الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

محمد أبو شهبة

مقدمات

مقدمات تقدمة بين يدي الكتاب ... تقدمة بين يدي الكتاب: الحمد لله الذي أنزل على عبده ونبيه محمد القرآن وحيا يتلى، وأنزل عليه السنة وحيا غير متلو، حيث قال فيما صح عنه: "ألا إنني أوتيت الكتاب، ومثله معه" 1, والصلاة والسلام على سيدنا محمد بعثه الله على حين فترة من الرسل ليفتح به أعينا عميا وآذانا صما، وقلوبا غلفا, فملأ الدنيا إيمانا وتوحيدا بعد أن ملئت شركا وكفرا، وهدى بعد أن ملئت ضلالا وخيرا بعد أن ملئت شرا، وعلما بعد أن ملئت جهلا، ونورا بعد أن كانت في ظلمات وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فإن علم الحديث النبوي الشريف لم يزل من قديم الزمان -والإسلام غض طري، والدين محكم الأساس قوي- أشرف العلوم وأجلها، وأنفعها وأبقاها ذكرا، وأعظمها أثرا، بعد علم القرآن الكريم الذي هو أصل الدين ومنبع الصراط المستقيم. وقد عنيت الأمة الإسلامية من لدن عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحفظ الأحاديث وروايتها، والالتزام بها علما، وعملا، وسلوكا، وأخلاقا ثم عنيت بجمعها، وتدوينها في كتب الأحاديث والسنن، من الصحاح،

_ 1 رواه أبو داود في سننه مطولا، كتاب السنة -باب لزوم السنة، وهو حديث صحيح، ورواه الترمذي بأوجز من رواية أبي داود.

والسنن، والمسانيد والمعاجم، والجوامع، والمشيخات، والأجزاء ونحوها1. وكذلك عنيت بالرواة، والمرويات من حيث القبول والرد، ووضعوا في ذلك أدق، وآصل، وأحكم قواعد النقد العلمي الصحيح، وتركوا لنا في علم تاريخ الرجال ثروة نادرة لا توجد في أية أمة من الأمم الأخرى وفي علم الجرح والتعديل ما لم يعرف عند أمة أخرى. وكانت هذه العناية ممثلة في علماء الحديث، وجهابذته2، وأئمته النقاد الذين قضوا حياتهم في الارتحال، والأسفار، وجانبوا الراحة والاستقرار في سبيل لقاء الرواة، والبحث عنهم، وميزانهم بميزان دقيق، لا تحيف فيه على أحد منهم ولا غبن له، ولا نقص لحقه. كما تكلموا في علم غريب الحديث، وعلم علله، وعلم مختلف الحديث ومشكله، وعلم ناسخه، ومنسوخه، وعلم محكمه، ومتشابهه، وعلم أسباب وروده وعلم التنبيه إلى التصحيف والتحريف الذي وقع فيه بعض المحدثين إلى غير ذلك من العلوم وهكذا نجد أنه ما من علم يتعلق بجانب من جوانب الحديث إلا وتكلموا فيه وأوسعوه شرحا وبيانا. وكذلك عنوا بضبط متون الأحاديث ضبطا محكما متقنا، وتحقيق الروايات وتحريرها، ويبدو ذلك جليا في النسخة المحققة من صحيح الإمام البخاري. وكذلك عنوا بشرح الأحاديث وبيان معانيها الإفرادية والتركيبية وما يستنبط منها من العقائد، والأحكام، والحكم, والآداب، وما تشتمل عليه من وجوه البلاغة وأساليب البيان، والمحسنات البديعية، حتى غدت كتب هذه الشروح دواوين عقيدة وشريعة، وأخلاق، ومواعظ،

_ 1 سيأتي إن شاء الله تعالى شرح ذلك كله. 2 جمع جهبذ -بكسر الجيم- الناقد البصير.

وعلم، وأدب، وبلاغة وبيان فكانت كالحديقة المزهرة المثمرة الغناء التي يتنتقل فيها الناظر من روض إلى روض، ومن ثمار إلى ثمار، ومن زهور إلى زهور حتى غدت متع القلوب ومشتهى النفوس، وانشراح الصدور، وقرات العيون. إن تأليفي لهذا الكتاب يرجع إلى نحو ثلث قرن أو يزيد، حينما كنت أقوم بتدريس "الحديث الشريف" و"علومه" بكلية أصول الدين, إحدى كليات الجامع الأزهر العتيق، المعمور بالعلم والعلماء، أيام أن كان الأزهر الشريف بكلياته ومعاهده الدينية العلمية -هو الأزهر- والعلم هو العلم، وطلاب الأزهر -هم الطلاب- وحرصهم على العلم هو الحرص. وقد كان في أول الأمر مباحث مكتوبة بخط يدي أمليها على الطلاب شيئًا فشيئًا، ثم بدا لي -ونعم ما بدا- أن أجمع هذه البحوث، ولا زلت أهذبها وأنقحها، وأقدم فيها وأؤخر، وأزيد فيها وأعيد حتى جاءت على هذا الوضع الحسن المستطاب. ومن فضل الله على أني لا أسطر كلمة في العلم، ولا أكتب بحثًا، ولا أحقق مسألة من مسائل إلا وأحتفظ بما أكتبه عندي في حرز مصون، وما احتفظت بشيء مما كتبت إلا وانتفعت به غاية الانتفاع، حتى البحوث التي كتبتها في زمن طلب العلم. ولعلكم تعجبون إذا قلت لكم -صادقًا- أني ما فرطت في كتاب ولا في "دفتر"1 من الدفاتر التي كانت عندي من عهد الصبا والطلب، وبعضها موجود في "مكتبتي" بقريتنا إلى يومنا هذا.

_ 1 الدفتر -بفتح الدال وكسرها- مجموعة من الأوراق التي يكتب فيها جمعة دفاتر كما في القاموس والكراس بضم الكاف والكراسة الصحف أو جزء الصحيفة التي يكتب فيها.

وما أردت -علم الله- بذكر هذا إلا استحثاث طلاب العلم، والتلاميذ اليوم على الاحتفاظ بكتبهم، والمذكرات التي تملى عليهم، لتكون ذكرى عندهم، وليرجعوا إليها عند الحاجة. وقد كان الاحتفاظ بالكتب والدفاتر ونحوها خصيصة من خصائص طلاب الأزهر في هذا الوقت، وهو شيء أسجله تقريرا للحقيقة والواقع.

منهجي في تأليف هذا الكتاب

منهجي في تأليف هذا الكتاب: ولم أنهج في هذا الكتاب المنهج الذي اتبعه الإمام ابن الصلاح في "علومه" ومن نهج منهجه في هذا ممن جاء بعده بالبدء ببحوث الصحيح والحسن والضعيف ولا المنهج الذي اتبعه الإمام الحافظ ابن حجر في "النخبة، وشرحها" ولكني نهجت منهجا آخر ألهمني الله إياه. ذلك أني بدأت بشرح الألفاظ التي يكثر دونها في هذا العلم -وبشرح ألقاب المحدثين- وذكر الحديث القدسي، والفرق بينه وبين القرآن، وبينه وبين الحديث النبوي. ثم بدا لي أن أؤخره حيث وضعته. ثم ثنيت بشرح هذا المركب "علم الحديث" وتقسيمه إلى: 1- علم الحديث رواية. 2- وعلم الحديث دراية, والأطوار التي مر بها هذا العلم, وأشهر الكتب المدونة فيه قديما وحديثا, ثم ثلثت بالرواية: تعريفها, أقسامها, شروطها, تاريخها, عناية الأمة العربية بها, عناية الأمة الإسلامية بها, عناية الأمة الإسلامية بالإسناد, الإسناد المتصل الصحيح من خصائص هذه الأمة, ثم بينت الأطوار التي مر بها تدوين الحديث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم في عهد الصحابة. وفيه سن الخلفاء الراشدون سنة التثبت في الرواية, ثم في عهد التابعين،

ثم عرضت لتدوين الأحاديث والسنن تدوينا عامًّا في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، ثم وفقت بين حديث النهي عن الكتابة، والأحاديث المتكاثرة الدالة على كتابة الأحاديث في العهد النبوي، ثم العهود بعده، لأبين أن تدوين السنة بدأ في عهد مبكر جدا. ثم بينت أشهر الكتب المؤلفة في القرن الثاني الهجري, كتاب الموطأ هو الباقي منها، ثم في القرن الثالث الذي يعتبر العصر الذهبي لتدوين الأحاديث والسنن. ثم ذكرت أشهر الكتب المؤلفة في القرن الرابع، وبذلك تم جمع الأحاديث والسنن أو كاد, ثم جاءت عصور التهذيب والجمع بين الكتب المتفرقة وذلك في القرن الخامس وما بعده وبذلك أعطيت لطالب الحديث صورة واضحة لتدوين الأحاديث والسنن، وأعطيته تصورا عاما عن أشهر الكتب المؤلفة في الحديث وبذلك تشوقت نفسه إلى معرفة ما يتعلق بهذه الكتب التي سيأتي دراسة الكثير منها على التفصيل. ثم بينت مناهج المؤلفين وطرائقهم في التأليف في الأحاديث، ثم عرضت لشروط الراوي في الإسلام، والفرق بين عدل الرواية، وعدل الشهادة، وكفاية شروط الراوي في الاطمئنان إلى مروياته، وترجح جانب الصدق على جانب الكذب، وجانب الضبط على جانب الغفلة ثم خلصت بعد هذا إلى طرق التحمل وطرق الأداء، وهي ثمانية؛ ليعلم الطالب، والباحث أن الأحاديث قامت على أساس متين من طرق الرواية الصحيحة، ثم بينت الإسناد العالي وأقسامه، والإسناد النازل وأقسامه ليعلم الطالب أن طلب علو الإسناد سنة قديمة ثم ذكرت جملة من المسائل والقواعد التي تتعلق بصفة كتابة الأحاديث وضبطها، وصفة روايتها، ومن ذلك الرواية بالمعنى، وبيان شروطها، وبيان أنها لم تجن

على الدين كما زعم بعض الناس وهذه المسائل والقواعد تعتبر بمثابة المفتاح لكتب الأحاديث والسنن وحل رموزها ثم عرضت لآداب المحدث ثم لآداب طالب الحديث, ولا سيما الرحلة في سبيل العلم والحديث ثم عرضت للزمن الذي يتهيأ فيه الطالب للتأليف في الحديث, بل وغيره، وإن عليه أن يتريث حتى يصير آهلا لذلك، وكان لا بد أن أعرض للأغراض التي تقصد من التأليف، على ما ذكره الإمام النووي وغيره. ثم شرعت بعد ذلك في بيان ما يتعلق بأقسام الحديث في اصطلاح العلماء فبدأت بتقسيم الحديث من حيث عدد رواته إلى الأقسام الآتية: المتواتر, وما هو؟ وما شروطه؟ وما هي الشبه التي أوردت: أيوجد أم لا؟ والعلم الذي يفيده, وأهو علم ضروري أم نظري. المشهور ما هو؟ المستفيض ما هو العزيز الغريب. وقد أوسعت القول في المتواتر، وفي المشهور، وأقسامه، والكتب التي ألفت في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، ومما ينبغي أن يعلم أن ما عدا المتواتر قد يكون صحيحا أو حسنا أو ضعيفا. ثم شرعت في تقسيم الحديث تقسيما ثانيا من حيث نسبته إلى قائله، وأنه ينقسم إلى 1- المرفوع. 2- والموقوف. 3- والمقطوع. وبينت ما هو مرفوع صراحة، وما هو مرفوع حكما، وعقبت الموقوف بتفريعات مهمة عني بها أهل هذا الفن، ومما ينبغي أن يعلم أن هذه الثلاثة تشترك بين الصحيح والحسن، والضعيف لا كما زعم البعض أنها من أقسام الضعيف. ثم شرعت في تفسيم الحديث تقسيما ثالثا من حيث القبول والرد إلى ثلاثة أقسام: 1- الصحيح. 2- والحسن. 3- والضعيف. وبعد تعريف الصحيح ذكرت مسائل مهمة فيما يتعلق بالصحيحين، وبعد الحسن ذكرت ما يتعلق بالسنن وما هو على غرارها من الكتب، ثم

استقصيت أنواع الضعيف مبتدئا بالمرسل منتهيا بالموضوع الذي هو شرها وأدونها. وقد أفضت في القول في الحديث الموضوع! متى نشأ الوضع؟ وما هي أسبابه؟ وما هي علاماته وأماراته، وآثاره السيئة في كتب العلوم جاعلا لكتب كل علم فصلا ثم بينت جهاد العلماء المتشعب الفروع في مناهضة الوضع والوضاعين، والموضوعات عن طريق: 1- التأليف في الموضوعات حينا. 2- وتجريح الرواة وتعديلهم حينا آخر. 3- وتأليف كتب التخاريج حينا ثالثا. 4- وتأليف كتب الأحاديث المشتهرة حينا رابعا حتى أسلح طالب الحديث ضد دعاوي المستشرقين وافتراءاتهم في هذا الباب ثم شرعت في ذكر علم الجرح والتعديل، وكل ما يتصل به من قواعد ومسائل وإلى هنا كان الكتاب مبيضا من منذ بضعة عشر عاما. ثم رأيت أن أتممه بذكر ما فاتني وذكر العلوم التي ألف فيها على سبيل الاستقلال وذكرت في كتب "علوم الحديث" و"مصطلحه" على أنها نوع من الأنواع. وقد انتهزت فرصة تفرغي شهورا قبل موسم حج هذا العام 1402هـ وشهرا بعده فكان أن أتممت ما بقي من المباحث والأنواع فلله الحمد والمنة على ما وفق أولهم. وقد كنت في عام 1382هـ 1962م ألفت كتابا وهو جزء صغير في بعض أنواع علوم الحديث وسميته: "في أصول الحديث" وقد طبع ونفذ. وفي عام 1385هـ 1966م ألفت كتابا في بعض مباحث وأنواع علوم الحديث وفي آداب كتابة الحديث وآداب روايته، وفي آداب المحدث، وفي آداب طالب الحديث وسميته "علوم الحديث" وقد طبع ونفذ.

وقد جمعت ما كان في الكتابين وأضفت إليه أضعافهما فكان هذا السفر الكبير في "علوم الحديث" و"مصطلحه". وقد جاء الكتاب خلاصات محررة لما يوجد في متفرقات كتب الفن من لدن الرامهرمزي إلى عصرنا هذا، وقد مخضتها حتى استخرجت زبدها مع حسن التبويب والتنسيق وتيسير العسير، وتقريب البعيد، ومع حسن العبارة وطلاوتها؛ وجمال العرض والأسلوب وما أشد حاجة طلاب العلم اليوم، والمثقفين ثقافة غير إسلامية إلى تقريب ألوان الثقافة الإسلامية الأصيلة إليهم ولا سيما علوم القرآن، وعلوم السنة ولما قمت في "التلفزيون" بمصرنا العزيزة بندوات في التعريف بالسنة وأئمتها وأشهر الكتب المدونة فيها نالت قبولا حسنا من رجال القانون والقضاء، والأطباء، والمهندسين, وعلماء الكون والفلكيين، والضباط وغيرهم وقد مكثت في ذلك ما يقرب من عام في برنامج "نور على نور" فعلمت أن هذه الأمة الإسلامية لا زالت بخير، ولكننا معاشر المشتغلين بالعلوم الإسلامية بعامة والمشتغلين بالأحاديث والسنة بخاصة علينا تبعات جسام في عدم قيامنا بما يجب علينا من تقريب وتيسير الثقافة الإسلامية إلى الناس كافة، فهل نحن فاعلون؟ وليس من الخير للإسلام والمسلمين أن يبقى العلم بهذه العلوم الإسلامية مقصورا على أهل العلم وطلابه. أضف إلى كون هذا الكتاب زبدة أو خلاصة كتب الفن ما من الله به عليَّ من حصيلة دراساتي واشتغالي بالحديث وعلومه ما يقرب من نصف قرن فقد عنيت به من عهد الطلب حتى استأهلت -ولله الحمد والمنة- أن أناقش الأقوال وأنقد الآراء وأرجح قولا عن قول، ورأيا على رأي وأن يكون لي اجتهاد في كثير من مسائل هذا الفن كما يبدو ذلك واضحا من ثنايا بحوث هذا الكتاب وقد أقر بهذا بعض الزملاء والأقران الذين تخلصوا من العقد النفسية في بعض مؤلفاتهم ولا

أقول ذلك تعالما ولا تفاخرا، وإنما هو التحدث بنعمة الله عليَّ وصدق الله {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} 1. وقد حصل من بعض الزملاء من طبقتنا2، ومن بعض الأبناء الذين هم من طبقة بعد طبقتنا اجتهادات في تنظيم مباحث هذا الفن وترتيبه، ولكل منا وجهة هو موليها. وإذا كان العلماء قد قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح فأنا أقول: "لا مشاحة في الاجتهاد" وبحسب المجتهد إن أصاب أن يكون له أجران، وإن أخطأ أن يكون له أجر، ولما كان هذا الكتاب ليس طويلا مملا، ولا قصيرا مخلا لم أتكلف له عنوانا وأسميته "الوسيط في علوم، ومصطلح الحديث". والله أسأل أن يجعل عملي هذا مقبولا، ونفعه دائما، وأجره موصولا إنه سميع مجيب، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، والحمد لله حمدا يوافي نعمه؛ ويكافئ مزيده وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. مكة المكرمة في يوم الاثنين التاسع والعشرين من المحرم 1403هـ. الموافق 15/ 11/ 1982م. وكتبه خادم القرآن والسنة أبو السادات محمد بن محمد أبو شهبة

_ 1 سورة الضحى. 2 هم الذين اشتركوا في لقاء الشيوخ مع التقارب في السن. حاشية أما ما يتعلق بعلم رجال الحديث من لدن الصحابة إلى أن تم تدوين الأحاديث والسنن والصحابة فلذلك كتاب آخر إن شاء الله تعالى.

المدخل للكتاب

المدخل للكتاب مدخل ... المدخل للكتاب: في شرح بعض المفردات التي يكثر دورانها في كتب الحديث والتفسير والفقه والوعظ والأخلاق، ومعرفة اصطلاحات العلماء فيها كي يكون القارئ والباحث على بينة من أمر هذه الألفاظ, وألقاب المشتغلين بالحديث. "الحديث" هو في اللغة ضد القديم. ويطلق أيضا على قليل الكلام وكثيره قال تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} وإطلاق الحديث على الكلام لأنه يحدث ويجد شيئا فشيئا1. وفي اصطلاح المحدثين: هو أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخِلقية والخُلُقية2 مثل كونه أبيض اللون مشربا بحمرة, ليس بالطويل البائن, ولا بالقصير, إلى غير ذلك من الصفات. ومثل كونه أشجع الناس وأشدهم حياء وتواضعا وجودا, وعطفا على الفقراء والمساكين والأرامل واليتامي, وأعفاهم عند المقدرة إلى غير ذلك من غرر الأخلاق, ويدخل في ذلك سيرته وغزواته -صلى الله عليه وسلم3. ومعنى التقرير أن يفعل أحد من الصحابة فعلا أو يقول قولا أمام

_ 1 القاموس المحيط مادة "حدث" جـ1 ص164. 2 الأولى بكسر الخاء المعجمة نسبة إلى الخلقة وهي الفطرة والثانية بضم الخاء المعجمة واللام نسبة إلى الخلق. 3 والمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ظاهرة، وكأنهم خصوا كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحديث ليقابل القديم أو لكونه أشرف الكلام بعد كلام الله تعالى.

النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا ينكره عليه, أو لا يكون أمامه ولكن يبلغه ويسكت عنه، فعدم إمكانه وسكوته تقرير له لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يقر أمرا غير مشروع. والقول إما صريح كقال رسول الله أو حدثنا أو سمعت منه كذا وإما حكمي كقول الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات فيما لا مجال للرأي فيه. وكذلك الفعل إما صريح وإما حكمي والتقرير إما صريح وإما حكمي. وستتبين الأمثلة فيما سنذكره في بحث "الموقوف" إن شاء الله تعالى. ومن العلماء من يزيد في تعريف الحديث: وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم، وهو اصطلاح آخر. ويشهد له صنيع كثير من المحدثين في كتبهم حيث لا يقتصرون على المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، وإنما يذكرون المرفوع والمقطوع. السنة: هي في اللغة الطريقة، والسيرة. قال صاحب المصباح المنير والسنة الطريقة، والسنة السيرة حميدة كانت أو ذميمة1. لكنها عند الإطلاق تنصرف إلى الحميدة. وفي اصطلاح المحدثين: أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وتقريراته، وصفاته الخَلقية والخُلقية. وزاد بعضهم: وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم: وعلى هذا فهي مرادفة للحديث في اصطلاحيه السابقين. ويرى بعض العلماء أن الحديث خاص بقوله وفعله، والسنة تشمل الأقوال والأفعال والتقريرات والصفات، والسكنات والحركات في اليقظة والمنام والهم2 وعلى هذا فالسنة أعم من الحديث, وللسنة

_ 1 وفي الحديث الصحيح: "ومن سن سنة حسنة فله ثوابها وثاب من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". الحديث رواه مسلم. 2 وذلك كهمه -صلى الله عليه وسلم- بالذين يتخلفون عن صلاة الجماعة والجمعة أن يحرق عليهم بيوتهم.

اصطلاحات أخر، فهي عند الشرعيين تقابل البدعة، وعند الفقهاء تطلق على ما يقابل الفرض والواجب كقولهم سنة الصلاة كذا. الخبر: قيل هو والحديث مترادفان وعليه فيكون تعريف الخبر هو ما ذكرناه في تعريف الحديث: وقيل إن الحديث والخبر متباينان. فالحديث ما صدر عن النبي من قوله وفعله ... إلخ. والخبر ما جاء عن غيره موقوفًا عليه ومن ثم قيل لمن يشتغل بالتواريخ أخباري1، ولمن يشتغل بالحديث محدث. وقيل: الخبر أعم من الحديث: فالحديث خاص بما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم، والخبر يشمل ما جاء عن النبي وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم فكل حديث خبر ولا عكس فعلى هذا يكون بينهما عموم وخصوص مطلق يتجمعان وينفرد الأعم منهما. الأثر: من العلماء من يجعله مرادفًا للحديث فيكون تعريفها واحدًا ومنه ما في مقدمة صحيح الإمام مسلم من تسمية الأحاديث بالآثار ومنه ما جاء عند الإمام الطحاوي في كتابه "مشكل الآثار" ومن العلماء من يقول: الأثر أعم من الحديث؛ فالحديث خاص بما جاء عن النبي, والأثر يشمل ما جاء عن النبي وغيره من الصحابة والتابعين، وقيل إنهما متباينان؛ فالحديث ما جاء عن النبي, والأثر ما جاء عن الصحابة, وإلى هذا ذهب فقهاء خراسان. قال أبو القاسم الفوراني منهم: الفقهاء يقولون: الخبر ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والأثر ما يروى عن الصحابة، وفي النخبة لشيخ الإسلام ابن حجر: "ويقال للموقوف والمقطوع الأثر"2.

_ 1 بفتح الهمزة نسبة إلى الجمع. وهو جائز إذا كان الجمع أشهر وذلك مثل أنصاري. 2 تدريب الراوي ص61 نخبة الفكر بشرحها ص49. ولا يهولنك كثرة الآراء؛ لأنها اصطلاحات مردها إلى اختلاف الاعتبارات. ولا مشاحة في الاصطلاحات كما قيل: والشأن في مثل هذا أوسع من أن يضيق وأبعد من أن يكون تناقضًا واضطرابًا.

السند: السند من معانيه في اللغة "ما استندت إليه من حائط وغيره" "المصباح المنير" وفي القاموس: "السند محركة ما قابلك من الجبل، وعلا عن السفح ومعتمد الإنسان". وفي اصطلاح المحدثين: هو الطريق الموصل للمتن. وبعبارة أوضح: هو رواة الحديث الذين رووا لفظ الحديث. والمناسبة بين المعنيين ظاهرة. فإن الرواة للحديث هم الذين يعتمد عليهم المحدثون في معرفة المقبول من المردود، والصحيح من غيره. "الإسناد" في اللغة: قال في القاموس "وسند إليه سنودا وتساند استند وفي الجبل صعد كأسند وأسندته أنا فيهما" ح1 ص303 وفي اصطلاح المحدثين له إطلاقان: 1- هم الرواة الراووان للمتن وعليه فهو مرادف للسند. 2- رفع الحديث إلى قائله ونسبته إليه وعليه فهو مغاير للسند ويكون من عمل الراوي للحديث. المسند: بفتح النون له معان عند المحدثين: 1- يطلق ويراد به الإسناد فيكون مصدرا. ومثاله "مسند الشهاب" و"مسند الفردوس" أي أسانيد أحاديثهما1. 2- ويطلق ويراد به أحد أنواع علوم الحديث وسنذكره فيما يأتي إن شاء الله تعالى. وأما المسند بكسر النون: فهو الذي يرفع الحديث إلى قائله. المتن: المتن في اللغة. قال في المصباح المنير: "متن الشيء بالضم متانة اشتد وقوي فهو متين. والمتن من الأرض ما صلب وارتفع ... والمتن الظهر وفي القاموس, مادة متن "ومتن الكبش صفنه واستخرج بيضه

_ 1 الشهاب: كتاب للقضاعي, وهو الإمام أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي ذكر فيه أحاديث غير مسندة. ثم ذكر أسانيدها في كتاب سماه "مسند الشهاب" "والفردوس" اسم كتاب للحافظ أبي شجاع شيرويه بن شهردار المتوفى سنة تسع وخمسمائة أورد فيه عشرة آلاف حديث فصار بغير ذكر إسناد مرتبة على حروف المعجم, أما مسند الفردوس فهو لابنه أبي منصور شهردار بن شيرويه الهمداني المتوفى سنة ثمان وخمسين وخمسمائة, وقد أسند فيه أحاديث كتاب أبيه.

بعروقها، وبالمكان متونا أقام ... والمماتنة: المباعدة في الغاية". وفي اصطلاح المحدثين: هو ما ينتهي إليه السند من ألفاظ الحديث الدالة على معانيها والمناسبة بين المعنيين ظاهرة. فهو إما مأخوذ من المباعدة في الغاية لأنه غاية السند، أو لأن المسند استخرج المتن بسنده. أو لأنه المتن قوي واشتد بذكر سنده. ولكي تكون على بينة من ذلك عمليا تذكر حديثا ونطبق هذه المصطلحات الأخيرة عليه. قال الإمام البخاري في صحيحه: حدثنا الحميدي "قال" حدثنا سفيان "قال" حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري "قال" أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ... " الحديث. فعمل الإمام البخاري في ذكر الحديث بسنده يسمى إسناده بالمعنى الثاني للفظ إسناد, ومن قوله حدثنا الحميدي ... إلى قول عمر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يسمى سندا، ويسمى إسنادا أيضا بالمعنى الأول، وقوله: "إنما الأعمال بالنيات" يسمى متن الحديث. والحديث يسمى مسنَدا بفتح النون. أي حديثا ذكر إسناده، والبخاري في ذكره للحديث بسنده: "مسنِدا" بكسر النون.

ألقاب المشتغلين بالحديث

ألقاب المشتغلين بالحديث مدخل ... "ألقاب المشتغلين بالحديث": الراوي: أو "المسنِد" هو ناقل الحديث بالإسناد سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرواية. طالب الحديث: هو المشتغل بدراسة الحديث رواية، ودراية، وشرحا، وفقها.

المحدث: من تحمل الحديث رواية, واعتنى به دراية بأن يحفظ المتون ويكون عنده علم بالرجال وتواريخهم وجرحهم وتعديلهم. "الحافظ": هو من روى ما يصل إليه، ووعى ما يحتاج إليه أي بأن يكون ما يعلم من الأحاديث والرجال أكثر مما يجهله, وقال بعضهم تحديدا له بالعدد هو من أحاط علمه بمائة ألف حديث. الحجة: أرفع درجة من الحافظ. وقال بعضهم: هو من حفظ ثلثمائة ألف حديث بأسانيدها. الحاكم: هو من أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متنا وإسنادا وجرحا وتعديلا وتاريخا وعللا، وغريبا، وناسخا ومنسوخا، وتوفيقا بين ما ظاهره التعارض إلى نحو ذلك.

من مفاخر المحدثين

"من مفاخر المحدثين": ولا تستكثرن أيها القارئ هذا فقد كان أئمة الحديث وجهابذته في العصور الأولى يحفظون ذلك وأكثر منه, روي عن إمام الأئمة البخاري أنه كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح. ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال الإمام في شأن صحيحه: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلثمائة ألف حديث مسموعة. وقال أبو داوود: "كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن". وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل: "انتقيت المسند من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث". وسئل الإمام أبو زرعة1 عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة

_ 1 بضم الزاي وهو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروح القرشي مولاهم الرازي الحافظ الثقة المتوفى سنة أربعة وستين ومائتين.

يحفظ مائتي ألف حديث هل يحنث؟ قال لا. ثم قال أحفظ مائة ألف حديث كما يحفظ الإنسان سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث إلى غير ذلك من النقول التي رويت عن غير هؤلاء من أعلام المحدثين والفقهاء1.

_ 1 تدريب الراوي ص4، 5 ط أولى.

الحفظ والفقه للأحاديث

"الحفظ والفقه للأحاديث": ومما ينبغي أن يعلم أن أهل العصور الأولى من المحدثين كانوا يجمعون إلى الحفظ الفقاهة والفهم، والعلم بالعلل والرجال، والناسخ والمنوسخ وأن منهم من مزج الحديث بالفقه والاجتهاد في الأحكام. كما صنع البخاري في تراجمه وتبويب كتابه. والإمام مالك في موطئه. والترمذي في سننه. ومنهم من لم يصنع ذلك اقتصارا على المتون والأسانيد لا عجزا ولا قصورا في الفقه والفهم بل اقتصارا على الجمع، وذلك كما صنع الإمام مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم كثيرون. وأما ما يتقول به بعض المغرضين على أئمة الحديث. وأنهم كانوا زوامل أسفار لا يعلمون ما يحملون, فهذا الوصف أبعد ما يكون عن أهل القرون الأولى الذين جمعوا الأحاديث والسنة ودونوها في الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع, وهذا النوع من المحدثين الذين جعلوا همهم الحفظ فقط إنما كان في العصور المتأخرة ممن لا عناية لهم بالفقه والدراية والتحقيق وهم الذين عناهم الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه "صيد الخاطر" والتاج السبكي في بعض كتبه1.

_ 1 المرجع السابق ص6 الأولى.

فائدتان

"فائدتان": "الأولى": ما نقلته عن العلماء في بيان من هو المحدث والحافظ والحجة ... إنما هو باعتبار أزمانهم وعصورهم الأولى. أما في عصورنا هذه فينبغي التسامح في ذلك. وإلا فإننا لا نجد من ينطبق عليه وصف المحدث فضلا عن غيره من الألقاب ومن قبل لاحظ بعض الأئمة عزة من يطلق على هذه الألقاب فما بالك بعصرنا هذا1 وغاية المحدث في عصرنا "إن وجد" أن يحيط بعلم الحديث رواية, والقدرة على البحث والتفتيش عن الرجال وجرحهم وتعديلهم من بطون الكتب, وقراءة الكتب الستة والموطأ والمسند والمستدرك وسنن الدارقطني والبيهقي ونحوها, وكثرة المداومة على قراءة هذه الكتب, والبحث والتفتيش حتى تتكون عنده ملكة بالعلم بما فيها, بحيث يتمكن من استخراج أي حديث منها إذا أراد, والعلم بمعظم الأحاديث فقها وغريبا. ولا أدري ما إذا كان يوجد في عصرنا هذا من يستأهل لقب المحدث مع التسامح أم لا؟ لقد أصبح لقب المحدث يمنح لمن دون ذلك بكثير. "الثانية": قد يقول قائل: إن ما ذكرته عن الألوف المؤلفة التي كان يحفظها الأئمة الكبار وما نقل عنهم في هذا لا يصدقه المدون في كتب الحديث على كثرتها. فإن ما يوجد فيها من الأحاديث المرفوعة لا يبلغ عشر هذا المقدار. والجواب: أنه ليس المراد بهذه الألوف أنها كلها أحاديث متغايرة, كما هو الظاهر, وإنما يدخل في هذه الطرق المتعددة للحديث الواحد فقد يروى الحديث الواحد بعشرة أسانيد, وما هي في الحقيقة والواقع إلا طرق لحديث واحد, فيتخير أي إمام منها أصحها وأوثقها في نظره, ويدع ما عدا ذلك, وقد يكون فيما ذكره ما ليس صحيحا عند غيره.

_ 1 المرجع السابق ص7. ومن 7-9 الطبعة بتحقيق وتعليق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف.

وقد يكون فيما يتركه ما هو صحيح في الواقع, وأيضا يدخل في هذه الألوف آثار الصحابة والتابعين وغيرهم, وهذه الآثار تعتبر من الأحاديث عند كثير من المحدثين وما أكثر ما روي من الآثار, فكن على ذكر من ذلك حتى لا يلتبس عليك الأمر، وحتى تدفع تشكيكات المشككين في السنن والأحاديث.

علوم الحديث بالمعنى العام

علوم الحديث بالمعنى العام مدخل ... علوم الحديث بالمعنى العام: هذا المركب الإضافي يتكون من كلمتين: 1- علوم. 2- والحديث. أما العلوم فهي جمع علم, والعلم يطلق على اليقين والمعرفة1, ويطلق على الصفة التي بها تنكشف المعلومات2, وعلى الملكة الراسخة في النفس التي بها الإدراك3, ويطلق ويراد به المسائل والقواعد التي تذكر في علم من العلوم4. وهذا الأخير هو المراد حينما نريد التعريف بعلم من العلوم المدونة, وأما الحديث فقد بينا معناه الاصطلاحي فيما سبق, وعلى هذا فيكون المراد بهذا المركب الإضافي: هي جميع العلوم والمعارف التي بحثت في الحديث من حيث روايته وجمعه في الكتب, أو5 من حيث بيان صحيحه من ضعيفه أو من حيث بيان رواته ونقدهم وجرحهم وتعديلهم, أو من حيث بيان غريبه أو بيان ناسخه ومنسوخه, أو مختلفه ومتعارضه, أو من حيث شرح معناه واستخراج الأحكام منه إلى غير ذلك من العلوم التي دارت في فلك الحديث الشريف, ثم تطور هذا المركب فأصبح يطلق علما لقبيا على علم الحديث دراية كما ستعلم فيما بعد ...

_ 1 هذا في اللغة انظر القاموس والمصباح المنير. 2 هذا عمد المتكلمين. 3 هنا في عرف بعض العلماء. 4 هذا في عرف التأليف والتدوين للعلوم. 5 تنبه للتعبير بأو هنا لأنها جملة علوم.

"علم الحديث بالمعنى الإضافي "أي العام": أما علم الحديث بمعناه الإضافي قبل صيرورته علما فينقسم إلى قسمين: 1- علم الحديث رواية. 2- وعلم الحديث دراية. "علم الحديث رواية": هو علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلقية وخُلُقية. وكذا ما أضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم. موضوعه: ذات النبي -صلى الله عليه وسلم- من حيث قوله وفعله ... إلخ, وذات الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم. قاله الكرماني في شرح صحيح البخاري "ويرى كثير من العلماء أن موضوعه: هو أقوال النبي وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلقية والخُلقية وهو الأولى، ولم يرتض الأول قال السيوطي: ولم يزل شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي يتعجب من قوله: إن موضوع علم الحديث -يعني رواية- ذات الرسول ويقول: هذا موضوع الطب لا موضوع الحديث. أقول: والحق أن التقييد بالحيثية المذكورة يخرج علم الطب لأنه موضوعه ذات الإنسان من حيث الصحة والمرض، ومع هذا فالأولى أن يقال: موضوعه: أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله ... إلخ. وفائدته: الوقوف على ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث فنهتدي بهديه ونأتسي به. وإذا علمنا أن السنة هي الأصل الثاني من أصول التشريع وأنها شارحة للقرآن ومبينة له ومفسرة له. وتزيل مشكله. وتفصل مجمله، وتقيد مطلقه, وتخصص عامه؛ أدركنا جلالة هذا العلم وعظم فائدته للإسلام والمسلمين وأنه أشرف العلوم بعد علم القرآن الكريم وأفضلها.

وغاية هذا العلم: الفوز بسعادة الدنيا والآخرة. وواضعه: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المتوفى سنة 120هـ, وقيل الإمام محمد بن شهاب الزهري المتوفى سنة 124هـ. ومسائله: قضاياه التي تذكر فيه مثل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات ... " , فإنه متضمن لقضية قائلة: إنما الأعمال بالنيات بعض أقواله. ونسبته: إلى غيره من العلوم الشرعية التي يجب الاعتناء بها: التباين وإن كانت لا غنى لها عنه. وحكمه: أنه من فروض الكفاية فإذا لم يوجد في الأمة من يقوم به أثمت الأمة كلها. واستمداده: من أقوال النبي وأفعاله وتقريراته ونحوها ومن أقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم. وفضله: أنه من أشرف العلوم وأفضلها إذ العلم إنما يشرف بشرف موضوعه وأشرف الكلام بعد كلام الله تعالى هو كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم.

علم الحديث دراية

علم الحديث دراية مدخل ... "علم الحديث دراية": تعريفه: هو علم بقوانين يعرف به أحوال السند والمتن وموضوعه السند والمتن هكذا عرفه الشيخ عز الدين بن جماعة وغيره وقال الحافظ ابن حجر: هو معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي1. ويمكن أن نعرفه بتعريف أوضح فنقول: هو علم بأصول وقواعد يتوصل بها إلى معرفة الصحيح والحسن والضعيف. وأقسام كل. وما يتصل بذلك من معرفة معنى الرواية وشروطها وأقسامها. وحال الرواة

_ 1 تدريب الراوي ص5 وليس بين التعريفين فرق يذكر، لأن القوانين في تعريف الشيخ عز الدين هي القواعد في تعريف الحافظ ابن حجر والسند هو الراوي والمتن هو المروي.

وشروطهم, والجرح والتعديل, وتاريخ الرواة ومواليدهم ووفياتهم, والناسخ والمنسوخ ومختلف الحديث وغريبه إلى غير ذلك من المباحث والأنواع التي تذكر في كتب هذا الفن. وموضوعه: الراوي والمروي من حيث القبول والرد. وفائدته: معرفة المقبول من المردود, وتمييز الصحيح من الحسن من الضعيف. وغايته: صيانة الأحاديث من الكذب والاختلاق وبذلك تصان الشريعة من التحليل والتحريم بغير دليل. وواضعه: الإمام القاضي الرامهرمزي المتوفى سنة 360هـ. ومسائله: قضاياه التي تذكر فيه كقولهم: الصحيح هو ما اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة. والضعيف ما فقد شروط الصحة أو الحسن كلا أو بعضا وهكذا. ونسبته: إلى غيره من العلوم الشرعية التي ينبغي الاعتناء بها: التباين، وإن كانت لا غنى لها عنه. وحكمه: أنه من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، فإن فرطت فيه الأمة أثمت كلها. واستمداده: من كلام أئمة الحديث ورواته, وأئمة الجرح والتعديل، وأئمة الفقه والاجتهاد المستند إلى ما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم. وفضله: أنه من أشرف العلوم وأجلها إذ هو يتعلق بالذب عن حديث رسول الله وسنته.

تاريخ علم الحديث دراية

"تاريخ علم الحديث دراية": إن أئمة الحديث عنوا به عناية فائقة من ناحية حفظه وضبطه, وتدوينه وتأليف الكتب الجامعة لمتونه, وقد بدأت هذه العناية من لدن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم. فقد كتبه بعض الصحابة في عهده وبعد عهده وكتبه التابعون وإن كان بدء التدوين مدونا عاما كان من أول القرن الثاني, ثم لم تلبث حركة التدوين أن ازدهرت شيئا فشيئا, وما كاد ينتهي القرن الثالث حتى كانت السنن والأحاديث مدونة كلها تقريبا في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها ولم يبق منها إلا شيء أقل من القليل كما ستعلم ذلك فيما بعد إن شاء الله. كذلك عنوا به من نواح أخرى من جهة سنده ومتنه مما يتوقف عليه قبوله أورده, ولعمر الحق أن البحث عنه من هذه النواحي لبحث جليل القدر جم الفائدة, إذ يتوقف عليه تمييز الطيب من الخبيث, وتطهير الأحاديث مما عسى أن يكون دخلها من التزيد والاختلاق, وتلك النواحي التي بحثوا فيها مثل البحث في الرواية وشروطها وأقسامها, والتحمل والأداء والبحث عن أحوال الرواة من جرح وتعديل وقواعد كل، وبيان الصحيح من الحسن من الضعيف وأقسام كل, وبيان غريب الحديث, وناسخه ومنسوخه ومختلفه ومتعارضه وعلله إلى غير ذلك مما ذخرت به كتب أصول الحديث. "قبل عصر التدوين": وقد علمت أن التدوين للأحاديث إنما كان في آخر القرن الأول، ولم تكن مباحث هذا الفن وقواعده قبل عصر التدوين مدونة في السطور وإنما كانت منقوشة في الصدور. وعلى صفحات القلوب شأنها في ذلك شأن معظم الأحاديث قبل التدوين. وما كان رواة الأحاديث

والجامعون له بغائبة عنهم أصول هذا الفن وقواعده, بل كانوا يعرفونها حق المعرفة فكان وجودها في الأذهان, وإن لم توجد في الأعيان وليس أدل على هذا مما نقل إلينا من التثبت البالغ والتحوط الشديد في قبول الرواية والعمل بها, والتحرج من الإكثار من الرواية خشية الغلط أو النسيان, أو التزيد والوضع, وقد وضع أساس هذا التثبت الخلفاء الراشدون المهديون ومن جاء بعدهم من أئمة العلم والحديث. "بعد عصر التدوين": ولما دونت الأحاديث تدوينا عاما ودونت كتب أخرى في علوم أخرى وجدنا الكثير من قواعد هذا العلم وأصوله مفرقة في أثناء كتبهم المؤلفة في متون الأحاديث، أو المؤلفة في الفقه وأصوله, فمن ذلك ما نجده في أثناء مباحث كتابي "الرسالة" و"الأم" للإمام الشافعي المتوفى سنة 204هـ وما نقله تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241هـ في أسئلتهم له ومحاورتهم معه, وما كتبه الإمام مسلم بن الحجاج المتوفى سنة 261هـ في مقدمة صحيحه, وهي مقدمة صحيحه, وهي مقدمة قيمة وتعتبر من المحاولات الجدية في تدوين هذا العلم, ولولا أنها مقدمة للصحيح لاعتبرتها أول ما دون في أصول الحديث والرواية, بالمعنى الفني الدقيق, وما ذكره الإمام أبو داود السجستاني المتوفى سنة 275هـ في رسالته إلى أهل مكة في بيان طريقته في كتابه "السنن" المشهور, وما ذكره الإمام أبو عيسى الترمذي المتوفى سنة 276هـ في ثنايا كتابه الجامع من تصحيح للأحاديث وتحسين وتضعيف ونقد للرواة وتعديل وتجريح, وما أثبته في كتاب "العلل" الذي هو في آخر جامعه. وكتابه "العلل" الذي ألفه على سبيل الاستقلال. وما ذكره الإمام البخاري في تواريخه الثلاثة, وما ذكره الأئمة المتقدمون في كتبهم التي وضعت في الجرح والتعديل وتاريخ الرجال

بحيث يخلص لنا من كل ما ذكرنا الكثير من قواعد هذا العلم وما ذكره أثناء كتابه "الجامع الصحيح" من بعض مسائل هذا العلم. "تدوين بعض الكتاب المستقلة في بعض أنواعه": كذلك ألفت كتب كثيرة في بعض أنواعه فمنهم من أفرد بالتأليف غريب الحديث كما فعل أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى سنة 210هـ وأبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ وابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري المتوفى سنة 276هـ وأبو عبيد أحمد بن محمد الهروي المتوفى سنة إحدى وأربعمائة له كتاب الغريبين: غريب القرآن وغريب الحديث. وأبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 538هـ وأبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري المتوفى سنة 606هـ في كتابه "النهاية" وهو أوفى كتب الغريب وأشملها. ومنهم من أفرد بالتأليف البحث عن أحوال الرجال وهي كثيرة منها ما ألف في الثقات ككتاب أبي حاتم محمد بن حبان البستي ومنها ما ألف في الضعفاء ككتاب "الضعفاء" للبخاري والنسائي والدارقطني, ومنها ما ألف فيما هو مشترك بينهما كتواريخ البخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم و"الطبقات" لابن سعد. ومنهم من أفراد بالتأليف الناسخ والمنسوخ وذلك كما فعل قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة 118هـ والحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن الأثرم المتوفى سنة 261هـ. ومنهم من ألف في مختلف الأحاديث كما فعل الإمام الشافعي وابن قتيبة الدينوري وممن ألف في مختلف الحديث الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الطحاوي المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وهو كتابه القيم "مشكل الآثار".

ومنهم من ألف في علل الحديث مثل علي بن المديني المتوفى سنة 234هـ والإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 327هـ والإمام الدارقطني المتوفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. "التدوين في هذا العلم كفن مستقل": ثم رأى بعض أئمة الحديث أن يجمعوا ما تفرق من بحوث هذا العلم في كتاب واحد يكون جامعا لأصول هذا الفن. ورءوس مسائله لا لجميع جزئياته ومباحثه. فمن ثم جاءت كتب هذا الفن كالفهارس بالنسبة لما تفرق من تلك الكتب التي تكون مكتبة عامرة. "أسماء هذا العلم": ولكون هذا العلم خلاصة علوم متعددة ومعارف متنوعة على ما ذكرنا سماه بعض العلماء "علوم الحديث" بالجمع لمحا للأصل, ولكون هذا العلم أصلا لعلم الحديث رواية وهو منه بمنزلة "أصول الفقه" من "الفقه" سمي "علم أصول الحديث" ولكون أصوله وقواعده تغلب عليها الاصطلاحات الفنية سمي "علم مصطلح الحديث" ولكون هذا العلم يقابل علم الحديث رواية سمي "علم الحديث دراية". فهذه الأربعة أسماء لمسمى واحد. وهو هذه المباحث التي تدور حول الرواية والراوي والمتون والأسانيد من حيث القبول والرد. "متى دون هذا الفن وأشهر الكتب المؤلفة فيه": وكان ظهور التدوين في هذا العلم كفن مستقل في القرن الرابع الهجري على ما نعلم وإليك أشهر ما ألف فيه. 1- أول ما ألف فيه القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن

ابن خلاد الرامهرمزي1 المتوفى حوالي سنة 360هـ فألف كتابا سماه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" ولكونه أول محاولة لم يجئ كتابه على ما ينبغي, فلم يستوعب كل أنواع هذا العلم ومباحثه, وهذه هي السنة في التآليف, فما من علم مبتدع إلا ويبدأ صغيرا ثم يكبر وقليلا ثم يكثر. 2- ثم جاء بعده الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع النيسابوري صاحب كتاب "المستدرك على الصحيحين" و"الإكليل" و"المدخل إليه" في مصطلح الحديث. و"تاريخ نيسابور" المتوفى سنة 405هـ فألف كتابه "علوم الحديث" ولكنه لم يهذب الفن كما ينبغي ولم يرتبه الترتيب المنشود. 3- ثم تلاه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني صاحب كتاب "حلية الأولياء" و"المستخرج على البخاري" المتوفى سنة 430هـ فعمل على كتاب الحاكم مستخرجا زاد فيه أشياء على ما في كتابه. لكنه أبقى أشياء لم يذكرها فتداركها من جاء بعده. 4- ثم جاء بعد هؤلاء الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي صاحب "تاريخ بغداد" وغيره المتوفى سنة 463هـ فألف في قوانين الرواية كتابا سماه "الكفاية في قوانين الرواية" وفي آدابها كتابا سماه "الجامع لآداب الشيخ والسامع". وقل فن من فنون الحديث إلا وقد ألف فيه كتابا مفردا, فكان كما قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 629هـ "كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال

_ 1 بفتح الميم الأولى وضم الهاء وسكون الراء وضم الميم الثانية بعدها زاي بلد بخوزستان في فارس وهي في الجانب الغربي من إيران على مقربة من الخليج العربي وهو مكونة من كلمتين "رام" و"هرمز" ومعنى "رام" بالفارسية المراد والمقصود و"هرمز" أحد الأكاسرة ومعناها مراد هرمز.

على كتبه"1. 5- ثم جاء القاضي عياض بن موسى اليحصبي الأندلسي صاحب كتاب "الشفاء" وغيره المتوفى سنة 544هـ فألف كتابا سماه "الإلماع في ضبط الرواية وقوانين السماع". 6- وألف أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانجي2 المتوفى سنة 580هـ رسالة مختصرة سماها "ما لا يسع المحدث جهله"3. 7- ثم جاء فارس هذه الحلبة الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المشهور بابن الصلاح الشهرزوري4 نزيل دمشق المتوفى سنة 643هـ فألف لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور "علوم الحديث" ويعرف بمقدمة ابن الصلاح. وقد اعتنى ابن الصلاح بتصانيف الخطيب وغيره ممن سبقه فهذبها وجمعها في كتابه هذا, ولكنه أملاها على طلبته شيئا فشيئا من غير سبق روية وتفكير, وتعمل وتأمل في الترتيب والتنسيق. فلهذا لم يجئ ترتيبه على الوضع المتناسب الدقيق كما هو الشأن في التآليف المنسقة, فلم يذكر ما يتعلق بالمتن وحده وما يتعلق بالسند وحده, وما يشتركان معا فيه, وما يختص بكيفية التحمل والأداء وحده, وما يختص بصفات الرواة وحده وهكذا وقد اعتذر عنه الإمام السيوطي في كتابه التدريب5 بأنه جمع متفرقات هذا الفن من كتب مطولة في هذا الحجم اللطيف ورأى أن تحصيله وإلقاءه إلى طالبيه أهم

_ 1 عيال الرجل من تلزمه نفقتهم والمعنى أنهم اعتمدوا على كتبه كما يعتمد الأولاد على أبيهم. 2 بفتح الميم الأولى وكسر النون والجيم بلدة من بلاد أذربيجان. 3 بنصب المحدث ورفع: جهله ويجوز العكس، أما الأول فمعناه ما لا ينبغي للمحدث جهله، وأما الثاني فعلى معنى ما لا يطيق المحدث جهله. 4 بفتح المعجمة وسكون الهاء وفتح الراء وضم الزاي مدينة ببلاد المراغة بين الموصل وهمذان. 5 ص14 من الطبعة التي علق عليها الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف رحمه الله تعالى.

من تأخير ذلك إلى أن تحصل العناية التامة بحسن ترتيبه وإجادة تنسيقه وقد ذكر في كتابه خمسة وستين نوعا وقال: وليس بآخر الممكن في ذلك فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى1. وقد صدق فقد وصل بالأنواع السيوطي في التدريب إلى ثلاثة وتسعين نوعا. منها ما أدمجه ابن الصلاح في غيره كالمعنعن والمعلق فقد ذكرهما في نوع المعضل. ومنها ما فاته كالقوي والجيد. والمعروف والمحفوظ، والثابت، والصالح، وكمن اتفق اسمه واسم شيخه ونحوهما2 وقد شرح كتاب ابن الصلاح الحافظ العراقي وهو شرح نفيس قيم له فيه عليه إيضاحات وتفسيرات وتقييدات وزيادات3 وقد سماه "التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من علوم ابن الصلاح" وقد اعتنى العلماء بكتاب ابن الصلاح. وسار في فلكه جل من ألف بعده في علوم الحديث, فمنهم من نظمه, ومنهم من اختصره ومنهم من اقتصر على بعض ما جاء فيه, ومنهم من استدرك عليه بعض ما فاته, ومنهم من انتصر له ونافح عنه. 8- فمن نظمه الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806هـ في كتابه "ألفية الحديث" وشرحها هو بنفسه وكذلك شرحها بعده الحافظ السخاوي في شرح جيد وهو أحسن شروحها وهو مطبوع. 9- وممن اختصره الإمام الحافظ أبو زكريا محيي الدين النووي المتوفى سنة 676هـ صاحب كتاب "المجموع" و"الروضة" في فقه الشافعية, وشرح صحيح مسلم وغيرها من الكتب النافعة في كتاب سماه "الإرشاد" ثم اختصر المختصر في كتاب سماه "التقريب" وقد شرحه

_ 1 مقدمة ابن الصلاح ص6. 2 التدريب ص14، 15. 3 طبعت المقدمة وشرحها بحلب سنة 1350هـ.

شرحا وافيا الإمام السيوطي المتوفى سنة 911هـ في كتاب سماه "تدريب الراوي" ويعتبر شرحا للتقريب على الخصوص ثم لكتاب ابن الصلاح وغيره من كتب الفن على العموم, فمن ثم جاء كتاب "التدريب" أوفى ما كتب في علم مصطلح الحديث وأصوله, وعليه المعول لكل من ألف في الفن بعده, وقد أكثر فيه من النقول والنصوص, تاركا لمن جاء بعده التحقيق والتمحيص, والموازنة والترجيح. 10- وممن اختصره أيضا الإمام الحافظ الفقيه المفسر المؤرخ عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774هـ في كتاب سماه "الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث" وله فيه على ابن الصلاح استدراكات مفيدة, وتعقبات مهمة, وزيادات وتوضيحات قيمة. وممن اختصره مع الزيادات قاضي القضاة بمصر الإمام بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني المتوفى سنة 733هـ وسمى كتابه "المنهل الروي في الحديث النبوي". وممن اختصره أيضا مع زيادات وتحقيقات الإمام أبو حفص سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقيني المتوفى سنة خمس وثمانمائة وسمى كتاب: "محاسن الاصطلاح في تضمين كتاب ابن الصلاح". 11- ومن المختصرات الجامعة في هذا الفن رسالة موجزة ألفها الإمام الحافظ الفقيه المحقق أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المصري المتوفى سنة 852هـ سماها "نخبة الفكر في مصطلحات أهل الأثر" وشرحها بشرح سماه "نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر" وشرح الشرح العلامة الشيخ علي بن سلطان محمد الهروي القاري الحنفي المتوفى سنة 1014هـ, وقد نهج في النخبة الحافظ ابن حجر نهجا مبتكرا. ونقل السخاوي في "الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع" في ترجمة الحافظ أنه سمعه يقول: "لست راضيا عن شيء من تصانيفي لأني

عملتها في ابتداء الأمر. ثم لم يتهيأ لي من تحريرها سوى شرح البخاري ومقدمته والمشتبه والتهذيب ولسان الميزان. بل كان يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أتقيد بالذهني, ولجعلته كتابا مبتكرا, بل رأيته في مواضع أثنى على شرح البخاري, والتعليق والنخبة" والنخبة وشروحها مطبوعة. 12- ظفر الأماني شرح مختصر الجرجاني، مؤلف المتن العلامة السيد الجرجاني المتوفى سنة 816هـ, والشرح للعلامة محمد عبد الحي اللكنوي المتوفى سنة 1304هـ. 13- ومن المنظومات التي ألفت في هذا الفن ألفية الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال الأسيوطي المتوفى سنة 911هـ سماها "نظم الدرر في علم الأثر" وشرحها بشرح سماه "قطر الدرر" وهي مطبوعة. 14- ومن الكتب الجامعة في هذا الفن كتاب "توجيه النظر إلى علوم الأثر" ومؤلفه العلامة الشيخ طاهر بن صالح الجزائري الدمشقي المتوفى سنة 1338 ولتأخر مؤلفه قد جمع فيه خلاصة ما قاله العلماء السابقون في هذا العلم. ولا سيما علماء أصول الحديث وأصول الفقه. 15- "قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث" ألفه العلامة الشيخ محمد جمال الدين القاسمي المتوفى سنة 1332هـ, وهو عبارة عن نقول من كلام العلماء السابقين في هذا العلم ولد فيها فضل الترتيب والتبويب. والجمع والتهذيب. وفي بعض الأحايين يناقش قولا أو يرجح رأيا على رأي. 16- "الطراز الحديث" للشيخ الأكبر أبي الفضل الجيزاوي شيخ الجامع الأزهر سابقا وقد جاء على أوجز ما يكون وهو مطبوع للمرة الرابعة عام 1305هـ.

17- مفتاح السنة أو "تاريخ فون الحديث" للعلامة الشيخ محمد عبد العزيز الخولي خريج مدرسة القضاء الشرعي المتوفى في القرن الرابع عشر وهو كتاب وسط ونافع ومفيد عرض فيه لمنزلة السنة من القرآن وابتداء التدوين. وأشهر الكتب المؤلفة في القرون الأولى ولا سيما القرن الذهبي لتدوين كتب الحديث ودواوينه وهو القرن الثالث. كما عرض فيه لتواريخ علوم الحديث وقد طبع بمصر سنة 1347هـ. 18- أحسن الحديث للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن المحلاوي أحد كبار علماء الأزهر الشريف اختصر فيه البيقونية وشروحها وحواشيها وقد طبع بمصر سنة 1331هـ. 19- مصطلح الحديث: للعلامة الشيخ عبد الغني محمود أحد كبار علماء الأزهر اختصر فيه النخبة وشروحها وقد طبع بمصر عام 1325هـ للمرة الثانية. 20- الأسلوب الحديث في علوم الحديث لشيخنا العلامة الشيخ أمين الشيخ أحد كبار علماء الأزهر. وهو في جزئين وسيطين اعتمد فيه كل كتب السابقين ولا سيما كتاب "ظفر الأماني" شرح مختصر الجرجاني في "ومفتاح السنة" وذكر في آخره جملة عن الأحاديث المشكلة والإجابة عنها وعدتها واحد وعشرون حديثا وقد طبع للمرة الثانية عام 1358. 21- ضوء القمر في توضيح نخبة الفكر. 22- الموجز في علوم الحديث جزءان متوسطان. قصد مؤلفه بالرسالة الأولى تقريب "نخبة الفكر" وشرحها "نزهة النظر" إلى طلاب العلم بعبارة سهلة ميسرة خالية من التعقيد. والكتاب الثاني بجزءيه ألفه المؤلف لطلاب التخصص: "قسم الدعوة

والإرشاد، التابع لكلية أصول الدين إحدى كليات الجامع الأزهر المغمور بالعلم والعلماء التي أنشئت بالقانون الصادر في عام 1930. وكلا الكتابين ألفهما أستاذنا العلامة الشيخ محمد بن علي أحمدين، أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين آنذاك. وقد كان -رحمه الله وأثابه- من المهتمين بدراسة الحديث وعلومه والانتصار له ولأئمته الجامعين له، وقد كنت أنا وغيري من طلاب الحديث في هذا العصر نعتبره بحق وإنصاف من أعلم العلماء بالحديث وعلومه إن لم يكن أعلمهم، وكان -رحمه الله- يمتاز بجمال الأسلوب وحسن عرض المسائل العلمية عرضا حسنا جميلا. 23- "المنهل الحديث في علوم الحديث". وهو لأستاذنا العلامة الشيخ محمد بن عبد العظيم الزرقاني صاحب "مناهل القرآن في علوم القرآن وهو جزآن". وكان -رحمه الله- أستاذًا لعلوم الحديث بقسم "تخصص الدعوة والإرشاد" وأستاذ "علوم القرآن" بهذا القسم أيضًا، وقد كان رحمه الله جيد العرض للمسائل العلمية بأسلوب سهل مستساغ، وقد طبع هذان الكتابان وانتفع بهما كثير من طلاب العلم وكان -رحمه الله- إلى جانب قيامه بالتدريس في هذا التخصص مشتغلًا بالدعوة إلى الله، والمنافحة عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم. كتب أخرى: وهناك كتب أخرى منها الوسط، ومنها المختصر، ومنها المطول للأحياء من علماء الأزهر من طبقتنا ومن هم بعد طبقتنا، ومن غيرهم من علماء الإسلام في الأقطار الإسلامية الأخرى ندع الحديث عنها للتاريخ، وخشية التطويل.

"رد شبهات المستشرقين وأبواقهم": كما أحب أن أنبه إلى أنه نبتت نابتة تابعت المستشرقين وأعداء الإسلام في الطعن في الأحاديث ورجاله ولا سيما الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه وقد قيض الله من علماء الأزهر وغيرهم من العلماء في الأقطار الإسلامية الأخرى من دافع عن الأحاديث والسنن، ورد الطعون التي أثيرت حول السنة ورجالها ردا علميا صحيحا وقد أراد الله سبحانه أن أساهم في هذا المضمار الشريف في كتابي "دفاع عن السنة، ورد شبه المستشرقين، والكتاب المعاصرين" فلله الحمد والمنة على ما وفق وأعان وقد طبع الكتاب ونفد, وقد أحببت أن أشارك في التأليف في هذا العلم: علوم الحديث فكان هذا الكتاب "الوسيط في علوم، ومصطلح الحديث" نفع الله به، وجعله في موازيني يوم القيامة.

الرواية في الإسلام

الرواية في الإسلام: تعريف الرواية: الرواية في اللغة: في القاموس المحيط مادة "روي ج4 ص337": روي من الماء واللبن كرضي ريا وريا وروى وتروي وارتوى بمعنى، والشجر تنعم كتروَّى والاسم الري بالكسر وأرواني وهو ريان، وهي ريا جمع رواء والراوية المزادة فيها الماء ... روى الحديث يروي رواية وترواه بمعنى وهو راوية للمبالغة وعلى أهله ولهم أتاهم بالماء والقوم استقى لهم وروَّيته الشعر حملته على روايته كأرويت": في المصباح المنير "روى من الماء يروي ريا, والاسم الري "بالكسر" ويعدى بالهمزة والتضعيف. فيقال: أرويته ورويته فارتوى وتروى ... وروى البعير الماء يرويه من باب رمى: حمله فهو راوية والهاء للمبالغة, ثم أطلقت الرواية على كل دابة يستقى بالماء عليها. ومنه يقال: رويت الحديث إذا حملته ونقلته ويعدى بالتضعيف فيقال: روَّيت زيدا الحديث. ويبنى للمفعول فيقال: روينا الحديث1 ... "ومن هذين النصين يتبين أن معنى الرواية لغة الحمل والنقل أو الإسقاء والإرواء بالماء وفي اصطلاح المحدثين: هي نقل الحديث وإسناده إلى من عزى أي نسب إليه بصيغة من صيغ الأداء كحدثنا وأخبرنا وسمعت وعن ونحوها, والمناسبة بين المعنى الاصطلاحي واللغوي ظاهرة واضحة. وركناها: ومن هذا التعريف يتبين أن ركنيها التحمل والأداء, ولها طرق وشروط, وسيأتي بيان ذلك تفصيلا.

_ 1 المصباح المنير مادة روى.

شرط الرواية: تحمل راويها لما يرويه بطريق من طرق التحمل المعتبرة عند أئمة النقل وهي: إما سماع من الراوي عن المروي عنه, أو قراءة عليه وعرض, أو إجازة, أو مناولة, أو مكاتبة, أو إعلام, أو وصية، أو وجادة وسيأتي بيانها. أقسامها: تنقسم الرواية أولا إلى: 1- متصلة. 2- ومنقطعة. فالمتصلة: أن يكون كل راو سمع ممن فوقه مباشرة وروى عنه. والمنقطعة: ما ليست كذلك. ومرجع معرفة ذلك إلى علم تواريخ الرجال, فهو من الأهمية بمكان وتنقسم ثانيا إلى: 1- رواية باللفظ. 2- رواية بالمعنى. الرواية باللفظ: وهو أن يؤدي الراوي المروي على لفظه الذي سمعه من غير تحريف ولا تغيير, وهذا القسم لا خلاف في جوازه وقبوله إذا توافرت فيه شروط القبول. الرواية بالمعنى: وهو أن يؤدي الراوي مرويه بألفاظ من عنده كلا أو بعضا مع المحافظة على المعنى بحيث لا يزيد فيه شيئا ولا ينقص منه شيئا. ولا يحرف ولا يبدل. وهذا النوع مختلف في جوازه وعدمه. فمنعها بعض المحدثين والفقهاء والأصوليين منعا باتا. والجمهور من العلماء على جوازها بشروط: أن يكون الراوي عالما بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها خبيرا بما يحيل المعاني, بصيرا بمقدار التفاوت بينها, عارفا بالشريعة ومقاصدها وقواعدها, وأما إذا لم يكن عارفا بما ذكر فلا تجوز قط بالإجماع وسيأتي إن شاء الله تفصيل القول في هذا.

كون الرواية طريقا إلى العلم

"كون الرواية طريقا إلى العلم": الرواية أحد طرق العلم المشهورة لأنها طريق إلى الخبر المفيد للعلم1 وقد قال العلماء إن أسباب العلم ثلاثة: 1- العقل. 2- الحواس السليمة. 3- والخبر. والمراد بالخبر ما يشمل المتواتر وغيره. فإن كان متواتر أفاد اليقين والقطع. وإن كان غير متواتر أفاد الظن والرجحان, وقد يقترن بأخبار الآحاد من القرائن ما يرقى بها إلى إفادة اليقين ككون الحديث مرويا من طريق الأئمة المتفق على عدالتهم وضبطهم وجلالتهم, أو تلقي الأمة له بالقبول كالأحاديث التي اتفق عليها البخاري ومسلم, أو انفرد بها أحدهما فيما عدا الأحاديث القليلة التي انتقدت عليهما, أو الأحاديث التي اتفق عليها أصحاب الكتب الستة وهذا العلم اليقيني إنما يحصل للعلماء الذين وقفوا على شروط الأئمة الجامعين للحديث ومبلغ تحريهم. ومبالغتهم في البحث عن الرواة والنظر في كتبهم, وتذوقوا الأحاديث بذوقهم, وسبروها بمسبارهم. أما غيرهم فهذا العلم ربما يبدو غريبا أو بعيدا عندهم.

_ 1 المراد بالعلم ما هو أعم من اليقين والظن, وهو إدراك الطرف الراجح حتى يدخل في الخبر الأخبار المتواترة وأخبار الآحاد.

تاريخ الرواية

تاريخ الرواية: الرواية عند الأمم السابقة: الرواية ليست من خصائص الأمة الإسلامية، فقد وجدت في الأمم الغابرة والأجيال الماضية كالفرس واليونان والرومان والهنود وغيرهم. فقد كانوا يعتمدون عليها في نقل وحفظ ما يتعلق بأنساب آلهتهم وعظمائهم وسير أبطالهم ومشاهيرهم, ووقائعهم وملاحمهم المشهورة, وأشعار شعرائهم, وقصص قصاصهم إلى غير ذلك مما يحتاجون إليه في ربط الحاضر بالماضي. وقد نبغ في اليونان والرومان مؤرخون أمثال "هيرودوت" و"توسيديد" كتبوا التاريخ ونظموه بالقدر الذي يسمح به عصرهم كما نبغ فيهم شعراء, وقد بقي لنا من آثارهم في شعر الملاحم والقصص: الإلياذة والأوديسة1 للشاعر هوميروس2 بيد أن هذه الأمم لم تبلغ في الرواية والنقل عن أسلافهم ما بلغت الأمة العربية لأنها كانت أمما أقرب إلى الحضارة منها إلى البداوة, كما كانوا أهل علم بالقراءة والكتابة أكثر من العرب, ولأنهم لم يكن لهم من الخصائص النفسية والبواعث المعنوية مثل ما لأمة العرب. الرواية عند العرب: وفي مقدمة الأمم التي عنيت بالرواية الأمة العربية, فقد كانت الرواية فاشية فيهم, لأنهم كانوا أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب وإن وجد

_ 1 فجر الإسلام ص166. 2 أحد شعراء اليونان وأدبائهم.

فيهم من يعرف القراءة، ويجيد الكتابة فهم قلة جدا ... وكان ديدنهم التكاثر، والتنافر، والتفاخر, بالأحساب والأنساب والتنابذ بالمعايب والألقاب. كما كانوا يحافظون أشد المحافظة على صفاء أنسابهم وصيانتها من الهجنة والاختلاط, فمن ثم عنوا بحفظ أنسابهم وما كان لآبائهم وأسلافهم من أمجاد ومفاخر, وما كان لأعدائهم من مثالب ونقائص. وما كان بينهم وبين غيرهم من حروب ووقائع. فكان من الضروري لهم أن يعلموا ما يؤدي به هذه الأغراض. ولما كانوا ليسوا ممن يخط بالقلم لم يكن لديهم من الكتب والصحف ما يقيدون فيه هذه المفاخر أو المثالب أو الوقائع وما فيها من البطولات كان لا بد لهم من الاعتماد على الحفظ والذاكرة. فمن ثم نشأت عندهم ملكة الأخذ عن الغير, وتحمل بعضهم عن بعض حتى كان الواحد منهم كأنه سجل يدون فيه التاريخ. وكان الواحد منهم يعظم في قومه بمقدار ما يحفظ من الأنساب والأحساب, وطبعي أنهم لم يكونوا في هذا سواء, بل كانوا متفاوتين في الحفظ والضبط على قدر تفاوتهم في الاستعداد والأحوال والملابسات, فمنهم ما يتعلق ببعض القبائل, ومنهم من كان يقتصر على حفظ ما يتعلق بنسب قبيلته ومفاخرها. وأيضا فقد كان الشعر يعتبر سجل العرب وديوانهم, وكان الشاعر يعتبر لسان القبيلة المتغني بفضائلها, والذائد عن عرضها, فكان يقوم مقام وسائل الإعلان والدعاية في عصرنا هذا من نشر وصحافة وإذاعة. ولذلك ما كانوا يسرون بشيء أعظم من سرورهم بشاعر ينبغ في القبيلة قال ابن رشيق في العمدة: "وكانوا -أي العرب- لا يهنئون إلا

بغلام يولد، أو شاعر ينبغ، أو فرس تنتج1. وما كان الشعر بمدون في كتب أو صحف. وإنما كان الاعتماد فيه على الرواية, يرويه الخلف عن السلف, ويروونه لمن بعدهم2 ومن هذا العرض الموجز يتبين لنا أن الرواية عند العرب في الجاهلية كان عليها جل اعتمادهم في حفظ أشعارهم وأنسابهم ومفاخرهم وأيام حروبهم, وأنهم ضربوا فيها بسهم راجح فاقوا فيه من عداهم. وقد شاء الله لهم هذا حتى يكون من الأسباب الحاملة للأمة العربية على أن تحفظ كتاب ربها وسنة نبيها وتبليغهما للناس كافة لما تشرفت بجمل خاتمة الرسالات إلى الناس كافة وأشرفها وأحقها بالخلود. مميزات الرواية في الإسلام: والرواية وإن كانت قديمة معروفة قبل الإسلام إلا أن الرواة قبل الإسلام من العرب وغيرهم ما كانوا يهتمون بتصحيح الأخبار والتحري عن رواتها والبحث عن صدقها ومطابقتها للحق والواقع, ولم يكن عندهم من صفة النقد والجرح والتعديل وتمحيص المرويات مثل ما كان للرواية بعد الإسلام, وذلك لأن تلك المرويات لم يكن لها من القداسة والحرمة والتقدير ما للمرويات الإسلامية. فمن ثم لم يدققوا فيها, ولذلك نجد أغلبها أساطير وأحاديث خرافة, يقصد بها إشباع الرغبة أو التسلية أو بث روح الإقدام والشجاعة، واستنهاض الهمم وإثارتها للحروب. أما الرواة الإسلاميون فهم يعلمون حق العلم أن مرجع الأحكام الشرعية من حلال وحرام وغيرهما إلى القرآن الكريم والسنة النبوية,

_ 1 بضم التاء وسكون النون وفتح التاء آخره جيم على صيغة المبني للمجهول. 2 تاريخ الأدب العربي للرافعي.

ويعلمون أن التساهل في زيادة شيء من الدين كالتساهل في نقص شيء منه. والقرآن الكريم ثابت بالتواتر المفيد للقطع واليقين في نسبته إلى الله جل وعلا, فلا مجال للشك فيه, فكان لا بد لهم من أن يتأكدوا من صحة نسبة الأحاديث والسنن إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه, فمن ثم شددوا في الرواية, ووضعوا لها شروطا وأصلوا لها أصولا وقواعد هي أدق وأرقى ما وصل إليه علم النقد في القديم والحديث. فهذا القدر وهو الاعتناء بتصحيح الأخبار والتثبت منها ونقدها من جهة السند والمتن نقدا علميا صحيحا هو الذي اختصت به الرواية الإسلامية. "عناية المسلمين بنقد الأسانيد والرواة": وقد عُنِيَ العلماء المسلمون ولا سيما علماء الحديث والفقه والأصول بعلم الإسناد ونقد الرواة عناية فائقة إذ به يعرف التمييز بين الصحيح والحسن والضعيف من المرويات والمقبول من المردود منها, وذلك لما رأوا الله ورسوله يحضان على التثبت في المرويات وأنه لا يقبل إلا خبر العدل الضابط, ففي الكتاب الكريم يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} 1 وقال أيضا جل ثناؤه: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} 2 وقال عز شأنه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} 3 فقد دل ما ذكرنا من الآي أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير

_ 1 الحجرات آية 6. 2 البقرة آية 283. 3 الطلاق آية 3.

العدل مردودة، والخبر وإن فارق معناه الشهادة في بعض الوجوه. فقد يجتمعان في أعظم معانيها إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم, كما أن شهادته مردودة عند جميعهم, ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق, وهو الأثر المشهور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى 1 أنه كذب فهو أحد الكاذبين" 2. وروي في الصحيحين عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد, فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 3, وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع". وكذلك ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم النهي عن الرواية عن الكذابين والضعفاء والمجروحين والمجهولين, والتحري في الرواية, ففي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يكون في آخر الزمان دجالون4 كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم, فإياكم وإياهم لا يضلونكم". وروى بسنده عن مجاهد قال: "جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه5 ولا ينظر إليه فقال: يابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا

_ 1 روى يرى بضم الياء بمعنى يظن وبفتحها بمعنى يعلم. وروى الكاذبين بصيغة الجمع وبصيغة المثنى وقد دل الحديث على أنه إن علم كذب حديث أو غلب على ظنه ذلك حرم عليه روايته دون بيان وضعه. 2 مقدمة صحيح مسلم ج1 ص61، 62. 3 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب إثم من كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم، وصحيح مسلم ج1, باب تغليظ الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم. 4 جمع دجال وهو المموه الذي يحاول أن يلبس الباطل ثوب الحق. 5 لا يستمع ولا يصغي.

تسمع!! فقال ابن عباس: إنا كنا مرة1 إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا, فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف", وفي رواية طاوس للقصة: "فلما ركب الناس الصعب2 والذلول تركنا الحديث عنه", وروى بسنده عن محمد بن سيرين قال: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم". وعنه أيضًا قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد, فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم, فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم, وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم". وروى بسنده عن عبد الله بن المبارك قال: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" وروى عنه أيضًا أنه كان يقول: "بيننا وبين القوم القوائم3 يعني الإسناد وروى بسنده عن أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال: قلت لعبد الله بن المبارك يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء: "إن من البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك. وتصومي لهما مع صومك" قال: فقال عبد الله يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت له. هذا من حديث شهاب بن فراس. قال: ثقة عمن؟ قال: قلت عن الحجاج بن دينار. قال: ثقة عمن؟ قال: قلت: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- مفاوز4 تنقطع فيها أعناق المطي ولكن ليس في الصدقة اختلاق" وذلك لأن الحجاج بن دينار هذا من تابعي التابعين, فأقل ما يمكن أن يكون بينه وبين

_ 1 حينا: وذلك قبل أن يظهر الكذب. 2 أصل الصعب والذلول في الإبل فالصعب: العسر المرغوب عنه: والذلول: الطيب السهل المحبوب فالمعنى سلك الناس كل مسلك مما يذم ويحمد. 3 بجعل الحديث كالحيوان، لا يقوم الحديث بغير إسناد كما لا يقوم الحيوان وينتفع به بغير قوائم. 4 مفاوز: جمع مفازة وهي الصحراء أي انقطاع كثير.

النبي -صلى الله عليه وسلم- اثنان: التابعي والصحابي فلذلك قال هذا. وهذا لون من ألوان النقد الأصيل النزيه. وروى مسلم بسنده عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان فقيه أهل المدينة قال: أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال: ليس من أهله1. وقال سفيان الثوري: "الإسناد سلاح المؤمن" وقال الإمام الشافعي: "مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كحاطب ليل", إلى غير ذلك من النصوص الدالة على العناية بالأسانيد, ونقد الرواة وتشريحهم تشريحا علميا دقيقا. ولولا هذا لوجد الزنادقة وأعداء الإسلام الفرصة سانحة للإفساد في الدين والاختلاق في الأحاديث من غير أن يجدوا من يكشف عن زيغهم وكذبهم ويرد عليهم كيدهم. الإسناد الصحيح المتصل من خصائص الأمة الإسلامية: فلا عجب وقد سمعت خصيصة الرواية في الإسلام أن يكون الإسناد الصحيح المتصل من خصائص الأمة الإسلامية, وإليكم كلام رجل عارف بالملل والنحل وتاريخ المذاهب الإسلامية, وهو الإمام أبو محمد علي بن حزم، قال في كتابه "الفصل في الملل والنحل" ما خلاصته: "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الاتصال خص الله به المسلمين دون سائر الأمم وأما مع الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهود ولكنهم لا يقربون فيه من موسى قربنا من محمد -صلى الله عليه وسلم, بل يقفون بحيث يكون بينهم وبين موسى أزيد من ثلاثين عصرا في أزيد من ألف وخمسمائة عام, وإنما يبلغون بالنقل إلى شمعون ونحوه, وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق وجده فقط على أن مخرجه من كذاب قد ثبت كذبه.

_ 1 صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص78، 88.

وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو مجهول فلا يمكن اليهود أن يصلوا إلى صاحب نبي أصلا, ولا إلى تابع له, ولا يمكن للنصارى أن يصلوا إلى أعلى من شمعون بولص, وقال أبو علي الجياني: "خص الله هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها: الإسناد والأنساب والإعراب"1.

_ 1 التدريب ص183 الباعث الحثيث هامش 189-190.

الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

الحديث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم: كان معظم الصحابة رضوان الله عليهم يأخذون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوحي أخذا شفاهيا بطريق السماع من النبي -صلى الله عليه وسلم, ومن لم تمكنه ظروف حياته من التلقي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مباشرة بسبب السفر أو الاشتغال بالجهاد أو أمور المعاش أخذ عمن تلقى عن الرسول, فقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم1 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يتناوب هو وجار له من الأنصار في الذهاب إلى مجلس الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا ينزل يوما, وذاك ينزل يوما, فإذا نزل أحدهما جاء للآخر بخبر ذلك اليوم من الوحي والأحاديث والأخبار, وهكذا نجد أنهم ما كان يشغلهم دينهم عن دنياهم, ولا تشغلهم دنياهم عن دينهم بل جمعوا بين الحسنيين. وحازوا الفضيلتين: العمل للدنيا والعمل للآخرة. وكذلك من نأى عن الرسول كانوا يرسلون الوفود لتأتيهم بخبر الرسول والوحي قرآنا أو سنة. وذلك كما فعل قوم ضمام بن ثعلبة, فقد وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- رسولا من قومه وسأله عن الرسالة وشرائع الإسلام. وكوفد عبد القيس, فقد وفدوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وسألوه عن الإيمان وشرائع الإسلام فأجابهم وعلمهم وأوصاهم أن يحفظوا الإيمان والعلم, ويبلغوه مَن وراءهم رواهما

_ 1 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب التناوب في العلم، وصحيح مسلم, كتاب الطلاق.

البخاري ومسلم1 بل كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرسل مع الوفود من علماء الصحابة من يقرئهم القرآن. ويعلمهم السنة. ويفقههم في الدين وذلك كما فعل مع الأنصار قبل الهجرة, فقد أرسل معهم الصحابي الجليل مصعب ابن عمير داعيا إلى الإيمان ومقرئا ومعلما. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ما يشحذ عزائمهم إلى حفظ الأحاديث والسنن وتبليغها بمثل قوله -صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع مني مقالة فحفظها ووعاها، فأداها كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع" , رواه أبو داود والترمذي وروى نحوه الشافعي والبيهقي وفي آخره: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". وقال -صلى الله عليه وسلم: "ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه". وقال: "فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع" , رواها البخاري2 وقال -صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما, وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" , رواه الترمذي من حديث طويل إلى غير ذلك من الأحاديث التي كانت تحمل الصحابة على العناية الفائقة بحفظ الأحاديث والسنة وتبليغها. "كتابة القرآن كله": لقد كتب القرآن جميعه بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم, وإن كان كتب مفرقا في العسب والأكتاف، والرقاع, واللخاف3 وتلقاه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة

_ 1 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب القراءة والعرض على المحدث وباب تحريض النبي وفد عبد القيس أن يحفظوا الإيمان والعلم. 2 كتاب العلم باب رب مبلغ أوعى من سامع. 3 العسيب: جمع عسيب طرف الجريد العريض، والأكتاف: جم كتف أي عظم الكتف، الرقاع: جمع رقعة: ما يكتب فيه من جلد أو قماش أو ورق، اللخاف: جمع لخفة: وهي حجارة رقيقة يكتب عليها.

وقد كان المعول عليه في حفظ القرآن, وضبط كلماته هو التلقي والسماع, فقد تلقوه كله عنه آية آية, وكلمة كلمة, وحرفا حرفا من غير تحريف أو تبديل أو زيادة أو نقصان، ثم بلغوه كما تلقوه لمن بعدهم وهكذا نقله كل جيل عمن قبله حتى وصل إلينا كما أنزله الله غضا طريا كأن عهده بالنزول أمس. وبذلك اجتمع للقرآن الكريم الحفظ في الصدور, والكتابة في السطور, والتلقي الشفاهي والكتابي, وصدق الله حيث يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. ولم تقف عنايتهم بالقرآن عند حفظ لفظه. وضبط كلماته بل عنوا برواية كل ما يتصل بالقرآن كتفسيره, ومكيه ومدنيه, وأسباب نزوله, والأحرف التي نزل عليها, وقراءاته، ورسمه. ووقوفه, وطرق أدائه ونحوها. لم لم تدون الأحاديث كلها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم: وإنما لم تدون الأحاديث كلها "كالقرآن" في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمور: 1- لفشو الأمية، وعدم توفر أدوات الكتابة فيهم. 2- ولسعة حفظهم, وسيلان أذهانهم، واعتمادهم على الحفظ أكثر من اعتمادهم على الكتابة. 3- لورود النهي عن ذلك. فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" 2, وهذا هو الحديث الوحيد -فيما أعلم- في هذا المعنى, وسيأتي بيان وجهة هذا النهي. وقد كان هذا النهي بمثابة إشحاذ الهمم، وتقوية العزائم لحفظ الأحاديث والسنن, وتبليغها للغير باللفظ إن أمكن وإلا فبالمعنى, ولا سيما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحثهم ويرغبهم في ذلك بمثل ما ذكرناه آنفا.

_ 1 الحجر 9. 2 صحيح مسلم، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم في أواخر الصحيح.

وبمثل ما رواه أبو محمد الرامهرمزي في كتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" بسنده عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: "سمعت علي بن أبي طالب يقول: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم ارحم خلفائي" , قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: "الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس". فمن ذا الذي يسمع هذا وأمثاله, ولا يبذل غاية وسعه في حفظ كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتكون له هذه الخلافة المشرفة؟

الإذن لبعض الصحابة بالكتابة

"الإذن لبعض الصحابة بالكتابة": ومع ورود هذا النهي عن الكتابة فقد أباح النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض الصحابة أن يكتبوا الأحاديث، وهذا يدل على أن النهي لم يكن قاطعا على سبيل الحتم, وأنه لم يكن عاما يقصد به الجميع, وإنما كان لأسباب واعتبارات سنعرض لها فيما يأتي. الأحاديث الدالة على الكتابة في العهد النبوي: وقد وردت أحاديث دالة على أن بعض الصحابة كان يكتب, وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن لبعضهم في الكتابة, وأذن للصحابة أن يكتبوا لغيرهم, فمن ذلك: 1- ما رواه البخاري1 ومسلم2 في صحيحهما وغيرهما "أن عليا رضي الله عنه سئل: "هل عندكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء سوى القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبة, وبرأ النسمة3 إلا أن يعطي الله عبدا فهما في

_ 1 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب كتابة العلم, وصحيح البخاري, كتاب الفرائض, باب إثم من تبرأ من مواليه، وهذه من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي وهي أوفى الروايات. 2 صحيح مسلم, كتاب الحج, باب فضل المدينة ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها بالبركة وبيان تحريمها ورواية مسلم من طريق إبراهيم التميمي عن أبيه قال خطبنا عليٌّ ... إلخ, هي أوفى الروايات وأشملها. 3 خلق النفس.

كتابه, وما في هذه الصحيفة, قلت -هو أبو جحيفة السائل1: وما في هذه الصحيفة؟ قال: "العقل2 وفكاك3 الأسير وألا يقتل مسلم بكافر" وفي رواية لهما: "ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة. فإذا فيها: المدينة هرم ما بين عبر إلى ثور"4. وفي رواية لمسلم بسنده عن علي وفيها: " ... فأخرج صحيفة مكتوبة فيها: لعن الله من ذبح لغير الله ... " الحديث, وللنسائي من طريق الأشتر وغيره عن علي فإذا فيها: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم ... " الحديث, وللإمام أحمد عن طريق ابن شهاب "فيها فرائض الصدقة ... " أي زكاة السوائم من إبل وبقر وغنم ونحوها. وهذا يدل على أن هذه الصحيفة كانت حافلة بكثير من الأحاديث ولكن كلا من الرواة نقل ما حفظه أو اقتصر على بعض ما فيها. 2- ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: "ما من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن

_ 1 كان من صغار الصحابة, قيل: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يبلغ الحلم, وقد روى له الجماعة, وكان علي رضي الله عنه يكرمه ويحبه, ويثق به, وجعله على بيت المال بالكوفة وشهد معه مشاهده كلها. 2 أي الديات سميت الإبل عقلا لأنهم كانوا يعقلونها بالعقل -أي الحبال- حين يقدمونها في الديات. 3 العمل على تخليصه من الأسر ولو كان بفداء. 4 أما وجود عير وثور بالمدينة فقد أنكره مصعب الزبيري وأما أصحاب الغريب وشراح الأحاديث فقد اختلفوا: فمنهم من قال: إن ذكر غير صحيح وثور غير صحيح قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وتابعه ياقوت الحموي في "معجم البلدان" وابن الأثير في "النهاية". والمحققون من المحدثين أثبتوهما كالقاضي عياض والنووي وابن حجر على أن كلا من الجبلين موجود بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وأن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى "ثورا" وقال بعض الذين ألفوا في "أخبار المدينة": "وقد تحققته بالمشاهدة" وكذلك حقق صاحب القاموس المحيط صحة الرواية وأن "عيرا" و"ثورا" جبلان بالمدينة "القاموس المحيط ج1 ص284" ومن أراد استقصاء في هذا فليرجع إلى "فتح الباري" ج4 ص82، 83.

العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب1. 3- ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وغيرهما2: أن أبا شاه3 اليمني التمس من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام الفتح فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه". 4- ما رواه الشيخان والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما اشتد بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وجعه قال: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ... " الحديث. أي آمر بأن يكتب لكم كتاب, فهذا إذن منه -صلى الله عليه وسلم- وهم بالكتابة بالفعل، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأذن ولا يهم إلا بما هو مشروع. 5- ما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمر بن عزم وغيره روى البخاري في صحيحه بسنده عن أنس: "أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين والتي أمر بها رسوله فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط ... " الحديث. 6- وروى أبو داود والحاكم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن

_ 1 وكان مقتضى هذا أن يكون أكثر حديثا من أبي هريرة مع أن ما أحصاه العلماء من مرويات عبد الله أقل مما أحصاه العلماء لأبي هريرة بكثير جدا والسبب في هذا: 1- أن عبد الله كان أكثر مقامة بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة التي كان مستوطن أبي هريرة مع تصديه للرواية أو الفتوى حتى مات. 2- ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي له بألا ينسى ما يحدث به. 3- أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الرواية عنه كثير من أئمة التابعين -فتح الباري ج1 ص207. 2 عمدة القاري ج1 ص568 ط استانبول. 3 أبو شاه: بشين معجمة وهاء بعد الألف في الوقف والدرج, ولا يقال بالتاء بل هو خطأ وتصحيف ولا يعرف اسم أبي شاه هذا, وإنما يعرف بكنيته وهو كلبي يمني.

العاص قال: قلت: يا رسول الله إني أسمع منك الشيء أفأكتبه؟ قال: "نعم" قلت: في الغضب والرضا؟ قال: "نعم فإني لا أقول فيهما إلا حقا". وكانت له صحيفة -أي نسخة تضم أحاديث كثيرة- وكان يسميها الصادقة لثقته بكل ما رواه فيها من الأحاديث وكان يعتز بها غاية الاعتزاز حتى كان يقول: "ما يرغبني في الحياة إلا الصادقة، والوهط" والوهط بستان له كان بالقرب من الطائف، وقد روى الكثير منها حفيده عمرو بن شعيب صاحب النسخة المشهورة عند المحدثين. 7- وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: "كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه. فشكا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "استعن بيمينك", وأومأ بيده إلى الخط. أي أشار إلى الكتابة بإصبعه. قال الترمذي: وهذا الحديث ليس إسناده بذلك القائم. 8- وأسند الرامهرمزي عن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله: إن نسمع منك أشياء أفنكتبها؟ قال: "أكتبوا ذلك ولا حرج"، وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث. 9- وروى الحاكم وغيره من حديث أنس وغيره موقوفا: "قيدوا العلم بالكتاب" وفي سنده مقال. 10- وأسند الديلمي عن عليٍّ -رضي الله عنه مرفوعا: "إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بسنده" وفي سنده مقال. ومن هذه الروايات وغيرها يتبين لنا أن ما كتبه النبي -صلى الله عليه وسلم- لعماله بشأن الزكوات وأنصبتها, وما كتبه في عهود بينه وبين اليهود بالمدينة وغيرها، ومن عهود بينه وبين المشركين كما حدث في الحديبية، والكتب التي كتبها إلى الأمراء بالجزيرة، وإلى ملوك الدنيا المعروفة آنئذ داعيا

إلى الله والإسلام وما كتبه الصحابة أو كتبوه لغيرهم, يكون عددا كثيرا من الأحاديث التي قد تملأ مجلدا وسيطا. "اختلاف السلف": وقد اختلف السلف من الصحابة والتابعين في كتابة الأحاديث وتدوينها في الكتب فكرهها طائفة منهم: ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهم. وأباحها أو فعلها طائفة منهم: عمر, وعلي، وابنه الحسن, وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وجابر، وابن عباس, والحسن البصري, وعطاء بن أبي رباح, وسعيد بن جبير, وعمر بن عبد العزيز, وحكاه القاضي عياض عن أكثر الصحابة والتابعين, ومن ملح قول بعضهم وهو أبو المليح: "يعيبون علينا أن نكتب العلم وندونه وقد قال الله عز وجل: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} 1. ثم أجمعوا بعد ذلك على جوازها بل على وجوبها قال ابن الصلاح في مقدمته: "ثم إنه زال ذلك الخلاف, وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الأخيرة"2. وقال الحافظ ابن حجر: "ولم يعد من السلف من كان يتحرج من الكتابة وبذلك ارتفع الخلاف الذي كان بينهم أولا في كتابة الحديث. واستقر الأمر, وانعقد الإجماع على جواز كتابته, بل على استحبابه, بل على وجوبه على من خشي عليه النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم3.

_ 1 التدريب ص150. 2 علوم الحديث بشرحه ص171 ط حلب. 3 فتح الباري ج1 ص204.

آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي

"آراء العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي": وقد اختلف العلماء في التوفيق بين أحاديث الإذن وحديث النهي فمنهم من قال: إن الإذن لمن خيف عليه النسيان كأبي شاه, والرجل الأنصاري, والنهي لمن أُمِنَ عليه النسيان ووثق بحفظه, وخيف اتكاله على الكتابة, فيكون النهي مخصوصًا به. ومنهم من قال: إن النهي خشية أن يلتبس على البعض الحديث بالقرآن الكريم, أو أن يكون شاغلًا لهم عنه, والإذن لمن أمن عليه ذلك بأن كان قارئًا كاتبًا, ويؤمن عليه الانصراف عن القرآن والاشتغال بالسنة كعبد الله بن عمرو بن العاص وسيدنا عليّ رضي الله عنهم. ومنهم من أعل حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم وقال: إنه موقوف عليه, ومنهم الإمام البخاري, وهذا غير مسلم فإن الحديث صحيح ولا ريب. ومنهم من قال: إن أحاديث الإذن ناسخة لحديث النهي, وإن النهي كان في مبدأ الأمر حين خيف اشتغالهم بالأحاديث عن القرآن أو خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن, ثم لما أمن ذلك نسخ, قال الحافظ في الفتح "وهو أقربها مع أنه لا ينافيها", وهذا الرأي هو الصحيح, ويؤيد القول بالنسخ, أن بعض أحاديث الإذن متأخرة التاريخ فأبو هريرة رضي الله عنه راوي حديث كتابة عبد الله بن عمرو وهو متأخر الإسلام فقد أسلم في أوائل العام السابع عقب خيبر مما يدل على أن عبد الله كان يكتب بعد إسلامه, وقصة أبي شاه كانت عام الفتح سنة ثمانٍ, وحديث طلب النبي كتابًا ليكتبوا له ما كان يريد قبيل وفاته, ولو كان حديث أبي سعيد في النهي متأخرًا عن هذه الأحاديث لعرف ذلك عند الصحابة يقينًا، إذ مثل ذلك مما لا يخفى عليهم. ثم جاء إجماع الأمة على الكتابة بعد قرينة على أن الإذن هو الأمر

الأخير, ومهما يكن من شيء فقد انقضى العصر النبوي والذين كانوا يكتبون الأحاديث من الصحابة أقل ممن كانوا لا يكتبون.

الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين

"الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين": ما إن توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاوز الرفيق الأعلى حتى كثر عدد من كان يكتب من الصحابة, إذ لم يعد هناك تحرج من الكتابة, لأن معظم الاعتبارات التي ذكرناها في توجيه النهي عن الكتابة لم تعد موجودة, فالقرآن كله قد كتب وحفظه الجم الغفير من الصحابة. وانقطع الوحي بوفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما أن الأمية زالت عن كثير من الصحابة, لدعوة الإسلام إلى إزالة الأمية والتعلم. وقد كان من الأعمال البارعة الرشيدة ما وضعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أساس صالح عقب غزوة بدر, فقد قبل ممن لا يقدر على دفع الفداء من الأسارى وكان يعرف القراءة والكتابة أن يعلم عشرة من صبيان المدينة المسلمين القراءة والكتابة1. وقد كان من الحوافز على الكتابة ما قام به الخليفة الأول أبو بكر الصديق من كتابة الأحاديث والسنن المتعلقة بالزكاة والصدقات لعماله. روى البخاري في صحيحه بسنده عن أنس -رضي الله عنه- كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين2: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين والتي أمر بها رسوله, فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها, ومن سئل فوقها فلا يعط ... " الحديث3, وفي هذه الكتب بين أنصبة زكاة الإبل والبقر والغنم.

_ 1 السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة للمؤلف ج2 ص138 ط ثانية. 2 إقليم مشهور معروف يشتمل على مدن معروفة قاعدتها: هجر, وينطق به هكذا بلفظ التثنية, والنسبة إليها بحراني. 3 صحيح البخاري: باب زكاة الغنم وباب زكاة الإبل.

"هم الفاروق رضي الله عنه أن يكتب الأحاديث": وقد هم الفاروق عمر -رضي الله عنه- أن يجمع الأحاديث ويقيدها في كتب فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأشاروا عليه أن يكتبها, فطفق يستخير الله في ذلك شهرا, ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: "إني كنت أردت أن أكتب السنن1 وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا". رواه البيهقي في المدخل2. فدل هذا على أن جمهور الصحابة كان رأيهم الكتابة, وأن من تيسرت له الكتابة منهم كانوا يكتبون, فقد شاعت القراءة والكتابة في هذا العصر عن ذي قبل, وما كانت تحدث مثل هذه القصة دون أن يكون لها أثر في حفز نفوس الكثيرين إلى كتابة السنن وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أنس بن مالك قصة سماعه حديثا مرويا عن عتبان بن مالك -رضي الله عنه- سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أن من شهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صادقا من قلبه لا يدخل النار. قال أنس: "فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني: اكتبه فكتبه"2. وروى الحاكم وغيره من حديث أنس موقوفا "قيدوا العلم بالكتاب"3 وكان ممن نشط وشمر عن ساعد الجد في كتابة الحديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: روى الدارمي والحارث في مسنديهما بسنديهما عن ابن عباس قال: "لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل

_ 1 أي يدونها تدوينا عاما وليته رضي الله عنه فعل. 2 التدريب ص151. 3 صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص244.

أصحاب1 رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنهم اليوم كثير قال: واعجبا لك!! أترى الناس يفتقرون إليك؟ قال: فترك ذلك -يعني هذا الرجل- قال ابن عباس. وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل منهم فآتي بابه, وهو قائل2 فأتوسد3 ردائي بسفي الريح عليّ من التراب فيخرج فيراني فيقول: يابن عم رسول الله ما حاجتك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟! فأقول: لا أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث, فعاش الأنصاري حتى رآني. وقد اجتمع الناس حولي يسألوني. فقال: هذا الفتى كان أعقل مني". ورويا بسنديهما عن أبي رافع4 "كان ابن عباس يأتي أبا رافع فيقول: ما صنع النبي يوم كذا؟ ومع ابن عباس من يكتب ما يقول". "التابعون": ثم جاء التابعون رضوان الله عليهم, وقد تهيأ لهم من كتابة الأحاديث والسنن ما لم يتهيأ لغيرهم, فأكثروا من التقييد والكتابة فقد تمت معظم الفتوحات, وسكن الصحابة الذين حملوا الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمصار الإسلامية، وأصبح هناك تفرغ للعلم والرواية والفتوى, وتكونت المدارس العلمية في الحجاز وغير الحجاز, وأضحى لهذه المدارس أساتذة وأئمة, وطلاب كثيرون, وأصبح للعلم ولا سيما علم القرآن والسنة في المجتمع الإسلامي منزلة تفوق منزلة الإمارة, بل والخلافة, فلا عجب أن أقبل التابعون على العلم بنهم غريب, وكان لرواية الأحاديث والسنن من ذلك حظ كبير.

_ 1 يريد كبار الصحابة الذين سمعوا ما لم يسمعه. ورأوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يره. 2 مستريح وقت القيلولة وهي اشتداد الحر. 3 أجعله كالوسادة وأنام عليه. 4 لعله أبو رافع مولى النبي -صلى الله عليه وسلم.

روي عن سعيد بن جبير أنه كان يكون مع ابن عباس فيسمع منه الحديث فيكتبه في واسطة الرجل, فإذا نزل نسخه. وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد1 عن أبيه قال: "كنا نكتب الحلال والحرام, وكان ابن شهاب يكتب كل ما يسمع, فلما احتج إليه علمت أنه أعلم الناس". وروى هشام بن عروة عن أبيه أنه احترقت كتبه يوم الحرة في عهد يزيد بن معاوية وكان يقول: "لو أن عندي كتبي بأهلي ومالي" وطبعي أنه كان في هذه الكتب الكثير من الحديث والتفسير والفقه ونحوها. وروى مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن أبي مليكة قال: "كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابا ويخفي عني فقال: ولد ناصح, أنا أختار له الأمور اختيارا, وأخفي عنه. قال: فدعا بقضاء عليٍّ فجعل يكتب منه أشياء ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا عليٌّ إلا أن يكون ضل"2. التثبت في عهد الصحابة: وعلى سنة التثبت في الرواية التي أشار إليها القرآن, وحث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- سار الخلفاء الراشدون المهديون. روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث. فقال: "ما أجد لك في كتاب الله شيئا, وما علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر لك شيئا", ثم سأل الناس, فقام المغيرة بن شعبة فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيها السدس. فقال له الصديق: "هل معك أحد" فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه3.

_ 1 هو عبد الله بن ذكوان الأموي المعروف بأبي الزناد ثقة فقيه توفي سنة ثلاثين ومائة. 2 المراد إخفاء ما لو أظهر من الحديث لترتب عليه "قيل وقال" من النواضب والخوارج والرافضة ونحوهم ومراده بقوله: ما قضي بهذا إلا أن يكون ضل أنه لم يقض به لأنه لم يضل وهو من الأساليب البليغة في نفي الشيء. 3 تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص4.

وعلى هذه السنة سار الفاروق عمر -رضي الله عنه- فقد نهج منهج الصديق في تثبته بل وزاد عليه. روى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن أبا موسى -يعني الأشعري- سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات, فلم يؤذن له, فرجع. فأرسل عمر في إثره فقال له: لم رجعت؟ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع" , قال: لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك, فجاء أبو موسى منتقعا لونه, ونحن جلوس, فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا, وقال: هل سمعه أحد منكم؟ قلنا: كلنا سمعه, فأرسلوا معه رجلا حتى أتى عمر فأخبره1 وروي أنه قال لأبي موسى: "إن كنت لأمينا على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني أردت أن أستثبت" وقال عمر الفاروق: "بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم في مقدمة صحيحه2 وهذا أبو الحسن علي رضي الله عنه يقول: "كنت إذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني به, وكان إذا حدثني غيره استحلفته فإذا حلف صدقته" ويقول: "حدثوا الناس بما يعرفون, ودعوا ما ينكرون, أتحبون أن يُكذب الله ورسوله". قال الإمام الذهبي: "فقد زجر الإمام رضي الله عنه عن رواية المنكر وحث على التحديث بالمشهور وهذا أصل كبير في الكف عن بث الأشياء الواهية والمنكرة من الأحاديث في الفضائل، والعقائد, والرقائق، ولا سبيل إلى معرفة هذا من هذا إلا بالإمعان في معرفة الرجال والله أعلم"3. وقد اتبع هذا المنهج أيضا سائر الصحابة المكثر منهم والمقل, فهذا عبد الله بن مسعود أقرب الناس من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هديا ودلا وسمتا

_ 1 المرجع السابق ص6. 2 صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص75. 3 تذكرة الحفاظ ص13.

يقول: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم. وهي دعوة صادقة إلى التثبث، فإن المرء إذا حدث بكل ما سمع فإنه يقع في الكذب لا محالة إذ هو يسمع في العادة الصدق والكذب, فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن, وقال: "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم في مقدمة صحيحه. وهو دعوة إلى تحري الصدق فيما ينقل وتخير ما يليق بحال السامعين وهذا أسس من أسس التربية الصحيحة التي سبق إليها الإسلام وعمل بها الصحابة الأجلاء الكرام. ولم تكن مراجعة بعض الخلفاء وغيرهم لبعض الصحابة وطلبهم راويا أو استحلافهم عند الرواية طعنا في عدالتهم ولا تكذيبا لهم. كما هرف به بعض أعداء الإسلام الحاقدين على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن ذلك كان على سبيل التحوط للرواية, والتثبت من المرويات, ولتكون سنة متبعة لمن يأتي بعدهم, وليس أدل على هذا من قول الفاروق -وهو من هو في الجهر بالحق وعدم المداهنة- لسيدنا أبي موسى الأشعري: "إن كنت لأمينا على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني أردت أن أستثبت"!! فكيف يتقول متقول بعد هذا؟! وكذلك لم يكن إكثار المكثرين من الصحابة في الرواية تساهلا في المروايات, أو اختلافا من عند أنفسهم كما زعم بعض المتخرصين بالباطل, وإنما كان ذلك لعوامل أخرى كطول العمر, والتفرغ للعلم والرواية وقلة الاشتغال بأمور الدنيا, وسكنى الأمصار التي يقصدها العلماء وطالبو الحديث. التثبت في عصر التابعين ومن بعدهم: وكذلك سار على سنة التثبت في الرواية والتدقيق فيها العلماء

والأئمة من التابعين ومن جاء بعدهم فهذا هو ابن سيرين الإمام التابعي الجليل الذي أخذ عن كثير من الصحابة يقول "إن هذا العلم -أي علم الحديث والرواية- دين فانظروا عمن تأخذون دينكم". وهذا هو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان فقيه أهل المدينة قال: "أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال: ليس من أهله" رواه مسلم. وهذا هو الإمام عبد الرحمن بن مهدي يقول: "لا يكون الرجل إماما يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع" رواه مسلم. وهذا هو ابن وهب الإمام المتفق على حفظه وإتقانه يقول: قال لي مالك -إمام دار الهجرة- "اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ولا يكون إماما أبدا وهو يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم في مقدمة صحيحه. وكان الإمام مالك يقول: "لقد أدركت في هذا المسجد -أي النبوي- سبعين ممن يقول: قال فلان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. ولو أن أحدهم اؤتمن على بيت مال لكان أمينا عليه. ولكني ما أخذت عنهم؛ لأنهم ليسوا من أهل هذا الشأن" أي علم الحديث والرواية, إلى غير ذلك من النصوص الدالة على العناية بالأسانيد, ونقد الرواية والتثبت في الرواية, ولولا هذا لوجد الزنادقة, وأعداء الإسلام الفرصة سانحة للإفساد في الدين, والإدخال في الأحاديث ما ليس منها.

تدوين الحديث تدوينا عاما

"تدوين الحديث تدوينا عاما": وأخذت الحياة العلمية في الازدياد, وكثر الراوون للأحاديث والكاتبون له من التابعين, وفي أواخر عصر التابعين اتسعت رقعة الإسلام, وانطوى تحت لوائه شعوب من كل جنس ولون, وفيهم المخلص وغير المخلص, ومنهم من ذاب في الإسلام ظهرا وباطنا ومنهم من اندمج فيه ظاهرا، وحمل له العداوة باطنا.

وكانت قد ظهرت الخلافات السياسية والمذهبية, والعصبيات الجنسية وأطل الزنادقة وأعداء الإسلام برءوسهم, ووجد هؤلاء وأولئك مجالا لتأييد نحلهم ومذاهبهم وآرائهم وإرضاء أحقادهم فشرعوا يضعون بعض الأحاديث لذلك حتى كاد الباطل أن يلتبس بالحق, وأن يلبس الكذب ثوب الصدق. "متى بدأ التدوين؟ ": فرأى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه جمع الأحاديث والسنن في الصحف, وأن تدون تدوينا عاما في الكتب حتى لا يختلط الصحيح بالزائف, وحتى لا يضيع منها شيء يموت حفاظها, فكتب إلى عماله في الأمصار الإسلامية يأمرهم بذلك, وكتب بذلك أيضا إلى العلماء المبرزين في الأقطار, وكان ذلك على رأس المائة الأولى1. روى الإمام مالك في الموطأ, رواية محمد بن الحسن أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم2: "أن انظر ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو سننه أو حديث عمر أو نحو هذا فاكتبه, فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء, وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية, والقاسم بن محمد بن أبي بكر" ورواه الإمام البخاري في صحيحه تعليقا فقال: "وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: رضي الله عنهما: أن انظر ما كان عندك -أي في بلدك- من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاكتبه. فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-

_ 1 كانت خلافته من سنة 99 إلى 101هـ. 2 قد ينسب إلى جد أبيه كما في رواية البخاري, ولجده عمرو صحبة, ولأبيه رؤية, وهو فقيه تابعي استعمله عمر بن عبد العزيز على المدينة, وولاه قضاءها, توفي سنة "120هـ", وقد روى عن بعض الصحابة وعن خالته عمرة, وعن خالدة بنت أنس ولها صحبة. قال الإمام مالك، لم يكن أحد بالمدينة عنده من علم القضاء ما كان عند أبي بكر بن حزم" ولا يعرف له اسم غير أبي بكر, وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد.

ولتفشوا العلم, ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم. فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا"1. أي خفية, يعني أن كتمان العلم يؤدي إلى ذهابه وهلكته. ورواه موصولا بسنده. ولكن إلى قول "ذهاب العلماء"2 وأخرج أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" بسنده عن عمر بن عبد العزيز, رضي الله عنه أنه كتب إلى علماء الآفاق: "انظروا إلى حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاجمعوه". وممن كتب إليه الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المدني أحد الأئمة وعالم أهل الحجاز والشام المتوفى سنة أربع وعشرين ومائة هجرية. وقد صادف هذا الأمر من الخليفة الراشد هوى في نفوس العلماء والولاة أمثال أبي بكر بن حزم والزهري وسعيد بن أبي عروبة. والربيع بن صبيح وغيرهم. وكانوا يصنفون كل باب على حدة ... فقاموا بما ندبوا إليه خير قيام. وأقبلوا على جمع الأحاديث والسنن وتجميعها وتمييز صحيحها من سقيمها. ومقبولها من مردودها. ولا سيما أنه لم يعد من السلف من كان يتحرج من الكتابة فقد ارتفع الخلاف الذي كان أولا. واستقر الأمر. وانقعد الإجماع على جواز كتابة الأحاديث بل على استحبابها. بل على وجوبها على من يتعين عليه تبليغ العلم والأحكام ولا تلتفت إلى تشكيك المستشرقين في هذا زعمهم أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بعدم الكتابة. ولكن لعلهم لم يأتمروا به! ولا تلتفت أيضا إلى من تابعهم في هذا من الكتاب المعاصرين3 فقد قام شاهد العيان على أنهم نفذوا ما

_ 1 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب كيف يقبض العلم. 2 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب كيف يقبض العلم, أما ما بعد ذلك فيحتمل أن يكون من كلام عمر بن عبد العزيز, ولكن لم يدخل في هذه الرواية الموصولة, ويحتمل أن يكون من كلام البخاري أورده عقيب كلام عمر بن عبد العزيز بعد انتهائه وبه سرح أبو نعيم في المستخرج عمدة القارئ ج1 ص527 ط عثمانية، وانظر فتح الباري ج1 ص194، 195. 3 ضحى الإسلام للأستاذ أحمد أمين ج2 ص106.

أمروا به, وأنهم كانوا مهيئين لذلك غاية التهيؤ, وسترى عن كثب ما تمخض عنه هذا الأمر الرشيد من الخليفة الراشد من خير عميم وجمع كثير1.

_ 1 انظر كتابنا "دفاع عن السنة" ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصر ص238.

التدوين في القرن الثاني 100-200هـ

التدوين في القرن الثاني 100-200هـ: ثم شاع التدوين في الطبقة1 التي تلى طبقة الزهري, وأبي بكر بن حزم فألف الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس المتوفى سنة 179هـ بالمدينة كتابه "الموطأ" توخى فيه القوى من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم. وألف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المتوفى سنة 150هـ بمكة. وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي المتوفى سنة 156 بالشام. وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري المتوفى سنة 161هـ بالكوفة. وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار المتوفى سنة 176هـ بالبصرة. ومعمر بن راشد المتوفى سنة 153 باليمن. وهشيم بن بشير السلمي الواسطي المتوفى سنة 188 بواسط. وجرير بن عبد الحميد المتوفى سنة 188 بالري. وعبد الله بن المبارك المتوفى سنة 181 بخراسان. ثم تلاهم كثيرون من أهل عصرهم في النسخ على منوالهم2. ومن ثم نجد أنه ما من مصر من الأمصار الإسلامية إلا وقد جمع الأحاديث فيه إمام أو أئمة, وكانت طريقة هؤلاء في التأليف مزج أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم. والأثر الباقي من كتب هذا القرن هو الموطأ قال الحافظ ابن حجر: "إن ما ذكر إنما هو بالنسبة

_ 1 الطبقة في اصطلاح المحدثين: الجماعة الذين اشتركوا في التقارب في السن ولقاء الشيوخ. 2 مقدمة فتح الباري المعروفة بهدي الساري ص6.

إلى الجمع في الأبواب. وأما جمع حديث إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي فإنه روى عنه أنه قال: هذا باب من الطلاق جسيم. وساق فيه أحاديث1. "إفراد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غيره": المسانيد: ثم رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غيره, وكان ذلك على رأس المائتين فألفوا فيه ما يعرف بالمسانيد2. فألف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي المتوفى سنة ثلاث عشرة ومائتين مسندا. وألف مسدد بن مسرهد البصري المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائتين مسندا. وألف أسد بن موسى الأمور المتوفى سنة اثني عشرة ومائتين مسندا. وألف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائتين مسندا. ثم اقتفى الأئمة أثرهم. فقل إمام من أئمة الحديث إلا رتب حديثه على المسانيد. وذلك كالإمام الجليل أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241هـ إحدى وأربعين ومائتين. والإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين والإمام عثمان بن أبي شيبة المتوفى سنة 279هـ تسع وسبعين ومائتين وغيرهم من النبلاء. ومنهم من ألف على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي

_ 1 التدريب ص40. 2 المسانيد جمع مسند. وهي الكتب التي تؤلف على حسب الصحابة فتذكر أحاديث أبي بكر على حدة, وحديث عمر وهكذا من غير ملاحظة لوحدة الموضوع فحديث في الصلاة بجانب حديث في الزكاة, أو في البيوع مثلا, ثم من أصحاب المسانيد من يرتبهم على حسب الفصل, ومنهم من يرتبهم على حسب حروف المعجم، ومنهم من يرتبهم على حسب القبائل.

شيبة1 المتوفى سنة 230هـ.

_ 1 اسمه عبد الملك بن محمد وهو الملقب بأبي شيبة, وعثمان وأبو بكر أخوان نسبا إلى جدهما وهما حافظان جليلان وكان أبو بكر أجل من عثمان وأحفظ.

التأليف في القرن الثالث 200-300هـ

"التأليف في القرن الثالث" 200-300هـ: ويعتبر القرن الثالث الهجري أخصب القرون بالنسبة لتدوين السنة وأزهاها ففيه ظهر أصحاب الكتب الستة المشهورة التي تعتبر أهم دواوين السنة وكتبها وأوفاها وأشملها للأحاديث النبوية. إذ إن هذه الدواوين لم تدع من الأحاديث إلا القليل الذي تداركه من جاء بعدهم من الأئمة. وفيه ظهر كبار أئمة الحديث في الحفظ والرواية والنقد والتعديل والتجريح والعلم بتواريخ الرجال, وعلل الأحاديث ولا سيما أصحاب الصحاح. وقد نهج التأليف في هذا القرن منهج التأليف على الأبواب الفقهية فيبدءون بالطهارة ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج ثم المعاملات والحدود والخبائيات وهكذا, ومن هؤلاء من اقتصر على الأحكام, ومنهم من لم يقتصر على ذلك فعرض للوحي وللعلم وللتفسير وللمغازي والسير وذلك كما فعل البخاري ومسلم. ثم إن منهم من التزم تخريج الصحيح فحسب في كتابه وذلك كصاحبي الصحيحين وهما: 1- الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري المتوفى سنة 256هـ, ست وخمسين ومائتين. 2- والإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري المتوفى سنة 261هـ إحدى وستين ومائتين. ومنهم من لم يلتزم الصحة, فذكر في كتابه الصحيح والحسن والضعيف وقد تفاوت كتبهم في المنزلة بحسب تفاوتهم في العلم والمعرفة وذلك كأصحاب السنن الأربعة وهم:

1- الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة 275هـ خمس وسبعين ومائتين. 2- الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفى سنة 279هـ تسع وسبعين ومائتين. 3- الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة 315هـ خمس عشرة وثلاثمائة. 4- أبو عبد الله محمد بن بن يزيد بن ماجه القزويني المتوفى سنة 273هـ ثلاث وسبعين ومائتين. وهناك غير هؤلاء الأئمة الستة أئمة كثيرون ظهروا في هذا القرن الثالث. فلا عجب أن كان هذا القرن يعتبر العصر الذهبي لتدوين السنة.

التأليف في القرن الرابع 300-400هـ

التأليف في القرن الرابع 300-400هـ ... "التدوين في القرن الرابع 300-400هـ": ذكرنا آنفا أن القرآن الثالث كان أزهى عصور جمع السنة ونقد رواتها كما نبغ فيه الأئمة الكبار الذين أوفوا في الجمع على الغاية, وفي خدمة السنة والذين برعوا في العلم بالرجال, وعلم العلل, وأنهم لم يدعوا من الأحاديث المعروفة الثابتة إلا قليلا. وكل من جاء بعد هذا القرن فهم عيال عليهم يجمع ما جمعوا, ويعتمد في النقد على ما نقدوا. وقد استدرك أهل هذا القرن الرابع على أهل القرن الثالث ما فاتهم وأكملوا الصرح الشامخ الذي أسسوه وبنوه بحيث لم ينته هذا القرن حتى كادت الأحاديث تكون قد جمعت كلها ودونت، كما عني بعضهم بالاستدراك عليهم في نقد الرجال وتعليل الأحاديث.

أشهر الكتب المؤلفة في هذا القرن: 1- المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير، للإمام سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360هـ رتب في الكبير الصحابة على حروف المعجم, وهو مشتمل على نحو خمسمائة وعشرين ألف حديث, ورتب في الأوسط والصغير شيوخه على الحروف أيضا. 1- صحيح الإمام الكبير محمد بن إسحاق بن خزيمة المتوفى سنة 311هـ إحدى عشرة وثلاثمائة. 2- صحيح أبي عوانة يعقوب بن إسحاق المتوفى سنة 316هـ ست عشرة وثلاثمائة. 3- مصنف الطحاوي الفقيه الحنفي المحدث المتوفى سنة 321هـ إحدى وعشرين وثلاثمائة. 4- المنتقى لقاسم بن أصبغ محدث الأندلس المتوفى سنة 340هـ أربعين وثلاثمائة. 5- الصحيح المنتقى لابن السكن سعيد بن عثمان البغدادي المتوفى سنة 353هـ ثلاث وخمسين وثلاثمائة. 6- صحيح أبي حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة 354هـ أربع وخمسين وثلاثمائة. 7- سنن الإمام أبي الحسن الدارقطني المتوفى سنة 385هـ خمس وثمانين وثلاثمائة. 8- مستدرك الإمام أبي عبد الله الحاكم المتوفى سنة 405هـ خمس وأربعمائة1 وغيرهم كثير.

_ 1 لقد ترجمت لهؤلاء في كتابي "أعلام المحدثين" وكتبت عن هذه الكتب في "الوسيط" هذا.

التأليف بعد القرن الرابع

التأليف بعد القرن الرابع: دور الترتيب والتهذيب: أما من جاء بعد القرن الرابع فقد كان طريقة مؤلفيها أنهم يهذبون كتب المتقدمين، أو يرتبونها، أو يجمعون ما تشتت منها في كتب متفرقة في كتاب واحد، أو يختصرون الأسانيد والمتون أو يتكلمون في رجالها، أو يبينون غريبها، أو يشرحون متونها، أو يجمعون الأحاديث المتعلقة بالأحكام، أو بالترغيب والترهيب في كتب مستقلة، أو يخرجون أحاديث بعض كتب الفقه والتفسير والوعظ واللغة ونحوها ومما ينبغي أن يعلم أننا حينما نحكم على قرن بحكم فإنما نريد الغالب والكثير لا النادر والقليل. فلا يشكلن عليك أن فيمن كان قبل ذلك من هذب ورتب. وأن فيمن وجد بعد هذا من اجتهد واستقل في معرفة التصحيح والتحسين والتضعيف ونقد الرجال. أشهر الكتب المؤلفة في هذا الدور: "دور التهذيب": أ- الجمع بين الصحيحين: جمع كثير من العلماء بين صحيحي البخاري ومسلم, ومن هؤلاء محمد بن أبي نصر الحميدي الأندلسي "المتوفى سنة 488". والحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516هـ وأبو محمد الإشبيلي المتوفى سنة 581 وغيرهم. ب- الجمع بين الكتب الستة: الصحيحان والسنن الأربعة. وبعض العلماء يجعل الموطأ سادسهم بدل سنن ابن ماجه, وذلك كما فعل رزين العبدري وتابعه ابن الأثير, وقد جمع بينها الإمام عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي السالف الذكر, وأبو الحسن رزين1 بن معاوية العبدري السرقسطي "المتوفى سنة 535" لكن لم يحسن في ترتيبه وتهذيبه وترك

_ 1 بالتكبير بفتح الراء وكسر الزاي.

بعضا من أحاديثها إلى أن جاء الإمام أبو السعادات مبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري الشافعي المتوفى سنة 606هـ فهذب كتابه ورتب أبوابه, وأضاف إليه ما أسقطه من الأصول, وشرح غريبه، وبين مشكل إعرابه, وما خفي معناه, واكتفى بذكر راوي الحديث من صحابي أو تابعي وسماه: "جامع الأصول إلى أحاديث الرسول" وقد اختصره كثيرون منهم الإمام عبد الرحمن بن علي المشهور بابن الديبع الشيباني الزبيدي "المتوفى سنة 944هـ" وسمى كتابه "تيسير الوصول إلى أحاديث جامع الأصول". ج- الجوامع العامة وهي كثيرة منها: 1- مصابيح السنة: للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء نسبة لعمل الفراء وبيعها، وهي جمع فرو تدبغ، وتخاط، وتلبس. البغوي نسبة إلى بغشور على غير قياس، ويقال "بغى" بلدة من بلاد خراسان الفقيه الشافعي المحدث المفسر الصالح المتعبد الناسك الرباني المتوفى بمرو في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة صاحب التصانيف الكثيرة التي منها التفسير المعروف و"شرح السنة" جمع في المصابيح أربعة آلاف وأربعمائة وأربعا وثمانين حديثا من الصحاح والحسان، وأراد بالصحاح ما أخرجه صاحبا الصحيحين، و"بالحسان" ما أخرجه أصحاب السنن1، وما كان فيها من ضعيف أو غريب بينه، وتحاشى ما كان منكرا أو موضوعا. 2- "جامع المسانيد، والألقاب" للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة "597"هـ جمع فيه بين الصحيحين، ومسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي.

_ 1 وقد انتقد هذا بأن كتب السنن فيها الصحيح والحسن والضعيف فمزجه بين صحيح هذه السنن وحسنها من غير تمييز غير سديد.

3- "الهدى والسنن في أحاديث المسانيد والسنن" وهو المعروف بـ"جامع المسانيد" للإمام الحافظ عماد الدين إسماعيل بن الشيخ أبي حفص عمر بن كثير القرشي الدمشقي النشأة والحياة المعروف بأبي الفداء المتوفى سنة أربع وسبعين وسبعمائة عن أربع وسبعين سنة. جمع فيه الكتب الستة ومسند الإمام أحمد، والبزار، وأبي يعلى، وابن أبي شيبة، ورتبه على الأبواب الفقهية. 4- "مجمع الزوائد، ومنبع الفوائد" للحافظ أبي الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الشافعي الهيثمي المتوفى سنة سبع وثمانمائة هـ "807" جمع فيه زوائد مسانيد أحمد، وأبي يعلى، والبزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة. 5- "جمع الجوامع"1 للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة هـ جمع فيه بين الكتب الستة وغيرها. قال الشيخ العلامة عبد الرءوف المناوي: إنه مات قبل أن يتمه، وقد اشتمل على بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة. 6- وقد اختصره السيوطي في كتابه "الجامع الصغير" وقد أخذ على نفسه أن لا يذكر فيه الأحاديث الموضوعة، والضعيفة المتهالكة، ولكن الكتاب لم يخل منهما، وقد شرحه العلامة المناوي ونبه إلى ما فيه من موضوع وضعيف شديد الضعف والكتاب وشرحه مطبوعان. "كتب جامعة لأحاديث الأحكام": 1- "السنن الكبرى" للإمام أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة

_ 1 وقد قام بطبع هذا الكتاب مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف لكنه لم يتم طبعه.

ثمان وخمسين وأربعمائة "458"هـ قال فيه ابن الصلاح: "ما ثم كتاب في السنة أجمع للأدلة من كتاب "السنن الكبرى" للبيهقي، وكأنه لم يترك في سائر أقطار الأرض حديثا إلا وقد وضعه فيه" وله أيضا "السنن الصغرى" قيل، لم يؤلف في الإسلام مثلهما. 2- "عمدة الأحكام" للإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الدمشقي المتوفى سنة ستمائة هـ "600" جمع فيه أحاديث الأحكام التي اتفق عليها البخاري ومسلم، وقد شرحه بإيجاز الشيخ العلامة ابن دقيق العيد. 3- "منتقى الأخبار" في أحاديث الأحكام للإمام الحافظ مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله الحراني المعروف بابن تيمية الحنبلي المتوفى سنة اثنين وخمسين وستمائة، وهو جد شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية. انتقاه من الصحيحين، ومسند الإمام أحمد، والسنن الأربعة، وهو كتاب حسن وقيم، لولا أنه يغفل في كثير من الأحاديث بيان التصحيح والتضعيف. وقد استكمل هذا النقص العالم المجتهد محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250هـ في كتابه "نيل الأوطار" الذي شرح به المنتقى. 4- الإمام في أحاديث الأحكام ومختصره الإلمام في أحاديث الأحكام كلاهما للإمام محمد بن علي بن دقيق العيد المتوفى سنة 702هـ جمع فيه الأحاديث المتعلقة بالأحكام ثم شرح بعضا من المختصر شرحا وافيا شافيا وسماه "الإمام في شرح الإلمام" قال الذهبي: ولو كمل لجاء في خمسة عشر مجلدا. 5- "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" للحافظ شيخ الإسلام

أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ وقد شرحه كثيرون منهم الشيخ الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة 1182هـ في كتابه "سبل السلام". "كتب أحاديث المواعظ والآداب والأخلاق": وهي كثيرة منها: 1- الترغيب والترهيب للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة 656هـ وهو سفر قيم يسعف الخطباء والأئمة ورجال الوعظ والإرشاد والباحثين والدارسين بما يريدون جمعه من الكتب المشهورة من التنصيص على درجة الأحاديث, وهو يعتبر أجمع الكتب في هذا المضمار. 2- رياض الصالحين للإمام أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة 676هـ وهو كتاب قيم في باب الأخلاق والمواعظ, وبيان الفضائل والرذائل. يذكر في كل باب ما ورد فيه من الآيات القرآنية, ثم يعقب بالأحاديث النبوية مع بيان درجتها وشرح غريبها, وتوضيح مشكلها. وهذان الكتابان كافيان لمن يريد أن يكون على علم بمتون الأحاديث ودرجتها, والوصول إلى ذلك من غير عناء وتعب. "الجمع والنقد سارا جنبا إلى جنب": وقد التزم الجامعون للسنة والأحاديث غاية التحري والتثبت في الرواية واجتهدوا غاية وسعهم في التصحيح والتحسين والتضعيف, ونقدوا الرواة والمرويات. واحتاطوا أشد الاحتياط في النقل, فكانوا يحكمون بضعف الحديث لأقل شبهة في سيرة الناقل وسلوكه الشخصي مما يؤثر في عدالته عند أئمة هذا العلم, فإذا اشتبهوا في صدقه وعلموا أنه كذب في شيء من كلامه رفضوا روايته وسموا حديثه "متروكا" وإن لم

يعرف عنه الكذب في رواية الحديث مع علمهم بأنه قد يصدق الكذوب، وهذا غاية الاحتياط في الرواية، وكذلك استوثقوا من حفظ كل راوٍ وذلك بمقارنة رواياته بعضها ببعض، وبروايات غيره, فإن وجدوا خطأه أكثر من صوابه ضعفوا روايته وردوها, وإن كان لا مطعن عليه في شخصه ولا في عدالته, وذلك خشية أن تكون روايته مما خانه فيها الحفظ أو غلبه السهو. "العناية بنقد الأسانيد والمتون": وقد أوفى المحدثون في نقد الأسانيد -النقد الخارجي- على الغاية ولم يدعوا زيادة لمستزيد اللهم إلا ما وجد من المباحث النفسية التي تعين الناقد على النقد, وكذلك عنوا بنقد المتن النقد الداخلي فحكموا على الحديث بالوضع أو النكارة إذا خالف العقل أو الحس أو القرآن أو السنة المشهورة ولم يمكن التوفيق أو التأويل تأويلًا مقبولًا. ومن كلامهم في هذا: "إذا رأيت الحديث يباين المعقول, أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع" ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجًا عن دواوين الإسلام في الحديث من الجوامع, والسنن, والمسانيد, والكتب المشهورة1 وقد حرروا القواعد والأصول التي وضعوها لنقد الأحاديث. ومعرفة المقبول منها من المردود, وهذه القواعد تجدها مبثوثة في كتب أصول الرواية, وعلوم الحديث, وتاريخ الرجال, وقد بذلوا في تحقيق هذه القواعد أقصى ما في الوسع الإنساني احتياطًا لدينهم وشريعتهم أن يدخل فيها ما ليس منها فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها وأوفاها, وإذا كان البعض قد طعن فيها في هذه العصور المتأخرة فليس ذلك عن علم وبينة, وإنما عن جهل وهوى.

_ 1 الباعث الحثيث ص 78 للتوسعة في هذا ارجع إلى "دفاع عن السنة" ص 46-51.

تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية

"تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية": وقد نهج منهج علماء الحديث في الرواية والتزام السند في المرويات غيرهم من العلماء في أكثر الفنون النقلية كعلماء التاريخ والسير, وعلماء اللغة وعلماء الأدب, وإنك لتلمس هذا واضحا في أمالي ثعلب قال: حدثني أبو بكر الأنباري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: يقال لحن الرجل يلحن لحنا فهو لاحن إذا أخطأ, ولحن بكسر الحاء في الماضي وفتحها في المضارع يلحن لحنا فهو لحن إذا أجاد وفطن. كما نلمسه في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني المتوفى سنة 256 وكتاب المغازي لابن إسحاق المتوفى سنة 151هـ, وقد وصل إلينا مختصرا في سيرة ابن هشام المتوفى سنة 218هـ وكتاب تاريخ الأمم والملوك للإمام محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310هـ إلا أنهم لم يبلغوا ما بلغ المحدثون في النقد والتحري عن الرواة. وليس أدل على هذا من أن بعض من ارتضى هؤلاء روايتهم قد ضعفهم المحدثون وردوا روايتهم, فأبوا مخنف لوط بن يحيى بن سعيد وهو الذي ينقل عنه ابن جرير كثيرا في تاريخه قال فيه أبو حاتم: "متروك الحديث" وقال الدارقطني: "أخباري متروك الحديث". بل إن محمد بن إسحاق نفسه وهو إمام أهل المغازي غير مدافع مضعف1 في الحديث, والواقدي مع كونه بصيرا بالمغازي ويلي ابن إسحاق في سعة العلم قال فيه البخاري "إنه منكر الحديث". ومن ثم يتبين لنا أن منهج المحدثين في نقد المرويات ونقد الرواة هو أعلى المناهج وأدقها, وأن الذين جاروهم من المؤرخين وكتاب

_ 1 مضعف: يعني اختلف في تعديله وتجريحه، أما: الضعيف فهو المتفق على ضعفه.

السير وأمثالهم لم يبلغوا شأوهم, وذلك لأن المؤلفين في الحديث ينظرون إليه على أنه دين وتشريع, فالتساهل في روايته تساهل في الدين. أما المؤلفون في التاريخ والأدب واللغة فلم ينظروا إليها هذه النظرة. وإنا لنلمس هذا أيضا في صنيع ابن جرير فهو في كتابه "التفسير" يدقق ويتحرى في الرواية أكثر مما صنع في كتابه "التاريخ" وهذا يرجع إلى تغاير الفنين واختلاف الاعتبارين. وبعد هذه المقارنة والموازنة في البحث لا أرى حرجا في أن أقول: إن رواية العلماء لما يتعلق بالقرآن والأحاديث تعتبر بدعا في بابها ولا يبلغ شأوها أية رواية قبل الإسلام ولا بعده. بدعة سيئة: ومع ما قدمنا من عناية المحدثين بالنقد سندا ومتنا, ومبالغتهم في التحري والتوثق من المرويات لم تسلم الأحاديث من الطعن قديما وحديثا من بعض الطوائف والملاحدة والمستشرقين, وزعموا أنها ظنية الثبوت, وسولت لهم أنفسهم, الطعن في أصح كتب الحديث وأوثقها بالهوى والتعصب, والجهل بالرواية في الإسلام وشروطها والتحوط فيها, ويعجبني في هذا المقام كلمة حق قالها أحد العلماء الثقات المعاصرين1 قال رحمه الله تعالى: "ومع كل هذا -يريد نقد المرويات وتمحيصها- فقد ابتدع بعض المتقدمين بدعة سيئة هي عدم الاحتجاج بالأحاديث لأنها تسمى في اصطلاحات بعض الفنون "ظنية الثبوت" أي أنها لم تثبت بالتواتر الموجب للقطع في النقل وكان هذا اتباعا لاصطلاح لفظي لا أثر له في القيمة التاريخية لإثبات صحة الرواية, فما كل رواية صادقة يثق بها العالم المضطلع المتمكن من علمه بواجب في صحتها والتصديق بها. واطمئنان القلب إليها أن تكون ثابتة ثبوت التواتر الموجب للعلم البديهي وإلا لما صح لنا أن نثق بأكثر النقول في أكثر

_ 1 هو الأستاذ المحدث العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى.

العلوم والمعارف، وكانت هذه الفئة التي تذهب هذا المذهب الرديء فئة قليلة محصورة مغمورة لا أثر لقولها في شيء من العلم. ولكن نبغ1 في عصرنا هذا بعض النوابغ ممن اصطنعتهم أوربا وادخرتهم لنفسها من المسلمين فتتبعوا شيوخهم من المستشرقين -وهم طلائع المبشرين- وزعموا كزعمهم أن كل الأحاديث لا صحة لها ولا أصل, وأنها لا يجوز الاحتجاج بها في الدين. وبعضهم يتخطى القواعد الصحيحة ثم يذهب يثبت الأحاديث وينقيها بما يبدو لعقله وهواه من غير قاعدة معينة ولا حجة ولا بينة, وهؤلاء لا ينفع فيهم دواء إلا أن يتعلموا العلم, ويتأدبوا بأدبه, ثم الله يهدي من يشاء. وأما الطعن في الأحاديث الصحيحة جملة, والشك في صحة نسبتها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنما هو إعلان العداء للمسلمين ممن عمد إليه عن علم ومعرفة، أو جهل وقصر نظر، ممن قلد فيه غيره ولم يعرف عواقبه وآثاره، فإن معنى هذا الشك والطعن أنه حكم على جميع الرواة الثقات من السلف الصالح رضي الله عنهم بأنهم كاذبون مخادعون مخدوعون, ورمى لهم بالفرية والبهتان, أو بالجهل والغفلة, وقد أعاذهم الله من ذلك وهم يعلمون يقينا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار", وقال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". فالمكذب لهم في روايتهم إنما يحكم عليهم بأنهم يتقحمون في النار تقحما، وإنهم لم يكونوا على شيء من الخلق أو الدين, فإن الكذب من أكبر الكبائر، ثم هو من أسوأ الأخلاق وأحطها, ولن تفلح أمة يفشو فيها الكذب, ولو كان في صغائر الأمور فضلا عن الكذب في الشريعة, وعلى سيد الخلق وأشرف المرسلين, وقد كان أهل الصدر الأول من

_ 1 أي ظهر.

المسلمين -في القرون الثلاثة الأولى- أشرف الناس نفسا, وأعلاهم خلقا, وأشدهم خشية لله, وبذلك نصرهم الله وفتح عليهم الممالك وسادوا على كل الأمم والحواضر في قليل من السنين بالدين والخلق قبل أن يكون بالسيف والرمح"1. أقول: ولن يؤمن بهذه الأكذوبة وبهذا التجني الآثم إلا رجل ألغى عقله وكفر بقواعد البحث العلمي الصحيح, وأهمل الخصائص الدينية والخلقية والنفسية التي تمثلت أقوى ما تكون في هؤلاء السلف الصالح: أهل القرون الثلاثة الفاضلة.

_ 1 مقدمة الباعث الحثيث ص8-10 ط أولى.

مناهج المحدثين في التأليف

"مناهج المحدثين في التأليف": وقد سلك المحدثون في تأليفاتهم مسالك مختلفة منها ما أشرنا إليه فيما سبق ومنها ما لم نشر إليه, وإليك أشهر مناهجهم في التأليف: 1- أجودها تصنيفة على الأبواب الفقهية. بأن يذكر في كل باب ما ورد فيه من أحاديث, فالجامع بينها وحدة الموضوع, وأصحاب هذا المنهج منهم من يقتصر على الصحيح كأصحاب الكتب الصحاح, وعلى رأس هؤلاء صاحبا الصحيحين: البخاري والمسلم. ومنهم من يجمع بين الصحيح والحسن والضعيف كأصحاب السنن: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. ونحوها كشعب الإيمان للبيهقي, و"البعث والنشور" له, وهؤلاء الجامعون بين الصحيح وغيره منهم من يبين كل نوع ويميزه عن الآخر ومنهم من لم يبين ويكتفي بإخراج الحديث بسنده اعتماده على نقد القارئ له, ومعرفة درجته عن طريق النظر في سنده. 2- التأليف على المسانيد بأن يجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديث صحيحا أو حسنا أو ضعيفا من غير أن يكون بينها وحدة.

في الموضوع فقد يذكر حديث في الصلاة بجانب حديث في الزكاة بجانب حديث في البيوع وهكذا فالوحدة في كتب المسانيد هي وحدة الصحابي. وقد اختلف في أول من ألف على المسانيد فقيل: نعيم بن حماد, وقيل أسد بن موسى, وقيل عبيد الله بن موسى العبسي, وأبو داود الطيالسي1 وقيل غير ذلك, وأصحاب هذه الطريقة منهم من يرتب الصحابة على حسب السوابق في الإسلام فيبدأ بالعشرة المبشرين بالجنة, ثم أهل بدر ثم أهل الحديبية, ثم المهاجرين بينها وبين الفتح, ثم من أسلم يوم الفتح ثم أصاغر الصحابة سنا كالسائب بن يزيد وأبي الطفيل عامر بن واثلة ثم بالنساء بادئا بأمهات المؤمنين وذلك كما صنع الإمام الجليل أحمد في مسنده. ومنهم من رتب على القبائل فبدأ ببني هاشم, ثم بالأقرب نسبا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم. ومنهم من رتب على حسب حروف المعجم كما فعل الطبراني في المعجم الكبير فإنه رتب الصحابة فيه على حسب حروف المعجم. 3- وهنالك طريقة سلكها ابن حبان في صحيحه فقد رتبه على الأوامر والنواهي والأخبار والإباحات وأفعال النبي -صلى الله عليه وسلم. ونوع كل نوع من هذه الأنواع الخمسة إلى أنواع وسمى كتابه "التقاسيم والأنواع" وهي طريقة مشكلة معقدة لا يسهل الكشف بها على الحديث.

_ 1 هو أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي بفتح الطاء، والياء وكسر اللام ينسب إلى الطيالسة التي تجعل على العمائم مولى آل الزبير الفارسي الأصل البصري الحافظ له مسند قيل: إنه أول مسند صنف وقد جمعه بعض الحفاظ من خراسان، جمع فيه ما رواه يونس بن يزيد عنه خاصة وله من الأحاديث التي لم تدخل هذا المسند قدره أو تكثر منه وتوفي بالبصرة سنة ثلاث ومائتين وقد رد العراقي أنه أول مسند صنف "تدريب الراوي ص102".

4- ومن أحسن المناهج في التأليف تصنيف معللا بأن يجمع في لك حديث أو باب طرق واختلاف رواته, فإن معرفة العلل أجل أنواع الحديث وأدقها, والأولى جعله على الأبواب ليسهل تناوله وذلك كما فعل ابن أبي حاتم الرازي. وقد صنف الإمام يعقوب بن شيبة مسندا معللا فلم يتم, قيل ولم يتم مسند معلل قط وقد صنف بعضهم مسند أبي هريرة معللا في مائتين جزء. 5- ومن طرق التأليف جمعه على الأطراف وذلك بأن يذكر طرف الحديث1 الدال على بقيته ويجمع أسانيده إما مستوعبا لجميع الكتب أو مقيدا بكتب مخصوصة كأطراف الصحيحين للحافظ إبراهيم بن محمد الدمشقي المتوفى سنة إحدى وأربعمائة "401هـ", وكتاب "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" للحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي الدمشقي المتوفى سنة اثنين وأربعين وسبعمائة، جمع فيه أطراف الكتب الستة على مسانيد الصحابة، وقد طبع أخيرا بالهند، وعليه كتاب "النكت الظراف على الأطراف" للحافظ ابن حجر، وقد أشرف على طبعه السيد عبد الحميد شرف الدين الهندي. وكتاب "إتحاف المهرة بأطراف العشرة" للحافظ ابن حجر المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وقد جمع فيه أطراف الكتب الآتية: 1- الموطأ. 2- ومسند الشافعي. 3- ومسند أحمد. 4- ومسند الدارمي. 5- وصحيح ابن خزيمة. 6- والمنتقى لابن الجارود. 7- وصحيح ابن حبان. 8- ومستدرك الحاكم. 9- ومستخرج أبي عوانة. 10- وشرح معاني الآثار. 11- وسنن الدارقطني. وإنما زاد العدد واحدا، لأن صحيح ابن خزيمة

_ 1 طرف: بفتح الراء أوله الدال عليه.

لم يوجد منه سوى قدر ربعه" هكذا في "لحظ الألحاظ ذيل تذكرة الحفاظ"1. 6- ومنها أنهم يجمعون حديث الشيوخ, كل شيخ على حدة؛ كمالك وسفيان وغيرهما وذلك كحديث الأعمش للإسماعيلي, وحديث الفضيل بن عياض للنسائي وغيرهما. 7- ومنها أنهم يجمعون الأحاديث على التراجم المشهورة, كمالك عن نافع عن ابن عمر وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة. 8- ومنها أنهم يجمعون على الأبواب. بأن يفرد كل باب على حدة بالتصنيف "كرؤية الله تعالى" أفرده الآجري, و"رفع اليدين في الصلاة" و"القراءة خلف الإمام" أفردهما البخاري و"النية" أفردها ابن أبي الدنيا و"القضاء بالشاهد واليمين" أفرده الدارقطني و"القنوت" أفرده ابن منده و"البسملة" أفرده ابن عبد البر وغيره. 9- ومنها أنهم يجمعون الطرق -الأسانيد- لحديث واحد كطريق حديث: "من كذب عليّ معتمدا ... " للطبراني, وطرق حديث "الحوض" للضياء المقدسي وغير ذلك.

_ 1 الرسالة المستطرفة ص26، ط الأولى.

شروط الراوي في الإسلام

"شروط الراوي في الإسلام": أجمع العلماء المسلمون قاطبة من أهل الحديث والفقه والأصول أن الراوي لا تقبل روايته إلا إذا اجتمع فيه صفتان: 1- العدالة. 2- والضبط. وكذلك اتفقوا على ذلك في الشاهد, فما هي العدالة؟ وما هو الضبط؟

1- العدالة1. ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة, والتقوى هي امتثال المأمورات واجتناب المنهيات, أما المروءة فهي آداب نفسانية تحمل صاحبها على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات. والعدل: هو المسلم البالغ العاقل الخالي من أسباب الفسق وخوارم المروءة, وإنما شرطنا الإسلام لأن الباب باب الدين, والكافر يسعى دائما في هدمه فلا يقبل قوله في أموره. وشرطنا البلوغ والعقل لأنها مناط التكليف, إذ الصبي لا يتحرج من الكذب والمجنون لا يعي ما يقول, والمراد بالسلامة من أسباب الفسق أن يكون معروفا بالتقوى فلا يفعل كبيرة ولا يصر على صغيرة2, ولا يكون مبتدعا؛ لأن من شأن المبتدع أن يميل مع هواه, ويسعى في نصرة مذهبه, ومثل هذا لا يؤمن عليه الكذب والاختلاق في سبيل تأييد مذهبه وبدعته, ولذلك رد بعض العلماء رواية المبتدع مطلقا أي سواء كان داعية إلى بدعته أم لم يكن, وفصل بعضهم بين أن يكون داعية إلى بدعته أو لا, فردوا رواية الأول, وقبلوا رواية الثاني, وهذا هو مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء, كما قال ابن الصلاح, وهو أعدل المذاهب وأولاها بالقبول, فكثير من المبتدعة غير الدعاة قد احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهما؛ لأن غير الداعية له من دينه الذي يحرم عليه الكذب ومن صلاحه واستقامته على الشرح ومروءته ما يحول بينه

_ 1 العدالة بمعنى الاستقامة على الدين. مصدر عدل بضم الدال يعدل من باب كرم. عدالة وعدولة فهو عدل أي مرضي في الرواية والشهادة, أما العدل ضد الجور فهو مصدر عدل يعدل من باب ضرب فهو عادل والعدل يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع فيقال رجل عدل, وامرأة عدل, ورجال عدل وتجوز المطابقة فيقال امرأة عدلة. رجال عدول. والملكة هي الكيفية والصفة الراسخة في النفس فإن لم تكن راسخة فهي حال. 2 أما من يفعل بعض الصغائر من غير إصرار فهو عدل ولا محالة.

وبين التزيد والاختلاق. نعم إن روى المبتدع غير الداعية ما يؤيد بدعته فروايته مردودة لاحتمال التهمة. أما ما يخل بالمروءة فقسمان: 1- الصغائر الدالة على الخسة كسرقة شيء حقير كرغيف مثلا. 2- المباحات التي تسبب الاحتقار, وتذهب بالكرامة, وذلك كالبول في الطريق وفرط المزاح الخارج عن حد الاعتدال. وقد مثل العلماء في باب الشهادة والرواية لذلك أيضا بالمشي عاري الرأس والأكل على قارعة الطريق. وفي الحق أن هذه الأمور التي تخل بالمروءة ترجع إلى العرف, والأعراف تختلف في هذا, ولو أخذنا بهذين الأخيرين لتعذر وجود شاهد اليوم فإنه لا يكاد أحد يغطي رأسه اليوم, وكثير من الناس يأكل في الطريق للضرورة لزحمة العمل وضيق الوقت, فمن ثم لا نرى أن هذين يخلان بالمروءة أما البول في الطريق وفرط المزاح فلا يزالان من صفات المستهترين وإنما لا تقبل شهادة ولا رواية من أخل بالمروءة لأن الإخلال بها إما لخبل في العقل أو نقصان في الدين أو لقلة الحياء, وكل ذلك رافع للثقة بقوله.

الفرق بين عدل الرواية والشهادة

الفرق بين عدل الرواية والشهادة: ولا يشترط في عدل الرواية العدد ولا الذكورة ولا الحرية ولا البصر, فيقبل خبر الواحد والمرأة، والعبد، والأعمى, وكذا المحدود في قذف إذا تاب وإن لم تقبل شهادته عند بعض الأئمة1.

_ 1 الذين يقولون: إن المحدود في قذف لا تقبل شهادته وإن تاب هم بعض السلف, وإليه ذهب أبو حنيفة, وجعل الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ... } عائد إلى الفسق في الآية السابقة لها فحسب, وذهب كثير من السلف إلى قبول شهادة من حد في قذف إذا تاب وإليه ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد, ذهابا منهم إلى أن الاستثناء في الآية يعود إلى عدم قبول الشهادة والفسق، فبالتوبة يرتفع الأمران.

والفرق بين الرواية والشهادة أن الشهادة اعتبر فيها معانٍ أخرى تتوقف عليها منها: التمييز بين الأشياء، والإشارة إلى المشهود به وعليه. وهذا لا يمكن مع العمى, وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "على مثل الشمس فاشهد". وأما العبد والمرأة فلأن الشهادة من باب الولاية, فإن الشاهد سيلزم المشهود عليه المشهود به, ولا ولاية لهما على غيرهما لانتقاصها بالأنوثة وانعدامها بالرق, وأما الإخبار بالحديث فليس من باب الولاية؛ لأن الناقل لا يلزم المنقول إليه شيئًا بل الحكم المستفاد من الحديث يلزم المنقول إليه بالتزامه الشريعة. وأما المحدود في قذف فلأن رد شهادته عند من يرى ذلك من تمام حده وقد ثبت ذلك بالنص, وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 4، 5] فبعد التوبة لا تقبل شهادته, ويقبل حديثه بناء على عدالته حينئذ لزوال اسم الفسق عنه، وذلك لأنهم يجعلون الاستثناء عائدًا على الأخير وهو الفسق لا على رد الشهادة كما ذكرنا وأيضًا فلو اشترط لقبول الرواية الذكورة أو الحرية أو العدد لتعطلت أحكام كثيرة, فقد رويت أحاديث كثيرة في الأحكام والآداب عن أمهات المؤمنين وغيرهن, وكثير منها مروي عن الموالي والمماليك كعكرمة مولى ابن عباس, ونافع مولى ابن عمر, وبلال الحبشي, وصهيب الرومي وغيرهم وكثير من الأحاديث مروية بطريق الآحاد ولم ترد إلا من طريق واحد فقط وبذلك ظهرت الحكمة في الفرق بين عدل الرواية وعدل الشهادة.

هل العدالة تتفاوت؟: جمهور العلماء على أن العدالة لا تقبل الزيادة والنقصان فهي كالإيمان عند من يقول بعدم قبوله ذلك. والصحيح أن العدالة كالضبط تقبل الزيادة والنقصان والقوة والضعف وقد أشار إلى ذلك علماء الأصول في باب الترجيح في الأخبار وصرح به العلامة نجم الدين سليمان الطوفي في "شرح الأربعين" حيث قال: "إن مدار الرواية على عدل الراوي وضبطه, فإن كان مبرزا فيهما كشعبة وسفيان ويحيى القطان ونحوهم فحديثه صحيح, وإن كان دون المبرز فيهما أو في أحدهما لكنه عدل ضابط بالجملة فحديثه حسن", وهذا هو أجود ما قيل في هذا المكان. واعلم أن العدالة والضبط إما أن ينتفيا في الراوي, أو يوجد فيه العدالة وحدها أو الضبط وحده, فإن انتفيا فيه لم يقبل حديثه أصلا, وإن اجتمعا فيه قبل وهو الصحيح المعتبر, وإن وجدت فيه العدالة دون الضبط قبل حديثه لعدالته وتوقف فيه لعدم ضبطه حتى يوقف على شاهد منفصل يجبر ما فات من صفة الضبط, وإن وجد فيه الضبط دون العدالة لم يقل حديثه لأن العدالة هي الركن الأكبر في الرواية, ثم إن كل واحد من العدالة والضبط له مراتب: عليا, ووسطى, ودنيا. ويحصل بتركيب بعضها مع بعض مراتب للحديث مختلفة في القوة والضعف وهي ظاهرة مما ذكرناه1. ولعل الذي أوجب خفاء تفاوت العدالة عند بعض العلماء أنهم رأوا أن أئمة الحديث قلما يرجعون بها, وإنما يرجحون بأمور تتعلق بالضبط, وسبب ذلك أنهم رأوا أن الترجيح بزيادة العدالة ربما يوهم الناس أن الراوي الآخر غير عدل فيسوء به ظنهم, ويشكون في سائر ما يرونه.

_ 1 توجيه الفطر إلى علوم الأثر ص30.

وقد فرض أنه عدل ضابط. وقد زعم بعض العلماء عدم تفاوت الضبط أيضا, وقد رد عليه بعضهم بقوله: لا شك في تحقق تفاوت مراتب العدالة والضبط في العدول الضابطين من السلف والخلف وقد وضح ذلك حتى صار كالبدهي وهذه المسألة لها نظائر لا تحصى قد غلط فيها كثير ممن له موقع عظيم في النفوس فإنهم يذهلون عن بعض الأقسام, فتراهم يقولون: الراوي إما عدل أو غير عدل, وكل منهما إما ضابط أو غير ضابط, غير ملاحظين أن العدالة والضبط مقولان بالتشكيك, فينبغي الانتباه لذلك فإنه ينحل به كثير من المشكلات1. بم تثبت العدالة؟ 1- تثبت العدالة بالاستفاضة والشهرة, فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم, وشاع الثناء عليه بها كفى في عدالته, ولا يحتاج مع ذلك إلى معدل ينص عليها، وذلك كالأئمة مالك والسفيانين: سفيان الثوري, وسفيان بن عيينة. والأوزاعي, والشافعي وأحمد بن حنبل, والليث بن سعد, وشعبة, وابن المبارك, ووكيع بن الجراح, ويحيى بن معين, وعلي بن المديني -رحمهم الله- ومن جرى مجراهم في نياهة الشأن، واستقامة الأمر، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء، وإنما يسأل عمن خفي أمره. وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه فقال: "مثل إسحاق يسأل عنه؟ ", وهي كلمة لها معناها ومغزاها. وسئل يحيى بن معين عن أبي عبيد القاسم بن سلام فقال: "مثلي يسأل عن أبي عبيد؟! أبو عبيد يسأل عن الناس".

_ 1 المرجع السابق ص31.

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: "الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية إذا لم يكونا مشهورين بالعدالة، والرضا، وكان أمرهما مشكلا ملتبسا، ومجوزا فيهما العدالة وغيرها"، قال: والدليل على ذلك أن العلم بظهور سيرهما، واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة. 2- وتثبت العدالة أيضا بتنصيص عالمين عليها، أو واحد على الصحيح، ولو بروايته عنه في قول1. 3- وتوسع الحافظ أبو عمر بن عبد البر النمري القرطبي في ثبوت العدالة فقال ما توضيحه: "كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه" ووافقه على هذا ابن المواق من المتأخرين لقوله -صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" , رواه من طريق العقيلي من رواية معان -بضم الميم- ابن رفاعة السلامي2 عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري مرفوعا، وقوله هذا غير مرضي والحديث الذي استدل به من الطريق الذي أورده مرسل3، أو معضل4، وإبراهيم الذي أرسله قال فيه ابن القطان: "لا نعرفه البتة" ومعان أيضا وثقه علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، قال ابن القطان: "وخفي على أحمد من أمره ما علمه غيره", وهذا الحديث قد توسع في الكلام عليه الإمام العراقي "في التقييد والإيضاح" بما لا مزيد عليه من ناحية سنده ومتنه. أما من ناحية سنده فقال: "لقد ورد هذا الحديث مفصلا من رواية

_ 1 تدريب الراوي ص109 ط الأولى. 2 بتخفيف اللام وهو شامي لين الحديث كثير الإرسال توفي بعد سنة مائة وخمسين. 3 المرسل: ما سقط منه الصحابي. 4 المعضل ما سقط منه اثنان أو أكثر على التوالي.

علي، وابن عمر، وابن عمرو، وجابر بن سمرة، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء، وليس فيها شيء يقوي المرسل ... إلى آخر ما قال". وأما من ناحية متنه فقال: "ثم على تقدير ثبوته إنما يصح الاستدلال به لو كان خبرا أي متمحضا للخبرية، ولا يصح على الخبر لوجود من يحمل هذا العلم وهو غير عدل وغير ثقة1 فلم يبق له محمل إلا على الأمر2 ومعناه أنه أمر للثقات بحمل هذا العلم لأن العلم إنما يقبل عنهم، والدليل لذلك أن في بعض طرقه عند ابن أبي حاتم: "ليحمل هذا العلم" بلام الأمر. أقول: وإذا حملناه على الأمر فقد عرا عن أن يكون دليلا لما ذهب إليه ابن عبد البر ولا يقال: لم لا يصير هذا الحديث حسنا بتعدد الطرق؟ لأنا نقول: إن الضعيف قسمان: 1- ضعيف ينجبر بتعدد الطرق كما إذا كان ضعفه محتملا. 2- وضعيف لا ينجبر فيما إذا كان غير ذلك وهذا من الثاني، والله أعلم3. 2- الشرط الثاني: الضبط: وهو إتقان ما يرويه الراوي بأن يكون متيقظا لما يروي، غير مغفل4 وذلك بأن يكثر صوابه على خطئه وغفلته، حافظا لروايته إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن حدث من كتابه، عالما بما يحيل المعنى عن المراد إن روى بالمعنى حتى يثق

_ 1 فيلزم عليه الخلف في خبره -صلى الله عليه وسلم- وهو مستحيل شرعا. 2 أي إنه فعل مضارع يراد به الأمر أي ليحمل. 3 علوم الحديث لابن الصلاح بشرح العراقي 138، 139، ط العاصمة، وتدريب الراوي بشرح تقريب النواوي ص199، 300. 4 بضم الميم وفتح الغين وفتح الفاء المشددة.

المطلع على روايته، والمتتبع لأحواله بأنه أدى الأمانة كما تحملها لم يغير منها شيئا. والضبط ينقسم إلى قسمين: 1- ضبط صدر: وهول أن يحفظ ما سمعه في صدره من جهة تحمله إلى وقت أدائه بحيث يتمكن من استحضاره، متى شاء، مع المحافظة على اللفظ إن كان ذاكرا له، مستكملا لشروط الرواية بالمعنى، إن روي بالمعنى. 2- ضبط كتاب: وهو أن يصون كتابه الذي تحمل الحديث فيه من وقت تحمله إلى وقت أدائه بحيث يأمن عليه من التغيير والتبديل، والزيادة والنقصان، وإذا أعاره إلى أحد لا يعيره إلا لرجل مؤتمن. وضبط الصدر مجمع على قبول الرواية به، وأما ضبط الكتاب فخالف في قبول الرواية بعض الأئمة الكبار كأبي حنيفة وأبي عبد الله مالك رحمه الله تعالى1. تفاوت الضبط: وتتفاوت مراتب الضبط بحسب تفاوت الرواة في الحفظ والتيقظ وعدم الغفلة والسهو إن روى من حفظه, وبمقدار ضبطه لكتابه وصيانته له إن روى من كتابه, وبمقدار علمه بمعنى ما يرويه, وبما يحيل المعنى عن المراد إن روى بالمعنى. "بم يعرف الضبط؟ ": ويعرف ضبط الراوي بمقارنة مروياته بمرويات الثقات المتقنين

_ 1 مقدمة ابن الصلاح ص185.

الضابطين وقياسها بمقياس حديثهم, فإن وافقهم في روايتهم غالبا ولو من حيث المعنى فهو ضابط ولا تضر مخالفته لهم النادرة, فإن كثرت مخالفته لهم, وندرت الموافقة اختل ضبطه ولم يحتج بحديثه1. وإذا أثبت عدالة الراوي وضبطه ثبت أنه ثقة تجب الطمأنينة إليه، وترجح جانب صوابه على جانب خطئه, وليس بعد تحقق الطمأنينة وترجح جانب الصواب من الراوي إلا قبول روايته, وبعد تحقق العدالة والضبط وشروطهما يصير احتمال الكذب أو الغلط من الراوي احتمالا بعيدا جدا إن لم يكن غير ممكن, بل هو لا يعدو أن يكون أمرا جائزا جوازا عقليا، وبالعدالة والضبط يحوز الراوي درجة القبول. ويتهيأ مرويه للنظر فيه, ويتأهل إسناده للبحث عنه. فإذا قبل الراوي ينظر للمروي هل توفرت فيه شروط القبول؟ وهي: السلامة من الشذوذ ومن العلة، وذلك بألا يخالف الثقة من هو أوثق منه فيما رواه, وبأن يسلم المروي من قادح خفي تظهر السلامة منه, فإذا تخطى المروي هذه العقبة فإنه ينظر للرواية. فإذا تحقق اتصال الإسناد وسلامته من الخلل وانتفى عنه التعليق والإرسال والانقطاع والإعضال والتدليس والاضطراب ومخالفة الأرجح عددا أو صفة كان المتن أهلا للقبول, وترجحت نسبته إلى من عزي إليه ترجحا قويا يكاد يصل عند أهل هذا الفن المتمرسين فيه, والذين اكتسبوا ملكة النقد بمزاولته إلى حد العلم واليقين. وهكذا يظهر لنا جليا أن الشروط التي وضعها المحدثون للراوي والمروي والرواية يوجب الثقة والطمأنينة إلى الراوي والمروي, وأنها تمثل أدق الأصول في النقد وأوفاها وأرقاها, وأن علم الرواية في الإسلام من مفاخر الأمة الإسلامية.

_ 1 التدريب ص110 ومثل ذلك إدراك استقامة الخط المستقيم بقياسه بالمسطرة في المحسوس فإذا لم تخرج عن استقامة المسطرة كان مستقيما وإلا فلا.

التحمل والأداء وشروطهما

"التحمل والأداء وشروطهما": الرواية لا بد فيها من تحمل وأداء فما هو التحمل؟ وما هو الأداء؟ التحمل: هو نقل الحديث عن الغير بأي طريق من طرق التحمل الصحيحة المعتبر وهذا الغير يسمى في عرف المحدثين شيخا. شرطه: لا يشترط في التحمل إلا التمييز والضبط لما يروي ويسمع, وحدد المحدثون أول زمن يصح فيه السماع للصغير بخمس سنين, وعلى هذا استقر العمل بين أهل الحديث وأئمته, واحتجوا لهذا بما رواه البخاري في صحيحه عن محمود بن الربيع قال: "عقلت من النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة حجها في وجهي من دلو, وأنا ابن خمس سنين" وأما من دون هذا السن فيقولون: له حضور والصواب: أن العبرة بالتمييز والضبط, فقد يكون ابن أربع وهو مميز ضابط وقد يكون ابن سبع وهو ليس كذلك1. وعلى هذا يجوز التحمل من الصبي المميز, ولكنه لا يؤدي إلا بعد البلوغ كحديث محمود بن الربيع هذا ويجوز التحمل من الكافر ولكنه لا يؤدي إلا بعد الإسلام، وذلك كقصة أبي سفيان بن حرب مع هرقل حينما استدعاه لما بلغه كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوته إلى الإسلام وسؤاله عنه2 فقد تحملها وهو كافر, ولكنه أداها بعد إسلامه. الأداء: الأداء هو رواية الحديث للغير, وهذا الغير يعرف عنه المحدثين بطالب الحديث. شروطه: وأما شروط الأداء فهي العدالة والضبط بأن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة حافظا لحديثه إن أدى من صدره ولكتابه إن حدث منه عالما بمدلولات الألفاظ. وبما

_ 1 النخبة وشرحها. 2 صحيح البخاري باب, كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

يحيل -يغير- المعاني إن روي بالمعنى على ما فصلنا في شروط الراوي. "طرق التحمل والأداء": للتحمل طرق وكيفيات مخصوصة, وهي على ما ذكرها ابن الصلاح وغيره ثمانية, وعلى من تحمل بطريق من هذه الطرق أن يعبر بصيغة تدل على ذلك الطريق الذي تحمل به ويسميها المحدثون "صيغ الأداء". الطريق الأول: السماع من لفظ الشيخ بأن يكون الشيخ يقرأ الحديث والطالب يستمع, وسواء في هذا أكان الشيخ يحدث من حفظه أم من كتابه وسواء أكان مع إملاء أم من غير إملاء, وهذا القسم أعلى أنواع التحمل عند الجمهور سلفا وخلفا, ويجوز السماع من وراء حجاب إذا عرف صوته, فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاعتماد على سماع صوت ابن أم مكتوم في الصيام في حديث "إن بلالا يؤذن بليل, فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم", رواه البخاري ومسلم مع غيبة شخصه عمن يسمعه, وأيضا فقد كان الصحابة والتابعون يروون عن أمهات المؤمنين من وراء حجاب. صيغ الأداء: وصيغ الأداء عن هذا الطريق: سمعت أو سمعنا, حدثني أو حدثنا1 أخبرني أو أخبرنا سماعا منه, أنبأني أو أنبأنا سماعا منه. أما إطلاق الإخبار والإنباء فالبعض يجيزه والبعض لا يجيزه كما ستعلم عن كثب, قال الخطيب البغدادي: "أرفع العبارات سمعت ثم حدثنا وحدثني, فإنه لا يكاد أحد يقول: سمعت في الإجازة والمكاتبة.

_ 1 سمعت وحدثني إن كان وحده, وسمعنا وحدثنا إن كان معه غيره. فإن شك اقتصر على حدثني لأن الأصل عدم الغير, وقيل العكس لأنه أدون مرتبة، لأن في حدثني إشعار بأنه قصده بالتحديث بخلاف حدثنا وهذا يدل على دقة الحديث في تفرقتهم بين الألفاظ.

ولا في تدليس ما لم يسمعه بخلاف حدثنا, فإن بعض أهل العلم كان يستعملها في الإجازة, ثم أخبرنا وأنبأنا". وهذا كان قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ وأنبأنا بالإجازة منه. وقال ابن الصلاح "حدثنا وأخبرنا أرفع من جهة أخرى, إذ ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه الحديث, أي قصده بالرواية بخلافها1 وهو اختلاف في الأنظار تبعا للاختلاف في الاعتبار. الطريق الثاني: "القراءة على الشيخ" وأكثر المحدثين يسمونها عرضا من حيث أن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ. وسواء في هذا النوع أن يكون الطالب هو القارئ, أم كان القارئ غيره وهو يسمع, وسواء قرأ من كتاب أو من حفظه, وسواء أكان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه أو لا يحفظ ولكن يمسك أصله2 هو أو ثقة غيره. زاد العراقي: وكذا إن كان ثقة من السامعين يحفظ ما قرئ وهو مستمع غير غافل وقال الحافظ ابن حجر: ينبغي ترجيح الإمساك في الصور كلها على الحفظ لأنه خوان ولا يشترط أن يقر الشيخ بما قرئ عليه نطقا بل يكفي سكوته في إقراره عليه عند الجمهور, وخالف في هذا بعض الشافعية والظاهرية وقالوا: لا بد من نطقه والصحيح الأول. "الرواية بهذا الطريق" والرواية عن الشيخ بالقراءة عليه رواية صحيحة بلا خلاف في جميع ذلك إلا ما حكي عن بعض السلف من العلماء المتشددين كوكيع, وأبي عاصم النبيل, ومحمد بن سلام.

