمله الجمهور على أعم من ذلك في النوافل خاصّة، وخرجت الفرائض بدليل (¬671). قال (ع): معنى الأعم يدخل الفرائض والنوافل، وأطال في تقرير ذلك وليس هو محل النزاع (¬672). قوله: ثمّ عم الرّابع. قال (ح): يجوز أن يكون الاثنان الآخران عمران بن حصين وذو مخبر (¬673). قال (ع): هذا تعرف بالحدس والتخمين (¬674). ¬

_ (¬667) فتح الباري (1/ 445). (¬668) عمدة القاري (4/ 22). (¬669) فتح الباري (1/ 446). (¬670) عمدة القاري (4/ 24). (¬671) فتح الباري (1/ 447). (¬672) عمدة القاري (4/ 24). (¬673) فتح الباري (1/ 449). (¬674) عمدة القاري (4/ 27).

قلت: لا يندفع الاحتمال بهذا القول. قوله: أصابتنى جنابة ولا ماء. قال (ح): أي معي أو عندي (¬675). قال (ع): هذا كلام من لم يمس شيئًا من العربيّة لأنّ لا لنفي الجنس فأي شيء يقدر خبر لا بقوله معي، وعدمه عنده لا يستلزم عدمه عند غيره فلا يستقيم نفي جنس الماء (¬676). قوله: مزادتين أوسطيحتين. قال (ح): الشك من عوف (¬677). قال (ع): تعيين عوف من أين؟ (¬678). قوله: (حتّى جمعوا لها طعامًا). قال (ح): فيه إطلاق الطّعام على غير الحنطة والذرة خلافًا لمن أبى ذلك (¬679). قال (ع): هذا القول يخالف أهل اللُّغة (¬680). ¬

_ (¬675) فتح الباري (1/ 451) (¬676) عمدة القاري (4/ 29). (¬677) فتح الباري (2/ 451). (¬678) عمدة القاري (4/ 29). (¬679) فتح الباري (1/ 453). (¬680) عمدة القاري (4/ 31).

126 - باب بلا ترجمة

126 - باب بلا ترجمة قال (ح): هو بمنزلة الفصل من الباب السابق لكن ليس في الحديث الذي ذكره التصريح بضربة واحدة فيحتمل أن يكون أخذه من عدم التقييد لأنّ المرة الواحدة أقل ما يحصل به الإمتياز فوجوبها متعين (¬681). قال (ع): فإن قلت: هذا لا يطابق التّرجمة قلت: إن كان لفظة باب موجودًا على رأس الحديث فلا يحتاج إلى جواب، وإن كان غير موجود فالجواب أنّه أطلق فلم يقيد بضربة ولا ضربتين، وأقله يكون مرّة واحدة فيدخل في التّرجمة فافهم فإنّه دقيق انتهى (¬682). فانظر كيف يأخذ كلام من سبقه فيدعيه بقوله: قلت: ثمّ يصفه بأنّه دقيق، وهو فيما تقدم مرارًا ينسب الذي سبقه إلى عدم الفهم والمعرفة ويعيب عليه أخذ كلام غيره من غير نسبته إليه، وكأنّه لم يستحضر (لا تنه عن خلق وتأتي مثله) والله حسيبه. من: ¬

_ (¬681) فتح الباري (1/ 457). (¬682) عمدة القاري (4/ 38).

كتاب الصلاة

126 مكرر- كتاب الصّلاة نقل (ع) من كلام (ح) في حديث الإسراء من قصة رؤية آدم، ثمّ بينه احتمالًا له، فعبر بقوله: فإن قلت كذا قلت كذا، ونقل كلام (ح) بعينه ناسبًا له لنفسه، والكتاب طافح بذلك لكنه ربما تصرف فيه فيندمج، وربما أخذ مصالقة في الكلام على حديث سلمة بن الأكوع المعلق (¬683). قال (ح): من صحح هذا الحديث فقد اعتمد على رواية الدراوردي يعني دون رواية عطاف بن خالد، فإن الدراوردي ثقة، وفي عطاف ضعف (¬684). قال (ع): يجوز أن يكون اعتمد على موسى بن إبراهيم البخاريّ لا على موسى بن محمّد بن إبراهيم التيمي وقد سلم هو التفرق بينهما، وأن المخزومي أرجح من التيمي، وإنّما أشار الشارح إلى أن رواية من قال الدروردي عن موسى بن محمّد بن إبراهيم مرجوحة ولا جله (¬685). قال (ح): وذكر محمَّد في نسب موسى بن إبراهيم شاذ (¬686). قال (ع): حكمه بشذوذه إنَّ كان من جهة إنفراد الطحاوي [به فليس بشيء (¬687)، قلت:] بل من جهة الراوي له عن الدراوردي وهو شيخ شيخ ¬

_ (¬683) طابق بين ما في الفتح (1/ 461 - 462) وعمدة القاري (4/ 43 - 44). (¬684) فتح الباري (1/ 466). (¬685) عمدة القاري (4/ 55). (¬686) فتح الباري (1/ 466). (¬687) عمدة القاري (4/ 55).

الطحاوي، وأمّا دعواه أن الشاذ من ثقة مقبول فهو خلاف ما صرح به ابن الصلاح وغيره من أئمة الحديث أن من شرط إلصحيح أن لا يكون شاذًا، وكذلك الحسن والمقبول عندهم منحصر الصّحيح والحسن فانظر وتعجب. قال (ح): في قول البخاريّ: وأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أن لا يطوف بالبيت عريانًا، أشار بذلك إلى حديث أبي هريرة: بعثني أبو بكر في تلك الحجة، وفيه: أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وليس فيه التصريح بالأمر (¬688). قال (ع): حديث أبي هريرة يتضمن أمر أبي بكر، وأمر أبي بكر من أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلم (¬689). قلت: فأين التصريح؟! قال (ح): قوله: وعن نافع عن ابن عمر، أي بعد إيراد طريق ابن أبي ذئب عن الزّهريُّ عن سالم عن ابن عمر، فيما يلبس المحرم من الثِّياب هو عطف على قوله عن الزّهريُّ وهو موصول، وذلك بين في هذه الرِّواية بعينها في كتاب العلم. وقال الكرماني: هذا تعليق من البخاريّ، ويحتمل أن يكون عطفًا على سالم فيكون متصلًا (¬690). كذا قال، والتجويزات العقلية لا يليق استعمالها في الأمور النقلية. قال (ح) هذا تشنيع والكرماني [إنّما قال هذا تعليق بالنظر إلى ظاهر ¬

_ (¬688) فتح الباري (1/ 466). (¬689) عمدة القاري (4/ 55). (¬690) فتح الباري (1/ 476).

الصورة، ولم يجزم بذلك، ولهذا قال: يحتمل إلى آخره، ثمّ إنه قال عطفًا على سالم، وقال بعضهم: وعن نافع عطف على قوله عن الزّهريُّ. قلت: قصده بذلك إظهار المخالفة بأي وجه يكون، والإ فلا فساد بالمعنى، وكلاهما بمعنى واحد] (¬691). ¬

_ (¬691) كان في النسخ الثلاث مكان ما بين المعكوفين بياض، فلذلك نقلنا عبارة العيني من عمدة القاري (4/ 74) وجعلناها بين معكوفين.

127 - باب الصلاة في الثوب ملتحفا

127 - باب الصّلاة في الثّوب ملتحفًا قال (ح): قال الطحاوي: لو كانت الصّلاة مكروهة في الثّوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إِلَّا ثوبًا واحدًا، لأنّ حكم الصّلاة في الثّوب الواحد لمن يجد ثوبين كهو في الصّلاة لمن لا يجد غيره. كذا قال وهو في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره، والسؤال إنّما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكرامة (¬692). قال (ع): أخذ هذا القائل صدر الكلام من كلام الطحاوي ثمّ غمز فيه، ولو أخذ جميع كلامه لما كان يجد إلى ما قاله سبيلا (¬693). قلت: آخر كلامه التسوية بين حال الحاجة وغيرها، فكيف لا يوجد السبيل إليه. ¬

_ (¬692) فتح الباري (1/ 470). (¬693) عمدة القاري (4/ 65).

128 - باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان

128 - باب الصّلاة في القميص والسراويل والتبان قال (ح): وعن نافع هو معطوف على قوله: عن الزّهريُّ، وذلك في الرِّواية الّتي مضت في كتاب العلم حيث صرح فيه بالرواية عن ابن أبي ذئب عن نافع، وزعم الكرماني أن قوله: وعن نافع تعليق، ثمّ قال: ويحتمل أن يكون عطفًا على سالم، كذا قال والتجويزات العقلية لا يليق استعمالها في الأمور النقلية (¬694). قال (ع): هذا غير موجه لأنّ الكرماني إنّما قال: هذا تعليق بالنظر إلى ظاهر الصورة ولم يجزم بذلك، ولا فرق أن يقول عطفًا على سالم أو يقول عطفًا على الزّهريّ (¬695). قلت: الجواب عن الأوّل أن يقول إذا اتضح المراد فأي وجه للتردد، وعن الثّاني أن قوله: عطفًا على سالم يصير كان ابن أبي ذئب رواه عن الزّهريُّ عن نافع فهو عند ابن أبي ذئب عن شيخين بالنزول عن الزّهريّ عن سالم، وبالعلو عن نافع وسالم ونافع روياه جميعًا عن ابن عمر، فمن كان هذا مبلغ فهمه كيف يليق به التصدي للرد على غيره. ¬

_ (¬694) فتح الباري (1/ 476) وتقدم في التعليق (690). (¬695) عمدة القاري (4/ 74) وتقدم في التعليق (691).

129 - باب الصلاة في المنبر

129 - باب الصّلاة في المنبر إلى أن قال: ولم ير الحسن بأسًا أن يصلّي على الجمد. قال (ح): الجمد الماء إِذا جمد وهو مناسب لأثر ابن عمر الآتي أنّه صلّى على الثلج (¬696). قال (ع): إن لم يقيد الثلج بكونه متجمدًا ملتبدًا لا تجوز الصّلاة عليه فلا يكون مناسبًا له (¬697). قلت: جوابه مستغنى عنه. قال (ح): أبو موسى صحف فيه جعفر أو شيخه أي قوله أرسل إلى فلانة وإنّما هو فلانة. انتهى. ووقع عند الكرماني قبل اسمها عائشة وأظنه صحف المصحف، ولو ذكر مستنده في ذلك لكان أولى، ثمّ وجدت في الأوسط للطبراني من حديث جابر أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - كان يصلّي إلى سارية فأمرته عائشة فصنعت له منبره هذا ... الحديث. وسنده ضعيف، ولو صح لما دل على أن عائشة هي المرادة في حديث سهل إِلَّا بتعسف، لكن تيين أن الكرماني يصحف عائشة من علاثة (¬698). قال (ع): ما نصه: قال بعضهم: وأظنه صحف المصحف. ¬

_ (¬696) فتح الباري (1/ 486). (¬697) عمدة القاري (4/ 101). (¬698) فتح الباري (1/ 487).

قلت هذا الطبراني روى في المعجم الأوسط من حديث جابر، فساق الحديث قال: وبه يستأنس أن فلانة هي عائشة المذكورة، ولا سيما كان [قال] قائله الأنصارية ولا يستبعد هذا وإن كان إسناد الحديث ضعيفًا. انتهى (¬699). فالعجب منه كيف يأخذ الفائدةُ من الذي قبله، ويدعيها بقوله: قلت، ولينظر في قوله: ولا سيما ماذا يتحصل منه. قال (ع): قال النووي: وجدت في شرح حديث ذي اليدين بعد أن قرر أن المصلّي لا يرجع فيما عنده من قدر صلاته إلى غيره لو رجع ذو اليدين من حين قال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلم: أنس ولم تقصر، ثمّ عقبة بأن هذا ليس بجواب مخلص لأنّه لا يخلو عن الرجوع سواء كان رجوع للتذكير أو لغيره وعدم رجوع ذي اليدين كان لأجل كلام الرسول لا لأجل تعين نفسه فافهم (¬700). قلت: انظر هل يفهم هذا؟! قال (ح): وقد سلم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - هذا. . . الخ هو طرف من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وهو موصول في الصحيحين من طرق، لكن قوله: وأقبل على النَّاس [ليس هو في الصحيحين بهذا اللّفظ موصولًا]، لكنه في الموطأ من طريق أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة، ووهم ابن التين تبعًا لابن بطّال حيث جزم بأنّه طرف من حديث ابن مسعود الماضي، لأنّ حديث ابن مسعود ليس في شيء من طرقه أنّه سلم من ركعتين (¬701). قال (ع): هذا التعليق قطعة من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وزعم ابن بطّال وابن التين أنّه طرف من حديث ابن مسعود الذي ¬

_ (¬699) عمدة القاري (4/ 103). (¬700) عمدة القاري (4/ 140 - 141). (¬701) فتح الباري (1/ 505) وما بين المعكوفين من فتح الباري.

سلف، وهذا وهم منهما لأن حديث ابن مسعود ليس في شيء من طرقة أنّه سلم من ركعتين. انتهى (¬702). فأخذ الكلام بعينه وتصرف فيه، وأخذ منه شيئًا مبهمًا لم ينسبه لقائله فانظر وتعجب، ومن تأمل غالب كلامه وجده من هذا النمط إِلَّا ما زاده على سبيل الاستطراد والحشو في هذا الباب من ذلك ما يدلُّ على غيره. ¬

_ (¬702) عمدة القاري (4/ 134).

130 - باب هل يقال مسجد بني فلان

130 - باب هل يقال مسجد بني فلان قال (ع): بنو زريق بن عامر بن حارثة بن محصب بن جشم بن الخزرج. وقال صاحب التوضيح: بنو زريق بطن من الخزرج. قلت: تفسيره بهذا هنا هو غلط. انتهى (¬703)، والذي في التوضيح بطن من الخزرج وهو صواب فصحفه (ع) وغلطه، وله من ذلك ما لو تصدى العارف ونقله من خطه لما سلمت ورقة واحدة من اعتراض ولا سيما باب الرواة. ¬

_ (¬703) عمدة القاري (4/ 159).

131 - باب القسمة وتعليق القنو في المنسجد

131 - باب القسمة وتعليق القنو في المسجد قال (ح): قوله عن عبد العزيز بن صهيب، كذا في روايتنا، وفي غيرها عن عبد العزيز غير منسوب. وقال المزي في الأطراف: قيل إنّه عبد العزيز بن رفيع وليس بشيء (¬704). قال (ع): قوله: ليس بشيء راجع إلى قول صاحب هذا القيل لأنّ لفظ المزي هذا هو في البخاريّ غير منسوب (¬705). وذكر أبو مسعود الدمشقي وخلف الواسطي في ترجمة عبد العزيز بن صهيب، وكذلك رواه البحيري في صحيحه, وقيل: إنّه عبد العزيز بن رفيع، فقد روى أبو عوانة في صحيحه: حدّثنا غير هذا، ويحتمل أن يكون هذا. قال (ع): فهذا كان المزي إنّما قال بالاحتمال كيف يقال: إنّه ليس بشيء؟! قلت: إذا رُجِّح أحد الاحتمالين بحيث غلب على الظن أنّه المراد ساغ إطلاق ليس بشيء على المرجوح تنزيلًا له منزلة المعدوم. قال (ح) في قول البخاريّ. ¬

_ (¬704) فتح الباري (1/ 516). (¬705) عمدة القاري (4/ 160).

132 - باب القضاء واللعان في المسجد

132 - باب القضاء واللعان في المسجد وأورد فيه حديث سهل بن سعد أن رجلًا قال: يا رسول الله أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله ... الحديث، مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: أيقتله؟ لأنّه لو لم ير مباشرة تامة لما سأل عن جواز قتل الرَّجل، وإلا فمجرد وجدان الرَّجل مع امرأته لا يقتضي سؤال القتل فانظر وتأمل (¬706). وذكر بعد ذلك في معنى الحديث الاختلاف في تسمية الرَّجل ما يقتضي لناظره قصوره في هذا الفن، والسبب فيه أن (ح) ما شرحه هنا، بل أحال بشرحه على كتاب اللعان، فأراد أن يبيبن له اقتداره على أن يشرح الحديث من غير مراجعة كلام (ح)، فكتب ما يقتضي عليه ناظره بمقدار علمه بالفن ثمّ نكص فاحال عل اللعان والله المستعان. في: ¬

_ (¬706) عمدة القاري (4/ 163).

133 - باب نوم المرأة في المسجد

133 - باب نوم المرأة في المسجد قال (ح): في قصة الوشاح: وقال الفارسي: لا يسمى وشاحًا حتّى يكون منظومًا بلؤلؤ أو ودع. وقولها: من سيور يدلُّ على أنّه كان من جلد. وقولها: فحسبته لحمًا لا ينفي كونه مرصعًا لأنّ بياض اللؤلؤ على حمرة الجلد يصير كاللحم السمين (¬707). قال (ع): فإن قلت: قوله: من. سيور يدلُّ على أن الوشاح المذكور من جلد وكان عليه لؤلؤ، فكيف حسبته الحديأة لحمًا؟! قلت: لما رأت بياض اللؤلؤ عل حمرة الجلد حسبته أنه لحم سمين فخطفته. انتهى (¬708). وهذا مثال من إمثال لا ينحصر يأخذ كلام الأصل فيدعيه لنفسه ويسبك منه سؤالًا وجوابًا قائلًا: قلت، فلله الأمر وهذا حيث لا يتخيل أنّه يتوجه عليه اعتراض ما لوكان واهيًا فإن تخيل قال: حينئذ قال بعضهم كذا، ثمّ يتعقبه بما يخطر بباله سواء كان خطأ أم صوابًا، وكثر ما أوردته من هذا الموضع بخلاف ما اختطفه وادعاه فإنّه لا يدخل تحت الحصر. ¬

_ (¬707) فتح الباري (1/ 534). (¬708) عمدة القاري (4/ 196).

134 - باب الصلاة إذا قدم من السفر

134 - باب الصّلاة إذا قدم من سفر قال (ح): ذكر حديث كعب بن مالك في صلاة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في المسجد إذا قدم من السَّفر، وحديث جابر في أمره بالصلاة لمن دخل المسجد ليجمع بين فعله وأمره لئلا يظن أن ذلك من خصائصه (708/ 2). قال (ع): ليس كذلك لأنّه يشعر أن كلّ فعل صدر منه أنّه من خصائصه وليس كذلك، فإن مواضع الخصوص لها قرائن تدل على ذلك انتهى (¬709). ليس في كلام (ح) إشعار بما قال. ¬

_ (708/ 2) فتح الباري (1/ 537). (¬709) عمد القاري (4/ 200).

135 - باب من بني مسجدا

135 - باب من بني مسجدًا قال (ح) في قول عبيد الله الخولاني أنّه سمع عثمان يقول عند قول النَّاس فيه حين بنى مسجدًا لرسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. قوله: حين بني أي حين أراد أن يبني ولم يبن عثمان المسجد إنشاءً وإنّما وسعه وشيده كما تقدّم في باب بنيان المسجد، فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ، أو المراد هنا بعض المسجد من إطلاق الكل على البعض (¬710). قال (ع): ذكر هذا الشارح شيئين: أحدهما مستغنى عنه فلا حاجة إلى ذكره. والثّاني: لا يصح لأنّه ذكر في باب بنيان المسجد حديث ابن عمر في ذلك، وفيه: ثمّ غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بحجارة منقوشة بالفضة، وجعل عمده من حجارة، وسقفه بالساج، فهذا يدلُّ على أنّه غير الكل، وفي الحديث أيضًا: وزاد فيه يعني في الطول والعرض وكان مبنيًا باللبن وسقفه بالجريد وعمده خشب النخل وبناه عثمان بالحجارة، وجعل عمده الحجارة وسقفه الساج، فكيف يقول هذا الشارح أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد، وهذا كلام من لم يتأمل ويتصرف من غير وجه. (¬711). ¬

_ (¬710) فتح الباري (1/ 544). (¬711) عمدة القاري (4/ 213) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص63).

قلت: وكلف الحكم في هذا إلى النظر أن القائلين تكلم بغير تأمل أو تصرف من غير وجه، وما أظن هذا المعترض إِلَّا تأمل التي لا يفيد التأمل مع قصور الفهم أو غلبه السخط، فالله المسؤل أن يستر عوراتنا، ومن نظر في هذا الباب خاصّة إلى كلام الرجلين قضى العجب من ظلم هذا الرَّجل حيث عمد إلى كلام الشارح الذي قبله العجب أن أسهر فيه ليله وأتعب فيه بدنه وأعمل فيه، وخصوصًا يخرج طرق من بنى لله مسجدًا ولقد أقام فيه نحو الشهر حتّى اجتمع له ما لم يجتمع فيه لغيره فيعمد هذا الظالم فيكفيه كما هو ساكتًا عن نسبته إلى من سبقه موهمًا أنّه من تصرفه معبرًا في بعض مقوله. قلت: حتّى إذا تخيل أن في شيء من الكلام خللًا مَّا أدى حينئذ الأمانة، ونسب القول لقائله في وجه حسنه ويأبى الله إِلَّا أن يتم نوره، رَبَّنَا احكم بيننا وبين قومنا بالحق. ومن جملة ما ذكره في هذا الباب. قوله: "بَنَى اللهُ مِثْلَهُ" قال (ح): إسناد البناء إلى الله مجاز، وإبراز الفاعل فيه لعظيم ذكره جلَّ اسمه، أو لئلا يتنافر الضمائر أو لدفع توهم عوده على باني المسجد (¬712). قال (ع): ما نصه: قوله: "بنى الله" إسناد البناء إلى الله مجاز إتفاقًا قطعًا، فإن قلت: إظهار الفاعل لماذا؟ قلت: لأنّ في تكرار اسمه تعظيم له وتلذذ للذاكر. وقال بعضهم: لئلا يتنافر الضمير أو يتوهم عوده على باني المسجد، وكلا الوجهين غير صحيح، أمّا الأوّل: فإنّما يكون إذا كثرت الضمائر، وأمّا الثّاني فممنوع قطعًا انتهى (¬713). ¬

_ (¬712) فتح الباري (1/ 546). (¬713) عمدة القاري (4/ 214).

فانظر كيف أغار على كلامه بعينه، وما اكتفى بذلك حتّى أوهم أنّه يتعرض للتوجيه الأوّل الذي هو عنده مرتضى اقتصر محل نسبة الوجهين الآخرين إليه لظنه فسادهما. قال (ع): باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، أي هذا باب في بيان ذكر البيع والشراء، يعني في الإخبار عن وقوع البيع والشراء على المنبر في المسجد لا عن وقوعهما على المنبر، ثمّ بعد ذلك قال: ومطابقة الحديث للتجرمة يعلم من قوله -عليه السّلام-: "مَا بَالَ أقْوَامٍ يَشتَرطُونَ ... الخ" ذكر هذا عقب قصة مشتملة على بيع وشراء وعتق وولاء فإنّه لما قال لعائشة "ابْتَاعيهَا فَأعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ" قبل صعوده المنبر دل على حكم هذه الأشياء ثمّ لما قال على المنبر: "مَا بَالُ أقْوَامٍ .. الخ" أشار به إلى القصة التي وقعت، فكأنه أشار به إليها لوقوعها على المنبر، وهذا هو الوجه لا ما ذكره أكثر الشراح ممّا تنفر عنه الطباع وتمجه الأسماع (¬714). قلت: أخذ الجواب بألفاظه من كلام (ح) لكن عبارته، ووهم بعض من تكلم على هذا الحديث فقال: ليس فيه أن البيع والشراء وقعا في المسجد ظنًا منه أن التّرجمة معقودة لبيان جواز ذلك، وليس كما ظن، للفرق بين جريان ذكر الشيء والإخبار عن حكمه، فإنّه حق وخير، وبين مباشرة العقد، فإن ذلك يفضي إلى اللّفظ المنهي عنه. انتهى (¬715). فلينظر المنصف أي الطريقين أهدى. قوله: "وإن اشْتَرَطَ مِئَةَ مَرَّةٍ". قال (ع): ذكر المئة للمبالغة في الكثرة لأنّ هذا العدد بعينه هو المراد، ¬

_ (¬714) عمدة القاري (4/ 221) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 64 - 65) (¬715) فتح الباري (1/ 550).

وقال بعضهم لفظ مئة للمبالغة فلا مفهوم له (¬716). قال (ع):لم يدر هذا القائل أن مفهوم اللّفظ في اللُّغة هو معناه، فعل قوله يكون هذا اللّفظ مهملًا وليس كذلك، وإن كان قال كذلك على رأي الأصوليين حيث فرقوا بين مفهوم اللّفظ ومنطوقه فهذا الموضع ليس محله. انتهى (¬717). وعجيب منه كيف ينفي عن الشارح دراية أن مفهوم اللّفظ يراد به في اللُّغة معناه ومفاده والمراد به، ويراد به ما يقابل المنطوق وهو الذي وقع الاختلاف بين الفقهاء في الاحتجاج به ووظيفة الشارح إذا تكلم على ما يتعلّق بالاستنباط من الحديث أن يقصد الاصطلاح لا محض اللُّغة، فتأملوا هذا التحامل كيف يسقط صاحبه ويفضحه من حيث لا يحتسب. ¬

_ (¬716) عمدة القاري (4/ 223) وفتح الباري (1/ 551). (¬717) عمدة القاري (4/ 223 - 224).

136 - باب الإستلقاء في المسجد

136 - باب الاستلقاء في المسجد أخذ (ع) جميع ما ذكره (ح) من شرح وفائدة وتنكيت وتنبيه كما هو فادعاه حتّى قال في قول الخطابي النّهي عن ذلك منسوخ. قلت: النّهي هو ما روى جابر، فذكر الحديث ثمّ قال في أثناء ذلك: قال بعضهم: يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة أولى من إدعاه النسخ بالاحتمال، وإنّما جزم به فكيف يدعي الأولوية بالاحتمال. انتهى (¬718). ودعوى الأولوية بالاحتمال لا حرج فيها والنسخ لا يثبت إِلَّا بمعرفة التاريخ أو تنصيص الشارع وما يلحق بذلك، والذي ادعى النسخ لم يذكر له مستندًا، أي فإن كان من عند من جزم به مستندًا فليذكره وإلا فلا يقبل. ثمّ قال: وقال بعضهم: قوله وعن ابن شهاب معطوف على الإسناد الأوّل، فقد صرح بذلك أبو داود في روايته عن القعنبيّ وهو كذلك في الموطأ، وغفل من زعم أنّه معلق (¬719). قال (ع): يريد به الكرماني [والكرماني]، ما جزم به بأنّه معلق، بل قال: يحتمل وتصريح أبي داود بذلك لا يدل على أن هذا داخل في الإسناد المذكور هاهنا قطعًا. انتهى (¬720). وتسليمه التصريح بذلك، ثمّ دعواه عدم الدلالة من الأعاجيب، فإذا. ¬

_ (¬718) عمدة القاري (4/ 254 - 255) وقارنه بالفتح (1/ 563). (¬719) فتح الباري (1/ 563). (¬720) عمدة القاري (4/ 255).

أورد البخاريّ شيئًا محتملًا ووجدنا أبا داود قد رواه عن شيخه بالسند بعينه أليس يكفي ذلك في ترجيح أحد الإحتمالين حتّى يصير الاحتمال المرجوح كالعدم؟ والعجب أنّه بعد قليل قال في باب مواقيت الصّلاة حيث نقل عن الكرماني أنّه قال في قوله: قال عروة: ولقذ حدثتني عائشة أن هذا مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاريّ. قال (ع): كيف يكون تعليقًا وقد ذكره مُسْنَدًا عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة كما سيأتي في وقت العصر (¬721). هكذا جزم به فوقع فيما يعنيه، والعجب أنّه أخذ لفظ (ح) وتصرف فيه، ولفظ (ح) سالم من اعتراضه، فإنّه قال: قلت: الاحتمال الثّاني على بعده خلاف الواقع كما ظهر في باب وقت العصر فانظر وتعجب (¬722). ومن أغاليط (ع) في هذا الموضع أنّه قال في أثناء كلامه ناقلًا ما نصه: وسعيد بن المسيَّب لم يصح سماعه من عمر رضي الله عنه، وأدرك عثمان رضي الله عنه، ولا تحفظ له عنه رواية عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. انتهى (¬723). ورواية سعيد بن المسيَّب عن عثمان في الصحيحين في حديث المتعة ولكن ليس فيها تصريح برفع الحديث. ¬

_ (¬721) عمدة القاري (5/ 5). (¬722) فتح الباري (2/ 7). (¬723) عمدة القاري (4/ 255).

137 - باب. المساجد على طريق المدينة

137 - باب المساجد على طريق المدينة (ع): عن أنس في قوله: حين يعتمر وحين حج, إنّما عبر في الأوّل بالمضارع، وفي الحجِّ بلفظ الماضي لأنّه لم يحج إِلَّا مرّة، وتكررت منه العمرة، [قال الكرماني: والفعل] المضارع قد يفيد الاستمرار. وتعقبه (ع) بأن الماضي أقوى في إفادة الاستمرار من المضارع لأنّ المضي قد مضى واستقر (¬724). قلت: من يستدل على الاستمرار بالاستقرار، فما له ولتعقب كلام النَّاس. ¬

_ (¬724) عمدة القاري (4/ 271).

138 - باب ترديد المصلي من بين يديه

138 - باب ترديد المصلّي من بين يديه قال (ح): في قوله: ورد ابن عمر في التشهد وفي الكعبة، بعد بيان من وصله وتقريراته أشار إلى واقعتين، ورواية الجمهور متجهة وتخصيص الكعبة بالذكر ليلًا يتخيل أنّه يفتقر فيها المرور لكونها محل المزاحمة غالبًا. (¬725). قال (ع): هذا التعليل غير موجه، لكن في الكعبة أيضًا تؤخذ المزاحمة سيما في أيّام الجمع في الجوامع وغير ذلك (¬726). ثمّ ذكر نحو صفحة من كلام (ح) وخصوصًا في الكلام على تسمية المال، فإنّه يرى العجب وهذا دأبه لا يزال ينسخ كلامه برمته إلى أن يعثر بما يظنه ساقطًا فيبالغ في التشنيع وهذا مبلغ علمه والسّلام. ¬

_ (¬725) فتح الباري (1/ 582). (¬726) عمدة القاري (4/ 289) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 62).

139 - باب إستقبال الرجل الرجل فيه وكره عثمان ذلك

139 - باب استقبال الرَّجل الرَّجل فيه وكره عثمان ذلك قال (ح): لم أر عن عثمان، وإنّما رأيت في مصنفي عبد الرزّاق وابن أبي شيبة وغيرهما من طريق هلال بن يساف عن عمر أنّه زجر عن ذلك، وفيهما أيضًا عن عثمان ما يدل على أن لا كراهة في ذلك فليتأمل لاحتمال أن يكون في الأصل تصحيفًا من عمر إلى عثمان (¬727). قال (ع): لا يلزم من عدم رؤيته أن لا يكون منقولًا، وزعم التصحيف ليس بسديد، والرواية عن عثمان بخلاف ذلك ليس دليلًا للاحتمال المذكور لاحتمال أن يكون المنقول عنه آخرًا بخلاف ما نقل عنه أوَّلًا. انتهى (¬728). وهكذا يكون التحامل فإنّه لم ينف وقوع ذلك نقل عن عثمان واحتمال التصحيف لا ينكر. قوله: ¬

_ (¬727) فتح الباري (1/ 587). (¬728) عمدة القاري (4/ 295).

140 - باب الأذان قبل الفجر

140 - باب الأذان قبل الفجر قال (ح): في الكلام على قوله من حديث ابن مسعود: فنادى بليل ليرجع قائمكم، جوز الكرماني التشديد في قوله: ليرجع وهو خطأ لأنّه يصير من الترجيح وهو الترديد (¬729). قال (ع): إنَّ كان خطأ. من جهة الرِّواية فيمكن وإلا فليس بخطأ من جهة المعنى لأنّ له أن يقول: لم أرد به الترديد وإنّما أردت به التعدية فإن رجع الذي هو لازم يجوز تعديته بالتضعيف (¬730). ¬

_ (¬729) فتح الباري (2/ 104). (¬730) عمدة القاري (5/ 134).

141 - باب استقبال الرجل الرجل وهو يصلي

141 - باب استقبال الرَّجل الرَّجل وهو يصلّي ال (ع): وأشار إلى الإسناد الثّاني بقوله: فإن قلت: كيف قال نحوه، ولفظ النحو يقتضي المماثلة بينهما من كلّ الوجوه وههنا ليس كذلك؟ قلت: لا نسلم أنّه كذلك بل يقتضي المشاركة في أصل المعنى فقط (¬731). كذا سأل وأجاب، ويحتاج إلى النقل عمن يرجع إلى قوله في اللُّغة أن النحو يقتضي المماثلة حتّى يصلح الرد عليه. ¬

_ (¬731) عمدة القاري (4/ 296).

142 - باب مواقيت الصلاة

142 - باب مواقيت الصّلاة قال (ح): قال الكرماني: إعلم أن هذا الحديث بهذا الطريق ليس متصل الإسناد إن لم يقل أبو مسعود: شاهدت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ولا قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. قلت: هذا لا يسمى منقطعًا وإنّما هو مرسل صحابي لأنّه لم يدرك القصة فاحتمل أن يكون سمع ذلك من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أو بلغه عنه ممّن شاهده أو سمعه كصحابي آخر على أن رواية اللَّيث عند المصنف تزيل الإشكال كله ولفظه: فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث، وكذا سياق ابن شهاب ليس فيه التصريح بسماعه له من عروة وابن شهاب قد جرب عليه التدليس لكن وقع في رواية عبد الرزّاق عن معمر عن ابن شهاب قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز ... فذكره. وفي رواية شعيب عن الزّهري سمعت عروة يحدث عن عمر بن عبد العزيز الحديث (¬732). قال (ع): قوله: رواية اللَّيث تزيل الإشكال غير مسلم في الرِّواية الّتي ههنا لأنّها غير متصلة الإسناد بالنظر إلى الظّاهر وإن كانت في نفس الأمر متصلة الإِسناد (¬733). ¬

_ (¬732) فتح الباري (2/ 5). (¬733) عمدة القاري (5/ 3).

قلت يقل (ح) إنها متصلة لفظًا بل هي متصلة اصطلاحًا، بدليل رواية اللَّيث، فالذي لا يسلم هذا لا يلام لا يدري الإصطلاح، وما زال الأئمة يحرصون على بيان الإتصال فيما يوهم الإرسال وتسوية من أبهم ونحو ذلك من النكت الحديثية. وبالتوفيق.

143 - باب الصلوات الخمس كفارة

143 - باب الصلوات الخمس كفارة قال (ح): قال ابن بزيزة في شرح الأحكام يتوجه على حديث العلاء .. يعني ابن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة رفعه: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ" يتوجه على هذا إشكال يصعب التخلص منه، وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر، وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس. انتهى. والتخلص منه بحمد الله تعالى سهل، وذلك أنّه لا يتم اجتناب الكبائر إِلَّا بفعل الصلوات الخمس، فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبًا للكبائر لأن تركها من الكبائر فتتوقف على فعلها. انتهى (¬734). وهو موضع لم اطلع على كلام أحد، ولا أظن أني سبقت إليه: قال (ع): ما نصه: فإن قلت: الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر بنص القرآن، فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ (¬735) قلت: لا يتم اجتناب الكبائر إِلَّا بفعل الصلوات الخمس، فمن يفعلها يكن مجتنبًا للكبائر لأنّ تركها من الكبائر، فيتوقف التكفير على فعلها. هذه عبارته بحروفها والله المستعان. ¬

_ (¬734) فتح الباري (2/ 12) (¬735) عمدة القاري (5/ 16).

144 - باب الإبراد بالظهر في السفر

144 - باب الإبراد بالظهر في السَّفر قال (ح) في شرح حديث أبي ذر المذكور فيه: وفيه: فأراد المؤذن أن يبرد، كذا أورده عن آدم عن شعبة. قال الكرماني: الإبراد إنّما هو للصلاة، فكيف أمر به في الأذان، وأجاب بأن عادتهم أنّهم لا يتخلفون عند سماع الأذان والإبراد بالأذان لغرض الإبراد بالصلاة، ويحتمل أن المراد بالتأذين هنا الإقامة ويشهد له ما روى التّرمذيّ من طريق أي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ فأراد بلال أن يقيم. وعند أي عوانة من طريق حفص بن عمر عن شعبة فأراد بلال أن يؤذن، وزاد فيه: ثمّ أمره وأقام بحمع بينهما بأن إقامته كانت لا تتخلف عن الأذان بل تقع لمحافظة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -على الصّلاة في أول الوقت، فالرواية بلفظ أراد أن يقيم معناها أن يؤذن ثمّ يقيم، والأخرى أراد أن يؤذن ثمّ يقيم (¬736). قال (ع): قال الكرماني: فإن قلت: فذكر كلامه سؤالًا وجوابًا، وأضاف له الاحتمال الثّاني وعقبه بأن قال: قلت: يشهد للجواب الثّاني رواية التّرمذيّ، فساق الكلام كما هو ناسبًا له لنفسه وبالله التوفيق (¬737). ¬

_ (¬736) فتح الباري (2/ 20). (¬737) عمدة القاري (5/ 25).

145 - باب وقت الظهر عند الزوال

145 - باب وقت الظهر عند الزَّوال ذكر (ع) هنا في كلام (ح) على "والعصر وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة ثمّ يرجع، والشّمس حية" اعتراضًا وادعى أنّه ارتكب فيه المحذور من وجوه، ثمّ اعترض على كلام الكرماني، واستشهد بكلام (ح) بعينه موهمًا أنّه كلامه وتصرف فيه فجرى على العادة المستمرة بأخذ كلامه مصالقة ما دام يظن أنّه مستقيم، فإن تخيل فيه أدنى شبهة شهر السيف، ثمّ يصير لا يبالي ما يقول والله المستعان (¬738). ¬

_ (¬738) فتح الباري (2/ 22) وقارنه بعمدة القاري (5/ 28).

146 - باب تأخير الظهر إلى العصر

146 - باب تأخير الظهر إلى العصر ذكر فيه أن الثّوريّ لما أورد الجمع بين الصلاتين من رواية أنس بلفظ: كان إذا ارتحل قبل أن ترتفع الشّمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثمّ نزل فجمع بينهما. قال: هذا صريح في الجمع بين الصلاتين في وقت الثّانية، وفيه إبطال قول الحنفية أن المراد بالجمع تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثّانية. قال (ع): أول وقت العصر مختلف فيه فيحتمل أنّه أخر الظهر إلى أن صار ظل كلّ شيء مثله ثمّ صلاها، وصلّى العصر بعدها فيكون صلّى الظهر في وقتها على رأي من يقول: إنَّ آخر وقتها مصير الظل مثليه، وتكون العصر في وقتها على رأي من يقول: أن أول وقتها مصير الظل مثله، وكذا قال في حديث ابن عمر أنّه جمع بين المغرب والعشاء بعد أن غاب الشفق. فقال (ع): الشفق نوعان أحمر وأبيض، فيحتمل أنّه جمع بينهما بعد غيبوبة الأحمر فيكون المغرب في وقتها على قول من يقول هو الأبيض، وكذلك العشاء تكون في وقتها على قول من يقول إنَّ الشفق الأحمر فيصدق أنّه صلّى كلّ واحدة في وقتها، وأنّه جمع بينهما بعد غيبوية الشفق. قال: وهذا ممّا فتح الله لي من الفيض الإلهي. انتهى. ولا يشكّ من تأمل كلامه وفهم مقدار فهمه في تصرفه أن هذا الفيض مختص به، فلذلك لا يرضى به من له أدنى تمييز. في:

147 - باب وقت العصر

147 - باب وقت العصر ذكر (ح) قوله في رواية مالك عن الزّهري عن أنس في صلاة العصر، وفي آخره (وبُعْد العوالي) وذلك احتمال الكرماني، ثمّ بين قوله من قول الزّهريُّ، وذكر اختلاف الناقلين في تعيين عدد الأميال. فنقله (ع) بلفظه وتصرف في بعضه وساقه في نحو صفحة، ثمّ بعد قليل نقل كلام (ح) في قول مالك إلى قباء، وقد نقل كلام من وهم مالكًا وانتصر لمالك فأخذه هذا الرَّجل أيضًا كما هو ونسبه لنفسه، فيالله ولعباد الله كيف يستخير هذا أن يعمد إلى شيء أسهر فيه غيره ناظره وأتعب خاطره فيتلقاه عنه ولا ينسبه إليه بل ينسبه إلى نفسه قائلًا: قلت: والله المستعان (¬739). ¬

_ (¬739) فتح الباري (2/ 28 - 29) وقارنه بعمدة القاري (5/ 37).

148 - باب وقت المغرب

148 - باب وقت المغرب قال (ح): في الكلام على حديث جابر قوله قدم الحجاج بفتح المهملة وتشديد الجيم وآخره جيم هو ابن يوسف الثقفي. وصدر الكرماني كلامه بأن الرِّواية بضم أوله وهو جمع حاج وهو تحريف بلا خلاف، فقد وقع في صحيح أي عوانة من طريق أبي النضر عن شعبة: سألنا جابر بن عبد الله في زمن الحجاج، وكان يؤخر الصّلاة عن وقت الصّلاة. وفي رواية مسلم من طريق معاذ عن شعبة: كان الحجاج يؤخر الصلوات. قلت: وكان قدوم الحجاج أميرًا عليها من قبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين وذلك عقب قتل ابن الزبير وأمره عبد الملك على الحرمين وما معهما (¬740). قال (ع): قوله: قدم الحجاج هو ابن يوسف الثقفي والي العراق. وقال بعضهم: قال الكرماني: إنَّ الرِّواية بضم أوله وهو جمع حاج قال: وهو تحريف بلا خلاف. قلت: ولم يسلم الكرماني أن الرِّواية بضم أوله وإنّما قال: الحجاج بضم الحاء جمع الحاج، وفي بعضها بفتحها وهذا أصح ذكره في مسلم وهو ابن ¬

_ (¬740) فتح الباري (2/ 41 - 42).

يوسف الثقفي، ولم يقف الكرماني على الضم بل نبه على الفتح، ثمّ قال وهذا أصح. وقوله: في مسلم، وهو ما رواه من طريق معاذ عن شعبة كان الحجاج يؤخر الصّلاة. وقوله: قدم الحجاج، يعني قدم المدينة واليًا من قبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين، وذلك عقب قتل ابن الزبير فأقره عبد الملك على الحرمين. انتهى (¬741). فأخذ كلام (ح) بعينه فنسبه لنفسه، وتعقب كلامه بما يضحك منه، لأنّ حاصله لم يقل الكرماني أن الرِّواية بالضم بل نبه على الفتح ثمّ قال وهذا أصح. فكأن (ع) لا يدري أن من قال: الحُجاج بضم الحاء جمع حاج في بعضها بالفتح، قد قال: أن الرِّواية وقعت بالضم وبالفتح وهي بالفتح أصح، وإلا فما معنى أصح؟ والرِّواية في هذا الحديث الضم لا تؤخذ عن موثوق به من أهل الرِّواية ولا غير موثوق به إِلا ما وقع في عبارة الكرماني، أفما يستحيي (ع) من هذا الانتصار البارد، ثمّ لا يكتفي بالرد على السابق حتّى يجعل مصحوبًا بالإغارة على كلام من ينبه على ما يقع في كلام غيره من الخطأ فإن كان عنده لا يوثق به فكيف يأخذ بعينه ويرتضيه ويجزم به وينسبه لنفسه، وإن كان يوثق به فكيف يبالغ في التعسف في رد كلامه مع ظهور صوابه. ومن أراد العجب فليتأمل ما استلبه منه في هذا الشرح وخصوصًا هذا الباب، وانظر تحامله في قول الكرماني لما ذكر قوله في حديث عبد الله المزني. ¬

_ (¬741) عمدة القاري (5/ 56).

قال (ح): جزم الكرماني [يحتاج] إلى نقل خاص، وإلا فظاهر إيراد الأسماعيلي أنّه من تتمّة الحديث فإنّه أورده بلفظ، فإن الاعراب تسميها والأصل في مثل هذا أن يكون كلامًا واحدًا حتّى يقوم دليل على إدراجه (¬742). قال (ع): متعقبًا عليه منتصرًا للكرماني لم يجزم الكرماني بذلك، وإنّما قال: قال عبد الله المزني فبنى على ظاهر الكلام فإنّه فصل بين الكلامين بلفظ، قال: ويحتمل أن تكون هذه اللفظة مطوية في كلام الإسماعيلي. انتهى (¬743). وينظر قوله: لم يجزم الكرماني وإنّما قال: قال عبد الله، فهذا لم يكن قول القائل قال فلان، كذا جزمًا بالنقل عن فلان مع عدم تجويز شيء آخر، فما هو الجزم؟! ¬

_ (¬742) فتح الباري (2/ 44). (¬743) عمدة القاري (5/ 59).

149 - باب فضل العشاء

149 - باب فضل العشاء ذكر فيه حديث عائشة من وجهين: أعتم رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء وذلك قبل أن يفشو الإسلام ... الحديث. وفيه قول عمر: نام النِّساء والصبيان. وقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم". قال (ح): لم أر من تكلم على هذه التّرجمة فإنّه ليس في الحديث المذكور مع النفي ما يقتضي اختصاص العشاء فضيلة ظاهرة، وكأنّه مأخوذ من قوله: "ما يَنْتَظِرُهَا مِنْ أهْلِ الأرْضِ غَيْرُكُمْ" فعلى هذا في التّرجمة حذف تقديره: باب فضل انتظار العشاء، إذا ثبت الفضل لمن ينتظر أن يصلّيها ثبت لها الفضل والحذف في مثل هذا لا يستبعد (¬744). قال (ع): نفى هذا القائل كلام النَّاس على هذه التّرجمة، ثمّ ذكر شيئًا إدعى أنّه تفرد به وهو ليس بشيء لأنّه آل إلى أن الفضل لانتظار العشاء لا للعشاء انتهى (¬745). وغفل (ع) عن مراد (ح)، ومراده أن العبادة إذا ثبت الفضل لمن ينتظر دخول وقتها ليؤدِّيها ثبت لها الفضل بذلك، إذ لولا وجود الفضل فيها ما ثبت الفضل لانتظارها، وظاهر كلام (ع) أوَّلًا أن النَّاس تكلموا على هذه ¬

_ (¬744) فتح الباري (2/ 47 - 48). (¬745) عمدة القاري (5/ 63).

التّرجمة وأن (ح) لم ينفرد بالمناسبة المذكورة, ثمّ لم يذكر شيئًا على ما أوهمه كلامه. ثمّ قال: مطابقة الحديث للترجمة من حيث أن العشاء عبادة اختصت بالانتظار لها من بين سائر الصلوات، فبهذا ظهر فضلها. انتهى (¬746). وهذا يؤخذ من كلام (ح) الذي عابه لا تخصيصه العشاء بالانتظار فهي دعوى من (ع) لا تحتاج إلى الدخول في عهدتها والله الهادي للصواب. وقال (ح): في الكلام على حديث عطاء عن ابن عبّاس: عطاء هو ابن أبي رباح، ووهم من زعم أنّه ابن يسار (¬747). قال (ع): أراد به الكرماني ولكنه ما جزم، بل قال: الظّاهر أنّه عطاء بن يسار، ويحتمل عطاء بن أبي رباح. قلت: انظر وتعجب، وترى من أين له الإِطلاع على الإِرادة مع توجيه احتمال أن يكون بعض من تكلم على البخاريّ قال أنّه عطاء بن يسار على أن لفظ زعم يشمل من يجزم ومن يتردد (¬748). ¬

_ (¬746) عمدة القاري (5/ 63). (¬747) فتح الباري (2/ 51). (¬748) عمدة القاري (5/ 68).

150 - باب صلاة الفجر

150 - باب صلاة الفجر قال (ح): وقع في رواية أي ذر بعد هذا "والحديث" ولم يظهر لقوله: "والحديث" توجيه في هذا الموضع. ووجهه الكرماني بأن الغرض منه باب فضل صلاة الفجر، وباب الحديث الوارد في فضل صلاة الفجر. قلت: ولا يخفى بعد هذه، ولم أر هذه الزيادة في شيء من المستخرجات ولا عرج عليها أحد من الشراح، والظّاهر أنّها وهم، ويدلّ لذلك أنّه ترجم لحديث جرير أيضًا، باب فضل صلاة العصر من غير زيادة، ويحتمل أنّه كان فيه: باب فضل صلاة الفجر والعصر فتحرفت الكلمة الأخيرة (¬749). قال (ع): استبعاد كلام الكرماني بعيد جدًا, فإن قلت: ما وجه خصوصية هذا الباب بهذه اللفظة دون سائر الأبواب التي يذكر فيها فضل الأعمال؟ قلت: يحتمل أن يكون وجه ذلك أن صلاة الفجر إنّما هي عقب النوم، والنوم أخو الموت، فينبغي أن يجتهد المستيقظ على أداء صلاة الفجر شكرًا لله على حياته وإعادة روحه إليه، ويعلم أن لإقامتها فضلًا عظيمًا لورود الأحاديث فيه، فنبه على ذلك بقوله: والحديث وخص هذا الباب بهذه الزيادة. انتهى، وهذا هو التوجيه والله المستعان (¬750). ¬

_ (¬749) فتح الباري (2/ 53). (¬750) عمدة القاري (5/ 70).

151 - باب وقت الفجر

151 - باب وقت الفجر قال (ح) بعد أن ذكر اختلاف أصحاب قتادة في حديث أنس عن زيد بن ثابت: فمنهم من جعله من مسند أنس، ومنهم من جعله من مسند زيد بن ثابت، والذي يظهر لي في وجه الجمع أن أنسًا خص بذلك لكنه لم يتسحر معهم, ولأجل ذلك سأل زيد بن ثابت عن مقدار [وقت] السحور (¬751). قال (ع): قد خرج الطحاوي من طريق هشام عن قتادة عن أنس وزيد بن ثابت قالا: تسحرنا (¬752). قلت: حذف بقية كلام (ح) ليعترض، وهذا لفظه بعد قوله: وقت السحور كما سيأتي بعد. ثمّ وجدت ذلك صريحًا في رواية النسائي وابن حبّان، ولفظهما عن أنس قال: قال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "يَا أَنَسُ إنِّي أُريدُ الصِّيَامَ أَطْعِمْني شَيْئًا" فجئته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعد ما أذن بلال، فقال: "يَا أَنَسُ انظُرْ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعِي" فدعوت زيد بن ثابت فتسحر معه، ثمّ قام فصلّى ركعتين ثمّ خرج إلى الصّلاة. وعلى هذا فالمراد بقوله: كم بين الأذان والسحور، أي أذان ابن أم مكتوم، لأنّ بلالًا كان يؤذن قبل الفجر، والآخر يؤذن إذا طلع، وأمّا ما ¬

_ (¬751) فتح الباري (2/ 54). (¬752) عمدة القاري (5/ 73).

ادعى أن الطحاوي رواه فهو غلط منه، وإنّما رواه الطحاوي كما رواه غيره من الأئمة. فقد أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والدارمي والطيالسي والتّرمذيّ والنسائي وأبي عوانه وابن خزيمة وابن ماجة كلهم من طريق هشام عن قتادة عى أنس عن زيد بن ثابت قال: تسحرنا، فالقائل تسحرنا هو زيد بن ثابت لا أنس (¬753). وكأن (ع) وقعت له نسخة عن قتادة عن أنس، وزيد بن ثابت تحرفت عن إلى الواو فلم يتأمل لما ظفر بشيء يعترض به فصار هو المعترض عليه. ¬

_ (¬753) هو في نسختنا المطبوعة من شرح معاني الآثار (1/ 177) كما ذكره العيني. رواه أحمد (5/ 182) والبخاريّ (1921) ومسلم (1097) والنسائي (4/ 143) وابن ماجة (1694) والتّرمذيّ (703 و 704) والدرارمي (1702) وابن خزيمة (1941) كما ذكره الحافظ ابن حجر، وكذلك هو عند الطبراني في الكبير (4792) وابن أبي شيبة في المصنف (3/ 10)

152 - باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس

152 - باب لا يتحرى الصّلاة قبل غروب الشّمس قال (ح) في الكلام على حديث معاوية في إنكار الصّلاة بعد العصر ما نصه: كلام معاوية مشعر بأن من خاطبهم كانوا يصلون بعد العصر ركعتين على سبيل التطوع الراتب لها كما يصلّي بعد العصر وما نفاه من رؤيته صلاة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لهما قد أثبته غيره، والمثبت مقدم على النافي، وسيأتي في الباب الذي بعده قول عائشة: كان لا يصلّيهما في المسجد، لكن ليس في رواية الإِثبات معارضة للأحاديث الواردة في النّهي، لأنّ رواية الإثباث لها سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه، والنّهي فيه محمول على ما لا سبب له، وأمّا من يرى عموم النّهي ولا يخصهما بما له سبب فيحمل إنكار معاوية على من يتطوع ويحمل الفعل على الخصوصية، ولا يخفى رحجان الأوّل (¬754). قال (ع): قال بعضهم: وما نقاه معاوية من رؤيته صلاة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لهما فقد أثبته غيره والمثبت مقدم على النافي. قلت: نفي معاوية من يرجع إلى صفة صلاة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم لا إلى ذاتها لأنّه كان يصلّيهما على وجه الخصوصية له، وهؤلاء كانوا يصلون على سبيل التطوع الراتب كما كانوا يصلون بعد الظهر، فأنكر عليهم معاوية من هذا الوجه. انتهى (¬755). ولا يخفى أن حمل إنكار معاوية على هذا بعيد جدًا ¬

_ (¬754) فتح الباري (2/ 62). (¬755) عمدة القاري (5/ 82).

153 - باب التبكير بالصلاة في يوم غيم

153 - باب التبكير بالصلاة في يوم غيم قال (ح) في حديث بريدة: بكروا بالصلاة. فإن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تَركَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبطَ عَمَلُهُ". اعترض عليه الإسماعيلي فإنّه ليس في الحديث المرفوع التبكير ولا الغيم، فكأنه ترجم لقول بريدة. انتهى. ومن عادة البخاريّ أن يترجم ببعض ما تشتمل عليه ألفاظ الحديث ولم يوردها، ولكن عليه شرطه فلا إيراد عليه (¬756). قال (ع): ليس هنا ما تشتمل عليه التّرجمة من لفظ الحديث ولا من بعضه، فكيف لا يورد عليه إذا ذكر ترجمة ولم يورد عليها شيئًا ولا فائدة في ذكر التّرجمة عند عدم الإيراد بشيء. انتهى (¬757). وفي هذا الكلام مع ما فيه من القلق غفلة عما أورده (ح) من رواية الإسماعيلي بلفظ: بَكِّرُوا بالصَّلاة في يَوْم اْلغَيْم ... " الحديث. وكان (ع) لغلبة محبة الإِعتراض لا يتامل جميع الكلام والله المستعان. ¬

_ (¬756) فتح الباري (2/ 66). (¬757) عمدة القاري (5/ 87).

154 - باب قضاء الصلاة الأولى فالأولى

154 - باب قضاء الصّلاة الأولى فالأولى قال (ع): حدّثنا مسدد حدّثنا يحيى -هو ابن كثير- عن أبي سلمة عن جابر. . . . . . . إلى أن قال: وأخرجه هنا عن مسدد عن هشام الدستوائي عن يحيى بن كثير". وقال بعضهم يعني (ح): ويحيى المذكور فيه هو القطان، وقد غلط في ذلك لأنّ البخاريّ صرح فيه بقوله: يحيى هو ابن كثير، وكذا قال الكرماني. انتهى (¬758). وكأنّه كما قيل ساء سمعًا فساء إجابة، فإن (ع) حذف من السند أوَّلًا رجلين ثمّ أثبت أحدهما ثانيًا، والذي عرف به يحيى بين مسدد وهشام، فإن الذي عند البخاريّ هكذا: حدّثنا مسدد حدّثنا يحيى عن هشام عن يحيى هو ابن أبي كثير، فإن كان يحيى الأوّل غير منسوب بين (ح) أنّه القطان، ولم يعرج على الثّاني لأنّه قد نسب في أصل الرِّواية. ¬

_ (¬758) فتح الباري (2/ 72) وعمدة القاري (5/ 94).

155 - باب بدء الأذان

155 - باب بدء الأذان قوله في آخر حديث عمر: "أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادي بِالصَّلاةِ؟ ". قال القرطبي: يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه وصدقه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بادر عمر فقال: "أوَلَا تَبْعَثُوَنَ رَجلًا يُنَاديِ بالصَّلاةِ". قال (ح): وسياق عبد الله بن زيد يخالف ذلك، فإن فيه لما قص رؤياه على النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "أَلْقِهَا عَلى بلَالٍ فَلُيؤذِّنْ بهَا" فسمع عمر الصوت، فخرج فأتى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فقال: لقدَ رأيت مثل الذيَ رأى، فدل على أن عمر لم يكن حاضرًا لما قصَّ عبد الله بن زيد رؤياه، فالظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كان عقب المشاورة كما هو ظاهر سياق حديث ابن عمر، وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك. ويؤيده ما أخرجه أبو داود عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له فذكر نحو حديث ابن عمر حتّى قال في آخره: فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأري الأذان، فإذا جمع بين الحديثين اقتضى أن ابن عمر لم يذكر في روايته قصة عبد الله بن زيد، وأن عمومة أنس لم يذكروا قول عمر (¬759). قال (ع): بقية حديث أبي عمير بن أنس عن عمومته تقوي ما قال القرطبي فإنّه قال في بعد قول عبد الله بن زيد: إذ أتاني آت فأراني الأذان، وكان عمر قد رآه قبل ذلك فكتمه، فقال له النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "ما منعك أن تخبرنا ..... الخ" فليس فيه أن عمر سمع الصوت، فخرج فذكر القرطبي ¬

_ (¬759) فتح الباري (2/ 81).

بحسب الظّاهر أن عمر كان حاضرًا، فهو يردّ كلام (ح) (¬760). قلت: إذا سكت في رواية أبي عمير عن قوله: فسمع عمر الصوت فخرج وأثبتها ابن عمر إنّما يكون إثبات على أنّه لم يكن حاضرًا، فكيف يعترض بمثل هذا إِلَّا من غطى التعقب على بصيرته؟ ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله جلَّ وعلا. ¬

_ (¬760) عمدة القاري (5/ 105 - 106).

156 - باب الأذان مثنى مثنى

156 - باب الأذان مثنى مثنى قال (ح): ثبت لفظ هذه التّرجمة في حديث لابن عمر مرفوع أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده قال فيه: "مَثْنَى مَثْنَى" وهو عند أبي داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره من هذا الوجه لفظ: "مَرَّتَيْن مَرَّتَيْنِ". وقال (ع): ليس لفظ الحديث المذكور، وإنّما رواه أبو داود عن ابن عمر بلفظ: إنّما كان الأذان على عهد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - مرتين مرتين. انتهى (¬761). وأظن النسخة التي وقعت له من فتح الباري سقط منها من أبي داود الطيالسي إلى أبي داود أو ظن أنّهما واحد، وخفي عليه أن المحدث إذا أطلق لفظ أبي داود لا يريد إِلَّا صاحب السنن ولا سيما إنَّ قرنه بأحد من أصحاب السنن كالترمذي والنسائي، وإذا أراد غير صاحب السنن وصفه ليتميز، فجرى على مألوفه في إنكار ما لم يحط به علمًا والله المستعان. ¬

_ (¬761) رواه أبو داود الطيالسي (331) بلفظ مثنى مثنى، ورواه أبو داود (510) والنسائي (2/ 3) وابن خزيمة (374) وابن حبّان (1669) وعند النسائي وابن حبّان أيضًا بلفظ مثنى مثنى.

157 - باب وجوب صلاة الجماعة

157 - باب وجوب صلاة الجماعة وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها. قال (ح): ولم ينبه أحد من الشراح على من وصل أثر الحسن وقد وجدته في كتاب الصِّيام للحسين بن الحسن المروزي بإسناد صحيح إلى الحسن قال في رجل يصوم تطوعًا فتأمره أمه أن يفطر؟ قال: فليفطر، قال: ولا قضاء عليه وله أجر الصوم وأجر البرّ، قيل: فتنهاه أن يصلّي العشاء في جماعة؟ قال: ليس ذلك لها هذه فريضة. انتهى (¬762). قال (ع): وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في جماعة شفقة لم يطعها، الحسن هو البصري، يعني إن منعته أمه عن الحضور إلى صلاة العشاء مع الجماعة شفقة عليه: أي لأجل الشفقة لم يطع أمه فيه، فهذا يدل على أن الصّلاة بالجماعة فرض عنده، ولهذا قال: لم يطع أمه، مع أن طاعة الوالدين فرض في غير المعصية. ولم يذكر صاحب التلويح وهو مغلطاي، ولا صاحب التوضيح يعني ابن الملقن وصل هذا الأثر مع تتبع صاحب التلويح لمثل هذا واتساع إطلاعه في هذا الباب. وذكر بعضهم أنّه وجد معناه بل أتم منه وأصرح في كتاب الصِّيام للحسين بن الحسن المروزي بإسناد صحيح (¬763). ¬

_ (¬762) فتح الباري (2/ 125). (¬763) عمدة القاري (5/ 159).

فساق كلام (ح) إلى قوله: هذه, ثمّ انتقل إلى سياق الحديث المرفوع, فما أدري هل شك في صحة النقل حتّى قدم وصف مغلطاي لسعة الإِطلاع, ثمّ عقبة بكلام البعض الذي أبهمه أو صدقه لكن منعته النفاسة أن يتلقاه بالقبول ولذلك لم يسم كتابه الذي ذكر فيه حتّى لا ينوه بذكره, ويأبى الله إِلَّا أن يتم نوره, وليتأمل المنصف كلامه في شرح هذا الأثر ليعرف مقامه في الإِستنباط والبلاغة.

158 - باب إمامة العبد والمولى

158 - باب إمامة العبد والمولى . . . . إلى أن قال: ولا يمنع من الجماعة بغير علة. قال (ح): أي بغير ضرورة لسيده (¬764). قال (ع): قيد السَّيِّد لا طائل تحته لأن عند الضّرورة الشرعية ليس عليه الحضور مطلقًا كما في حق الحر (¬765). قلت: لضرورة سيده يفرق بين الحر فقيد بها إمامة. ¬

_ (¬764) فتح الباري (2/ 186). (¬765) عمدة القاري (5/ 227).

158 مكرر- باب المفتون والمبتدع

158 مكرر- باب المفتون والمبتدع قال (ح): المفتون الذي دخل في الفتنة على الإمام (¬766). قال (ع): هذا هو الفاتن، وكان ينبغي للبخاري أن يقول باب إمامة الفاتن (¬767). قلت: إنّما ذكر اسم المفعول إشارة إلى أن الشيطان فتنهُ فهو مفتون، ثمّ إذا استوى غيره يصيره فاتنًا. قوله: وقال لنا محمّد بن يوسف. قال (ع): قيل: حمله عنه في المذاكرة، وقيل بالإِجازة أو المناولة أو العرض، وقيل: متصل لفظًا منقطع معنىً، وقال بعضهم: هو متصل لكن لا يعبر بهذه الصيغة إِلَّا إذا كان المتن موقوفًا أو كان فيه راوٍ ليس على شرطه والذي هنا من قبيل الأوّل (¬768). قال (ع): إذا كان الراوي علي غير شرطه كيف يذكره في كتابه؟ انتهى (¬769). وهذا استفهام يدل على أنّه يظن أن لا فرق بين من يخرج حديثه في الأصول أو المتابعات. ¬

_ (¬766) فتح الباري (2/ 188). (¬767) عمدة القاري (5/ 230). (¬768) فتح الباري (2/ 188) وعمدة القاري (5/ 230). (¬769) عمدة القاري (5/ 230).

159 - باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء ... الخ.

159 - باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء ... الخ. قال ابن المنير: باب من يقوم عن يمين الإمام، والبخاري أورده بصيغة التردد للإِختلاف في الحكم. قال (ح): الذي في النسخ الصحيحة: باب يقوم ليس فيه من، والبخاري جازم لا يتردد (¬770). قال (ع): لا نسلم أن الواقع أن من محذوفة، وكيف يجوز حذف من سواء استفهامية أو موصولة. انتهى (¬771). وهذا ممّا يكثر التعجب منه من وقف عليه. ¬

_ (¬770) فتح الباري (2/ 191). (¬771) عمدة القاري (5/ 233).

160 - باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة

160 - باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة قوله في حديث جابر: فصلّى العشاء أي معاذ، وقع في رواية لأبي عوانة والطحاوي من طريق محارب عن جابر: صلّى بأصحابه المغرب [فإن حمل على تعدد القصة كما سيأتي، أو على أن المغرب أريد به العشاء مجازًا، وإِلا فما في الصّحيح أصح] (¬772). قال (ع): رجال الطحاوي في روايته رجال الصّحيح فمن أين تأتي الأصحية (¬773). قلت: سند الطحاوي هو هذا قال: حدّثنا [ابن مرزوق قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: ثنا شعبة عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله] (¬774). في باب فضل من ينتظر الصّلاة في الكلام علي حديث "سَبْعَةٌ يُظللُّهُمُ اللهُ، قوله: وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خالِيًا". قال (ح): ذكر الله أي بقلبه من العمل وبلسانه من النطق (¬775). ¬

_ (¬772) فتح الباري (2/ 193). (¬773) عمدة القاري (5/ 237). (¬774) كذا في النسخ الثلاث بياض وقد نقلت سند الطحاوي من كتابه شرح معاني الآثار (1/ 213) ووضعته بين المعكوفين، وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 75 - 76). (¬775) فتح الباري (2/ 147).

قال (ع): ليس كذلك لأنّ الذكر بالقلب من الذكر بضم الذال وباللسان بكسرها, ولأن لفظ ذكر ثلاثي لا يكون مشتقًا من التذكر (¬776). قلت: انظر وتعجب. ¬

_ (¬776) عمدة القاري (5/ 179).

161 - باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام

161 - باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام قال (ح): أي من السجود، ثمّ ذكر حديث الباب وفيه: "أَمَا يَخْشَى أَحُدُكُمْ إِذَاَ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ. . . .". وعند أبي داود: "الّذيِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَاْلإِمَامُ سَاجِدٌ" فبين أن المراد الرفع من السجود فيه تعقب على من قال: إنَّ الحديث نصّ في المنع من المتقدم في الرفع من الركوع والسجود معًا، فإنّه نصّ في السجود وأمّا الركوع فيلتحق به لكونه في معناه، ويمكن الفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأنّ العبد أقرب ما يكون فيه من ربه، ولأنّه غاية الخضوع المطلوب منه، فلذلك خص بالتنصيص عليه (¬777). قال (ع): لا وجه لتخصيص السجود لأنّ لفظ الحديث يشمل الاثنين بحسب الظّاهر، ولا يجوز أن يخصص رواية البخاريّ برواية أبي داود, لأنّ الحكم واحد، وقد ذكر هذا القائل أن عند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنّما ناصيته بيد شيطان. وقوله: إنّه نصّ في السجود ويلحق به الركوع كلام ساقط ودعوى التخصيص لا تصح، نعم لو ذكر النكتة في رواية أبي داود في تخصيص السجود بالذكر دون الركوع لكان له وجه (¬778). قلت: في هذا الكلام دعوى التخصيص وهو فرع التعميم ولم يقع في ¬

_ (¬777) فتح الباري (2/ 183). (¬778) عمدة القاري (5/ 222).

رواية الباب صيغة تعميم، وإنّما هو مطلق فرد به رواية أبي داود فتعين المراد فيه، ونظائر ذلك كما مر كثيرة. وأمّا قوله: لا وجه لتخصيص السجود فقد أجرأ بذكر المزية. وأمّا قوله: لو ذكر النكتة. . . الخ أعجب من الأوّل لأنّه ذكرها.

162 - باب الزاق المنكب

162 - باب الزاق المنكب قال (ح) في الكلام على حديث النعمان بن بشير: وكان أحدنا يلزق كعبه بكعب صاحبه، فيه دليل على أن الكعب هو العظم الناتىء عند ملتقى الساق والقدم, لأنّه الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه خلافًا لمن ذهب إلى أن المراد بالكعب مؤخر القدم وهو قول شاذ ينسب لبعض الحنفية ... الخ (¬779). قال (ع): هذا قول حكاه هشام عن محمّد في مسألة الحجِّ لا في مسألة الوضوء (¬780). ¬

_ (¬779) فتح الباري (2/ 211). (¬780) عمدة القاري (5/ 260).

163 - باب إذا طول الإمام

163 - باب إذا طول الإمام قال (ح): في الكلام على حديث جابر أن معاذًا كان يصلّي مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، ثمّ يرجع إلى قومه فيصلّي بهم. قال الطحاوي: لو سلمنا جميع ما قالوه لم يكن فيه حجة لاحتمال أن يكون ذلك في الوقت الذي كانت الفريضة فيه تصلّى مرتين، أي فيكون منسوخًا. وتعقبه ابن دقيق العيد أنّه يتضمن إثبات النسخ بالإِحتمال وهو لا يسوغ، وبأنّه يلزمه إقامة الدّليل على ما ادعاه من إعادة الفريضة. انتهى. فإنّه لم يقف على كتابه فإنّه قد ساق فيه دليل ذلك وهو حديث ابن عمر رفعه: "لَا تُصَلُّوا الصَّلَاةَ في اْليَوْمِ مَرَّتَّيْنِ" ومن وجه آخر مرسل: أن أهل العالية كانوا يصلون في بيوتهم، ثمّ يصلون مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فبلغه ذلك فنهاهم ... إلى آخر الكلام على ذلك. قال (ع): قال ابن دقيق العيد: يلزم الطحاوي إقامة الدّليل على ما ادعاه من إعادة الفريضة (¬781). قلت: كأنّه لم يقف على كتابه فإنّه قد ساق فيه ذلك، فساق (ع) كلام (ح) بحروفه، وقد أكثر من ذلك وإنّما أذكر منه نادرة بعد نادرة وبالله المستعان (¬782). ¬

_ (¬781) فتح الباري (2/ 196 - 197). (¬782) عمدة القاري (5/ 239).

164 - باب من أوجز الصلاة عند بكاء الصبي

164 - باب من أوجز الصّلاة عند بكاء الصبي قال (ح): في قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "إنِّي لأَقُومُ في الصَّلاةِ أُريُد أَنْ أُطَوِّلَ فيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتجَوَّرُ في صَلَاتي كَرَاهَةَ أن أَشُقَّ عَلى أُمِّهِ" استدل على جواز إدخال الصبي في المسجد، وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفًا في بيت بقرب المسجد بحيث يسمع بكاؤه (¬783). قال (ع): ليس هذا موضع نظر, لأنّ الصبي لا يفارق أمه غالبًا. انتهى (¬784). فلم يدفع الإِحتمال بالغلبة، فكيف يتم الدّليل مع قيام الإِحتمام وهو موجود بكثرة، ولا سيما في صلاة الصُّبح, لأنّها مظنة استمراره في النوم إلى أن تصلّي وترجع إليه، وقد يستيقظ فلا يجدها فيبكي. قال (ح): في الكلام على قوله في هذا الحديث، وكأن ذكر الأم خرج مخرج الغالب، وإلا فمن كان في معناها يلتحق بها (¬785). قال (ع): فيه نظر لأنّ غير الأم ليس كالأم في الموجدة. انتهى (¬786). وخفي عليه الإِشتراك في أصل العلّة. ¬

_ (¬783) فتح الباري (2/ 202). (¬784) عمدة القاري (5/ 246). (¬785) فتح الباري (2/ 202). (¬786) عمدة القاري (5/ 247).

قال (ح): هذا الإِسناد كله مدنيون أنس وشريك الراوي عنه، وسليمان بن بلال وخالد بن مخلد (¬787). قال (ع): ليس كذلك فإن خالد بن مخلد كوفي (¬788) قلت: هو كوفي سكن المدينة كما أن أنسًا مدني سكن البصرة، فجاز نسبة كلّ منهما إلى البلدين والنسبة يكتفي فيها بأدنى ملابسة، والله المستعان. ¬

_ (¬787) فتح الباري (2/ 202). (¬788) عمدة القاري (5/ 247).

165 - باب ما يقرأ بعد التكبير

165 - باب ما يقرأ بعد التكبير قال (ح) بعد أن ساق الاختلاف على أنس: في لفظ الحديث الذي فيه كان يفتتح القراءة، وأنّه جاء عنه نفي البسملة، وجاء عنه نفي الجهر وعنه الاسرار بها، إلى أن قال: فوضح أن طريق الجمع في حديث أنس أن يقال بإثبات البسملة فيه، ونفي الجهر بها، فبذلك تتفق الروايات عنه، فمتى وجدت رواية صحيحة عن غيره فيها إثبات الجهر صريحًا قدمت على روايته لا بمجرد تقديم المثبت على النافي, لأنّ أنسًا يبعد جدًا أن يصحب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عشر سنين, ثمّ يصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسًا وعشرين سنة ولا يسمع منهم الجهر بها ولو في صلاة واحدة بل لكون أنس اعترف بأنّه لا يحفظ الحكم منه ذلك لبعد عهده، فقد جاء ذلك عنه جوابًا لأبي مسلمة لما سأله إن كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يفتتح القراءة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبالحمد لله رب العالمين، فقال: "إنَّكَ لَتَسْأَلني عَنْ شَيْءٍ مَا أحْفَظُهُ، وَلَا سَأَلَني عَنْهُ أحَدٌ قبْلَكَ" وسنده على شرط الشيخين، فوجب التوقف في روايته إذ الأخذ ببعضها ترجيح بغير مرجح فتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر إذا جاء من غير روايته بسند صحيح (¬789). قاله (ع): بعد أن تصرف في كلامه وكلام غيره ممّن تكلم في هذا الموضع: والعجب من صاحب التوضيح يعني شيخنا ابن الملقن، فذكر ¬

_ (¬789) فتح الباري (2/ 227 - 229) ومن المستحسن مراجعة نكت الحافظ ابن حجر على مقدمة ابن الصلاح في موضوع حديث أنس (2/ 748 - 771).

كلامه ثمّ قال: وأعجب من هذا بعضهم من الذين يدعون أن لهم يدًا طولى في هذا الفن، كيف يقول: يتعين الأخذ بحديث من أثبت الجهر فكيف يجترىء بهذا ويصدر منه هذا القول الذي تمجه الأسماع، فأي حديث في الجهر صح عنده حتّى يقول هذا القول (¬790). قال (ح): في الكلام على حديث عبادة: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لم يَقرأ بفَاتِحَةِ اْلكتَاب" بعد أن نقل كلام ابن دقيق العيد في معنى قوله "لَا صَلَاةَ" وقول من حملَه على نفي الإِجزاء، ومن حمله على نفي الكمال، وقول من توقف في ذلك وذكر سبب التوقف إلى أن قال عن الذي توقف إنَّ دعوى إضمار أحدهما ليست بأولى من الآخر، قاله ابن دقيق العيد. وفي هذا نظر لأنا سلمنا تعذر الحمل على الحقيقة، فالحمل على أقربهما إلى الحقيقة أولى. ونفي الإجزاء أقرب إلى نفي الحقيقة, لأنّه السابق إلى الفهم، ولأن الكمال لا يستلزم نفي الإجزاء من غير عكس فيكون أولى. ويؤيده من رواية الإسماعيلي من طريق العباس بن الوليد عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ: لا تجزئ صلاة .... الخ (¬791). قال (ح): لا نسلم أن أقرب نفي الإجزاء أقرب إلى الحقيقة لأنّه محتمل لنفي الفضيلة، ودعوى التأييد بما ذكر مردودة لأنّه ليس فيه من القوة ما يعارض ما أخرجه الأئمة على أن ابن حبّان قد ذكر أنّه لم يقل في خبر العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة لذلك إِلَّا شعبة، ولا عنه إِلَّا وهب بن جرير. انتهى (¬792). وقوله: لا نسلم ... الخ، مكابرة وتعليله بأنّه محتمل لا يفيد لأنّ ¬

_ (¬790) عمدة القاري (5/ 291). (¬791) فتح الباري (2/ 241). (¬792) عمدة القاري (6/ 11).

خصمه يسلم له الإِحتمال، لكنه يدعي أنّه مرجوح فيقوي رجحان مقابله ولا يدفع بالصدر، ودعواه أن الرِّواية المذكورة تعارض ما في السُّنَّة عجيب، وإنّما هي مبينة للمراد منه. وقوله: على أن ابن حبّان ... الخ أعجب في العقد ما مضى، وذلك أن الكلام إنّما هو في حديث عبادة الذي أخرجه الأئمة لا في حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم ومن معه ولم يخرجه البخاريّ. ثمّ قال (ح): وقد أخرج ابن خزيمة عن محمّد بن الوليد عن سفيان حديث الباب بلفظ: "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقَراءَةِ فَاتِحَة الكِتَابِ" فلا يمتنع أن يقال: أنه نفي بمعنى النّهي: أي لا تصلوا إِلَّا بقراءة فاتحة الكتاب، وهو نظير ما رواه مسلم من حديث عائشة: "لَا صَلَاةَ بحَضْرَةِ طَعَامٍ" وهو عند ابن حبّان بلفظ: "لَا يُصَلِّ أحَدُكُمْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ" (¬793). قال (ع): هذا النظير ليس بصحيح فإن لفظ ابن حبّان: "لا يصلّي" بإثبات الياء، فهو نفي الغائب، وكلام هذا الشارح يدلُّ على أنّه لا يفرق بين النفي والنهي (¬794). والعجب منه أنّه يدعي أن لفظ ابن حبّان بإثبات الياء ليصح دعواه أنّه نفي، وفيه إشارة إلى أن الشارح نقله بدون الياء على أنّه نهي، فما وجه الدلالة على أن الشارح لا يفرق بين النفي والنهي؟!. ثمّ قوله: نفي الغائب ما الحامل له عليه مع أنّه خطاب الحاضرين سواء كان بصيغة النفي أو بصيغة النّهي. ¬

_ (¬793) فتح الباري (2/ 242). (¬794) عمدة القاري (6/ 12).

166 - باب يقرأ في الأخيرتين من الرباعية

166 - باب يقرأ في الأخيرتين من الرباعية [قال (ح): وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن حكمها حكم الأخريين من الرباعية]. قال (ع): لا يفهم في حديث الباب أن حكمها حكم الآخرتين من الرباعية (¬795). وجوابه أن الشارح السابق له لم يدع أن ذلك يفهم من حديث الباب، وعلى تقدير أن يكون في ذلك إشارة من كلامه, فيمكنه أن يقول: الأخيرتين من الرباعية هما الرّابعة، فيؤخذ حكم ثالثة المغرب باعتبار اللّفظ، ومن الرّابعة باعتبار كونها آخر ركعة من الصّلاة. ثمّ قال (ع): قال الكرماني: في الحديث حجة على من قال: أن الركعتين الأخيرتين إن شاء لم يقرأ الفاتحة فيهما. فتعقبه (ع) أن قوله في الحديث بأم الكتاب لا يدل على الوجوب انتهى (¬796). والكرماني لم يدع الوجوب حتّى يردّ عليه بهذا الكلام. ثمّ قال (ع): روى الطبراني في الأوسط عن جابر قال: سنة القراءة في ¬

_ (¬795) عمدة القاري (6/ 46) ورد بذلك على قول الحافظ في الفتح (2/ 260) وسكت عن ثالثة المغرب رعاية للفظ الحديث مع أن حكمها حكم الأخريين من الرباعية، ولا أدري هل سقط هذا من النسخ الثلاث أم تركه الحافظ، ويظهر أنّه سقط لأنّه كتب في أوله قال (ح) وقد كتبنا بدل ذلك (ع). (¬796) عمدة القاري (6/ 46).

الصّلاة أن يقرأ في الأولتين بأم القرآن وسورة، وفي الأخيرتين بأم القرآن، وهذا حجة على إمامه يعني الشّافعيّ، في جعل قراءة الفاتحة من الفروض. انتهى (¬797). وهذه الدعوى تنادى على من ادعاها بما يليق به، وأن نصّ حديث جابر مطابق لقول الشّافعيّ، وكأنّه فهم من التعبير بقوله: سنة الصّلاة إِرادة ما يقابل الفرض وهو فهم عجيب، فإن السنة الإِصطلاحية وهي ما ليس بفرض ولا واجب عند من يجمعها, ولا عند من يفرقها ليست مرادة هنا، وإنّما المراد الطريقة الشرعية وهي أعم من الفرض والنفل كقوله تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} وقد احتج من أوجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بحديث ابن عبّاس حيث قرأ الفاتحة فجهر ثمّ قال: لتعلموا أنّها سنة، إلى غير ذلك من الأدلة. ¬

_ (¬797) عمدة القاري (6/ 46).

167 - باب وضع الأكف على الركب

167 - باب وضع الأكف على الركب قال (ح): بعد أن ذكر الآثار المنقولة مرفوعها وموقوفها في تفريق الأصابع على الركب في الركوع، وأثر ابن عبّاس في التطبيق، وأثري عمر وسعد بن أبي وقّاص في أن ذلك كان أوَّلًا, ثمّ أمروا بوضع الكفين على الركبتين، وأثر علي: إنَّ شئت وضعت كفيك على ركبتيك، وإن شئت طبقت، هو ظاهر في أن عليًا كان يرى التخيير، فإما أنّه لم يبلغه النّهي كما لم يبلغ ابن مسعود، وإما أنّه بلغه لكن حمله على التنزيه لا على التّحريم (¬798). قال (ع): بعد أن استبعد كون ابن مسعود لم يبلغه النّهي لكونه قديم الإسلام، وكان صاحب نعل رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ولم يفارقه حتّى مات فحمله على أنّه لم يبلغه النّهي مع ذلك بعيد لكن يحمل إمّا على كراهة التنزيه أو التحيير يعني كعلي، لأنّ التخيير ينافي الكراهة (¬799). ثمّ ذكر جميع ما ذكره (ح) غير ناسب إليه شيئًا، فمن أراد أن ينزه بصره فليقابل كلامه بكلام السابق، وصنع في (باب يكبر وهو ينهض بين السجدتين) مثل هذا، وأسند وذكر في أول (باب سنة الجلوس) كلامًا يتعلّق بأم الدَرداء هل المراد به الكبرى أو الصغرى. واستدل (ح) على أنّها الصغرى بأن الأثر من رواية مكحول عنها وهو أدرك الصغرى ولم يدرك الكبرى (¬800). ¬

_ (¬798) فتح الباري (2/ 274) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 82 - 83). (¬799) عمدة القاري (6/ 64). (¬800) فتح الباري (2/ 305 - 306).

ورده (ع) بأن الكبرى صحابية, فالظاهر أنّها المرادة لأنّها احتج بفعلها ونسب إلى مغلطاي وابن الملقن أنّهما قالا: إنها الكبرى وليس ذلك فيما ساقه من كلامهما, مع أن (ح) أشار إلى جواب هذا, فإن البخاريّ يورد آثار فقهاء التابعين للتقوية لا للإحتجاج, وكانت القرينة الّتي ذكرها (ح) أقوى فترجح قوله (¬801). ¬

_ (¬801) عمدة القاري (6/ 101).

168 - باب الدعاء قبل السلام

168 - باب الدُّعاء قبل السّلام ذكر فيه حديث عائشة أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يدعو في الصّلاة، فذكر حديثين. قال (ح): الحديث غير مقيد بما قبل السّلام، وقد أجاب الكرماني بأن لكل مقام ذكرًا مخصوصًا فتعين هذا الدُّعاء في التشهد. كذا قال، وفيه نظر لأنّ السجود أيضًا مأمور فيه بالدعاء مع أن له ذكرًا مخصوصًا فكذلك الجلوس في آخر الصّلاة أمر فيه بالدعاء مع أن له ذكرًا مخصوصًا وهو التشهد (¬802). قال (ع): توجيه كلام الكرماني أن للصلاة قيامًا وركوعًا وسجودًا وقعودًا، فالقيام محل القراءة، والركوع والسجود لهما ذكران مخصوصان، والقعود محل التشهد، فلم يبق للدعاء محل إِلَّا بعد التشهد قبل السّلام، وبهذا التقرير يندفع قوله عقب كلام الكرماني بما ذكر. انتهى (¬803). قلت: فلينظر الناظر وينصف من الذي أمعن النظر؟ هذا مع ما في دعواه من الإِخلال بذكر الاعتدال، وبذكر الجلوس ببن السجدتين، ومع ما تضمنه كلامه أن السجود لا يشرع فيه دعاء غير ما هو مختص به مع شهرة الحديث الذي فيه: "وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيِه الرَّبَّ, وَأمَّا السُّجُودُ فَادْعُوا .... الخ". ¬

_ (¬802) فتح الباري (2/ 317 - 318). (¬803) عمدة القاري (6/ 116) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 86 - 87).

169 - باب من لم يرد السلام على الإمام

169 - باب من لم يردّ السّلام على الإمام قال (ح): في قول حديث محمود بن الربيع أنّه عقل مجة مجها رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - من دلو كانت في دارهم، بعد أن نقل قول الكرماني: كانت صفة موصوف محذوف أي من بئر كانت في دارهم، والدلو دليل عليه. قلت: الدلو يذكر ويؤنث فلا يحتاج إلى تذكير [تقدير] (¬804). قال (ع): التقدير لا بد منه لأنّ الدلو لا يكون فيه ماء إِلَّا من بئر ونحوه، كذا قال (¬805). ¬

_ (¬804) فتح الباري (2/ 354). (¬805) عمدة القاري (6/ 125).

170 - باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام

170 - باب مكث الإمام في مصلاه بعد السّلام وقال لنا آدم: حدّثنا شعبة عن أيوب عن نافع: كان ابن عمر يصلّي في مكانه الذي يصلّي فيه الفريضة. قال (ح): هذا موصول وإنّما عبر بقوله "قال لنا" لكونه موقوفًا، مغايرة بينه وبين المرفوع، هذا الذي عرفته بالاستقراء من صنيعه، وقيل:. إنّه لا يقول ذلك إِلَّا فيما حمله مذاكرة وهو محتمل، لكنه ليس بمطرد, لأنني وجدتُ كثيرًا ممّا قال فيه "قال لنا" في الصّحيح, قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة حدّثنا. وقد روى ابن أبي شيبة أثر ابن عمر من وجه آخر عن أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يصلّي سبحته مكانه (¬806). قال (ع) قال الكرماني: لم يقل حدّثنا آدم لأنّه لم يذكره لهم نقلًا وتحملًا، لكن مذاكرة ومحاورة، ومرتبته أحط درجة من مرتبة التحديث، فهذا هو الصواب، وكذا قال صاحب التوضيح إنّه من باب المذاكرة، والكرماني ما ادعى الاطراد فيه حتّى يكون هذا يحتمله، بل الظّاهر معه أنّه غير موصول ولا مسند، ولا يلزم من قوله: إنِّي وجدت كثيرًا ... الخ أن يكون قد أسْنَدَ أثر ابن عمر بصيغة التحديث، ولهذا قال صاحب التلويح إنّه تعليق (¬807). قلت: هذا الفصل ينادي على قائله بالقصور الشديد في الحديث، ¬

_ (¬806) فتح الباري (2/ 335). (¬807) عمدة القاري (6/ 138).

وذكر أنّه صوب جزم الكرماني بأن هذا مذاكرة، وليس للكرماني في ذلك مستند إِلَّا ما حكاه ابن الصلاح عن بعض الحفاظ أن البخاريّ يستعملها في المذاكرة، وعن بعض الحفاظ أنّه يستعملها للإِجازة، فرأي الكرماني أن حملها على المذاكرة أولى من حملها على الإِجازة إذ حملها على الإِجازة لا يخلو من تجوز, لأنّ الشّيخ لم يقل له هذا اللّفظ، وإنّما قال: الإِجازة الّتي اندرج فيها هذا القول محتملًا؛ بخلاف المذاكرة، والقول فيها محقق، فإذا عرف بالاستقرار أنّه يستعملها في الموقوف غالبًا، كان الظّاهر أن هذا موقوف, لأنّه موقوف ويحتمل مع ذلك أنّه حمله مذاكرة وإجازة. وأمّا قوله: إنَّ الظّاهر مع الكرماني, لأنّه غير موصول فمردود، بل هو موصول اتفاقًا إذا قلنا: إنّه مذاكرة، وأمّا إذا قلنا إنّه إجازة ففيه الخلاف، والذي استقر الأمر عليه بين المحدثين أنّه من جملة الموصول. وأمّا قوله: ولا يلزم ... الخ فهو حشو إذ لم تتقدم دعوى الملازمة، وأمّا احتجاجه بقول صاحب التلويح: إنّه تعليق، فإنّه جرى فيه على رأي ابن القطان ومن تبعه، ومع ذلك فقال ابن القطان: إنّه متصل من حيث الظّاهر

170 مكرر- من: كتاب الجمعة

170 مكرر- من: كتاب الجمعة قوله: بيد. قال (ح): وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشّافعيّ عن الربيع عنه أن معنى بيد من أجل، وكذا حكاه ابن حبّان والبغوي عن المزني عن الشّافعيّ. واستبعده عياض ولا بعد فيه، ويشهد له ما في الموطأ رواية سعيد بن عفير عن مالك بلفظ: ذلك بأنّهم أوتوا الكتاب ... الخ (¬808). قال (ع): استبعاد عياض موجه، ونفيُ هذا القائل البعد بعيد لفساد المعنى لأنّه يكون المعنى نحن السابقون لأجل أنّهم أوتوا الكتاب، وهذا ظاهر الفساد على ما لا يخفى (¬809). قلت: نعم لو إنتهى الخبر إلى هنا، وأمّا إذا انتهى إلى آخره فلا فساد، لكن وكم من عائب قولًا صحيحًا. قوله: أوتوا الكتاب. قال (ح): اللام للجنس والمراد التوَراة والانجيل (¬810). قال (ع): بل اللام للعهد، كذا قال (¬811). ¬

_ (¬808) فتح الباري (2/ 354). (¬809) عمدة القاري (6/ 163). (¬810) فتح الباري (2/ 355). (¬811) عمدة القاري (6/ 164). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 78) بعد أن ذكر قول الحافظ ابن حجر والعيني: إنا إذا تأملنا الكتب والصحف الّتي أنزلها الله على رسله نجدها كثيرة، زائدة على التوراة والإِنجيل قطعًا، ذكر المفسرون أن الكتب المنزلة على الرسل مئة كتاب وأربعة كتب، فمنها على شيت. ومنها على =

قوله: فرض الله عليهم فاختلفوا فيه. قال (ح) بعد حكايته قول النووي: يمكن أنّهم أمروا به صريحًا فاختلفوا هل يلزم بعينه أو يسوغ إبْداَلُهُ بيوم آخر؟ يشهد له ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} قال: أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه (¬812). قال (ع): فيه نظر لأنّه ظن أن الهاء للمؤنث وليس كذلك بل هي للموحدة كالتّمرة (¬813). قلت: ليس هذا النظر صحيحًا وإنّما المراد تخصيص الإبل دون البقر والغنم, لأنّ النووي حكى عن الأزهري قال: البدنة تكون من الإِبل والبقر والغنم، فأراد (ع) رد ذلك, ومع ذلك فالذي في شرح ألفاظ المزني للأزهري البونة لا تكون إِلَّا من الإِبل، وأمّا الهدي فمن الإِبل والبقر والغنم، وكأنّه سقط من الكلام شيء من النسخة الّتي نقل منها النووي. ¬

_ = إبراهيم بنص {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} ولو نظرنا إلى قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} الراجع لثمانية عشر رسولًا، ورأينا المفسرين يقولون: إنَّ المراد بالكتاب الجنس، لما فهمنا من الكتاب في الحديث إِلَّا الجنس، وإن تحقق في التوراة والإِنجيل، "بدليل اليهود غدًا والنصارى بعد" وهو قول ابن حجر: والمراد من الجنس بعض أفراده اليهود والنصارى، فيالله ما أدق نظره فافهم. (¬812) فتح الباري (2/ 355) وهنا نقص في النسخ الثلاث لا ندري مقداره، ولكن اعتراض العيني على هذا القول ناقص وهو كما في عمدة القاري (6/ 164) كيف يشهد له هذا وهم أخذوا السبت لأنّه جعله عليهم، وإن كان أخذهم بعد اختلافهم فيه، فخطؤهم في إرادتهم الجمعة، ومع هذا استقروا على السبت الذي جعل عليهم. (¬813) كما قلنا الآن هنا نقص في النسخ الثلاث، ومن النقص قول الحافظ ابن حجر الذي رد عليه العيني وهو كما في فتح الباري (2/ 367) والمراد بالبدنة هنا الناقة بلا خلاف. وانظر عمدة القاري (6/ 172).

من باب يلبس أحسن ما يجد

من باب يلبس أحسن ما يجد قال (ح): اسم أخي عمر عثمان بن حكيم [وكان أخا عمر لأمه] وقد اختلف في إسلامه (¬814). [قال (ع) بعد أن نقل كلام (ح) قلت: وفي رواية للبخاري: أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكّة قبل أن يسلم، وهذا يدلُّ على إسلامه بعد ذلك] (¬815). [قال (ح): في هذه القصة إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن السلطان إذا كان في القوم من يقوم بمصالحهم] (¬816). قال (ع): الذي يقوم بمصالحهم هو المولى عليهم من جهة السلطان. والعجب أن هذا القائل يستدل على عدم هذا الأذان بالإِيماء ويترك ما دل عليه حديث جابر رفعه: "من تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر فلا جمع الله شمله ... " الحديث وهو وإن كان ضعيفًا فله طرق، كذا قال (¬817). قال (ح): وفي الحديث إقامة الجمعة في القول خلافًا لمن شرط لها المدن. قال (ع): لا دليل على ذلك أصلًا لأنّه إنَّ كان يدعي بذلك بنفس ¬

_ (¬814) فتح الباري (2/ 374). (¬815) عمدة القاري (6/ 179) ما بين المكوفين زدناه من العمدة. (¬816) فتح الباري (2/ 381) وسقط ما بين المعكوفين من النسخ الثلاث. (¬817) عمدة القاري (6/ 191).

الحديث المتصل فلا تقوم به حجة ولا يتم وإن كان يدعى بكتاب ابن شهاب يأمر فيه لزريق بن حكيم بأنّه يجمع فلا يتم به حجة أيضًا لأنّه من أين علم أنّه أمره بذلك، سواء كان في قرية أو مدينة، وكونه كان عاملًا على أرض بعملها وكان فيه جماعة من السواد أن لا يتم استدلاله لأنّ الموضع صار في حكم المدينة لوجود المنزلي عليهم. كذا قال. من:

171 - باب الاستماع إلى الخطبة

171 - باب الاستماع إلى الخطبة قوله: "فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْمَعُونَ الذِّكْرَ". قال (ح): قالت الحنفية: يحرم الكلام من ابتداء خروج الإمام وورد فيه حديث ضعيف (¬818). قال (ع): حديث الباب هو حجة للحنيفية وحجة على غيرهم بالتأمل يدرى, كذا قال (¬819). من ¬

_ (¬818) فتح الباري (2/ 407). (¬819) عمدة القاري (6/ 230).

172 - باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين

172 - باب إذا رأى الإمام رجلًا جاء وهو يخطب أمره أن يصلّي ركعتين قال (ح): قولهم كان خاصًا يجاب بأن الأصل عدم الخصوصية (¬820) قال (ع): نعم لكن إذا كان لم يكن هناك قرينة، والقرينة هنا أنّه كان في هيئة فأراد بقوله: "قُمْ فصَلِّ" أن يراه النَّاس فيصدقوا عليه، وقيل: أنّه كان عريانًا (¬821). وقال (ح): وأمّا إطلاق من أطلق أن التحية تفوت بالجلوس فقد حكى النووي عن المحققين أن ذلك في حق العامل العالم بخلاف الجهال والناسي (¬822). قال (ع): هذا حكم بالإحتمال، وإذا كان الإحتمال لم ينشأ عن دليل كان لغوًا (¬823). قال (ح): وادعوا أنّه - صلّى الله عليه وسلم - لما خاطب سليكًا سكت عن خطبته حتّى فرغ سليك من صلاته، الخبر الوارد في ذلك ضعيف (¬824). قال (ع): هو مرسل والمرسل عندهم حجة (¬825). ¬

_ (¬820) فتح الباري (2/ 408). (¬821) عمدة القاري (6/ 232 - 233). (¬822) فتح الباري (2/ 408). (¬823) عمدة القاري (6/ 233). (¬824) فتح الباري (2/ 409). (¬825) عمدة القاري (6/ 232).

قال (ح): ودعوى ابن العربي أنّه - صلّى الله عليه وسلم - لما تشاغل بمخاطبة سليك سقط عن سليك فرض الإِستماع إِذ لم تكن حينئذ خطبة، هذا من أضعف الأجوبة لأنّ المخاطبة لما انقضت رجع - صلّى الله عليه وسلم - إلى خطبته وتشاغل سليك بامتثال ما أمره به، فصح أنّه صلّى في حال الخطبة (¬826). قال (ع): يرده ما ورد في الحديث أنّه أمسك عن خطبته حتّى فرغ من صلاته (¬827). وقال (ح): أجاب بعضهم بأن هذه القصة كانت قبل الشروع في الخطبة بدليل رواية مسلم والشعبي - صلّى الله عليه وسلم - قاعد على المنبر، وجوابه أن القعود لا يختص بالإِبتداء بل يحتمل أن يكون وقع بين الخطبتين (¬828). قال (ح) الأصل ابتداء قعوده، وأمّا زمن الخطبتين لا يسع جميع القصة (¬829). وقال (ح) أيضًا: على تقدير أن يكون في القعود الأوّل فيستوي زمن القعودين ويصح أن المخاطبة وقع بعضها في حال الخطبة، ويحتمل أن يكون الراوي تجوز في قوله قاعدًا (¬830). قال (ع): الأصل عدم التجوز (¬831). وقال (ح) أيضًا: قالوا كذلك قبل تحريم الكلام في الصّلاة، ورد بأن إِسلام سليك متأخر عن ذلك الزّمان (¬832). ¬

_ (¬826) فتح الباري (2/ 409). (¬827) عمدة القاري (6/ 233). (¬828) فتح الباري (2/ 409). (¬829) عمدة القاري (6/ 233). (¬830) فتح الباري (2/ 409). (¬831) عمدة القاري (6/ 233). (¬832) فتح الباري (2/ 410).

قال (ع): لم يدعوا أن القصة متأخرة، كذا قال (¬833). وقال (ح) أيضًا: اتفقوا على أن منع الصّلاة في الأوقات المكروهة يستوي فيه من كان داخل المسجد وخارجه، واتفقوا على أن من كان داخل المسجد يمتنع عليه التَّنَفّل حال الخطبة فليكن الداخل كذلك، كذا قال وهو قياس في مقابلة النص (¬834). قال (ع): لم يبن الطحاوي كلامه على القياس حتّى يكون ما قاله قياسًا في مقابلة النص (¬835). قال (ح): اتفقوا على أن الداخل والإمام في الصّلاة تسقط عنه التحية، والخطبة صلاة فتسقط، وتعقب بأن الخطبة ليست صلاة من كلّ وجه، والداخل مأمور بشغل البقعة بالصلاة قبل جلوسه بخلاف الداخل في حال الصّلاة لأنّه مأمور بالصلاة (¬836). قال (ع): لم يدعوا أن الخطبة صلاة من كلّ وجه، قالوا: صلاة لأنّ الصّلاة قصرت لمكانها، فمن هذه الجهة يستوي الداخل والآتي (¬837). وقال (ح) أيضًا: قال: اتفقوا على أن التحية تسقط عن الإمام مع كونه يجلس على المنبر، وكذا تقدّم الكلام في الخطبة دون المأموم، فيكون ترك المأموم التحية بطريق الأولى، وتعقب بأنّه قياس في مقابلة النص (¬838). ¬

_ (¬833) عمدة القاري (6/ 233). (¬834) فتح الباري (2/ 410). (¬835) عمدة القاري (6/ 233) وفي النسخ الثلاث "إنّما بنى الطحاوي" وهو خطأ صححناه من عمدة القاري. (¬836) فتح الباري (2/ 410). (¬837) عمدة القاري (6/ 234). (¬838) فتح البارى (2/ 410).

قال (ع): إنّما يكون القياس في مقابلة النص فاسدًا إذا كان النص سالمًا عن المعارض وليس كذلك حديث سليك، كذا قال (¬839). وقال (ح) أيضًا: قالوا: لا نسلم أن المراد بالركعتين اللتين أمر بهما سليك التحية بك يحتمل أن يكون صلاة فائتة كالصبح، وقد تولى رد ذلك ابن حبّان فقال في صحيحه: لو كان كذلك لم يتكرر أمره له بذلك مرّة بعد أخرى (¬840). قال (ع): أخذ هذا من ابن المنير المالكي فإنّه قال: لعلّه - صلّى الله عليه وسلم - كان كشف له عن سليك أن عليه صلاة فائتة فاستفهمه ملاطفة له، ولو كان أراد التحية لما استفهمه لأنّه رآه لما دخل (¬841). قال (ع): وهذه تقوية جيدة بانصاف، وما نقله عن ابن حبّان ليس بشيء، لكن تكراره يدلُّ على أنّه أمره به من الصّلاة الفائتة لأنّ التكرار لا يحسن في غير الواجب (¬842). وقال (ح) أيضًا ناقلًا عن شارح التّرمذي: كلّ من نقل عنه منع الصّلاة والإِمام يخطب محمول على من كان داخل المسجد لأنّه لم يقع عن أحد التصريح بمنع التحية (¬843). قال (ع): قد ذكرنا ما أخرج عن عقبة بن عامر أن الصّلاة والإِمام على المنبر معصية، فكيف يقول: لم يثبت عن أحد ما يخالف ذلك وأي مخالفة تكون أقوى من هذا، وأي تصريح أتقن من هذا، ولو كان عقبة قال هو ¬

_ (¬839) عمدة القاري (6/ 234). (¬840) فتح الباري (2/ 410). (¬841) عمدة القاري (6/ 235). (¬842) عمدة القاري (6/ 236). (¬843) فتح الباري (2/ 411).

مكروه لكان صريحًا فضلًا عن قوله معصية (¬844). قلت: إنّما نفى التصريح وليس هذا صريحًا لأنّه يجوز أن يحمل على من كان داخلًا لو ثبت ويحتمل أن يحمل على من صلّى والإِمام يخطب ممّن كان في المسجد قبل أن يخرج الإمام، ومن جاء بعد وصلّى التحية ثمّ جلس، ثمّ قام يصلّي في أثناء الخطبة كما يصنعه كثير من النَّاس في أثناء الخطبة الثّانية، والغرض أنّه غير ثابت لأنّه من رواية ابن لهيعة. قال (ع): ما لابن لهيعة؟ قد قال أحمد: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه؟ انتهى (¬845). ومن يصل في التعصب إلى نقل ما قيل في الراوي من التوثيق، ويسكت عما قيل فيه من التجريح يسقط الكلام معه لارتكابه الصعب مع قولهم إنَّ الجرح مقدم على التعديل، بل إذا كان مفسرًا، والواقع أن في ابن لهيعة من القدح المفسر ما يمتنع معه الاحتجاج به إذا انفرد. قال (ح): أيضًا: نقل الطحاوي عن عبد الله بن صفوان أنّه دخل المسجد وابن الزبير يخطب فاستلم الركن، ثمّ سلم عليه، ثمّ جلس، قال: وهما صحابيان فلم ينكر ابن الزبير على صفوان ولا من حضر، دل على ما قلناه، كذا قال، وتعقب أن تركهم النكير لا يدلُّ على تحريمها بل يدل على عدم وجوبها (¬846). قال (ع): هذا التعقب مردود لأنّه من ادعى تحريمها حتّى يرد ما استدل به الطحاوي ولم يقل هو ولا غيره بالحرمة، وإنّما قالوا: إنّما الداخل ¬

_ (¬844) عمدة القاري (6/ 235). (¬845) عمدة القاري (6/ 235). (¬846) فتح الباري (2/ 411).

ينبغي أن يجلس ولا يصلّي إذا كان الإمام يخطب، وقال أيضًا: المراد بحديث عقبة أنّه معصية مبالغة (¬847). وقال (ح) أيضًا: يندفع جيمع ما احتجوا به بعموم حديث أبي قتادة في الصحيحين: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ اْلمَسْجدَ فَلَا يَجْلِسَ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ". قال النووي: هذا نصّ لا يتطرق إليه التّأويل (¬848). قال (ع): قد أجبنا عن هذا بأنّه عام مخصوص، وفرق بين التّأويل والتخصيص، فإن أحدًا من المانعين لم يقل إنّه مؤول، وإنّما قالوا: مخصوص (¬849). وقال (ح) أيضًا: في حديث الباب جواز صلاة التحية في الأوقات المكروهة لأنّها إذا لم تسقط في الخطبة مع الأمر بالإِنصات فغيرها أولى. قال (ع): حديث عقبة بن عامر: "ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلّي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشّمس بازغة .... " الحديث رواه مسلم والأربعة، وعمومه يمنع سائر الصلوات، فهذه الأوقات من الفرائض والنوافل، وصلاة التحية من النوافل، كذا قال (¬850) من. ¬

_ (¬847) عمدة القاري (6/ 235). (¬848) فتح الباري (2/ 411). (¬849) عمدة القاري (6/ 235). (¬850) عمدة القاري (6/ 235).

173 - باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة

173 - باب إذا نفر النَّاس عن الإمام في صلاة الجمعة قال (ح): قول جابر: بينما نحن نصلّي .... إلى أن قال: إذ أقبلت عير تحمل طعامًا فالتفتوا إليها وفي قوله "فالتفتوا" التفات, لأنّ السياق يقتضي أن يقول فالتفتنا وكأن النكتة فيه أن جابرًا لم يكن ممّن التفت (¬851). قال (ع): ليس فيه التفات لأنّ جابرًا كان من الإِثنى عشر غير المنفضين (¬852). ¬

_ (¬851) فتح الباري (2/ 424). (¬852) عمدة القاري (6/ 246) وفي النسخ الثلاث "من المعتدين" بدل "من المنفضين" وهو خطأ. قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 93) إنَّ ظاهر الذي يعطيه التركيب والوضع أن قول جابر "فالتفتوا" إخبار عما وقع لغيره دونه، فيلزم الوقوف عند هذه الحقيقة، خصوصًا وأن الشيخين متفقان على أن جابرًا لم يكن من الملتفتين المنفضين عنه - صلّى الله عليه وسلم -، ففي مسلم في "باب الجمعة" عن جابر روايات في تعيين الباقين، ففي بعضها: منهم أبو بكر وعمر وأنا منهم، قال النووي في شرحه: وهي منقبة عظيمة لجابر، فقد ظهر أن ما قاله العيني هو الذي يظهر لكل أحد، والله أعلم.

173 مكرر- من: باب الحراب والدرق

173 مكرر- من: بَابُ الحِرَابِ وَالدَّرَقِ قال (ح): قوله: "وعندي جاريتان تغنيان". في كتاب العيدين لابن أبي الدنيا من طريق فليح عن هشام عن عروة: وحمامة وصاحبتها تغنيان، وإسناده صحيح ولم يذكر أحد من مصنفي أسماء الصّحابة حمامة هذه (¬853). قال (ع): ذكر الذهبي في التجريد حمامة أم بلال اشتراها أبو بكر وأعتقها (¬854). فانظر وتعجب فإن بعض طرق الحديث: أنّهما جاريتان من الأنصار. قوله: وكان يوم عيد يلعب فيه الحبشة. قال (ح): في رواية النسائي من طريق أبي سلمة عن عائشة: دخل الحبشة المسجد، فقال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "يَا حُمَيْرَاُء أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظرُي إِلْيهِمْ؟ " فقلت: نعم. إسنادة صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إِلَّا في هذا (¬855). قال (ع): قد روي من حديث هشام بن عروة عن أبيه قالت عائشة: أسخنت ماءً في الشّمس، فقال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "يَا حُمَيْرَاُء، فَإِنَّهُ يُورِثُ اْلَبَرصَ" وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا ففيه ذكر الحميراء (¬856). ¬

_ (¬853) فتح الباري (2/ 440). (¬854) عمدة القاري (6/ 268). (¬855) فتح الباري (2/ 44) والحديث رواه النسائي في عشرة النِّساء (75/ 1) من الكبرى. (¬856) عمدة القاري (6/ 270).

173 مكرر- من: باب العلم الذي بالمصلى

173 مكرر- من: باب العلم الذي بالمصلّى قوله: فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه قال (ح): أي يلقينه (¬857). قال (ع): تفسير يهوين بيلقين يقتضي أن يبقى يقذفنه تكرارًا بلا فائدة، كذا قال (¬858). ¬

_ (¬857) فتح الباري (2/ 466). (¬858) عمدة القاري (6/ 299).

174 - باب موعظة الإمام النساء

174 - باب موعظة الإمام النِّساء قوله: فتلقين اْلفَتَحَ. قال (ح): هومن الإِلقاء، والمعنى تلقي الواحدة وكذلك الباقيات (¬859). قال (ح): هذا تخمين وحساب، ويحتمل أن تكون غيرها، وباب الإِحتمال واسع (¬860). ¬

_ (¬859) فتح الباري (2/ 467) وفي النسخ الثلاث "الإِكفاء" بدل "الإِلقاء" وما بين المعكوفين ليس في النسخ الثلاث زدناه من الفتح وعمدة القاري (6/ 300) وجواب العيني هنا ساقط من النسخ الثلاث وهو: التركيب لا يقتضي هذا على ما لا يخفى، وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 95 - 96). (¬860) عمدة القاري (6/ 301) أو سقط قول الحافظ ابن حجر الذي رد عليه العيني من النسخ الثلاث وهو: فلا يبعد أن تكون هي التي أجابته أوَّلًا بنعم فإن القصة واحدة.

175 - باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد

175 - باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد قوله: "تُلْبسُهَا صَاحِبَتُهَا طَائِفَةً مِنْ ثَوْبهِا" ويؤخذ منه جواز اشتمال المرأتين في ثوب واحد (¬861). قال (ع): هذا الذي قاله هذا لم يقل به أحد ممّن له ذوق في معاني التركيب لأنّه ظن أن معنى قوله: "مِنْ ثَوْبِهَا" بعضًا من ثوبها، بأن تدخلها في ثوبها حتّى تصير كلتاهما في ثوب واحد، وهذا لم يقل به أحد، ويعسر ذلك عليهما جدًا في الحركة، وإنّما فسروا قوله في الحديث: "لتلبسها" يعني لتعيرها جلبابًا لا تحتاج إليها (¬862). قال: وفيه: لِيَخْرُجِ اْلعَوَاتِقُ ..... الخ. قال ابن بطّال: فيه تأكيد خروجهن إلى العيد. وقال الطحاوي: يحتمل أن يكون هذا الأمر في أول الإسلام، والناس قليل فأريد التكثير بحضورهن. ورده الكرماني بأنّه يحتاج إلى التاريخ والنسخ لا يثبت إِلَّا باليقين (¬863). قال (ح): وقد أفتت به أم عطية بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بمدة،- ولم يثبت عن أحد من الصّحابة مخالفتها في ذلك صريحًا (¬864). ¬

_ (¬861) فتح الباري (2/ 469) وفي النسخ الثلاث "ليلبسها صاحبه" وهو خطأ. (¬862) عمدة القاري (6/ 302). (¬863) عمدة القاري (6/ 303). (¬864) فتح الباري (2/ 471).

قال (ع): بل رد الكرماني مردود، وأمّا القائل فيعارض بقول عائشة: لو رأى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ما أحدث النِّساء لمنعهن ... الحديث، فكيف يقول هذا لم يثبت عن أحد من الصّحابة وأين أم عطية من عائشة؟ كذا قال (¬865). ¬

_ (¬865) عمدة القاري (6/ 303) وسقط قوله "وأمّا القائل" إلى آخره من النسخة المطبوعة من عمدة القاري فليضف من هنا.

176 - باب المشي والركوب إلى العيد

176 - باب المشي والركوب إلى العيد قال (ح): اعترض ابن التين لأنّه ليس فيما ذكره ما يدل على مشي ولا ركوب، وأجاب الزين بن المنير بأن عدم الذكر يشعر بأنّه لا مزية لأحدهما. قلت: يحتمل أن يكون استنبطه من قوله في حديث جابر وهو يتوكأ على يد بلال فإنّه يؤخذ منه أن المشي لمن يشق عليه أولى، وأنّه إذا لم يتيسر ما يركب يتوكأ لتخف عنه مشقة المشي (¬866). قال (ع) بعد أن نقل ذلك: قلت: بقي الجزء الأوّل خاليًا. ثمّ نقل كلام ابن المنير فاعترضه فقال: ليس هذا بشيء، ولكن يستأنس في ذلك قوله: وهو يتوكأ [يد] على بلال لأنّ فيه تخفيفًا عن مشقة المشي (¬867). ¬

_ (¬866) فتح الباري (2/ 451): (¬867) عمدة القاري (6/ 281 - 282).

177 - باب من خالف الطريق

177 - باب من خالف الطريق قال (ح): في سياق مناسبة مخالفة الطريق فبلغها زيادة على عشرين فحذف من هذه الأوجه ما كان واهيًا ويتبين ما عداه، وقد قال القاضي عبد الوهّاب: أكثرها دعاوي فارغة (¬868). قال (ع): لكنها اختراعات جيدة فلا تحتاج إلى دليل ولا إلى تصحيح وتضعيف (¬869). ¬

_ (¬868) فتح الباري (2/ 473) (¬869) عمدة القاري (6/ 306)

178 - من أبواب الوتر

178 - من أبواب الوتر قوله: فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: يسلم في كلّ ركعتين. قال (ح): فيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى أن يتشهد بين كلّ ركعتين, لأنّ راوي الحديث أعلم بالمراد به وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم, لأنّه يقال في الرباعية مثلًا أنّها مثنى (¬870). قال (ع): زعم هذا الحنفي بما ذكر لا يستلزم نفي السّلام، ومقصوده أن لا بد من التشهد بين كلّ ركعتين، وأمّا أنّه يسلم أو لا يسلم فهو بحث آخر، ويجوز أن يقال في الرباعية مثنى مثنى بالنظر إلى أن كلّ ركعتين منها مثنى مع قطع النظر عن السّلام (¬871). قوله: عبد الرّحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الله بن عمر رفعه: "صَلَاةُ الَّليْلِ مَثْنَى مَثْنَى" قال: ورأينا أُناسًا منذ أدركنا يوترون بثلاث، وإن كلًا لواسع. قال (ح): القاسم هذا هو ابن محمَّد بن أبي بكر الصديق وكلامه هذا هو بالإِسناد المذكور، كذلك أخرجه أبو نعيم في مستخرجه، ووهم من زعم أنّه معلق (¬872). قال (ع): الصواب مع من ادعى أنّه معلق لأنّه فصله عما قبله، ولا يلزم من استخراج أبي نعيم إياه موصولًا أن يكون هذا موصولًا (¬873). ¬

_ (¬870) فتح الباري (2/ 479). (¬871) عمدة القاري (7/ 3). (¬872) فتح الباري (2/ 485). (¬873) عمدة القاري (7/ 7).

ثمّ قال (ح): فيه: إنَّ القاسم فهم من قوله فاركع ركعة منفردة منفصلة، ولذلك قائلها يقول: يوترون بثلاث أي متصلة ورأى أن كلا جائز (¬874). قال (ع): القاسم صاحب لسان وفهم وعلم كيف ينسب إليه ما لا يدلُّ اللّفظ عليه، فإن قوله: "فاركع ركعة" أعم من أن تكون متصلة أو منفصلة، ولكن قوله: توتر لك يدلُّ على أنّه وصلها بالركعتين قبلها, لأنّ قوله ما صلّيت أي الذي صلّيت وهو ما فعل الركعة، ولا يكون ذلك وترًا إِلَّا إذا انضم إليه هذه الواحدة من غير فصل، فلو فصل لم يكن الوتر إِلَّا هذه الواحدة، كذا قال (¬875). ¬

_ (¬874) فتح الباري (2/ 485). (¬875) عمدة القاري (7/ 7).

179 - باب ليجعل آخر صلاته وترا

179 - باب ليجعل آخر صلاته وترًا وقوله: "اجْعَلوُا .... الخ". قال (ح): استدل به بعض من قال بوجوب الوتر، وتعقب بأن صلاة اللّيل ليست واجبة على من خوطب بذلك، فكذلك آخرها، والأصل عدم الوجوب حتّى يقوم دليله (¬876). قال (ع): هذا قول وَاه, لأنّ الدلائل قامت على وجوب الوتر، ثمّ سرد الأحاديث الضعيفة وشهرتها في كتب الخلاف يغني عن الإِطالة، ومما عد منها حديث علي مرفوعًا: "يَا أَهْلَ اْلقُرْآنِ أَوْتِروُا فَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحبُّ اْلوِتْرَ". وأورد كلام الخطابي وهو قوله: تخصيصه أهل القرآن بالأمر على أن الوتر غير واجب، إذ لو كان واجبًا لكان عامًا ولم يختص به الخواص دون العوام، ورده بأن أهل القرآن لغة يتناول كلّ من معه شيء من القرآن، ولو كان آية فيهم، ثمّ أورد حديث ابن مسعود مثل حديث علي وزاد فيه: فقال أعرابي:- ما تقول؟ فقال: ليس لك ولا لأصحابك (¬877). فنقض ما أسس ولم يتيقظ لذلك. قوله: إِن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - كان يوتر على البعير. قال (ح): هذا يدلُّ على كون الوتر نفلًا (¬878). ¬

_ (¬876) فتح الباري (2/ 488). (¬877) عمدة القاري (7/ 11 - 13). (¬878) فتح الباري (2/ 488).

قال (ع): يا للعجب كيف تركوا الأحاديث الدالة على وجوب الوتر فعدلوا إلي التعسف وتركوا الإنصاف لترويج ما ذهبوا إليه بغير برهان (¬879). ثم قال (ح): واستدل على أن الوتر ليس بفرض وعلى أنه لم يكن فرضه من الخصائص النبوية (¬880). قال (ع): ونحن نقول بأنه ليس بفرض ولكنه واجب، وحديث أبي قتادة مصرح بالوجوب، وفي الموطأ أن ابن عمر سئل عن الوتر أواجب؟ فقال عبد الله: قد أوتر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوتر المسلمون، وفيه دلالة ظاهرة علي وجوبه. كذا قال (¬881). قال (ع)، وأما قول ابن الجوزي لا نعلم في تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجوب الوتر حديثًا صحيحًا. قال (ع): عدم علمه لا يستلزم نفي علم غيره (¬882). قلت: وعلم غيره يحتاج لدليل وما هو الدليل. قال (ع): حديث أبي حمزة الأعور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله: قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا يدعو علي عصية وذكوان، فلما أظهر عليهم ترك القنوت. قال البزار: لا نعلم رواه عن أبي حمزة غير شريك، وأبو حمزة ضعيف، وتابعه أبو معشر وهو ضعيف. قال (ع): قد رواه أبو يعلى، وأبو معشر اسمه سويد بن يزيد احتج به الشيخان، فكيف يكون الحديث ضعيفًا؟ ¬

_ (¬879) عمدة القاري (7/ 15). (¬880) فتح الباري (2/ 489). (¬881) عمدة القاري (7/ 16) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 98). (¬882) عمدة القاري (7/ 16).

قال: وأبو حمزة قد روى عنه جماعة منهم الثّوري، وإن تكلم فيه من قبل حفظه متقوي بالمتابعة (¬883). كذا قال، وأبو معشر هنا هو الضعيف لا الذي أخرج له الشيخان (¬884) ¬

_ (¬883) الحديث رواه البزار (1/ 236) وأبو يعلى (5043) والطبراني في الكبير (9973) من رواية شريك، ورواه أبو يعلى (5029) من رواية يوسف بن يزيد عن معشر البراء عن أبي حمزة به، فإن أبا معشر تابع شريكًا ولم يتابع أبا حمزة، فبقي الحديث ضعيفًا بسبب أبي حمزة، وانظر عمدة القاري (7/ 23). (¬884) بل هو يوسف بن يزيد كما هو كذلك عند أبي يعلى.

من الإستسقاء

من الإِستسقاء 180 - باب تحويل الرداء في الإِستسقاء قوله: عبد الله بن أبي بكر أنّه سمع عباد بن تميم يحدث أباه. قال (ع): الضمير في قوله: أباه يعود على عبد الله لا على عباد. ونقل الكرماني عن بعض النسخ أنّه رأى فيها بدل قوله: أراه بضم الهمزة أي أظنه، ولم أر ذلك في شيء من الروايات الّتي اتصلت لنا (¬885). قال (ع): لا يستلزم عدم رؤيته بذلك عدم رؤية غيره، والنسخة التي اطلع عليها الكرماني أوضح وأظهر (¬886). قلت: ممّا يدل علي أنّه يتكلم بغير علم لأنّ (ح) ما نفى إِلَّا وجود ذلك في نسخة اتصلت روايته بها، فليس نفيه مطلقًا، وقد بين (ح) ما يقتضي أصحية الرِّواية المشهورة وهو ما نقله في صحيح ابن خزيمة عن سفيان قال: قلت لعبد الله بن أبي بكر حديث حدّثنا يحيى عن أبيك عن عبادة فقال: سمعت أنا من عباد يحدث عن عبد الله بن زيد فعرف أن قوله يحدث أباه بفتح الهمزة وبالموحدة هو الراجح. ¬

_ (¬885) فتح الباري (2/ 499). (¬886) عمدة القاري (7/ 34).

من- باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين

من - باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين قوله: وزاد اسباط .... الخ. قال (ع): اعترض على البخاريّ فقال الداودي: أدخل قصة المدينة في قصة قريش [وهو غلط]. وقال أبو عبد الملك: الذي زاده أسباط وهم واختلاط لأنّه ركب سند عبد الله بن مسعود علي متن حديث أنس وهو قوله: فدعا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فسقوا الغيث ... الخ، وكذا قال الدمياطي حديث ابن مسعود كان بمكة وليس فيه هذا. والعجب من البخاريّ كيف أورد هذا مع كونه مخالفًا لما رواه الثقات. قلت: لا مانع أن يقع ذلك مرتين. قال: هذا فيه نظر لا يخفى (¬887). ¬

_ (¬887) عمدة القاري (7/ 46) وفتح الباري (2/ 511)

181 مكرر - باب الإستسقاء فى المصلى

181 - مكرر - باب الإستسقاء في المصلّى قوله: حدّثنا عبد الله بن محمَّد حدّثنا سفيان عن عبد العزيز بن أبي بكر سمع عباد بن تميم عن عمه خرج النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إلى المصلّي يستسقي واستقبل القبلة فصلّى ركعتين وقلب رداءه. قال سفيان: فأخبرني المسعودي عن أبي بكر قال: جعل اليمين علي الشمال. قال (ح): قال المزي: علم له علامة التعليق في تهذيبه (¬888). قال (ع): فيه نظر والظاهر ما قاله المزي، وإنّما يصح قول (ح) لو كان قال: وقال سفيان بواو العطف ليكون عطفًا علي الإِسناد الأوّل، ولكنه قطعه عن الأوّل بالفصل فلا يفهم منه الإتصال (¬889). وقد قال ابن القطان: لا يدري عمن أخذه ولهذا لا يعدون المسعودي من رجاله. ¬

_ (¬888) فتح الباري (2/ 515) كذا في النسخ الثلاث والذي في الفتح ووهم من زعم أنّه معلق كالمزي حيث علم على المسعودي في التهذيب علامة التعليق. (¬889) عمدة القاري (7/ 50).

182 - باب من تمطر فى المطر حتى يتحادر على لحيته

182 - باب من تمطر في المطر حتّى يتحادر على لحيته قوله: تمطر. قال (ح): أليق المعاني هنا أنّه بمعنى مواصلة العمل في مهلة نحو تفكر، ولعلّه أشار إلى ما أخرجه مسلم قال: حَسَرَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - ثوبه حتّى أصابه المطر وقال: "لَأنَّهُ حَديِثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ" قال العلماء: معناه قريب العهد بتكوين ربه، وكأنّه أراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته، لم يكن اتفاقًا وإنّما كان قصدًا، فلذلك ترجم بقوله: من تمطر، أي قصد نزول المطر عليه لأنّه لو لم يكن باختياره لنزل أول ما وكف السقف، لكنه تمادى في خطبته حتّى كثر نزوله بحيث تحادر علي لحيته (¬890). قال (ع): قوله: أشار. . . . الخ ليس في حديث مسلم ما يدلُّ على مواصلة العمل في مهلة، وإنّما نبه أنّه كشف ثوبه ليصيبه المطر، وهذا لا يدلّ علي أنّه واصل وتمادى، وقصد هذا المعنى من الحديث غير صحيح، ولا وضع البخاريّ التّرجمة لهذا. وقوله: لم يكن اتفاقًا غير مسلم من وجهين: أحدهما: أن الذي تحادر إنّما كان من الماء الذي نزل من وكف السقف، وإن كان هو من المطر في الأصل، ولم يكن من المطر الذي أصاب ثوبه في حديث مسلم حاجز بينه وبين الموضع الذي وصل إليه. ¬

_ (¬890) فتح الباري (2/ 520).

والآخر: أن قوله: إنّما كان عن قصد، دعوى بلا برهان وليس في الحديث ما يدلّ على ذلك، واستدلاله على ما ادعاه بقوله لأنّه لو لم يكن باختياره لنزل لا يساعده لأنّه قد يكون لئلا تنقطع الخطبة (¬891). ¬

_ (¬891) عمدة القاري (7/ 54) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 98 - 99).

183 - أبواب الكسوف

183 - أبواب الكسوف في حديث أبي بكرة: فصلّى ركعتين، زاد النسائي: كما تصلون. قال (ح): خاطب أبو بكرة بذلك أهل البصرة، وقد كان ابن عبّاس علمهم أن صلاة الكسوف ركعتان في كلّ ركعة ركوعان. أخرجه ابن أبي شيبة وغيره ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث أبي بكرة كما سيأتي في آخر الكسوف أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم. وحديث عائشة في الصحيحين مصرح بأنّه يوم مات إبراهيم صلّى صلاة الكسوف ركعتين، في كلّ ركعة ركوعان، ويتقوى ذلك بما حمل عليه ابن حبّان والبيهقي أن معنى قوله: كما تصلون أي في الكسوف (¬892). قال (ع): لا إجمال في رواية أبي هريرة، وإنّما في حديث من قال ركوعان في كلّ ركعة زيادة ثقة، والأخذ بالزيادة أولى، والجواب أن ذلك فيما لا يخالف الأصول، ودعواهم أن القصة متحدة أبطلناها فيما مضى (¬893). ¬

_ (¬892) فتح الباري (2/ 527). (¬893) عمدة القاري (7/ 64 - 65).

183مكرر- باب الصدقة فى الكسوف

من 183 - مكرر - باب الصَّدقة في الكسوف قوله: خسفت الشّمس علي عهد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فصلّى، فيه دليل على أنّه كان على وضوء. قال: فيه نظر لأنّ في السياق حذفًا لما ثبت في رواية ابن شهاب فخرج إلى المسجد فصف النَّاس وراءه وفي لفظ: فرجع ضحى فمر بين الحجر ثمّ قام فصلّى، وإذا كانت هذه الأفعال في الخبر فحذفت، جاز أن يكون فيه فتوضأ، ولا يكون نصًا أنّه كان على وضوء (¬894). قال (ع): هذا الذي ذكره لا يدلُّ على أنّه كان على وضوء أو لم يكن، ولكن حالة وجلالة قدره يستدعي كونه محافظة الوضوء (¬895). قوله: فخطب النَّاس. قال: والعجب أن مالكًا روى حديث هشام بن عروة وفيه التصريح بالخطبة ولم يقل به أصحابه. قال (ح): اللام فيه للعهد أي الصّلاة الّتي تقدمت على الخطبة وهي الصّلاة الخاصة، ولم يصب من استدل به على مطلق الصّلاة (¬896). قال (ع): الذي استدل به على مطلق الصّلاة هو المصيب، لأنّ ¬

_ (¬894) فتح الباري (2/ 530). (¬895) عمدة القاري (7/ 70). (¬896) فتح الباري (2/ 534).

الصّلاة إذا ذكرت تنصرف إلى الصّلاة المعهودة فيما بينهم ولا تذهب الأذهان إلى خلاف ذلك. فالعجب من غير المصيب يردّ كلام المصيب (¬897). قوله: وكان يحدث كَثِيرُ بْنُ عبّاس، إلى أن قال: قال يعني عروة أجل يعني أخاه عبد الله بن الزبير أخطأ السُّنَّة. قال (ح): اعترض بعض الحنفية بأن عروة تابعي وعبد الله صحابي، فالأخذ بقوله أولى، وجوابه: أن صنيع عبد الله وإن تأدى به أصل السُّنَّة لكونه قصر عن كمال السُّنَّة، فيحتمل أن يكون لم يقصد ذلك لكونها لم تبلغه (¬898). قال (ع): عروة أحق بالخطأ من عبد الله الصاحب الذي عمل بما علمَ، وعروة أنكر ما لم يعلم، ولا نسلم بجزم أنّها لم تبلغه لاحتمال أنّه بلغه خبر عائشة فاختار حديث أبا بكرة لموافقته القياس (¬899). ¬

_ (¬897) عمدة القاري (7/ 74). (¬898) فتح الباري (2/ 535). (¬899) عمدة القاري (7/ 75).

184 - باب صلاة الكسوف جماعة

184 - باب صلاة الكسوف جماعة قال (ح): يعني وإن لم يحضر الإِمام (¬900). قال (ع): إذا لم يكن الإِمام حاضرًا كيف يصلون جماعة، ولا تكون الصّلاة بالجماعة إِلَّا إذا كان فيهم إمام، فإن لم يكن إمام وصلوا فرادى، لا يقال صلوا بجماعة وإن كانوا جماعات (¬901). فانظروا وتعجبوا فهم هذا المعترض، وإنّما أراد (ح) بقوله: وإن لم يحضر الإِمام السلطان، فأطال (ع) في الرد في غير طائل، فترى كيف خفي عليه إمكان أن يقدموا واحدًا منهم فيصير إمامًا بناء على أن المنفي عموم الإِمام، وإنّما المنفي الإِمام الخاص، والمراد الرد على من اشترط في صلاة الكسوف أن لا يصلّيها بالناس إِلَّا الإِمام الذي يصلّي الجمعة والعيدين. ¬

_ (¬900) فتح الباري (2/ 540). (¬901) عمدة القاري (7/ 81).

185 - باب الصلاة فى خسوف القمر

من 185 - باب الصّلاة في خسوف القمر ذكر فيه حديث أبي بكرة: انكسفت الشّمس على عهد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فصلّى ركعتين. قال (ح) حكى ابن التين أنه وقع في رواية الأصيلي فقال: انكسفت القمر. انتهى، وهو تغيير لا معنى له وكأنّه عسرت عليه مطابقة الحديث للترجمة فظن أن لفظه مغير فغيره هو إلى باطنه صوابًا وليس كذلك، فإنّه أخرج هذا الحديث هنا من طريق أشعث عن الحسن عن أبي بكرة هكذا مختصرًا، ثمّ أورده مختصرًا ثمّ أورده مطولًا من طريق يونس عن الحسن وفيه من الزيادة: "إنَّ الشَّمْسَ وَاْلقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وإنَّهُمَا لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ، فَإنْ كَان ذَلِكَ فَصَلوُّا". ووقع عند ابن حبّان من هذا الوجه: "فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ" فدخلت فيه الصّلاة في كسوف القمر طبق التّرجمة (¬902). قال (ع): هذا بعيد لأنّ الذي نقل هذا نسبه إلي رواية الأصيلي، والذي قاله هذا إنّما يتوجه لو عرف المغير ووقع اطباقهم على تغييره على أنّه لا فساد فيه من جهة المعنى ولا اللّفظ. ¬

_ (¬902) فتح الباري (2/ 547 - 548) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص103).

وأمّا قوله: إنَّ المطابقة بهذا الطريق المختصر تؤخذ من مطوله. . . . . . الخ ففيه أيضًا ما فيه، وليس ما بين الحديث والترجمة مطابقة أصلًا ظاهرًا إِلَّا إذا اعتمدنا على ما نقله ابن التين عن الأصيلي. فيكون الناسخ بدل لفظ الشّمس بالقمر واستمر عليه (¬903). ¬

_ (¬903) عمدة القاري (7/ 90).

186 - باب سجود القرآن

من 186 - باب سجود القرآن قوله: عزائم السجود. قال (ح): جمع عزيمة وهي التي أكدت بمثل صيغة الأمر (¬904). قال (ع): التمثيل بصيغة الأمر لا يصح لأنّ الأمر يختلف فتارة يدلُّ على الإِستحباب وغير ذلك (¬905). ¬

_ (¬904) فتح الباري (2/ 552). (¬905) عمدة القاري (7/ 98).

187 - باب من قرأ السجدة ولم يسجد

من 187 - باب من قرأ السجدة ولم يسجد قوله: عن عطاء بن يسار أنّه أخبره أنّه سأل زيد بن ثابت فزعم أنّه قرأ الحديث. حذف المسؤول عنه، وظاهر السياق يوهم أن المسؤول عنه السجود في النجم وليس كذلك، وقد بينه مسلم عن علي بن حجر وغيره عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإسناد قال: سألت زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنّه قرأ والنجم ... الحديث، فحذف المصنف الموقوف لأنّه ليس من غرضه هنا، ولأنّه يخالف زيد بن ثابت في ترك القراءة خلف الإمام .... الخ (¬906). قال (ع): هذا مردود من وجوه:- الأوّل: قوله: يوهم، ليس كذلك بل تحقق أن المسؤول عنه السجود في النجم، وذلك لأنّ حسن ترتيب الكلام أن يكون بعضه ملتئمًا بالبعض، ورواية البخاريّ هكذا تقتضي ذلك. الثّاني: قوله: ليس من غرضه، كلام واه [لأنّه يقتضي أن يكون البخاريّ يتصرف في متن الحديث بالزيادة والنقصان] وهو برئ من ذلك، وإنّما البخاريّ روى هذا الحديث عن أبي الربيع سليمان، ومسلم روى عن أربعة أنفس يحيى بن يحيي، ويحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد وعلي بن ¬

_ (¬906) فتح الباري (2/ 555).

حجر وهم وسليمان اتفقوا على روايتهم عن إسماعيل بن جعفر، فسليمان روى عنه بالسياق المذكور، والأربعة رووا عنه بالزيادة المذكورة، وما الداعي للبخاري أن يحذف تلك الزيادة لأجل غرضه فلا ينسب ذلك إلي البخاريّ وحاشاه من ذلك. الثّالث: وقوله: لأنّه يخالف زيد بن ثابت، مردود أيضًا، لأنّ مخالفته لزيد بن ثابت في ترك القراءة خلف الإمام لا يستدعي حذف ما قاله زيد بن ثابت، لأنّ هذا الموضوع ليس فيه بيان قراءة المقتدي خلف الإمام، وإنّما الكلام والترجمة في السجدة في سورة النجم، وليس من الأدب أن يقال: يخالف البخاريّ مثل زيد بن ثابت كذا بالتصريح، حتّى لو سئل البخاريّ أنت تخالف زيد بن ثابت في قوله في هذا لكان يقول زيد بن ثابت ذهب إلي شيء لما ظهر عنده، وإنّما ذهبت إلى شيء لما ظهر عندي فيراعي الأدب ولا يصرح بالمخالفة ... الخ (¬907). ¬

_ (¬907) عمدة القاري (7/ 103 - 104) وما بين المعكوفين ساقط من النسخ الثلاث ولا يتم الكلام إِلَّا به، فزدناه من العمدة.

188 - باب من سجد لسجود القارئ

188 - باب من سجد لسجود القارئ قال (ح): في التّرجمة إشارة إلى أن القارئ إذا لم يسجد لم يسجد السامع (¬908). قال (ع): ليس كذلك لأنّ تعلّق السجدة بالسامع سواء كان من حيث الوجوب أو من حيث السُّنَّة لا يتعلّق بسجدة القارئ بل بسماعه يجب عليه أو يسن على الخلاف، سواء سجود القارىء وعدمه (¬909). ¬

_ (¬908) فتح الباري (2/ 556). (¬909) عمدة القاري (7/ 106).

189 - باب من رأى أن الله لم يوجب السجود

من 189 - باب من رأى أن الله لم يوجب السجود قوله: وقال الزّهريُّ: لا يسجد إِلَّا إن كان طاهرًا .... الخ. قال (ح): قيل ليس هذا بدال علي عدم الوجوب لأنّ المدعي يقول: علّق [فعل السجود من القارئ والسامع] علي شرط وهو وجود الطّهارة، فحيث وجد الشرط لزم (¬910). قال (ع): هذا كلام واه، كيف ينقله من له وجه إدراك, لأنّ أحدًا هل قال يلزم من وجود الشرط وجود المشروط والشرط خارج عن الماهية، والوجوب وعدم الوجوب يتعلّق بالماهية لا بالمشرط وغايته أنّه إذا ثبت وجوبه يشترط له الطّهارة. ثمّ قال (ح): والجواب أن موضع التّرجمة من هذا الأثر قوله: فإن كنت راكبًا فلا عليك حيث كان وجهك، لأنّ هذا دليل النفل، إذ الواجب لا يؤدى على الدابة في الأمن. قال (ع): كيف يطابق هذا الجواب لقول هذا القائل المذكور وبينهما بعد عظيم يظهر بالتأمل (¬911). قوله: وزاد نافع عن ابن عمر قال: إنَّ الله لم يفرض علينا السجود إِلَّا أن نشاء. ¬

_ (¬910) فتح الباري (2/ 558). (¬911) عمدة القاري (7/ 109).

قال (ح): هذا مقول ابن جريح والخبر موصول بالإِسناد الأوّل، وقد بين ذلك عبد الرزّاق، قال في مصنفه: عن ابن جريج أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة، فذكر الأوّل ثمّ قال: قال ابن جريج: وزادني نافع عن ابن عمر. وكذا رواه الإِسماعيلي والبيهقي وغيرهما من طريق حجاج بن محمَّد عن ابن جريج، وزاد نافع فذكره، وفي هذا رد على الحميدي في زعمه أنّه معلق، وكذا علم عليه المزي علامة التعليق وتبعه الكرماني وهو وهم (¬912). قال (ع): هذا القائل هو الذي يرد عليه، وهو الذي وهم، لأنّ الذي زعمه لا يقتضيه رواية عبد الرزّاق لأنّها تشعر بخلاف ما قاله لابن جريج يقول: زادني نافع عن ابن عمر، معناه أنّه زادني على روايتي عن أبي بكر. والمزيد هو قول ابن عمر أي قوله: إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ ... الخ وهو ينادي بصوت عال أنّه موقوف مثل ما قال الكرماني ومعلق، مثل قال الحافظان الكبيران الحميدي والمزي فبمثل هذا التصرف يتعسف بالرد عليهما (¬913) قلت: الدّليل لا يطابق الدعوى، لأنّ النزاع في سند ابن جريج هل علقه البخاريّ أو هو موصول بالإسناد الذي قبله، وليس النزاع في أنّه مرفوع أو موقوف، فقوله: موقوف، مثل ما قال الكرماني حشو مع أنّه وإن كان ظاهره الوقف لكن له حكم الرفع, لأنّ عمر لا يقول: إنَّ الله لم يفرض علينا، معناه لم يفرض علينا على لسان رسوله. وقوله: معلق مثل ما قال الحافظان تقليد محض وتمسك بالجاه في موضع إقامة الدّليل، فقد ظهر من رواية حجاج بن محمَّد وعبد الرزّاق عن ابن جريج أن هشام بن يوسف عطف رواية ابن جريج عن نافع على رواية ابن جريج عن أبي بكر بن أبي مليكة. ¬

_ (¬912) فتح الباري (2/ 559). (¬913) عمدة القاري (7/ 110).

والعجب أن في كلام (ع) ما يدل على تسليم هذا القدر ثمّ حاد عنه لما شرع في الإِعتراض. قال (ح): وقول عبد الزراق في رواية أنّه قال: الضمير في أنّه لعمر أشار إليه التّرمذيّ في جامعة بحيث نسب ذلك إلى عمر في هذه القصة بصيغة الجزم (¬914). قال (ع): لم يجزم التّرمذيّ بذلك ولا ذكر ما زاده نافع لابن جريج، وإنّما لفظ التّرمذيّ: احتجوا بحديث عمر أنّه قرأ سجدة على المنبر فنزل فسجد، ثمّ قرأها في الجمعة الثّانية، فتهيأ النَّاس للسجود، فقال: لم تكتب علينا إِلَّا أن نشاء فلم يسجد، فلينظر من له بصيرة وذوق من دقائق تركيب الكلام هل تعرض التّرمذي إلى زيادة نافع عن ابن عمر، أو ذكر أن الضمير لعمر؟ لو كان قال مثل ما روى نافع عن ابن عمر، ذكر التّرمذيّ عن عمر مثله لكان له وجه (¬915). قال (ح): واستدل بقوله: لم يفرض علينا على عدم وجوب سجدة التلاوة، وأجاب بعض الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب، وتعقب بأنّه اصطلاح لهم حادث وهو أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي والواجب ما ثبت بدليل ظني، وما كان الصّحابة يفرقون بينهما، ويغني عن هذا قول عمر بعد: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، فإن نفي الإِثم عن ترك الفعل مختار يدلُّ على عدم وجوبه (¬916). قال (ع): نحن نقول أيضًا: لم يفرض علينا ولكنه واجب، وأمّا التعقب فلا نسلم أنّه اصطلاح حادث، فكيف يقال إنّه حادث وأهل اللُّغة ¬

_ (¬914) فتح الباري (2/ 559). (¬915) عمدة القاري (7/ 111). (¬916) فتح الباري (2/ 559).

قد فرقوا بين الفرض والواجب، ومنكر هذا معاند ومكابر، والأحكام الشرعية إنّما تؤخذ من الألفاظ اللغوية. وأمّا قوله: وما كان الصّحابة يفرقون، سوى دعوى بلا برهان، والصحابة هم كانوا أهل اللُّغة والتصرف في الألفاظ العربيّة، وهذا القول فيه نسبة الصّحابة إلى عدم المعرفة بلغات لسانهم. وأمّا قوله: فيغني عن هذا. . . . . . الخ فقد أجبنا عنه بأن المراد لا إثم عليه في تأخيره عن وقت السماع كذا (¬917). قال (ح) واستدل بقوله: إِلَّا أن نشاء أن المراد فخير بين السجود وعدمه فيكون ليس بواجب، وأجاب من أوجبه بأن المعنى إِلَّا أن نشاء قراءتها، فيجب ولا يخفى بعده، ويرده قول عمر في رواية الموطأ لم يكتبها علينا إِلَّا أن نشاء. وقرأها ولم يسجد ومنعهم. وقوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه (¬918). قال (ع): لا شك أن مفعول من نشاء محذوف فيحتمل السجدة ويحتمل القراءة فلا ترجيح إِلَّا بمرجح، كذا قال (¬919). ¬

_ (¬917) عمدة القاري (7/ 111). (¬918) فتح الباري (2/ 559). (¬919) عمدة القاري (7/ 111).

من أبواب التقصير

من أبواب التقصير من 190 - باب الصّلاة بمنى قوله: صلّى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات، فسئل في ذلك ابن مسعود فاسترجع .... الخ. قال (ح): هذا الحديث يدل على أن ابن مسعود كان يرى الإِتمام جائزًا وإلا لما كان له حط من الأربع ولا من غيرها، فإنها تكون فاسدة كلها وإنّما استرجع لما وقع عنده من مخالفة الأولى. ويؤيده ما أخرجه أبو داود أن ابن مسعود صلّى أربعًا، فقيل له: عبت على عثمان ثمّ صلّيت أربعًا؟ فقال: الخلاف شر، وهذا يدلُّ على أنّه كان لا يعتقد أن القصر واجب كما قال الحنفية (¬920). قال (ع): هذا القائل تكلم بما يوافق غرضه، فقد قال الداودي أن ابن مسعود كان يرى القصر فرضًا، وأمّا قول ابن مسعود: الخلاف شر، فلو لم يكن القصر عنده واجبًا لما استرجع، ولما أنكر قوله: صلّيت مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين (¬921). ¬

_ (¬920) فتح الباري (2/ 564 - 565). (¬921) عمدة القاري (7/ 122).

191 - باب في كم تقصر الصلاة

من 191 - باب في كم تقصر الصّلاة قوله: وسمى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يومًا وليلة سفرًا. قال (ح): بناؤه على أن أقل ما ورد في منع المرأة من السَّفر بدون زوج أو محرم يوم وليلة، وتعقب فإن في بعض طرقه بريد (¬922). قال (ع): ليس فيه تعقب لأنّ هذا مختاره من الأقوال الواردة في هذا الحكم وهو يوم وليلة، ولا يقال في بعضهما يوم فقط بدون ليلة لأنا نقول إذا ذكر اليوم مطلقًا يراد بها الكامل وهو اليوم بليلته (¬923). قال (ح): في الموطَّأ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنّه كان يقصر في مسيرة اليوم التام، وهذا يشكل علي الحنفية لأنّهم تمسكوا لقولهم بأن مسافة القصر ثلاثة أيّام لحديث. ابن عمر في الباب، مع أن الثابت عن ابن عمر يوم تام، وعندهم العبرة بما رأى الصحابي لا بما روى (¬924). قال (ع): لا إشكال فيه لأنّ هذا لا يشبه أن يكون رأيًا إنّما يشبه أن يكون توقيفًا على أن أصحابنا اختلفوا في هذا الباب يعني مسافة القصر اختلافًا كثيرًا، ثمّ أوردها من كتب أصحابهم (¬925). ¬

_ (¬922) فتح الباري (2/ 566). (¬923) عمدة القاري (7/ 125). (¬924) فتح الباري (2/ 566 - 567). (¬925) عمدة القاري (7/ 125).

192 - باب ينزل للمكتوبة

192 - باب ينزل للمكتوبة قال (ح) في حديث ابن عمر: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يسبح على الراحلة ... الخ: التسبيح حقيقة في قول سبحان الله، ومعناه تنزيه الله عن النقائص، وقد يطلق التسبيح على الصّلاة وهو من إطلاق البعض على الكل (¬926). قال (ع): ليس كما قال، إنّما التسبيح تنزيه الله، ثمّ يطلق على غيره من أنواع الذكر، ويطلق على صلاة التطوع سبحة من قبيل إطلاق الجزء على الكل (¬927). ¬

_ (¬926) فتح الباري (2/ 575). (¬927) عمدة القاري (7/ 140 - 141) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 105).

