الوقف القرآني وأثره في الترجيح عند الحنفية

عزت شحاتة كرار

مقدمة

مقدمة بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومتبعى هديه إلى يوم الدين .... وبعد. يعد علم الوقف من أهم العلوم التى أهتم بها العلماء المسلمون حتى أنهم أفردوا لها تصانيف خاصة وأول من كتب فى الوقف هو شيبة بن نصاح الكوفى (ت 747 م) ومن أهم المؤلفات المطبوعة التى وقعت تحت يدى وأثنى عليها العلماء قديما وحديثا خمسة مؤلفات وهم كتاب (إيضاح الوقف والابتداء) لابن الأنبارى وكتاب (المقصد) للأنصارى وكتاب (القطع والائتناف) للنحاس وكتاب (المكتفى فى الوقف والابتداء) لأبى عمرو الدانى وكتاب (منار الهدى) للأشمونى، يقول النكزاوى: باب الوقف عظيم القدر جليل الخطر لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معانى القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل «1». وقد لفت انتباهى عند قراءتى فى كتب تفسير آيات الأحكام أن فقهاء الحنفية قد استدلوا بالوقف فى ترجيح رأيهم الفقهى على رأى غيرهم من الفقهاء، ثم وقع نظرى على رسالة للماجستير مقدمة من د. هالة عثمان عبد الواحد وموضوعها «الأثر النحوى لظاهرة الوقف فى النص القرآنى» لقسم النحو والصرف والعروض- كلية دار العلوم جامعة المنيا- ورغم أن الرسالة تتحدث فى مضمونها عن التأثير النحوى ولم تتطرق إلى تأثير الوقف الفقهى أو فى التفسير إلا أن الفكرة قد استهوتنى للبحث فى تأثير الوقف فى الفقه الإسلامى على أننى سوف أجعل تأثير الوقف فى التفسير بحثا آخر بإذن الله تعالى. ومن ثم فقد حاولت فى هذا البحث أن أضع يدى على موقف المذهب الحنفى من

_ (1) الاتفاق: 1/ 83.

الاستدلال بالوقف كمرجح فى المسائل الفقهية وأبين أنه إذا كان هناك خلاف بين الفقهاء فى الوقوف على بعض الآيات دون البعض فإن هذا الخلاف انبثق عنه اختلاف فى كثير من الفروع الفقهية التى نجدها متناثرة فى كتب الفقه والتفسير المختلفة. ولقد قسمت هذا البحث إلى فصلين عالج الأول منها نشأة القراءات القرآنية وتكلم عن الوقف وأقسامه وهل الوقف توقيفى أم لا؟ ثم جاء الفصل الثانى دراسة تطبيقية ليبين أثر الوقف فى الأحكام الفقهية عند الحنفية. والله اسأل أن يوفقنى للعمل بكتابه وسنة رسوله.

ثبت بالآيات التى ورد فيها الوقف

ثبت بالآيات التى ورد فيها الوقف 1 - يقول الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] 2 - يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى [البقرة: 178] 3 - يقول الله تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ [المائدة: 45] 4 - يقول الله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء: 23] 5 - يقول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196] 6 - يقول الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197] 7 - يقول الله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95] 8 - يقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: 7] 9 - يقول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121]

رموز التخريج خ: البخارى. م: مسلم. ت: الترمذى. ن: النسائى. د: أبو داود. جه: ابن ماجة. هق: البيهقى فى السنن الكبرى. قط: الدار قطنى.

الفصل الأول نشأة القراءات القرآنية وتعريف الوقف وأقسامه

الفصل الأول نشأة القراءات القرآنية وتعريف الوقف وأقسامه المبحث الأول: القراءات القرآنية المبحث الثانى: تعريف الوقف وأهميته المبحث الثالث: أقسام الوقف

المبحث الأول: القراءات القرآنية

المبحث الأول: القراءات القرآنية القراءات لغة: جمع قراءة وهى فى الأصل مصدر (قرأ) يقال: قرأ فلان، يقرأ قراءة «1». فى الاصطلاح: عرفها علماء الاصطلاح بقولهم (هى علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها، منسوبة لناقلها فالقراءات هى تلك الوجوه اللغوية والصوتية التى أباح الله بها قراءة القرآن تيسيرا وتخفيفا على العباد) «2». نشأة القراءات: لا خلاف فى أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف تتضمن مختلف لغات العرب ولهجاتها وعلى رأسها لغة قريش لأنها كانت أفصحهم حتى أن سيدنا عثمان عند ما أمر بجمع المصحف جعل الأصل فيها أن يكون بلغة قريش عند الاختلاف أما إن أمكن الجمع بين الأحرف فى الخط كتبوه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقرئ أصحابه بهذه الأحرف فيذهب كل واحد منهم وهو يقرأ بقراءة غير التى يقرؤها صاحبه، ثم جاء الفتح الإسلامى وتفرق الصحابة فى البلاد وأخذ الناس القرآن عنهم ثم كثر الاختلاف والتنازع وذلك بسبب اختلاف الناس فى القراءات حتى أن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه فى القصة المشهورة التى قام على أثرها الصحابة رضى الله عنهم بعد اجتماعهم على كتابة القرآن فى مصحف جامع لأن الصحابة وهم أهل فصاحة كانوا على إدراك تام لمعنى هذه الأحرف المختلفة والمقصود منها بعد أن علمهم النبى صلى الله عليه وسلم، أما الناس بعد ذلك فلم يصل إدراكهم وفهمهم إلى ما وصل إليه أولئك كما أن

_ (1) القاموس المحيط مادة (قرأ). (2) الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها، د. حسن عتر، دار البشائر الإسلامية، ط. (1988) ص 265.

فوائد تعدد القراءات

دخول العجم فى الإسلام كان له بالغ الأثر فى التعجيل بتوحيد الأمة على قراءة واحدة فجمعه أبو بكر بعد حادث اليمامة وقتل القراء ثم جمعه عثمان الجمعة الثانية وطرحوا ما سواه فلم يقرءوا به وما زال المسلمون على ذلك حتى يومنا هذا «1». فوائد تعدد القراءات: لتعدد القراءات فوائد عدة تذكر منها ما يلى: 1 - التخفيف على الأمة الإسلامية من باب التيسير ورفع الحرج. لذلك يقول ابن قتيبة فى تأويل مشكل القرآن: فكان من تيسير الله أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرى عليه عادتهم .. ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتباره طفلا وناشئا وكهلا لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة وتذليل اللسان وقطع للعادة فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل له متسعا فى اللغات ومتصرفا فى الحركات كتيسيره عليهم فى الدين «2». 2 - رغم تعدد القراءات القرآنية فإنه لا يوجد بينها تضاد ولا تناقض رغم ما به من آيات محكمات وأخر متشابهات مما يدل على إعجازه. 3 - هذه القراءات القرآنية يفسر بعضها بعضا كقوله تعالى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً فسرتها قراءة: «يأخذ كل سفينة صالحة غصبا». 4 - هذه القراءات ترجح حكما على حكم آخر كما سوف يتبين فى الدراسة وكما فى قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. ففي قراءة أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ «3» [المائدة: 89]. 5 - تأكيد جانب عقائدى كما فى رؤية الله يوم القيامة فى قوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً. فهناك قراءة بكسر اللام وفتح الميم وهى من أعظم الأدلة على رؤية الله تعالى يوم القيامة «4». [الإنسان: 20]

_ (1) البيان للصابونى ص 235، القراءات أحكامها ومصادرها، د. شعبان إسماعيل ص 46، الأحرف السبعة ص 266 - 289، شرح الدرة المضية لأبى القاسم النويرى 1/ 25. (2) تأويل مشكل القرآن ص 39 - 40. (3) النشر 1/ 29. (4) النشر 1/ 29.

أركان القراءة الصحيحة

6 - الاحتجاج بتنويع القراءات فى تقرير القواعد اللغوية والنحوية «1». أركان القراءة الصحيحة: للقراءة الصحيحة ثلاثة أركان إذا توافرت هذه الأركان حكمنا عليها بالصحة وإذا اختل ركن منها فهى غير صحيحة وهذه الأركان هى: 1 - روايتها متواترة بسند متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك يقول سيدنا زيد بن ثابت القراءة سنة متبعة. 2 - موافقتها لخط المصاحف العثمانية ورسمها فإن لم يتحملها الرسم اعتبرت القراءة شاذة وإن صح سندها فلا يقرأ بها القرآن. 3 - موافقة القراءة وجها من العربية فى الصوت أو الصرف أو التركيب أو الدلالة. فمن خلال هذه الأركان الثلاثة يمكننا القول بأن هذه الأركان هى مقياس الصحة والشذوذ عند علماء القراءات فإن توافرت كانت القراءة صحيحة وإلا حكمنا بالشذوذ كما يمكننا القول بأن القرّاء ليسوا بسبع كما هو مشهور عند العامة لأن كل من قرأ واكتملت فيه هذه الأركان كانت قراءته صحيحه. ومما يؤكد ذلك أن جرير الطبرى روى فى كتابه واحد وعشرين قراءة، وقد صرح مكى فى الإبانة أن الناس من الأئمة فى كتبهم أكثر من سبعين ممن هم أعلى رتبة وأجل قدرا من هؤلاء السبعة «2». وأول من ذكر أو اقتصر على القراءات السبعة هو ابن مجاهد وتبعه فى ذلك أبو عمرو الدانى والشاطبى. والذى دفع ابن مجاهد ومن تبعه إلى هذا هو من باب التيسير على الأمة لأنهم رأوا الهمم قصرت والأفهام عجزت عن استيعاب طرق القراءات كلها فنظروا فى أئمة القراءة وأكثرهم ضبطا واتقانا واختاروا منهم هؤلاء السبعة «3».

_ (1) انظر تفصيل هذه الفائدة فى حجية القراءة الشاذة، د. محمد عبد الرحيم، ص 10 وما بعدها. (2) انظر الإبانة نقلا عن الأحرف السبعة ص 298. (3) المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها لابن جنى، تحقيق على النجدى ناصف، القاهرة ط 1386 هـ.

وزاد ابن الجزرى فى نشره ثلاثة قراء هم

وهم: 1 - نافع وهو ابن عبد الرحمن بن أبى نعيم توفى بالمدينة سنة 129 هـ. 2 - عبد الله بن كثير الدارى توفى سنة 120 هـ. 3 - أبو عمرو بن العلاء هو ابن عمار التميمى المازنى البصرى واسمه زبان توفى سنة 154 هـ. 4 - عبد الله بن عامر هو ابن يزيد اليحصبى توفى بدمشق سنة 118 هـ. 5 - عاصم بن أبى النجود ويقال ابن بهدلة الأسدي ت 128 هـ. 6 - حمزة بن حبيب الزيات ت سنة 158 هـ. 7 - الكسائى هو على بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي ت 189 هـ. «1». وزاد ابن الجزرى فى نشره ثلاثة قرّاء هم: 1 - أبو جعفر هو يزيد بن القعقاع المخزومى ت سنة 130 هـ. 2 - يعقوب هو ابن اسحاق بن زيد الحضرمى ت 205 هـ. 3 - خلف هو ابن هشام البزار الأسدي ت 229 هـ.

_ (1) التبيان ص 225 وما بعدها، الحروف السبعة ص 341، الإرشادات الجلية ص 726، قراءات القراء المعروفين ص 86 وما بعدها تحبير التيسير لابن الجزرى ص 17، قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم ابن أبى النجود، تأليف أبى عاصم عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ، الطبعة الخامسة، سنة 1404 هـ، مكتبة الدار بالمدينة المنورة ص 20.

المبحث الثانى: تعريف الوقف وأهميته

المبحث الثانى: تعريف الوقف وأهميته علم الوقف هو العلم الذى جاء من أجل إزالة الالتباس بين العبارات بعضها ببعض ويمنع التداخل بينها بحيث نعرف متى تنتهى تلك العبارة ومتى تبدأ الأخرى، فمهمة هذا العلم هو تنظيم الكلام بين الناس وكان لخطورة عدم تعلم هذا العلم عند تعلم القرآن الكريم ألا يجيز الشيخ تلميذه إلا بعد أن يتقن علم الوقف والابتداء، يقول ابن الأنبارى: من تمام معرفة القرآن الوقف والابتداء «1». والوقف لغة هو الحبس والكف ووقف الشيء حبسه وقد وردت مادة وقف فى القرآن والسنة، أما القرآن ففي قوله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [الصافات: 24]. أما السنة فما رواه الترمذى عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن: «ولا يمر بآية عذاب إلا وقف يتعوذ» «2». الوقف اصطلاحا: هو علم يعرف به كيفية أداء قراءة القرآن بالوقف على المواضع التى تتم عندها المعانى والابتداء من مواضع تستقيم معها المعانى وتتفق مع وجوه التفسير وصحة اللغة، وما تقتضيه علومها من نحو وصرف ولغة بحيث لا يخرج القارئ على وجه مناسب من التفسير ولا يخالف وجوه اللغة وسبل أدائها «3». فالوقف فى القراءة: عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة لا بنية الإعراض ويكون فى رءوس الآى وأواسطها ولا يأت فى وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسما «4».

_ (1) الاتقان 1/ 83. (2) ت 2/ 48، أبواب الصلاة- ما جاء فى التسبيح فى الركوع والسجود من طريق حذيفة ورواه النسائى (2/ 518 - 519) كتاب الصلاة (78) مسألة القارئ إذا مر بآية رحمه فذكره من طريق الترمذى بسنده. (3) النشر فى القراءات العشر لابن الجزرى: دار الكتب العلمية (1/ 224، 225)، قواعد التجويد 82 نظام الأداء فى الوقف والابتداء لابن الطحان ص 15. (4) الاتقان 1/ 88.

الوقف والقطع والسكت

الوقف والقطع والسكت: أطلق علماء القراءات المتقدمون هذه الكلمات وغالبا ما أرادوا بها الوقف أما المتأخرون ففرقوا بينها فقالوا: القطع عبارة عن قطع القراءة رأسا فهو كالانتهاء، فالقارئ به كالمعرض عن القراءة والمنتقل إلى حالة أخرى غيرها وهو الذى يستعاذ بعده للقراءة المستأنفة ولا يكون هذا إلا على رأس آية لأن رءوس الآى فى نفسها مقاطع. أما السكت عندهم: فهو عبارة عن قطع الصوت زمنا وهو دون زمن الوقف عادة من غير تنفس «1». ومما سبق يتضح لنا أن الوقف أعم من السكت والقطع. ومعرفة الوقف من أهم متطلبات الفصاحة فى كلام الفصحاء كما أنه من أهم متطلبات التجويد فى القراءة وقد ذكرنا قبل ذلك أن الشيخ لم يجز لتلميذه القراءة إلا إذا أجاد علم الوقف والابتداء وقد روى البيهقى عن ابن عمر قوله: لقد عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وأوامرها وزواجرها وما ينبغى أن يقف عنده منها، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته، لا يدرى ما أمره وما زاجره وما ينبغى أن يقف عندها ينثر نثر الدقل «2». قال النحاس معلقا على هذا الحديث: فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون القرآن وقول ابن عمر لقد عشنا برهة من دهرنا يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة ثابت «3». وكان صلى الله عليه وسلم يقف على بعض الآيات وإن كان أكثر وقوفه على رءوس الآيات وذلك لما روى عن أم سلمة صلى الله عليه وسلم أنها سئلت عن قراءة النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يقطع قراءته، يقول: الحمد لله رب العالمين ويقف، الرحمن الرحيم ويقف «4». وروى عن على بن أبى طالب أنه سئل عن معنى الترتيل فى قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 4] فقال: هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف «5».

_ (1) الاتقان 1/ 88. (2) رواه البيهقى فى السنن الكبرى 3/ 12، وذكره السيوطى بسنده فى الاتقان 1/ 83 والدقل: التمر الرديء اليابس. (3) الاتقان 1/ 83. (4) رواه الترمذى (5/ 170) (47) كتاب القراءات (1) باب فى فاتحة الكتاب. رواه بسنده من طريق أم سلمة فذكره وقال الترمذى: هذا حديث غريب. (5) المكتفي ص 49.

المبحث الثالث: أقسام الوقف

المبحث الثالث: أقسام الوقف اختلف العلماء فى تقسيمهم للوقف حسب اختلافهم فى تحقيق المعانى فقسمه ابن الأنبارى إلى ثلاثة: تام وحسن وقبيح وقسمه غيره إلى أربعة أقسام تام مختار وكاف جائز وحسن مفهوم وقبيح متروك، وقال السجاوندى الوقف على خمس مراتب لازم ومطلق وجائز ومجوز بوجه ومرخص ضرورة وغير ذلك من أقسام «1»، وكل ما ذكروه من أقسام الوقف لا يخرج عن أربعة أقسام وهى التام والكافى والحسن والقبيح. وقبل الكلام فى هذه الأقسام الأربع ينبغى ذكر الضابط التى يفرق العلماء من خلاله بين هذه الأنواع. فالضابط فى التفريق بين هذه الأنواع الأربع هو النظر إلى العبارة التى قبل موضع الوقف والعبارة التى بعده فيبحثون عن ثلاثة روابط وبحسب وجود شىء منها أو وجودها كلها يكون تحديد نوع الوقف وحكمه وهى: 1 - الروابط اللفظية. 2 - المعنى الخاص بكل عبارة. 3 - السياق العام (أى الموضوع) «2». وفى ذلك تقول د. هالة عثمان: (فإذا لم يوجد أى رابط لفظى بين العبارتين، وكان المعنى الخاص بكل عبارة كاملا بنفسه ولا يحتاج إلى العبارة الأخرى ليكمل ويصير معنى مفيدا. وكانت العبارة الثانية بداية موضوع وسياق جديد فهذا هو التام أما إن كان السياق لا يزال واحدا فهذا الكافى وإن وجد

_ (1) الاتقان 1/ 84 - 85. (2) الأثر النحوى لظاهرة الوقف فى النص القرآنى ص 9.