_ 1 تدريب الراوي ص129، 130. 2 كتاب الشيخ.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح "وقد انقرض الخلاف في كون القراءة على الشيخ لا تجزئ وإنما يقول بذلك بعض المتشددين من أهل العراق"1 وحكي القول بصحتها عن الجماهير من الصحابة والتابعين ومنهم الفقهاء السبعة ومنهم الأئمة الأربعة وغيرهم. الدليل عليها: وقد استدل الحميدي ثم البخاري على ذلك بحديث ضمام بن ثعلبة لما أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: أنا سائلك فمشدد عليك, فلا تجد عليّ في نفسك فقال له: "سل عما بدا لك" فقال: أسألك بربك ورب من قبلك: آلله أرسلك إلى الخلق كلهم؟ قال: "اللهم نعم" , ثم سأله عن شرائع الإسلام من صلاة وصيام وزكاة فلما فرغ, قال: آمنت بما جئت به, وأنا رسول من ورائي. فلما رجع إلى قومه اجتمعوا إليه فأبلغهم فأجازوه أي قبلوا منه. رواه البخاري ومسلم2 وأسند البيهقي في المدخل عن البخاري قال: قال أبو سعيد الحداد عندي خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في القراءة على العالم فقيل له. وما هو؟ قال قصة ضمام: آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم" وقد عقد البخاري لذلك بابًا في صحيحه من كتاب العلم وهو "باب القراءة والعرض على المحدث". منزلتها مما قبلها: وقد اختلف في مرتبتها بالنسبة لما قبلها, فقيل: هما سواء وحكى هذا عن مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومعظم علماء الحجاز والكوفة, والبخاري وغيرهم. وقيل: إنها أعلى من السماع, وحكى هذا عن الإمام أبي حنيفة وغيره, ورواية عن الإمام مالك, واعتلوا بأن الشيخ لو غلط لم يتهيأ للطالب الرد عليه بخلاف ما لو غلط الطالب فإن الشيخ يرد عليه.

_ 1 فتح الباري ج1 ص122. 2 البخاري كتاب العلم, باب القراءة والعرض على المحدث، مسلم كتاب الإيمان, باب السؤال عن أركان الإسلام.

وقيل: إنها تلي السماع في المرتبة وهو الصحيح, وعليه جمهور علماء أهل المشرق وذلك لأن الشيخ وهو يقرأ يكون متيقظا لما يقرأ, ويبعد عليه السهو بخلافه وهو يسمع فقد يسهو أو يغفل. صيغ الأداء: وصيغ الأداء عن هذا الطريق: قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع أو "أخبرني بقراءتي" أو "أخبرنا قراءة عليه وأنا أسمع" أو "حدثني بقراءتي عليه" أو "حدثنا قراءة عليه وأنا أسمع". وأما إطلاق "حدثنا" و"أخبرنا" فمنع منه جماعة منهم أحمد بن حنبل والنسائي, وجوزهما طائفة، وهو مذهب الزهري ومالك والبخاري وجماعات من المحدثين ومعظم الحجازيين والكوفيين, وقد عقد البخاري لذلك كتابا في صحيحه من كتاب العلم فقال: "باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا" ذهابا منه إلى أنهما بمعنى, واستدل لذلك بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها, وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟ ... " الحديث. وفي رواية بلفظ "أخبروني" وفي رواية الإسماعيلي "أنبئوني". وفصلت فرقة فأجازت إطلاق "أخبرنا" ومنعت من إطلاق "حدثنا" وهو مذهب الشافعي وأصحابه, ومسلم بن الحجاج, وجمهور أهل المشرق وقيل إنه مذهب أكثر المحدثين, وصار الفرق هو الشائع الغالب على أهل الحديث, وادعاء الفرق بينهما من حديث اللغة تكلف شديد, لكن لما تقرر الاصطلاح صار ذلك حقيقة عرفية, فتقدم على الحقيقة اللغوية1 وأصحاب هذا المذهب يخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ, والإخبار بما يقرأ عليه ثم أحدث أتباعهم تفصيلا آخر: فمن سمع وحده من الشيخ قال: "حدثني" ومن سمع مع غيره قال: "حدثنا"

_ 1 فتح الباري ج1 ص117 إلى 119, والتدريب ص130-133.

ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال: "أخبرني"1 ومن سمع وغيره يقرأ قال: "أخبرنا". وكذلك خصص المتأخرون "الإنباء" بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه فإن أجازه وحده قال: "أنبأني" وإن أجازه وغيره قال: "أنبأنا".

_ 1 قال العراقي: سواء سمعه معه غيره أم لا.

فائدة

"فائدة": قول الراوي: "أخبرنا سماعا" أو "قراءة" أو "حدثنا سماعا" أو "قراءة عليه" هو من باب قولهم: "أتيته سعيا" "وكلمته مشافهة" وللنحاة فيها مذاهب: "الأول" رأي سيبويه: أنها مصادر وقعت موقع اسم الفاعل حالا، وأنه لا يستعمل منها إلا ما سمع ولا يقاس عليها. فعلى هذا فاستعمال الصيغة المذكورة في الرواية ممنوع لعدم نطق العرب بها. "الثاني" رأي المبرد: أنها ليست أحوالا بل مفعولات لفعل مضمر من لفظها وذلك المضمر هو الحال, وأنه يقاس في كل ما دل عليه الفعل المتقدم. "الثالث" رأي الزجاج: قال بقول سيبويه لكن قال: إنه مقيس. "الرابع" رأي السيرافي: قال: إنه من باب جلست قعودا منصوب بالفعل الظاهر مصدرا معنويا1 وعلى هذا يكون لهذه الصيغة وجوه في تخريجها على القواعد اللغوية ويكون استعمالها صحيحا عند الأكثر من النحاة.

_ 1 تدريب الراوي ص133.

تفريعات

تفريعات: "الأول" كتب المتقدمين لا يصح لمن يرويها أن يغير فيها ما يجده من ألفاظ المؤلف أو شيوخه في قولهم: حدثنا أو أخبرنا أو نحو ذلك بغيره, وإن كان الراوي يرى التسوية بين هذه الألفاظ لاحتمال أن يكون المؤلف أو شيوخه ممن يرون التفرقة بينهما, ولأن التغيير في ذاته ينافي الأمانة في النقل ويؤدي إلى تغيير النصوص. وأما إذا روى الراوي حديثا عن أحد الشيوخ في غير الكتب المؤلف. فإن كان الشيخ ممن يرى التفرقة بين التحديث والإخبار فإنه لا يجوز للراوي إبدال أحدهما بالأخر, وإن كان ممن يرى التسوية بينهما جاز للراوي ذلك. لأنه يكون من باب الرواية بالمعنى. وقال آخرون بمنعه مطلقا وهو الحق لأنه ينافي الدقة في الرواية, وفي هؤلاء أحمد بن حنبل قال: "اتبع لفظ الشيخ في قوله: حدثنا وحدثني وسمعت وأخبرنا ولا تعده". "الثاني" إذا نسخ السامع أو المسمع حال القراءة فما الحكم؟ قال جماعة منهم إبراهيم الحربي وابن عدي والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني1: لا يصح السماع وصحح السماع جماعة منهم: الحافظ موسى بن هارون الحمال, وأبو حاتم محمد بن حبان البستي, وكان ابن المبارك ينسخ وهو يقرأ عليه, وكتب أبو حاتم حالة السماع عند عارم. وقال أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغي2 على من ينسخ أن يقول: حضرت ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا وهو رأي وسط، وتحوط مشكور,

_ 1 بكسر الهمزة وسكون السين وفتح الفاء والراء ثم كسر الياء والنون نسبة إلى إسفرايين. 2 بكسر الصاد وسكون الباء الموحدة والغين المعجمة, وياء النسبة في آخره وهو ما يصبغ به من الألوان, وهو إمام مشهور له رحلة إلى العراق والحجاز وسمع الحارث بن أبي أسامة ومحمد بن عيسى بن السكون وتوفي سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة "342" وكان أبوه يبيع الصبغ وممن سمع عن محمد بن يحيى الذهلي وأبي زرعة وتوفي إسحاق سنة إحدى وسبعين ومائتين.

والصحيح التفصيل: فإن فهم الناسخ المقروء صح السماع، وإن لم يفهمه لا يصح, ويروي أنه قد حضر الدارقطني مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي والدارقطني ينسخ جزءا كان معه، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ. فقال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك, ثم قال له: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟ فقال: لا. فقال الدارقطني: أملي ثمانية عشر حديثا, فعدت فوجدت كما قال, ثم سردها كلها بأسانيدها ومتونها، فتعجب الناس منه. "الثالث" إذا قال الشيخ بعد التحديث بحديث لمن يسمع منه: لا ترو عني أو رجعت عن إخبارك, أو لا آذن لك في الرواية عني ونحو ذلك غير معلل ذلك بخطأ منه فيما حدث به, أو شك فيه ونحوه، لم تمتنع رواية التلميذ عنه, فإن استند إلى شيء من ذلك امتنعت الرواية عنه, ولو خص بالسماع قوما فسمع غيرهم بغير علمه جاز لهم الرواية عنه ولو قال: أخبركم ولا أخبر فلانا جاز له الرواية عنه لأن العبرة في الرواية بصدق الراوي في حكاية ما سمعه من شيخه, وصحة نقله عنه, فلا يؤثر في ذلك تخصيص البعض بالرواية عنه, أو نهي البعض وأيضا فالأحاديث ليست ملكا له. وإنما هي ملك الشارع, فمن سمعها فله أن يرويها وعليه أن يبلغها. "الطريق الثالث": الإجازة: معناها لغة: قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: الإجازة مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والحرث. يقال: استجزته فأجازني إذا سقاك ماء لماشيتك وأرضك, كذا طالب العلم يستجيز العالم علمه فيجيزه إياه أي يمنحه ويعطيه إياه, قال ابن الصلاح1 فعلى هذا يجوز أن يقال: أجزت فلانا مسموعاتي أو مروياتي

_ 1 علوم الحديث, بحث الإجازة.

متعديا بغير حرف جر, وبدون ذكر لفظ الرواية, ومن جعل الإجازة إذنا وإباحة وهو المعروف يقول: أجزت له رواية مسموعاتي, ومن قال: أجزت فلانا مسموعاتي فعلى الحذف كما في نظائره1. وفي اصطلاح المحدثين: إذن الشيخ للطالب في الرواية عنه من غير سماع منه ولا قراءة عليه, فهي إخبار إجمالي بمروياته. وإنما تستحسن الإجازة إذا علم المجيز ما يجيزه, وكان المجاز له من أهل العلم لأنها توسيع وترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها. واشترطه بعضهم في صحتها. والإجازة: إما بالتلفظ أو بالكتابة وينبغي للمجيز كتابة أن يتلفظ بها أيضا, فإن اقتصر على الكتابة مع قصد الإجازة صحت. ولا يشترط في الإجازة القبول. قال السيوطي في التدريب: فلو رد فالذي ينقدح في الذهن الصحة, وكذا لو رجع الشيخ عن الإجازة. ويحتمل أن يقال: إن قلنا: الإجازة إخبار لم يضره الرد ولا الرجوع وإن قلنا: إذن وإباحة ضرا كالوقف والوكالة, لكن الظاهر الأول2. أنواعها: الأول: إجازة لمعين من الطلبة في معين من الكتب وذلك مثل أجزتك أو أجزتكم -لجماعة معروفين- كتاب كذا, أو ما اشتملت عليه فهرستي3 هذه, وهذه أعلى أنواع الإجازة المجردة عن المناولة. حكمها: والصحيح الذي قاله الجمهور من المحدثين وغيرهم, واستقر

_ 1 في القاموس المحيط مادة "جاز" والجواز كسحاب. صك المسافر. والماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث. وقد استجزته فأجازني سقى أرضك أو ماشيتك.. وأجاز له: سوغ له. ورأيه أنفذه كجوزه. واستجاز طلب الإجازة أي الإذن". 2 التدريب ص142. 3 الفهرس: الكتاب الذي تجمع فيه الكتب, معرب فهرست. قاموس.

عليه العمل جواز الروية والعمل بها, بل ادعى أبو الوليد الباجي, والقاضي عياض الإجماع على ذلك, وإن كان ابن الصلاح نقض الإجماع بما روي عن الشافعي وغيره المنع من الرواية بها. وأبطلها جماعات من المحدثين وغيرهم منهم شعبة. روي عنه أنه قال: "لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة" ومنهم إبراهيم الحربي, وأبو الشيخ محمد بن عبد الله الأصبهاني, وأبو الحسن الماوردي, وحكي عن أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف, وقال ابن حزم: إنها بدعة غير جائزة, بل بالغ بعضهم فقال: "إن من قال لغيره: أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه قال: أجزت لك أن تكذب علي لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع" والراجح جوازها, قال ابن الصلاح: "ثم إن الذي استقر عليه العمل, وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم القول بتجويزه الإجازة, وإباحة الرواية بها وفي الاحتجاج لذلك غموض, ويتجه أن نقول: إذا جاز له أن يروي عنه مروياته وقد أخبره بها جملة, فهو كما لو أخبره بها تفصيلا, وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق1. وقد احتج بعض أهل العلم لجوازها بحديث "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب سورة براءة في صحيفة ودفعها لأبي بكر, ثم بعث علي بن أبي طالب فأخذها منه ولم يقرأها عليه ولا هو أيضا حتى وصل إلى مكة ففتحها وقرأها على الناس" رواه ابن إسحاق، والإمام أحمد، والترمذي. "وجوب العمل بها" وكما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها بشرطه أي إذا توفرت فيه شروط القبول بأن يكون صحيحا أو حسنا وخالف في هذا بعض الظاهرية ومن تابعهم فقالوا: تجوز الرواية بها ولا يجب العمل بها كالمرسل, وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما

_ 1 علوم الحديث ص102.

يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به. منزلتها: الجمهور على أنها دون السماع, وقيل هما سواء، ومنهم من شذ فجعلها أعلى من السماع, وقال الطوفي: في عصر السلف السماع أولى, وأما بعد أن دونت الدواوين وجمع السنن, واشتهرت فلا فرق بينهما, والراجح والصحيح هو الأول, وأنها دون السماع, ودون القراءة على الشيخ لما في السماع والقراءة من تحقيق الرواية وضبط الألفاظ. "النوع الثاني" أن يجيز لمعين من الطلبة في غير معين من الكتب أو المرويات كأجزتك أو أجزتكم جميع مسموعاتي أو مروياتي. والخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر من الأول, والجمهور من العلماء المحدثين والفقهاء على جواز الرواية بها ووجوب العمل بما روى بها بشرطه, يعني أن يكون صحيحا أو حسنا. "النوع الثالث" الإجازة لغير معين بوصف العموم كأجزت جميع المسلمين, أو كل واحد أو أهل زماني وما أشبه ذلك. وقد اختلف في جواز هذا النوع, فمنهم من جوزه كالقاضي أبي الطيب الطبري وتلميذه الخطيب البغدادي, وابن منده, وأبي العلاء الهمداني. وأبي الوليد بن رشد وغيرهم حتى جمعهم بعضهم في جزء كما قال السيوطي في التدريب, وكلما كان هذا النوع من الإجازة مقيدا بوصف حاصر كأجزت طلبة العلم ببلد كذا, أو من سمع مني كتاب كذا كان أقرب إلى الجواز من غير المقيدة. ومنهم من منع الرواية بها منهم العلامة ابن الصلاح حيث قال: "ولم نسمع عن أحد يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها, ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها, والإجازة في أصلها ضعف, وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله والله أعلم". وقد انتقد ابن الصلاح النووي فقال: "الظاهر من كلام مصححها

جواز الرواية به. وهذا مقتضى صحتها, وأي فائدة لها غير الرواية بها" وكذلك انتقده العراقي في شرحه على المقدمة فقال: "إن ما رجحه المصنف من عدم صحتها خالفه فيه جمهور المتأخرين, وصححه النووي في الروضة من زياداته فقال الأصح جوازها, وبعد أن ذكر أن بعض المتقدمين روى بها كالحافظ ابن خير الأشبيلي, وبعض المتأخرين كالحافظ الدمياطي وغيره, وصححها ابن الحاجب قال: وبالجملة ففي النفس من الرواية بها شيء, والأحوط ترك الرواية بها1 إلا المقيدة بنوع حصر فإن الصحيح جوازها. "النوع الرابع" الإجازة لمعين من الطلاب بمجهول من الكتب, أو الإجازة بمعين من الكتب لمجهول من الناس مثل: أجزتك كتاب السنن مثلا وهو يروي كتبا في السنن أو أجزت سنن أبي داود مثلا لمحمد بن خالد الدمشقي, وهناك جماعة مشتركون في هذا الاسم, فإن لم تكن هناك قرينة دالة على مراده فهي باطلة, وإلا فهي صحيحة لأنه مع وجوه القرينة يصير كالمعلوم. فإن أجاز لجماعة مسمين في الإجازة أو غيرها, ولم يعرفها بأعيانهم ولا أنسابهم ولا عددهم ولا تصفحهم صحت الإجازة منه, وذلك مثل سماعهم منه في مجلسه في هذا الحال. وأما أجزت لمن يشاء فلان أو نحو هذا ففيه جهالة وتعليق بشرط, فالأظهر بطلانه وبه جزم البعض, وصحح هذا الضرب من الإجازة بعض العلماء وقال: إن الجهالة ترتفع عند وجود المشيئة, ولو قال: أجزت لمن يشاء الإجازة فهو كالسابق في البطلان بل وأكثر جهالة وانتشارا. ولو قال أجزت لمن يشاء الرواية عني فأولى بالجواز، ولو قال:

_ 1 علوم الحديث بشرح العراقي ص154، 155 والتدريب ص138.

أجزت لفلان كذا إن شاء روايته عني, أو لك إن شئت أو أحببت أو أردت فالأظهر الجواز. "النوع الخامس" الإجازة للمعدوم كأجزت لمن يولد لفلان, وقد اختلف المتأخرون من العلماء في صحتها, فإن عطفه على موجود كأجزت لفلان ومن يولد له أو لك ولولدك ولعقبك ما تناسلوا فأولى بالجواز مما لو أفرده بالإجازة قياسا على الوقف, فقد أجاز أصحاب مالك وأبي حنيفة الوقف على المعدوم وإن لم يكن أصله موجودا. وقد فعل هذا الثاني من المحدثين الإمام أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني فقد سئل الإجازة فقال: "أجزت لك ولأولادك, ولحبل الحبلة1 يعني الذين لم يولودا بعد ... وأجاز الأول أيضا الخطيب البغدادي وألف فيه جزءا, وحكاه عن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي, وابن عروس المالكي وأبطلها القاضي أبو الطيب, وابن الصباغ الشافعيان وهو الصحيح الذي لا ينبغي غيره؛ لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز, فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا يصح الإجازة له, أما إجازة من لم يوجد مطلقا فلا يجوز بالإجماع2. "النوع السادس" إجازة ما لم يتحمله المجيز وهو الشيخ ليرويه المجاز له وهو الطالب إذا تحمله المجيز. قال القاضي عياض في كتابه "الإلماع" لم أر من تكلم فيه من المشايخ, ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه, ثم حكي عن قاضي قرطبة أبي الوليد يونس بن مغيث منع ذلك قال عياض: وهذا هو الصحيح, وقال النووي: وهذا هو الصواب, وممن قال ببطلانها الإمام ابن الصلاح وقال: سواء قلنا إن الإجازة في حكم الإخبار بالمجاز جملة أو إذن. إذ لا يجيز بما لا خبر

_ 1 في المصباح المنير: وحبل الحبلة بفتح الحاء المهملة ولد الولد الذي في بطن الناقة وغيرها. 2 مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي بحث الإجازة والتدريب ص140 والباعث الحثيث ص137.

عنده, ولا يؤذن فيما لم يملكه الآذن بعد كالإذن في بيع ما لم يملكه فعلى هذا يتعين على من أراد أن يروي عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته أن يبحث حتى يعلم أن هذا مما تحمله شيخه قبل الإجازة له. وأما قول الشيخ: أجزت لك ما صح وما يصح عندك من مسموعاتي فصحيح تجوز الرواية به لما صح عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبلها, وقد فعل هذا الدارقطني وغيره. "النوع السابع" الإجازة بالمجاز كأجزتك مجازاتي أو جميع ما أجيز لي روايته وقد منع هذا بعض من لا يعتد به من المتأخرين وهو الحافظ عبد الوهاب بن المبارك شيخ أبي الفرج بن الجوزي، واحتج له: بأن الإجازة ضعيفة, فيقوي الضعف باجتماع إجازتين, والصحيح الذي عليه العمل جوازه, وبه قطع الأئمة الحفاظ: الدارقطني وابن عقدة وأبو نعيم وأبو الفتح نصر المقدسي, وفعله الإمام الحاكم. وادعى ابن طاهر الاتفاق عليه، وكان أبو الفتح المقدسي يروي بالإجازة عن الإجازة, وربما والى بين ثلاث إجازات, ووالى الإمام الرافعي في أماليه بين أربع أجائز, والحافظ قطب الدين الحلبي بين خمس أجائز في تاريخ مصر, وشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في أماليه والى بين ست أجائز1. وينبغي للراوي بالإجازة عن الإجازة تأملها, والوقوف عند شروطها حتى لا يروي بها ما لم يدخل تحتها. "تتمة": الإجازة للطفل الذي لا يميز صحيحة على الصحيح الذي قطع به القاضي أبو الطيب الطبري والخطيب, ولا يعتبر فيه سن ولا غيره خلافًا لبعضهم حيث قال: لا يصح الإجازة للطفل كما لا يصلح سماعه, ولما ذكر

_ 1 التدريب ص142، 143.

ذلك لأبي الطيب قال: يجوز أن يجيز للغائب, ولا يصح سماعه قال الخطيب: وعلى الجواز كافة شيوخنا, قال ابن الصلاح في تعليل الجواز: كأنهم رأوا الطفل أهل لتحمل هذا النوع ليؤدي بعد حصول الأهلية لبقاء الإسناد وأما الطفل المميز فلا خلاف في صحة الإجازة له1. وبقي بيان الإجازة للمجنون والكافر والحمل. فأما المجنون فالإجازة له صحيح. ويتحمل إذا عقل. وأما الكافر فقال العراقي: لم أجد نقلا, وقد تقدم أن سماعه صحيح. ولم أجد عن أحد من المتقدمين والمتأخرين الإجازة للكافر, إلا أن شخصا من الأطباء يقال له: محمد بن عبد السيد, سمع الحديث في حال يهوديته2 على أبي عبد الله الصوري, وكتب اسمه في الطبقة مع السامعين, وأجاز لهم الصوري وهو من جملتهم, وكان ذلك بحضور المزي3 فلولا أنه يرى جواز ذلك ما أقر عليه, ثم هدى الله هذا اليهودي إلى الإسلام وسمع منه أصحابنا قال: أما الفاسق والمبتدع فهما أولى بالإجازة من الكافر إذا زال المانع, قال: وأما الحمل فلم أجد فيه نقلا, إلا أن الخطيب قال: لم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال, ولم يتعرض لكونه إذا وقع يصح أو لا. قال: ولا شك أنه أولى بالصحة من المعدوم4. "ألفاظ الأداء عن الإجازة": أجازني أو أجازنا فلان, حدثني فلان أو حدثنا إجازة, أخبرني أو أخبرنا إجازة, وأما بإطلاق حدثنا وأخبرنا فأجازه البعض والذي عليه

_ 1 المرجع السابق ص140. 2 هذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما كان للثقافة الإسلامية من أثر وقوة حتى إنها جذبت إليها غير المسلمين ممن كانوا يعيشون في الدولة الإسلامية عن طواعية منهم واختيار, وهو شيء عجيب حقا, فإن أطباء المسلمين اليوم لا نكاد نعثر فيهم على مثل هذا! 3 بكسر الميم وتشديد الزاي المكسورة نسبة إلى المزة وهي قرية من ضواحي دمشق. 4 علوم الحديث بشرح العراقي.

الجمهور المنع وهو الصحيح، واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق "أنبأنا" في الإجازة, وخصوا التحديث بالسماع من الشيخ والإخبار بالقراءة عليه كما ذكرنا سابقا, وهذا هو ما عليه العمل عند المتأخرين واستقر عليه الاصطلاح. واستعمل بعض المتأخرين في الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ لفظ "عن" وبعضهم لفظ "أن" وهما اصطلاحان خاصان وما قبلهما هو الاصطلاح السائد. ثم إن المنع من إطلاق حدثنا أو أخبرنا في الإجازة لا يزول بإجازة المجيز ذلك, فقد اعتاد قوم من الشيوخ ذلك في إجازاتهم, لأن إباحة الشيخ لا يغير بها الممنوع في الاصطلاح1. الطريق الرابع: المناولة: وهي على نوعين: الأول: مناولة مقرونة بالإجازة وهي أعلى أنواع الإجازة مطلقا، ومن صورها: أ- أن يناول الشيخ الطالب كتابه أو فرعا مقابلا عليه ويقول له: هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني ثم يبقيه معه ليملكه، أو لينسخه ثم يرده. ب- أن يأتي الطالب إلى الشيخ بكتاب من حديث الشيخ أصلا له أو مقابلا به. فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له: هو حديثي أو روايتي فاروه عني, أو أجزت لك روايته, وهذا سماه غير واحد من الأئمة عرضا, وقد سبق أن القراءة على الشيخ تسمى عرضا, فليسم هذا عرض المناولة, وذلك عرض القراءة. وقد احتج بعض أهل العلم لصحة المناولة بحديث "أن النبي -صلى الله عليه وسلم-

_ 1 التدريب ص141.

كتب لعبد الله بن جحش كتابا وقال له: لا تقرأ حتى تبلغ مكان كذا وكذا" فلما بلغ ذلك المكان قرأه على أصحابه في السرية، وأخبرهم بأمر رسول الله لهم أن يتوجهوا إلى "نخلة"1 ليترصدوا بها عيرا لقريش وقال له: لا تكره أحدا ممن معك فلما قرأ الكتاب عليهم قال: أما أنا فأسمع وأطيع لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا جميعا: ونحن كذلك، رواه الطبراني والبيهقي بإسناد حسن, وقد أخرجه البخاري في صحيحه تعليقا2 واستدل به على صحة المناولة, واستدل الحاكم لها بما رواه ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي, وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين, فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى" رواه البخاري, وكلا الاستدلالين صحيح, وفقه قويم. "حكمها ومنزلتها": وهذه المناولة المقرونة بالإجازة أعلى أنواع الإجازة, وأجمع العلماء على صحة الرواية بها, ولكنهم اختلفوا في رتبتها, فمنهم من جعلها كالسماع في القوة والرتبة كالزهري, وربيعة الرأي ومجاهد والشعبي وإبراهيم النخعي ومالك وجماعات آخرين من كل قطر ومصر سردهم السيوطي في التدريب3 ومنهم من جعلها أرفع من السماع؛ لأن الثقة بكتاب الشيخ من إذنه فوق الثقة بالسماع منه, وأثبت؛ لما يدخل من الوهم على السامع والمسمع4. والصحيح أنها منحطة عن السماع من الشيخ والقراءة عليه, وإليه ذهب الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم قال الحاكم: وعليه

_ 1 واد بين مكة والطائف معروف. 2 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان. 3 تدريب الراوي ص270، 271. 4 المسمع من يبلغ كلام الشيخ.

عهدنا أئمتنا, وإليه نذهب, وهو الذي رجحه ابن الصلاح. ج- ومن صورها أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه, ثم يمسكه الشيخ ولا يبقيه عند الطالب, وهذا دون ما سبق, ويجوز روايته إذا وجد ذلك الكتاب المناول له, أو وجد فرعا مقابلا به موثوقا بموافقته لما تناولته الإجازة, ولا يظهر في هذه المناولة كبير مزية على الإجازة المجردة الواقعة في معين, بل قال جماعة من أصحاب الفقه والأصول لا تأثير لها ولا فائدة. د- ومنها أن يأتيه الطالب بكتاب ويقول له: هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبه من غير نظر فيه, ولا تحقق لروايته له, فهذا النوع لا يجوز ولا يصح, فإن وثق بخبر الطالب ومعرفته اعتمده, وصحت الإجازة والمناولة كما يعتمد في القراءة على الشيخ من أصله إذا وثق بدينه ومعرفته أي الطالب. الثاني: المناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب مقتصرا على قوله: هذا سماعي, أو هذا حديثي ولا يقول له: اروه عني, ولا أجزت لك روايته ونحو ذلك. قال ابن الصلاح: هذه مناولة مختلة لا تجوز الرواية بها, وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنهم صححوها, وأجازوا الرواية بها ثم قال: إن الرواية بها تترجح على الرواية بمجرد إعلام الشيخ الطالب أن هذا الكتاب سماعه من فلان, فإنها لا تخلوا من إشعار بالإذن في الرواية وقال النووي: لا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء والأصوليون وعابوا المحدثين المجوزين لها. ومال العراقي إلى الجواز بشروط وقال: وعندي أن يقال إن كانت المناولة جوابا بالسؤال كأن قال له: ناولني هذا الكتاب لأرويه عنك

فناوله ولم يصرح بالإذن صحت, وجاز له أن يرويه كما تقدم في الإجازة بالخط بل هذا أبلغ, وكذا إذا قال له: حدثني بما سمعت عن فلان فقال له: هذا سماعي من فلان فتصح أيضا, وما عدا ذلك فلا, فإن ناوله الكتاب ولم يقل له: إن سماعه لم تجز الرواية به بالاتفاق1. صيغ الأداء: ناولني وأجازني فلان, أو ناولني مع الإجازة, أو ناولني فلان عند من يجيز المناولة المجردة من الإجازة, حدثني فلان بالمناولة والإجازة أخبرني فلان بالإجازة والمناولة, أنبأني فلان بالإجازة والمناولة, أو إجازة ومناولة في الصيغ الثلاث. وأما بإطلاق "حدثنا" و"أخبرنا" فجوزه بعضهم, وهو مقتضى قول من جعلها سماعا, والصحيح الذي عليه الجمهور المنع منه والتقييد بالإجازة والمناولة. وأما إطلاق الإنباء فذلك في الإجازة المجردة عن المناولة كما ذكرنا آنفا. الطريق الخامس: "المكاتبة" وهي أن يكتب الشيخ مسموعاته أو شيئا من حديثه لحاضر عنده أو غائب عنه, ويرسله إليه سواء كتب بنفسه, أو أمر غيره بكتابته ويكفي أن يعرف المكتوب له خط الشيخ أو خط الكاتب عن الشيخ بشرط أن يكون ثقة -أي عدلا ضابطا- وشرط بعضهم البينة على الخط وهو قول ضعيف والمكاتبة قسمان: 1- أن تكون مقرونة بالإجازة وهي في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة بالإجازة بل يرى البعض أنها أرجح منها. 2- أن تكون مجردة من الإجازة, وهذا الضرب منع الرواية به قوم منهم الماوردي والآمدي وابن القطان، وأجازها الجمهور من

_ 1 علوم الحديث ص163، التدريب ص145، الباعث الحثيث ص143 ط أولى.

المتقدمين والمتأخرين من الفقهاء والأصوليين, وهو الصحيح المشهور بين أهل الحديث ويوجد في مصنفاتهم كثيرا: كتب إلى فلان قال: حدثنا فلان ... وقال السمعاني هي أقوى من الإجازة, قال السيوطي, وهو المختار بل وأقوى من أكثر صور المناولة. وليس أدل على صحتها من اعتبار صاحبي الصحيحين لها, ففي صحيح البخاري في "الإيمان والنذور" كتب إلى محمد بن بشار -شيخه- وليس في بالمكاتبة عن شيوخه غيره, وفيه وفي صحيح مسلم أحاديث كثيرة بالمكاتبة في أثناء السند منها: ما أخرجاه عن وراد1 قال: "كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إليّ ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكتب إليه" الحديث في القول عقب الصلاة. وأخرجا عن ابن عوف قال: "كتبت إلى نافع فكتب إليّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أغار على بني المصطلق وهم غارون"2 إلى غير ذلك3. "ألفاظ الأداء" كتب إلى فلان, كاتبني فلان قال: حدثني فلان بالمكاتبة والإجازة, أخبرني بالمكاتبة والإجازة, أو يقيد ذلك بالمكاتبة إذا لم تكن مقرونة بالإجازة, أما إطلاق حدثنا أو أخبرنا فلا يجوز على الصحيح وجوز بعضهم إطلاق أخبرنا دون حدثنا. "الطريق السادس": "الإعلام" وهو إعلام الشيخ الطالب بأن هذا الحديث أو الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في روايته عنه.

_ 1 بفتح الواو وفتح الراء المشددة الممدودة آخره دال: أبو سعيد أو أبو الورد الثقفي الكوفي كاتب المغيرة بن شعته ومولاه وهو ثقة من الطبقة الثالثة. 2 أي غافلون، ولكن كانوا قد بلغتهم الدعوة. 3 تدريب الراوي ص147.

وقد جوز الرواية به كثير من المحدثين والفقهاء والأصوليين وأهل الظاهر بل قال بعض الظاهرية: "لو قال هذه روايتي لكن لا تروها عني كان له أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثا ثم قال له: لا تروه عني لم يضره ذلك" وأيد هذا القاضي عياض فقال: "وهذا صحيح لا يقتضي النظر سواه، لأن منعه أن لا يحدث بما حدثه لا لعلة ولا من ريبة لا يؤثر؛ لأنه قد حدثه فهو شيء لا يرجع فيه". وقاسوا ذلك على القراءة على الشيخ, فإن الرواية بها لا تتوقف على الإذن وقال ابن الصلاح ووافقه النووي: الصحيح ما قاله غير واحد من المحدثين وغيرهم أنه لا تجوز الرواية به, وبه قطع الغزالي في المستصفى قال: "لأنه قد لا يجوز روايته مع كونه سماعه لخلل يعرفه فيه". واستدل المانعون من الرواية به بقياسه على مسألة الشهادة على الشهادة فإنها لا تصح إلا إذا أذن الشاهد الأول للثاني بأن يشهد على شهادته. وأجاب القاضي عياض: بأن هذا القياس غير صحيح؛ لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإذن على كل حال, والحديث عن السماع والقراءة لا يحتاج فيه إلى إذن باتفاق, وأيضا فالشهادة تفترق عن الرواية في أكثر الوجوه1. وقال بعض العلماء المعاصرين "والذي اختاره القاضي عياض هو الراجح الموافق للنظر الصحيح, بل إن الرواية على هذه الصفة أقوى وأرجح عندي من الرواية بالإجازة المجردة عن المناولة؛ لأن في هذه شبه مناولة وفيها تعيين للراوي بالإشارة إليه2. وجوب العمل به: ثم إنه يجب العمل بما أخبره به الشيخ أنه سمعه إن صح سنده وادعى القاضي عياض الاتفاق على ذلك, وإن اختلف

_ 1 انظر ما قدمناه في الفرق بين عدل الرواية وعدل الشهادة يظهر ذلك الفرق. 2 هامش الباعث الحثيث ص146.

العلماء في جواز الرواية به وعدمه. "صيغ الأداء عن هذا الطريق" أعلمني فلان. حدثني فلان بالإعلام أخبرني بالإعلام ونحو ذلك. الطريق السابع: "الوصية" هي أن يوصي الشيخ بكتاب يرويه عند سفره أو موته لشخص، وقد روي عن بعض السلف جواز رواية الموصى له بذلك عن الموصي -الشيخ- واحتج المجيزون لها بشبهها "بالإعلام والمناولة". ومنع من الرواية بها ابن الصلاح فقال: "وهذا بعيد, وهو إما زلة عالم, أو متأول على أنه أراد الرواية على سبيل الوجادة التي يأتي شرحها إن شاء الله تعالى، وتابعه النووي وقال: الصواب أنه لا يجوز.. وقد نازع ابن الصلاح في مقالته ابن أبي آدم فقال: "الوصية أرفع رتبة من الوجادة بلا خلاف, وهي معمول بها عند الشافعي وغيره فهذا أولى". وقد اختلفوا في وجوب العمل بما صح إسناده من الحديث المروي بها. والصحيح وجوب العمل به كوجوبه في سائر الأنواع. وصيغ الأداء عن هذا الطريق عند من يصحح الرواية به: أوصى لي فلان، حدثني بالوصية، أخبرني بالوصية، ونحوها. الطريق الثامن: "الوجادة" في اللغة بكسر الواو مصدر لوجد مولد غير مسموع من العرب قال العلامة المعافى بن زكريا النهرواني: "فرع المولدون قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة". قال ابن الصلاح: "يعني قولهم: وجد ضالته وجدانا, ومطلوبه

وجودا وفي الغضب موجدة, وفي الغنى وجدا, وفي الحب وجدا"1. وفي الاصطلاح: أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها وهي بخطه ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه, أو سمع منه ولكن لا يروي تلك الأحاديث الخاصة الواجد بسماع أو قراءة أو إجازة أو يجد أحاديث في كتب لمؤلفين معروفين. والتعبير الدقيق لمن وجد ذلك, وأراد روايته أن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه حدثنا فلان ... ويسوق الإسناد والمتن أو قرأت بخط فلان عن فلان، هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وفي مسند الإمام أحمد أحاديث كثيرة نقلها عنه ابنه عبد الله يقول فيها: وجدت بخط أبي في كتابه ... ثم يسوق الحديث، ولم يستجز أن يرويها عن أبيه وهو رواية كتبه, وابنه وتلميذه, وخط أبيه معروف له, وكتبه محفوظة عنده, وهذا من الورع والأمانة في النقل, وهو من باب المنقطع, ولكن فيه شوب اتصال بقوله: وجدت بخط فلان.. وقد تساهل بعضهم فروى في الوجادة بلفظ "عن", قال ابن الصلاح: فأطلق فيها "حدثنا فلان" أو "أخبرنا فلان" وقد أنكر ذلك العلماء, ولم يجزه أحد يعتمد عليه". وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطه قال: "ذكر فلان أو قال فلان أو أخبرنا فلان" وهذا منقطع لا شوب فيه من الاتصال وهذا كله إذا وثق بخطه أو كتابه.. أما عند عدم الثقة بالخط أو بالكتاب فليس له إلا أن يقول:

_ 1 "وجدانا" بكسر الواو, "وجودا" بضم الواو, "موجدة" بكسر الجيم وفي الغنى "وجدا" بضم الواو, وفي الحب "وجدا" بفتح الواو.

"بلغني عن فلان" أو "وجدت عن فلان" أو "قرأت في كتاب: أخبرني فلان أنه بخط فلان" أو "ظننت أنه بخط فلان" أو "ذكر كاتبه أنه فلان" أو "تصنيف فلان" ونحو ذلك. وإذا نقل شيئًا عن تأليف فلا يقل فيه "قال فلان" أو "ذكر" بصيغة الجزم إلا إذا وثق بصحة النسخة بمقابلته على أصل مؤلفه, أو مقابلة ثقة بها, فإن لم يود هذا ولا نحوه فليقل: بلغني عن فلان, أو وجدت في نسخة من كتابه ونحوه, وتسامح كثير من الناس في هذه الأعصار بالجزم في ذلك من غير تحر ولا تثبت. وقد اجترأ كثير من الكتاب في عصرنا في مؤلفاتهم وفي غيرها من الصحف والمجلات والمحاضرات, فصاروا ينقلون من كتب السابقين من المؤرخين وغيرهم من غير تثبت ولا تحر, بل وبلفظ التحديث فيقولون: مثلا "حدثنا الطبري" و"حدثنا ابن خلدون" وهذا لا يوافق لغة ولا اصطلاحًا كما عرفت وفي هذا تجرؤ على اللغة, وإفساد لمصطلحات العلوم, وإبهام بغير الحقيقة, ولو أنهم اتبعوا قواعد المحدثين في هذا لكان خيرًا لهم, وأجمل بهم. "العمل بالوجادة" وقد نقل عن معظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم أنه لا يجوز العمل بها, وعن الشافعي ونظار أصحابه أنه يجوز وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه غيره في هذه الأعصار كما قال ابن الصلاح: "فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شروط الرواية فيها"1. الاحتجاج لها: وقد احتج الحافظ عماد الدين ابن كثير في أوائل تفسيره للعمل بالوجادة بالحديث المرفوع: "أي الخلق أعجب إيمانًا؟ قالوا: الملائكة. قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟! قالوا: الأنبياء.

قال. وكيف لا يؤمنون وهم يأتيهم الوحي؟ قالوا: نحن فقال: وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قالوا فمن يا رسول الله؟ قال قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها" قال البلقيني: وهو استنباط حسن. والحديث رواه الحسن بن عرفة في "جزئه" قال السيوطي: وله طرق كثيرة أوردتها في الأمالي وفي بعض ألفاظه "بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعلمون بما فيه. أولئك أعظم منكم أجرا" أخرجه أحمد. والدارمي والحاكم. وفي لفظ للحاكم من حديث عمر "يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه. فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا". "فائدة" ذكر الإمام السيوطي في التدريب1 أنه وقع في صحيح مسلم أحاديث مروية بالوجادة. وانتقدت بأنها من المنقطع كما هو حكم الوجادة كقوله في الفضائل: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليتفقد يقول: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا:.. الحديث وروى أيضا بهذا السند حديثها "قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إني لأعلم إذا كنت عني راضية ... " الحديث وحديث: "تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لست سنين ... ". وقد أجاب الرشيد العطار بأن مسلما روى هذه الأحاديث الثلاثة من طرق أخرى موصولة إلى هشام وإلى أبي أسامة. وهذا الجواب صحيح في ذاته. لأن مسلما رواه كذلك. وأجاب السيوطي بجواب آخر. وهو أن الوجادة المنقطعة أن يجد في كتاب شيخه لا في كتابه عن شيخه فتأمل. وهذا هو الجواب الصححي المتعين هنا. لأن الراوي إذا وجد في كتاب نفسه حديثا عن شيخه كان

_ 1 علوم الحديث ص149، 150.

على ثقة من أنه أخذه عنه, وقد تخونه ذاكرته فينسى أنه سمعه منه. فيحتاط -تورعا- ويذكر أنه وجده في كتابه كما فعل أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله1, وهذا الذي فعله أبو بكر بن أبي شيبة هو غاية الدقة، وغاية الأمانة في الرواية فليعِ الطاعنون في الرواة ذلك. "النتيجة": ومما ذكرناه في التحمل والأداء وطرقهما، والألفاظ في التعبير عنها عند الأداء والرواية يتبين لنا جليا أن الأحاديث والسنن حملت عن الرواة من لدن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى وقت اكتمال التدوين بأقوم طرق الرواية، مع التحقيق والتدقيق البالغين. وأن الأحاديث والسنن قامت على أصل ثابت قويم متين، وهي الرواية وأن الرواية في الإسلام، ولا سيما في الحديث تعتبر بدعا في بابها لأنها قامت على أساس من الجرح والتعديل اللذين لم يكونا موجودين قبل الإسلام وأن الإسناد المتصل الصحيح يعتبر من خصائص هذه الأمة الإسلامية ولا يوجد في غيرها من الأمم. وأن على هذه الأمة الإسلامية أن تحافظ على هذه الخصائص حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وما عليها، والحمد لله رب العالمين على هذه النتيجة الموفقة وهو حسبنا ونعم الوكيل.

_ 1 الباعث الحثيث ص153 بالهامش.

الإسناد العالي والنازل

"الإسناد العالي والنازل": قدمنا في بحث الرواية منزلة الإسناد في الإسلام, وأن الإسناد الصحيح من خصائص الأمة الإسلامية وهنا نقول: إن طلب العلو في الإسناد سنة عن السلف كما قال الإمام أحمد وغيره ولذلك استحبت الرحلة, وكانت قدرا مشتركا بين المحدثين قديما

وحديثا, ويستأنس لطلب العلو في الإسناد بما ذكرناه في هذا الكتاب في فصل الرحلة في سبيل العلم وقصة ضمام بن ثعلبة التي ذكرناها في باب التحمل. والعلو: هو قلة رجال سند الأحاديث بالنسبة إلى سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه بعدد أكثر من الأول, فالأول يسمى عاليا والثاني يسمى نازلا, وقد عظمت رغبة المتأخرين في طلب الإسناد العالي حتى غلب ذلك على كثير منهم بحيث أهملوا الاشتغال بما هو أهم منه كالحفظ والإتقان والفقه والدراية. وإنما كان العلو مرغوبا فيه لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ؛ لأنه ما من راوٍ من رجال الإسناد إلا والخطأ جائز عليه، فكلما كثروا كثرت مظان التجويز والاحتمال, وكلما قلوا قلت. "أقسام العلو" قسم ابن الصلاح وتبعه النووي وغيره العلو إلى خمسة أقسام وإليك هذه الأقسام: "الأول" وهو أجلها: القرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسناد صحيح نظيف, فإن كان مع ضعف ففيه صورة العلو لا حقيقته وأما إذا كان فيه بعض الكذابين المتأخرين ممن ادعى سماعا من الصحابة كابن هدبة وأبي الدنيا الأشج ونحوهما, فإنه كالعدم وهذا النوع سماه الحافظ ابن حجر في شرح النخبة "العلو المطلق". "الثاني" القرب من إمام من أئمة الحديث ذوي الصفات العلية كالحفظ والضبط والفقه مثل شعبة ومالك والثوري والشافعي والبخاري ومسلم ونحوهم, وإن كثر بعده العدد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وهذا والذي بعده سماه الحافظ ابن حجر العلو النسبي. "الثالث" العلو بالنسبة إلى رواية أحد الكتب الستة أو غيرها من الكتب المعتمدة كمسند أحمد وهو ما كثر اعتناء المتأخرين به من

الموافقة والإبدال والمساواة، والمصافحة. فالموافقة: هي أن يروي الراوي حديثا في أحد الكتب الستة مثلا بإسناد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب بحيث يجتمع معه في شيخه مع علو هذا الطريق على ما لو رواه من طريق أحد أصحاب هذه الكتب. قال الحافظ ابن حجر: مثاله: روى البخاري عن قتيبة1 عن مالك حديثا. فلو رويناه من طريقه -أي البخاري- كان بيننا وبين قتيبة ثمانية, ولو روينا ذلك الحديث بعينه عن طريق أبي العباس السراج2 لكان بيننا وبين قتيبة فيه سبعة, فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد بدرجة. "والبدل" هو الوصول إلى شيخ شيخ أحد المصنفين كذلك يعني بعلو درجة أو أكثر عما إذا رواه من طريقة قال الحافظ ابن حجر: كأن يقع لنا ذلك الإسناد بعينه من طريق أخرى -يعني للسراج- إلى القعنبي عن مالك, فيكون القعنبي بدلا فيه عن قتيبة, والقعنبي ليس شيخا للبخاري, فحصلت الموافقة مع شيخ شيخه, وأكثر ما يعتبرون الموافقة والبدل إذا قارنا العلو, وإلا فاسم الموافقة والبدل واقع بدونه بل ومع النزول أيضا كما وقع في كلام الذهبي وغيره, "والمساواة" هي استواء عدد رجال الإسناد من الراوي إلى آخر الإسناد مع رجال إسناد أحد أصحاب هذه الكتب, وهذا كان يوجد قديما, وأما الآن فلا يوجد في حديث بعينه, بل يوجد مطلق العدد كما قال العراقي, وقد ذكر أنه بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- عشرة أنفس في ثلاثة أحاديث وقد وقع للنسائي حديث بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- عشرة رواة وهو: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن" , قال النسائي: "ما أعلم في الحديث

_ 1 هو ابن سعيد شيخ البخاري ومسلم. 2 بتشديد الراء -إمام جليل ولد سنة 218هـ, وتوفي سنة 313. وكان تلميذ البخاري وروى عنه البخاري ومسلم.

إسنادا أطول من هذا رواه الترمذي بعشرة رواة أيضا". "والمصافحة" هي أن تقع هذه المساواة لشيخك فيكون ذلك مصافحة، لأن العادة جرت بالمصافحة بين من تلاقيا، وأنت في المثال السابق كأنك لقيت النسائي وصافحته، لأنك لقيت شيخك المساوي له، فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك، وهكذا، وهذا العلو تابع للنزول غالبا فلولا نزول النسائي وشبهه لم تعل أنت، وقد يكون مع علوه أيضا فيكون علوا مطلقا. "الرابع" العلو بتقدم وفاة الراوي، وإن تساويا في العدد، قال النووي: فما أرويه فيه عن ثلاثة عن البيهقي عن الحاكم أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم لتقدم وفاة البيهقي عن ابن خلف. وأما العلو المستفاد من تقدم وفاة الشيخ من غير نظر لشيخ آخر فحده بعضهم1 بمضي خمسين سنة من وفاة الشيخ، وقيل! بثلاثين2. "الخامس" العلو بتقدم السماع من الشيخ فمن سمع منه متقدما كان أعلى ممن سمع منه بعده، ويدخل كثير منه فيما قبله، ويمتاز عنه بأن يسمع شخصان من شيخ، وسماع أحدهما من ستين سنة، وسماع الآخر من أربعين وتساوي العدد إليهما، فالأول أعلى من الثاني، ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خرف، وربما كان المتأخر أرجح، بأن يكون تحديثه الأول قبل أن يبلغ درجة الإتقان والضبط، ثم حصل له ذلك بعد، إلا أن هذا علو معنوي. "النزول": وهو خمسة أقسام تعرف من أضدادها، وهو مفضول مرغوب فيه على

_ 1 هو الحافظ أحمد بن عمير. 2 هو الحافظ أبو عبد الله بن منده.

الصواب، وقول الجمهور، وفضل بعضهم النزول، واحتج له بأن الإسناد كلما زاد عدده زاد الاجتهاد فيه، وهذا يقتضي المشقة فيعظم الأجر، وهو مذهب ضعيف الحجة؛ لأنه ترجيح بأمر أجنبي عما يتعلق بالتصحيح، والتضعيف، وهو المعنى المقصود من الرواية، فإن كان في النزول مزلة ليست في العلو كأن يكون رجاله أوثق أو أحفظ أو أفقه، أو كونه متصلا بالسماع، وفي العالي حضور أو إجازة ونحوها فلا شك أن النزول حينئذ أولى وأفضل، وقال وكيع لأصحابه: الأعمش أحب إليكم عن أبي وائل عن عبد الله أم سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله؟ فقالوا: الأعمش عن أبي وائل أقرب فقال: الأعمش شيخ وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة فقيه عن فقيه عن فقيه عن فقيه. وقال ابن المبارك ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال، وقال شيخ الإسلام ابن حجر "ولابن حبان تفصيل حسن، وهو أن النظر إن كان للسند فالشيوخ أولى، وإن كان للمتن فالفقهاء أولى".

مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها

"مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها": كما عني المحدثون بالحديث من حيث تحمله وحفظه وضبطه وتدوينه، عنوا به من حيث كيفية كتابته، وتفسيره، وضبط حروفه، وشكله، وإلحاق سقطه والتنبيه إلى ما في بعض رواياته من خطأ أوشك إلى غير ذلك مما يعرف بآداب كتابته وإليك أهم هذه المسائل. "المسألة الأولى" على كاتب الحديث صرف الهمة إلى ضبطه، وتحقيقه من جهة الشكل، والنقط بحيث يؤمن معها اللبس، والاشتباه ليؤديه كما سمعه.

والشكل! تقييد حركات الإعراب والحروف. والنقط: أن يبين الباء، من التاء من الثاء، والحاء من الخاء، والمهمل من النقط من غير المهمل, قال الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها: "نور الكتاب إعجامه" أي نقطه، وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: "إعجام المكتوب يمنع من استعجامه، وشكله يمنع من إشكاله"1 "وكثيرا ما يعتمد الواثق على ذهنه، وذلك وخيم العاقبة، فإنه الإنسان معرض للنسيان، وأول ناس أول الناس"2. ومن اللطائف في هذا ما قيل: إن النصارى كفروا بلفظة أخطئوا في إعجامها وشكلها قال الله في الإنجيل لعيسى: "أنت نبي ولدتك من البتول"3 فصحفوها وقالوا: "أنت بني ولدتك" بتخفيف اللام. وقيل أيضا: أول فتنة في الإسلام سببها ذلك وهي الفتنة التي حدثت في عهد ذي النورين عثمان رضي الله عنه فإنه كتب للذي أرسله أميرا إلى مصر: "إذا جاءكم فاقبلوه"4 فصحفوها إلى "فاقتلوه"5 فجرى ما جرى. ومن الفكاهة ما قيل: إن بعض الخلفاء كتب إلى عامل6 له ببلد: "أن أحص المخنثين" أي عدهم فصحفها فقرأها بالخاء المعجمة، فخصاهم وجمهور العلماء على أنه لا ينبغي أن يعتني بتقييد الواضح الذي لا يشكل ولقد أحسن من قال: "إنما يُشكَل ما يشكِل"7 ومنهم من قال:

_ 1 في المصباح المنير: "وشكلت الكتاب شكلا أعلمته بعلامات الإعراب، وأشكل الأمر بالألف التبس، وفيه أيضا: "استعجم الكلام علينا مثل استبهم، وأعجمت الحرف -بالألف- أزلت عجمته بما يميزه عن غيره بنقط وشكل فالهمزة للسلب" ولكن الاصطلاح خصص الإعجام بالنقط، والشكل بحركات الحروف. 2 هو آدم عليه الصلاة والسلام. 3 ولدتك: بتشديد اللام. والبتول: هي السيدة مريم العذراء. 4 بالقاف، والباء الموحدة. 5 بالقاف والتاء المثناة من فوق. 6 أي أمير. 7 الأولى بالبناء للمفعول، والثانية بالبناء للفاعل مضارع أشكل الرباعي.

يشكل الجميع وصوبه الإمام القاضي عياض، ولا سيما للمبتدئ وغير المتجر في العلم فإنه لا يميز ما يشكل مما لا يشكل، وقد تكون الكلمة غير مشكلة عند شخص، ومشكلة عند شخص آخر وينبغي أن يكون اعتناؤه بضبط الأعلام أكثر، لأنها لا تدرك بالمعنى، ولا يستدل عليها بما قبلها، ولا بما بعدها، ويستحب ضبط الكلمة المشكلة التي يخشى تصحيفها، أو الخطأ فيها في أصل الكتاب، ثم يضبطها قبالة1 ذلك في الحاشية، فإن ذلك أبلغ؛ لأن المضبوط في نفس الأسطر ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه أو تحته، لا سيما عند ضيق الأسطر، ودقة الكتابة، والأحسن في الضبط في الحاشية أن يفرق حروف الكلمة المشكلة، لأن بعض الحروف الموصولة يشتبه بغيره كالنون، والياء التحتية مثلا، قال ابن دقيق العيد في "الاقتراح"2: "من عادة المتقين أن يبالغوا في إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا" ويوجد هذا في المخطوطات القديمة. ويستحب تحقيق الخط وتوضيحه دون مشق وتعليق3 روي عن الفاروق عمر رضي الله عنه أنه قال: "شر الكتابة المشق، وشر القراءة الهذرمة4، وأجود الخط أبينه" ويكره تدقيق الخط لأنه لا ينتفع به من في نظره ضعف، وربما تصحف عليه، قال الإمام أحمد بن حنبل لابن عمه حنبل بن إسحاق، وقد رآه يكتب خطا دقيقا: "لا تفعل أحوج ما تكون إليه يخونك" نعم، إن كان هناك ضرورة من ضيق الورق وتخفيف الحمل في السفر ونحوهما فلا بأس.

_ 1 أي إزاء. 2 هو الإمام تقي الدين محمد بن علي بن دقيق العيد المتوفى في سنة اثنتين وسبعمائة وهو من كبار علماء مصر، وله كتاب في علوم الحديث يسمى "الاقتراح". 3 المشق: الإسراع في الكتابة، لأنه وسيلة للخطأ والتصحيف، والتعليق: خلط الحروف التي ينبغي تفريقها، وهو أيضا مظنة التصحيف والخطأ. 4 الإسراع بحيث تخفى بعض الحروف، ولا تأخذ حقها في النطق.

"المسألة الثانية" ينبغي ضبط الحروف المهملة لبيان إهمالها، كما تنقط المعجمة؛ لأن بعض القراء قد يتصحف عليه الحرف المهمل فيظنه معجما، وأن الكاتب نسي نقطه. قال السيوطي: لم يتعرض أهل الفن -أي فن علوم الحديث- للكاف واللام، وذكرها أصحاب التصانيف في الخط، فالكاف إذا لم تكتب مبسوطة, يعني هكذا "كـ" يكتب في بطنها كاف صغيرة أو همزة، واللام يكتب في بطنها "لام" أي هذه الكلمة بحروفها لا صورة لام هكذا "ل" ويوجد ذلك في خط الأدباء، والهاء آخر الكلمة يكتب عليها هذا مشقوقة تميزها من هاء التأنيث التي في الصفات ونحوها. والهمزة المكسورة: "أِ" تكتب فوق الألف والكسرة أسفلها, يعني هكذا "أِ", أم كلاهما أسفل هكذا "إِ" اصطلاحان للكتابة والثاني

_ 1 لم يذكر الحاء المهملة لوضوحها والعلم بها فإنها لا تدخل في هذا كما ذكره البلقيني.

أوضح، وأما الهمزة المفتوحة في أول الكلمة فتكتب فوق الألف اتفاقًا هكذا "أَ". وإذا كان له اصطلاح خاص في كتابه فلينبه إليه أول الكتاب أو آخره، حتى لا يوقع غيره في حيرة في فهم مراده، وينبغي أنه يعتني لضبط مختلف الروايات وتمييزها، والإشارة في الحاشية إلى ما ليس في صلب كتابه من زيادات أو مغايرة معينًا في كل ذلك من رواه لا رامزًا له، إلا أن يبين المراد بالرمز أول الكتاب أو آخره. "المسألة الثالثة" ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة هكذا "هـ" والمستحب أن تكون غفلا1، فإذا قابل كتابه نقط وسط الدائرة، أو خط في وسطها خطا ليعلم أين وصل في المقابلة؟ ويكره في مثل: عبد الله بن فلان، وعبد الرحمن بن فلان، وكذا كل اسم مضاف إلى الله تبارك وتعالى كتابه "عبد" آخر السطر، واسم "الله" مع "ابن فلان" أول السطر الآخر، وأوجب اجتناب مثل ذلك ابن بطة، والخطيب، ووافق ابن دقيق العيد على أن ذلك مكروه لا حرام. أقول: وما قاله تقي الدين ابن دقيق العيد متجه، لأن العبرة بالنية والقصد، لا بالكتابة والخط. وكذا يكره أن يكتب كلمة "رسول" آخر السطر، و"الله -صلى الله عليه وسلم" أوله وكذا ما أشبهه من الموهمات والمستشنعات كان يكتب "قاتل" من قوله -صلى الله عليه وسلم: "قاتل ابن صفية في النار" في آخر السطر و"ابن صفية في النار" في أوله السطر الآخر، أو يكتب "فقال" من قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث شارب الخمر: فقال عمر: "أخزاه الله ما أكثر ما يؤتي به", آخر السطر، وعمر وما بعده أول السطر التالي. ولا يكره فصل المتضايفين إذا لم يكن فيه مثل ذلك مثل:

_ 1 يعني ليس في وسطه شيء.

سبحان الله العظيم، بأن يكتب "سبحان" آخر السطر، ويكتب: الله العظيم أول السطر التالي مع أن جمعهما في سطر واحد أولى، وكل هذا يدل على غاية التحوط والبعد عن الإيهام، ورعاية غاية الذوق وشفافية الحس من المحدثين. "المسألة الرابعة" ينبغي المحافظ على الثناء على الله سبحانه بما هو أهله كعز وجل وتبارك وتعالى، ونحوه مثل جل جلاله، أو تقدست ذاته، أو تقدست صفاته وإن لم يكن في الأصل لأنه يقصد به الثناء لا الرواية. وكذا ينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما ذكر سواء أذكر باسمه أم بصفته، ولا يسأم من تكراره فإن من أغفله حرم حظا عظيما وثوابا جزيلا فقد قيل في قوله -صلى الله عليه وسلم: "إن أولى الناس بي أكثرهم عليّ صلاة" صححه ابن حبان: إنهم أهل الحديث لكثرة ما يتكرر ذكره في الرواية فيصلون عليه. أقول: والأحاديث الصحيحة والحسنة في فضل الصلاة والسلام عليه -صلى الله عليه وسلم- كلما ذكر متكاثرة1 وأما الحديث الذي يورده البعض في هذا المقام وهو حديث: "من صلى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب", فقد حكم عليه ابن الجوزي بالوضع وعارضه السيوطي فقال: هو وإن كان ضعيفا فإن له طرقا تخرجه عن الوضع وتقتضي أن له أصلا في الجملة، وكذلك الحديث الذي يذكر في هذا عن أنس يرفعه: "إذا كان يوم القيامة جاء أصحاب الحديث وبأيديهم المحابر فيرسل الله إليهم جبريل، فيسألهم: من أنتم؟ وهو أعلم فيقولون: أصحاب الحديث، فيقول: ادخلوا الجنة طالما كنتم تصلون على نبيي في دار الدنيا" وهذا الحديث رواه الخطيب، وقال: إنه موضوع والحمل فيه على الرقي قال:

_ 1 انظر كتاب جلاء الأفهام.

السيوطي: له طريق غير هذه عن أنس أوردها الديلمي في مسند الفردوس وقد ذكرتها في "مختصر الموضوعات"1. والحق أن في الأحاديث الصحيحة والحسنة ما يغني عن أحاديث مختلف فيه بالحكم بالوضع وعدمه، والإمام السيوطي يركب كل صعب وذلول في الحكم على بعض الأحاديث الموضوعة وبيان أن لها أصلا وينبغي أن يجمع عند ذكره -صلى الله عليه وسلم- بين الصلاة عليه بلسانه، وكتابة ذلك ببيانه. ثم إن كانت الصلاة والتسليم في الأصل الذي ينقل منه كتب ذلك بالاتفاق، فإن لم يكن بالأصل ففي كتابة ذلك خلاف: فالإمام أحمد بن حنبل لا يرى كتابه ذلك وكان يكتفي بالصلاة والتسليم نطقا، ومال إلى رأيه العلامة ابن دقيق العيد فقال: "ينبغي أن يتبع الأصول والروايات" وخالف الإمام أحمد غيره من المتقدمين فقالوا: لا يتقيد بالأصل بل يكتبه خطا, ويتلفظ به نطقا، لأنه دعاء لا كلام يرويه، واختار بعض المتأخرين ما ذهب إليه الإمام أحمد محافظة على الأصول القديمة، ومراعاة لغاية الدقة والأمانة في النقل"2. ويكره الاقتصار على الصلاة أو السلام في الكتابة، وفي كل موضع شرعت فيه الصلاة كما في "التقريب"3 وفي "شرح صحيح مسلم"4 وذلك لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} 5 وقد اقتصر الإمام مسلم في مفتتح صحيحه على الصلاة، وهذا مما أنكر عليه ويكره أيضا الرمز إليهما في الكتابة بحرف أو حرفين أو أكثر كمن يكتب "صلعم" أو "ص".

_ 1 تدريب الراوي ص292، 293. 2 التدريب ص293. 3 التدريب ص294. 4 صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص44. 5 الأحزاب/ 56.

وكذلك ينبغي الترضي والترحم على الصحابة والعلماء، وسائر الأخيار، ولا يجوز استعمال عز وجل ونحوه في النبي -صلى الله عليه وسلم، وإن كان عزيزا جليلا، ولا يجوز الصلاة والسلام على الصحابة وغيرهم استقلالا، ويجوز على سبيل التبع له -صلى الله عليه وسلم. "المسألة الخامسة": بعد إتمام نسخ الكتاب تجب مقابلته على الأصل المنقول منه أو على نسخة منقولة من الأصل مقابلة، أو مقابلته بأصل أضل الشيخ المقابل به أصل الشيخ لأن الغرض مطابقة كتابه لأصل شيخه فسواء حصل ذلك بواسطة أو غيرها، وهذا لتصحيح المنسوخ خشية سقوط شيء منه، أو وقوع خطأ في النقل، فقد روى ابن عبد البر وغيره عن يحيى بن أبي كثير والأوزاعي قالا: "من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج"1 وقال عروة بن الزبير لابنه هشام: "كتبت؟ قال: نعم قال: عرضت كتابك؟ قال: لا، قال: لم تكتب"، رواه البيهقي في المدخل، وقال الأخفش: "إذا نسخ الكتاب ولم يعارض، ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجميا". وذكر البلقيني أن في المسألة حديثين مرفوعين، أحدهما عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب الوحي عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا فرغت قال: "اقرأ"، فأقرؤه فإن كان فيه سقط أقامه" ذكره المرزباني في كتابه. ثانيهما ذكره السمعاني في "أدب الإملاء من حديث عطاء بن يسار قال: "كتب رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال كتبت؟ قال: نعم قال: عرضت؟ قال: لا، قال: لم تكتب حتى تعرضه فيصح" قال: وهذا أصرح في المقصود إلا أنه مرسل لأن عطاء بن يسار تابعي. قال السيوطي في "التدريب": الحديث الأول رواه الطبراني في

_ 1 ذكر ابن الصلاح هذا عن الشافعي ويحيى بن أبي كثير، والصحيح عن الأوزاعي ويحيى بن أبي كثير كما قال العراقي.

الأوسط بسند رجاله موثقون1 والأفضل أن يقابل الكاتب نسخته على الأصل مع شيخه الذي يروي عنه الكتاب إن أمكن، أو مع شخص آخر، أو يقابل بنفسه وحده كلمة كلمة، ورجحه أبو الفضل الجارودي فقال: أصدق المعارضة مع نفسك، بل ذهب بعضهم إلى وجوبه فقال: "ولا تصح المقابلة مع أحد غير نفسه، ولا يقلد غيره" حكاه القاضي عياض عن بعض أهل التحقيق. وقال ابن الصلاح: إنه مذهب متروك، والقول الأول أولى، وإذا لم يتمكن الناسخ من مقابلة نسخته بالأصل فيكتفي بأن يقابلها غيره في أي وقت كان. ويستحب لمن يسمع من الشيخ أن يكون بيده نسخة يقابل عليها فإن لم يكن فينظر مع أحد الحاضرين في نسخته لا سيما إذا أراد النقل منها. وذهب يحيى بن معين إلى اشتراط ذلك فقد روي أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ: هل يجوز أن يحدث بذلك؟ فقال: "أما عندي فلا يجوز، ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم" قال ابن الصلاح، وتابعه النووي: "والصواب الذي قال الجمهور أنه لا يشترط ذلك في صحة السماع". أما إذا لم يعارض الراوي كتابه بالأصل ونحوه فذهب إلى جواز الرواية به أبو إسحاق الإسفراييني، وآباء بكر وهم الإسماعيلي، والبرقاني والخطيب، ولكن بشروط ثلاثة: 1- إن كان الناقل للنسخة صحيح النقل قليل السقط. 2- وإن كان نقل من الأصل. 3- وإن بين حال الرواية أنه لم يقابل كما كان يفعل البرقاني، فإنه روى أحاديث كثيرة قال فيها: "أخبرنا فلان ولم أعارض" وهذا غاية الأمانة في الرواية وذهب القاضي عياض إلى أنه لا يجوز له الرواية منه عند عدم

_ 1 التدريب ص294.

المقابلة، والصحيح الجواز وينبغي أن يراعي الطالب في كتاب شيخه مع من فوقه ما ذكرنا أنه يراعيه في كتابه1، وهو ما ذكره في هذه المسألة وهو أن يكون شيخه قد قابل نسخته بأصل شيخه وهكذا.

_ 1 علوم الحديث لابن الصلاح من ص209-211 ط السلفية بالمدينة المنورة، والتدريب من ص294، 296، فتح المغيث للسخاوي ج2 من ص165-171. 2 اللحق: بفتح الحاء المهملة شيء يلحق بالأول، ومن التمر الذي يلحق بعد الأول: "قاموس".

ذهب إليه البعض أن لا يكون مقبولا. وأما إذا أراد أن يكتب شيئا بحاشية الكتاب على سبيل الشرح، أو بيان غلط، أو اختلاف في رواية، أو نسخة، أو نحوه فالمختار إن يرسم العلامة السابقة في وسط الكلمة التي يكتب عنها فتكون العلامة فوقها ليفرق بين التصحيح وبين الحاشية واختار القاضي عياض إن يضبب فوق الكلمة لئلا يلتبس ويظهر أنه من الأصل أقول: وفي عصورنا هذه بعد اكتشاف آلات الطباعة توضع الأرقام للحواشي فوق الكلمة إلى اليسار كما ترى في هذا الكتاب وغيره وهو أيسر وأسهل1. ولا يكتب الحواشي في كتاب لا يملكه إلا بإذن مالكه، وأما الإصلاح فيه فجوزه بعضهم بدونه قياسا على القرآن والذي يترجح عندي أن يكون حكم الإصلاح متوقفا على إذن مالكه أيضا ومن هذا الأصل الحكيم لا يبيح نظام المكتبات العامة لأي طالب أو قارئ التغيير أو التصحيح أو الزيادة في أي كتاب وإلا شوهت الكتب وسودت، وقد يكون الطالب أو القارئ غير أهل للتصحيح ولا للتعليق، فيؤدي إلى مسخ الكتب وإفساد معانيها، ولا سيما إذا كان الكتاب مخطوطا. "المسألة السابعة" من شأن المتقنين في النسخ والكتابة إن يضعوا علامات توضح ما يخشى إبهامه، وتسمى: التصحيح والتضبيب، أو التمريض فإذا وجد كلام صحيح معنى ورواية وهو عرضة للشك في صحته أو الخلاف كتب فوق علامة التصحيح هكذا "صح" وإذا وجد ما هو صحيح نقلا ولكنه فاسد لفظا أو معنى أو خطأ أو مصحف، أو ناقص كتب فوقه علامة "التضبيب" وتسمى أيضا: "التمريض" وهي

_ 1 علوم الحديث من ص211-213. والتدريب من ص296-286 ط المحققة، وفتح المغيث ج2 من ص173-175.

صاد ممدودة هكذا "صـ" ولكنه لا يلصقها بالكلام لئلا يظن أنه إلغاء له، وضرب عليه، وللتفرقة بين الصحيح، والسقيم، كتب على الأول لفظ كامل، وعلى الثاني حرف ناقص ليدل نقص الحرف على اختلاف الكلمة وتسمى أيضا "ضبة" لكون الحرف مقفلا بها لا يتجه لقراءة كضبة الباب مقفل بها1، وكذلك توضع علامة التضبيب على موضع الإرسال أو الانقطاع في الإسناد قال ابن الصلاح: ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة في الإسناد الذي فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضها على بعض علامة تشبه الضبة، وليست كذلك، وكأنها علامة وصل فيما بينها أثبتت تأكيدا للعطف خوفا من أن يظن أن العطف خطأ وأن الأصل "فلان عن فلان" والأحسن في مثل هذا أن توضع علامة التصحيح، وربما اقتصر بعض الناسخين من علامة التصحيح على الصاد فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب فلتنتبه لذلك2. وقد اصطلح المتأخرون في عصورنا هذه على كتابة كلمة "كذا" بعد ما هو خطأ في المعنى، ونحوه مع ثبوت النقل، ولا مشاحة في الاصطلاح والله أعلم وقد وقفت على أن لذلك أصلا في كلام العلماء السابقين كابن الجزري وغيره3. "المسألة الثامنة" إذا وقع في الكتاب المنسوخ ما ليس منه نفي منه إما بالضرب عليه، أو الحك بسكين ونحوها، أو بالمحو بماء ونحوه فيما إذا

_ 1 نقل العلامة ابن الصلاح ذلك عن أبي القاسم الإفليلي وقد ضبطه السخاوي وابن خلكان بكسر الهمزة وسكون الفاء وكسر اللام ينسب إلى قرية من أرض الجزيرة تسمى "إفليل" نزلها أسلافه وقال ابن خلكان: هذه النسبة إلى الإفليل وهي قرية بالشام. وهو أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن زكريا القرشي الزهري الأندلسي النحوي اللغوي يروي عن الأصيلي ويروي عنه أبو مروان الطبني وتوفي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وفي مراصد الاطلاع: أفليلاء بفتح الهمزة أو له قيل: قرية من قرى الشام. 2 علوم الحديث لابن الصلاح 214-215 ط المكتبة السلفية، والتدريب ص298، 299، وفتح المغيث ج2 ص177-179. 3 فتح المغيث ج2 ص178.

كانت الكتابة في لوح، أو رق، أو ورق صقيل لا يتأثر بالطراوة، والأول أولى وأحسن لما في الآخرين من التهمة، ولأن ما بشر وبما يصح في رواية أخرى، أو يأتي غيره فيصححه فلو ضرب عليه يمكن للآخر أن يصححه. والضرب له كيفيات عدة فالأكثرون على أن يخط فوق المضروب عليه خطا بينا يدل على إبطاله، ولا يطمسه، بل يمكن قراءاته بعد الضرب عليه، ويسمى هذا "الضرب" عند أهل المشرق، والشق1 عند أهل المغرب. وبعضهم لا يخلط الضرب بالمضروب عليه، بل يكون فوقه منفصلا عنه، معطوفا طرفا الخط على أوله، وآخره هكذا وبعضهم يكتب في أول الزائد من فوق "لا" أو "من" أو "زائد" وفي آخره من فوق أيضا كلمة "إلى" ليعرف القارئ الزيادة بالضبط، ونجد هذا كثيرا في الكتب المخطوطة القديمة. وإذا كانت الزيادة بالتكرار فقد اختلف في طريقة الضرب: فقيل: يضرب على الثاني مطلقا، لأنه كتب على خطأ، وقيل: يبقى أحسنها صورة، وأبينها قراءة، ويضرب على الآخر. وفصل القاضي عياض، فقال: إن كانت الكلمتان أول سطر ضرب على الثاني، أو آخره فعلى الأول صونا لأوائل السطور وأواخرها عن

_ 1 الشق: بفتح المعجمة، وتشديد القاف من الشق وهو الصدع أو شق العصا, وهو التفريق كأنه فرق بين الزائد، وما قبله، وما بعده من الثابت بالضرب.

الطمس وإن كانت الثانية أول سطر والأولى آخر سطر فعلى الأولى، فإن تكرر المضاف أو المضاف إليه، أو الموصوف، والصفة ونحوه فينبغي مراعاة اتصالهما بأن لا يضرب على المتكرر بينهما، بل على الأول في المضاف والموصوف، أو الآخر في المضاف إليه، والصفة وهو تفصيل حسن1. "المسألة التاسعة" شاع بين المحدثين وغلب عليهم الاقتصار في الكتابة على الرمز في "حدثنا" و"أخبرنا" لتكررها كثيرا في الأسانيد، فيكتبون من حدثنا: الثاء، والنون، والألف هكذا "ثنا" وقد تحذف الثاء أيضا، ويقتصر على الضمير "نا" ويكتبون من أخبرنا: الهمزة والضمير هكذا "أنا" ولا تحسن زيادة الباء قبل النون، وإن فعله البيهقي وغيره لئلا تلتبس برمز حدثنا، وقد تزاد راء بعد الألف قبل النون هكذا "أرنا" أو خاء بعد الألف، وقبل النون هكذا "أخنا". وقد تزاد أيضا دال أول رمز حدثنا فيكون هكذا "دثنا" وقد وجد ذلك في خط الحاكم أبي عبد الله، وأبي عبد الرحمن السلمي، والبيهقي. "تنبيه" قال السيوطي: يرمز أيضا إلى حدثني، فيكتب "ثني" أو "دثني" دون أخبرني وأنبأنا، وأنبأني, يعني: فإنها لا يرمز لها. وأما "قال" فقال العراقي: منهم من يرمز لها بقاف، ثم اختلفوا فبعضهم يجمعها مع رمز التحديث هكذا "قثنا" يريد: قال: حدثنا، قال: وقد توهم من رآه كذلك أنها الواو التي تأتي بعد حاء التحويل، وليس كذلك، وبعضهم يفردها هكذا "ق، ثنا" وهذا اصطلاح متروك2.

_ 1 علوم الحديث لابن الصلاح ص215-217، تدريب الراوي ص300-302، فتح المغيث من ص180-184. 2 علوم الحديث ص218، والتدريب ص302، وفتح المغيث ج2 189، 190.

"المسألة العاشرة" جرت عادة المحدثين أنه إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر، وجمعوا بينهما في متن واحد أن يكتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد آخر، حرف "ح" مفردة مهملة؛ ونجد هذا كثيرا في صحيح الإمام مسلم ويوجد قليلا في صحيح الإمام البخاري، ولم يأت من أحد بيان لأمرها فمن ثم اختلفت أقوال العلماء في المراد منها: فقيل: إنها رمز إلى "صح" ولهذا كتب جماعة من الحفاظ كأبي مسلم الليثي، وأبي عثمان الصابوني موضعها "صح". قال ابن الصلاح: وحسن إثبات صح هنا لئلا يتوهم أنه حديث هذا الإسناد سقط، ولئلا يركب الإسناد الثاني على الإسناد الأول فيجعلا إسنادا واحدا. وقيل: إنها للإشارة إلى التحويل أي الانتقال من إسناد إلى إسناد آخر. وقيل: حاء من حائل لأنها تحول بين إسنادين قال ابن الصلاح: وسألت أنا الحافظ أبا محمد عبد القادر الرهاوي -رحمه الله- عنها فذكر أنها حاء من حايل أي تحول بين الإسنادين. وقيل: هي رمز إلى قولنا "الحديث" وأهل المغرب كلهم يقولون إذا وصلوا إليها الحديث، والأظهر أنها للتحويل من إسناد إلى إسناد آخر. وقد ظهر لي من تتبع صنيع الأئمة، ولا سيما الإمام الجليل مسلم أنهم يلجئون إلى التحويل حينما يكون للحديث أكثر من إسناد واحد ويكون الإسنادان أو الأكثر متفقة في بعض الرواة، ومفترقة في البعض، فيذكر مواضع الافتراق ذاكرا حرف "ح" بين كل إسناد وآخر ثم بعد استيفاء الطرق بذكر موضع الاتفاق وللإمام الجليل مسلم دقائق، ولطائف في التحويلات اكتسبتها بدراساتي للكتاب أعوام أن كنت أقوم

بتدريسه وشرحه لطلاب الحديث في كلية أصول الدين، إحدى كليات الجامع الأزهر المعمور بالعلم والعلماء. ولأجل هذا الاختلاف في المراد بحرف "ح" كان المختار -وهو اختيار الإمام ابن الصلاح- أن يقول القارئ عند الوصول إليها "حا" ويمر فإنه أحوط الوجوه وأعدلها والعلم عند الله تعالى1. "المسألة الحادية عشرة" ينبغي في كتابة التسميع أن يكتب الطالب بعد البسملة اسم الشيخ المسمع، ونسبته وكنيته قال الخطيب: وصورة ذلك، حدثنا أبو فلان بن فلان الفلاني قال: حدثنا فلان، ثم يسوق المسموع على لفظه ويكتب فوق البسملة أسماء السامعين، وأنسابهم، وتاريخ وقت السماع أو يكتبه في حاشية أول ورقة من الكتاب أو آخر الكتاب، أو موضع آخر حيث لا يخفى منه، والأول أحوط. قال الخطيب: وإن كان السماع في مجالس عدة كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ، وينبغي أن يكون ذلك بخط ثقة معروف الخط ولا يحتاج حينئذ إلى كتابة الشيخ خطه بالتصحيح أي تصحيح السماع، ولا بأس أن يكتب سماعه بخط نفسه إذا كان ثقة كما فعله الثقات. قال ابن الصلاح: وقد قرأ عبد الرحمن بن مندة جزءا على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه ليكون حجة له، فقال له: يا بني عليك بالصدق فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد وتصدق فيما تقول: وتنقل، وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك: ما هذا خط الفرضي فماذا تقول لهم؟ وعلى كاتب التسميع التحري في ذلك والاحتياط وبيان السامع، والمسمع، والمسموع بلفظ وجيز غير محتمل، ومجانبة التساهل فيما يثبته، والحذر من إسقاط بعضهم بغرض فاسد، فإن لم يحضر فله أن يعتمد في

_ 1 علوم الحديث 218، 219، والتدريب ص303، 304، وفتح المغيث ج2 ص192-193.

حضورهم خبر ثقة حضر. ومن يثبت في كتابه سماع غيره فقبيح به كتمامه إياه ومنعه نقل سماعه منه، أو نسخ الكتاب، فقد قال وكيع بن الجراح: أول بركة الحديث إعارة الكتب. وقال سفيان الثوري: من بخل بالعلم ابتلي بإحدى ثلاث: 1- أن ينساه. 2- أو يموت ولا ينتفع به. 3- أو تذهب كتبه. قال السيوطي: وقد ذم الله تعالى في كتابه مانع العارية بقوله: "ويمنعون الماعون" وإعارة الكتب أهم من الماعون. وإذا أعاره كتابه فلا يبطئ عليه بكتابه إلا بقدر حاجته، قال الزهري: "إياك وغلول الكتب" وهو حبسها عن أصحابها، وقال الفضيل بن عياض: ليس من فعال أهل الورع، ولا من فعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه، فإن منعه فإن كان سماعه مثبتا برضا صاحب الكتاب أو بخطه لزمه إعارته، وإلا فلا، كذا قال أئمة مذاهبهم في أزمانهم منهم القاضي حفص بن غياث الحنفي من الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله، وإسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي إمام أصحاب مالك، وأبو عبد الله الزيبري الشافعي، وخالف فيه بعضهم، والصحيح الأول. قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح: قد تعاضدت أقوال هؤلاء الأئمة في ذلك ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا أثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه. قال: وقد كان لا يلقى له وجه، ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده فعليه أداؤها بما حوته، وإن كان فيه بذل ماله، كما يلزم متحمل

الشهادة أداؤها، وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها. وقال البلقيني: عندي في توجيهه غير هذا، وهو أن مثل هذا من المصالح العامة التي يحتاج إليها من حصول علقة بين1 المحتاج والمحتاج إليه تقضي إلزامه بإسعافه مقصده. قال: وأصله إعارة الجدار لوضع جذور الجار عليه، وقد ثبت ذلك في الصحيحين وقال بوجوب ذلك جمع من العلماء، وهو أحد قول الشافعي، فإذا كان يلزم الجار بالعارية مع دوام الجذوع في الغالب فلأن يلزم صاحب الكتاب مع عدم دوام العارية أولى فإذا نسخه فلا ينقل سماعه إلى نسخته أي لا يثبته عليها إلا بعد المقابلة المرضية، وكذا لا ينقل سماع ما إلى نسخة إلا بعد مقابلة مرضية إلا أن يبين كونها غير مقابلة2. "النتيجة": "وبعد" فلعلك بعد هذه الجولة الطويلة في كتابة الحديث وكيفيتها وآدابها ازددت يقينا بما امتاز به المحدثون من الدقة الفائقة والأمانة البالغة في النسخ ومقابلة المنسوخ على أصوله، وإلحاق الساقط، والتنبيه إلى ما عسى أن يوجد في النسخ المكتوبة من خطأ أو تغاير في رواية، أو وهم، ونحو ذلك. وأنهم كما امتازوا يتحرى الصدق والضبط في المحفوظ امتازوا أيضا بتحريهما في المكتوب وأيضا فقد صرت بعد هذا التطواف على بصيرة بطريقة الكتب المخطوطة القديمة ومناهجهما في الكتابة، والخط، والرمز،

_ 1 العلقة هي العلاقة والمودة التي تكون بين شخصين أو أكثر. 2 علوم الحديث لابن الصلاح ص219-221، والتدريب من ص304-307، وفتح المغيث ج2 من ص194-200.

وهذا ما يعينك -إن شاء الله- على القدرة على قراءة هذه الكتب المخطوطة القديمة ومعرفة مناهجها في الكتابة بل وتحقيقها تحقيقا علميا صحيحا إن قدر لك أن تدخل في هذا المضمار: مضمار تحقيق المخطوطات، وإبرازها من عالم الخط إلى عالم الطباعة، وتلقي بدلوك في الدلاء. وأحب أن أقول بهذه المناسبة: إن المحدثين قد سبقوا إلى كثير مما كتبه المحدثون من بحوث في كيفية تأليف الكتب والرسائل العلمية وأذكر أن أخانا الأستاذ الدكتور أحمد شلبي أهداني "رسالته" التي موضوعها: "كيف تؤلف رسالة" وبعد قراءتها أهديته نسخة من كتابي "علوم الحديث" وقلت له: اقرأه، وستجد أن الكثير مما ذكره المعاصرون في هذا قد سبق إليه المحدثون في كتبهم التي ألفوها في "علوم الحديث" و"أصوله" و"مصطلحه".

صفة رواية الحديث وآدابها

"صفة رواية الحديث وآدابها": قدمت في أول هذا الكتاب تعريف الرواية، وأقسامها، وتاريخها، وأركانها، وشروطها، وطرق التحمل والأداء فكن على ذكر مما ذكر وسنذكر في هذا الفصل ما طويناه فيما سبقن وسنفصل ما أجملناه. وقد شدد قوم في الرواية فأفرطوا، وتساهل فيها آخرون ففرطوا، فمن المشددين من قال: لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره، روي ذلك عن مالك وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى، وأبي بكر الصيدلاني رحمه الله، فروى الحاكم بسنده عن أشهب1 قال: سئل مالك: أيؤخذ العلم ممن لا يحفظ حديثه وهو ثقة؟ فقال: لا، فقال: فإن أتى بكتب

_ 1 أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي أبو عمرو الفقيه المصري تلميذ الإمام مالك قيل: اسمه مسكين، ولقبه أشهب توفي في شعبان سنة أربع ومائتين.

فقال سمعتها وهو ثقة؟ فقال: لا يؤخذ عنه، أخاف أن يزاد في حديثه في الليل وهو لا يدري". وروي عن أشهب أيضا قال: سئل مالك عن الرجل الغير الفهم1 يخرج كتابه فيقول: هذا سمعته. فقال: "لا تأخذ إلا عمن يحفظ حديثه أو يعرف". وروى البيهقي عن مالك، وعن أبي الزناد قالا: "أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، لا يؤخذ عنهم شيء من الحديث، يقال: ليس من أهله" ولفظ مالك، "لم يكونوا يعرفون ما يحدثون" أقول: وهذا النص يدل دلالة ظاهرة على أنه لا يكتفى في الرواية بالعدالة فحسب بل لا بد من الضبط واليقظة، وعدم الغفلة، وأنه لا بد أيضا من العلم والفهم للمروي. قال السيوطي: "وهذا مذهب شديد، وقد استقر العمل على خلافه". ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده بالإعارة أو الضياع أو غير ذلك، وهذا أيضا تشديد. وأما المتساهلون فقد تقدم في "باب التحمل والأداء" طرف منهم، ومنهم قوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصول, فجعلهم الحاكم أبو عبد الله مجروحين قال: وهذا كثير قد تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصالحين. والصواب: ما عليه الجمهور، وهو التوسط بين الإفراط والتفريط، لأن خير الأمور الوسط، وما عداه شطط. فإذا قام الراوي في الأخذ والتحمل عن الشيوخ، والمقابلة لكتابه بما

_ 1 في التدريب: الغير فهم وهو خطأ فإن المضاف إذا كان فيه "أل" لزم أن تكون في المضاف إليه فأوردته على الصحيح.

تقدم من الشروط جازت الرواية من الكتاب وإن غاب عنه ما دام الغالب على ظنه سلامة كتابه من التغيير والتبديل، ولا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالبا.

مسائل تتعلق بهذا الفصل

"مسائل تتعلق بهذا الفصل": "المسألة الأولى" الضرير ومثله البصير الأمي إذا لم يحفظ ما سمعه فاستعان بثقة في ضبط سماعه، وحفظ كتابه عن التغيير، واحتاط عند القراءة عليه بحيث يغلب على ظنه سلامته في التغيير صحت روايته عند الجمهور، وقد منع من روايتها غير واحد من العلماء. "المسألة الثانية" إذا روى طالب الحديث كتابا كصحيح البخاري مثلا عن شيخ، ثم وجد نسخة ليس فيها سماعه أو ليست مقابلة على أصل شيخه لكن سمعت على شيخه أو فيها سماع شيخه على الشيخ الأعلى أو كتبت عن شيخه، وسكنت نفسه إلى صحتها، فقد حكى الخطيب عن عامة أهل الحديث أنهم منعوا من الرواية منها، منهم الشيخ أبو نصر ابن الصباغ الفقيه. وحكى أيوب السختياني ومحمد بن بكر البرساني1 إنهما رخصا في الرواية منها، وإلى هذا مال الحافظ ابن كثير2، وهو الصواب. وقد توسط الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فقال: إن كانت له من شيخه إجازة عامة لمروياته أو لهذا الكتاب جازت له الرواية منه، والحال هذه، وإلا فلا3. "المسألة الثالثة" إذا وجد الحافظ للحديث في كتابه خلاف ما في

_ 1 البرساني: بضم فسكون ينسب إلى قبيلة من الأزد يقال لها: برسان وهو بصري توفي سنة ثلاث ومائتين. 2 اختصار علوم الحديث ص140. 3 علوم الحديث لابن الصلاح، والتدريب ص309، 310، وفتح المغيث ج2 ص209-211.

حفظه فماذا يصنع؟ والجواب: أنه إن حفظ من كتابه رجع إليه وإن كان حفظ من سماعه من شيخه اعتمد على حفظه، إن لم يشك، والأحسن أن يجمع بينهما في الرواية، فيقول: حفظي كذا، وفي كتابي كذا كما فعل شعبة بن الحجاج وغيره، وكذلك إذا خالفه غيره من الحفاظ يقول: حفظي كذا، وقال فيه غيري أو فلان كذا، كما فعل الثوري وغيرهم. وإذا وجد سماعه في كتابه، ولا يذكره ففيه خلاف، فعن أبي حنيفة وبعض الشافعية لا يجوز روايته حتى يتذكر. ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي الإمام الأعظم أبي حنيفة جوازها، وهو الصحيح بشرط أن يكون السماع بخطه أو بخط من يثق به والكتاب مصون بحيث يغلب على ظنه سلامته من التغيير، وتسكن إلى ذلك نفسه، فإن شك فيه لم يجز، وكذا إن لم يكن الكتاب بخط ثقة. "المسألة الرابعة" الرواية بالمعنى: لا خلاف بين العلماء أن المحافظة على ألفاظ الحديث وحروفه أمر حسن مرغوب فيه, وأن الأولى لكل ناقل المحافظة على اللفظ ما استطاع إلى ذلك سبيلا, بل قد أوجبه قوم من التابعين والتزموه في رواياتهم. قال وكيع: كان القاسم بن محمد وابن سيرين، ورجاء بن حيوة يعيدون الحديث على حروفه. أي على لفظه، وأما الرواية بالمعنى ففيها خلاف وإليك خلاصة ذلك: اتفق العلماء قاطبة على أن الراوي إذا لم يكن عالما بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها ولا خبيرا بما يحيل معانيها ولا بصيرا بمقدار

التفاوت بينها لم تجز له رواية ما سمعه بالمعنى, بل يجب أن يحكي اللفظ الذي سمعه من غير تصرف فيه. ثم اختلفوا في جواز الرواية بالمعنى للعالم العارف الخبير. فمنها أيضا كثير من العلماء بالحديث والفقه والأصول ومنهم ابن سيرين, وأبو بكر الرازي من الحنفية, وروي عن ابن عمر. وبعضهم قيد المنع بأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المرفوعة وأجازها فيما سواه وهو قول الإمام مالك رواه البيهقي عنه في المدخل. وبه قال الخليل بن أحمد, واستدل له بحديث: "رب مبلغ أوعى من سامع" فإذا رواه بالمعنى فقد أزاله عن موضعه ومعرفة ما فيه, وبعضهم قال بجوازها إذا نسي اللفظ وتذكر المعنى لأنه وجب عليه التبليغ, وقد تحمل اللفظ والمعنى, وعجز عن أداء أحدهما فيلزمه أداء الآخر, وقيل عكسه: وهو الجواز لمن يحفظ اللفظ ليتمكن من التصرف فيه دون من نسيه, وجزم القاضي أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" بجواز ذلك للصحابة دون غيرهم لأنا لو جوزنا لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث، والصحابة قد اجتمع فيهم أمران: 1- الفصاحة والبلاغة بالجبلة والسليقة. 2- ومشاهدة أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- وسماع أقواله. فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة واستيفاء القصد كله, وليس من أخبر كمن عاين. والأصح جواز الرواية بالمعنى إذا كان عالما خبيرا بما ذكرناه قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه عند الجمهور سلفا وخلفا ومنهم الأئمة الأربعة, وذلك لما يأتي: 1- لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين. وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا بألفاظ مختلفة, وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ.

2- ولأنه ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن منده في معرفة الصحابة, والطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن أكيمة الليثي قال: "قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا. فقال: "إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس", فذكر ذلك للحسن فقال: "لولا هذا ما حدثنا" وكذا رواه الخطيب البغدادي في كتبه، والحديث وإن كان مضطربا -كما قال السخاوي- إلا أنه يؤخذ به في مثل هذا وقد ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" ومعروف تساهله في ذلك, وكذلك كان يروي بالمعنى غيره، أسند البيهقي في المدخل عن ابن عون قال: "كان الحسن وإبراهيم والشعبي يأتون بالحديث على المعاني, وكان القاسم بن محمد وابن سيرين ورجاء بن حيوة يعيدون الحديث على حروفه" وأسند أيضا عن سفيان قال: "كان عمرو بن دينار يحدث بالحديث على المعنى, وكان إبراهيم بن ميسرة لا يحدث إلا على ما سمع" وعن وكيع: "إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس". 3- ولأنه كما قال الحافظ ابن حجر يجوز بالإجماع شرح الشريعة وتبليغها للعجم بلسانهم للعارف به, فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه بالعربية أحرى1. ومما ينبغي أن يعلم أن بعض المجوزين للرواية بالمعنى استثنوا من ذلك: 1- الأحاديث التي تتعلق بالعقائد كذات الله وصفاته. 2- والأحاديث التي يتعبد بها كأحاديث التشهد والأذكار.

_ 1 مقدمة ابن الصلاح ص189، تدريب الراوي ص161، 162.

3- والأحاديث التي تشتمل على جوامع كلمة -صلى الله عليه وسلم- فإنها لا تجوز روايتها على لفظها. فائدتان: الأولى: ما ذكرناه من الخلاف في الرواية بالمعنى إنما هو في غير المؤلفات أما هي فلا يجوز تغيير شيء منها وإبداله بآخر وإن كان بمعناه. قال ابن الصلاح: "ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه, فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم فيها في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب, وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب, ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تصنيف غيره". أقول: وهذا غاية الأمانة في النقل والمحافظة على الأصول التي امتاز بها أئمة هذا العلم النبوي الشريف. "الثانية" الأولى لمن روى حديثا بالمعنى أن يعقبه بقوله "أو كما قال" أو نحوه، أو شبهه وما في معناه وكذلك إذا رواه أو ذكره بغير المعنى على سبيل الاحتياط فقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس رضي الله عنهم يقولون إذا رووا الحديث "أو نحو هذا" "أو شبهه" "أو قريبا منه" فإذا قالوا ذلك وهم أعلم الناس باللسان، وبمواقع الخطاب فما بالك بنا؟ وكذلك إذا اشتبهت على القارئ لفظة فيحسن بعد قراءتها على الشك أن يقول: "أو كما قال" ونحوها وذلك لما في ذلك من الخروج من العهدة والتخلص من التبعة. "والنتيجة": التي نخرج منها من هذا البحث أن بعض الرواة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم التزموا الرواية على اللفظ الذي سمعوه.

وأن الكثير من الأحاديث رويت على ألفاظها ولا سيما الأحاديث القصار وأن الذين أجازوا الرواية بالمعنى من السلف فمن بعدهم أجازوها بشروط وتحوطات بالغة الغاية في الدقة والأمانة في الرواية. وتبعد الشك والارتياب. فمن ثم نرى -ونحن على يقين واطمئنان- أن الرواية بالمعنى لم تدخل على الدين ضررا ولا على السنة تحريفا وتبديلا كما زعم بعض المتخرصين والمغرضين وذوي الأهواء المضللة الذين ألفوا في الأحاديث. وطلعوا على الناس بكتب فجة, وآراء مبتسرة عارية عن التحقيق والأصالة في البحث, كما صنع صاحب كتاب "أضواء على السنة المحمدية" فكن من سمومه على حذر, ولا تلق إليه بإلا, فإنما هو بوق من أبواق الدخلاء والمستغربين، والمستشرقين وأعداء الإسلام والمسلمين. "المسألة الخامسة": هل يجوز اختصار "الحديث"؟ 1: اختلف العلماء في رواية بعض الحديث دون بعض, فمنعه بعضهم مطلقا بناء على منع الرواية بالمعنى, ومنعه بعضهم مع تجويزها إذا لم يكن رواه هو أو غيره على التمام قبل هذا وإلا جاز، وجوزه بعضهم مطلقا. وينبغي تقييده بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمذكور تعلقا يخل بالمعنى حذفه. كالاستثناء والشرط والغاية ونحوها والصحيح التفصيل: فإن كان غير عالم امتنع ذلك، وإذا كان عالما جاز إذا كان ما تركه متميزا عما ذكره غير متعلق به بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة بتركه، سواء جوزنا الرواية بالمعنى أم لا، وسواء رواه قبل تاما أم لا، لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين ثم هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه تاما، فخاف إن رواه ناقصا أن يتهم بزيادة أولا،

_ 1 هكذا جاء في بعض كتب علوم الحديث "اختصار" انظر تدريب الراوي ص315، والدقيق أن يعبر بالاقتصار ويكون العنوان هل يجوز الاقتصار على بعض الحديث دون بعض والفرق بينهما أن الاقتصار ذكر بعض الحديث وترك بعضه، وأما الاختصار فهو الإتيان بالمعنى بعبارة وجيزة.

أو بنسيان لغفلة، أو قلة ضبط فيما رواه ثانيا فلا يجوز له النقصان ثانيا ولا ابتداء أن تعين عليه أداؤه تاما لئلا يخرج الحديث بذلك عن حيز الاحتجاج به. "المسألة السادسة": تقطيع أي تجزئة الحديث في الأبواب: أما تقطيع المؤلف الحديث الواحد في الأبواب بحسب الاحتجاج به في المسألة فهو إلى الجواز أقرب، ومن المنع أبعد. قال ابن الصلاح: "ولا يخلو من كراهة" وعن الإمام أحمد: "ينبغي ألا يفعل" والحق أنه جائز بلا كراهة فقد فعله الأئمة: مالك، والبخاري، وأبو داود, والنسائي وغيرهم، وأكبر شاهد على الجواز صنيع الإمام البخاري في صحيحه. "تنبيه": قال الإمام البلقيني: يجوز حذف زيادة مشكوك فيها بلا خلاف، وكان مالك يفعله كثيرا تورعا بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله، قال: ومحل ذلك زيادة لا تعلق للمذكور بها، فإن تعلق ذكرها مع الشك كحديث: "العرايا في خمسة أوسق 1 أو دون خمسة أوسق" فلا. أقول: ومراده حديث الترخيص في العرايا ... وهو حديث رواه البخاري ومسلم في "كتاب البيوع". وأما كتابة الأطراف فيجوز فيها الاكتفاء ببعض الحديث مطلقا وإن لم يفد كما قال السيوطي2. "المسألة السابعة" على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما

_ 1 وذلك لأن الزيادة هنا أفادت حكما شرعيا وهو جوازها فيما دون خمسة أوسق. 2 تدريب الراوي ص316.

يسلم به لسانه من اللحن1 والتصحيف، قال الأصمعي: "إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قوله -صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه. وقال شعبة بن الحجاج: "مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف العربية كمثل رجل عليه برنس2 وليس له رأس" ومثل هذا يكون ضحكة -بضم الضاد وسكون الحاء- للناس أو هزأة وأرجو أن يكون في هذا عبرة، وزاجر للخطباء والوعاظ والمتحدثين في الندوات وفي الإذاعات المسموعة والمرئية الذين يذكرون الأحاديث ملحوظة ولا يتورعون عن الغلط فيها وإنه لعاب كبير وإثم عظيم للذين يصدر منهم ذلك، ولا سيما المنتسبون إلى العلم الشرعي نسأل الله لنا ولهم السلامة. وينبغي للشيخ أن لا يروي حديثه بقراءة لحان3 أو مصحف بفتح الصاد المهملة وكسر الحاء المشددة, والطريق في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهل المعرفة والتحقيق والضبط عنهم، لا من بطون الكتب ولذلك يسمون من يأخذ من الصحف لا من الشيوخ "صحفيا" وقد روى عن سليمان بن موسى أنه قال: "كان يقال: لا تأخذوا القرآن عن مصحفي، ولا العلم من صحفي"، وقال ثور بن يزيد: "لا يفتي الناس صحفي، ولا يقرئهم مصحفي"، وروي في مسند الدارمي عن الأوزاعي أنه قال: "ما زال هذا العلم في الرجال حتى وقع في

_ 1 يقال: لحن بفتح الحاء المهملة يلحن بفتحها في المضارع لحنا بسكون الحاء إذا غلط في الإعراب، ويقال: لحن بكسر الحاء يلحن بفتحها لحنا بفتح الحاء وهو الفطنة، ويطلق اللحن على اللغة ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم: $"اقرءوا القرآن بلحون العرب -أي لغاتها- وإياكم ولحون أهل الكتاب". 2 البرنس: ثوب له رأس بوضع على الرأس. 3 من اللحن عندي أن يخطئ في اللغة فما كان مثلا من باب ضرب بضرب لا يجعله من باب سمع يسمع وهكذا.

الصحف فوقع عند غير أهله". ويتصل بهذه المسألة مسألة أخرى وهي ما إذا وقع في روايته لحن أو تحريف، فقد قال ابن سيرين وعبد الله بن سخبرة، وأبو معمر، وأبو عبيد القاسم بن سلام فيما رواه البيهقي عنهما يرويه على الخطأ كما سمعه. قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: وهذا غلو في اتباع اللفظ والمنع من الرواية بالمعنى والصواب وقول الأكثرين منهم ابن المبارك، والأوزاعي، والشعبي، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعطاء وهمام، والنضر بن شميل يرويه على الصواب لا سيما في اللحن الذي يختلف المعنى به. واختار شيخ الإسلام وسلطان العلماء، العز بن عبد السلام كما حكاه عنه صاحبه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" أنه يترك روايته إياه عن ذلك الشيخ مطلقا، لأنه إن تبعه فيه فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحق، وإن رواه عنه على الصواب، فهو لم يسمعه منه كذلك1 وكذا حكاه ابن كثير لكن أبهم قائله2. وأما إصلاحه في الكتاب وتغيير ما وقع فيه فجوزه بعضهم أيضا، والصواب تقريره في الأصل على حاله، مع التضبيب عليه، وبيان الصواب في الحاشية كما تقدم، فإن ذلك أجمع للمصلحة، وأنفى للمفسدة، وقد يظهر له وجه صحته، واللغة بحر واسع ولو فتح باب التغيير لجسر عليه من ليس بأهل. ثم الأولى عند السماع أن يقرأ أولا على الصواب ثم يقول: وقع في روايتنا أو عن شيخنا أو من طريق فلان كذا، وله أن يقرأ ما في

_ 1 التدريب ص318. 2 اختصار علوم الحديث ص145.

الأصل أولا, ثم يذكر الصواب، وإنما كان الأول أولى، لئلا يتقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله. وأحسن الإصلاح أن يكون بما جاء في رواية أخرى أو حديث آخر فإن ذكره أمن من التقول المذكور. وإن كان الإصلاح بزيادة الساقط من الأصل فلا بأس بإلحاقة في الأصل من غير تنبيه على سقوطه، بأن يعلم أنه سقط في الكتابة كلفظ: ابن في النسب، وكحرف لا يختلف المعنى به، وقد سأل أبو داود أحمد بن حنبل فقال: وجدت في كتابي: حجاج عن جريج، يجوز لي أن أصلحه ابن جريج؟ قال: أرجو أن يكون هذا لا بأس به. وقيل لمالك الإمام: أرأيت حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يزاد فيه الواو والألف، والمعنى واحد؟ فقال: "أرجوا أن يكون خفيفا". وإن غاير الساقط معنى ما وقع في الأصل تأكد الحكم بذكر الأصل مقرونا بالبيان لما سقط، فإن علم أن بعض الرواة له أسقطه وحده وأن من فوقه من الرواة أتى به فله أيضا أن يلحقه في أصل الكتاب مع كلمة "يعني" قبله كما فعل الخطيب إذ روى عن أبي عمر بن مهدي عن المحاملي بسنده إلى عروة عن عمرة عن عائشة قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدني إليّ رأسه فأرجله" قال الخطيب: كان في أصل ابن مهدي عن عمرة قالت "كان ... " فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بد، وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه، وإنما سقط من كتاب شيخنا، وقلنا له ما فيه، يعني لأن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك، قال: وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا، ثم روى عن وكيع أنه قال: "أنا أستعين في الحديث بيعني". هذا إذا علم أن شيخه رواه له على الخطأ فأما إن رواه في كتاب

نفسه، وغلب على ظنه أنه من كتابه لا من شيخه فيتجه إصلاحه في كتابه، وروايته كما إذا درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن فإنه يجوز استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته، وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط، كذا قاله أهل التحقيق وممن فعله نعيم بن حماد، ومنعه بعضهم، وإن كان معروفا محفوظا وبيانه حال الرواية أولى. وهذا الحكم جار في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب ثقة غيره أو حفظه، كما روي عن أبي عوانة، وأحمد وغيرهما، ويحسن أن يبين مرتبته كما فعل يزيد بن هارون وغيره ففي مسند أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عاصم بالكوفة فلم أكتبه، فسمعت شعبة يحدث به فعرفته به عن عاصم عن عبد الله بن سرجس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سافر قال: "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر". وفي غير المسند: عن يزيد أخبرنا عاصم وثبتني فيه شعبة فعله أبو داود في "سننه" عقب حديث الحكم بن حزن، قال: ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا، فإن وجد في كتابه كلمة من غريب العربية غير مضبوطة أشكلت عليه جاز أن يسأل عنها العلماء بها ويرويها على ما يخبرونه به، فعل ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما والله أعلم. "المسألة الثامنة": "الجمع بين الشيوخ في الرواية عنهم" إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر من شيوخه واتفقا أو اتفقوا في المعنى دون اللفظ فله أن يجمع بينهما أو بينهم في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما فيقول: أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان, أو وهذا اللفظ لفلان, وله بعد هذا أن يسند القول إلى من له اللفظ أو يسنده إليهم فيقول: قالا أو قالوا: أخبرنا فلان ونحوه

من العبارات. وللإمام مسلم في صحيحه عبارة مثل حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد عن الأعمش ... فالظاهر من إعادته أبا بكر ثانيا أن اللفظ له1 وأن رواية الأشج بمعناه فإن لم يخص أحدهما بنسبة اللفظ إليه بل أتى ببعض لفظ هذا وبعض لفظ ذاك فقال: أخبرنا فلان وفلان, وتقاربا في اللفظ, أو والمعنى واحد قالا حدثنا فلان ... جاز على مذهب من يجوز الرواية بالمعنى دون من لم يجوزها, وقول أبي داود صاحب السنن: حدثنا مسدد وأبو توبة المعنى قالا حدثنا أبو الأحوص -يحتمل أن يكون من قبيل الأول فيكون اللفظ لمسدد ويوافقه أبو توبة في المعنى. ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني فلا يكون أورد لفظ أحدهما خاصة, بل رواه بالمعنى عن كليهما, وهذا الاحتمال الثاني يقرب في قوله: حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل -المعنى واحد- قالا: حدثنا أبان ... فإن لم يقل تقاربا ولا شبهة فلا بأس به على جواز الرواية بالمعنى وإن كان قد عيب به الإمام البخاري وغيره. "المسألة التاسعة": "التعريف بالراوي بذكر نسبه": ليس للراوي أن يزيد في نسب من فوق شيخه من رجال الإسناد أو صفته مدرجا ذلك إلا أن يميزه فيقول مثلا: هو ابن فلان الفلاني أو -يعني ابن فلان ونحوه- فيجوز وقد فعل ذلك الإمام أحمد وغيره أما إذا كان شيخه قد ذكر نسب شيخه بتمامه في أول حديث ثم اقتصر في باقي أحاديث الكتاب على اسمه أو بعض نسبه, فقد حكى الخطيب

_ 1 قال العراقي ويحتمل أنه أعاده لبيان التصريح بالتحديث دون الآخر.

عن أكثر العلماء جواز روايته تلك الأحاديث مفصولة عن الأول مستوفيا فيها نسب شيخ شيخه, وحكي عن بعضهم أن الأولى فيه أيضا أن يقول: يعني ابن فلان, وحكي عن عليِّ بن المديني وغيره أنه يقول: حدثني شيخي أن فلانا بن فلان حدثه, وحكي عن بعضهم أنه قال: أخبرنا فلان. قال: أخبرنا فلان هو ابن فلان, ويسوق نسبه إلى منتهاه. واستحب الخطيب هذا الأخير لأن لفظ "أن" استعملها قوم في الإجازة كما ذكرنا في باب التحمل والأداء. قال ابن الصلاح: جميع هذه الوجوه جائزة وأولاها أن يقول: هو ابن فلان أو يعني ابن فلان، ثم قوله: إن فلانا بن فلان, ثم أن يذكر بكماله من غير فصل1. وكثيرا ما يصنع الأول الإمام مسلم في صحيحه. "المسألة العاشرة": "حذف لفظ "قال" في الإسناد خطا لا نطقا" جرت عادة المحدثين بحذف لفظ "قال" ونحوه بين رجال الإسناد خطا اختصارا, وينبغي للقارئ التلفظ بها. قال ابن الصلاح وغيره: لا بد من ذكره حال القراءة لفظا, أما إذا كان في الإسناد وقرئ على فلان أخبرك فلان, أو قرئ على فلان: حدثنا فلان. فليقل القارئ في الأول: قيل له أخبرك فلان، وفي الثاني قال: حدثنا فلان، قال ابن الصلاح: وقد جاء هذا مصرحا به خطا هكذا في بعض ما رويناه قال السيوطي: وينبغي أن يقول في قرأت على فلان: قلت له أخبرك فلان وإذا تكرر لفظ قال. كقول البخاري "حدثنا صالح بن حيان قال: قال عامر الشعبي", فإنهم يحذفون أحدهما خطا ... والظاهر أنها الأولى فيتلفظ بهما القارئ جميعا. قال الإمام النووي: ولو ترك القارئ

_ 1 لأن ذكر النسب زيادة في التعريف ولا دخل له في نص الحديث.

قال في هذا كله فقد أخطأ, والظاهر صحة السماع, ومقتضى كلام ابن الصلاح السابق أنه لا يصح السماع بدونها, ولكنه خالف ذلك في الفتاوى, فإنه لما سئل عن ترك القارئ قال: فقال هذا خطأ من فاعله, والأظهر أنه لا يبطل السماع لأن حذف القول جائز اختصارا جاء به القرآن الكريم1 قال السيوطي: ومما يحذف في الخط أيضا لفظ "أنه" كحديث البخاري عن عطاء بن أبي ميمونة سمع أنس بن مالك أي أنه سمع, قال الحافظ بن حجر في شرحه لفظ أنه يحذف في الخط عرفا2. "المسألة الحادية عشرة": "طريقة رواية النسخ المشهورة": النسخ والأجزاء المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة التي رواها عبد الرزاق، عن معمر، عن همام وكنسخة شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم، ومثل نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده3. من أئمة الحديث من يجدد الإسناد في أول كل حديث منها وهو أحوط، وأكثر ما يوجد في الأصول القديمة وأوجبه بعضهم، ومنهم من يكتفي في أول حديث منها أو أول كل مجلس من سماعها ويدرج الباقي عليه ويقول في كل حديث بعده وبالإسناد أو وبه، وذلك هو الأغلب الأكثر، فمن كان سماعه هكذا فأراد رواية غير الحديث الأول مفردا

_ 1 وذلك في مثل قوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} أي قائلين: ربنا ... إلخ. 2 مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي ص196, والتدريب ص167. 3 فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي ج2 ص252.

عنه بالإسناد المذكور جاز له ذلك عند الأكثرية منهم: وكيع بن الجراح، وابن معين، والإسماعيلي؛ لأن المعطوف له حكم المعطوف عليه، وأيضًا فهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله. ومن المحدثين من يمنع ذلك منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني1، ورأى ذلك تدليسًا، فعلى هذا الرأي على من يريد أن يروي حديثًا منها بالإسناد الأول أن يبين ذلك كما فعل الإمام مسلم في صحيحه في صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة قال: حدثنا محمد بن رافع "قال" حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقال له: تمن، فيتمنى، ويتمنى فيقول له: هل تمنيت؟ فيقول: نعم، فيقول له: لك ما تمنيت ومثله معه" 2. وقد التزم الإمام مسلم ذلك في هذه النسخة في صحيحه، وهكذا فعل مثل مسلم كثير من المؤلفين. وأما الإمام البخاري فإنه لم يسلك قاعدة مطردة فتارة يذكر أو حديث في النسخة ويعطف عليه الحديث الذي يساق الإسناد لأجله وذلك كقوله في "كتاب الأيمان والنذور, باب قول الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} الآية". حدثني إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" , وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "والله لأن يلجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض

_ 1 بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الفاء والراء الممدودة وكسر الياء المثناة من تحت آخره نون، ياء النسبة إلى إسفرايين. 2 كتاب الأيمان -باب معرفة طريق الرؤية وج1 ص167 من متن صحيح مسلم.

الله عليه" 1. وتارة لا يذكر الحديث الأول في النسخة، ويذكر الحديث الذي يريد أن يسوقه بعد السند وذلك مثل ما صنع في "كتاب التعبير, باب الاستراحة في المنام"2 وفي "كتاب الاستئذان, باب تسليم القليل على الكثير"3 وكأن البخاري أراد أن يبين بصنيعه هذا أن كلا من الأمرين جائز. وما ينبغي أن يعلم أن الإمام السيوطي في "تدريبه" مثل للنوع الأول فقال: "كقوله في "الطهارة"4: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "نحن الآخرون السابقون"، وقال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" الحديث" 5. ولا أدري أأعوز السيوطي مثال لما في صحيح البخاري من نسخة همام بن منبه عن أبي هريرة أم أنه لم يكلف نفسه البحث عن ذلك؟ العلم عند الله، والسخاوي وهو ممن يتعقب السيوطي لم يعلق على ذلك بكلمة، ولا استدرك عليه ما فاته. وقد أشكل على معظم الشراع بيان المناسبة بين حديث: "نحن الآخرون السابقون" , وبين حديث: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" وركبوا في ذلك كل صعب وتكلفوا غاية التكلف ولم يصل إلى الحق في هذا إلا الإمام الحافظ ابن حجر، فقال: "والصواب أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه لتضمنه موضع الدلالة المطلوبة منه، إن لم

_ 1 صحيح البخاري ج8 ص159، 160. 2 متن صحيح البخاري ج8 ص64. 3 صحيح البخاري ج9 ص49. 4 كتاب الوضوء, باب البول في الماء الدائم. 5 تتمة الحديث: "الذي لا يجري ثم يغتسل فيه".

يكن باقيه مقصودا، كما صنع في حديث عروة البارقي في شراء الشاة كما سيأتي بيانه في الجهاد، وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة، وقد وقع لمالك مثل هذا في "الموطأ" إذ أخرج في "باب صلاة الصبح والعتمة: متونا بسند واحد أولها: "مر رجل بغصن شوك ... " وآخرها: "لو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة لأتوها ولو حبوا" 1 وليس غرضه منها إلا الحديث الأخير لكنه أداها على الوجه الذي سمعه، قال ابن العربي في "القبس": "ترى الجهال يتعبون في تأويلها ولا تعلق للأول منها بالباب أصلا", ثم قال الحافظ: "والظاهر أن نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كنسخة معمر عن همام عنه، ولهذا قل حديث يوجد في هذه إلا وهو في الأخرى، وقد اشتملتا على أحاديث كثيرة أخرج الشيخان غالبها، وابتداء كل نسخة منهما حديث: "نحن الآخرون السابقون" فلهذا صدر به البخاري فيما أخرجه من كل منهما، وسلك مسلم في نسخة همام طريقا أخرى, فيذكر في كل حديث أخرجه منها: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيذكر الحديث الذي يريده يشير بذلك إلى أنه من أثناء النسخة لا من أولها والله أعلم"2. أقول ويؤيده ما قاله الإمام الحافظ ابن حجر من أن نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كنسخة معمر عن همام عن أبي هريرة وأن كلا منهما كانت مبدوءة بحديث: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" , ما ذكره البخاري في كتاب الجهاد, باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به" قال: حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "نحن الآخرون السابقون".

_ 1 كتاب صلاة الجماعة -باب العتمة والصبح- متن الموطأ ج1 ص131. 2 فتح الباري ج1 ص346، 347.

وبهذا الإسناد: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع أميري فقد أطاعني، ومن يعص أميري فقد عصاني ... ". وفي "كتاب الديات, باب من أحد حقه، أو اقتص دون السلطان، قال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد أن الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "نحن الآخرون السابقون". وبإسناده: "لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له، حذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح". وفي "كتاب التوحيد, باب: يريدون أن يبدلوا كلام الله قال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد أن الأعرج حدثه، أنه سمع أبا هريرة يقول إنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "نحن الآخرون السابقون". وبهذا الإسناد قال الله تعالى: "أَنفِق أُنفق عليك". وهذه المسألة قد بحثتها وأطلت البحث حتى وصلت إلى هذا التحرير البالغ فلله الحمد والمنة. وأما إعادة بعض المحدثين الإسناد في آخر الكتاب أو الجزء فلا يرفع هذا الخلاف السابق بين العلماء، إلا أنه يفيد احتياطا، ويتضمن إجازة من أعلى أنواعها، ويفيد أيضا سماعه لمن لم يسمعه أولا"1.

_ 1 تدريب الراوي 325، 326 ط المحققة، فتح المغيث للسخاوي ج2 ص252-254.

"المسألة الثانية عشرة": تقديم المتن على الإسناد إذا قدم الراوي المتن على الإسناد كقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا ثم يذكر الإسناد بعده أو المتن وبعض الإسناد كروي عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا ثم يقول: أخبرنا به فلان عن فلان عن فلان حتى يتصل بما ذكره من السند, صح وكان متصلا فلو أراد من كان سمعه هكذا تقديم جميع الإسناد بأن يبدأ به أولا ثم المتن فجوزه بعضهم. قال النووي في "الإرشاد" وهو الصحيح, وقال ابن الصلاح ينبغي أن يكون فيه خلاف كالخلاف في تقديم بعض المتن على بعض, فإن الخطيب حكى فيه المنع بناء على منع الرواية بالمعنى, والجواز على جوازها، وخالفه البلقيني فقال: هذا التخريج ممنوع والفرق بينهما: أن تقديم بعض الألفاظ على بعض يؤدي إلى الإخلال بالمقصود في العطف وعود الضمير ونحو ذلك بخلاف تقديم السند كله أو بعضه. فلذلك جاز فيه ولم يتخرج على الخلاف. فائدة: قال شيخ الإسلام ابن حجر: تقديم الحديث على السند يقع لابن خزيمة إذا كان في السند من فيه مقال1 فيبتدئ به ثم بعده الفراغ بذكر السند قال: وقد صرح ابن خزيمة بأن من رواه على غير ذلك لا يكون في حل منه ... فحينئذ ينبغي أن يمنع هذا ولو جوزنا الرواية بالمعنى.

_ 1 أي فيه راو أو رواة تكلم في عدالتهم أو ضبطهم.

"المسألة الثالثة عشرة": "ذكر مثله أو نحوه بعد الإسناد" إذا روى المحدث حديثا بإسناد, ثم أتبعه بإسناد آخر وقال في آخره مثله، ولم يذكر المتن فأراد السامع لذلك منه رواية المتن الأول بالإسناد الثاني فقط. فالأظهر المنع منه, وهو قول شعبة، وأجازه سفيان الثوري وابن معين إذا كان الراوي متحفظا ضابطا مميزا بين الألفاظ, ومنعاه إن لم يكن كذلك, وكان جماعة من العلماء إذا روى بعضهم مثل هذا ذكر الإسناد, ثم قال: مثل حديث قبله متنه كذا وكذا, وهو الذي اختاره الخطيب, وأما إذا قال نحوه فأجازه الثوري أيضا ومنعه شعبة, وأما ابن معين فجوزه في "مثله" دون نحوه, قال الخطيب: تفرقه ابن معين بين "مثله" "ونحوه" يصح على منع الرواية بالمعنى فأما على جوازها فلا فرق. أقول: إن وجهة نظر ابن معين دقيقة؛ لأن المحدثين يريدون بمثله أنه على لفظه, وبنحوه أنه بمعناه, ويفصح عن هذا ما قاله الحاكم أبو عبد الله: إن مما يلزم المحدثين من الضبط والإتقان أن يفرق بين أن يقول: "مثله" أو يقول: "نحوه" فلا يحل له أن يقول: "مثله" إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد, ويحل أنه يقول: "نحوه" إذ كان على مثل معانيه1. "المسألة الرابعة عشرة": "ذكر الإسناد وبعض المتن" إذا ذكر الراوي الإسناد وبعض المتن ثم قال: وذكر الحديث ولم

_ 1 علوم الحديث ص237، والتدريب ص168.

يتمه أو قال "بطوله" أو "الحديث" فأراد السامع روايته عنه بكماله فهو أولى بالمنع من مسألة "مثله ونحوه" السابقة, فمنعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني. وأجازة أبو بكر الإسماعيلي إذا عرف المحدث والسامع ذلك الحديث والاحتياط أنه يقتصر على المذكور ثم يقول: قال: وذكر الحديث وهو هكذا أو وتمامه كذا ويسوق بكماله. وفصل الحافظ ابن كثير فقال: إن كان سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو غيره جاز وإلا فلا. قال ابن الصلاح: إذا جوزنا ذلك فالتحقيق أنه بطريق الإجازة القوية الأكيدة فجاز لهذا مع كونه أوله سماعا إدراج الباقي عليه1. "المسألة الخامسة عشرة": "هل يجوز تغيير لفظ قال النبي إلى قال رسول الله؟ " قال العلامة ابن الصلاح إنه لا يجوز تغيير قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قال رسول الله ولا عكس, وإن جازت الرواية بالمعنى. وقال الإمام أحمد إذا كان في الكتاب عن النبي -صلى الله عليه وسلم. وقال المحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب. وعلل ابن الصلاح ذلك لاختلاف معنى النبي والرسول, فالنبي من أوحى إليه للعمل فقط, والرسول من أوحى إليه للتبليغ2. قال الإمام النووي: والصواب -والله أعلم- جوازه لأنه وإن اختلف معناه في الأصل لا يختلف به هنا معنى إذ المقصود نسبة القول إلى قائله. وذلك حاصل بأي وصف وصف به القائل, ونبينا محمد: رسول

_ 1 علوم الحديث ص238 والتدريب ص169. 2 والمشهور الذي عليه الجمهور أن النبي من أوحي إليه بشرع أمر بالتبليغ أم لا والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه فكل رسول نبي ولا عكس وعلى ما ذكر ابن الصلاح يكونان متغايرين.

ونبي. قال وهو مذهب أحمد بن حنبل لما سأله ابنه صالح عن هذا فقال أرجو أن لا يكون به بأس، وما تقدم عنه محمول على الاستحباب لا اللزوم وهو مذهب حماد بن سلمة والخطيب. وقال البدر بن جماعة لو قيل: يجوز تغيير النبي إلى رسول، ولا يجوز عكسه لما بعد لأنه في الرسول معنى زائدا على النبي يعني بهذا المعنى هو وجوب التبليغ. "المسألة السادسة عشرة": "الجمع بين الشيوخ في سند حديث روى كل شيخ بعضه" إذا سمع بعض حديث عن شيخ، وبعضه عن شيخ آخر، فخلط ولم يميزه وعزى الحديث جملة إليهما مبينا أن عن أحدهما بعضه، وعن الآخر بعضه فذلك جائز كما فعل الإمام الزهري في حديث الإفك. رواه عن عروة بن الزبير، وابن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضي الله عنها قال: وكلهم حدثني طائفة من حديثها، ودخل حديث بعضهم في بعض، وأنا أوعى لحديث بعضهم عن بعض ثم ذكر الحديث. قال العراقي: وقد اعترض بأن البخاري أسقط بعض شيوخه في مثل هذه الصورة، واقتصر على واحد فقال: في "كتاب الرقاق من صحيحه": حدثني أبو نعيم بنصف من هذا الحديث، حدثنا عمر بن ذر1،

_ 1 في شرح العراقي على مقدمة ابن الصلاح هكذا: عمر بن ذر وفي نسختي "التدريب" المطبوعتين "عمرو بن دينار" وهو غلط، والصواب ما ذكره العراقي. راجع صحيح البخاري -كتاب الرقاق- باب كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وتحليهم عن الدنيا" و"كتاب الاستئذان, باب إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن"، ولم يسبقني أحد ممن علقوا على التدريب إلى هذا -فيما أعلم- فلله الحمد والمنة على ما أنعم ووهب.

حدثنا مجاهد، أن أبا هريرة كان يقول: "والله الذي لا إله غيره: إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ... " الحديث أقول: وهو حديث طويل. قال العراقي: والجواب أن الممتنع إنما هو إسقاط بعضهم وإيراد كل الحديث عن بعضهم، لأنه حينئذ يكون قد حدث عن المذكور ببعض ما لم يسمعه منه فأما إذا بين أنه لم يسمع منه إلا بعض الحديث كما فعل البخاري هنا فليس بممتنع. وقد بين البخاري في "كتاب الاستئذان" البعض الذي سمعه من أبي نعيم فقال: حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر، وحدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا عمر بن ذر، أخبرنا مجاهد عن أبي هريرة قال: "دخلت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد لبنا في قدح، فقال: "أبا هريرة الحق أهل الصفة فادعهم إليّ" , قال: فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا". فهذا هو بعض حديث أبي نعيم الذي ذكره في الرقاق، وأما بقية الحديث فيحتمل أن البخاري أخذه من كتاب أبي نعيم وجادة، أو إجازة، أو سمعه من شيخ آخر غير أبي نعيم: إما محمد بن مقاتل أو غيره، ولم يبين ذلك بل اقتصر على اتصال الحديث من غير بيان، ولكن ما من قطعة منه إلا وهي محتملة لأنها غير متصلة بالسماع إلا القطعة التي صرح في "كتاب الاستئذان" باتصالها1. "المسألة السابعة عشرة": إذا كان في سماعه بعض الوهن أي الضعف فعليه بيانه حال الرواية

_ 1 علوم الحديث بشرح العراقي ص242 ط مطبعة العاصمة و"التدريب" ص331، 332 ط المحققة وفتح المغيث ج2 ص269-271.

فإن في إغفاله نوعا من التدليس، وذلك كأن يسمع من غير أصل، أو حصل نوم، أو نسخ حال السماع أو سمع بقراءة مصحف أو لحان أو نحو ذلك ومنه إذا حدث من حفظه في المذاكرة لتساهلهم فيها، فليقل حدثنا في المذاكرة ونحوه كما فعله الأئمة، ومنع منه جماعة كابن مهدي، وابن المبارك، وأبي زرعة الرازي الحمل عنهم حال المذاكرة لتساهلهم فيها، ولأن الحفظ خوان، وامتنع جماعة من كبار الحفاظ وأعلامهم من رواية ما يحفظونه إلا من كتبهم لذلك منهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه. "المسألة الثامنة عشرة": إذا كان الحديث عن رجلين أحدهما ثقة والآخر مجروح كحديث لأنس يرويه عنه ثابت البناني، وأبان بن أبي عياش، أو عن ثقتين فالأولى أن يذكرهما لجواز أن يكون فيه شيء لأحدهما لم يذكره الآخر وحمل لفظ أحدهما على الآخر فإن اقتصر على ثقة فيهما لم يحرم، لأن الظاهر اتفاق الروايتين، وما ذكره من الاحتمال نادر بعيد، ومحذور الإسقاط في الثاني أقل من الأول. قال الإمام أبو بكر الخطيب: وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح ويذكر الثقة ثم يقول: وآخر كناية عن المجروح قال: وهذا القول لا فائدة فيه، وقد رد عليه البلقيني فقال: بل له فائدة تكثير الطرق1 والله أعلم. وكذلك حصل هذا من البخاري في صحيحه في مواضع منه كتفسير سورة النساء، وآخر الطلاق، والفتن، وعدة أماكن من طريق حيوة "وغيره" وفي الاعتصام من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن شريح "وغيره" قال السخاوي في "شرح الألفية":

_ 1 علوم الحديث ص240، 241 ط العاصمة، و"التدريب" ص330، و"فتح المغيث" ج2 ص266، 267.

والغير في هذه الأماكن هو "ابن لهيعة" بلا شك إلى آخر ما قال، وكذلك فعل هذا النسائي وغيره1.

_ 1 انظر فتح المغيث ج2 ص267، 268.

آداب المحدث

"آداب المحدث": علم الحديث من أشرف العلوم وأجلها بعد علم القرآن, وكيف لا؟ وهو الصلة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة أقواله وأفعاله وصفاته, وهو الذي يبحث فيه عن تصحيح أقواله وأفعاله, والذب عنه أن ينسب إليه ما لم يقله وقد قيل في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} 1 ليس لأهل الحديث منقبة أشرف من ذلك؛ لأنه لا إمام لهم غيره -صلى الله عليه وسلم- وأيضًا فسائر العلوم الشرعية وغيرها محتاجة إليه, أما الفقه فلأنه الأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام. وأما التفسير فلأنه أولى ما فسر به كتاب الله تعالى إذا لم يجد فيه ما يفسره في موضع آخر ما ثبت عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم, وأما علوم الأخلاق والمواعظ والتربية النفسية والعلمية والعملية فلأن الأحاديث زخزت ببيان الفضائل والحث عليها, وبيان الرزائل والتنفير منها, وبما يرقق القلوب, ويهذب النفوس, ويقوم السلوك, وأما علوم البلاغة واللغة والأدب فلأن أفصح كلام وأبلغه بعد كلام الله كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم كلام الصحابة. وأما علم التاريخ وسير الأنبياء والصحابة فلأن أوثق ما يعتمد عليه بعد القرآن الكريم ما تضمنته كتب الحديث في ذلك ولا سيما الصحاح. وهو علم يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم. مَنْ حرمه فقد حرم خيرا عظيما مهما نال من علم ومن إجازات ... ومَنْ رزقه فقد نال فضلا عظيما، ولا سيما من صدق العلم بالعمل. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضي الله عنهم أسوة حسنة في

_ 1 الإسراء: 71.

الإيمان والعلم والعمل والأخلاق والآداب. وبحسب أهل الحديث الحاملين له, والمعنين بتبليغه قول رسولهم -صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ -يعني وجهه- سمع مقالتي فوعاها فأداها فرب مبلغ أوعى من سامع" , رواه أصحاب السنن وغيرهم بألفاظ متقاربة. وقوله: "اللهم ارحم خلفائي". قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: "الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس". رواه الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" والطبراني في المعجم الأوسط، والخطيب البغدادي من طريقين في كتابه "شرف أصحاب الحديث". قال السيوطي: وكأن تلقيب المحدث بأمير المؤمنين مأخوذ من هذا الحديث، وقد لقب به جماعة منهم سفيان الثوري, وابن راهويه والبخاري وغيرهم وبحسب المنافحين عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والنافين الكذب عنها ما رواه ابن عبد البر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يحتمل هذا العلم من كل خلف عدوله1 ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين"2. وإذا كان الأمر كذلك فعلى أهل الحديث والمشتغلين به إخلاص النية وتطهير قلوبهم من أعراض الدنيا وأدناسها كحب الرياسة والشهرة أو التظاهر بالعلم ونحوها, وليكن همهم نشر الحديث وتبليغه إلى الناس فـ "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" , وقد قال البشير النذير: "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف 3 الجنة يوم القيامة" , رواه أبو داود

_ 1 عدوله بالرفع والهاء ضمير يعود على العلم وعدوله فاعل يحمل. 2 روي من طرق عدة إلا أنها كلها ضعيفة, كما قال العراقي, ونقل عن الإمام أحمد أنه صحيح وكفى به إماما في هذا, والحديث جاء بصيغة الخبر, ولكن المراد به الأمر أي ليحمل بدليل ما ورد في بعض طرقه عند ابن أبي حاتم "ليحمل" بلام الأمر ومن العلماء من أجاز حمله على ظاهره وهو الإخبار, ويكون المراد به الحمل الكامل المعتد به شرعا, فلا ينافي في أن بعض من رواه لم يكن على الصفة المرضية "التقييد والإيضاح" على "علوم الحديث" بحث العدالة، التدريب ص110. 3 أي ريحها.

والترمذي، وابن ماجه. متى يحدث؟ وقد اختلف في السن الذي يحسن أن يتصدى فيه للرواية والإسماع, فقال ابن خلاد: إذا بلغ الخمسين قال: ولا ينكر عند الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال, وعندها يبلغ الإنسان أشده ووفور عقله وجودة رأيه1 والصحيح أنه لا يتقيد بسن, فمتى تأهل لذلك وآنس من نفسه القدرة على التحديث فليجلس إلى ذلك, قال القاضي عياض: "كم من السلف فمن بعدهم من لم ينته إلى هذا السن ونشر من العلم والحديث ما لا يحصى: كعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وجلس مالك للناس ابن نيف وعشرين وقيل: ابن سبع عشرة سنة، والناس متوافرون وشيوخه أحياء: ربيعة والزهري ونافع وابن المنكدر وابن هرمز وغيرهم وكذلك الشافعي وأئمة من المتقدمين والمتأخرين". وقد حدث بندار وهو ابن ثمان عشرة سنة, وحدث البخاري وما في وجهه شعرة وهلم جرا, وينبغي أن يمسك عن التحديث إذا خشي التخليط بسبب هرم أو خرف أو عمى وقد حدده ابن خلاد بسن الثمانين2. والتحقيق أن ذلك يختلف باختلاف الناس فقد يخلط فيما دون ذلك وقد يكون ثابت العقل قوي الذاكرة فيما فوق ذلك, فقد حدث بعدها أنس, وسهل بن سعد، وعبد الله بن أبي أوفى, وغيرهم من الصحابة ومن التابعين مالك, والليث، وابن عيينة، وحدث بعد المائة من الصحابة حكيم بن حزام, ومن التابعين شريك النمري ومن بعدهم الحسن بن عرفة

_ 1 قال تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} الآية الأحقاف: 15. 2 تدريب الراوي ص334 ط المحققة.

وأبو القاسم البغوي، والقاضي أبو الطيب الطبري1 والسلفي وغيرهم وإليك مسائل ذكرها العلماء في آداب المحدث لتكون نبراسا لطلاب الحديث والعلم اليوم. "المسألة الأولى": قالوا: الأولى ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو علمه أو كونه أعلى سندا أو سماعه متصلا وفي سنده هو إجازة ونحو ذلك, وقيل: يكره, ونسب لابن معين أن من فعل ذلك فهو أحمق, والصواب إطلاق أن التحديث بحضرة الأولى ليس بمكروه, ولا خلاف الأولى فقد استنبط العلماء ذلك من حديث: "إن ابني كان عسيفا -أجيرا- وأنه زنى بامرأة هذا -يعني مستأجره- فافتديت منه بمائة شاة وخادم, ثم سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أنه على ابني جلد مائة وتغريب عام, وعلى امرأته الرجم, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره؛ المائة شاة والخادم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام, واغد يا أنيس 2 على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" , فغدا عليها فاعترفت فرجمها", رواه البخاري. فقد دل على أن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم, وفي بلده, وقد عقد محمد بن سعد في الطبقات بابا لذلك وأخرج بأسانيد عوف, وأبي بن كعب, ومعاذ بن جبل, وزيد بن ثابت3, وروى البيهقي في المدخل بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: لسعيد بن جبير: حدث. قال: أحدث وأنت شاهد؟ قال: أوليس من نعم الله عليك أن تحدث وأنا شاهد فإن أخطأت علمتك؟ 4

_ 1 المراجع السابق. 2 بالتصغير وهو الجهني. 3 فتح الباري ج12 ص118, والتدريب ص325. 4 من فضائل العلماء السابقين أن الإمام المنذري كان حافظ مصر وعالمها ومفتيها, فلما قدمها الإمام عز الدين بن عبد السلام امتنع من الفتوى وقال: "كنا نفتي قبل حضوره, وأما بعد حضوره فمنصب الفتيا متعين عليه", وهكذا فليكن العلماء.

وينبغي إذا طلب منه التحديث وفي المجلس من هو أولى منه أن يرشد إليه, فالدين النصيحة. أقول: ينبغي أن يكون هذا أدبا يحتذى لأهل العلم عامة فإذا سئل من هو أقل علما بحضرة من هو أكثر فليقدمه وليشر إليه قالوا: ولا يجوز أن يمتنع من تحديث أحد أو إفادته لكونه غير صحيح الفقه أوليس أهلا له؟ فعسى أن تخلص نيته وأن يصير أهلا لذلك, وليس أدل على هذا مما روي عن معمر وحبيب بن أبي ثابت قالا: "طلبنا الحديث وما لنا فيه نية فرزقنا الله النية", وقال معمر أيضا: "إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى العلم حتى يكون لله". وليحرص المحدث على نشر الحديث مبتغيا الأجر من الله ففي الصحيحين: "بلغوا عني ... " , "وليبلغ الشاهد الغائب" , وروى الحاكم في الأربعين مرفوعا: "من أدى إلى أمتي حديثا واحدا يقيم به سنة أو يرد به بدعة فله الجنة" , وروى البيهقي عن أبي ذر قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونعلم الناس السنن"1. "المسألة الثانية": يستحب للمحدث إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر ويتطيب ويحسن من هيئته ويجلس جلسة وقار وهيبة, فقد كان الإمام مالك يفعل ذلك فقيل له فقال: "أحب أن أعظم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا", وكان يكره أن يحدث في الطريق أو وهو قائم, وكذلك كان قتادة لا يقرأ الأحاديث إلا على طهارة، وروي عن ابن المسيب أنه سئل عن حديث وهو مضطجع في مرضه, فجلس وحدث به فقيل له فقال: كرهت أن أحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مضطجع, وسئل عبد الله بن المبارك عن

_ 1 ذكر السيوطي هذين الحديثين ولم يبين درجتهما وسكت عنهما, انظر التدريب ص336.

حديث وهو يمشي, فقال: "ليس هذا من توقير العلم" إلى غير ذلك مما روي عن السلف في توقير حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكرهوا أن يقوم المحدث لأحد وهو يحدث, وقالوا: إنه يكتب عليه خطيئة ... وإذا رفع أحد صوته في مجلس الحديث نهاه, هكذا كان يفعل الإمام مالك رضي الله عنه ويقول: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية1, "فمن رفع صوته عند حديثه فكأنما رفع صوته فوق صوته" وعليه أن يفتح مجلس التحديث ويختمه بالحمد والصلاة والتسليم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعاء يليق بالحال بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن الكريم, فقد روى الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرءوا سورة. أقول: عسى أن يكون هذا الأدب ملتزما عند افتتاح دروس العلم وعند التحدث في الإذاعات أو في النوادي والمجتمعات, ومن المؤسف أن بعض المتحدثين والمحاضرين يحرصون على بعض التقاليد المبتدعة ولا يحافظون على هذا الأدب الإسلامي الرفيع, بل إن الكثير منهم لا يبسملون, ويرضون لأنفسهم أن تكون أحاديثهم بتراء ... وعلى القارئ للحديث أن يقرأه على مهل وتؤدة مراعيا القواعد العربية والأصول في النطق ومخارج الحروف, وتمثيل المعاني بحيث يوحي إلى السامع بفهم المراد, ولا يسرع في القراءة إسراعا يمنع فهم بعضه وتدبره فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان يحدث حديثا لوعده العاد لأحصاه", وفي لفظ عند مسلم "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يسرد الحديث لسردكم", وفي لفظ عند البيهقي عقبه "إنما كان حديثه فصلا تفهمه القلوب".

_ 1 الحجرات: 2.

"المسألة الثالثة": كان الحفاظ من العلماء المتقدمين والأئمة المتقنين رضي الله عنهم يعقدون مجالس لإملاء الحديث فإنه أعلى مراتب الرواية والسماع وفيه أحسن وجوه التحمل وأقواها, وهذا الإملاء سنة حسنة اتبعها السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم. روى البيهقي في المدخل بسنده عن معروف الخياط قال: "إني رأيت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه يملي على الناس الأحاديث وهم يكتبونها بين يديه" وكانت مجالسهم عامة, فيها علم جم, وخير كثير, ولهذه المجالس آداب منها: أنه إذا أكثر الجمع بحيث لا يستطيع الشيخ إسماعهم فليتخذ مستمليا محصلا متيقظا فطنا يبلغ عنه الحاضرين كما روى عن الإمام مالك وشعبه ووكيع وغيرهم, ولهذا أصل في السنة. فقد روى أبو داود والنسائي من حديث رافع بن عمرو قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء, وعلي يعبر عنه" وفي صحيح البخاري: عن أبي جمرة1 قال: "كنت أترجم2 بين ابن عباس وبين الناس" فإن كثر الجمع بحيث لا يكفي مستمل واحد اتخذا اثنين أو أكثر, فقد أملى أبو مسلم الكجي3 في رحبة غسان، وكان في مجلسه سبعة مستملون يبلغ كل واحد منهم صاحبه الذي يليه, وحضر مجلسه نيف وأربعون ألف محبرة سوى النظارة"4.

_ 1 هو بالجيم والراء, واسمه نصر بن عمران بن نوح الضبعي بضم الضاد وفتح الباء من بني ضبيعة "مصغرا" وهو بطن من عبد القيس. فتح الباري ج1 ص120. 2 الترجمة هي التعبير عن لغة بلغة أخرى, وتطلق ويراد بها توضيح الكلام وتفهيمه بلغته أو إبلاغه للناس، ولعل المراد هو الثاني. ويجوز أن يراد الأول فقد قيل: إن أبا جمرة كان يعرف الفارسية, فكان يترجم لابن عباس بها. 3 الكجي بفتح الكاف وتشديد الجيم: نسبة إلى الكج وهو الحص، وأبو مسلم هذا اسمه إبراهيم بن عبد الله بن مسلم كان قد بنى دارا له بالبصرة بالحص وكان يقول: هاتوا الكج وأكثر من قوله هذا فقيل له: الكجي، ويقال له: الكني بالشين المعجمة: نسبة إلى حده الأعلى روى كثيرا، وروي عنه أبو بكر القطيعي وهو آخر من حدث عنه. 4 يعني بالمحابر أصحابها الكاتبين, وأما النظارة فالذين يحضرون ولا يكتبون.

ويستحب أن يكون المستملي على شيء مرتفع كالكرسي ونحوه, وإلا قائما على قدميه ليكون أبلغ في الإسماع, ويجب على المستملي تبليغ ما يسمع من الشيخ المحدث من غير تغيير ولا تحريف. ومنها أن يبتدئ الإملاء بقراءة قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن الكريم, ثم يستنصت المستملي الناس الحاضرين, ففي الصحيحين من حديث جرير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "استنصت الناس" ثم يبسمل ويحمد الله ويصلي ويسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يقول للمحدث من ذكرت من الشيوخ؟ أو ما ذكرت من الأحاديث؟ رحمك الله أو رضي الله عنك وما أشبه من الدعاء, قال يحيى بن أكثم "نلت القضاء أو قضاء القضاء والوزارة وكذا وكذا ما سررت بشيء مثل قول المستملي: من ذكرت رحمك الله؟ وكلما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع بها صوته, وإذا ذكر صحابيا قال رضي الله عنه فإن كان ابن صحابي قال: رضي الله عنهما, وكذا يترحم على الأئمة, فقد روى الخطيب أن الربيع بن سليمان قال له القارئ يوما: حدثكم الشافعي ولم يقل رضي الله عنه فقال: الربيع ولا حرف حتى يقال: رضي الله عنه وما أجله من أدب امتاز به سلفنا الصالح مع شيوخهم. ومنها أنه يحسن بالمحدث الثناء على شيخه حال الرواية عنه بما هو أهله كما فعل جماعة من السلف, فقد كان مسروق يقول إذا حدث عن السيدة عائشة "حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة" يعني من فوق سبع سماوات وكان عطاء يقول "حدثني البحر" يعني ابن عباس, وكان شعبة يقول "حدثني سيد الفقهاء: أيوب" وكان وكيع يقول: "حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث" وقال أبو مسلم الخولاني "حدثني الحبيب الأمين عوف بن مسلم". وليعتن بالدعاء لهم فضلا عن الثناء, ويجمع في ذكر شيخه بين الاسم

والكنية؛ لأنه أبلغ في إعظامه قال الخطيب: لكنه يقتصر في الرواية على اسم من لا يشكل كأيوب ويونس ومالك والليث ونحوهم وكذا على نسبة من هو مشهور بها كابن عون وابن جريج والشعبي والنخعي والثوري والزهري ونحو ذلك, ولا بأس أن يذكر من يروي عنه بلقب كعنذر, أو وصف كالأعمش, أو حرفة كالخياط, أو أم, كابن علية إذا عرف بها وقصد تعريفه لا عيبه أو تنقصه. ومنها أنه يستحب للشيخ المملي أن يروي في إملائه عن جماعة من غير أن يقتصر على واحد مقدما أرجحهم وأوثقهم ولا يروى إلا عن ثقات من شيوخه دون كذاب أو فاسق أو مبتدع, روى مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن مهدي قال: "لا يكون الرجل إماما وهو يحدث متنه من أحاديث الفقه والترغيب والترهيب ومكارم الأخلاق, وينبه على صحة الحديث أو حسنه أو ضعيفه, وما فيه من علة إن كانت, وعلى ما فيه من علو وفوائد في الإسناد أو المتن وضبط المشكل, وبيان الغريب, أو المعنى الغامض, وعليه أن يجتنب من الأحاديث ما لا تحتمله عقولهم أو يعسر عليهم فهمه كأحاديث الصفات المتشابهة التي لا يأمن على سامعها الغلط, والوقوع في التشبيه وفهمها على غير وجهها, وكذا أحاديث الرخص والإسرائيليات والقصص الباطلة, أو الموهم ظاهرها خلاف المراد منها؛ لأن مجلس الإملاء يحضره العلماء والعوام, وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل السؤال الواحد من جماعة فتختلف إجاباته على حسب أحوال السائلين والظروف والملابسات. وروى البيهقي في الشعب عن المقدام بن معديكرب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم بما يعزب أو يشق عليهم".

وقال سيدنا علي رضي الله عنه: "أتحبون أن يذكر الله ورسوله" حدثوا الناس بما يعرفون, ودعوا ما ينكرون" رواه البخاري1 تعليقا وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة", رواه مسلم في مقدمة صحيحه ويختم الإملاء بحكايات ونوادر وإنشادات, ولا سيما في الزهد والآداب ومكارم الأخلاق كعادة الأئمة في ذلك, وقد استدل له الخطيب بما رواه عن علي قال: "روحوا القلوب وابتغوا لها طرف الحكمة". وكان الإمام الزهري يقول لأصحابه: "هاتوا من أحاديثكم فإن الأذن مجاجة والقلب حمض"2. "فائدة": قال السيوطي: وقد كان الإملاء درس بعد ابن الصلاح إلى أواخر أيام الحافظ أبي الفضل العراقي فافتتحه سنة ست وتسعين وسبعمائة, أملى أربعمائة مجلس وبضعة عشر إلى سنة موته سنة ست وثمانمائة, ثم أملى ولده إلى أن مات سنة ست وعشرين -يعني وثمانمائة- ستمائة مجلس وكسرا، ثم أملى شيخ الإسلام ابن حجر إلى أن مات سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة أكثر من ألف مجلس، ثم درس تسع عشرة سنة, فافتتحته سنة ثنتين وسبعين, فأمليت ثمانين مجلسا, ثم خمسين أخرى وينبغي ألا يملي في الأسبوع إلا يوما واحدا لحديث الشيخين عن أبي وائل قال: "كان ابن مسعود يذكر الناس كل يوم خميس فقال له رجل: لوددنا أنك ذكرتنا كل يوم فقال: أما إنه ما يمنعني من ذلك إلا أني أكره أن أملكم, وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا"3.

_ 1 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب من خص بالعلم قوما دون قوم مخافة أن لا يفهموا. 2 مجاجة تمج الكلام المعاد المكرر. حمض: في القاموس: فلان حامض القلب متغيره فاسده. 3 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب من جعل لأهل العلم أياما مخصوصة.

روى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس قال: "حدث الناس كل جمعة مرة, فإن أبيت فمرتين, فإن أكثر فثلاث مرات, ولا تمل الناس هذا القرآن, ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم, ولكن أنصت, فإذا أمروك فحدثهم وهو يشتهونه" ولم أظفر لأحد بتعيين يوم الإملاء ولا وقته إلا أن غالب الحفاظ كابن عساكر وابن السمعاني والخطيب كانوا يملون يوم الجمعة بعد صلاتها فتبعتهم في ذلك. قال السيوطي: وقد ظفرت بحديث يدل على استحبابه بعد عصر يوم الجمعة وهو ما أخرجه البيهقي في الشعب عن أنس مرفوعًا "من صلى العصر ثم جلس يملي خيرًا حتى يمسي كأن أفضل ممن اعتنق ثمانية من ولد إسماعيل"1.

_ 1 التدريب من ص173-176.

آداب طالب الحديث

"آداب طالب الحديث": علم الحديث من أجل العلوم الشرعية وأشرفها, فعلى طالبه أن يصحح النية, ويخلص لله في طلبه, وليحذر من أن يريد به التوصل إلى أغراض الدنيا فقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" وقال حماد بن سلمة: "من طلب الحديث لغير الله مكر به" وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم لا يتعلمون العلم إلا لله فمن ثم استفادوا وأفادوا غيرهم, وصلح لهم وللناس أمر دينهم ودنياهم، وعليه أن يتحمل بالأخلاق الكريمة والآداب المرضية، وله في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة, فمن طلب حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليتأدب بأدبه, ويتخلق بأخلاقه،

وعليه أن يفرغ جهده في تحصيله, ويغتنم الحصول على أكثر قدر منه، فإن العلم بحر لا ساحل له، وعليه أن يستعين بالسهر والنصب ففي صحيح مسلم مرفوعا: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز ... ", وقال يحيى بن أبي كثير: "لا ينال العلم براحة الجسم" وقال الإمام الغزالي: "العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه"1, وعليه أن يستعين على طلبه بالخضوع له, والرغبة فيه, والتقشف والتقلل لا بإظهار الزهادة فيه والسأم منه حتى يُذَلِّله الله سبحانه وتعالى له ويسهله عليه, قال الإمام الشافعي: "لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل وغنى النفس فيفلح, ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلم أفلح". ومن آداب الحديث أن يعمل بما يعلم ويحفظ ففي الحديث "من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم", رواه أبو نعيم. وقال وكيع: "إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به", وقال الإمام أحمد بن حنبل: "ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به حتى مر بي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا فاحتجمت وأعطيت الحجام دينارا", وقد كان السلف يستعينون على حفظ الحديث بالعمل به. وكان بشر الحافي يقول: "يا أصحاب الحديث أدوا زكاة هذا الحديث, اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث" وعلى طالب العلم ولا سيما الحديث إذا ظفر بعلم أو وقف على مسموعات لشيخه أنه يرشد إليه إخوانه من طلبة العلم والحديث فإن كتمانه لؤم يقع فيه جهلة الطلبة, وذووا الأثرة منهم. قال ابن معين: "من بخل بالحديث وكتم على سماعه لم يفلح", وكذا قال إسحاق بن راهويه، وقال ابن المبارك: "من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه، أو ينسى، أو يتبع السلطان"2

_ 1 فإن أعطيته بعضك لم يعطك شيئا. 2 وعسى أن يكون في هذا عظة وذكرى لطلاب العلم الذين يحبون أن يستأثروا به دون إخوانهم.

وها هنا مسائل مهمة1. "المسألة الأولى": على طالب العلم ولا سيما العلم الشرعي أن يعظم شيخه ومن يستفيد منه, فإن ذلك من إجلال العلم وأسباب الانتفاع به ففي الحديث المرفوع "ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه" أي قدره وفضله رواه أحمد وغيره. وروى البيهقي عن ابن عباس قال: "وجدت عامة علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند هذا الحي من الأنصار, فإن كنت لآتي باب أحدكم فأقبل ببابه ولو شئت أن يؤذن لي عليه لأذن لي لقرابتي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن كنت أبتغي بذلك طيب نفسه". وعن الشعبي قال: "ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه فقال لا تفعل يابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا! فقبل زيد بن ثابت يده فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا". وروي عن سيدنا عمر أنه قال: "تواضعوا لمن تعلمون منه" وقال البخاري: "ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين". وإذا سأل شيخه فليسأله بتأدب ويظهر له أنه مسترشد لا معترض وليحذر التعنت مع أستاذه والإلحاح في السؤال حتى يضجره أو يقطع حديثه وهو يتكلم, ولينزله من نفسه منزلة الأب بل أشد, وليستشره في أموره ولا سيما العلمية, وبذلك تتوثق العلاقة بين الطالب والأستاذ وتكون بينهما صلة روحية فوق الصلة العلمية, وليس من شك في أن الشيخ إذا شعر من تلميذه بهذا بل له غاية نصحه ومنحه عظيم رأيه, وقد كانت هذه المعاني متجلية بأحلى صورها في العصور الأولى, ولم تزل

_ 1 زدت في هذه المسائل أشياء كثيرة من عندي واستطردت استطرادات جيدة ولازمة.

هذه الآداب متبعة في الجامع الأزهر الشريف بكلياته ومعاهده، وغيره من الجوامع العلمية الإسلامية إلى عهد قريب, ونرجو أن تعود اليوم كما كانت, ومن العجيب أن هذه الآداب التي ذكرها المحدثون منذ بضعة عشر قرنا هي أمنية الأماني التي تنشدها الجامعات عربية وغير عربية في العصر الحديث بل وغيرها من جامعات الدنيا. ولا يمنعه الحياء والكبر طالب العلم من الاستفادة وأخذ العلم ممن دونه في النسب أو السن أو العلم أو نحوها, قال عمر رضي الله عنه: "من رق وجهه رق علمه" وقال أيضا: "لا تتعلم العلم لثلاث ولا تتركه لثلاث: لا تتعلم العلم لتمارس به، ولا ترائي به، ولا تباهي به، ولا تتركه حياء من طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضا بجهالة". وقالت السيدة عائشة: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين", رواه البخاري، وذكر البخاري عن مجاهد -تعليقا- قال: "لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر", وقال وكيع: "لا ينبل الرجل من أهل الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه, وعمن هو مثله, وعمن هو دونه", وقال الأصمعي: "من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا". "المسألة الثانية": من آداب طالب الحديث أن يبدأ بالسماع, والاستفادة من أرجح شيوخ بلده إسنادا، وعلما وشهرة، ودينا، وزهدا، وغيرها إلى أن يفرغ منهم, ومن تفرد بشيء أخذه عنه أولا، فإذا فرغ من أخذ المهمات منهم فليرحل إلى سائل البلدان والأمصار, على ما كانت عليه عادة الحفاظ المبرزين, ففي الرحلة أمران: أحدهما: تحصيل علو الإسناد وتقديم السماع. والثاني: لقاء الحفاظ والعلماء والمذاكرة لهم والاستفادة منهم". وإن كان الأمران موجودين في بلده ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة, أو موجودين في كل منهما فيحصل حديث بلده ثم يرحل, وإذا

عزم على الرحلة فلا يترك أحدا من شيوخ بلده إلا ويكتب له ما تيسر وإن قل، ولذا قيل: "ضيع ورقة ولا تضيع شيخا"1.

_ 1 التدريب ص170، 177.

الرحلة في سبيل العلم

الرحلة في سبيل العلم مدخل ... "الرحلة في سبيل العلم": لعل مما يتميز به أئمة العلم في الإسلام -ولا سيما أئمة الحديث- كثرة الارتحال وملازمة الأسفار, وقد جروا في ذلك على سنن بعض الصحابة والتابعين, فقد كان الواحد منهم يبلغه الحديث بطريق الثقات فلا يكتفي بهذا, بل يرحل الأيام والليالي حتى يأخذ الحديث عمن رواه بلا واسطة, وفي صحيح البخاري تعليقا قال: "ورحل جابر بن عبد الله الأنصاري مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد1 وإليك القصة بتمامها. روى الإمام البخاري في "الأدب المفرد" وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما, والبيهقي في "المدخل" من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "بلغني حديث رجل سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاشتريت بعيرا ثم شددت رحلي فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام, فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب. فقال: ابن عبد الله؟ فقلت: نعم. فخرج فاعتنقني واعتنقته. فقلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يحشر الله العباد أو قال الناس عراة غرلا 2 بهما". قلنا: ما بهما؟ قال: "ليس معهم شيء, ثم يناديهم ربهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الديان

_ 1 عبد الله بن أنيس -بالتصغير- بن مسعود الجهني بضم الجيم وفتح الهاء, حليف الأنصار شهد العقبة مع السبعين من الأنصار, وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد, وبعثه رسول الله سرية وحده, وتوفي بالشام سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية فرضي الله عنه وأرضاه. 2 جمع أعزل وهو الذي لم تقطع قلفته، والقلفة: هي ما تقطع عند الختان.

لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة, ولا لأحد من أهل النار عند مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة". قلنا: كيف؟ وإنما نأتي الله عراة غرلا بهما؟ قال: "بالحسنات والسيئات". واستدل البيهقي برحلة موسى عليه السلام إلى الخضر وهي في صحيح البخاري1. وروى البيهقي في المدخل بسنده عن وهب بن عبد الله المعافري قال: قدم رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار على مسلمة بن مخلد2 فألفاه نائما فقال: أيقظوه. قال: بل نتركه حتى يستيقظ قال: لست فاعلا. فأيقظوا مسلمة له. فرحب به وقال: انزل. فقال: لا حتى ترسل إلى عقبة بن عامر لحاجة لي إليه. فأرسل إلى عقبة فأتاه. فقال: هل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من وجد مسلما على عورة فستره فكأنما أحيا موءودة من قبرها" فقال عقبة: نعم، وهذا الرجل الأنصاري المرتحل هو السيد الجليل أبو أيوب الأنصاري. رواه أحمد وكذلك روي عن بعض الصحابة مثل هذا3.

_ 1 كتاب العلم, باب الخروج في طلب العلم. 2 مسلمة -بفتح الميم وسكون السين وفتح اللام- ابن مخلد -بضم الميم وفتح الخاء وفتح اللام المشددة، آخره دال- صحابي سكن مصر ووليها مدة توفي سنة اثنتين وستين. 3 عمدة القارئ ج1 ص463، 464، ط عثمانية.

وارتحال التابعين ومن بعدهم

"وارتحال التابعين ومن بعدهم": وعلى هذا الدرب الواضح سار التابعون ومن جاء بعدهم من أئمة العلم والحديث روى الخطيب بسنده عن عبد الله بن عدي قال: بلغني حديث عن علي فخفت إن مات أن لا أجده عند غيره, فرحلت حتى قدمت عليه العراق, وروى بسنده عن سعيد بن المسيب قال: إن كنت لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.

وقال أبو العالية: "كنا نسمع عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا نرضى حتى رحلنا إليهم فسمنا منهم". وسئل الإمام أحمد: "رجل يطلب العلم يلزم رجلا عنده علم كثير أو يرحل؟ قال يرحل يكتب عن علماء الأمصار". وقال ابن معين: أربعة لا يؤنس منهم رشد ... وعد منهم: رجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث1 ومن أراد زيادة في هذا فليرجع إلى كتابي "أعلام المحدثين"2. ولم تزل الرحلة من قديم الزمان ديدن العلماء والمحدثين, حتى القرن العاشر الهجري, ثم قصرت الهمم في العصور الأخيرة, واكتفى كل بعلماء بلده, بل ببعضهم, وعسى أن تحيا هذه السنة التي كادت أن تموت في بلاد الإسلام. "المسألة الثالثة": الجمع والانتخاب على طالب العلم والحديث أن يعتني بالمهم, وأن يكتب كل ما يقع له من حديث أو علم, والأولى له ألا ينتخب, فربما احتاج بعد ذلك إلى رواية شيء منه لم يكن فيما انتخبه وتخيره، فيندم، وقد قال ابن المبارك: "ما انتخبت على عالم قط إلا وندمت", إلا أن أحتاج إلى الانتخابات فلا بأس, ومن أقوال المحدثين المأثورة قول أبي حاتم: "إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش"3 وقد فسرها العراقي فقال: اكتب الفائدة ممن سمعتها منه ولا تؤثر حتى تنظر هل هو أهل للأخذ عنه أم لا؟ فربما فات ذلك بموته أو سفره أو غير ذلك, فإذا كان وقت الرواية

_ 1 فتح الباري ج1 ص141، 142. 2 ص19، 20 ومن تراجم وحياة المحدثين المذكورين في هذا الكتاب أكبر شاهد على ذلك. 3 فقمش: بفتح القاف وكسر الميم المشددة آخره شين معجمة, من القماش، وهو في الأصل ما على وجه الأرض من فتات الأشياء حتى يقال لرذالة الناس: قماش، وما أعطاني إلا قماشا أي أردأ ما وجده، وتقمش أكل ما وجد وإن كان دونا "انظر القاموس مادة القمش، ج2 ص285".

أو العمل ففتش حينئذ يعني: فتخير ما صح وثبت. ودع ما عداه. أقول: وما أجدر أهل العلم ولا سيما المؤلفين والباحثين باتباع هذه الكلمة الحكيمة في تأليف رسائلهم وكتبهم, فعلى الواحد منهم أن يجمع النصوص والآراء التي تتصل ببحثه وعند الكتابة يتخير الصحيح والأليق بموضوعه، وهذه الكلمة التي قالها أبو حاتم تعتبر الأساس الصالح لتأليف الكتب العلمية والبحوث التي تنال بها درجات التخصص اليوم. "المسألة الرابعة": الجمع بين الحفظ والفقه للأحاديث: لا ينبغي لطالب الحديث أن يقتصر من الحديث على سماعه وكتابته أو حفظه دون التعرف على فقهه وفهمه, فيكون قد أتعب نفسه من غير طائل, أو الحصول على أن يعد في أهل الحديث, بل عليه أن يجمع بين الرواية والدراية بحيث يعرف صحيحه من حسنه من ضعيفه, وفقهه ومعانيه, ولغته, وإعرابه, وما فيه من بلاغة وفصاحة, وأن يعرف أسماء رجاله, ومنازلهم من الجرح والتعديل, وكذا ناسخه ومنسوخه ومختلفه, ومشكله إلى غير ذلك, ولتكن عنايته بالصحيحين ثم سنن أبي داود, والترمذي، والنسائي1، ثم صحيح ابن خزيمة2 ثم صحيح ابن حبان3, ثم السنن الكبرى للبيهقي, فإنه لم يصنف مثله في بابه, ثم ما تمس الحاجة من كتب الحديث ثم كتب المسانيد, وأهمها مسند أحمد, والجوامع، وأهمها الموطأ ثم بكتب الأحكام وما أكثرها ثم كتب العلل ككتاب الدارقطني، ثم بكتب الرجال وضبط الأسماء وما أكثرها، وليعتني طالب الحديث بكتب غريبه، وكتب شروحه وهي

_ 1 لم يذكروا مع السنن سنن ابن ماجه لتأخر رتبها عن رتب السنن الثلاثة. 2 قيل: هو أصح ما ألف في الصحيح بعد الصحيحين. 3 ذكروا أنه متساهل في التصحيح.