193 - باب الإيماء على الدابة

من 193 - باب الإِيماء على الدابة قوله: يسبح يومىء برأسه. قال (ح): التسبيح من قوله سبحان الله، فإذا أطلق على الصّلاة كان من إطلاق البعض على الكل، ولأن المصلّي ينزه الله تعالى بإخلاص العبادة، والتسبيح التنزيه ثمّ يطلق مجازًا على أنواع الذكر كالتحميد والتمجيد وغيرهما، وقد يطلق على صلاة التطوع وهو مجاز من إطلاق الجزء على الكل وعليه بيان الملازمة التي ذكرها (¬928). ¬

_ (¬928) كذا هو في النسخ الثلاث من قوله "من باب الإِيماء على الدابة" إلى قوله الّتي ذكرها وأظنه خطأ من النساخ: أوَّلًا: لأنّه لا خلاف بين الحافظ ابن حجر والعيني في شيء من باب الإيماء على الدابة. ثانيًا: أن قوله: قوله يسبح يومئ برأسه إلى آخر قول الحافظ تكرار لما سبق آنفًا قبله، ثمّ فيه تخليط بين قول الحافظ والعيني يعرف ذلك من مراجعة الباب قبله.

194 - باب ينزل للمكتوبة

من 194 - باب ينزل للمكتوبة فذكر حديث جابر. قال (ح): استدل به على أن الوتر ليس بواجب عليه - صلّى الله عليه وسلم - (¬929). قال (ع): كان له أن يصلّي ما هو فرض على الراحلة إذا شاء (¬930). ¬

_ (¬929) فتح الباري (2/ 576). (¬930) عمدة القاري (7/ 141).

195 - باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع

من 195 - باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع قوله: أو يقيم تردد فيه ابن بطّال. قال (ح): لعلّه أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث ابن عمر، ففي الدارقطني من طريق عمر بن محمَّد بن زيد عن نافع عن ابن عمر في قصة جمعه بين المغرب والعشاء فنزل فأقام الصّلاة وكان لا يتأدى بشيء من الصّلاة في السَّفر ... الحديث (¬931). قال (ع): هذا كلام بعيد لأنّه كيف يضع ترجمة وحديث بابها لا يدل عليه صريحًا ويشير بذلك إلى حديث ليس في كتابه (¬932). ¬

_ (¬931) فتح الباري (2/ 581). (¬932) عمدة القاري (7/ 153) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 15 - 106).

196 - باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس

من 196 - باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشّمس كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشّمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثمّ نزل فجمع بينهما. قوله: فإن زاغت الشّمس قبل أن يرتحل صلّى الظهر ثم ركب. قال (ح): مقتضاه أنّه كان لا يجمع بين الصلاتين إِلَّا في وقت الثّانية منهما وبه احتج من منع جمع التقديم (¬933). قال (ع): لا نسلم أن مقتضى الحديث ما ذكره، بل مقتضاه والذي يقتضيه التركيب أنّه لا يجمع إذا ارتحل بعد ما زاغت الشّمس بل يصلّي الظهر في وقته، لأنّ الأصول تقتضي ذلك، كذلك، وعن هذا حكي عن أبي داود أنّه قال: ليس في تقديم الوقت حديث قائم (¬934). ثمّ قال (ح): روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال: كان إذا كان في سفر فزالت الشّمس صلّى الظهر والعصر جميعًا ثمّ ارتحل. وساق الكلام على ذلك بطوله فأغار (ع) وتصرف فيه حتّى كاد يعكسه فلله الأمر (¬935). ¬

_ (¬933) فتح الباري (2/ 583). (¬934) عمدة القاري (7/ 156). (¬935) فتح الباري (2/ 583) وعمدة القاري (7/ 156).

197 - باب التهجد من الليل

197 - باب التهجد من اللّيل قال (ح) في الكلام على حديث ابن عبّاس في قيام اللّيل من رواية سفيان بن عيينة عن سليمان بن مسلم عن طاووس عن ابن عبّاس، في آخره قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: هذا موصول بالإِسناد الأوّل ووهم من زعم أنّه معلق. وقد بين ذلك الحميدي في مسنده قال: حدّثنا سفيان حدّثنا سليمان الأحول خال ابن أبي نجيح قال: سمعت طاووسًا ... فذكر الحديث إلى أن قال: قال سفيان، وزاد فيه عبد الكريم ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله ولم يقلها سليمان. انتهى. وكذلك أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق إِسماعيل القاضي عن علي شيخ البخاريّ فيه فقال في آخره: قال سفيان: وكنت إِذا قلت لعبد الكريم آخر حديث سليمان ولا إِله غيرك، قال: ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله، قال سفيان: وليس هو في حديث سليمان. انتهى (¬936). ومقتضى ذلك أن عبد الكريم لم يذكر إسناده في هذه الزيادة لكنه على الإحتمال، وأمّا قول سفيان فلم يقلها سليمان فحمل على أنّه لم يسمعها منه ولا يلزم من عدم سماعه أن لا يكون حدث بها في نفس الأمر، وقد وهم بعض أصحاب سفيان فأدرجها في حديث سليمان أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمَّد بن عبد الله بن عمر عن سفيان، فذكر لا حول ¬

_ (¬936) فتح الباري (3/ 5).

ولا قوة إِلَّا بالله في آخر الحديث بغير تفصيل، وليس لعبد الكريم أبي أمية وهو ابن أبي المخارق في صحيح البخاريّ إِلَّا هذا الموضع، ولم يقصد البخاريّ التخريج له فلأجل ذلك لا يعدونه في رجاله، وإنّما وقعت عنه زيادة في الخبر غير مقصودة لذاتها، كما تقدّم مثله للمسعودي في الإِستسقاء، وكما سيأتي نحوه للحسن بن عمارة في البيوع، وعلم المزي على هؤلاء علامة التعليق، وليس بجيد, لأنّ الرِّواية عنهم موصولة إِلَّا أن البخاريّ لم يقصد التخريج عنهم (¬937). قال (ع): بين قوله: ولم يقصد البخاريّ التخريج له ... الخ وبين قوله هذا موصول بالإِسناد الأوّل تناقض لا يخفى (¬938). قلت: لولا أنّه خفي عليه لبينه ولا تناقض هنا، لأنّه لا ملازمة بين موصول ومقصود، فإثبات كونه موصولًا لا ينفي كونه وقع عن غير قصد إليه، واحتج (ع) بقول المقدسي في رجال الصحيحين أن البخاريّ أخرج لعبد الكريم بن أبي المخارق في الحجِّ من روايته عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن علي في جِلَال البُدْنِ وكذا أخرج له مسلم. قال (ع): فهذا المقدسي يصرح بأن عبد الكريم من رجال البخاريّ وفيه رد لقول (ح) أنّه ليس له في البخاريّ إِلَّا هذا الموضع. قلت: الذي قاله المقدسي مردود، فإن رواية عبد الكريم هذه وقعت في الحجِّ من صحيح البخاريّ في بابين:- أحدهما: باب يتصدق بجلود الهدي، فأخرج من طريق ابن جريج، أَخْبَرَنِي الحسن بن مسلم وعبد الكريم الجزري أن مجاهدًا أخبرهما ... فذكر الحديث. ثانيهما: في باب لا يعطي الجزار من الهدي شيئًا، من طريق سفيان ¬

_ (¬937) فتح الباري (3/ 5). (¬938) عمدة القاري (7/ 168).

الثّوريّ عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بسنده إلى آخر الحديث. قال سفيان: وحدثني عبد الكريم عن مجاهد بسنده، وذكر الحديث بمعناه ولم ينسب عبد الكريم، وقد أخرجه الإِسماعيلي من طريق ابن علية عن سفيان الثّوريّ فقال: عن عبد الكريم الجزري وظهر وهم المقدسي حيث ظن أن عبد الكريم هنا هو ابن أبي المخارق، وإنّما هو في الموضعين الجزري الثقة. وأمّا مسلم فإنّه أخرج الحديث من طريق ابن أبي نجيح عن عبد الكريم. ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد. ومن طريق ابن حقوة عن عبد الكريم عن مجاهد ولم ينسبه، وفي سياقه ما يؤخذ منه أنّه الجزري، فهذا بيان واضح في أن عبد الكريم إنّما هو الجزري لا عبد الكريم بن أبي المخارق والله أعلم.

198 - باب طول القيام في صلاة الليل

198 - باب طول القيام في صلاة اللّيل ذكر فيه حيث عبد الله وهو ابن مسعود: صلّيت مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يزل قائمًا ..... الحديث. ثمّ حديث حذيفة: كان إذا قام للتهجد من اللّيل يشوص فاه بالسواك. قال (ح): في مناسبة حديث حذيفة للترجمة بعد أن نقل كلام ابن بطّال، وحاصله أن ذكره غلط من الناسخ أو من المصنف لكون الموت أعجله عن تهذيب كتابه. ثمّ كلام ابن المنير وحاصله احتمال أن يكون أشار بذكر حذيفة هذا إلى حديثه الذي أخرجه مسلم، ففيه أنّه قرأ في الركعة البقرة والنساء وآل عمران ... الحديث، وكأنّه يقول هو حديث واحد قطعه الراوي، أو لأنّ السؤال من كمال الهيئة للتأهب لتلك العبادة فيناسب التطويل إذ لو كان المراد التَّنَفّل الخفيف لم يعتن النّبيّ له هذا الإِعتناء, ثمّ كلام البدر بن جماعة نحو كلام ابن المنير، ثمّ نقحه (ح) بأن [يكون] بيض لترجمة حديث حذيفة ليكتب ما يناسب حديثها، فضم الكاتب بعده الحديث إلى الحديث الذي قبله (¬939). ¬

_ (¬939) فتح الباري (3/ 19 - 20).

قال (ع): كلّ هذه تعسفات لا طائل تحتها ولا سيما الأخير لأنّ تبيض التّرجمة لحديث حذيفة لا وجه له أصلًا. ثمّ قال: ولكن المناسبة أن التّرجمة في طول القيام في صلاة اللّيل، وحديث حذيفة فيه القيام للتهجد، والتهجد في اللّيل غالبًا يكون بطول الصّلاة، وطول الصّلاة غالبًا يكون بطول القيام فيها وإن كان يقع أيضًا بطول الركوع والسجود (¬940). ¬

_ (¬940) عمدة القاري (7/ 186) وما بين المعكوفين من العمدة

199 - باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل

199 - باب قيام النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - باللّيل قوله: عقب حديث محمَّد بن جعفر عن حميد عن أنس تابعه سليمان وأبو خالد الأحمر عن حميد. قال (ح): يحتمل أن يكون سليمان هو ابن بلال، ويحتمل أن تكون الواو زائدة من الناسخ فإن أبا خالد الأحمر اسمه سليمان (¬941). قال (ع): هذا الكلام غير موجه لأنّ زيادة واو العطف نادرة بخلاف الأصل سيما الحكم بذلك بالإِحتمال فلا يلزم من كون اسم أبي خالد سليمان أن يكون سليمان المعطوف عليه إياه (¬942). قلت: انظر هل يلاقي هذا الإِعتراض كلام (ح) وهل حكم بذلك أو ادعى الملازمة، ومن يصل الإِعتراض إِلَّا هذا الحدّ كيف لا يكف نفسه عند الغضب حتن لا يقع في هذه المضاحك الّتي لا يرضى بها من ابتدأ التعلم عند المؤدب. ثمّ قال (ع): أمّا متابعة سليمان فقال البخاريّ في كتاب الصوم في باب ما يذكر من صوم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. حدثني عبد العزيز بن عبد الله، حدثني محمّد بن جعفر عن حميد عن أنس، كذا بخطه أن أنسًا يقول: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يفطر من الشهر .... الحديث الخ. قال: سليمان عن حميد أنّه سأل أنسًا في الصوم، وذكر خلف أن سليمان ¬

_ (¬941) فتح الباري (3/ 23). (¬942) عمدة القاري (7/ 192).

هو ابن هلال، وأمّا متابعة أبي خالد فقد ذكره البخاريّ في كتاب الصِّيام (¬943). قلت: انظروا هل يستفاد من هذه الرِّواية إثبات المدعي أن سليمان هو ابن بلال؟! وهل زاد هذا الموضع الذي في الصِّيام على الموضع الذي في الصّلاة أو هو بعينه مع نقصه عنه؟ فإن السند في الموضعين واحد والتعليق عن سليمان كذلك لكنه في الصّلاة أبسط سياقًا مع زيادة تعليق أبي خالد. ¬

_ (¬943) عمدة القاري (7/ 192).

200 - باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل

200 - باب عقد الشيطان على قافية الرّأس إذا لم يصل باللّيل ذكر حديث يعقد الشيطان .... الحديث، واعترض بأن الخبر مطلق والترجمة مقيدة [وأجيب بأن مراده أن] استدامة العقد إنّما تكون على ترك الصّلاة. قال (ح): يحتمل أن تكون الصّلاة الّتي نفاها صلاة العشاء، ويؤيده قوله في الحديث الذي بعده عن الصّلاة المكتوبة (¬944). قال (ع): لا قرينة لتقييدها بالعشاء (¬945). قلت: وهي مكابرة. قوله: ¬

_ (¬944) فتح الباري (3/ 24) وما بين المعكوفين مكانه بياض في النسخ الثلاث زدناه من العمدة. وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 107). (¬945) عمدة القاري (7/ 192).

201 - باب فضل الطهور بالليل والنهار

201 - باب فضل الطّهور باللّيل والنهار قوله: أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إِلَّا صلّيت. قال (ح): يؤخذ منه جواز صلاة الوضوء في الأوقات المكروهة لعموم قوله ساعة (¬946). قال (ع): ليس عمومه بأولى من عموم النّهي وقد قال ابن التين: ليس فيه ما يقتضي الفورية (¬947). وقال (ع): يجوز أن يكون إخبار النّهي بعد قصة بلال (¬948). قال (ح): قد أخرج التّرمذيّ وابن خزيمة في صحيحه من حديث بريدة أن بلالًا قال: ما أصابني حدث قط إِلَّا توضأت عندها، فهذا ظاهره الفور والتجويز، الذي قال (ع) نسخ لا يثبت بالإِحتمال. ¬

_ (¬946) عمدة القاري (7/ 192). (¬947) فتح الباري (3/ 34 - 35). (¬948) عمدة القاري (7/ 207).

202 - باب ما يكره من التشديد في العبادة

202 - باب ما يكره من التشديد في العبادة قال (ح) في شرح قوله عن صلاة اللّيل: "لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ مَا شَاءَ فَإِذاَ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ" يحتمل أن يكون أمرًا بالقعود عن القيام فيستدل به على جواز افتتاح الصّلاة قائمًا والقعود في أثنائها، وقد تقدّم نقل الخلاف فيه، ويحتمل أن يكون أمرًا بالقعود عن الصّلاة أي ليترك ما كان عزم عليه من التَّنَفّل، ويمكن أن يستدل به على جواز قطع النافلة بعد الدخول فيها (¬949). قال (ع): ظاهر السياق يدلُّ على أنّه إذا عني عن القيام وهو يصلّي قيقعد فيستفاد منه جواز القعود في أثناء الصّلاة. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون أمرًا بالقعود عن الصّلاة يعني ترك ما عزم عليه من التَّنَفّل وهو احتمال بعيد غير ناشئ عن دليل، وظاهر الكلام ينافيه (¬950) قلت: أمّا قوله إنَّ ظاهر الكلام ينافيه فمجرد دعوى، وأمّا قوله، إنّه إحتمال غير ناشئ عن دليل فيلس كما زعم، حديث: "إذَا نَعَسَ أحَدُكُمْ في الصَّلَاة فَلْيِنَم حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرأ" وهو حديث أنس أيضًا وَلعلّه طرف من هذه القصة. وفيه حديث عائشة أيضًا: "إذا نَعَسَ أحَدُكُم وِهُوَ يُصَلِّي فَليَرقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ" وفيه: "لَعَلَّهُ يُرِيدُ أن يَسْتَغْفِرَ فيَسُبُّ نَفْسَهُ". ¬

_ (¬949) فتح الباري (3/ 36). (¬950) عمدة القاري (7/ 209).

203 - باب ما يكره من ترك قيام الليل

203 - باب ما يكره من ترك قيام اللّيل قال (ع): قال صاحب التوضيح: متابعة هشام بن عمار أسندها الإِسماعيلي. وليس هذا بمتابعة وإنّما هو تعليق (¬951). هكذا اعترض عليه وتلقى ذلك كله من (ح) فإنّه قال ما هذا نصه: قوله: وقال هشام هو ابن عمار وابن أبي العشرين بلفظ العدد هو عبد الحميد كاتب الأوزاعي، وأراد المص بإيراد هذا التعليق التنبيه على أن زيادة عمر بن الحكيم بين يحيى وأبي سلمة من المزيد في متصل الأسانيد لأنّ يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة، ولو لم يكن بينهما واسطة لم يصرح التحديث، وساق الكلام على ذلك فنقله (ع) كعادته والله المستعان (¬952). ¬

_ (¬951) عمدة القاري (7/ 211). (¬952) فتح الباري (3/ 38) وعمدة القاري (7/ 211).

204 - باب فضل من تعار من الليل

204 - باب فضل من تعارَّ من اللّيل قال (ح): في رواية الهيثم بن أبي سنان أنّه سمع أبا هريرة وهو يَقْصُصُ في قَصَصِهِ وهو يذكر رسول الله أن أخًا لكم لا يقول الرفث يعني بذلك عبد الله بن رواحة (وفينا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يتلو كتابه .....) الأبيات. قال ابن بطّال: في قوله - صلّى الله عليه وسلم - بل هو ظاهر أنّه كلام أبي هريرة، وبيان ذلك في رواية الزبيدي المعلقة بعد هذه فإنها موصولة عند المصنف في التاريخ والطبراني، ولفظه: أن أبا هريرة كان يقول في قصصه: إنَّ أخاكم كان يقول شعرًا ليس بالرفث وهو عبد الله بن رواحة، وهذا بخلاف ما جزم به ابن بطّال (¬953). قال (ع): الذي يستخرج أن المراد من معنى التركيب على وفق ما يقتضيه من حيث الإِعراب يعلم أن القائل هو النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأبو هريرة ناقل له، وأنّه مدح من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لابن رواحة. انتهى. ثمّ قال في الجواب عن رواية الزبيدي: يحتمل أن يكون أبو هريرة طوى إسناده إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قال: وهذا وإن كان موقوفًا في الصورة ففي الحقيقة هو موصول (¬954). قلت: هذا الكلام ينادي عليه بأنّه لا يعرف إِلَّا بالاصطلاح؛ لأنّ الوصل من صفات السند والوقف من صفات المتن، وهو قد قابل بينهما ولا ¬

_ (¬953) فتح الباري (3/ 42). (¬954) عمدة القاري (7/ 214 و215).

مانع في الإِصطلاح من اجتماعهما، بل السند لا بد أن يكون موصولًا أو منقطعًا سواء كان المتن مرفوعًا أو موقوفًا، ولم يرد بشيء من ذلك الكلام على دعوى بغير برهان ودفع الظّاهر الصريح المقرون بدليله بالصدر فلله الأمر.

205 - باب ما يقرأ في ركعتي الفجر

205 - باب ما يقرأ في ركعتي الفجر ذكر فيه حديث عائشة في صلاة اللّيل، وفي آخره: ثمّ يصلّي إذا سمع النِّداء بالصبح ركعتين خفيفتين. قال الإسماعيلي: كان حق هذه التّرجمة أن يقول: تخفيف ركعتي الفجر. قال (ح): ولما ترجم به المصنف وجه وجيه، وهو أنّه أشار إلى خلاف من زعمْ أنّه لا يقرأ في ركعتي الفجر أصلًا فنبه على أنّه لا بد من القراءة، ولو وصفت الصّلاة بكونها خفيفة، وكانت عائشة تقرأْ فيهما وكأنّه قال: السُّنَّة أن يخفف القراءة فيهما، ويدل على أن هذا مراده ما ذكره في ثاني حديثي الباب من روايتهما أيضًا حتّى إنِّي أقول هل قرأ بأم القرآن (¬955). قال (ع): هذا كلام لا وجه له أصلًا من [وجوه: الأوّل: ان قوله أشار إلى خلاف من زعم أنّه لا يقرأ في ركعتي الفجر رجم بالغيب، فليت شعري بماذا أشار يما يدلُّ عليه متن الحديث أو من الخارج، فالأول لا يصح لأنّ] الكلام سيق له، والثّاني لا يفيد مقصودة. الثّاني: أن قوله: فنبه [على أنّه لا بد من القراءة غير صحيح، لأنّ الذى دل] على أنّه لا بد من القراءة ما هو هذا الدال, لأنّ وصف الصّلاة بالخفة يحتمل القراءة وعدمها. الثّالث: قوله: فكأنّها أرادت قراءة الفاتحة فقط، أي شيء يدلُّ عليه من وجوه الدلالات. ¬

_ (¬955) فتح الباري (3/ 46).

الرّابع: قوله: لم يثبت على شرطه، يقال له فما كان ينبغي أن يترجم بقوله ما يقرأ لأنّ السؤال بلفظ ما يقع عن الماهية، وليس في الحديث ما يعين ذلك. سلمنا أن لا صلاة إِلَّا بقراءة، تعيين الفاتحة من أين؟ وقد قال للمسىء صلاته: "اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ اْلقُرْآن" فإنّه ينافي تعيين الفاتحة، إذ لو كانت متعينة لأمره به، بل هو صريح في الدلالة على أن الغرض مطلق القراءة لا تعيين الفاتحة. انتهى (¬956). وما نفاه ثابت بالسند الصّحيح في سنن أبي داود وغيرها بلفظ: "ثُمَّ اقْرَأْ بأُمِّ اْلقُرْآنِ" فطاحت الشقاق كلها، وظهر أن الدفع بالصدر للتعصب المحض. وحاصل ما ذكره (ح) أن مراد البخاريّ بقوله: ما يقرأ تقديره، هل نطيل القراءة أو نخفها، فذكر الحديث على خفتها والدال على وجوب القراءة ما تقدّم، وكذا علي تعيين الفاتحة. وقوله: ما كان ينبغي ... الخ يقال: بوجه ما كان ينبغي لك أن تنفي ما لا علم لك به والله المستعان. ¬

_ (¬956) عمدة القاري (7/ 228 - 229) وما بين المعكوفين سقط من النسخ الثلاث فزدناه من العمدة.

206 - باب ضلاة الصحى فى الحضر

206 - باب صلاة الضحى في الحضر قوله: أوصاني خليلي قال (ح) بعد أن أجاب عن قوله - صلّى الله عليه وسلم - "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَا خَلِيلًا" لا يقال أن المخاللة لا تتم حتّى تكون من الجانبين, لأنا نقول: إنّما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين فأطلق ذلك، أو لعلّه أراد مجرد الصحبة أو المحبة (¬957). قال (ع): هذا الكلام في غاية الوهاء، وليت شعري فأين صيغة المفاعلة هاهنا حتّى يجيء هذا السؤال، والجواب أوهن من السؤال لأنّ أحدًا من أهل الأدب لم يقبل ذلك بهذا الوجه (¬958). قوله: بثلاث لا أدعهن يحتمل أن يكون قوله "لا أدعهن الخ" من جملة الوصيَّة، أي أوصاني أن لا أدعهن ويحتمل أن يكون من إخبار الصحابي بذلك عن نفسه، والثّاني أوجه لأنّه وقع عند النسائي: "لا أدعهن إن شاء الله أبدًا" (¬959). وفي حديث أبي الدرداء عند مسلم: أوصاني حبيبي بثلاث لن أدعهنَّ ما عشت. ¬

_ (¬957) فتح الباري (3/ 57) وما بين المعكوفين من زيادتنا. (¬958) عمدة القاري (7/ 242). (¬959) فتح الباري (3/ 57) وما بين المعكوفين ساقط من النسخ الثلاث زدناه من الفتح.

قال (ع): هو إخبار عن نفسه بتلك الوصيَّة بأن لا يتركها إلى أن يموت بعد إخباره بها عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، والدّليل عليه أن قوله: لا أدعهن حتّى أموت غير مذكور في رواية مسلم، مع أنّه أخرجه من رواية أبي عثمان النهدي ومن أبي رافع، والحديث واحد ومخرجه واحد، فلا يحتاج في تفسير قوله: لا أدعهن إلى التردد (¬960). قلت: لا يمنع ذلك التنبيه عليه لمن لا يستحضره، فهذا الإعتراض من التعنت. ¬

_ (¬960) عمدة القاري (7/ 242).

207 - باب الركعتين قبل الظهر

207 - باب الركعتين قبل الظهر فيه حديث ابن عمر: "وركعتين قبل الظهر". وحديث عائشة: كان لا يدع أربعًا قبل الظهر. قال الداودي: هو محمول علي أن كلّ واحد منهما وصف ما رأى، ويحتمل أن ينسى ابن عمر ركعتين من الأربع. قال (ح): هذا الثّاني بعيد والأولى أن يحمل على حالتين، فكان تارة يُصلّي ثنتين وتارة يصلّي أربعًا (¬961). قال (ع): الحمل علي النِّسيان أقرب إلى التّرجمة من الذي قاله، لأنّ النِّسيان غير مرفوع، فإذا حمل على ما قاله لا تتم المطابقة أصلًا. ثمّ ساق جميع ما أورده (ح) ممّا يتعلّق بذلك بألفاظه ناسبًا ذلك لنفسه كعادته (¬962). قلت: وجه البعد في الحمل على النِّسيان تكرار ذلك مع ملازمة ابن عمر له - صلّى الله عليه وسلم -، وأمّا المطابقة فحاصلة لأنّه ما نفى الزيادة على الأربع بدليل إيراده حديث عائشة. ¬

_ (¬961) فتح الباري (3/ 58). (¬962) عمدة القاري (7/ 244).

208 - باب الصلاة قبل المغرب

208 - باب الصّلاة قبل المغرب قوله: ألا أُعَجِّبُكَ. قال (ح): بضم أوله وتشديد الجيم من التعجب (¬963). قال (ع): التعجب ليس كما قال بل هو من الإِعجاب، والمعنى أن مرثد بن عبد الله يخبر عقبة عن أبي تميم شيئًا يتعجب منه حاصله أنّه يستغربه (¬964). قلت: هذي عين دعوى (ح) أنّه من التعجب يعني الإِستغراب لا من الإعجاب بمعنى العجب بضم أول ثمّ سكون ثمّ كسر فهو معجب بضم أوله وفتح الجيم من الإِعجاب، وكأنّه قرأ قول (ح) من التعجب بتشديد الجيم، وصوابه إسقاط الياء. قوله: عن أبي تميم يركع ركعتين قبل صلاة المغرب. قال (ح): فيه رد على قول القاضي أبي بكر بن العربي: لم يفعلهما أحد من الصّحابة, لأنّ أبا تميم تابعي وقد فعلهما (¬965). قال (ع): توجيهه أن الذي ذكره في الصّحابة اعتذر بأنّه أدرك العصر النبوي ولم يصحبه (¬966). ¬

_ (¬963) فتح الباري (3/ 60). (¬964) عمدة القاري (7/ 247). (¬965) فتح الباري (3/ 60). (¬966) عمدة القاري (7/ 247).

وقد تقدّم النقل عن أحمد أن فيها أحاديث جياد، أو قال: صحاح عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين، وقد تقدّم أن من جملة من فعله من التابعين عبد الرّحمن بن أبي ليلى، وذكر محمَّد بن نصر في [كتابه] قيام اللّيل جماعة غيره (¬967). ¬

_ (¬967) انظر كتاب قيام اللّيل (ص 45 - 48) لمحمد بن نصر، ومكان كلمة كتاب كان بياضًا في النسخ الثلاث.

209 - باب فضل الصلاة في مسجد مكة

209 - باب فضل الصّلاة في مسجد مكّة قوله: "المَسْجد الحَرَام" أي المحرم قال (ح): وهو مثل قولهم الكتاب بمعنى المكتوب (¬968). قال (ع): هذا قياس غير صحيح, لأنّ الحرام فتح الفاء والكتاب بكسرها وإنّما الحرام اسم للشئ المحرم (¬969). قوله: "المَسْجدِ الحَرَام". قال (ح): هو بالرفع على الإستئناف وبالجر على البدل (¬970). قال (ع): ولئن سلمنا أنّه على الإستئناف يوؤل الأمرانه خبر مبتدأ محذوف (¬971). ¬

_ (¬968) فتح البارى (3/ 64). (¬969) عمدة القارئ (7/ 253). (¬970) فتح البارى (3/ 64). (¬971) عمدة القارئ (7/ 253) وعبارة النسخ الثلاث "إلى الاستئناف إلى الأمر" فأصلحناه ليصح المعنى.

210 - باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة

210 - باب استعانة اليد في الصّلاة إذا كان من أمر الصّلاة وقال ابن عبّاس: يستعين الرَّجل في صلاته من جسده بما شاء. ووضع أبو إسحاق يعني السبيعي قلنسوته في الصّلاة، ورفعها، ووضع كفه على رصغه الأيسر إِلَّا أن يحك جلدًا أو يصلح ثوبًا. قال (ح): هذا الإِستثناء من بقية أثر علي على ما سأوضحه، وظن قوم أنّه من تتمّة التّرجمة. فقال ابن رشيد: قوله: إِلَّا أن يحك جلدًا أو يصلح ثوبًا يستنثى من قوله: إذا كان من أمر الصّلاة فاستنثى من ذلك جواز ما تدعو الضّرورة إليه من حال المرء مع ما في ذلك من دفع التشويش عن النفس, قال: وكان الأولى في هذا الإِستثناء أن يكون مقدمًا قبل قوله (وقال ابن عبّاس) انتهى. وسبقة إلى دعواه أن الإِستثناء من التّرجمة الإِسماعيلي في مستخرجه فقال: قوله: إِلَّا أن يحك جلدًا ينبغي أن يكون من صلة الباب عند قوله: إذا كان من أمر الصّلاة، وصرح بكونه من كلام البخاريّ لا من أثر عليِّ العلّامة علاء الدِّين مغلطاي في شرحه، وتبعه من أخذ ذلك عنه ممّن أدركناه، وهو وهم منهم، وذلك أن الإِستثناء بقية أثر علي. كذلك رواه مسلم بن إبراهيم أحد مشايخ البخاريّ عن عبد السّلام بن أبي حازم عن غزوان بن جرير الضبي عن أبيه وكان شديد اللزوم لعلّيِّ [بن أبي طالب قال: كان علي إذا قام إلى الصّلاة فكبر ضرب بيده اليمنى على رصغه الأيسر] فلا يزال كذلك حتّى يركع إِلَّا أن يحك جلدًا أو يصلح ثوبًا، هكذا رأيناه في "السفينة الجرائدية" من طريق السلفي بسنده إلى مسلم بن إبراهيم.

وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ: إِلَّا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده. وهذا هو الموافق للترجمة. ولوكان أثر علي انتهى عند قوله الأيسر لما كان فيه تعلّق بالترجمة إِلَّا ببعيد، وهذا من فوائد تخريج التعليقات (¬972). قال (ع): هذا القائل الذي وهم مغلطاي هو الذي وهم، فإن مغلطاي ما قال ذلك من عنده، وإنّما نقله عن الإسماعيلي فانظر في شرحه تراه (¬973). قال: قال الإِسماعيلي على غير الصواب حيث حكاه عنه فلم يتعقبه، فاقتضى ذلك أنّه ارتضاه ولو تفطن لوهمه لما أقره. ¬

_ (¬972) فتح الباري (3/ 71 - 72). (¬973) عمدة القاري (7/ 266). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 109) بعد نقله لكلام الحافظ ابن حجرو العيني: إنَّ حاصل المنازعة أن العيني يقول: إنَّ الإستثناء من أثر علي لا من كلام البخاريّ وعلله بالفصل بين الإستثناء والمسثثنى منه بجمل كثيرة، ورد ما قاله الإسماعيلي من كونه من التّرجمة، كما رد على ابن حجر الراد على مغلطاي القائل: بأنّه من كلام البخاريّ لا من كلام علي، وعلل رد الرد بأن مغلطاي لم يقله من عنده، وإنّما تقله عن الإسماعيلي، وإن ابن حجر يقول كذلك إنَّ الإستثناء من بقية أثر علي الذي أوضحه برواية جرير الضبي. وحاصل هذه المفهوم أن الإستثناء إمّا من كلام البخاريّ أو من كلام علي أو من أثره الذي أوضحه ابن حجر برواية غزوان بن جرير الضبي. والحق يقال: إنّه إن نظرنا إلى البخاريّ وخارجه، فالمتعين ما لابن حجر والعيني، وإن نظرنا إلى البخاريّ خاصّة فلا نشك في كون الإستثناء من علي أقرب من كونه من البخاريّ، لأنّه وإن كان هو بعيدًا أيضًا، إِلَّا أن بعده إنّما هو بالإعتراض المقبول لغة وبلاغة، مع أن المعطوف والمعطوف عليه من واد واحد. وأمّا تعليل العيني رد التوهيم يكون مغلطاي لم يقله من عند نفسه، وإنّما نقله عن الإِسماعيلي، فإني لا أظن العيني إِلَّا أنّه لم يفهم كلام ابن حجر، حيث عمم بكلامه وتوهيمه كلا من الإِسماعيلي ومغلظاي، فكلاهما واهم عنده، فلم يغن العيني رده شيئًا والله أعلم.

211 - باب من رجع القهقري في الصلاة أو تقدم لأمر ينزل به

211 - باب من رجع القهقري في الصّلاة أو تقدّم لأمر ينزل به رواه سهل بن سهد عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قال (ح): يشير بذلك إِلى حديثه الماضي قريبًا ففيه: فرفع أبو بكر يده فحمد الله، ثمّ رجع القهقري. وأمّا قوله: أو تقدّم فهو مأخوذ من الحديث أيضًا وذلك أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وقف في الصف الأوّل خلف أبي بكر على إرادة الإئتمام به، فامتنع أبو بكر من ذلك فتقدم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬974). قال (ع): الذي قاله يرده الضمير المنصوب في قوله "رواه سهل" يفهم ذلك من له أدنى ذوق من أحوال تركيب الكلام (¬975). ¬

_ (¬974) فتح الباري (3 - 77 - 78). (¬975) عمدة القاري (7/ 280). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص110) بعد نقل كلام الحافظ ابن حجر والعيني. المبتادر إلى الذهن رجوع الضمير في رواه إلى المذكور من المتقدم والقهقرى، على معنى روى حديثهما سهل، وهذا مراد العيني، بخلاف ظاهره من أن المروي لفظًا التقهقر والتقدم، كما أن ابن حجر لا يريد كون الضمير راجعًا إلى حديث سهل، بل أشار إليه إشارة فقط، ولب الخلاف بينهما هل المراد بالمروي الحديث المتقدم في الصّلاة. لا غير، وهو للعيني، أو الحديث القريب قبل هذا الباب من احتمال الحديث المتقدم في الصّلاة؟ والمتبادر ما قدمناه، والله أعلم.

قلت: الضمير يرجع إلى الرجوع، والتقدم في الصّلاة لأمر نزل به فما الذي يردّ منه. والعجب أنّه في الأمور الّتي تحتاج إِلى الإفصاح يوجه ردها يحيل على الذوق الذي لا لائقة [متابعة] له، وزعم أن الذي قدره هو أولى من أن (ح) ذكره بعينه بعد الأوّل احتمالًا فتلقاه عنه وادعاه، وما الحنفي [كذا] حتّى جعله الصواب وأنكر أن مثله يقال فيه يحتمل، بل لم يردّ البخاريّ إِلَّا هذا؛ كذا قال والله المستعان. وقد أشار البخاريّ إِلَّا تصويب ما قال (ح) فإنّه أورد عقب قوله:- رواه سهل حديث أنس بمعنى الحديث الذي أشار إليه (ح) وفيه: فنكص أبو بكر على عقبيه، فظن أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يريد أن يخرج. . . . . . . . . . الحديث. لما شرع (ع) في شرحه قال: مطابقة الحديث للترجمة في التأخير يستأنس من قوله: فنكص أبو بكر على عقبيه (¬976). ¬

_ (¬976) عمدة القاري (7/ 280).

212 - باب ما يجوز من العمل في الصلاة

212 - باب ما يجوز من العمل في الصّلاة قوله. فشد علي قال (ح): بالعجمة أي حمل (¬977). قال: أراد بالمعجمة الدال وأظن أنّه غلط (¬978). قلت: لم يصب في هذه الإِرادة وإنّما أراد الشين وهو صواب، ولو كان أراد الدال لكان قول (ع) أظنه خطأ لأنّه بالمهملة قطعًا. ¬

_ (¬977) فتح الباري (3/ 80). (¬978) عمدة البارى (7/ 286).

213 - باب إذا انفلتت الدابة

213 - باب إذا انفلتت الدابة قوله: كتابًا بالأهواز. قال (ح): بفتح الهمزة وسكون الهاء بلدة معروفة بين البصرة وفارس فتحت في عهد عمر (¬979). قال (ع): قوله: بلدة، ليس كذلك بل هي بلاد كما ذكرنا (¬980). قلت: صرح أبو عبيد البكري في معجم البلاد بأنّها بلد. وقال ابن خرداذبة: إنها بلاد. وقد ذكر (ح) جميع ذلك، فأخذ منه ورد عليه القول القوي بالقول الضعيف. قوله فيه: واني إن كنت أن أرجع مع دابتي أحب إليَّ. قال (ح) قال السهيلي: إنِّي وما بعدها اسم مبتدأ، وأن أرجع اسم مبدل من الاسم الأوّل .... الخ (¬981). قال (ع): ما أظن أن السهيلي أَعْرب هذا، وأطال في رد ذلك إِلى أن قال: وهذا تصرف من لم يمس شيئًا من علم النحو (¬982). أقول: وكم من عائب قولًا صحيحًا. قوله في حديث عائشة: "حيِنَ رَأَيتُموُني جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ". ¬

_ (¬979) فتح الباري (3/ 81). (¬980) عمدة القاري (7/ 288). (¬981) فتح الباري (3/ 83). (¬982) عمدة القاري (7/ 289).

قال الكرماني: قال في هذا: جعلت لأنّ التقديم كاد يقع. وقال: "في جهنم حين رأيتموني تأخرت" لأنّ التأخير وقع. قال (ح): قد وقع التصريح بوقوع التقديم والتأخر في حديث جابر عند مسلم ولفظه: "لقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت، وفيه ثمّ جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت" (¬983). قال (ع): لا يردّ هذا على الكرماني، لأنّ جعلت بمعنى طفقت، وطفق من أعمال المقاربة، ولا يلزم أن يكون حديث عائشة مثل حديث جابر وإن اتحد الأصل (¬984). ¬

_ (¬983) فتح الباري (3/ 83). (¬984) عمدة القاري (7/ 291).

214 - باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة

214 - باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصّلاة قال (ح): وجه التسوية بينهما أنّه ربما ظهر من كلّ منهما حرفان وهما أقل ما يتألف منه الكلام، فأشار إلى أن بعض ذلك يجوز وبعضه لا يجوز، فيحتمل أن يرى التفرقة بين ما إذا حصل من كلّ منهما كلام مفهم أو لا (¬985). قال (ع): لا نسلم ذلك وإنّما يدلُّ على أن كلّ واحد من البصاق والنفخ جائز في الصلاة مطلقًا (¬986). قلت: فغفل عما يدل عليه: قوله: "من البصاق .... الخ" فإن مفهومه أن بعضه لا يجوز. ¬

_ (¬985) فتح الباري (3/ 84). (¬986) عمدة القاري (7/ 291). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص110) بعد أن نقل كلام الحافظ ابن حجر والعيني: ولا أبالي أن فهمي موافق لابن حجر في دعواه الإِشارة إلى أن بعض ذلك يجوز وبعضه لا يجوز، وأخالفه في الإِقتصار على احتمال التفرقة المذكورة. بل أقول: إنَّ ما لا يجوز من ذلك مصرح به في الحديث بقوله "فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه ولكن عن شماله" والعجب من العيني رحمه الله تعالى من قوله: إنَّ التّرجمة تدل على الجواز المطلق من غير قيد، واستدل على هذا الإِطلاق بما رواه بعده، والحال أن ما رواه صريح بالمطابقة على أن الجواز مقيد بجهة الشمال وتحت القدم، وكونها اليسرى، ثمّ إن نظرنا إلى تغيظه - صلّى الله عليه وسلم - على جميع أهل المسجد على ما فعله واحد منهم، ندرك منه الحرمة الشديدة فيمن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يفعل ذلك، ثمّ ظهر لي وإن لم يعرج عليه أحد الشيخين وجه جديد، وأظنه الأقرب من جميع ما ذكر، وهو أن التّرجمة لخصوص ما يجوز، والإِستدلال من الحديث على خصوص الجواز، فإنّه يؤخذ من الحديث أنّه جائز على اليسار تحت قدم اليسرى، ومثل هذا من البخاريّ كثير، حتّى إنّه يخرج الحديث الواحد أكثر من عشر مرات كلّ مرّة لشيء بخصوصه، فاعرفه.

215 - باب ما جاء في السهو

215 - باب ما جاء في السّهو قوله: فلما قضى صلاته. قال (ح): أي فرغ منها، وقد استدل به من زعم أن السّلام ليس من الصّلاة حتّى لو أحدث بعد أن جلس وقبل أن يسلم من صلاته تمت صلاته، وتعقب بأن السّلام لما كان للتحليل من الصّلاة كان المصلّي إذا انتهى إليه كمن فرغ من صلاته، ويدلُّ على ذلك قوله في رواية ابن ماجه من طريق الثقات عن يحيى بن سعيد بسنده في الباب: حتّى إذا فرغ من صلاته قبل أن يسلم، فدل على أن بعض الرواة حذف الإِستثناء لوضوحه، وإلا فالزيادة من الحافظ مقبولة (¬987). قال (ع): العجب من هذا القائل أنّه يجوز للراوي حذف شيء من الحديث لوضوحه، وكيف يجوز التصرف في كلام النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بالزيادة والنقصان (¬988). قلت: ليس هنا تعرض لتجويز الزيادة، وأمّا النقص وهو من الإِختصار فجائز عند الجمهور، والخلاف في ذلك مشهور، فما زاد هذا المعترض على المعاندة. قوله في آخر حديث عبد الله بن مسعود: فسجد سجدتي السّهو بعد ما سلم. ¬

_ (¬987) فتح الباري (3/ 92 - 93). (¬988) عمدة القاري (7/ 304).

قال (ح): استدل به بعض الحنفية بقولهم: إنَّ سجود السّهو يكون بعد السّلام، وتعقب بأنّه لم يعلم بزيادة الركعة إِلَّا بعد السّلام لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو حين سلم (¬989). قال (ع): يردّ هذا بأنّه وقع في حديث ابن مسعود هذا أنّه أمر بالإتمام والسلام ثمّ يسجد للسهو (¬990). قلت: هذا إنّما هو فيما إذا شك، والحديث الذي ساقه مسلم صريح في ذلك، وإنّما الذي تعقبناه استدلالهم بحديث صلّى خمسًا، فهذا غافل أو متغافل (¬991). ¬

_ (¬989) فتح الباري (3/ 93) (¬990) عمدة القاري (7/ 306) (¬991) في النسخ الثلاث هكذا "فهد عاملنا متغافل" وصححناه كما ترى.

216 - باب. إذا سلم في ركعتين

216 - باب إذا سلم في ركعتين ذكر حديث أبي هريرة: صلى بنا النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - الظهر فسلم في ركعتين، فقال له واليدين .... الحديث. قال (ح): صلّى بنا ظاهر في أنّه حضر القصة، وادعى الطحاوي أنّه مجاز، وأنّه أراد صلّى بالمسلمين، واستند إلى قول الزهريّ إن ذا اليدين استشهد ببدر، فمقتضاه أن القصة وقعت قبل بدر وهي قبل إسلام أبي هريرة بخمس سنين، وفيه نظر من وجهين:- أحدهما: أنّه في بعض طرقه عند مسلم عن أبي هريرة: بينما أنا أصلّي، فهذا يدفع المجاز. والثّاني: أن ابن عبد البرّ وغيره نقل عن أئمة الحديث أن الزهريّ وهم في ذلك، وسببه أنّه جعل القصة لذي الشمالين، وذو الشمالين هو الذي استشهد ببدر، لكنه غير ذي اليدين وهو خزاعي وذو اليدين سُلَمِيٌّ، واسم ذي الشمالين عمير بن عبد عمرو بن نضلة، واسم ذي اليدين الخرباق، وعاش بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مدة. وقد وقع عند مسلم في بعض طرقه: فقام رجل من بني سليم، لكن لما وقع عند الزهريّ فقام ذو الشمالين وهو يعرف أن ذا الشمالين استشهد ببدر ظنه هو فقال: استشهد ببدر، فلزم منه أن القصة كانت قبل وقعة بدر (¬992). قال (ع): قد وقع عند النسائي بسند صحيح إلى الزهريّ عن أبي ¬

_ (¬992) فتح الباري (3/ 96 - 97).

سلمة بن عبد الرّحمن وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة كلاهما عن أبي هريرة قال: صلّى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر فسلم في ركعتين وانصرف، قال له ذو الشمالين ابن عمرو أنقصت الصّلاة أم نسيت؟ .... الحديث، وفيه ما يقول ذو اليدين. وأخرج النسائي أيضًا من طريق عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - صلّى يومًا فسلم من ركعتين ثمّ انصرف، فقال له ذو الشمالين: يا رسول الله ... فذكره، وفيه: "أصَدَقَ ذُو الَيدَيْن؟ ". قال: فثبت أن ذا الشمالين وذا اليدين واحد، والعجب من هذا القائل مع اطلاعه على ما أخرجه النسائي كيف يعتمد على قول من ينسب الزهريّ إلى الوهم، ولكن أريحية العصبية تحمل على أكثر من هذا (¬993). قلت: ما أخرجه النسائي يؤيد ما ذهب إليه من قال أن ذا اليدين كان يقال له ذا الشمالين أيضًا، فينحصر وهم الزهريّ في قوله ابن عمرو فقط، وذلك لظنه أنَّه المقتول ببدر، فإنّه ابن عبد عمرو فاقتصر على بعض اسم أبيه، ونعوذ بالله من التعصب بالباطل وللباطل. قوله: الظهر أو العصر. قال (ح): الظّاهر أن الإختلاف فيه من الرواة، وأبعد من قال: يحمل على تعدد القصة لأنّه خلاف الأصل (¬994). قال (ع): الحمل على التعدد أولى من نسبة الرواة إلى الشك (¬995). قلت لم يذكر مستند هذه الأولوية، بل الذي يجري على قواعد أهل الحديث أنّه إن أمكن الجمع فهو أولى، وإن تعذر نظر في المختلفين، فإن ¬

_ (¬993) عمدة القاري (7/ 308). (¬994) فتح الباري (3/ 97). (¬995) عمدة القاري (7/ 308).

كانوا في مرتبة واحدة لم يقض فيما اختلفوا فيه بشيء، وكان ذلك اضطرابًا يوجب التوقف عن الإِحتجاج بشيء من الطرق، وإن اختلفت مراتبهم تعين الترجيح فيمكن بالأكثرية (¬996) أو الأحفظية وهو أول من دعوى التعدد, فإن الأصل عدمه، ومثل هذه القصة من السّهو إِنما تشرع لبيان الجواز، والمرة الواحدة في ذلك كافية. ¬

_ (¬996) في النسخ الثلاث "ممكن بأكثرية" فصححناه هكذا.

217 - باب من لم يتشهد في سجدتي السهو

217 - باب من لم يتشهد في سجدتي السّهو قوله: وقال قتادة: لا يتشهد. قال (ح): فيه نظر لما روي عبد الرزّاق عن معمر عن قتادة قال: يتشهد في سجدتي السّهو ويسلم فلعلّ "لا" في التّرجمة زائدة (¬997). قال (ع): في نظره نظر لجواز أن يكون عن قتادة روايتان (¬998). ¬

_ (¬997) فتح الباري (3/ 98). (¬998) عمدة القاري (7/ 310).

218 - باب إذا كلم وهو يصلي

218 - باب إذا كلم وهو يصلّي قوله: فأرسلت إليه الجارية، وفي رواية للبخاري: الخادم ولم يسم. قال (ح): يحتمل أن تكون ابنتها زينب (¬999). قال (ع): هذا تخمين (¬1000). قوله: ناس من عبد القيس. قال (ح): وقع عند الطحاوي وقد من تميم. قال (ح): وهو وهم وإنّما هو من عبد القيس (¬1001) قال (ع): لم يبين وجه الوهم (¬1002). قال في حديث عائشة: وكان إذا عمل عملًا أثبته. وقع عند الطحاوي من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم سلمة في هذا الحديث قالت: أمرت بهما؟ فقال: "لَا وَلِكَنْ كُنْتُ أُصَلِّيهَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَشُغِلْتُ عَنْهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ". ولهُ وجه آخر عنها: "لم أره صلاها قبل لا وبعد". قال (ح): وهذا لا ينفي الوقوع الذي ثبت في حديث عائشة (¬1003). ¬

_ (¬999) فتح الباري (3/ 106). (¬1000) عمدة القاري (7/ 316). (¬1001) فتح الباري (3/ 106). (¬1002) عمدة القاري (7/ 316). (¬1003) فتح الباري (3/ 106).

قال (ع): أراد بهذا الغمز على الطحاوي, والطحاوي ما ادعى نفي الوقوع، وإنّما ادعى انتفاء ما روي عن عائشة بما روي عن أم سلمة (¬1004). ¬

_ (¬1004) عمدة القاري (7/ 316).

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز 219 - باب فضل من مات له ولد قوله: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ ماَتَ لَهَا ثَلَاثَة مِنَ الوَلَدِ كُنَّ لهَا حِجَابًا مِنَ النارِ" فقالت امرأَة: واثنان؟ قال: "واثنان". قال (ح): أي قالت: وإذا مات اثنان ما الحكم؟ فقال: وإذا مات اثنان فالحكم كذلك (¬1005). قال (ع): فيه كثرة الحذف المخل بالفصاحة (¬1006). قوله: "واثنان". قال ابن التين: فيه أن مفهوم العدد ليس بحجة لأنّ الصحابية من أهل اللسان ولم يعتبره، إذ لو اعتبرته لانتفى الحكم عما عدا الثّلاثة لكنها جوزت ذلك فسألت عن الاثنين. قال (ح): الظّاهر إنّما اعتبرت مفهوم العدد، إذ لو لم تعتبره لم تسأل (¬1007). قال (ع): دلالة مفهوم العدد بطريق الإِحتمال لا بطريق القطع (¬1008). ¬

_ (¬1005) فتح الباري (3/ 122). (¬1006) فتح الباري (8/ 32). (¬1007) فتح الباري (3/ 122). (¬1008) عمدة القاري (4/ 32).

قوله في حديث أبي هريرة: "لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الولَدِ فَيَلجَ النَّارَ". قالوا: انتصب بأن المقدرة لأنّ الفعل المضارع ينتصب بذلك، وذكر الطيبي أن شرطها أن تكون مسببة ولا يصح ذلك هنا، إذ لا يكون موت الولد وعدمه سببًا للولوج. قال (ح): تلقى هذا عن الطيبي جماعة وأقروه، وفيه نظر لأنّ السببية حاصلة بالنظر إلى الإِستثناء، لأنّ الاستثناء بعد النفي إثبات، فكأن المعنى أن تخفيف الولوج مسبب عن موت الأولاد (¬1009). قال (ع): في هذا النظر نظر، ودعواه أن الفاء بمعنى الواو فيه نظر وإن كانت حروف الجر تتناوب (¬1010). ¬

_ (¬1009) فتح الباري (3/ 123). (¬1010) عمدة القاري (8/ 35).

220 - باب غسل الميت ووضؤه

220 - باب غسل الميِّت ووضؤه قال النووي: أجمعوا على أنّه من فروض الكفاية, وسبقه إلى ذلك الغزالي ثمّ الرافعي. قال (ح): وهو ذهول فإن الخلاف مشهور جدًا عند المالكية. قال القرطبي في المفهم: وهو سنة، ولكن الجمهور على وجوبه (¬1011). قال (ع): ذهوله أشد من ذهول النووي، فإن معنى قول القرطبي سنة أنّها سنة مؤكدة وهي في قوة الوجوب (¬1012). قوله: ووضوءه. كذا وقع في التّرجمة ولم يذكره في الحديث قال (ح): أرأد أن الغاسل لا يلزمه الوضوء (¬1013) وقال (ع): هذا بعيد لأنّ العامل لم يذكر فيما قبله, والضمير إنّما هو للميت (¬1014) وقال (ح): تقدير التّرجمة باب غسل الحي الميِّت، ء لأنّ الميِّت لا يتولى غسل نفسه. فصحّ أن الضمير يعود على المحذوف (¬1015). قال (ع): وهذا عسف وإن كان له وجه (¬1016). ¬

_ (¬1011) فتح الباري (3/ 125 - 126) (¬1012) عمدة القارئ (8/ 36) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 111 - 112). (¬1013) فتح الباري (3/ 126). (¬1014) عمدة القاري (8/ 36). (¬1015) فتح الباري (3/ 126). (¬1016) عمدة القاري (8/ 36).

قوله: وحَنَّطَ ابن عمر ابنًا لسعيد بن زيد وحمله وصلّى ولم يتوضأ. نقل (ح): عن غيره أن تعلّق هذا الأثر وما بعده بالترجمة من جهة أن المصنف يرى أن المؤمّن لا ينجس بالموت، وأن غسله للتعبد لأنّه لو كان نجسًا ما طهره الماء ولا مسه ابن عمر، ولغسل ما مسه من أعضائه (¬1017). قال (ع): ليس بين هذا الأمر وبين التّرجمة تعلّق من هذه الجهة (¬1018). قال (ح): وكأنّه أشار إلى تضعيف ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رفعه: "مَنْ غَسَلَ اْلمَيِّتَ فَلْيَغُتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَؤَضأْ". فقد قال ابن أبي حاتم عن أبيه: الصواب موقوف. وقال أبو داود: هو منسوخ. ¬

_ (¬1017) فتح الباري (3/ 126 - 127). (¬1018) عمدة القاري (8/ 37). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 112 - 113) بعد أن نقل كلام الحافظ ابن حجر والعيني: إنَّ العيني جعل جهة التطابق بين التّرجمة والأثر الأوّل من جهتين قد سمعتهما آنفًا، إِلَّا أن التلازم بين الغسل والتحنيط لا يحمل عليه كلام البخاريّ، وإلا إذا كان التلازم عاديًا، فقد جرت العادة الغالبة بذلك. وقوله ليس بين هذا الأثر وبين التّرجمة تعلّق يدعو إلى العجب, لأنّ ابن حجر يقول في قيله هذا الأثر وما بعده من الأثرين والحديث، وكلها ينادي بعدم نجاسة المؤمّن الميِّت، الثّلاثة بالصراحة، وأمّا الأوّل فلا يقول بالتلازم المدعى بين التحنيط والغسل، ولئن سلم فهو استدلال على الفرضية والقيل إنّما يستدل على عدم نجاسة المؤمّن الميِّت، فأين هذا من هذا؟. ثمّ ننتقل إلى الأثر الثاني والثّالث والحديث، فهل حاول العيني فيها المطابقة بينها وبين التّرجمة؟ لا واللطيف الخبير ما ذكر فيها إِلَّا أنّه يقول: وجه المطابقة بين التّرجمة والأثر قد ذكرناه في أثر ابن عمر الذي مضى، وها هو كلامه في صدر هذه المحاكمة، فعليك بتطبيقه، فإنّه مع مقدرة العيني على التصرف والإِستدلال قد ضعف أو كَلَّ قلمه في هذه المرة والكمال لله

وقال الحاكم عمر الذهلي: ليس فيه حديث ثابت (¬1019) قال (ع): ما لفظه: أيش -كذا- وجه إشارة البخاريّ بهذه التّرجمة إلى تضعيف الحديث المذكور، فأي عبارة تدل على هذا بدلالة من أنواع الدلالات، فهذا كلام واهٍ (¬1020). قوله: " اغْسِلْنَهاَ ثَلَاثاَ أوْ خمسًا أَوْ أَكْثَرَ". قال (ح): أو هنا للترتيب لا للتخيير (¬1021). قال (ع): لم يقل أحد بأن أو للترتيب، وقد ذكر النحاة لها اثني عشر معنى ليس فيها التّرتيب (¬1022). ¬

_ (¬1019) فتح الباري (3/ 127). (¬1020) عمدة القاري (8/ 27). (¬1021) فتح الباري (3/ 129). (¬1022) عمدة القاري (8/ 40). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 114) بعد أن نقل كلام الحافظ ابن حجر والعيني: إنَّ العيني رحمه الله تعالى أنكر على ابن حجر جعل التّرتيب من معاني أو, لأنّه لم ينقل عن أحد أن أو يجيء للرتيب، لأنّ النحاة ذكروا لأو اثني عشر معنى، وليس فيها معنى "التّرتيب" ثمّ استظهر بأنّه إنّما أخذ ذلك من الطيبي الناقل ذلك عن شارح المصابيح. وأقول أيضًا: إنَّ قوله: لم ينقل عن أحد أن أو يجيء للترتيب, لأنّ النحاة ذكروا الخ كله ممنوع, لأنّه منع الأوّل بنفسه حيث نقل لنا عن الطيبي وعن صاحب المظهر شارح المصابيح أن أو تكون للترتيب، والعيني الناقل عدل، وكذلك ابن حجر من العدول، وقد رضي بذلك وسلمه على ما استظهر العيني، لأنّه لم يوجد في شرح ابن حجر. وأمّا ذكر النحاة لأو اثني عشر معنى لا يوجد فيها التّرتيب، فإن ممّن ذكر ذلك صاحب المغني لكن من غير حصر، ولقد وجد في غيره أكثر من ذلك، ففي القاموس أربعة عشر معنى لأو، رقم يحصرها كذلك. والتحقيق عندهم كما في المغني أن أو موضوعه لأحد الشيئين أو =

قلت: سبقني بذلك الطيبي وغير واحد من شراح المصابيح. فرع: هل يقوم المسك مقام الكافور؟ قال (ح): إن نظرنا إلى مجرد الطيب نعم وإلا فلا (¬1023). قال (ع): لا يكفي بل ينظر إن كان يوجد في المسك ما يوجد في الكافور جاز (¬1024). قوله: حقوه يعني إزاره. قال (ح): الحقو في الأصل معقد الإِزار، وأطلق على الإِزار مجارًا (¬1025). قال (ع): كلام الجوهري يقتضي أنّه مشترك فيكون حقيقة, فإن كان (ح) أخذه من موضع فكان ينبغي أن يبين وإلا فهو غير صحيح (¬1026). قلت: قد نقل أن في رواية ابن عون عن محمَّد بن سيرين، فنزع من حقوه إزاره. ¬

_ = الأشياء، وقد تخرج إلى معنى بل، وإلى، معنى الواو، وأمّا باقي المعاني فمستفادة من غيرها اهـ. ولذا قال ابن حجر: إنها هنا للترتيب المستفاد من نفس الحديث, لأنّ الغسل خمسًا مرتب على عدم. الإِكتفاء بالثلاث كما: علمت ذلك من نصّ النووي أعلاه، فإذا فرضنا أنّه لم يسبق ابن ججر أحد بذلك، فلأبي الفضل كلّ الفضل على من بعده. ثمّ أقول: إنَّ ابن هشام ذكر في آخر مبحث أو أنّها تكون للإِنتباه والترتيب، ويمكن أن يمثل له بقولهم: ما أدري أدخل الشهر أو خرج؟ ولا أدري أسلم الحبيب أو ودع؟ فانظر كيف استفيد ترتيب الخروج والوداع على الدخول والسلام؟ لقرب ما بينهما حتّى اشتبه الدخول بالخروج والله ورسوله أعلم. (¬1023) فتح الباري (3/ 129). (¬1024) عمدة القاري (8/ 41). (¬1025) فتح الباري (3/ 129). (¬1026) عمدة القاري (8/ 41) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 115).

221 - باب ما يستحب أن يغسل وترا

221 - باب ما يستحب أن يغسل وترًا قوله: في حديث أيوب عن محمَّد بن سيرين "اغْسِلْنَهاَ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا". قال (ح): وقع في رواية أيوب عن محمَّد بن سيرين عن أم عطية. بلفظ الوتر. وعن حفصة عن أم عطية بلفظ: "اغْسِلْنَهاَ وِتْرًا" (¬1027). قال (ع): مراد البخاريّ بقوله: وترًا أن لا يكون شفعًا (¬1028). قوله: "وترًا ثَلَاثًا أوْ خمْسًا". قال (ح): استدل به على استحباب المضمضة والإستنشاقْ في غسل الميِّت خلافًا للحنفية، بل قال بعضهم: لا يستحب وضوءه أصلًا (¬1029). قال (ع): هذا تقول على الحنفية، ومذهب أبي حنيفة أن الميِّت يوضأ لكن لا يمضمض ولا يستنشق (¬1030). ¬

_ (¬1027) فتح الباري (3/ 130). (¬1028) عمدة القاري (8/ 42). (¬1029) فتح الباري (3/ 131). (¬1030) عمدة القاري (8/ 43).

222 - باب نقض شعر المرأة

222 - باب نقض شعر المرأة قوله: ثلاثة قرون نقضته، أي الشعر. ولمسلم: مشطناها، أي سرحناها. قال (ح) فيه حجة للشافعي ومن وافقة على استحباب تسريح الشعر (¬1031). قال (ع): ليت شعري كيف يقول: وفيه حجة للشافعي، وهو لا يرى قول الصحابي ولا فعله حجة، وأم عطية أخبرت عن فعلهن، ولم تخبر عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - (¬1032). قلت: هذا الذي ينبغي أن يتعجب منه، والخبر مصرح بأن أم عطية غسلتها بأمر والدها، وكان عندها حتّى يناولها الكفن، وقد جزم جمهور المحدثين بأن الصحابي إذا قال: فعلنا في عهد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في حكم المرفوع، فكيف هذا؟! قوله: وقال الحسن: الخرقة الخامسة يسد بها الفخذين والوركين تحت الدرع. قال (ح): وصله ابن أبي شيبة بنحوه (¬1033). قال (ع): قد ذكر مغلطاي هذا التعليق وقال: رواه وأخلا بياضًا، ¬

_ (¬1031) فتح الباري (3/ 132 - 133). (¬1032) عمدة القاري (8/ 45). (¬1033) فتح الباري (3/ 133).

فالظاهر أن قوله وأخرجه ابن أبي شيبة غير صحيح (¬1034). قلت: كان اللائق أن يطالع مصنف ابن أبي شيبة, فإن وجده فليسكت, وإن لم يجده فليسأل, وأمّا الرد بالصدر فعلى العادة المستمرة. ¬

_ (¬1034) عمدة القاري (8/ 46).

223 - باب هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون

223 - باب هل يُجْعَلُ شَعْرُ المَرْأةِ ثَلَاثَةَ قُروُنٍ قال الكرماني: فيه استحباب تضفير الشعر خلافًا للكوفيين. وقال (ح): الحنفية ترسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقًا (¬1035). قال (ع): ليت شعري كيف ينقل هؤلاء مذاهب النَّاس على غير ما هي علية، والكوفيون ما أنكروا التضفير، والذي قاله أبعد من الصواب، ولم يقل بهذا من الحنفية إِلَّا من لا يقبل قوله (¬1036). ¬

_ (¬1035) فتح الباري (3/ 134). (¬1036) عمدة القاري (8/ 47).

224 - باب الكفن في ثوبين

224 - باب الكفن في ثوبين قوله: وقع عن راحلته فوقصته، الضمير للراحلة. قال (ح): ويحتمل أن يكون للوقعة (¬1037). قال (ع): الفاعل هو الراحلة، والإِحتمال بعيد وخلاف الظّاهر (¬1038). قوله:. فإنّه يبعث يوم القيامة ملبيًا. قال الشّافعيّ وأحمد وغيرهما: إذا مات المحرم انقطع إحرامه وعورض، بحديث أبي هريرة: "إذا مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثِ .... " وإحرامه من عمله، ولأنّه لو بقي لطيف به وكملت مناسكه. قال (ح): قضية المحرم في ترك ستر رأسه ورد على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص (¬1039). قال (ع): لا نسلم أنّه ورد على خلاف الأصل لأنّه أمر بغسله بالماء والسدر وهو الأصل في الموتى (¬1040). قلت: ما كأنّه تدبر ما يعترض عليه فيه. ¬

_ (¬1037) فتح الباري (3/ 136). (¬1038) عمدة القاري (8/ 51) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 116). (¬1039) فتح الباري (3/ 137). (¬1040) عمدة القاري (8/ 51).

225 - باب كيف يكفن المحرم

225 - باب كيف يكفن المحرم قيل: إنّما أورده بلفظ الإستفهام لأنّه احتمل أن يكون ذلك خاصًا بهذا الرَّجل، واحتمل أن يكون عامًا. قال (ح): الذي يظهر من المراد بقوله ["وكيف يكفن" أي] كيفية التكفين، وكيف يظن به أنّه يريد الإِستفهام، وقد جزم قبل ذلك بأنّه عام في حق كلّ من مات محرمًا حيث ترجم بجواز التكفين في ثوبين (¬1041). قال (ع): هذا غير صحيح, لأن كيف للإستفهمام الحقيقي في الغالب، وعدم تردده في التكفين في ثوبين لا يستلزم عدم تردده (¬1042). ¬

_ (¬1041) فتح الباري (3/ 138). (¬1042) عمدة القاري (8/ 52).

226 - باب اتباع النساء الجنازة

226 - باب اتباع النِّساء الجنازة قوله في حديث أم عطية: نهينا ولم يعزم علينا أي لا نأتي إلى أهل الميِّت فنعزيهم ونترحم على ميتهم من غير أن نتبع جنازته. قال (ح): في أخذ هذا التفصيل من هذا الحديث نظر (¬1043). قال (ع): في نظره نظر، لأنّ حديث عبد الله بن عمرو يساعده (¬1044). قلت: قد قيدت كلامي بحديث الباب فانسد نظره. ¬

_ (¬1043) فتح الباري (3/ 145). (¬1044) عمدة القاري (8/ 64).

227 - باب إحداد المرأة على غير زوجها

227 - باب إحداد المرأة على غير زوجها قوله: لما جاء نعي أبي سفيان من الشّام دعت أم حبيبة بصفرة .... الحديث. قال (ح): في قوله: من الشّام [أظنها]، وهمًا, وإن كانت غير [كذا] محفوظة فلعلّ "ابن" سقطت من هذه الطريق، لأنّ الذي جاء نعيه من الشام هو يزيد بن أبي سفيان. . . . . . . . . . إلى آخر كلامه، وفيه، أن مالكًا والثوري روياه وليس عندهما من الشّام (¬1045). قال (ع): لا يلزم من عدم ذكرهما من الشّام أن يكون سفيان بن عيينة وهم فيها، وفي قوله: إنَّ أبا سفيان مات بالمدينة بلا خلاف مجرد دعوى (¬1046). قلت: هذا جازم بالنقل فلا يردّ عليه إِلَّا بالنقل عمن يعتمد ما يخالفه، وإذا لم يقبل أحد الإِحتمالين فالإِشكال باق. قوله: ثمّ دَخَلْتُ على زينب بنت جحش. في رواية التّرمذيّ: فدخلت، بالفاء. وفي رواية أبي داود: ودخلت، بالواو (¬1047). قال (ع): ما وجد في نسخ أبي داود إِلَّا بالفاء كالترمذي (¬1048). ¬

_ (¬1045) فتح الباري (3/ 147) وفي النسخ الثلاث "فعل ابن" فجعلناه "فلعلّ ابن". (¬1046) عمدة القاري (8/ 66). (¬1047) فتح الباري (3/ 147). (¬1048) عمدة القاري (8/ 66).

228 - باب يعذب الميت ببكاء أهله إذا كان النوح من سنته

228 - باب يعذب الميِّت ببكاء أهله إذا كان النوح من سنته قال (ح): قيد المصنف مطلق الحديث الوارد في التعذيب بالبكاء على الميِّت بما ذكره، وفيه حمل لرواية ابن عبّاس المقيدة بالبعضية على رواية ابن عمر المطلقة (¬1049). قال (ع): لا نسلم أن التقييد من المصنف بل هما حديثان: أحدهما مطلق والآخر مقيد، وترجم بلفظ المقيد تنبيهًا على أن المطلق محمول عليه (¬1050). قلت: من يصل في المكابرة إِلَّا هذا الحدّ يسقط معه الكلام، فإن التقييد بقوله: من سنته ليس هو التقييد بالبعضية في الحديث. قوله: ان ابنًا لها أي لبنت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قال (ح): كتب الدمياطي بخطه في الحاشية أن اسمه علي بن أبي العاص بن الربيع وفيه نظر، لأنّه لم يقع مسمى في شيء من طرق هذا الحديث، وقد ذكر الزبير بن بكار وغيره من أهل العلم بالأخبار أن عليًا المذكور عاش حتّى ناهز الحلم، وأن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أردفه على راحلته يوم فتح مكّة، ومثل هذا لا يقال في حقه صبي لغة ولا عرفًا. وقد أخرج الحديث أبو داود من رواية شعبة عن عاصم بلفظ: أن ابني أو ابنتي قد حضر هذا بالشك. ¬

_ (¬1049) فتح الباري (3/ 152). (¬1050) عمدة القاري (8/ 70).

ولأحمد: أتيّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بأمامة بنت زينت وهي لأبي العاص بن الربيع (¬1051). قال (ع): في نظره نظر لأنّه لا يلزم من عدم اطلاعه على أن ابنها هو علي في طرق هذا الحديث أنّه لا يطلع عليه غيره في طريق من الطرق، ومن احتاط بجميع طرق هذا الحديث أو غيره، والدمياطي حافظ متقن، وليس كذا ذكره من عنده, لأنّ مثل هذا توقيفي فلا دخل للعقل فيه، فلو لم يطلع عليه لم يصرح به. وأمّا قوله: لا يقال له صبي عرفًا ليس كذلك، بل يقال له صبي إلى أن يقرب من البلوغ عرفًا، وأمّا اللُّغة فقال ابن سيده: في المحكم صبي من لدن يولد إلى أن يفطم (¬1052). قلت: أمّا نقصد للدمياطي بالتجويز العقلي مدخل له في النقلي باعترافه، وأمّا دعوى الإحاطة فيكفي في مثل هذا غلبة الظن، إذ لم يشترط أحد فيه القطع، ولو اشترط القطع لبطل أكثر الأحكام، لأنّ الإحتمالات كثيرة جدًا، وأمّا جزمه بأنّه لم يقله من عنده، فيرد عليه إحتمال أنّه استنبطة من أنّهم لم يذكروا لزينب ابنا غير علي فتمسك في ذلك بأنّه هو والرجوع في مثل هذا إلى أهل العلم بالنسب معمول به عند أهل النقل خصوصًا الزبير بن بكار فيما يتعلّق بنسب قريش. ولم ينظر (ح) عليه إِلَّا في قوله: صبي، والذي يناهز الإحتلام إنّما يقال له غلام، وقد سلم هو ذلك من حيث اللُّغة فعليه البيان فيما ادعاه من العرف الذي نفاه (ح). ولقد استوفى (ح) في هذا الموضع بما لا مزيد عليه في تجويز هذا الفهم، وأغار (ع): على أكثر ذلك غير ناسب لمن أتعب فيه خاطره وأسهر فيه ناظره ¬

_ (¬1051) فتح الباري (3/ 156). (¬1052) عمدة القاري (8/ 73).

ممّا يظهر ذلك لكل من نظر في كلامهما، وما اكتفى بذلك حتّى صار يعترض عليه بزعمه فصيره كخبز الشعير يأكله فوق الشبع ويقرب ذلك بذمه والمستعان. تنبيه:- قال ابن بطّال: لما أورد البخاريّ هذا الحديث من وجه آخر لم يضبط الراوي فمرة قال: صبية، ومرة قال: صبي. وأجاب الكرماني باحتمال التعدد. فاعترضه (ع): فقال: هو احتمال بعيد (¬1053). قوله في حديث أنس-: "أَيُّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ الَّليْلَةَ؟ " فقال أبو طلحة: أنا. قال (ح): ذكر الكرماني المناسبة لمن قال أراد المقارفة المجامعة، وقيل: إنّما عينه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لأنّها كانت صنعته، وفيه نظر، لأنّه وإن ورد أنّه يضر (ح) كما جاء في قصة كفن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - اختاره لذلك لتصريحه بأنّه لم يقع منه في تلك اللَّيلة جماع (¬1054). قال (ع): في نظره نظر لأنّه كان هناك جماعة بدليل قول أنس: شهده، بل الظّاهر إنّما أختاره أخبر به بذلك، وعدم وقوع الجماع منه في تلك اللَّيلة لا يستلزم أن يكون مختصًا به حتّى يختار لذلك (¬1055). كذا قال، ولا يخفى ما فيه من الغفلة عما تقرر في القواعد في الحكم المتعلّق بصفة. ¬

_ (¬1053) عمدة القاري (25/ 85). (¬1054) فتح الباري (3/ 159). (¬1055) عمدة القاري (8/ 76). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 118) بعد نقله لكلام الحافظ ابن حجر والعيني: إنَّ الحكمة الّتي راعاها - صلّى الله عليه وسلم - عند السؤال مجهولة عند الجميع، وعند ما أمره بالنزول تطرق للناس احتمالات لسبب الإختصاص، وقد سمعنا ما للشيخين، والذي فهمته من أول مرّة، ولم يزل راجحًا في نظري أنّه اختاره لابتداره بالجواب قبل غيره، فهو صبغة جبلية في أبي طلحة، ولذا قدمه بهذه المزية على غيره، والله أعلم.

229 - باب ما يكره من النياحة

229 - باب ما يكره من النياحة قوله: بما نيح عليه، الباء للسببية ويروى ما ينح عليه. قال (ح): فهي ظرفية (¬1056). قال (ع): لا يقال ظرفية وإنّما تكون (ما) للمدة أي مدة النوح (¬1057). قوله: بنت عمرو هي عمة جابر واسمها فاطمة، ووقع في الإكليل أنّها هي بنت عمرو. قال (ح): يحمل هذا على أن لها اسمين أو أحدهما اسم والأخر لقب (¬1058). قال (ع): لا يلقب بالأسماء الموضوعة للمسميات ولكن يقال إِنهما كانا أختين وهما عمتا جابر (¬1059). قلت: الأصل عدم التعدد وإنكاره ما زعم من اللقب بالإسم الموضوع للتسمية هو المنكر، فإن اللقب من جملة الأسماء، وقد سمي جماعة من الأعلام بحماد خرج حديثهم في الكتب الستة أو بعضها، وصرحوأ بأن حماد بن أبي حميد أو محمد بن أبي حميد وهو ممّن خرج له في بعض الستة، وتارة يذكر باسمه وتارة بلقبه. ¬

_ (¬1056) فتح الباري (3/ 162). (¬1057) عمدة القاري (8/ 84). (¬1058) فتح الباري (3/ 163). (¬1059) عمدة القاري (8/ 86).

230 - باب ليس منا من شق الجيوب

230 - باب ليس منا من شق الجيوب قال (ح): المراد بشق الجيوب إكمال فتحه ... ". الخ وهي من علامات السخط (¬1060). قال (ع): الشق أعم، فمن أين أخذ؟ فإذا شق جيبه من وراءه أو من يمينه أو من يساره لا يكون داخلًا فيه (¬1061). قلت: إنّما أطلق ذلك لكونه أيسر، ولأن الجيب ما يفتح من الرّأس ليدخل فيه الرّأس فيتناول ما هو مفتوح أمكن لشق الباقي بخلاف باقي المحرمات. ¬

_ (¬1060) فتح الباري (3/ 164). (¬1061) عمدة القاري (8/ 88).

231 - باب رثاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة

231 - باب رثاء النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - سعد بن خولة قوله: أن مات بمكة. قال (ح) بفتح الهمزة ولا يصح كسرها لأنّها تكون شرطية، والشرط لما يستقبل وهو قد كان مات (¬1062). قال (ع): التحقيق ما قال ابن مالك أن الأصل إن تركت ورثتك أغنياء فهو خير لك (¬1063). قلت: نقل قول (ح) في قوله عن سعيد بن خولة أن مات بمكة إلى قوله لسعد بن أبي وقّاص. وقال الحكم بن موسى [وفي رواية أبي الوقت حدّثنا الحكم] وهو وهم فإن الذين جمعوا رجال البخاريّ اطبقوا على ترك ذكره في شيوخه، فالصواب رواية الجماعة بصيغة التعليق (¬1064). قال (ع): قيل روى عنه، ويؤيده رواية أبي الوقت (¬1065). قلت: جرى على المألوف في الرفع بالصدر. ¬

_ (¬1062) فقح الباري (3/ 165). (¬1063) عمدة القاري (8/ 89) لكنه كما قال الحافظ نقل كلامه على "أن مات" إلى "أن تذر ورثتك". (¬1064) فتح الباري (3/ 165) وما بين المعكوفين ساقط من النسخ الثلاث زدناه من الفتح. (¬1065) عمدة القاري (8/ 92).

232 - باب ما ينهي من الويل.

232 - باب ما ينهى من الويل. قال الكرماني: ليس في الحديث الويل، فأجاب بأن دعوى الجاهلية مستلزمة له. قال (ح): كأنّه أشار إِلَّا ما ورد في بعض طرقه، فقد جاء عن أبي أمامة رفعه لعن الداعية بالويل والثبور (¬1066). قال (ع): الذي قاله الكرماني الأوجه، لأنّ ذكر التّرجمة لحديث ليس بمذكور في كتابه ولا يعرف هل اطلع عليه أو لا بعيد عن السداد (¬1067). قلت: أكثر من إنكار مثل هذا وأنكر من إثباته، والجواب فلم يستقر في ذلك له رأي، فسيأتي قريبًا في الجنائز أنّه قال في باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد، وليس في حديث الباب لفظ الثّلاثة وإنّما ذكره في الباب على عادته بالإِشارة إِلَّا ما ورد في لفظ الثّلاثة، فقد أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر لكنّه لما لم يكن على شرطه اكتفى بالاشارة (¬1068). ¬

_ (¬1066) فتح الباري (3/ 166). (¬1067) عمدة القاري (8/ 94). (¬1068) عمدة القاري (8/ 157). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 118) بعد أن نقل كلام الحافظ ابن حجر والعيني: إنَّ كلام ابن حجر هو عين ما نسبه إليه العيني إِلَّا أنّه قال بعده: والظاهر أن ذكر دعوى الجاهلية بعد ذكر الويل من العام بعد الخاص. وأقول: إنَّ اعتراض العيني وجيه، خصوصًا قوله: لا يعرف هل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = البخاريّ اطلع عليه حتّى يشير إليه أو لم يطلع عليه؟ فتستحيل الإِشارة حينئذ، وهذا إنّما هو باعتبار ما اقتصر عليه العيني، وأمّا باعتبار ما نقلته عنه من الزيادهّ فهو غير بعيد ممّا وجه به الكرماني، لأنّ النّهي عن دعوى الجاهلية أعم من النّهي بالويل, ولعلّ هذا التوجيه ممّا لا يعزب عن خاطر العيني، ولذا عبر بالأوجهية في الإِعتراض، إذا ما استدل به من ذكر التّرجمة لحديث الخ لا يفيد الوجهية والأوجهية.

233 - باب من جلس عند المصيبة

233 - باب من جلس عند المصيبة قوله في آخر حديث عائشة: لم تفعل ما أمرك. قال (ح): "لم" يُعَبَّرُ بها عن الماضي، وهذا القول منها وقع قبل أن يتوجه، فمن أين علمت أنّه لم يفعل، فالظاهر أنّها قامت عندها القرينة بأنّه لا يفعل، فعبرت عنه بلفظ الماضى مبالغة في نفي ذلك عنه (¬1069). قال (ع): لا يقال "لم" يُعَبَّرُ بها عن الماضي، وإنّما يقال: حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضيًا (¬1070). قلت: هذه مشاححة سهلة. ¬

_ (¬1069) فتح الباري (3/ 168). (¬1070) عمدة القاري (8/ 96). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدور (ص 119) بعد أن نقل كلام الحافظ ابن حجر والعيني: إنَّ ما اعترض به العيني على ابن حجر في الماضي يعتبر من القشور, لأنّ ابن حجر يتكلم مع العلماء لا مع المبتدئين الذين لا يعرفون الماضى من المضارع، فعبارته الموجزة يفهم منها كلّ أحد جميع ما أطال به العيني، على أن ظني كان ذاهبًا إلى أن الإعتراض سينصب على قوله وقولها ذلك وقع قبل أن يتوجه، فمن أين علمت أنّه لم يفعل؟ فمقتضى الظّاهر أن يقول: فمن أين علمت أنّه لا يفعل؟. والحاصل أن هذا الرَّجل قد تكرر الذهاب منه والإياب بين النّبيّ وبين النِّساء قطعًا بصراحة الحديث، وأن الأخيرة الّتي فيها الأمر بالحثو هي الّتي قالت فيها عائشة ما قالت، بينه الكرماني وابن حجر بما رأياه، على أن جميع ما في هذا الكلام سهل.

234 - باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة

234 - باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة قوله في حديث في قصة ولد أبي طلحة قال: عباية فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم قد ختم [القرآن]. قال (ح): أفادت هذه الرِّواية أن في رواية سفيان تجوزًا في قوله لهما، لأنّ ظاهره أنّه من ولدهما بغير واسطة، وإنها المراد من أولاد ولدهما المدعو له بالبركة (¬1071). قال (ع): لا نسلم التجوز في رواية سفيان لأنّه ما صرح (¬1072). ¬

_ (¬1071) فتح الباري (3/ 171) وما بين المعكوفين ساقط من النسخ الثلاث زدناه من الفتح. (¬1072) عمدة القاري (8/ 99).

235 - باب البكاء عند المريض

235 - باب البكاء عند المريض قوله في حديث ابن عمر: فقال "أَلَا تَسْمعُونَ إنَّ اللهَ". قال. (ح): بكسر الهمزة لأنّه ابتداء كلام (¬1073). قال (ع): أخذه من كلام الكرماني من غير أن ينسبه إليه (¬1074). قلت: لا تنه عن خلق وتأتي مثله، بل هذه اللفظة في هذا المقام لا تخفى على طالب علم، فمن له الأخذ وكيف يذكر هذا لو صدق، ثمّ هو يأخذ كلام (ح). قال الأصيلي: لم يرو عنه غير البخاريّ. قلت: قد روى عنه محمّد بن مسلم بن وراة كما ذكره المزي في التهذيب (¬1075). قال (ع): مراد الأصيلي أنّه لم يرو عنه غيره من أصحاب الكتب الستة (¬1076). قلت: هنا تظهر معرفته بالرواة والحفاظ والشراح، وليس في كلام الأصيلي ولا نقل عنه أنّه وقف على الكتب الستة، بل لا يعرف في كلام أحد من المغاربة شيئًا يدلُّ على أن السنن لابن ماجه وصلت إليهم ولا سيما في ¬

_ (¬1073) فتح الباري (3/ 175). (¬1074) عمدة القاري (8/ 104). (¬1075) فتح الباري (3/ 176). (¬1076) عمدة القاري (8/ 105).

عصر الأصيلي الذي كان على رأس الأربع مئة، فإن كتاب ابن ماجه لم يكن اشتهر في الشّام فضلًا عن المغرب. قوله: في حديث أم عطية: فما وفت منا .... الخ. تكلم (ح) على تعيين هؤلات الخمسة، فتعقبه (ع) بأن قال قد خلط هذا بالنقل في مواضع كثيرة غير الصّحيح، وتكلم بالتخمين والحسبان والصّحيح ما في الصّحيح (¬1077). قلت: إنَّ أراد الحصر في صحيح البخاريّ أو الصحيحين فمردود، فإنهما لم يستوعبا الصّحيح بل صرحا بعدم التزام ذلك. ¬

_ (¬1077) عمدة القاري (8/ 106).

236 - باب من قام لجنازة يهودي

236 - باب من قام لجنازة يهودي قال (ع): ذكرنا في باب القيام للجنازة اختلاف الأحاديث في تعليل القيام لها فيراها أحسن وأوجه ممّا ذكره بعضهم في هذا الموضع (¬1078). قلت: قال (ح): هنا قوله: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا" هذا لا يعارض التعليل المتقدم، حيث قال: "إِنَّ لِلْمَوْتِ فَزَعًا". وكذا حديث أنس عند الحاكم فقال: "إِنَّماَ قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ". ونحوه لأحمد عن أبي موسى. ولأحمد وابن حبّان والحاكم عن عبد الله بن عمرو رفعه: "إنَّهاَ تَقُومُونَ إِعْظَامًا لِلَّذي يَقبضُ النُّفُوسَ". وفي لفظ ابَن حبّان: "يَقْبضُ الأَرْوَاح" فإنّه لا ينافي. أيضًا التعليل السابق، لأنّ القيام فزعًا فيه تعظيم لأمر الله، وتعظيم للقائمين بأمره وهم الملائكة ... إلى آخر كلامه (¬1079). والذي قاله (ع) وادعى أنّه أحسن وأوجه هو قوله بعد أن ذكر حديث عامر بن ربيعة: "إِذَا رَأيْتُمُ الجَنَازَةَ قُومُوا .... " الحديث، اختلفت الأحاديث في تعليل القيام. ففي حديث جابر: "لِلْمَوْتِ فَزعٌ". وفي حديث سهل بن حنيف: "كَوْنُهَا نَفْسًا". ¬

_ (¬1078) عمدة القاري (8/ 111). (¬1079) فتح الباري (3/ 180).

وحديث أنس: "إِنَّما قُلْنَا لِلْمَلَاِئكَةِ". وحديث عبد الله بن عمرو: "إِنَّماَ تُقُومُونَ إعْظَامًا لِلَّذي يَقْبِضُ اْلأرْوَاح". وفي حديث أبي موسى: "إِنَّما يَقُومُ لِمَنْ مَعَهَا مِنَ اْلمَلَائِكَة". ونقل عن شيخنا زين الدِّين العلّة المذكورة في الحديث تقتضي عدم التخصيص بالمسلم وأهل الكتاب. انتهى (¬1080). ¬

_ (¬1080) عمدة القاري (8/ 108).

237 - باب السرعة بالجنازة

237 - باب السرعة بالجنازة وقوله: وقال أنس: أنتم مشيعون فامشوا بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها، وقال غيره: قريبًا منها. قال (ح): الغير المذكور أظنه عبد الرّحمن بن قرط، فقد أخرج سعيد بن منصور من طريق عروة بن رويم قال: شهد عبد الرّحمن بن قرط جنازة، فرأى ناسًا تقدموا وآخرين استأخروا، فأمر بالجنازة فوضعت ثمّ رماهم بالحجارة حتّى اجتمعوا إليه، ثمّ أمر بها فحملت ثمّ قال: بين يديها وخلفها وعن يسارها وعن يمينها (¬1081). قال (ع): هذا تخمين وحسبان ثمّ هو بعينه مثل ما قال أنس (¬1082). قلت: ما زاد على أن تفسير الظن بالتخمين. قوله: "أسْرِعُوا بالجَنَازَةِ". قال (ح): شدة المشي وعلى ذلك حمله بعض السلف، وفي حديث أبي بكرة عند أبي داود: كنا نَرْمُلُ بهَا رَملًا، ويستثنى منه إذا خشيَ على الميِّت من ذلك وهو قول الحنفية. قال صاحب الهداية: ويمشون بها مسرعين دون الخبب. وقال في المبسوط: ليس فيه شيء مؤقت غير أن العجلة أحب إلى أبي حنيفة (¬1083). ¬

_ (¬1081) فتح الباري (3/ 183). (¬1082) عمدة القاري (112/ 8). (¬1083) فتح الباري (3/ 184).

قال (ع): قوله: وهو قول الحنفية غير صحيح، وقول صاحب الهداية دون الخبب يدلُّ على أن المراد غير العدو. والعجب من (ح) يقول: إنَّ شدة المشي قول الحنفية ثمّ ينقل عن كتابين معتبرين عندهم ما يخالف ذلك (¬1084). ¬

_ (¬1084) عمدة القاري (8/ 114).

238 - باب سنة الصلاة على الجنازة

238 - باب سنة الصّلاة على الجنازة قوله: وكان ابن عمر لا يصلّي إِلَّا طاهرًا، ولا يصلّي عند طلوع الشّمس ولا غروبها ويرفع يديه. قال (ح): وأمّا رفع يديه فوصله المصنف في كتاب رفع اليدين والأدب المفرد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنّه كان يرفع يديه في كلّ تكبيرة على الجنازة (¬1085). قال (ع): عدم تقييد البخاريّ ذلك يدل على أن الذي رواه في رفع اليدين غير مرضي عنده إذ لو كان رضي به لكان ذكره في الصّحيح (¬1086). قلت: انظروا وتنزهوا. ¬

_ (¬1085) فتح الباري (3/ 190). (¬1086) عمدة القاري (8/ 124).

239 - باب من انتظر حتى تدفن

239 - باب من انتظر حتّى تدفن أورد الحديث بلفظ: "وَمَنْ شَهدَ حَتَّى تُدْفنَ" فسأل الزين بن المنير لم عدل عن لفظ الشهود إلى الإِنظار، وَأجاب بأنّه أشار إلى أن المقصود إنّما هو معاضدة أهل الميِّت والتصدي لمعونتهم، وذلك من الأمور المعتبرة. قال (ح): والذي يظهر لي أنّه اختار لفظ الإنتظار لكونه أعم من المشاهدة فهو أكثر فائدة، وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الإِنتظار ليفسر اللّفظ الوارد بالمشاهدة به. ولفظ: الإِنتظار وقع في رواية معمر عند مسلم. وقد ذكر البخاريّ سندها ولم يسق اللّفظ هنا (¬1087). قال (ع): في الجوابين نظر لأنّه لو عاضد أهل الميِّت وتصدى لمعونتهم ولم يصل لا يستحق القيراط الموعود به، ولا نسلم أن الإنتظار أعم في المشاهدة لأنّه ليس بين مفهوميهما عموم وخصوص (¬1088). والجواب الثّالث فإن (ح) قد ذكره كما ترى، وتراه ظن أن كتاب (ح) يفقد من الوجود فلا يطلع أحد على ما يصنعه من أخذ كلامه وادعائه لنفسه ثمّ يبرزه في قالب الإِعتراض ما هذه الأعجوبة، وأعجب منها أنّه لا يزال ينكر على من يقول في التوفيق بين الحديث والترجمة إشارة إِلى ما ورد في بعض طرقه وقد أثبت ما نفاه، ولا يقال لعلّه رجع، فإنّه لم يزل على رأيه في الإِنكار ¬

_ (¬1087) فتح الباري (3/ 196). (¬1088) عمدة القاري (8/ 129) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 120).

إلى أواخر الكتاب، وفي أثناء ذلك يثبت ما ينكره وهو لا يشعر. قوله: "مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلي فَلَهُ قِيرَاطٌ". قل (ح): مقتضى كما وقع من الروايات الّتي وقع فيها التقييد بابتداء الحضور من أهلها أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إِلى انقضاء الصّلاة، وبذلك صرح المحب الطّبريّ وغيره. والذي يظهر لي أن القيراط يحصل لمن صلّى فقط دون قيراط من شيع مثلًا وصلّى، وهذا دون من حضر التكفين مثلًا واستمر إلى أن صلّى وهو دون من حضر من أول الأمر إِلى آخبر الصّلاة. وقد وقع في صحيح مسلم ما يدلُّ في أن القراريط تتفاوت، ولا شك في تفاوت الأجر بتفاوت العمل كما في المجيء يوم الجمعة في السّاعة الأولى وما بعدها (¬1089). قال (ع): في قوله: لأنّ كلّ ما قبل الصّلاة وسائل فيه نظر لأنّ كلّ ما قبل الصلاة ليس لأجل الصّلاة وإنّما لها, ولمعاضدة أهل الميِّت ومعونتهم وإظهار الخدمة لهم تطييبًا لقلوبهم، والشارع قد نصّ على أن الذي يصلّي فقط يحصل له القيراط (¬1090). قال (ع): والقول المذكور في تفاوت القيراط تحكم وهذا بخلاف الجمعة، فإن الإِختلاف فيه ليس في شيء بعينه (¬1091). قلت: المراد بالوسائل أنّها وسائل لتحصيل القيراط، فإنّه لو فعل جميع ذلك ثمّ عند الصّلاة لم يصل لم يحصل إِلَّا بالمجموع حمل المطلق على المقيد ¬

_ (¬1089) فتح الباري. (3/ 197). (¬1090) عمدة القاري (8/ 130). (¬1091) عمدة القاري (8/ 130).

وهو محتمل، لكن الذي قلته أيضًا محتمل لأنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا وهو من أعمال صالحة مرغبة فيها. ثمّ نقول لهذا المعترض: إن قلت: المطلق محمول على المقيد لزمك أن من صلّى فقط لا يحصل له القيراط، وقد صرحت أنت بأنّه يحصل له، فنقول: إن من صلّى فقط هو مضاف إِلَّا ما قبل الصّلاة ما ذكر من الأعمال هل هما سواء في الأجر؟ فإن قلت: نعم كانت مكابرة. وإن قلت: لا رجع إلى أن الخلاف كان لفظيًا، لأنك تقول يحصل بالصلاة قيراط وبما تقدّم شيء آخر، ونحن نقول: يحصل بالصلاة ما يطلق عليه اسم قيراط وبانضمام ما تقدّم قيراط أكمل من ذلك، فأي الغالبين [كذا في النسخ الثلاث وأظنه القائلين] أقرب إلى موافقة إطلاق الخبر الوارد في ذلك، فإنّه لم يعبر في جميع الطرق إِلَّا بلفظ القيراط، وبمثل هذا بعينه. قوله: في الدفن إن مشى إلى المصلّى واستمر إلى أن فرغ الدفن فله قيراط كامل، وإن شهد الدفن فقط فله قيراط دونه ومن شهد الدفن ومعه شيء آخر ممّا قبل ذلك فهو وسط بينهما، وأمّا تسمية ما ذكر من تفاوت الأجر بتفاوت العمل والتمثيل بالسابق إلى الجمعة فالسابق، فمن اطلع على مراده فإن الإِختلاف ليس في شيء بعينه فليتصد لجوابه فإن الفروع في الجواب مفرع على صحة تجويز القول، وقوله هذا ليس محررًا.

240 - باب أين يقوم من المرأة والرجل

240 - باب أين يقوم من المرأة والرجل أورد فيه حديث سمرة أنّه - صلّى الله عليه وسلم - صلّى على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وَسَطَهَا. قال (ح): هذا القيام على المرأة يسترها وذلك مطلوب في حقها بخلاف الرَّجل، لكن لما اتخذ النعش للنساء حصل الستر المطلوب، فلهذا أورد التّرجمة مورد السؤال أو أراد عدم التفرقة مطلقًا، وأشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق أبي غالب عن أنس أنّه صلّى على رجل فقام عند رأسه وصلّى على امرأة فقام عند عجيزتها، وفيه أنّه مرفوع (¬1092). قال (ع): كيف يضعف هذا وقد رضي به أبو داود وحسنه التّرمذيّ، لكن لما أن كان هذا الحديث مستند الحنفية طعنوا فيه، ثمّ لو سلمنا فلا نسلم وقوف البخاريّ عليه والتضعيف وعدمه مبنيان عليه، ثمّ يجوز أن يكون مذهب البخاريّ غير هذا (¬1093). قلت: هذا كله لا يدفع الإِحتمال وهذا من خيار الإِتباع للبخاري، وقد قال في كتاب الثقات: أبو غالب عن أنس لا يعجبني الإِحتجاج بما ينفرد به والله المستعان (¬1094). قوله: ¬

_ (¬1092) فتح الباري (3/ 201). (¬1093) عمدة القاري (8/ 137). (¬1094) انظر كتاب الثقات (5/ 471) لابن حبّان.

241 - باب الصلاة على الشهيد

241 - باب الصّلاة على الشهيد قوله في حديث جابر: ولم يصل عليهم. قال الطحاوي: معنى صلاته على الشهيد لا يخلو من ثلاثة معان:- إمّا أن يكون ناسخًا لما تقدّم من ترك الصّلاة عليهم. أو يكون من سنتهم أن لا يصلّي عليهم إِلَّا بعد هذه المدة. أو تكون الصّلاة عليهم جائزة وعلى غيرهم واجبة، وأيًا كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصّلاة على الشهداء. قال (ح) غالب ما ذكره بصدد المنع، لأنّ صلاته عليهم تحتمل أمورًا أخرى:- منها: أن ذلك من خصائصه. ومنها: أن يكون أريد بها الدعاء على المعنى اللغوي. ومنها: أنّها واقعة عين لا عموم لها لاحتمال الثّاني (¬1095). قال (ع): كلما ذكر ممنوع لأنّ: الخصوصية لا تثبت بالإحتمال، ولأن لفظ الحديث: صلّى صلاته على الميِّت، بالنصب، ولأن قولة واقعة عين كلام غير موجه ولا دخل له في هذا المقام. انتهى (¬1096) ¬

_ (¬1095) فتح الباري (3/ 211). (¬1096) عمدة القاري (8/ 156 - 157). وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 121 - 122) حيث قرر أن حديثي عدم الصّلاة على الشهداء وأمره - صلّى الله عليه وسلم - بدفنهم بدمائهم وعدم غسلهم نفي =

وجوابه. الإِحتمال لا ينهض بالإِستدلال، لكن بوقف الإِستدلال، وضبط صلاته بالنصب يقتضي أن يكون التقدير مثل فنصب على نزع الخافض، والتمثيل والتشبيه لا يستلزم التسوية من كلّ جهة، ومع الإِحتمال لا يقوم الإِستدلال، وأمّا دعواه أن واقعة العين لا حد لها في هذا العام فهي مكابرة. ¬

_ = صريح مقوٍ لما قاله الحافظ ابن حجر، ولا يساويه قوله خرج يومًا وصلّى على أهل أحد صلاته على الميِّت. لأنّهم يومئذ مقبورون من زمان. فالمناسب بالصلاة الدُّعاء إلى آخر ما قاله فراجعه.

242 - باب من يقدم في اللحد

242 - باب من يقدم في اللحد قال (ح): في حديث جابر: كفن أبي وعَميِّ في نمرة. قال الدارقطني: اضطرب فيه الزّهريُّ. وقال الكرماني: اختلف الرواة عن الزّهريُّ، فالليث ذكر بين الزّهريُّ وجابر الواسطة. قال (ح): لا اضطراب هنا لأنّ الحاصل الإِختلاف فيه على الثقات، على أن الزّهريُّ حمله عن شيخين وأمّا إبهام سليمان له وحذف الأوزاعي له فلا يؤثر ذلك في رواية من سماه، لأنّ الحجة لمن ضبط وزاد إذا كان ثقة لا سيما إذا كان حافظًا (¬1097). قال (ع): الإِختلاف على الثقات والإِبهام ممّا يورث الإِضطراب ولا يندفع ذلك بما ذكرت (¬1098). قلت: هذا ينادي على قائله بعدم معرفة اصطلاح أهل الحديث، فإن ابن الصلاح جزم في النقل عنهم بما هذا نصه. وإنّما يسميه مضطربًا إذا تساوت الروايتان، أمّا لو أرجحت إحداهما بحيث في تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة، فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه حينئذ وصف الإضطراب ولا له حكمه. ¬

_ (¬1097) فتح الباري (3/ 213). (¬1098) عمدة القاري (8/ 160).

243 - باب هل يخرج الميت من القبر لعلة

243 - باب هل يخرج الميِّت من القبر لعلة قوله في حديث جابر: فاستخرجته بعد ستة أشهر ..... الخ. قال (ح): هذا يخالف ما في الموطَّأ عن عبد الرّحمن بن أبي صعصعة أنّه بلغه أن عبد الله بن عمرو بن الجموح [وعبد الله بن عمرو الأنصاريين] خرق النيل قبرهما فوجدا لم يتغيرا، وكان ذلك بعد ست وأربعين سنة من يوم أحد وقد جمع بينهما ابن عبد البرّ بتعدد القصة وفيه نظر، لأنّ في حديث الباب أن جابرًا دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر من يوم قتل. وفي حديث الموطَّأ: أنّهما في قبر واحد بعد ست وأربعين، فإما أن يكون المراد بقبر واحد قرب المجاورة أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحد (¬1099). قال (ع): فيه مالا يخفى، والأوجه أن يقال: أن رواية الموطَّأ بلاغ ولا تقاوم حديث جابر (¬1100). ¬

_ (¬1099) فتح الباري (3/ 216). (¬1100) عمدة القاري (8/ 166). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 122) بعد نقل كلام الحافظ ابن حجر والعيني: أمّا القول بتعدد القصة فلم أتصوره، وأمّا جواب ابن حجر فكلا الوجهين جائز كما هو ظاهر، ودل عليه أوجهية العيني، وأمّا جواب العيني فيلزم عليه إلغاء البلاغ، والقاعدة الأصولية الّتي ملأ العيني بها الشرح هي أن إعمال الدّليلين أولى من إلغاء أحدهما، وإن كان أحدهما أقوى من الآخر، كما يدلُّ تخصيص الكتاب بخبر الواحد عند أكثر الأصوليين [عليه] فافهمه.

قلت: مهما أمكن الجمع لا يصار إلى الترجيح، وقد ذكرت لرواية جابر متابعًا عند ابن سعد، وشاهدًا عند ابن إسحاق، فرجحانه ظاهر، ولكن لا يعارض من جمع المختلف ولو بأدنى مناسبة، فهو أولى من التغليط. وقد أكثر (ع) الإِعتراض بمثل هذا.

244 - باب الجريد على القبر

244 - باب الجريد على القبر قوله فيه: وقال نافع: كان ابن عمر يجلس على القبور. قال (ح): وصله الطحاوي، إلى أن قال: قال النووي: المراد بالجلوس القعود عند الجمهور. وقال مالك: المراد به الحدث وهو تأويل ضعيف أو باطل. انتهي. وهذا يوهم انفراد مالك بذلك وليس كذلك، فإن الحنفية قالوا مثله كما نقله عنهم الطحاوي، واحتج بأثر ابن عمر ثمّ أخرج عن علي نحوه. وروى الطحاوي من طريق محمّد بن كعب قال: قال أبو هريرة: من جلس على قبر يبول أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة. قلت: وإسناده ضعيف (¬1101). قال (ع): سبحان الله ما لهذا القائل من التعصبات الباردة، والطحاوي أخرج هذا عن أبي هريرة من طريقين:- أحدهما: هذا الذي ذكره هذا القائل أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى عن عبد الله بن وهب عن محمّد بن أبي حميد عن محمّد بن كعب. والثّاني: من طريق محمّد بن أبي بكر المقدمي عن سليمان بن داود عن محمّد بن أبي حميد نحوه. وأخرجه ابن وهب وأبو داود الطيالسي في مسنديهما، ولم يذكر الطحاوي هذا الحديث إِلَّا تقوية لحديث زيد بن ثابت أخرجه عن سليمان بن شعيب ¬

_ (¬1101) فتح الباري (3/ 224)

عن الحصيب عن عمرو بن علي عن عثمان بن حكيم عن أبي أمامة أن زيد بن ثابت قال: هلم إليَّ يا ابن أخي أخبرك إنّما نهى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عن الجلوس على القبور لغائط أو بول، ورجاله ثقات وعمرو بن علي هو الفلاس شيخ الجماعة (¬1102). قلت: في كلامه أشياء:- أولها في نسبة (ح) إلى التعصبات الباردة وليس في كلامه تعصب أصلًا كما هو ظاهر لكل ناظر فيه، وذاك أنّه نبه على ضعف محمّد بن أبي حميد فقط لاحتمال أن لا يعرف حالة من ينظر في كلامه فيظن أنّه أقر عليه. ثانيها: سياقه إسناده في الطحاوي فيه تقرير لكلام (ح). ثالثها: أخرجه ابن وهب وسليمان بن داود في مسنديهما يقال عليه: أمّا ابن وهب فليس عند [هـ] مسند يورد [هـ فيه]، وأمّا الطيالسي فهو سليمان الذي أخرجه الطحاوي من طريقه، وفي كلّ من السندين محمّد بن أبي حميد. رابعها: قوله: ورجاله ثقات. خامسها:. . . . . . . . . . . . . . . . قوله: عن عمرو بن علي عن عثمان بن حكيم، كذا بخطه وقد أسقط من السند واحدًا (¬1103). ثمّ قال: فهذا القائل هكذا أورد هذا الحديث الصّحيح (¬1104). قلت: لكونه موقوفًا. قال (ع): إنّما ذكر القائل هذا حتّى يفهم أن الطحاوي الذي ينصر مذهب الحنفية إنما يروي في هذا الباب الأحاديث الضعيفة (¬1105). قلت: لا يلزم من تضعيف السند الواحد من أجل ضعف راويه أن ¬

_ (¬1102) عمدة القاري (8/ 183 - 184). (¬1103) كذا هو بياض في النسخ الثلاث. (¬1104) عمدة القاري (8/ 184). (¬1105) عمدة القاري (8/ 184).

يكون بعض الذي نبه على ضعفه ضعف بقية أحاديث الباب، وقد صرح الحنفية في كتبهم بأن القعود على القبور حرام، وخالفهم الطحاوي فقال؛ إنّما يحرم القعود لأجل الحدث، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. قال (ع): الطحاوي أعلم بمذهب هؤلاء (¬1106). كذا قال، ولا يسلم ذلك أئمتهم، وقد صح عن ابن عمر: لأن أطأ على جمرة أحب إليَّ من أن أطأ على قبر وهذا يعارض ما علقه عند البخاريّ أنّه كان يقعد على القبور والجمع بحمله على القعود للحدث بعيد، ويمكن الجمع بغير ذلك. ثمّ قال: كيف يقول النووي إنَّ تأويل مالك باطل وهو أعلم منه ومن مثله، وكيف يدعي أن الجمهور حملوا القعود على حقيقته، مع أن تأويل مالك وافقه عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، ومن الصّحابة علي وابن عمر، فنحن نقول: الجمهور على عدم الكراهة (¬1107). قلت: انظر وتنزه كيف يسوغ لقائل أن يقول: إذا قال أبو حنيفة وصاحباه والطحاوي بقول وابن عمر وخالفهم بقية الأئمة حتّى أئمة الحنفية يكون المراد الجمهور أولئك الستة أنفس وقد أخرج أحمد بسند صحيح عن [عمرو بن حزم أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - رآه متكئًا على قبر فقال: "لَا تُؤْذِ صَاحِبَ اْلقَبْرِ" فهذا لا يقبل تأويله بالجلوس للحديث لأنّه لا يسمى اتكاء. ومن نوادر (ع) أنّه قال هنا: لا يلزم من القعود على القبر لأجل الحدث، نفي حقيقة القعود فسلم قول مخالفة وهو لا يشعر. ¬

_ (¬1106) عمدة القاري (8/ 184). (¬1107) عمدة القاري (8/ 185).

245 - باب موعظة المحدث عند القبر

245 - باب موعظة المحدث عند القبر قوله: وقرأ الأعمش (إلَى نَصْبٍ يُوفِضُونَ) إلى شيء منصوب يستبقون إليه، والنُّصْبُ واحد والنَّصْبُ مصدر. قال (ح): كذا فيه بلفظ واحد، والذي في المعاني للفراء النصب والنصب واحد. هكذا ذكره بفتح النون وبضمها. ثمّ قال: وهو مصدر والجمع أنصاب، وكأن التغيير من بعض النقلة (¬1108). قال (ع): لا تغيير فيه بل فرق المصنف في كلامه هذا بين الاسم والمصدر، ولكن من قصرت يده في علم التصريف لا يفرق بين الاسم والمصدر في مجيئهما على لفظ واحد (¬1109). ¬

_ (¬1108) فتح الباري (3/ 226). (¬1109) عمدة القاري (8/ 187) وانظر لزاما مبتكرات اللآلي والدرر (ص122 - 123).

246 - باب. ما جاء في قاتل النفس

246 - باب ما جاء في قاتل النفس قيل: عادة البخاريّ إذا توقف في حكم شيء ترجم له ترجمة مبهمة كأنّه ينبه على طريق الإِجتهاد، وقد نقل عن مالك أن قاتل النفس لا تقبل توبته، ومقتضاه أنّه لا يصلّى عليه. قال (ح): لعلّ البخاريّ أشار بهذه التّرجمة إلى ما رواه أصحاب السنن من حديث جابر بن سمرة أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أتي برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه. وفي النسائي: فقال: "أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ". لكنه لما لم يكن على شرطه أومأ إليه بهذه التّرجمة وأورد فيها ما يشبهه من قصة قاتل نفسه (¬1110). قال (ع): توجيه كلام البخاريّ بالتخمين لا يفيد، وكلامه ظاهر لا يحتاج إلى هذا التكلف لأنّه لا يلزم أن يكون حديث الباب طبق التّرجمة من سائر الوجوه بل إذا صدق الحديث على جزء ما صدقت عليه التّرجمة (¬1111). ¬

_ (¬1110) فتح الباري (3/ 227). (¬1111) عمدة القاري (8/ 189).

247 - باب ما جاء في حديث عائشة وسؤالها عن عذاب القبر فقالت: نعم عذاب القبر حق

247 - باب ما جاء في حديث عائشة وسؤالها عن عذاب القبر فقالت: نعم عذاب القبر حق قال (ح): كذا للكشميهني والحموي ولغيره فقال: "نعم عذاب القبر حق". قال: فدل على أن لفظة "حق" ليست في الرِّواية الأولى، وطريق غندر أخرجها النسائي من طريقه وفيها هذه (¬1112). قال (ع): قوله: زاد غندر ... الخ ليس في كثير من النسخ، سلمنا لكن لا نسلم أنّه يستلزم حذف الخبر، وكيف تكون رواية من أثبته موجودة وهي على الأصل؟ وماذا يلزم إذا ثبت الخبر في الروايتين (¬1113). قلت: انظر وتعجب كأنّه غفل عن قول المصنف فإذا لم يكن الأمر على ما وجد في رواية الأكثر وهي الزيادة. ¬

_ (¬1112) فتح الباري (3/ 236). (¬1113) عمدة القاري (8/ 203) كذا في النسخ الثلاث "موجوده وهي على الأصل" والذي في العمدة "كيف ينفي الجودة".

248 - باب موت يوم الإثنين.

248 - باب موت يوم الإِثنين. قوله في حديث عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر رضي الله عنه: في كم كفنتم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -؟ قال (ح): يحتمل أن يكون السؤال عن قدر الكفن على حقيقته لأنّه لم يحضر لاشتغاله بأمر البيعه (¬1114). [قال (ع) ما أبعد هذا عن وجه الصواب، لأنا قد ذكرنا أن السؤال والجواب إنّما كانا في مرض موت أبي يكر رضي الله تعالى عنه لأجل الموافقة والإِتباع، وأين كان وقت اشتغاله بأمر البيعة. من هذا الوقت الذي كان مريضًا، وكيف يخفى عليه مع قربه من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - والتكفين كان يوم الدفن (¬1115). قال (ح): وأمّا تعيين اليوم فنسيانه يحتمل لأنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - دفن يوم الأربعاء (¬1116). قال (ع): هذا أبعد من الأوّل؛ لأنّه كيف يخفى عليه وقد بويع في ذلك اليوم يوم السقيفة (¬1117). ¬

_ (¬1114) فتح الباري (3/ 253). (¬1115) عمدة القاري (8/ 219) وما بين المعكوفين ساقط من النسختين زدناه من العمدة. (¬1116) فتح الباري (3/ 253). (¬1117) عمدة القاري (8/ 219). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 124) بعد أن نقل عبارة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

=الحافظ ابن حجر والعيني: وبعد التأمل في جميع ما قاله الشيخان، وفيما نقلاه ظهر أن الأوجه هو القيل الذي نقلاه. وأمّا ما قاله الحافظ ابن حجر وجعله محتملًا فمع كونه بعيدًا هو خلاف ما صرح به في كتب السير. قال في إنسان العيون: ولما أتموا أمر البيعة اشتغلوا بتجهيزه - صلّى الله عليه وسلم -، فأمر التجهيز والتكفين متأخر عن الاشتغال بالبيعة، كما أن ما قاله العيني ممّا تحيرت في فهمه، لأنّ استفهامه عن الوقت الذي فيه اشتغاله بأمر البيعة الذي هو بعيد عن الوقت الذي كان فيه مريضًا، وجعله علة لما استبعده من كلام ابن حجر لم يدخل في ذهني، ولا أمكنني تصوره.

249 - باب ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر

249 - باب ما جاء في قبر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر قوله في أثر سفيان التمار: أنّه رأى قبر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مسنمًا. قال (ح): هذا لا حجة فيه لاحتمال ما قال البيهقي أنّه كان قبره لم يكن مسنمًا، ثمّ لما عمر المسجد وسقط الجدار وأفردت الحجر سنم (¬1118). قال (ع): قد أبعد هذا عن منهج الصواب من يحتج بالاحتمال، مع أن هذا القائل لا يقدم شيئًا على رواية البخاريّ وعند قيام التعصب يحيد عن ذلك (¬1119). قلت: لم أحتج بالإِحتمال، بل أردت بذلك أن يقف دليل المخالف مع أنّه ليس هناك دليل لأنّ سفيان التمار ليس صحابيًا ولا تابعيًا، والإِعتماد إنّما هو على حديث فضالة بن عبيد أنّه سمع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يأمر بتسويتها، فهذا لو عورض بسند مثله في الصِّحَّة لعدم هذا، لأنّه عن أمر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وذلك لا يدري من صنعته فهذا وجه التمسك بالإِحتمال. ¬

_ (¬1118) فتح الباري (3/ 257). (¬1119) عمدة القاري (8/ 225).

كتاب الزكاة

كتاب الزَّكاة 250 - باب وجوب الزَّكاة وقول الله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} قال (ع): بالجر عطف على ما قبله، وأشار به إلى فريضة الزَّكاة بالقرآن، وقيل: هو بالرفع مبتدأ وخبره محذوف أي هو دليل الوجوب. قال: وهذا ليس بشيء (¬1120). قال (ح): هذا الثّاني قاله الزين بن المنير وهو موجه (¬1121). قوله: "تُؤْخَذُ مِنْ أغْنياءِهِمْ .... الخ ". قال (ح): فيه أن الزَّكاة لا تنقل عن بلد المال (¬1122). قال (ع): هذا الإِستدلال غير صحيح لأنّ الضمير في فقرائهم يرجع إلى المسلمين الفقراء وهو أعم (¬1123). قوله في حديث أبي هريرة: أن أعرابيًا أتى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنَّة .... الحديث. قال (ح): هذا السائل مسمى فيما رواه ابن السكن وغيره من طريق ¬

_ (¬1120) عمدة القاري (8/ 233). (¬1121) انظر فتح الباري (3/ 263). (¬1122) انظر فتح الباري (3/ 357). (¬1123) عمدة القاري (8/ 236).

المغيرة بن عبد الله اليشكري عن أبي المنتفق قال: وصف لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فطلبته فلقيته بعرفات .... فذكر الحديث نحوه. وزعم الصيرفي أنّه لقيط بن صبرة. وقد يؤخذ من سياقه أن السائل في حديث أبي هريرة هو السائل في حديث أبي أيوب (¬1124). قال (ع): هذا القائل قد قال قبل هذا: لا مانع من تعدد القصة، فلا يلزم من المشابهة أن يكون السائل فيهما واحدًا (¬1125). قلت: لينظر الناظر في هذا الإِعتراض هل يتوجه على (ح) منه شيء. ¬

_ (¬1124) فتح البارى (3/ 265 - 266). (¬1125) عمدة القاري (8/ 242).

251 - باب ما أدي زكاته فليس بكنز لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمسة أواق صدقة"

251 - باب ما أُدِّيَ زكاتُهُ فليسِ بكنز لقول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فيِمَا دُوِن خَمْسَةِ أوَاقٍ صَدَقَةُ" قال: أراد بهذه التّرجمة حديثًا رواه جابر مرفوعًا: "أَيُّمَا مال أديت زكاته فليس بكنز". قال (ع): هذا مستبعد جدًا، يترجم بشيء ثمّ يعلله بحديث مذكور فيشير إلى حديث آخر ليس عنده بصحيح وهذا غير موجه (¬1126). قلت: كون استبعاد مثل هذا ورده مرارًا، ثمّ تناقض فأثبته في عدة مواضع، منها سيأتي في كتاب الصِّيام في باب صيام البيض ثلاث عشرة ورابع عشرة وخامس عشرة. ¬

_ (¬1126) عمدة القاري (8/ 254).

فصل

فصل اختلف في وقت فرض الزَّكاة: فقال ابن الأثير: كان التّاسعة، وتعقب بورودها في عدة أحاديث قبل ذلك، منها قول أبي سفيان لهرقل: أمرنا بالصلاة والزكاة. وادعى ابن خزيمة بأنّها فرضت قبل الهجرة واحتج بقول جعفر للنجاشي: ويأمرنا بالصلاة والزكاة. وفيه نظر لأنّ الصلوات الخمس إنّما فرضت ليلة الإِسراء، ومهاجرة جعفر إلى الحبشة كانث قبل ذلك. وقال (ح): إنَّ مراجعة جعفر لم تكن أول ما قدم الحبشة وإنّما كانت بعد ذلك أرسلت قريش عمرو بن العاص إلى ذلك بعد مدة (¬1127). قال (ع): هذا بعيد جدًا (¬1128). كذا قال، وهو دفع بالصدر على العادة. قال: حدّثنا علي سمع هشيمًا. قال أبو علي الجياني: نسبه أبو در عن المستملي فقال: هو علي بن أبي هاشم. وقيل: هو علي بن مسلم. الطوسي. ووقع الأطراف أنّه علي بن عبد الله المديني. قال (ح): وهو خطأ (¬1129). قال (ع): هذه مجازفة: في تخطئة مثل هذا الحافظ، وقد قال بذلك الكلاباذي وابن طاهر والطوفي (¬1130). ¬

_ (¬1127) فتح الباري (3/ 266). (¬1128) عمدة القاري (8/ 256). (¬1129) فتح الباري (3/ 274). (¬1130) عمدة القاري (8/ 262).

252 - باب بغير ترجمة بعد باب أي الصدقة أفضل

252 - باب بغير ترجمة بعد باب أي الصَّدقة أفضل قوله في حديث: أيُّنا أسرع لحوقًا بك؟ بعد ذكر اختلاف النقلة في زينب وسودة. قال ابن بطّال: معنى قوله: وكانت أسرعنا به لحوقًا، هذا الحديث سقط منه ذكر زينب لاتفاق أهل السير على أنّها أول من مات من الأزواج. قال (ح): يعكر على هذا القائل الروايات المصرح فيها بأن الضمير في قوله: وكانت أسرعنا لسودة (¬1131). قال (ع): ابن بطّال لم يؤول ولا يقال لمثل هذا تأويل (¬1132). قلت: التّأويل مأخوذ من آل يؤول إذا رجع، وحاصل كلام ابن بطّال أن الإِشكال يرتفع بأن الكلام سقط منه لفظ، وبين فيقدر المحذوف بهذا، فهذا ضرب من التأويلِ، فجرى (ع) على عادته بالدفع بالصدر. ثمّ قال (ح) ناقلًا عن غيره: وجه الجمع أن قولها فعلمنا بعد يشعر بأنّهن حملن طول اليد على ظاهره وهو طول الجارحة، ثمّ علمن بعد بأن المراد بطول اليد المجاز وهو كثرة الصَّدقة، وانحصر ذلك في زينب واستغنى عن تسميتها لشهرتها، أو كان هذا نحو السر في حذف لفظ سودة من سياق الحديث في الجامع مع أنّه لما ساقه في التاريخ أبقاه ونبَّه على وجه الوهم فيه، وهذا كما لم يسم عمرو بن عثمان بن وهب في الحديث الذي مضى التنبيه ¬

_ (¬1131) فتح الباري (3/ 286). (¬1132) عمدة القاري (8/ 282).

عليه قريبًا لما سماه شعبة بغير اسمه، فقال البخاريّ لما أخرجه من طريقه: عن ابن عمر ولم يسمه وله من ذلك نظائر (¬1133). قال (ع): هذا كلام تمجه الاسماع كيف يحذف لفظ سودة في الصّحيح ويثبت وفي التاريخ وكان اللائق العكس (¬1134). قلت: حقه أن ينشد هنا، وكم من عائب قولًا صحيحًا، اللائق بالصحيح أن لا يذكر فيه إِلَّا الصّحيح، وعند البخاريّ جواز الإِختصار في الحديث، فأورده هنا لهذه النكتة ولم يحذف منه شيئًا هناك لأنّه لم يلتزم في التاريخ الصِّحَّة. قال (ح) في فوائد الحديث: ففيه جواز إطلاق اللّفظ المشترك بين الحقيقتين، وبين الحقيقة والمجاز بغير قرينة إذا لم يكن هناك محذور (¬1135). قال (ع): ليت شعري ما اللّفظ هنا إن كان لفظة الطول فهو ترشيح الإِستعارة، وإن كان لفظ اليد فهو استعارة (¬1136). كذا قال، وفائدته أن أطولكن مشترك جزمًا لأنّه إمّا من الطول بالضم وهو اللائق بالحال، وإما من الطول بالفتح وهو اللائق بكثرة الصَّدقة. ¬

_ (¬1133) فتح الباري (3/ 287 - 288). (¬1134) عمدة القاري (8/ 283). (¬1135) فتح الباري (3/ 288). (¬1136) عمدة القاري (8/ 283) وانظر مبتكرات اللآلى والدرر (ص 125 - 126).

253 - باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى

253 - باب لا صدقة إِلَّا عن ظهر غنى ذكر فيه أحاديث منها: عن ابن عمر أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر، وذكر الصَّدقة والتعفف "اْليَدُ اْلعُلْيَا خير مِنَ اْليَدِ السُّفلى". قال (ح): إنّما أورده ليفسر به ما أجمل في حديث حكيم بن حزام، كذا قال، والذي يظهر أن حديث حكيم بن حزام لما اشتمل على شيئين، [ذكر معه] حديث ابن عمر المشتمل على الأوّل تكثيرًا لطرقه، ويمكن أن يقال: إنَّ إطلاق كون اليد العلّيا هي المنفقة محله ما إذا كان الإِنفاق لا يمنع منه بالشرع كالمديان المحجور عليه، فعمومه مخصوص بقوله: "لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنىً" (¬1137). قال (ع): هذا بعيد يستبعده من له نوع إلمام في هذا الفن، والمطابقة تؤخذ من قوله وذكر الصَّدقة، لأنّ معناه ذكر أحكام الصَّدقة، ومن جملة أحكامها "لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظهْرِ غِنيَّ" (¬1138). كذا قال. ¬

_ (¬1137) فتح الباري (3/ 296) ونسبه فيه إلي ابن رشيد حيث قال: قال ابن رشيد: والذي يظهر أن حديث حكيم ... إلخ. (¬1138) عمدة للقاري (8/ 296).

254 - باب المنان لما أعطى

254 - باب المنان لما أعطى لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ..} الآية. قال (ح): ثبت هذه التّرجمة في رواية الكشميهني وحده بغير حديث، وكأنّه أشار إلى ما رواه مسلم من حديث أبي ذر مرفوعًا: "ثلَاثَةٌ لَا يُكلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ اْلقِيَامَةِ، اْلَمنَّانُ اَّلذي لَا يُعْطي شَيْئًا إلَّا مَنَّهُ" مَنَّ بهِ (¬1139). قال (ع): هذا كلام غير موجه، لأنّه كيف يشير إلى شيء ليس بموجود، والإِشارة إنّما تكون للحاضر (¬1140). قلت: قد أكثر من إنكار مثل هذا وأثبته في عدة مواضع إمّا إغفالًا وإمّا رجوعًا، كقوله في باب غسل الخلوق من كتاب الحجِّ: جرت عادة البخاريّ أنّه يبوب الحديث بما يقع في بعض طرق الذي يورده، وإن لم يخرجه (¬1141) كما أكثر من الإِنكار على من يقول باب بالتنوين. وقال في باب الصَّدقة تكفر الخطيئة: باب منون والصدقة مبتدأ وتكفر خبره (¬1142). ¬

_ (¬1139) فتح الباري (3/ 298). (¬1140) عمدة القاري (8/ 297). (¬1141) عمدة القاري (9/ 150). (¬1142) عمدة القاري (8/ 301).

255 - باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق. بين مجتمع

255 - باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق. بين مجتمع ذكر فيه حديث أنس عن أبي بكر في ذلك. قال (ح): واستدل به على أن من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب مثلًا أنّه لا يجب ضم [بعضه] إلى بعض حتّى يصير نصابًا كاملًا فتجب فيه الزَّكاة خلافًا لمن قال يضم على الأجزاء كالمالكية أو على القيم كالحنفية (¬1143). قال (ع): هذا الإِستدلال غير صحيح لأنّ النّهي في الحديث معلل بخشية الصَّدقة وفيه إضرار بالفقراء بخلاف ما قالته المالكية والحنفية فإن فيه نفعًا للفقراء (¬1144). ¬

_ (¬1143) فتح الباري (3/ 314). (¬1144) عمدة القاري (9/ 10).

256 - باب الزكاة على الأقارب

256 - باب الزَّكاة على الأقارب ذكر فيه حديث أبي سعيد وفيه سؤال زينب امرأة ابن مسعود في سؤالها عن التصدق على زوجها وولده. قال (ح): احتج الطحاوي لمذهبه، فأخرج من طريق رائطة امرأة ابن مسعود أنّها كانت امرأة صنعاء اليدين وكانت تنفق عليه وعلى ولده. قال: فهذا يدلُّ على أنّها صدقة تطوع. قال: وأمّا الحلي، يعني المذكور في الحديث الآخر فإنّما يحتج على من لا يوجب الزَّكاة، وأمّا نحن فنوجبه. . إلى أن قال: فكيف يحتج الطحاوي بما لا يوجبه؟ (¬1145). قال (ع): لو فهم موضع احتجاج الطحاوي لكان سكت، وهو قولها: إنِّي امرأة ذات صنع، وليس احتجاجه بهذا مفتقرًا إلى الإِحتجاج بأمر الحلي (¬1146). ثمّ قال (ح): والذي يظهر أنّهما قضيتان، إحداهما في سؤالها عن التصدق بالحلي على زوجها وولده، والأخرى في سؤالها عن النفقة (¬1147). قال (ع): الذي يظهر من هذا الحديث خلاف ما ظهر له في الحديث سؤالها عن الصَّدقة، فمن أين السؤالان؟ ومن أين الجوابان؟! (¬1148). ¬

_ (¬1145) فتح الباري (3/ 330). (¬1146) عمدة القاري (9/ 33). (¬1147) فتح الباري (3/ 330). (¬1148) عمدة القاري (9/ 33).

قلت يدلُّ على التعدد أن في أحد السؤالين اسمها رائطة، وأنّها سألت، وفي الأخرى أن إسمها زينب وأنّها أمرت بلالًا أن يسأل لها. وقد قال (ع) في باب الزَّكاة على الزوج يحتمل أن تكونا قضيتين، ورد قول من قال: يحمل نسبة القول في إحداهما على الحقيقة والأخرى على المجاز بأن قال فيه نظر لا يخفى (¬1149). ثمّ قال (ح): واحتجوا بأن قوله في حديث أبي سعيد "زَوْجُك وَوَلَدُكِ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ عَلَيْهِمْ" يدلُّ على أنّها صدقة تطوع، لأنّ الولد لا يعطى من الواجب إجماعًا، وفي هذا الإِحتجاج نظر، لأنّ الذى يمتنع إعطاوه من يلزم المعطي نفقته، والأم لا يلزمها نفقة ولدها إلَّا إذا كان أبوه فقيرًا جدًا مع اختلاف الحنفية في ذلك (¬1150). ¬

_ (¬1149) عمدة القاري (9/ 43). (¬1150) فتح الباري (3/ 330)

257 - باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر

257 - باب الزَّكاة على الزوج والأيتام في الحجر قال أبوسعيد: قال مغلطاي: هذا التعليق تقدّم. مُسْنَدًا عند البخاريّ في باب الزَّكاة على الأقارب. قال (ح): كأنّه يشير إلى حديثه السابق في الباب المذكور (¬1151). قال (ع): ليس فيه ذكر الأيتام أصلًا (¬1152) قلت (¬1153). ¬

_ (¬1151) فتح الباري (3/ 338). (¬1152) عمدة القاري (9/ 42). (¬1153) كذا بياض في النسخ الثلاث، وكأن جواب الحافظ ظاهر، وهو أن ما قاله أبو سعيد بالنسبة للزوج، أو أن هذا الحديث أي حديث زينب يفسر حديث أبي سعيد ونسبوا أي الأيتام في حديث أبي سعيد إلى عبد الله بن مسعود باعتبارهم يعيشون في داره وهو المشرف عليهم، فكأنّه أبوهم.

258 - باب الإستعفاف عن المسألة

258 - باب الإِستعفاف عن المسألة قوله في حديث أبي سعيد الخدري: أن ناسًا من "الأنصار .... الحديث وفيه: "مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ". قال (ح): لم أقف على تعيين أسمائهم إِلَّا أن النسائي أخرج من أوجه أخر عن أبي سعيد ما يدلّ على أنّه ممّن خوطب ببعض ذلك (¬1154). قال (ع): ليت شعري أي دلالة هذه من وجوه الدلالات؟ فإنّه ليس فيه شيء يدلّ على كونه من الأنصار في حال سؤالهم (¬1155). ¬

_ (¬1154) فتح الباري (3/ 336). (¬1155) عمدة. القاري (9/ 49).

259 - باب خرص التمر

259 - باب خرص التّمر قوله: فألقته بجبلي طيٍّ. قال (ح): يقال: إنهما سميا باسم رجل أو امرأة من العماليق (¬1156) قال (ع): ذكر ذلك ابن الكلبي (¬1157). قلت: إنّه ذكرهما في كتاب البلدان، وإنّما أردت الإختصار. ¬

_ (¬1156) فتح الباري (3/ 345) يقصد جبلي طيِّءٍ "أجأ وسلمى". (¬1157) عمدة القاري (9/ 66).

260 - باب العشر فيما يسقى

260 - باب العشر فيما يسقى قال (ح): ذكر فيه البخاريّ: هذا تفسير الأوّل، لأنّه لم يوجب: بترجيح ذكره بعد حديث أبي سعيد لأنّه هو المفسر لحديث ابن عمر (¬1158). قال (ع): لا حاجة إلى هذا الترجيح لأنا نمنع الإِجمال قوله: "فِيمَا سَقتِ السَّمَاءُ اْلعُشْرَ" والتفسير في قوله: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" (¬1159). ¬

_ (¬1158) فتح الباري (3/ 349) كذا هو في النسخ الثلاث والذي في الفتح هكذا: لكن تعبيره بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد، لأنّه هو المفسر للذي قبله وهو حديث ابن عمر. (¬1159) عمدة القاري (9/ 75).

261 - باب في الركاز

261 - باب في الركاز قال (ح): الفرق بين المعدن والركاز في الوجوب وعدمه أن المعدن يحتاج إلى عمل ومؤنة ومعالجة لاستخراجه بخلاف الركاز، وقد جرت عادة الشّرع أن كلما غلظت مؤنته خفف عنه في قدر الزَّكاة، وما خفت زيد فيه (¬1160). قال (ع): هذا شيء عجيب لأنّه ليس بهذا يعرف حقيقة كلّ واحد ما هي والفرق بين الأشياء بيان ما هياتها وحقائقها، والذي ذكره هذا من اللوازم الخارجة عن الماهية (¬1161). كذا قال. ¬

_ (¬1160) فتح الباري (3/ 365). (¬1161) عمدة القاري (9/ 101).

262 - باب استعمال إبل الصدقة

262 - باب استعمال إبل الصَّدقة ذكر فيه حديث أنس في قصة العرنيين. قال ابن بطّال: غرض البخاريّ إثبات وضع الصَّدقة في صنف واحد خلافًا للشافعي، وفي الحديث حجة قاطعة لمن أراد الإِفراد. وتعقبه الكرماني بأنّه لا حجة فيه أصلًا فضلًا عن أن تكون قاطعة لأنّهم ما خصهم بالرقبة (¬1162). قال " (ع): هذا عجيب هل كانت ههنا قسمة بين هؤلاء ويين غيرهم من الأصناف الثمانية (¬1163). قلت: انظروا كلام من لا يفرق بين الإِحتمال الذي يدفع دعوى القطع وبين اشتراط تحقق الإِحتمال. ¬

_ (¬1162) فتح الباري (3/ 366). (¬1163) عمدة القاري (9/ 105).

263 - باب وسم الإمام إبل الصدقة

263 - باب وسم الإمام إبل الصَّدقة ذكر فيه حديث أنس فيه. قال (ح): فيه حجة على من كره الوسم من الحنفية بالنار لدخوله في عموم النّهي عن المثلة، وقد ثبت الوسم من فعل النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فدل على أنّه اختص من عموم النّهي من أجل الحاجة كالختان في الآدمي (¬1164). قال (ع): قد ذكر أصحابنا في كتبهم لا بأس بكي البهائم للعلامة (¬1165). قلت: الوارد على من كره ذلك منهم. ¬

_ (¬1164) فتح الباري (3/ 367). (¬1165) عمدة القاري (9/ 107).

264 - باب صدقة الفطر صاع من تمر

264 - باب صدقة الفطر صاع من تمر قوله: أمر استدل به على الوجوب وفيه نظر لأنّه يتعلّق بالمقدار لا بالإِخراج (¬1166). قال (ع): إذا تعلّق بالمقدار دل بالضرورة على وجوب الإِخراج (¬1167). قلت: لا ملازمة لاحتمال أن يكون شرطًا في صحة الإِخراج، والمخرج أعم من كونه واجبًا أو مندوبًا. ¬

_ (¬1166) فتح الباري (3/ 372). (¬1167) عمدة القاري (9/ 116). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 127) بعد نقل كلام الحافظ ابن حجر والعيني: اعتراض العيني في غاية التوجه على ظاهر الحال لظهور الملازمة بينهما، إِلَّا أن الذي يخيل إلى خلافًا للشيخين أن كلا من الأصل والمقدار مأمور به باللفظ في تركيب واحد، لأنّ الزَّكاة المأمور بها المبهمة أوَّلًا قد بينت بصاع من التّمر في الحال بالحال، فافهمه.

265 - باب صاع من زبيب

265 - باب صاع من زبيب ذكر فيه حديث أبي سعيد: كنا نعطيها في زمان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مدًا من هذا يعدل مدين. قال ابن المنذر: لا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا مرفوعًا يعتمد عليه، ولم يكن في المدينة إِلَّا القدر اليسير من البرّ، ثمّ روى بأسانيده عن جماعة من الصّحابة أنّهم رأوا أن في زكاة الفطر نصف صاع من قمح (¬1168). قال (ح): لكن حديث أبي سعيد قال على أنّه لم يوافق على ذلك وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسألة بخلاف قول الطحاوي، ما علمنا أحدًا من الصّحابة والتابعين روي عنه خلاف ذلك فلا ينبغي لأحد أن يخالف في ذلك أو كان قد صار إجماعًا كذا قال (¬1169). قال (ع): أمّا أبو سعيد فإنّه لم يعرف في الفطرة إِلَّا التّمر والشعير والأقط والزبيب (¬1170). قلت: هذا الحصر مردود فإن أول حديثه صاعًا من طعام ثمّ عطف عليه الأربعة فهو غيرها. ¬

_ (¬1168) فتح الباري (3/ 374). (¬1169) عمدة القاري (9/ 117). (¬1170) عمدة القاري (9/ 117).

ثمّ قال (ح): ومن جعل نصف صاع من قمح بدل صاع من شعير فقد فعله بالإجتهاد (¬1171). قال (ع): وجود الأحاديث الصريحة أنّها من الحنطة نصف صاع كيف يكون هذا الإِجتهاد (¬1172) ¬

_ (¬1171) فتح الباري (4/ 374). (¬1172) عمدة القاري (9/ 117).

كتاب الحج

كتاب الحجِّ 266 - باب فرض مواقيت الحجِّ والعمرة قوله في حديث ابن عمر: فرضها لأهل نجد قرنًا. قال (ح): يعني فرض المواقيت أي قدرها، ويحتمل أن يكون المعنى أوجبها، وبه يتم مراد المصنف، ويؤيده [قرينة] قول السائل من أين يجوز لي؟! (¬1173). قال (ع): من أين علم أن البخاريّ فرض الإِهلال من ميقات حتّى يكون تفسير قوله فرضها بمعنى أوجبها حتّى يتم مراده (¬1174). ¬

_ (¬1173) فح الباري (3/ 383). (¬1174) عمدة القاري (9/ 137) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص127 - 128).

267 - باب بغير ترجمة

267 - باب بغير ترجمة قال (ح): ترجم عليه بعض الشارحين باب نزول البطحاء (¬1175). قال (ع): أراد به صاحب التوضيح (¬1176). قلت: تفسير هذا المبهم كلا تفسير، فقد نقل القطب الحلبي أنّه في بعض النسخ أن ابن بطّال ترجم له: الصلاة بذي الحليفة. قوله: عن ابن عمر أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلّى بها، وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك. قال (ح): نزوله بها يحتمل أن يكون في الذهاب وهو الظّاهر من تصرف المصنف ويحتمل أن يكون في الرجوع، ويؤيده حديث ابن عمر الذي بعده (¬1177). قال (ع): قوله وهو الظّاهر غير ظاهر بل الظّاهر أنّه في رجوعه (¬1178). قلت: غفل عن قوله: من تصرف المصنف وإنّما كان ذلك لأنّه رتب أبواب الحجِّ منذ يخرج الحاج إلى أن يرجع وهذا الباب في أوائل ذلك. ¬

_ (¬1175) فتح الباري (3/ 391). (¬1176) عمدة القاري (9/ 146). (¬1177) فتح الباري (3/ 391). (¬1178) عمدة القاري (9/ 146).

268 - باب غسل الخلوق

268 - باب غسل الخلوق قوله: أن يعلى قال لعمر:. . . . . . . إلى أن قال: جاءه رجل فقال: يا رسول الله. قال (ح): ذكر ابن فتحون في الذيل عن تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن منية .. الخ (¬1179). وقال (ع): قال صاحب التوضيح: هذا الرَّجل يجوز أن يكون عمرو بن سواد وعزاه للشفاء، وقد اعترض بعض تلامذته عليه من وجهين ثانيهما من يكون صاحب ابن وهب كيف يتأتى له أن يخاطب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وابن وهب لم يدرك أحدًا من الصّحابة (¬1180). قلت: أراد به (ح) فإنّه قال ذلك مبسوطًا ثمّ قال: انقلب على شيخنا وإنّما هو سواد بن عمرو. ¬

_ (¬1179) فتح الباري (3/ 394). (¬1180) عمدة القاري (9/ 151) ونص عبارته: واعترض بعض تلامذته عليه من وجهين. أمّا أوَّلًا: فليست هذه القضية شبيهة بهذه القضية حتّى يفسر صاحبها بها. وأمّا ثانيًا ففي الإِستدراك غفلة عظيمة، لأنّ من يقول: أتيت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لا يتخيل فيه أنّه صاحب ابن وهب صاحب مالك، بل إن ثبت فهو آخر وافق اسمه اسمه، واسم أبيه اسم أبيه، والغرض أنّه لم يثبت، قالا: لأنّه انقلب على شيخنا، وإنّما الذي في الشفاء سواد بن عمرو.

قال (ع): ورأيت بخط من أخذ عنه هذا المعترض على هامش الورقة فائدة: الذي في الشفاء سواد بن عمرو ذكره في الباب الثّاني من القسم الثّالث ..... الخ (¬1181). قلت: الذي كتب ذلك في هامش التوضيح البلقيني. قوله في حديث عائشة: كنت أطيب. ذكر (ح) الإِختلاف في كان هل تقتضي التكرار .... إلى أن قال: لم تتفق الرواة عن عائشة على التعبير بقولها: كنت أطيب، فسيأتي من طريق أخرى بلفظ: طيبت، وغالب الروايات ليس فيها لفظ: كنت (¬1182). قال (ع): وقع في رواية مسلم بلفظ: إن كنت لأنظر إلى وبيص الطيب (¬1183). قلت: هذا لا يحصل المطلوب لأنّ المسند إليه ما يقتضي تكرار نظرها إليه وهو كذلك. ونقل (ع) أن (ح) قال: وسائر الروايات، فحرف الكلمة ثمّ اعترض وإنّما هي وغالب وهو كذلك (¬1184). ¬

_ (¬1181) عمدة القاري (9/ 151). (¬1182) فتح الباري (3/ 398). (¬1183) عمدة القاري (9/ 157). (¬1184) عمدة القاري (9/ 157) الذي في الفتح والعمدة وسائر الروايات.

269 - باب الإهلال مستقبل القبلة

269 - باب الإِهلال مستقبل القبلة قوله في حديث ابن عمر: يلبي حتّى يبلغ الحرم ثمّ يمسك حتّى إذا جاء ذا طوى .... الخ. قال الكرماني: في وقت قطع التَّلبية يوم العيد بمنى لا بلوغ الحرم، فيحتمل أنّه لم يرد به بيان وقت بخصوصه أو أراد بالحرم منى أو كان ذاك إذا اعتمر. قال (ح): يحتمل أن يريد بالإِمساك عن التَّلبية. ترك إعادتها هناك لا تركها أصلًا، فكان إذا أشرف على مكّة تشاغل بالدعاء، فإذا خرج إلى منى لبى حتّى يرمي جمرة العقبة (¬1185). قال (ع): تارك تكرار التَّلبية لا يسمى تارك التَّلبية (¬1186). ¬

_ (¬1185) فتح الباري (3/ 413). (¬1186) عمدة القاري (9/ 179). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 130) بعد أن نقل كلام الحافظ ابن حجر والعيني: فجميع ما فسر به العيني موافق لما فسر به ابن حجر، فالشرحان متفقان في بيان المراد وما يحتمله اللّفظ، والغارة الّتي شنها العيني في الإستظهار الأخير ممّا لا معنى له، لأنّ ترك تكرار التَّلبية الذي هو ترك المواظبة عليها الواقع في كلام ابن حجر هو عين قول العيني، وليس المراد بالإِمساك تركها أصلًا، وإنّما المراد التشاغل عنها بنحو الطّواف الذي هو تقرير ابن حجر أيضًا، فهذه الجواهر الّتي قررها ابن حجر وشرح بها هي الّتي سمعتموها، وما انتقده العيني منها واعترض به قد فهمتموه، فلم يبق إِلَّا أن أقول على رؤوس الأشهاد: لا يجوز لمن في يده شرح العيني أن يقنع بما يسنده إلى ابن حجر فينقله أو يقرره إِلَّا بعد مراجعة شرح ابن ججر، وما عدا ذلك فشرحه عمدة القاري بحر لا ساحل له في جميع متعلّقات الفنون، نفعنا الله بهما وبأمثالهما.

270 - باب من أهل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -

270 - باب من أهل في زمن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قوله في حديث أبي موسى: فأتيت امرأة من قيس. قال (ح): ليس المراد قيس بن غيلان بل قيس بن سليم والد أبي موسى وكأنّها امرأة أخيه، وفي رواية أيوب بن عائذ من بني قيس (¬1187) قال (ع): امرأة أخيه ليست محرمًا لأبي موسى (¬1188). ¬

_ (¬1187) فتح الباري (7/ 413). (¬1188) عمدة القاري (9/ 189). قال البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص131) بعد نقله لكلام الحافظ ابن حجر والعيني: إنَّ الكرماني رحمه الله تعالى حمل المعنى على أن المرأة محرم لأبي موسى، وامرأة الأخ ليست بمحرم، واعتمده العيني، وصوبه مصورًا له بأن المرأة كانت بنت بعض أخوة أبي موسى، وخطأ ابن حجر قوله: وكانت المرأة زوجة بعض أخوة أبي موسى، وهذه المفهوم الّتي فهمها الجماعة مورد جميعها قوله: امرأة من قيس، لأنّ النسبة فيه واسعة، فزوجة أبي رهم مثلًا هي من أهل قيس وبيته، وينت أبي بردة كذلك من أهل قيس وبيته، إِلَّا أنّهما منعا أن تكون زوجة أبي رهم مثلًا محرمًا لأبي موسى، قالا: لأنّ زوجته ليست بمحرم، ونحن نمنع هذا المنع، ونجوز أن تكون الزوجة أخته من أمه والزوج أخاه من أبيه، أو الزوجة من المحارم الرضاعية، فاعرف ذلك ولا تستعجل.

271 - باب التمتع والقران

271 - باب التمتع والقران قوله في حديث مروان: شهدت عثمان وعليًا وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما. قال (ح): يحتمل أن تكون الواو في قوله: وأن يجمع عاطفة، فيكون النّهي عن التمتع وعن القرآن، ويحتمل أن تكون عطفًا تفسيريًا لأنّ السلف كانوا يطلقون القران على التمتع (¬1189). قال (ع): الواو هنا عاطفة قطعًا ولا إجمال في المعطوف عليه حتّى يقال أنّها تفسيرية، وإذا كان السلف يطلقون على القران تمتعًا فيكون عطف التمتع على القران جائزًا (¬1190). قوله في حديث ابن عبّاس: ويجعلون المحرم صفر، كذا في جميع الأصول من الصحيحين (¬1191). قال (ع): وقال مغلطاي: الصواب صفرًا لأنّه مصروف، ووقع كذلك في صحيح مسلم وهذا يرد قول (ح) (¬1192). ¬

_ (¬1189) فتح الباري (3/ 425). (¬1190) عمدة القاري (9/ 198) وعبارة العمدة: فإذا كان كذلك يكون عطف التمتع على المتعة وهو غير جائز. (¬1191) فتح الباري (3/ 426). (¬1192) عمدة القاري (9/ 197).

272 - باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}

272 - باب قول الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قوله في حديث ابن عبّاس: "اجْعَلوُا إهْلَالَكُمْ بِاْلَحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ اْلَهَدْيَ طُغْنَا بِالْبَيْتِ". قال (ح): في رواية الأصيلي فَطُفْنا وهو الوجه (¬1193). قال (ع): كلاهما موجه ووجه الأوّل أنّه استئناف ويجوز أن يكون جواب "فلما قدمنا" (¬1194). كذا قال، وقال بعد قليل في هذا الحديث. قوله: قدم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، كذا وقع هنا، ووقع في رواية مسلم والإِسماعيلي وهو الوجه فيقال له أي فرق، وما بالعهد عن قدم. قوله: واباحه للناس غير أهل مكّة. قال (ح): بالنصب ويجوز الجرُ (¬1195) قال (ع): الكسر لا يستعمل إِلَّا في المبني (¬1196). ¬

_ (¬1193) فتح الباري (3/ 434). (¬1194) عمدة القاري (9/ 206). (¬1195) فتح الباري (3/ 934). (¬1196) عمدة القاري (9/ 206).