القسم الأول: التام

بين العبارتين رابط لفظى ورابط فى المعنى والسياق العام إلا أن العبارة الأولى بنفسها تشكّل معنى مفيدا فهذا هو الحسن فإن كان كل من العبارتين محتاجا إلى الآخر بحيث لا يكون بنفسه معنى مفيدا إلا بالعبارة الأخرى فالوقف حينئذ بينهما قبيح «1». القسم الأول: التام: فالوقف التام هو الذى يفصل بين عبارتين لا علاقة لأحدهما بالأخرى لا فى اللفظ ولا فى المعنى لأن العبارة الأولى تامة وتستغنى بنفسها عن العبارة الثانية فى تمام معناها ومثالها قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5] فالوقف على (مفلحون) وقف تام لأنه نهاية الكلام عن المؤمنين وما بعد الوقف كلاما مستأنفا يتكلم عن الكفار وحالهم مع الرسول والرسالة فنلاحظ هنا عدم وجود الرابط اللفظى أو المعنى بين العبارتين «2»، وهذا النوع من الوقف يحسب الوقوف عليه والابتداء بما بعده. القسم الثانى: الكافى: هو الذى يفصل بين عبارتين لا تعلق بينهما فى اللفظ فكل منهما جملة مفيدة فى لفظها وإن كان هناك تعلق بالمعنى العام وسياق الكلام ومثالهما قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ثم نبدأ بقوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وهذا النوع وهو الوقف الكافى يكثر فى الفواصل «3». القسم الثالث: الحسن: هو الذى يفصل بين عبارتين تتصل كل منهما فى اللفظ وفى سياق الموضوع غير أن الجملة الأولى مفيدة بنفسها أما الثانية فهى غير مفيدة بنفسها ولا يتم معناها إلا بالربط بالجملة الأولى لوجود الرابط اللفظى. مثاله قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فالوقف على الحمد لله حسن لأنها جملة مفيدة بذاتها أما الابتداء برب العالمين لا يحسن

_ (1) المرجع السابق ص 9. (2) نظام الأداء فى الوقف والابتداء ص 30، الاتفاق 1/ 83. (3) المرجع السابق ص 38 والنشر 1/ 227، 228، الاتفاق 1/ 84

القسم الرابع: القبيح

لوجود الرابط اللفظى لأن كلمة (رب) صفة والموصوف هو (الله) فلا يمكن الفصل بين الصفة والموصوف فيجب على القارئ إن فصل وأراد الابتداء بالثانية عليه إعادة الجملة الأولى 1، فهذا النوع من الوقف يحسن الوقوف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده. القسم الرابع: القبيح: هو الذى يفصل بين عبارتين اشتد تعلقهما فى اللفظ والمعنى بحيث أن كل جملة منهما لا تستطيع أن تستغنى عن الأخرى وتكون جملة مفيدة. ومثاله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ فالوقف على هذه الجمل والبدء بما بعدها يعد من القبح فى الوقف ولا يجوز لأنه يغير المعنى المقصود تماما. وكذا وصل ما يجب الوقف عليه قبيحا كما فى قوله تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ فلا نستطيع الوصل بل يجب الوقف على (يسمعون) لأنه فى حالة الوصل اشرك الموتى مع الذين يسمعون فى صفة الاستجابة. رموز الوقف: وضع العلماء رموزا للوقف وهى: (م) رمز للوقف اللازم وهو ما كان فى وصله إفساد للمعنى أو إبهام لمعنى آخر غير مراد. (ط) رمز للوقف المطلق والمراد به ما يحسن فيه الابتداء بما بعده وهذا الرمز لا يكون إلا فى الوقف التام والكافى. (ج) رمز الوقف الجائز وهو ما يجوز فيه الوقف والوصل بدرجة متساوية. لوجود وجهين فيها من الإعراب من غير ترجيح لأحدهما. (ز) رمز للوقف المجوز لوجه وذلك إذا كان هناك وجهان متغايران فى الإعراب وأحدهما أرجح من الآخر. (ص) رمز للوقف المرخص لضرورة النفس، وذلك إذا طال الكلام وانقطع النفس فيقف عليه مع وجود الارتباط بما بعده «1».

_ (1) المرجع السابق.

الوقف غير توقيعى

الوقف غير توقيعى: لا خلاف نعرفه فى أن الآيات التى ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقف عليها ووقف عليها الصحابة من بعده فإنه وقف لازم لأنه توقيفى من النبى صلى الله عليه وسلم كما أنه ورد عن النبى أنه كان يقف على بعض الآيات تارة ويصلها أخرى فاحتمال وقفه عليها أحد أمرين. الأول: أن تكون فاصلة. والثانى: أن يكون المعنى احتمل ذلك. ومن هنا جاء القياس فى الوقف. «1» بل إننا نرى أن القراء أنفسهم لهم فى الوقف والابتداء مذاهب مما يدل على أن الوقف فى الأعم الأغلب غير توقيفى ما دام تحتمله القواعد النحوية واللغوية، فنافع كان يراعى عند وقفه تجانسها بحسب المعنى وابن كثير وحمزة كانا يقفان عند انقطاع النفس، واستثنى ابن كثير بعض الحالات التى يجوز الوقف عليها لغير انقطاع النفس مثل قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. أما عاصم والكسائى فكان الوقف عندهم حيث تم الكلام، أما أبو عمرو يتعمد رءوس الآى ويقول: هو أحب إلى «2». ومما يؤكد قولنا أن الوقف غير توقيفى قول النكزاوى الذى أورده السيوطى حيث يقول: لا بدّ للقارئ من معرفة مذاهب الأئمة المشهورين فى الفقه لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء لأن القرآن مواضع ينبغى الوقف على مذهب بعضهم ويمتنع على مذهب آخرين «3». نخلص من هذا كله أن الوقف كما قلنا غير توقيفى إلا فيما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيجب الوقوف عليه. مما يجيز لنا الاستشهاد ببعض الآيات فى الجانب التطبيقى لم يقف عليها القراء وإن كان يجوز الوقف عليها.

_ (1) قواعد التجويد ص 89، المكتفى ص 97، 98. (2) الاتقان 1/ 87. (3) نفسه 1/ 87.

الفصل الثانى الوقف وأثره فى الترجيح عند الحنفية

الفصل الثانى الوقف وأثره فى الترجيح عند الحنفية

1 - مباشرة الزوجة بعد انقطاع الدم

1 - مباشرة الزوجة بعد انقطاع الدم يقول تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. [البقرة: 222] لا خلاف بين العلماء فى جواز الاستمتاع بالحائض فيما فوق السرة ودون الركبة بالنص والإجماع «1» والوطء فى الفرج محرم بهما «2». غير أنهم اختلفوا فى حكم الوطء بعد انقطاع الدم وقبل الغسل وسبب الخلاف يرجع إلى الاحتمالات التى فى قوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ هل المراد به الطهر الذى هو انقطاع دم الحيض أم الطهر بالماء؟ ثم إن كان الطهر بالماء فهل المراد به طهر جميع الجسد أم طهر الفرج؟ «3». وقد ورد فى هذه الآية عدة قراءات كان من بينها وقف كان له أثرا بارزا فى الخلاف الفقهى وقبل ذكر اختلاف الفقهاء وأدلتهم أود أن أذكر هذه القراءات وهى: 1 - ورد وقف على قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ والاستئناف بقوله: فَإِذا تَطَهَّرْنَ «4».

_ (1) اختلف العلماء فى مباشرتها فيما بين السرة والركبة فذهب الإمام أحمد إلى إباحته وهو قول عطاء وعكرمة والشعبى والثورى وإسحاق، وقال الحكم: «لا بأس أن تضع على فرجها ثوبا ما لم يدخله، وقال الحنفية والمالكية والشافعية: لا يباح وذكر كل فريق أدلة تؤيد مذهبه، وسبب اختلافهم ظواهر الأحاديث الواردة فى ذلك حيث وردت أحاديث فى الصحاح عن عائشة وميمونة وأم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر إذا كانت إحداهن حائضا أن تشد عليها إزارها ثم يباشرها. وروى ثابت بن قيس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اصنعوا كل شىء بالحائض إلا النكاح. راجع المغنى 1/ 460، بداية المجتهد 1/ 75 - 76، أحكام ابن العربى 1/ 226، القرطبى 3/ 58. (2) وإذا وطئ الحائض فى الفرج إثم ويستغفر الله وفى الكفارة عند العلماء مذهبان: أحدهما: يجب عليه الكفارة وهى رواية عن الحنابلة وابن عباس. ثانيهما: لا يجب وبه قال مالك والحنفية والشافعى وأكثر أهل العلم. المغنى 1/ 461، القرطبى 3/ 58. (3) بداية المجتهد 1/ 77. (4) راجع هذه القراءات فى البحر المحيط 1/ 69، النشر 2/ 227، أحكام الجصاص 1/ 476، أحكام ابن العربى 2/ 228، تفسير القرطبى 3/ 59، تفسير آيات الأحكام 1/ 130، البحر المحيط 2/ 168، شرح صحيح مسلم 3/ 206.

2 - قرأ الجمهور منهم نافع وأبو عمر وابن كثير وابن عاصم فى رواية حفص (يطهرن) بسكون الطاء وضم الهاء. 3 - ورد فى مصحف أبى بن كعب وعبد الله بن مسعود (حتى يطهرن) وهى قراءة شاذة. 4 - قرأ حمزة والكسائى وعاصم فى رواية أبى بكر والمفضل عنه (يطهّرن) بتشديد الهاء والطاء وفتحهما وهى قراءة صحيحة ورجحها الطبرى. 5 - ورد فى مصحف أنس بن مالك فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ورجح أبو على الفارسى قراءة تخفيف الطاء إذ هو ثلاثى مضاد لطمث وهو ثلاثى وهذه القراءة شاذة. وبناء على هذه القراءات اختلف الفقهاء إلى فريقين وإليك بيان ذلك: المذهب الأول: وهم الحنفية الذين قالوا بأن انقطاع الدم يجيز للزوج وطء زوجته بشرط أن يكون الانقطاع بعد عشرة أيام وهى أقصى مدة للحيض عندهم، أما دون ذلك فلا يجوز له الوطء إلا بعد الغسل أو يمضى عليها وقت صلاة كامل «1». واستدلوا على ذلك بأدلة منها «2». 1 - أن الوقف على قوله (حتى يطهرن) والاستئناف بقوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فهو ابتداء كلام لا إعادة لما تقدم، ولو إعادة لاقتصر على الأول، فقال: حتى يطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله خاصة فلما زاد عليه دل على أنه استئناف حكم آخر. 2 - المراد بقوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ حتى ينقطع عنهن الدم، وقد يستعمل التشديد موضع التخفيف، فيقال: تطهر بمعنى طهر كما يقال: قطع وقطّع ويكون هذا أولى لأنه لا يفتقر إلى إضمار. كما أنهم حاولوا الجمع بين القراءتين فحملوا قراءة التخفيف على انقطاع الدم لعشرة أيام وقراءة التشديد على ما هو أقل من عشرة أيام وغايتهم فى هذا مراعاة كل من

_ (1) المحلى 7/ 120، السيل الجرار 1/ 147، المغنى 1/ 464، القرطبى 3/ 59، أحكام ابن العربى 1/ 228، الجصاص 1/ 476، تفسير آيات الأحكام 1/ 130، أحكام الطهارة والصلاة فى الفقه الإسلامى ص 40، 41، حجية القراءات الشاذة د. محمد عبد الرحيم ص 174 وما بعدها. (2) راجع هذه الادلة فى المراجع السابقة.

القراءتين باستعمال أحدهما على سبيل الحقيقة والأخرى على سبيل المجاز «1». 3 - مد التحريم إلى غاية وهى انقطاع الدم وما بعد الغاية مخالف لما قبلها فوجب أن يحصل الجواز بعد انقطاع الدم بسبب حكم الغاية لأن (حتى) تقتضى أن يكون حكم ما بعدها بخلاف ما قبلها كقوله تعالى: حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ، وقوله: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43] فكذلك قوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ بالتخفيف فيراد به انقطاع الدم. المذهب الثانى: وهو قول جمهور العلماء القائل بعدم جواز الوطء إلا بعد انقطاع الدم والغسل وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة وذهب الأوزاعى إلى أنها إن غسلت فرجها بالماء جاز وطؤها «2». واستدلوا على مذهبهم بأدلة نذكر منها «3». 1 - يقول تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة: 222]. يعنى إذا اغتسلن، هكذا فسره ابن عباس. كما أن القراءة الشاذة التى وردت فى مصحف ابن مسعود وأبى بن كعب وهى حَتَّى يَطْهُرْنَ فكلمة يَطْهُرْنَ مضارع تطهر وباب تفعل يأتى لعدة معان منها التكلف الذى يطلق على ما يكتسبه المكلفون بأنفسهم كما يقول: تعلم زيد، فإن التعلم من اكتسابه وكذلك إذا قلنا: تطهرت المرأة: كان المراد أنها اكتسبت الطهارة بنفسها وذلك يكون بالاغتسال بالماء لا بمجرد انقطاع الدم. 2 - قوله تعالى فى آخر الآية: وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فأثنى عليهم فيدل على أنه فعل منهم أثنى عليهم به وفعلهم هو الاغتسال دون انقطاع الدم. يقول ابن العربى: قال تعالى فى آخر الآية: وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فمدحهم وأثنى عليهم فلو كان المراد به انقطاع الدم ما كان فيه مدح، لأنه من غير عملهن والبارى سبحانه قد ذم على مثل هذا فقال: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا «4».

_ (1) أحكام القرآن للجصاص 1/ 476، تفسير القرطبى 3/ 89. (2) المحلى 7/ 120، السيل الجرار 1/ 147، المغنى 1/ 464، القرطبى 3/ 88، أحكام ابن العربى 2/ 228، أحكام الجصاص 1/ 476، تفسير أبى مسعود 1/ 222. (3) راجع هذه الأدلة فى المراجع السابقة. (4) أحكام ابن العربى 2/ 231.

مناقشة الأدلة

اشترط لإباحة الوطء شرطين انقطاع الدم والاغتسال فلا يباح إلا بهما كقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [النساء: 6] لما اشترط لدفع المال إليهم بلوغ النكاح والرشد لم يبح إلا بهما وأيضا يقول تعالى: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: 230] ثم جاءت السنة باشتراط الوطء فوقف التحليل على الأمرين جميعا وهما انعقاد النكاح ووقوع الوطء فكذا هاهنا. 4 - أن فعل (تطهر) لا يستعمل إلا فيما يكتسبه الإنسان وهو الاغتسال بالماء فأما انقطاع الدم فليس بمكتسب وقراءة (حتى يطّهّرن) والتشديد يدل على المبالغة فى الطهارة وذلك إنما يكون بالاغتسال بالماء فعلا لا بانقطاع الدم وأصله (يتطهرن) فقلبت التاء طاء لقرب مخرجيهما وأدغمت التاء فى الطاء فصارت (يطهرن). 5 - كلمة (إذا) فى قوله (فإذا تطهرن) تفيد الشرط والمعلق على الشرط عند عدم الشرط فوجب أن لا يجوز الإتيان إلا بعد التطهر فدل ذلك على أن المراد ب (يتطهرن) الاغتسال. 6 - إن ظاهر قوله: (فإذا تطهرن) حكم عائد إلى ذات المرأة فوجب أن يحصل هذا التطهر فى كل بدنها لا فى بعض من أبعاض بدنها وهذا لا يتحقق إلا بالاغتسال. مناقشة الأدلة: بعد عرض أدلة الفريقين يتبين لنا ضعف أدلة الحنفية وإليك بيان ذلك: 1 - أما قولهم بوجوب الوقف على قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ والاستئناف بقوله: فَإِذا تَطَهَّرْنَ غير مسلم به لأن هذا خلاف الظاهر فإن المعاد فى الشرط هو المذكور فى الغاية بدليل ذكره (بالفاء)، ولو كان غيره لذكره (بالواو)، وأما الزيادة فلا تخرجه عن أن يكون بعينه كما فى قوله: لا تعط هذا الثوب زيدا حتى يدخل الدار فإذا دخل فاعطه الثوب ومائة درهم لكان هو بعينه ولو أراد غيره لقال: لا تعطه حتى يدخل الدار، فإذا دخل وجلس فافعل كذا وكذا هذا طريق النظم فى اللسان «1». 2 - قولهم بأن (حتى يطهرن) بالتخفيف والتشديد تدل على انقطاع الدم غير مسلم به أيضا

_ (1) أحكام ابن العربى 1/ 229.

الرأى الراجح

لأن المعاجم لا تشهد لهم فالقراءة بالتخفيف لا تفيد انقطاع الدم فقط كما زعم الحنفية بل تفيد انقطاع الدم والاغتسال يقول الفيروزآبادى: طهرت: انقطع دمها واغتسلت من الحيض وغيره كتطهرت «1». وكذلك حمل (يطهرن) بالتشديد بانقطاع الدم لا يصح لأنه مخالف للغة أيضا: يقال: اطهرت المرأة: بمعنى انقطع دمها، وإنما معناه اغتسلت، لأن التشديد كما قلنا يدل على المبالغة فى الطهارة وإنما يكون بالاغتسال بالماء لا انقطاع الدم كما إن قوله تعالى بعد ذلك: فإذا تطهرن يدل على أن المراد بالماء «2». 3 - أما احتجاجهم بأن انقطاع الحيض غاية النهى عن ايتاء المرأة فلا يلزم بقائه عند انقطاع الدم لأن ما بعد الغاية مخالفا لما قبلها فوجب أن يحصل الجواز بعد انقطاع الدم لسبب حكم الغاية، فقد أجيب بأنه يكون الحكم للغاية مخالفا لما قبله إذا كانت مطلقة فأما إذا انضم إليها شرط آخر فإنما يرتبط الحكم بما وقع القول عليه فى الشرط كقوله تعالى: حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ وكقوله تعالى: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ الرأى الراجح: بعد مناقشة أدلة الحنفية يتضح لنا رجحان مذهب الجمهور القائل بأن الزوج لا يأتى زوجته إلا بعد انقطاع الدم والغسل وقد دفع هذا ابن المنذر إلى قوله: هذا كالإجماع منهم «3» وبالغ أحمد بن محمد المروذى فقال: لا أعلم فى هذا خلافا «4». وقد رجح ابن تيمية هذا الرأى بقوله: وإنما ذكر الله غايتين على قراءة الجمهور لأن قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ غاية التحريم الحاصل بالحيض، وهذا التحريم يزول بانقطاع الدم، ثم يبقى الوطء بعد ذلك وجائز بشرط الاغتسال يقول تعالى: فإذا تطهرن «5». فنخلص من هذا أن الوقف الذى استدل به الحنفية على جواز ايتاء الزوج زوجته قبل

_ (1) لسان العرب مادة (طهر). (2) أحكام ابن العربى 1/ 228. (3) المغنى 1/ 464. (4) المراجع السابقة. (5) مجموع الفتاوى 21/ 625.

فائدة

الغسل وبعد انقطاع الدم لا يقوى أمام القراءة الصحيحة وباقى أدلة الجمهور التى سبق عرضها. فائدة: بقى أن أشير إلى أن الإنصاف يقتضينا أن نشير إلى أن هناك خلط عند بعض المتناولين للقضية يشيرون إلى أن الجمهور قد استدل بأن الله وقف الحكم وهو جواز الوطء على شرطين. أولهما: وهو انقطاع الدم ويدل عليه قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ أى ينقطع دمهن، والثانى: وهو الاغتسال بالماء ويدل عليه قوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ أى إذا اغتسلن بالماء فعند تحقق هذين الشرطين يجوز الوطء وهذا ما فعله ابن تيمية فى النص السابق. وقد التبس هذا الأمر أيضا على القرطبى حيث يقول: ودليلنا أن الله سبحانه علق الحكم فيها على شرطين أحدهما: انقطاع الدم وهو قوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ والثانى: الاغتسال بالماء وهو قوله تعالى: «فإذا تطهرن» أى فعلن الغسل بالماء «1». فهذا اعتراف منه للحنفية رغم أنه ساق الدليل فى معرض احتجاجه لأدلة الجمهور. وأنا لا أوافقه على ذلك لأن الجمهور لم يشترط انقطاع الدم بقوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ وإنما اشترط الاغتسال وإلا لكان هذا اعترافا منهم يؤيد رأى الحنفية وهو أن (يطهرن) بالتخفيف بمعنى انقطاع الدم، لأن الحنفية يحملون قوله: «فإذا تطهرن» على الاغتسال. لذلك يقول ابن العربى مراعيا لهذا الخلط: إنا نقول: نسلم أن قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ أن معناه حتى ينقطع دمهن، ولكنه لما قال بعد ذلك. فإذا تطهرن معناه فإذا اغتسلن بالماء تعلق الحكم على شرطين: أحدهما: انقطاع الدم. الثانى: الاغتسال بالماء. فوقف الحكم وهو جواز الوطء على الشرطين «2». فكلام ابن العربى واضح فى أنه يفترض (حتى يطهرن) بالتخفيف معناه انقطاع الدم ردا

_ (1) القرطبى 3/ 59. (2) أحكام ابن العربى 1/ 329 - 330.