أكثر من أن تحصى, ولا سيما شرح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني, وشرحه أيضا للعلامة العين, فإنهما أجل كتب الشروح وأوسعها وأجمعها وبشروح صحيح مسلم، وأجلها شرح النووي. "المسألة الخامسة": إذا تأهل طالب العلم والحديث للتأليف فيه فليعتن بذلك, وليصرف جل همه للشرح وبيان المشكل ورد الشبه الواردة عليه, ولا سيما في عصرنا هذا, فقد تهجم على الأحاديث والسنن بغير علم من لا يكاد يعرف ما هو الحديث؟ وما هي السنة؟ وتحقيق الروايات ونحو ذلك, ولا نكاد نجد شيئا يثبت العلم ويدعو إلى استذكاره ومراجعة كتبه وأصوله ويقدح زند الفكر, ويشحذ الطبع ويبعث الهمم, ويبسط اللسان ويجيد البيان ويكشف المشتبه, ويوضح الملتبس. مثل التأليف وإنما يعرف ذلك من يعاني صنعة التأليف, ثم هو إلى ذلك ثواب لا ينقطع. وخلود دائم, وذكر جميل, وشذى يتضوع. وصدق الرسول الكريم حيث قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم في صحيحه ورواه أبو داود والترمذي والنسائي, وصدق القائل: يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم ... والجهل يجعل أحياء كأموات1 وقال الإمام النووي في شرح "المهذب" بالتصنيف يطلع على حقائق العلوم ودقائقها, ويثبت معه لأنه يضطره إلى كثرة التفتيش والمطالعة, والتحقيق والمراجعة، والاطلاع على مختلف كلام الأئمة، ومتفقه وواضحه من مشكله، وصحيحه من ضعيفه, وجزله من ركيكه، وما لا اعتراض

_ 1 في بعض النسخ: والجهل يلحق أحياء بأموات.

فيه من غيره, وبه يتصف المحقق بصفة المجتهد. قال الربيع1: لم أر الشافعي آكلا بنهار, ولا نائما بليل2 لاهتمامه بالتصنيف. وقال النووي: في "تقريبه": وينبغي أن يتحرى في تصنيفه العبارات الواضحة والموجزة والاصطلاحات المستعملة، ولا يبالغ في الإيجاز بحيث يفضي إلى استغلاق المعنى، ولا في الإيضاح بحيث ينتهي إلى الركاكة، وليكن اعتناؤه من التصنيف بما لم يسبق إليه أكثر. وقال في شرح المهذب: والمراد بذلك ألا يكون هناك تصنيف يغني عن مصنفه من جميع أساليبه, فإن أغنى عن بعضها فليصف من جنسه ما يزيد زيادات يحتفل بها مع ضم ما فاته من الأساليب, وليكن تصنيفه فيما يعم الانتفاع به ويكثر الاحتياج إليه3. وقال الزركشي في قواعده: إن تصنيف العلم فرض كفاية على من منحه الله فهما واطلاعا, فلو ترك التصنيف لضيع العلم على الناس. وقالوا: ينبغي أن لا يخلو تصنيف من أحد المعاني الثمانية التي اتصف بها العلماء وهي: 1- اختراع معدوم. 2- أو جمع مفترق. 3- أو تكميل ناقص. 4- أو تفصيل مجمل. 5- أو تهذيب مطول. 6- أو ترتيب مخلط. 7- أو تعيين مبهم. 8- أو تبيين خطأ. كذا عددها أبو حيان, وتمكن الزيادة فيها. وذكر ابن عبد البر في كتاب "جامع بيان العلم وفضله" عن علي رضي الله عنه أنه قال في خطبة خطبها: "واعلموا أن الناس أبناء ما يحسنون وقدر كل امرئ ما يحسن, فتكلموا في العلم تتبين أقداركم"4.

_ 1 الربيع الجيزي تلميذ الشافعي وأحد حملة علمه. 2 كناية عن اشتغاله التصنيف حتى لا يأكل إلا قليلا ولا ينام إلا غرارا. 3 التدريب ص18. 4 قواعد التحديث ص37، 38.

أقول: وكلما كان المؤلف متمكنا من مادته وعلمه ظهرت شخصيته العلمية واضحة في مؤلفه. ولو ألف فيما مرجعه غالبًا إلى النقل والاصطلاح. ويمكنه أن يضفي على القديم شيئًا من الجدة فيبدو جديدًا. وأن يكون من المفرق وحده. ومن المتنافر شيئًا مألوفًا.. وعلى المؤلف في فن ألا يتسرع قبل أن يتاهل. وإلا جاءت آراؤه فطيرة. وعاد عليه ذلك بالعوار والنقص. وألا يخرج مؤلفه إلا بعد تحرير وتهذيب وتحقيق وتمحيص وتكرار النظر. وهذا هو السر في أن المحققين والمتثبتين في العلوم يغلب عليهم الإقلال في التأليف.

أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله

"أدب أهل العلم والحديث وطلابه مع الله ورسوله": ينبغي المحافظة على الثناء على الله سبحانه وتعالى بما هو أهله كعز وجل وتبارك وتعالى ونحوه, وإن لم يكن في أصل الكتاب الذي يروي منه أو يقرؤه؛ لأنه يقصد به الثناء لا الرواية. وكذلك ينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما ذكر ولا يسأم من تكراره. فإن من أغفله حرم حظًّا عظيمًا وثوابًا جزيلًا. فقد قيل في قوله -صلى الله عليه وسلم: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة" صححه ابن حبان أنهم أهل الحديث لكثرة ما يتكرر ذكره في الرواية فيصلون عليه وأما الحديث الذي يورده البعض في هذا المقام وهو حديث: "من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" فقد حكم ابن الجوزي عليه بالوضع وعارضه السيوطي فقال: إنه وإن كان ضعيفًا فإن له طرقًا تخرجه عن الوضع وتقتضي أن له أصلًا. وكذلك حديث أنس يرفعه: "إذا كان يوم القيامة جاء أصحاب الحديث وبأيديهم المحابر فيرسل الله إليهم جبريل فيسألهم من أنتم؟ وهو أعلم. فيقولون: أصحاب الحديث فيقول: ادخلوا الجنة طالما كنتم تصلون

على النبي في دار الدنيا", فقد حكم عليه الخطيب بالوضع وعارضه السيوطي1 وينبغي أن يجمع عند ذكره -صلى الله عليه وسلم- بين الصلاة عليه بلسانه وكتابته ذلك ببنانه, ثم إن كانت الصلاة والتسليم في الكتاب الذي ينقل منه كتب ذلك بالاتفاق, فإن لم يكن في الأصل ففي كتابة ذلك خلاف فالإمام أحمد لا يرى كتابة ذلك, وكان يكتفي بالصلاة والتسليم نطقا, ومال إلى صنيع أحمد بن دقيق العيد فقال: "ينبغي أن يتبع الأصول والروايات" وغرضهم بذلك المحافظة على الأصول وصيانتها من التغيير والتبديل والاقتصار على المروي وخالف الإمام أحمد غيره من المتقدمين فقالوا: لا يتقيد بالأصل بل يكتبه خطا ويتلفظ به نطقا لأنه دعاء لا كلام يرويه. واختار بعض المتأخرين ما ذهب إليه الإمام أحمد محافظة على الأصول القديمة, ومراعاة لغاية الدقة والأمانة في النقل, ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم في الكتابة وفي كل موضع شرعت فيه الصلاة كما قال الإمام النووي في صحيح مسلم2, وذلك لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} 3. وقد اقتصر الإمام مسلم في مفتتح صحيحه على الصلاة, وهذا مما أنكر عليه. ويكره أيضا الرمز إليهما في الكتابة بحرف أو حرفين أو أكثر كمن يكتب "صلعم" أو "ص". وكذلك ينبغي الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وسائر الأخيار, ولا يجوز استعمال "عز وجل" ونحوه في النبي -صلى الله عليه وسلم.

_ 1 التدريب ص155. 2 صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص44. 3 سورة الأحزاب الآية 56.

تقسيم الحديث من حيث عدد رواته

تقسيم الحديث من حيث عدد رواته المتواتر شروط المتواتر ... "تقسيم الحديث من حيث عدد رواته": ينقسم الحديث من حيث عدد رواته إلى متواتر وآحاد فالمتواتر: ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب أو صدوره منهم اتفاقا من غير قصد ويستمر ذلك من أوله إلى آخره ويكون مرجعه إلى الحس من مشاهد أو مسموع أو نحوهما. والآحاد: ما ليس كذلك. المتواتر: "شروط المتواتر": 1- أنه يرويه جمع كثير، وقد اختلف في تحديده فقيل: خمسة, وقيل: سبعة, وقيل: عشرة لأنها أول جموع الكثرة, وقيل: اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل، وقيل: عشرون, وقيل: أربعون, وقيل: غير ذلك, وتمسك كل قائل بدليل جاء فيه ذكر ذلك العدد فأفاد العلم وليس بلازم أن يطرد في غيره لاحتمال الاختصاص. والمحققون على أن الصحيح عدم تعيين العدد وأن العبرة إنما هي بإفادة العلم بنفسه فأي عدد يفيد العلم بنفسه فهو المعتبر وهو الذي رجحه الحافظ ابن حجر. 2- كون هذا العدد بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب أو صدوره منهم اتفاقا أي من غير قصد وبعض العلماء قال: "بحيث يحيل العقل" والمراد إحالة العقل المستند إلى العادة فيتوافق التعريفان. 3- استمرار هذا العدد المفيد للعلم في السند من ابتدائه إلى منتهاه والمراد أن لا تنقص الكثرة المفيدة للعلم لا أنه لا يزيد إذ الزيادة هنا من باب أولى فلو رواه مثلا في طبقة ثلاثون ثم رواه عنهم أربعون فهو أولى وأحسن.

4- أن يكون ذلك الخبر مستند رواته الحس من مرئي أو مسموع أو ملموس أو مذوق أو مشموم فلا تواتر في العقليات الصرفة كوجود الصانع وقدمه وقدم صفاته وحدوث العالم فلو أن أهل بلد أو مصر مثلا أخبروا بحدوث العالم أو بوجود الصانع لا يكون متواترا1 لأن العقليات لا يحصل اليقين بها إلا بالبرهان. ولا يشترط في الخبر المتواتر من حيث هو إسلام ولا عدالة لأن المعول عليه الكثرة بشروطها فلو أن أهل بلد أخبروا بحصول حادثة ما يحصل العلم بخبرهم ولو كانوا كفارا.

_ 1 شرح نخبة الفكر ص4، 5.

أقسام المتواتر

أقسام المتواتر: ينقسم المتواتر إلى قسمين: 1- لفظي. 2- ومعنوي. فاللفظي: ما رواه جمع كثير ... إلخ, واتفقوا على لفظه وستأتي أمثلته من الأحاديث. والمعنوي: ما روي من طرق متعددة بألفاظ مختلفة إلا أنها اتفقت في إفادة شيء واحد وذلك مثل الأخبار التي نقلت كرم حاتم مثلا فإنها آحاد نقلت وقائع مختلفة يدل كل واحد منها على أن حاتما أعطى شيئا إذا نقل رجل عن حاتم أنه أعطى جملا وآخر أنه أعطى فرسا وثالث أنه أعطى مالا وهكذا لكنها مع هذا اشتركت في إفادة معنى واحد هو الكرم ومثل الأخبار التي نقلت شجاعة سيدنا علي مثلا فإنها نقلت وقائع مختلفة لكنها اتفقت في معنى واحد وهو الشجاعة, ومثاله في الحديث: أحاديث رفع اليدين في الدعاء لكنها في قضايا ووقائع مختلفة فكل واقعة منها لم تتواتر لكن القدر المشترك بينها وهو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع2.

_ 1 تدريب الراوي ص191.

العلم الذي يفيده المتواتر

العلم الذي يفيده المتواتر: المتواتر يفيد العلم اليقيني القطعي أي العلم الضروري الذي يضطر الإنسان إليه بحيث لا يمكن دفعه واليقين: هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وهذا هو المعتمد وقال بعضهم: لا يفيد العلم إلا نظريا قال الحافظ ابن حجر: "وليس بشيء لأن العلم بالمتواتر حاصل لمن ليس له أهلية النظر كالعامي إذ النظر ترتب أمور معلومة أو مظنونة ليتوصل بها إلى علوم أو ظنون وليس في العامي أهلية ذلك فلو كان نظريا لما حصل لهم، ولاح بهذا التقرير الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري, إذ الضروري يفيد العلم بلا استدلال والنظري يفيده لكن مع الاستدلال على الإفادة وأن الضروري يحصل لكل سامع والنظري لا يحصل إلا لمن فيه أهلية النظر والاستدلال"1. وقد خالف في إفادة المتواتر العلم بعض الطوائف ممن لا يعتد بهم لتهافت رأيهم قال الإمم الآمدي في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام": واتفق الكل على أن خبر المتواتر يفيد العلم خلافا للسمنية والبراهمة2 في قولهم: لا علم في غير الضروريات إلا بالحواس دون الأخبار وغيرها ودليل ذلك ما يجده كل عاقل من نفسه من العلم الضروري بالبلاد النائية والأمم السابقة والقرون الخالية والملوك والأنبياء والأئمة والفضلاء المشهورين والوقائع الجارية بين السلف الماضية بما يرد علينا من الأخبار حسب وجداننا كالعلم بالمحسوسات عند إدراكنا لها بالحواس ومن أنكر ذلك فقد سقطت مكالمته وظهر جنونه"

_ 1 شرح نخبة الفكر ص6. 2 في القاموس، والسمنية كعرنية قوم بالهند دهريون قائلون بالتناسخ "والبراهمة طائفة بالهند لهم عقائد وثنية باطلة خاصة بهم في الألوهية وغيرها.

الشبه التي أوردت على المتواتر

الشبه التي أوردت على المتواتر: قد أورد بعض الناس شبها على وجود المتواتر وإفادته العلم وإليك بعضها: 1- قالوا: إن تصور اجتماع العدد الكثير على الأخبار بخبر واحد غير مسلم فإن الناس مختلفون في الأمزجة والطبائع والآراء والأغراض وقصد الصدق والكذب ومع هذا فلا يتصور واقعا فضلا عن كونه يفيد العلم لسامعه. والجواب: أن هذا مكابرة للمحسوس فإنه قد شوهد اتفاق العدد الكثير من الناس على الأخبار بكثير من الأشياء مع اختلاف طبائعهم وتنائي أماكنهم وذلك كاتفاقهم على الإخبار بوجود مكة أو القاهرة أو بغداد أو لندن أو برلين وغيرها من المدن والبلاد التي لم تشاهدها وإنما المعول في ذلك على إخبار العدد الكثير ونحن لا نشك في هذه المدن كما لا نشك في وجود الأنبياء والملوك والعظماء والمدار في ذلك على الأخبار. 2- إن كل واحد يجوز عليه الكذب بتقدير انفراده كما يجوز عليه الصدق فلو امتنع عليه الكذب حالة الاجتماع مع غيره لانقلب الجائز ممتنعا وهو محال. والجواب: أنه لا يلزم في العقل أن ما يكون ثابتا لآحاد المجموع يكون ثابتا له فإنه ما من واحد من معلومات الله سبحانه إلا هو متناه مع أن جملة معلوماته تعالى غير متناهية، والمدعي أن المقطوع بصدقه هو المجموع لأكل واحد ومثال ذلك أيضا في المحسوس الخيط المكون من عدة خيوط فإن له من القوة والمتانة ما ليس لكل خيط على حدة وإنكار ذلك مكابرة. 3- لو جاز أن تخبر جماعة بما يفيد العلم لجاز أن تخبر جماعة أخرى

بنقيض خبرهم فيلزم التناقض في الخبر الواحد وإنه محال كما إذا أخبر جماعة بأن فلان كان في وقت كذا حيا وأخبر جماعة كثيرون آخرون بأنه كان في ذلك الوقت ميتا ولا مرجح لأحدهما على الآخر لكونهما متساويين في الصفات فيلزم اجتماع العلم بحياته وموته في وقت واحد وهو محال فثبت أن التواتر لا يفيد العلم. والجواب: أن هذا فرض محال فإنه متى أخبر جمع توافرت فيه شروط التواتر بشيء فإنه لا يمكن لجمع آخر مساو له في تلك الشروط أن يخبر بما يناقض خبره. 4- لو كان المتواتر مفيدا للعلم لأفاد خبر اليهود وبعض النصارى العلم بقتل عيسى عليه السلام وصلبه واللازم باطل للقطع بوجود عيسى بعد الإخبار بقتله فالملزوم مثله. وأيضا فالقرآن الكريم وهو المتواتر القطعي نفي قصة القتل والصلب قال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} 1 فيلزم التناقض بين الخبرين المتواترين. والجواب: منع تواتر خبر اليهود والنصارى إذ عدد المخبرين بقتله لم يبلغ حد التواتر لا في الطبقة الأولى ولا الوسطى، وشرط التواتر إخبار الكثير عن مثلهم في كل طبقة فاختل شرط التواتر في إخبارهم وكتاب الأناجيل والرسائل المعتمدة لا يبلغ عددهم العدد الكثير الذي لا بد منه في التواتر وأيضا فلم يخبر أحد منهم عن مشاهدة ومن نقل عنه المشاهدة كبعض النساء لا يؤمن عليه الاشتباه بل قال يوحنا في إنجيله: "إن مريم المجدلية وهي أعرف الناس بالمسيح اشتبهت فيه وظننت أنه البستاني" وهذا مصداق قوله تعالى: {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} وإذا انعدم شرط التواتر فلا يكون خبرهم مفيدا للعلم قطعا وإنما هي ظنون لا

_ 1 سورة النساء: 157.

تغني من الحق شيء كما صرح به القرآن الشاهد والمهيمن على الكتب السماوية كلها. والأحرار من رجال الفكر في الغرب على أن هذه الأناجيل كتبت بعد عصر عيسى عليه السلام ولعلك على ذكر مما نقلناه عن ابن حزم فيما سبق من انقطاع أسانيد اليهود والنصارى وعدم اتصالها وقد بين العلامة الشيخ رحمة الله الهندي -رحمه الله- وغيره انقطاع أسانيد هذه الكتب وتناقضها بالدلائل البينات. ثم إن إنجيل برنابا -وقد سلم من التحريف- ينكر قصة الصلب ويوافق القرآن في هذا وأيضا فقد أنكر الصلب من المسيحيين فرق "السيرنثيين" و"التاتيانوسيين" اتباع تاتيانوس وقال: "نونيوس" إنه قرأ كتابا يسمى رحلة الرسل فيه أخبار بطرس ويوحنا، واندراوس، وتوما، وبولس، ومما قرأ فيه: "إن المسيح لم يصلب ولكنه صلب غيره وقد ضحك بذلك من صالبيه", وقد حرمت مجامعهم الأولى قراءة الكتب التي تخالف الأناجيل الأربعة والرسائل التي اعتمدتها فصار أتباعهم يحرقون هذه الكتب ويتلفونها إلا ما سلم منهم كإنجيل "برنابا". والخلاصة: أن أخبار اليهود والنصارى بقتل عيسى وصلبه ليست متواترة ولا تفيد العلم قط.

وجود المتواتر من الأحاديث

وجود المتواتر من الأحاديث: اختلفت أنظار العلماء في هذا الموضوع فادعى ابن حبان ومن تبعه عدم وجود المتواتر من الحديث وقال ابن الصلاح ما خلاصته: "إن مثال المتواتر على التفسير المتقدم يعز -يندر- وجوده إلا أن يدعي ذلك في حديث: "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 1 وذهب

_ 1 مقدمة ابن الصلاح ص226، 227.

العراقي والحافظ ابن حجر وغيرهما من أئمة الحديث إلى وجود المتواتر لفظا أو معنى وجود كثرة وقد رد الحافظ ابن حجر على من قال بالقلة أو العدم فقال: "وما ادعاه -يعني ابن الصلاح- من العزة ممنوع، وكذا ما ادعاه غيره من العدم به؛ لأن ذلك نشأ عن قلة الاطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على الكذب أو يحصل منهم اتفاقا ومن أحسن ما يقرر به كونه المتواتر موجودا وجود كثرة في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا وغربا المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني إلى قائله ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير"1. وقد عد العراقي من الأحاديث المتواترة: أحاديث الحوض وأحاديث الشفاعة، والمسح على الخفين وأحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد، ورفع اليدين في الصلاة للإحرام والركوع والرفع منه؛ وقال: إن ابن حزم قال في "المحلى": إنها متواترة؛ كما ذكر من قال بتواترها من العلماء كالقاضي عياض وابن عبد البر2. وذكر نحو ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح وعد من المتواتر حديث: "من بنى لله مسجدا" والمسح على الخفين، ورفع اليدين في الصلاة، والشفاعة والحوض، ورؤية الله في الآخرة وحديث: "الأئمة من قريش", وغير ذلك والله المستعان" 3. ومن جزم بوجود المتواتر بكثرة الحافظ جلال الدين السيوطي

_ 1 نخبة الفكر وشرحها ص6، 8. 2 شرح العراقي على المقدمة ص231. 3 فتح الباري ج1 ص165.

وألف في ذلك كتابا أسماه "الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" ثم لخصه في كتاب سماه "قطف الأزهار" أورد فيها أحاديث كثيرة منها ما ذكرناه وزاد أحاديث أخرى مثل: "نضر الله امرأ سمع مقالتي" , وحديث: "كل مسكر حرام" , وحديث: "بدأ الإسلام غريبا" وحديث: سؤال منكر ونكير، وحديث: "كل ميسر لما خلق له" , إلى غير ذلك1. وقد ذهب بعض المحققين إلى أن النزاع لفظي: فمن جزم بوجود المتواتر فيما يروي أراد المتواتر المعنوي كما يظهر من الأدلة التي ذكروها: ومن جزم بعدمه أو ندرته أراد المتواتر اللفظي. والذي يظهر لي بعد البحث والنظر في كلام الأئمة واستقراء الأحاديث المتواترة وجود المتواتر اللفظي ولكنه قليل وأن من قال بعدمه لم يصب وأما المتواتر المعنوي فكثير.

_ 1 التدريب ص191.

أمثلة المتواتر

"أمثلة المتواتر": 1- روى البخاري ومسلم وغيرهما بأسانيدهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" فقد رواه الجم الغفير من الصحابة, قيل: أربعون وقيل: اثنان وستون، ولم يزل العدد على التوالي في ازدياد وقد اجتمع على روايته العشرة المبشرون بالجنة ووصل ابن الجوزي بطرقه إلى أزيد من التسعين ووصل بها الحافظ ابن حجر في الفتح إلى مائة إلا أنها ليست كلها صحيحة كما أن بعضها في ذم مطلق الكذب على النبي من غير تقيد بهذا الوعيد الخاص ومهما يكن من شيء فالحديث بهذا اللفظ متواتر ولا ريب1.

_ 1 فتح الباري ج1 ص164، التدريب ص190.

2- روى البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث بأسانيدهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح على الخفين1 قال الحافظ في الفتح2: "وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين منهم العشرة المبشرون بالجنة وفي مصنف ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري: حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين. 3- روى البخاري ومسلم3 وغيرهما بأسانيدهم عن أبي هريرة "أن ناسًا قالوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال: "هل تضارون 4 في رؤية القمر ليلة البدر؟ " قالوا: لا يا رسول الله قال: "هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب" , قالوا: لا يا رسول الله قال: "فإنكم ترونه كذلك ... " الحديث, وقد ذهب إلى تواتره جمع من الحفاظ الثقات النقاد منهم القاضي عياض في الشفاء والحافظ ابن حجر وغيرهما. 4- روى البخاري ومسلم وغيرهما بأسانيدهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء، ومن شرب منه فلا يظمأ أبدًا"5, وقد حكم بتواتره جمع من الحفاظ منهم القاضي عياض والحافظان العراقي وابن حجر والحافظ السيوطي وغيرهم. "فائدة" اشتهر عند بعض الناس أن حديث: "إنما الأعمال بالنيات"

_ 1 صحيح البخاري, كتاب الطهارة, باب المسح على الخفين، صحيح مسلم وشرح النووي ج3 ص164-179. 2 ج1 ص244. 3 فتح الباري ج13 ص358-365، صحيح مسلم بشرح النووي ج3 ص15-34. 4 بضم التاء وتشديد الراء من المضارة، وروي بتخفيف الراء من الضمير. 5 فتح الباري ج11 ص394، 403، صحيح مسلم بشرح النووي ج15 من 53-66.

متواتر وهذا غير صحيح لأنه فقد شرطا من شروط التواتر وهو العدد الكثير في كل طبقة من أوله إلى آخره وهذا الحديث لم يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من طريق عمر -رضي الله عنه- ولم يصح عن عمر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي ولم يصح عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يصح عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وأكثر رواته بعد يحيى هذا حتى قيل: إنه رواه عنه نحو مائتين فهو ليس بمتواتر ولا مشهور وإنما هو حديث فرد غريب صحيح وإنما اشتهر في آخره.

أخبار الآحاد

أخبار الآحاد المشهور من الحديث ... أخبار الآحاد: خبر الواحد: هو ما لم تجتمع فيه شروط المتواتر فيشمل ما رواه واحد في طبقة أو في جميع الطبقات، وما رواه اثنان وما رواه ثلاثة فصاعدا ما لم يصل إلى عدد التواتر. وتنقسم إلى: 1- مشهور. 2- وعزيز. 3- وغريب. المشهور من الحديث: هو ما رواه ثلاثة فصاعدا ولم يصل إلى حد التواتر وهذا هو المراد بالشهرة عند المحدثين سمي بذلك لوضوحه وظهوره وسماه جماعة من الفقهاء: "المستفيض" لانتشاره مأخوذ من فاض الماء يفيض فيضا، ومنهم من غاير بينهما بأن المستفيض يكون في ابتدائه ووسطه وانتهائه سواء والمشهور أعم من ذلك ومنهم من قال بالعكس. والمشهور يكون صحيحا وحسنا وضعيفا على حسب صفات وله والمشهور منه ما هو مشهور بين أهل الحديث خاصة, ومنه ما هو مشهور بين الفقهاء وبين الأصوليين ومنه ما هو مشهور بين المحدثين

وغيرهم من العلماء والعامة. مثال المشهور على الاصطلاح وهو صحيح حديث: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد" , رواه الشيخان ومثل له الحاكم وابن الصلاح بحديث: "إنما الأعمال بالنيات" , وقد بينت الحق فيه وإنه صحيح وليس بمتواتر ولا مشهور ومثال المشهور وهو حسن حديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" , فقد قال المزي: إنه له طرقا يرتقي بها إلى رتبة الحسن ومثاله وهو ضعيف حديث: "الأذنان من الرأس" كما قال الحاكم. ومثال المشهور بين أهل الحديث خاصة حديث أنس "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وعصية" أخرجه الشيخان. ومثال المشهور عند الفقهاء وهو صحيح حديث: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" , صححه الحاكم، ومثاله وهو حسن حديث: "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة" , حسنه الترمذي ومثاله وهو ضعيف حديث: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد", ضعفه حفاظ الحديث. ومثال المشهور عند الأصوليين حديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" , صححه ابن حبان والحاكم بلفظ: "إن الله وضع ... ". ومثال المشهور عند أهل الحديث والعلماء حديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" , فقد رواه في كل طبقة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أكثر من ثلاثة. وقد يطلق المشهور بحسب اللغة على ما اشتهر على الألسنة فيشمل المشهور في الاصطلاح وما ليس له إلا إسنادان وما ليس له إلا إسناد واحد بل يطلق على ما لا يوجد له إسناد أصلا، وهو ما لا أصل له،

وما هو موضوع مكذوب من الأحاديث مثل حديث: "كنت كنزا مخيفا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق ليعرفوني"، وهو موضوع كما قال ابن تيمية وغيره والعجب أن بعض الخاصة يغلط في ذكره زاعما أنه حديث، ومثل: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، ومثل: "ولدت في زمن الملك العادل كسرى"، و"ربيع أمتي العنب والبطيخ"، و"الباذنجان لما أكل له" و"العدس قدس على لسان سبعين نبيا". فكلها باطلة مكذوبة على النبي -صلى الله عليه وسلم1 ومثل: "يوم صومكم يوم نحركم"، و"من بشرني بخروج آذار2 بشرته بالجنة" فقد قال الإمام أحمد: إنهما من الأحاديث التي تدور على ألسنة الناس ولا أصل لها إلى غير ذلك من الأحاديث المشتهرة وهي مختلفة ويغلط في ذكرها العامة وبعض الخاصة وقد بينت الكثير من ذلك في كتابي: "الوضع في الحديث ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين"3, وهو الذي نلت به إجازة العالمية من درجة أستاذ "الدكتوراه". "المؤلفات في الأحاديث المشهورة": جمع العلامة الزركشي بدر الدين "م 794هـ" كتابا سماه "اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة" والحافظ السخاوي كتابا سماه "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" واختصره الشيخ عبد الرحمن بن الديبع الزبيدي في كتاب سماه "تمييز الطلب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث" وللحافظ السيوطي كتاب اللآلئ المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" وللعلامة العجلوني كتاب "كشف الخفا ومزيل الإلباس عما

_ 1 تدريب الراوي ص188، 189. 2 هو شهر مارس. 3 ما زال مخطوطا، وسيطبع إن شاء الله تعالى قريبا, وقد أخذت فصلين منه وأوسعت البحث والقول فيهما فصارا كتابين يرأسهما: 1- دفاع عن السنة. 2- الموضوعات والإسرائيليات في كتب التفسير ولم أسبق إليه.

اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس", وكلها عدا الأول مطبوعة, وبهذه الكتب يسر العلماء -جازاهم الله خيرا- لأهل العلم وغيرهم عرفة درجة كل حديث لا يقعون في الإثم بسبب إشاعة الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكر أحاديث مشهورة وهي موضوعة باطلة أو لا أصل لها أو واهية ساقطة أو ضعيفة شديدة الضعف لا يقوم بها الاحتجاج حتى في فضائل الأعمال كما هو حاصل اليوم بين بعض المتحدثين في الندوات والمحافل أو المؤلفين والكاتبين في المجلات والصحف أو بعض الأئمة والخطباء والوعاظ والمدرسين في المدارس والمعاهد والكليات وإني في هذا المقام أذكر بالحديث الذي ذكرته فيما سبق: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" , وحديث: "من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".

العزيز

العزيز: ما لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين وهكذا وقد يزيد في بعض طبقاته كما عرفه الحافظ ابن حجر، وهذا أحسن وأدق من تعريفه بأنه ما رواه اثنان عن اثنين وهكذا فإن هذا الثاني لا يكاد يوجد. مثاله ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة والشيخان من حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" , فقد رواه من الصحابة أنس وأبو هريرة ورواه عن أنس اثنان: قتادة، وعبد العزيز بن صهيب ورواه عن قتادة اثنان: شعبة، وسعيد، ورواه عن عبد العزيز اثنان: إسماعيل بن علية، وعبد الوارث ورواه عن كل منهما جماعة. قال السخاوي: وسعيد ما يحرر فإني قلدت شيخنا1 فيه، مع عدم وقوفي عليه لعدم الفحص. 3- الغريب: هو الحديث الذي تفرد بروايته راو واحد في كل

_ 1 هو الحافظ ابن حجر.

الطبقات أو بعضها، ومثاله حديث: "إنما الأعمال بالنيات ... " فهو حديث فرد غريب في أوله مستفيض في آخره وهو صحيح ثم الغريب إما أن يقع التفرد به في أصل السند وهو طرفه الذي فيه الصحابة أو لا يكون كذلك بأن يكون التفرد في أثنائه كأن يرويه عن الصحابة أكثر من واحد ثم يتفرد بروايته واحدا وأكثر. فالأول هو الفرد المطلق كحديث: "النهي عن بيع الولاء وهبته"1 تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وقد يتفرد به راو عن ذلك المنفرد كحديث "شعب الإيمان" وهو ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان" , ورواه مسلم بزيادة: "أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" , فقد تفرد به أبو صالح عن أبي هريرة وتفرد به عبد الله بن دينار عن أبي صالح وقد يستمر التفرد في جميع رواته أو أكثرهم وفي مسند البزار، والمعجم الأوسط للطبراني وكذا الصغير أمثلة كثيرة لذلك قال السخاوي: وللدارقطني كتاب "الأفراد" في مائة جزء. والثاني الفرد النسبي: وسمي نسبيا لكون التفرد فيه حصل بالنسبة إلى شخص معين ويقل إطلاق الفرد عليه، لأن الغريب والفرد مترادفان لغة واصطلاحا إلا أن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي وهذا من حيث إطلاق الاسمية عليهما وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون فيقولون في المطلق والنسبي: تفرد به فلان أو أغرب به فلان2 ويدخل

_ 1 وهو ما ورد مرفوعا "الولاء لحمة كلمة النسب: لا يباع ولا يوهب"، واللحمة بضم اللام أي الاختلاط في الولاء كالاختلاط في النسب" والمراد بالولاء ولاء العتيق، والحديث رواه أحمد بن منيع عن ابن عمر. 2 نخبة الفكر وشرحها ص11، 12.

في الغريب ما انفرد راو بروايته أو بزيادة في متنه أو سنده لم يذكرها غيره, ولا يدخل فيه أفراد البلدان كقولهم: تفرد به أهل مكة أو المدينة؛ أو الشام أو مصر إلا أن يقال تفرد به أهل المدينة ويراد تفرد واحد منهم تجوزا. أقسامه: وينقسم الغريب إلى صحيح كأفراد الصحيحين وإلى غير صحيح وهو الغالب على الغرائب قال الإمام أحمد بن حنبل: "لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء", وقال الإمام مالك: "شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس", وقال عبد الرزاق: "كنا نرى أن غريب الحديث خير فإذا هو شر" وقال ابن المبارك: "العلم الذي يجيئك من ها هنا وها هنا يعني المشهور", رواه البيهقي في المدخل وروى عن الزهري قال: "ليس من العلم ما لا يعرف إنما العلم ما عرف وتواطأت عليهم الألسن" إلى غير ذلك. وينقسم أيضا إلى غريب متنا وإسنادا كما إذا انفرد بمتنه راو واحد وإلى غريب إسنادا لا متنا كحديث روى متنه جماعة من الصحابة انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر وفيه يقول الترمذي: غريب من هذا الوجه ولا يوجد غريب متنا لا إسنادا إلا إذا اشتهر الحديث الفرد في آخره فيكون غريبا متنا لا إسنادا بالنسبة إلى طرفه المشهور الأخير كحديث: "إنما الأعمال بالنيات" , وقد تقدم تحقيقه1.

_ 1 التدريب ص191.

تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله

تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله مدخل ... "تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله": قسم علماء الحديث الحديث من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام: المرفوع، والموقوف، والمقطوع. "المرفوع": 1- عرفه جمهور المحدثين بأنه ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة خِلقية أو خُلقية وسواء أكان متصلا أم منقطعا أم مرسلا، وإذا أطلق المرفوع لا ينصرف إلا إلى المضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم. 2- وعرفه الخطيب البغدادي فقال: هو ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله أو فعله أو تقريره أو صفته وعلى تعريف الخطيب لا يكون المرفوع مرسلا وهو ما سقط من سنده الصحابي. "الموقوف": هو ما روي عن الصحابة -رضوان الله عليهم- من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم متصلا كان إسناده أو منقطعا, وإذا ذكر الموقوف من غير تقييد أريد به الموقوف على الصحابي, أما استعماله في غير الصحابي فلا يكون إلا مقيدا فيقال مثلا وقفه مالك عن نافع أو هذا موقوف على الزهري، ونافع والزهري تابعيان. ومن العلماء من لا يدخل التقرير في الموقوف، لأن تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة بخلاف تقرير الصحابي فليس بحجة. وأما فقهاء خراسان فيسمون الموقف أثرا قال أبو القاسم الفوراني

منهم: "الخبر ما كان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأثر: ما كان عن الصحابي، وهو اصطلاح خاص لهم، ومن ثم يسمى كثير من العلماء الكتب الجامعة لما جاء عن النبي وما جاء عن الصحابة "السنن والآثار" ككتابي البيهقي والطحاوي. "المقطوع": هو ما جاء عن التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم وأفعالهم وألحق الحافظ ابن حجر في شرح النخبة بالمقطوع الموقوف على من بعد التابعين من اتباع التابعين فمن بعدهم وإن شئت قلت: موقوف على فلان. وجمهور المحدثين والفقهاء إن المقطوع غير المنقطع فالأول من صفات المتن والثاني من صفات الإسناد وربما وقع في كلام بعض العلماء إطلاق المقطوع على المنقطع وبالعكس ومن هؤلاء الشافعي والحميدي والدارقطني والطبراني وهو تجوز وتوسع في الاصطلاح1 وإن كان يعتذر عن الإمام الشافعي بأن استعماله قبل استقرار الاصطلاح كقوله في بعض الأحاديث حسن وهو على شرط الشيخين2 أي صحيح في غاية الصحة.

_ 1 شرح النخبة ص48 ومقدمة ابن الصلاح ص51. 2 التدريب ص65.

مظان الموقوف والمقطوع

"مظان الموقوف والمقطوع": نجد هذين النوعين كثيرا في مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق وتفاسير ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وغيرهم. "اشتراك هذه الثلاثة في الصحيح والحسن والضعيف": وهذه الأقسام الثلاثة تشترك في الصحة والحسن والضعف فما اجتمع

فيه شروط الصحة منها فهو صحيح وما رواه اجتمع فيه شروط الحسن فهو حسن وما فقد شرط من شروط الصحيح والحسن فهو ضعيف. أما ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحيحا كان أم حسنا فهو حجة ويجب العمل به باتفاق من يعتد به من العلماء. وأما ما ثبت عن الصحابة صحيحا كان أم حسنا فإن أجمعوا عليه كان إجماعا وحجة، وأما ما اختلفوا فيه فالجمهور على أنه حجة ويتخير منه ما كان أقرب إلى القرآن والسنة وخالف في حجيته البعض1. وأما ما ثبت عن التابعين ففيه خلاف من الأئمة من احتج به ومنهم من لم يحتج، ومما ذكرناه تبين سبب اعتناء بعض جامعي الأحاديث بجمع الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين. وذكر صاحب "قواعد التحديث"2 الموقوف والمقطوع من الأنواع التي تختص بالضعيف وهو غير صحيح ولا أعلم له سلفا في هذا وقد خرج الإمام البخاري بعض الآثار الموقوفة والمقطوعة في تراجم صحيحه لا في أصل كتابه تعليقا ومنها ما هو صحيح ومنها ما ليس بصحيح كما ستعلم ذلك فيما بعد.

_ 1 انظر في هذا الفصل القيم الذي كتبه ابن القيم في "إعلان الموقعين" ج4 ص102 وما بعدها. 2 ص130 ط ثانية.

ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع

"ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع": وهنا مسائل يحسن ذكرها هنا لنبين حكمها وما يتعلق بها. "الأولى" قول الصحابي كنا نقول كذا أو نفعل كذا ما حكمه؟ إن لم يضفه إلى زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو موقوف عند جمهور المحدثين والفقهاء والأصوليين، وقال الحاكم والرازي والآمدي وغيرهم: إنه مرفوع ومثاله

قول عائشة رضي الله عنها، "كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه" وما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله قال: "كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا". وأن أضيف إلى زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه مرفوع؛ لأن الظاهر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اطلع على ذلك وقررهم عليه لتوفر دواعيهم على سؤاله -صلى الله عليه وسلم- وتقريره أحد وجوه السنن المعروفة، ومن أمثلة ذلك قول جابر: "كنا نعزل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم", رواه الشيخان. وقوله: "كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم"1, رواه النسائي وابن ماجه وخالف في هذا أبو بكر الإسماعيلي فقال: إنه موقوف، وهو بعيد جدا والصحيح الأول وقال آخرون: إن كان هذا مما لا يخفى غالبا فمرفوع وإلا فموقوف، فإن كان فيه تصريح باطلاعه -صلى الله عليه وسلم- فمرفوع إجماعا مثل قول ابن عمر: "كنا نقول ورسول الله حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره" رواه الطبراني في المعجم الكبير والحديث في الصحيح بدون ذكر التصريح المذكور، ومن المرفوع أيضا اتفاقا الأحاديث التي فيها ذكر صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحو ذلك. أما قول الصحابي: كنا لا نرى بأسا بكذا ورسول الله فينا، أو في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو كانوا يقولون كذا في عهده أو كانوا يفعلون كذا في حياته فكل هذا وأمثاله له حكم المرفوع، ومن المرفوع قول المغيرة بن شعبة: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرعون بابه بالأظافير", رواه البيهقي في المدخل قال ابن الصلاح: بل هو أحرى بأن يكون رسول الله اطلع عليه وأقرهم عليه. وأما قول التابعي: كنا نفعل كذا فليس بمرفوع قطعا، ثم إن لم

_ 1 هذا وما قبله مثالان للتقرير حكما.

يضفه إلى زمن الصحابة فمقطوع وإن أضاف ففي احتمالان: الوقف وعدمه وجه الأول: أن الظاهر اطلاعهم على ذلك وتقريرهم عليه ووجه الثاني: أن تقرير الصحابي قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم. "الثانية" قول الصحابي: أمرنا بكذا ومثل له السيوطي في التدريب بقول أم عطية رضي الله عنها: "أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور1، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين" أخرجه الشيخان، وقوله: نهينا عن كذا كقولها أيضا "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا" رواه الشيخان وقوله: من السنة كذا كقول علي: "من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة", رواه أبو داود من رواية ابن داسه وابن الأعرابي، وقوله: أمر فلان بكذا كقول أنس: "أمر بلال أن يشفع الآذان ويوتر الإقامة", رواه الشيخان فكل هذا وما أشبهه مرفوع حكما على الصحيح الذي قاله الجمهور لأن ذلك بظاهر ينصرف إلى من له الأمر والنهي ومن يجب اتباع سنته وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولا فرق بين قول الصحابي ما تقدم في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بعده. وخالف أبو بكر الإسماعيلي في هذا أيضا فقال: ليس بمرفوع لاحتمال أن يكون الآمر غيره كأمر القرآن أو بعض الخلفاء، أو يريد سنة غيره وأجيب عنه بأن هذا بعيد والأصل في الآمر والناهي والسنة هو الأول. ويدل على أن قول الصحابي من السنة كذا يريدون سنة النبي ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم أن

_ 1 العواتق: جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو الكريمة على أهلها، الخدور جمع خدر وهو: ستر في ناحية البيت تقعد البكر وراءه وهذا لفظ مسلم، ورواه البخاري "أمرنا" بالبناء للمجهول، وأما رواية مسلم في "أمرنا" و"أمر" بالبناء للمعلوم من غير ذكر الفاعل، فهي أدل على الرفع.

الحجاج بن يوسف عام نزل بابن الزبير رضي الله عنهما سأل عبد الله رضي الله عنه كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم: إن كنت تريد السنة فهجر1 بالصلاة يوم عرفة فقال عبد الله بن عمر: صدق إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة فقال ابن شهاب لسالم أفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ فقال سالم: وهل يتبعون2 في ذلك إلا سنته؟ وفي رواية "يبتغون" قال السيوطي: "فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة أنهم كانوا إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم. وأما قول بعضهم إن كان مرفوعا فلم لا يقولون فيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجوابه: "أنهم تركوا الجزم بذلك تورعا واحتياطا" وروى البخاري أيضا عن سالم أنه قال للحجاج: إن كنت تريد السنة فأقصر الخطبة وعجل الوقوف فجعل الحجاج ينظر إلى أبيه عبد الله بن عمر فقال له: صدق قال ابن عبد البر تعليقا على هذه الرواية: هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن المراد بالسنة سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها كسنة العمرين، قال الحافظ ابن حجر: وهي مسألة خلاف عند أهل الحديث والأصول وجمهورهم على ما قال ابن عبد البر وهي طريقة البخاري ومسلم ويقويه قول سالم لابن شهاب إذ قال له: أفعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ فقال: وهل يتبعون في ذلك إلا سنته وهي القصة التي ذكرناها قبل. ومن هذا قول أبي قلابة عن أنس: "من السنة إذا تزوج البكر على

_ 1 يعني عجل في الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم في الهاجرة وهي شدة الحر. 2 هكذا وردت الرواية في صحيح البخاري, كتاب الحج, باب الجمع بين الصلاتين بعرفة. قال البخاري في الفتح: وفي رواية: يبتغون وذكر السيوطي في التدريب تبعا للحافظ في شرح النخبة رواية البخاري بلفظ: "وهل يعنون بذلك إلا سنته" ولم أقف على هذه الرواية بهذا اللفظ فلعلهما ذكراها بالمعنى، انظر التدريب ص63، وشرح التحفة ص44 وهذه إحدى المسائل لم أجد من نبه عليها من قبل.

الثيب أقام عندها سبعا" أخرجه الشيخان قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أي لو قلت لم أكذب، لأنه قوله من السنة كذا هذا معناه لكن إيراده بالصيغة التي ذكرها الصحابي أولى. وبعض العلماء خصص الخلاف بغير الصديق رضي الله تعالى عنه أما هو فإن ذلك فمرفوع بلا خلاف ومثل قوله من السنة كذا قول ابن عباس في متعة الحج: "سنة أبي القاسم" وقول عمرو بن العاص في عدة أم الولد: "لا تلبسوا علينا سنة نبينا" رواه أبو داود، وقول عمر -رضي الله عنه- في المسح: "أصبت السنة" صححه الدارقطني في سنته وأقربها إلى الرفع سنة أبي القاسم ويليها سنة نبينا ويلي ذلك أصبت السنة. أما قول التابعي: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا فجزم أبو نصر ابن الصباغ في كتاب "العدة" في أصول الفقه أنه مرسل، وحكي وجهين فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب أيكون حجة: أم لا؟ وذكر الغزالي في "المستصفى" فيه احتمالين من غير ترجيح أيكون موقوفا أم مرفوعا مرسلا؟ وأما إذا قال التابعي: من السنة كذا كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: "السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات" رواه البيهقي في سننه أهو مرسل مرفوع أم موقوف متصل؟ فيه وجهان لأصحاب الإمام الشافعي حكاهما النووي في شرح مسلم وشرح "المهذب" وشرح "الوسيط" وقال: "الصحيح أنه موقوف" وحكى الداودي في شرح مختصر المزني: أن الشافعي -رضي الله عنه- كان يرى في القديم أن ذلك مرفوع ثم رجع عنه في الجديد لأنهم قد يطلقونه ويريدون به سنة البلد1. "الثالثة" قول الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات فيما

_ 1 شرح العراقي على مقدمة ابن الصلاح ص54.

لا يقال بالرأي ولا مجال للاجتهاد فيه ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح كلمة غريبة له حكم المرفوع وذلك كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص وإنما كان له حكم المرفوع لأن إخباره بذلك يقتضي مخبرا له وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفا للقائل به، ولا موقف للصحابة إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة كأهل الكتاب الذي أسلموا, وقد احترزنا عن الثاني فلم يبق مخبرا وموقفا إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن أمثلته قول ابن مسعود رضي الله عنه: "من أتى ساحرا أو كاهنا 1 فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم" رواه أبو يعلى والبزار. ومن ذلك قول الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل في أسباب التنزيل ونحوه مما لا يمكن أن يؤخذ إلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا مدخل للاجتهاد فيه ومثل له ابن الصلاح بما روي عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} رواه مسلم أي على أي حالة شئتم. فأما تفاسير الصحابة فيما للرأي فيه مجال ولم يرفعوها إلى رسول الله فهي موقوفة عليهم ومثل ذلك تفسير الصحابي الذي عرف بالأخذ عن أهل الكتاب فيما لا مجال للرأي فيه فهو موقوف أيضا ومن هنا يتبين لنا أن الإسرائيليات التي رواه بعض الصحابة في تفسير قصص الأنبياء أو أسرار الوجود، وبدء الخلق مثلا، ولا توافق عقلا

_ 1 البحر: تمائم وتعاويذ يتوصل بها إلى التأثير في الأبدان والأرواح والإفساد بين الناس والكهانة: الإخبار بالمغيبات عن طريق استخدام الجن وقد يكون هذا وذاك شعوذة وتدجيلا على الناس.

ولا نقلا صحيحا, محال أن يكونوا تلقوها عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من معارف أهل الكتاب الذين أخذوها عن شروح التوراة والكتب القديمة التي دخلا الكثير من الزيف والتحريف، وقد نقلها بعض الصحابة عنهم إما على سبيل العظة والذكرى وإما على سبيل الغرابة والاستنكار لها أو التنبيه إلى شناعتها وكذبها لا أنهم صدقوا ذلك أو استجازوا نسبته إلى المعصوم -صلى الله عليه وسلم، وحاشاهم أن يظن بهم ذلك. وألحق الحافظ ابن حجر في شرح النخبة بقول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه فعل الصحابي ما لا مجال للرأي فيه فينزل على أن ذلك عنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومثل له بقول الشافعي رضي الله عنه في صلاة سيدنا عليٍّ في صلاة الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين1 وهو مثال المرفوع من الفعل حكما. "الرابعة" من المرفوع اتفاقا ما ورد بصيغة الكناية في موضع الصيغ الصريحة في نسبة الحديث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كالأحاديث التي يقال في إسناده عند ذكر الصحابي يرفع الحديث أو رفعه أو مرفوعا كحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي" رفع الحديث, رواه البخاري، أو يبلغ به مثل حديث الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به: "الناس تبع لقريش" رواه الشيخان، أو ينميه2 مثل الحديث الذي رواه مالك في الموطأ عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: "كان الناس

_ 1 قال الشيخ على القاري في شرح شرح النخبة: لعل هذا قول في مذهبه وإلا فالمشهور من مذهبه وهو قول مالك وأحمد في كل ركعة ركوعان وعن أبي حنيفة ركوع واحد ثم قال: ولعل معناه أن الشافعي حمل فعل عليٍّ على أنه في حكم المرفوع ثم رجح غيره من الأدلة المقتصرة على ركوعين على فعله كرم الله وجهه. 2 فمن ينمي بفتح الياء وسكون النون وكسر الميم قال الجوهري: نميت الأمر أو الحديث إلى غيري إذا أسندته ورفعته.

يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة" قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك. أو يرويه أو رواية أو رواه: مثل حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رواية: "الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب" , رواه البخاري في كتاب اللباس قال ابن الصلاح: "وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صراحة", وإنما اكتفوا بالكناية بدل التصريح إما لكونه رواه بالمعنى أو مختصرا أو لغير ذلك من الأغراض. وقال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: وقد يقتصرن -أي المحدثون- على القول مع حذف القائل اختصارا بناء على الوضوح ويريدون بالقائل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومثل ذلك بحديث ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال1: "تقاتلون قوما صغار الأعين" ... الحديث2, والمراد بهم الترك, وقال الخطيب: إنه اصطلاح خاص بأهل البصرة ومنهم ابن سيرين روي عنه أنه قال: كل شيء حدثت به عن أبي هريرة فهو مرفوع. أما قول الراوي عن التابعي: يرفع الحديث أو يبلغ به ونحوهما فهو مرفوع ولكنه مرفوع مرسل لسقوط الصحابي منه. "فائدة" قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: ولم يذكروا ما حكم ذلك لو قيل عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: وقد ظفرت لذلك بمثال في مسند البزار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه أي عن ربه عز وجل فهو حينئذ من الأحاديث القدسية. أقول: أما ورود تصريح النبي بالرواية عن ربه فقد وردت في كثير

_ 1 فاعل قال الأولى أبو هريرة، وفاعل الثانية النبي -صلى الله عليه وسلم- وحذف لوضوح العلم به. والحديث أخرجه البخاري. 2 شرح شرح النخبة لعلي القاري ص170 ط استانبول.

من الأحاديث الصحيحة القدسية وعقد لذلك الإمام البخاري بابا في كتاب التوحيد فقال: "باب ذكر النبي ورواياته عن ربه" وذكر في هذا الباب أحاديث منها: ما رواه بسنده عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربه قال: "إذا تقرب العبد إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة" ومنها: ما رواه بسنده عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربكم قال: "لكل عمل كفارة، والصوم لي، وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" , وهذه الأحاديث وأمثالها مما يرويها النبي عن ربه صراحة أو كناية تعرف بالأحاديث القدسية.

الحديث القدسي

الحديث القدسي مدخل ... "الحديث القدسي": وبمناسبة هذه الفائدة التي ذكر الإمام الحافظ ابن حجر أرى لزاما عليّ بيان ما يتعلق بالحديث القدسي فأقول وبالله التوفيق. الحديث القدسي، ويقال له أيضا: "الحديث الإلهي" ويقال له أيضا: "الحديث الرباني". وهذا المركب الوصفي مكون من كلمتين "الحديث" و"القدسي" أما الحديث فقد سبق تعريفه أول الكتاب، ولكن ليس هذا بمراد هنا قطعا وإنما المراد به ما رفعه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله تبارك وتعالى وسمي حديثا لشبهه بالحديث النبوي في كون كل منهما مروي بالسند إلى قائله وذلك لو قلنا: إن لفظه من الله تبارك وتعالى، وإن قلنا: إن لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- فتسميته حديثا ظاهر. و"القدسي" نسبة إلى القدس وهو الطهر. وقد جاءت هذه الكلمة في القرآن الكريم وصفا لجبريل عليه السلام

قال عز شأنه: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} 1 وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدس أي المطهر، وهو الروح الأمين في قوله عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 2، وجبريل هو الأمين على وحي الله إلى أنبيائه ورسله. قال في "القاموس المحيط" مادة "القدس" ج2 ص239: "القدس بالضم يعني ضم القاف, وبضمتين الطهر اسم، ومصدر والبيت المقدس، وجبريل، كروح القدس ... والقدوس -يعني بضم القاف- من أسماء الله تعالى، ويفتح -يعني أوله- أي الطاهر أو المبارك، وكل فعول مفتوح -أي أوله- غير قدوس وسبوح وذروح، وفروج فبالضم، ويفتحن ... والتقديس: التطهير، ومن الأرض المقدسة، وبيت المقدس كمجلس، ومعظم، وكمحدث: الراهب، وتقدس: تطهر". فمن هذا النص نرى أن مادة القدس وما تصرف تدور على معنى الطهر ووصف الحديث بالقدسي لأن الأحاديث القدسية تدور معانيها على تقديس الله وتنزيه ذاته العلية عن النقائص وما لا يليق به سبحانه، وعلى تقديس صفاته والحديث القدسي قد يكون باعتبار سنده إما صحيحا، وإما حسنا، وإما ضعيفا ولذلك كان ذكره "في تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله، أنسب وأولى فهو مثل المرفوع، والموقوف، والمقطوع في كونها تشترك جميعا في الصحة أو الحسن أو الضعف. "أقوال العلماء في الحديث القدسي": اختلف العلماء في الحديث القدسي: أهو بلفظه ومعناه من الله تبارك وتعالى أم هو لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعناه بوحي من الله تعالى؟

_ 1 النحل: 102. 2 سورة الشعراء: 193-195.

القول الأول

القول الأول: فذهب كثير من العلماء إلى أن لفظه ومعناه من الله تعالى وأنه أوحى به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأي طريق من طرق الوحي وغالبا ما يكون بغير الوحي الجلي1 إما بمكالمة أو إلهام، أو قذف في القلب، أو في المنام، وعلى هذا يكون الفرق بينه وبين الحديث النبوي ظاهر ذلك أن هذا لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- وذاك لفظه من عند الله تبارك وتعالى وعلى هذا أيضا يكون موافقا للقرآن الكريم من حيث كونه كل منهما نزل بلفظه على النبي -صلى الله عليه وسلم، وأن كلا منهما بوحي من الله تبارك وتعالى. ويكون الفرق بينه وبين القرآن الكريم من هذه الوجوه: 1- أن القرآن الكريم كله موحى به عن طريق الوحي الجلي وهو جبريل عليه السلام وهذا أمر يكاد يكون مجمعا عليه بين العلماء ومن أراد يقينا في هذا فليرجع إلى كتابي "المدخل لدراسة القرآن"2 أما الأحاديث القدسية فهي موحى بها بطريق الوحي الغير الجلي ولم أقف على ما يدل على وقوع بعضه بوحي جلي وإن كان جائزا. 2- إن القرآن الكريم معجز بلفظه ومعناه، ولا كذلك الأحاديث القدسية وهذا أمر ظاهر لا يخفى على البلغاء، وعلى كل ذي ملكة في الأدب والبيان. 3- أن الصلاة لا تصح: إلا بالقرآن الكريم أما الحديث القدسي فلا تجوز به الصلاة. 4- أن القرآن الكريم متعبد بتلاوته ففي الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعًا: "من قرأ حرفا 3 من القرآن فله بكل حرف عشر

_ 1 الوحي المجلى: ما كان بوساطة جبريل، وما عدا ذلك فيسمى بالوحي الخفي وهذا تقسيم الأصوليين. 2 ص61-63. 3 المراد بالحرف هنا حرف الهجاء بدليل بقية الحديث.

حسنات، لا أقول: {الم} حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" وأما الأحاديث القدسية فلا يتعبد بتلاوتها. 5- أن القرآن الكريم كله منقول بالتواتر المفيد للقطع واليقين في نسبته إلى الله تبارك وتعالى، أما الأحاديث القدسية فليست كذلك، ولا أعلم حديثا قدسيا متواترا. 6- أن القرآن الكريم مكتوب كله في المصاحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس، ولا كذلك الأحاديث القدسية ويكفر من زاد متعمدا في القرآن حديثا قدسيا. 7- أن القرآن الكريم لا يجوز مسه للمحدث بغير حائل، ويحرم على الجنب1 قراءته وكذا الحائض والنفساء بخلاف الأحاديث القدسية. 8- أن القرآن لا تجوز قراءته إلا باللفظ النازل من عند الله، ولا تجوز قراءته بالمعنى بخلاف الأحاديث القدسية فيجوز روايتها بالمعنى بشروطها. 9- أن القرآن لا يجوز إطلاقه شرعا إلا على المنزل على نبينا -صلى الله عليه وسلم- أما الأحاديث القدسية فلا يجوز أن يطلق عليها اسم القرآن قط. فإن سألني سائل: لم لم يكتف بالقرآن الكريم عن الأحاديث القدسية؟ والجواب: أن الله تبارك وتعالى أراد أن يبين أن بعض كلامه معجز وهو القرآن الكريم وبعضه غير معجز وهو الأحاديث القدسية، ألا ترى أن التوراة والإنجيل المنزلين من عند الله ليسا بمعجزين وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان.

_ 1 هو المحدث حدثا أكبر كالمباشرة لامرأته أو المحتلم.

القول الثاني

"القول الثاني": وهو ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الحديث القدسي لفظه من عند النبي -صلى الله عليه وسلم، ومعناه هو الذي أوحي به من الله تبارك وتعالى. وعلى هذا يكون الفرق بينه وبين الحديث النبوي: أن معنى الحديث النبوي قد يكون بالوحي وقد يكون بالاجتهاد، والذي عليه المحققون من العلماء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يجتهد لكنه لا يقر على الخطأ بل لا بد أن ينزل الوحي من الله مصوبا ومنبها. وإذا اجتهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وسكت عن اجتهاده الوحي كان ذلك بمثابة الموحى به، وأما الحديث القدسي ففيه التنصيص على أنه بوحي من الله وبكون الفرق بينه وبين القرآن الكريم حينئذ هي الفروق التسعة التي ذكرناها في القول الأول من باب أولى. ونزيد هنا فرقا عاشرا: وهو أن القرآن الكريم لفظه من عند الله قطعا، وأما الحديث القدسي فلفظه من عند النبي -صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

أمثلة للأحاديث القدسية

أمثلة للأحاديث القدسية: الأحاديث القدسية كثيرة، ومن العلماء من بلغ بها إلى نحو مائة أو تزيد، ومنهم من وصل إلى أكثر من ضعف ذلك وإليك بعض الأمثلة في هذا: 1- ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربه قال: "إذا تقرب العبد إلي شبرا 1 تقربت إليه ذراعا 2 وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا 3 وإذا

_ 1 الشبر: ما بين طرفي الخنصر والإبهام من يد الإنسان. 2 الذراع: من أطراف أصابع اليد إلى المرفق. 3 الباع: ما بين أطراف أصابع اليد اليمنى، وأطراف أصابع اليد اليسرى.

أتاني يمشي أتيته هرولة" 1, ورواه مسلم من ضمن حديث. 2- وما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربكم قال: "لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزى به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" , والحديث رواه مسلم أيضا. 3- ما رواه البخاري ومسلم في صحيحها بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه قال: "لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه" 2 ولفظ مسلم: "أنا خير ... ". 4- وروى البخاري ومسلم في صحيحهما3 بسنديهما عن زيد بن خالد الجهني قال: "صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية4 في إثر سماء5 كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "تدرون ماذا قال ربكم؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، كافر بالكواكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب". 5- وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي ذر الغفاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت

_ 1 الهرولة: الإسراع في المشي مع تقارب الخطا وهز الكتفين. 2 صحيح البخاري, كتاب التوحيد, باب ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وروايته عن ربه وانظر صحيح مسلم, كتاب الفضائل, باب ذكر يونس عليه السلام. 3 صحيح البخاري كتاب الصلاة باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، وكتاب الاستسقاء, باب: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ} . وصحيح مسلم, كتاب الإيمان, باب كفر من قال: مطرنا بالنوء. 4 الحديبية: موضع بالقرب من مكة قيل: خارج الحرم وقيل: داخله. 5 أي مطر.

الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني1 أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم, وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط2، إذا دخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها3، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه"4. 6- وروى البخاري ومسلم5 في صحيحهما بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ 6 ذكرته في ملأ هم خير منهم، وإن تقرب إليّ شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".

_ 1 السين والتاء للطلب أي اطلبوا مني الهداية أهدكم، وكذلك السين والتاء في كل ما يأتي للطلب. 2 الإبرة الملساء. 3 أي ثوابها. 4 صحيح مسلم, كتاب البر والصلة والأدب, باب تحريم الظلم. 5 البخاري, كتاب التوحيد, باب "تعلم ما في نفسي ... ". ومسلم, كتاب الذكر والدعاء, باب فضل الذكر والدعاء. 6 الملأ: أشراف القوم ورؤسائهم.

طريقة رواية الحديث القدسي

"طريقة رواية الحديث القدسي": للعلماء في طريقة الحديث القدسي طريقتان: الأولى: أن يقول الراوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه قال ... ، أو يقول", أو يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى ... إلخ, أو يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربه قال ... " إلخ, أو "يرويه عن ربكم قال ... " وأمثلة ذلك قد سبقت هذه طريقة السلف. الثانية: أنه يقول: قال الله تعالى فيما يرويه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهذه طريقة الخلف والطريقة الأولى أولى لما فيها من موافقة الألفاظ الواردة في الأحاديث القدسية كما سمعت آنفا.

المؤلفات في الأحاديث القدسية

المؤلفات في الأحاديث القدسية: قلت: إن الأحاديث القدسية كانت مبثوثة في كتب الأحاديث والسنن في ثنايا الأحاديث النبوية، من غير تمييز بينها وبين غيرها من الأحاديث النبوية إلا في صيغة الأداء ولو أردت الاستقصاء لذكرت من الأمثلة أكثر مما ذكرت في الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها وإليك بعض المؤلفات في هذا. 1- ممن ألف في الأحاديث القدسية الشيخ محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي، الطائي، الأندلسي، المرسي نسبة إلى بلده "مرسية" من بلاد الأندلس لكونه ولد بها ثم المكي ثم الدمشقي المتوفى سنة ثمان وثلاثين وستمائة وقد ضمن مؤلفه الأحاديث القدسية المروية عن الله تبارك وتعالى بأسانيدها فجاءت مائة حديث وحديثا واحدا قدسية وسمى كتابه "مشكاة

الأنوار فيما روي عن الله سبحانه وتعالى من الأخبار". 2- وممن ألف في هذا أيضا العلامة المحدث الشيخ عبد الرءوف المناوي المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف، والمناوي بضم الميم نسبة إلى منية بن الخصيب وسمى كتابه "الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية" ذكر فيه ما وقف عليه من الأحاديث القدسية المروية عن خير البرية مرتبا له على حروف المعجم، ولكن لم يذكر الإسناد كما فعل ابن عربي وقد جمع فيه اثنين وسبعين ومائتي حديث1.

_ 1 الرسالة المستطرفة لسياق كتب السنة المشرفة للكتاني ص61.

المتصل أو الموصول

"المتصل" أو "الموصول": تعريفه: هو ما اتصل إسناده مرفوعا كان أو موقوفا على من كان، وعلى هذا يشمل المرفوع والموقوف والمقطوع ولا يجامع المنقطع والمعضل والمرسل والمعلق, مثال ذلك حديث رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كذا, فهذا متصل مرفوع فإن لم يذكر النبي واقتصر في السند على ابن عمر فهو متصل موقوف فإن لم يذكر ابن عمر واقتصر على نافع فهو متصل مقطوع وعلى هذا جرى الإمام النووي وتبعه ابن جماعة1. وأما ابن الصلاح فقصره على المرفوع والموقوف على الصحابي وأوضحه العراقي فقال: وأما قول التابعين إذا اتصلت الأسانيد إليهم فلا يسمونها متصلة في حالة الإطلاق أما مع التقييد فجائز وواقع في كلامهم كقولهم: هذا متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى الزهري والنكتة في ذلك أنها تسمى مقاطيع، فإطلاق المتصل عليها كالوصف للشيء

_ 1 هو الإمام بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الكتاني المتوفى سنة 733هـ, وهو من اختصر "علوم الحديث" لابن الصلاح، وسماه: "المنهل الروي في الحديث النبوي".

الواحد بمتضادين لغة1. أقول: الراجح الأول، والأمر ليس أمر لغة وإنما هو أمر اصطلاح.

_ 1 تدريب الراوي ص60، 61.

المسند

"المسنَد": اختلف العلماء في تعريفه على أقوال ثلاثة: 1- قال الحاكم أبو عبد الله: هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يطلق إلا على المرفوع المتصل وهو الأصح في تعريفه وبه جزم الحافظ ابن حجر في "النخبة". 2- وقال الخطيب البغدادي: هو ما اتصل إسناده إلى منتهاه، فشمل المرفوع والموقوف والمقطوع وتبعه ابن الصباغ في كتاب "العدة" ولكن أكثر ما يستعمل فيما جاء عن النبي دون غيره وعلى هذا يكون تعريفه أعم من تعريف الحاكم. 3- وقال ابن عبد البر في التمهيد: هو المروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء أكان متصلا أم منقطعا، مثال الأول: مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا متصل. ومثال الثاني: مالك عن الزهري عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس فبينه وبين التعريف الأول عموم وخصوص مطلق1 فيجتمعان في المرفوع المتصل وينفرد هذا في المرفوع المنقطع، وبينه وبين التعريف الثاني عموم وخصوص وجهي2 فيجتمعان في الحديث المرفوع المتصل وينفرد الثاني في الموقوف والمقطوع سواء أكان متصلين أم منقطعين، وينفرد هذا في المرفوع المنقطع.

_ 1 الشيئان اللذان بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في شيء وينفرد الأعم منهما. 2 يعني يجتمعان في شيء وينفرد كل منهما في شيء.

أقسام الحديث من حيث القبول والرد

أقسام الحديث من حيث القبول والرد مدخل ... "أقسام الحديث من حيث القبول والرد": ينقسم الحديث من حيث القبول والرد أو بمعنى آخر من حيث الصحة والحسن والضعف إلى أقسام ثلاثة: 1- الصحيح. 2- والحسن. 3- والضعيف. وهذا التقسيم هو الذي نوه به الإمام الترمذي في سننه وعليه استقر اصطلاح المحدثين المتأخرين قال الإمام الخطابي في خطبة كتابه "معالم السنن شرح السنن": "واعلم أن الحديث عند أهله ينقسم إلى حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم"1 ... وعليه مشى ابن الصلاح وغيره في كتبهم. وأما المتقدمون فقد كان أكثرهم يقسم الحديث إلى قسمين: 1- صحيح. 2- وضعيف. أما الحسن فذكر بعض العلماء وهو الإمام ابن الصلاح أنهم كانوا يدرجونه في قسم الصحيح لمشاركته له في الاحتجاج به. وذكر الإمام تقي الدين أحمد بن تيمية أنهم كانوا يدرجونه في قسم الضعيف ويجعلون الضعيف قسمين: قسما يحتج به وهو الحسن، وقسما لا يحتج به وهو الضعيف المتروك2 قال في كتابه "منهاج السنة": "أما نحن فقولنا الحديث الضعيف خير من الرأي ليس المراد الضعيف المتروك، بل المراد به الحسن كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث إبراهيم الهجري وأمثالهما مما يحسن الترمذي حديثه أو يصححه وكان الحديث في اصطلاح من قبل الترمذي إما صحيح وإما ضعيف، والضعيف: إما ضعيف متروك، وإما ضعيف ليس بمتروك، فتكلم أئمة

_ 1 "معالم السنن" شرح السنن لأبي داود السجستاني. 2 توجيه النظر إلى علوم الأثر ص68.

الحديث بذلك، فجاء من لا يعرف إلا اصطلاح الترمذي فسمع قول بعض الأئمة: "الحديث الضعيف أحب إلي من القياس" فظن أنه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح وهو في ذلك من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى منه بالرجحان ... ". والذي يظهر لي وينقدح في ذهني أن ما كانوا يدرجونه في الصحيح هو الحسن لذاته ولعل هذا مراد ابن الصلاح، وأن ما كانوا يدرجونه في الضعيف هو الحسن لغيره وعليه يحمل كلام ابن تيمية وسيتبين لك ذلك جليا عند ذكر تعريف الحسن بقسميه وحمل ابن الصلاح تعريف الترمذي على تعريف الحسن لغيره.

الحديث الصحيح

الحديث الصحيح مدخل ... "الحديث الصحيح": تعريفه: هو الحديث المسند الذي اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون حديثا شاذا ولا معللا. وإنما قلنا: إلى منتهاه ليشمل الحديث الصحيح المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- والمروي عن الصحابي وهو الموقوف والمروي عن التابعين وهو المقطوع ومن هذا التعريف تبين لنا أن شروط الصحيح خمسة: 1- اتصال السند. 2- عدالة الرواة. 3- الضبط. 4- عدم الشذوذ. 5- عدم العلة. ولنأخذ في شرح هذه الشروط لتكون على بينة من التعريف. 1- معنى اتصال السند: أن يكون كل راو سمع ما رواه من الذي فوقه مباشرة بحيث لا يكون هنا راو محذوف ويخرج بهذا الشرط: 1- المنقطع. 2- والمعضل. 3- والمعلق. 4- والمرسل. فأما المنقطع: فهو ما سقط من سنده راو في موضع أو مواضع.

وأما المعضل: فهو ما سقط من سنده راويان فأكثر مع التوالي. وأما المعلق: فهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر، وهذا في غير تعاليق البخاري ومسلم التي هي بصيغة الجزم فإن لها حكم الاتصال. وأما المرسل: فهو ما رواه التابعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدون ذكر الصحابي. 2- "العدالة" 1: العدالة: ملكة2 تحمل على ملازمة التقوى والمروءة. والتقوى: هي امتثال المأمورات واجتناب المنهيات من كفر أو فسق أو بدعة وذلك بأن لا يفعل كبيرة ولا يضر على صغيرة. والمروءة: هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على التحلي بمحاسن الأخلاق وجميل العادات, والذي يخل بالمروءة قسمان: 1- الصغائر الدالة على الخسة كسرقة لقمة أو شيء حقير مثلًا. 2- المباحات التي تورث الاحتقار وتذهب الكرامة كالبول في الطريق، وفرط المزاح الخارج عن حد الأدب والاعتدال إلى غير ذلك من الأمور التي يكون المرجع فيها إلى العادة والعرف, وهما يختلفان باختلاف الأزمان والبيئات فقد يكون الشيء مخلا بالمروءة في عصر أو بيئة ولا يكون مخلا في عصر أو بيئة أخرى. ألا ترى أن العلماء قديما جعلوا المشي عاري الرأس مخلا بالمروءة مع أن في زماننا هذا لا يعتبر ولو اعتبرناه مخلا لربما يتعذر وجود عدل

_ 1 العدالة: مصدر عدل بضم الدال. يقال: عدل فلان عدالة وعدولة فهو عدل أي مرضي في الشهادة والرواية والعدل يطلق على الواحد وغيره وتجوز فيه المطابقة وعدمها, وأما العدل ضد الجور فمصدر عدل من باب ضرب فهو عادل. 2 الملكة: هي الكيفية الراسخة من الصفات النفسانية فإن لم تكن راسخة فهي الحال.

يقوم بالشهادة وكذلك اعتبروا الأكل في الطريق مخلا بالمروءة مع أنه في زماننا هذا يكاد يكون أمرا عاديا عند كثير من الناس، نعم قد يكون هذان الأمران وما شابههما مما يخل بالمروءة لدى بعض الطوائف حتى في عصرنا هذا كالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء. والمراد بالعدالة: العدالة التامة الكاملة أما الناقصة القاصرة فلا يكتفى فيها في الحكم بالصحة والمراد من العدل عند المحدثين عدل الرواية وهو المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة أو المسلمة المتصفة بذلك, فيدخل فيه الذكر والأنثى والحر والعبد والمبصر والكفيف, والمحدود في قذف إذا تاب عند الجمهور وأما عدل الشهادة فإن أئمة الفقه يشترطون فيها شروطا أكثر من ذلك كالحرية والعدد، والإبصار، والذكورة في بعض الأمور كالحدود، وقد سبق تفصيل القول في الفرق بين عدل الرواية وعدل الشهادة في فصل شروط الراوي في الإسلام. "دقة نظر المحدثين في العدالة": وقد كان المحدثون على حق في عدم اشتراطهم في الرواية الذكورة، والحرية, والإبصار، والعدد لأن الكثير من الأحاديث حملت عن أمهات المؤمنين وغيرهم من النساء كأم سليم، وأم عطية والكثير منها روي عن الموالي كزيد بن حارثة وعكرمة مولى ابن عباس ونافع مولى ابن عمر وعن الأكفاء1 كعبد الله بن أم مكتوم والكثير منها روي من طريق واحد في الصحيحين وغيرهما ممن التزموا تخريج الصحيح فلو اشترطوا ذلك لتعطل كثير من الأحاديث التي رواها هؤلاء ولضاع الكثير من الأحكام والآداب.

_ 1 الأكفاء بفتح الهمزة، وكسر الكاف وفتح الفاء المشددة جمع كفيف وأما الأكفاء فهو جمع كفء وهو النظير والمثيل وبعض الناس حتى من المتعلمين يغلطون فيضعون إحداهما موضع الآخر فكن أيها الطالب الفطن على بينة من هذا.

وبشرط العدالة خرج عن التعريف الفاسق، والمستور: وهو من لم تتحقق عدالته ولا جرحه1 والمجهول عينا كحدثنا رجل أو حالا كحدثنا علي بن فلان من غير أن يعرف عنه أكثر من ذلك وهذا يسمى: مجهول الحال. 3- "الضبط": وهو قسمان: 1- ضبط صدر. 2- ضبط كتاب. فالأول: هو أن يحفظ ما سمعه من شيخه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء من حين سماعه إلى حين أدائه وروايته. والثاني: هو محافظته على كتابه، وصيانته عن أن يتطرف إليه تغيير ما من حين سماعه فيه وتصحيحه إلى أن يؤدي منه ويروي، ولا يعيره إلا لمن يثق فيه ويتأكد من أنه لا يغير فيه والمراد بالضبط: الضبط التام منه فلا تقبل رواية سيئ الحفظ ولا المغفل الذي يكثر غلطه كأن يرفع الموقوف، ويصل المرسل، ويصحف الرواة فإنه حديثه لا يكون صحيحا. 4- "عدم الشذوذ": الشاذ: هو ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه وسيأتي تحقيق القول فيه في "أقسام الحديث الضعيف". 5- عدم العلة: العلة: هي الأمر القادح في الحديث سواء أكانت هذه العلة جلية ظاهرة كالإرسال الظاهر وهو أن يروي عمن عرف عند الناس عدم

_ 1 شرح شرح النخبة لعلي بن سلطان القارئ ص71 وهو قول السخاوي، وقال النووي: المستور من لم تعرف عدالته الباطنية مع كونه عدل الظاهر "التدريب ص310".

اجتماعه به، ولم يسمع منه شيئا أم خفية غامضة كالإرسال الخفي وهو أنه يروي عمن عاصره بلفظ عن ولم يسمع منه شيئا, وبعض العلماء يقيد العلة القادحة بالخفية وليس معنى هذا أن الظاهرة لا تقدح في صحة الحديث ولكنها تخرج بشرط الاتصال. فالحديث الذي اجتمعت فيه هذه الشروط التي وضحناها لك هو الحديث الصحيح. "دقة نظر المحدثين في الحكم بالصحة": وإنما حكم المحدثون على الحديث الذي توفرت فيه هذه الشروط بالصحة؛ لأن السند إذا كان متصلا أمنا من أن يكون هناك محذوف يكون منه الكذب أو الغلط وإذا كان الرواة للحديث عدولا ضابطين يغلب على الظن صدقهم, ويترجح عدم خطئهم ونسيانهم، ويكون احتمال الكذب أو الغلط احتمالا بعيدا لأنه يبعد جدا من رجل مستقيم على الشريعة استقامة تامة ورجل ذي مروءة أن يكذب ولا سيما على النبي -صلى الله عليه وسلم. وكذلك يستبعد جدا من راو تام الضبط أن يغلط فيما يروي أو ينسى ما حفظ فإذا انضم إلى ذلك عدم وجود مخالف له أقوى منه وعدم وجود علة قادحة ترجح عند الناقد الفاحص ترجحا قويا صدق نسبته إلى قائله سواء أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم كان صحابيا أم كان تابعيا ويكون احتمال عدم صدق نسبته إلى قائله في غاية البعد.

أقسام الحديث الصحيح

أقسام الحديث الصحيح: ينقسم الحديث الصحيح إلى قسمين: 1- صحيح لذاته: وهو ما اشتمل من الصفات المذكورة في تعريف الصحيح على أعلاها. 2- صحيح لغيره: وهو ما قصر عن الدرجة العليا في بعض الشروط كالضبط لكن انجبر ذلك القصور بتعدد الطرق فإن لم ينجبر بتعدد الطرف فهو الحديث الحسن لذاته, فالصحيح لغيره أصله حسن لذاته ثم ارتقى بتعدد الطرق إلى الصحيح لغيره.

حكم الحديث الصحيح

"حكم الحديث الصحيح": حكم الحديث الصحيح أنه مقبول، وحجة ويجب العمل به. ووجوب العمل بخبر الواحد الصحيح هو مذهب العلماء قديما وحديثا خلافا للمعتزلة والرافضة وأشباههم فإنهم أنكروا وجوب العمل بخبر الآحاد وقولهم باطل؛ لإجماع الصحابة والتابعين على وجوب العمل بأخبار الآحاد بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد العدل الضابط، وعملهم به في الوقائع المختلفة. وقد تكرر ذلك وشاع، وذاع فيما بينهم من غير نكير ولا معارضة. ولو أنكر أحد عليهم لنقل ذلك إلينا وأنى هو؟ وهذا يوجب العلم العادي باتفاقهم وإجماعهم كالقول الصريح. وليس أدل على ذلك من أن الصحابة لما أخبرهم بتحويل القبلة إلى الكعبة، وهم يصلون إلى بيت المقدس, واحد منهم ثقة عملوا بقوله وأقرهم النبي على ذلك، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما أرسل رسله إلى الملوك والأمراء لتبليغ رسالة الإسلام ودعوتهم إلى الإيمان كانوا آحادا، وكذلك لما وجه ولاته ورسله إلى الآفاق والقبائل ليعلموا الناس دينهم ويبلغونهم القرآن وسنة نبيهم كانوا آحادا إلى غير ذلك، فقبول خبر الواحد العدل ووجوب العمل به معلوم بالتواتر1 المفيد للقطع.

_ 1 المراد بالتواتر المعنوي.

فوائد مهمة تتعلق بالصحيح

"فوائد مهمة تتعلق بالصحيح": الفائدة الأولى: يتفاوت الصحيح في القوة بحسب تفاوته في الأوصاف المقتضية للتصحيح فما يكون في الدرجة العليا من العدالة، والضبط، وسائر الصفات المعتبرة في التصحيح يكون أصح ممن دونه، وعبارات أئمة الجرح والتعديل تنم عن تفاوت الرواة في الصفات ألا تراهم يقولون في الراوي: "ثقة" فإذا أرادوا درجة أعلى قالوا: "ثقة ثقة"، فإذا أرادوا درجة أعلى قالوا: "أوثق الناس". ولأجل تفاوت الصحيح بتفاوت أوصاف رواته رتب أئمة الحديث الأحاديث الصحاح كما يأتي: 1- صحيح اتفق عليه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما. 2- صحيح انفرد به الإمام البخاري في صحيحه. 3- صحيح انفرد بروايته الإمام مسلم في صحيحه. 4- صحيح على شرطهما ولم يخرجاه في صحيحيهما. 5- صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه في صحيحه. 6- صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه في صحيحه. 7- صحيح خرجه غيرهما في كتابه وليس على شرطهما ولا على شرط واحد منهما1, وذلك مثل الأحاديث التي خرجها الإمام أحمد في مسنده وأصحاب السنن الأربعة وحكموا عليها بالصحة والأحاديث التي خرجها ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في مستدركه.

_ 1 مما ينبغي أن يعلم أن هذا الحديث إنما هو باعتبار الغالب والكثير، وإلا فقد يعرض للمفوق ما يجعله فائقا كما لو كان الحديث عند مسلم مثلا لكن احتفت به قرائن يفيد بها العلم فإنه يقدم على الحديث الذي يخرجه البخاري ولم تحتف به هذه القرائن، وكما لو كان الحديث الذي لم يخرجاه إسناد وصف بكونه أصح الأسانيد, كمالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه يقدم على ما انفرد به أحدهما مثلا.

قد رتب الأئمة الثلاثة الأواخر فقالوا: إن تصحيح ابن خزيمة أعلى من تصحيح ابن حبان وتصحيح ابن حبان أعلى من تصحيح الحاكم1. وقال بعض العلماء: كان ينبغي أن يجعل في الدرجة الأولى الصحيح الذي اتفق عليه أصحاب الكتب الستة وهو رأي سديد وكلام وجيه.

_ 1 الحاكم متساهل في التصحيح فالأولى أن يتتبع ما انفرد بالحكم عليه بالصحة وينقد ويحكم عليه بما يليق بحاله من الصحة أو الحسن أو الضعف.

الفائدة الثانية

الفائدة الثانية: هل يحكم لإسناد بأنه أصح الأسانيد؟ ولأجل تفاوت درجات الرواة بحسب تفاوتهم في الأوصاف المقتضية للتصحيح ذهب بعض الأئمة إلى الحكم على إسناد بعينه بأنه أصح الأسانيد، وقد اختلفت عباراتهم في هذا، وإليك بعضها: 1- قال الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه: أصح الأسانيد الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه. 2- وقال علي بن المديني والفلاس1: أصحها محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني عن علي. 3- وقال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر وهو ما يعرف عند المحدثين بالسلسلة الذهبية. ولما كان الشافعي أجل من روى عن مالك, زاد بعضهم في هذه السلسلة الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر. ولما كان الإمام أحمد بن حنبل أجل من روى عن الشافعي زاد بعضهم: أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر. والتحقيق أنه لا يطلق على إسناد بأنه أصح الأسانيد مطلقا، وهذا هو المختار، وذلك لأن تفاوت مراتب الصحة متوقف على تمكن الإسناد

_ 1 الفلاس بفتح الفاء وتشديد اللام نسبة إلى بيع الفلوس وتقال له: الصيرفي، وهو عمرو بن علي بن علي بن بحر البصري, سكن بغداد وتوفي في سنة تسع وأربعين ومائتين.

من شروط الصحة ويعزُّ وجود أعلى درجات القبول في كل فرد من رجال السند المحكوم له بالأصحية بالنسبة لجميع الرواة الموجودين في عصره؛ لأن هذا يقتضي الاستقراء التام لجميع أحوال الرواة، ويبعد وجود سند هكذا1. والأولى أن يقيد ذلك بالصحابي أو بالبلد، فيقال مثلا: أصح أسانيد أبي بكر -رضي الله عنه- إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر. وأصح أسانيد عمر: الزهري عن سالم عن أبيه عن أبيه عمر. وأصح أسانيد ابن عمر: مالك عن نافع عن ابن عمر. وأصح أسانيد المكيين: سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله. وأصح أسانيد المدنيين: إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان عن أبي هريرة. وأصح أسانيد المصريين: الليث بن سعيد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر, وهكذا وقد أكثر العلماء في هذا الباب فمن أراد استيعابا فليرجع إلى "التدريب"2.

_ 1 نخبة الفكر يشرحها بحث أصح الأسانيد. 2 التدريب من ص34-37.

الفائدة الثالثة

الفائدة الثالثة: "هل يجوز التصحيح والتحسين لأهل العصور المتأخرة؟ ". ذهب ابن الصلاح إلى أنه قد تعذر في هذه الأعصار -عصره وعصر من جاء بعده- الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد النظر في الأسانيد، ومنع بناء على هذا من الجزم بصحة حديث لم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصا على صحته في شيء من المصنفات المعتمدة في الحديث كبقية الكتب الستة وما شاكلها. وقد خالف ابن الصلاح الإمام النووي -رحمه الله تعالى- فقال: "والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته". وما رجحه النووي هو مذهب جمهور المحدثين كما قال العراقي في شرحه على مقدمة ابن الصلاح وقد ذكر العراقي أن جماعة من المعاصرين لابن الصلاح، ومن جاءوا بعده قد صححوا أحاديث لم يسبقوا إلى تصحيحها. وقال يظهر أن ابن الصلاح ذهب إلى ذلك بناء على القول بمنع الاجتهاد في الفقه فكما حظر بعضهم الاجتهاد في الأحكام أراد ابن الصلاح أن يمنع الاجتهاد في الحديث بالتصحيح والتحسين والتضعيف. والحق أن باب الاجتهاد في الأحكام الشرعية لا يزال مفتوحا لمن استكمل أدوات الاجتهاد وصار أهلا له وسد باب الاجتهاد لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة.

الفائدة الرابعة

الفائدة الرابعة: كانت طريقة التأليف في القرن الثاني الهجري أن تجمع الأحاديث المرفوعة ممزوجة بأقوال الصحابة والتابعين كما فعل الإمام مالك المتوفى سنة 179هـ في الموطأ وكتابه من أجل كتب الحديث وأصحها فيما روي فيه من الأحاديث المتصلة المسندة المرفوعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي نهاية القرن الثاني نهج بعض الأئمة في جمع الأحاديث طريقة أخرى, فأخذوا يفردون بالتأليف أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاصة وذلك كما فعل أصحاب المسانيد كمسند "الإمام أحمد بن حنبل", وكذلك فعل الذين ألفوا على الأبواب, ثم من هؤلاء من جمع في كتابه الصحيح المجرد, وذلك كما فعل الشيخان: البخاري ومسلم، ومنهم من جمع في كتابه الصحيح وغيره وذلك كالإمام أحمد في "مسنده" وكأصحاب السنن

الأربعة: أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه1. "أول من ألف في الصحيح المجرد": وأول من ألف في الصحيح المجرد عن غيره الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المولود سنة 194هـ, والمتوفى سنة 256هـ. وتلاه في هذا العمل تلميذه وصاحبه الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري المولود سنة 205هـ, والمتوفى سنة 261هـ, ثم ترسم طريقتهما كثيرون من أئمة الحديث. "منزلة كتابيهما" وكتاباهما أصح الكتب وأوثقها بعد كتاب الله سبحانه وهو القرآن الكريم وأن من اطلع على شروط البخاري ومسلم وما أخذوا به نفسيهما من مراعاة التحري والتحوط في إخراج الصحيح وما كانا عليه من سعة الحفظ، وتفوق النظر، والبصر بنقد الرجال ومعرفة العلل؛ ليجزم بأن كتابيهما أصح كتب الحديث قاطبة. ولا يخالف ما ذكرنا ما روي عن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- أنه قال: "لا أعلم كتابا في الأرض أكثر صوابا من كتاب مالك" لأنه قال هذه المقالة قبل وجود الصحيحين، وقد كانت هناك كتب كثيرة مصنفة في ذلك الوقت في الأحاديث والسنن لابن جريج، وابن إسحاق غير السيرة، ومصنف عبد الرزاق والصنعاني وغيرها، ولكن كان موطأ الإمام مالك أجلها، وأعظمها نفعا.

_ 1 كتب المسانيد أقل رتبة من كتب الصحاح والسنن الثلاثة الأول؛ لأن عادة أصحاب المسانيد أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون محتجا به فلذلك تأخرت مرتبتها -وإن جلت لجلالة مؤلفيها- عن الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب.

"الموازنة بين الصحيحين": اتفق العلماء على أن الصحيحين أصح كتب الحديث قاطبة, ولكنهم اختلفوا: أيهما أصح؟ فالذي ذهب إليه جمهور العلماء أن صحيح البخاري أصح الكتابين وأكثرهما فوائد وذهب أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم إلى ترجيح صحيح مسلم على صحيح البخاري, روي عنه أنه قال: "ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم"1, وقد وافقه على رأيه بعض علماء المغرب. والتحقيق أنهم إن أرادوا ترجيح صحيح مسلم فيما يرجع إلى حسن البيان والسياق للأحاديث وجودة الوضع والترتيب بسرد الروايات التي هي في موضوع واحد في مكان واحد, فهذا مسلم بل هو مما امتاز به صحيح مسلم على صحيح البخاري. وإن أرادوا غير هذا، وأن الترجيح يرجع إلى شروط الصحة فالحق مع الجمهور؛ وذلك لأن الصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب البخاري أتم منها في كتاب مسلم وأسد، وشرطه فيها أقوى وأشد. وإليك بيان ذلك: 1- أما رجحانه من حيث اتصال السند "فلأن البخاري اشترط في

_ 1 لا يقال: إن عبارة أبي علي النيسابوري لا تدل على أرجحية كتاب مسلم على كتاب البخاري؛ لأن غاية ما تفيده نفي وجود كتاب أصح من كتاب مسلم وهذا لا يدل على نفي المساواة فلا تكون مقالة أبي علي نصا في الأرجحية؛ لأنا نقول ما ذكره هذا القائل إنما هو بحسب الوضع اللغوي أما بحسب العرف اللغوي فلا وقد صرح أئمة البلاغة بأن هذا التركيب يقصد به نفي الأفضلية ونفي المساواة أيضا؛ لأنه المتبادر من الكلام وعلى هذا فتكون عبارة أبي علي دالة على أرجحية كتاب مسلم على غيره.

الإسناد المعنعن1: أن يعاصر الراوي من روى عنه، وأن يثبت لقاؤه به ولو مرة. أما مسلم فاكتفى في المعنعن بمطلق المعاصرة مع إمكان اللقي, ولم يشترط اللقي بالفعل. 2- وأما رجحانه من جهة العدالة والضبط فلأن الرجال الذين تكلم فيهم من صحيح مسلم أكثر من الرجال الذين تكلم فيهم من صحيح البخاري. وبيانه أن الرجال الذين انفرد بهم البخاري أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلا والمتكلم فيهم منهم نحو من ثمانين رجلا وأما الذي انفرد بهم مسلم ستمائة وعشرون رجلا والمتكلم فيهم منهم مائة وستون رجلا. وليس من شك في أن الرواية عمن لم يتكلم فيهم أصلا أولى من الرواية عمن تكلم فيه وإن لم يكن ذلك الكلام قادحا. 3- وأما رجحانه من حيث عدم الشذوذ والعلة؛ فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عددا مما انتقد على مسلم, فإن الأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مائتي حديث وعشرة اختص البخاري منها بثمانية وسبعين، واشتركا في اثنين وثلاثين حديثا، وانفرد مسلم بالباقي وهو مائة. 4- هذا إلى اتفاق العلماء على أن البخاري كان أجل من مسلم في العلوم وأعرف بصناعة الحديث منه وأن مسلما تلميذه، وخريجه، ولم يزل مسلم يستفيد العلوم منه ويتتبع آثاره وطريقته في الجمع والتحقيق حتى قال الإمام الدارقطني: لولا البخاري لما

_ 1 هو الذي روى فيه الراوي عن غيره بلفظ "عن" والمعنعن مصدر صناعي مأخوذ من قول الراوي عن غيره "عن ... عن ... ".

راح مسلم ولا جاء1. "هل استوعب البخاري ومسلم كل الصحيح؟ ": لم يستوعب البخاري ومسلم في صحيحهما كل الأحاديث الصحيحة, ولا التزما إخراج كل الصحاح، وإنما أخرجا من الصحيح ما هو على شرطهما، وليس أدل على ذلك من مقالتهما روي عن البخاري أنه قال: "ما وضعت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح مخافة الطول" وقال مسلم في صحيحه: "ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه"2. ويدل على ذلك أيضا أنهما قد صححا أحاديث ليست في كتابيهما، وأن الترمذي وغيره كثيرا ما ينقل عن البخاري تصحيح أحاديث ليست في الصحيح، وإنما هي في السنن وغيرها. وأيضا فإننا لو تصفحنا كتب الحديث المعتمدة غير الصحيحين نجد فيهما أحاديث كثيرة صحيحة وليست في واحد من الصحيحين، فمسند الإمام أحمد فيه أحاديث كثيرة ليست في الصحيحين وفي كتب الأحاديث التي التزمت الصحة كصحيح ابن خزيمة و"المختارة" للمقدسي أحاديث ليست في الصحيحين ولا أحدهما. ومن ثم نرى أن ما قاله الحافظ أبو عبد الله ابن الأخرم3: "قل ما يفوت البخاري ومسلما من الأحاديث الصحيحة" قول غير دقيق ويخالف الواقع الملموس.

_ 1 نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص31 ط العاصمة. 2 هذا قاله بحسب ظنه وإلا فقد انتقد عليه الحفاظ النقاد بعض أحاديث ذكرها في صحيحه، وقيل: مراده إجماع أربعة من العلماء: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور. 3 هو شيخ الحاكم أبي عبد الله، واسمه: محمد بن يعقوب بن الأخرم المتوفى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.

وإليك ما قاله الحافظ الناقد ابن كثير: "وقد خرجت كتب كثيرة على الصحيحين يؤخذ منها زيادات مفيدة ... وكتب أخرى التزم أصحابها صحتها كابن خزيمة ... وكذلك يوجد في "مسند أحمد" من الأسانيد والمتون شيء كثير مما يوازي كثيرا من أحاديث مسلم بل والبخاري وليست عندهما ولا عند أحدهما ... وكذلك يوجد في معجمي الطبراني: الكبير والأوسط، ومسندي أبي يعلى البزار وغير ذلك من المسانيد، والمعاجم، والفوائد، والأجزاء ما يتمكن منه المتبحر في هذا الشأن من الحكم بصحة كثير من بعد النظر في حال رواته وسلامته من التعليل المفسد1. وإليكم تقويم كتاب "المستدرك". "المستدرك للحاكم أبي عبد الله": معنى الاستدراك: هو أن يتتبع إمام من الأئمة إماما آخر في أحاديث فاتته ولم يذكرها في كتابه، وهي على شرطه، أخرج عن رواتها في كتابه أو عن مثلهم فيحصي المستدرِك -بكسر الراء- هذه الأحاديث المتروكة ويذكرها في كتاب يسمى: "المستدرَك" -بفتح الراء- غالبا أو ما في هذا المعنى. مؤلف المستدرَك: ومؤلفه هو الإمام الحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي المعروف بابن البَيِّع2 وبالحاكم. كان أبوه من كبار العلماء وقد رأى مسلما صاحب الصحيح، وفي أجداده علماء كعيسى بن عبد الرحمن الضبي وإليه نسب3, وإبراهيم

_ 1 اختصار علوم الحديث ص26-29. 2 بفتح الياء الموحدة وكسر الياء المشددة، ولقب بالحاكم لتوليه القضاء فقد كان جامعا بين الحفظ والفقه. 3 لأن جدته هي سبطة عيسى هذا، ووالدة عيسى هي "مثوبة" بنت إبراهيم بن طهمان المذكور.

ابن طهمان الفقيه فهو من بيت عرف بالدين والعلم؟ ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وقد لقي الشيوخ الكثيرون حتى روي أنه سمع بخراسان من ألف شيخ، وسمع بغيرها من نحو ألف شيخ أيضا منهم أبوه، والدارقطني, وروى عنه الكثيرون منهم الدارقطني وابن أبي الفوارس -وهما من شيوخه- وأبو ذر الهروي، وأبو يعلي الخليلي، وأبو بكر البيهقي, وغيرهم. وبعد حياة حافلة بالحفظ وجمع الحديث والتأليف توفي سنة خمس وأربعمائة. ثناء الأئمة عليه: وقد حظي بثناء كثير من علماء الحديث وأئمته، ولم يطعن أحد في عدالته وضبطه، وكل ما أخذ عليه أنه شيعي، وغالى بعضهم فزعم أنه رافضي, وقد دافع عن الحاكم الإمام الذهبي في "تذكرته"1, فقال: "أما انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأما أمر الشيخين2 فمعظم لهما بكل حال فهو شيعي لا رافضي وليته لم يصنف "المستدرَك" فإنه غض من فضائله بسوء تصرفه، ومن أراد زيادة في هذا فليرجع إلى كتابي "أعلام المحدثين"3. مؤلفاته: كثيرة حتى قيل: إنها تقرب من ألف جزء4 وأشهرها: 1- "المستدرك على الصحيحين" وهو مطبوع. 2- "معرفة علوم الحديث" وهو مطبوع. 3- كتاب "الإكليل".

_ 1 ج2 ص233. 2 هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. 3 ص326. 4 الجزء في حجم الكراسة.

4- المدخل إلى علم الصحيح وغيرها. والذي يعنينا الكلام عليه هو المستدرَك. "المستدرك في الميزان": قد أودع الحاكم أبو عبد الله فيه ما ليس في الصحيحين مما هو على شرطهما، أو على شرط أحدهما، وزاد قسما ثانيا, وهو ما أداه اجتهاده إلى تصحيحه, وإن لم يكن على شرط واحد منهما، وربما أودع فيه ما لم يصح منبها على ذلك وقد اختلف العلماء في الأحاديث التي استدركها الحاكم على الصحيحين, وهل هي كذلك في الواقع ونفس الأمر؟ فأنكر أبو سعد الماليني1 أنه يوجد في "المستدرك" حديث على شرط الشيخين قال الذهبي: وهذا غلو وإسراف. وقال ابن الصلاح في "علومه": إن الحاكم استدرك عليها -أي الصحيحين- أحاديث كثيرة، وإن كان في بعضها مقال -أي انتقاد عليه فيها- إلا أنه يصفو له شيء كثير، وقد نازعه ابن كثير في "مختصره" قائلا: إن ما يصفوا له من ذلك قليل لا كثير. وللإمام الذهبي في "المستدرك" مقالة إنصاف وتحقيق، قال: "في المستدرك جملة وافرة على شرطهما أو شرط أحدهما، ولعل ذلك نحو نصف الكتاب، وفيه نحو الربع مما صح عنده، وفيه بعض الشيء، وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير واهيات لا تصح، وفي بعض ذلك موضوعات". وكلام الذهبي كلام خبير، فقد لخص كتاب المستدرك، ووافق مؤلفه في كثير مما حكم به وخالفه في البعض، وأبان ما في الكتاب من ضعيف أو

_ 1 نسبة إلى مالين بفتح الميم وكسر اللام قرى مجتمعة من أعمال هراة, وهو أحمد بن محمد الأنصاري المتوفى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.

موضوع، وجمع جزءا من الأحاديث الموضوعة فيه فبلغت مائة حديث، وعلى المستدل بشيء من أحاديثه أن يتجنب الموضوع، والمنكر، والواهي. وقد انتقد العلماء الحاكم في "مستدركه" بتخريج أحاديث يزعم أنها على شرطهما, أو على شرط أحدهما, وليست كذلك مبينين وجهة النقد. 1- قال ابن كثير في "الباعث الحثيث": إنه -أي الحاكم- يلزمهما بإخراج أحاديث لا تلزمهما لضعف رواتها عندهما، أو لتعليلهما ذلك، فالقول بأنها على شرطهما، أو شرط أحدهما غير صحيح". 2- وقال الحافظ الكبير ابن حجر: "وراء ذلك كله أن يرى بإسناد ملفق من رجالهما, كسِمَاك1 عن عكرمة عن ابن عباس، فسماك على شرط مسلم، وعكرمة انفرد به البخاري، فالقول بأن مثل هذا على شرطهما غلط. وأدق من هذا أن يرويا عن أناس ثقات ضعفوا في أناس مخصوصين من غير حديث الذين ضعفوا فيهم، فيجيء عنهم حديث من طريق من ضعفوا فيهم برجال كلهم في الكتابين أو أحدهما فنسبته أنه على شرط من خرج له غلط, كأن يقال: هشيم عن الزهري، كل من هشيم والزهري أخرجا له فهو على شرطهما، فيقال: ليس على شرط واحد منهما؛ لأنهما إنما أخرجا عن هشيم من غير حديث الزهري فإنه ضعيف فيه؛ لأنه كان دخل إليه فأخذ عنه عشرين حديثا، فلقيه صاحب له، وهو راجع فسأله رؤيتها، وكان ثم ريح شديدة فذهبت بالأوراق من يد الرجل، فصار هشيم يحدث بما علق منها بذهنه ولم يكن أتقن حفظها، فوهم -أي

_ 1 سماك: بكسر أوله، وتخفيف الميم ابن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي أبو المغيرة، صدوق يخطئ، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة, وقد تغير بأخرة, فكان ربما يلقن من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين ومائة.

غلط- في أشياء منها، ضعف في الزهري لسببها، وكذا همام ضعف في ابن جريج مع أن كلا منهما أخرجا له, لكن لم يخرجا له عن ابن جريج، فعلى من يعزو إلى شرطهما، أو شرط واحد منهما أن يسوق ذلك السند بنسق من رواية من نسب إلى شرطه، ولو في موضع من كتابه، وكذا قال ابن الصلاح في شرح مسلم: من حكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في صحيحه بأنه من شرط الصحيح فقد غفل وأخطأ، بل ذلك متوقف على النظر في كيفية رواية مسلم عنه وعلى أي وجه اعتمد". وأن الباحث ليأخذه الدهش من وقوع هذه الموضوعات والواهيات والمنكرات في المستدرك، ومؤلفه من الحفاظ والكبار. وقد أفصح عن السر في ذلك الحافظ ابن حجر, فقال: "إنما وقع للحاكم التساهل؛ لأنه سود الكتاب لتنقيحه فأعجلته المنية وقد وجدت قريب نصف الجزء الثاني من تجزئه ستة من المستدرك: "إلى هنا انتهى إملاء الحاكم" وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ إلا بطريق الإجازة, والتساهل في القدر المملي قليل جدا بالنسبة إلى ما بعده". ويقال: إن السبب في ذلك أنه صنف المستدرك في أواخر حياته, وقد أدركته غفلة"1 أقول ولا مانع من توارد السببين. تصحيح الحاكم: وقد اختلف العلماء في حكم ما انفرد الحاكم بتصحيحه، فمن العلماء من قبل تصحيحه مطلقا، ومنهم من قال: إنه متساهل. قال العلامة ابن الصلاح: إنه واسع الخطر في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن يتوسط في أمره، فما لم نجد فيه تصحيحا لغيره, فإن لم يكن صحيحا, فهو حسن يحتج به إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه".

_ 1 تدريب الراوي ص51، 52.

أقول: وهذا الذي ذهب إليه مبني على مذهبه في انتفاء التصحيح والتضعيف في الأعصار المتأخرة، وقد خالفه في هذا الإمام النووي والجمهور. والحق -كما قال الإمام بدر الدين بن جماعة- أنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الصحة أو الحسن أو الضعف والله أعلم. "التعريف ببعض كتب الصحاح": 1- "صحيح ابن حبان": مؤلفه هو الإمام الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي1 المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. وكان ابن حبان كثير الارتحال للقاء الشيوخ, وجمع الأحاديث حتى قيل: إنه كتب عن أكثر من ألفي شيخ، وكان من شيوخه أبو عبد الرحمن النسائي وأبو بكر بن خزيمة الذي وصف بإمام الأئمة وأبو يعلى الموصلي وكثيرون غيرهم. ومن تلاميذه الحاكم أبو عبد الله وأبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون الزوزني، ومنصور بن عبد الله الخالدي وغيرهم كثيرون. وكان إلى علمه بالحديث حتى عدد من الحفاظ, عالما أيضا بالطب، والفلك، والفلسفة، وغيرها من العلوم, فمن ثم انحرف عليه بعض العلماء، وجرحوه، وطعنوا فيه برقة الدين، قال أبو إسماعيل الهروي: سألت عنه يحيى بن عمار فقال: نحن أخرجناه من سجستان كان له كبير علم، ولم يكن له كبير دين. والحق أني لست مع من جرحوه لاشتغاله بهذه العلوم بينما نجد أئمة آخرين قد عدلوه وأثنوا عليه منهم الحاكم أبو عبيد الله

_ 1 نسبة إلى بست -بضم الباء الموحدة- بلد بسجستان.

قال: "كان ابن حبان من أوعية العلم في الفقه، واللغة، والحديث، والوعظ ومن عقلاء الرجال", وقال الخطيب البغدادي: "كان ثقة نبيلا فهما"1. مؤلفاته: وله مؤلفات أجلها "المسند الصحيح" والظاهر إنه المعروف بكتاب "التقاسيم والأنواع" وقد نهج فيه منهجا آخر مغايرا لمناهج المحدثين في التأليف، قسمه على خمسة أقسام: 1- على الأوامر. 2- والنوهي. 3- والأخبار. 4- والإباحات. 5- وأفعال النبي -صلى الله عليه وسلم. ونوع كل قسم منها إلى أنواع، والكشف على الحديث عنده عسر جدا، لأنه غير مرتب على الأبواب ولا المسانيد. وقد رتبه على الأبواب بعض العلماء المتأخرين وهو الأمير علاء الدين أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله الفارسي الحنفي النحوي المتوفى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة, وسمى ترتيبه: "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان", وجرد أبو الحسن الهيثمي زوائده على الصحيحين في مجلد. منزلة صحيح ابن حبان: وقد نسب العلامة أبو عمرو بن الصلاح؛ لابن حبان تساهله في التصحيح فقال في مقدمته2: ويقاربه -يعني مستدرك الحاكم- في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان البستي". قال العراقي: "إنما المراد أنه يقاربه في التساهل، فالحاكم أشد تساهلا منه". قال الحازمي: "ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم". قال السيوطي: قيل: "وما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح, فإن غايته أن يسمي الحسنَ صحيحا، فإن كانت نسبته إلى التساهل باعتبار وجدان الحسن في كتابه فهي مشاحة في الاصطلاح،

_ 1 ارجع إلى أعلام المحدثين ص308، 309. 2 ص18 بشرح العراقي.

وإن كان باعتبار خفة شروطه، فإنه يخرج في الصحيح ما كان راويه ثقة غير مدلس، سمع من شيخه، وسمع منه الآخذ عنه ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع, وإن لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل, وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة، ولم يأته بحديث منكر, فهو عنده ثقة, وفي كتاب "الثقات" له كثير ممن هذه حاله، ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف حاله، ولا اعتراض عليه فإنه لا مشاحة في ذلك, وهذا بعض شرط الحاكم؛ حيث شرط أن يخرج عن رواة أخرج لمثلهم الشيخان في الصحيح فالحاصل أن ابن حبان، وفى بالتزام شروطه، ولم يوف الحاكم1. 2- "صحيح ابن خزيمة": ومؤلفه: هو الإمام الحافظ الكبير محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الملقب بإمام الأئمة ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتوفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. حياته العلمية: عني بالحديث من حداثته وارتحل، وطاف البلاد وسمع من الشيوخ الكبار، وسمع منه الكثيرون من أعيانهم البخاري ومسلم في غير الصحيحين وأبو علي النيسابوري وغيرهم. وقد جمع إلى العلم بالحديث العلم بالفقه وبلغ رتبة الاجتهاد فيه وإن كان يذكره المؤلفون في "طبقات الشافعية"، شافعيا، روي عنه أنه قال: ما قلدت أحدا منذ بلغت ستة عشر وكان يرى رأي السلف في الصفات، وإن كان لم يسلم من تقولات المفترين عليه، وقد كذبهم فيما يدعون عليه2. ثناء الأئمة عليه: وقد حظي بثناء كثير من الأئمة عليه، قال فيه تلميذه أبو حاتم محمد بن حبان البستي: "ما رأيت على وجه الأرض من

_ 1 التدريب ص53، 54. 2 تذكرة الحفاظ ج2 ص264 ط الأولى.

يحسن صناعة السنن، ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كأن السنن بين عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة", وقال الدارقطني: "كان ابن خزيمة إماما ثبتا معدوم النظير", ولما سئل عنه ابن أبي حاتم الرازي قال: "ويحكم هو يسأل عنا ولا نسأل عنه، وهو إمام يقتدى به". مؤلفاته: قال الحاكم في كتابه، "معرفة علوم الحديث": "إن مصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا سوى المسائل، والمسائل المصنفة مائة جزء، وله "فقه بريرة" في ثلاثة أجزاء وكتاب "الصحيح", وهو من أجل الكتب وأنفعها، ومن مؤلفاته كتاب "التوحيد وإثبات صفات الرب" وكتاب "الفقه", والذي يهمنا هنا هو كتابه "الصحيح". وقد قالوا: صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه حتى إنه كان يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد، فيقول: إن صح الخير، أو إن ثبت كذا ونحو ذلك1. أقول: ولعله تأثر في هذا بالإمام الجليل الشافعي فإنه كثير ما يعلق قوله بالحديث على صحته أو ثبوته كما نقل ذلك ثقات الشافعية عنه. ومن مميزات هذا الصحيح العناية بالتوفيق بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وليس هذا بالعجيب من هذا الإمام الذي كان ينكر وجود تعارض حقيقي بين حديثين أو أكثر ويقول: "من كان عنده شيء من هذا فليأتني به لأؤلف له بينهما". 3- "المنتقى لابن الجارود": ومؤلفه: الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري المجاور بمكة المتوفى سنة ست أو سبع وثلاثمائة ومعنى

_ 1 صحيح ابن خزيمة ضاع معظمه, وبقي بعضه، وقد طبع الموجود منه في أربعة أجزاء بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الهندي، وعسى أن يوفق أحد إلى العثور على باقي الكتاب.

"المنتقى" أي المختار من السنن المسندة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأحكام، وهو كالمستخرج على صحيح ابن خزيمة في مجلد لطيف وأحاديثه تبلغ نحو الثمانمائة, وتُتُبِّعت فلم ينفرد عن الشيخين منها إلا بيسير, وله شرح يسمى: "المرتقى في شرح المنتقى" لأبي عمرو الأندلسي. 4- "المنتقى لقاسم بن أصبغ الأندلسي": ومؤلفه: هو الإمام الحافظ قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف البياني1 محدث الأندلس أبو محمد الأموي مولاهم القرطبي المالكي، صاحب التصانيف المفيدة المتوفى بقرطبة سنة أربعين وثلاثمائة. شيوخه وتلاميذه: وقد ارتحل ولقي الشيوخ من أشهرهم بقي بن مخلد الأندلسي صاحب المسند، وإسماعيل القاضي، وابن أبي خيثمة، وقد حمل عنه التاريخ وروى عنه الكثيرون ومن بينهم حفيده قاسم بن محمد، وعبد الله بن محمد الحافظ الباجي وعبد الوارث بن سليمان وغيرهم. علمه والثناء عليه: وكان إماما جليلا انتهى إليه علو الإسناد، والحفظ والجلالة في بلاد الأندلس فلا عجب أنه حظي بثناء العلماء عليه، وفي آخر عمره كثر نسيانه ولكن ما اختلط فلما أحس بذلك انقطع عن الرواية صونا لعلمه، وتحوطا للحديث. مؤلفاته: وهي كثيرة منها: 1- الصحيح. 2- والمنتقى من الآثار وهو على نحو

_ 1 البياني: بفتح الباء الموحدة، وتشديد الياء المثناة نسبة إلى بيانة كجبانة كورة بالأندلس بينها وبين قرطبة ثلاثون ميلا.

كتاب "المنتقى" لابن الجارود، قال ابن حزم: وهو أحسن انتقاء منه، وقد جعله ابن حزم في المرتبة الأولى من كتب الحديث. وقد ذكر الإمام الذهبي في "التذكرة"1 الكتابين وأن الصحيح على غرار صحيح مسلم فالظاهر أنهما كتابان له لا اسمان لكتاب واحد. وأما العلامة الكتاني في "الرسالة المستطرفة"2 فقد ذكر المنتقى فحسب. 5- "صحيح ابن السكن": ومؤلفه الإمام الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي نزيل مصر ولد سنة أربع وتسعين ومائتين وتوفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة. شيوخه وتلاميذه: وقد أخذ العلم والحديث عن شيوخ كثيرين منهم: محمد بن يوسف الفربري راوية صحيح البخاري، وروى عنه أئمة أجلاء منهم: أبو عبد الله بن منده، وعبد الغني بن سعيد. مؤلفاته: وأجل مؤلفاته كتاب "الصحيح المنتقى", ويسمى أيضا "بالسنن الصحاح المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم" وهو كتاب محذوف الأسانيد جعله أبوابا في جميع ما يحتاج إليه من الأحكام ضمنه ما صح عنده من السنن المأثورة وقد جعله ابن حزم في المرتبة الأولى من كتب الحديث3.

_ 1 ج3 ص853 و854. 2 ص20. 3 تذكرة الحفاظ ج3 ص937، 938، والرسالة المستطرفة ص20.

6- "المختارة للضياء المقدسي": ومن الكتب التي تشتمل على الكثير من الأحاديث الصحيحة كتاب "الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما". ومؤلفها هو الإمام الحافظ العالم الحجة محدث الشام، وشيخ السنة ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد السعدي المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي ولد سنة تسع وستين وخمسمائة وتوفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة. ارتحاله وشيوخه: ارتحل ولقي الشيوخ الكثيرين منهم أبو القاسم البوصيري وطبقته بمصر وابن الجوزي وطبقته ببغداد وسمع منه الكثيرون منهم ابن الخباز، وابن الخلال، والقاضي تقي الدين وغيرهم. وقد حظي بثناء العلماء عليه, قال تلميذه الشيخ الإمام عمر بن الحاجب: "شيخنا أبو عبد الله شيخ وقته، ونسيج وحده علما، وحفظا، وثقة، ودينا، من العلماء الربانيين"1. "كتاب المختارة" وله مؤلفات كثيرة منها "المختارة" التزم فيها الصحة فصحح أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها، ولم يتم الكتاب، وهي مرتبة على المسانيد على حروف المعجم لا على الأبواب، وقد سلم له فيها التصحيح إلا أحاديث يسيرة جدا تعقبت عليه، وذكر ابن تيمية والزركشي وغيرهما أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم، وفي "اللآلئ" للسيوطي "ذكر الزركشي في تخريج الرافعي أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم، وأنه قريب من تصحيح الترمذي، وابن حبان" وذكر ابن عبد الهادي في "الصارم المنكى" نحوه، وزاد، فإن الغلط فيه قليل ليس هو مثل صحيح الحاكم فإن فيه أحاديث كثيرة

_ 1 من أراد ترجمة وافية له فليرجع إلى كتابي "أعلام المحدثين ص309-310".

يظهر أنها كذب موضوعة فلهذا انحطت درجته عن درجة غيره"1. وقال ابن كثير في مختصره: "وقد جمع الشيخ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في ذلك كتابا سماه "المختارة" كان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم"2 والظاهر أن مراده شيخه ابن تيمية. "تنبيه مهم" ومما ينبغي أن يعلم أن هذه الكتب التي التزم فيها مؤلفوها الصحة لا تبلغ درجة الصحيحين في الصحة، وأن مؤلفيها لم يبلغوا شأو البخاري ومسلم في التصحيح والتضعيف، ونقد الرجال، والعلم بعلل الحديث، ولم يبالغوا في شروط الصحيح كما بالغ الشيخان، فمن ثم تأخرت مرتبة كتبهم -مع التزامهم الصحيح- عن مرتبة الصحيحين، وأنه لا ينبغي أن يؤخذ كل ما فيها من الأحاديث الصحيحة على أنها قضية مسلمة في التصحيح، فقد وجدت في "المختارة" وغيرها من هذه الكتب أحاديث مصححة وتعقبها بعض العلماء، وخالفوا في صحتها وصدق الله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} والله أعلم. "عدد أحاديث الصحيحين": عدد أحاديث البخاري: ذكر العلامة أبو عمرو بن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" أن عدد أحاديث صحيح البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون

_ 1 الرسالة المستطرفة ص20 ط الأولى. 2 اختصار علوم الحديث ص15.

حديثا بالمكرر وبغير المكرر أربعة آلاف حديث. وتابعه الإمام النووي في مختصره "التقريب" والحافظ ابن كثير في كتابه "اختصار علوم الحديث"، وما قالوه غير صحيح1. والذي حرره الإمام الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري: "هدي الساري" أن أحاديثه المسندة المتصلة بغير المكرر ألفان وستمائة حديث وحديثان2 "2602" وأن جملة ما فيه من الأحاديث بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات سبع وتسعون حديثا وثلاثمائة وسبعة آلاف حديث "7397", وجملة ما فيه من المعلقات أحد وأربعون وثلاثمائة3 حديث فجميع ما فيه بالمكرر اثنان وثمانون وتسعة آلاف حديث "9082"4, وهذا عدا الموقوفات على الصحابة والتابعين5, وقد بلغ الأستاذ المحقق محمد فؤاد عبد الباقي بأحاديث البخاري بالمكرر في النسخة التي قام بترقيمها سبعة آلاف وخمسمائة وثلاث وستون حديثا. "عدد أحاديث صحيح مسلم": وجملة ما في صحيح مسلم بدون المكرر نحو أربعة آلاف حديث. قال العراقي: وهو بالمكرر يزيد على صحيح البخاري بالمكرر لكثرة طرقه. قال: وقد رأيت عن أبي الفضل أحمد بن سلمة أنه اثنا عشر

_ 1 قال الحافظ ابن حجر: وهذا -أي العدد- قالوه تقليدا للحموبي فإنه كتب البخاري عنه -أي عن الفربري- وعد كل باب منه ثم جمع الجملة، وقلده كل من جاء نظرا إلى أنه راوي الكتاب وله به العناية التامة وقد سمع صحيح البخاري من محمد بن يوسف الفربري وتوفي بعد سنة ثمانين وثلاثمائة "380". 2 هذا هو ما ذكره الحافظ في المقدمة، ونقله العلامة السخاوي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرح ألفية العراقي والذي ذكره السيوطي في "التدريب" ص50 ألفان وخمسمائة وثلاثة عشرة حديثا "2513". 3 الذي في "التدريب" ص50 أن عدتها ثلاثمائة وأربعة وثمانون حديثا "384". 4 وهذا الذي ذكرناه هنا هو مجموع المفردات المذكورة، أما على ما ذكره السيوطي فلا يؤدي إلى هذا. 5 مقدمة فتح الباري من ص470-478 ط بولاق.

ألف حديث وقال الميانجي: ثمانية آلاف حديث والله أعلم1. وقد بلغ الأستاذ المحقق محمد فؤاد عبد الباقي -رحمه الله تعالى- بأحاديث مسلم بدون تكرار إلى ثلاثة آلاف وثلاثة وثلاثين حديثا بدون المكرر ويا ليته كان رقم المكرر أيضا لنعرف عدة مجموع الكتاب. وعسى أن يقبض الله لصحيح مسلم من يعده بالمكرر وبدون المكرر على غرار ما صنع الإمام ابن حجر. "المعلقات في صحيحي البخاري ومسلم": ما ذكرناه من أن أحاديث الصحيحين في الدرجة العالية من الصحة إنما هو فيما ذكراه في كتابيهما بالإسناد المتصل وكان من مقصود كتابيهما وموضوعه, وأما المعلقات2 الموجودة في الكتابين وهي كثيرة في صحيح البخاري قليلة في صحيح مسلم حتى قيل: إنها لا تعد وأربعة عشر حديثا, فلها حكم آخر. "حكم المعلق عند البخاري": ما علقه البخاري له حالان: 1- إما أن يكون بصيغة الجزم كقال، وروى، وذكر. 2- وإما أن يكون بصيغة التضعيف كقيل، وروي، وذُكر. فأما الأول فيقيد الصحة إلى من علقه عنه ثم النظر بعد ذلك فيمن أبرزه من رواة الحديث، فإن كان الإسناد متصلا، وكان الرواة ثقات كان الحديث صحيحا عند البخاري، وإن كان في السند انقطاع أو في الرواة من ليس ثقة فلا يكون الحديث صحيحا عنده. وأما الثاني فلا يستفاد منه الصحة ولا عدمها بل يحتمل أن يكون

_ 1 تدريب الراوي ص51 ط المحققة. 2 المعلق: هو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر مثل قول البخاري مثلا: قال ابن عباس كذا، وقال مجاهد عن ابن عباس كذا وكذا ما يرويه عن شيوخ شيوخه.

صحيحا وأن يكون غير صحيح فينبغي البحث عنه حتى تعرف منزلته من الصحة أو الحسن أو الضعف, وقد وجد بالاستقراء والتتبع في الأحاديث التي علقها البخاري بصيغة التمريض ما هو صحيح عنده أخرجه في كتابه في موضع آخر مسندا متصلا أو ما هو صحيح عنده مسلم, أو عنده غيره مما ليس على شرطه ومنهاجه الذي التزمه في كتابه الصحيح, والبخاري أحيانا يعلق ما صح عنده بغير صيغة الجزم لمعان أخرى غير التضعيف, وهي ما إذا اختصر الحديث، أو رواه بالمعنى أو نحو ذلك، وذلك لاختلاف العلماء في جواز اختصار الحديث، أو الرواية بالمعنى فلملاحظة الخلاف يأتي به بصيغة التضعيف، ويكفي هذا القدر هنا ومن أراد زيادة وتفصيلا أكثر في هذا المقام فليرجع إلى كتابي: "أعلام المحدثين" ففيه ما يشفي ويكفي1. ومما ينبغي أن يعلم أن ما كان من التعليقات صحيحا ليس من نمط الصحيح المسند فيه الذي قصد به أصل الكتاب، وموضوعه، فقد رسم كتابه وسماه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه" ثم إن البخاري إنما يذكر التعاليق في تزاحم الكتاب وأبوابه دون مقاصده، وموضوعه، فثبته لذلك، وكن منه على يقين. "ما يذكره البخاري عن شيوخه بصيغة الجزم": وأما ما يذكره البخاري عن شيوخه بصيغة قال، وذكر فليس من المعلق الذي حذف من مبتدأ إسناده شيء وإنما هو إسناد متصل، وهذا ما عليه جمهور المحدثين فكل ما رواه عن شيوخه هكذا فهو محمول على الاتصال. ومن العلماء المغاربة من ذهب إلى أنه معلق أيضا يذكر للاستشهاد

_ 1 أعلام المحدثين ص128-132.

لا للاحتجاج لأنه سمعه في حال المذاكرة والمناظرة، وأحاديث المذاكرة قلما يحتجون بها وقد رد هذا القول ابن الصلاح في مقدمته، وقد قال الحافظ أبو جعفر بن حمدان النيسابوري: "كل ما قال البخاري: قال ليس فلان فهو عرض ومناولة". والصحيح ما قدمناه أولا من إنه إسناد متصل ولا انقطاع فيه, ومن ثم يتبين لك جليا خطأ ما ذهب إليه أبو محمد بن حزم إمام الظاهرية في رده ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن غنم عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَ 1 , والحرير, والخمر، والمعازف" , وذلك لأن البخاري لما رواه في صحيحه قال: وقال هشام بن عمار ... وساق بقية إسناده فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعل هذا جوابا عن الاحتجاج بالحديث على تحريم المعازف وما قاله ابن حزم غير صحيح والحديث معروف الاتصال وصحيح على شرط البخاري، ولا انقطاع بين البخاري وشيخه هشام. وقد روى هذا الحديث أيضا الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وخرجه البرقاني في صحيحه، وغير واحد مسندا متصلا إلى هشام مما يدل على أن الحديث صحيح ولا مطعن فيه, وقد بين الحافظ ابن حجر في "الفتح ج10 ص53" أن السبب في إيراد البخاري له بصيغة قال مع سماعه منه هو التردد الحاصل من هشام في اسم الصحابي أهو أبو عامر أم أبو مالك والمعروف أن الحديث من رواية عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري.

_ 1 الحر بكسر الحاء وفتح الراء المخففة وأصله حرح حذفت الحاء، والحر هو الفرج والمراد استحلال الزنا وقد تحذف الحاء ويعوض عنها راء وتدغم الراء في الراء فيقال: الحر بكسر الحاء المهملة، وفتح الراء المشددة ولكن الرواية جاءت على الأول.

"حكم التعليق عند الإمام مسلم": قلت فيما سبق: إن المعلقات في صحيح البخاري كثيرة، وهي في صحيح مسلم قليلة وقد ذكر الحافظ أبو علي الغساني الجياني: أن المعلق في صحيح مسلم وقع في أربعة عشر موضعًا وقد أخذ هذا عنه أبو عبد الله المازري صاحب "المعلم بشرح صحيح مسلم". ولكن الذي حققه الحافظ أبو عمرو بن الصلاح ونقله عنه النووي أن عدتها اثنا عشر موضعًا. أما حكم المعلق عند الإمام مسلم فهو نحو حكمه عند الإمام البخاري قال الإمام النووي في مقدمة شرحه لمسلم: "فصل": قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله- ما وقع في صحيحي البخاري ومسلم مما صورته صورة المنقطع ليس ملتحقًا بالمنقطع في خروجه من حيز الصحيح إلى حيز الضعيف, ويسمى هذا النوع تعليقًا سماه به الإمام أبو الحسن الدارقطني، ويذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين وكذا غيره من المغاربة, وهو في كتاب البخاري كثير جدًّا وفي كتاب مسلم قليل جدًّا، قال: فإذا كان التعليق منها بلفظ فيه جزم بأن من بينهما وبينه الانقطاع قد قال ذلك أو رواه واتصل الإسناد منه على الشرط مثل أن يقولا روى الزهري عن فلان ويسوق إسناده الصحيح فحال الكتابين يوجب أن ذلك من الصحيح عندهما, وكذلك ما روياه عمن ذكراه بلفظ مبهم لم يعرف وأورداه أصلًا محتجين به, وذلك مثل: حدثني بعض أصحابنا, ونحو ذلك. وبعد أن ذكر كلام الحافظ أبي علي الغساني في سرد المعلقات في مسلم وتحقيق أنها اثنا عشر موضعًا، وذكر حكم المعلق بلفظ جازم عند البخاري قال: أما إذا لم يكن ذلك منهما بلفظ جازم مثبت له عمن ذكراه عنه على الصفة التي تقدم ذكرها مثل أن يقولا: روي عن فلان،

أو ذكر عن فلان أو في الباب عن فلان ونحو ذلك فليس ذلك في حكم التعليق الذي ذكر ولكنه يستأنس بإيرادهما له. وأما قول مسلم في خطبة كتابه: وقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نُنزل الناس منازلهم"، فهذا بالنظر إلى أن لفظه ليس جازمًا لا يقتضي حكمه بصحته، وبالنظر إلى أنه احتج به, وأورده إيراد الأصول لا إيراد الشواهد يقتضي حكمه بصحته, ومع ذلك فقد حكم الحاكم أبو عبد الله في كتابه "معرفة علوم الحديث" بصحته1, وأخرجه أبو داود في "سننه" بإسناده متفردًا به، وذكر أن الراوي له عن عائشة هو ميمون بن أبي شبيب، ولم يدركها قال الشيخ: وفيما قاله أبو داود نظر، فهو كوفي متقدم قد أدرك المغيرة ابن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقي كاف في ثبوت الإدراك والاتصال" ... إلخ ما قال. "الأحاديث المنتقدة على الصحيحين": قد انتقد بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره أحاديث ذكرها البخاري ومسلم في صحيحهما أو أحدهما وليس معنى هذا أن هذه الأحاديث المنتقدة ضعيفة أو واهية، كلا، وإنما انتقدوها لكونها لم تبلغ الدرجة العالية التي التزمها كل واحد منهما في كتابه. وجملة هذه الأحاديث مائتان وعشرة أحاديث اشتركا في اثنين وثلاثين منها، واختص البخاري بثمانية وسبعين حديثا، ومسلم بالباقي وهو مائة حديث، وما انتقده على البخاري وحده أو شاركه فيه مسلم قد أجاب عنه الحافظ الكبير ابن حجر في مقدمة الفتح، وما خص مسلما أجاب عنه الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم.

_ 1 مقدمة شرح مسلم ص16-19.

وفي الحق أن الكثير مما انتقد كان الجواب عنه سهلا مقبولا، لا يخل بصحة الحديث في نفسه والبعض -وهو قليل جدا- قد تكلف فيه المجيب عنه غاية التكلف, وهي لا تعدو بضعة أحاديث أكثرها في صحيح مسلم, وهي على قلتها لا تَفُض من قيمة الكتابين، وبلوغهما الغاية في الصحة فلا تلتفت إلى ما يهرف به بعض من لا يعرف من الزعم بأن في الصحيحين أحاديث موضوعة أو ضعيفة واهية, فهذا تخرص وكذب على الشيخين الجليلين وكتابيهما الصحيحين, ومن أراد زيادة في تحقيق الحق في هذا المقام ليرجع إلى ما كتبته في كتابي "أعلام المحدثين"1 وكتابي "دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين", فقد أفضت في أول القول في كل المباحث المتعلقة بالصحيحين، وغيرهما من كتب الأحاديث المشهورة. "الحديث الصحيح أيفيد العلم القطعي اليقيني أم الظن؟ ": اتفق العلماء على أن الحديث المتواتر لفظا أو معنى يفيد القطع واليقين في ثبوته، ولم يخالف في ذلك أحد من أهل العلم، ولكنهم اختلفوا في الحديث الصحيح أيفيد العلم القطعي اليقيني أم الظن؟ فذهب الكثيرون إلى أنه لا يفيد القطع، بل هو ظني الثبوت وهو الذي رجحه الإمام النووي في التقريب. وذهب آخرون إلى أنه يفيد العلم اليقيني في ثبوته, وهو مذهب داود الظاهري والحسن بن علي الكرابيسي، والحارث بن أسد المحاسبي وحكاه ابن خويزمنداد عن مالك، وهو الذي اختاره وذهب إليه ابن حزم قال في الإحكام: "إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول

_ 1 أعلام المحدثين من ص134-141, ومن ص187-189.

الله -صلى الله عليه وسلم- يوجب العلم والعمل معا ... ", ثم أطال في الاحتجاج له والرد على مخالفته في بحث طويل نفيس1. هل أحاديث الصحيحين تفيد اليقين والعلم القطعي؟: ذهب العلامة ابن الصلاح إلى أن ما أخرجه الشيخان أو أحدهما بالإسناد الصحيح المتصل مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل به، وذلك لتلقي الأمة لكتابيهما بالقبول، والأمة في مجموعها معصومة من الخطأ، وقد استثنى ابن الصلاح من هذا الأحاديث القليلة التي انتقدها الدارقطني وغيره على الصحيحين2, وقد أشرنا إليها آنفا وخالف ابن الصلاح في هذا الإمام النووي, وقال: إن المحققين والأكثرين على أنه يفيد الظن ما لم يتواتر وعلل ذلك بأنه شأن الآحاد، ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما، وتلقي الأمة لكتابيهما بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما من غير توقف بخلاف غيرهما فلا يقبل حتى ينظر فيه، ويوجد فيه شروط الصحيح، ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما اجتماعهم على القطع بأنه كلام النبي -صلى الله عليه وسلم3. وقد رد بعض العلماء كلام النووي: بأن العلماء متفقون على وجوب العمل بكل ما صح ولو لم يخرجه الشيخان, فلم يبق للصحيحين في هذا مزية، والإجماع حاصل على أن لهما مزية فيما يرجع إلى نفس الصحة، وليس ذلك إلا إفادة أحاديثهما العلم والقطع كما قال ابن الصلاح. وممن وافق ابن الصلاح الشيخ العلامة ابن تيمية، وقد نقل القطع بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول عن جماعات من الأئمة منهم القاضي عبد الوهاب المالكي، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، والقاضي أبو الطيب

_ 1 الإحكام ج1 ص119-137 عن الباعث الحثيث ص35، 36 هامش. 2 مقدمة ابن الصلاح ص41، 42 ط العاصمة. 3 التقريب بشرحه "التدريب" ص70, وما بعدها ط المحققة.

الطبري، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية وابن حامد، وأبو يعلى بن الفراء، وأبو الخطاب وابن الزغوني وأمثالهم من الحنابلة وشمس الأئمة السرخسي من الحنفية، وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشعرية كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وهو مذهب أهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامة1. وقد وافق ابن الصلاح الحافظ ابن كثير، والحافظ ابن حجر في شرح النخبة حيث قال بعد أن قسم الخبر إلى متواتر وآحاد: "وقد يقع في أخبار الآحاد ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار ... إلى أن قال: والخبر المحتف بالقرائن أنواع منها2 ما أخرجه الشيخان أو أحدهما في صحيحيهما مما لم يبلغ حد المتواتر, فإنه احتلف به قرائن: جلالتهما في هذا الشأن وتقدمها في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر، إلا أن هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ مما في الكتابين، وبما لم يقع التجاذب -أي التعارض- بين مدلوليهما في الكتابين3 حيث لا ترجيح لأحدهما؛ لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر، وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته. والحق هو ما ذهب إليه ابن الصلاح وموافقوه من أن أحاديث الصحيحين -عدا ما انتقد- تفيد العلم النظري، وهذا العلم إنما يحصل للعالم المتبحر فيه العارف بأحوال الرواة وهذا العلم اليقيني النظري يبدو واضحا لكل من تبحر في علم من العلوم، وتشبعت نفسه بأصوله وقواعده ومسائله، واطمأن قلبه إليها، وإنما يستبعد هذا من لم

_ 1 الباعث الحثيث لابن كثير ص36. 2 هذا شيء آخر استثناه الحافظ زيادة على ما استثناه ابن الصلاح. 3 النخبة بشرحها وحاشية القاري عليها ص41 وما بعدها.

يتبحر في الحديث ولم يقف على شروطه الأئمة في التصحيح وما أخذوا به أنفسهم من التحوط البالغ والتحري الفائق في نقد الرجال ولا يضيرنا مخالفة مثل هذا، فمن ذاق عرف، ومن عرف اعترف.

الفائدة الخامسة

الفائدة الخامسة: مظان الحديث الصحيح: قلنا: إن البخاري ومسلما لم يستوعبا كل الصحيح ولم يلتزما ذلك، وإذا كان الأمر كذلك فلنلتمس الصحيح الزائد على ما فيها من الكتب التي جمعت بين الصحيح وغيره، أو التزم أصحابها تخريج الصحيح. ومظان الصحيح -بعد الصحيحين- كتاب "الموطأ" لإمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي المتوفى سنة 179 وكتب السنن الأربعة، وهي السنن لأبي داود السجستاني1، والسنن لأبي عيسى الترمذي2 والسنن للنسائي3، والسنن لابن ماجه4 والسنن لأبي الحسن الدارقطني5, ولا يكفي مجرد كونه موجودا في كتاب أبي داود وغيره من الكتب التي جمعت بين الصحيح والحسن والضعيف, بل لا بد من أن يكون أحد هؤلاء قد نص على صحته أو صححه أحد ممن يؤخذ بقولهم, فإن لم تجد تنصيصا على صحته فلا بد من البحث والتحري عن الرواة

_ 1 هو أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني ولد عام 202 وتوفي في شوال عام 275هـ. 2 هو أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي له السنن وكتاب "العلل وكتاب الشمائل النبوية ولد عام 209هـ, وتوفي بترمذ في رجب عام 279هـ. 3 أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب الخراساني النسائي صاحب كتاب "المجتبى" والمعروف بسنن النسائي ولد عام 215 وتوفي سنة 303هـ و"المجتبى" هو السنن الصغير مختار من "السنن الكبير" له. 4 هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني له كتاب "السنن" ولد سنة 207, وتوفي في رمضان سنة 273هـ. 5 هو الإمام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي الشهير بالدارقطني المتوفى سنة 385هـ, وله كتاب السنن المشهور.

والمروي حتى يتبين لك صحته إن كنت من أهل العلم بالحديث القادرين على التمييز بين الصحيح وغيره. ومنها الكتب التي التزم أصحابها تخريج الصحيح مثل صحيح ابن خزيمة1, وصحيح أبي حاتم محمد بن حبان البستي2, ومثل المستدرك للحاكم أبي عبد الله3. ومما ينبغي أن يعلم أن صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح أبي حاتم بن حبان لشدة تحريه حتى إنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد، وأما ابن حبان فهو من المتساهلين في التصحيح، وكذلك الحاكم يتساهل في الحكم بالصحة، وتساهله أشد من تساهل ابن حبان ولذلك لا ينبغي أن تعتمد تصحيحهما إلا بعد البحث والتحري أو أن نجد من وافقه على التصحيح من أئمة هذا العلم. ومن مظان الصحيح الكتب المستخرجة4 على الصحيحين أو أحدهما ككتاب أبي بكر الإسماعيلي "على البخاري", وكتاب أبي بكر البرقاني5 "على البخاري أيضا", وكتاب أبي عوانة الإسفراييني "على صحيح مسلم" وكتاب أبي نعيم الأصفهاني "عليهما" وغيرها6.

_ 1 هو الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة شيخ ابن حبان توفي سنة 311هـ, وله كتاب الصحيح. 2 هو أبو حاتم محمد بن حبان البستي شيخ الحاكم توفي سنة 354هـ له كتاب "التقاسيم والأنواع". 3 هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم توفي سنة 405هـ, له "المستدرك على الصحيحين". 4 الاستخراج: أن يعمد حافظ من الحفاظ إلى صحيح البخاري أو مسلم مثلا, فيورد أحاديثه بأسانيد لنفسه غير ملتزم فيها ثقة الرواة من غير طريق البخاري أو مسلم إلى أن يلتقي مع صاحب الكتاب في شيخه أو من فوقه، والكتاب يسمى "المستخرَج" بفتح الراء، ومؤلفه يسمى "المستخرِج" بكسر الراء وفائدة المستخرجات: 1- ما يقع فيها من الزيادات في الأحاديث التي لم تكن في الأصل المستخرج علنية. 2- علو الإسناد. 3- تكثير طرق الحديث ليرجح بها عند التعارض. 5 هو الإمام أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد "الخوارزمي" اليرقاني الشافعي المتوفى سنة خمس وعشرين وأربعمائة. تذكرة الحفاظ ج3 ص807. 6 من أراد زيادة في هذا فليرجع إلى كتابي أعلام المحدثين من ص332-342 فقد ترجمت لأصحاب المستخرجات.

ومنها كتاب "المختارة" للشيخ الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة 643هـ, وقد قال ابن كثير فيه: "كان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم", ولعل مراده ببعض مشايخه الإمام ابن تيمية. ومنها كتب "المسانيد" كمسند الإمام الجلي أحمد1 ومسند أبي يعلى، والبزار، وعبد بن حميد وكذا يوجد في معجمي الطبراني2 الكبير والأوسط، وغير ذلك من المسانيد والمعاجم والفوائد، والأجزاء. ولا بد في كتب المسانيد، والمعاجم، ونحوها من أن ينص المخرج للحديث على صحته أو ينص على ذلك إمام معتبر آخر، فإن لم يوجد فلا بد لك من البحث والتحري, حتى تتحقق أنه صحيح إن كنت من أهل الحديث والعلم به سندا ومتنا.

_ 1 هو الإمام الجليل شيخ الإسلام ومحيي السنة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ولد سنة 164هـ وتوفي سنة 241هـ, وله كتاب "المسند" المشهور, ومعنى المسند الكتاب الذي جمعت فيه أحاديث كل صحابي على حدة من غير نظر لوحدة الموضوع, وقد رتب فيه الصحابة على حسب الفضل. 2 الطبراني هو الإمام الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الشامي المتوفى سنة ستين وثلاثمائة, وهو منسوب إلى طبرية على غير قياس.

تعقيبات وتنبيهات

"تعقيبات وتنبيهات": "الأول" إذا علمت أن كتب السنن جمعت بين الصحيح وغيره تبين لك أن صنيع الحاكم أبي عبد الله، والخطيب البغدادي في تسميتها كتاب الترمذي، "الجامع الصحيح" فيه تساهل منهما؛ لأن فيه الصحيح والحسن والضعيف, وفيه أحاديث منكرة بل وأحاديث موضوعة -على قلة- ولا سيما في الفضائل. "الثاني" وكذلك ما قاله الحافظ أبو علي بن السكن، والخطيب البغدادي في كتاب "السنن" للنسائي: إنه صحيح، وإن له شرطا

في الرجال أشد من شرط مسلم, غير مسلم, وهو تساهل منهما أيضا لأن في سنن النسائي الصحيح وغيره, وفيه أحاديث ضعيفة، ومعللة ومنكرة، كما أن في رواته رجالا مجهولين إما عينا أو حالا، بل وفيهم المجروح. "الثالث": وكذا قول الحافظ أبي طاهر السلفي في الأصول الخمسة, وهي: 1- صحيح البخاري. 2- وصحيح مسلم. 3- وسنن أبي داود. 4- وسنن الترمذي. 5- وسنن النسائي. "إنه اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب" تساهل منه، وكلامه مسلم في الصحيحين أما في السنن الثلاث فلا. وقد حاول الإمام العراقي الإجابة عن السلفي، وتصحيح كلامه فقال: "إنما قال السلفي بصحة أصولها ولا يلزم من أن يكون الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحا"1. "الرابع": مما ينبغي أن يعلم أن الكتب الخمسة المذكورة وهي الصحيحان، والسنن الثلاث أعلى مرتبة من كتب المسانيد كمسند عبد بن حميد، وأحمد بن حنبل، وأبي داود الطيالسي2 وغيرهم؛ لأن عادة أصحاب المسانيد أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به, فلهذا تأخرت مرتبتها -وإن جلت لجلالة مؤلفيها- عن مرتبة الكتب الخمسة، وما التحق بها من الكتب المؤلفة على الأبواب. "الخامس": كتاب "الموطأ" للإمام مالك بن أنس من العلماء من قدمه على الصحيحين كالإمام أبي بكر العربي، ومنهم من جعله في درجتهما, وإليه يشير كلام الدهلوي في "حجة الله البالغة" ومنهم من جعله في مرتبة دونهما وإليه يميل كلام ابن الصلاح في مقدمته3, وابن

_ 1 شرح العراقي على مقدمة ابن الصلاح ص47. 2 قد قدمت ما يتعلق بمسند أبي داود الطيالسي, وأنه من جمع من بعده "التدريب ص102" ط المحققة. 3 علوم الحديث لابن الصلاح ص25 ط العاصمة.

حزم في مقالة له رتب فيها كتب الحديث بحسب درجتها، وقال بعض العلماء المتأخرين: "الحق أن ما في الموطأ من الأحاديث الموصولة المرفوعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحاح كلها, وهي في الصحة كأحاديث الصحيحين, وأما ما فيه من المراسيل، والبلاغات1, وغيرها فيعتبر فيها ما يعتبر في أمثالها مما تحويه الكتب الأخرى". وإنما لم يعده بعض العلماء في الكتب الصحاح لكثرة ما فيه من المراسيل، والبلاغات والمنقطعات وكثرة الآراء الفقهية فيه لمالك وغيره2. أما إفاضة القول في "الموطأ" ففي كتابي "أعلام المحدثين3" فليرجع إليه من يشاء.

_ 1 البلاغات: هي ما يقول فيها الإمام مالك: بلغني عن فلان مثل قوله: بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "للمملوك طعامه وكسوته". 2 الباعث الحثيث إلى علوم الحديث ص30 هامش. 3 ص59، 60.

الحديث الحسن

"الحديث الحسن": تعريفه: اختلف العلماء في تعريف الحسن، وإليك أقوالهم في هذا مع نقدها وبيان المقبول منها: 1- قال الإمام الخطابي في تعريفه: الحسن: هو ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي قبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء. شرح التعريف: المخرج -على وزن مفعل بفتح العين- مكان الخروج، والمراد به هنا: رواة الحديث وبهذا يخرج المنقطع، والمعضل، والمرسل، والمدلس قبل بيانه ومعنى "واشتهر رجاله" أي بالعدالة

والضبط إلى أن هذا الاشتهار دون اشتهار الصحيح، ومعنى: "عليه مدار أكثر الحديث", أي أن غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح، وإنما قال: ويقبله أكثر العلماء؛ لأن بعضهم لا يقبله روي عن ابن أبي حاتم قال: سألت أبي عن حديث, فقال: إسناده حسن، فقلت: يحتج به؟ قال: لا، أما الصحيح فيقبله عامة العلماء. ومعنى: "ويستعمله عامة الفقهاء" أي يحتجون به ويعملون. "نقد التعريف": وانتقد هذا التعريف بأنه غير جامع لقسمي الحسن وهما: الحسن لذاته والحسن لغيره، وهذا ينطبق على الحسن لذاته فحسب. كما انتقد أيضًا بأنه غير مانع؛ لأن الصحيح كذلك وأجبت عن هذا بأن المراد بالاشتهار في التعريف شهرة دون شهرة الصحيح فيكون مانعًا من دخول الصحيح وبأن قوله: ويقبله أكثر العلماء يخرج الصحيح أيضًا؛ لأنه يقبله كل العلماء لا أكثرهم. كما انتقد أيضًا بأن فيه إبهامًا وعدم وضوح، وشرط التعريف الصحيح أن يكون جامعًا مانعًا لا خفاء فيه ولا غموض. 2- قال الترمذي في كتابه: "العلل" الذي هو في آخر جامعه: "الحديث الحسن: هو الحديث الذي لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون حديثا شاذا ويروى من غير وجه نحو ذاك". شرح التعريف: "أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب" يشمل حديث المستور والمجهول ونحوهما بخلاف الصحيح, فلا بد أن يكون رواته ثقات أي عدولا ضابطين. ومعنى "ويروى من غير وجه نحو ذاك" أن يكون مرويًّا من وجهين أو أكثر، ولا يشترط فيه أن يكون وروده من طريق آخر بلفظه

بل يكفي وروده ولو بمعناه. نقد تعريف الترمذي: وقد انتقد هذا التعريف بأنه غير جامع فقد عرف الحسن لغيره، ولم يعرف الحسن لذاته والتعريف لا بد أن يكون جامعًا. وانتقد أيضًا بأنه غير مانع لدخول الصحيح في تعريفه، وهذا الانتقاد مردود لما بينا في شرح التعريف من أن الحسن يكتفي فيه برواية المستور بخلاف الصحيح فلا بد فيه من ثقات الراوة, وأيضًا فالحسن عند الترمذي لا بد من مجيئه من وجه آخر، ولم يشترط أحد في الصحيح ذلك فالحق أن التعريف مانع, وانتقد أيضًا ابن كثير بأن الترمذي كثيرًا ما يقول في كتابه هذا: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والجواب عن ذلك ما أشرت إليه في شرح التعريف من أن شرط مجيئه من غير وجه يتحقق بمجيئه بلفظه أو معناه، وعلى هذا يحمل قوله: لا نعرفه إلا من هذا الوجه يعني بلفظه فلا ينافي أن يكون معروفا بمعناه من وجه آخر. 3- قال بعض المتأخرين, وهو أبو الفرج بن الجوزي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة: "هو الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل". وانتقد هذا التعريف بأن ما ذكره ليس مضبوطًا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره فهو مقول بالتشكيك، والتعريف بالمشكك غير جائز؛ لأنه لا يحصل به التمييز عن غيره. وقال ابن الصلاح بعد ذكر هذه التعريفات: وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وقد أمعنت النظر في ذلك

والبحث، فتنفتح لي, واتضح أن الحديث الحسن قسمان، وإليك خلاصة ما ذكره ابن الصلاح مع التصرف، قال: أحدهما: وهو الحسن لذاته: أن يكون رواته من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان, ولا يعد ما ينفرد به منكرا، ولا يكون المتن شاذا ولا معللا. قال: وعلى هذا يتنزل كلام الخطابي. الثاني: الحسن لغيره: هو الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ, ولا هو متهم بالكذب, ويكون متن الحديث قد روي مثله أو نحوه من وجه آخر, فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا أو منكرا, وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل، وكأن كلا من الخطابي والترمذي اقتصر على أحد القسمين دون الآخر أو ذكر البعض، وغفل عن الآخر.

تنبيهات وتعقيبات

"تنبيهات وتعقيبات": "التنبيه الأول": وينبغي أن يلاحظ في كلا التعريفين شرط اتصال السند, فهو مراد, وإن لم يصرح به في القسمين، وعلى هذا فشرط الاتصال لا بد منه في الحسن بقسميه, فهو شرط مشترك بين الصحيح والحسن. وكذا العدالة لا بد منها في الصحيح والحسن لذاته وأما الضبط فيشترط في الصحيح الضبط التام بخلاف الحسن لذاته فيكتفى فيه بالضبط القاصر عن الكمال وأما الحسن لغيره فيكتفى فيه بأدنى درجات الضبط كما يكتفي فيه برواية المستور, وعلى هذا يكون الحسن لغيره قاصرا عن الصحيح بقسميه في العدالة والضبط، وكذا عدم الشذوذ وعدم العلة لا بد منهما في الصحيح والحسن بقسميه, ومما ذكرنا تعرف الفرق بين الصحيح والحسن بقسميه.

تنبيه آخر

"تنبيه آخر": لا تظن أيها القارئ الفهم أن كل حديث ضعيف إذا جاء من طرق متعددة ضعيفة أنه يرتقي إلى درجة الحسن بل الضعيف في ذلك قسمان. 1- ضعف لا يزول بتعدد الطرق كرواية الكذابين والمتروكين أو المتهمين بالكذب أو الفسق, فتعدد الطرق برواية أمثالهم لا يزيد الضعيف إلا ضعفا وذلك كحديث: "الأذنان من الرأس", فقد روي من طرق عدة إلا أنها كلها ضعيفة1. 2- ضعف يزول بتعدد الطرق كما إذا كان راويه سيئ الحفظ مع كونه من أهل الصدق، والديانة، فإذا ما رأينا أن الحديث جاء من طرق أخرى عرفنا أنه مما قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه، وكذا إذا كان ضعفه جاء من جهة الإرسال أو التدليس, فإنه يزول بالمتابعات, وذلك كالحديث الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قريب يزول بروايته من وجه آخر, فكل هذا يرتقي إلى درجة الحسن لغيره لا لذاته. وكذلك يرتقي الحسن لذاته إلى درجة الصحيح لغيره إذا جاء من طرق عدة فالصحيح لغيره أصله حديث حسن لذاته، ثم جاء من طرق فارتقى إليه.

_ 1 علوم الحديث بشرح العراقي ص37، واختصار علوم الحديث لابن كثير ص41.

تنبيه ثالث

"تنبيه ثالث": جرت عادة بعض الحفاظ وأئمة الحديث أن يقولوا: هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد دون قولهم: حديث صحيح أو حديث حسن فلماذا؟ والسبب في هذا أن الإسناد قد يكون صحيحا أو حسنا, أي رواته رواة الصحيح أو رواة الحسن, ولا يكون المتن صحيحا ولا حسنا, وذلك لكونه شاذا أو معللا في متنه دون سنده؛ لأن العلة كما تكون في السند تكون في المتن غير أن الحافظ المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله: حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد ولم يذكر له علة ولم يطعن فيه بأي وجه من وجوه الطعن فالظاهر أن الحديث صحيح أو حسن في ذاته؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل.

تنبيه رابع

"تنبيه رابع": ما صار إليه الإمام البغوي1 صاحب "كتاب المصابيح" من تقسيم أحاديثه إلى نوعين: 1- الصحاح. 2- والحسان. مريدا بالصحاح ما خرجه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما أو أحدهما، وبالحسان ما أخرجه أبو داود، والترمذي وأشباههما في كتبهم, هو اصطلاح له خاص. وقد أنكر عليه العلامة ابن الصلاح، والإمام النووي وغيرهما من أئمة الحديث هذا الصنيع؛ لأن هذه الكتب -السنن- فيها الصحيح والحسن، والضعيف والمنكر، بل والموضوع على ندرة, وقد أجابوا عن البغوي أنه يبين الغريب والضعيف غالبا, فقد قال في خطبة "مصابيحه": "وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه". ولكنه يبقى عليه من الاعتراض والمؤاخذة مزجه صحيح السنن بحسنها من غير تمييز، اللهم إلا أن يقال: الخطب في ذلك سهل، فالصحيح والحسن كلاهما محتج به2.

_ 1 البغوي: هو الإمام الحافظ محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي نسبة إلى "بغا" المتوفى سنة ست عشرة وخمسمائة "516هـ", واسم كتابه بالكامل "مصابيح السنة". 2 علوم الحديث لابن الصلاح بتعليق العراقي ص41.

الاحتجاج بالحديث الحسن

الاحتجاج بالحديث الحسن: الحسن وإن تقاصر عن الصحيح في درجته وشروطه لكن يشارك الصحيح في العمل به، والاحتجاج عند جميع الفقهاء، وعند أكثر العلماء من المحدثين وغيرهم, وهو بقسميه ملحق بالصحيح في الاحتجاج به, ومن العلماء من يلحق بالصحيح الحسن لذاته، وأما الحسن لغيره, فينبغي أن ينظر فيه فما كثرت طرقه، وركنت إليه النفس يحتج به، وإلا فلا1. "مظان الحسن": من مظان الحديث الحسن كتاب الترمذي, وهو أصل في معرفة الحسن، وهو الذي نوه به وأكثر من ذكره في جامعه، ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه كالإمامين أحمد والبخاري والطبقة التي قبل طبقة مشياخه كالإمام الشافعي. ومن مظانه أيضا سنن أبي داود روي عنه أنه قال: "ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه2, ويقاربه3, وما كان فيه من وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح, وبعضه أصح من بعض". قال ابن الصلاح ما توضيحه: فعلى ذلك ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا أي من غير تنصيص عليه بصحة أو ضعف وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن يعتمد عليه في التصحيح، ولا ضعفه هو في غير السنن، ولا أحد غيره, فهو من الحسن عند أبي داود وذلك على سبيل الاحتياط، لأن قوله: "فهو صالح" دائر بين

_ 1 توجيه النظر إلى علوم الأثر ص148. 2 لعل مراده به الحسن لذاته. 3 لعل مراده به الحسن لغيره.

الصحيح والحسن فأخذنا بالأقل احتياطا1, وإن ثبت ما نقله ابن كثير عن أبي داود أنه قال: "وما سكت عنه فهو حسن"2 يكن ما ذكره ابن الصلاح استنتاجا هو المتعين بالنص. ومن مظانه أيضا مسند الإمام أحمد، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارقطني فقد نص على كثير منه في سننه. "قول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح": استشكل العلماء قول الترمذي في سننه: هذا حديث حسن صحيح؛ لأن الحسن قاصر عن درجة الصحيح كما سبق بيانه، فالجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته, وهو محال فما الجواب؟ أجيب عن ذلك بأجوبة: 1- أن ذلك باعتبار إسنادين بأن يكون الحديث روي بإسناد حسن والآخر صحيح فلك أن تقول: إنه حسن بالنسبة إلى أحدهما صحيح بالنسبة إلى الآخر فلا تناقض إذا, ولكن هذا الجواب لا يستقيم في بعض الأحاديث التي يقول فيها الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". 2- وقال بعضهم: مراده حسن باعتبار المتن صحيح باعتبار الإسناد، وغرض هذا القائل من حسن المتن الحسن اللغوي3 لا الحسن الاصطلاحي حتى يكون في الكلام تناقض ورد هذا الجواب أيضا بأن الترمذي يقول ذلك في أحاديث مروية في صفة جهنم والحدود والقصاص, ونحو ذلك من أحاديث الترهيب، وبأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ حسنا أيضا, وهو ما لم يقل به

_ 1 علوم الحديث بشرح العراقي ص52، 53 ط العاصمة. 2 اختصار علوم الحديث ص41. 3 وهو التعبير بالكلام العذب عن المعنى المرغوب فيه كأحاديث الترغيب.

أحد من المحدثين. 3- وذهب ابن كثير في الجواب إلى أن ما قيل فيه حسن صحيح قسم ثالث مزج من القسمين يقال في الحديث الذي فيه شبه لم يتمحض لأحدهما, وأنه درجة متوسطة بين الصحيح والحسن فما قيل فيه: حسن صحيح فوق ما قيل فيه: حسن، ودون ما قيل فيه: صحيح, وانتقد بأن هذا تحكم لا دليل عليه1. 4- وأحسن الأجوبة ما ذكره الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها، قال ما خلاصته: "إنه إن كان للحديث إسنادان فأكثر فوصفه بالصحة والحسن راجع إلى أنه صحيح بإسناد حسن بإسناد آخر, وغاية ما هنالك أنه حذف حرف العطف, وكان الأولى أن يقول: حسن وصحيح وعليه, فيكون ما يقول فيه حسن صحيح فوق ما يقول فيه صحيح فقط؛ لأن كثرة الطرق تقوي. وأما إذا لم يكن له إلا إسناد واحد فالجمع بينهما للتردد الحاصل من الإمام المجتهد في الحديث: أهو جامع لأوصاف الصحيح أم هو قاصر عنها؟ ولا يترجح أحدهما عنده فاقتضاه الأمر إلى التعبير بهذا، وغاية ما في التعبير أنه حذف منه حرف التردد، وكان حقه أن يقول: حسن أو صحيح، وعلى هذا فما قيل فيه حسن صحيح دون ما قال فيه صحيح؛ لأن الجزم أقوى من التردد2. "جمع الترمذي بين الحسن والغرابة": قد يقال: إن الترمذي قد صرح في كلامه بأن شرط الحديث الحسن أن يروى من غير وجه نحوه، فكيف يقول في بعض الأحاديث: حسن

_ 1 الباعث الحثيث ص43، 44. 2 النخبة وشرحها وحاشيتها للقارئ ص73-75.

غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والجواب -كما قال الحافظ ابن حجر- أن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا، وإنما عرفه بنوع خاص منه وقع في كتابه, وهو ما يقول فيه حسن من غير ضم صفة أخرى, ذلك أنه يقول في بعض الأحاديث: حسن، وفي بعضها صحيح، وفي بعضها غريب، وفي بعضها حسن صحيح، وفي بعضها: حسن غريب، وفي بعضها: صحيح غريب، وفي بعضها: حسن صحيح غريب، وتعريفه إنما وقع على الأول فقط، وعبارته في آخر جامعه ترشد إلى ذلك حيث قال: "وما قلنا في كتابنا: حديث حسن فإنما أردنا حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا, ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن", فعرف بهذا أنه يعرف ما يقول فيه: حسن فقط, أما ما يقول: حسن صحيح أو حسن غريب أو حسن صحيح غريب, فلم يعرج تعريفه كما لم يعرج على تعريف ما يقول فيه: صحيح فقط أو غريب فقط, وكأنه ترك ذلك استغناء لشهرته عند أهل الفن، واقتصر على ما يقول فيه: حسن فقط, إما لغموضه, وإما لأنه اصطلاح جديد ولذلك قيده بقوله: "عندنا" ولم ينسبه إلى أهل الحديث كما فعل الخطابي, وبهذا التقرير يندفع كثير الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يسفر وجه توجيهها, فلله الحمد على ما ألهم وعلم1. أنواع أخرى: الجيد، والقوي، والصالح، والمعروف، والمحفوظ، والمجود، والثابت، قال الإمام السيوطي في تدريبه2.

_ 1 المرجع السابق 75-77. 2 ص58، 59 ط القديمة وص104، 105 ط المحققة.

خاتمة

خاتمة: من الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول: الجيد، والقوي، والصالح، والمعروف، والمحفوظ، والمحود، والثابت. فأما الجيد، فقال شيخ الإسلام -يعني الحافظ ابن حجر- في الكلام على أصح الإسناد لما حكى ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل، أن أصحها: الزهري، عن سالم، عن أبيه1، عبارة أحمد أجود الأسانيد كذا أخرجه عنه الحاكم. قال -يعني الحافظ: "وهذا يدل على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصحيح" ولذا قال البلقيني بعد أن نقل ذلك: "من ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة, وفي جامع الترمذي في "الطب" هذا حديث جيد حسن، وكذا قال غيره: لا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم إلا أن الجهبذ2 منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته، ويتردد في بلوغه الصحيح، فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح، وكذا القوي. وأما الصالح: فهو شامل للصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج، ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار يعني: المتابعات والشواهد. وأما المعروف: فهو مقابل المنكر، والمحفوظ مقابل الشاذ وسيأتي تقرير ذلك في نوعيهما, إن شاء الله تعالى. وأما المجود، والثابت فيشملان أيضا الصحيح والحسن. قال السيوطي: ومن ألفاظهم المشبه وهو يطلق على الحسن وما يقاربه فهو بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصحيح، قال أبو حاتم: أخرج عمرو ابن حصين الكلابي أول شيء أحاديث مشبهة حسانا، ثم أخرج بعد أحاديث موضوعه، فأفسد علينا ما كتبنا.

_ 1 هو عبد الله بن عمر وسالم ابنه. 2 الجهبذ: بكسر الجيم وسكون الهاء وكسر الباء الموحدة: الناقد البصير.

الحديث الضعيف

الحديث الضعيف أقسام الضعيف ... "الحديث الضعيف": هو كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن ويمكن إجمال شروط الصحيح والحسن بقسميه في ستة شروط: 1- اتصال السند. 2- عدالة الرواة. 3- السلامة من كثرة الخطأ والغفلة وهو الضبط. 4- السلامة من الشذوذ. 5- السلامة من العلة. 6- مجيء الحديث من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور ليس متهما، ولا كثير الغلط على ما ذكرنا في الحسن لغيره. فكل حديث فقدت فيه بعض هذه الشروط أو كلها هو حديث ضعيف. "أقسام الضعيف": وينقسم الضعيف إلى أقسام كثيرة أوصلها بعضهم, بحسب القسمة العقلية والتشقيقات النظرية إلى ثلاثمائة وإحدى وثمانين صورة، وأما بحسب القسمة الواقعية فهي تسعة وأربعون نوعا كلها داخلة تحت هذا التعريف, كما قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. ثم إن من هذه الأقسام ما ليس له اسم خاص, فيكون له اللقب العام, وهو الضعيف, ومنها ما له لقب خاص به كالمرسل، والمنقطع, والمعضل، والمعلق، والمدلس، والشاذ، والمنكر، والمتروك، والمعل، والمضطرب، والمدرج، والمقلوب، والموضوع، وهو شر أنواع الضعيف وأرذلها.

حكم الحديث الضعيف رواية وعملا

"حكم الحديث الضعيف رواية وعملا": الحديث الموضوع أو الساقط أو الذي لا أصل له لا تجوز روايته إلا مقترنًا ببيان وضعه، أو سقوطه، أو أنه لا أصل له، ومن روى شيئًا من ذلك من غير بيان, وهو يعلم, فهو آثم أشد الإثم كما أنه لا يجوز العمل بالموضوع، وما شاكله قط لا في الحلال والحرام, ولا في باب الترغيب والترهيب، والقصص والمواعظ، ولا في التفسير؛ لأنه مختلق مكذوب فمن عمل به, فقد زاد في الشرع ما ليس منه. أما الضعيف الذي لم يصل إلى حد السقوط والوضع، وهو الضعيف المحتمل فقد اختلفت فيه أنظار العلماء وإليك آراءهم في هذا: قال ابن الصلاح: يجوز رواية ما عدا الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة، من غير اهتمام ببيان ضعفها فيهما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما, وذلك كالمواعظ والقصص، وفضائل الأعمال, وسائر فنون الترغيب والترهيب, وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد1. ومقتضى ذلك العمل به فيما ذكر قال: وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما. والمراد بفضائل الأعمال: الأعمال الفاضلة الثابتة قبلُ بالأحاديث الصحيحة, بمعنى أنه إذا ورد حديث ضعيف دال على ثواب مخصوص من الأعمال الثابتة قبل, فإن أصل العمل ثابت استحبابا من دليل آخر, ولم يثبت بالضعيف إلا الثواب المرتب على هذا العمل, وحينئذ لم يثبت حكم شرعي بالحديث الضعيف.

_ 1 مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي ص113 ط العلمية بحلب.