273 - باب فضل مكة وبنيانها

273 - باب فضل مكّة وبنيانها في حديث عائشة في الحجر. قال (ح): اختلفت الروايات عن عائشة في قدر المخرج من البيت في الحجِّ فجاءت روايات مطلقة وروايات مقيدة وأكثر ما يجتمع على أنّها فوق الستة ودون السبعة (¬1197). قال (ع): حديث الباب يدلُّ على أن الحجر كله من البيت وكذا حديث التّرمذيّ الذي فيه: "وإِنَّ الحجر مِنَ اْلبَيْتِ فَاذْهَبِي فَصَلِّي فِيه" (¬1198). ¬

_ (¬1197) فتح الباري (3/ 443). (¬1198) عمدة القاري (9/ 219).

274 - باب توريث دور مكة

274 - باب توريث دور مكّة قوله في حديث أسامة أنه قال: يا رسول الله أين تنزل في دارك بمكة؟ قال (ح): حُذفت أداة الإِستفهام من قولة: في دارك بدليل رواية ابن خزيمة والطحاوي من هذا الوجه بلفظ: أتنزك في دارك؟ وكأنّه استفهمه أوَّلًا عن الدَّار ثمّ استفهمه عن المكان في الدَّار (¬1199). قال (ع): هذا كلام من لا يفهم العربيّة ولا استنباط المعاني من الألفاظ، فإن "أين" كلمة استفهام فلم يبق وجه لتقدير حرف الإِستفهام وأي وجه له؟ والإِستفهام من النزول في الدَّار لامن نفس الدَّار (¬1200). ¬

_ (¬1199) فتح الباري (3/ 451). (¬1200) عمدة القاري (9/ 226 - 227).

275 - باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب إجعل هذا البلد آمنا}

275 - باب قول الله تعالى: {وَإذْ قالَ إبْراهيْمُ رَبِّ إجُعَلْ هذا الْبَلَدَ آمِنًا} قال (ح): لم يذكر فيه حديثًا فكأنّه أشار إلى حديث ابن عبّاس في قصة إسكانه هاجر وابنها (¬1201). قال (ع): هذا بعيد لأنّ الإِشارة لا تكون إِلَّا للحاضر، فالذي يطلع على هذه التّرجمة كيف يقول هذه إشارة إلى حديث غير حاضر وهو لم يطلع عليه ولا عرفه (¬1202). قلت: الإِشارة إلى الحاضر أعم من أن تكون حاضرًا حسًا أو ذهنًا، والكلام مع الذي يكون كثير الإطلاع أو من يكون له ملكة فيفهم أن في الباب حديثًا فيتبع طرقه إلى أن يظفر. ¬

_ (¬1201) فتح الباري (3/ 454). (¬1202) عمدة القاري (9/ 231).

276 - باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}

276 - باب قول الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} قال (ح): كانه يشير إلى أن المراد بقوله: (قيامًا) أي قوامًا وأنّها ما دامت موجودة فالدين قائم (¬1203). قال (ع): التحقيق أنّه جعل هذه الآية ترجمة، وأشار إلى أن قوام أمور النَّاس في أمر دينهم ودنياهم بالكعبة يدلّ عليه قوله: {قِيامًا لِلنَّاسِ} فإذا زالت الكعبة على يد ذي السويقتين تختل أمورهم (¬1204). قلت: ما زاد على أن بسط مالخصته. ¬

_ (¬1203) فتح الباري (3/ 454 - 455). (¬1204) عمدة القاري (9/ 231).

277 - باب هدم الكعبة

277 - باب هدم الكعبة قوله في حديث ابن عبّاس: كأني به أسود أفحج يقلعها حجرًا حجرًا. قال (ح): كذا في جميع الروايات عن ابن عبّاس، والذي يظهر أن في الحديث شيئًا حذف، ويحتمل أن يكون هو ما وقع في حديث علي عند أبي عبيد في الغريب من طريق أبي العالية عن علي قال: استكثروا من الطّواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، وكأني برجل من الحبشة أصلع. . . . . . الحديث (¬1205). قال (ع): إنّما يقدر الحذف في موضع يحتاج إليه للضرورة ولا ضرورة هنا. ثمّ ذكر بعض ما حكاه (ح) من ذكر من يعود عليه الضمير وذكر منه أنّه يحتمل أن يعوده إلى البيت، والقرينة الحالية تدل عليه إن كان يلتبس به (¬1206). كذا قال. ¬

_ (¬1205) فتح الباري (3/ 461). (¬1206) عمدة القاري (9/ 238).

278 - باب ما ذكر في الحجر الأسود

278 - باب ما ذكر في الحجر الأسود قوله في حديث عمر: إنك حجر لا تضر ولا تنفع. قال (ح): قول الشّافعيّ ومهما قبل من البيت فهو حسن. قال شيخنا في شرح التّرمذيّ: لم يردّ به الإِستحباب بل أراد الإِباحة، والمباح من جملة الحسن (¬1207). قال: فيه نظر لا يخفى (¬1208). ¬

_ (¬1207) فتح الباري (3/ 463). (¬1208) عمدة القاري (9/ 241).

279 - باب من طاف بالبيت إذا قدم

279 - باب من طاف بالبيت إذا قدم ذكر حديث عروة عن عائشة، وعن أسماء بنت أبي بكر وعن غيرهما بطوله في الطّواف بالبيت مع استمرار الإحرام. قال: ذكر ابن بطّال أن معنى قول عروة في أول حديث الباب: فلما مسحوا الركن حلوا، أي لما استلموا الحجر وطافوا به [وسعوا] حلوا بدليل حديث ابن عمر الذي أردفه المصنف بالباب. قال ابن التين: معنى قوله: فلما مسحوا الركن أي ركن المروة، وأمّا ركن البيت فلا يحل المحرم بمسحه حتّى يسعى بين الصفا والمروة. قال (ح): لا حاجة لتأويل الركن بركن المروة، بل التقدير ما قرره ابن بطّال بدليل رواية أبي الأسود محمَّد بن عبد الرّحمن عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر عن أسماء قالت: اعتمرت أنا وعائشة والزبير وفلان وفلان، فلما مسحنا البيت أحللنا (¬1209). قال (ع): بينه ما قدر في قوله: فلما مسحوا الركن وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا حلوا (¬1210). قلت: زاد لفظة: وحلقوا، ولا يخفى أن ابن بطّال لم يذكرها بناء على أن الحلق ليس بنسك بل استباحة محظور، وأمّا من قال: إنَّ الحلق نسك فإنها مقدر في كلامه أيضًا، مع أن النووي ذكرها وساق كلامه عقب ذكره لرواية محمَّد بن عبد الرّحمن والله المستعان. ¬

_ (¬1209) فتح الباري (3/ 477). (¬1210) عمدة القاري (9/ 259).

280 - باب الكلام في الطواف

280 - باب الكلام في الطّواف ذكر فيه حديث ابن عبّاس: مر بانسان ربط يده إلى إنسان ... الحديث. قال الكرماني: قيل اسم هذا الرَّجل ثواب ضد العقاب. قال (ح): لم أر ذلك لغيره ولا أدري من أين أخذه (¬1211). قال (ع): إنَّ هذا ممّا يتعجب منه، فلا يلزم من عدم [رؤيته كذلك عدم] رؤية الغير ولا اطلع على المواضع المتعلّقة بهذا جميعًا حتّى يستغرب ذلك (¬1212). قلت: لم يصرح (ح) بالإستغراب إنّما أشار إليه وهو كذلك، وكان يتجه ما قاله (ع) لو كان في كلامه إنكار، وكيف يلام بأنّه ما رأى ما ادعى غيره أنّه رأى واعترف بأنّه لا يدري من أين أخذه ذلك الغير، بل كان واسع الإِطلاع أن يبين ما خفي على الذي تصدى للإِعتراض حتّى يظهر أنّه أكثر اطلاعًا منه ومستند استغراب (ح) أن الأئمة الماضين تعبوا في جمع الصّحابة في عهد البخاريّ إلى اليوم واستدرك عليهم عددًا كثيرًا جدًا في تصنيفه في الصّحابة، ولم يقف مع ذلك على هذا الرَّجل، فلذلك استغربه، وتمنى لو عرف التصنيف الذي اعتمد عليه الكرماني ليلحق هذا الإسم في الصّحابة معزوًا إلى التصنيف الذي وجده فيه. ¬

_ (¬1211) فتح الباري (3/ 482). (¬1212) عمدة القاري (9/ 264).

281 - باب الطواف بعد الصبح والعصر

281 - باب الطّواف بعد الصُّبح والعصر لم يصرح بالحكم. قال (ح): يظهر من تتبعه أنّه يختار التوسعة، كأنّه أشار إلى ما رواه الشّافعيّ وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة والترمذي وغيرهما من حديث جبير بن مطعم أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عَبْدِ مَنَافٍ مَنْ وُلِيَ مِنْكُمْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَلَا يَمْنَعَن أَحَدًا طَافَ بِهَذَا اْلبَيْتِ وَصَلىَّ أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْل أو نْهَاَرٍ" إنّما لَمْ يُخْرِجْهُ لأنّهُ لَيْسَ عَلَى شرْطِه" (¬1213). قال (ع): ليت شعري من أين يظهر صنيعه بذلك، والترجمة مطلقة؟ ومن أين علم أنّه أشار إلى ما رواه الشّافعيّ؛ ومن أين علم أنّه وقف على حديث جبير بن مطعم حتّى اعتذر عنه بأنّه لم يخرجه لعدم شرطه؟ (¬1214). قوله في حديث عائشة: أن ناسًا طافوا بالبيت بعد صلاة الصُّبح ثمّ قعدوا إلى الذكر حتّى إذا طلعت الشّمس قاموا يصلون .... الحديث. قال (ح): مطابقة الحديث للترجمة من حيث أن الطّواف صلاة فحكمهما واحد، وأن الطّواف مستلزم للصلاة الّتي تشرع بعده (¬1215). قال (ع): أخذه من كلام الكرماني وليس بسديد، ولا نسلم أن الطّواف صلاة، ولا نسلم أن حكمهما واحد، فإن الطّهارة شرط في الصّلاة دون الطّواف، ودعوى الإستلزام ممنوعة (¬1216). ¬

_ (¬1213) فتح الباري (3/ 488). (¬1214) عمدة القاري (9/ 271). (¬1215) فتح الباري (3/ 488). (¬1216) عمدة القاري (9/ 272).

282 - باب طواف القارن

282 - باب طواف القارن ذكر حديث عائشة: خرجنا مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ... الحديث، وفي آخره: وأمّا الذين جمعوا بين الحجِّ والعمرة فإنّما طافوا طوافًا واحدًا. قال (ح): أجاب الطحاوي عن الحنفية أن هؤلاء الذين ذكرت عائشة هم الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحجِّ، وكانت حجتهم مكية، والحجة المكية لا يطاف لها إِلَّا بعد عرفة، قال: فالمراد بقولها: جمعوا بين الحجِّ والعمرة جمع تمتع لا جمع قران - انتهى (¬1217). وإني لكثير التعجب منه كيف ساغ له هذا التّأويل، وحديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثمّ بمن قرن حيث قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثمّ حلوا ثمّ طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى فهؤلاء أهل التمتع، ثمّ قالت: وأمّا الذين جمعوا الحجّ والعمرة فإنّما طافوا لهما طوافًا واحدًا فهؤلاء أهل القرآن، وهذا أبين من أن يحتاج إلى ايضاح والله المستعان. قال (ع): هذا الذي ذكره متعجبًا أخذه من كلام البيهقي فإنّه شنع على الطحاوي في كتابه المعرفة بغير معرفة حيث قال: وزعم من يدعي في هذا تصحيح الأخبار على مذهبه أنّها إنّما أرادت بهذا الجمع جمع متعة لا جمع ¬

_ (¬1217) فتح الباري (3/ 495).

قران قالت:- فإنّما طافوا طوافًا واحدًا لحجتهم لأنّ حجتهم كانت مكية [والحجة المكية لا يطاف لها قبل عرفة]. قال البيهقي: كيف استجاز لدينه أن يقول مثل هذا وفي حديثها أنّها أفردت من أجمع، بينهما جمع متعة أوَّلًا، ثمّ ذكرت من قرن، فذكرت أنما طافوا طوافًا واحدًا، ولو أرادت ذلك لم يتم، لأنّ الذين جمعوا جمع التمتع لا يكفيهم طواف [واحد] بالإجماع (¬1218). ثمّ قال (ح): وقد روى مسلم من طريق [أبي الزبير عن جابر بن عبد الله يقول: لم يطف النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة إِلَّا طوافًا واحدًا وفي طريق] طاووس عن عائشة أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال لها: "طَوَافُكِ يَسَعُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ". وأخرج عبد الرزّاق بسند صحيح عن طاووس أنّه حلف ما طاف من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بحجة وعمرة إِلَّا طوافًا واحدًا، وفي هذا بيان ضعف ما جاء عن علي وابن مسعود بخلاف ذلك، وقد روى آل بيت علي عن علي ما يوافق قول الجمهور، فذكر جعفر بن محمَّد بن الحسين عن أبيه أنّه كان يحفظ عن علي بن أبي طالب للقارن طوافًا واحدًا خلاف ما يقوله أهل العراق (¬1219). قال (ع): ليت شعري ما وجه هذا البيان وعجبي كيف يلهج هذا القائل بهذا القول الذي لا يجديه شيئًا، وهذا الكلام الذي نقله البيهقي عن طاووس كاد أن يكون محالًا لعدم القدرة على الإحاطة بعلم أطوافه للصحابة أجمعين (¬1220). ¬

_ (¬1218) عمدة القاري (9/ 280 - 281) وما بين المعكوفين من العمدة، وساقط من النسخ الثلاث. (¬1219) فتح الباري (3/ 459) وما بين المعكوفين ساقط من النسخ الثلاث زدناه من الفتح، وكان مكانه "طاووس عن جابر" وهو خطأ كما ترى. (¬1220) عمدة القاري (9/ 281).

ثمّ قال (ح): وطعن الطحاوي فيما رواه الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رفعه: "مَنْ أَحرَمَ بِاْلَحَجِّ وَاْلعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طَواَفٌ واحدٌ وَسَعْيٌ واحدٌ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يِحِلَّ مِنْهُمَا جَميِعًا". قال الطحاوي: هذا خطأ الدراوردي في رفعه، والحفاظ وقفوه على عبيد الله بن عمر قال (ح): هذا التعليل مردود فإن الدراوردي صدوق وليس ما رواه مخالفًا لما رواه غيره، والرافع مقدم عند أهل الأصول على الوقف (¬1221). قال (ع): المردود هو ما قاله، وذهب إليه من غير تحقيق النظر فيه فهل يحل رد ما لا يردّ لأجل ما قصر فيه فهمه وكثر تعنته ومصادمته للحق الأبلج، أفما وقف على التّرمذيّ. ورواه غيره ولم يرفعه وهو أصح؟ (¬1222). قلت: لم يخف عنه قول التّرمذيّ، فإنّه حكى ترجيح الرفع عن أهل الأصول، وهب أن الدراوردي أخطأ في رفعه ماذا يصنع في رواية غيره وهو في هذا الباب عند البخاريّ من رواية غيره، أفما كتبه هذا المعترض بخطه من رواية أيوب عن نافع حديث عائشة الذي سبق القول فيه؟!. ¬

_ (¬1221) فتح الباري (3/ 494 - 495). (¬1222) عمدة القاري (9/ 280).

283 - باب الطواف على وضوء

283 - باب الطّواف على وضوء ذكر فيه حديث عروة وفيه: ما كانوا يبدأون بشيء حين يضعون أقدامهم من الطّواف بالبيت. قال ابن بطّال: لا بد من زيادة لفظ أول بعد قوله أقدامهم. وأجاب الكرماني بأنّه لا يصح بدونها، والتقدير ما كان أحد منهم يبدأ بشيء آخر حين يضع قدمه في المسجد لأجل الطّواف أي لا يشتغلون بغير الطّواف. قال (ح): كلام ابن بطّال موجه لأنه جعل من بمعنى أجل قليل، وقد ثبت الذي ادعاه في بعض الروايات (¬1223). قال (ع): ليس هذا بالقليل بل هو كثير في الكلام (¬1224). قوله في حديث عائشة: وقد سن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - الطّواف بينهما. [قال (ح): أي فرضه، وليس مراد عائشة نفي فرضيهتا بدليل قولها: لم يتم الله حج أحد ولا عمرته لم يطف بينهما] (¬1225). قال (ع): قوله: أي فرضه ليس ذلك مدلول اللّفظ (¬1226). ¬

_ (¬1223) فتح الباري (3/ 497). (¬1224) عمدة القاري (9/ 285) وما بين المعكوفين زيادة من الفتح ساقط من النسخ الثلاث. (¬1225) فتح الباري (3/ 501). (¬1226) عمدة القاري (9/ 287).

وقوله: لم ترد عائشة نفي فرضيتها لا يدل على إثبات فرضيتها. وقوله: بدليل قولها لم يتم لا يدل على ذلك أصلًا لأن نفي إتمام الشيء لا يدل على ذلك أصلًا لأنّ نفي إتمام الشيء لا يدلُّ على وجوده (¬1227). قوله: من أجل أن الله أمر بالطواف بالبيت لم يذكر الصفا حتّى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطّواف بالبيت. قال (ح): يعني تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن نزول آية الحجِّ وهي قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ووقع في رواية المستملي ومن وافقه: حتّى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطّواف بالبيت وفي توجيهه عسر، وكأن قوله الطّواف بالبيت بدل من قوله ما ذكر، فتقدير الأولى الإمتناع من السعي بين الصفا والمروة، لأنّ آية الطّواف بالبيت وهي قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} سبق نزولها ولم يذكر فيها الصفا حتّى ذكر {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} بعد ما ذكر، أي الطّواف بالبيت ويجوز أن تكون (ما) مصدرية أي بعد ما ذكره [الطّواف] الصفا والمروة، وهذا التجويز يصح في رواية المستملي أيضًا (¬1228). قالي (ع): لا عسر فيه فهذا الكرماني وجهه، يشير إلى قول الكرماني أي ذكر السعي بعد ذكر الطّواف لذكر الطّواف في الوضوح (¬1229) قلت: وهذا هو التوجيه العسر. ¬

_ (¬1227) فتح الباري (3/ 501). (¬1228) عمدة القاري (9/ 288). (¬1229) فتح البارى (3/ 507).

284 - باب [أين يصلى] الظهر يوم التروية

284 - باب [أين يصلّى] الظهر يوم التروية قال (ح): يوم التروية هو اليوم الثّامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنّهم كانوا يروون يحمل الماء من منى إلى عرفات وإلى منى، وقيل في تسميتها أقوال شاذة (1230). قال (ع): هذا يدل على أن أصلها صحيح في الإشتقاق لأنّ الشاذ ما يكثر استعماله على غير القياس ولكن لو عرف هذا القائل الإشتقاق بين المصدر والأفعال الّتي تشتق منه لما صدر منه هذا الكلام من غير تأمل (¬1231). كذا قال: قوله: حدّثنا علي. قال (ح): لم أره منسوبًا في شيء من الروايات، والذي يظهر لي أنّه ابن المديني (¬1232). قال (ع): سبقه الكرماني فأخذه منه ثمّ نسبه لنفسه (¬1233). قلت: أخذ (ع) غالب هذا الفصل من كلام (ح) ولم ينسبه، وفي أكثره ما لم يتوارد فيه مع من سبقه، فانظروا كيف يؤاخذ بموضع واحد مع احتمال التوارد ثمّ يقع هو في أكثر من عشرين موضعًا يسلبها ويصرح بنسبتها ¬

_ (¬1231) عمدة القاري (9/ 289) (¬1232) فتح الباري (3/ 508) (¬1233) عمدة القاري (9/ 298)

إلى نفسه حتى يقول في بعضها قلت وهو كلام (ح) وبعضها لا يحتمل التوارد والله المستعان. فمن ذلك أن (ح) قال متصلًا بكلامه وقد ساق المصنف الحديث على لفظ إسماعيل بن أبان، وإنّما قدم طريق علي لتصريحه فيها بالتحديث بين أبي بكر وهو ابن عياش وبين عبد العزيز بن رفيع. فقال (ع): والطريق الثّاني عن إسماعيل بن أبان. ثمّ قال: وإنّما قدم الطريق الأوّل لتصريحه فيه بالتحديث بين أبي بكر بن عياش وعبد العزيز، والطريق الثّاني بالعنعنة. وهذه الزيادة مستغنى عنها لأنّها تؤخذ من قوله إنَّ الطريق الأوّل مصرح فيها بالتحديث، وبقية ذلك موكول إلى نظر الناظر المنصف.

285 - باب التهجير بالرواح

285 - باب التهجير بالرواح ذكر قصة ابن عمر مع الحجاج وفيه قول سالم وعَجِّل الوقوف. قال أبو عمر: رواية ابن وهب ويحيى بن يحيى الليثي وعبد الرّحمن بن القاسم وغيرهم: وعجل الصّلاة. وفي رواية القعبني: وأشهب وعجل الوقوف، وهي عندي غلط لأنّ أكثر الرواة عن مالك على خلافه (¬1234). قال (ح): الظّاهر أن الإِختلاف فيه على مالك لأنّ عبد الله بن يوسف وافق القعنبيّ كما ترى (¬1235). (ع): هذا ليس بشيء وما الدّليل على أنّه الظّاهر (¬1236). قلت: دليله مذكور معه لأنّ كلا من القعنبيّ وعبد الله بن يوسف وصف بكونه أثبت النَّاس في مالك يعارض أكثر والأضبط فتساويا، فيحمل على أن مالكًا حدث به تارة هكذا وتارة هكذا، ومن يخفى عليه هذا القدر من علوم الحديث ما كان عليه لو كنت مستفيدًا ولم يفضح نفسه بهذه الإعتراضات الواهية. ¬

_ (¬1234) انظر التمهيد (10/ 20). (¬1235) فتح الباري (3/ 512). (¬1236) عمدة القاري (9/ 302).

286 - باب من أذن وأقام لكل واحد منهما

286 - باب من أذن وأقام لكل واحد منهما ذكر فيه: جمع ابن مسعود المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامة لكل واحدة منهما. وكذا أخرج الطحاوي عن عمر أنّه فعل ذلك، وتأوله باحتمال أن يكون النَّاس تفرقوا فأمر المؤذن ليجمعهم. قال (ح): ولا يخفى تكلفه، وأن تأتى له ذلك في حق عمر لا يتأتى له في حق ابن مسعود، لأنّ عمر كان الإمام الذي يقيم للناس حجهم، وأمّا ابن مسعود وكان معه طائفة من أصحابه لا يحتاج في جمعهم إلى من يؤذن لهم (¬1237). قال (ع): دعوى التكلف هي عين التكلف لأنّ قوله لم يتأت له في حق ابن مسعود غير مرضي من وجهين: أحدهما: أن الظّاهر أنّه كان إمامًا لأنّه أمر رجلًا فأذن وأقام. ثانيهما: وإن لم يكن إمامًا لكنه ما المانع أن يكون فعل ما فعله اقتداء بعمر (¬1238). قلت: الأوّل لا تجدي انا لم ننكره، والثّاني يساعد ما ادعيناه. قوله: هما صلاتان تحوَّلان عن وقتهما صلاة المغرب بعد ما يأتي النَّاس المزدلفة. ¬

_ (¬1237) فتح الباري (3/ 525). (¬1238) عمدة القاري (10/ 14).

قيل: فيه حجة للحنفية في ترك الجمع بين الصلاتين في السَّفر في غير عرفة وجمع. قال (ح): وقد أجاب المجوز عن ذلك بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد ثبت الجمع من حديث ابن عمر وأنس وابن عبّاس، ثمّ الإستدلال به بطريق المفهوم وهم لا يقولون به (¬1239). قال (ع): قوله: وهم لا يقولون به ليس على إطلاقه، لأنّ المفهوم على قسمين مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة، وهم قائلون بمفهوم الموافقة (¬1240). قلت: ليس النزاع في مفهوم الموافقة بل في مفهوم المخالفة الذي لا يقولون به. ¬

_ (¬1239) فتح الباري (3/ 526). (¬1240) عمدة القاري (10/ 15).

287 - باب من ساق البدن معه

287 - باب من ساق البدن معه ذكر فيه حديث ابن عمر: تمتع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - إلى العمرة. قال المهلب: معنا أمر لأنّ ابن عمر كان ينكر على أنس قوله: إنّه قرن، ولابد من هذا التّأويل لدفع التناقض عن ابن عمر. قال (ح): يرده بقية هذا الحديث فإنّه فيه بدأ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة ثمّ أهل بالحج، فيحمل قوله تمتع على معناه اللغوي وهو الإِنتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى معناها بإندراجه في الحجِّ (¬1241). قال (ع): هذا لا يشفي العليل ولا يروي الغليل، بل الأوجه ما قاله النووي .... فساق كلامه مطولًا، ومحصل المقصود منه قال (ح) (¬1242). قوله: وفعل مثل ما فعل رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - من الهدي. قال (ح): فاعل قوله "وفعل" هو "من أهدى" وأغرب الكرماني فشرحه على أن فاعل "فعل" هو ابن عمر راوي الخبر (¬1243). قال (ع): لم يشرح الكرماني ذلك إِلَّا على النسخة الّتي فيها باب من أهدى وساق الهدي (¬1244). كذا قال وفيه تسليم التعقب. ¬

_ (¬1241) فتح الباري (3/ 540). (¬1242) عمدة القاري (10/ 31). (¬1243) فتح الباري (3/ 541). (¬1244) عمدة القاري (10/ 33).

288 - باب تقليد الغنم

288 - باب تقليد الغنم ذكر فيه حديث الأسود عن عائشة: أهدى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مرّة غنمًا. قال ابن المنذر: أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليد الغنم ولا حجة لهم، لأنّها تضعف عنه وهي حجة ضعيفة. قال (ح): وقد أنكر بعض الحنفية كون الغنم من الهدي (¬1245). قال (ع): هذا افتراء على الحنفية (¬1246). وأمّا الذي ذلك والنقل عن بعضهم بذلك في كتب أهل الخلاف، وقد أمعن ابن عبد البرّ وغيره في الرد عليهم في إنكار تقليد الغنم. ¬

_ (¬1245) فتح الباري (3/ 547). (¬1246) عمدة القاري (10/ 42).

289 - باب تقليد النعل

289 - باب تقليد النعل ذكر فيه حديث معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة (¬1247) عن أبي هريرة في ذلك من رواية محمَّد بن المثنى عن عبد الأعلى عنه، ثمّ قال: تابعه محمَّد بن بشار عن عثمان بن عمر عن علي بن المبارك. قال (ح): المتابع بالفتح هنا معمر، والمتابع بالكسر [ظاهر السياق أنّه محمَّد بن بشار، وفي التحقيق هو] علي بن المبارك، وظاهر السياق أن محمَّد بن بشار تابع محمَّد بن المثنى (¬1248). قال (ع) الذي يقتضيه حق التركيب يردّ على ما قاله على ما لا يخفى غاية ما في الباب السند الذي فيه علي يظهر أنّه تابع معمرًا في روايته في نفس الأمر لا في الظّاهر لأنّ التركيب لا يساعد ما قاله أصلًا (¬1249). قلت: خبط في هذا الكلام خبط من لا عرف قط الفرق بين المتابعة القاصرة. ثمّ قال (ع): حدّثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي بن المبارك .... الخ. ¬

_ (¬1247) في النسخ الثلاث "عن أبي سلمة" بدل "عن عكرمة" وهو خطأ صححناه من صحيح البخاريّ. (¬1248) فتح الباري (3/ 549) وفي نسخة الظاهرية وجستربتي: وظاهر السياق أن محمَّد بن المبارك تابع محمَّد بن المثنى، وهذا القول هو للعيني حيث قال (10/ 44) ظاهر العبارة أن محمَّد بن بشار تابع محمَّد بن المثنى. (¬1249) عمدة القاري (10/ 44).

أشار بهذا الطريق إِلى أن متابعة علي بن المبارك معمرًا لما ذكرنا (¬1250). قلت: فأثبث هنا ما نفاه، وظاهر إيراده أن البخاريّ هو الذي قال: حدّثنا عثمان بن عمر، ثمّ ذكر كلامًا غير منتظم ليس مرادنا التنقيب عنه في هذا التعليق. ¬

_ (¬1250) عمدة القاري (10/ 44).

290 - باب نحر الإبل مقيدة

290 - باب نحر الإِبل مقيدة ذكر فيه حديث ابن عمر في رواية يزيد بن زريع عن يونس (¬1251) عن زياد بن جبير عنه. وقال بعده: وقال شعبة: عن يونس سمعت زياد بن جبير. قال (ح): وصله إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا النضر بن شميل حدّثنا شعبة عن يونس سمعت زياد بن جبير به، ونسبه مغلطاي ومن تبعه إلى تخريج إبراهيم الحربيّ في المناسك عن عمرو بن مرزوق عن شعبة عن زياد فراجعته فوجدته فيه عن يونس عن زياد بالعنعنة، وليس وفاءًا بالمقصود، فإنّه ذكر طريق شعبة لبيان سماع يونس من زياد بن جبير وليس ذلك في رواية عمرو بن مرزوق، ولولا ذلك لنسبته إلى تخريج أحمد بن حنبل فإنّه أخرجه عن محمَّد بن جعفر عن شعبة لكن بالعنعنة (¬1252). قال (ع): إنّما قصد مغلطاي ذكر مجرد الإتصال مع قطع النظر عما ذكر (¬1253). قلت: هذا كلام من لم يعرف مراد القوم، وبالله أقسم لو اطلع مغلطاي على طريق النضر لم يعدل عنها. ¬

_ (¬1251) في النسختين هنا "عن ابن زريع" بدل "عن يونس" وهو خطأ. (¬1252) فتح الباري (3/ 554). (¬1253) عمدة القاري (10/ 51).

291 - باب {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين ....} إلى قوله {خير له عند ربه}

291 - باب {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ ....} إلى قوله {خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} قال (ح): مراده من هذه الآيات قوله تَعالى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ..... الخ} ولذلك ذكر تلو ذلك، وما يأكل من البدن وما يتصدق فإنّه يناسب هذه الأبواب (¬1254). قال (ع): هذا إنّما يمشي أن لو لم يكن بين هذه الآيات وبين قوله: ما يأكل من البدن وما يتصدق باب، لأنّ المذكور في معظم النسخ بعد قوله {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} وأين العطف في هذا؟ (¬1255). إلى أن قال: ذكر هذه الآيات ترجمة مستقلة، وأطال في ذلك. قلت: المناسبة المذكورة مبنية على الرِّواية الأولى باعترافه، والذي ذكره هو على تقدير ثبوت باب في آخر الآيات وبين ما يأكل، لكن يتوجه السؤال عن المناسبة عن إيراد هذه الآيات بين هذه الأبواب، فالجواب ما تقدمت الإشارة إليه أن الذي يتعلّق منها بالأبواب، قوله: فكلوا منها ... إلى آخر ما ذكر (ح) ولله الحمد. ¬

_ (¬1254) فتح الباري (3/ 558). (¬1255) عمدة القاري (10/ 62).

292 - باب الحلق والتقصير

292 - باب الحلق والتقصير ذكر فيه حديث ابن عمر: حلق رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في حجته. قال (ح): وهو مختصر من حديث طويل، ثمّ أورد من حديثه "الَّلهُمَّ ارْحَمِ اْلمُحَلِّقِينَ ... " الحديث، وقدمت أن الدُّعاء كان في حجة الوداع (¬1256). قال (ع): وقال القاضي عياض: كان ذلك يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق، ويحتمل أنّه كان بين الموضعين وهو أشبه (¬1257). ثمّ أطال القول ناقلًا من كلام (ح) من غير أن ينسبه إليه على العادة. قلت: أوهم أن قوله: ويحتمل .... إلخ من كلامه من غير أن ينسبه إليه على العادة يكون من بقية كلام عياض وساقه في مقام الإعتراض مع أن (ح) أمعن في الكلام على هذا الموضع قدر ورقة بحث فيها مع أن ابن عبد البرّ في جزمه أن ذلك وقع في الحديبية، وانتهى كلامه إلى أن ذلك وقع في الحديبية أيضًا. وأورد في آخر الكلام حديث ابن عبّاس عند ابن ماجه وغيره أنّهم قالوا: يا رسول الله ما بال المحلقين؟ ظاهرين لهم بالترجم. ¬

_ (¬1256) فتح الباري (3/ 563) وفي النسخ الثلاث وقدموا الدُّعاء في حجة الوداع والتصّحيح من الفتح. (¬1257) عمدة القاري (10/ 62).

قال: إنهم لم يشكوا، وهذا ظاهر جدًا. أنّه كان في الحديبية، وقد اغتفرت له أخذ كلامي ومباحثي وغير ذلك ممّا تعبت فيه حتّى أنّه يصرح بنسبته لنفسه بقوله، قلت: إلى أن انتهى به الأمر إلى أن يذكر بعضه ويعترض عليه ويوهم أنّه قال شيئًا ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله العزيز الحكيم. تَمَّ الجزء الأوّل من كتاب انتقاض الإِعتراض للحافظ ابن حجر العسقلاني ويليه إن شاء الله الجزء الثّاني وأوله باب الخطبة أيّام منى والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

انْتِقَاض الاعتِرَاض في الرد على العَيْنيِّ في شَرحِ البُخَارِيِّ تأليف شيخ الإسلام الإمام العلّامة الحافظ قاضي القضاة أبي الفضل أحمَد بَن عَلي بَن حَجَر العَسقَلَاني 773 هـ - 852 هـ حققه وعلق عليه حمدي بن عبد المجيد السَّلفي وصبحي بن جاسم السامرائي الجزء الأوّل مكتبة الرشد الرياض

انْتِقَاض الاعتِرَاض في الرد على العَيْنيِّ في شَرحِ البُخَارِيِّ

صف وطبع هذا الكتاب بمكتبة الخانجي بالقاهرة ص. ب: 1375 القاهرة ° حقوق الطبع محفوظة للناشر ° ° الطبعة الأولى ° 1413 هـ = 1993 م الناشر مكتبة الرشد للنشر والتوزيع المملكة العربيّة السعودية - الرياض - طريق الحجاز ص. ب: 17522 الرياض 11494 هاتف 4583712 تلكس 405798 فاكس ملي 4573381 القصيم - بريدة - حي الصفراء ص. ب: 2376 هاتف وفاكس ملى 3818919

293 - باب الخطبة أيام منى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 293 - باب الخطبة أيّام منى ذكر فيه حديث ابن عبّاس أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - خطب النَّاس يوم النَّحر. قال ابن المنير في الحاشية: إنّه أراد البخاريّ الرد على من زعم أن يوم النَّحر لا خطبة فيه للحاج، وأن المذكور في هذا الحديث من قبل الوصايا العامة لا على أنّه هن شعار الحجِّ، فأراد البخاريّ أن يبين [أن] الراوي سَمَّاها خطبة، كما سمي الّتي وقعت في عرفات خطبة، وقد اتقفوا على مشروعية الخطبة بعرفات فكأنّه ألحق المختلف بالمتفق عليه. قال، (ح): أيّام مني أربعة يوم النَّحر وثلاثة أيّام بعده، وليس في شيء من أحاديث هذا الباب التصريح بالخطبة إِلَّا في حديث ابن عبّاس يوم النَّحر نعم في حديث ابن عبّاس لكن لعلّه أشار إلى ما وقع في بعض الطرق كما في مسند أحمد من طريق أبي حرمة الرقاشي عن عمه قال: أكنت آخذًا بزمام ناقة رسول الله في أوسط أيّام التّشريق .. . فذكر نحو حديث أبي بكرة، وأوسط أيّام التشريق الحادي عشر أو الثّاني عشر. ونحوه في حديث سَرَّاء بنت نبهان: خطبنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يوم الروس فقال: أي يوم هذا ... الحديث، أخرجه أبو داود (¬1). ¬

_ (¬1) فتح الباري (3/ 574).

قال (ع): أراد هذا القائل الرد على الطحاوي ومن قال بقوله فإنّه قال: الخطبة المذكورة يعني يوم النَّحر ليست من متعلّقات الحجِّ لأنّه لم يذكر فيها- شيئًا من أمور الحجِّ وإنّما ذكر فيها وصايا عامة ولم ينقل أحد أنّه علمهم فيها شيئًا من الذي يتعلّق بيوم النَّحر فعرف أنّه لم يقصد ليوم الحجِّ (¬2). وكذا قال ابن القصّار من المالكية: إنّما فعل ذلك من أجل تبليغ ما ذكره لكثرة الجمع الذي اجتمع من أقاصي الدنيا فظن الذي رآه أنّه خطب. قال: وأمّا ذكره الشّافعيّ يعني أن بالناس حاجة إلى تعليم أسباب التحلل فليس بمتعين لأنّه يمكنه أن يعلمهم إياها يوم عرفة. قال (ح): وأجيب بأنّه - صلّى الله عليه وسلم - حثهم في الخطبة المذكورة على تعظيم يوم النَّحر، وعلى تعظيم شهر ذي الحجة، وعلى تعظيم الشهر الحرام، وقد جزم الصّحابة بتسميتها خطبة فلا يلتفت لتأويل غيرهم. وأمّا قوله: كان يمكنه تعليمهم يوم عرفة فيعارض بمثله فيستغني عن الخطبة ثاني يوم النَّحر، وقد أثبتوها بل كان يمكنه تعليم جميع ذلك يوم التروية ولكن لما كان في كلّ يوم أعمال ليست في غيره حسن تجديد التعليم. وقد ذكر الزّهري وهو عالم زمانه أن بني أمية نقلوا خطبة يوم النَّحر إلى ثأني يوم النَّحر، أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عنه ولفظه: كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يخطب يوم النَّحر فشغل الأمراء يوم النَّحر فأخروه إلى الغد. وأمّا قول الطحاوي أنّه لم ينقل أنّه علمهم شيئًا من أسباب التحلل فلا ينفى وقوع ذلك أو شيء منه في نفس الأمر بل قد ثبت في حديث عبد الله ابن عمر، وقال - صلّى الله عليه وسلم - للناس حيئذ: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" ووعظهم بما ¬

_ (¬2) عمدة القاري (10/ 76).

وعظهم به، وأحال في تعليمهم على تلقي ذلك من أفعاله (¬3). وفيه أيضًا سؤال من سأل عن تقديم بعض المناسك على بعض كما ثبت ذلك في حديث ابن عبّاس الذى صرح فيه بأن ذلك يوم النَّحر، فكيف ساغ للطحاوي هذا النفي المطلق مع روايته هو حديث عبد الله ابن عمر. وقال: كيف ساغ لهذا القائل أن يحط على الطحاوي وفهم كلامه على غير أصله فإنّه لم ينف مطلقًا، وإنّما أراد نفي دلالة حديث ابن عبّاس على وقوع الخطبة يوم النَّحر، وأمّا سؤال عن تقديم بعض فإنّما فيه سؤال وتعليم وليس ذلك خطبة. قال: وأمّا قوله في حديث جابر عند أحمد: خطبنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يوم النَّحر فقال: "أَيُّ يَوْم أعْظُمَ حُرْمَة ... " الحديث، فإطلاق الخطبة في ذلك ليس على حقيقة فإن قوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" خطاب لمن معه حينئذ، ووصية للشاهد أن يبلغ الغائب (¬4). قوله: " أَيُّ يَومٍ هَذَا؟ " قالوا: يوم حرام. قال الكرماني: في حديث أبي بكرة: إنهم سئلوا، وقال: وطريق الجمع بينهما بخلاف حديث ابن عبّاس قال: ويحتمل أنّهم أجابوا بقولهم هو يوم النَّحر بعد أن قال الشهداء يوم النَّحر إنّما شرع مرّة واحدة (¬5). قال (ع): ليس لهذا وجه لأنّ التعدد محتمل ولكنه بناه على الخطبة يوم على حقيقتها ونحن لا نقول به (¬6). ¬

_ (¬3) فتح الباري (3/ 577). (¬4) عمدة القاري (10/ 76 - 77). (¬5) فتح الباري (3/ 575). (¬6) عمدة القاري (10/ 77 - 78).

قوله في سند حديث أبي بكرة عن محمَّد بن سيرين، أخبرني عبد الرّحمن بن أبي بكر ورحل أفضل في نفسي من عبد الرّحمن حميد بن عبد الرّحمن بن عوف. قال (ح): هو الحميري (¬7). وقال الكرماني: هو حميد بن عبد الرّحمن بن عوف الزهري. قال (ع): كلّ من حميد بن عبد الرّحمن بن عوف وحميد بن عبد الرّحمن الحميري سمع من أبي بكرة وسمع منه محمَّد بن سيرين ولم يظهر لي أيهما المراد هنا (¬8). قلت: جزم غير واحد من الحفاظ أنّه الحميري منهم الحافظ المزي. قوله: وقال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر قال: وقف النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يوم النَّحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا (¬9). قال الكرماني: إنَّ البخاريّ يقوله بهذا أنّه اختصر الجواب، فالإشارة إلى الحديث الذي قبله (¬10). قال (ع): لفظهما مختلف، ومراد الكرماني بقوله بهذا الكلام ما تقدّم من قولهم الله ورسوله أعلم، وإذا كان هو المراد فلا يرد، ومن تأمل سر التراكيب لم يزغ عن الصواب (¬11). ¬

_ (¬7) فتح الباري (3/ 575). (¬8) عمدة القاري (10/ 81). (¬9) فتح الباري (3/ 576 - 577). (¬10) فتح الباري (3/ 576 - 577) (¬11) عمدة القاري (10/ 82).

294 - باب الدعاء عند الجمرتين

294 - باب الدُّعاء عند الجمرتين حدّثنا محمَّد حدّثنا عثمان بن عمر. قال الجياني: اختلف في محمَّد هذا فنسبه أبو علي بن السكن فقال: محمَّد بن بشار. قال (ح): وهو المعتمد، وتردد الكلاباذي هل هو محمَّد بن بشار أو محمَّد بن المثنى، وجزم غيره بأنّه الذهلي (¬12). قال (ع): لم أر أحدًا جزم به (¬13). قلت: عادته يقول المثبت مقدم على النافي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، قد ذكر هو أن الكلاباذي حكاه مجوزًا فهل يمنع غيره أن يجزم به كما جزم، ابن السكن، وتردد الكلاباذي، وهل الاعتراض بهذا إِلَّا من العنت المنادي علي قائله بالتحامل. ¬

_ (¬12) فتح الباري (3/ 584). (¬13) عمدة القاري (10/ 93).

295 - باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت

295 - باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت ذكر فيه حديث ابن عبّاس من طريق أيوب عن عكرمة عنه موصولًا. ثمّ قال: رواه خالد وقتادة عن عكرمة عنه موصولًا، ثمّ قال: رواه خالد وقتادة عن عكرمة. قال: وصل رواية خالد البيهقي ورواية قتادة عن أنس مختصرًا (¬14). قال (ع): سنده صحيح ورجاله ثقات، فما باله أن تكون شاذة (¬15). قلت: هذا كلام من لا يعرف الشاذ في الإصطلاح، لأنّ شرط الصّحيح أن لا يكون شاذًا، أو الشاذ أن يروي الثقة فيخالفه من هو أرجح منه، وهشام أرجح في قتادة من سعيد، ولو لم يكن إِلَّا أن سعيدًا ممّن اختلط بخلاف هشام، ومن المرجحات أن يخرج إحدى الطريقين في الصحيحين أو إحداهما دون الأخرى وهنا كذلك، ومن المرجحات أن يكون في قصة إحدى الروايتين قصة ليست في الطريقين فترجح فيه القصة لأنّه قال على مزيد الضبط وهنا كذلك في الرِّواية الراجحة قصة. ¬

_ (¬14) فتح الباري (3/ 588) وهنا اختصر المؤلِّف الحافظ كلامه في الفتح جدًا حيث فيه أن رواية قتادة عن عكرمة أخرجها أبو داود الطيالسي، وروايه قتادة عن أنس مختصرة أخرجها الطحاوي، وحكم الحافظ بشذوذها. (¬15) عمدة القاري (10/ 97).

قوله في حديث عائشة: في حيضها فإنها هلت بعمرة من التنعيم لما طهرت، وفيه ذكر صفية. قال (ح): في ذكر ما يستفاد من الحديث أن الطّهارة شرط لصحة الطّواف وإلا لما أخبرته عائشة وخشي على صفية من تأخير الطّواف حتّى يتبين أنّها طافت طواف الركن ورخص لما في النفي بغير طواف الوداع (¬16). قال (ع): لا نسلم ذلك فإن هذا الحديث لا يدل على ذلك (¬17). ¬

_ (¬16) فتح البارى (3/ 590). (¬17) عمدة القاري (10/ 99).

296 - باب التجارة أيام الموسم

296 - باب التجارة أيّام الموسم ذكر فيه حديث ابن عبّاس: كان ذو المجاز وعكاظ ... إلى أن قال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في موسم الحجِّ. قال الكرماني: الأخير كلام الراوي ذكره تفسيرًا (¬18). ¬

_ (¬18) كذا في النسخ الثلاث ليس فيها كلام الحافظ المصنف ولا العلّامة العيني. وإليكم نصّ عبارتهما: قال (ح): وفاته ما زاد المصنف في آخر حديث ابن عيينة في البيوع "قرأها ابن عبّاس" ورواه ابن عمر في مسنده عن ابن عيينة، وقال في آخره: وكذلك كان ابن عبّاس يقرأها. قال (ع) قلت: نعم ذهل الكرماني عن هذا، ولكن قوله ذكره تفسيرًا للآية الكريمة له وجه، لأنّ مجاهدًا ومن ذكرناهم معه فسروها هكذا، فجعلوها تفسيرًا، ولم يجعلوها قراءة، ومع هذا على تقدير كونها قراءة فهي من القراءة الشاذة، وحكمها عند الأئمة حكم التفسير. وانظر: فتح البارى (3/ 595) عمدة القاري (10/ 104).

كتاب العمرة

كتاب العمرة 297 - باب العمرة وجوب العمرة وفضلها قال (ح): جزم المصنف بوجوب العمرة وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشّافعيّ وأحمد وغيرهما من أهل الأثر (¬19). قال (ع): قال التّرمذيّ: قال الشّافعيّ: العمرة سنة لا نعلم أحدًا رخص في تركها وليس فيها شيء ثابت أنّها تطوع (¬20). قلت: قوله: سنة لا يريد الإصطلاحية وإنّما يريد ثبوتها بالسُّنَّة، وقد اعترف بذلك فيما نقله عن شيخنا في شرح التّرمذيّ إِلَّا أنّه يجب الاعتراض. ¬

_ (¬19) فتح الباري (3/ 597). (¬20) عمدة القاري (10/ 107).

298 - باب كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -

298 - باب كم اعتمر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ذكر فيه حديث عروة قالت عائشة: ما اعتمر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في رجب. قال الإسماعيلي: هذا الحديث لا يدخل في باب كم اعتمر، وإنّما يدخل في باب متى اعتمر. قال (ح): غرض البخاري الطريق الأولى الّتي فيها اعتمر أربعًا إحداهن في رجب، وإنّما أورد هذه لينبه على الخلاف في الشقاق [السياق] (¬21). قال (ع): الأولى أن يقال: إنّه متعلّق بالحديث السابق والترجمة تشمل الكل. قوله: عن قتادة: سألت أنسًا: كم اعتمر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - .... الحديث. قال الكرماني: فإن قلت: أين الرّابعة؟ قلت: هي داخلة في الحجِّ لأنّه إمّا متمتع أو قارن أو مفرد، وأفضل الأنواع الإفراد ولابد فيه من العمرة في تلك السنة وهو لا يترك الأفضل (¬22). قال (ح): ليس ما ادعى أن الأفضل متفقٌّ عليه بين العلماء، فكيف ينسب فعل ذلك إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم؟ (¬23). ¬

_ (¬21) فتح الباري (3/ 601). (¬22) عمدة القاري (10/ 113). (¬23) فتح الباري (3/ 601 - 602).

قال (ع): مراده أن الإنفراد أفضل بناء على زعمه ومذهبه فلا يتوجه عليه الإنكار. ثمّ ساق كلامًا طويلًا قال في آخره فدل قطعًا أن القران أفضل. قال: فكيف يدعي الكرماني ومن نحى نحوه أن الإفراد أفضل وليس ما وراء عبادان قرية، والوقوف على حظ النفس مكابرة (¬24). ¬

_ (¬24) عمدة القاري (10/ 114).

299 - باب عمرة بي رمضان

299 - باب عمرة في رمضان قال (ح): لم يصرح في التّرجمة بفضيلة ولا غيرها، ولعلّه أشار إلى ما روي عن عائشة: خرجت مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في عمرة في رمضان، يتعلّق بقولها: خرجت، ويكون المراد سفر فتح مكّة فإنّه كان في رمضان (¬25). قال (ع): هذا كله تعسف وتصرف بغير وجه بطريق تخمين، فمن قال: إن البخاريّ وقف على خبر عائشة حتّى يشير إليه، والإمكان الذي ذكره مستبعد جدًّا، لأنّ دكر الإمكان غير موجه أصلًا، لأنّ قولها: في رمضان يتعلّق بقولها: خرجت، فما الحاجة في ذلك إلى الإمكان، ولا يساعده قوله: بأن فتح مكّة ... إلخ لأن عمرته - صلّى الله عليه وسلم - لم تكن في رمضان (¬26). قلت: من لا يفهم المراد يقع في أكثر من ذلك، ومراد (ح) أن إطلاق عمرة رمضان على العمرة الّتي وقعت من الجعرانة في ذى القعدة بطريق المجاز والتقدير العمرة الّتي كان ابتداء السَّفر الذي وقعت في آخره كان في رمضان، فأضيفت إلى رمضان اتساعًّا (¬27). ¬

_ (¬25) فتح الباري (3/ 603). (¬26) عمدة القاري (10/ 116). قال البوصيرى في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 221) إنَّ من المبين الواضح ما شرح به العيني التّرجمة من كون الباب مبوبًا لبيان فضل العمرة في رمضان، فحديث الباب ينادى بذلك، لأنّه ما أورده البخاريّ إِلَّا لذلك، فلا أدل على ذلك من قوله "فإن عمرة في رمضان حجة" فالحق مع العيني، ومثله اعتراضه في تعبيره في حديث الدارقطني بالإمكان من تعلّق قولها: في رمضان بقولها: خرجت، فلا معنى للإمكان لإيهامه تعلّقه بغيره من الأفعال ممّا لا يصح معه المعنى، فالوجه ما قاله العيني.

300 - باب عمرة التنعيم

300 - باب عمرة التنعيم في حديث عبد الرّحمن بن أبي بكر أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم. قال (ح): قوله: ويعمرها معطوف على يردفها فبدل على أن كلًّا من الفعلين كان بأمر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬28). ففيه أن الخبر الذي تمسك به أنكر على من قال: إنَّ العمرة من التنعيم لا يتعين لمن أحرم من مكّة، وكذا من قال: إنّه من التنعيم لمن كان بمكة أفضل. وما ذكره الطحاوي من حديث عائشة قالت: قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لعبد الرّحمن: "احْمِلْ أُخْتَكَ فَأخْرِجْهَا مِنَ الْحَرِمَ، قالت: والله ما ذكر التنعيم ولا الجعرانة، وكان أدنى ما في الحرم التنعيم وبطلت معمرًا، فظاهر هذا أن عبد الرّحمن أحرم بها من التنعيم لكونه أقرب لها أن ذلك كان بأمر النّبيّ وحديث عبد الرّحمن صريح في أن ذلك كان بأمر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وكان حديث عائشة إن ثبت يدل على أن المراد عبد الرّحمن بأن ذلك كان بأمر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. أصل (ح) بأن يخرج أخته إلى الحل حتّى يعمرها وأن إحرامها من التنعيم يجوز نسبته إلى أمره ولإندراجه في عموم أمره بالخروج إلى الحل. قال (ع): لما رأى الكلام هذا كلام عجيب لأنّ عطف بعمرة على ¬

_ (¬28) فتح الباري (3/ 607).

مردفها لا شك فواحد، وكونه يدلُّ على أن اعتمارها من التنعيم كان بأمر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أعجب لأنّه صريح. قال: ولم يكتفى هذا القائل بهذا حتّى استظهر بما ذكره أبو داود من طريق حفصة بنت عبد الرّحمن عن أبيها أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: يا عبد الرّحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم. انتهى (¬29). والعجب من (ع) أنّه نقل ما أشار إليه (ح)، من الطحاوي فقال بعد أن فرغ ممّا كان فيه من التعجب واشتغل بألفاظ الخبر، ثمّ رجع إلى الشغل ذاهلًا عما قرب عهده به من الاعتراض. قال الطحاوي: ذهب قوم إلى أن العمرة لمن كان بمكة الحل، فمن أي الحل أحرموا أجزأهم والمقيم وغيره في ذلك سواء، واحتجوا فذكر حديث عائشة الذي قدمته والله المستعان. ¬

_ (¬29) عمدة القاريِ (10/ 119 - 120).

301 - باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه عن طواف الوداع بعد طواف الوداع

301 - باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثمّ خرج هل يجزئه عن طواف الوداع بعد طواف الوداع قال (ح): كأن البخاريّ لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنّها ما طافت طواف الوداع بعد طواف العمرة لم يثبت [يبت] الحكم لقيام الاحتمال (¬30). قال (ع): الحديث يدلُّ على أن طواف العمرة يغنى عن طواف الوداع (¬31). قلت: لا دلالة فيه إِلَّا عدم الذكر، وعدم الذكر لا يستلزم عدم الوقوع، فالاحتمال قائم. ¬

_ (¬30) فتح البارى (3/ 612). (¬31) عمدة القاري (10/ 125).

302 - باب متى يحل المعتمر

302 - باب متى يحل المعتمر ذكر فيه حديث أسماء بنت أبي بكر قوله: فاعتمرت أنا وأختى عائشة والزبير وفلان وفلان، فلما مسحنا البيت أحللنا ثمّ أحرمنا من العشي بالحج. قال (ح): وفي رواية صفية بنت شيبة عن أسماء: فلم يكن معي هدي فأحللت، وكان مع الزبير هدي فلم يحلل، وهذا مغاير لذكرها الزبير في رواية الباب مع من أحل. وقد أجاب النووي بأن احرام الزبير بالعمرة وتحلله منها كان في حجته، أمّا عبد الله فلفظه: كلما مرت بالحجون تقول: صلّى الله على محمد لقد نزلنا معه هاهنا فاعتمرت أنا وأختي .... وأجاز رواية صفية فقال: غير ما ... - صلّى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي فليقم على إحرامه الحديث في حجة الوداع. انتهى. وفيه: بعد والذي ترجح عند البخاريّ رواية عبد الله مولى أسماء فاقتصر على إخراجها، ولا إشكال فيها، وأخرج مسلم الروايتين مع ما في روية صفية من الإشكال (¬32). قال (ع): لا وجه في الجمع بينهما إِلَّا ما قاله النووي (¬33). ¬

_ (¬32) فتح الباري (3/ 617 - 618) وشرح النووي على صحيح مسلم (8/ 220 - 223) وكذا هو في النسخ الثلاث مكان النقط بياض. وفيها هكذا "من لم يكن معه هدى فليقم على إحرامه" وهو خلاف ما في حديث صفية عند مسلم. (¬33) عمدة القاري (10/ 131).

303 - باب استقبال الحاج القادمين

303 - باب استقبال الحاجِّ القادمين قال (ح): فاعل الاستقبال محذوف والحاج في محل نصب، والقادمين صفته ولفظ الحاج وإن كان مفردًا فالمراد به الجمع. أورد فيه حديث ابن عبّاس لما قدم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - استقبلته أغلبية بني عبد المطلب. قال (ح): يؤخذ حكم التّرجمة من هذا الحديث بطريق التعميم لأنّ قدومه - صلّى الله عليه وسلم - مكّة أعم من أن يكون في الفتح أو في الحجِّ والعمرة وكون التّرجمة لتلقي القادم الحج لا تخالف بينهما في الحكم لأنّ المقصود من التلقي واحد (¬34). قال (ع): ليس المراد بطريق دلالة عموم اللّفظ ما قال، لأنّ الذي ذكره طائح. لأنا نسلم أن التّرجمة لتلقي القادم من الحجِّ، بل هي لتلقي القادم للحج لأنّ الاستقبال في التّرجمة مصدر مضاف إلى منقوله والفاعل ذكره مطوي (¬35). ¬

_ (¬34) فتح الباري (3/ 619). (¬35) عمدة القاري (10/ 133).

304 - باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة

304 - باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة قال الكرماني: أصله أسرع بناقته فنصب بنزع الخافض. وقال الإسماعيلى: أسرع ناقته ليس بصحيح، والصواب أسرع بناقته. قال (ع): كلّ منهما ذهل عما قاله صاحب المحكم أنّه يتعدى بنفسه ويتعدى بغيره ولم يطلقا على ذلك فأوله الكرماني وخطأه الإسماعيلي (¬36). ¬

_ (¬36) فتح الباري (3/ 620) عمدة القاري (10/ 135) يظهر منهما أن العيني أخذ كلام الحافظ ابن حجر ولم ينسبه إليه.

305 - باب قول الله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها}

305 - باب قول الله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} ذكر فيه حديث البراء: نزلت هذه الآية فينا كانت الأنصار إذا حجوا ... الحديث. قال (ح): هذا ظاهر في اختصاص ذلك بالأنصار (¬37). قال (ع): لا نسلم دعوى الاختصاص لأنّ هذا إخبار عن الأنصار أنّهم كانوا يفعلون ذلك ولا يلزم نفي ذلك عن غيرهم (¬38). ¬

_ (¬37) فتح البارى (3/ 621). (¬38) عمدة القاري (10/ 136).

306 - باب الإحصار في الحج

306 - باب الإِحصار في الحجِّ ذكر فيه حديث ابن عمر: أليس حسبكم. قال (ح): وَخَبَرُ حَسْبُكُمْ فِي قَوْلِهِ طَافَ بِالْبَيْتِ (¬39) قال (ع): ليس كذلك (¬40). قلت: بل كذلك. ¬

_ (¬39) فتح الباري (4/ 9). (¬40) عمدة القاري (10/ 146).

307 - باب من قال: لشى على المحصر بدل

307 - باب من قال: ليس على المحصر بدل قوله: وقال مالك وغيره: ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء عليه. قال (ح): كلام مالك في الموطأ والغير أظنه للشافعي لأنّه وقع في آخر أمر مالك والحديبية خارج الحرم. وقال الشّافعي في الأم مثله (¬41). قال (ع): هذا لا يدل كذلك لأنّه جاء عن الشّافعيّ بعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم (¬42). قوله في حديث ابن عمر: أتعهدكم أني قد أوجبت الحجِّ مع العمرة ثمّ طاف لهما طوافًا واحدًا أن ذلك يجزئ عنه. قال (ح) كذا للأكثر، وفي رواية كريمة مجزيًا بالنصب ووجهوه بأنّه على حذف كان، وعندي أن النصب من خطأ الكاتب في رواية كريمة فإن أصحاب الموطَّأ اتفقوا على روايته بالرفع (¬43). قال: ونسبة الكاتب إلى الخطأ خطأ وإنّما يكون خطأ إذا لم يكن له وجه في العربيّة، واتفاق أصحاب الموطَّأ لا يستلزم كون النصب خطأ على أن دعوى اتِّفاقهم على الرفع لا دليل عليها [لها] (¬44). ¬

_ (¬41) فتح الباري (4/ 11 - 12). (¬42) عمدة القاري (10/ 149). (¬43) فتح البارى (4/ 12). (¬44) عمدة القاري (10/ 150).

308 - باب النسك شاة

308 - باب النسك شاة ذكر فيه حديث كعب بن عجرة. قال ابن عبد البرّ: ذكر من ذكر النسك في هذا الحديث فإنّما ذكروا شاة وهو أمر لا خلاف فيه. قال (ح): يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق نافع عن ابن عمر عن رجل من الأنصار عن كعب بن عجرة أنّه أصابه أذى فحلق رأسه فأمره [النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أن يهدي بقرة. وللطبراني في طريق عبد الوهّاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر قال حلق كعب بن عجرة رأسه] فأمره، رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أن يفتدي فافتدى ببقرة. وروى عبد بن حميد من طريق أبي معشر عن نافع عن ابن عمر قال: افتدى كعب من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة. وروى سعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عن سليمان ابن يسار قيل لابن كعب بن عجرة: ما صنع أبوك حيث أصابه الأذى في رأسه؟ قال: ذبح بقرة (¬45). قال: هذا كله لا يساوي ما ثبت في الصّحيح (¬46). قلت: إنّما أوردته على أبي عمر حيث قال: لا خلاف. ¬

_ (¬45) فتح البارى (4/ 18) وما بين المعكوفين من الفتح. (¬46) عمدة القاري (10/ 156).

309 - باب قول الله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}

309 - باب قول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} قوله: قيامًا قوامًا. قال (ح): هو قول أبي عبيدة في كتاب المجاز (¬47). قال (ع): ليس هذا مخصوص بأبي عبيدة وإنّما هو قول جميع أهل اللُّغة (¬48). قلتْ: إنّما خص لأنّ البخاريّ اعتمد على كتابه فنقل أكثر ما أورده في تفسير الآية، وقد سقت السند في تغليق التعليق إليه وإنّما أسند إليه دون غيره لوصله السند به. ثمّ قال (ع): والذي ليس له بد في التصريف يتصرف هكذا حتّى قال: قال الطّبريّ: أصله الواو، وكأنّه رأى أن هذا أمر عظيم حتّى نسبه إلى الطّبريّ (¬49). قلت: شأن من ينسب العلم إلى أهله أن يبدأ بالكبير، وأمّا من يأخذ كلام غيره ناسبًا له لنفسه فهو لا يبالي بكبير ولا صغير. قوله في حديث أبي قتادة: في صيده الحمار الوحشى فقال: "كُلُو". ¬

_ (¬47) فتح الباري (4/ 22). (¬48) عمدة القاري (10/ 165). (¬49) عمدة القاري (10/ 165).

قال (ح): هو أمر إباحة لأنّه وقع جوابًا عن السؤال عن الجواز فوردت الصيغة على مقتضى السؤال (¬50). قال (ع): الأوجه أن يقال: إنَّ هذا الأمر إنّما كان [لمنفعة لهم] فلو كان للوجوب لصار عليهم وكان يعود على موضوعه بالنقص (¬51). ¬

_ (¬50) فتح الباري (4/ 30). (¬51) عمدة القاري (10/ 169).

310 - باب لا يعين المحرم الحلال الذي قتل الصيد

310 - باب لا يعين المحرم الحلال الذي قتل الصَّيد قال (ح): أشار بهذه التّرجمة إلى الرد على من فرق من أهل الرأي بين الإِعانة التي لا يتم الصَّيد إِلَّا بها فتحرم وبين الإعانة الّتي يتم بدونها فلا تحرم (¬52). قال (ع): لا وجه لهذا الكلام لأنّ التّرجمة شملت الوجهين (¬53). قلت: المراد التّرجمة وحديثها يؤخذ منها منع الاستعانة سواء كانت جزاء من الاصطياد أم لم تكن، ويؤيده أنّه ترجم بعدها لا يشير المحرم إلى الصَّيد لكي يصطادَهُ الْحَلَالُ. ¬

_ (¬52) فتح الباري (4/ 27). (¬53) عمدة القاري (10/ 171).

311 - باب إذا أهدي إلى المحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل

311 - باب إذا أهدي إلى المحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل قال (ح): كذا قيده في التّرجمة بكونه حيًا، وفيه إشارة إلى أن الرِّواية الّتي تدل على أنّه كان مذبوحًا موهومة [موهمة] (¬54). قال (ع): يذكر هذا القيد في حديث الباب بل قال حمارًا وحشيًا، وقد ورد في مسلم بلفظ: حمار وحشي يقطر دمًا. وفي رواية زيد بن أرقم: أهدي له عضو من لحم صيد، وهي تدل على أن الحمار غير حي، فكيف يقول فيه إشارة إلى أن الرِّواية الّتي تدل على أنّه كان مذبوحًا موهومة. قلت: ليس بينهما سابقة جمع وإنّما عليه أن يبين كونها موهومة؟ (¬55). ولكن اعترف المعاند بالحجة ولو أقيمت ..... (¬56)، وقد تولى القرطبي في المفهم الجمع بين الروايتين، ونقل (ع) لذلك بعد هذا, ولكن التعصب يغطي عن البصيرة. ¬

_ (¬54) (فتح البارى (4/ 31). (¬55) عمدة القاري (10/ 174). (¬56) كذا هو بياض في النسخ الثلاث.

312 - باب لا يعضد شجر الحرم

312 - باب لا يعضد شجر الحرم قوله: ولا فارًا بخُزْيَةٍ ... إلى أن قال: وأشار ابن العربي إلى ضبطه بكسر أوله وبالزاي بدل الراء وبالتحتانية بذل الموحدة من الخزي. قال (ح): والمعنى صحيح لكن لا تساعده الرِّواية عليه (¬57). قال (ع): لم يظهر لي صحة المعنى مع عدم الرِّواية (¬58). قلت: وما علي إذا لم يفهم. ¬

_ (¬57) فتح الباري (4/ 45). (¬58) عمدة القاري (10/ 188).

313 - باب الحجامة للمحرم

313 - باب الحجامة للمحرم قوله: وكوى بن عُمَرَ ابْنَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. قال (ح): وصله سعيد بن منصور من رواية مجاهد قال: أصاب واقد بن عبد الله بن عمر برسام في الطريق وهو متوجه إلى مكّة فكواه ابن عمر (¬59). قوله: ويتداوى ما لم يكن فيه طيب. قال (ح): هذا من تتمّة الترحمة وليس في أثر ابن عمر كما ترى، وأمّا ما وقع في شرح الكرماني فاعل يتداوي الحرم أو ابن عمر فهو كلام من لم يقف على أثر ابن عمر (¬60). قال (ع): قوله هذا من تتمّة الترجمة ليس بشيء لأنّ أثر ابن عمر فاصل يمنع أن يكون من التّرجمة، ووقوع هذا بعد أثر ابن عمر في غير محله (¬61). قلت: وقد يكون مثل هذا في تراجم البخاريّ، يترجم بشيء، ثمّ يذكر أثرًا، ثمّ يترجم لشيء آخر، بأن تكون ترجمة مستقلة، وتارة تكون متعلّقة بالأولى، فيفصل بين التّرجمة وتتمتها بآية أو أثر أو خبر، والحامل للمعترض شدة التحامل. ¬

_ (¬59) فتح البارى (4/ 50) عمدة القاري (10/ 192) حيث أخذ العيني كلام الحافظ ابن حجر ولم ينسبه إليه. (¬60) فتح البارى (4/ 50). (¬61) عمدة القاري (10/ 192) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 223 - 224).

314 - باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص

314 - باب إذا أحرم جاهلًا وعليه قميص قال (ح): وقع في رواية أبي ذر الهروي عن صفوان بن يعلى عن أبيه وهو الصواب وكأنّه تصحف عني فصارت ابن وأبيه فصارت أُمية وليست لصفوان صحبة ولا رواية (¬62). قال (ع): لم نجد في النسخ الكثيرة إِلَّا صفوان بن يعلى عن أبيه فلا يحتاج أن ينسب التصحيف لأبي ذر ولا إلى غيره (¬63). قلت: هذا كلام من لا يدري الفن. ¬

_ (¬62) فتح الباري (4/ 63). (¬63) عمدة القاري (10/ 209).

315 - باب الحج والنذور والرجل يحج عن المرأة

315 - باب الحجِّ والنذور والرجل يحج عن المرأة ذكر فيه حديث ابن عبّاس أن امرأة من جهينة جاءت فقالت: إنَّ أمي نذرت أن تحج ... الحديث. قال (ح): الحديث يخالف التّرجمة وكان [حق التّرجمة أن] يقول: والمرأهّ تحج عن الرَّجل، وأجاب ابن بطّال بأن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - خاطب المرأة بخطاب دخل فيه الرجال والنساء وهو قوله: "اقْضُوا الله" والذي يظهر لي أنّه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه: أتى رجل فقال: إنَّ أختى نذرت، وهي رواية شعبة عن أبي بشر بسند حديث الباب (¬64). وقال الكرماني: يلزم من الحديث صحة التّرجمة بطريق الأولى. قال (ع): في كلّ هذا نظر، وأمّا جواب ابن بطّال فيكاد يكون باطلًا، لأنّ الخطّاب بقوله: "اقْضُوا" ليس للمرأة بل هو لمن حضر، ودخول المرأة في الخطّاب لا يقتضي المطابقة. وأمّا جواب (ح): فأبعد من الأوّل، لأنّ الأصل أن تكون المطابقة بين ترجمة وحديث مذكورين في باب واحد. وأمّا جواب الكرماني ففيه دعوى الأولوية بطريق الملازمة فيحتاج إلى دليل (¬65). ¬

_ (¬64) فتح الباري (4/ 65). (¬65) عمدة القاري (10/ 212).

316 - باب الحج عمن لا يستطيع

316 - باب الحجِّ عمَّن لا يستطيع قال (ح): أي من الأحياء (¬66). قال (ح): هذا التفسير عجيب [عبث] لأنّ أرادها [الأذهان] قط لا يتبادر إلى الأموات (¬67). ¬

_ (¬66) فتح الباري (4/ 66). (¬67) عمدة القاري (10/ 214).

317 - باب حج الصبيان

317 - باب حج الصبيان قال (ح): أي مشروعية (¬68) قال (ع): كيف يقول هذا وليس في أحاديث الباب ما يدلُّ صريحًا على مشروعية حجهم ولا عدمه (¬69). قلت: سلم المشروعية وهو لا يشعر، إذ نفى التصريح فثبت التلويح، أو ليس في حديثي الباب أن ابن عبّاس والسائب حج بهما وهما صغيران وأقرهما رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬68) فتح الباري (4/ 71). (¬69) عمدة القاري (10/ 216).

318 - باب حج النساء

318 - باب حج النِّساء ذكر فيه حديث إبراهيم وهو ابن سعد عن أبيه عن جده قال: أذن عمر. قال (ح): ظاهره أنّه من رواية إبراهيم بن سعد بن عبد الرّحمن بن عوف عن عمر وإدراكه لذلك ممكن (¬70). قال (ع): يقال: إنّه ولد في عهد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، ودخل على عمر وهو صغير وسمع منه (¬71). قوله: ألَّا نغزوا ونجاهد؟ قال الكرماني: فإن قلت: الغزو والجهاد لفظان بمعنى واحد فما الفائدة؟ فأجاب: بأن الغزو القصد إلى القتال والجهاد بذل المقدور في القتال. قال (ح): كأنّه ظن أن الألف تتعلّق بنغزو أو جعل بمعنى الواو (¬72). قال (ع): لم يظن ذلك وإنّما اعتمد على نسخة ليس فيها كلمة الشك (¬73). ¬

_ (¬70) فتح الباري (4/ 73). (¬71) عمدة القاري (10/ 219). (¬72) فتح البارى (4/ 74). (¬73) عمدة القاري (10/ 221).

319 - باب من نذر المشي إلى الكعبة

319 - باب من نذر المشي إلى الكعبة قوله: نذرت أختى أن تمشى إلى بيت الله ... الحديث. قال (ح): ذكر المنذري والقطب القسطلاني والقطب الحلبي ومن تبعهم أنّها أم حبال [حبّان]، إنّما هي بكسر المهملة وتخفيف الموحدة وآخره لام بنت عامر، ونسبوا ذلك لابن ماكولا، وهو وهم, لأنّ أم حبال إنّما هي أخت عقبة بن عامر الأنصاري صحابيان معروفان، وقد كنت تبعتهم في المقدِّمة ثمّ ظهر لي الصواب فرجعت (¬74). قال (ع): ليس ذلك بوهم، فإن الذهبي قال في كتاب الصّحابة: أم حبّان بنت عامر الأنصارية أخت عقبة حديثها في النَّذْر، فقوله حديثها في النَّذْر يدلُّ على أنّها أخت عقبة الجهني ولا تضر نسبتها الأنصارية مع أن العقبة جهني لأنّها يحتمل أن تكون من جهة الأم أنصارية ولا مانع (¬75). قلت: ليس بعينك ....... (¬76). الذهبي الذي احتججت به تبع أؤلئك فشاركهم في الوهم، والأمر عند من يفهم هذا الفن أَجْلَا وأوضح من أن يعاند فيه، ولو عرض هذا على الحافظ المنذري لتلقاه بالقبول. ¬

_ (¬74) فتح الباري (4/ 79 - 80). (¬75) عمدة القاري (10/ 226). (¬76) كذا بياض في النسخ الثلاث.

كتاب فضل المدينة

كتاب فضل المدينة 320 - باب حرم المدينة قوله في حديث أنس: "يا أبَا عُمَيْرٍ ماَ فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ " استدل به الطحاوي على أن المدينة لا حرم لها, لأنّه لو كان صيدها حرامًا لما أقر أبا عمير. قال (ح): وأجيب باحتمال أن يكون من صيد الحل (¬77). قال (ع): تقوم الحجة بالاحتمال (¬78). قلت: ما أحقه يقول القائل: يَقُولُ لي اْلَموْتُ غَدًا .... فَقُلْتُ هَذِي حُجَّتيِ كيف يدفع قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "المديِنَةُ حَرَمٌ" باحتمال أن يكون النغير من صيد المدينة. وقد أقره في هذا أي عمير فلا يكون حرمًا. قلنا: لا يدفع الدّليل الصريح بالاحتمال. ¬

_ (¬77) فتح الباري (8314). (¬78) عمدة القاري (10/ 229).

321 - باب لا يدخل الدجال المدينة

321 - باب لا يدخل الدجال المدينة قوله في حديث أنس: "لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطؤُهُ الدَّجَّالُ". قال ابن حزم: المراد دخول بعثه وجنوده، فكأنّه استبعد إمكان دخوله جميع البلاد لقصر مدته، وغفل عما ثبت في صحيح مسلم: "أَنَّ بَعْضَ أَيّامِهِ تَكوُنُ قَدْرَ السَّنَةِ" فإن قال: معناه قدر السنة في الشدة, لأنّ ذلك اليوم يطول حتّى يصير سنة. قلنا: يرد التّأويل بقية الحديث حيث سألوا عن صلاتهم فيه فقال: "اقَدْرُوا لَهُ" (¬79). ¬

_ (¬79) فتح البارى (4/ 96) وعمدة القاري (10/ 243 - 244).

كتاب الصيام

كتاب الصِّيام 322 - باب أفضل الصوم قوله في حديث أبي هريرة: "الصِّيَامُ ليِ وَأنَا أجْزيِ بِهِ". قال القرطبي: معناه أن الله ينفرد بعلم مقدار ثواب الصوم وتضعيفه بخلاف غيره من العبادات، ... إلى أن قال: وهذا كقوله تعالى: {إنّمَا يُوَفَّىَ الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغيْرِ حِسابٍ} والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال (¬80). قال (ع): هذا غير مسلم بل الصائمون الصابرون لأنّ الصوم يستلزم الصبر من غير عكس (¬81). قال (ح): سبق إلى هذا أبو عبيَد في كتاب الغريب فقال: بلغني عن ابن عيينة أنّه قال ذلك واستدل بأن الصوم هو الصبر بأن الصائم يصبر نفسه عن الشهوات، وتلا الآية ... إلى أن قال: وأمّا قول من اعترض بحديث أن صوم اليوم بعشرة أيّام، وأمّا مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه إِلَّا الله تعالى (¬82). ¬

_ (¬80) فتح الباري (10714 - 108). (¬81) عمدة القاري (10/ 260). (¬82) فتح الباري (4/ 108).

قال (ع): لا نسلم أنّه لا يلزم من ذلك بل يلزم لأنّه يؤدِّي إلى تبطيل معنى التخصيص (¬83). قلت: انظروا وتعجبوا. ثمّ قال (ح): ويؤيده حديث أبي أمامة عند النسائي: "عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ". قلت: يعكر عليه حديث ثوبان: "خَيْرُ أعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ" (¬84). قال (ع): لا يعكر أصلًا لأنّه إنّما قال ذلك بالنسبة للمخاطبين لما سألوا (¬85). ثمّ قال (ح): وقيل لأنّه لم يعبد به غير الله وكانوا يعظمون آلهتهم بصورة الصّلاة وغير ذلك وهذا مردود بأن الذين يسجدون للكواكب يصومون لها، وأجيب بأنّهم لا يعتقدون أن الكواكب آلهة وإنّما يقولون: إنها معالم بأنفسها وهذا الجواب عندي ليس بطائل (¬86). قال (ع): هو جواب شيخه الشّيخ زين الدِّين العراقي وكان عليه أن يبين وجه ما ذكره (¬87). قلت: تركته لوضوحه وذلك أنّهم طائفتان: إحداهما: كانت تعتقد إلهية الكواكب، وهم كانوا قبل ظهور الإسلام، ومنهم من استمر على كفره وضلالة. ¬

_ (¬83) عمدة القاري (10/ 260). (¬84) فتح الباري (4/ 108). (¬85) عمدة القاري (10/ 260). (¬86) فتح الباري (4/ 108 - 109). (¬87) عمدة القاري (10/ 260).

والطائفة الأخرى: من دخل منهم منه الإسلام، لكن استمر على تعظيم الكواكب، فهم الذين تسير بهم. قال (ح): قيل: إنَّ جميع العبادات يوفى منها المظالم إِلَّا الصِّيام، نقل ذلك عن ابن عيينة واستحسنه القرطبي لكن قال: وجدت في حديث القصاص ذكر الصوم في جملة الأعمال وهو أن المفلس يأتي بصلاة وصدقة وصيام فيؤخذ من حسناته، فإن فنيت أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النّار. قال (ح): إن ثبت قول ابن عيينة أمكن تخصيص الصِّيام من ذلك (¬88). قال (ع): الإمكان يجرى في كلّ عالم لكن لا يثبت اختصاص إِلَّا بدليل (¬89). ¬

_ (¬88) فتح البارى (4/ 109). (¬89) عمدة القارئ (10/ 260).

323 - باب الريان للصائمين

323 - باب الريان للصائمين قوله: "فَإذاَ دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَم يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ". قال (ح): هو معطوف على أغلق أي لم يدخل منهم غير من دخل (¬90). قال (ع): هذا التفسير غير صحيح لأنّ غير من دخل أعم من أن يكون من الصائمين وغيرهم (¬91). قلت: وماذا يضر. ثمّ قال (ح): وقع في مسلم: "فَإذَا دَخلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُل مِنْهُ أَحَدٌ". هكذا في بعض النسخ، وفي الكثير منها: " فَإذاَ دَخَلَ أَوَّلُهُمْ" (¬92). قال (ع): الأمر بالعكس فلذلك قال في شرح مسلم: إنَّ هذه الرِّواية غير صحيحة (¬93). ¬

_ (¬90) فتح البارى (4/ 112). (¬91) عمدة القاري (10/ 263). (¬92) فتح الباري (4/ 112). (¬93) عمدة القاري (10/ 263).

324 - باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟

324 - باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ قال (ح): أشار البخاريّ بهذه الترحمة إلى حديث ضعيف أخرجه ابن عدي من طريق أبي معشر في المقِبُري عن أبي هريرة رفعه: "لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ فَإنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الله تَعاَلى، وَلكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ" (¬94). قال (ع): هذا عجيب لأنّ لفظ التّرجمة من أين تدل على هذا، ومن قال: أن البخاريّ اطلع على هذا الحديث حتّى يرده بهذه التّرجمة (¬95) قوله: لهلال رمضان. قال (ح): وقع في هذه الرِّواية الموصولة بلفظ: شهر رمضان، وفي الرِّواية المعلقة بغير ذكر شهر وكأنّه أشار إلى جواز الأمرين (¬96). قال (ع): ذهل عن الحديث الذي في أول الباب (¬97). ثمّ ذكرًا نحوًا ممّا ذكره (ح) على العادة وأوهم أن له في ذلك تصرفًا. ¬

_ (¬94) فتح الباري (4/ 113) والحديث رواه ابن عدي في الكامل (7/ 2517). (¬95) عمدة القاري (10/ 26). (¬96) فتح الباري (4/ 115). (¬97) عمدة القاري (10/ 271) وانظر لزاما: مبتكرات اللآلي والدرر (ص 225 - 226).

325 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا رأيتم الهلال فصوموا"

325 - باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - "إذا رَأيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا" قوله فيه: وقال صلة عن عمار. قال (ح): أمّا صلة فهو بكسر المهملة وتخفيف اللام المفتوحة ابن زفر بزاي وفاء وزن عمر (¬98). قال (ع): ليس بصحيح لأنّه صلة وزن عدة (¬99). قلت: كذا كتب بخطه ولعلّه ذهل فحذف من الكلام شيئًا. ¬

_ (¬98) فتح الباري (4/ 120). (¬99) عمدة القاري (10/ 279) وأخطأ العيني لأنّ الذي قال الحافظ ابن حجر على وزن عمر هو زفر لا صلة.

326 - باب شهرا عيد لا ينقصان

326 - باب شهرا عيد لا ينقصان قوله: قال إسحاق: وإن كان ناقصًا فهو تمام. قال (ح): ادعى مغلطاي أن إسحاق وابن سُوَيْد العدوي راوي الحديث ولم يأت على ذلك بحجة، وقد نقله الترمذِي في جامعة عن إسحاق ابن راهويه وهو مشهور عنه، وإنّما أكثر من ذلك حيث لم يجد في كلام (ح) هناك إثباتًا له ولا نفيًا، فلما رأى هنا الإنكار سلك مسالك المعترض (¬100). ¬

_ (¬100) فتح الباري (4/ 125) ولم يتعرض المصنف الحافظ للرد على العيني هنا، وسوف يردّ عليه بعد حوالي ثلاث صفحات راجعه هناك.

327 - باب قول الله تعالى: {وكلوا واشربوا}

327 - باب قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} قوله في حديث سهل: وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط. وقع في مسلم: جعل الرَّجل يأخذ خيطًا أبيض وخيطًا أسود يجعلهما تحت وسادته. قال (ح): يحتمل أن يكون منهم من فعل هذا ومنهم من فعل هذا، ويحتمل أن يكونوا يجعلونهما تحت الوسادة حتّى السحر فيربطونهما حينئذ في أرجلهم ليشاهدوهما (¬101). قال (ع): هذا بعيد لأنّه لا حاجة حينئذ إلى الربط وهم يقظة (¬102). ¬

_ (¬101) فتح الباري (4/ 134). (¬102) عمدة القاري (10/ 295).

328 - باب تعجيل السحور

328 - باب تعجيل السحور قال ابن بطّال: لو ترجم باب تأخير السحور لكان حسنًا فتعقبه مغلطاي بأنّه وجده في نسخة أخرى كذلك. قال (ح): لم أره في شيء من نسخ البخاريّ الّتي وقعت لنا (¬103). قال (ع): ليت شعري هل أحاط بجميع نسخ البخاريّ في أيدي النَّاس وفي البلاد، وعدم رؤيته كذلك لا يستلزم العدم (¬104). قلت: ليس في كلامه ما يقتضي ذلك. قوله: حدّثنا محمَّد بن عبيد الله. قال (ح): رأيت بخط القطب وتبعه مغلطاي حدّثنا محمَّد بن عبيد وهو غلط والصواب عبيد الله (¬105). قال (ع): ليس من الأدب أن يقال: إنّه غلط لأنّ الظّاهر أن مغلطاي تبع القطب ويحتمل أن يكون لفظ الله ساقطة من نسخة القطب لسهو الكاتب (¬106). قلت: فصح أنّه غلط. ¬

_ (¬103) فتح الباري (4/ 137). (¬104) عمدة القاري (10/ 298). (¬105) فتح الباري (4/ 138). (¬106) عمدة القاري (10/ 298). قال البوصيري (ص 229 - 230) استدل العيني على نفي أدب ابن حجر مع مقام الشيخين بما كان ديدنه الرد به على ابن حجر من الاستظهار، وهما أمران: أحدهما احتمال أن يكون لفظ الجلالة ساقطًا من نسخة القطب لسهو الكاتب، والثّاني كون مغلطاى تابعًا للقطب، وكلامهما لا ينتج المدعي من نفي الأدب عن ابن حجر، بل بالتأمل يظهر أنّه تنقيص لمغلطاي الذي يذب عنه وعن آرائه دائمًا، حيث إنّه جعله تابعًا فيها لغيره من غير تأمل، ولا يخفى ضعف درجها ومنزلتها، وهذا كله غفلة وذهول عن تعبير ابن حجر برؤيته خطيهما المنافي لسقوط ذلك من سهو الكاتب. والحاصل أنّه لا حاصل للاستظهار، وإنّما الحاصل سبق القلم بالغلط والله أعلم.

قوله في حديث زيد بن ثابت: تسحرنا مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قال (ح): فيه جواز المشي باللّيل للحاجة، لأنّ زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬107). قال (ع): لا نسلم نفي بيتوتيته مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في تلك اللَّيلة الّتي تسحر فيها مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ولم يقل نحن وهو لما يشعر لفظ المعية بالتبعية ليس من موضوع الكلمة (¬108). ثمّ قال (ح): قال القرطبي: فيه دلالة على أن الفراغ من السحور كان قبل طلوع الفجر فهو معارض لقول حذيفة هو النهار إِلَّا أن الشّمس لم تطلع. والجواب أن لا معارضة بل يحمل على اختلاف الحال فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة فتكون قصة حذيفة سابقة (¬109). قال (ع): هذا لا يشفي العلّيل ولا يروي الغليل، بل الجواب القاطع ¬

_ (¬107) فتح الباري (4/ 138). (¬108) عمدة القاري (10/ 299). (¬109) فتح الباري (4/ 138 - 139).

قول الطحاوي يحتمل أن يكون حديث حذيفة قبل نزول قوله تعالى: {وَكُلوا وَاشْرَبُوا ...} الآية (¬110). قلت: انظر واحمد ربك على العافية. قال (ع): القول بأنّه إسحاق بن سُوَيْد أقرب إلى الصواب, لأنّه ممّن روى الحديث، وقوله: لم يأت بحجة فهل أن هو بحجة أنّه إسحاق بن راهويه، ونقله عن إسحاق بن راهويه لا يكفي، لجواز أن يكون من نوادر الخواطر (¬111). قلت: قد ذكر حجته بعد ذلك فقال: روى الحاكم في تاريخه بإسناد صحيح إلى إسحاق بن راهويه سئل ممّن ذلك؟ فقال: إنكم ترون العدد ثلاثين فإذا كان تسعًا وعشرين ترونه نقصانًا وليس ذلك بنقصان فهذه الحجة في أن المسئول عن ذلك إسحاق بن راهويه وهو المجيب بما ذكر، فأين الرِّواية عن إسحاق بن سُوَيْد بما زعم مغلطاي حتّى يرجحها أو يلحقها بالتوارد (¬112). قال (ح): ساق البخاريّ المتن على لفظ خالد الحذاء لأنّه لم يختلف في سياقه عليه بخلاف ابن إسحاق ابن سُوَيْد (¬113). ¬

_ (¬110) عمده القاري (10/ 299). قال البوصيري (ص 231) إنَّ الجملة الأخيرة من كلام ابن حجر مشعرة بأن الآية الشريفة ناسخة لكل ما تقدمها ممّا يخالفها الذي منها حديث حذيفة، وليس فيها ما يفهم منه بأن حديث حذيفة يعمل بمقتضاه بعد نزول الآية، بل كان عمل بها في بعض الأحوال، وهو ما كان قبل نزول الآية، وعلى كلّ حال فالواجب على العيني أن ينقل عبارة ابن حجر الأخيرة أو يتأملها قبل الاعتراض، ولعلّه لو فعل لأغناه عن تكلف الاعتراض والله أعلم. (¬111) عمدة القاري (10/ 283 - 284). (¬112) فتح الباري (4/ 125)، وانظر: تغليق التعليق (3/ 142 - 143). (¬113) فتح الباري (4/ 124 - 125).

قال (ع): انفرد البخاريّ بإخراج حديث ابن إسحاق بن سُوَيْد وأخرجه بقية الجماعة من رواية خالد، فيمكن أن يكون اختياره على لفظ خالد لهذا المعنى (¬114). قلت: الجماعة كلهم صنفوا كتبهم بعد البخاريّ فكيف يسوغ أن يقال: إنَّ البخاريّ رجح عنده ما اتفقوا على ترجيحه على ما انفرد هو به أخذ كلام من له في هذا الباب أدنى معرفة. ¬

_ (¬114) عمدة القاري (10/ 284).

329 - باب. قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لانكتب"

329 - باب. قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لَا نَكْتُبُ" ذكر فيه حديث ابن عمر: "إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ". قال (ح): الأمية المنسوبة إلى الأم واحدة الأمهات (¬115). قال (ع): من له أدنى سمية من التصريف لا يتصرف هكذا (¬116). ¬

_ (¬115) فتح الباري (4/ 127). (¬116) عمدة القاري (10/ 286). قال البوصيرى في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 228) بعد أن نقل عبارة الحافظ ابن حجر والعلّامة العيني: ممّا يسيئني والله أن ينقل الإنسان العالم الأمين كلام غيره مبتورًا مقصوص الجناح، وربما يسيء القاري الظن بالمنقول عنه مع براءة ساحته. هذا ابن حجر وهذا كلامه الذي في شرحه، وهذا العيني الذي نقل كلامه مبتورا، لقد ذكرني صنيعه صنيع ابن عابدين في حاشيته على الدرر المختار، فإنّه كان لا يرضى بتسليم ما ينقله الكاتبون عن غيرهم حتّى يراجع الأصل. قال: وكثيرًا ما يجد التحريف عند الناقل دون الأصل. وقد وقع لي أن دخل على بعض القضاة، وكان فقيهًا بمعنى الكلمة، وفي يدي كتاب استخرج منه حكم نازلة، فسأل؟ فقلت: والله إنِّي منذ ساعة متوقف في فهم العبارة، فقهقه في وجهي، ثمّ استدرك فقال: لعلّ ما في يدك الهنديد (لأنّها مختلطة بالفارسية) قلت: لا، فاستمر على ضحكه، وقال: ألم يكن الكتاب عربيًا وأنت عربي، فكيف تتوقف في الفهم؟ فخطف الكتاب من يدي، وكانت العبارة منقولة من البزازية، فلم يتوقف أن قال: في العبارة نقص، فنهض واستخرج البزازية، فإذا العبارة مثل الشّمس. فيا أيها العلماء ما ذنب ابن حجر حتّى ينسب إلى أن كلامه كلام من لم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يشم رائحة التصريف؟ فما ذنبه إِلَّا أنّه أورد ما جوزه العيني، وزاد عليه ما هو أَوضح من الواضح، وهو قوله: أو منسوب إلى الأمهات إلخ، لأنّ الهاء في هذا الجمع زائدة، فالمنسوب إليه هو الأصل دون الزائدة. وفي القاموس: ويقال للأم: الأمة والأمهة والجمع أمات وأمهات. وفي التاج: فالهاء من حروف الزيادة. وهي مزيدة في الأمهات، والأصل الأم. قال الأزهري: وهذا هو الصواب، لأنّ الهاء مزيدة في الأمهات انتهى كلام التاج. وفي الشافية: أن النسبة إلى قنسرين قنسري وحنفي في حنيفة وشنئي في شنوءة. فكما أن العرب يتصرفون في النسبة بمثل هذا النقصان، يتصرفون فيها بالزيادة أيضًا، فقد نسبوا إلى الري رازي وإلى مرو مروزى وهندواني إلى الهند. وفي الصحاح: سيوف هندكية الهنادكة الهنود والكاف زائدة نسبوا إلى الهند على غير قياس وسيوف هندكية أي هندية، ولم يسمع زيادة الكاف في النسبة في غير هذه الكلمة. ثمّ إني أشهد الله تعالى أن من عرف هذا الكلام ولم يكن فيه عرق التعصب يسلم بأن ابن حجر ممّن أكل التصريف في الألفاظ والمعانى أكلًا لمَّا، لا أنّه شمها شما, بلى شمه منه. والحاصل أن ابن حجر موافق للعيني في جميع ما جوزاه ونقلاه في هذه النسبة إلى الأمهات الّتي نقلها بالقيل، وقصر العيني كلام ابن حجر عليه، فتأمل الجميع والله أعلم.

330 - باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين

330 - باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين قال (ح): حديث العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة: "إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا" استدل به من يمنع الصوم في نصف شعبان وقد ضعف. وقال أحمد ويحيى بن معين: إنّه منكر. وأشار البيهقي إلى ضعفه بقوله: باب الرجعة في الصوم ما هو أصح من حديث العلاء (¬117). قال (ع): هذا الحديث صححه ابن حبّان وابن حزم وابن عبد البرّ والترمذي، والعلاء احتج به مسلم، وروى عنه هذا الحديث جماعة. انتهى (¬118). وقد أورد هذا المعترض كلام (ح) في تضعيف هذا الحديث في باب هل يقال رمضان؟ فقال: قال السلمي: لا نعلم أحدًا رواه إِلَّا العلاء. وقال أحمد: ليس بمحفوظ، وسئل عنه فلم يصححه ولم يحدث به، وكان يتوفاه ولا ينكر من حديث العلاء إِلَّا هذا. وفي رواية المزي عنه أنّه أنكره وقال: هذا خلاف الأحاديث (¬119). ¬

_ (¬117) فتح الباري (4/ 129). (¬118) عمدهً القاري (10/ 288 - 289). (¬119) عمدة القاري (10/ 273).

ثمّ قال (ع): قال الطحاوي بعد أن ذكر حديث الأمر بالصيام لمن يأكل والأمر بالإمساك إلى آخر الأكل ولا يصومه لمن لم يصمه. قال (ح): الإمساك لا يستلزم الأجزاء لأنّه يحتمل أن يكون لحرمة الوقت (¬120). قال (ع): الاحتمال إذا كان ناشئًا عن غير دليل لا يعتبر به ولا يثبت الحكم بالاحتمال المطلق. قال: وفاته أنّه نظير من قدم من سفر في رمضان نهارًا فإنّه يؤمر بالإمساك. وأخرج أبو داود والنسائي من طريق عبد الرّحمن بن مسلمة عن عمه أنّه أسلم أتوا إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فقال: "صُمْتُمْ يَوْمَكمْ هَذَا" قالوا: لا، قال: "فَأَتِمُّوا بَقِيَّه يَوْمِكُمْ وَاقْضوا" (¬121). قال (ح): احتج من أوجب النية كلّ ليلة وهم الجمهور بحديث حفصة: "لَا صِيَامَ لِمنْ لَمْ يُبَيِّتْ مِنَ اللَّيْلِ" أخرجه التّرمذيّ والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم وابن حزم. وأخرجه الدارقطني من وجه آخر وقال: رجاله ثقات. وقد أبعد من خصه من الحنفية بصيام القضاء والنذر، وأبعد من ذلك تفرقة الطحاوي بين صوم يوم بعينه إذا كان واجبًا كعاشوراء فتجزىء النية في النهار بخلاف يوم لا بعينه فلا يجزي كرمضان، بخلاف صوم التطوع فيجزىء في اللّيل والنهار، وقد ذكره إمام الحرمين فقال: إنّه كلام غث (¬122). ¬

_ (¬120) فتح الباري (4/ 142). (¬121) عمدة القاري (10/ 304). (¬122) فتح البارى (4/ 142).

قال (ع): الجواب عن الأوّل أن قوله أبعد من خص ... إلى آخره كلام ساقط لا طائل تحته لأنّ من لم يخص هذا الحديث بصيام القضاء والنذر وصوم الكفارة، يلزم منه نسخ مطلق الكتاب بخبر الواحد، لأنّ الله تعالى قال: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ ...} إلى أن قال: {... ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى اللّيْلِ} فكان أمرًا بالصوم متراخيًا عن أول النهار، والأمر بالصوم يغني عن النية إذ لا صوم شرعًا بدون النية، ولأن إتمام الشيء يقتضي معًا بقية وجود بعضه، وهذا هو السر الخفي الذي استبعده من لا وقوف له على دقائق الكلام ومدارك استخراج المعاني من النصوص، فأمّا دعوى الأبعدية في تفرقة الطحاوي فهي دعوى باطلة، لأنّ الحامل للطحاوي على هذه التفرقة حديث عائشة قوله - صلّى الله عليه وسلم - لها: "أعِنْدَكِ شَىءٌ؟ " قالت: لها، قال: "فَإنِّي صَائِمٌ". وأمّا كلام إمام الحرمين فلا يوجد أسمج منه، لأنّه من يتعقب كلام أحد إن لم يذكر وجهه ما يقبله العلماء، وإلا يكون كلامه غثاءً لا أصل له (¬123). ¬

_ (¬123) عمدة القاري (10/ 305 - 306).

331 - باب الصائم يصبح جنبا

331 - باب الصائم (¬124) يصبح جنبًا ذكر فيه حديث أبي هريرة في ذلك. قال (ح): بعد أن أورد من الموطَّأ من طريق أبي بكر بن عبد الرّحمن أنّه مروان قال لعبد الرّحمن يعني والد أبي بكر: أقسمت عليك لتركبن دابتي إلى أبي هريرة فإنّه بأرض بالعقيق، قال: فركبت فلقينا أبا هريرة عند باب المسجد. قال (ح): الظّاهر بالمسجد هنا مسجد أبي هريرة بالعقيق لا المسجد النبوى أو إلتقيا بالعقيق وأبو هريرة يريد الرجوع إلى المدينة فتحدثا، فلما انتهى حديثهما حتّى وصلا إلى المسجد النبوي (¬125). قال (ع): الحامل على هذا التعسف تفسير المسجد بمسجد العقيق، ولو فسره بمسجد ذكره الحليفة لاستراح، لأنّه قال: أوَّلًا في الكلام على قوله: إنهما لم يجداه بالعقيق، يحتمل أنّهما لما لم يجداه بالعقيق وجداه بذي الحليفة يجمع بينهما بذلك ولا دلالة في الحديث على هذا التفسير، لأنا نقول: من قال إنّه كان لأبي هريرة مسجد بالعقيق، وأمّا المسجد بذي الحليفة فقد نصّ عليه أهل السير والأخبار. انتهى (¬126). ومن تأمل سياق ما جمع به (ح) بين المختلف من هذه القصة عذر وعرف تحامل (ع) بما لا يخفى فساده. ¬

_ (¬124) في النسخ الثلاث الصِّيام يصبح جنبًا وهو خطأ. (¬125) فتح الباري (4/ 145). (¬126) عمدة القاري (11/ 5).

332 - باب اغتسال الصائم

332 - باب اغتسال الصائم قال البخاريّ: وبل ابن عمر ثوبًا فألقاه عليه وهو صائم. قال (ح): أراد به معارضة ما جاء عن إبراهيم النخعي بأقوى منه، فإن وكيعًا روى عن الحسن بن صالح عن مغيرة عن إبراهيم أنّه كان يكره للصائم بل الثِّياب (¬127). قال (ع): هذا كلام صادر من غير تأمل، فإنّه اعترف أن الذي رواه إبراهيم أقوى من الذي ذكره البخاريّ تعليقًا، فكيف تصح المعارضة (¬128)؟ قلت: رمتنى بدائها وانسلت، فإن الضمير في قوله: بأقوى منه يرجع إلى إبراهيم، فالمعنى عارض البخاريّ ما جاء عن إبراهيم بأقوى من الذي جاء عن إبراهيم، فهل في هذا الاعتراف بأن إبراهيم أقوى. قوله: وقال ابن مسعود: إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينًا مترجلًا. قال (ح): لعلّ الذي منع من الاغتسال سلك به مسلك استحباب التقشف في الصِّيام كما ورد مثله في الحجِّ والإدهان والترجل في مخالف التقشف كالاغتسال (¬129). قال (ع): هذا أبعد لأنّ الترجمة في جواز الاغتسال لا في منعه (¬130). ¬

_ (¬127) فتح الباري (4/ 154). (¬128) عمدة القاري (11/ 11). (¬129) فتح الباري (4/ 154). (¬130) عمدة القاري (11/ 12).

333 - باب السواك الرطب واليابس للصائم

333 - باب السِّواك الرطب واليابس للصائم قال (ح): أشار بهذه التّرجمة إلى الرد على من كره للصائم الإستياك بالسواك الرطب كالمالكية والشعبي (¬131). قال (ع): لم يكن مراده أصلًا من وضع هذه التّرجمة هذا بل لما ذكر ما يدلُّ على جواز الإستياك للصائم مطلقًا أفرد هذه التّرجمة (¬132). ¬

_ (¬131) فتح الباري (4/ 158). (¬132) عمدة القاري (11/ 18).

334 - باب إذا جامع في رمضان

334 - باب إذا جامع في رمضان قال (ح): وقع في بعض طرق عائشة عند مسلم: فجاء عرقان, والمشهور في غيرها عند مسلم وغيره عرق، ورجحه البيهقي وجمع بينهما بتعدد الواقعة، والذي يظهر أن التّمر كان قد عرق لكنه كان وعاءين كلّ منهمًا يسع ما في الفرق فسماه للسهولة التحميل على الدابة فيحتمل أن الآتي بهما لما وصل أحدهما في الآخر، فمن قال: عرقان أراد ابتداء الحال، ومن قال عرق أراد ما آل إليه، (¬133). قال (ع): كود المشهور عرقًا لا يستلزم الرِّواية الأخري، ومن أين ترجح رواية غير مسلم على رواية مسلم، هذا مجرد دعوى لتحسينه [لتمشية] مذهبه ودعوى التعدد غير صحيحة لأنّ الأصل عدمه ولا سيما إذا كان المخرج متحدًا. وقوله: والذي يظهر ... إلخ كلام ساقط جدًا، وتأويل فاسد، ومن أين الظهور الذي يذكره بغير أصل؟ ولا دليل من نصّ الحديث ولا من قرينة في الخارج، وإنّما هو من إثار رائحة "أريحية" التعصب نصيرة لما ذهب إليه، والحق أحق أن يتبع والله ولي العصمة (¬134). قوله في حديث أبي هريرة: بينما نحن جلوس عند النّبيّ، - صلّى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل قال: يا رسول الله هلكت ... الحديث. ¬

_ (¬133) فتح الباري (4/ 169). (¬134) عمدة القاري (11/ 27)

قال (ح): من خواصه بينما أنّها تلتقي [تتلقى] بإذ وبإذا حيث تجيء للمفاجأة، بخلاف بينا. في قوله: عند النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - حسن أدب لما يشعر به من التعظيم بخلاف مع فلا إشعار فيها بذلك (¬135). قال (ع): هذا تصرف في العربيّة من عنده وليس بصحيح، وقد ذكروا أن كلا منهما يتلقى بكل منهما (¬136). وأمّا قوله: إنَّ في قوله: عند حسن أدب. قال (ع): لفظ عند موضوعها الحضرة فمن أين الإِشعار بالتعظيم (¬137). قوله: فبينا نحن على ذلك أتى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بعرق. قال (ح): الآتي بالعرق لم يسم (¬138). قال (ع): في أين ذكر الآتي حتّى قال: لم يسم؟! وما وقع في الكفارات في رواية معمر: أتى رجل من الأنصار وهو أنصاري غير معلوم (¬139). قلت: هومن كلام (ح) وزاد أن في رواية داود بن أبي هند عن ¬

_ (¬135) فتح الباري (2/ 164). (¬136) عمدة القاري (11/ 30). ورجح البوصيري في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 232 - 233) قول العلّامة العيني بما نقله عن ابن الأثيِر في النهاية والمغنى لابن هشام وتاج العروس للزبيدي، فراجعه. (¬137) عمدة القاري (11/ 30). (¬138) فتح الباري (4/ 168). (¬139) عمدة القاري (11/ 32).

سعيد بن المسيّب مرسلًا: فأتى رجل من ثقيف ويجمع بأنّه كان حليفًا للأنصار، فأطلق عليه الأنصاري، ويحتمل إطلاق الأنصاري عليه بالمعنى الأعم (¬140). قال (ع): لا وجه لهذا، لأنّه يلزم منه أن يطلق الأنصاري على كل من كان من أي قبيلة. ولم يقل به أحد (¬141). قلت: إن أراد لم يقل أحد أنّه يطلق على كلّ حال فعسى، وأمّا عند الجمع بين المختلفين فيحتمل ولا يلزم ما رده. قوله: بعرق. أختلفت الروايات في العرق ويمكن الجمع بأن يقال: من قال عشرين أراد أصل ما كان فيه ... إلى آخر كلامه (¬142). قال (ع): العجب منه كيف يحتج بالضعيف مع علمه به (¬143). كذا قال، وهو ليس. بأهل التمييز بين الصّحيح والضعيف، بل يجتزىء ويقول: ناسخ له. ¬

_ (¬140) فتح الباري) (4/ 168). (¬141) عمدهّ القاري (11/ 32). (¬142) فتح الباري (4/ 169). (¬143) لم أره في هذا المكان من عمدة القاري فلعلّه سقط من المطبوعة أو ذكره في مكان آخر.

335 - باب الحجامة والقىء للصائم

335 - باب الحجامة والقيء للصائم وقال لي عياش: حدّثنا عبد الأعلى حدّثنا يونس عن الحسن مثله أي: "أفطر الحاجم والمحجوم" قيل له عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: نعم، ثمّ قال: الله أعلم. قال (ح): حمل الكرماني جزمه، أي بقوله: نعم على وثوقه بخبر من أخبره به ويردده، لكونه خبر واحد، فلا يفيد اليقين، لا يستلزم التردد (¬144). قلت: لم ينحصر التردد بين اليقين والظن، بل بين الصِّحَّة وعدمها، لأنّ الذي أخبر الحسن يحتمل أن يكون ما خبر عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أو إرساله عنه، والواسطة يحتمل أن يكون ثقة أو أن لا يكون ثقة، فجزم بقوله: نعم لكون الذي حدثه به قال له عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وتردده بقوله: الله أعلم لاحتمال أن لا يكون ناقله له ثقة. ¬

_ (¬144) فتح البارى (4/ 177) وليس في النسخ الثلاث اعتراض العيني. قال العيني (11/ 40) استبعاده في غاية البعد، لأنّ من سمع خبرًا مرفوعًا إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - من رواة ثقات يجزم بصحته، ثمّ إنّه إذا نظر إلى كونه أنّه خبر واحد، وأنّه لا يفيد اليقين يحصل له التردد بلا شك. وقد أجاب الكرماني بثلاتة أجوبة، فجاء هذا القائل واستبعد أحد الأجوبة من غير بيان وجه البعد، وسكت عن الآخرين.

336 - باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر

336 - باب إِذا صام أيامًا من رمضان ثمّ سافر قال (ح): كأنّه أشار إلى تضعيف ما روي في عليّ بإسناد ضعيف أن من استهل عليه رمضان في الحضر ثمّ سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهد مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬145). قال (ع): قد مر مثل هذا الكلام (¬146). ¬

_ (¬145) فتح الباري (4/ 180). (¬146) عمدة القاري (11/ 45) وتمام كلامه: من هذا القائل غير مرّة، وأجبنا عن هذا بأن الإشارة لا تكون إِلَّا للحاضر, فمن أين علم أنّه اطلع على هذا الحديث حتّى أشار إليه، ولكن سلمنا إطلاعه على هذا فكيف وجه الإشارة إليه؟.

337 - باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس

337 - باب إذا أفطر في رمضان ثمّ طلعت الشّمس قوله: [قيل] لهشام: فأمروا بالقضاء، قال: لا بد من قضاء وللأكثر بدل من قضاء. قال (ح): هو إستفهام إنكار محذوف الأداة (¬147). قال (ح): الصواب أن يقال هنا حرف استفهام مقدر تقديره هل بد من قضاء (¬148). ¬

_ (¬147) فتح الباري (4/ 200) وفي النسخ الثلاث "قوله لينام فأمروا بالقضاء" وهو خطأ صححناه من صحيح البخاريّ. (¬148) عمدة القاري (11/ 68). قال البوصيرى (ص 237 - 238) اتفق الشيخان على أن في الجملة الشريفة مقدر أهو أداة نفي؟ وهو الذي في كتب اللُّغة من كونه لا يستعمل إِلَّا في النفي واستعماله في الإثبات مولد، ومعنى لا بد اليوم من قضاء حاجتي مثلًا، أي لا محالة ولا فرار، أي هو أمر لازم لا تمكن مفارقته. إِلَّا أن عبارتهما مختلفة اللّفظ متحدة المعنى، فلم يظهر للتخبط وجه.

338 - باب التنكيل لمن أكثر الوصال

338 - باب التنكيل لمن أكثر الوصال قوله: كالتنكيل لهم. قال (ح): في رواية الحموي كالمنكي من النكاية (¬149). قال (ع): بك من الإنكاء لأنّه بن باب المزيد ولا يذوق هذا إِلَّا من له يد في التصريف (¬150). ¬

_ (¬149) فتح الباري (4/ 206) ولا يقصد الحافظ الاشتقاق، بل المادة. (¬150) عمدة القاري (11/ 75).

339 - باب صوم داود

339 - باب صوم داود قوله:" هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ". قال ابن التين: نفهت بفتح النون وكسر الفاء أي تعبت، ووقع عند النسفي نثهت بمثلثة بدل الفاء ولا أعرف معناها. قال (ح): كأنّها أبدلت من الفاء فإنها تبدل منها كثيرًا (¬151). قال (ع): ادعى الكثرة ولم يأت بمثال ولا ذكر أحد هذا في الحروف الّتي يبدل بعضها من بعض، وإن كان يوجد هذا فربما يوجد في لسان ذي لثغة ولا يبني عليه شيء (¬152). قلت: قوله: وذكر هذا أحد نفي مجرد، فالمثبت مقدم على النافي، ولو أمعن النظر في المظان وجد ولكنه عريض الدعوى مع الكسل. ¬

_ (¬151) فتح البارى (4/ 225). (¬152) عمدة القاري (11/ 93) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 238).

340 - باب صيام أيام البيض

340 - باب صيام أيّام البيض قال الجواليقي: من قال الأيَّام البيض فجعل البيض صفة الأيَّام فقد أخطأ. قال (ح): فيه نظر لأنّ اليوم الكامل عند الإطلاق هو النهار بليلته بدليل: سافرت ثلاتة أيّام وأقمت أربعة ونحو ذلك، وليس في الشهر ما هو أبيض كله إِلَّا هذه الأيَّام، لأنّ ليلها أبيض بالقمر ونهارها أبيض بالإمالة, فصح قول من يصف الأيَّام الثّلاثة بالبيض بهذا التقرير (¬153). قال (ع): هذا كلام واه وتصرف غير موجه لأنّ قوله: لأنّ اليوم الكامل هو النهار بليلته غير صحيح لأنّ اليوم الكامل في اللُّغة عبارة عن طلوع الشّمس إِلى غروبها، وفي الشروع من طلوع الفجر الصادق وليس لليلة دخل في حد النهار. قوله: نهارها أبيض يقتضي أن بياض نهار الأيَّام من بياض اللَّيلة وليس كذلك، لأنّ بياض الأيَّام كلها بالذات، وأيام الشهر كلها بيض، فسقط قوله: وليس في الشهر يوم أبيض كله إِلَّا هذه الأيَّام، وهل يقال ليوم من أيّام الشهر غير أيّام البيض، هذا يوم بياضه غير كامل، أو يقال: هذا كله ليس بأبيض، أو يقال بعضه أبيض فبطل قوله: فيصح قوله الأيَّام البيض على الوصف (¬154). ¬

_ (¬153) فتح البارى (4/ 226). (¬154) عمدة القاري (11/ 95).

341 - باب من زار قوما فلم يفطر

341 - باب من زار قومًا فلم يفطر قوله في حديث أم سليم: إنَّ لي خويصة قال: ما هي, قالت: خادمك أنس. قال (ح): هو عطف بيان أو بدل, والخبر محذوف (¬155). قال (ع): توجيه الكلام أن يقول خادمك مرفوع على أنّه خبر مبتدأ محذوف وتقديره: وهو خادمك, يعني هذه الخويصة خادمك (¬156). ¬

_ (¬155) فتح الباري (4/ 228). (¬156) عمدة القاري (11/ 99).

342 - باب الصوم آخر الشهر

342 - باب الصوم آخر الشهر قال (ع) في آخر الكلام على حديث عمران بعد أن أغار على أكثر كلام الفتح: لم أر أحدًا من شراح البخاريّ ولا من شراح مسلم حرر هذا الموضع كما ينبغي، ولا سيما من يدعى في هذا الفن بدعوى عريضة بمقدمات ليس لها نتيجة. قلت: من نظر ما أغار (ع) عليه وأفرد ما زاده بالتأمل فيه عرف أنّه يتبجح بما من شأنّه أن يؤمر بستره لظهور بعده عن الصواب (¬157). ¬

_ (¬157) انظر فتح الباري (4/ 230 - 232) وقارنه بعمدة القاري (11/ 102).

343 - باب صوم يوم الجمعة وإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر

343 - باب صوم يوم الجمعة وإذا أصبح صائمًا يوم الجمعة فعليه أن يفطر يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده. قال (ح): هذا الكلام وهو قوله: يعني ... الخ يشبه أن يكون من كلام الفربري أو من دونه، فإنّه لم يقع في رواية النسفي عن البخاريّ ويبعد أن يعبر البخاريّ عن كلام نفسه بلفظ يعني، بل كان يعبر بقوله: أعني أو يستغني عن ذكرها (¬158). قال (ع): الظّاهر أنّها من البخاريّ ويكون كأنّه جعل هذا لغيره بطريق التجريد، قال: وهذا موضع دقيق (¬159). كذا قال وليس فيه ما يدفع كلام (ح) فإن الاستبعاد لا يستلزم وجود التوجيه الواهي كهذا. قوله - صلّى الله عليه وسلم -[نهى] عن صوم يوم الجمعة. قال (ح): استدل به من لم يكره صوم يوم الجمعة بحديث ابن مسعود كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام، وقلما كان يفطر يوم الجمعة أخرجه التّرمذيّ وغيره ولا حجة فيه لاحتمال أنّه كان يتعهد فطره إذا وقع في الأيَّام الّتي كان يصومها (¬160). ¬

_ (¬158) فتح البارى (4/ 232). (¬159) عمدة القاري (11/ 103). (¬160) فتح الباري (4/ 234).

قال (ع): العجب من هذا القائل يترك ما دل عليه ظاهر الحديث ويدفع حجته بالاحتمال الناشئ من غير دليل الذي لا يعتبر به ولا يعمل به وهذا كله عسف ومكابرة (¬161). قلت: رمتني بدائها وانسلت، لو لم يردّ صريح النّهي ما احتيج إلى هذا الاحتمال، فطريق الجمع بين الخبرين اللذين ظاهرهما التعارض اقتضى ذلك فلا عسف ولا مكابرة إِلَّا مع رد الحديث المخرج في الصحيحين مع صراحته بالحديث المحسَّن مع وجوه الاحتمال فيه. ¬

_ (¬161) عمدة القاري (11/ 105).

344 - باب صوم يوم النحر

344 - باب صوم يوم النَّحر ذكر فيه حديث أبي سعيد في النّهي عن صوم الفطر والنحر. (ح): استدل به على جواز صيام أيّام التّشريق للاقتصار على ذكر يوم النَّحر وسيأتي البحث فيه (¬162). قال (ع): لا حاجة إلى هذا الاستدلال لأنّ الأصل الجواز في الأيَّام كلها, لكن جاء النّهي عن صوم أيّام التّشريق أيضًا (¬163). قلت: انظروا إلى هذا الاعتراض. ¬

_ (¬162) فتح البارى (4/ 242) ولفظ الفتح للاقتصار على ذكر يومي الفطر والنحر خاصّة. (¬163) عمدة القاري (11/ 112).

345 - باب صوم يوم عاشوراء

345 - باب صوم يوم عاشوراء وقوله: يعده اليهود عيدًا. قال (ح): في رواية لمسلم: كان أهل خيبر يصومون عاشوراء ويتخذونه عيدًا، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم وهو بالمعجمة، ومعناه هيئتهم الحسنة (¬164). قال (ع): هذا التفسير خطأ فاحش والصّحيح ما قال ابن الأثير: إنَّ الشارة اللباس الحسن، وقول (ح) الهيئة الحسنة إنّما هو تفسير للشورة بضم الشين، والذي هنا يلبسون نساءهم الشارة هو يقتضي الملبس، والملبس لا يكون الهيئة، وإنّما يكون اللباس لمن له أدنى تمييز يذوق هذا (¬165). ¬

_ (¬164) فتح الباري (4/ 248 - 249). (¬165) عمدة القاري (11/ 123). قال البوصيرى (ص 241). إنَّ المحاكمة تتوقف نتيجها على معرفة الهيأة والشارة والشورة في اللُّغة. قال في القاموس مع التاج: والشورة والشارة والشور بالفتح في الكل والشيار ككتاب والشوار كسحاب: الحسن والجمال والهيأة واللباس والزينة. وقال أيضًا: الهيأة حال الشيء وكيفيته، والهيأة للمتهيئ في ملبسه ونحوه، ورجل هيئ وهييء ككيس وظريف: حسنها من كلّ شيء. وهذه المعاني كلها ممّا يصح أن يحمل على الشارة على جهة الحقيقة، كما يصح أن يحمل على مثل الزينة مجازًا الذي هو ربما كان أولى من العكس، إذ قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} أي لباسكم إذا أردنا بالزينة اللباس، لأنّه سببها، ويحوز أن يكون المجاز في الفعل بإشرابه معنى التحسين، وبه تعلم الجواب عن =

346 - باب صلاة التراويح

قلت: قال الجوهري في الصحاح: رجل حسن الصورة والشورة، وإنه لَصَيِّرٌ شَيِّرٌ أي حسن الصورة والشارة وهي الهيئة. 346 - باب صلاة التراويح قوله: يقول لرمضان. قال (ح): اللام بمعنى عن أي يقول عن رمضان لقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} (¬166). قال (ع): هذا بعيد بل غير موجه، ويجوز أن تكون اللام بمعنى في قوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي في يوم القيامة, أو بمعنى لأجل, أو بمعنى عند (¬167). قلت: لم يبين وجه عدم التوجيه مع ظهور الإحتمال. ¬

_ = قوله: والملبس لا يكون هيأة، وباب المجاز في العربيّة أكثر من باب الحقيقة وأوسع، فالعيني كثيرًا ما يقول في ابن حجر: هذا كلام من لم يشم رائحة العلم، وليس بصحيح عربيّة وبلاغة أن يوجد في العلوم صفة المشمومية، ثمّ انظر ما قيل في سدرة المنتهى عند قوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} وفي شروح حديث المعراج يظهر لك ما يظهر. وبعد فإن في عبارة ابن الأثير الّتي نقلها الشارة وهي الهيأة، وقد علمت مجازية إلباس الهيأة نساءهم والله أعلم. (¬166) فتح الباري (4/ 251). (¬167) عمدة القاري (11/ 124).

347 - باب فضل ليلة القدر

347 - باب فضل ليلة القدر قوله: قال ابن عيينة: ما كان في القرآن ما أدراك ... الخ [قال] (ح): بعد أن ذكر أن ابن أبي عمر أخرجه في كتاب الإيمان له عن ابن عيينة بنحوه: قرأت بخط مغلطاي أن الأثر المذكور في تفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرّحمن، وقد راجعت نسخة من هذا التفسير بخط الحافظ الضياء فلم أجده فيه، وكأنّه لما رآه يتعلّق بالتفسير، وقد سمع ابن عيينة التفسير وحمله عن سعيد المذكور فوهم أنّه فيه (¬168). قال (ع): هذه العبارة إساءة الأدب، لا يخفى ذلك على المصنف، وعدم وجدانه لا يستلزم عدمه بخطه [بخط غيره] (¬169). قلت: انظر وتعجب. ¬

_ (¬168) فتح الباري (4/ 255) وانظر تغليق التعليق (3/ 204 - 205). (¬169) عمدة القاري (11/ 130).

348 - باب التماس ليلة القدر

348 - باب التماس ليلة القدر أن رجالًا أُروا ليلة القدر في السبع الأواخر. قال (ح): أي قيل لهم أنها في السبع الأواخر (¬170). قال (ع): هذا التفسير ليس بصحيح، بل تفسيره أن ناسًا أروهم إياها (¬171). ¬

_ (¬170) فتح البارى (4/ 256). (¬171) عمدة القاري (11/ 131).

349 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ظلل عليه في حديث جابر فرآني زحاما ورجلا قد ظلل عليه

349 - باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لمن ظلل عليه في حديث جابر فرآني زحامًا ورجلًا قد ظلل عليه قال (ح): زعم مغلطاي أنّه أبو إسرائيل وعزى ذلك لمبهمات الخطيب ولم يقل الخطيب ذلك في هذه القصة ... إلى آخر كلامه، وقال فيه وفي مسند أحمد ما يشعر بأنّه غيره (¬172). قال (ع): هذا مجرد تشنيع عليه مع ترك مجلس الأدب في ذكر تصريح اسمه (¬173). ¬

_ (¬172) فتح البارى (4/ 256). (¬173) عمدة القاري (11/ 131).

350 - باب من أفطر في السفر

350 - باب من أفطر في السَّفر قوله في حديث ابن عبّاس: ثمّ دعى بماء فرفعه في يده. قال (ح): كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاريّ، وهو مشكل، لأنّ الرفع إنّما يكون باليد، وقد وقع عند أبي داود عن مسدد عن أبي عوانه بسند البخاريّ فيه بلفظ: فرفعه إلى فيه، وهذا أوضح ولعلّ الكلمة تصحف (¬174). قال (ع): لا إشكال ههنا ولا تصحيف، وذلك أن المراد من الرفع ههنا هو أن يرفعه حد أطول حتّى يعلو طول يده ليراه النَّاس، وليس المراد مجرد الرفع باليد من الأرض أو من يد الآخر لأنّ مجرد الرفع لا يراه النَّاس (¬175). ¬

_ (¬174) فتح الباري (4/ 187). (¬175) عمدة القاري (11/ 50). واختار البوصري (ص-233 - 234) أن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - دعا بالماء فرفع إليه فالرافع هو الغير ونسب إليه مجازًا، فخالف بذلك الحافظ ابن حجر والعلّامة العيني.

351 - باب متى يقضي قضاء رمضان

351 - باب متى يقضي قضاء رمضان قوله: حدّثنا زهير حدّثنا يحيي عن أبي سلمة. قال (ح): وهم الكرماني تبعًا لابن التين، فزعم أن يحيى هذا هو ابن أبي كثير، وغفل عما أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاريّ فيه فقال: عن زهير عن يحيى بن سعيد (¬176). قال (ع): هو أيضًا غفل فإن لقائل أن يقول: يحتمل أن يكون يحيى ابن سعيد كما قاله الضياء ونقله عن مغلطاي (¬177). قلت: وهم مغلطاي في نقله عن الضياء، وإنّما قال: الضياء هو يحيي بن سعيد ردًا على من قال: إنّه يحيي بن أبي كثير، ولم ينسبه الضياء إلى القطان، ومراده الأنصاري، فإن القطان لم يدرك أبا سلمة، وهو عند النسائي عن عمرو بن علي عن القطان عن يحيي بن سعيد الأنصاري، وإنّما رواه عن يحيي بن سعيد الأنصاري مشاركًا لزهير في روايته عنه (¬178). ¬

_ (¬176) فتح الباري (4/ 190). (¬177) عمدة القاري (11/ 55). (¬178) والحديث عند النسائي (4/ 191).

352 - باب الحائض تترك الصوم والصلاة

352 - باب الحائض تترك الصوم والصلاة قال (ح): تقدّم في كتاب الحيض سؤال معاذة عائشة عن الفرق بين قضاء الحائض الصوم دون الصّلاة، وأنكرت عليها عائشة السؤال وحسبت أن تكون تلقته من الخوارج ... الخ (¬179). قال (ع): غلط هذا القائل في قوله: سؤال معاذة من عائشة، وإنّما السائلة امرأة حدثت معاذة أنّها قالت لعائشة: فالسؤال والجواب إنّما كانا بين تلك المرأة وعائشة، ولم تكن بين معاذة وعائشة (¬180). قلت: السائلة هي وقع التصريح به في صحيح مسلم وكنت عن نفسها في رواية البخاريّ، ووقع بيان ذلك في شرح الحديث في الحيض، كما قال (ح) فأقدم على الرد بغير مراجعة، وجزم بالتغليط فظهر أنّه هو الغالط, فإن الذي إلى سبقه ما مشى على الصواب. ¬

_ (¬179) فتح الباري (4/ 192): (¬180) عمدة القاري (11/ 57).

353 - باب من مات وعليه صوم

353 - باب من مات وعليه صوم ويذكر عن أبي خالد .... الخ. قال (ح): جمع أبو خالد بين شيوخ الأعمش الثّلاثة فحدث به عنه عنهم عن شيوخ ثلاثة، وظاهره أنّه عند كلّ منهم عن كلّ منهم، ويحتمل أن يكون أراد اللف والنشر بغير ترتيب، لما دلت رواية غيره عليه، فشيخ الحكم عطاء، وشيخ البطين سعيد، وشيخ سلمة مجاهد (¬181). قال (ع): قال الكرماني: المتبادر إلى الذهن رواية الكل عن الكل، ويحتمل أن يكون على سبيل التوزيع بأن يروي بعض عن بعض. قال (ع): وحق الكلام الذي تقتضيه العبارة ما قال الكرماني (¬182). قلت: لو لم يكن في هذه الاعتراضات إِلَّا هذا الفصل لقضى الناظر الفطن من هذا المعترض العجب والله المحمود على ما فتح لا إله إِلَّا هو. ¬

_ (¬181) فتح الباري (4/ 195). (¬182) عمدة القاري (11/ 63).

354 - باب يفطر بما تيسر له بالماء وغيره

354 - باب يفطر بما تيسر له بالماء وغيره حدّثنا مسدد حدّثنا عبد الواحد حدّثنا الشيباني سمعت عبد الله بن أبي أوفى سرنا مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وهو صائم، فلما غربت قال: انزل، فأخرج لنا الحديث إلى أن قال: فنزل فجدع لنا ثمّ قال: إذا رأيتم ... الخ. قال (ح): رواه أبو داود عن مسدد شيخ البخاريّ فيه فقال: يا بلال أنزل ... الخ. ووقع عند الإسماعيلي وغيره: يا فلان بفاء ونون بدل الموحدتين. ووقع عند ابن خزيمة من حديث عمر ما يؤخذ منه أن الذي نزل عمر فلعلّ من قال: بلال تصحيف من فلان (¬183). قال (ع): ما نصه بحروفه، قوله: فنزل، أي عبد الله بن أبي أوفى، وقوله فجدح لنا كلام أنس، وقوله: ثمّ قال، أي النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. انتهى (¬184). قلت: لا ذكر لأنس في هذا الحديث أصلًا، وقائل يقول هو عبد الله بن أبي أوفى وهو ظاهر من سياقه جدًا ولم يسم النازل. ¬

_ (¬183) فتح الباري (4/ 198). (¬184) عمدة القاري (11/ 66).

من كتاب البيوع

من كتاب البيوع قوله في: 355 - باب التجارة في البحر والفلك السفن الواحد والجمع سواء قال (ح): وقيل: إنَّ الفلك بالضم والسكون فُلك مثل أَسد وأُسد (¬185). قال (ع): هذا القول غير صحيح، وإنّما الذي يقال: يقال: إن ضمة فاء فلك إذا قوبلت بهمزة أسد الذي هو جمع يقال جمع، وإذا قوبلت بضمة قاف قفلٍ يكون مفردًا (¬186). ¬

_ (¬185) فتح الباري (4/ 299). (¬186) عمدة القاري (11/ 178).

356 - باب من أحب البسط في الرزق

356 - باب من أحب البسط في الرزق حدّثنا محمّد بن أبي يعقوب الكرماني. قال الكرماني الشارح: كرمان بكسر الراء وضبطها النووي بفتحها وهي بلدنا، وأهل البلد أعلم باسم بلدهم، وهم متفقون على كسرها. قال (ح): سلف النووي في ذلك أبو سعد بن السمعاني وهو أقدم وأعلم، الصواب أنّها في الأصل بالفتح لكن استعملت بالكسر تغييرًا من العامة فاستمر ذلك (¬187). قال (ع): هذه البلد ضبطت بالوجهين والأصوب ما قال الكرماني لأنّه ادعى اتفاق أهل بلده على الكسر (¬188). ¬

_ (¬187) فتح الباري (4/ 301). (¬188) عمدة القاري (11/ 180 - 181).

357 - باب شراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسيئة

357 - باب شراء النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بالنسيئة قوله في حديث أنس: ولقد سمعته يقول. قال (ح): هو كلام أنس، والضمير في سمعته للنَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -، أي قال ذلك لما رهن الدرع مظهرًا للسبب في شرائه إلى أجل، وذهل من زعم أنّه كلام قتادة، وجعل الضمير لأنس، لأنّه أخرج السياق عن ظاهره بغير دليل (¬189). قال (ع): قائل ذلك الكرماني وكلامه أوجه، لأنّ في نسبة ذلك إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - نوع إظهار شكوى الفاقة، وليس ذلك يظهر في حقه - صلّى الله عليه وسلم - (¬190) قلت: إذا قاله - صلّى الله عليه وسلم - تواضعًا وتفرقًا لخادمه عن السبب في ذلك لا يستلزم الشكوى، وما لا يصح أن ينسب إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال في حق نفسه لا يصح أن ينسب إلى أنس أنّه قال في حق النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬189) فتح الباري (4/ 302). (¬190) عمدة القاري (11/ 184).

358 - باب السهولة والسماحة في البيع

358 - باب السهولة والسماحة في البيع قال (ح): السهولة والسماحة متقاربان في المعني، فعطف أحدهما على الآخر على طريق التأكيد (¬191). قال (ع): قد عرف أنّهما متغايران في أصل الوضع، فلا يصح أن يكون من التأكيد اللفظي، فإن التأكيد اللفظي أن يكون الموكِّد والموكَّد لفظًا واحدًا من مادة واحدة (¬192). ¬

_ (¬191) فتح البارى (4/ 307). (¬192) عمدة القاري (11/ 188).

359 - باب من انظر موسرا

359 - باب من أنظر موسرًا ذكر فيه حديث حذيفة في قصة الرَّجل الذي قال: كنت آمر فتياني أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر. قال (ح): هكذا وقع في رواية أبي ذر والنسفى عطف التجاوز على الانظار للموسر، ووقع لغيرهما أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر وهو الموجود في صحيح مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاريّ فيه، فعلى هذا لا يطابق الحديث التّرجمة، لكن لعلّ هذا هو السر في إيراد التعاليق الّتي في بعضها المطابقة ظاهرة (¬193). قال (ع): الأصل في المطابقة إنّما هو بين الحديث والتراجمة المسند، ولم يقل المطابقة هنا إِلَّا على رواية أبي ذر النسفي (¬194). قلت.: لقد استراح هذا المعترض من حيث تعب غيره. ¬

_ (¬193) فتح الباري (4/ 308) (¬194) عمدة القاري (11/ 189 - 190).

360 - باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل ... الخ

360 - باب النّهي للبائع أن لا يحفل الإبل ... الخ ذكر حديث المصراة. قال (ح): قالت الحنفية: هو خبر واحد لا يفيد إِلَّا الظن مخالف لقياس الأصول المقطوع به، فلا يلزم العمل به. والجواب أن المحذور مخالفة الأصول وهي الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس، والأولان هما في أصل الحنفية للآخرين لأنّهما يرجعان إليها، فالقياس فرع عن الكتاب والسُّنَّة، ومستند الإجماع الكتاب والسُّنَّة، فالحديث أصل برأسه، فلا يقال: إنَّ الأصل يخالف نفسه، وإن خالف فرعه فكيف يردّ الأصل بالفرع. ثمّ نقل عن ابن السمعاني أن الخبر إذا ثبت فهو أصل من الأصول، ولا يحتاج إلى عرضه على أصل آخر (¬195). قال (ع): لم تقل الحنفية ما نقله عنهم، وإِنما قالوا: القياس أصل من الأصول. ثمّ ساق ما اعتذروا به، وأطال فيه، ولم يخلص من عهده هذا الإيراد (¬196). ¬

_ (¬195) فتح الباري (4/ 366). (¬196) عمدة القاري (11/ 273).

وقوله: وليرد معها. قال (ح): يجوز أن تكون (مع) بمعنى بعد، كقوله: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ} (¬197). قال (ع): ما رأيت في كتب القوم ما يدلُّ على أن (مع) ترد بمعنى بعد (¬198). ¬

_ (¬197) فتح الباري (4/ 368). (¬198) عمدة القاري (11/ 275).

361 - باب الييع والشراء مع النساء

361 - باب البيع والشراء مع النساء ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة. قال (ح): تؤخذ مناسبة التّرجمة من أن قصة البائعة -وان كانت مع الرجال- الّتي أرادت الشراء عائشة (¬199). قال (ع): هذا بعيد والأقرب أنّه يؤخذ من خطبته لعائشة: "اشْتَرِي وَأَعْتِقِي" (¬200). ¬

_ (¬199) فتح البارى (4/ 370). (¬200) عمدة القاري (11/ 280).

362 - باب هل يبيع حاضر لباد

362 - باب هل يبيع حاضر لباد قال (ح): جمع بين قول عطاء: لا يصح بيع الحاضر للبادي مع ترخيصه فيه بأن يحمل قوله: لا يصلح على كراهة التنزيه (¬201). قال (ع): الأوجه أن يحمل ترخيصه فيما إِذا كان بلا أجر ومنعه فيما إذا كان بأجر (¬202). قال (ح): أخذ بقول مجاهد في الرُّخصة الحنفية تمسكوا بعموم قوله: "الدينُ النَّصِيحَةُ" وادعوا أنّه نسخ النّهي، وحمل الجمهور حديث النصيحة على العموم إِلَّا في بيع الحاضر للبادي, فهو خاص، والخاص يقتضي على العام، سواء تقدّم أم تأخر، والنسخ لا يثبت بالاحتمال (¬203). قال (ع) كيف يقول هو على عمومه ثمّ يقول هو خاص (¬204). وأطال في هذا. قلت: وكأنّه فهم أن قوله: خاص حديث النصيحة, وليس كذلك، وإنّما وصف بالعموم حديث النصيحة، ووصف بالخصوص النهي عن بيع الحاضر للبادي. ¬

_ (¬201) فتح الباري (4/ 371). (¬202) عمدة القاري (11/ 281). (¬203) فتح الباري (4/ 371). (¬204) عمدة القاري (11/ 281).

363 - باب النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود لأن صاحبه آثم كان عالما فهو خداع في البيع والخداع لا يجوز

363 - باب النّهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود لأنّ صاحبه آثم كان عالمًا فهو خداع في البيع والخداع لا يجوز قال (ح): لا يلزم من كونه خداعًا أن يكون البيع مردودًا لأنّ النهي لا يرجع إلى نفس العقد ولا يخل بشيء من أركانه وشرائطه وإنّما هو لدفع الضرر بالركبان (¬205). قال (ع): هذا قول الحنفية، فالعجب من الشّافعيّة أنّهم يقولون: النّهي يقتضي الفساد، ثمّ يذهبون إلى ما قالته الحنفية (¬206). ثمّ قال (ح): ويمكن حمل قوله مردود على ما اختار البائع رده (¬207). قال (ع): ورد هذا الحمل ما أكد البخاريّ به قوله لأنّه عاص ... الخ. فإنّه ما بقي عليه إِلَّا أن يخرجه عن الإيمان وقد عارضه الإسماعيلي بأجوبة ولم يتعرض لهذا الاحتمال (¬208). ¬

_ (¬205) فتح البارى (4/ 374). (¬206) عمدة القاري (11/ 285). (¬207) فتح الباري (4/ 374). (¬208) عمدة القاري (11/ 285).

364 - باب منتهى التلقي

364 - باب منتهى التلقي قال البخاريّ: هو أعلى السوق. قال البخاريّ: فيه حديث عبد الله من عمر. قال (ح): الضمير في يبينه لرواية جويرية بلفظ: كنا نتلقي الركبان، وأراد البخاريّ بذلك الرد على من استدل به على جواز تلقي الركبان، إذ لا دلالة فيه لتقييده بأعلى السوق، فدل على أن المتلقي الذي أذن فيه ما بلغ السوق. (¬209). قال (ع): لم يورد البخاريّ هذا الحدث لما ذكره لأنّه لو أراد ذلك لترجم له (¬210) ¬

_ (¬209) فتح الباري (4/ 376). (¬210) عمدة القاري (11/ 287).

365 - باب الذهب بالذهب والطعام بالطعام

365 - باب الذهب بالذهب (¬211) والطعام بالطعام ذكر فيه حديث مالك عن نافع عن ابن عمر في النّهي عن المزابنة. قال الإسماعيلي: ليس فيه ما ذكره. وأجاب (ح) بأنّه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه وهو في رواية الليث عن نافع كما سيأتي (¬212). قال (ح): هذا الذي قاله لا يساعد البخاريّ (¬213). ¬

_ (¬211) في النسخ هو هكذا، والذي في صحيح البخاريّ باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام، وهو الصواب. (¬212) فتح الباري (4/ 377). (¬213) عمدة القاري (11/ 290).

366 - باب بيع الفضة بالفضة

366 - باب بيع الفضة بالفضة ذكر فيه حديث سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر: أن أبا سعيد حدثه مثل ذلك حديثًا عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ولقيه عبد الله من عمر فقال: يا أبا سعيد ما هذا الذي تحدث .. الخ. قال (ح) كذا ساقه وفيه اختصار وتقديم وتأخير، وقد أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن يعقوب بن إبراهيم شيخ شيخ البخاريّ فيه بلفظ أن أبا سعيد حدثه حديثًا مثل حديث عمر عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يقول: فذكره فظهر بهذه الرِّواية معنى (¬214). ¬

_ (¬214) وتمام كلام الحافظ في الفتح (4/ 380) قوله: "مثل ذلك" أي مثل حديث عمر. وقال العيني في عمده القاري (11/ 294) حديث عمر الذى ذكره مضى في باب ما يذكر في بيع الطّعام، والذي قاله الكرماني أقرب، لأنّه مذكور في الباب الذي قبله, وليس بينهما باب آخر, وسيأتي في الباب (379) أيضًا. ويقصد العيني يقول الكرماني قوله أي مثل حديث أبي بكرة في وجوب المساواة.

367 - باب ما قيل في اللحام والجزار

367 - باب ما قيل في اللحام والجزار قال (ح): [كذا] وقع هنا عند الأكثر، ووقع عند ابن السكن بعد خمسة أبواب وهو أليق لتتوالى تراجم الصناعات (¬215). قال (ع): توالي التراجم إنّما هو أمر مهم، والبخاري لا يتوقف غالبًا في رواية التناسب بين الأبواب (¬216). قلت: خالف (ع) ذلك في أوائل الكتاب، وادعى أنّه يظهر تناسب أبواب كتاب العلم مثلًا، وتكلف من ذلك ما سبق. ¬

_ (¬215) فتح الباري (4/ 312). (¬216) عمدة القاري (11/ 197).

368 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا ...} الآية

368 - باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ...} الآية ذكر فيه حديث أبي هريرة: "لَيَأْتَينَّ عَلى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبالِي اْلَمْرءُ بِمَا أَخَذَ اْلمَالَ ... " الحديث. قال (ح): تقدّم هذا الحديث قريبًا، ولعلّ البخاريّ أشار بالترجمة إلى ما أخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: "يَأْتِي عَلى النَّاس زَمَانٌ يَاكُلُونَ الرَّبَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أصَاَبَهُ غُبَارُهُ" (¬217). قال (ع): هذا عجيب والترجمة هي الآية، فكيف يشير بها إلى حديث أبي هريرة (¬218). ¬

_ (¬217) فتح الباري (4/ 313). (¬218) عمدة القاري (11/ 199).

369 - باب [ذكر] القين والحداد

369 - باب [ذكر] القين والحداد قوله في حديث خباب: كنت قينًا. قال (ح): ذكر ابن دريد أن الْقَيْنُ في الأصل الحداد، ثمّ أطلق على كلّ صائغ، وكأن البخاريّ اعتمد القول الصائر إلى التغاير، وليس في الحديث سوي لفظ القين، وكأنّه ألحق به الحداد في الحكم (¬219). قال (ع): عطف الحداد على القين عطف تفسيري، فلا حاجة إلى هذا التكلف (¬220). ¬

_ (¬219) فتح الباري (4/ 318). (¬220) عمدة القاري (11/ 208).

370 - باب العطار وبيع المسك

370 - باب العطار وبيع المسك ذكر حديث أبي موسى: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِب المِسْكِ". قال (ح): ليس في حديث الباب سوى ذكر المسك، وكأنّه الحق العطار به لاشتراكهما في الرائحة الطيبة (¬221). قال (ع): صاحب المسك أعم من أن يكون مالكه أو بائعه، لكن القرائن الخارجية تدخل على أن المراد منه بائعه. انتهى (¬222). وهذا ذكره (ح) فحذفه (ع) وادعاه وأورده مورد الاستدراك عليه. ¬

_ (¬221) فتح الباري (4/ 324). (¬222) عمدة القاري (11/ 220). وقال البوصرى (ص 241): إن الحديث الشريف مبني في جزءيه على المجاز، واقتدى فيه في التّرجمة، والشيخان اختلفا في طريق المجاز، فكل تبع طريقًا مطروقًا، والمعنى المراد على الجميع ظاهر، فارتفعت المحاكمة حينئذ بطبيعتها. قلت: لكن بقي أن العلّامة العيني لم يذكر ما قاله الحافظ بقوله في تفسير "كحامل المسك" وهم أعم من أن يكون صاحبه أو لا. كما قال الحافظ وأروده مورد الاستدراك.

371 - باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء

371 - باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء قال (ع): ما حاصله أن النمرقة الّتي فيها التصاوير يمتنع استعمالها للرجال والنساء معًا، وإن كان حديث عمر يخص المنع فيه بالرجال، قال: وهذا الموضع تعسف فيه الشراح والذي ذكرته فتح من الأنوار الإلهية والفيوض الربانية. انتهى. ولم يزد على ما قرره (ح) شيئًا بل أغار عليه وغير بعض العبارة، ثمّ زعم أنّه فتح عليه، فهو نظير من أصبح مفلسًا فوجد دينارًا لغيره، فاستلبه بغير رضاه، ووسع به على عياله، وقال لهم: فتح عليَّ اليوم (¬223). ¬

_ (¬223) انظر: فتح الباري (4/ 325) وعمدة القاري (11/ 223).

372 - باب صاحب السلعة أحق بالسوم

372 - باب صاحب السلعة أحق بالسَّوْمِ قال ابن بطّال: لا خلاف بين العلماء في هذا الحكم. قال (ح): ليس ذلك بواجب (¬224). قال (ع): ولا يفهم من قوله: "أحق" الوجوب (¬225) قلت: ولا عدمه فيتعين ذكر بيان الحكم. ¬

_ (¬224) فتح. الباري (4/ 326). (¬225) عمدة القاري (11/ 225).

373 - باب ما يكره من الخداع في البيع

373 - باب ما يكره من الخداع في البيع قال (ح) في التعقب على ابن حزم في قوله: يتعين لفظ لا خيانة ولا يجزئ بدلها لا غش ولا خديعة ولا غير ذلك ممّا يؤدِّي معناه، ومن أسهل ما يردّ عليه أن الصحابي الذي أمر بذلك كان يقول: لا خيانة ولا خذابة بالتحتانية وبالذل المعجمة بدلها، ومع ذلك يشهدون له بأن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - جعله بالخيار (¬226). قال (ع): هذا عجيب كيف يكون هذا سهل وهو يقول به عند العجم وكلامه هو عند القدرة (¬227). قلت: لم يفهم مراد المورد فاعترض. ¬

_ (¬226) فتح الباري (4/ 338). (¬227) عمدة القاري (11/ 234).

374 - باب ما ذكر في الأسواق

قوله: 374 - باب ما ذكر في الأسواق قوله: وفيهم أسواقهم. عند أبي نعيم: أشرافهم بمعجمه وراء. وعند الإسماعيلي: وفيهم سواهم، أي غيرهم. وقال: وقع عند البخاريّ أسواقهم وأظنه تعجيبًا فإن الكلام في الخسف بالناس لا بالأسواق. وقال (ح): بل لفظ سواهم تصحيف، فإن بمعنى قوله: ومن ليس منهم فيلزم التكرار والأولى عدمه (¬228). قال (ع): لا نسلم أن سواهم تصحيف لا يوجهه (¬229). قلت: إنّما المراد من جهة صحة الروإية. قوله: "يُبْعَثُونَ عَلى نِيَّاتِهِمْ". قال (ح): استدل به على عقوبة من يوجد مع شَرَبَةُ الخمر وإن لم يشرب، وفيه نظر, لأنّ العقوبة في الحديث سماوية فلا يقاس عليها (¬230). قال (ع): العقوبات الشرعية أيضًا سماوية (¬231). ¬

_ (¬228) فتح الباري (4/ 340). (¬229) عمدة القاري (11/ 236). (¬230) فتح الباري (4/ 341). (¬231) عمدة القاري (11/ 237)

قوله: عن أنس كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بالسوق ... الحديث، ثمّ حدثته دعاء رجل يالبقيع ... الحديث. قال ابن التين: ليس في هذه الرِّواية للسوق ذكر. فأجاب (ح): فائدة إيراد الطريق الثّانية بيان المراد بأن السوق الّتي في الطريق الأولى هي الّتي كانت يالبقيع (¬232). قال (ع): هذا يحتاج لدليل (¬233). قلت: كون الخروج واحدًا فإن كلًا من الطريقين رواية حميد عن أنس، ومن يخفى عليه مثل هذا مع وضوحه هل ينبغي أن يعترض. ¬

_ (¬232) فتح الباري (4/ 341). (¬233) عمدة القاري (11/ 239).