منه على الحنفية لإثبات صحة مذهبه وإثبات ضعف ما ذهبوا إليه من أدلة. فهذا ليس اعترافا منه بأن (يطهرن) بالتخفيف بمعنى انقطاع الدم وإلا كان مناقضا لما ذهب إليه. وهذا أسلوب عند بعض الفقهاء كما يفعله ابن حزم من الاستدلال بالقياس للرد على معارضيه رغم أنه لا يعترف به.

2 - القصاص

2 - القصاص يقول تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى. [البقرة: 178] تتحدث هذه الآية الكريمة عن حكم القصاص فى القتل العمد وما دلت عليه من وجوب المساواة فى الحكم. وقد ورد عدة أسباب لورود هذه الآية نذكر منها: 1 - روى الشعبى وقتادة من التابعين: إنها نزلت فيمن كان من العرب لا يرضى أن يأخذ بعبد إلا حرا، وبوضيع إلا شريفا وبامرأة إلا رجلا ذكرا، ويقولون القتل أنفى للقتل فردهم الله عز وجل عن ذلك إلى القصاص وهو المساواة مع استيفاء الحق «1». 2 - قال السدى: اقتتل أهل ملتين من العرب- أحدهما مسلم والآخر معاهد- فى بعض ما يكون بين العرب من الأمر فأصلح بينهم النبى صلى الله عليه وسلم وقد كانوا قتلوا الأحرار والعبيد والنساء- على أن يؤدى الحر دية الحر والعبد دية العبد والأنثى دية الأنثى فقاصهم بعضهم من بعض «2». ولا خلاف بين العلماء فى أن الحر المسلم يقاد به قاتله وإن كان مجدع الأطراف معدوم الحواس والقاتل صحيح سوى الخلق أو كان بالعكس وكذلك إذا تفاوتا فى العلم والشرف والغنى والفقر والصحة والضعف والكبر والصغر والسلطان والسوقة ونحو هذا من الصفات لم يمنع القصاص بالاتفاق «3».

_ (1) أحكام القرآن لابن العربى 1/ 89، البحر المحيط 2/ 8، 9، تفسير آيات الأحكام للسايس 1/ 48، الكشاف 1/ 221، الطبرى 2/ 149، طبعة دار الغد العربى. (2) المراجع السابقة. (3) المغنى 11/ 342، بدائع الصنائع 10/ 248.

أولا: الحنفية

كما أجمعوا على أن القود لا يجب إلا بالعمد وذلك لعموم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم» «1». وأجمعوا على أن العبد يقتل بالحر وأنه لا يقطع طرف الحر بطرف العبد «2». غير أن الخلاف يقع بين الفقهاء فيما عدا ذلك من قتل الحر بالعبد والأنثى بالرجل والمسلم بالكافر. فالذين قالوا بعدم قتل الحر بالعبد والرجل بالأنثى والمسلم بالكافر قالوا بأن الآية متصلة فالكلام عندهم ينتهى عند قوله تعالى: وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى. أما الذين قالوا بقتل الحر بالعبد والرجل بالأنثى والمسلم بالكافر فقد أعملوا الوقف فى الآية فقالوا بأن قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى. كلام تام قائم بذاته غير مفتقر إلى غيره. وإليك بيان ذلك:- أولا: الحنفية: وهم الذين أخذوا بالوقف فى هذه الآية قال الجصاص: [قال الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى هذا كلام مكتف بنفسه غير مفتقر إلى ما بعده ألا ترى أنه لو اقتصر عليه لكان معناه مفهوما من لفظه واقتضى ظاهره وجوب القصاص على المؤمنين فى جميع القتلى؟] «3» وهذا هو قول النخعى وسعيد بن المسيب والشعبى «4» غير أن النخعى جعل السيد يقتل بعبده بخلاف الحنفية الذين قالوا بأن السيد لا يقتل بعبده لأنه بعض ماله. وهو قول سفيان الثورى «5». وقد استدل فقهاء الحنفية بأدلة تؤيد ما ذهبوا إليه منها.

_ (1) د. (4/ 179) كتاب الديات باب أيقاد المسلم بالكافر؟ من طريق قيس بن عياد فى حديث أصول من هذا. (2) بدائع الصنائع 10/ 248، المغنى 11/ 340، الطبرى 2/ 150. (3) أحكام الجصاص 1/ 187. (4) المغنى 11/ 342، نيل الأوطار 7/ 16 الترمذى 4/ 26. (5) الترمذى 4/ 26.

أولا: الكتاب

أولا: الكتاب: يقول الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى. فهذه الآية عامة فى كل قتيل ولأنها كما قال الجصاص وغيره مكتفية بنفسها عن غيرها غير مفتقرة إلى ما بعدها «1». ثانيا: السنة: استدل الحنفية ومن وافقهم بمجموعة من الأحاديث نذكر منها: 1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصيب بدم أو خبل- الخبل الجراح- فهو بالخيار بين إحدى ثلاثة: أما أن يقتص، وأما أن يأخذ العقل، أو يعفو، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه» «2». 2 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمد قود إلا أن يعفو ولى المقتول» «3». 3 - وبما روى عن ابن البيلمانى أن النبى صلى الله عليه وسلم أقاد مسلما بذمى وقال: «أنا أحق من وفى بذمته» «4». وقال الحنفية أن هذا الحديث مخصص لعموم قوله عليه السلام: «لا يقتل مؤمن بكافر» أى أنه أريد به الكافر الحربى دون الكافر المعاهد «5». 4 - عن سمرة قال قال النبى صلى الله عليه وسلم: «من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه» «6».

_ (1) بدائع الصنائع 10/ 247 وما بعدها، أحكام الجصاص 1/ 187. (2) د: (4/ 636) (33) كتاب الديات (3) باب الإمام يأمر بالعفو فى الدم، فذكره بسنده عن طريق أبى شريح الخزاعي. جه (2/ 876) (21) كتاب الديات (3) باب من قتلى له قتيل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث بنفس إسناد أبى داود. (3) قط: (3/ 94) وذكره الزيلعى فى نصب الراية (4/ 327) وإسناده صحيح. (4) رواه الدار قطنى مرسلا (3/ 134) وقال: ابن البيلمان ضعيف لا تقوى به حجة إذا وصل الحديث فكيف بما يرسله. (5) بداية المجتهد 2/ 581. (6) ت (4/ 26) (14) كتاب الديات (18) باب ما جاء فى الرجل يقتل عبده. قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب. وقال الإمام أحمد أما حديث سمرة فلم يثبت لأنه لم يسمع الحسن من سمرة إنما هى صحيفة، وقال غير أحمد: إنما سمع الحسن من سمرة ثلاثة أحاديث ليس منها هذا ولأن الحسن أفتى بخلافه فقال: لا يقتل الحر بالعبد. (المغنى 11/ 363).

ثالثا: المعقول

ثالثا: المعقول: 1 - أن المسلم والكافر متساويان فى الحرمة التى تكفى فى القصاص وهى حرمة الدم الثابتة على التأبيد فإن الذمى محقون الدم على التأبيد والمسلم محقون الدم على التأبيد وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام والذى يحقق ذلك أن المسلم يقطع بسرقة مال الذمى. وهذا يدل على أن مال الذمى قد ساوى مال المسلم فدل على مساواته لذمته إذا المال إنما يحرمه بحرمة مالكه «1». وقد حكى ابن رشد: الإجماع فى أن المسلم تقطع يده إذا سرق من مال الذمى «2». 2 - أن التفاضل غير معتبر فى الأنفس بدليل أن جماعة لو قتلوا واحد قتلوا به «3». وقد ذكر ابن العربى مناظرة شيقة بين الزوزنى «4» وعطاء المقدسى «5» فى كتابه «نزهة الناظر» ثم ذكر جزءا منها فى أحكامه «6». الرد عليهم: أما دليلهم من الكتاب بجواز الوقف على قوله (فى القتلى) وأنه كلام مكتفى بنفسه غير مفتقر إلى ما بعده ولو اقتصر عليه لكان معناه مفهوما من لفظه فهذا الكلام لم يسلم به جمهور الفقهاء لأنهم قالوا بأن الآية ليس بها وقف إلا على قوله (والأنثى بالأنثى). كما أن الله سبحانه ربط آخر الآية بأولها وجعل بيانها عند تمامها فقال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى. [البقرة: 178] فإذا نقص العبد عن الحر بالرق وهو من آثار الكفر فأحرى وأولى أن ينقص عنه الكافر «7».

_ (1) الجصاص 1/ 188، وابن العربى 1/ 90. (2) بداية المجتهد 2/ 580. (3) الكشاف 1/ 221. (4) هو حسين بن أحمد بن حسين الزوزنى أبو عبد الله عالم الأدب قاض من أهل زوزن (بين زهران ونيسابور) من مصنفاته شرح المعلقات السبعة والمصادر، وترجمان القرآن وهو من عظماء أصحاب أبى حنيفة ت 486 هـ. (5) عطاء المقدسى هو أحد علماء الشافعية. (6) أحكام ابن العربى 1/ 90 - 92. (7) أحكام القرآن لابن العربى 1/ 91.

ثانيا الجمهور

أما ما استدل به الحنفية من أحاديث بالإضافة إلى ما ذكرنا من ضعفها فى التخريج فهى من باب العمومات وقد خصصها الجمهور بأحاديث ستذكر فى حينها. أما الدليل العقلى بأن المسلم يتساوى مع الذمى فى حرمة المال والنفس فهذا كلام لا يستقيم مع ما جاء فى آخر الآية لقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ. ولا مؤاخاة بين المسلم والكافر فدل على عدم دخوله فى هذا القول «1». ثانيا الجمهور: وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وهو مروى عن أبى بكر وعمر وعلى رضى الله عنهنّ «2» حيث ذهبوا إلى أنه لا يقاد بالحر للعبد ولا للأنثى بالذكر ولا للكافر بالمسلم. يقول الشافعى كون المقتول مثل القاتل فى شرف الإسلام والحرية شرط وجوب القصاص ونقصان الكفر والرق يمنع من الوجوب فلا يقتل المسلم بالذمى ولا الحر بالعبد «3» وهو قول الحنابلة «4». واستدلوا بأدلة من المنقول ومن المعقول: أولا من المنقول: 1 - الكتاب: 1 - استدلوا بأن الآية الكريمة فى القراءة المتواترة ليس بها وقف على قوله (فى القتلى) وإنما الوقف على قوله (الأنثى بالأنثى). كما أن الله تبارك وتعالى نوع وقسم فى الآية فجعل الحر لا يقتل بالعبد لأن الله تبارك وتعالى بين نظير الحر ومساويه وهو الحر وبين العبد ومساويه وهو العبد «5».

_ (1) أحكام القرآن لابن العربى 1/ 91. (2) بداية المجتهد 2/ 580، المغنى 11/ 361، الأم 6/ 37، بدائع الصنائع 1/ 257، الكشاف 1/ 220، أحكام القرآن للشافعى 1/ 183 جمعه النيسابورى. (3) بدائع الصنائع 1/ 257، الأم 6/ 36، أحكام القرآن للشافعى 1/ 271 جمعه النيسابورى. (4) المغنى 11/ 361. (5) أحكام القرآن لابن العربى 1/ 92.

2 - السنة

كما أن الله تبارك وتعالى ربط آخر الآية بأولها وجعل بيانها عند تمامها فقال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى [البقرة: 178]. فإذا انقص العبد عن الحر بالرق وهو من آثار الكفر فأحرى وأولى أن ينقص عنه الكافر «1». كما أن الله تعالى ذكر بعد ذلك قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ. ولا مؤاخاة بين المسلم والكافر فدل على عدم دخوله فى هذا القول «2». 2 - قال تعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ [الإسراء: 33] فإن قيل: جعله إلى الإمام. قيل: إنما يكون للإمام إذا ثبت للمسلمين ميراثا فيأخذه الإمام نيابة عنهم لأنه وكيلهم ونيابته هاهنا عن السيد محال فلا يقاد به «3». 3 - يقول تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء: 141]. وحيث كان القصاص سبيلا من السبل يكون داخلا فى عموم النفى فينفى ثم لا يمكن حمل السبيل على معنى الحجة والبرهان للكافر على المسلم لأن هذا الحمل خاص فلا يناسب عموم اللفظ ولأن هذا معلوم من غير الآية فلا يجوز حملها على ما هو معروف من غيرها. 2 - السنة: 1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد فى عهده] «4». 2 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل مسلم بكافر «5». 3 - عن عمر رضى الله عنه أنه قال: لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقاد المملوك من مولاه والولد من والده لأقدته منك «6».

_ (1) الجصاص 1/ 188، ابن العربى 1/ 90. (2) المراجع السابقة. (3) ابن العربى 1/ 90. (4) د: (2/ 532) (5) كتاب المناسك (99) باب فى تحريم المدينة ذكره بسنده من طريق أبى حسان عن على صلى الله عليه وسلم فذكره. (5) رواه البخارى (12/) كتاب الديات. (6) هق: (8/ 36) الحاكم فى المستدرك (2/ 216).

ثانيا دليلهم من المعقول

4 - وعن على رضى الله عنه قال: فى السنة ألا يقتل مسلم بكافر «1». [ثانيا] دليلهم من المعقول: أن الله سبحانه قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ. فشرط المساواة فى المجازاة ولا مساواة بين المسلم والكافر فإن الكفر حط منزلته ووضع مرتبته ويعضدنا فى ذلك ما ناقض فيه أبو حنيفة من أنه لا مساواة بين طرف العبد وطرف الحر ولا يجرى القصاص منهما فى الأطراف فكذلك لا يجب أن يجرى فى الأنفس «2». الرد عليهم: أما الآية فقد سبق وأن قال الفريق الأول بوجوب الوقف فى الآية وقولهم بأن الله ربط آخر الآية بأولها فغير مسلم عندهم فإن أول الآية عام وآخرها خاص وخصوص آخرها لا يمنع من عموم أولها بل يجرى كل على حكمه من عموم أو خصوص «3». فإن كان أول الخطاب قد شمل الجميع فما عطف عليه بلفظ الخصوص لا يوجب تخصيص عموم اللفظ وذلك نحو قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة: 228] وهو عموم فى المطلقة ثلاثا وما دونها ثم عطف قوله تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: 2] وقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ [البقرة: 228] وهذا حكم خاص فى المطلق لما دون الثلاث ولم يوجب ذلك تخصيص عموم اللفظ فى إيجاب الثلاثة قروء من العدة على جميعهن «4». كما أن قولهم بعدم المماثلة اقتضى عندهم بأن الأمة لا تقتل بالحرة وهذا خلاف الآية حيث يقول تعالى: وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى «5». أما قولهم بأن الكافر ليس أخا للمسلم فبه قال الفريق الأول غير أن هذا خاص بالعفو

_ (1) أخرجه الدار قطنى 3/ 134. (2) ابن العربى 1/ 90، المغنى 11/ 353، بدائع الصنائع 10/ 261. (3) أحكام ابن العربى 1/ 91. (4) الجصاص 1/ 188. (5) بدائع الصنائع 10/ 261.

تعقيب وترجيح

فلا يمنع من عموم ورود القصاص فإنهما قضيتان متباينتان فعموم احداهما لا يمنع من خصوص الأخرى ولا خصوص هذه يناقض عموم تلك «1». كما يمكن أن تكون الأخوة من طريق النسب لا من جهة الدين «2». أما تأويلهم بالسبيل يكون عن طريق القصاص فإنهم لم يسلموا به بل قالوا بأن للآية تأويلات كلها محتملة فيجب التحاكم إلى قواعد الشريعة لمعرفة ما هو أولى بالقبول فحيث نفى الله السبيل فى الآية وكان محتملا أن يكون فى الآخرة فقط أو بعدم تمكين الكافر فى الدنيا من استئصال المؤمنين. أما دليلهم العقلى القائل بأن الله شرط المساواة فى المجازاة فكذلك قال الخصوم والمساواة عندهم فى الدين ليس بشرط ألا ترى أن الذمى إذا قتل ذميا ثم أسلم القاتل يقتل به قصاص ولا مساواة بينهما فى الدين لكن القصاص محنة امتحنوا بها الخلق بذلك فكان من كان أقبل بحق الله تعالى وأشكر لنعمه كان أولى بهذه المحنة لأن العذر له فى ارتكاب المحذور أقل وهو بالوفاء بعهد الله تعالى أولى ونعم الله تعالى فى حقه أكمل فكانت جناية عظيمة «3». وقولهم بأن الحر أفضل من العبد فنعم ولكن التفاوت فى الشرف والفضيلة لا يمنع وجوب القصاص ألا ترى أن العبد لو قتل عبدا ثم أعتق القاتل يقتل به قصاص وإن استفاد فضل الحرية «4». تعقيب وترجيح: بعد عرض أدلة كل فريق ومناقشتها يتبين لنا أن الوقف قد أثر فى الحكم الفقهى عند الحنفية ومن وافقهم فى أن الحر يقتل بالعبد والمسلم بالكافر والأنثى بالرجل أما باقى الأدلة التى اعتمد عليها الحنفية والجمهور فقد تم الرد عليها من الطرف الآخر إما بالتضعيف أو بحمل الخاص على العموم.

_ (1) أحكام ابن العربى 1/ 91 - 92. (2) أحكام الجصاص 1/ 188. (3) بدائع الصنائع 10/ 260. (4) بدائع الصنائع 10/ 261، المغنى 11/ 353.

فائدة

والرأى الراجح فى نظرى أن الحر يقتل بالعبد ما لم يكن الحر سيدا لهذا العبد وأن الأنثى تقتل بالرجل والمسلم يقتل بالكافر لما فى ذلك من تيسير على العباد لأن الأخذ بالرأى القائل بعدم المساواة يفتح الباب على مصراعيه لارتكاب الكثير من الجرائم بين الرجال والنساء وبين المسلمين والكافرين الذين يعيشون فى مجتمعات إسلامية مما يؤدى إلى حدوث فتنة طائفية فى هذه المجتمعات أما قتل العبد بسيده والعكس فغير موجود الآن ولا يمنع هذا من وجوده مستقبلا لذا نرى أن المشروع المصرى لم يتحدث عن أحكام الرق لا بالنفى أو الإثبات. بقى أن أشير إلى أن الإمام مالك والليث بن سعد ذهبا إلى القول بوجوب القصاص فى حالة خاصة هى ما إذا قتل المسلم الكافر غيلة أى يأخذه إلى مكان مخصوص فيضجعه ويذبحه ليأخذ ما معه من المال وفى غير ذلك الحالة لا يقتص منه «1». واستدل مالك بحديث قتل الرسول صلى الله عليه وسلم: يوم حنين مسلما بكافر فقتله غيلة وقال أنا أولى أو أحق من وفى بذمته «2». بقى أن أشير إلى أن هناك رأيا ثالثا قال: بأن الآية محكمة وفيها إجمال لأنها جاءت لبيان حكم النوع إذا قتل نوعه فبينت حكم الحر إذا قتل حرا والعبد إذا قتل عبدا والأنثى إذا قتلت أنثى ولم تتعرض لأحد النوعين إذا قتل الآخر فالآية إذا محكمة وفيها إجمال بينته آية المائدة؛ وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة: 45]. وسنتعرض لهذه الآية بعد قليل. فائدة: إن أبا يوسف القاضى الحنفى وصاحب أبى حنيفة رفعت إليه قضية تتلخص فى أن مسلما قتل ذميا كافر فحكم عليه أبو يوسف بالقصاص فبينما هو جالس ذات يوم إذ جاءه رجل برقعة فألقاها إليه ثم خرج فإذا فيها هذه الأبيات:

_ (1) المنتقى على الموطأ 7/ 97، بداية المجتهد 2/ 580. (2) الحديث ضعفه ابن القطان. (2) القرطبى 2/ 16.