وقال الإمام ابن العربي المالكي1: لا يعمل به مطلقا لا في الحلال والحرام ولا في الفضائل ونحوها. وأجاز بعض الأئمة رواية الضعيف من غير بيان ضعفه والعمل به, ولكن بشروط: 1- أن يكون الحديث في القصص، أو المواعظ، أو فضائل الأعمال، أو نحو ذلك مما لا يتعلق بصفات الله، وما يجوز له، وما يستحيل عليه سبحانه، ولا بتفسير القرآن ولا بالأحكام كالحلال والحرام، وغيرهما. 2- أن يكون الضعف فيه غير شديد فيخرج حديث من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب, والذين فحش غلطهم في الرواية، والحديث الذي كثرت طرقه، ولم تخل طريق منها من شدة الضعف. 3- أن يكون ما ثبت به مندرجًا تحت أصل من أصول الشريعة لئلا يثبت ما لم يثبت شرعًا به, وحينئذ يكون الضعيف مؤكدًا لما ثبت بذاك الأصل الكلي. 4- أن لا يعتقد العامل به ثبوته بل يقصد الاحتياط والخروج من العهدة. 5- أن لا يعارضه دليل آخر أقوى منه2. والحق أنه لا يجوز رواية الضعيف إلا مقترنًا ببيان ضعفه وبخاصة

_ 1 هو الإمام الحافظ العلامة القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي, ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة, رحل مع أبيه إلى المشرق, وسمع من كثير من علماء عصره, وسمع عنه الكثيرون, أثنى عليه ابن بشكوال وقال: أخبرني أنه رحل إلى المشرق سنة خمس وثمانين وأربعمائة, وسمعت بإشبيلية منه وقرطبة كثيرًا, وكان أبوه من علماء الوزراء, وكان فصيحًا مفوهًا شاعرًا, ولما مات أبوه بمصر رجع إمامنا إلى الأندلس, وقد قيل: إنه بلغ مرتبة الاجتهاد، صنف في الحديث، والفقه، والأصول، وعلوم القرآن، والأدب، والنحو والتواريخ، وكانت وفاته بالعدوة بفاس سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. 2 الباعث الحثيث ص91، والتدريب ص196، والأسلوب الحديث في علوم الحديث لشيخنا الشيخ أمين الشيخ، بحث العمل بالضعيف.

في هذه العصور التي قلت معرفة الناس فيها بالأحاديث, وعدم القدرة على معرفة درجة الأحاديث, ومن هذه الشروط تستخلص أن الضعيف قسمان: 1- ضعيف منجبر بغيره كتعدد الطرق أو نحوها, وهو الذي يعمل به في الفضائل وما شابهها، والانجبار إنما يكون بمساو أو بأقوى, أما بما هو أقل منه فلا. 2- ضعيف غير منجبر, ولا يشهد له أصل شرعي, وهذا لا يعمل به قط لا في الفضائل ولا غيرها.

فائدة

"فائدة": قال أئمة الحديث: من نقل حديثا صحيحا بغير إسناده, وجب أن يذكره بصيغة الجزم فيقول مثلا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو نحوه. ويقبح جدا أن يذكره بصيغة التمريض التي تشعر بضعف الحديث لئلا يقع في نفس القارئ أو السامع أنه حديث غير صحيح. وأما إذا نقل حديثا ضعيفا بغير إسناد أو حديثا لا يعلم حاله -سواء أكان صحيحا أو ضعيفا- فإنه يجب أن يذكره بصيغة التمريض كأن يقول: روي عن رسول الله كذا، أو ذكر، أو بلغنا، أو نحوها. والأولى والأحوط لمن يتيقن ضعف حديث أن يبين أنه ضعيف؛ لئلا يَغْتَر به القارئ أو السامع الذي لا يعلم هذا الاصطلاح، ولا يجوز للناقل له أن يذكره بصيغة الجزم؛ لأنه يوهم أن الحديث صحيح, ولا سيما إذا كان الناقل من أهل العلم بالحديث الذي يثق الناس بنقلهم. وهذا نوع من الأمانة والدقة اللذين امتاز بهما علماء الحديث.

المرسل

"المرسل": تعريفه: المرسل: لغة مأخوذ من الإرسال بمعنى الإطلاق وعدم المنع، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} 1 أي سلَّطناهم عليهم، ولم نمنعهم منهم، ويقال: أرسلت الطائر إذا أطلقته وأرسلت الكلام إذا أطلقته من غير تقييده, فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده براوٍ مخصوص معروف. وأما في الاصطلاح فقد اختلفت في تعريفه أنظار العلماء, وإليك أقوالهم في هذا: تعريف جمهور المحدثين: هو ما رواه التابعي, سواء أكان كبيرا أم صغيرا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله أو فعله أو تقريره، ولا بد من قيد ذكره الحافظ ابن حجر, وهو أن يكون التابعي سمعه من غير النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن سمعه من النبي حال كفره, ثم أسلم بعد ذلك ورفع الحديث فإن حديثه يكون متصلا لا مرسلا كالتنوحي رسول هرقل فقد أخرج حديثه الإمام أحمد وأبو يعلى في مسنديهما، وساقاه مساق الأحاديث المسندة. والمراد بالتابعي الكبير من لقي كثيرا من الصحابة وجالسهم وكانت جل روايته عنهم كسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وقيس بن أبي حازم, وأمثالهم. والصغير: هو من لم يلق من الصحابة إلا العدد اليسير أو لقي جماعة ولكن جل روايته عن التابعين كالزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي حازم، وأمثالهم. ومن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو غير مميز كمحمد بن أبي بكر الصديق, فإنه صحابي, ولكن روايته حكم المرسل لا الموصول، ولا يجيء فيه ما قيل فيه مراسيل الصحابة؛ لأن أكثر رواية هذا وشبهه عن التابعين بخلاف

_ 1 سورة مريم: 83.

الصحابي الذي أدرك, وسمع فإن احتمال روايته عن التابعي بعيدة جدا. وبعض المحدثين يقصر المرسل على ما رواه التابعي الكبير عن رسول الله وأما ما رواه التابعي الصغير فيسمونه منقطعا لا مرسلا, والأول هو الراجح وعليه معول أهل هذا الفن. مثال المرسل: روى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا 1 عن الصلاة" , وعطاء من التابعين. روى يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذينا بريح الثوم" , وسعيد من التابعين. تعريف الفقهاء والأصوليين: المرسل: هو قول التابعي أو من دونه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا ... أو فعل كذا ... مثلا, فالمرسل عندهم يشمل المرسل عند المحدثين, والمنقطع بل والمعضل فهو يطلقونه على ما لم يتصل إسناده، قال ابن الحاجب في مختصره: "المرسل قول غير الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم" ... وبمثل هذا القول قال الخطيب من المحدثين إلا أنه قال: إن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم. نقد التعريف: وقد انتقد هذا التعريف: بأنه يشمل قول من قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن كان في عصرنا, وهو ما لم يقل به أحد، وبأنه يلزم عليه دخول المنقطع، والمعضل في المرسل, وأهل الفن في الحديث على التفرقة بينهما. نعم قد يقال: هذا اصطلاح لهم بخاصة ولا مشاحة في الاصطلاح. وقد جرى على هذا الاصطلاح بعض المحدثين فأطلق على المعلق،

_ 1 الإبراد: تأخير صلاة الظهر حتى تنكسر حدة الحر.

والمنقطع, إنه مرسل كالبيهقي، وأبي نعيم، والدارقطني، وعلى هذا مشى الإمام أبو داود صاحب "السنن" في كتابه "المراسيل".

حكم المرسل عند المحدثين

"حكم المرسل عند المحدثين": الذي ذهب إليه جمهور المحدثين أن المرسل من قبيل الحديث الضعيف للجهل بحال المحذوف؛ لأنه لا يتعين أن يكون التابعي رواه عن الصحابي, بل يجوز أن يكون رواه عن تابعي آخر, وهو يحتمل أن يكون ثقة أو غير ثقة، وعلى الأول يحتمل أن يكون رواه عن تابعي أو صحابي, وعلى الأول يحتمل أن يكون ثقة أو غير ثقة، وهكذا يتعدد هذا الاحتمال إما بالتجويز العقلي, فإلى ما لا نهاية، وإما بالاستقراء, فإلى ستة أو سبعة, وهو أكثر ما وجد من رواية بعض التابعين عن بعض1, ومتى احتمل أن يكون المروي عنه ضعيفا, فقد سقط عن درجة الاحتجاج به. قال العلامة ابن الصلاح في مقدمته: "ثم إن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر, فوروده من وجه آخر يدل على صحة مخرج المرسل ... وما ذكرنا من سقوط الاحتجاج بالمرسل، والحكم بضعفه هو الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث، ونقاد الأثر وتداولوه في تصانيفهم وفي صدر صحيح مسلم "المرسل في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة". وقد حكى هذا القول عن جماعة أهل الحديث ابن عبد البر حافظ المغرب2. "حكم المرسل عند الفقهاء": أما حكم المرسل عند الفقهاء فقد احتج به مالك وأبو حنيفة

_ 1 نخبة الفكر بشرحها للحافظ ابن حجر, وشرحها للقاري ص111. 2 علوم الحديث لابن الصلاح ص73 ط العاصمة.

وأصحابهما، وقد حكي عن الإمام أحمد الاحتجاج به في رواية1. قال في التدريب: "قال النووي في "شرح المهذب": وقيد ابن عبد البر وغيره ذلك بما إذا كان من أرسله لا يرسل عن غير الثقات, فإن كان, فلا خلاف في رده, وقال غيره: محل قبوله عند الحنفية ما إذا كان مرسله من أهل القرون الثلاثة الفاضلة, فإن كان من غيرهم, فلا؛ لحديث: "ثم يفشو الكذب" 2, رواه النسائي وصححه. ونقل أبو بكر الرازي من الحنفية، وأبو الوليد الباجي من المالكية: أن الراوي إذا كان يرسل عن الثقات, وغيرهم: أن مرسله لا يقبل اتفاقا، وأما إذا لم يعلم حاله, فمرسله مقبول اتفاقا عند الحنفية والمالكية. أقول: ولعل وجهة نظر هؤلاء تحسين الظن بالراوي, وأن الشأن فيه أن لا يروي إلا عن ثقة, وإذا كان الأمر كذلك عند الحنفية والمالكية على ما ذكره الرازي والباجي, فينبغي أن يقيد احتجاجهما به بذلك. وقد حكى ابن جرير إجماع التابعين على قبول المرسل, وأنه لم يأت عن أحد منهم إنكاره, ولا عن أحد من الأئمة إلى رأس المائتين الذين هم من أهل القرون الفاضلة، المشهود لهم من المشرع صلوات الله وسلامه عليه بالخيرية. وقد بالغ بعضهم فقواه على المسند3 معللا ذلك بأن من أسند فقد أحالك، ومن أرسل فقد تكفل لك4 وهو توجيه كما ترى!! وأما الإمام الشافعي -رضي الله عنه- فقد احتج به بشروط،

_ 1 التدريب ص120. 2 المصدر السابق. 3 أي الذي ذكر له إسناد متصل. 4 أحالك: أي على البحث عن الرواة ومعرفة عدالتهم وضبطهم. تكفل لك: أي ضمن لك عدالتهم وضبطهم.

قال في كتابه "الرسالة": "إن مراسيل كبار التابعين حجة إن جاءت من وجه آخر ولو مرسلة، أو اعتضدت بقول صحابي، أو أكثر العلماء، أو كان المرسل لو سمي لا يسمى إلا ثقة, فحينئذ يكون مرسله حجة، ولا ينتهض إلى رتبة المتصل، وأما مراسيل غير كبار التابعين فلا أعلم أحدا قبلها". وقد قيل: إن الإمام الشافعي لا يحتج بالمرسل إلا مراسيل سعيد بن المسيب؛ لأنه تتبعها فوجدها مسندة من وجوه أخر، وقد حقق الإمام النووي أن الإطلاق في النفي والإثبات غير صحيح, وأن الصحيح أنه يحتج بمراسيل سعيد بن المسيب وغيره إذا استكملت الشروط التي ذكرناها، وليس لابن المسيب ميزة في هذا إلا أنه أصح التابعين إرسالا, على أن في مراسيله ما لم يوجد مسندا بحال من وجه صحيح. وقد اعتمد الإمام النووي في هذا على ما قاله إمامان جليلان1 حافظان فقيهان شافعيان متضلعان في الحديث والفقه والأصول والخبرة التامة بنصوص الشافعي ومعاني كلامه2. ومما ينبغي أن يعلم أن بعض التابعين قد يرسل الحديث لكونه سمعه عن كثير من الصحابة, أو لغير ذلك من الأغراض, فإرسال مثل هذا لا يطعن في روايته المرسلة. روي عن الحسن البصري أنه قال: "إنما أطلقه -أي المرسل- إذ سمعته من سبعين من الصحابة", وكان يحذف اسم علي رضي الله عنه لخوف الفتنة. "مرسل الصحابي": هو ما يرويه صغار الصحابة وأحداثهم كابن عباس من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو فعله، أو تقريره، ولم يسمعوه منه أو يشاهدوه.

_ 1 الإمامان الخطيب البغدادي، والبيهقي. 2 التدريب شرح التقريب ص67، 68 ط بولاق.

مثاله: حديث عائشة -رضي الله عنها- في بدء الوحي, رواه البخاري ومسلم وغيرهما؛ فعائشة -رضي الله عنها- لم تشهد القصة، ولم تكن ولدت حينئذ فهي إما أن تكون سمعت الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك، أو يكون بعض الصحابة أخبرها به فيكون من مراسيل الصحابة، وعلى هذا الاحتمال الثاني يكون الاستدلال بالحديث. "حكمه" أنه حجة عند المحدثين والفقهاء, وهو في حكم الموصول المسند؛ لأن أكثر روايتهم عن الصحابة1, والجهالة بالصحابة لا تضر؛ لأنهم كلهم عدول, ثم إن بعض العلماء ذكر أن الاحتجاج به موضع إجماع، وقد ذكر ابن الأثير وغيره في ذلك خلافا في الاحتجاج به عند الفقهاء، ويحكى عدم قبوله عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني لاحتمال تلقيه عن بعض التابعين. وقد روى جماعة من الصحابة عن التابعين كابن عباس, وبقية العبادلة, فقد رووا عن كعب الأحبار بعض المرويات, ولكن فيما لا يتعلق بالحلال والحرام، وكعب من التابعين وقد صنف الخطيب وغيره في رواية الصحابة عن التابعين, فذكر جملة من الأحاديث, والحق أن روايات الصحابة عن التابعين قليلة نادرة، وأنها على قلتها ليست أحاديث مرفوعة، وإنما هو من الإسرائيليات، أو قصص وحكايات، أو موقوفا2.

_ 1 ذكر الغزالي في "المستصفي" أن عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة, وهو قول غريب عجيب، وقد قلده في مقالته من غير بحث جماعة، وقال محمد بن جعفر المعروف بغندر: إنها عشرة, وقال يحيى بن معين وأبو داود: إنها تسعة. وهو قول غير مقبول أيضا, وذكر بعض المتأخرين: إنها دون العشرين, لكنها من طرق صحاح, وقد اعتنى الحافظ ابن حجر بجميع الصحاح والحسان منها, فزادت عنده على الأربعين، وهذا سوى ما هو في حكم السماع كحكاية حضور فعل حدث بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم. "فتح الباري ج11، ص483" أقول: وهذا الذي وصل إليه الحافظ الكبير هو الحق ولا يلتفت لما سواه. 2 التدريب شرح التقريب ص71.

المنقطع

"المنقطع": تعريفه: قد اختلفت آراء العلماء في تعريف المنقطع, وهاك آراءهم في ذلك: "الأول" تعريف الحاكم أبي عبد الله: المنقطع: هو ما سقط فيه قبل الوصول إلى التابعي راوٍ في موضع أو في مواضع, أو ذكر فيه بعض الراوة بلفظ مبهم نحو رجل أو شيخ مثلًا. فالفرق بينه وبين المرسل عنده أن المرسل ما رواه التابعين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير ذكر الصحابي. وانتقد تعريف الحاكم: بأن الصحيح أن يقال: "إلى الصحابي"؛ لأن ما سقط منه التابعي يسمى معضلًا لا منقطعًا. وبأن ما روي عن شخص مبهم لا يوافقه عليه الأكثرون من العلماء, فإنهم لا يسمونه منقطعًا بل هو متصل في إسناده مجهول كما نبه على ذلك الإمام العراقي في تعليقاته على "علوم الحديث" لابن الصلاح. مثال ما حذف فيه راوٍ واحد في أكثر من موضع ما رواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يُثَيْع1 عن حذيفة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن وليتموها أبا بكر فقويّ أمين ... " الحديث. فهذا إسناد ظاهره الاتصال, ولكن إذا تأمل فيه الماهر في صنعة الحديث وجده منقطعًا في موضعين؛ لأن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري, وإنما سمعه من النعمان بن أبي شيبة الجندي2 عن الثوري؛ ولأن الثوري لم يسمعه أيضًا من أبي إسحاق, إنما رواه عن شريك عن أبي إسحاق, ومثال

_ 1 بضم الياء التحتية وفتح الثاء وإسكان الياء التحتية, ويقال: أثيع بهمزة بدل الياء. 2 بفتح الجيم والنون.

الثاني: الحديث الذي رواه أبو العلاء بن الشِّخِّير1 عن رجلين عن شداد بن أوس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء في الصلاة: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمور وعزيمة الرشد، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأستغفرك لما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأسألك من خير ما تعلم". قال الحاكم: هذا مثال لنوع من المنقطع لجهالة الرجلين بين أبي العلاء بن الشخير، وشداد بن أوس. أقول: وقد علمت الحق في مثل هذا آنفا. الثاني: تعريف الفقهاء وبعض المحدثين كالخطيب وابن عبد البر: المنقطع: هو ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان سواء أكان الساقط منه الصحابي أو غيره, إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال عند الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وأكثر ما يوصف بالانقطاع ما رواه من دون التابعي عن الصحابي, وسواء أكان من أول السند أو وسطه أو آخره، وسواء أكان الساقط واحدا أم أكثر. قال ابن الصلاح في مقدمته: "وهذا المذهب أقرب, صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم, وهو الذي ذكره الحافظ أبو بكر في كفايته"2. ولعلك على ذكر مما ذكرناه لك في تعريف المرسل عند الفقهاء، وعلى ذلك يكون المنقطع والمرسل عندهم عند الإطلاق سواء، وتكون النسبة بينهما التوافق. "مثاله": مالك عن ابن عمر ... فإن مالكا -رضي الله عنه- لم

_ 1 بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة. 2 هكذا في "علوم الحديث" ص46, وفي مختصره لابن كثير في كتابيه, وللخطيب كتابان في علوم الحديث: أحدهما يسمى "الكفاية في قوانين الرواية", والثاني يسمى: "الجامع لآداب الشيخ والسامع". فلعل المراد الأول المسمى بالكفاية على ما في المقدمة، أو هما معا كما في المختصر.

يسمع من ابن عمر, وإنما سمع من نافع عن ابن عمر, ومن أمثلته التعاليق التي في صحيح البخاري ومسلم عن غير شيوخهما، ومراسيل أبي داود ونحوها. "القول الثالث": المنقطع: هو ما روي عن التابعي, أو من دونه قولا كان أو فعلا, وهذا القول غريب ضعيف لأن المعروف أن ذلك يسمى مقطوعا لا منقطعا وبينهما فرق. "تعريف المحققين من المحدثين": ذهب المحققون من المحدثين كالحافظين العراقي وابن حجر وغيرهما إلى ما يأتي: المنقطع: هو ما سقط منه قبل الصحابي راوٍ واحد في موضع أو في مواضع، فإن سقط منه واحد في موضع قيل له: منقطع، فإن سقط منه اثنان في موضعين قيل له: منقطع في موضعين وهكذا. أما إن سقط منه الصحابي فهو المرسل، وإن سقط منه اثنان على التوالي فهو المعضل, وعلى هذا تكون النسبة بين المرسل والمنقطع، والمعضل التباين, ولو استبعدنا من تعريف الحاكم ما ذكرنا فيه أحد الرواة بلفظ مبهم, لكان تعريفه موافقا لتعريف المحققين من المحدثين. ومثال المنقطع عند المحدثين المثال الذي ذكرناه أولا. "بم يعرف الانقطاع؟ ": يعرف الانقطاع بين الراوي والمروي عنه؛ إما بعدم المعاصرة، أو بعدم الاجتماع به واللقى، ولم تكن له منه إجازة، وذلك يعرف من جهة علم "تاريخ الرجال" المبين لمواليد الرواة ووفياتهم وتعيين أوقات طلبهم، وارتحالهم ولقاءاتهم, ولذلك عني المحدثون بعلم تاريخ الرجال عناية فائقة، وألفوا في ذلك كتبا كثيرة وواسعة ذكروا فيها كل راوٍ

بما له، وما عليه، وشرحوهم فيها تشريحا دقيقا عادل لا تحيف فيه, ولا غبن. ثم إن الانقطاع قد يكون ظاهرا, وقد يكون خفيا, فلا يدركه إلا أهل المعرفة والإتقان, وقد يعرف بمجيئه من وجه آخر بزيادة رجل أو أكثر.

فائدة تتعلق بالمنقطع

"فائدة تتعلق بالمنقطع": ذكر الرشيد العطار أن في صحيح الإمام مسلم بن الحجاج بضعة عشر حديثا في سندها انقطاع، وهذا مشكل؛ لأن المنقطع من قبيل الضعيف عند المحدثين كما ذكرنا ومسلم إنما التزم في صحيحه تخريج الأحاديث المسندة المتصلة!! وقد أجاب عنها بأنها جاءت متصلة إما من وجه آخر عنده أو من ذلك الوجه عند غيره ومن هذه الأحاديث: "حديث حميد الطويل عن أبي رافع أنه لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض طرق المدينة ... " الحديث. وصوابه: حميد عن أبي بكر المزني عن أبي رافع كما أخرجه الخمسة، وأحمد، وابن أبي شيبة في مسنديهما ومنها: حديث السائب بن يزيد عن عبد الله السعدي عن عمر في العطاء, وصوابه: السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى، عن ابن السعدي كما أخرجه البخاري والنسائي, ومن أراد استقصاء الأحاديث المنقطعة كلها, فليرجع إلى التدريب1.

_ 1 التدريب ص71، 72 ط بولاق.

المعضل

"المعضل": تعريفه: المعضل لغة: مأخوذ من أعضله الأمر بمعنى أعياه فهو من أعضل المتعدي لا من أعضل القاصر بمعنى استغلق, وأشكل؛ لأن اسم المفعول في مثل هذا إنما يأتي من المتعدي لا من القاصر وأعضل المتعدي منقول من عضل اللازم، فالهمزة للتعدية، وعلى ذلك يكون عضل لازما وأعضل يأتي لازما ومتعديا. ومما يدل على وجود عضل قاصرا ورود فعيل -بمعنى فاعل- منه كقولهم: أمر عضيل أي مستغلق شديد، ومثل ذلك "ظلم الليل، وأظلم الليل، وأظلم الله الليل", وبذلك ظهر أن لا إشكال في استعمال المحدثين لهذه الكلمة من حيث اللغة، وكأن الراوي بإعضال الحديث قد أعياه وأضعفه, فلم ينتفع به من يرويه عنه. وفي الاصطلاح: هو ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا على التوالي. وهذا هو المعتبر عند المحدثين وبذلك يتميز عن المرسل: الذي سقط منه الصحابي, والمنقطع: الذي سقط منه راوٍ واحد في موضع أو في أكثر. ومن العلماء من يسميه مرسلا كالخطيب، ومنهم من يجعله نوعا من أنواع المنقطع ويقول: كل معضل منقطع، ولا عكس، وهذا إنما يتمشى على مذهب من يرى أن المرسل والمنقطع يطلقان على كل ما لم يتصل إسناده, وهم الفقهاء ومن وافقهم, مثاله: ما يرويه تابع التابعي قائلا فيه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم ... كذا, أو فعل كذا, وكذلك ما يرويه من دون تابع التابعي عن رسول الله أو عن أبي بكر، وعمر وغيرهما غير ذاكر للوسائط بينه وبينهم. ومن ذلك قول الإمام مالك في "الموطأ" بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من الأعمال إلا ما يطيق". فقد سقط بين مالك وأبي هريرة اثنان، وذلك أن مالكا قد روى هذا الحديث متصلا خارج الموطأ, فرواه عن محمد بن

عجلان عن أبيه عن أبي هريرة فعرفنا بذلك سقوط اثنين منه1, ومن ذلك قول المصنفين من الفقهاء, وغيرهم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا. ومما يلحق بالمعضل -كما قال ابن الصلاح- أن يروي تابع التابعي عن التابعي حديثا موقوفا عليه, وهو حديث متصل مسند إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل. مثاله: ما روى الأعمش عن الشعبي قال: "يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا. فيقول: ما عملته، فيختم على فيه فتنطق جوارحه، أو لسانه فيقول لجوارحه أبعدكم الله ما خاصمت إلا فيكن". فقد أعضله الأعمش, وهو عند الشعبي عن أنس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متصلا مسندا وبذلك يكون المحذوف منه اثنان: الصحابي ورسول الله -صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ ابن حجر: إن ما ذكره ابن الصلاح له شرطان. 1- أن يكون مما يجوز نسبته إلى غير النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلا فهو مرسل. 2- أن يروى مسندا من طريق الذي وُقِف عليه وإلا فهو موقوف على التابعين لا معضل لاحتمال أنه قاله من عنده, فلم يتحقق شرط التسمية من سقوط اثنين2.

_ 1 قال السيوطي في التدريب: بل ذكر النسائي في التمييز أن محمد بن عجلان لم يسمعه من أبيه, بل رواه عن بكير عن عجلان. 2 التدريب ص131، 132 ط المحققة.

فائدتان

"فائدتان": "الأولى": قال السيوطي: قال شيخنا الإمام الشمني: خص التبريزي المنقطع والمعضل بما ليس في أول الإسناد, فأما ما كان في أوله فمعلق وكلام ابن الصلاح أعم. "الثانية": من مظان المعضل، والمنقطع، والمرسل كتاب السنن لسعيد بن منصور، ومؤلفات ابن أبي الدنيا.

تفريعات

"تفريعات": "الأول": الإسناد المعنعن: وهو الذي يقال فيه: فلان عن فلان. ما حكمه؟ أهو محمول على الاتصال؟ أم هو من قبيل المرسل والمنقطع؟ ذهب بعض العلماء إلى أنه من قبيل المرسل والمنقطع حتى يتبين اتصاله والصحيح الذي عليه العمل أنه متصل محمول على السماع, وهو الذي ذهب إليه جماهير العلماء من المحدثين وغيرهم, وادعى أبو عمرو الداني1 المقرئ, وابن عبد البر حافظ المغرب إجماع أهل العلم على هذا. وقد اشترطوا لإفادته الاتصال شرطين: 1- معاصرة الراوي لمن روى عنه مع ثبوت اللقاء. 2- البراءة من وصمة التدريس2, وقد اكتفى الإمام مسلم بالمعاصرة فحسب، ولم يشترط ثبوت اللقاء بالفعل, وأنكر على من اشترط اللقاء، وشنع عليه في خطبة كتابه الصحيح, وقال: "إن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثا أن يثبت كونهما في عصر واحد, وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها"3. والحق هو الأول, وهو اشتراط المعاصرة مع اللقي، قال ابن الصلاح في مقدمته: "وفيما قاله مسلم نظر, وقد قيل: إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا الشأن: الشافعي وعلي بن المديني؛ والبخاري، وغيرهما"4, ولهذا رجح صحيح البخاري على صحيح مسلم واشترط أبو المظفر السمعاني مع اللقاء طول الصحبة فزاد هذا على ما شرط الجمهور

_ 1 الداني نسبة إلى دانية بلدة من بلاد الأندلس. 2 التدريب ص132 ط المحققة. 3 مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص130. 4 علوم الحديث بشرح العراقي ص72.

وهو قول ضعيف, والعمل عند المحدثين على خلافه. "الثاني": اختلفوا في قول الراوي: إن1 فلانا قال: كذا، أهو مثل قوله: عن فلان, فيكون محمولا على الاتصال حتى يثبت خلافه، أم هو دون قوله عن فلان؟ فذهب البعض إلى أنهما ليسا سواء, فجعلوا "عن" تفيد الاتصال, و"أن" في حكم الانقطاع حتى يثبت خلافه. وذهب الجمهور من العلماء إلى أنهما سواء, وأنهما يفيدان الاتصال بالشرطين المتقدمين: 1- المعاصرة مع اللقي. 2- أن لا يكون معروفا بالتدليس. وما ذهب إليه الجمهور هو ما ذهب إليه الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، ويقوي ما ذهب إليه الجمهور ما حكاه ابن عبد البر من إجماع العلماء على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه أن يقول الصحابي: قال رسول الله، أو عن رسول الله, أو إن رسول الله قال كذا مثلا، أو سمعت رسول الله يقول كذا، فكل ذلك محمول على السماع. "الثالث": الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا، ورواه بعضهم متصلا, ما حكمه؟ أهو من قبيل المتصل؟ أم من قبيل المرسل؟ خلاف بين العلماء. منهم من قال: إن الحكم للمرسل، ومنهم من قال: الحكم للأكثر، والأحفظ، فإذا كان من أرسله أكثر أو أحفظ فالترجيح للمرسل، ولا يقدح في عدالة من وصله وأهليته، وقيل: يقدح في عدالته وأهليته. ومنهم من قال: الحكم لمن أسنده مطلقا إذا كان عدلا فيقبل خبره، وإن خالفه غيره سواء أكان المخالف له واحدا أم جماعة، وهذا القول

_ 1 الإسناد الذي فيه "إن فلانا قال" يسمى "المؤنن" أو "المأنأن" وأن بفتح الهمزة ويجوز كسرها.

الأخير هو الصحيح الذي صححه الخطيب وابن الصلاح وعليه جمهور الفقهاء، والأصوليين. وسئل الإمام الكبير البخاري عن حديث: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" فحكم لمن وصله وقال: الزيادة عن الثقة مقبولة هذا مع أن من أرسله شعبة، وسفيان وهما جبلان في الحفظ والإتقان. وقيل: إن البخاري لم يحكم بذلك لمجرد الزيادة بل لأن لحذاق المحدثين نظرا آخر, وهو الرجوع إلى القرائن دون الحكم بحكم مطرد1. وما قاله الإمام البخاري, هو الحق الذي لا محيص عنه, فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ وكذلك يكون الحكم فيما إذا رواه بعضهم مرفوعا ورواه بعضهم موقوفا, ومثل ذلك ما إذا روى الراوي حديثا واحدا, واختلفت الرواية عنه فروي عنه مرة مرفوعا ومرة موقوفا، أو مرة موصولا، ومرة مرسلا, فالصحيح في ذلك تقديم الرواية الزائدة؛ لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة.

_ 1 التدريب ص77.

المعلق

"المعلق" 1: التعليق لغة: هو قطع الاتصال. وفي الاصطلاح: هو الحديث الذي حذف من مبتدأ إسناده راوٍ واحد أو أكثر ولو كان السند كله فلو قال إمام من الأئمة كالبخاري مثلا: قال مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا، أو قال الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا، أو قال مجاهد عن ابن عباس عن النبي, أو قال ابن عباس كذا، أو قال رسول الله كذا، سمي

_ 1 بينه وبين المعضل عموم وخصوص من وجه فيجامعه في حذف اثنين فصاعدا في أول السند وينفرد المعضل في حذف اثنين في وسط السند، وينفرد المعلق في حذف واحد في أول السند.

ذلك كله معلقا؛ لأن بين البخاري ومالك وبين البخاري والزهري، وبينه وبين مجاهد، وبينه وبين ابن عباس رواة محذوفون. ومثاله: قول البخاري: قال بَهْز بن حكيم عن أبيه، عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "الله أحق أن يستحيا منه". وقد جعل العلماء المعلق من قبيل الضعيف للجهل بحال الراوي المحذوف، لجواز أن يكون غير ثقة -ليس بعدل، ولا ضابط- فلمكان هذا الاحتمال لا يقبل الحديث الذي سنده هكذا على سبيل الاحتياط للأحاديث وصيانتها عن التزيد والاختلاق، أو الخطأ، والغلط وقد يحكم بصحة المعلق أو بحسنه إن عرف المحذوف بأن يجيء مسمى من وجه آخر أما حكم المعلق في الصحيحين, فمنه ما هو صحيح، ومنه ما هو حسن، ومنه ما هو ضعيف، وقد قدمنا حكم التعليق عندهما فيما سبق بعد مبحث الصحيح فكن على ذكر منه.

المدلس

"المدلس": المدلس: "بضم الميم وفتح اللام المشدودة" في اللغة: مأخوذة من الدلس "بفتح اللام", وهو: اختلاط الظلام بالنور وأطلقه المحدثون على الأنواع الآتية لاشتراكها في الخفاء وعدم الوضوح. وفي اصطلاح المحدثين له أقسام عدة أشهرها ثلاثة: "القسم الأول": تدليس الإسناد عرفه ابن الصلاح, فقال: هو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه, وذلك بأن يأتي بلفظ محتمل كقال فلان أو عن فلان, ونحوهما1, وقد يكون بينهما واحد, وقد يكون أكثر.

_ 1 أما إن أتى بصيغة صريحة في السماع أو الحديث, ولم يكن سمعه من شيخه, ولا قرأه عليه, فلا يكون تدليسا بل يكون كذبا مسقطا للعدالة.

وخالف ابن الصلاح الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها ففرق بين ما إذا روى عمن لقيه ما لم يسمعه منه, وما إذا عاصره, ولم يلقه فجعل الأول تدليسًا والثاني مرسلًا خفيًّا. واستدل لما ذهب إليه بإطباق أهل العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين1 كأبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس، ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى به في التدليس, لكان هؤلاء مدلسين؛ لأنهم عاصروا النبي -صلى الله عليه وسلم- قطعًا, ولكن لم يعرف: هل لقوه؟ أم لا؟ 2 وممن قال باشتراط اللقاء في التدليس أيضًا الإمام الشافعي وأبو بكر البزار، وكلام الخطيب في الكفاية يقتضيه، وهو المعتمد، ويعرف عدم الملاقاة بإخباره عن نفسه بذلك, أو جزم إمام مطلع بذلك، ولا يكفي أن يقع في بعض الطرق زيادة راوٍ أو أكثر بينهما، لاحتمال أن يكون من المزيد في متصل الأسانيد3. مثاله: ما روي عن علي بن خشرم قال: كنا عند سفيان بن عيينة, فقال: قال الزهري كذا. فقيل له: حدثكم الزهري؟ فسكت، ثم قال: قال الزهري، فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لم أسمعه من الزهري, ولا ممن سمعه من الزهري, حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. "ذم هذا النوع": وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء، وذموه، وكان شعبة بن الحجاج أشد الناس إنكارا له, روى عنه الإمام

_ 1 جمع مخضرم -بضم الميم وفتح الخاء وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء المهملة- اسم مفعول من خضرم عما أدركه أي قطع وقيل: بكسر الراء اسم فاعل من خضرم أذن الناقة إذا قطعها، كما حكى الحاكم عن بعض مشايخه, وذلك أن أهل الجاهلية ممن أسلم كانوا يخضرمون آذان الإبل ليكون علامة على إسلامهم إن أغير عليهم أو حوربوا. 2 التعبير الصحيح: ألقوه؟ أم لا؟ لأن هل يسأل بها عن التصديق. 3 شرح النخبة ص29 ط الاستقامة.

الشافعي أنه قال: التدليس أخو الكذب، وقال أيضا: "لأن أزني أحب إليَّ من أن أدلس", واعتبر ابن الصلاح هذا القول من شعبة مبالغة في الزجر عنه والتنفير منه1. "حكم هذا النوع": وقد اختلف العلماء في قبول رواية من عرف بهذا النوع من التدليس, فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك، وقالوا: لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين، ونقل السيوطي في التدليس أن ابن عبد البر نقل عن أئمة الحديث أنه يقبل تدليس ابن عيينة؛ لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما، ورجحه ابن حبان وقال: هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة, فإنه كان يدلس, ولا يدلس إلا عن ثقة متقن, ولا يكاد يوجد له خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل ثقته, ثم مثل ذلك بمراسيل كبار التابعين, فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي وسبقه إلى ذلك أبو بكر البزار وأبو الفتح الأزدي2 وهذا يعتبر قول ثان. والصحيح التفصيل: فما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال, فهو مرسل لا يقبل، وما رواه بلفظ مبين للاتصال, نحو سمعت وحدثنا وأخبرنا ونحوها, فهو مقبول محتج به، وليس أدل على هذا من أنه يوجد في الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير كقتادة، والسفيانين3 وهشام بن بشير، وعبد الرزاق، والوليد بن مسلم؛ لأن التدليس ليس كذبا, وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل، وهذا الحكم جار كما نص عليه الشافعي فيمن دلس ولو مرة واحدة. ومما ينبغي أن يعلم أن ما كان في الصحيحين وأشباههما من الكتب التي التزمت الصحة من الرواية عن المدلسين الذين رووا بلفظ عن

_ 1 علوم الحديث ص81. 2 تدريب الراوي ص80. 3 سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري.

محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى، ولذلك نجد البخاري ومسلما كثيرا ما يذكرون للحديث الواحد أكثر من سند لهذا الغرض، وقد يختار صاحب الصحيح طريق العنعنة على طريق التصريح بالسماع لكونها على شرطه دون تلك. وفصل بعضهم تفصيلا آخر فقال: إن كان الحامل له على التدليس تغطية الضعيف فجرح؛ لأن ذلك حرام وغش وإلا فلا. "القسم الثاني" تدليس الشيوخ: وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف كي لا يعرف. "مثاله" ما روي عن أبي بكر بن مجاهد المقرئ أنه روى عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني فقال: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن النقاش المفسر شيخ المقرئين في عصره المتوفى سنة 351هـ, فقال: حدثنا محمد بن سند نسبه إلى جد له عالٍ. "حكمه": قال ابن الصلاح: إن هذا القسم أمره أخف من الأول, وفيه تضييع للمروي عنه وللمروي أيضا؛ لأنه ربما لا يتنبه إليه فيصير بعض رواته مجهولا, فلا يقبل ذلك الحديث, وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته، ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه فقد يحمله على ذلك كون شيخه غير ثقة أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه، أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه، أو كونه كثير الرواية عنه, فلا يجب الإكثار من ذكر اسمه بلفظ واحد، وتسمح بذلك جماعة من العلماء المصنفين منهم الخطيب البغدادي. أما حكمه فقد قال العراقي: جزم ابن الصباغ في العدة أن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس، وإنما أراد أن يغير

اسمه ليقبلوا خبره, يجب أن لا يقبل خبره يعني يكون مجروحا بذلك، وإن كان هو يعتقد فيه الثقة, فهو غلط لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه هو، وإن كان لصغر سنه, فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يقبل خبره حتى يعرف من روى عنه1, وقال الآمدي: إن فعله لضعفه فجرح أو لضعف نسبة أو لاختلافهم في قبول روايته, فلا يكون جرحا وقال ابن السمعاني: إن كان بحيث لو سئل عنه لم يبينه, فجرح وإلا فلا. ومنع بعضهم إطلاق اسم التدليس على هذا, روى البيهقي في المدخل عن محمد بن رافع قال: قلت لأبي عامر: كان الثوري يدلس؟ قال: لا، قلت: أليس إذا دخل كورة يعلم أن أهلها لا يكتبون حديث رجل قال: حدثني رجل، وإذا عرف الرجل بالاسم كناه، وإذا عرف بالكنية سماه؟ قال: هذا تزيين ليس بتدليس2. "القسم الثالث" تدليس التسوية, وهو أن يسقط المدلس غير شيخه لضعفه أو لصغره, فيصير الحديث ثقة عن ثقة, فيحكم له بالصحة، وممن اشتهر بذلك الوليد بن مسلم كان يحذف شيوخ الأوزاعي الضعفاء، ويبقي الثقاة, فقيل له: لقد أفسدت حديث الأوزاعي، قال: كيف؟ فقيل له: تروي عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن الزهري, وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري إبراهيم بن مرة، قال: أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء فقيل له: فإذا روى عن هؤلاء, وهم ضعفاء أحاديث مناكير, فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي؟ فلم يلتفت الوليد إلى ذلك القول؛ قال الخطيب: وكان الأعمش وسفيان الثوري يفعلان مثل هذا.

_ 1 مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي ص83. 2 تدريب الراوي ص80.

"حكم هذا القسم" وهذا النوع شر الأقسام, وفيه تغرير شديد, قال العراقي: وهو قادح فيمن تعمد فعله، وقال الحافظ ابن حجر: لا شك أنه جرح, وإن وصف به الثوري والأعمش، فلا اعتذار عنهما أنهما لا يفعلانه إلا في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفا عند غيرهما, وابن القطان سمى هذا النوع تسوية بدون لفظ التدليس, فيقول: سواه فلان, وهذه تسوية, والقدماء يسمونه: تجويدا, فيقولون: جوده فلان أي ذكر من فيه الأجواد, وحذف غيرهم1.

_ 1 تدريب الراوي ص78.

الشاذ

"الشَّاذُ": الشاذ في اللغة من معانيه المنفرد، ففي المصباح "شذ يُشِذ ويَشُذ شُذوذا انفرد عن غيره", وفي القاموس: "شذ يَشُذ ويشِذ شَذًّا وشذوذا ندر عن الجمهور". وفي اصطلاح المحدثين له تعريفات أشهرها: "الأول": عرفه الإمام الشافعي, فقال: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس أي الحافظ الثقات، ووافق الشافعي جماعة من العلماء. و"الثاني" قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتابه "الإرشاد": الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان من غير ثقة, فمتروك لا يقبل, وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به فجعل الشاذ مطلق المتفرد من غير اعتبار المخالفة. "الثالث": وقال الحاكم أبو عبد الله: هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع لذلك وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك.

قال: ويغاير المعلل بأن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك، فتعريف الحاكم أخص من تعريف الخليلي1. "نقد هذين التعريفين": وقد انتقد ابن الصلاح, وتابعه النووي هذين التعريفين بأنهما منتقضان بالأحاديث التي انفرد بروايتها العدل الضابط الحافظ, وذلك كحديث: "إنما الأعمال بالنيات ... " , فإنه تفرد به عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وتفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد به عن محمد يحيى بن سعيد الأنصاري, وحديث النهي عن بيع الولاء وهبته فقد تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة, وعلى رأسه المغفر, تفرد به مالك عن الزهري, فكل هذه وأمثالها مخرجة في الصحيحين أو أحدهما مع أنها ليس لها إلا إسناد واحد، وقد قال الإمام مسلم: للزهري نحو تسعين حرفا يرويه ولا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد والمراد بالحرف الحديث. "تعريف ابن الصلاح": قال ابن الصلاح فهذا الذي ذكرناه لك, وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي قالاه وحينئذ فالصحيح التفصيل: فإن كان الثقة بتفرده مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمرًا لم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المتفرد, فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وإن لم يوثق بحفظه, ولكن لم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا، وإن بعد من ذلك كان شاذا منكرا

_ 1 المصدر السابق ص81.

مردودا فتحصل من هذا أن الشاذ المردود قسمان1: 1- الحديث الفرد الذي خالف فيه رواية من هو أولى منه بالحفظ والضبط. 2- الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد من النكارة والضعف. "تعريف الحافظ ابن حجر": قال: الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات كفقه الراوي وعلو سنده قال الحافظ: وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح، والمراد بالمقبول أعم من أن يكون ثقة أو صدوقا. "مثاله في السند": ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس "أن رجلا توفي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعتقه فقال -صلى الله عليه وسلم: "هل له أحد؟ " قالوا: لا، إلا غلام كان أعتقه فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميراثه له", وتابع ابن عيينة على وصله إلى ابن عباس ابن جريج وغيره، وخالفهم حماد بن زياد فرواه مرسلا عن عمرو بن دينار عن عوسجة ولم يذكر ابن عباس. قال أبو حاتم: المحفوظ حديث ابن عيينة فحماد بن زيد من أهل

_ 1 قد اعترض على ما ذكره ابن الصلاح من حديث: "إنما الأعمال بالنيات" , وتالييه بأنه رواه من الصحابة سبعة عشر صحابيا, وقيل: أكثر من ذلك, وأنه رواه عن عمر غير علقمة، وعن علقمة غير محمد، وعن محمد غير يحيى، وبأن حديث النهي عن بيع الولاء وهبته رواه غير ابن دينار عن ابن عمر، وبأن حديث المغفر لم ينفرد به مالك بل تابعه عن الزهري ابن أخي الزهري وآخرون، وأجيب عن الاعتراض على الحديث الأول بأنه لم يصح بهذا اللفظ إلا عن عمر, وأن معظم ما روى عن الصحابة إنما هو في مطلق الكذب لا في هذا اللفظ بعينه, وأنه لم يصح عن عمر إلا من الطريق الذي ذكره ابن الصلاح, وكذلك الحديث الثاني لم يصح إلا من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وأما الحديث الثالث, فقد سلم للمعترض, فقد تابع مالكا على روايته ابن أخي الزهري وآخرون. "التدريب ص82-83".

العدالة والضبط ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه فرواية حماد شاذة. "مثاله في المتن": ما رواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا "إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه", قال البيهقي: خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا فإن الناس إنما رووه عن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من قوله، وانفرد عبد الواحد من بين الثقات عن الأعمش بهذا اللفظ.

المحفوظ

"المحفوظ": ويقابل الشاذ المحفوظ, وهو ما رواه الراجح من الرواة مخالفا للمرجوح, وذلك مثل رواية سفيان بن عيينة السابقة, فهي المحفوظة.

المنكر

"المنكر": عرفه الحافظ أبو بكر البرديجي1 فقال: هو الحديث الذي لا يعرف متنه عن غير راويه وكذا أطلقه كثيرون من أهل الحديث. وقال ابن الصلاح: إن المنكر والشاذ بمعنى واحد, وإنه ينقسم إلى قسمين على ما ذكر في الشاذ. 1- الفرد المخالف لما رواه الثقات. 2- الفرد الذي ليس في رواته من الثقة الإتقان ما يحتمل معه تفرده. ومثل للأول بمثال ناقشه فيه العراقي ولم يسلم له، ومثل للثاني بمثال سلم له2. وقال الحافظ ابن حجر: المنكر، ما رواه الضعيف مخالفا لمن هو أولى منه, ومثاله ما رواه ابن أبي حاتم عن حُبَيِّب "بضم الحاء المهملة

_ 1 بفتح الباء وسكون الراء وكسر الدال المهملة نسبة إلى "برديج" قرب "بردعة" بلد بأذربيجان, ويقال له: البردعي أيضا. 2 مقدمة ابن الصلاح ص87-90.

وفتح الموحدة وتشديد التحتية المشددة" بن حبيب "بوزن كريم", وهو أخو حمزة الزيات الإمام المقرئ عن أبي إسحاق السَّبِيعي "بفتح السين وكسر الباء" عن العَيْزار "بفتح العين وسكون الياء" عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحج وصام وقرى الضيف دخل الجنة", قال أبو حاتم: هو منكر يعني بسبب إسناده, وإن كان معناه صحيحا؛ لأن غير حبيب من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفا على ابن عباس, وهو المعروف. وقد فرق الحافظ ابن حجر بين الشاذ والمنكر, فقال بعد أن ذكر تعريفهما: "وعرف بهذا أن بين الشاذ والمنكر عموما وخصوصا من وجه1؛ لأن بينهما اجتماعا في اشتراط المخالفة, وافتراقًا في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق, والمنكر رواية ضعيف, وقد غفل من سوى بينهما2 ومراده ابن الصلاح. "تعريف آخر للمنكر": ويطلق المنكر ويراد به أيضا ما رواه الراوي الذي فحش غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه, وهذا على رأي من لم يشترط المخالفة في المنكر3, ويقرب من هذا ما ذكره ابن الصلاح في النوع الثاني للشاذ والمنكر, أي ما انفرد به راويه الذي ليس بعدل ولا ضابط, ومثله لا يقبل تفرده.

_ 1 العموم والخصوص الوجهي كما يكون باعتبار الماصدق يكون باعتبار المفهوم, وهو المراد هنا وأما بحسب الماصدق فبينهما مباينة. 2 شرح نخبة الفكر ص31. 3 شرح نخبة الفكر ص32.

المعروف

"المعروف": وهو يقابل المنكر عند الحافظ ابن حجر, وعلى هذا فيعرف بأنه: ما رواه الراجح مخالفا للضعيف, "ومثاله" حديث: "من أقام الصلاة ... ". فالمعروف وقفه على ابن عباس أما رفعه فمنكر, والمحفوظ والمعروف من الأنواع التي أهملها العلامة ابن الصلاح واستدركها الحافظ ابن حجر "فائدة" قول بعض العلماء: أنكر ما رواه فلان لا يدل على أن الحديث منكر ضعيف؛ لأن النكارة هنا نسبية فمن ذلك ما قاله ابن عدي: أنكر ما روى يزيد بن عبد الله بن أبي بردة: "إذا أراد الله بأمة خيرا قيض بنيها قبلها". قال: وهذا طريق حسن رواته ثقات، وقد أدخله قوم في صحاحهم, والحديث في صحيح مسلم، وقال الذهبي: أنكر ما للوليد بن مسلم من الأحاديث: حديث حفظ القرآن, وهو عند الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم على شرط الشيخين.

المتروك

"المتروك": المتروك لغة: المرتحل عنه والمفارق رغبة عنه ففي المصباح المنير: "تركت المنزل تركا رحلت عنه, وتركت الرجل فارقته". وفي اصطلاح المحدثين: هو الحديث الذي لا يروى إلا من جهة المتهم بالكذب, ولا يعرف ذلك الحديث إلا من جهته, ويكون مخالفا للقواعد المعلومة من الشريعة أو رواه من عرف بالكذب في كلامه, وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث النبوي. قال السيوطي في التدريب: وهو نوع مستقل ذكره شيخ الإسلام كحديث صدقة الدقيقي عن فرقد عن مرة عن أبي بكر، وحديث عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث عن عليّ1.

_ 1 شرح النخبة ص32، والتدريب ص84.

المعل لا المعلول ولا المعلل

"المُعَلُّ" لا "المعلول" ولا "المُعَلَّل": تحقيق التسمية لغة: قال ابن الصلاح: ويسميه أهل الحديث: المعلول وذلك منهم, ومن الفقهاء -في قولهم في باب القياس: العلة والمعلول-مرذول عند أهل العربية واللغة، وتبعه الشيخ محيي الدين النووي فقال: إنه الحق؛ وذلك لأن معلول اسم مفعول من عله بمعنى: سقاه ثانيًا لا بمعنى: المعنى المقصود, وهو العلة ضد الصحة. وقد تُعُقِّب ما ذكراه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم: قطرب والجوهري في الصحاح والمطرزي في المغرب, وأنه يقال: عُلَّ فلان إذا أصابته علة، وما دام له وجه في العربية، وغلب استعماله في عبارات أهل الفن, فليكن أولى في الاستعمال, وقد أجاب عن ابن الصلاح الحافظ العراقي فقال: لا شك أنه ضعيف, وإن حكاه بعض من صنف في الأفعال كابن القوطية، وقد أنكره غير واحد من أهل اللغة كابن سيده والحريري وغيرهما, وبعد أن ساق كلامهم قال: والأحسن أن يقال: مُعَل بلام واحدة لا معلل, فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشيء من تعليل الصبي بالطعام, وأما بلام واحدة, فهو الأكثر في كلام أهل اللغة وفي عبارة أهل الحديث؛ لأن أكثر عبارات أهل الحديث في الفعل أن يقولوا: أعله فلان بكذا، والمفعول منه معل، وتقدم قول صاحب المحكم -هو ابن سيده- أن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل، وقال الجوهري: لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة1, وعلى هذا اخترت أن يكون العنوان: "المعل" لا "المعلول" ولا "المعلل". العلة في اللغة: "المرض الشامل والجمع علل ... واعتل إذا مرض ... وأعله جعله ذا علة" المصباح المنير, وفي القاموس المحيط: "العل والعلل محركة الشربة الثانية أو الشرب بعد الشرب تباعًا ... وعلله بطعام وغيره شغله تعليلًا شغله به ... والعلة بالكسر المرض عل يعل واعتل، وأعله الله فهو معل وعليل, ولا تقل: معلول, والمتكلمون يقولونها ولست منها على ثلج". فالعلة في الأصل للأجسام, واستعمالها في المعاني مجاز. والعلة في اصطلاح العلماء: سبب غامض خفي قادح في الحديث مع

_ 1 شرح العراقي على مقدمة ابن الصلاح ص96، 97.

أن الظاهر السلامة منه فالحديث المُعَلُّ، هو الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر سلامته منها. "علم العلل": وهذا الفن من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها، ولا يقوم به إلا من رزقه الله فهمًا ثاقبًا, وحفظًا واسعًا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون، وأحمد بن حنبل والبخاري، والدارقطني وأبي حاتم، وأبي زرعة وأمثالهم. والطريق إلى معرفة العلل جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته، وفي ضبطهم وإتقانهم, فيقع في نفس العالم العارف بهذا الشأن أن الحديث معلول، فيغلب على ظنه ذلك, فيحكم بعدم صحته، أو يتردد فيتوقف فيه. وقد تقصر عبارة المعلل الناقد عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي الماهر في نقد الدراهم والدنانير, والطبيب الحاذق المتمرس الذي يدرك المرض بمجرد النظر إلى المريض, وقد يعجزان عن إبداء سبب ظاهري. قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي: "معرفة علل الحديث إلهام لو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة، وكم من شخص لا يهتدي لذلك", وقيل له أيضا: إنك تقول للشيء هذا صحيح، وهذا لا يثبت، فعمن تقول ذلك؟ قال: أرأيت لو أتيت الناقد, فأريته دراهمك, فقال: هذا جيد وهذا بهرج1، أكنت تسأل عمن ذلك؟ أم تسلم له الأمر؟ قال: بل أسلم له الأمر, قال: فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخبرة، وسئل أبو زرعة: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته، ثم تقصد ابن

_ 1 بهرج على وزن جعفر، أي رديء مغشوش.

وارة1 فتسأله عنه، فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم2 فيعلله، ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث, فإن وجدت بيننا خلافا فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده, وإن وجدت الكلمة متفقة, فاعلم حقيقة هذا العلم ففعل الرجل ذلك، فاتفقت كلمتهم فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام3. "بم تكون العلة؟ ": والعلة قد تكون بالإرسال في الموصول، أو الوقف في المرفوع أو بدخول حديث في حديث، أو وهم واهم أو غير ذلك. "العلة تكون في السند والمتن": والعلة قد تكون في سند الحديث, وهو الأكثر, وقد تكون في متنه, وما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن معا كما في التعليل بالإرسال في الموصول, والوقف في المرفوع, وقد تقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن. مثال ما وقعت العلة في سنده من غير قدح في المتن: ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البيعان بالخيار" الحديث. فهذا الإسناد متصل بنقل العدل عن العدل, وهو معلل والعلة في قوله: عمرو بن دينار، وإنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى بن عبيد, فذكر عمرو بن دينار بدل عبد الله، والمتن على كل حال صحيح؛ لأن كليهما ثقة. "مثال العلة في المتن": الحديث الذي انفرد مسلم بإخراجه في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم بسنده عن أنس بن مالك أنه قال: صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وعمر، وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة

_ 1 هو الحافظ محمد بن مسلم بن وارة. 2 هو الحافظ أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي المتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. 3 شرح نخبة الفكر ص33، وتدريب الراوي ص79 ط القديمة.

ولا في آخرها. قال ابن الصلاح: فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه: فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر البسملة، وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح, ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له ففهم من قوله: "كانوا يستفتحون بالحمد لله" أنهم كانوا لا يبسملون، فرواه على ما فهم، وأخطأ؛ لأن معناه أن السورة التي كانوا يستفتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيه تعرض لذكر البسملة, ومما يدل على أن أنسا لم يرد نفي البسملة، وأن الذي زاد ذلك في آخر الحديث روي بالمعنى فأخطأ ما صح عنه أن أبا سلمة سأله: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو بسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: إنك سألتني عن شيء ما حفظته، وما سألني عنه أحد قبلك. وقد أطال الحافظ العراقي والحافظ السيوطي الكلام في تعليل حديث مسلم هذا فمن أراد الاستقصاء فليرجع إلى ما ذكراه1. "التوسع في إطلاق اسم العلة": قال ابن الصلاح: وقد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف, المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل, ولذلك نجد في كتب علل الحديث الكبير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ, ونحو ذلك من أنواع الجرح، وسمى الترمذي النسخ علة فإن أراد أنه علة في العمل بالحديث فصحيح أو في صحته فلا؛ لأن في الصحيح أحاديث كثيرة منسوخة, وأطلق أبو يعلى الخليلي في "الإرشاد" العلة على مخالفة لا تقدح في صحة الحديث كإرسال ما وصله الثقة الضابط, حتى قال: من الصحيح صحيح معل كما

_ 1 شرح العراقي على المقدمة ص98، 103، تدريب الراوي ص90، 91 ط القديمة.

قيل منه صحيح شاذ, وهو ممن يرى أن الشذوذ مطلق التفرد كما أسلفنا في بحث الشاذ. "الكتب المؤلفة في العلل": لقد ألفت في علل الحديث كتب كثيرة من أجلها كتاب العلل لعلي بن المديني, والعلل لعبد الرحمن بن أبي حاتم، وهو مرتب على أبواب الفقه، وكتاب العلل للخلال, والعلل للدارقطني قال ابن كثير: وهو من أجل كتاب بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده، ولكن يعوزه شيء لا بد منه, وهو أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله على الطلاب. قال السيوطي: وصنف شيخ الإسلام فيه "الزهر المطلول في الخبر المعلول", وقد قسم الحاكم أنواع المعلل إلى عشرة أقسام، وقد أوجزها السيوطي بأمثلتها في "التدريب"1 فمن أراد معرفتها فليرجع إليه.

_ 1 تدريب الراوي من ص167-169 ط المحققة.

المضطرب

"المضطرب": المضطرب: بكسر الراء اسم فاعل من اضطرب, والاضطراب في اللغة: الاختلاف كما في المصباح المنير. وفي اصطلاح المحدثين: هو الحديث الذي يختلف الرواة فيه, فيرويه بعضهم على وجه وبعضهم على وجه آخر أو يرويه راوٍ واحد على وجه، ومرة أخرى على وجه آخر من غير إمكان الترجيح. أما إذا ترجحت إحدى الروايتين أو الروايات بأن يكون راويها أحفظ, أو أكثر صحبة للمروي عنه, أو غير ذلك من وجوه الترجيحات كانت الراجحة صحيحة والمرجوحة شاذة أو منكرة. "حكم الاضطراب": أنه يوجب ضعف الحديث لإشعاره بأن الراوي لم يضبط، والضبط شرط في الصحيح والحسن، إلا في حالة ذكرها شيخ

الإسلام ابن حجر, وهي أن يقع الاختلاف في اسم راوٍ, أو اسم أبيه, أو نسبته مثلا, ويكون الراوي على أي حال ثقة، وفي الصحيحين أحاديث كثيرة بهذه المثابة, وكذا جزم الزركشي بذلك في مختصره فقال: "وقد يدخل القلب والشذوذ والاضطراب في قسم الصحيح والحسن". "أقسامه": الاضطراب قد يكون في السند فقط, وقد يكون في المتن، وقد يكون فيهما معا, وقد يكون من راوٍ واحد، وقد يكون من أكثر من راوٍ. "مثال الاضطراب في الإسناد": حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله! أراك، شبت. قال: "شيبتني هود وأخواتها". قال الدارقطني: هذا حديث مضطرب, فإنه لم يرو إلا من طريق أبي إسحاق، وقد اختلف فيه على نحو عشرة أوجه: فمنهم من رواه مرسلا، ومنهم من رواه موصولا، ومنهم من جعله من مسند أبي بكر، ومنهم من جعله من مسند سعد، ومنهم من جعله من مسند عائشة، وغير ذلك, ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضها على بعض والجمع متعذر. "ومثال الاضطراب في المتن": حديث البسملة الذي ذكرناه في المعل, فقد أعله الإمام ابن عبد البر بالاضطراب، والمضطرب بجامع المعل؛ لأنه قد تكون علته ذلك، وقد مثل ابن الصلاح لمضطرب الإسناد بمثال لم يسلم له، ومثل العراقي المضطرب المتن بحديث الواهبة نفسها, ولم يسلم له ذلك؛ لأن هذا الحديث صحيح ثابت, والجمع بين ألفاظه سهل, فإنها راجعة إلى معنى واحد, وشرط الاضطراب عدم إمكان الجمع أو الترجيح1.

_ 1 تدريب الراوي ص94، 95، مقدمة ابن الصلاح يشرحها للعراقي ص104.

المدرج

"المدرج": المدرج: اسم مفعول من أدرج، والإدراج في اللغة أن يدخل في الشيء ما ليس منه. وفي اصطلاح المحدثين: هو الحديث الذي زيد فيه ما ليس منه في السند, أو في المتن ويعرف المدرج بوروده منفصلا في رواية أخرى أو بالنص على ذلك من الراوي, أو من بعض الأئمة المطلعين أو باستحالة كونه -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك. أقسامه: ينقسم إلى قسمين: 1- مدرج المتن. 2- ومدرج السند. مدرج المتن: هو أن يدخل في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء من كلام بعض الرواة فيتوهم من يسمع الحديث أن هذا الكلام منه، وقد يكون في أول الحديث، وقد يكون في وسطه وقد يكون في آخره, وهو الأكثر. مثال المدرج في أول الحديث: ما رواه الخطيب البغدادي من رواية أبي قطن عمرو بن الهيثم وشبابة بن سوار عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار". فقوله: "أسبغوا الوضوء" مدرج من كلام أبي هريرة, وقد بينت ذلك رواية البخاري في صحيحه عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: أسبغوا الوضوء؛ فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: "ويل للأعقاب من النار" فقد وهم في الأولى أبو قطن، وشبابة عن شعبة, وقد رواه الجم الغفير عنه كرواية آدم. "ومثال المدرج في الوسط": ما رواه الدارقطني في السنن من طريق عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ". قال الدارقطني: هكذا رواه عبد الحميد عن

هشام, ووهم في ذكر الأنثيين والرفغ وأدرجه كذلك في حديث بسرة، والمحفوظ أن ذلك قول عروة، وكذا رواه الثقات عن هشام منهم: أيوب وحماد بن زيد وغيرهما، ثم رواه من طريق أيوب بلفظ: "من مس ذكره فليتوطأ" قال: وكان عروة يقول: إذا مس رفغيه أو أنثييه أو ذكره فليتوطأ, وكذا قال الخطيب، فعروة لما فهم من لفظ الخبر أن سبب نقض الوضوء مظنة الشهوة، جعل حكم ما قرب من الذكر كذلك، فقال ذلك، فظن بعض الرواة أنه من صلب الخبر فنقله مدرجا فيه، وفهم الآخرون حقيقة الحال ففصلوا. وقد يكون الإدراج في الوسط على سبيل التفسير من الراوي لكلمة غريبة مثل ما وقع في حديث عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي في صحيح البخاري, وغيره ففيه: "ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد" ... فقوله: وهو التعبد. تفسير من الزهري للتحنث أدرج في الحديث. "ومثال المدرج في آخر الحديث": ما روي في الصحيح عن أبي هريرة مرفوعا: "للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك", فهذا مما يتبين بادئ الرأي أن قوله: "والذي نفسي بيده ... إلخ" مدرج من قول أبي هريرة لاستحالة أن يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن أمه ماتت وهو صغير، ولأنه يمتنع منه أن يتمنى الرق, وهو أفضل الخلق على الإطلاق. "الثاني" مدرج السند: ومرجعه في الحقيقة إلى المتن, وهو أقسام: "الأول": أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف. "الثاني": أن يكون المتن عند راوٍ إلا طرفا منه, فإنه عنده بإسناده آخر فيرويه راوٍ عنه تاما بالإسناد الأول, ومنه أن يسمع الحديث من

شيخه إلا طرفا منه, فيسمعه عن شيخه بواسطة, فيرويه راوٍ عنه تاما بحذف الواسطة. "الثالث" أن يكون عند الراوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما راو عنه مقتصرا على أحد الإسنادين أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص به, لكن يزيد فيه من المتن ما ليس في الأول. "مثال الأول": ما رواه الترمذي عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن واصل ومنصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل, هكذا رواه جماعة عن واصل، وقد بين الإسنادين معا يحيى بن سعيد القطان في روايته عن سفيان, وفصل أحدهما عن الآخر، وروايته أخرجها البخاري في صحيحه. "مثال الثاني": حديث رواه أبو داود من رواية زائدة وشريك فرقهما والنسائي من رواية سفيان بن عيينة كلهم عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: ثم جئتهم بعد ذلك في زمان برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب، فقوله: "ثم جئتهم" ... ليس هو بهذا الإسناد، وإنما أدرج عليه، وهو من رواية عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل, وهكذا رواه مبينا زهير بن معاوية، وأبو بدر شجاع بن الوليد فميزا قصة تحريك الأيدي، وفصلاها من الحديث وذكرا إسنادها. "حكم الادراج" ما كان من الراوي عن عمد, فإنه حرام كله على اختلاف أنواعه باتفاق أهل الحديث والفقه والأصول لما يتضمن من التدليس والتلبيس, وعزو القول إلى غير قائله, ونسبة ما ليس من كلام رسول الله إليه. قال السمعاني: من تعمد الإدراج فهو ساقط العدالة وممن يحرف الكلم عن مواضعه, وهو ملحق بالكذابين، وأما ما وقع من الراوي

خطأ من غير عمد, فإن كان قليلا فلا حرج عليه إلا إن كثر خطؤه فيكون جرحا وطعنا في ضبطه وإتقانه أما الإدراج لتفسير شيء من معنى الحديث, ففيه تسامح, ولذلك فعله الزهري وغير واحد من الأئمة والأولى أن ينص الراوي على بيانه1. المؤلفات في المدرج: قد ألف فيه الخطيب البغدادي كتابا سماه "الفصل للوصل المدرج في المتن". فشفى وكفى على ما فيه من إعواز، وقد لخصه شيخ الإسلام ابن حجر وزاد عليه قدره مرتين أو أكثر في كتاب سماه "تقريب المنهج بترتيب المدرج".

_ 1 تدريب الراوي 96-98، مقدمة ابن الصلاح ص106-108.

المقلوب

"المقلوب": المقلوب: اسم مفعول من قلب, وهو في اللغة المحول والمصروف عن وجهه الصحيح قال في المصباح "قلبته قلبا من باب ضرب حولته عن وجهه وكلام مقلوب مصروف عن وجهه، وقلبت الرداء حولته وجعلت أعلاه أسفله". وفي اصطلاح المحدثين: هو الحديث الذي وقع تغيير في متنه أو في سنده بإبدال أو تقديم وتأخير ونحو ذلك. وهو قسمان: 1- مقلوب المتن. 2- مقلوب السند. "مثال مقلوب المتن": حديث أبي هريرة في السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ... ففي بعض طرق مسلم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله", فقد انقلب على أحد الرواة، وإنما هو كما في صحيح البخاري وبعض طرق مسلم: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"

وهو الصحيح فالإعطاء عادة باليمين لا باليسار، ومنه حديث أخرجه الترمذي مرفوعا: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه", أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب، وأخرجه ابن ماجه والنسائي بدون جملة: "وليضع" ... وأخرجه الترمذي أيضا وحسنه وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم وقال: على شرط مسلم وغيرهم من حديث وائل بن حجر بلفظ: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه", ولهذا صرح ابن القيم في زاد المعاد بأن الحديث الذي فيه: "وليضع يديه قبل ركبتيه" انقلب على بعض رواته، فكان الأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه", فقدم بعض الرواة اليدين على الركبتين، والرواية المقلوبة يناقض أولها آخرها. وأما القلب في الإسناد فقد يكون خطأ من بعض الرواة في اسم راو أو نسبه كأن يقول في مرة بن كعب، كعب بن مرة أو يكون حديثا مشهورا عن راو فيجعله عن راو آخر ليصير مرغوبا فيه كأن يكون الحديث مرويا عن سالم بن عبد الله, فيجعله عن نافع، أو يبدل الإسناد بإسناد آخر مثل ما روى حماد بن عمرو النصيبي -الكذاب- عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: "إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدءوهم بالسلام ... " الحديث. فإنه مقلوب قلبه حماد فجعله عن الأعمش, وإنما هو معروف عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة, أخرجه مسلم, وهذا الصنيع هو الذي يطلق على راويه أنه يسرق الحديث إذا قصد إليه. وكما يقع القلب قصدا من الراوي يقع غلطا, ومثاله ما روى إسحاق بن عيسى الطباع قال: حدثنا جرير بن حازم عن ثابت البناني عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني"

قال إسحاق بن عيسى: فأتيت حماد بن زيد, فسألته عن الحديث, فقال: وهم أبو النضر -هو جرير بن حازم- إنما كنا جميعا في مجلس ثابت، وحجاج ابن أبي عثمان معنا, فحدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" , فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس, فقد انقلب الإسناد على جرير، والحديث معروف من رواية يحيى بن أبي كثير رواه مسلم والنسائي من طريق حجاج بن أبي عثمان الصواف. "القلب عمدا": قد يقلب بعض المحدثين إسناد حديث قصدا للامتحان كما فعل علماء بغداد حين قدم عليهم الإمام البخاري، فإنهم اجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا لإسناد آخر وإسناد هذا لمتن آخر, ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الوعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم من البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه وهكذا حتى انتهى من أحاديثه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض, ويقولون: فهم الرجل، ومن كان منهم غير ذلك يحكم على البخاري بالعجز والتقصير وقلة العلم، ثم انتدب إليه رجل آخر فصنع مثل ما صنع الأول والبخاري يقول: لا أعرفه, وهكذا حتى تم العشرة فلما انتهوا التفت البخاري إلى الأول فقال له: أما حديثك الأول فهو كذا, وحديثك الثاني فهو كذا, وهكذا حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها, فأقر له العلماء بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل.

وهذا العمل لا يجوز إلا إن كان يريد به فاعله الاختيار، وشرط الجواز -كما قال الحافظ ابن حجر- أن لا يستمر عليه, بل ينتهي بانتهاء الحاجة، ولو وقع القلب عمدا لا لمصلحة بل للإغراب مثلا, فهو من أقسام الموضوع، ولو وقع غلطا فهو كالموضوع عند السخاوي، وعند كثير من العلماء من أقسام المقلوب على ما بينا1.

_ 1 حاشية علي القاري على شرح النخبة ص143، تدريب الراوي ص105، 107.

المطروح

"المطروح": بقي من أنواع الضعيف "المطروح", ولم يذكره غير الحافظ الذهبي, وقد خرجه من قولهم: "فلان مطروح الحديث". وقد عرفه بأنه ما كان دون الضعيف وأرفع من الموضوع. أقول: وعلى هذا يكون ذكره قبل الموضوع. وقد رتبت أنواع الضعيف من الضعيف إلى الأضعف، وقد أجمع العلماء على أن شر أنواع الضعيف هو الموضوع. والعجب من ابن الصلاح وصاحب "التقريب", وهو الإمام النووي, فقد جعلا بعد الموضوع "المقلوب", وكان حقه أن يكون قبل الموضوع. وقد رتب أنواع الضعيف من الأعلى إلى الأدنى الإمام الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة", وبدأ بالموضوع، ثم المتروك، ثم المنكر، ثم المعلل، ثم المدرج، ثم المقلوب، ثم المضطرب. وفي القاموس مادة "طرح" "ج1 ص237": "طرحه، وبه كمنع رماه، وأبعده فاطَّرحه وطرَّحه، والطِّرح: بالكسر, يعني بكسر الطاء المهملة، وكقبر، والطريح المطروح". فالمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ظاهرة؛ لأنه ما كان أدون

الضعيف وأرفع من الموضوع مهمل مرمي به. قال الإمام الذهبي: يروى في الأجزاء كثيرا، وفي بعض المسانيد الطوال, بل وفي سنن ابن ماجه، وجامع الترمذي مما يروي المتروكون، وهو داخل في أخبار المتروكين والضعفاء، ودون آخر مراتبها.

الحديث الموضوع

الحديث الموضوع تعريفه ... "الحديث الموضوع": الموضوع لغة: اسم مفعول مأخوذ من وضع الشيء يضعه وضعا، إذا حطه وأسقطه, أو مأخوذ من الضعة وهي الانحطاط في الرتبة، أو من وضعت المرأة ولدها إذا ولدته ففي القاموس: "مادة "وضع" وضعه يضعه -بفتح ضادها- وضعا، وموضعا وتفتح ضاده، وموضوعا: حطه، وعنه: حط من قدره ... وفلان نفسه وضعا، ووضوعا، وضعة، وضعة قبيحة أذلها، وعنقه: ضربها، والجنابة عنه: أسقطها والمرأة حملها وضعا، وتضعا بضمهما -أي التاء والضاد- وتفتح الأولى: ولدته والأحاديث الموضوعة: المختلفة، وفي حسبه ضعة -وبكسر: انحطاط، ولؤم وخسة". ومن ثم نرى أن الوضع يأتي بمعنى السقوط، وبمعنى الانحطاط والخسة، وبمعنى الولادة. وفي اصطلاح المحدثين: هو الحديث المختلق1 المكذوب على النبي -صلى الله عليه وسلم- أو على من بعده من الصحابة أو التابعين. فالمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ظاهرة؛ لأن الموضوع فيه معنى السقوط وفيه انحطاط في رتبته عن غيره، وفيه معنى التوليد وإيجاد ما لم يكن موجودا وإذا أطلق الموضوع ينصرف إلى المفترى

_ 1 هو عند التحقيق ليس بحديث، لكن لما كانت صورته صورة الحديث من ذكر السند والمتن سموه كذلك, أو هو باعتبار زعم واضعه.

المكذوب على النبي -صلى الله عليه وسلم، وأما الموضوع على غيره فيقيد، فيقال مثلا: هذا موضوع على ابن عباس -رضي الله عنهما- أو على مجاهد، وقد وضعت آثار على ابن عباس، وعلي -رضي الله عنهما- وعلى غيرهما من التابعين, والغالب في الموضوع أن يكون متعمدا، وقد يقع غلطا، وقد مثلوا بما رواه ابن ماجه عن إسماعيل الطلحي عن ثابت بن موسى العابد الزاهد، عن شريك، الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "وسكت ليكتب المستملي"، فلما نظر إلى ثابت قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار", وقصد بذلك الثناء على ثابت لزهده، وورعه، فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد فكان يحدث به، وقال ابن حبان: وإنما هو قول شريك قاله عقب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ... " الحديث فأدرجه ثابت في الخبر، ثم سرقه منه جماعة من الضعفاء، وحدثوا به عن شريك، وهذا القسم ذكره ابن الصلاح في نوع "الموضوع" واعتبره شبه وضع لعدم التعمد فيه، وتبعه على ذلك النووي، وذكره في "المدرج" الحافظ ابن حجر، وهو به أشبه. الألفاظ الدالة على الوضع: من ذلك قولهم: هذا حديث موضوع، أو كذب، أو باطل، أو لا أعرفه إذا صرح بذلك أحد الأئمة الكبار، وكذا قولهم: هذا الحديث لا أصل له، أي ليس له إسناد يعرف, أما قولهم: لا يثبت أو لا يصح فليسا نصا في ذلك؛ لأنه لا يلزم من عدم الصحة أو عدم الثبوت الوضع, ولقد أكثر ابن الجوزي في "موضوعاته" من استعمالها مريدا الوضع، والموصلي1 كذلك, وهو اصطلاح لهما.

_ 1 هو الشيخ عمر بن بدر الموصلي أبو حفص الحنفي المتوفى سنة ثلاث وعشرين وستمائة, أكثر فيه من قولهم: لم يصح في هذا الباب شيء وعليه في كثير مما ذكر انتقاد وإن كان له في كل باب من أبوابه سلف خصوصا المتقدمين. "الرسالة المستطرفة ص114".

أما الألفاظ الدالة على الوضع كناية فمثل قولهم: هذا الحديث من بلايا فلان، أو سنده مظلم أو عليه ظلمات وهذه العبارات تكثر في "الميزان" للذهبي، و"لسان الميزان" لابن حجر، وأما قولهم: هذا مطروح, فمنهم من ألحقه بالموضوع، ومنهم من جعله دون الموضوع، ومنهم من جعله كالمتروك.

حكم رواية الموضوع

حكم رواية الموضوع: لا يحل رواية الموضوع في أي باب من الأبواب إلا مقترنا ببيان وضعه سواء في ذلك ما يتعلق بالحلال والحرام أو الفضائل أو الترغيب والترهيب والقصص والتواريخ ونحوها, ومن رواه من غير بيان فقد باء بالإثم المبين، ودخل في عداد الكذابين والأصل في ذلك ما رواه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أن رسول الله قال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" 1. وقد حكم كثير من علماء الحديث على من روى الموضوع من غير تنبيه إلى وضعه، وتحذير الناس منه، بالتعزيز، والتأديب، قال أبو العباس السراج: شهدت محمد بن إسماعيل البخاري، ودفع إليه كتاب من ابن كرام، يسأله عن أحاديث منها: حديث الزهري عن سالم عن أبيه2 مرفوعا: "الإيمان لا يزيد ولا ينقص", فكتب محمد بن إسماعيل على ظهر كتابه: من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل، بل بالغ بعضهم فأحل دمه، قال يحيى بن معين لما ذكر له حديث سويد الأنباري: "من عشق وعف وكتم ثم مات, مات شهيدا" قال: هو حلال الدم.

_ 1 يروى بضم الياء وفتحها والكاذبين بصيغة المثنى أو الجمع فعلى فتح الباء يكون بمعنى يعلم، وعلى ضمها يكون بمعنى يظن فدل على أن من علم أو ظن أنه موضوع لا تحل له روايته، والمراد برواية "الكاذبين" بالتثنية عن وضعه ومن أذاعه, والمراد برواية "الكاذبين" بالجمع أي صار في عدادهم. 2 هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وقد سئل ابن حجر الهيثمي عن خطيب يرقى المنبر كل جمعة، ويروي أحاديث، ولم يبين مخرجيها ودرجتها، فقال: ما ذكره من الأحاديث في خطبه من غير أن يبين رواتها، أو من ذكرها فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة بالحديث، أو ينقلها من مؤلف صاحبه كذلك، وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث، أو في خطب ليس مؤلفها كذلك فلا يحل، ومن فعل عزر عليه التعزير الشديد، وهذا حال أكثر الخطباء، فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها، وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلا أم لا فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك. أقول: لا يزال بعض الخطباء الذين ليس لهم علم بالحديث: رواية ودراية على هذا ولا سيما الذين لا يزالون يخطبون من الدواوين، والذين يهمهم استرضاء الجماهير فيذكرون لهم أحاديث في الترغيب، والترهيب، أغلب الظن أنها من وضع القصاص الذين كان همهم تملق الجماهير، واستمالتهم بذكر المبالغات والتهاويل والعجائب، والإسلام منها بريء، وما أحق هذه الفئة بأن يحال بينها وبين الخطابة والوعظ والتذكير وفي الأحاديث الصحاح، والحسان، غنية لمن يريد أن يرفق القلوب ويستولي على النفوس فليتق الله هؤلاء. ومن الحق في هذا المقام أن أقول: إن الكثيرين من الوعاظ والمرشدين والأئمة والخطباء، لهم من علمهم، ووعيهم الديني والثقافي ما يعصمهم من الوقوع في رواية الموضوعات، والقصص الباطلة، والإسرائيليات الزائفة، وتحري الصدق في رواية الأحاديث، وذكر الأقاصيص، وهو أثر من آثار النهضة العلمية التخصصية في الدراسات العليا في الأزهر الشريف، ولا سيما "تخصص التفسير والحديث" و"تخصص الدعوة والوعظ، والإرشاد" مما يزيد عن نصف قرن.

حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

"حرمة الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم": لقد حرمت الشريعة الإسلامية الكذب وجعلته من أقبح الصفات وفي الكتاب الكريم والسنة المحمدية الأدلة المتكاثرة على ذلك. ولئن حرمت الشريعة الكذب بعامة فقد غلظت حرمة الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخاصة لما فيه من الجناية على الدين بتشريع ما لم يأذن به الله، ولم يصدر عن رسوله قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} 1, وقال: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} 2, وما الافتراء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا افتراء على الله، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} 3, وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" , رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وقد روي من طرق متكاثرة حتى قال العلماء إنه متواتر كما ذكرنا سابقا وفي معنى الكذب على النبي الكذب على الصحابة والتابعين ولا سيما فيما لا مجال للرأي فيه؛ لأن له حكم المرفوع إلى النبي وكثير من الفقهاء يعتبر قولهم حجة في التشريع. ولا يدخل في الكذب الرواية بالمعنى لأنها إنما أجيزت لعالم بالألفاظ عارف بمقاصدها خبير بما يغير المعاني فهي لم تخرج عن مدلول اللفظ الأصلي. حكم الكذب على رسول الله: جمهور العلماء على أن الكذب على رسول الله من الكبائر، ولا يكفر

_ 1 سورة الأنعام آية 144. 2 سورة الزمر آية 60. 3 النجم 3، 4.

فاعل ذلك إلا إذا كان مستحلا للكذب عليه. وقال الإمام أبو محمد الجويني -والد إمام الحرمين- من أئمة الشافعية: يكفر من تعمد الكذب على رسول الله نقل ذلك عنه ابنه إمام الحرمين, وقال: إنه لم يره لأحد من الأصحاب, وإنه هفوة من والده, ووافق الجويني على هذه المقالة الإمام ناصر الدين ابن المنير من أئمة المالكية، وغيره من الحنابلة ووافقهم الإمام الذهبي في تعمد الكذب في الحلال والحرام, ولعل مما يشهد لهم قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} 1 فقد نفت الآية الإيمان عمن يفتري الكذب على الله والكذب على الرسول كذب على الله أقول: لعل مراد هؤلاء من استحل ذلك، أو أنهم قالوه على سبيل المبالغة في الزجر والتنفير منه؛ لأن الأدلة المتكاثرة من القرآن والسنة على أن فاعل الكبيرة لا يكفر. هل تقبل رواية من كذب في الحديث وإن تاب؟ ولما للكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إفساد في الشريعة وإبطال في الدين ذهب جمهور المحدثين إلى أن من كذب في حديث واحد فسق، وردت روايته، وبطل الاحتجاج بها, وإن تاب وحسن توبته ومن هؤلاء أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي والصيرفي والسمعاني2, وخالف في ذلك النووي فقال: والمختار القطع بصحة توبته في هذا وقبول روايته بعدها إذا صحت توبته بشروطها3, ومذهب الجمهور أحوط للحديث وأبعد من الريبة في الرواية.

_ 1 النحل: 105. 2 علوم الحديث لابن الصلاح 128. 3 شرح النووي على صحيح مسلم ج1 ص70.

أقسام الموضوع

أقسام الموضوع: 1- أن يضع الواضع كلاما من عند نفسه، ينسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى الصحابي مثال ما وضع على الرسول: "لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفع", وهو كذب باطل من صنع عباد الأوثان. ومثال ما وضع على الصحابي ما وضعته الرافضة على سيدنا علي -رضي الله تعالى عنه- من أنه قال: "لما غسلت النبي -صلى الله عليه وسلم- شربت من سرته ومحجن عينيه فورثت علم الأولين والآخرين". 2- أن يأخذ الواضع كلاما لبعض الصحابة أو التابعين أو الحكماء أو ما يروى في الإسرائيليات1 مثلا فينسبه إلى رسول الله ليروج وينال القبول. ومثال ما هو من قول الصحابة ما يروى من حديث: "أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما", فالصحيح أنه من قول سيدنا علي رضي الله عنه. ومثال ما هو من قول التابعين: "كأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل" فهو من كلام الخليفة عمر بن عبد العزيز. ومثال ما هو من كلام الحكماء: "المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء", فهو من قول الحارث بن كلدة طبيب العرب. ومثال ما هو من الإسرائيليات ما روي: "ما وسعني سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن", قال ابن تيمية: هو من الإسرائيليات وليس له أصل معروف عن النبي. وقد نسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلى الصحابة والتابعين كثير من الإسرائيليات في بدء الخلق والمعاد، وأخبار الأمم الماضية والكونيات وقصص الأنبياء وسأتعرض لشيء من ذلك فيما بعد.

_ 1 الإسرائيليات: هي أقاويل بني إسرائيل التي تلقوها عن علمائهم وكتبهم وقد توسع فيها فأصبحت تطلق على ما دخل الحديث من معارف أهل الكتاب.

متى نشأ الوضع في الحديث

متى نشأ الوضع في الحديث: كان من أثر اتساع رقعة الإسلام دخول كثير من أبناء الأمم المغلوبة فيه ومنهم الفارسي ومنهم الرومي ومنهم الشامي ومنهم المصري، ومن هؤلاء المخلص ومنهم المنافق الذي يكن في نفسه الحقد على الإسلام وقد انتهز أعداء الإسلام والحاقدون عليه عهد السيد الحيي عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- فبذروا البذور الأولى للفتنة فكان ابن سبأ اليهودي الخبيث يطوف في الأقاليم ويؤلب عليه الناس وقد أخفى سمومه تحت ستار التشيع لعلي، وآل بيته، زاعما إنه وصي النبي1 الأحق بالخلافة، بل ادعى ألوهيته, وقد طارده عثمان كما طارده علي رضي الله عنهما، ومما يؤسف أن دعوته وجدت آذانا صاغية من المنحرفين على عثمان، وانتهى الأمر بقتل عثمان شهيدا, وما كاد يتولى سيدنا عليّ الخلافة حتى ناصبه أنصار عثمان العداوة من أول يوم واستفحلت الفتنة ووقعت حروب طاحنة أذكى أوارها السبئيون وأضرابهم، وظهرت طائفة أخرى هي الخوارج وكانت النهاية أن أطاحت الفتنة بركن آخر من أركان الإسلام وهو سيدنا عليّ، وقد تمخضت الفتنة عن شيعة ينتصرون لسيدنا علي، وعثمانية ينتصرون لسيدنا عثمان، وخوارج يعادون الفريقين, ومروانية ينتصرون لمعاوية، وبني أمية، وقد استباح بعض هؤلاء لأنفسهم أن يؤيدوا بعض آرائهم وأهوائهم بوضع الأحاديث، ومن ثم نرى أن نشأة الوضع بمعناه الظاهر الواضح كانت حوالي سنة أربعين من الهجرة، وكان ذلك في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين. روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه قال: "جاء هذا يعني بشير بن كعب إلى ابن عباس, فجعل يحدثه, فقال له ابن عباس: عد لحديث كذا وكذا فعاد له فقال: ما أدري أعرفت حديثي

_ 1 ونسبوا إلى النبي زورا وكذبا أنه قال: "لكل نبي وصي ووصيي عليّ".

كله وأنكرت هذا أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا؟ فقال له ابن عباس: إنا كنا نحدث عن رسول الله إذ لم يكن يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه", وابن عباس -رضي الله عنهما- توفي سنة ثمان وستين للهجرة وروي عن ابن سيرين1 قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم", رواهما مسلم في مقدمة صحيحه.

_ 1 ولد لسنتين من خلافة عثمان وتوفي سنة 100هـ.

عرض موجز لحركة الوضع في الحديث

عرض موجز لحركة الوضع في الحديث مدخل ... "عرض موجز لحركة الوضع في الحديث": في عصر التابعين كثرت الرواية وانتشر الحديث ونشأ الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعض الصحابة، وبعد أن كان الخلفاء يدعون إلى التحوط، والتثبت في المرويات أضحى الملوك والأمراء في شغل عن ذلك بالملك والمنازعات، وقد اشتدت الخصومات بين الأحزاب السياسية في عهد الدولة الأموية، وجاءت الدولة العباسية فتقرب إليها ضعفاء الإيمان والمنافقون بالاختلاق في فضائلها، والحط من شأن أعدائها كما كان لنشأة الفرق الكلامية من معتزلة ومرجئة وغيرهما, ومحاولة كل فرقة الانتصار لآرائهم أثر في تغذية حركة الوضع، وكان للقصاص وأضرابهم من المتصوفة أثر أيضا في تغذية هذه الحركة، ووجدت أحداث أخرى استغلت للوضع كالشعوبية1 وفتنة خلق القرآن، واستمرت سوق الوضع إلى عصور متأخرة، فابن الجوزي يذكر لنا في كتبه ما كان يفعله قصاص زمانه ووعاظهم، وهذا هو الرتن الهندي يدعي الصحبة في المائة السادسة ويضع الأحاديث المكذوبة، والشيخ اللكنوي الهندي يذكر أنه

_ 1 الشعوبية: هم الذين يفضلون العجم على العرب، وقد نشأت في آخر العهد الأموي وقويت في عهد الدولة العباسية وفي القاموس: "الشعوبي: بالضم محتقر أمر العرب وهم الشعوبية".

اطلع على رسالة في تحريم "التنباك" وقد تذرع مؤلفها باختلاق الأحاديث مثل: "كل دخان حرام" ومثل: "كل جوف يدخل الدخان فيه من أوراق السموم يخرج من الإيمان" مما لا يشك المتأمل في وضعه ومهما يكن من شيء, فقد ناهض أئمة الحديث وعلماء الأمة هذه الحركة من وقت مبكر وردوا كيد الوضاعين في نحورهم من عهد ابن عباس إلى اليوم. ولقد كان ظهور الوضع في الحديث من أهم الأسباب الحاملة للخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز على أمر علماء الأمصار بجمع السنن والأحاديث وتدوينها كما ذكرنا وسنرى فيما بعد جهاد العلماء في حفظ الأحاديث وصيانتها عن التزيد والاختلاف تمييز الصحيح من الضعيف والمقبول من المردود.

الأسباب الحاملة على الوضع

الأسباب الحاملة على الوضع: للوضع أسباب كثيرة وأغراض متعددة منها: 1- الزندقة: ذلك أنه كانت هناك فئة أسلمت لم تؤمن إيمانا حقا بالإسلام لكنها آمنت بسلطانه ورأت أن لا سبيل لنيل الجاه والسلطان إلا به فاعتنقته ظاهرا وظلت تخلص لدينها القديم ومن هؤلاء قوم كان لهم غرض أدق وأعمق من هذا, فقد رأوا أنهم لا يستطيعون إفساد العقيدة الإسلامية إلا بالانتساب إليها أولا حتى يؤمن جانبهم وبذلك يسهل على النفوس الأخذ بقولهم ومن هؤلاء من بالغ في التلبيس، فانتسب إلى التشيع وحب آل البيت، وبذلك وجدوا تربة خصبة لنفث سمومهم وإلقاء ترهاتهم وتقبل ذلك منهم اغترارا بظاهرهم, وقد اتخذوا من الوسائل لذلك وضع الأحاديث فوضعوا أحاديث يخالفها المحسوس أو يناقضها المعقول أو تشهد أذواق الحكماء بسخافتها وإسفافها, وإنما ينصبون المكيدة لضعفاء الأحلام وأرقاء الدين حتى يقعوا في شك وريبة

فتتزلزل من نفوسهم عقيدة أن الإسلام تنزيل من حكيم عليم وذلك، مثل ما روي: "إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل وأجراها فعرفت فخلق نفسه منها", قال ابن عساكر: هذا موضوع وضعه بعض الزنادقة ليشنع به على أهل الحديث في روايتهم المستحيل وهو ما يقطع ببطلانه عقلا وشرعا، ومن ذلك أيضا أحاديث لا تتفق والحقائق العلمية مثل: "الباذنجان شفاء من كل داء" أو فيها دعوى إلى الإباحية مثل: "النظر إلى الوجه الجميل عبادة" وهذه وأمثالها مما لا يصدر قطعا عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم. 2- الخلافات السياسية: فالخلاف بين الشيعة والخوارج وبين الشيعة والعثمانية وبينهم وبين الأمويين والعباسيين، وبين الخوارج والأمويين كل ذلك كان من أسباب الوضع في الحديث، قال حماد بن سلمة: "حدثني شيخ لهم -يعني الرافضة1- قال: كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا، وقال مسيح بن الجهم التابعي: "كان رجل منا في الأهواء مدة ثم صار إلى الجماعة فقال لنا: أنشدكم الله ألا تسمعوا من أحد من أهل الأهواء فإنا كنا نروي لكم الباطل ونحتسب الخير في إضلالكم. 3- التعصب للجنس والمكان: فوضعت أحاديث في تفضيل بعض القبائل على بعض وبعض الأجناس على بعض، وقد كان للشعوبية أثرها في هذا الباب فوضعوا أحاديث في مدح فارس واللغة الفارسية مثل ما روي زورا: "إن الله إذا غضب أنزل الوحي بالعربية, وإذا رضي أنزل الوحي بالفارسية" كما وضعت الأحاديث في فضل العرب والعربية وذم الفارسية ومن ذلك ما وضع في فضائل بعض المدن وذم بعضها، وقد أسرف الوضاعون في هذا الباب2.

_ 1 الرافضة: فرقة من غلاة الشيعة تستجيز الطعن في الصحابة وتتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر. 2 اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ج1، ص238 وما بعدها.

فلا تغتر بما يوجد في بعض كتب التاريخ من ذكر فضائل الشعوب والبلدان ومثالها فإن معظم ذلك مما لا يثبت. 4- الخلافات الكلامية والفقهية: فقد انقسم علماء الأمة إلى أهل سنة، ومعتزلة وجبرية، ومرجئة، واختلفوا في كثير من مسائل الكلام وفي الإيمان, وهل هو يزيد وينقص؟ وهل هو قول وعمل؟ وفي القرآن أهو مخلوق أم لا؟ وقد استباح بعض هؤلاء لأنفسهم أن يؤيدوا آراءهم بأحاديث يختلقونها تنص على الخلافات الدقيقة والآراء المستحدثة التي ليس من شأن الرسول الكريم التعرض لها, ولا كانت البيئة يومئذ تدعو إليها مما يقطع معه المتأمل أنها كذب لا شك فيه, وذلك مثل ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" ومثل ما روي زورا: "كما لا ينفع مع الشرك شيء كذلك لا يضر مع الإيمان شيء", وإن أصبع الإرجاء لظاهرة في وضعه. وكذلك كانت الخلافات الفقهية من أسباب الوضع فوضعت أحاديث تشهد لبعض الفروع ليس عليها من نور النبوة شيء, وإنما هي أقرب إلى قواعد الفقهاء وكلام العلماء كما وضعت أحاديث في فضل بعض الأئمة وذم بعضهم مثل ما روي كذبا: "سيكون من أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي وسيكون من أمتي رجل يقال له ابن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس", ولا يشك مبتدئ في علم الحديث أن هذا موضوع مختلق فقبح الله واضعه، والإمام الشافعي من أعلام الإسلام دينا وعلما، وعملا وفقها وخلقا. 5- قصد استهواء العامة: ومن هؤلاء الذين قصدوا هذا القصاصون ومن هؤلاء من كان يبتغي الشهرة والجاه، ومنهم من كان يقصد التعيش والارتزاق، وقد كان القصاص في عهد الصحابة والخلافة

الرشيدة يتحرون الصدق والحق. روى ابن عساكر أن تميما الداري لما استأذن عمر رضي الله عنه في أن يقص في المسجد قال له: ما تقول؟ قال: "أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر", ولكن لم يلبث الأمر على ذلك طويلا، فقد وجدت فئة من القصاص كان همها استمالة العامة بالمناكير والغرائب والأباطيل، وعن طريق هؤلاء أيضا دخلت على الإسلام إسرائيليات كثيرة، ومن صفاقات القصاص، وتبجحاتهم ما روي1 أنه صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين بمسجد "الرصافة" فقام بين أيديهم قاص فقال: "حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان ... وأخذ في قصة طويلة جدا من هذا القبيل", فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إليه فقال: أنت حدثته بهذا؟ فقال: والله ما سمعت بهذا إلا الساعة, فلما انتهى أشار له يحيى فجاء متوهما نوالا, فقال له يحيى: من حدثك بهذا؟ قال: ابن حنبل ويحيى بن معين فقال: أنا يحيى وهذا أحمد ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن كان ولا بد فعلى غيرنا، فقال الرجل القصاص: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما تحققته إلا الساعة فقال يحيى: وكيف؟ قال: كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل

_ 1 لا أكتمك أيها القارئ إني في شك من أمر هذه القصة فما مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ممن يرضون بأضعف الإيمان ولا يقال: لعلهما خافا من الغوغاء والعامة الذين يحبون أمثال هذا القاص ويدافعون عنه، فقد كانا ولا سيما الإمام أحمد بالمكانة التي لا تجهل، ومثله كان مسموع الكلمة بين الناس، وموقفه من مسألة القول بخلق القرآن معروف يشهد له بالشجاعة الأدبية النادرة، فكان عليه أن يحول بينه وبين هذا المنكر، أو ينبه الناس إلى بطلان هذا على الأقل, ولكن الرواية لم تذكر لنا شيئا من ذلك ولعلك معي في هذا الشك, وإن كان التشكك لا يعود على أصل الفكرة بالنقض. وقد كتبت هذا من منذ ربع قرن أو يزيد، ثم لما قرأت كتاب "منهج النقد في علوم الحديث", وجدت مؤلفه الفاضل نقل عن الإمام الذهبي أن القصة باطلة، فحمدت الله على ذلك، وظهر لي أن شكي كان في محله. "انظر منهج النقد ص289".

غيركما؟ لقد كتبت عن ستة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين! 6- قصد ترغيب الناس في فعل الخير: وممن كان يفعل ذلك قوم من جهلة الزهاد والمتصوفة استجازوا لأنفسهم الوضع في الترغيب والترهيب واحتسبوا الخير في الإضلال وهؤلاء أعظم الناس ضررا، ومن مزاعمهم الباطلة في هذا أن هذا كذب له لا كذب عليه، وهو جهل منهم باللغة العربية وحقيقة الكذب1، فكل ذلك كذب عليه، وقد تنبه الأئمة النقاد إلى هؤلاء وأمثالهم فلم يأخذوا عنهم, بل حذروا الناس من جهلهم وغفلتهم كما بينا في مبحث الرواية. ومن أمثلة ما وضع حسبة حديث عكرمة عن ابن عباس في فضائل سور القرآن، سئل عنه واضعه نوح بن أبي مريم فقال: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة! وروى ابن حبان في "الضعفاء" عن ابن مهدي قال: قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟. قال: وضعتها أرغب الناس فيها، وكان غلاما جليلا يتزهد ويهجر شهوات الدنيا، وغلقت أسواق بغداد لموته، ومع ذلك كان يضع الحديث2. 7- اتباع هوى الملوك والأمراء: فيضع الواحد حديثا لتبرير ما يفعلون. ومن أمثلة ذلك ما روي عن غياث بن إبراهيم أنه دخل على المهدي وهو يلعب بالحمام فروى له عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في نصل أو حافر أو جناح" فزاد في الحديث "أو جناح" إرضاء للمهدي, وقد روي أنه قال له وهو خارج: أشهد أن قفاك قفا كذاب وأمر بذبح الحمام، وأما أصل الحديث فثابت من رواية أحمد وأصحاب السنن

_ 1 الكذب: هو عدم مطابقة الأمر للواقع فسيان في كونه كذبا أن يكون له أو عليه. 2 تدريب الراوي ص184، 185.

الأربعة بلفظ: "لا سبق إلا في نصل أو حافر" أي التسابق في إصابة الهدف، أو إجراء الخيل، وذكر الخطيب في ترجمة أبي البختري الكذاب أنه دخل وهو قاض على الرشيد, وهو يطير الحمام فقال له: هل تحفظ في هذا شيئا؟ فقال: حدثني فلان وذكر سندا إلى النبي أنه كان يطير الحمام، وقد زجره الرشيد على كذبه وقال له: اخرج عني لولا أنك من قريش لعزلتك. أقول: وغفر الله للرشيد فقرشيته لا تشفع في عدم عزله، وليته عزله ليكون مزدجرا لغيره.

الوضاعون

"الوضاعون": الوضاعون أصناف متعددة فمنهم زنادقة، ومنهم أصحاب أهواء كالشيعة والخوارج، ومنهم قصاصون كأبي سعيد المدائني، وزرعة القاضي، كان بالكوفة على عهد الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- ومنهم متزلفون للحكام، ومنهم متصوفة، كما ذكرنا في الفصل السابق, والوضاعون منهم كان ساذجا، يضع أشياء إذا سمعها المبتدئ في صنعة الحديث أدرك وضعها، ومنهم من كان خبيثا ماكرا أحكم الكذب، وأجار الدس بحيث لا يعرف وضعه إلا الجهابذة النقاد الذين تمرسوا في النقد، ولعل هذا هو بعض أسباب اختلاف الحفاظ في أحاديث بالحكم عليها بالوضع وعدمه, فقد يخفى على أحدهم ما لا يخفى على الآخر وإليك بعضهم: 1- أبان بن جعفر النميري: قال ابن حبان: وضع على أبي حنيفة أكثر من ثلاثمائة حديث. 2 أحمد بن الصلت الحماني: قال ابن عدي: ما رأيت في الكذابين أقل حياء منه.

3- أحمد بن عبد الله الجويباري: وضع أحاديث تشهد للكرامية1 يضرب المثل بكذبه. 4- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة هو الذي صنعها. 5- عبد القدوس بن حبيب عن عكرمة: قال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات. 6- محمد بن الحجاج اللخمي: وهو واضع حديث: "الهريسة تشد الظهر". 7- محمد بن شجاع الثلجي: كان يضع الأحاديث في التشبيه وينسبها إلى أهل الحديث يثلبهم بها. 8- محمد بن مروان السدي الصغير: معروف بالوضع في التفسير أما السدي الكبير فثقة. 9- نوح بن أبي مريم: قيل: إنه كان جامعا لكل شيء إلا الصدق وهو واضع حديث فضائل السور. 10- وهب بن وهب القاضي: وهو الذي وضع للرشيد حديث: إن النبي كان يطير الحمام. 11- رتن الهندي كذاب دجال ظهر بعد الستمائة ببلاد الهند وادعى السماع من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولرتن هذا نسخة موضوعة, وقد تشكك الإمام الذهبي في وجود رتن هذا ورجح أنه شخصية خيالية وهو ما أميل إليه, والظاهر أن بعض الكذابين اتخذ من اسمه وسيلة لنشر

_ 1 الكرامية: نسبة إلى محمد بن كرام بتشديد الراء وقيل بتخفيفها وأنشدوا في هذا: الفقه فقه أبي حنيفة والد ... ين دين محمد بن كرام ويجوز في الكاف الفتح والكسر وهو رأس طائفة من المبتدعة.

ترهاتة وأباطيله وهناك أناس غير "رتن" ادعوا الصحبة في عصور متأخرة عن عصر الرسول ويكذبهم في دعواهم الصحبة ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال -قبل موته بشهر: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو عليها اليوم أحد". فهذا الحديث أصل في أن الصحبة لا تثبت بعد مائة وعشر من الهجرة وقد صدق الاستقراء هذا الخبر فما تأخر أحد من صحابة رسول الله عن هذا التاريخ، فلا تلق بالا إلى مثل هذه الدعاوي الكاذبة التي يصادمها النقل الصحيح ولا تتفق وسنة الله في الكون فما عهدنا في أعمار البشر مثل هذا الطول.

أمارات الوضع

أمارات الوضع: للوضع أمارات وقرائن تدل عليه، بعضها تكون ظاهرة واضحة وبعضها لا يدركها إلا من تمرس في علم الحديث واكتسبه ملكة في النقد يميز بها بين ما يصح أن يصدر عن الرسول, وما لا يصح، منها: 1- اعتراف واضعه بوضعه: صراحة أو حكما أما الأول فمثل ما روي عن نوح بن أبي مريم من اعترافه بوضع حديث فضائل السور. أما الثاني فمثاله أن يحدث بحديث عن شيخ ويسأل الراوي عن مولده فيذكر تاريخا يعلم قطعا وفاة ذلك الشيخ قبله, ولا يعرف ذلك الحديث إلا عنده, أو أن يدعي سماع شيخ في بلد, ويعلم قطعا أنه لم يدخله ومدار معرفة ذلك على التاريخ فمن ثم كان لتاريخ الرجال مكانة ممتازة في فن الحديث إذ به يعرف تاريخ مواليد الرواة ووفياتهم، وأوقات طلبهم وارتحالهم، ولما ادعى مأمون بن أحمد الهروي أنه سمع من هشام بن عمار سأله الحافظ ابن حبان: متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين قال: فإن هشاما الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين

ومائتين ومما ينبغي أن يعلم أن الحكم بالوضع يسبب الإقرار ليس قطعيا لجواز أن يكذب في هذا الإقرار نفسه، ومهما يكن فإقراره بسبب شكا راجحا وظنا قويا بعدم ثبوت روايته فيتوقف في قبولها حتى تتبين حقيقة أمرها. 2- ركاكة اللفظ: بحيث يعلم العارف باللسان العربي الفصيح أن هذا لا يصدر من فصيح فضلا عن أفصح الفصحاء، وأبلغ البلغاء سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومحل ذلك -كما قال الحافظ ابن حجر- إن وقع التصريح بأنه من لفظ النبي، وربما تجتمع ركة اللفظ والمعنى فيكون أدل على المراد. ومما لا يستنكر أن كل صاحب فن أدرى به من غيره والماهر في صنعته يعرف من عيوبها ما يخفى على غيره فالمحدثون لكثرة مزاولتهم للحديث وتذوقهم له تحصل لهم ملكة قوية يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبي وما لا يجوز، ورحم الله الربيع بن خثيم1 حيث يقول: "إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره" وقال أبو الفرج ابن الجوزي: "الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم وينفر منه قلبه غالبا" ولذلك كثيرا ما تجد أقوال العلماء: "هذا ما ينكره القلب", أو: "لا تطمئن إليه النفس", أو: "عليه ظلمات، أو متنه مظلم" إلى نحو ذلك. وذلك مثل ما روي: "أربع لا يشبعن من أربع: أنثى من ذكر، وأرض من مطر، وعين من نظر, وأذن من خبر", وهو كلام على إطلاقه باطل مع التأمل ومثل: "إن لله ملكا من حجارة، يقال له عمارة، ينزل على حمار من حجارة كل يوم يسعر", وهو ركيك لفظا ومعنى وما أشبهه

_ 1 بضم الخاء وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخره ميم ابن عائذ بن عبد الله الثوري أبو يزيد الكوفي ثقة عابد مخضرم وتابعي جليل مات سنة إحدى وقيل: ثلاث وستين.

بسجع الكهان الذي نفر منه الرسول. 3- ركاكة المعنى: وإن لم يكن اللفظ ركيكا كأن يكون مخالفا للعقل ضرورة أو استدلالا، ولا يمكن تأويله كالأخبار عن الجمع بين الضدين، أو النقيضين، أو نفي الصانع للكون وهو الله أو حدوثه، أو قدم العالم؛ لأنه لا يجوز ورود الشرع على خلاف مقتضى العقل، قال الإمام ابن الجوزي: "ما أحسن قول القائل: كل حديث رأيته تخالفه العقول وتباينه النقول وتناقضه الأصول فاعلم أنه موضوع", وذلك كأحاديث التشبيه والتجسيم ونحوه مثل ما روي زورا أن رسول الله قال: "ليلة أسري بي إلى السماء رأيت ربي بيني وبينه حجاب من نار ورأيت كل شيء منه، حتى رأيت تاجا مخوصا من اللؤلؤ", ومثل: "رأيت ربي بعرفات على جمل أحمر", ومثل ما روي: "أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا وصلت عند المقام ركعتين"، وهذا من تفاهات عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد عرف بمثل هذه الغرائب، قال الإمام الشافعي ذكر رجل لمالك -يعني الإمام- حديثا منقطعا فقال: "اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يحدثك عن أبيه عن نوح"1, ومن ركاكة المعنى كون الكلام يدعو إلى الإباحية، أي استباحة الدماء، والأعراض والأموال، وحقوق الإنسان أو يجيء على خلاف مقتضى الحكمة المتفق عليها بين ذوي العقول. 4- من القرائن اشتمال الحديث على المجازفات والمبالغات التي لا تصدر من عاقل حكيم، والتي تقلل من قيمة الأعمال العظيمة وتغري الناس على المعاصي وذلك بالإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير أو الوعد العظيم على الفعل اليسير وأكثر ما يوجد ذلك في حديث القصاص والمتصوفة، وذلك مثل ما روي كذبا: "من قال لا إله إلا الله

_ 1 تهذيب التهذيب ج6 ص179.

خلق الله تعالى طائرا له سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يستغفرون له", ومثل: "من صلى الضحى كذا كذا ركعة أعطي ثواب سبعين نبيا", ونحو ذلك. 5- المخالفة للحس والمشاهدة: حيث لا يقبل التأويل القريب المقبول وذلك مثل: "الباذنجان شفاء من كل الداء" فالحس والتجارب العلمية تكذب ذلك, ومثل: "عليكم بالعدس فإنه مبارك يرقق القلب ويكثر الدمعة وقدس فيه سبعون نبيا", والظاهر أن واضعه عداس يريد ترويج سلعته، ومثل: "لا يولد بعد المائة مولود لله فيه حاجة" وهو مخالف للمشاهدة والواقع, وأغلب أئمة العلم والدين ولدوا بعد هذا التاريخ، ومثل ما روي كذبا: "إذا عطس الرجل عند الحديث فهو صدق", وإنا لنشاهد العطاس والكذب يعمل عمله. 6- مخالفة الحديث لصريح القرآن أو السنة المتواترة، أو الصحيحة المسلمة أو الإجماع، حيث لا يقبل التأويل القريب المقبول. ومن أمثلة المخالف للقرآن حديث: "ولد الزنا لا يدخل الجنة إلى سبعة أبناء", فإنه معارض لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 1. ومثال ما هو مخالف للسنة المتواترة ما روي -كذبا- عن النبي: "إذا حدثتم بحديث يوافق الحق فخذوا به حدثت به أو لم أحدث", وهو مناقض لقول النبي: "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". ومثال ما هو مخالف للسنة الثابتة المشهورة الأحاديث التي وضعت في مدح العزوبة فهي مخالفة لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- قولا وفعلا، فقد تزوج،

_ 1 الأنعام: 164.

ورغب في الزواج وجعله من سنته. ومثال المخالف للإجماع حديث: "من قضى صلوات من الفرائض في آخر جمعة من رمضان كان ذلك جابرا لكل صلاة فاتته في عصره إلى سبعين سنة", فإن هذا وما شاكله باطل كذب لمخالفته للإجماع على أن شيئا من العبادات لا يسقط فائتة سنة فضلا عن سبعين سنة ولا تغتر بما يوجد من هذا وأمثاله في بعض كتب الفقه أو كتب الأوراد, وكن منه على حذر شديد. 7- من الأمارات الدالة على الوضع أن يكون الحديث مخالفا لسنن الله الكونية وذلك مثل حديث "عوج بن عوق" فإن فيه من طوله ثلاثة آلاف ذراع وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه ومثل ما ورد في صفة الجبارين العماليق من وصف أجسادهم وقوتهم وأن أحدهم جاء ليجني ثمار بستانه فوجد النقباء الاثني عشر فأخذهم في كمه، ومن ذلك المعمرون الذين ادعوا الصحبة في القرن الثالث وما بعده فكل ذلك خلاف سنن الله في الفطرة. 8- ومن القرائن أن يكون الحديث مشتملا على سماجات وسفاسف يصان عنها الفضلاء فضلا عن سيد الأنبياء وذلك مثل ما روي -زورا- عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "الديك الأبيض حبيبي وحبيب حبيبي جبريل" , ومثل: "اتخذوا الحمام المقاصيص فإنها تلهي الجن عن صبيانكم", ومثل: "الهريسة تشد الظهر". 9- ومنها أن يكون الحديث في فضائل عليّ والراوي رافضي1 أو في الإرجاء والراوي مرجئ2 أو في القدر والراوي قدري3, ولذلك

_ 1 هم فرقة من غلاة الشيعة يرفضون إمامة الشيخين ويكفرونهما وغيرهما من الصحابة. 2 المرجئة: هم الذين يرجئون أي يؤخرون العمل عن الإيمان ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. 3 القدرية: هم الذين يقولون بأن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية.

أمثله كثيرة منها حديث علي -رضي الله عنه: "عبدت الله مع رسول الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين أو سبع", وفي رواته "حبة" واه في الحديث غال في التشيع وبهذا أعله العلماء وحكموا بوضعه.

آثار الوضع السيئة

"آثار الوضع السيئة": 1- من آثار الوضع السيئة في الحديث أن ترعرعت في ظله فرق سياسية ومذهبية ما كان لها أن تقوم على قدميها لو لم يكن لها هذا السند من الأحاديث، فالشيعة لولا ما وضعوه لما كان لمذهبهم هذا الانتشار والبقاء، وكذا المرجئة، والقدرية، والخوارج، وأضرابهم, لولا ما وضع في تأييدهم لما لقيت مذاهبهم قبولا من الناس ولا سيما العامة الذين لا معرفة لهم بالأحاديث ونقدها. ولا ننسى ما كان لقيام هذه المذاهب من أكبر الأثر في تفريق وحدة المسلمين وتمزيق شملهم ومعاداة بعضهم لبعض حتى ذهبت ريحهم, وأضعفتهم أمام عدوهم، ولا يزال آثار ذلك باقية إلى اليوم, وعلى ما بذل من التقريب بين المذاهب والآراء في القديم والحديث, فقد عز توحيد الصفوف، وتعذر التوفيق وبقي الانقسام. 2- قد فتحت هذه الموضوعات لأعداء الدين من القساوسة والمتعصبين من المستشرقين منفذا ينفذون منه إلى الطعن في الإسلام وفي رسوله، وجل اعتمادهم على الروايات الباطلة والإسرائيليات الزائفة التي ذكرها المفسرون والمؤرخون ومن على شاكلتهم ممن

ليسوا من أهل الحديث الذين يميزون بين غثه وسمينه، وقد أمكنهم بمثل هذه الأباطيل أن يجعلوا حجابا بين الإسلام وبين من يريد أن يعتنقه من الغربيين، كما أمكنهم أن يدخلوا حظيرتهم بعض الذين لم يتسلحوا بمعرفة حقيقة الدين وحقيقة هذه الروايات الدخيلة على الإسلام فساروا على نهجهم في الاستخفاف بالدين والغض من شأن الأحاديث النبوية، وردت هذه الفرى باسم العلم حينا وحرية البحث حينا آخر، وقد قام بعض علماء الأزهر الشريف وغيرهم بجهاد مشكور في هذا الباب إلا أنه جهاد مهما بلغ فهو جهد المقل وكنا نود من القائمين على شئون الأزهر العتيد أن تكون لهم خطوات إيجابية في هذا بنشر الكتب والرسائل القيمة في هذا الباب. وإرسال رجال من المتضلعين في الدين، والعارفين برد هذه الطعون إلى بلاد الغرب وتأليف جماعة من شأنها العمل على دحض هذه الأباطيل والكشف عن زيفها، بشتى الطرق والوسائل. 3- من الآثار السيئة الضرر بالعقيدة كأحاديث التجسيم والتشبيه, فقد ضل بسببها قوم حتى زعموا أن الله جسم من الأجسام، وكحديث: "لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفع", فقد تعلق به بعض الجهال الأغبياء فنفضوا قلوبهم من الثقة بالله، وانصرفوا إلى بعض الجمادات والمخلوقات يرجون النفع أو دفع الضر فوقعوا في الضلال المبين. 4- من الآثار السيئة تكثير البدع وتنفيق سوقها فكثير من البدع تجد منشأها من الأحاديث الموضوعة، وذلك مثل بدعة الخرقة عند الصوفية على الهيئة المتعارفة عندهم فقد اعتمدوا فيها على

أحاديث أنكرها أهل العلم قاطبة، وكذا بدعة التواجد والرقص عند السماع, وكذا بدعة صلاة الرغائب، وصلاة نصف شعبان بطريقة غير مشروعة وصلوات الأيام والليالي وصيام أيام مخصوصة من رجب كلها أساسها الأحاديث المكذوبة, وكذا بدعة النوح والبكاء يوم عاشوراء وبدعة الفرح والسرور فيه، فقد وضع محبو الحسين -رضي الله عنه- أحاديث الحزن، ووضع أعداؤهم أحاديث الفرح1, وقد بلغ من المبتدعة أن زادوا في حديث: "كل بدعة ضلالة ... ": "إلا بدعة في عبادة", وقد كذبوا فكل بدعة أيا كان نوعها ضلالة. 5- من الآثار السيئة التهاون بالأعمال الصالحة والتكاسل عنها, وعدم التحرج من ارتكاب الآثام, وذلك كالأحاديث التي ترتب الثواب الكثير جدا على العمل القليل، وكالأحاديث التي تغري الفساق والمجان مثل: "سفهاء مكة حشو الجنة", ومثل: "الكريم حبيب الله وإن كان فاسقا والفاسق السخي أحب إلى الله من عابد بخيل", وهما كذبان قطعا ومناقضان للقرآن والسنة المستفيضة. 6- من المفاسد تعطيل الناس عن العمل النافع بإيهامهم أن العمل في وقت كذا أو السفر في يوم كذا مضر أو شؤم ونحو ذلك مثل ما روي كذبا: "من أحب كريمتيه أو حبيبتيه فلا يكتبن بعد العصر", فقد يغتر به بعض من لا يعرف فيفوت على نفسه خيرا كثيرا بعدم الكتابة بعده, ومثل ما روي كذبا: "يوم الأربعاء يوم نحس مستمر", فقد يتشاءم باعتقاده بعض الناس فيعرضون عن أسفارهم وقضاء حاجاتهم فيه، فيفوتهم الخير الديني أو الدنيوي. 7- من أسوأ الآثار أن كثيرين ممن ليسوا من أهل الحديث والمتفرغين

_ 1 منهاج السنة ج2 ص248.

له لم ينتبهوا إلى بعض الموضوعات واغتروا بها وأوردوها في كتبهم ورسائلهم واحتجاجاتهم ومناظراتهم, وما من علم إلا ونجد في كتبه موضوعات وإسرائيليات منها ما هو بالغ الخطورة على الإسلام ورسوله، ففي بعض كتب الفقه موضوعات، وفي كتب الوعظ والتصوف والأخلاق، بل وفي بعض كتب النحو والصرف واللغة والأدب ولا سيما "المعالم"1 التي عرضت لكثير من الفنون كصبح الأعشى، ونهاية الأرب، وفي بعض كتب الحديث موضوعات إلا أنها -والحق يقال- قليلة جدا بالنسبة لغيرها من كتب العلوم الأخرى، وقد تلقى جمهور الناس، وعامتهم هذه الموضوعات وتقبلوها على أنها صحيحة، وأذاعوها، وقد ساعد على ذلك أن مؤلفي هذه الكتب علماء أجلاء في فنونهم وإن كانوا ليسوا من أهل العلم بالحديث، كما ساعد على انتشارها ضعف دراسة السنة والأحاديث، وعدم العناية بعلم الرجال والنقد بعد العصور الأولى عصور الحديث الذهبية. وقد تنبيه علماؤنا الأوائل -أثابهم الله- إلى خطر ما في هذه الكتب فألغوا كتب التخاريج التي تميز الصحيح من الضعيف والحق من الباطل, ولو أن كتب التخاريج طبعت من هذه الكتب لكان من وراء ذلك الخير الكثير لقارئ هذه الكتب العلمية, ولكنها نشرت بدون هذه التخاريج فتسممت بها العقول والأفكار وليس أمامنا الآن إلا الجهاد العلمي في بيان هذه الموضوعات والتنبيه إليها, وهذا ما سأعالجه باختصار وإيجاز.

_ 1 المعالم: جمع معلمة وهي كلمة عربية تقوم مقام كلمة "موسوعات" الغير العربية.

الموضوعات وكتب العلوم

الموضوعات وكتب العلوم: "الموضوع وكتب التفسير": التفسير في اللغة: بمعنى الكشف والتوضيح. وفي الاصطلاح: علم يعرف به أحوال القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله بقدر الطاقة البشرية, والتفسير نوعان: 1- تفسير المأثور. 2- تفسير بالرأي والاجتهاد. وقد ألفت كتب في التفسير بالمأثور وكتب في التفسير بالرأي والاجتهاد, وكتب هذا النوع الثاني لا تخلو من تفسير بالمأثور أيا كان منحاها؛ لأن التفسير بالرأي والاجتهاد لا يكون مقبولا إلا إذا اعتمد فيه على ما صح من المنقول فيما لا يعلم إلا من طريق النقل كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وتفصيل المجمل وتقييد المطلق وإزالة المشكل وبيان الفضائل ونحوها مما تكلفت به السنة, فهذا التفسير قل أن ينفرد عن الأول. "التفسير بالمأثور أسبق في الوجود من التفسير بالرأي": وقد كان التفسير بالمأثور قسما من أقسام الحديث, وأغلب الذين ألفوا في الحديث لم تخل كتبهم من كتاب التفسير، ولما كان الحديث قد دخله الوضع, فلا جرم إن دخل أيضا التفسير بالمأثور. ومن ثم اشتملت كتب التفسير سواء منها ما كان مختصا بالمأثور أو شاملا له وللتفسير بالرأي على قطعة كبير من الموضوعات, وقد قدمنا في أسباب الوضع الكثير من الأسباب, ويمكننا أن نزيد في التفسير سببا آخر مهما, وهو النقل من مسلمة أهل الكتاب، والأخذ عنهم فيما لا تعلق له بأصول الدين، والحلال والحرام وأحكام الشريعة كالقصص وأخبار الأمم الماضية، وقد أشار إلى هذا ابن خلدون في مقدمته, فقال أثناء تكلمه عن التفسير بالمأثور:

"وقد جمع المتقدمون في ذلك وأوعوا إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين، والمقبول والمردود، والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم, وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية, وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوف إليه النفوس البشرية في أسباب الكائنات وبدء الخليقة وأسرار الوجود, فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم, وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل أخبار بدء الخليفة, وما يرجع إلى الحدثان والملاحم، وهؤلاء مثل كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام وأمثالهم امتلأت كتب التفاسير بالمنقولات عندهم, وفي أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم، وليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرى فيها الصحة التي يجب العمل بها، ويتساهل المفسرون في مثل ذلك وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات وأصلها كما قلنا عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم إلا أنه بعد صيتهم لما كانوا عليه من المقامات في الدين وأهله فتلقيت بالقبول1. وقد تعرض المحدثون لنقد رواة التفسير بالمأثور وبينوا الطرق الصحيحة من الضعيفة2 كما تعرضوا لنقد هذه المروايات إجمالا، فالإمام أحمد يقول: "ثلاثة ليس لهما أصل: التفسير والملاحم والمغازي", لأن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحيحة متصلة, وإنما هي منقطعات أو مراسيل وقد تحمل بعض الصحابة والتابعين هذه الإسرائيليات عن مسلمة أهل الكتاب ورووها ليعلم ما فيها, ولم ينبهوا على كذبها اعتمادا

_ 1 مقدمة ابن خلدون, بحث التفسير. 2 الإتقان ج3 ص188، 189 ط القديمة.

على ظهور كذبها ووضوحه فإذا وجدت بعض هذه الإسرائيليات الباطلة مرويا عن بعض الصحابة كابن عباس، وابن عمرو بن العاص، فلا تغتر بها ولا تظن أن لها أصلا في ديننا, وإنما أمرها أنها من معارف أهل الكتاب الذين أسلموا حملها عنهم بعض الصحابة والتابعين بحسن نية لقد كان أئمة الحديث ونقاده على حق حينما قالوا: إن كلام الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه له حكم المرفوع بشرط أن لا يكون هذا الصحابي معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب ورواية الإسرائيليات, فإن كان معروفا بذلك فليس لها حكم المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قطعا: ومن ثم يتبين لنا جليا أن هذه القصص الباطلة التي تروى في أخبار الأنبياء والأمم الماضية لا تمت إلى الإسلام ولا سند لها متصلا إلى المعصوم -صلى الله عليه وسلم- وإنما هي موضوعات وإسرائيليات. قال الإمام ابن تيمية: "وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي، والزمخشري في فضائل القرآن -يعني سوره- فإنه موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث والثعلبي في نفسه كان فيه خير ودين وكان حاطب ليل ينقل ما وجد من كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع والواحدي كان أبصر منه بالعربية لكن هو أبعد من السلامة واتباع السلف والبغوي تفسير مختصر من الثعلبي لكن صانه عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة، والموضوعات في كتب التفسير كثيرة منها الأحاديث الكثيرة الصريحة في الجهر بالتسمية وحديث على الطويل في تصدقه بخاتمه في الصلاة, فإنه موضوع باتفاق أهل العلم ومثل ما روي في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} إنه علي، {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أذنك يا علي إلى آخر ما قال1. وفي الحق إن كتب التفسير اشتملت على زيف كثير في فضائل السور

_ 1 أصول التفسير لابن تيمية ص32 ط السلفية.

وفي أسباب النزول, وفيما يتعلق بتيين مبهم، أو تفصيل مجمل، أو بأحوال الأمم السابقة، وقصص الأنبياء وأحوال المعاد وبدء الوجود وأسرار الوجود وكتب التفسير من عهد ابن جرير وابن مردويه لا يكاد يخلو تفسير منها من موضوعات, وإن اختلفت في ذلك قلة وكثرة إذ استثنيا تفسير ابن كثير وتفسير الألوسي وتفسير المنار وبعض التفاسير المعاصرة التي تنبه مؤلفوها إلى هذه الموضوعات، وابن جرير على جلالة قدره قد اشتمل تفسيره على بعضها إلا أنها قليلة جدا, وقد أدى خدمة تشكر بذكر الأسانيد مما يتيح للباحث النظر في الأسانيد ونقدها والحافظ السيوطي قد ذكر في كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" ما الله أعلم بصحته بل ذكر بعض الموضوعات ومنها ما وافق على وضعه في كتبه الأخرى "كاللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة", ولعل ذلك سهو منه أو اكتفى بذكر السند والتخريج عن التنصيص على الوضع، وكتاب الثعلبي مليء بالموضوعات وتفسير الزمخشري وهو "الكشاف" مع خلوه غالبا من القصص الإسرائيلي قد ذكر بعض الموضوعات في الفضائل والقراءات، وأسباب النزول ونحوها، وتفسير النسفي كتفسير الزمخشري إلا أنه لم يخرج الحديث الموضوع في فضائل السور, وتفسير البيضاوي متابع للكشاف في كثير مما ذكره, وتفسير الخازن مع إكثاره من ذكر القصص، وأخبار الأمم الماضية إلا أنه يكر على بعضها بالإبطال مثل ما صنع في قصة هاروت وماروت، والغرانيق، وقصة داود وسليمان على ما يرويها القصاص، وإن كان غفل عن موضوعات لا يدركها إلا جهابذة الحديث ونقاده وتفسير الفخر الرازي، وأبي السعود قد نبه صاحباهما إلى بعض الروايات الباطلة ورداها وبخاصة من جهة العقل والنظر إلا أنهما قد خفيت عليهما بعض الموضوعات مما لا يدركه إلا حفاظ الحديث, ومما ينبغي أن يعلم أن بعض المفسرين كان لهم جهاد مشكور في رد المفتريات كابن كثير والفخر الرازي، والألوسي، والشيخ

محمد عبده في دروسه وتفسيره، وبعض رسائله، وفارس هذا الحلبة هو الحافظ ابن كثير فقد جاء تفسيره مصفى من الموضوعات والإسرائيليات وكان له فضل التنصيص على بطلانها، وكيف تسربت إلى الإسلام؟ ومن أين أتت وإذا كان ذكر شيئا منها في كتابه فللتنبيه عليها لا للاستشهاد بها والاستدلال، ولا عجب فهو حافظ وله بصر بالنقد بل هو من مدرسة معروفة بأصالة النقد, وهي مدرسة الإمام ابن تيمية, ولو أن المفسرين رزقوا هذه الملكة في النقد لما وقعوا في ذكر الموضوعات والإسرائيليات. "حديث موضوع باتفاق الحفاظ": ومن الموضوعات في فضائل السور الحديث الطويل المروي عن أبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضائل القرآن سورة, وقد خطأ المحدثون من ذكره من المفسرين في كتبهم كالثعلبي، والواحدي، والزمخشري، والبيضاوي وأبي السعود لكن من أبرز سنده كالأولين, فهو أبسط لغدره إذ أحال ناظره على الكشف على سنده، وأما من لم يبرز سنده ورواه بصفة الجزم فخطؤه أفحش كالآخرين1. روي عن المؤمل بن إسماعيل قال: حدثني شيخ به فقلت للشيخ: من حدثك بهذا؟ قال: حدثني شيخ بالمدائن وهي حي، فصرت إليه، فقلت: من حدثك بهذا؟ قال: حدثني شيخ بواسط، وهو حي، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بالبصرة، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بعبادان، فصرت إليه، فأخذني فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة، ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك؟ فقال: لم

_ 1 بعض العلماء يرى أنه ما دام ذكر السند, فقد خرج من التبعة وعلى من تبلغه الرواية البحث في سندها حتى يتوصل إلى معرفة درجة الحديث من الصحة أو الحسن أو الضعف، وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة ومن هؤلاء -كما في فتح المغيث للسخاوي- الطبراني، وابن مندة، والحكيم الترمذي، وأبو الليث السمرقندي، وقد كان علماء عصرهم يعرفون الأسانيد بالنظر فيها فتبرأ ذمتهم من العهدة بذكر السند قال السخاوي: ولا تبرأ في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد الروايات الباطلة بذكر مسانيدها من غير بيانه, لعدم الأمن من المحذور به، أقول: وهو الحق ومن لم يبين فهو آثم.

يحدثني أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن1. وهي شنشنة عرفناها من أبي عصمة نوح بن أبي مريم، وميسرة بن عبد ربه! وهؤلاء المتصوفة الجهلة هم الذين عناهم يحيى بن سعيد القطان حينما قال: "لم نر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث", رواه مسلم في مقدمة صحيحه, وهم الذين عناهم أبو عاصم النبيل حينما قال: "ما رأيت الصالحين يكذبون في شيء أكثر من الحديث". واعتبروا صالحين وأهل خير باعتبار ظاهرهم وإلا فهم أهل شر وجهل وإشاعة للكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم. ومما ينبغي أن يعلم أنه قد وردت أحاديث كثيرة صحيحة وحسنة في فضائل بعض السور، وقد تكفل ببيانها الحافظ السيوطي في كتاب "الإتقان", وقد ذكر في "التدريب" أنه ألف كتابا في ذلك سماه "خمائل الزهر في فضائل السور". ومن الموضوعات التي اشتملت عليها بعض كتب التفسير قصة "الغرانيق" وهي ما زعموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قرأ سورة النجم، وبلغ إلى قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} ألقى الشيطان على لسانه: "تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترنجى", فقال المشركون: "ما ذكر محمد آلهتنا بخير قبل اليوم" فسجدوا، وسجد. "بطلان هذه القصة": وهذه القصة غير ثابتة من جهة العقل، ولا من جهة النقل، وطعن غير واحد من أئمة المعقول والمنقول كالإمام محمد بن إسحاق بن

_ 1 التدريب ص189.

خزيمة إمام الأئمة، فإنه لما سئل عنها قال: هي من وضع الزنادقة، وكالبيهقي، والقاضي عياض والقاضي أبو بكر بن العربي، والإمام أبو منصور الماتوريدي، وقد بين ابن كثير في تفسيره أنها لم تأت من طريق مسند صحيح، وكلها مرسلات، ومنقطعات والذين انتصروا لها وقالوا: إن لها أصلا كالحافظ ابن حجر أولوا ما روي على أن الذي نطق هو الشيطان أثناء سكوت الرسول, فخيل إلى المشركين أن الناطق بها الرسول وهو تكلف لا داعي إليه فالحق والصواب أنها موضوعة مكذوبة1. ومن الموضوعات قصة "هاروت وماروت", وأنهما كانا ملكين نزلا إلى الأرض فهويا امرأة تسمى "الزهرة", واقترفا معها الإثم، أما هي فمسخت الكوكب المعروف باسمها وأما هما فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا، والمحققون من العلماء على أنها لا أصل لها, وإنما هي من الإسرائيليات المكذوبة ألصقت بالإسلام زورا قصد الإساءة إليه. وكذلك ما روي في قصة يوسف عليه السلام في همه بامرأة العزيز وأنه حل تكة سراويله, وما روي في قصة داود مع أوريا, ومحاولته قتله في الحرب ليخلو له الجو فيتزوج بامرأته وما روي في فتنة سليمان من قصة الخاتم, وضياعه, وذهاب ملكه, وتسلط الشيطان على ملكه بل وعلى نسائه، حتى رد الله عليه خاتمه, فعاد له ملكه, وما روي في قصة أيوب ومرضه مرضا شديدا حتى تنكر له الناس، ورمى على كناسة بني إسرائيل تسرح الهوام والحشرات في جسمه, فكل ذلك قصص خرافة تخالفه العقول وتناقضه النقول الصحيحة.

_ 1 قد زيفتها مما لا مزيد عليه في كتابي "السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة", ج1 ص375-387.

ومن المختلق الموضوع أيضا ما روي في قصة السيدة زينب بنت جحش وزواج النبي بها وأن ذلك كان عن حب وهوى, وفسروا قوله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} 1 بأن المراد به حبها وهي قصة مكذوبة رواتها معروفون بالكذب ورواية الغرائب والمناكير، والقرآن نفسه يكذب هذا فقد بين أن السبب في تزويج الله نبيه إياها هو إبطال ما تواضع عليه الناس في الجاهلية من إنزال زوجة الابن المتبنى منزلة زوجة الابن الصلبي في التحريم, وصدق الله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} 1. وأيضا فزينب بنت عمة النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو الذي زوجها من زيد, وقد كان ذلك على كره منها، فلو كان يهواها -كما زعموا- لتزوجها, ولا سيما أنه لم تكن هناك أية حوائل قط بل زينب كانت تتمنى ذلك لو أراد النبي فالقصة تحمل في ثناياها دليل بطلانها، وإذا كانت القصة غير ثابتة من جهة النقل، ويستنكرها العقل، وما عرف عن النبي في تاريخه الطويل من العفة وطهارة الذيل، والترفع عن سفاسف الأمور يناقضها، فلم يبق إلا أنها من افتراءات الزنادقة، كي يشوهوا سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام2. ومن ذلك ما يذكره بعض المفسرين في بدء الخلق وأسرار الوجود، وتعليل بعض الظواهر الكونية كالرعد والبرق، والزلازل ونحوها مما لا يشهد له عقل ولا نقل صحيح، ويصادم الحقائق العلمية المسلمة، فكل ذلك لا أصل له في الإسلام, وإنما هو من صنع الزنادقة الخبثاء لكي يظهروا الإسلام بمظهر الدين المشتمل على ما يخالف الحقائق العلمية

_ 1 سورة الأحزاب: 37. 2 قد زيفت كل ذلك وبينت حقيقة أمرها في كتابي "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" فليرجع إليه من يشاء الوقوف على الرد.

تنفيرا للناس منه. ومن ذلك ما ذكره بعضهم في تفسير قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} بأنه الحوت الذي على ظهره الأرض وفي تفسير {ق} من أنه جبل محيط بالدنيا، والسماء واضعة أكنافها عليه وما ذكروه من أن الأرض على صخرة والصخرة على قرن ثور، فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة, فكل هذا وأشباهه من خرافات بني إسرائيل وأباطيلهم دست على الإسلام زورا وقد امتلأت بعض كتب التفسير بمثل هذه الخرافات والإسرائيليات, فلا تلق إليها بالا واطرحها دبر أذنيك فإنها لا تساوي المداد الذي كتبت به. ومعذرة أيها القارئ إذا كنت لم أطل في الرد واستقراء هذه الأباطيل المبثوثة في كتب التفاسير والتواريخ والأدب, وقد فصلت القول في هذا في كتابي "الوضع في الحديث" ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين وأطنبت في الردود1 من منذ ثلث قرن أو يزيد.

_ 1 هو مخطوط وسيطبع عما قريب إن شاء الله تعالى.

الموضوعات وكتب الفقه والأصول

الموضوعات وكتب الفقه والأصول: وكما اشتملت بعض كتب التفسير على الموضوعات اشتملت بعض كتبه الفقه على أحاديث ضعيفة ومنكرة، وموضوعة، ولما كان بعض الفقهاء ولا سيما المتأخرين منهم بضاعتهم في فن الحديث، ومعرفة صحيحه من سقيمه قليلة، فقد اغتروا ببعض الأحاديث التي لا يصح الاحتجاج بها وأوردوها في كتبهم أضف إلى ذلك أنك قلما تجد في كتب المتأخرين من الفقهاء حديثا مذكورا بسنده كاملا, وليتهم إذ حذفوا الأسانيد غزوا الأحاديث إلى مخرجيها مع بيان درجتها من الصحة أو الحسن أو الضعف، أما كتب المتقدمين والأئمة الكبار, فلا تكاد تجد فيها موضوعا كما وأنها تحرص على ذكر الأحاديث بأسانيدها أو على الأقل

عزوها وبيان درجتها من الصحة أو الضعف. ومن قبل أدرك أئمة الحديث ما في كتب الفقه من صحيح وغيره, فألفوا كتب التخاريج1 منهم الحافظ الزيلعي الحنفي المتوفى 762هـ، فقد ألف كتاب "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية", وهي من كتب الحنفية, والحافظ ابن حجر ألف كتابا سماه "التلخيص الحبير، في تخريج أحاديث الرافعي الكبير", وهو من كتب الشافعية, ومثل ذلك فعل بعض الأئمة في تخريج كتب الأصول فجزاهم الله خيرا. فمن ذلك حديث أخرجه الدارقطني عن سلمان قال: رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد سال من أنفي الدم فقال: "أحدث وضوءا" ففي سنده عمرو بن خالد الواسطي كان يضع الحديث2. وحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم "قاء ولم يتوضأ", قال الزيلعي: غريب جدا، وقال الحافظ ابن حجر: لم أجده. وحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم", قال البخاري: حديث باطل وذكره ابن الجوزي في الموضوعات3, ومما وقع في كتب الأصول حديث: "ما جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فخذوه وإن خالف فردوه", وهو موضوع وضعته الزنادقة، وحديث: "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة", وهو بهذا اللفظ لا يعرف عند المحدثين وهو أقرب إلى قواعد الفقهاء4. والخلاصة أنه لا ينبغي لباحث أو مستدل أن يعتمد على كتب الفقه

_ 1 التخريج: عزو الأحاديث إلى من ذكرها في كتابه من الأئمة وبيان درجتها من الصحة أو الحسن أو الضعف. 2 نصب الراية ج1 ص41. 3 المرجع السابق ص212. 4 وإنما الحديث المعروف هو قوله -صلى الله عليه وسلم- في مبايعة النساء: "إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة" رواه النسائي.

في الأحاديث إلا إذا عزاه إلى مخرجه أو بينت درجته من الصحة أو الحسن أو الضعف وقد ينفر من هذا بعض المقلدة ولكنه الحق الذي لا محيص عنه.

الموضوع وكتب الوعظ والتصوف والأخلاق

"الموضوع وكتب الوعظ، والتصوف، والأخلاق": وكذلك كتب الوعظ والتصوف والأخلاق ذكرت فيها بعض الأحاديث الضعاف والموضوعة, ومن هذه "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي, و"قوت القلوب" لأبي طالب المكي، و"غنية الطالبين" للجيلاني ونحوها, وكتاب الإحياء من أجل كتب الوعظ والأخلاق والتربية لولا ما شابه من ذكر أحاديث ضعيفة وموضوعة, ومما ذكر في هذا الكتاب من الموضوعات ما ذكره في فضل العقل وشرفه وأقسامه, وقد حكم عليها النقاد بالوضع حتى قالوا: "لم يثبت في فضل العقل شيء", وليس معنى هذا أن الإسلام لا يكرم العقل ولا يقر بشرفه, ولكن لا يكون ذلك عن طريق الكذب على الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكر كثيرا من الموضوعات والضعاف في أبواب صلوات أيام الأسبوع ولياليه. قال الإمام العراقي: "ليس يصح في أيام الأسبوع ولياليه شيء", وفي الكتاب طامات وأحاديث باطلة كثيرة. وقد أحسن الإمام العراقي صنعا حينما خرج أحاديث الإحياء وبين صحيحها من ضعيفها ولذلك أنصح كل من يقرأ الإحياء ألا يعتمد على ما يذكره من أحاديث، إلا بعد الاطلاع على تخريج العراقي, وإلا وقع في إثم الكذب وهو لا يشعر. وكتاب الغنية للجيلاني أشد خطرا من الإحياء، وكتاب "قوت القلوب" أقل الثلاثة موضوعا، وكتاب: "تنبيه الغافلين" للسمرقندي يجب الحذر مما فيه من موضوعات وإسرائيليات وكذا كتاب "بستان العارفين" له، ومما ينبغي الحذر منه كتاب "نزهة المجالس", فقد أفسد عقول العامة بما فيه من خرافات وأكاذيب، ولما ألف

الصفوري هذا الكتاب عارضه برهان الدين الناجي محدث دمشق، وبين كثرة ما فيه من موضوع, وقد جمع منه رسالة وأرسلها إلى الإمام السيوطي بمصر فوافقه على كثير منها بالوضع والاختلاق. ومن الكتب التي وقع فيها الموضوع كتاب "عوارف المعارف": للسهروردي المتوفى سنة 632هـ. فقد ذكر في فضائل التواجد والرقص عند سماع الغناء ورمي الخرقة أحاديث مكذوبة قبح الله من وضعها، وله كتاب في "صفة التصوف" روى فيه مرويات باطلة، وقد أفتى الإمام النووي ببطلانها1. ومن الكتب التي وقع فيها الموضوع كتاب "الحلية" لأبي نعيم, ومع أنه من الحفاظ فقد تساهل في ذكره أحاديث بأسانيدها من غير تنبيه على وضعها، ولعله ممن يرى أن ذكر السند يعفى من التبعة. هذا وإني أرى لزاما عليّ في هذا المقام أن أسدي النصح -والدين النصيحة- لإخواننا الوعاظ والمرشدين والأئمة، والخطباء, والمؤلفين والمحاضرين أن لا يعتمدوا على هذه الكتب وأشباهها في الثقة بالأحاديث والاعتماد عليها فيما ذكرته، ومؤلفوها مع جلالتهم إلا أنهم ليسوا من أئمة الحديث، الناقدين له، العارفين بصحيحه ومعلوله، وفي كتب السنن المعتمدة متسع، كالكتب الستة والموطأ، و"مسند" الإمام أحمد، و"الترغيب والترهيب" للمنذري و"رياض الصالحين" للإمام النووي مع التحري والتخير من الكتب التي لم يلتزم مؤلفوها فيها الصحة، إنهم إن فعلوا ذلك فقد أرضوا الله ورسوله، ورفعوا منار الحق، وأزهقوا الباطل.

_ 1 نذكر الموضوعات للفتني ص198.

الموضوع وكتب العلوم الأخرى

الموضوع وكتب العلوم الأخرى: "كتب السير والمواليد والتاريخ": ولا تخلو كتب العلوم الأخرى من موضوعات وإسرائيليات لا تمت إلى الإسلام، ولا تنبع منه وذلك ككتب السير والمناقب، وكتب التواريخ، وذلك كتاريخ "الأمم والملوك" للمسعودي، و"تاريخ الخلفاء" للسيوطي، فلا تفتر بكل ما يوجد فيها من أحاديث وقصص، وكذلك كتب السير والمواليد، قد دخلها التزيد والاختلاق، وقد سئل الإمام ابن حجر الهيثمي: هل تجوز قراءة سيرة "البكري"؟ فأجاب: لا تجوز قراءتها؛ لأن غالبها باطل وكذب. وعلى هذا: فلا يصح الاعتماد على كتب السير والمواليد في الأحاديث إلا بعد التأكد من صحتها والبحث عنها. "كتب علم الكلام والعقائد": وكذلك كتب "علم الكلام والعقائد" لا يعتمد عليها في الأحاديث فيجب البحث عنها، ومعرفة درجتها من الصحة، أو الحسن، أو الضعف قبل الاستدلال بها. "كتب النحو والقواعد": وكذلك كتب النحو والقواعد كثيرا ما يذكرون كلمات على أنها أحاديث، ولا أصل لها ولا ثبوت، وذلك مثل ما يذكرونه في حروف الشرط, وهو قول عمر: "نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه", قال البهاء السبكي في "عروس الأفراح": لم أر هذا الكلام في شيء من كتب الحديث لا مرفوعا ولا موقوفا لا عن النبي ولا عن عمر وكذا قال: الزين العراقي، ومثل ما ذكره ابن هشام في المغني: "أنا أفصح من

نطق بالضاد بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد بن بكر" قال السيوطي نقلا عن الحافظ ابن كثير: إنه لا أصل له. والتعبير بالضاد عن اللغة العربية مستحدث. "كتب الأدب واللغة": وكذلك كتب الأدب واللغة تذكر الكثير من الأحاديث بلا سند ولا تخريج, فمن ذلك ما ذكره الجوهري في صحاحه من حديث: "إن القصيرة قد تطيل "أي تلد ولدا طويلا"", وهو ليس بحديث وقد عده صاحب القاموس من أوهامه، وما ذكره صاحب مختار الصحاح في مادة "عك", وهو حديث: "طوبى لمن رأى عكة", وهو لا أصل له عند المحدثين. أما كتب الأدب القديمة فقد أسرفت في ذكر الأحاديث التي لا أصل لها, وذلك مثل قصة قس بن ساعدة الأيادي وسماع النبي له وهو يخطب على جمل أورق, وقد عدها ابن الجوزي في الموضوعات إذ في سندها محمد بن الحجاج اللخمي، كذاب خبيث أحاديثه موضوعة, والكلبي وهو كذاب وأبو صالح وهو واه1, وقد اغتر بهذه القصة ولم يتنبه لوضعها معظم المؤلفين في الأدب قديما وحديثا ولا تزال تدرس للطلاب في كلياتنا الجامعية ومعاهدنا العلمية. أقول: وهذه القصة رويت أيضا من طرق أخرى، وبأسانيد لا يصل رجالها إلى درجة الكذب والوضع، وترتفع بالقصة عن درجة الوضع. وقد أسرف صاحب "نهاية الأرب" في ذكر أحاديث موضوعة وقصصا إسرائيليا كثيرا مثل ما ذكره في فضل صخرة بيت المقدس, وقد قال الحفاظ الناقدون: "كل ما روي في صخرة بيت المقدس فهو موضوع مفترى ولم يصح في فضل بيت المقدس إلا ثلاثة أحاديث".

_ 1 اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ج1 ص95.

ومثل ما ذكره في فضيلة الزهد وبغض الدنيا وما ذكره في قصص الأنبياء والأمم السابقة مما نقله عن الثعلبي، وفيه من المنكر والإسرائيليات شيء كثير. وقصارى القول -بعد هذا المطاف في كتب العلوم أن المعول عليه في ثبوت الأحاديث والاحتجاج أو الاستشهاد بها هي كتب الأئمة الحذاق الناقدين العارفين بالجرح والتعديل وبخاصة كتب الذين التزموا تخريج الأحاديث الصحاح، والحسان، أما كتب العلوم الأخرى فلا يعول عليها في هذا، بل فيها أحاديث ضعيفة، وموضوعة، وإسرائيليات كثيرة يجب الحذر منها، وعدم روايتها إلا مقترنا ببيان حالها. ومعذرة مرة أخرى إذا كنت أوجزت في هذا الفصل فقد أطلت القول في كتابي الذي نبهت إليه آنفا.

جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث

"جهاد العلماء في مقاومة حركة الوضع وتنقية السنة والأحاديث": لقد قيض الله سبحانه وتعالى لحفظ الأحاديث والسنن، وتمييز صحيحها من ضعيفها، وجيدها من زائفها علماء كثيرين في كل عصر ومصر تجردوا وانقطعوا لهذا العمل الجليل، ومن يوم أن ظهرت حركة الوضع في الحديث، وهؤلاء العلماء في جهاد مستمر مضن في مقاومة هذه الموضوعات وتنقية السنة منها، ولما قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة قال: "تعيش لها الجهابذة" وذكر الذهبي في "طبقات الحفاظ" أن الرشيد أخذ زنديقا ليقتله فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ فقال: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري1 وابن المبارك2 ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا؟ وقال ابن

_ 1 هو شيخ الإسلام إبراهيم بن محمد بن الحارث الكوفي توفي سنة 185 أو 186. 2 هو الإمام الحافظ المجاهد عبد الله بن المبارك المردزي ثقة ثبت عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخبر توفي سنة إحدى وثمانين ومائة.

المبارك: "لو هم رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون: كذاب", ففي هذه النقول وغيرها ما يدل على يقظة أهل الحديث ورجاله للموضوعات، والعمل على إبطالها، وعلى تعقبهم الوضاعين، ورد كيدهم في نحرهم، وقد كان من فضل الله على الأمة الإسلامية أن رزقها من الحفاظ البارعين والنقاد البصيرين ما لا يحصون كثرة، وقد اتخذ جهاد المحدثين مظاهر شتى وأنواعا متعددة. 1- المبادرة بجمع الأحاديث وتدوينها تدوينا عاما في وقت مبكر, وكان ذلك على رأس المائة الأولى في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه, فقد كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المتوفى سنة 120هـ, وإلى محمد بن شهاب الزهري المتوفى سنة 124هـ وغيرهما من علماء الأمصار: أن انظروا ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاجمعوه فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء، فسارع العلماء إلى الاستجابة بدافع من دينهم، ووازع من أنفسهم، وأقبلوا على الجمع إقبالا منقطع النظير، بحيث لم يكد ينتهي القرن الثالث حتى كانت الأحاديث والسنن مجموعة في كتب الحديث المعتمدة مثل موطأ الإمام مالك؛ ومسند الإمام أحمد وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وصحيح محمد بن إسحاق بن خزيمة، وتهذيب الآثار لابن جرير الطبري، وغيرهما من الكتب، وقد أطنبت في هذا في كتابي "أعلام المحدثين"1 فليرجع إليه من يشاء الاستزادة, وبهذا حالوا بين الوضاعين، وبين الإفساد في الأحاديث، وصارت كتب الحديث، ودواوينه المعتمدة موردا للمجتهدين والمستدلين، ومرجعا لمعرفة الصحيح من الحسن، من الضعيف.

_ 1 من ص18-27, وقد مضى على تأليفه نحو عشرين عاما.

2- الجرح والتعديل: وقد صاحبت حركة الجمع تجريح الرواة وتعديلهم، وتشريحهم تشريحا دقيقا لوجه الله والحقيقة، وقد كان للجرح والتعديل أكبر الأثر في تنقية السنن والأحاديث مما عسى أن يعلق بها من الموضوعات، والإسرائيليات، وقد بلغ العلماء المحدثون في نقد الأسانيد مبلغا لم تبلغ شأوه أمة من الأمم، وتركوا لنا في ذلك ثروة ضخمة في كتب الرجال منها ما هو في الثقات من الرواة، ومنها ما هو في الضعفاء، والوضاعين، ومنها ما هم فيما هو أعم منها. ومن هذه الكتب "الضعفاء والمتروكون" لابن حبان، و"الكامل" لابن عدي، و"الضعفاء" للعقيلي، وكتب الطبقات، لطبقات ابن سعد، وتواريخ البخاري الثلاثة: الكبير، والأوسط، والصغير، ومن عيون الكتب "ميزان الاعتدال" للذهبي، و"لسان الميزان" و"تهذيب التهذيب" وهما للحافظ ابن حجر وغيرها كثير. وكذلك عنوا بنقد المتون عناية متئدة، متبصرة، فلم يفرطوا، أو يفرطوا في نقدها، ووضعوا لنقد الأسانيد والمتون قواعد، وهي أرقى وأدق ما عرف الناقدون في القديم، والحديث، وقد أسهبت القول في هذا في مقدمة كتابي "أعلام المحدثين"1, و"دفاع عن السنة", فليرجع إليهما من يشاء. وبهذا النقد الأصيل ميزوا بين الصحيح والمعلول والمقبول والمردود من الأسانيد والمتون. 3- كما اتخذ هذا الجهاد مظهرا آخرا من مظاهر دفاع المحدثين عن الأحاديث, وذلك عن طريق تأليف الكتب التي تنص فيها على الأحاديث الموضوعة ونقدها سندا ومتنا وهذه نوعان: "النوع الأول": كتب خاصة بالموضوعات وهي كثيرة منها:

_ 1 أعلام المحدثين ص35، و"دفاع عن السنة" من ص46-51.

1- كتاب الأباطيل للجوزقاني, وهو الحافظ الحسن بن إبراهيم المتوفى سنة 543 ثلاث وأربعين وخمسمائة, وهو كتاب صغير على تساهل فيه. 2- الموضوعات لابن الجوزي, وهو الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة "597هـ" سبع وتسعين وخمسمائة, وقد أخذ عليه المحدثون تساهله في إيراد ما لا يستحق أن يكون موضوعا وعلى الناظر فيه أن يدقق ويحقق حتى يظهر له الصواب فيما عد من تساهله إذ أنه قد خولف في أحاديث قد يكون الحق معه فيها، ومما أخطأ فيه حديث ذكره وهو في صحيح مسلم1. 3- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي الحافظ المتوفى سنة "911" اختصر فيه كتاب الموضوعات لابن الجوزي وتعقبه في بعض الأحاديث وهو مطبوع. 4- "الدر الملتقط في تبيين الغلط" للعلامة رضي الدين أبي الفضل حسن بن محمد الصغاني "م650" وفي بعض ما ذكره ما ينتقد عليه. 5- كتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة" للعلامة علي بن محمد بن عراق "م963", وهو قيم لخص فيه الكتب التي تقدمت عصره وله فيه تعقيبات مفيدة, وكان مخطوطا في مكتبة الجامع الأزهر الشريف ثم طبع. 6- و"تذكرة الموضوعات" للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المتوفى في سنة "507" وفيه ما ليس بموضوع وهو مطبوع.

_ 1 وهو ما رواه من طريق أبي عامر العقدي عن أفلح بن سعيد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن طالت بك مدة أوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر" "التدريب/ 182".

7- "تذكرة الموضوعات" للفتني محمد بن طاهر "م986", وفيه ما ليس بموضوع وهو مطبوع. 8- "الموضوعات" للشيخ علي القاري الحنفي "م1014", وهو حسن مع اختصاره وهو مطبوع. 9- "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للعلامة محمد بن علي الشوكاني "م1250", وعليه فيه مؤاخذات في ذكر ما ليس بموضوع وهو مطبوع. "النوع الثاني": كتب غير خاصة بالموضوعات وهي قسمان: أ- كتب الأحاديث المشهورة1 منها: 1- "المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة" للسخاوي المتوفى "902" ميز فيه بين الأحاديث المشتهرة على الألسنة وقد نص فيه على كثير من الأحاديث الموضوعة وما لا أصل له وهو مطبوع. 2- "تمييز الطيب من الخبيث" اختصره مؤلفه ابن الديبع الشيباني من "المقاصد الحسنة" السابق وهو مطبوع. 3- "اللآلئ المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" للسيوطي وهو مطبوع. 4- "كشف الخفاء ومزيل الإلباس" للمحدث إسماعيل بن محمد العجلوني "م1162" جمع فيه خلاصة الكتب التي تقدمته. مطبوع. ب- "كتب التخاريج" وهي كتب قصد بها بيان درجة الأحاديث

_ 1 المراد الشهرة اللغوية لا الاصطلاحية؛ لأن الأولى هي التي تشمل الموضوع.

وبيان مخرجيها وفيها التنصيص على الموضوع وما لا أصل له منها. 1- "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للحافظ جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي المتوفى "762" خرج فيه أحاديث الهداية, وقد أجاد فيه وراعى الدقة والإنصاف. وهو مطبوع. وقد اختصره الحافظ ابن حجر في كتاب "الدراية في تلخيص نصب الراية". 2- "التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير" للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني "م852", وشرح الرافعي هو على وجيز الإمام الغزالي في فقه الشافعية، مطبوع بالهند. 3- "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار" للحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى "806" خرج فيه أحاديث الإحياء وبين درجة كل حديث أو أثر من الصحة أو الحسن أو الضعف وبين ما فيه من موضوع، وما لا أصل له، وهما تخريجان، كبير وصغير والمطبوع مع الإحياء هو الصغير. 4- تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري ومؤلفه الحافظ الزيلعي السابق, وقد نص فيه على المطبوع, وما لا أصل له، وقد اختصره الحافظ ابن حجر في كتابه "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف", وهو مطبوع مع الكشاف في بعض طبعاته.

كتب أخر للتخاريج

كتب أخر للتخاريج الاعتبار والمتابعات والشواهد ... "كتب أخر للتخاريج": وهناك عدا ما ذكرت "تحفة الراوي في تخريج أحديث البيضاوي" وتخريج "أحاديث أصول البزدوي" لقاسم بن قطلوبغا الحنفي، وتخريج أحاديث "شرح السعد" و"شرح المواقف" وهما للسيوطي، وتخريج أحاديث "منهاج الأصول" لشيخ الإسلام عمر بن علي الأنصاري، وتخريج "أحاديث شرح الرضي على الكافية" لعبد القادر البغدادي, وقد اطلعت على هذه التخاريج وكلها مخطوطة وتخريج أحاديث "شرح الشفا" للحافظ السيوطي وهو مطبوع. وهكذا نرى أن كتب التخاريج قد أسهمت إلى درجة كبيرة في التنبيه إلى الموضوعات والإسرائيليات، وما على شاكلتها، ولو أن هذه التخاريج التي لم تطبع وجدت من يطبعها لكان في ذلك خدمة تشكر للحقيقة والبحث ولما وقع الكثيرون في خطأ ذكر الموضوعات من غير بيانها اعتمادا على وجودها في كتب العلوم. "الاعتبار والمتابعات والشواهد": هذا النوع من الأنواع التي يذكرها علماء علوم الحديث في تصانيفهم ومؤلفاتهم وإيراد العنوان على هذا الوضع يوهم أن الاعتبار قسيم للمتابعات والشواهد وليس الأمر كذلك. وإنما الاعتبار: هو البحث في طرق الأحاديث والمرويات ليتوصل بذلك إلى معرفة الحديث أتفرد به راويه أم لا؟ وأهو معروف أم لا؟ وذلك بأن يأتي إلى حديث لبعض الرواة فيعتبره بروايات غيره من

الرواة بسبر طرق الحديث1 ليعرف أشاركه في ذلك الحديث راو غيره فرواه عن شيخه أم لا؟ فإن لم يكن فينظر هل تابع أحد شيخ شيخه في روايته فرواه عمن روى عنه؟ وهكذا إلى آخر الإسناد وتلك هي المتابعة. فإن لم يكن فينظر: هل أتى بمعناه حديث آخر؟ وهو الشاهد، فإن لم يكن فالحديث فرد، ومن ثم نرى أن الاعتبار ليس قسيما2 للمتابع، والشاهد، بل هو الوسيلة للتوصل إليهما. ولما كان المثال هو الذي يوضح الممثل له فقد جرى أئمة علوم الحديث على توضيح ذلك بالمثال فمثال الاعتبار: أنه يروي حماد بن سلمة مثلا حديثا لا يتابع عليه عن أيوب3، عن ابن سيرين4، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم، فينظر: هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين؟ فإن لم يوجد ثقة غيره فينظر: هل رواه غير ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه، فإن لم يوجد فينظر هل رواه صحابي آخر غير أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم؟ فأي ذلك وجد علم به أن له أصلا يرجع إليه، وإن لم يوجد شيء من ذلك فلا أصل له.

_ 1 السير هو التتبع والاختبار والنظر، ويكون بالنظر في الجوامع، والمسانيد، والمعاجم, والمشيخات, والفوائد، والأجزاء؛ كما قال ابن الصلاح في "علومه", والمراد بالجوامع: الكتب التي جمعت فيها الأحاديث على ترتيب أبواب الفقه كالكتب الستة والموطأ، أو على ترتيب الحروف الهجائية في ترتيب الأبواب كالبدء بكتاب الإيمان، ثم كتاب البر، ثم كتاب الثواب وهكذا, كما فعل ابن الأثير في "جامع الأصول", أو ترتيب متون الأحاديث كما فعل السيوطي في "الجامع الصغير", والمراد بالمسانيد ما جمع فيه مسند كل صحابي على حدة صحيحا أم ضعيفا، وبالمعاجم: ما ذكرت فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ، أو البلدان، أو غير ذلك، والغالب أن يكونوا مرتبين على حروف الهجاء وبالمشيخات: الكتب التي تشتمل على ذكر الشيوخ الذين لقيهم المؤلف وأخذ عنهم، أو أجازوه وإن لم يلقهم، وبالأجزاء ما دون فيه حديث شخص واحد من الأئمة المعروفين، أو مادة واحدة من أحاديث جماعة. "شرح شرح النخبة ص94". 2 القسيم هو القسم المقابل. 3 أيوب: هو ابن أبي تميمة السختياني ثقة ثبت حجة. 4 هو التابعي الجليل محمد بن سيرين.

ثم بين المثال بما هو موجود بالفعل في بعض كتب الحديث المعتمدة وذلك كالحديث الذي رواه الترمذي عن طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن ابن سرين، عن أبي هريرة، أراه رفعه "أحبب حبيبك هونا". الحديث, قال الترمذي: غريب، لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه أي من وجه يثبت, وإلا فقد رواه الحسن بن دينار عن ابن سيرين والحسن متروك الحديث لا يصلح للمتابعات. والمتابعة: أن يرويه عن أيوب غير حماد، وهذه المتابعة التامة، وهي التي تكون في أول السند أي من جهة الإمام الراوي فإن لم يروه عن أيوب غير حماد ولكن رواه عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة، غير ابن سيرين، أو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابي غير أبي هريرة, فكل هذا يسمى متابعة ولكنها قاصرة؛ لأنها تقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها، قال ابن الصلاح، وتسمى المتابعة شاهدا أيضا. والشاهد: أن يروي حديث آخر بمعناه، ولا تسمى هذه متابعة. وهذا الذي ذكرناه في تعريف المتابعة والشاهد هو ما ذكره الإمام الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في "علوم الحديث" وتبعه النووي وغيره. وبالتأمل فيه نرى أن ابن الصلاح خص المتابعة بما كان باللفظ سواء كان من رواية ذلك الصحابي أم لا، والشاهد: خصه بما كان بالمعنى سواء أكان عن ذلك الصحابي أم لا, وقيل: الشاهد أعم من أن يكون باللفظ أو بالمعنى. وقد جاء الإمام الحافظ ابن حجر فخالف ابن الصلاح في هذا واعتبر المتابعة فيما إذا كانت عن ذلك الصحابي الذي روى الحديث المتابع -بفتح الباء الموحدة- سواء أكانت باللفظ أم بالمعنى، واعتبر الشاهد فيما إذا كان عن صحابي آخر سواء أكان باللفظ أم

بالمعنى، وهذه المسألة إحدى مسائل الخلاف بين الشيخ ابن حجر والشيخ أبي عمرو بن الصلاح, وسبقت مسألة أخرى فقد جعل الإمام أبو عمرو الشاذ والمنكر شيئا واحدا وفرق بينهما الحافظ كما ذكرنا فيما سبق, فليكن أهل العلم وطلبة الحديث على بينة من هذا, وقد ضرب الحافظ ابن حجر مثالا يوضح ما أراده غاية التوضيح فقال -رحمه الله تعالى: مثال ما اجتمع فيه المتابعة التامة، والقاصرة، والشاهد: ما رواه الشافعي في الأم عن مالك، عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: $"الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى ترو الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". فهذا الحديث بهذا اللفظ ظن قوم أن الشافعي تفرد به عن مالك فعدوه في غرائبه1؛ لأن أصحاب2 مالك رووه عنه بهذا الإسناد بلفظ: "فإن غم عليكم فاقدروا له" , لكن وجدنا للشافعي متابعا وهو عبد الله بن مسلمة القعنبي3 كذا أخرجه البخاري عنه عن مالك4، وهذه متابعة تامة. ووجدنا له متابعة قاصرة في صحيح ابن خزيمة من رواية عاصم بن محمد عن أبيه محمد بن زيد عن جده عبد الله بن عمر: "فأكملوا ثلاثين" وفي صحيح مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بلفظ: "فاقدروا ثلاثين".

_ 1 الغرائب جمع غريب وهو الحديث الذي ينفرد به بعض الرواة أو الحديث الذي ينفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيره، إما في متنه أو في إسناده. 2 أي أصحابه الآخذون عنه وهم تلاميذه. 3 مسلمة -بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح اللام- والقعنبي نسبة إلى جده قعنب وهو بفتح القاف وسكون العين المهملة، وفتح النون آخره باء موحدة. ومعناه في الأصل الأسد والشديد الصلب، كان ابن معين وابن المديني لا يقدمان عليه في الموطأ أحدا مات سنة إحدى وعشرين ومائتين بمكة. 4 كتاب الصيام, باب: إذا رأيتم الهلال فصوموا.