375 - باب ما يستحب من الكيل

375 - باب ما يستحب من الكيل ذكر فيه حديث المقدام: "كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَاركْ لَكُمْ فِيهِ". قال (ح): الذي يظهر لي في جواز ما اعترض به المهلب أنّه يعارضه حديث عائشة: كان عندي شطر شعير فأكلت منه حتّى طال عليَّ. وكان يعني أن يقال حديث المقدام: فمن شري فليكيل فإن البركة تحصل له بامتثال أمر الشارع. وحديث عائشة: فيمن كال الشيء على وجه الاختبار، ثمّ ذكر جواب المحب الطّبريّ (¬234). قال (ع): هذا الذي قاله أنّه ظاهر ليس بظاهر، كيف يقول في الشيء الذي هو واجب مستحب (¬235). قلت: انظر وتنزه. ¬

_ (¬234) فتح الباري (4/ 346). (¬235) عمدة القاري (11/ 247).

376 - باب بركه صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومده

376 - باب بركه صاع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ومده وقع في رواية النسفي: ومدهم، وهذا لأبي ذر عن المستملي والسرخسي وفي رواية الإسماعيلي وأبو نعيم. قال (ح): في التّرجمة حذفت، والتقدير بركة صاع أهل مدينة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ومدهم (¬236). قال (ع): هذا التعسف لأجل عود الضمير غير موجه ولا مقبول، لأنّ التّرجمة في بيان بركة صاع النّبيّ على الخصوص، ولا بيان صاع أهل المدينة مع اختلاف صيعانهم (¬237). قلت: المراد بصاعهم ما قدروه على صاع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - خاصّة. وقد قال (ع) بعد قليل: وجه الضمير في مدهم أن يعود إلى أهل المدينة، وان لم يمض ذكرهم، لأنّهم اصطلحوا على الصاع والمد كما اصطلح أهل الشّام على المكوك انتهى (¬238). فوقع في التعسف الذي عابه. ¬

_ (¬236) فتح الباري (4/ 347). (¬237) عمدة القاري (11/ 247). (¬238) عمدة القاري (11/ 248).

377 - باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة

377 - باب ما يذكر في بيع الطّعام والحكرة ذكر فيه حديث ابن عمر: رأيت الذين يشترون الطّعام مجازفة ... الحديث. وحديث ابن عبّاس في النّهي عن بيع الطّعام حتّى يستوفي. وحديث ابن عمر نحوه. وحديث طلحة مع عمر في الصّرف وشرط القبض. قال الإِسماعيلى: ليس في أحاديث الباب ذكر للحكرة. قوله في حديث مالك بن أوس أنّه قال: من عنده صرف؟ فقال طلحة: أنا حتّى تجيء جارتنا مع العانة. قال سفيان: هذا الذي حفظناه عن الزّهريُّ ليس فيه زيادة قال: أخبرنا مالك بن أوس. قال (ع): أشار سفيان إلى القصة المذكورة وأنّه حفظ المتن بغير زيادة وأبعد الكرماني فقال: غرض سفيان تصديق عمرو وأنّه حفظ نظير ما روي (¬239). قال (ع): لم يبعد بل غرضه هذا والإشارة إلى أنه حفظه بن الزهري فقال: أخبرني، فقال الزهري: أخبرني مالك (¬240). كذا قال. ¬

_ (¬239) فتح الباري (4/ 348). (¬240) عمدة القاري (11/ 252).

378 - باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك

378 - باب بيع الطّعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك قال (ح): لم يذكر في حديثي الباب بيع ما ليس عندك، وكأنّه لم يثبت على شرطه، فاستنبطه من النهي عن البيع قبل القبض (¬241). قوله: زاد إسماعيل من ابْتاع طعامًا فلا يدفعه حتّى يقبضه زيادة في المعنى على قوله: حتّى يستوفيه يالكيل بأن يكمله البائع ولا يقبضه المشتري، بل يحبسه لأجل فقد الثّمن (¬242). قال (ع): الأمر فيه بالعكس لأنّه إذا أقبضه بعضه صدق أنّه أقبضه ولا يقال استوفاه (¬243). ¬

_ (¬241) قال العيني في عمده القاري (11/ 253) ويمكن أن يجاب عنه بأنّه استنبط من حديثي الباب أن بيع ما ليس عندك داخل في البيع قبل القبض، ولا حاجة إلى ما قاله بعضهم، فذكر قول الحافظ الذي في الفتح (4/ 349) (¬242) فتح الباري (4/ 350). (¬243) عمدة القاري (11/ 255).

379 - باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم علي سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك

379 - باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتّى يأذن له أو يترك قال (ح): أورد فيه حديث ابن عمر وأبي هريرة بلفظ: "وَأَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ علَى سَوْمِ أخِيهِ" وإلى ما أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر: "لَا يبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْع أَخِيِه حتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ" (¬244). قال (ع): الذي، وقع في الكتاب للإشارة إليه له وجه، وأمّا الإشارة إلى ما ليس في كتابه فوجه بعيد لكونه غير مذكور في كتابه مع أن الاستثناء يختص بالنِّكاح (¬245). كذا قال، وقد أكثر من إنكار الإشارة إلى موضع آخر مطلقًا، والآن فصل بين ما في الكتاب وما ليس في غيره، ثمّ تخصيصه الإستثناء بالنِّكاح لا يردّ عليّ المصنف؛ لأنّه يكون في البيع بالقياس، ولا سيما وقد وقع في رواية النسائي التقييد في البيع أيضًا. قوله: مثل ذلك، إلى مثل حديث عمر الماضي قرييًا في طلحة من عبيد الله. تكلف الكرماني هنا فقال: قوله: مثل ذلك أي مثل حديث أبي بكر في وجوب المساواة، قال: ولوقف على رواية الإسماعيلي لما عدل عنها. ¬

_ (¬244) فتح الباري (4/ 353). (¬245) عمدة القاري (11/ 257).

قال (ع): الذي قاله الكرماني أقرب لأنّه مذكور في الباب الذي قبله. قلت: لكن سياق حديث عمر أشبه بسياق حديث أبي سعيد من سياق أبي بكرة، ويؤخذ من تعبيره بقوله: ذلك، إرادة الإشارة إلى البعيد دون القريب (¬246). ¬

_ (¬246) تقدّم، انظر: التعليق (214) الماضي.

380 - باب بيع المزابنة

380 - باب بيع المزابنة قال (ح): في حديث زيد بن ثابث أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بعد ذلك أي بعد قوله: "وَلَا تَبيِعوُا التَّمْرَ بالتَّمْرِ" في بيع الْعَرِيَّةِ بالرُّطَبِ أَوْ بالتَّمْرِ، ولم يرخص في غيره، هذا من أصرح ما ورد في الرد علي من حمل من الحنفية النهي عن بيع التّمر بالتّمر على عمومه، ومنع أن يكون بيع العرية مستثنى منه، وكذا من زعم منهم، أن بيع العرية منسوخ بالنهي عن بيع التّمر بالتّمر لأنّ المنسوخ لا يكون إِلَّا بعد الناسخ، وهذا قد صرح بأن الأدب في بيع العرية متراخي عن النّهي، وكذا في قوله بيع العرية رد على من زعم منهم أن العرية في الهِبَة خاصّة (¬247). قال (ع): إبقاء النّهي على العموم أولى من إبطال شيء منه، لأنّ العموم ثابث بيقين (¬248)، وقول زيد رخص بعد ذلك، لأنّ معناه أنّه أظهر بعد نهيه عن بيع التّمر أن بيع العرية رخصة، لا أنّه مستثنى من عموم النهي (¬249). قوله في حديث أبي سعيد: والمزابنة اشتراء التّمر بالتّمر في رؤوس النخل. زاد في رواية الإسماعيلي: كيلًا, كذا وقع في حديث ابن عمر الذي قبله. ¬

_ (¬247) فتح الباري (4/ 385). (¬248) عمدة القاري (11/ 299). (¬249) عمدة القاري (11/ 299).

وليس قوله كيلًا قيدًا في هل يشترط وجوده (¬250). قال (ع): لا نسلم ذلك لأنّ الاشتراط إنّما يكون ومعيار الزبيب والتّمر الكيل (¬251). قلت: يصح الشراء في أكثر المشاهد للمتعاقدين إذ أخطأ به معرفة، ولو لم يدخله الكيل ولا الوزن ولا الذرع في الثّوب ولا الأرض. ¬

_ (¬250) فتح الباري. (4/ 386). (¬251) عمدة القاري (11/ 300) وفي المخطوطات الثلاث وقعا بين الزبيب والتّمر الكيل والصّحيح من عمدة القاري.

381 - باب بيع الثمر على رؤوس النخل

381 - باب بيع الثمر على رؤوس النخل قوله: في خمسة أوسق. قال (ح): قال المازري: ذهب ابن المنذر إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق، لوروده في حديث جابر من غير شك يعني فيما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي من حديثه بلفظ: رخص في العرية في الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة، وفي هذا نظر، لأنّه لا وجود له في شيء من كتب ابن المنذر (¬252). قال (ع): ولا يلزم من هذا النفي الرد لما نقله المازري لإمكان إطلاعه على ما لم يطلع عليه (¬253). قلت: لو كان ذلك إطلاع لأبرزت هذ ابن كلام ابن المنذر، وكان يتم لك الاعتراض، وإلا فالمذاهب لا تثبت بالإجماع. ¬

_ (¬252) فتح الباري (4/ 388). (¬253) عمدة القاري (11/ 304).

382 - باب تفسير العرايا

382 - باب تفسير العرايا قوله: وقال موسى من عقبة ... الخ. قال (ح): لعلّ غرضه أنّه مشبه من عروت إذا ترددت لا من العرى، قاله الكرماني (¬254). قال (ع): هذا توجيه بعيد جدًا وليس في كلامه ما يبين غرضه (¬255). ¬

_ (¬254) فتح الباري (4/ 393). (¬255) وأول كلام العيني في عمدة القاري (11/ 307) بعد نقله كلام الكرماني: قلت: وتبعه بعضهم، بل أخذ منه بقوله: لعلّه أراد أن يبين أنّها مشتقة من عروت إلى آخره نحو ما قاله الكرماني.

383 - باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها

383 - باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها قال (ح): هذه الترحمة معقودة لحكم بيع الأصول، والتي بعدها لحكم بيع ثمار النخل (¬256). قال (ع): هذا كلام فاسد، بل كلّ من الترجمتين لبيع الثمار، والأولى لثمار النخل، والثّانية للثمار كلها، لأنّ عين النخل لا تحتاج عند البيع أن تقيد ببدو الصلاح (¬257). كذا قال، وفائدته أنّه ينقسم إلى بيع دون الثمرة أو الثمرة دون النخل أو هما معًا، ففي الأولى لا يتقيد بصلاح الثمر دون الآخر. ¬

_ (¬256) فتح الباري (4/ 397). (¬257) عمدة القاري (6/ 12).

384 - باب من باع نخلا قد أبرت

384 - باب من باع نخلًا قد أبرت ذكر حديث نافع عن ابن عمر: "أيُّمَا نَخْلٍ بيِعَتْ قَدْ أُبِّرَتْ ... " الخ. وهو من هذا الوجه موقوف، ودل فيه وكذلك العبد والحرث (¬258). قال (ع): الحرث هو الزّرع ... إلى أن قال: ولم أر أحدًا من الشراح نبه على شرح هذا الموضع مع دعوى بعضهم الدعاوى العريضة في هذا الفن (¬259). قلت: ذكر ما يتعلّق بذلك مبسوطًا في كتاب الشرب، وذكر هنا ما يتعلّق بالنخل المؤبرة مستوفى نقله (ع) برمته، وزاد ما يتعلّق يالقيد والحرث، والسبب في تأخير (ح) ترجمته هنا أن سياق الحديث هنا لم يصرح فيه برفع الحديث، وصرح به هناك واختلف الرواة في رفع جميعه أو بعضه فاستوفى الكلام على ما يتعلّق بذلك جميعه هناك، فلما لم يره (ع) هنا ظن أنّه أغفله فقال: لم أر، وهو معذور والله المستعان. ¬

_ (¬258) فتح الباري (4/ 402). (¬259) عمدة القاري (12/ 11).

385 - باب بيع الجمار وأكله

385 - باب بيع الجمّار وأكله ذكر حديث ابن عمر: كنت عند النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وهو يأكل الجمار ...... الحديث. قال ابن بطّال: بيع الجمار وأكله من المباحات اتفاقًا، وكل ما انتفع به للأكل جاز بيعه. وقال الكرماني: لعلّ الحديث مختضر ممّا فيه ذلك أو غرضه الإشارة إلى أنّه لم يجد حديثًا على شرطه يدلُّ لذلك، قال (ح): بل للترجمة فائدة وهي دفع موهم المنع من بيعه إذ قد يظن أن فيه إفساد أو إضاعة وليس كذلك (¬260). قال (ع): المقصود من التّرجمة أن يدلّ على شيء في الحديث الذي في الباب، وهذا الذي قاله أجنبى من ذلك وليس بشيء على ما لا يخفى (¬261). كذا قال. ¬

_ (¬260) فتح الباري (4/ 405). (¬261) عمدة القاري (12/ 15).

386 - باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي

386 - باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة الثّلاثة في الغار. قال (ح): طريق الاستدلال به ينبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا والخلاف فيه شهير، ولكن يتقرر هنا بأن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ما ساق الثّناء والمدح على فاعله وأقره على ذلك، فلو كان لا يجوز لبينه فبهذا التقرير يصح الاستدلال بمجرد كونه شرع من قبلنا (¬262). قال (ع): شرع من قبلنا بل سببًا ما لم يقض الشارع الإِنكار عليه، وهنا طريق أخرى في الجواز، وهو أنّه ذكر هذه القصة في معرض المدح والثناء على فاعلها فأقره على ذلك ولو كان لا يجوز لبينه (¬263). قلت: جمع بين عارين فإنّه رد النقل بالصدر، والخلاف محكي في كتب أصول الفقه مع اختلاف الترجيح، ثمّ ما اكتفى بذلك حتّى أغار على ما جعله (ح) في معرض ارتفاع الخلاف فجعله وجهًا آخر فأفهم أنّه أفاده. ¬

_ (¬262) فتح الباري (4/ 409). (¬263) عمدة القاري (12/ 25).

387 - باب قتل الخنزير

387 - باب قتل الخنزير ذكر فيه عن أبي هريرة: أن عيسى حين ينزل إلى الأرض يقتل الخنزير. قال (ح): وجه دخول قتل الخنزير في أبواب البيع الإِشارة إلى أن كلما أمر بقتله لا يجوز بيعه، وقد صرح في حديث جابر المعلق بتحريم بيع الخنزير (¬264). ¬

_ (¬264) فتح الباري (4/ 414). ولم يذكر الحافظ المصنف اعتراض العلّامة العيني وإليكم نصه كما في عمدة القاري (12/ 34) قلت: فيه نظر من وجهين: أحدهما: أنّه يحتاج إلى بيان الموضع الذي أمر النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بقتل الخنزير، وتحريم بيعه لا يستلزم جواز قتله. والآخر: أن قوله "ما أمر بقتله لا يجوز بيعه" فليس بكلي، فإن الشارع أمر بقتل الحيات صريحًا مع أن جماعة من العلماء منهم أبو اللَّيث قالوا: يجوز بيع الحيات إذا كانت ينتفع بها للأدوية.

388 - باب لا يذاب شحم الميتة

388 - باب لا يذاب شحم الميتة ذكر فيه بلغ عمر رضي الله عنه أن فلانًا باع خمرًا فقال: قاتل الله فلانًا. وفيه: "قَاتَلَ الله الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَملُوهَا فَبَاعُوهَا". قال (ع): هذا لا يسمى تشبيهًا. وإنّما هو تمثيل (¬265). قلت: هذه مؤاخذة سهلة. قال (ح): واستدل على تحريم بيع جثة الكافر إذا قتلناه وأراد الكفار شراءه (¬266). قال (ع): هذا الاستدلال غير ظاهر (¬267). ¬

_ (¬265) عمدة القاري (12/ 37) وليس في النسخ الثلاث قول الحافظ المعترض عليه، وهو كما في الفتح (4/ 415) ووجه تشبيه عمر بيع المسلمين الخمر ببيع اليهود المذاب من الشحم الاشتراك في النهي عن تناول كلّ منهما. (¬266) فتح الباري (4/ 415). (¬267) عمدة القاري (12/ 37).

389 - باب إثم من باع حرا.

389 - باب إثم من باع حرًا. قال (ح): الحر الظّاهر أن المراد من بني آدم، ويحتمل ما هو أعم من ذلك فيدخل مثل الموقوف (¬268). قال (ع): لا معنى لهذا الكلام ولا طائل تحته لأنّه إن أراد لفظ حر يستعمل في معاني كثيرة فلا عموم فيه ... إلى آخر كلامه (¬269). والناظر فيه يعرف من يستحق المذكور والله المستعان. ¬

_ (¬268) فتح الباري (4/ 417). (¬269) عمدة القاري (12/ 41).

390 - باب بيع المدبر

390 - باب بيع المدبر ذكر فيه حديث: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيُجَلِّدْهَا اْلحَدَّ ... إلى أن قال: فَلْيَبِعْهَا". قال (ح): وجه دخوله في هذا الباب عموم الأمر ببيع الأمة إذا زنت، فيشمل ما إذا كانت مدبرة فيؤخذ منه جواز بيع المدبرة في الجملة (¬270). قال (ع): سبق الكرماني إلى شيء من هذا الكلام الأخير واهي، لأنّ الأخذ لا يكون إِلَّا بدلالة من اللّفظ، فهذا القائل لا يدري ما قاله (¬271). كذا قال، ومن لم يفهم ما قال لا خطاب معه. ¬

_ (¬270) فتح الباري (4/ 423). (¬271) عمدة القاري (12/ 50).

كتاب السلم

كتاب السلم قوله في حديث ابن عبّاس: يسلفون في التّمر العام والعامين. قال (ح): بالنصب على نزع الخافض أو المصدر (¬272). قال (ع): هذا غلط لا يخفى، ومن مس شيئًا من العربيّة لا يقول هذا, ولكن لو بين وجه وهو يبين وجه ما قاله (ح) (¬273). قلت: لو لم يكن في هذا المعترض إِلَّا هذا الموضع لكفى به فضيحة، فلله الحمد على ما أنعم. ¬

_ (¬272) فتح الباري (4/ 429). (¬273) عمدة القاري (12/ 62) ولفظ العمدة ولكن لو بين وجهه لكان له وجه. وقال البوصيرى (ص 247) لا أدري والله ما سبب هذه الغارة، وهذه العجرفة الّتي صدرت منه في حق من ذكر حكما من الأحكام من غير أن يوضحه أو يذكر سببه؟ وهل لا يلزم تعميم ذلك في كلّ ما ماثلها؟ وذلك يعم جميع النَّاس، بل ينكره ولا يقر به. ففي المحاكمة (89) بعد المئة. وما عهدها ببعيد عند قول ابن حجر: مصدر في موضع الحال. قال بعده: قلت: قوله: مصدر ليس بصحيح. فهل بالله يحسن بعالم أن يقول بعده ردًا عليه: هذا غلط لا يخفى، ومن مس شيئًا من العربيّة لا يقول هذا، ولكن لو بين وجهه لكان له وجه؟ ثم بين رحمه الله الوجه الذي ظهر له والله أعلم.

كتاب الشفعة

كتاب الشُّفعَةِ قال (ح): هي بضم الشين المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها (¬274). قال: وقال صاحب تثقيف اللسان: الفقهاء يحركون الفاء والصواب الإسكان. قال (ح): هذا لا ينبغي، أن ينسب الفقهاء إلى الغلط صريحًا لمراعاة الأدب، وكان ينبغي أن يقول: والصواب الإِسكان كما قاله صاحب تثقيف اللسان (¬275). قلت الذي قاله (ح) هو الأدب، لأنّه نسب الغلط لمن قال ذلك من الفقهاء، فأومأ إلى أن إطلاق صاحب التثقيف النقل عن الفقهاء مردود، لأنّ جمهور الفقهاء يقولونه بالإِسكان، فإن ثبت أن بعضهم قالها بالتحريك فقدوهم، وهذا المعترض ييادر للإنكار قبل التأمل. ¬

_ (¬274) فتح الباري (4/ 436). (¬275) عمدة القاري (12/ 71).

كتاب الإجارة

كتاب الإجارة 391 - باب رعي الغنم على قراريط قال (ح): على بمعنى الباء وهي السببية أو المعاوضة، وقيل: أنّها ظرفية (¬276). قال (ع): كونها للسببية غير بعيد، وكونها للظرفية بعيد ... إلى أن يقال: أن القراريط اسم موضع (¬277). قال (ح): خطأ ابن الجوزي تبعًا لابن ناصر سُوَيْدا في تفسيره للقراريط بالنقد، ولكنه يترجح بأن أهل مكّة لا يعرفون مكانًا يقال له قراريط (¬278). قال (ع): وكذلك لا يعرفون القيراط من النقد، لأنّ في الحديث الصّحيح: "سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيِهَا اْلقيراَطُ" لكن لا يلزم من عدم معرفتهم واحدًا منها أن لا في يكون النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - علم، ويؤيد المكان كلمة عليَّ فإنها للاستعلاء حقيقة، وأمّا النقد فيكون بطريق المجاز، والمجاز لا يكون إِلَّا بقدر الحقيقة (¬279). قلت: دعواه نفي معرفتهم لا يساعده الخبر الذي استدل به. ¬

_ (¬276) فتح الباري (4/ 441). (¬277) عمدة القاري (12/ 79). (¬278) فتح الباري (14/ 441). (¬279) عمدة القاري (12/ 80).

392 - باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام

392 - باب استئجار المشركين عند الضّرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام قال (ح): ذكر للأول قصة الدّليل في الهجرة، وللثاني معاملة أهل خيبر، وليس فيهما تصريح بالمقصود من منع استئجارهم حتّى يصح الاستثناء (¬280). قال (ع): كيف ينفي التصريح بالمقصود فيه فإن معاملته يهود خيبر على الزراعة في معنى استئجارهم صريحًا (¬281). قلت: راحت مشرقة ورحت مغربًا. ثمّ قال هذا المعترض: وقوله في حديث عائشة: واستأجر رجلًا من بني الديل ... إلى قوله: وهو على دين كفار قريش صحيح في أنّهما استأجرًا الكافر إذ لم يجدا أحدًا من أهل الإسلام، فالنظر باق (¬282). قوله: عن عائشة قالت: واستأجر. قال (ح): كذا وقع للأصيلي وأبي الوقت ولغيرها بدونها وهي ثابتة في الحديث حيث ساقه بطوله لأنّ هذا القدر معطوف على أشياء قبلها، ¬

_ (¬280) فتح الباري (4/ 442). (¬281) عمدة القاري (12/ 80). (¬282) عمدة القاري (12/ 81).

ووهم من زعم أن المصنف زاد واوًا للتنبيه على أنّه اقتطع هذا المقدار من الحديث (¬283). قال (ع): بل وهم هذا القائل في نقل كلام الكرماني قوله: واستأجر ذكر بالواو إشعارًا بأنّه قد تقدّم لها كلمات أخر في حكاية الهجرة فعطف هذا عليها (¬284). قلت: من أخبره بأن (ح) أراد بقوله: وهم من أنّه وهم الكرماني حتّى يجزم به، سلمنا ولكن ليس قوله إشعارًا يشعر بذلك. ¬

_ (¬283) فتح الباري (4/ 442). (¬284) عمدة القاري (12/ 81).

393 - باب ما يعطي في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب

393 - باب ما يعطي في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب قالن (ح): الأحياء جمع حي، والمراد به طائفة من العرب مخصوصة ... إلى أن قال: واعترض بأن الحكم لا يختلف بالأمكنة ولا بالأجناس، ويمكن الجواب بأنّه ترجم بالواقع ولم يتعرض لنفي غيره، ثمّ ترجم بعد ذلك في الطيب المشروط في الرقية بقطيع من الغنم، وترجم أيضًا الرقيا بفاتحة الكتاب (¬285). قال (ع): هذا جواب غير مقنع لأنّ القيد شرط، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، وهذا القائل ما اكتفى بهذا الجواب الذي لا يرضى حتّى قال: والأحياء جمع حي، والمراد به طائفة من العرب، فإن هذا الكلام يشعر بالتقييد، والأصل في الباب الإطلاق (¬286). قلت: ظن أن قوله مخصوصة قيد في الإجارة، وليس كذلك، وإنّما المراد أنواع العرب ينقسم إلى شعب وحي وقبيلة وغير ذلك. قال (ح): الأحاديث المذكورة يعني الواردة في الزجر عن أخذ الأجرة على تعليم القرآن ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا يعارض الأحاديث الصحيحة (¬287). قال (ع): لا نسلم عدم قيام الحجة، فإن حديث القوس صحيح وفيه الوعيد الشديد (¬288). ¬

_ (¬285) فتح الباري (4/ 453). (¬286) عمدة القاري (12/ 95). (¬287) فتح البارى (4/ 453 - 454). (¬288) عمدة القاري (12/ 96).

394 - باب من كلم موالي العبد أن يخففوا من خراجه

394 - باب من كلم موالي العبد أن يخففوا من خراجه قوله: عن حميد عن أنس: دعى النّبيّ - صلّى لله عليه وسلم - غلامًا. قال (ح): هو أبو طيبة كما تقدّم قبل بباب (¬289). قال (ع): من أين علم أنّه هو، ولم لا يجوز أن يكون غيره، ومن ادعى أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لم يكن له إِلَّا حجام واحد فعليه البيان (¬290). قلت: الأصل عدم التعدد في ادعائه، فهو الذي يلزمه البيان، ثمّ إنَّ مستند (ح) في أنّه أبو طيبة أنّه أخرجه قبل بباب من طريق حميد عن أنس أن أبا طيبة حجم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - .... فذكر الحديث كما هنا، وهل يلزم من الاتحاد هنا الاتحاد؟ مخرج الحديث واتحاد القصة أن لا يكون حجام آخر حجم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مرّة أخرى. وأعجب من ذلك أن (ع) أورد لما ادعاه من جواز أن يكون المراد في هذه القصة غير أبي طيبة حديثين عن جابر وعن أبي هريرة أن أبا طيبة هو حجم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وليس في واحد منهما ما في حديث أنس أنّه كلم مواليه فخففوا من خراجه. ¬

_ (¬289) فتح الباري (4/ 459). (¬290) عمدة القارى (12/ 103).

395 - باب كسب البغي والإماء

395 - باب كسب البغي والإِماء قوله: وكره إبراهيم النخعي أجر النائحة والقينة. قال (ح): كأنّه أشار إلى أن النّهي في حديث أبي هريرة يعني المذكور في الباب وهي نهي عن مهر البغي محمول على ما إذا كانت الحرفة ممنوعة شرعًا أو تحر إلى أمر ممنوع شرعًا بجامع ما بينهما من ارتكاب المعصية (¬291). قال (ع): هذا لا يصلح لمناسبة ذكر هذا الأمر في هذا الباب، لكن يمكن أن يقال: كسب البغي وأجر النائجة مناسبة من حيث أن كلا منهما معصية وأن إجارة كلّ منهما باطلة (¬292). قلت: فانظر واحمد ربك على العافية. قال (ح): قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب (¬293). قال (ع): المفهوم لا يصح نفيه، ولكن الذي هنا أن إِنْ ليست للشرط بل بمعنى إذ (¬294). قلت: كلّ جائز، والمراد بالأول لا مفهوم له يعمل به، وقد أطلق ذلك كبار أهل العلم، وهذا مرادهم، واشتهر فأغنى عن التقييد. ¬

_ (¬291) فتح الباري (4/ 460). (¬292) عمدة القاري (12/ 103). (¬293) فتح البارى (4/ 461). (¬294) عمدة القاري (12/ 104).

396 - باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما

396 - باب إذا استأجر أرضًا فمات أحدهما قال (ح): ذهب الكوفيون والليث إلى فسخ الإجارة بموت أحد المتواجرين واحتجوا بأن الوارث ملك الرقبة، والمنفعة تبع لها، فارتفعت يد المستأجر بموت الذي آجره، وتعقب بأن المنفعة قد تنفك عن الرقبة كما يجوز بيع مسلوب المنفعة (¬295). قال (ع): هذا كلام واهي جدًا لأنّ المنفعة عرض، والعرض كيف يقوم بذاته ومسلوب المنفعة ليس فيه منفعة (¬296). قلت: هو اعتراض من لا يعرف معنى مسلوب المنفعة. ¬

_ (¬295) فتح الباري (4/ 462). (¬296) عمدة القاري (12/ 107).

397 - يأب الكفالة في القرض

397 - باب الكفالة في القرض قوله في حديث أبي هريرة في الذي اقترض ألف دينار ... إلى أن قال: "اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ". قال (ح): كذا وقع هنا، والمعروف بتعديته بحرف الجر، كما وقع في رواية الإسماعيلي استسلفت من فلان (¬297). قال (ع): هذا غير موجه لأنّ تسلفت من تفعلت، واستسلفت من استفعلت (¬298). قلت: المراد بالتشبيه إثبات حرف الجر. قال (ح): لم أقف على اسم واحد منهما من الصّحابة الذين نزلوا مصر من حديث عبد الله بن عمرو أن رجلًا جاء إلى النجاشي فقال: أسلفني ألف دينار ... فذكر الحديث بنحوه، فيجوز أن يكون نسبة النجاشي إلى بني إسرائيل بطريق التبع لهم لا أنّه من نسلهم (¬299). قال (ع): هذا الكلام في البعد إلى حد السقوط، ولأن في الحديث أن السائل والمسؤول من بني إسرائيل في الأرض، والنسبة بعد عظيم. ¬

_ (¬297) فتح الباري (4/ 471). (¬298) عمدة القاري (12/ 117) (¬299) فتح الباري (4/ 471).

وأمّا قوله: نسب إليهم بالاتباع فيأباه من له نظر تام في التصرف في وجوه معاني الكلام (¬300). قلت: المراد بالاتباع الاتباع في الدِّين فيستوي بعيد الأرض وقريبها وبعيد النسب وقريبه، وكان جمع من أهل اليمن دخلوا في دين بني إسرائيل، وهي اليهودية، ثمّ دخل من يقابل أهل اليمن من الحبشة في دين بني إسرائيل أيضًا، وهي النصرانية، وكان النجاشي ممّن تحقق ذلك الدِّين ودان به قبل التبديل، والملك لما بلغه دعوة الإسلام بادر إلى الإجابة لما عنده عن العلم حتّى قال: لما سمع قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ...} الآية، لا يزيد عيسى على هذا. ¬

_ (¬300) عمدة القاري (12/ 116).

398 - باب من تكفل عن ميت دينا

398 - باب من تكفل عن ميت دينًا ذكر فيه حديث جابر: "لَوْ قَدْ جاَءَ مَالُ اْلبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ ... " الحديث، وفيه أن أبا بكر أعطاه. قال (ح): فيه قبول خبر الصحابي ولو جر ذلك نفعًا إلى نفسه، لأنّ أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدًا (¬301). قال (ع): إنّما لم يلتمس منه شاهدًا, لأنّه عدل بالكتاب والسُّنَّة، وأمّا القضاء بالعلم ففيه تفصيل (¬302). ¬

_ (¬301) فتح الباري (4/ 475). (¬302) عمدة القاري (12/ 121).

399 - باب إذا وكل المسلم حربيا

399 - باب إذا وكل المسلم حربيًا قوله في حديث عبد الرّحمن بن عوف مع أمية بن خلف، فلما ذكرت الرّحمن، قال: لا أعرف الرّحمن. قال (ح): أي لا أعترف بتوحيده (¬303). قال (ع): هذا لا يقتضيه قوله: لا أعرف الرّحمن، ألا ترى أنّه قال: كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية، وكأنّه قال: لا أعرف الذي جعلت نفسك عبدًا له (¬304). قلت: نعم، ولازمه أنّه لا يعبده في عبادته, لأنّه لا يعترف بتوحيده. ¬

_ (¬303) فتح الباري (4/ 480). (¬304) عمدة القاري (12/ 129).

كتاب وكالة الشاهد

كتاب وكالة الشّاهد أي الحاضر والغائب جائرة. ذكر فيه حديث أبي هريرة في الذي اقترض منه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فقال: "أَعْطُوهُ". قال (ح): وكالة الحاضر ظاهرة من قوله: "أَعْطُوهُ" وأمّا وكالة الغائب فتستفاد منه بطريق الأولى (¬305). قال (ع): ليس في الحديث شيء يدل على حكم الغائب فضلًا عن الأولوية (¬306). قلت: وجه الأولوية وكالة الحاضر إذا أجازت مع إمكان مباشرة الموكل بنفسه، فجوازها للغائب مع الاحتياج إليه أولى، فمن لا يدرك هذا القدر كيف يستحضر التصدي للاعتراض. ¬

_ (¬305) فتح الباري (4/ 483) وفي العنوان في النسخ الثلاث وكالة المعاهد وهو خطأ. (¬306) عمدة القاري (12/ 133).

400 - باب إذا وكل رجلان أن يعطي شيئا

400 - باب إذا وكل رجلان أن يعطي شيئًا ذكر فيه حديث جابر في قصة جمله. قال (ح): في الكلام على قوله في السند ابن جريج عن عطاء وغيره، ويزيد بعضهم على بعض لم يبلغه كله رجل منهم بعد أن حكى الاختلاف في هذه اللفظة لم يبلغه كله رجل منهم أو لم يبلغه كلهم إِلَّا رجل واحد منهم، وقد تقدّم في الحجِّ شيء من هذا (¬307). قال (ع): ليس في الحجِّ شيء من ذلك، وإنّما الذي تقدّم ففي كذا. [في] كتاب البيوع، في باب شراء الدواب والحمير (¬308). قلت: ظن أن المراد قصة جابر وليس كذلك، وإنّما المراد اللّفظ الواقع في السند الذي وقع الاختلاف، فإنّه قد تقدّم في الحجِّ لمتن آخر يتعلّق بالحج، لكن هذا المعترض يهجم بالإنكار قبل أن يتأمل، والله المستعان. ¬

_ (¬307) فتح الباري (4/ 485 - 486). (¬308) عمدة القاري (12/ 139) كذا هو في النسخ الثلاث "نفي كذا" وهو خطأ.

401 - باب الوكالة في الوقف

401 - باب الوكالة في الوقف قوله: سفيان هو ابن عيينة عن عَمرو هو ابن دينار قال في صَدَقةِ عمر: ليس على الولي جناح ... إلى أن قال: وكان ابن عمر هو الذي يلي صدقة عمر كما جزم بذلك المزي في الأطراف (¬309). قال (ع): لم يذكر المزي هذا في الأطراف أصلًا، وإنّما قال بعد العلّامة بحرف الخاء المعجمة حديث عمرو بن دينار ... إلى آخر ما ذكره البخاريّ ثمّ قال: موقوف، والصواب المحقق ما قاله الكرماني، والتقدير الذي قدره هذا القائل خلاف الأصل، ولا ثمّ داع يدعوه إلى ذلك. وقوله: يوضحه ... إلخ لا يستلزم ما ذكره من التقدير بالتعسف (¬310). كذا قال، وما نفاه عن المزي هو المدعي، وهو أنّه جزم أن المروي في هذا الأثر بهذا الإسناد كلام ابن عمر، فهو الذي عبر عُنه المزي بقوله: موقوف، ومن لا يدري أن معنى قول المحدث موقوف، أن الصحابي لا يصرح بنسبته إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مسلمًا في هذا الطريق، فما باله والاعتراض على أهل الفن بكلام غير أهل الفن. قوله: وكان ابن عمر .. الخ. ¬

_ (¬309) فتح الباري (4/ 491). (¬310) عمدة القاري (12/ 150).

قال (ح): هو موصول بالإِسناد المذكور (¬311). قال (ع): قال المزي: إنّه موقوف. وقال الكرماني: إنّه مرسل، فكيف يكون المعطوف على المرسل موصولًا (¬312)؟ قلت: ليس بينهما مانعة جمع. ¬

_ (¬311) فتح الباري (4/ 491). (¬312) عمدة القاري (12/ 150).

402 - باب المزارعة بالشطر ونحوه

402 - باب المزارعة بالشطر ونحوه قال (ح): راعى المصنف لفظ الشطر لوروده في الحديث، وألحق غيره به لتساويهما في المعنى، ولولا مراعاة لفظ الحديث لكان قوله: المزارعة بالجزء أخصر وأشمل (¬313). قال (ع): بعد أن حكى هذا بعينه بلفظ عن بعضهم، قلت: قد يطلق الشطر ويراد به البعض، فاختار لفظ الشطر لمراعاة لفظ الحديث، ولكونه يطلق على البعض، والبعض هو الجزء، فإن قلت: فعلى هذا لا حاجة إلى قوله: ونحوه قلت: إذا أريد بلفظ الشطر البعض يكون المراد بنحوه الجزء، فلا يحتاج إلى التعسف بالإِلحاق (¬314). قلت: انظر واعجب. قوله: وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فيتفقان جميعًا فما خرج فهو بينهما ورأى ذلك الزهري. قال (ح): وصل أثر الحسن سعيد بن منصور بنحوه، ووصل أثر الزّهري عبد الرزّاق وابن أبي شيبة بنحوه (¬315). قال (ع): لم أجده عندهما (¬316). ¬

_ (¬313) فتح الباري (5/ 11) والذي في الفتح "أبين" بدل "أشمل" هنا. (¬314) عمدة القاري (12/ 165). (¬315) فتح الباري (5/ 12). (¬316) عمدة القاري (12/ 166) تعد وجده الحافظ كما في تعليق التعليق (3/ 305). فماذا يكون إن لم يجده العلّامة العيني؟ =

ثمّ قال (ح): وأمّا قول عطاء والحكم فوصلهما ابن أبي شيبة. قال (ع): لم أجده عندهما (¬317). قلت: وهذا من أعجب ما يسمع أليس الواجْدَانُ فرع الحصول وإلا هذا متى يعبر عن هذين الأثرين في هذين الكتابين الجليلين حتّى ساغ له أن يقول: لم أجده فيهما. قوله: وكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون وسق تمر وعشرون وسق شعير. قال (ح): كذا للأكثر بالرفع على القطع لإِرادة التفصيل والتقدير منها ثمانون ... إلى أن قال: وبالنصب على البدل من قوله عامة (¬318). قال (ع): لا يصح شيء من ذلك (¬319). ¬

_ = ووصل أثر الزهري عبد الرزّاق (14473) وذكره الحافظ بإسناده في تعليق التعليق (3/ 305) وإن يجده العلّامة العيني وهو عند ابن أبي شيبة (6/ 427). (¬317) عمدة القاري (12/ 166) وهو عند ابن أبي شيبة (6/ 427) وإن لم يجده العلّامة العيني فقد وجده غيره. (¬318) فتح الباري (5/ 13). (¬319) عمدة القاري (12/ 167).

403 - باب بغير إضافة

403 - باب بغير إضافة قوله: أن يمنح، بفتح الهمزة والحاء على أنّها تعليلية، وبكسر الهمزة وسكون الحاء على أنّها شرطية (¬320). قال (ع): ليس كذلك، بل أن بفتح الهمزة مصدرية، وقد جاء أن بالفتح بمعنى إن بالكسر الشرطية (¬321). ¬

_ (¬320) فتح الباري (5/ 15). (¬321) عمدة القاري (12/ 169 - 170).

404 - باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم

404 - باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم قوله في قصة أصحاب الغار بفرق أرز. قال (ح): الفرق أربعة أرطال، وفي رواية هشام ستة وثلاثون رطلًا، ولم أجد هذا في كتب أهل اللُّغة (¬322). قال (ع): لا يلزم من وجد أنّه هو أن لا يجد غيره، فإن لغة العرب واسعة (¬323). قوله: من أرز، تقدّم في البيوع من ذرة. قال (ح): يجمع بأنّهما كانا صنفين أو كانا أخوين لأحدهما أرز والآخر ذرة، أو لكون الجنسين متقاربين أطلق أحدهما على الآخر (¬324). قال (ع): هذا سبق إليه الكرماني، والوجه فيه بعيد، ولا يقع هذا الإِطلاق من فصيح (¬325). ¬

_ (¬322) روى البخاريّ هذا الحديث في خمسة مواضع (2233،2272،2215، 3465، 5974) ولم أر قول الحافظ هذا في شرحه لتلك الأحاديث، إِلَّا أنّه أحال في (4/ 410) على كتاب الزَّكاة. وقال (6/ 507) فرق بفتح القاف والراء بعدها قاف وقد تسكن الراء، وهو مكيال يسع ثلاثة آصع. فلعلّه ذكر هذا في كتاب الزَّكاة. (¬323) عمدة القاري (12/ 172). (¬324) فتح الباري (4/ 5/ 17). (¬325) عمدة القاري (12/ 172).

405 - باب ما كان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يواسي بعضهم بعضا

405 - باب ما كان من أصحاب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يواسي بعضهم بعضًا قوله: أن ابن عمر كان يكري مزارعة على عهد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وصدرًا من إمارة معاوية، أي خلافته، وإنّما لم يذكر خلافة علي لأنّه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه من أهل الشام، كما هو مشهور في صحيح الأخبار (¬326). قال (ع): الأولى أن يقال: لكونه لم يكن أكثرى مزارعه في خلافة عليّ، ثمّ قال: وتفسير إمارته بخلافته ليس بشيء, لأنّه كان لا يبايع لمن لم يجتمع عليه النَّاس، فلم يسمه بالخلافة، ولهذا لم يبايع لابن الزبير، ولا لعبد الملك في حال اختلافهما (¬327). قلت: وهذا بعينه دعوى (ح) , لأنّه لم يبايع لعلي ولا لمعاوية في حال اختلافهما، ثمّ بايع لمعاوية لما صالح الحسن بن علي، وسلم له الحسن الخلافة، وبايع له، فقوله: وصدرًا من إمارته أراد به ما قبل الاجتماع عليه، وأمّا بعد الاجتماع فقد وقع في رواية مسلم:- حتّى إذا كان في آخر خلافة معاوية، وهذا يقول ما قاله (ح) وبالله التوفيق. وقال: قال (ح): ما زعم (ع) أنّه الأولى فقال بعد قوله: ثمّ بايع لعبد الملك بعد قتل ابن الزبير، ولعلّه في تلك المدة لم يؤاجر أرضه ولم يذكرها كذلك (¬328). ¬

_ (¬326) فتح الباري (4/ 24). (¬327) عمدة القاري (12/ 183). (¬328) فتح الباري (4/ 24).

406 - باب في الشرب ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة مقسوما أو غير مقسوم

406 - باب في الشرب ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة مقسومًا أو غير مقسوم قال (ح): وأراد المصنف بالترجمة الرد على من قال: الماء لا يملك (¬329). قال (ع): من أين العلم أنّه أراد ذلك، ويحتمل العكس (¬330). قلت: احتمال العكس من هذه التّرجمة في غاية البعد، والأول هو الظّاهر، ويؤيد إيراده أثر عثمان في بئر رومة، وما ذكر بعد ذلك في الكلام على حديثي سهل بن سعد وأنس. ثمّ ذكر (ع) فروعًا تتعلّق بهبة الماء والوصية به، وقال في آخرها: فافهم هذه الفوائد الّتي خلت عنها الشروح (¬331). وما درى أن غيره لو أراد أن يورد من ذلك في مقابلة كلّ فرع ذكر سبعين فرعًا لذكر، لكن ذلك ليس من موضوع شرح البخاريّ. قال (ح): ويستفاد من الحديث جواز السَّفر منفردًا وبغير زاد (¬332). قال (ع): وقد ورد النهي عن السَّفر وحده ولا يلزم من قوله يمشي أن ¬

_ (¬329) فتح الباري (4/ 30). (¬330) عمدة القاري (12/ 190) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 248). (¬331) عمدة القاري (12/ 190) وفي النسخ الثلاث "عنه كذا الشراح" والتصّحيح من العمدة. (¬332) فتح الباري (5/ 42).

يكون مسافرًا، وأمّا الرِّواية الّتي فيها بفلاة من الأرض فيحتمل أن يكون مع رفقة فانقطع عنهم، وأمّا بغير زاد فإن كان في عمله أنّه يحصل له الزّاد في طريقه فلا بأس وإن تحقق العدم فلا يجوز (¬333). قلت: أمّا الأوّل فيجمع بحمل النّهي على ما إذا خاف على نفسه جمعًا بين الحديثين، وأمّا الثّاني فالتفصيل هو مراد من أطلق واستدل به على جواز الصَّدقة على المشركين. قال (ح): ينبغي أن يكون محله ما إذا لم يكن هناك مسلم، فإن لم يكن فالمسلم أحق (¬334). قال (ع): هذا قيد لا يعتبر، بل تجوز الصَّدقة على الكافر مطلقًا (¬335). قلت: المراد إذا تعينت لواحد فلا يشكّ أن المسلم أحق, وقد عقب (ح) قوله هذا بقوله، وكذا ذكر الأمر بين البهيمة والآدمي المحترم واستويا في الحاجة فالآدمي أحق (¬336). قال (ع): هذا ما إذا سقى البهيمة يخاف على المسلم (¬337). قلت: هو المفروض. ¬

_ (¬333) عمدة القاري (12/ 208). (¬334) فتح الباري (4/ 42). (¬335) عمدة القاري (12/ 208). (¬336) فتح الباري (4/ 42). (¬337) عمدة القاري (13/ 208).

407 - باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق

407 - باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق ذكر فيه حديث أنس في قصة شرب الأيمن من القدح. قال (ح): مناسبته للترجمة ظاهرة إلحاقًا للحوض والقربة بالقدح، وكان صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربًا وسقيًا (¬338). قال (ع): إن أراد القياس فليس بصحيح، وإن أراد أن مثله في الحكم فليس كذلك على ما لا يخفى (¬339) قلت: هنا يحسن أن يقال له: كأنك لم تعرف توجيه ما قلت، لكن إنّما يرضى بمثل ذلك من كان مثل (ع) في الفهم. قال (ع): وأمّا قوله أحق بالتصرف فلا مطابقة بين الحديث والترجمة إِلَّا بالجر الثقيل بأن يقال هو مثله في مجرد الاستحقاق مع قطع النظر عن اللزوم وعدمه (¬340). ¬

_ (¬338) فتح الباري (5/ 43). (¬339) عمدة القاري (12/ 210) (¬340) عمدة القاري (12/ 210).

408 - باب سكر الأنهار

408 - بَابُ سَكْرِ الأَنْهَارِ قوله: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ". قال (ح) بهمزة وصل من الثلاثي، وحكى ابن التين بهمزة قطع من الرباعي (¬341). قال (ع): ليس هذا بمصطلح، لا يقال: هذا رباعي إِلَّا لكلمة أصول حروفها أربعة أحرف، وإنّما يقال: ثلاثي مزيد فيه (¬342). قلت: تكرر منه إنكار هذا وقد تَقدم أنّه أطلق ذلك جمع من المتقدمين، منهم ابن التين، فقال في كتاب المظالم: قال في حديث عمر: نهى عن الإقران. قال ابن التين: كذا وقع بكسر الهمزة في البخاريّ رباعيًا، والمعروف خلافه والخطب فيه سهل. قوله: إن كان ابن عمتك. قال (ح): حكى الكرماني إنَّ بالكسر على أنّها شرطية، والجواب محذوف ولا أعرف هذه الرِّواية (¬343). ¬

_ (¬341) فتح الباري (5/ 36). (¬342) عمدة القاري (13/ 303). (¬343) فتح الباري (5/ 36).

قال (ع): لم يذكر الكرماني هذا في شرحه وإن ذكر فله وجه موجه, وعدم معرفة (ح) بهذه الرِّواية لا تستلزم العدم مطلقًا (¬344). قلت: ولهذا قال: لا أعرف, فلو كان قال: ولا وجود لهذه الرِّواية لاتجه ما قال المعترض, ولكن ديدنة الاعتراض فلا يفارقه. ¬

_ (¬344) عمدة القاري (12/ 202).

409 - باب سقي الماء

409 - باب سقي الماء قوله في حديث أبي هريرة في قصة الذي سقى الكلب: "لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلَ الذي بَلَغَ بِي". قال (ح): مثل بالنصب على أنّه صفة مصدر محذوف والتقدير بلغ مبلغًا مثل، وضبطه الدمياطى بخطه مثل بالرفع، ولا يخفى توجيهه (¬345). قال (ع): كأنّه لم يقف على توجيهه (¬346). قلت: هذا من أعجب ما يسمع أن عدم الخفاء يدل على عدم معرفة التوجيه، ومن تتمّة العجب أن (ع) وجهه بتوجيه يدركه أدنى الطلبة فصدق (ح) في قوله: إنّه لا يخفى. قوله: "فَشَكَرَ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". قال (ح): هو من عطف الخاص على العام (¬347). قال (ع): لا يصح هذا, لأنّ شكر الله عبارة عن مغفرته له (¬348). قلت: فيكون من عطف الشيء على نفسه بحرف الفاء الظاهرة في التعقب. ¬

_ (¬345) فتح الباري (5/ 41). (¬346) عمدة القاري (12/ 207). (¬347) فتح الباري (5/ 41 - 42). (¬348) عمدة القاري (12/ 207) وفي المخطوطات الثلاث "لأنّ شكرًا لهذه" والتصّحيح من العمدة.

410 - باب شرب الناس والدواب والأنهار

410 - باب شرب النَّاس والدواب والأنّهار (¬349) قال (ح): أراد بهذه التّرجمة أن الأنّهار الكائنة في الطرق لا يختص بالشرب منها أحد دون أحد، وذكر فيه حديثين. أحدهما: حديث أبي هريرة: "الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْدٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلى رَجُلٍ وِزْرٌ ... " الحديث. وفيها: "وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ تُرِدْ أَنْ يَسْقِي كَانَ ذَلِكَ حسَنَاتٍ" والمقصود منه أنّها تشرب بإرادته وبغير إرادته، ومع ذلك يؤجر، وثبت المقصود من الإباحة المطلقة فيطابق التّرجمة (¬350). قال (ع): هذا بمعزل عن المطابقة وبعد عظيم، لأنّ التّرجمة في بيان أن ماء الأنّهار لا تختص بأحد وليست معقودة في حصول الأجر بقصد صاحب الدابة وبغير قصده إذا شربت منه (¬351). ¬

_ (¬349) كذا في المخطوطات الثلاث، وفي صحيح البخاريّ "شرب النَّاس وسقي الدواب من الأنّهار". (¬350) فتح الباري (5/ 46). (¬351) عمدة القاري (12/ 215).

411 - باب حلب الإبل على الماء

411 - باب حلب الإِبل على الماء قال (ح): أي عند الماء (¬352). قال (ع): لم يذكر أحد من أهل اللغة العربيّة على أن على تجيء بمعنى عند، بل (على) هنا بمعنى الاستعلاء (¬353). قلت: قال كثير منهم: إنَّ حروف الجر تتناوب وحمل (على) على الاستعلاء يقتضي أن يقع المحلوب في الماء، وليس ذلك مرادًا. قوله: وعن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر في العيد. قال (ح): هو معطوف على قوله: حدّثنا اللَّيث، والتقدير: حدّثنا عبد الله بن يوسف حدّثنا اللَّيث ... الخ، وعبد الله بن يوسف عن مالك ... الخ. وزعم بعض الشراح أن البخاريّ علقه لمالك وليس كذلك، وقد وصله أبو داود من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر في النخل مرفوعًا، وعن نافع عن ابن عمر في العيد موقوفًا (¬354). قال (ع): إن أراد بقوله: بعض الشراح الكرماني، فالكرماني لم يزعم أنّه معلق، بل تردد، فإنّه قال: ولفظ عن مالك إمّا تعليق من البخاري، ¬

_ (¬352) فتح الباري (5/ 49). (¬353) عمدة القاري (12/ 222). (¬354) فتح الباري (5/ 50).

وإما عطف على حديث اللَّيث، فلو سلمنا أنّه جزم [زعم] فهو بحسب الظّاهر صحيح, لأنّ التقدير الذي قدره هذا القائل خلاف الظّاهر، ووصل أبي داود لا يستلزم وصل البخاريّ، ولئن سلمنا أنّه موصول من جهة البخاريّ، فماذا يدلُّ عليه هنا؟ فهذا المقام مقام تأمل وليس مقام المجازفة (¬355). قلت: لو أعطى التأمل حقه لم يقل شيئًا ممّا قال، فما الذي يدلُّ على أن (ح) أراد بقوله: بعض الشراح، وكلام الكرماني بخلافه؟. ¬

_ (¬355) عمدة القاري (12/ 223).

كتاب الاستقراض

كتاب الاستقراض 412 - باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتّى ينفق على نفسه (¬356) ذكر فيه حديث جابر في بيع المدبر. قال ابن بطّال: لا مطابقة بين الحديث والترجمة. وأجيب: باحتمال أن يكون الذي دبره كان عليه دين. قال (ح): يظهر أن في التّرجمة لفًّا ونشرًا، وأو في الموضعين للتوزيع، ويخرج أحدهما من الآخر (¬357). قال (ع): أمّا الأوّل فلا يقال بالاحتمال لكونه ثبت صريحًا في الحديث عند النسائي، وأمّا قول (ح) فسبقه إليه الكرماني، ومع ذلك ففيه نظر (¬358). ثمّ ذكر كلام السقطة من كلام (ح) على العادة (¬359). ¬

_ (¬356) في النسخ الثلاث أو العدم فقسمه بين العلماء أو أعطاه حتّى ينفقه، وهو خطأ صححناه من صحيح البخاريّ. (¬357) فتح البارى (5/ 66). (¬358) عمدة القاري (12/ 243). (¬359) كذا هو في النسخ الثلاث "كلام السقطة من كلام (ح) ".

كتاب اللقطة

كتاب اللقطة قوله في: 413 - باب ضالة الإبل في حديث زيد بن خالد: جاء أعرابي. زعم ابن بشكوال أن هذا السائل عن اللقطة هو بلال وعزاه لأبي داود. قال (ح): ليس في نسخ أبي داود شيء من ذلك، وفيه بعد أيضًا، لأنّ بلالًا لا يوصف بأنّه أعرابي (¬360). قال (ع): ابن بشكوال لم يصرح بأن الأعرابي هو بلال، وإنّما قال: السائل في رواية سليمان عند أبي داود وهي قوله: سأله [رجل و] في الرِّواية الأخرى عن التّرمذيّ: سئل رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - هو بلال، ولفظ السائل أعم من الأعرابي وغيره، وابن بشكوال أوضح بأن السائل بلال، وهو كلام ليس فيه غبار، وليس فيه بعد، ولو صرح بقوله: الأعرابي هو بلال لكان يرد عليه ما قال، وأما عزوه لذلك لأبي داود فليس بصحيح, لأنّه رواه بطرق كثيرة وليس لبلال ذكر (¬361). ¬

_ (¬360) فتح البارى (5/ 80). (¬361) عمدة القاري (12/ 269).

قلت: فقد سلم نفي تسمية ابن بشكوال في رواية أبي داود بلال، فما بقي إِلَّا الاستبعاد، وجهه بين, لأنّ الجامع بين جميع الروايات المشار إليها أن السائل لم يسم سواء وصف بكونه أعرابيًا أو رجلًا أو سائلًا، وإذا فرعنا على أنّه واحد، وأنّه أبهم في أكثر الروايات وسمي في بعضها ولابد أن ينطبق على الذي سمي الوصف الذي وصف به الذي لم يسم، وإطلاق أعرابي على مثل بلال بعيد، فصح ما قاله (ح) ونفي جميع ما قاله (ع) ولا طائل تحته. ثمّ قال (ح): ظفرت بتسمية السائل وذلك فيما أخرجه الحميدي والبغوى، وسمي جماعة من طريق محمّد بن معن الغفاري [عن ربيعة] عن عقبة بن سُوَيْد الجهني عن أبيه قال: سألت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - عن اللقطة؟ فقال: "عَرِّفْهَا سَنَة [ثمّ] أَوْثِقْ وِعَاءَهَا ... " الحديث. قال (ح): وهو أولى ممّا فسر به هذا المبهم لكونه من رهط زيد بن خالد (¬362). قال (ع): حديث سُوَيْد بن عقبة الذي يرويه عن أبيه غير حديث زيد بن خالد، فكيف يفسر به المبهم ولا يلزم من كونه سُوَيْد من رهط زيد أن يكون حديثهما واحد، وإن كان في المعنى من باب واحد، وأيضًا هو استبعد قول ابن بشكوال في إطلاق الأعرابي على بلال، فكيف لا يستبعد هنا إطلاق الأعرابي على سُوَيْد، ولا يلزم من سؤال سُوَيْد عن اللقطة أن يكون هو الأعرابي (¬363). قلت: انظر وَتَعجب والله المستعان. ¬

_ (¬362) فتح البارى (5/ 80 - 81). (¬363) عمدة القاري (12/ 269).

قوله: "عَرِّفْهَا سَنَة ثُمَّ احفَظْ عِفَاصَهَا" وكذا عكسه. قال (ح): يحتمل أن تكون ثمّ في الراوية بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيبًا فلا تقتضى تخالفًا يحتاج فيه إلى الجمع (¬364). قال (ع): خروج ثمّ عن معنى التشريك في الحكم والمهلة والترتيب إنّما يمشي على قول الكوفيين، فتكون زائدة وذلك إنّما يكون في موضع لا يخل المعنى، وههنا لما وجه لما قاله (¬365). قلت: الذي يقتصر على الاحتمال كيف يدفع. قوله: فتمعر وجهه بالعين المهملة أي تغير، ولو روي بالمعجمة لكان له وجه أي صار كلون الغرة وهي حمرة شديدة إلى كدرة [كمودة] وَيُقَوِّيهِ قول في رواية أخرى: فغضب حتّى احمرت وجنتاه (¬366). قال (ع): إذ لم تثبت فيه الرِّواية فلا يحتاج إلى هذا التعسعف (¬367). ¬

_ (¬364) فتح الباري (5/ 81). (¬365) عمدة القاري (12/ 270). (¬366) فتح الباري (5/ 82 - 83). (¬367) عمدة القاري (12/ 270).

414 - باب إذا وجد خشبة إلى [في] البحر أو سوطا أو غيره

414 - باب إذا وجد خشبة إلى [في] البحر أو سوطًا أو غيره ذكر حديث أبي هريرة المعلق في قصة الذي اقترض ألف دينار. قال (ع): أشار بالسوط إلى أثر يأتي بعد أبواب في حديث أبي بن كعب أو أشار إلى ما أخرجه أبو داود من حديث جابر قال: رخص لنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في العصى والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرَّجل ينتفع به. قال (ع): لو أشار بالسوط إلى أمر آخر إلى آخر ما قاله أبو داود من حديث جابر قال: رخص لنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في العصى والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرَّجل ينتفع به (¬368). قال (ع): لو أشار بالسوط إلى أمر آخر [أثر يأتي] إلى آخر ما قاله أبو داود من حديث جابر كان الأصوب أن يذكر السوط هناك، فذكره هنا وأشارته إلى ما هناك فيه ما فيه. وأمّا قوله: أو أشار به إلى ما أخرجه أبو داود ... الخ فليس بشيء لأنّ كثيرًا ما يذكر ترجمة مشتملة على شيئين أو أكثر ولا يذكر لبعضها حديثًا أو أثرًا فيقال: إنّه ذكره على أن يجد شيئًا صحيحًا ليذكره فلم يجد شيئًا صحيحًا ليذكره فيسكت عنه، وحديث جابر ضعيف واختلف في رفعه ووقفه، فكيف يرضى بالإشارة إليه (¬369). ¬

_ (¬368) فتح الباري (5/ 85). (¬369) عمدة القاري (12/ 273).

قلت: إن كان قويًا فالإشارة إليه واضحة, ويستفاد منها أنّه لا يصلح للاحتجاج به, وأمّا ما استند إليه في الرد فعجيب, لأنّ توجيه التّرجمة أولى من إلغاء بعضها, وقد عرف بالاستقراء من صنيع البخاريّ الإكثار من ذلك, فلا وجه لإنكاره, ثمّ هذا المعترض لا يزال يلهج بمثل هذا ثمّ يتقعنه في مواضع أخرى, وثبت ما نفاه ويصوب ما خطأه, ويجزم بما يترد فيه والله المستعان.

415 - باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق

415 - باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتّى لا يأخذها من لا يستحق قال (ح): كذا للأكثر، وسقطت (لا) بعد حتّى عند ابن شبويه، وأظن الواو سقطت قبل حتّى، والمعنى لا يدعها فتضيع ولا يدعها حتّى يأخذها من لا يستحق (¬370). [قال (ع): لا يحتاج إلى هذا الظن ولا إلى تقدير الواو, لأنّ المعنى صحيح، والتقدير لا يتركها ضائعة ينتهي إلى أخذها من لا يستحق] وهل هنا للتحقيق لا للاستفهام (¬371). قوله: هل في غنمك من لبن، بفتح الموحدة، كذا للأكثر، وحكى عياض رواية بضم اللام وسكون الموحدة (¬372). [قال (ع): وليس كذلك، وإنّما اللبن بضم اللام وسكون الباء] جمع لبنة وكذلك لبن بكسر اللام (¬373). ¬

_ (¬370) فتح الباري (5/ 92). (¬371) عمدة القاري (12/ 280) وما بين المعكوفين ساقط من النسخ الثلاث. (¬372) فتح الباري (5/ 94). (¬373) عمدة القاري (12/ 283) وما بين المعكوفين ساقط من النسخ الثلاث وفيها "وكذا بكسر أوله" بدل "وكذلك لبن بكسر اللام".

كتاب المظالم

كتاب المظالم 416 - باب قصاص الظالم قوله: "حُبِسوُا بِقَنْطرَةٍ بَيْنَ الجنَّةِ وَالنَّارِ". قال (ح): الذي يظهر أنّها طرف الصراط ممّا يلي الجنَّة، ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة (¬374). قال (ع): يردّ عليه أن القرطبي سماها الصراط الثّاني، فالأول لأهل المحشر كلهم إِلَّا من دخل الجنَّة بغير حساب أو التقطه عتق من النّار، فإذا خلص غيرهم حبسوا على صراط خاص بهم، وقول مقاتل: إذا اقطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة. قال (ع): سبحان الله ما هذا التصرف بالتعسف، فإن الحديث يصرح بأن القنطرة بين الجنَّة والنار وهو يقول: إنها طرف الصراط، ويقول: إنها قنطرة مستقلة بالإدراك، وما غَيَّ هذا القائل إِلَّا قول الداودي، يحتمل أن المراد بالقنطرة طرف الصراط. وقول الكرماني: هذا الحديث يشعر بأن في القيامة جسرين، فالجواب أنّه واحد فلابد من تأويله أن هذه القنطرة من تتمّة الصراط. ¬

_ (¬374) فتح الباري (5/ 96).

قال (ع): الحديث ينادي بأعلى صوته أن القنطرة غير الصراط لا من تتمته، وسواء ثبت أم لم يثبت لا يحتاج إلى التّأويل الذي ذكره (¬375). قلت: وردت أحاديث تدل على أن الصراط واحد، ودعوى التعدد تحتاج إلى دليل لا احتمال فيه، وإذ لم يوجد تعين التّأويل. ¬

_ (¬375) عمدة القاري (12/ 285 - 286).

417 - باب من كانت له مظلمة

417 - باب من كانت له مظلمة ذكر فيه حديث أبي هريرة: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيِه مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيء فَلْيَتَحلّل مِنْه اليَوْمَ". قال (ح): اللام في قوله "لَهُ" بمعنى على أي من كانت عليه مظلمة، وسيأتي في الرقائق من رواية مالك: "مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ" (¬376). قال (ع): لا يحتاج إلى قوله: اللام بمعنى (على) بل هي بمعنى (عند)، والحديث يفسر بعضه بعضًا (¬377). ¬

_ (¬376) فتح الباري (5/ 101). (¬377) عمدة القاري (12/ 293 - 294).

418 - باب هل [لا] يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره

418 - باب هل [لا] يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره قال (ح): قد قوي الشّافعيّ القول بالوجوب في القديم بأن عمر قضى به ولم يخالفه أحد من أهل عصره وكان اتفاقًا منهم على ذلك (¬378). قال (ع): هذا مجرد دعوى تحتاج إلى إقامة الدّليل (¬379). قلت: إن أراد ثبوت النقل عن عمر بذلك فقد ساقه (ح) بسند صحيح إلى عمر -رَضِيَ الله عَنْهُ-، وإن أراد إقامة الدّليل على الاتفاق فعسى. ¬

_ (¬378) فتح الباري (5/ 111). (¬379) عمدة القاري (13/ 11).

419 - باب النهبي بغير إذن صاحبه

419 - بَابُ النُّهْبَى بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ ذكر فيه حديث أبي هريرة: "لَا يَزْني الزَّانِي [حيِنَ يَزْنِي] وَهُوَ مُؤْمِن، وفيه: "وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ" (¬380). قال (ح): يستفاد التقييد بالإذن في التّرجمة من قوله: "يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُم" لأنّ رفع الأبصار إلى المنتهب، إنّما يكون في العادة عند عدم الإذن (¬381). قال (ع): هذا الجواب سبق إليه الكرماني فأخذه (ح) ولم ينسبه إليه. قاله: وقال الكرماني أيضًا: فإن قيل النهب لا يتصور إِلَّا بغير إذن صاحبه فما فائدة التقييد؟ فأجاب أن المراد الإذن الإجمالي حتّى يخرج منها انتهاب السباع في الهِبَة من الموائد ونحوها. (¬382). قلت: عاب على (ح) موافقة كلامه لكلام الكرماني فجزم أنّه أخذه منه ولم ينسبه إليه، وهذا في السير فماذا يقول (ح) وهذا المعترض يأخذ من كلامه الورقة وأكثر ولا ينسب إليه منها شيء، حتّى أن في الباب السابق قريبًا ذكر ما قرره (ح) فقال في آخره: وهذا لم أر أحدًا من الشراح حقق هذا الموضع. ¬

_ (¬380) في النسخ الثلاث "وهو حين ينهبها" والتصّحيح من صحيح البخاريّ. (¬381) فتح الباري (5/ 120). (¬382) عمدة القاريء (13/ 26).

420 - باب- هل تكسر الدنان التي فيها الحمر أو تحرق الرماق فإن كسر صنما أو صليبا أو طنبورا أو ما لا ينتفع بخشبه

420 - باب- هل تكسر الدنان الّتي فيها الخمر أو تحرق الرماق فإن كسر صنمًا أو صليبًا أو طنبورًا أو ما لا ينتفع بخشبه قال (ح): كذا لهم ولم يذكر الجواب والتقدير: هل يتضمن قيمته أو لَا. وقال الكرماني: أو ما لا ينتفع بخشبه يعني من آلات الملاهي المتخذة من الخشب فهو تعميم بعد تخصيص، ويحتمل أن تكون أو بمعنى إلى أن، والتقدير فإن كسر طنبورًا إلى حد لا ينتفع بخشبه أوهو معطوف على مقدر أي كسرًا ينتفع بخشبه ولا ينتفع بعد الكسر. قال (ح): ولا يخفى تكلف هذا الأخير وبعد الذي قبله (¬383). قاله (ع): الكرماني جوز لكلمة "أو" ثلاثة معان أن يكون عطفًا على ما قبله، أو تكون بمعنى إلى أن كقوله: لألزمنك أو تقضيني حقي، وهو كثير في كلامهم، أو يكون على حذف شيء مقدر، وكل منها كثير في كلام العرب، فلا تكلف فيه ولا بعد، وإنّما يكون التكلف فيما يؤتى الكلام بالجر الثقيل (¬384). قلت: ورود كلّ من الثّلاثة سائغ إذا كان الكلام مقبولًا للسامغ غير محتاج إلى تأويل، وأمّا إذا كان خلاف ذلك فإنّه يستبعد. ¬

_ (¬383) فتح الباري (5/ 122). (¬384) عمدة القاري (13/ 29).

قوله: قال أبو عبد الله: كان ابن أبي أويس يقول: الحمر الأَنَسية بنصب الألف والنون وليس بشيء، وتعقبه ابن الأثير بأنّه إن أراد ليس بمعروف في اللُّغة، ولا نسلم فإنّه مصدرًا نصب به أنس أنسًا وأنسة. قال (ح): تعبيره عن الهمزة بالألف وعن الفتح بالنصب جائز عقلًا عند المتقدمين، وإن كان الاصطلاح عند المتأخرين فلا [يبادر إلى إنكاره] (¬385). قال (ع): هذا ليس بمصطلح عند النحاة المتقدمين والمتأخرين، إنهم يعبرون عن الهمزة بالألف وعن الفتحة بالنصب، ومن ادعى [خلاف ذلك] فعليه البيان، فإن الهمزة ذات حركة والألف اللينة لا تقبل الحركة، والفتح من ألقاب البناء والنصب من ألقاب الإعراب (¬386). قلت: ما زاد على إنكار النقل وهو موجود، وكأنّه ينادي على نفسه بقلة الإصلاح مع دعواه الصريحة بأنّه في هذا لا يلحق. ¬

_ (¬385) فتح الباري (5/ 122). (¬386) عمدة القاري (13/ 31) وما بين المعكوفين من الفتح والعمدة كما أننا حذفنا كلمة "لا" قبل الفتحة لتصح العبارة وتتفق مع ما في العمدة.

كتاب الشركة

كتاب الشركة 421 - باب الشركة في الطّعام ذكر فيه حديث أبي موسى في فضل الأشعريين: "وَإنَّهُمْ إِذاَ أَرْمَلُوا جَمعُوا ما كَاَن عِندَهُمْ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ". قال (ح): فيه جواز هبة المجهول (¬387). قال (ع): ليس شيء في الحديث يدل على هذا، فإن الهِبَة تمليك المال، وهذا إنّما فيه الإباحة (¬388). ¬

_ (¬387) فتح الباري (5/ 130). (¬388) عمدة القاري (13/ 44).

422 - باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه

422 - باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه قال (ع): هذا بمعزل عن الصواب فإنّه لم يذكر هنا قسم ولا مال حتّى يعود الضمير إليه، بل الضمير يعود على القسمة التذكير باعتبار القسمة هنا بمعنى القسم.

423 - باب الشركة في الطعام وغيره

423 - باب الشركة في الطّعام وغيره قال. (ح): أي من المثليات (¬389). قال (ع): الأولى أن يقول: أي ما يجوز تملكه (¬390). ¬

_ (¬389) فتح البارى (5/ 136). (¬390) عمدة القاري (3/ 62).

كتاب العتق

كتاب العتق 424 - باب إذا أعتق عبدًا بين اثنين ذكر فيه حديث ابن عمر: "مَنْ أَعْتَقَ شرْكًا لَهُ في مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ". قال (ح): كله بجر اللام تأكيدًا للضمير المضاف أي عتق العبد كله (¬391). قال (ع): ليس هنا ضمير مضاف حتّى يكون له تأكيد (¬392). ¬

_ (¬391) فتح الباري. (5/ 153). (¬392) عمدة القارئ (13/ 83) وتفسير الحافظ لما قرره يظهر أنّه تأكيد للضمير المضاف إليه، وتفسيره قرينة واضحة على ذلك.

425 - باب الحطأ والنسيان في العتاق والطلاق ونحوه

425 - باب الخطأ والنِّسيان في العتاق والطلاق ونحوه قال (ح): أي من التعليقات (¬393). قال (ع): هذا التفسير ليس بظاهر ولا له معنى يفيد (¬394). قوله: وقال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لِكُلِّ امْرِء ماَ نوى" ولا نيّة للناس والمخطيء. قال (ح): يحتمل أن يكون أشار إلى الحدّ الذي ذكره أهل الفقه والأصول كثيرًا بلفظ: "رَفَعَ الله عَنْ أُمَّتِي الخطَأ والنِّسيانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ". أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عبّاس بلفظ "وضع" بدل "رفع". والدارقطني والطحاوي والطبراني بلفظ: "تَجَاوَزَ الله" (¬395). قال (ع): كأنّه أشار إليه لأنّه يقتضي أن لا يترتب على النَّاس والمخطىء حكم لعدم النية، فإذا كان كذلك فلا يقع الحديث على الناسي والمخطيء إذ لا إختيار له والجواب عنه أن الاختيار أمر باطن فلا يصح تعلّق الحكم به (¬396). ¬

_ (¬393) فتح الباري (5/ 160). (¬394) عمدة القاري (13/ 86). (¬395) فتح الباري (5/ 160 - 161). (¬396) عمدة القاري (13/ 87).

426 - باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه

426 - باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه ذكر فيه حديث أبى هريرة: "إِذاَ ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ اْلوَجْهَ". قال (ح): وقع في رواية همام الّتي لم يسق البخاريّ لفظها: "إذا قَاتَلَ" وسائر الروايات بلفظ "ضَرَبَ" فيستفاد منه أن قاتل بمعنى قتل، وأن المفاعلة ليست على ظاهرها (¬397). قال (ع): بل المفاعلة على حالها التناول ما يقع عند أهل الحق مع البغاة وعند دفع الصائل ... الخ (¬398). قلت: قد قال (ع) عقب قوله: ليست على ظاهرها ما نصه ويحتمل أن يكون على ظاهرها ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلًا .... إلى آخر الكلام، فأخذ من كلامه أحد الاحتمالين ورده بالاحتمال الثّاني، وقد ذكرهما (ح) معًا ليوهم (ع) أنّه استدرك واعترض وتفطن لما لم يتفطن له (ح) والله المستعان. ¬

_ (¬397) فتح الباري (5/ 182). (¬398) عمدة القاري (13/ 115).

427 - باب استعانة المكاتب وسؤال الناس

427 - باب استعانة المكاتب وسؤال النَّاس قال (ح): هو من عطف الخاص على العام، لأنّ الاستعانة تقع بالسؤال وبغيره (¬399). قال (ع): كأنّه ما التفت إلى سين الاستعانة، فإنها للطلب، والطلب لا يكون إِلَّا من غيره (¬400). قلت: هذا الحصر مردود. قوله: "وَاشْتَرطي لَهُمُ اْلوَلَاءَ". قال (ح): ذكر الطحاوي أن المزني حدثه عن الشّافعيّ بلفظ "وَأَشترِطي" بهمزة قطع بغير مثناة، ومعناه أظهري واستشهد على ذلك وأنكر غيره هذه الرَّواية, والذي في مختصر المزني والأم وغيرهما عن الشّافعيّ كرواية الجمهور (¬401). قال (ع): لا محالة لإِنكارها، لأنّ كلًا من الطحاوي والمزني ثقة ثبت لا يشكّ فيما رواه، ولا يلزم أن يكون هذا الذي نقله الطحاوي عن المزني أن يكون الشّافعيّ ذكره في الأم، فإن المزني أعرف بحاله (¬402). قلت: انظر وتعجب. ¬

_ (¬399) فتح الباري (5/ 190). (¬400) عمدة القاري (13/ 121). (¬401) فتح الباري (5/ 191). (¬402) عمدة القاري (13/ 122) ومن المعلوم أن الحافظ لم يطعن في الرِّواية حتّى ورد عليه، بل قال: إنّه كلفظ الجمهور في الأم والمختصر.

كتاب الهبة

كتاب الهِبَة قال (ح): الهِبَة بكسر الهاء وتخفيف الموحدة تطلق بالمعنى الأعم على أنواع الأبراء والصدقة والهدية، ومن قيدها بالحياة أخرج الوصيَّة وهي منقسمة إلى الأنواع الثّلاثة ويعضد الهِبَة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل وعليه ينطق قول من عرف الهِبَة بأنّها تمليك بلا عوض (¬403). قال (ع): أخذ بعضه من كلام الكرماني، وتقسيم الهِبَة إلى الأنواع المذكورة ليس بالنظر إلى معناها الشرعي وإنّما هو بالنظر إلى معناها اللغوي لأنّ الأنواع المذكورة إنّما تنطبق على المعنى اللغوي لا الشرعي (¬404). كذا قال. قوله: قلت: ما حالة ما كان يعُشكم؟ قال (ح): وقع في بعض النسخ يغنيكم بسكون المعجمة بعدها نون مكسورة ثمّ تحتانية ساكنة (¬405). قال (ع): كأنّه تصحف عليه فجعله من الإِغناء، ليس هو إِلَّا من القوت، فعلى قوله تكون هذه رواية رابعة فتحتاج إلى البيان (¬406). كذا قال. ¬

_ (¬403) فتح الباري (5/ 197) كذا في النسخ الثلاث "ويعضد" والذي في الفتح "وتطلق الهِبَة". (¬404) عمدة القاري (13/ 125). (¬405) فتح الباري (5/ 198). (¬406) عمدة القاري (13/ 127).

428 - باب قبول الصدقة [الهدية]

428 - باب قبول الصَّدقة [الهدية] (¬407) ذكر فيه حديث الصعب بن جثامة وفيه: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أنَّا حُرُمٌ". قال (ح): شاهد التّرجمة مفهوم قوله: "لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إِلَّا أنَّا حُرُمٌ" أي ولو كنا غير حرم لقبلناه (¬408). وقال (ع): مطابقته للترجمة. قوله: أهدى وهذا أولى ممّا قال (ح) نعم يتمشى ما قاله على رواية أبي ذر فإنّه ترجم لحديث الصعب، باب قبول الصدقة (¬409). ¬

_ (¬407) في النسخ الثلاث "قبول الصَّدقة" وهو خطأ صححناه من صحيح البخاريّ. (¬408) فتح الباري (5/ 203). (¬409) عمدة القاري (13/ 132). قال البوصيري (ص 254) وبعد التأمل ظهر أن ما لابن حجر أوجه، لكونه دليل الخطاب، فلا غبار عليه، وأما ما للعيني فصالح لأن يكون لو كانت التّرجمة لطالب القبول لا لعدم القبول، وقوله إنّما يتمشى على رواية باب قبول الهدية، لأني لم أر فرقًا بين باب قبول هدية الصَّيد وباب قبول الهدية، فتأمله والخطب سهل.

429 - باب قبول الهدية

429 - باب قبول الهدية قوله في حديث عائشة: "سألتك [يناشدنك] العدل في بنت أبي قحافة". قال (ح): معناه التسوية في كلّ شيء من المحبة وغيرها (¬410). قال (ع): بل المعنى التسوية بينهن في المحبة المتعلّقة بالقلب لأنّه كان يسوي بينهن في الأفعال المقدورة (¬411). قلت: كأنّه ما رأى أصل الحديث في تحري النَّاس بهداياهم يوم عائشة. ¬

_ (¬410) فتح الباري (5/ 207). (¬411) عمدة القاري (13/ 137).

430 - باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل

430 - باب الهِبَة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئًا لم يجز حتّى يعدل قال (ح): في التّرجمة إشارة إلى ضعف الحديث المشهور: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأبيِكَ" أو إلى تأويله (¬412). قال (ع): بأي وجه تدل هذه التّرجمة إلى ضعف هذا الحديث، فلا وجه لذلك أصلًا (¬413). قلت: استراح هذا حيث تعب النَّاس. قوله: إنِّي تحملت ابني هذا غلامًا. قال (ح): وقع عند ابن حبّان من طريق أبي جرير عن الشّعبيّ أن والده بشير بن سعد قال: إن عمرة نفست بغلام، وإني سميته النعمان، وأنّها أبت أن تربيه حتّى جعلت لها حديقة. وجمع ابن حبّان بين الروايتين بالحمل على واقعتين: إحداهما: عند ولادة النعمان، وكانت العَطِيَّة [حديقة، والأخرى بعد أن كبر النعمان، وكانت العطيّة] عبدًا وهو جمع لا بأس به إِلَّا أنّه يعكر عليه أنّه يتعذر [بعد] أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتّى يعود فيستشهد بعد أن قيل له في الأولى لا أشهد (¬414). ¬

_ (¬412) فتح الباري (5/ 211). (¬413) عمدة القاري (13/ 142). (¬414) فتح الباري (5/ 212 - 213).

قال (ع): لا بعد في هذا أصلًا، فإن الإِنسان مأخوذ من النِّسيان، وهموم أحوال الدنيا، وعموم أحوال الآخرة تنسي أي نسيان، والنِّسيان غالب حتّى قيل: إنَّ الإنسان مأخوذ من النِّسيان (¬415). قلت: هكذا تكون البلاغة أولى الأجوبة ممّن خالف ظاهر الحديث. قال (ح): ثانيها: أن العطيّة لم تتنجز وإنّما جاء بشير والد النعمان يستشير النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، فأشار إليه أن لا يفعل، فترك ثمّ قال: وفي أكثر طرق الحديث ما ينابذه، حكاه الطحاوي (¬416). قال (ع) هذا كلام من لا إنصاف له لأنّه يقصد بهذا تضعيف ما قاله الطحاوي مع أنّه لم يقل هذا إِلَّا مُسْنَدًا لما في بعض طرق الحديث أنّه قال: إنِّي نحلت ابني هذا غلامًا، فإن أذنت أن أجيزه له أجزته (¬417). قلت: جوابه يأتي في الذي بعده. قال (ح): ثالثها: أن النعمان كان كبيرًا، ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع، ذكره الطحاوي أيضًا وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصًا قوله: "أرجِعْهُ" فإنّه يدلُّ على تقدّم وقوع القبض (¬418). قال (ع): هذا أيضًا طعن في كلام الطحاوي من غير وجه ومن غير إنصاف، لأنّه لم يقل هذا أيضًا إِلَّا وقد أخذه من الذي أخرجه من وجه ¬

_ (¬415) عمدة القاري (13/ 146). (¬416) فتح الباري (5/ 214) وهو جواب من أجوبة من حمل الأمر بالتسوية على الندب. (¬417) عمدة القاري (13/ 147). (¬418) فتح الباري (5/ 214).

آخر عن النعمان نحلني أبي غلامًا فأمرتني أمي أن أذهب إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لأشهده، فهذا يدلُّ على أن النعمان كان كبيرًا لقول أمه: اذهب (¬419). قلت: في حديث الباب: أن أباه أتى به، وفي الشهادات: سألت أمي أبي بعض الموهوبة لي من ماله، زاد مسلم: فالتوى بها سنة. ولابن حبّان: بعد حولين ثمّ بدًا له فوهب لي فقالت: لا أرضى حتّى تستشهد فأخد بيدي وأنا غلام. وفي رواية لمسلم: انطلق بي يحملني، وجمع بينهما بأنّه مشى به بعض الطريق وحمله في بعضها، ومجرد قول الأم لولدها: اذهب مع أبيك لا يقتضي الكبر المطلوب في الاحتمال، فإنّه يستلزم البلوغ حتّى يمكنه القبض لنفسه، والواقع في كتب المحدثين قاطبة أن النعمان ولد في أول سنة من الهجرة أو بعد ذلك فلم يكمل بعد وفاة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عشر سنين، فكيف يسوغ لمن اطلع على ذلك وأسنده، وتحققه أن يبرز الاحتمال العقلي أنّه كان عند العطيّة بالغًا لولا التعصب. قال (ح): وفيه نظر مع وجود النص (¬420). قال (ع): إنّما يمتنع من ذلك ابتداء، وأمّا إذا عمل بالنص على وجه من الوجوه، ثمّ إذا قيس ذلك الوجه إلى وجه آخر لا يقال إنّه عمل بالقياس مع وجود النص (¬421). قلت: انظروا وتعجبوا. ¬

_ (¬419) عمدة القاري (13/ 147). (¬420) فتح الباري (5/ 214). (¬421) عمدة القاري (13/ 147).

431 - باب من أهدى له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق

431 - باب من أهدى له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق وذكر فيه أوَّلًا حديث ابن عبّاس معلقًا وقال: لم يصح. ثمّ ذكر حديث ابن عمر أنّه كان مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في سفر علي بكر صعب ... الحديث، وفيه: هو لك يا عبد الله فاصنع به ما شئت. قال الإسماعيلي: هذا الحديث لا دخل له في هذا الباب. وأجاب ابن بطّال بأنّه وهب لابن عمر البعير، وهو مع النَّاس الذين سافروا مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فلم يشاركوه فيه. قال (ح): وهذا مصير من المصنف إلى إلحاق الهدية بالهِبَة في هذا الحكم (¬422). قال (ع): قول ابن بطّال عجيب، لأنّ الشخص إذا وهب لأحد شيئًا وهو بين النَّاس، فهل يتوهم فيه أنّهم يشاركونه حتّى يقال هذا بل كلّ منهم يتحقق أنّه الأحق لتعيينه لذلك، وأمّا قول الآخر فهو أعجب من ذلك، وكيف يكون: بينهما اتحاد في الحكم بل بينهما تغاير في الحكم وتباين لأنّ الهِبَة عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب وقبول [وقبض، والهدية ليست كذلك، وأيضًا قد يشترط العوض في الهِبَة ولا يشترط في الهدية] (¬423). ¬

_ (¬422) فتح الباري (5/ 228). (¬423) عمدة القاري (13/ 165).

432 - باب قبول الهدية من المشركين بيعا أو هبة

432 - باب قبول الهدية من المشركين بيعًا أو هبة قال (ح): فيه فساد قول من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي، لأنّ هذا الأعرابي كان وثنيًا (¬424). قال (ع): ليس فيه ما يدل على ذلك فإن كان عرف من خارج فعليه البيان (¬425). قوله في حديث عبد الرّحمن بن أبي بكر الصديق: ألا أعطاها إياه. قال (ح): هومن القلب والأصل أعطاه إياها (¬426). قال (ع): لا حاجة إلى دعوى القلب، بل العبارتان سواء في الاستعمال (¬427). ¬

_ (¬424) فتح الباري (5/ 232). (¬425) عمدة القاري (13/ 172) قال البوصيرى (ص 254) لا يخفى على أحد أن الوثنى نسبة إلى الوثني الذي هو الصنم، وإنّما نسب إليه لكونه معبوده الذي به صار مشركًا لله تعالى في وحدانيته، ومشركوا العرب في أرض الحجاز كلهم وثنيون مشركون، فعلم ابن حجر بوثنية هذا الرَّجل إنّما هو من لفظ مشرك في صلب الحديث، فلا حاجة إلى إقامة البينة من الخارج الّتي يطلبها منه العيني رحمه الله تعالى. (¬426) فتح الباري (5/ 232). (¬427) عمدة القاري (13/ 172).

433 - باب لا يحل لأحد أن يرجع في وهبته

433 - باب لا يحل لأحد أن يرجع في وهبته اعترض على هذه التّرجمة بأنّها نكرة في سياق النفي فتعم بجواز رجوع الوالد فيما وهب لولده. قال (ح): لعلّه كان يرى صحة الرجوع وإن كان يحرم عليه بغير عذر. قال (ع): سبحان الله ما أبعد هذا عن منهج الصواب، لأنّه كيف يرى صحة شيء مع كونه حرامًا، وبين الصِّحَّة والحرام منافاة. قلت: ما نفاه مردود، ولذلك أمثلة، فالصلاة في الأرض المغصوبة تحرم وتصح بمعنى أنّها تجزئ وتسقط الطلب، وكالبيع المستوفي الشروط في وقت النِّداء، يصح العقد ويحرم الفعل، ومن لا يستحضر مثل هذا فما باله يهجم بالاعتراض. ثمّ قال (ح): أخرج الطحاوي الحديث بلفظ: لا يحل، لا يستلزم التّحريم وإنّما معناه لا يحل له من حيث يحل لغيره، وأراد بذلك التغليظ في الكراهة. قال: وكذا قوله كالكلب بل يدل على عدم التّحريم، لأنّ الكلب ليس بمتعبد فالقيء ليس حرامًا عليه وإنّما أراد التنزيه عن التشبيه بفعل الكلب، وهذا الذي تأوله مستبعد ومنافر لسياق الأحاديث، وإن عرف الشّرع في مثل هذا إرادة المبالغة في الزجر كقوله: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَ شيِرِ فكَأَنَّمَا غَمَسَ

يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخنْزيِرِ وَدَمِهِ" (¬428). قال (ع): المستبعد ما قاله هذا، حيث لم يبين وجه الإستبعاد ولا وجه المنافرة، ونحن ما ننفي المبالغة فيه بل نقول: المبالغة للتغليظ في الكراهة وقبح هذا الفعل، ومع ذلك لا يقتضي منع الرجوع (¬429). قوله: ¬

_ (¬428) فتح الباري (5/ 235). (¬429) عمدة القاري (13/ 174).

434 - باب

434 - باب كذا هو بلا ترجمة. ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أعطى صهيبًا بيتين وحجرة. قال ابن بطّال: ذكره في الهِبَة لأنّ فيه الهِبَة لصهيب. وقال ابن التين: أورده هنا لأنّ العطايا نافذة. قال (ح): مناسبته للترجمة لأنّها كالفصل من الباب الذي يليه أن الصّحابة بعد ثبوت العطيّة لصهيب لم يستفصلوا هل رجع أم لا، فدل على أنّه لا أثر للرجوع في الهِبَة (¬430). قال (ع): أمّا ما ذكره ابن بطّال وابن التين فله وجه، وأمّا قول الآخر فلا وجه له أصلًا، بل الوجه الحسن أنّه أشار به إلى أن حكم الهِبَة عند وقوع الدعوى بين المتواهبين أو بين ورثتهم كحكم سائر الدعاوى فيما يحتاج إليه الحكم من اقامة البينة واليمين وغير ذلك (¬431). قلت: يلزم من الاكتفاء بشهادة الواحد فإن في هذه القصة أن مروان عمل بشهادة ابن عمر لهم بذلك. وقد قال (ع) بعد ذلك لما حكى قول ابن بطّال: أن مروان قضى بشهادة ابن عمر مع يمين الطالب، أنّه اعترض عليه بأنّه ليس في الحديث ¬

_ (¬430) فتح البارى (5/ 235 - 236). (¬431) عمدة القاري (13/ 175).

ذكر لليمين لقوله: القاعدةُ المستمرة بنفي الحكم بشاهد واحد، ولابد من شاهد آخر أو من يمين مع الشّاهد. انتهى (¬432). ولم ينقل أنّه كان معه شاهدًا آخر فتعين وجود اليمين علي زعمه وهو مخالف لمذهبه. ¬

_ (¬432) فتح الباري (5/ 237).

435 - باب فضل المنيحة

435 - باب فضل المنيحة قوله في حديث أنس: لما قدم المهاجرون المدينة ... إلى أن قال: وكانت أمه أم أنس. قال (ح): الذي يظهر أن من هنا .... إلى قوله: أم أسامة بن زيد من كلام الزّهريُّ، ويحتمل أن يكون من روايته عن أنس فيحمل على التجريد (¬433). قال (ع): ظاهر السياق أنّه من رواية الزّهري عن أنس فيكون من باب التجريد (¬434). قلت: لوكان كذلك لما احتاج الزّهري أن يقول بعد: وخيرني أنس .... فذكر بقية الحديث. ¬

_ (¬433) عمدة القارئ (13/ 176). (¬434) عمدة القارئ (13/ 177).

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات 436 - باب ما جاء أن البينة على المدعي ذكر فيه الآيتين فقط. قال (ح): لعلّه أشار إلى الحديث الماضي قريبًا في آخر باب الرَّهْن عن ابن عبّاس أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قضى أن اليمين على المدعى عليه (¬435). قال (ع): هذا فيه بعد لا يخفى (¬436). ¬

_ (¬435) فتح الباري (5/ 244). (¬436) عمدة القاري (13/ 186).

437 - باب إذا شهد شاهد أو شهود

437 - باب إذا شهد شاهد أو شهود .... إلى أن قال: يحكم بقول من شهد. قال (ح): هو وفاق من أهل العلم إِلَّا من شذ (¬437). قال (ع): فيه خلاف، ثمّ حكي كلام عيسى بن أبان أنّهما يتعارضان فلا يقدم أحدهما على الآخر إِلَّا بدليل (¬438). قلت: قد أشار إليه (ح) بقوله: من شذ. وقال (ح): مطابقة حديث عقبة بن الحارث للترجمة أن للمرضعة أثبتت الرضاع ونفاه عقبة فأمر بمفارقة المرأة فعمل بشهادة البينة إمّا وجوبًا عند من تمسك به، وإما ندبًا على طريق الورع (¬439). قال (ع): في هذا نظر لأن نفيه مجاز، ولو قال يدخل تحت قوله: ما عملت لكان أقرب (¬440). ¬

_ (¬437) فتح البارى (5/ 248). (¬438) عمدة القاري (13/ 191). (¬439) فتح البارى (5/ 251). (¬440) عمدة القاري (13/ 198).

438 - باب لا يشهد على شهادة جور

438 - باب لا يشهد على شهادة جَوْرٍ ذكر فيه رواية الثّوريّ عن منصور عن عبيدة عن عبد الله عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِيِنَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ". قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشّهادة والعهد. قال (ح): قوله: وقال إبراهيم: هو موصول بالسند المذكور، ووهم من زعم أنّه معلق (¬441). قال (ع): لم يقم الدّليل على أنّه وهم بل هو كلام الاحتمال (¬442). قلت: من عمل بالظاهر تكلم بالاحتمال، والأحكام لا يشترط فيها القطع، فهذا المعترض معزي بالاعراض في كلّ حال مع أنّه مستند (ح) موجود في أثناء شرح هذا الباب لمن تأمل وأنصف. ¬

_ (¬441) فتح الباري (5/ 251) (¬442) عمدة القاري (13/ 199)

439 - باب ما قيل في شهادة الزور لقول الله -عز وجل-: {والذين لا يشهدون الزور}

439 - باب ما قيل في شهادة الزور لقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدوُنَ الزُّور} (¬443) (¬444) قال (ح): أشار بذكر هذه الآية إلى أنّها سيقت في مدح تارك الزور، ومفهومها ذم متعاطي شهادة الزور وهو اختيار منه لأحد ما قيل في تفسيرها (¬445). قال (ع): ما سيقت إِلَّا في مدح تارك شهادة الزور ولم يقل به أحد من المفسرين، وإنّما اختلفوا في تفسير الزور، فقيل الشرك، وقيل: شهادة الزور، وقيل: الصنم. وقيل: مجالس الخناء، وقيل: مجالس المشركين، وقيل: المجلس الذي كان يسب فيه الرسول، وقيل: المعهود على المعاصي (¬446). قلت: آخر كلامه يثبت ما قاله (ح) بأن يتعاطي بيان مجمله فيقرره ويبرزه أوَّلًا في صورة المنكر عليه، ودعواه الحصر أغرب. ¬

_ (¬443) فتح الباري (5/ 261). (¬444) عمدة القاري (13/ 214). (¬445) فتح الباري (5/ 261). (¬446) عمدة القاري (13/ 215) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 255 - 256) حيث أيد الحافظ ابن حجر في وجود الخلاف الذي قاله بعد أن نقل عبارة الكشاف في تفسير الآية، ثمّ قال: فاكتفيت به -أي قول الزمخشري- عن مراجعة كتاب آخر -لاقتناعي بوجود الخلاف الذي قاله من يقال فيه -الحافظ ابن حجر - إذا قالت حزام. فاعرفه.

440 - باب بلوغ الصبيان وشهادتهم

440 - باب بلوغ الصبيان وشهادتهم قال (ح): وفي قول عمر بن عبد العزيز: إنَّ هذا لحد بين الصغير والكبير لا تتوقف إجازة الإمام في حديث ابن عمر فيما يتعلّق تعريفه ورده قبل خمس عشرة سنة للصبي في القول على البلوغ عند المالكية والحنفية، بل الاعتبار عندهم لمن يكون فيه قوة ونخوة، فرب مراهق أقوى من بالغ، وحديث عمر حجة عليهم (¬447). قال (ع): ليس ذلك حجة عليهم أصلًا، فإن حكم المراهق كحكم البالغ حتّى لو قال: بلغت بصدق (¬448). ¬

_ (¬447) فتح الباري (5/ 279). (¬448) عمدة القاري (13/ 242).

441 - باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود

441 - باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود ذكر فيه ما دار بين شبرمة وأبي الزِّناد في الشّاهد واليمين، وأورد الأحاديث الواردة فيه نحو عشرين صحابيًا أو أزيد، وعارض من لم يقل أنّه زائد على الكتاب بأنّهم عملوا بأحاديث زائدة على الكتاب واعتذروا بأنّها مشهورة. فأطال (ع) في التعصب بما لا طائل فيه، فلم أتشاغل بكتابته لأنّ حاصلها أن الشهرة في اصطلاحهم أن يشتهر عند الجميع. قال: وهذا الحديث اشتهر عندهم ولم يشتهر عنده (¬449). قلت: وهذا الجواب كاف في انقطاع حجته. قوله: ¬

_ (¬449) فتح الباري (5/ 280 - 283) وعمدة القاري (13/ 244 - 247).

442 - باب

442 - باب كذا فيه بغير ترجمة وفيه حديث الأشعث: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ". قال (ح): استدل به على رد القضاء بالشّاهد واليمين، وأجيب بأن المراد بقول: "شَاهِدَاك" أي بينتك سواء كانت رجلين أو رجلًا وامرأتين، أو رجلًا ويمين الطالب (¬450). قال (ع): هذا تأويل غير صحيح، فسبحان الله كيف يدل قوله: "شَاهِدَاكَ" على [رجل وامرأتين، أو على] رجل ويمين، واللفظ صريح فمن أين يأتي هذا التّأويل البعيد (¬451). قلت: الملجيء إلى هذا التّأويل ثبوت الحديث باعتبار الشّاهد واليمين، ولأن قوله: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُه" لم يقل أحد بالحصْر الذي ظاهره لثبوت العمل بالشّاهد الواحد والمرأتين، فدل على أن لفظه غير مراد، وإنّما المراد معناه وهو البينة، وإنّما خص الشّاهدين بالذكر لكونهما أكثر وأغلب، فاقتصر على التلفظ بهما إيجازًا وبالله التوفيق. ¬

_ (¬450) فتح الباري (5/ 283). (¬451) عمدة القاري (13/ 248) ولين ما بين المعكوفين في العمدة.

443 - باب القرعة في المشكلات

443 - باب القرعة في المشكلات ذكر فيه حديث النعمان بن بشير: "مَثَلُ اْلمُدْهِنِ في حُدوُدِ الله وَاْلوَاقِعِ فِيهَا" وتقدم في الشركة بلفظ: "مَثَلُ اْلقْائِمِ عَلى حُدُودِ الله وَاْلَواقِعِ فِيهَا" وهو الصواب، لأنّ المدهن والواقع واحد في الحكم والقائم مقابلهُ. وقد وقع هذا للإسماعيلي: مثل المدهن، وهما نقيضان، والجواب، بأنّه حيث قال: القائم نظر إلى جهة النجاة، وحيث قال: المدهن نظر إلى جهة الهلاك، والتشبيه مستقيم على الحالتين. قال (ح): لا يستقيم الذي وقع هنا وهو الاقتصار على ذكر المدهن وهو التارك للأمر بالمعروف، وعلى ذكر الواقع في الحد وهو المعاصي وكلاهما هلاك، فالذي يظهر أن الصواب ما تقدّم في الشركة، ويؤيده ما وقع عند الإسماعيلي أيضًا: "مثَلُ اْلقَائِمِ عَلى حدُوُدِ الله وَمَثَلُ اْلوَاقِعِ فِيهَا"، "وَالْمُدْهِنِ فِيهَا" فجمع الثّلاثة وهو الواقع في المعصية، والمداهن فيها والواقع فيها (¬452). قال (ع): لا وجه لاعتراضه على الكرماني، لأنّ سؤاله وجوابه بَناهما على ما وقع هنا، ولم يبين كلامه على التارك للأمر، والواقع في الحد فلا يرد عليه شيء أصلًا فإنهما موضع يحتاج إلى التأمل (¬453). ¬

_ (¬452) فتح الباري (5/ 295). (¬453) عمدة القاري (13/ 263).

كتاب الصلح

كتاب الصلح 444 - باب ليس الكاذب الذي يصلح بين النَّاس قال (ح): الأصل ليس من يصلح بين النَّاس كاذبًا لكنه ورد على طريق القلب وهو سائغ (¬454). قال (ع): المذكور هو حق القياس لأنّه لفظ الحديث، ودعوى القلب لا دليل عليه (¬455). ¬

_ (¬454) فتح الباري (5/ 299). (¬455) عمدة القاري (13/ 268).

445 - باب هل يشير الإمام بالصلح

445 - باب هل يشير الإمام بالصلح قوله في حديث عائشة: سمع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب عالية أصواتها. كذا فيه، والخصوم جمع خصم، والتثنية باعتبار المتنازعين، لأنّهما كانا اثنين. وقال الكرماني: هو على قول من قال: أقل الجمع اثنان. وقال (ح): ليس فيه حجة لمن صدر صيغة الجمع بلفظ التثنية كما زعم بعض الشراح (¬456). قال (ع): إنَّ كان مراده الكرماني فليس كذلك لأنّه لم يدع ذلك (¬457). قوله: يستوضع الآخر ويسترفقه. قال (ح): المراد بالوضع الحط من رأس المال وبالرفق الاقتصار عليه وترك الزيادة بدليل ما أخرجه ابن حبّان من وجه آخر بلفظ: "إنْ شِئْتَ وَضَعْتَ مَا نَقَصُوا، وَإنْ شِئْتَ مِنْ رَأسِ الْمَالِ فَوَضعَ مَا نَقَصُوا" (¬458). قال (ع): قد ذكر الشّيخ محي الدِّين أن المراد بالرفق في المطالبة وهو الإمهال (¬459). ¬

_ (¬456) فتح الباري (5/ 308). (¬457) عمدة القاري (13/ 285). (¬458) فتح الباري (5/ 308). (¬459) عمدة القاري (13/ 285 - 286).

كتاب الشروط

كتاب الشروط 446 - باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة قوله: وقال ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر أخذته بأربعة دنانير، وهذا يكون أوقية على حساب الدّينار بعشرة دراهم. قال (ح): قوله: الدّينار مبتدأ، وبعشرة خبره أي دينار ذهب بعشرة دراهم فضة (¬460). قال (ع): هذا تصرف عجيب ليس له وجه أصلًا لأنّ لفظ الدّينار وقع مضافًا إليه وهو مجرور بالإِضافة، ولا وجه لقطع حساب عن الإِضافة ولا ضرورة إليه والمعنى أصح ما يكون لأن معنى قوله: وهذا يكون وقته يعني أربعة دنانير يكون وقته على حساب الدّينار أي الدّينار الواحد بعشرة دراهم، ولقد تعسف في تفسير الدّينار بالذهب والدراهم بالفضة، لأن الدّينار لا يكون إِلَّا من الذهب، والدراهم لا تكون إِلَّا من الفضة ولا خفاء في ذلك (¬461). ¬

_ (¬460) فتح البارى (5/ 320). (¬461) عمدة القاري (13/ 296).

447 - باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك

447 - باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك قوله: لما فدع، بفتح الفاء وبالدال والعين المهملتين. قال (ح): ووقع في رواية ابن السكن بالعين المعجمة، وجزم به الكرماني وهو وهم (¬462). قال، (ع): ليس الكرماني أول من قال ذلك، وقد حكى الكرماني في أثناء كلامه أنّه بالمهملة (¬463). قلت: لم يقل (ح): إنّه انفرد بذلك. ¬

_ (¬462) فتح الباري (5/ 328). (¬463) عمدة القاري (13/ 305).

448 - باب الشروط في الجهاد

448 - باب الشروط في الجهاد قوله في حديث المسور ومروان: ويخلو بيني وبين النَّاس، فإن أظهر فإن شاؤوا. قال (ح): هو شرط بعد الشرط، والتقدير فإن ظهر غيرهم كفاهم المؤنة، وإن أظهرانا فإن شاؤوا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إِلَّا وقد جموا، أي استراحوا (¬464). قال (ع): من له إدراك في حل التراكيب ينظر في هذا هل هذا التفسير الذي فسره يطابق هذا الكلام أم لا؟ (¬465). قلت: هذا تفسير معنى يدرك مطابقته من فيه أدنى بصيرة. قال (ع): فإن قلت: ما معنى ترديده في هذا مع أنّه جازم بأن الله سينصره ويظهره عليهم؟ قلت: قاله على طريق التنزل مع الخصم وعلى سبيل الفرض والمجازاة معهم بزعمهم. وقال (ح): ولهذه النكتة حذف القسم الأوّل وهو التصريح بظهور غيره. ¬

_ (¬464) فتح الباري (5/ 338). (¬465) عمدة القاري (14/ 9).

قال (ع): قد وقع التصريح به في رواية ابن إسحاق ولفظه: فإن أصابوني كان الذي أرادوا (¬466). قلت: أغار على كلام (ح) فإدعاه وأبرزه في صورة السؤال والجواب وعبر بقوله في الجواب: قلت، موهمًا أنّه الذي تولى الجواب، ولم يكفه ذلك حتّى اعترض بشيء هو الذي استدركه على نفسه، وبيان ذلك أن (ح) قال متصلًا بكلامه، ووقع في رواية ابن إسحاق: وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، وإنّما ردد الأمر مع أنّه جازم بأن الله تعالى سينصره ويظهره لوعد الله تعالى له بذلك على طريق التنزل مع الخصم، وفرض الأمر على ما يزعم الخصم، ولهذه النكتة حذف القسم الأوّل، وهو التصريح بظهور غيره عليه، لكن وقع التصريح به في رواية ابن إسحاق ولفظه: فإن أصابوني كان الذي أرادوا، فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة أدبًا، ولابن عائذ من وجه آخر عن الزّهري، فإن ظهر النَّاس عليّ فذلك الذي يبتغون. قوله: قالوا إنّه بهمزة الكلمة، وهمزة الوصل فحذفت همزة الكلمة للتخفيف. وقال (ح): قالوا: إنها بألف وصل بعدها همزة ساكنة ثمّ مثناة مكسورة ثمّ هاء ساكنة ويجوز كسرها (¬467). قال (ع): ليس كذلك، لأنّه لا يقال ألف وصل وإنّما يقال همزة وصل، لأنّ الألف لا تقبل الحركة، وأمّا الهاء فهي ضمير لا يسكن إِلَّا عند الوقف، وليست هاء السكت ولا يقال يجوز كسرها بل كسرها متعين (¬468). قلت المراد بالجواز التخيير بين أن يسكت فيقف أو يصل فيكسر. ¬

_ (¬466) قارن فتح الباري (5/ 338) مع عمدة القاري (14/ 9). (¬467) فتح الباري (5/ 339). (¬468) عمدة القاري (14/ 10).

قوله: قال سهيل: والله لا تتحدث العرب إنا أخذنا ضُغطة. قال (ح): هو بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين ثمّ طاء مهملة أي قهرًا (¬469). قال (ع): وهم أن حرف لا دخل على يتحدث، وهذا ظن فاسد، وإنما مدخول لا محذوف تقديره: والله لا تتحدث العرب إن خلينا بينك وبين البيت إنا أخذنا ضغطة (¬470). قوله: قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ. قال (ح): وفي رواية بل بلفظ الإضراب (¬471). قال (ع): هذا فيه نظر وإنّما هو بحرف الإضراب (¬472). ¬

_ (¬469) فتح الباري (5/ 343). (¬470) عمدة القاري (14/ 13). (¬471) فتح الباري (5/ 345). (¬472) عمدة القاري (14/ 13).

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا قوله: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يوُصيِ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ". قال (ح): التقدير أن يبيت ليلتين وهو كقوله تعالى: {يُريكُمُ البَرْق} أي ومن آياته أن يريكم (¬473). قال (ع): هذا قياس فاسد وفيه تغيير المعنى، وإنّما قدر في الآية لأن قوله: ومن آياته في موضع الخبر، والفعل لا يقدر مبتدأ، فتقدير أن له ضمير في معنى المصدر، فيصح أن يكون مبتدأ ومن له ذوق في العربيّة يفهم هذا (¬474). قوله في حديث سعد: وهو يكره أن يموت بالأرض الّتي هاجر منها. قال الكرماني: هو كلام سعد حكى عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أو هو عام يحكي حال ولده. وقال (ح): يحتمل أن تكون الجملة حالًا في الفاعل والمفعول، وكل منهما محتمل [لأنّ كلا] من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -[ومن سعد]، كان يكره ذلك لكن إن كان حالًا من المفعول وهو سعد ففيه إلتفات لأنّ السياق يقتضي أن يقول: وأنا أكره (¬475). ¬

_ (¬473) فتح الباري (5/ 357). (¬474) عمدة القاري (14/ 28). (¬475) فتح الباري (5/ 364) وما بين المعكوفين من الفتح، وفي النسخ الثلاث "كان من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يكره ذلك" فحذفنا كلمة كان.

قال (ع): هذا لا يخلو عن تعسف، والظاهر من التركيب أن الجملة حال من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، والضمير في يكره يرجع إليه، والذي في يموت يرجع إلى سعد (¬476). قوله: حتّى اللقمة. قال (ح): بالنصب عطفًا على نفقة (¬477). قال (ع): فيه نظر (¬478). قوله: فينتفع بك ناس. قال: ابن التين: المراد بالنفع ما وقع على يديه من الفتوح وبالضرر ما وقع من تأمير ولده عمر بن سعيد على الجيش الذين قتلوا الحسين. قال (ح): هو مردود لتكلفه لغير ضرورة تحمل على إرادة الضرر الصادر من ولده من أنّه وقع منه الضرر للكفار الذين قتلهم واستباح مالهم وذريتهم. وأقوى من ذلك ما أخرجه الطحاوي أن عامر بن سعد سئل عن معنى هذا الحديث فقال: لما أمر سعد على العراق أتى لقوم ارتدوا فاستتابهم، فتاب بعضهم وامتنع بعض، فقتل الذين امتنعوا فانتفع به من تاب وحصل الضرر للآخرين (¬479). قال (ع): لا ينظر فيه من هذا الوجه بل فيه معجزة، وعن الطحاوي فيه وجه آخر، فذكر ما ذكره (ح) موهمًا أنّه من تحصيله (¬480). ¬

_ (¬476) عمدة القاري (14/ 33) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 256 - 258). (¬477) فتح الباري (5/ 367). (¬478) عمدة القاري (14/ 34) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 258). (¬479) فتح الباري (5/ 367). (¬480) عمدة القاري (14/ 35).

449 - باب قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}

449 - باب قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن} قال (ح): كان غرض البخاريّ بهذه الترِجمة تقوية ما ذهب إلى اختياره من جواز إقرار المريض بالدين سواء كان وارثًا أم أجنبيًا، ووجه الدلالة أنّه سبحانه وتعالى سوى بين الوصيَّة والدين في تقديمهما على الميراث ولم يفصل فخرجت الوصيَّة للوارث بالدّليل وبقي الإِقرار بالدين على حالة (¬481). قال (ع): وكذا خرج الإقرار بالدين بالدّليل المذكور، وجاء في حديث واحد أخرجه الدارقطني من رواية أبان بن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ بِدَيْنٍ" (¬482). قلت: الجملة الأولى جاءت من طرق متعددة يشد بعضها بعضًا، وقد صححه جماعة، وأمّا الزيادة فضعيفة، فإن والد جعفر من صغار التابعين فخبره مرسل أو معضل فلا حجة فيه. ¬

_ (¬481) فتح الباري (5/ 375). (¬482) عمدة القاري (14/ 40).

450 - باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب

450 - باب هل يدخل النِّساء والولد في الأقارب ذكر فيه حديث أبي هريرة في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال (ح): موضع الشّاهد منه قوله في الحديث: "يَا صَفِيَّةُ، وَيَا فَاطِمَةُ"، فإنّه سوّى أوَّلًا بين عشيرته فعم، ثمّ خص بعض البطون، ثمّ ذكر عمه العباس وعمته صفية وابنته فاطمة، فدل على دخول النِّساء في الأقارب وعلى دخول الفروع أيضًا، وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلمًا (¬483). قال (ع): فيه نظر، لأنّ الدلالة أي دلالة من أنواع الدلالات، وكذلك قولة: وعلى عدم التخصيص، وكيف وجه هذه الدلالة، فلا دلالة هنا أصلًا على ما ذكره يعرف ذلك بالتأمل (¬484). قلت: لو تأمل لعرف وجه الدلالة والله المستعان. ¬

_ (¬483) فتح البارى (5/ 382). (¬484) عمدة القاري (14/ 47).

451 - باب إذا تصدق أو وقف بعض ماله

451 - باب إذا تصدق أو وقف بعض ماله قال (ح): هذه التّرجمة معقودة لجواز وقف المنقول، والمخالف فيه أبو حنيفة، ويؤخذ منها وقف المشاع، والمخالف فيه محمّد بن الحسن (¬485). قال (ع): المذهب فيه تفصيل، فلا يقال المخالف أبو حنيفة، كذا جزافًا لأنّ أبا حنيفة لا يرى الوقف أصلًا، وأمّا صاحباه فيريان وقف المنقول بالتبعية (¬486). ¬

_ (¬485) فتح الباري (5/ 386). (¬486) عمدة القاري (14/ 52).

452 - باب ما يستحب لمن توفي فجأة أن يتصدقوا عنه وقضاء النذر عن الميت

452 - بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تُوُفِّيَ فجأة أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَنْهُ، وَقَضَاءِ النّذرِ عَنِ المَيِّتِ ذكر فيه حديث عائشة: أن رجلًا قال: إنَّ أمي أفتلتت نفسها أفأتصدق عنها؟ ... الحديث. وحديث: أن سعد بن عبادة استفتى فقال: إنَّ أمي ماتت وعليها نَذْرٌ ... حديث. قال (ح): كأنّه رمز إلى أن المبهم في حديث عائشة هو المسمى في حديث ابن عبّاس، ولا تنافي بين قوله: إن أمي ماتت وعليها نَذْرٌ، وبين قوله: إنَّ أمي توفيت وأنا غائب أفأتصدق عنها؟ (¬487). قال (ع): المنافاة بين الحديثين ظاهرة بلا شك، ثمّ أطال بما لا طائل تحته (¬488). ¬

_ (¬487) فتح البارى (5/ 389). (¬488) عمدة القاري (14/ 55).

453 - باب قول الله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى}

453 - باب قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} قوله: وقال لنا سليمان: حدّثنا حماد عن أيوب عن نافع: ما رد ابن عمر على أحد وصية. قال الكرماني: إنّما قال: قال لأنّه لم يذكره على سبيل النقل والتحمل. قال (ح): بل هو موصول لأنّ قال لنا يعني حدّثنا، والذي ذكره الكرماني إنّما هو في قال المجردة عن الجار والمجرور، وأمّا هذه الصيغة فجرت عادة البخاريّ بالإتيان بها في الموقوفات غالبًا وفي المتابعات نادرًا، ولم يصب من قال: إنّه لا يأتي بها إِلَّا في المذاكرات، وأبعد مَنْ قال: إنها للإجازة (¬489). قال (ع): كيف يقول: إنّه موصول وليس فيه لفظ من الألفاظ الّتي تدخل على الاتصال نحو التحدث والإخبار والسماع والعنعنة، والذي قاله الكرماني هو الأظهر (¬490). قلت: هذا الكلام غاية في المكابرة والدفع بالصدد. ¬

_ (¬489) فتح الباري (5/ 394). (¬490) عمدة القاري (14/ 65).

454 - باب إذا وقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز

454 - باب إذا وقف جماعة أرضًا مشاعًا فهو جائز ذكر فيه حديث أنس: "يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُم" قالوا: لا نطلب ثمنه إِلَّا إلى الله تعالى. قال (ح): الظّاهر أنّهم تصدقوا بالأرض لله، فقبل النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ذلك، ففيه دليل لما ترجم له. وأمّا قول الواقدي: إنَّ أبا بكر دفع الثّمن، فإن ثبت ذلك فالمطابقة من جهة تقرير النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قولهم: لا نطلب ثمنه إِلَّا إلى الله، فإن ظاهره أنّهم سألوا أن يأذن لهم أن يوقفوه لله تعالى، فلو كان وقف المشاع لا يصح ليس ذلك لهم، لكنه عدل عن ذلك إلَّا أنّه لا يأخذه إِلَّا بالثّمن (¬491). قال (ع): فيه نظر، لأنّ معنى قوله: "ثَامِنُونِي" قرروا ثمنه وبيعونيه بالثّمن، ثمّ إنَّ أبا بكر دفع لهم الثّمن وتصدق به فيه صورة وقف المشاع (¬492). قوله: وتصدق بها عمر. قال الطحاوي: بعد أن أخرج من طريق مالك عن ابن شهاب قال ابن عمر: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لرددتها، استدل به لمن قال: إنّه إنفاق الأرض لا نفع من الرجوع فيها. ¬

_ (¬491) فتح الباري (5/ 399). (¬492) عمدة القاري (14/ 67 - 68).

قال (ح): لا حجة فيه لأنّه منقطع، ولأنّه يحتمل أن يكون عمر يرى لزوم الوقف إِلَّا أن شرط الواقف لنفسه الرجوع (¬493). قال (ع): الانقطاع من مثل الزّهري لا يصير الاحتمال الناشئ من غير دليل لا يعمل به (¬494). ¬

_ (¬493) فتح الباري (5/ 402). (¬494) عمدة القاري (14/ 69).

455 - باب إذا وقف أرضا أو بئرا

455 - باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا قوله: وتصدق الزبير بدوره وقال للمردودة من بناته أن تسكن. قال (ح): وقع في بعض النسخ من نسائه، وصوبها بعض الشراح فوهم، فإن الواقع بخلافها (¬495). قال (ع): من أين علم أن الواقع خلافها، فلم لا يجوز أن يكون الواقع خلاف البنات (¬496). قلت: لو استحضر أول الأثر علم صحة ما قاله (ح) لكن محبته في الاعتراض تغطي على بصره وبصيرته. ¬

_ (¬495) فتح البارى (5/ 407). (¬496) عمدة القاري (14/ 71).

456 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}

456 - باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} ذكر فيه حديث ابن عبّاس في قصة تميم وعدي. قوله: فَقَدْوَا جَامًا من فضة. قال (ح): بالجيم والتخفيف أي إناء (¬497). قال (ع): هذا تفسير الخاص بالعام وهو لا يجوز (¬498). قلت: انما ذكر الإناء رفعًا ليتوهم من يفسر الجام بجر الجيم أو بغير التخفيف، فيظن أنّه شيء غير الآنية. ¬

_ (¬497) فتح الباري (5/ 411). (¬498) عمدة القاري (14/ 76).

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد 457 - باب درجات المجاهدين في سبيل الله قوله في حديث أبي هريرة: "مَنْ آمَنَ بِالله وَرَسُولِهِ ... " إلى أن قال: "كَانَ حَقّاً عَلى الله أَنْ يُدْخِلَهُ [اْلجَنَّة] جَاهَدَ في سَبِيِل الله أوْ جَلَسَ بِأَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فيهَا" قالوا: يا رسول الله أفلا نبشر النَّاس؟ قال: "إنَّ فِي الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ أعَدَّهَا الله لِلْمُجَاهِديِنَ". قال الكرماني: قيل: لما سوى بين الجهاد وعدمه في دخول الجنَّة ورأى استبشارهم بذلك لسقوط مشاق الجهاد استدركه بقوله: "إنَّ فِي الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ ... الخ". وقال الطيبي: الجواب من الأسلوب الحكيم أي بشرهم بدخول الجنَّة بالإيمان، ولا يكتفي بذلك بل زاد عليها بشارة أخرى وهو النور بالدرجات بل بالفردوس. قال (ح): لو لم يردّ الحديث إِلَّا كما وقع هنا لاتجه ما قال، لكن وردت في الحديث زيادة دلت على أن قوله: "إنَّ فِي الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ" تعليل لترك البشارة المذكورة. ففي حديث معاذ عند التّرمذيّ، قلت: يا رسول الله ألَّا أخبر النَّاس؟ قال: "ذَرْهُمْ يَعْمَلُونَ، فَإنَّ في الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ ... الخ". فظهر أن المراد لا تبشر النَّاس بما ذكرته فيقفوا عنده ولا يتجاوزوه إلى

ما هو أفضل منه من الدرجات الّتي تحصل بالجهاد وغيره، وهذه هي النكتة في قوله: "اعَدَّهَا الله لِلْمُجاهِديِن" (¬499) قال (ع): كلام الطيبي متجه والاعتراض عليه غير وارد أصلًا، لأنّ قول (ح): لكن وردت زيادة ... الخ غير مسلم، لأنّ الزيادة إنما هي من حديث معاذ، وكلام الطيبي في حديث أبي هريرة، وكل واحد من الحديثين مستقل بذاته والراوي مختلف، فكيف يكون ما في حديث معاذ تعليلًا لما في حديث أبي هريرة؟! (¬500). قلت: صدق الله العظيم {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ العِلْمِ} فيا من له تمييز بمثل هذا الكلام الذي لا يرتضيه منصف يردّ الاستدراك المذكور مع وضوحه؟ قوله: "أوْسَطَ اْلجَنَّةِ وَأعْلَا اْلجَنَّةِ". قال (ح): المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} فعلى هذا فعطف الأعلى عليه للتأكيد (¬501). قال (ع): سبحان الله هذا كلام عجيب، وليت شعري هل أراد التأكيد اللفظى أو المعنوي؟ ولا يصح أن يراد أحدهما على ما لا يخفى على المتأمل (¬502). ¬

_ (¬499) فتح الباري (6/ 12). (¬500) عمدة القاري (14/ 90). (¬501) فتح الباري (6/ 13). (¬502) عمدة القاري (14/ 90).

458 - باب الحور العين وصفتهن يحار فيها الطرف

458 - باب الحور العين وصفتهن يحار فيها الطرف قال ابن التين: هذا يشعر بأنّه رأى أن اشتقاق الحور من الحيرة وليس كذلك، فإن الحور بالواو والحيرة بالياء. قال (ح): لعلّ البخاريّ لم يرد الاشتقاق الصغير [الأصغر] (¬503). قال (ع): لم يقل أحد هذا، وإنّما قالوا: الاشتقاق ثلاثة أنواع صغير كبير [وأكبر]. ولا يصح أن يكون الحور مشتق من الحيرة على نوع من الأنواع الثّلاثة، ولا يخفى ذلك على من له بعض يد في علم الصّرف (¬504). قوله: "ولَقَابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أوْ مَوْضِعُ قَيْد يعني سَوْطَهُ". قال (ح): هو شك من الراوي هل قال: قاب أو قيد؟ وهما بمعنى، لكن تفسير القيد بالسوط ليس بمعروف، ولهذا جزم بعض الشراح بأنّه تصحيف، وأن الصواب قِدّ بكسر القاف وتشديد الدال، وهو السوط المتخذ من الجلد. قلت: ودعوى الوهم في التفسير أسهل من دعوى التصحيف في الأصل، ولا سيما القيد بمعنى القاب كما بينته (¬505). قال (ع): أجاب الكرماني بأن قال: لا تصحيف إذ معنى الكلام ¬

_ (¬503) فتح البارى (6/ 15). (¬504) عمدة القاري (14/ 93). (¬505) فتح الباري (6/ 15).

صحيح، سلمنا أن المراد التشديد، وغاية ما في الباب أن يقال: قلب إحدى الدالين ياءًا. قال: والذي قال: أنه تصحيف مصيب، وقول الكرماني عليه ما في الباب ... الخ، غير صحيح لأنّ تعليله لا يقوله من له أدنى وقوف على علم الصّرف، لأنّ قلب إحدى الحرفين المتماثلين إنما يجوز إذا أمن اللبس ولا لبس أشد من هذا، وأين القد بمعنى السوط من القيد بمعنى المقدار، وأمّا قول (ح): إنَّ دعوى الوهم في التفسير ... الخ غير متجه لأنّ الأمر بالعكس (¬506). ¬

_ (¬506) عمدة القاري (14/ 94).

459 - باب تمني الشهادة

459 - باب تمني الشّهادة قوله: "وَالَّذيِ نَفْسي بِيَدهِ لَوَدِدْتُ أَنْ أُقْتَلَ فِي سَبيِلِ الله". قال (ح): استشكل بعض الشراح وقوع هذا، وأجاب ابن التين باحتمال أن يكون صدر قبل نزول قوله تعالى: {وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}. وَرُدَّ أن أبا هريرة صرح بسماعه وإسلامه كان بعد نزولها بمدة، ويمكن أن يجاب بأن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع (¬507). قال (ع): أو هو وَرَدَ على المبالغة في فضل الجهاد والقتل فيه (¬508). ¬

_ (¬507) فتح البارى (6/ 17). (¬508) عمدة القاري (14/ 96).

460 - باب من يخرج في سبيل الله

460 - بَابُ مَنْ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قوله في حديث أبي هريرة: "لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ ... " الحديث، قيل فيه: إنَّ الشهيد يدفن بدمائه وثيابه ليحيي، ولا يزال عنه الدم يغسل ولا غيره ليجيء يوم القيامة كذلك". قال (ح): فيه نظر لأنّه لا يلزم من غسل الدم أن لا يبعث كذلك (¬509). قال (ع): في نظره نظر لأنّ أحدًا ما ادعى الملازمة (¬510). ¬

_ (¬509) فتح الباري (6/ 20). (¬510) عمدة القاري (14/ 100).

461 - باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال ...} الآية

461 - باب قول الله تعالى: {مِنَ الْمُؤمِنِينَ رِجَالٌ ...} الآية ذكر فيه حديث أنس في قصة سعد بن الربيع، وفيه ليرين الله ما أصنع. قال (ح): ووقع في رواية مسلم ["ليراني الله" بتخفيف النون بعدها تحتانية، وقوله "ما أصنع" أعربه النووي بدلًا من ضمير المتكلم (¬511). قال (ع): هذا لا يصح إِلَّا في رواية مسلم] ولم يميز (ح) بين الروايتين، فربما ظن الناظر أن رواية البخاريّ ذلك (¬512). قلت: الجواب عنه أن يقال: هذا لا يظنه من له يد في الإعراب. ¬

_ (¬511) فتح الباري (6/ 22) وما بين المعكوفين من الفتح والعمدة. (¬512) عمدة القاري (14/ 103).

462 - باب الجنة تحت بارقة السيوف

462 - باب الجنَّة تحت بارقة السيوف قال (ح): في رواية الطبراني عن عمار أنّه قال يوم صفين: الجنَّة تحت الأبارقة، الصواب البارقة وهي السيوف اللامعة، ويمكن تخريجه: على ما قال الخطابي أن السيف يقال له إبريق لوزن أفعيل من البريق، والأبارقة جمع إبريق (¬513). قال (ع): فلا وجه حينئذ لدعوى الصواب (¬514). قلت: المراد بالصواب من حيث الرِّواية. ¬

_ (¬513) فتح البارى (6/ 33). (¬514) عمدة القاري (14/ 114).

463 - باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل

463 - بَابُ الكَافِرِ يَقْتُلُ المُسْلِمَ، ثُمَّ يُسْلِمُ، فَيُسَدِّدُ بَعْدُ وَيُقْتَلُ ذكر فيه حديث أبي هريرة وفيه: "يَتُوبُ الله عَلى اْلقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ". جمع ابن المنير بين التّرجمة والحديث بما يراجع منها. قال (ح): ويظهر لي أن البخاريّ أشار في التّرجمة إلى ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعًا: "لَا يجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ أسْلَمَ وَسَدَّدَ" (¬515). قال (ع): التّرجمة [لا تكون إِلَّا بما يدلُّ على شيء من الحديث الذي وضعت التّرجمة له، فكيف تكون التّرجمة] هنا والحديث في كتاب آخر أخرجه غيره. انتهى (¬516). وقد تكرر إنكار هذا القدر مرارًا منها ما يأتي عن قرب في ترجمة "الشّهادة سبع" وساق حديث "الشهداء خمسة". قال (ح) هذه التّرجمة لفظ حديث أخرجه مالك (¬517). قال (ع): هذا ليس بجواب يجزئ [يجدي] لأنّ المطلوب وجود ¬

_ (¬515) فتح البارى (6/ 40). (¬516) عمدة القاري (14/ 122) وما بين المعكوفين من العمدة. (¬517) فتح الباري (6/ 43).

المطابقة بين التّرجمة، وحديث بابها لا بينها وبين حديث آخر خارج الكتاب (¬518). وقد أعجب (ع) مثل هذا الجواب وارتضاه في أماكن كثيرة أخرى فجزم به مرارًا، وفي ذلك دلالة على أنّه لا يستحضر ما كتبه، بل يأتي في كلّ مكان ما نسخ له ولا يبالي بالتناقض. ¬

_ (¬518) عمدة القاري (14/ 128).

464 - باب من اختار الغزو على الصوم

464 - باب من اختار الغزو على الصوم ذكر فيه حديث أنس في صيام أبي طلحة الدهر. وأن الحاكم أخرج من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، أن أبا طلحة صام بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أربعين سنة ... الحديث. قال (ح): وهذا غلط لأنّه مات بعد الثلاثين من الهجرة فلم يعش بعده إِلَّا ثلاثًا أو [أربع وعشرين] سنة (¬519). قال (ع): التصريح بالغلط غلط لأنّ أبا عمر نقل عن أبي زرعة قال: عاش أبو طلحة بالشام بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أربعين سنة بسرد الصوم، بين أبي نعيم عن حماد بن سلمة [عن ثابت] عن أنس (¬520). قلت: في هذا إثبات الشيء بنفسه، ومن لا يتفطن لذلك هل يصلح له التصدي للرد على غيره. ¬

_ (¬519) فتح الباري (6/ 42) وما بين المعكوفين منه، وفي النسخ الثلاث مكانه "أربعين" وهو خطأ. (¬520) عمدة القاري (4/ 126) هكذا في النسخ الثلاث "بين أبي نعيم" وما بين المعكوفين من العمدة.

465 - باب فضل النفقة

465 - باب فضل النفقة ذكر حديث أبي هريرة: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ الله دَعَاهُ خَزَنَةُ اْلجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ ... ". قال (ح): كأنّه من المقلوب، إذ أصله كلّ باب (¬521). [قال (ع): لا حاجة إلى قوله: كأنّه، بل هو من المقلوب] (¬522). قلت: إنّما توقفت لأنّه يمكن توجيهه. ¬

_ (¬521) فتح الباري (6/ 49). (¬522) عمدة القاري (14/ 135) وهذا ساقط عن النسخ الثلاث زدناه من العمدة.

466 - باب فضل من جهز غازيا

466 - باب فضل من جهز غازيًا قوله فيه: لم يكن يدخل بيتًا بالمدينة غير بيت أم سليم ... الحديث وفيه: "إِنَّي أرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي". قال الكرماني: لم تكن أجنبية، كانت خالته من الرضاعة. قال (ح): العلّة المذكورة في الحديث أولى (¬523). قال (ع): أشار بذلك إلى ما ذكره الكرماني ولم يبين وجه الأولوية (¬524). قلت: لفظ (ح) بعد قوله: أولى من قول من قال كانت محرمًا له، فلذلك كان يقيل عندها وتفلي رأسه، ورد ذلك الدمياطي وغيره وقالوا: إنَّ من خصائصه الخلوة بالأجنبية لثبوت عصمته، والمراد بالعلّة هنا قوله في الحديث: "إِنِّي أرْحَمُهَا ... الخ". ¬

_ (¬523) فتح الباري (6/ 51). (¬524) عمدة القاري (14/ 138).

467 - باب اسم الحمار والفرس

467 - باب اسم الحمار والفرس قوله في حديث أبي قتادة: قوله: فرسًا له، يقال له الجَرادَة. وقع عند ابن هشام أن اسمها الحَزْوة بحاء مهملة ثمّ زاى منقوطة ساكنة ثمّ واو. قال (ح): إمّا أن يكون لهذه الفرس (اسمان أو أحدهما تصحيف، والذي في الصّحيح هو المعتمد (¬525). قال (ع) دعوى التصحيف غير صحيحة ولا مانع أن يكون لها اسمان (¬526) قلت: انظر وتعجب، كيف غطى التعصب على هذا المعترض حتّى يكتب مثل هذا الكلام. ¬

_ (¬525) فتح الباري (6/ 58 - 59). (¬526) عمدة القاري (14/ 147).

468 - باب غاية السبق للخيل المضمرة

468 - بَابُ غَايَةِ السَّبْقِ لِلْخَيْلِ المُضَمَّرَةِ ذكر فيه حديث ابن عمر: سابق رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بين الخيل الّتي قد أضمرت ... لحديث قال (ح): وفيه نسبة الفعل إلى الآمر به (¬527). [قال (ع): ليت شعري ما وجه هذه النسبة] لأنّ قوله: سابق وهو إسناد السباق إلى نفسه حقيقة، ولا معنى للعدول إلى المجاز من غير ضرورة، وَقد صرح أَحْمد من رِوَايَة عبد الله بن عمر المكبر عَن نَافِع عَن ابْن عمر قال: سابق رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وراهن (¬528). قلت: ليس فيه زيادة إِلَّا قوله: وراهن وليست كافية في دفع المجاز وقرينة المجاز. قوله: بين الخيل، والمراد به وقوع المسابقة بين الصّحابة، سواء كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ممّن سابق أم لا لخصوص المسابقة. ¬

_ (¬527) فتح الباري (6/ 72). (¬528) عمدة القارئ (14/ 160) وما بين المعكوفين من العمدة وانظر مبتكرات الآلي والدرر (ص 260 - 261).

469 - باب غزو النساء وقتالهن مع الرجل

469 - بَابُ غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ ذكر فيه حديث أنس في غزوة أحد وفيه: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ. قال (ح): بعد أن ذكر حديث جدة خشرج: خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله [ونداوي الجرحى ونناول السهام ونسقي السويق ولم أر في شيء من ذلك التصريح بأنّهن قاتلن] (¬529). قال (ح): أشعث رأسه مغبرة قدماه [أشعث صفة لعبد وهو مجرور بالفتحة لعدم الصّرف ويجوز في أشعث الرفع على أنّه صفة رأس] (¬530). قال (ع): أشعث صفة لعبد بفتح الثاء لأنّ جره بالفتحة لأنّه غير ¬

_ (¬529) فتح الباري (6/ 78) وما بين المعكوفين من الفتح، وسقط اعتراض العيني أيضًا من النسخ الثلاث، واليك نصه من العمدة (14/ 166). التلويح يغنى عن التصريح، فيحصل به المطابقة على الوجه الذي ذكرناه. ثمّ قال هذا القائل -ابن حجر- يحتمل أن يكون غرض البخاريّ بالترجمة أن يبين أنّهن لا يقاتلن وإن خرجن في الغزو، فالتقدير بقوله وقتالهن مع الرجال أي هل هو سائغ أو إذا خرجن مع الرجال في الغزو ويقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك انتهى (الفتح 6/ 78). قلت: لم يكن غرض البخاريّ هذا الاحتمال البعيد أصلًا، ولا هذا التقدير الذي قدره, لأنّه خلاف ما يقتضيه التركيب، فكيف يقول: هل هو سائغ، بل هو واجب عليها الدفع إذا دنا منها العدو كما في حديث أم سليم فافهم. (¬530) فتح الباري (6/ 83) وما بين المعكوفين من الفتح والعمدة.

منصرف، وقوله: رأسه مرفوع لأنّه فاعل ويجوز في أشعث الرفع، قاله الكرماني ولم يبين وجهه، فقال فذكر كلامه. ثمّ قال: هذا الذي ذكره لا يصح عند المعربين والموصوف لا يتقدم على الصِّفَة، والتقدير الذي قدره يؤدِّي إلى إلغاء قوله: رأسه بعد قوله: أشعث (¬531). ¬

_ (¬531) عمدة القاري (14/ 172).

470 - باب المجن ومن يترس بترس صاحبه

470 - بَابُ المِجَنِّ وَمَنْ يَتَّرِسُ بِتُرْسِ صَاحِبِهِ ذكر فيه حديث علي: ما رأيت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يُفَدي رجلًا بعد سعد، سمعته يقول: "ارم فِدَاك أَبي وَأَمِّي". قال (ح): هذا الحديث لا يطابق واحدًا من ركني التّرجمة، وقد أثبت ابن شبويه في روايته لهذا الحديث، لفظ باب بغير ترجمة وهو كالفصل ممّا قبله وله به مناسبة من جهة أن الرامي لا يستغني عن شيء يقي به عن نفسه سهام من يراميه (¬532). قال (ع): هذا لا يخلو عن تعسف والأوجه أن وجه المناسبة فيه ذكر الرمى (¬533). ¬

_ (¬532) فتح البارى (6/ 94). (¬533) عمدة القاري (14/ 186).

471 - باب الحمائل

471 - باب الحمائل قال (ح): جمع حميلة كقبائل وقبيلة (¬534). قال (ع ثمّ: هذا ليس بصحيح والحميلة ما حمله السيل (¬535). قلت: هذا على طريقة (ع) مِن إساءة الأدب، ومن أين له هذا الحصر أن الحميلة لا يقال إِلَّا لما يحمله السيل ولا يلزم من قولهم حمالة السيف بالألف منع حميلة بالياء، فالله المستعان. ¬

_ (¬534) فتح البارى (6/ 95). (¬535) عمدهّ القاري (14/ 187).

472 - باب الحرير في الحرب

472 - باب الحرير في الحرب ذكر فيه حديث أنس في الرُّخصة في لبس الحرير، ففي بعضها بسبب الحكة وفي أخرى بسبب القمل. (536) قال الكرماني: لا منافاة بينهما ولا منع لجمعهما. يأتي (ح): يمكن الجمع بأن الحكة حصلت من القمل فنسبت العلّة إِلى السبب تارة وإِلى سبب السبب أخرى (¬537). قال (ع): كلّ منهما سبب مستقل فلا تعلّق أحدهما بالأخرى (¬538). قلت: لا يزال يدفع بالصدر وهو دال على العجز. ¬

_ (536) فتح الباري (6/ 101). (¬537) فتح الباري (6/ 101). (¬538) عمدة القاري (14/ 195).

473 - باب [ما قيل في] قال الروم

473 - باب [ما قيل في] قتال الروم قوله: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتي يَغْزُونَ الرُّومَ قَدْ أَوْجَبُوا". قال (ح): أوجبوا فعلًا وجبت لهم به الجنَّة (¬539). قال (ع): هذا الكلام لا يقتضي هذا المعنى، وإنّما معناه أوجبوا استحقاق الجنَّة (¬540). ¬

_ (¬539) فتح الباري (6/ 103). (¬540) عمدة القاري (14/ 198).

474 - باب قتال الترك

474 - باب قتال الترك ذكر ف في حديثين: أحدهما: حديث عمرو بني تغلب: "إنَّ مِنْ أشرَاطِ السَّاعةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا ينْتَعِلوُنَ الشَّعْرَ، وَإِنَّ مِنْ أَشرَاطِ السَّاعَةِ أن تُقَاتِلوُا قَوْمًا وُجُوهُهُمْ المُجَانُ الْمُطَرَّقَة". قال (ح): هذا العطف في هذا الحديث، والذي بعده يقتضي أن الترك غير الذين ينتعلون الشعر، ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق محمَّد بن عباد: بلغني أن أصحاب بابك كانوا نعالهم الشعر (¬541). قال (ع): هذا الذي قاله غير صحيح، لأنّ كون أصحاب بابك كانوا كذلك لا ينافِي كون الترك أيضًا كذلك، على أنّه يجوز أن يكون أصحاب بابك من الترك، وقد روى أبو داود من حديث بريدة: "يُقَاتِلُكُمْ قَوْمٌ صِغَارُ الْأَعيُنِ" يعني الترك، ويلزم ممّا قاله أن يكون بين التّرجمة والحديث بون عظيم (¬542). قلت: بابك وأتباعه كانوا من المعجم، وأمّا حديث بريدة فليس فيه ما يساعده، وأمّا الملازمة فمردودة، لأنّه ذكر الترك في أحاديث الباب، ولكنه عطف عليهم الذين ينتعلون الشعر، وكان ذلك ظاهرًا في المغايرة، ¬

_ (¬541) فتح الباري (6/ 104). (¬542) عمدة القاري (14/ 200).

ويكفي في المناسبة وجود بعض ما في الحديث يطابقها, ولا يشترط أن يذكروا في الحديث بشيء آخر. والعجب أن البخاريّ أفرد لكل منهما بابًا وترجم بابًا، فقال: الذين ينتعلون الشعر عقب باب قتال الترك، ويكتب ذلك هذا المعترض ولا يتفطن لذلك.

475 - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة

475 - باب الدُّعاء على المشركين بالهزيمة قوله: حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدّثنا هشام. قال (ح): هو الدستوائي، وزعم الأصيلي أنّه ابن حسان، ورام بذلك تضعيف الحديث فأخطأ من وجهين، وتجاسر الكرماني فقال: المناسب أنّه هشام بن عروة (¬543). قال (ع): إنّما هو ابن حسان كما قال الأصيلي، ونص عليه المزي، وقد قال الكرماني: الظّاهر أنّه ابن حسان والمناسب أنّه هشام بن عروة، فلم يظهر منه تجاسر، وإنّما اغتر برواية عيسى عن هشام الّتي تقدمت في باب شهادة الأعمى، فإن عندي هناك هو ابن يونس وهشام هو ابن عروة (¬544). قلت: وجه تجاسره أنّه جعل ما لا وجود له مناسبًا، وهي رواية هشام ابن عروة عن محمَّد بن سيرين، والسبب فيه أنّه ليس من أهل الفن، وإنّما تكلم فيه بالظن اعتمادًا على الصحف، وذلك لا يثبت عند أهل الحديث. ¬

_ (¬543) فتح الباري (6/ 106). (¬544) عمدة القاري (14/ 203).

476 - باب عزم الإمام

476 - باب عزم الإمام قوله: أرأيت رجلًا مؤديًا نيطًا يخرج مع امرأتنا. قال (ح): هكذا الرِّواية بالنون من قوله يخرج، والمراد على هذا بقوله: رجلًا أي أحدنا، أو سقط لفظ منا، وعلى ذلك عول الكرماني وفيه حينئذ التفات، ويجوز أن يكون يخرج بتحتانية بدل النون ويكون فيه التفات، لأنّ السياق يقتضي أن يقول مع امرأته (¬545). قال (ع): دعواه أن الرِّواية هكذا لا تسمع بل يحتاج إلى البرهان بل هو بالياء، والضمير يعود إلى قوله: رجل، ولو كان بالنون لكان في التركيب قلق (¬546). كذا قال. ¬

_ (¬545) فتح البارى (6/ 119). (¬546) عمدة القاري (14/ 226).

477 - باب البيعة في الحرب أن لا يغزوا فيه

477 - باب البيعة في الحرب أن لا يغزوا فيه عبد الله بن زيد أنّهَ أتاه آت فقال: إنَّ ابن حنظلة يبايع النَّاس على الموت، قال: لا أبايع على هذا أحد بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، فقال نافع: لم يبايعهم على الموت بل على الصبر. قال الإسماعيلي: هذا من قول نافع، وأجاب (ح) بأنّه جواب من نافع كأنّه فهمه عن سيده فيكون مُسْنَدًا بهذه الطريقة (¬547). [قال (ع): وفيه نظر لا يخفى] (¬548). ¬

_ (¬547) فتح الباري (6/ 118) وهذا قبل حديث عبد الله بن زيد وبعد حديث عبد الله ابن عمر. وقال (¬548) عمدة القاري (14/ 223) وسقط هذا من النسخ الثلاث.

478 - باب الخروج في الفزع وحده

478 - باب الخروج في الفزع وحده قال (ح): كذا ثبت بغير حديث وكأنّه أراد أن يكتب فيه حديث أنس المذكور من وجه آخر فلم يقدر. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون اكتفى بالاشارة إلى الحديث المذكور. كذا قال وفيه بعد (¬549). قال (ع): سبحان الله الكرماني ذكر ثلاثة أوجه فلم عين الثّالث وقال: وفيه بعد لأجل الطعن عليه (¬550). ¬

_ (¬549) فتح الباري (6/ 123). (¬550) عمدة القاري (14/ 230).

479 - باب حمل الزاد في الغزو

479 - باب حمل الزّاد في الغزو قوله في حديث سلمة بن الأكوع: "نَادِ في النَّاس يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ". قال (ح): فيه حذف والتقدير وهم يأتون (¬551). قال (ع): كونه حالًا أوجه (¬552). قلت: إنّما قدرت له محذوفًا ليصح كونه مرفوعًا، وإلا فالحال ظاهر لكن يلزم منه أن يكون رفع المنصوب. ¬

_ (¬551) فتح الباري (6/ 131). (¬552) عمدة القاري (14/ 238).

480 - باب السير وحده

480 - باب السير وحده فيه حديث جابر: ندب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - النَّاس يوم الخندق فانتدب الزبير. قال الإسماعيلي: لا أعلم هذا الحديث كيف يدخل في هذا الباب، وقرره ابن المنير بأنّه لا يلزم من كون الزبير انتدب أن لا يكون سار معه غيره متابعًا له. قال (ح): لكن ورد فيه من وجه آخر ما يدلُّ على أن الزبير توجه وحده وهو في مناقب الزبير من حديث ولده عبد الله، وبهذا يجاب عن اعتراض الإسماعيلي (¬553). قال (ع): ولا يلزم أيضًا كونه تابعًا مع هذا لفظه، ثمّ قال: ويرجح جانب النفي بما ذكر يعني من حديث عبد الله بن الزبير (¬554). قوله في آخر الحديث: قال سفيان الحواري الناصر. قال (ح): هو عند البخاريّ موصول عن الحميدي عن سفيان وهو ابن عيينة (¬555). (556) قال (ع): فيه نظر (¬556). ¬

_ (¬553) فتح الباري (6/ 138). (¬554) عمدة القاري (14/ 247). (¬555) فتح الباري (6/ 138). (¬556) عمدة القاري (14/ 248).

481 - باب أهل الدار يبيتون

481 - باب أهل الدَّار يبيتون ذكر فيه حديث الصعب بن جثامة، قوله: كان عمرو أي ابن دينار [يحدثنا عن ابن شهاب الخ. قال (ح): هذا يوهم أن عمرو بن دينار يحدث به عن الزّهري مرسلًا، وبذلك جزم بعض الشراح، وليس كذلك، فقد أخرجه الإسماعيلي في رواية المعاني [العباس] بن يزيد عن سفيان قال: كان عمرو بن دينار] يحدثنا قبل أن يقدم الزّهري عن الزّهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس عن الصعب فقدم علينا الزّهري فسمعته يعيده ويبديه ... فذكر الحديث (¬557). قال (ع): أراد ببعض الشراح الكرماني فإنّه قال: إنّه مرسل، والصواب معه، فإن صورة ما وقع هنا صورة الإرسال، ولا نزاع في ذلك بحسب الظّاهر ولا تندفع صورة الإرسال بإخراج الإسماعيلي موصولًا (¬558). ¬

_ (¬557) فتح البخاريّ (6/ 147) وما بين المعكوفين من نسخة دار صدام فقط. (¬558) عمدة القاري (14/ 262).