يا قاتل المسلم بالكافر ... جرت وما العادل كالجائر يأمن ببغداد وأطرافها ... من علماء الناس أو شاعر استرجعوا وابكوا على دينكم ... واصطبروا فالأجر للصابر جار على الدين أبو يوسف ... بقتله المؤمن بالكافر فدخل أبو يوسف على الرشيد وأخبره وأقرأه الرقعة فقال له الرشيد: تدارك هذا الأمر لئلا تكون فتنة فدعا أبو يوسف أولياء القتيل وطالبهم بالبينة على صحة الذمة وثبوتها، فلم يستطيعوا أن يثبتوا فأسقط القود وأمر بدفع الدية «1».

_ (1) تفسير آيات الأحكام للصابونى 1/ 178.

3 - قتل المسلم بالذمى

3 - قتل المسلم بالذمى يقول تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ. [المائدة: 45] قيل أن سبب نزول الآية أن الله سوى بين النفس والنقس فى التوراة فخالفوا ذلك فضلوا فكانت دية النضرى أكثر، وكان النضيرى لا يقتل بالقرظى، ويقتل به القرظى فلما جاء الإسلام راجع بنوا قريظة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فحكم بالاستواء، فقال بنو النضير: قد حططت منا فنزلت هذه الآية «1». وقد اختلف الفقهاء فى قتل المسلم بالكافر فتمسك الحنفية بهذه الآية لأنه نفس بنفس وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة والمالكية ومن وافقهم إلى عدم قتل المسلم بالكافر واحتجوا بأن هذا خبر عن شرع من قبلنا وشرع من قبلنا ليس شرعا لنا «2». وقد سبق أن ذكرنا قتل المسلم بالكافر عند حديثنا عن حكم القصاص «3» ولكن هنا نود أن نذكر القراءات التى ذكرت فى هذه الآية وما فيها من وقف لننظر إلى أى مدى تأثير الوقف فى الحكم الفقهى المتعلق بالآية فالقراءات التى ورد بيانها كالتالى: 1 - قرأ نافع وعاصم والأعمش وحمزة بالنصب فى جميعها على العطف ويجوز تخفيف (أن) ورفع الكل بالابتداء والعطف. 2 - قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر بنصب الكل إلا الجروح. 3 - وكان الكسائى وأبو عبيد يقرءان بالرفع فيها كلها. وقد روى أبو عبيد بسنده أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ بهذا الرفع «4».

_ (1) القرطبى 6/ 125، روح المعانى 6/ 147، الكشاف 1/ 409، أحكام القرآن للشافعى 1/ 271. (2) منتهى الإرادات 5/ 23 - 24، فتح القدير 2/ 46، القرطبى 6/ 125. (3) انظر ص 31 من هذا البحث. (4) القرطبى 6/ 125.

تعقيب

وتوجيه قراءة الرفع هذه كما ذكرها القرطبى على ثلاث جهات وهى: 1 - بالابتداء والخبر. 2 - على المعنى على موضع «أن النفس» لأن المعنى قلنا لهم: النفس بالنفس. 3 - قال الزجاج: يكون عطفا على المضمر فى النفس لأن الضمير فى النفس فى موضع رفع لأن التقدير أن النفس هى مأخوذة بالنفس «1». تعقيب: ومن خلال هذه القراءات يتبين لنا أن هناك وقفان: أولهما: على قوله (أن النفس بالنفس) وهذا كلام تام بنفس والاستئناف بقوله (والعين بالعين) وهذه هى قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم وبها قرأ أبو عبيد والكسائى. ثانيهما: الوقف على قوله تعالى (والسن بالسن) والاستئناف بقوله (والجروح قصاص) وهى قراءة ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر. فنلاحظ هنا أن الوقف والابتداء فى أحد الوقفين المذكورين يجعل هذا الخطاب موجه للأمة المؤمنة المأمورة باتباع ما تؤمر به ويخرج الخطاب عن كونه إخبارا بما كان فى شرع من قبلنا. وقد فقه ابن المنذر هذا الحكم فقال مرجحا قراءة الرفع: ومن قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام، حكم فى المسلمين، وهذا أصح القولين، وذلك أنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم «والعين بالعين» - برفع العين- وكذا ما بعده. والخطاب للمسلمين أمروا بهذا. ومن خص الجروح بالرفع فعلى القطع مما قبلها والاستئناف بها كأن المسلمين أمروا بهذا خاصة وما قبله لم يواجهوا به «2». فالوقف هنا كما قلنا أثر فى الحكم الفقهى فجعل الحكم يفيد الأمر وهذا موافق لقول الحنفية ويجب اتباعه بدلا من إفادته الإخبار عن شرع من قبلنا.

_ (1) القرطبى 6/ 125 - 126، المغنى لمحيسن 2/ 17، روح المعانى 6/ 147، منار الهدى فى الوقف ص 82، السبعة ص 44، مشكل مكى 1/ 227. (2) القرطبى 6/ 126.

4 - نكاح أم الزوجة والربيبة

4 - نكاح أم الزوجة والربيبة «1» يقول تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ. [النساء: 23] تتحدث هذه الآية عن حكم نكاح أو الزوجة ونكاح الربيبة وهو من باب التحريم بالمصاهرة وقد اختلف الفقهاء فى نكاح أم الزوجة بمجرد العقد على بنتها إلى فريقين: الأول: وهو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية القائل بأن أم الزوجة تحرم بمجرد العقد على بنتها دون الدخول بها. «2»

_ (1) الربائب: واحدتها ربيبة، فعيلة بمعنى مفعولة، من قولك: ربها يربها، إذا تولى أمرها وهى محرمة بإجماع الأمة كانت فى حجر الرجل أو فى حجر حاضنتها غير أمها. وقد ذهب عمر وعلى وقول أبو داود الظاهرى إلى أن الرجل إذا نكح المرأة ودخل بها ثم فارقها يمكنه أن يتزوج ابنتها إذا لم تكن هذه البنت فى حجره وهى رواية عن ابن عباس وقد ضعف أهل النقل حديث خلاس عن على وكذا رواية إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن على وإبراهيم مجهول لا يثبت بمثله ومع ذلك فإن أهل العلم ردوه ولم يتلق أحد هذا الرأى عن على بالقبول (الجصاص 2/ 181 - 184). وقال ابن المنذر: وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف ذلك (القرطبى 5/ 75)، وقد أفتى ابن مسعود بحل التزوج بأم المرأة قبل الدخول بها ثم رجع عن ذلك (الجصاص 2/ 182). أدلتهم: 1 - وقد احتج عمر ومن وافقه بظاهر الآية- وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ- فقالوا: حرم الله تعالى الربيبة بشرطين أحدهم: أن تكون فى حجر أمها والثانى الدخول بالأم فإذا عدم أحد الشرطين لم يوجد التحريم. (القرطبى 5/ 75، ابن العربى 1/ 486، بدائع الصنائع 3/ 418، الجصاص 2/ 182 - 184). (2) وحديث (لو لم تكن ربيبتى فى حجرى ما حلت لى إنها ابنة أخى فى الرضاعة) وقد ضعف الحديث ابن المنذر والطحاوى. القرطبى 5/ 75. وأما الجمهور فقد قالوا: لا يشترط فى تحريم الربيبة أن تكون فى حجر الزوج وقالوا: يحرم التزوج بها مطلقا كانت فى حجر الزوج أو لا، وإذا تزوج بها كان النكاح فاسدا يجب فسخه مطلقا ما دام قد دخل بأمها. وذهب الجمهور إلى أن البنت تحرم بالدخول إذا كانت فى الحجر بهذه الآية. أما إذا لم تكن فى الحجر فهى تحرم عندهم بدليل آخر، وهو كون نكاحها مفضيا إلى قطيعة الرحم. إلا أن الله ذكر الحجر بناء على أن عرف الناس وعاداتهم أن الربيبة تكون فى حجر زوج أمها عادة.

قال الشافعى: «من تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فأبانها فلا بأس أن يتزوج ابنتها ولا يجوز له عقد نكاح أمها لأن الله عز وجل قال: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ «1». الثانى: وهو قول على رضى الله عنهنّ وابن عباس وجابر وزيد بن ثابت وابن الزبير ومجاهد حيث قالوا: إن أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول «2»، قال القرطبى (وأجمع العلماء على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له نكاح بنتها) «3». وسبب الخلاف بين الفقهاء هو الوقف الوارد فى الآية حيث يرى الحنفية ومن وافقهم أن الكلام تم عند قوله: «أمهات نسائكم» فهى جملة مستقلة قائمة بذاتها تتعلق بما قبلها ولا تتعلق بما بعدها ثم استأنف بقوله: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ «4». وفى ذلك يقول القرطبى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ هذا مستقل بنفسه، ولا يرجع قوله: مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ إلى الفريق الأول بل هو راجع إلى الربائب، إذ هو أقرب مذكور كما تقدم «5». ويزيد الكاسانى الأمر وضوحا بقوله: ولنا تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ كلام تام

_ (1) أحكام القرآن للشافعى (1/ 183)، الأم (5/ 21). (2) القرطبى 5/ 70، المغنى 9/ 329، بدائع الصنائع 3/ 414 وما بعدها، ابن العربى 1/ 484. وذكر فى البدائع أن مالك قال: إن أم الزوجة لا تحرم على الزوج بنفس العقد ما لم يدخل ببنتها حتى أن من تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها أو ماتت يجوز أن يتزوج أمها. بدائع الصنائع 6/ 413. قلت: عزو الكاسانى الرأى إلى مالك يبدو أنه غير دقيق لأننى لم أعثر عليه فيما قرأت من كتب المالكية وغيرها فقد تفرد به الكاسانى. (3) القرطبى 5/ 75. واختلف الفقهاء فى معنى الدخول بالأمهات الذى يقع به تحريم الربائب، فروى عن ابن عباس أنه قال: الدخول الجماع وهو قول طاوس وعمر بن دينار وغيرهم واتفق مالك والثورى وأبو حنيفة والأوزاعى والليث على أنه إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وهو أحد قولى الشافعى. واختلفوا كذلك فى النظر فقال مالك: إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شىء من محاسنها للذة حرمت عليه أمها وابنتها. وقال الكوفيون: إذا نظر إلى فرجها للشهوة كان بمنزلة اللمس للشهوة وقال الثورى: يحرم إذا نظر إلى فرجها متعمدا أو لمسها ولم يذكر الشهوة. وقال ابن أبى ليلى: لا يحرم بالنظر حتى يلمس وهو قول الشافعى. القرطبى 5/ 75، بدائع الصنائع 3/ 412 وما بعدها. (4) روح المعانى 2/ 64، المغنى لابن قدامة 9/ 330، تفسير القرطبى 5/ 70، بدائع الصنائع 3/ 414. (5) القرطبى 5/ 74.

بنفسه منفصل عن المذكور بعده لأنه مبتدأ وخبر إذ هو معطوف على ما تقدم ذكره من قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ، إلى قوله: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ والمعطوف يشارك المعطوف عليه فى خبره، ويكون خبر الأول خبر للثانى كقوله: جاءنى زيد وعمرو «معناه: جاءنى زيد وجاءنى عمرو» فكان معنى قوله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ أى: وحرمت عليكم أمهات نسائكم «1». واستدل الحنفية ومن وافقهم على قولهم هذا وإبرازا لدور الوقف فى الفقه بمجموعة من الأدلة منها: 1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تزوج امرأة حرمت عليه أمها دخل بها أو لم يدخل وحرمت عليه بنتها إذا دخل بها» «2» فهذا نص فى الباب لا يحتمل التأويل، ولأن هذا النكاح- نكاح أم زوجة- يفضى إلى قطع الرحم لأنه إذا طلق بنتها وتزوج بأمها حملها ذلك على الضغينة التى هى سبب القطيعة فيما بينهما وقطع الرحم حرام فما أفضى إلى الحرام يكون حراما. وقد عضد ابن العربى أدلة الذين استدلوا بالوقف فى ترجيح مذهبهم بأدلة نذكر منها: 1 - إذا كان قوله: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ يحتمل الرجوع إلى الربائب أو الربائب والأمهات معا فيرد إلى أقرب مذكور تغليبا للتحريم على التحليل فى الفروج وهكذا هو مقطوع السلف فيها عند تعارض الأدلة بالتحريم والتحليل عليها. 2 - إذا قيل بأن المراد بالدخول هاهنا النكاح فعلى هذا الربائب والأمهات سواء لكن الإجماع غلب على الربائب باشتراط الوطء فى أمهاتهن لتحريمهن. 3 - أن كل واحد من الموصوفين قد انقطع عن صاحبه وخرج منه بوصفه فإنه قال: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ثم قال بعده: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ فوصف وكرر، وذلك الوصف لا يصح أن يرجع إلى الأمهات، وهو قوله: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فالوصف الذى يتلوه يتبعه ولا يرجع إلى الأول لبعده منه وانقطاعه عنه «3». أما القائلون بأن لا تحرم أم الزوجة إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول

_ (1) بدائع الصنائع 3/ 414. (2) ت: (3/ 416) كتاب النكاح- باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها يتزوج ابنتها أم لا؟. (3) ابن العربى 1/ 486.

الرأى الراجح

فهم لم يعملوا الوقف فى الآية وجعلوا: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ متعلقة بقوله: «فإذا لم تكونوا دخلتم بهن». وقد انقسم علماء النحو إلى قسمين يؤيد كل قسم منهما فريق من الفقهاء: فذهب علماء البصرة إلى أن: «اللاتى دخلتم بهن» عائد على الربائب خاصة وجعلوا رجوع الوصف إلى الموصفين المختلفى العامل ممنوعا كالعطف عن عاملين. أما أهل الكوفة فقد جوزوا ذلك كله ورأوا أن عامل الإضافة غير عامل الخفض بحرف الجر لذا أرجعوا قوله تعالى: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ على الربائب والأمهات «1». الرأى الراجح: بعد عرض أقوال العلماء فى أن الأم تحرم بالعقد على البنت أم لا؟ تبين لنا رجحان قول الحنفية ومن وافقهم القائل بأن الأم تحرم بالعقد على بنتها وهذا ما بينه الوقف الوارد فى الآية على قوله: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ والاستئناف بقوله: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ وجواز الاستئناف (بالواو) وارد فى آيات كثيرة فى القرآن منها قوله تعالى: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ [الحج: 5] «2» وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة: 282]. وقد رجح الطبرى هذا القول: «والقول الأول أولى بالصواب أعنى قول من قال: الأم من المبهمات لأن الله لم يشرط معهن الدخول ببناتهن كما شرط ذلك مع أمهات الربائب مع أن ذلك أيضا إجماع من الحجة التى لا يجوز خلافها فيما جاءت به متفقة عليه وقد روى بذلك أيضا عن النبى صلى الله عليه وسلم خبر غير أن فى أسناده نظر.

_ (1) ابن العربى 1/ 584. (2) الطبرى (3/ 839) وما بعدها، طبعة دار الغد العربى.

5 - فرضية العمرة

5 - فرضية العمرة يقول تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. [البقرة: 196] تتحدث هذه الآية الكريمة عن فرضية الحج والعمرة ولا خلاف بين العلماء فى أن الحج فرض على كل مسلم متى تحققت شروط الاستطاعة فقد حكى ابن قدامة الإجماع فى هذا «1» أما العمرة فقد اختلف الفقهاء فى فرضيتها وقبل الحديث عن هذا الخلاف أود أن أذكر القراءات التى وردت فى هذه الآية وكان من بينها وقف كان له أبرز الأثر فى اختلاف الفقهاء وهذه القراءات هى: 1 - القراءة الواردة فى الآية وهى بالنصب فى قوله تعالى (والعمرة) وهى القراءة المتواترة. 2 - قرأ نافع وابن عمر والكسائى وأبو جعفر (والعمرة) بالرفع. 3 - قرأ ابن مسعود: وأتموا الحج والعمرة إلى بيت الله. 4 - قرأ علقمة: وأقيموا الحج والعمرة لله. 5 - قرأ على: وأقيموا الحج والعمرة للبيت «2». ولعل سبب الاختلاف الوارد فى هذه القراءات هى قراءة (والعمرة) بالضم حيث يقتضى هذا أن يكون الكلام مكتفى بنفسه عند قوله (واتموا الحج) ثم الاستئناف بقوله (والعمرة) لله فمن قراءة الآية بالقراءة المتواترة لم يقف إلا على قوله وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ومن قرأ بالقراءة الشاذة أخذ بالوقف الذى ذكرنا وقد أيد كل فريق رأيه بأدلة أخرى غير الوقف تؤيد ما ذهب إليه، وإليك بيانها.

_ (1) المغنى 4/ 328. (2) البحر المحيط 2/ 27، تفسير القرطبى 2/ 246، تفسير الطبرى 2/ 121، الدر المنثور 1/ 205، الموطأ ص 282، أحكام الجصاص 1/ 264، المغنى 3/ 160 - 161، تفسير ابن عطية 2/ 151، البدائع 3/ 303.

أولا: أدلة القائلين بفرضية العمرة

أولا: أدلة القائلين بفرضية العمرة: وهو قول جمهور العلماء وبه قال زيد بن ثابت وهو أحد قولى الشافعى وهو المعتمد عندهم فى المذهب وهو الراجح عند الحنابلة وقول عمر وعلى بن أبى طالب وغيرهم «1». حيث استدلوا بأدلة من المنقول والمعقول. أولا: الأدلة من المنقول: أ- الكتاب 1 - قال تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ قالوا: بأن الآية قرأت بنصب (والعمرة) مفعول به ل (أتموا): يأمر الله الناس باتمام الحج والعمرة والأمر الوارد فى الآية يفيد الوجوب وقد عطف على الحج العمرة والأصل التساوى بين المعطوف والمعطوف عليه «2». يقول القرطبى: فى هذه الآية دليل على وجوب العمرة، لأنه تعالى أمر بإتمامها كما أمر بتمام الحج «3». ويقول أبو حيان: الإتمام ضد النقص والمعنى افعلوهما كاملين ولا تأتوا بهما ناقصين شيئا من شروطهما وأفعالهما «4». ويقول الشافعى فى ذلك: «والذى هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندى وأسأل الله التوفيق أن تكون العمرة واجبة فإن الله عز وجل قرنها مع الحج فقال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196] وأن رسول الله اعتمر قبل أن يحج وأن رسول الله سن إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات وفى الحج زيادة عمل على العمرة فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر «5». 2 - يقول تعالى فى سورة التوبة: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [التوبة: 3] فهذا يدل على أن هناك حج أصغر وليس ذلك إلا العمرة.

_ (1) المراجع السابقة، وبدائع الصنائع 2/ 226، المجموع للنووى 7/ 3، فتح القدير 3/ 139، المبدع 3/ 83 - 84. (2) المراجع السابقة. (3) القرطبى 2/ 245. (4) البحر المحيط 2/ 71 - 72. (5) الأم 3/ 113.