قال الحافظ: ووجدنا له شاهدا رواه النسائي من رواية محمد بن حنين1 عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر مثل حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر بلفظه سواء2 ورواه البخاري من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ: "فإن أغمى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" , وذلك شاهد بالمعنى. وقد وافق الحافظ ابن الصلاح في أنه قد يطلق على الشاهد، والعكس أي وقد يطلق الشاهد على المتابع فلا فرق بينهما إلا بغلبة استعمال الشاهد في أحد معنييه عند قوم، وكثرة استعمال المتابع عند آخرين قال: والأمر سهل، إذ المقصود الذي هو التقوية حاصل بكل منهما سواء أكان متابعا، أم شاهدا. قال الحافظ: وخص قوم المتابعة بما حصل باللفظ سواء أكان من رواية ذلك الصحابي أم لا، والشاهد بما حصل بالمعنى كذلك أي سواء أكان من رواية ذلك الصحابي أم لا. ومراده بالقوم: الإمام ابن الصلاح ومن تبعه. وإذا قلنا العلماء في مثل هذا الحديث: تفرد به أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو تفرد به ابن سيرين عن أبي هريرة، أو تفرد به أيوب عن ابن سيرين، أو حماد عن أيوب، كان مشعرا بانتفاء وجود المتابعات فيه وإذا انتفت المتابعات مع الشواهد فحكمه ما سبق في الشاذ من التفصيل أقول: يعني إن كان راويه ثقة ولم يخالف من هو أوثق منه فهو مقبول، وإن خالف من هو أوثق منه أو أولى منه فهو الشاذ المردود، ومقابله يسمى المحفوظ.

_ 1 محمد بن حنين -بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخره نون- هو المكي وهو مقبول من الطبقة الرابعة، روى له النسائي. 2 أي اللفظان متوافقان ومتماثلان.

ومما ينبغي أن يعلم أنه يقبل في المتابعات والشواهد رواية من لا يحتج به لأن شأن المتابعات والشواهد مبني على التسامح، ولا يصلح لذلك كل ضعيف، لأن الضعيف قسمان: 1- ضعيف يعتبر به. 2- وضعيف لا يعتبر به. وسيأتي بيان ذلك في ألفاظ الجرح والتعديل إن شاء الله تعالى. والخلاصة: أن الاعتبار ليس قسيما للمتابعات، والشواهد، وإنما هي الطريقة أو الوسيلة التي يتوصل بها إلى معرفة، هل للحديث متابع أو شاهد؟ 1 فائدة: المتابعة مصدر تابع يتابع متابعة فهي العلاقة التي بين المتابِع -بكسر الباء الموحدة- والمتابَع -بفتح الباء الموحدة- والمتابِع -بكسر الباء- هو الراوي الموافق لغيره، والمتابَع -بفتح الباء- هو الراوي الذي وافقه غيره والله أعلم.

_ 1 انظر شرح شرح نخبة الفكر للقاري من ص89-93، والتقريب بشرحه "التدريب" من ص153-156، واختصار علوم الحديث ص59-60.

معرفة الأفراد

"معرفة الأفراد": الأفراد جمع فرد قال في القاموس: "الفرد: نصف الزوج والمتحد "ج" فراد ومن لا نظير له جمعه أفراد وفرادى وشحرة فارد متنحية، وظبية فارد منفردة عن القطيع وناقة فاردة، ومفراد وفرود تنفرد في المرعى"1. وهو في الاصطلاح الحديث الذي تفرد به راويه, فإن كان التفرد في أصل السند2 أو في كل السند, فهو الفرد المطلق, وإلا فهو الفرد النسبي وقد سبق بيان بعض ما يتعلق بهذا النوع في شرح "الحديث الغريب", وفي بعض المباحث والأنواع السابقة.

_ 1 القاموس ج1 ص322. 2 طرفه من جهة الصحابي.

وقد أفردته بعنوان أو إن شئت فقل ترجمه كما أفرده الحاكم، وابن الصلاح وغيرهما. أقسامه: وهو قسمان: أحدهما فرد مطلق، وهو الذي تفرد به واحد عن جميع الرواة وقد تقدم حكمه, أعني فإن كان راويه المتفرد به ثقة أو ممن يحتمل تفرده فهو مقبول، وإن خالف فيه راويه من هو أوثق منه، أو أقوى منه فهو الشاذ. الثاني: فرد نسبي أي بالنسبة إلى جهة خاصة كقولهم: تفرد به أهل مكة أو الشام، أو البصرة، أو الكوفة، أو خراسان، أو نحو ذلك أو تفرد به فلان عن فلان وإن كان مرويا من وجوه عن غيره. التفرد لا يقتضي الضعف: ولا يقتضي هذا ضعفه من حيث كونه فردا إلا أنه يراد بتفرد المدنيين مثلا تفرد واحد منه تجوزا أو يقال: لم يروه ثقة إلا فلان, فيكون حكمه كالقسم الأول؛ لأن رواية غير الثقة كلا رواية، فينظر في المنفرد به: أبلغ رتبة من يحتج بتفرده أم لا؟ وفي غير الثقة أبلغ رتبة من يعتبر بحديثه أم لا؟ مثال ما انفرد به أهل بلد: ما رواه أبو داود عن أبي داود الطيالسي، عن همام، عن قتادة، عن أبي نضرة1 عن أبي سعيد قال: "أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر".

_ 1 أبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قطعة -بضم القاف، وفتح الطاء المهملة- العبدي العوقي -بفتح العين المهملة، والواو، آخره قاف- البصري مشهور بكنيته, ثقة من الثالثة, مات سنة ثمان أو تسع ومائة "تقريب ج2 ص275".

قال الحاكم: تفرد بذكر الأمر فيه أهل البصرة من أول الإسناد إلى آخره، ولم يشركهم في هذا اللفظ سواهم. وما رواه مسلم من حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ومسح رأسه بماء غير فضل يديه". قال الحاكم: "هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر، ولم يشاركهم فيها أحد". وما رواه مسلم أيضا من حديث الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: "صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد". قال الحاكم: تفرد به أهل المدينة. وما رواه أحمد من حديث إسماعيل بن عبد الملك المكي عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها فقالت: يا رسول الله خرجت من عندي وأنت طيب النفس، ثم رجعت إليّ حزينا؟ فقال: "إني دخلت الكعبة، وددت أني لم أكن دخلتها أن أكون أتعبت أمتي" , أي خشية أن أكون ... إلخ. قال الحاكم: تفرد به أهل مكة. ومثال ما تفرد به فلان عن فلان: ما رواه أصحاب السنن الأربعة من طريق سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل عن الزهري عن أنس "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أولم على صفية1 بسويق2 وتمر". وقال ابن طاهر: تفرد به وائل عن أبيه، ولم يروه عنه غير سفيان.

_ 1 هي السيدة صفية بنت حيي بن أخطب تزوجها عقب غزوة خيبر. 2 هو القمح يشوى بالنار قبل أن ينضح ويجف، وكان من طعام العرب.

وقد رواه محمد بن الصلت التوزي1 عن ابن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري، ورواه جماعة عن سفيان عن الزهري بلا واسطة ومثال ما تفرد به أهل بلد عن أهل بلد، والمراد تفرد واحد منه، حديث النسائي: "كلوا البلح بالتمر". قال الحاكم: هو من أفراد البصريين عن المدنيين تفرد به أبو زكير عن هشام. ومثال ما تفرد به ثقة حديث مسلم وغيره: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف، واقتربت الساعة". تفرد به ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد الليثي ولم يروه أحد من الثقات غير ضمرة. ورواه من غيرهم عبد الله بن لهيعة2 -وهو ضعيف عند الجمهور- عن خالد بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة. المؤلفات في هذا النوع: قال ابن كثير في مختصره: وللحافظ الدارقطني كتاب في الأفراد مائة جزء ولم يسبق إلى نظيره وقد جمعه الحافظ محمد بن طاهر في "أطراف" رتبه فيها3. وقال السيوطي في "التدريب"4 "فائدة" صنف الدارقطني في هذا النوع كتابا حافلا وفي "معاجم الطبراني أمثلة كثيرة لذلك".

_ 1 التوزي -بفتح التاء، وفتح الواو المشددة، وكسر الزاي- وهو محمد بن الصلت: صدوق يهم من العاشرة توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين. "التقريب ج2 ص172". 2 بفتح اللام وكسر الهاء المصري واسمه عبد الله. 3 اختصار علوم الحديث ص159-161. 4 ص161 ط المحققة.

معرفة زيادات الثقات وحكمها

"معرفة زيادات الثقات وحكمها": وهو فن مهم من فنون علوم الحديث تستحسن العناية به؛ لما يستفاد بالزيادة من الأحكام وتخصيص العام، وتقييد الإطلاق، وإيضاح المعاني إلى غير ذلك. وإنما يعرف بجمع الطرق والأبواب وسعة الاطلاع على متون الأحاديث والعلم بها. المشهورون في هذا العلم: وقد كان إمام الأئمة ابن خزيمة: لجمعه بين الفقه والحديث، مشارا إليه في هذا العلم بحيث قال تلميذه ابن حبان1: "ما رأيت على أديم الأرض من يحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة زادها في الخبر ثقة، حتى كأن السنن نصب عينيه غيره"2, وكذلك كان الفقيه أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد، وأبو الوليد حسان بن محمد القرشي النيسابوريان، وغيرهما من الأئمة كأبي نعيم بن عدي الجرجاني ممن اشتهر بمعرفة زيادات الألفاظ التي تستنبط منها الأحكام الفقهية في المتون وصنيع العلماء في هذا النوع من أنواع علوم الحديث يدل على أن المراد بزيادات الثقات في المتون، أما الزيادات في الأسانيد فقد بحثوها في النوع المسمى "المزيد في متصل الأسانيد", وقد عرضنا له في هذا الكتاب, وقد أفرد العلماء كلا من الموضوعين بنوع خاص، وعلى هذا يمكننا أن نقول في تعريف هذا النوع: هو أن يروي أحد الرواة زيادة لفظة أو جملة في متن الحديث لا يرويها غيره.

_ 1 هو الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي صاحب كتاب "التقاسيم والأنواع" المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة "354". 2 فتح المغيث ج1 ص199 تدريب الراوي ص156.

"حكم زيادات الثقات" للعلماء في ذلك أقوال وإليك بيان أهمها: 1- مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين، قبولها مطلقا أي سواء وقعت ممن رواه أولا ناقصا أم من غيره، وسواء تعلق بها حكم شرعي أم لا، وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا، وسواء أوجبت نقص أحكام ثبتت بخبر ليست فيه أم لا، علم اتحاد المجلس أم لا، كثر الساكتون عنها أم لا وقد ادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا1 فهذا كما حكاه الخطيب هو الذي مشى عليه المعظم من الفقهاء وأصحاب الحديث كابن حبان، والحاكم، وجماعة من الأصوليين كالغزالي في "المستصفى", وجرى عليه النووي في مصنفاته، وهو ظاهر تصرف مسلم في صحيحه2. وهذا القول هو الذي رجحه الإمام أبو محمد علي بن حزم، وقد عقد لذلك فصلا هاما بالأدلة الدقيقة في كتاب "الإحكام في أصول الأحكام", ج2 ص90-96 ومما قال فيه: "إذا روى العدل3 زيادة على ما روى غيره فسواء انفرد بها، أو شاركه فيها غيره، مثله أو دونه أو فوقه فالأخذ بتلك الزيادة فرض، ومن خالفنا في ذلك فإنه يتناقض أقبح تناقض فيأخذ بحديث رواه واحد، ويضيفه إلى ظاهر القرآن -الذي نقله أهل الدنيا كلهم- أو يخصه، وهو بلا شك أكثر من رواة الخبر الذي زاد عليهم حكما لم يروه غيره، وفي هذا التناقض من القبح ما لا يستجيزه ذو فهم وذو ورع" ثم قال: "ولا فرق بين أن يروي الراوي العدل حديثا فلا يرويه أحد غيره أو يرويه غيره مرسلا، أو يرويه ضعفاء، وبين أن يروي الراوي العدل لفظة زائدة لم يروها غيره من رواة الحديث، وكل ذلك سواء، واجب قبوله بالبرهان الذي

_ 1 التدريب 156. 2 فتح المغيث ج1 ص200. 3 لقد تكرر هذا الوصف في كلمة ابن حزم غير مرة والظاهر أن مراده: العدل الضابط الحافظ فاكتفى بأحد الوصفين عن الآخر.

قدمناه في وجوب قبول خبر الواحد العدل الحافظ، وهذه الزيادة، وهذا الإسناد هما خبرًا واحد عدل حافظ، ففرض قبوله لهما، ولا نبالي روى مثل ذلك غيره أو لم يروه سواه، ومن خالفنا, فقد دخل في باب ترك قبول خبر الواحد، ولحق بمن أتى ذلك من المعتزلة، وتناقض في مذهبه، وانفراد العدل باللفظة كانفراده بالحديث كله، ولا فرق". وقد انتصر لرأي الإمام ابن حزم العلامة المحدث الشيخ أحمد شاكر في تعلقياته على "اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير1. 2- وقيل: لا تقبل مطلقًا لا ممن رواه ناقصًا ولا من غيره حكاه الخطيب وابن الصباغ عن قوم من المحدثين، وحكي عن أبي بكر الأبهري2. 3- وقيل: تقبل إن زادها غير من رواه ناقصًا، ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصًا؛ لأن روايته لها ناقصًا أورثت شكا في الزيادة، وتقبل من غيره من الثقات. وقال ابن الصباغ فيه: إن ذكر أنه سمع كل واحد من الخبرين في مجلسين قبلت الزيادة، وكانا خبرين يعمل بهما، وإن عزى ذلك إلى مجلس واحد، وقال: كنت أنسيت هذه الزيادة قبل منه، وإلا وجب التوقف فيها. وقيل: إن كان الزيادة مغيرة للإعراب كان الخبران متعارضين وإلا قبلت حكاه ابن الصباغ من المتكلمين والصفي الهندي عن الأكثرين. وقيل لا تقبل: إلا إذا أفادت حكمًا.

_ 1 اختصار علوم الحديث ص63. 2 وقالوا في تعليل ذلك: لأن ترك الحفاظ لنقلها وذهابهم عن معرفتها يوهنها ويضعف أمرها، ويكون معارضا لها، وليست كالحديث المستقل إذ غير ممتنع في العادة سماع واحد فقط للحديث من الراوي، وانفراده به، ويمتنع فيها سماع الجماعة أي في العادة لحديث واحد، وذهاب زيادة فيه عليهم، ونسيانها إلا الواحد.

وقيل تقبل في اللفظ دون المعنى حكاهما الخطيب عمن لم يعينهم1. وقال ابن الصباغ إن زادها واحد وكان من رواه ناقصا لا يجوز عليهم الوهم سقطت وعبارة غيره: لا يغفل مثلهم عن مثلهم عادة. وقال ابن السمعاني مثله وزاد: أن يكون مما تتوفر الدواعي على نقله وقال الصيرفي والخطيب: يشترط في قبولها كون من رواها محافظا2. ولعل خير ما يقال في هذا هو ما ذكره الشيخ الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" فقد قسم زيادات الثقات أقساما ثلاثة وتبعه على ذلك الإمام النووي في "التقريب". "أخذها": زيادة تخالف الثقات فترد كما سبق, يعني في نوع الشاذ. "الثاني": ما لا مخالفة فيه لما رواه الغير أصلا كتفرد ثقة بجملة حديث لا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا فيقبل باتفاق العلماء كما نقل ذلك الخطيب البغدادي. "الثالث": زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر الرواة، وهذه مرتبة بين تينك المرتبتين. وقد مثل لذلك الإمام ابن الصلاح بحديث حذيفة بن اليمان مرفوعا: "وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا" 3. انفرد أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي فقال: "وجعلت تربتها لنا

_ 1 التدريب ص157، وفتح المغيث ج1 ص201. 2 التدريب ص157. 3 من حديث رواه الإمام مسلم ولفظه: "فضلنا على الناس بثلاث، جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا ... ".

طهورا" عن ربعي بن حراش1 عن حذيفة2 عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رواه مسلم، وابن خزيمة وأبو عوانة الإسفراييني في صحاحهم من حديثه وسائر الرواة لم يذكروا ذلك. قال ابن الصلاح: فهذا يشبه الأول المردود من حيث أن ما رواه الجماعة عام معنى؛ لشموله جميع أجزاء الأرض، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص يعني بالتراب، وفي ذلك مغايرة في الصفة، ونوع مخالف تختلف بها الحكم، ويشبه القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما بل ويمكن الجمع بينهما. ولذلك اختلف الأئمة الفقهاء في هذا، فذهب الإمام أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما إلى ما دل عليه الحديث بدون الزيادة, فأجاز التيمم بجميع أجزاء الأرض من حجر، ومدر، وتراب وغيرها3 وذهب الإمامان الشافعي وأحمد إلى حمل المطلق على المقيد وقالا: لا يجوز التيمم إلا بالتراب خاصة، فإن قيل لهم: لم خصصتم التربة بالتراب مع أن تربة الأرض كل شيء فيها؟ قالوا: لقد رويت رواية تبين أن المراد بالتربة التراب وهي لفظ: "وترابها طهورا" أخرجها ابن خزيمة وغيره وقد مثل العلامة ابن الصلاح أيضا بحديث مالك عن نافع عن ابن عمر: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين", فقول: "من المسلمين" من زيادات مالك عن نافع عن ابن عمر. وقد روى أيوب، وعبيد الله بن عمر العمري وغير واحد من الأئمة

_ 1 ربعي بكسر الراء وسكون الباء وكسر العين وتشديد الياء، حراش: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء آخره شين معجمة. 2 إنما اعتبرت رواية ربعي بن خراش، زيادة من حديث حذيفة وإلا فقد وردت في حديث عليّ رواه أحمد والبيهقي بسند حسن. 3 وذلك إبقاء للعام على عمومه؛ لأنه يشتمل على الخاص وزيادة.

هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر، ولم يذكروا فيه: "من المسلمين". قال الإمام النووي: ولا يصح التمثيل به فقد وافق مالكا عليها جماعة من الثقات منهم عمر بن نافع وروايته عند البخاري في صحيحه, والضحاك بن عثمان وروايته عند مسلم في صحيحه. قال السيوطي في "التدريب" قال العراقي: وكثير بن فرقد، وروايته في "مستدرك الحاكم" و"سنن الدارقطني" ويونس بن يزيد في "بيان المشكل" للطحاوي والمعلى بن إسماعيل في "صحيح ابن حبان" وعبيد الله بن عمر العمري في "سنن الدارقطني"1. وقال الحافظ المؤرخ ابن كثير في "اختصار علوم الحديث": وقد مثل الشيخ أبو عمرو زيادة الثقة بحديث مالك عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد، ذكر، أو أنثى من المسلمين", فقوله: "من المسلمين" من زيادات مالك عن نافع. قال: وقد زعم الترمذي أن مالكا تفرد بها، وسكت أبو عمرو على ذلك، ولم يتفرد بها مالك, فقد رواها مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع، كما رواها مالك، وكذا رواها البخاري، وأبو داود، والنسائي من طريق عمر بن نافع عن أبيه كمالك2. وقد ذكر العراقي في شرحه على المقدمة مدافعا عن الترمذي أنه لم يذكر التفرد مطلقا عن مالك، وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك إلى آخر ما قاله العراقي3 ونص عبارته: "وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه"4.

_ 1 التدريب ص158 ط المحققة. 2 اختصار علوم الحديث ص62. 3 علوم الحديث بشرح العراقي ص93، 94. 4 اختصار علوم الحديث ص62 بالهامش.

انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا

"انتقاد الحافظ القول القائل بالقبول مطلقا": وقد انتقد الإمام الحافظ ابن حجر العلماء القائلين بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل, وهو الذي انتصر له ابن حزم، ووافقه عليه من المحدثين العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى. قال الحافظ ابن حجر: "اشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريقة المحدثين الذين يشترطون في الصحيح والحسن أن لا يكون شاذا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كابن مهدي ويحيى القطان، وأحمد، وابن معين, وابن المديني، والبخاري, وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني وغيرهم، اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة المنافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى"1. والقول ما قالت حزام. قال الإمام السيوطي: "فائدة": من أمثلة هذا الباب حديث الشيخين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها" , زاد الحسن بن مكرم وبندار2 في روايتها: "في أول وقتها" صححها الحاكم وابن حبان. وحديث علي: "إن العين وكاء السه" , زاد إبراهيم بن موسى: "فمن نام فليتوضأ". حكم هذا القسم الثالث: ولم يبين الإمام ابن الصلاح حكم هذا القسم ولعل ذلك لاختلاف الأئمة فيه3، قال الإمام النووي في "تقريبه"4:

_ 1 النخبة وشرحها بحاشية علي القاري ص81-83. 2 بضم الباء، وهو: محمد بن بشار لقبه به لإكثاره من الحديث. 3 فمنهم من يقبل الزيادة ويحمل المطلق على المقيد كالشافعي وأحمد، ومنهم من لا يقبلها ويبقى المطلق على إطلاقه. 4 التقريب بشرحه التدريب ص158.

"والصحيح قبول هذا الأخير". "الاختلاف بالوصل والإرسال والرفع والوقف": ومن المسائل التي ذكرها الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في هذا النوع الاختلاف بالوصل والإرسال والرفع والوقف وقال: إنه كالاختلاف في "زيادات الثقات" وقد ذهب الجمهور وأكثر أهل الحديث إلى ترجيح رواية الإرسال على الوصل وترجيح رواية الوقف على الرفع, وذلك من قبيل ترجيح الجرح على التعديل؛ لأن الإرسال جرح للوصل، والوقف جرح للرفع، ولكن لم لا يكون هذان من النسيان أو القصور في الحفظ؟! وذهب المحققون من أئمة هذا الفن إلى ترجيح الوصل على الإرسال والرفع على الوقف إذا كان راويهما حافظا متقنا ضابطا؛ لأن معهما زيادة علم على غيرهما، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، ولم تكن هناك قرينة تدل على ترجيح إرساله أو وقفه، والله أعلم1. "معرفة المزيد في متصل الأسانيد": وهو أن يزيد راو في الإسناد رجلا لم يذكره غيره، وهذا يقع كثيرا في أحاديث متعددة2. وقد صنف الإمام الحافظ الخطيب البغدادي في ذلك كتابا حافلا سماه "تمييز المزيد في متصل الأسانيد" قال ابن الصلاح: في كثير منه نظر؛ لأن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان بحرف "عن" ونحوها مما لا يقتضي الاتصال فينبغي أن يجعل منقطعا ويعل بالإسناد الذي ذكر فيه الراوي الزائد؛ لأن الزيادة من الثقة مقبولة. وإن صرح فيه بسماع أو إخبار أو تحديث احتمل أن يكون سمعه من رجل عنه, ثم سمعه منه اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على الوهم كما

_ 1 فتح المغيث ج1 ص203. 2 اختصار علوم الحديث ص176.

قال أبو حاتم في المثال الآتي، ويمكن أن يقال أيضا: الظاهر ممن وقع له هذا أن يذكر السماعين فإذا لم يذكرهما حمل على الزيادة المذكورة. مثال المزيد في متصل الأسانيد: ما روى عبد الله بن المبارك قال: حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن يزيد، حدثني بسر بن عبيد الله -بضم العين على التصغير- قال: سمعت أبا إدريس الخولاني قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أبا مرثد الغنوى يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها". فذكر سفيان وأبي إدريس في هذا الإسناد زيادة وهم، فالوهم في ذكر سفيان ممن دون ابن المبارك، لأن ثقات رووه عن ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد نفسه منهم ابن مهدي، وحسن بن الربيع، وهناد ابن السري وغيرهم ومنهم من صرح فيه بالإخبار بينهما فانتفت شبهة الانقطاع. والوهم في ذكر أبي إدريس من ابن المبارك؛ لأن ثقات رووه عن ابن يزيد عن بسر عن واثلة، فلم يذكروا أبا إدريس منهم علي بن حجر، والوليد بن مسلم، وعيسى بن يونس وغيرهم، ومنهم من صرح بسماع بسر عن واثلة. وقد حكم الأئمة على ابن المبارك بالوهم في ذلك كالبخاري، وغيره وقال أبو حاتم: وكثيرا ما يحدث بسر عن أبي إدريس عن واثلة نفسه. ومما ينبغي أن يعلم أن الحديث على الوجهين عند مسلم والترمذي. "المراسيل الخفي إرسالها": هذا الفن من فنون علوم الحديث فن مهم عظيم الفائدة يدرك بالاتساع في الرواية وجمع الطرق للأحاديث مع المعرفة التامة.

قال ابن كثير في "مختصره": وهو يعم المنقطع والمعضل أيضا1 وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا سماه "التفصيل لمبهم المراسيل" قال: وهذا النوع إنما يدركه نقاد الحديث، وجهابذته2 قديما وحديثا، وقد كان شيخنا الحافظ المزي إماما في ذلك، وعجبا من العجب فرحمه الله وبل بالمغفرة ثراه فإن الإسناد إذا عرض على كثير من العلماء ممن لم يدرك ثقات الرجال، وضعفاءهم قد يغتر بظاهره، ويرى رجاله ثقات فيحكم بصحته، ولا يهتدي لما فيه من الانقطاع أو الإعضال، أو الإرسال، لأنه قد لا يميز الصحابي من التابعين والله الملهم للصواب3. والإرسال منه ما هو ظاهر: كرواية الرجل عمن لم يعاصره كرواية القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن ابن مسعود، ومالك الإمام عن سعيد بن المسيب. ومنه ما هو خفي، وهو المذكور هنا وهو ما عرف إرساله لعدم اللقاء لمن روى عنه مع المعاصرة، أو لعدم السماع مع ثبوت اللقاء، أو لعدم سماع ذلك الخبر بعينه مع سماع غيره منه، وهذا يدل على بعد نظر المحدثين وأصالتهم في النقد. "بم يعرف ذلك": ويعرف ما ذكر: 1- إما بنص بعض الأئمة. 2- أو بوجه صحيح. كإخباره عن نفسه بذلك في بعض طرق الحديث ونحو ذلك. ومثل ذلك حديث رواه ابن ماجه من رواية عمر بن عبد العزيز عن عقبة بن عامر مرفوعا: "رحم الله حارس الحرس", فإن عمر بن عبد

_ 1 المنقطع ما حذف من سنده راو في موضع أو في مواضع، والمعضل: ما حذف من سنده اثنان فصاعدا على التوالي. 2 جمع جهبذ -بكسر الجيم- النقاد الخبير بالنقد. 3 اختصار علوم الحديث ص177.

العزيز لم يلق عقبة كما قال المزي في الأطراف. وكأحاديث أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود، فقد روى الترمذي أن عمرو بن مرة قال لأبي عبيدة: هل تذكر من عبد الله -يعني أباه- شيئا؟ قال: لا. 3- ومنه ما يحكم بإرساله لمجيئه من وجه آخر بزيادة شخص بينهما كحديث رواه عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع1 عن حذيفة مرفوعا: "إن وليتموها -أي الخلافة- أبا بكر فقوي أمين" فهو منقطع في موضعين: لأنه روي عن عبد الرزاق قال: حدثني النعمان بن أبي شيبة عن الثوري عن شريك، عن أبي إسحاق. وهذا القسم مع النوع السابق، وهو المزيد في متصل الأسانيد يعترض بكل منهما على الآخر، لأنه، ربما كان الحكم للزائد فيما إذا كان السند الذي فيه الزيادة رواته أوثق أو أحفظ أو أكثر، وربما كان الحكم للناقص فيما إذا السند الذي ليست فيه الزيادة أقوى مما هي فيه، والزائد وهم وهو يشتبه على كثير من أهل الحديث، ولا يدركه إلا النقاد، وقد يجاب بنحو ما تقدم2. "هذان النوعان يشهدان للمحدثين بالبراعة وبعد النظر، وسعة العلم". وهذان النوعان -وأمثالهما كثير- يشهدان للمحدثين بسعة العلم بالمرويات والبراعة في الفهم، وبعد النظر وأصالة النقد، وهذا الذي ذكره العلماء في ضرب المثل لهذين النوعين هو قليل من كثير مما امتلأت

_ 1 بضم الياء وفتح الثاء على صيغة المصغر كما في القاموس والتقريب وزيد هذا همداني، كوفي، ثقة مخضرم. 2 تدريب الراوي ص393، 394.

به كتب "علوم الحديث" وكتب "تواريخ الرجال" وكتب "نقد الرواة". وكنت أحب من المستشرقين وأبواقهم ومتابعيهم من الكتاب المسلمين أن ينظروا في هذه الأمثلة وغيرها نظرا ليس فيه هوى، ولا تعصب، ولا تحيف على المحدثين، إنهم لو فعلوا ذلك فهم لا شك واصلون إلى ما وصل إليه المحققون من علماء هذا الشأن في إنصاف المحدثين، ووصفهم بما هم حقيقون به. أما أن يدخل الواحد منهم في البحث ونفسه مشبعة بفكرة خاصة، أو رأي ليس له ما يدل عليه، فلن يصل إلى الحق والصواب أبدا والباحث المنصف الذي يبتغي الحق هو الذي إذا فكر في بحث من البحوث أو في مسألة من المسائل فعليه أن ينقي نفسه وقلبه من أي هوى أو فكرة أو رأي حينئذ يكون وصوله إلى الحق والصواب أمرا راجحا. وفي الكتاب المعجز المبين قال الله تعالى معلما لنبيه كيف يكون الجدل وكيف تكون المناظرة للوصول إلى الحق: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} 1, ومحال في منطق الشرع أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون في ضلال مبين ولكنها النصفة لأجل الوصول إلى الحق والإنصاف للخصم بالتنزل معه. وهذا الأصل من الأصول الإسلامية السديدة في الجدل بالتي هي أحسن وفي التلطف في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة2.

_ 1 سورة سبأ: 24. 2 يراجع بعض كتب التفاسير في هذا، وعسى أن يكون في هذا أسوة حسنة للدعاة الذين يدعون إلى الإسلام في البلاد الأوربية ونحوها.

علم الجرح والتعديل

علم الجرح والتعديل جواز الجرح وإن كان غيبة مدخل ... "علم الجرح والتعديل": التعديل لغة: التسوية وتقويم الشيء وموازنته بغيره. وفي الاصطلاح: وصف الراوي بصفات تقتضي قبول روايته فهي شهادة بالتزكية تصحح العمل بمرويه. الجرح لغة: التأثير في الجسم بسلاح ونحوه وبابه نفع: والجرح بالضم الاسم وجرحه كجرحه بتشديد الراء ويطلق أيضا على الجرح المعنوي وفي الاصطلاح: ذكر الراوي بصفات تقتضي عدم قبول روايته. جواز الجرح وإن كان غيبة: والجرح جائز وإن تضمن الغيبة، وهتك ستر المسلم، وإيغار صدره وغير ذلك مما نهى الشارع عنه، وذلك صيانة للشريعة من الدخل والزائف؛ لأنه لو لم يجز لم يتميز الصادق من الكاذب والفاسق من العدل، والمغفل من الضابط، ولاختلطت الأحاديث الصحيحة بالضعيفة والموضوعة والتبس الحق بالباطل، ولقامت الملاحدة والزنادقة من كل جانب للإفساد في الشريعة والتزيد فيها فهو من فروع قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" ويدل على جوازه بل وجوبه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} 1, وفي الستة أدلة كثيرة منها: ما روي أن رجلا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة" رواه البخاري ومسلم وعن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا رواه البخاري والمراد بهما رجلان من المنافقين، وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أتيت

_ 1 الحجرات: 6.

النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إن أبا الجهم1 ومعاوية خطباني فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أما معاوية فصعلوك -يعني فقير- وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه" , رواه البخاري ومسلم إلى غير ذلك من النصوص. وقد تكلم في الجرح بعض الصحابة كما تكلم فيه التابعون ومن جاء بعدهم وهذا إجماع منهم على أن هذا ليس من الغيبة المحرمة قال الإمام النووي -رحمه الله- في كتابه "رياض الصالحين" اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهو بستة أسباب. إلى أن قال: الرابع تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وذلك من وجوه منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين بل واجب للحاجة ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو إبداعه، أو معاملته، أو غير ذلك أن مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة ومنها إذا رأى متفقهًا يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم وخاف أن يتضرر بذلك فعليه نصيحته ببيان حاله بشرط أن يقصد النصيحة وهذا مما يغلط فيه, وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك"2.

_ 1 هو أبو الجهم بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي، اسمه عامر، وقيل: عبيد, وله ذكر أيضًا في الصحيحين في قصة الخميصة التي كادت تلهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاته فردها إليه، وأخذ أنجانيته. 2 رياض الصالحين ص536 ط الاستقامة.

من الذي يستأهل أن يكون ناقدا

"من الذي يستأهل أن يكون ناقدًا؟ ": على من يتصدى للنقد والكلام في التعديل والتجريح أن يكون عالِمًا دَيِنًا، تقيًّا، ورعًا، صادقًا، عارفًا، بأسباب الجرح والتعديل حتى لا يجرح من ليس بمجروح ولا يعدل من ليس أهلًا للعدالة، وأن لا يتكلم في النقد إلا عن بينة ودليل، وأن يجرد نفسه من التعصب لإنسان أو

التحامل عليه بغير وجه حق، ومن الأهواء والشهوات النفسية حتى لا تميل به إلى جانب الباطل، وأن ينزل نفسه منزلة القاضي العادل النزيه الذي يبذل قصارى جهده في الوصول إلى الحق وقد علمنا فيما سبق أن الجرح أبيح للضرورة فليتق الله من يتصدى لذلك، وليكن على حذر من انتهاك الأعراض بلا سبب وبينة قال الإمام السبكي: من لا يكون عالما بأسبابهما -أي الجرح والتعديل- لا يقبلان منه لا بإطلاق ولا بتقييد، ولا يقبلان إلا من عدل متيقظ" وعلى من نصب نفسه للتعديل والتجريح ونقد الرواة أن يؤهل نفسه لذلك بطول البحث وكثرة التنقيب، وسعة الاطلاع، والعلم بالنفس البشرية وغرائزها وبالمباحث التي تعينه على الإصابة في الحكم, وإلا جاءت أحكامه باطلة بعيدة عن روح العدل والإنصاف. قال الحافظ ابن حجر: "حق على المحدث أن يتورع فيما يرويه، وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر، والتيقظ والتفهم مع التقوى والدين المتين، والإنصاف والتردد إلى العلماء والإتقان. وإلا فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو سودت وجهك بالمداد وقال أيضا: وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل فإنه إن عدل أحدا بغير تثبت كان كالمثبت حكما ليس بثابت فيخشى عليه أن يدخل في زمرة من روى حديثا وهو يظن أنه كذب، وإن جرح بغير تحرز أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمه بوسم سوء يبقى عليه عاره أبدا، والآفة تدخل في هذا تارة من الهوى

والغرض الفاسد، وكلام المتقدمين سالم من هذا غالبا، وتارة من المخالفة في العقائد، وهو موجود كثيرا قديما وحديثا"1. وقال صاحب "فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت"2 "لا بد للمزكي أن يكون عدلا عالما بأسباب الجرح والتعديل، وأن يكون منصفا ناصحا لا أن يكون متعصبا معجبا بنفسه, فإنه لا اعتداد بقول المتعصب كما طعن الدارقطني في الإمام أبي حنيفة بأنه ضعيف في الحديث وأي شناعة فوق هذا؟ فإنه إمام ورع نقي تقي خائف من الله". وقد كان المحدثون على حق حينما قالوا: لا يقبل قول أحد المتعاصرين في الآخر؛ لأن المنافسة قد تؤدي إلى الميل عن الحق والإسراف في الحكم. وفي الحق أن الناقد للرواة على شفا حفرة من النار، فإن عدل واتبع النصفة وتحرى في الحكم نجا، وإن تساهل وتحامل، وقصد التشفي والنيل من المنقود فقد قذف بنفسه فيها.

_ 1 شرح النخبة ص98. 2 مسلم الثبوت للشيخ محب الله بن عبد الشكور، وشرحه "فواتح الرحموت" للشيخ عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري.

مناهج النقاد في النقد

"مناهج النقاد في النقد": لم يكن الأئمة الذين تصدوا للجرح والتعديل ونقد الرجال في درجة واحدة فمنهم المتعنت المشدد ومنهم المتساهل المتسامح، ومنهم من كان بين بين، أما المتشددون والمتساهلون فلا يؤخذ كلامهم قضية مسلمة حتى ينظر أوافقه غيره أم لا؟ وعلى أي أساس بنى نقده؟ أما المتوسطون المعتدلون فكلامهم أقرب إلى الحق وأولى بالقبول. قال الإمام السخاوي في "فتح المغيث": قسم الذهبي من تكلم في الرجال أقساما: فقسم

تكلموا في سائر الرواة كابن معين وأبي حاتم الرازي، وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة، وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي ثم قال: والكل على ثلاثة أقسام: 1- قسم منهم متعنت في التجريح مثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث, فهذا إذا وثق شخصا فعض على قوله بنواجذك وتمسك بتوثيقه, وإذا ضعف رجلا فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه، فإن وافقه، ولم يوثق ذلك الرجل أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا هو الذي قالوا فيه: لا يقبل فيه الجرح إلا مفسرا، يعني لا يكفي فيه قول ابن معين مثلا: ضعيف، ولم يبين سبب ضعفه، ثم يجيء البخاري أو غيره يوثقه، ومثل هذا يختلف في تصحيح حديثه وتضعيفه، ومن ثم قال الذهبي -وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال: "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة", ولهذا كان مذهب النسائي أنه لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه. 2- وقسم منهم متسامح كالترمذي والحاكم، وكابن حزم فإنه قال في كل من أبي عيسى الترمذي وأبي القاسم البغوي وإسماعيل بن محمد الصفار وأبي العباس وغيرهم من المشهورين: إنه مجهول. 3- وقسم معتدل كأحمد بن حنبل والدارقطني وابن عدي. أما المتسامح المتساهل فلا يؤخذ قوله في الجرح والتعديل إلا بعد البحث والتحري وموازنة كلامه بكلام الأئمة المعتدلين المتثبتين وقد أخذ العلماء على الحاكم أنه متساهل في التصحيح كما أخذوا على ابن حزم التهجم على العلماء بغير حق، والتساهل في الجرح.

مشاهير المتصدين للجرح والتعديل

"مشاهير المتصدين للجرح والتعديل": ذكرنا سابقا أن التعديل والتجريح من الأمور المهمة التي يعول عليها في التصحيح والتضعيف وتمييز المقبول من المردود, وقد حث عليهما القرآن والسنة الصحيحة, وقد تكلم فيهما النبي صلوات الله وسلامه عليه ففي التعديل قال: "نعم الرجل عبد الله -يعني ابن عمر- لو كان يصلي من الليل". وفي التجريح قال: "بئس أخو العشيرة" , رواهما البخاري ومسلم. كما تكلم فيهما كثير من الصحابة كابن عباس، وأنس بن مالك، وعبادة من الصامت، وغيرهم ثم من جاء بعدهم من التابعين كسعيد بن المسيب، والشعبي، ومحمد بن سيرين وغيرهم، ثم من جاء بعدهم من أتباع التابعين وهكذا نجد في كل طبقة وعصر من أئمة العلم والدين من تكلم في الجرح والتعديل, وقد نقل ابن الصلاح عن صالح بن محمد جزرة الحافظ أنه قال: "أول من تكلم في رجال الحديث شعبة بن الحجاج ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم من بعده أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والمراد أنهم أول من تفرغ لذلك وعني, وإلا فالكلام في الجرح والتعديل سابق عن هؤلاء كما بينا آنفا. وممن كانت له معرفة وعناية بالجرح والتعديل الأئمة مالك بن أنس "م179"، والأوزاعي بالشام "م157"، وسفيان الثوري "م161"، والليث بن سعد "م175"، وعبد الله بن المبارك "م181"، وسفيان بن عيينة "م198" وابن علية "م193"، ووكيع بن الجراح "م196"، وعبد الرحمن بن مهدي "م198"، ويحيى بن سعيد القطان "م198"، ويحيى بن معين "م233"، وأحمد بن حنبل "م241"، ومحمد بن سعد صاحب الطبقات "م230"، وعلي بن المديني "م234"، وإسحاق ابن راهويه "م238".

ومنهم الأئمة: البخاري "م256"، ومسلم "م261"، وأبو زرعة الرازي "م264"، وأبو داود السجستاني "م275"، وأبو زرعة الدمشقي "م281"، وأبو حاتم الرازي "م277"، وغير هؤلاء كثيرون1, ومن أراد استيفاء فليرجع إلى ما ذكره ابن عدي "م315" في مقدمة كتابه "الكامل". وقد جاء بعد عصر ابن عدي جماعة منهم: الدارقطني "385" وابن منده "م395"، وأبو يعلى الخليلي "م446"، وابن حزم "م456"، وابن عبد البر "م463" الأندلسيان, والبيهقي "م458"، وأبو الوليد الياجي "م474" وأبو الفضل بن طاهر المقدسي "م507", وابن نقطة "629"، وابن الصلاح "م643"، والمنذري "م656"، وابن دقيق العيد "م702" وابن تيمية "م728" والذهبي "م748"، والزين العراقي "م806"، وابن حجر "م852"، والسيوطي "م911"، إلا أن من جاءوا بعد القرن الثالث كانوا غالبا يعتمدون على كلام من سبقهم من أئمة الجرح والتعديل المتقدمين كما أن المتقدمين كانوا أقرب إلى الاعتدال والاستقامة من المتأخرين.

_ 1 ميزان الاعتدال ج1 ص2.

بم تثبت العدالة

"بم تثبت العدالة": تثبت عدالة الراوي بالاستفاضة والشهرة بالخير, فمن استفاضت عدالتهم, واشتهروا بالتوثيق والاحتجاج بهم بين أهل العلم وشاع الثناء عليهم فهم عدول, وذلك مثل مالك والشافعي وأحمد وشعبة والثوري وابن عيينة وابن المبارك والأوزاعي ويحيى بن معين وعلي بن المديني, ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر1 فلا يسأل عن عدالة هؤلاء, إنما يسأل عن عدالة من خفي أمره, وقد سئل أحمد عن إسحاق بن راهويه, فقال: "مثل إسحاق يسأل عنه! ". وسئل ابن معين عن أبي

_ 1 كالإمام الليث بن سعد ووكيع بن الجراح.

عبيد؟ فقال: "مثلي يسأل عن أبي عبيد أبو عبيد يسأل عن الناس", أما من ليس على هذا الحال فإنما تثبت عدالتهم بتعديل أئمة هذا العلم, ولو واحد على الصحيح, وكذا التجريح يكتفى فيه بقول واحد؛ وذلك لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر, فلا يشترط في جرح راويه ولا تعديله وذلك بخلاف الشهادة فإنه لا بد فيها في التعديل والتجريح من اثنين, وهذا ما عليه الأكثرون.

هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل

"هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل؟ ": وقد اختلف العلماء في الجرح والتعديل هل يقبلان مبهمين من غير ذكر أسبابهما؟ فشرط بعضهم ذكر السبب في كل منهما، وشرط بعضهم السبب في التعديل دون الجرح وقيل: يقبل التعديل من غير ذكر أسباب, وأما الجرح فلا يقبل إلا مفسرا؛ لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح وقد يجرح أحدهم بما لا يعتبر جرحا1, وهذا الرأي الأخير هو الذي اختاره ابن الصلاح والنووي وغيرهما, وذكر الخطيب البغدادي أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده. ومن العلماء من يرى أنه لا يجب ذكر السبب في الجرح أو التعديل إذا كان الجارح أو المعدل عالما بأسباب الجرح والتعديل والخلاف في ذلك بصيرا مرضيا في اعتقاده وأفعاله, وهو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني ونقله عن الجمهور واختاره إمام الحرمين والغزالي والرازي وصححه الحافظ أبو الفضل العراقي، ولشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر تفصيل حسن, قال: إن كان من جرح مجملا قد وثقه أحد من أئمة هذا

_ 1 منها أنه قيل لبعضهم لم تركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون أي بغل. وليس هذا مما يجرح به الراوي.

الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنا من كان إلا مفسرا؛ لأنه قد ثبت له رتبة الثقة, فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي، فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون إلا من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه ونقدوه كما ينبغي, وهم أيقظ الناس, فلا ينقض قول أحدهم إلا بأمر صريح، وإن خلا عن التعديل قبل الجرح فيه غير مفسر إذا صدر من عارف؛ لأنه إذا لم يعدل فهو في حيز المجهول وإعمال قول الجارح فيه أولى من إهماله. وقال الذهبي -وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال: "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة". والتفصيل الذي اختاره الحافظ ابن حجر هو الذي يطمئن إليه الباحث في النقد بعد استقرار علوم الحديث وتدوينها1. إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فأيهما يرجح؟: قال العلماء: إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فالجرح مقدم؛ لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل، فكان معه زيادة علم يجب أن يؤخذ بها. وقيل: إن كان عدد المعدلين أكثر قدم التعديل على الجرح والصحيح الأول, وهو ما عليه الجمهور.

_ 1 الباعث الحثيث ص102، 103.

بم يكون الجرح

بم يكون الجرح؟: قال الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها: "الطعن -يعني في الراوي- إما أن يكون: 1- لكذبه في الحديث النبوي بأن يروي عنه -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله متعمدا لذلك. 2- أو تهمته بذلك بأن يعرف بالكذب في كلامه وإن لم يظهر منه

وقوع ذلك في الحديث. 3- أو فحش غلطه. 4- أو غفلته. 5- أو فسقه بالفعل أو بالقول مما لا يبلغ الكفر. 6- أو وهمه. 7- أو مخالفته للثقات في السند أو المتن. 8- أو جهالته عينا أو حالا أو اسما. 9- أو بدعته وهي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بمعاندة ومكابرة بل بنوع شبهة. 10- أو سوء حفظه وهو من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه1.

_ 1 شرح النخبة ص30 ط الاستقامة.

المراد بالبدعة وحكم رواية المبتدع

"المراد بالبدعة وحكم رواية المبتدع": وللحافظ الكبير ابن حجر في البدعة كلام حسن مع إيجازه, قال رحمه الله وأثابه بعد أن عرف البدعة بما ذكر آنفا: "البدعة إما أن تكون بمكفر كأن يعتقد ما يستلزم الكفر، أو بمفسق. فالأولى: لا يقبل صاحبها الجمهور، وقيل: يقبل مطلقا، وقيل: إن كان لا يعتقد حل الكذب لنصره مقالته قبل"1. والتحقيق: أنه لا يرد كل مكفر -بفتح الفاء المشددة- ببدعته؛ لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها, فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم ذلك تكفير جميع الطوائف فالمعتمد أن الذي ترد رواتيه من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة وكذلك من اعتقد عكسه2. فأما من لم يكن بهذه الصفة، وانضم إلى ذلك ضبطه لم يرويه، مع

_ 1 وحكي هذا القول عن الإمام الشافعي حكاه عنه الخطيب في "الكفاية"؛ لأنه قال: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، قال: وحكي هذا أيضا عن ابن أبي ليلى والثوري، والقاضي أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة. 2 كمن أنكر أحد الأركان الخمسة، أو اعتقد التجسيم، أو عدم علم الله بالجزئيات، أو أنكر صفة من صفات الله تعالى.

ورعه، وتقواه، فلا مانع من قبوله. والثاني: وهو من لا تقتضي بدعته التكفير أصلا، وقد اختلف أيضا في قبوله ورده. فقيل: يرد مطلقا، وهو بعيد، وأكثر ما علل به أن في الرواية عنه ترويجا لأمره وتنويها بذكره، وعلى هذا ينبغي أن لا يروي عن مبتدع شيء يشاركه فيه غير مبتدع، وقيل: يقبل مطلقا إلا أن اعتقد حل الكذب كما تقدم. وقيل: يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته؛ لأن تزيين بدعته قد يجمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه, وهذا هو الأصح وأعرب ابن حبان فادعى الاتفاق على قبول غير الداعية من غير تفصيل، نعم الأكثر على قبول غير الداعية إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المذهب المختار، وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم ابن يعقوب الجوزجاني1 شيخ أبي داود، والنسائي، في كتابه "معرفة الرجال" فقال في وصف الراوة: "ومنهم زائغ عن الحق أي عن السنة صادق اللهجة، فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكرا إذا لم تقو به بدعته", وما قاله متجه؛ لأن العلة التي رد لها حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية والله أعلم2. وفي الحق أن العبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته، والثقة بدينه، وخلقه، وسلوكه والاستقامة على الدين، والمتتبع لأحوال الرواة يرى بعضا من أهل البدع موضعا للثقة والاطمئنان وإن كان داعية

_ 1 الجوزجاني بضم الجيم وسكون الواو وفتح الزاي والجيم. 2 شرح نخبة الفكر ص39، 40 ط الاستقامة.

ولذلك قال الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي1: "شيعي جلد، ولكنه صدوق فلنا صدقه، وعليه بدعته", ونقل توثيقه عن أحمد، وغيره. وقال أبو داود السجستاني: ليس في أهل الأهواء أصح حديثًا من الخوارج: ولذلك احتج البخاري بعمران بن حطان، وهو من دعاة الشراة2 وخرج الشيخان لعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني3, وكان داعية إلى الإرجاء وقد وثقه ابن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهما ولم يحتج مسلم بعبد الحميد, بل أخرج له في المقدمة -يعني مقدمة صحيح مسلم، وقد ذكر العراقي في تعليقه على "علوم الحديث" لابن الصلاح نحو ذلك4, فإذا وجدنا بعض الأئمة الكبار من أمثال البخاري ومسلم لم يتقيد فيمن أخرج لهم في كتابه ببعض القواعد فذلك لاعتبارات ظهرت لهم ورجحت جانب الصدق على الكذب والبراءة على التهمة، وإذا تعارض كلام الناقد وكلام صاحبي الصحيحين فيمن أخرج لهم الشيخان من أهل البدع قدم كلامهم واعتبارهم للراوي على كلام غيرهم؛ لأنهما أعرف بالرجال من غيرهما، وليس ذلك تعصبًا لصاحبي الصحيحين -رحمهما الله- ولكنه الحق الذي ظهر بعد البحث والنظر والله أعلم. "كلام حسن للإمام أبي عبد الله الذهبي في البدعة": وللإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ثمانٍ وأربعين وسبعمائة للهجرة في البدعة وانقسامها إلى صغرى وكبرى, كلام

_ 1 ج1 ص5 ط دار إحياء الكتب العربية. 2 الشراة فرقة من الخوارج يزعمون أنهم باعوا أنفسهم لله. 3 الحماني: بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم المفتوحة قال فيه ابن حجر: صدوق يخطئ ورمي بالإرجاء من التاسعة مات سنة اثنتين ومائتين، خ، م، د, وت، وق "تقريب التهذيب ج1 ص469". 4 علوم الحديث لابن الصلاح وشرحها للعراقي ص128.

جيد ذكره، في ترجمة أبان بن تغلب المذكور آنفا. قال: "فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحد الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟ قال: وجوابه: أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو، ولا تحرف فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين، والورع، والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة. ثم بدعة كبرى: كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط على أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضا فما أستحضر في هذا الضرب رجلا صادقا، ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله؟! كلا وحاشا. فالشيعي الغالي في زمان السلف, وعرفهم هو من تكلم في عثمان، والزبير، وطلحة، ومعاوية وطائفة ممن حاربوا عليا رضي الله عنه، وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضا، فهذا ضال مفتر، ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلا بل قد يعتقد عليا أفضل منهما"1. وهذا الذي قاله الإمام الذهبي هو الصواب والحق الذي لا يحل لمسلم أن يعتقد خلافه, وقد سبق الذهبي إلى رفض رواية الرافضة ومن على

_ 1 ميزان الاعتدال ج1 ص5، 6.

شاكلتهم ممن يسبون السلف الصالح الإمام النووي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة "676هـ" في كتابه "الروضة" في باب القضاء في مسائل "الإفتاء" لأن سباب المسلم فسوق، فالصحابة والسلف من باب أولى1 وقد بلغ الأمر بغلاة الرافضة إلى تكفير الشيخين وغيرهما من الصحابة فإن اعتقدوا ذلك فهم كفار لا محالة؛ لأن الله زكاهم في كتابه وشهد لهم بالإيمان والرضوان وشهد لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحاح التي بلغت حد التواتر، ومع هذا فنحن ندعوهم إلى التبري من معتقداتهم والتوبة إلى الله، والدخول في زمرة أهل السنة والجماعة، ويتوب الله على من تاب.

_ 1 تدريب الراوي في شرح تقريب الراوي ص216 وما بعدها.

هل يجزئ التعديل على الإبهام

هل يجزئ التعديل على الإبهام مدخل ... "هل يجزئ التعديل على الإبهام؟ ": إذا قال الراوي: حدثني الثقة من غير تسمية لم يكتف بذلك فيما ذكره الخطيب البغدادي وغيره, وذلك لأنه قد يكون ثقة عنده وغيره قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده أو بالإجماع, فلا بد من تسميته حتى يعرف, بل إضرابه عن تسميته مريب يوقع في القلوب فيه ترددا في القلب، بل زاد الخطيب أنه لو صرح بأن كل شيوخه ثقات ثم روى عمن لم يسمه لم يعمل بتزكيته، لجواز أن يعرف إذا ذكره بغير العدالة. وقيل: يكتفي بذلك مطلقا لو عينه؛ لأنه مأمون في الحالتين معا، فإن كان القائل لذلك عالما مجتهدا كمالك، والشافعي -وكثيرا ما يفعلان ذلك- كفى في حق موافقه في المذهب لا غيره عند بعض المحققين، قال ابن الصباغ: لأنه لم يورد ذلك احتجاجا بالخبر -أي الحديث- على غيره، بل يذكر لأصحابه قيام الحجة عنده على الحكم، وقد عرف هو من روى عنه ذلك واختاره إمام الحرمين، ورجحه الرافعي في

"شرح المسند" وفرضه في صدور ذلك من أهل التعديل1. وقيل: لا يكفي أيضا حتى يقول: كل من أروي لكم ولم أسمه فهو عدل، وقد حكى العلامة مغلطاي2 عن تاريخ قرطبة أن بقي بن مخلد3 قال: كل من رويت عنه فهو ثقة قال الخطيب وقد يوجد في بعض من أبهموه الضعف لخفاء حاله كرواية مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق.

_ 1 المرجع السابق ص205، 206. 2 مغلطاي: بضم الميم، وسكون الغين المعجمة، وفتح اللام والطاء الممدودة هو علاء الدين بن قليج الإمام الحنفي المتوفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة. 3 بقي: بفتح الباء الموحدة، وكسر القاف، آخره ياء مشددة و"مخلد" بفتح الميم واللام والخاء ساكنة بينهما الإمام الحافظ الأندلسي المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين.

فائدتان مهمتان

"فائدتان مهمتان": "الأولى" لو قال نحو الشافعي: أخبرني من لا أتهم، فهو كقوله: أخبرني الثقة وقال الذهبي: ليس بتوثيق لأنه نفى التهمة، وليس فيه تعرض لإتقانه، ولا لأنه حجة قال ابن السبكي: وهذا صحيح غير أن هذا إذا وقع من الشافعي على مسألة دينية فهي والتوثيق سواء في أصل الحجة، وإن كان مدلول اللفظ لا يزيد على ما ذكره الذهبي فمن ثم خالفناه في مثل الشافعي، أما من ليس مثله فالأمر كما قال. قال الزركشي: والعجب من اقتصاره على نقله عن الذهبي مع أن طوائف من فحول أصحابنا -يعني الشافعية- صرحوا بذلك منهم الصيرفي، والماوردي، والروياني. "الثانية" قال الإمام ابن عبد البر: إذا قال مالك عن الثقة عن بكير بن عبد الله الأشج فالثقة مخرمه1 بن بكير. وإذا قال: عن الثقة عن عمرو بن شعيب فهو عبد الله بن وهب،

_ 1 بفتح الميم والراء، وسكون الخاء المعجمة، بينهما كما في "المغني" وبكير: على صيغة المصغر.

وقيل: الزهري وقال النسائي: الذي يقول مالك في كتابه -يعني الموطأ- "الثقة عن بكير" يشبه أن يكون عمرو بن الحارث. وقال غيره: كل ما في كتاب مالك: أخبرني من لا أتهم من أهل العلم فهو الليث بن سعد وقال أبو الحسن الأبري: سمعت بعض أهل الحديث يقول: إذا قال الشافعي: أخبرنا الثقة عن ابن أبي دؤيب، فهو ابن أبي فديك. وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد فهو يحيى بن حسان، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الوليد بن كثير فهو أبو أسامة، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الأوزاعي فهو عمرو بن أبي سلمة. وإذا قال: أخبرنا الثقة عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد. وإذا قال: أخبرنا الثقة عن صالح مولى التوأمة فهو إبراهيم بن يحيى. ونقله غيره عن أبي حاتم الرازي. وقال شيخ الإسلام ابن حجر في "تعجيل المنفعة برجال الأربعة": إذا قال مالك: عن الثقة عن عمرو بن شعيب فقيل: هو عمرو بن الحارث أو ابن لهيعة: وعن الثقة عن بكر بن الأشج قيل: وهو مخرمة بن بكير. وعن الثقة عن ابن عمر، هو نافع كما في موطأ ابن القاسم. وإذا قال الشافعي: عن الثقة عن ليث بن سعد قال الربيع1: هو يحيى بن حسان وعن الثقة عن أسامة بن يزيد، هو إبراهيم بن يحيى، وعن

_ 1 هو الربيع: بفتح الراء المهملة وكسر الباء, هو ابن سليمان عبد الجبار الجيزي المرادي أبو محمد المصري المؤذن صاحب الشافعي ثقة من الحادية عشرة مات سنة سبعين ومائتين وله ست وتسعون سنة.

الثقة عن حميد، هو ابن علية1، وعن الثقة عن معمر، هو مطرف بن مازن، وعن الثقة عن الوليد بن كثير، هو أبو أسامة، وعن الثقة عن يحيى بن أبي كثير، لعله ابنه عبد الله بن يحيى، وعن الثقة عن يونس بن عبيد، عن الحسن، هو ابن علية وعن الثقة عن الزهري هو سفيان بن عيينة. انتهى. وروينا في مسند الشافعي عن الأصم قال: سمعت الربيع يقول: كان الشافعي إذا قال: أخبرني من لا أتهم، يريد به إبراهيم بن يحيى, وقد روى الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحارث، إن لم أكن سمعته من عبد الله بن الحارث عن مالك بن أنس عن يزيد بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة2 نصف دية الموضحة. قال الحافظ أبو الفضل الفلكي: الرجل الذي لم يسم الشافعي، هو أحمد بن حنبل. وفي تاريخ ابن عساكر قال عبد الله بن أحمد: كل شيء في كتاب الشافعي، أخبرنا الثقة فهو أبي. وقال شيخ الإسلام: يوجد في كلام الشافعي: أخبرني الثقة عن يحيى بن أبي كثير والشافعي لم يأخذ عن أحد ممن أدرك يحيى بن أبي كثير، فيحتمل أنه أراد بسنده عن يحيى قال: وذكر عبد الله بن أحمد أن الشافعي إذا قال: أخبرنا الثقة وذكر أحدا من العراقيين فهو يعني3

_ 1 "ابن علية" بضم العين المهملة، وفتح اللام، وفتح الياء المشددة واسمه إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ثقة حافظ وعلية أمه. 2 الملطاة -بكسر الميم وسكون اللام وفتح الطاء- ونسمي عند الحجازيين السمحاق وهي القشرة الرقيقة بين عظم الرأس ولحمه تمنع الشجة أن توضح، والمراد الشجة التي تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم والموضحة: بفتح الضاد. 3 تدريب الراوي من ص206-208.

هل الرواية عن رجل سماه تعتبر تعديلا

"هل الرواية عن رجل سماه تعتبر تعديلا؟ ": إذا روى العدل عن رجل وسماه لم تجعل روايته عنه تعديلا منه له، عند أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم. وقال بعض أهل الحديث وبعض أصحاب الشافعي يعتبر ذلك تعديلا منه له، لأن ذلك يتضمن التعديل. والصحيح الأول: لأنه يجوز أن يروي عن غير عدل، فلم يتضمن روايته عنه تعديله، وقد روي عن الشعبي أنه قال: حدثنا الحارث -يعني المعروف بالأعور- وكان شيعيا وأشهد بالله أنه كان كذابا. وروى الحاكم وغيره عن أحمد بن حنبل أنه رأى يحيى بن معين، وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس فإذا اطلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر يعني عن أبان عن أنس -وتعلم أنها موضوعة؟! فقال: أكتبها وأعلم أنها موضوعة، حتى لا يجيء إنسان فيجعل بدل "أبان" ثابتا1, ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس: فأقول له: كذبت إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت. وقيل: إن كان العدل الذي روى عنه لا يروي إلا عن عدل كانت روايته عنه تعديلا، وإلا فلا، واختاره الأصوليون: كالآمدي، وابن الحاجب وغيرهما2.

_ 1 هو ثابت البناني -بضم الباء وتخفيف النونين- ثقة عابد. 2 تدريب الراوي من ص208-209.

هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له

"هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له؟ ": عمل العالم أو فتياه على وفق حديث رواه ليس حكما منه بصحته ولا بتعديل رواته لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر. وصحح الآمدي وغيره من الأصوليين أنه حكم بصحته. وقال إمام الحرمين: يعتبر تصحيحا له إن لم يكن في مسالك الاحتياط, وفرق الإمام ابن تيمية بين أن يعمل به في الترغيب والترهيب وبين أن يعمل به في غيرهما فأما الأول فلا يدل على تصحيحه بخلاف الثاني فإنه يدل على تصحيحه له. أقول: وذلك لأن الحديث الضعيف يعمل به الترغيب والترهيب بخلاف الأحكام فإنها لا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح وما شاركه في الاحتجاج به وهو الحسن, وكذلك مخالفته لحديث لا تعتبر قدحا في صحته ولا في رواته، لإمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره. وقد روى الإمام مالك في "الموطأ" حديث الخيار، ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلافه، ولم يكن ذلك قدحا في نافع راويه. وقال ابن كثير في القسم الأول نظر، إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث وتعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه وقد أجاب عن ذلك الإمام العراقي فقال: والجواب: أنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثم دليل آخر من قياس، أو إجماع ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته بل ولا بعضها، ولعل له دليلا واستأنس بالحديث الوارد في الباب، وربما كان يرى العمل بالضعيف وتقديمه على القياس كما تقدم1. وكذلك لا يدل على صحة الحديث أيضا -كما ذكره أهل الأصول- موافقة الإجماع له على الأصح لجواز أن يكون المستند غيره، وقيل: يدل، وكذلك بقاء خبر تتوفر الدواعي على إبطاله لا يدل على

_ 1 من علماء الحديث والفقه من يرى أن العمل بالحديث الضعيف أولى من العمل بالرأي والقياس، ومن هؤلاء الإمام أحمد -رحمه الله- فقد روي عنه أنه قال: "العمل بالحديث الضعيف أولى عندي من رأي الرجال", أقول وذلك بالشروط التي ذكرتها في الاحتجاج بالحديث الضعيف والله أعلم.

صحته، وقال الزيدية: يدل، وكذلك افتراق العلماء بين متأول للحديث، ومحتج به لا يدل على الصحة، وقال ابن السمعاني وقوم: يدل، لتضمنه له بالقبول، وأجيب باحتمال أنه تأوله على تقدير صحته فرضا لا على ثبوتها -أي الصحة- عنده.

جهالة الراوي

"جهالة الراوي": الجهالة ثلاثة أقسام: 1- جهالة العين: وذلك بان لا يروى عنه غير راو واحد فقط، ومن روى عنه عدلان عيناه ارتفعت جهالة عينه قال الخطيب: المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء، ولا يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد. وأقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهورين ونقل ابن عبد البر عن أهل الحديث نحوه وقد رد على الخطيب الشيخ الإمام ابن الصلاح بأن البخاري روى عن مرداس، الأسلمي ومسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنهما غير واحد، وهو قيس بن أبي حازم عن الأول، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن الثاني. ورد على ابن الصلاح الإمام النووي وصوب ما نقله الإمام الخطيب وقال: "ولا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة: فإنهما صحابيان والصحابة كلهم عدول" يعني فلا يحتاج إلى رفع الجهالة عنهم بتعدد الرواة. 2- جهالة الحال ظاهرا وباطنا، وذلك بأن لا يزكيه ويشهد له بالعدالة عالمان معتبران من علماء الجرح والتعديل. 3- جهالة الحال باطنا دون الظاهر وهو ما يعرف بالمستور.

"حكم رواية المجهول": قال ابن الصلاح وتبعه النووي: رواية مجهول العدالة ظاهرا، وباطنا لا تقبل عند الجماهير يعني من المحدثين, والفقهاء، والأصوليين. وقيل: تقبل مطلقا، وقيل: إن كان من روي عنه، فيهم من لا يروي عن غير عدل قبل وإلا فلا. ورواية المستور وهو عدل الظاهر خفي الباطن أي مجهول العدالة باطنا، يحتج به بعض من رد رواية الأول وهو قول بعض الشافعية كسليم الرازي قال: لأن الإخبار مبني على حسن الظن بالراوي، ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظهر بخلاف الشهادة فإنها تكون عند الحكام فلا يتعذر عليهم ذلك قال الشيخ ابن الصلاح: ويشبه أن يكون العمل على هذا في كثير من كتب الحديث المشهورة في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم، وتعذرت خبرتهم باطنا، وكذلك صححه الشيخ النووي في "شرح المهذب". وأما مجهول العين فقد لا يقبله بعض من يقبل مجهول العدالة، ورده هو الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم. وقيل: يقبل مطلقا، وهو قول من لا يشترط في الراوي مزيدا على الإسلام. وقيل: إن تفرد بالرواية عنه من لا يروي إلا عن عدل كابن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، واكتفينا في التعديل بواحد قبل وإلا فلا. وقيل: إن كان مشهورا في غير العلم بالزهد كمالك بن دينار، أو

النجدة كعمرو بن معديكرب الزبيدي, قيل: وإلا فلا واختاره ابن عبد البر. وقيل: إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبل، وإلا فلا. قال السيوطي: واختاره أبو الحسن بن القطان، وصححه شيخ الإسلام1.

_ 1 شرح شرح النخبة للقاري ص153.

هل يقبل تعديل العبد والمرأة

"هل يقبل تعديل العبد والمرأة؟ ": قال الإمام السيوطي في "تدريب الراوي": فرع في مسائل زادها المصنف -أي النووي- على ابن الصلاح: المسألة الأولى: يقبل تعديل العبد والمرأة العارفين لقبول خبرهما وبذلك جزم الخطيب في "الكفاية" والرازي، والقاضي أبو بكر بعد أن حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم: أن لا يقبل في التعديل النساء لا في الرواية، ولا في الشهادة. وقد استدل الخطيب على القبول بسؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- بريرة عن عائشة في قصة الإفك قال: بخلاف الصبي المراهق فلا يقبل تعديله إجماعًا. المسألة الثانية: ومن عرفت عينه وعدالته وجهل اسمه احتج به وفي الصحيحين من ذلك كثير كقولهم: ابن فلان، أو والد فلان، وقد جزم بذلك الخطيب في "الكفاية" ونقله عن القاضي أبي بكر الباقلاني، وعلله بأن الجهل باسمه لا يخل بالعلم بعدالته ومثله بحديث ثمامة بن حزن القشيري: سألت عائشة عن النبيذ؛ فقالت: هذه خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لجارية حبشية فسلها ... الحديث. المسألة الثالثة: وإذا قال: أخبرنا فلان، أو فلان على الشك وهما

عدلان احتج به، لأنه قد عينهما، وتحقق سماعه لذلك الحديث من أحدهما، وكلاهما مقبول، قاله الخطيب، ومثله بحديث شعبة عن سلمة ابن كهيل عن أبي الزهراء، أو عن زيد بن وهب أن سويد بن غفلة دخل على علي بن أبي طالب فقال: "يا أمير المؤمنين! إني مررت بقوم يذكرون أبا بكر وعمر" ... الحديث. وذلك لأن كلا من أبي الزهراء، وزيد بن وهب ثقة. فإن جهلت عدالة أحدهما أو قال فلان أو غيره ولم يسمه لم يحتج به لاحتمال أن يكون المخبر المجهول1.

_ 1 تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي ص213، 214.

ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها

ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها مدخل ... "ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها": قد عني العلماء وأئمة الجرح والتعديل بذكر ألفاظ الجرح والتعديل، وبيان مراتبها ودرجاتها، وقد رتبها في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل"1 ابن أبي حاتم الرازي2 فجعلها أربع مراتب فأحسن وأجاد, وتبعه في ذلك الإمامان ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" والنووي في مختصره المسمى "بالتقريب" والذي شرحه الإمام السيوطي بكتابه الجامع "تدريب الراوي"3 ثم جعلها الإمامان الذهبي، ثم العراقي خمس مراتب. ثم جاء الإمام الحافظ ابن حجر فجعلها ست مراتب4 وإليك بيانها مع زيادات في ألفاظها ومراتبها من كلام غيره من الأئمة الذين استدركوا عليه بعض المراتب.

_ 1 الجرح والتعديل ج2 ص37، 38. 2 هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي المتوفى سنة سبع وعشرين وثلاثمائة "327هـ". 3 التدريب من ص229-235. 4 بما فيها الصحابة "تقريب التهذيب" ج1 ص4، 5. ولن أعرض للصحابة لأنهم كلهم عدول.

مراتب الجرح والتعديل

"مراتب الجرح والتعديل": وإليكم بيان مراتب التعديل على ضوء ما ذكرها الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه القيم "تقريب التهذيب" مرتبة من الأعلى إلى الأدنى، ومضافا إليها زيادات من كلام غيره من العلماء. المرتبة الأولى: الوصف بما يدل على المبالغة وهو الوصف بأفعل؛ مثل فلان أوثق الناس، وأعدل الناس وإليه المنتهى في التثبت ومثله قول الشافعي في ابن مهدي: لا أعرف له نظيرا في الدنيا ومثله: أيضا قول حسان بن هشام في ابن سيرين: حدثني أصدق من أدركت من البشر. قال السيوطي: قلت: ومنه: لا أحد أثبت منه، ومن مثل فلان؟ وفلان لا يسأل عنه، ولم أر من ذكر هذه الثلاثة وهي في ألفاظهم. المرتبة الثانية: ما كرر فيه أحد ألفاظ التعديل إما لفظا كثقة ثقة، أو ثبت ثبت1 أو حجة حجة، أو معنى كثقة حجة، أو ثقة حافظ، أو ثقة حجة، أو حجة حافظ إلى نحو ذلك. المرتبة الثالثة: ثقة، أو ثبت، أو حجة، أو إمام، أو حافظ، أو متقن، أو عدل إلى نحو ذلك. المرتبة الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلا وإليه الإشارة بقولهم: صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به قال ابن أبي حاتم: فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية -يعني على حسب

_ 1 الثبث -بسكون الباء- المتثبت في أموره كما في "المصباح المنير" وفي "مختار الصحاح" مادة "ثبت": "ورجل ثبت -بسكون الباء- أي ثابت القلب، ورجل له ثبت عند الحملة بفتح الباء أي ثبات، وتقول: لا أحكم بكذا إلا بثبت -بفتح الباء- أي بحجه" وثبت الجنان أي ثاقب القلب، ورجل ثبت -بفتح الباء- عدل ضابط وعلى هذا يقال: رجل ثبْت، وثبَت -بسكون الباء وفتحها- ويطلق الثبَت -بفتح الباء- على ما يثبت فيه المحدث مسموعه مع أسماء المشاركين فيه؛ لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره وهو أمر اصطلاحي ولكن له أصل في اللغة.

تقسيمه- زاد العراقي، أو مأمون، أو خيار، أو ليس به بأس، ومن العلماء من فرق بين: صدوق، وبين: محله الصدق وهو الذهبي وتبعه العراقي فجعل صدوق من هذه، محله الصدق ما بعدها، لأن صدوقا صيغة مبالغة، بخلاف محله الصدق، فإنه دال على أن صاحبها محله، ومرتبته مطلق الصدق وقد روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي قال وحدثنا أبو خلدة -بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام- فقيل له: أكان ثقة؟ قال: كان صدوقا، وكان مأمونا، وكان خيرا، الثقة: شعبة، وسفيان، وهذا يدل على تفرقتهم بين ثقة، وبين صدوق ونحوه. المرتبة الخامسة: من قصر عن درجة الرابعة قليلا، وقد مثل لها ابن أبي حاتم بقوله: شيخ، وقال: يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية -يعني على حسب تقسيمه- وزاد العراقي في هذه الرتبة مع قولهم: محله الصدق: إلى الصدق ما هو، شيخ وسط، جيد الحديث، حسن الحديث، وزاد شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر قولهم: صدوق سيئ الحفظ، أو صدوق يهم، أو: له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة1. قال الحافظ ابن حجر: ويلحق بذلك من رمي بنوع من البدعة كالتشيع2، والقدر3، والنصب4، والإرجاء5، والتجهم مع بيان

_ 1 بأخرة: بهمزة، وخاء، وراء مفتوحات ثم تاء مثناة مربوطة ويجوز كسر الخاء أي اختل ضبطه في آخر عمره وآخر أمره، ويقال أيضا: بآخرة بمد الهمزة وكسر الخاء، وبالتاء المربوطة، ويقال أيضا بالهاء ضمير الغائب. 2 التشيع، يطلق على الانتصار لسيدنا علي رضي الله عنه، من غير انتقاص الشيخين أو عثمان رضي الله عنهم. 3 القدرية هم الذين يقولون: بأن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، أما القدرية الذين كانوا يقولون: إن الأمر أنف، وأن الله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها فقد انقرضوا، وانقرض مذهبهم. 4 النصب: بفتح النون وسكون الصاد المهملة: هو الانحراف على علي رضي الله عنه والنيل منه. 5 الإرجاء: الإرجاء نوعان: الأول أن الإيمان إقرار باللسان فقط ولو مع عدم الإيمان بالقلب وأن الكبيرة لا تضر مع الإيمان، وهذا ضلال والاتصاف به جرح شديد. والثاني: اعتقاد أن الأعمال ليست جزءا من الإيمان، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن أمر المؤمنين يرجأ إلى الله تعالى, فلا يحكم لهم بجنة ولا نار وهذا يطبق عليه ما قلناه في رواية المبتدع.

الداعية من غيره. المرتبة السادسة: صالح الحديث ونحو ذلك قال ابن أبي حاتم: من قيل فيه ذلك هو يكتب حديثه وينظر فيه يعني يكتب حديثه للاعتبار. المرتبة السابعة: قال الحافظ: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع، وإلا فلين الحديث. المرتبة الثامنة: ما أشعر بالقرب من التجريح وهو أدنى المراتب كقولهم ليس ببعيد من الصواب، صويلح الحديث، مقارب الحديث، يكتب حديثه، ونحو ذلك، وما ينبغي أن يعلم أن بعض الكلمات قد يعتبرها بعض العلماء من مرتبة، والآخر يعتبرها من مرتبة أخرى فلا يشكلن عليك الأمر وإنما هو يرجع إلى اختلاف الاعتبار والأنظار. "فائدة": قولهم: مقارب الحديث قال العراقي: ضبط في الأصول الصحيحة بكسر الراء، وقيل: إن ابن السيد حكى فيه الفتح والكسر، وأن الكسر من ألفاظ التعديل، والفتح من ألفاظ التجريح قال: وليس ذلك بصحيح بل الفتح والكسر معروفان حكاهما ابن العربي في "شرح الترمذي" وهما على كل حال من ألفاظ التعديل، وممن ذكر ذلك الذهبي. قال: وكأن قائل ذلك فهم من فتح الراء إن الشيء المقارب هو الرديء وهذا من كلام العوام وليس معروفا في اللغة، وإنما هو على

الوجهين من قوله -صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا" , فمن كسر قال: إن معناه مقارب لحديث غيره، ومن فتح قال: معناه أن حديثه يقاربه حديث غيره، ومادة فاعل تقتضي المشاركة انتهى وممن جزم بأن الفتح تجريح البلقيني في "محاسن الاصطلاح" وقال: حكى ثعلب: تبر مقارب أي رديء. انتهى. "فائدة أخرى": قول العلماء "إلى الصدق ما هو، وللضعف ما هو" معناه قريب من الصدق والضعف فحرف الجر يتعلق بقريب مقدرا، و"ما" زئدة في الكلام -أي هو قريب من الصدق، والضعف- كما قال عياض والنووي في حديث الجساسة الذي رواه مسلم: "من قبل المشرق ما هو" المراد إثبات أنه في جهة المشرق. وقولهم واه بمرة أي قولا واحدا لا تردد فيه، فكأن الباء زائدة, وقولهم: تعرف وتنكر أي يأتي مرة بالمشاهير أي الأحاديث المعروفة ومرة بالمناكير.

ألفاظ التجريح ومراتبها

"ألفاظ التجريح، ومراتبها": أما مراتب ألفاظ التجريح فهي ست، وسنرتبها من الأدنى إلى الأعلى: المرتبة الأولى: فلان فيه مقال، أو ضعيف، أو لين الحديث ونحوها. المرتبة الثانية: فلان لا يحتج به أو ضعفوه، أو منكر الحديث ونحوها. المرتبة الثالثة: فلان مردود الحديث، أو ضعيف جدا، أو واه بمرة ونحوها. المرتبة الرابعة: فلان متهم بالكذب أو الوضع أو ساقط، أو متروك

أو هالك ونحوها. المرتبة الخامسة: فلان كذاب أو دجال، أو وضاع ونحوها. المرتبة السادسة: فلان أكذب الناس أو إليه المنتهى في الكذب ونحوهما وهذه المراتب الأربعة الأخيرة لا يلتفت إلى من اتصف بها ولا إلى أحاديثه، ولا يعتبر بها ولا يستشهد ومن روى شيئا منها من غير بيان فهو داخل تحت قوله -صلى الله عليه وسلم: "من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". رواه مسلم في مقدمة الصحيح. "فائدة مهمة": ومن ألفاظهم في التجريح أيضا: فلان له بلايا أو هذا الحديث من بلاياه قال برهان الدين الحلبي: هو كناية عن الوضع فيما أحسب، وكذا قولهم: له طامات وأوابد، ويأتي بالعجائب قال البرهان الحلبي، فلا أدري أتقتضي اتهام المقول فيه ذلك بالكذب، أم لا تفيد غير وصف حديثه بالنكارة. وقال أيضا: والظاهر أن قولهم: آفته فلان -كناية عن الوضع، ويحتمل أن يكون المراد- آفته في رده ونكارته. وإن قالوا: آفته فلان فهذا محل التردد، وكذلك قولهم: "له أحاديث مناكير" لا يقتضي ترك روايته حتى تكثر المناكير فيها، وحينئذ يقال فيه: منكر الحديث، وروى مناكير. وفي شرح الإلمام لابن دقيق العيد: إن منكر الحديث موصوف بالترك وأما "روى أحاديث منكرة" فوصف بوقوع ذلك منه في حين من الأحيان لا دائما وذكر ابن حجر في "التقريب": "أن ابن حنبل يطلق على من يغرب على أقرانه في الحديث: أي يأتي بالغرائب: أنه منكر الحديث.

فعلى الناظر في كتب الجرح والتعديل، وكتب الرجال أن يدقق ويحقق ويبحث في اصطلاحات العلماء حتى يصل إلى الحق والصواب فيما يذكرون. فائدة مهمة: ذكر الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" في ترجمة "محمد بن خالد الطحان الواسطي "عن أبي زرعة1 أنه سأل أباه عنه، فقال: "هو على يدي عدل" قال الحافظ: ومعناه أنه قريب من الهلاك، وهذا القول مثل للعرب، ومورده: أنه كان لتبع2 على شرطته رجل يقال له: عدل بن سعد العشيرة، فإذا أراد تبع قتل شخص دفعه إليه ليقتله، فضرب به المثل لمن ييأس منه الناس وقرب من الهلاك كما ذكره ابن قتيبة والثعالبي وأخطأ من ظن أنه من ألفاظ التوثيق", وفي القاموس المحيط "مادة "عدل" ج4 ص13": "العدل: ضد الجور وما قام في النفوس أنه مستقيم ... وبلا لام -يعني وبلا ألف ولام- رجل ولي شرطة تبَّع فإذا أريد قتل رجل دفع إليه، فقيل لكل ما يئس منه: وضع على يدي عدل". "تنبيه مهم": ما ينبغي أن يعلم أن بعض الأئمة المجروحين كانوا يراعون العفة في القول، ويتحرجون من ألفاظ النقد الجارحة. ومن هؤلاء إمام الأئمة البخاري -رحمه الله تعالى- فإنه كان يقول: فلان فيه نظر، وسكتوا عنه، وهاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه.

_ 1 أبو زرعة هو الإمام الحافظ عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ أبو زرعة الرازي إمام حافظ ثقة مشهور من الطبقة الحادية عشرة توفي سنة أربع وستين ومائتين وله أربع وستون سنة. 2 تبع بضم التاء المثناة وفتح الباء المشددة، آخره عين مهملة من ملوك اليمن.

أقول: وبهذا الأدب العف العالي في النقد فليقتد الناقدون لغيرهم، ودعكم من ألفاظ السباب والفحش في النقد والمناظرة فإنها بضاعة العاجز الجاهل، أما العلماء الأصلاء فهم بمعزل عن هذه السفاهة والهجر من القول والله يعصمني وإياكم من الجهل والسفه.

المسلسل من الحديث

"المسلسل من الحديث": تعريفه: المسلسل: بضم الميم وفتح السين، وسكون اللام وفتح السين المهملة الثانية آخره لام اسم مفعول من سلسلت الشيء أي جعلته مسلسلا. وهو في اللغة: اتصال الشي بعضه ببعض على نسق واحد متناسب، ومنه سلسلة الحديد فإن حلقاتها متناسبة متصل بعضها ببعض1. وفي اصطلاح المحدثين: ما توارد فيه الرواة كلهم واحدا فواحدا على صفة واحدة أو حالة واحدة للرواة تارة، وللرواية تارة أخرى2. وهو من صفات الإسناد كما قال الحافظ ابن حجر، بخلاف المرفوع, والموقوف، والمقطوع, فإنها صفات المتن، وبخلاف الصحيح ونحوه كالحسن فإنهما من صفاتهما3. فائدة التسلسل: ومن فوائد التسلسل -كما قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح- اشتماله على الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم4- باعتبار أنه هو مصدره الأول أقول: وهذا إنما يكون بعد ثبوت التسلسل وإلا فلا. وهذا النوع من أنواع علوم الحديث قد اعتنى به العلماء المؤلفون في هذا العلم قديما وحديثا، فمنهم من كتب فيه على أنه نوع من أنواع

_ 1 شرح ألفية العراقي للسخاوي ج3 ص53، وشرح النخبة لعلي القاري ص209. 2 تدريب الراوي ص380. 3 شرح شرح النخبة ص209. 4 شرح ألفية العراقي للسخاوي ج3 ص55.

علوم الحديث وأصوله، ومنهم من كتب فيه وألف على سبيل الاستقلال. أقسام التسلسل: قال الإمام النووي في "التقريب، وشارحه السيوطي في "التدريب": وصفات الرواة وأحوالهم أيضا إما أقوال، وإما أفعال، أولهما معا وصفات الرواية إما أن تتعلق بصيغ الأداء، أو بزمنها، أو بمكانها، وله أنواع كثيرة غيرها ومما زاده السخاوي في شرحه على "ألفية العراقي" ما يتعلق بتاريخ الرواية، وليس ذلك على سبيل الحصر بل له أنواع كثيرة غيرها1 قال العراقي: في ألفيته، وشارحها السخاوي، "وقسمه" أي تقسيمه "إلى ثمان" كما فعل الحاكم إنما هي "مثل" لهن ولم يرد الحصر فيها كما فهمه ابن الصلاح عنه، وتعقبه بعدم حصره فيها، إذ ليس في عبارة الحاكم ما يقتضي الحصر كما قاله الشارح لقول الحاكم بعد الفراغ منها: فهذه أنواع التسلسل من الأسانيد المتصلة التي لا يشوبها تدليس، وآثار السماع فيها بين الراويين ظاهرة، وهذا كما ترى مؤذن بأنه إنما ذكر من أنواعه ما يدل على الاتصال, وهو غاية المقصد من هذا النوع2.

_ 1 تدريب الراوي ص380، وشرح ألفية العراقي للسخاوي ص54. 2 شرح ألفية العراقي للسخاوي ج3 ص55.

الأمثلة لهذه الأنواع

الأمثلة لهذه الأنواع: 1- فالمسلسل بالأحوال القولية كحديث معاذ بن جبل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا معاذ، إني أحبك فقل دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" 1. 2- ومن أمثلة المسلسل بالأحوال الفعلية مسلسل التشبيك باليد، وهو

_ 1 الحديث أخرجه أبو داود في الوتر: باب الاستغفار ج2 ص86 مسلسلا لراويين فقط والنسائي في الصلاة, باب الدعاء بعد الذكر غير مسلسل, ووقع مسلسلا خارج الكتب الستة لجماعة من العلماء، وأخرجه مسلسلا في "المناهل السلسة في الأحاديث المسلسلة", راجع منهج النقد في علوم الحديث ص331 هامش.

حديث أبي هريرة قال: شبك بيدي أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم- وقال: "خلق الله الأرض يوم السبت" 1 الحديث. ولي تعليق على هذا الحديث سيأتي إن شاء الله تعالى, قال السخاوي: فقد تسلسل لنا تشبيك كل واحد من رواته بيد من رواه عنه ونحوه المسلسل بوضع اليد على الرأس، والأخذ بيد الطالب، وبالعد في يده للخمسة التي منها الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والترحم، والدعاء، وبالمصافحة ويرفع اليدين في الصلاة وبالاتكاء والإطعام، والسقي، وبالضيافة بالأسودين: التمر والماء2. 3- ومن أمثلة المسلسل بهما معًا: حديث أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحلوه، ومره" , وقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على لحيته، وقال: "آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره" وكذلك كل راوٍ من رواته كان يقبض على لحيته حين روايته ويقول هذا القول: "آمنت بالقدر ... " إلخ3. 4- ومثال المسلسل بصفاتهم القولية الحديث المسلسل بقراءة سورة "الصف" روى الترمذي في جامعه4 قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: "قعدنا نفرًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه، فأنزل الله عز وجل: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَا أَيُّهَا

_ 1 أخرجه تام التسلسل الحاكم في "معرفة الحديث" ص33، 34. 2 ألفية العراقي بشرح السخاوي ج3 ص53، والتدريب ص380. 3 أخرجه تام التسلسل الحاكم في علوم الحديث ص31، 32. 4 كتاب التفسير سورة الصف.

الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} السورة. قال ابن سلام: فقرأها علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أبو سلمة: فقراها علينا عبد الله بن سلام، قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة، قال الأوزاعي: فقرأها علينا يحيى بن أبي كثير، قال محمد بن كثير فقرأها علينا الأوزاعي، قال عبد الله فقرأها علينا ابن كثير1. قال العراقي: وصفات الرواة القولية، وأحوالهم القولية متقاربة بل متماثلة2. 5- المسلسل بصفات الرواة الفعلية كاتفاق أسماء الرواة كالمسلسل بالمحمدين مثلا، أو صفاتهم أو نسبتهم، فالأول كمسلسل الفقهاء مطلقا أو الشافعيين أو الحفاظ، أو النحاة، أو الكتاب، أو الشعراء، أو المعمرين -بفتح الميم المشددة- والثاني: كأحاديث رويناها كل رجالها دمشقيون، أو مصريون، أو كوفيون، أو عراقيون. وأصح أقسام التسلسل المسلسل بالحفاظ كحديث مالك عن نافع عن ابن عمر، وهو أصح الأسانيد عند البخاري، وتسمى بالسلسلة الذهبية. 6- المسلسل بصفات الرواية المتعلقة بصيغ الأداء كالمسلسل بقول الرواة: سمعت أو حدثنا، أو أخبرنا، أو أنبأنا وذلك بأن يقول رواة السند كلهم ذلك وهو ما عليه جمهور العلماء، وجعل الحاكم منه أن تكون ألفاظ الأداء من جميع الرواة دالة على الاتصال وإن اختلفت، فقال بعضهم سمعت، وقال بعضهم: حدثنا، وقال

_ 1 منهج النقد في علوم الحديث ص334. 2 التدريب ص380.

بعضهم أنبأنا، ولكن الأكثرين من العلماء على اختصاصه بالوارد على صيغة واحدة ونحوه الحلف كقوله أنبأنا والله فلان كما نص عليه ابن الصلاح أو ما يلحق به كقول الراوي: صمت أذناي إن لم أكد سمعته من فلان، أو نحو ذلك1. 7- المسلسل بزمن الرواية كالمسلسل بالتحمل في يوم العيد، أو بقص الأظفار في يوم الخميس2. 8- المسلسل بمكان الرواية وذلك مثل المسلسل بإجابة الدعاء في الملتزم3 وذلك مثل ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء وما دعا الله عز وجل فيه عبد دعوة إلا استجاب له". قال ابن عباس: فوالله ما دعوت الله عز وجل فيه قط منذ سمعت هذا الحديث إلا استجاب لي, وقد تسلسل الحديث بقول كل من رواته: وأنا ما دعوت الله فيه بشيء منذ سمعته إلا استجاب لي4. 9- التسلسل بتاريخ الرواية لكون الراوي آخر من يروي عن شيخه وما لم أذكر له مثالا معينا فليطلب ذلك في الكتب المؤلفة في المسلسلات على سبيل الاستقلال.

_ 1 ألفية العراقي بشرح السخاوي ج3 ص54. 2 المرجع السابق، والتدريب ص381. 3 الملتزم: هو المكان الذي بين الحجر الأسود وباب الكعبة. 4 الوجيز في علوم الحديث ص251، 252.

المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل

المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل: والمسلسلات: لا تخلو من ضعف في وصف التسلسل لا في أصل الحديث فقد يكون الحديث صحيحا ومع ذلك لا يسلم من ضعف في التسلسل قال النووي "في تقريبه": "وقلما يسلم عن خلل في المتسلسل"1. وقال السخاوي في شرح ألفية العراقي: "وقلما يسلم التسلسل من ضعف يحصل في وصف التسلسل لا في أصل المتن كمسلسل المشابكة فمتنه صحيح والطريق بالتسلسل فيها مقال ومراده بمسلسل المشابكة الواقعة في حديث: "خلق الله التربة يوم السبت". "تعقيبي على ذلك": وأحر بهذا التسلسل أن يكون غير ثابت كما قال السخاوي، وأما أن المتن صحيح فلا, وأحب أن أقول: إن حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم -عليه السلام- بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة" , قد رواه الإمام مسلم في صحيحه1، ورواه أيضا أحمد، والنسائي عن أبي هريرة. وهذا الحديث من الأحاديث التي انتقدت على الإمام مسلم؛ لأن مقتضاه أن الله تبارك وتعالى خلق السموات والأرض وما بينهما في سبعة أيام، والثابت بالقرآن المتواتر القطعي في ثبوته أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام2 قال عز شأنه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآية3، وقال: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآية4 وقال تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي

_ 1 التقريب "بشرحه" "التدريب" ص381. 2 يعني في مقدار ستة أيام إذا لم يكن ثمت ليل ولا نهار. 3 الأعراف: 54. 4 سورة يونس: 3.

خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ 1 سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} 2. وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآية3 والحديث الصحيح مهما بلغ لا يعارض ما ثبت بالقرآن المتواتر القطعي وقد تنبه المحدثون إلى هذا من قديم الزمان فأعلوه، وتكلموا فيه: فمنهم من قال: إنه غير ثابت، لأن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى، وإبراهيم بن أبي يحيى قال فيه الإمام أحمد: "كان قدريا معتزليا جهميا، كل بلاء فيه، ترك الناس حديثه، وكان يضع" وقال ابن معين: "كذاب رافضي فبمثل هذا السند لا يثبت الحديث، ولا المشابكة المسلسل بها، بسبب وجود إبراهيم في السند صراحة أو تدليسا"4. وإذا كان الحديث مختلقا مكذوبا على النبي -صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي هريرة ومن جاء بعده من الثقات فلا يصح أن يرتب عليه باحث حكما هو فرع عن ثبوته. ومن الأئمة الكبار من أنكر رفع الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه إنما أخذه عن كعب الأحبار، وأن بعض

_ 1 أي في تتمة أربعة أيام. 2 فصلت: 9-12. 3 الحديد: 4. 4 الأسماء والصفات للإمام البيهقي ص384.

رواته وهم في رفعه، والأصح وقفه على كعب، وإلى هذا ذهب إمام الأئمة البخاري في تاريخه فقال: "رواه بعضهم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن كعب الأحبار وهو الأصح" ووافقه على هذا العلامة الحافظ ابن كثير حيث قال: "فكأن هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي فقال1 ... إلخ". ومهما يكن من شيء فسيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه بريء مما غمزه به أعداء السنن والأحاديث، وأعداء صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتهامهم له برفع الحديث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إن بعض الجهلاء المغرورين منهم قال في كتاب له بعد أن سفه على سيدنا أبي هريرة بما سفه به: "وإني لأتحدى الذين يزعمون في بلادنا أنهم على شيء من علم الحديث، وجميع من هم على شاكلتهم في غير بلادنا أن يحلوا لنا هذا المشكل، وأن يخرجوا بعلمهم الواسع شيخهم من الهوة التي سقط فيها", ثم تهكم بسيدنا أبي هريرة ما شاء له أدبه أن يتهكم! 2 وهذا الكلام كتبته في كتابي "دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين"3 الذي قصدت به خدمة السنة النبوية المطهرة، وبيان شرفها وفضلها، وحقيقة أمرها ولم أقف على كلام لأحد في هذا الموضوع من الذين ألفوا في "علوم الحديث" قديما وحديثا فلله الحمد والمنة.

_ 1 البداية والنهاية ج1 ص17، 18, وتفسير ابن كثير والبغوي ج3 ص488، وج7/ 326. 2 انظر أضواء على السنة المحمدية ص175 ط الأولى. 3 ص158، 159.

"التسلسل التام وغير التام": ثم من المتسلسل ما يكون التسلسل فيه من أول السند إلى آخره، وأصح مثل لذلك الحديث المسلسل بقراءة "سورة الصف" وقد قدمناه آنفا. قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: من أصح مسلسل يروى في الدنيا المسلسل بقراءة سورة الصف. قال السيوطي: والمسلسل بالحفاظ والفقهاء أيضا، بل ذكر في شرح النخبة: أن المسلسل بالحفاظ مما يفيد العلم القطعي. وقد ينقطع تسلسله في وسطه أو أوله، أو آخره ومثال ذلك المسلسل بقول الراوي بأول حديث سمعته، وهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: "الراحمون يرحمهم الرحمن" , فإنه انتهى التسلسل فيه إلى عمرو بن دينار، وانقطع في سماع عمرو من أبي قابوس، وسماع أبي قابوس من عبد الله بن عمرو، وفي سماع عبد الله من النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما هو الصحيح فيه، وقد رواه بعضهم كامل السلسلة فوهم فيه.

أشهر المؤلفات في المسلسلات

"أشهر المؤلفات في المسلسلات": 1- المسلسلات تأليف الحافظ إسماعيل بن أحمد بن الفضل التيمي المتوفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة "535"1. 2- الأحاديث المسلسلات تأليف الشيخ الحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة "643"2. 3- كتاب المسلسلات للحافظ المحدث المؤرخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة اثنين وتسعمائة وفيه مائة حديث.

_ 1 توجد منه نسخة مخطوطة في دار الكتب الظاهرية بدمشق، كما توجد نسخة في دار الكتب المصرية. 2 توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب الظاهرية.

4- "المسلسلات الكبرى" وهي خمسة وثمانون حديثا، و"جياد المسلسلات"1, كلاهما للإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة قال في "تدريبه": "وقد جمعت كتابا قيما وقع في سماعاتي من المسلسلات"2. 5- الفوائد الجليلة للعلامة الشيخ محمد بن أحمد بن سعيد، المشتهر والده بعقيلة المتوفى سنة خمسين ومائة بعد الألف "1150"3. 6- "التعليقة الجليلة على مسلسلات ابن عقيلة" لأبي الفيض محمد بن محمد بن محمد الشهير بمرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي ثم المصري الحنفي المتوفى بمصر سنة 1205هـ. 7- "المناهل السلسة في الأحاديث المسلسلة" للعلامة المحدث محمد بن عبد الواحد الأيوبي المتوفى سنة أربع وستين وثلاثمائة بعد الألف وهو يشتمل على اثني عشر ومائتي حديث4, ولما كان صاحبه متأخر الوفاة فقد جاء كتابه أشمل الكتب في هذا. وبالجملة فقد قال الإمام السخاوي في شرح ألفية العراقي ما نصه: "وقد أفرد كثير من الأئمة ما وقع لهم من المسلسلات، وقع لي من ذلك بالسماع جملة: كالمسلسلات لأبي بكر بن شاذان، ولأبي محمد الإبراهيمي، ولأبي محمد الديباجي، ولأبي سعيد السمان، ولأبي سعد بن أبي عصرون، ولأبي القاسم التيمي، والقرافي، ولأبي المكارم بن مسرى. ولأبي سعيد العلائي، ولابن الفضل في الأربعين له.

_ 1 توجد نسخة مخطوطة من "جياد المسلسلات" في دار الكتب المصرية. 2 التدريب ص381. 3 توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب الظاهرية، وفي دار الكتب المصرية "عن الوجيز في علوم الحديث". 4 منهج النقد في علوم الحديث ص334.

وبالإجازة جملة أيضا: كأبي نعيم الأصبهاني، وأبي الحسن اللبان، والقاضي أبي بكر بن العربي. واعتنى كل من حافظ دمشق ابن ناصر الدين، وحافظ مكة من أصحابنا بإفراد ما وقع له منها في تخريج. وكذلك أفردت مائة منها بالتصنيف مبينا شأنها، ورويت ذلك إملاء وتحديثا بالقاهرة ومكة1. إلى غير ذلك من الكتب المؤلفة في المسلسلات ومن أراد زيادة في هذا فليرجع إلى "الرسالة المستظرفة، لبيان مشهور كتب السنة المشرفة" قال: ومجموع الأحاديث المسلسلة يزيد على أربعمائة2.

_ 1 فتح المغيث للسخاوي ج3 ص55. 2 الرسالة المستطرفة من ص61-64.

علم علل الحديث

علم علل الحديث مدخل ... "علم علل الحديث": علم علل الحديث من العلوم المهمة جدا، وقد سبق التأليف في هذا العلم على سبيل الاستقلال لكونه فرعا من فروع "علوم الحديث" بمعناها العام. التأليف فيه بعد صيروة "علوم الحديث" فنا مدونا مستقلا عن غيره من العلوم له أصوله، وله مسائله، وله أنواعه، وذلك على يد الإمام أبي محمد الحسن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى حوالي سنة ستين وثلاثمائة. والعلة في اصطلاح أئمة الحديث وجهابذته: عبارة عن سبب غامض خفي قادح في الحديث مع أن الظاهر السلامة منها. وعلى هذا يمكننا أن نعرف هذا العلم فنقول: علم علل الحديث: هو العلم الذي يبحث فيه عن الأسباب الخفية

الغامضة التي تقدح في الحديث صحة وحسنا، وسندا ومتنا مع أن الظاهر السلامة منها. ولن أتكلم هنا عن أقسام العلة ولا عن ضرب الأمثلة لها فقد سبق ذلك في نوع "المعل"1 من الحديث أثناء التكلم عن أنواع الحديث الضعيف. "هذا العلم لم يتكلم فيه إلا الجهابذة": وهذا العلم لم ينهض للكلام فيه والتأليف إلا الأئمة الكبار الجامعون للحديث، والعارفون بعلله أمثال: علي بن المديني، وأحمد بن محمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم الرازي، وأبي زرعة الرازي، والترمذي، والدارقطني. "بم تعرف العلة": وتدرك العلة بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنبه العارف بهذا العلم على وهم2 وقع بإرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو غير ذلك بحيث يغلب على ظنه فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد في صحته فيتوقف فيه. والطريق إلى معرفة ذلك جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته وفي ضبطهم وإتقانهم، قال الإمام ابن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه". وقد تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي3 في نقد الدنانير والدراهم قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي: معرفة علل الحديث الهام، ولو قلت للعالم بعلل الحديث من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة، وكم من شخص لا يهتدي لذلك.

_ 1 بضم الميم وفتح العين المهملة، وتشديد اللام. "انظر ص305". 2 وهم وهما كغلط غلطا وزنا ومعنى. 3 بفتح الصاد المهملة، وسكون الياء، وفتح الراء هو الذي يقوم بصرف الدراهم والدنانير ويميز بين صحيحها وزائفها.

وقيل له أيضًا: إنك تقول للشيء هذا صحيح وهذا لم يثبت فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك، فقال: هذا جيد، وهذا بهرج1. أكنت تسأل عن ذلك، أو تسلم له الأمر؟ قال: بل أسلم له الأمر، قال: فهذا كذلك بطول المجالسة والمناظرة والخبرة. وسئل أبو زرعة الرازي: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث له علة، فأذكر علته ثم تقصد ابن وارة -يعني محمد بن محمد بن وارة- فتسأله عنه فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم -يعني الرازي- فيعلله، ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافًا فاعلم أن كلًّا منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم، ففعل الرجل ذلك، فاتفقت كلمتهم، فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام. "تعليق على كلمة ابن مهدي أن هذا العلم إلهام": قد يوهم ظاهر هذه الكلمة أن هذا العلم لا يحتاج إلى طول بحث ونظر، وموازنة بين الروايات وجمعها كي يصل الإمام المعلل إلى الحق والصواب. وهذا الظاهر غير مراد قطعًا بعد ما ذكرنا من كلمة الإمام علي بن المديني، وبعد ما هو معلوم من أن العلماء الذين اشتغلوا بعلل الأحاديث لم يدعوا وسيلة من وسائل العلم بالأحاديث، والبحث عن حقائق أمورها إلا سلكوها، وذلك عن طريق جمع الروايات ونقدها على حسب قواعدهم الدقيقة، والموازنة بينها حتى وصلوا إلى الحق والصواب في هذا، والكتب التي ألفت في العلل أكبر شاهد على هذا، إن في هذه الكتب ما يدل دلالة ظاهرة على سعة علم هؤلاء العلماء بالروايات، وعلى دقة أنظارهم في النقد.

_ 1 بهرج على وزن جعفر الرديء المغشوش من الفضة.

والذي يظهر لي -والله أعلم- أن أي عالم متمرس في فن من الفنون، وطالت مصاحبته له، والوقوف على حقائقه ودقائقه تحصل له ملكة1 في هذا الفن قد تصل هذه الملكة المكتسبة بطول البحث والنظر والتأمل إلى أن تجعل صاحبها ملهما في إدراك حقائق الأمور. فمن الأطباء مثلا من حصل لهم بعد طول الممارسة لعلم الطب، ومقابلة المرضى والتعرف على أدوائهم وأمراضهم وعللهم ملكة بحيث يدرك بمجرد رؤية المريض أنه مريض بكذا، وإن لم يستعمل التفسرة2 التي تعينه على إدراك حقيقة مرض المريض. كذلك الكثرة الكاثرة من أئمة الحديث ولا سيما في العصور الأولى حصلت لهم بطول الممارسة والملازمة للحديث وعلومه ملكة بها يدركون الحديث المعلول من غير المعلول بحيث لا يحتاجون إلى طول بحث ونظر، وإنما تنطلق ألسنتهم بالحقيقة بحيث يخيل إلى السامع أن هذا العلم إلهام كما قال الرجل الذي ذكرنا قصته مع أبي زرعة الرازي. إن الواحد منا نحن معاشر المشتغلين بعلم الحديث والسنن على فرق ما بيننا وبين هؤلاء الأئمة قد تحصل له هذه الملكة بحيث يميز ما بين ما هو من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وما ليس من كلامه، ولو لم يكن عنده علم خاص في ذلك، وأيضا فالعالم العامل بعلمه هو أحق من يلهمه الله الحق والصواب والله أعلم.

_ 1 الملكة: كيفية وحالة راسخة في النفس تحصل لمن يمارس وتطول ملازمته لأمر من الأمور. 2 هي الآلة التي يتعرف بها الطبيب مرض المريض كالسماعة مثلا.

المؤلفات في علل الحديث

"المؤلفات في علل الحديث": 1- من أقدم ما وصلنا من هذه المؤلفات كتاب "التاريخ والعلل" للإمام الحافظ يحيى بن معين المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين1. 2- ومنها كتاب "العلل" للإمام علي بن المديني شيخ البخاري المتوفى سنة أربع وثلاثين ومائتين. قال فيه الحافظ ابن كثير: ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجله وأفحله "كتاب العلل" لعلي بن المديني شيخ البخاري، وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص2. 3- ومنها كتاب "العلل" للإمام الجليل أحمد بن حنبل المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين3. 4- ومنها كتاب "المسند المعلل" للإمام الحافظ يعقوب بن شيبة السدوسي البصري المتوفى سنة اثنين وستين ومائتين. قال الإمام الذهبي في "تذكرة الحفاظ"4: ما صنف مُسند أحسن منه ولكنه ما أتمه". قال الخطيب: أخبرنا الأزهري قال: بلغني أنه كان في منزل يعقوب بن شيبة أربعون لحافا أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين الذين يبيضون المسند قال: ولزمه على ما خرج منه عشرة آلاف دينار. 5- ومنها كتاب "العلل" للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين وله في العلل كتابان: العلل الصغير وهو الملحق بالجامع له، وكتاب العلل الكبير وهو مستقل وقد شرحه العلامة الحافظ ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة

_ 1 توجد نسخة مخطوطة منه في خزانة دار الكتب الظاهرية بدمشق تحت رقم "112" مجموع "عن الوجيز في علوم الحديث". 2 اختصار علوم الحديث لابن كثير ص64 ط ثالثة. 3 يوجد منه جزء في دار الكتب الظاهرية بدمشق تحت الرقم "40 مجاميع". 4 ج2 ص577.

خمس وتسعين وسبعمائة1. 6- ومنها كتاب "العلل" للإمام الفقيه العلامة المحدث أبي بكر بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي المشهور بالخلال المتوفى إحدى عشرة وثلاثمائة, وهو مؤلف علم أحمد بن حنبل، وجامعه ومرتبه، صنف "كتاب السنة" في ثلاث مجلدات، و"كتاب العلل" في عدة مجلدات، و"كتاب الجامع", وهو كبير جدا2. 7- ومن أحسن الكتب المؤلفة في "باب العلل" وأجمعها كتاب "علل الحديث" للإمام الحافظ الناقد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وهو مرتب على أبواب الفقه، وقد طبع في مصر في مجلدين سنة 1343هـ. 8- وأجمع كتاب وأشمله في هذا الباب كتاب "العلل الواردة في الأحاديث النبوية"3 للإمام الحافظ الناقد علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. وقد حظي هذا السفر الجليل بثناء أئمة الحديث ونقاده. قال الحافظ ابن كثير: "وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل كتاب بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده، فرحمه الله وأكرمه مثواه"4.

_ 1 قد حققه في مجلدين ابننا الفاضل الدكتور نور الدين العتر، تحقيقا علميا جيدا. 2 تذكرة الحفاظ ج3 ص785، 786. 3 يوجد من هذا الكتاب خمس مجلدات في خزانة المخطوطات بدار الكتب المصرية تحت الرقم "394 حديث" ونسخت عنها نسخة أخرى بتاريخ 1360هـ, وهي تحت الرقم "22032ب" وخطها جيد. 4 اختصار علوم الحديث لابن كثير ص64 ط ثالثة.

9- وقد ذكر الإمام السيوطي في كتابه "تدريب الراوي" أن شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر صنف في ذلك كتابا سماه "الزهر المطلول في الخبر المعلول". قال العلامة المحدث الشيخ أحمد محمد شاكر -رحمه الله- في تعليقاته على "اختصار علوم الحديث": ولم أره، ولو وجد لكان في رأيي جديرا بالنشر، لأن الحافظ ابن حجر دقيق الملاحظة، واسع الاطلاع، ويظن أنه يجمع كل ما تكلم فيه المتقدمون من الأئمة من الأحاديث المعلولة. قال: وتجد الكلام على علل الحديث مفرقا في كتب كثيرة من أهمها: "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للحافظ الزيلعي، و"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير"، و"فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري" وكلاهما للإمام الحافظ الكبير أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني. وفي "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" للشوكاني، و"المحلى" للإمام الحجة أبي محمد علي بن حزم الظاهري، وكتاب "تهذيب سنن أبي داود" للعلامة المحقق ابن قيم الجوزية1.

_ 1 اختصار علوم الحديث ص65 في هامش الكتاب.

علم غريب الحديث

علم غريب الحديث: تعريفه: معنى الغريب في اللغة: يقال: غربت الكلمة غرابة إذا غمضت وخفيت معنى، وغرب الرجل يغرب غربا إذا ذهب وبعد. قال الإمام أبو سليمان الخطابي في شرح معنى الغريب واشتقاقه أن الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم كالغريب من الناس.

وقال: إن الغريب من الكلام يستعمل على وجهين: أحدهما أن يراد أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد، ومعاناة فكر، والوجه الآخر أن يراد به كلام من بعدت به الدار ونأى به المجلس من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم "استعربناها"1 يعني بينا معناها, وفي القاموس: "والإغراب: الإتيان بالغريب والإبعاد في الأرض كالتغريب ... وككرم: غمض وخفي"2. ويراد به في اصطلاح العلماء: ما وقع في متون الأحاديث من ألفاظ غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها أو لكونها من كلام العرب الضاربين في البداوة، البعيدين عن المدن والأمصار. وهو فن مهم من فنون علوم الحديث يقبح جهله بأهل العلم بعامة، وبأهل الحديث بخاصة، وأغلب الذين تكلموا فيه كانوا من أهل اللغة الذين كانوا أئمة فيها، والبعض كانوا من العلماء الجامعين بين العلم باللغة والحديث من أمثال الإمامين الجليلين أبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي، ثم منهم من قصر كلامه على الغريب من الأحاديث المرفوعة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنهم من عم فذكر الغريب في كلام الصحابة والتابعين, رضوان الله على الجميع.

_ 1 مقدمة مصحح "غريب الحديث" لأبي عبيد ص1. 2 القاموس ج1 ص110، 111.

منشأ الغريب في الحديث

منشأ الغريب في الحديث: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفسح العرب لسانا، وأوضحهم بيانا، وأعذبهم نطقا، وأسدهم لفظا، وأبينهم لهجة وأقومهم حجة، وأعرفهم بمواقع الخطاب، وأهداهم إلى طريق الصواب، وأقدرهم على التعرف في فنون القول، تأييدا إلهيا، ولطفا سماويا، وعناية ربانية، ورعاية روحانية1 ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب الإغراب في الكلام، ولا الحوشي2 من الألفاظ ولكنه -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى الناس كافة وصدق الله في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} 3 ولم يبعث إلى قريش وحدها، وإنما بعث إلى العرب كلهم، وكانت لهجاتهم متغايرة فمنها العذب القريب الفهم الذي يحلو على الألسنة ويخف على الأسماع، ومنها الغريب الحوشي الذي لا يفهمه كل الناس، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطرا إلى أن يخاطب كل قوم بما يعرفون وما يفهمون حتى يقع الخطاب موقعه، ويثمر ثمرته، وكان في لسان الأعراب وأهل البوادي الكلام الغريب والحوشي، ولما جاءه وفد من اليمين وسألوه عن الصوم في السفر قال لهم: "ليس من امبر امصيام في امسفر" 4, فأبدل لام "أل" "ميما" كما هي لغتهم. ولذلك كان الصحابة يعجبون من قدرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفائقة على مخاطبة الوفود بما يعرفون، بينما هم لا يقدرون على شيء من ذلك، مع أنهم كان فيهم الذين يرتادون البوادي، ويقابلون الأعراب الأقحاح الذين لم يفارقوا البادية, ولا عجب فهو وحي إلهي، وإلهام رباني وهي خصيصة من خصائصه -صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة بحكم فطرتهم اللغوية وسليقتهم العربية يعرفون الكثرة الكاثرة من كلامه سألوه أو سأله عنه، فيجيبهم. ولما جاوز الرسول الرفيق الأعلى وحمل الصحابة رضوان الله عليهم

_ 1 من مقدمة "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ج1 ص4. 2 في القاموس ج2 ص270: "والحوشي بالضم الغامض من الكلام". 3 سورة سبأ: 28. 4 رواه البخاري ومسلم: البخاري, كتاب الصوم, باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن ظلل عليه، واشتد الحر ... إلخ؛ ومسلم, كتاب الصوم, باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية.

الرسالة من بعده لتبلغها للناس كافة لم يلبث أن دخل الكثيرون في الإسلام من غير العرب من الفرس، والرومان، وغيرهم ممن لا يتكلمون العربية، ولم يمض قرن من الزمان، أو يزيد، على الوفاة النبوية حتى بلغ الإسلام من المحيط إلى المحيط1. فمن ثم دخلت العجمة في اللسان العربي، ووجد جيل من بعد جيل الصحابة والتابعين استعصى عليه فهم ومعرفة معاني الكثير من الألفاظ العربية ومن اللسان العربي الذي نزل به القرآن، وجاءت عليه السنة النبوية المشرفة، حتى ولو كانت غير حوشية. وسرى اللحن في اللغة، والاستعجام لمعانيها إلى الخاصة سواء منهم من لم يكن في الأصل عربيا، ومن كان، ولو استمر الأمر على ذلك فسينشأ جيل يستعصي عليه فهم القرآن الكريم، والسنة النبوية اللذين هما أصل الدين ومنبع الصراط المستقيم، وحينئذ تكون الطامة. فمن ثم رأى الغيارى2 على الدين وأهله من علماء اللغة، ومن علماء الحديث الذين جمعوا إلى حفظ الحديث التعمق في العلم باللغة العربية أن يؤلفوا كتبا يبينون فيها ما هو خفي وغامض من الألفاظ القرآنية والحديثية، وما هو بعيد عن الفهم، فكان هذا العلم الشريف الذي عنيت به الأمة الإسلامية حتى كان من ثمرات هذا العلم هذه الثروة العلمية الكثيرة التي لا يحصيها العد فلله الحمد والمنة.

_ 1 من المحيط الأطلسي غربا إلى المحيط الهندي شرقا. 2 جمع غيور أما جمع الكلمة جمع مذكر سالم فهو غلط.

التثبيت في القول في غريب الحديث

التثبيت في القول في غريب الحديث ... التثبت في القول في غريب الحديث: وقد كان السلف الصالح يثبتون فيه أشد التثبيت، وليس أدل على هذا مما روي عن الإمام الجليل أحمد بن حنبل أنه سئل عن حرف1 منه

_ 1 الحرف: يطلق ويراد به حرف الهجاء، ويطلق ويراد به الكلمة، وهي المرادة بالحرف هنا.

فقال: "سلوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالظن". وعسى أن يكون في هذه القولة مُدَّكر لهؤلاء الذين يتسورون1 على الأحاديث النبوية، ويتكلمون في ألفاظها، ومعانيها بغير علم. حتى علماء اللغة أنفسهم العارفون بها كانوا يتحرجون من القول في ألفاظ الأحاديث، فقد سئل الأصمعي2 -وهو من هو من علماء اللغة الكبار- عن معنى حديث: "الجار أحق بسقبه" 3, فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن العرب تزعم4 أن السقب اللزيق.

_ 1 أي يتهجمون ويأتون البيوت من أسوارها لا من أبوابها. 2 هو الإمام عبد الملك بن قريب -بضم القاف، وفتح الراء، وسكون الباء المثناة، على صيغة المصغر- ابن عبد الملك بن علي، بن أصمع أبو سعيد الباهلي الأصمعي البصري صدوق سيئ، مات سنة ستة عشرة ومائتين روى له مسلم في المقدمة، وأبو داود، والترمذي "تقريب التهذيب ج1 ص521". 3 رواه البخاري في "كتاب الشفعة, باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع. والسقب: بفتح السين، والقاف، وتسكن، آخره باء موحدة، وتبدل السين صادا، هو الجار الملاصق.

المؤلفون في هذا العلم

المؤلفون في هذا العلم: 1- وقد اختلف في أول من صنف في هذا العلم فقيل هو النضر بن شميل -بضم الشين وفتح الميم وسكون الياء، آخره لام على صيغة المصغر- وهو ثقة، ثبت من كبار التاسعة وكانت وفاته سنة أربعة ومائتين، روى له الجماعة كما في التقريب1 وقد قال: إنه أول من صنف في الغريب الحاكم أبو عبد الله النيسابوري2. 2- وقيل: أول من ألف في ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى

_ 1 ج2 ص301. 2 تدريب الراوي ص378.

سنة عشر ومائتين هجرية, ثم النضر بن شميل ثم الأصمعي، قال السيوطي: وكتبها صغيرة قليلة1. والأصمعي توفي سنة ست عشرة ومائتين، ومن أقرانه قطرب محمد بن المستنير المتوفى سنة عشر ومائتين وأبو زيد الأنصاري "م سنة خمس عشرة ومائتين". 3- ثم ألف بعدُ الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه المشهور في غريب الحديث، وذلك في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث, فقد كانت وفاته سنة أربع وعشرين ومائتين، قال النووي والسيوطي: فاستقصى وأجاد، والكتاب قد جمع مادة غزيرة في "غريب الحديث" وليس ذلك بغريب على أبي عبيد القاسم بن سلام فقد كان من الحفاظ الكبار ومن أئمة اللغة الأوائل، فلا عجب أن يأتي هذا الكتاب على هذه الصفة، وقد روي عنه أنه قال: "إني جمعت كتابي هذا في أربعين سنة، وهو كان خلاصة عمري", وقد طبع هذا الكتاب القيم في "الهند" وفي "مصر" وعلى ما ذكره بدأ في تأليفه سنة ست وثمانين ومائتين. ومع ما قال النووي والسيوطي في وصف الكتاب والثناء عليه فقد غفل عن ألفاظ تعقبها عليه من جاء بعده من العلماء. 4- ثم جاء بعده الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين للهجرة فألف كتابه في الغريب، وقد استدرك على أبي عبيد ما فاته في كتابه الجليل، وهو يعتبر ذيلا على كتاب أبي عبيد، وله كتاب "إصلاح الخطأ" ذكر فيه

_ 1 المرجع السابق.

أوهام أبي عبيد الواقعة في كتابه1. 5- ثم جاء الإمام قاسم السرقسطي المالكي المتوفى سنة اثنتين وثلاثمائة فألف كتابه الموسوم "بالدلائل" وهو يعتبر ذيلًا على كتاب ابن قتيبة قال فيه أبو علي القالي: "ما أعلم أنه وضع بالأندلس مثل كتاب الدلائل" ومات ولم يتمه وأتمه أبوه ثابت بن حزم الحافظ2 المتوفى سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة. 6- ثم جاء الإمام حمد -بفتح الحاء المهملة وسكون الميم- بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي3، الخطابي، وهي نسبة إلى جده المذكور، وقيل نسبة إلى زيد بن الخطاب؛ لأنه من ذريته المتوفى سن ثمان وثمانين وثلاثمائة بمدينة بست. فألف كتابه المشهور "غريب الحديث" وقد استدرك في كتابه هذا ما فات أبا عبيد وما فات ابن قتيبة وهذه الكتب تعتبر أمهات كتب غريب الحديث4. 7- ومن الكتب النافعة المفيدة "كتاب الغريبين" غريب القرآن، وغريب الحديث، وهما في مجلد ضخم لأبي عبيد أحمد بن محمد بن محمد بن أبي عبيد العبدي المؤدب الهروي نسبة إلى هراة إحدى مدن خراسان الكبار الفاشاني نسبة إلى فاشان قرية من قرى هراة المتوفى سنة إحدى وأربعمائة. قال صاحب "الرسالة المستطرفة"5: "وما ذكرناه في نسبه هو المنقول كما في ابن خلكان ووجد على ظهر كتابه الغريبين أنه أحمد بن محمد بن عبد الرحمن والله سبحانه وتعالى أعلم", وهو

_ 1 و2 و3 و4 تدريب الراوي ص379، الصلب والحاشية، وانظر مقدمة النهاية لابن الأثير ج1 ص5-9. 5 ص117 ط الأولى.

أحد الكتابين اللذين اعتمد عليهما الإمام ابن الأثير في كتابه الجامع "النهاية". 8- كتاب "المغيث في غريب الحديث" في مجلد لأبي موسى المديني، كمل به الغريبين، واستدرك عليه وهو كتاب نافع1 قال الإمام الذهبي في "التذكرة" ومن تصانيفه كتاب "معرفة الصحابة" الذي استدرك به على أبي نعيم الحافظ، وكتاب "الطوالات" جودها ولم يسبق إلى مثلها مع كثرة ما فيها من الواهي والموضوع، وكتاب "تتمة الغريبين" يدل على براعته في لسان العرب. وكانت وفاته سنة إحدى وثمانين وخمسمائة في جمادى الأولى2, وهو ثاني الكتابين اللذين اعتمد عليهما ابن الأثير. 9- كتاب "جمع الغرائب" لعبد الغافر بن إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد. قال فيه الإمام الذهبي: الحافظ المفيد الإمام أبو الحسن الفارسي ثم النيسابوري مصنف "تاريخ نيسابور", وكتاب "جمع الغرائب" و"المفهم لشرح غريب مسلم" كان من أعيان المحدثين بصيرا باللغات، فصيحا، بليغا، عذب العبارة، ولد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ... وأجاز له من بغداد أبو محمد الجوهري، وسمع من جده لأمه الأستاذ أبي القاسم القشيري، وأحمد بن منصور المغربي، وأحمد بن عبد الرحمن الإسماعيلي، وأبي حامد أحمد بن الحسن الأزهري ... وجدته فاطمة بنت الدقاق, وخلق كثير تفقه بإمام الحرمين, لزمه مدة أربع سنين، وحدث عنه أبو سعيد عبد الله بن عمر الصفار وطائفة، وروى عنه أبو

_ 1 المرجع السابق، وانظر تدريب الراوي هامش ص378. 2 تذكرة الحفاظ ج4 ص1335.

القاسم بن عساكر بالإجازة، مات سنة تسع وعشرين وخمسمائة1. أقول: وأما المفهم بشرح صحيح مسلم فهو للقرطبي شارح الصحيح. "ملاحظة لي على كل من ألفوا في الغريب": ومن الملاحظات الجديرة بالاهتمام أنهم أهملوا تخريج الأحاديث التي تعرضوا لبيان غريبها أي عزوها إلى من خرجها من الأئمة، وبيان صحيحها من حسنها من ضعيفها, وفي كتب الغريب أحاديث كثيرة لا تثبت، وعسى أن يوفق الله بعض أهل العلم بالحديث للقيام بهذا الغرض الكفائي بالنسبة لكتاب "النهاية في غريب الأثر" لأنه أوفى وأشمل كتاب في هذا الباب ولو أن المحققين الفاضلين للنهاية استعانا بمن يخرج الأحاديث ويبين درجتها من علماء الحديث لجاء تحقيقهما غاية ما يرام. 10- ثم جاء الإمام الأديب اللغوي المفسر جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة فألف كتابه "الفائق في غريب الحديث", وهو فائق في مادته فقد جاء شاملا لما يوجد في كتب من سبقه من المؤلفين في الغريب, وهو من الكتب القيمة التي وافق اسمها مسماها. 11- ومن أشمل كتب الغريب وأجمعها وأشهرها كتاب "النهاية" في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري الشيباني الموصلي الشافعي المتوفى سنة ست وستمائة، ولما كان مؤلفه متأخرا عن كل أولئك الذين ذكرناهم ممن ألفوا في الغريب فقد جاء كتابه أوفى كتاب وأشمله في بابه، وقد يسر الاطلاع على ما فيه للباحثين بترتيبه

_ 1 تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي ج4 ص1275, وما بعدها.

على حروف المعجم وقد حظيت هذه الكتب السابقة بالقبول عند أهل العلم بالحديث وغيرهم، قال الإمامان النووي والسيوطي في "التقريب" وشرحه "التدريب" بعد ذكر أمهات كتب الغريب: "ثم ألفت بعدها كتب كثيرة فيها زوائد وفوائد كثيرة، ولا يقلد منها إلا ما كان مصنفوها أئمة أجلة كمجمع الغرائب لعبد الغافر الفارسي، وغريب الحديث لقاسم السرقسطي، والفائق للزمخشري، والغريبين للهروي، وذيله للحافظ أبي موسى المديني، ثم النهاية لابن الأثير، وهي أحسن كتب الغريب وأجمعها، وأشهرها الآن، وأكثر تداولا1، وقد فاته الكثير فذيل عليه الصفي الأرموي بذيل لم نقف عليه، وقد شرعت في تلخيصها تلخيصا حسنا مع زيادات جمة والله أسأل الإعانة على إتمامها"2. وهنالك كتب أخرى: ذكرها العلامة السيد محمد بن جعفر الكتابي في كتابه النافع المفيد "الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة"3، وذكرها المحققان الفاضلان "للنهاية" في مقدمة التحقيق وهي أوفى ما كتب في هذا الموضوع. قال الإمام السيوطي في "التدريب" شرح التقريب: وأجود تفسيره ما جاء مفسرا به في رواية كحديث الصحيحين في قوله -صلى الله عليه وسلم- لابن صائد المدجل المشعوذ الذي كان يزعم أنه يوحى إليه: "خبأت لك خبيئا فما هو؟ " قال: الدخ. فالدخ هاهنا الدخان، وهو لغة قليلة فيه حكاه الجوهري وغيره، لما روى أبو داود، والترمذي من رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في هذا الحديث, أن

_ 1 تقريب النواوي بشرح تدريب الراوي ص379. 2 وقد وفى بما وعد وقد سمى تلخيصه "الدر النثير" وقد طبع على هامش النهاية. 3 انظر ص118 ط الأولى.

النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "إني خبأت له خبأ"، وخبأ له: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} . قال المديني: والسر في كونه خبأ له الدخان أن عيسى -صلى الله عليه وسلم- يقتله -أي الدجال- بحبل الدخان، فهذا هو الصواب في تفسير الدخ هنا, وقد فسره غير واحد فأخطئوا فقيل: الجماع وهو غلط فاحش، وقيل نبت موجود بين النخيل وهو غير مرضي1.

_ 1 التقريب بشرحه التدريب ص379، 380.

علم مختلف الحديث ومشكله

علم مختلف الحديث ومشكله مختلف الحديث في اللغة ... "علم مختلف الحديث ومشكله": هذا العلم من علوم الحديث المهمة، وقد أحسن العلماء المتقدمون حينما تكلموا فيه وبينوا حكمه، وذلك لأن أعداء الإسلام من الزنادقة، وأضرابهم كالنظام المعتزلي قد عولوا في طعنهم في الأحاديث والسنن على ما يبدوا بادئ الرأي من تعارض: تناقض أو تضاد بين ظواهر بعض الأحاديث، ويبدو هذا المعنى جليا فيما جاء في كتاب الإمام أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين وكذلك المستشرقين بنواجل طعنهم في الأحاديث على ما يبدو بين ظواهر بعض الأحاديث من تخالف، وقد أخذوا كلام الزنادقة والنظام المعتزلي وأمثاله وما زالوا يزيدون فيه، ويبدون، ويعيدون حتى صيروا من الحبة قبة وهذا العلم لا ينهض للكلام فيه إلا الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون الغواصون على المعاني الدقيقة. ونرى لزاما علينا أن نبين المراد بمختلف الحديث. مختلف الحديث في اللغة: مختلف مأخوذ من الاختلاف ضد الاتفاق ففي القاموس المحيط:

"واختلف ضد اتفق"1, ويقال: تخالف القوم واختلفوا إذا ذهب كل واحد منهم إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر. وفي لسان العرب لابن منظور المصري: "ويقال تخالف الأمران واختلفا إذا لم يتفقا، وكل ما لم يتساو فقد تخالف واختلف"2. وقد اختلف العلماء المحدثون في ضبط كلمة مختلف فمنهم -وهم الأكثرون- على أنه بضم الميم وكسر اللام, فهو اسم فاعل من اختلف والإضافة بمعنى من أي المختلف من الحديث ومنهم من ضبطه بضم الميم وفتح الميم على أنه مصدر ميمي بمعنى الاختلاف والإضافة على هذا بمعنى "في" بمعنى الاختلاف في الحديث.

_ 1 القاموس ج3 ص138. 2 لسان العرب 9/ 91.

مختلف الحديث في الاصطلاح

مختلف الحديث في الاصطلاح: أما على أنه اسم فاعل من اختلف فيعرف بما يأتي: أن يوجد حديثان أو أكثر متضادان في المعنى ظاهرا فيوفق بينهما أو يعتبر أحدهما ناسخا للآخر أو يرجح أحدهما على الآخر. وإنما قلنا في التعريف ظاهرا؛ لأنه لا يوجد في الحقيقة ونفس الأمر حديثان صحيحان متضادان أو متناقضان؛ لأنه يستحيل أن يقع تضاد أو تعارض في كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك باعتبار أنه نبي يوحى إليه، وقد نقل عن إمام الأئمة أبي بكر ابن خزيمة أنه قال: "ليس ثم حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئا من ذلك فليأتني لأؤلف له بينهما"1, ومراده -رحمه الله- نفي التعارض الحقيقي. قال الإمام الأصولي البارع أبو بكر الباقلاني2: "وكل خبرين علم أن

_ 1 اختصار علوم الحديث ص175, تدريب الراوي ص387. 2 الإمام محمد بن الطيب المعروف بالباقلاني رأس المتكلمين على مذهب الشافعي, وهو من أكثر الناس علما بالكلام، والتأليف فيه، وكان من المدافعين عن دين الله, وعن الحديث وأهله, ولما قابله الإمام الدارقطني ببغداد قبل وجهه وعينيه تكريما له وكانت وفاته سنة ثلاث وأربعمائة.

النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلم بهما, فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين" ويقول أيضا: "متى علم أن قولين ظاهرهما التعارض، ونفي أحدهما لموجب الآخر أنه يحمل النفي والإثبات على أنهما في زمانين، أو فريقين، أو على شخصين أو على صفتين مختلفتين، وهذا ما لا بد منه مع العلم بإحالة مناقضته -صلى الله عليه وسلم- في شيء من تقرير الشرع والبلاغ"1. وأما على المعنى الثاني: فيعرف: بالتعارض والاختلاف الواقع بين حديثين أو أكثر في الظاهر.

_ 1 الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص606-607.

مشكل الحديث

"مشكل الحديث": وقد يطلق عليه بعض المحدثين المشكل, وذلك كما فعل الإمام الطحاوي المصري الحنفي في تسمية كتابه "مشكل الآثار", وكما فعل الإمام أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك في تسميته كتابه "مشكل الحديث". الفرق بين "مختلف الحديث" و"مشكل الحديث": والحق أن بين المختلف والمشكل فرقا في الاصطلاح. فمختلف الحديث يكون بوجود تعارض: تضاد أو تناقض بين حديثين أو أكثر كما بينت آنفا. وأما مشكل الحديث فهو أعم من ذلك فقد يكون سببه وجود تعارض بين حديثين أو أكثر، وقد يكون سببه كون الحديث مشكلا في معناه لمخالفته في الظاهر للقرآن مثلا أو لاستحالة معناه أو لمخالفته لحقيقة من الحقائق المتعلقة بالأمور الكونية التي كشفت عنها العلوم

والمعارف الحديثة كعلم الفلك، أو الطب، أو علم سنن الله الكونية, وهو ما يسمى في لسان الناس: علم الطبيعة. وذلك كحديث سجود الشمس بعد الغروب تحت العرش، وحديث الذباب وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، وحديث: "من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يصبه سم ولا سحر" , وحديث: "الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء" , وحديث: فقء موسى عين ملك الموت لما جاء إليه ليقبض روحه, وحديث: "تحاج الجنة والنار", وحديث: "تحاج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام" إلى غير ذلك من الأحاديث التي ظاهرها مشكل والتي اتخذ منها أعداء الإسلام، وأعداء الأحاديث والسنن من المستشرقين وأبواقهم وسيلة للطعن في الأحاديث النبوية الصحيحة بغير وجه حق1. وعلى هذا يكون "مشكل الحديث" بالنسبة إلى "مختلف الحديث" أعم منه فكل مختلف يعتبر مشكلا، وليس كل مشكل يعتبر من قبيل "مختلف الحديث" فبينهما عموم وخصوص مطلق. شرط لا بد منه في "المختلف" و"المشكل". وهو أنه لا يعتبر الحديث من قبيل المختلف ولا من قبيل "المشكل" إلا إذا كان صحيحا أو حسنا يعني مقبولا يحتج به, أما إذا كان ضعيفا أو موضوعا فلا, ففي "مختلف الحديث" يكون المعول عليه هو الصحيح أو الحسن بقسميه أما الضعيف والواهي والساقط والموضوع فلا يلتفت إلى شيء منها, وكذلك الحديث لا يعتبر مشكلا إلا إذا كان صحيحا أو حسنا بقسميه, أما إذا كان ضعيفا ضعفا شديدا أو ساقطا أو موضوعا، أو متروكا فلا يشتغل به، وقد وضعت أحاديث كثيرة منها ما

_ 1 هذه الأحاديث وغيرها قد أجبت عنها بما لا يدع مجالا للشك في صحتها في كتابي "دفاع عن السنة" من منذ بضعة عشر عاما، فليرجع إليه من يشاء إن عثر عليه.

هو مخالف للعقل مخالفة صريحة، ومنها ما هو مخالف للشرع، ومنها ما هو مخالف للحقائق الكونية والعلمية بقصد إظهار أهل الحديث بمظهر من يروون المستحيل، ومن يروون الأخبار التافهة والساقطة، وما تقوم التجربة والملاحظة على بطلانه إلى نحو ذلك.

أقسام مختلف الحديث

"أقسام مختلف الحديث": والمختلف قسمان: أحدهما: يمكن الجمع بينهما أو بينها بوجه صحيح فيتعين الجمع ولا يصار إلى التعارض ولا النسخ، ويجب العمل بهما أو بها. ومن أمثلة ذلك في أحاديث الأحكام: حديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" 1, وحديث: "خلق الله الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه" 2. فإن الأول ظاهره طهارة القلتين تغير أم لا، والثاني: ظاهره طهارة غير المتغير سواء أكان قلتين أم قل، فخص عموم كل منهما بالآخر3. ومن أمثلة ذلك في غير الأحكام: حديث: "لا يوردن ممرض على مصح" , رواه البخاري ومسلم4, وحديث: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" , رواه البخاري5 مع حديث: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر" , رواه الشيخان6. وهي أحاديث صحيحة، بعضها يثبت العدوى وبعضها ينفيها.

_ 1 رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والدارقطني وابن حبان عن ابن عمر. 2 رواه ابن ماجه بنحو هذا اللفظ وفي إسناده رشدين وهو ضعيف. 3 التقريب بشرحه التدريب 378، 388. 4 البخاري, كتاب الطب, باب لا هامة؛ ومسلم, أبواب الطب, باب لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ولا نوء, ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح. 5 كتاب الطب, باب الجذام. 6 رواه البخاري, كتاب الطب, باب لا هامة؛ ومسلم المرجع السابق.

وقد سلك العلماء في التوفيق بين هذه الأحاديث مسالك1. أحدها: أن هذا الحديث: "لا عدوى ... " , جاء ردا لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن الأمراض مؤثرة بنفسها، فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ولا بذاتها، لكن الله تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه، وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب, وهذا المسلك هو الذي سلكه الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" وقد تبعه على هذا التوفيق غيره، وقد سبقه إليه الإمام البيهقي2. وهذا المسلك هو أحسن المسالك وأولاها؛ لأنه لا ينفي العدوي أصالة، ولكنه ينفي أن تكون مؤثرة بذاتها، وهذا لا يتنافى هو وما وصل إليه الطب الحديث من كون العدوى أصبحت أمرا مسلما، وفي الوقت ذاته فيه تصحيح للعقيدة، وهو أن تأثير العدوى إنما هو بإرادة الله تبارك وتعالى، وإذا لم يرد الله تبارك وتعالى ذلك لم تحصل العدوى مع وجود الاختلاط بالمريض مرضا معديا وليس أدل على أن التأثير متوقف على إرادة الله تعالى من أن بعض الناس يختلطون بأهليهم المرضى اختلاطا يكاد يكون تاما ومع ذلك لا يتعدى إليهم المرض. ثانيها: أن نفي العدوى باق على عمومه، والأمر بالفرار من باب سد الذرائع لئلا يتفق للذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية, فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى، فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسما للمادة، وهذا هو الذي اختاره الحافظ ابن حجر في شرح النخبة، ولذلك قال السيوطي3:

_ 1 العدوى: هي انتقال المرض من المريض إلى غيره. 2 فتح الباري ج10 ص161 ط السلفية. 3 تدريب الراوي ص388.

"وهذا المسلك هو الذي اختاره شيخ الإسلام" يعني بذلك الحافظ ابن حجر. ثالثها: أن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى فيكون معنى قوله: "لا عدوى ... " , أي إلا من الجذام ونحوه، فكأنه قال: لا يعدي شيء شيئًا إلا فيما تقدم تبيين له أنه يعدي، قاله ناصر السنة وقامع البدعة القاضي أبو بكر الباقلاني. رابعها: أن الأمر بالفرار رعاية لخاطر المجذوم؛ لأنه إذا رأى الصحيح تعظم مصيبته، وتزداد حسرته، ويؤيده حديث: "لا تديموا النظر إلى المجذومين"1, قال السيوطي في "التدريب" وفيه مسالك أخرى. أقول: وقد تكفل ببيان كل ما قيل في هذه المسالك الإمام الحافظ ابن حجر في "الفتح"2, فقد أفاض في ذلك بما لا مزيد عليه فليرجع إليه من شاء. الثاني من القسمين: أنه لا يمكن الجمع بين الحديثين ولا الأحاديث وهذا يدخل تحته نوعان: الأول: أن يعرف المتقدم من المتأخر, فإن كان كذلك كان المتأخر ناسخًا للمتقدم, وقد ذكرت بعض أمثلته في علم الناسخ والمنسوخ. الثاني: أن لا يعلم المتقدم من المتأخر فحينئذ نسلك مسلك الترجيح فنأخذ بالراجح وندع المرجوح. والترجيح يكون بصفات الرواة أي كون رواة أحدهما أتقن وأحفظ ونحو ذلك مما سيذكر، وكثرتهم في أحد الحديثين دون الآخر.

_ 1 قال الحافظ في "الفتح": وقد أخرجه ابن ماجه وسنده ضعيف. 2 فتح الباري ج10 من ص159-162.

وجوه الترجيح: وقد ذكر صاحب كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" من وجوه الترجيحات خمسين وجها ووصل بها غيره إلى أكثر من مائة، كما استوفى ذلك العراقي في كتابه "التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من علوم ابن الصلاح" وقد يعبر بعض العلماء عنه "بالنكت على ابن الصلاح". "صنيع السيوطي" وقد بينها الإمام السيوطي في "تدريب الراوي" بيانا حسنا، وأرجعها إلى سبعة أقسام كل قسم يضم وجوها من الترجيحات. القسم الأول: الترجيح بحال الراوي وذلك بوجوه: أحدها: كثرة الرواة كما ذكره المصنف -يريد صاحب التقريب- وهو الإمام النووي، لأن احتمال الكذب والوهم على الأكثر أبعد من احتماله على الأقل. ثانيها: قلة الوسائط: أي علو الإسناد حيث الرجال ثقات؛ لأن احتمال الكذب والوهم فيه أقل. ثالثها: فقه الراوي سواء أكان الحديث مرويا بالمعنى أو اللفظ؛ لأن الفقيه إذا سمع ما يمتنع حمله على ظاهره عنه حتى يطلع على ما يزول به الإشكال بخلاف العامي. رابعها: علمه بالنحو، لأن العالم به يتمكن من التحفظ عن مواقع الزلل، ما لا يتمكن منه غيره. خامسها: علمه باللغة أقول: لأن العالم باللغة عالم بمواقع الخطاب والأساليب من غيره. سادسها: حفظه، بخلاف من يعتمد على كتابه.

سابعها: أفضليته في أحد الثلاثة بأن يكونا فقيهين، أو نحويين، أو حافظين وأحدهما في ذلك أفضل من الآخر. ثامنها: زيادة ضبطه، أي اعتنائه بالحديث واهتمامه به. تاسعها: شهرته؛ لأن الشهرة تمنع الإنسان من الكذب كما تمنعه من ذلك التقوى. عاشرها إلى العشرين: 10- كونه ورعا. 11- أو حسن الاعتقاد أي غير مبتدع. 12- وجليسا لأهل الحديث. 13- وغيرهم من العلماء. 14- أو أكثر مجالسة لهم. 15- أو ذكرا. 16- أو حرا. 17- أو مشهور النسب. 18- أو لا لبس في اسمه بحيث يشاركه فيه ضعيف، وصعب التمييز بينهما. 19- أو له اسم واحد وكذلك أكثر ولم يختلط. 20- أو له كتاب يرجع إليه. حادي عشريها: أن تثبت عدالته بالإخبار بخلاف من تثبت بالتزكية أو العمل بروايته أو الروية عنها إن قلنا بهما. ثاني عشريها إلى سابع عشريها: 22- أن يعمل بخبره من زكاه، ومعارضه لم يعمل به من زكاه. 23- أو يتفق على عدالته. 24- أو يذكر سبب تعديله. 25- أو يكثر مزكوه. 26- أو يكونوا علماء. 27- أو كثيري الفحص عن أحوال الناس. ثامن عشريها: أن يكون صاحب القصة كتقديم خبر أم مسلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أصبح جنبا -يعني في رمضان- على خبر الفضل بن العباس في منعه؛ لأنها أعلم منه به. تاسع عشريها: أن يباشر ما رواه. الثلاثون: تأخر إسلامه، وقيل عكسه لقوة أصالة المتقدم ومعرفته، وقيل: إن تأخر موته إلى إسلام المتأخر لم يرجح بالتأخير لاحتمال تأخر

روايته عنه، وإن تقدم أو علم أن أكثر رواياته متقدمة على رواية المتأخر رجح. الحادي والثلاثون إلى الأربعين: 31- كونه أحسن سياقا واستقصاء لحديثه، أو أقرب مكانا، أو أكثر ملازمة لشيخه. 32- أو سمع من مشايخ بلده. 33- أو مشافها مشاهدا لشيخه حال الأخذ. 34- أو لا يجيز الرواية بالمعنى. 35- أو الصحابي من أكابرهم. 36- أو علي رضي الله عنه وهو في الأقضية. 37- أو معاذ، وهو في الحلال والحرام. 38- أو زيد بن ثابت وهو في الفرائض. 39- أو الإسناد حجازي. 40- أو رواته من بلد لا يرضون التدليس. القسم الثاني: الترجيح بالتحمل وذلك بوجوه. أحدها: الوقت فيرجح منهم من لم يتحمل بحديث إلا بعد البلوغ على من كان بعض تحمله قبله، أو بعضه بعده لاحتمال أن يكون هذا مما قبله والمتحمل بعده أقوى لتأهله بالضبط. ثانيها وثالثها: أن يتحمل بحدثنا، والأخر عرضا، أو عرضا والآخر كتابة أو مناولة أو وجادة أقول وذلك على أن أعلى أنواع التحمل السماع ثم العرض ثم ما بعده. القسم الثالث: الترجيح بكيفية الرواية وذلك بوجوه. أحدها: تقديم المحكي بلفظه على المحكي بمعناه والمشكوك فيه على ما عرف أنه مروي بالمعنى. ثانيها: ما ذكر فيه سبب وروده على ما لم يذكر لدلالته على اهتمام الراوي حيث عرف سببه. ثالثها: أن لا ينكره راويه ولا يتردد فيه. رابعها إلى عاشرها: 4- أن تكون ألفاظه على الاتصال كحدثنا

وسمعت. 5- أو اتفق على رفعه. 6- أو وصله. 7- أو لم يختلف في إسناده. 8- أو لم يضطرب لفظه. 9- أو روى بالإسناد وعزى ذلك لكتاب معروف. 10- أو عزيز والآخر مشهور. القسم الرابع: الترجيح بوقت الورود وذلك بوجوه. أحدها وثانيها: بتقديم المدني على المكي والدال على علو شأن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على الدال على الضعف، كبدأ الإسلام غريبا1، ثم شهرته فيكون الدال على العلو متأخرا. ثالثها: ترجيح المتضمن للتخفيف، لدلالته على التأخر؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يغلط في أول أمره زجرا عن عادات الجاهلية، ثم مال للتخفيف، كذلك قال صاحب الحاصل2، والمنهاج3، ورجح الآمدي4، وابن الحاجب5, وغيرهما عكسه, وهو تقديم المتضمن للتغليظ؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- جاء أولا بالإسلام فقط6 ثم شرعت العبادات شيئا فشيئا. رابعها: ترجيح ما تحمل بعد الإسلام على ما تحمله قبله أوشك؛ لأنه أظهر تأخرا. خامسها وسادسها: ترجيح غير المؤرخ بتاريخ متقدم، قال الرازي: والترجيح بهذه الستة أي إفادتها للرجحان غير قوية. القسم الخامس: الترجيح بلفظ الخبر، وذلك بوجوه:

_ 1 حديث: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء" , رواه مسلم في صحيحه. 2 الحاصل: كتاب في أصول الفقه على المذهب الشافعي للعالم تاج الدين الأرموي. 3 هو المنهاج في علم الأصول للبيضاوي القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد "المتوفى سنة 685". 4 الآمدي صاحب كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" وهو الإمام المتكلم الأصولي البارع علي بن أبي علي "م سنة 631". 5 هو العالم الحافظ المفيد عز الدين عمر بن محمد، له مؤلفات منها: "مختصرا ابن الحاجب" في علم الأصول "م سنة 630". 6 لعل مراده بالإسلام النطق بالشهادتين, والإقرار بالتوحيد.

أحدها إلى الخامس والثلاثين: 1- ترجيح الخاص على العام. 2- والعام الذي لم يخصص على المخصص لضعف دلالته بعد التخصيص على باقي أفراده. 3- والمطلق على ما ورد على سبب. 4- والحقيقة على المجاز. 5- والمجاز المشبه للحقيقة على غيره. 6- والشرعية على غيرها1. 7- والعرفية على اللغوية. 8- والمستغني -أي عن الإضمار- على الإضمار. 9- وما يقل فيه اللبس. 10- وما اتفق على وضعه لمسماه. 11- والمومئ للعلة يعني على غير المومئ. 12- والمنطوق يعني على المفهوم. 13- ومفهوم الموافقة على المخالفة -أي مفهوم المخالفة. 14- والمنصوص على حكمه مع تشبيهه بمحل آخر. 15- والمستفاد عمومه من الشرط والجزاء على النكرة المنفية. 16- أو من الجمع المعرف على من، وما. 17- أو من الكل وذلك من الجنس المعرف. 18- وما خطابه تكليفي على الوضعي. 19- وما حكمه معقول المعنى. 20- وما قدم فيه ذكر العلة. 21- أو دل الاشتقاق على حكمه. 22- والمقارن للتهديد. 23- وما تهديده أشد. 24- والمؤكد بالتكرار. 25- والفصيح. 26- وما بلغة قريش. 27- وما دل على المعنى المراد بوجهين أو أكثر. 28- وبغير واسطة. 29- وما ذكر معه معارضه, كـ: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" 2. 30- والنص يعني على غير النص. 31- والقول يعني على الفعل. 32- وقول قارنه الفعل. 33- أو تفسير الراوي. 34- وما قرن حكمه بصفة على ما قرن باسم. 35- وما فيه زيادة. القسم السادس: الترجيح بالحكم، وذلك بوجوه.

_ 1 أي الحقيقة الشرعية على غيرها من الحقيقة اللغوية والحقيقة العرفية. 2 رواه مسلم في صحيحه.

أحدها: تقديم الناقل عن البراءة الأصلية على المقرر لها وقيل عكسه. ثانيها: تقديم الدال على التحريم على الدال على الإباحة والوجوب. ثالثها: تقديم الأحوط. رابعها: تقديم الدال على نفي الحد. القسم السابع: الترجيح بأمر خارجي: 1- كتقديم ما وافقه ظاهر القرآن. 2- أو سنة أخرى. 3- أو ما قبل الشرع. 4- أو القياس. 5- أو عمل الأمة. 6- أو الخلفاء الراشدون. 7- أو معه مرسل آخر. 8- أو منقطع. 9- أو لم يشعر بنوع قدح في الصحابة. 10- أو له نظير متفق على حكمه. 11- أو اتفق على إخراجه الشيخان. قال الإمام السيوطي: فهذه أكثر من مائة مرجح1، وثم مرجحات أخر لا تنحصر، ومثارها غلبة الظن. وقد حرصت على ذكر ما ذكره السيوطي حتى تتبين الدقة، وبعد النظر، وسعة العلم الذي ابتكره الأصوليون والفقهاء والمحدثون في باب وجوه الترجيحات في الأدلة التي تستنبط منها الأحكام، وليكون هذا الكتاب وافيا بحاجات المتخصصين في الحديث والفقه والأصول من طلاب العلم وذلك للتيسير عليهم، وتقريب وسائل العلم إليهم بدل كثرة الإحالات فقد ضعفت العزائم، وتقاصرت الهمم عن تحمل المشاق في سبيل العلم.

_ 1 هي على العد الذي ذكره هكذا: 40+3+10+6+35+4+11= 109.

"إن لم يكن الترجيح فالتوقف": قال الإمام الحافظ ابن حجر في "النخبة وشرحها" مع التوضيح: "فإن أمكن الترجيح تعين المصير إليه، وإن لم يمكن الترجيح فلم يتعين المصير إليه. بل يتوقف الحكم لا له ولا عليه، فصار ما ظاهره التعارض واقعا على هذا الترتيب: 1- الجمع إن أمكن. 2- فاعتبار الناسخ والمنسوخ. 3- فالترجيح إن تعين. 4- ثم التوقف عن العمل بأحد الحديثين حتى يظهر حكمه ويتبين أمره، والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط وذلك على ما اشتهر على الألسنة من أن الدليلين إذا تعارضا تساقطا أي تساقط حكمهما؛ لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة إلى المعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه والله أعلم1. وصدق الله حيث قال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 2, وأيضا فإن التعبير بالتساقط عن الأدلة الشرعية غير لائق.

_ 1 انظر النخبة بشرحه للإمام الحافظ ابن حجر, وحاشية العلامة الإمام علي القاري عليها ص104، 105. 2 سورة يوسف، الآية 76.

أشهر الكتب المؤلفة في مختلف الحديث ومشكله

"أشهر الكتب المؤلفة في مختلف الحديث ومشكله": وقد ألف العلماء المحدثون وغيرهم في علم مختلف الحديث كتبا قيمة، كما يوجد الكثير من مسائل هذا العلم وقضاياه في كتب شروح الحديث وذلك كشرح الإمام النووي لصحيح مسلم، وشرح الكرماني على صحيح البخاري, وشرح الإمام الحافظ الكبير أحمد بن علي بن حجر لصحيح البخاري في الكتاب الجليل "فتح الباري بشرح صحيح البخاري", وشرح الإمام العلامة الشيخ العيني لصحيح البخاري في كتابه القيم: "عمدة القاري", فقد ضمنوا شروحهم الكثير من المباحث التي تتعلق

بالأحاديث التي خالف ظاهرها بعضها بعضا، وما ذكروا في شروحهم يربي على ما ذكره العلماء المحدثون في كتب "علوم الحديث" و"أصوله" و"مصطلحه", ومن أشهر هذه الكتب: 1- أول كتاب ألف في هذا الفن هو الكتاب الذي ألفه الإمام الكبير الشافعي رحمه الله تعالى الجامع بين علم التفسير والفقه والأصول وغيرهما من العلوم والمتوفى سنة أربع ومائتين, وهو الموسوم بـ"اختلاف الحديث". ولم يقصد الإمام الشافعي استيفاء مسائل هذا العلم وقضاياه، وهذا هو الشأن في كل مبتدئ علما لم يسبق إليه، وإنما قصد أن يذكر جملة من مسائله ينبه بها على طريقه، وليكون نبراسا يسير على ضوئه من يجيء بعده من العلماء. ولست مع السيوطي في زعمه أن الشافعي لم يقصد إفراده بالتأليف, وإنما تكلم عليه في ضمن كتابه الأم1, وسأدع العالم بالحديث الشيخ أحمد شاكر يرد عليه في تعليقاته الجيدة على كتاب "اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير المتوفى سنة أربع وسبعين وسبعمائة. قال رحمه الله وأثابه على خدمة الحديث: "ولكن هذا غير جيد فإن الشافعي كتب في الأمر كثيرا من أبحاث اختلاف الحديث، وألف فيه كتابا خاصا بهذا الاسم، وهو مطبوع بهامش الجزء السابع من الأم وذكره محمد بن إسحاق بن النديم في كتاب "الفهرست" ضمن مؤلفات الشافعي ص295، وابن النديم من أقدم المؤرخين الذين ذكروا العلوم والمؤلفين, فإنه ألف كتاب "الفهرست" حول سنة 377، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في ترجمة الشافعي التي سماها "توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس" ضمن مؤلفاته التي سردها نقلا عن البيهقي ص78, والبيهقي -رحمه الله-

_ 1 التدريب ص387 بتعليق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف رحمه الله وأثابه ط الأولى.

من أعلم الناس بالشافعي وكتبه، وذكره ابن حجر في شرح النخبة"1. أقول: ولا أدري كيف خفي هذا على الإمام السيوطي, وهو الطلعة الباقعة، ولعله وقع على نسخة مخطوطة من كتاب "اختلاف الحديث" عقب كتاب "الأم", فظن أنه منه أو كان هذا منه على سبيل السهو أو سبق القلم، والله أعلم والعصمة لله تبارك وتعالى ولرسله عليهم الصلاة والسلام. 2- كتاب الإمام العالم الأديب أبي محمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين "276" وأسمى كتابه "تأويل مختلف الحديث" فأتى فيه بأشياء حسنة وأشياء غير حسنة قصر باعه فيه, وعذره أنه لم يكن من أهل الحديث المتمرسين فيه، ولم يكن قصده الاستيعاب, ولكن بحسبه فضلا أنه يعتبر أول من رد على النظام وأمثاله من الطاعنين في الحديث وأهله في وقت لم يقم فيه بهذا الفرض الكفائي غيره من المحدثين. ولم يأت هذا الكتاب قاصرا على "مختلف الحديث" بمعناه الفني الدقيق, ولكن جاء مشتملا عليه وعلى غيره من المشكل، فقد عرض للرد عليهم في حديث الذباب2, وفي حديث: "أن موسى لطم عين ملك الموت فأعوره"3, وفي حديث: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سحر وجعل سحره في بئر ذي أروان4، وأن عليا كرم الله وجهه استخرجه، وكلما حل منه عقدة وجد النبي -صلى الله عليه وسلم- خفة، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنما أنشط من عقال"5 وغير ذلك، وهذه الأحاديث أحق أن تكون من "مشكل الحديث" وقد طبع

_ 1 اختصار علوم الحديث لابن كثير بتعليق الشيخ شاكر ص174 ط ثالثة. 2 تأويل مختلف الحديث ص228. 3 المرجع السابق ص270. 4 ويقال: بئر ذروان -بفتح الذال وسكون الراء- وهي بئر لبني زريق بالمدينة. "النهاية". 5 ص177.

هذا الكتاب مرارًا. 3- ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا الكتاب، "مشكل الآثار" للإمام الحافظ الفقيه أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة، الطحاوي المصري والذي انتهت إليه رئاسة الحنفية في مصر في عصره المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وهو يعتبر من أحفل الكتب وأجمعها وأنفعها في هذا الباب, ولم يقتصر فيه على مختلف الحديث بمعناه الفني الدقيق, بل جمع فيه إلى ذلك الأحاديث المشكلة التي هي أعم من المتعارضة, وقد طبع هذا الكتاب بالهند سنة 1333هـ, فوقع في أربع مجلدات. 4- ومن الكتب المفيدة في هذا كتاب "مشكل الحديث وبيانه" للإمام الأصولي المتكلم أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك1 الأنصاري الأصبهاني المتوفى سنة ست وأربعمائة "406هـ", ويفصح عن مراده بمشكل الحديث ما ذكره في مقدمة كتابه. قال -رحمه الله وأثابه: "أما بعد فقد وفقت -أسعدكم الله- إلى إملاء كتاب نذكر فيه ما اشتهر من الأحاديث المروية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما يوهم ظاهره التشبيه مما يتسلق به الملحدون على الطعن في الدين، وخصوا بتقبيح ذلك الطائفة التي هي الظاهرة بالحق لسانًا وبيانًا وقهرًا وعلوًّا وإمكانًا, الظاهرة عقائدها من شوائب الأباطيل وشوائب البدع والأهواء الفاسدة، وهي المعروفة بأنها: أصحاب الحديث"2. ومن ثمة نرى أنه يريد بالمشكل الأحاديث التي جاء إشكالها من طرق أخرى غير طريق التعارض بين حديثين أو أكثر الذي يعرف بـ"مختلف الحديث".

_ 1 هو لم يكن محدثًا بالمعنى الدقيق, ولكن له علم بالحديث, وهو إمام متكلم أصولي أديب نحوي واعظ بلغت مصنفاته في علم أصول الفقه وأصول الدين ومعاني القرآن قريبًا من مائة, وكان شديد الرد على الكرامية، وله مناظرات معهم كثيرة. "وفيات الأعيان ج4 ص272". 2 مشكل الحديث وبيانه ص2، 3.

ومن هذا العرض يتبين للناظر أن الإمام الجليل الشافعي قد استعمل "اختلاف الحديث" في معناه الدقيق الذي ذكره علماء علوم الحديث وأصوله في كتبهم فيما بعد. وأن الإمام أبا محمد بن قتيبة قد ذكر اختلاف الحديث, وأراد ما هو أعم منه وهو المشكل؛ لكونه أعم منه, فهو من إرادة الخاص وإرادة العام, وأن الإمام أحمد بن محمد الطحاوي قد استعمل المشكل, وأراد به ما يشمل مختلف الحديث, وهو ما كان بسبب التعارض بين حديثين أو أكثر، وما كان لسبب غير ذلك, ويتبين ذلك من قوله في مقدمة كتابه "مشكل الآثار": "فإني نظرت في الآثار المروية عنه -صلى الله عليه وسلم- بالأسانيد المقبولة التي نقلها ذوو التثبيت فيها، والأمانة عليها، وحسن الأداء لها، فوجدت فيها أشياء مما سقطت معرفتها والعلم بما فيها عن أكثر الناس، فمال قلبي إلى تأملها، وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها، ومن استخراج الأحكام التي فيها، ومن نفي الإحالات عنها"1. وإن الإمام محمد بن الحسن بن فورك إنما أراد بالمشكل من الحديث نوعا آخر خلاف "مختلف الحديث", وأنه يلتقي مع الإمام أبي محمد بن قتيبة في بعض ما ذكره في كتابه تأويل "مختلف الحديث", وهي الأحاديث التي يوهم ظاهرها التشبيه والتجسيم وغيرها مما وضعته الزنادقة بقصد الطعن في "أهل الحديث", وأنهم يروون الأحاديث التي تخالف العقل والنقل. وهذا الذي وصلت إليه في بيان، "مختلف الحديث" و"مشكل الحديث" والفرق بينهما, قد أكثرت فيه القراءة والبحث والنظر، حتى وصلت فيه إلى هذه النتائج البالغة الغاية في التحرير والموازنة والتحقيق فلله الحمد والمنة، فعلى طلاب الحديث أن يعوه بقلوبهم، ويشدوا عليه بأيديهم ويعضوا عليه بنواجذهم.

_ 1 مشكل الآثار ج1 ص2.

علم ناسخ الحديث ومنسوخه

علم ناسخ الحديث ومنسوخه مدخل ... "علم ناسخ الحديث ومنسوخه": وهو فن مهم عني بمعرفته السلف عناية فائقة: الصحابة فمن جاء بعدهم، يدل لذلك ما روي عن أبي الحسن علي رضي الله عنه "أنه مر على قاضٍ، فقال له: تعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال: لا، فقال: هلكت وأهلكت؟ ", أسنده الحازمي في كتابه "الناسخ والمنسوخ من الآثار" وأسند نحوه عن ابن عباس، وأسند عن حذيفة بن اليمان: "أنه سئل عن شيء فقال: إنما يفتي من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر". وهو فن صعب، فقد روي عن الزهري أنه قال: "أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا الناسخ من المنسوخ، ولا يتأهل لمعرفته إلا الأئمة الكبار الذين لهم علم بالروايات ومقدمها ومؤخرها". وكان للإمام الجليل الشافعي يد طولى وسابقة أولى، فقد قال الإمام أحمد لابن وارة وقد قدم من مصر: "كتبت كتب الشافعي؟ قال: لا، قال: فرطت, ما علمنا المجمل من المفسر, ولا ناسخ الحديث من منسوخه حتى جالسنا الشافعي", وأدخل فيه بعض أهل الحديث ممن صنف فيه ما ليس منه لخفاء معنى النسخ وشروطه، لذلك كان لا بد لنا من تعريف النسخ.

النسخ في اللغة

النسخ في اللغة يطلق النسخ في اللغة على معنين ... النسخ في اللغة: يطلق النسخ في اللغة على معنيين: 1- الأول بمعنى الإزالة ومنه قولهم نسخت الشمس الظل أي أزالته. 2- الثاني بمعنى النقل وذلك كقولك: نسخت الكتاب أي نقلت ما فيه إلى كتاب آخر, ومن هذا المعنى قوله عز وجل: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 1. والنسخ في اصطلاح الأصوليين: رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر, وهذا هو المختار في تعريفه. شرح التعريف: المراد برفع الحكم قطع تعلقه عن المكلفين، واحترز به عن بيان المجمل، فإنه لا يكون نسخا، وبإضافته للشارع عن إخبار بعض من شاهد النسخ من الصحابة فإنه لا يكون نسخا، وإن لم يحصل التكليف به لمن لم يبلغه قبل ذلك: إلا بإخباره، واحترز بالتقييد بالحكم عن رفع البراءة الأصلية فإنه لا يسمى نسخا، واحترز بالمتقدم عن التخصيص المتصل بالتكليف كالاستثناء ونحوه، وبقولنا بحكم منه متأخر عن رفع الحكم بموت المكلف، أو زوال تكليفه بجنون ونحوه، وعن انتهائه بانتهاء الوقت كقوله -صلى الله عليه وسلم: "إنكم ملاقو العدو غدا، والفطر أقوى لكم فأفطروا" 2, فالصوم بعد ذلك اليوم ليس نسخا3.

_ 1 سورة الجاثية: 29. 2 رواه الإمام مسلم في صحيحه بلفظ: "إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" , كتاب الصوم, باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل. 3 التقريب بشرحه التدريب ص382.

بم يعرف النسخ

بم يعرف النسخ؟: 1- من النسخ ما يعرف بتصريح النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك وذلك مثل قوله -صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور 1، فزوروها، وكنت نهيتكم عن

_ 1 في حديث زيارته -صلى الله عليه وسلم- قبر أمه زيادة: "فزوروا القبور فإنها تذكر الموت".

لحوم1 الأضاحي فوق ثلاث، فكلوا ما بدا لكم وادخروا، وكنت نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء2، فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكرا". رواه مسلم3 بسنده عن بريرة. 2- ومنه ما عرف بقول الصحابي رضي الله عنه كحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار", رواه أبو داود، والنسائي عن جابر. وكقول أبي بن كعب: "كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم أمر بالغسل", رواه أبو داود، والترمذي وصححه، ومعنى: "كان الماء من الماء", أي أنه كان لا يجب الغسل على من باشر زوجته إلا إذا أنزل، ثم بعد ذلك أوجب الشارع الحكيم الغسل على من أنزل، أو لم ينزل بأن حصل له كسل وفتور, وهذا هو ما عليه جمهور العلماء سلفا وخلفا, وهو الأحوط للدين، والأليق بالورع، والأولى بالمسلم؛ لأنه أبعد من الشك, وشرط أهل الأصول في ذلك أن يخبر الصحابي بتأخره، فإن قال هذا ناسخ لم يثبت به النسخ، لجواز أن يقوله عن اجتهاده، قال العراقي: وإطلاق أهل الحديث أوضح وأشهر لأن النسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي، إنما يصار إليه عند معرفة التاريخ، والصحابة أورع ممن أن يحكم أحد منهم على حكم شرعي بنسخ من غير أن يعرف تأخر الناسخ عنه، وقد أطلق الشافعي ذلك أيضا. 3- ومنه ما عرف بالتاريخ كحديث شداد بن أوس مرفوعا: "أفطر الحاجم والمحجوم" , رواه أبو داود، والنسائي، فقد ذكر الإمام الشافعي أنه منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم-

_ 1 أي عن ادخارها وقد كان ذلك في مبدأ الإسلام والناس في شدة من العيش وضنك. 2 أي إلا في قربة من أدم، لأن السقاء يبرد الماء, فلا يتسارع إلى ما فيها الإسكار. 3 كتاب الجنائز, باب استئذان النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه عز وجل في زيارة قبر أمه.