482 - باب قتل النساء في الحرب

482 - باب قتل النِّساء في الحرب حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال: قلت لأبي أسامة: حدثكم عبيد الله ... الخ. قال (ح): أخرجه إسحاق في مسنده, وفي آخره: فأقر به أبو أسامة، وقال: نعم، وعلى هذا فلا حجة فيه لمن قال: إذا قال للمحدث حدثكم فلان بكذا ... الخ فسكت ولم يقل نعم، جاز الاحتجاج به؛ لأنّه بين من السند أنّه لم يسكت (¬559). قال (ع): غرضه الرد على الكرماني لأنّه قال: السكوت مع القرينة كالتصريح، لكن قول أبي أسامة في هذا الطريق نعم لا يستلزم عدم سكوته في الطريق [الأخرى] (¬560). قلت: هذا والذي قبله ينادي على قائله بأنّه لا شعور له بهذا الفن. ¬

_ (¬559) فتح الباري (6/ 149). (¬560) عمدة القاري (14/ 263).

483 - باب إذا أحرق [حرق] المشرك المسلم هل يحرق

483 - باب إذا أحرق [حَرَّق] المشرك المسلم هل يحرق قال (ح): هذه التّرجمة تليق أن تذكر قبل بابين، فلعلّ تأخيرها من تصرف النقلة، ويؤيد ذلك أنّهما سقطا جميعًا للنسفي، وثبت عنده ترجمة أخرى "إذا أحرق المشرك" تلو ترجمة "لا يعذب بعذاب الله" إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص (¬561). قال (ع): ذكر هذه التّرجمة في هذا الموضع ليس بأمر مهم فلا يحتاج نسبة ذاك إلى تصرف النقلة، ولا يلزم من سقوط هذين البابين عند النسفي تأييد ما ذكره لأنّ الساقط معدوم والمعدوم لا يوكد ولا يوكد (¬562). ¬

_ (¬561) فتح الباري (6/ 153). (¬562) عمدة القاري (14/ 267).

484 - باب حرق الدور والنخل

484 - باب حرق الدور والنخل قال (ح): كذا وقع في جميع النسخ بفتح أوله وسكون الراء، وفيه نظر، لأنّه لها يقال في المصدر حرق، وإنّما هو تحريق أو إحراق، فلعلّه كان بلفظ الفعل الماضي ويطابق الحديث، وقاله النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬563). قال (ع): في دعواه الضبط في جميع النسخ نظر, لأنّه إن كان من النساخ فلا عبرة بهم، وإن كان من المشايخ جاز أن يكون اسم للإحراق، فلا يكون مصدرًا (¬564). ¬

_ (¬563) فتح الباري (6/ 154). (¬564) عمدة القاري (14/ 268).

485 - باب من لا يثبت على الخيل

485 - باب من لا يثبت على الخيل قال (ح): ينبغي لأهل الخير أن يدعو له بالثبات (¬565) قال (ع): ما أبعد هذا التفسير من معنى التّرجمة (¬566) ¬

_ (¬565) فتح الباري (6/ 161). (¬566) عمدة القاري (14/ 279).

486 - باب جوائز الوفد

486 - بَابُ جَوَائِزِ الوَفْدِ 487 - بَابٌ: هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُعَامَلَتِهِمْ؟ ذكر فيه حديث ابن عبّاس: "وأوصى بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب واجيزوا الوفد ... " الحديث. قال (ح): لعلّه وضع الترجمتين واخلا بياضًا، فلم يتفق أن يسده، وترك النساخ البياض، فأشكل ولا سيما مطابقة الثّاني للترجمة، ولعلّه من جهة أن الإخراج يقتضي رفع الاستشفاع، والحث على إجازة الوفد يقتضي حسن المعاملة مع أهل العهد، ولعلّ (إلى) في الترجمة بمعنى اللام أي هل يستشفع بهم عند الإمام وهل يعاملون؟ (¬567). قال (ع): لقد تعسف في هذا التوجيه، والعمل بالإِقتصار يكون عند الضّرورة، ولا ضرورة هنا، والإخراج معناه، وليس فيه معنى الاقتضاء، والوفد أعم من أن يكون من المسلمين أو من غيرهم، والمواضع الّتي يذكر فيها (إلى) بمعنى اللام أنّها معنى (إلى) فيها على أصلها بمعنى الانتهاء (¬568). ¬

_ (¬567) فتح البارى (6/ 170). (¬568) عمدة القاري (14/ 297 - 298).

488 - باب قسم الغنيمة في غزوه وسفره

488 - باب قسم الغنيمة في غزوة وسفره قال (ح): أشار بهذا إلى الرد على قول الكوفيين: لا تقسم الغنائم في دار الحرب، لأنّ الملك لا يتم عليها إِلَّا بالإستيلاء، وهو إحرازها في دار الإسلام (¬569). قال (ع): هذا الرد مردود، لأنّ حديثي البابا، ليس في واحد منهما ما يدلُّ على أن القسمة كانت في دار الحرب، لأنّ حديث أبي رافع يدل على أنّها كانت بذي الحليفة، وحديث أنس يدل على أنّها كانت بالجعرانة، وكل منهما دار إسلام، فالحديثان حجة للكوفيين لا عليهم (¬570). كذا قال، ودعواه أن الموضعين كانا من دار الإسلام نصّ (ح) المنع بما يطول ذكره. ¬

_ (¬569) فتح الباري (6/ 181). (¬570) عمدة القاري (14/ 311).

489 - باب استقبال الغزاة

489 - باب استقبال الغزاة ذكر عن ابن أبي مليكة قال: قال ابن الزبير لابن جعفر: أتذكر إذ تلقينا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أنا وأنت وابن عبّاس؟ قال: نعم، فحملنا وتركك. قال (ح): وقع في مسلم قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير .... الخ، وهو عكس ما في البخاريّ، والذي في البخاريّ أصح، ويؤيده ما تقدّم في الحجِّ من حديث ابن عبّاس لما قدم مكّة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب، فحمل واحدًا بين يديه وآخر خلفه (¬571). قال (ع): الترجيح بهذا الوجه فيه نظر فإن أم الزبير صفية بنت عبد المطلب (¬572). قلت: قد قوى (ح) كلامه بما رواه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن جعفر أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - حمله خلفه وحمل قثم بن العباس بين يديه، والعجب أن (ع) عكس الأمر في بقية كلامه، وهو ظاهر لمن تدبره. ¬

_ (¬571) فتح الباري (6/ 192). (¬572) عمدة القارئ (15/ 13).

490 - باب بركة المغازي في ماله

490 - باب بَرَكة المغازي في ماله ذكر فيه قصة ابن الزبير بطولها. قوله: "لَا يُقْتَلُ اليَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أوْ مَظْلوُم". قال ابن بطّال: معناه إمّا ظالم عند خصمه مظلوم عند نفسه، لأنّ كلًا من الفريقين كان متأولًا أنّه على الصواب. وقال الكرماني: أن قيل: إنَّ جميع الحروب كذلك فالجواب أنّها أول حرب وقعت بين المسلمين. قلت: وليس هذا الجواب كافيًا، ويحتمل أن تكون أو للشك من الراوي، وأن الزبير إنّما قال أحد اللفظين، أو قالهما معًا مثلًا على أن القرآن إنّما كان مصيبًا في تأويله فهو مظلوم، أو مخطئًا هو ظالم، وقد وقع عند الحاكم من وجه آخر عن هشام بن عروة بن الزبير قال: لئن قتلت لأقتلن مظلومًا (¬573). قال (ع): الأصل أن تكون أو للشك وبالاحتمال لا يثبت ذلك، كلمة (أو) على معناه للتقسيم هاهنا لأنّ المقتول لم يكن إِلَّا من أحد القسمين ثمّ فرق بين مقاتل الصّحابة ومقاتل غيرهم من البغاة ولا يخفى ما فيه إِلَّا أن حاصله أن إشكال الكرماني باقي، والله المستعان (¬574). ¬

_ (¬573) فتح الباري (6/ 229). (¬574) عمدة القاري (15/ 51).

قوله: قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قَدْ وَازَى بعض بني الزبير خبيب وعباد (¬575). قوله: ¬

_ (¬575) سقط هنا ما قاله الحافظ في الفتح (6/ 230) وما رد عليه العلّامة العيني في العمدة (15/ 52) من النسخ الثلاث وإليك نصهما: قال الحافظ "خبيب وعباد" بالرفع أي هم خبيب وعباد وغيرهما، واقتصر عليهما كالمثال، وإلا ففي أولاده أيضًا من ساوى بعض ولد الزبير في السن , ويجوز جره على أنّه بيان للبعض. وقال العيني: وقال بعضهم يجوز جره على أنّه بيان للبعض، قلت: هذا غلط، لأنّ لفظ بعض في موضعين، أحدهما وهو الأوّل مرفوع؛ لأنّه اسم كان، والآخر منصوب، لأنّه مفعول قوله وازى.

491 - باب ما من النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأسارى من غير أن يخمس

491 - باب ما مَنَّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - على الأسارى من غير أن يخمس قال (ح): تمسك بحديث الباب من قال: إنَّ الغانمين لا يملكون، الغنيمة إِلَّا بعد القسمة ولا حجة فيه لأنّه يحتمل أن يكون ذلك بعد تطييب أنفس الغانمين فلا يقوم الاحتجاج به (¬576). قال (ع): يردّ هذا بأن طيب قلوب الغانمين من العقود الاختيارية فقد لا يَذعَنَ بعضهم (¬577). قلت: يتعجب: من يردّ الجواب المذكور بهذه العبارة. ¬

_ (¬576) فتح الباري (6/ 243). (¬577) عمدة القاري (15/ 62).

492 - باب الجزية والموادعة

492 - باب الجزية والموادعة قوله: والمسكنة مصدر المسكين، أسكن من فلان أحوج منه ولم يذهب إلى السكون. قال (ح): ورد في أهل الكتاب أنّهم "ضُرِبَ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ" والقائل ولم يذهب به إلى السكون قيل: هو الفربري الراوي عن البخاريّ (¬578). قال (ع): من الذي قال هذا عن الفربري هو من شراح البخاريّ أو غيرهم؟ بل هو تخمين، ولئن سلمنا أن أحدًا ذكر فلا بعد لأنّ المتصرف في مادة خارجًا عن القاعدة لا يؤخذ منه بلا نزاع (¬579). قوله: ابن عمرو بن عوف الأنصاري وهو حليف لبني عامر بن لؤي، يشعر بكونه من أهل مكّة، وقد ظهر لي أن لفظ الأنصاري وهم فقد تفرد بها شعيب ورواه أصحاب الزّهري كلهم يرويها في الصحيحين وغيرهما (¬580). قال (ع): لا يقطع من المهاجرين، فلا يجزم بما ذكر أنّه من المهاجرين وشعيب لا يضره تفرده بمثل هذا، على أنّه يحتمل أنّه من الأوس أو الخزرج فنزل مكّة وخالف بعض أهلها (¬581). ¬

_ (¬578) فتح الباري (6/ 259). (¬579) عمدة القاري (15/ 78). (¬580) فتح الباري (6/ 262). (¬581) عمدة القاري (15/ 81).

قلت: هذا الكلام الأخير قاله (ح) عقب كلامه، فقال: ولا مانع أن يكون أصله من الأوس أو الخزرج ونزل مكّة وخالف بعض أهلها ... إلى آخر كلامه، فهل رأى أعجب ممّن يتصرف هذا التصرف في كلام من تقدمه والله المستعان. قوله: في أفناء الأنصار. قال (ح): أي في مجموع البلاد الكبار، لأنّ أفناء جمع فناء وهو الناحية، والأمصار جمع مصر وهي البلد الكبير ذات القرى والمزارع (¬582). قال (ع): هذا التفسير ليس على قانون اللُّغة (¬583). قوله: نهاوند. قال (ح): بفتح النون (¬584). قال (ع): ليس كذلك بل بالضم لأنّ بابها نوح أوند (¬585) قلت: لا يكفي هذا على تقدير تسليمه في رد النقل بفتح النون كما لا يخفى. ¬

_ (¬582) فتح الباري (6/ 264). (¬583) عمدة القاري (15/ 83). (¬584) فتح الباري (6/ 264). (¬585) عمدة القاري (15/ 84).

493 - باب إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم

493 - باب إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم قوله: غزونا تبوك وأهدى ملك أيله للنبي - صلّى الله عليه وسلم - بغلة ... الحديث. قيل: مناسبة الحديث أن قبول هدية الكافر تؤذن بموادعته، وكذا قوله في الحديث كتب له ببحرهم. قال (ح): هذا لا يكفي في المطابقة، لأنّ أخذ ذلك من العادة لا يفيد دعوى أخذها من الحديث، وإما جرى البخاريّ على عادته في الإِشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده. وقد ذكر ابن إسحاق في السير قال: لما انتهى - صلّى الله عليه وسلم - إلى تبوك أتاه بحنة بن رؤبة صاحب أيلة، فصالحه وأعطاه الجزية، وكتب له النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كتابًا فيه: "هَذِهِ أَمَنَّةٌ مِنَ الله وَمِنْ مُحَمدٍ رَسُولِ الله لِبُحْنَةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ" (¬586). قال (ع): هذا القائل ذكر الاكتفاء في مواضع عديدة في المطابقة بوجه أدنى من الذي ذكرناه فما له يدعي هنا عدم الكفاية وإثبات المطابقة بالوجه الذي ذكرناه أقوى وأوجه من الذي ذكره، لأنّ الذي ذكرنا من الداخل والذي ذكره من الخارج، وهل علم قصد البخاريّ ذلك أم لا؟ (¬587). ¬

_ (¬586) فتح الباري (6/ 267). (¬587) عمدة القاري (15/ 86).

494 - باب صفة الجنة

494 - باب صفة الجنَّة قوله: "عُرُبًا" مثقلة واحدها عَرُوب مثل صَبُورٍ وصُبُرٍ (¬588). قال (ح): هكذا ترجم بالصِّفَة ولعلّه أراد بالصِّفَة العدد أو التّسمية (¬589). قاد (ع): قلت: هذا تخمين لأنّه لا وجه في ذكره، أمّا ذكره الصِّفَة وإرادة العدد ففيه ما فيه، لأنّ العدد اسم والصِّفَة خارجة عن ذات الشيء، وأمّا إرادة التّسمية فتعسف، لأنّه لا نكتة فيه حتّى يعدل عن التّسمية إلى الصِّفَة، والذي يظهر أنّه أشار إلى قوله: الريان فإنّه صفة الباب المذكور, لأنّ الصائمين الذين كابدوا العطش يدخلون منه فيشربون من نهر الجنَّة فيروون (¬590). قلت: (¬591). ¬

_ (¬588) هكذا هو في النسخ الثلاث لم يذكر ما قاله الحافظ ولا ما رد عليه العلّامة العيني. قال الحافظ في الفتح (6/ 322) "عربا مثقلة" أي مضمومة الراء وحكى عن الأعمش قال: كنت أسمعهم يقولون (عربا) بالتخفيف وهو كالرسل والرسل بالتخفيف في لغة تميم وبكر. قال الفراء والوجه التثقيل، لأنّ كلّ فعول أو فعيل أو فعال جمع على هذا المثال، فهو مثقل مذكرًا كان أو مؤنثًا. قلت: مرادهم بالتثقيل الضم وبالتخفيف الإسكان. قال العلّامة العيني في عمدة القارئ (15/ 149) ليت شعري هذا اصطلاح من أهل الأدبيه. (¬589) فتح الباري (6/ 328) في ترجمة (باب صفة أبواب الجنَّة). (¬590) عمدة القاري (15/ 159). (¬591) كذا هو في النسخ الثلاث دون ذكر القول.

495 - باب في قصة آدم

495 - باب في قصة آدم حدّثنا بشر بن محمَّد أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - نحوه: "لَوْلَا بَنُو إسرَائِيلَ لَمْ يَخنَزِ اللَّحْم". قال (ح): لم يتقدم للمتن المذكور طريق يعود عليها هذا الضمير، وكأنّه أراد أن اللفظ الذي حدثه به شيخه هو بمعنى اللّفظ الذي ساقه، فكأنّه كتب من حفظه فتردد في بعضه، ويؤيده أن في نسخة الصنعاني بين نحوه وبين لولا لفظة يعني (¬592). قال (ع): هذا ما فيه كفاية للمقصود، ولا له التئام من جهة التركيب، لأنّ الذي يذوق التراكيب ما يرضى بهذا الذي ذكره، بل الظّاهر أن هاهنا وقع سقط جملة يعني يعود عليها الضمير ثمّ أخذ، يجوز أن البخاريّ ساق المتن قبل ذلك من طريق عبد الرزّاق بالسند الذي ساقه به مسلم عن محمَّد بن رافع عن عبد الرزّاق، ثمّ عطف عليه طريق ابن المبارك فقال نحوه (¬593). قلت: هذا وإن كان محتملًا، لكن يبعده أن الأصل عدم السقوط، ولو جوزنا على هذا الكتاب الذي اشتهر في الآفاق هذه الأعصار المتطاولة أنّه سقط على جميع رواته مع كثرتهم شيء، لم يعط الأشخاص على نحو من مئة سنة ينكر الواضحات ويدفع بالصدر، ويقفو ما ليس له به علم، لجاز ¬

_ (¬592) فتح البارى (6/ 367). (¬593) عمدة القارئ (15/ 211).

أن يكون زيد فيه ما ليس منه، فلا يبقى لنا وثوق بشيء ممّا في الكتاب المذكور، وأمّا إنكاره الاحتمال وحوالته على ذوق الدقائق فشاهد هذا الاحتمال قول الأوّل. جزى ربه عني عدي بن حاتم فعاد الضمير لمن يذكر بعد الضمير والله المستعان.

496 - باب ما جاء في الأرض

496 - باب ما جاء في الأرض قوله: وقال ابن أبي الزِّناد عن هشام عن أبيه قال لي سعيد. قال (ح): أراد بهذا التعليق بيان لقي عروة سعيدًا، وقد لقي عروة من هو أقدم من سعيد كوالده الزبير وعلي (¬594). قال (ع): لا يلزم من ذلك ملاقاته سعيد (¬595). قلت: لم يدع (ح) الملاقاة. ¬

_ (¬594) فتح الباري (6/ 295). (¬595) عمدة القاري (15/ 115).

497 - باب صفة الشمس والقمر

497 - باب صفة الشّمس والقمر قوله: {يُولِجُ} يكور. قال (ح): كذا لأبي ذر بالراء، وفي رواية علي بن شبويه يكون بالنون وهو أشبه (¬596). قال (ع): بل الراء أشبه لأنّها بمعنى يلف النهار في اللّيل (¬597). وقال (ح): مطابقة أبي ذر للترجمة من جهة بيان سير الشّمس في كلّ يوم وليلة (¬598). قال (ع): ليس هذا بموجه بل من جهة أنّه الآثار المذكورة من جملة صفات الشّمس الّتي يعرض لها (¬599). قوله: "تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ". ذكر (ح) الاختلاف في تأويله إلى أن قال: أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة (¬600). قال (ع): هذا احتمال نشأ من غير دليل (¬601). قلت: الدّليل موجود. ¬

_ (¬596). فتح الباري (6/ 299). (¬597) عمدة القاري (15/ 118). (¬598) فتح الباري (6/ 299). (¬599) عمدة القاري (15/ 119). (¬600) فتح الباري (6/ 299). (¬601) عمدة القاري (15/ 119).

498 - باب ذكر الملائكة

498 - باب ذكر الملائكة قوله: قال همام ... الخ. قال (ح): هو موصول عن هدية عن همام، ووهم من زعم أنّه من التعليق، وذلك أن الحسن بن سفيان [رواه] كذلك عن غيره عن هدبة (¬602). قال (ع): ظاهر سياق (ح) التعليق، وإخراج عديا [غيره] له موصولًا لا يلزم أن يكون عنده موصولًا (¬603). قوله: حدّثنا محمَّد حدّثنا سعيد بن أبي مريم. قال (ح): قال أبو ذر: محمَّد هذا هو البخاريّ، وقائله الفربري. انتهى. وهو الراجح، فإن الإسماعيلي وأبا نعيم لم يجداه إِلَّا من رواية البخاريّ، ولو كان عند غير البخاريّ لما ضاق به مخرجه عليهما (¬604). قال (ع): وعدم وجدانهما الحديث لا يستلزم أن يكون محمَّد هو البخاريّ، ولم تجر العادة بأن يذكر اسمه قبل شيخه (¬605). ¬

_ (¬602) فتح الباري (6/ 308). (¬603) عمدة القاري (15/ 129). (¬604) فتح الباري (6/ 309) وفي النسخ الثلاث "لما فات به مخرجه عليهم". (¬605) عمدة القاري (15/ 132 - 133)

قلت: (¬606). قوله في حديث أنس: "سكَّة بني غَنْمِ". قال (ح): هم بنو غنم بن مالك بن النجار، ووهم من زعم أن المراد هنا ببني غنم حي من تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة كسر اللام بعدها موحدة فإن أولئك لم يكونوا يومئذ بالمدينة (¬607). قال (ع): أراد بهذا الخط على الكرماني فإنّه القائل ذلك (¬608). قوله في قصة إبراهيم من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة: "لَمْ يَكْذِبْ إبراهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ". قال (ح): وقع عند مسلم في حديث أبي ذرعة عن أبي هريرة في قصة الشفاعة عند ذكر إبراهيم، فذكر كذباته الثلاث، فذكر قصة الكوكب بدل قصة سارة، والجواب أنّه وهم من بعض الرواة، لاتفاق الجميع ما عدا هذه الرِّواية على عد قصة سارة، ويحتمل أن يكون محفوظًا بأن الحصر سبق أوَّلًا ثمّ أضيف إليه القصة الرّابعة (¬609). قال (ع): لا يحتاج إليه نسبة أحد إلى الوهم لأنّ قوله في الكوكب لا يخلو إمّا أنّه كان وهو طفل كما قال ابن إسحاق فلا يعد هذا كذبًا لأنّ الطفولية ليست بمحل التكليف (¬610). قلت: فيكون من عدها واهمًا، وهذا هو المدعي فانظروا وتعجيوا من إقدام هذا المعترض وعدم مبالاته بما يقول، ثمّ ذكر مقابل كونه طفلًا أن ¬

_ (¬606) كذا في النسخ الثلاث دون ذكر المقول، بل بياض. (¬607) فتح الباري (6/ 310). (¬608) عمدة القاري (15/ 134). (¬609) فتح الباري (6/ 391). (¬610) عمدة القاري (15/ 248).

يكون بالغًا، لكنه قاله على سبيل التهكم أو التوبيخ. قلت: والأمر على حالة في أن عد هذا من الكذبات وهم. قوله في حديث ابن مسعود لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ...} الخ. قال الإسماعيلي: لا أعلم في الحديث شيئًا من قصة إبراهيم. قال (ح): خفي عليه أنّه حكاية عن قول إبراهيم وبيان أنّه قص محاججة إبراهيم مع قومه، وختم بقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} وهذه الآية وقعت في أثناء ذلك، فلها تعلّق بقصة إبراهيم. وقد روي الحاكم من حديث علي أنّه قرأ قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قال: نزلت هذه الآية في إبراهيم وأصحابه، وليست في هذه الآية، وقد ألم الكرماني بشيء من هذا (¬611). قال (ع): كلّ هذا لا يجدي شيئًا، واعتراض الإِسماعيلي باق، وجواب هذا القائل عن المطابقة المذكورة بجر الثقيل (¬612). ثمّ قال: ويستأنس في المطابقة بحديث رواه الحاكم عن علي ... فذكره. فانظروا هذا الكلام المتدافع وما اشتمل عليه من المصالقة. قوله في قصة إبراهيم في الحديث الطويل في بندار هاجر وإسماعيل وتعلم العربيّة منهم. قال (ح): فيه ضعف قول من قال: أن إسماعيل أول من تكلم بالعربيّة وهو عند الحاكم، ويحتمل أن تكون الأولية فيه مقيدة بالنسبة إلى غير إسماعيل من ولد إبراهيم (¬613). ¬

_ (¬611) فتح الباري (6/ 39). (¬612) عمدة القاري (15/ 251). (¬613) فتح الباري (6/ 403).

قال (ع): لا تضعيف في حديث ابن عبّاس, لأنّ المعنى أن إسماعيل أول من تكلم بالعربيّة من ولد إبراهيم (¬614). قوله: قصة إسحاق بن إبراهيم فيه ابن عمر وأبي هريرة عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قال (ح): كأنّه يشير بحديث ابن عمر إلى ما سيأتي في قصة يوسف وبحديث أبي هريرة إلى الحديث المذكور في الباب الذي يليه، وأغرب ابن التين فقال: لم يقف البخاريّ على سنده فأرسله. قلت: وهو كلام من لا يفهم مقاصد البخاريّ، ونحوه تأول الكرماني. قوله فيه، أبي في الباب في حديث من رواية ابن عمر في قصة إسحاق بن إبراهيم، فأشار البخاريّ إليه إجمالًا ولم يذكره بعينه لأنّه لم يكن بشرطه (¬615). قال (ع): هذه مناقشة باردة لأنّ كلّ من له أدنى فهم [يفهم] أن الذي قاله ابن التين والكرماني هو الكلام الواقع في محله، وكلاهما أوجه من كلامه المشتمل على التردد في قوله: كأنّه يشير إلى آخره، فلينظر المتأمل الحاذق في حديث ابن عمر الذي في قصة يوسف، هل يجد لما ذكره من الإِشارة إليه وجهًا قريبًا أو بعيدًا (¬616). قلت: لما أورد في آخر قصة يوسف حديث ابن عمر "الْكَريِمُ بْنُ الْكَريِمِ بْنِ الكَريِمِ بْنِ الكَريِمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحاَقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ" وكان معناه أن من جملة قصته أنّه من أنبياء الله، وأن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - سوى بينه ¬

_ (¬614) عمدة القاري (15/ 258). (¬615) فتح الباري (6/ 414) وفي النسخ الثلاث كلمة (أبي) هكذا بين كلمة "حديث" وكلمة "ابن عمر" وليست تلك الكلمة في الفتح فحذفناها. (¬616) عمدة القاري (15/ 268).

وبين من ذكر من صفة الكرم، فأشار إلى ذلك في قصده والده للتسوية المذكورة. وأمّا حديث أبي هريرة الذي في الباب الذي يليه، فإنّه يشتمل على ما تضمنه حديث ابن عمر مع بيان سبب الحديث وغير ذلك من الزيادة فيه، وإنّما قال في حق ابن التين: إنَّ كلامه يقتضي أنّه ما فهم مقصد البخاريّ، لأنّه ادعى وجود حديث يتعلّق بقصة إسحاق بن إبراهيم وجده البخاريّ مجردًا عن المتن، ولم يقف على سنده فذكره مرسلًا، وليس هذه طريقة البخاريّ، أنّه يعتمد على حديث لم يقف على إسناده، وأمّا الكرماني فقوله أقرب من قول ابن التين, لأنّه يقتضي إثبات وجود الحديث بسنده ومتنه، لكنه ليس على شرط البخاريّ، فلذلك علقه ولكنه لم يطرد ذلك من صنيعه، لأنّه لا يقتصر في التعليق على ما لم يكن بشرطه، بل تارة يكون بشرطه، ويكون قد ذكره في مكان آخر، وتارة لا يوجد إِلَّا معلقًا، وإن كان بشرطه وتارة لا يكون على شرطه.

499 - باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحا ...} الخ

499 - باب قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ...} الخ قال (ح): وقع في نسخ هذا الباب عقب قصة لوط، وفي بعضها عقب قصة عاد، وهو الصواب، ولعلّ هذا من جملة المواضع الّتي حكى الباجي عن أبي ذر أنّه وقع التقديم والتأخير فيها بسبب وجود بعض التراجم في الإِلحاقات فوضعها بعضهم في غير موضعها (¬617). قال (ع): الاعتماد على هذا الكلام ممّا يستلزم سوء التّرتيب بين الأبواب وعدم المطابقة بين الأبواب [الأحاديث] والتراجم مع الاعتناء الشديد في كتب البخاريّ على ترتيب ما وضعه المصنف في تلك الأبواب، ولا يستلزم وقوع قصة ثمود بعد قصة عاد في القرآن لزوم رعاية التّرتيب فيه (¬618). ¬

_ (¬617) فتح الباري (6/ 381). (¬618) عمدة القاري (15/ 273).

500 - باب {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين}

500 - باب {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} قوله: سفيان عن مروة سألت أم رومان. قال (ح) منتصرًا للبخاري: قال البخاريّ في التاريخ: لما ذكر رواية علي بن زيد بن جدعان عن القاسم قال: ماتت أم رومان في زمن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، فيه نظر لضعف علي وانقطاع رواية القاسم. قال: وحديث مسروق أسند. وقال أيضًا: الذي رواه ابن سعد أصله من الواقدي (¬619). قال (ع): ورد عليه بأن الحميدي قال: كان بعض من لقيت من البغداديين الحفاظ يقولون: الإِرسال في هذا الحديث بيّن (¬620). قلت: البعض الذي عناه هو الخطيب والبحث معه، فكيف يصلح أن يكون كلامه ردًا، ولقد أظهر (ح) لدعواه أدلة لا تخفى صحتها عند من له إلمام بصناعة الحديث، ولا سيما في ترجمة أم رومان من تهذيب التهذيب، من أوضحها أن في الرِّواية الّتي اعتمدوا عليها أن أم رومان ماتت في حياة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في سنة خمس أو ست، وقد ثبت في الصّحيح عن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصديق في قصة أضياف أبي بكر وفيه: قال عبد الرّحمن: أنا وأبي ¬

_ (¬619) أشار الحافظ في الفتح (6/ 419) إلى الانقطاع، وفعل القول فيه في (7/ 438). (¬620) عمدة القاري (15/ 280).

وأمي وأم رومان هي والدة عبد الرّحمن، وقد أخبر عبد الرّحمن في هذا الحديث أنّه شهد هذه القصة، وكانت هجرته في السنة السابعة، فبقاء أمه إليها في الخبر الصّحيح المتفق على صحته يدل على ضعف الخبر الذي فيه أنّها ماتت قبل ذلك سنة خمس أو ست.

501 - باب قوله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة}

501 - باب قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً} قوله عقب الآثار المذكورة في قصة موسى {جَعَلَهُ دَكًّا} فقال: دكه زلزله، فدكتا كقوله فدككن جعل الجبال كالواحدة كما قال: {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} ولم يقل: كن رتقًا. قال (ح): ذكر هذا استطرادًا إذ لا تعلّق له بقصة موسى (¬621). قال (ع): بل ذكره تنظيرًا لما قبله (¬622). قلت: ما ادعى أحد اللزوم أو التجويز، فلا يدفع، فإذا استوى الاحتمال فنسبة الوهم للفربري أقرب من نسبته إلى البخاريّ. قوله في حديث ابن عمر: "أعْوَرُ عَيْنهِ اليُمنَى". قال (ح): رواه الأصيلي برفع عينه كأنّه وقف على وصفه بأنّه أعور، وابتداء الخبر عن صفة عينه فقال: عينه كأنّها كذا، وأبرز الضمير وفيه نظر لأنّه يصير كأنّها عنبة، ويحتمل الرفع على البدل من الضمير في أعور على الموصوف وهو بدل بعض من كلّ (¬623). قال (ع): لا حاجة إلى هذا التخبيط يذكر وجهًا في إعرابه، ثمّ ¬

_ (¬621) فتح الباري (6/ 430). (¬622) عمدة القارئ (15/ 294). (¬623) فتح البارى (6/ 488).

يقول: فيه نظر، والأولى أن تكون عينه بالرفع بدلًا من قوله: أعور (¬624). قلت: فما زاد على ذكر الإعرابين إِلَّا الإساءة. قوله في أواخر باب ذكر بني إسرائيل فقال: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ أي كبير عن كبير في العز والشرف (¬625). قال (ع): سبقه إليه الكرماني وليس كذلك، وإنّما هو ورثت هذا المال عن آبائي وأجدادي حال كون كلّ واحد منهم كابرًا أي كبيرًا ورثه عن كبير (¬626). قلت: لم يزد على أن قصره على الآباء والأجداد وهو تحكم، فإن الموروث أعم من ذلك، فبقى الأعم وهو الصواب، أو ثبت الأخص. [قوله في حديث أو هريرة] "بَينَمَا كَلْبٌ يَطِيفُ بِرَكْيَةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إذ رَأَتْهُ بَغِيٌّ ... " الحديث. قال (ح): تقدّم في كتاب الشرب وفي كتاب الطّهارة أن صاحب القصة كان رجلًا، فيحتمل أن القصة تعددت (¬627). قال (ع): بل يقطع بأنّهما قضيتان، وإنّما يقال: يحتمل أن لو كانت لواحد (¬628). هذا لفظه ودعواه القطع مقطوع بردهما، فاحتمال اتحاد القصة وغلط أحد الروايتين لعدم عصمة كلّ منهما موجود. قوله في حديث معاوية: فذكر قوله: أين علماؤكم، لما رأى قصة ¬

_ (¬624) عمدة القاري (16/ 35). (¬625) فتح الباري (6/ 502). (¬626) عمدة القارئ (16/ 49). (¬627) فتح الباري (6/ 516). (¬628) عمدة القاري (16/ 54).

الشعر الّتي تصلها المرأة بشعرها. قال (ح): فيه إشارة إلى أن العلماء قد قَلّوا لأنّ غالب الصّحابة إذ ذاك كانوا ماتوا وكأنّه رأى بعض الجهال من العوام صنعوا ذلك فأراد أن يذكر علماؤهم وتعريفهم بما تركوه من إنكار ذلك (¬629). قال (ع): إن كان غالب الصّحابة ماتوا فقد قام مقام مقامهم أكثر عددًا منهم من علماء التابعين، فلم يكن معاوية قط قصد هذا المعنى، وإنّما قصد الإنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن إنكاره (¬630). قلت: قدم على نفي العلم المحتمل وجزم بما زعم أن معاوية قصده، والحامل استبعاد أن يكون العلماء إذ ذاك كانوا قليلًا، فاستلزم ذلك عنده. (¬631). على عدم إنكار المنكر، ولا يخفى فساده، وقد ذكرت عدة اعتذارات عن عدم إنكارهم حذفها هذا المعترض ليتم اعتراضه الفاسد، فأوقعه بعينه في المحذور ولله الأمر. ¬

_ (¬629) فتح الباري (6/ 516). (¬630) عمدة القاري (16/ 54) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 268 - 269). (¬631) هكذا هو بيان في النسخ الثلاث.

502 - باب بعد باب كنية - صلى الله عليه وسلم -

502 - باب بعد باب كنية - صلّى الله عليه وسلم - ذكر فيه حديث السائب بن يزيد: ذهبت بي خالتي فقالت: يا رسول الله إنَّ ابن أختي شاك ... الحديث. قال: لا يصلح أن يكون فصلًا من الباب الذي قبله، فلعلّ ذلك من تصرف الرواة بأن يكون بعد الباب الذي بعده وهو باب ختم النبوة (¬632). قال (ع): لا نسلم أنّه لا يصلح أن يكون فصلًا، بل هو صالح لذلك لأنّ مخاطبته بقوله: يا رسول الله أولى من مخاطبته بقوله: يا أبا القاسم (¬633). قلت: أخذ الذي نسبه (ح) لبعض شيوخه. وقال: إنّه متكلم، فادعاه واعترض به عليه، فانظر وتعجب. ¬

_ (¬632) فتح الباري (6/ 561). (¬633) عمدة القاري (16/ 101).

503 - باب ختم النبوة

503 - باب ختم النبوة ذكر فيه حديث السائب من رواية محمّد بن عبيد الله المدني واقتصر منه على قوله: فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه. قال أبي عبيد الله: الحجلةُ من حجلِ الْفَرَسِ. قال (ح): كأنّه سقط منه آخر الحديث وهو قوله بين كتفيه ففسرها ابن عبيد الله (¬634). قال (ع): ليس هذا موضع الشك فإن هذه اللفظة موجودة في هذه الرِّواية في الدعوات (¬635). قلت: فتقوي أنّها سقطت هذه من بعض الرواة، فلم يتوجه الاعتراض. قوله في علامات النبوة في حديث عبد الرّحمن بن أبي بكر في أضياف أبي بكر. قال (ح): شرح الكرماني هذا الموضع باحتمال أن يكون أبو بكر لما جاء بالثلاثة لبث في منزله إلى وقت العشاء فرجع إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فلبث عنده حتّى تعشى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، وهذا لا يصح (¬636). قال (ع): لم يشرحه الكرماني هكذا (¬637). ¬

_ (¬634) فتح الباري (6/ 562). (¬635) عمدة القاري (16/ 102). (¬636) فتح الباري (6/ 596). (¬637) عمدة القاري (16/ 125).

قلت: لفظه فإن قلت هذا يشعر بأن التعشي كان بعد الرجوع إليه، وفي الرِّواية الماضية يقتضي أنّه كان بعده، فأجاب الأوّل بأن حال أبي بكر في عدم احتياجه إلى الطّعام عند أهله ... إلى أن قال: والأولى [الأوّل] من العشاء بكسر العين أي الصّلاة، والثّاني بفتحها وهو أكثر، فهذا معنى ما أشار إليه (ح)، فلما لم يفهمه (ع) نفى أن يكون الكرماني قال هذا، ثمّ نادى على نفسه بقصور النظر، فقال: لينظر المتأمل فإن تركيب هذا الحديث يحتاج إلى دقة نظر وتأمل كثير. قوله في حديث ابن عبّاس في قصة الأعرابي. قال (ح): دخوله في التّرجمة أن في بعض طرقه زيادة أخرجها الطبراني بلفظ: أمّا إذا أبيت فهي كما تقول، فما أمسى من الغد إِلَّا ميتًا (¬638). قال (ع): هذا الذي ذكره هو حاصل قوله، فنعم إذًا وتوجيهه المطابقة من نفس الحديث أوجه من توجيهها من حديث آخر (¬639). قلت: زيادة قوله: فما أمسى من الغد إِلَّا ميتًا هي المقصود، وليس هو حديثًا آخر. قوله: فيه أعرابي. قال (ح): لم أر تسميته قيس بن أبي حازم لغير الزمخشري، فإن كان محفوظًا فهو قيس بن أبي حازم التابعيّ الشهير أحد ثقات المخضرمين، لأنّ صاحب القصة مات في العهد النبوي، والمخضرم عاش بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - دهرًا طويلًا، ثمّ لم ير النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مؤمنًا فليس صحابيًا (¬640). قال (ع): عدم رؤيته لا تنافي رؤية غيره، وقد قال بعض المحدثين: ¬

_ (¬638) فتح الباري (6/ 625). (¬639) عمدة القاري (16/ 149). (¬640) فتح الباري (6/ 625).

إنّه رأى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬641) قلت: هذا الاعتراض لا يرد. قوله بعد علامات النبوة وباب يعرفونه وباب انشقاق القمر ¬

_ (¬641) عمدة القاري (16/ 149).

504 - باب

504 - باب بغير ترجمة ذكر فيه عدة أحاديث من متعلّقات المعجزات. قال (ح): كان حق هذا الباب أن يكون عقب باب علامات النبوة قبل البابين الذي قبله (¬642)، ولعلّ ذلك من صنيع الرواة كما تقدّم. قال (ع): لا يحتاج إلى هذا الكلام ولا إلى اعتذار عنه، لأنّ البابين اللذين "قبله في علامات النبوة أيضًا، وهذا الباب المجرد في نفس الأمر ملحق بما ألحق به البابان اللذان قبله] (¬643). كذا قال. قولة: قال سفيان: كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث. قال (ح): الحسن بن عمارة أحد الفقهاء المتفق على ضعف حديثهم (¬644). قال (ع): قال عيسى الفاخوري: عن أيوب عن سُوَيْد: كنت عند الثّوريّ فذكر الحسن بن عمارة فغمزه، فقلت: ما ذكرت عنده قط إِلَّا ذكرك بخير، قال: فما ذكر سفيان الحسن بعد ذلك إِلَّا بخير، وذكر قول جرير: ما كنت أظن أني أعيش إلى زمان يحدث فيه عن محمَّد بن إسحاق ويسكت عن الحسن بن عمارة (¬645). ¬

_ (¬642) فتح الباري (6/ 633). (¬643) عمدة القاري (16/ 163) وما بين المعكوفين في العمدة. (¬644) فتح البارى (6/ 634). (¬645) عمدة القاري (16/ 165).

قلت: لو استحضر ما قال علماء الحديث في حق الحسن بن عمارة لاستحيى أن يذكر هذين الأمرين في معرض الرد على من قال: إنهم اتفقوا على ضعفه، بل المراد استقرار الأمر على ذلك، ولو وجد قبل ذلك من صرح بتزييفه فضلًا عن عدم وجوده. وقد ذكر له المزي ترجمة في التهذيب منها قال محمود بن غيلان: عن أبي داود الطيالسي قال شعبة: أئت جرير بن حازم فقل له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة، فإنّه يكذب. وقال علي بن الحسن بن شقيق: قلت لابن المبارك: لِمَ تركت أحاديث الحسن بن عمارة؟ قال: جرحه عندي سفيان الثّوريّ وشعبة بن الحجاج، فبقولهما تركت حديثه. وإذا عرف هذا فارتفع قول جرير بن عبد الحميد من قول شعبة والثوري، وهل يقدم التعديل المحتمل على الجرح الصريح؟ وهل شرط أحد من المحدثين أن شرط الجرح أن يجتمع الجميع عليه حتّى يجوز إطلاق كونه ضعيفًا، وإنّما نقل عن بعض المحدثين نحو هذا فيمن يترك لا فيمن يضعف، ومن لا يفرق بين من يقال فيه ضعيف أو متروك كيف يسوغ له أن يتكلم فيما لا يحيطه به علمًا؟ وقد قال أحمد بن حنبل وهو في غاية الورع في وصف الرواة: منكر الحديث، وأحاديثه موضوعة لا يكتب حديثه. قوله فيه: قال (ح): أراد البخاريّ بإيراد كلام ابن عيينة بيان ضعف رواية الحسن بن عمارة، وأن سفيان لم يسمع الخبر من عروة، وإنّما سمعه من الحي ولم يسمعه عن عروة، فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم، لكن وجد له متابع عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه عن عروة [البارقي]، وشاهد من حديث حكيم بن حزام (¬646). ¬

_ (¬646) فتح البارى (6/ 634 - 635).

قال (ع): لم تجر عادة البخاريّ أن يذكر في صحيحه حديثًا ضعيفًا ثمّ يشير إليه بالضعف ... إلى أن قال: وقد وجد له متابع (¬647). فذكر كلام (ح) بلفظه كعادته وأوهم أنّه من تصرفه، فأمّا ما ادعاه من جريان عادة البخاريّ بأنّه قال في كتاب الهِبَة: ويذكر عن ابن عبّاس جلساؤه وشركاؤه، ولم يصح. وقال في أول الصّلاة ويذكر عن سلمة بن الأكوع يزره ولو بشوكة، وفي إسناده نظر. وقال في المواريث ويذكر عن تميم هو أول النَّاس لمحياه ومماته، واختلفوا في صحة هذا الخبر، وقد وقع للبخاري نحو هذا في حديث في زيادة للمسعودي. وفي قيام اللّيل في حديث لعبد الكريم بن أبي المخارق. وقد سبق (ح) إلى معنى ما ذكره في حق الحسن بن عمارة الحافظ المنذري فقال: تخرج البخاريّ له يحتمل أن يكون سمعه هكذا فحدث به كما سمعه، وذكر فيه إنكار سبب سماعه من عروة حديث الشاة، وإنّما سمع من عروة قوله عليه الصّلاة والسلام: "اْلخيْرُ مَعْقُودٌ بِنَواَصِي الْخَيْل" وسببه أن الحديث لو كان على شرطه لأخرجه في البيوع أو الوكالة، جرت عادته في الحديث الذي يشتمل على أحكام، أن يذكره في الأبواب الّتي تصلح له ثمّ اقتصر بعده على حديث الخيل من طرق، فدل على أنّه أراد حديث الخيل فقط، إذ هو على شرطه. قال (ع): قوله: فدل على أن مراده الخيل فقط إذ هو على شرطه، فيه نظر لأنّه لو كان الأمر كما ذكره لعكر عليه ذكره، فبين أبواب علامات ¬

_ (¬647) عمدة القاري (16/ 166).

النبوة لعدم المناسبة لكل وجه (¬648). قلت: من لا يدري وجه المناسبة في إيراد حديث الخيل في باب علامات النبوة؟ ما باله يتكلم فيما لا يعنيه ويرد الصواب ظنا منه أنّه خطأ وهو المخطئ ولا يشعر؟ وهب أن حديث الشاة ثابت ودخوله في علامات النبوة بسبب دعاء النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لعروة بالبركة في تصرفه، بخلاف حديث الخيل، فماذا يصنع في إيراد البخاريّ في هذا الموضع حديث الخيل من حديث ابن عمر وأنس وأبي هريرة؟ على أنّه اضطر فألحق في الهامش أن مطابقة حديث الخيل لترجمة علامات النبوة كونه أخبر عن أمر مستمر أبي يوم القيامة. ومن اعتراضه على من سبقه من الشراح ممّا لا يصلح عن المحدثين أن يكون اعتراضًا أنّه نقل عن الكرماني أنّه قال في حق الحسن بن عمارة: كان يكذب، فكيف جاز النقل؟ ثمّ أجاب بأنّه لم يثبت بقوله من هذا الحديث شيء مع احتمال أن يكون قاله بناء على ظنه يعني أنّه لم يتعمد الكذب. قال (ع): قد أبشع في العبارة، ولم يكن من دأب أهل العلم أن يذكر شخصًا عالمًا فقيهًا متقدمًا، وساء بهذه العبارة الفاحشة، لكن الداعي له ولأمثاله التعصب بالباطل (¬649). قلت: انظروا حَطَّه على الفضلاء من الأئمة أنّهم تكلموا في حق الرواة بالتعصب بالباطل، فقد أطلق إمام الورعين أحمد بن حنبل على جماعة من المحدثين الكذب. وقال الإمام أبو حنيفة: ما لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي ما جئته بشيء من رأيي إِلَّا جاءني فيه بحديث. ¬

_ (¬648) عمدة القاري (16/ 166). (¬649) عمدة القاري (16/ 166).

وقال الشافي فِي كثير بن عبد الله المزني: كان من أركان الكذب. وقال في حق الواقدي: وقد اتفقوا على أنّه كان من المتسعين في العلم كتب الواقدي كذب. وأمثال ذلك ممّا يعرفه من سدي طرفًا من علم الحديث، وأمّا من لم يكن له في ذلك يد وإنّما يعتمد على الصحف وينقل ما يجده من كلام العلماء يقصه ناسبًا ذلك لنفسه، فما باله على ما لم يحط به علمًا والله المستعان.

505 - باب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

505 - باب فضائل أصحاب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قوله في فضائل أبي بكر في حديث: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ في شَيْءٍ مِنَ اْلأشْيَاءِ في سَبِيِل الله دعي مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ... " الحديث. قال (ح): تقدّم في أبواب الجهاد أن أبواب الجنَّة ثمانية، وبقي من أركان الحجِّ فله باب بلا شك، وأمّا الثّلاثة الأخر فمنها باب الكاظمين الغيظ أخرجه أحمد من مرسل الحسن. ومنها باب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل فيه من لا حساب عليه ولا عذاب. وأمّا الثّالث فلعلّه باب الذكر، فعند التّرمذيّ ما يوميء إليه ويحتمل أن يكون باب العلم (¬650). قال (ع): هذا من طريق الظن والحسبان، ولا تنحصر الأبواب الّتي منها الدخول بالأعمال الصالحة فإنها من داخل الأبواب الثمانية (¬651). قوله في خبر السقيفة: قتلتم سعدًا. قال الكرماني: هو كناية عن الإعراض والخذلان لا حقيقة القتل. قال (ح):يرد هذا ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب ¬

_ (¬650) فتح الباري (7/ 28). (¬651) عمدة القاري (16/ 183).

فقال قائل من الأنصار: اتقوا سعد بن عبادة لا تطؤه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله (¬652). قال (ع): لا وجه قط للرد المذكور بل هو كما قال الكرماني (¬653). قوله: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي". قال الكرماني: هو خطاب لغير الصّحابة من المسلمين. قال (ح): هذه غفلة، فقد وقع التصريح في تفسير الحديث بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد وهو من الصّحابة الموجودين، إذ ذاك بالاتفاق وهو عند مسلم (¬654) قال (ع): الحديث لا يدلُّ على أن المخاطب خالد، فإن الخطاب لجماعة ولا يبعد أن يكون الخطاب لغير الصّحابة كما قال الكرماني، ويدخل فيه خالد على تقدير أن يكون خالد إذ ذاك صحابيًا، والاتفاق الذي ذكره (ح) يحتاج لدليل ولا يظهر إِلَّا من التاريخ (¬655). قوله: في حديث أنس أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - صعد أحدًا. قال (ح): هذه رواية يحيى القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ووقع لأبي يعلى من وجه آخر عن سعيد صعد حراء جبل بمكة والأول أصح، ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة، وقد وقع في مسند الحارث عن روح عن سعيد أحدًا أو حراء بالشك، وأخرجه أحمد من حديث بريدة فقال: حراء (¬656). ¬

_ (¬652) فتح الباري (7/ 32). (¬653) عمدة القاري (16/ 186) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 270 - 272) (¬654) فتح الباري (7/ 34). (¬655) عمدة القاري (16/ 188). (¬656) فتح الباري (7/ 38).

قال (ع): هذا كله يدل على تعدد القصة (¬657). قوله في حديث جابر: " رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ اْلجَنَّةَ فَإذَا أَنَا بِامْرَأةِ أَبِي طَلْحَةَ". قال أبو داود: وهي أخت أم سليم، وجوز ابن التين أن تكون امرأة أخرى (¬658). ¬

_ (¬657) عمدة القاري (16/ 190 - 191). (¬658) كذا هو في النسخ الثلاث دون ذكر قول الحافظ ولا قول العلّامة. ولم يتعقب العلّامة الحافظ ابن حجر في هذا الحديث إِلَّا في كلمة "خشفة" فقال الحافظ أي حركة وزنًا ومعنى، ونقل العلّامة عن التوضيح والكرماني أنّها بفتح الأوّل وسكون الثّاني وحكى شمر فتحها أيضًا.

506 - باب مناقب عمر

506 - باب مناقب عمر قوله: وقال يحيى: الزرابي، الطنافس، والطنافس عتاق الزرابي مبثوثة كثيرة. قال الكرماني: هو يحيى القطان إذ هو راوي الحديث المذكور قبل في مناقب أبي بكر. قال (ح): هو يحيى بن زياد الفراء ذكر ذلك في كتابه معاني القرآن له، وظن الكرماني أنّه القطان فجزم بذلك، واستند إلى أن الحديث من روايته (¬659). قال (ع): قول الكرماني هو الأقرب، لأنّ كثيرًا من الرواة يفسرون الأحاديث الّتي يروونها، وقوله: أن الجميع كلام يحيى الفراء يحتاج إلى دليل، والذي يظهر أن قوله مبثوثة كثيرة من كلام البخاريّ. قال (ح): استطرد المصنف كعادته فذكر معنى الزرابي الواردة في القرآن. قال (ع): هذا يدلُّ على أنّه من كلام البخاريّ ويرد عليه نسبته إلى يحيى (¬660). قوله في حديث سعد بن أبي وقّاص: استأذن عمر على النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وعنده نسوة من قريش. ¬

_ (¬659) فتح الباري (7/ 46) (¬660) عمدة القاري (16/ 194).

قال (ح): هن أزواجه، والمراد أنّهن يطلبن منه أكثر ممّا يعطيهن، ويبعد قول الداودي أنّهن يكثرن الكلام عنده، فقد وقع التصريح في حديث جابر أنّهن يطلبن النفقة (¬661). قال (ع): الأظهر ما قاله النووي، لأنّ الضمير المنصوب في قوله يستكثرنه أيُّ يطلبن كثيرًا من كلامه، لأنّ الضمير في يستكثرنه يرجع إلى الكلام، ولا نسلم أن حديث جابر يؤيد ما قال، لأنّ حديث سعد غير حديث جابر (¬662). قوله: أنت أفظ وأغلظ. قال (ح): هو من جانب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بالنسبة إلى ما أمر به من الإغلاظ على الكفار (¬663). قال (ع): هذا لا يقتضي أن يكون صفة لازمة، وإنّما يوجد الإِنكار على الكفار فقط (¬664). قلت: وما ادعى أحد أنّها صفة لازمة في عمر، ثمّ قيل: إنَّ أَفَظَّ بِمَعْنَى الْفَظِّ (¬665). قال (ع): قائل ذلك هو الكرماني، وقال: لا نظر فيه لأنّ هذا باب واسع في كلام العرب (¬666). قوله: في حديث أنس: أن رجلًا سأل عن السّاعة. ¬

_ (¬661) فتح البارى (7/ 47). (¬662) عمدة القاري (16/ 195). (¬663) فتح البارى (7/ 47). (¬664) عمدة القاري (16/ 195). (¬665) فتح البارى (7/ 47). (¬666) عمدة القاري (16/ 195).

قال (ح): وقع. عند الدارقطني من حديث ابن [أبي] مسعود أنّه الأعرابي الذي بال في المسجد، فدل على أنّه السائل من حديث أنس (¬667). قال (ع): لا دليل واضح هنا لاحتمال تعدد السائل (¬668). قلت: إنّما قال (ح) عقب حكايته عن ابن بشكوال أنّه فسر السائل بالأشعري أو أبي ذر فقال في التعقب عليه: وقع في حديث أنس أن السائل أعرابي، وفي الدارقطني من حديث ابن مسعود أنّه الذى بال في المسجد، وتقدم في الطّهارة أن اسم الذي في المسجد ذو الخويصرة اليماني، فدل على أنّه السائل في حديث أنس؛ لأنّ ذا الخويصرة أعرابي بخلاف أبي موسى وأبي ذر. قوله في حديث ابن عبّاس: ثمّ صحبت صَحَبتهم بفتحتين، أي أصحاب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأبي بكر (¬669). قلت: مسلم أن أصحاب صيغة جمع، لكن لم يضف إلى هذا الجمع إِلَّا اثنان، وهما النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأبو بكر، فالنظر موجه. قوله في حديث عبد الله بن عدي بن الخيار. قلت: لا ولكن خلص بفتح المعجمة واللام ويجوز ضمها بعدها مهملة (¬670). ¬

_ (¬667) فتح البارى (7/ 49). (¬668) عمدة القاري (16/ 198). (¬669) كذا سقط من النسخ الثلاث قول الحافظ ورد العلّامة. قال الحافظ في الفتح (7/ 52) وفيه نظر للإتيان بصيغة الجمع موضع التثنية. قال العلّامة العيني في العمدة (16/ 200) لا يتوجه النظر فيه أصلًا بل الموضع موضع ذكر الجمع، لأنّ المراد أصحاب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأبو بكر. (¬670) فتح الباري (7/ 57) وفيه بفتح المعجمة وضم اللام، ويجوز فتحها.

قال (ع): أظن ضم اللام غير صحيح، وقد وقع في حديث الإسراءِ ثمّ خلصت إلى مستوى وضبط، بفتح اللام (¬671). قوله في حديث ابن عبّاس في قصة قتل عمر: قلت: إن شئت فعلنا، أي قتلنا الأعلاج، فقال: كذبت. قال (ح): أهل الحجاز يطلقون كذبت موضع أخطأت (¬672). قال (ع): قرينة أن كذبت موضع أخطأت غير موجه (¬673). كذا قال. قوله: فأسنده رجل إليه. قال (ح): يحتمل أن يكون ابن عبّاس (¬674). قال (ع): إن كان مستنده كون ابن عبّاس في القصة له ذكر فلغيره أن يقول: عمرو بن ميمون (¬675). ووقع في رواية مبارك بن فضالة أن عمر قال لابن عبّاس: ضع خدي بالأرض. قوله: وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له في الأمر شيء. قال الكرماني: كهيئة التعزية له هو من كلام الراوي لا من كلام عمر. قال (ح): لا أعرف من أين تهيأ له الجزم بذلك مع الاحتمال (¬676). ¬

_ (¬671) عمدة القاري (16/ 204). (¬672) فتح الباري (7/ 64). (¬673) عمدة القاري (16/ 211). (¬674) فتح الباري (7/ 66). (¬675) عمدة القاري (16/ 212). (¬676) فتح الباري (7/ 67).

مناقب جعفر

قال (ع): لا نسلم أن في كلامه ما يدل على الجزم ولم يبين هذا القائل وجه الاحتمال (¬677). قلت: لا يريد هذا المعترض على الكلام في الواضحات، أليس الذي يقول هو من كلام الراوي، ثمّ يؤيد ذلك بقوله لا من كلام عمر يكون جازمًا؟ أليس قول عمر: يشهدكم عبد الله بن عمر، وقال الراوي كالشارح لمراد عمر إنّه لما لم يجعله من أهل الشورى أمر بأن يحضر مشاورتهم كالتعزية له، ويؤيده أنّه لوكان كلام عمر ما احتاج إلى الكاتب. مناقب جعفر قوله في حديث أبي هريرة: وإن كنت لا تستقري الرَّجل. قال (ح): أي أطلب منه القرى، فيظن أني أطلب منه القراءة، ووقع بيان ذلك في رواية لأبي نعيم في الحلية عن أبي هريرة أنّه وجد عمر فقال: أقرني، فظن أنّه من القراءة فأخذ يقرئه القرآن ولم يطعمه قال: وأنما أردت منه الطّعام (¬678). قال (ع): هذا الذي قاله غير صحيح، ويظهر فساده من قوله: كنت أستقريء الرَّجل الآية هي معي ... إلى أن قال: والدّليل على هذا ما رواه التّرمذيّ عنه قال: إنِّي كنت لأسأل الرَّجل عن الآية أنا أعلم بها منه ما أسأله إِلَّا ليطعمني شيئًا، واستدلاله بما رواه أبو نعيم لا يقيده أصلًا، لأنّها قصة أخرى مخصوصة بما وقع بينه وبين عمر، والذي هنا أعم من ذلك (¬679). ¬

_ (¬677) عمدة القاري (16/ 212). (¬678) فتح الباري (7/ 76). (¬679) عمدة القاري (16/ 220) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 272 - 273).

قلت: إذا حمل على التعدد فكيف؟ فحيث يكون في القصة أستقرئ أو أقرئ بالهمز أو مع التصريح بالآية، فهو من القراءة جزمًا، وحيث لا، بل يكون بتسهيل الهمزة أمكنت إرادة التورية كما في رواية أبي نعيم، فظهر أن دعواه الفاسد هي الفاسدة.

507 - باب فضل عائشة

507 - باب فضل عائشة قوله: فلما كان يَوْمي سكن. قال الكرماني: أي مات أو سكت عن هذا القول (¬680). قال (ح): الثّاني هو الصّحيح، والأول خطأ صريح. قال (ع): الخطأ الصريح تخطيته، لأنّ في رواية مسلم، فلما كان يَوْمي قبضه الله بين سحري ونحري (¬681). قلت: لا حجة فيه، لأنّ مرادها بأنّه قبض في يومها، تريد يوم نوبتها، لا النوبة الّتي جئ فيه به إليها، فإن ذلك كان قبل يوم موته بمدة، والذي يخفى عليه هذا القدر ما الذي يحمله على تخطية القائم بها؟ لولا التحامل الذي تعود عليه بالفضيحة كان يدري. ¬

_ (¬680) فتح الباري (7/ 108). (¬681) عمدة القاري (16/ 252).

508 - باب. قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " أقبلوا من محسنهم"

508 - باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - " أقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ" قوله: مَرَّ أبو بكر والعباس بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يُبْكيكم؟ قال (ح): لم أقف على تعيين الذي خاطبهم أو أبو بكر أو العباس، ورجح عندي الثّاني، لأنّ ابن عبّاس روى شيئًا من ذلك، فلعلّه سمعه من والده (¬682). قال (ع): لا قرينة تدل على ذلك وما استند إليه أبعد، لأنّ الوصيَّة في حديث ابن عبّاس أعم من الوصيَّة الّتي في حديث العباس، لأنّها مختصة بالأنصار، فأين ذاك من ذاك حتّى يكون دليلًا من غير احتمال أن يكون أبا بكر؟! (¬683). قلت: ما نفى (ح) الاحتمال. ¬

_ (¬682) فتح الباري (7/ 121). (¬683) عمدة القاري (16/ 265).

509 - باب نقبة أسيد بن حضير وعباد بن بشر

509 - بَابُ مَنْقَبَةِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ قال (ح): إنَّ رجلين ظهر من رواية معمر أن أسيد بن حضير أحدهما، ومن رواية حماد أن الثّاني عباد بن بشر (¬684). قال (ع): في ظهورهما من روايتهما نظر، لأنّ حديث الباب ساكت عن تعينهما، وفي رواية حماد ومعمر احتمال أن يكونا غير أسيد وعباد. وقول (ح) جزم البخاريّ بذلك في التّرجمة فيه نظر لاحتمال تعدد أصحاب القصة (¬685). ¬

_ (¬684) فتح الباري (7/ 125). (¬685) عمدة القاري (16/ 270).

510 - باب تزويج النبي خديجة

510 - باب تزويج النّبيّ خديجة قوله: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ". [قال (ح): والذي يظهر لي أن قوله "خير نسائها" خبر مقدم والضمير لمريم، فكأنّه قال مريم خير نسائها] (¬686). قال (ع): هذا فيه تعسف لأنّ تقديم الخبر لغير نكتة غير طائل، وإضافة النِّساء إلى مريم غير صحيح، والحذف على خلاف الأصل (¬687). قوله: وقال إسماعيل بن خليل أخبرنا علي بن بهز. قال (ح): صورته صورة التعليق، لكن في أطراف المزي عن إسماعيل، فهذه العبارة تقتضى أنّه رواه عنه (¬688). ¬

_ (¬686) فتح الباري (7/ 135) وما بين المعكوفين ساقط من النسخ الثلاث. (¬687) عمدة القاري (16/ 278). (¬688) فتح الباري (7/ 140) كذا هو في النسخ الثلاث لم يذكر ما اعترض به عليه العلّامة العيني، وبعد مراجعة عمدة القاري (16/ 282) رأينا أن العيني ذكر نفس ما قاله الحافظ، ولم ينسبه إليه.

511 - باب أيام الجاهلية

511 - باب أيّام الجاهلية قال (ح): هي ما كان بين المولد النبوي والبعث (¬689). وقال الكرماني: هي مدة الفترة بين عيسى ومحمد. قال (ع): هذا هو الصواب (¬690). قلت: بل هو عين الخطأ، لأنّه يلزم أن الزّمان الذي أوله رفع عيسى يسمي زمان جاهلية، وليس كذلك. ¬

_ (¬689) فتح الباري (7/ 149). (¬690) عمدة القاري (16/ 289).

512 - باب القسامة في الجاهلية

512 - باب القسامة في الجاهلية قوله. في حديث عمرو بن ميمون في قصة القردة. قال ابن التين: لعلّ هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا فبقى فيهم ذلك الحكم. وقال ابن عبد البرّ: إضافة الزِّنا إلى غير المكلَّف وإقامة الحدود في البهائم عند جماعة أهل العلم منكر، ولو صح لكانوا من الجن، لأنّ العبادات في الجن والإنس دون غيرهما. قال الكرماني: يحتمل أن يقال: كانوا من الإنس فمسخوا قردة وتغيروا عن الصورة الإنسانية فقط، أو كانت الصورة صورة الزِّنا، فالرجم ولم يكن ثمّ تكليف لأحد، وإنّما هو ظنه الذي في الجاهلية مع أن هذه الحكاية لم توجد في بعض نسخ البخاريّ. وقال الحميدي: هذا الحديث وقع في بعض فسخ البخاريّ، وأن أبا مسعود وحده ذكره في الأطراف. قال: ولعله من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاريّ. قال (ح): مما ما ذكره هؤلاء فيه نظر، أمّا ابن التين فجوابه: ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "إِنَّ الله لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا". وأمّا ابن عبد البرّ فجوابه: احتمل أن يكون صورة الواقعة كالزنا

والرجم ولا يلزم أن يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدًا، وإنّما أطلق عليه لشبهة به ولا يستلزم تكليف غير الجن والانس. وأمّا الحميدي فجوابه: أن من أثبت ذلك مقدم على من حذفه، ولا يلزم من سقوط هذه القصة من بعض النسخ سقوطها من الأصل، كما لا يلزم سقوطها من رواية النسفي سقوطها من رواية الفربري، ولا سيما وقد بينته رواية أبي ذر الهروي، وهو أحفظ من اتصلت رواية البخاريّ من طريقه عن شيوخهم الثلاثة مع جلالتهم واتصاف المستملي منهم بسعة الحفظ، وكفى بإيراد والإسماعيلي وأبي نعيم له في مستخرجيهما وأبي مسعود في أطرافه إثباتًا له، وأمّا تجويزه أن يزاد في صحيح البخاريّ ما ليس فيه، فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاريّ في كتابه إِلَّا مواضع يسيرة انتقدها أهل الحفظ كما قرره ابن الصلاح، وتبعه الأئمة بعده فيه، وتلك المواضع تتعلّق بالطعن في بعض رجاله أو بدعوى الانقطاع في بعض أسانيده لا فيما نحن فيه من دعوى إدخال ما ليس من كتابه فيه، ولا سيما الحديث الكامل، وهذا الذي قاله يتطرق منه عدم الوثوق بجميع ما في الصّحيح، لأنّه إذا أجاز في واحد لا بعينه جاز في كلّ فرد فرد، ولا يبقى لأحد وثوق بما في الكتاب وعمل الخلفاء [العلماء] قاطبة على ذلك، انتهى (¬691). قال (ع) على عادته متعقبًا جميع ذلك بما يضحك منه أدنى من له فهم، ولولا أني شرطت في هذا التصنيف أن أذكر جميع ...... (¬692). أصابه لما ضيعت الوقت بكتابة ما لا يجدي بل يضر من تعمده ودفع في الحق بالصدر إظهارًا للتعصب وعدم مبالاة بمؤاخذته بما لا يصدر منه من تعمد الباطل. ¬

_ (¬691) فتح الباري (7/ 160 - 161). (¬692) هكذا هو بياض في النسخ الثلاث.

قال في جواب (ح) لكلام ابن المنير: ثبت في صحيح مسلم أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لما أتى بالضب لعلّه من القرود الّتي مسخت. قلت: وهذا بعينه أورده (ح) بأن ذلك كان قبل إعلام الله تعالى لنبيه أن الممسوخ لا نسل له. قال (ع): هذا فيه نظر لعدم الدّليل عليه. قلت: الدّليل عليه أن الحديث عند مسلم، فالذي قلته طريق الجمع بينهما عند من ينصف ويفهم. وأجاب (ع) عن الحميدي بأن وقوف الحميدي على الأصول أكثر وأصَحُّ من وقوف (ح) لأنّه جمع بين الصحيحين ومثله أدرى بحالهما ولو كان في أصل البخاريّ لم يجزم بنفيه عن الأصول. قلت: ومقابله أنّه لو لم يكن موجودًا ما توارد الحفاظ في نقله الكتاب قبل الحميدي على روايته، وتجويز السّهو على واحد أولى من تجويزه على جماعة، والمثبت مقدم على النافي، ولا يلزم من سقوطه من رواية النسفي عدم ثبوته في رواية الفربري مع أنّه رواية الفربرى متصلة الثبوت عن جماعة عنه بخلاف رواية النسفي، فاعترض على قوله: أن العلماء اتفقوا على القطع بنسبة ما فيه إليه بأن من العلماء من تعرض إلى بعض رجاله لعدم الوثوق به ولكونه من أهل الأهواء (¬693). قلت: لم يتوارد على محل واحد والله المستعان. ¬

_ (¬693) عمدة القاري (16/ 300).

513 - باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين بمكة

513 - باب ما لقي النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين بمكة ذكر فيه حديث ابن عبّاس قال: لما نزلت الّتي في الفرقان، يعني قوله تعالى: {وَلَا تقتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالحَقِّ} قال مشركوا أهل مكّة: فقد قتلنا .... الحديث. قال (ح): الغرض منه الإشارة إلى أن صنيع المشركين بالمسلمين من قتل وتعذيب وغير ذلك سقط عنهم بالاسلام (¬694). قال (ع): أراد بذلك بيان وجه المطابقة من الحديث والترجمة، ولا مطابقة بينهما بالوجه الذي ذكره أصلًا، لأنّ التّرجمة ليست معقودة لما ذكره (¬695). ¬

_ (¬694) فتح الباري (7/ 168). (¬695) عمدة القاري (16/ 306).

514 - باب إسلام عمر

514 - باب إسلام عمر في حديث ابن عمر: وأنا غلام على ظهر بيتي. قال الداودي: هذا غلط، والمحفوظ على ظهر بيتنا. وتعقبه ابن التين بأن ابن عمر أراد أنّه الآن بيته أي عند مقالته، وكان قبل ذلك لأبيه. قال (ح): لا يخفي عدم الإحتياج إلى هذا التّأويل، وإنّما نسب ابن عمر البيت إليه مجازًا، أو مراده المكان الذي كان يأوى فيه سواء كان ملكه أم لا، وأيضًا فإنّه لو أراد بنسبته إليه حال مقالته تلك لم يصح، لأن رهط عدي بن كعب لما هاجر واستولى غيرهم على بيوتهم كما ذكره ابن إسحاق وغيره، فلم يرجعوا فيها، وأيضًا فإن ابن عمر لم ينفرد بالإرث من عمر، فيحتاج إلى دعوى أن يكون اشتري حصص غيره، فيحتاج إلى نقل، فيتعين الذي قلته (¬696). قال (ع): الصواب مع الداودي، ولا وجه للرد عليه، لأنّه لا يخفى أن ابن عمر كان عمره إذ ذاك خمس سنين، وهو لا يفارق بيت أبيه، ولا وجه لقوله: بيتي بإضافته إلى نفسه، ولا يحتاج إلى دعوى المجاز هنا من غير ضرورة ولا نكتة داعية إليه، والأوجه أيضًا أن يقال مراد ابن عمر المكان الذي ¬

_ (¬696) فتح الباري (7/ 178).

يأوي فيه، لأنّه لم يكن يأوي إِلَّا في بيت أبيه عادة خصوصًا وهو ابن خمس سنين (¬697). قلت: انظر وتعجب. قوله فيه: ما سمعت عمر يقول لشيء، أي أظنه كذا إِلَّا كان. قال (ح): أي عن شيء، واللام قد تأتي بمعنى عن كقوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذيِنَ آمَنوُا لَوْ كَانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إلَيْه} (¬698). قال (ع): لا حاجة إلى العدول عن معناها الذي هو للتعليل أي لأجل شيء (¬699). ¬

_ (¬697) عمدة القاري (17/ 6). (¬698) فتح الباري (7/ 179). (¬699) عمدة القاري (17/ 6).

515 - باب قصة أبو طالب

515 - باب قصة أبو طالب قوله في حديث أبي سعيد الخدري أنّه سمع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وذكر عبارة عمه فقال: "لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي". قال (ح): يؤخذ من الحديث الأوّل وهو حديث العباس أنّه قال للنبي - صلّى الله عليه وسلم -: ما أغنيت عن عمك، إنَّ المبهم في حديث أبي سعيد هو العباس (¬700). قال (ع): لا يلزم أن يكون هو العباس لاحتمال أن يجوز ذاكرًا غيره (¬701). ¬

_ (¬700) فتح الباري (7/ 195) (¬701) عمدة القاري (17/ 18).

516 - باب حديث الإسراء

516 - باب حديث الإسراءِ قوله في حديث جابر: "فَجلى الله لِي بيت الْمَقْدِسِ" قال (ح): أي كشف الحجب بيني وبينه حتّى رأيته، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عند مسلم: "فَسَأَّلَوُنِي [فسألتني] أَشْيَاءَ لَمْ أُثْبِتْهَا فكَرَبْتُ كُرْبَةً لَمْ أَكْربْ [ما كُرِبْتُ] مِثْلَهُ قَطُّ، فَرَفَعَهُ اللهّ لي أَنْظُرُ إلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عنْ شَيءٍ إِلَّا أَنْبَأتُهُمْ بِهِ" ويحتمل أن يريد أنّه حمل إلى أن وضع بحيث يراه ثمّ أعيد، ففي حديث ابن عباس المقدم ذكره: فجيء بالمسجد لي انظر إليه حتّى وضع عند دار عقيل فنعته وأنا انظر إليه، وهذا أبلغ في المعجزة ولا استمالة فيه، فقد أحضر عرش بلقيس إلى سليمان في طرفة عين، وِأما ما وقع في حديث أم هانىء عند ابن سعد فخيل إلى بيت المقدس "فَطفِقْتُ أخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ" فإن ثبت سنده احتمل. قوله:- " جيء بِالْمَسْجِدِ" أي جيء بمثاله جمعًا بين الحديثين في حديث أم هانىء المذكور أنّهم قالوا له: كم للمسجد باب؟ قال: ولم أكن عددتها فجعلت انظر إليه وأعده بابًا بابًا، وعند أبي يعلى أن الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المطعم بن عدي والدجبير (¬702). قال (ع) بعد أن أخذ الكلام برمته لكن تصرف في بعضه. قوله: فخلى الله بيت المقدس، أي كشف الحجاب بيني وبينه حتّى ¬

_ (¬702) فتح الباري (7/ 200) ولفظ حديث أبي سلمة لابن سعد ووضعنا لفظ مسلم بين معكوفين.

رأيته، ووقع في رواية عبد الله أبي الفضل عن أبي سلمة عند مسلم قال: "فَسَألُونى عَنْ أشياء لم أُثبِتْهَا فكُرَبْتُ كُرْبًا لَمْ أَكْرِبْ. مِثْلَهُ قَطُّ، فَرَفَعَهُ الله لي أَنْظُرُ إِلَيهِ مَا يَسْأَلُوني عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأتُهُمْ بِهِ". قال بعضهم يعني (ح): يحتمل أن وضع بحيث يراه ثمّ أعيد. قال (ع): لا طائل في ذكر هذا الإحتمال بل قوله: "فَرَفَعَهُ الله إلَيَّ" يدل قطعًا على أن الله وضعه بين يديه قطعًا، والدّليل عليه ما روي ابنِ عبّاس: "فَجِيءَ بِالمَسْجِدِ، وَأَنَا أَنظُرُ إلَيْهِ حَتيَّ وُضِعَ عِنْدَ دَارِ عَقِيل فنَعَتُّة وَأَنَا أَنْظُرُ إليه"، وهذا أبلغ في المعجزة ولا إستمالة فيه، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين. ومن حديث أم هانىء عند ابن سعد أنّهم قالوا له: كم للمسجد باب، ولم أكن عددتها فجعلت انظر إليه وأعدها بابًا بابًا. وفيه عند أبي يعلى أن الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المطعم ابن عدي (¬703): قلت: هذا الفصل عنوان ما استعمله هذا الرَّجل في هذا الشرح الذي زعم أنّه من جمعه وتأليفه، يأخذ كلام (ح) بألفاظه فيدفع في صورة بعضها بطريق العناد غالبًا، ثمّ يسوق كلامه بعينه في صورة الإعتراض، وفي صورة العظمة أخرى، ويدعى أن ذلك من تصرفه بقوله: قلت: ولا ينسب إلى من أسهر فيه ليله وأتعب فيه نفسه شيئًا، إِلَّا إن كان في صورة المنان حيث يظن أن هناك اعتراضًا، ومن قابل بين الكتابيين جزءًا واحدًا عرف مصداق ما أقول والله حسيبه. ¬

_ (¬703) عمدة القاري (17/ 20).

517 - باب وفود الأنصار

517 - باب وفود الأنصار قوله في حديث جابر: شهد خالاي العقبة. قال (ح): العقبة الأولى (¬704). قال (ع): بل هي الثّانية كما قال أبو عمر إذا قالت حذام فصدقوها (¬705). قلت: لا منافاة بينهما وإن اشتهر بين أهل السير الأولى والثّانية، لكن الأولى أحرى سابقة أكثرهم لا بعدها، فالمراد بالأولى في كلام (ح) على رأي من لا يعد السابقة، وفي كلام أبي عمر من بعدها. قوله: قال سفيان: أحدهما البراء بن معرور. قال (ح): وقع في رواية الإِسماعيلي خالاه البراء بن معرور وأخوه ولم يسمه، وقال مغلطاي: خالاه عيسى بن عدي بن سفيان وخالد بن سفيان (¬706). وقال (ح): أمّا عيسى فمذكور في الصّحابة، وأمّا خالد بن عدي فلم يذكر فيهم، وإنّما ذكر في الصّحابة خالد بن عدي الجهني (¬707). قال (ع): خالد بن عدي الجهني ذكره أبو عمر فقال: بعد في أهل ¬

_ (¬704) فتح البارى (7/ 220 - 223). (¬705) عمدة القاري (17/ 31). (¬706) فتح الباري (7/ 221 - 222). (¬707) لم نر قول الحافظ هذا في الفتح (7/ 220 - 223) في شرح هذا الحديث.

المدينة، وكان ينزل الأشعر روى عنه بشر بن سعيد. قلت: ما زاد على ما قال شيئًا إِلَّا لما ذكره قال: قال بعض من عاصرناه من أصحاب الدعاوي العريضة، فذكر وذكر جوابه يقول الدمياطى: أم جابر هي ابنة غنمة بن عدي وأخواها ثعلبة بن غنمة فهما أخوا [خالا] جابر، وقد شهدا العقبة الأخيرة، وأمّا البراء بن معرور فليس هو من أخوال جابر (¬708). قال (ح): لكنه من أقارب أمه، وأقارب الأم يدعون أخوالًا مجازًا (¬709). قال (ع): لا ضرورة إلى الذهاب إلى المجاز مع شهرة النسب فيما بينهم، ثمّ ساق نسب عتمة بن عتمة بن على والبراء بن معرور فلم يجتمعا إِلَّا في كعب بن سلمة، فبين البراء خال جابر، هل يكون إِلَّا بطريق المجاز (¬710). ¬

_ (¬708) عمدة القاري (17/ 32). (¬709) فتح البارى (7/ 222). (¬710) عمدة القاري (17/ 32).

518 - باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -

518 - باب هجرة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قوله في آخر الحديث الطويل: فتمثل بشعر رجل من المسلمين. قال الكرماني: يحتمل أن يراد به الشعر المذكور، وأن يراد به شعر آخر. قال (ح): الأوّل المعتمد (¬711). قال (ع): لم يبين وجهه، والاعتماد لا يكون إِلَّا بالعماد (¬712) ¬

_ (¬711) فتح الباري (7/ 247). (¬712) عمدة القاري (17/ 50).

قصة غزوة بدر

519 - باب مقدم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة قوله في حديث عائشة: في قول بلال: وهل يبدون لي شَامَةٌ طفِيلٌ. قال (ح): قيل: الصواب سائب بموجدة بدل الميم، والمعروف بالميم (¬713). قال (ع): القائل بالموحدة هو الصغاني، إذا قالت حذام فصدقوها (¬714). قصة غزوة بدر قوله في حديث كعب بن مالك الغرض من ذكره هنا قوله: تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنها (¬715) [قال (ح): والغرض منه هنا قوله "ولم يعاتب أحد"] (¬716). قال (ع): أراد بيان وجه المطابقة وليس الغرض ذلك إِلَّا أن الذي قاله لا يطابق التّرجمة، بل المطابقة تظهر من لفظ الحديث (¬717). ¬

_ (¬713) فتح الباري (7/ 263). (¬714) عمدة القاري (17/ 61). (¬715) فتح الباري (7/ 285) وفي النسخ الثلاث (ولم يعاتب أحدًا) وفي رواية الكشميهنى "ولم يعاتب الله أحدًا". (¬716) فتح الباري (7/ 286) وسقط قول الحافظ هذا من النسخ الثلاث. (¬717) عمدة القاري (17/ 78) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 275 - 276).

520 - باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على كفار قريش شيبة بن ربيعة

520 - باب دعاء النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - على كفار قريش شيبة بن ربيعة قال (ح): شيبة مجرور بالفتحة بدل (¬718). قال (ع): من له مساس بالعربيّة لا يعرب هكذا، بل يقول شيبة لا ينصرف للعلمية والتأنيث، فيكون مفتوحًا في محل الجر، وهو وما بعده عطف بيان (¬719). ¬

_ (¬718) فتح الباري (7/ 293). (¬719) عمدة القاري (17/ 84).

521 - باب بعد باب فضل من شهد بدرا

521 - باب بعد باب فضل من شهد بدرًا قوله: "وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ". قال (ح): أمر بالاستبقاء وهو طلب البقاء (¬720). قال (ع): لا يقول ذلك إِلَّا من هو عار عن علم التصريف (¬721). قوله في حديث أنس: أن رجالًا من الأنصار استأذنوا [رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال:] ائذن [لنا] فلنترك لابن أختنا. قال (ح): فلنترك بصيغة الأمر واللام للمبالغة في التأكيد (¬722). قال (ع): هذا خطأ محض لا يقوله من مسِّ شيئًا من علم التصريف (¬723) ¬

_ (¬720) فتح الباري (7/ 206) (¬721) عمدد القاري (17/ 97) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 276 - 277). (¬722) فتح الباري (7/ 322). (¬723) عمدة القاري (17/ 116).

522 - باب قتل كعب بن الأشرف

522 - باب قتل كعب بن الأشرف قوله في حديث جابر فقال: أرهنوني نساءكم ... إلى أن قال: رأيت أجمل العرب. قال (ح): وفي رواية عكرمة مرسلًا: وأي امرأة تمتنع منك لجمالك، ثمّ قال: أخرجها ابن سعد لعلمهم قالوا ذلك تهكمًا به (¬724). قال (ع): مرسل عكرمة يؤيد [يرد] هذا الاحتمال (¬725). ¬

_ (¬724) فتح البارى (7/ 338). (¬725) عمدة القاري (17/ 133).

523 - باب غزوة أحد

523 - باب غزوة أحد قوله في حديث أنس في قصة سعد بن الربيع لَيَرَيَنَّ الله مَا أُّجدُّ. قال (ح): هو من الرباعى يقال: أجد في الشيء بفتحتين وتثقيل أجد بضم ثمّ بكسر وتثقيل إذا بالغ فيه (¬726). قال (ع): هذا ليس باصطلاح أهل الصرف بل هو مضاعف من الثلاثي المزيد (¬727). ¬

_ (¬726) فتح الباري (7/ 355). (¬727) عمدة القاري (17/ 145).

524 - باب {ليس لك من الأمر شيء}

524 - باب {لَيْس لَك مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ} وعن حنظلة بن أبى سفيان سمعت سالم بن عبد الله يقول: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يدعو على صفوان بن أمية ... الحديث. قال (ح): هو معطوف على قوله: أخبرنا معمر يعني بالسند السابق وهو قوله حدّثنا يحيى بن عبد الله السلمي أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري حدثني سالم عن أبيه والراوي للحديث عن حنظلة هو عبد الله وهو ابن المبارك (¬728). قال (ع): فيه نظر لأن احتماله التعليق أقوى، ولهذا لما ذكر المزي الحديث السابق، قال: وقال عقب حديث يحيى: وعن حنظلة عن سالم ولم يزد على هذا شيئًا، فلو كان موصولًا لكان أشار إليه (¬729). قلت: غايته أنّه أورده بصورة ما وجه، ولم ينبه على كونه معلقًا معطوفًا على الموصول، وكلام الإسماعيلي يرشد إلى صحة ما قاله (ح)، فإنّه أخرج حديث معمر من رواية عبد الرزّاق عنه عن الزهري. ثمّ قال: [قال] البحتري: وعن حنظلة بن أبي سفيان سمعت سالم ابن عبد الله ذكره مسبوقًا على حديث ابن المبارك عن معمر. ¬

_ (¬728) فتح الباري (7/ 366). (¬729) عمدة القاري (17/ 156) والنسخ الثلاث "التطبيق" بدل التعليق، والتصّحيح من العمدة.

525 - باب قتل حمزة

525 - باب قتل حمزة قوله في آخر قصة وحشي بن حرب فأخبرني سليمان بن يسار أنّه سمع عبد الله بن عمر يقول: قالت جارية على ظهر بيت وأمير المؤمنين قتله العبد الأسود. قال ابن التين: كان مسيلمة تارة يسمى بالنَّبيِّ وتارة بأمير المؤمنين. قال (ح): إن كان أخذه من هذا الحديث فليس بجيد، وإلا فيحتاج إلى نقل بذلك (¬730). قال (ع): قوله: ليس بجيد غير جيد، لأنّ في الحديث التصريح بذلك، لأنّها إنّما قالت ذلك لما رأت أن أمور أصحابه كانت إليه فلذلك أطلقت عليه الإمرة، وأمّا نسبتها إلى المؤمنين فباعتبار أنّهم كانوا آمنوا به (¬731) قلت: أرخينا العنان عن المنازعة لم يكن لابن التين في ذلك راحة، ¬

_ (¬730) فتح البارى (7/ 371) (¬731) عمدة القارى (17/ 160) قال البوصيري (ص 280) إنَّ المعروف في كتب السير والتاريخ أن كلّ من ترجم عمر، وذكر أولياته فإنّه يقول: هو أول من تسمى بأمير المؤمنين، واستدلال العيني بتصريحه في الحديث المذكور غفلة على قاعدة فن المناظرة، وهي أن محل النزاع لا يستند إليه في الاستدال، على أني أشك في الاعتماد على مثل هذه الجارية الّتي لا يعرف أصلها، ولا حريتها من رقبتها ولا سنها فتأمله).

لأنّه ادعى أن مسيلمة كان يدعي بذلك في زمانه. وقول الجارية ذلك بالتأويل الذي ذكره (ع) لا يمنع المطابقة، ومن العجائب أن الذي ذكره اعتذارًا عن ابن التين هو كلام (ح) بعينه ذكره في آخر القصة احتمالًا، فإنّه قال: والذي في رواية الطيالسي. قال ابن عمر: كنت في الحين يومئذ فسمعت قائلًا يقول: مسيلمة قتله العبد الأسود. قال (ح): ويحتمل أن تكون الجارية أطلقت عليه الإمرة باعتبار أن أمر أصحابه كان إليه، وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار إيمانهم به، ولم يقصد إلى تلقيه بذلك.

526 - باب من قتل من المسلمين يوم أحد

526 - باب من قتل من المسلمين يوم أُحد قوله في حديث جابر: لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثّوب عن وجهه ... الحديث، وقال النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -:. "لَا تَبْكِهِ ولا تبكي ... " الحديث. قال (ح): ظاهره أن النّهي لجابر وليس كذلك، وإنّما هو لفاطمة بنت عمرو عمة جابر، وقد مر في الجنائز بلفظ: فسمع صوت صائحة، فقال: من هذه؟ فقالوا: بنت عمرو أو أخت عمرو، وقال: "فَلِمَ تَبْكِي، أوْ لَا تَبْكِي". وفي مسلم: وجعلت فاطمة بنت عمرو عمتي تبكيه، فقال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -:"لَا تَبْكِيِه" (¬732). قال (ع): كيف يترك صريح النّهي لجابر، ويقال النّهي لفاطمة بنت عمر، وليس لها ذكر في حديث الباب، وليس كما ذكر في حديث الباب، وإن كان أصل الحديث واحدًا، فهو تصرف عجيب، فلا مانع أن يكون النّهي في هذا الحديث لجابر وهناك فاطمة (¬733). قلت: إذا سلم أن القصة واحدة حمل خطابه لجابر بلفظ: "لا ¬

_ (¬732) فتح البارى (7/ 376). (¬733) عمدة القاري (17/ 164). وقال البوصيري (ص 281) إنِّي فكرت طويلًا في مقال الشيخين، فلم أجد في استدلالات ابن حجر ما يدل على أن الخطاب هنا ليس لجابر، بل الظّاهر باق على ظاهره، فبحث العيني واعتراضه لا غبار عليه فاعرفه).

تبكي" على أنّه أمره أن ينهى عمته عن البكاء جمعًا بين اللفظين. قوله: في رواية يزيد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى أراه عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قال (ح): قوله: أُراه أي أظنه، وقائل ذلك هو البخاريّ، فقد أخرجه مسلم وغيره عن أبي كريب شيخ البخاريّ فيه، فقالوا: عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بغير تردد (¬734). قال (ع): يحتمل أن يكون شيخه محمَّد بن العلاء (¬735). ¬

_ (¬734) فتح الباري (7/ 376). (¬735) عمدة القاري (17/ 164).

527 - باب غزوة الرجيع

527 - باب غزوة الرجيع قوله في حديث أبي هريرة في قصة قاتل خبيب بن عدي. ذكر ابن بطّال أن اسم المرأة الّتي استعار خبيب منها الموسى جويرية. قال (ح): يحتمل أنّه لما رأى في كلام أبي إسحاق أنّها مولاة حجير ابن أبي إهاب أطلق عليها جويرية، لكونها أمة أو وقعت له رواية سمعت فيها جويرية (¬736). قال (ع): الثّاني أنّه وجه، والاحتمال الأوّل بعيد. قوله في حديث أنس أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بعث خاله قَالَ كُونَا قَرِيبَاً حتَّى آتِيَهُمْ فإنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ، قرِيبَاً وَإِن قتَلُونِي أتَيْتُمْ أصْحَابَكُمْ. (¬737). قال (ح): في قوله كنتم [وقع هنا بطريق] الاكتفاء، والتقدير كنتم كذلك (¬738). قال (ع): إنَّ [أراد] اكتفاء كان على الأكثر، فلا يجوز إِلَّا إذا كان [كان] تامة (¬739). ¬

_ (¬736) فتح البارى (7/ 382). (¬737) عمدة القاري (17/ 168). (¬738) فتح البارى (7/ 388) وما بين المعكوفين من الفتح. (¬739) عمدة القاري (17/ 172) وما بين المعكوفين من العمدة.

غزوة الخندق

قلت: وقع في رواية أبي نعيم في المستخرج: كنتم قريبًا مني، أي فيحصل لكم العلم بذلك. قوله في مرسل عروة في قصة الذين قتلوا ببئر معونة قال: وأصيب فيهم عروة بن أسماء بن الصلب، فسمى به عروة ومنذر بن عمرو سُمِّيَ به منذرًا. قال (ح): عروة والمنذر كلاهما ولد الزبير بن العوام، ذكر عروة في هذه القصة أنّهما سميا باسم الصحابيين اللذين قتلا يوم بئر معونة. وقوله: سمى به منذرًا، كذا وقع بلفظ سمي على البناء للمجهول وبنصب منذرًا، والصواب الرفع، ويحتمل أن تكون الرِّواية بفتح السين، وفاعل سمي هو الزبيرِ (¬740). قال (ع): لا يعمل بهذا الاحتمال في إثبات هذه الرِّواية، وفيه إضمار قبل الذكر (¬741). غزوة الخندق في قوله في حديث ابن عمر عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يُجِزْهُ أي لم يمضة. وقال الكرماني: من الإِجازة وهي الأنفال أي لم يسمهم له، ويرده أنّه لم يكن في غزوة الخندق غنيمة يحصل منها نفل (¬742). قال (ع): إنّما هي عند الكرماني وهي الأنفاذ بالذال المعجمة بدل اللام (¬743). ¬

_ (¬740) فتح الباري (7/ 391). (¬741) عمدة القاري (17/ 175). (¬742) فتح الباري (7/ 394). (¬743) عمدة القاري (17/ 177) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 281 - 282).

غزوة ذات الرقاع

قلت: إنَّ كان كذلك فلا اعتراض. قوله: في حديث جابر: وبقى بقية فقال: أي النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: " كُلِي هَذَا وَأَهْدِي". قال (ح): بهمزة قطع مفتوحة فعل أمر للمرأة من الهدية (¬744). قال (ع): بل هو من الإِهداء (¬745). قوله في حديث جابر: فأخذ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - المعول بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو. قال (ح): هو المسحاة (¬746). قال (ع): هذا غير صحيح بل المعول الفأس والمسحاة المجْرَفَةُ، رواه أحمد بلفظ: فأخذ المعول أو المسحاة (¬747). قلت: بل هذا يؤيد قول (ح). غزوة ذات الرّقاع قوله في حديث جابر: صلّى بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة. قال (ح): هومن إضافة الشيء إلى نفسه على رأي (¬748). قال (ع): ينبغي أن يقال: هو من إضافة الشيء إلى نفسه بتأويل (¬749). ¬

_ (¬744) فتح الباري (7/ 398). (¬745) عمدة القاري (17/ 180) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 282). (¬746) فتح البارى (7/ 396 - 397). (¬747) عمدة القاري (17/ 180). (¬748) فتح البارى (7/ 419). (¬749) عمدة القاري (17/ 194).

قوله فيه: وقال ابن إسحاق: سمعت وهب بن كيسان سمعت جابرًا: خرج النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إلى ذات الرّقاع من نخل، فلقي جمعًا من غطفان فلم يكن، قال: وأخاف النَّاس بعضُهُمْ بَعْضًا، فصلّى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ركعتي الخوف. قال (ح): لم أر هذا الذي ساقه عن ابن إسحاق هكذا في شيء من كتب المغازي ولا غيرها (¬750). قال (ع): لا يلزم من عدم رؤيته في موضع من المواضع عدم رؤية البخاريّ ذلك في موضع لم يطلع عليه القائل، لأنّ إطلاعه لا يقارب أدنى إطلاع البخاريّ ولا إلى شيء من ذلك (¬751). قلت: عليه ألّا درى، فغفل عن المراد، وذلك أن (ح) لم يردّ بكلامه الرد على البخاريّ، وإنّما كان تصدى لوصل التعاليق الّتي في البخاريّ فلم يجد سند هذا الموضع مذكورًا في شيء من تصانيف البخاريّ الّتي وقف عليها، ولا في شيء ممّا وقف عليه من الجوامع والمسانيد والأجزاء المنثورة، فقال هذا الكلام اعتذارًا عن شركة ذكر من وصل هذا التعليق كعادته لسعة همة من يقع له بعد ذلك على إلحاقه تكميلًا للفائدة. وقد قال (ح) متصلًا بقوله: لم أره من روَاية ابن إسحاق إِلَّا أن يكون البخاريّ اطلع على ذلك من وجه آخر لم يقف عليه أو وقع في النسخة تقديم وتأخير، ولم أر من نبه على ذلك في هذا الموضع. انتهى (¬752). وما درى أنّه يأتي من آخر كلامه بألفاظه حتّى لفظه قلت، وينسخ ¬

_ (¬750) فتح الباري (7/ 420). (¬751) عمدة القاري (17/ 195) وهو في سيرة ابن هشام (3/ 217) ومن طريقه رواه أحمد (3/ 375 - 376) إلى قوله من نحل. والبقية في سيرة ابن هشام من قول ابن إسحاق (3/ 214). (¬752) فتح البارى (7/ 421) لما نقل الحافظ في الفتح (7/ 420 - 421).

جميع ذلك في كتابه غير ناسب لشيء منه إليه، حتّى إذا طعن بموضع يظن أن عليه فيه اعتراضًا أو مؤاخذة أو ما طغى القلم به أو جرى ممّن ليس بمعصوم من الخطأ والنِّسيان، وكأنّه ظفر بكنز عظيم، فلا يزال يرعد ويبرق ويزعج ويخنق، وأكثر ما يقع له من ذلك يكون الأوّل عذرًا ولكن يغطي على عين هذا المعترض غشاء، والبغض والازدراء والتنقيص، فينطلق لسانه بغير روية، الله حسيب كلّ ظالم، بل لا أزال أحمد الله كثيرًا على ما أنعم به عليّ من أنّه لم يقتص للتتبع معائب كتابي إِلَّا من لا يهتدي في غالب اعتراضاته إلى الصواب، فلله الحمد لله الحمد. قوله: وقال معاذ: حدّثنا هشام عن أبي الزبير بن جابر: كنا مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بنخل ... فذكر صلاة الخوف. قال (ح): وقع عند النسفى: قال معاذ بن هشام: حدّثنا هشام، وفيه رد على أبي نعيم ومن تبعه في الجزم بأن معاذًا هذا وابن فضالة شيخ البخاريّ (¬753). قال (ع): وقوع معاذ بغير نسبة يحتمل الوجهين، ويترجح قول أبي نعيم حيث قال: حدّثنا هشام ولم يقل: حدّثنا أبي، وكل من معاذ وهشام ذكر مجردًا (¬754). قلت: فإذا وجدنا الراوي الثقة قد نسب معاذًا أَلَيْس يتوجه التعقب على من جزم بأنّه ابن هشام، فانظر وتعجب. قوله: كنا مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بنخل ... فذكر صلاة الخوف. قال (ح): قيل: أراد أن روايات جابر مقتضية على أن الغزوة الّتي ¬

_ (¬753) فتح الباري (7/ 423). (¬754) عمدة القاري (17/ 196).

غزوة بني المصطلق

وقعت فيها صلاة الخوف هي غزوة ذات الرّقاع، وفيه نظر، لأنّ رواية هشام عن أبي الزبير يدلُّ على أنّه حديث آخر في غزاة أخرى، وقد بين ذلك الطيالسي عن هشام، فذكر صلاة الخوف كالتى في غزوة عسفان لا غزوة ذات الرّقاع (¬755). قال (ع): لا نسلم ذلك، لأنّه ذكر قبل عن جابر قال: خرج النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إلى ذات الرّقاع (¬756). قلت: من منع أن يكون عند جابر حديثان مختلفان. غزوة بني المصطلق قوله فيه فيما دار بين الزّهري والوليد بن عبد الملك "كان عليٌّ مسَلِّمًا في شأنّها، راجعوه فلم يرجع. قال (ح): زعم الكرماني أن المراجعة وقعت بين هشام بن يوسف الراوي عن معمر، فجزم بأن هذه اللفظة مسلِّمًا ولم يرجع، وقد خالفه عبد الرزّاق فرواها بلفظ: مُسيئًا (¬757). قال (ع): الذي فسره الكرماني هو الصواب لأنّ الأصيلي لما رواها قال بلفظ: مسلمًا قال: كذا قررناه (¬758). قلت: انظر وتعجب. ¬

_ (¬755) فتح الباري (7/ 423). (¬756) عمدة القاري (17/ 197). (¬757) فتح البارى (7/ 437). (¬758) عمدة القاري (17/ 210).

غزوة الحديبية

غزوة الحديبية قوله في حديث جابر: "أَنْتُمْ خَيْرُ [أَهْلِ] الأَرْضِ". استدل به على أن الخضر إنَّ كان موجودًا في الأرض يومئذ وهو نبي، لزم تفضيل غير النّبيّ على النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وهو باطل، فأجاب بعضهم بأنّه كان حينئذ في البحر. قال (ح): هذا جواب ساقط (¬759). قال (ع): لا نسلم سقوطه لعدم المانع من ذلك (¬760). قوله في آخر حديث المسور ومروان: لا أحصي كم سمعته من سفيان، ويحتمل أن يريد: لا أحصي كم عددًا سمعت خمسائة أو أربعمائة أو ثلاثمائة. قال (ح): لم تختلف الروايات عن الزهري شيخ سفيان في أن عددهم كان بضع عشرة مائة، وإنّما الاختلاف في عددهم في حديث جابر (¬761). قال (ع): هو تعقب ظاهر لكن الاحتمال غير مدفوع (¬762). قوله في حديث عبد الله بن زيد المازني على ما تبايع ابني حنظلة. قال (ح): كان أهل المدينة خلعوا يزيد بن معاوية وبايعوا عبد الله بن حنظلة على عكس ذلك. وعكس الكرماني الأمر فزعم أنّه كان ييايع النَّاس ليزيد أبن معاوية، وهو غلط بيِّن (¬763). ¬

_ (¬759) فتح الباري (7/ 443). (¬760) عمدة القاري. (17/ 215). (¬761) فتح البارى (7/ 445). (¬762) عمدة القاري (17/ 217). (¬763) فتح البارى (7/ 448).

غزوة ذي قرد

قال (ع): راجعته فوجدت فيه كان يأخذ البيعة من النَّاس ليزيد بن معاوية، والظاهر أن هذا من الناسخ، والصواب على يزيد (¬764). قلت: انظروا إلى ماذا يصل المتصب في تعصبه. قوله في حديث مجزأة بن زاهر الأسلمي برمى [نهي عن لحوم] الحمر، وعن مجزأة عن رجل منهم من أصحاب الشجرة اسمه أُهْبَان. قال (ح): قوله منهم، يعني من قومه أسلم. وقال الكرماني: أي من الصّحابة والأول أولى (¬765). قال (ع): الثّاني أولى لإشعاره بأن أُهْبان صحابي (¬766). قلت: كونه صحابيًا وكونه أسلميًا مشهوران. غزوة ذي قرد وهي الغزوة الّتي أغاروا فيها على لقاح رسول - صلّى الله عليه وسلم - قبل خيبر بثلاث. قوله: بثلاث غلط فإن خيبر كانت في جمادى الآخرة سنة سبع، وغزوة ذي قرد قبل الحديبية. قال (ح): مستند البخاريّ قول أياس بن سلمة بن الأكوع، فذكر غزوة ذى قرد ثمّ قال في آخرها: فما لبثنا بالمدينة إِلَّا ثلاث ليال حتّى خرجنا إلى خيبر (¬767). أخرجه مسلم مطولًا بأزيد ممّا ساقه البخاريّ هنا، وزاد في آخره: قال ¬

_ (¬764) عمدة القاري (17/ 221). (¬765) فتح الباري (7/ 452). (¬766) عمدة القاري (17/ 223). (¬767) فتح البارى (7/ 461).

غزوة خيبر

سلمة: فما لبثنا، وعلى هذه الزيادة اعتمد البخاريّ. قال (ع): هذا لا يصلح أن يكون مستندًا، لأنّ القرطبي قال: لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية فيكون ما وقع في حديث سلمة من وهم بعض الرواة (¬768). قلت: اتصاف الوهم بأهل السير أولى من اتصافه بما وقع في صحيح مسلم واعتمد عليه البخاريّ. غزوة خيبر قوله في حديث سهل بن سعد: فجرح الرَّجل جرحًا شديدًا ... الحديث بطوله. قال (ح): استشكل إيراد هذه القصة في غزوة خيبر، وأجيب بأن القصة قريبة من القصة الّتي في حديث أبي هريرة المذكور بعد، وقد صرح فيها بأنّها كانت في خيبر فتكون الأخرى فيها، ويجاب عما وقع بينهما من المخالفة بضروب من التّأويل (¬769). قال (ع): لا وجه لذكر حديث سهل بن سعد هنا، وقد تعسف من قال باتحاد هذه القصة مع القصة الّتي في حديث أبي هريرة لما بينهما من البون في ألفاظ المتن يعرف ذلك من يقف عليها (¬770). قلت: وقد أوضح (ح) جميع ذلك إثباتًا ونفيًا بحمد الله تعالى. قوله في آخر حديث أبي هريرة: تابعه معمر عن الزهري وقال شيبة ¬

_ (¬768) عمدة القاري (17/ 233). (¬769) فتح البارى (7/ 472). (¬770) عمدة القاري (17/ 239).

عن يونس عن ابن شهاب حنينًا، أي شهدنا حنينًا. قال (ح) في آخر الكلام على ذلك: فظهر من هذا أن المراد المتابعة أعم (¬771). قوله في حديث أنس: أنّه نظر إلى النَّاس يوم الجمعة فرأى طيالسة فقال: كأنّهم السّاعة يهود خيبر. قال (ح): لعلّ يهود خيبر كانوا يكثرون لبسن الطيالسة، وكان غيرهم من النَّاس الذين شاهدهم أنس بخلاف ذلك، فلما قدم أنس البصرة رآهم يكثرون من لبس الطيالسة فشبههم، ولا يلزم من هذا كراهية لبس الطيلسان، وقيل: المراد بالطيالسة الأكسية، وقيل: وإنّما أنكر ألوأنها، لأنّها كانت صفراء (¬772). قال (ع): لا نسلم، فإذا لم تكره فما فائدة التشبيه، ومن الذين قال من العلماء إنّما أنكر ألوانها، قال إنَّ ألوانها كانت صفراء، وقد جاء أنّه كان للنَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - مُلَاءَةٌ صفراء (¬773). قلت: أجاب عن ذلك (ح) فحذفه (ع) ترويحًا لاعتراضه. ¬

_ (¬771) فتح البارى (7/ 473). وسقط من النسخ الثلاث اعتراض العيني وهو قوله في العمدة (17/ 240). لا نسلم ذلك، لأنّ ابن المبارك تابع شبيبًا في لفظ حنين، وصالح بن كيسان تابع ابن المبارك، والظاهر أن المتابعة أعم من أن تكون في لفظ حنين وفي غيره من المتن والإسناد، ولا يلزم من عدم ذكر لفظ حنين في رواية البخاريّ في تاريخه أن لا يكون المراد من قوله ممّن شهد مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - شهوده في حنين، لاحتمال طي بعض الرواة ذكره. (¬772) فتح الباري (7/ 476) (¬773) عمدة القاري (17/ 242 - 243)

قوله في حديث ابن عمر: نهى عن أكل الثوم وعن أكل لحوم الحمر الأهلية. قال (ح): فيه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لأن حقيقة النهي التحريم، وحمله على الكراهة مجاز، ولحوم الحمر الأهلية حرام بخلاف الثوم (¬774). قال (ع): ليس هذا جمعًا بين الحقيقة والمجاز بل هو مستعمل على عموم المجاز (¬775). ¬

_ (¬774) فتح البارى (7/ 482). (¬775) عمدة القارئ (17/ 245).

528 - باب عمرة القضاء

528 - باب عمرة القضاء قوله في حديث البراء: والخالة بمنزلة الأم. قال (ح): لا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث لكون الأم ترث (¬776). قال (ع): هي من ذوي الأرحام، والحديث لا ينافي توريث الخالة، بل ظاهره يدلّ عليه من حيث العموم (¬777). قوله في حديث ابن عبّاس: إنّه يقدم عليكم، وقد وهنتهم حمى يثرب. ثبت للأكثر وفد بسكون الفاء، ولابن السكن وقد بفتح القاف وسكون الدال. قال (ح): إنّه خطأ (¬778). قال (ع): لم يبين وجه الخطأ، فإن كان من جهة المعنى فلا خطأ، وإن كان من جهة الرِّواية فعليه البيان (¬779). قلت: الخطأ فيه من جهة ذكر الفاعل. قوله: إِلَّا الإبقاء عليهم، يجوز الرفع على أنّه فاعل لم يمنعه، والنصب على أن في يمنعه ضمير عائد على رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - (¬780). ¬

_ (¬776) فتح البارى (7/ 506). (¬777) عمدة القاري (17/ 264) (¬778) فتح الباري (7/ 509). (¬779) عمدة القاري (17/ 266) (¬780) فتح البارى (7/ 509).

غزوة مؤتة بأرض الشام

قال (ح): قال (ع): هذا ليس بصحيح وليس في يمنعه ضمير مستتر (¬781). غزوة مُؤتة بأرض [من أرض] الشّام قوله في حديث النعمان بن بشير: أُغْمِي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه واكذا واكذا، تُعَدِّدُ عليه؟ فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إِلَّا قيل لي أَنت كذلك؟ (¬782). غزوة الفتح قوله في حديث أبي هريرة:"مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ الله إِذَا فَتَحَ الله اْلخَيْفُ". قال (ح): الحنيف مبتدأ ومنزلنا خبره (¬783). قال (ع): الصواب العكس (¬784). قوله: عن سنين، بمهملة ونونين مصغر، ويقال بتحتانية نعتًا، وبالنون الأوّل فقط. قال (ح): تقدّم ذكره في الشهادات بما يغني عن إعادته هنا ¬

_ (¬781) عمدة القاري (17/ 266). (¬782) كذا في النسخ الثلاث دون ذكر ما قاله الحافظ ولا اعتراض العيني، راجع الفتح (7/ 517) عمدة القاري (17/ 271). (¬783) فتح البارى (8/ 15). (¬784) عمدة القاري (17/ 282).

غزوة حنين

أصلًا (¬785). قلت: لعلّ النسخة الّتي نقل منها (ع) كان فيه نقص، وإلا فقضية أبي جميلة مذكورة في الشّهادة مع شرحها (¬786). غزوة حنين قوله في حديث أبي قتادة: لاها الله إذًا. نقل (ح) كلام الخطابي وإسماعيل والقاضى والمازري وغيرهم دعواهم أن المحدثين حرفوا هذه الكلمة، وأن الذي في كلَام العرب لاها الله ذا فرد قول المحدثين: "لاها الله" إذ لا يوجد في كلام العرب فرد هذه الدعوى وأتى لها بشواهد من الحديث وكلام العرب، ونقل التوجيه عن جماعة من أئمة العربيّة منهم ابن مالك (¬787). فقال (ع) أطال الكلام هنا جدًا بغير ترتيب، فالناظر فيه إن كان له يد يشمئز خاطره من ذلك، وإلا فلا يفهم شيئًا أصلًا، قال: والذي يقال ¬

_ (¬785) فتح الباري (8/ 22). وسقط من النسخ الثلاث اعتراض العيني وإليك نصه كما في عمدة القاري (17/ 289): لم يغن ذكره في الشهادات عن إعادته هنا أصلًا، لأنّ المذكور في الشهادات في باب "إذا زكى رجل رجلًا كفاه" وقال أبو جميلة: وجدت منبوذًا، فلما رآني عمر رضي الله تعالى عنه قال: عَس اْلغُوَيْرُ أبؤسًا، كأنّه يتهمنى، فقال عريقي: إنّه رجل صالح، قال: كذلك، اذهب وعلينا نفقته انتهى. فمن أين حال أبي جميلة من هذا، حتّى يكون ذكره هناك مغنيا عن ذكره ههنا. (¬786) وانظر الفتح (5/ 274). (¬787) فتح الباري (8/ 37 - 38).

غزوة الطائف

هنا إن كان إذًا على ما هو الموجود في الرِّواية يكون معناه حينئذ وإن كان كما قال الخطابي وغيره بلفظ ذا فوجهه ما تقدّم فلا يحتاج إلى الإطالة (¬788). غزوة الطائف قوله في حديث هشام بن زيد بن أنس عن أنس: لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عشرة آلاف والطلقاء. هكذا للكشميهني، ولغيره: عشرة آلاف من الطلقاء وهي غلط. قال (ح): يحتمل أن يكون الواو فيه مقدرة عند من يجيزه (¬789). قال (ع): هذا فيه نظر لا يخفى (¬790). ¬

_ (¬788) عمدة القاري (17/ 300). (¬789) فتح البارى (8/ 55). (¬790) عمدة القاري (17/ 310) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 285 - 286).

529 - باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد

529 - باب بعث النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد قوله في حديث ابن عمر: حتّى كان يوم أمرنا خالد أن يقتل كلّ رجل منا أسيره، فقلت: قال (ح): يوم هنا بالتنوين أي من الأيَّام، وكان على هذا تامة (¬791). قال (ع): ليس بصحيح بل يوم اسم كان التامة مضاف إلى قوله: أمرنا (¬792). قلت: يرجح الأوّل ثبوت المنافي قوله: فعلت [فقلت]. ¬

_ (¬791) فتح الباري (8/ 157). (¬792) عمدة القاري (17/ 313). قال البوصيري (ص 287) إن الحكم في هذا اللّفظ إنّما يبنى أولا على الرِّواية، هل اليوم منون أو لا؟ وكأنّه مبني على الدراية لعدم استحضار الرِّواية، وكل من الوجهين صحيح، إِلَّا أن قول ابن حجر: كذا بالتنوين يشم منه رائحة الرِّواية، على أن قوله تعالى: {يَوْمُ يَنْفَعُ} قرئ أيضًا بالتنوين، وقول العيني رحمه الله تعالى في وسكت عن تحقيق ما قاله. وأي تحقيق يطلب منه بعد قوله: وكان تامة فلا تطلب إِلَّا الفاعل؟ والناقصة هي الّتي تطلب الاسم والخبر، والعينى رحمه الله تعالى قد أطلق الاسم والفاعل على لفظ واحد، وهو يوم، ولا أظنه إِلَّا من قلمه الذي سبق إلى الاسم بعمل الفاعل، إنَّ لم يكن من الناسخ والله أعلم.

530 - باب سرية عبد الله بن حذافة وعلقمة بن مجزر

530 - باب سرية عبد الله بن حذافة وعلقمة بن مجزر بضم الميم وفتح الجيم وبالزاء المكررة بفتح وتكسر، وقال بعضهم: مهملة وراء مشددة فتحًا وكسرًا ثمّ زاي. قال (ح): أَغْرَبَ الْكَرْمَانِيُّ في الضبط الثّاني وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ (¬793). قال (ع): إنّما حكى [عن] الحفاظ فيه سكون الحاء المهملة كسر الراء بعدها (¬794). قوله: ويقال أنّها سرية الأنصاري. قال ابن الجوزي: عبد الله بن حذافة من المهاجرين، فقوله الأنصاري وهم كما بعض الرواة. قال (ح): يحتمل على المعنى الأعم أي أنّه نصر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ففيه تجوز (¬795). قال (ع): فيه نظر لأنّ هذا الاحتمال يجري في جميع الصّحابة، ¬

_ (¬793) فتح البارى (8/ 59). (¬794) عمدة القاري (17/ 314) وما بين المعكوفين من زيادتنا على النسخ الثلاث. (¬795) فتح الباري (8/ 59).

قصة دوس والطفيل بن عمرو

والأنصاري خلاف المهاجرين وليس المراد فيه المعنوي اللغوي (¬796) قلت: تكرر منه إنكار هذا، ولا يمتنع ارتكاب التجوز ليجمع بين الروايتين. قصة دوس والطفيل بن عمرو قوله في حديث أبي هريرة: وأَبَقَ غُلَامٌ لي. قال (ح): لا يغاير قوله في الرِّواية الماضية في كتاب العتق أضل أحدهما صاحبه، لأنّ رواية: أبق فسرت وجه الإضلال، وأن الذي أضل هو أبو هريرة تخلف [بخلاف] غلامه فأبق فلم يعرف أبو هريرة مكانه. قال (ح): ولا التفات إلى إنكار ابن التين أنّه أبق، ولا ينافي حضوره بعد فلانة يحمل على أنّه رجع عن الإباق (¬797). قال (ع): لا إبهام في الاضلال حتّى يحتاج إلى تفسيره بلفظ أبق، ¬

_ (¬796) عمدة القاري (17/ 314). قال البوصيري (ص 288 - 289) إنَّ ظاهر التّرجمة أن أميري هذه السرية هما مجموع عبد الله وعلقمة، فأصله أنّه - صلّى الله عليه وسلم - أمّر على سرية أحدهما، ثمّ أردفه بالآخر على خلاف كيفيتها في الروايات، وأيا كان فاعتراض العيني محصور في تجويز معنى النسبة عامًا في مطلق النصر، لا بالمعنى المقابل للمهاجري، وهو ترويح للاصطلاح لا يقابل الرد، لأنّ مذهبه عرفته من استظهاره تعدد القصة، وبقوله: يبعده الخ، وتأييده لابن الجوزي أنّه وهم بحديث ابن عبّاس إلخ. والحاصل أن الخلاف في كون السرية منسوبة إلى أميرها عبد الله أو علقمة أو لهما أو هما سريتان، ولا قائل بأن عبد الله أنصاري، والخطب سهل. (¬797) فتح الباري (8/ 102).

وأبق لا يصلح أن يكون مفسرًا للإضلال من حيث اللُّغة، لأنّه في الإباق معنى المخالفة للمولى والهرب منه بخلاف الاضلال، والأولى أن يقال في التوفيق بين الروايتين أنّه أطلق أبق على معنى أضل، لأنّ في كلّ من هذين اللفظين معنى الإستئثار (¬798). ¬

_ (¬798) عمدة القاري (18/ 35).

531 - باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم -[الحجر]

531 - باب نزول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -[الحجر] قوله: عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "لَا تَدْخُلُوا عَلى هَؤُلاءِ ... " الحديث. قال الكرماني: أي الصّحابة الذين مع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في ذلك الموضع وأضيف إلى الحجر لأنّ عبورهم عليه. قال (ح): وقد تكلف الكرماني في ذلك وتعسف وليس كما قال، بل اللام في قوله: لأصحاب الحجر بمعنى عن، وحذف ذكر القول لهم ليعم كلّ شائع والتقدير قال لأمته عن أصحاب الحجر وهم ثمود، لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين وهو كقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} (¬799). قال (ع): هو أيضًا تكلف والمعنى واضح، الذي لا غبار عليه أن اللام في قوله: لأصحاب الحجر بمعنى عند، كما في قولهم كتبته لخمس خلون من شوال، أي عند خمس (¬800). ¬

_ (¬799) فتح الباري (8/ 125). (¬800) عمدة القاري (18/ 56) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 289).

532 - باب كتاب النبي إلى كسرى

532 - باب كتاب النّبيّ إلى كسرى قوله في حديث ابن عبّاس في الكتاب إلى كسرى، فلما قرأه مَزَّقَهُ. قال (ح): فيه مجاز، لأنّه لم يقرأه بنفسه، وإنّما قريء عليه (¬801). قال (ع): حقيقة الكلام أنّه قرأه بنفسه، والمصير إلى المجاز يحتاج إلى دليل (¬802). ¬

_ (¬801) فتح الباري (8/ 127). (¬802) عمدة القاري (18/ 58).

533 - باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته

533 - باب مرض النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ووفاته قوله في حديث عائشة: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح ... إلى أن قال: قال الزّهري: فأخبرني سعيد بن المسيّب أن عمر قال: والله ما هو إِلَّا أن سمعت أبا بكر تلاها [فعُقِرْتُ حتّى ما تقلنى رجلاي] حتّى أهويتُ. كذا للأكثر، وللكشميهني حتّى هويت بفتح أوله وثانيه (¬803). قال (ع): قال بعضهم: بفتح أوله كسر الواو وليس كذلك، وإنّما هو بفتح الهاء والواو معًا كقوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (¬804). قلت: عادته إذا قال: وقال بعضهم في سياق الإنكار يريد (ح) والذي قاله (ح) بفتح أوله وثانيه. قوله: حين سمعته تلاها أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قد مات، وفي نسخة علمت وتوجيه الأول. قال الكرماني: فإن قيل ليس في القرآن ذلك قلت: يقدر أن أبا بكر تلاها لأجل أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قد مات، وهي قول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} (¬805). ¬

_ (¬803) فتح البارى (8/ 146) وما بين المعكوفين من صحيح البخاريّ ومكانه بياض في النسخ الثلاث. (¬804) عمدة القاري (18/ 72). (¬805) فتح الباري (8/ 146).

قال (ع): الذي قاله الكرماني أوضح وأحسن من (¬806). قوله: من جنة الفردوس مأواه. قال (ح): من موصولة، وحكى الطيبي عن نسخة من "المصابيح" أن من حرف جر، قال: الأوّل أولى (¬807). قال (ع) ما لفظه: وقيل كلمة (من) بكسر الميم حرف جر، فعلى [هذا] مأواه مبتدأ أو من جنة الفردوس خبره، قال بعضهم: هذا أولى. قال (ع): بل الأوّل أولى على ما لا يخفى عند من دق نظره (¬808). قوله: إلى جبريل ننعاه. جزم بذلك سبط ابن الجوزي، والأول موجه فلا معنى لتغليط الرواة بالظن (¬809). قال (ع) من نصّ على أن الرواة رووه بصيعْة المضارع؟ فلم لا يجوز أن يكون، كذلك من النساخ؟ (¬810). قلت: هذا يكون من التعصب البارد. ¬

_ (¬806) عمدة القارى (18/ 72 - 73) كذا في النسخ الثلاث زيادة كلمة "من" بعد [حسن] ولا توجد في العمدة. (¬807) فتح البارى (8/ 149). (¬808) عمدة القاري (18/ 75). (¬809) فتح البارى (8/ 149). (¬810) عمدة القاري (18/ 75).

كتاب التفسير

كتاب التفسير 534 - باب ما جاء في فاتحة الكتاب قوله: عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلّي في المسجد، فدعاني النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال (ح): روى الواقدي هذا الحديث عن محمّد بن معاذ عن خبيب ابن عبد الرّحمن بهذا السند، فزاد بعد أبي سعيد عن أبي بن كعب، والذي في الصّحيح أصح، والواقدي شديد الضعف إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟ وشيخه مجهول، وأظنه دخل عليه حديث في حديث (¬811). قال (ع): ذكر الحافظ المزي هذا ولم يتعرض له، يعني الواقدي بشيء من ذلك، ومن العجائب أن الواقدي آخر مشايخه الإمام الشّافعيّ ويحط عليه هذا الحط (¬812). قلت: قد قال الشّافعيّ: كتب الواقدي كذب، نقله البيهقي وغيره، ولا عجيب في ذلك، كما أن جابر الجعفي من مشائخ الإمام أبي حنيفة، وحديثه عنه في مسند حديثه الذي جمعه الحارثي وغيره، وقد قال مع ذلك أبو حنيفة: ما لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ولعلّ هذا المعترض يظن أن مجرد رواية الراوي عن الراوي تعديل للمروي عنه، وهو رأي مردود ونبه عليه أئمة الحديث في علوم الحديث، ولو سكت لكان أستر له، فالله المسئول أن يرزقنا العافية. ¬

_ (¬811) فتح الباري (18/ 157). (¬812) عمدة القاري (18/ 81).

سورة البقرة

535 - باب {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قال (ح): قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ ...} الآية: مثابة [مصدر] يثوبون (¬813). قال (ع): بل هو اسم مصدر ويجوز أن يكون مصدرًا منها [ميمياً] (¬814). قلت: فأثبت ما ينفي. ¬

_ (¬813) فتح البارى (8/ 169). (¬814) عمدة القاري (18/ 92).

536 - باب قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}

536 - باب قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قوله في آخره: والوسط العدل هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما توهمه بعض الشراح (¬815). قال (ع): فيه تأمل (¬816). قلت: الحجة فيه أن الطّبريّ أخرج من طريق وكيع عن الأعمش بهذا السند رفعه: الوسط العدل، فاقتصر على هذه الجملة، وبنحوه أخرجه الإِسماعيلي من طريق حفص عن الأعمش. ¬

_ (¬815) فتح البارى (8/ 172). (¬816) عمدة القاري (18/ 95).

537 - باب قوله: {أياما معدودات}

537 - باب قوله: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} قال (ح): للزمخشري في إعراب قوله "أيّامًا" كلامًا متعقبًا ليس هذا موضعه (¬817). قال (ع): التعقب في كلام المتعقب، فقد سمعت الكبار من علماء العرب والعجم يقولون: من رد على الزمخشري في غير الاعتقاد فهو رد عليه (¬818). قلت: قائل هذا إنَّ كان يعتقد عصمته من الخطأ أحق أن يرد عليه، فإنّه بشر يخطيء ويصيب، وهذه كتب من جاء بعده ممّن يتعانى التفسير طافحة بالرد عليه، لكن ليس كله مقبولًا ولا كله مردودًا، والذي تعقبه أوَّلًا أبو البقاء وتبعه جماعة منهم البيضاوي، فهذا عالم من علماء العرب، وآخر من علماء العجم سبقا الكبار الذين أشار إليهم (ع)، فهما أحق بالقبول، ولا يخفى على المتعقب توجيه النصب بأنّه على الحال، إِلَّا أنّه لا يرد تعينه إذ لا يتمشى إِلَّا على أحد الأقوال في تفسير كتب. وقد سبق الزمخشري إلى نحو ما قال الزجاج، فقال: الأجود أن يكون العامل في أيّام الصِّيام، والمعنى: كتب عليكم أن تصوموا أيامًا. قوله: حدّثنا إسحاق حدثني روح. ¬

_ (¬817) فتح البارى (8/ 179). (¬818) عمدة القاري (18/ 104).

[قال (ح): إسحاق هو ابن راهويه] (¬819). قال (ع): قال صاحب التوضيح: هو ابن إبراهيم كما صرح به أبو نعيم في مستخرجه (¬820). قلت: إن كان ظن أن بينهما مغايرة فقد زل. ¬

_ (¬819) فتح البارى (18/ 180). (¬820) عمدة القاري (18/ 105).

538 - باب قوله: {نساؤكم حرث لكم}

538 - باب قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} قوله: "يَأْتيها في" كذا وقع في جميع النسخ، لم يذكر المجرور، ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي: يَأتيها في الفرج، وهو من عنده بحسب ما فهمه، وليس مطابقًا لما في نفس الرِّواية عن ابن عمر (¬821). قال (ع): لا نسلم عدم المطابقة لما في نفس الأمر ... إلى آخر كلامه. وأطال في ذلك بسبب أنّه غير الكلام وهو لما في نفس الآية [الرواية] إلى ما في نفس الأمر، ثمّ ختم كلامه بأن قال: لما رأى البخاريّ ما ورد في الإباحة وما ورد في المنع، فلم يترجح عنده أحد الأمرين، فترك بياضًا بعد ليكتب فيه ما ترجح عنده. ثمّ قال: وهذا الذي استعمله البخاريّ نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء، ولا بدله من نكتة يحسن سببها استعماله، وهي هنا إطباق الأكثر على خلاف ما وقع به التصريح في هذه الرِّواية. قال (ع): ليت شعرى من قال من أهل صناعة البديع: أن حذف المجرور وإبقاء الجار من أنواع البديع؟ والاكتفاء إنّما يكون في شيئين متضاديين يذكر أحدهما فيكتفي عن ذكر الآخر. انتهى (¬822). ¬

_ (¬821) فتح الباري (8/ 189). (¬822) عمدة القاري (18/ 117)

وهذا أحد أنواع الاكتفاء، والنوع الثّاني الاكتفاء ببعض الكلام وحذف باقيه. والثّالث: أشد منه وهو حذف بعض الكلمة، وهذا المعترض لا يدري وينكر على من يدري.

539 - باب {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا}

539 - باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قوله: قال عطاء: هو معطوف على قوله عن مجاهد (¬823). قال (ع): ظاهره التعليق، إذ لو كان عطفًا لقال: وعن عطاء (¬824). كذا قال. قوله: وعن محمَّد بن يوسف حدّثنا ورقاء. قال (ح): هو معطوف على أخبرنا روح، فيكون التقدير، وحدثنا إسحاق عن محمَّد بن يوسف (¬825). قال (ع): قال صاحب التلويح، يعني مغلطاي: يحتمل أن يكون معلقًا ويحتمل أن يكون معطوفًا (¬826). قوله: وعن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عبّاس قال: نسخت هذه الآية عدتها في أهلها. قال (ح): هو معطوف أيضًا، وقد أورده أبو نعيم من وجه آخر عن محمّد بن يوسف (¬827). قال: ويحتمل الوجهين (¬828). ¬

_ (¬823) فتح البارى (8/ 194). (¬824) عمدة القاري (18/ 132). (¬825) فتح الباري (8/ 195). (¬826) عمدة القاري (18/ 132). (¬827) فتح البارى (8/ 95). (¬828) عمدة القاري (18/ 132).

540 - باب {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}

540 - باب {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} قال (ح): بعد أن ذكر (ح) ذكر الدمياطي: صنف في ذلك "كشف الغطا عن الصّلاة الوسطى" وجمع فيما ورد من ذلك سبعة عشر قولًا فلخصها ثمّ نقل زيادة عليه ثلاث كملت بها عشرين، وعن الثّامن [وعزا الثّامن عشر] والذي بعده، ثمّ قال: والعشرون صلاة اللّيل، وحديثه عندي وذهلت الآن عن معرفة قائله (¬829). قال (ع): زاد بعضهم العشرين ولم يبين ما ادعاه (¬830). قلت: بين اعتذاره. ¬

_ (¬829) فتح الباري (8/ 197). (¬830) عمدة القاري (18/ 125).

541 - باب {لا يسألون الناس إلحافا}

541 - باب {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} قال (ح): انتصب على أنّه مصدر في موضع الحال، أي: لا يسألون حال الإِلحاف، أو مفعول لأجله (¬831). قال (ع): ليس فيما قال صواب إِلَّا قوله: إنّه مصدر فقط يفهمه ذوق في تصرف الكلام (¬832). سورة آل عمران قوله: غُزًّا واحدها غازٍ. قال (ح): هومن تفسير أبى عبيدة (¬833). قال (ع): هذا لا يسمي تفسيرًا في إصطلاح أهل التفسير (¬834). ¬

_ (¬831) فتح البارى (8/ 203). (¬832) عمدة القاري (18/ 130) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 290) (¬833) فتح الباري (8/ 208). (¬834) عمدة القاري (18/ 137) وانظر مبتكبرات اللآلي والدرر (ص 290 - 291).

542 - باب {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}

542 - باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} قوله: إن امرأتين كانتا يحرزان في بيت، وفي الحجرة. كذا للأكثر بواو العطف، وللأصيلي وحده في بيت أو في حجرة بأو، والصواب الأوّل، وسبب الخطأ في رواية الأصيلي أنّه وقع في سياقه حذف بينه رواية ابن السكن، ولفظه: كانتا تحرزان في البيت [بيت]، وفي الحجرة حداث، والواو عاطفة أو حالية، لكن المبتدأ محذوف، وحُدَّاث بضم أوله، والتشديد وآخره مثلثة أي ناس يتحدثون، وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت، وكان في الحجرة المجاورة له ناس يتحدثون فسقط المبتدأ من رواية الأصيلي فصلّى مشكلًا، فعدل الراوي إلى (أو) الّتي للترديد فرارًا من استحالة كون المرأتين في الحجرة معًا، على أن دعوى الاستحالة مردودة، لأنّ له وجهًا، فيكون من عطف الخاص على العام، لأنّ الحجرة أخص من البيت، لكن رواية ابن السكن أوضحت المراد فأغنت عن التقدير، وكذا ثبت مثله عند الإسماعيلي (¬835). قال (ع): هذا تصرف عجيب وفيه تعسف من وجوه لا تحتاج إلى ارتكابه: الأوّل: أن نسبة رواية (أو) إلى الخطأ خطأ، لأنّ (أو) للشك مشهور ولا مانع منه هنا. ¬

_ (¬835) فتح الباري (214).

الثّاني: قوله: إنَّ الواو للعطف غير مسلم. الثّالث: قوله: إنَّ المبتدأ محذوف لا دليل عليه، لأنّ حذف المبتدأ إنّما يكون وجوبًا أو جوازًا، ولا مقتضي لواحد منهما هنا، يعرفه من له يد في العربيّة. الرّابع: أنّه قال: إنَّ الواو للعطف، ثمّ قال: إنَّ المرأتين كانتا في البيت، وكان في الحجرة ناس يتحدثون، فهذا ينادي بأعلا صوته أن الواو للحال. الخامس: قوله: الحجرة مجاورة للبيت يحتاج إلى دليل، ولم لا يقال كانت داخل البيت، لأنّ الحجرة مكان منفرد من البيت. السّادس: دعوى الاستحالة ولا استحالة، فدعوى استحالة هذا هو المحال (¬836). قلت: وأجوبته عن الستة أوضح من الشّمس، فلا نطيل بها وهو الذي ينادى بأعلا صوته أنّه متحامل، أو متجاهل. ¬

_ (¬836) عمدة القاري (18/ 141 - 142) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 291 - 293).

543 - باب قوله تعالى: {والرسول يدعوكم في أخراكم}

543 - باب قوله تعالى: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} قوله: قال ابن عبّاس: إحدى الحسنين فتح أو شهادة. قال (ح): كذا وقع هذا التعليق في هذه السورة ومحله في سورة براءة، ولعلّه أورده هنا للإشارة إلى أن إحدى الحسنيين وقعت في أحد وهي الشّهادة، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس (¬837). قال (ع): هذا الاعتذار فيه بعد لا يخفى، وأمّا هذا التعليق فقد وصله ابن أبي حاتم ... الخ (¬838). قلت: اعترض على الاعتذار بالإستبعاد واستلب فائدة بيان وصل التعليق فلم يسبها لمن أفادها وهو يرى أنّه إفادة مثل هذا ليس من درجة الكمال فما باله يسرقها. ¬

_ (¬837) فتح الباري (8/ 228). (¬838) عمدة القاري (18/ 151).

544 - باب {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا}

544 - باب {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} قوله: فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين. قال (ح): واليهود عطفًا على البدل أو المبدل منه وهو الأظهر (¬839). قال (ع): الأولى حذف الثّاني على ما لا يخفى (¬840). قوله: فقال عبد الله: إنها المراد أنّه لا أحسن ممّا يقول. قال (ح): في رواية أخرى: لأحسن ممّا يقول، بلام أوله بغير ألف وضم النون على أنّها لام القسم كأنّه قال: إنّه لأحسن ممّا يقول أن تقعد في بيتك ... الخ، حكاة عياض واستحسنه (¬841). قال (ع): هذا غلط صريح واللام فيه لام الابتداء، دخلت على أحسن الذي هو أفعل التفضيل، وليس للام القسم مجال، ثمّ لم يكتف هذا الغالط بهذا الغلط الفاحش حتّى نسبه إلى عياض (¬842). ¬

_ (¬839) فتح البارى (8/ 231). (¬840) عمدة القاري (18/ 156) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 293 - 295). (¬841) فتح البارى (8/ 232). (¬842) عمدة القاري (18/ 156)

قلت: هذا رجل يحمله فرط التحامل على كثرة المجازفة، وهب أن هذا غلط، فما السبب في رد النقل عن عياض؟ وكتاب عياض موجود والنقل فيه مسطور وتوجيهه أوضح من الشّمس إذا اعترض بغير دليل بعد الديجور، فأسألك اللَّهُمَّ أن تعامله بالعدل يا مَنْ ترجع إليه الأمور. ومن عجب أمره أن (ح) قال متصلًا بكلامه بعد قوله، واستحسنه، وحكى ابن الجوزي، فذكر شيئًا فنقله (ع) بعينه غير ناسب له على العادة، وكان الضابط عنه في صحة النقل وفساده أن يعرضه على عقله، فإن قبله رضيه، وإن أباه طعن فيه، ولا يراجع المنقول عنه أصلًا، جمعًا بين العائب الحسد والسّرقة والعجز والكسل، والحكم لله العلّي الكبير.

545 - باب {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا}

545 - باب {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} قوله: إنَّ مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عبّاس ...... الحديث. قال (ح): ألزم الإسماعيلي البخاريّ أن يصحح حديث بسرة ... إلى أن قال: والذي يتحصل لي من الجواب عن البخاريّ احتمال أن يكون علقمة ابن وقّاص كان حاضرًا عند ابن عبّاس، فسمع منه ما أجاب، فالحديث إذن من رواية علقمة عن ابن عبّاس، وإنّما قصد علقمة ببيان سبب تحديث ابن عبّاس بذلك (¬843). قال (ع): لو كان حاضرًا عند ابن عبّاس عند جوابه لكان أخبر ابن أبي مليكة أنّه ابن عبّاس أجاب رافعًا ... إلى أن قال: ومقام علقمة أجل من أن يخبر عن رجل مجهول الحال بخبر قد سمعه عن ابن عبّاس، ويترك ابن عبّاس (¬844). قلت: ليس في السياق تصريح برواية علقمة عن البواب، فلا يندفع الاحتمال، إِلَّا أن (ع) على عادته في المعاندة. ¬

_ (¬843) فتح الباري (8/ 234). (¬844) عمدة القاري (18/ 158).

سورة النساء

سورة النِّساء قال ابن عبّاس: يستنكف: يستكبر. قال (ح): وقع هذا في رواية المستملي والكشميهني فحسب، وقد وصله ابن أبي حاتم بسند رجاله ثقات، وهو عجيب، فإن الاستكبار عطف في الآية على الاستنكاف، فالظاهر أنّه غيره، ويمكن أن يحمل على التوكيد (¬845). قال (ع): ويجوز أن يكون عطف تفسير ولا يسمى توكيدًا على من له إلمام بالعربيّة (¬846). ¬

_ (¬845) فتح الباري (8/ 237). (¬846) عمدة القاري (18/ 162).

546 - باب {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف}

546 - باب {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قوله: أعتدنا أعددنا: أفعلنا من العتاد. قال (ح): كذا للأكثر، ولأبي ذر عند الكشميهني اعتددنا افتعلنا، والأول هو الصواب، والمراد أن أعتدنا وأعددنا بمعنى واحد، لأنّ العتيد هو الشيء المعد. تنبيه: وقعت هذه الكلمة من بعض نساخ الكتاب ومحلها بعد هذا قبل باب {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} (¬847). قال (ع): أعتددنا من بباب الإفتعال، وأعددنا من باب الإفعال، وقوله من بعض النساخ بعيد، والظاهر أنّه أشار إلى قوله: {أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (¬848). قلت: هذه عين دعوى (ح). وقوله: الأوّل هو الصواب، يقتضي أن رواية غير أبي ذر غير صواب، وليس كذلك، بل روايته هي الصواب، يعرف ذلك من له يد في علم التصريف (¬849). ¬

_ (¬847) فتح الباري (8/ 241) وسقط اعتراض العلّامة العيني من النسخ الثلاث، وهو كما في عمدة القاري (18/ 165) فيه بعد لا يخفي. (¬848) عمدة القاري (18/ 165). (¬849) عمدة القاري (18/ 165).

547 - باب {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}

547 - باب {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} قوله: ويذكر عن ابن عبّاس: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} لا تقهروهن. قال (ح): في رواية الكشميهني لا تنهروهن، من الإنتهار، وهي رواية القابسي أيضًا، وهي وهم والصواب الأوّل (¬850). قال (ع): لا يدري وجه الصواب هنا (¬851). ¬

_ (¬850) فتح الباري (8/ 245). (¬851) عمدة القاري (18/ 168).

548 - باب {ولكل جعلنا موالي}

548 - باب {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قوله: وقال معمر: أولياء موالي، وأولياء ورثة. قال الكرماني: معمر هو ابن راشد. قال (ح): كنت أظنه إلى أن رأيتُ الأثر في المجاز لأبي عبيدة، واسمه معمر بن المثنى، ولم أره عن معمر بن راشد (¬852). قال (ع): عبد الرزّاق يروي عن المعمرين، ولا يلزم من ذكر أبي عبيدة في رواية عن معمر بن المثنى، أن يكون الذي ذكره إياه، ولا يمتنع أن يكون هذا روى عن معمرين (¬853). قلت: انظروا إليه كيف يغلب عليه التحامل حتّى يصير لا يدري ما يقول، والذي بعده أعجب. ¬

_ (¬852) فتح الباري (8/ 248). (¬853) عمدة القاري (18/ 170).

549 - باب {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد}

549 - باب {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} قوله: المختال والختال واحد، ثمّ قال: نطمس وجوهًا فذكره. ثمّ قال: وقودًا سعيرًا. قال (ح): هذه التفاسير ليست في هذه الآية فكأنّه من النساخ (¬854). قال (ع): هذا بعيد جدًا، لأنّ غالب النساخ جهله، فمن أين لهم هذه التفاسير؟ وبأي وجه يلحقون مثل هذه في مثل هذا الكتاب الذي لا يلحق أساطين العلماء شأوه؟ ومن شأن النساخ التصحيف والتحريف والإسقاط، وليس من دأبهم أن يزيدوا في كتاب منقح من عندهم، فلو قال: وكأنّه من بعض الرواة المعتنين بالجامع، لكان له وجه ما، ولا يبعد أن يكون هذا من نفس البخاريّ من غير تروي فيه، فإنّه نبه عليه، فلعلّه أدرك إلى وضع هذه التفاسير في محلها ثمّ استمر على ذلك (¬855). قلت: لا يفهم مراد (ح) ثمّ يعترض بمثل هذا الكلام الساقط والتركيب القلق، إنّما قال لعلّه من النساخ، أي وضع الكلام في غير موضعه، ولم يرد قط أن الناسخ يزيد من قبل نفسه، فطاح معظم اعتراضه، وتوجيه ما ذكر احتمال أن تكون هذه التفاسير كانت ملحقة في طرق أو طرف، فالتبس على الناسخ الأوّل الذي كتب من المسودة محلها، فأداه فكتب لقصوره إلى وضعها في غير محلها، على أنّها ليست ببعيدة من الآية المسوقة في الباب، بل بعضها فيما قبلها وبعضها فيما بعدها. ¬

_ (¬854) فتح الباري (8/ 250). (¬855) عمدة القاري (18/ 174).

550 - باب {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله}

550 - باب {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قوله: ويذكر عن ابن عبّاس: حصرت: ضاقت. قال (ح): وحكى الفراء عن الحسن أنّه قرأ حصرةٌ بالرفع والتّنوين، فعلى هذا فهو خبر بعد خبر (¬856). قال (ع): ليس كذلك بل هو خبرًا مبتدأ محذوف تقديره وهم حصرة (¬857). ¬

_ (¬856) فتح الباري (8/ 256). (¬857) عمدة القاري (18/ 179).

551 - باب {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}

551 - باب {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} قوله: والكلالة من لم يرثه أب أو ابن وهو مصدر من تكلله النسب قال (ح): هو قول أبي عبيدة (¬858). قال (ع): فيه نظر لأنّ المصدر يفعل بضم العين وليس بمصدر بل هو اسم (¬859). قلت: تكرر إطلاق أبي عبيدة على اسم المصدر مصدر، وتكرر الرد من (ع) لذلك. ¬

_ (¬858) سقطت كلمة "هو قول أبي عبيدة" من نسختنا من الفتح المطبوعة في المطبعة السلفية (8/ 268). (¬859) عمدة القاري (18/ 195).

سورة المائدة

سورة المائدة 552 - باب {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} قوله في حديث أبي قلابة: وقال: "يا أهل كذا". قال (ح): سيأتي في الرِّواية الآتية من طريق ابن عون التنبيه عليها في الديات: يا أهل الشّام (¬860). قال (ع): ليس هذا في كتاب الديات (¬861). ¬

_ (¬860) فتح الباري (8/ 274). (¬861) عمدة القاري (18/ 205).

553 - باب {لا تسألوا عن أشياء}

553 - باب {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} قوله في حديث أنس: فقال رجل: من أبي؟ قال (ح): هوعبد الله بن حذافة كما تقدّم في العلم (¬862). قال (ع): فيه نظر، لأنّ الذي في العلم من رواية شعيب عن الزّهريُّ عن أنس، وهذا من رواية شعيب عن موسى بن أنس عن أنس، فمن أين التعيين؟! (¬863). ¬

_ (¬862) فتح الباري (8/ 281). (¬863) عمدة القاري (18/ 213).

554 - باب {ما جعل الله من بحيرة}

554 - باب {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} ... إلى أن قال: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ} يقول: قال الله، وإذ ههنا صلة. قال (ح): هذا الكلام ثبت هنا عَند أكثر في هذا الباب، وليس خاصًا به، ولكن هو على ما قدمنا من ترتيب بعض الرواة (¬864). قال (ع): كيف ترتب الرواة ما لم يرتبه المصنف، والحال أن المصنف تحر عن [نقح مؤلفه كما ينبغي و] فري عليه مرارًا، والقرائن تدل على أنّه من وضع المصنف، وأمّا غيره فلا يستجرئ أن يفعل ذلك ولا سيما إذا كانت بغير مناسبة (¬865). قلت: مراده بذلك إثبات الطعن في البخاريّ بعدم التّحرِّي، والذي قلته قاله قبلي زاد في الكتاب الذي اشتهر بروايته وهو أتقن من اتصلت روايته بأهل هذا العصر، وهو أبو ذر الهروي، وحاصله أن نسخة الأصل من البخاريّ كانت عند الفربري، وكانت فيها إلحاقات وحزارات، فوضع بعض من نسخ الكتاب، وضم بعضه على بعض تلك إِلَّا لحاجة أن في المكان الذي يظن أنّه صواب، فمن ثمّ نشأ اختلاف بين الشيوخ الثّلاثة الذين سمع منهم أبو ذر وحدثوه بالكتاب معترفين عن الفربري. قوله: وقال ابن عبّاس: متوفيك: مميتك. ¬

_ (¬864) فتح البارى (8/ 283). (¬865) عمدة القاري (18/ 214).

سورة الأنعام

قال (ح): قال بعض الرواة: ظن هذه الكلمة في سورة المائدة فكتبها، وإنّما هي في سورة آل عمران، وسبب ظنه قصة عيسى في الموضعين. خصوصًا ذكر آية الأكمة والأبرص وإحياء الموتى وغير ذلك (¬866). قال (ع): هذا بعيد ممّا قال الكرماني وهو بعيد أنّه ذكرها من أجل قوله هنا فلما توفيتني (¬867). قلت: الحق أنّه أقرب من كلام غيره. الأنعام قوله: صدف: أعرض. قال (ح): ذكر أبو عبيد في قوله: {ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} يعرضون (¬868). قال (ع): البخاري ذكر لفظ صدف وإن كان يصدفون معناه فلابد من رعاية المناسب (¬869). قلت: في غاية ما عندك إن كنت مطلقًا. الأعراف قوله: عروش وعريش بياء. قال (ح): ذكر أبو عبيدة في قوله تعالى: {وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} ¬

_ (¬866) فتح الباري (8/ 283). (¬867) عمدة القاري (18/ 215). (¬868) فتح الباري (8/ 290). (¬869) عمدة القاري (18/ 221).

سورة الأنفال

يبنون (¬870) قال (ع): تفسير البخاري العروش والعريش بالبناء ليس كذلك، لأنّ العروش جمع عرش، والعرش السرير، والسقف والعريش ما يستظل به، ومنه عريش الكرم، ومنه الهودج، وكان ينبغي له أن يقول يعرشون: يبنون ليطابق لفظ الآية (¬871). سورة الأنفال قوله: أن رجلًا أتى ابن عمر. قال (ح): هو صاحب الدثنية بفتح المهملة والمثلثة وكسر النون وتشديد التحتانية وفتحها موضع بالشام (¬872). قال (ع): هذا غلط. قال ابن الأثير: الدثنية بكسر المثلثة وسكون التحتانية بعدها نون، ناحية بقرب عدن (¬873). قلت: لكن لم يقل ابن الأثير ذلك في صاحب هذه القصة، وابن الأثير نقله من الصحاح، ولكن أين عدن من الشّام؟ فإن المذكور في حديث ابن عمر من أهل الشّام. ¬

_ (¬870) فتح الباري (8/ 300). (¬871) عمدة القاري (18/ 235). (¬872) فتح البارى (8/ 310). (¬873) عمدة القاري (18/ 110).