(ب) السنة والآثار

(ب) السنة والآثار: 1 - قال الصبى بن معبد: أتيت عمر رضى الله عنه فقلت إنى كنت نصرانيا فأسلمت وإنى وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علىّ وإنى أهللت بهما جميعا فقال له عمر هديت لسنة نبيك «1». قال ابن المنذر: ولم ينكر عليه قوله (وجدت الحج والعمرة مكتوبتين على). 2 - كان يقول ابن عمر: ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلا، فمن زاد بعدها شيئا فهو خير وتطوع «2». 3 - قال ابن عباس: العمرة واجبة كوجوب الحج من استطاع إليه سبيلا «3». 4 - عن أبى رزين أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبى شيخ أدرك الإسلام ولا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن فقال صلى الله عليه وسلم حج عن أبيك واعتمر. فأمر بهما والأمر للوجوب «4». والحديث جوده الشافعى وأحمد، قال الإمام أحمد: لا أعلم فى إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح «5». وهناك أحاديث وآثار كثيرة صحيحة لم اذكرها واكتفيت بذكر أصحها «6». [ثانيا الادلة] من المعقول: 1 - هو أن قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196] وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قران العمرة مع الحج هديا، ولو كان أصل العمرة تطوعا أشبه ألا يكون لأحد أن يقرن العمرة مع الحج، لأن أحدا لا يدخل فى نافلة فرضا حتى يخرج من أحدهما قبل الدخول فى الآخر، وقد يدخل فى أربع ركعات وأكثر نافلة قبل

_ (1) د: 2/ 393 - 394 (5) كتاب المناسك، باب (فى الأقران) فذكره بسنده فى حديث أطول من هذا، وذكره ابن حجر فى الفتح 3/ 689، والقرطبى 2/ 245. (2) القرطبى 2/ 245. (3) المرجع السابق. (4) د: 2/ 402 (5) كتاب المناسك، باب (الرجل يحج مع غيره) فذكره بسنده عن أبى رزين. ت: 3/ 360 - 361 (7) كتاب الحج (85) باب ما جاء فى الحج عن الشيخ الكبير. (5) سبل السلام 2/ 259، مختصر سند أبى داود للمنذرى 2/ 333، سنن الترمذى 3/ 261. (6) راجع للاستزادة كتاب الحج والعمرة للمؤلف ص 5 وما بعدها، أحكام الحج والعمرة: د. رفعت فوزى ص؟

ثانيا أدلة القائلين بعدم وجوب العمرة

أن يفصل بينهما بسلام، وليس ذلك فى مكتوبة فأشبه ألا يلزمه بالتمتع أو القران هدى إذا كان أصل العمرة تطوعا بكل حال، لأن حكم ما لا يكون تطوعا بحال غير حكم ما يكون فرضا فى الحال. 2 - قالوا بأن عماد الحج الوقوف بعرفة وليس فى العمرة وقوف فلو كانت لسنة الحج لوجب أن تساويها فى أفعاله كما أن سنة الصلاة تساوى فرضيتها فى أفعالها «1». [ثانيا] أدلة القائلين بعدم وجوب العمرة: وهم الحنفية والمالكية وهى الرواية الثانية للحنابلة غير أنهم اختلفوا هل هى واجبة أم سنة مؤكدة فذهب جمهور الحنفية إلى أنها سنة مؤكدة وهو الرأى المعتمد فى المذهب وهو قول مالك «2». وذهب بعض الحنفية إلى أن العمرة واجبة وقد رجح الكاسانى القول بالوجوب فى المذهب فيقول: «ومنهم من أطلق السنة وهذا الإطلاق لا ينافى الواجب» «3» والواجب كما نعرف هو أقل درجة من الفرض ولم يقل به غير الحنفية أما الجمهور فينظرون إلى الحكم على أنه فرض أم سنة «4». وقد استدل أصحاب هذا الرأى بأدلة من الكتاب ومن السنة: (أ) الكتاب: 1 - قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ حيث ورد فى هذه الآية وقف على قوله (الحج) والاستئناف بقوله (والعمرة لله) فهى سنة وكان مالك يقول: العمرة سنة ولا نعلم أحدا أرخص فى تركها «5».

_ (1) القرطبى 2/ 246. (2) راجع المراجع السابقة. (3) البدائع 3/ 302. (4) بدائع الصنائع 2/ 226، فتح القدير 3/ 140، المغنى 4/ 344، تحفة الفقهاء 2/ 392، الهداية 2/ 306، حاشية الدسوقى 1/ 347، الموطأ 1/ 347. (5) القرطبى 2/ 245.

(ب) السنة

2 - قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97] وقال وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فلم يقرن العمرة بالحج فدل على عدم وجوب العمرة. يقول الكاسانى: ولنا على الشافعى قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ولم يذكر العمرة لأن مطلق اسم الحج لا يقع على العمرة فمن قال: إنها فريضة فقد زاد النص فلا يجوز إلا بدليل «1». (ب) السنة: 1 - عن جابر قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والزكاة والحج: أواجب هو؟ قال: نعم. فسأله عن العمرة: أواجبة هى؟ قال: لا وأن تعتمر خير لك «2». 2 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بنى الإسلام على خمس شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا «3». ووجه الاستدلال بالحديث أنه لم يذكر العمرة مع الحج ولو كانت واجبة لذكرها. 3 - عن طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله يقول: الحج جهاد والعمرة تطوع «4». 4 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحج مكتوب والعمرة تطوع» «5». 5 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة هى الحجة الصغرى» «6». 6 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحج جهاد والعمرة تطوع» «7».

_ (1) البدائع 3/ 303. (2) رواه القرطبى بإسناده 2/ 245، وقال موقوف، ت: 3/ 261 كتاب الحج- باب ما جاء فى العمرة أواجبة هى أم لا. (3) خ: 1/ 116 (1) كتاب الإيمان (2) باب دعاؤكم إيمانكم من طريق ابن عمر. (4) جه (2/ 968) كتاب: المناسك، باب العمرة، وقد تعقبه البوصيرى وضعفه لوجود عمر ابن قيس فهو ضعيف عند المحدثين. (5) الأم 1/ 281 كتاب الحج- فيما جاء فى فرض الحج وشروطه، البيهقى 4/ 348 من طريق شعبة وضعفه ومن طريق محمد بن الفضل فضعفه وقال محمد متروك، قال الشافعى: هو ضعيف- أى الحديث- ولا تقوم بمثله الحجة وليس فى العمرة شىء ثابت بأنها تطوع. المغنى 4/ 346. (6) قط: 2/ 285، ونصب الراية 3/ 148، وفى سنده سليمان بن أرقم وهو متروك. (7) جه 2/ 995 (25) كتاب المناسك (44) باب العمرة، ذكره بسنده من طريق طلحة ابن عبيد الله وفيه ابن قيس وهو ضعيف. وقال ابن عبد البر: روى ذلك بأسانيد لا تصح ولا تقوم بمثلها الحجة.

من المعقول

من المعقول: أن للحج وقت محدد فلو كانت العمرة كالحج فرض لكان لزاما أن يحدد لها وقت. مناقشة الأدلة والترجيح: أما استدلال الفريق الأول القائل بوجوب العمرة لأن القراءة متصلة وقد وردت بصيغة الأمر والأمر يفيد الوجوب أجيب بأن هذا ليس بحجة لهم فى وجوب العمرة لأن الله سبحانه إنما قرنها فى وجوب الاتمام لا فى الابتداء، فإنه ابتداء الصلاة والزكاة فقال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [المزمل: 20]. وابتدأ بإيجاب الحج فقال: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97]. ولما ذكر العمرة أمر بإتمامها لا بابتدائها فلو حج عشر حجج أو اعتمر عشر عمر لزم الإتمام فى جميعها فإنما جاءت الآية لإلزام الإتمام لا لإلزام الابتداء «1». ويقول الكاسانى: «أما على قراءة العامة: فلا حجة له فيها أيضا- يعنى الشافعى- لأن فيها أمر بإتمام العمرة وإتمام الشيء يكون بعد الشرع فيه وبه نقول: إنها بالشروع تكون فريضة» «2». يضاف إلى ذلك أن الله عطف العمرة على الحج والشيء لا يعطف على نفسه فى الأصل «3». وأما استدلال الفريق الثانى بالآية فهو أيضا محل نظر لأن الوقف الذى ذكروه فى آية ويؤيد مذهبهم فى أن العمرة ليست بواجبة قراءة شاذة والقراءة الشاذة لا يمكن بحال أن تعارض قراءة صحيحة متواترة. أما استدلالهم ببعض الآيات والأحاديث فى أن كلمة العمرة لم تذكر مقرونة بالحج كما فى اقتران الصلاة والزكاة فهذا أيضا ليس بحجة لأن عدم ذكر الشيء ليس دليلا على إسقاط الحكم عنه بل يمكن أن تحمل هذه الأحاديث على الأحاديث المذكور بها لفظ العمرة فتكون مفسرة لها.

_ (1) القرطبى 2/ 246. (2) البدائع 3/ 303. (3) البدائع 3/ 304.

الرأى الراجح

أضف إلى ذلك أن الأحاديث المذكورة عند القائلين بعدم وجوب العمرة لا تقوم بها الحجة لأنها ضعيفة وواهية ولا تقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة التى ذكرها أصحاب الفريق الأول. أما حديث جابر الأول الذى حكم عليه الترمذى بالصحة فقد ضعفه القرطبى وقال موقوف «1» بل أنكر النووى على الترمذى تصحيحه لهذا الحديث لأن الحفاظ قد اتفقوا على تضعيفه. ورغم أن ابن عبد البر حكم بضعف طرقه إلا أنه حمل الحديث على المعهود وهى العمرة التى قضوها حين أحصروا فى الحديبية أو على العمرة التى اعتمروها فى حجتهم مع النبى صلى الله عليه وسلم فإنها لم تكن واجبة على من اعتمر أو نحمله على ما زاد على العمرة الواحدة «2». هذا بخلاف أحاديث القائلين بأن العمرة واجبة فهى أحاديث صحيحة «3». الرأى الراجح: بعد ذكر هذه المذاهب الفقهية وأدلتها ومناقشتها يتبين لنا أن أدلة القائلين بفرضية العمرة هى الأرجح ورغم أن القراءة المتواترة بنصب (العمرة) أفادت مجرد الأمر بإتمام الحج والعمرة بعد الشروع فيهما لله تعالى إلا أن قراءة الوقف التى وردت برفع (والعمرة) أفادت الأمر بإتمام الحج ثم استئناف كلام جديد يخبر الله تعالى بأن العمرة لله وهو خبر بمعنى الأمر ليفيد مزيد الاهتمام بالعمرة فلا تصرف إلا لله لأن بعض المشركين كان يحج لله ويعتمر للصنم. لذلك يقول الماتريدى: إنما قال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ لأن الكفرة كانوا يفعلون الحج لله والعمرة للصنم «4». فهنا كان للوقف دور فى توسعة الحكم الفقهى ففي الوصل دلت الآية على فرضية العمرة وفى الوقف دلت على أن العمرة لله وليست للأصنام كما كان يفعل المشركون.

_ (1) القرطبى 3/ 245. (2) المغنى 4/ 346، الشرح الكبير على المغنى 4/ 330. (3) المغنى 4/ 346، الشرح الكبير على المغنى 4/ 330. (4) البحر المحيط 2/ 71.

6 - من محظورات الإحرام

6 - من محظورات الإحرام يقول تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]. تتحدث الآية عن بعض محظورات الحج وهى الرفث والفسوق والجدال. أما الرفث: فهو كل قول يتعلق بذكر النساء يقال: رفث يرفث بكسر الفاء وضمها وقد يطلق على الفعل من الجماع والمباشرة، قال الأزهرى: الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة ويطلق الرفث على التعريض به وعلى الفحش من القول «1». والفسوق: هو السباب عرفه ابن عمر «2»، وذكر ابن العربى له ثلاثة معان. الأول: جميع المعاصى، قال النبى صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر «3». الثانى: أنه قتل الصيد. والثالث: أنه الذبح لغير الله تعالى لأن الحج لا يخلو عن ذبح، وكان أهل الجاهلية يذبحون لغير الله فسقا فشرعه الله تعالى لوجهه نسكا «4». والجدال هو أن يجادل صاحبه حتى يغضبه «5» يقول الجصاص فى معنى وَلا جِدالَ قد تضمن النهى عن مماراة صاحبه ورفيقه وإغضابه «6». ويقول الزمخشرى فى وَلا جِدالَ لا مراء من الرفقاء والخدم والمكارين «7».

_ (1) فتح البارى 3/ 447، أحكام الجصاص 1/ 420. (2) الجصاص 1/ 421. (3) حم 1/ 330 (1) كتاب الإيمان (28) باب بيان قول النبى صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فذكره بسنده من طريق عبد الله بن مسعود فذكره. (4) أحكام ابن العربى 1/ 189 - 190. (5) تبيين الحقائق 2/ 11. (6) أحكام الجصاص 1/ 422. (7) الكشاف 1/ 243.

وقد ورد فى الآية عدة قراءات منها الوقف الذى كان له أكبر الأثر فى توسيع المراد من قوله تعالى وَلا جِدالَ كما سنرى بإذن الله تعالى. أما القراءات التى وردت فبيانها وتوجيهها النحوى كما يلى: 1 - قرأ أبو جعفر بالرفع والتنوين فى الثلاثة فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ وروى المفضل أن عاصم قرأ بالرفع فيها «1». ووجه القراءة أن (لا) غير عاملة ورفع ما بعدها بالابتداء والخبر فى الجميع قوله فِي الْحَجِّ كما جوز بعض علماء النحو أن يكون فِي الْحَجِّ خبر الرفث وهو المبتدأ الأول وحذف خبر الثانى والثالث لدلالته عليه، وقيل: إن (لا) هنا يجوز أن تكون العاملة عمل ليس فرفعت اسمها «2». 2 - وقرأ أبو رجاء العطاردى بالنصب والتنوين فى الثلاثة. والتوجيه النحوى لهذه القراءة أنها منصوبة على المصدر والعامل فيها أفعال من لفظها، والتقدير فلا يرفث رفثا ولا يفسق فسقا ولا يجادل جدالا وقوله فِي الْحَجِّ متعلق بأى فعل من الأفعال السابقة «3». 3 - وقرأ الكوفيون ونافع بفتح الثلاثة من غير تنوين «4». وقال علماء النحاة: إنها حركة بناء و (لا) هنا لها عملين. أحدهما: أن (لا) مع اسمها فى موضع رفع على الابتداء وبه قال سيبويه. وثانيهما: أن (لا) عاملة فى الاسم النصب وخبرها فِي الْحَجِّ وذلك باجرائها مجرى (إن) فى نصب الاسم ورفع الخبر وهو مذهب الأخفش «5». 4 - قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر برفع فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وتنوين وفتح وَلا جِدالَ من غير تنوين «6».

_ (1) البحر المحيط 2/ 88، تيسير التحبير ص 91، روح المعانى 2/ 86، معانى القراءات 1/ 166، تقريب النشر ص 91، الكشف 1/ 285، شرح الدرة المضية 2/ 47، معانى القرآن وإعرابه 1/ 270، الكشاف 1/ 243. (2) المراجع السابقة ومعها المغنى فى توجيه القراءات لمحيسن 8/ 238. (3) المراجع السابقة. (4) البحر المحيط 2/ 88، تيسير التخبير ص 91، مشكل مكى 1/ 123 - 124، فتح القدير للشوكانى 1/ 298. (5) التأثير النحوى للقراءات القرآنية فى الأحكام الفقهية ص 139 وما بعدها. د. هالة عثمان. (6) البحر المحيط 2/ 88، روح المعانى 2/ 86، المغنى لمحيسن 1/ 238.

ووجه القراءة أن قوله تعالى فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ. مرفوعين بالابتداء و (لا) غير عاملة. وأما (لا) فى قوله تعالى وَلا جِدالَ فهى عاملة وجدال اسمها وَلا جِدالَ بالفتح فى موضع رفع بالابتداء وقوله فِي الْحَجِّ خبر عن الجميع «1»، قال الزمخشرى (وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأولين بالرفع والآخر بالنصب لأنهما حملا الأولين على معنى النهى كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف فى الحج «2». وهذه القراءة الأخيرة هى المعنية بالوقف ويظهر ذلك جليا عند ما يقف القارئ على قوله فُسُوقَ بالضم والتنوين ثم يستأنف بقوله تعالى وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ بفتح جدال. والذى يترتب على هذا الوقف أنه وسع المعنى الفقهى المفهوم من الآية ففي القراءات الأولى لم تؤثر فى المعنى المفهوم من الآية حيث أن هذه القراءات لم تغير معنى الرفث والفسوق والجدال الذى ذكرناه فى أول الكلام عن الآية. أما قراءة الوقف على فُسُوقَ والبدء وَلا جِدالَ فإن معنى الآية يصير كما يلى: يقول تعالى من قصد الحج فى هذه الأشهر فلا رفث ولا فسوق فيه ولا جدال فى وقت الحج الزمانى والمكانى. وذلك أن قريشا كانت تخالف العرب فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا يقدمون الحج سنة ويؤخرونه سنة فرد إلى وقت واحد ورد الوقوف إلى عرفة فأخبر الله تعالى بأن الخلاف قد رفع فى الحج «3». وقد فهم العلماء هذه الزيادة المقصودة من قراءة الوقف فيقول مجاهد فى قوله تعالى وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قال: قد أعلم الله تعالى أشهر الحج فليس فيها شك ولا خلاف «4»، وقال الحسن: الجدال: الاختلاف فى الحج «5». ويقول الجصاص الحنفى (وحظر الجدال فى وقت الحج على ما كان عليه أمر الجاهلية لأنه قد استقر على وقت واحد وأبطل به النسيء الذى كان أهل الجاهلية عليه وهو معنى

_ (1) أحكام ابن العربى 1/ 191. (2) الكشاف 1/ 243 - 244. (3) أحكام ابن العربى 1/ 191، الكشاف 1/ 243. (4) أحكام الجصاص 1/ 421، الكشاف 1/ 244. (5) تفسير الحسن البصرى 1/ 142، د. محمد عبد الرحيم.

قوله عليه السلام: (ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض) يعنى عود الحج إلى الوقت الذى جعله الله له واتفق ذلك فى حجة النبى صلى الله عليه وسلم «1». فالحنفية هنا استفادوا بالوقف فى توسيع معنى الآية. ويزيد ابن العربى الأمر وضوحا بقوله (أراد لا جدال فى وقته فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فعاد بذلك إلى يومه ووقته وقيل: لا جدال فى موضعه فإن الوقوف بعرفة لكل واحد من الناس كان فى الحمس أو من غيرهم. وكلا القولين صحيح وقد رفع الله تعالى الجدال فى الوجهين بين الخلق فلا يكون إلى القيامة ولهذا قرأه العامة وحده بنصب اللام على التبرئة دون الكلمتين اللتين قبله «2». ويؤيدنا فى هذا المعنى المراد ما رواه الطبرى فى تفسيره عن القاسم بن محمد قال: الجدال فى الحج أن يقول بعضهم الحج اليوم ويقول بعضهم الحج غدا وقال آخرون بل اختلافهم ذلك فى أمر مواقف الحج أيهم المصيب موقف إبراهيم «3». فنلاحظ من هذه النصوص أن فقهاء الحنفية وغيرهم فهموا هذا المعنى الفقهى الجديد وإن لم يصرحوا بالوقف على قوله وَلا فُسُوقَ وإن كان ابن العربى ذكر أنها قراءة لبعض القراء فى آخر كلامه كما ذكرنا. ويؤيدنا فى قولنا بأن كلمة جدال تحمل معنى رفع الخلاف الزمانى والمكانى فى الحج ما رواه البخارى مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» «4». فهذا الحديث لم يذكر كلمة الجدال المذكورة فى الآية مما يدل على أن الكلمة لها معنى آخر يضاف إلى المعنى المعروف فى الجدل وهو أن الله اختص برفع هذا الجدال المتعلق بمكان الحج وزمانه. نخلص من هذا كله أن قراءة وَلا جِدالَ فى حالة الوصل تدخل فى محظورات الحج فيكون المعنى من أراد قبول حجه فلا رفث ولا فسوق ولا جدال.