احتجم وهو محرم صائم", أخرجه البخاري ومسلم1، فإن ابن عباس إنما صحبه محرما في حجة الوداع سنة عشر، وقد جاء في بعض طرق حديث شداد بن أوس أن ذلك كان زمن الفتح, سنة ثمان, وبذلك عرف التاريخ, وكان المتأخر ناسخا للمتقدم. 4- ومنه ما عرف بدلالة الإجماع: كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة، وهو ما رواه أبو داود والترمذي من حديث معاوية رضي الله عنه قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه". قال الإمام النووي في شرح مسلم: "دل الإجماع على نسخه، وإن كان ابن حزم خالف في ذلك, فخلاف الظاهرية لا يقدح في الإجماع، نعم ورد نسخه في السنة أيضا كما قال الترمذي من رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن شرب الخمر فاجلدوه، فإن شرب في الرابعة فاقتلوه"، ثم أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله، وقال: وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو هذا، قال: فرفع القتل، وكانت رخصة". ا. هـ2. قال السيوطي: وما علقه الترمذي أسنده البزار في مسنده، وقبيصة ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال: ولد أول سنة من الهجرة، وقيل: عام الفتح فالمثال الصحيح لذلك ما رواه الترمذي من حديث جابر قال: "كنا إذا حججنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان".

_ 1 البخاري كتاب الحج, باب الحجامة للمحرم. ومسلم, كتاب الحج, باب جواز الحجامة للمحرم. ولم يرد لفظ: "صائم" في روايات مسلم، ومعظم روايات البخاري، وإنما جاء ذكر الصوم في رواية البخاري في كتاب الصوم, باب الحجامة والقيء للصائم. 2 تدريب الراوي شرح تقريب النواوي ص384.

قال الترمذي: أجمع أهل العلم أن المرأة لا يلبي عنها غيرها، ثم الحديث لا يحكم عليه بالنسخ بالإجماع على ترك العمل إلا إذا عرف صحته، وإلا فيحتمل أنه غلط، صرح به الصيرفي1. ومما ينبغي أن يعلم أن الإجماع لا ينسخ أي لا ينسخه شيء، ولا ينسخ هو غيره، ولكن يدل على ناسخ أي على وجود ناسخ غيره, وهو إما كتاب أو سنة.

_ 1 المرجع السابق.

أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ في الحديث

أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ في الحديث ... "أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنوسخ في الحديث": لقد قلت في تاريخ تدوين علوم الحديث، وأصوله، ومصطلحه: إن بعض مسائل هذه العلوم قد وجدت مفرقة في بعض الكتب الأخرى, وذلك مثل علم الناسخ والمنسوخ من الحديث, فقد وجدت كثير من مسائله وأمثلته في كتاب "الرسالة" للإمام الجليل الشافعي رحمه الله تعالى, ثم بعد ذلك ألفت كتب أخرى مستقلة في علم الناسخ والمنسوخ فمنها: 1- كتاب "ناسخ الحديث ومنسوخه" للحافظ أبي بكر بن محمد الأثرم المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين صاحب الإمام الجليل أحمد بن حنبل، وهذا الكتاب يقع في ثلاثة أجزاء صغيرة، يوجد الجزء الثالث منه في دار الكتب المصرية تحت رقم "1587" حديث1. 2- كتاب "ناسخ الحديث ومنسوخه" للشيخ المحدث الحافظ أبي حفص عمر بن أحمد البغدادي المعروف بابن شاهين المتوفى سنة خمس

_ 1 الوجيز في علوم الحديث ونصوصه ص258.

وثمانين وثلاثمائة1. 3- وللإمام الحافظ البارع النسابة أبي بكر محمد بن موسى بن عثمان الحازمي الهمذاني كتاب يعتبر من أجمع الكتب سماه "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" المولود سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، والمتوفى سنة أربع وثمانين وخمسمائة. قال الإمام الذهبي في "التذكرة": صنف في الحديث عدة مصنفات، وأملى عدة مجالس، وكان كثير المحفوظ, حلو المذاكرة, يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام، أملى طرق الأحاديث التي في "المهذب" وأسندها ولم يتمه. وذكره ابن النجار فقال: "كان من الحفاظ العالمين بفقه الحديث، ومعانيه ورجاله ألف كتاب "الناسخ والمنسوخ" وكتاب "عجالة المبتدي في الأنساب" و"المؤتلف والمختلف" في أسماء البلدان، وأسند أحاديث "المهذب" لأبي إسحاق -يعني الشيرازي- وكان ثقة حجة نبيلا زاهدا عابدا ورعا ملازما للخلوة والتصنيف وبث العلم، أدرك أجله شابا، سمعت محمد بن غانم الحافظ يقول: "كان شيخنا الحافظ أبو موسى يفضل أبا بكر الحازمي على عبد الغني المقدسي, ويقول: ما رأيت شابا أحفظ منه"2. ولما كان متأخرا عمن كتبوا في هذا العلم, فقد جاء كتابه أجمع الكتب وأوفاها في هذا الباب، لاستفادته ممن سبقه، وقد رتبه على الأبواب الفقهية, وبذلك سهل تناوله والاستفادة منه على العلماء والباحثين، وطلبة الحديث، ولم يكن مجرد ناقل بل كانت له شخصيته العلمية الناقدة البصيرة، فكان يناقش الأقوال، ويرجح بعضها على بعض، وقد صدر كتابه بمقدمة قيمة, وقد طبع هذا الكتاب مرارا في مصر وغيرها من البلاد الإسلامية.

_ 1 ولا يزال هذا الكتاب مخطوطا, وتوجد منه نسختان مخطوطتان: إحداهما في مكتبة باريس الأهلية تحت رقم "718", والثانية في مكتبة الأسكوريال تحت رقم "1107", ولدى معهد المخطوطات العربية "ميكروفيلم". عنها انظر المرجع السابق. 2 تذكرة الحفاظ ج4 ص1363، 1364.

محكم الحديث

"محكم الحديث": وهذا النوع لم يعرض له معظم المحدثين الذين ألفوا في علوم الحديث ومصطلحه, وإنما عرض له بعضهم. وأول من عرض له من العلماء: الحاكم أبو عبد الله في كتابه "علوم الحديث", فقد عقد له بابا في كتابه وعده من الأنواع1. وكذا عرض له شيخ الإسلام الإمام الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها، وإليك ما قاله الحافظ مع التوضيح: "ثم المقبول ينقسم إلى معمول به وغير معمول به؛ لأنه إن سلم من المعارضين, أي لم يأت خبر يضاده فهو المحكم، وإن عورض, فلا يخلو؛ إما أن يكون معارضه -بكسر الراء وهو الحديث الآخر- مقبول بأن يكون صحيحا أو حسنا مثله -يعني في القبول- أو يكون مردودا، والثاني -أي المردود- لا أثر له -أي لا تأثير له في أن يكون مقابلا فضلا عن أن يكون معارضا ومناقضا- لأن القوي لا يؤثر فيه مخالفة الضعيف, وإن كانت المعارضة بمثله -أي حديث آخر صحيح أو حسن- فلا يخلو؛ إما أن يمكن الجمع بين مدلوليهما أولا، فإن أمكن الجمع, فهو المسمى: "مختلف الحديث" ... إلخ ما قال"2. وعلى هذا يمكننا تعريف المحكم بما يأتي: المحكم: هو الحديث المقبول السالم من معارضة حديث آخر مثله في القبول, وهو الذي يعمل به بلا شبهة. أمثلة المحكم: قال الحاكم في علومه، ومن أمثلته

_ 1 معرفة علوم الحديث: 129، 130. 2 نخبة الفكر بشرحها نزهة النظر بتعليق ملا على القاري ص55، 56.

حديث: "إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله" 1, وحديث: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" 2, وحديث: "إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء" 3, وحديث: "لا شغار في الإسلام"4, قال الحاكم: وقد صنف فيه عثمان بن سعيد الدارمي كتابًا كبيرًا.

_ 1 رواه البخاري ومسلم: البخاري, كتاب اللباس, باب ما وطئ من التصاوير. ومسلم, كتاب اللباس والزينة, باب حرمة تصوير صورة الحيوان، وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير الممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة عليهم السلام لا تدخل بيتًا فيه صورة، ولا كلب. 2 رواه مسلم في أول كتاب الطهارة، ورواه أصحاب السنن الأربعة. 3 رواه البخاري, كتاب الصلاة, باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة. ومسلم, كتابه الصلاة, باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام. 4 أخرجه عبد الرزاق عن أنس مرفوعًا. "الفتح ج9 ص163".

علم أسباب ورود الحديث

علم أسباب ورود الحديث مدخل ... "علم أسباب ورود الحديث": هذا النوع من أنواع علوم الحديث لم يتعرض له الكثيرون من الأقدمين من علماء علوم الحديث وأصوله، ولم يذكروه في كتبهم التي ألفوها في هذا الفن. وأول من نوه به هو الحافظ البلقيني المتوفى سنة خمس وثمانمائة في كتابه القيم: "محاسن الاصطلاح وتضمين كلام ابن الصلاح", فقد اختصر المقدمة لابن الصلاح وزاد عليها بعض الأنواع. ثم الإمام الحافظ ابن حجر في "النخبة وشرحها", فقد نوه به أيضًا, وذكره وصنف فيه أبو جعفر البكري، وأبو حامد بن كوتاه الجوباري قال الذهبي: ولم يسبق إلى ذلك. وكذلك ذكره الحافظ السيوطي في كتابه الجليل "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي ذكره موجزًا جدًّا لا يتجاوز نصف الصحيفة"1

_ 1 تدريب الراوي ص540.

هذا العلم نظير علم أسباب النزول عند علماء علوم القرآن

"هذا العلم نظير علم أسباب النزول عند علماء علوم القرآن": وهذا العلم نظير النوع الذي يذكره علماء علوم القرآن في كتبهم, وهو النوع الخاص بأسباب النزول, والقرآن الكريم منه ما نزل على سبب خاص، ومنه ما لم ينزل على سبب خاص, بل نزل للتعليم والهداية والتفسير والإنذار. وقد عرفوا سبب النزول: بأنه ما نزلت الآية أو الآيات مبينة لحكمه, أو متحدثة عنه إبان وقوعه, ومن أراد شرحا وافيا لهذا التعريف, فليرجع إلى كتابي: "المدخل لدراسة القرآن الكريم"1. وعلى هذا يمكننا تعريف علم أسباب ورود الحديث فنقول: هو علم يبحث فيه عن الأسباب الداعية إلى ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحديث أولا, وهذا السبب قد يكون سؤالا، وقد يكون قصة، وقد تكون حادثة فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث بسببه أو بسببها، وسيتضح بضرب الأمثلة المراد, وقد جعل صاحب كتاب "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" شاملا للسبب الذي لأجله قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحديث أولا، وللسبب الذي لأجله ذكر الصحابي الحديث فيما بعد مقالة النبي -صلى الله عليه وسلم- له أولا فقال في كتابه المذكور: وأفاد الحافظ ابن ناصر الدمشقي في التعليقة اللطيفة لحديث البضعة2 الشريفة أنه يأتي سبب الحديث تارة في عصر النبوة, وتارة بعدها، وتارة يأتي بالأمرين كحديث البضعة، أما سببه في عصر النبوة فخطبة علي رضي الله عنه ابنة أبي جهل على فاطمة رضي الله عنها, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنما فاطمة بضعة مني". الحديث3، وأما سببه بعد عصر النبوة فما رواه المسور4

_ 1 ص132 ط الثانية. 2 بفتح الباء وسكون الضاد المعجمة وهي القطعة. 3 الحديث بتمامه: "إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها, ويؤذيني ما آذاها" , رواه البخاري في كتاب النكاح, باب ذب الرجل عن ابنته في الغير. وكتاب الفضائل باب فضل فاطمة عليها السلام بلفظ: " ... يغضبني ما آذاها" , وفي غير ذلك. ومسلم, كتاب الفضائل, باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام. 4 المسور: بكسر الميم وسكون السين وفتح الواو, وهو ابن مخرمة صحابي صغير جليل.

تسلية وتعزية لآل البيت رضي الله عنهم، وذلك لما تلقاهم المسلمون حين قدموا المدينة بعد قتل الحسين رضي الله تعالى عنه، وكان فيمن تلقاهم المسور بن مخرمة، فحدث زين العابدين بن الحسين وأهل البيت رضي الله عنهم بهذا الحديث، وفيه التسلية عن هذا المصاب، وقد علم بما قرره أن من الأسباب ما يكون بعد عصر النبوة كما في أحاديث ذكروا أسباب ورودها عن الصحابة رضي الله عنهم، وقد نظر بعض المتأخرين في ذلك ولكن ذكرها أولى، لأن فيها بيان السبب في الجملة فإن الصحابة رضي الله عنهم حفظوا الأقوال، والأفعال، وحافظوا على الأطوار والحوال, فيكون السبب في الورود عنهم مبينا لما لم يعلم سببه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي أبواب الشريعة والقصص وغيرها أحاديث لها أسباب يطول شرحها, وما ذكرناه أنموذج لمن يرغب في سلوك هذه المسالك, ومدخل لمن يريد أن يصنف مبسوطا في ذلك1. أقول: والحق أن سبب الورود إنما يراد به السبب الذي بسببه قال النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث، أما ذكر الصحابي للحديث فيما بعد ليستدل به في مناسبة من المناسبات, فإنه لا يسمى سبب ورود, وإنما يسمى: "سبب ذكر", فنقول مثلا: والسبب في ذكر الصحابي رضي الله عنه الحديث هو كذا. فذكر الصحابي المسور بن مخرمة التابعي الجليل علي زين العابدين وآل البيت الكرام هذا الحديث؛ لتسليتهم وحملهم على الصبر والتحمل لا يعتبر سبب ورود أبدا، وإنما يعتبر سببا لذكره, وفرق بين الأمرين, فليتنبه إلى هذا التحقيق أهل الحديث وطلبته.

_ 1 البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف الجزء الأول ص34، 35 ط دار التراث العربي.

سبب ورود الحديث قد يذكر في الحديث وقد يذكر في غيره

"سبب ورود الحديث قد يذكر في الحديث وقد يذكر في غيره": 1- القسم الأول: وهو ما يذكر في الحديث من أمثلته: 1- حديث سؤال جبريل عليه السلام النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام، والإيمان والإحسان، وعن الساعة. روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه1, وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه". قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه!! قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر 2 خيره وشره"، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة؟ 3 قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل".

_ 1 الظاهر أن الضمير في الكلمتين يعود على جبريل عليه السلام، وهي جلسة تدل على غاية التوقير والتعظيم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى غاية الأدب مع جبريل, وهذا الموقف -والله- في باب التربية والتعليم للصحابة الكرام ليغني عن الكلم الطوال، وأرجو أن يكون في هذا قدوة حسنة لتوقير واحترام الطلاب والتلاميذ لعلمائهم ومربيهم ومعلميهم. 2 معناه أن الله تعالى قدر الأشياء في الأزل, وعلم سبحانه وتعالى أنها تقع في أوقات معلومة عنده سبحانه, وعلى صفات مخصوصة, فهي تقع على ما قدر لها الله سبحانه وتعالى. 3 أي القيامة متى تقوم؟

قال: فأخبرني عن أمارتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها 1 وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" , قال: ثم انطلق، فلبثت مليا ثم قال: "يا عمر أتدري من السائل؟ " , قلت: الله ورسوله أعلم, قال: "فإنه جبريل جاء يعلمكم دينكم" 2. والحديث رواه البخاري أيضا ولكن بدون ذكر السبب فأصل الحديث يعتبر إذا متفق عليه. ب- ومن أمثلته أيضا ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن نسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعرج3 إذ عرض شاعر ينشد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خذوا الشيطان -أو أمسكوا الشيطان- لأن يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا" 4, والحديث رواه الإمام البخاري أيضا في صحيحه من غير ذكر السبب, فهو متفق عليه والمراد شعر الهجاء, ونحوه من الشعر الذي لا يدعو إلى فضيلة وهدى وخير، ولا يحذر من رذيلة. ج- ومن أمثلته حديث القلتين, فقد سئل عن الماء يكون بالفلاة5, وما ينوبه من السباع والدواب فقاله وهو: "إذا بلغ الماء قلتين 6 لم يحمل الخبث" 7. د- ومنها حديث السؤال عن دم الحيض يصيب الثوب, وهو عن

_ 1 أي سيدتها وفي رواية: "ربها" أي سيدها. 2 صحيح مسلم -كتاب الإيمان- باب الإيمان والإسلام والإحسان والساعة، والإيمان بإثبات القدر. 3 العرج بفتح العين وسكون الراء آخره جيم، هي قرية جامعة من عمل الفرع على نحو ثمانية وسبعين ميلا من المدينة. 4 صحيح مسلم, كتاب الشعر. 5 الصحراء. 6 المراد قلتين من قلال هجر وقدر ذلك بخمسمائة رطل. 7 سبق تخريجه قريبا ص444.

أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت. "سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن دم الحيض يكون في الثوب فقال: "حتيه ثم اقرصيه بالماء واغسليه، وصلي" 1. هـ- ومنها حديث السائل "أي الأعمال أفضل" وهو ما روي عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، أي العمل أفضل، قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيله" , رواه البخاري2. و ومنها حديث "أي الذنب أكبر" وهو ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: "أعظم الذنب أن تجعل لله ندا وهو خلقك" 3, الحديث. ز- ومنها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أنه قدم رجلان من المشرق4 فخطبا فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا" أو: "إن بعض البيان سحر" 5. وقد ذهب الكثير من العلماء إلى أن هذين الرجلين هما الزبرقان بن بدر التميمي، وعمرو بن الأهتم التميمي، واستندوا إلى ما أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" وغيره من طريق مقسم عن ابن عباس قال: "جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم، وقيس بن عاصم، ففخر الزبرقان فقال: يا رسول الله أنا سيد بني تميم, والمطاع فيهم والمجاب، أمنعهم من الظلم، وآخذ منهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك

_ 1 رواه البخاري, كتاب الوضوء, باب غسل الدم. 2 كتاب العتق, باب أي الرقاب أفضل. 3 رواه البخاري, كتاب الحدود, باب إثم الزناة. 4 أي جهة الشرق لأن منازل بني تميم شرق المدينة. 5 صحيح البخاري, كتاب الطب, باب أن من البيان سحرا.

يعني عمرو بن الأهتم, فقال عمرو: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه، مطاع في أدنيه، فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه أن يتكلم إلا الحسد، فقال عمرو: أن أحسدك؟! والله يا رسول الله! إنه لئيم الخال، حديث المال، أحمق الولد، مضيع في العشيرة والله يا رسول الله! لقد صدقت في الأولى، وما كذبت في الآخرة، ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت، وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا" 1 ويحسبنا هذا القدر من الأمثلة.

_ 1 فتح الباري ج10 ص237.

القسم الثاني من أسباب ورود الحديث

"القسم الثاني من أسباب ورود الحديث": أن لا يذكر السبب في الحديث أو يذكر في بعض طرقه, فهو الذي ينبغي الاعتناء به؛ لأنه يذكر السبب يتضح الفقة في الحديث، ولذلك أمثلة منها: أ- حديث: "أفضل الصلاة صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة" , رواه الشيخان1 وغيرهما من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه, وقد روى ابن ماجه والترمذي في الشمائل من حديث عبد الله بن سعد رضي الله عنه، وذكر السبب قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم: أيما أفضل الصلاة في بيتي أو في المسجد؟ قال: "ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلأن أصلي في بيتي أحب إليّ من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة". ب- ومنها حديث "الخراج بالضمان"2 جاء في بعض طرقه عند أبي

_ 1 صحيح البخاري, كتاب الأذان, باب صلاة الليل. ومسلم, كتاب صلاة المسافرين, باب استحباب النافلة في البيت وجوازها في المسجد. 2 رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

داود وابن ماجه أن رجلا ابتاع1 غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبان, فخاصمه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله! قد استعمل غلامي، فقال -صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان" 2, رواه أحمد وأصحاب السنن، والمراد بالخراج الغلة التي كانت منه, للمشتري نظير ضمانه له، وليست للبائع، وهو من جوامع كلمة -صلى الله عليه وسلم. ج- حديث: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". قال صاحب "البيان والتعريف" هذا حديث صحيح مشهور متفق عليه أخرجه الأئمة الستة في كتبهم وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. سببه: نقل الحافظ السيوطي عن الزبير بن بكار أنه قال في "أخبار المدينة": حدثني محمد بن الحسن، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وُعِكَ3 فيها أصحابه، وقدم رجل ليتزوج امرأة كانت مهاجرة فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر فقال: "يا أيها الناس! إنما الأعمال بالنيات "ثلاثا" فمن كانت هجرته ... " , الحديث, ثم رفع يديه فقال: "اللهم انقل عنا الوباء" 4 "ثلاثا" فلما أصبح قال: أتيت هذه الليلة بالحمى فإذا

_ 1 أي اشترى. 2 التدريب ص540. 3 أي مرضوا بالحمى. 4 الوباء: هو المرض الذي يعم وكانت الحمى قد نزلت بكثير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم صحح لنا المدينة كما صححت لنا مكة، وانقل حماها إلى الجحفة"، فأصبحت من خير بلاد الله هواء وطيبا.

بعجوز سوداء مطيبة في يدي الذي جاء بها، فقال: هذه الحمى، فما ترى فيها، فقلت: اجعلوها تحم"1. أقول: الشراح للأحاديث على أن السبب في ورود هذا الحديث هي قصة مهاجر أم قيس، وقالوا: إنها السبب في ذكر قوله -صلى الله عليه وسلم: "أو امرأة ينكحها" بعد قوله -صلى الله عليه وسلم: "إلى دنيا" , ومنهم الإمام العلامة محمد بن علي بن دقيق العيد، حيث قال: "ولهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به الهجرة من أفراد الأغراض الدنيوية", قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: من هاجر ينبغي شيئا, فإنما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس. ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش2 بلفظ: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس. قال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك, ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك"3, وهذا من الحافظ رد لما قاله الكثيرون في سبب ورود هذا الحديث، والظاهر أيضا أن الحافظ لم يرتض ما قاله الزبير بن بكار في روايته، أو أنه لم يقف عليها والله أعلم.

_ 1 البيان والتعريف ص36 ج1 ط دار التراث العربي. 2 يعني بالإسناد السابق إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. 3 فتح الباري ج1 ص10.

د- حديث: "أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه -وفي رواية- شعره، أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه". أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والحاكم عن جابر رضي الله عنه، وقال: على شرطهما، وأقره الذهبي وقال العراقي: إسناده جيد. وسببه عنه، كما في أبي داود قال جابر بن عبد الله: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال: "أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره" 1. وهذا الحديث وسببه يدل دلالة واضحة على حب الإسلام للنظافة: نظافة الجسم والبدن، ونظافة الثياب، وأن الإسلام دين النظافة حقا. هـ- حديث: "أما والله إني لأمين في السماء، أمين في الأرض" , أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير", والبزار عن أبي رافع رضي الله عنه سببه عنه, قال: أضاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضيفا فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى رجل من اليهود أسلفني دقيقا إلى رجب فقال: لا إلا برهن, قال: "أما والله ... " فذكره وزاد البزار: "اذهب بدرعي الحديد إليه" 2. و حديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون 3 وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة ... ". أخرجه الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه سببه, عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلي مع النبي

_ 1 البيان والتعريف ج1 ص358، 359. 2 المرجع السابق ج1 ص359. 3 المراد بالسعي الإسراع حتى يصير جريا وأما المراد به في قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} المشي العادي الذي لا يلوي فيه الذاهب على شيء في طريقه.

-صلى الله عليه وسلم- إذ سمع جلبة رجال فلما صلى دعاهم، فقال: "ما شأنكم"؟ قالوا: يا رسول الله استعجلنا إلى الصلاة قال: "لا تفعلوا" , فذكره، وتتمة الحديث: "فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" 1. ز- حديث: "ادفنوا القتلى في مصارعهم" 2, أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال الترمذي: حسن صحيح، ولهذا رمز السيوطي لصحته. وسببه ما أخرجه أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: "كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم, فجاء منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تدفن القتلى في مضاجعهم، فرددناهم"3.

_ 1 البيان والتعريف ج1 ص134، 135. 2 يعني حيث قتلوا والمراد بهم شهداء أحد. 3 كتاب البيان والتعريف ج1 ص113.

المؤلفات في هذا العلم

المؤلفات في هذا العلم: 1- وأول من ألف في هذا العلم الإمام أبو حفص العكبري شيخ القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي المتوفى سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة. 2- أبو حامد بن كوتاه الجوباري قال السيوطي في التدريب1: "وصنف فيه -أي معرفة أسباب الحديث- أبو حفص العكبري، وأبو حامد بن كوتاه الجوباري قال الذهبي: ولم يسبق إلى ذلك"، والظاهر أن مراده بقوله هذا هو كتاب أبي حفص العكبري. 3- ومن المؤلفات النافعة المفيدة الواسعة في هذا العلم "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" وهو للعالم المحدث السيد إبراهيم بن محمد بن كمال الدين الشهير بابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي كان أحد الأعلام المحدثين، والجهابذة المتقنين، ولد عام "1504" أربع

_ 1 ص540.

وخمسين وألف، تخرج بأبيه وشقيقه السيد عبد الرحمن، وتوسع في الأخذ عن غيرهما، واستكثر من الشيوخ حضورا عليهم واستجازة منهم حتى بلغت مشيخته ثمانين1، وكانت وفاته سنة عشرين ومائة بعد الألف2، في صفر قافلا من الحج بمنزلة تسمى "ذات الحج" وبها دفن رحمه الله. قال في مقدمته: "أما بعد: فإن أربح الأعمال أجرا، وأبقاها ذكرا، وأعظمها فخرا، وأضوعها في عالم الملكوت فنا ونشرا، كسب العلوم النافعة في الدنيا والآخرة لا سيما علوم الحديث المصطفوية، الكاشفة النقاب عن جمال وجوه مجملات آيات الكتاب، وإن من أجل أنواع علوم الحديث معرفة الأسباب، وقد ألف فيها أبو حفص العكبري كتابا وذكر الحافظ ابن حجر أنه وقف منه على انتخاب، ولما لم أظفر في عصرنا بمؤلف مفرد في هذا الباب غير أوائل تأليف شرع فيه الحافظ السيوطي ورتبه على الأبواب، فذكر فيه نحو مائة حديث، واخترمته المنية قبل إتمام الكتاب, سنح لي أن أجمع في ذلك كتابا تقر به عيون الطلاب، فرتبته على الحروف والسنن المعروف، وأضفت له تتمات تمس الحاجة إليها، وتحقيقات يعول عليها، وسميته "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف" وجعلته خدمة لحضرة الحبيب الأكرم -صلى الله عليه وسلم، ووسيلة لشفاعته يوم الحسرة والندم ومن الله سبحانه أستمد العون والتوفيق"3, وقد طبع هذا الكتاب غير مرة4 وكنا نود لو أن السيوطي أكمل ما شرع فيه؛ لأنه -رحمه الله- إذا ألف استوعب كل ما قيل قبله، وأتى بخلاصته، وزاد عليه ما منَّ الله به عليه.

_ 1 البيان والتعريف ج1 ص29 ط دار التراث العربي. 2 المرجع السابق ص30. 3 المرجع السابق ص31، 32. 4 طبع في حلب في جزأين كبيرين سنة 1329، وطبع في مصر بتحقيق ابننا الفاضل الدكتور الحسين عبد الحميد هاشم وفقه الله.

علم المصحف والمحرف

"علم المصحف والمحرف": تعريفه: التصحيف في اللغة الخطأ في قراءة الصحيفة، والصحفي -بفتح الصاد والحاء المهملتين- من يخطئ في قراءة الصحيفة، والصحيفة الكتاب. قال في "القاموس المحيط": "والصحيفة الكتاب ج -أي جمعه- صحائف وصحف ككتب نادرة لأن فعيلة لا تجمع على فعل ... والصحفي محركة من يخطئ في قراءة الصحيفة وبضمتين لحن، والمصحف مثلثة الميم -يعني بالفتح، والضم والكسر- من أصحف بالضم أي جعلت فيه الصحف، والتصحيف: الخطأ في الصحيفة وقد تصحف عليه"1. فمن ثم نرى أن التصحيف هو الخطأ في قراءة الصحيفة أي الكتاب سواء أكان الخطأ بتغير بالنقط أو بالشكل. وفي اصطلاح علماء الحديث: تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرهما كما قال السخاوي في شرح ألفية العراقي2. وعرفه الإمام الحافظ ابن حجر: بأنه تغيير حرف، أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق3. وقد كان معظم المؤلفين في المصحف في الحديث لا يفرقون بين ما إذا كان التصحيف بتغيير النقط أو بالشكل فالكل عندهم تصحيف. وأول من فرق بينهما فيما أعلم الإمام الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها حيث قال:

_ 1 القاموس المحيط مادة "صحف" ج3 ص160، 161. 2 شرح ألفية العراقي للسخاوي ج3 ص67. 3 النخبة بشرحها وحاشية على القاري عليها ص143.

فإن كان ذلك أي التغيير بالنسبة إلى النقط فالمصحف, وإن كان بالنسبة إلى الشكل أي الحركات والسكنات من شكلت الكتاب قيدته بالإعراب فالمحرف، وهي تفرقة تدل على الدقة كما هو العهد به رحمه الله ونشر ذكره. وما يهون من أمر الاختلاف أنه اصطلاح، ولا مشاحة -كما يقول علماؤنا- في الاصطلاح.

منشأ التصحيف

"منشأ التصحيف": والتصحيف بمعناه اللغوي والاصطلاحي يشعر إشعارا قويا بمنشأ الغلط, وهو الاعتماد في تلقي العلم على الصحف، وهي بدعة كانت بعد القرون الأولى الفاضلة التي كان الاعتماد فيها على التلقي الشفاهي من العلماء، وما كانت الكتب والصحف إلا لتأكيد المسموع خشية السهو أو النسيان. ولم يكن التلقي من أفواه العلماء أمرا خاصا بالمحدثين, بل كانت هذه السمة الغالبة في أخذ العلوم الإسلامية في العصور الأولى حتى كتب اللغة, والأدب، والشعر كانت تتلقى هكذا، وتنقل برواية الخلف عن السلف، وإن كانت الرواية عند هؤلاء لم تبلغ مبلغها عند المحدثين، والأمر ظاهر؛ لأن اللغة, والأدب، والشعر، ونحوها لم تكن مصادر. لاستنباط الأحكام من الحلال والحرام، وإنما كان مصدر ذلك القرآن الكريم، والسنة النبوية. وتلقي العلوم الإسلامية كلها عن طريق السماع من الشيوخ، ونقلها عن طريق الرواية من الخصائص التي امتاز بها المسلمون عن غيرهم مبلغ علمي فليعِ هذه الحقيقة شبابنا وطلاب العلم في البلاد الإسلامية.

مقالة جيدة للحافظ ابن كثير الدمشقي

مقالة جيدة للحافظ ابن كثير الدمشقي ... "النادر من التصحيف معفو عنه والإكثار منه مذموم ومعيب": والإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة فأمره مبني على السهو والنسيان، وفي بعض الأحيان تعتري العالم غفلة فيقع في بعض الأخطاء غير المقصودة، فإذا فكر في ذلك فيما بعد عجب كيف يحدث هذا منه؟! ثم لا يلبث أن يقر على نفسه بالغفلة والسهو. فبعض العلماء الكبار قد يقع منه ذلك, ولكن على ندرة جدا لا تخل بحفظه وضبطه، ورحم الله تبارك وتعالى الإمام أحمد حيث قال: "ومن يعري عن الخطأ والتصحيف"1, وما ورد عن بعض الأئمة الكبار من تصحيف نادر يحمل على ذلك, والعصمة لله ولرسوله, وقد التمس الإمام أبو عمرو بن الصلاح ما وقع من ذلك من الكبار أعذارا, ولكن لم ينقلها

_ 1 تدريب الراوي ص384، شرح ألفية العراقي للسخاوي ج3 ص68.

ناقلوها فقال: "وكثير من التصحيف المنقول عن الأكابر لهم فيه أعذار لم ينقلها ناقلوها"1. وليس من شك في أن الإكثار من التصحيف يخل بالحفظ والضبط ويجعل صاحبه ملوما والمشتهر به بين النقاد مذموما، وهو يحصل غالبا لمن أخذ الحديث من بطون الدفاتر والصحف, ولم يكن له شيخ يوقفه على ذلك.

_ 1 فتح المغيث للسخاوي ج3 ص73.

ذكر العلماء المثل للتصحيف للتصويب والتحذير لا للتشهير

"ذكر العلماء المثل للتصحيف للتصويب والتحذير لا للتشهير": وما ينبغي أن يعلم أن العلماء الذين ذكروا التصحيف والمصحفين لم يقصدوا التشهير بهم, وإنما قصدوا التحذير منه, وأن يحذر الطالب للحديث أن يقع فيما وقعوا فيه. قال الإمام السخاوي في شرح ألفية العراقي ما نصه: "وكذلك صنف فيه الخطابي، وابن الجوزي لا لمجرد الطعن بذلك من أحد منهم في واحد ممن صحف، ولا الوضع منه وإن كان المكثر منه ملوما، والمشتهر به بين النقاد مذموما بل إيثارا لبيان الصواب، وإشهارا له بين الطلاب". ولهذا لما ذكر الخطيب في "جامعه": إنه عيب جماعة من الطلاب بتصحيفهم في الأسانيد والمتون، دون عنهم ما صحفوه قال: وأنا أذكر بعض ذلك ليكون داعيا لمن وقف عليه إلى التحفظ من مثله إن شاء الله. لا سيما وينبغي لقارئ الحديث أن يتفكر فيما يقرؤه حتى يسلم منه. وقول العسكري: إنه قد عيب التصحيف جماعة من العلماء، وفضح به كثير من الأدباء، وسموا الصحفية، ونهي العلماء عن الحمل عنهم محمول على المتكرر منه ذلك، وإلا فما يسلم من زلة وخطأ إلا من عصمه الله، والسعيد من عدت غلطاته"1.

_ 1 المرجع السابق ص68.

التصحيف في حديث لا يخل بصحته وحسنه

"التصحيف في حديث لا يخل بصحته وحسنه": والتصحيف في حديث ما لا يخل بكون أصله صحيحا أو حسنا؛ لأنه ما من حديث وقع فيه التصحيف إلا وقد ورد عن غير هذا المصحف على الصواب، فمثلا حديث: "من صام رمضان وأتبعه شيئا من شوال" , قد استفاض في كتب الصحاح وغيرها بلفظ: "وأتبعه ستا من شوال".

أقسام التصحيف

"أقسام التصحيف": تقسيم أول: ينقسم التصحيف في الحديث من حيث السند والمتن إلى قسمين: "الأول": التصحيف في الإسناد: ومن أمثلته: العوام -فتح العين المهملة، وفتح الواو المشددة الممدودة، آخره ميم- ابن مراجم -بضم الميم، وفتح الراء الممدودة وكسر الجيم، آخره ميم- صحفه يحيى بن معين فقال: ابن مزاحم -بالزاي والحاء المهملة. وعتبة بن الندر -بضم النون، وفتح الدال المهملة المشددة، آخره راء مهملة- صحفه ابن جرير الطبري فقال: ابن البذر -بالباء الموحدة المضمومة، والذال المعجمة المفتوحة آخره راء. الثاني: التصحيف في المتن: ومن أمثلته: حديث زيد بن ثابت: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجر في المسجد" واحتجر بالراء في آخره أي اتخذ حجرة من حصير في المسجد ليصلي فيها النوافل صحفه عبد الله بن لهيعة -بفتح اللام وكسر

الهاء- فقال: احتجم بالميم في آخره". ومنها: حديث: "من صام رمضان وأتبعه ستا -بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق- من شوال فكأنما صام الدهر كله" 1. صحفه الصولي فقال بدل "ستا" شيئا -بفتح الشين وسكون الياء، آخره همزة. ومنها: حديث أبي ذر: "تعين صانعا" بالصاد المهملة، والنون المكسورة. صحفه هشام بن عروة فقال: "ضايعا" بالضاد المعجمة، والياء التحتانية المثناة. ومنها: حديث معاوية: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين يشققون الخطب -بالخاء المعجمة- تشقيق الشعر -بكسر الشين، وسكون العين المهملة. صحفه وكيع فقال: الذين يشققون الحطب -بفتح الحاء المهملة، وفتح الطاء المهملة- تشقيق الشعر -بفتح الشين والعين المهملة- فوضع "الحطب" مكان "الخطب" و"الشَّعر" مكان "الشِّعر" والحطب عيدان الشجر2. ويحكى أن ابن شاهين صحفه كذلك أيضا بجامع المنصور فقال بعض الملاحين: يا قوم كيد نعمل والحاجة ماسة يشير إلى أن ذلك -أي تشقيق الحطب من حرفته، وليست هذه اللفظة في "النهاية" لابن الأثير الحزري، قال السخاوي: والحديث في مسند أحمد، والمعجم الكبير للطبراني، والجامع للخطيب وغيرهم من حديث جابر الجعفي عن عمرو بن يحيى القرشي عن معاوية بن أبي سفيان به.

_ 1 الحديث رواه الشيخان على الصحة. 2 فتح المغيث ج3 ص68، والتدريب ص385.

ومنها: ما جاء في الحديث: "أو شاة تيعر" بفتح التاء وسكون الياء المثناة وفتح العين وهو صوت الشاة. صحفه أبو موسى محمد بن المثنى بالنون بدل الياء فقال: "تنعر" ومحمد بن موسى هذا هو العنزي يلقب بالزمن، وقد روي عنه أصحاب الكتب الستة, وهو يدل على أن التصحيفة الواحدة، أو الثنتان لا تخل بضبط الراوي وحفظه.

تقسيم ثان له

"تقسيم ثان له": وينقسم التصحيف من حيث السمع والبصر إلى قسمين: "الأول": تصحيف بصر, وهو الأكثر وكل ما ذكرنا من أمثلة يصلح أن يكون مثالا له. "الثاني": تصحيف سمع وهو قليل، وذلك بأن يكون الاسم واللقب، أو الاسم واسم الأب على وزن اسم آخر. ومثاله: حديث عن عاصم الأحول، رواه بعضهم فقال: واصل الأحدب قال ابن الصلاح في "علوم الحديث": فذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر كأنه ذهب -والله أعلم- إلى أنه ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة وإنما أخطأ فيه سمع من رواه. ومن أمثلته: حديث عن خالد بن علقمة، رواه شعبة فقال مالك بن عرفطة1 قال العلامة المحدث الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله: "وهذا المثال فيه نظر كثير عندي فإن خالد بن علقمة الهمذاني الوادعي يروي عن عبد خير، عن علي في الوضوء، وروى عنه أبو حنيفة، والصوري، وشريك وغيرهم، وروى شعبة الحديث نفسه عن مالك بن عرفطة عن عبد خير عن علي فذهب النقاد إلى أنه أخطأ فيه

_ 1 تدريب الراوي ص380، فتح المغيث ج3 ص72.

وأن صوابه: خالد بن علقمة. قال: وقد يكون هذا، أي أن شعبة أخطأ, ولكن كيف يكون تصحيف سماع, وهذا الشيخ شيخ لشعبة نفسه؟! فهل سمع اسم شيخه عن غير الشيخ؟! ما أظن ذلك فإن الراوي يسمع من الشيخ بعد أن يكون عرف اسمه، وقد ينسى فيخطئ فيه. قال: والذي يظهر لي أنهما شيخان روى شعبة عن أحدهما، وروى غيره عن الآخر والإسنادان في المسند بتحقيقنا "رقم 928، 989" وقد فصلنا القول في ذلك في شرحنا على الترمذي "ج1 ص67-70"1.

_ 1 اختصار علوم الحديث ص172، 173.

تقسيم ثالث له

"تقسيم ثالث له": وينقسم من حيث اللفظ والمعنى إلى قسمين: "الأول": تصحيف في اللفظ, وهو الأكثر وأمثلته كثيرة فيما سبق. "الثاني": تصحيف في المعنى ولذلك أمثله: منها: ما روي عن محمد بن المثني العنزي الملقب بالزمن أنه قال: "نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم". يريد ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى عنزة -بفتح العين والنون، والزاي- والعنزة: هي الحربة التي كانت تنصب بين يديه لتكون بمثابة السترة, فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم المشهورة. والذي يترجح عندي -والله أعلم- أن الرجل قال ذلك على سبيل الفكاهة والتندر فسمعه بعضهم فحملها محمل الجد، وإني لأستبعد غاية البعد أن إمامًا محدثًا يعتبر شيخًا لأصحاب الكتب الستة يخطئ في هذا الخطأ ويقع في هذا الوهم.

ومن ذلك أيضا ما قاله الإمام السيوطي في "التدريب"1 قال: "وأعجب من ذلك ما ذكره الحاكم عن أعرابي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى شاة، صحفها عنزة -بسكون النون- ثم رواه بالمعنى على وهمه فأخطأ من وجهين. ومن ذلك أيضا: ما نقل عن بعض شيوخ الإمام الخطابي في الحديث فيما حكاه عنه، وأنه لما روى حديث: "النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة". قال: منذ أربعين سنة ما حلقت رأسي قبل الصلاة، فهم منه حلق الرءوس, وإنما المراد هو تحليق الناس حلقا يوم الجمعة قبل الصلاة. ومنها: ما روي أن بعضهم لما سمع خطيبا يروي حديث: "لا يدخل الجنة قتات" 2 وبكى وقال: ما الذي أصنع وليست لي حرفة سوى بيع القت, وهو الذي يعلفه الدواب. إلى غير ذلك من الأمثلة التي ذكرها المؤلفون في كتبهم في باب التصحيف.

_ 1 ص386. 2 قتات أي مغتاب.

النتيجة

"النتيجة": والنتيجة التي تخرج من هذا البحث أن الكثرة الكاثرة من المحدثين كان لهم من الحفظ والضبط واليقظة العقلية والذهنية ما ينأى بهم عن التروي والسقوط في هذا الدرك المستكره, وأن من وقع منهم ذلك كثيرا إنما هم أشباه المحدثين الذين كانوا زوامل أسفار يحملون ما لا يفهمون، ويكتبون ما لا يعقلون أما الحفاظ العدول المتقنين فلا، ولا تقل كيف؟ وها هو الإمام وكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، وابن الطبري قد رويت عنهم أوهام في ذلك؛ لأن ما وقع من كل واحد من هؤلاء لا يتجاوز واحدة لا ثاني لها وصدق القائل: كفى المرء نبلا أن تعد معايبه. وأن المحدثين بلغوا من الصراحة والأصالة في النقد أنهم لا يرحمون من وقع في وهم مهما كانت منزلته في العلم، ولا يعرفون المداجاة، والمداراة في النقد مهما بلغت منزلة هذا المنقود ترون لو أنهم لم يذكروا شيئا من ذلك فهل كان أحد سيدرك ذلك؟! أو يقف عليه؟! لا والله. قد رويت عنهم أوهام في ذلك؛ لأن ما وقع من كل واحد من هؤلاء لا يتجاوز واحدة لا ثاني لها وصدق القائل: كفى المرء نبلا أن تعد معايبه. وأن المحدثين بلغوا من الصراحة والأصالة في النقد أنهم لا يرحمون من وقع في وهم مهما كانت منزلته في العلم، ولا يعرفون المداجاة، والمداراة في النقد مهما بلغت منزلة هذا المنقود ترون لو أنهم لم يذكروا شيئا من ذلك فهل كان أحد سيدرك ذلك؟! أو يقف عليه؟! لا والله.

المؤلفات في الصفحات

المؤلفات في الصفحات ... "المؤلفات في المصحفات": هذا الفن من فنون الحديث فن جليل مهم، وإنما ينهض بأعبائه من الحفاظ الحذاق وإليك أشهر هذه الكتب: 1- أول من صنف في ذلك على ما نعلم الإمام الحافظ أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري المتوفى سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة "382". كما ذكر ذلك تلميذه أبو نعيم في تاريخ أصبهان "ج1 ص272" قال السخاوي: "ولهذا الإمام في التصحيف ثلاثة كتب: أكبرها لسائر ما يقع فيه التصحيف من الأسماء والألفاظ غير مقتصر على الحديث، ثم أفرد منه كتابا يتعلق بأهل الأدب، وهو ما يقع فيه التصحيف من ألفاظ اللغة والشعر، وأسماء الشعراء أو الفرسان، وأخبار العرب وأيامها ووقائعها وأماكنها وأنسابها. ثم آخر فيما يختص بالمحدثين من ذلك غير متقيد بما وقع فيه التصحيف فقط، بل ذكر فيه ما هو معرض لذلك، وفي بعض المحكي مما وقع لبعض المحدثين ما يكاد اللبيب يضحك منه1.

_ 1 فتح المغيث ج3 ص67.

قال الشيخ أحمد شاكر: "وهذا الكتاب -يعني: "التصحيف والتحريف وشرح ما يقع فيه"- موجود في دار الكتب المصرية في نسخة مكتوبة سنة 621، وأوراقها 156 ورقة وقد طبع نصفه بمصر في سنة 1326هـ طبعا غير جيد وليتنا نوفق إلى إعادة طبعه كله طبعا جيدا متقنا، وهو من أنفس الكتب وأكثرها فائدة"1. وقد ذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب أنه "طبع أخيرا طبعة جيدة سنة 1963م, وأما كتابه "تصحيفات المحدثين" الذي استخلصه من كتابه الكبير: "التصحيف والتحريف" فإنه لا يزال مخطوطا، وتوجد نسخة منه في دار الكتب المصرية تحت الرقم "2 س مصطلح""2. 2- "إصلاح خطأ المحدثين" للإمام حمد -بسكون الميم- بن سليمان بن خطاب المعروف بالخطابي المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. 3- ومن أوفى الكتب وأجمعها في باب التصحيف والتحريف كتاب الإمام أبي الحسن الدارقطني المتوفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. والثلاثة متعاصرون لتقارب زمن وفاتهم، ولا ندري أي هذه الكتب أوسع وأحفل ولكن الظاهر أن كتاب الدارقطني هو أوسعها والله أعلم.

_ 1 اختصار علوم الحديث بالتعليق عليه للشيخ شاكر ص171 في الهامش. 2 الموجز في علوم الحديث ص349 في الهامش.

معرفة الصحابة رضوان الله عليهم

"معرفة الصحابة رضوان الله عليهم": "من هو الصحابي"؟ : تعريف الصحبة: الصحبة لغة: قال في المصباح المنير: "صحبته فأنا صاحب، والجمع صحب، وأصحاب، وصحابة. قال الأزهري: ومن قال: صاحب وصحبة فهو مثل فاره وفرهة والأصل في هذا الإطلاق لمن حصل له رؤية ومجالسة، ووراء ذلك شروط للأصوليين ... والصاحبة تأنيث للصاحب وجمعها صواحب". وقال صاحب القاموس: "صحبه كسمعه صحابة ويكسر وصحبة عاشره، وهم أصحاب، وأصاحيب، وصحبان، وصحاب، وصَحابة وصحابة وصحب، واستصحبه: دعاء إلى الصحبة", ومن ثم نرى أن الصحبة بمعنى العشرة والرؤية والمجالسة طالت أم قصرت. أما في اصطلاح المحدثين فالصحابي -في تعريف بعض العلماء- كل مسلم رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر نحو ذلك الإمام البخاري حيث قال في صحيحه "ومن صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه". وقد انتقد هذا التعريف بأنه يقتضي أن لا يدخل في الصحابة من لم ير النبي لعارض كالعمى مثل ابن أم مكتوم, وهو صحابي بالإجماع، وكذلك يقتضي أن من رأى النبي مؤمنا به ثم ارتد، ولم يعد إلى الإسلام يكون صحابيا مع أن هذا لم يقل به أحد قط ولذلك كان هذا التعريف غير جامع ولا مانع وهما شرطان في التعريف الصحيح، فهذا التعريف في حاجة إلى التحرير والتدقيق. تعريف المحققين من المحدثين: الصحابي: من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به ومات على ذلك، وهو ما ذهب إليه الحافظان العراقي وابن حجر ووافقهم بعض الأصوليين فيدخل في التعريف من طالت صحبته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه

رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالأكفاء، والمراد باللقاء في حال الحياة فأما من رآه بعد موته قبل الدفن فلا صحبة له كما وقع ذلك لأبي ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي الشاعر, فقد أسلم في حياة النبي ولم يره فقدم المدينة يوم توفي رسول الله فإذا الناس لهم ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج بالإحرام فقال: مه؟ -يعني: ما الخبر؟ - فقالوا: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذهب إلى بيت رسول الله, فإذا هو مسجى على سريره قبل غسله, وأهله يحيطون به, فسأل عن الصحابة, فقيل له: في سقيفة بني ساعدة, فذهب إليهم وحضر مجتمع السقيفة، وإذا كان بعض المؤلفين في الصحابة ذكروا أبا ذؤيب وأمثاله في كتبهم فلقرب منزلتهم منهم للتنبيه عليهم, وإلا فهم ليسوا بصحابة باتفاق1، ويدخل في التعريف كل مكلف من الجن والإنس أما الملائكة فلا يدخلون، لأنهم غير مكلفين ويخرج عن التعريف من رآه كافرا ثم أسلم بعد كرسول هرقل فلا صحبة له، وكذلك من آمن به ثم ارتد ومات كافرا كعبد الله بن خطل، وربيعة بن أمية، ومقيس بن صبابة ونحوهم, فلا شك أن هؤلاء لا يطلق عليهم اسم الصحبة. وأما من ارتد ثم عاد إلى الإسلام في حياته صلى الله عليه وسلم, ولقيه فالصحبة عائدة إليهم بالإجماع كعبد الله بن أبي سرح، وأما من ارتد منهم في حياته صلى الله عليه وسلم أو بعد موته ثم عاد إلى الإسلام بعد موته كالأشعث بن قيس2، وقرة بن هبيرة3، ففي عودة الصحبة إليه خلاف.

_ 1 الإصابة في تاريخ الصحابة ج1 ص6. 2 قدم على النبي في سبعين راكبا من كندة وكان من ملوكها، سنة عشر، ثم ارتد فأتي به إلى الصديق أسيرا فأطلقه فأسلم وحسن إسلامه وزوجه أخته أم فروة، وقد حضر القادسية واليرموك ومات قبل وفاة سيدنا علي بقليل وقيل بعده بسنتين. 3 قرة بن هبيرة كان ممن أسلم ثم ارتد فأسره خالد بن الوليد وأرسله إلى الصديق فاعتذر عن ارتداده بخوفه على ولده وماله من مسيلمة, وأنه كان مؤمنا باطنا, فأطلقه الصديق.

قيل: لا تعود وهو مذهب من يقول من الأئمة: إن الردة تحبط العمل وإن لم تتصل بالموت, وهو قول الإمام أبي حنيفة, وفي عبارة الشافعي في الأم ما يدل عليه, وقيل: تعود وهو مذهب من يرى أن الردة محبطة للعمل بشرط اتصالها بالموت, وقد حكاه الرافعي عن الشافعي, وهو مذهب الإمام مالك والراجح هو الثاني, وليس أدل على هذا من أن الأشعث بن قيس لم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة, ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد والصحاح وغيرها1. قال الإمام العراقي في شرحه على مقدمة ابن الصلاح: "ووراء ذلك أمور في اشتراط أمور أخر من التمييز أو البلوغ في الرائي، واشتراط كون الرؤية بعد النبوة أو أعم من ذلك، واشتراط كونه -صلى الله عليه وسلم- حيا حتى يخرج من رآه بعد موته وقبل الدفن، واشتراط كون الرؤية له في عالم الشهادة دون عالم الغيب", وقد ذكر هذا الإمام فصلا طويلا نفيسا في بيان ذلك, وإليك خلاصة ما قال مع بعض الزيادة. فأما التمييز فظاهر كلامهم اشتراطه كما هو موجود في كلام يحيى بن معين, وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، وابن عبد البر, وغيرهم, فإنهم لم يثبتوا الصحبة لأطفال جيء بهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فحنكهم ومسح على وجوهم أو تفل في أفواههم كعبد الرحمن بن عثمان التيمي، وعبد الله بن معمر، وعبد الله بن أبي طلحة، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله وأمثالهم، فأما عبد الرحمن بن عثمان فقال أبو حاتم: كان صغيرا له رؤية وليست له صحبة؛ وأما عبد الله بن معمر فقال ابن عبد البر ذكر بعضهم أن له صحبة وهو غلط بل له رؤية وهو غلام صغير، وأما عبد الله بن أبي طلحة فهو أخو أنس لأمه أتي به النبي فحنكه كما ثبت في الصحيح. قال العلائي: لا تعرف له رؤية بل هو تابعي وحديثه مرسل،

_ 1 شرح نخبة الفكر ص48.

وأما محمد بن طلحة فهو الملقب بالسجاد أتى به أبوه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسح رأسه وسماه محمد, قال العلائي: ولم يذكر أحد فيما وقفت عليه له رؤية بل تابعي, وإذا كان بعض المؤلفين ذكروا أحدا من هؤلاء في كتبهم, فعلى سبيل الإلحاق لهم بالصحابة لغلبة الظن على أنه -صلى الله عليه وسلم- رآهم لتوفر دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عند ولادتهم ليحنكهم ويسميهم ويبرك عليهم, ففي صحيح مسلم عن عائشة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم" وقد ذكرت طرفا من ذلك آنفا. وأما اشتراط البلوغ في حالة الرؤية فالصحيح أنه ليس شرطا في حد الصحابي, وإلا لخرج به من أجمع العلماء على عدهم في الصحابة كعبد الله بن الزبير والحسن والحسين رضي الله عنهم. وأما كون المعتبر في الرؤية وقوعها بعد النبوة, فلم أر من تعرض لذلك إلا أن ابن منده ذكر في الصحابة زيد بن عمرو بن نفيل, وإنما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة ومات قبلها، وقد روى النسائي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنه يبعث أمة واحدة" , أقول: ولا يلزم من نجاته أن يكون صحابيا؛ لأنه من الموحدين ومن أهل الفترة, وقد جزم الحافظ ابن حجر بعدم دخوله في الصحبة في مقدمة الإصابة، وقد استدل العراقي لاعتبارهم الرؤية بعد النبوة بأن أكثر المؤلفين في الصحابة ذكروا فيهم ولده إبراهيم عليه السلام دون من مات قبلها كالقاسم وأخويه الطاهر وعبد الله، وأما ورقة بن نوفل فقد توقف فيه الحافظ ابن حجر في شرح النخبة حيث قال: "لكن هل يخرج من لقبه مؤمنا بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة؟ فيه نظر". ومع هذا فقد ذكره في القسم الأول من الصحابة، وكذا ذكره غيره في الصحابة. وأما كون الرؤية في عالم الشهادة فالظاهر اشتراطه حتى لا يطلق اسم الصحبة على الأنبياء الذين رأوا النبي ورآهم ليلة الإسراء والمعراج

قال: وفي المسألة تفصيل؛ فأما من رآه من الذين ماتوا منهم كإبراهيم، ويوسف، وموسى, وهارون، ويحيى, فلا شك أنهم لا يطلق عليهم اسم الصحبة لكون رؤيتهم له بعد الموت، وأيضا فمقاماتهم أجل وأعظم من رتبة أكبر الصحابة وأما من هو حي إلى الآن كعيسى عليه السلام, فإنه سينزل في آخر الزمان ويراه خلق كثير, فهل يوصف من رآه بأنه من التابعين لكونه رأى من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو المراد من لقيه من أمته الذين أرسل إليهم حتى لا يدخل فيهم عيسى، والخضر، وإلياس على قول من يقول بحياتهما من الأئمة؟ هذا محل نظر ولم أر من تعرض لذلك من أهل الحديث، والظاهر أن من رآه منهم في الأرض وهو حي له حكم الصحبة فإن كان الخضر أو إلياس حيا أو كان قد رأى عيسى في الأرض فالظاهر إطلاق اسم الصحبة عليهم، فأما رؤية عيسى له في السماء, فقد يقال السماء ليست محلا للتكليف، ولا لثبوت الأحكام الجارية على المكلفين, فلا يثبت بذلك اسم الصحبة لمن رآه فيها، وقد ثبتت رؤيته لعيسى في الأرض كما في صحيح مسلم، والظاهر أنه رآه ببيت المقدس لما لقيه الأنبياء به واختلفوا به، وإذا كان كذلك فلا مانع من إطلاق الصحبة عليه؛ لأنه حين ينزل يكون مقتديا بشريعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- لا بشريعته المتقدمة، روى أحمد في مسنده من حديث جابر مرفوعا: "لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" 1. "فائدة": هذا الذي ذكرناه من تعريف الصحابي على ما ذكره المحققون من المحدثين قد وافقهم عليه كثير من الأصوليين وهو الذي صححه الآمدي واختاره ابن الحاجب2, وإذا كنا رجحنا هذا التعريف فليس معنى هذا أن الصحابة جميعا سواء في المنزلة والرتبة وأن

_ 1 مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي من ص252-255. 2 المصدر السابق ص256.

الأعراب الذين رأوه رؤية كمن عاشره ولازمه وغزا معه وجاهد وتحمل في سبيل الإسلام ما تحمل قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: "لا خفاء في رجحان رتبة من لازمة -صلى الله عليه وسلم- أو قاتل معه، أو قتل تحت رايته على من لم يلازمه ولم يحضر معه مشهدا أو على من كلمه يسيرا أو ماشاه قليلا أو رآه على بعد أو في حال الطفولية, وإن كان شرف الصحبة حاصلا للجميع، ومن ليس له منهم سماع منه بحديثه مرسل من حيث الرواية, وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوه من شرف الرؤية"1. تعريف بعض الأصوليين: الصحابي من طالت صحبته للنبي -صلى الله عليه وسلم، وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه وقالوا: إن الصحابي لغة هو من كان كذلك، وقد انتقد ما قالوه من احتجاجهم باللغة بأنه مردود, فقد وقع في كلام القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني إجماع أهل اللغة على خلافه, وأن الصحبة لغة تطلق على من صحب غيره قليلا كان أم كثيرا, ثم قال: ومع ذلك فقد تقرر في العرف أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته واستمر لقاؤه نقل ذلك عنه الخطيب البغدادي في "كفايته", ولكن العرف شيء واللغة شيء آخر. تعريف سعيد بن المسيب: نقل عنه أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين, وهو قريب من قول الأصوليين ووجه قوله بأن لصحبته -صلى الله عليه وسلم- شرفا عظيما فلا تنال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب، والسنة المتمثلة على الفضول الأربعة التي يختلف فيها المزاج. انتقاد هذا القول: قال ابن الصلاح وتبعه النووي: إن صح عنه

_ 1 شرح النخبة ص47.

فضعيف من جهة معناه كان مقتضاه أن لا يعد جرير بن عبد الله البجلي1, وأمثاله كوائل بن حجر صحابة، ولا خلاف بين العلماء أنهم صحابة؛ ولكن الإمام العراقي قال: إن نقل هذا المذهب عنه غير صحيح؛ لأن في الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث. ولعل مما يشهد لما قاله بعض الأصوليين, ونقل عن ابن المسيب ما رواه محمد بن سعيد بسند جيد في كتابه "الطبقات" عن علي بن محمد عن شعبة عن موسى السيلاني2, وأثنى عليه خيرًا قال: أتيت أنس بن مالك فقلت له: أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: "قد بقي قوم من الأعراب قد رأوه، وأما من صحبه فأنا آخر من بقي", وقد رواه الإمام مسلم بحضرة أبي زرعة، ويمكن أن يجاب عن هذا بأنه أراد صحبة خاصة، ولا ينفي هذا ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كاف في إثبات الصحبة. وهناك أقوال أخرى غير معتد بها، منها ما قاله الجاحظ: إن الصحابي من طالت صحبته للنبي وروى عنه، ومنها أنه من رآه بالغًا حكاه الواقدي، ومنها أنه من أدرك زمنه وإن لم يره، وشرط الماوردي في الصحابي أن يتخصص بالرسول ويتخصص به الرسول3. والصحيح ما قدمناه عن محققي المحدثين، وهو الذي يشهد له صنيع جمهور المؤلفين في الصحابة، وذلك لشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجلالة قدره، وقوة تأثيره في نفس من يراه من المسلمين، فكأنه إذا رأى مسلمًا أو رآه

_ 1 الصحيح أن جرير البجلي أسلم في رمضان سنة عشرة من الهجرة, أما ما روي أنه أسلم في أول البعثة, أو أنه أسلم قبل وفاة النبي بأربعين يومًا فغير صحيح. 2 قال العراقي: وقع في مقدمة ابن الصلاح "السبلاني" بفتح السين المهملة وفتح الباء الموحدة, والمعروف أنه بسكون الياء المثناة من تحت هكذا ضبطه السمعاني في الأنساب. 3 التدريب ص204.

مسلم لحظة طبع قلبه على الإيمان، وجوارحه على الاستقامة على الدين؛ لأنه بإسلامه متهيئ للقبول والتأثر, فإذا قابل ذلك النور العظيم أشرق عليه، فظهر أثره على قلبه بقوة الإيمان، وعلى جوارحه بالاستقامة والعمل الصالح، والأخلاق الكريمة، وقد كان يأتيه الكافر, فينظر إليه فإذا به يصير مؤمنا صادقا, فما بالك بالمسلم؟ ويشهد لهذا الرأي الراجح الحديث المروي في الصحيحين من رواية جابر بن عبد الله الأنصاري عن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام 1 من الناس, فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون لهم: نعم فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس, فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون لهم: نعم فيفتح لهم, ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس, فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم".

_ 1 جماعة وهو بكسر الفاء وهمزة على الياء وحكى فيه ترك الهمزة.

بم تعرف الصحبة

"بم تعرف الصحبة؟ ": تعرف الصحبة بأمور: 1- بالتواتر: كالخلفاء الأربعة، وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم وسواء أكان ذلك بالقرآن على سبيل التنصيص على الصحبة كالصديق أبي بكر رضي الله عنه فقد أجمع المفسرون على أنه المراد بالصاحب في قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} , أو ذكر اسمه كزيد بن حارثة في قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} , أو بالسنة المتواترة. 2- أو بالاستفاضة والشهرة كضمام بن ثعلبة وعكاشة بن محصن وسلمة بن الأكوع وغيرهم.

3- أو يقول صحابي عنه أنه صحابي كحممة بن أبي حممة الدوسي, الذي مات مبطونا بأصبهان زمن سيدنا عمر, فشهد له أو موسى الأشعري أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم له بالشهادة. ذكره أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" ورويت قصته في مسند الطيالسي ومعجم الطبراني. 4- أو بإخبار بعض ثقات التابعين عنه بأنه صحابي وهذا بناء على قبول التزكية من واحد وهو الراجح. 5- أو بإخباره عن نفسه بأنه صحابي, وذلك بشرط أن يكون معروف العدالة وبشرط أن يكون ادعاؤه لذلك قبل مضي مائة سنة من وفاته -صلى الله عليه وسلم- فإن ادعاها بعد المائة, فلا تقبل دعواه ويكون كاذبا وذلك كجماعة ادعوا الصحبة بعد المائة كأبي الدنيا الأشج، ومكلبة بن ملكان، ورتن الهندي, فقد أجمع أهل الحديث على كذبهم, وذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قال: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد". الحديث1, وفيه: "يريد بذلك انخرام ذلك القرن", وكان إخباره بذلك قبل موته بشهر كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل أن يموت بشهر: "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ" , وهذه الرواية المقيدة باليوم يحمل عليها ما ورد في بعض طرق حديث جابر عند مسلم أيضا: "ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة". وبهذه المناسبة أنبه إلى أن بعض المستشرقين وتابعهم بعض الكتاب المعاصرين2 زعموا أن الحديث يدل على قيام الساعة، والساعة لم تقم

_ 1 صحيح البخاري, كتاب العلم, باب السمر في الليل. 2 فجر الإسلام ص266 للأستاذ أحمد أمين.

بعد مائة سنة من مقالته، وقالوا: إن الحديث غير صحيح لمخالفته للواقع والمشاهدة! ولو أنهم عقلوا وتأملوا لعلموا أن المراد انخرام ذلك القرن أي انتهاء أهله كما بينته رواية البخاري, بل جاء في روايته أيضا أن بعض الناس وهموا وظنوا أن المراد قيام الساعة, ثم تبين لهم أن المراد انتهاء الجيل، والساعة كما نطلق على الساعة الكبرى تطلق على الساعة الخاصة كساعة الأمم أو الأجيال، فرد الحديث بناء على وهم وخطأ في الفهم ليس من قواعد البحث العلمي الصحيح في شيء. وكلام الأصوليين أيضا يقتضي ما ذكرناه, فإنهم اشترطوا في ثبوت الصحبة بادعائه أن يكون قد عرفت معاصرته للنبي. قال الآمدي في الإحكام: "فلو قال من عاصره: أنا صحابي مع إسلامه وعدالته فالظاهر صدقه، وحكاهما ابن الحاجب احتمالين من غير ترجيح. قال: ويحتمل أن لا يصدق لكونه متهما بدعوى رتبة يثبتها لنفسه"1.

_ 1 شرح مقدمة ابن الصلاح ص261.

عدالة الصحابة

"عدالة الصحابة": 1- الصحابة كلهم عدول عند جمهور الفقهاء من المحدثين والفقهاء والأصوليين، ومعنى عدالتهم استقامتهم على الدين، وائتمارهم بأوامره وانتهاؤهم عن نواهيه, وأنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك لما اتصفوا به من قوة الإيمان، والتزام التقوى، والمروءة وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور، وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي أو من السهو أو من الغلط, فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم، ولم يخالف في عدالتهم أو عدالة بعضهم إلا شذاذ من المبتدعة وأهل الأهواء لا يعتد بأقوالهم وآرائهم؛ لعدم استنادها إلى برهان وسنعرض لهذه الآراء فيما بعد ومناقشتها.

وعدالة الصحابة ثابتة معلومة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكلام من يعتبر به أئمة الدين والعلم من السلف الصالح ومن جاء بعدهم. أما القرآن فقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} 1, والمقصود بالخطاب أولا بالذات هم الصحابة، والوسط هم الخيار العدول إذ الوسط من كل شيء خياره وأعدله، وقال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 2, ففي الآية شهادة لهم بالخيرية, وهي خيرية الدين ففيها شهادة لهم بالعدالة، وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} , الآية3, وقال سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} , الآية4, وهم أهل بيعة الرضوان وكانوا زهاء ألف وخمسمائة, وقال عز شأنه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} إلى قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} 5, وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} إلى قوله: {رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} 6 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تزكيهم؛

_ 1 البقرة: 143. 2 آل عمران: 110. 3 التوبة: 100. 4 الفتح: 18. 5 الفتح: 29. 6 الحشر الآية 8-10.

وتشيد بفضلهم ومآثرهم، وصدق إيمانهم وإخلاصهم وسموا أخلاقهم، وأي شيء أكبر شهادة من الله الذي علم ما كان وما يكون؟ بل من أصدق من الله قيلا؟ أما السنة فقد نوه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التهم، ودعا إلى معرفة حقوقهم وإنزالهم منازلهم، وعدم إيذائهم والتهجم عليهم لما لهم من الأفضال والفضائل, ففي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" الحديث, وفي الحديث المتفق على صحته عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه" 1, وروي الترمذي وابن حبان في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه"، وروى البزار في مسنده بسند رجاله موثقون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين". والواقع التاريخي يؤيد هذا الحديث وغيره كل التأييد، وإنما يعلم ذلك حق العلم من اطلع على تاريخ الصحابة وسيرهم، وما كانوا عليه من العلم والعمل والتقوى، والتضحية بالنفس والمال والأهل والولد وطهارة الأخلاق والترفع عن الأهواء والشهوات. وقد كان كبار الصحابة, ولا سيما الخلفاء الراشدون المهديون يعرفون هذا الفضل لكل صحابي, ولو لم يكن له من الصحبة إلا الرؤية, فقد روي

_ 1 قد يقول قائل: إن هذا الحديث أريد به صحبة خاصة؛ لأن النبي قاله لخالد بن الوليد, لما تقاول هو وعبد الرحمن بن عوف, والجواب أنه لا يلزم من ورود الحديث على سبب خاص أنه لا يعم جميع الصحابة, فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأيضا فإذا نهى الصحابي عن سب الصحابي, فغيره أولى بالنهي وأجدر.

أنه جيء للفاروق عمر رضي الله عنه برجل بدوي قد هجا الأنصار وكانت له صحبة فقال لهم: "لولا أن له صحبة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أدري ما نال فيها لكفيتموه، ولكن له صحبة منه", فها هو عمر على صرامته في الحق قد توقف عن معاتبته, فضلا عن معاقبته لكونه علم أنه حظي بشرف الصحبة1. قال الخطيب البغدادي في "كفايته" بعد أن ذكر الكثير من الآيات والأحاديث: على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحالة التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على تعديلهم، والاعتقاد لنزاهتهم, وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم ... ثم روي بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال: "إذا رأيت الرجل يتنقص أحدا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق, وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة, وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة". وما أحكمها من كلمة ألقى بها الله سبحانه على لسان الإمام أبي زرعة رحمه الله وأثابه. وكذلك عرف للصحابة فضلهم كبار أئمة الفقه والأصول والرواية روى الحافظ البيهقي عن الإمام الشافعي -وهو هو دينا وعقلا وعلما وألمعية- أنه ذكر الصحابة في رسالته القديمة وأثنى عليهم بما هم أهله ثم قال: "وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا"2.

_ 1 مقدمة الإصابة ج1 ص110, مقدمة ابن الصلاح بشرحها ص260. 2 مقدمة ابن الصلاح ص263.

ولا يشكلن عليك ما روي من مراجعة الخليفتين أبي بكر وعمر لبعض الصحابة في بعض مروياتهم وطلبهم شاهدا ثانيا، ومراجعة بعض الصحابة لبعض في القليل النادر, فذلك ليس لتهمة ولا تجريح، وإنما هو زيادة في اليقين والتثبيت في الرواية, وبهذا التحوط وضع الخليفتان الراشدان المنهج السليم في التثبيت والاحتياط لمن يأتي بعدهما، وليس أدل على هذا من قول عمر لأبي موسى الأشعري, وقد طلب منه أن يأتي بمن يشهد معه أنه سمع ما رواه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أما إني لم أتهمك ولكنه الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم". فهل بعد هذا التصريح يتهم الصحابة متهجم، ويتظنن عليهم متظنن؟ 2- "رأي المازري": قال المازري في شرح البرهان: "لسنا نعني بقولنا: الصحابة عدول كل من رآه -صلى الله عليه وسلم- يوما ما، أو زاره يوما ما، أو اجتمع به لفرض وانصرف عن كثب, وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه واتبعو النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون", وقد رد كلام المازري هذا كثير من العلماء ولم يوافقوا عليه، قال الحافظ صلاح الدين العلائي: هو قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة كوائل بن حجر ومالك بن الحويرث، وعثمان بن أبي العاص وغيرهم ممن وفد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف، وكذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد، ولم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل، والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور وهو المعتبر1. 3- القول الثالث أن الصحابة كغيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم مطلقا, ويرده ما ذكرنا من الآيات والأحاديث وأقوال جمهور الأئمة. 4- أنهم عدول إلى وقت وقوع الفتن، وأما بعد ذلك فلا بد من

_ 1 التدريب ص204.

البحث عمن ليس ظاهر العدالة منهم. 5- قول المعتزلة: إنهم كلهم عدول إلا من قاتل عليّ بن أبي طالب منهم فإنه ليس بعدل. 6- ويقرب من هذا القول من قال: كلهم عدول إلا من داخل الفتنة مقاتِلا أو مقاتَلا. وكل هذه الأقوال ليست بصواب إحسانا للظن بهم، وحملا لهم فيما شجر بينهم من خلاف وحروب على الاجتهاد, قال الحافظ ابن كثير: "وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام, فمنه ما وقع عن غير قصد كيوم الجمل, ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ, ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ مأجور أيضا، وأما المصيب فله أجران، وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين. وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل عليًّا. قول باطل مرذول ومردود، وقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال عن ابن بنته الحسن بن علي، وكان معه على المنبر: "إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين", وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر بعد موت أبيه عليّ، واجتمعت الكلمة على معاوية، وسمي "عام الجماعة" وذلك سنة أربعين من الهجرة، فسمى الجميع "مسلمين" وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فسماهم "مؤمنين" مع الاقتتال، ومن كان من الصحابة مع معاوية؟ يقال: لم يكن في الفريقين مائة من الصحابة, والله أعلم وجميعهم صحابة فهم عدول كلهم"1.

_ 1 الباعث الحثيث لابن كثير ص220.

المكفرون لبعض الصحابة

"المكفرون لبعض الصحابة": وهناك طوائف من الروافض وأضرابهم كفروا الصحابة إلا البعض من غير دليل من عقل أو نقل، وإنما هو الهوى والتعصب المذهبي المذموم، وهم أحق أن يبوءوا بما رموا به هؤلاء السادة الأماجد، ولقد ضلوا ببدعتهم التي خالفوا فيها نصوص القرآن والسنة الصحيحة والعقل والتاريخ الصحيح وأضلوا غيرهم, وليحملن أوزارهم وأوزارا مع أوزارهم إلى يوم القيامة. قال العلامة ابن كثير: "وأما طوائف الرفض1 وجهلهم, وقلة عقلهم، ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابيا وسموهم, فهو من الهذيان بلا دليل, إلا مجرد الرأي الفاسد، عن ذهن بارد، وهو متبع، وهو أقل من أن يرد، والبرهان على خلافه أظهر وأشهر مما علم من امتثالهم أوامره بعده عليه الصلاة والسلام، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبليغهم عنه الكتاب والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة، ومواظبتهم على الصلوات والزكوات وأنواع القربات، في سائر الأحيان والأوقات مع الشجاعة والبراعة، والكرم والإيثار، والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة، ولا يكون أحد بعدهم مثله في ذلك، فرضي الله عنهم أجمعين ولعن الله من يتهم الصادق، ويصدق الكاذب, آمين يا رب العالمين"2.

_ 1 هم قوم من غلاة الشيعة يرفضون إمامة الشيخين, بل يكفرونهما وغيرهما من الصحابة. 2 الباعث الحثيث ص221.

أكثر الصحابة رواية للحديث

"أكثر الصحابة رواية للحديث": لم يكن الصحابة في الرواية سواء, فمنهم المقل ومنهم المكثر، وأكثرهم رواية سبع، منهم من زادت مروياته عن الألفين، ومنهم من كانت مروياته دون الألفين وفوق الألف وقد نظمهم بعضهم بقوله: سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا ... من الحديث عن المختار خير مضر

أبو هريرة سعد1 جابر أنس صديقه وابن عباس كذا ابن عمر وإليك أسماءهم على ترتيبهم الأكثر فالأكثر: 1- أبو هريرة: روى خمسة آلاف وثلثمائة وأربعة وسبعين حديثًا "5374". 2- عبد الله بن عمر: روى ألفين وستمائة وثلاثين حديثًا "2630". 3- أنس بن مالك: روى ألفين ومائتين وستًا وثمانين حديثًا "2286". 4- عائشة: روت ألفين ومائتين وعشرة أحاديث "2210". 5- ابن عباس: روى ألفًا وستمائة وستين حديثًا "1660". 6- جابر بن عبد الله: روى ألفا وخمسمائة وأربعين حديثًا "1540". 7- أبو سعيد الخدري: روى ألفا ومائة وسبعين حديثًا "1170". ويلي هؤلاء في الكثرة: 1- عبد الله بن مسعود, فقد روى ثمانمائة وثمانية وأربعين حديثًا. 2- عبد الله بن عمرو بن العاص روى سبعمائة حديث. وقد اعتمد العلماء في ذلك على ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي في كتابه "تلقيح فهوم أهل الأثر", وقد اعتمد ابن الجوزي في عدده على ما وقع لكل صحابي في مسند الإمام الجليل بقي بن مخلد الأندلسي2 المتوفى سنة 276هـ, فقد ذكر في كتابه أصحاب الألوف يعني من روى عنه أكثر من ألفي حديث، ثم أصحاب الألف يعني من روى فوق الألف

_ 1 مراده بسعد أبو سعيد الخدري إذ اسمه سعد بن مالك بن سنان. 2 "بقي" بفتح الباء وكسر القاف وتشديد الياء، و"مخلد" بفتح الميم وسكون الخاء وفتح اللام.

ودون الألفين، ثم أصحاب المئين يعني من روى أكثر من مائة وأقل من ألف، وهكذا إلى أن ذكر من روى عنه حديثان ثم من روى عنه حديث واحد. ومسند بقي بن مخلد من أجل كتب المسانيد، كتبه على أسماء الصحابة، ثم رتب أحاديث كل صحابي على أبواب الفقه فجاء كتابا حافلا في بابه جامعا بين الطريقتين: طريقة المسانيد وطريقة التأليف على الأبواب، وقد فضله الإمام ابن حزم على مسند الإمام أحمد، ومن أراد الاستيعاب عن بقي ومسنده فليرجع إلى كتابي "أعلام المحدثين ص103". ومما ينبغي أن يعلم أن هذا العدد يدخل فيه الأحاديث المكررة، فإن بعض المحدثين يعتبرون الحديث المكرر بمنزلة أحاديث، والحديث الواحد المفرق قطعا على حسب الاستدلال بمثابة أحاديث، ولم توجه سهام النقد الطائشة لأحد من المكثرين من الرواية أكثر ما وجهت إلى الصحابي الجليل أبي هريرة؛ لذلك رأيت لزاما عليّ في هذا المقام أن أكتب كلمة إنصاف لهذا الصحابي المظلوم على أساس من قواعد البحث العلمي الصحيح لا على أساس من الهوى والتعصب.

الصحابي المظلوم أبو هريرة

"الصحابي المظلوم أبو هريرة": لم أر أحدا من الصحابة -فيما أعلم- تعرض لسهام النقد الظالم بمثل ما تعرض له سيدنا أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- وهذه الحملة الجائرة تضرب في القدم إلى آماد بعيدة، فقد نقل لنا العلامة ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" الكثير مما رمي به أبو هريرة في القديم من النظام وأمثاله من أهل البدع والأهواء الذين لا علم لهم بالحديث ورجاله، ثم رد على طعونهم وتكلم كلام رجل عالم عاقل مثبت

نرجو أن يكافئه الحق عليه1. ولم نر أحدا يعتد به من أئمة العلم في الإسلام تعرض لأبي هريرة بما يغض من شأنه، أو يحط من قدره، ثم جاء بعض المستشرقين فوقعوا على أقوال هؤلاء المتحاملين، فأخذوها وزادوا وأعادوا فيها، ثم طلعوا علينا بآراء مبتسرة وأحكام جائرة، ولعل من نافلة القول أن أنبه إلى الأغراض السيئة التي يقصدها المستشرقون من وراء حملاتهم التي هي امتداد للحملات الصليبية، والتي يقصدون منها تقويض دعائم الإسلام والعروبة، وإضعاف الروح الدينية في نفوس المسلمين، كي يتم لدولهم ما تريد من الغلب السياسي، والاستئثار بخيرات البلاد، واستذلال رقاب العباد، وهم -شهد الله- يريدون من الطعن في بعض الصحابة حينا وفي السنة حينا آخر تشكيك المسلمين في الأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام، وهي السنة, وتقليل الثقة بها, وإذا تشكك المسلمون في السنة، وقللوا الثقة بها استعجم عليهم فهم القرآن, ومعرفة المراد منه, وإذا استعجم القرآن, فقل على الإسلام العفاء. وقد نجح المستشرقون إلى حد ما في التأثير في بعض الكتاب المسلمين, ولا سيما الذين صنعوهم على يديهم في العصر الأخير, فاقتفوا آثارهم فيما زعموا، ورددوا دعاواهم التي لم يقم عليها دليل، بل وزادوا عليها من عند أنفسهم، وهؤلاء وأولئك نفثوا سمومهم تحت ستار البحث وحرية النقد، والله يعلم والراسخون في العلم أن ما زعموا أبعد ما يكون عن العلم الصحيح والبحث القويم، والنقد النزيه. وقد تابعهم بعض الباحثين من أهل العلم والمعرفة في بعض ما قالوا وذلك كما صنع صاحب "فجر الإسلام" و"ضحاه"، وتابعهم أيضا

_ 1 من المؤسف أن بعض الطاعنين في أبي هريرة من المتأخرين نسبوا هذا إلى ابن قتيبة مما يوهم القارئ أن الطاعن ابن قتيبة, وهو تدليس قبيح، وافتراء دنيء لا يليق افتراؤه بأهل العلم والأدب.

بعض أدعياء العلم والأدب في كل ما قالوه، بل وأربي عليهم, وذلك كما صنع صاحب كتاب "أضواء على السنة المحمدية" وقد عقد في كتابه فصلا طويلا تحت عنوان "أبو هريرة" حشاه بكل حارجة من السباب والشتيمة، وتهجم فيه عليه وعلى بعض الصحابة ورماهم بالكذب والاختلاق، وردد في هذا مقالة النظام وغيره من الطاعنين, وتبعهم حذو النعل بالنعل، ولا تكاد تطلع على صفحة من هذا الفصل إلا وتجد فيها من الأخطاء العلمية، والإسفاف في التعبير ما نربأ بأي كاتب عنهما مما يدل على أنه دخل إلى هذا البحث, وهو متشبع بأهواء وأحقاد نفسية مما نأى به عن البحث المستقيم، والرأي الصواب. وقواعد البحث النزيه تقتضي من الباحث إذا ما شرح في بحث أن يجمع مادته ونصوصه ثم يجرد نفسه من أي هوى أو رأي خاص، ثم يبحث ويمحض الروايات، ويوازن بين النصوص حتى يأتي حكمه أقرب إلى الحق والصواب، أما أن يأخذ ما يشاء بهواه، ويدع ما يشاء بهواه, فهذا ما لا تقره قواعد البحث العلمي الصحيح والنقد النزيه. من هو أبو هريرة؟ هو عبد الرحمن بن صخر أو عبد الله على الأصح على كثرة ما اختلف في اسمه, واسم أبيه في الجاهلية والإسلام, وهو دوسي ودوس قبيلة من الأزد إحدى قبائل اليمن, وكان ذا شرف فيهم. قال ابن إسحاق: "كان وسيطا في دوس" ولم يختلف أحد أنه قدم على النبي مسلما عقب خيبر وكانت في المحرم سنة سبع فيكون صاحب النبي أربع سنين قضى منها فترة وجيزة مع الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي بالبحرين مؤذنا ومعلما كما روى ذلك ابن سعد في الطبقات فما يخلص له من زمن مصاحبته للنبي يزيد عن ثلاث سنوات, وهي ليست بالزمن القصير في عمر الصحبة، وليس ببدع في العقل, ولا في العادة أن يجمع شخص فيها من الأحاديث أكثرها مما يجمعه غيره, ولا سيما إذا كان له من التفرغ والإقبال على العلم وقوة الحافظة والذكاء، وطول العمر

والأسباب الحاملة على الإكثار ما لم يتهيأ لغيره, وإنا لنجد في العصور المتقدمة والمتأخرة -على فرق ما بين الحالين- بعض التلاميذ والمريدين الذين لازموا أساتذتهم وشيوخهم مدة غير طويلة يقيدون عنهم الكتب والمجلدات ويحفظون عن ظهر قلب من كلامهم ما يربو على ما حفظه أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحب أن لا يعزب عن علمنا أن هذه الخمسة الآلاف وزيادة من الأحاديث؛ منها ما لا يزيد عن بضعة أسطر ومنها ما هو دون ذلك؛ وهي تشمل كل ما سمعه من النبي أو رآه من فعله، أو تلقاه عن غيره من قدماء الصحابة فأي غرابة في هذه؟ وإليك أهم الأسباب والبواعث لهذا الإكثار.

بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به ... "1. 2- هذا إلى ما امتاز به من ذاكرة قوية، وحافظة نادرة بسبب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد سمعت ما رواه مسلم آنفا، وروى البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: "قلت يا رسول الله إني لأسمع منك حديثا أنساه فقال: "ابسط رداءك" قال: فبسطته، فغرف بيده, ثم قال: "ضمه" , فضممته فما نسيت شيئا بعد", وقد رويت هذه القصة من طرق كثيرة ذكرها الحافظ ابن حجر في الإصابة2 وقد عد العلماء هذا من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- وروى النسائي بسند جيد في "العلم" من كتاب "السنن", والحاكم في المستدرك أن زيد بن ثابت قال: "كنت أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي -صلى الله عليه وسلم، فقال: "ادعوا" فدعوت أنا وصاحبي، وأمن النبي -صلى الله عليه وسلم، ثم دعا أبو هريرة, فقال: اللهم إني أسألك ما سألك صاحباي وأسألك علما لا ينسى، فأمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: ونحن يا رسول الله، فقال: "سبقكما به الغلام الدوسي" , وقد صدقت الحوادث هذه الميزة في أبي هريرة, روي عن أبي الزعيزعة كاتب مروان قال: "أرسل مروان إلى أبي هريرة فجعل يحدثه، وكان أجلسني خلف السرير أكتب ما يحدث به حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله، وأمرني أن أنظر، فما غير حرفا عن حرف" وروى البخاري في التاريخ من حديث محمد بن عمارة بن حزم "أنه قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلا فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحديث, فلا يعرفه بعضهم، فيراجعون فيه حتى يعرفوه ... فعل ذلك مرارا, فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الصحابة". فلا تعجب إذا كان حظي بثناء الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم

_ 1 شكك في هذا الحديث المستشرق اليهودي "جولد زيهر". انظر "دائرة المعارف الإسلامية المجلد الأول ص407" وتابعه على إنكارها أبو رية وأمثاله. 2 "الإصابة في تمييز الصحابة" من أجل الكتب في سير الصحابة.

من أئمة العلم والفقه والرواية, فهذا هو ابن عمر رضي الله عنهما يترحم عليه في جنازته ويقول: "كان يحفظ على المسلمين حديث النبي -صلى الله عليه وسلم", رواه ابن سعد في طبقاته, وروى وكيع عن الأعمش عن أبي صالح قال: "كان أبو هريرة أحفظ أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم", وقال الإمام الشافعي: "أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره", وقال الإمام البخاري: "روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم وكان أحفظ من روى الحديث في عصره", فهل نصدق هؤلاء الأئمة أم نصدق المستشرقين وأبواقهم؟ وكان رضي الله عنه إذا بدأ الحديث يقول: قال رسول الله الصادق المصدوق أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" , رواه أحمد، وروى مسدد في مسنده عن أبي هريرة قال: "بلغ عمر حديثي فقال لي: كنت معنا يوم كنا في بيت فلان؟ قلت: نعم إن رسول الله قال يومئذ: "من كذب عليّ ... " الحديث, قال: فاذهب الآن فحدث", وهذا يدل على شدة تحريه وتنبئه في الرواية. 3- حرصه البالغ على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولا وعملا؛ وقد شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك, روى البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث, أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه". 4- لقد كان من دواعي إكثاره أيضا تفرغه للعلم والرواية والفتيا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولم يتول الإمارة إلا فترة من حياته زمان الفاروق عمر ثم رغب عنها فيما بعد, روى عبد الرزاق بسنده عن ابن سيرين: "أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين, فقدم بعشرة آلاف, فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال, فمن أين لك؟ قال: خيل نتجت، وأعطية

تتابعت، وخراج رقيق لي، فنظر فوجدها كما قال، ثم دعاه ليستعمله فأبى, فقال: لقد طلب العمل من كان خيرا منك قال: إنه يوسف نبي الله ابن نبي الله, وأنا أبو هريرة بن أمية, وأخشى ثلاثا: أن أقول بغير علم، أو أقضي بغير حكم، ويضرب ظهري ويشتم عرضي وينزع مالي. 5- تأخر وفاته, فقد توفي سنة سبع وخمسين على الصحيح, وقيل ثمان أو تسع وخمسين للهجرة, وقد أتاح له تفرغه, وتأخر وفاته أن كان الآخذون عنه كثيرون جدا, وقد سمعت مقالة البخاري الآنفة, وأنه له من الأصحاب والتلاميذ نحو الثمانمائة1, وغير خفي عنا أن للأصحاب والتلاميذ الفضل الأكبر في نشر علم الشيخ وحديثه وعلى قدر كثرتهم أو قلتهم يكون شهرة مذهب الإمام أو عدم شهرته, ومن الكلمات المأثورة عن الإمام الشافعي قوله: "الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به", فلا تعجب بعد هذه المقدمات أن يكون أبو هريرة أكثر الصحابة رواية, ومن أراد استيفاء الرد على كل ما أثير حول أبي هريرة وغيره من الصحابة فليرجع إلى كتابي "دفاع عن السنة"2. "فائدة": السبب في قلة مرويات الصديق رضي الله تعالى عنه مع أنه أول من آمن من الرجال وأفضل الصحابة مع كثرة ملازمته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن الكثرة في الرواية لا ترجع إلى طول الصحبة فحسب، بل هناك عوامل أخرى عرضنا لها في بيان الحق في كثرة رواية أبي هريرة كالتفرغ للعلم والرواية، وتأخر الوفاة، والصديق رضي الله عنه اشتغل عقب وفاة الرسول بمهام الخلافة، وتثبيت دعائم الإسلام بقتال المرتدين, ونشر رسالة الإسلام, فلم يكن عنده وقت للرواية, وأيضا فقد تقدمت وفاته قبل استقرار الأحوال، وانتشار الحديث وتفرغ الناس للعلم، واعتنائهم بسماعه وتحصيله وحفظه.

_ 1 الإصابة في تاريخ الصحابة ج4 ص202-210، والاستيعاب على هامش الإصابة ج4 ص202. 2 من ص107-147، وقد طبع ونفذ، وقد نعيد طبعه إن شاء الله تعالى.

أكثر الصحابة علما وفتيا

"أكثر الصحابة علما وفتيا": كما اشتهر بالإكثار من الرواية بعض الصحابة، كذلك اشتهر بالفقه والفتيا آخرون، ومنهم من جمع بين الأمرين كالإكثار من الرواية والفقه والفتوى كابن عباس رضي الله عنهم. وقد اختلف في أكثرهم فتيا, فقيل: ابن عباس، روي عن أحمد بن حنبل قال: "ليس أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يروى عنه في الفتوى أكثر من ابن عباس", وقد جمع بعض أئمة الإسلام فتيا ابن عباس في عشرين كتابا1. وقيل: غير ذلك, روي عن مسروق بن الأجدع التابعي الجليل أنه قال: "انتهى علم الصحابة إلى ستة: عمر، وعلي، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت, وأبي الدرداء، وابن مسعود, ثم انتهى علم الستة إلى علي وابن مسعود", وروى الشعبي عنه -أي مسروق- نحوه إلا أنه ذكر أبا موسى الأشعري بدل أبي الدرداء، وقد استشكل قول مسروق بأن عليًّا وابن مسعود ماتا قبل زيد بن ثابت وأبي موسى بلا خلاف, فكيف ينتهي علم من تأخرت وفاته إلى علم من مات قبله! وقد أجاب الحافظ العراقي عن ذلك بأنهما ضما علم المذكورين إلى علمهما في حياتهم، وإن تأخر زمان وفاة بعضهم عنهما2. والذي يظهر لي في الجواب -والله أعلم- أنه ليس المراد به الانتهاء الزمني فحسب, وإنما المراد ذلك مع الشهرة في العلم، وأن علم هذين طغى على علم غيرهما حتى من تخلف عنهما وفاة, والظاهر أن علم أبي موسى اندرج تحت علم عليّ، وأن علم زيد اندرج تحت علم ابن مسعود كما يدل على ذلك كلام الشعبي الآتي, ولولا تقدم وفاة عمر

_ 1 إعلام الموقعين ج1 ص9. 2 شرح مقدمة ابن الصلاح ص262.

لانتهى إليه هو وأبو الحسن على علم الصحابة، وبوفاته تزعم مدرسته تلميذه وخريجه ابن مسعود. ولم يكن هؤلاء الستة يمثلون مشربا واتجاها واحدا في الفقه والفتيا, بل كانوا على منحيين واتجاهين، ويفصح عن هذا ما روي عن الشعبي أيضا قال: "كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان عمر وعبد الله يعني ابن مسعود، وزيد يشبه علم بعضهم بعضا، ويقتبس بعضهم من بعض، وكان عليّ والأشعري وأبي -يعني ابن كعب- يشبه علم بعضهم بعضا وكان يقتبس بعضهم من بعض", وكان ابن مسعود شديد الاقتداء بعمر في علمه وفتواه, روي عنه أنه كان يقول: "لو سلك الناس واديا وشعبا وسلك عمر واديا وشعبا لسلكت وادي عمر وشعبه", فلا عجب أن كان متزعما لمدرسة عمر العلمية والفقهية وأن انتهى إليه علمها.

المعروفون بالفتوى من الصحابة

المعروفون بالفتوى من الصحابة: وهناك آخرون من الصحابة عرفوا بالفتوى غير هؤلاء الذين اشتهروا بها, وروي عنهم فيها أكثر ممن روي عن غيرهم، والصحابة متفاوتون في الفتوى قلة وكثرة وتوسطا, وإليك ما قاله الإمام أبو محمد بن حزم قال: "أكثر الصحابة فتوى مطلقا سبعة: عمر، وعلي, وابن مسعود، وابن عمر, وابن عباس, وزيد بن ثابت، وعائشة. قال: ويمكن أن يجمع في فتوى كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم، وقال: ويليهم عشرون وهم: أبو بكر، وعثمان، وأبو موسى، ومعاذ، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وأنس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسلمان، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وطلحة, والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن حصين، وأبو بكرة، وعبادة بن الصامت، ومعاوية, وابن الزبير، وأم سلمة. قال: يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير، قال:

وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسًا مقلون في الفتيا جدًّا, لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة، والمسألتان، والثلاث يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير بعد البحث كأبي بن كعب وأبي الدرداء، وأبي طلحة، والمقداد وغيرهم وسرد الباقين"1. وقد يستشكل عد ابن حزم أُبيًّا وأبا الدرداء من المقلين, بينما عدهم مسروق أنهم ممن انتهى إليهم العلم من الصحابة، وكذلك اختلاف العلماء في الأكثر أو الأقل رواية وفتوى. والذي يظهر لي في الجواب -والله أعلم- أنه لا يلزم من كثرة العلم والفتيا في الحقيقة ونفس الأمر أن ينقل ذلك عنه، فهناك أئمة كبار ملئوا الأرض علمًا كالليث والأوزاعي, ولكن لم ينقل لنا من علمهم وفقههم إلا القليل، وذلك لقلة تلاميذهم وأتباعهم أو لغير ذلك من الأسباب، وهناك أئمة لولا تلاميذهم لما وصل إلينا هذا العلم الكثير عنهم، يؤيد هذا ما روي عن عليّ بن المديني أنه قال: "لم يكن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس -رضي الله عنهم- كان لكل رجل منهم أصحاب يقولون بقوله، ويفتون الناس به"2, ولعل مراده أن هؤلاء أكثر من غيرهم تلامذة وأتباعًا أمناء، وإلا فهناك سيدنا عليّ كان له أتباع وتلامذة وأصحاب نشروا علمه لكن بعض أتباعه -وهم الشيعة- أفسدوا كثيرًا من علمه وفتياه بالكذب والاختلاق عليه، وقال ابن القيم: "وكان من المفتين عثمان بن عفان، قال ابن جرير: غير أنه لم يكن له أصحاب يعرفون، والمبلغون عن عمر فتياه ومذاهبه وأحكامه في الدين بعده كانوا أكثر من المبلغين عن عثمان والمؤدين عنه". وقال: "وأما عليّ بن أبي طالب عليه السلام "كذا"

_ 1 مقدمة الإصابة ج1 ص12, إعلام الموقعين ج1 ص9-11. 2 مقدمة ابن الصلاح ص262.

فانتشرت أحكامه وفتاويه ولكن قاتل الله الشيعة، فإنهم أفسدوا كثيرا من علمه بالكذب عليه, ولهذا تجد أصحاب الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه وفتواه إلا ما كان من طريق أهل بيته, وأصحاب عبد الله بن مسعود "كعبيدة" السلماني، وشريح، وأبي وائل ونحوهم، وكان رضي الله عنه وكرم وجهه يشكو عدم حملة العلم الذي أودعه كما قال: "إن هاهنا علما لو أصبت له حملة"1, فمن ثم اختلفت أنظار العلماء وأقوالهم في بعض الأشخاص تبعا لهذه الاعتبارات, فلعل مسروقا لقرب عهده من الصحابة اطلع على قدر كبير من علمهما وفتاويهما, فصدر منه هذا الحكم، بينما ابن حزم لتأخر زمنه لم يطلع إلا على القليل من فتاويهما فحكم عليهما بالقلة، فكن على بينة من هذا ولا يشكلن عليك مثل هذا. "العبادلة الأربعة": سئل الإمام أحمد بن حنبل, فقيل له: من العبادلة؟ قال: "عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص", فقيل له: فأين ابن مسعود؟ فقال: "ليس عبد الله بن مسعود من العبادلة", وعلل لذلك الإمام البيهقي فقال: "لأن ابن مسعود تقدم موته وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم، فإذا اجتمعوا على شيء قيل: هذا قول العبادلة أو فعلهم". وهذا هو الصحيح المشهور بين علماء الحديث والفقه، وقيل: هم ثلاثة بإسقاط ابن الزبير منهم, وعليه اقتصر الجوهري في الصحاح, وأما ما حكاه الإمام النووي في "تهذيبه" عنه: أنه ذكر ابن مسعود، وأسقط ابن العاص فوهم، وذكر الرافعي في "الديات" والزمخشري في "المفصل" أن العبادلة هم: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس, وقد غلطا في ذلك من حيث الاصطلاح.

_ 1 إعلام الموقعين ج1 ص16.

وقد سمي بعبد الله من الصحابة كثيرون قيل نحو مائتين وعشرين كما قال ابن الصلاح في مقدمته, واستدرك عليه ابن فتحون كثيرين، والذي حققه العراقي أنهم يبلغون نحو الثلاثمائة1.

_ 1 مقدمة ابن الصلاح بشرحها ص262.

عدد الصحابة

"عدد الصحابة": قد حظي بشرف صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الألوف ممن لا يحصيهم العدد، ولا يجمعهم ديوان روى البخاري في صحيحه أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه عن تبوك: "وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثير لا يجمعهم كتاب حافظ" يعني الديوان1، وروى الخطيب البغدادي بإسناده عن أبي زرعة الرازي، وقد قيل له: أليس يقال: حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة آلاف حديث؟ فقال: ومن قال ذا؟ قلقل الله أنيابه، هذا قوله الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟! قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع، وفي رواية: ممن رآه وسمعه، فقيل له: يا أبا زرعة أين كانوا؟ وأين سمعوا منه؟ قال: أهل المدينة، وأهل مكة ومن بينهما، والأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع كل رآه، وسمع منه بعرفه. وقد استشكل الحافظ العراقي التحديد بهذا العدد وقال: "وكيف يمكن الاطلاع على تحديد ذلك مع تفرق الصحابة في البلدان والبوادي والقرى" ثم قال: وقريب منه ما أسنده أبو موسى المديني في ذيله على كتاب "الصحابة" لابن منده على أبي زرعة الرازي قال: توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، وكل قد روى سماعا أو رؤية، وهذا لا تحديد فيه، فاعتراضه في الحقيقة على التحديد لا على الكثرة.

_ 1 الديوان: السجل الذي يدون فيه أرزاق الجند والعمال وغيرهم ثم أطلق على المكان مجازا وهو معرب.

والذي يظهر لي أن أبا زرعة إنما أراد التقريب لا التحديد، وأنه قال ذلك اجتهادا فقد روى ابن الصلاح عن أبي زرعة أنه سئل عن عدة من روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ومن يضبط هذا؟ شهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع أربعون ألفا، وشهد معه تبوك سبعون ألفا". وروى أبو بكر الساجي في مناقب الشافعي بسند جيد عنه أنه قال: "قبض رسول الله والمسلمون ستون ألفا: ثلاثون ألفا بالمدينة، وثلاثون ألفا في قبائل العرب وغير ذلك", والحق أن ضبط العدد على التحديد الدقيق متعذر وأن كلا قال ما قال على اجتهاده، وما وصل إليه علمه، ولعل ما ذكره أبو زرعة هو الأقرب إلى الحق والصواب. ولا يشكلن عليك أن جميع ما ألف في الصحابة من كتب لا يزيد عددهم فيها عن عشر هذا المقدار إلا قليلا, وأوفاها وهو الإصابة مجموع التراجم التي فيها "12289" بما في ذلك المكرر للاختلاف في اسم الصحابي أو شهرته بلقب، أو كنية أو نحو ذلك، وبما فيه أيضا ممن ذكره بعض المؤلفين في الصحابة وليس منهم؛ لأنه ليس بلازم أن كل صحابي يصل خبره إلى الرواة المؤلفين مهما بالغوا في التتبع والاستقصاء، فكثير منهم أعراب حضروا حجة الوداع، ثم رجعوا إلى البادية, فلم يعلم عنهم خبر، وكثير منهم مات في حروب الردة، وفي الفتوحات في عهد أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وفي الطاعون العام كعمواس وغير ذلك, وكل هذا من أسباب خفاء الأسماء وضياع الأخبار. ومهما يكن من شيء فتحديد أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربعة آلاف مقالة زنديق ولا ريب يقصد بها التشكيك في الأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام وهي السنة، ورحم الله الإمام الجليل أبا زرعة لتنبيهه إلى ذلك، وشكر الله تبارك وتعالى له على هذه الالتفاتة الذكية الواعية، وليس أدل على هذا من أن الدواوين الواسعة المؤلفة في

الأحاديث من الصحاح، والمسانيد والسنن، والجوامع، والأجزاء تضم الألوف الكثيرة الثابتة من الأحاديث الصحاح والحسان.

طبقات الصحابة

"طبقات الصحابة": من العلماء من نظر إلى الصحابة من حيث اشتراكهم في شرف الصحبة, فجعلهم طبقة واحدة, كالإمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي "م354", وغيره من العلماء من نظر إليهم باعتبار سبقهم إلى الإسلام والهجرة وشهودهم المشاهد الفاضلة, فجعلهم طبقات, وقد استدلوا لهذا بقول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} الآية1، وقول الرسول: "ولو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"، وغير ذلك مما ورد فيه تفضيل أهل بدر والحديبية على غيرهم, وذكر فضائل بعض الصحابة التي يستدل بها على منازلهم, ومن هؤلاء محمد بن سعد, فقد جعلهم في كتابه "الطبقات" خمس طبقات، وزاد بعضهم أكثر من ذلك، والمشهور ما ذهب إليه الحاكم فقد جعلهم اثنتي عشرة طبقة وها هي: 1- قوم تقدم إسلامهم بمكة كالخلفاء الأربعة. 2- الصحابة الذين أسلموا قبل تشاور أهل مكة في دار الندوة. 3- مهاجرة الحبشة. 4- أصحاب العقبة الأولى. 5- أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار. 6- أول المهاجرين الذين وصلوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقباء قبل أن يدخل المدينة. 7- أهل بدر. 8- الذين هاجروا بين بدر والحديبية. 9- أهل بيعة الرضوان في الحديبية. 10- من هاجر بين الحديبية وفتح مكة كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص. 11- مسلمة الفتح الذين أسلموا في فتح مكة. 12- صبيان وأطفال رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرهما.

_ 1 سورة الحديد: 10.

أفضل الصحابة

أفضل الصحابة مدخل ... "أفضل الصحابة": وأفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان, وهو أبو قحافة التيمي, ثم من بعده عمر بن الخطاب, وذلك بإجماع أهل السنة. قال القرطبي: "ولا مبالاة بأقوال أهل التشيع ولا أهل البدع". ثم عثمان بن عفان, ثم علي بن أبي طالب, وهذا رأي المهاجرين والأنصار حين جعل عمر الأمر من بعده شورى بين ستة فانحصر في عثمان وعليّ. واجتهد فيهما عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها حتى سأل النساء في خدورهن، والصبيان في المكاتب, فلم يعدلوا بعثمان أحدا فقدمه على عليّ وولاه الأمر قبله. ولهذا قال الدارقطني: "من قدم عليًّا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار". وعلى هذا جمهور الفقهاء والمحدثين والأشعري والباقلاني وكثير من المتكلمين والدليل عليه قول ابن عمر: "كنا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر, ثم عثمان", رواه البخاري ورواه الطبراني في الكبير عنه بلفظ: "كنا نقول ورسول الله حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله ولا ينكره", وذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم عليّ على عثمان، ويحكى عن سفيان الثوري ولكن يقال: إنه رجع عنه، ونقل مثله عن وكيع بن الجراح، ونصرة بن خزيمة والخطابي. ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة وهم: سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وطلحة بن عبد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح، ثم بعدهم أهل بدر وهم ثلاثمائة وبضعة عشرة ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان. وممن لهم مزية فضل على غيرهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، واختلف في المراد بهم على أربعة أقوال فقيل: هم أهل بيعة

الرضوان، وهو قول الشعبي، وقيل هم الذين صلوا إلى القبلتين وهو قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة وغيرهم، وقيل: هم أهل بدر, وهو قول محمد بن كعب القرظي وعطاء بن يسار, وقيل: هم الذين أسلموا قبل فتح مكة، وهو قول الحسن البصري، وممن لهم مزية أيضا أهل العقبتين من الأنصار رضي الله عن الجميع.

خصائص بعض الصحابة

"خصائص بعض الصحابة": لقد خص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض أعيان أصحابه بخصائص ومميزات، ووسمهم بصفات، منها ما يرجع إلى الصفات الجبلية كالرحمة واللين أو الشدة والصلابة في الحق، ومنها ما يرجع إلى الصفات الكسبية كالفقه، والعلم بالحلال والحرام، والأمانة والصدق في القول ونحوها, وهذه الخصائص والمميزات لا تقتضي تفضيلا عاما، وقد يكون في الفاضل من الصفات ما ليس في الأفضل من ذلك ما رواه الترمذي بسنده عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأفرضهم -أي أعلمهم بالمواريث- زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". وروى الحاكم وصححه حديث: "أفرض أمتي زيد" , ورواه أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب بأوفى من هذا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بها أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم عليّ، وأفرضهم زيد وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وأبو هريرة وعاء للعلم -أو قال: وعاء العلم- وعند سلمان علم لا يدرك، وما أظلت الخضراء -السماء- ولا أقلت الغبراء -أي الأرض- من ذي لهجة أصدق من أبي ذر". وروي أيضا مرفوعا: "عليّ

أقضى أمتي، وأبي أقرؤهم، وأبو عبيدة أمينهم", وروي عن عمر من وجوه: "عليّ أقضانا وأبي أقرؤنا", وقال سعيد بن المسيب: "كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن" يعني عليًّا، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في ابن مسعود: "من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"، وقال: "استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود -فبدأ به- وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل" , رواه البخاري إلى غير ذلك مما ورد في خصائص بعض الصحابة.

أزواجه صلى الله عليه وسلم

"أزواجه -صلى الله عليه وسلم": أفضل نساء هذه الأمة أزواج النبي قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} , وأفضل أزواجه خديجة وعائشة، وقد اختلف العلماء في التفضيل بينهما، فمنهم من فضل خديجة، ومنهم من فضل عائشة ومنهم من توقف في التفضيل بينهما، وقد استدل القائلون بتفضيل عائشة بما يأتي: 1- ما اشتهرت به من الفقه والعلم. 2- ولنزول تبرئتها من فوق سبع سماوات. 3- ولأنها كانت أحب نسائه إليه. 4- ولما رواه البخاري في صحيحه مرفوعا: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". واختار السبكي في "الحلبيات" تفضيل خديجة ثم عائشة ثم حفصة ثم الباقيات سواء, والذي أرجحه ما ذهب إليه السبكي من تفضيل خديجة رضي الله عنها وذلك: 1- لأنها أول من آمن بالنبي وواسته بنفسها ومالها، ووفرت له في حياتها كل وسائل الراحة النفسية والبيتية وأعانته على تأدية رسالته. 2- وأيضا فقد روى البخاري ومسلم عن علي قال:

سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد" أي كل منهما خير نساء زمانها. 3- ورويا أيضا بسنديهما عن أبي هريرة قال: "أتى جبريل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب, فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني السلام, وبشرها ببيت في الجنة من قصب1 لا صخب فيه ولا نصب", فقد أقرأها ربها السلام، ولم يثبت ذلك لأحد من نساء النبي, وكل ما ثبت لعائشة إقراء جبريل السلام لها, وقد وفرت السيدة خديجة للنبي -صلى الله عليه وسلم- كل وسائل الراحة في دنياها, فكان جزاء وفاقا أن يوفر الله سبحانه لها كل وسائل الراحة والنعيم في أخرها، وقد زاد الطبراني في رواية الصحيحين السابقة أنها قالت: "هو السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام" في رواية النسائي، "وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته", وفي هذا الجواب ما يدل على فقهها, ووفور عقلها، وحسن أدبها رضي الله عنها. 4- وأصرح من ذلك في الدلالة على تفضيلها على عائشة ما رواه ابن مردويه في تفسيره بسند صحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا ثلاث 2 مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد3 على سائر الطعام". "عرفان الرسول لها فضلها": فلا تعجب إذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حزن لموتها حزنا شديدا, وكان دائم الذكر لها والترحم عليها, روي عن عائشة

_ 1 القصب اللؤلؤ المجوف. 2 من الموافقات اللطيفة التي جمعت الثلاث في نسق واحد أن كل واحدة منهن كفلت نبيا مرسلا وأحسنت له الصحبة وآمنت به, فآسية ربت موسى وأحسنت إليه, وصدقت به حين بعث, ومريم كفلت عيسى، وربته وصدقت به حين أرسل, وخديجة رغبت في النبي، وواسته بنفسها ومالها، وأحسنت صحبته، وكانت أول من صدقه حين نزل عليه الوحي. 3 الفت باللحم وكان عند العرب من أطيب الأطعمة.

قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها فذكرها يوما من الأيام فأخذتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزا قد أبدلك الله خيرا منها، فغضب، ثم قال: "والله ما أبدلني خيرا منها، آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله منها الولد دون غيرها" , وقالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبة أبدا. رواه أحمد والطبراني. ولم يقف الأمر عند ذكرها، بل كان يحب حبيباتها، ويصلهن فكان يذبح الشاة ويقطعها ويقول: أرسلوا إلى صديقات خديجة, رواه البخاري، وكانت تستأذن عليه هالة بنت خويلد أخت خديجة فيذكره صوتها بصوت خديجة، وحديثها العذب، وأيامها الحلوة فيهش لها، وترتاح نفسه لذلك، وتشرق أسارير وجهه، وجاءته ذات يوم امرأة عجوز من صويحباتها, فأحسن لقاءها، وصار يسأل عن أحوالها وما صارت إليه, فقالت عائشة لما خرجت: تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: "إنها كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان" , رواه الحاكم والبيهقي في الشعب ومما كافأ النبي به خديجة -رضي الله عنها وأرضاها- في الدنيا أنه لم يتزوج في حياتها غيرها وهذا أمر متفق عليه، وقد عاش معها زهرة شبابه ومعظم حياته الزوجية, فقد عاش النبي بعد زواجها ثمانيا وثلاثين عاما انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين عاما تقريبا وبذلك صان قلبها فيها من الغيرة التي هي من ملازمات النساء، ومن تكدير الضرائر لها، وهي فضيلة لم يشاركها فيها أحد غيرها من نساء النبي. "التفضيل بين عائشة وفاطمة": وكذلك اختلفوا في التفضيل بين السيدة فاطمة والسيدة عائشة رضي الله عنها على ثلاثة أقوال:

1- فاطمة أفضل. 2- عائشة أفضل. 3- التوقف في هذا. والأصح تفضيل فاطمة من حيث كونها بضعة منه -صلى الله عليه وسلم- ففي صحيح البخاري: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني" , وفي الصحيح أيضًا مرفوعًا: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة" وقد صحح هذا الرأي السبكي في "الحلبيات" وبالغ في تصحيحه، وقد ثبت في الصحيح أنها سيدة هذه الأمة، وروى النسائي عن حذيفة مرفوعًا قال: "هذا ملك من الملائكة استأذن ربه ليسلم عليّ, وبشرني أن حسنًا وحسينًا سيدا شباب أهل الجنة، وأمهما سيدة نساء أهل الجنة" , وفي مسند الحارث بن أسامة بسند صحيح لكنه مرسل: "مريم خير نساء عالمها وفاطمة خير نساء عالمها", ورواه البخاري موصولًا من حديث علي بلفظ: "خير نسائها مريم وخير نسائها فاطمة" , قال الحافظ ابن حجر: والمرسل يفسر المتصل يعني أن المراد نساء عالمها. قال الحافظ ابن حجر: "وأقوى ما يستدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن ما ذكر من قوله -صلى الله عليه وسلم: "إنها سيدة نساء العالمين إلا مريم" , وأنها رزئت بالنبي -صلى الله عليه وسلم، فإنهن متن في حياته فكن في صحيفته، ومات هو في حياتها فكان في صحيفتها وكنت أقول ذلك استنباطا إلى أن وجدته منصوصًا، فذكر ما رواه ابن جرير الطبري في تفسير سورة آل عمران من تفسيره"1. "بين السيدة خديجة والسيدة فاطمة": وكذلك اختلف في التفضيل بين خديجة وابنتها فاطمة، فمن العلماء من فضل أمها لما ذكرنا في فضلها، ومنهم من فضل فاطمة؛ لأنها بضعة منه -صلى الله عليه وسلم- قال السبكي الكبير: "الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة أفضل ثم عائشة أفضل", وقيل: إنهما سواء وهذا الرأي أولى وهو ما أميل إليه ويشهد له ما ذكرناه من حديث: "خير نسائها خديجة". وحديث: "خير نسائها

_ 1 فتح الباري ج7 ص83، 84، التدريب ص208.

فاطمة", وما رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث ابن عباس رفعه: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد" , فقد سوى بينهما. وقد سئل السبكي: هل قال أحد: إن أحدا من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- غير خديجة وعائشة أفضل من فاطمة؟ فقال: "قال به من لا يعتد بقوله، وهو من فضل نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- على جميع الصحابة؛ لأنهن في درجته -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، قال: وهو قول ساقط مردود", قال الحافظ ابن حجر: وقائل هذا هو أبو محمد بن حزم وفساده ظاهر1، وقد استطردت في هذا الموضوع؛ لأنه يكثر فيه السؤال والاستفسار، والحمد لله الذي وفقنا لهذا البيان، وجمعه من مصادره المتعددة.

_ 1 فتح الباري ج7 ص83، 104، 110.

أول الصحابة إسلاما

"أول الصحابة إسلاما": قد اختلف العلماء في أول الصحابة إسلاما. 1- فقيل أولهم الصديق أبو بكر, وإلى هذا ذهب غير واحد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم, وهو المروي عن أبي بكر وابن عباس وحسان وغيرهم, يدل على ذلك ما رواه مسلم عن عمرو بن عنبسة في قصة إسلامه, وقوله للنبي -صلى الله عليه وسلم: من معك على هذا؟ قال: "حر وعبد", ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به، وروى الطبراني في المعجم الكبير عن الشعبي قال: سألت ابن عباس: من أول من أسلم؟ فقال: أما سمعت قول حسان: إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فذكرك أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا والثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن خالد بن سعيد قال: سئل الشعبي عن أول من أسلم فقال: أما سمعت قول حسان وذكر الشعر السابق، وروى الترمذي من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: "قال أبو بكر: الست أول من أسلم ... " الحديث, والحق أنه أول من أسلم من الرجال الأحرار البالغين وأول من أعلن إسلامه. 2- وقيل: أول من أسلم علي بن أبي طالب, وإليه ذهب كثير من الصحابة كأبي ذر وسلمان، وخباب بن الأرت، وزيد بن أرقم وغيرهم، ورواه الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه قال: "أول من أسلم عليّ وروى الطبراني أيضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السباق ثلاثة: السابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين، والسابق إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- عليّ بن أبي طالب", وفي إسناده "حسين الأشقر" كوفي منكر الحديث كما قال أبو زرعة، وقال البخاري: فيه نظر، وروى الطبراني أيضا عن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيد عليّ وقال: "إن هذا أول من آمن بي", وفي إسناده إسماعيل بن موسى السدي ضعيف, قال ابن عدي: أنكروا منه غلوه في التشيع، وروى الطبراني عن سلمان موقوفا عليه: "أول هذه الأمة ورودا على نبيها أولهم إسلاما عليّ بن أبي طالب", وروي أيضا نحوه مرفوعا بسند فيه انقطاع، وروى أحمد مثله مرفوعا بسند فيه مجهول، وروى أحمد أيضا عن عليّ قال: "أنا أول من صلى لله مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم", وفي سنده حبة بن جوين العرني ضعفه الجمهور, وهو من غلاة الشيعة، وروى الحاكم في المستدرك من رواية مسلم الملائي قال: "نبئ النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء", وادعى الحاكم إجماع أهل التاريخ على هذا القول. قال ابن الصلاح: واستنكر هذا من الحاكم, فقد ذكر بعض أهل التاريخ كعمر بن شبة أن خالد بن سعيد بن العاص أسلم قبل عليّ, وهذا وإن كان الصحيح خلافه, ولكنه ينقص دعوى الإجماع, وقال ابن إسحاق في السيرة: أول من أسلم خديجة

ثم عليّ بن أبي طالب ... وهو ينقضها أيضا1, وأنشد القضاعي لعليّ رضي الله عنه: سبقتكم إلى الإسلام طرا ... صغيرا ما بلغت أوان حلمي وقال كعب بن زهير يمدح عليًّا من قصيدة له: إن عليًّا لميمون نقيبته ... بالصالحات من الأعمال مشهور صهر النبي وخير الناس مفتخرا ... فكل من رامه بالفخر مفخور صلى الطهور مع الأمي أولهم ... قبل المعاد ورب الناس مكفور 3- وقيل: أول من أسلم زيد بن حارثة روى ذلك معمر عن الزهري. 4- وقيل: أول من أسلم أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها, روي ذلك من وجوه عن الزهري, وهو قول قتادة ومحمد بن إسحاق في السيرة، وروي عن ابن عباس، وادعى الثعلبي المفسر إجماع العلماء على ذلك وأن الاختلاف إنما هو فيمن أسلم بعد، ورواه أحمد في مسنده والطبراني عن ابن عباس, وقال ابن عبد البر: اتفقوا على أن خديجة أول من أسلم ثم عليّ بعدها، ثم ذكر أن الصحيح أن أبا بكر أول من أظهر إسلامه, ثم روي عن محمد بن كعب القرظبي أن عليًّا أخفي إسلامه عن أبي طالب، وأظهر أبو بكر إسلامه, ولذلك أشبه على الناس، وروى الطبراني في الكبير من رواية محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده -أي أبي رافع- قال: "صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- غداة الاثنين، وصلت خديجة يوم الاثنين من آخر النهار، وصلى عليّ يوم الثلاثاء", قيل: المراد صلاة ركعتين بالغداة, ومثلها بالعشيّ قيل: فرضا. وقيل: نفلا أما الصلوات الخمس المفروضة, فلم تفرض إلا ليلة الإسراء والمعراج باتفاق قبيل الهجرة, وإليك مقالة ابن إسحاق في سيرته: "أول من أسلم خديجة، ثم

_ 1 شرح مقدمة ابن الصلاح ص266-268، التدريب ص208، 209.

عليّ, وهو يومئذ ابن عشر سنين, ثم زيد بن حارثة, وكان أول ذكر أسلم, وصلى بعد عليّ بن أبي طالب، ثم أبو بكر بن أبي قحافة، فأظهر إسلامه, ودعا إلى الله وإلى رسوله, فأسلم بدعائه عثمان بن عفان, والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله, فجاء بهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين استجابوا له, فأسلموا وصلوا، فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام"1. وفي الحق أن حديث الصحيحين في بدء الوحي يدل على أنها أول من آمنت به, فقد قالت للنبي لما أخبرها الخبر, وأنه خشي على نفسه: "ما كان الله ليفعل بك, إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق", ثم انطلقت به إلى ورقة بن نوفل فأخبر النبي أنه هو الناموس الذي كان ينزل على موسى وبشره بالنبوة, فكأنها لما سمعت ذلك آمنت به. 5- وقال العراقي: ينبغي أن يقال إن أول من آمن من الرجال ورقة ابن نوفل لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة في قصة بدء الوحي ونزول صدر سورة {اقْرَأْ} , وهو الحديث الذي أشرنا إليه آنفا, فقد قال ورقة للنبي بعد أن بشره بالنبوة: "ليتني فيها جذعا، ليتني حيا إذ يخرجك قومك, فقال النبي: "أومخرجيّ هم؟ " , قال: نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي, وأن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا", ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي2. وقد روى أبو يعلى والبزار في مسنديهما أن النبي سئل عن ورقة فقال: "أبصرته في بطنان الجنة عليه سندس" , وفي رواية البزار: "عليه حلة من سندس" , ويظهر لي أنه لولا تقدم وفاته قبل البعثة لعده

_ 1 سيرة ابن هشام ج1 ص240-252. 2 صحيح البخاري, باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله.

البعض أول من أسلم, وحق له ذلك قال ابن الصلاح، وتبعه النووي, والأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان عليّ، ومن النساء خديجة, ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال، ويحكى هذا التوفيق بين الروايات عن الإمام أبي حنيفة, وهو توفيق حسن. وهناك أقوال أخرى غير مشهورة منها: إن أول من أسلم خالد بن سعيد ابن العاصي, وهو قول ضعيف، ومنها: إن أول من أسلم خباب بن الأرت، ومنها: أولهم بلال, ومنها: أولهم عبد الرحمن بن عوف. والذي يظهر لي في كثرة هذه الآراء والأقوال المتغايرة أن كلا أخبر بما علم, وقد يكون عند أحدهم من العلم ما ليس عند الآخر، وقد يقول أحدهم قولا ثم يظهر له خلافه, فيرجع عنه إلى غيره، ولا ينقل عنه الرجوع، وأن اللغة العربية باب التجوز فيها واسع, فقد يقول قائل: فلان أول الناس إسلاما مثلا ويريد أنه من أولهم، أو أنه بالنسبة لمن تأخر عنه، فكن على ذكر من هذا إذا عرض لك ما يشبه هذا.

آخر الصحابة موتا

"آخر الصحابة موتا": كما عني المحدثون بالصحابة من حيث بيان صحبتهم وعدالتهم وطبقاتهم وتفاوتهم في الفضل والمنزلة، وأولهم إسلاما، وتواريخهم وسيرهم, عنوا بهم من حيث بيان وفياتهم ومتى ماتوا؟ وأين ماتوا؟ وقد تبين لهم بعد الاستقراء والتتبع أنه لم يتأخر أحد منهم عن مائة سنة من وفاته -صلى الله عليه وسلم- مصداقا للحديث الصحيح المتفق عليه الذي ذكرناه في بحث ثبوت الصحبة فيما سبق, وستجد اختلافا كبيرا فيما ذكروه في سنوات وأماكن وفياتهم سواء أكان ذلك في الآخرية المطلقة أو في الآخرية المقيدة بالأقطار والأمصار، والبلدان، فلا يهولنك كثرة الاختلاف في هذا؛ لأن الضبط الدقيق في مثل هذا متعذر، ولأن كل واحد حدث

بما علم على حسب ما رأى أو سمع, وقد يرى أحدهما ما لا يرى الآخر، أو يسمع ما لم يسمع الآخر, وقد يكون منشأ هذا الاختلاف في الآخرية اختلافهم في موطن وفاته, فمثلا الذي عليه الجمهور أن آخر الصحابة موتا بالمدينة سهل بن سعيد قاله عليّ بن المديني والواقدي ومحمد بن سعد وغيرهم، ولكن قتادة يرى أنه توفي بمصر فمن ثم جعل آخرهم وفاة بالمدينة جابر بن عبد الله، وقال أبو بكر بن أبي داود أنه توفي بالأسكندرية ولذلك جعل آخرهم وفاة بالمدينة السائب بن يزيد, وقد مات بالمدينة بلا خلاف أما جابر فيرى ابن أبي داود أنه مات بمكة1, وإن كان المشهور وفاته بالمدينة, وهذا مثل من أمثلة كثيرة يهون عليك كثرة هذا الاختلاف. وآخر الصحابة موتا على الإطلاق أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي مات سنة مائة من الهجرة قاله مسلم في صحيحه, ورواه الحاكم في المستدرك عن خليفة بن خياط، وقيل سنة اثنين ومائة، وقيل سبع ومائة، وقيل عشر ومائة, وهو الذي صححه الذهبي, ويؤيد هذا الأخير ما رواه وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال: كنت بمكة سنة عشر ومائة فرأيت جنازة فسألت عنها فقالوا: "هذا أبو الطفيل" ويدل على أن أبا الطفيل آخرهم موتا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي الطفيل قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وما على وجه الأرض رجل رآه غيري", وكانت وفاته رضي الله عنه بمكة. قال الحافظ العراقي: وما حكاه بعض المتأخرين عن ابن دريد من أن عكراش بن ذؤيب تأخر بعد ذلك وأنه عاش بعد الجمل مائة سنة, فهذا باطل لا أصل له، والذي أوقع ابن دريد في ذلك ابن قتيبة, فقد حكى ذلك في كتابه "المعارف", وهو كثير الغلط، ومع ذلك فالحكاية

_ 1 مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي ص271.

بغير إسناد وهي محتملة للتأويل بأنه استكمل المائة بعد الجمل لا أنه بقي بعدها مائة سنة. وأما قول جرير بن حازم: إن آخرهم موتا سهل بن سعد, فالظاهر أنه أراد بالمدينة وأنه أخذه من قول سهل: "لو مت لم تسمعوا أحدا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم", وإنما كان خطابه لأهل المدينة. وأما بالنسبة إلى النواحي والمدن والأقطار فإليك آراءهم في هذا. آخر الصحابة موتا بالمدينة: سهل بن سعد، وقيل: السائب بن يزيد، وقيل: جابر بن عبد الله، والحق ما قاله العراقي: إن آخرهم موتا بالمدينة محمود بن الربيع الذي عقل من النبي مجة مجها في وجهه, وهو ابن خمس سنين كما رواه البخاري وكانت وفاته سنة تسع وتسعين. وآخر الصحابة موتا بمكة: هو أبو الطفيل عامر بن واثلة على الصحيح, وآخرهم موتا بالبصرة: أنس بن مالك مات سنة تسعين، وقيل: إحدى وقيل: اثنتين، وقيل: ثلاث وتسعين. وآخرهم موتا بالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى مات سنة ست وثمانين وقيل: سبع، وقيل: ثمان, وقال ابن المديني: أبو جحيفة. والأول أصح فإنه مات سنة ثلاث وثمانين، وقد اختلف في وفاة عمرو بن حريث فقيل: سنة خمس وثمانين، وقيل: سنة ثمان وتسعين, فإن صح الثاني, فهو آخرهم موتا بها، وابن أبي أوفى آخر من مات من أهل بيعة الرضوان. وآخرهم موتا بالشام: عبد الله بن بسر المازني, قاله كثيرون, مات سنة ثمان وثمانين، وقيل: ست وتسعين, وهو آخر من مات ممن صلى إلى القبلتين, وقيل: آخرهم أبو أمامة الباهلي, قاله الحسن البصري، وابن عيينة, والصحيح الأول؛ لأن أقصى ما قيل في وفاته: سنة ست وثمانين، وقيل: آخرهم واثلة بن الأسقع، وموته بدمشق وقيل: ببيت المقدس

وقيل: بحمص سنة خمس وثمانين وقيل: ست. وآخرهم بالجزيرة: العرس بن عميرة الكندي. وآخرهم بفلسطين: أبو أبي عبد الله بن أم حرام ربيب عبادة بن الصامت مات ببيت المقدس. وآخرهم بمصر: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مات سنة خمس وثمانين, وقيل: وسبع, وقيل: وتسع, وكانت وفاته "بسفط القدور" وتعرف الآن "بسفط أبي تراب". وآخرهم باليمامة الهرماس بن زياد الباهلي سنة اثنتين ومائة أو بعدها. وآخرهم ببرقة: رويفع بن ثابت الأنصاري وقبره بها, وقيل: غير ذلك مات سنة ثلاث وستين, وقيل: ست وستين. وآخرهم بالبادية: سلمة بن الأكوع, قاله أبو زكريا ابن منده, والصحيح أنه نزل المدينة قبل موته بليال, فمات بها سنة أربع وسبعين, وقيل: أربع وستين. وآخرهم موتا بخراسان: أبو برزة الأسلمي غزا بخراسان ومات بها سنة أربع وستين. وآخرهم بسجستان: العداء بن خالد بن هوذة، وآخرهم بأصبهان النابغة الجعدي، وآخرهم بالطائف عبد الله بن عباس وقبره بها مشهور، وآخرهم بسمرقند قثم بن العباس رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين1. "لطائف وعجائب": منها ما ذكره العلماء في هذا الباب من أنه لا يعرف أب وابنه شهدا بدرا إلا مرثد وأبوه أبو مرثد بن الحصين

_ 1 مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي ص270-271، والتدريب ص209-211.

الغنوي وأعجب من هذا ما ذكره السيوطي أن الأخنس السلمي شهد هو وابنه يزيد وابن ابنه معين بدرا مسلمين، وأنه لا يعرف سبعة إخوة شهدوا بدرا مسلمين إلا بنو عفراء: معاذ، ومعوذ، وإياس، وخالد، وعاقل، وعامر، وعوف، ولم يشهدها مؤمن ابن مؤمنين إلا عمار بن ياسر، ومن عجيب ذلك: امرأة لها أربعة إخوة، وعمان شهدوا بدرا: أخوان وعم مع المسلمين وأخوان وعم مع المشركين، وهي أم أبان بنت عتبة بن ربيعة، أخواها المسلمان: أبو حذيفة بن عتبة، ومصعب بن عمير، والعم المسلم معمر بن الحارث، وأخواها المشركان: الوليد بن عتبة، وأبو عزيز، والعم المشرك شبية بن ربيعة، ومن المفاخر ما قاله ابن الصلاح: بنو مقرن المزنيون: سبعة إخوة هاجروا وصحبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يشاركهم فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة في هذه المكرمة غيرهم، وقد قيل: إنهم شهدوا الخندق كلهم، والسبعة هم: النعمان، ومعقل, وعقيل، وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، وسابع لم يسم لنا، وقد استدرك عليه العراقي, فقال: إنه قد سمى لنا سابع وثامن وتاسع وهم: نعيم بن مقرن، وضرار بن مقرن، وعبد الله بن مقرن، وذكر بعض مآثرهم ومفاخرهم, بل قال الطبري: إنهم كانوا عشرة إخوة، وكذلك استدرك عليه العراقي بأنهم لم ينفردوا بهذه المآثر الخالدة, وأنهم شاركهم فيها أولاد الحارث بن قيس السهمي كلهم هاجر وصحب النبي -صلى الله عليه وسلم، وعدهم ابن إسحاق فيمن هاجر إلى أرض الحبشة سبعة، وقد تتبعهم العراقي فوجدهم تسعة، وهم: بشر، وتميم، والحارث، والحجاج، والسائب، وسعيد، وعبد الله، ومعمر، وأبو قيس أولاد الحارث بن قيس السهمي, ثم قال: فهؤلاء تسعة إخوة هاجروا وصحبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم أشرف نسبا في الجاهلية والإسلام, وزادوا على بقية الإخوة بأن استشهد منهم سبعة في سبيل الله فقتل تميم، والحارث، والحجاج بأجنادين وقتل سعد يوم اليرموك، وقتل السائب يوم فحل، وقيل: يوم الطائف، وقتل عبد الله يوم الطائف وقيل:

باليمامة، وقتل أبو قيس يوم اليمامة1. ومن اللطائف والمفاخر ما قالوا: لم يعرف أربعة أدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- متوالدون إلا عبد الله بن أسماء بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة, وإلا أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهم، وقال شيخ الإسلام ابن حجر: "وقد ذكرنا أن أسامة ولد له في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- فعلى هذا يكون كذلك إذ حارثة والد زيد صحابي كما جزم به المنذري في مختصر مسلم، وحديث إسلامه في مستدرك الحاكم، وكذا زيد وأسامة. وكذا إياس بن سلمة بن عمرو بن الأكوع؛ الأربعة ذكروا في الصحابة, وطلحة بن معاوية بن خالد بن العباس بن مرداس في أمثلة أخرى لا تصح، وقال السيوطي: ليس في الصحابة من اسمه "عبد الرحيم" ولا من التابعين ولا من اسمه "إسماعيل" من وجه يصح إلا واحد بصري روى عنه أبو بكر بن عمارة حديث: "لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها".

_ 1 مقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي ص297-299.

المؤلفون في الصحابة

"المؤلفون في الصحابة": لقد ألف كثيرون من الأئمة في الصحابة وسيرهم, وما يتعلق بهم منهم من ألف فيهم من غيرهم من التابعين وتابعيهم, ومنهم من ألف فيهم على سبيل الاستقلال. فممن ألف فيهم مع غيرهم جماعة منهم: 1- الإمام أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم البصري الحافظ نزيل بغداد المعروف بكاتب الواقدي صحبه زمانًا

وكتب له فعرف به, المتوفى ببغداد سنة ثلاثين أو خمس وثلاثين ومائتين له كتاب "الطبقات الكبرى" جمع فيه الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى وقته فأجاد وأحسن، وكتابه طبع في "ليدن", ثم طبع في مصر. 2- الإمام الحافظ أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري1 البصري المعروف بشباب أحد شيوخ البخاري صاحب التاريخ الحسن وغيره, المتوفى سنة ثلاثين، وقيل: سنة أربعين، وقيل: سنة ست وأربعين ومائتين. 3- الإمام أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب النسائي المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين, وهو من أقران الإمام البخاري. 4- يعقوب بن سفيان بن جوان -بفتح الجيم، والواو المثقلة آخره نون- الفارسي الفسوي2 الإمام الحافظ المصنف المكثر صاحب التاريخ الكبير المتوفى سنة سبع وسبعين ومائتين, وهو من أقران البخاري. وممن ألف في تاريخ الصحابة وسيرهم على سبيل الاستقلال. 5- الإمام أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن جعفر بن نجيم السعدي مولاهم المديني حافظ العصر وقدوة أهل هذا الشأن, المتوفى سنة أربع وثلاثين ومائتين, وهو أحد شيوخ البخاري وكتابه هو "كتاب معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان" في خمسة أجزاء لطيفة. 6- الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري, المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين, وقد اعتبره الإمام الحافظ ابن حجر في مقدمة "الإصابة" أول من عرفه صنف في ذلك ومراده -والله أعلم- على سبيل الاستقلال, وإلا فقد سبقه من هم من شيوخه أو من طبقة شيوخه

_ 1 نسبة إلى العصفر -بضم العين، والفاء- ما يصبغ به. 2 نسبة إلى "فسا" مدينة بفارس.

أو أقرانه ولكن لا على سبيل الاستقلال، أفرد في ذلك تصنيفا فنقل عنه أبو القاسم البغوي وغيره. 7- الإمام أبو القاسم البغوي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي الأصل البغدادي الحافظ الكبير مسند العالم, المتوفى سنة سبع عشرة وثلاثمائة. 8- الإمام أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني صاحب السنن الحافظ ابن الحافظ, المتوفى سنة ست عشر وثلاثمائة. 9- الإمام أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين, المتوفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، له كتاب "معرفة الصحابة". 10- الإمام أبو عليّ ابن السكن البغدادي المصري نزيل مصر, المتوفى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة. 11- الإمام أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق الأموي مولاهم البغدادي الحافظ المصنف القاضي المتوفى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. 12- الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده, المتوفى سنة خمس أو ست وتسعين وثلاثمائة وله في الصحابة كتاب كبير جليل قال ابن عساكر: "وله فيه أوهام كثيرة" وقد ذيل عليه الحافظ أبو موسى المديني ذيلا كبيرا. 13- الإمام أبو نعيم أحمد بن علي الأصبهاني, المتوفى سنة ثلاثين وأربعمائة, وله كتاب "معرفة الصحابة" في ثلاث مجلدات. 14- الإمام أبو حاتم محمد بن حبان البستي, المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وله كتاب مختصر في مجلد في "معرفة الصحابة". 15- الإمام أبو عمر بن عبد البر النميري القرطبي المالكي, المتوفى

سنة ثلاث وستين وأربعمائة وسمى كتابه "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لظنه أنه استوعب ما في كتب من قبله, ومع ذلك فقد فاته شيء كثير ومجموع التراجم التي ذكرها ثلاثة آلاف وخمسمائة ترجمة. 16- وقد ذيل عليه أبو بكر بن فتحون, المتوفى سنة سبع عشرة أو تسع عشرة وخمسمائة ذيلا حافلا، وذيل عليه جماعة آخرون في تصانيف لطيفة. قال الحافظ ابن حجر: "وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسر حصرهم ممن صنف في ذلك أيضا". 17- وفي أوائل القرن السابع الهجري ألف الحافظ عز الدين بن الأثير الجزري صاحب كتاب "الكامل" في التاريخ, المتوفى سنة ثلاثين وستمائة "630" كتابا سماه: "أسد الغابة"1 جمع فيه كثيرا من التصانيف المتقدمة إلا أنه تبع من قبله، فخلط من ليس صحابيا بهم, وأغفل كثيرا من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم، وقد اشتمل على سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسين صحابيا. 18- ثم جرد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الإمام الحافظ أبو عبد الله الذهبي, المتوفى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة في كتاب سماه "تجريد أسماء الصحابة", وعلم لمن ذكر غلطا، ولمن لا تصح صحبته، ولم يستوعب ذلك ولا قارب. 19- ثم جاء الإمام الحافظ ابن حجر, المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة, فألف كتابه القيم "الإصابة في تمييز الصحابة"، وهو أكثرها جمعا وتحريرا وتحقيقا, وإن كانت بعض التراجم فيه مختصرة, وهو في ثمانية مجلدات, وقد ذكر في آخر الجزء السادس منه: أنه مكث في تأليفه نحو الأربعين سنة، وأنه كتبه في المسودات ثلاث مرات رحمه الله ورضي عنه

_ 1 أسد: بضم الهمزة وسكون السين المهملة جمع أسد بفتحهما، والغابة بالباء الموحدة لا بالياء المثناة.

وقد طبع في أربعة مجلدات كبار ومجموع التراجم التي في "الإصابة" تسع وسبعون ومائتان واثنا عشر ألفا بما في ذلك المكرر، للاختلاف في اسم الصحابي، أو شهرته، بكنية أو لقب أو نحو ذلك وقد رتب فيه الصحابة على أربعة أقسام: 1- فيمن وردت صحبته بطريقة الرواية عنه أو عن غيره سواء أكانت الطريقة صحيحة أم حسنة أم ضعيفة. 2- فيمن ذكر في الصحابة من التمييز. 3- فيمن ذكر في الصحابة من المخضرمين في الكتب المذكورة. 4- فيمن ذكر في الكتب المذكورة على سبيل الوهم والغلط1.

_ 1 الإصابة ج1 ص302 "الرسالة المستطرفة" ص95، 96، وتدريب الراوي ص395.

التابعون رضي الله عنهم

التابعون رضي الله عنهم مدخل ... "التابعون رضي الله عنهم": وهذا المبحث والذي قبله وهو بحث الصحابة، معرفتها من الأهمية بمكان، وهما أصلان عظيمان بها يعرف المتصل من المرسل عند رفع الحديث، والموقوف من المقطوع عند عدم رفعه ومفرد التابعين تابعي، وتابع. وأما تعريف التابعين فقد اختلف فيه العلماء: فقال الحاكم أبو عبد الله، هو من لقي الصحابي، وإن لم يصحب أي لم تطل صحبته له قال ابن الصلاح: وهو أقرب يعني من تعريف غيره كالخطيب، وقال النووي: وهو الأظهر. وقال الخطيب: هو من صحب صحابيا، ولا يكتفى فيه بمجرد اللقي يعني بل لا بد من طول الصحبة والرواية عنه، بخلاف الصحابي فإنه يكتفى فيه بمجرد اللقاء. والسر في هذه التفرقة شرف منزلة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوة تأثيره فيمن

يلقاه، فالاجتماع به يؤثر في النور القلبي، والانشراح الصدري، واستقامة السلوك أضعاف ما يؤثره الاجتماع الطويل بالصحابي وغيره من الأخيار. وقال الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة": هو من لقي الصحابي كذلك ومراده من لقي الصحابي وهو مؤمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- سواء قصر اللقاء أم طال، فمن لقي الصحابي أو طالت صحبته له وهو ليس بمؤمن بالنبي فلا يعتبر صحابيا، وهذا التعريف يؤيد ما قاله الحاكم. وهذا الذي ذكره الحاكم، ووافقه عليه الحافظ ابن حجر هو ما عليه عمل الأكثرين من علماء الحديث كما قال العراقي في تعليقاته على "علوم الحديث" لابن الصلاح. وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى فضل الصحابة والتابعين والاكتفاء فيهم بالرؤية بقوله: "طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن رأى من رآني" ... الحديث فاكتفى فيهما بمجرد الرؤية. قال السيوطي في "تدريبه"1 قال ابن الصلاح: مطلق التابعي مخصوص بالتابعين بإحسان, وقد عقب العراقي فقال: "إن أراد بالإحسان الإسلام فواضح إلا أن الإحسان أمر زائد عليه2, فإن أراد به الكمال في الإسلام والعدالة, فلم أر من اشترط ذلك في حد التابعين، بل من صنف في الطبقات أدخل فيهم الثقات وغيرهم. أقول: والذي يظهر لي أن مراد ابن الصلاح التابعي الذي وردت في فضله الأحاديث الصحاح والحسان والمستحق لهذا الفضل، أما من لم يستقم على الإسلام الكامل, وأساء إلى الإسلام والمسلمين, فهو بمعزل عن أن يكون من التابعين بإحسان, وذلك كالحجاج بن يوسف الثقفي، وعمرو

_ 1 ص417 ط المحققة. 2 وهو ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث سؤال جبريل عليه السلام له -صلى الله عليه وسلم: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" متفق عليه.

بن سعيد الذي كان يرسل الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير, فقد أساء إلى الحرم وإلى الكعبة وإلى أهل الحرم, فابن الصلاح على حق في هذا التعبير والله أعلم.

طبقات التابعين

"طبقات التابعين": من نظر إلى التابعين على أنهم الذين لقوا الصحابة جعلهم طبقة1 واحدة كما فعل ابن حبان، ومن نظر إلى تفاوتهم في الفضل جعلهم طبقات، فجعلهم مسلم بن الحجاج ثلاث طبقات، وجعلهم محمد بن سعد صاحب "الطبقات" أربع طبقات، وأما الحاكم فقد جعلهم خمس عشرة طبقة. 1- فأعلى هذه الطبقات من روى عن العشرة المبشرين بالجنة وذكر منهم: سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وقيس بن عباد2، وأبا عثمان النهدي، وأبا وائل وأبا رجاء العطاردي، وأبا ساسان حصين بن3 المنذر وغيرهم. قال ابن الصلاح: "وعليه في بعض هؤلاء إنكار فإن سعيد بن المسيب ليس بهذه المثابة؛ لأنه ولد في خلافة عمر ولم يسمع من أكثر العشرة". وقال العلامة ابن كثير4: وعليه في هذا الكلام دخل5 كثير، فقد قيل: إنه لم يرو عن العشرة من التابعين سوى قيس بن أبي حازم قال ابن خراش، وقال أبو بكر بن أبي داود: لم يسمع6 من عبد الرحمن بن عوف والله أعلم.

_ 1 الطبقة في اصطلاح العلماء: الجماعة الذين تقاربوا في السن، واشتركوا في الأخذ عن الشيوخ. 2 بضم العين، وفتح الباء المخففة. 3 حصين بضم الحاء المهملة وفتح الضاد على صيغة المصغر. 4 اختصار علوم الحديث ص192. 5 بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة: فساد. 6 يعني قيس.

وأما سعيد بن المسيب فلم يدرك الصديق قولا واحدا؛ لأنه ولد في خلافة عمر لسنتين مضتا أو بقيتا، ولهذا اختلف في سماعه من عمر قال الحاكم: أدرك عمر فمن بعده من العشرة، وقيل لم يسمع -يعني سعيد- من أحد من العشرة سوى سعد بن أبي وقاص، وكان -أي سعد- آخرهم وفاة والله أعلم. 2- ومن هؤلاء التابعين من ولدوا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة، وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وأبو إدريس الخولاني, قال البلقيني: والأولى أن يجعل هؤلاء قبل القسم الأول إذ كيف يجعل من ولد في حياة رسول الله يلي من ولد بعده؟ قال ابن كثير: أما عبد الله بن أبي طلحة فلما ولد ذهب به أخوه لأمه أنس بن مالك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحنكه وبرك عليه، وسماه عبد الله، ومثل هذا ينبغي أن يعد من صغار الصحابة لمجرد الرؤية، ولقد عدوا فيهم محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما ولد له عند الشجرة1 وقت الإحرام بحجة الوداع فلم يدرك من حياته -صلى الله عليه وسلم- إلا مائة يوم، ولم يذكروا أنه أحضر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا رآه، فعبد الله بن أبي طلحة أولى أن يعد في صغار الصحابة من محمد بن أبي بكر والله أعلم2. وقد ذكر الحاكم النعمان، وسويد ابني مقرن3 من التابعين، وهو وهم منه، وهما صحابيان ولم يختلف في صحبتهما أحد. 3- المخضرمون: وهم الذين أدركوا الجاهلية زمن النبي -صلى الله عليه وسلم،

_ 1 يعني التي بذي الحليفة ميقات أهل المدينة للحج والعمرة, وتسمى الآن "أبيار علي". 2 ص192، 193. 3 سويد بضم السين وفتح الواو، وسكون الياء، ومقرن: بضم الميم وفتح القاف، وكسر الراء المشدودة.

وأسلموا ولم يروه، ولا صحبة لهم، وهذا مصطلح أهل الحديث1. وقد اختلف في ضبط "مخضرم" فقيل بضم الميم وفتح الراء اسم مفعول من خضرم مأخوذ من الخضرمة بمعنى القطع؛ لأنهم خضرموا أي قطعوا عن نظرائهم الذين أدركوا الصحبة وغيرها، وقيل: مخضرم: بضم الميم وكسر الراء اسم فاعل؛ لأن الواحد منهم كان إذا أسلم خضرم أذن ناقته أي قطعها علامة على إسلامه فيكون في أمن بذلك، وقيل في الخضرمة غير ذلك2. وقد عدهم الإمام مسلم نحو عشرين نفسا منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة3، وعمرو بن ميمون، وأبو عثمان النهدي، وأبو الحلال العتكي4, وعبد خير الخيواني5, وربيعة بن زرارة6 قال ابن الصلاح: وممن لم يذكره مسلم: أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب7 وزاد ابن كثير: وعبد الله بن عكيم8, والأحنف بن قيس وقد ذكر العراقي في شرحه على مقدمة ابن الصلاح أنهم أكثر من ذلك، فزاد على ما لم يذكره مسلم وابن الصلاح نحوا من عشرين شخصا9, وقد سرد أسماء هؤلاء وأولئك صاحب "التدريب"10. أفضل التابعين: وقد اختلفوا في أفضل التابعين من هو؟

_ 1 وأما مصطلح أهل اللغة فالمخضرم هو الذي عاش نصف عمره في الجاهلية، ونصفه في الإسلام سواء أدرك الصحابة أم لا. 2 انظر ما ذكره العراقي في تعليقاته على علوم الحديث لابن الصلاح. 3 بفتح الغين المعجمة والفاء، واللام. 4 الحلال: بفتح الحاء المهملة، وتخفيف اللام, والعتكي: بفتح العين المهملة والتاء المثناة. 5 بفتح الخاء المعجمة وإسكان الياء المثناة من تحت. 6 زرارة بضم الزاي، وربيعة هذا هو أبو الحلال العتكي السابق ذكره، وقد وهم المؤلف في جعل الاسم والكنية لشخصين مختلفين، وقد ذكره السيوطي في التدريب على الصواب. 7 بضم الثاء المثلثة وفتح الواو. 8 بضم العين المهملة وفتح الكاف. 9 في شرحه على مقدمة ابن الصلاح. 10 ص420، 421.

فالمشهور أنه سعيد بن المسيب، قاله أحمد بن حنبل وغيره، وقال أهل البصرة: الحسن البصري. وقال أهل الكوفة: علقمة بن قيس، والأسود، وقال بعضهم: أويسا القرني1، وقال أهل مكة: عطاء بن أبي رباح. قال العراقي: الصحيح بل الصواب ما ذهب إليه بعض أهل الكوفة لما روى مسلم في صحيحه بسنده عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن خير التابعين رجل يقال له: أويس القرني، وله والدة وكان به بياض فمروه أن يستغفر لكم" , وفي الرواية الأخرى أن الفاروق عمر صار يسأل عنه حتى لقيه، فقال له: أنت من مراد، ثم من قرن؟ قال: "نعم", وفيها: "إن له والدة هو بار بها لو أقسم على الله لأبره"، فطلب منه عمر أن يستغفر له، فاستغفر له، فقال له أين تريد: قال: الكوفة، فقال له: أكتب لك إلى عاملها قال: لا، أكون في غبراء الناس وعامتهم"2. قال العراقي: فهذا قاطع للنزاع قال: وأما تفضيل أحمد لابن المسيب فلعله لم يبلغه الحديث ... أو أراد بالأفضلية في العلم لا الخيرية وقال البلقيني: والأحسن أنه يقال: "الأفضل من حيث الزهد والورع أويس، ومن حيث حفظ الخبر والأثر سعيد", وقال أحمد: ليس أحد أكثر فتوى في التابعين من الحسن وعطاء، وكان عطاء مفتي مكة، والحسن مفتي البصرة", وهذا الذي ذكره البلقيني هو ما أذهب إليه.

_ 1 بفتح القاف والراء بطن من مراد. 2 صحيح مسلم -كتاب الفضائل- باب فضل أويس القرني.

سيدات النساء التابعيات

"سيدات النساء التابعيات": وسيدات النساء التابعيات: 1- حفصة بنت سرين، وهي أخت التابعي الجليل محمد بن سيرين. 2- وعمرة بنت عبد الرحمن. 3- وتليهما أم الدرداء الصغرى واسمها هجيمة، وقيل جهمية، وليست

كهُما -يعني كالاثنتين السابقتين- أما أم الدرداء الكبرى فصحابية. وقال إياس بن معاوية: "ما أدركت أحدًا فضله على حفصه" يعني بنت سيرين، فقيل له: الحسن وابن سيرين؟ قال: "أما أنا فما أفضل عليها أحدًا". "الفقهاء السبعة": ومن أكابر التابعين وأعلمهم الفقهاء السبعة بالمدينة، وهم: 1- سعيد بن المسيب. 2- والقاسم بن محمد بن أبي بكر. 3- وعروة بن الزبير. 4- وخارجة بن زيد. 5- وسليمان بن يسار. 6- وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. 7- وقد اختلفوا في السابع, فقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري, وقيل أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي.

جماعة عدوا من التابعين وليسوا منهم

"جماعة عدوا من التابعين وليسوا منهم": بل هم من أتباع التابعين كإبراهيم بن سويد النخعي لم يدرك أحدًا من الصحابة، وهو غير إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه المشهور وبكير بن أبي السميط -بفتح السين وكسر الميم- لم يصح له عن أنس رواية، إنما أسقط قتادة من الوسط. ووقع لقوم عكس ذلك فعدوا طبقة من التابعين في أتباع التابعين لكون الغالب عليهم روايتهم عنهم: كأبي الزناد: عبد الله بن ذكوان لقي ابن عمر وأنسًا.

قوم من الصحابة عدوا من التابعين وبالعكس

"قوم من الصحابة عدوا من التابعين وبالعكس": إما غلطًا كالنعمان وسويد ابني مقرن عدهما الحاكم في الإخوة من التابعين، وهما صحابيان معروفان، أو لكون ذلك الصحابي من صغار الصحابة يقارب التابعين في كون روايته أو غالبها عن الصحابة، كما عد مسلم من التابعين يوسف بن عبد الله بن سلام، ومحمود بن لبيد, ووقع

عكس ذلك فعدوا بعض التابعين من الصحابة، وكثيرا ما يقع ذلك لمن يرسل كما عد محمد بن الربيع الجيزي عبد الرحمن بن غنم1 الأشعري ممن دخل مصر من الصحابة, وليس منهم على الأرجح, فليتفطن لذلك وأمثاله.

_ 1 غنم: بفتح الغين وسكون النون قال الحافظ مختلف في صحبته وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين مات سنة ثمان وسبعين.

آخر التابعين

"آخر التابعين": قال الحاكم في شأن التابعين: وهم خمس عشرة طبقة. "آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل المدينة، وعبد الله بن الحارث بن جزء من أهل الحجاز, وأبا أمامة الباهلي من أهل الشام، فلم يعد من الطبقات سوى الثلاثة الأولى والأخيرة. وأما صاحب الطبقات محمد بن سعد, فقد قسم التابعين إلى أقسام باعتبار منازلهم: كوفيين، وبصريين, وشاميين، ومكيين، ومدنيين، وعراقيين، ويمنيين، ومصريين، ومن نزل اليمامة, ومن نزل البحرين، وغير ذلك، وقد جعل كل قسم من هذه الأقسام إما طبقة واحدة كمن نزل اليمامة واليمن، وإما طبقات متعددة كالكوفيين، والبصريين، والشاميين، والمصريين, ومن أراد معرفة ذلك بالتفصيل فليرجع إلى كتاب الطبقات ففيه ما يشفي ويكفي.

اتباع التابعين

"اتباع التابعين": وهم من صحبوا التابعين وإن لم تطل صحبتهم لهم. ومن هؤلاء الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، والإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي نسبة إلى جده شافع المطلبي المكي نزيل مصر, وليس في الأئمة الأربعة المشهورين المتبوعين من هو من

التابعين إلا الإمام أبو حنيفة رحمه الله, فقد صح أنه لقي أنس بن مالك وإن لم يسمع منه. وفي عصر أتباع التابعين كثر تدوين الحديث كما كثر تدوين غيره من العلوم أثناء المائة الثانية, وكان التدوين في أول أمره؛ تدون الأحاديث في الباب الواحد, ثم جمعت الأحاديث على الأبواب, وذلك كما صنع الإمام الجليل مالك في "الموطأ". وعلى رأس الماء الثانية أفرد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غيره, فألفت المسانيد، وقد سبق التعريف بها وبيان طريقتها. وفي عصر أتباع التابعين ظهر علماء كثيرون لا يحصيهم العد في جمع الأحاديث والسنن، وفي التعديل والتجريح, وفي هذا العصر كان أول جمع للحديث الصحيح على حده على يدي البخاري ومسلم، وبذلك خطا التدوين في الحديث خطوة مباركة, ولم ينته القرن الرابع حتى كان تم جمع السنن والأحاديث كلها, فلله الحمد والمنه. ومن أتباع التابعين العلماء: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة, ويحيى بن سعيد القطان، وشعبة بن الحجاج, وغيرهم, ومن فوائد معرفة الطبقات الوقوف على تدليس المدلسين ومعرفة حقيقة العنعنة اتصالا وانقطاعا. ومما ينبغي أن يعلم أن ما عدا الصحابة من التابعين وتابعيهم، ومن جاء بعدهم محل التعديل والتجريح وأول التابعين موتا معمر بن يزيد قتل بخراسان، وآخرهم موتا خلف بن خليفة سنة ثمانين ومائة.

رواية الأكابر عن الأصاغر

"رواية الأكابر عن الأصاغر": قد يروي الكبير القدر، أو السن، أو هما معا عمن دونه في كل منهما أو فيهما الأصل في هذا الباب ما ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطبته عن تميم الداري الصحابي العابد الناسك العالم مما أخبر به عن رؤية الدجال في تلك الجزيرة التي في البحر في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في قصة الجساسة1. وروايته عن مالك بن مزرد, وقيل: ابن مرارة، وقيل ابن مرة الرهاوي فيما أخرجه ابن منده في الصحابة بسنده عن زرعة بن سيف بن ذي يزن: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إليه كتابا، وأن مالك بن مزرد الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت وقاتلت المشركين، فأبشر بخير ... " الحديث. وكذا ما ثبت في صحيح البخاري من رواية معاوية بن أبي سفيان عن مالك بن يخامر2 عن معاذ, وهو قوله: "وهم بالشام" في حديث: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله" , رواه الشيخان. فائدة معرفة هذا: من فائدة معرفة هذا النوع أن لا يتوهم أن المروي عنه أكبر وأفضل لكونه الأغلب في ذلك تنزيلا لأهل العلم منازلهم وفي مقدمة صحيح مسلم تعليقا بصيغة التمريض أي التضعيف قال: وذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم"، ورواه أبو داود في "سننه" وفي سنده انقطاع. أقسامه: وينقسم إلى أقسام ثلاثة: الأول: أن يكون الراوي أكبر سنا وأقدم طبقة من المروي عنه كالزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري في روايتهما عن مالك بن أنس، وكالأزهري أبي القاسم عبيد الله بن أحمد في روايته عن تلميذه الخطيب البغدادي, وهو إذ ذاك شاب. الثاني: أن يكون الراوي أكبر قدرا لا سنا كحافظ عالم روى عن

_ 1 صحيح مسلم -كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب قصة الجساسة. 2 ومعاوية صحابي، ومالك بن يخامر تابعي كبير، وقد عده بعضهم في الصحابة ولم يثبت له ذلك.

شيخ ممن لا علم عنده مثل مالك في روايته عن عبد الله بن دينار، وأحمد بن حنبل, وإسحاق بن راهويه في روايتهما عن عبيد الله بن موسى العبسي. الثالث: أن يكون الراوي أكبر من المروي عنه من الوجهين معا مثل عبد الغني بن سعيد الحافظ في روايته عن محمد بن علي الصوري تلميذه، وكالبرقاني في روايته عن الخطيب البغدادي، وكالخطيب في روايته عن ابن ماكولا1. ومن هذا القسم الثالث من رواية الأكابر عن الأصاغر رواية الصحابة عن التابعين كالعبادلة وغيرهم من الصحابة كأبي هريرة ومعاوية، وأنس في روايتهم عن كعب الأحبار. ومنه أيضا رواية التابعي عن تابع التابعي كالزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك، وكعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ليس تابعيا، وروى عنه منهم أي التابعين أكثر من عشرين نفسا فيما جمعهم الحافظ عبد الغني بن سعيد في جزء له، بلغ بهم تسعة وثلاثين، وقيل أكثر من سبعين قاله الحافظ أبو الفضل الطبسي2، وعدهم الحافظ أبو الفضل العراقي فبلغ بهم نيفا وخمسين، وذكرهم عنه صاحب التدريب3. وما جزم به ابن الصلاح وتبعه النووي من كون عمرو بن شعيب ليس تابعيا تبع فيه الحافظ عبد الغني بن سعيد، وأبا بكر النقاش المفسر4 رده الحافظ العراقي في "التقييد والإيضاح على علوم ابن

_ 1 هو الأمير أبو نصر عليّ بن الوزير أبي القاسم هبة الله بن عليّ بن جعفر البغدادي المعروف بابن ماكولا, وهو اسم أعجمي قال ابن خلكان: لا أعرف معناه توفي سنة خمس وسبعين وأربعمائة, وقيل: سنة ست وثمانين أو سبع أو تسع وثمانين. 2 نسبة إلى طبس وهي بين نيسابور، وأصبهان، وكرمان، وكانت وفاته في حدود سنة ثمانين وأربعمائة. 3 ص425. 4 وهو ضعيف.

الصلاح"1, وقبله المزي الحافظ الكبير, وقال: قد سمع من غير واحد من الصحابة منهم زينب بنت أبي سلمة، والربيع بنت معوذ بن عفراء، وهما صحابيتان.

_ 1 علوم الحديث بشرحه للعراقي ص331، 332.

المدبج وراية القرين عن القرين

المدبج وراية القرين عن القرين ... "المدبج ورواية القرين عن القرين": القرينان: هما المتقاربان في السن والإسناد، وربما اكتفى الحاكم بالتقارب في الإسناد, وإن لم يتقاربا في السن. ومن فوائد معرفة هذا النوع: أن لا يظن الزيادة في الإسناد، أو إبدال "عن" "بالواو". فإن روى كل واحد من القرينين عن صاحبه كعائشة, وأبي هريرة في الصحابة والزهري وأبي الزبير في الأتباع، ومالك والأوزاعي في أتباع الأتباع فهو المدبج -بضم الميم، وفتح الدال المهملة، وتشديد الباء الموحدة لمفتوحة وآخره جيم- وهو اسم مفعول من دبج. قال العراقي: وأول من سماه بذلك -فيما أعلم- الدارقطني قال: إلا أنه لم يقيده بكونهما قرينين، بل كل اثنين روى كل منهما عن الآخر يسمى بذلك, وإن كان أحدهما أكبر وذكر منه رواية النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أبي بكر، وعمر، وسعد بن عبادة، وروايتهم عنه، ورواية الفاروق عمر عن كعب الأحبار، ورواية كعب عنه وبذلك يندفع اعتراض ابن الصلاح على الحاكم في ذكره في هذا رواية أحمد عن عبد الرزاق، وعبد الرزاق عنه؛ لأنه ماشٍ على ما قاله شيخه ونقله عنه، وهو الدارقطني. وجه التسمية بالمدبج: قال العراقي: لم أر من تعرض لها، قال: إلا أن الظاهر أنه سمي به لحسنه؛ لأنه لغة: المزين، والرواية كذلك إنما

تقع لنكتة يعدل فيها عن العلو إلى المساواة أو النزول فيحصل للإسناد بذلك تزيين. قال: يحتمل أن يكون سمي بذلك لنزول الإسناد فيكون ذما، من قولهم رجل مدبج: قبيح الوجه والهامة حكاه صاحب المحكم قال: وفيه بعد والظاهر الأول. قال: ويحتمل أن يقال: إن القرينين الواقعين في المدبج في طبقة واحدة بمنزلة واحدة شبها بالخدين، إذ يقال لهما: الديباجتان كما قال الإمام الجوهري اللغوي وغيره. قال: وهذا لمعنى متوجه على ما قاله ابن الصلاح والحاكم: إن المدبج مختص بالقرينين أقول وهذا المعنى هو الذي جزم به الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" حيث قال: "والتدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه، فيقتضي أن يكون ذلك مستويا من الجانبين فلا يجيء فيه هذا"1. أما رواية القرين عن قرينة من غير أن يعلم رواية الآخر عنه فلا يسمى مدبجا كرواية زائدة بن قدامة عن زهير بن معاوية، ولا يعلم لزهير رواية عنه، وأما تمثيل ابن الصلاح برواية التميم عن مسعر وقوله: ولا يعلم لمسعر رواية عنه فاعترض العراقي بأنه أيضا روى عنه فيما ذكره الدارقطني في "المدبج" وتمثيل الحاكم أبي عبد الله برواية يزيد بن الهاد عن إبراهيم بن سعد، وسليمان بن طرخان عن رقبة بن مصقلة2 وقوله: لا أعلم لابن سعد ورقبة رواية عن يزيد وسليمان اعترض عليه العراقي في "التقييد والإيضاح على مقدمة ابن الصلاح"

_ 1 تدريب الراوي ص427، 428، ونزهة النظر ص60 ط العاصمة، علوم الحديث بشرح العراقي من ص333-336. 2 رقبة: بفتح الراء والقاف الباء، ومصقلة: بفتح الميم وسكون الصاد وفتح القاف، وقد تبدل الصاد سنا.

بوجودهما، فرواية ابن سعد عن يزيد في صحيح مسلم والنسائي، ورواية رقبة عن سليمان في "المدبج" للدارقطني. لطيفة: قد يجتمع جماعة من الأقران في حديث كما روى أحمد بن حنبل عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن يحيى بن معين، عن علي بن المديني، عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن سعيد عن أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة عن عائشة قال: "كان أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذن من شعورهن حتى يكون كالوفرة"1 فأحمد والأربعة فوق خمستهم أقران، ومن المدبج أيضا نوع مقلوب في تدبيجه، وليس فيه شيء من الضعف الذي في نوع المقلوب, ومثال هذا النوع عجيب مستطرف وهو: رواية مالك بن أنس عن سفيان الثوري عن عبد الملك بن جريج وروى أيضا عبد الملك عن الثوري عن مالك, فهذا إسناد كان على صورة، ثم جاء في رواية أخرى مقلوبا.