555 - باب {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ... الخ}

555 - باب {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ... الخ} قوله: أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: اللَّهُمَّ إن كان هذا هو الحق ... الخ. قال (ح): هذا ظاهر في أن القول المذكور في الآية لأبي جهل، وإن كان نسب لغيره من كفار قريش، فلعلّه بدأ به ورضي به الباقون، وقالوا أيضًا صريحًا. وقد أخرج الطبراني من حديث ابن عبّاس أن النضر بن الحارث قال ذلك، وكذا قال ذلك مجاهد وعطاء والسدي، ولا ينافي ما في الصّحيح، لكن نسبه إلى أبي جهل أولى (¬874). قال (ع): لا دليل على دعوى الأولوية، بل لقائل أن يقول نسبته إلى النضر بن الحارث أولى، لأنّه كان ذهب إلى بلاد فارس ويعلم من أخبار ملوكهم (¬875). قلت: لا دلالة في هذه الأولوية، بل دليل الأولوية لأبي جهل ثبوت نقل ذلك عنه في الصّحيح، والنقل عن النضر خارج الصّحيح، وفي السند البضع [في] ذلك نظر، ويقوي الأولوية الأولى أن في قضية أبي جهل نزلت آية أخرى وهي: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ}. والعجب أن (ع) ينقل ذلك من شرح (ح) ولا يهتدي لوجه الصواب فيه لما غطى من التحامل، فدأبه الرد بالصدق والله المستعان. ¬

_ (¬874) فتح البارى (8/ 309). (¬875) عمدة القاري (18/ 249).

سورة براءة

سورة براءة 556 - باب قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} ذكر فيه حديث ابن عمر، فلما توفي عبد الله بن أبي ... الحديث، وفيه: "إنَّماَ خَيَّرنِي الله [فقال] {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ... " إلى قوله: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ} فقال: " سَأَزيِدَ عَلى سَبْعِينَ". قال (ح): استشكل فهم التخيير من الآية جماعة من الكبار، فذكرهم إلى أن قال: والجواب أنّهم ظنوا أن نعت الآية وهو قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ...} الخ نزل مع قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ويحتمل أَن يكون تراخي نزول بقية هذه الآية عن صدرها فلا يبقى في التخيير إشكال (¬876) قال (ع): قد ذكر الزمخشري ما يرفع الإشكال، وملخصه أنّه مثل قول إبراهيم -عليه السّلام-: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وذلك أنّه حيل بما قال إظهار الغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه. وقد رده عليه من لا يدانيه ويجاريه في هذا الباب فقال: لا يجوز نسبة ما قاله إلى نبيّنا - صلّى الله عليه وسلم -؛ لأنّ الله تعالى أخبره أنّه لا يغفر للكفار وإذا كان كذلك فطلب المغفرة لهم مستحيل لا يقع من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، فإن قيل ¬

_ (¬876) فتح الباري (8/ 324 - 326).

المستحيل هو طلب ذلك لمن مات مظهرًا للكفر، فلا يساويه من مات مظهرًا للإِسلام (¬877). فجوابه أن هذا الميِّت بخصوصه يزعم هذا القائل نزل فيه التصريح بأنّه مات كافرًا، وهو قوله: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ ...} إلى آخر الآية، تراخى نزوله عن قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} لم يكن هناك شيء، وبالله التوفيق. ¬

_ (¬877) عمدة القاري (18/ 274 - 275).

557 - باب {لقد تاب الله على النبي}

557 - باب {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} ذكر فيه حديث كعب بن مالك في قصة توبته مختصرًا قوله: فلا يكلمني أحد منهم ولا يسلم عليَّ. حكى عياض أنّه وقع في بعض النسخ: ولا يسلمني، واستبعده لأنّ السّلام يتعدى بحرف الجر، وقد يُوجه بأن يكون اتِّباعًا ليكلمني، أو يرجع إلى قول من قال: معنى السّلام سلمت مني (¬878). قال (ع): هذا توجيه لا طائل تحته (¬879). قوله: وكانت أم سلمة معنيَّةً ... إلى أن قال: وفي رواية الكشميهني معينة بضم الميم. قال (ح): من العون (¬880). قال (ع): ليس من العون بل من الإِعانة (¬881). ¬

_ (¬878) فتح الباري (8/ 343). (¬879) عمدة القاري (18/ 279). (¬880) فتح الباري (8/ 343). (¬881) عمدهّ القاري (18/ 287).

سورة هود

سورة هود قوله: لا جرم: بلى. قال (ح): وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} قالَ: بَلى (¬882). قال (ع): وفي سورة هود: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ} (¬883). قوله: {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}. قال (ح): هو بناء مغالبة كإعشوشب (¬884). قال (ع): كان ينبغي أن يقول: كيعشوشب (¬885). سورة يوسف قوله: وقال غيره: الجب كلّ شيء غَيَّبَ عنك فهو غيابة - وَقَالَ غَيْرُهُ: {غَيَابَةٌ}: «كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهُوَ غَيَابَةٌ. قال (ح): وقد عند أبي ذر وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {تُفَنِّدُونِ}: «تُجَهِّلُونِ» وقال غيره: (غَيَابَةِ الْجُبِّ ... الخ) وهذا يوهم أنّه من قول ابن عبّاس، ووقع عند غير أبي ذر بعد قوله: (يجهلون) وقال غيره {غَيَابَةِ الْجُبِّ} وهذا أولى فإنّه قول أبي عبيدة (¬886). ¬

_ (¬882) فتح الباري (8/ 348 - 349). (¬883) عمدة القاري (18/ 287). (¬884) فتح الباري (8/ 350). (¬885) عمدة القاري (18/ 289). (¬886) فتح الباري (8/ 359 - 360).

سورة إبراهيم

قال (ع): لا مانع أن يكون قول أبي عبيدة من قول ابن عبّاس (¬887). قوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ}. قال ابن التين: الأظهر أنّه أربعون لأنّ النّبيّ لا ينبأ حتّى يبلغ أربعين. قال (ح): وتعقب بعيسى ويحيى بذلك بقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (¬888). قال (ع): له أن يقول هما مخصوصان من دون سائر الأنبياء (¬889). قلت: هذا تسليم ألا يرد. قوله: وأعتدت لَهُن متكأ، حكى قول أبي عبيدة في ذلك، فإن البخاريّ تبعه، ولفظ أبي عبيدة زعم قومه أنّه الأترج، وهذا أبطل باطل في الأرض (¬890). قال (ع): كأنّه يعني البخاري لم يفحص عن ذلك كما ينبغي، وقلد أبا عبيدة والآفة من التقليد (¬891). سورة إبراهيم قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ}: أعلمكم. قال (ح): قال أبو عبيدة: إذ هنا زائدة (¬892). ¬

_ (¬887) عمدة القاري (18/ 300). (¬888) فتح الباري (8/ 358 - 359). (¬889) عمدة القاري (18/ 300). (¬890) فتح البارى (8/ 358). (¬891) عمدة القارى (18/ 301). (¬892) فتح البارى (8/ 376).

سورة الحجر

قال (ع): ليس كذلك بل معناه: اذكروا حين أذن. (¬893). كذا قال، وقد نقله (ح) وقال: فيه نظر. سورة الحجر قوله: قال سالم: اليقين الموت. قال (ح): إطلاق اليقين على الموت مجاز لأنّ الموت لا يشكّ فيه (¬894). قال (ع): فيه نظر لا يخفى (¬895). سورة النحل قوله: وقال غيره، أي غير مجاهد {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} هذا مقدم ومؤخر وذلك أن الاستعاذة قبل القراءة معناها الاعتصام. قال (ح): المراد بالغير أبو عبيدة، فإن هذا هو كلامه بعينه، وقرره غيره، فقال: إذا وصلة بين الكلامين، والتقدير: فإذا أخذت في القراءة. (¬896). قال (ع): هذا على قول الجمهور حتّى قال صاحب التوضيح: هذا إجماع إِلَّا ما روى عن أبي هريرة ومالك وداود أنّهم قالوا: الإستعاذة بعد القراءة أخذًا بظاهر القرآن. ¬

_ (¬893) عمدة القاري (19/ 3). (¬894) فتح البارى (8/ 384). (¬895) عمدة القاري (19/ 14) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 297 - 298). (¬896) فتح الباري (8/ 385).

سورة بني إسرائيل

قال: فأبعد (ح) هنا في موضعين: الأوّل: في قوله المراد بالغير أبو عبيدة فإن هذا كلامه بعينه. قال (ع): وهذا فيه خبط. والثّاني: في قوله: والتقدير فإذا أخذت في القرآن فاستعذ، وقيل: هو على أصله لكن فيه إضمار أي إذا أردت القراءة. قال (ع): وهذا يكاد أن يكون أقوى خبطًا من الأوّل (¬897). قلت: جمع في هذا الفصل أمورًا لا تخفى، وحذف من كلام (ح) أشياء موجودة فيه لمن يراجعها منها نقل ذلك عن حمزة الزيات أحد الأئمِة السبعة القراء المشهورين. سورة بني إسرائيل قوله: كرمنا وأكرمنا: واحد. قال (ح): أي في الأصل وإلا فالتشديد أبلغ. قال أبو عبيدة: كرمنا أي أكرمنا، إِلا أنّها أشد مبالغة في ذلك (¬898). قال (ع): إنَّ أراد بالأصل الوضع فليس كذلك، وإن أراد الاستعمال فقد اعترف أن الذي التثقيل أبلغ (¬899). قلت: لم ينحصر المراد فيما قال، والمراد بالأصل أصل المادة الّتي هي كرم، وهذا لا يخفى على المبتدىء فضلًا عمن يدعي أنّه فيه الذي انفرد به علم التصريف. ¬

_ (¬897) عمدة القاري (19/ 15). (¬898) فتح البارى (8/ 393). (¬899) عمدة القاري (19/ 23) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 298).

قوله: في حديث ابن مسعود: دخل النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مكّة وحول البيت ثلاث مئة وستون نصب [ستون وثلاث مئة نُصُبٍ]. قال (ح): كذا وقع للأكثر بالرفع، والأوجه نصبه على التميز، إذ لو كان مرفوعًا لكان صفة، والواحد لا يكون صفة للجمع، أشار إلى ذلك ابن التين (¬900). قال (ع): في دعوى الأولوية نظر، لأنّها لا تتجه إِلَّا إذا جاءت الرِّواية بالنصب، وليست الرِّواية إِلَّا بالرفع (¬901). قلت: لم يذكر لهذا الحصر مستندًا، والرواية بالنصب ثابتة، وإن لم يطلع هو عليها. قوله: في حديث ابن مسعود في الرُّوح، فقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه. قال (ح): يستقبلكم بالرفع ويجوز السكون والنصب (¬902). قال (ح): ذكر الكرماني أنّه وقع في نسخة له يونس وأنّه تصحيف (¬903). قال (ع): سبحان الله ما هذا إِلَّا افتراء على الكرماني، ولم يقل هكذا، وإنّما قال: وقع في بعض النسخ يونس بدل قوله: أبو بشر، وهو تصحيف من الناسخ (¬904). ¬

_ (¬900) فتح البارى (8/ 401). (¬901) عمدة القارى (19/ 32). (¬902) فتح الباري (8/ 402) وفي النسخ الثلاث سقط اعتراض العلّامة العيني، وهو كما في عمدة القاري (19/ 34) السكون ظاهر، لأنّه يكون في صورة النهي، وأمّا النصب فليس له وجه. وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 298 - 299). (¬903) فتح الباري (8/ 405). (¬904) عمدة القاري (19/ 35).

سورة الكهف

سورة الكهف قوله: وكان له ثمر ذهب وفضة، وقال غيره: [جماعة] الثمر. قال (ح): كأنّه عنى بالغير قتادة (¬905). قال (ع): هذا الذي قاله مغلطاي يريد بالغير ابن عبّاس هو الصّحيح (¬906). سورة الحج وقال ابن عبّاس: إذا تمني ... الخ. [أخرجه] ابن أبي حاتم والطّبريّ وابن المنذر من طرق، ورده من طرق ابن العربي فقال: ذكر الطّبريّ في هذا روايات كثيرة باطلة لا أصل لها. وقال عياض: لم يخرجه أحدٌ من أهل الصِّحَّة [ولا رواه] ثقةٌ بسند متصل مع ضعف ستده واضطراب رواياته وانقطاع إسناده، وكذا من تكلم في هذه القصة من المفسرين لم يسندها أحدًا منهم، ولا رفعها إلى صاحب، أكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة. [واهية]. قال (ح): هذا الذي قالاه لا يتمشى على القواعد، فإن بعض الطرق صحيح السند برجال ثقات، وأمّا ما نفاه عياض يشعر بقلة اطلاع وإقدام على الرد بغير تثبث، وعلى تقدير تسليم أن الطرق كلها ضعيفة أو ¬

_ (¬905) فتح الباري (8/ 406). (¬906) عمدة القاري (19/ 36).

منقطعة، فالطرق إذا كررت واتفقت على معنى واحد وتباينت فخارجها دل على أن لها أصلًا (¬907). قال (ع): الذي ذكراه هو اللائق بجلالة قدره ... اخ" (¬908). قلت: ليس هذا جوابًا عن الإيراد، وإذا ثبتت الرِّواية [لا] يحسن دفعها بالرد، بل يجب الاعتناء بما دلت عليه، ويحمل على ما يليق بالحال، فما استحال من ذلك في حق الله، وفي حق رسوله وجب طرده وما لا، فإما أن يؤول بما يليق به، وإما أن يفوض أمره إلى الله والله المستعان. ¬

_ (¬907) فتح الباري (8/ 439). (¬908) عمدة القاري (19/ 66).

سورة النور

سورة النور 558 - باب {وَلَوْلَا إذْ سَمِعْتُموهُ ظَنَّ المُؤْمنُونَ} قوله في حديث عائشة في قصة الإفك: فأنزل الله العشر آيات. وقع في رواية عطاء الخراساني عن الزهري: فأنزل الله: {إنَّ الَّذينَ جَاؤُوا ... إلى غَفُورٌ رَحيِمْ}. قال (ح): عدد هؤلاء الآي ثلاث عشرة. وفي مرسل سعيد بن جبير عند أبي حاتم: فنزلت ثمانية عشرة آية. وفي مرسل الحكم بن عيينة: خمس عشرة آية. قال (ح): ويجمع بأن في إطلاق العشر مجازًا على طريقة إلغاء الكسر، وما عدا ذلك لا ينحسب ما رأى أن فيه أن المراد ممّا أحاط علمه (¬909). قال (ع): هذا لا يصدر ممّن له أدنى تأمل (¬910). ¬

_ (¬909) فتح الباري (8/ 477). (¬910) عمدة القاري (19/ 85).

559 - باب قوله: {وَلَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُون لَنَاَ أَنْ نَتْكَلَّمَ بِهذا} قوله: ابن أبي مليكة استأذن ابن عبّاس على عائشة قبل موتها وهي مغلوبة ... الحديث إلى قوله: فعل لها ابن عمر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. سمي هذا القائل في رواية ابن خثيم عن ابن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة أنّه استأذن لابن عبّاس وعندها ابن أختها عبد الله بن عمر بن عبد الرّحمن. قال (ح): ادعى بعض الشراح أن هذه الرِّواية تدل على إرسالها رواية البخاريّ، فإن ابن أبي مليكة لم يشهد ذلك ولا سمعه منه حال قوله لها لعدم حضوره. قال (ح): ومن أين له الجزم بذلك؟ وما المانع من حضوره جميع ذلك، وهو قد ثبت سماعه منها غير ذلك؟ (¬911). قال (ع): هو ما ادعى الجزم بل له احتمال قريب، وقد رد (ح) كلام نفسه بكلمة الترجي (¬912). ¬

_ (¬911) فتح الباري (8/ 483). (¬912) عمدة القاري (19/ 87).

560 - باب {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة}

560 - باب {وَلَا يَأتَلِ أوْلُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} وقوله: وقال أبو أسامة ... الخ .. قال الكرماني: في بعض النسخ: حدّثنا إسحاق حدّثنا حميد بن الربيع. قال (ح): وقع في رواية أبي إسحاق المستملي عن الفربري: حدّثنا حميد بن الربيع حدّثنا أبو أسامة، فظن الكرماني أن البخاريّ وصله عن حميد، وليس كذلك، بل هو خطأ فاحش فلا يغتر به (¬913). قال (ع): هذا حط على الكرماني بغير فهم كلامه، فإنّه لم يقل ما نسب إليه، وإنّما قال: في بعض النسخ حدّثنا إسحاق حدّثنا حميد بن الربيع، نقل ذلك على ما رأي في بعض النسخ وليس عليه في ذلك شيء (¬914). قلت: بل عليه أنّه غير لفظ أبي إسحاق وهو المستملي، وأسقط الفربري بينه وبين حميد، وأوهم أن إسحاق شيخ البخاري. والثّالث مستند (ح) في قوله: ظن الكرماني أن البخاري وصله فليتأمل مَنِ الذي فهم مِنَ الذي وهم. ¬

_ (¬913) فتح البارى (8/ 489). (¬914) عمدة القاري (19/ 89).

سورة الشعراء

سورة الشعراء قوله: الليكة، والأيكة جمع أيك وهي جمع شجر. قال (ح): وقع في نسخة جمع أيكة والصواب حذف الهاء، ولأبي ذر وهي جمع الشجر، وفي نسخة جماعة الشجر (¬915). قال (ع): حاشا من أبي عبيد أن يقول: الأيكة جمع أيكة (¬916). قلت: قد نبهنا على أن الهاء في أيكة محلها في جمع بالصواب، والأيكة جمعها أيك، ولكن هذا المعترض يأخذ أول الكلام ويترك آخره إمّا عمدًا وإما غفلة. وقوله: حاشا من أبي عبيدة ... الخ لا وجه له، لأنّ هذا الكلام بهذه الألفاظ موجود كتاب أبي عبيدة فلو راجعه لوجده، لكنه يستروح إلى النقل من كلام غيره فيقلده، ثمّ إذا ظن أن هناك زللًا بسط لسانه وأبهم من ينقل من كلامه وبرا المتقدم وكان المتقدم عنده معصومًا، والله المستعان. سورة النمل قوله: (وأوتينا العلم من قولة سليمان). قال (ح): وصله الطّبريّ من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، ونقل الواحدي أنّه من قول بلقيس قالته مفردة بصحة نبوة سليمان (¬917) ¬

_ (¬915) فتح الباري (8/ 497). (¬916) عمدة القاري (19/ 99). (¬917) فتح الباري (8/ 505).

سورة القصص

[قال (ع)] قلت: كان حقه أن يقول: قالته بلقيس كما نقله الواحدي، وإلا فأخذه كلامه كما هو من غير عزوه إليه ليس بلائق (¬918). سورة القصص قول سعيد بن المسيّب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ... الحديث. قال مغلطاى: هذا الحديث من مراسيل الصّحابة، لأنّ المسيّب من مسلمة الفتح أو من أهل الشجرة، وأياما كان فلم يشهد وفاة أبي طالب، لأنّه توفي هو وخديجة في أيّام متقاربة. قال (ح): لا يلزم من كون المسيّب متأخرًا إسلامه عن وفاة أبي طالب أن لا يشهدها، بل ذلك ممكن كما شهدها عبد الله بن أبي أمية وهو كافر ثمّ أسلم بعد ذلك (¬919). قال (ع): حضور عبد الله بن أو أميه ثبت في الصّحيح ولم يثبت حضور المسيّب لا في الصّحيح ولا في غيره، وبالاحتمال لا يردّ على كلام بغير احتمال (¬920). قلت: هذا كلام عجيب، إنّما يوجه الرد على من قال جازمًا إنَّ المسيّب لم يحضرها، ولم يذكر مستندًا، إِلَّا أنّه كان كافرًا والكافر لا يمتنع أن يشهد وفاة كافر، فتوجه الرد على الجزم. ¬

_ (¬918) عمدة القاري) (19/ 104). (¬919) فتح الباري (8/ 507). (¬920) عمدة القاري (19/ 105) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 301 - 386)

سورة الأحزاب

ويؤيده أن عنعنة الصحابي محمولة على السماع، إِلَّا إذا ذكر قصة ما أدركها، كحديث عائشة عن قصة المبعث النبوى، فتلك الرِّواية تسمى مرسل صحابي، وأمّا لو أخبر عن قصة أدكتها ولم تصرح فيها بالسماع ولا المشاهدة بأنّها محمولة على السماع، وهذا شأن حديث المسيّب، فهذا الذي يمشي على الإصطلاحٍ الحديثي، وأمّا الدفع بالصدد فلا يعجز عنه أحد، لكنه لا يجدي شيئًا. سورة الأحزاب وقال معمر: التبرج: أن تخرج محاسنها. قال (ح): توهم مغلطاي ومن قلده أن مراد البخاريّ معمر بن راشد، فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزّاق في تفسيره ولا وجود لذلك في كتابه (¬921). قال (ع): لم يقل مغلطاي معمر بن راشد، وإنّما قال: رواه عبد الرزّاق عن معمر، ولم يقل في تفسيره حتّى يشنع عليه بأنّه يوجد في تفسيره، وعبد الرزّاق له تواليف أخرى غير تفسيره، وحيث أطلق معمرًا يحتمل أحد المعمرين (¬922). قلت: هذا اعتذار واهٍ، فإنَّ عبد الرزّاق لا رواية له عن معمر بن المثنى، وتواليف عبد الرزّاق ليس منها شيء يشرح فيها الألفاظ إِلَّا التفسير، وهذا تفسيره موجود بأيدي أهل العلم ليس هذا فيه. قوله: وقال عبد الرزّاق وأبو سفيان المعمري عن معمر عن الزهريّ عن عروة عن عائشة. ¬

_ (¬921) فتح الباري (8/ 519 - 520). (¬922) عمدة القاري (19/ 117).

قال (ح): أمّا رواية معمر فوصلها مسلم وابن ماجه من طريقه، وقصر من قصر تخريجها على ابن ماجه (¬923). قال (ع): أراد الغمز على مغلطاي، وعدم ذكره مسلمًا مع ابن ماجه ليس بتقصير (¬924). قلت: ولا يعرف اصطلاح أهل الحديث من يقول مثل هذا. ¬

_ (¬923) فتح الباري (8/ 523). (¬924) عمدة القاري (19/ 118).

561 - باب قوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبى}

561 - باب قوله: {إنَّ الله وَمَلاِئكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النَّبِيِّ} قوله: (لَنُغْرِيَنَّكَ): نسلطنك. قال (ح): ليس هذا في هذه الآية، وإن كان من جملة السورة ولعلّه من الناسخ سقط عليه (¬925). ¬

_ (¬925) فتح البارى (8/ 533).

562 - باب قوله: {لئن لم ينته المنافقون ..} الآية

562 - باب قوله: {لئنْ لَمْ يَنْتهِ المُنافِقُونَ ..} الآية (¬926) قال (ع): لم يقل البخاريّ أن هذا من بقية الآية، وإنّما كان يتوجه الإعتراض، ولو كان من غير السورة فالنسبة إلى الناسخ في غاية البعد (¬927). سورة الزمر قوِله في حديث أبي هريرة: "وَيُبْلىَ كُلُّ شَيْء مِنَ الإِنْسَانِ إِلّا عَجْبُ ذنَبِه فِيِه يُرَكَّبُ اْلخلْقُ". قال (ح): زعم بعض الشراح أن المراد بأنّه لا يبلى أي يطول، لا أنّه لا يبلي أصلًا، وهذا مردود لأنّه خلاف الظّاهر بغير دليل (¬928). قال (ع): بعض الشراح هذا هو شارح المصابيح الذي يسمى مظهرًا وليس هو شارح البخاريّ وليس هو منفرد بهذا القول (¬929). قلت: من أين له أن (ح) عنى المظهر؟ وهبه تبع في ذلك غيره، ما الدّليل على ما ادعى، وقد أخرجٍ مسلم في صحيحه من وجه آخر عن أبي هريرة: "إنَّ في الْإنْسانِ عَظْمًا لَا تَأْكلُهُ ألأرْضُ أبَدًا مِنْهُ يُرَكبُ [يَوْمَ] الِقيَامَةِ عَجْبُ الذَّنَبِ". ¬

_ (¬926) كذا في النسخ الثلاث "باب قوله {لئن لم ينته المنافقون ...} الآية" وقع بين قول الحافظ واعتراض العلّامة العيني، ولا تعرف سبب ذلك. (¬927) عمدة القاري (19/ 126). (¬928) فتح البارى (8/ 553). (¬929) عمدة القاري (19/ 146).

سورة المؤمن

سورة المؤمّن قوله: وكان العلاء بن زياد يذكر النّار. قال (ح): بتشديد الكاف (¬930). قال (ع): ليس بصحيح بل بتحفيفها على ما لا يخفى (¬931). قلت: الرِّواية بالتشديد وهو على حذف أحد المفعولين، والتقدير: يذكر النَّاس النّار، أي يخوفهم بها. سورة حم السجدة قوله: وقال المنهال عن سعيد .... إلى أن قال: في آخر سياق المتن حدثنيه يوسف بن عدي، حدّثنا عبيد الله بن عمر عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بهذا. قال (ح): في مغايرة البخاريّ سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنّه ليس على شرطه، وإن صارت صورته صورة الموصول، وقد صرح ابن خزيمة في صحيحه بهذا الاصطلاح، وأن الذي يورده بهذه الكيفية ليس على شرطه في صحيحه، وزعم بعض الشراح أن البخاريّ [سمعه] أوَّلًا مرسلًا وآخرًا مُسْنَدًا فنقله كما سمعه، وهذا بعيد جدًا (¬932). قال (ع): أراد الكرماني وليت شعري ما وجه بعده وما برهانه على ¬

_ (¬930) فتح الباري (8/ 555). (¬931) عمدة القاري (19/ 149). (¬932) فتح الباري (8/ 559).

سورة الحجرات

ذلك؟ بل الظّاهر هو الذي ذكره (¬933). قلت: هو ينادي على نفسه بقصور الفهم، ثمّ يعترض، وعليه أن يصور لنا ما ارتضاه كيف سمعه أوَّلًا مرسلًا مع أنّه موصول مِمَّنْ علقه عنه وهو المنهال ... الخ ولا إرسال فيه. ووجه بعد ما قال الكرماني أنّه يلزم منه أن البخاريّ لا يتصرف لنفسه، وإنّما يقلد غيره، لأنّه لو أجاز غيره أن يتصرف ما احتاج إلى حمل ما منعه على أنّه هكذا سمعه. قوله: {مِنْ أَكْمامِهَا}. قال (ح): كاف كم القميص مضمومة - كَافُ الْكُمِّ مَضْمُومَةٌ كَكُمِّ الْقَمِيصِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَبِهِ جَزَمَ الرَّاغِبُ. وقال الكشاف: بكسر الكاف فإن ثبت فهي لغة في كم الطلع دون كم القميص (¬934). قال (ع): لا اعتبار لأحد في هذا الباب مع الزمخشري، فإنّه فرق بين كم القميص وبين كم الثمرة، وكذا فرق بينهما الجوهري وغيره (¬935). قلت: مدار كلام (ح) على التفرقة. سورة الحجرات قوله: كاد الخيرِّانِ يهلكان أبي بكر وعمر [أبو بكر وعمر]. قال (ح): [قال] مغلطاي: يحتمل أنّه أراد أبا بكر عبد الله بن ¬

_ (¬933) عمدة القاري (19/ 151). (¬934) فتح الباري (8/ 560 - 561). (¬935) عمدة القاري (19/ 153) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 203 - 204).

سورة ق

الزبير أو أبا بكر عبد الله بن أبي مليكة، فإن أبا مليكة له ذكر في الصّحابة عند أبي عمر وأبي نعيم. [قلت: وهذا بعيد عن الصواب] (¬936). كذا قال وهو بعيد من الصواب، ولكن سبقه أي الإنكار على مغلطاي صاحب التوضيح، فكيف يقول هكذا وهو شيخه وِلم يشرح الذي جمعه إِلَّا من كتاب شيخه ولم يذكر من خارج الأشياء يسيرًا (¬937). قلت: هكذا فعلت أنت مع (ح)، ومع ذلك لا تزال تعترض عليه بما لا يتجه غالبًا. سورة ق قوله: اكثر ما كان يوقفه. قال (ح): يوقفه من الرباعي [وهو] لغة، والفصيح يقفه بدون واو (¬938). قال (ع): إنّما هو من الثلاثي المزيد، وقوله من الرباعى ليس باصطلاح أهل الفن، وإن كان يجوز ذلك باعتبار أنّه أربعة أحرف (¬939). قلت: قد تكرر رده لذلك بغير اعتذار، وكأنّه غلط هنا فاعتذر. ¬

_ (¬936) فتح البارى (8/ 591) وما بين العكوفين زيادة من عندنا من الفتح. (¬937) عمدة القاري (19/ 183). (¬938) فتح الباري (8/ 597). (¬939) عمدة القاري (19/ 187).

563 - باب {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}

563 - باب {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} قال (ح): في رواية أبي ذر باب: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} وكذا ذكره في سياق الحديث ولغيره بالواو فيهما وهو الموافق للتلاوة، وغيرهم أيضًا وقبل الغروب وهو الموافق لآية هذه السورة (¬940). قال (ع): الذي في نسختنا هو نصّ القرآن في السورة، فلأي ضرورة يحرف القرآن وينسب إلى أبي ذر؟! (¬941). قلت: نسختك دخلت في عموم غير أو ذر، والتنبيه على ما وقع في رواية أبي ذر متعين، لئلا يغتر به، والنكتة فيه أن رواية أبي ذر أتقن الروايات، ولا سيما وهو أحفظ من كلّ من نسب إليه رواية البخاريّ من أهل عصره ومن بعدهم، وتعبيره بلفظ يحرف أولى منه، لأنّ الناقل لا ينسب إليه التحريف. وقد قال الكرماني: أمّا وسبح فهو بالواو لا بالفاء، والمناسب للسورة الغروب لا غروبها. قال (ح): لا سبيل إلى التصريف في لفظ الخبر (¬942). قال: والذي قاله الكرماني هو الصّحيح، والظاهر أن نسخته كانت ¬

_ (¬940) فتح الباري (8/ 598). (¬941) عمدة القاري (19/ 189). (¬942) فتح الباري (8/ 598).

سورة النجم

بالفاء وبلفظ غروبها، فكذلك قال ما ذكره (¬943). قلت: انظروا إلى اعتذاره عن الكرماني وإساءته على (ح) في شيء واحد غير متباعد. سورة النجم قوله: فتماروا كَذَّبُوا. قال (ح): كذا لهم وليس في هذه السورة، إنّما فيها: (أفتمارونه) وفي آخرها: (تَتَمارَى) ولعلّه من بعض النساخ، وحكى الكرماني عن بعض النسخ هكذا: تتمارى تكذب، ولم أقف عليه (¬944). قال (ع): لا حاجة إلى وقوفه عليها، لأنّ هذه اللفظة في هذه السورة (¬945). قلت: لغرامه بالاعتراض لا يعرف قبلًا من دبر، أيظن أحد بعد قول (ح) وفي آخرها: (تَتمارى) أنّه أراد بقوله: لم أقف عليه في هذه السورة، إنّما أراد لم أقف عليه في شيء من النسخ، وهل يتوقف من له أدنى فهم في مثل هذا. قوله: في حديث مسروق عن عائشة: يا أمتاه. قال (ح): أصله يا أمه، فأضيف إليها ألف الاستغاثة فأبدلت الهاء تاءً، ثمّ زيدت هاء السكت (¬946). ¬

_ (¬943) عمدة القاري (19/ 189). (¬944) فتح الباري (8/ 606). (¬945) عمدة القاري (19/ 197). (¬946) فتح الباري (8/ 607).

قال (ع): لم يقل أحد ممّن يؤخذ عنه أن الألف فيه للاستغاثة، وأي استغاثة هنا؟! (¬947). قلت: أشكل عليه أمر فاسد فاستعان بمن يعرفه أن يوضحه له، والتعبير بالاستغاثة هنا أولى من تعبير من قال ممّن يؤخذ عنه أنّها لا ندبة، وأي ندبة هنا؟!. قوله في حديث أبي هريرة: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالعُزَّى فَلْيًتَصَدَّقْ". قال (ح) مغلطاي: عن بعض الحنفية أن المراد بالصدقة هنا كفارة اليمين وفيه ما فيه (¬948). قال (ع): ما فيه إِلَّا عدم من لا يفهم ما فيه، وإنّما قال المذكور ذلك لأنّه تنعقد عنده اليمين بذلك، وإذا انعقدت يمين تجب الكفارة (¬949). قلت: هذا الإطلاق باطل. ¬

_ (¬947) عمدة القاري (19/ 198) (¬948) فتح الباري (8/ 612 - 613) (¬949) عمدة القاري (19/ 202).

564 - باب {فاسجدوا لله واعبدوا}

564 - باب {فَاسْجُدُوالله وَاعْبُدُوا} قوله في حديث ابن عبّاس: وسجد معه المسلمون والمشركون. قال الكرماني: سجد المشركون لأنّها أول سجدة نزلت، فأرادوا معارضة المسلمين بالسجدة لمعبودهم، أو وقع ذلك منهم بلا قصد أو خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم. قال (ح): الاحتمالات الثّلاثة فيها نظر: الأوّل منها لعياض. والثّاني: مخالف لسياق ابن مسعود ففيه أن الذي أخذ كفًا من حصى يدلّ على القصد. والثّالث أبعد، إذ المسلمون يومئذ كانوا هم الخائفين من المشركين لا العكس (¬950). قال (ع): أمّا الأوّل فبين من أخذه الكرماني ولم يبين وجه النظر فيه. وأمّا الثّاني: فلا يلزم من ثبوت [القصد] في الذي وضع الجبهة على الحصى ثبوت القصد من غيره. وأمّا الثّالث: فلو لم يكونوا غير خائفين لم يتمكنوا من السجود (¬951). ¬

_ (¬950) فتح الباري (8/ 614). (¬951) عمدة القاري (19/ 203).

سورة الحشر

سورة الحشر قال (ع): المفلحون: الفائزون بالخلود، والفلاح: البقاء، حي على الفلاح: عجل. قال (ح): قوله عجل تفسير حي. قال ابن التين: لم يذكره أحد من أهل اللُّغة معه، وإنّما قالوا معناه: هلم. قال (ح): هو كما قال لكن فيه إشعار بطلب الإعجال (¬952). قال (ع): ليس هذا مراد البخاريّ لأنّه بصدد تفسير الفلاح لا في تفسير معنى حي (¬953). قلت: جرت عادة البخاريّ أن يذكر شطرا لشيء بعد توفية حقه، فلما كان بصدد نفس المفلح وفسره بالفائز بالبقاء استطرد إلى قولهم في الأذان حي على الفلاح، ففسر لفظ حي واكتفى بما تقدم عن إعادة تفسير الفلاح، فمن لا يتفطن لهذا فليستحي وليسكت. سورة الجمعة قوله: {إنْفَضَوا إلَيْها} قال ابن عطية: أفرد، لأنّ التجارة كانت سبب اللهو. قال (ح): فيه نظر، لأنّ الضمير لا يثني معه الضمير، لكن له أن ¬

_ (¬952) فتح الباري (8/ 932). (¬953) عمدة القاري (19/ 227) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص304).

سورة المنافقين

يقول: ان أو هنا بمعنى الواو (¬954). قال (ع): لا نسلم وما المانع منه؟ (¬955) سورة المنافقين قوله: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} مِنْ حولِه. قال (ح): غلط بعض الشراح فقال: هذا وقع قراءة ابن مسعود (¬956). قال (ع): أراد به مغلطاي لكنه لم يقل هكذا، وإنّما قال: حتّى ينفضوا مِن حولِه بكسر الميم وجر اللام (¬957). قلت: من الذي أخبره أن (ح) قصد بذلك مغلطاي حتّى يجزم به ثمّ يعترض. سورة ن قوله: وقال ابن عبّاس: {إنا لَضالّونَ} أضللنا مكان جئتنا. قال (ح): زعم بعض الشراح أن الصواب ضللنا بغير ألف، تقول: ضللت الشيء إذا جعلته في مكان، ثمّ لم تدر أين هو، وأضللت الشيء إذا ¬

_ (¬954) فتح الباري (8/ 643). (¬955) عمدة القاري (19/ 236). (¬956) فتح الباري (8/ 645). (¬957) عمدة القاري (19/ 237).

سورة الحاقة

ضيعته، والذي وقع في الرِّواية صحيح أي عملنا عمل من ضيع، ويحتمل أن يكون بضم أول أضللنا (¬958). قال (ع): أراد ببعض الشراح الدمياطي فإنّه قال ذلك، وقوله: هو الصواب لأنّ اللُّغة تساعده، والذي اختاره (ح) بعيد جدًا، لأنّ الأوّل ليس قولهم، والثّاني احتمال لا يقطع به (¬959). سورة الحاقة قوله: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}. يقال: بطغيانهم. وللطبرى من طريق مجاهد: بالذنوب، ويقال: طغت على الخزان كما طغى الماء على قوم نوح. قال (ح): لم يظهر لي فاعل طغت، لأنّ هذه الآية في حق ثمود، وإنّما أهلكوا بالصيحة، فلو كانت في عاد لكان فاعل طغت الريح (¬960). قال (ع): ظهر تغير ما لم يظهر له، والآية في حق عاد وثمود أهلكوا بالطاغية بدليل قوله: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} (¬961). قلت: انظر وتعجب ممّن يتيح بالفهم، ولا يفهم الإشكال في فاعل طغت، وهو ولو كان في عاد لم يشكل كما صرح به (ح) فكيف يكون قوله في قوم عاد؟ ثمّ يدعى أنّه يفهم ما لم يفهم (ح) ما هذه إِلَّا جرأة عظيمة. ¬

_ (¬958) فتح الباري (8/ 662). (¬959) عمدة القاري (19/ 255 - 256). (¬960) فتح الباري (8/ 665). (¬961) عمدة القاري (19/ 259).

سورة نوح

سورة نوح قوله في حديث ابن عبّاس: صارت الأوثان ... الخ. قال أبو علي الغساني: الذي في السند هو الخراساني ولم يسمع من ابن عبّاس، وظن البخاريّ أنّه ابن أبي رباح، وإن كانت نسخة الخراساني كلها عنده، ويؤيده أنّه لم يخرج من هذه النسخة إِلَّا هذا وآخر في كتاب النِّكاح، ولو كان خفي لأكثر من تخريج أحاديثها، لأنّها تكون في الظّاهر على شرطه، ولا سيما مع ما عرف من تشديده في شرط الاتصال (¬962). قال (ع): تشدده لا يستلزم عدم الخفاء يستحق من لا يخفى عليه شيء وقوله: ظاهره على شرطه ليس بصحيح لأنّ الخراساني ليس على شرطه (¬963). قلت: أخطأ في ظنه فرد الصواب، وذلك أن المراد أن البخاريّ لو كان ظن أن عطاء شيخ ابن جرير في هذه النسخة وابن أبي رباح لأكثر من تخريجها، لأنّها على شرطه، ولكنه يحدث أن عطاء الخراساني فلم يكثر، وفي اقتصاره على حديثين فقط إشارة إلى أن عطاء فيهما هو ابن أبي رباح، وهو الذي يوافق شرطه. سورة الإنسان قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} وهل تكون جحدًا وتكون [خبرًا] وهذا من الخبر. ¬

_ (¬962) فتح الباري (8/ 667 - 668) (¬963) عمدة القاري (19/ 262).

كذا للأكثر، وفي بعض النسخ "وقال يحيى" وهو صواب، لأنّه قول يحيى ابن زياد الفراء بلفظه (¬964). قال (ع): دعوى الصواب غير صحيحه، لأنّه يجوز أن يكون هذا قول غيره. كما هو قوله: ولم يطلع البخاريّ على أنّه قول الفراء، واطلع على أنّه كلامه وكلام غيره، فقال: يشمل. قوله: ولم يَجْرِ بعضهم (¬965). قال (ح): ذكر عياض أن في رواية الأكثر ولم يجز بزاي وهو أوجه (¬966). قال (ع): لم يبين وجه الأوجهية بل بالراء أوجه (¬967). قوله: وقال معمرًا: أَشرهم شدة الْخَلْق. قال (ح): ظن بعضهم أنّه معمر بن راشد، وزعم أن عبد الرزّاق أخرجه في تفسيره عنه (¬968). قال (ع): يريد شيخه ابن الملقن. والظاهر أنّه كما قال [ابن] الملقن (¬969). ¬

_ (¬964) فتح الباري (8/ 684) ولفظ المخطوطات الثلاث "وهل يكون حجة أو لا يكون أو هذا من الخبر ... لأنّ قول يحيى" وما أثبتناه من الفتح. (¬965) عمدة القاري (19/ 270) وكذا هو في النسخ الثلاث ولفظ العمدة "قول الفراء وحده، فلذلك قال: يقال معناه، أو اطلع أيضًا على قول غيره مثل قول الفراء، فذكر بلفظ يقال ليشمل كلّ من قال بهذا القول فافهم". (¬966) فتح الباري (8/ 684). (¬967) عمدة القاري (19/ 271). (¬968) فتح الباري (8/ 685). (¬969) عمدة القاري (19/ 271).

سورة والنازعات

سورة والنازعات قوله: مثل الطَّامِعِ والطَّمِعِ والبَاخِل والبَخِل. قال (ح): وقع في رواية الكشميهني الناحل والنحل، والحاء المهملة فيهما، وبالمعجمه وهو الصواب (¬970). قال (ع): لم يبين جهة الصّواب، والصواب لا يستعمل إِلَّا في مقابلة الخطأ، والذي وقع بالباء والمعجمة ليس بخطأ (¬971). قلت: انظروا كيف يكون الخبط. سورة سبح قوله: في حديث البراء في ذكر أول من قدم من المهاجرين. قال (ح): وقع في رواية الأكثر آخر الحديث يقولون: هذا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، ولم يقع في رواية أبي ذر -رَضِيَ الله عَنْهُ-، واعتذر بأن الصّلاة عليه إنّما شرعت. في السنة الخامسة، وكأنّه يشير إلى قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} لأنّها من جملة سورة الأحزاب، وكان نزولها في الخامسة على الصّحيح، لكن لا مانع أن يتقدم نزول الآية المذكورة على معظم السورة، ثمّ من أين له أن لفظ - صلّى الله عليه وسلم - من صلب الرِّواية من الصحابي؟ وما المانع أن يكون ذلك ممّن دونه (¬972). ¬

_ (¬970) فتح الباري (8/ 690). (¬971) عمدة القاري (19/ 277). (¬972) فتح الباري (8/ 700).

سورة والضحى

قال (ع): جزم أبو جعفر الطحاوي بأنّه يجب أن يصلّى عليه كلما ذكر (¬973). سورة والضحى قوله في حديث جندب: قالت امرأة: يا رسول الله ما أرى صاحبك إِلَّا قلاك. قال الكرماني: المرأة كافرة، فكيف تقول: يا رسول الله؟ وأجاب بأنّها قالته استهزاءً أو هو من تصرف الراوي. قال (ح): هو موجه لأنّ المخرج متحد (¬974). قال (ع): قول الكرماني كافرة من أين علمه في هذه الطريق، ولا يلزم من كونها كافرة في الطريق الأولى أن تكون هي، لأنّ في الأولى قالت: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، وهذا لا يصدر عن مسلم، وفي الثّانية قالت: يا رسول الله، وهذا لا يصدر عن كافر (¬975). قلت: قد أجاب عنه الكرماني بحمله على الإستهزاء، وقد حرر هذا الموضع وبين أنّهما قضيتان لامرأتين، فالمسلمة خديجة والكافرة امرأة أبي لهب. ¬

_ (¬973) عمدة القاري (19/ 288). (¬974) فتح الباري (8/ 711) (¬975) عمدة القاري (19/ 300).

سورة اقرأ

سورة اقرأ قوله: وحدثنى سعيد بن مروان: قال (ح): هو البغدادي نزيل نيسابور، وفي طبقته سعيد بن مروان الرهاوي، ووهم من زعم أنّهما واحد، وآخرهم الكرماني (¬976). قال (ع): الكرماني تبع صاحب رجال الصحيحين (¬977). قلت: فليكن ليس نعيك بادرجى (¬978). سورة قل يا أيها الكافرون قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ} الكفر ... الخ. قال (ح): هكذا فسره الفراء. ثمّ قال: قوله: وقال غيره {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ... الخ} سقط عن رواية أبي ذر، والصواب إثباته، لأنّه ليس من بقية كلام الفراء (¬979). قال (ع): الصواب حذفه، لأنّه لم يصرح بنسبة الأوّل إلى الفراء (¬980). قلت: هذا بالنسبة إلى ما في نفس الأمر. ¬

_ (¬976) فتح الباري (8/ 716). (¬977) عمدة القاري (19/ 303). (¬978) كذا في النسخ الثلاث والصواب "ليس نعشك فادرجى". (¬979) فتح الباري (8/ 733). (¬980) عمدة القاري (20/ 4).

كتاب فضائل القرآن

كتاب فضائل القرآن 565 - باب كيف نزول الوحي قوله في حديث أبي عثمان: أُنبئتُ أن جبريل أتى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وعنده أم سلمة ... الحديث. قال (ح): يحتمل أن يكون هذا في قصة بني قريظة، ففي دلائل النبوة للبيهقى من حديث عائشة ما يقتضيه (¬981). قال (ع): هذا بعيد، لأنّ الأوّل عن أم سلمة والثّاني عن عائشة، والرواة مختلفة، وأم سلمة رأتها في بيتها وعائشة خارج البيت (¬982). قلت: ليس في شيء من ذلك ما يمنع احتمال اتحاد القصة، فرواه كلّ من عائشة وأم سلمة. وقال فيه فضيلة لأم سلمة. قال (ح): فيه نظر لأنّ أكثر الصّحابة رأوا جبريل في صورة الرجل (¬983). قال (ع): هذا غير مسلم (¬984). ¬

_ (¬981) فتح الباري (9/ 5 - 6). (¬982) عمدة القاري (20/ 6). (¬983) فتح الباري (9/ 6). (¬984) عمدة القاري (20/ 13).

566 - باب تأليف القرآن

566 - باب تأليف القرآن قوله في حديث: إنّما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنَّة والنار. قال (ح): هذا ظاهره مغاير لما تقدّم أن أول شيء نزل: {اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّك} وليس فيها ذكر الجنَّة والنار، فلعلّ آخر ما نزل قبل بقية سورة اقرأ، فإن الذي نزل أوَّلًا من اقرأ كما تقدّم خمس آيات فقط (¬985). قال (ع): قولها: أول ما نزل منه آي من القرآن، كذا من المفصل فيها ذكر الجنَّة والنار، وأول ما نزل إمّا المدثر وإما اقرأ، وفي كلّ منهما ذكر الجنَّة والنار، أمّا [في] المدثر فصريح، وأمّا في اقرأ فيلزم ذكرهما من قوله: {أَرَأيْتَ إنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى} و {سَنَدْعُ الزَّبانِيَة}. وقوله: {أَرَأَيتَ إِنْ كَانَ عَلى الهُدَى} وبهذا التقرير يرد على (ح) في قوله: أول ما نزلت اقرأ وليست فيهما ذكر الجنَّة والنار (¬986). كذا قال. ¬

_ (¬985) فتح الباري (9/ 40). (¬986) عمدة القاري (20/ 22).

567 - باب القراء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

567 - باب القراء من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ذكر فيه حديث قتادة: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيُّ بن كعب ومعاذ ابن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد. تابعه الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس [حدّثنا معلي بن أسدّ حدّثنا عبد الله بن المثنى حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس] قال: مات النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد. قال (ح): في هذين الطريقين تكلف: أحدهما: التصريح بصيغة الحصر في الثّاني دون الأوّل. ثانيهما: ذكر أبي الدرداء فيه بدل أبىّ بن كعب. فأمّا صيغة الحصر فقد أجبت عنها بأجوبة نحو العشرة. وأمّا الثّاني فجزم الإسماعيلى بأن أحدهما هو الصّحيح لا محالة، وعن البيهقي أن الصواب الأوّل، وبنحوه قال الداودي، وتصرف البخاريّ يقتضي تصحيحها، فيحتاج إلى بيان طريق الجمع، وهو أنّهم خمسة، لكن كان أنس إذا حدث ينسى أبيّ، وحجة من رجح الرِّواية الّتي فيها أبيّ بن كعب أنّه له زيادة شهرة في القرآن، ولكن يقوي ذكر أبي الدرداء مجيئه في رواية مرسلة رجالها ثقات، واعترض بأخرى مثلها يرويها غير رجال الأولى، فصار

لكل منهما جهة في الترجيح فاعتدلا (¬987). قال (ع): بعض هذا الكلام سبق إليه الكرماني، وكأن (ح) رضي به فلم يتعقبه، وكان من عادته أنّه إذا نقل شيئًا من كلامه يردّ عليه لعدم المبالاة به، وقد خالف عادته في رضاه باحتمال أن يكون أنس حدث به مرتين مع أن أصل الحديث واحد والراوي واحد (¬988). قلت: حفظ (ع) شيئًا وغابت عنه أشياء، ومن أراد معرفة السبب فيما لم يحط به علمًا على القاعدةُ إذا اتَّحد مخرج الحديث أنّه يصار إلى الترجيح، بخلاف ما إذا لم يتحد، فإنّه يحمل على التعدد فيهما على تسليم اتحاد المخرج، والمصير إلى الترجيح اقتضى ذلك ترجيح الرِّواية الّتي فيها أبيّ، لكن عارض ذلك وجود ما يقتضي الترجيح للرواية الّتي فيها أبو الدرداء من جهة أخرى، فتعين الرجوع إلى الجمع ضرورة، فلذلك يحمل على الآخر على أن أنسًا حدث به مرتين يذهل في كلّ منهما عن ذكر واحد من الخمسة، ويقتضي على أربعة والعلم عند الله تعالى. قوله في حديث ابن عبّاس قال: قال عمر: أُبَيٌّ أَقْرُؤنَا ... الحديث من رواية البخاريّ عن صدقة بن الفضل بسنده. قال (ح): وقع في تفسير البقرة عن شيخ آخر وهو عمرو بن علي بالسند المذكور إلى ابن عبّاس قال: قال عمر: أقرؤنا أبيّ وأقضانا على ... الحديث. قال المزي في الأطراف: ليس في رواية صدقة: وأقضانا على. قلت: قد ثبت ذكره في رواية النسفي عن البخاريّ، وقد ألحق الدمياطي في نسخته ذكر على هنا، وليس بجيد، لأنّه ساقط عن رواية ¬

_ (¬987) فتح الباري (9/ 52 - 53). (¬988) عمدة القاري (20/ 28).

التّرمذيّ الّتي عليها رواية الدمياطي (¬989). قال (ع): هذا عجيب، كيف ينكر هذا على الدمياطي وقد سبقه النسفي به، والذي لاح للدمياطي ما لاح لهذا القائل فلهذا قدم، كذا بالإنكار (¬990) قلت: لو لم يكن في اعتراضات (ع) إِلَّا هذا الموضع، لكان كافيًا في إقراره بعدم معرفته بقوانين الرِّواية، وذلك أن الدمياطى لم يعمد إلى شرح البخاريّ وجمع طرقه كما جرت عادة الشراح، وإنّما صحح نسخته وحشاها، فتارة تكون تلك الحاشية الأصل بأن تكون سقطت أوَّلًا من الأصل الذي كتب منه فيستدركها، وتارة يريد أن يزيد فائدة ليست من صلب الرِّواية، بل على سبيل التنبيه والإِفادة، فيذكرها ويميزها عن صفة الأصل، بأن يكتب فوقها حاشية وما أشبه ذلك، وهنا ألحق في صلب الرِّواية هذه اللفظة، وهي "أقضانا على" روايته الّتي ألحق فيها هذا من طريق الفربري ولم تقع هذه الزيادة في رواية الفربري. وأمّا رواية النسفي الّتي وجدت فيها فلم يبن الدمياطي روايته عليها، بل على رواية الفربري، بل على أخص من ذلك، فإنّه عبر بها عن شيخين، وبين أن اللّفظ لأحدهما، فاقتضى ذلك أن كلّ شيء يورده فيه ممّا يختص به أحد شيخيه، ولو زاد هو رواية من صرح بأن اللّفظ فاقتضى إلحاقه هذه من غير أن يميز أنّها حاشية أن شيخه رواها له بسنده إلى الفربري عن البخاريّ وليس ذلك في رواية شيخه أصلًا، فلو لم يكن هذا المعترض لا يدري من قانون هذا الفن هذا المقدار، فمار هو الذي تعجب منه؟ وما الذي لاح له أنّه لاح للدمياطى حتّى يكون عذرًا في هذا الإلحاق؟ فالله المستعان. ¬

_ (¬989) فتح الباري (9/ 53). (¬990) عمدة القاري (20/ 28) وعبارة العمدة "كذا قدم الإنكار".

568 - باب فضل {قل هو الله أحد}

568 - باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيه: وزاد معمر. قال (ح): قال الدمياطى: هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري، وخالفه المزكي تبعًا لابن عساكر فجزما بأنّه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي، ونقل شيخنا ابن الملقن عن شيخه مغلطاي أنّه جزم بذلك، وهو الصواب، وإن كان كلّ من المنقري والهذلي يكنى أبا معمر، وكلاهما من شيوخ البخاريّ، لكن هذا الحديث إنّما يعرف بالهذلي، بل لا يعرف للمنقري عن إسماعيل بن جعفر شيئًا، وقد وصل النسائي والإسماعيلي من طرق [عن] أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي (¬991). قال (ع): كلا القولين محتمل، وترجيج أحدهما بعدم علمه للمنقري عن إسماعيل رواية لا يستلزم نفى علم غيره بذلك (¬992). قلت: فتضمن اعتراضه الإِنكار على من جزم بأحدهما، فتناول كلامه الاعتراض على الدمياطي الذي انتصر له وهو لا يشعر. ¬

_ (¬991) فتح الباري (9/ 60). (¬992) عمدة القاري (20/ 33).

569 - باب من لم يتغن بالقرآن

569 - باب من لم يتغن بالقرآن قوله في حديث أبي هريرة: لم يأذن الله لنبي ما أذن للنَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - أن يتغنى بالقرآن. قال (ح): وقع في رواية أبي ذر: ما أذن للنَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - بالألف واللام، وفي غيره لنبي بالتنكير، فإن كانت محفوظة فاللام للجنس، ووهم من ظنها للعهد، وتوهم أن المراد نبيّنا - صلّى الله عليه وسلم - وشرحه على ذلك (¬993). قال (ع): هذا الذي ذكره عين الوهم، والأصل في الألف واللام أن تكون للعهد، خصوصًا في المفرد وعلى ما ذكره يفسد المعنى، لأنّه يكون على هذه الصّورة لم يأذن الله لنبي ما أذن لنفس [الجنس] النَّبي - صلّى الله عليه وسلم - وهذا فاسد (¬994). قلت: إنّما شرحه (ح) على ما ذكر أنّه رواية الأكثر، وهو ما أذن لشيء بشين معجمة وياء مهموزة ولا فساد فيه. ¬

_ (¬993) فتح الباري (9/ 68). (¬994) عمدة القاري (20/ 40).

570 - باب اغتباط صاحب القرآن

570 - باب اغتباط صاحب القرآن قال الإِسماعيلي ما حاصله: صاحب القرآن لا يغتبط بفعل نفسه، بل يغتبط به غيره. قال (ح): يمكن الجواب بأن الحديث لما كان دالًا على أن غير صاحب القرآن يغتبط صاحب القرآن بما أعطيه من العمل به فاغتباط صاحب القرآن بعمل نفسه أولى بناء على تفسير الاغتباط بالغرور (¬995). قال (ع): ليس هذا بذاك وكيف يوجه هذا الكلام وقد علم أن الغبطة اشتهاء ما أعطى فلانًا مثلًا، كيف يتصور اغتباط من أعطى مثل ما أعطى غيره، والأحسن في الجواب أن يقدر في التّرجمة محذوف، أي باب اغتباط الرَّجل صاحب القراءة القرآن ولا يحتاج إلى هذه التعسفات (¬996). قلت: كلامه يقتضي عدم التفرقة بين الغبطة والاغتباط وهو عين الفساد. ¬

_ (¬995) فتح الباري (9/ 73). (¬996) عمدة القاري (20/ 41)

571 - باب القراءة عن ظهر قلب

571 - باب القراءة عن ظهر قلب ذكر فيه حديث سهل بن سعد في الواهبة وفي آخره: "أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ " قال: نعم ... الحديث. قال ابن كثير: إن كان أراد بهؤلاء الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل من تلاوته نظرًا في المصحف، ففيه نظر. قلت: لا نظر فيه، إنّما أراد مشروعية ذلك لمن يريد التعليم، وبذلك يطابق التّرجمة، وأمّا الأفضلية فتقدم القول فيها في الباب الذي قبله (¬997). قال (ع): سبحان الله ما أبعد هذا الجواب وأبرده، والباب مذكور في فضائل القرآن، فكيف يقول ولم يتعرض للأفضلية. ثمّ ذكر الأحاديث الّتي ذكرها (ح) في فضل القراءة نظرًا، فأخذ كلامه يحتج بها عليه، ومراد (ح) أن الخبر وإن دل على فضل القراءة عن ظهر قلب، فقد وردت أحاديث أخرى تدل على فضلها نظرًا، فتختلف باختلاف الأحوال، وقد صرح بذلك في كلامه فحذف (ع) ليتمكن من التعقب، والحامل له على ذلك رد ما استدل به الشّافعيّ في صحة جعل أجرة التعليم مهرًا، والله المستعان (¬998). ¬

_ (¬997) فتح الباري (9/ 78). (¬998) عمدة القاري (20/ 46 - 47).

572 - باب تعليم الصبيان القرآن

572 - باب تعليم الصبيان القرآن ذكر فيه حديث ابن عبّاس: توفي رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - وأنا ابن عشر، وقد قرأت المحكم. قال الداودي: هذه الرِّواية وهم، لأنّ في الصّلاة عنه أنّه كان ناهز الاحتلام. وفي رواية أبي إسحاق عن سعيد بن جبير وأنا ختين، وكانوا لا يختنون الغلام حتّى يدرك. وفي رواية: خمس عشرة. وفي رواية: ابن ثلاث عشرة. قال عياض: يحتمل أن يكون قوله: وأنا ابن عشر يتعلّق بقوله: قرأت المحكم، وأن مراده بقوله توفي بعد جمعة. وقال (ح): ويمكن الجواب بين مختلف الروايات بأن كان حين وفاة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ابن ثلاث عشرة، ودخل في الّتي بعدها كما قاله ابن علي، فمن قال: خمس عشرة جبر الكسرين، ومن قال ثلاث عشرهّ ألغى الكسر في التى بعدها، ومن قال: عشر ألغى الكسر أصلًا (¬999). قال (ع): لا كسر هنا، لأنّ الكسر على نوعين أصم ومنطق، والمنطق على أربعة أنواع وسرد ما قاله أَهل الحساب، ثمّ قال: والظاهر أن ¬

_ (¬999) فتح الباري (9/ 84).

الصواب ما قاله الداودي (¬1000). قلت: المراد بجبر الكسر والغاية في عبارة أهل الحديث ما زاد على الستة من الشهور وما زاد على عقد العشرة وغيرها من السنين، فلما لم يعرف (ع) هذا الاصطلاح جنح لمحبته في الاعتراض إلى تفسير الكسر في اصطلاح أهل الحساب، وعلى تقدير تسليم ما صوبه من كلام الداودي من رواية عشر سنين وهم، فماذا يضع في بقية الاختلاف. قوله في الرِّواية الأخرى: فقلت له: وما المحكم؟ قال: المفصل. قال (ح): فاعل قلت له أبو بشر، والضمير لسعيد بن جبير كما بينه في الرِّواية الأولى عن أبي بشر قال سعيد بن جبير: إنَّ الذي تدعونه المفصل هو المحكم (¬1001). قال (ع): هذا تصرف واه لأنّ الظّاهر من السياق أن السائل سعيد والمجيب بن عبّاس، ولا يلزم كون سعيد فسر المفصل في تلك الرِّواية أن يكون هو الذي فسرة في هذه الرِّواية (¬1002). قلت: الحديث واحد جاء من طريقين مجملًا ومبينًا، فمن الذي يتوقف أن يفسر المجمل بالمبين. ¬

_ (¬1000) عمدة القاري (20/ 50). (¬1001) فتح الباري (9/ 84). (¬1002) عمدة القاري (20/ 50).

573 - باب في كم يقرأ القرآن؟

573 - باب في كم يقرأ القرآن؟ ذكر فيه قول ابن شبرمة لابن عيينة: كم يكفي الرَّجل من القراءة؟ قال (ح): يعني في الصّلاة (¬1003). قال (ع): ليس كذلك، بل مراده كم يكفيه في اليوم واللّيلة من قراءة القرآن مطلقًا (¬1004). قلت: رد المجمل بالمجمل والمطلق هو الذي في الحديث في قوله: "مَنْ قَرَأَ بِالآيتَيْنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ كَفَتَاهُ" وأمّا مسألة ابن شبرمة فمقيدة بالصلاة لأنّها الّتي تحتاج للتحديد. قوله في حديث عبد الله بن عمر: ولم يطأ لنا فراشًا. قال الكرماني: أي يضاجعنا حتّى يطأ فراشنا. قوله: ولم يعين لنا كَنَفًا. قال الكرماني: الكنف بفتحتين الشيء الساتر أو بمعنى اللف [كذا]، ولم يطعم عندنا حتّى يحتاج أن يستعلم موضع قضاء الحاجة. ¬

_ (¬1003) فتح الباري (9/ 95). (¬1004) عمدة القاري (20/ 57) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 304 - 305).

قال (ح): الأول أَولى (¬1005). قال (ع):لم يبين وجه الأولوية ولم يكن قصده إِلَّا غمزة في حقه (¬1006). قلت: الأولوية أظهر من أن تبين إِلَّا أن هذا مولع بالرد. ¬

_ (¬1005) فتح الباري (9/ 96). (¬1006) عمدة القاري (20/ 58).

كتاب النكاح

كتاب النِّكاح 574 - باب الترغيب في النِّكاح كقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}. قال (ح): وجهه أنّها صيغة طلب، والأمر بصيغة إفعل حقيقة في الوجوب، وأقل درجاته الندب، وثبت الترغيب إِلَّا أن تقدّم قرينة على أنّه للإباحة ونحوها، وقيل: لا دلالة فيه على الطلب، لأنّ الآية سيقت لبيان ما يجوز الجمع بينه من أعداد النِّساء، ويحتمل أن يكون انتزاعه من الأمر بنكاح الطيب مع ملاحظة النّهي عن ترك الطيب في قوله: {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (¬1007). قال (ع): لا دلالة فيه على الترغيب، لأنّ الآية سيقت لبيان ما يجوز من أعداد النِّساء، فقوله: يقتضي الطلب كلام من لا ذاق شيئًا من الأصول، فإن الأمر فيه أمر إباحة، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}. كذا قال، ثمّ غفل المعترض فقال بعد قليل: فإن قلت: ظاهر الآية يدل على وجوبه، قلت: آخر الآية ينافي وجوب التخيير بين التسري والنِّكاح (¬1008). ¬

_ (¬1007) فتح الباري (9/ 104). (¬1008) عمدة القاري (20/ 64 - 65 و 65 - 66).

575 - باب تزويج الثيبات

575 - باب تزويج الثيبات وقالت أم حبيبة: قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لَا تَعْرِضَنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ". قال (ح): استنبط المصنف التّرجمة من قوله: "بَنَاتِكُنَّ" لأنّه خاطب بذلك نساءه، فاقتضى أن لهن بنات من غيره، فيستلزم أنّه يزوجهن وهن بنات (¬1009). قال (ع): سبحان الله ما أبعد هذا الكلام عن المقصود، والمقصود إثبات المطابقة للترجمة وليس فيما قاله وجه المطابقة، لأنّ الذي قاله أن لنسائه بنات من غيره، وأنّه يستلزم أنّهن ثيبات، والترجمة في تزويج الثيبات، فمن أين يفهم من قوله هذا وقد أخذ كلام النَّاس وأفسده ولا يخفى ذلك على المتأمل (¬1010). ¬

_ (¬1009) فتح الباري (9/ 121 - 122). (¬1010) عمدة القاري (20/ 76).

576 - باب تزويج الصغار من الكبار

576 - باب تزويج الصغار من الكبار ذكر فيه حديث عراك بن مالك عن عروة عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - خطب عائشة إلى أبي بكر. واعترضه الإسماعيلي بأن صغر عائشة عن كبر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - معلوم من غير هذا الخبر، ثمّ إنَّ هذا الخبر الذي أورده مرسل، فإن كان يدخل مثل هذا في الصّحيح فيلزمه في غير هذا من المراسيل. قال (ح): الجواب أنّه إن أراد أنّه في يؤخذ من غير هذا الخبر صريحًا بخلاف هذا، فإنّما يؤخذ من جهة أنّه يمكن من قول أبي بكر: إنّما أنا أخوك، فإن الغالب في بنت الأخ أن تكون أصغر من عمها، وإن أراد أنّه إذا أخطأ [أخذ] من غيرها كفى، فلا يضر أيضًا، فإن الغرض بيان المطابقة وقد وجد، وأمّا السند فصورته الإِرسال، لأنّه من رواية عروة من قصة وقعت لم يدركها ولم يضفها إلى إخبار من أدركها له، لكن كونها وقعت تخالفه، فالظاهر أنّه حملها عنها أو عن أمه. وقد قال ابن عبد البرّ: إذا علم لقاء الراوي لمن ذهب [ذكر] قصة في شيء ولم يكن مدلسًا حمل على سماعه له منه، ولو لم يأت بصيغة لذلك، وأمّا الإِلزام، فالجواب عنه التزامه، لكن بشرط أن يجتمع قلبه ما اجتمع في هذا من اختصاص الراوي لمن ذكر ذلك منه، ومن كون القصة لا تستقل على حكم يتأصل، بل في حكم معلوم من غير هذه القصة باعتراف المعترض، فلا يضر الفساد هل فيها؟ حتّى يراعي صريح الاتصال، بل

يكتفي في ذلك بالتقريب (¬1011). قال (ع): بعد أن تصرف في هذا الجواب بالإجحاف في الاختصار ما نصه: هذا الجواب ليس بشيء لأنّ التّرجمة في تزويج الصغار من الكبار، وليست في مجرد بيان الصغار من الكبار، والجواب الصّحيح ما ذكرته وهي أن عمر عائشة كان حينئذ ست سنين (¬1012). ¬

_ (¬1011) فتح الباري (9/ 124). (¬1012) عمدة القاري (20/ 77).

577 - باب إلى من ينكح

577 - باب إلى من ينكح إلى أن ذكر حديث أبي هريرة: "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ اْلإبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ". قال (ح): تقدّم في أواخر أحاديث الأنبياء في ذكر مريم عليها السّلام قول أبي هريرة في آخره: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط، وكأنّه أراد إخراج مريم عن هذا التفضيل، وكأنّه جواب عن سؤال تقديره هذا، فيلزم من ظاهره فضل نساء قريش على مريم، ولا شك أن لمريم فضلًا، وأنّها أفضل من جميع نساء قريش إن ثبت أنّها نبية، ومن أكثرهن إن لم تكن نبية (¬1013). قال (ع): بعد أن تصرف في هذا الكلام بالإجحاف ما نصه؛ فإن قلت: كيف تكون نساء قريش أفضل من مريم أم عيسى، ولا سيما على قول من يقول: إنها نبية؟ قلت: أجاب بعضهم أن في هذا الحديث خير نساء ركبن الإبل، ومريم لم تركب بعيرًا. قال (ع): هذا جواب لا يجدي، وقد أطنب هذا القائل هذا وكله غير واف، يمكن أن يجاب على هذا بقوله: صالح نساء قريش، ومريم ليست من قريش، وقد يقال يعني بناتهن. انتهى (¬1014). وهذا أخذه من قول (ح) أيضًا، ويمكن أن يقال الحديث إنّما سيق في معرض الترغيب في نكاح القرشيات فليس فيه التعرض لمريم وغيرها ممّن مضى في زمانهن. ¬

_ (¬1013) فتح الباري (9/ 125). (¬1014) عمدة القاري (20/ 78).

578 - باب اتخاذ السراري

578 - باب اتخاذ السراري ذكر حديث أبي هريرة: "مَرَّ إبراهِيمُ بِجَبَّارٍ ... الحديث وفيه قول سارة: وأخذ مني آجَرَ". قال ابن المنير: مطابقته للترجمة إن كانت مملوكة، وقد صح أن إبراهيم أولدها بعد أن ملكها فهي سرية. قال (ح): إن أراد أن ذلك وقع صريحًا في الصّحيح فليس بصحيح، وإنّما الذي في الصّحيح أن الجبار وهبها لسارة، وأن إبراهيم أولدها إسماعيل، وكونه ما كان يستولد أمة امرأته إِلَّا بملك مأخوذ من خارج، غير الحديث الصّحيح، وهو عند أبي يعلى. من وجه آخر عن ابن سيرين ولفظه: فاستوهبها إبراهيم من سارة فوهبتها له (¬1015). قال (ع): اعتراضه عليه غير موجه لأنّه من قال: إنّه أراد ذلك؟ وإنّما محصل كلامه أن في أصل الحديث أن إبراهيم اتخذها سرية، وقد جرت عادة البخاريّ بمثل ذلك في أمثال ذلك (¬1016). قلت: عهدي به يشنع على من يقول: أشار إلى ما وقع في بعض طرقه، ويقول: الإشارة إنّما تكون إلى حاضر، والذي يسمع هذا لا يجد الموضع المطابق حاضرًا، فكيف يقال: أشار إليه، وقد كرر هذا مرارًا ولا يظن الظان أنّه رجع عنه، فإنّه سيعيد ذلك بعد. ¬

_ (¬1015) فتح الباري (9/ 128). (¬1016) عمدة القاري (20/ 80).

579 - باب {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم}

579 - باب {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} فيه حديث ابن عبّاس قيل للنبي - صلّى الله عليه وسلم -: ألا تزوج ابنة حمزة. قال (ح): القائل هو علي بن أبي طالب كما أخرجه مسلم (¬1017). قال (ع): قد أخرج مسلم أيضًا من حديث أم سلمة قالت: قيل: أين أنت يا رسول الله عن ابنة حمزة ... ؟! الحديث، فمن أين تعين أن القائل علي، فلم لا يجوز أن تكون أم سلمة؟ (¬1018). قلت: أم سلمة عبرت نحو ما عبر به ابن عبّاس من إيهام القائل، وحديث علي صريح بأنّه السائل فحمل عليه، لأنّه الظّاهر وقد فسره به جماعة من الأئمة ممّن صنف في المبهمات. وفيه حديث عروة المرسل في رؤيا أبي لهب في قوله: سيقت في هذه بَعَتاقتي، بفتح أوله (¬1019). وفي رواية عبد الرزّاق: بعتقي. قال (ح): وهو أولى الوجه أن يقول: بإعتاقي (¬1020). قال (ع): أحدهما الكلام من الكرماني، وقوله: أوجه غير موجه، لأنّ العتق والعتاقة، والإعتاق واحد لأنّها مصادر (¬1021). قلت: المراد بالأولوية كثرة الاستعمال لها. ¬

_ (¬1017) فتح الباري (9/ 142). (¬1018) عمدة القاري (20/ 93). (¬1019) في النسخ الثلاث بعد قوله أوله "القاف" فحذفناه لأنّه خطأ. (¬1020) فتح الباري (9/ 145). (¬1021) عمدة القاري (20/ 95)

580 - باب من قال: لا إرضاع بعد الحولين

580 - باب من قال: لا إرضاع بعد الحولين قال (ح): أشار البخاريّ بهذا إلى قول الحنفية: إن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهرًا (¬1022). قال (ع): هذا نتيجة فكر صاحبه نائم، وما وجه الإشارة إلى قول الحنفية؟ والترجمة إنّما وضعت إِلَّا لبيان من قال: لا رضاع بعد حولين، وهو أعم من قول الحنفية (¬1023). قلت: قد قال (ح) متصلًا بكلامه: وكذا قول من زاد على الحولين كشهر وشهرين. ¬

_ (¬1022) فتح الباري (9/ 146). (¬1023) عمدة القاري (20/ 96).

581 - باب لبن الفحل

581 - باب لبن الفحل ذكر فيه حديث عائشة في قصة أفلح أخي أبي القُعَيْسِ. قال (ح): ألزم بهذه القصة من قال من الحنفية: إن العبرة بما رأى الصحابي لا بما روى، ووجه الإلزام أن عائشة روت ما يدل على اعتبار لبن الفحل، ومع ذلك رأت لبن الفحل لا يحرم قيل فهم أن يقولوا بما رأت (¬1024). قال (ع): لو علم هذا القائل مدرك من قال لما صدر منه هذا، ولكن عدم الفهم وأريحية العصبية يحملان الرَّجل على أخبط من هذا، والحنفية ما قالوا ذلك على الإطلاق، بل قالوا: إن كان عمله أو فتواه قبل الرِّواية فالرواية حجة عليه إذا بلغته، وإن كان بعد ذلك لم تكن حجة، لأنّه لو لم يثبت عنده النسخ ما ترك العمل به (¬1025). قلت: يبقى احتمال النسيان. ¬

_ (¬1024) فتح الباري (9/ 152) كذا في النسخ الثلاث "قيل فهم" والصواب "قيل عليهم". (¬1025) عمدة القاري (20/ 98 - 99).

582 - باب لا تنكح المرأة على عمتها

582 - باب لا تنكح المرأة على عمتها قال (ح): حكى البيهقي قول من قال: إنَّ هذا الحكم لم يثبت إِلَّا من حديث أبي هريرة وأنّه جاء من وجوه لا تُثبت. ثمّ قال: اتفق الشيخان على حديث أبي هريرة، وأخرج البخاريّ حديث جابر من طريق عاصم عن الشّعبيّ عنه. ثمّ قال: الحفاظ يرون رواية عاصم خطأً، والصواب رواية عون ومن تابعه. قلت: هذا الاختلاف لم يقدح عند البخاريّ، لأنّ الشّعبيّ أشهر بجابر منه بأبي هريرة، وقد أخرجه النسائي من وجه آخر صحيح عن جابر وهو من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر، فلكل من الطريقين ما يعضده (¬1026). قال (ع): قوله: طريق آخر صحيح، غير صحيح، لأنّ رواية أبي الزبير لا يحتج بها لأنّه مدلس (¬1027). قلت: لا تنافي بين قولنا طريق صحيح وبين لا يحتج براويها، لأنّ النفي محله إذا انفرد، والصّحيح حيث تتابع، ولو سكت من لا يعلم على من يعلم لأراح. ¬

_ (¬1026) فتح الباري (9/ 161). (¬1027) عمدة القاري (20/ 107).

583 - باب نكاح المحرم

583 - باب نكاح المحرم قال (ح): كأنّه يميل إلى الجواز، لأنّه لم يذكر في الباب إِلَّا حديث ابن عبّاس، ولم يخرج حديث المنع، كأنّه لم يصح عنده، أو رأى مقابله أقوى (¬1028). قال (ع): فيه تأمل، لأنّ عدم تخريجه لا يستلزم عدم صحته عنده، ثمّ لا مانع أن يصح عند غيره (¬1029). ¬

_ (¬1028) فتح الباري (9/ 165). (¬1029) عمدة القاري (20/ 110).

584 - باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح

584 - باب عرض المرأة نفسها على الرَّجل الصالح قوله في حديث أنس: جاءت امرأة. قال (ح): ما وقفت على اسمها، وأشبه من رأيت بقصتها ممّن تقدّم اسمين في الواهبات ليلى بنت قيس ابن الحطيم (¬1030). قال (ع): هذا من حديث أنس وهو غير حديث سهل بن سعد، فتختلف صاحبة القصة. قلت: لا يلزم من تعدد الرواة تعدد صاحب القصة، ولكن انظر واحمد ربك على ما أعطاك من صحة البدن (¬1031). ¬

_ (¬1030) فتح الباري (9/ 175). (¬1031) عمدة القاري (20/ 113).

585 - باب إذا كان الولي هو الخاطب

585 - باب إذا كان الولي هو الخاطب قال (ح): أي هل يزوج نَفْسَهُ أو يحتاج إلى ولي آخر (¬1032). قال (ع): هذه التّرجمة قط لا تقتضي ما قاله، بل الذي يفهم أن الولي أذا كان الخاطب هل يجوز أم لا (¬1033). قلت: بقي عليه التفريع على الجواز وهو الذي ذكره (ح). قوله في حديث سهل بن سعد في الواهبة: فلم يردها. قال (ح): بضم أوله من الإِرادة، وحكى بعض الشراح بفتح أوله وتشديد الدال وهو محتمل (¬1034). قال الحاكى: هو الكرماني: وقوله: هذا هو محتمل يدلّ على أنّه ما يأخذ كلامه بالقبول (¬1035). قلت: ولا بالرد، وليس ذلك عامل، بل في مثل هذا، لأنّه إن كان نقلًا منه عن نسخة فلم يتصل ثبوتها عندنا، فاحتمل أن يكون هو انفرد باطلاع عليه، وإن كان بحثًا ففيه نظر، ثمّ قول (ع) "يدل" ما هو وجه الدلالة الّتي ادعاها من قول (ع) وهو محتمل. ¬

_ (¬1032) فتح الباري (9/ 188). (¬1033) عمدة القارى (20/ 124) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 305 - 306). حيث صوب ما قاله الحافظ ابن حجر. (¬1034) فتح الباري (9/ 189). (¬1035) عمدة القاري (20/ 126)

586 - باب ضرب الدف

586 - باب ضرب الدف ذكر حديث الربيع بنت معوذ قالت: جاء النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - حين بُني عليّ فجلس على فراشي ... الحديث. قال الكرماني: فإن قلت كيف صح هذا؟ وأجاب: إمّا أنّه جلس من وراء حجاب أو كان قبل نزول آية الحجاب أو جاز النظر لحاجة أو عند الأمن من الفتنة. قال (ح): الأخير هو المعتمد، والذي وضح لنا بالأدلة القوية من خصائص النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها وهو الجواب الصّحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية. انتهى (¬1036). قال (ع) بعد قول (ح) هذا هو المعتمد ما نصه: قلت: كلّ هذا دوران لطلب شيء لا يظفر به، والجواب الصّحيح الواضح أنّه في خصائص النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬1037). فنقل كلام (ح) إلى قوله: ولا زوجية، فاستلب الفائدةُ وادعاها لنفسه وابتدأ كلامه بما يوهم رد من أخذ كلامه وارتضاه حتّى نسبه إلى نفسه، فجمع في هذا ما لم يقدم عليه من فيه أدنى مروة والله المستعان. ¬

_ (¬1036) فتح الباري (9/ 203). (¬1037) عمدة القاري (20/ 136).

587 - باب الشروط التي لا تحل

587 - باب الشروط الّتي لا تحل قوله: لتستفرغ صحفتها. قال (ح): المراد بالصحفة ما يحصل من الزوج كما تقدّم، يعني من كلام النووي حيث قال: نهي الأجنبية أن تسأل رجلًا طلاق زوجته وتتزوجه هي فيصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك بقوله: تكتفي ما في صحفتها (¬1038). قال (ع): هذا غلط فاحش والصحفة هي القصعة الّتي تشبع الخمسة (¬1039). قلت: جمع ذلك مع رد الصواب الإِساءة، والعجب أنّه نقل من كلام الطيبي ما يوافق قول النووي والله المستعان. ¬

_ (¬1038) فتح الباري (9/ 220). (¬1039) عمدة القاري (20/ 143) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 306 - 307).

588 - باب بغير ترجمة

588 - باب بغير ترجمة فيه حديث أنس: أولم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بزينب، فأشبع النَّاس خبزًا ولحمًا ... الحديث. قال (ح): سقط لفظ باب عن نسخة ابن بطّال، واستشكله بأنّه لا تعلّق له بترجمة الصفرة، وأجيب بثبوت لفظ باب، وتعقب بأنّه كالفصل من الباب قبله وله به تعلّق، والمناسبة أن يقال: إنّه لم يقع في قصة زينب ذكر الصفرة، فيستفاد منه أن الصفرة للمتزوج من الجائز لا من الشروط لكل متزوج (¬1040). قال (ع): هذا كلام واهٍ جدًا، لأنّ التّرجمة في الصفرة، وليس في حديث زينب ذكر الصفرة مطلقًا، والأوجه أن يقال: إنَّ المطابقة أنّه - صلّى الله عليه وسلم - أمر بالوليمة في قصة عبد الرّحمن بن عوف، وأولم هو في قصة، وبين أمره بشيء وفعله إياه اتحاد، فلا مطابقة أتم من هذا (¬1041). ¬

_ (¬1040) فتح الباري (9/ 221). (¬1041) عمدة القاري (20/ 145).

589 - باب الدعاء للنساء اللاتي يهدين العروس

589 - باب الدُّعاء للنساء اللاتي يهدين العروس ذكر الكرماني توجيهين، وكذا ذكر (ح) توجيهين (¬1042). فقال (ع): هذا كله تعسفات، أكثره خارج عن القانون (¬1043). ثمّ قال كلامًا يشبه تحصيل الحاصل، لإِمكان أن يخرج من التوجهات السابقة، وأنكر قول (ح): إنَّ حروف الجر تتناوب، وذكر ابن الحاجب قال: اللام تأتي بمعنى من، وأن ابن مالك أنكره عليه، والله المستعان. ¬

_ (¬1042) فتح الباري (9/ 222). (¬1043) عمدة القاري (20/ 146).

590 - باب الهدية للعروس

590 - باب الهدية للعروس قوله: وقال إبراهيم، يعني ابن طهمان عن أبي عثمان ... فذكر الحديث بطوله. قال (ح): لم يقع لي موصولًا من رواية معمر وغيره عن أبي يحيى إِلَّا أن بعض من لقيناه من الشراح زعم أن النسائي أخرجه عن أحمد بن حفص ابن عبد الله عن أبيه عنه، وتبع في ذلك مغلطاي ولم أقف على ذلك، ثمّ وجدت في المناقب من السنن للنسائي عن أحمد بن حفص بهذا الإِسناد قطعة منه وهي قوله: كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إذا أمر بَجَنَبَاتِ أم سليم دخل عليها فسلم عليها لم يزد على ذلك (¬1044). قال (ع): إن كان مراده بقوله من لقيناه صاحب التلويح فإنّه لم يلقه لأنّه مات قبل مولده، وإن كان مراده صاحب التوضيح فهو تبع في ذلك شيخه وإن كان مراده الكرماني فهو لم يدخل الديار المصرية، والقائل لم يدخل إلى تلك البلاد ولم يذكر ذلك في شرحه (¬1045). قلت: قوله: لم يدخل، يردّ عليه الكرماني، فقد ذكر في خطبة شرحه أنّه سمع صحيح البخاريّ بالجامع الأزهري من القاهرة، وإذا كان الأوّل لم يدرك زمانه، والثّاني بزعمه لم يلقه انحصر في الأربعة، فما وجه تردده في المراد مع قوله تبعًا لمغلطاي ما هذا إِلَّا استرسال عجيب. ¬

_ (¬1044) فتح الباري (9/ 227) والحديث عند النسائي في فضائل الصّحابة (280). (¬1045) عمدة القاري (20/ 151).

591 - باب استعارة الثياب للعروس وغيرها

591 - باب استعارة الثِّياب للعروس وغيرها قيل: القلادة ليست من الثِّياب، وأجيب باحتمال أن يكون وغيرها معطوفًا على الثِّياب، لكن يبقى التقييد بالعروس، وعائشة حينئذ لم تكن عروسًا. قال (ح): القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي تتزين به المرأة شمل العروس وغيرها، فتلحق القلادة بالثوب بجامع التزين (¬1046). قال (ع): بين الذي قاله وبين ما يفهم من التّرجمة بعد عظيم، ولكن إذا أعدنا الضمير في وغيرها إلى العروس تتأتي المطابقة (¬1047). كذا قال!. ¬

_ (¬1046) فتح الباري (9/ 228). (¬1047) عمدة القاري (20/ 152).

592 - باب من أجاب إلى كراع

592 - باب من أجاب إلى كُرَاعٍ قوله: " لَوْ دُعيِتُ إِلى كُرَاعٍ". قال (ح): زعم بعض الشراح أن المراد بالكراع كراع الغميم المكان المعروف بين مكّة والمدينة، ووجه أنّه أطلق ذلك مبالغة في الإِجابة ولو بعد المكان (¬1048). قال: هذا نقله الكرماني في شرحه وهو نقل بقوله: "وقيل" وما زعم بذلك، فكيف يقول هذا القائل: وزعم، وكان ينبغي أن يقول ونقل (¬1049). قلت مراد (ح) بقوله: وزعم من نقل عنه الكرماني فطاح اعتراض (ع). ¬

_ (¬1048) فتح الباري (9/ 246). (¬1049) عمدة القاري (20/ 161). قال البوصيرى (ص 307) إنَّ اعتراض العيني مبني على فهمه من أن مدلول بعض الشراح في كلام ابن حجر هو الكرماني، ولا أدري من أي عبارة أخذها؟ فشراح البخاريّ تعد بالمئات، فلا يدري من يعنيه منهم ابن حجر، أفلا يجوز أن يكون البعض الذي عناه الكرماني هو الذي أراده ابن حجر؟ بل ويجوز أن يكون آخر غير من نقلا عنه كما هو ظاهر، فلم يظهر محل لهذا الاعتراض، فرحم الله الجميع.

593 - باب الغيرة

593 - باب الغيرة فيه حديث عائشة: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَحَدٌ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْني [يرى] عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ تَزْنِي". قال (ح): تقدّم في صلاة الكسوف بلفظ: أن يزني عبده أو يزني أمته، وهذا هو الصواب، ولعلّ لفظ يزني سقطت فأخرجها الناسخ عن محلها (¬1050). قال (ع): لا يحتاج هنا إلى نسبة هذا إلى الغلط ولا تصرف الناسخ بغير وجه، فإن قوله يزني يجوز فيه التذكير والتأنيث (¬1051). ¬

_ (¬1050) فتح الباري (9/ 322). (¬1051) عمدة القاري (20/ 206).

594 - باب {والذين لم يبلغوا الحلم}

594 - باب {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} فيه حديث ابن عبّاس: سأله رجل: شهدت العيد؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته [يعني] من صغره. قال (ح): فيه التفات إذ حق الكلام أن يقول من صغري (¬1052). قال (ع): الظّاهر أن قوله من صغره ليس من كلام ابن عبّاس بل من كلام أحد الرواة (¬1053). ¬

_ (¬1052) فتح الباري (9/ 344). (¬1053) عمدة القاري (20/ 224).

595 - باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة؟

595 - باب هل يرجع إذا رأى منكرًا في الدّعوة؟ قوله: ورأى ابن مسعود صورًا في البيت فرجع. كذا في رواية الكشميهني والأصيلي والقابسي وعبدوس، وفي رواية الباقين أبو مسعود، والأول تصحيف فيما أظن، فإنني لم أر الأثر المعلق إِلَّا عن أبي مسعود عقبة ابن عمرو. وأخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود، أن رجلًا صنع طعامًا فدعاه فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم، فأبى أن يدخل حتّى تكسر الصورة. وسنده صحيح وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود، ويحتمل أن يكون نحو ذلك وقع لابن مسعود أيضًا لكن لم أقف عليه (¬1054). قال (ع): {إنَّ بَعْضَ الظَنِّ إِثْمٌ} ولا يلزم من عدم رؤيته الأثر المذكور إِلَّا عن أبي مسعود أن لا يكون أيضًا لعبد الله بن مسعود، مع أن هذا القائل قال: يحتمل أن يكون لابن مسعود، فإذا كان الاحتمال موجودًا فكيف يحكم بالتصحيف؟ (¬1055). قوله في حديث عائشة: أنّها اشترت نُمْرُقةً فيها تصاوير، فلما رآها قام على الباب فلم يدخل ... الحديث. ¬

_ (¬1054) فتح البارى (9/ 249). (¬1055) عمدة القاري (20/ 163).

قال (ح): موضع التّرجمة منها قولها على الباب فلم يدخل (¬1056). قال (ع): ليس فيه ما يجدي في المطابقة، لكن يمكن أن يقال لما كانت الصورة من جملة المنكرات الّتي يقتضي ترك إجابة الدّعوة ذكر هذا الحديث ليبين أن وجود الصُّورَة من جملَة الْمَوَانِع (¬1057). قلت: فاعترف بما أنكر وهو لا يشعر. ¬

_ (¬1056) فتح الباري (9/ 250). (¬1057) عمدة القاري (20/ 164).

596 - باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه في غير بيوتهن

596 - باب هجرة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - نساءه في غير بيوتهن ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه: "غَيْرَ أَنْ لَا تُهْجَرَ إِلَّا فِي اْلبَيْتِ" والأول أصح. قال (ح): شرحه الكرماني بما يقتضي أن الحديث عن معاوية بن حيدة رفعه في هجرة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - نساءه، وهذا لا يوجد في شيء من المسانيد ولا الأجراء، وهذه دعوى بلا برهان، والذي قاله الكرماني إثبات وهذا نفي، والنفي لا يقدم على الإِثبات، وباب الرِّواية واسع جدًا وأمعن في ذلك. ثمّ قال: قال صاحب التلويح يعني مغلطاي أراد البخاريّ حديث معاوية بن حيدة الذي أخرجه أبو داود (¬1058). ثمّ ساق (ع) الحديث من سنن أبي داود بتمامه وليس فيه تعرض لهجرة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم نساءه فرد على نفسه وهو لايشعر (¬1059). ¬

_ (¬1058) فتح الباري (9/ 301). (¬1059) عمدة القاري (20/ 190).

كتاب الطلاق

كتاب الطّلاق 597 - باب من طلق وهو يواجه الرَّجل امرأته بالطلاق قال (ح): كان قصد البخاري إثبات جواز الطّلاق وحمل حديث: "أبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى الله الطَّلَاقُ" على ما إذا وقع من غير سبب (¬1060). قال (ع): هذا بعيد جدًا، وقد حذف ابن بطّال هذا من التّرجمة، لأنّه لم يظهر له معنى، ويمكن أن يكون التقدير من طلق هل يباح له ذلك، وحذف الجواب وتقديره نعم يباح (¬1061). قوله في حديث أبي أسيد وفيه: فأهوى بيده [عليها] لتسكن فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: قد عذت بمعاذ، ثمّ خرج فقال: يا أسيد ألحقها بأهلها. قال ابن بطّال: ليس في هذه القصة أنّه واجهها بالطلاق. قال (ح): نعم ثبت ذلك في حديث عائشة المذكور في أول الباب فإنّه في أخذه فقال لها: لقد عذت بعظيم إلحقي بأهلك (¬1062). قال (ع): هذا كلام كله لا طائل تحته، لأنّ ثبوت المواجهة في ¬

_ (¬1060) فتح الباري (9/ 356). (¬1061) عمدة القاري (20/ 229). (¬1062) فتح الباري (9/ 359).

الحديث السابق لا يستلزم المواجهة في هذا الحديث فلم تثبت المطابقة (¬1063). قوله: ومعها دايتها. قال (ح): أي ظئرها، والظئر: المرضع (¬1064). قال (ع): ليس كذلك وإنّما البداية الّتي تولد الأولاد وهي القابلة (¬1065). ¬

_ (¬1063) عمدة القاري (20/ 230). (¬1064) فتح البارى (9/ 359). (¬1065) عمدة القاري (20/ 231).

598 - باب. من قال لامرأته: أنت علي حرام

598 - باب من قال لامرأته: أنت عَلَيَّ حرام ذكر حديث ابن عمر من طريق اللَّيث تعليقًا عن نافع عن ابن عمر قال: لو طلقت مرّة أو مرتين، فإن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أمرني بهذا، وإن طلقتها ثلاثًا حرمت عليك. قال الكرماني: جواب لو محذوف، والتقدير لكان خيرًا، ولو حرف النّهي [أو لو حرف التمني] فلا تحتاج للجواب. قال (ح): بل التقدير في الجواب لكان لك الرجعة (¬1066). قال (ع): هو معنى قول الكرماني لكان خيرًا، وقد قدره القرطبي فأنت مأمور بالرجعة، فهذا قدر الجزاء بمثل أو قريب ممّا قدره الكرماني فلا حاجة إلى الرد عليه بغير وجه (¬1067). ¬

_ (¬1066) فتح الباري (9/ 373). (¬1067) عمدة القاري (20/ 240). قال البوصيري (ص 309) إنِّي تأملت العبارات كلها فلم أجد الفرق بين كلامي الكلاماني وابن حجر إِلَّا بالعموم والخصوص، فقولك: لكان لك الرجعة داخل تحت عموم لكان خيرًا فالخصومة محسومة من ذاتها من غير حكم حاكم.

599 - باب {لم تحرم ما أحل الله لك}

599 - باب {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} قوله في حديث عائشة: أنا وحفصة. قال (ح): هو من التواصي [المواصاة] (¬1068). قال (ع): من لم يفرق بين التواصي والمواصاة كيف يتقدم إلى ميدان الشرح (¬1069). قوله: كان يحب العسل والحلوى، وفي لفظ: الحلوى والعسل. قال الكرماني: العسل بعد الحلوى للتنبيه على شرفه، وهو من باب عطف العام على الخاص. قال (ح): لتقديم كلّ منهما جهة تقديم، فتقديم العسل لشرفه، وتقديم الحلوى لأنّها مركبة ولشمولها وتنوعها، لأنّها تتخذ من العسل وغيره، وليس ذلك من عطف العام على الخاص كما زعم الكرماني، لأنّ العام الذي تدخل الجميع فيه (¬1070). قال (ع): شنع على الكرماني ولا وجه له (¬1071). قوله في قصة العسل الذي شربه - صلّى الله عليه وسلم - عند حفصة [قالت عائشة فلما دار إليَّ قلت نحو ذلك، فلما دار إلى صفية] قالت له مثل [ذلك]. ¬

_ (¬1068) فتح الباري (9/ 377) في النسخ الثلاث "من التواصي" وهو خطأ مخالف لما في الفتح والعمدة من أنّه "من المواصاة". (¬1069) عمدة القاري (20/ 242). (¬1070) فتح البارى (9/ 378 - 379). (¬1071) عمدة القاري (20/ 244).

قال (ح): عبرت عن نفسها بأنّها قالت نحو ذلك، وعن صفية بلفظ مثل ذلك، والسر فيه أن عائشة المبتكرة لذلك فتصرفت في اللّفظ مع تأدية المعنى، وصفية مأمورة فلم تتصرف خشية أن ينكر عليها عدم الوقوف مع اللّفظ الذي أمرتها به، هذا هو الذي ظهر لي، ثمّ راجعت رواية أبي أسامة فوجدت فيها التعبير بمثل في الموضعين، فغلب على الظن أن التغيير من تصرف الرواة (¬1072). قال (ع): هذا الجواب لا يشفي العليل ولا يروي الغليل، وإذا علم الفرق بين النحو والمثل علمت النكتةُ فيه. ثمّ ذكر المنقول في تعرف كلّ منهما ثمّ قال: لما كانت عائشة قاصدة بالقصد الكلي تبليغ هذه اللفظة وهي جَرَسَتْ نَحْلُهُ العرفطَ، قالت سودة نحو ذلك بخلاف صفية فإنها لم تقصد لذلك، ولكنها قالت للامتثال. ثمّ ختم كلامة بأن قال: ولا ينبغي أن يظن في الرواة بالظن الفاسد، فأقل الأمر فيه أن يقال: هذا من التفنن، فإنّه فيه تحصل الرونق للكلام (¬1073). قلت: المراد بالتغيير إبدال اللّفظ باللفظ عند ظن اتحاد المعنى، وقوله الظن الفاسد من سوء الأدب الذي من دأبه أن يدندن بإنكاره، وليس هناك ظن فاسد، بل ظن غالب، لأنّه من المعلوم أن الّتي قالت نحو ذلك وهي الّتي ينسب إليها أنّها قالت مثل ذلك، لم تجمع بين اللفطتين، ويلزم من الاقتصار على أحدهما أن من عبر بغير عبارة رقيقة كان أحدهما مغيرًا للفظ الذي به حدثهما ونسب مرّة احتراق هذا المعترض بالحد لا يرد بالامتثال هذا الهذيان البارد والله المستعان. ¬

_ (¬1072) فتح الباري (9/ 380) وما بين المعكوفين من نسخة دار صدام للمخطوطات. (¬1073) عمدة القاري (20/ 245).

600 - باب من قال لزوجته هذه أختي وهو مكره فلا شيء عليه

600 - باب من قال لزوجته هذه أختي وهو مكره فلا شيء عليه ذكر فيه قصة إبراهيم مع الجبار، وقوله لما سأله عن سارة: "هَذِهِ أُخْتيِ". قال (ح): قيد الترجمة بقوله: وهو مكره، فتعقبه بعض الشراح بأنّه لم يقع في قصة إبراهيم إكراه، وهو كذلك، لأنّ إبراهيم كان يتحقق أن هذا الفرعون يقتل من خالفه فيما يريده، وكان حالة في ذلك الوقت مثل حال المكره (¬1074). قلت: حصل الحاصل ولم يأت بشيء إِلَّا أنّه كاد يشرح مراد الذي سبق بذكره هذه الفائدةُ بغير اختيار منه (¬1075). ¬

_ (¬1074) فتح الباري (9/ 387). (¬1075) عمدة القاري (20/ 250).

601 - باب الطلاق في الإغلاق والمكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره

601 - باب الطّلاق في الإِغلاق والمكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنِّسيان في الطّلاق والشرك وغيره [قال (ح): (وغيره) أي وغير الشرك] (¬1076). قال (ع): ليس معناه كذا، وإنّما المعنى وغير المذكور من الأشياء المذكورة نحو الخطأ والنِّسيان (¬1077). قلت: قد حكى (ح) متصلا بقوله هما دونه، أي إذا وقع من المكلَّف ما يقتضي الشرك أو غيره من المعاني غلطًا أو نسيانًا، ثمّ حكى عن ابن الملقن أن في بعض النسخ والسكر بدل الشرك وهو الصواب، وتبعه الزركشي فقال: وهو أليق. انتهى. فإن ثبت فهي معطوفة على النِّسيان لا على الطّلاق، والتقدير حينئذ نحو سبق اللسان. قوله: وقال نافع: طلق رجل ألبتة إن خرجت. قال الكرماني: قال النحاة: قطع همزة ألبتة بمعزل عن القياس. قال (ح): وفي دعوى أنّها تقال بالقطع نظر، فإن ألف ألبتة وصل قطعًا، والذي قاله أهل اللُّغة بالقطع [القطع] وهو تفسيرها بمرادفها، لأنّ ¬

_ (¬1076) فتح الباري (9/ 390) قول الحافظ هذا ساقط من النسخ الثلاث. (¬1077) عمدة القاري (20/ 251).

المراد أنّها تقال بالقطع (¬1078). قال (ع): النحاة لم يقولوا ألبتة بالقطع [القطع]، وإنّما قالوا: قطع همزة ألبتة بتصريح نسبة القطع إلى الهمزة (¬1079). وإعادته في قصة فاطمة بنت قيس تقول: عاتبتني فلانة بنت الحكم طلقها زوجها ألبتة. قال (ع): قَوْله أَلْبَتَّة همزتها للْقطع لَا للوصل (¬1080). ¬

_ (¬1078) فتح الباري (9/ 392). (¬1079) عمدة القاري (20/ 253). (¬1080) عمدة القاري (20/ 310).

602 - باب الخلع

602 - باب الخلع قوله: وأجاز عثمان الخلع دون عِقَاصِ رَأْسها. قال (ح): أخرجه البيهقي مطولًا (¬1081). قال (ع): ذكر مغلطاي أنّه لم يجده عن عثمان، وإنّما وجده عن عمر، وتبعه صاحب التوضيح، يعني شيخنا ابن الملقن (¬1082). قوله في حديث ابن عبّاس في قصة امرأة ثابت بنت قيس، فقالت: يا رسول الله لا أعيب على ثابت في دين ولا خلق، ولكن لا أطيقه. قال الكرماني: ويروي لا أطيعُهُ من الإِطاعة بالعين. قال (ح): هذا تصحيف (¬1083). قال (ع): لا يتحقق مصحفًا فلا يجزم به، فإن صحت فمعناه، لا أطيعُهُ في معاشرته (¬1084). قلت: إنها جاءت تشكو نفسها. ¬

_ (¬1081) فتح الباري (9/ 379). (¬1082) عمدة القاري (20/ 262) والحديث عند البيهقي (7/ 315). (¬1083) فتح الباري (9/ 400). (¬1084) عمدة القاري (20/ 264).

603 - باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوج بريدة مع زوجها

603 - باب شفاعة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في زوج بريدة مع زوجها من حديث ابن عبّاس وفيه: فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "لَوْ راَجَعْتِهِ". [قال (ح)] كذا في الأصول، وفي رواية ابن ماجة: "لَوْ رَاجَعْتِيهِ" بإثبات الياء وهو لغة ضعيفة وقليلة (¬1085). قال (ع): إنَّ صح هذا في الرِّواية فهي لغة فصيحة لأنّها من أفصح الخلق (¬1086). قلت: لم يصح، ولولا ذلك لوجب ترجيحها على غيرها. ¬

_ (¬1085) فتح البارى (9/ 409). (¬1086) عمدة القاري (20/ 269) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 309 - 310).

604 - باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي

604 - باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربيّ قال (ح): لم يذكر الحكم لإِشكاله (¬1087). قال (ع): هذا غير موجه، فإذا كان مشكلًا فما فائدة وضع التّرجمة، بل جرت عادته أنّه يذكر غالب التراجم مجردة عن بيان الحكم فيها اكتفاء بما يعلم الحكم من أحاديث الباب (¬1088). قلت: قد قال (ح) متصلًا بكلامه وقد جرت عادته أن دليل الحكم إذا كان محتملًا لا يجزم بالحكم. ¬

_ (¬1087) فتح الباري (9/ 420). (¬1088) عمدة القاري (20/ 272).

605 - باب حكم المفقود في أهله وماله

605 - باب حكم المفقود في أهله وماله قوله: واشترى ابن مسعود جارية ... الخ. قال (ح): قوله في آخر أثر ابن مسعود وقال: هكذا فافعلوا باللقطة، يشير إلى أنّه انتزع فعله في ذلك في حكم اللقطة للأمر بتعريفها سنة والتصرف فيها بعد ذلك، فإن جاء صاحبها عزمها له، فرأي ابن مسعود أن يجعل التصرف صدقة، فإن أجازها صاحبها إذا جاء حصل له أجرها، وإن لم يجزها كان الأجر للمتصدق وعليه الغرم لصاحبها، ولذلك أشار بقوله فعليَّ ولي، أي فلي الثّواب وعليَّ الغرامة. وغفل بعض الشراح فقال: فإن أبى فالثواب والعقاب ملتبسان بي، والذي قلته أولى لأنّه لا عقاب هنا، لأنّه وقع مفسرًا في رواية ابن عيينة (¬1089). قال (ع): أراد الكرماني والغفلة منه لا من الكرماني لأنّ الذي فسره الكرماني لا يخالف تفسير ابن عيينة في الحقيقة، بل أدق منه يظهر ذلك بالنظر والتأمل (¬1090). قلت: الشأن في المتأمل. ¬

_ (¬1089) فتح البارى (9/ 430). (¬1090) عمدة القاري (20/ 279).

ثمّ قال (ع) جوابًا عن قوله: وقال: هكذا افعلوا باللقطة. وقال (ح): أشار بذلك .. الخ كان حكم اللقطة معلوم عندهم، ولم تكن قضية ابن مسعود معلومة، فلذلك قال لهم افعلوا ... الخ (¬1091). قلت: فحصل الحاصل. ¬

_ (¬1091) عمدة القاري (20/ 279).

606 - باب اللعان

606 - باب اللعان قوله فيه: وقال حمادة أي ابن أبي سلمان شيخ أبي حنيفة: الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز. قال (ح): كان البخاريّ أراد الرد على الكوفيين (¬1092). قال (ع): الكوفيون قائلون بهذا فمن أين يأتي إلزامهم (¬1093). ¬

_ (¬1092) فتح البارى (9/ 441). (¬1093) عمدة القاري (20/ 292).

607 - باب التلاعن في المسجد

607 - باب التلاعن في المسجد قال (ح): أشار بهذه التّرجمة إلى خلاف الحنفية أن اللعان لا يتعين في المسجد، وإنّما يكون حيث كان الإمام أو حيث شاء (¬1094) قال (ع): الذي يفهم ممّا قاله إنّما وضع الترجمة لتعين اللعان في المسجد، وليس كذلك إنّما هذا بيان ما أتفق (¬1095). ¬

_ (¬1094) فتح الباري (9/ 452). (¬1095) عمدة القاري (20/ 296).

608 - باب قصة فاطمة بنت قيس

608 - باب قصة فاطمة بنت قيس قوله: عبد الرّحمن بن القاسم عن أبيه، قال عروة ابن الزبير لعائشة: ألم ترين إلى فلانة بنت الحكم طلَّقها زوجها ألبتة فخرجت فقالت: بئس ما صنعت، قال: ألم تسمعى قول فاطمة يعني بنت قيس قالت: أما أنّه ليس لها خبر في ذكر هذا الحديث. قال (ح): فاعل قال: ألم تسمعي هو عروة، ويحتمل غيره (¬1096). قال (ع): هو عروة بلا احتمال (¬1097). قلت: وجه الاحتمال جواز حضور آخر عند عائشة كالقاسم بن محمّد فإنّه ابن أختها، وهو راوي الحديث كله عنها، فلا مانع أن يسألها عروة عن خروجها فتجيبه، فيسألها القاسم عن الجواب عن حديث فاطمة. قوله في حديث فاطمة بنت قيس: "لَا سُكْنى وَلَا نَفَقَةَ". قال (ح): ادعى بعض الحنفية أن في بعض الطرق عن عمر للمطلقة ثلاثًا السكنى والنفقة، ورده ابن السمعاني بأنّه من قول بعض المجازفين فلا تحل روايته، وقد أنكر ثبوته عن عمر أصلًا أحمد بن حنبل. قلت: ولعلّه أراد ما ورد عن إبراهيم النخعي أنّه روى ذلك عن عمر، ¬

_ (¬1096) فتح الباري (9/ 479). (¬1097) عمدة القاري (20/ 311).

فإنّه غير ثابت؛ لأنّه لم يلقه (¬1098). قال (ع): ما المجازف إِلَّا من ينسب المجازفة إلى العلماء بغير بيان، والمثبت مقدم على النافي ... إلى أن قال: وإرسال إبراهيم النخعي يحتج به على أصلنا (¬1099). ¬

_ (¬1098) فتح البارى (9/ 481). (¬1099) عمدة القاري (20/ 311).

609 - باب [كتاب] النفقات

609 - باب [كتاب] النفقات قوله: حدّثنا آدم حدّثنا شعبة عن عدي بن ثابت: سمعت عبد الله ابن زيد الأنصاري يحدث عن أبي مسعود، فقلت: عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -؟ فقال: عن النّبيّ. قال (ح): القائل فقلت هو شعبة بينه الإِسماعيلي في رواية له من طريق علي بن الجعد، فقال فيها: قال شعبة: قلت: قال عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم (¬1100). قال (ع): لم يبين هذا القائل كيف بينه الإِسماعيلي، ويجوز أن يكون القائل عبد الله بن يزيد، بل الظّاهر يشعر أنّه هو، ويحتمل أن يكون عدي ابن ثابت (¬1101). ¬

_ (¬1100) فتح البارى (9/ 498). (¬1101) عمدة القاري (20/ 12 - 13).

610 - باب وجوب النفقة على الأهل والعيال

610 - باب وجوب النفقة على الأهل والعيال ذكر حديث أبي هريرة وفيه: "تَقُولُ اْلَمْرأَةُ: إمَّا أَنْ تُطْعِمَني وَإِمَّا أن تُطَلِّقني". قال (ح): استدل به على من قال: يفرق بين الزوجين إذا أعسر بالنفقة وهو قول جمهور العلماء. وقال الكوفيون: يلزمها الصبر، وتتعلّق النفقة بذمته، وأجاب المخالف بأنّه لو كان الفراق واجبًا لما جاز الإِبقاء إذا رضيت، وتعقب بأن الإِجماع دل على الجواز إذا رضيت، ففي قوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} على عمومه، وبالقياس على الرَفيق والحيوان، فإن من أعسر بالإِنفاق عليهم أجبر على بيعهم (¬1102). قال (ع): قوله: أجاب المخالف، هل أراد به أبا حنفية أم غيره؟ فإن أراد أبا حنيفة فما وجهه؟ وليس ذلك إِلَّا من جهة رائحية [أريحة] العصبية، وإن كان غيره فكان ينبغي أن يقول: وأجاب المخالفون (¬1103). قال: وأمّا استدلاله بقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا لِتَعْتَدوُا} فلا يتم لقول ابن عبّاس وجماعة: أنّها نزلت فيمن كان يطلق امرأته، فإذا ¬

_ (¬1102) فتح الباري (9/ 501). (¬1103) عمدة القاري (20/ 15).

قارب انقضاء العدة راجعها ضرارًا، لئلا تنقضي العدة، فيتزوجها غيره، فإذا جاءت وقت انقضاء العدة طلق، ليطول عليها العدة، فنهاهم الله عن ذلك. قال: وعموم النّهي ليس فيما قالوا، وإنّما هوفيما ذكر عن ابن عبّاس، والقياس على الرّقيق والحيوان لا يصح ... الخ. قلت: عهدناهم يقولون دلالته العموم نفيه، والعموم [العبرة] بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب، وهنا احتجاجهم بالسبب.

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة قوله: عن أبي هريرة: أصابني جهد شديد، فلقيت عمر فاستقرأته آية من كتاب الله، فدخل داره ففتحها عليَّ ... الحديث، وفي آخره: والله لقد استقرأتك الآية ولأنا أقرؤاها منك. قال (ح): فيه إشعار بأن عمر لما قرأها عليه توقف فيها أو في شيء منها حتّى ساغ لأبي هريرة أن يقول: أقرأ لك منها وأقره عمر على ذلك (¬1104). قال (ع): ليس كذلك، وإنّما قال ذلك عتبًا على عمر حيث لم يفطن حالة ولم يكن الاستقراء ويقويه قول أبي هريرة ما استقرأتك للأطعمة في أن تطعمني، وأمّا تقرير عمر فهو من الاستحياء منه حيث لم يطعمه. قال: وفي قول هذا القائل نوع نقص في حق عمر (¬1105). قلت: معاذ الله من ذلك. ¬

_ (¬1104) فتح الباري (9/ 520). (¬1105) عمدة القاري (20/ 28).

611 - باب التسمية على الطعام

611 - باب التّسمية على الطّعام ذكر حديث عمر بن أبي سلمة: كنت غلامًا في حجر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. [قال (ح)]: بفتح المهملة وسكون الجيم (¬1106). قال (ع): قال الكرماني: بفتح المهملة كسرها [وهو الصواب، بل الأصوب بالكسر على ما نقول]. وقال عياض: الحجر يطلق على الخطى وعلى القرب فيجوز فيه الفتح والكسر، وإذا أريد الحضانة فبالفتح لا غير، وإن أريد المنع من التصرف فبالفتح، وفي المصدر وبالكسر في الاسم (¬1107). قوله في حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم فإن الشيطان يأكل بشماله. قال الطيبي: معناه يحمل أولياءه من الإنس على ذلك ليضاد به عباد الله الصالحين. قال (ح): فيه عدول عن الظّاهر، والأولى حمل الخبر على ظاهره، وأن الشيطان يأكل حقيقة، لأنّ العقل لا يحيل ذلك، وقد ثبت الخير به فلا ¬

_ (¬1106) فتح البارى (9/ 521 - 522). (¬1107) عمدة القاري (21/ 29) وما بين المعكوفين في العمدة.

يحتاج إلى تأويله (¬1108). قال (ع): للناس فيه ثلاثة أقوال (¬1109). قلت: قد ذكرها (ح). ¬

_ (¬1108) فتح الباري (9/ 522). (¬1109) عمدة القاري (21/ 30).

612 - باب من أكل حتى شبع

612 - باب من أكل حتّى شبع ذكر حديث عبد الرّحمن بن أبي بكر الصديق في قصة الجفنة. قوله: معتمر عن أبيه سليمان هو التيمي، قال: وحدث أبو عثمان أيضًا عن عبد الرّحمن ... الخ. قال الكرماني: أراد به أن سليمان قال: حدثني عن أبي عثمان بشيء، وحدثنى أبو عثمان أيضًا. قال (ح): ليس ذلك المراد، إنّما أراد أن أبا عثمان حدثه بحديث سابق على هذا، ثمّ حدثه بهذا، فلهذا قال أيضًا أي حدثه بحديث بعد حديث (¬1110). قال (ع): من تأمل وجد ما قاله الكرماني هو الوجه (¬1111). ¬

_ (¬1110) فتح الباري (9/ 529) (¬1111) عمدة القاري (21/ 32).

613 - باب الخزيرة

613 - باب الخزيرة قوله في آخر حديث عتبان قال ابن شهاب: سألت الحصين. قال (ح): ضبط القابسي بضاد معجمة وتشديد ........ ، وقول ابن التين عن الشّيخ عن أبي عمران قال: لم يدخل البخاريّ في كتابه الحضير وأدخل الحصين (¬1112). قال (ع): هذا قصور، فإن رواية أسيد بن حضير عند البخاريّ بصيغة التعليق، وذكره في عدة مواضع، فإن الكلام هنا في الحصين بمهملتين ونون فلا حاجة إلى ذكر حضير ههنا (¬1113). ¬

_ (¬1112) فتح الباري (9/ 544) هكذا هو في النسخ الثلاث بياض. (¬1113) عمدة القاري (21/ 46).

614 - باب {ليس على الأعمى حرج}

614 - باب {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} ذكر حديث سُوَيْد بن النعمان دعى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بطعام فما أُتِي إِلَّا بسويق. قال (ح): ليس هو ظاهر في السند لاحتمال أن يكون ماجيء بالسويق إِلَّا من جهة واحدة (¬1114). قال (ع): هنا احتمال لا يترتب عليه شيء، بل الظّاهر أن كلّ من عنده شيء من السويق جاء به (¬1115). ¬

_ (¬1114) فتح الباري (9/ 529). (¬1115) عمدة القاري (21/ 34).

615 - باب الخبز المرقق

615 - باب الخبز المرقق قوله: عن وهب بن كيسان: كان أهل الشّام يعيرون ابن الزبير ويقولون: يا ابن ذات النطاقين ... إلى أن قال: إذا عيروه بقول إيها والإِله. قال ابن التين: في سائر الروايات ابنها، والابن بالباء الوحدة بعدها نون. قال (ح): هو تصجيف (¬1116). [قال] (ع): أغرب فيه ابن التين (¬1117). قلت: فحصل الحاصل. ¬

_ (¬1116) فتح الباري (9/ 533). (¬1117) عمدة القاري (21/ 37).

616 - باب النهش وانتشال اللحم

616 - باب النهش وانتشال اللّحم قال: حدّثنا عبد الله بن عبد الوهّاب حدّثنا حماد بن زيد حدّثنا أيوب عن محمّد عن ابن عبّاس قال: تَعَرَّق رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - كَتفْاً .... الحديث. وعن أيوب وعاصم عن عكرمة عن ابن عبّاس. قال مغلطاي وتبعه شيخنا أبن الملقن: هذا التعليق ذكره في الأطراف أن البخاريّ نقله في الأطعمة. قال (ح): هو موصول بالسند الذي قبله، وأخطأ من زعم أنّه معلق، فقد أخرجه أبو نعيم من طريق الفضل بن الحباب عن الحجبي وهو عبد الله ابن عبد الوهّاب شيخ البخاري فيه كما أخرجه الذي قبله (¬1118). قال (ع): الظّاهر أنّه هو الذي أخطأ في دعواه الاتصال، لأنّ فيما قاله رواية الحديث لسندين مختلفين بسند كذا واحد، فلا يتجه ذلك على ما لا يخفى (¬1119). قلت: من لم يفهم هذا فليبك على نفسه، من رأى هذا الاعتراض فليحذر به. ¬

_ (¬1118) فتح الباري (9/ 546). (¬1119) عمدة القاري (21/ 48).

617 - باب النفخ في الشعير

617 - باب النفخ في الشعير قال (ح): نبه بقوله في الشعير على أن النهي الوارد عن النفخ في الطّعام خاص بالمطبوخ (¬1120). قال (ع): لا نسلم لذلك، وهذا الذي قاله بمصدر [بمعزل] عن ذلك صادر عن عدم التأمل (¬1121). قال أبو حازم: أنّه سأل سهلًا: هل رأيت في زمن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - النقي، وفي لفظه: ما رأى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - النقي. قال (ح): كأنّه احترز عما قبل البعثة لكونه - صلّى الله عليه وسلم - سافر تلك إلى الشّام إذ ذاك مع الروم، والخبز النقي عندهم كثير، والمناخل وغيره من آلات العرفية [الترفه] ... الخ (¬1122). قال (ع): فيه نظر، لأنّه لم يسافر تاجرًا، إنّما تواجد مرّة مع عمه وهو صغير، ومرة مع غلام خديجة استأجرته على أربع بكرات، وخرج في مالها ولم يكن له شيء، وفي المرتين لم يتعد بصرى. وقوله: رأى ذلك عندهم، غير مسلم لأنّه ما خالطهم. ¬

_ (¬1120) فتح الباري (9/ 548). (¬1121) عمدة القاري (21/ 500). (¬1122) فتح الباري (9/ 548).

وقوله: بعد البعثة، لا يبقى [يستلزم] نفي سماعه للمنخل، لأنّه كان موجودًا عندهم، غاية ما في الباب أنّه لم يكن رأى المنخل بعد مطلبه [لعدم طلبه] إياه لأجل الإبقاء [الاكتفاء] بالنفخ بعد الطحن (¬1123). ¬

_ (¬1123) عمدة القاري (21/ 50).

618 - باب شاة مسموطة والكتف والجنب

618 - باب شاة مسموطة والكتف والجنب قال (ح): أشار إلى حديث أم سلمة أنّها قربت لرسول الله - صلّى الله عليه وسلم - جنبًا مشويًا (¬1124). قال (ع): من أين تعلم هذه الإِشارة، لأنّ الإِشارة لا تكون إِلَّا إلى حاضر، والأوجه أن يقول: ذكر الجنب استطرادًا وإلحاقه بالكتف (¬1125). ¬

_ (¬1124) فتح الباري (9/ 552). (¬1125) عمدة القاري (21/ 55).

619 - باب ما كان السلف يدخرونه في بيوتهم وأسفارهم من الطعام

619 - باب ما كان السلف يدخرونه في بيوتهم وأسفارهم من الطّعام ذكر فيه عدة أحاديث. قال (ح): ليس فيها للطعام ذكر وإنّما تؤخذ بطريق الإلحاق (¬1126). قال (ع): هذا تصرف عجيب، فإن كلّ شيء يؤكل يقال فيه يطعم (¬1127). قوله: تابعه محمّد عن ابن عيينة. قال (ح) قيل: إنَّ محمدًا هذا هو [ابن سلام] (¬1128). ¬

_ (¬1126) فتح الباري (9/ 552). (¬1127) عمدة القاري (21/ 56). قال البوصيري (ص 311) لا يخفى أن التّرجمة شاملة في بيان المدخر للطعام واللحم وغيره، فلا يلزم أن يذكر في كلّ حديث أو أثر جميع ما في التّرجمة، وقد ذكر في هذا الحديث الكراع وهو من اللحوم، وقد أكلوه بعد خمسة عشر يوما، وقد ادخروه في بيوتهم، وقد تنبه لهذا ابن حجر فقال: وغرض البخاري من الحديث قوله: وإن كنا لنرفع الكراع الخ، فإن فيه بيان جواز ادخار اللّحم، وأكل القديد، فظهر منه أنّه فهم من لفظ الطّعام في التّرجمة وجود لفظ الطّعام صريحًا، كما قاله العيني المصيب في اعتراضه فاعرفه. (¬1128) فتح الباري (9/ 553) وقول الحافظ هذا ساقط من النسخ الثلاث.

قال (ع): القائل هو الكرماني ولم يقل هو وحده، وكذا قاله أبو نعيم (¬1129). قلت: هو الذي عنيته. قوله فيه: قال ابن جريج: قلت لعطاء: أقال: حتّى جئنا المدينة؟ قال: لا. وقع عند مسلم في هذه الرِّواية قال: نعم، والظاهر أن الراجح ما قال البخاريّ. قال (ح): ليس المراد بقوله "لا" نفي الحكم، بل مراده أن جابرًا لم يصرح باستمرار ذلك حتّى قدموا، فيكون قوله على هذا إلى المدينة أي لتوجهنا إلى المدينة، ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتّى يصلوا إلى المدينة (¬1130). قال (ع): هذا كلام واهٍ، لأن (إلى) وضعت للغاية، وهذا يجعلها للتعليل ولم يقل به أحد (¬1131). ¬

_ (¬1129) عمدة القاري (21/ 57). (¬1130) فتح الباري (9/ 553). (¬1131) عمدة القاري (21/ 57). قال البوصيرى (ص 312) عبارة ابن حجر مثل ما قرره العيني في نقله عنه، إِلَّا أنّه استدرك في الأخير حديث مسلم عن ثوبان المذكور، فدل ذلك على أن قوله: بل المراد أن جابرًا لم يصرح باستمرار ذلك إلخ. معناه جواز البقاء وعدمه في نفس الأمر، لا وقوع أحدهما على القطع، لأنّ الروايتين صحيحتان من غير ترجيح، حتّى قال ابن حجر: وأغفل ذلك شراح البخاريّ أصلًا فيما وقفت عليه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والحاصل أنّهم اتفقوا على صحة الروايتين من غير ترجيح، ولعلّه يصح التوفيق بأنّه لم يقل ذلك مرّة، وقاله أخرى لتكرير السؤال من عطاء، والجواب عن جابر، فيتذكر عطاء كلّ مرّة أحد الجوابين. ثمّ هذا الخلاف لا يمنع استدلال البخاريّ بذلك على الادِّخار، لأنّه حاصل بكونه زادًا، سواء وصل المدينة أو لا، فتأمل الجميع.

620 - باب الأكل في إناء مفضض

620 - باب الأكل في إناء مفضض ذكر فيه حديث حذيفة في إنكاره على المجوسي أنّه سقاه في إناء من فضة. قال مغلطاي: لا يطابق التّرجمة لأنّها في إناء مفضض، والحديث في إناء متخذ من فضة إِلَّا أن ذلك الإناء مضببًا، والضبة في موضع الشفة عند الشرب، فله وجه على بعد. قال (ح): أجاب الكرماني بأن لفظ مفضض وإن كان ظاهرًا فيما فيه فضة لكنه يشمل ما كان كله متخذًا من فضة (¬1132). قال (ع): فيه نظر، لأنّه إن كان يطلق عليهما بحسب اللُّغة فيحتاج [إلى دليل]، وإلا فقد فرقوا في العرف بين المفضض والمضبب (¬1133). ¬

_ (¬1132) فتح البارى (9/ 555). (¬1133) عمدة القاري (21/ 59).

621 - باب بغير ترجمة

621 - باب بغير ترجمة ذكر فيه حديث أبي عثمان يقول: سمعته، يعني أبا هريرة قسم رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بين أصحابه تمرًا فأصابني سبع تمرات إحداهن حشفة. هذه رواية عبّاس الجريري عن أبي عثمان. وفي رواية عاصم عنه بلفظ: قسم بيننا تمرًا فأصابني منه خمس تمرات وحشفة. قال ابن التين: إمّا أن تكون إحدى الروايتين وهمًا وإما وقع مرتين. قال (ح): الثّاني بعيد لاتحاد المخرج، ولعلّ القسمة وقعت أولا خمسًا خمسًا ففضلت فضلة فقسمت [ثنتين ثنتين]، فذكر أحد الراويين مبتدأ الأمر والآخر منتهاه (¬1134). قال (ع): دعواه تحتاج إلى دليل، ثم يقوي كلام ابن التين حيث قال: أو يكون ذلك وقع مرتين فيكون قوله أبعد من قوله الثّاني بعيد. قال (ع): ثمّ يقول: من هو الواهم إن كان أبا هريرة فهو تحقق الغلط، وإن كان أبا عثمان فهو من دونه فهو عين التعدد، ولا ينكر هذا إِلَّا معاند (¬1135). ¬

_ (¬1134) فتح البارى (9/ 565) وفي النسخ الثلاث "واحدة واحدة فذكر أحد الروايتين" والتصّحيح من الفتح والعمدة. (¬1135) عمدة القاري (21/ 67) وفي النسخ الثلاث "أبعد من قوله الثّاني أبعد الثّاني بعيد" فحذفنا منه "أبعد الثّاني" ليلائم في العمدة.

قلت: التعدد الدعى بُعْدُهُ أن الصحابي حدث بالقصة مرتين مختلفتين، لأنّ ذلك إنّما يتم أنّه لو اختلف مخارج الحديث إليه، فأمّا مع الاتحاد فالأصل عدم التعدد. كذا قرره أهل التحقيق من أهل الحديث، ومن آخرهم الشّيخ تقي الدِّين ابن دقيق العيد، ثمّ الصلاح العلائي، وهما ممّن جمع معرفة الحديث والأصول، وأمّا كون القسمة حصلت مرتين في حالة واحدة فليس من التعدد المنفي في شيء.

622 - باب الرطب والتمر

622 - باب الرطب والتّمر قوله في آخر حديث جابر: وكانت لجابر الأرض الّتي بطريق رومة. قال الكرماني: رومة بضم الراء موضع، وفي نسخة دومة بالدال بدل الراء، ولعلّه دومة الجندل. قال (ح): هذا باطل لأنّ دومة الجندل مدينة من بلاد الشّام بالقرب من تبوك، بينها وبين المدينة نحو ثلاث عشرة مرحلة، وقيل عشر مراحل ...... ، ثمّ إنها إذ ذاك لم تكن فتحت حتّى يمكن أن يكون لجابر فيها أرض (¬1136). قال (ع): هذا الذي قاله باطل، لأنّ الذي في الحديث بطريق دومة وهذا ظاهر، وأمّا رواية الدال فمعناها كانت لجابر أرض كانت بالطريق الّتي يسار منها إلى دومة الجندل (¬1137). ¬

_ (¬1136) فتح الباري (9/ 567) هكذا هو بياض في النسخ الثلاث. (¬1137) عمدة القاري (21/ 69). قال البوصيري (ص 313 - 314) الذي وقع في هذا الحديث "الأرض الّتي بطريق رومة أو بطريق دومة" فأيا كانت فليست الأرض في نفس دومة إجماعًا ولا في نفس رومة ظاهرًا، بل في طريقها الّتي يمشي منها من نفس المدينة إلى أحد الموضعين، وبين المدينة ودومة بالدال عشر مراحل، وأمّا بئر رومة فقريبة، هي الّتي سبلها عثمان في وادي العقيق بظاهر المدينة، فقول ابن حجر معللًا لبطلان كون الأرض في دومة الجندل صحيح، لو لم يكن نص الحديث بطريق دومة، وأمّا إذا كان بطريق، فلا يصح قوله: حتّى يمكن أن =

قلت: في نفس حديث جابر أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - توجه معه حتّى دخل الأرض المذكورة وجد النخل الذي فيها بحضرته حتّى أوفى ما كان على جابر لليهودي، فيتعين أن تكون الأرض المذكورة بالمدينة النبوية، وإنّما أراد تعيين مكانها فقال: إنها بطريق دومة، أي بين المسجد النبوي وبين دومة الّتي كانت بها البئر الّتي اشتراها عثمان وسبلها للمسلمين، وإلى ذلك أشار صاحب المشارق. فانظر إلى هذا التعصب المبالغ في رد الحق والدعوى أنّه باطل والله المستعان. ¬

_ = يكون لجابر فيها أرض، لأنّ الضمير في عبارته "فيها" الدومة قطعًا، وليس ذلك من مدلول الحديث، فاعتراض العيني أظهر من الشّمس الرائعة في الضحوة الرابعة فافهم.

كتاب العقيقة

كتاب العقيقة نقل (ح) عن الشّافعيّ قال: أفرط فيها رجلان، قال أحدهما: هي بدعة، وقال الآخر هي واجبة ... إلى أن قال: قال ابن المنذر: الذي قال: إنها بدعة أبو حنيفة، وأنكر أصحابه كونها سنة، وخالفوا في ذلك الآثار الثابتة (¬1138). قال (ع): هذا افتراء فلا يجوز نسبته إلى أبي حنيفة، وحاشاه أن يقول مثل هذا، وإنّما قال ليست سنة، فمراده أنّها ليست بسنة ثابتة أو مؤكدة (¬1139). قلت: قال ....... (¬1140). فائدة: قال (ح): الحكمة في تحنيك الصبي أن يتقوى ويتمرن على مص الثدي، ثمّ على الشرب ثمّ على الأكل (¬1141). قال (ع): يا سبحان الله ما أبرد هذا الكلام، وأين وقت الأكل من وقت التحنيك؟ وإنّما الحكمة فيه أن يتفاءل له بالايمان، لأنّ الثمرة من ¬

_ (¬1138) فتح الباري (9/ 588). (¬1139) عمدة القاري (21/ 83). (¬1140) هكذا هو بياض في النسخ الثلاث بعد قوله "قلت مال". (¬1141) فتح البارى (9/ 588).

الشجرة المباكة ... الخ (¬1142). قلت: هذه الحكمة إنّما هي لاختصاص التّمر بذلك، الذي وقع القول فيه إنّما هو في التحنيك فيقوي الذي قلناه، وزيادة على ما قال لكن بغير لفظ سبحان من فاوت بين الإِفهام والسلام. ¬

_ (¬1142) عمدة القاري (21/ 84). قال البوصيري (ص 314 - 315) قد تعجب العيني رحمه الله بتسبيحه، وأنكر أن تكون الحكمة ما ذكره ابن حجر لبعد الزّمان الذي بين زمن التحنيك وزمن الأكل، مع أن حكمة الشيء قد لا تظهر إِلَّا بعد عشرات السنين، فماذا يقول العيني رحمه الله في الفضائل والكمالات الّتي لم تظهر على ابن الزبير الذي ذكره إِلَّا بعد عشرات السنين من زمن التحنيك؟ أفيجوز هذا، ولا يجوز أن يكون حكمة لقوة حنكه على المضغ والأكل بعد نحو سنتين؟ على أن ابن حجر لم يمنع الحكمة، التى ذكرها العيني، بل يجوزها أيضًا، وربما جوز حكمة أخرى وأخرى إذا ظهرت للمتأملين والمتعمقين، تأمل جدًا وتعمق.

كتاب الذبائح والصيد

كتاب الذّبائح والصَّيد 623 - باب الحذف والبندقة قال (ح): يأتي تفسير الحذف في الباب (¬1143). قال (ع): لم يفسر الحذف في الباب قط وإنّما بين حكمه (¬1144). ¬

_ (¬1143) فتح الباري (9/ 607) وقال في تفسير الحذف: بخاء معجمة وآخره فاء أي يرمي بحصاة أو نواة بين سبابتيه أو بين الإبهام والسبابة أو على ظاهر الوسطى وباطن الإبهام إلخ. (¬1144) عمدة القاري (21/ 97) وأنت ترى كيف فسر الحافظ الخذف في الباب.

624 - باب إذا أكل الكلب

624 - باب إذا أكل الكلب قوله: مكلبين. قال (ح): أي مؤدبين وليس هو تفعيل من الكلب الحيوان المعروف، وإنّما هو من الكلب بفتح اللام وهو الحرص (¬1145). قال (ع): هذا تركيب فاسد ومعنى غير صحيح، ودعوى الاشتقاق من غير أصله ولم يقل به أحد بل الذي يقال هذا اشتقاقه من الكلب، لأنّ التأديب أكثر ما يكون في الكلاب أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة قاله الزمخشري، فتفسير (ح) الكلب بمعنى الحرص وليس كذلك، وإنّما تفسيرة الضراوة. وقوله: ليس تفعيل من الكلب لا بقول بهذه العبارة من له أدنى مسكة من علم التصريف (¬1146). قوله: والصوائد جمع صائدة. قال (ح): صفة محذوف تقديره الكلاب والطيور الصوائد (¬1147). قال (ع): بل صفة للجوارح (¬1148). ¬

_ (¬1145) فتح الباري (9/ 609). (¬1146) عمدة القاري (21/ 99). (¬1147) فتح الباري (9/ 609). (¬1148) عمدة القاري (21/ 99).

625 - باب أكل الجراد

625 - باب أكل الجراد قوله: قال: عن ابن أبيّ أو في سبع غزوات. قال (ح): عن ابن مالك سبع غزوات أو ثماني (¬1149). قال (ع): أطال الكلام عنه فلا فائدة فيه هنا لأنّه لم يثبت عن أحد ممّن روى هذا الحديث لفظ ثمان (¬1150). قلت: تلقاه من (ح) ثمّ أورده معترضًا به موهمًا أنّه من تصرفه. قوله: ¬

_ (¬1149) فتح الباري (9/ 620). (¬1150) عمدة القاري (21/ 110).

626 - باب فليذبح على اسم الله

626 - باب فليذبح على اسم الله قال (ح): قوله: فليذبح على اسم الله تعالى يحتمل أن يكون المراد به الأمر بالتسمية، ويحتمل أن يكون المراد به الإِذن في الذبيحة (¬1151). قال (ع): المراد به الذبيحة بعد الصّلاة بالتسمية، وأنّه لا يجوز قبل الصّلاة ولا بدون التّسمية، هذا الذي يفهمه من الحديث، والقرائن أيضًا تدل عليه، وما ذكره هذا القائل بالاحتمالين من سوء التصرف من غير تأمل في معنى الحديث (¬1152). ¬

_ (¬1151) فتح الباري (9/ 630). (¬1152) عمدة القاري (21/ 114).

627 - باب ما ندمن البهائم

627 - بَابُ مَا نَدَّ مِنَ البَهَائِمِ قوله: فَقَالَ: اعْجَلْ، أَوْ أَرِنْ، مَا أَنْهَرَ الدَّمَ. قال (ح): أرق بوزن أعط بمعنى انظر وانظر وانتظر بمعنى قال الله تعالى حكاية عن من قال: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} ويجوز أن يكون بضم الهمزة بمعنى رنوت رنوًا أَدَمْتُ النظر إلى فيرجع بمعنى انتظر (¬1153). قال (ع): هذا غلط فاحش، لأنّ رنوت. لا يأتي من أُرن بضم أوله (¬1154). قلت سقط من النسخة الّتي نقل شيء فاختلط عليه. ¬

_ (¬1153) فتح البارى (9/ 639). (¬1154) عمدة القاري (21/ 121).

628 - باب النحر والذبح

628 - باب النَّحر والذبح قول عطاء: والأوداج. قال (ح): فيه نظر لأنّه ليس ثَمَّ إِلَّا ودجان بالتثنية وهما عرقان غليظان متقابلان (¬1155). قال (ع): لما كان الشرط قطع العروق الأربعة وهي الحلقوم والمريء، والودجان فأطلق الودجان بطريق الغلبة (¬1156). ¬

_ (¬1155) فتح الباري (9/ 640 - 641). (¬1156) عمدة القاري (21/ 122).

629 - باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة

629 - بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ المُثْلَةِ وَالمَصْبُورَةِ وَالمُجَثَّمَةِ (¬1157) قوله في حديث ابن عمر: ازحروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطائر للقتل. قال (ح): يحتمل إرادة الجمع، والأولى أنّه لإِرادة الجنس (¬1158). قال (ع): هذا غير موجه، لأنّه أشار بقوله: هذا الطير إلى دجاجة، وهي واحدة، فكيف يحتمل إرادة الجمع، ودعواه الأولوية من إرادة الجنس أبعد من الأوّل، لأنّ الإِشارة تنافي ذلك (¬1159). قلت: إرادة الجنس تستفاد من الحديث المرفوع بقول ابن عمر: هذا الطير أراد عينه من كان فيه. ¬

_ (¬1157) في النسخ الثلاث "من السكر والصورة" وهو خطأ والصّحيح من صحيح البخاريّ. (¬1158) فتح الباري (9/ 644). (¬1159) عمدة القاري (21/ 125).

630 - باب [لحم] الدجاج

630 - باب [لحم] الدجاج قوله: خمس ذود. استنكره أبو البقاء بالإِضافة وقال: الصواب بالتنوين على أنّه بدل من خمس، فإن بالإِضافة يبعد معناه، لأنّ العدد المضاف غير المضاف إليه، والذود ثلاثة فيلزم أن العدة كانت خمسة عشر بعيرًا. قال (ح): وليكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرًا، فما الذي نظر [يضر] فقد ثبت في بعض طرقه: خذ هذين القرنيين والقرينين إلى أن عدّ ست مرات (¬1160). قال (ع): رده مردود عليه لأنّ أبا البقاء قال ذلك في هذه الرِّواية، ولم يقل إنّه يتأتى في جميع طرق هذا الحديث (¬1161). قلت: القصة واحدة والطرق يفسر بعضها بعضًا، فلا وجه لرد رواية الإضافة مع توجيهها بورود بعض طرق الخبر بما يصححها. ¬

_ (¬1160) فتح الباري (9/ 647 - 648). (¬1161) عمدة القاري (21/ 127).

631 - باب لحوم الحمر الأنسية

631 - بَابُ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ قوله في حديث جابر أبي ذلك البحر ابن عبّاس. قال (ح): هو من تقديم الوصف على الموصوف (¬1162). قال (ع): هو عطف بيان لقوله البحر (¬1163). قوله: وتلى [قرأ]، قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ...} الآية. قال (ح): قال الطحاوي: لو تواتر الحديث بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر يقتضي حلها، لأنّ كلّ ما حرم من الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشيًا كالخنزير، وقد أجمع على [حل] الحمار الوحشى وكان النظر يقتضي حل الحمار الأهلي. انتهى (¬1164). وما ادعاه من الإِحماع مردود، فإن كثيرًا من الحيوان الأهلي يختلف في نظيره من الحيوان الوحشى كالهر. قال (ع): دعواه الرد مردودة، لأنّه فهم عكس ما أراد الطحاوي، إذ مراده كل ما حرم من الحيوان الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشيًا ¬

_ (¬1162) فتح البارى (9/ 655). (¬1163) عمدة القاري (21/ 131). (¬1164) فتح الباري (9/ 656).

كالخنزير، فإنّه مجمع على حرمته من غير نظر إلى كونه أهليًا أو متوحشًا، وليس مراده أن كل ما أجمع على تحريمه من الوحشي يقتضي حله من الأهلي كالهر (¬1165). ¬

_ (¬1165) عمدة القاري (21/ 131 - 132).

632 - باب جلود الميتة

632 - بَابُ جُلُودِ المَيْتَةِ قوله: حدّثنا خطاب بن عثمان حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَر بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتانية. قال (ح): أخطأ من قاله بالتصغير (¬1166). قال (ع): أخذه من الغساني فإنّه قال: في بعض النسخ بضم الحاء وفتح الميم وهو تصحيف، قال: فأظهره (ح) وفي صورة يظن الواقف أنّه من كلامه (¬1167). قلت: فمن يؤاخذ من هذا بكلمة واحدة كيف يستجير أن يصنع في الجزء الواحد بأكثر من ألف كلمة؟ ¬

_ (¬1166) فتح الباري (9/ 659). (¬1167) عمدة القاري (21/ 133 - 134).

633 - باب لا تنه عن خلق وتأتي مثله

633 - باب لَا تَنْهَ عَنْ خلُقٍ وَتأْتِيَ مِثْلَهُ قال (ح): اعترض على البخاريّ بأن ابن حمير وشيخه والراوي تكلم فيهم، والجواب أنّه إنّما أخرج لهم في المتابعات لا في الأصول (¬1168). قال (ع): هذا غير كاف للرد (¬1169). قوله: أن بعنز. قال (ح): هي واحدة المعز (¬1170). قال (ع): هذا ليس بصحيح، والذي قال الجوهري العنز الماعزة وهي الأنثى من المعز (¬1171). ¬

_ (¬1168) فتح الباري (9/ 659). (¬1169) عمدة القاري (21/ 134). (¬1170) فتح الباري (9/ 660) وسقط في نسختنا من الفتح "هي واحدة المعز" وثبت فيها نفس قول الجوهري، فلا أدري من تصرف من هذا. (¬1171) عمدة القاري (21/ 134).

كتاب الأضاحي

كتاب الأضاحي 634 - باب الأضحية للمسافر والنساء قال (ح): فيه إشارة إلى خلاف من قال: لا أضحية عليهن، ويحتمل أن يشير إلى خلاف من منع تضحيتهن (¬1172). قال (ع): لا إشارة فيه أصلًا لما قاله، وإنّما وضع التّرجمة لبيان أن المسافر والنساء هل عليهما أضحية أم لا، غير أنّه أبهم ذلك اكتفاء بما يفهم من حديث الباب على ما لا يخفى على من له ذوق من إدراك معاني الحديث. وقوله: يحتمل ... الخ أبعد من الأول، لأنّ التّرجمة ليس فيها ما يدلُّ على ذلك ولا في حديث الباب (¬1173). ¬

_ (¬1172) فتح البارى (10/ 5). (¬1173) عمدة القاري (21/ 146).

635 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها

635 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها قال (ح): يعني بغير تقييد بثلاث وما يتزود منها للسفر (¬1174). قال (ع): ويتَنَاوَل أَيْضا جَوَاز أكلهَا فِي ثَلَاثَة أَيَّام (¬1175). قلت: ليت لفظ، ثلاث بغير ألف الثلث بضم المثلثة، وأي معنى للنصف هنا أو الثلث أو الربع لولا سؤالهم، ثمّ زاد هو من عنده أو نصف وليس في كلام (ح) أو نصف، ثمّ اعترضه بما ترى فغير الصواب فصيره خطأ ثمّ استدرك فكتبها (ع) كذلك فالله المستعان. قوله في آخر حديث سلمة بن الأكوع: فأردت أن يعينوا فيها من الإعانة والضمير للمشقة أو الشدة أو السنة قاله عياض. وفي رواية مسلم: أن يفشوا فيهم أي يظهر في المحتاجين فيها، ورواية البخاريّ أوجه (¬1176). قال (ح): نحو الحديث واحد ومراره على أبي عاصم فإنّه قال تارة هذا وتارة هذا والمعنى فيهما واضح فلا وجه للترجيح. ¬

_ (¬1174) فتح الباري (10/ 25) وزيادة "ولا نصف" هنا ليس من كلام المصنف كما سيذكره هو، فيا ترى من الذي زادها. (¬1175) عمدة القاي (21/ 158). (¬1176) فتح الباري (10/ 26).

قال (ع): لا وجه لنفي الترجيح، فكل من له أدنى ذوق يفهم أن رواية مسلم أرجح، فمن دقق النظر عرف ذلك (¬1177). قوله في حديث أبي عبيد مولى ابن أزهر ثمّ شهدت العيد مع عثمان. قال (ح): الذي يظهر أنّه عيد الأضحى الذي قدمه في قصة عمر ثمّ في قصة علي، فاللام فيه للعهد (¬1178). قال (ع): بل يحتمل أحد العيدين ولا سيما في الرِّواية الّتي لم يذكر فيها لفظ العيد (¬1179). قلت: لم ينف الاحتمال حتّى يستدرك عليه مع أن الاحتمال لا يمنع الظهور المستندة إلى القرينة المذكورة. ¬

_ (¬1177) عمدة القاري (21/ 160). (¬1178) فتح البارى (10/ 27). (¬1179) عمدة القاري (21/ 161)

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة 636 - باب ما جاء أن الخمر ما خامر العقل قوله في حديث عمر: ثلاث وددت. قال (ح): ثلاث صفة موصوف تفسيره ثلاث قضايا أو أحكام (¬1180). قال (ع): الأجود مسائل أو قضايا (¬1181). قلت: إذا حذف الموصوف جاز التذكير والتأنيث كحديث وأتبعه بست من شوال المراد والأيام قطعًا. قوله: ما خامر العقل. قال بعض الفقهاء من الحنفية الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد عند أهل اللُّغة وأهل العلم، وقيل هو اسم لكل مسكر [لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مُسْكرِ] خَمْرٌ". قال ولنا إطباق أهل اللُّغة على تخصيص الخمر بالعنب. قال (ح): يقوي القول الثّاني أن الصّحابة الذين سمعوا غير المتخذ من العنب خمر أعرب فصحًا، فلو لم يكن هذا الأمر فصيحًا لما أطلقوه ذكره الخطابي بنحوه. ¬

_ (¬1180) فتح الباري (10/ 50). (¬1181) عمدة القاري (21/ 172).

قال (ح): فإن قيل أطلقوه مجازًا فجوابه أن الكوفيون [الكوفيين] لا يجيزون الجمع بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد، فإما أن يعترفوا بجواز إطلاق اللّفظ الواحد على حقيقته ومجازه، وإما أن يسلموا أن الخمر حقيقة في المتخذ من ماء العنب ونحوه، ويقوي الثّاني أيضًا أن القرآن لما نزل بتحريم الخمرِ فهم الصّحابة وهم أهل اللسان أن كلّ شيء يسمى خمرًا يدلُّ في النهي سواء سمي حقيقة أو مجازًا، فبادروا إلى إراقة ما كان عندهم من الأنبذة ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب (¬1182). قال (ع): سبحان الله كيف يكون هذا الكلام ردًا لما قالوا مع النقل عن إطباق أهل اللُّغة، كيف يستدل بقول الخطابي وليس هو من أهل اللُّغة، ونحن لا ننكر أن الصّحابة فصحاء، ولكن ما أطلقوه بطريق الوضع اللغوي بل بطريق التّسمية، والتسمية غير الوضع، وأمّا حديث: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ" فنحن لا ننازع فيه، بل نقول معناه كلّ شراب أسكر فهو خمر أي حكمه حكم الخمر. قال: والجواب عن صنيع الصّحابة أنّهم إنّما أراقوا ما كانوا يشربونه، وقد جاء في بعض طرقه عند الطحاوي عن أنس: كنت أسقيهم حتّى كاد يأخذ منهم، وفي آخره وأنّها البسر والتّمر وأنّها لخمرنا يومئذ، وهو عند أحمد بلفظ: كاد الشراب يأخذ فيهم، قال: فهذا ينادي بأعلى صوته أن شرابهم يومئذ كان مسكرًا (¬1183). قلت: لا يطابق الجواب الإيراد، لأنّ البحث هل يسمى غير المتخذ من ماء العنب خمرًا حقيقة أم لا؟ قلنا: نعم لمبادرة الصّحابة إلى إراقته لما ¬

_ (¬1182) فتح الباري (10/ 48 - 49). (¬1183) عمدة القاري (21/ 173).