_ (1) أحكام الجصاص 1/ 422، والحديث رواه أحمد 5/ 37. (2) أحكام ابن العربى 1/ 191. (3) تفسير الطبرى 2/ 159. (4) خ: (2/ 141) (25) كتاب الحج (4) باب فضل الحج المبرور.

أما الوقوف على وَلا فُسُوقَ والبدء وَلا جِدالَ إضافة معنى فقهى جديد وهو خاص بتحديد مواقيت الحج الزمانية والمكانية حيث أن الجدال فيها قد انتهى لأن الله تولى تحديد الميقات فيها. فهنا نرى أن الوقف أثر فى توسعة الجانب الفقهى للآية عند الحنفية وغيرهم.

7 - جزاء قتل الصيد فى الحرم

7 - جزاء قتل الصيد فى الحرم يقول تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]. تتحدث هذه الآية عن جزاء ما قتل من النعم والخلاف قائم بين الفقهاء فى قيمة الجزاء هل يقتضى المماثلة أم لا؟ فى الحقيقة وردت مجموعة من القراءات فى هذه الآية نذكرها ثم نبين تأثير الوقف فى الحكم الفقهى. 1 - ورد قراءة فَجَزاءٌ مِثْلُ برفع جزاء وتنوينه ومِثْلُ على الصفة والخبر مضمر والتقدير فعلية جزء مماثل واجب أو لازم من النعم. وهذه القراءة تقتضى أن يكون المثل هو الجزاء بعينه. 2 - جزاء بالرفع غير منون ومِثْلُ بالإضافة أى فعلية جزاء مثل ما قتل ومِثْلُ مقحمة كقولك أنا أكرم مثلك وأنت تقصد أنا أكرمك ونظير هذا قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ [الأنعام: 122]. التقدير كمن هو فى الظلمات وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أى ليس كهو شىء وهذه القراءة تقتضى أن يكون الجزاء غير المثل إذ الشيء لا يضاف إلى نفسه. وقوله: مِنَ النَّعَمِ صفة لجزاء على القراءتين جميعا. 3 - قرأ الحسن مِنَ النَّعَمِ باسكان العين وهى لغة. 4 - وقرأ عبد الرحمن فَجَزاءٌ مِثْلُ بالرفع والتنوين ومِثْلُ بالنصب والمعنى أن يجزئ مثل ما قتل. 5 - وقرأ ابن مسعود والأعمش فَجَزاءٌ مِثْلُ بإظهار (هاء) ويحتمل أن يعود على الصيد أو على الصائد القاتل «1».

_ (1) القرطبى 6/ 199، الجصاص 2/ 664، ابن العربى 2/ 180 وما بعدها، الكشاف 1/ 678 - 679.

واحتج الحنفية بما يلى

فهذه القراءات وردت فى هذه الآية وجميعها لم تتحدث عن الوقف غير أن الجصاص الحنفى وكعادة الحنفية كما تبين لنا فى الآيات السابقة أنهم يلجئون إلى الاستدلال بالوقف لترجيح مذهبهم حيث قال الوقف على قوله تعالى: مِثْلُ ما قَتَلَ والاستئناف بقوله: مِنَ النَّعَمِ. فى ذلك يقول الجصاص: كما أن قوله: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ كلام مكتف بنفسه غير مفتقر إلى تضمينه بغيره، وقوله: مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ يمكن استعماله على غير وجه التفسير لأن قوله مِنَ النَّعَمِ معلوم أن فيه ضمير أراده المحرم، فمعناه: (من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا إن أراد الهدى، والطعام إن أراد الطعام، فليس هو إذا تفسيرا للمثل كما أن الطعام والصيام ليسا تفسيرا للمثل المذكور) «1». إذا قراءة الوقف هنا أيدها المذهب الحنفى القائل بأن الجزاء لا يقتضى المماثلة بل إن الجصاص أيد قوله هذا بدليل لغوى؛ المتمثل فى حرف (أو) الذى هو للتخيير فجزاء مثل ما قتل طعاما أو صياما أو من النعم هديا. ويقول أبو حنيفة: «المثل هو القيمة ويشترى بالقيمة هديا إن شاء وإن شاء اشترى طعاما أو أعطى كل مسكين صاع» «2». واحتج الحنفية بما يلى: 1 - لو كان الشبه فى طريق الخلقة معتبرا فى النعامة بدنة، وفى الحمار بقرة، وفى الظبى شاة لما أوقفه على عدلين يحكمان به لأن ذلك قد علم فلا يحتاج إلى الارتياء والنظر وإنما يفتقر إلى العدول والنظر ما تشكل الحال فيه ويضطرب وجه النظر عليه «3». 2 - أنه قد ثبت أن المثل اسم للقيمة فى الشرع ولم يثبت أنه اسم للنظير من النعم فوجب حمله على ما قد ثبت اسما له ولم يجز؟ 3 - ما دمنا قد اتفقنا على أن القيمة مرادة لهذا المثل فيما لا نظير له من النعم فوجب ان تكون هى المرادة من وجهين:

_ (1) الجصاص 2/ 664. (2) الجصاص 2/ 661. (3) القرطبى 6/ 200.

تعقيب وترجيح

أحدهما: أنه قد ثبت أن القيمة مرادة فهو بمنزلته لو نص عليها فلا ينتظم النظير من النعم. والثانى: أنه لما ثبت أن القيمة مراده انتفى النظير من النعم لاستحالة إرادتهما جميعا فى لفظ لاتفاقنا معكم على أن المراد أحدهما من قيمة أو نظير من النعم، ومتى ثبت أن القيمة مرادة انتفى غيرها «1». أما فى حالة الوصل فإن القراءة بها تؤيد رأى جمهور الشافعية القائل بأن الجزاء من النعم لأن قوله مِنَ النَّعَمِ صفة للجزاء. واستدل الجمهور بأن قوله تعالى: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ فبين جنس المثل، ثم قال: يحكم به ذوا عدل منكم وهذا ضمير راجع إلى مثل من النعم لأنه لم يتقدم ذكر لسواه يرجع الضمير عليه. وأجابوا على قول الحنفية بأنه لو كان الشبه معتبرا لما أوقفه على عدلين فقالوا: إن اعتبار العدلين إنما وجب للنظر فى حال الصيد من صغر وكبر وما لا جنس له مما له جنس وإلحاق ما لم يقع عليه نص بما وقع عليه النص «2». تعقيب وترجيح: بعد هذا العرض يتبين لنا أن الحنفية قد رجحت مذهبها على مذهب الجمهور بقراءة الوقف وخاصة أن حرف (أو) الوارد فى الآية يفيد التخيير فإن شاء أهدى وإن شاء قوم له الهدى أو أطعم بدله أو صياما. وأنا أرى أنه توفيقا بين رأى الحنفية والجمهور بأنه إن كان يوجد نظير من النعم أخذ به وإلا عدل إلى قول الحنفية من باب التخفيف والتيسير على العباد ورفع الحرج. بقى أن أشير إلى أن العلماء اختلفوا فيمن قتل الصيد ناسيا وبيان آرائهم كالتالى: 1 - ذهب الجمهور إلى أن عليه الجزاء سواء قتله عمدا أو خطأ فعليه الجزاء وجعلوا فائدة تخصيص العمد بالذكر فى نسق التلاوة من قوله تعالى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ

_ (1) الجصاص 2/ 662. (2) منتهى الإرادات، تحقيق د. عبد الله التركيب ط 1، 1999 م، 2/ 116، القرطبى 6/ 200.

وذلك يختص بالعمد دون الخطأ، والنسيان لأن المخطئ لا يجوز أن يلحقه الوعيد فخص العمد بالذكر، وإن كان خطأ، والنسيان مثله لا يصح رجوع الوعيد إليه وهو قول عمر وعثمان وابن عباس فى رواية. 2 - ذهب آخرون إلى أنه لا يرى فى الخطأ شيئا وهو قول طاوس وعطاء وسالم والقاسم والقول الثانى لابن عباس وأحد قولى مجاهد. 3 - ذهب مجاهد فى القول الثانى له إلى أنه إذا كان عامدا لقتله ناسيا لإحرامه فعليه الجزاء وإذا كان ذاكرا لإحرامه عامدا لقتله فلا جزاء عليه وفى بعض الروايات عنه أنه فسد حجه وعليه الهدى «1». وقد رجح الجصاص القول الأول لأنه قد ثبت أن جنايات الإحرام لا يختلف فيها المعذور وغير المعذور فى باب وجوب الفدية فقد عذر الله تعالى المريض ومن به أذى من رأسه ولم يخلهما من إيجاب الكفارة فكون الخطأ عذرا لم يكن مسقطا للجزاء «2».

_ (1) ابن العربى 2/ 178، والجصاص 2/ 659 - 660. (2) الجصاص 2/ 660.

8 - حكم الخوض فى المتشابه من الآى

8 - حكم الخوض فى المتشابه من الآى يقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: 7]. قيل إن هذه الآية نزلت فى الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمر عيسى وقيل فى أمر مدة هذه الأمة «1». وقد رجح الطبرى السبب الثانى لأن أمر عيسى عليه السلام قد بينه الله لنبيه فهو معلوم لأمته بخلاف أمر هذه الأمة فإن علمه خفى عن العباد «2». واختلف العلماء فى المحكمات والمتشابهات على أقوال عدة نحو العشرة «3» نذكر منها ما يلى: 1 - قال جابر بن عبد الله وبه قال الشعبى والثورى: المحكمات من آى القرآن ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه وذلك مثل قيام الساعة وخروج يأجوج ومأجوج والدجال وعيسى. وهذا ما رجحه القرطبى وابن حجر والمتقدمين «4». 2 - قال أبو عثمان: المحكم فاتحة الكتاب التى لا تجزئ الصلاة إلا بها. 3 - قال محمد بن الفضل: سورة الإخلاص لأنه ليس فيها إلا التوحيد فقط.

_ (1) البحر المحيط 2/ 384، فتح البارى 8/ 58 (65) كتاب التفسير، القرطبى 4/ 10 وما بعدها، تفسير الطبرى 2/ 265، طبعة دار الغد العربى، الجصاص 2/ 10. (2) تفسير الطبرى 2/ 265، القرطبى 4/ 10، الكشاف 1/ 338. (3) فتح البارى 8/ 58. (4) القرطبى 4/ 8 فتح البارى 8/ 58.

الفريق الأول

4 - وقد قيل: القرآن كله محكم لقوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [هود: 1]. وقيل كل متشابه. لقوله تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً [الزمر: 23]. وقد رد القرطبى هذين القولين بقوله (وليس هذا من معنى الآية فى شىء. فإن قوله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ أى فى النظم والوصف وأنه حق من عند الله. ومعنى كِتاباً مُتَشابِهاً أى يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا. وليس المراد بقوله آياتٌ مُحْكَماتٌ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ هذا المعنى وإنما التشابه فى هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه من قوله: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا [البقرة: 70]. أى التبس علينا أن يحتمل أنواعا كثيرة غير البقر، والمراد بالمحكم ما فى مقابلة هذا وهو ما لا التباس فيه ولا يحتمل إلا وجها واحدا «1»). وقد اختلف العلماء فى استنباط حكم الخوض فى تفسير المتشابه من الآيات إلى فريقين وسبب الخلاف يرجع إلى الوقف الوارد فى الآية فقد روى ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم وقف على قوله إِلَّا اللَّهُ ثم استأنف وَالرَّاسِخُونَ. وعلى هذا الوقف قوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ابتداء كلام مقطوع عما قبله وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وغيرهم وهو مذهب الكسائى والأخفش والفراء وأبى عبيد وغيرهم «2». لذلك يقول الجصاص: فمن قال بالقول الأول- يعنى الوصل- جعل الراسخين فى العلم عالمين ببعض المتشابه وغير عالمين بجميعه «3». [الفريق الأول] قال ابن نهيك الأسدي: إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة. وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قوله آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وبه قال عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس «4» وهذا هو الفريق الأول. وقد رجح أبو حيان هذا الرأى حيث ذكر إن الدليل إذا دل على غير الظاهر علم أن المراد بعض المجازات وليس الترجيح لبعض إلا بالأدلة وقد رجح هذا الرأى أيضا بعض العلماء بأن الظن لا يكفى فى القطعيات ولأن ما قبل الآية يدل على ذم طلب المشابهة، ولو كان جائزا لما ذم بأن طلب وقت الساعة تخصيص بعض المتشابهات وهو ترك للظاهر، ولا

_ (1) القرطبى 4/ 10، الجصاص 2/ 6. (2) فتح البارى 8/ 58، القرطبى 4/ 12، البحر المحيط 2/ 384، المكتفى ص 195. (3) الجصاص 2/ 6. (4) القرطبى 4/ 12، فتح القدير للشوكانى 1/ 476.

الفريق الثانى

يجوز أيضا لأنه مدح الراسخين فى العلم بأنهم قالوا آمنا به، ولو كانوا عالمين بتأويل المتشابه على التفصيل لما كان فى الإيمان به مدح لأن من علم شيئا على التفصيل لا بدّ أن يؤمن به، وإنما الراسخون يعلمون بالدليل العقلى أن المراد غير الظاهر ويفوضون تعيين المراد إلى علمه تعالى، وقطعوا أنه الحق ولم يحملهم عدم التعيين على ترك الإيمان «1». وقد بين ابن قدامة أن فى الآية إشارات تدل على أن الواو استئنافية لا عاطفة فقال فى روضة الناظر: فى الآية قرائن تدل على أن الله سبحانه منفرد بعلم تأويل المتشابه وأن الوقف الصحيح عند قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ لفظا ومعنى. أما اللفظ فلأنه لو أراد عطف الراسخين لقال: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ بالواو، وأما المعنى فلأنه ذم مبتغى التأويل ولو كان ذلك للراسخين معلوما لكان مبتغيه ممدوحا لا مذموما. ولأن قوله: آمَنَّا بِهِ يدل على نوع تفويض وتسليم لشىء لم يقفوا على معناه لا سيما إذا اتبعوه بقوله: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فذكرهم ربهم هاهنا يعطى الثقة به والتسليم لأمره وأنه صدر منه وجاء من عنده كما جاء من عنده المحكم. ولأن لفظة (أما) لتفصيل الجمل، فذكره لها فى الذين فى قلوبهم زيغ مع وصف إياهم بابتغاء المتشابه وابتغاء تأويله يدل على قسم آخر يخالفهم فى هذه الصفة وهم: وَالرَّاسِخُونَ ولو كانوا يعلمون تأويله لم يخالفوا القسم الأول فى ابتغاء التأويل «2». ويؤيد هذا الرأى القائل بوجوب الوقف والبدء بقوله وَالرَّاسِخُونَ التحذير الوارد فى الحديث بعد ما تلا رسول الله هذه الآية فقال: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم «3». وبناء على هذا الوقف يكون وَالرَّاسِخُونَ مبتدأ (يقولون) خبرها. الفريق الثانى: أما الذى وصل الآية بعضها ببعض هو قول مجاهد ورواية ثانية عن ابن عباس «4» واحتج

_ (1) البحر المحيط 2/ 384، والفخر الرازى 1/ 52. (2) روضة الناظر ص 65. (3) خ (8/ 57) (65) كتاب التفسير (1) باب منه آيات محكمات، رواه الطبرى بسنده 3/ 265. (4) البحر المحيط 2/ 384، فتح البارى 8/ 58 القرطبى 4/ 12 - 13.

لهم بعض أهل اللغة فقال: معناه والراسخون فى العلم يعلمونه قائلين آمنا، وزعم أن موضع (يقولون) نصب على الحال وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا ولا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل فإذا لم يظهر فعل فلا يكون حال، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال: عبد الله راكبا، بمعنى أقبل عبد الله راكبا، وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله عبد الله يتكلم يصلح بين الناس فكان «يصلح: حالا له «1»، وقد رجح هذا الرأى الزمخشرى حيث يقول فى قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ أى لا يهتدى إلى تأويله الحق الذى يجب أن يحمل عليه إلا الله وعباده الذين رسخوا فى العلم أى ثبتوا فيه وتمكنوا وعضوا فيه بضرس قاطع، ومنهم من يقف على قوله إِلَّا اللَّهُ ويبتدئ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ويفسرون المتشابه بما استأثر الله بعلمه وبمعرفة الحكمة فيه من آيات كعدد الزبانية ونحوه والأول هو الوجه «2». وقد أيده الجصاص الحنفى فى أن قوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ غير مناف لوقوع العلم ببعض المتشابه فمما لا يجوز وقوع علم لنا به وقت الساعة «3». بل يؤكد الجصاص جواز اشتراك العلماء فى معرفة بعض المتشابه فيقول: ومن الناس من يظن أنه لا يجوز إلا أن يكون منتهى الكلام وتمامه عن قوله تعالى إِلَّا اللَّهُ وأن (الواو) للاستقبال دون الجمع لأنها لو كانت للجمع لقال: ويقولون آمنا به ويستأنف ذكر الواو لاستئناف الخبر، وقال من ذهب إلى القول الأول: هذا سائغ فى اللغة وقد وجد مثله فى القرآن وهو قوله تعالى فى بيان قسم الفيء: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [الحشر: 7] إلى قوله: شَدِيدُ الْعِقابِ ثم تلا بالتفصيل وتسمية من يستحق هذا الفيء فقال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ. ومن جهة أخرى أن (الواو) لما كانت حقيقتها الجمع فالواجب حملها على حقيقتها ومقتضاها ولا يجوز حملها على الابتداء إلا بدلالة ولا دلالة معنا توجب صرفها عن الحقيقة. فوجب استعمالها على الجمع «4». وأجيب على هذا الرأى أيضا بأنه لا يجوز أن ينفى الله سبحانه شيئا عن الخلق وثبته

_ (1) القرطبى 4/ 12. (2) الكشاف 1/ 338. (3) الجصاص 2/ 8. (4) أحكام الجصاص 2/ 9.

تعقيب

لنفسه. ثم يكون له فى ذلك شريك ألا ترى قوله عز وجل: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65]. وقوله: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [الأعراف: 187]. ولو كانت الواو فى قوله وَالرَّاسِخُونَ للنسق لم يكن قوله كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فائدة «1». كما أن هناك قراءة لابن عباس أنه كان يقرأ: [وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون فى العلم آمنا به] «2». فهذه القراءة تدل على أن الواو للاستئناف وليست للنسق كما ذهب مجاهد، ولعل هذه القراءة تضعيف نسبه قول ابن عباس الثانى بجواز معرفة المتشابه إليه. ويقول ابن حجر معلقا على هذه القراءة: وإن لم تثبت بها القراءة لكن أقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه فى ذلك على من دونه ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متبعى التشابه لوصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة وحكى الفراء أن فى قراءة أبى بن كعب مثل ذلك «3». وتزيد قراءة ابن مسعود الشاذة وجوب الوقف على قوله إِلَّا اللَّهُ لأنها مفسرة للمعنى حيث قرأ: إن تأويله إلا عند الله والراسخون فى العلم يقولون «4». تعقيب: بعد هذا العرض يتبين لنا صحة قول الجمهور بوجوب الوقف على قوله إِلَّا اللَّهُ والاستئناف بقوله وَالرَّاسِخُونَ والواو هنا ليست للعطف ومما يؤيد أن الواو للاستئناف لا العطف: أن المولى تبارك وتعالى إذا نفى عن الخلق شىء وأثبته لنفسه فلا يثبت له فى هذا الإثبات شريك كقوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65]. وقوله: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [الأعراف: 187]. وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فتمشيا مع هذا النسق القرآنى أن يكون: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ معناه: أنه لا يعمله إلا هو وحده. فهنا نرى أن الوقف أثر فى عدم خوض العلماء فى كل المتشابه من القرآن لأن الله اختص به لنفسه وإلا لما كان هناك فائدة من

_ (1) القرطبى 4/ 13. (2) البحر المحيط 2/ 384، فتح البارى 8/ 58. (3) فتح البارى 8/ 58. (4) البحر المحيط 2/ 384، المكتفى ص 195.