سمعوا النّهي عن الخمر، فلو لم يكن عندهم خمرًا لما بادروا إلى إراقتها. تكملة: قال (ح): قال الرافعي: ذهب أكثر الشّافعيّة إلى أن الخمر حقيقة فيما يتخذ من العنب مجاز في غيره، وخالفه ابن الرفعة فنقل عن المزني وابن أبي هريرة وأكثر الأصحاب أن الجميع يسمى خمرًا حقيقة (¬1184). قال (ع): هذا القائل لم يدر الفرق بين الرافعي وابن الرفعة (¬1185). قلت: بلى والله إنّه ليدري الفرق بينهما، ولكن هل يدعي (ع) أنّه يعرف الفرق بينهما، ولقد حذف بقية الكلام لأنّ فيه نصّ ما قاله ابن الرفعة، فليراجع من الفتح فإنّه من النفائس. ¬

_ (¬1184) فتح الباري (10/ 49). (¬1185) عمدة القاري (21/ 174).

637 - باب شرب اللبن

637 - باب شرب اللبن قوله: "نِعْمَ الصَّدَقَةُ اللِّقْحَةُ". قال الكرماني: هي الحلوب من الناقة. قال (ح): هي الّتي قرب عهدها بالولادة (¬1186). قال (ع): الأوّل أولى وأظهر (¬1187). ¬

_ (¬1186) فتح الباري (10/ 73). (¬1187) عمدة القاري (21/ 187).

638 - باب الشرب قائما

638 - باب الشرب قائمًا قوله: حدّثنا أبو نعيم حدّثنا سفيان. قال الكرماني: قال الكلاباذي: أبو نعيم سمع من الثّوريّ ومن ابن عيينة، وهما سمعا من عاصم الأحول، فيحتمل سفيان هنا أن يكون هذا وأن يكون ذاك. قال (ح): ليس الاحتمالان فيهما على سواء، فإن أبا نعيم مشهور بالرواية عن الثّوريّ معروف بملازمته، وأمّا روايته عن ابن عيينة فهي قليلة، فإذا أطلق اسم شيخه حمل على من هو أشهر بصحته (¬1188). قال (ع): بعد أن بين روايته عن ابن عيينة: الاحتمال باق لا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر بما ذكر؛ لأنّ ابن عيينة روى هذا الحديث بعينه عند مسلم وغيره (¬1189). قلت: القاعدةُ هي الّتي أومأ إليها (ح) قررها أهل الحديث، وأفرد لذلك الخطيب كتابه المسمى بالمكمل في بيان المهمل، والذي ينكرها ينادي على نفسه بأنّه ليس من أهل الحديث، وإذا كان كذلك فالأولى بعد أن يستر نفسه بالسكوت. ¬

_ (¬1188) فتح الباري (10/ 85). (¬1189) عمدة القاري (21/ 194).

639 - باب الشرب في الأقداح

639 - باب الشرب في الأقداح قال (ح): لعلّه أشار إلى أن الشرب فيها وإن كان من شعار الفسقة لكنه لا يمنع مطلقًا، بل النظر إلى المشروب وإلى الهيئة الخاصة (¬1190). قال (ع): هذا كلام غير مستقيم، كيف يقول: إنَّ الشرب فيها من شعار الفسقة وقد وضع البخاريّ عقب هذا باب الشرب من قدح النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -؟ (¬1191). ¬

_ (¬1190) فتح الباري (10/ 98). (¬1191) عمدة القاري (21/ 204).

640 - باب شرب البركة

640 - بَابُ شُرْبِ البَرَكَةِ قوله في حديث جابر: ثمّ قال: "حي على الوضوء والبركة من الله". قال (ح): كأنّه قال: هلموا إلى الوضوء المبارك يا أهل الوضوء (¬1192). قال (ع): ليس كذلك بل تقديره حي عليَّ يعني أسرعوا إليَّ يا أهل الوضوء (¬1193). قلت: يحتاج إلى ثبوت الرِّواية بتشديد الياء من على، فإن ثبت ساغ وإلا فلا. ¬

_ (¬1192) فتح الباري (10/ 102). (¬1193) عمدة القاري (21/ 207).

كتاب الطب

كتاب الطب ولبعضهم: كتاب المرضى. 641 - باب إِنِّي وَجِعٌ قوله في حديث عائشة: واثكلياه أو ثكلاه. قال (ح): بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام وبكسرها مع التحتانية وبعد الألف هاء كلمة تقال للندبة (¬1194). قال (ع): ليس كذلك لأنّ ثكلياه إمّا مصدر فاللام مكسورة مع ضم أوله وإما اسم فاللام مفتوحة مع فتح أوله (¬1195). قلت: لعله سقط عليه من الذي نقل عنه شيء، فينبني عليه هذا الاعتراض، والذي في أصل (ح) ما ذكر هنا. ¬

_ (¬1194) فتح الباري (10/ 125). (¬1195) عمدة القاري (21/ 223).

642 - باب الشفاء في ثلاث

642 - باب الشفاء في ثلاث قوله: ورواه القُميِّ عن ليث عن مجاهد عن ابن عبّاس في العسل والحجم. قال (ح): وقع لنا من رواية القمي وهو يعقوب بن عبد الله بن سعد موصولًا في مسند البزار وفي الغيلانيات وفي جزء ابن نجيب كلهم أخرجوه من رواية عبد العزيز بن الخطاب بهذا السند، وقصد بعض الشراح فنسبه إلى تخرج أبي نعيم في الطب، والذي عند أبي نعيم بهذا السند إنّما هو حديث آخر في الحجامة ولفظه: "احْتَجِمُوا لَا يَبِيْغُ بِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلكُمْ" وليس فيه للعسل ذكر، وهو من طريق جبارة بن المغلس وغيره عن يعقوب القمي (¬1196). قال (ع): وهذا التعليق [رواه عبد الرزّاق] رواه البزار من رواية عبد [العزيز بن] الخطاب عن القمي (¬1197). وقال صاحب التلويح يعني مغلطاي وصاحب التوضيح يعني ابن الملقن: قال أبو نعيم في كتاب الطب: حدّثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن حدّثنا محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة حدّثنا أحمد بن عبد الله بن [يوسف و] ¬

_ (¬1196) فتح الباري (10/ 138). (¬1197) عمدة القاري (21/ 231) وليس عند رواه عبد الرزّاق، ولذا جعلناه بين معكوفين.

جبارة ابن المغلس قالا: حدّثنا يعقوب بن عبد الله القمي حدّثنا ليث عن مجاهد عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "احْتَجِمُوا لَا يَتْبَيغُ بِكُمْ الدَّمُ فَيَقْتُلكُمْ". وقال بعضهم: قصر بعض الشراح فنسبه إلى تخرج أبي نعيم في [الطب والذي في] الطب عند أبي نعيم حديث في الحجامة فذكره. قلت: رمى بهذا التقصير صاحبي التلويح والتوضيح أحد مشايخه على زعمه، وليس الذي ذكر بموجه، لأنّهما لم يقولا إنَّ هذا التعليق ذكره أبو نعيم ثمّ ذكر الحديث، وإنّما صاحب التوضيح ذكره من غير تعرض إلى ذكر شيء، وإنّما ذكره لذكره فائدة. نعم شيخه قال: وأسنده أبو نعيم ثمّ ذكر الحديث فلم يقع منه هذا التقصير إِلَّا في قوله: وأسنده أي الحديث الذي في الأصل، وهذا الحديث غيره والله أعلم. قلت: لتنظر المنصف ما اشتمل عليه هذا الفصل من التحامل والإِشارة [الإِساءة] وطمس الحق وجحد الفائدة والتناقض وغير ذلك من الزلل، ونحمد الله على السلامة في العقل من الخلل، فلله ثمّ لله الحمد أبدًا.

643 - باب ذات الجنب

643 - باب ذات الجنب قوله في حديث كويت من ذات الجنب إلى أن قال: في زيادة عباد ابن منصور ووقع الأذن. قال (ح): وحكى الكرماني [عن ابن بطّال] أنّه ضبط الأُدرة بضم الهمزة وسكون المهملة بعدها راء وأنّه سمع آدر بالمد وهو شاذ غريب، ولم أر ذلك في كتاب ابن بطّال فليحرر (¬1198). قال (ع): نقل (ح) عن الكرماني أن ابن بطّال ضبط الأُدر بضم الهمزة وسكون المهملة وبعدها راء، وأنّه جمع أدرة وهو نفخ الخصية، والكرماني لم يقل إِلَّا جمع أُدر نحو الحمر والأحمرة. وقوله: لم أر ذلك في كتاب ابن بطّال لا يستلزم نفي رؤية غيره، من البعد أن يرى الكرماني هذا في موضع ثمّ ينسبه إلى ابن بطّال (¬1199). قلت: (ح) قال في آخر كلامه: فليحرر، وكان من شأن هذا المعترض أن يمعن النظر في كتاب ابن بطّال ويخرج الموضع الذي ذكر ذلك حتّى يبرأ الكرماني من عهدة النِّسيان الجائز على كلّ إنسان، ويفيد ما توقف فيه (ح) ليظهر للناظر زيادة إطلاعه، وإلا فكل أحد يقدر على الدفع بالصدر. ¬

_ (¬1198) فتح الباري (10/ 173). (¬1199) عمدة القاري (21/ 253).

644 - باب حرق الحصير يسد به الدم

644 - باب حرق الحصير يسد به الدم قال (ح): أنكره ابن التين فقال: صوابه إحراق الحصير، لأنّه من أحرق أو تحريق، لأنّه من حَرَّق بالتشديد، فأمّا حرق فإنّه من حرق الشخص إذا آذاه (¬1200). قال (ع): يقال: حرقت الشيء وأمّا أحرق وحرَّق بالتشديد فلا يقال إِلَّا إذا أريد به المبالغة (¬1201). قلت: لفظ الحديث فلما رأت فاطمة الدم يزيد على الماء عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على الجرح فرقأ الدم. وقوله: ليشد به الدم. قال (ح): أي مجرى الدم (¬1202). قال (ع): المقصود شد الدم لا سد مجاريه، فربما قصد بسد مجاريه (¬1203). قلت: الدم لا يسد، فلو قال أي يقطع به الدم لاتجه. ¬

_ (¬1200) فتح الباري (10/ 174). (¬1201) عمدة القاري (21/ 253). (¬1202) فتح الباري (10/ 174). (¬1203) عمدة القاري (21/ 253).

645 - باب ما يذكر في الطاعون

645 - باب ما يذكر في الطّاعون قال (ح): بعد أن ذكر الحديث الذي أخرجه أحمد وغيره عن حديث أبي موسى قيل: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه، فما الطّاعون؟ قال: "وَخْزُ أعْدَائِكُمْ مِنَ اْلجِنِّ" وساق الكلام عليه ... الخ. تنبيه: يقع في الألسنة وهو في النهاية لابن الأثير تبعًا لغربي الهروي بلفظ: "إخوانكم" ولم أره بعد التتبع الطويل البالغ في شيء من طرق الحديث ألبتة، لا في الكتب المشهورة، ولا في الأجزاء المنثورة، وقد عزاه بعضهم لمسند أحمد أو الطبراني أو الطواعين لابن أبي الدنيا، ولا وجود لذلك في واحد منها (¬1204). قال (ع): نقلًا من أحكام الجان للشبلي: وأمّا حديث [الحديث المذكور] فرواه أحمد في مسنده من حديث أبي موسى بلفظ: فما الطّاعون؟ قال "وَخْزُ إخْوَانِكُمْ مِنَ اْلجنِّ". ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الطواعين وقال فيه: "وَخْزُ أعْداَئِكُمْ" ولا تنافي بين اللفظين، لأنّ الأخوة في الدِّين لا تنافي العداوة، لأنّ عداوة الإِنس والجن بالطبع وإن كانوا مؤمنين فالعداوة موجودة. وقال (ح): لم أر لفظ "إخْوَانِكُمْ" بعد التتبع الطويل البالغ في شيء من طرق الحديث. ¬

_ (¬1204) فتح الباري (10/ 182).

قلت: هذه اللفظة ذكرها ابن الأثير، وذكره أيضًا ناقلًا عن مسند أحمد القاضي بدر الدِّين الشبلي الحنفي، وكفى بهما الاعتماد على صحتها وعدم إطلاع هذا القائل لا يدلُّ على العدم. انتهى (¬1205). وكأنّه عنده معصومان من المشهور، ثمّ دعواه لا تستمر في الشيء المحصور، فإذا ادعى مدع وجود شيء في كتاب معين وفتش ذلك الكتاب فلم يوجد فيه إمّا يلزم من يقلد صحته أن يخرجه من الكتاب المذكور ليدفع إنكار من نفاه. ¬

_ (¬1205) عمدة القاري (21/ 256).

646 - باب العين حق

646 - باب العين حق ذكر فيه حديث أبي هريرة: "اْلعَيْنُ حَقٌّ" ونهى عن الوشم. قال (ح): لم تظهر في المناسبة بين هاتين الجملتين، وكأنّهما حديثان مستقلان، ولهذا حذف مسلم وأبو داود الجملة الثّانية من روايتهما مع أنّهما أخرجاه من الطريق الذي أخرجه البخاريّ وهي عبد الرزّاق عن معمر عن همام عنه. ويحتمل أن يقال: المناسبة بينهما اشتراكهما في أن كلًا منهما يحدث في العضو لونًا غير لونه الأصلي (¬1206). قال: في كل ذلك نظر. أمّا قوله: حديثان مستقلان رجم بالظن {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} واستدلاله على هذا الظن بعدم إخراج مسلم وأبي داود الجملة الثّانية استدلال فاسد، لأنّه يلزم منه نسبة رواية البخاريّ إلى زيادة لم يقلها رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، ونسبة مسلم وأبي داود إلى شيء فيه قاله -عليه السّلام-، بل هذا حديث مستقل كما رواه البخاريّ والإقتصار في رواية مسلم وأبي داود من الرواة. وأمّا قوله: ويحتمل ... الخ احتمال بعيد، لأنّ دعواه المناسبة بين الجملتين بالاستدراك المذكور غير مطردة، لأنّ أحداث العين اللون غير اللون ¬

_ (¬1206) فتح الباري (10/ 203).

الأصلي غير مقتصر على عضو واحد، بل إحداثها يعم البدن كله، والوجه في المناسبة بين الجملتين أن يقال: الظّاهر أن قومًا سألوا النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - عن العين، وقومًا سألوه عن الوشم في مجلس واحد، فأجاب لمن سأله عن العين بقوله: "اْلعَيْنُ حَقٌّ" ونهى عن الوشم تنبيهًا. لمن سأله عنه بأنّه لا يجوز، فحصل الجوابان في مجلس واحد، ورواه أبو هريرة بالجملتين، ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "اْلعَيْنُ حَقٌّ" وحضر في مجلس آخر سألوه فيه عن الوشم فنهى عنه، ثمّ إنَّ أبا هريرة رواه بمثل روايته بالجمع بينهما لكونه سئل هل له علم من العين والوشم فقال: قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "اْلعَيْنُ حَقٌّ" ونهى عن الوشم (¬1207). قلت: فنسأل هذا المعترض عن قوله: الظّاهر هو أن قومًا ... إلى آخر كلامه هل ما ذكره من ذلك باليقين أو بالظن؟ فإن قال: باليقين كذب جهارًا، وإن قال: بالظن فجوابه ما أجاب هو به أولا {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، وأمّا سائر ما اشتمل عليه كلامه في هذا الفصل فيطول الرد فيه حتَّى يمل، وما علمتني غير ما القلب عالم. ¬

_ (¬1207) عمدة القاري (21/ 267).

647 - باب رقية النبي - صلى الله عليه وسلم -

647 - باب رقية النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قوله في حديث أنس: "اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي شفاء" بالنصب. قال (ح): يجوز الرفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف (¬1208). قال (ع): هذا تصرف فاسد (¬1209). قوله: سليمان عن مسلم عن مسروق عن عائشة أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يُعَوِّذ بعض أهله. قال (ح): مسلم هو أبو الضحى، وجوز الكرماني أن يكون مسلم ابن عمران لكونه يروي عن مسروق ويروي عنه الأعمش، وهو تجويز عقلي يمجه سمع المحدث (¬1210). قال (ع): الذي قاله القائل يمجه سمع كلّ أحد، ودعواه أنّه لم ير لمسلم بن عمران رواية عن مسروق باطلة، لأنّ غيره أثبته، فكيف يدعيٍ هذا المدعي بدعواه الفاسدة ردًا على من سبقه في شرح هذا الحديث مشنعًا عليه بسوء أدب، {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} (¬1211). ¬

_ (¬1208) فتح الباري (10/ 207). (¬1209) عمدة القاري (21/ 268). (¬1210) فتح الباري (10/ 207). (¬1211) عمدة القاري (21/ 269).

قلت: سبحان الله من خذل هذا المعترض حتّى يعيب ما واقع فيه، وأعجب ما يسمع أن هذا المعترض قال في باب مسح الراقي الوجع بيده حتّى أورد المصنف الحديث المذكور عن سفيان عن الأعمش بالسند المذكور، قيل: سفيان هو الثّوريّ والأعمش هو سليمان ومسلم هو أبو الضحى، فذكر لفظ (ح) بعينه ونسي ما قيل عن الكرماني، ثمّ وليس بينهما سوى باب واحد.

648 - باب النفث في الرقية

648 - باب النفث في الرقية ذكر حديث أبي قتادة: "إِذَا رَأَى أحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفثْ". قال (ح): فلينفث هو المراد من الحديث المذكور في هذه التّرجمة لأنّه إذا نفع في طرد ما يكره من الرؤيا فإنّه ينفع في دفع ما يكره من الداء (¬1212). وقال الكرماني: تعلّقه بالترجمة أن التعوذ هو الرقية. قال (ع): وهذا كله لا يشفي العلّيل ولا يروي الغليل، والوجه أن يقال: إذا كان مشروعًا في شيء كان مشروعًا في غيره قياسًا عليه (¬1213). قلت: قد دخل هذا في عبارة المتكلم. ¬

_ (¬1212) فتح الباري (10/ 209). (¬1213) عمدة القاري (21/ 270).

649 - باب الكهانة

649 - باب الكهانة قوله في حديث عائشة: "فيخلطون معَهَاَ مِئَةُ كَذبَةٍ" بالفتح وحكى الكسر. قال (ح): وأنكره ببعض أهل اللُّغة، لأنّه بمعنى الهيئة وليس هذا موضعه (¬1214). قال (ع): بل هذا موضعه، لأنّ كذبتهُم بالكسر يدل على أنواع الكذبات، وهذا أبلغ من معنى الفتح (¬1215). ¬

_ (¬1214) فتح الباري (10/ 220). (¬1215) عمدة القاري (21/ 277).

650 - باب السحر

650 - باب السحر قوله في حديث عائشة: حتّى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة شك من الراوي. قال (ح): وأظنه البخاريّ، لأنّه أخرجه في صفة إبليس من بدء الخلق فقال: حتّى كان ذات يوم، ولم يشكّ، ثمّ ظهر في أن الشك فيه من عيسى بن يونس، فإن إسحاق بن راهوية أخرجه في مسنده عنه على الشك، ومن طريقه أبو نعيم، [فيحمل] الجزم الماضي على أن إبراهيم بن موسى شيخ البخاريّ حدَّثه به تارة بالجزم وتارة بالشك (¬1216). قال (ع): قوله: حتّى إذا كان ذات يوم، لفظ ذات مقحمة للتأكيد، قوله: أو ذات ليلة، شك من الراوي، قال بعضهم: الشك من البخاريّ لأنّه أخرجه في صفة إبليس حتّى كان ذات يوم ولم يشكّ. قلت: الشك من عيسى بن يونس، فإن إسحاق بن راهويه أخرجه في مسنده عنه على الشك. انتهى كلامه (¬1217). وهذا من عجائب ما يوجد أن يأخذ كلام غيره فينسبه لنفسه معبرًا بقلت ويعترض به على قائله. ¬

_ (¬1216) فتح البارى (10/ 227). (¬1217) عمدة القاري (21/ 280).

651 - باب الشرك والسحر من الموبقات

651 - باب الشرك والسحر من الموبقات قوله في حديث أبي هريرة: "اجْتَنِبوُا اْلمُوبِقَاتِ الشِّرْكَ بِاللهْ وَالسِّحْرَ". قال (ح): هكذا أورد الحديث مختصرًا وحذف لفظ العدد، وقد تقدّم في كتاب الوصايا بلفظ: "اجْتَنِبوُا السَّبْع المُوبِقَاتِ" وساق الحديث بتمامه، والنكتة في اقتصاره هنا على اثنين من السبع الرمز إلى تأكيد أمر السحر فقرنه بالشرك واقتصر عليهما، كما اقتصر عليهما في التّرجمة وظن بعض النَّاس أن هذا القدر هو جملة الحديث فقال: ذكر الموبقات وهي صيغة جمع وفسرها باثنين فقط، وهو من قبيل قوله تعالى: {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} فاقتصر على اثنين فقط. قلت وهذا على أحد الأقول في الآية، ولكن ليس الحديث كذلك فإنّه في الأصل سبع حذف مها خمسة ليس شأن الآية كذلك (¬1218). قال (ع): قوله: والنكتة إلى قوله: أمر السحر، كلام واه جدًا، لأنّه لو ذكر الحديث مع وضع التّرجمة له لما كان فيه رمز إلى تأكيد أمر السحر، وقوله: وظن بعض النَّاس .... إلخ أراد به الكرماني، ولكن الذي ذكره تقول على الكرماني (¬1219). ¬

_ (¬1218) فتح الباري (10/ 232). (¬1219) عمدة القاري (21/ 283).

قلت: فما الذي أعلمه أنّه أراد الكرماني وتقول عليه، وهذا كتاب الكرماني ليس فيه تعرض إلى التنظير بالإيذاء أصلًا، فظهر أن الاعتراض على غيره. ثمّ قال: وقوله: ليس مساق [شأن] الآية كذلك كلام مردود، وكيف لا يكون كذلك فإنّه ذكر أوَّلًا {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} فهذا يتناول العدد الكثير ثمّ ذكر اثنين فقط. قلت: قد أشار (ح) بقوله: وهو على أحد الأقوال لأنّ في الآية أقوالًا كثيرة منها إجراؤها على الظّاهر وهو المشار إليه، فإن قوله ومن قوله {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} كان عطفًا على قوله: {فِيهِ آيَاتٌ} لا على مقام إبراهيم، فالآيات البينات في مقام إبراهيم، ومن سمع كلام هذا المعترض يقضي العجب من إنكاره الواضح ورده الصريح مع ما يخالطه من الإساءة المفرطة فالله حسيبه.

652 - باب الدواء بالعجوة للسحر

652 - باب الدواء بالعجوة للسحر قوله: حدثنا على. قال (ح): لم أره منسوبًا ولا ذكره الغساني لكن جزم به أبو نعيم أنّه علي بن عبد الله، وبذلك جزم المزي في الأطراف، وحكى الكرماني أنّه علي ابن سلمة اللبقي وما عرفت مستنده [سلفه] فيه (¬1220). قال (ع): مقصودة التشنيع على الكرماني بغير وجه لأنّه ما ادعى فيه جزمًا وإنّما نقله عن نسخة هكذا، ولو لم تكن تلك النسخة معتمدة لما نقله مها (¬1221). قلت: لو كانت معتمدة عنده ما اتهمها، فإنّه ينقل من نسخة الفربري تارة ومن نسخة الصنعاني تارة ونحوهما، وإذا دار الأمر بين ما جزم به أبو نعيم ومن تبعه ويين نسخة مجهولة أيهما يعتمد عليه. قوله: "لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ ذلِكَ اْليَوْمَ إلى اللَّيْل". قال (ح) فيه تقييد الشفاء المطلق في رواية ابن أبي مليكة حيث قال: "شِفَاءٌ في أَوَّلِ اْلبُكْرَةِ أوْ تِرْيَاقٌ" والشك من الراوي، والترياق في روايته موافق ذكر المصباح [السم] في حديث سعد، وظاهره أن الضرر يرتفع إذا ¬

_ (¬1220) فتح الباري (10/ 238). (¬1221) عمدة القاري (21/ 286).

دخل اللّيل في حق من يتناول أول النهار يكون تناوله غالبًا وهو على الريق، ويحتمل أن يلحق به من تناوله أول الليلة على الريق كالصائم (¬1222). قال (ع): في حديث ابن أبي مليكة شفاء في أول البكرة أو ترياق وهذا لا يدفع هذا الاحتمال المذكور (¬1223). ¬

_ (¬1222) فتح البارى (10/ 239). (¬1223) عمدة القاري (21/ 287).

653 - باب ما يذكر في سم النبي - صلى الله عليه وسلم -

653 - باب ما يذكر في سم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قوله في حديث أبي هريرة: فهل أنتم صادقيَّ، في بعض: صادقوني في المواضع الثّلاثة. وقال ابن التين: الصواب الأولى. قال (ح): تخطية ابن التين الرِّواية الثّانية من جهة العربيّة ليس بجيد فقد وجهها ابن مالك بعدة توجيهات ذكرها (¬1224). قال (ع): ابن التين لم ينكر الرِّواية فكيف يشنع عليه بما لم يقل به (¬1225). قلت: لفظ ابن التين: هل أنتم صادقوني، كذا فيه، وصوابه في العربيّة هل أنتم صادقي أصله صادقوني لأنّ النون تحذف به للإِضافة فيجتمع فيها حرفًا علة سبق الأولى منهما بالسكون فقلب الواو ياء وأدغمت في الياء، فصار كقوله تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} انتهى. وأي إنكار أبين من تصويب مقابله. قوله: ثمّ يخلفوننا بضم اللام مخففًا. ¬

_ (¬1224) فتح الباري (10/ 245). (¬1225) عمدة القاري (21/ 290).

قال (ح): ضبطه الكرماني بتشديد اللام (¬1226). قال (ع): ليس كذلك فإنّما قال ويخلفوننا بالإدغام والفك (¬1227). قلت: ذكركلًا منهما. ¬

_ (¬1226) فتح الباري (10/ 246). (¬1227) عمدة القاري (21/ 290).

654 - باب شرب السم

654 - باب شرب السم قوله: وما يخاف منه، بضم أوله. قال (ح): أجاز الكرماني الفتح (¬1228). قال (ع): لم يقل الكرماني شيئًا من ذلك (¬1229). قوله: من تردى من جبل فقتل نفسه. قال (ح): نقل ابن التين عن غيره أنّه ورد في حق رجل بعينه وهذا بعيد (¬1230). قال (ع): لا بعد فيه فما المانع من ذلك (¬1231). ¬

_ (¬1228) فتح الباري (10/ 247). (¬1229) عمدة القاري (21/ 291). (¬1230) فتح الباري (10/ 248) وليس في الفتح "وهذا بعيد" فلعلّه سقط من الطبع. (¬1231) عمدة القاري (21/ 292).

كتاب اللباس

كتاب اللباس 655 - باب ما أسفل من الكعبين قال (ح): باب بالتنوين (¬1232). قال (ع): إنّما يقال بالتنوين في المركب (¬1233). قلت: القدر مثل الملفوظ مع أن المراد التّنوين اللفظي، فقد أعاد (ع) هذا الإِنكار مرارًا. ¬

_ (¬1232) فتح الباري (10/ 256). (¬1233) عمدة القاري (21/ 297).

656 - باب القبا والفروج من حرير

656 - باب القبا والفروج من حرير قوله: أهدى إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فروج حرير ... الحديث. وقال غيره: فروج حرير. قال الكرماني: الأولى فروج من حرير بزيادة من الثّاني بحذفها. قال (ح): زيادة من ليس في الصحيحين (¬1234). قال (ع): ما ادعى الكرماني أنّها في الصحيحين (¬1235). قالت: وكان ينبغي أن يبين، لأنّ الإطلاق يقتضي فهم ذلك. ¬

_ (¬1234) فتح البارى (10/ 271). (¬1235) عمدة القاري (21/ 305).

657 - باب التقنع

657 - باب التقنع قوله فيه: وقال أنس: عصب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - على رأسه حاشية برْدٍ. اعترض الإِسماعيلي بأن الذي ذكره من العصابة لا يقتضي أن يدخل في التقنع، فإن التقنع تغطية الرّأس والعصابة شد الخرقة على ما أحاطت به العمامة. قال (ح): الجامع بينهما وضع شيء زائد على الرّأس فوق العمامة (¬1236). قال (ع): في كلّ ذلك نظر، وليس العصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة بل العصابة شد الرّأس بخرقة مطلقًا، وقول الذي أجاب زائد لها فائدة فيه، وكذا فوق العمامة بوهم أنّها إذا كانت تحت العمامة لا تسمى عصابة (¬1237). ¬

_ (¬1236) فتح الباري (10/ 274). (¬1237) عمدة القاري (21/ 309).

658 - باب الثياب الييض

658 - باب الثِّياب الييض ذكر فيه حديث سعد: رأيت بشمال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ويمينه رجلين يوم أحد ... الحديث. قال- (ح): هما جيريل وميكائيل، ولم يصب من قال: أحدهما إسرافيل (¬1238). قال (ع): يريد الكرماني وهو رد باليد من غير برهان (¬1239). ¬

_ (¬1238) فتح البارى (10/ 283). (¬1239) عمدة القاري (22/ 7).

659 - باب لبس الحرير

659 - باب لبس الحرير قوله عقب رواية علي بن المبارك: عن يحيى بن أبي كثير عن عمران بن حطان سألت عائشة. قال (ح): هذا السند كله إلى عمران بصريون، وعمران هو السدوسي كَانَ أَحَدَ الْخَوَارِجِ مِنَ الْعَقَدِيَّةِ بَلْ هُوَ رَئِيسُهُمْ وشاعرهم، وهو الذي مدح ابن ملجم قاتل علي بالأبيات المشهورة، وأبوه حطان بكسر المهملة بعدها طاء مهملة ثقيلة، وإنّما أخرج له البخاريّ على قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة في الرِّواية متدينًا، وقد قيل: إنَّ عمران تاب من بدعته وهو بعيد، وقيل: إنَّ يحيى بن أبي كثير حمل عنه هذا قبل أن ييتدع، فقد ذكروا أن سبب اعتقاده مذهب الخوارج أنّه تزوج امرأة من قومه كانت تعتقد مقالتهم ليصرفها عن رأيها فصرفته هي إلى رأيها، وليس لعمران في البخاريّ سوى هذا الموضع، وله أيضًا في نقض الصور سيأتي وهو متابعة (¬1240). قال (ع): ليس للبخاري حجة في تخرج حديثه، ومن أين كان له صدق اللهجة وقد أفحش في الكذب في مدح ابن ملجم اللعين، والمتدين كيف يفرح بقتل مثل علي حتّى يمدح قاتله (¬1241). ¬

_ (¬1240) فتح البارى (10/ 290). (¬1241) عمدة القاري (22/ 13).

قلت: هذه غفلة عن كلام أهل العلم من أهل الحديث والأصول في حكم رواية المبتدع، وقد قال الشّافعيّ: أقبل شهادة أهل الأهواء إِلَّا الخطابية من الرافضة، لكن هذا المعترض بمعزل عن هذه الأمور، ولو عرفها، ولا غرض له إِلَّا المخالفة. والله المستعان. قوله: وقال عبد الله بن رجاء: حدّثنا حرب عن يحيى حدثني عمران. قال (ح): أراد تصريح يحيى بالتحديث عن عمران، لأنّ يحيى مدلس، فانتفت تهمة تدليسه، وحرب هذا هو ابن شداد، وزعم الكرماني أنّه ابن ميمون ونسبه لصاحب الكاشف وهو عجيب فإن صاحب الكاشف لم يرقم لحرب بن ميمون علامة البخاريّ، ولم يذكر غيره حرب بن ميمون في رجال البخاريّ، وإنّما قال في الكاشف عبد الله بن رجاء روى عن حرب بن ميمون، ونزل الكرماني عليه ولا يلزم من كون عبد الله بن رجاء روى عن حرب بن ميمون أن لا يروي عن حرب في شداد (¬1242). قال (ع): العجيب هو ما ذكره من وجهين: أحدهما: أن قوله: إنَّ صاحب الكاشف لم يرقم له غير مسلم، لم لا يجوز أن يكون قد رقمه فانمحق، أو يكون قد نسي الرقم؟ وقوله: ولا يلزم ... الخ معارض بمثله أنّه لا يلزم أن يكون روى عن حرب بن شداد أن لا يروي عن حرب بن ميمون (¬1243). قلت: والكاشف وضع على الإِيجاز فلا يطيل بذكر شيوخ الراوي، ومن روى عنه حرب بن ميون، فلذلك اقتصر عليه، وأمّا أصله وهو التهذيب ¬

_ (¬1242) فتح الباري (10/ 290). (¬1243) عمدة القاري (22/ 13).

فذ كرهما معًا، والعمدة في قولنا: إنَّ حربًا هنا هو ابن شداد أن النسائي أخرج هذا الحديث بعينه في كتاب الزينة من كتاب السنن له عن عمرو بن منصور عن عبد الله بن رجاء عن حرب بن شداد، هكذا مصرحًا به، واستفدنا منه وصل السند وتعيين الذي أهملت نسبته. وقال المزي في الأطراف: لما ذكر هذا الحديث بالطريق الأولى فقال: وقال عبد الله بن رجاء: حدّثنا حرب يعني ابن شداد، كذا بخطه وهو أمر واضح والحكم لله العلي الكبير.

660 - باب لبس القسي

660 - باب لبس القسي قوله: وقال جرير عن يزيد في حديث القسية ثياب مضلعة ... الخ. قال (ح): وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل قال: القسية ثياب مضلعة .... الحديث، وهذا الموضع لم يقف على المراد منه أحد من الشراح ولا من تكلم على رجال البخاريّ. ووهم الوهم فيه للحافظ شرف الدِّين الدمياطى فإنّه كتب بخطه على حاشية نسخته الّتي بخطه من صحيح البخاريّ بريد هذا بالموحدة والمهملة مصفر هو بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى، ووهم في ذلك ومن تبعه، وزعم الكرماني وتبعه بعض من لقيناه أنّه يزيد بن رومان. قال الكرماني: وجرير هو ابن حازم، وليس كما قال، والفيصل في ذلك رواية إبراهيم الحربيّ، وقد أخرج ابن ماجه طرفًا من هذا الحديث من الطريق الّتي ذكرتها، فأخرج من طريق علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن ابن عمر قال: فهي رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - عن المقدم يعني المعصفر، واستفدنا من هذا مراد البخاريّ بقوله: وقال جرير في حديثه، أي بسنده هذا الذي ظهر متصلًا مرفوعًا ومقطوعًا، فالمتصل أخرجه ابن ماجه، والمقطوع أخرجه إبراهيم الحربي، وقد وافق المزي فضبط يزيد بالزاي وأنّه ابن أبي زياد، وأن جرير هو ابن عبد الحميد، ولكنه ما نبه على بقية السند ولا على وصله فللَّه الحمد (¬1244). ¬

_ (¬1244) فقح الباري (10/ 293)

قال (ع) معاندًا على عادته: قلت: كلّ من الحافظين والمزي صاحب حفظ وإتقان فلا يظن عنهما إِلَّا أنّهما حررا هذا الموضع كما ينبغي، وأمّا الكرماني فإنّه أيضًا لم يقل ما ذكره من عند ذاته، ولم يكن إِلَّا وقف على نسخة معتمدة أو على كتاب من هذا الفن فالاحتمال باق والله أعلم (¬1245). ¬

_ (¬1245) عمدة القاري (22/ 16).

661 - باب الحرير للنساء

661 - باب الحرير للنساء ذكر فيه حديث أنس أنّه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - برد حرير سيراء. قال (ح): وقد غفل الطحاوي فقال: إن كان أنس رأى ذلك في زمن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فتعارض حديث عقبة بن عامر يعني الذي أخرجه النسائي وصححه ابن حبّان أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يمنع أهل الحرير والحلية، وإن كان بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كان دليلًا على نسخ حديث عقبة. كذا قال، وخفى عليه أن أم كلثوم ماتت في حياة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فبطل التردد، وأمّا دعوى المعارضة فمردودة، وكذا النسخ والجمع بينهما واضح بحمل النّهي في حديث عقبة على التنزيه وإقرار [أم] كلثوم على ذلك إمّا لبيان الجواز، وإما لكونها كانت إذ ذاك صغيرة، وعلى هذا التقرير فلا إشكال في ذلك أنس لها، وعلى تقدير أن تكون كانت كبيرة فيحمل على أن ذلك كان قبل الحجاب أو بعده، لكن يلزم من رواية الثّوب على اللابس رؤية اللابس فلعلّه رأى ذيل القميص مثلًا (¬1246). قال (ع): يمكن أن يوجه كلام الطحاوي بأن معنى قوله: إن كان بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أي أجازه بذلك، وأمّا دعوى المعارضة فمردودة لأنّ تصحيح البخاريّ أقوى من تصحيح غيره وشرط المعارضة المساواة (¬1247). قلت: في الجوابين نظر. ¬

_ (¬1246) فتح الباري (10/ 300). (¬1247) عمدة القاري (22/ 19).

662 - باب القبة الحمراء من أدم

662 - باب القبة الحمراء من أدم ذكر فيه حديث أبي جحيفة وفيه قبة حمراء، وحديثا أنس فجمعهم في قبة أدم. قال الكرماني: هذا الثّاني لا يدل على أن القبة حمراء، لكنه يدل على بعض التّرجمة، كثيرًا ما فعل البخاريّ ذلك. قال (ح): يمكن أن يقال حمل المطلق على المقيد، فإن القصة الّتي ذكرها أنس كانت في غزوة حنين والتي ذكرها أبو جحيفة كانت في حجة الوداع وبينهما نحو سنتين، فالظاهر أنّها، هي تلك القبة، لأنّه - صلّى الله عليه وسلم - ما كان يتأنق في مثل ذلك حتّى يستدل، وإذا وصفها أبو جحيفة بأنّها حمراء في الوقت الثّاني فلأن تكون حمرتها موجودة في الوقت الأول أولى (¬1248). [قال (ع): هذا الذي ذكره غير موجه، بذلك أن قوله حمل المطلق على المقيد لا يصح في مثل هذا الموضع على ما لا يخفى على المتأمل (¬1249). قوله يحتجر حصيرًا. قال (ح): بعد أن ذكر قول عائشة: لم يكن يصلى على الحصير: ¬

_ (¬1248) فتح الباري (10/ 313). (¬1249) عمدة القاري (22/ 28) وهذا القول ساقط من النسخ الثلاث. وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 316).

ويمكن الجمع مجمل النفي على المداومة، لكن يخدش فيه ما ذكره شرح من الآية] (¬1250). قال (ع): لا خدش فيه أصلًا، لأنّ الحصير في الآية بمعنى الحبس (¬1251). قلت: إنّما ذكره من جهة الاسم. ¬

_ (¬1250) فتح الباري (10/ 314) وهذا القول أيضًا ساقط من النسخ الثلاث. (¬1251) عمدة القاري (22/ 28).

663 - باب خاتم الفضة

663 - باب خاتم الفضة ذكر فيه حديث ابن عمر اتخذ خاتمًا من ذهب، وجعل فصه ممّا يلي كفه، فاتخذ النَّاس مثله أي مثل ما اتخذ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - من ذهب. قال (ح): يحتمل أن تكون المثلية كونه من ذهب وكونه على صورة النقش ويحتمل مطلق الاتحاد (¬1252). قال (ع): كلّ هذا لا يجدي شيئًا (¬1253). ¬

_ (¬1252) فتح الباري. (10/ 319) (¬1253) عمدة القاري (22/ 31).

664 - باب غير مترجم

664 - باب غير مترجم قال في رواية ابن شهاب: أن الخاتم من ورق. قال (ح): قد ذكر عياض والمهلب والمحب الطّبريّ الجواب عن ذلك ... وساقه (¬1254). قال (ع): ذكر كلامًا كثيرًا وطول هنا، وفيما ذكرته كفاية وما زاد فيما ذكره على اقتصاره على بعض ما ذكره والله المستعان (¬1255). ¬

_ (¬1254) فتح الباري (10/ 319 - 320). (¬1255) عمدة القاري (21/ 32).

665 - باب خاتم الحديد

665 - باب خاتم الحديد قال (ح): لم يثبت عنده شيء على شرطه فيما يتعلّق بحكمه على ما ورد في ذكره. قال (ع): فبقى التنبيه على اختلاف إسناده واختلاف بعض المتن (¬1256). كذا قال، ويحتاج أن يفصح بمراده من هذا الكلام، ثمّ نقل كلام (ح) فيما يتعلّق يحكم خاتم الحديد ولم ينسب إليه فيه شيئًا كعادته المستمرة (¬1257). ¬

_ (¬1256) فتح الباري (10/ 323). (¬1257) عمدة القاري (22/ 33).

666 - باب اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء

666 - باب اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء ذكر فيه حديث أنس في الخاتم ليختم به إلى الملوك. قال (ح): قال الطحاوي: بعد أن خرج حديث أبي ريحانة مرفوعًا: نهي رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - عن لبس الخاتم إِلَّا لذي سلطان [وأخرجه أيضًا أحمد والنسائي، وذهب قوم إلى الكراهية لغير ذي سلطان]، وأباحة قوم لحديث أنس أن النَّاس اتخذوا الخواتيم في العهد النبوى. قال: فإن قيل النّهي منسوخ قلنا: ورد عن جميع الصّحابة استعماله بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. انتهى ملخصًا. ولم يجب عن حديث أبي ريحانة، والذي يظهر أن المراد بالسلطان من سلطنه على شيء ما بحيث يحتاج إلى الختم عليه، والمراد بالخاتم ما يختصم به (¬1258). قال (ع): ماذا يقول الطحاوي وهو عنده حديث صحيح، والذي يظهر أن تركه أولى لغير ذى سلطان (¬1259). قلت: فانظروا إلى هذه الوقاحة، كيف يأخذ كلام من سبقه فلا ينسبه إليه حيث يرتضيه، كيف يشنع عليه إذا تخيل فساده ونسبه حينئذ إليه ويتبرع في توهين كلامه وأكثر ذلك لا في رد عليه. ¬

_ (¬1258). فتح البارى (10/ 325) وما بين المعكوفين من نسخة دار صدام للمخطوطات فقط. (¬1259) عمدة القاري (22/ 36).

667 - باب من جعل فص الحاتم في بطن كفه

667 - باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه ذكر فيه حديث ابن عمر في اتخاذ الخاتم، وفي آخره: ولا أحسبه إِلَّا قال في يده اليمنى. قال (ح): بعد أن ذكر الاختلاف في ذلك نقلًا ومذهبًا: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كان اللبس للتزين به حيث يجوز فاليمين أفضل، وإن كان للختم فاليسار أولى، لأنّه كالمودع، ويحصل تناوله منها باليمين، وكذا وضعه فيها (¬1260). قال (ع): إخفاء هذا كله أولى من ظهوره، ومن أين هذا التفصيل والحال أن التختم للزينة مكروه؟ بل تركه أولى إِلَّا لذي سلطان (¬1261). قلت: يؤخذ من ظاهره قوله: لم يشركني فيه أحد. ¬

_ (¬1260) فتح البارى (10/ 327). (¬1261) عمدة القاري (22/ 37).

668 - باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر

668 - باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر قوله: وزادني أحمد حدّثنا الأنصاري ... الخ. قال (ح): هذه الزيادة موصولة (¬1262). قال (ع): ظاهره التعليق (¬1263). قلت: حرف النقل وهجم بالدعوى الباطلة، أمّا النقل فإن لفظ (ح) الذي نقله عن البخاريّ وزادني في أحمد فغيره (ع) وزاد مجردة عن المجاوزة وبالمجاوزة تعين كونه موصول بلا خلاف، بخلاف المحذوف، فإنّه عند ابن الصلاح ومن تبعه موصول، وعند جماعة معلق، وقد نقل (ع) هذا في مواضع وذهل عن ذلك، لأنّ محبة الاعتراض غطت عليه. ¬

_ (¬1262) فتح الباري (10/ 329). (¬1263) عمدة القاري (22/ 39).

669 - باب إخراج المتشبهين

669 - باب إخراج المتشبهين قوله: قال (ح): لا يدخلن بضم أوله وتخفيف اللام المضمومة وتشديد النون (¬1264). قال (ع): ليس كذلك بل بفتح الياء والنون فيه مخففة ويروي مثقلة (¬1265). قلت: كلّ من الرِّواية ثابت، وقد حكاه (ح) بعد كلامة رواية من روى عليكم. ¬

_ (¬1264) فتح الباري (10/ 324). (¬1265) عمدة القاري (22/ 43).

670 - باب قص الشارب

670 - باب قص الشارب حدّثنا مكي بن إبراهيم عن حنظلة عن نافع. قال أصحابنا: عن المكي عن ابن عمر. قال (ح): كذا للجميع، والمعنى أن شيخه مكي بن إبراهيم حدثه به عن حنظلة وهو ابن أبي سفيان الجمحي عن نافع أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - مرسلًا، لم يذكر ابن عمر في السند، وحدث به غير البخاريّ عن مكي موصولًا بذكر ابن عمر فيه، وهو المراد بقول البخاريّ: قال أصحابنا، هذا هو المعتمد، ففاعل قال هو البخاريّ، وجزم شيخنا ابن الملقن بما قلته أوَّلًا. ثمّ قال: ظهر لي أنّه موقوف على نافع في هذا الطريق، وتلقى ذلك شيخنا من الحميدي فإنّه جزم بذلك في الجمع وهو محتمل. وأمّا الكرماني فزعم أن الرِّواية الثّانية منقطعة، لم يذكر فيها بين مكى وابن عمر أحدًا، فقال: المعنى أن البخاريّ قال: روى أصحابنا الحديث منقطعًا، فقالوا: حدّثنا مكي عن ابن عمر فطرحوا ذكر الراوي الذي بينهما، وهو وإن كان ظاهر ما أورد البخاريّ، لكن تبين من كلام الأئمة أنّه موصول بين مكي وابن عمر رضي الله عنهما. وأمّا الزركشى فقال: هذا الموضع ممّا يجب أن يعتني به الناظر وهو ما الذي أراد بقوله: قال أصحابنا: عن المكي عن ابن عمر فإنّه يحتمل أنّه رواه مرّة عن شيخه مكي عن نافع مرسلًا، ومرة عن أصحابه عن مكى مرفوعًا

عن ابن عمر، ويحتمل أن بعضهم نسب الراوي عن ابن عمر إلى أنّه المكي. انتهى. وهذا الثّاني هو الذي جزم به الكرماني وهو مردود. ثمّ قال الزركشي: ويشهد للأول أن البخاريّ إنّما روى عن المكي بالواسطة كما تقدّم في البيوع، ووقع له في كتابه نظائر لذلك (¬1266). قال (ع): الذي يقتضيه ظاهر كلام البخاريّ ما قاله الكرماني (¬1267). واستمر في المعاندة على العادة، وقد راجعت الأطراف لأبي مسعود فوجدته قد جزم بما قلته ولله الحمد، قد ألحقت ذلك في كتاب الأصل والله المستعان. ¬

_ (¬1266) فتح الباري (10/ 335). (¬1267) عمدة القاري (22/ 44).

671 - باب قص [تقليم] الأظفار

671 - باب قص [تقليم] الأظفار قوله: "وَفِّروُا اللِّحى". قال (ح): هي اسم لكل ما ينبت على الخدين والذقن (¬1268). قال (ع): الصواب على المعارضين (¬1269). ثمّ قال: قال الكرماني: وما فضل أي من قبضة اليد قطعة تقصيرًا، ولعلّ ابن عمر جمع بين حلق الرّأس وتقصر اللحية اتِّباعًا لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}. قال: هذا هو المقدار الذي قاله الكرماني، وقد نقل عنه بعضهم ما لم يقله، وطول الكلام بما لا يستحق سماعه فلذلك تركته (¬1270). ¬

_ (¬1268) فتح الباري (10/ 350). (¬1269) عمدة القاري (22/ 46). (¬1270) عمدة القاري (22/ 47).

672 - باب ما يذكر في الشيب

672 - باب ما يذكر في الشيب قوله: عن عثمان بن عبد الله بن موهب أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء وقبض إسرائيل ثلاث أصابع. قال (ح): فيه إشارة إلى صغر القدح، وزعم الكرماني أنّه عبارة عن عدد إرسال عثمان إلى أم سلمة وهو بعيد (¬1271). قال (ع): الذي قاله هو البعيد لأنّ القدح بقدر ثلاثة أصابع صغير جدًا فزاد [فماذا يسع فيه] من الماء حتّى يرسل به التصرف بالأصابع غالب ما يكون في العدد (¬1272). قلت: المراد في المعدود (¬1273). [وقوله "من فضة" إن كان بالفاء والمعجمة فهو ييان لجنس القدح قال الكرماني: و] يحمل على أنّه كان مموهًا بفضة لا أنّه كان كله فضة، كذا قال. وهذا ينبني على أم سلمة كانت لا تجيز استعمال الفضة في غير الأكل والشرب وعلى الثّاني قال الكرماني عليك بتوجيهه. قال (ح): يظهر أن من سببية أرسلني بقدح [أرسلوني] بقدح من ¬

_ (¬1271) فتح الباري (10/ 352 - 353). (¬1272) عمدة القاري (22/ 48). (¬1273) كذا في المخطوطات الثلاث.

ماء بسبب قُصَّة فيها شعر ... الخ (¬1274). قال (ع): قوة دين أم سلمة وشدة تورعها يقتضي أنّها لا تجيز استعمال الإِناء من الفضة الخالصة من غير الأكل، فهذا الجواب عن الأوّل. وأمّا الثّاني فاعترف الكرماني معجزة عن حله، وأمّا الذي فسره به (ح) هو أقلق ممّا فسره به وأبعد من المراد مثل بعد الثرى من الثريا، لأنّ قوله من سببة غير صحيح بل هي بيانية يبين جنس القدح الذي أرسله أهل عثمان وبيان ذلك على التحرير أن أم سلمة كانت عندها شعرات من شعرات النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وكان النَّاس عند مرضهم يتبركون به ويأخذون من شعره فيجعلونه في قدح من الماء فيشربون الماء الذي فيهم الشعر فيحصل لهم الشفاء، وكان أهل عثمان أخذوا منها شيئًا وجعلوه في قدح من فضة فشربوا الماء الذي فيه، فحصل لهم الشفاء، ثمّ أرسلوا عثمان بذلك القدح إلى أم سلمة فأخذته أم سلمة فوضعته في الحلل (¬1275). قوله: وكان إذا أصاب الإنسان عين. قال (ح): التقدير وكان النَّاس إذا أصاب الإنسان منهم عين أي أصيب بعين (¬1276) وقال الكرماني: وكان أي أهلي. قال (ع): كلام الكرماني أصوب (¬1277). ¬

_ (¬1274) فتح الباري (10/ 353) وما بين المعكوفين من الفتح. (¬1275) عمدة القاري (22/ 49) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 319 - 320). (¬1276) فتح الباري (10/ 353). (¬1277) عمدة القاري (22/ 49).

673 - باب القزع

673 - باب القزع قال (ح): بيّن مسلم أن عبيد الله سأل نافعًا لأنّه أخرجه عن زهير عن يحيى عن عبيد الله أخبرنا عمر عن نافع عن أبيه ... الحديث قال: قلت لنافع: وما القزع؟ (¬1278). قال (ع): نعم هذا صريح أن المسؤول هو نافع، ويحتمل أن يكون روى الحديث عن عمر عن نافع (¬1279). ¬

_ (¬1278) فتح الباري (10/ 364). (¬1279) عمدة القاري (22/ 58).

674 - باب الذريرة

674 - باب الذريرة قال الكرماني: هي السحوقة. وقال الداودي: تجمع مفرداته ثمّ تسحق وتنخل ثمّ تذر في الشعر. قال (ح): فعلى هذا كلّ طيب مركب ذريرة لابد في الطيب من السحق والنخل لكن الذريرة نوع من الطيب مخصوص يعرفه أهل الحجاز (¬1280). قال (ع): قوله: كلّ طيب ... الخ غير مسلم، بل المركب أعم من أن يكون مسحوقًا منخولًا أو لا (¬1281). ¬

_ (¬1280) فتح الباري (10/ 371). (¬1281) عمدة القاري (22/ 62).

675 - باب المتفلجات للحسن

675 - باب المتفلجات للحسن قال (ح): جمع متفلجة وهي الّتي تطلب الفلج أو تصنعه (¬1282). قال (ع): التفعل ليس فيه معنى الطلب، وإنّما معناه التكلف، والمعنى هنا المتفلجة هي الّتي تتكلف (¬1283). ¬

_ (¬1282) فتح الباري (10/ 372). (¬1283) عمدة القاري (22/ 62).

676 - باب الوصول في الشعر

676 - باب الوصول في الشعر قوله: في حديث أبي معاوية: أين علماؤكم. قال (ح): فيه إشارة إلى قلة العلماء بالمدينة (¬1284). قال (ع): هذا يستبعده كلّ من له إطلاع في التاريخ (¬1285). قلت: الحال في تقرير ذلك أنّه أمر نسبي نعم كانوا بالنسبة إلى أيّام الخلفاء الراشدين. قوله: إنّما هلكت بنو إسرائيل ... الخ. قال (ح): هذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر سواء كان شعرًا أم لا، ويؤيده حديث جابر زجر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أن تصل المرأة بشعرها شيئًا أخرجه مسلم (¬1286). قال (ع): هذا الذي قاله غير مستقيم، لأنّ الحديث الذي أشار إليه وهو حديث معاوية، لا يدل على المنع مطلقًا، لأنّه مقيد بوصل الشعر بالشعر، فكيف يجعله حجة للجمهور، نعم حجة الجمهور حديث جابر، فانظروا إلى هذا التصرف العجيب الذي يجعل الحديث المقيد لمن يدعي ¬

_ (¬1284) فتح البارى (10/ 375). (¬1285) عمدة القاري (22/ 62). (¬1286) فتح الباري (10/ 375).

الإِطلاق في المنع، ثمّ يقول: ويؤيده حديث جابر، فكيف يؤيد المطلق المقيد؟! (¬1287). قلت: الضمير في ويؤيده للقول لا للحديث، والمراد من هذا الكلام حمل المطلق على المقيد، وهو قول الجمهور. ¬

_ (¬1287) عمدة القاري (22/ 64).

677 - باب الموصولة

677 - باب الموصولة قوله في رواية صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر سمعت البراء قال: قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "الْوَاشِمَةَ وَالْمُتَوَشِّمَةُ وَالوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوصِلَةَ" يعني لعن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قال (ح): لم يتجه لي هذا اللعن [التفسير] إِلَّا إن كان المراد لعن الله على لسان نبيه أو لعن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - من أجل لعن الله ... الخ (¬1288). قال (ع): ما أبعد ما قاله، ولم يتجه لي هذا كما قاله، ولم يتعرض أحد من الشراح إلى حل هذا الموضع (¬1289). ¬

_ (¬1288) فتح الباري (10/ 379). (¬1289) عمدة القاري (22/ 67) وقوله: "ولم يتعرض .... " الخ ليس من كلام العمدة، وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 321 - 322).

678 - باب عذاب المصورين يوم القيامة

678 - باب عذاب المصورين يوم القيامة قوله: سفيان حدّثنا الأعمش عن مسلم قال: كنا مع مسروق. قال الكرماني: يجوز أن يكون مسلم بن عمران البطين ثمّ قال: إنّه الظّاهر، وهو مردود فقد وقع في رواية مسلم في هذا الحديث من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى (¬1290). قال (ع): لم يقل الكرماني هكذا، بل قال مسلم يحتمل أن يكون أبا الضحى وأن يكون البطين، لأنّهما يرويان عن مسروق، والأعمش يروي عنهما، والظاهر هو الثّاني. قال (ع): والعجب من هذا القائل أنّه ينقل غير صحيح، ثمّ يستدل على صحة قوله، بما وقع في رواية مسلم، واستدلاله مردود، لأنّ رواية مسلم عن أبي الضحى لا تستلزم رواية البخاريّ عنه، لوجود الاحتمال (¬1291). ¬

_ (¬1290) فتح الباري (10/ 383). (¬1291) عمدة القاري (22/ 70).

679 - باب نقض الصور

679 - باب نقض الصور قوله. في حديث عائشة فيه تصاليب إِلَّا نقضة. قال (ح): التصاليب جمع صليب، كأنّهم سموا ما كان فيه صورة الصليب تصليبًا تسمية بالمصدر (¬1292). قال (ع): على ما ذكره تكون التصاليب جمع تصليب لا جمع صليب (¬1293). قوله في حديث أبي هريرة: رأى مصورًا يُصَوِّر. قال (ح): هو مصور بالتشديد باسم الفاعل، ويُصوِّر بصيغة المعلوم عن المضارع. وقال الكرماني: هو بفتح الواو بلفظ المفعول وبالموحدة بلفظ الجار والمجرور وهو بعيد (¬1294). قال (ع): لم يبين وجه بعده، ولا بعد فيه أصلًا، بل هو أقرب على ما لا يخفى (¬1295). ¬

_ (¬1292) فتح الباري (10/ 385). (¬1293) عمدة القاري (22/ 71). (¬1294) فتح الباري (10/ 386). (¬1295) عمدة القاري (22/ 71). =

قلت: وجه بعده ثبوت الرِّواية بخلافه. قوله: ثمّ دعى بتور من ماء. قال (ح): أي وماء (¬1296). قال (ع): هذا ليس بصحيح، بل الصّحيح أن من هذه بمعنى الباء أي دعى بتور بماء (¬1297). ¬

_ =قال البوصيرى (ص 322): ما أشبه ما قاله العيني بالتي نقضت غزلها من بعد إعرابه الظّاهر، ووجه الاستبعاد أن الإعراب يتفرع على الرِّواية، وليس فليس، ولو وردت لأوردها العيني للتصحيح أولًا وللرد ثانيًا، وإذا لم يفعل فما أحوجه إلى الجواب عما أعرب به من كونه اسم فاعل لرأى، وإلي الجمع بينه وبين إعراب الكرماني الذي قال فيه: إنّه أقرب، فاعرفه. (¬1296) فتح الباري (10/ 386). (¬1297) عمدة القاري (22/ 72).

680 - باب من كره القعود على الصورة

680 - باب من كره القعود على الصورة ذكر فيه حديث عائشة في إنكار النمرقة من رواية جويرية عن نافع، وليس فيه الزيادة الّتي في رواية غير جويرية. قال (ح): ظاهرهما التعارض والجمع بينهما التفرقة بين ما يمتهن وما لا يمتهن (¬1298). قال (ع): لا تعارض بينهما أصلًا، لأنّ الحديث واحد، وقد ذهل (ح) عن رواية مسلم (¬1299). قلت: لم يذهل، لأنّ عند البخاريّ نظيرها، وهو لم يلتزم أن يُنبه على كلّ خبر شارك مسلم فيه البخاريّ إِلَّا إذا كان فيه زيادة. ¬

_ (¬1298) فتح البارى (10/ 390). (¬1299) عمدة القاري (22/ 73). قال البوصيري (ص 323): إنِّي راجعت أحاديث مسلم، فلم يوجد فيها لفظ "فجعلها" بل "فجعلته" الراجع إلى الستر، وإن أبي العيني إِلَّا رجوعه إلى النمرقة باعتبار، فلا معنى حينئذ لجعلها مرفقين، لزوال الصورة بقطعها الذي أجاب به ابن حجر، على أن الفاضل السندي جعل اتحاد الواقعة مقويًا للتعارض، وقال: فالوجه في الجمع ما قاله المحقق -يعني به ابن حجر-. هذا وإني لم أتصور هذه المعارضة الّتي هي المعاندة، لأنّ المستعملة أصلها قرام مصور، والنمرقة اشترتها بتصاويرها، ولم يستعملها - صلّى الله عليه وسلم - ولم يقرها، فالمحل مختلف، اللَّهُمَّ إِلَّا إذا كان مفهوم القرام والنمرقة واحدًا وليس كذلك وليتأمل، والله ورسوله أعلم.

681 - باب الارتداف على الدابة

681 - باب الارتداف على الدابة قال الكرماني: مناسبته لكتاب اللباس أن الغرض منه الجلوس على لباس الدابة، وإن تعددت أشخاص الراكبين عليها، والتصريح بلفظ القطيفة في الحديث يشعر بذلك. كذا قال (ح): كذا. وقال (ح): الذي يرتدف لا يأمن السقوط فينكشف فليتحفظ المرتدف من ذلك بالتستر، فإن سقط فليبادر للسترة (¬1300). قال (ع): أطال فيما لا فائدة فيه، وجوابه في غاية السقوط وما وجه تخصيص المرتدف بالخوف من السقوط، والذي ارتدف يشترك معه في هذا المعنى، بل الراكب لا يأمن السقوط، فالذي قاله الكرماني أوجه وإن كان فيه تعسف (¬1301). ¬

_ (¬1300) فتح الباري (10/ 395). (¬1301) عمدة القاري (22/ 76).

كتاب الأدب

كتاب الأدب 682 - باب عقوق الوالدين من الكبائر قال (ح): باب بالتنوين (¬1302). قال (ع): لا يصح إِلَّا شيء مقدر، لأنّ شرط التّنوين الاعراب (¬1303). قلت: قد أكثر من إنكار باب التّنوين بغير استثناء، وهنا قد قيد المنع بترك شيء مقدر، والمقدر أعم من أن يتلفظ به أو لا يتلفظ به، فسقط الإنكار، وقد أعاد الإِنكار وجوابه عن قرب في "باب جعل الله الرّحمة مئة جزء". ¬

_ (¬1302) فتح الباري (10/ 405). (¬1303) عمدة القاري (22/ 86). قال البوصيري (ص 324) كثيرًا ما يعرب العيني وغيره مثل هذا بأنّه خبر لمبتدأ محذوف، وهو بمنزلة الفصل كما هو معروف، بل هو نفس إعراب العيني بقوله: أي هذا باب الخ، ولا أدري ما معنى قوله: لا يصلح إِلَّا بشيء مقدر؟ فهل يتوهم ما نفاه أحد؟ والعجب منه كيف صحح دعواه الإِضافة بتقدير مبتدأ وحرف الجر ومضاف وحرف النصب وتغيير إعراب عقوق المدعى من الجر إلى النصب على إعرابه، فما أغناه عن هذا الرد، اللَّهُمَّ إِلَّا إذا أراد بيان المعنى وإعرابه فتأمله.

683 - باب من ترك صبية غيره [حتى تلعب به] أو قبلها أو مازحها

683 - بَابُ مَنْ تَرَكَ صَبِيَّةَ غَيْرِهِ [حَتَّى تَلْعَبَ بِهِ] أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَازَحَهَا قال (ح): الذي يظهر أن المزح بعد التقبيل من العام بعد الخاص (¬1304). قال (ع): ليس كذلك، لأنّ لكل واحد منهما معنى خاصًا، والمزح الدعابة (¬1305). قلت: يصح مداعبة الصغر بتقبيله. قوله: "أَبْلِي وَأَخْلِقي". قال الداودي: يستفاد منه حجيء "ثمّ" للمقارنة ومنعه بعض النحاة فقال: لا تأتي إِلَّا للتراخي، وتعقبه ابن التين فقال: ما علمت أن أحدًا قال أن "ثمّ" للمقارنة وإنّما هي للترتيب بالمهملة وليس في الحديث ما ادعاه. قال (ح): لعلّه الداودي أراد بالمقارنة المعاقبة فيتجه بعض إتجاه، فإنها إذا تلتها فلم يكن بينهما شيء، كأنّها قارنتها (¬1306). قال (ع): آفة التصرف من الفهم السقيم فهل المعاقبة إِلَّا ¬

_ (¬1304) فتح الباري (10/ 425). (¬1305) عمدة القاري (22/ 97) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 325). (¬1306) فتح الباري (10/ 425).

المقارنة (¬1307). قلت: هكذا يكون الفهم السقيم يطلق هذا بعد أن يسمع قول ابن التين التّرتيب بالمهملة. قوله: فبقيت. قال (ح): كذا لأبي ذر والضمير لأم خالد، وفي رواية غيره فبقي وهو للثوب. وقال الكرماني: يعني ذكر صار مذكورًا. قال (ح): كأنّه قرأه بضم أوله لكن لم يقع عندنا إِلَّا بالفتح وقع في رواية أبي علي بن السكن حتّى ذكر دهرًا (¬1308). قال (ع): الذي قاله الكرماني هو الصّحيح، لأنّ المعنى عليه وإذا قريء بالفتح للمعلوم ما يكون فاعله؟ (¬1309). قلت: فاعله الراوي، والتقدير أن عبد الله قال حتّى ذكر التابعي، لأنّ من مقامها زمنًا طويلًا، ويؤيده أن في رواية أبي علي بن السكن حتّى ذكر دهرًا. قال (ع): كلام ابن السكن يؤيد كلام الكرماني فلا يقرب ممّا قاله هذا القائل فضلًا عن أن يؤيده (¬1310). ¬

_ (¬1307) عمدة القاري (22/ 97) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 326 - 327). (¬1308) فتح الباري (10/ 425 - 426). (¬1309) عمدة القاري (22/ 97) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 326). (¬1310) عمدة القاري (22/ 97).

684 - باب وضع الصبي على الفخذ

684 - باب وضع الصبي على الفخذ قوْله في حديث أسامة: كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يأخذني فيقعدني على فخذه، ويأخذ الحسن على فخذه الأخرى ... الحديث. استشكله الداودي بأن أسامة كان في زمن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - رجلًا، والحسن إلى أن: مات النّبيّ- صلّى الله عليه وسلم - في الثامنة. قالي (ح): يحتمل أنّه أقعد أسامة على فخذه لمرض أصابه وأقعد الحسن لصغره، وقال معتذرًا لذلك: إنِّي أحبهما (¬1311). قال (ع): يحتمل أيضًا أنّه أقعد أسامة بحذاء فخذه فعبر هو بقوله على فخذه مبالغة (¬1312). ¬

_ (¬1311) فتح الباري (10/ 434). (¬1312) عمدة القاري (22/ 103) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 327 - 328).

685 - باب رحمة الناس والبهائم

685 - باب رحمة النَّاس والبهائم قوله في حديث أنس فأكل منه إنسان أو دابة. قال (ح): إنَّ كان المراد من يدب على الأرض فهو من عطف العام على الخاص وإن كان المراد الدابة العرفية فهو من عطف الجنس على الجنس وهو الظّاهر (¬1313). قال (ع): بل الأوّل أظهر وهو العموم (¬1314). ¬

_ (¬1313) فتح. الباري (10/ 440) (¬1314) عمدة القاري (22/ 107) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 328 - 329).

686 - باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا

686 - باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا ذكر حديث أبي موسى بلفظ: وكان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - جالسًا إذ جاءه رجل يسأل أو طالب حاجة أقبل علينا بوجهه وقال: "اشْفَعُوا تؤجروا". قال (ح): هكذا وقع في النسخ عن الفريابي عن الثوري عن يزيد عن جده أبي بردة عن أبيه أبي موسى وفي تركيبه قلق، ولعلّه كان في الأصل كان إذا كان جالسًا إذا جاء رجل فحذف الزائد اختصارًا أو سقط على الراوي لفظ إذا كان، وقد أخرجه أبو نعيم من رواية إسحاق بن زريق عن الفريابي بلفظ إذا جاءه السائل أو طالب الحاجة أقبل علينا ... الخ. وهذا لا إشكال فيه، ويحتمل أن يكون استعمل إذ موضع، إذا الفجائية (¬1315). قال (ع): لا قلق فيه أصلًا، وآفة هذا الكلام من ظن هذا القائل أن جالسًا خَبَرُ كان، وليس كذلك وإنّما خبرها أقبل علينا، وجالسًا نصب على الحال (¬1316). ¬

_ (¬1315) فتح الباري (10/ 450). (¬1316) عمدة القاري (22/ 115). قال البوصرى (ص 330) إذا تأملنا جميع روايات البخاريّ في الزَّكاة والتوحيد والأدب أيضًا عقب هذا الباب، ونصه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة قال: "اشفعوا إلخ"، نجدها ساقطة الجلوس، على أن حديث الباب المروي عن محمّد بن يوسف أول السند بوجهين: بالإثبات والسقوط. =

قلت: قد نبه عليه (ح) بالاحتمال الأخير. ¬

_ = وعليه فلم يجعل ابن حجر جالسًا خبرًا لكان الموجود، بل خبرا لكان الساقط كما ستعلمه من الأمثلة الآتية، وعلى كلّ حال القلق المدعى باد عليه، ولو بعد ترجي ابن حجر وإعراب العيني، ثمّ بعد ذلك نسأل هل المعنى على أن هذه الحالة عادته - صلّى الله عليه وسلم - وإذا بمعنى الواو، أو إذا كما هو رواية اليونينية على ما في القسطلاني وغيره، أو هي قضي عين وإذا فجائية؟ فظاهر ابن حجر العادة، وظاهر العيني الإِفراد. وينصر ابن حجر أمور: الروايات الأخرى، ورواية إذا. وترك عادة الشراح هنا تسميتهم المبهم أو وصفه بغير معروف، ثمّ ربما أيد ترجي ابن حجر تراكيب العرب بكثرة، كقوله في الجامع الصغير "كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إذا كان في وتر لم ينهض حتّى إلخ" "كان إذا كان صائمًا أمر رجلًا الخ" "كان إذا كان راكعا أو ساجدا قال إلخ" والجميع عادته المستمرة، فتأمل الجميع.

687 - باب الغيبة

687 - باب الغيبة ذكر فيه حديث ابن عبّاس في القبربن وفيه: "يَمْشيِ بِالنَّمِيمَةِ". قال الكرماني: النميمة نوع من الغيبة. قال (ح): يحتمل أن يكون أشار إلى ما جاء في بعض طرقه بلفظ الغيبة، ثمّ أورد أحاديث جابر وأبي بكرة وغيرهما وقال: الظّاهر اتحاد القصة ويحتمل التعدد (¬1317). قال (ع): الظّاهر أن الأمر بالعكس (¬1318). ¬

_ (¬1317) فتح البارى (10/ 470 - 471). (¬1318) عمدة القاري (22/ 128).

688 - باب قول الله عز وجل. {واجتنبوا قول الزور}

688 - باب قول الله عز وجلَّ. {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُورْ} قوله: حدّثنا أحمد بن يونس حدّثنا ابن أبي ذئب ... الخ. قال أحمد: أفهمني رجل إسناده. قال (ح): أحمد هو ابن يونس المذكور، والمعني انتهاء سماع الحديث من ابن أبي ذئب، ثمّ تيقن إسناده من لفظ شيخه فأفهمه إياه رجل كأنّه في المجلس، وقد بين ذلك أبو داود في روايته له عن أحمد بن يونس فقال آخره: وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه، وخبط الكرماني هنا فقال: قال أحمد: أفهمني أني كنت نسيت هذا الإسناد فذكرني رجل، ووجه الخبط نسب إلى أحمد بن يونس فسياق الإِسناد، وأن التذكير وقع له من الرَّجل بعد ذلك، وليس كذلك، وإنّما أراد أنّه لما سمعه من ابن أبي ذئب خفي عنه بعض لفظه فاستفهم جليسه فعرفه به وقد عقد الخطيب في الكفاية بابًا لمن أخفى عليه بعض حديث الشّيخ فاستفهم جليسه (¬1319). قال (ع): هو الذي خبط من وجوه: الأوّل: ترك الواجب [الأدب] في حق من تقدمه في الإسلام والعلم والتصنيف. والثّاني: أنّه لم يسق كلام الكرماني بتمامه، فإنّه قال بعده: وأراد رجل، ¬

_ (¬1319) فتح الباري (10/ 474).

والتّنوين يدل عليه، والغرض مدح شيخه ابن أبي ذئب أو رجل آخر غيره أفهمني. والثّالث: أن غرض الكرماني بهذا الكلام أن يمدح شيخه أو رجل آخر غير ما فهمه (¬1320). وفي هذا الكلام ما يغنى اللبيب عن تكلف الرد عليه، فإن الذي قاله الكرماني وارتضاه هو يحتاج إلى تكلف زائد في توجيهه فضلًا عن تحسينه، ومع ذلك ورد عليه ما تقدّم والله المستعان. ¬

_ (¬1320) عمدة القاري (22/ 130 - 131).

689 - باب ما ينهي عن التحاسد

689 - بَابُ مَا يُنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ .... إلى أن قال: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}. قال (ح): أشار بهذه الآية إلى أن النّهي عن التحاسد ليس مقصورًا على وقوعه بين اثنين فصاعدًا، بل الحسد مذموم ومنهي عنه ولو وقع من واحد (¬1321). قال (ع): هذا كلام واهٍ من وجهين: أحدهما: قوله من الجانبين غير مستقيم، لأنّ باب التفاعل بين القوم لا بين الاثنين. والآخر: أنّه يصدق على كلّ واحد من المتحاسدين أنّه حاسد. انتهى (¬1322). الجواب عن هذا موكول إلى إنصاف الناظر فيه. ¬

_ (¬1321) فتح الباري (10/ 481). (¬1322) عمدة القاري (22/ 136).

690 - باب ستر المؤمن على نفسه

690 - باب ستر المؤمن على نفسه ... إلى أن قال الحديث: "إِلِّا الْمُجَاهِرِينَ". قال (ح): المجاهر هنا يحتمل أن يكون بمعنى جاهر به جهر به، وزيدت الألف للمبالغة، ويحتمل أن يكون على بابه من المفاعلة، والمراد الذين يجاهر بعضهم بعضًا بالمعصية (¬1323). قال (ع): فيه نظر لا يخفى (¬1324). ¬

_ (¬1323) فتح الباري (10/ 487). (¬1324) عمدة القاري (22/ 139).

691 - باب هل يزور صاحبة كل يوم

691 - بَابٌ: هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ ... إلى أن قال: ألَّا يأتينا فيه رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بكرة وعشيًا. قال (ح): كَأَنَّ البخاريّ أشار بهذه التّرجمة إلى توهين الحديث المشهور: "زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا" وقد ورد من طرق أكثرها غرائب، ولا يخلو واحد من مقال، وقد جمع طرقه أبو نعيم وغره، وجاء من حديث علي وأبي ذر وأبي هريرة وعبد الرّحمن بن عمرو وأبي برزة وعبد الله بن عمر وأنس وجابر وحبيب بن مسلمة [ومعاوية] بن حيدة، وقد جمعتها في جزء مفرد. وأقوى طرقه ما أخرجه الحاكم في تاريخه وغيره من طريق يحيى بن حبيب عن جعفر بن عون عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ويحيى هذا يكنى أبا عَقيل بفتح العين مشهور بكنيته ورجاله موثوقون، لكن في سنده اختلاف على بعض رواته في وصله ورفعه. وأخرج ابن حبّان في صحيحه من طريق عطاء عن عائشة ما يدل على أنّه موقوف. وجزم أبو عبيد في الأمثال بأنّه من أمثال العرب، وأنّه سائغ في المتقدمين ... إلى أن قال: ولا منافاة بينه وبين حديث الباب، لأنّ عمومه يقتضي التخصيص، فيحمل على من ليست له خصوصية ومودة ثابتة، فلا ينقض منزلته بكثرة زيارة بخلاف غيره، وقد أشار إلى ذلك ابن بطّال (¬1325). ¬

_ (¬1325) فتح الباري (10/ 498 - 499).

قال (ع): قوله: كأن البخاريّ، هذا تخمين في حق البخاريّ، لأنّه حديث مشهور، وروي عن جماعة من الصّحابة، وَهْمُ علي إلى أن سمي من ذكرهم (ح). ثمّ قال: وقد جمع أبو نعيم وغيره طرقه، وروى الحاكم في تاريخ نيسابور وغيره بطريق قوي (¬1326). قلت: انظروا وتعجبوا. قال (ع) قبل ذلك بقليل: فإن قلت: يعارضه حديث أبي هريرة: "زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا" قلت: لكل منهما معنى، فحديث الباب جواز زيارة الصديق الملاطف لصديقه كلّ يوم على قدر حاجته إليه. (¬1327). فيأخذ كلام (ح) بعينه ويدعيه ثمّ يعترض عليه فالله المستعان. ¬

_ (¬1326) عمدة القاري (22/ 145). (¬1327) عمدة القاري (22/ 145).

692 - باب من تجمل للوفود

692 - باب من تجمل للوفود قال (ح): قال الداودي: كان ينبغي أن يقول: باب التجمل للوفود، لأنّه لا يقال فعل، إِلَّا لشيء صدر منه الفعل (¬1328). قلت: معنى التّرجمة من فعل ذلك متمسكًا: بما دل عليه الخبر. قال (ع): هذا معنى بعيد (¬1329). ¬

_ (¬1328) فتح الباري (10/ 501). (¬1329) عمدة القاري (22/ 146).

693 - باب من لم يواجه الناس بالعتاب

693 - باب من لم يواجه النَّاس بالعتاب حدّثنا عمر بن حفص بن عتاب حدّثنا أبي حدّثنا الأعمش حدّثنا مسلم عن مسروق. قال (ح): مسلم هذا هو ابن صبيح أبو الضحى، ووهم من زعم أشبه ابن عمران البطين (¬1330). قال (ع): غمز بذلك على الكرماني، فإنّه لم يجزم بأنّه مسلم بن عمران البطين، بل قال: مسلم إمّا مسلم بن عمران البطين، وإما مسلم ابن صبيح مصغر الصُّبح، وكلاهما بشرط البخاريّ يرويان عن مسروق، والأعمش يروي عنهما. قلت: لم يعين (ح) أن قائل ذلك الكرماني، وعلى تقدير إرادته ذلك فقد وقع التصريح بأنّه أبو الضحى في عدة طرق. منها ما أخرجه مسلم من طريق حفص بن غياث، ومن طريق يحيى بن يونس كلاهما عن الأعمش، فأحال بهما على رواية جرير فقال: عن الأعمش عن أبي الضحى. ومنها ما أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن حفص بن غياث شيخ شيخ البخاريّ فيه قال: حدّثنا الأعمش عن أبي الضحى، هذا ¬

_ (¬1330) فتح الباري (10/ 513).

الحديث بعينه، فالذي يتردد في موضع الجزم ينبىء من قلة الاطلاع على الطرق. وذكره المزي في الأطراف في ترجمة أبي الضحى عن مسروق عن عائشة، ولم يعقد لمسلم البطين عن مسروق عن عائشة ترجمة، إِلَّا أنّه لم يقع له رواية مصرح فيها بنسبته في شيء من الكتب الستة عن مسروق عن عائشة. وأمّا قول الكرماني: وكلاهما بشرط البخاريّ ... الخ فإنّه لم يعرف شرط الشرط، وذلك أنّه لا يلزم من تخريج صاحب الصّحيح لراوٍ، أن يكون. كلما رأوه أن البخاريّ أخرج لسفيانين حسين الواسطي في الاحتجاج من روايته عن غير الزّهري، وحيث ذكر روايته عن الزّهري يذكر في تعاليقه في الشواهد، لأنّ رواية سفيان بن حسين عن الزّهري بخصوصها ضعيفة عند الأئمة، وهكذا لا يلزم من كونه أخرجه لمسلم البطين من روايته عن مسروق، أن يكون ما وجد من رواية مسلم البطين عن مسروق على شرطه. فقد اختلف في البطين هل سمع من مسروق أو لا؟ فجزم المزي بأن لا روَاية له عنه، وأنكر على الغني الحافظ في كتاب الكمال حيث عد مسروقًا في شيوخ مسلم البطين (¬1331). وقد رجع (ع) عن هذا الاعتراض في كتاب الاعتصام، فإن البخاريّ أخرجه بهذا الإِسناد بعينه، ونقل كلام الكرماني ثمّ قول (ح) أنّه أبو الضحى كما صرح به مسلم، ثمّ قال: وكذا قال الحافظ المزي، ومضى الحديث في باب من لم يواجه النَّاس بالعتاب من كتاب الأدب، وكأنّه ذهل عن اعتراضه الذي ذكره هنا فالله المستعان. في آخر: ¬

_ (¬1331) عمدة القاري (22/ 156).

694 - باب ما يجوز من الغضب

694 - باب ما يجوز من الغضب قوله في حديث زيد بن ثابت: فخرج إليهم مغضبًا، والظاهر أن غضبه لكونهم اجتمعوا بغير أمره، فلم يكتفوا بالاشارة إليه لما لم يخرج إليهم، بل بالغوا فحصبوا بابه أو غضب لكونه تأخر عليهم إشفاقًا عليهم، ليلًا يفرض عليهم وهم يظنون غير ذلك، وأبعد من قال: إنه غضب لكونهم صلوا في مسجده بغير إذنه (¬1332). قال (ع): غمز به على الكرماني، ولا بعد فيه أصلًا، بل الأقرب هذا على ما لا يخفى (¬1333). قلت: وجه بعده أنه إن أراد بالمسجد المسجد العام فواضح، إذ لا يفتقر لإذن، وإن أراد الحجرة التي اتخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه، فهو غير الواقع، فإنه لم ينقل أن أحدًا دخل معه الحجرة المذكورة، وإنما المنقول أنهم صلوا بصلاته وهو في حجرته المذكورة وهم في المسجد. ¬

_ (¬1332) فتح الباري (10/ 518). (¬1333) عمدة القاري (22/ 163).

695 - باب المداراة مع الناس

695 - باب المداراة مع النَّاس قال (ح): المداراة مع النَّاس هو بغير همز، وأصله الهمز لأنّه من المدافعة (¬1334). قال (ع): قوله: لأنّه من المدافعة غير صحيح، بل يقال من الدرء وهو الدفع (¬1335). قلت: حذف من كلام (ح) شيئًا واعترض، والذي في الأصل لأنّه من المداراة بمعنى المدافعة. ¬

_ (¬1334) فتح البارى (10/ 528). (¬1335) عمدة القاري (22/ 171).

696 - باب إكرام الضيف

696 - باب إكرام الضيف قال (ح): قوله:" فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصمُتْ" ضبطه النووي والطوفي بكسرها وهو القياس كضرب يضرب (¬1336). قال (ع): ما للقياس هنا تعلّق. ثمّ أطال في ذلك ويغني عن تطويله قوله والأصل السماع (¬1337). ¬

_ (¬1336) فتح الباري (10/ 532). (¬1337) عمدة القاري (22/ 175).

697 - باب ما جاء في قول الرجل ويلك

697 - باب ما جاء في قول الرَّجل ويلك في الكلام على الحديث الأخير منه حديث أنس. قال (ح): قوله: إن أخر هذا فلن يدركه الهرم، هكذا للكشميهني وهي أولى (¬1338). [قال] (ع): ليت شعرى ما وجه الأولية (¬1339). كذا بخطه، وكأنّه أراد أن يكتب الأولوية فسقطت منه الواو، وقد وكلت جوابه إلى من ينظر في هذا الموضع من أهل اللسان. ¬

_ (¬1338) فتح الباري (10/ 556). (¬1339) عمدة القاري (22/ 196).

698 - باب ما يجوز من الشعر والرجز

698 - باب ما يجوز من الشعر والرجز قال (ح): قوله فقال: "هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دُمِيِتِ ... وَفي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ" هذان قسمان من رجز والتاء المثناة فوق أحدهما [في آخرهما] مكسورة، وجزم الكرماني بأنّهما في الحديث بالسكون وفيه نظر، وزعم غيره أن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - تعمد إسكانهما ليخرج القسمين عن الشعر وهو مردود فإنّه يصير من ضرب آخر من ضروب البحر اللين [الملقب] الكامل. وقد اختلف هل قاله النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - متمثلًا، أو قال من قبل نفسه غير قاصد لإنشائه شعرًا، فخرج موزونًا؟ وبالأول جزم الطّبريّ وغيره، ويؤيده أن ابن أبي الدنيا أوردهما في كتاب محاسبة النفس لعبد الله بن رواحة ... الخ (¬1340). قال (ع): في نظره نظر, لأنّ غيره قال: إنَّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - تعمد إسكانهما ليخرج القسمين عن الشعر، واختلف هل قاله النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - متمثلًا. فساق ما ذكره (ح) موهمًا أنّه من كلامه والله المستعان (¬1341). ¬

_ (¬1340) فتح الباري (10/ 541). (¬1341) عمدة القاري (22/ 182) وانظر مبتكرات اللآلى والدرر (ص 339).

699 - باب علامة الحب في الله تعالى لقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}

699 - باب علامة الحب في الله تعالى لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ذكر فيه: " اْلمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". قال الكرماني: يحتمل أنّه يريد بالترجمة محبة الله للعبد، أو محبة العبد لله، أو المحبة بين العباد في ذات الله، بحيث لا يشوبها شيء من الرياء، والآية مساعدة للأولين، واتباع الرسول علامة للأولى، لأنّها مسببة للاتباع، والثّانية لأنّها سببه. انتهى. ولم يتعرض لمطابقة الحديث للترجمة، وقد توقف فيه غير واحد، والمشكل منه جعل ذلك علامة للحب في الله، حتّى قال ابن المنير: الآية مطابقة للترجمة، وفي مطابقة الأحاديث للترجمة عسر، وكأنّه عول على الاحتمال الثّالث الذي أبداه الكرماني، فإن المراد علامة حب الله، فدلت الآية أنّها لا تحصل إِلَّا باتباع الرسول، وأن اتباع الرسول وإن كان الأصل أنّه لا يحصل إِلَّا بامتثال جميع ما أمر به، فإنّه قد يحصل ثمرة اتباع الرسول باعتقاد ذلك من طريق الفضل، وإن لم يقع العمل بجميع مقتضاه، بل محبة من يفعل بذلك كافية في حصول أصل النجاة، والكون مع العامل بذلك إذا كانت محبتهم لأجل طاعتهم لله، والمحبة من أعمال القلوب، وأثاب الله محبَّهم على معتقده، إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها، والحاصل أن اعتقاد وجوب ما أوجبه الرسول إجمالًا لا يحصل به أصل الاتباع، فإن وقع التقصير

في التفضيل وليس من لازم المعية استواء الدرجات (¬1342). قال (ع): أطال الكلام في هذا الموضع بما لا يجدي شيئًا، ولو كان توقف مثل ما توقف غيره لكان أولى، وأقول: إنَّ مطابقة الحديث للترجمة تؤخذ من معنى الحديث، لأنّ قوله: من أحب أعم من أنّه يحب الله ورسوله، وأن يحب عبدًا في ذات الله بالإِخلاص، فكما أن الترجمة تحتمل العموم بتلك الأوجه الثّلاثة، فكذلك الحديث يحتمل الأوجه المذكورة بدليل قوله "من" وبأن ضمير المفعول في أحب محذوف، وتقديره من أحبه، وهو يرجع إلى كلمة "من" فيكتسب العموم منها، فافهم فإنّه موضع دقيق لاح لي من الأنوار الرَّبَانية (¬1343). ¬

_ (¬1342) فتح الباري (10/ 559). (¬1343) عمدة القاري (22/ 197).

700 - باب قول الرجل جعلني الله فداك قال (ح): وقال أبو بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم -: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، وهو طرف من حديث لأبي سعيد تقدم في مناقب أبو بكر الصديق (¬1344). قال (ع): ليس كذلك بل هو تقوية [تنويه] للطالب، لأن الذي في مناقب أبي بكر من حديث أبي سعيد أوله خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس وليس فيه لفظ: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، بل هو في باب الهجرة (¬1345). قلت: كأنه نظر في متن البخاري في مناقب أبي بكر فما وجد هذا اللفظ في حديث أبي سعيد، ولو راجع الشرح المسمى فتح الباري لوجده بعينه، فإن المراد بقوله، تقدم، أي شرحه، والحديث واحد له طرق في بعضها ما ليس في بعض، وعادة الفتح أن يجمع ألفاظ الطرق في الموضع الذي يشرحه فيه، ويكتفي في الموضع الآخر أو الموضع بالحوالة عليه، فليس فيه تنويه على الطالب الحاذق، وبهذا يظهر أن جزمه بالرد حيث قال: قلت: ليس كذلك. ¬

_ (¬1344) فتح الباري (10/ 569). (¬1345) عمدة القاري (22/ 205).

701 - باب أحب الأسماء إلى الله عز وجل

701 - باب أحب الأسماء إلى الله عَزَّ وَجَلَّ قال (ح): وود بنحو هذا اللفظ حديث أخرجه مسلم من طريق نافع عن ابن عمر رفعه: "إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إلى الله عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ" وله شاهدان فذكرهما (¬1346). قال (ع): فيه نظر لا يخفى (¬1347). قلت: حذف من كلام (ح) الاستثناء وما بعده، ثم نظر عليه، وبإثبات الإستثناء يذهب نظره. ¬

_ (¬1346) فتح الباري (10/ 570) وسقط اعتراض العيني من النسخ الثلاث، وهو كما في العمدة (22/ 206) هذا غير لفظ الترجمة بعينها، ولكن يعلم منه أن أحب الأسماء إلى الله عَزَّ وَجَلَّ عبد الله وعبد الرحمن، وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 340). (¬1347) عمدة القاري (22/ 206). وسقط من النسخ الثلاث قول الحافظ ابن حجر، وهو كما في الفتح (10/ 579) قوله (رواه أبو بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) يشير إلى ما أخرجه موصولًا في الكسوف ومعلقًا، لكن لم أر في شيء من طرق حديث أبى بكرة التصريح بأن ذلك كان يوم مات إبراهيم إلا في رواية أسندها في "باب كسوف القمر" مع أنه مجموع الأحاديث تدل على ذلك.

702 - باب من دعى صاحبه فنقص من اسمه حرفا

702 - باب من دعى صاحبه فنقص من اسمه حرفًا قال (ح): كذا اقتصر على حذف حرف وهو مطابق لأحاديث الباب، أمّا حديث عائشة فلقوله: "يَا عَائِشُ" وأمّا حديث أنس فلقوله: "يَا أَنْجَشُ" وأمّا حديث أبي هريرة ففيه نظر، ويمكن أن يكون لَحَظَ الِاسْمَ قَبْلَ التَّصْغِير، فإنّه يصير يا أبا هرة، فإذا حذف الهاء الأخيرة صدق أنّه نقص من الاسم حرفًا، وقد نازع ابن بطّال فيه فَقَالَ لَيْسَ مِنَ التَّرْخِيمِ وَإِنَّمَا هُوَ نَقْلُ اللَّفْظِ مِنَ التَّصْغِيرِ وَالتَّأْنِيثِ إِلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّذْكِيرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ كُنَّاهُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُرَيْرَةُ تَصْغِيرُ هِرَّةٍ فَخَاطَبَهُ بِاسْمِهَا مُذَكَّرًا فَهُوَ نُقْصَانٌ فِي اللَّفْظِ وَزِيَادَةٌ فِي الْمَعْنَى. قلت: فهو نقص في الجملة (¬1348). قال (ع): لا ينبغي للشخص أن يتكلم في فن، وليس له فيه يد فليت شعري هل الذي قاله هل يردّ كلام ابن بطّال؟ انتهى (¬1349). ¬

_ (¬1348) فتح الباري (10/ 581 - 582). (¬1349) عمدة القاري (22/ 212). وقال البوصيرى (ص 341) إنَّ قول أبا هر ليس من الترخيم، إذ البخاري لم يدع أنّه ترخيم ولا يدعيه، لأنّه ممنوع في الاسم الإضافي، هذا وإني لا أتحقق حركة الهاء، فإن كانت في الرِّواية ضمًّا فلم ينقص في أصول الكلمة إِلَّا حرف واحد، أو كسرًا فهو نقل لكن من لفظ التصغير إلى لفظ المؤنث الأصلي، ولم ينقص منه إِلَّا حرف واحد، فالترجمة والحديث متطابقان على كلا الوجهين، وهذا التقرير مخالف لما عليه الشارحون، ولعلّه عند التأمل لا يوجد عليه غبار، فتأمله بإنصاف.

وجوابه قول القائل: لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَاَرُ عَلَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ ويقال له: كيف ساغ لك أن تتكلم في علم الحديث، وتتصدى لأعظم شيء فيه، وهو شرح هذا الجامع الذي جمع فنونه ونور عيونه ثمّ ترجع فتقول: لم يتلفظ البخاريّ وإنّما ترجم بنقص حرف، وهو يصدق عليه الترخيم وعلى غيره، فالأولان ظاهران في الترخيم، والثّالث إن لم تصح فيه صورة الترخيم بالتقريب المذكور، وإلا فقد صدق عليه نقص حرف، وليس شرط الإستدراك على السابق أن يردّ عليه جميع كلامه، بل يصور بعدم إلغاء كلامه أصلًا، كما إذا رد الصواب بصواب آخر، فإن كلامه يسلم لكنه لا يصلح أن يتعقب الكلام الأوّل كما وقع لابن بطّال هنا والله المستعان.

703 - باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل

703 - بَابُ الكُنْيَةِ لِلصَّبِيِّ وَقَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِلرَّجُلِ قال (ح): ذكر فيه حديث أنس في قصة أبي عمير: "مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ" وذكر فيه أنّه كان فطيمًا، ومطابقته للخبر الأوّل ظاهرة، ويؤخذ الثّاني بالإلحاق بطريق الأولى، وأشار بذلك إلى الرد على من منع من كنية من لم يولد له، لكونه خلاف الواقع. فقد أخرج ابن ماجه [وأحمد والطحاوي] وصححه الحاكم أن عمر قال لصهيب: مالك تكنى أبا يحيى وليس لك ولد؟ قال: النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كناني (¬1350). قال (ع): هذا كلام غير موجه، لأنّ جواز التكني للصبي يستلزم جواز التكني للرجل قبل أن يولد، فكيف يصح الإلحاق به فضلًا عن الأولوية (¬1351). ¬

_ (¬1350) فتح البارى (10/ 582). (¬1351) عمدة القاري (22/ 213) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص (344 - 345). قال البوصيري (ص 341 - 342) إنَّ الأولوية ظاهرة، لأنّ الذي من شأنه أن يولد له أولى بالتكني ممّن شأنه أن لا يولد له، وقد تقدّم في الباب الذي قبل هذا عن أبي موسى ولد لي غلام فحنكه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وسماه إبراهيم، وكان أكبر أولاد أبي موسى. قال ابن حجر: كني بأبي موسى قبل أن يولد له، والعيني كذلك ذكر هنا كنية ابن مسعود بأبي عبد الرّحمن من قبل أن يولد له، وصهيب بأبي يحيى ولم يولد له. =

قلت: لم يظهر له التوجيه فنفاه، وتقريره أنّه إذا جاز أن يقال للصبي أبو فلان، وهو لا ولد له، فكذلك الرَّجل هنا بطريق الإلحاق، وأمّا طريق الأولوية فلأن الرَّجل يمكن أن يكون أبًا في الحال بالقوة، إنَّ لم يقع بالفعل، بخلاف الصبي، فإنّه يتراخى عن ذلك حتّى يبلغ. قال (ع): والظاهر أنّه لم يظفر بحديث على شرطه مطابقًا للجزء الثّاني فلذلك لم يذكر فيه شيئًا (¬1352). قلت: قد مضى قريبًا أنّه - صلّى الله عليه وسلم - كنى أبا هريرة ولم يكن له حينئذ ولد. ¬

_ = والحاصل أنّه لولا الأولوية لأعاد حديث أبي موسى للمطابقة. فإن قال قائل من طرفه: يجوز أن يكون هذا التكني متقدمًا في زمن الرجولية فلا دليل. فجوابه أن الاستصحاب كاف، على أن القسطلاني نقل عن ابن بطّال مثل ما لابن حجر أيضًا، وسكت عنه العيني، فالفهم قوي جدًا. (¬1352) عمدة القاري (22/ 213).

704 - باب أبغض الأسماء

704 - باب أبغض الأسماء قال (ح): قال الداودي في الحديث: " أَبْغَضُ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ خَالِدٌ وَمَالِكٌ" وذلك أن أحدًا ليس يخلد ومالك هو الله تعالى. ثمّ قال: وما أراه محفوظًا، لأنّ بعض الصّحابة كان اسمه خالدًا ومالكًا، قال: وفي القرآن تسمية خازن النّار مالكًا، قال: والعباد وإن كانوا يموتون فإن الأرواح لا تفنى، ثمّ تعود الأجسام الّتي كانت في الدنيا وتعود فيها تلك الأرواح، ويخلد كلّ فريق في أحد الدارين. هذا آخر كلامه. وأورده شيخنا ابن الملقن عنه ... إلى قوله: كان اسمه خالدًا ومالكًا، فتعقب بقوله: قلت: هذا عجيب، ففي الصّحابة خالد فوق السبعين ومالك في الصّحابة فوق المائة، والعباد وإن كانوا ... الخ، فأدرج قوله والعباد في كلامه وهو في الأصل بقية كلام الداودي (¬1353). قال (ع): قال صاحب التوضيح: وهذا عجب وساقه ... الخ تقليدًا ولم يفصل (¬1354). ثمّ قال (ح): احتجاجه بجواز التّسمية بخالد بما ذكر أن الأرواح لا تفنى، فعلى تقدير التسليم ليس بواضح، لأنّ الله تعالى قال لنبيه: {وَمَا ¬

_ (¬1353) فتح الباري (10/ 589). (¬1354) عمدة القاري (22/ 215).

جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} والبقاء الدائم بغير موت، فلا يلزم من كون الأرواح لا تفنى أن يقال لصاحب الرُّوح بعد أن مات خالد، وإنّما يقع له بعد أن يبعث بعد الموت (¬1355). قال (ع): إعتراضه غير واضح ولا وارد، لأنّ نفي الخلد لبشر من قبل النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إنّما هو في الدنيا، والنتيجة الّتي جناها على تلك المقدِّمة الفاسدة ممتنعة، وهي قوله: ولا يلزم ... الخ، بل يلزم ذلك في الآخرة (¬1356). قلت: اجتمع في كلامه مع قلته إساءة ومكابرة وسوء فهم لا يخفى على من تدبر هذه القطعة منه شيء والله المستعان. ¬

_ (¬1355) فتح الباري (10/ 589). (¬1356) عمدة القاري (22/ 215).

705 - باب المعاريض مندوحة عن الكذب

705 - باب المعاريض مندوحة عن الكذب قال (ح): باب منون غير مضاف (¬1357). قال (ع): ليس كذلك، لأنّ شرط الإعراب التركيب، وإنّما يكون معربًا إذا قال: هنا باب والمعاريض [هذا باب فيه المعاريض] مندوحة عن الكذب (¬1358). قلت: قد ثبتت الرِّواية بالتنوين، وهذا تقديره فلا وجه للإنكار. ¬

_ (¬1357) فتح البارى (10/ 590). (¬1358) عمدة القاري (22/ 218). قال البوصيري (ص 343) إنَّ العيني كثيرًا ما يعرب في التراجم بمثل هذا، ويقول: إنّه خبر لمحذوف، على أن تعليله لم يكن له جدوى، بل أفهم مفهومها أنّه مبني، ولا يقول به أحد، وكون الجملة بعد الباب مبتدأ وخبرا ظاهر، أي المعاريض فسحة وغنية عن الكذب، والعجب أن العيني سكت عن إعراب هذه التّرجمة على خلاف عادته، وكأنّه يضيف الباب إلى ما بعده، ثمّ يضطر إلى مشاكلة ابن حجر في هذا الباب أو إلى تخيلات بعيدة.

706 - باب تشميت العاطس إذا حمد الله

706 - باب تشميت العاطس إذا حمد الله ذكر فيه حديث أبي هريرة معلقًا، وأشار به إلى حديث له ذكر في الباب الذي بعده، فحق على كلّ من سمعه أن يشمته ... الحديث، وحديث البراء موصولًا وفيه الأمر بتشميت العاطس. قال (ح): قال ابن بطّال: ليس في حديث البراء التفصيل الذي في التّرجمة، وإنّما ظاهره أن كلّ عاطس يشمت على التعميم، وإنّما التفصيل في حديث أبي هريرة الآتي، وكان ينبغي أن يذكره بلفظه في هذا الباب، ويذكر بعده حديث البراء، ليدل على أن حديث البراء وإن كان ظاهره العموم، لكن المراد الخصوص ببعض العاطسين، وهم الحامدون، قال: وهذا من الأبواب الّتي أعجلته المنية عن تهذيبها. كذا قال، والواقع أن هذا الصنيع لا يختص بهذه التّرجمة، بل أكثر منه البخاريّ في الصّحيح، فطالما ترجم بالتقييد أو بالتخصيص، ويورد في الباب حديثًا مطلقًا أو عامًا يشير إلى مطلقه مقيد أو عمومه مخصوص بحديث آخر، إمّا أن يذكره في باب آخر، ويشير إليه إشارة كما فعل في هذا الباب، حيث قال "فيه أبو هريرة" فإنّه تخصيص التشميت بمن حمد، وهذا أدق التصرفين، وقد دل إكثاره من ذلك على أنّه فعله عن عهد منه، لا أنّه مات قبل تهذيبه، ولقد عد العلماء ذلك من دقيق فهمه ولطف تصرفه، فإن في إيثار الأخفى على الأجلى شحنًا للذهن وبعثًا للمطالب على تتبع طرق الحديث إلى غير ذلك من الفوائد (¬1359). ¬

_ (¬1359) فتح الباري (10/ 605 - 606).

قال (ع): أمّا كلام ابن بطّال فإنّه غير جلي، لأنّه لو قدم المقيد على المطلق لأورد عليه أن المقيد جزء المطلق، فتقديم المتضمن للحمد أولى، والذي قصده يفهم من هذا الموضع أن التهذيب ليس بشرط. قال: وأمّا كلام (ح) فلا يجدي شيئًا، لأنّ من وقف على أحاديث الباب يتعسر عليه أن يقف على ما وقع في بعض طرقه، وفي تفصيل حديث آخر. وقوله: إنَّ في إيثار الأخفى ...... إلخ تقوية [تنويه] للناظر وإحالة على تتبع أمر مجهول، وليس هذا بدأب عند العلماء (¬1360). قلت: هذا الفصل وحده يظهر به قدر هذا المعترض وينبىء عن قدره في البلاغة والمعرفة والتمكن من ترجيح ما يخفى ترجيح بعضه على بعض والله المستعان. قال (ح): فرع من عطس وهو يجامع أو وهو في الخلاء فلم يحمد فَلِسامِعِه أن يشمته، فلو خاف العاطس فحمد في تلك الحال فهل يستحق التحميد؟ فيه نظر (¬1361). قال (ع): النظر أن التشميت لظاهر الحديث (¬1362). قلت: من أراد أن يطلع على ما تعمده هذا المعترض من المفازة على ¬

_ (¬1360) عمدة القاري (22/ 226) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 343 - 344). (¬1361) فتح الباري (10/ 606 - 607) كذا بياض في النسخ الثلاث وليس في نسخة جستربتي كلمة "فرع" وهذه العبارة منقولة من العمدة ولفظه: والسّادس فذكره. (¬1362) عمدة القاري (22/ 226).

فتح البارى بأن يكتب منه في شرحه الذي زعم أنّه جمعه ما يدعي بظاهر صنيعه أنّه كلامه، وإنّما ينقله بألفاظه ومعانيه من الفتح، فلينظر إلى هذا الفصل فإنّه ساقه كما هو في نحو صفحة، حتّى أن فيه مواضع يقول صاحب الفتح قلت فينقلها المعترض بلفظ قلت، موهمًا أن ذلك من تصرفه، لكونه لا ينسب لقائله، وأكثر الكتاب على هذا النمط، وقد نبهت على ذلك في أوائل هذا الكتاب، ومن أراد مصداق ذلك فليقابل بابًا منه بباب من الفتح، وينظر هل يزيد هذا المعترض إِلَّا شيئًا لو أراد صاحب الفتح أن يذكره لكان أعرف به منه، لكنه يعرض عنه اختصارًا أو فرارًا من التكرير والله المستعان.

707 - باب ما يستحب من العطاس

707 - باب ما يستحب من العطاس ذكر فيه حديث: "إِنَّ الله يُحِبُّ اْلعُطاَسَ". قال (ح): المراد منه ما لا ينشأ عن الزكام، لأنّه المأمور فيه بالتحميد والتشميت، ويحتمل التعميم (¬1363). قال (ع): ظاهره التعميم، لكن خرج منه الذي يعطس أكثر من ثلاث مرات (¬1364). قلت: هذا غير الذي أراده (ح)، لأنّه ذكر احتمالين: أحدهما: أنّه عام مخصوص. والثّاني: أنّه باق على عمومه من جهة كونه محبوبًا بخلاف التثاؤب، وقد أفصح بذلك في الأصل، لأنّه بقية كلامه، ويحتمل التعميم في نوعي العطاس والتفصيل في التشميت خاصّة. ¬

_ (¬1363) فتح البارى (10/ 607). (¬1364) عمدة القاري (22/ 227).

كتاب الاستئذان

كتاب الاستئذان 708 - باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} ... إلى أن قال (ح): وأخرج الطّبريّ من طريق قتادة قال: "الاستئناس هو الاستئذان ثلاثًا، فالأولى ليسمع والثّانية ليتأهبوا، والثالثة إنَّ شاؤوا أذنوا". انتهى. والاستئناس في اللُّغة طلب الإيناس، وهومن الأُنس ضد الوحشة، وقد تقدّم في حديث عمر الطويل لما آلا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - نساءه واعتزل في المشربة قال عمر: فقلت: استأنس يا رسول الله. وحكى الطحاوي أن الاستئناس الاستئذان بلغة اليمن، وجاء عن ابن عبّاس إنكار لفظ الاستئناس في الآية فأخرج سعيد بن منصور وغيره عن ابن عبّاس بسند صحيح أنّه كان يقرأ حتّى تستأذنوا ويقول: أخطأ الكاتب، وساق الكلام على ذلك (¬1365). قال (ع): قصد بما نقله عن الطحاوي إظهار ما في قلبه من الحقد للحنفية، وهذا قتادة قد فسر الاستئناس بالاستئذان (¬1366). ¬

_ (¬1365) فتح الباري. (11/ 8). (¬1366) عمدة القاري (22/ 231).

قلت: هذا التعقيب مردود، لأنّ تفسير قتادة راعى فيه معنى الاستئذان بخلاف ما نقله الطحاوي، ولأن الذي ينقل عن غيره لا يلزم بالخطأ أن لو كان المنقول خطأ إِلَّا أن يعاب بكونه يقر على الخطأ، ولم يصرح (ح) بأن الطحاوي أخطأ، وأكثر ما يوجد من الذي ساقه أنّه إطلاق في موضع التقييد الذي أظهره من ألحقه. إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

709 - باب تسليم الصغير على الكبير

709 - باب تسليم الصغير على الكبير قال (ح): "يُسَلِّمُ الْمَارُّ عَلى اْلقَاعِدِ" وهو أشمل من رواية ثابت: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلى اْلمَاشِي" لأنّه أعم من أن يكون المار ماشيًا أو راكبًا، وقد اجتمعا في رواية فضالة بن عبيد بلفظ: "يُسَلِّمُ اْلفَارِسُ عَلى اْلمَاشِي وَاْلمَاشِي عَلى اْلقَائِم" وَاْلقَائِمُ ضد القاعد، والجالس، وقد يطلق القائم ويراد به المستقر، فيكون أعم من أن يكون واقفًا أو جالسًا أو متكئًا أو مضطجعًا (¬1367). قال (ع): هذا كلام لا يصح لا من حيث اللُّغة ولا من حيث الاصطلاح ولا من حيث العرف، فإن أحدًا لا يقول للقائم جالس ولا مضطجع (¬1368). قلت: لا يزال يدفع بالصدر، وقد قال أهل التفسير في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} أي ملازمًا له لتقاضيه، وصرح بعضهم بأنّه ليس من القيام على رجل. قال الراغب: قام يقوم قيامًا فهو قائم، ثمّ قال: القيام على أضرب منها بالتسخير مثل قائم وحصيد، ومنها بالاختيار مثل ساجدًا وقائمًا، ومنها المراعاة للشيء أفمن هو قائم على كلّ نفس أي حافظ. ¬

_ (¬1367) فتح الباري (11/ 16). (¬1368) عمدة القاري (22/ 235) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 345).

وقوله: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} وصرح بعضهم بأنّه ليس من القيام على الرجل. وقال الراغب: قام يقوم قيامًا فهو قائم ثابتًا على طلبه، ومنها بمعنى العزم {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} أي أردتم، ومنها الدوام {تُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} أي تديمون فعلها، قال: والقيام والقوام اسم لما يثبت به الشيء كالعماد كما يعمد، ويقال: قام وركد، وثبت بمعنى، وقام مقام فلان ناب عنه، ويتخلص من كلامه أن القائم يطلق على الحافظ للشيء وعلى الملازم وعلى المديم له وعلى الثابت عن غيره، وكل من ذلك، لا يتقيد بمعنى الوقوف الذي هو ضد القعود. وقال ابن الأثير في حديث حكيم بن حزام: بايعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، يقال: قام فلان على الشيء إذا ثبت عليه وتمسك به. ثمّ قال: قوله: أو سنة قائمة، القائمة الدائمة المستمرة، وكذا حديث: "لو لم تكسلون لقام لكم" أي لدام لكم، وهذا تكثر شواهده وبعض ما استشهدت به في ما تقدّم يكفي في الرد على من أنكره وبالله التوفيق.

710 - باب من رد فقال: عليك السلام

710 - باب من رد فقال: عليك السّلام قال (ح): يحتمل أن يكون أشار إلى من قال لا يقدم على لفظ السّلام شيء، بل يقول في الابتداء والرد: السّلام عليك، وعلى من قال لا يقتصر على الإفراد بل يأتي بصيغة الجمع، وعلى من قال لا تحذف الواو بل تثبتها، وعلى من قال لا يقتصر على السّلام بل يزيد ورحمة الله، فهذه أربع [خمسة] مواضع جاءت فيها آثار تدل عليها ... وساق الكلام على ذلك (¬1369). قال (ع): هذا تخمين فلا يعول عليها [عليه] وإنّما وضع التّرجمة في القول بعليك السّلام، ولم يحصرة على هذا، ثمّ نقل كلام (ح) واختاره ولم ينسب إليه شيئًا منه على العادة (¬1370). ¬

_ (¬1369) فتح الباري (11/ 36 - 37). (¬1370) عمدة القاري (22/ 245).

711 - باب المعانقة

711 - باب المعانقة قال (ح): قال ابن بطّال [عن المهلب:] ترجم بالمعانقة ولم يذكر لها شيئًا فبقى الباب فارغًا حتّى مات ... إلى آخر كلامه، وكلام شارح التراجم الذي نقل كلامه الكرماني وأقره ثمّ تعقب (ح) كلامهم بما يراجع من كتابه (¬1371). قال (ع): بعد أن ساق ما نقله الكرماني وما قاله ابن بطّال ما نصه: وقد طول بعضهم كلامًا يمزق فكر الناظر بحيث لا يرجع بشيء (¬1372). قلت: إن أراد بنفسه ومن كان في مثل فكره فهو معذور، وإلا فمن كان فكره سليمًا ونظره مستقيمًا لا يرجع إِلَّا وقد فهم واستفاد، قيل لأبي تمام: لا يقول ما يفهم، فأجاب: لم لا يفهم ما يقال. ¬

_ (¬1371) فتح الباري (11/ 58 - 60). (¬1372) عمدة القاري (22/ 254).

712 - باب من اتكأ بين يدي أصحابه

712 - باب من اتكأ بين يدي أصحابه قال (ح): ذكر فيه حديث خباب: أتيت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة فقلت: ألا تدعو الله لنا؟ قيل: الاتكاء الاضطجاع كما مضى في حديث عمر في الطّلاق وهو متكئ على سرير أي مضطجع. قوله: قد أثر السرير في جنبه، قاله عياض وفيه نظر، لأنّه يصح بدون تمام الاضطجاع، وقد قال الخطابي: كلّ معتمد على شيء متمكن منه فهو متكىء، وإيراده حديث خباب يشير به إلى أنّه اتكاء وزيادة (¬1373). قال (ع): ليس كذلك لأنّ الاضطجاع هو النوم قاله ابن الأثير. وقال الجوهري: اضطجع وضع جنبه على الأرض (¬1374). قلت: الذي قلت موافق لقول الخطابي، ولا ينافيه قول الجوهري. ¬

_ (¬1373) فتح الباري (11/ 66). (¬1374) عمدة القاري (22/ 259).

713 - باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة

713 - باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة قال (ح): عطف المناجاة على المسارة من عطف الشيء على نفسه إذا كان بغير لفظه، لأنّهما بمعنى واحد كما قال أهل اللُّغة، وقيل: بينهما مغايرة وهو أن المسارة وإن اقتضت المفاعلة، لكنها باعتبار من يلقى السر ومن يلقى إليه، ولا يلزم أن الآخر يلقى سرًا، والمفاجأة تقتضى وقوع الكلام سرًا من الجانبين، فالمفاجأة أخص من المسارة، فيكون من عطف الخاص على العام (¬1375). قال (ع): إذا كان لفظان معناهما واحد يجوز عطف أحدهما على الآخر باعتبار اختلاف اللفظين، وقوله بينهما مغايرة غير صحيح، لأنّه لا فرق بينهما من حيث اللُّغة. قال الجوهري: السر هو الذي يكتم، ثمّ قال: النجوى السر بين اثنين نجوته نجوًا ساررته، وكذا ناجيته (¬1376). قلت: لم يزد على المكابرة والرد بالصدر. ¬

_ (¬1375) فتح الباري (11/ 83). (¬1376) عمدة القاري (22/ 268).

714 - باب الختان بعد الكبر

714 - باب الختان بعد الكبر قال (ح): قوله: "اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً" ... إلى أن قال: ووقع في الموطَّأ عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة: "إنَّ إِبْراَهيِمَ أَوَّلُ مَنْ اخْتَتَنَ وَهُوَ ابْنُ عِشْريِنَ وَمِئَةِ سَنَة وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانيِنَ سَنَةً". ورويناه في فوائد ابن السماك من طريق أبي أويس عن أبي الزِّناد بهذا السند مرفوعًا، وأبو أُويس فيه لين، وأكثر الروايات على ما في حديث الباب عن طريق شعيب عن أبي الزِّناد بهذا السند مرفوعًا، وأبو أُويس فيه لين، وأكثر الروايات على ما في حديث الباب من طريق شعيب عن أبي الزِّناد: "أَنَّهُ اخْتَتَنَ وَهُوَ ابْنُ ثَمانِينَ سَنَةً". وقد حاول الكمال بن طلحة في جزء له بالختان الجمع بين الروايتين بأن إبراهيم عاش مائتي سنة، منها ثمانين غير مختون، ومنها مائة وعشرون وهو مختون. فمعنى الحديث الأوّل أنّه اختتن لثمانين سنة مضت من عمره. ومعنى الحديث الثّاني مئة وعشرين سنة بقيت من عمره (¬1377). قال (ع): إنّما يجمع بينهما إذا كانا متساويين في الصِّحَّة، فحديث ¬

_ (¬1377) فتح الباري (11/ 88 - 89).

الباب لا يقاومه الآخر لما في صحته من النظر، وقد ذهب هو إلى عدم صحته (¬1378). قلت: جرى على عادته في ادعاء الحصر فيما ليس بمحصور، فما زال العلماء يجمعون بين الحديثين المختلفين في الظّاهر على تقدير صحة كلّ منهما، وإن كان ضعف أحدهما ظاهرًا، فمن الذي اشترط في بيان الجمع فسادهما في الصِّحَّة، وقد اختلفوا في اشتراط مقاومة الناسخ للمنسوخ، فعند قوم لا يحكم بنسخه إِلَّا إذا ساواه، وكان الناسخ أقوى ولم يشترطه آخرون. ¬

_ (¬1378) عمدة القاري (22/ 272).

كتاب الدعوات

كتاب الدعوات 715 - باب أفضل الاستغفار قال (ح): قوله:"سَيِّدُ الإسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي" أي يقول العبد، وثبت في رواية أحمد والنسائي:"إنَّ سَيِّدَ الْاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ اْلعَبْدُ" (¬1379). قال (ع): أن يقول بصيغة المخاطب يعني بالمثناة الفوقانية ولا يحتاج إلى تقدير، لأنّ الأصل عدمه ورواية التّرمذيّ ألا أدلك يؤيدُ ما ذكرناه (¬1380). قلت: لم يثبت في البخاريّ إِلَّا في المثناة التحتانية فتعين التقدير المذكور. ¬

_ (¬1379) فتح الباري (11/ 99). (¬1380) عمدة القاري (22/ 278).

716 - باب التوبة

716 - باب التوبة قوله: نزل منزلًا وبه مهلكة. قال (ح): كذا في الرِّواية الّتي وقفت عليها من صحيح البخاريّ بواو ثمّ موحدة ثمّ هاء ضمير، ووقع في رواية مسلم وغيره من أصحاب السنن والمسانيد "بِدَوِيَّةٍ" بموحدة ثمّ دال مفتوحة ثمّ واو مثقلة ثمّ مثناة تحتانية ثقيلة وهي الأرض المقفرة. وحكى الكرماني أنّه وقع في صحيح البخاريّ "وبيئة" بعد الموحدة مثناة تحتانية، ثمّ مد وهمز وزن عظيم من الوباء، ولم أقف على ذلك في كلام غيره، ويلزم منه أن يصف المذكور وهو المنزل بوصف المؤنث في قوله "وبيئة مهلكة" وهو جائز على إرادة البقعة (¬1381). قال (ع): عدم وقوفه على هذا لا يستلزم عدم وقوف غيره، ومن أين له الوقوف على كلام القوم كلهم، حتّى يقول: لم أقف واللزوم المذكور غير صحيح، لأنّ المنزل يطلق على البقعة (¬1382). ¬

_ (¬1381) فتح الباري (11/ 106). (¬1382) عمدة القاري (22/ 281). قال البوصيري (ص 347) هنا والله تحامل شنيع في محل المدح، لأنّ ابن حجر لم يدع عدم وقوف غيره على ما لم يقف هو عليه، وما ادعى أنّه وقف على كلام القوم كله، بل أدبه أداه إلى أن اعترف بالقصور بين يدي الكرماني، وهل تجاوز العيني هذا القصور فبين الرِّواية في شرحه؟ لا والله، وإذا قيل له: =

717 - باب إذا بات طاهرا

717 - باب إذا بات طاهرًا قال (ح): قال الكرماني في قوله - صلّى الله عليه وسلم -في حديث البراء: "لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ". قال الكرماني: هذان اللفظان إن كانا مصدرين يتنازعان في "منك" وإن كانا ظرفين فلا، إذ اسم المكان لا يعمل، وتقديره ألَّا ملجأ إلى أحد إِلَّا إليك ولا منجا إِلَّا إليك (¬1383). قال (ع): لم يذكر الكرماني هذا في هذا الموضع (¬1384). قلت: هذا ينادى عليه بعدم الاطلاع، لأنّه لو عرف بجمع طرق الحديث ويحيط علمًا بالأماكن الّتي يذكرها فيه البخاريّ كان يدعي قبل ذلك في أوائل الشرح، لاطلع على الموضع الذي ذكر الكرماني فيه الكلام المذكور والله المستعان. ¬

_ = هل وقفت عليها؟ فلا يجيب إِلَّا بالسلب، فيصدق علية ما وصفه به ابن حجر. وقوله: ويجوز ذلك علي إرادة البقعة عجيب مع ما ختم به ابن حجر كلامه، وهو قوله: ويجوز ذلك على إرادة البقعة، ولقد صدق هذا المثل: ما زال يفشل من فلان في الذروة والغارب، فاعرفه. (¬1383) فتح الباري (11/ 111). (¬1384) عمدة القاري (22/ 283).

718 - باب التعوذ والقراءة عند المنام

718 - باب التعوذ والقراءة عند المنام قال (ع): طول الشارح في هذا الموضع كلامًا من غير ترتيب بحيث أن الناظر فيه يتشوش ذهنه. لا سيما إذا كان مبتدئًا (¬1385). قلت: لهم أن ينشدوه على نحب القوافي وما علي إذا لم. ¬

_ (¬1385) عمدة القاري (22/ 260) ويقارن بالفتح (11/ 126 - 128).

719 - باب ليعزم المسألة

719 - باب ليعزم المسألة قال (ح): وقع في حديث أنس "فَإِنَّهُ لَا مُستَكْرِهَ لَهُ" وفي حديث أبي هريرة "فَإنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَه" وهما بمعنى (¬1386). قال (ع): ليس كذلك بل السين تدل على الشدة (¬1387). ثمّ قال: في الباب ثلاثة. قوله: يستجاب أي يجاب (¬1388). وقال الكرماني: يستجاب من الاستجابة بمعنى الإجابة (¬1389). ¬

_ (¬1386) فتح الباري (11/ 140). (¬1387) عمدة القاري (22/ 299). قال البوصيرى (ص 348) لا نطيل الكلام في معنى الاستفعال في اللُّغة، وإنّما نقول للعيني: إننا نستجيب لك في شرحك للحديث الذي بعد هذا، حيث قلت: يستجاب أي يجاب لأحدكم دعاؤه، فهو من الاستجابة بمعنى الإجابة، والاستكراه عين الإكراه، والحق أنّهما من واد واحد، على أنّه لو عكس لكان له وجه، إذ الاستكراه من جهة الخلق لا يتأتى فيه الشدة عكس الاستجابة من جهة الخالق، فيكون في الكيف والكم. (¬1388) فتح الباري (11/ 140). (¬1389) عمدة القاري (22/ 299 - 300).

720 - باب التعوذ من جهد البلاء

720 - باب التعوذ من جهد البلاء ذكر حديث: كان يتعوذ من جهد البلاء، قال سفيان هو ابن عيينة: الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري. انتهى. قال (ح): يريد أن الحديث الذي رواه يشتمل على ثلاث جمل من الأربع المذكورة، والرّابعة زادها هو من قبل نفسه، ثمّ خفي عليه تعيينها. قال الكرماني: فإن قلت: كيف جاز له أن يخلط كلامه بكلام رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بحيث لا يفرق بينهما؟ قلت: ما خلطها وإنّما اشتبهت عليه الثّلاثة، وكان يحفظ رابعة خارجة عن الحديث، فذكر الأربعة تخفيفًا لرواية الثلاث، وقال غيره: كان سفيان مَيَّزَها إذا حدث، ثمّ خفي عليه وكان يعتذر عن تمييزها (¬1390). قلت: وهذا فيه نظر، فقد روى الحديث الحميدي في مسنده وأبو عوانة في صحيحه والإسماعيلى وأبو نعيم من طريق الحميدي عن سفيان مقتصرًا على ثلاث من الأربع. وأخرجه مسلم عن أبي حميد وعمرو الناقد والنيسابوري عن قتيبة، والإسماعيلي أيضًا من رواية العباس بن الوليد وأبو عوانة أيضًا من رواية عبد الجبار بن العلاء وأبو نعيم أيضًا من رواية سفيان بن وكيع كلهم عن سفيان ابن عيينة، فذكر الأربع فلم يميز ولم يعتذر. ¬

_ (¬1390) فتح الباري (11/ 148 - 149).

وكذا وقع عند البخاريّ في كتاب القدر عن مسدد، إِلَّا أن مسلمًا قال: عن عمرو الناقد قال: عن سفيان: أشك أني زدت واحدة منها. وأخرجه الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم عن سفيان مثل رواية الحميدي، لكنه قال في آخره قال سفيان: وشماتة الأعداء ففصلها عن الثلاث. وأصرح منه ما أخرجه ابن أبي عمر في مسنده والإسماعيلى من طريقه عن سفيان، فصرح بأن الخصلة المزيدة وهي شماتة الأعداء، وهي الخصلة الّتي لم يذكرها الحميدي، وكذا اقتصر شجاع بن مخلد عن سفيان أخرجه الإسماعيلى أيضًا من طريقه. قال (ع): نقل بعضهم عن الكرماني أنّه اعتذر عن سفيان فقال: يجاب عنه بأنّه كان إذا حدث ميزها ولم يقل الكرماني ما نقله عنه أصلًا (¬1391). قلت: هو كذلك، ولكن النسخة الّتي نقل منها (ع) سقط منها ما جبر الكلام الذي نقله (ح) عن غير الكرماني عن الكرماني، وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1391) عمدة القاري (22/ 304) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 348 - 349).

721 - باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -

721 - باب الصّلاة على النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال (ح): هذا الإطلاق يحتمل أن يكون المقدر حكم الصّلاة وفضلها وكيفيتها ومحلها، ولكن الحديثان في الباب مختصان بالكيفية (¬1392). قال (ع): حديثًا الباب يُعيدَان هذا الإطلاق، لأنّهما يبينان عن الكيفية والمطابقة مطلوبة (¬1393). قلت: انظروا وتعجبوا. ¬

_ (¬1392) فتح الباري (11/ 152). (¬1393) عمدة القارى (22/ 308) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 349 - 350).

722 - باب التعوذ من عذاب القبر

722 - باب التعوذ من عذاب القبر قوله: ودخل عليَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إنَّ عجوزين، وذكرت له فقال: "صَدَقَتَا". قال (ح): قال الكرماني: حذف خبر إنَّ للعلّم به. قلت: يظهر أن البخاريّ حذفه اختصارًا، فقد أخرجه الإسماعيلى عن عمران بن موسى عن عثمان شيخ البخاريّ فيه ولفظه: فقلت: يا رسول الله، إنَّ عجوزين من عجائز يهود المدينة دخلتا عليَّ فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال:"صَدَقَتَا" انتهى. فعلى هذا فتقرأ وذكرتُ بصيغة المخاطِب بكسر الطاء ويجوز بلفظ الماضي كالحكاية من الذي اختصره (¬1394). قال (ع): الظّاهر أن الذي حذفه أحد الرواة (¬1395). قلت: توجيه ما قال (ح) أن سند البخاريّ والإسماعيلي اتحد من شيخ البخاريّ فصاعدًا، فساقه شيخ الإسماعيلي بتمامه وساقه البخاريّ مختصرًا، فإذا اتفق اثنان على رواية شيء وزاد أحدهما على الآخر إمّا أن يكون الظّاهر أن النقص جاء من غير الذي زاد وإن احتمل أن يكون شيخهما رواه مرّة ناقصًا ومرة تامًا، ثمّ إذا عرفنا أن النقل الصّحيح والتجربة المتكررة أن البخاريّ يخير اختصار الحديث والاقتصار على بعضه، وروايته بالمعنى ولم ينقل لنا ذلك عن شيخه، فما تكون هذه القرينة في صحه النسبة إليه لولا المعاندة وإيثار إكثار الاعتراض. ¬

_ (¬1394) فتح الباري (11/ 175). (¬1395) عمدة القاري (23/ 4).

723 - باب التعوذ من المأثم والمغرم

723 - باب التعوذ من المأثم والمغرم قوله:"ومن شَرِّ فِتْنَة الْغِنى". قال الكرماني: إنّما ذكر فيه لفظ الشر، ولم يذكره في فتنة القبر، لأنّ مضرة الغنى أكثر أو تغليظًا على الأغنياء حتّى لا يفروا أو إيماء إلى صورة إخوانه أن لا خير فيها بخلاف صورته، فإنها قد تكون خيرًا. قال (ح): هذه غفلة عن الواقع، فإن لفظ شر ثابتة في الموضعين، وإنّما اختصرها بعض الرواة، كما اختصرها غيره من فتنة الفقر أيضًا، فسيأتي بعد قليل في "باب الاستعاذة من أرذل العمر" من وجه آخر عن هشام رواية بإثبات شر فتنة الغنى، وفي [شر] فتنة القبر، ويأتي بعد أبواب من وجه آخر عن هشام بحذفهما، والحكم عند الاختلاف لمن زاد، وكل من الغنى والفقر فيه خير وشر باعتبار. ثمّ ساق كلام الغزالي مبينًا للسر الذي في كلّ منهما، وقد سوى بينهما البخاريّ بعد ذلك فترجم باب الاستعاذة من فتنة القبر (¬1396). قال (ع): بل هذه غفلة منه حيث يدعي اختصار بعض الرواة بغير دليل، والكلام الذي استدل به لا يساعده، لأنّ الكرماني يقول: يحتمل أن يكون شر في فتنة الفقر مدرجًا من بعض الرواة، مع أنّه لا يلزمه ذلك، لأنّه في بيان هذا الموضع الذي وقع لنا خاصّة (¬1397). ¬

_ (¬1396) فتح الباري (11/ 177). (¬1397) عمدة القاري (23/ 5). قال البوصيرِي (ص 351) الذي يظهر أن الحديث إنَّ كان مرويا في بعض الروايات ولو خارج الصحاح الستة بإثبات الشر في غير فتنة الغنى، فقد يتجه كلام ابن حجر، وإلا فالذي نفهمه هو ما قاله العيني رحمهما الله تعالى.

724 - باب الدعاء برفع الوباء

724 - باب الدُّعاء برفع الوباء قال (ح): فسر بعضهم الوباء بالطاعون وزعم أنّهما مترادفان، وفيه نظر، فإن الوباء مرض عام ينشأ عن فساد الهواء يقع بسبب موت ذريع وهو أعم من الطّاعون، والدّليل على تغايرهما أن المدينة لا يدخلها الطّاعون كما ثبت في الصّحيح، وتقدم بيانه في الطب وأنّه دخلها الوباء كما ثبت في حديث العرنيين (¬1398). قال (ع): يحتمل أن يقال لا يدخل المدينة الطّاعون بعد قدوم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬1399). قلت: غفل عن قصة العرنيين، فإنها كانت بعد مقدم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -. قوله: عن عائشة لحديث: "أَنْقُلْ حُمَاهَا إلى اْلجُحْفَةِ". قال (ح): أشار إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ: قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وقد تقدّم في أواخر الحجِّ (¬1400). قال (ع): هذا تعسف والمطابقة لا تكون إِلَّا عن التّرجمة وحديث الباب بعينه (¬1401). كذا قال، ومن أين له هذا الحصر والمطابقة يكفي في وجودها المناسبة؟ وهي تحصل بالعبارة تارة، وبالإِشارة أخرى، وقد أثبت (ع) ما نفاه فقال بعد ¬

_ (¬1398) فتح الباري (11/ 180). (¬1399) عمدة القاري (23/ 7). (¬1400) فتح الباري (11/ 180). (¬1401) عمدة القاري (23/ 8).

قليل: "باب الدُّعاء إذا أراد سفرا أو رجع". ذكر فيه حديث أنس في قصة صفية، وفيه: فلما أشرفنا على المدينة ما نصه: فإن قلت: التّرجمة ستأتي فأين الأولى؟ قلت: لحديث ابن عمر طريق أخرى عند مسلم فيها ذلك (¬1402). وقال في بعض المواضع في حديث أنس:"إِنَّ حَقًّا عَلى الله أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ" مطابقة الحديث للترجمة من حيث أن في طريق هذا الحديث عند النسائي: "أَنْ لَا يَرفْعَ شَيْء نَفْسَهُ فِي الدُّنْيا إِلَّا وَضَعَهُ". وقال في أثناء كتاب القدر ما نصه: ومن عادة البخاريّ أن يترجم بما ورد في بعض طرق الحديث وإن لم يسق ذلك اللّفظ بعينه. وقال في باب من اطلع على بيت غيره: قيل: لا يطابق الحديث التّرجمة لأنّه ليس فيه التصريح بأن لا دية له. وأجيب: بأن عادة البخاريّ الإشارة إلى ما ورد فيه من ذلك، وقد عمل ذلك كثيرًا. قوله في حديث سعد: عادني رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في حجة الوداع من شكوى ... الحديث. قال (ح): هذا يتعلّق بالركن الثّاني عن التّرجمة، لأنّ في بعض طرقه: من وجع كان بي. قال (ع): التّرجمة الدُّعاء برفع الوجع. انتهى. وغفل هذا المعترض عن بقية الكلام عن الحديث، فإن فيه أن في بعض طرقه عند مسلم قلت: فادع الله أن يشفيني فقال:"اللَّهُمَّ أَشْفِ سَعْدًا" ثلاث مرات، وقد تقدّم أيضًا ذلك (ح) في كتاب الوصايا. ¬

_ (¬1402) عمدة القاري (23/ 13).

725 - باب الدعاء على المشركين

725 - باب الدُّعاء على المشركين ذكر فيه حديث علي بن أبي طالب في الصّلاة الوسطى. قوله في آخره: وهي صلاة العصر. قال الكرماني: هو تفسير من الراوي إدراجًا منه. قال (ح): فيه نظره الحديث تقدّم في الجهاد وعدة مواضع من طرق عن هشام وليس فيه ذكر العصر، إِلَّا أنّه وقع في المغازي إلى أن غابت الشّمس، كما وقع هنا حتّى غابت الشّمس، وهو مشعر بأنّها العصر (¬1403). قال (ع): هذا لا يدلُّ على أنّها العصر وحده، لأنّه يجوز أن يكون الظهر معه. قال: واستدل (ح) على أن هذه اللفظة ليست مدرجة بحديث حذيفة شغلونا عن صلاة العصر، وليس استدلا له صحيحًا، لأنّ فيه التصريح في نفي الحديث، وحديث الباب ليس كذلك على ما لا يخفى (¬1404). كذا قال. ¬

_ (¬1403) فتح الباري (11/ 195). (¬1404) عمدة القاري (23/ 19) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 352 - 353).

726 - باب قول النبى - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت"

726 - باب قول النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْت" ذكر فيه حديث أبي موسى مرفوعًا كان يدعو بهذا الدُّعاء: "رَبِّ اغفِرْ لى خَطِيئَتي وَجهْلِي وَإسْراَفِي فِي أَمْريِ". قال (ح) بعد أن شرح الحديث: تكميل نقل الكرماني تبعًا لمغلطاي عن القرافي أن قول القائل في دعائه: اللَّهُمَّ اغفر [لي و] لجميع المسلمين دعاء بالمحال, لأنّ صاحب الكبيرة قد يدخل النّار، وأمّا الإخراج بالشفاعة والعفو، فهو غفران في الجملة، وتعقب أيضًا بالمعارضة بقول نوح عليه السّلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ويقول إبراهيم - عليه السّلام - نحوه. والتحقيق أن السؤال بلفظ التعميم، لأنّه يستلزم طلب ذلك لكل فرد فرد بطريق التعيين، فلعلّ مراد القرافي منع ما يشعر بذلك لا منع أصل الدُّعاء لِذلك فرد فرد من أفراده، ثمّ إنِّي لا يظهر لي مناسبة ذكر هذه المسألة في هذا الباب (¬1405). قال (ع): ما نصه بعد أن أغار على ما تعقب به (ح) الكلام المذكور وصدره بقوله أقول: فيه منع ومعارضة، ثمّ ذكره. ثمّ قال: قلت: لم يتبع الكرماني في نقله هذا عن القرافي وفيه ترك ¬

_ (¬1405)، فتح الباري (11/ 198 - 199).

الأدب أيضًا، حيث يصرح بقوله مغلطاي، ولو كان الشّيخ علاء الدِّين مغلطاي تلميذه أو رفيقه في الاشتغال لم يكن من الأدب أن يذكره باسمه بدون التعظيم، وقال في آخر كلامه: لم يظهر لي مناسبة ذكر هذه المسألة في هذا الباب. قلت: وجه المناسبة في ذلك أظهر من كلّ شيء، وقد ظهر لغيره من أهل التحقيق ما لم يظهر له لقصور تأمله انتهى كلامه (¬1406). وما ادعاه من الظهور فيلزمه بيانه، وأمّا ما انتصر به لمغلطاي فقد وقع هو في أشد منه حيث يذكر كلام صاحب المشارق والكمال والشفاء بلفظ: قال عياض، مجردًا عن الإمام أو الشّيخ، ولا يشكّ أحد أن منزلة عياض أعلى من منزلة مغلطاي كثرة أوهامه ونحو ذلك، بخلاف (ع) مع عياض، فإنّه يذكره مجردًا حيث يكون مصيبًا محققًا، فأي العلمين أولى بالإنكار أو الاعتذار؟ ¬

_ (¬1406) عمدة القاري (23/ 21).

كتاب الرقاق

كتاب الرقاق 727 - باب مثل الدنيا في الآخرة قال (ح): هذه التّرجمة بعض لفظ حديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طريق قيس بن أبي حازم عن المستور بن شداد رفعه: "وَالله مَا الدُّنْيَا في اْلآخِرَةِ إِلَّا مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إصْبَعَهُ فِي اْليَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرَجْعُ" (¬1407). قال (ع): قلت: لا وجه أصلًا في الذي ذكر، ولا خطر ببال البخاريّ هذا، وإنّما وضع هذه التّرجمة، ثمّ ذكر حديث سهل، لأنّه يطابقه في المعنى، ولا يخفى ذلك إِلَّا على القاصر في الفهم. ثمّ قال: لما ساق الحديث مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث من حيث أن قدر السوط إذا كان خيرًا من الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كلا شيء (¬1408). قلت: قال (ح) متصلًا بكلامه: واقتصر البخاريّ على حديث سهل بن سعد: "مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي اْلجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" فإن قدر السوط إذا كان خيرًا من الدنيا، فيكون الذي يساويها ممّا في الجنَّة دون قدر السوط، فيوافق ما دل عليه حديث المستورد. انتهى. ¬

_ (¬1407) فتح الباري (11/ 232). (¬1408) عمدة القاري (23/ 32 - 33).

728 - باب ذهاب الصالحين

728 - باب ذهاب الصالحين ويقال: الذهاب: المطر. قال (ح): مراده لفظ الذهاب مشترك بين المضي والمطر (¬1409). قال (ع): ليس كذلك، بل المضي بالفتح والمطر بالكسر. قال صاحب المحكم: الذاهبة بالكسر المطرة والجمع الذهاب (¬1410): قلت: حذف بعض الكلام ثمّ اعترض، وذلك أن عند (ح) متصلًا بقوله بين المضي والمطر، وقال بعض أهل اللُّغة: الذهاب بالكسر: المطر اللين، وهو جمع ذهبة بكسر أوله وسكون ثانيه ويجوز فتحه. ¬

_ (¬1409) فتح البارى (11/ 251). (¬1410) عمدة القارى (23/ 44). قال البوصيرى (ص 353) قال ابن حجر بعد ذكر ما نقله عنه العيني: قال بعض أهل اللُّغة: الذهاب الأمطار اللينة وهو جمع ذهبة وبكسر أوله وسكون ثانيه. انتهى. وقد فهمنا من نقله أن الذهاب بالكسر هو المشترك بين المعنيين، إذ الكسر في المضي فصبح. قال في القاموس وشرحه التاج: ذهب كمنع يذهب ذهابا بالفتح ويكسر، مصدر سماعى، وذهوبا بالضم قياسي سار أو مر ... الخ، فقصر العيني صيغة الذهاب على الفتح في المضي وعلى الكسر في المطر يمنعه ابن حجر في الأوّل، ويوافقه على الثّاني، والقاموس يشهد له والتاج على رأسه فتدبره.

729 - باب. ما يتقى من حب [فتنة] المال

729 - باب ما يتقى من حب [فتنة] المال قال الكرماني في اختلاف الرواة في قوله: " لا يملأ جوف ابن آدم إِلَّا التراب": اختلف ألفاظ الرواة، ففي الأوّل جوف وفي الثّانية عين وفي الثّالث فم، والغرض من الحديث واحد وهو كناية عن الموت وليس المقصود منه الحقيقة بقرينة ذكر التراب فهو من التفنن من تصرف الرواة قاله ابن دقيق العيد (¬1411). قال (ع): إحالته على كلام الشارع أولى من إحالته على تصرف الرواة مع أن فيه تغيير للفظ الشارع (¬1412). قلت: وهذا لا يرد مع أن الأكثر بالرواية بالمعنى وهو يقتضي عدم التقييد باللفظ فيلزم تغييره. قوله: قال لنا أبو الوليد حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي قال: كنا نرى هذا من القرآن حتّى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}. قال (ح): قوله: قال لنا صريح في الوصل وإن كان التصريح بالتحديث أشد اتصالًا، وقد علم المزي عليه علامة التعليق (¬1413). قال (ع): الصواب ما قال المزي، لأنّ فيه حماد بن سلمة، وهو لم ¬

_ (¬1411) فتح الباري (11/ 255). (¬1412) عمدة القاري (23/ 46). (¬1413) فتح الباري (11/ 256) وقبل هذا الحديث عنوان "باب ما يتقى من فتنة المال" فحذفناه لأنّه مكرر ما قبله.

يعد فيمن أخرج له (¬1414) [قلت: هذه دعوى] (¬1415) مردودة، فقد ذكره الحاكم وغيره فيمن استشهد به، والاستشهاد أعم من أن يكون السند معلقًا أو موصولًا، وقد أكثر مسلم من التخريج للأسانيد الموصولة عمن لم يحتج بهم بل يستشهد بهم فقط. ¬

_ (¬1414) عمدة القاري (23/ 47). (¬1415) ما بين المعكوفين من زيادتنا ليلتئم الكلام.

730 - باب المكثرون هم المقلون

730 - باب المكثرون هم المقلون ذكر حديث أبي ذر من طريق جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن زيد ابن وهب عن أبي ذر. ثمّ قال: قال النضر عن شعبة حدّثنا حبيب بن أبي ثابت والأعمش وعبد العزيز بن رفيع قالوا: حدّثنا زيد بن وهب بهذا. قال (ح): قال الإسماعيلي: العجب من أبي عبد الله يعني البخاريّ كيف يطلق هذا وليس في حديثه شعبة قصة المكثرين أو المقلين؟ إنّما فيه: "مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا" أخبرنيه الحسن يعني ابن سفيان حدّثنا حميد يعني ابن زنجويه حدّثنا النضر بن شميل به قال: وأخبرنيه يحيى بن محمَّد حدّثنا عبيد الله بن معاذ حدّثنا أبيّ حدّثنا شعبة ... إلى آخر كلامه. قلت: تبع الإسماعيلي على اعتراضه جماعة منهم مغلطاي ومن بعده (¬1416). قال (ع): فيه إساءة على مغلطاي حيث قال مغلطاى بطريق الاستهتار وأراد بقوله "ومن بعده" صاحب التوضيح وهو شيخه الشّيخ سراج ابن الملقن والكرماني ثمّ تصدى للجواب بأن صنيع البخاري على طريقة أهل الحديث, لأنّ المراد أصل الحديث, لأنّه في الأصل اشتمل على ثلاثة أشياء، فجاز إطلاق الحديث على كلّ منهما إذا أفرد، فقول البخاريّ بهذا أي بأصل الحديث, لأنّ جميع اللّفظ المساق. ¬

_ (¬1416) فتح البارى (11/ 263).

قال (ع): الاعتراض باق، لأنّ الإطلاق في موضع التقييد غير جائز، وقوله بهذا وهو يريد أهل الحديث غير سديد، لأنّ الإشارة بلفظ هذا تكون للحاضر والحاضر هو اللّفظ المساق (¬1417). قلت: ولم يدع أن الإشارة بلفظ هذا يكون إلى غائب، بل اللّفظ الذي رواه شعبة بعض اللّفظ الذي رواه جرير، فالإشارة إليه واضحة وليس هو من الإطلاق في موضع التقييد الله المستعان. وقد أكثر البخاريّ من استعمال مثل هذا وهو عمل مشهور لأهل الحديث لا يخفى عن أحد مارس إصطلاحهم وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1417) عمدة القاري (23/ 51 - 52) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 356 - 357).

731 - باب كيف كان عيش النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه

731 - باب كيف كان عيش النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وأصحابه حدّثنا أبو نعيم بنحومن نصف هذا الحديث. قال الكرماني: هذا مشكل، لأنّ نصف الحديث يبقى بدون الإسناد، ثمّ إنَّ النّصف الثّاني مبهم لا يدرى أهو الأوّل أو الآخر؟ ثمّ أجاب بأنّه اعتمد بما ذكره في الأطعمة عن يوسف بن عيسى المروزي وهو قريب من نصف هذا الحديث، فلعلّه أراد بالنصف المذكور لأبي نعيم ما لم يذكره ثمة فيصير الكل مسندًا بعضه بطريق يوسف والبعض الآخر بطريق أبي نعيم. وقال مغلطاي: ذكر البخاريّ هذا الحديث في الاستئذان مختصرًا فقال: حدّثنا أبو نعيم حدّثنا عمر بن ذر (ج) وحدثنا محمَّد بن مقاتل حدّثنا عبد الله بن المبارك عن عمر بن ذربه، وكأن هذا هو النّصف المشار إليه، وتعقبة الكرماني بقوله: ليس ما ذكره نصفه ولا ثلثه ولا ربعه. قال (ح): وفيه نظر من وجهين آخرين: أحدهما: احتمال أن يكون السياق لابن المبارك، فإنّه لا يتعين أن يكون لفظ أبي نعيم. ثانيهما: أنّه ينتزع من أثناء الحديث، ليس فيه القصة الأولى المتعلّقة بأبي هريرة ولا ما في آخره من حصول البركة في اللبن (¬1418). ¬

_ (¬1418) فتح الباري (11/ 283).

قال (ع): في هذا النظر نظر، لأنّه إذا لم يتعين كون السياق لأبي نعيم كذلك لا يتعين كونه لابن المبارك، وكونه منتزعًا من أثناء الحديث إن ذلك [لا] يضر بل ليدفع أنّه النّصف الذي ذكر أنّه سمعه من أبي نعيم (¬1419). ¬

_ (¬1419) عمدة القاري (23/ 59).

732 - باب القصد والمداومة

732 - باب القصد والمداومة قال الكرماني: يقال: كلفت به كلفًا أولَعْت به وأكلف غيره والتكليف الأمر بما يشق. قال (ح): نقل بعض الشراح أنّه روي بفتح الهمزة كسر اللام من كلاف ورد بأنّه لم يسمع أكلفه بالشيء (¬1420). قال (ع): الظّاهر أنّه أراد الكرماني ولم يقل الكرماني أكلفه بالشيء، وإنّما قال أكلفه غيره بدون الباء (¬1421). قوله: وقال مجاهد: سديد سدادًا صدقًا. قال (ح): زعم مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن أن الطّبريّ وصل ¬

_ (¬1420) فتح الباري (11/ 299). (¬1421) عمدة القاري (23/ 64). قال البوصيري (ص 359) قد غير العيني عبارة الكرماني الّتي نقلها ابن حجر، وهي لفظ "من الرباعي" بدل "من الإكلاف" عما اعترض به فيما سلف، أو تغافل عنها لصدورها من غير ابن حجر، ثمّ إن نظر ابن حجر فيما أحسب وقف عند قول القاموس وأكلفه غيره، وإلا ففي مفردات الراغب الأصبهاني: الكلف الإيلاع بالشيء، يقال: كلف فلان بكذا وأكلفته به جعلته كلفا، وكأن العيني لم يطلع عليه، وإلا لبادر إلى الرد به عليه. والحاصل أن الذي في كتب اللُّغة أن هذه المادة تتعدى بنفسها للثاني وبالهمزة والتضعيف بالحرف وبدونه فيهما كما في هذا الحديث، فعبارة الكرماني سالمة من الخدش فاعرفه.

تفسير مجاهد عن موسى بن هارون عن عمرو بن طلحة عن أسباط عن السدي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وهذا وهم فاحش، فما للسدي عن ابن أبي نجيح رواية, والذي في نفس الطّبريّ إنّما هو من طريق السدي عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس، ومن طريق سهل وورقاء بن أبي نجيح عن مجاهد (¬1422). قال (ع): رعاية الأدب مطلوبة ولو قال: قال الشّيخ مغلطاي أو علاء الدِّين مع أنّه شيخ شيخه، كثيرًا ما يذكره في شرحه بتعظيم, وقد علم أن المثبت مقدم على النافي. انتهى (¬1423). وهذا إذا لم يكن النفي محصورًا، فأمّا وهو محصور في الطّبريّ والموجود في الطّبريّ خلافه فلا. ¬

_ (¬1422) فتح الباري (11/ 300). (¬1423) عمدة القاري (23/ 65) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 360).

733 - باب {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}

733 - باب {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} قوله: حدثني إسحاق هو ابن منصور، وغلط من قال ابن إبراهيم (¬1424). قال (ع): التغليط من أين؟ وقد سمع البخاريّ من جماعة كلّ منهم يسمى إسحاق بن إبراهيم (¬1425). قلت: ليس في شيوخه هكذا ممّن يروي عن روح بن عبادة إِلَّا ابن راهويه وابن منصور، فأمّا ابن راهويه فإنّه لا يقول إذا حدث عن شيوخه إِلَّا أخبرنا، وهذا مسنده وتفسيره موجودان، لا يقول في شيء من حديثه حدّثنا نافع، فلما وقع في هذا السند في البخاريّ حدّثنا روح انحصر في إسحاق بن منصور لما ذكرته، وهذا الرَّجل يسارع إلى إنكار، ما لم يحط به علمًا، مع أنّه يكتب جميع ما يقوله (ح) في شرحه بحرفه وفيه أمثال هذا فيرضى به، ويوهم أنّه من تصرفه، ولا ينسبه إلى قائله حتّى إذا عبر بأدنى شيء يظن أن فيه مقالًا، لا يملك نفسه حتّى يتكلم فيه، فيزداد عثرة والله المستعان. ¬

_ (¬1424) فتح الباري (11/ 306). (¬1425) عمدة القاري (23/ 69).

734 - باب الخوف من الله

734 - باب الخوف من الله حدّثنا موسى حدّثنا معتمر هو ابن سليمان التيمي سمعت أبي حدّثنا قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد ... فذكر الحديث الذي قال: "اذْرُونِي في الرِّيحِ" قال: فحدث به أبا عثمان فقال: حدثني سلمان. قال الكرماني: فحدث به هو قتادة. قال (ح): بل هو سليمان والد المعتمر (¬1426). قال (ع): الذي يظهر أن قول الكرماني هو الصواب (¬1427). كذا قال، والذي جزم به أصحاب الأطراف الأوّل. قوله: "فَأَخَذَ مواثِيقَهُمْ عَلى ذَلِكَ وربى". قال الكرماني. يحتمل أن يكون بصيغة الماضي من التربية. قال (ح): هذا بعيد (¬1428). قال (ع): ما جزم به حتّى يقال وأبعد (¬1429). ¬

_ (¬1426) فتح الباري (11/ 315). (¬1427). عمدة القاري (23/ 75). (¬1428) فتح الباري (11/ 315). (¬1429) عمدة القاوي (23/ 74) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 361).

735 - باب لينظر إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه

735 - باب لينظر إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه قال (ح): هذا لفظ حديث أخرجه مسلم بنحوه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: "انْظُروُا إلى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُروُا إِلى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ" (¬1430). قال (ع): هذا ليس كلفظ حديث مسلم بل هو في المعنى مثله (¬1431). قلت: يحتاج أن يثبت المغايرة بين نحو كذا ومعنى كذا وإلا سقط الاعتراض. ¬

_ (¬1430) فتح الباري (11/ 322). (¬1431) عمدة القاري (23/ 79) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 362 - 363).

736 - باب العزلة راحة من خلاط السوء

736 - باب العزلة راحة من خلاط السوء قال (ح): بضم المعجمة وتشديد اللام جمع خليط، وذكره الكرماني بلفظ خلط بغير ألف يعني بضمتين (¬1432). قال (ع): لم يذكره الكرماني هذا، وإنّما ذكره بإثبات الألف وقال: بضم الخاء وتشديد اللام وبكسر الحاء والتخفيف (¬1433). قلت: النسخ من كتابه يقع فيها الاختلاف. ¬

_ (¬1432) فتح الباري (11/ 331). (¬1433) عمدة القاري (23/ 81).

737 - باب رفع الأمانة

737 - باب رفع الأمانة قال (ح): قيل المراد بقوله: "إنَّماَ النَّاسُ كَالإِبِل الْمِئَة لَا تَكَادُ تجِدُ فِيهَا راَحِلَةً" [القرون المذمومة] قال: نقل الكرماني هذا عن مغلطاي ظنًا منه أنّه كلامه لكونه لم يغيره (¬1434). قال (ع): لم يسم الكرماني مغلطاي وإنّما قال بعضهم (¬1435). قلت: هذا كالذي قبله. ¬

_ (¬1434) فتح الباري (11/ 335) وما بين المعكوفين من عندنا ليصلح به الكلام. (¬1435) عمدة القاري (23/ 85).

738 - باب الرياء والسمعة

738 - باب الرياء والسمعة قال (ح): السمعة بضم المهملة وسكون الميم مشتقة من السمع (¬1436). قال (ع): السمعة اسم والسماع مصدر، والاسم لا يشتق من المصدر (¬1437). قلت: حرف اللّفظ ثمّ اعترض كما ترى. قوله: ولم أسمع أحدًا يقول: قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - غيره. قال الكرماني: يعني لم يبق من أصحاب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - حينئذ غيره في ذلك المكان. قال (ح): ليس كذلك فإن جندبًا كان بالكوفة إلى أن مات وكان بها في حياة جندب أبو جحفة السوائي ومات بعد جندب بست سنين، وعبد الله بن أبي أوفى وكانت وفاته بعده بعشرين سنة، فيمكن أن يكون مراده أنّه لم يسمع منهما, ولا من أحدهما, ولا من غيرهما ممّن كان موجودًا من الصّحابة في غير الكوفة شيئًا، بعد أن سمع من جندب الحديث المذكور (¬1438). قال (ع): الكرماني أن يقول مرادي بالمكان الذي به جندب من البيوت الّتي كان يسمع فيها الحديث لا عموم الكوفة (¬1439). كذا قاله. ¬

_ (¬1436) فتح الباري (11/ 336) وفي الفتح "من سمع". (¬1437) عمدة القاري (23/ 86). (¬1438) فتح الباري (11/ 336). (¬1439) عمدة القاري (23/-86) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 363 - 364).

739 - باب التواضع

739 - باب التواضع ذكر فيه حديث: "مَنْ عَادَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ". قال الداودي: ليس هذا الحديث من التواضع في شيء. وقال غيره: من مناسب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه. وقال مغلطاي: لا أدري ما مطابقته له، لأنّه ذكر فيه للتواضع، ولا لما يقرب منه، وقال أيضًا: التقرب إلى الله بالنوافل حتّى تحصل المحبة من الله لا تكون إِلَّا بغاية التواضع والتذلل للرب، وفيها بعد، لأنّ النوافل إنّما يربى ثوابها عند الله لمن حافظ على فرائضه. وقيل: تستفاد الترجمة من قوله كنت سمعه ومن التردد، وتلقى الكرماني هذه المناسبة فقال: التقرب بالنوافل لا تكون إِلَّا بعناية للتواضع والتذلل للرب. وقال (ح): تستفاد المناسبة من معنى الزجر مع معاداة الأولياء المستلزم الحض على موالاتهم وموالاتهم لا تحصل إِلَّا بالتواضع إذ فيهم الأشعث الأغبر الذي لا يؤبه به (¬1440). قال (ع): دلالة الالتزام مهجورة، لأنّها لو كانت معتبرة لزم أن يكون للفظ الواحد مدلولات غير متناهية، ويقال لهذا القائل: تريد اللزوم البين فهو مختل باختلاف الأشخاص ولا يكاد ينضبط المدلول، وإن أردت ¬

_ (¬1440) فتح الباري (11/ 347).

مطلق اللزوم فاللوازم لا تتناهى، فيمتنع إرادة اللّفظ إياها فلا يقع كلامه جوابًا (¬1441). قلت: لم أر التشاغل بالرد عليه، وأقول لمن وقف على جوابي وإنّما قالوا: إنَّ أدنى شيء من المناسبة يكفي، فكيف مع وضوحها بما قررته والله المستعان. ¬

_ (¬1441) عمدة القاري (23/ 89).

740 - باب سكرات الموت

740 - باب سكرات الموت فيه ابن عمر: "إذاَ مَاتَ أحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ ... " الحديث. حكى ابن بطّال أن المراد بالعرض الإخبار بأن هذا موضع جزائكم على أعمالكم، فإن العرض على شيء فإن ممتنع، والعرض الذي يدوم العرض على الأرواح، واعترض عليه بأن جعل العرض عن أخبار الأرواح بذلك عدول عن الظّاهر بغير مقتض لذلك. والجواب بأن سبب العدول أن لا بدّ أن تفنى، والفاني حكمه حكم المعدوم، فلا يتصور العرض على المعدوم. قال (ح): يؤيد الحمل على الظّاهر أن الخبر ورد عامًا في المؤمّن والكافر، فلو اختص العرض بالروح لم يكن للكافر ولا للشهيد في هذا العرض فائدة لأنّ الشهيد منعم جزمًا، والكافر معذب، فإذا حمل على الرُّوح التي لها اتصال بالبدن ظهرت فائدة ذلك في حق الجميع (¬1442). قال (ع): كون عموم الخبر يؤيد العمل على الظّاهر غير مسلم (¬1443). كذا قال، وقد أورد (ح) في تقوية ما جوزه حديث أيضًا هريرة الذي أخرجه الطبراني وصححه ابن حبّان في صفة السؤال في القبر وأنّه يقال للمؤمن بعد أن يفتح له باب من أبواب الجنَّة: "هذا مقعدك وما أعد الله لك فيزداد فرحًا وسرورًا ... " الحديث. ¬

_ (¬1442) فتح الباري (11/ 366). (¬1443) عمدة القاري (23/ 97).

741 - باب يدخل الجنة سبعون ألفا

741 - باب يدخل الجنَّة سبعون ألفًا قوله: وحدثني أسيد بن زيد هو الجمال بالجيم كوفي حدث ببغداد. قال أبو حاتم: كانوا يتكلمون فيه، وضعفه جماعة، وأفحش ابن معين القول فيه، وليس له عند البخاريّ سوى هذا الموضع، وقد قرنه بغيره، ولعلّه كان عنده ثقة قاله أبو مسعود. ويحتمل أن لا يكون خبر أمره كما ينبغي، وإنّما سمع منه هذا الحديث الواحد، وقد وافقه عليه جماعة عن هشيم منهم سريج بن النعمان عن أحمد، وسعيد بن منصور عند مسلم، وغيرهما، وإنّما احتاج إليه فرارًا من تكرير الإِسناد بعينه، فإنّه أخرج السند الأوّل في الطيب، ثمّ أعاده فأضاف إليه طريق هشيم، وتقدم في الطيب أيضًا من طريق حصين بن نمير، وتقدم قريبًا من طريق شعبة كلهم عن حصين بن عبد الرّحمن (¬1444). قال (ع): هذا ليس بشيء، لأنّه قد وقع في البخاريّ أسانيد كثيرة تكررت بعينها في غير موضع، ولا يخفى هذا على من يتأمل (¬1445). قلت: الكثرة والقلة أمر نسبي، والمواضع الّتي أعادها بعينها في جميع الكتاب، إمّا أن يكون بعد طول العهد جدًا، وإما أن يتصرف في المتن بسياقه بطوله، أو باختصار منه، وما سوى ذلك بالنسبة إلى ما عداه قليل جدًا، وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1444) فتح الباري (11/ 406 - 407). (¬1445) عمدة القاري (23/ 116).

742 - باب صفة الجنة والنار

742 - باب صفة الجنَّة والنار في شرح الحديث الطويل في طلب الشفاعة من طول الموقف: "إئْتُوا نُوحًا". قال (ح): تنبيه: ذكر أبو حامد الغزالي في كشف علوم الآخرة أن بين إتيانهم آدم وإتيانهم نوحًا ألف سنة، وكذا بين كلّ نبي ونبي. قلت: ولم أقف لذلك على أصل، وقد أكثر في هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصل لها فلا تغتر بشيء منها (¬1446). قال (ع): جلالة قدر الغزالي تنافي ما ذكره، وعدم وقوفه لذلك على أصل لا يستلزم نفي وقوف غيره لذلك على أصل، فإنّه لم يحط علمًا بكل ما ورد وبكل ما نقل حتّى يدعي هذه الدعوى (¬1447). قلت: جلالة الغزالي لا تنافي أنّه يحسن الظن ببعض الكتب فينقل ما فيها، ويكون ذلك المنقول غير ثابت كما وقع له ذلك في الإحياء في نقله من قوت القلوب كما نبه على ذلك غير واحد من الحفاظ، وقد اعترف هو بأن بضاعته في الحديث مزجاة، ولم يدع (ح) أنّه أحاط علمًا، وإنّما نفى أنّه ¬

_ (¬1446) فتح الباري (11/ 434). (¬1447) عمدة القاري (23/ 127).

اطلع، وإطلاقه في الثّاني محمول على تقييده في الأوّل، والحكم لا يثبت بالاحتمال، فلو كان هذا المعترض اطلع على شيء من ذلك يخالف قول (ح) لأبرزه وتبجح [قوله] في شرح الحديث في أواخر الباب المذكور كان يقال .... الخ. قال الكرماني: ليس هذا من تتمّة كلام رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بل هو من كلام الراوي نقلًا عن الصّحابة أو عن غيرهم من أهل العلم. قال (ح): قائل وكان يقال هو الراوي كما أشار إليه، وأمّا قائل المقالة المذكورة فهو النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ثبت ذلك في حديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه: "أَدْنى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ الله - وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ" وساق القصة (¬1448). قال (ع): كون هذه المقالة في حديث ابن مسعود كذلك من كلام النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - (¬1449). قلت: إذا أراد الاستلزام العقلي فليس مرادًا هنا، بل يكفي الظن القوي الناشيء عن الاستدلال، لأنّ هذا الأمر مرجعه النقل، والصحابي إذا لم يكن ينظر في كتب أهل الكتاب، ولا ينقل عنهم كابن مسعود انحصر أنّه نقل عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، سواء كان ذلك بواسطة أم لا، فبطل الاعتراض. ¬

_ (¬1448) فتح الباري (11/ 444). (¬1449) كذا هو في النسخ الثلاث، والذي في عمدة القاري (23/ 130) كون هذه المقالة في حديث أبي سعيد من كلام النّبيّ أن لا يستلزم كونها في آخر حديث عبد الله بن مسعود كذلك من كلام النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -.

743 - باب في الحوض

743 - باب في الحوض قال عياض: اختلفت الأحاديث في مسافة سعة الحوض، وليس فيه حديث واحد حتّى يعد اضطرابًا وإلا [إنّما] جاء من [في] عدة أحاديث عن غير واحد سمعوه في مواطن كثيرة، وكان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يضرب في كلّ منها مثلًا، لبعد أقطار الحوض بما يسنح له من العبارة، ويقرب ذلك للعلم ببعد ما بين البلاد النائية. قال: فبهذا يجمع بين الألفاظ المختلفة. قال (ح): فيه نظر من جهة أن ضرب المثل والتقدير إنّما يكون فيما يتقارب، وأمّا المتباعد الذي يزيد تارة على مسافة ثلاثين يومًا وينقص إلى ثلاثة أيّام فلا (¬1450). قال (ع): في نظره نظر، لأنّه يحتمل أنّه - صلّى الله عليه وسلم - لما أخبر بثلاثة أيّام كان هذا المقدار، ثمّ إنَّ الله تعالى تفضل عليه باتساعه شيئًا بعد شيء، وكلما اتسع أخبره بقدر ما اتسع، وكل من روى بمقدار قال فيما رواه غيره بحسب ذلك، وهذا الوجه يحصل الجواب الشافي عن الاختلاف المذكور، فلا يحتاج بعد ذلك إلى كلام طويل غير طائل كما صدر ذلك عن صاحب النظر المذكور (¬1451). قلت: هذا الجواب بعينه قد ذكر في الكلام الطويل، وكان (ع) لما ¬

_ (¬1450) فتح الباري (11/ 471). (¬1451) عمدة القاري (23/ 138) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 370 - 371).

ارتضاه أوهم أنّه ظفر به، وأن فيه غنية عن بقية الكلام، وكان حقه أن ينسبه لمن أبرزه، وكان سياق الكلام الذي زعم أنّه لا طائل فيه مع أن الذي ارتضاه من جملته. قال (ح) متصلًا بكلامه: وأجاب النووي بأنّه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة، فالأكثر ثابت، ولا معارضة، كأنّه أشار إلى أنّه أخبر أوَّلًا بالمسافة اليسيرة، ثمّ أعلم بالمسافة الطويلة، فأخبر بها حيث تفضل الله باتساعه شيئًا بعد شيء، فيكون الاعتماد على أطولها مسافة، وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون التفاوت في الطرفين ورد. بحديث عبد الله ابن عمرو "زَوَايَاهُ سَوَاءٌ" وجمع آخر باختلاف السير البطيء، وهو سير الأثقال والسير السريع، وهو سير الركب المخفف محمل رواية أقلها على سير البريد مثلًا، فقد عهد منهم من يقطع مسافة الشهر في ثلاثة أيّام، ولكنه نادر جدًا، وفي هذا الجواب نظر، والذي قبله أقوى ما جمع به مع أن لفظ الخبر في المسافة اليسيرة أعلم الحافظ ضياء الدِّين في كتاب الحوض أن الصواب في سياقه مثل ما بينكم وبين جرباء وأدرج وهذا يوافق رواية أبي سعيد عند ابن ماجه كما بين الكعبة وبيت المقدس (¬1452). فانظروا كم اشتمل هذا الكلام الذي زعم هذا المعترض أنّه غير طائل على طائل ولله الحمد. قوله في حديث ابن عمر: "وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ". قال المازري ما ملخصه: هذا يخالف قول النحاة لا يقال أبيض من كذا بل أشد بياضًا. قال (ح): قد وقع في رواية أبي ذر: "أَشَدُّ بَيَاضًا" فيحتمل أن تكون رواية من روى أبيض من اللبن من تصرف الرواة (¬1453). ¬

_ (¬1452) فتح الباري (11/ 472). (¬1453) فتح الباري (11/ 472).

قال (ع): القول بأن هذا جاء من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - استعمل اللفظين فيكون فيه رد على النحاة (¬1454). قلت: حكاية هذا تغني عن التصدى لرده. قوله: "بَيْنَمَا أَنَا أَسيِرُ في الجَنَّةِ إذْ أَنَا بِنَهْرٍ" الحديث عن رواية أنس. قال الداودي: إن كان هذا محفوظًا دل أن الحوض الذي يدفع عنه أقوام غير الذي في الجنَّة، أو يكون هو الذي يراهم، وهو داخل الجنَّة من خارجها، فيناديهم فينصرفون عنه. قال (ح): هذا تكلف عجيب، ويغني عنه أن الحوض الذي خارج الجنَّة، وهو يُمَدُّ من النهر الذي داخل الجنَّة، وهو الكوثر كما تقدّم, فلا إشكال أصلًا (¬1455). قال (ع): هذا يحتاج إلى دليل أنّهْ يمد من النهر الذي في الجنَّة، قال: ¬

_ (¬1454) عمدة القاري (23/ 139) وعبارته: إنَّ نسبته إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أولى من نسبة الرواة إلى الغلط على زعم النحاة، واستشهاده لذلك برواية مسلم لا يفيده لأنّه لا مانع أن يكون النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - استعمل أفضل التفضيل من اللون، فيكون حجة على النحاة. قال البوصيري (ص 371 - 372) إنَّ قولهم مقتضى كلام النحاة الخ، فيه هضم لحقوق الكوفيين ومن وافقهم من البصريين المحجوزين لذلك، لسماعه بكثرة في جميع ما منعه النحاة، كأحمق وأهوج، وأخرق وأنوق وألد الخصام، وفي مقدمته هذا الحديث الذي رواه صحابة كثيرون، حتّى إن قلنا: إنهم المتصرفون، فيكفي في الحجية؛ لأنّهم فصحاء أيضًا، فما قاله العيني هو الذي يركن إليه، ثمّ ممّا ينبغي أن ينبه عليه أن الذي منع من النحاة لأجل إثبات القواعد يجب تقييده بما إذا لم يكن المتصرف عربيًا فصيحًا، وإلا جاز كأكثر الصحابة، فاعرفه. (¬1455) فتح الباري (11/ 473).

وأحسن من هذا ما تقدّم أن له حوضَيْن (¬1456). قلت: تقدّم ذكر الدّليل الذي طالت ذكرته في أول الكلام على هذا الباب في الرد على القرطبي في جزمه بأن للنبي - صلّى الله عليه وسلم - حوضيْن، فذكرت حديث أبي ذر عند مسلم في صفة الحوض: "يَصُبُّ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ" ونحوه في حديث ثوبان، وأصرح منه حديث ابن مسعود: "وَيُفتَحُ نَهْرُ الكَوْثَرِ إلى الْحَوْضِ" أخرجه الإِمام أحمد. قوله في آخر الباب: "وَسيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي فَأقُولُ: يَارَبِّ مِنيِّ وَمِنْ أُمَّتِي، فيقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ". قال (ح): فيه إشارة إلى أنّه لم يعرف أشخاصهم بعينها، وإن كان يعرف أنّهم من أمته بالعلّامة (¬1457). قال (ع): فيه نظر لا يخفى (¬1458). ¬

_ (¬1456) عمدة القاري (23/ 140). (¬1457) فتح الباري (11/ 476). (¬1458) عمدة القاري (23/ 372). قال البوصيري (ص 372) إنّه لم يبين وجه النظر، ولعلّه ما تكرر في الأحاديث من قولهم يعرفونني وأعرفهم، وقد قال قريبًا: "فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم الخ" ويكاد حديث مسلم "يردّ علي الحوض رجال من صحابتي، حتّى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني الخ" أن يكون صريحًا في معرفة أشخاصهم. فالظاهر منه أنّه عرفهم وعرفوه بالشخص، ويحتمل أنّهم عرفهم بالعلامة كما هي في عبارة ابن حجر الّتي أسقطها العيني، والله أعلم.

كتاب القدر

كتاب القدر قوله: "وَالصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ". قال الكرماني: لما كان مضمون الخبر مخالفًا لما عليه الأطباء أراد الإشارة إلى صدقه وإبطال ما قالوه أو ذكروه تلذذًا وتبركًا وافتخارًا. قال (ح): يؤيد الثّاني أن هذا اللّفظ بعينه وقع في حديث المغيرة بن شعبة سمعت الصادق المصدوق - صلّى الله عليه وسلم - يقول: "لَا تُنْزَعُ [الرَّحْمَةُ] إِلَّا مِنْ شَقِيٌّ" وفي حديث أبي هريرة مثله: " هَلَاكُ أُمَّتِي عَلى يَدَيْ أُغَيْلمَةٍ" (¬1459). قال (ع): هذا مجرد تحريش من غير طعم (¬1460). قلت: انظروا وتعجبوا. ¬

_ (¬1459) فتح الباري (11/ 478). (¬1460) عمدة القاري (23/ 146). قال البوصيري (ص 373): إنَّ من تأمل عبارة العيني الّتي غير فيها أسلوبه في الرد على ابن حجر، يرى فيها شيئًا خفيًا، إذ عادته أن ينقل عبارة البعض ثمّ يردّ عليها، وهنا قال: ملخصه إلخ، وما ذاك إِلَّا أنّه لم يفهم كلامه إِلَّا مقلوبا، وهذه عبارة ابن حجر بعد أن نقل عبارة الكرماني بنصها الّتي ذكرها العيني إلى قوله: وافتخاره، ويؤيده وقوع هذا اللّفظ بعينه من حديث المغيرة، وحديث أبي هريرة المذكورين، وليس فيه إشارة إلى بطلان شيء آه. فغاية ما في الباب أن ابن حجر رجح أحد الوجهين اللذين ذكرهما الكرماني، وهو الأخير منهما، وما أورد الحديثين إِلَّا لتقوية ما رجحه لا لإبطال شيء كما طبعه العيني، فانظر إلى قوله: ويؤيده بالضمير المفرد عقب الوجه الثّاني، ففي كلام ابن حجر طعم لذيذ، ولا تحريش فيه أصلًا فاعرفه.

قوله: وَشَقِيٌّ أَمْ [أَوْ] سَعِيدٌ هو بالرفع خبر مبتدأ محذوف، ويجوز الجر قاله (ح) (¬1461). قال (ع): ليس كذلك لأنّه معطوف على ما قبله الذي هو يدلُّ على أربع فيكون مجرورًا (¬1462). ¬

_ (¬1461) فتح الباري (11/ 483). (¬1462) عمدة القاري (23/ 146).

744 - باب جف القلم بما هو كائن

744 - باب جف القلم بما هو كائن قال (ح): هو بالتنوين خبر مبتدأ محذوف أي هذا باب (¬1463). قال (ع): هذا قول من لم يمس شيئًا من الإعراب والتّنوين يكون في المعرب، ولفظ باب مفرد فكيف ينون؟ (¬1464). قلت: أعاد هذا مرارًا، وقد جوز الكرماني في كل ما لم يكن من هذا الباب مضافًا التّنوين، والجزم على قصد السكوت، لأنّه للتعداد، وقد أكثر المصنفين [المصنفون] من الفقهاء والعلماء حتّى النحاة وغيرهم في تصانيفهم ذكر باب بغير إضافة، وكذا ذكر فرع وفصل وتنبيه ونحو ذلك، وكله يحتاج إلى تقدير، وقول الشارح باب هو بالتنوين لا يستلزم نفي التقدير، وقد سلم هذا المقدار (ع) فقال في باب المحاربين: قول (ح) بالتنوين لا يكون إِلَّا بالتقدير، لأنّ المعرب هو جزء المركب، والفرد وحده لا ينون. ¬

_ (¬1463) فتح الباري (11/ 491). (¬1464) عمدة القاري (23/ 147).

745 - باب "الله أعلم بما كانوا عاملين"

745 - باب "الله أعْلَمُ بِما كَانُوا عَامِلِينْ" قوله: حدثني إسحاق أخبرنا عبد الرزّاق. قال (ح): هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه (¬1465). قال (ع): جوز الكلاباذي أن يكون ابن إبراهيم السعدي أو ابن راهويه أو الكوسج، فالجزم بأنّه ابن راهويه من أين؟! قلت: من القرينة الظاهرة في قوله أخبرنا، فإنّه لا يقول حدّثنا كما أن إسحاق بن منصور الكوسج يقول: حدّثنا ولا يقول أخبرنا، وهذا لا يعرف إِلَّا بالاستقراء. ¬

_ (¬1465) فتح الباري (11/ 494).

746 - باب المعصوم من عصم الله

746 - باب المعصوم من عصم الله قوله: قال مجاهد: سَدًّا عن الحق يترددون في الضلالة. قال (ح): كذا للأكثر بتشديد الدال بعدها ألف، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} قال: عن الحق. ووصله عبد بن حميد من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عنه في قوله: {سَدًّا} قال: عن الحق يترددون. ورأيته في بعض نسخ البخاريّ سُدىً بتخفيف الدال مقصور وعليها شرح الكرماني فقال: وقع هنا: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أي مهملًا مترددًا في الضلالة، ولم أر في شيء من نسخ البخاريّ إِلَّا اللّفظ الذي أوردته (¬1466). قال مجاهد: ... الخ، ولم أر في شيء من التفاسير الّتي تساق بالأسانيد لمجاهد في قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} كلامًا ولم أر في شيء من المنقول عن مجاهد، قوله: في الضلالة (¬1467). قال (ع): كلام ينقض آخره أوله, لأنّه قال أوَّلًا: ورأيته في بعض نسخ البخاريّ بتخفيف الدال، ثمّ قال: ولم أر في شيء من نسخ البخاريّ ¬

_ (¬1466) عمدة القاري (23/ 149). (¬1467) فتح الباري (11/ 502).

إِلَّا الذي أوردته (¬1468). قلت: الذي نفى رؤيته قول الكرماني، قوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أي مهملًا مترددًا في الضلالة، وأمّا الذي ذكر أنّه رآه في بعض النسخ فهو مجرد لفظ: سدى بالتخفيف وبالياء آخره، فأين التناقض؟ ثمّ قال (ع): هو لم يطلع إِلَّا على النسخ الّتي في مدينته، وأمّا النسخ الّتي في كِرمان وبلخ وخراسان فلا (¬1469). ¬

_ (¬1468) عمدة القاري (23/ 155). (¬1469) عمدة القاري (23/ 155).

747 - باب {وحرام على قرية}

747 - باب {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} وقال منصور بن النعمان: هذا التعليق رواه أبو جعفر الطّبريّ عن ابن قهزاد عن أبي عوانة قاله مغلطاي وتبعه ابن الملقن. قال (ح): لم أقف على ذلك في تفسير أبي جعفر الطّبريّ (¬1470). قال (ع): هذا مجرد تشنيع، وعدم وقوفه لا يستلزم عدم وقوف غيره، ونسخ الطّبريّ كثيرة لا تخلو عن زيادة ونقصان (¬1471). قلت: دعواه أن نسخ الطّبريّ كثيرة باطلة، فليس بالديار المصرية فيما علمناه بعد البحث من تفسير الطّبريّ نسخة كاملة إِلَّا واحدة، وفيها نسختان ناقصتان، وبأيدي بعض النَّاس أجزاء متفرقة عنه، ودعواه أنّها تختلف بالزيادة والنقصان باطلة أيضًا، والاستلزام الذي نقله مقبول في المحصور، والله المستعان. قوله: وقال شبابة: حدّثنا ورقاء عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة. قال (ح): ذكر مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن أن الطبراني في الأوسط وصل عن عمرو بن عثمان عن ابن المنادي عنه، وكنت قلدتهما في ¬

_ (¬1470) فتح الباري (11/ 503). (¬1471) عمدة القاري (23/ 156) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 373 - 375).

ذلك في تغليق التعليق ثمّ راجعت المعجم الأوسط فلم أر فيه (¬1472). [قال (ع)] قلت: صرح شيخ شيخه وتبعه شيخه أنّه رآه، والمثبت مقدم على النافي، لكن عرق العصبية ينبض، فيؤدِّي صاحبها إلى حطه من هو أكثر منه في العلم والسن والقدم (¬1473). كذا قال. ¬

_ (¬1472) فتح الباري (11/ 503) وانظر تغليق التعليق (5/ 191). (¬1473) عمدة القاري (23/ 157). قال أيضًا البوصيري (ص 374) فما أحسن أدب ابن حجر وما ألطفه في الكلام! فغاية ما قاله أنّه لم يجد المفيد لغاية التواضع، والنزوع إلى القصور، وهب أنّه رمز إلى التعريض بالتوهيم، فجوابه عن العيني تعيين المحل الذي ذكره فيه الطبراني، لا صرف القلم إلى الشتم الذي هو عكاز العاجز يتوكأ عليه عوضًا عن المعارضة الحقة، وقاعدة "المثبت مقدم على النافي" مسلمة، لكن ليس من موضوعنا هنا، لانفكاك الجهة بين "رواه الطبراني" وبين "لم أجده فيه" بجواز التقصر أو القصور، فلم يصدقا على شيء واحد، فاعرفه.

748 - باب إذا حنث في الأيمان ناسيا

748 - باب إذا حنث في الأيمان ناسيًا قوله: زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة يرفعه قال: "إِنَّ الله تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ ... " الحديث. قال الكرماني: إنّما قال برفعه إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ليكون أعم من أنّه سمعه منه أو من صحابي آخر عنه. قال (ح): لا اختصاص لذلك بهذه الصيغة، بل الاحتمال بعينه يقع في قوله قال وعن ونحوهما، وإنّما يقع الاحتمال إذا قال: سمعت، وليس المراد من هذه الصيغة إِلَّا أنّه كناية عن قوله: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - إمّا أنّها يراد منها التردد بين أن يكون الصحابي سمع ذلك الحديث من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أو لا فليس مقصودًا منها (¬1474) قال (ع): غرض هذا القائل تحريش على الكرماني، وإلا فلا حاجة إلى هذا الكلام، لأنّه ما ادعى الاختصاص، ولا قوله ذلك ينافي غيره يعرف بالتأمل (¬1475). ¬

_ (¬1474) فتح الباري (11/ 551). (¬1475) عمدة القاري (23/ 188). قال البوصيري (ص 375 - 376) عبارة ابن حجر هي قوله: "قد سبق في العتق" عن أبي هريرة عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بلفظ قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، وفي رواية عن أبي هريرة -يعني موقوفًا- وقال الكرماني إلى آخر ما نقله عنه العيني. ثمّ من يعرف مقام ابن حجر الذي سلمة المحدثون بعده، ويعلم مقدرته الّتي خصه الله بها في جمع أطراف الأحاديث المتشتتة بجميع طرقها، علم أنّه هنا =

قلت: صيغة الحصر في قوله إنّما يساعده ما قاله (ح) والله أعلم. قوله في حديث عروة عن عائشة في قتل والد حذيفة فقال حذيفة: غفر الله لكم، قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة منها أي من قتل أبيه بقية، أي بقية حزن وتحسر من قتل أبيه. قال (ح): وهم الكرماني في تفسيره والصواب في المراد أنّه حصل له خير بقوله للمسلمين: الذي قتلوا أباه خطأ غفر الله لكم، واستمر ذلك الخير ببركة هذا القول إلى أن مات (¬1476). قال (ع): نسبة الكرماني إلى الوهم وهم، والأقرب ما فسره به؛ لأنّه تحسر غاية التحسر على قتل أبيه على يد المسلمين على ما لا يخفى (¬1477). كذ! قال، ولم ينكر (ح) أنّه تحسر إنّما أنكر تفسير خير بالتحسر. ¬

_ = بصدد بيان معنى هذا الحديث برواياته الأربعة، الوقف والرفع بلفظه أو بعن أو بقال، فقد أتم بيان معناه من غير تحريش على أحد. ولهذه النكتة لم يذكر أشباهها من نحو فعل وترك وأمر ونهى وغيرها، فلله دره من يحدث، فقول العيني: "لا حاجة إلى هذا الكلام" ربما صدق على أمثاله، وأمّا غيره فالحاجة ماسة إليه، إذ لولاه لما عرفه من هو دونهم، أو لما استحضر في هذا المقام الروايات الأربع بمعانيها. وقوله: "لم يدع الكرماني الاختصاص" هو كلام صحيح الظّاهر، إِلَّا أن الكرماني شارح كبير، يلزمه أن يبين أخواتها الّتي روي بها هذا الحديث، وإلا كان مشبها بالمقصر، فاعرفه. (¬1476) فتح الباري (11/ 553). (¬1477) عمدة القاري (23/ 190).

749 - باب اليمين الغموس

749 - باب اليمين الغموس قيل: كانوا إذا تعاهداوا أحضروا جفنة فيها طيب أو غيره، ثمّ يدخلون أيديهم فيها ويحلفون، فسميت تلك اليمين إذا غدر صاحبها غموسًا. قال (ح): وكأنّها مأخوذة من اليد المغموسة (¬1478). قال (ع): هذا تصرف من ليس له ذوق في [من] العربيّة، فإنها على هذا القول مأخوذة من غمس اليد لا من اليد المغموسة (¬1479). ¬

_ (¬1478) فتح الباري (11/ 556). (¬1479) عمدة القاري (23/ 193).

750 - باب إذا حلف [أن] لا يشرب نبيذا فشرب طلاء ... الخ

750 - باب إذا حلف [أن] لا يشرب نبيذًا فشرب طلاءً ... الخ قال ابن بطّال: أراد البخاريّ الرد على من ذهب من الكوفيين أن النبيذ ما نبذ من [في] الماء ومنه سمي المنبوذ، وتعقبه بعض النَّاس. قال (ح): الذي فهمه ابن بطّال أوجه وأشبه بمراد البخاريّ (¬1480). قال (ع): ليت شعري ما وجه إِلَّا وجهيه والأقربية (¬1481). قلت: يعرفه من يفهم. ¬

_ (¬1480) فتح الباري (11/ 569). (¬1481) عمدة القاري (23/ 200).

751 - باب إذا حلف أن لا يأتدم

751 - باب إذا حلف أن لا يأتدم فيه حديث عائشة: "مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ". قال الكرماني: مطابقة الحديث للترجمة من ثلاثة أوجه: أحدها: أنّه كان التّمر غالب القوت في بيت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - وكانوا شباعى منه علم أنّه ليس أكل الخبزية ائتدامًا. قال (ح): هذا مباين لمراد البخاريّ (¬1482). قال (ع): لم يبين المراد ما هو؟ (¬1483). ¬

_ (¬1482) فتح الباري (11/ 571). (¬1483) عمدة القاري (23/ 202).

752 - باب النذر في الطاعة

752 - باب النَّذْر في الطّاعة قال (ح): يحتمل أن يكون باب بالتنوين ويريد بقوله النَّذْر في الطّاعة حصر المبتدأ في الخبر، ولا يكون نذر المعصية نذرًا شرعيًا (¬1484). قال (ع): قوله: باب بالتنوين، لا يقال كذلك، لأنّ المنون هو المعرب نحو زيد قائم، فإن زيدًا وحده لا يكون معربًا، وكذلك قائم وحده، فكذلك باب، والمعرب جزء المركب لا يكون معربًا إِلَّا بالتقدير (¬1485). قلت: تكرر منه الإِنكار على من يقول باب بالتنوين، ولم يفصح بمراده إِلَّا هنا، والذي قاله أخيرًا صحيح، فهل وقع في كلام (ح) نفي التقدير؟ بل اقتصاره على قوله بالتنوين يريد أنّه غير مضاف، وإنّما إن الكلام لا يتم إِلَّا بتقدير الجزء الآخر. قلت: في كلامه ما ينفيه وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1484) فتح الباري (11/ 581). (¬1485) عمدة القاري (23/ 208).

753 - باب ومن مات وعليه نذر

753 - بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ ذكر فيه حديث ابن عبّاس في قصة سعد بن عبادة حيث استفتى في نَذْر أمه قال: فأفتاه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أن يقضيه عنها، فكانت سنة بعد. قال الكرماني: أي صير [صار] قضاء الوارث ما على الموروث طريقة شرعية. وكذا قال (ح) (¬1486). قال (ع): معنى التركيب ليس كذلك، وإنّما هو فكانت فتوى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - سنة يعمل بها بعد (¬1487). ¬

_ (¬1486) فتح الباري (11/ 584). (¬1487) عمدة القاري (23/ 210).

754 - باب النذر فيما لا يملك

754 - باب النَّذْر فيما لا يملك قال الكرماني: كما لو نذر إعتاق عبد فلان لا يصح، واتفقوا على جواز النَّذْر في الذِّمَّة ممّا لا يملك كإعتاق عبد منهم. وقال (ح): تلقى البخاريّ عدم لزوم النَّذْر فيما لا يملكه من عدم لزوم النَّذْر، في المعصية كأن نذره في ملك غيره تصرف في ملك الغير وهو معصية (¬1488). قال (ع): كلّ منهما لم يقل شيئًا فيه كفاية، وإنّما يكلف وجه المطابقة بين الترجمة والحديث واعتراضًا عن قول ابن بطّال لا مدخل لأحاديث الباب عنها في النَّذْر فيما لا يملك، وهذا لا يخفى على المتأمل (¬1489). قلت: اكتفى (ح) بما ذكره من تشبيهه بنذر المعصية، وهذا هو الذي لا يخفى على المتأمل إذا كان فطنًا. قوله: أبو إسرائيل. قال الكرماني: رجل من الأنصار. قال (ح): كذا قال ابن الأثير فتبعه، والصواب قول الخطيب أنّه رجل من قريش (¬1490). ¬

_ (¬1488) فتح الباري (11/ 586). (¬1489) عمدة القاري (23/ 211). (¬1490) فتح الباري (11/ 591).

قال (ع): ثمّ قال صاحب الاستيعاب أنّه من الأنصار (¬1491). قلت: منه أخذ ابن الأثير، وقول الخطيب مقدم عليه، لأنّه ساقه بإسناده بخلاف الاستيعاب. ¬

_ (¬1491) عمدة القاري (23/ 212).

755 - باب من نذر الصوم [أن يصوم] أياما

755 - باب من نذر الصوم [أن يصوم] أيامًا ذكر رواية حكيم بن أبي حُرَّة أنّه سمع عبد الله بن عمر سئل عن رجل نذر أن لا يأتي عليه يوم إِلَّا صام فوافق أضحى أو فطر فقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لم يكن يصوم الأضحى والفطر، ولا يرى صيامها ولا نرى يُروي بلفظ المتكلم فهو من من مقول ابن عمر وبلفظ الكاف وفاعله ابن عمر وقائله حكيم. قال (ح): وقع في رواية يوسف القاضي بلفظ: لم يكن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، فتعين الاحتمال الأوّل (¬1492). قال (ع): أراد الخداش في كلام الكرماني، ولا خداش فيه, لأنّ كون الفاعل في هذا هو [رسول] الله تعالى لا ينافي كون الفاعل في هذا هو عبد الله والقائل هو حكيم بناء على تعدد القصة (¬1493). ¬

_ (¬1492) فتح الباري (11/ 591). (¬1493) عمدة القاري (23/ 213).

756 - باب إذا أعتق عبدا بينه وبين آخر

756 - باب إذا أعتق عبدًا بينه وبين آخر قال (ح): ثبتت هذه التّرجمة للمستملي وحده بغير حديث، وكأن المصنف أراد أن يخرج فيها حديث الباب الذي بعده من وجه آخر، لأنّه صالح لهما فلم يتفق أو تردد في الترجمتين فاقتصر الأكثر على أحدهما، وهي الّتي هذه، كتب المستملي الترجمتين احتياطًا، فقد سمع أبو نعيم الترجمتين في باب واحد (¬1494). وقال الكرماني: قالوا: إنَّ البخاريّ ترجم الأبواب، وأخلى من كلّ ترجمتين ليلحق الحديث، فلم يجد حديثًا منها، أو لم يف عمره بذلك، وقيل: بل أشار بذلك إلى ما نقل من الأحاديث الّتي ليست على شرطه. قال (ع): هذا الذي ذكره كله تخمين وحسبان، أمّا الوجه الأوّل للكرماني فليس بسديد، لأنّ الظّاهر أنّه لا يكتب ترجمة حتّى يقف على حديث يناسبها، وكذا وجهه الثّاني. وأمّا الثّالث فأبعد منهما، فإن الإِشارة تكون للحاضر، فكيف يطلع الناظر فيه أن ههنا أحاديث ليست على شرطه؟ وأمّا قول (ح): كتبها المستملي احتياطًا فأي احتياط هنا؟ هل كان لو ترك الكتابة يأثم؟ وأمّا قوله: والحديث صالح، فليس بوجه أصلًا، لأنّ لفظ المتن: "اْلوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ" فالعبد الذي أعتقه له وله ولاؤه أيضًا، فأين الاشتراك بين الترجمتين؟ والصواب أن يقال إنَّ هذه التّرجمة ليست من وضع البخاريّ، ولهذا لم يكتب عنه غير المستملي مع أن في ثبوتها عنه نظرًا (¬1495). ¬

_ (¬1494) فتح الباري (11/ 601). (¬1495) عمدة القاري (23/ 222).

757 - باب الكفارة قبل الحنث وبعده

757 - باب الكفارة قبل الحنث وبعده ذكر فيه رواية إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن أبي قلابة عن القاسم الميمي عن زهدم قال: كنا عند أبي موسى ... فذكر الحديث. ثمّ قال: تابعه حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم وأبي قلابة. قال الكرماني: هذا يحتمل التعليق. قال (ح): ليس هنا احتمال آخر بل هو تعليق جزمًا, لأنّه حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر (¬1496). قال (ع): لا يحتاج إلى هذا الكلام، بل هذه متابعة وقعت في الرِّواية عن القاسم، ولكن حمادًا ضم إليه أبا قلابة (¬1497). قلت: هذا تحصيل الحاصل، والسؤال إنّما وقع هل هذا موصول أو معلق؟ فقال الكرماني، يحتمل التعليق، فتعقبه (ح) بأنّه معلق جزمًا، وإن كان بلفظ المتابعة. ¬

_ (¬1496) فتح الباري (11/ 614). (¬1497) عمدة القاري (23/ 227).

758 - باب ميراث الجد مع الأب والإخوة

758 - بَابُ مِيرَاثِ الجَدِّ مَعَ الأَبِ وَالإِخْوَةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ: الجَدُّ أَبٌ. قال (ح): أي الجد أبٌ حقيقة (¬1498). قال (ع): لم يقل بذلك أحد ممّن ميز بين الحقيقة والمجاز (¬1499) قلت: الإِضافة صالحة، ولكن الإضافة للفاعل مقدمة. ¬

_ (¬1498) فتح الباري (12/ 19). (¬1499) عمدة القاري (23/ 240) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 376 - 377).

759 - باب الولد للفراش

759 - باب الولد للفراش قال (ح): سلك الطحاوي فيه مسلكًا آخر ... فذكر كلامه، ومن جملته أن معنى قوله: "هو لك" أي تمنع غيرك عنه إلى أن يظهر المستحق كما قال في اللقطة، وقال أيضًا: ولم يعلم من سودة تصديق ذلك ولا الدعوى به. ثمّ قال: وهو متعقب بالرواية المصرح فيها بقوله: "هو أخوك" فإنها رفعت الإِشكال، وكأنّه لم يقف عليها ولا على حديث ابن الزبير وسودة الدال على أنّها سودة وافقت أخاها عبدًا في الدعوى بذلك، وقد ذكرت جميع ذلك (¬1500). قال (ع): رواه أبو داود فقال: وزاد مسدد هو أخوك وشرع يطعن في رواية مسدد بالانفراد وهذا لا يضر، وتمسك بأنّه في رواية ابن الزبير أنّه قال لسودة: ليس لك بأخ، وهذه اللفظة عارضت قوله لعبد بن زمعة: هو أخوك، فيحتاج إلى الجمع بينهما، ورواية الإِثبات أثبت رجالًا والله سبحانه أعلم (¬1501). ¬

_ (¬1500) فتح الباري (12/ 36). (¬1501) عمدة القاري (23/ 250 - 251) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 378 - 379).

كتاب الحدود

كتاب الحدود 760 - باب الضرب بالجريد قال (ح): عمير بن سعيد بالتصغير في اسمه وبالياء بعد العين في اسم أبيه، ووقع للنسائي والطحاوي بضم العين وفتح الميم (¬1502). قال (ع): لم يقع في الطحاوي ما ذكره، فإني شرحت معاني الآثار للطحاوي (¬1503). كذا قال، ونسخ الطحاوي غير متقنة، ولا مانع من أن تختلف مع أنّه لم يتقدم دعوى حصر في ذلك. ¬

_ (¬1502) فتح الباري (12/ 67 - 68). (¬1503) عمدة القاري (23/ 269).

761 - باب إقامة الحدود على الشريف

761 - باب إقامة الحدود على الشريف قوله "لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ فَعَلتْ ذَلِكَ". قال (ح): أورده ابن التين بحذف أن [ثمّ قال: تقديره "لو فعلت ذلك" لأنّ لو يليها الفعل دون الاسم. قلت: الأولى التقدير، وكذا هو في طرق هذا الحديث في غير هذا الموضع، ولو شرطية، وحذف أن ورد معها كثيرًا، وقد أنكر بعض شيوخنا على ابن التين إيراده بحذف "أن" ولا إنكار عليه، لأنّه ثابت هنا في رواية أبي ذر غير الكشميهني وكذا هو في رواية النسفي (¬1504). قال (ع):] وليس بموجه، لأنّ ذلك ثابت هنا في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني وكذا هو في رواية النسفي (¬1505). قلت: أو هم بذلك أن (ح) هو المنكر لأنّه عَبرَّ بقوله بعضهم عنه، وأوهم مع ذلك من جوابه، فانظروا وتعجبوا. ¬

_ (¬1504) فتح الباري (12/ 87) وما بين المعكوفين ساقط من نسختي الظاهرية وجستربتي وثابت في نسخة دار صدام للمخطوطات وفي الفتح. (¬1505) عمدة القاري (23/ 276).

762 - باب كراهية الشفاعة في الحدود

762 - باب كراهية الشفاعة في الحدود قوله: "وَمَنْ يَجْتَرئ عَلَيْهِ". قال (ح): مفتعل من الجرأة (¬1506). قال (ع): بل من الاجتراء (¬1507). قلت: الاجتزاء مصدر، وقد تكرر منه إنكار الاشتقاق من المصدر فكيف بينه؟. ¬

_ (¬1506) فتح الباري (12/ 93). (¬1507) عمدة القاري (23/ 277).

763 - باب قول الله تعالى: {والسارق والسارقة}

763 - باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} قوله: تابعه عبد الرّحمن بن خالد. قال (ح): قرأت بخط مغلطاي وقلده شيخنا ابن الملقن أن الذهلي أخرجه في أحاديث الزهريّ عن محمَّد بن بكر وروح بن عبادة جميعًا عن عبد الرّحمن بن خالد [وهذا الذي قاله لا وجود له، بل ليس لروح ولا لمحمد بن بكر عن عبد الرّحمن هذا] رواية أصلًا (¬1508). قال (ع): أراد بمغلطاي صاحب التلويح وشيخه ابن الملقن، وهذا كلام لا وجه له من وجوه: الأوّل: أنّه ناف والمثبت مقدم. والثّاني: أن عدم إطلاعه على ذلك لا يستلزم عدم إطلاع صاحب التلويح عليه. والثالث: فيه القدح لصاحب التلويح مع أنّه تبعه شيخه باعترافه فلا يُترك كلام شيخين عارفين بهذه الصيغة مع إطلاعهما على كتب كثيرة من هذا الفن ويُصغي إلى كلام من يطعن في الأكابر. والرّابع: أن نفي رواية روح ومحمد بن بكر عن عبد الرّحمن بن خالد يحتاج إلى معرفة تاريخ زمانهم فلا يحكم بذلك بلا دليل (¬1509). ¬

_ (¬1508) فتح الباري (12/ 101). (¬1509) عمدة القاري (23/ 279).

قلت: أمّا وجهه الأوّل فليس على إطلاقه، بل إذا كان النفي في شيء محصور قدم على الإثبات، وهو هنا كذلك فإنّه نسبه إلى حديث الزهريّ جمع الذهلي، وليس هو فيه كما قال، بل بسند آخر، وكان ينبغي للمعترض أن يراجع الكتاب المذكور، فإن وجده فيه اتجه الرد على النافي. وأمّا وجهه الثّاني فيستفاد من الجواب الأوّل. وأمّا وجهه الثّالث فمردود, لأنّه لا تفاضل هنا، فقد يقع للمفضول ما لا يقع للفاضل، والإِنسان لا يستنكر منه النِّسيان. وأمّا وجهه الرّابع فلم ينحصر الوقوف على حقيقة الحال في ذلك في معرفة زمانهما وزمانه، بل الوقوف على حقيقة ذلك. يؤخذ ممّا سبق به أئمة هذا الفن في ترجمة كلّ من الثّلاثة، فلا يوجد في كتاب من كتب أسماء الرجال في ترجمة عبد الرّحمن بن خالد أن أحدًا من هذين الاثنين عد في الرواة عنه، ولا في ترجمة واحد منهما أنّه عد في شيوخهما، ويقرب ذلك أن المزي صاحب التهذيب جمع في ذلك فأوعى باعتراف أهل عصره وتسليمهم له في الفن، حتّى جاء مغلطاي فذكر أنّه غلط في أشياء جمعها في كتابه الذي سماه إكمال تهذيب الكمال، فأمّا تهذيب المزي فلم يقع فيه شيء ممّا نفيناه وهذا هو موجود بأيدي الطلبة، وأمّا استدراك مغلطاي فهو موجود بخطه، فلينظر المعترض هل ذكر في تصنيفه الذي استدرك فيه على المزي شيئًا ممّا نفاه (ح)؟ فإن وجد منه شيئًا اتجه له الاعتراض على (ح) ووجب على (ح) الرجوع إلى الحق، وإن لم يجد شيئًا فليعرف قدره ولا يتعد طوره، فإن لو ضرب من شرحه على ما نقله من التلويح والتوضيح والدراري والفتح لم يفضل له إِلَّا ما قدر له بالنسبة إلى ما ضرب عليه وبالكلية مع ذلك جمع في ديوان واحد وعزا كلّ قول لقائله بل هو على الدوام فإنّه يغير على كلامهم غير مناسب لهم خصوصًا الفتح، فلا يزال يسلب كلامه بعينه حتّى مباحثه

الّتي يعبر فيها بقوله: قلت فيقول هو أيضًا قلت وهذا هو الغاية في المصالقة أو الغفلة. ومن جملة ما يقع له من ذلك أن (ح) ينقل شيئًا عن بعض مشايخه فيقول: قال شيخنا فلان، فيكتبه (ع) بعينه حتّى قوله قال شيخنا فلان، فيوهم الناظر فيه أن الشّيخ المذكور من مشايخ (ع) وليس كذلك، ونقل عن الكرماني شيئًا مشكلًا ثمّ أجاب عنه الكرماني ونحن نجيب بأحسن منه، ثمّ ساق كلام (ح) بعينه، وتتبع مثل هذا يكثر ويمل لكن من أراد أن يزداد عجبًا فليعمد إلى كتاب من الكتب الّتي ترجمها البخاريّ ككتاب الرقاق فيقابل كلام (ع) بكلام (ح) فإنّه يظهر له جرأة (ع) على المصالقة الظاهرة لكل من له أدنى فهم والله المستعان، حتّى إذا اتفق له الوقوف على شيء يظن أنّه غير مستقيم بحسب ما يصل إليه فهمه، فيجرد حينئذ السيف، ويضرب غير مصفح، وربما انعكس في الكثير من ذلك على ما أوضحته في هذا التعليق وبالله التوفيق. قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة عن عائشة عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ عَلى رُبْعِ دِينَارٍ". قال الطحاوي: اختلف القول فيه فروى عن سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يقطع في ربع دينار فصاعدًا. قال الطحاوي ويونس هذا لا يقارب عندكم ولا عند غيركم سفيان. قال (ح): هذا يقتضي أن الشّافعيّة وغيرهم من المحدثين بل ومن جميع العلماء يقدمون ابن عيينة في الزهريّ على يونس وليس كذلك متفقًا عليه عند المحدثين بل أكثرهم على العكس، وممن جزم منهم بتقديم يونس على سفيان في الزهريّ يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصري (¬1510). ¬

_ (¬1510) فتح الباري (12/ 102).

قال (ع): سفيان إمام ورع عالم زاهد حجة ثبت مجمع على صحة حديثه، فكيف يقاربه يونس وقد قال ابن سعد: كان يونس حلو الحديث كثيرة وليس بحجة، وربما جاء بالشيء المنكر (¬1511). قلت: هذا لا يدفع ما قاله (ح)؛ لأنّه رد نقل الطحاوي على الاتفاق يقول يحيى بن معين وأحمد بن صالح، ولم يقتصر عليهما إِلَّا للاختصار وإلا وافقهما جماعة. قال عبد الرزّاق: عن عبد الله بن المبارك: ما رأيت أحدًا روى للزهري عن معمر. إِلَّا أن يونس أحفظ للسند. وقال ابن مهدي: كان ابن المبارك يقول: كتابه صحيح، قال ابن مهدي: وكذلك أقول. وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل: ما أحد أعلم بحديث الزهريّ عن معمر إِلَّا ما كان من يونس، فإنّه كتب كلّ شيء هناك. وأمّا ما نقله عن ابن سعد فإن ابن سعد والإمام أحمد وجماعة يطلقون المنكر على الفرد المطلق، وأمّا الجمهور فلا يطلقون على الفرد منكرًا إِلَّا إذا خالف المنفرد من هو أتقن منه، وإلى ذلك أشار مسلم في المقدِّمة. قوله في آخر الباب: "لَعَنَ الله السَّارِقَ ... الخ". قال (ح): ختم الباب به إشارة إلى أن طريق الجمع بين الأخبار أن يجعل عمرة عن عائشة أصلًا، فيقطع في ربع دينار فصاعدًا، وكذا فيما بلغت قيمته [ذلك] فكأنّه قال: المراد بالبيضة ما تبلغ قيمتها ربع دينار فصاعدًا، وكذا الحبل، ففيه إيماء إلى ترجيحه ما سبق من التّأويل الذي نقله ¬

_ (¬1511) عمدة إلقاري (23/ 280).

الأعمش؛ لأنّ فيها جمع بين الأخبار (¬1512). قال (ع): ما لفظه ووجهه إعادته في هذا الباب يمكن أن يكون إشارة إلى أن البيضة والحبل المذكور فيهما القطع فيما تبلغ قيمتهما ربع دينار أو عشرة دراهم على الاختلاف بقرينة الأحاديث المذكورة في هذا الباب فلذلك ختمها بهذا الحديث. قال: وقد ذكر هنا (ح) كلامًا لا يعجب سامعة فلذلك تركه (¬1513). قلت: أخذ كلام (ح) بعينه فادعاه ثمّ لم يترك منه شيئًا إِلَّا أنّه زاد قوله أو عشرة ثمّ عقبة بأنّه تركه لكونه لا يعجبه، وليس لكونه لا يعجبه سبب إِلَّا أنّه يخالف مذهبه. ¬

_ (¬1512) فتح الباري (12/ 108). (¬1513) عمدة القاري (23/ 282).

كتاب المحاربين

كتاب المحاربين قال (ح): في كتابة هذه التّرجمة في هذا الموضع أي بين أبواب السّرقة وأبواب الزِّنا إِشْكَالٌ، وَأَظُنُّهَا مِمَّا انْقَلَبَ عَلَى الَّذِينَ نَسَخُوا الكتاب من المسودة، والذي يظهر أن محلها بين كتاب الديات واستتابة المرتدين، فإن المصنف ترجم كتاب الحدود وصدره بحديث: "لَا يَزْني الزَّانِي وَهُوَ مُؤمِنٌ" وذكر فيه السّرقة وشرب الخمر ثمّ ذكر ما يتعلّق بالخمر، ثمّ السّرقة، والَّذِي يَلِيقُ أَنْ يُثَلِّثَ بِأَبْوَابِ الزِّنَا، ثمّ يذكر استتابة المرتدين، ويُعقبه بكتاب المحاربين، فإنّه يناسبه، وقد تعرض الكرماني لشيء من ذلك في باب إثم الزناة. ووقع في رواية النسفي زيادة قد يرتفع بها الإشكال، وذلك أنّه قال بعد قوله من أهل الكفر والردة "ومن يجب عليه حد الزِّنا" فإن كان ذلك محفوظًا وكأنّه ضم حد الزِّنا إلى المحاربين لإفضائه إلى القتل في بعض صوره، بخلاف الشرب والسّرقة، وعلى هذا فالأولى أن يغير لفظ كتاب بباب وتصير الأبواب كلها داخلة في كتاب الحدود (¬1514). قال (ع): هذا كلام بعيد جدًا، وقد أطال الكلام فيه وقد توفرت دواعي ضابط الكتاب من حين ألفه إلى يومنا ولا سيما إطلاع خلق كثير من أكابر المحدثين وأكابر الشراح عليه، والمناسبة في وضع هذه التّرجمة هنا موجودة، لأنّ كتاب الحدود الذي قبله يشتمل على أبواب مشتملة على شرب الخمر والسّرقة والزنا، وهذه معاص داخلة في محاربة الله ورسوله، وقد ثبت في بعض النسخ وهي رواية النسفي بعد قوله من أهل الكفر والردة "ومن ¬

_ (¬1514) فتح الباري (12/ 109).

يجب عليه حد الزِّنا" فقد ضم حد الزِّنا إلى المحاربين، فيكون داخلًا فيها، لإفضائه إلى القتل في بعض الصور. وأمّا قوله: بغير لفظ كتاب بباب فتصير الأبواب كلها داخلة في كتاب الحدود، فيرد عليه أن فيه أبوابًا لا تتعلّق إِلَّا بغير ما يتعلّق بالمحاربين، فحينئذ ذكره بلفظ كتاب أولى (¬1515). قلت: لا يدفع ما قال (ح)، لأنّه يقول تدخل الأبواب كلها في الحدود فلا يردّ عليه أن بعضها لا يدخل في [الحدود إذ لا يلزم من أنّها لا تدخل في المحاربين أن لا تدخل في] (¬1516) الحدود فالله يديم علينا نعمة العافية بمنه وكرمه. ¬

_ (¬1515) عمدة القاري (23/ 284). (¬1516) ما بين المعكوفين من نسخة دار صدام للمخطوطات.

764 - باب لم يسق المرتدون

764 - بَابُ لَمْ يُسْقَ المُرْتَدُّونَ قوله: ما أجد لكم إِلَّا أن تَلْحقوا بإبل رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال (ح): في تجريد (¬1517). قال (ع): هو التفات (¬1518). ¬

_ (¬1517) فتح الباري (12/ 111). (¬1518) عمدة القاري (23/ 286)

765 - باب من أدب أهله أو غيره دون السلطان

765 - باب من أدب أهله أو غيره دون السلطان قال (ح): هذه التّرجمة معقودة لبيان الخلاف هل يحتاج من وجب عليه الحدّ من الأرقاء إلى أن يستأذن سيده الإمام في إقامة الحدّ عليه أو له أن يقيم ذلك بغيره مشورة (¬1519). قال (ع): لم يبين الخلاف في هذه التّرجمة، وشرع ينقل الخلاف من الموضع الذي ذكره فيه (ح) وهو باب إذا زنت الأمة فاجلدوها مع أنّه نبه على أنّه تقدّم في هذا الباب (¬1520). ¬

_ (¬1519) فتح الباري (12/ 173). (¬1520) عمدة القاري (24/ 20). قال البوصيري (ص 381): إنَّ قول العيني "لم يبين الخلاف وأنا أبينه" ممنوع بشقيه وعبارة ابن حجر عقب ما نقله عنه العيني، وقد تقدّم بيانه قريبًا في "باب إذا زنت الأُمَّة" وقد بين الخلاف هناك بيانًا شافيًا بأكثر ممّا بينه العيني، فهو بعض عن كلّ، فجدوله من بحره، غاية ما في الباب أنّه أحال على معهود قريب، والإحالة عند العيني وغيره جائزة شائعة، وقد وقعت للعيني في شرحه عشرات المرات فرحم الله الجميع.

766 - باب قذف العبيد

766 - باب قذف العبيد أي الأرقاء (¬1521)، وعبر بالعبيد اتِّباعًا للفظ الخبر، والمراد بلفظ التّرجمة الإضافة للمفعول بدليل ما تضمنه حديث الباب، ويحتمل إرادة الإضافة للفاعل قاله (ح) (¬1522). قال (ع): حديث الباب يدلُّ على أن الإضافة للمفعول وإن كان فيه احتمال لما قاله (¬1523). قلت: فما زاد على تحصيل الحاصل والله المستعان. ¬

_ (¬1521) في النسخ الثلاث (الأقارب) وهو خطأ ظاهر. (¬1522) فتح الباري (12/ 158) وفي النسخ الثلاث "بكونه الحر" بدل "بلفظ التّرجمة" وهو خطأ ظاهر أصلحناه من الفتح والعمدة. (¬1523) عمدة القاري (24/ 29).

كتاب الديات

كتاب الديات قوله: حدّثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش ... الخ. قال (ح): هذا السند يلتحق بالثلاثيات في العلّو والثلاثيات أعلى ما عند البخاريّ من حيث العدد، والعلّو قسمان حسي ومعنوي، والحسي تحقيقه العدد، فأقل ما يكون بين الراوي والنبي - صلّى الله عليه وسلم - من عدد الرواة هو أعلى ما عنده، والمعنوي له صور: منها أن يصل بذلك العدد بعينه إلى الصحابي، ولو روى الصحابي ذلك الحديث عن صحابي آخر أو أكثر، ومنها أن يصل بذلك العدد بعينه إلى التابعي، ولو رواه ذلك التابعي عن تابعي آخر أو أكثر، وهذا الباب في حكم الثلاثيات، لأنّ الأعمش تابعي، فلو رواه عن صحابي لكان ثلاثيًّا حسيًّا، لكنه رواه عن تابعي آخر وكان في حكم الثلاثي (¬1524). قال (ع): إذا لم يكن للذي روى عنه التابعي صحبة كيف يكون الحديث من الثلاثيات؟ والذي ليست له صحبة هو من آحاد النَّاس سواء كان تابعيًا أم غيره (¬1525). قلت: هذا دفع بالصدر على العادة فأي معنى للمشاححة في الاصطلاح، وقد ارتضى (ع) ما أنكره هنا فيما بعد، فقال في باب حنين المراد في قول البخاريّ حدّثنا عبيد الله بن موسى عن هشام بن عروة عن أبيه هذا في حكم الثلاثيات لأنّ هشامًا تابعي. ¬

_ (¬1524) فتح الباري (12/ 189). (¬1525) عمدة القاري (24/ 32).

767 - باب القسامة

767 - باب القسامة قوله: "بِمَنْ تَظُنُّون أَوْ تَرَونَ؟ " فقالوا: نرى أن اليهود قتله. كذا للأكثر بلفظ الفعل الماضي بالافراد، ويحتمل أن روي قتلة بتاء التأنيث جمع قاتل، وفي رواية المستملي قتلته بصيغة [المسند إلى] الجمع المستفاد من لفظ اليهود, لأنّ المراد أن اليهود هم الذين قتلوه، قاله (ح) (¬1526). ورده (ع) قائلًا: هذا غلط فاحش لأنّه مفرد مؤنث، ثمّ قال: ولو روي قتلنه بالنون لم يصح أيضًا، لأنّه صيغة جمع المؤنث ومع هذا التشنيع لم يورد لرواية المستملي توجيهًا (¬1527). ¬

_ (¬1526) فتح، الباري (12/ 240). (¬1527) عمدة القاري (24/ 63). قال البوصيري (ص 382): إنَّ العيني نسب إلى ابن حجر ما لم يقله، ولا يقوله أحد من صغار المبتدئين، وعبارته هكذا: وفي رواية المستملي قتلته بصيغة المسند إلى الجمع، لأنّ المراد قتلوه آه. فلم يقل ابن حجر قتلنه بالنون كما ألزمه به العيني، وإنّما قال بصيغة المسند إلى الجمع، لأنّ المراد قتلوه، ولقد صدق في قوله: بصيغة المسند إلى الجمع، فهل من فارق بين قتلته اليهود واليهود قتلته إِلَّا باعتبار النكات الّتي يعتبرها علماء المعاني في تقرير البلاغة.

768 - باب إذا لطم السلم يهوديا

768 - باب إذا لطم المسلم يهوديًا قوله في آخر الحديث: "جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ". كذا للأكثر، وللكشميهني "جزى" بغير واو والأول أولى قاله (ح) (¬1528). فتعقبه (ع) فقال: لم يقم دليلًا على الأولوية (¬1529). قلت: هو اتفاق أكثر، وكثرة الاستعمال من غيرهم. ¬

_ (¬1528) فتح الباري (12/ 263). (¬1529) عمدة القاري (24/ 74) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 383 - 384).

كتاب استتابة المرتدين

كتاب استتابة المرتدين 769 - باب حكم المرتد والمرتدة ... إلى أن قال: واستتابتهم قال (ح): وقع في رواية القابسي واستتابتهما بالتثنية على الأصل، لأنّ المذكور المرتد والمرتدة، والأول جمع على إرادة الجنس (¬1530). قال (ع): هذا ليس بشيء بل هو على مذهب من يرى إطلاق الجمع على التثنية (¬1531). ¬

_ (¬1530) فتح الباري (12/ 268). (¬1531) عمدة القاري (24/ 77). قال البوصيرى (ص 384 - 385) إن "ال" في المرتد لا يراد بها العهد قطعًا، وإنّما يراد بها الجنس الذي لا يفارق الاستغراق هنا، سواء كان أقل الجمع اثنين أو ثلاثة، وليس هو من قبل (فقد صغت قلوبكما) الذي نظر به العيني، لإرادة قلبي اللتين تظاهرتا عليه - صلّى الله عليه وسلم - لا غير، وإرادة الجنس هنا لا مندوحة عنه، إذ القصد معنى اللّفظ المتناول لكثيرين الذي يحصل بما هبته في كلّ فرد من هذا الكثير. وقوله رحمه الله: "ليس بشيء" إنّما يؤتي بهذه العبارة الّتي ليس بعدها مبالغة في الرد على الباطل الشنيع، كما في قوله (ليست اليهود على شيء) لا على محتمل أو متعين في الواقع، ثمّ من أين يعلم العيني أن البخاريّ ممّن يرى أن أقل الجمع اثنان؟ وهو خلاف ما أطبق عليه اللغويون، بل هو ثلاثة كما قال في الكليات: إنّه الأصح عند غيرهم، وعليه فما قاله ابن حجر هو الظّاهر، فاعرفه.

وله في حديث أبي موسى أَلْقَى له وسادة. قال (ح): أي فرشها له (¬1532). قال (ع): هذا غير صحيح، والوسادة ما يفرش، وإنّما المعني في وضع الوسادة تحت من أراد إكرامه مبالغة فيه (¬1533). قلت .. : إنكاره افتراش الوسادة بدأة على ما ألفه، وإلا فالوسادة تصنع في الحجاز تقارب في القدر الفراش ويفرشونها أحيانًا لمن أرادوا إكرامه، بل كلّ من جعل تحته شيئًا فقد افترشه. قوله: في قضاء الله. قال (ح): بالرفع خبر مبتدأ محذوف ويجوز النصب (¬1534). قال (ع): لم يبين وجهه (¬1535). قلت: قدر المحذوف مثل انقدت. ¬

_ (¬1532) فتح الباري (12/ 274). (¬1533) عمدة القاري (24/ 80). (¬1534) فتح الباري (12/ 274). (¬1535) عمدة القاري (24/ 80).

770 - باب قتل الخوارج

770 - باب قتل الخوارج قوله في حديث علي: "يَخْرجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمَانِ ... " الحديث. قال (ح): هذا قد يخالف حديث أبي سعيد المذكور في الباب بعده، فإن مقتضاه أنّهم خرجوا في خلافة علي، وكذا أكثر الأخبار الواردة في أمرهم، وأجاب ابن التين أن المراد زمان الصّحابة، وفيه نظر، لأنّ آخر زمان الصّحابة كان على رأس المئة، وهم قد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة، ويمكن الجمع بأن المراد آخر زمان خلافة النبوة، فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وفي صحيح ابن حبّان وغيره مرفوعًا: "الْخِلافَةُ بَعْدِي ثَلَاُثون سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلكًا" وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وثلاثين بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بدون الثلاثين بنحو ستين (¬1536) قال (ع): يسقط من الأوّل إن قلنا بتعدد خروج الخوارج وقد وقع خروجهم مرارًا (¬1537). قلت: إيراد هذا على الوجه يغني عن تكلف تعقبه. ¬

_ (¬1536) فتح الباري (12/ 287). (¬1537) عمدة القاري (24/ 86).

771 - باب ما جاء في المتأولين

771 - باب ما جاء في المتأولين قوله: وقال اللَّيث: حدثني يونس ... الخ. قال (ح): وهم مغلطاي ومن تبعه في أن البخاريّ وصل هذا التعليق عن سعيد بن عفير عن اللَّيث (¬1538). قال (ع): أراد بقوله: ومن تبعه، صاحب التوضيح وقد أدمج ذكر هنا (¬1539). قوله: لا تقوله. قال بعض الشراح: القول هنا معنى الظن وأنشد له شاهدًا. قال (ح): وفيه نظر والذي يظهر أنّه بمعنى الرِّواية أو السماع (¬1540). قال (ع): مجىء القول بمعنى الظن كثير، وذكر الشّاهد تغيير، وليس فيه دلالة على الرِّواية الّتي ادعاها (¬1541). ¬

_ (¬1538) فتح الباري (12/ 305). (¬1539) عمدة القاري (24/ 91). (¬1540) فتح الباري (12/ 305). (¬1541) عمدة القاري (24/ 92).

كتاب الحيل

كتاب الحيل 772 - باب الحيلة في النِّكاح قوله: وقال بعضهم: إن احتال حتّى تزوج على الشغار أو المتعة جاز والشرط باطل. قال شيخنا ابن الملقن: المراد به بعض الحنفية. قال (ح): أنكروا هذا لكن كأنّه أشار إلى قول زخر: أنّه أجاز النِّكاح المؤقت وألغى الشرط، لأنّ النِّكاح عقد لا يبطل بالشروط الفاسدة (¬1542). قال (ع): مذهب زفر ليس كذلك بل عنده صورته أن يتزوج امرأة إلى مدة معلومة فالنِّكاح لازم واشتراط المدة باطل (¬1543). ¬

_ (¬1542) فتح الباري (12/ 334). (¬1543) عمدة القاري (24/ 113).

773 - باب في النكاح

773 - باب في النِّكاح قوله: إنَّ امرأة من ولد جعفر. قال (ح): لم أعرف اسمها, ولا المراد بجعفر ويغلب على الظن أن جعفرًا هو ابن أبي طالب، وتجاسر الكرماني فقال: هو جعفر بن محمَّد الصادق بن الباقر، وكان القاسم بن محمَّد جد جعفر هذا لأُمه. انتهى. وخفى عليه أن القصة المذكورة وقعت وجعفر الصادق صغير، لأنّ مولده سنة ثمانين، وكانت وفاة عبد الرّحمن بن زيد بن حارثة سنة ثلاث وتسعين، وقد وقع في نفس الخبر أنّه أخبر المرأة بحديث خنساء بنت خدام، فكيف توجد امرأة في تلك الحال وأبوها ابن ثلاث عشرة سنة أو دونها؟ (¬1544). قال (ع): هو أيضًا تجاسر حيث قال: يغلب على الظن أنّه جعفر ابن أبي طالب، والكرماني لم يقل هذا من عنده، فإنّما نقله عن أحد فلا ينسب إليه التجاسر، ويمكن أن يكون جعفر غير ما قالاه (¬1545). قلت: جعل من أخبر أنّه ظن ظنًا قويًا أنّه تجاسر كمن جزم بغير نقل، ودعواه أن الكرماني نقله يأباه كلام الكرماني، فإن لفظه قوله: القاسم هو ابن محمَّد بن أبي بكر الصديق وجعفر هو ابن محمَّد الباقر، وكانت أم جعفر هذا بنت القاسم، هذه عبارته، ولم ينسب ذلك لغيره، على تقدير أن يكون نقله عن غيره فقد ظهر فساده بما ذكره (ح)، وتجويز (ع) أن يكون جعفر آخر لا يأباه ظن (ح) حتّى يتعقب به عليه. ¬

_ (¬1544) فتح الباري (12/ 340). (¬1545) عمدة القاري (24/ 117) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 385 - 386).

كتاب التعبير

كتاب التعبير 774 - باب رؤيا يوسف قوله: قال أبو عبد الله: فاطر، والبديع [والمبدع] والباري والخالق واحد. قال (ح): تعقبه بعضهم بأن معانيها متقاربة، والجواب أنّه لم يرد بقوله واحد أن حقائق معانيها متساوية، وإنّما أراد أنّها ترجع إلى معنى واحد وهو إيجاد الشيء بعد أن لم يكن (¬1546). قال (ع): قوله: واحد، ينافي هذا التّأويل (¬1547). ثمّ ذكر معانيها ورد على نفسه بنفسه، لأنّ محصل ما ذكره أنّها ترجع إلى معنى واحد وإن اختلفت العبارة. ¬

_ (¬1546) فتح الباري (12/ 377). (¬1547) عمدة القاري (24/ 136). قال في مبتكرات اللآلي والدرر (ص 386 - 387) إنَّ معنى الفاطر لغة المخترع، ومعنى البديع المخترع لا عن مثال سابق، والبارىء والخالق مترادفان بمعنى الابتداء، ولا يظن بالبخاري أنّه أراد بالواحد الترادف الذي يتعدد فيه اللّفظ ويتحد المعنى، كالإنسان والبشر الذي يمثل به المناطقة المتواردين على الحيوان الناطق، لأنّ معانيها الأصلّية مختلقة كما سمعت، ولا يجهلها صغار الطلبة، فلا مندوحة من تصحيح كلام البخاريّ، وابن حجر تكفل بذلك على وجه صحيح، وهو تحصيل معنى مشترك بين الكل، وهو إيجاد الشيء =

775 - باب رؤيا إبراهيم

775 - باب رؤيا إبراهيم قال الكرماني: ليس فيه ولا في الذي قبله حديث. قال (ح): اكتفى بما ذكر في كلّ منهما من القرآن، وقول الكرماني كان في كلّ منهما بياض ليلحق حديثًا يناسبه [محتمل مع بعده] (¬1548). قال (ع): لم يقل الكرماني هذا أصلًا، وإنّما قال: وهذان البابان ممّا ترجمهما البخاريّ ولم يتفق له إثبات حديث فيهما (¬1549). ¬

_ = بعد أن لم يكن، ومنع العيني هذا التصحيح وقوفًا مع المراد في وسط الطريق، ولم يلتمسا له وجهًا مع اعترافهما من أعماق قلوبهما بأنّه هو في طبقته من أفضل مجتهدي المحدثين، ثمّ لو ذهبنا إلى فلسفة النكات والأسرار في الألفاظ لقلنا: إنّه لا يكاد يوجد لفظان مترادفان على معنى واحد إِلَّا بتحصيل معنى مشترك يجمعهما كمثال المناطقة، إذ الإنسان في الأنس أو النِّسيان، والبشر من البشرة، مثل الكتاب والقرآن والكلام والتنزيل والمصحف، فهي ألفاظ مترادفة للمتحدى به، وأصلها متفاوتة المعاني، بقي أن يقال: لا مانع من أن البخاريّ أشار إلى الوحدانية المطلقة، فالفاطر واحد لا شريك له، والبديع كذلك، فلا اعتراض ولا رد ولا جواب، فتأمله. (¬1548) فتح الباري (12/ 379) وما بين المعكوفين من الفتح. (¬1549) عمدة القاري (24/ 136).

776 - باب القميص في المنام

776 - باب القميص في المنام قول: "رَأَيتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ". قال (ح): رأيت من الرؤية البصرية ويُعْرَضُونَ حال، ويجوز أن يكون من الرؤيا العلمية ويعرضون مفعول ثان والناس بالنصب على المفعولية ويجوز فيه الرفع (¬1550). قال (ع): في هذا التفصيل نظر، ويعرضون حال على كلّ تقدير، ولم يبين وجه رفع النَّاس (¬1551). ¬

_ (¬1550) فتح الباري (12/ 395). (¬1551) عمدة القاري (24/ 147).

777 - باب المفاتيح في اليد

777 - باب المفاتيح في اليد قوله: قال محمَّد، كذا في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر: قال أبو عبد الله. قال (ح): الأوّل أولى, لأنّ هذا الكلام ثبت عن الزهريّ واسمه محمَّد ابن مسلم، وقد ساقه هنا من طريق الزّهري، فيبعد أن يأخذ كلام الزهريّ فينسبه لنفسه (¬1552). قال (ع): سبقه بهذا الكلام صاحب التوضيح [يعني شيخنا ابن الملقن] ولا يخلو هذا عن تأمل (¬1553) ¬

_ (¬1552) فتح الباري (12/ 401). (¬1553) عمدة القاري (24/ 151).

778 - باب القيد في المنام

778 - باب القيد في المنام ذكر فيه حديث عوف قال محمَّد بن سيرين: أنّه سمع أبا هريرة يقول: إذا اقترب الزّمان .... فذكر حديثًا ثمّ حديثًا، ثمّ قال محمَّد بن سيرين: وأنا أقول هذه، قال: وكان يقال: الرؤيا ثلاث حديث النفس ... فذكر الحديث وقال بعده: قال: وكان يكره الغُلَّ في النوم وكان يعجبهم القيد ويقال: القيد ثبات في الدِّين. قال (ح): قوله: وأنا أقول هذه إشارة إلى ما ذكره بعد يعني أن الحديثين الأولين سمعهما من أبي هريرة مرفوعين وأمّا ما بعدهما فهو من قول محمَّد بن سيرين. ووقع في شرح ابن بطّال: وأنا أقول هذه الأمة اللفظة الأمة: [بذكر لفظة الأمة] وكان يقال: ... الخ. قلت: وليست هذه في شيء من نسخ صحيح البخاريّ ولا ذكرهما عبد الحق في جمعه، ولا الحميدي، ولا من أخرج حديث عوف من أصحاب الكتب الستة وغيرهم من أصحاب المسانيد والسنن, وقد تقلده القاضي عياض فذكره كما ذكره ابن بطّال وشرحه فقال: خشي ابن سيرين أن معنى قوله: وأصدقهم أصدقهم حديثًا أنّه إذا تقارب الزّمان لم يصدق [إِلَّا رؤيا] الرَّجل الصالح فقال: وأنا أقول: رؤيا هذه الأُمَّة صالحها وطالحها صادقة، فتكون صدق رؤياهم زاجرًا لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدِّين وطموس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر. انتهى.

ومن أمر مركب على ثبوت هذه الزيادة، وهي لفظة الأمة ولم أجدها في الأصول، وقد قال أبو عوانة الأسفرايني في صحيحه بعد أن أخرجه مرفوعًا موصولًا من طريق هشام عن ابن سيرين: هذا لا يصح إِلَّا عن ابن سيرين. قلت: وقد أشار البخاريّ إلى ذلك حيث قال بعد أن أخرج رواية عون: رواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين هذا لا يصح إِلَّا عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وأدرجه بعضهم كله في الحديث وحديث عون أبين (¬1554). قال (ع): عدم وجدانه ذلك لا يستلزم عدم وجدانه عند غيره (¬1555). قلت: انظروا وأنصفوا. ¬

_ (¬1554) فتح الباري (12/ 407). (¬1555) عمدة القاري (24/ 154).

779 - باب النفخ المنام

779 - باب النفخ المنام قوله في حديث أبي هريرة في حديث السوارين: "فَأوَّلْتُهُمَا الكَذَّابَين اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا". هذا ظاهر في أنّهما كانا حين فسر هذه الرؤيا موجودين، وهو كذلك، لكن وقع في رواية ابن عبّاس: "يَخْرُجَانِ بَعْديِ" والجمع بينهما: أن المراد بخروجها بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة نقله النووي عن العلماء. وفيه نظر، لأنّ ذلك كله قد ظهر للأسود بصنعاء في حياته - صلّى الله عليه وسلم - فادعى النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين وفتك فيهم وغلب علي البلد إلى أن قتل في حياة النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - كما قدمت ذلك واضحًا في أواخر المغازي، وأمّا مسيلمة فكان ادعى النبوة في حياة النّبيّ لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إِلَّا في عهد أبي بكر رضي الله عنه فإما أن تحمل البعدية على التغليب وإما أن تكون مراده بعدي أي بعد بعثتي بالنبوة (¬1556). قال (ع): في نظره نظر، لأنّ خروج مسيلمة بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وأمّا كلامه في حق الأسود فمن حيث أن أتباعه ومن لاذ به منعوا مسيلمة وقووا شوكته، فأطلق عليه الخروج من بعد النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بهذا الاعتبار (¬1557). ¬

_ (¬1556) فتح الباري (12/ 275). (¬1557) عمدة القاري (24/ 165) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 387 - 389).

قلت: أفلح من تكلم بعلم أو سكت بحلم، أصحاب الأسود كانوا معه بصنعاء، ولما قتل افترقوا فرقتين فرقة راجعت الإسلام وفوقة استمرت على الخلاف، فحوصروا بالحصن المعروف بصنعاء إلى أن نزلوا على حكم أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن أحد منهم مع مسيلمة، ولا بلدهم مجاور لبلادهم، ولا قبيلتهم، وهذا أمر بين عبر من صنف في الردة وفي الفتوح والتاريخ من حيث لا يخفى منه شيء على من مارس أخبار النَّاس، وكنا نتعجب من الرد بالصدر إلى أن انتقلنا إلى الدفع بالبهت فالله المستعان.

780 - باب إذا رأى ما يكره

780 - باب إذا رأى ما يكره ذكر فيه قول أبي قتادة: وأنا كنت أرى الرؤيا تمرضني. قال (ح): وقع في رواية المستملي: لأرى الرؤيا بزيادة اللام وبدونها أولى (¬1558). قال (ع): ليت شعري ما وجه الأولوية (¬1559). قلت: وجهه اتفاق على حذفها ولأنّها تكون غالبًا بعد أن مثقلة أو مخففة. ¬

_ (¬1558) فتح البارى (12/ 431). (¬1559) عمدة القاري (24/ 168).

781 - باب من لم ير الرؤيا لأول عابر

781 - باب من لم ير الرؤيا لأول عابر قال (ح): كأنّه يشير إلى حديث أنس رفعه: "وَالرُّويَا لأَوَّلِ عَابِرٍ" وسنده ضعيف، وحديث أبي ذر بن العقيلي رفعه: "الرُّؤْيَا عَلى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ" أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الحاكم ولكنه ليس على شرطه (¬1560). قال (ع): هذا الذي قاله غير مناسب لمعنى التّرجمة، يفهمه من له أدنى ذوق وإدراك (¬1561). قلت: من له ذوق يدري المناسبة. قوله فيه في الحديث الذي سأله أبو بكر رضي الله عنه أن يعبرها وفيه: "ثُمَّ يَأخذُ بِهِ رَجُلٌ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصلُ لَهُ ... " الحديث، أخطأت بعضًا وأصبت. قال المهلب: الخطأ فيه حيث زاد قوله: لأنّ الوصل وقع لغيره، وكان حقه أن لا يذكر الموصول له، لأنّ الخلافة إنّما وصلت لعلي. قال (ح): لفظة (له) ثابتة في رواية ابن وهب وغيره، والذي يظهر لي أنّه ينقطع به الحبل عن صاحبه لما وقع في زمانه من تلك القضايا الّتي نقمها عليه من نقم حتّى انجر ذلك إلى قتله مظلومًا، فعبر عن السبب ¬

_ (¬1560) فتح الباري (12/ 432). (¬1561) عمدة القاري (24/ 169).

بالمسبب وأيد الوصل، فعبر عنه أيضًا بما وقع له من فضل الشّهادة فصلح به ووصل له حتّى لحق بصاحبه (¬1562). قال (ع): هذا خلاف ممّا يقتضيه معنى قوله ثمّ يوصل له فيعلو به. كذا قال (¬1563). ¬

_ (¬1562) فتح الباري (12/ 435). (¬1563) عمدة القاري (24/ 170).

782 - باب "من حمل علينا السلاح فليس منا"

782 - باب "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا" قوله: حدّثنا محمَّد أخبرنا عبد الرزّاق. قال الكرماني: جزم أبو علي الجياني بذلك. قال (ح): يحتمل أن يكون محمَّد بن رافع فإن مسلمًا أخرجه عن محمَّد بن رافع (¬1564). قال (ع): هذا الاحتمال بعيد (¬1565) ¬

_ (¬1564) فتح الباري (13/ 24). (¬1565) عمدة القاري (24/ 187).

783 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجعوا بعدي كفارا"

783 - باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لَا ترْجعُوا بَعْديِ كُفَّارًا" قوله في حديث أبي بكرة: "رُبَّ مُبَلِّغٍ" بكسر اللام وكذا يُبَلِّغُهُ. قال (ح): رب مبلغ بفتح اللام الثقيلة ويبلغه بكسرها (¬1566). قال (ع): الصواب ما قاله الكرماني (¬1567). كذا قال، ولم. يبين وجهه. قوله: "يَوْمَ حُرِّقَ" على صيغة المجهول من التحريق، وضبطه الحافظ الدمياطي أحْرقَ بضم أوله من الإحراق وقال: هو الصواب. قال (ح): وليس الآخر بخطأ، بل جزم أهل اللُّغة بأن أحرقه وحرَّقه بالتشديد للتكثير (¬1568). ¬

_ (¬1566) فتح الباري (13/ 27). (¬1567) عمدة القاري (24/ 189). قال البوصيرى (ص 390) عند التأمل نجد الضبطين صحيحين دراية، إذ كلّ من حمل الحديث عنه - صلّى الله عليه وسلم - مبلغ بالفتح، ومن سمع من هذا المبلغ ورواه لغيره فهو مبلغ من جهة ومبلغ من جهة أخرى وهكذا، وأمّا الرِّواية فقد قال القسطلاني: فما لابن حجر هو الذي في الفرع، وما للكرماني هو الذي في اليونينية، وحيث إنَّ الضبطين صحيحان رواية ودراية، لم يبق محل لقول العيني: الصواب ما قاله الكرماني الذي هو تعريض لتخطئة ابن حجر، والله أعلم. (¬1568) فتح الباري (13/ 28).

قال (ع): هذا كلام من لا يذوق من معاني التراكيب شيئًا، وتصويب الدمياطي الإحراق لأجل حصوله، وليس المراد المبالغة فيه حتّى يذكر باب التفعيل (¬1569). ¬

_ (¬1569) عمدة القاري (24/ 189). قال البوصيري (ص 390 - 391) إنَّ ابن حجر بين أن التحريف في اللُّغة للتكثير، لا في خصوص هذا الحديث، بمعنى أنّه وضع للتكثير، بل لو أراد الخصوص أيضًا لكان جائزًا، إذ هو الواقع، لأنّ جارية بن قدامة حصر بن الحضرمي في داره، وجمع عليه خطبًا كثيرًا وحرفه في سبعين رجلًا من أصحابه، كما ذكره الشراح ومنهم العيني، فهل فوق هذا التحريق تحريق؟ وأيضًا يقال للعيني: إذا كان تصويب الدمياطي هو الصواب عندك، فكيف تشرح على رواية التحريق في الموضعين دون الإحراق؟ فمن قابل بين إنصاف ابن حجر وبين قول العيني: هذا كلام من لا يذوق من معاني التراكيب شيئًا يفهم منه الدرجات الّتي بينهما في الأخلاق، ومن يمشي منهما على أصول آداب البحث، ومن يخرج عنها إلى المشاغبة بل المشاتمة، والقسطلاني نقل كلام الجميع برمته من غير تخطئة ولا تصويب، وهذا الأسلوب عندهم يقتضي الرضى باعتراض العيني، فهو حينئذ معطوف عليه في الاعتراض، فرحم الله الجميع، والله أعلم.

784 - باب "إذا التقى المسلمان بسيفهما"

784 - باب "إذا التقي المسلمان بسيفهما" ذكر حديث حماد بن زيد عن رجل عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة. قال (ح): الرَّجل المبهم هو عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة وكان سيء الضبط، هكذا جزم به المزي في التهذيب، وجوز مغلطاي ومن تبعه بأنّه هشام بن حسان، وكذا نقله عن الكرماني وفيه بعد (¬1570). قال (ع): ليت شعري ما وجه البعد، بل وجه البعد فيما قاله، ويؤيد ما قاله هؤلاء أن الإِسماعيلي أخرجه من رواية حماد بن زيد عن هشام عن الحسن وكذا النسائي (¬1571). قلت: ليس نعشك فادرجي إنّما جزم المزي بأنّه عمرو بن عبيد في حق الرَّجل الذي روى عن الحسن البصري أنّه خرج بسلاحه ليالي الفتنة، ولم يرد أن أحدًا لم يرو أصل الحديث عن الحسن إِلَّا عمرو بن عبيد حتّى يستدرك عليه برواية هشام من رواية حماد بن زيد عنه، كيف يسوغ لمن يعرف الفرق يقع في ذلك مع أنّه رواه عن الحسن من رواية حماد بن زيد، فمنهم أيضًا مع هشام يونس بن عبيد وأيوب السختياني والمعلي بن زياد، كلهم عن الحسن، وقد بين ذلك البخاريّ، أخرجه عنهم عقب هذا السند بعينه، لكنهم قالوا فيه: عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال: خرجت ¬

_ (¬1570) فتح الباري (13/ 32). (¬1571) عمدة القاري (24/ 192).

بسلاحي ... الحديث، وهذا هو الصواب. والعجب أن (ع) ذكر في آخر كلامه على هذا الحديث قول الدارقطني: أن أيوب ويونس وهشام بن حسان وغيرهم رووا هذا الحديث عن الحسن عن الأحنف، فقول (ح) وفيه بعد ولم يجزم بنفي رواية هشام بن حسان له، لأنّه كان حينئذ استوعب لفظه من الطرق الّتي رويت عنه، وإلا فقد ظهر بالتتبع أنّه موافق للجماعة في إدخال الأحنف بين الحسن وأبي بكرة، وهو الصواب. قوله: ليالي الفتنة. قال (ح): أراد بها الحرب الّتي وقعت بين علي ومن معه وعائشة ومن معها (¬1572). قال (ع): ما معنى إبهامه ذلك؟ والمراد بها وقعة الجمل ووقعة صفين (¬1573). قلت: أمّا وقعة الجمل فمسلم، وأمّا وقعة صفين فلا, لأنّ الأحنف لما نهاه أبو بكرة توقف فلم يشهد وقعة الجمل، ثمّ شهد مع علي وقعة صفين. ¬

_ (¬1572) فتح الباري (13/ 32). (¬1573) عمدة القاري (24/ 192).

785 - باب ذكر الدجال

785 - باب ذكر الدجال قوله في حديث أنس: "وَإنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كافر". كذا للأكثر ويروي: "مكتوبًا كافرًا". ولا إشكال فيه, لأنّه إمّا اسم [إنَّ] وإما حال قاله (ح) (¬1574). قال (ع): مكتوبًا منصوب على أنّه اسم إنَّ، وأمّا الحال فغير صحيح بل كافرًا عمل فيه مكتوبًا (¬1575). ¬

_ (¬1574) فتح الباري (13/ 99 - 100). (¬1575) عمدة القاري (24/ 218).

كتاب الأحكام

كتاب الأحكام 786 - باب قوله تعالى: {أَطِيِعُوا اللَّهَ وَأَطِيِعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال (ح) بعد أن ذكر الاختلاف في المراد بأولي الأمر قال: وأن زيد ابن أسلم قال: هم الولاة وقرأ ما قبلها: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} في هذا إشارة من المصنف إلى ترجيح هذا القول، بخلاف قول من قال المراد بهم العلماء (¬1576). قال (ع): ليت شعرى ما دليله على ما قاله؟ لأنّ في الآية أقوالًا فترجيح قول منها يحتاج إلى دليل (¬1577). قلت: ذلك مبلغهم من الفهم، مراد (ح) بقوله في هذه أي قراءة زيد بن أسلم {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ} فهل يخفى مثل هذا إِلَّا على مثل هذا. ¬

_ (¬1576) فتح الباري (13/ 111). (¬1577) عمدة القاري (24/ 221) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 392 - 393).

787 - باب من شاق شق الله عليه

787 - باب من شاق شق الله عليه قوله: شهدت صفوان وجندبًا وأصحابه، أي أصحاب صفوان وهو ابن جندب يحدثهم [يوصيهم] ذكره المزي في الأطراف بلفظ شهدت صفوان وأصحابه وجندبًا يوصيهم، قاله (ح) (¬1578). قال (ع): وهو أي جندب يوصي أصحابه والصواب مع الكرماني (¬1579). قلت: الضمير في أصحابه لصفوان لا لجندب، وقد ذكرت تأييد ذلك في الأصل. ¬

_ (¬1578) فتح الباري (13/ 129). (¬1579) عمدة القاري (24/ 229) وانظر مبتكرات اللآلي والدر (ص 393 - 394).

788 - باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه

788 - باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه قوله: عن أنس أن قيس بن سعد كان يكون بين يدي رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. قال (ح): قال الكرماني: فائدة تكرارًا لكون بيان الاستمرار والدوام. انتهى. ولم يتكرر في أكثر الروايات فقد وقع عند التّرمذيّ وابن حبّان والإسماعيلي وأبي نعيم الأصبهاني وغيرهم من طرق عن الأنصاري بلفظه: كان قيس بن سعد من النّبيّ فظهر أن ذلكَ من تصرف الرواة (¬1580). قال (ع): غرضه الغمز على الكرماني، والذي قال الكرماني أولى وأحسن، وليس للرواة إِلَّا نقل ما حفظوه، وليس لهم أن يتصرفوا فيه من عند أنفسهم، ورواية كان قيس بن سعد لا يستلزم نفي رواية كان يكون، لأنّ كلًا منهم لا يروي إِلَّا ما حفظ (¬1581). قلت: هذا الإعتراض مبني على دعوى أن الرواة لا يروي أحد منهم بالمعنى، ورد هذه الدعوى يكاد يكون بديهيًا، سلمنا أن كلًا ممّا ذكرنا أدى ما سمع، فما هو الذي لفظ به أنس؟ [من اللفظين لا بد في دعوى أحدهما، ¬

_ (¬1580) فتح الباري (13/ 135). (¬1581) عمدة القاري (24/ 232 - 233).

فالأحرى أنّه في تصرف من دون أنس] (¬1582). ولكن (ع) غلبت عليه محبة الاعتراض، فلا يصد عنها، وذلك من فضل الله على (ح) حيث تصدى له من يعترض عليه بمثل هذه الاعتراضات، مع أنّه في كلّ باب ينقل كلامه كما هو، ولا ينسب إليه منه حرفًا، حتّى إذا تخيل أدنى ذلك لا يملك نفسه فلله الأمر. ¬

_ (¬1582) ما بين المعكوفين من نسخة دار صدام فقط.

789 - باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟

789 - باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟ قوله في رواية مسلم: كتب أبي كتبت له إلى عبيد الله بن أبي بكرة قيل: معناه كتب أبو بكرة بنفسه مرّة وأمر ولده عبد الرّحمن أن يكتب إلى أخيه فكتب له مرّة أخرى. قال (ح): لا يتعين ذلك، بل الذي يظهر لي أن قوله: كتب إليَّ أي أمر بالكتابة، وقوله: كتبت له أي باشرت الكتابة الّتي أمر بها والأصل عدم التعدد (¬1583). قال (ع): والأصل عدم ارتكاب المجاز والعدول عن ظاهر الكلام لا لعلّة، وما المانع من التعدد؟ (¬1584). قلت: كون أبي بكرة كان لا يكتب وهذا لا يخفى على مثل هذا المعترض. ¬

_ (¬1583) فتح الباري (13/ 373). (¬1584) عمدة القاري (24/ 234).

790 - باب متى يستوجب الرجل القضاء

790 - باب متى يستوجب الرَّجل القضاء قوله في أثر عمر بن عبد العزيز: أن يكون فهمًا قال (ح): وهو من صيغ المبالغة (¬1585). قال (ع): هو من الصفات المشبهة (¬1586). ¬

_ (¬1585) فتح الباري (13/ 149). (¬1586) عمدة القاري (24/ 242).

791 - باب رزق الحكام والعاملين عليها

791 - باب رزق الحكام والعاملين عليها قال (ح): أي. على الحكومات (¬1587). قال (ع): الصواب على الصدقات بقرينة ذكر الرزق والعاملين (¬1588). قلت: انظر وتعجب. ¬

_ (¬1587) فتح الباري (13/ 150). (¬1588) عمدة القاري (24/ 242).

792 - باب من حكم بالمسجد حتى إذا أن على حد أمر أن يخرج

792 - باب من حكم بالمسجد حتى إذا أتى على حد أمر أن يخرج قال (ح): كأنّه يشير بهذه الترجة إلى من خص جواز الحكم في المسجد [بما] إذا لم يكن هناك شيء يتأذى به من في المسجد أو يقع به نقص كالتلويث (¬1589). قال (ع): ليس ما ذكره تفسير، للترجمة أصلًا، يقف عليه من له أدنى ذوق من معاني التراكيب، نعم الذي ذكره ينبغي أن يحترز عنه، ولكن لا مناسبة له في معنى الترجمة (¬1590). قلت: من الذي يرتضي أن يكون تركيب كلامه مثل تركيب هذا المعترض؟ ويا ليته إذا لم يفهم يسكت، ومراد (ح) واضح لمن له فهم، وذلك أن من منع من إقامة الحدّ أراد صيانته عما يقع به للمجد نقص، أو ما يتأذى به أهله، لأنّ إقامة الحدود ضرب من وجب عليه ولا يؤمن معه ما ذكر، وكأنّه أشار بذكره إلى إلحاق ما يشابهه، فمن لا يدرك هذا القدر هل ينبغي أن يعترض؟ ¬

_ (¬1589) فتح الباري (13/ 157). (¬1590) عمدة القاري (24/ 245).

793 - باب الشهادة تبهون عند الحاكم

793 - باب الشّهادة تكون عند الحاكم قوله: وقال القاسم: لا ينبغي للحاكم أن يمضي قضاءه بعلمه دون علم غيره ... الخ. قال (ح): كنت أظن أنّه القاسم بن محمَّد بن أبي بكر أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، ولا سيما والمسألة في الفروع الفقهية، لكن رأيت في بعض النسخ من طريق أبي ذر الهروي أنّه القاسم بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن مسعود، وهو من فقهاء الكوفة، فإن لم يكن هو فقد خالف أصحابه الكوفيين (¬1591). قال (ع): الكلام في صحة هذه الرِّواية على أن هذه المسألة فقهية، وعند الفقهاء إذا أطلق القاسم يراد به ابن محمَّد، ولئن سلمنا الصِّحَّة [صحة رواية أبي ذر] فكلام الفقهاء مطبقين على هذا أرجح من كلام غيرهم (¬1592). قلت: انظروا إلى هذا التركيب وإلى هذا التصرف. ¬

_ (¬1591) فتح الباري (13/ 161 - 162). (¬1592) عمدة القاري (24/ 249) وانظر مبتكرات اللآلي والدرر (ص 394 - 396).

794 - باب استقضاء الوالي واستعمالهم

794 - باب استقضاء الوالي واستعمالهم قوله: وأبو سلمة بن عبد الأسد وزيد وعامر بن ربيعة. قال (ح): زيد هو ابن حارثة (¬1593). قال (ع): الظّاهر أن الصواب قول الكرماني أنّه زيد بن الخطاب (¬1594) قلت: (¬1595). ¬

_ (¬1593) فتح الباري (13/ 168). (¬1594) عمدة القاري (24/ 254). (¬1595) كذا في النسخ ثلاث بياض بعد قلت.

795 - باب كتاب الحاكم إلى عماله

795 - باب كتاب الحاكم إلى عماله قوله في حديث سهل بن أبي خثمة: فكتب إلى اليهود فكتبوا. قال (ح): فيه تكلف وأقرب منه أن يقدر فكتب الكاتب عنهم، لأنّ الذي يباشر الكتابة إنّما هو واحد (¬1596). قال (ع): فيه أيضًا تكلف، والأقرب رواية الكشميهني، أو كتب بضم أوله على صيغة المجهول (¬1597). ¬

_ (¬1596) فتح الباري (13/ 185) وقوله "فيه تكلف" من قول الكرماني. (¬1597) عمدة القاري (24/ 265)

796 - باب ترجمة الحكام

796 - باب ترجمة الحكام قوله: قال بعض النَّاس: لا بد للحاكم من مترجمين، عن مغلطاي يريد ببعض النَّاس الشّافعيّ، وهو رد لقول من قال: إنَّ البخاريّ إذا قال بعض النَّاس أراد الحنفية. وأجاب الكرماني بأن ذلك هو الأغلب، أو في موضع تشنيع عليه بقبح الحال أو الحال بحاله، والمراد هنا بعض الحنفية وهو محمَّد بن الحسن. قال (ح): الثّاني أولى، لأنّ الشّافعيّ وافق في ذلك محمدًا لقوة دليله، فإنّه هو اشترط العدد ونزله منزلة الشّهادة (¬1598). قال (ع): سبحان الله ما هذا التعصب الباطل حتّى يوقعوا أنفسهم به في المحذور كالكرماني الذي طرح جلباب الحياة ويقول: أو في موضع تشنيع عليه وقبح الحال، وما التشنيع وقبح الحال إِلَّا على من يتكلم في الأئمة الكبار الذين سبقوهم بالإِسلام وقوة الدِّين وكثرة العلم وشدة الورع والقرب من زمن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، ومع هذا فالكرماني ما جزم بأن مراد البخاريّ بعض النَّاس أبو حنيفة أو محمَّد بن الحسن, لأنّه رد في كلامه. وأمّا (ح) فجزم وعزوهم عن الشّافعيّ [فهروبهم عن المراد به الشّافعيّ] ¬

_ (¬1598) فتح الباري (13/ 187).

كما قاله مغلطاي لماذا والحال أن لو كان المراد الشّافعيّ، فما يلزم النقص الشّافعيّ، ولا ينقص من جلالة قدره شيء على أن البخاريّ لا يراعي الشّافعيّ، والدّليل عليه أنّه ما روى عنه قط في جامعة الصّحيح، ولو كان يعترف به لروى عنه كما روى عن مالك جملة مستكثرة (¬1599). ¬

_ (¬1599) عمدة القاري (24/ 267 - 268).

797 - باب بطانة الإمام

797 - باب بطانة الإِمام قوله: قال سليمان عن يحيى أخبرني ابن شهاب بهذا، وعن ابن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب مثله. قال الكرماني: المذكور بقوله: هذا هو الحديث بعينه، والمذكور بقوله مثله أي نظيره. قال (ح): لا يظهر بين هذين فرق (¬1600). قال (ع): كيف ينفي الفرق ومثل الشي غير عينه (¬1601). قلت: لا نسلم أن المراد بقوله: بهذا عين ما سبق، وهذا أوضح من الشّمس. ¬

_ (¬1600) فتح. الباري (13/ 191). (¬1601) عمدة القاري (24/ 270).

كتاب التمني

كتاب التمني 798 - باب ما يجوز من اللوّ قال (ح): وقع عند ابن التين وبعده الكرماني من لو بغير ألف ولام لا تشديد ولعلّه من إصلاح بعض الرواة، لكونه لم يعرف توجيهه (¬1602). قال (ع): هذا هو الصواب، لأنّ معناه ما يجوز من قوله ولا يحتاج إلى ما تكلفوا من توجيهه ونسبه بعض الرواة إلى عدم معرفة وجهه من سوء الأدب (¬1603). ¬

_ (¬1602) فتح الباري (13/ 226). (¬1603) عمدة القاري (25/ 8).

كتاب خبر الواحد

كتاب خبر الواحد كذا لأبي ذر. قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}. قال الكرماني: وجه الاستدلال به أنّه أوجب الحذر عند مجيء فاسق بخبر فأمر بالتبين عند الفسق فحيث لا فسق لا يجب التبين. قال (ح): تؤخذ الدلالة من الآية من مفهومي الشرط والصِّفَة فإنهما يقتضيان قبُول [خبر] الواحد العدل (¬1604). قال (ع): كلام الكرماني كاد أن يقرب، وكلام الآخر كاد أن يبعد بل هو [بعيد] جدًا لأنّ الخصم لا يقول بالمفهوم، والذي يظهر أنّه لما ذكر في التّرجمة خبر الواحد الصدوق احتج بالآية على أن خبر الواحد الفاسق لا يقبل (¬1605). كذا قال! ¬

_ (¬1604) فتح الباري (13/ 234). (¬1605) عمدة القاري (25/ 13).

799 - باب خبر المرأة

799 - باب خبر المرأة قوله: قال الشّعبيّ: أرأيت حديث الحسن عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وقاعدة ابن عمر ... الخ. قال (ح): ظاهر السياق أنّها جملة حالية (¬1606). قال (ع): بل هو ابتداءكلام لبيان [تقليل] ابن عمر في الحديث (¬1607). قلت: فيحتاج الأوّل إلى تكملة بقدر، والأصل عدم التقدير، وارتباط الكلام بعضة ببعض. ¬

_ (¬1606) فتح الباري (13/ 244). (¬1607) عمدة القاري (25/ 22).

كتاب الاعتصام

كتاب الاعتصام 800 - باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ" قوله: "وَأَنْتُمْ تَلْعَبُونَهَا". قال (ح): نقل مغلطاي أن في بعض النسخ الصحيحة: "وَأَنْتُمْ تَلْقُونهَا" بقاف ونون، وقد تصحف وإن كان له بعض اتجاه (¬1608). قال (ع): مجرد دعوى التصحيف لا تسمع، ولا يبعد لصحة المعنى، هذا كلامه وضبط ببِعَين مُهْملَة ثمَّ قَاف (¬1609). ¬

_ (¬1608) فتح الباري (13/ 248) هكذا هو في النسخ الثلاث تلقونها بقاف ونون والذي في عمدة القاري (25/ 25) تلعقونها بعين مهملة ثمّ قاف. (¬1609) عمدة القاري (25/ 25).

801 - باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع

801 - باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدِّين والبدع قوله في حديث على: ما عندنا ما نقرؤه إِلَّا كتاب الله تعالى وما في هذه الصحيفة ... الحديث. قال الكرماني: مناسبة هذا الحديث للترجمة لعلّه يستفاد من قول علي كفر من تنطع في الكلام، وجاء يغير ما في الكتاب والسُّنَّة. قال (ح): الغرض من إيراد هذا الحديث هنا قوله: المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثًا فعليه لعنة الله .... الحديث (¬1610) قال (ع): الذي قاله الكرماني هو المناسب لألفاظ التّرجمة، والذي قال (ح) بعيد من ذلك [يعرف] بالتأمل (¬1611). قلت: لو تأمل (ع) لسكت. قوله فيه: الأعمش حدّثنا مسلم عن مسروق قال: قالت عائشة. قال الكرماني: يحتمل أن يكون ابن صبيح ويحتمل أن يكون البطين. قال (ح): هو مسلم أبو الضحى، وقد وقع عند مسلم مصرحًا به من رواية جرير عن الأعمش فقال: عن [أبي]، الضحى [به (¬1612). ¬

_ (¬1610) فتح الباري (13/ 279). (¬1611) عمدة القاري (25/ 38). (¬1612) فتح الباري (13/ 279).

قال (ع): وكذا نصّ عليه الحافظ المزي، فقال: مسلم بن صبيح أبو الضحى]، عن مسروق عن عائشة ... ثمّ ذكر الحديث، وقد مضى في الأدب في باب من لم يواجه النَّاس بالعتاب (¬1613). قلت: وقد بينت هناك أنّه تناقض فيه، فتعصب للكرماني هناك ورجع عنه هنا. ¬

_ (¬1613) عمدة القاري (25/ 39) وما بين المعكوفين من زيادتنا ومن العمدة ليستقيم الكلام.

802 - باب ما يذكر من ذم الرأي والقياس

802 - باب ما يذكر من ذم الرأي والقياس (¬1614). قوله في حديث سهل بن حنيف: اتهموا رأيكم فإني أقصر وما كنت مقصرًا وقت الحاجة كما في يوم الحديبية. وقال (ح): اتهموا رأيكم على دينكم أي لا تعملوا في أمر الدِّين بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى أصل في الدِّين (¬1615). قال (ع): ما قاله الكرماني أقرب إلى معنى التركيب، وما قاله (ح) أقرب إلى التّرجمة (¬1616). قلت: هذا التركيب الذي يكثر من ذكره لم يبين له ضابطًا. قوله: فيه ألَّا أسهل بنا إلى أمر نعرفه. قال (ح): أي أنزلتنا في سهل من الأرض أي أقضين بنا، وهو كناية عن التحول من الشدة إلى الفرج (¬1617). قال (ع): هذا معنى بعيد على ما لا يخفى على المتأمل، وإنّما المراد أقضين بنا إلى سهولة أي أمر سهل نعرفه خيرًا (¬1618). ¬

_ (¬1614) في النسخ الثلاث "من ذي الرأي" وهو خطأ ظاهر. (¬1615) فتح "الباري (13/ 288 - 289). (¬1616) عمدة القاري (25/ 45). (¬1617) فتح البارى (13/ 288). (¬1618) عمدة القاري (25/ 46).

803 - باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري ... الخ

803 - باب ما كان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري ... الخ قال الكرماني: في قوله في الترحمة لا أدري حزازة، إذ ليس في الحديث ما يدلُّ عليه، ولم يثبت عنه - صلّى الله عليه وسلم - ذلك. قال (ح): هذا تساهل شديد منه في الإِقدام على نفي الثبوت، والذي يظهر أنّه أشار في الترجمة إلى ما ورد في ذلك، ولكنه لم يثبت عنده منه [شيء]، على شرطه، وإن كان يصلح للحجة كعادته في أمثال ذلك، منها حديث ابن عمر جاء رجل إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فقال: أي البقاع خير؟ قال: "لَا أَدْري" فأتاه جبريل فسأله فقال: "لَا أَدْري" فقال: "سَلْ رَبَّكَ ... الحديث". أخرجه ابن حبّان في صحيحه, وللحاكم نحوه من حديث جبير بن مطعم. وفي الباب عن أنس وأبي ذر وعن أبي هريرة رفعه: "لَا أَدْريِ اْلحُدوُدُ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا؟ ". أخرجه الدارقطني والحاكم، وقد تقدّم ذكره في شرح حديث عبادة بن الصامت في كتاب الإيمان [العلم]، وتقدم في الحدود الإلمام بشيء من ذلك (¬1619). ¬

_ (¬1619) فتح الباري (13/ 290).

وقال ابن الحاجب في أوائل مختصره لثبوت لا أدري: وقد أوردتُ من ذلك ما تيسر في الأمالي في تخرج أحاديث المختصر. قال (ع): نسبته الكرماني إلى التساهل تساهل أشد منه، لأنّ قوله ليس في الحديث ما يدلُّ عليه صحيح، وقوله ولم يثبت عنه ذلك أيضًا صحيح، لأنّ مراده أنّه لم يثبت عنده، فإذا كان كذلك فقول البخاريّ لا أدري واقع في غير محله (¬1620). قلت: نسبته البخاريّ إلى أنّه ذكر شيئًا في غير محله أشد من الأوّل والثّاني والله المستعان. قوله في حديث عائشة: كان يوضع لي مِرْكَن. قال (ح): ذكر الخليل أنّه شبه تور من أدم، وذكر ابن بطّال تور خزق يستعمل للماء، وقال غيره: شبه حوض من نحاس وأبعد من فسره بالإجانة (¬1621). قال (ع): قال ابن الأثير المركز الإِجانة الّتي يغسل فيها الثِّياب والميم زائدة، وكذا قال الأصمعي (¬1622). قلت: حكاه ابن التين عن الأصمعي، وكان ماذا إنّما استبعد الغريب بالغريب. قوله في آخر حديث ابن عمر: وقت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قرنا وذكر العراق فقال: لم يكن يومئذ عراق. قال (ح): قوله: لم يكن عراق يومئذ، لعلّ مراده لم يكن بأيدي ¬

_ (¬1620) عمدة القاري (25/ 46). (¬1621) فتح الباري (13/ 311). (¬1622) عمدة القاري (25/ 60).

المسلمين حتّى يؤقت لهم؛ فإن بلاد العراق منها في ذلك الوقت كانت بأيدي كسرى وعماله من الفرس والعرب، لكن يعكر على هذا الجواب ذكر أهل الشّام، فإنها كانت هي وأعمالها بأيدي قيصر وعماله من الروم والعرب، فلعلّ مراد ابن عمر بنفي العراقين عراق أخص، وهو الذي اشتهر في الإسلام إطلاق اسم العراق عليه الكوفة والبصرة، فإن كلًا منهما إنّما صار مصرًا جامعًا بعد فتح المسلمين بلاد الفرس (¬1623). قال (ع): هذا كلام واهٍ لأنّ [ابن] عمر يقول: وقت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، ففي ذلك الوقت لم يكن اسم الكوفة والبصرة مذكورًا ولا خطر ببال أحد أن في العراق بلدين الكوفة والبصرة وإنّما تمصرتا في أيّام عمر (¬1624). قلت: هذا يؤيد ما قاله (ح) وساقه (ع) وقامه [أقامة] في مقام التعقب عليه فليتعجب الناظر في كلامه ما شاء. ثمّ قال (ع): والجواب عن الذي قال: أنّه يفكر أن الحجِّ فرض في سنة ست ولم يحج - صلّى الله عليه وسلم - إِلَّا في سنة عشر وبينهما أربع سنين، وفي هذه المدة دخلت [دخل] ناس في الإسلام من القاطنين فيما وراء المدينة من ناحية الشّام، وتوقيت النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - المواقيت كان في زمن حجته (¬1625). قلت: دعواه أن ناسًا أسلموا من ناحية الشّام يحتاج إلى تكملة الجواب أن من كان من ناحية العراق ما أسلم منهم أحد، ومن أين له هذا النفي، وإن لم تصح الدعوى من الطرفين لا يتم الجواب، والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1623) فتح الباري (13/ 312). (¬1624) عمدة القاري (25/ 62). (¬1625) عمدة القاري (25/ 62).

804 - باب قول الله عز وجل: {ليس لك من الأمر شيء}

804 - باب قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} قوله: عن ابن عمر أنّه سمع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يقول في صلاة الفجر ورفع رأسه من الركوع قال: "اللَّهُمَّ رَبَنّاَ وَلَكَ الحَمْدُ في الآخِرَةِ ... " الحديث. قال الكرماني: مقول يقول كأنّه جعله كالفعل الملازم أي يفعل القول ويحققه أو محذوف. وقال (ح): يحتمل أن يكون قال قائلًا أو لفظ قال المذكور زائدًا (¬1626). قال (ع): دعواه الزيادة غير صحيحة لأنّه واقع في محله، والاحتمال كونه حالًا يمنع السؤال، وإن كان حالًا فلابد له من مقول (¬1627). قلت: مقوله: " اللَّهُمَّ ... الخ" فهل يظل أحد في العناد إلى أكثر هذا، وأمّا له احتمال الزيادة فقد استند (ح) فيه إلى دراية الإسماعيلي حيث جاء فيها من الطريق المذكور أنّه سمع النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من صلاة الفجر يقول: اللَّهُمَّ ... الخ. تنبيه: ذكر (ح) من بقية شرح هذا الباب قوله في الآخرة أي الركعة الآخرة ¬

_ (¬1626) فتح الباري (13/ 313). (¬1627) عمدة القاري (25/ 63).

وهي الثّانية من صلاة الصُّبح صرح بذلك في رواية حبّان بن موسى، وظن الكرماني أن قوله في الآخرة يتعلّق بالحمد، وأنّه بقية الذكر الذي قاله النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - في الاعتدال، فقال: فإن قلت: ما وجه التخصيص بالآخرة مع أن له الحمد في الدنيا أيضًا. ثمّ أجاب بأن نعيم الآخرة أشرف، فالحمد عليه هو الحمد حقيقة، أو المراد بالآخرة العاقبة أي مآل كلّ الحمود إليه. انتهى. وليس لفظ في الآخرة من كلام النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بل من كلام ابن عمر، ثمّ ينظر في جمعه الحمد على حمود (¬1628). قوله: فلانًا وفلانًا. قال الكرماني: رعلًا وذكوان، ووهم في ذلك، وإنّما سَمَّى ناسًا بأعيانهم، لا القبائل كما بينته في سورة آل عمران، ثمّ أخذ (ع) هذا الفصل كما هو وتصرف في بعضه. وزاد بعض الإِساءة على الكرماني الّتي من عادته أن ينكرها فقال ما لفظه: قوله في الآخرة من كلام ابن عمر أي في الركعة الآخرة. ووهم فيه الكرماني وهما فاحشًا، وظن "أنّه متعلّق بالحمد حتّى قال: وجه التخصيص بالآخرة مع أن له الحمد في الدنيا أيضًا، لأنّ نعيم الآخرة أشرف فالحمد عليه هو الحمد حقيقة، أو المراد بالآخرة العاقبة أي قال: "كلّ الحمود إليك" انتهى، وفي جمع الحمد على الحمود نظر. قوله: فلانًا وفلانًا. قال الكرماني: يعني رعلًا وذكوان، قيل: وهم فيه أيضًا، لأنّه سمى ناسًا بأعيانهم لا القبائل (¬1629). ¬

_ (¬1628) فتح الباري (13/ 313). (¬1629) عمدة القاري (25/ 63).

قلت: كتبت هذا الفصل عنوانًا لما تعمده (ع) فهذا [في هذا] الشرح خصوصًا في الربع الأخير منه، فإنّه يأخذه مصالقة ولا ينسب لصاحبه منه حرفًا، إِلَّا أن عثر على زلة بزعمه، ولعلّ ذلك كما فهمه كما يظهر من هذه الأوراق الّتي لقطتها من اعتراضاته، وأمّا، ما لا اعتراض له عليه, فهذه طريقته مع (ح) لا يزيد عليه الاعراب بعض ألفاظ أو في ضبط أسماء رواة تتبع في كلّ ذلك الكرماني ونحوه من غير تحرير بحث، أجزم أنني لو تتبعته لكان نصفه مردودًا، لكن يضيق الزّمان على ذلك والله المستعان.

805 - باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود

805 - باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود قال الكرماني: حاصله أن من حكم بغير السنة ثمّ تبين له أن السنة خلاف حكمه وجب عليه الرجوع منه إليها، ثمّ قال: وفي التّرجمة نوع تعجرف. قال (ح): ووقع في حاشية نسخة الدمياطي بخطه الصواب في التّرجمة فأخطأ بخلاف الرسول. انتهى. وليس دعوى حذف الباء بدائع للإشكال، بل إن ساغ سلوك طريق التغيير فلعلّ اللام متأخرة ويكون في الأصل خالف بدل خلاف، ثمّ الكلام عند قوله: فأخطأ وهو متعلّق بقوله: اجتهد، وقوله: خلاف الرسول أي فقال خلاف الرسول وحذف قال: يقع في الكلام كثيرًا فأي عجرفة في هذا والشارح من شأنه أن يوجه كلام الأصل مهما أمكن، ويغتفر القدر اليسير من الخلل تارة ويحمله على الناسخ تارة، وكل ذلك في مقابلة الإحسان الكثير الباهر، ولا سيما مثل هذا الكتاب ليس فيها قلق إِلَّا في اللّفظ بعد قوله فأخطأ فإن ظاهر التركيب ينافي المقصود لا من أخطأ خلاف الرسول لا يذم بخلاف من أخطأ وفاقه، وليس ذلك مراده دائمًا (¬1630). قال (ع): فيما قاله عجرفة أكثر ممّا قال الكرماني: لأنّ تقديره بقوله ¬

_ (¬1630) فتح الباري (13/ 318).

فقال خلاف الرسول عطفًا على أخطأ فيؤدي إلى نفي المقصود (¬1631). قلت: انظر وتنزه. ¬

_ (¬1631) عمدة القاري (25/ 65 - 66). قال البوصيري (ص 397) إن العيني نسب إلى ابن حجر ما لم يقله، ولا خطر بباله، ولا يخطر ببال أحد إِلَّا بعد [أن] نسبه إليه، وهو قوله معطوف: على أخطأ ثمّ بين فساده، كيف وقد قال ابن حجر: قد تم الكلام عند قوله أو أخطأ؟ فلو لم يذكر العيني المعطوف عليه على فهمه فما فهمنا إِلَّا خلافه ممّا بيناه، فأين بالله العجرفة الّتي وصفه بها؟ على أن العيني قد سلم عجرفة التجرفة بقضية الأكثر، وإن كانت مسلوبة عن مقال ابن حجر فيما قررناه.

806 - باب الأحكام التي تعرف الدلائل

806 - بَابُ الأَحْكَامِ الَّتِي تُعْرَفُ بِالدَّلاَئِلِ قوله: حدثني يحيى حدّثنا ابن عيينة. قال (ح): صنيع ابن السكن يقتضي أنّه ابن موسى، وجزم الكلاباذي ومن تبعه كالبيهقي بأنّه ابن جعفر (¬1632). قال (ع): تبع الكلاباذي في هذا جماعة منهم البيهقي (¬1633). قَوْلُهُ: إنَّ امْرَأَةَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال (ح): ساقه هنا على لفظ محمَّد بن عقبة عن فضيل بن سليمان، وأمّا لفظ ابن عيينة فقد مضى في الطّهارة (¬1634). قال (ع): ليس كذلك بل هو في الحيض (¬1635). ¬

_ (¬1632) فتح الباري (13/ 331). (¬1633) عمدة القاري (25/ 71). (¬1634) فتح الباري (13/ 331). (¬1635) عمدة القاري (25/ 71 - 72).

كتاب التوحيد والرد على الجهمية

كتاب التّوحيد والرد على الجهمية قال (ح): وقع لابن بطّال وابن التين "كتاب رد الجهمية" وغيرهم "التّوحيد" وضبطوا التّوحيد بالنصب على المفعولية، وظاهره معترض، لأنّ الجهمية وغيرهم من المبتدعة لم يردوا التّوحيد، وإنّما اختلفوا في تفسيره (¬1636). قال (ع): لا اعتراض عليهما، فإن من الجهمية طائفة يردون التّوحيد وهو طوائف ينسبون إلى جهم بن صفوان من أهل الكوفة (¬1637). كذا قال، وزعمه أن جهمًا من أهل الكوفة خلاف ما قال أهل العلم بالأخبار، وقول طائفة يردون التّوحيد إن أراد أن فيهم من يجعل مع الله إلهًا آخر كعبادة الأوثان فليس بصحيح، وإن أراد أن منهم من يعطل الصفات فحق، ولكن هو اختلاف في تفسير التّوحيد. ومن أعجب العجب أنّهم سموا أنفسهم أهل العدل والتوحيد، أمّا العدل فلزعمهم إنفاد الوعيد على الله، وأمّا التّوحيد فلأنّهم ينفون الصفات لزعمهم أنّها تسلتزم إثبات شريك للباري، فكيف يقال في حقهم يردون التّوحيد وهم يدعون الانفراد به. ¬

_ (¬1636) فتح الباري (13/ 344). (¬1637) عمدة القاري (25/ 81).

807 - باب قول الله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن}

807 - باب قول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} قوله: حدّثنا محمَّد أخبرنا أبو معاوية. قال (ح): قال الكرماني تبعًا لأيى علي الجياني: هو إمّا ابن سلام وإما ابن المثنى، وقد وقع التصريح بالثّاني في رواية أبي ذر الهروي بأنّه ابن سلام فتعين الجزم (¬1638). قال (ع): لم يذكر الكرماني أبا علي الجياني أصلًا، والأمانة مطلوبة في النقل، ودعوى الجزم مردودة على ما لا يخفى (¬1639). قلت: لو كان من أهل الحديث لعرف أن ابن المثنى لا يقول إِلَّا حدّثنا، وابن سلام لا يقول إِلَّا أخبرنا، وهو وقع هنا عند الجميع بلفظ أخبرنا، فعرف أنّه ابن سلام، وبذلك جزم المزي في الأطراف، فقال (ح) عن محمَّد وهو ابن سلام عن أبي معاوية. ¬

_ (¬1638) فتح الباري (13/ 360). (¬1639) عمدة القاري (25/ 84).

808 - باب قول الله تعالى: {ويحذركم الله نفسه}

808 - باب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ذكر فيه حديث ابن مسعود بلفظ: "مَا مِنْ أَحَدِ أَغْيَرُ مِنَ الله، مِن أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَواَحِش، وَمَا أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ". قال (ح): أليس في حديث ابن مسعود هذا ذكر النفس، فلعلّه أقام [استعمال] أحد مقام استعمال النفس، لملائمتها [لتلازمهما] في صحة استعمال كلّ منهما مقام الآخر. ثمّ قال: والظاهر أن هذا الحديث كان قبل هذا الباب فنقله الناسخ إلى هذا الباب. انتهى. وكل هذا غفلة عن مراد البخاريّ فإن ذكر النفس ثابت في هذا الحديث الذي أورده، وإن كان لم يقع في هذه الطريق، لكنه أشار إلى ذلك كعادته، فقد أورده في تفسير سورة الأنعام بلفظ "وَلَا شَيْءَ" وفي تفسير سورة الأعراف بلفظ: "وَلَا أَحَدٌ أحَبُّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ الله وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفسَهُ" وهذا القدر هو المطابق للترجمة، وقد كثر منه أن يترجم ببعض ما ورد في طرق الحديث الذي يورده، ولو لم يكن ذلك القدر موجودًا في تلك الترجمة. وقد سبق الكرماني إلى نحو ذلك ابن المنير فقال: ترجم على ذكر النفس في حق الباري، وليس في الحديث الأوّل للنفس ذكر، فوجه مطابقته أنّه صَدَّرَ الْكَلَامَ بِأَحَدٍ وَأَحَدٌ الواقع في النفي عبارة عن النفس على وجه

مخصوص بخلاف أحد الواقع في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. انتهى. وخفى عليه ما خفي على الكرماني مع أنّه تفطن لمثل ذلك في بعض المواضع (¬1640). قال (ع): هذا ليس غفلة منه، لأنّ كلامه على الظّاهر، لأنّ الذي ينبغي أن لا يذكر حديث عقبة ترجمة إِلَّا ويكون فيه لفظ مطابق للترجمة، وإلا يبقي بحسب الظّاهر غير مطابق، ومع هذا اعتذر الكرماني عنه حيث قال: لعلّه أقام ... الخ (¬1641). قال (ع): ويؤيده كلام غيره وجه مطابقته أنّه يصدر الكلام، فساق ما نقله (ح) عن ابن المنير. قلت: ما نفاه عن الغفلة بحسب الظّاهر ثابت بحسب الفطنة بحسب التتبع والتنقيب عن مراد المصنف، ألَّا أنّه مثابر على دفع الصواب مع تناول الفائدةُ بغير شكر لمن أثارها. ¬

_ (¬1640) فتح الباري (13/ 385). (¬1641) عمدة القاري (25/ 100).

809 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا شخص أغير من الله"

809 - باب قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ" وقال عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير يعني عن وراد عن المغيرة رفعه: "لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ". قال (ح): وصلها الدارمي عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو، هو الرقي به، وطعن الخطابي ومن تبعه في صحة هذه اللفظة فقال: إطلاق الشخص في صفات الله تعالى غير جائز، لأنّ الشخص لا يكون إِلَّا جسمًا مؤلفًا، فحقيق أن لا تكون هذه اللفظة غير صحيحة، وتكون تصحيفًا من الراوي، ودليل ذلك أن أبا عوانة روى هذا الحديث عن عبد الملك فلم يذكرها، ووقع في حديث أبي هريرة وأسماء بنت أبي بكر بلفظ: لا شيء وهي قريبة من شخص ووزنهما سواء، فمن لم ينعم في الاستماع لم يأمن الوهم، وليس كلّ الرواة يراعي لفظ الحديث لا يتعداه، بل كثير منهم يحدث بالمعنى، وليس كلهم فقهاء، بل في كلام بعضهم خفاء وتعجرف، فلعلّ لفظ شخص جرى على هذا السبيل إن لم يكن غلطًا، وقد انفرد عبيد الله ابن عمرو عن عبد الملك بهذه اللفظة ولم يتابع عليها فاعتوره الفساد. انتهى. وتلقاه عن الخطابي أبو بكر بن فورك فقال: لفظ شخص غير ثابت من طريق السند، فإن صح فبيانه في الطريق الآخر بلفظ: "لَا أَحَدَ" وإنّما مقنعنا من إطلاق لفظ الشخص أمور: أحدها: أنّه لم يثبت من طريق السمع ... إلى آخر كلامه. ونحى ابن بطّال نحوه وساق بعض كلامه، وهذا كله منهم مبني على

تفرد عبيد الله بن عمرو، ومقتضاه أن من أطلق ذلك لم يراجع صحيح مسلم ولا غيره من الكتب الّتي وقعت فيها هذه اللفظة من غير رواية عبيد الله ابن عمرو. فقد أخرجه مسلم فذكرها في بعض طرقه. وأخرجه أبو عوانة الأسفراييني في مستخرجه على مسلم، والإسماعيلي في مستخرجه على البخاريّ، كلّ منهما من ثلاث طرق بإثباتها، وإذا تقرر ذلك فالتشاغل برد الرِّواية الصحيحة والطعن في أئمة الحديث مع إمكان توجيه هذه اللفظة يقتضي قصور فهم من فعل ذلك ولوم من نسب إلى أهل الحديث، ثمّ من تصدى لشرح الحديث أشد من لوم من ليس منسوبًا إلى الحديث، وقد أنصف صاحب الكمال المعلم حيث قال: يعني شرح قوله: "وَلَا أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيْهِ العُذْر مِنَ الله" وعلى هذا لا يكون في ذكر الشخص ما يشكل، ثمّ أطال في تقرير ذلكَ وتبعه القرطبي في المفهم. ومن ثمّ قال الكرماني: لا حاجة لتخطئة الرواة الثقات, بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات، إمّا التّأويل وإما التفويض. انتهى ملخصًا (¬1642). قال (ع): وقع (ح) في غير ما أنكر، والخطابي لم ينكر هذه اللفظة وحده، والعجب من هذا القائل كيف أيد كلامه بكلام الكرماني مع أنّه ينسبه في مواضع إلى الغفلة وإلى الوهم وإلى الغلط، ومن أين ثبت له عدم مراجعة الخطابي إلى صحيح مسلم وغيره؟ والسهو والنِّسيان غير مرفوعين عن كلّ أحد، وفي نسبة الثقات إلى قصور الفهم واقع هو فيه. انتهى (¬1643). ومن تأمل هذا الجواب عرف أنّه لا يتحصل له مقصود ولله الحمد. ¬

_ (¬1642) فتح الباري (13/ 400 - 402). (¬1643) عمدة القاري (25/ 109).

810 - باب {وكان عرشه على الماء}

810 - باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} قوله: يقال: حَمِيدٌ مَجِيدٌ كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ مَحْمُودٍ مِنْ حَمِدَ كَذَا لَهُمْ بِغَيْرِ يَاءٍ فِعْلًا مَاضِيًا ... الخ. قال (ح): قال الكرماني: وفي عبارة البخاريّ تعقيد. قلت: هو في قوله محمود من حمد، وهو لبعض الرواة، والأولى ما وجد في أصله وهو كلام أبي عبيدة (¬1644). قال (ع): هذا كلام من لم يذوق من علم التصريف شيئًا، بل لفظ محمود مشتق من حمد، والتعقيد الذي نسبه الكرماني إلى البخاريّ محمود من حميد، لأنّه لم يؤخذ منه، بل كلاهما مأخوذ من حمد الماضي. انتهى (¬1645). وهذا من مبالغته في التعصب يطلق لسانه من قبل أن يتدبر ما يقول. قوله: عمر لوددت أنّها قد ذهبت ولم أقم. قال (ح): الود المذكور يسلط على جميع ذهابها، وعدم قيامه لا على أحدهما فقط، لأنّ ذهابها بمعنى نقلها [انفلاتها] قد تحقق أو المراد بالذهاب الفقد الكلي (¬1646). قال (ع) في هذا الأخير نظر لا يخفى (¬1647). ¬

_ (¬1644) فتح الباري (13/ 408). (¬1645) عمدة القاري (25/ 112). (¬1646) فتح الباري (13/ 410). (¬1647) عمدة القاري (25/ 113).

811 - باب قول الله عز وجل: {تعرج الملائكة}

811 - باب قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ} قوله في حديث أبي سعيد الخدري: " فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَلاَ تَأْمَنُونِي". قال (ح): مناسبته للترجمة في قوله في الطريق الماضية في المغازي: "وَأنَا أَمِينُ مَنْ في السَّمَاءِ" وقد أشكلت مناسبته للترجمة حتّى صرح بنفي المطابقة، والذي يظهر لي ما ذكرته كما اطردت بعد عادته في الإشارة بالترجمة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده فيها، وإن لم يفصح بذلك (¬1648). قال (ع): فيه تعسف، وقد تكلف فيه الكرماني فقال: دل عليها لازم. قوله: "لَا تُجَاوِزُ حنَاجرَهُمْ" أي لا تصعد إلى السَّماء فيه حرف معتل (¬1649). قلت: من غير عبرا بْلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا ¬

_ (¬1648) فتح الباري (13/ 418). (¬1649) عمدة القاري (25/ 120) وفي العمدة "وفيه جر ثقيل" بدل "حرف معتل أو معل" كما في النسخ الثلاث.

812 - باب قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله}

812 - باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} قوله: "يَنْزِلُ رَبُنّاَ". قال (ح): أخرج أبو إسماعيل الهروي في كتاب البارون حديث النزول من حديث ابن مسعود وفيه: "فَإِذاَ طَلَعَ اْلفَجْرُ صَعَدَ". وفي حديث أبي الخطاب: "ارْتَفَعَ". ومن حديث عبادة وفيه: "ثُمَّ يَعْلُو رَبُّنَا عَلى كُرْسِيِّهِ". ونحوه من حديث جابر وهذه الطرق كلها ضعيفة (¬1650). قال (ع): ألم يعلم هو أن الحديث إذا روى من طرق كثيرة ضعيفة يقوي فيشد بعضها بعضًا, وليس في هذا الباب وأمثاله إِلَّا التفويض، فإن الأخذ بالظاهر يؤدِّي إلى التجسيم، وتأويله يؤدِّي إلى التعطيل (¬1651). قلت: لكن هو لم يعلم أن أهل الفن قيدوا ما ينجبر بقيد إذا لم يوجد لما يشد بعض الطرق بعضًا وإطلاق قوله يؤدِّي إلى التعطيل ليس بمستقيم. قوله: عن أبي زرعة عن أبي هريرة فقال: هذهِ خديجة أتتك. قال (ح): كذا أورده مختصرًا والقائل جبريل تقدّم في باب تزويج خديجة في آخر باب مناقب الصّحابة في أول السيرة النبوية من هذا الوجه ¬

_ (¬1650) فتح الباري (13/ 468). (¬1651) عمدة القاري (25/ 159).

بلفظ: أتى جبريل النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله هذه خديجة ... إلخ، وبهذا يظهر بأن جزم الكرماني بأن هذا موقوف غير مدفوع مردود (¬1652). قال (ع): هذا مجرد تشنيع عليه بلا وجه، لأنّ مقصوده بالنظر إلى ما ورد هنا مختصرًا، ولم يجزم بأنّه موقوف (¬1653). قلت: لفظ الكرماني بعد أن ذكر ما هنا: وأعلم أن هذا الحديث فيه اختصار، ويوضحه ما تقدّم في مناقب الصّحابة أن أبا هريرة قال: أتى جبريل النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ... وساق الحديث. ثمّ قال: ومع هذا فالحديث غير مرفوع بل هو موقوف، فهذا كلامه بحروفه، فإن لم يكن هذا جزمًا فما هو الجزم؟! يقول: بأنَّه غير المرفوع ثمّ يؤكد بأوله بل هو موقوف، فيدعي (ع) أنّه ما صرح، فلو أراد التصريح فماذا يقول؟ ثمّ اعتذاره عنه بأن مقصودة بالنظر إلى الطريق المختصرة لا يساعده سياقه، فإنّه نبه على ما اختصره منه هنا بما ذكره هنا. ثمّ قال: ومع ذلك فهو موقوف، ولو كان من أهل الفن لما أطلق ذلك، لأنّ تعريف المرفوع منطبق عليه، وهو ما أضيف إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وإنّما التبس عليه، لأنّ أبا هريرة ما أدرك القصة حتّى يحمل على أنّه حضرها، وإنّما احتمل أنّه سمعها من النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أو ممّن سمعها منه، فعلى هذا فهو مرسل صحابي، والمرسل أعم من أن يكون مرفوعًا أو موقوفًا، والمرفوع من صفات المتن، والمرسل من صفات الإسناد، ولا منافاة بينهما، ومرسل الصحابي عند الجمهور له حكم الاتصال، وهذا القدر يشترك فيه العالم باصطلاح أهل الحديث، والعالم بأصول الفقه، فإنّه مذكور في مباحث السُّنَّة عندهم. ¬

_ (¬1652) فتح الباري (13/ 469). (¬1653) عمدة القاري (25/ 160).

قوله في آخر حديث أبي سعيد: فحدثت به أبا عثمان فقال: سمعت من سليمان ... الخ. قال (ح): ذهل الكرماني فجزم بأن قائل ذلك قتادة، فإنّما هو سليمان (¬1654). قال (ع): لم أر هذا في شرح الكرماني، ولئن كان موجودًا فله أن يقول: أنت ذهلت، لأنّه لم يبرهن على ما قاله (¬1655). قلت: جوابه كلامي مع أهل الفن العارفين بأن النقل [بالنقل]. قوله في حديث أنس من رواية شريك: " [ثمّ] أَتى بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا". قال (ح): كذا وقع بالنصب، وأعرب بأنّه حال من الضمير الجار والمجرور والتقدير: بطست كائن من ذهب، فنقل الضمير من اسم الفاعل إلى الجار والمجرور (¬1656). قال (ع): هذا كلام من لم يشم شيئًا من العربيّة. والذي يتصدى لشرح من هذا الكتاب يتكلم في ألفاظ الحديث النبوية بمثل هذا الكلام أفلا يعلم أنّه يعرض ما يقوله على ذوي الألباب والبصائر، والذي يقال: إن محشوا حال من التور الموصوف بقوله: من ذهب (¬1657). ¬

_ (¬1654) فتح الباري (13/ 472). (¬1655) عمدة القاري (25/ 164). (¬1656) فتح الباري (13/ 481). (¬1657) عمدة القاري (25/ 172). قال البوصيري (ص/397 - 398) إنَّ القاعدة النحوية أن الحال إذا جاز أن يكون صاحبها أحد لفظين أو ألفاظ، فالأولى أن يكون القريب منها هو =

ْقلت: الذي أنكره وشنع به سواء كان صوابًا أم خطأ، لمن أعربه كذلك، فأمّا (ح) فهو ناقل له عن غيره؛ لأنّه قال: أعرب على البناء لمن لم يسم مع أن الذي أعربه كذلك من العلماء المشاهير المصنفين في فنون من العلم المتلقي كلًا منهم بين أئمة العصر بالقبول، وإذا كان الكلام موجهًا لم يلتفت إلى تشنيع المتعصب، وقوله: إنّما يعلم أنّه يعوض مشترك الإلزام والله المستعان. قوله: إيمانًا وحكمة. قال (ح): أعرب تمييزًا (¬1658). قال (ع): وهذا تصرف واهٍ، وإنّما هو مفعول قوله محشوًا، لأنّ اسم المفعول يعمل عمل فعله (¬1659). ¬

_ = صاحبها، كالقيد المتأخر عند أكثر العلماء إذا احتمل رجوعه لواحد من متعدد قبله، فإنّه يرجع للأخير، وههنا الضمير في كائن أقرب إليها من الثور، وإن كان ما صدقهما واحدًا، فالمعرب الذي يوافق إعرابه قواعد العربيّة لا يحكم عليه بما حكم به العيني عليه من كونه لم يشم رائحة العربيّة، ولكنه أكلها أكلا وشربها شربا. وقد صح قول العيني رحمه الله: إنّه يعرض كلامه على ذوي الألباب والبصائر، ولقد استعرضه الجهابذة من بعده، فعقدوا على قبوله الظواهر والضمائر، وأشاروا إلى تفوقه بالخناصر والبناصر. (¬1658) فتح الباري (13/ 481). (¬1659) عمدة القاري (25/ 172).

813 - باب قول الله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة}

813 - باب قول الله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ} قوله: وقال أبو هريرة: قال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لبلال ... الخ. قال (ع): مضي موصولًا في كتاب التهجد في باب فضل الطّهور باللّيل، ووهم (ح) حيث قال: تقدّم موصولًا في مناقب بلال (¬1660). قلت: لفظةٌ: تقدّم أيضًا معلقًا في مناقب بلال من مناقب الصّحابة، وأنّه تقدّم في كتاب التهجد موصولًا مشروحًا فأخذه (ع) كلامه فحرفه، يتوهم أنّه وهم، وليس كذلك، لأنّه نبه على أقرب المواضع، وأنّه أوضحه في الموضع البعيد. ¬

_ (¬1660) فتح الباري (13/ 509) وعمدة القاري (25/ 187).

814 - باب قول الله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}

814 - باب قول الله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} قال (ح): المراد بالقراءة هنا الصّلاة (¬1661). قال (ع): لم يقل به أحد، والمفسرون مجمعون على أن المراد منه القراءة في الصّلاة، وهو حجة على من يرى بفرضية قراءة الفاتحة في الصّلاة (¬1662). قلت: نقل الإجماع في هذا تهور، فقد قال: وهذا ظاهر القرآن فإنّه استفتح بصلاة اللّيل، فقال تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} .. إلى أن قال: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فالضمير في تحصوه لليل، والمراد تحصوه بالصلاة في جميعه، {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} أي فصلوا ما تيسر من الصّلاة باللّيل، وأطلق القرآن على الصّلاة من إطلاق البعض على الكل. ¬

_ (¬1661) فتح الباري (13/ 520). (¬1662) عمدة القاري (25/ 194).

آخر انتقاض الاعتراض لسيدنا ومولانا شيخ الإسلام شهاب الدِّين أحمد بن الشّيخ الإمام العلّامة علاء الدِّين علي بن محمَّد ابن محمَّد العسقلاني المشهور بابن حجر تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه وفرغ منه في يوم الرّابع والعشرين من [ذي] القعدة الحرام يوم الأحد المبارك بمكة المشرفة زادها الله شرفًا وتعظيمًا [ولا جعله آخر العهد منها بمنه وكرمه] وصلّى الله على سيدنا محمَّد وعلى صحبه وسلم. وبعدها في نسخة جستربتي: وشرف وكرم تكريما، وكان الأوان من تنميق هذه النسخة المباركة نهار الجمعة لتسعة عشر ليلة خلت من شهر رمضان المبارك من سنة ألف ومئة وستة وسبعين سنة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وسلام رب البرية على يد الفقير الحقير الملتجيء إلى العليم الخبير الراجي عفو ربه الكريم العبيد الذليل المسمى باسم خليل الله إبراهيم، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولمن نسب إليه من صديق وحميم، ووقاهم العلي العظيم عذاب الجحيم، إنّه على ذلك قدير، وبهم رؤرف رحيم، ولإخوانه المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنّه قريب مجيب الدعوات، والحمد لله وحده، الصّلاة والسلام على من لا نبي بعده. وفي آخر نسخة الآثار: قال كاتب أصل هذه النسخة واستكتبها في أصل عليه تناظير كثيرة بعد الفحص عن أصل غيره فلم يتيسر أحمد بن أبي بكر القسطلاني وهو شارح صحيح البخاريّ رحمهم الله أجمعين. وتمت كتاية هذه النسخة على يد عبد الرّحمن بن عبد العظيم الشموني غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين سنة 1088 هـ.

§1/1