فائدة: فى حكم من يخوض فى المتشابه

قوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ بعد قوله وَالرَّاسِخُونَ وما كان لمدح الراسخين فائدة إذا كان إيمانهم بالمتشابه نتيجة لعلمهم بتفسيره وهذا لا ينافى المتشابه الذى يمكن أن يحمل على المحكم وحمله على معناه دون حمله على ما يخالفه. فائدة: فى حكم من يخوض فى المتشابه: متبعو المتشابه لا يخلون من ثلاث: الأول: أن يتبعوه ويجمعوه طلبا للتشكيك فى القرآن وإضلال العوام كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون فى القرآن. حكمهم: لا شك فى كفرهم، وإن حكم الله فيهم القتل من غير استتابه. الثانى: أن يتبعوه طلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما فى الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وإصبع تعالى الله عن ذلك. حكمهم: الصحيح القول بتكفيرهم. إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور ويستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بمن ارتد. الثالث: أن يتبعوه على وجه إبداء تأويلاتها وإيضاح معانيها. حكمهم: اختلف العلماء فى جواز ذلك بناء على الخلاف فى جواز تأويلها، وقد عرف أن مذهب السلف ترك التعرض لتأويلها مع قطعهم باستحالة ظواهرها فيقولون أمروها كما جاءت. وذهب بعضهم إلى إبداء تأويلاتها وحملها على ما يصح حمله فى اللسان عليها من غير قطع بتعيين مجمل منها. الرابع: كما فعل صبيغ حين أكثر على عمر فى السؤال. فقد كان الأئمة يعاقبون من يسأل عن تفسير الحروف المشكلات فى القرآن لأن السائل إن كان يبغى بسؤاله تخليد البدعة وإثارة الفتنة فهو حقيق بالنكير وأعظم للتعزير. وإن لم يكن ذلك مقصده فقد استحق العتب بما اجترم من الذنب، إذا أوجد للمنافقين الملحدين فى ذلك الوقت سبيلا إلى أن يقصدوا ضعفه المسلمين بالتشكيك والتضليل فى تحريف القرآن عن مناهج التنزيل وحقائق التأويل ومن هذا النوع ما روى عن صبيغ بن عسل عند ما قدم المدينة

فجعل يسأل عن متشابه القرآن فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل، فلما حضر قال له عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيع، فقال عمر رضى الله عنه: وأنا عبد الله عمر، ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه. فقال: حسبك يا أمير المؤمنين! فقد والله ذهب ما كنت أجد فى رأسى. ثم إن الله تعالى ألهمه التوبة وقذفها فى قلبه فتاب وحسنت توبته «1».

_ (1) القرطبى 4/ 11.

9 - التسمية عند الذبح

9 - التسمية عند الذبح قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121]. اختلف الفقهاء فى حكم ترك التسمية عند الذبح: 1 - فذهب الشافعية والحسن البصرى إلى أن التسمية مستحبة ومن تركها عامدا أو ناسيا فلا شىء عليه «1» وهى رواية عن الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد وهو قول عطاء وابن عباس وأبى هريرة «2» وروى عن الشافعى أنه يكره فى التارك عمدا «3». 2 - وذهب أبو حنيفة وأصبغ والرواية الثانية للإمام مالك والرواية الثانية للإمام أحمد وقول ابن سيرين وبه قال ابن القاسم حيث قالوا: «التسمية واجبة فمن تركها عمدا لم تؤكل ومن تركها سهوا أكلت «4» غير أن أحمد وابن سيرين ذهبا إلى أن تارك التسمية ناسيا يحرم أكلها» «5». وقد ذكر ابن العربى أن العلماء اختلفوا فى متروك التسمية على ستة أقوال «6» ولكن هذه الأقوال الستة ترد جميعها إلى القولين المذكورين.

_ (1) فتح القدير للشوكانى 1/ 224، أحكام ابن العربى 2/ 272، الجصاص 3/ 10، تفسير أبى السعود 2/ 180. (2) فتح القدير للشوكانى 1/ 224. (3) المرجع السابق. (4) أحكام ابن العربى 2/ 272 وقد رد ابن العربى قول من قال بأن النهى يحمل على الكراهة بقوله: وقوله وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. نهى محمول على التحريم ولا يجوز حمله على الكراهة لتناوله فى بعض مقتضياته الحرام المحض ولا يجوز أن يتبعض وهذا من نفيس علم الأصول. (5) المراجع السابقة. (6) أحكام ابن العربى 2/ 272 والأقوال الستة هى: 1 - إن تركها سهوا أكلت وإن تركها عمدا لم تؤكل وبه قال أبو حنيفة ومالك وآخرون. 2 - إن تركها عامدا أو ناسيا حرم أكلها قاله ابن سيرين وأحمد. 3 - إن تركها عامدا أو ناسيا تؤكل قاله الحسن والشافعى.

أدلة القائلين بجواز الترك

وقد لعب الوقف على قوله (عليه) والبدء (وإنه لفسق) دورا بارزا فى ترجيح مذهب على آخر كما سنرى عند ذكر أدلة كل فريق. [أدلة القائلين بجواز الترك] أدلة القائلين بجواز الترك وهم الشافعية ومن وافقهم. فقد استدلوا على أن متروك التسمية عامدا أو ناسيا يؤكل لحمه بأدلة من الكتاب والسنة. أولا: الكتاب: 1 - يقول تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ بأن الكلام متصل والواو فى قوله (وإنه لفسق) للحال: والجملة فى محل نصب حال، والمعنى لا تأكلوا من الذى لم يذكر اسم الله عليه والحال أنه لفسق، والحال مقيدة لعاملها ومن ثم جاء النهى عن الأكل مقيدا بحالة الفسق للمأكول والفسق إنما يكون بذكر غير الله عليه كقوله تعالى: أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام: 145]. 2 - قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وجه الاستدلال أن الترك لا يكون فسقا بل الفسق الذبح لغير الله. 3 - أن سبب نزول الآية جاء فى ذكر ذبائح المشركين «1». ثانيا: السنة: 1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر «2». 2 - عن عائشة قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحمان لا ندرى أذكرا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا «3». 4 - إن تركها متعمدا كره أكلها ولم تحرم، قاله القاضى أبو الحسن والشيخ أبو بكر من أصحابنا وهو ظاهر قول الشافعى. 5 - قال أحمد بن حنبل: التسمية شرط فى إرسال الكلب دون السهم فى إحدى روايتيه. 6 - قاله القاضى أبو بكر يجب أن تعلق هذه الأحكام بالقرآن والسنة والدلائل المعنوية التى أسستها الشريعة.

_ (1) المراجع السابقة. (2) رواه ابن حجر فى الفتح وقال فيه الصلت يقال له السدوس ذكره ابن حيان فى الثقات وهو مرسل جيد، 9/ 552. الحديث مرسل وضعفه الألبانى فى ضعيف الجامع حديث (3039). (3) خ (9/ 550) (72) كتاب الذبائح والصيد (21) باب ذبيحة الأعراب ونحوهم من طريق محمد بن عبد الله عن أسامة بن حفص عن هشام بن عروة عن أبيه فذكره.

الرد عليهم

الرد عليهم: أما قولهم بأن الكلام متصل لا وقف فيه فهذا غير مسلم به لأنه يجوز الوقف على قوله (عليه) والبدء بقوله (وإنه لفسق) والمعنى على ذلك يكون بالنهى عن الأكل مطلقا عن متروك التسمية. وأما تخصيصهم للآية بأنه للمذبوح وذكر اسم غير الله فهو تخصيص بغير مخصص فلو قالوا بأنه مخصص بحديث (ذبيحة المسلم) قلنا بأن الحديث مرسل وليس فى المرسل ما يصلح لتخصيص الآية. وأما استدلالهم بقوله (وإنه لفسق) أن الترك لا يكون فسقا، بل الفسق الذبح لغير الله فإن ظاهر قوله (وإنه لفسق) عائد على الجميع من المسلمين وغيرهم وقيام الدلالة على خصوص بعضهم غير مانع بقاء حكم الآية فى إيجاب التسمية على المسلم فى الذبيحة «1». أما ذكرهم لسبب نزول الآية وأنه خاص بذبائح المشركين فإن اللفظ الوارد على السبب لا نخرج السبب عنه بل نقره فيه ونعطف به عليه ولا يمتنع أن يضاف غيره إليه إذا احتمله اللفظ أو قام عليه الدليل فقوله وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ظاهر فى تناول الميتة بعموم اللفظ وكونها سببا لوروده ويدخل فيه ما ذكر اسم الله عليه اسم غير الله من الآلهة المبطلة «2». وفى ذلك يقول الجصاص: نزول الآية على سبب لا يوجب الاقتصار بحكمها عليه بل الحكم للعموم إذا كان أعم من السبب فلو كان المراد ذبائح المشركين لذكرها ولم يقتصر على ذكر ترك التسمية، وقد علمنا أن المشكرين وإن سموا على ذبائحهم لم تؤكل مثل ذلك على أنه لم يرد ذبائح المشركين إذا كانت ذبائحهم غير مأكولة سموا الله عليها أو لم يسموا، وقد نص الله تعالى على تحريم ذبائح المشركين فى غير هذه الآية وهو قوله تعالى: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ «3». أدلة القائلين بالمنع: وهم الحنفية ومن وافقهم: فقد استدلوا على أن متروك التسمية عامدا لا يؤكل لحمه بأدلة من الكتاب والسنة.

_ (1) فتح القدير للشوكانى 1/ 225، أحكام ابن العربى 2/ 273، الجصاص 3/ 10. (2) ابن العربى 2/ 270، الجصاص 3/ 11. (3) الجصاص 3/ 11.

أولا: الكتاب

أولا: الكتاب: 1 - قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121] حيث إنه يجوز الوقف على قوله (عليه) والمعنى على ذلك يكون بالنهى عن الأكل مطلقا عن متروك التسمية والبدء بقوله (وإنه لفسق) للتعليل على النهى السابق عن أكل متروك التسمية «1». ثانيا: السنة: 1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل» «2». قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل» «3». 2 - وقال أيضا: «وإن وجدت مع كلبك كلبا آخر فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر» «4». أما الذين أخرجوا الناسى عن تحريم ذبيحته فقد استدلوا بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [البقرة: 286]. وفى الحديث: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان ... » «5». وحديث: «المسلم إن نسى أن يسمى حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله» «6». لذلك يقول ابن العربى: وأما الناسى للتسمية على الذبيحة فإنها لم تحرم عليه لأن الله تعالى قال: (وإنه لفسق) وليس الناسى فاسقا بإجماع فلا تحرم عليه، والذى نعتمد عليه فى صورة الناسى أن الخطاب لا يتوجه إليه لاستحالة خطاب الناسى فالشرط ليس بواجب عليه» «7».

_ (1) بدائع الصنائع 5/ 46، تفسير أبى السعود 3/ 18. (2) خ (72) كتاب الذبائح والصيد (18) باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد فذكره عن عباية وابن رفاعة عن جده فذكره فى حديث أطول من هذا، مسند أحمد 3/ 464. (3) م (7/ 83) كتاب الصيد والذبائح (1) باب الصيد بالكلاب المعلمة، فذكره فى حديث أطول من هذا بسنده من طريق عدى بن حاتم، السنن الكبرى للبيهقى 9/ 235، نصب الراية 4/ 312، 316. (4) خ (9/ 527) (72) كتاب الذبائح والصيد (9) باب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر. فذكره بلفظ مقارب بسنده من حديث عدى بن ثابت، أحمد فى مسنده 4/ 256. (5) جه (2/ 224) (10) كتاب الطلاق (16) باب طلاق المكره والناسى فذكره بسنده من طريق ابن عباس، قال البوصيرى فى الزوائد: إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع والظاهر أنه منقطع. (6) ابن كثير 2/ 170، فتح القدير للشوكانى 1/ 225، قال الشوكانى: هذا الحديث رفعه خطأ وإنما قول ابن عباس. (7) أحكام ابن العربى 2/ 274.

تعقيب وترجيح

تعقيب وترجيح: هكذا استدل كل فريق على دعواه بيد أننا إذا أمعنا النظر فى هذه الأدلة نلاحظ أن أدلة الشافعية ومن وافقهم ضعيفة لذا أمكن الرد عليها. أما أدلة الحنفية ومن وافقهم فى أن متروك التسمية إن كان عامدا فيحرم ذبحه فهى أدلة ظاهرة غالبة عالية كما أن استدلال الحنفية بالوقف رجح رأيهم وخاصة أن الاستئناف بالواو جائز من الوجهة النحوية وأن الجملة مؤكدة بالحرف الناسخ واللام المؤكدة الداخلة على الخبر «1» وقد ذكر أبو السعود أن الجمل تحتمل الاستئناف والحال وخاصة أن تارك التسمية عامدا عاص لله عز وجل بالإجماع فهو بخلاف الناسى لأن القلم قد رفع عنه «2».

_ (1) التأثير النحوى للقراءات فى الأحكام الفقهية ص 252. (2) تفسير أبى السعود 3/ 180.

10 - شهادة المحدود فى القذف

10 - شهادة المحدود فى القذف يقول تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 4، 5]. هاتان الآيتان تتحدثان عن أن القاذف إذا لم يأت بأربعة شهداء على ما قذفه به فإن جزاؤه ثلاثة أحكام أحدها: جلد ثمانين الثانى: بطلان الشهادة والثالث: الحكم بتفسيقه إلى أن يتوب فإن عجز عن الإتيان بالشهداء فقد أجمع الفقهاء على وجوب إقامة الحد عليه على خلاف بينهم فى حالة عفو المقذوف على اعتبار أن حد القذف هل حق لله أم للمقذوف؟ «1». كما أن الفقهاء قد اختلفوا فى لزومه للأحكام قبل إقامة الحد على النحو التالى: 1 - قال الليث بن سعد والشافعى: قد بطلت شهادته ولزمته سمة الفسق قبل إقامة الحد عليه. 2 - قال أبو حنيفة وصاحباه وزفر ومالك: شهادته مقبولة ما لم يحد وهذا يقتضى من قولهم أنه غير موسوم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد لأنه لو لزمته سمة الفسق لما جازت شهادته إذا كانت سمة الفسق مبطلة لشهادة من وسم بها إذا كان فسقه من طريق الفعل لا من جهة التدين والاعتقاد «2».

_ (1) اختلف الفقهاء فى هذا وإليك بيان ذلك: 1 - فقد ذهب أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعى والشافعى إلى أنه لا يحد إلا بمطالبة المقذوف لأنه حق له. 2 - قال ابن أبى ليلى: يحده الإمام وإن لم يطلب المقذوف لأنه حق لله. 3 - قال مالك: لا يحده الإمام حتى يطلب المقذوف إلا أن يكون الإمام سمعه يقذف فيحده إذا كان مع الإمام شهود عدول. الجصاص 3/ 399. (2) الجصاص 3/ 399.

الفريق الأول

ولكن يا ترى ما موقف الفقهاء من قبول شهادة المقذوف بعد إقامة الحد عليه وظهور توبته؟ فى الحقيقة اختلف الفقهاء فى ذلك وسبب الخلاف يرجع إلى أن فى الآية ثلاث جمل متعاقبة أعقبها استثناء وقد اتفق العلماء على أن الاستثناء لا يرجع إلى الجملة الأولى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً لأن حد القذف لا يسقط بالتوبة ولكن منهم من قال أن الاستثناء يرجع إلى الجملتين المتبقيتين وهما الخاصتان بقبول الشهادة ورفع الفسق وأما الفريق الثانى فقال بأن الاستثناء لا يعود إلا إلى الجملة الأخيرة الخاصة برفع الفسق أما قبول الشهادة فلا وقد استدلوا بوقف فى الآية كان له أكبر الأثر فى التمسك بمذهبهم وإليك بيان رأى كل فريق وأدلته. الفريق الأول: قال الحنفية والثورى والحسن بن صالح: لا تقبل شهادته إذا تاب وتقبل شهادة المحدود من غير القذف إذا تاب «1». وقد استدل هؤلاء بأدلة من الكتاب والسنة والمعقول منها: أولا: الكتاب: 1 - قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ... فقالوا بأن هذه الآية وقف على قوله تعالى: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً واستئناف بقوله: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فالاستثناء يعود على الجملة الأخيرة وهى نفى الفسق. يقول الجصاص: (الواو) قد تكون للجمع على ما ذكرت وقد تكون للاستئناف وهى فى قوله: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ للاستئناف لأنها إنما تكون للجمع فيما لا يختلف معناه وينتظمه لهذه الأوامر وأما آية القذف فإن ابتدائها أمر وآخرها خبر، ولا يجوز أن ينتظمها جملة واحدة، فلذلك كانت (الواو) للاستئناف إذ غير جائز دخول معنى الخبر فى لفظ الأمر «2».

_ (1) أحكام الجصاص 3/ 407، البحر المحيط 6/ 432 - 433، أصول السرخسى 1/ 270، المغنى 9/ 615، تفسير أبى السعود 6/ 158. (2) الجصاص 3/ 407.

أدلة السنة

وقد أكد السرخسى جعل (الواو) للاستئناف بقوله: الشافعى يجعل هذه الواو للعطف والواو التى فى قوله وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ للنظم حتى يكون الاستثناء منصرفا إليهما دون الجلد فلا يسقط الجلد بالتوبة والصحيح ما قلناه فإنه من حيث الصيغة معنى العطف يتحقق فى قوله تعالى وَلا تَقْبَلُوا ولا يتحقق فى قوله تعالى وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ لأن قول القائل: اجلس ولا تتكلم يكون عطفا صحيحا، فكذلك قوله تعالى فَاجْلِدُوا، وَلا تَقْبَلُوا لأن كل واحد منهما خطاب للأمة فأما قوله تعالى وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ليس بخطاب للأمة، ولكن إخبار عن وصف القاذفين فلا يصلح معطوفا على ما هو خطاب فجعلناه للنظم «1». وواو النظم عند السرخسى يعنى بها (واو) الاستئناف فهى تدخل بين جملتين كل واحدة منهما تامة بنفسها مستغنية عن خبر الأخرى «2». أدلة السنة: 1 - قال صلى الله عليه وسلم: المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا فى قذف «3». قال الجصاص: ولم يستثن وجوب التوبة منه «4». 2 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود فى الإسلام «5». قال الجصاص: فالحديث ظاهر فى إبطال جميع المحدودين إلا أن الأدلة قد قامت على جواز قبول شهادة المحدود فى غير القذف إذا تاب مما حد فيه ولم تقم الدلالة على المحدود فى القذف فهو على عموم لفظة تاب أو لم يتب «6». المعقول: 1 - جملة وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ جملة خبرية والاستثناء داخل عليها فوجب أن

_ (1) السرخسى فى أصوله 1/ 275. (2) هق: 1/ 197، والمصنف لابن أبى شبية 6/ 172. (3) الجصاص 3/ 411. (4) جه (2/ 342) (13) كتاب الأحكام (30) باب من لا تجوز شهادته فذكره بسنده من طريق عمر بن شعيب عن أبيه. قال البوصيرى فى الزوائد: فى إسناده حجاج بن أرطأة وكان يدلس وقد رواه بالعنعنة. (5) الجصاص 3/ 411. (6) الجصاص 3/ 411.

الفريق الثانى

يكون موقوفا عليها دون غيرها لأن الجملتين السابقتين أمر وهما قوله تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً إذ غير جائز أن ينتظم لفظ واحد الأمر والخبر ألا ترى أنه لا يصح جمعهما فى كناية واحدة ولا فى لفظ واحد؟ ومثاله فى اللغة لو قلنا: أعط زيدا درهما ولا تدخل الدار وفلان خارج إن شاء الله. إن مفهوم هذا الكلام رجوع الاستثناء إلى الخروج دون ما تقدم من ذكر الأمر كذلك يجب أن يكون حكم الاستثناء فى الآية لا فرق بينهما. ويدل عليه أيضا أن قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فى معنى الاستثناء وهو راجع إلى الربائب دون أمهات النساء لأنه يليهن. 2 - اتفق العلماء على أن التوبة لا تسقط الحد ولم يرجع الاستثناء إليه فوجب أن يكون بطلان الشهادة مثله لأنهما جميعا أمران قد تعلقا بالقذف فمن حيث لم يرجع الاستثناء إلى الحد وجب أن لا يرجع إلى الشهادة وأما التفسيق فهو خبر ليس بأمر فلا يلزم «1». 3 - أن الاستثناء إذا تعقب جملا يصلح أن يتخصص كل واحد منها بالاستثناء أن يجعل تخصيصا فى الجملة الأخيرة «2». الفريق الثانى: وهو قول المالكية والشافعية وعثمان البتى والليث حيث قالوا بأن المحدود فى القذف تقبل شهادته بعد التوبة واستدلوا على ذلك بأدلة وبيانها كالتالى «3»: (أ) الكتاب: 1 - قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إلى قوله: وَلا تَقْبَلُوا فالآية متصلة ليس بها وقف لأن (الواو) للعطف ومعناها الجمع فيكون المعنى: ولا تقبلوا لهم شهادتهم وفسوقهم فلما جاء الاستثناء بعدهما كان مسلطا عليهما. لذلك يقول الشافعى: من قذف مسلما حددناه أو لم نحده لم تقبل شهادته حتى يتوب فإن تاب قبلنا شهادته «4».

_ (1) الجصاص 3/ 409. (2) البحر المحيط 6/ 432 وما بعدها. (3) المغنى 9/ 615، أحكام الجصاص 3/ 407، البحر المحيط 6/ 432. (4) أحكام القرآن للشافعى 2/ 135.

(ب) السنة

(ب) السنة: 1 - روى أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا بقذف المغيرة ابن شعبة ثم استتابهم وقال من تاب قبلت شهادته «1». 2 - أن الاستثناء الوارد فى آية المحارب: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ بعد قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ [المائدة: 33] فالاستثناء راجع إلى جميع المذكورين بالاتفاق لكونه معطوفا بعضه على بعض. تعقيب: بعد عرض أدلة كل فريق تبين لنا ما يلى: 1 - أن كل فريق استدل بالآية على صحة ما يقول حيث ذهب الجمهور إلى أنه لا يوجد وقف بالآية وبالتالى يعود الاستثناء على الجميع أما الحنفية فقالوا بأن الوقف الوارد بالآية أثر على عدم رجوع الاستثناء إلا على الفسق لأنه كلام مستأنف مكتفى بذاته. 2 - أن (الواو) الداخلة على قوله تعالى: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً هل هى عاطفة أم استئنافية فمن جعلها عاطفة قال بعدم الوقف ومن قال بأنها استئنافية جعل للوقف منها تأثيرا فقهيا. 3 - أن كل مذهب تمسك بالقاعدة النحوية الخاصة بعودة الاستثناء على ما قبله هل يعود على جميع الجمل التى قبله أم على الجملة التى تسبقه مباشرة وهذه النقطة خلافية أيضا بين النحاة غير أن الرأى الراجح عندهم أن الاستثناء يعود إلى جميع الجمل المتقدمة إلا ما قام الدليل على عدم شموله. ترجيح: الرأى الراجح فى هذه المسألة هو أن الاستثناء يعود على جميع الجمل التى تسبقه ترجيحا للقاعدة النحوية كما أن الأثر الوارد عن سيدنا عمر الذى استدل به الجمهور رواه البخارى مما يجعلنا نطمئن إلى هذا الرأى وخاصة أن القول بخلافه وهى عدم قبول شهادة

_ (1) خ (5/ 310) (52) كتاب الشهادات (8) باب شهادة القاذف والسارق والزانى فذكره.

المحدود فى القذف بعد التوبة قد يؤدى إلى مساعدة الشيطان على أخينا مما يلحقه هذا الأمر- رد شهادته- إلى أثر معنوى فى فقد عنصر الإرادة والعودة مرة أخرى إلى المجتمع الإسلامى. وفى الختام بقى أن أشير إلى شيئين: أولهما: أن الأوزاعى ذهب إلى أنه لا تقبل شهادة محدود فى الإسلام «1». ثانيهما: أن ابن عباس روى عنه عند تفسيره لهذه الآية رأيان يخالف بعضهما بعضا: أولهما: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فتاب عليهم من الفسق وأما الشهادة فلا تجوز. ثانيهما: فمن تاب وأصلح فشهادته فى كتاب الله مقبولة. وقد وفق الجصاص بين الروايتين بقوله: ويحتمل أن لا يكون ذلك مخالفا لما روى عنه فى الحديث الأول بأن يكون أراد به شهادته مقبولة إذا لم يجلد وتاب والأول على أنه جلد فلا تقبل شهادته وإن تاب «2».

_ (1) أحكام الجصاص 3/ 402. (2) المرجع السابق.

الخاتمة وفى هذه الخاتمة أود أن أذكر أهم النتائج التى توصلت إليها وهى: 1 - أوضحت الدراسة أن الوقف كان له دور بارز فى الفقه الإسلامى. 2 - كشفت الدراسة عن أن الحنفية من أكثر المذاهب استدلالا بالوقف فى ترجيح مذهبهم. 3 - رجحت الدراسة أن الوقف غير توفيقى إلا فيما ورد فيه حديث صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم فيكون الوقف فى هذه الحالة توفيقى. 4 - ورود الوقف فى قراءة شاذة كما ورد فى فرضية العمرة لا يقوى فى الترجيح أمام القراءة الصحيحة. 5 - أضاف الوقف حكما فقهيا جديدا كما حدث فى آية وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ حيث جعل العمرة لله وليست للأصنام، وآية وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ أى رفع الجدال فى ميقات الحج المكانى والزمانى. 6 - كان للوقف دور بارز فى تحريم أم الزوجة بمجرد العقد على بنتها ولا تحرم البنت إلا بالدخول. 7 - كان للوقف دور بارز فى جعل الحكم الوارد فى آية وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ يفيد الأمر ويجب اتباعه بدلا من إفادته الإخبار عن شرع من قبلنا. 8 - كان للوقف دور بارز فى إظهار جواز القيمة فيمن قتل صيدا وهو محرم. 9 - كان للوقف دور بارز فى وجوب التسمية عند الذبح وإلا حرم أكل ذبيحته بخلاف ذبيحة الناسى يجوز أكلها. 10 - أثبتت الدراسة قبول شهادة المقذوف إذا حد وتاب وذلك للمصلحة حتى لا يترك الفرد فريسة لوساوس الشيطان.

الخاتمة

المصادر والمراجع أولا: التفسير وعلوم القرآن: 1 - الاتقان فى علوم القرآن: جلال الدين السيوطى، دار الندوة الجديدة- بيروت. 2 - الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها: حسن ضياء الدين عتر- دار البشائر الإسلامية- الطبعة الأولى سنة 1409 هـ. 3 - أحكام القرآن للجصاص (ت: 270 هـ): لأبى بكر أحمد الرازى الجصاص مراجعة صدقى محمد جميل- دار الفكر- بيروت سنة 1993 م. 4 - أحكام القرآن للشافعى: جمعه النيسابورى، دار الكتب العلمية، 1980. 5 - أحكام القرآن لابن العربى (ت: 543 هـ): لأبى بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربى- عليه تعليق محمد عبد القادر عطا- دار الفكر- بيروت. 6 - الإرشادات الجليلة فى القراءات السبع عن طريق الشاطبية: د. محمد سالم محيسن- مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة. 7 - إعراب القراءات السبع وعللها: لأبى عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت. 370 هـ) مكتبة الخانجى- القاهرة- الطبعة الأولى سنة 1992 م. 8 - البحر المحيط: لمحمد بن يوسف الشهير بأبى حيان الأندلسى (ت 754 هـ) دار الفكر- بيروت- الطبعة الثانية سنة 1983 م. 9 - تأويل مشكل القرآن: لأبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المروزي الدينورى (ت 276 هـ) شرحه السيد أحمد صقر- المكتبة العلمية- بيروت الطبعة الثالثة سنة 1981 م. 10 - تحبير التيسير فى قراءات الأئمة العشر: لابن الجزرى- دار الوعى بحلب- الطبعة الأولى سنة 1972 م.

11 - تفسير أبى السعود (ت 951 هـ): المسمى بإرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لقاضى القضاة الإمام أبى السعود محمد بن محمد العمادى، دار إحياء التراث العربى- الطبعة الثانية سنة 1990 م. 12 - تفسير القرآن العظيم: لابن كثير (ت: 774 هـ). 13 - تقريب النشر: لابن الجزري. 14 - جامع البيان فى تأويل آى القرآن: للطبرى (ت 310 هـ). 15 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبى (ت 671 هـ) لأبى عبد الله محمد بن أحمد الأنصارى القرطبى- طبعة دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة الخامسة 1996 م وطبعة الشعب. 16 - روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى: أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي (ت 1270 هـ) دار إحياء التراث العربى- بيروت الطبعة الرابعة سنة 1985 م. 17 - السبعة فى القراءات لابن مجاهد: تحقيق د. شوقى ضيف- دار المعارف- الطبعة الثانية (1400 هـ). 18 - شرح الدرة المضيئة فى القراءات الثلاث المروية: محمد بن محمد أبو القاسم النويرى حققه د. عبد الرافع بن رضوان، مطبوعات الإسلامية بالمدينة المنورة. 19 - فتح القدير: للشوكانى بتحقيق سيد إبراهيم- دار الحديث- القاهرة. 20 - القراءات أحكامها ومصادرها: د. شعبان محمد إسماعيل- دار السلام للطباعة- طبعة 1986 م. 21 - القراءات القرآنية فى البحر المحيط: استخرجها ونسقها أ. د. محمد أحمد خاطر- مكتبة نزار مصطفى الباز- مكة المكرمة. 22 - قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم: تأليف أبو عاصم عبد العزيز عبد الفتاح القارئ مكتبة الدار بالمدينة المنورة- الطبعة الخامسة سنة 1404 هـ. 23 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: محمود بن عمر الزمخشرى (ت 528 هـ) رتبه وصححه مصطفى حسين أحمد، دار الريان للتراث- القاهرة الطبعة الثانية سنة 1987 م.

ثانيا: كتب الحديث

24 - الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها: أبو محمد مكى ابن أبى طالب القيسى (ت 437 هـ) تحقيق د. محى الدين رمضان سنة 1974 م. 25 - المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها: لأبى الفتح عثمان بن جنى- تحقيق على النجدى ناصف طبعة سنة 1994 م. 26 - المغنى فى توجيه القراءات العشر المتواترة: د. محمد سالم محيسن دار الجبل- بيروت الطبعة الثانية سنة 1988 م. 27 - معانى القرآن وإعرابه للزجاج: شرح وتحقيق د. عبد الجليل عبده شلبى، عالم الكتب- بيروت- الطبعة الأولى. 28 - المكتفى فى الوقف والابتداء: أبو عمرو عثمان بن سعيد الدانى الأندلسى (ت 444 هـ) تحقيق د. يوسف عبد الرحمن المرعشلى- مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الأولى سنة 1984 م. 29 - منار الهدى فى الوقف والابتداء: أحمد بن محمد بن عبد الكريم الأشمونى- المطبعة الخيرية- مصر- الطبعة الأولى 1307 هـ. 30 - النشر فى القراءات العشر: أبو الخير بن محمد الدمشقى الشهير بابن الجزرى (ت 833 هـ) دار الكتب العلمية- بيروت أشرف على تصحيحه على محمد الضياع. ثانيا: كتب الحديث: 31 - تلخيص الحبير: لابن حجر العسقلانى، تحقيق شعبان محمد إسماعيل، المكتبات الأزهرية. 32 - الجامع الصحيح: للإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى (ت 356 هـ). 33 - سلسلة الأحاديث الصحيحة: محمد ناصر الدين الألبانى- المكتب الإسلامى- بيروت. 34 - سنن ابن ماجة: عبد الله محمد بن يوسف القزوينى (ت 327 هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى- المكتبة العلمية- بيروت- طبعة دار الحديث- الطبعة الأولى- 1998 م.

35 - سنن أبى داود: لأبى داود سليمان بن الأشعث السجستانى- دار الريان للتراث سنة 1988 م. 36 - سنن الترمذى (الجامع الصحيح): لأبى عيسى محمد بن عيسى ابن سورة تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر دار الحديث. 37 - سنن الدار قطنى: على بن عمر (ت 385 هـ) طبعة دار المحاسن للطباعة- القاهرة. 38 - سنن الدارمى: تحقيق فواز أحمد- دار الكتب العلمية- بيروت- الطبعة الأولى. 39 - سنن النسائى: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن على النسائى (ت 303 هـ) المكتبة التجارية الكبرى بمصر. 40 - السنن الكبرى للبيهقى: لأبى بكر أحمد بن الحسن بن على البيهقى (ت 458 هـ) مجلس دائرة المعارف النظامية- الهند. 41 - صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج: تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى دار الحديث- القاهرة- ط 1 - 1994 م. 42 - فتح البارى بشرح صحيح البخارى: ابن حجر العسقلانى- حققه محب الدين الخطيب- دار الريان- للتراث- الطبعة الثالثة سنة 1407 هـ. 43 - مسند الإمام أحمد بن حنبل: محمد ناصر الدين الألبانى وبهامشة كنز العمال المكتب الإسلامى طبعة (1). 44 - موسوعة أطراف الحديث: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيونى زغلول- دار الفكر- بيروت الطبعة الأولى سنة 1410 هـ. 45 - الموطأ لمالك بن أنس (ت 179 هـ) بترقيم محمد فؤاد عبد الباقى دار الحديث- القاهرة. 46 - المصنف: أبو بكر أبى شيبة، حققه عبد الخالق الأفغانى، الدار السلفية، الطبعة الثانية، 1979 م. 47 - نصب الراية فى تخريج أحاديث الهداية: للزيلعى (ت 762 هـ) مع حاشية بغية الألمعى فى تخريج الزيلعى دار الحديث القاهرة. 48 - نيل الأوطار شرح منتفى الأخبار لمحمد بن على الشوكانى (ت 1250 هـ).

ثالثا: كتب الفقه

ثالثا: كتب الفقه: (أ) المذهب الحنفى: 49 - بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع: علاء الدين أبى بكر مسعود الكاسانى دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1989 م، والطبعة الأولى محققة لنفس الدار 1997 م. 50 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: فخر الدين عثمان بن على الزيلعى، دار الكتاب الإسلامى، الطبعة الثانية وهى طبعة مصورة نقلا عن الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى ببولاق 1313 هـ. 51 - تحفة الفقهاء: لعلاء الدين السمرقندى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1984. 52 - فتح القدير: للإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى ثم السكندرى المعروف بابن الهمام الحنفى، مطبعة مصطفى البابى الحلبى، الطبعة الأولى 1970 م. 53 - المبسوط: لشمس الدين السرخسى، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى. 54 - الهداية شرح بداية المبتدى: برهان الدين على بن أبى بكر المرغيناني، ت 593 هـ، المكتبة الإسلامية، بيروت. (ب) المذهب المالكى: 55 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: للقاضى أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن رشد القرطبى الأندلسى، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية 1983 م. 56 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير: محمد عرفة الدسوقى، دار إحياء الكتب العلمية، بيروت. 57 - الكافى فى فقه أهل المدينة المالكى: محمد بن عبد البر النمرى القرطبى، مكتبة الرياض، السعودية، الطبعة الثانية 1980 م. 58 - الموطأ: للإمام بن أنس بترقيم محمد فؤاد عبد الباقى، دار الحديث، القاهرة.

رابعا: أصول الفقه وقواعده الكلية

(ج) المذهب الشافعى: 59 - الأم: لأبى عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعى، دار المعرفة، بيروت الطبعة الثانية 1973 م. 60 - المجموع شرح المهذب: أبو زكريا محيى الدين بن شرف الدين النووى، ت 676. 61 - المهذب فى فقه الإمام الشافعى: لأبى إسحاق إبراهيم بن على بن يوسف الشيرازى، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1959 م. (د) المذهب الحنبلى: 62 - الروض المربع شرح زاد المستنقع مختصر المقنع: شرف الدين أبى النجا الحجاوى، شرح منصور بن يونس البهوتى، المكتبة الثقافية، بيروت 1989 م. 63 - الشرح الكبير على متن المقنع: شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدس مطبوع بهامش المغنى. 64 - كشاف القناع على متن الإقناع: للبهوتى، دار المعرفة بيروت، طبعة 1982 م. 65 - المبدع فى شرح المقنع لابن مفلح، المكتب الإسلامى، بيروت. 66 - منتهى الإرادات فى جمع المقنع مع التنقيح والزيادات: لمحمد بن أحمد الفتوحى الحنبلى الشهير بابن النجار، عالم الكتب، بيروت، تحقيق عبد الغنى عبد الخالق. رابعا: أصول الفقه وقواعده الكلية: 67 - أصول السرخسى: أبو بكر محمد بن أحمد بن أبى سهل السرخسى، ت 490 هـ، حقق أصوله أبو الوفا الأفغانى، دار المعرفة، بيروت. خامسا: مراجع حديثة: 68 - حجية القراءات الشاذة وأثرها فى اختلاف الفقهاء: د. محمد عبد الرحيم- دار الكتاب الجامعى- الطبعة الأولى.

69 - التأثير النحوى لظاهرة الوقف فى النص القرآنى: د. هالة عثمان عبد الواحد رسالة ماجستير- كلية الدراسات العربية- جامعة المنيا 1993 م. 70 - التأثير النحوى للقراءات القرآنية فى الأحكام الفقهية: رسالة دكتوراه- كلية الدراسات العربية- جامعة المنيا 1997 م.

الفهرس

الفهرس المقدمة 5 ثبت بالآيات التى ورد فيها الوقف 7 رموز التخريج 9 الفصل الأول: نشأة القراءات القرآنية وتعريف الوقف وأقسامه 11 المبحث الأول: القراءات القرآنية 12 المبحث الثانى: تعريف الوقف وأهميته 16 المبحث الثالث: أقسام الوقف 18 الفصل الثانى: الوقف وأثره فى الترجيح عند الحنفية 23 1 - مباشرة الزوجة بعد انقطاع الدم 24 2 - القصاص 31 3 - قتل المسلم بالذمى 41 4 - نكاح أم الزوجة والربيبة 43 5 - فرضية العمرة 47 6 - من محظورات الإحرام 54 7 - جزاء قتل الصيد فى الحرم 59 8 - حكم الخوض فى المتشابه من الآى 63 9 - التسمية عند الذبح 70

10 - شهادة المحدود فى القذف 75 الخاتمة 81 المصادر والمراجع 83 الفهرس 91

§1/1