_ 1 الوفرة ما جاوز شحمة الأذن.

معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

"معرفة الإخوة والأخوات من الرواة": وقد أفرده بالتأليف علي بن المديني، ثم النسائي، ثم أبو العباس السراج1 وغيرهم كمسلم بن الحجاج، وأبي داود السجستاني. ومن فوائده: أنه لا يظن من ليس بأخ أخا عند الاشتراك في اسم الأب مثال الأخوين في الصحابة: عمر وزيد ابنا الخطاب, وهذا المثال زيادة على ما ذكره ابن الصلاح وعبد الله، وعتبة ابنا مسعود، وزيد ويزيد ابنا ثابت، وعمرو وهشام ابنا العاص. ومن التابعين: عمرو، وأرقم ابنا شرحبيل كلاهما من أفاضل أصحاب ابن مسعود ثم قال ابن الصلاح: هزيل بن شرحبيل وأرقم أخوان آخران

_ 1 السراج: بفتح السين والراء المشددة، نسبة لعمل السروج وهو محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي مولاهم محدث عصره بنيسابور روى عنه الشيخان وتوفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة.

من أصحابه أيضا وقد اعترض العراقي في "تعليقاته على مقدمة ابن الصلاح" بأن جعل أرقم اثنين: أحدهما أخو عمرو، والآخر أخو هزيل. ليس بصحيح، وأرقم بن شرحبيل واحد، وإنما اختلف كلام التاريخيين والنسابين هل الثلاثة إخوة، وهم: عمرو بن شرحبيل، وأرقم بن شرحبيل، وهزيل بن شرحبيل، أو أن أرقم وهزيلا أخوان، وليس عمرو أخالهما, فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى الأول، قال: هم ثلاثة إخوة. والصحيح الذي عليه الجمهور أن أرقم وهزيلا أخوان فقط، وهو الذي اقتصر عليه البخاري في "التاريخ الكبير" وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" وحكاه عن أبيه أبي حاتم، وعن أبي زرعة، وكذلك ابن حبان في "الثقات", واقتصر عليه الحاكم في "معرفة علوم الحديث" في النوع السادس والثلاثين, وكذلك اقتصر المزي في "تهذيب الكمال" على أن أرقم وهزيلا أخوان، ذكر ذلك في ترجمة أرقم، وترجمة هزيل، ولم يتعرض في ترجمة عمرو لشيء من ذلك. وما ذكره ابن عبد البر من كونهم ثلاثة أخوة ليس بجيد، فإن عمرو بن شرحبيل همداني، وهزيل، وأخوه أرقم أوديان1 ولا تجتمع همدان الكبرى ولا همدان الصغرى مع أود. قال العراقي: فما ذكره ابن الصلاح لا يتأتى على قول الجمهور، ولا قول ابن عبد البر، وكذا ما صنعه النووي في "تقريبه" وإن حذف هزيلا، لأنه على قول ابن عبد البر يعد في الثلاثة لا في الأخوين2. ومثاله في الثلاثة في الصحابة: عليّ, وجعفر، وعقيل بنو أبي طالب، وهذا المثال زيادة على ما ذكره ابن الصلاح، وسهل، وعثمان، وعباد،

_ 1 ينسبان إلى أود -بفتح الهمزة وسكون الواو- وهو أود بن صعب بن سعد العشيرة من مذجح. 2 علوم الحديث بشرح العراقي ص337، 348 ط العاصمة.

بفتح العين، وفتح الباء المشددة, بنو حنيف. وفي غير الصحابة في التابعين: أبان، وسعيد، وعمرو أولاد عثمان رضي الله تعالى عنهم وبعدهم عمرو -بفتح العين- وعمر -بضم العين- وشعيب بنو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. ومثاله في الأربعة من الصحابة: عبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء أولاد أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. وفي التابعين: عروة، وحمزة، ويعقوب، والعفار أولاد المغيرة بن شعبة وبعدهم سهيل، وعبد الله، ومحمد وصالح بنو أبي صالح السمان. وأما قول ابن عدي: إنه ليس في ولد أبي صالح محمد، وإنما هم سهيل، ويحيى، وعباد، وعبد الله، وصالح فوهم كما قال العراقي حيث أبدل محمدا بيحيى وجعل عبادا، وعبد الله اثنين, وإنما هو لقبه. ومثاله في الخمسة: قال السيوطي: لم أقف عليه في الصحابة. وفي التابعين: موسى، وعيسى، ويحيى، وعمران، وعائشة أولاد طلحة بن عبيد الله. وبعدهم: سفيان، وآدم، وعمران، ومحمد، وإبراهيم بنو عيينة، حدثوا كلهم، وأجلهم سفيان وقيل: إنهم عشرة إلا أن الخمسة الآخرين لم يحدثوا وسمى منهم: أحمد ومخلدا. ومثاله في الستة: قال السيوطي: لم أقف عليه في الصحابة. وفي التابعين: محمد، وأنس، ويحيى، ومعبد، وحفصة، وكريمة بنو سيرين هكذا سماهم ابن معين، والنسائي، والحاكم. وذكر أبو عليّ الحافظ شيخ الحاكم خالدا بدل كريمة، وزاد ابن سعد: فيهم: عمرة وسودة قال العراقي: ولا رواية لهما فلا يردان.

وفي كتاب "المعارف" لابن قتيبة: ولد لسيرين ثلاثة وعشرون ولدًا من أمهات أولاد وقد روى محمد بن سيرين عن أخيه يحيى، عن أخيه أنس عن مولاه أنس بن مالك حديثًا، وهو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لبيك حقًّا حقًّا، تعبدًا ورقًّا" , أخرجه الدارقطني في "العلل" من رواية هشام بن حسان عنه. وهذه لطيفة غريبة: ثلاثة إخوة، قد روى بعضهم عن بعض في إسناد واحد، وذكر ابن طاهر أن هذا الحديث رواه محمد عن أخيه يحيى، عن أخيه سعيد، عن أخيه أنس, وهو في جزء أبي الغنائم النرسي1 فعلى هذا اجتمع أربع أخوة في إسناد واحد. ومثاله في السبعة من الصحابة: النعمان: ومعقل، وعقيل، وسويد، وسنان وعبد الرحمن، وسابع لم يسم بنو مقرن" وكلهم صحابة مهاجرون لم يشاركهم أحد في هذه المكرمة من كونهم سبعة هاجروا وصحبوا، وقيل: شهدوا الخندق وهذا الذي لم يسمه ابن الصلاح قد سماه ابن فتحون في "ذيل الاستيعاب" عبد الله وقد اعترض ما ذكره ابن الصلاح من كون بني مقرن سبعة، بأن ابن عبد البر زاد فيهم ضررًا، ونعيمًا، وحكى غيره أن أولاد مقرن عشرة. وعلى هذا فالمثال الصحيح للسبعة الأخوة من الصحابة أولاد عفراء2 وهم: 1- معاذ. 2- ومعوذ3. 3- وإياس. 4- وخالد.

_ 1 بفتح النون وسكون الراء نسبة إلى نرس نهر من أنهار الكوفة، وأبو الغنائم هو: محمد بن عليّ بن ميمون الكوفي روى عنه أبو بكر السمعاني والد أبي سعد صاحب الأنساب، وتوفي سنة سبع وخمسمائة. 2 هي أمهم تزوجت أولًا بالحارث بن رفاعة الأنصاري فأولادها معاذًا، ومعوذًا، ثم تزوجت بعد طلاقها له بالبكير بن عبد ياليل فأولدها إياسًا، وخالدًا، وعاقلًا، وعامرًا، ثم عادت إلى الحارث فأولدها عوفًا, فأربعة منهم أشقاء وهم بنو البكير، وثلاثة أشقاء وهم بنو الحارث, وسبعتهم شهدوا بدرًا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ ومعوذ اشتركَا في قتل أبي جهل، ثم احتز رأسه عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين, وأمهم عفراء بنت عبيد تعتبر من النساء المنجبات. 3 معوذ: بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الواو المشددة آخره ذال معجمة.

5- وعاقل. 6- وعامر. 7- وعوف. كلهم شهدا بدرا. ومثاله في التابعين: سالم, وعبد الله، وعبيد الله، وحمزة، وورش، وواقد وعبد الرحمن أولاد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وكذلك قول ابن الصلاح: لم يشاركهم أحد في الهجرة والصحبة، والعدد ذكره أيضا ابن عبد البر وجماعة. وقد اعترض عليه بأولاد الحارث بن قيس السهمي كلهم هاجروا، وصحبوا، وهم سبعة أو تسعة: 1- بشر. 2- وتميم. 3- والحارث. 4- والحجاج. 5- والسائب. 6- وسعيد. 7- وعبد الله. 8- ومعمر. 9- وأبو قيس. وهم أشرف نسبا في الجاهلية والإسلام من بني مقرن وزادوا عليهم بأن استشهد منهم سبعة في سبيل الله. ومثال الثمانية في الصحابة: 1- أسماء. 2- وحمران. 3- وخراش. 4- وذؤيب. 5- وسلمة. 6- وفضالة. 7- ومالك. 8- وهند. بنو حارثة بن سعد، وشهدوا بيعة الرضوان بالحديبية، ولم يشهد البيعة أحد بعدهم. وفي التابعين: أولاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهم: 1- مصعب. 2- وعامر. 3- ومحمد. 4- وإبراهيم. 5- وعمرة. 6- ويحيى. 7- وإسحاق. 8- وعائشة. ومثال التسعة في الصحابة: أولاد الحارث بن قيس السهمي المتقدمين آنفا. ومثالهم في التابعين أولاد أبي بكر نفيع بن الحارث أحد عتقاء الله في حصار ثقيف سنة ثمان وهم: 1- عبد الله. 2- وعبيد الله. 3- وعبد الرحمن. 4- وعبد العزيز. 5- ومسلم. 6- ورواد. 7- ويزيد. 8- وعتبة. 9- وكبشة.

ومثال العشرة في الصحابة: أولاد العباس رضي الله عنه، وهم: 1- عبد الله. 2- وعبيد الله. 3- وعبد الرحمن. 4- والفضل. 5- وقثم. 6- ومعبد. 7- وعون. 8- والحارث. 9- وكثير. 10- وتمام، وهو أصغرهم. قال ابن عبد البر: لكل ولد العباس رؤية، والصحبة للفضل وعبد الله. وفي التابعين: أولاد أنس بن مالك رضي الله عنه الذين رووا فقط، وهم: 1- النضر. 2- وموسى. 3- وعبد الله. 4- وعبيد الله. 5- وزيد. 6- وأبو بكر. 7- وعمر. 8- ومالك. 9- وثمامة. 10- ومعبد. ومثال الاثني عشر في الصحابة: أولاد عبد الله بن أبي طلحة، وهم: 1- إبراهيم. 2- وإسحاق. 3- وإسماعيل. 4- وزيد. 5- وعبد الله. 6- وعمارة. 7- وعمر. 8- وعميرة. 9- والقاسم. 10- ومحمد. 11- ويعقوب. 12- ومعمر. ومثال الثلاثة عشر أو الأربعة عشر: أولاد العباس بن عبد المطلب المذكور، وله أربع إناث أو ثلاث: 1- أم كلثوم. 2- وأم حبيب. 3- وأميمية. 4- وأم تميم. "هذه هي المفاخر حقا": وما ذكر العلماء في هذا النوع يعتبر من المفاخر والمكارم التي تزري بكل مفخرة ومكرمة فليس بعد الإسلام من مفخرة، وليس بعد الصحبة من مكرمة فإذا اجتمع إلى ذلك الجهاد في سبيل الله، والاستشهاد إن كان فقد حاز هؤلاء المفاخر، والمكارم من جميع أطرافها. وإذا كان هذا الجهاد، أو الاستشهاد في بدر أول مشهد من مشاهد الإسلام والذي كان له ما بعده, فقد حاز المسلم الثواب الأعظم، والرضوان الأكبر من الله تبارك وتعالى.

فهل لشباب الإسلام اليوم أن يعوا هذه المفاخر، والمكارم، وأن يعملوا على تحصيل ما يمكن من هذه المفاخر والمكارم؟ إن نعمة الإسلام لا توازيها نعمة، ومفخرة الجهاد في سبيل الله لإعزاز دين الله تعالى، ونشر كلمة التوحيد في الأرض ونشر شريعة الله في العالم كله لا يساويها الملك، ولا الجاه، ولا السلطان، ولا الغنى، ولو حيزت للمسلم الدنيا, وكل ما فيها وصدق المبلغ عن رب العالمين قال "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" رواه الشيخان.

رواية الآباء عن الأبناء

"رواية الآباء عن الأبناء": وللخطيب البغدادي فيه كتاب. وإليكم أمثلة لذلك: 1- ما ذكره الإمام أبو الفرج بن الجوزي في بعض كتبه: أن أبا بكر الصديق روى عن ابنته عائشة، وروت عنها أمها أم رومان وسيأتي ما فيه. 2- ومنه رواية العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه عن ابنه الفضل: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الصلاتين بالمزدلفة، وقيل: إنه روى عن ابنه عبد الله أيضا. 3- ما روى سفيان بن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أخروا الأحمال فإن اليد مغلقة، والرجل موثقة" 1.

_ 1 الحديث رواه السيوطي في "الجامع الصغير" رقم "292", ونسبه لأبي داود في كتابه "المراسيل" عن الزهري، ولأبي يعلى والطبراني في "الأوسط" عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة "نحوه", والأحمال جمع حمل -بكسر الحاء- ما يحمل على الدابة، والمعنى توسيط الحمل على ظهر البعير ونحوه, فإن يده مغلقة بثقل الحمل، ورجله موثقة كذلك فارحموه بتوسط الحمل على ظهره حتى لا يؤذيه الحمل، وإنما أمر بالتأخير والمراد التوسيط؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- رأى بعيرا متقدما حمله إلى جهة الأمام.

قال الخطيب: لا يعرف إلا من هذا الوجه. 4- وروى سليمان بن طرخان التيمي عن ابنه المعتمر بن سليمان قال: حدثني أبي قال: حدثتني أنت عني عن أيوب السختياني عن الحسن، قال: "ويح كلمة رحمة", قال: النووي متابعا لأبي عمرو بن الصلاح, وهذا مثال ظريف يجمع أنواعا. قال النووي: بينتها في الكبير -يعني كتابه "الإرشاد" الذي هو أصل "التقريب"- قال فيه: "منها رواية الأب عن ابنه، ورواية الأكبر عن الأصغر، ورواية التابعي عن تابعيه، ورواية ثلاثة تابعين بعضهم عن بعض، وأنه حدث غير واحد عن نفسه. قال: "وهذا في غاية الحسن والغرابة، ويبعد أن يوجد مجموع هذا في حديث". 5- وروى أبو داود صاحب السنن عن ابنه أبي بكر بن أبي داود حديثين. 6- وروى أبو عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ عن ابنه أبي جعفر محمد ستة عشر حديثا أو نحوها، والدوري نسبه إلى الدور وهي محلة ببغداد، روى عن الكسائي وتوفي سنة ست وأربعين ومائتين "246هـ". 7- وروى الشيخ أبو عمرو بن الصلاح عن أبي المظفر عبد الرحيم ابن الحافظ أبي سعد عن أبيه عن ابنه أبي المظفر بسنده عن أبي أمامة مرفوعا: "أحضروا موائدكم البقل فإنه مردة للشيطان مع

التسمية", وسكت عنه، قال العلامة ابن كثير: "وقد ذكره أبو الفرج بن الجوزي في "الموضوعات" وأخلق به أن يكون كذلك أبي موضوعا"2. قال ابن الصلاح: "وأما الحديث الذي رويناه عن أبي بكر الصديق عن ابنته عائشة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "في الحبة السوداء شفاء من كل داء" 3, فهو غلط ممن رواه، إنما هو عن أبي بكر بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عائشة، كما رواه البخاري". قال الإمام العراقي: "لكن ذكر ابن الجوزي: أن الصديق رضي الله عنه روى عن ابنته عائشة حديثين, وروت عنها أم رومان أمها حديثين، قال العلامة البلقيني: فإن كان ابن الجوزي أخذ رواية الصديق من هذا الحديث فقد تبين أنه وهم". 8- وروى أنس بن مالك عن ابنه غير مسمى حديثا. 9- وزكريا بن أبي زائدة عن ابنه حديثا. 10- ويونس بن أبي إسحاق عن ابنه إسرائيل حديثا.

_ 1 وقد ذكر العراقي سنده نقلا عن السمعاني في "الذيل" من رواية العلاء بن مسلمة الرواس قال: وهو حديث موضوع يذكر غير واحد من الحفاظ أنه موضوع، والعلاء هذا قال فيه أبو حاتم: "يروي عن الثقات الموضوعات لا يحل الاحتجاج به بحال", وقال فيه نحو ذلك أبو الفتح الأزدي، وابن طاهر، وابن الجوزي. 2 اختصار علوم ص211. 3 رواه البخاري, كتاب الطب, باب الحية السوداء، ورواه مسلم, كتاب الطب, باب في التداوي بالحبة السوداء، وقد ورد تفسيرها بالشونيز، وقيل هي الكمون الأسود وتعرف عند العامة بحبة البركة ويستخرج منها زيت نافع مفيد، والمراد بالعموم هنا الخصوص يعني من كل داء تصلح أن تكون دواء له، ومثل هذا الحديث يرجع فيه إلى الأطباء، وبتحليلها كيميائيا تعرف خصائصها الدوائية.

11- وأبو بكر بن عياش عن ابنه إبراهيم حديثا. 12- وشجاع بن الوليد عن ابنه أبي هشام الوليد حديثا. 13- وعمر بن يونس اليمامي عن ابنه محمد حديثا. 14- وسعيد بن الحكم المصري عن ابنه محمد حديثا. 15- وإسحاق البهلول عن ابنه يعقوب حديثين. 16- ويحيى بن جعفر بن أعين عن ابنه الحسين حديثين. 17- والحسن بن سفيان عن ابنه أبي بكر حديثين. وفي حكم هذا النوع. 18- رواية العباس وحمزة رضي الله عنهما عن ابن أخيهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعم بمنزلة الأب وفي الحديث الصحيح: "أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه". 19- ورواية شعيب الزبيري عن ابن أخيه الزبير بن بكار. 20- وإسحاق بن حنبل عن ابن أخيه الإمام أحمد بن محمد بن حنبل. 21- ورواية الإمام مالك عن ابن أخته: إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس1.

_ 1 علوم الحديث لابن الصلاح بشرح العراقي من ص344-346، تدريب الراوي شرح تقريب النواوي ص431، 432، اختصار علوم الحديث من ص199-201.

رواية الأبناء عن الآباء

"رواية الأبناء عن الآباء": ولأبي نصر الوائلي فيه كتاب، وأهمه ما لم يسم فيه الأب والجد, فيحتاج إلى معرفة اسمه ويخشى أن يستبهم الأمر على القارئ. وهو نوعان: أحدهما رواية الرجل عن أبيه فحسب وهو كثير كرواية أبي العشراء الدارمي عن أبيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في السنن الأربعة، ولم يسم أبوه وقد اختلف فيه1. وثانيهما: أي النوعين رواية الرجل عن أبيه عن جده، ثم تارة يراد بالجد أبو الأب وتارة يراد به الجد الأعلى. وقد روى ابن الصلاح بسنده عن أبي القاسم العلوي أنه قال: "الإسناد بعضه عوال، وبعضه معال وقول الرجل: حدثني أبي عن جدي من المعالي" قال الحافظ ابن حجر: "وقد جمع الحافظ صلاح الدين العلاني من المتأخرين مجلدا كبيرا في معرفة من روى عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقسمه أقساما، فمنه ما يعود الضمير في قوله: "عن جده" على الراوي، ومنه ما يعود الضمير فيه على أبيه ... قال: "وقد لخصت كتابه المذكور وزدت عليه تراجم كثيرة جدا وأكثر ما وقع فيه ما تسلسلت فيه الرواية عن الآباء بأربعة عشر أبا"2 ومن أمثلة هذا النوع: 1- عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وله بهذا الإسناد نسخة كبيرة، أكثرها فقهيات جياد، والمراد بالجد هنا الأعلى, وهو عبد الله بن عمرو بن العاص فهو جد الأب, وقد اختلف الأئمة المحدثون في الاحتجاج بهذا السند إذا صح السند إليه قال البخاري: "رأيت أحمد بن حنبل، وعليّ بن المديني، وإسحاق بن راهويه وأبا عبيدة وعامة أصحابنا

_ 1 قال ابن الصلاح: وقد اختلفوا فيه فالأشهر أن أبا العشراء هو أسامة بن مالك بن قِهْطم قال: وهو فيما نقلته من خط البيهقي بكسر القاف، وقيل قحطم بالحاء المهملة وقيل: هو عطارد بن برز -بتسكين الراء المهملة، ثم زاي- وقيل: بتحريكهما وقيل: ابن بلز باللام، وفي اسمه، واسم أبيه من الخلاف غير ذلك والله أعلم. 2 قد رأيت الإعراض عما ذكره ابن الصلاح، والنووي, والعراقي, والسيوطي من تسلسل رواية الأبناء عن الآباء بتسعة آباء وباثني عشر أبا، وبأربعة عشر أبا؛ لأن أسانيدها لا تخلو عن وضاع ومتكلم فيه ومجاهيل فأحر بها أن تهمل لا أن تذكر، ومن أراد التأكد فليرجع إلى ما قاله الحافظ صلاح الدين العلائي في كتابه "الوشي المعلم", وقد نقل كلامه السخاوي في شرحه لألفية العراقي ج3 ص181 ط العاصمة بمصر.

يحتجون بحديثه، ما تركه أحد من المسلمين" وزاد مرة: "والحميدي" قال: ومن الناس بعدهم؟ وقال مرة: "احتج علي -يعني ابن المديني- ويحيى بن معين، وأحمد وأبو خيثمة، وشيوخ من أهل العلم فتذاكروا حديث عمرو بن شعيب فثبتوه، وذكروا أنه حجة". وقال أحمد بن سعيد الدارمي: احتج أصحابنا بحديثه، قال النووي في "شرح المهذب": وهو الصحيح المختار الذي عليه المحقون من أهل الحديث, وهم أهل الفن وعنهم يؤخذ. وقد حمل هؤلاء "جده" على عبد الله الصحابي دون محمد التابعي لما ظهر لهم في! طلاقة ذلك، وسماع شعيب من عبد الله بن عمرو ثابت، وقد أبطل الدارقطني وغيره إنكار ابن حبان، ذلك، وحكى الحسن بن سفيان عن إسحاق بن راهويه أن قال: "إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر". قال النووي: وهذا التشبيه نهاية الجلالة من مثل إسحاق. وقال أبو حاتم: عمرو عن أبيه عن جده أحب إليّ من بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وقد ألف العلائي1 جزءا مفردا في صحة الاحتجاج بهذه النسخة، والجواب عما طعن به عليها قال: ومما يحتج به لصحتها احتاج مالك بها في الموطأ، فقد أخرج عن عبد الرحمن بن حرملة عنه حديث: "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب". وذهب قوم إلى ترك الاحتجاج به، وحكاه الآجري عن أبي داود صاحب "السنن", وهو رواية عن ابن معين قال: لأن روايته عن أبيه عن جده كتاب ووجادة2 فمن هاهنا جاء ضعفه، لأن التصحيف يدخل

_ 1 هو الإمام الحافظ صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدا بن عبد الله العلائي الدمشقي المقدسي الشافعي المتوفى سنة إحدى وستين وسبعمائة. 2 يعني عن طريق الوجادة لا عن طريق السماع عنه ولا القراءة عليه: ولا الإجازة، وهي أدنى طرق التحمل.

على الراوي من الصحف، ولذا تجنبها أصحاب الصحيح. وقال ابن عدي: روايته عن أبيه عن جده مرسلة؛ لأن جده محمدا لا صحبة له, وقال ابن حبان: إن أراد جده عبد الله فشعيب لم يلقه فيكون متقطعا، وإن أراد محمد فلا صحبة له فيكون مرسلا. قال الذهبي وغيره: وهذا القول لا شيء، لأن شعيبا ثبت سماعه من عبد الله, وهو الذي رباه حتى قيل: إن محمدا مات في حياة أبيه عبد الله، وكفل شعيبا جده عبد الله, فإذا قال عن أبيه عن جده فإنما يريد بالضمير في "جده" أنه عائد إلى شعيب. وصح أيضا أن شعيبا سمع من معاوية -يعني ابن أبي سفيان- ومعاوية مات قبل عبد الله بن عمرو بسنوات، فلا ينكر له السماع من جده، سيما وهو الذي رباه وكفله"1. وهذا القول اختاره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "اللمع" إلا أنه احتج بها في "المهذب". وذهب الدارقطني إلى التفرقة بين أن يفصح بجده أنه عبد الله فيحتج به أولا فلا، وكذا إن قال: عن جده قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحوه مما يدل على أن مراده عبد الله. وذهب ابن حبان إلى التفرقة بين أن يستوعب ذكر آبائه بالرواية، أو يقتصر على أبيه عن جده، فإن صرح بهم كلهم فهو حجة، وإلا فلا، وقد أخرج في صحيحه له حديثا واحدا هكذا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن عمرو عن أبيه عبد الله بن عمرو، عن أبيه مرفوعا: "ألا أحدثكم بأحبكم إليّ، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ... " الحديث.

_ 1 ميزان الاعتدال ج3 ص266، 267 ط الحلبي.

قال العلائي: ما جاء فيه التصريح برواية محمد عن أبيه في السند, فهو شاذ نادر والراجح والصواب هو ما ذهب إليه جمهور المحدثين ومنهم أئمة كبار لا يشق لهم غبار. 2- ومن أمثلة ما أريد فيه الجد الأدنى: بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة1 عن أبيه، عن جده، له هكذا نسخة حسنة، ومعاوية صحابي جليل. صححها ابن معين واستشهد بها البخاري في الصحيح2، وقال الحاكم: إنما أسقط من الصحيح روايته عن أبيه عن جده؛ لأنها شاذة لا متابع له فيها. وقد اختلف العلماء في أي النسختين أصح وأرجح من الأخرى: رواية عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أو رواية بهز عن أبيه عن جده؟ فرجح بعضهم رواية بهز عن أبيه عن جده؛ لأن البخاري استشهد ببعضها في صحيحه تعليقًا دونها. ورجح غيرهم رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو الصحيح كما يعلم ذلك من كتب الرجال، ومن هؤلاء أبو حاتم الرازي قالوا: لأن البخاري صحح نسخة عمرو، وهو أقوى من استشهاده بنسخة بهز بن حكيم. وأما قول الأولين: لأن البخاري ... إلخ, فمردود؛ لأن البخاري استشهد أيضًا بحديث عمرو, فقد أخرج حديثًا معلقًا في كتاب اللباس من صحيحه، وخرجه الحافظ ابن حجر من طريق عمرو بن شعيب. وقال: إنه لم ير في البخاري إشارة إلى حديث عمرو غير هذا الحديث،

_ 1 بفتح الحاء وسكون الياء المثناة من تحت القشيري. 2 يعني أن البخاري ذكرها في الصحيح تعليقًا.

فيبقى كون البخاري قد صحح نسخة عمرو، وهو أقوى من استشهاده بنسخة بهز مرجحا لقول هؤلاء على قول الأولين, وهو الحق1. 3- ومن أمثلته طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب اليامي، وقيل: كعب بن عمرو، عن أبيه عن جده، قال البلقيني: في هذا المثال نظر من جهة أن أبا داود قال في "سننه" في حديث الوضوء: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ابن عيينة -زعموا- كان ينكره, ويقول: "أيش هذا؟ طلحة عن أبيه عن جده، وقال عثمان بن الدارمي: سمعت ابن المديني يقول: قلت لسفيان: إن ليثا يروي عن طلحة عن أبيه عن جده: "أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ", فأنكر سفيان ذلك، وعجب أن يكون جد طلحة لقي النبي -صلى الله عليه وسلم. "فائدة مهمة": يلحق برواية الرجل عن أبيه عن جده، رواية المرأة عن أمها عن جدتها، وهو غزير جدا ومن ذلك ما رواه أبو داود في "سننه" عن بندار "ثنا" عبد الحميد بن عبد الواحد قال: حدثتني أم جنوب بنت نميله عن أمها سويدة بنت جابر عن أمها عقيلة بنت أسمر بن مضرس، عن أبيه أسمر بن مضرس قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعته, فقال: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له".

_ 1 التدريب من ص433-436، علوم الحديث لابن الصلاح بشرح العراقي ص347-349، واختصار علوم الحديث من ص202-204، وتهذيب التهذيب ج8 من ص48-55.

السابق واللاحق

"السابق واللاحق": وهو معرفة من اشترك في الرواية عنه اثنان تباعد ما بين وفايتهما، وهذا إنما يقع عند رواية الأكابر عن الأصاغر, ثم يروي عن المروي عنه متأخر. وقد ألف الخطيب البغدادي فيه كتابا حسنا سماه: "السابق واللاحق" وهذا النوع من أنواع علوم الحديث فيه طرافة. ومن فوائده: حلاوة علو الإسناد في القلوب، وعلوم الإسناد من مطلوبات أئمة الحديث وحفاظه وأن لا يظن سقوط شيء من الإسناد. "أمثلته": 1- ومن أمثلته الإمام محمد بن إسحاق السراج، روى عنه البخاري في "تاريخه" وأبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، والخفاف توفي سنة ثلاث، وقيل: أربع، وقيل: خمس وتسعين وثلاثمائة. 2- ومن أمثلته الزهري، وزكريا بن دويد1، فإنهما رويا عن الإمام مالك، وبينهما كذلك فإن الزهري مات سنة أربع وعشرين ومائة وزكريا حدث عن مالك سنة نيف2 وستين ومائتين، ولا يعرف وقت وفاته، فأقل ما يكون بينهما مائة وسبع وثلاثون سنة. قال العراقي في "التقييد والإيضاح": "والتمثيل بزكريا سبق إليه الخطيب، ولا ينبغي أن يمثل به؛ لأنه أحد الكذابين الوضاعين، ولا يعرف سماعه من مالك، وإن كان حدث عنه، فقد زاد، وادعى أنه سمع من حميد الطويل وروى عنه نسخة موضوعة", فالصواب: أن آخر أصحاب مالك أحمد بن إسماعيل السهمي ومات سنة تسع وخمسين ومائتين، فبينه وبين الزهري مائة وخمس وثلاثون سنة.

_ 1 دويد: بضم الدال المهملة وفتح الواو وسكون الياء على صيغة المصغر. 2 النيف: كل ما زاد على العقد حتى يبلغ العقد الثاني يقال: عشرة ونيف، ومائة ونيف.

3- قال السيوطي: "ومن أمثلة ذلك في المتأخرين أن الفخر بن البخاري سمع منه المنذري، والصلاح بن أبي عمر شيخ شيخنا، وقد مات المنذري سنة ست وخمسين وستمائة، والصلاح سنة ثمانين وسبعمائة" أقول: فيكون بينهما أربع وعشرون ومائة سنة. 4- قال السيوطي: والبرهان التنوخي شيخ شيوخنا سمع منه الذهبي، وروى عنه فيما ذكر شيخ الإسلام ابن حجر، ومات -يعني الذهبي- سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وآخر أصحابه أي البرهان التنوخي أبو العباس الشاوي مات سنة أربع وثمانين وثمانمائة، أقول فيكون ما بين وفاتيهما ستا وثلاثين ومائة سنة1. 5- وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك مائة وخمسون سنة وذلك أن أبا علي البرداني2 سمع من السلفي حديثا ورواه عنه، ومات -أي البرداني- على رأس الخمسمائة، وآخر أصحاب السلفي سبطة أبو القاسم بن مكي مات سنة خمسين وستمائة3.

_ 1 التدريب ص438، 439، علوم الحديث بشرح العراقي ص350، 351، اختصار علوم الحديث ص205. 2 ينسب إلى بردان وضبطها ابن الأثير بضم الباء، قال: وهي قرية من قرى بغداد على سبعة فراسخ من بغداد، وموضع بالكوفة، وضبطها صاحب "مراصد الاطلاع" بالفتح، وذكر أنها قرية فوق بغداد. 3 نزهة النظر ص60-61.

معرفة الوحدان

"معرفة الوحدان": الوحدان: جمع واحد كشاب، وشبان، وراع ورعيان. وهو من لم يرو عنه إلا واحد. ومن فوائده: معرفة المجهول إذا لم يكن صحابيا فلا يقبل كما تقدم، وهو أن من لم يرو عنه إلا راو واحد فهو مجهول العين فلا تقبل روايته، إلا أن يكون صحابيا فإن الصحابة كلهم عدول. وقد ألف فيه الإمام مسلم بن الحجاج القشيري كتيبا صغيرا1. "أمثلته": مثاله في الصحابة: 1- وهب بن خنبش2 الطائي الكوفي قال ابن الصلاح: وسماه الحاكم، وأبو نعيم: هرما، وذلك خطأ، وكذا وقع عن ابن ماجه. قال المزي: ومن قال وهب أكثر وأحفظ. 2- وعامر بن شهر، وعروة بن مضرس، ومحمد بن صفوان الأنصاري ومحمد بن صيفي الأنصاري، وليس بالذي قبله على الصحيح، وهؤلاء صحابيون أجلاء لم يرو عنهم غير الشعبي التابعي الجليل. وقد عقب على ذلك العراقي في شرح "علوم الحديث" فقال: ما ذكره في عامر قاله مسلم وغيره، وفيه نظر: فإن ابن عباس روى عنه قصة رواها سيف بن عمر في "الردة" -أي قتال أهل الردة- قال: حدثنا طلحة الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس قال: أول من اعترض على الأسود العنسي -وكان ادعى النبوة- وكابره عامر بن شهر الهمداني إلى آخر كلامه، وما قاله في عروة قاله أيضا ابن المديني، والحاكم، وليس كذلك فقد روى عنه ابن عمه: حميد بن منهب الطائي، ذكره الحافظ المزي في "تهذيب الكمال". 3- وانفرد قيس بن أبي حازم بالرواية عن أبيه، وعن دكين3 أبي

_ 1 هي رسالة صغيرة في 24 صحيفة مطبوع طبع حجر بالهند. 2 بفتح الخاء المعجمة وسكون النون، وفتح الباء الموحدة، آخره شين معجمة. 3 دكين بضم الدال وفتح الكاف وسكون الياء المثناة من تحت على صيغة المصغر.

سعيد الخثعمي ويقال المزني، وعن الصنابح1 بن الأعسر، ومرداس بن مالك الأسلمي من الصحابة. قال العراقي في "شرحه على مقدمة ابن الصلاح": لم ينفرد عن الصنابح، بل روى عنه أيضا الحارث بن وهب ذكره الطبراني. قال السيوطي: لكن قال شيخ الإسلام -يعني الحافظ ابن حجر: إنه وهم والصواب أن الذي روى عنه الحارث، الصنابحي التابعي -يعني لا الصنابح الصحابي- وقال المزي: روى عن مرداس أيضا زياد بن علاقة. قال العراقي: والصواب خلافه، فإنما روى زياد عن مرداس بن عروة صحابي آخر. 4- ومن لم يرو عنه من الصحابة إلا ابنه المسيب بن حزن القرشي والد سعيد بن المسيب، ومعاوية بن حيدة القشيري، والد حكيم. قال العراقي: بل روى عن معاوية أيضا عروة بن رويم اللخمي، وحميد المزني ذكرهما المزي. وقرة بن إياس والد معاوية، وأبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن, وإن كان عدي بن ثابت أيضا روى عنه، فلم يدركه كما قال المزي. قال أبو عبد الله الحاكم في "المدخل إلى الإكليل": لم يخرجا -أي الشيخان: البخاري ومسلم- في الصحيحين عن أحمد من هذا القبيل من الصحابة. وتبعه على ذلك البيهقي, فقال في "سنته" عند ذكر بهز بن حكيم عن أبيه عن جده في حديث: "ومن كتمهما فإنا آخذوها، وشطر ماله"

_ 1 الصنابح: بضم الصاد، وفتح النون الممدودة وكسر الباء الموحدة، آخره حاء مهملة والأعسر بالعين والسين المهملتين.

الحديث، ما نصه: "فأما البخاري ومسلم فإنهما لم يخرجاه جريا على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي، إذا لم يكن له إلا راو واحد لم يخرجا حديثه في الصحيحين، وغلطوه في ذلك وقد نقض هذا القول بإخراجهما حديث المسيب بن حزن أبي سعيد في وفاة أبي طالب مع أنه لا راوي له غير ابنه سعيد. وبإخراج البخاري حديث الحسن البصري عن عمرو بن تغلب مرفوعا: "إني لأعطي الرجل، والذي أدع أحب إليّ" , الحديث. ولم يرو عنه غيره أي غير الحسن وبإخراج البخاري أيضا حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي: "يذهب الصالحون الأول، فالأول" , ولا راوي له غير قيس كما تقدم تحريره. وبإخراج مسلم حديث عبد الله بن الصامت عن رافع بن عمرو الغفاري، ولا راوي له غيره. قال العراقي: بل روى عنه ابنه عمران أيضا كما قال المزي، وأبو جسر مولى أخيه كما في "جامع الترمذي". ونظائره في الصحيحين كثيرة، قال ابن الصلاح: كإخراجه حديث أبي رفاعة العدوي, ولم يرو عنه غير حميد بن هلال العدوي، وحديث الأغر المزني, ولم يرو عنه غير أبي بردة. وقال العراقي: بل روى عن أبي رفاعة أيضا صلة بن أشيم العدوي، وعن الأغر عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومعاوية بن قرة. ثم قال ابن الصلاح "وهذا مصير منهما -أي البخاري ومسلم- إلى أنه ترتفع الجهالة عن الراوي برواية واحد عنه", أقول: وإن لم يقل بذلك فكل من ذكرهم صحابة، والصحابة كلهم عدول والله أعلم.

"مثاله في التابعين": 1- أبو العشراء الدارمي لم يرو عنه غير حماد بن سلمة. قال العراقي: بل روى عنه يزيد بن أبي زياد، وعبد الله بن محرر كلاهما روى عنه حديث الزكاة متابعين لحماد بن سلمة. 2- ومثل الحاكم لهذا النوع في التابعين بمحمد بن أبي سفيان الثقفي، وذكر أنه لم يرو عنه غير الزهري فيما نعلم. قال العراقي: بل قد روى عنه أيضا ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي كما ذكره البخاري في "التاريخ" وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" والمزي في "التهذيب" وروايته عنه في المعجم الكبير للطبراني, وروى عنه أيضا تميم بن عطية العنسي وأبو عمر الأنصاري ذكره المزي في "التهذيب". 3- قال الحاكم: وكذلك تفرد الزهري عن نيف وعشرين رجلا من التابعين لم يرو عنهم غيره. 4- وكذلك عمرو بن دينار تفرد عن جماعة من التابعين. 5- وكذلك يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو إسحاق السبيعي، وهشام بن عروة وغيرهم. وسمى الحاكم منهم في بعض المواضع فيمن تفرد عنهم عمرو بن دينار: عبد الرحمن بن معبد وعبد الرحمن بن فروخ. وفيمن تفرد عنهم الزهري عمرو بن أبان بن عثمان وسنان بن أبي سنان الدؤلي وقد تعقبه العراقي في "التقييد والإيضاح" فقال: ذكر الحافظ أبو الحجاج المزي في "تهذيب الكمال" أنه روى عنه أيضا زيد بن أسلم، وكأنه قلد في ذلك ابن ماكولا, فإنه هكذا قال في "الإكمال" إنه روى عنه وعن أبيه أبي سنان.

والمشهور أن رواية زيد بن أسلم عن أبيه أبي سنان واسمه يزيد بن أمية، هكذا ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" قال البخاري: وقال زيد بن أسلم: حدثنا أبو سنان يزيد بن أمية، وكذا ذكر النسائي في "الكنى" والحاكم أبو أحمد في "الكنى" في ترجمة أبي سنان، والدارقطني في "المؤتلف والمختلف" أنه روى عنه زيد بن أسلم, وكذلك ذكر الحاكم فيمن تفرد عنهم يحيى بن سعيد الأنصاري عبد الله بن أنيس -بضم الهمزة وفتح النون وسكون الباء آخره سين مهملة- الأنصاري. وقد تعقبه في ذلك الإمام العراقي فقال: قال الخطيب في كتاب "المتفق والمفترق" عبد الله بن أنيس ثلاثة فذكرهم: فالأولان صحابيان، والثالث تابعي. فلم يذكر هو ولا غيره تفرد يحيى بن سعيد عن واحد من الثلاثة، بل ولا روايته عن واحد منهم، وقد ذكر البخاري في التاريخ هذا الذي أشار إليه الحاكم، فقال: عبد الله بن أنيس عن أمه, وهي بنت كعب بن مالك "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- على كعب بن مالك وهو ينشد". قال ابن وهب: "أنبأنا عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن أنيس حدثه ولم يذكر ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" عبد الله بن أنيس هذا، فإن كان هذا هو التابعي المذكور في "المتفق والمفترق", فلم ينفرد عنه يحيى بن سعيد بل تابعه على الرواية عنه زهرة بن معبد، وإن كان غيره فكان يلزم الخطيب أن يعدهم أربعة، ولهم أيضا خامس اسمه عبد الله بن أنيس الأنصاري صحابي روى عنه ابنه عيسى، وحديثه عند أبي داود والترمذي، وقد فرق بينه وبين عبد الله بن أنيس الجهني عليّ بن المديني، وخليفة بن خياط وغيرهما. وذكره أبو موسى المديني في "ذيله" على الصحابة وقال في نسبه:

الزهري، وقد ذكر الطبراني حديث هذا في حديث عبد الله بن أنيس الجهني والله أعلم. "مثاله في أتباع التابعين": ومثل له الخطيب في أتباع التابعين بالمسور بن رفاعة القرظي، وذكر أنه لم يرو عنه غير مالك. قال الحاكم: والذين تفرد عنهم مالك نحو عشرة من شيوخ المدينة منهم المسور بن رفاعة القرظي قال: وتفرد سفيان الثوري عن بضعة عشر شيخا منهم عبد الله بن شداد الليثي، وتفرد شعبة عن نحو ثلاثين شيخا منهم الفضل بن فضالة. قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: وأخشى أن يكون الحاكم في تنزيله بعض من ذكره بالمنزلة التي جعله فيها معتمدا على الحسبان والتوهم, والله أعلم. قال العراقي: "وما خشية المصنف هو المتحقق في بعضهم خصوصا المسور بن رفاعة، لقد روى عنه جماعة آخرون منهم إبراهيم بن سعيد ومحمد بن إسحاق ... ", وذكر آخرين غير هذين1.

_ 1 تدريب الراوي ص439-442، وعلوم الحديث لابن الصلاح بشرح العراقي من ص351-357، واختصار علوم الحديث ص206، 208.

معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة

"معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة": من كنى، أو ألقاب، أو أنساب، إما من جماعة من الرواة عنه, يعرفه كل واحد بغير ما عرفه الآخر، أو من راو واحد يعرفه مرة بهذا، ومرة بذاك, فيلتبس على من لا معرفة عنده, بل على كثير من أهل المعرفة والحفظ. وهو فن عويص أي صعب معرفته تمس الحاجة إليه لمعرفة التدليس، فإن أكثر ذلك إنما نشأ من تدليسهم. المؤلفات فيه: 1- ألف فيه الإمام الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري النسابة المتفنن, المتوفى سنة تسع وأربعمائة كتابا نافعا سماه "إيضاح الإشكال". قال السيوطي: وقفت عليه وسألخص هنا منه. 2- وممن ألف فيه الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي، المتوفى سنة ثلاثين وأربعمائة. "أمثلته": وهي من كتاب الحافظ عبد الغني بن سعيد الآنف الذكر. 1- محمد بن السائب الكلبي المفسر العلامة في الأنساب أحد الضعفاء. 2- وهو أبو النضر المروي عنه حديث تميم الداري وعدي بن بداء، في قصتهما النازل فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية1, رواها ابن إسحاق صاحب المغازي عن أبي النضر عن باذان عن ابن عباس، عن تميم. 3- وهو حماد بن السائب راوي حديث: "زكاة كل مسك 2 دباغه" , رواه عنه عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس: أبو أسامة حماد بن أسامة، وسماه حمادا أخذا من محمد، وقد غلط فيه حمزة بن محمد الكتاني الحافظ، والنسائي. 4- وهو أبو سعيد الذي روى عنه عطية العوفي التفسير، وكناه

_ 1 المائدة: 106. 2 المسك: بفتح الميم وسكون السين، الجلد.

بذلك ليوهم الناس أنه إنما يروي عن أبي سعيد الخدري. 5- وهو أبو هشام الذي روى عنه القاسم بن الوليد الهمذاني عن أبي صالح عن ابن عباس حديث: "لما نزلت: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} 1 ... ", الحديث. كناه بابنه هشام. 6- وهو محمد بن السائب بن بشر الذي روى عنه ابن إسحاق أيضا. 2- ومثاله أيضا: 1- سالم الراوي عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وعائشة، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان. 2- وهو سالم أبو عبد الله المدني. 3- وهو سالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان2 النصري. 4- وهو سالم مولى شداد بن الهاد النصري الذي روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن ونعيم المجمر -بضم الميم وسكون الجيم وكسر الميم آخره راء- وقيل: بتشديد الميم. 5- وهو سالم مولى النصريين. 6- وهو سالم مولى المهري الذي روى عنه عبد الله بن يزيد الهزلي. 7- وهو سالم سبلان3 الذي روى عنه عمران بن بسير. 8- وهو سالم أبو عبد الله الدوسي الذي روى عنه يحيى بن أبي كثير. 9- وهو سالم مولى دوس الذي روى عنه يحيى أيضا.

_ 1 الأنعام: 65. 2 بفتح الحاء المهملة والدال المهملة والثاء المثلثة، آخره نون. 3 سبلان: بفتح السين المهملة، والباء الموحدة، واللام، آخره نون.

10- وهو أبو عبد الله مولى شداد الذي روى عنه محمد بن عبد الرحمن وأبو الأسود. 11- وهو أبو عبد الله الذي روى عنه بكير الأشج. 3- ومثاله أيضا: محمد بن قيس الشامي المصلوب في الزندقة، كان يضع الحديث، قال ابن الجوزي دلس اسمه على خمسين وجها، وقال عبد الله بن أحمد بن سوادة: "قلبو اسمه على مائة اسم وزيادة قد جمعتها في كتاب". فقيل فيه: محمد بن سعيد، وقيل: محمد مولى بني هاشم، وقيل: محمد بن أبي قيس. وقيل: محمد بن حسان، وقيل: أبو عبد الرحمن الشامي ... إلى آخر ما ذكره السيوطي في "التدريب". 4- ومثاله أيضا ما استعمله الخطيب كثيرا في شيوخه. فيروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي، وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والكل واحد, وكذلك يروي الخطيب عن الحسن بن محمد الخلال، وعن الحسن بن أبي طالب، وعن أبي محمد الخلال والجمع عبارة عن واحد. وكذلك يروي عن أبي القاسم التنوخي، وعن عليّ بن الحسن، وعن القاضي أبي القاسم عليّ بن الحسن التنوخي، وعن عليّ بن أبي عليّ المعدل والجميع شخص واحد, وله من ذلك الكثير, والله أعلم. قال السيوطي: "وتبع الخطيب في ذلك المحدثون، خصوصا المتأخرين، وآخرهم شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر، نعم لم أرَ العراقي في أماليه يصنع شيئا من ذلك"1.

_ 1 تدريب الراوي ص442-444، وعلوم الحديث لابن الصلاح بشرح العراقي ص358، ط العاصمة بمصر، اختصار علوم الحديث ص208، 209.

معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب

معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب المؤلفات في هذا الفن ... "معرفة المفردات من الأسماء والكنى والألقاب": "في الصحابة، والرواة، والعلماء": وهو فن حسن يوجد في أواخر الأبواب من الكتب المصنفة في الرجال بعد أن يذكروا الأسماء المشتركة. المؤلفات في هذا الفن: ومن أشهر الكتب المؤلفة في ذلك: كتاب الحافظ أحمد بن هارون البرديجي البرذعي، المتوفى سنة إحدى وثلاثمائة, واسمه "الأسماء المفردة". قال ابن الصلاح: وقد لحقه في كثير منه اعتراض واستدراك من غير واحد من الحفاظ منهم الحافظ أبو عبد الله بن بكر في مواضع ليست بمفاريد، فمن ذلك ما وقع في كونه ذكر أسماء كثيرة على أنها آحاد, وهي مثانٍ، ومثالثٌ، وأكثر من ذلك، وعلى ما فهمناه من شرطه لا يلزمه ما يوجد في ذلك في غير أسماء الصحابة والعلماء ورواة الحديث، ومن ذلك أفراد ذكرها اعترض عليه فيها بأنها ألقاب لا أسامي منها: الأجلح الكندي، إنما هو لقب لجنحة كانت به، واسمه يحيى، ويحيى كثير1.

_ 1 علوم الحديث بشرح العراقي ص359 ط العاصمة.

القسم الأول: في أسماء

القسم الأول: في أسماء فمن الصحابة: 1- أجمد -بالجيم المعجمة, وضبطه القاضي أبو بكر بن العربي بالحاء المهملة فوهم- بن عجيان -بضم العين المهملة وسكون الجيم، ثم تحتية كسفيان وقيل: بالضم وفتح الجيم وتشديد الياء المثناة من تحت كعليان- همداني، شهد فتح مصر قال ابن يونس: لا أعلم له رواية. 2- جبيب -بضم الجيم وفتح الباء وسكون الياء مصغرا- بن الحارث.

وغلط ابن شاهين فجعله بالخاء المعجمة، وغلط بعضهم فجعله بالراء المهملة آخره. 3- سندر -بفتح السين المهملة، وسكون النون, وفتح الدال المهملة- الخصي مولى زنباع الجذامي سكن مصر، ويكنى: أبا الأسود، وأبا عبد الله باسم ابنه، وظن بعضهم أنهما اثنان، فاعترض على ابن الصلاح في دعوى أنه فرد وليس كذلك كما قال العراقي. 4- شكل -بفتح الشين المعجمة، والكاف- بن حميد العبسي، من رهط حذيفة، نزيل الكوفة روى حديثه أصحاب السنن. 5- صدى -بضم الصاد، وفتح الدال المهملة، آخره ياء مشددة- بن عجلان، أبو أسامة الباهلي. 6- صنابح -بضم الصاد المهملة, وفتح النون الممدودة آخره حاء مهملة- بن الأعسر البجلي الأخمسي، قال العراقي: وقد اعترض بأن أبا نعيم ذكر في الصحابة آخر اسمه صنابح. والجواب: أنه بعد ما ذكره قال: هو عندي المتقدم. "تنبيه": قال ابن عبد البر: "ليس الصنابح هو الصنابحي الذي روى عن أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن هذا اسم وذاك نسب، وهذا صحابي، وذاك تابعي، وهذا كوفي، وذاك شامي, وقال شيخ الإسلام في "الإصابة"1: قيل في كل منهما: صنابح، وصنابحي لكن الصواب في ابن الأعسر صنابح، وفي الآخر صنابحي، ويظهر الفرق بينهما بالرواة عنهما، حيث جاءت الرواية عن قيس بن أبي حازم عنه فهو ابن الأعسر، وهو الصحابي، وحديثه موصول، وحيث جاءت عن غير قيس عنه فهو الصنابحي، وهو التابعي وحديثه مرسل.

_ 1 ج2 ص194.

قال السيوطي: أضبط من هذان أن الصنابح لم يرو غير حديثين فيما ذكر ابن المديني وزاد الطبراني ثالثا من رواية الحارث بن وهب، وغلط فيه بأنه الصنابحي. 7- كلدة بن حنبل -بفتح الكاف واللام والدال المهملة. 8- وابصة -بكسر الباء الموحدة, وفتح الصاد المهملة- بن معبد. 9- نبيشة -بضم النون, وفتح الباء الموحدة، وسكون التحتية، وفتح الشين المعجمة- الخير. قال العراقي: وليس فردا، ففي الصحابة نبيشة غير المذكور في حديث الحج، ونبيشة بن أبي سلمى رجل روى عنه رشيد أبو موهب، ذكره ابن أبي حاتم. 10- شمغون -بفتح الشين المعجمة، وسكون الميم، وضم الغين المعجمة، ويقال بالعين المهملة- بن يزيد القرظي أبو ريحانة. وبذلك جزم ابن الصلاح أولا، ثم حكى الثاني بصيغة: يقال, وقال: إن ابن يونس صححه، وحكى فيه شيخ الإسلام في "الإصابة"1 قولا ثالثا: أنه بالمهملتين، وأنه أزدي، ويقال: أنصاري، ويقال: قرشي، ويقال له: أسدي -بسكون السين المهملة- قال شيخ الإسلام: الأسد لغة في الأزد، والأنصار كلهم من الأزد ولعله خالف بعض قريش فتجتمع الأقوال -يعني أنه أنصاري، أزدي, قرشي- نزل الشام، وله خمسة أحاديث. 11- هبيب -بضم الهاء, وفتح الباء الموحدة, وسكون الياء، آخره باء موحدة -بن مغفل -بضم الميم, وسكون الغين المعجمة, وكسر الفاء- الغفاري.

_ 1 ج2 ص156.

12- لُبَيّ -بضم اللام, وفتح الباء الموحدة، وتشديد الياء على وزن أُبَيّ يعني ابن كعب- وغلط ابن قانع فسماه أبيًّا، ابن لَبًا -بفتح اللام والباء المخففة كعصا- من بني أسد.

ومن التابعين

"ومن التابعين": 1- أوسط بن عمرو البجلي. 2- تدوم -بفتح التاء المثناة من فوق, وقيل: من تحت, وبضم الدال- بن صبح الكلاعي. 3- جيلاق -بكسر الجيم- بن فروة. 4- أبو الجلد -بفتح الجيم واللام- الأخباري. 5- الدجين -بضم الدال المهملة وفتح الجيم آخره نون على صيغة المصغر- بن ثابت أبو الغصن, قال ابن الصلاح: قيل: إنه جحا المعروف، والأصح أنه غيره، وعلى الأول مشى الشيرازي في "الألقاب", وروى عنه ابن المبارك، ووكيع، ومسلم بن إبراهيم، وغيرهم وهؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا. وما ذكر عنه أنه فرد قاله أيضا البخاري، وابن أبي حاتم وغيرهما، وهو دجين العريني الذي حدث عنه ابن المبارك. وخالف في ذلك ابن عدي في "الكامل" فاعتبرهما اثنين والصحيح الأول. 6- زِر بن حبيش -بضم الحاء المهملة، وفتح الباء على صيغة المصغر- التابعي الكبير وقد تعقب ذلك الحافظ العراقي، فقال: في غده في الأفراد نظر: فإنهم غير واحد يسمون هكذا، منهم: زر بن عبد الله الفقيمي، صحابي ذكره أبو موسى المديني، وابن فتحون، والطبري، وزر بن أربد قيس ابن أخي لبيد بن ربيعة، وزر بن محمد التغلبي شاعران ذكرهما ابن ماكولا، قال العراقي: ولا يردان على ابن الصلاح؛ لأنه ترجم النوع للصحابة والرواة والعلماء، فخرج الشعراء الذين لا صحبة

لهم فيرد عليه الأول فقط. 7- سعير -بضم السين وفتح العين المهملة، وسكون الياء، آخره راء- بن الخمس -بكسر الخاء المعجمة، وسكون الميم، وسين مهملة. قال ابن الصلاح: انفرد في اسمه، واسم أبيه. وقال العراقي: لم ينفرد في اسمه، ففي الصحابة سعير بن عداء البكائي ذكره ابن فتحون، وسعير بن سوادة العامري، ذكره ابن منده، وأبو نعيم. قال السيوطي: وسعير بن خفاف التميمي ذكره سيف في الفتوح، وأنه كان عاملا للنبي -صلى الله عليه وسلم- على بطون تميم، وأقره أبو بكر الصديق رضي الله عنه استدركه شيخ الإسلام في الإصابة. 8- وردان -بضم الواو- مستمر -على صيغة اسم الفاعل- بن الريان تابعي رأى أنس بن مالك، وهذا زيادة على ما ذكره ابن الصلاح. قال العراقي: ليس فردا، فلهم المستمر الناجي، والد إبراهيم روى له ابن ماجه حديثا وكلاهما بصري. 9- عزوان -بفتح العين المهملة وسكون الزاي وفتح الواو- بن يزيد الرقاشي تابعي، وقد اعترض هذا بأمرين: أحدهما أنه لا يعرف له رواية، وإنما روى عن أنس شيئا قوله، الثاني: أن لهم عزوان آخر لم ينسب، وأجيب بأن ماكولا بعد أن ذكره قال: "لعله الأول". 10- نوف -بفتح النون، وسكون الواو، آخره فاء- بن فضالة البكالي -بكسر الباء الموحدة، وفتح الكاف لبكالي، وغلب على ألسنتهم البَكّالي بفتح الباء، وفتح الكاف المشددة- والصحيح الأول، ونسبته إلى بني بكال بن دعمس بطن من حمير، وهو ابن امرأة كعب الأحبار التابعي المخضرم، وقيل: ابن أخيه. قال العراقي: وليس فردا بل لهم نوف بن عبد الله روى عن عليّ

بن أبي طالب، وعنه سالم بن أبي حفصة، وفرقد السبخي، وذكره ابن حبان في الثقات. 11- ضريب بن نقير بن شمير، الثلاثة بضم أوله وفتح ثانية وسكون ثالثه على صيغة المصغر، ونقير والده بالقاف، وقيل: بالفاء، وقيل: نفيل بالفاء واللام. 12- همذان -بفتح الهاء، وفتح الميم والذال المعجمة كاسم البلدة، وقيل: بفتح الهاء، وسكون الميم، وفتح الدال كاسم بالقبيلة بريد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

القسم الثاني: الكنى

"القسم الثاني: الكني" وهو جمع كنية وهي ما صدر بأب، أو بأم. 1- أبو العبيدين بالتصغير والتثنية، اسمه معاوية بن سبرة من أصحاب ابن مسعود له حديثان أو ثلاثة. 2- أبو العشراء -بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة- الدارمي، واسمه أسامة بن مالك بن قهطم -بكسر القاف وسكون الهاء وكسر الطاء المهملة- على الأشهر. وقيل: غير ذلك، فقيل: يسار بن بكر بن مسعود، وقيل: عطارد بن بكر، وقيل: ابن يرز -براء ساكنة، وقيل: مفتوحة، ثم زاي. 3- أبو المدلة -بضم الميم وكسر الدال المهملة، وفتح اللام المشددة- لم يعرف اسمه، وانفرد أبو نعيم بتسميته عبيد الله بن عبد الله، كذا قال ابن الصلاح. أيضا، قال العراقي: وليس كذلك، بل سماه كذلك ابن حبان في "الثقات", وقال أبو أحمد الحاكم هو أخو سعيد بن يسار، وأخطأ إنما ذلك أبو مزرد وهو أيضا فرد، واسمه عبد الرحمن بن يسار. قال ابن الصلاح في أبي المدلة روى عنه الأعمش، وابن عيينة وجماعة.

قال العراقي: وهو وهم عجيب، فلم يرو عنه واحد منهم أصلا، بل انفرد عنه أبو مجاهد سعد الطائي كما صرح به ابن المديني، ولا أعلم في ذلك خلافا بين أهل الحديث. 4- أبو مراية -بضم الميم وفتح الراء المخففة، وفتح الياء المثناة من تحت- اسمه عبد الله بن عمرو تابعي روى عن قتادة. 5- أبو معيد -بضم الميم، وفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة على صيغة المصغر- اسمه حفص بن خيلان الهمذاني روى عن مكحول وغيره1. 6- أبو السنابل عبد ربه بن بعكك: رجل من بني عبد الدار صحابي، اسمه، واسم أبيه، وكنيته من الأفراد.

_ 1 قال ابن كثير في "مختصره ص214": وقد روي عنه نحو من عشرة، ومع هذا قال ابن حزم: هو مجهول؛ لأنه لم يطلع على معرفته ومن روي عنه، فحكم عليه بالجهالة قبل العلم به، كما جهل الترمذي صاحب الجامع فقال: "ومن محمد بن عيسى بن سورة"؟!

القسم الثالث: الألقاب

"القسم الثالث: الألقاب" 1- سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقب فرد اسمه: مهران بكسر الميم وقيل: غيره، وسبب تلقيبه سفينة أنه حمل متاعا كثيرا لرفقته في الغزو، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "أنت سفينة". 2- مندل -بكسر الميم وسكون النون- عن الخطيب وغيره، ويقولون بفتحها قال الحافظ أبو الفضل بن ناصر: وهو الصواب، واسمه عمرو بن عليّ. 3- سحنون بن سعيد بضم السين وفتحها عبد السلام بن سعيد التنوخي القيرواني صاحب المدونة، وهو أحد أصحاب الإمام مالك. 4- مطين: بضم الميم وفتح الطاء المهملة، وتشديد الياء المفتوحة بوزن اسم المفعول لقب محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ.

5- ومطين: بوزن اسم الفاعل لقب محمد بن عبد الله أحد شيوخ ابن منده. 6- مشكدانة: بضم الميم، وإسكان الشين المعجمة، وضم الكاف، كلمة فارسية معناها وعاء المسك، وهو لقب: عبد الله بن عمر بن أبان الأموي مولاهم، وقيل له: الجعفي نسبة إلى خاله: حسين بن عليّ الجعفي. قال السيوطي: "تنبيه": ينبغي أن يزاد في هذا قسم رابع في الأنساب.

معرفة الأسماء والكنى

معرفة الأسماء والكنى مدخل ... "معرفة الأسماء والكنى": أي معرفة أسماء من اشتهر بكنيته، وكنى من اشتهر باسمه وينبغي العناية بذلك لئلا يذكر الراوي مرة باسمه، ومرة بكنيته، فيظنهما من لا معرفة له رجلين، وربما ذكر بهما معًا فيتوهم أنهما رجلان، كالحديث الذي رواه الحاكم من رواية يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن عائشة، عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد عن جابر مرفوعًا: "من صلى خلف الإمام فإن قراءته له قراءة" , قال الحاكم: عبد الله بن شداد هو أبو الوليد, بيَّنه ابن المديني, قال الحاكم: ومن تهاون بمعرفة الأسامي أورثه مثل هذا الوهم. قال العراقي: وربما وقع عكس ذلك كحديث أبي أسامة عن حماد بن السائب السابق أخرجه النسائي، وقال: عن أبي أسامة حماد بن السائب وإنما هو "عن حماد" فأسقط عن، وخفي عليه أن الصواب "عن أبي أسامة عن حماد" قال: ولقد بلغني عن بعض من درس في الحديث أنه أراد أن يكشف عن ترجمة أبي الزناد, فلم يهتد إلى موضعه من كتب الأسماء لعدم معرفته باسمه المؤلفات في هذا النوع. صنف فيه جماعة من العلماء منهم: 1- عليّ بن المديني "م234".

2- ثم البخاري "المتوفى سنة 256هـ". 3- ثم مسلم بن الحجاج القشيري "المتوفى سنة 261هـ". 4- ثم النسائي "المتوفى سنة 303هـ". 5- ثم الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري شيخ الحاكم أبي عبد الله "المتوفى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة". قال العراقي: وكتاب أبي أحمد أجل تصانيف لهذا النوع فإنه يذكر فيه من عرف اسمه ولم يعرف كنيته، حرر فيه وأجاد، وزاد على غيره وأفاد، ولم يرتبه على حروف المعجم. 6- ولأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني الحافظ المتوفى سنة خمس أو ست وتسعين وثلاثمائة، في ذلك كتاب، ولولده أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منده المتوفى سنة سبعين وأربعمائة كتاب أيضا1. 7- وللإمام أبي عمر بن عبد البر النمري القرطبي المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة كتاب حافل سماه "الاستغنا في معرفة الكنى". 8- ولأبي بشر محمد بن أحمد بن جاد بن سعيد بن مسلم الأنصاري بالولاء الوراق الرازي الدولابي -بفتح الدال وضمها- نسبة إلى عمل الدولاب، وهو شبه الناعورة المتوفى بالعرج بين مكة والمدينة سنة عشر وثلاثمائة والناعورة هي الساقية التي يستخرج بها الماء من البئر ونحوه. 9- وللإمام أبي عبد الله الذهبي المتوفى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة كتاب فقد أخذ كتاب أبي أحمد الحاكم فرتبه واختصره، وزاد عليه، وسماه "المقتنى في سرد الكنى". 10- وللإمام الحافظ ابن حجر المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة مؤلف بديع في الألقاب أيضا سماه: "نزهة الألباب" جمع فيه مع

_ 1 الرسالة المستطرفة ص91 ط الأولى.

التخليص ما لغيره وزيادة. 11- وللحافظ السخاوي تلميذه المتوفى سنة اثنين وتسعمائة زوائد كثيرة ضمها إليه في كتاب مستقل. 12- وللحافظ السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة كتاب، سماه "كشف النقاب عن الألقاب". وهنالك كتب أخرى غير هذه1.

_ 1 المرجع السابق ص90، 91.

أقسام هذا النوع

"أقسام هذا النوع": وقد ابتكر الإمام أبو عمرو بن الصلاح في هذا الفن تسعة أقسام وإليكموها: القسم الأول: من سمي بالكنية لا اسم له غيرها، وهم ضربان: الضرب الأول: من له كنية أخرى زيادة على الاسم، قال ابن الصلاح: فصار كأن لكنيته كنية قال: وذلك ظريف عجيب، كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أحد الفقهاء السبعة بالمدينة اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن. قال العراقي: وهذا قول ضعيف، رواه البخاري في التاريخ عن سمي1 مولى أبي بكر, وفيه قولان آخران: أحدهما: أن اسمه محمد وأبو بكر كنيته، وبه جزم البخاري, والثاني: أن اسمه كنيته، وهو الصحيح، وبه جزم ابن أبي حاتم، وابن حبان وقال المزي: إنه الصحيح. ومثله: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري كنيته أبو محمد، قال الخطيب: لا نظير لهما في ذلك، وقيل: لا كنية لابن حزم غير الكنية التي هي اسمه.

_ 1 بضم السين وفتح الميم آخره ياء مشددة على صورة المصغر.

الضرب الثاني: من لا كنية له غير الكنية التي هي اسمه كأبي بلال الأشعري الراوي عن شريك، وكأبي حصين -بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد- ابن يحيى بن سليمان الرازي عن أبي حاتم الرازي، قال كل منهما: اسمي، وكنيتي واحد، وكذا قال أبو بكر بن عياش -بفتح العين المهملة، وفتح الياء المشددة- المقرئ ليس لي اسم غير أبي بكر. القسم الثاني: من عرف بكنيته، ولم يعرف أله اسم ولكن لم نقف عليه، أم لا؟ كأبي أناس -بضم الهمزة، وفتح النون، آخره سين مهملة- الصحابي الكناني الدئلي من رهط أبي الأسود الدئلي، ويقال فيه؛ الدؤلي -بضم الدال، وفتح الهمزة في النسب عند أهل العربية ومكسورة عند بعضهم على الشذوذ فيه، ويقال الديلي بدون همزة. وكأبي مويهبة -بضم الميم، وفتح الواو، وسكون الياء، وكسر الهاء, وفتح الباء- صحابي مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وكأبي شيبة الخدري الذي مات في حصار القسطنطينية، وتوفي هناك رحمه الله, ليكون شاهدا على لون من ألوان البطولات الإسلامية. وكأبي الأبيض: التابعي الراوي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وقال العراقي: سماه ابن أبي حاتم في "الكنى", وفي "الجرح والتعديل" في الأسماء عيسى، لكن أعاده في آخره في كنى الذين لا تعرف أسماؤهم، وقال: سمعت أبي يقول: سئل أبو زرعة عن أبي الأبيض فقال: لا نعرف اسمه. قال ابن عساكر: ولعل ابن أبي حاتم وجد في بعض رواياته أبو الأبيض عيسى فتصحف عليه بعيسى أقول: والأقرب عندي أن يكون رجع عما قاله أولا لما تبين له الصواب.

وكأبي بكر بن نافع مولى ابن عمر ونافع شيخ الإمام مالك. وكأبي النجيب -بالنون المفتوحة وكسر الجيم، وقيل: بالتاء الفوقية المضمومة- قال ابن الصلاح: مولى عبد الله بن عمرو بن العاص. وقال العراقي: بل مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح بالأحلاف قال: وقد جزم ابن ماكولا بأن اسمه ظليم1، وحكاه قبله ابن يونس، فذكره فيمن لا يعرف ليس بجيد. وكأبي حريز -بفتح الحاء المهملة, وكسر الراء، آخره زاي- الموقفي -بفتح الميم وسكون الواو، وكسر القاف، ثم فاء- وهي محلة بمصر. القسم الثالث: من لقب بكنية وله غيرها اسم وكنية. كأبي تراب عليّ بن أبي طالب وهو اسمه، وكنيته أبو الحسن، لقبه بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وجده النبي -صلى الله عليه وسلم- نائما وقد سقط رداؤه والتراب على جسمه, فلم يكن شيء أحب إليه من هذا اللقب أو إن شئت فقل: من هذه الكنية. وكأبي الزناد عبد الله بن ذكوان وكنيته أبو عبد الرحمن. وكأبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، لقب بذلك؛ لأنه كان له عشرة أولاد رجال وكنيته أبو عبد الرحمن. وكأبي تميلة -بضم التاء المثناة، وفتح الميم، وسكون الياء، وفتح اللام آخره تاء -يحيى بن واضح بن محمد. وكأبي الآذان -بمد الهمزة جمع أذن- الحافظ عمر بن إبراهيم لقب به؛ لأنه كان كبير الأذنين، وكنيته أبو بكر. وكأبي الشيخ: الحافظ عبد الله بن محمد بن حيان -بفتح الحاء،

_ 1 بفتح الظاء المعجمة وكسر اللام آخره ميم.

والياء المثناة المشددة- الأصبهاني لقب بأبي الشيخ، وكنيته أبو محمد. وكأبي حازم العبدووي -بضم الدال نسبة إلى عبدوية- عمر بن أحمد، وكنيته أبو حفص. القسم الرابع: من له كنيتان أو أكثر كابن جريج له كنيتان أبو الوليد، وأبو خالد وكمنصور الفراوي شيخ ابن الصلاح وله كنى: أبو بكر، وأبو الفتح، وأبو القاسم وكان يقال له: ذو الكنى. القسم الخامس: من اختلف في كنيته دون اسمه, وقد ألف فيه عبد الله بن عطاء الهروي مؤلفا كأسامة بن زيد، الحب بن الحب1 قيل: كنيته أبو زيد، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو خارجة، وكأبي بن كعب الصحابي الجليل كنيته: قيل: أبو المنذر، وقيل: أبو الطفيل وكقبيصة بن ذئيب وكنيته: أبو إسحاق، وقيل: أبو سعيد وكالقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، كنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو محمد وكسليمان بن بلال المدني كنيته: أبو بلال، وقيل: أبو محمد. وفي بعض من ذكر في هذا القسم من هو في نفس الأمر ملتحق بالضرب الذي قبله والله أعلم. القسم السادس: من عرفت كنيته واختلف في اسمه كأبي بصرة الغفاري فقيل اسمه: حميل -بضم الحاء المهملة، وفتح الميم وسكون الياء على صيغة المصغر- على الأصح، وقيل: جميل -بفتح الجيم، وكسر الميم، آخره لام. وكأبي جحيفة، واسمه وهب بن عبد الله السوائي، وقيل: وهب الله. وكأبي هريرة فقد اختلف في اسمه واسم أبيه في الجاهلية والإسلام على ثلاثين قولا, وهو أول من كني بأبي هريرة قيل: لهرة كان يلعب بها

_ 1 بكسر الحاء فيها يعني المحبوب ابن المحبوب.

وقيل: لأنه حمل أولاد هرة وحشية في كمه. وكأبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال الجمهور: اسمه عامر، وقال يحيى بن معين: الحارث. وكأبي بكر بن عياش المقرئ فيه نحو أحد عشر قولا, قال ابن الصلاح: قال ابن عبد البر: إن صح له اسم فهو شعبة لا غير، وهو الذي صححه أبو زرعة، وقيل: أصحها اسمه كنيته قال ابن عبد البر: وهذا أصح إن شاء الله تعالى؛ لأنه روي عنه أنه قال: ما لي اسم غير أبي بكر، وصححه المزي، وقيل: اسمه محمد، وقيل: عبد الله، وقيل: سالم وقيل: غير ذلك1. القسم السابع: من اختلف في اسمه وكنيته معا كسفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيل: اسمه عمير، وقيل: صالح، وقيل: مهران، وقيل: رومان, وقيل: غير ذلك, وكنيته: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري2. القسم الثامن: من عرف بالاثنين ولم يختلف في واحد منهما كآباء عبد الله أصحاب المذاهب المشهورة: سفيان الثوري، ومالك، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل، وكأبي حنيفة واسمه النعمان بن ثابت، وغيرهم ممن لا يحصى، ومن الصحابة الخلفاء الأربعة أبو بكر عبد الله على الأصح، وأبو حفص عمر، وأبو عمرو عثمان بن عفان، وأبو الحسن عليّ بن أبي طالب. القسم التاسع: من اشتهر بكنيته مع العلم باسمه كأبي إدريس الخولاني واسمه عائذ الله -بالذال المعجمة- بن عبد الله, وكأبي إسحاق السبيعي واسمه: عمرو -بفتح العين المهملة وسكون الميم- وكأبي الضحى واسمه مسلم بن صبيح -بضم الصاد، وفتح الباء،

_ 1 تدريب الراوي ص454، 455. 2 بفتح الباء وسكون الخاء، وفتح التاء المثناة.

وسكون الياء، آخره حاء وكأبي مسلم الخولاني، واسمه عبد الله بن ثوب -بضم الثاء وفتح الواو، آخره ياء- وكأبي الأشعث الصنعاني، واسمه شراحبيل -بفتح الشين المعجمة, وفتح الراء المخففة- بن آدة -بمد الهمزة، وتخفيف الدال المهملة- وكأبي حازم، واسمه سلمة بن دينار، وهذا كثير جدا قال ابن الصلاح، ولابن عبد البر فيه تأليف مليح فيمن بعد الصحابة منهم1.

_ 1 تدريب الراوي من ص450-456، وعلوم الحديث بشرح العراقي من ص368-373.

معرفة كنى المعروفين بالأسماء

"معرفة كنى المعروفين بالأسماء": قال الإمام ابن الصلاح، هذا من وجه ضد النوع الذي قبله، ومن وجه آخر يصلح أن يجعل قسما من أقسام ذلك، من حيث كونه قسما من أقسام أصحاب الكنى فيكون قسما عاشرا, وقد ألف فيه ابن حبان البستي المتوفى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة كتابا وعلى الاصطلاح الثاني مشى ابن جماعة في "المنهل الروي" فعد أقسامه عشرة وتبعه العراقي، قال: لأن الذين ألفوا في الكنى جمعوا النوعين معا، وعلى الأول قال ابن الصلاح وتبعه النووي في "التقريب" إن شأنه أن يبوب على الأسماء ثم يبين كناها، ولكنهما لم يسيرا على ذلك، بل ذكرا الكنى، ثم أتبعاها بالأسماء كما سيأتي عن قرب. فمن يكنى بأبي محمد بن الصحابة رضي الله تعالى عنهم: طلحة بن عبيد الله التيمي، وعبد الرحمن بن عوف الزهري، والحسن بن عليّ وثابت بن قيس بن الشماس وذلك فيما جزم به ابن منده، ورجحه ابن عبد البر وقيل: كنيته أبو عبد الرحمن، ورجحه ابن حبان والمزي فعلى هذا يعتبر من أمثلة القسم الخامس السابق في النوع قبله. وكعب بن عجرة، والأشعث بن قيس، وعبد الله بن جعفر بن أبي

طالب, قال العراقي: في هذا نظر، فإن المعروف أن كنيته أبو جعفر وبذلك كناه البخاري في التاريخ، وحكاه عن ابن الزبير، وابن إسحاق، وتبعه ابن أبي حاتم، والنسائي وابن حبان، والطبراني، وابن منده، وابن عبد البر قال: وكأن ابن الصلاح اغتر بما وقع في "الكنى" للنسائي في حرف الميم، أبو محمد عبد الله بن جعفر، ثم روى بإسناده أن الوليد بن عبد الملك قال لعبد الله بن جعفر: يا أبا محمد مع أنه أعاده في حرف الجيم فذكره أبو جعفر، قال وابن الزبير أعرف بعبد الله من الوليد إن كان النسائي أراد بالمذكور أولا ابن أبي طالب وهو الظاهر، وإن أراد به غيره, فلا يخالفه, وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله ابن بحينة1, وغيرهم. وممن يكنى بأبي عبد الله من الصحابة: والزبير بن العوام، والحسين بن عليّ، وسلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان، وعمرو بن العاصي، وكعب بن مالك، ورافع بن خديج، والنعمان بن بشير، وجابر بن عبد الله، وعثمان بن حنيف، وحارثة بن النعمان، وعمارة بن حزم وهؤلاء السبعة أنصاريون، والمغيرة بن شعبة. قل العراقي في قول ابن الصلاح: عمارة بن حزم: وفيه نظر فلم أرَ أحدا ذكر له كنية, وفي قوله: وعثمان بن حنيف، قال العراقي وتبع في ذلك ابن حبان والمشهور أن كنيته أبو عمرو، ولم يذكر المزي غيرها، وبه صدر ابن عبد البر كلامه في "الاستيعاب" وفي قوله: والمغيرة بن شعبة قال العراقي: وتبع في ذلك البخاري، وابن حبان، وابن أبي حاتم، والمشهور أن كنيته أبو عيسى، كذا جزم النسائي, وأبو أحمد الحاكم وممن عدهم ابن الصلاح فيمن يكنى بأبي عبد الله:

_ 1 هو عبد الله بن مالك ابن بحينة، وبحينة اسم أمه على صيغة المصغر، ولذلك يكتب ابن بالألف بين اسمه واسمها، وهذه من الدقائق التي ينبغي أن يتنبه إليها أهل العلم بالحديث وطلبته.

ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشرحبيل بن حسنة، ومحمد بن عبد الله بن جحش، ومعقل بن يسار، وعمرو بن عامر المزنيان. قال العراقي: تعليقا على ذكر ابن الصلاح معقل بن يسار، وعمرو بن عامر المزنيان: وفيهما نظر فالمشهور أن كنية معقل أبو عليّ، وبه قال الجمهور: عليّ بن المديني، وخليفة بن خياط، والعجلي، وابن منده، والبخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والنسائي، زاد العجلي: ولا نعلم أحدا في الصحابة يكنى به غيره، قال العراقي: بل قيس بن عاصم, وطلق بن عليّ يكنيان بذلك كما قال النسائي قال: وأما عمرو بن عامر ففي الصحابة اثنان فقط. أحدهما: ابن ربيعة بن هود أحد بني عامر بن صعصعة ليس مزنيا, ولا يكنى أبا عبد الله, والثاني: ابن مالك بن خنساء المازني أحد بني مازن بن النجار, يكنى: أبا عبد الله, قال: والظاهر أن ما ذكره ابن الصلاح سبق قلم، وإنما هو عمرو بن عوف المزني, فإنه يكنى بذلك. وممن يكنى بأبي عبد الرحمن من الصحابة: عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وزيد بن الخطاب، أخو عمر، وكنيته أبو عبد الله، وعبد الله بن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، وعويم بن ساعدة على وزن نعيم، وزيد بن خالد الجهني, وبلال بن الحارث المزني، والحارث بن هشام المخزومي، والمسور بن مخرمة. قال ابن الصلاح: وفي بعض من ذكرناه من قيل في كنيته غير ما ذكرناه, والله أعلم. أقوله وقد بين الإمام العراقي في تعقباته لابن الصلاح ذلك1.

_ 1 علوم الحديث بشرح العراقي من ص374-377، تدريب الراوي ص456-458.

معرفة ألقاب المحدثين ومن يذكر معهم

"معرفة ألقاب المحدثين، ومن يذكر معهم": كما ذكره الإمام أبو عمرو بن الصلاح, وهي كثيرة، ومن لا يعرفها قد يظنها أسامي, فيجعل من ذكر باسمه في موضع، وبلقبه في آخره شخصين كما وقع ذلك لجماعة من أكابر الحفاظ منهم عليّ بن المديني، فرقوا بين عبد الله بن أبي صالح أخي سهيل، وبين عباد بن أبي صالح، فجعلوها اثنين، وإنما عباد لقب لعبد الله لا أخ له باتفاق الأئمة. من ألف فيه: وقد ألف فيه جماعة من الحفاظ منهم: 1- أبو عبد الله الحاكم المتوفى سنة خمس وأربعمائة وسمى كتابه "الكنى والألقاب". 2- الحافظ أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الشيرازي المتوفى بشيراز سنة إحدى عشرة وأربعمائة "411", واسم كتابه: "الألقاب والكنى", وهو في مجلد مفيد كثير النفع, بل هو أجل كتاب ألف في هذا الباب قبل ظهور تأليف الحافظ ابن حجر. 3- الحافظ أبو الفضل عليّ بن الحسن بن أحمد بن الحسن الفلكي؛ لأن جدا له كان بارعا في علم الفلك والحساب الهمداني، الرَّحَّال، المتوفى بنيسابور سنة سبع أو ثمانٍ وعشرين وأربعمائة, سماه "منتهى الكمال في معرفة ألقاب الرجال". 4- الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وهو المسمى "كشف النقاب عن الأسماء والألقاب". 5- الحافظ أحمد بن عليّ بن حجر المتوفى سنة اثنين وخمسين وثمانمائة, وقد سمى كتابه: "نزهة الألباب" جمع فيه ما ذكره غيره، وزاد عليه. 6- الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي نسبة إلى "سخا" قرية من قرى مصر من أعمال محافظة كفر الشيخ, المتوفى سنة

اثنتين وتسعمائة، وقد ذكر ما ذكره شيخه الحافظ ابن حجر، وزاد عليه زيادات كثيرة ضمها إليه في كتاب مستقل. 7- الحافظ السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة, وقد سمى كتابه "كشف النقاب عن الألقاب", وله أيضا "المنى في الكنى". وقد قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح, وتبعه النووي في "مختصره" والعراقي في "ألفيته": وهي -أي الألقاب- تنقسم إلى ما يجوز التعريف به, وهو ما لا يكرهه الملقب -بفتح اللام، والقاف- وإلى ما لا يجوز, وهو ما يكرهه الملقب, وهذا نموذج منها مختار، وقد جزم الإمام النووي في سائر كتبه كـ"الروضة", و"شرح مسلم", و"الأذكار" بجوازه للضرورة غير قاصد غيبة. قال السيوطي: وقد سبق على الصواب في "آداب المحدث", ثم ظهر لي حمل ما هنا على أصل التلقيب, فيجوز بما لا يكره، دون ما يكره. قال الحاكم: وأول لقب في الإسلام لقب أبي بكر الصديق، وهو عتيق لقب به لعتاقة وجهه أي حسنه، وقيل: لأنه عتيق الله من النار, ثم الألقاب منها ما لا يعرف سبب التلقيب به، وهو كثير، ومنها ما يعرف وللإمام الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري في ذلك تأليف مفيد قال رحمه الله: رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان: معاوية بن عبد الكريم "الضال", وإنما ضل في طريق مكة، وعبد الله بن محمد "الضعيف", وإنما كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه, وقيل: لقب به من قبيل الأضداد لشدة إتقانه وضبطه, قاله ابن حبان. قال ابن الصلاح: وثالث, وهو محمد بن الفضل أبو النعمان السدوس عارم، كان عبدا صالحا بعيدا عن العرامة, وهي الفساد والشراسة. وزاد السيوطي في "تدريبه" آخرين, فقال: ونظير ذلك: 1- أبو الحسن يونس بن يزيد القوي يروي عن التابعين, وهو ضعيف

وقيل له القوي لعبادته. 2- ويوسف بن محمد الصدوق من صغار الأتباع كذاب. 3- ويونس الكذوب في عصر أحمد بن حنبل ثقة، قيل له: الكذوب لحفظه وإتقانه. أقول: وأقرب ما يحمل عليه هذان وأمثالهما أنه من قبيل الأضداد, وإليكم نبذا من هذا النوع على غير ترتيب. 1- غندر -بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال- لقب جماعة كل منهم يسمى محمد بن جعفر, أولهم: محمد بن جعفر البصري أبو بكر صاحب شعبة بن الحجاج, قدم ابن جريج البصرة فحدث بحديث عن الحسن البصري فأنكروه عليه، وأكثر محمد بن جعفر هذا من الشغب عليه، فقال له: اسكت يا غندر. قال ابن الصلاح: وأهل المجاز يسمون المشغب غندرا. ثانيهم: أبو الحسين الرازي نزيل طبرستان يروي عن أبي حاتم. ثالثهم: أبو بكر البغدادي الحافظ الجوال الوراق جده الحسين، سمع الحسن بن علي العمري، وأبا جعفر الطحاوي، وأبا عروبة الحراني، حدث عنه أبو نعيم الأصبهاني، والحاكم أبو عبد الله، وابن جميع، وأبو عبد الرحمن السلمي مات سنة سبعين وثلاثمائة. رابعهم: أبو الطيب البغدادي جده دران، صوفي محدث جوال روي عن أبي خليفة الجمحي، وأبي يعلى الموصلي وعنه الدارقطني توفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وآخرون لقبوا به ممن لم يسموا بمحمد بن جعفر. قال السيوطي في "تدريبه": بقي ممن لقب به واسمه محمد بن جعفر اثنان: 1- أبو بكر القاضي البغدادي يروي عن أبي شاكر ميسرة بن عبد الله. 2- وأبو بكر محمد بن جعفر بن العباس النجار سمع ابن صاعد,

وسمع منه الحسن بن محمد الخلال مات في المحرم سنة تسع وسبعين وثلاثمائة ذكرهما الخطيب. وممن لقب به وليس اسمه ذلك: 1- أحمد بن آدم الجرجاني الخليجي يروي عن ابن المديني وغيره. 2- ومحمد بن المهلب الحراني أبو الحسين ذكره الشيرازي في مؤلفه, وقال ابن عدي: كان يكذب. 3- ومحمد بن يوسف بن بشر بن النضر بن مرداس الهروي حافظ فقيه شافعي سمع الربيع المرادي1، روى عنه الطبراني، ووثقه الخطيب، ومات في رمضان سنة ثلاث وثلاثمائة "303هـ" عن مائة سنة. 4- غنجار -بضم الغين المعجمة وسكون النون، وفتح الجيم- اثنان بخاريان: أحدهما: عيسى بن موسى التيمي أبو أحمد روى عن مالك والثوري قال ابن الصلاح: لقب به لحمرة وجنتيه. ثانيهما: أبو عبد الله محمد بن أحمد الحافظ صاحب تاريخ بخارى2 مات سنة ثنتي عشرة وأربعمائة. 5- صاعقة لقب محمد بن عبد الرحيم الحافظ أبو يحيى لقب به لشدة حفظه، ومذاكرته روى عنه البخاري. 6- شباب -بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة الممدودة آخره باء موحدة- لقب لخليفة بن خياط العصفري صاحب التاريخ وأحد شيوخ البخاري.

_ 1 هو الربيع بن سليمان المرادي المؤذن المصري صاحب الشافعي ورواية كتبه المتوفى سبعين ومائتين. 2 بلد من بلاد ما وراء النهر بينهما وبين سمرقند ثمانية أيام "وفيات الأعيان", وهي من الإقليم المعروف بتركستان الغربية ومن مدها سمرقند، وطاشقند، وقد اغتصبها الشيوعيون اللادينيون من مدة.

5- ذنيج -بضم الزاي وفتح النون، وسكون الياء آخره جيم على صيغة المصغر- لقب أبي غسان محمد بن عمرو الرازي شيخ الإمام مسلم. 6- رستة -بضم الراء وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة آخره تاء- لقب عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني. 7- سنيد -بضم السين المهملة، وفتح النون وسكون الياء، آخره دال مهملة على صيغة المصغر- لقب الحسين بن داود المصيصي1، وله تفسير مسند. 8- بندار -بضم الباء وسكون النون- لقب محمد بن بشار البصري شيخ البخاري ومسلم. قال ابن الصلاح: قال ابن الفلكي2 لقب بهذا؛ لأنه كان بندار الحديث أي حافظه. وذكر الحافظ ابن حجر أنه لقب به جماعة منهم: أبو بكر محمد بن إسماعيل البصلاني3 شيخ أبي بكر الآجري، وأبو الحسين حامد بن حماد، روى عن إسحاق بن بشار وغيره، والحسين بن يوسف بندار عن أبي عيسى الترمذي، وعنه ابن عدي في "الكامل". 9- قيصر لقب أبي النضر هاشم بن القاسم المعروف شيخ الإمام أحمد بن حنبل وغيره. 10- الأخفش لقب به جماعة نحويون، ولهم رواية أيضا كما خرج ذلك السيوطي في كتابه "طبقات النحاة". أولهم: أحمد بن عمران البصري النحوي متقدم روى عن زيد

_ 1 ومصيصة كسفينة بلد بالشام، وقيل مصّيصة بالتشديد وبه ضبطه الأزهري وغيره من اللغويين، قال ياقوت: وهو الأصح. 2 سبق في بحث "المؤلفون في الصحابة". 3 بفتح الباء الموحدة، والصاد ينسب إلى البصيلة وهي محلة ببغداد وأبو بكر هنا ثقة توفي عام "311هـ".

ابن الحباب وغيره، وله كتاب "غريب الموطأ" وذكره ابن حبان في "الثقات", ومات قبل الخمسين ومائتين. ثانيهم: الأخفش الأكبر, وهو أبو الخطاب المذكور في كتاب سيبويه, وهو شيخه عبد الحميد بن عبد المجيد أخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، ورع ثقة. ثالثهم: الأخفش الأوسط, وهو سعيد بن مسعدة أبو الحسن البلخي ثم البصري الذي يروى عنه كتاب سيبويه وهو صاحبه، روى عن هشام بن عروة والنخعي والكلبي، وعنه أبو حاتم السجستاني، وله "معاني القرآن" وغيره, مات سنة عشر, وقيل: خمس عشرة، وقيل: إحدى وعشرين ومائتين, وهو المراد حيث أطلق في كتب النحو. رابعهم: الأخفش الأصغر أبو الحسن عليّ بن سليمان بن الفضل صاحب أبوي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، ومحمد بن يزيد المبرد, توفي في شعبان سنة خمس عشرة وثلاثمائة. قال السيوطي: وفي النحاة أخفش خامس: وهو أحمد بن محمد الموصلي، شافعي في أيام أبي حامد الإسفراييني، قرأ عليه ابن جني. وسادس: وهو خلف بن عمر البلنسي أبو القاسم، مات بعد الستين وأربعمائة. وسابع: وهو عبد الله بن محمد البغدادي أبو محمد روى عن الأصمعي. وثامن: وهو عبد العزيز بن أحمد الأندلسي، أبو الأصبغ، روى عنه ابن عبد البر. وتاسع: وهو عليّ بن محمد المغربي الشاعر أبو الحسن الشريف الإدريس كان حيا سنة اثنين وخمسين وأربعمائة. وعاشر: وهو عليّ بن إسماعيل بن رجاء الفاطمي أبو الحسن. وحادي عشر: وهو هارون بن موسى بن شريك القارئ، قرأ على

ابن ذكوان، وحدث عن أبي مسهر الغساني، ومات سنة إحدى وقيل: اثنتين وتسعين ومائتين. قال: وقد بسطت تراجم هؤلاء في "طبقات النحاة". 11- مربع -بضم الميم وفتح الراء، وفتح الباء المشددة، آخره عين مهملة- لقب محمد بن إبراهيم الحافظ البغدادي. 12- جزرة -بفتح الجيم والزاي والراء- لقب صالح بن محمد البغدادي الحافظ لقب بذلك؛ لأنه سمع ما روى عبد الله بن بسر أنه كان يرقي بخرزة -بالخاء المعجمة، والراء، والزاي- فصحفها "جزرة" فذهبت عليه لقبا له، وكان ظريفا له نوادر تحكى. 13- عبيد -بالتصغير والتنوين- العجلُ -بضم اللام- على أن المجموع لقب له، وهو لقب الحسين بن محمد بن حاتم البغدادي الحافظ. 14- كيلجة -بكسر الكاف وفتح اللام والجيم- لقب محمد بن صالح البغدادي الحافظ ويقال: اسمه أحمد. ويلقب كيلجة أيضا أبو طالب أحمد بن نصر البغدادي شيخ الدارقطني ذكره الحافظ ابن حجر في "ألقابه". 15- "ما غمه" بلفظ ما النافية لفعل الغم، لقب عليّ بن عبد الصمد الحافظ البغدادي, ويلقب أيضا بـ"علان" بفتح العين المهملة وفتح اللام المشددة، وقد يجمع له بين اللقبين فيقال: "علان ما غمه" وقد يفرد كل واحد منهما عن الآخر. قال ابن الصلاح: وهؤلاء البغداديون الحفاظ كلهم من تلامذة يحيى بن معين, وهو الذي لقبهم بذلك. 16- سجادة -بفتح السين المهملة، وفتح الجيم المشددة- وهو لقب الحسن بن حماد من أصحاب وكيع.

قال النووي ووافقه السيوطي: ويلقب بسجادة أيضا الحسين بن أحمد شيخ ابن عدي. 17- عبدان: لقب عبد الله بن عثمان المروزي صاحب ابن المبارك، وشيخ البخاري لقب به -فيما نقله ابن الصلاح عن أبي طاهر- لأن اسمه عبد الله، وكنيته أبو عبد الرحمن، فاجتمع فيهما العبدان. قال ابن الصلاح: وهذا لا يصح بل ذلك من تغيير العامة للأسماء كما قالوا في عليّ: علان، وفي أحمد بن يوسف السلمي: حمدان، وفي وهب بن بقية الواسطي: وهبان, وممن لقب عبدان أيضا: عبد الله بن أحمد بن موسى العسكري الأهوازي، وعبد الله بن محمد بن يزيد العسكري، وعبد الله بن يوسف بن خالد السلمي، وعبد الله بن خالد القرقساني1 أبو عثمان البجلي، وعبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان أبو الفضل الهمداني، وعبد الله بن محمد بن عيسى المروزي، وعبد الله بن يزيد بن يعقوب الدقيقي. 18- "مشكدانة" -بضم الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الكاف- قال ابن الصلاح: ومعناه بالفارسية حبة المسك أو وعاؤه، وهو لقب عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان القرشي الأموي أبي عبد الرحمن. 19- "مطين" -بضم الميم وفتح الطاء المهملة، وفتح الياء المثناة المشددة- لقب أبي جعفر الحضرمي. قال ابن الصلاح: خاطبهما بذلك أبو نعيم الفضل بن دكين فلقبا به، زاد غيره في الأول: لأنه كان إذا جاءه يلبس ويتطيب، وفي الثاني:

_ 1 بفتح القافين بينهما راء ساكنة: ينسب إلى قرقيسياء وهي مدينة على الفرات والخابور بالقرب من الرقة نزل بها جرير بن عبد الله البجلي.

لأنه كان وهو صغير يلعب مع الصبيان في الماء، فيطينون ظهره، فقال له أبو نعيم: يا مطين لم لا تحضر مجلس العلم.

المؤتلف والمختلف

المؤتلف والمختلف مدخل ... "المؤتلف والمختلف من الأسماء, والألقاب، والأنساب، ونحوها": وهو فن جليل يقبح جهله بأهل العلم لا سيما أهل الحديث، ومن لم يعرفه يكثر عثاره، ولم يعدم مخجلا، وهو منتشر لا ضابط في أكثره يفزع إليه وإنما يضبط بالحفظ تفصيلا. تعريفه: هو ما يأتلف -أي يتفق- في الخط صورته، ويختلف في اللفظ صيغته.

المؤلفات فيه

المؤلفات فيه: وقد ألف في "المؤتلف والمختلف" كثير من الأئمة من أشهرهم: 1- الإمام الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة واسمه: "المختلف والمؤتلف", وهو كتاب حافل. 2- الإمام الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري النسابة المتفنن المتوفى سنة تسع وأربعمائة, وله فيه كتابان: "المؤتلف والمختلف" و"مشتبه النسبة" وكلاهما مطبوع بالهند. 3- ثم جاء الإمام الحافظ الخطيب البغدادي المتوفى سنة ستين وثلاثمائة فجمع بين كتابي الدارقطني وعبد الغني بن سعيد، وزاد عليهما، وجعله كتابا مستقلا سماه "المؤتلف تكملة المختلف". 4- ثم جاء الأمير الحافظ أبو نصر عليّ بن الوزير أبي القاسم هبة الله بن عليّ بن جعفر البغدادي العجلي المعروف بابن ماكولا1, المتوفى قتيلا، قتله مماليكه الأتراك بكرمان وأخذوا ماله سنة خمس وسبعين

_ 1 هو اسم أعجمي. قال ابن خلكان: لا أعرف معناه.

وأربعمائة "475", وقيل سنة ست أو سبع أو تسع وثمانين, فزاد على هذه التكملة وضم إليها الأسماء التي وقعت له، وجعله أيضا كتابا مستقلا، وسماه "الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والألقاب", وهو في مجلدين في غاية الإفادة وعليه اعتماد المحدثين، وما يحتاج الأمير أبو نصر معه إلى فضيلة أخرى، أقول: ومن مفاخر الإسلام اشتغال الوزراء والأمراء بالعلم. 5- ثم جاء الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي المعروف "بابن نقطة" المتوفى ببغداد سنة تسع وعشرين وستمائة فزيله بما فاته أو تجدد بعده, وهو ذيل مفيد في قدر ثلثي الأصل قال الإمام الذهبي: "وهو منبئ بإمامته وحفظه". 6- وقد ذيل عليه كل من الحافظ أبي حامد محمد بن عليّ المعروف "بابن الصابوني" الدمشقي المتوفى سنة ثمانية وستمائة. 7- والحافظ وجيه الدين أبو المظفر منصور بن سليم -بفتح السين-الإسكندري الشافعي المتوفى سنة ثلاث أو أربع وسبعين وستمائة وثانيهما أكبرهما وتواردا في بعض ما ذكراه. 8- وكذلك ذيل عليه الإمام الحافظ علاء الدين بن قليح1 الحنفي التركي المصري صاحب المؤلفات التي زادت على المائة المعروف "بمغلطاي"2, المتوفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة, وقد جمع بين الذيلين السابقين مع زيادات من أسماء الشعراء وأنساب العرب، وغير ذلك، وله فيه أوهام وتكرير. 9- وممن ذيل على الأمير ابن ماكولا أيضا أبو عبد الله محمد بن محمود البخاري البغدادي الحافظ.

_ 1 قليج على صيغة المصغر هو السيف بلغة الترك. 2 بضم الميم وسكون الغين المعجمة، وفتح اللام والطاء الممدود آخره ياء.

10- وللحافظ أبي الوليد عبد الله بن يوسف بن نصر الأزدي القرطبي الأندلسي المعروف بابن الفرضي1 صاحب "تاريخ علماء الأندلس" الذي ذيل عليه ابن بشكوال بكتابه الذي سماه "الصلة" المتوفى شهيدا يوم فتح قرطبة قتله البربر في داره سنة ثلاث وأربعمائة، كتاب حسن في "المؤتلف، والمختلف وفي مشتبه النسبة". 11- وللإمام الحافظ الذهبي المتوفى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة كتاب مختصر جامع في "مشتبه الأسماء والنسبة" لخصه من تآليف عبد الغني بن سعيد، وابن ماكولا، وابن نقطة وأبي الوليد الفرضي، ولكنه أجحف في الاختصار واكتفى بضبط القلم2، فصار بذلك كتابه مباينًا لموضوعه لعدم الأمن من التصحيف فيه وفاته من أصوله أشياء. 12- وقد اختصره الإمام الحافظ ابن حجر فضبطه بالحروف على الطريقة المرضية، زاد ما يتعجب من كثرته مع شدة تحريره واختصاره، فإنه في مجلد، وسماه: "تبصير المنتبه في تحرير المشتبه"، وهو أجل كتب هذا النوع وأتمها وأوفاها وأكثرها تحقيقًا إلى غير ذلك من الكتب المؤلفة في هذا النوع3.

_ 1 نسبة إلى علم الفرائض وهو علم المواريث. 2 وضبط القلم ليس من عادة المحدثين فليتنبه إلى ذلك طلبة الحديث وأهله. 3 انظر الرسالة المستطرفة للعلامة الكتاني ص87-89، وتدريب الراوي ص464, وشرح ألفية العراقي للسخاوي ج3 ص213، 214.

وما ضبط من هذا النوع قسمان

وما ضبط من هذا النوع قسمان: القسم الأول: على العموم من غير تخصيص بكتاب ولذلك أمثلة كثيرة منها: 1- سلام بفتح السين المهملة، وفتح اللام المشددة الممدودة، آخره ميم, كله بالتشديد إلا خمسة فإنها بتخفيف اللام. 1- والد عبد

الله بن سلام الإسرائيلي الذي أسلم. 2- ومحمد بن سلام بن الفرج البيكندي شيخ البخاري، والصحيح تخفيفه كما روى عنه، ولم يحك الخطيب وابن ماكولا والدارقطني وغنجار وغيره، وقيل: هو مشدد حكاه صاحب "المطالع" وجزم به ابن أبي حاتم، وأبو عليّ الجياني1 قال ابن الصلاح: والأول أثبت. قال العراقي: وكأن من شدد التبس عليه بشخص آخر يسمى محمد بن سلام بن السكن البيكندي الصغير فإنه بالتشديد. 3- وسلام بن محمد بن ناهض المقدسي وسماه الطبراني: سلامة بزيادة هاء. 4- وجد محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي المعتزلي قال المبرد في "كامله": ليس في كلام العرب سلام مخفف -أي اللام- إلا والد عبد الله بن سلام الصحابي، وسلام بن أبي الحقيق2 قال: وزاد آخرون: سلام بن مشكم -بتثليث الميم فيما حكي- خمار كان في الجاهلية، والمعروف تشديده قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر: ويؤيد التخفيف قول أبي سفيان بن حرب يمدحه: سقاني فرواني كميتا مدامة ... على ظمأ مني سلام بن مشكم وعلى هذا يكون الخامس هو: سلام بن أبي الحقيق. قال العراقي: وبقي أيضا: 1- سلام بن أخت عبد الله بن سلام صحابي عده ابن فتحون.

_ 1 نسبة إلى جيان -بفتح الجيم، وفتح الياء المشددة الممدودة، آخره نون- مدينة كبيرة بالأندلس "الفردوس المفقود" تخرج منها كثير من العلماء. 2 بضم الحاء وفتح القاف وسكون الياء على صيغة المصغر.

2- وسعيد بن جعفر بن سلام السيدي، روى عن ابن الحي ذكره ابن نقطة. 3- ومحمد بن يعقوب بن إسحاق بن محمد بن موسى بن سلام النسفي روى عن زاهر بن أحمد الذهبي قال: وأما سلمة بن سلام أخو عبد الله بن سلام فلا يعد رابعا؛ لأنه أباهما ذكر في أخيه عبد الله. 2- عمارة -بضم العين وفتح الميم المحفظة- كله بضم العين إلا أبي بن عمارة -فبكسر العين- الصحابي ممن صلى إلى القبلتين حديثه عند داود والحاكم، ومنهم من ضمه، ومنهم من قال فيه: ابن عبادة. وفيهم جماعة بالفتح وتشديد الميم -يعني عَمّارة- فمن الرجال: عمارة أحد أجداد ثعلبة والد يزيد، وعبد الله، وبحاث، وأحد أجداد عبد الله بن يزيد البلوي، وجد عبد الله بن القمقام وغيرهم. ومن النساء: عمارة بنت عبد الوهاب الحمصية، وعمارة بنت نافع بن عمر الجمحي وغيرها. 3- كريز بفتح الكاف وكسر الراء مكبرا في خزاعة و"كريز" بضم الكاف مصغرا في عبد شمس وغيرهم خلافا لما حكاه الجياني عن محمد بن وضاح من تخصيصه بهم قال ابن الصلاح: ولا يستدرك في المفتوح بأيوب بن كريز الراوي عن عبد الله بن غنم لكون عبد الغني -يعني ابن سعيد- ذكره بالفتح، لأنه بالضم كذا ذكره الدارقطني وغيره. 4- حِزام -بكسر الحاء المهملة، وفتح الزاي- في قريش و"حرام" بفتح الحاء والراء في الأنصار. قال العراقي: قد يتوهم من هذا أنه لا يقع الأول إلا في قريش، ولا الثاني إلا في الأنصار وليس مرادا، بل المراد أن ما وقع من ذلك في قريش يكون بالزاي، وفي الأنصار يكون بالراء وقد ورد الأمران في عدة قبائل غيرهما فوقع بالزاي في خزاعة، وبني عامر بن صعصعة

وغيرهما، وبالراء في بلي1، وخثعم، وجذام، وتميم بن مرة وفي خزاعة أيضا وفي عذرة وبني فزارة وهذيل، وغيرهم، كما بينه ابن ماكولا وغيره. 5- العيشيون: بالشين المعجمة بالباء المثناة قبله بصريون منهم عبد الرحمن بن المبارك و"العبسيون" بالباء الموحدة والسين المهملة، كوفيون، منهم عبيد الله بن موسى العبسي، و"العنسيون" بالعين المهملة والنون، شاميون غالبا2 منهم عمير بن هانئ، وبلال بن سعيد التابعيان قال ذلك الخطيب، والحاكم. 6- أبو عبيدة: بضم العين وفتح الباء وسكون الياء, كلهم بالضم قال الدارقطني: لا نعلم أحدا يكنى أبا عبيدة بالفتح. 7- السفر: بفتح السين المهملة، وفتح الفاء, في الكنى، و"السفر" بإسكان الفاء في الأسماء. قال ابن الصلاح: ومن المغاربة من سكن الفاء من أبي السفر: سعيد بن محمد وذلك ما يقوله أهل الحديث. قال العراقي: ولهم في الأسماء والكنى "سقر" بفتح السين المهملة وسكون القاف وقد يرد ذلك على إطلاقه، ولهم أيضا شقر بفتح الشين المعجمة والقاف، يعني المكسورة، كما في "التقييد والإيضاح". 8- عسل: كله بكسر العين وإسكان السين، آخره لام إلا عسل بن ذكوان الأخباري البصري فإنه يفتحهما ذكره الدارقطني وغيره. قال ابن الصلاح: ووجدته بخط أبي منصور الأزهري بالكسر والإسكان "عسل" ولا أراه ضبطه. 9- غنام: كله بفتح الغين المعجمة، وفتح النون المشددة، إلا والد عليّ بن عثام بن عليّ العامري الكوفي فبالعين المهملة والثاء المثلثة وحفيدة

_ 1 بلي: بفتح الباء الموحدة، وكسر اللام، وتشديد الياء قبيلة. 2 وإنما قالوا غالبا؛ لأن عمار بن ياسر عنسي مع أنه معدود في أهل الكوفة وعبارة ابن ماكولا، والسمعاني: "وعظيم عنس في الشام، وعامة العيش في البصرة".

أيضا، ويوجد "غثام" بالغين المعجمة والثاء المثلثة كلها بفتح الأول وتشديد الثاني. 10- قمير: بضم القاف، وفتح الميم على صيغة المصغر إلا امرأة مسروق بن الأجدع بفتح القاف وكسر الميم "قَمِير بنت عمرو". 11- مسور: بكسر الميم وسكون السين، وفتح الواو المخففة، إلا مسور بن يزيد الصحابي، ومسور بن عبد الملك اليربوعي فبضم الميم، وفتح السين وفتح الواو المشددة. قال العراقي: لم يذكر ابن ماكولا بالتشديد إلا ابن يزيد فقط، ولم يستدركه ابن نقطة، ولا من ذيل عليه، وذكر البخاري في "التاريخ الكبير" ابن عبد الملك في باب "مسوَر بن محرمة" وهذا يدل على أنه مخفف، وذكر مع ابن يزيد، مسوّر بن مرزوق وهو يدل على أنه بالتشديد. 12- الجَمَّال: كله بفتح الجيم وفتح الميم المشددة في الصفات، منهم: محمد بن مهران الجمال شيخ البخاري ومسلم، إلا هارون بن عبد الله الحَمَّال فبفتح الحاء المهملة وفتح الميم المشددة وقد اختلف في وصفه بالحَمَّال قيل: كان بزازا فلما تزهد حمل، وحكى ابن الجارود عن ابنه موسى الحافظ: أنه كان حمالا فتحول إلى البز، وقال الخليل وابن الفلكي: لقب به لكثرة ما حمل من العلم قال ابن الصلاح: ولا أراه يصح وقد استدرك العراقي على هذا الحصر: بنان بن محمد الحمال الزاهد سمع من يونس بن عبد الأعلى وغيره، ورافع بن نصر الحمال، سمع من أبي عمر بن محمد، وأحمد بن محمد الحمال أحد شيوخ أبي النرسي. قال الإمام النووي زيادة على ابن الصلاح لبيان ما احترز عنه بقوله في "الصفات": وجاء في الأسماء: 1- أبيض بن حمال المازني السبائي، صحابي عداده في أهل اليمن حديثه في السنن. 2- وحمال بن مالك

الأسدي، شهد القادسية وغيرها وقد زاد العراقي ثالثا وهو: الأغر بن عبد الله بن الحارث بن حمال شاعر فارس، من بكر بن وائل. 13- الهمداني: بفتح الهاء وسكون الميم وفتح الدال نسبة إلى قبيلة همدان, في المتقدمين أكثر منه في المتأخرين فيهم أبو العباس بن عقدة، وجعفر بن عليّ الهمداني من أصحاب السلفي. 14- والهمذاني: بفتح الهاء والميم والذال المعجمة نسبة إلى البلد1 في المتأخرين أكثر منه في المتقدمين. قال الذهبي: الصحابة والتابعون وتابعوهم من القبيلة، وأكثر المتأخرين من المدينة ولا يمكن استيعاب هؤلاء، ولا هؤلاء، ولم يقع في الصحيحين ولا في الموطأ من الثاني شيء. 15- الحناط: بفتح الحاء المهملة، وفتح النون المشددة الممدودة، آخره طاء مهملة، عيسى بن أبي عيسى ميسرة الغفاري أبو موسى الحناط نسبة إلى بيع الحنطة2. 16- والخباط: بفتح الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة المشددة نسبة إلى بيع الخبط3 الذي تأكله الإبل. 17- والخياط: بفتح الخاء المعجمة، وفتح الياء المثناة من تحت المشددة آخره طاء مهملة، نسبة إلى حرفة الخياطة وكلها جائزة فيه؛ لأنه باشر الثلاثة. قال محمد بن سعد كاتب الوافدي: كان يقول: أنا خياط، وحباط، وخباط كلا قد عالجت، وأولها أشهرها، ومثله مسلم بن أبي مسلم الحناط, وفيه الثلاثة, ولكن الثاني أشهر فيه، ومثل هذا يؤمن فيه الغلط ويكون

_ 1 هي مدينة من بلاد فارس تخرج منها كثير من العلماء والأدباء. 2 هي القمح. 3 الخبط، هو الورق الذي ينزل من الشجرة إذا خبطت بعصا مثلا.

اللافظ فيه مصيبا كيفما اتفق.

القسم الثاني

القسم الثاني: ضبط ما وقع في الصحيحين فقط أو فيهما مع الموطأ، أو في أحد الثلاثة. المؤلفات فيه: وممن ألف في ذلك الإمام الحافظ أبو عليّ الحسين بن محمد بن أحمد النسائي المعروف بالجياني نسبة إلى "جيان" -مدينة كبيرة في الأندلس- الأندلسي المتوفى سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وسمى مؤلفه: "ما ائتلف خطه، واختلف لفظه من أسماء رجال الصحيحين", ويسمى أيضا بكتاب "تقييد المهمل وتمييز المشكل" ضبط فيه كل لفظ يقع فيه اللبس من رجال الصحيحين، وما قصر فيه، في جزئين. 1- يسار: بفتح الياء التحتانية المثناة وفتح السين المهملة، إلا محمد بن بشار الملقب ببُندار بالموحدة، والشين المعجمة المشددة قال الذهبي: وهو نادر في التابعين معدوم في الصحابة وفيهما: سيار بن أبي سلامة، وابن أبي سيار بتقدم السين على الياء المشددة. 2- بشر: كله بكسر الموحدة، وإسكان المعجمة. إلا أربعة فبضمها، وإهمالها يعني: بُسْر: 1- عبد الله بن بسر الصحابي. 2- وبسر بن سعيد. 3- وبسر بن عبيد الله الحضرمي. 4- وبسر بن محجن الديلي1، وقيل: هذا بالمعجمة قاله سفيان الثوري، وقال الدارقطني أنه رجع عنه، وحديثه في الموطأ فقط قال العراقي في "شرح الألفية": ولم يذكر ابن الصلاح بسرا المازني، فحديثه في صحيح مسلم على ما ذكره المزي في "التهذيب" إنما ذكر ابنه عبد الله. وقال في "نكتة" على "علوم ابن الصلاح" قلدت في ذلك المزي، ثم

_ 1 بكسر الدال المهملة وسكون الياء، ثم لام، ثم ياء النسب نسبة إلى الديل.

تبين لي أنه وهم وسبب هذا الوهم تقليده لصاحب "الكمال" ولم يخرج مسلم لبسر ولآله ذكر فيه باسمه إلا في نسب ابنه عبد الله، قال: نعم يرد عليه أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري السلمي فهو بفتح التحتية والسين المهملة، وحديثه في الصحيح ثم قال: وقد يقال في الجواب عن المصنف -يعني ابن الصلاح- أن هذه الكنية ملازمة لأداة التعريف غالبا فلا يشتبه بخلاف الأولين. 3- بشير: كله بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة، بعد يا، ثم راء، إلا أربعة: اثنان منهما بضم الياء وفتح الشين على صيغة المصغر وهما: 1- بشير بن كعب العدوي وحديثه عند البخاري1. 2- وبشير بن يسار الحارثي المدني و"ثالثا" بضم الياء المثناة من تحت وفتح السين المهملة، يسير بن عمرو، ويقال: ابن جابر، ويقال فيه أسير بضم الهمزة وفتح السين المهملة و"رابعا" بضم النون وفتح السين المهملة، وهو: قطن بن نسير. 4- يزيد: كله بالياء التحتانية المفتوحة: وكسر الزاي، إلا ثلاثة: 1- بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري و"بريد" بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة على صيغة المصغر، وقد وقع عند البخاري في الصحيح في حديث مالك بن الحويرث "كصلاة شيخنا أبي بريد عمرو بن سلمة" فذكر أبو ذر الهروي، عن الحموي، عن الفربوي، عن البخاري أنه بضم الموحدة، وفتح الراء، وكذا ذكر مسلم، والنسائي في الكنى وبه جزم الدارقطني وابن ماكولا، والذي عند أكثر رواة البخاري بالتحتية والزاي -يعني يزيد- كالجادة وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري: لم أسمعه من أحد بالزاي، ومسلم أعلم، وبه جزم الذهبي.

_ 1 أقول وكذا روى له مسلم في مقدمة الصحيح فكان على السيوطي أن يريد مسلما.

2- ومحمد بن عرعرة بن البرند -بكسر الباء الموحدة، وكسر الراء المهملة وقيل: بفتحهما، ثم النون- الشامي. 3- وعليّ بن هشام بن البريد- بفتح الباء الموحدة وكسر الراء وسكون الياء المثناة، آخره دال. 5- البراء: كله بتخفيف الراء إلا: 1- أبا معشر يوسف بن يزيد البراء, بفتح الباء الموحدة وفتح الراء المشددة. 2- وأبا العالية زياد بن فيروز البراء فبالتشديد أيضا. 6- حارثة: كله بالحاء المهملة والثاء المثلثة، إلا جارية بن قدامة، ويزيد بن جارية فبالجيم، والياء المثناة من تحت. قال العراقي: والأسود بن العلاء بن جارية الثقفي، وعمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أيضا، وروى مسلم للأول حديث: "البئر جبار" 1, في الحدود, وللثاني حديث: "لكل نبي دعوة مستجابة" وروى له البخاري قصة قتل خبيب بن عدي أحد أسارى سرية الرجيع الذين قتلوا. 7- جرير: كله بفتح الجيم، وكسر الراء، وسكون الياء، آخره راء مهملة, إلا: 1- حريز -بفتح الحاء وكسر الراء، ثم ياء، آخره زاي- بن عثمان الرحبي الحمصي. 2- وأبا حريز عبد الله بن الحسين الأزدي الراوي عن عكرمة بالحاء، والزاي أيضا ويقاربه حدير -بضم الحاء وفتح الدال وسكون الياء آخره راء مهملة- والد عمران روى له مسلم، ووالد زيد، وزياد لهما ذكر في "كتاب المغازي" من صحيح البخاري، ولكن ليست لهما رواية فيه.

_ 1 جبار -بضم الجيم وفتح الياء المحققة- أي من سقط في بئر في ملك إنسان فدمه هدر.

8- خراش: كله بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء، وآخره شين معجمة. إلا والد ربعي بن حراش فبالحاء المهملة أوله، وأدخل ابن ماكولا هنا: خداشا بكسر الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة المخففة، آخره شين معجمة، فقد روى مسلم عن خالد بن خداش قال الذهبي: ولا يلتبس. قال العراقي: فلذا لم أستدركه. وقال السيوطي: هو من نمط حدير ونحوه. 9- حصين: كله بضم الحاء المهملة وفتح الصاد، وسكون الياء. إلا أبا حصين -بفتح الحاء المهملة، وكسر الصاد المهملة- عثمان بن عاصم وأبا ساسان حضين- بضم الحاء المهملة وفتح الضاد وسكون الياء، ولا نعرف في رواة الحديث من اسمه حضين سواه، وهو تابعي جليل قاله الحاكم، وتبعه المزي. قال العراقي: لكن في الصحيحين في قصة عتبان بن مالك من طريق ابن شهاب: سألت الحصين بن محمد الأنصاري عن حديث محمود بن الربيع فصدقه فزعم الأصيل والقابسي أنه لمعجمه، قال المزي: وهو وهم فاحش، وصوابه بالمهملة. وأدخل في هذا القسم "حضير", وهو والد "أسيد"1 الأشهلي أحد النقباء ليلة العظة. 10- حازم: كله بالحاء المهملة، والزاي، على صيغة اسم الفاعل. إلا: أبا معاوية محمد بن خازم -بالخاء المعجمة في أوله- الضرير. 11- حيان: كله بفتح الحاء المهملة، وفتح الياء المثناة المشددة. إلا: حبان -بفتح الحاء المهملة، وفتح الباء المشددة- بن منقذ والد واسع بن حبان وجد محمد بن يحيى بن حبان، وجد حبان بن واسع بن

_ 1 أسيد: وحضير كلاهما على صيغة المصغر.

حبان، وحبان بن هلال الباهلي، منسوبًا إلى أبيه، وغير منسوب إليه، فيتميز بشيوخه، كقولهم: حبان عن شعبة، وحبان عن وهيب، وحبان عن همام، وغيرهم كحبان عن أبان، وحبان عن سليمان بن المغيرة، وكلها بفتح الحاء المهملة، والباء الموحدة وإلا حبان بن عطية السلمي، وحبان ابن موسى السلمي المروزي منسوبًا إلى أبيه، وغير منسوب فيتميز بشيوخه كحبان عن عبد الله, وهو ابن المبارك، وحبان بن العرقة -بفتح العين وكسر الراء- فكلها بكسر الحاء المهملة، وفتح الباء المشددة, وقيل: إنه ابن عطية بفتح الحاء، وقيل: إنه ابن العرقة بالجيم، والأول فيهما أصح والعرقة أمه فيما قاله القاسم بن سلام، والمشهور أنها بفتح العين وكسر الراء، ثم قاف، وقال الواقدي: بفتح الراء، وقيل لها ذلك لطيب ريحها، واسمها قلابة -بكسر القاف- بنت شعبة -بضم الشين- بن سهم، وتكنى أم فاطمة، واسم أبيه حبان بن قيس. ويدخل في هذه المادة جبار -بفتح الجيم، وفتح الباء الموحدة- بن صخر، وعدي بن الخيار -بكسر الخاء المعجمة، وفتح الياء المثناة المخففة. 12- حبيب كله بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة، ثم ياء، ثم باء موحدة, إلا خبيب -بضم الخاء المعجمة وفتح الباء وسكون الياء، آخره باء موحدة- بن عدي, وخبيب بن عبد الرحمن بن خبيب الأنصاري، وهو خبيب غير منسوب الراوي عن حفص بن عاصم في الصحيحين، وعن عبد الله بن محمد بن معين في صحيح مسلم وجده كذلك -يعني بضم الخاء وفتح الباء الموحدة على صيغة المصغر- إلا أنه لا رواية له في الصحيحين ولا في الموطأ. وإلا أبا خبيب كنية عبد الله بن الزبير كني بابنه خبيب، فكلها بضم الخاء المعجمة وفتح الياء الموحدة.

13- حكيم: كله بفتح الحاء، وكسر الكاف على صيغة المكبر إلا حكيم -بضم الحاء وفتح الكاف، وسكون الياء على صيغة المصغر- بن عبد الله بن قيس بن مخرمة القرشي المصري، ويسمى أيضا الحكيم بالألف واللام، ورزيق -بضم الراء المهملة وفتح الزاي وسكون الياء، مصغرا- بن حكيم، فهما بضم الحاء، وقيل: الثاني بالفتح. 14- رباح: كله بفتح الراء المهملة، وفتح الباء الموحدة بعدها ألف، ثم حاء. إلا زياد بن رياح القيسي المصري فهو بفتح الراء، وفتح الياء المثناة من تحت ويكنى أيضا أبا رياح كأبيه، وقيل أبا قيس وهو الصواب الراوي عن أبي هريرة حديثا في أشراط الساعة, وهو: "بادروا بالأعمال ستا" الحديث، وحديث: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ... " الحديث، وكلاهما في صحيح مسلم، بالراء المكسورة وفتح الياء التحتانية عند الأكثرين، وقال ابن الجارود بالباء الموحدة وقال البخاري بالوجهين، حكاه عنه صاحب المشارق. قال العراقي: وهم في ذلك، فلم يحك البخاري في التاريخ فيه الباء الموحدة أصلا، إنما حكى الاختلاف في وروده بالاسم أو الكنية، وفي اسم أبيه، ولا ذكر له في صحيحه. 15- زبيد: ليس في الصحيحين إلا زبيد بن الحارث اليامي بضم الزاي، وفتح الباء الموحدة، وسكون الياء مصغرا، ولا في "الموطأ" إلا زبيد بن الصلت بن معديكرب الكندي بضم الزاي وتكسر، وفتح الياء المثناة من تحت، وسكون الياء المثناة من تحت آخره دال مهملة. 16- سليم: كله بضم السين، وفتح اللام، وسكون الياء على صيغة المصغر إلا سليم بن حبان فبفتح السين وكسر اللام. 17- شريح: كله بضم الشين المعجمة، وفتح الراء المهملة وسكون

الباء، آخره حاء مهملة إلا سريج -بضم السين المهملة وفتح الراء المهملة، وسكون الياء آخره جيم معجمة- بن يونس شيخ مسلم، وروى عنه البخاري بواسطة. وسريج بن النعمان، وأحمد بن أبي سريج الصباح كلاهما سمع منه البخاري وكلها بالسين المهملة في أولها، والجيم المعجمة في آخرها. 18- سالم: كله بالألف إلا سلم -بفتح السين وسكون اللام1 آخره ميم- ابن زرير على وزن كبير وسلم بن قتيبة، وسلم بن أبي الذيال وسلم بن عبد الرحمن، وكلها بحذف الألف، وسكون اللام. قال العراقي: وبقي عليه حكام بن سلم الرازي روى له مسلم حديث "قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثلاث وستين" يعني سنة. وذكره البخاري عند حديث النهي عن بيع الثمار غير منسوب. قال: ثم إن أصحاب المؤتلف والمختلف لم يذكروا هذه الترجمة في كتبهم لأنها لا تأتلف خطا، لزيادة في سالم، وإنما ذكرها صاحب "المشارق" فتبعه ابن الصلاح. قال السيوطي: قوله -أي العراقي- لا تأتلف خطا ممنوع، لأن القاعدة في علم الخط أن كل علم على ثلاثة -يعني أحرف- يحذف ألفه خطا، وكما ذكره ابن مالك، في آخر "التسهيل" وغيره فصالح، ومالك، ونحوهما كل ذلك يكتب بلا ألف، وسالم من هذا القبيل. 19- سليمان: كله بضم السين وفتح اللام، وسكون الياء، إلا سلمان الفارسي وسلمان بن عامر، وسلمان الأغر، وعبد الرحمن بن سلمان فكلها بحذف الألف قال ابن الصلاح: وأبو حازم الأشجعي الراوي عن

_ 1 جاء في التقريب بفتح اللام والظاهر أنه خطأ مطبعي وقد نص ابن الصلاح على سكون اللام.

أبي هريرة، وأبو رجاء مولى أبي قلابة كل منهما اسمه سلمان، لكن ذكرا بالكنية. وقال العراقي: في هذه الترجمة: لم يوردها أصحاب المؤتلف والمختلف لعدم اشتباهها بزيادة الياء -أي المثناة من تحت- إلا أن صاحب المشارق ذكرها فتبعه ابن الصلاح، قال: وبقي سليمان بن ربيعة الباهلي، حديثه عند مسلم. 20- سلمة: كله بفتح اللام إلا عمرو بن سلمة الجرمي إمام قومه وبني سلمة القبيلة من الأنصار فبكسر اللام، وفي عبد الخالق بن سلمة الذي روى له مسلم حديث قدوم وفد عبد القيس الوجهان الكسر والفتح قال يزيد بن هارون: بالفتح. وقال ابن علية: بالكسر. 21- شيبان: كله بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية بعدها باء موحدة. وأما سنان: بكسر السين المهملة: وفتح النون ثم ألف ثم نون ففي الصحيحين: سنان بن أبي سنان, وسنان بن ربيعة، وسنان بن سلمة، وأحمد بن سنان، وأبو سنان ضرار بن مرة، وأم سنان وكلها بكسر السين المهملة، وفتح النون. قال العراقي: وكذا الهيثم بن سنان، ومحمد بن سنان العوقي في صحيح البخاري، وسعيد بن سنان أبو سنان عند مسلم، وليس لأم سنان رواية في الكتب الثلاثة إنما لها ذكر في حديث الحج قال: وهذه الترجمة لم يوردها أصحاب المؤتلف والمختلف لزيادة الياء -أي المثناة- في شيبان، إنما أوردا سنان، وشُبان، وشَبان. 22- عبيدة: كله بضم العين وفتح الباء الموحدة وسكون الياء على صيغة المصغر إلا: عَبِيدة السلماني, وعَبِيدة بن سفيان الحضرمي،

وعبيدة بن حميد، وعامر بن عبيدة فكلها بفتح العين وكسر الباء الموحدة. وقيل في عبيدة بن سعيد بن العاص: إنه بالفتح، والمعروف فيه الضم. 23- عبيد: كله بضم العين وفتح الباء الموحدة، وسكون الياء آخره دال مهملة وأما بفتح العين وكسر الباء فجماعة من الشعراء منهم عَبِيد بن الأبرص. 24- عُبَادة: كله بضم العين، وفتح الباء، المخففة إلا محمد بن عبادة الواسطي شيخ البخاري فبفتح العين. 25- عبدة: كله بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة، إلا عامر بن عبدة، وبجالة بن عبدة فبفتح العين وإسكان الباء الموحدة وفتحها يعني فيها الأمران في الباء, وقيل: فيهما عبد بدون تاء ولا يصح، وعلى فتح الباء فيهما الدارقطني وابن ماكولا. 26- عباد: كله بفتح العين وفتح الباء المشددة. إلا قيس بن عباد القيسي، الضبعي، البصري بضم العين المهملة، وفتح الباء الموحدة المخففة، وحكى صاحب المشارق أنه وقع عند أبي عبد الله محمد بن مطرف ابن المرابط في "الموطأ" عباد بن الوليد، قال: وهو خطأ، والصواب عبادة. 27- عَقِيل: كله بفتح العين المهملة وكسر القاف. إلا عُقَيل بن خالد الأيلي، وهو الراوي عن الزهري غير منسوب، وإلا يحيى بن عقيل الخزاعي البصري, وإلا بني عُقَيل القبيلة المعروفة ينسب إليها العقيلي صاحب كتاب "الضعفاء" فكلها بضم العين المهملة وفتح القاف.

28- واقد: كله بفتح الواو، وبعدها ألف وكسر القاف. وأما بالفاء ففي غير الكتب الثلاثة: وافد بن سلامة، ووافد بن موسى الدراع.

الأنساب

"الأنساب": 1- الأيلي: كله بفتح الهمزة وإسكان الياء المثناة من تحت نسبة إلى أيلة قرية على بحر القلزم1. قال القاضي عياض: وليس في الكتب الثلاثة الأبلي بضم الهمزة وضم الباء الموحدة وتعقبه ابن الصلاح بأن شيبان بن فرخ أيلي، وقد روى له مسلم الكثير قال: ولكن إذا لم يكن في شيء من ذلك منسوبا فلا يلحق عياضا منه تخطئة. قال العراقي: وقد تتبعت كتاب مسلم فلم أجد فيه منسوبا فلا تخطئة حينئذ. 2- البزاز: كله بزايين. إلا خلف بن هشام البزار شيخ مسلم، والحسن بن الصباح البزار شيخ البخاري فآخرهما راء مهملة. قال العراقي: وقد اعترض ذلك بأن أبا عليّ الجياني ذكر في "تقيد المهمل" في هذه الترجمة: يحيى بن محمد بن السكن البزار -براء في آخره- وبشر بن ثابت البزار -براء في آخره- وكلاهما في صحيح البخاري. قال والجواب أنهما وقعا غير منسوبين فلا يردان. 3- البصري: بفتح الباء وكسرها والكسر أفصح نسبة إلى البصرة البلد المعروفة بالعراق، إلا مالك بن أوس بن الحدثان النصري -بالنون- مخضرم مختلف في صحبته، وعبد الواحد بن

_ 1 بحر القلزم: هو البحر الأحمر وأيلة على الخليج المتصل بالبحر الأحمر، وهي ما تسمى بالعقبة الآن على ما يغلب على ظني.

عبد الله النصري -بالنون- وسالما مولى النصريين فكلها بالنون. 4- الثوري: كله بالثاء المثلثة المفتوحة وسكون الواو ثم راء، ثم ياء مشددة، إلا أبا يعلى محمد بن الصلت التوزي -بفتح التاء المثناة من فوق، وفتح الواو المشددة، ثم زاي- نسبة إلى توز من بلاد فارس. 5- الجريري: كله بضم الجيم، وفتح الراء وسكون الياء التحتانية، ثم راء نسبة إلى جرير مصغرا قال ابن الصلاح: فيهما من ذلك سعيد الجريري، وعباس الجريري والجريري غير مسمى عن أبي نضرة، وقد اقتصر النووي في "تقريبه" على النسبة دون ذكر الاسم ليعم ما فيهما -أي الصحيحين- غير منسوب. إلا أبا يحيى بن بشر شيخ الشيخين البخاري ومسلم, فإنه بالحاء المفتوحة يعني الحريري، وقد تعقب العراقي ابن الصلاح فقال: قول ابن الصلاح: إنه شيخهما تبع فيه صاحب "المشارق"1 وصاحب "تقييد المهمل"2 والحاكم، والكلاباذي3 ولم يصنعوا شيئا إنما أخرج له مسلم وحده، وأما شيخ البخاري فهو يحيى بن بشر البلخي، وهما رجلان مختلفان البلدة، والوفاة وفرق بينهما ابن أبي حاتم والخطيب وجزم به المزي. وزاد الجياني في هذه الترجمة: الجريري -بفتح الجيم وكسر الراء مكبرا- وهو يحيى بن أيوب من ولد جرير بن عبد الله البجلي عند البخاري في "الأدب المفرد" إلا أنه فيه غير منسوب. 6- الحارثي: كله بالحاء المهملة؛ والثاء المثلثة.

_ 1 هو الإمام القاضي عياض. 2 هو الحافظ أبو عليّ الحسين بن محمد بن أحمد الغساني المعروف بالجياني. 3 هو أبو بكر تاج الإسلام بن إسحاق البخاري الكلاباذي نسبة إلى "كلاباذ" محلة كبيرة من بخارى الحنفي المتوفى سنة ثمانين وثلاثمائة.

وفيهما -أي الصحيحين- سعد الجاري -بالجيم والراء، وبعد الراء ياء النسبة- مولى عمر بن الخطاب نسبة إلى الجار موضع بالمدينة. 7- الحرامي: كله بفتح الحاء المهملة وفتح الراء المهملة. قال النووي زيادة على ابن الصلاح: وقوله في صحيح مسلم في حديث "أبي اليسر": "كان لي على فلان بن فلان الحرامي مال فأتيت أهله" الحديث مختلف فيه، قيل: هو بالراء وجزم به عياض، وقيل: بالزاي وعليه الطبري يعني "الحزامي" وقيل: بالجيم والذال المعجمة يعني الجذامي قاله ابن ماهان. وقد قال ابن الصلاح في حاشية أملاها على كتابه: "لا يرد هذا لأن المراد بكلامنا المذكور ما وقع من ذلك في أنساب الرواة". وتبعه المصنف -أي النووي- في "الإرشاد" -وهو مختصر علوم الحديث لابن الصلاح- قال العراقي: وهذا ليس بجيد، لأنهما ذكرا في هذا القسم غير واحد ليس لهم في الصحيح ولا في الموطأ رواية بل مجرد ذكر، منهم: بنو عقيل، وبنو سلمة، وخبيب بن عدي، وحبان بن العرقة، وأم سنان, فما صنعه -أي النووي- في "التقريب" أحسن. 8- السلمي: بفتح السين المهملة، وفتح اللام نسبة إلى سلمة -بكسر اللام- كما قيل في نمر: نمري هذا مقتضى العربية. ويجوز في لغية1 كسر اللام يعني السلمي، قال السمعاني: وعليها أصحاب الحديث وذكر ابن الصلاح أنه لحن، وبضم السين المهملة وفتح اللام في النسبة إلى بني سليم، وفي هذه الترجمة قال العراقي: الأولى ذكرها في القسم العام إذ لا يختص بالصحيحين والموطأ. 9- الهمداني: كله بفتح الهاء وسكون الميم وفتح الدال المهملة،

_ 1 أي لغة قليلة أو ضعيفة.

وليس فيها بالفتح والذال المعجمة يعني: الهمذاني. قال صاحب المشارق: لكن فيهما من هو من مدينة همذان إلا أنه غير منسوب قال: إلا أن في البخاري مسلم بن سالم الهمداني ضبطه الأصيلي بالسكون وهو الصحيح، وفي بعض نسخ النسفي بالفتح والإعجام وهو وهم، وقال العراقي: هذا اللفظ وقع في صحيح البخاري على الوهم والصواب النهدي -بفتح النون، وسكون الهاء- الجهني. ومما يستحسن ذكره هنا ما قاله الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح بعد هذا المطاف الطويل قال: "هذه جملة لو دخل الطالب فيها لكانت رحلة رابحة، إن شاء الله تعالى، ويحق على الحديثي1 إيداعها في سويداء قلبه، وفي بعضها من خوف الانتقاص من تقدم في الأسماء المفردة، وأنا في بعضها مقلد كتاب القاضي عياض، ومعتصم بالله فيه، وفي جميع أموري وهو سبحانه أعلم"2.

_ 1 الحديثي: نسبة إلى الحديث أي المشتغل به حفظا ورواية، ودراية. 2 التدريب شرح "التقريب" من ص464-478، ومقدمة ابن الصلاح بشرح العراقي من ص381-404، وشرح ألفية العراقي للسخاوي من ص211-244.

تعليق المؤلف

"تعليق المؤلف": أقول: نعم -والله- إن هذه الجملة الكبيرة من الأسماء والأنساب كان يرحل فيما دونها إلى المدينة ومكة وإلى غيرهما من المدن والأمصار الإسلامية، ولعلك -يا قارئي الفطن- على ذكر مما ذكرته في بحث "الرحلة في سبيل العلم، وأن علماء الحديث ضربوا في ذلك مثلا نادرة نعم -والله- إن على الحديثي أن يضعها في سويداء قلبه، وعلى صفحات صدره، وبين عينيه حتى يعصم نفسه ولسانه من الزلل والغلط في نطق الأسماء والأنساب فإنه لعاب كبير على العالم -ولا سيما المحدث- أن يغلط في ذلك وأمثاله وأنا أحب من المستشرقين

ومتابعيهم من الكتاب المسلمين في العصر الأخير أن يتأملوا في هذا الباب وغيره من الأبواب التي تنم عن علم عزيز دقيق في التفرقة بين أسماء الرواة وأنسابهم -وما أكثرهم- هذه الفروق الدقيقة العجيبة التي قد تخفى على كثيرين من الأذكياء والألباء، لأنها لا تدرك بالعقل، ولا بالسابق واللاحق، وإنما تدرك بالمداومة على لقاء الشيوخ، والحفظ، ومداومة البحث والدرس والسهر، ومجافاة المضاجع، ولزوم المحابر والدفاتر. كنت أحب منهم أن يقفوا من أئمة الحديث وحفاظه، ورواته، ونقاده موقف المنصف لا موقف المتحامل، والمتعصب عليهم، وأن لا يكون موقفهم موقف المقلد لصنم المستشرقين "جولدتسيهر"، ومما نذكره لبعض المستشرقين المتأخرين عنه أنهم قد تخلصوا من ربقة التقليد لجولدتسيهر، فجاءت أحكامهم أقرب إلى الحق والصواب في هذا الباب. ومما يذكر للشيخ الإمام أبي عمرو بن الصلاح بالإكبار، والإعظام قوله: "وأنا في بعض ما ذكرت مقلد كتاب القاضي عياض" وهكذا فليكن العلماء الأصلاء يسندون الفضل لذويه، وهي -لعمر الحق- خصيصة من خصائص علمائنا الأوائل على سعة علمهم وجلالة أقدارهم، وما أجدر طلاب العلم وأهله أن يقتدوا بأسلافنا الأفاضل في هذا إن بعض الطلاب الذين يتقدمون اليوم بأطروحاتهم لنيل الإجازات التخصيصية يحاولون إخفاء إسناد الأفكار لذويها، ويزعمون أن ما يذكرون من بنات أفكارهم ومن ثمرات قراءاتهم وبحثهم، وهذا ما لا ينبغي أن يكون قط، وإثبات الشخصية العلمية المتميزة لا تكون بسرقة الأفكار، ولا بجحد فضل ذوي الفضل، وليكن لهم في أسلافنا العلماء خير قدوة.

المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها

المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها أقسام المتفق والمفترق ... "المتفق والمفترق من الأسماء، والأنساب ونحوها": وهو ما اتفق خطًّا ولفظًا وافترقت مسمياته بخلاف النوع الذي قبله فإن فيه الاتفاق في صورة الخط مع الافتراق في اللفظ. قال ابن الصلاح: وهذا من قبيل ما يسمى في أصول الفقه "المشترك" وقد زلق1 بسببه غير واحد من الأكبر ولم يزل الاشتراك من مظان الغلط في كل علم وقال السيوطي في "تدريبه" وإنما يحسن إيراد ذلك فيما إذا اشتبه الراويان المتفقان في الاسم لكونهما متعاصرين واشتركا في بعض شيوخهما أو في الرواة عنهما. "المؤلفات فيه" وللخطيب البغدادي أحمد بن عليّ بن ثابت المتوفى سنة ستين وثلاثمائة كتاب نفيس فيه، سماه "المتفق والمفترق" وذلك على إعواز فيه، ذلك أنه مع كونه كتابًا حافلًا غير مستوفٍ للأقسام التي ذكرها ابن الصلاح ومن تابعه. أقسام المتفق والمفترق: القسم الأول: من اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم. ومثاله: الخليل بن أحمد ستة. أحدهم وهو أولهم: الخليل بن أحمد شيخ سيبويه صاحب النحو والعروض بصري روى عن عاصم الأحول وآخرين، ولد سنة مائة وتوفي سنة سبعين ومائة وقيل: سنة بضع وستين، ولم يسم أحد بأحمد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أبي الخليل هذا، قاله أبو بكر بن أبي خيثمة, وقال المبرد: فتش المفتشون فما وجدوا بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- من اسمه أحمد قبل أبي الخليل. قال ابن الصلاح: واعترض ذلك بأبي السفر2 سعيد بن أحمد فقد

_ 1 أي أخطأ عن غير تعمد. 2 بفتح السين، وفتح الفاء.

سماه بذلك ابن معين وهو أقدم وأجيب بأن أكثر أهل العلم قالوا فيه سعيد بن يحمد لا ابن أحمد. الثاني: أبو بشر المزني البصري حدث عن المستنير بن أخضر، وعنه العباس العنبري قال الخطيب: ورأيت شيخا من شيوخ أصحاب الحديث يشار إليه بالفهم والمعرفة جمع أخبار الخليل العروضي، ومن روى عنه، فأدخل في جمعه أخبار الخليل هذا ولو أمعن النظر لعلم أن العنبري يصغر عن إدراك الخليل العروض. الثالث: أصبهاني روى عن روح بن عبادة وعيره وقد صحح العراقي أن هذا الثالث يسمى: "الخليل بن محمد" لا "ابن أحمد" كما سماه بذلك أبو شيخ في طبقات الأصبهانيين، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان، وغلط في العراقي من سماه "ابن أحمد" كابن الصلاح، وابن الجوزي، والهروي في كتاب "مشتبه أسماء المحدثين". الرابع: أبو سعيد السجزي القاضي بسمرقند الحنفي حدث عن ابن خزيمة وابن صاعد، والبغوي، وعنه الحاكم مات سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. الخامس: أبو سعيد البستي القاضي سمع من الخليل السجزي المذكور قبله، وأحمد بن المظفر، وروى عنه البيهقي. السادس: أبو سعيد البستي الشافعي فاضل تصرف في علوم، دخل الأندلس وحدث عن أبي حامد الإسفراييني، وروى عنه أبو العباس أحمد بن عمر العذري. قال السيوطي: من أمثلة هذا القسم أنس بن مالك عشرة، روى منهم الحديث خمسة: الأول: خادم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنصاري نجاري يكنى أبا حمزة نزل البصرة.

والثاني: كعبي قشيري يكنى أبا أمية نزل البصرة أيضا ليس له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا حديث: "إن الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة" أخرجه أصحاب السنن الأربعة. الثالث: أبو مالك الفقيه, والرابع: حمصي، والخامس: كوفي. القسم الثاني: من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم، وأجدادهم، أو أكثر من ذلك مثاله: أحمد بن جعفر بن حمدان، وهم أربعة كلهم يرون عمن يسمى عبد الله وكلهم في عصر واحد. أحدهم: القطيعي1 أبو البغدادي يروي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل المسند وغيره وعنه أبو نعيم الأصبهاني، مات سنة ثمان وستين وثلاثمائة. الثاني: السقطي أبو بكر البصري يروي عن عبد الله بن أحمد الدورقي، وعنه أبو نعيم أيضا مات سنة أربع وثلاثمائة. الثالث: دينوري يروي عن عبد الله بن محمد بن سنان صاحب محمد بن كثير، صاحب سفيان الثوري، وعنه عليّ بن القاسم بن شاذان الرازي. الرابع: طرسوسي2 يكنى أبا الحسن يروي عن عبد الله بن جابر الطرسوسي وعنه أبو الحسن الخضيب ابن عبد الله الخضيبي. ومن ذلك: محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري اثنان في عصر واحد روى عنهما أبو عبد الله الحاكم. أحدهما: أبو العباس الأصم. الثاني: أبو عبد الله بن الأخرم قال ابن الصلاح ويعرف بالحافظ

_ 1 القطيعي بفتح القاف، وكسر الطاء مكبرا نسبة إلى القطيعة محلة ببغداد. 2 طرسوس: بفتح الطاء، والراء وضم السين المهملة بلد، ولا يخفف إلا في الشعر؛ لأن فعلولا ليس من أبنيتهم "مختار الصحاح".

دون الأول قال العراقي: ومن غرائب الاتفاق في ذلك: محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري، والحافظ أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري، وأبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة البغدادي ماتوا سنة ستين وثلاثمائة. القسم الثالث: ما اتفق في الكنية والنسبة معا كأبي عمران الجوني اثنان: أحدهما: عبد الملك بن حبيب الجوني التابعي، وسماه الفلاس عبد الرحمن، ولم يتابع عليه مات سنة تسع وعشرين ومائة والآخر: موسى بن سهل بن عبد الحميد البصري، متأخر الطبقة، روى عن الربيع بن سليمان المرادي صاحب الإمام الشافعي، وعنه الإسماعيلي، والطبراني أبو بكر بن عياش: ثلاثة. أحدهم القارئ المشهور والثاني: حمصي الذي روى عنه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال ابن الصلاح: وهو مجهول، وجعفر غير ثقة، والثالث السلمي الباجدائي1 صاحب "غريب الحديث" واسمه حسين بن عياس بن حازم، له ترجمة في "التهذيب" مات سنة أربع ومائتين، وأفراد العراقي هذا المثال بقسم، وهو ما اتفق فيه الكنية واسم الأب. القسم الرابع: عكسه بأن اتفق فيه الاسم وكنى الأب كصالح بن أبي صالح، وهو أربعة تابعيون: أحدهم: صالح بن أبي صالح مولى التوأمة، واسم أبيه نبهان وكنيته هي أبو محمد، مدني روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وغيرهم، مختلف في الاحتجاج به والتوأمة هي بنت أمية بن خلف الجمحي.

_ 1 الباجدائي ينسب إلى باجدا بفتح الباء الموحدة والجيم وتشديد الدال المهملة قربة من نواحي بغداد وهو أبو الحسن سلامة بن سليمان حدث ببغداد عن أبي يعلى الموصلي وغيره.

والثاني: الذي أبوه أبو صالح اسمه ذكوان السمان، مدني يكنى بأبي عبد الرحمن روى عن أنس، وأخرج له مسلم. والثالث: السدوسي روى عن عليّ وعائشة, وعنه: خلاد بن عمر، ذكره البخاري في التاريخ وابن حبان في "الثقات". والرابع: مولى عمرو بن حريث، واسم أبيه مهران روى عن أبي هريرة، وروى عنه أبو بكر بن عياش ذكره البخاري في التاريخ، وضعفه ابن معين وجهله, قال العراقي في "التقييد والإيضاح" ولهم خامس أسدي روى عن الشعبي، وعنه زكريا بن أبي زائدة، وأخرج له النسائي. القسم الخامس: من اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم، وأنسابهم مثاله: محمد بن عبد الله الأنصاري اثنان متقاربان في الطبقة1. أحدهما: القاضي المشهور البصري الذي روى عنه البخاري والناس، وجده المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك مات سنة خمس عشرة ومائتين. والثاني: كنيته أبو سلمة، وهو ضعيف واسم جده زياد، وهو بصري أيضا, وقد اقتصر الشيخ ابن الصلاح على هذين الاثنين تبعا للخطيب في كتابه، "المتفق والمفترق", وزاد الحافظ المزي ثالثا: وهو محمد بن عبد الله بن حفص بن هشام بن يزيد بن أنس بن مالك، روى عنه ابن ماجه في "السنن" ووثقه ابن حبان. وزاد العراقي رابعا: وهو محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقد أجيب عن الخطيب وابن الصلاح بأن الأولين متقاربان في الطبقة، وفي كونهما بصريين والثالث وإن كان بصريا لكنه متأخر عنهما والرابع متقدم عليهما في الطبقة.

_ 1 الطبقة، في اصطلاح المحدثين الجماعة الذين تقاربوا في السنن والأخذ عن المشايخ.

القسم السادس: أن يتفقا في الاسم فقط أو في الكنية فقط ويقع ذكره في السند من غير ذكر أبيه أو نسبة تميزه فمن ثم يحتاج إلى بحث وأصالة نظر. مثاله: حماد "لا يدرى أهو ابن زيد، أم هو ابن سلمة، ويعرف بحسب من يروي عنه, فإنه كان الراوي عنه سليمان بن حرب أو عارما1 فالمراد حماد بن زيد، قاله محمد بن يحيى الذهلي، والرامهرمزي والمزي، وإن كان الراوي عنه موسى بن إسماعيل التبوذكي فهو حماد بن سلمة قاله الرامهرمزي. لكن قال ابن الجوزي: إنه لا يروي إلا عنه فلا إشكال حينئذ, وروى الذهلي عن عفان قال: إذا قلت لكم حدثنا حماد ولم أنسبه فهو ابن سلمة وكذا إذا أطلقه حجاج بن منهال، أو هدبة بن خالد ذكره المزي وقد ذكر السيوطي في "تدريبه" نقلا عما ذكره العراقي، "في التقييد والإيضاح" من انفرد بالرواية عن حماد بن زيد فذكر جماعة كثيرين جدا، ومن انفرد بالرواية عن حماد بن سلمة فذكر جماعة كثيرين، فمن أراد الوقوف على ذلك فليرجع إليهما2, وقد تركت ذلك خشية التطويل من ذلك إذا أطلق عبد الله وشبهه. قال سلمة بن سليمان: إذا قيل بمكة عبد الله فهو ابن الزبير، وإذا قيل بالمدينة فابن عمر، وإذا قيل بالكوفة فهو ابن مسعود، وإذا قيل بالبصرة فهو ابن عباس وإذا قيل بخراسان فهو ابن المبارك. وقال الخليلي في "الإرشاد" إذا قاله المصري فعبد الله بن عمرو بن العاصي أو المكي فابن عباس أو الكوفي فابن مسعود، أو المدني فابن عمر، وقال النضر بن شميل: إذا قال الشامي: عبد الله فابن عمرو بن

_ 1 هو أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي, وقد سبق في نوع الألقاب. 2 علوم الحديث لابن الصلاح بشرح العراقي من ص411-413، والتدريب من ص485-487.

العاص، أو المدني فابن عمر. قال الخطيب: "وهذا القول صحيح، وكذا يفعل بعض المصريين في عبد الله بن عمرو". وقال بعض الحفاظ: إن شعبة يروي عن سبعة عن ابن عباس كلهم يقال له: أبو حمزة بفتح الحاء المهملة وسكون الميم، وفتح الزاي, إلا أبا جمرة -بفتح الجيم وسكون الميم وفتح الراء- نصر بن عمران الضبعي، وأنه إذا أطلقه فهو بالجيم. السابع من الأقسام: أن يتفقا في النسبة من حيث اللفظ ويفترقا في المنسوب إليه وللحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر الشيباني أحد المشهورين بالحفظ والمعرفة بعلوم الحديث، والمتوفى سنة سبع أو ثمان وخمسمائة، في هذا النوع مصنف، وقد جمع فيه نفائس، إلا أنه توسع فيه يذكر ما ليس من شرط المبهمات. مثاله الآملي، والآملي بهمزة ممدودة وضم الميم1، قال أبو سعد السمعاني: أكثر علماء طبرستان من آملها والثاني إلى آمل جيحون قال ابن الصلاح: واشتهر بالنسبة إليها عبد الله بن حماد الآملي روى عنه البخاري في صحيحه, وقد تعقب ذلك العراقي, فقال: إن البخاري لم يذكر في صحيحه روايته عن عبد الله بن حماد الآملي وإنما روي عن عبد الله بن حماد غير منسوب فظن الكلاباذي أنه الآملي، فذكره في رجال الصحيح للبخاري، وقال المزي: إنه يحتمل أن يكون عبد الله بن أبي القاضي الخوارزمي، ورجح هذا الاحتمال العراقي في "التقييد والإيضاح".

_ 1 وهو اسم موضعين أحدهما في طبرستان، وأكثر المنسوبين إليه يعرف بالطبري، والثاني على طرف جيحون، ويقول له الناس: آمل الشط، وآمل المفازة.

قال ابن الصلاح: وما ذكره الحافظ أبو عليّ الغساني، ثم القاضي عياض المغربيان من أنه منسوب إلى آمل طبرستان فهو خطأ والله أعلم. ومثاله أيضا الحنفي إلى بني حنيفة القبيلة المعروفة، وإلى المذهب نسبة لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه. ومن الأول أبو بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي، وأخوه عبيد الله، أخرج لهما الشيخان، وكثير من المحدثين ينسبون إلى المذهب حنيفي بزيادة الياء لأجل الفرق ووافقهم من النحويين ابن الأنباري وحده وأكثر النحاة يأبون ذلك. أقول: لأن النسبة إلى فَعِيلة فَعَلي فيقال: حنفي ولا يقال حنيفي قال السيوطي في "تدريبه": "والصواب معه -أي ابن الأنباري- وقد اخترته في كتاب "جمع الجوامع" في العربية فقد قال -صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة"، فأثبت الياء في اللفظة المنسوبة إلى الحنفية فلا مانع من ذلك"1. أقول: والذي يظهر لي أن الحنيفية نسبة إلى الحنيف وهو الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام, وقد أصبح هذا الوصف كالاسم فنسب إليه على لفظه قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} ولذلك قيل في الذين كانوا يدعون إلى التوحيد في الجاهلية "حنيفيون" والله أعلم. ثم ما وجد من هذا الباب في الأقسام كله غير مبين بالراوي عنه أو المروي عنه أو بيانه في طريق آخر كما تقدم، فإن لم يبين واشتركت الرواة فمشكل جدا، يرجع فيه إلى غالب الظنون والقرائن، أو يتوقف. قال ابن الصلاح: "وربما قيل في ذلك بظن لا يقوى، كما حدث القاسم بن زكريا المطرز يوما بحديث عن أبي همام عن الوليد بن مسلم عن

_ 1 التدريب ص489.

سفيان، فقال له أبو طالب بن نصر الحافظ: من سفيان هذا؟ فقال: هذا الثوري، فقال له أبو طالب: بل هو ابن عيينة، فقال له المطرز من أين؟ قال: لأن الوليد روى عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة وهو مليء بابن عيينة. قال العراقي: "وفيه نظر؛ لأنه لا يلزم من كونه مليئا به أن يكون هذا من حديثه عنه إذا أطلقه بل يجوز أن يكون من تلك الأحاديث المعدودة ثم قال: على أني لم أر في شيء من كتب التاريخ وأسماء الرجال رواية الوليد عن ابن عيينة ألبتة وإنما ذكروا روايته عن الثوري ومن ذكر ذلك البخاري في "التاريخ الكبير" وابن عساكر في "تاريخ دمشق" والمزي في "التهذيب" وكذلك لم أر في شيء من كتب الحديث رواية الوليد عن ابن عيينة لا في الكتب الستة ولا غيرها". إلى أن قال: "فالظاهر أن ما قاله القاسم بن زكريا المطرز من أنه الثوري هو الصواب والله أعلم"1.

_ 1 علوم الحديث لشرح العراقي ص404، 417 ط العاصمة، وتدريب الراوي من ص479 إلى ص489.

المتشابه

"المتشابه": وهو نوع يتركب من النوعين اللذين قبله. وهو أنه يتفق أسماؤهما أو نسبهما في اللفظ والخط ويفترقا في الشخص، ويأتلف، ويختلف ذلك في أسماء أبويهما بأن يأتلفا خطا ويفترقا لفظا أو عكسه بأن يأتلف أسماؤهما خطا, ويختلفا لفظا، ويتفق أسماء أبويهما لفظا وخطا أو نحو ذلك، بأن يتفق الاسمان، أو الكنيتان، وما أشبه ذلك وللخطيب في ذلك كتاب سماه "تلخيص المتشابه، وهو من أحسن كتبه". قال النووي: مثاله: موسى بن عليّ -بفتح العين وكسر اللام-

كثيرون في المتأخرين. قال العراقي: وليس في الكتب الستة، ولا في تاريخ البخاري، وابن أبي حاتم وابن أبي خيثمة، والحاكم وابن يونس، وأبي نعيم، و"ثقات" ابن حبان، و"طبقات" ابن سعد, و"كامل" ابن عدي منهم أحد. وفي تاريخ بغداد للخطيب منهم رجلان متأخران: موسى بن عليّ أبو بكر الأحول البزار روى عن جعفر الفريابي، وموسى بن عليّ أبو عيسى الختلي، روى عنه ابن الأنباري وابن مقسم، وفي تاريخ ابن عساكر: موسى بن عليّ أبو عمران الصقلي النحوي روى عن أبي ذر الهروي وذكر في "تلخيص المتشابه" رابعا: موسى بن عليّ القرشي مجهول ومنهم: موسى بن عليّ بن قداح أبو الفضل الخياط المؤذن سمع منه ابن عساكر وابن السمعاني، وموسى بن عليّ بن غالب الأموي الأندلسي، وموسى بن عليّ بن عامر الحريري الإشبيلي النحوي ذكرهما ابن الأبار. قال العراقي: فهؤلاء المذكورون ولدوا في تاريخ الإسلام من المشرق والمغرب إلى زمن ابن الصلاح لم يبلغوا عشرة فوصف النووي لهم بأنهم كثيرون فيه تجور. ومثاله أيضا موسى بن عليّ -بضم العين المهملة وفتح اللام آخره ياء مشددة- ابن رباح اللخمي، المصري أميرها، وقد اشتهر بضم العين، ومنهم من فتحها نقله ابن سعد عن أهل مصر، وصححه البخاري وصاحب المشارق، وقيل: بالضم لقب، وبالفتح اسم قاله الدارقطني، وروي عن موسى أنه قال: اسم أبي عليّ، ولكن بني أمية قالوا: عليّ وأنا في حرج ممن قال عليّ وعنه أيضا: "ومن قال: موسى بن عليّ لم أجعله في حل", وعن أبيه: "لا أجعل في حل أحدا يصغر اسمي". قال أبو عبد الرحمن المقرئ: كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه عليّ قتلوه، فبلغ ذلك رباحا فقال: هو عليّ، ورباح هو أبو عليّ.

أقول: وأعتقد أن ما قاله المقرئ غير صحيح فما كان بنو أمية يفعلون ذلك، وهي من الفرى التي صنعتها الخلافات السياسية والله أعلم. وقال ابن حبان: في "الثقات": "وكان أهل الشام يجعلون كل عليّ عندهم عُليًّا لبغضهم عَليًّا رضي الله تعالى عنه ومن أجله قيل لوالد مسلمة ولابن رباح عُليّ، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يمثل بمثال غيره. وذلك: أيوب بن بشير، وأيوب بن بشير الأول أبوه مكبر عجلي شامي وروى عنه ثعلبة بن سلم الخشني والثاني أبوه مصغر عدوي بصري، روى عنه أبو الحسين خالد البصري وقتادة وغيرهما. ومن أمثلة عكسه: سريج بن النعمان، وشريح بن النعمان، وكلاهما مصغر الأول بضم السين المهملة، وآخره جيم جده مروان اللؤلؤي البغدادي، روى عنه البخاري، والثاني بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة الكوفي، تابعي له في السنن الأربعة حديث واحد عن عليّ بن أبي طالب. ومثاله أيضًا: محمد بن عبد الله المخرمي بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة ثم بالراء المشددة المكسورة نسبة إلى مخرم بغداد محلة بها، مشهور حده المبارك ويكنى أبا جعفر القرشي البغدادي الحافظ قاضي حلوان روى عنه البخاري وأبو داود ومحمد بن عبد الله المخرمي بفتح الميم وسكون الخاء وفتح الراء نسبة إلى مخرمة بن نوفل والد المسور بن مخرمة غير مشهور روى عن الشافعي، وعنه عبد العزيز بن زبالة. ومثاله أيضًا: ثور بن يزيد الكلاعي، وثور بن زيد الديلي في الصحيحين، والأول في صحيح مسلم خاصة. قال العراقي: هذا وهم، بل هو في صحيح البخاري خاصة روى له

في "كتاب الأطعمة"1 عن خالد بن معدان عن أبي أمامة قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع مائدته قال: "الحمد لله، كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي، ولا مودَّع، ولا مستغنى عنه ربنا". ومثل أبي عمرو الشيباني -بالشين المعجمة المفتوحة- التابعي سعد بن إياس الكوفي مخضرم حديثه في الكتب الستة وأبو عمرو الشيباني اللغوي إسحاق بن مرار الكوفي نزيل بغداد، وأبوه بكسر الميم وتخفيف الراء على وزن ضرار، وقيل: بفتحها كغزال، قال الأول الحافظ عبد الغني بن سعيد، وقال الثاني الدارقطني، وقيل: بالفتح وتشديد الراء كعمار، له ذكر في صحيح مسلم بكنيته في تفسير حديث: "أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك" , أخنع أي أذل ولهم ثالث أيضا, وهو أبو عمرو الشيباني هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الكوفي من أتباع التابعين حديثه في سنن أبي داود والنسائي، كناه كذلك يحيى بن سعيد وابن المديني، وأحمد، والبخاري، والنسائي، وأبو أحمد الحاكم والخطيب وغيرهم، وما اقتصر عليه المزي من أن كنيته أبو عبد الرحمن فوهم، قاله العراقي وأبو عمرو السيباني -بالسين المهملة المفتوحة- التابعي مخضرم من أهل الشام اسمه زرعة وهو عم الأوزاعي، والد يحيى، له عند البخاري في "كتاب الأدب" حديث واحد، موقوف على عقبة. ومثل عمرو بن زرارة بفتح العين المهملة أوله، جماعة منهم شيخ مسلم أبو محمد النيسابوري روى عنه الشيخان. وبضمها معروف بالحدثي -بفتح الحاء والدال المهملتين- قال الدارقطني: نسبة إلى مدينة بالثغر يقال لها: الحدث، وقال أبو أحمد الحاكم نسبة إلى الحدثية2 روى عنه البغوي وغيره.

_ 1 باب ما يقول إذا فرغ من طعامه. 2 الحدثية بتقديم الثاء المثلثة على الياء: طائفة من المعتزلة، وهم أصحاب فضل الحدثي من أصحاب النظام.

ومن أمثلته: حنان -بفتح الحاء المهملة، وفتح النون المخففة آخره نون- الأسدي وحيان -بفتح الحاء المهملة، وفتح الياء المثناة المشددة آخره نون- الأول من بني أسد بن شريك -بضم الشين المعجمة- البصري روى عن أبي عثمان النهدي حديثا مرسلا، وروى عنه حجاج الصواف، وهو عم مسرهد والد مسدد والثاني الكوفي أبو الهياج، شامي تابعي أيضا له في صحيح مسلم حديث عن عليّ في "كتاب الجنائز". وحيان الأسدي أبو النضر شامي تابعي أيضا له في صحيح ابن حبان حديث عن واثلة. وأبو الرجال الأنصاري -بكسر الراء، وفتح الجيم المخففة محمد بن عبد الرحمن مدني روى عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن حديثه في الصحيحين. وأبو الرحال -بفتح الراء المهملة، وتشديد الحاء المهملة- محمد بن خالد، بصري له عند الترمذي حديث واحد عن أنس، وهو ضعيف. وابن عفير -بضم العين المهملة، وفتح الفاء وسكون الياء مصغرا- وهو سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان روى عنه البخاري وابن غفير -بضم الغين المعجمة وفتح الفاء وسكون الياء مصغرا- اسمه الحسين متروك.

المشتبه المقلوب

"المشتبه المقلوب": وهو مما يقع فيه الاشتباه في الذهن لا في الخط، والمراد به الرواة المتشابهون في الاسم والنسب المتمايزون بالتقديم والتأخير بأن يكون اسم أحد الراويين كاسم أبي الآخر خطا ولفظا، واسم الآخر كاسم أبي الأول فينقلب على بعض أهل الحديث كما انقلب على الإمام البخاري ترجمة مسلم بن الوليد المدني، فجعله الوليد بن مسلم، كالوليد بن مسلم الدمشقي، وخطأه في ذلك ابن أبي حاتم في كتاب له في خطأ البخاري في تاريخه، حكاية عن أبيه. المؤلفات فيه: وقد ألف فيه الإمام الخطيب البغدادي كتابا حافلا، سماه "رفع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب". مثاله: يزيد بن الأسود الصحابي الخزاعي له في السنن حديث واحد، عداده في أهل مكة وقال المزي في الكوفيين. ويزيد بن الأسود الجرشي التابعي المخضرم، المشتهر بالصلاح، وهو الذي استسقى به معاوية فسقوا للوقت حتى كادوا لا يبلغون منازلهم. والأسود بن يزيد التخفي التابعي الكبير الفاضل، حديثه في الكتب الستة. وكالوليد بن مسلم المشهور الدمشقي صاحب الأوزاعي، روى عنه أحمد والناس، ومسلم بن الوليد بن رباح المدني، روى عن أبيه، وروى عنه الدراوردي وانقلب اسمه على البخاري كما تقدم.

معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

"معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم": وفائدة معرفة هذا النوع رفع توهم التعدد عند نسبتهم إلى آبائهم, وهم أقسام: الأول: من نسبه إلى أمه كمعاذ ومعوذ، وعوذ، ويقال: عوف -بالفاء لا بالذال المعجمة- بني عفراء وهي بنت عبيد بن ثعلبة من بني النجار وأبوهم: الحارث بن رفاعة بن الحارث من بني النجار أيضا وشهد بنو عفراء بدرا فقتل بها معوذ، وعوف، وبقي معاذ إلى زمن عثمان، وقيل: إلى زمن عليّ فتوفي بصفين، وقيل: جرح ببدر أيضا فرجع إلى المدينة فمات بها وقد شارك معاذ ومعوذ في قتل أبي جهل كما روي.

وبلال بن حمامة، الحبشي مؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي أمه وأبوه رباح سهل، وسهيل وصفوان بنو بيضاء, واسمها دعد وأبوهم وهب بن ربيعة بن عمرو بن عامر القرشي الفهري قال سفيان بن عيينة: "أكبر أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في السن أبو بكر، وسهيل بن بيضاء، مات سهل وسهيل في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وصلى عليهما في المسجد كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وكانت وفاة سهيل سنة تسع. شرحبيل -بضم الشين المعجمة، وفتح الراء، وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة- ابن حسنة، وهي أمه وهي مولاة لمعمر الجمحي، وما ذكره ابن الصلاح وتبعه النووي من أنها أمه جزم به غير واحد, وقال الزبير بن بكار: ليست أمه، وإنها تبنته وأبوه عبد الله بن المطاع الكندي. "عبد الله ابن بحينة" أبوه مالك بن القشب الأزدي الأسدي، وبحينة هي أمه ولذلك تكتب الألف في "ابن", وقيل: إنها أم أبيه والأول أصح وهؤلاء كلهم صحابة. ومن التابعين فمن بعدهم محمد بن الحنفية: أبو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الهاشمي القرشي، واسم أمه خولة من بني حنيفة. إسماعيل بن علية: أبوه إبراهيم، وعلية -بضم العين المهملة، وفتح اللام، وتشديد الياء على صيغة المصغر- أمه بنت حسان مولاة بني شيبان، وزعم عليّ بن حجر أنها ليست أمه، وأنها جدته أم أمه. قال السيوطي: وقد صنف في هذا القسم الحافظ علاء الدين بن قليج1 الحنفي المعروف بمغلطاي2 تصنيفا حسنا في ثلاث وستين ورقة، وذكر المصنف -أي النووي- في "تهذيبه" أنه ألف فيه جزءا ولم

_ 1 قليج بضم القاف وفتح اللام وسكون الياء آخره جيم ومعناها السيف بلغة الترك. 2 بضم الميم وسكون الغين، وفتح اللام والطاء آخره ياء.

نقف عليه. الثاني: من نسب إلى جدته دنيا أو عليا مثل يعلى ابن منية -بضم الميم وسكون النون وفتح الياء المخففة التحتانية- كركبة صحابي مشهور، هي أم أبيه قال الزبير بن بكار وابن ماكولا، وقيل: أمه، وهذا من زوائد النووي على ابن الصلاح، وعُزي للجمهور البخاري وابن المديني والقعنبي ويعقوب بن شيبة وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن قانع، والطبراني وابن حبان، وابن منده وآخرين، ورجحه المزي وابن عبد البر، وقال ابن وضاح: أبوه ووهموه1 وهي بنت الحارث بن جابر قاله ابن ماكولا، وقال الطبري: بنت جابر عمة عتبة بن غزوان وقال الدارقطني: هي بنت غزوان أخت عتبة، ورجحه المزي، وأبو أمية بن أبي عبيد. بشير بن الخصاصية -بتخفيف الياء المثناة من تحت- صحابي مشهور، هي أم الثالث من أجداده وهي ضباري الآتي، وقيل: أمه، واسمها كبشة، وقيل: مارية بنت عمرو بن الحارث الغطريف، وأبوه معبد، وقيل: نذير، وقيل يزيد، وقيل شراحبيل بن سبع بن ضباري بن سدود بن شيبان بن ذهل. ومن ذلك من المتأخرين: عبد الوهاب ابن سكينة هي أم أبيه، وأبوه عليّ بن عليّ وابن تيمية: هي جدة عليا من وادي التيم. الثالث: من نسب إلى جده منهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه عامر بن عبد الله بن الجراح. حمل -بفتح الحاء والميم- ابن النابغة، هو حمل بن مالك بن النابغة بن جارية بن ربيعة الهذلي، أبو نضلة له رواية عائش إلى خلافة الفاروق عمر وفي الصحابة أيضا: حمل بن سعدانة الكلبي من أهل دومة الجندل، لا ثالث لهما في الاسم.

_ 1 أي نسبوه إلى الوهم والغلط.

مجمع -بضم الميم، وفتح الجيم، وفتح الميم الثانية وكسرها- ابن جارية -بالجيم، والياء المثناة من تحت- هو ابن يزيد بن حارثة وهؤلاء صحابة, ابن جريج -على صيغة المصغر- هو عبد الملك بن العزيز بن جريج. الماجشون: بكسر الجيم، وضم الشين المعجمة، جماعة منهم: يوسف بن يعقوب بن أبي الماجشون, وهو لقب يعقوب جرى على بنيه وعلى بني أخيه عبد الله بن أبي سلمة، ومعناه الأبيض أو الأحمر. ابن أبي ليلة الفقيه: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. ابن أبي مليكة: بضم الميم، وفتح اللام وسكون الياء على صيغة المصغر، هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان. أحمد بن حنبل هو ابن محمد بن حنبل. بنو أبي شيبة: أبو بكر وعثمان الحافظان والقاسم بنو محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي. الرابع: من نسب إلى أجنبي لسبب: كالمقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي يقال له: ابن الأسود؛ لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث فتبناه، فنسب إليه. الحسن بن دينار: أحد الضعفاء، هو زوج أمه وأبوه واصل، قال ابن الصلاح: وكأن هذا خفي على ابن أبي حاتم حيث قال: هو الحسن بن دينار بن واصل. فجعل واصلا جده, قال العراقي: جعل بعضهم دينارا جده وأباه واصلا.

النسب التي هي على خلاف ظاهرها

"النسب التي هي على خلاف ظاهرها": قد ينسب الراوي إلى نسبة من مكان أو وقعة به، أو قبيلة أو صنعة، وليس الظاهر الذي يسبق إلى الذهن والفهم من تلك النسبة مرادا بل لعارض عرض من نزول ذلك المكان أو تلك القبيلة، ونحو ذلك، من ذلك. أبو مسعود: هو عقبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي البدري لم يشهدها في قول الأكثرين منهم الزهري وابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد، وابن معين، والحربي، وابن عبد البر، بل نزل بها، وقال الحربي: سكنها، وقال البخاري شهدها، واختاره أبو عبيد القاسم بن سلام، وجزم به ابن الكلبي ومسلم في الكنى، وآخرون. سليمان بن طرخان: التيمي أبو المعتمر، نزل في بني تيم ليس منهم. أبو خالد الدالاني: نزل في بطن دالان بطن من همدان، وهو أسدي مولاهم. إبراهيم بن يزيد الخوزي -بضم الخاء المعجمة، وسكون الواو، وكسر الزاي- وليس من الخوز بل نزل شعبهم بمكة. عبد الملك بن سليمان العرزمي -بفتح العين المهملة، وسكون الراء وفتح الزاي، وكسر الميم، نزل جبانة عرزم, وهي قبيلة من فزارة بالكوفة فنسب إليهم. محمد بن سنان العوقي -بفتح العين المهملة، وفتح الواو وكسر القاف- باهلي نزل في العوقة بطن من عبد القيس فنسب إليهم. أحمد بن يوسف السلمي الذي روى عنه مسلم هو أزدي، وكانت أمه سلمية فنسب إليهم. أبو عمرو بن نحيد السلمي كذلك فإنه حافده أي ولد ولده. وأبو عبد الرحمن السلمي الصوفي كذلك فإن جده ابن عم أحمد بن يوسف, وكانت أمه بنت أبي عمرو بن نجيد المذكور.

مِقْسم -بكسر الميم وسكون القاف، وفتح السين آخره ميم- مولى ابن عباس، هو مولى عبد الله بن الحارث، وقيل له مولى ابن عباس للزومه إياه. يزيد الفقير: ليس من الفقر، وإنما أصيب في فقار ظهره، وكان يشكو فقيل له ذلك. خالد بن مهران الحذاء، لم يكن حذاء وكان يجلس إليهم فقيل له ذلك وقيل: كان يقول: أحذ على هذا النحو فلقب بذلك.

معرفة المبهمات

"معرفة المبهمات": أي معرفة من أبهم ذكره في المتن أو الإسناد من الرجال والنساء المؤلفات فيه: 1- وممن ألف فيه الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري المتوفى سنة تسع وأربعمائة وسمى كتابه "الغوامض والمبهمات". 2- ثم الخطيب البغدادي أحمد بن عليّ بن ثابت المتوفى سنة ستين وثلاثمائة سماه "المكمل في بيان المهمل" فذكر في كتابه مائة وواحدا وسبعين حديثا ورتب كتابه على حروف المعجم في الشخص المبهم، وفي تحصيل الفائدة منه عسر، فإن العارف بالاسم المبهم لا يحتاج إلى الكشف عنه، والجاهل به لا يدري مظنته. 3- ثم أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال الخزرجي الأنصاري القرطبي مؤلف كتاب "الصلة" الذي جعله ذيلا على "تاريخ علماء الأندلس" لأبي الوليد الفرضي وغيره من الكتب وسمى كتابه "الغوامض والمبهمات" أيضا بدون ترتيب وهو أجملها وأنفسها وقد جمع فيه ثلاثمائة وواحدا وعشرين حديثا، وقد

توفي سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. 4- ثم جاء الإمام محيي الدين النووي المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة فاختصر كتاب الخطيب وهذبه، ورتبه ترتيبا حسنا على الحروف في راوي الحديث، وهو أسهل للكشف، ولكن قد يصعب أيضا لعدم استحضار صحابي ذلك الحديث وفاته أيضا شيء كثير. 5- ثم جاء الشيخ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي1 الحافظ ابن الحافظ المتوفى سنة ست وعشرين وثمانمائة، وسماه "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد رتبه على الأبواب الفقهية ليسهل الكشف منه على من أراد ذلك وأورد فيه جميع ما ذكره الخطيب وابن بشكوال والنووي مع زيادات عليهم، وهو أحسن ما صنف في هذا النوع. 6- وقد اعتنى أبو السعادات الإمام مجد الدين المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري المتوفى سنة ست وستمائة في آخر كتابه جامع الأصول بتحرير المبهمات. 7- وكذا أورد الحافظ أبو الفرح ابن الجوزي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة في كتابه "تلقيح الفهوم" منها جملة. 8- ثم جاء الإمام الحافظ الجامع للفنون أحمد بن عليّ بن حجر فجمع مبهمات الجامع الصحيح للبخاري في مقدمة شرحه للبخاري المسماة "هدي الساري" في فصل عقده لذلك، فأربى فيه على كل من سبقه كما هو الشأن في مؤلفاته. 9- وقد كان هو المعول عليه من القاضي جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن سراج الدين أبي عفص عمر بن عليّ البلقيني2

_ 1 العراقي: نسبة إلى عراق العرب. 2 البلقيني: بضم الباء وسكون اللام وفتح القاف أو كسرها نسبة إلى بلقين بلد بمصر.

الشافعي المتوفى سنة أربع وعشرين وثمانمائة في تصنيفه المفرد في ذلك، وهو المسمى "الإفهام بما وقع في البخاري من الإبهام", ومن أراد زيادة في هذا فليرجع إلى الرسالة المستطرفة1. فوائد معرفة المبهمات: قال الشيخ الحافظ ولي الدين العراقي: ومن فوائد تبيين الأسماء المبهمة: 1- تحقيق الشيء على ما هو عليه، فإن النفس متشوقة إليه. 2- وأن يكون في الحديث منقبة له فيستفاد بمعرفته فضيلته. 3- وأن يشتمل على نسبة فعل غير مناسب فيحصل بتعيينه السلامة من جولان الظن في غير من أفاضل الصحابة، وخصوصًا إذا كان ذلك من المنافقين. 4- وأن يكون سائلًا عن حكم عارضه حديث آخر فيستفاد بمعرفته هل هو ناسخ إن عرف زمن إسلامه. 5- وإن كان المبهم في الإسناد فمعرفته تفيد ثقته أو ضعفه ليحكم على الحديث بالصحة أو غيرها. بم يعرف المبهم: ويستفاد معرفة المبهم: 1- إما بوروده مسمى في بعض الروايات وذلك واضح. 2- أو بتنصيص أهل الحديث والسير على كثير منهم. 3- وربما استدلوا بورود حديث آخر أسند فيه لمعين ما أسند لذلك الراوي المبهم في ذلك. قال العراقي: وفيه نظر، لجواز وقوع تلك الواقعة لاثنين. أقسامه: وهو أقسام:

_ 1 الرسالة المستطرفة من ص91-93.

الأول وهو أبهمها رجل، وامرأة، أو رجلان وامرأتان، أو رجال ونساء كحديث ابن حابس رضي الله عنهما: "أن رجلا قال: يا رسول الله الحج كل عام ... " الحديث. هو الأقرع بن حابس بن عقال قاله الخطيب، واقتصر عليه الإمام النووي في كتاب "المبهمات" وكذلك سمى في مسند أحمد وغيره. وقيل: هو سراقة بن مالك الجعشمي، كذا في رواية سفيان من رواية ابن المقرئ وقيل: عكاشة بن محصن قاله ابن السكن. وحديث: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا قائما في الشمس ... " الحديث. قال الخطيب: هو أبو إسرائيل قيصر العامري قال الحافظ عبد الغني بن سعيد: ليس في الصحابة من يشاركه في اسمه ولا في كنيته، ولا يعرف إلا في هذا الحديث. ومن ذلك الإسناد: ما رواه أبو داود من طريق حجاج بن فرافضة عن رجل عن أبي سلمة عن أبي هريرة: "المؤمن غر كريم" يحتمل أن هذا الرجل يحيى بن أبي كثير: فقد رواه أبو داود، والترمذي من حديث بشر بن رافع عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وحديث السائلة عن غسل الحيض، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "خذي فرصة 1 من مسك فتطهري بها ... " الحديث. رواه الشيخان من رواية منصور ابن صفية عن أمه عن عائشة: "أن امرأة سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- من غسلها من الحيض" فذكره. هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية. قاله الخطيب وغيره. وفي رواية لمسلم أسماء بنت شكل بفتح الشين المعجمة، والكاف، وقيل: بسكون الكاف قال النووي في "مبهماته" فيحتمل أن تكون

_ 1 فرصة: بكسر الفاء هي القطعة من القطن أو الصوف يوضع بها المسك ثم يتتبع به أثر الدم.

القصة جرت للمرأتين في مجلس أو مجلسين وحديث البخاري عن عائشة أيضا: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأى امرأة، فقال: "من هذه؟ " فقلت: فلانة لا تنام، فقال: "مه" 1 ... " الحديث. قال الخطيب: هي الحولاء بنت تويت2 بن حبيب بن أسد بن عبد العزى وذلك مصرح به في حديث مسلم. وحديثه في ليلة القدر "فتلاحى رجلان فرفعت"3 هما كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد قاله ابن دحية4. وحديث أبي هريرة: "أن امرأتين من هذيل اقتتلتا ... " الحديث. اسم الضاربة أم عفيف بنت مشروح، وذات الجنين التي أجهضت هي مليكة بنت عويمر وقيل: عويم. وحديث: "أن عبادة بن الصامت وهو أحد النقباء ليلة العقبة ... " الحديث. بقية النقباء: 1- أسعد بن زرارة. 2- وسعد بن الربيع. 3- وسعد بن خيثمة. 4- والمنذر بن عمرو. 5- وعبد الله بن رواحة. 6- والبراء بن معرور. 7- وأبو الهيثم بن التيهان. 8- وأسيد بن حضير. 9- وعبد الله بن عمرو بن حرام. 10- ورافع بن مالك. 11- وسعد بن عبادة. وحديث أم زرع بطوله: الأولى والتاسعة لم يسميا, والثانية: عمرة بنت عمرو, والثالثة: حبى بنت كعب والرابعة: مهدد بنت أبي هرمة،

_ 1 اسم فعل أمر بمعنى اكفف للرجل واكففي للمرأة، وتتمة الحديث: "عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وكان أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه". 2 على صيغة المصغر. 3 أي رفع علمها بسبب التمادي والتجادل. 4 هو الحافظ أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن دحية الكلبي الأندلسي البلنسي نسبة إلى بلنسية مدينة في شرق الأندلس, المتوفى بالقاهرة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة, ودفن بسفح المقطم, وله عدة تآليف.

والخامسة: كبشة، والسادسة: هند, والسابعة: حبى بنت علقمة, والثامنة: دوس بنت عبد، ويروى: أسماء بنت عبد، والعاشرة: كبشة بنت الأرقم، والحادية عشرة: أم زرع بنت أكيمل بن ساعدة، وقيل: عاتكة. القسم الثاني: الابن والبنت، والأخ، والأخت والابنان والأخوان، وابن الأخ، وابن الأخت. كحديث أم عطية في غسل بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- بماء وسدد، وهي زينب رضي الله تعالى عنها زوجة أبي العاصي بن الربيع العبشمي. ابن اللتبية الذي استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصدقة فقال: هذا لكم، وهذا لي، اسمه "عبد الله" كما في صحيح البخاري، وهذه النسبة إلى بني لتب -بضم اللام وسكون التاء آخره باء موحدة- بطن من الأزد، وقيل فيه: ابن الأتبية بالهمزة ولا يصح. ابن أم مكتوم: اسمه عبد الله بن زائدة قاله قتادة، ورجحه البخاري وابن حبان وقيل: عمرو بن قيس، حكاه ابن عبد البر عن الجمهور منهم الزهري وابن إسحاق، وموسى بن عقبة, والزبير بن بكار، وأحمد بن حنبل، ورجحه ابن عساكر والمزي، وجعل زائدة جده، قال ابن حبان وغيره: من قال ابن زائدة فقد نسبه إلى جده. وقيل غيره: فقيل عبد الله بن شرحبيل بن قيس بن زائدة، وقيل: عبد الله بن عمرو بن شريح بن قيس بن زائدة، وقيل: عبد الله بن الأصم. قال ابن حبان: وكان اسمه "الحصين" فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله، واسم أمه عاتكة. ومن ذلك حديث: "أن عمر رأى حلة سيراء ... " الحديث. وفيه: "فكساها عمر أخا له مشركا بمكة" هو أخوه لأمه عثمان بن حكيم بن أمية السلمي قاله ابن بشكوال. وحديث: ربعي بن خراش عن امرأته عن أخت حذيفة في التحلي

بالفضة، هي فاطمة وقيل: خولة. وحديث: عقبة بن عامر قلت: يا رسول الله! إن أختي نذرت أن تمشي ... " الحديث. هي أم حبان بكسر الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة المشددة بنت عامر. ذكره ابن ماكولا. وحديث اليهود: فأسلم منهم ابنا شعبة: أحدهما ثعلبة، والآخر أسد، أو أَسِيد أو أُسَيد أقوال. وحديث: قول أبي بكر لعائشة: إنما هما أخواك وأختاك. هم: عبد الرحمن، ومحمد وأسماء، وأم كلثوم. وحديث: "جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة، فجاء أخواها يطلبانها", هما عمارة والوليد بن عقبة قاله ابن هشام وغيره. وحديث: "هل في البيت إلا قرشي، قالوا: غير ابن أختنا" الحديث. هو النعمان بن مقرن. القسم الثالث: العم والعمة، ونحوهما: كالخال، والخالة، والأب، والأم والجد، والجدة، وابن أو بنت العم والعمة، والخال، والخالة. مثل رافع بن خديج -بفتح الخاء المعجمة، وكسر الدال- عن عمه في النهي عن المخايرة، هو: ظهير -بضم الظاء المعجمة، وفتح الهاء مصغرا- بن عدي, وقيل: أسيد بن ظهير بن الحارث وزياد بن علاقة1 عن عمه، مرفوعا: "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق ... " الحديث. رواه الترمذي، هو قطبة بن مالك الثعلبي كما في صحيح مسلم في حديث آخر, ومن ذلك الحديث في قصة عمة جابر بن عبد الله رضي الله عنهم التي بكت أباه لما استشهد يوم أحد كما في الصحيح، هي: فاطمة بنت عمرو بن حرام، وقعت مسماة في "مسند

_ 1 علاقة بكسر العين وفتح اللام.

الطيالسي". ومن ذلك حديث ابن عباس: "أهدت خالتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سمنا وأقطا وأضبا1" قيل: اسمها هزيلة، وقيل: حفيدة2 بنت الحارث وتكنى أم حفيد، وقيل: أم عتيق. وحديث أبي هريرة: "كنت أدعو أمي إلى الإسلام ... " الحديث. اسمها أمية بنت صفيح بن الحارث بن دوس قاله ابن قتيبة. وحديث: "أم كردم -بفتح الكاف، وسكون الراء المهملة، وفتح الدال المهملة- بن سفيان قال: يا رسول الله خرجت أنا وابن عم لي في الجاهلية فحفي3، فقال: من يعطيني نعلا أنكحه ابنتي ... " الحديث. قال الخطيب: ابن عمه ثابت بن المرقع. وحديث نافع: "تزوج ابن عمر بنت خاله: عثمان بن مظعون فقالت أمها: بنتي تكره ذلك" اسم بنت خالة زينب، وأمها خولة بنت حكيم ابن أمية. القسم الرابع: الزوج والزوجة، والعبد، وأم الولد. زوج سبيعة -بضم السين وفتح الباء وسكون الياء- الأسلمية التي ولدت بعد وفاته بليال, والحديث في الصحيحين، هو سعد بن خولة الذي رثى له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن مات بمكة. زوج بروع -بفتح الباء عند أهل اللغة، وبكسرها عند المحدثين، وسكون الراء وفتح الواو- هو هلال بن مرة الأشجعي. ومثل ابن الصلاح للزوجة: بزوجة عبد الرحمن بن الزبير4 التي

_ 1 وأضبا: بفتح الهمزة، وضم الضاد المعجمة، جمع ضب. 2 بضم الحاء المهملة، وفتح الفاء، وسكون الياء المثناة. 3 أي أصابه وجع قدميه لعدم لبسه نعلا. 4 الزبير بفتح الزاي وكسر الباء، وسكون الياء آخره راء، وكل ما عداه, فهو بضم الزاي وفتح الباء على صيغة المصغر.

كانت تحت رفاعة القرظي فطلقها، وحديثها في الصحيح، اسمها تميمة -بفتح التاء- بنت وهب، وقيل: تميمة -بضم التاء- وقيل: سهيمة -بضم السين, وفتح الهاء, وسكون الياء. ومثل أم الولد حديث أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: "أنها سألت أم سلمة, فقالت: إني أطيل ذيلي وأمشي ... " الحديث. هي: حميدة ذكره النسائي. ومثال العبد، حديث جابر: أن عبدا لحاطب قال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار", اسمه سعد. قال السيوطي: من المبهم ما لم يصرح بذكره, بل يكون مفهوما ما من سباق الكلام كقول البخاري: "وقال معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة" فالمقول له ذلك مطوي وهو: الأسود بن هلال.

معرفة التواريخ لمواليد الرواة والسماع والقدوم والوفيات لهم

معرفة التواريخ لمواليد الرواة والسماع والقدوم والوفيات لهم مدخل ... "معرفة التواريخ لمواليد الرواة، والسماع، والقدوم، والوفيات لهم": وهو فن مهم به يعرف اتصال السند وانقطاعه، وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنظر في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين، كما سأل إسماعيل بن عياش رجلا اختيارا له: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان، فقال: سنة ثلاث عشرة ومائة، فقال: إنك تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين؛ فإنه مات سنة ست ومائة، وقيل: غير ذلك في وفاته. وسأل الحاكم أبو عبد الله محمد بن حاتم الكسي1 عن مولده لما حدث عن عبد بن حميد2 فقال: سنة ستين ومائتين، فقال: هذا سمع من

_ 1 الكسي: بكسر الكاف والسين نسبة إلى كِس وهي مدينة فيما وراء النهر، وقد يفتحون الكاف ويبدلون السين شينا فيقال الكشي، وخطأه ابن ماكولا. 2 هو عبد الحميد -كما قال ابن حبان- بن حميد بن نصر المتوفى سنة تسع وأربعين ومائتين.

عبد -يعني ابن حميد- بعد موته بثلاث عشرة سنة، وللعلماء الأجلاء في ذلك عبارات حسنة دقيقة. قال حفص بن غياث القاضي: "إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين", يعني سنة وسن من روى عنه، وقال سفيان الثوري: "لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ", وقال حسان بن يزيد: "لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ, نقول للشيخ: سنة كم ولدت؟ فإذا أقر بمولد عرفنا صدقه من كذبه", وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي: "ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم التهم1 بها: العلل، والمؤتلف، والمختلف ووفيات الشيوخ، وليس فيه كتاب". المؤلفات في هذا النوع: قال السيوطي في "تدريبه" تعليقا على كلمة الحميدي: "وليس فيه كتاب يعني على الاستقصاء، وإلا ففيه كتب كالوفيات لابن زَبْر2 ولابن قانع3 وذيل على ابن زَبْر الحافظ عبد العزيز بن أحمد الكِناني4، ثم أبو محمد الأكفاني5 ثم الحافظ أبو الحسن عليّ بن المفضل6، ثم المنذري7، ثم الشريف عز الدين أحمد بن محمد الحسيني8، ثم المحدث أحمد بن أيبك الدمياطي9، ثم الإمام الحافظ أبو

_ 1 أي الاهتمام. 2 بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة، هو أبو سليمان محمد بن أبي محمد عبد الله الربعي محدث دمشق المتوفى سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وكتابه مرتب على السنين. 3 هو الحافظ أبو الحسن عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الأموي مولاهم، المتوفى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. 4 الدمشقي الصوفي المتوفى سنة ستين وأربعمائة. 5 هو أبو محمد هبة الله بن أحمد الأنصاري الأكفاني المتوفى سنة أربع وعشرين وخمسمائة سمى كتابه "جامع الوفيات" بفتح الفاء وفتح الياء المخففة لا بكسرها مع التشديد كما ينطق بعضهم. 6 المقدسي ثم الإسكندري المالكي ذو التصانيف المتوفى بالقاهرة سنة إحدى عشرة وستمائة. 7 هو الإمام الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري صاحب التصانيف الكثيرة المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة وهو ذيل كثير الإتقان والفائدة. 8 الحلبي ثم المصري تلميذ الحافظ المنذري المتوفى سنة خمس وتسعين وستمائة. 9 المتوفى عام الطاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة.

الفضل العراقي1. أقول: ثم ذيل عليه ولده أبو زرعة ولي الدين العراقي المتوفى سنة ست وعشرين وثمانمائة والذيول المتأخرة أبسط من المتقدمة وأكثر فوائد وكلها مرتبة على السنين والله أعلم.

_ 1 هو الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي نسبة إلى عراق، العرب صاحب المؤلفات الكثيرة والتحقيقات النافعة المفيدة المتوفى سنة ست وثمانمائة.

فروع

فروع: الفرع الأول: الصحيح في سن سيدنا محمد سيد البشر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق -رضي الله عنهما- ثلاث وستون سنة قاله الجمهور من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وصححه ابن عبد البر والجمهور, وقيل: غير ذلك. أقول: وهذا مبني في جانب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما ذكره ابن إسحاق وابن سعد والجمهور على أنه ولد يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل، وبنى على رأس الأربعين يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول هذا العام، وتمت هجرته يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول إلى المدينة المنورة، وجاور الرفيق الأعلى يوم الاثنين الثاني عشر1 من ربيع الأول عام إحدى عشرة للهجرة2. وقد استشكل ذلك السهيلي شارح سيرة ابن هشام بكتابه القيم "الروض الأنف" ومن تبعه ما ذهب إليه الجمهور، من أجل أنهم اتفقوا على أن أول ذي الحجة في عام حجة الوداع كان يوم الخميس ويوم عرفة كان يوم الجمعة بالاتفاق فمهما فرضت الشهور الثلاثة كوامل

_ 1 لم يختلف أصحاب السير في كون الوفاة كانت يوم الاثنين, وإنما الخلاف في تاريخ هذا اليوم, فابن إسحاق وابن سعد، وابن حبان، وابن عبد البر وغيرهم على أنه في الثاني عشر من ربيع الأول وقال موسى بن عقبة في "مغازيه" والليث بن سعد مستهل ربيع الأول وقال سليمان التيمي: ثاني يوم منه. 2 تدريب الراوي ص506، 507، وشرح السخاوي على الألفية جزء 3 ص289-293.

أو نواقص أو بعضها كامل وبعضها ناقص لم يصح ذلك، وهو ظاهر لمن تأمله. وقد أجاب الشرف ابن البارزي ثم الحافظ ابن كثير في "بدايته" باحتمال وقوع الأشهر الثلاثة كوامل، وكان أهل مكة والمدينة قد اختلفوا في رؤية هلال ذي الحجة فرآه أهل مكة ليلة الخميس، ولم يره أهل المدينة إلا ليلة الجمعة فحصلت وقفة عرفات يوم الجمعة برؤية أهل مكة, ثم رجعوا إلى المدينة فأرخوا برؤية أهلها, فكان أول ذي الحجة الجمعة وآخره السبت، وأول المحرم الأحد، وآخره الاثنين، وأول صفر الثلاثاء وآخره الأربعاء، وأول ربيع الأول الخميس, فيكون الثاني عشر منه يوم الاثنين. وأجاب البدر بن جماعة بجواب آخر فقال: "يحمل قول الجمهور لاثنتي عشرة خلت يعني بأيامها, فيكون موته -صلى الله عليه وسلم- في اليوم الثالث عشر وتفرض الشهور كوامل فيصح قول الجمهور", وكأنه لم يعتبر يوم الوفاة، وأما على قول الأولين -ابن البارزي وابن كثير- فاعتبروا يوم الوفاة فقد كانت وفاته -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين ضحى وترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسجى بأكفانه بقية يوم الاثنين يصلي عليه المسلمون أرسالا فرادى لا إمام يجمعهم حتى كان يوم الثلاثاء ضحى فدفن فيه، وقيل: دفن ليلة الأربعاء والله أعلم.

الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي

الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي: ومن الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة حدث الأحداث في الإسلام, كان ابتداء التاريخ الإسلامي, وقد كان العرب في الجاهلية يؤرخون بالأحداث العظيمة كحادث الفيل، وقد جاء الإسلام وهم على هذا، ثم فيه صدر الإسلام أرخوا بشهر المبعث, وهو شهر ربيع الأول الذي نبئ فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم لما هاجر المسلمون إلى المدينة أرخوا بها؛ إلا أنهم سموا

كل سنة أتت عليهم باسم حادثة وقعت فيها: كسنة القدوم، وسنة الإذن وسنة الأمر، وسنة الابتلاء، واستمر الأمر على هذا المنوال في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه، حتى كانت خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فيقال: إن أبا موسى الأشعري كتب إليه: إنه يأتينا من أمير المؤمنين كتب لا ندري بأيها نعمل؟ وقد قرأنا صكًا مجلة شعبان، فلم ندر أي الشعبانين: الماضي أم الآتي؟ ويقال: إن أمير المؤمنين عمر رفع إليه صك مجلة شعبان فقال: أي شعبان هو؟ ثم قال: إن الأموال كثرت فينا، وما قسمناه غير مؤقت، فكيف التوصل إلى ضبطه؟ واتفق أن قدم رجل من اليمن فقال للفاروق عمر: رأيت باليمن شيئًا يسمونه التاريخ يكتبونه من عام كذا، وشهر كذا، فقال عمر: إن هذا لحسن، فأرخوا فاجتمعوا وتشاوروا بمحضره، فقال قوم: نؤرخ بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم، وقال قوم بالبعث، وقال قوم من حين خروجه من مكة إلى المدينة، وقال قوم بالوفاة1، فقال الفاروق: أرخوا من خروجه -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة وكان ذلك سنة سبع عشرة، ومن يومها وقد أصبحت الهجرة مبدأ للتاريخ الإسلامي ولأجل أن لا يكون هناك خلاف بين مبدأ التاريخ ومبدأ السنة القمرية تأخروا بتاريخ الهجرة إلى شهر المحرم، وكان هذا توفيقًا عظيمًا من الله تبارك وتعالى للمسلمين وعلى هذا فلا يجوز للمسلمين -ولا سيما العرب- استبدال التاريخ الميلادي، أو التاريخ الشمسي بالتاريخ الهجري أو تقديم التاريخ الميلادي أو الشمسي عند الكتابة على التاريخ الهجري ولا سيما وقد أصبح التاريخ الهجري مما يميز المسلمين عن غيرهم، وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد "ما عدوا من مبعث

_ 1 أما البعث فلم يؤرخوا به لأن الإسلام لم يكن قد ظهر، وأما الوفاة فلم يؤرخوا بها لما فيها من الذكرى المؤلمة، فلم يبق إلا الهجرة لأن بعدها ظهر الإسلام وانتشر.

النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا من متوفاة، إنما عدوا من مقدمه المدينة"1. 1- وتوفي الخليفة الأول الراشد أبو بكر الصديق في جمادى الأول سنة ثلاث عشرة يوم الاثنين, وقيل: ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان, وقيل: لثلاث بقين منه, وقيل: في جمادى الآخرة لسبع عشرة مضت منه, وقيل: غير ذلك. قال السيوطي: والصحيح الذي جزم به الأئمة، وصححه الحفاظ، وثبت بأسانيد صحيحة عن عائشة وغيرها عشية ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة. 2- وتوفي شهيدا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد في شهر ذي الحجة آخر يوم منه يوم الجمعة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم السبت مستهل المحرم. 3- وقتل شهيدا ذو النورين عثمان بن عفان في ذي الحجة ثاني عشر منه, وقيل: ثامن عشرة منه, وقيل: غير ذلك سنة خمس وثلاثين, وقيل: سنة ست وثلاثين, وهو ابن اثنتين وثمانين. 4- وقتل شهيدا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في شهر رمضان ليلة الحادي والعشرين منه, وقيل: يوم الجمعة, وقيل: ليلتها سابع عشرة منه سنة أربعين للهجرة, وهو ابن ثلاث وستين سنة, وقيل: غير ذلك. 5، 6- وقتل الصحابيان الجليلان: طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي، والزبير بن العوام القرشي الأسدي في يوم "وقعة الجمل" في يوم واحد في جمادى الأولى، وقيل: الآخرة وعليه الجمهور سنة ست وثلاثين للهجرة, قال الحاكم: كانا ابني أربع وستين سنة وقيل غير ذلك،

_ 1 تدريب الراوي ص508، 509, والسيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة ح2 ص4, وشرح ألفية العراقي للسخاوي ج3 ص290.

قال السيوطي في "تدريبه": فائدة: قال الزبير بن بكار: أعرف الناس في القتل عمارة بن حمزة، بن مصعب بن الزبير بن العوام، قتل عمارة وأبوه حمزة يوم فديد، وقتل مصعبا عبد الملك بن مروان، وقتل الزبير يوم "الجمل" وقتل العوام يوم الفجار، زاد أبو منصور الثعالبي في كتابه "لطائف المعارف": وقتل خويلد أبو العوام في حرب خزاعة، قال: ولا نعرف في تاريخ العرب والعجم ستة مقتولين في نسب واحد إلا في آل الزبير. 7- وتوفي سعد بن أبي وقاص سنة خمس وخمسين على الأصح, وقيل: غير ذلك, وهو ابن ثلاث وسبعين سنة أو أربع وسبعين, قال الأول المدائني، والثاني الفلاس. 8- وتوفي عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري سنة اثنتين وثلاثين, وقيل: غير ذلك ابن خمس وسبعين سنة, وقيل: غير ذلك. 9- وتوفي أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بطاعون عمواس سنة ثماني عشرة, وهو ابن ثمان وخمسين سنة بلا خلاف في الأمريين. 10- وتوفي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل سنة إحدى وخمسين, وقيل: اثنتين، وقيل: ثمان وخمسين وهو ابن ثلاث وسبعين, وقيل: ثمان وسبعين رضي الله عنهم أجمعين1.

_ 1 تدريب الراوي ص510، 511.

الفرع الثاني

الفرع الثاني: صحابيان عاشا ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين أحدهما: حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي ابن أخي السيدة الجليلة خديجة رضي الله تعالى عنها وأرضاها, وكان مولده في جوف الكعبة قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة, مات سنة خمس, وقيل: ثمان وخمسين. وقيل: ست وستين. والثاني: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام -بالراء المهملة- الأنصاري الخزرجي النجاري قال ابن إسحاق، عاش حسان وآباؤه الثلاثة كل واحد مائة وعشرين سنة، ولا نعرف لغيرهم من العرب مثله، وقيل: مات سنة خمسين, وقيل: غير ذلك. قال السيوطي في "تدريبه" تنبيهان. أحدهما: في الصحابة أيضا من شارك حكيما وحسان في ذلك، وكحويطب بن عبد العزى القرشي العامري من مسلمة الفتح عاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام كما رواه الواقدي, ومات سنة أربع وخمسين، وقيل: اثنتين وخمسين. وسعيد بن يربوع القرشي مات سنة أربع وخمسين, وله مائة وعشرون سنة, وقيل: وأربع وعشرون. وحمنن -بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفتح النون الأولى، آخره نون، كما ضبطه ابن ماكولا- وقال بعضهم: حمنز آخره زاي، أخو عبد الرحمن بن عوف، ذكر الزبير بن بكار والدارقطني في كتاب "الإخوة" وابن عبد البر أنه عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام، ومات سنة أربع وخمسين. ومخرمة بن نوفل والد المسور مات سنة أربع وخمسين وله مائة وعشرون سنة جزم به أبو زكريا ابن منده في جزء له جمع فيه من عاش من الصحابة مائة وعشرين سنة، وقيل: عاش مائة وخمس عشرة سنة، وقد ذكر ابن منده في كتابه هذا جماعة عاشوا مائة وعشرين ولكن لم يعلم كون نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام كعاصم بن عدي العجلاني مات سنة خمس وأربعين والمنتجع جد ناجية، ونافع بن سليمان العبدي، واللجلاج العامري، وسعد بن جناده العوفي والد عطية. وفاته عدي بن حاتم الطائي، قال ابن سعد وخليفة بن خياط: توفي

سنة ثماني وستين عن مائة وعشرين سنة, وقيل: سنة ستين, وقيل: سبع وستين. والنابغة الجعدي، ولبيد بن ربيعة، وأوس بن مغراء السعدي ذكر الثلاثة الصريفيني. ونوفل بن معاوية، ذكره ابن قتيبة، وعبد الغني بن سعيد في "الكمال". ومن التابعين: أبو عمرو الشيباني صاحب ابن مسعود، وزر بن حبيش وقد لخصت جزء ابن منده المذكور وزدت عليه ما فاته. الثاني -يعني من التنبيهين- قال الزبير بن بكار كان مولد حكيم في جوف الكعبة. قال شيخ الإسلام ابن حجر: ولا يعرف ذلك لغيره، وما وقع في "المستدرك" للحاكم من أن عليًّا ولد فيها ضعيف.

الفرع الثالث

الفرع الثالث: في وفيات أصحاب المذاهب المتبوعة. 1- إمام الأئمة أبو حنيفة النعمان بن ثابت ولد سنة ثمانين للهجرة, وكانت وفاته ببغداد في رجب سنة خمسين ومائة، ودفن بجوار مقبرة الحيزران أم هارون الرشيد الخليفة العباسي وسنه سبعون سنة، وهو يعتبر من التابعين؛ لأنه لقي الصحابي الجليل أنس بن مالك، وإن لم يسمع منه. 2- أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري كان له مقلدون إلى بعد الخمسمائة, ولد سنة سبع وتسعين وقبل سنة خمس وتسعين وكانت وفاته بالبصرة في شعبان سنة إحدى وستين ومائة. 3- أبو عبد الله مالك بن أنس إمام دار الهجرة، ولد سنة ثلاث وتسعين، وقيل: إحدى وتسعين، وقيل: أربع, وقيل: سبع وتسعين, وقيل: غير ذلك, وكانت وفاته بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة, قيل: في صفر، وقيل: في ربيع الأول.

4- أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ولد سنة خمسين ومائة بغزة من فلسطين, وقيل: بعسقلان، وتوفي بمصر آخر رجب سنة أربع ومائتين عن أربع وخمسين سنة. 5- أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ولد سنة أربع وستين ومائة، في ربيع الأول، وتوفي ببغداد في ضحوة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر, وقيل: من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع وسبعون سنة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. 6- ومن أصحاب المذاهب المتبوعة مدة أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي1، وكان له مقلدون بالشام نحو من مائتي سنة ومات ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة. 7- إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين. 8- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، وله مسائل في الفقه انفرد بها وتوفي سنة عشر وثلاثمائة. 9- وداود الظاهري إمام الظاهرية وتوفي في ذي القعدة، وقيل: في رمضان ببغداد سنة تسعين ومائتين "290" وولد بالكوفة سنة اثنتين ومائتين. 10- ومن أصحاب المذاهب المقلدة أيضا سفيان بن عيينة المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة. 11- والليث بن سعد الفهمي المصري المتوفى سنة خمس وسبعين ومائة في شعبان, قال فيه الإمام الشافعي: "الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به", يعني لم يقوموا بنشر مذهبه، وكفى بها شهادة له

_ 1 نسبة إلى الأوزاع بطن من همدان القبيلة المشهورة.

من مثل الشافعي. وقد انقرض معظم هذه المذاهب بعد الخمسمائة ولم يبق إلا المذاهب المتبوعة المعروفة: مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رضي الله عنهم.

الفرع الرابع

الفرع الرابع: في وفاة أصحاب كتب الحديث المعتمدة. 1- الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزية1 الجعفي البخاري نسبة إلى "بخارى" أعظم مدن وراء النهر. ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة, وتوفي ليلة السبت وقت العشاء ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين بقرية "خرتنك"2 بالقرب من سمرقند خرج إليها لما طلب منه والي بخارى خالد بن أحمد الذهلي أن يحمل له "الجامع" و"التاريخ" ليسمعه منه فقال لرسوله: قل له: أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين فأمره بالخروج من بلده, فخرج إلى خرتنك وكان له بها أقرباء فنزلها، وسأل الله عز وجل أن يقبضه فما تم الشهر حتى مات. مؤلفاته: 1- الجامع الصحيح. 2- الأدب المفرد. 3- رفع اليدين في الصلاة. 4- القراءة خلف الإمام. 5- بر الوالدين. 6 و7 و8- التواريخ الثلاثية الكبير والأوسط والصغير. 9- خلق أفعال العباد. 10- الضعفاء. وكلها موجودة الآن كما قال السيوطي. قال السيوطي: وما لم نقف عليه: 11- الجامع الكبير ذكره ابن طاهر.

_ 1 بفتح الباء الموحدة، وسكون الراء وكسر الدال المهملة، وسكون الزاي وفتح الموحدة ومعناها الزراع. 2 بفتح الخاء وسكون الراء وفتح التاء وسكون النون، آخرها كاف.

12- والمسند الكبير. 13- والتفسير الكبير ذكره الفربري. 14- والأشربة ذكره الدارقطني. 15- والهبة ذكره وراقه -يعني الذي يكتب له وينسخ. 16- وأسامي الصحابة ذكره القاسم بن منده وأبو القاسم البغوي. 17- والوحدان وهو من ليس له إلا حديث واحد من الصحابة ذكره البغوي. 18- والمبسوط ذكره الخليلي صاحب الإرشاد في علوم الحديث. 19- والعلل ذكره ابن منده. 20- والكنى ذكره أبو أحمد الحاكم. 21- والفوائد، ذكره الترمذي في جامعه. 2- الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ولد سنة أربع ومائتين, وقيل: سنة خمس، وتوفي بنيسابور عشية يوم الأحد لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين, وهو ابن خمس وخمسين سنة أو ست وخمسين سنة. مؤلفاته: 1- الجامع الصحيح. 2- الجامع على الأبواب قال الحاكم: رأيت بعضه. 3- والمسند الكبير على الرجال قال الحاكم: ما أرى أنه سمعه منه أحد. 4- والأسماء والكنى. 5- والتمييز. 6- والعلل. 7- والوحدان. 8- والأفراد. 9- والأقران. 10- والطبقات. 11- وأفراد الشاميين. 12- وأولاد الصحابة. 13- وأوهام المحدثين. 14- والمخضرمون. 15- وحديث عمرو بن شعيب. 16- والانتفاع بأهب1 السباع. 17- وسؤالات أحمد. 18- ومشايخ مالك، والثوري، وشعبة. 3- الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمر بن عمران الأزدي السجستاني2 -بكسر السين المهملة، والجيم، وسكون السين المهملة أيضا- نسبة إلى سجستان وينسب إليها سجزي أيضا على غير قياس.

_ 1 جمع: إهاب بكسر الهمزة وفتح الهاء. 2 نسبة إلى سجستان الإقليم المعروف المتاخم لبلاد الهند, وقيل: نسبة إلى سجستان أو سجستانة قرية من قرى البصرى، وهو وهم كما قال السبكي.

ولد سنة اثنتين ومائتين، وتوفي بالبصرة سادس عشر من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين عن ثلاث وسبعين سنة. وله من التآليف: 1- السنن. 2- والمراسيل. 3- والرد على القدرية. 4- والناسخ والمنسوخ. 5- وما تفرد به أهل الأمصار. 6- ومسند مالك. 7- والمسائل. 8- ومعرفة الأوقات. 9- والأخوة, وغير ذلك. 4- الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك الترمذي1 السلمي2 الضرير مات بترمذ ليلة الاثنين لثلاث عشرة مضت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، وقال الخليل: بعد الثمانين, وهو وهم, وكان مولده سنة تسع ومائتين. وله من التآليف: 1- الجامع. 2- والعلل الصغرى الملحقة بالجامع. 3- والعلل الكبرى. 4- والمفرد. 5- والتاريخ. 6- والزهد. 7- والشمائل المحمدية. 8- والأسماء والكنى. 5- الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار الخراساني النسائي3 ويقال النسوي نسبة إلى "نسا" بفتح النون والسين والقصر مدينة من مدن خراسان ولد سنة أربع عشرة, وقيل: خمس عشرة ومائتين، وتوفي بفلسطين بالرملة يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة من صفر، وقيل: من شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة. وله من المؤلفات: 1- السنن الكبرى. 2- والسنن الصغرى وهي المطبوعة وتسمى "المجتبى" وذلك أنه لما ألف السنن الكبرى وأهداها إلى أمير الرملة قال له: أكل ما فيها صحيح؟ قال: فيها الصحيح والحسن، وما يقاربها، فقال له: ميز لي الصحيح من غيره فألف كتاب

_ 1 الترمذي بكسر التاء المثناة والميم، وقيل: بضمهما، وقيل: بفتحهما. 2 نسبة إلى بني سليم بالتصغير، اسم قبيلة من غيلان. 3 نسبة إلى نساء بفتح النون والسين الممدودة، آخره همزة كما قال ابن خلكان في "الوفيات", وفي اسم البلد القصر أيضا فمن ثم قيل: النسائي، والنسوي.

"السنن الصغرى" وسماه "المجتبى من السنن"1, وهي مرتبة على الأبواب الفقهية كبقية كتب السنن. 3- وخصائص عليّ. 4- ومسند عليّ رضي الله عنه. 5- ومسند مالك. 6- والكنى. 7- وعمل اليوم والليلة. 8- وأسماء الرواة والتمييز بينهم. 9- والضعفاء. 10- والأخوة. 11- وما أغرب شعبة على سفيان وسفيان على شعبة. 12- ومسند منصور ابن زاذان2، وغير ذلك. 6- الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني نسبة إلى قزوين بلد معروف مشهور و"ماجه" بتخفيف الجيم وسكون الهاء, وهو اسم, فيحكى كما ينطق به أهله بسكون الهاء, ولا يقال: "ماجه" بتاء التأنيث، ومن قال ذلك فقد غلط، وما ذكرته هو التحقيق الذي لا ينبغي أن يقال بغيره. و"ماجه" لقب لوالد الإمام, وهو يزيد كما قال صاحب القاموس "ج1 ص208", ونقل العلامة الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" عن الخليلي أنه قال: "يعرف يزيد بماجه مولى ربيعة" وعلى هذا كان ينبغي أن يقال: "محمد بن يزيد ماجه" لا "ابن ماجه", ولكن أغلب المترجمين له قالوا: محمد بن يزيد بن ماجه، فتابعتهم حتى لا أغرب ونبهت إليه, ولد سنة تسع ومائتين، وتوفي لثمان بقين من رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين للهجرة وصلى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه في قبره أخواه: أبو بكر، وعبد الله، وابنه عبد الله, ولم يذكر ابن الصلاح ولا النووي الإمام محمد بن يزيد ولا وفاته, ولعل ذلك؛ لأن درجة أحاديث كتابه دون درجة أحاديث الكتب الخمسة التي ذكراها. "فائدة": مما ينبغي أن يعلم أن من العلماء من جعل أصول كتب

_ 1 ويقال: المجتنى بالنون والأول أشهر. 2 بالزاي ثم ألف، ثم ذال معجمة آخره نون.

الحديث والسنن خمسة، ومنهم من جعلها ستة بضم سنن ابن ماجه إليها، وأول من عدها سادس الستة الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المتوفى سنة سبع وخمسمائة في كتابه "أطراف الكتب الستة", وفي رسالته: "شروط الأئمة الستة", ثم الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة ستمائة في كتابه "الإكمال في أسماء الرجال" وتابعهما أصحاب كتاب الأطراف والمتأخرون وإنما قدم هؤلاء "سنن ابن ماجه" على "موطأ الإمام مالك" مع جلالته لكثرة زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الخمسة، بخلاف الموطأ فإن أحاديثه -إلا القليل منها- موجودة في الكتب الخمسة منذ مجه فيها. ومن العلماء من جعل موطأ الإمام مالك -رحمه الله- أحد الأصول الستة، ولم يضم إليها سنن ابن ماجه، وأول من فعل ذلك رزين العبدري السرقسطي المتوفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة في كتابه "التجريد، في الجمع بين الصحاح", وتبعه على ذلك أبو السعادات المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير الجزري الشافعي المتوفى سنة ست وستمائة، وسار على هذا الشيخ الإمام عبد الرحمن بن عليّ المشهور بابن الديبع1 الشيباني الزبيدي المتوفى سنة أربع وأربعين وتسعمائة في كتابه "تيسير الوصول إلى جامع الأصول". مؤلفاته وأشهرها: 1- كتاب السنن الذي تحدثنا عنه الآن. 2- تفسير القرآن الكريم وهو تفسير حافل كما قال ابن كثير. 3- كتاب التاريخ أرخ فيه من عصر الصحابة إلى وقته. وبحسبنا هذا القدر في التعريف بأصحاب الكتب الستة في هذا المقام2.

_ 1 بفتح الدال المهملة، وسكون الياء وفتح الباء، آخره عين مهملة. 2 من أراد تراجم وافية لأصحاب الكتب الستة فليرجع إلى كتابي "إعلام المحدثين من ص107 إلى ص292, وكذلك من أراد تراجم وافية "للموطأ", و"مسند الإمام أحمد", و"مستدرك الحاكم وسنن الدارقطني", وغيرها, فليرجع إلى هذا الكتاب وأسأل الله أن يعينني حتى أصل بتراجم أعلام المحدثين إلى القرن العاشر.

سبعة من الأئمة الحفاظ أحسنوا التأليف وعظم النفع بتأليفهم

"سبعة من الأئمة الحفاظ، أحسنوا التأليف، وعظم النفع بتأليفهم": 1- الإمام أبو الحسن عليّ بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان الدارقطني -بفتح الدال، والراء المهملتين وضم القاف وسكون الطاء المهملة- نسبة إلى دار القطن محلة ببغداد. ولد في ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة، وتوفي ببغداد لثمان خلت من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. مؤلفاته: ومن مؤلفاته: 1- السنن. 2- والعلل. 3- والتصحيف. 4- والأفراد, وغيرها. 2- الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم بن البيع -بفتح الباء الموحدة، وكسر الياء المثناة المشددة- النيسابوري. ولد في نيسابور في صبيحة اليوم الثالث من شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة, وتوفي بها في ثالث صفر سنة خمس وأربعمائة. مؤلفاته: ومن مؤلفاته: 1- المستدرك وهو أجلها. 2- وعلوم الحديث. 3- وتاريخ نيسابور. 4- والتفسير. 5- والمدخل. 6- والإكليل. 7- ومناقب الشافعي, وغير ذلك. 3- الإمام الحافظ عبد الغني بن سعيد بن بشير بن مروان الأزدي حافظ مصر في زمنه، ولد في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين

وثلاثمائة، وتوفي بمصر في صفر لسبع خلون منه سنة تسع وأربعمائة. وله مؤلفات منها: المؤتلف والمختلف, وغيره. 4- الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني نسبة إلى أصبهان -بفتح الهمزة وكسرها، وسكون الصاد، وفتح الباء، ويقال: بالفاء أيضا يعني أصفهان- مدينة عظيمة من أعظم المدن. ولد في رجب سنة أربع وثلاثين, وقيل: ست وثلاثين وثلاثمائة، وتوفي في يوم الاثنين الحادي والعشرين من صفر سنة ثلاثين وأربعمائة بأصبهان. مؤلفاته: 1- الحلية. 2- معرفة الصحابة. 3- وتاريخ أصبهان. 4- ودلائل النبوة. 5- وعلوم الحديث. 6- المستخرج على البخاري. 7- المستخرج على مسلم. 8- وفضائل الصحابة. 9- وصفة الجنة. 10- والطب, وغيرها. 5- الإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري1 القرطبي حافظ المغرب ولد يوم الجمعة، والخطيب على المنبر لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلثمائة وتوفي بشاطبة وهي بلدة بالأندلس في ليلة الجمعة سلخ2 ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة. تأليفه: من تأليفه: 1- التمهيد في شرح الموطأ. 2- والاستذكار. 3- مختصر التمهيد والتقصي على الموطأ. 4- والاستيعاب في معرفة الأصحاب. 5- وجامع بيان العلم وفضله.

_ 1 نسبة إلى جده الأعلى النمر بن قاسط. 2 أي آخر.

6- وقبائل الرواة. 7- والشواهد في إثبات خبر الواحد. 8- والكنى. 9- والمغازي. 10- والأنساب, وغيرها. 6- الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ بن عبد الله بن موسى البيهقي نسبة إلى بيهق بفتح الموحدة، وسكون الياء التحتانية، وفتح الهاء آخره قاف كورة بنواحي نيسابور ولد في شعبان نسبة أربع وثمانين وثلاثمائة، وتوفي بنيسابور في عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ونقل تابوته إلى بيهق. تأليفه: ومن تأليفه: 1- السنن الكبرى. 2- والسنن الصغرى. 3- والمعرفة. 4- والمبسوط. 5- والمدخل. 6- وشعب الإيمان. 7- والخلافيات. 8- والأدب. 9- والاعتقاد. 10- والأسماء والصفات, وغيرها. 7- الإمام أحمد بن عليّ بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي الحافظ الذي قال فيه الحافظ أبو بكر بن نقطة: "كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه", ولد في يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة, وتوفي ببغداد في سابع ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة. تأليفه: ومن تأليفه: 1- تاريخ بغداد. 2- الجامع لآداب الشيخ والسامع. 3- الكفاية في قوانين الرواية. 4- والرحلة في طلب العلم. 5- وتلخيص المتشابه. 6- والذيل عليه. 7- والفصل للوصل المدرج في النقل. 8- والمبهمات, إلى غير ذلك من الكتب الكثيرة ومن التوافق العجيب أن عالم المغرب أبا عمر بن عبد البر، وعالم المشرق الخطيب البغدادي قد ماتا في سنة واحدة

بعد أن ملأ الغرب والشرق علما1. "تنبيه": معرفة الثقات والضعفاء وهو من أجل أنواع علوم الحديث قد سبق أن ذكرته في البحث الطويل: الجرح والتعديل فليتنبه إلى ذلك طلاب العلم والحديث.

_ 1 علوم الحديث لابن الصلاح من ص421-441، وتدريب الراوي من 511-519, وألفية العراقي بشرحها للسخاوي ج3 من ص179-313.

معرفة من اختلط من الرواة الثقات

معرفة من اختلط من الرواة الثقات مدخل ... "معرفته من اختلط 1 من الرواة الثقات": قال ابن الصلاح -وتبعه النووي- هذا فن عزيز مهم لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك. قال العراقي تعقيبا عليه مع التوضيح مني للمختلطين وقد أفرد للمختلطين كتابا الحافظ أبو بكر الحازمي المتوفى سنة أربع وثمانين وخمسمائة حسبما ذكره في كتابه "تحفة المستفيد" والظاهر أن ابن الصلاح لم يقف عليه. وكذلك ألف فيه الحافظ صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلد بن عبد الله العلائي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي، المتوفى ببيت المقدس سنة إحدى وستين وسبعمائة أقول: ومن تآليفه: "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" و"اختصار جامع الأصول" لابن الأثير الجزري, وقد رتب كتابه على حروف المعجم مع الاختصار. وقد ذيل عليه شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر المتوفى سن اثنتين وخمسين وثمانمائة وكذا ألف فيه البرهان الحلبي، وسمى كتابه

_ 1 في القاموس ج2 ص359: "واختلط: فسد عقله", وضبطه: ضبط بسكون الخاء المعجمة وفتح التاء واللام والطاء مبنيا للفاعل.

"الاحتياط بمن رمي بالاختلاط" وفائدة ضبطهم تمييز المقبول من غيره، ولهذا لم يذكر الضعفاء منهم كأبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني لأنهم غير مقبولين بدونه. وحقيقة التخليط: فساد العقل، وضعف الذاكرة، وعدم انتظام الأقوال والأفعال إما بخرف أو ضرر أو مرض أو عرض من موت ابن، وسرقة مال كالمسعودي، أو ذهاب كتب كابن لهيعة أو احتراقها كابن الملقن. حكم من اختلط: أنهم يقبل منهم ما روي عنهم مما حدثوا به قبل الاختلاط، ولا يقبل ما حدثوا به بعد الاختلاط أو شك فيه أهو قبل الاختلاط أم بعده وذلك على سبيل الاحتياط. 1- فمنهم عطاء بن السائب أبو السائب الثقفي الكوفي اختلط في آخر عمره، فاحتجوا برواية الأكابر عنه كالثوري، وشعبة، بل قال يحيى بن معين: جميع من روى عن عطاء سمع منه في الاختلاط غيرهما لكن زاد يحيى بن سعيد القطان والنسائي، وأبو داود، والطحاوي حماد بن زيد، ونقل ابن المواق الاتفاق على أنه سمع منه قديما قال العراقي: واستثنى الجمهور أيضا كابن معين وأبي داود، والطحاوي، وحمزة الكناني، وابن عدي رواية حماد بن سلمة عنه. وقال العقيلي: إنما سمع منه في الاختلاط، وكذا سائر أهل البصرة؛ لأنه إنما قدم عليهم في آخر عمره، وتعقب ذلك ابن المواق بأنه قدمها مرتين، فمن سمع منه في القدمة الأولى صح حديثه. واستثنى أبو داود أيضا هشاما الدستوائي قال العراقي: وينبغي استثناء ابن عيينة أيضا, فقد روى الحميدي عنه قال: سمعت عطاء قديما، ثم قدم علينا قدمة، فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعت، فخلط فيه فاتقيته واعتزلته.

قال يحيى بن سعيد القطان إلا حديثين سمعهما منه شعبة بأخرة1 عن زاذان فلا يحتج بهما وممن سمع منه بعد الاختلاط: جرير بن عبد الحميد، وخالد الواسطي، وإسماعيل بن علية، وعليّ بن عاصم، ومحمد بن فضيل بن غزوان، وهشيم وإن روى له البخاري في صحيحه حديثا من رواية هشيم عنه فقد قرنه بأبي بشر جعفر بن إياس، وليس له عنده غيره، وممن سمع منه في الحالتين أبو عوانة. ومنهم: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي -بفتح السين وكسر الباء الموحدة- اختلط أيضا، وأنكر ذلك الذهبي أبو عبد الله وقال: "شاخ ونسي، ولم يختلط", ويقال سماع سفيان بن عيينة منه بعد اختلاطه قاله الخليلي، ولذلك لم يخرج له الشيخان من روايته عنه شيئا، وقال الإمام الذهبي: "سمع منه وقد تغير قليلا" وممن سمع منه حينئذ إسرائيل بن يونس، وزكريا بن أبي زائدة، وزهير بن معاوية وزائدة بن قدامة، قاله ابن معين وأحمد، وخالف عبد الرحمن بن مهدي وأبو حاتم في إسرائيل، وروايته ورواية زكريا، وزهير عنه في الصحيحين. وكذا رواية الثوري وأبي الأحوص سلام بن سليم، وشعبة وعمرو بن أبي زائدة ويوسف بن أبي إسحاق، وأخرج له البخاري من رواية جرير بن حازم، ومسلم بن رواية إسماعيل بن أبي خالد، ورقبة -بفتح الراء المهملة، والقاف، والباء الموحدة- بن مصقلة، والأعمش، وسليمان بن معاذ، وعمار بن زريق -بتقديم الزاي على الراء مصغرا- ومالك بن مغول، ومسعر -بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملة- بن كدام -بكسر الكاف، وفتح الدال.

_ 1 في القاموس ج1 ص363 "وجاء أخرة وبأخرة محركتين، وقد يضم أولهما".

ومنهم سعيد بن إياس الجريري: اختلط وتغير حفظه قبل موته، ولم يشتد تغيره قاله النسائي وغيره، وأنكر أيام الطاعون. وممن سمع منه قبل التغير: شعبة وابن علية، والسفيانان: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، والحمادان: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، ومعمر بن راشد اليمني، وعبد الوارث، ويزيد زريع1، ووهب بن خالد، وعبد الوهاب الثقفي وكل من أدرك أيوب السختياني كما قاله أبو داود. وسمع بعده يحيى بن سعيد القطان، ولم يحدث عنه شيئا، وإسحاق الأزرق ومحمد بن أبي عدي، وعيسى بن يونس، ويزيد بن هارون. وقد روى له الشيخان من رواية بشر بن المفضل، وخالد بن عبد الله، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الوارث بن سعيد. وروى له مسلم من رواية ابن علية، وجعفر بن سلميان الضبعي، وحماد بن أسامة وحماد بن سلمة، وسالم بن نوح والثوري وسليمان بن المغيرة، وشعبة، وابن المبارك وعبد الواحد بن زياد، وعبد الوهاب الثقفي، ووهب بن خالد، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون. ومنهم: سعيد بن أبي عروبة -بفتح العين المهملة، وضم الراء المهملة وسكون الواو- مهران اليشكري، اختلط فوق عشر سنين، وقيل: خمس سنين. وممن سمع منه قبل الاختلاط يزيد بن هارون، وعبدة بن سليمان، وأسباط بن محمد، وخالد بن الحارث، وسرار بن مجشر، وسفيان بن حبيب، وشعيب بن إسحاق، وعبد الله بن بكر السهمي، وعبد الله بن المبارك، وعبد الأعلى الشامي، وعبد الله بن عطاء, ومحمد بن بشر، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن زريع.

_ 1 بضم الزاي وفتح الراء المهملة، وسكون الياء آخره عين على صيغة المصغر.

قال ابن معين: أثبت الناس فيه عبدة، وقال ابن عدي: أرواهم عنه عبد الأعلى ثم شعيب، ثم عبدة، وأثبتهم فيه يزيد بن زريع، وخالد، ويحيى القطان قال العراقي: وقد قال عبدة عن نفسه: إنه سمع عنه في الاختلاط اللهم إلا أن يريد بذلك بيان اختلاطه، وأنه لم يحدث بما سمع منه في الاختلاط. وأخرج له الشيخان: البخاري ومسلم، عن خالد، وروح بن عبادة، وعبد الأعلى وعبد الرحمن بن عثمان، ومحمد بن سواء السدوسي، ومحمد بن أبي عدي، ويحيى العصا، ويزيد بن زريع. وأخرج له البخاري عن بشر بن المفضل، وسهل عن يوسف، وابن المبارك، وعبد الوارث بن سعيد، وكهمس بن المنهال، ومحمد بن عبد الله الأنصاري. وأخرج له مسلم عن ابن علية وحماد بن أسامة، وسالم بن نوح، وسعيد بن عامر الضبعي، وابن خالد الأحمر، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف وعبدة، وعليّ بن مسهر، وعيسى بن يونس، ومحمد بن بشر العبدي، ومحمد بن بكر البرساني وغندر. وممن سمع في الاختلاط المعافى بن عمران، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين. ومنهم: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي نسبة لجده أحد الثقات المشهورين والكبار من المحدثين، كما صرح باختلاطه غير واحد كمحمد بن عبد الله بن نمير، وأبي بكر بن أبي شيبة والعجلي وابن سعد وأنه في آخر عمره قال أحمد: إنما اختلط ببغداد، فمن سمع منه بالكوفة أو البصرة فسماعه جيد وقال أبو حاتم: اختلط قبل موته لسنة أو سنتين وقال ابن معين: من سمع منه زمن أبي جعفر المنصور فهو صحيح السماع، ومن سمع منه زمن المهدي فليس

بشيء وهو قريب من قول أبي حاتم إذا مشينا على أن وفاة المسعودي كانت سنة ستين ومائة، لأن وفاة المنصور كانت بمكة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة أما على القول بأن وفاة المسعودي سنة خمس وستين ومائة فلا. وقد شذ بعضهم في أمره فرد حديثه كله؛ لأنه لا يتميز حديثه القديم من حديثه الأخير قال ذلك ابن حبان، وأبو الحسن بن القطان قال العراقي: والصحيح خلاف ذلك فممن سمع منه في الصحة وكيع، وأبو نعيم الفضل بن دكين، قال أحمد، وممن سمع منه قبل قدومه بغداد أمية بن خالد، وبشر بن المفضل، وجعفر بن عون، وخالد بن الحارث وسفيان بن حبيب، وسفيان الثوري، وسليم بن قتيبة، وطلق بن غنام، وعبد الله بن رجاء، وعثمان بن عمرو بن فارس، وعمرو بن مرزوق، وعمرو بن الهيثم، والقاسم بن معين بن عبد الرحمن ومعاذ العنبري، والنضر بن شميل، ويزيد بن زريع. وسمع منه بعد الاختلاط أبو النضر هاشم بن القاسم، وعاصم بن علي، وابن مهدي، ويزيد بن هارون، وحجاج الأعور، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن الجعد. ومنهم: ربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي لكثرة استعماله الرأي والقياس وهو شيخ الإمام مالك قال ابن الصلاح: قيل: إنه تغير في آخر عمره وترك الاعتماد عليه لذلك قال العراقي وما حكاه ابن الصلاح لم أره لغيره، وقد احتج به الشيخان، ووثقه الحفاظ والأئمة، ولا أعلم أحدا تكلم فيه باختلاط، ولا ضعف إلا ابن سعد، قال بعد أن وثقه: كانوا يتقونه لموضع الرأي, وقال ابن عبد البر: ذمه جماعة من أهل الحديث لإغراقه في الرأي، وكان سفيان والشافعي، وأحمد لا يرضون عن رأيه لأن كثيرا منه يخالف السنة والذي يظهر لي -والله

أعلم- أن اختلاطه لم يثبت وأنه إمام جليل ثقة ثبت، وكفى بالعراقي شاهدا لنفي الاختلاط عنه. ومنهم: صالح بن نبهان مولى التوأمة1، قال ابن معين: خرف قبل أن يموت، وقال أحمد: أدركه مالك بعد اختلاطه، وقال ابن حبان: تغير سنة خمس وعشرين ومائة واختلط حديثه الأخير بالقديم، ولم يتميز فاستحق الترك. وقد تعقبه العراقي فقال: بل ميز الأئمة بعض ذلك، فسمع منه قديما محمد بن أبي ذئب قاله ابن معين وغيره، وابن جرير، وزياد بن سعد قال ابن عدي وأسيد بن أبي أسيد2 وسعيد بن أبي أيوب، وعبد الرحمن الإفريقي، وعمارة بن غزية، وموسى بن عقبة، وسمع منه بعد اختلاطه مالك، والسفيانان. ومنهم حصين بن3 عبد الرحمن الكوفي السلمي4 قال أبو حاتم: ساء حفظه في الآخر وقال يزيد بن هارون: اختلط وقال النسائي: تغير، وأنكر ذلك عليّ بن عاصم ولهم بهذا الاسم ثلاثة أخر كوفيون، ليس فيهم سلمي، ولا من اختلط إلا هذا وممن سمع منه قديما سليمان التيمي، والأعمش، وشعبة، وسفيان قال العراقي: وهو أحد الثقات الأثبات المتفق على الاحتجاج بهم. وهو ممن خرج له الشيخان البخاري ومسلم من رواية خالد بن عبد الله الواسطي، والثوري، وشعبة بن الحجاج، وأبي زبيد عبثر بن5 القاسم، ومحمد بن فضيل وهشيم، وأبي عوانة الوضاح اليشكري عنه.

_ 1 التوأمة: هي ابنة أمية بن خلف الجمحي صحابية سميت بذلك لأنها كانت هي وأخت لها في بطن واحد فسميت تلك باسم وهذه بالتوأمة. 2 بفتح الهمزة وكسر السين المهملة فيهما. 3 بضم الحاء وفتح الصاد المهملة وسكون الياء على صيغة المصغر. 4 بضم السين المهملة وفتح اللام. 5 بفتح العين المهملة، وسكون الباء الموحدة، وفتح الثاء المثلثة آخره راء.

وخرج له البخاري فقط من رواية حصين بن نمير، وزائدة بن قدامة، وسليمان بن كثير العبدي وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وعبد العزيز بن مسلم، وأبي كدينة يحيى بن المهلب وأبي بكر بن عياش عنه. وخرج له مسلم فقط من رواية جرير بن حازم، وزياد بن عبد الله البكائي، وأبي الأحوص سلام بن سليم، وعباد بن العوام، وعبد الله بن إدريس عنه. وفي هؤلاء من سمع منه قبل الاختلاط كالواسطي، وزائدة، والثوري، وشعبة ومن سمع منه بعد كحصين بن نمير. وكانت وفاته سنة ست وثلاثين ومائة عن ثلاث وتسعين سنة. ومنهم: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي قال ابن معين اختلط بآخره، وقال عقبة العمي: قبل موته بثلاث سنين أو أربع قال الذهبي: لكنه ما ضر تغيره، فإنه لم يحدث بحديث في زمن التغير ثم استدل بقول أبي داود صاحب "السنن" وتغير جرير بن حازم، وعبد الوهاب الثقفي فحجب الناس عنهم. ومنهم سفيان بن عيينة: اختلط قبل موته بسنتين قاله ابن الصلاح، أخذا من قول يحيى بن سعيد القطان: أشهد أن سفيان اختلط سنة سبع وتسعين وقد مات سنة تسع وتسعين وهذا الذي قاله يحيى بن سعيد قد نقله عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي. وقد نقل السخاوي في شرحه للألفية للعراقي عن الذهبي أنه قال: "وأنا أستبعده وأعده خلطا من ابن عمار فالقطان مات في الكوفة في صفر سنة ثمان وتسعين عند رجوع الحاج وتحدثهم بأخبار الحجاز فمتى تمكن من سماعه باختلاط سفيان حتى تهيأ له أن يشهد عليه بذلك والموت قد نزل به؟ ثم قال: فلعله بلغه في ذلك أثناء سنة سبع يعني وتسعين.

وهذا الذي ذكره ابن الصلاح في سنة وفاته وهم فالتحقيق أنه مات في رجب, وقيل في آخر يوم من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين. وقد نقل السخاوي في "شرحه على الألفية" مناقشة الحافظ ابن حجر لقول الإمام الذهبي وقد ذكر السخاوي أيضا أن الشيخين اتفقا على التخريج له من جهة جماعة من الرواة عنه: إسحاق بن راهويه، وبشر بن الحكم النيسابوري، وولده عبد الرحمن بن بشر، وقتيبة يعني ابن سعيد، ومحمد بن عباد المكي، وأبي موسى محمد المثنى. وخرج له البخاري فقط من جهة: حجاج بن منهال، وصدقة بن المروزي والحميدي، وعبد الله بن محمد المسندي -بفتح النون- وعبد الله بن محمد النفيلي وعبيد الله بن موسى، وعليّ بن المديني، وأبي نعيم الفضل بن دكين، ومالك بن إسماعيل النهدي، ومحمد بن سلام، ومحمد بن يوسف، ويحيى بن جعفر البيكندي, وأبي الوليد الطيالسي عنه. وخرج له مسلم فقط من جهة إبراهيم بن دينار التمار، وأحمد بن حنبل، وأبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الجدلي، وأبي خيثمة زهير بن حرب، وسعيد بن عمرو الأشعثي، وسعيد بن منصور، وسويد بن سعيد، وعبد الله بن محمد الزهري، وعبد الأعلى بن حماد الندسي، وعبد الجبار بن العلاء، وأبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي وعبيد الله بن عمر القواريري، وعليّ بن جعفر، وعليّ بن خشرم، وعمرو بن محمد الناقد ومحمد بن حاتم بن ميمون، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبي كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ومخلد بن خالد الشعيري ونصر بن عليّ الجهضمي, وهارون بن معروف، ويحيى بن يحيى النيسابوري عنه. وذلك كله إنما كان قبل اختلاطه قطعا في آخر سني حياته. وممن سمع منه في التغير: محمد بن عاصم صاحب الجزء العالي قال

الذهبي: ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع، فأما سنة ثمان ففيها مات ولم يلق أحدا فيها والله أعلم. ومنهم: عبد الرزاق بن همام الصنعاني فإنه عمي في آخر عصره فكان يلقن فيتلقن قاله الإمام أحمد قال: من سمع عنه بعد أن عمي فهو ضعيف السماع. وممن سمع منه قبل ذلك أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وعليّ بن المديني، ووكيع في آخرين، والضابط لمن سمع منه قبل الاختلاط أن يكون سماعه قبل المائتين وبعده: أحمد بن محمد بن شبوية، ومحمود بن حماد الطبراني، وإسحاق بن إبراهيم الدبري قال ابن الصلاح: وجدت فيما روى الطبراني عن الدبري عنه أحاديث استنكرتها جدا، فأحلت أمرها على ذلك، وقال إبراهيم الحربي: مات عبد الرزاق، وللدبري ست سنين أو سبع، وقال الذهبي: اعتنى به -أي الدبري- أبوه فأسمعه من عبد الرزاق تصانيفه وله سبع سنين، أو نحوها، وقد احتج به أبو عوانة في "صحيحه" وغيره قال العراقي: وكأن من احتج به لم يبال بتغيره لكونه إنما حدث من كتبه لا من حفظه ثم قال: والظاهر أن الذي سمع منهم الطبراني في رحلته إلى صنعاء من أصحاب عبد الرزاق كلهم سمع منه بعد التغير وهم أربعة: 1- الديري. 2- وإبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني. 3- وإبراهيم بن محمد بن عبد الله بن سويد. 4- والحسين بن عبد الأعلى الصنعاني. وقد بين السخاوي في شرحه لألفية العراقي من خرج له الشيخان من الرواة عن عبد الرزاق ومن خرج له البخاري فقط، ومن خرج له مسلم وحده فليرجع إليه من يشاء. ومنهم عارم محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي، قال البخاري تغير في آخر عمره وقال أبو حاتم من سمع منه سنة عشرين ومائتين.

فسماعه جيد قال: وأبو زرعة سنة اثنتين وعشرين. وقال أبو داود بلغنا أنه أنكر سنة ثلاث عشرة ثم راجعه عقله ثم استحكم به الاختلاط سن ست عشرة، وقال الدارقطني: وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وأما ابن حبان فقال: قد اختلط وتغير حتى كان لا يدري ما يحدث فوقع المناكير الكثيرة في روايته فما روى عنه القدماء فصحيح، وأما رواية المتأخرين فيجب التنكيب -أي البحث- عنها وأنكر ذلك الإمام الذهبي، ونسب ابن حبان إلى التخفيف والتهوير. وممن سمع منه قبل الاختلاط: أحمد، وعبد الله المسندي، وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، وأبو عليّ محمد بن أحمد بن خالد، وجماعة منهم البخاري, فإنه إنما سمع منه قبل اختلاطه بمده، ولذا اعتمده في صحيحه في عدة أحاديث بل روى له أيضا بواسطة المسندي فقط. ومنهم الذهلي محمد بن يحيى فإنه قال: حدثنا عارم وكان بعيدا من العرامة، صحيح الكتاب وكان ثقة. ومنهم محمد بن يونس الكديمي وقد قال ابن الصلاح: ما رواه عنه البخاري والذهلي وغيرهما من الحفاظ ينبغي أن يكون مأخوذا منه قبل اختلاطه. وممن سمع منه بعده أبو زرعة الرازي، وعليّ بن عبد العزيز البغوي وحديثه عند مسلم أيضا بواسطة أحمد بن سعيد الدارمي، وحجاج بن الشاعر وأبي داود سليمان بن معبد السنجي، وعبد بن حميد، وهارون بن عبد الله الحمال وكانت وفاته سنة ثلاث أو في صفر سنة أربع وعشرين ومائتين. ومنهم: أبو قلابة -بكسر القاف- عبد الملك بن محمد الرقاشي -بفتح الراء المهملة وفتح القاف المخففة، ثم شين معجمة- نسبة إلى امرأة اسمها رقاش ابنة قيس.

روى عنه من أصحاب الكتب الستة ابن ماجه ومن غيرهم جماعة منهم: محمد بن جرير الطبري، وابن خزيمة, وهو الذي وصفه بالاختلاط فقال: "حدثنا أبو قلابة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد" فظاهره أن من سمع منه بالبصرة فسماعه صحيح، وذلك كأبي داود السجستاني، وابنه أبي بكر، وابن ماجه، وأبي مسلم الكجي ومحمد بن إسحاق منه ببغداد أخيرا: أحمد بن سلمان النجاد، وأحمد بن كامل القاضي وأبو سهل بن زياد القطان، وعثمان بن أحمد السماك، وأبو العباس الأصم، وأبو بكر الشافعي وغيرهم، فعلى قول ابن خزيمة سماعهم منه بعد الاختلاط وكانت وفاته في شوال سنة ست وسبعين ومائتين. ومنهم في المتأخرين: أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم الغطريفي1 الجرجاني قال الحافظ أبو عليّ البردعي: بلغني أنه اختلط في آخر عمره قال العراقي: لم أره لغيره وقد ترجمه الحافظ حمزة السهمي في تاريخ "جرجان" فلم يذكر عنه شيئا في ذلك، وهو أعرف به فإنه شيخه، وقد حدث عنه الإسماعيلي في صحيحه إلا أنه دلس اسمه لكونه من أقرانه لا لضعفه فمرة يقول: حدثنا محمد بن أحمد العبدي ومرة محمد بن أبي حامد النيسابوري، ومرة الثغري ونحو ذلك، وقد مات الإسماعيلي قبله، وآخر أصحاب2 الغطريفي القاضي أبو الطيب الطبري، وسماعه منه في حياة الإسماعيلي، فهو قبل تغيره إن كان تغير وكانت وفاته سنة سبع وسبعين وثلاثمائة. قال العراقي: وثم آخر يقال له: الغطريفي وافق هذا في اسمه واسم أبيه، وبلده، ونسبه، وتقاربا في اسم جده3، وتعاصرا، وذاك قد

_ 1 بكسر العين المعجمة، وإسكان الطاء المهملة، ثم راء مكسورة بعدها مثناة من تحت، ثم فاء آخره ياء النسب، نسبة إلى جد جده وهو الثقة الثبت أحد أكابر الحفاظ في وقته. 2 أي تلاميذ. 3 فالأول جده الحسين، وهذا جده الحسن.

اختلط بآخره كما ذكر الحاكم في "تاريخ نيسابور" أنه تغير واختلط فيحتمل أن يكون اشتبه بالغطريفي هذا. ومنهم: أبو طاهر محمد بن الفضل حفيد الإمام أبي بكر بن خزيمة المعروف بإمام الأئمة. قال الحاكم: اختلط قبل موته بسنتين ونصف، قال الذهبي: ولم يسمع أحد منه في تلك المدة وقد كان بدء اختلاطه في ذي الحجة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ومات في جمادى الأولى سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فتكون مدة اختلاطه سنتين ونصف سنة إلا أياما. أقول: وما دام لم يسمع أحد من الرواة عنه في تلك المدة فلا خطر في تغيره. ومنهم: أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك المعروف بالقطيعي، وهو راوي مسند الإمام أحمد والزهد له عن ابنه عبد الله، وله كما لعبد الله بن الإمام زيادات في المسند قال ابن الصلاح: "اختل في آخر عمره وخرف، حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه". وقال الذهبي: ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات، وهو غلو وإسراف وقد وثقه البرقاني، والحاكم، والدارقطني، ولم يذكروا شيئا من ذلك. قال العراقي: في ثبوت ذلك نظر، وما ذكره ابن الفرات لم يثبت إليه, قال: وعلى تقدير ثبوته فمن سمع منه في حال صحته: الحاكم، والدارقطني، وابن شاهين, والبرقاني، وأبو نعيم، وأبو عليّ التميمي راوي المسند عنه, فإنه سمعه عليه سنة ست وستين ومائتين، وتوفي القطيعي سنة ثمان وستين وثلاثمائة. وقد ذكر السخاوي في "شرحه للألفية للعراقي" جملة ممن اختلط من المتأخرين فمن أراد ازديادا في هذا فليرجع إليه1, ثم قال العراقي:

_ 1 جزء 3 ص349.

تتمة: ربما يتفق عروض ما يشبه الاختلاط ثم يحصل الشفاء منه كما حكاه أبو داود في "سننه" عن معمر بن راشد اليمني أنه قال: "احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في صلاتي قال: وكان قد احتجم على هامته", وبلغني أن البرهان الحلبي عرض له الفالج1 فأنسي كل شيء حتى الفاتحة ثم عوفي، وكان يحكي عن نفسه أنه صار يتراجع إليه محفوظه الأول كالطفل شيئا فشيئا. "فائدة": مما ينبغي أن يعلم أن ما كان من هذا القبيل من الرواية عمن اختلط في الصحيحين أو في أحدهما ونحوهما من كتب الحديث التي التزم فيها مؤلفوها الصحة فهو محمول أنه مما عرف روايته قبل الاختلاط والله أعلم2. "هل من مدكر؟ ": "وبعد" هذا التطواف الطويل يتبين لنا أن الأئمة المحدثين والرواة الثقات الضابطين بلغ من علمهم بالأحاديث والسنن والرواة أن هذا الحديث مما روي عمن روى عنه وهو صحيح معافى، وأن ذاك الحديث مما روي عنه وقد اختلط، أو مرض وأن هذا الراوي قد روى عنه في حال الصحة والعافية فلان وفلان، وأن ذاك الراوي قد روى عنه في حال مرضه أو تخليطه فلان وفلان, وهذا أمر يكاد ينفرد به العلماء المحدثون، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على التبحر وسعة العلم بالأحاديث والرواة، وأنهم أحاطوا بالعلم بالرواة وأحوالهم وتاريخ ولادتهم ووفياتهم، وكنت أحب من المستشرقين الذين لا يعلمون إلا ظاهرا من العلم أن يعتبروا بهذا ويتفكروا ثم يتفكروا، ولو أنهم فعلوا لعرفوا للسنة وتاريخها ورواتها لجلالتها وجلالتهم، ولما افتروا على السنن والأحاديث ورواتها وأئمتها هذه الافتراءات التي سودوا بها كتبهم ولكن

_ 1 نوع من الشلل وهو بفتح الفاء واللام. 2 علوم الحديث لابن الصلاح بشرحه للعراقي من ص442-468، تدريب الراوي من ص522-528، شرح ألفية العراقي للسخاوي جزء 3 من ص331-350.

الأمر كما قال الله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} 1, وكما قال: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} 2.

_ 1 الرعد، ص: 33. 2 سورة الحج: 46.

طبقات العلماء والرواة

"طبقات العلماء والرواة": وهذا فن مهم, فإنه قد يتفق اثنان في اللفظ فيظن أن أحدهما هو الآخر فيتميز ذلك بمعرفة طبقاتهما, ومن فوائده أيضا: 1- إمكان الاطلاع على تبيين التدليس. 2- والوقوف على حقيقة المراد من العنعنة أهي تفيد الاتصال أم الانقطاع؟ قال السخاوي: وبين علم الطبقات وبين علم التاريخ عموم وخصوص وجهي1، فتجتمعان في التعريف بالرواة، وينفرد التاريخ بالحوادث، والطبقات بما إذا كان في البدريين مثلا من تأخرت وفاته عمن لم يشهدها لاستلزامه تقديم المتأخر الوفاة. قال: وقد فرق بينهما بعض المتأخرين: بأن التاريخ ينظر فيه بالذات إلى المواليد والوفيات، وبالعرض إلى الأحوال، والطبقات ينظر فيها إلى الأحوال، وبالعرض إلى المواليد والوفيات ولكن الأول أشبه. والطبقة في اللغة: القوم المتشابهون. وفي الاصطلاح قوم تقاربوا في السن، واشتركوا في الأخذ عن الشيوخ بأن يكون شيوخ هذا هم شيوخ الآخر، أو يقاربوا شيوخه. وقد يكون الراويان من طبقة باعتبار، لمشابهته لها من وجه، ومن طبقتين باعتبار آخر لمشابهته لها من وجه آخر كأنس بن مالك وأمثاله من أصاغر الصحابة هو مع العشرة المبشرين بالجنة في طبقة الصحابة،

_ 1 العموم والخصوص الوجهي: أن يجتمع الأمران في شيء وينفرد كل منهما في شيء آخر وأما العموم والخصوص المطلق فهو أن يجتمع الأمران في شيء وينفرد الأعم منهما.

وعلى هذا فالصحابة كلهم طبقة واحدة باعتبار اشتراكهم في الصحبة، والتابعون طبقة ثانية وأتباعهم طبقة ثالثة بالاعتبار المذكور وهلم جرا وباعتبار آخر، وهو النظر إلى السوابق تكون الصحابة بضع عشرة طبقة كما في "معرفة الصحابة" أنهم اثنتا عشرة طبقة أو أكثر، وفي "معرفة التابعين" أنهم خمس عشرة طبقة، وهكذا قال ابن الصلاح وتبعه النووي وغيره: والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى معرفة المواليد والوفيات، ومن أخذوا عنه، ومن أخذ عنهم، ونحو ذلك والله أعلم. المؤلفات في هذا الفن: علم معرفة طبقات العلماء والرواة من العلوم المهمة التي ينبغي أن يعلمها العالم ولا سيما المحدث وعدم العلم به يوقع في أخطاء جسيمة وفي جهل فاضح وقد ألف في هذا الفن كثيرون من العلماء قديما وحديثا منهم من ألف في الطبقات والتاريخ عموما ومنهم من ألف في طبقات علماء مخصوصين وإليك أشهر من ألف في ذلك ومؤلفاتهم: 1- كتاب الطبقات الكبرى لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم البصري الحافظ نزيل بغداد، المعروف بكاتب الواقدي صحبه زمانا وكتب له، فعرف به, المتوفى سنة ثلاثين أو خمس وثلاثين ومائتين. جمع فيه الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى وقته فأجاد، وأحسن كما قال الخطيب البغدادي في نحو من خمسة عشر مجلدا, وهو ثقة في نفسه لكنه كثير الرواية فيه عن الضعفاء منهم: شيخه محمد بن عمر الواقدي, وهو وإن كان من أئمة أهل المغازي لكنه مضعف في الحديث، وشيخه هشام بن محمد بن السائب، الكلبي، وهو في روايته عن الواقدي يقتصر على اسمه، واسم أبيه من غير تمييزه بنسبة أو غيرها وقد أكثر من الرواية عنه وعن هشام شيخه هذا.

والمرء قد يضعف بالرواية عن الضعفاء مثل هذين وغيرهما لا سيما مع عدم تمييزهم، ومع الاستغناء عنهم بمن عنده من الثقات الأئمة وذلك مثل شيوخه: هشيم، والوليد بن مسلم، وسفيان بن عيينة، وابن علية، وابن أبي فديك، وأبو حمزة أنس بن عياض، ويزيد بن هارون، ومعن بن عيسى، وأبو الوليد الطيالسي، ووكيع، وأبو أحمد الزبيري وغيرهم وكتب عن أقرانه، ومن هو أصغر منه، وله كتاب طبقات صغرى: ثانية، وثالثة. 2- كتاب الطبقات للإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين. 3- كتاب الطبقات للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة ثلاث وثلاثمائة. 4- كتاب التاريخ وطبقات التابعين لأبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الرازي الحنظلي الحافظ المشهور من أقران البخاري ومسلم المتوفى بالري سنة خمس، أو سبع وسبعين ومائتين. 5- طبقات الرواة لأبي عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري البصري المعروف بشباب الحافظ أحد شيوخ البخاري صاحب التاريخ الحسن وغيره المتوفى سنة ثلاثين، وقيل: أربعين أو ست وأربعين ومائتين. 6- طبقات الهمدانيين -بسكون الميم وفتح الدال المهملة- لأبي الفضل صالح بن أحمد بن محمد ... بن عبد الله بن قيس التميمي الهمداني السمسار الحافظ المعمر صاحب التصانيف المتوفى سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. 7- طبقات القراء لأبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن

عمر الأموي مولاهم القرطبي الأصل الداني لنزوله "دانية" بلد من بلاد الأندلس, أحد الأئمة الجامعين لعلوم القرآن، والمحصلين لعلوم الحديث, المتوفى بدانية سنة أربع وأربعين وأربعمائة. 8- وكتاب "حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء" لأبي نعيم الأصفهاني المتوفى في سنة ثلاثين وأربعمائة "430" وفيها الصحيح، والحسن والضعيف وبعض الموضوع، ولما ألفها بيعت في حياته بأربعمائة دينار، وقد رتب أحاديثها على الأبواب الحافظ نور الدين الهيثمي، واختصرها أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب سماه "صفوة الصفوة". 9- طبقات الأصفهانيين لأبي الشيخ ابن حيان، وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان -بفتح الحاء المهملة، وفتح الياء التحتانية المشددة- نسبة إلى جده حيان المذكور الحافظ ذو التصانيف النافعة المفيدة المتوفى سنة تسع وستين وثلاثمائة. 10- طبقات الرجال في ألف جزء لأبي الفضل عليّ بن الحسين الفلكي المتوفى سنة سبع أو ثمان وعشرين وأربعمائة ولقب الفلكي؛ لأن جدا له كان بارعا في علم الفلك والحساب. 11- وطبقات الشافعية لتاج الدين قاضي القضاة أبي النصر عبد الوهاب بن تقي الدين عليّ بن عبد الكافي الأنصاري السبكي -نسبة إلى سبك الضحاك بلد من بلاد مصر- صاحب التصانيف الكثيرة الجليلة المتوفى سنة إحدى وسبعين وسبعمائة. 12- طبقات الحفاظ للإمام الحافظ الذهبي المتوفى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وله أيضا كتاب "طبقات القراء". 13- طبقات القراء للحافظ القارئ ابن الجزري المتوفى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة. 14- وهنالك طبقات أخرى كطبقات الحنفية للحافظ عبد القادر

ابن محمد بن محمد بن نصر الله القرشي الحنفي المصري المتوفى سنة خمس وسبعين وسبعمائة سماه: "الجواهر المضية في طبقات الحنفية". 15- وطبقات الحنابلة للحافظ أبي يعلى الفراء. وهنالك كتب أخرى في طبقات المالكية وفي طبقات اللغويين، وفي طبقات النحاة إلى غير ذلك من كتب الطبقات1.

_ 1 علوم الحديث لابن الصلاح بشرح العراقي ص466، تدريب الراوي 529، 530، شرح ألفية العراقي للسخاوي من ص355-368.

معرفة الموالي من العلماء والرواة

"معرفة الموالي من العلماء والرواة": الموالي: جمع مولى، وهو يطلق على الناصر، والمحب والصديق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه، والجار، والحليف، والابن، والعم، والشريك، والولي، والرب وغير ذلك كما في القاموس1, فهو مقول بالاشتراك. ويطلق أيضا على المولى من أعلى, وهو المعتِق -بكسر التاء- والمولى من أسفل, وهو المعتَق -بفتح التاء- والولاء في اللغة: القرابة، والعلاقة التي تكون بين اثنين أو أكثر والولاء بأنواعه من محاسن الإسلام، فكلما زادت الروابط والعلاقات بين الناس كلما كان أدعى إلى المحبة، والوفاق وعدم التنازع والخصام. والولاء أنواع ثلاثة: 1- النوع الأول ولاء العتاقة، وهو ما يكون بين المعتِق والمعتَق وقد كان معروفا في الجاهلية فجاء الإسلام فأقره، وشرط له بعض الشروط، وهذا النوع هو الأكثر. 2- النوع الثاني: ولاء التناصر والتعاون، وقد كان في الجاهلية، ولكن الإسلام جعله تناصرا على الحق، والخير، لا على البغي والظلم، وتقاطع الأرحام.

_ 1 ج4 ص401.

3- النوع الثالث: ولاء الإسلام، فكل من أسلم على يدي شخص فولاؤه له، وهذا مما ابتدع في الإسلام، ولم يكن معروفا من قبل، وسنضرب الأمثلة لكل نوع منها. فمن أمثلة موالي الإسلام الإمام البخاري فهو مولى الجعفيين وذلك لأن جده المغيرة بن بردزبة أسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي والد جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان المسندي الجعفي شيخ البخاري. وكذلك أبو عليّ الحسن بن عيسى بن ماسرجس -بفتح الميم بعدها ألف، وفتح السين، وسكون الراء المهملة، وكسر الجيم، آخره سين مهملة- فإنه كان نصرانيا وأسلم على يد الإمام العالم الزاهد المجاهد عبد الله بن المبارك فقيل له: مولى ابن المبارك. ومثال مولى الحلف الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي نسبة لجده ذي أصبح ونفره، فهم أصبحيون صليبة ويقال له: التيمي لأن جده ذا أصبح ونفره كانوا موالي لتيم قريش بالحلف فقد كانوا حلفاء لعثمان بن عبيد الله القرشي التيمي أخي طلحة بن عبيد الله، وقيل: إنما انتسب تيميا لكون جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا أي أجيرا لطلحة بن عبيد الله الصحابي المشهور حينما كان طلحة يختلف في التجارة. ومن أمثلة موالي القبيلة عتاقة: أبو البَختري -بفتح الباء الموحدة، وسكون الخاء المعجمة، وفتح التاء المثناة، وكسر الراء- سعيد بن فيروز الطائي التابعي مولى طيئ وأبو العالية رفيع1 بن مهران الرياحي التميمي التابعي كان مولى امرأة من بني رياح -بكسر الراء، وفتح الياء التحتانية- بن يربوع حي من بني تميم.

_ 1 بضم الراء المهملة، وفتح الفاء، وسكون الياء، آخره عين مهملة على صيغة المصغر.

والليث بن سعد المصري الفهمي مولاهم، وعبد الله بن وهب القرشي مولاهم وعبد الله بن صالح الجهني مولاهم كاتب الليث، ومكحول الشامي كان -كما قال الزهري- عبدا نوبيا أعتقته امرأة من هذيل، وعبد الله بن المبارك الحنظلي مولى بني حنظلة وغيرهم مع إطلاق النسبة في كل منهم بحيث يظن أن ممن نسب كذلك صليبة أي من ولد الصلب. وربما توسع فينسب إلى القبيلة مولى مولاها كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي لأنه مولى شقران مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو مولى السيدة ميمونة أم المؤمنين، وقيل مولى بني النجار، وعليهما فليس مولى لبني هاشم. وكعبد الله بن وهب القرشي الفهري المصري فإنه مولى يزيد بن رمانة ويزيد مولى يزيد بن أنيس الفهري1 وإلى فهر تنسب قريش، ومحارب، والحارث بن فهر. وقد يتوسع أيضا فينسب إلى الشخص ما ليس مولى له كمقسم -بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين آخره ميم- بن بجرة -بضم الباء الموحدة وسكون الجيم- أبو القاسم يقال: مولى ابن عباس، للزومه له، وليس مولى له، وإنما هو مولى عبد الله بن الحارث. المؤلفات فيه: قال السخاوي في شرح ألفية العراقي، وقد أفرد الموالي لكن من المصريين خاصة أبو عمر محمد بن يعقوب الكندي. وأفردت موالي النبي -صلى الله عليه وسلم- في كراسة ولا يعرف ذلك إلا بالتنصيص عليه قال: وهو من الضروريات لاشتراطه حقيقة النسب في الإمامة العظمى، والكفاءة في النكاح، والتوارث وغيرها من الأحكام الشرعية، ولاستحباب التقديم به في الصلاة وغيرها.

_ 1 قد ذكر الإمام أبو عمرو بن الصلاح وتبعه النووي في "تقريبه" عبد الله بن وهب فيمن هم موالي قريش, وهو غير صحيح فإنه مولى مولاهم فكان حقه أن يذكر مع سعيد بن يسار كما قاله السخاوي قال: وهو ما صنعته.

بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام

"بلوغ الموالي من العلماء والرواة مرتبة سامية في الإسلام": وقد بلغ الموالي بعد تشرفهم بالإسلام منزلة عالية في الإسلام بسبب إيمانهم وتدينهم، وعلمهم، حتى الإمارة حصل عليها بعضهم، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الإسلام جعل التفاضل بين الناس بالتقوى, وهي جماع الدين والعلم لا بالأنساب، وطبق ذلك تطبيقا عمليا في دولة الإسلام. وليس أدل على ذلك مما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن عمر بن الخطاب لما تلقاه نائب مكة نافع بن الحارث الخزاعي في أثناء الطريق في حج أو عمرة قال له: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى1، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من الموالي، قال وكيف استخلفت مولى؟ قال: إنه حافظ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال سيدنا عمر: أما إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع آخرين". وذكر الإمام الزهري: أن هشام بن عبد الملك2 قال له: من يسود أهل مكة؟ قلت: عطاء، قال: أمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال: قلت: طاوس. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي.

_ 1 هو عبد الرحمن بن أبزى صحابي عند جمهور العلماء الذين نصوا على الصحابة، وتابعي عند بعضهم وأبوه أبزى صحابي ذكره البخاري في "الوجدان", وله حديث واحد وسنده صالح فهو صحابي ابن صحابي "انظر الإصابة في تمييز الصحابة, ترجمة أبزى، وابنه عبد الرحمن بن أبزى". 2 في علوم الحديث أن الذي سأله عبد الملك بن مروان، وفي اختصار علوم الحديث لابن كثير وشرح السخاوي للألفية أن الذي سأله, هو هشام بن عبد الملك!

قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال: مكحول، قال: أمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قال: ميمون بن مهران، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة. قال: قلت: الحسن بن أبي الحسن -يعني البصري- قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت من الموالي. قال: فمن يسود أهل الكوفة؟ قال: قلت: إبراهيم النخعي قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري فرجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر، والعرب تحتها. قال: قلت يا أمير المؤمنين، إنما هو أمر الله ودينه من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط وهذا من عبد الملك أو من هشام فراسة وحسن نظر وفيه غيرة على العرب. قال ابن الصلاح: وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة فإن الله نفعها بقرشي فكان فقيها بغير مدافع: سعيد بن المسيب. قال ابن الصلاح: وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب

غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير منهم الشعبي والنخعي، بل جميع فقهاء المدينة السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب سوى سليمان بن يسار, والله أعلم. "تعليقي على القصة": وأنا مع ابن الصلاح فيما قال، على أنه لا يلزم من السيادة العلمية أن لا يكون هناك علماء عرب أصلاء غيرهم إن لم يكونوا فوقهم أو مثلهم، فهم يقاربونهم، ولا أكتمكم أني في شك من صحة هذه القصة ولو أن ابن الصلاح أبرز سنده لكان لنا معه موقف آخر، ولكنه طوى السند طيا وسأل بعض الأعراب رجلا من أهل البصرة: من سيد هذه البلدة؟ قال: الحسن بن أبي الحسن البصري. قال: أمولى هو؟ قال: نعم. قال: فيم سادهم؟ فقال: بحاجتهم إلى علمه وعدم احتياجه إلى دنياهم. فقال الأعرابي: هذا لعمر أبيك هو السؤدد, وأيضا فقد كان بكل مصر من الأمصار من العلماء العرب الأصلاء كثيرون، وليس بلازم أن يحيط الزهري بكل هؤلاء علما. ومهما يكن من شيء فهذا يدل دلالة واضحة على أن الذين دخلوا في الإسلام من غير العرب دخلوا وهم مخلصون لهذا الدين غاية الإخلاص وأنهم عوضوا عدم توليهم الولايات لعدم عربيتهم بما هو أهم من الولاية وهو العلم، ولم يزال العلم إلى وقتنا هذا فوق الإمارة والوزارة وأنهم إن لم يكونوا عربا بالأصل فقد صاروا عربا بالمربى يحفظون القرآن والحديث كما يحفظ العرب، ويتكلمون العربية الفصحى كما يتكلم العرب الأصلاء, وهو من أقوى الأدلة على أن هذا الدين دين إلهي حقا فلله الحمد والمنة على نعمة الإسلام.

معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

"معرفة أوطان الرواة وبلدانهم": وهذا علم مهم جدا وهو مما يفتقر إليه علماء الحديث وحفاظه في تصرفاتهم ومصنفاتهم وتترتب على العلم به فوائد مهمة: 1- منها معرفة شيخ الراوي فربما اشتبه بغيره فإذا عرفنا بلده تعين بلديه غالبا. 2- ومنها: أنه يتبين به الراوي المدلس، وما في السند من إرسال خفي. وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى قبائلها فلما جاء الإسلام، وغلب عليهم سكنى القرى والمدن انتسبوا إلى القرى والمدن كالعجم، والمراد متأخروهم وإلا فقد كان في المتقدمين من ينتسب إلى القبائل كثيرا. ثم من كان ناقلة من بلد إلى بلد وأراد الانتساب إليهما فليبدأ بالأول فيقول في فيمن انتقل من مصر إلى دمشق: المصري الدمشقي، والأحسن: ثم الدمشقي، لدلالة "ثم" على الترتيب مع التراخي، وله أن ينتسب إلى أحدهما فقط, وهو قليل ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة فجائز أن ينتسب إلى القرية وإلى البلدة أيضا، وإلى الناحية التي فيها تلك البلدة أيضا وإلى الإقليم, فيقول فيمن هو من قرية "داريا" من قرى مدينة دمشق التي هي من إقليم الشام: الداري، أو الدمشقي، أو الشامي. وإن أراد الجمع بين الثلاثة فهو مخير بين الابتداء بالأعم فيقول: الشامي الدمشقي الداري، أو بالقرية التي هو منها فيقول: الداري الدمشقي الشامي إذ المقصود التعريف والتميز, وهو حاصل بكل منها نعم إن كان أحدهما أوضح في ذلك فهو أولى، وكذلك في النسب إلى القبائل يبدأ بالعام قبل الخاص, فيقال القرشي الهاشمي ولا يقول العكس؛ لأنه لا فائدة حينئذ، وإذا جمع بين النسب إلى القبيلة والبلد قدم

النسب إلى القبيلة وقد تقع النسبة إلى الصنايع كالخياط، وإلى الحرف كالبزاز الذي يتجر في البز وهي الثياب، وتقع ألقابا كخالد بن مخلد الكوفي القطواني -بفتح القاف والطاء المهملة- ويقع في كلها الاتفاق والافتراق والاشتباه كالأسماء. فائدة: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 1. الشعوب: القبائل العظام، وقيل: الجماع التي تجمع متفرقات البطون واحدها شعب، والقبائل: هي دون الشعوب، والعمائر جمع عمارة -بالكسر والفتح- وهو حي عظيم يمكنه الانفراد بنفسه، والبطون دون العمائر، والفخذ دون البطن، والفصيلة دون الفخذ2. المؤلفات في الأنساب: وقد ألف في علم الأنساب جماعة العلماء منهم: 1- كتاب الأنساب: لتاج الإسلام أبي سعد -بفتح السين وسكون العين- ويقال: أبي سعيد -بفتح السين وكسر العين بعدها ياء- عبد الكريم بن محمد بن أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار التيمي السمعاني -بفتح السين وكسرها- المروزي الشافعي الحافظ الذي زاد شيوخه عن أربعة آلاف شيخ, وله التصانيف المفيدة المتقنة التي منها: تاريخ مرو، والأمالي، وتاريخ الوفاة للمتأخر من الرواة وغير ذلك, المتوفى بمرو سنة اثنتين وستين وخمسمائة عن ثلاث وأربعين سنة, وهو كتاب عظيم في هذا الفن لم يصنف فيه مثله. 2- كتاب "العجالة" وهو صغير الحجم للحافظ أبي بكر محمد بن

_ 1 سورة الحجرات: 13. 2 علوم الحديث بتعليق العراقي ص470, وتدريب الراوي ص532، 533، شرح ألفية العراقي للسخاوي ج3 ص359-362.

موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حاتم الجازمي نسبة إلى جده المذكور المتوفى سنة أربع وثمانين وخمسمائة. 3- وكتاب الأنساب لأبي محمد عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن خلف اللخمي المعروف بالرشاطي، وهو المسمى "اقتباس الأنوار والتماس الأزهار، في أنساب الصحابة ورواة الآثار", وقد أحسن فيه وجمع وما قصر وقد توفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. 4- وقد اختصر كتاب أبي سعد السمعاني، واستدرك أشياء فاتته، ونبه على أغلاطه، الإمام المحدث اللغوي عز الدين أبو الحسن عليّ بن محمد، والصواب في اسمه محمد بن محمد، الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري نسبة إلى جزيرة ابن عمر لكونه من أهلها, المتوفى سنة ثلاثين وستمائة, وهو أخو المجد المبارك بن محمد صاحب "جامع الأصول" و"النهاية في غريب الحديث" وسمى كتابه "اللباب", وهو كتاب جليل في ثلاث مجلدات وهو الموجود بأيدي الناس. 5- ثم جاء الإمام السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة فاختصره، وزاد عليه أشياء فاتته في كتاب سماه "لب الألباب في تحرير الأنساب", وهو في مجلد لطيف إلى غير ذلك من الكتب الأخرى التي ألفت في الأنساب1.

_ 1 تدريب الراوي ص533، الرسالة المستطرفة ص93، 94.

رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض

"رواية الصحابة بعضهم عن بعض والتابعين بعضهم عن بعض": وهذان ذكرهما البلقيني في كتابه "محاسن الاصطلاح وقال: إنهما مهمان؛ لأن الغالب رواية التابعين عن الصحابة، ورواية أتباع التابعين عن التابعين فيحتاج إلى التنبيه على ما يخالف ذلك، وقد تقدم شيء منه في نوع رواية الأقران بعضهم عن بعض مثال الأول: حديث الزهري عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزى، عن عبد الله بن السعدي عن عمر بن الخطاب مرفوعا: "ما جاء الله به من هذا المال من غير إشراف ولا سائل فخذه ولا تتبعه نفسك" , فمن السائب إلى عمر كلهم صحابة. ومثاله أيضا حديث خالد بن معدان عن كثير بن مرة، عن نعيم بن هبار، عن المقدام بن معديكرب، عن أبي أيوب الأنصاري، عن عوف بن مالك قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مرعوب، متغير اللون، فقال: "أطيعوني ما دمت فيكم، وعليكم بكتاب الله فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه" 1. ومثال ما اجتمع فيه أربع نسوة من الصحابيات اثنتان من أمهات المؤمنين وربيبتان للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ما رواه مسلم، والترمذي والنسائي، وابن ماجه من طريق ابن عيينة عن الزهري عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة عن أمها أم حبيبة عن زينب بنت جحش قالت: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما محمرا وجهه وهو يقول: "لا إله إلا الله -ثلاث مرات- ويل للعرب من شر قد اقترب, فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" , وعقد عشرا، قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث" , وقد أفرد بعض العلماء هذه الأحاديث الثلاثة في جزء. ومثال ما اجتمع فيه خمسة من الصحابة وهو ما رواه السيوطي بسنده عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عثمان بن عفان، عن عمر بن الخطاب عن

_ 1 الحديث أخرجه الطبراني عن عوف بن مالك، وقال المناوي: رجاله موثقون.

أبي بكر الصديق، عن بلال قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الموت كفارة لكل مسلم".

معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين

معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين مدخل ... "معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين": وهذا من الأنواع التي زادها السيوطي في "تدريبه", وقد ألف فيه الخطيب البغدادي قال السيوطي: وقد أنكر بعضهم وجود ذلك, وقال: إن رواية الصحابة عن التابعين إنما هو في الإسرائيليات1، والموقوفات، وليس كذلك. فمن أمثلة ذلك: 1- حديث سهل بن سعد الساعدي عن مروان بن الحكم عن زيد بن ثابت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أملى عليه {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية. فجاء ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت -وكان أعمى- فأنزل الله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} رواه البخاري والترمذي والنسائي. 2- وحديث السائب بن زيد عن عبد الرحمن بن عبد2 القاري عن عمر بن الخطاب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من نام عمن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" , رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة. 3- وحديث جابر بن عبد الله عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجامع ثم يكسل، هل عليهما من غسل، وعائشة جالسة، فقال: "إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل" , رواه مسلم.

_ 1 جمع إسرائيلية نسبة إلى بني إسرائيل وهي عبارة عن المرويات التي دخلت في المرويات الإسلامية عن طريق أهل الكتاب الذين أسلموا وأكثرها أمور باطلة وقليلها حق. 2 عن عبد بدون إضافة مع التنوين والقاري نسبة إلى القارة قبيلة وهو صفة لعبد الرحمن.

4- وحديث عمرو بن الحارث بن المصطلق عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن زينب امرأة ابن مسعود قالت: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن، فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة" , رواه الترمذي والنسائي، والحديث متفق عليه من رواية عمرو عن زينب نفسها. 5- وحديث يعلى بن أمية عن عنبسة بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى اثنتي عشرة ركعة بالنهار أو بالليل بني له بيت في الجنة" , رواه النسائي. 6- وحديث جابر بن عبد الله عن أبي عمرة مولى عائشة -واسمه ذكوان- عن عائشة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكون جنبا، فيريد الرقاد، فيتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يرقد", رواه أحمد في مسنده. 7- وحديث أبي هريرة عن أم عبد الله بن أبي ذياب عن أم سلمة مرفوعا: "ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة له" , رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب المرض والكفارات" وقد جمع الحافظ أبو الفضل العراقي الأحاديث التي بهذه الشريطة فبلغت عشرين حديثا.

معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه

"معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وعكسه": وهذان النوعان قد ذكرهما الإمام الحافظ ابن حجر في "النخبة وشرحها" وصنف الخطيب في النوع الأول كتابا قال فيه: جلت النظر في أسماء رواة الحديث فوجدت جماعة منهم واطأت كناهم أسماء آبائهم ... فربما جاءت رواية عن بعضهم باسمه وكنيته مضاهيا لآخر في اسمه وكنيته وهما اثنان فلا يؤمن وقوع الخطأ فيها. وقال الحافظ ابن حجر: وفائدة معرفة ذلك نفي الغلط عمن نسبه إلى أبيه، وصنف أبو الفتح الأزدي في النوع الثاني كتابا. ومن أمثلة النوع الأول في الصحابة وفي غيرهم: 1- أبو مسلم الأغر بن مسلم المدني روى عن أبي هريرة وغيره. 2- وأبو خالد أوس بن خالد البصري روى عن أبي هريرة، وسمرة بن جندب. 3- وأبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق المديني من أتباع التابعين. 4- وأبو إسماعيل إدريس بن إسماعيل الكوفي روى عن الأعمش وطلحة بن مصرف. 5- وأبو زياد أيوب بن زياد الحمصي روى عن عبادة بن الوليد بن عبادة. 6- وأبو الجواب الأحوص بن جواب -بفتح الجيم, وفتح الواو المشددة فيهما- الكوفي الضبي روى عن أسباط بن نصر وغيره. ومن أمثلة الثاني في الصحابة: 1- أوس بن أبي أوس. 2- وسنان بن أبي سنان الأسدي. 3- ومعقل بن أبي معقل. وفي غير الصحابة: 1- الحسن بن أبي الحسن البصري. 2- وإسحاق بن أبي إسحاق السبيعي. 3- وعامر بن أبي عامر الأشعري.

معرفة من وافقت كنيته كنية زوجة أي زوجته

"معرفة من وافقت كنيته كنية زوجه 1 أي زوجته": وهذا النوع ذكره شيخ الإسلام ابن حجر في "النخبة وشرحها"، وصنف فيه أبو الحسن بن حيويه جزءا خاصا بالصحابة، ثم الحافظ أبو القاسم بن عساكر.

_ 1 الزوج يطلق على الرجل وزوجته.

قال الحافظ السيوطي: وقد رأيت جزء ابن حيويه وهذه أسماء من ذكر فيه: 1- أبو أسيد -بفتح الهمزة وكسر السين المهملة- الساعدي مالك بن ربيعة الأنصاري وزوجه أم أسيد الأنصارية. 2- أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد, وزوجه أم أيوب بنت قيس بن أسد الأنصارية. 3- أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وزوجه أم بكر في الجاهلية، ولم يصح إسلامها. 4- أبو الدحداح، بفتح الدال المهملة، وسكون الحاء المهملة وفتح الدال, وزوجه: أم الدحداح. 5- أبو الدرداء، وزوجه أم الدرداء الكبرى: خيرة بنت أبي حدرد صحابية وأما أم الدرداء الصغرى واسمها هجيمة فهي تابعية. 6- أبو ذر الغفاري: وزوجه أم ذر وأبو ذر هو جندب -بضم الجيم وفتح الدال وضمها- ابن جنادة على الأصح. 7- أبو رافع أسلم مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- وزوجه أم رفاع سلمى مولاته أيضا. 8- أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وزوجه أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية خلف عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته رضي الله تعالى عنه. 9- أبو سيف القين -أي الحداد- ظئر1 إبراهيم بن النبي عليه الصلاة والسلام وزوجه أم سيف وكانت مرضعة إبراهيم عليه السلام.

_ 1 ظئر: بكسر الظاء المعجمة وسكون الهمزة، آخره راء زوج المرضعة.

10- أبو طليق -على وزن عظيم- ذكره البغوي، وابن السكن في الصحابة، وزوجه أم طليق ولها قصة معه طويلة، وطلبت إليه أن يبلغها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففعل، فصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- قولها1. 11- أبو الفضل العباس بن عبد المطلب، وزوجه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية. 12- أبو معقل الأسدي: هيثم بن أبي معقل، وزوجه أم معقل الأسدية. قال السيوطي: هذا ما ذكره ابن حيوية، وقد روى عن كل من المذكورين حديثا وقد فاته. 13- أبو معبد وأم معبد. 14- وأبو رملة، وأم رملة.

_ 1 الإصابة ج4 ص114.

معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه

"معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه": هذا النوع ذكره الإمام الحافظ ابن حجر في "النخبة وشرحها". ومثاله: الربيع بن أنس عن أنس، هكذا يأتي في الروايات فيظن أنه يروي عن أبيه كما وقع في الصحيح، عامر بن سعد، عن سعد وهو أبوه وهو الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص الزهري في منزلة خال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وليس أنس شيخ الربيع والده بل هو أنس بن مالك الصحابي المشهور النجاري الأنصاري، وأما أبوه فبكري.

معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده

"معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده": وهذا النوع ذكره شيخ الإسلام ابن حجر في "النخبة وشرحها", وقد مثل له بهذا المثال: الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وقد صنف أبو الفتح الأزدي كتابا فيمن وافق اسمه اسم أبيه، وذلك: 1- كالحجاج بن الحجاج الأسلمي له صحبة. 2- وعدي بن عدي الكندي. 3- وهند1 بن هند بن أبي هالة2. 4- وحجر بن حجر الكلاعي. 5- وهاشم بن هاشم بن عتبة. 6- وعباد بن عباد المهلبي. 7- وصالح بن صالح بن الهمداني. 8- وسعيد بن سعيد بن العاص وغيرهم. وقد يتفق الاسم واسم الأب مع الاسم واسم الأب فصاعدا مثل أبي اليمن الكندي زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن.

_ 1 اسم هند مما يشترك فيه الرجال والنساء. 2 وهو زوج السيدة خديجة قبل أن يتزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم.

معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه

"معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه": وهذا النوع ذكره شيخ الإسلام ابن حجر في "النخبة وشرحها" وأمثلته كثيرة منها: 1- عمران, عن عمران، عن عمران -بكسر العين المهملة وسكون الميم- الأول يعرف بالقصير والثاني أبو رجاء العطاردي -بضم العين- والثالث: ابن حصين -على صيغة المصغر- الصحابي. 2- وسليمان، عن سليمان، عن سليمان: الأول ابن أحمد بن أيوب الطبراني، والثاني: أبو أحمد الواسطي، والثالث: ابن عبد الرحمن الدمشقي المعروف بابن بنت شرحبيل قال: وقد يقع ذلك للراوي ولشيخه معا، ومثاله: 1- أبو العلاء الهمذاني العطار يروي عن أبي علي الأصبهاني الحداد، وكل منهما اسمه: الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد، فاتفقا في ذلك، وافترقا في الكنية والبلد والصنعة، وصنف في ذلك أبو موسى

المديني كتابا حافلا. قال السيوطي: قال الحاكم في أواخر "علوم الحديث" حدثنا خلف، حدثنا خلف، حدثنا خلف، حدثنا خلف، حدثنا خلف، فالأول: الأمير خلف بن أحمد السجزي، والثاني: أبو صالح خلف بن محمد البخاري، والثالث: خلف بن سليمان السلفي صاحب "المسند", والرابع: خلف بن محمد الواسطي كردوس -بضم الكاف، وسكون الراء، وضم الدال المهملة- والخامس: خلف بن موسى بن خلف.

معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه

"معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه": وهذا النوع ذكره شيخ الإسلام في "النخبة وشرحها" وهو نوع لطيف لم يتعرض له ابن الصلاح. وفائدة معرفته: رفع اللبس عمن يظن أن فيه تكرارا أو انقلابا ومن أمثلته: 1- أن البخاري روى عن مسلم، وروى عنه مسلم، فشيخه هو مسلم بن إبراهيم أبو مسلم الفراديسي البصري، والراوي عنه: مسلم بن الحجاج القشيري صاحب الصحيح, وكذلك وقع لعبد بن حميد أيضا روى عن مسلم بن إبراهيم وروى عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديثا بهذه الترجمة بعينها. 2- ومنها: يحيى بن أبي كثير، روى عن هشام وروى عنه هشام، فشيخه هشام بن عروة بن الزبير، وهو من أقرانه، والراوي عنه هشام الدستوائي. 3- ومنها: ابن جريج روى عن هشام، وروى عنه هشام، فشيخه هشام بن عروة والراوي عنه هشام بن يوسف الصنعاني. 4- ومنها الحكم بن عتية، روى عن ابن أبي ليلى، وروى عنه ابن أبي ليلى، فالأعلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، والأدنى محمد بن عبد الرحمن المذكور.

معرفة من اتفق اسمه وكنيته

"معرفة من اتفق اسمه وكنيته": لم يذكره ابن حجر في "النخبة" وذكره في أول نكتة على ابن الصلاح. وصنف فيه الخطيب، وفائدته نفي الغلط عمن ذكره بأحدها. ومن أمثلته: ابن الطيلسان الحافظ، محدث الأندلس، اسمه القاسم، وكنيته: أبو القاسم.

معرفة من وافق اسمه نسبه

"معرفة من وافق اسمه نسبه": لم يذكره السابقون، وإنما ذكره السيوطي في أواخر "تدريبه" ومثاله: حميري بن بشير الحميري، بكسر الحاء، وسكون الميم، وفتح الياء ثم الراء، آخره ياء النسب، روى عن جندب البجلي، وأبي الدرداء، ومعقل بن يسار وغيرهم. وقريب منه: الأسماء التي بلفظ النسب كالحضرمي والد العلاء.

معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء

"معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنساء": وهو قسمان: أحدها أن يشتركا في الاسم فقط ومثاله. 1- أسماء بن حارثة، وأسماء بن رباب صحابيان، وأسماء بنت أبي بكر، وأسماء بنت عميس صحابيتان. 2- بريدة -بضم الباء وفتح الراء وسكون الياء- ابن الحصيب -بضم الحاء وفتح الصاد المهملة وسكون الياء- صحابي، وبريدة بنت بشر صحابية.

3- وبركة أم أيمن صحابية، وبركة بن العربان عن عمر وابن عباس. 4- هنيدة بن خالد الخزاعي عن عليّ، وهنيدة بنت شريك عن عائشة. 5- جويرية بنت الحارث المصطلقية أم المؤمنين، وجويرية بن أسماء الضبعي. الثاني من الأقسام: أن يشتركا في الاسم واسم الأب وأمثلته: 1- بسرة بن صفوان حدث عن إبراهيم بن سعيد، وبسرة بنت صفوان صحابية. 2- هند بن مهلب روى عنه محمد بن الزبرقان، وهند بنت المهلب حدثت عن أبيها. 3- أمية بن عبد الله الأموي عن ابن عمر، وأمية بنت عبد الله عن عائشة وروى عنها عليّ بن زيد بن جدعان أخرج لها الترمذي. "تنبيه": ذكر السيوطي بعد النوع السابق: معرفة أسباب ورود الحديث وقد سبق بأطول مما ذكره كما ذكر تواريخ المتون، وقال: إن البلقيني ذكره وقد سبق الكثير منه في "ناسخ الحديث ومنسوخه".

معرفة من لم يرو إلا حديثا واحدا

"معرفة من لم يرو إلا حديثًا واحدًا": وهذا النوع مما زاده السيوطي في أواخر "تدريبه" قال: وهو نظير ما ذكره فيمن لم يرو عنه إلا واحد، ثم رأيت أن للبخاري فيه تصنيفًا خاصًّا بالصحابة. والفرق بينه وبين الوحدان: أنه قد يكون روى عنه أكثر من واحد وليس له إلا حديث واحد، وقد يكون روى عنه غير حديث، وليس له إلا راوٍ واحد، وذلك موجود معروف.

ومن أمثلته في الصحابة: 1- أبيّ بن عمارة المدني قال المزي: له حديث واحد في المسح على الخفين، رواه أبو داود، وابن ماجه. 2- آبي -بمد الهمزة وكسر الباء الموحدة- اللحم الغفاري، قال المزي: له حديث واحد في الاستسقاء، رواه الترمذي والنسائي. 3- أحمد بن جزء -بفتح الجيم وسكون الزاي، آخره همزة- قال المزي: له حديث واحد "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه", رواه أبو داود وابن ماجه تفرد عنه الحسن البصري. 4- أدرع -بفتح الهمزة وسكون الدال وفتح الراء- السلمي قال المزي: له حديث واحد: "جئت أحرس النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا أرجل قراءته عالية ... " الحديث, رواه ابن ماجه. 5- بشر بن جحَّاش القرشي ويقال: بُسْر, وجَحَاش -بفتح الجيم، وفتح الحاء المهملة المشددة، آخره شين معجمة- قال المزي: شامي له حديث واحد وهو: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بزق يوما في كفه، فوضع عليها أصبعه، ثم قال: "يقول الله: ابن آدم أنى يعجزني ... " الحديث, رواه أحمد وابن ماجه. 6- حدرد بن أبي حدرد السلمي، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" , رواه أبو داود. 7- ربيعة بن عامر بن الهاد الأزدي, قال المزي: له حديث واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "ألظوا 1 بيا ذا الجلال والإكرام" , رواه النسائي. 8- أبو حاتم صحابي، روى عنه محمد وسعيد ابنا عتبة حديث:

_ 1 أي الزموا ذلك في الدعاء.

"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". ليس لأبي حاتم غيره, قاله الذهبي في طبقات الحفاظ، وأبو عليّ بن السكن. ومن غير الصحابة: 1- إسحاق بن يزيد المدني روى عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود حديث: "إذا ركع أو سجد فليسجد ثلاثا وذلك أدناه" , رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي. قال الترمذي: وليس له غيره. 2- إسماعيل بن بشير المدني روى عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاريين قالا: سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته ... " الحديث, رواه أبو داود، قال المزي: ولا يعرف له غيره. 3- الحسن بن قيس روى عن كرز التيمي قال: "دخلت على الحسين بن علي أعوده في مرضه فبينا أنا عنده إذ دخل علينا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ... " الحديث في فضل عيادة المريض، رواه النسائي في مسند عليّ. قال المزي: ليس له ولا لشيخه إلا هذا الحديث1. تنبيه: معظم ما ذكره السيوطي في زياداته على ابن الصلاح من أنواع قد ذكرته في ثنايا الكتاب وأنواعه ومباحثه وما بقي ذكرته هنا من بعد "معرفة أوطان الرواة وبلدانهم". والحمد لله في النهاية كما حمدناه في البداية، وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. في مكة بلد الله الحرام. وكتبه خادم القرآن والسنة: محمد أبو شهبة

_ 1 تدريب الراوي من ص523 إلى ص542، وانظر الفصل الذي ذكره الحافظ ابن حجر في آخر النخبة وشرحها.

باب المراجع والفهارس

باب: المراجع والفهارس المراجع الأصلية: الرقم اسم الكتاب: 1- القرآن الكريم. 2- تفسير القرآن لابن جرير الطبري. 3- تفسير القرآن للبغوي على هامش تفسير ابن كثير. 4- تفسير القرآن للزمخشري النسخة القديمة. 5- تفسير القرآن للنسفي. 6- تفسير القرآن لابن كثير الدمشقي. 7- تفسير القرآن للفخر الرازي. 8- تفسير القرآن للآلوسي ط منير. 9- تفسير القرآن للجلالين: جلال الدين المحلى، وجلال الدين السيوطي. 10- البرهان في علوم القرآن للزركشي. 11- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي. 12- المدخل لدراسة القرآن الكريم للمؤلف. 13- صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري الطبعة المحققة قديما. 14- صحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري الطبعة المحققة حديثا. 15- سنن أبي داود السجستاني ط المصرية. 16- الجامع للترمذي بشرحه لابن العربي المالكي ط المصرية. 17- سنن النسائي ط دار الكتاب العربي, بيروت. 18- سنن ابن ماجه ط المحققة. 19- سنن الدارقطني ط الهند. 20- المستدرك على الصحيحين للحاكم ط الهند.

الرقم اسم الكتاب 21- موطأ الإمام مالك رواية: يحيى بن يحيى الليثي. 22- فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر ط الأزهرية، وط السلفية. 23- شرح صحيح مسلم للإمام النووي ط حجازي، والطبعة التي على هامش القسطلاني. 24- عون المعبود شرح سنن أبي داود ط الهند. 25- عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي للقاضي أبي بكر بن العربي ط المصرية. 26- زهر الربى على المجتبى: السنن الصغرى للنسائي تأليف السيوطي. 27- شرح سنن ابن ماجه للسيوطي. 28- زوائد سنن ابن ماجه للبوصيري. 29- الكفاية في قوانين الرواية للخطيب البغدادي. 30- الجامع لآداب الشيخ والسامع للخطيب البغدادي. 31- المحدث الفاضل بين الراوي والواعي للرامهرمزي ط المحققة لعجاج الخطيب. 32- الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي. 33- معرفة علوم الحديث للحاكم أبي عبد الله النيسابوري ط دار الكتب المصرية. 34- "التقريب" للإمام النووي مطبوع مع "التدريب". 35- تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي للسيوطي النسخة القديمة والنسخة المحققة.

الرقم اسم الكتاب 36- ألفية السيوطي ط مصر. 37- علوم الحديث لأبي عمرو عثمان بن الصلاح ط حلب. 38- التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من علوم ابن الصلاح للعراقي ط حلب. 39- ألفية العراقي. 40- فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، للسخاوي ط الهند، وط العاصمة بالقاهرة. 41- نخبة الفكر وشرحها نزهة النظر للحافظ ابن حجر ط القديمة، وط العاصمة بالقاهرة. 42- شرح نخبة الفكر لعليّ بن سلطان القاري الحنفي ط اسطنبول. 43- هدي الساري إلى شرح صحيح البخاري للقسطلاني المصورة عن طبعة بولاق. 44- مقدمة شرح صحيح البخاري للقسطلاني مطبوعة مع الشرح. 45- شرح مقدمة القسطلاني للشيخ الإبياري. 46- الباعث الحثيث على علوم الحديث أو اختصاره علوم الحديث لابن كثير1. 47- تعليقات الشيخ أحمد شاكر على اختصار علوم الحديث. 48- مختصر السيد الجرجاني في علوم الحديث. 49- ظفر الأماني شرح مختصر الجرجاني للشيخ محمد بن عبد الحي اللكنوي. 50- الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي ط الهند.

_ 1 طبع هذا الكتاب أول مرة تحت هذا العنوان بمكة المكرمة بتعليق الشيخ عبد الرزاق حمزة, ثم أعيد طبعه في القاهرة مع تعليقات أخرى للشيخ أحمد شاكر، ثم رأى الشيخ شاكر أن يسمي كتاب ابن كثير: "اختصار علوم القرآن", وأن يسمى تعليقاته: "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث", وذلك في الطبعات التالية, وأنا لا زلت متمسكا بما سمي به الكتاب في الطبعة الأولى بمكة والطبعة الثانية بالقاهرة، وأسمي عمل الشيخ شاكر بالتعليقات.

الرقم اسم الكتاب 51- البيقونية بشرحها للشيخ نشابة. 52- "الأسلوب الحديث في علوم الحديث" للشيخ أمين الشيخ الأزهري ط خاصة بكلية أصول الدين قديما. 53- الموجز في علوم الحديث للشيخ محمد علي أحمد بن الأزهري. 54- المنهل الحديث في علوم الحديث للشيخ محمد عبد العظيم الزرقان الأزهري. 55- المنهج الحديث في علوم الحديث للزميل الشيخ محمد السماحي. 56- تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي ط دار إحياء التراث العربي. 57- ذيول تذكرة الحفاظ للحافظ أبي المحاسن الدمشقي، وابن فهد المكي، والجلال السيوطي. 58- تهذيب التهذيب للإمام الحافظ ابن حجر ط المصورة عن ط الهند. 59- ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي ط مصر المحققة. 60- لسان الميزان للحافظ ابن حجر ط المصورة عن ط الهند. 61- تاريخ علوم الحديث أو مفتاح كتب السنة للشيخ عبد العزيز الخولي. 62- أعلام المحدثين من القرن الأول إلى القرن الثالث للمؤلف. 63- في أصول الحديث للمؤلف. 64- علوم الحديث تهذيب القسم الثالث وبعض الرابع من التدريب للمؤلف. 65- دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين للمؤلف. 66- كشف الخفاء عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني. 67- المنار المنيف في التمييز بين الصحيح والضعيف لشمس الدين بن قيم الجوزية. 68- كتاب الموضوعات لأبي الفرج بن الجوزي. 69- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي.

الرقم اسم الكتاب 70- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عراق. 71- العلل لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ط المصرية. 72- الناسخ والمنسوخ لابن حزم على هامش تفسير الجلالين. 73- الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي. 74- البيان والتعريف لأسباب ورود الحديث لإبراهيم بن محمد بن حمزة الحسني. 75- كتاب "الرسالة" للإمام الشافعي تحقيق الشيخ أحمد شاكر. 76- كتاب "الأم" للإمام الشافعي ط بولاق. 77- كتاب اختلاف الحديث للإمام الشافعي على هامش كتاب "الأم". 78- رسالة أبي داود لأهل مكة ط القدسي. 79- كتاب "العلل" الملحق بالجامع للترمذي. 80- كتاب "العلل الكبير" بشرح ابن رجب الحنبلي بتحقيق الدكتور نور الدين العتر. 81- مقدمة كتاب "النهاية" في غريب الحديث لابن الأثير الجزري ط عيسى الحلبي. 82- غريب الحديث للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام مصورة عن طبعة الهند. 83- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة الدينوري الطبعة القديمة وط بتحقيق محمد زهري النجار. 84- مشكل الآثار للإمام الطحاوي الحنفي. 85- المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة للشيخ محمد عبد الباقي الأيوبي. 86- منهج النقد الحديث للدكتور نور الدين العتر ط دار الفكر. 87- الموجز في علوم الحديث للدكتور محمد عجاج الخطيب ط المطبعة الجديدة بدمشق.

الرقم اسم الكتاب 88- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول للشوكاني. 89- تذكرة الموضوعات للفتني الهندي محمد طاهر بن علي. 90- المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم لمحمد طاهر بن علي الفتني الهندي ط دار الكتاب العربي. 91- الوضع في الحديث "نشأته، أسبابه، أماراته آثاره السيئة في كتب العلوم، جهاد العلماء في إبطاله" ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين, وهي الرسالة التي نلت بها العالمية من درجة أستاذ "الدكتوراة" مودعة بمكتبة كلية أصول الدين من عام 1946م, وهي أول رسالة في هذا الباب. 92- تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني المصري بتحقيق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف. 93- ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث للشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الحنفي الدمشقي. 94- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر النمري القرطبي على هامش الإصابة. 95- الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني مصورة عن ط السعادة. 96- الإحكام في أصول الأحكام لعلي بن أحمد بن حزم الأندلسي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر. 97- البداية والنهاية لابن كثير ط السعادة بالقاهرة. 98- تاريخ الأدب العربي للرافعي ط قديمة. 99- توجيه النظر إلى علوم الأثر للشيخ طاهر الجزائري ط المصرية.

الرقم اسم الكتاب 100- مقدمة جامع الأصول لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري. 101- جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر. 102- حجة الله البالغة في أسرار الأحاديث وعلل الأحكام لأحمد بن عبد الرحيم الدهلوي. 103- الرسالة المستطرفة لبيان مشهود كتب السنة المشرفة لمحمد بن جعفر الكتاني ط الأولى بيروت. 104- رفع الملام عن الأئمة الأعلام لتقي الدين أحمد بن تيمية الحراني. 105- شروط الأئمة الخمسة لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي ط القدسي. 106- شروط الأئمة الستة للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدس ط القدسي. 107- الفائق في غريب الحديث للزمخشري بتحقيق البجاوي ومحمد أبي الفضل. 108- الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني للشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي. 109- مسند أحمد بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر "ولم يتمه" ط الأولى. 110- مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية ط السلفية بالقاهرة، ط حلب بالشام. 111- هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث لشيخنا الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي رحمه الله تعالى. 112- منهاج السنة لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية ط الأولى. 113- صحيح ابن خزيمة طبع منه أربعة أجزاء بتحقيق الأعظمي. 114- صحيح قاسم بن أصبغ أو المنتقى. 115- المنتقى لابن السكن 116- المختارة للمقدسي.

الرقم اسم الكتاب 117- المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة للسخاوي. 118- الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة للسيوطي. 119- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشيخ محمد بن عليّ الشوكاني. 120- شرح المختار، من صحيح مسلم بن الحجاج للمؤلف. 121- المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم: لم يصح شيء في هذا الباب للموصلي. 122- إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية. 123- المصنوع في معرفة الحديث الموضوع للشيخ علي القاري. 124- مختصر تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي واسمه "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" للحافظ ابن حجر مطبوع مع الكشاف في بعض الطبعات. 125- تخريج أحاديث الرافعي الكبير واسمه التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ ابن حجر. 126- نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية في فقه الحنفية للحافظ الزيلعي. 127- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج أحاديث الإحياء للحافظ العراقي مطبوع مع "الإحياء" في بعض طبعاته. 128- تخريج أحاديث "الشفا في التعريف بحقوق المصطفى". 129- تخريج أحاديث "المنهاج في علم الأصول" مخطوط. 130- توضيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار المتن لمحمد بن الوزير اليماني والشرح للصنعاني صاحب سبل السلام. 131- هدي الساري مقدمة "فتح الباري" للإمام الحافظ ابن حجر. 132- مقدمة شرح صحيح مسلم للإمام النووي. 133- الجرح والتعديل للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم.

الرقم اسم الكتاب 134- تنوير الحوالك شرح موطأ مالك للسيوطي. 135- لسان العرب لابن منظور المصري. 136- القاموس المحيط للفيروزآبادي. 137- المصباح المنير. 138- مختار الصحاح للرازي، والصحاح للجوهري اللغوي. "تنبيه": لما كنت كتبت أصول هذا الكتاب من منذ ربع قرن أو يزيد, فقد اعتمدت على كثير من الطبعات القديمة, ولا سيما طبعة بولاق في ذكر المراجع، ولما أتممت الكتاب بمكة بلد الله الحرام أصبحت بعيدا عن كتبي فاضطررت إلى شراء أو استعارة بعض الطبعات الأخرى, فمن ثم تجد بعض المراجع تذكر في موضع على طبعة وفي موضع آخر على طبعة أخرى, وذلك كما حدث في "فتح الباري" ومقدمته و"شرح صحيح مسلم" و"علوم الحديث" لابن الصلاح، و"التدريب" و"نزهة النظر بشرح نخبة الفكر" فمعذرة من ذلك.

فهرس المحتويات

فهرس المحتويات 1: الرقم الموضوع 5-8 خطبة الكتاب: وفيها عرض وجيز لعناية الأمة الإسلامية بالحديث رواية، ودراية 8-13 منهجي في تأليف هذا الكتاب 15 شرح بعض المفردات التي يكثر دورانها في كتب الحديث وغيرها 15 الحديث لغة واصطلاحا عند الجمهور وعند غيرهم 16 السنة لغة واصطلاحا 17 الخبر, الأثر 18 السند لغة واصطلاحا، الإسناد لغة واصطلاحا 18 المسنَد بفتح النون, والمسنِد بكسرها 18 مسند الشهاب للقضاعي, مسند الفردوس "بالهامش" 18، 19 المتن لغة واصطلاحا, تطبيق هذه المصطلحات على حديث: "إنما الأعمال بالنيات" 19 ألقاب المشتغلين بالحديث: الراوي أو المسند, طالب الحديث 20 المحدث, الحافظ, الحجة, الحاكم من مفاخر المحدثين 21، 22 الجمع بين الحفظ والفقه من خصائص المحدثين الأولين, فائدتان مهمتان 23 علم الحديث بالمعنى العام أي بمعناه الإضافي

_ 1 "الفهرس: بالكسر -أي كسر الفاء- الكتاب الذي تجمع فيه الكتب -أي أسماؤها- معرب وقد "فهرس كتابه" قاموس ج2 ص238

24، 25 علم الحديث رواية: موضوعه، فائدته إلى آخر المبادئ العشرة المعروفة بين العلماء 25، 26 علم الحديث دراية: موضوعه، فائدته، إلى آخر المبادئ العشرة المعروفة بين العلماء 27 تاريخ علم الحديث دراية قبل عصر التدوين 28 بعد عصر التدوين وجود بعض مسائل هذا العلم في الكتب الأخرى 29 تدوين بعض الكتب المستقلة في بعض أنواه 30 التدوين في هذا العلم كفن مستقل أسماء هذا العلم، متى نشأ التدوين فيه؟ أشهر الكتب المؤلفة فيه 31 كتب الرامهرمزي والحاكم أبي عبد الله والحافظ أبي نعيم 31 كتب الخطيب البغدادي كل من جاء بعد الخطيب عيال على كتبه 32 "الإلماع" للقاضي عياض، ما لا يسع المحدث جهله للميانجي 32 علوم الحديث لابن الصلاح 33 تعليقات العراقي على علوم الحديث ألفية العراقي وشروحها التقريب للنووي 34 التدريب للسيوطي، ممن اختصره ابن كثير، وبدر الدين بن جماعة، وسراج الدين البلقيني 34، 35 نخبة الفكر بشرحها ظفر الأماني، شرح مختصر الجرجاني ألفية الحديث للسيوطي 35 توجيه النظر قواعد التحديث الطراز الحديث 36 مفتاح السنة أحسن الحديث, مصطلح الحديث للمحلاوي

36، 37 الأسلوب الحديث في علوم الحديث, ضوء القمر في توضيح نخبة الفكر, الموجز في علوم الحديث، المنهل الحديث في علوم الحديث 38 رد شبهات المستشرقين وأبواقهم 39، 40 الرواية في الإسلام؛ تعريفها لغة واصطلاحا, ركناها، شرطها, أقسامها 41، 42 كون الرواية طريقا إلى العلم, تاريخ الرواية, الرواية عند الأمم الأخرى 43 الرواية عند العرب, وجود الرواية والاعتماد على الحفظ من أسباب حفظ الكتاب والسنة 44 مميزات الرواية في الإسلام 45 عناية المسلمين بنقد الأسانيد والمتون 45-48 النصوص الدالة على هذه العناية من القرآن والأحاديث 48 الإسناد الصحيح المتصل من خصائص الأمة الإسلامية 49 الحديث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم 50 وجوب تبليغ الأحاديث والسنن -كتابة القرآن الكريم كله بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وبذلك اجتمع للقرآن: 1- الحفظ 2- والكتابة 51 لم تدون الأحاديث كلها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث النهي, الإذن لبعض الصحابة بالكتابة 52، 55 النصوص الدالة على الإذن في الكتابة 56 اختلاف السلف في جواز الكتابة وعدم جوازها 57 آراء العلماء في التوفيق بين حديث النهي وأحاديث الإذن

58 الحديث في عهد الصحابة وكبار التابعين 59 هم الفاروق رضي الله عنه أن يكتب الأحاديث 60 كتابة بعض الصحابة الأحاديث 60 إكثار التابعين من الكتابة 61 مثل من كتابة التابعين للأحاديث 61 التثبت في الرواية في عهد الصحابة, تثبت الخلفاء الراشدين 61 تثبت الصديق رضي الله عنه 62، 63 تثبت الفاروق عمر رضي الله عنه, تثبت أبي الحسن عليّ رضي الله عنه, تثبت غير الخلفاء الراشدين من الصحابة, التثبت لا يعني قط تكذيب الراوي ولا الشك في صدقه 63 التثبت في عهد التابعين ومن بعدهم 64 بدء تدوين الحديث تدوينا عاما والسبب فيه 65 متى بدأ التدوين؟ ومن الآمر به؟ الدليل لذلك من الآثار 66 كتابة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز إلى أهل الآفاق يجمع الأحاديث والسنن 66 مسارعة العلماء إلى الكتابة، دسيسة للمستشرقين في هذا ومتابعة أحمد أمين لهم 67 التدوين في القرن الثاني، أشهر المؤلفين فيه 68 إفراد حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غيره بتأليف كتب المسانيد 69، 70 التأليف في القرن الثالث الذهبي, الصحيحان, كتب السنن الأربعة

70 التدوين في القرن الرابع, استدراك ما فات, بانتهاء هذا القرن ثم جمع الأحاديث والسنن كلها تقريبا 71 أشهر الكتب المدونة في هذا القرن: 1- صحيح ابن خزيمة 2- صحيح ابن عوانة 3- مصنف الطحاوي 4- المنتقى لقاسم بن أصبغ 5- المنتقى لابن السكن 6- صحيح أبي حاتم البستي 7- سنن الدارقطني 8- مستدرك الحاكم 72 التأليف بعد القرن الرابع، دور الترتيب والتهذيب 72 أشهر الكتب المؤلفة في هذا الدور, الجمع بين الصحيحين للحميدي الجمع بين الكتب الستة لعبد الحق الإشبيلي، ولأبي الحسن رزين العبدري 73 ولأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري في كتابه: "جامع الأصول" ومختصره لابن الديبع في كتابه "تيسير الوصول إلى أحاديث جامع الأصول" الجوامع العامة: "مصابيح السنة" لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي 74 جامع المسانيد والألقاب لابن الجوزي, جامع المسانيد لابن كثير "مجمع الزوائد، ومنبع الفوائد" جمع الجوامع, الجامع الصغير 75 كتب جامعة الأحاديث الأحكام, السنن الكبرى للبيهقي, منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية, المأخذ عليه 75 الإمام في أحاديث الأحكام, بلوغ المرام 76 كتب أحاديث المواعظ، والآداب، والأخلاق 76 الترغيب والترهيب للمنذري, رياض الصالحين للنووي, منهجه في كتابه

76 الجمع والنقد سارا جنبا إلى جنب 77 العناية بنقد الأسانيد, النقد الخارجي, ونقد المتون, النقد الداخلي 78 تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في ذكر النصوص بأسانيدها 79 منهج المحدثين في النقد هو أصل المناهج وأدقها وأوفاها, بدعة سيئة 80 كلمة حق تدحض كل ما قاله هؤلاء المبتدعون المشككون في الأحاديث 81 مناهج المحدثين في التأليف, التأليف على الأبواب الفقهية 82 التأليف على المسانيد, اختلاف أصحاب المسانيد في ترتيب الصحابة طرييقة ابن حبان في ترتيب كتابه "التقاسيم" 83 التصنيف على العلل والأبواب كما صنع ابن أبي حاتم مصنف يعقوب بن شيبة المسند المعلل ولم يتم 83 التصنيف على الأطراف, وأشهر الكتب في ذلك, جمع أحاديث الشيوخ 84 جمع الحديث على التراجم المشهورة, جمع الحديث على أبواب خاصة 84 أمثلة للجمع على الأبواب, جمع الأسانيد والطرق للحديث الواحد 85 شروط الراوي في الإسلام, العدالة, من هو العدل؟ ما يخل بالعدالة 86 ما يخل بالمروءة, مثاله, الفرق بين عدل الرواية وعدل الشهادة.

87 الحكمة في التفرقة بين عدل الرواية وعدل الشهادة 88 هل العدالة تتفاوت؟ حكم انتفاء العدالة والضبط أو أحدهما 89 تفاوت الضبط, بم تثبت العدالة؟ إما بالشهرة, وإما بالتزكية 90، 91 توسع ابن عبد البر في العدالة، بيان الحق في حديث: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ... " 91، 92 الضبط, أقسامه, تفاوته, بم يعرف الضبط؟ 93 كفاية الشروط التي وضعها المحدثون للرواية، والراوي والمروي في تحقيق الطمأنينة إلى الحديث المقبول، والعمل به 94 التحمل والأداء, شرط التحمل, شروط الأداء 95 الطريق الأول: السماع من لفظ الشيخ, ألفاظ الأداء عن هذا الطريق 96، 97 الطريق الثاني: القراءة على الشيخ، ويسمى: العرض, الدليل على صحة الرواية بالقراءة 98 منزلة هذه الطريق مما قبلها, ألفاظ الأداء عنها 98 حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا أهي بمعنى واحد أم يفرق بينها؟ 99 فائدة إعرابية في تخريج قولهم: أخبرنا سماعا أو قراءة عليه، حدثنا سماعا، أو قراءة عليه 100 تفريعات, لا يجوز تغير ألفاظ الأداء في كتب الشيوخ, أما في غير الكتب ففيه تفصيل 100 إذا نسخ السامع أو المسمع حال القراءة فما الحكم؟

101 إذا قال الشيخ بعد التحديث لمن سمع منه: لا تروعني، أو رجعت عن إخبارك، أو لا آذن لك في الرواية عني، فما الحكم؟ 101 الطريق الثالث: الإجازة, معناها اللغوي، والاصطلاحي 102، 107 أنواع الإجازة: سبعة، وحكم كل نوع منها 107، 108 الإجازة للطفل, الإجازة للمجنون, الإجازة للكافر, ألفاظ الأداء عن الإجازة 109، 110 الرابع: المناولة, نوعاها, الأول: المناولة المقرونة بالإجازة, صورها حكمها ومنزلتها 111 صور أخرى للمناولة الثاني المناولة المجردة عن الإجازة 113 صيغ الأداء عن المناولة, الطريق الخامس: المكاتبة, قسماها 113 ألفاظ الأداء عن المكاتبة, الطريق السادس: الإعلام 114 حكم الإعلام, وجوب العمل به 115 الطريق السابع: الوصية, حكمها, الطريق الثامن: الوجادة, هي كلمة مولدة 116، 117 تعريفها في الاصطلاح, كيفية الرواية بها, العمل بالوجادة, الاحتجاج لها 118، 119 أحاديث في صحيح مسلم رويت بالوجادة, والجواب عنها 119 نتيجة صادقة موفقة 119، 121 الإسناد العالي والنازل: تعريفهما, أقسام العلو: 1- العلو بالقرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسناد صحيح 2- العلو بالقرب من إمام من أئمة الحديث

3- العلو بالسنة إلى رواية أحد الكتب المعروفة: الموافقة، والبدل والمساواة، والمصافحة 4- العلو بتقدم وفاة الراوي 5- العلو بتقدم السماع من الشيخ 122 النزول: وهو خمسة أقسام تعرف بأضدادها، النزول مرغوب عنه 123 "مسائل تتعلق بكتابة الحديث وآدابها" 123، 125 المسألة الأولى: على كاتب الحديث العناية بالشكل والنقط 126 المسألة الثانية: ينبغي ضبط الحروف المهملة لبيان إهمالها 126 اختلاف العلماء في كيفية ضبط المهمل 127 المسألة الثالثة: ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة، وأن لا يجعل مثل: عبد الله بن فلان، "عبد" في سطر، و"الله بن فلان" في سطر، و"رسول" في سطر و"الله -صلى الله عليه وسلم" في سطر آخر, وما أشبه ذلك مما فيه إبهام، وعدم الفصل بين المضاف والمضاف إليه إذا كان فيه إبهام خلاف المراد 128، 129 المسألة الرابعة: ينبغي المحافظة على الثناء على الله تعالى، وذكر الصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعدم الاقتصار على الصلاة أو السلام، وعدم السأم من تكرار الثناء على الله تعالى، وتكرار الصلاة والسلام على رسوله، ويكره الاكتفاء بالرمز في هذا, وكذلك ينبغي الترضي على الصحابة والترحم على التابعين ومن بعدهم من العلماء والأخيار. 130، 131 المسألة الخامسة: بعد إتمام نسخ الكتاب تجب مقابلته على

الأصل أو نسخة منقولة أو مقابلة على الأصل، وذكر البلقيني أن في المسألة حديثين مرفوعين أحدهما موصول والثاني مرسل 132 المسألة السادسة: إلحاق اللحق وهو السقط بالأصل وهذه المسألة تدل على الدقة الفائقة والتحوط البالغ من المحدثين 133 المسألة السابعة: التصحيح والتضبيب, ويقوم مقام التضبيب اليوم كتابة كلمة "كذا" على ما هو خطأ في المعنى ونحوه مع ثبوت الأصل، وقد سبق إلى هذا ابن الجزري وغيره 134، 135 المسألة الثامنة: إذا وقع في الكتاب المنسوخ لما ليس منه نفي منه إما بالضرب عليه، أو الحك بسكين ونحوها، أو بالمحو بماء ونحوه، وبيان كيفيات الضرب وكيفية الضرب على الزيادة بسبب التكرار 136 المسألة التاسعة: اصطلاحات المحدثين في الرمز لـ"حدثنا" و"أخبرنا" والرمز لـ"حدثني" ولا يرمز لـ"أخبرني"، ولا لـ"أنبأنا"، و"أنبأني"، الرمز لـ"قال" 137 المسألة العاشرة: كتابة حرف "ح"، بين الإسنادين أو الأسانيد, اختلاف العلماء في المراد بها، الصحيح أنها للتحول والانتقال من إسناد إلى آخر 138، 139 المسألة الحادية عشرة: ينبغي في كتابة التسميع أن يكتب الطالب بعد البسملة اسم الشيخ المسمع، ونسبته، وكنيته وطريقة كتابة التسميع، وعلى كاتب التسميع التحري في ذلك والاحتياط وبيان السامع، والمسمع، والمسموع وما يتعلق بهذه المسألة من إعادة الكتب إلى من هو محتاج

إليها مع الإسراع في إرجاعها 140 النتيجة المستخلصة من هذه المسائل, وهي تدل على دقة المحدثين وأمانتهم البالغة وسبقهم إلى الكثير مما قاله المحدثون في تحقيق الكتب المخطوطة ودراستها، وإحيائها 141، 142 صفة رواية الحديث وآدابها، وقد أفرط في ذلك قوم فشددوا، وفرط قوم فتساهلوا 143 مسائل تتعلق بهذا الفصل: المسألة الأولى: تتعلق بحكم رواية الضرير ومثله البصير الأمي إذا لم يحفظ ما سمعه فاستعان بثقة في ضبط سماعه المسألة الثانية: إذا روى طالب الحديث كتابا عن شيخ، ثم وجد نسخة ليس فيها سماعه أو ليست مقابلة على أصل شيخه فما حكم الرواية منها؟ 143 المسألة الثالثة: إذا وجد الحافظ للحديث في كتابه خلاف ما في حفظه فماذا يصنع؟ 144 المسألة الرابعة: الرواية بالمعنى، اتفاق العلماء على أن الإتيان باللفظ الذي سمعه أولى بل أوجبه بعض السلف 145 اختلاف العلماء في جواز الرواية, فمنهم من عمم، ومنهم من خصص, شروط الرواية بالمعنى, الأدلة على جواز الرواية بالمعنى: الدليل الأول 146 الدليل الثاني: ورود حديث مرفوع في ذلك الدليل الثالث: الإجماع على جواز شرح الشريعة وتبليغها للعجم بلسانهم، فجوازه بالعربية أولى، الأحاديث المستثناة من جواز الرواية بالمعنى 147 فائدتان: الأولى: الرواية بالمعنى في غير المؤلفات أما هي فلا

الثانية: الأولى لمن يروي حديثا بالمعنى أن يعقبه بقوله: "أو كما قال" "أو نحوه" أو شبهه ونحوها النتيجة التي نستخلصها من أقوال العلماء في بحث الرواية بالمعنى 148 المسألة الخامسة: هل يجوز اختصار الحديث؟ أو إن راعينا الدقة نقول: هل يجوز الاقتصار على بعض الحديث دون بعض؟ 149 المسألة السادسة: حكم تقطيع أي تجزئة الحديث في الأبواب، تنبيه مهم 149، 150 المسألة السابعة: على طالب الحديث أن يتعلم من النحو، واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، قول بعض أئمة اللغة والحديث في هذا 151 ويتصل بهذه المسألة ما إذا وقع في روايته لحن، أو تحريف، أو تصحيف, أقوال العلماء في هذا 152 أو وقع ذلك في كتاب, أقوال العلماء في هذا، حكم ما إذا كان الإصلاح بزيادة سقط من الأصل، وحكم استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب ثقة غيره أو حفظه 153 المسألة الثامنة: الجمع بين الشيوخ في الرواية عنهم، مثال لصنيع مسلم في "صحيحه" ولصنيع أبي داود في "سننه" 154 المسألة التاسعة: التعريف بالراوي الذي فوق شيخه بذكر نسبه، أو صفته 155 المسألة العاشرة: حذف لفظ "قال" في الإسناد خطا لا نطقا، فعلى القارئ للحديث قراءة محدث أن يذكرها،

وإلا اعتبرت القراءة خطأ، بل اعتبرها ابن الصلاح مخلة بالسماع، وإن خالف هذا في "الفتاوى" وكذلك حذف "أنه" في الإسناد ينبغي ذكرها 156 المسألة الحادية عشرة: طريقة رواية النسخ المشهورة، كنسخة همام بن منبه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم 157، 158 التزام مسلم فيها طريقة واحدة, عدم التزام البخاري فيها طريقة واحدة, ضرب أمثلة لذلك, انتقاد المؤلف للسيوطي في التمثيل 159 صنيع الإمام مالك في "الموطأ" مثل صنيع البخاري, ضرب مثال لذلك 159، 160 بيان أن نسخة الأعرج عن أبي هريرة كنسخة همام عن أبي هريرة, تحقيقات للمؤلف لم يسبق إليها 161 المسألة الثانية عشرة: تقديم المتن على الإسناد أو المتن وبعض الإسناد على الإسناد, فأراد من كان سماعه هكذا تقديم السند كله على المتن فما الحكم؟ 162 المسألة الثالثة عشرة: إذا روى حديثا بإسناد ثم ذكر إسنادا آخر بدون متنه مقتصرا على قوله "مثله" أو "نحوه" فأراد رواية المتن الأول بالإسناد الثاني فما الحكم؟ 162، 163 المسألة الرابعة عشرة: إذا ذكر الراوي الإسناد وبعض المتن ثم قال: وذكر الحديث ولم يتمه، أو قال "بطوله" أو "الحديث" فأراد السامع روايته عنه بكماله، فما الحكم؟ 163 المسألة الخامسة عشرة: هل يجوز تغيير قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ 164، 165 المسألة السادسة عشرة: الجمع بين الشيوخ في سند واحد روى كل شيخ بعضه, اعتراض على البخاري، وجواب العراقي عنه, التنبيه إلى خطأ وقع في نسختي التدريب المطبوعتين، وعدم تنبه أحد إليه هامش ص164 165، 166 المسألة السابعة عشرة: إذا كان في سماعه بعض الوهن فعليه بيانه حال الرواية، وإلا اعتبر تدليسا 166، 167 المسألة الثامنة عشرة: إذا كان الحديث عن رجلين أحدهما ثقة والآخر مجروح أو عن ثقتين فالأولى أن يذكرهما 167 آداب المحدث, علم الحديث من أشرف العلوم, وسائر العلوم في حاجة إليه 168 ما ورد في فضل أهل الحديث وشرفهم، من لقب بأمير المؤمنين في الحديث من الأئمة 169 متى يحدث؟ مسائل في آداب المحدث 170 المسألة الأولى: الأولى أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو علمه أو كونه أعلى سنا، أو سماعه متصلا من فضائل العلماء السابقين, بالهامش 171 من أدب العلماء إذا سئل أن يرشد السائل أو يكل الكلام إلى من هو أعلم منه، وليحرص على تصحيح النية، وطلب العلم لله 171 المسألة الثانية: يستحب للمحدث إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر ويتطيب، ويحسن من هيئته، ويجلس جلسة وقار وهيبة، أقوال للسلف في هذا 172 كراهة أن يقوم المحدث لأحد وهو يحدث وقالوا: إنه يكتب عليه خطيئة، عدم رفع الصوت في مجالس

الحديث، ومثله مجالس العلم، من آداب العلماء في مجالس العلم 173 المسألة الثالثة: مجالس الإملاء التي يعقدها المحدثون للطلاب، هل تعود؟ اتخاذ المستملين والمبلغين في مجالس الحديث التي يحضرها الجم الغفير من الناس 174 من آداب مجالس الإملاء, مخاطبة الإمام المحدث بغاية الأدب والدعاء له، الثناء على الشيوخ عند الرواية عنهم وذكرهم, لما أثر عن السلف في هذا 175 على الشيخ المملي أن لا يروي إلا عن الثقات، وأن يختار من الأحاديث ما لا يشكل على الناس 176 ختم مجلس الإملاء بما ينشط النفوس، ويروح عن القلوب، قول الزهري لأصحابه: "هاتوا من أحاديثكم فإن الأذن مجاجة، والقلب حمض" فائدة في إحياء مجالس الإملاء 177 أداب طالب الحديث على طالب العلم والحديث تصحيح النية بقصده وجه الله تعالى بالعلم 178 وعليه الجد في طلبه، والتفرغ له، وتحمل المشاق في سبيله، والعمل بما يعلم، وأن لا يستأثر به على إخوانه الطلاب, قول السلف في هذا، في آداب طالب الحديث مسائل مهمة. 179 المسألة الأولى: أن يعرف لشيخه وأستاذه حقه وفضله بأن يتواضع له، ولا يترفع عليه، ولا يضجره بكثرة السؤال، وأن يكون علاقته بشيخه علاقة الولد بالوالد بل أشد. 180 وقد كانت علاقة الطالب بأستاذه من أمثل العلاقات في "الجامع الأزهر" ونحوه من الجوامع العلمية. 180 المسألة الثانية: على طالب الحديث والعلم البدء بالسماع من

شيوخ بلده، ثم يرتحل 181، 183 الرحلة في سبيل الحديث والعلم, المسلمون ولا سيما المحدثون سبقوا العالم كله في الارتحال, مثل للرحلة في سبيل العلم، من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، ومن جاء بعدهم 183 المسألة الثالثة: الجمع من العلم والحديث ما يستطيع، ثم الانتخاب والاختيار بعد ذلك, من كلمات المحدثين المأثورة "إذا كتبت فقمش وإذا رويت ففتش" هذه الكلمة أصل لما يتبع في تأليف الكتب والرسائل العلمية التي تنال بها درجات التخصص اليوم 184 المسألة الرابعة: على طالب الحديث والمشتغلين به الجمع للأحاديث والفقه فيها 185 المسألة الخامسة: إذا تأهل طالب العلم للتأليف فليعتن بذلك، وليجعل همه التحقيق والتدقيق، والتمحيص لا مجرد الجمع, لا يثبت العلم، ويذكر به ويعمل على استمراره مثل التأليف، مقالة للإمام النووي في "شرح المهذب" 186 مقالة له في "التقريب" و"شرح المهذب" أيضا، مقالة للزركشي في هذه الأغراض التي لأجلها يكون التأليف 187 أدب أهل العلم والحديث، وطلابه مع الله عز وجل ومع الرسول -صلى الله عليه وسلم 189 تقسيم الحديث من حيث عدد رواته إلى: 1- متواتر 2- وآحاد تعريف المتواتر وبيان شروطه 190 أقسام المتواتر: 1- متواتر لفظي 2- ومتواتر معنوي 191 العلم الذي يفيده المتواتر: أهو علم ضروري؟ أم نظري؟

192، 194 الشبه التي أوردت على المتواتر، والجواب عنها, بيان الحق في قصة الصلب التي يزعمها المسيحيون، وبيان أنها كذب وافتراء على الله تعالى، وعلى عيسى عليه السلام 195 وجود المتواتر من الأحاديث, اختلاف العلماء في ذلك، قال ابن حبان ومن تبعه بعدم وجوده، وقال ابن الصلاح: إنه يندر وجوده، والمحققون من العلماء على وجوده وجود كثرة 196 رأي بعض المحققين أن الخلاف لفظي، رأي المؤلف في أن المتواتر اللفظي موجود ولكنه قليل، وأما المتواتر المعنوي فكثير, أمثلة المتواتر حديث: "من كذب علي متعمدا ... " 197 حديث: "المسح على الخفين" متواتر، وحديث: رؤية الله في الآخرة، وحديث الحوض، متواتر 198 التنبيه إلى خطأ مشهور وهو أن حديث: "إنما الأعمال بالنيات متواتر والحق أنه حديث صحيح فرد في أوله، مشهور في آخره. 198 أخبار الآحاد؛ تعريفها، انقسامها إلى: 1- مشهور 2- وعزيز 3- وغريب "المشهور" والفرق بينه وبين "المستفيض"، المشهور قد يكون صحيحا، أو حسنا، أو ضعيفا 199 أمثلة: للمشهور على الاصطلاح، والمشهور بين المحدثين، والمشهور عند الفقهاء، والمشهور عند الأصوليين، والمشهور عند أهل الحديث والعلماء، إطلاق المشهور على ما ليس له أصل 200 وعلى ما هو موضوع مكذوب وضرب أمثلة له، المؤلفات

في الأحاديث المشهورة 201 كتب الأحاديث المشتهرة يسرت معرفة درجة الأحاديث على الناس, العزيز؛ تعريفه, مثاله 202 الغريب, تعريفه, أقسامه: 1- الفرد المطلق 2- والفرد النسبي 203 إطلاق الغريب على زيادة في متن الحديث أو سنده الغريب ينقسم إلى صحيح وغير صحيح وإلى غريب متنا وإسنادا، وإلى غريب إسنادا لا متنا 204 الحديث من حيث نسبته إلى قائله, المرفوع: تعريف الجمهور له, تعريف الخطيب البغدادي, الموقوف, تعريفه 204 فقهاء خراسان يسمون الموقوف أثرا 205 المقطوع: تعريفه، إلحاق الحافظ ابن حجر بالمقطوع الموقوف على من بعد التابعين فمن بعدهم, الفرق بين المقطوع والمنقطع, مظان الموقوف والمقطوع, اشتراك المرفوع والموقوف والمقطوع في الصحيح والحسن والضعيف 206 حجية ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم, حكم ما ثبت عن الصحابة والتابعين، وهم لصاحب "قواعد التحديث" 206 ما له حكم المرفوع من الموقوف والمقطوع، وفيه مسائل مهمة: المسألة الأولى: قول الصحابي كنا نقول كذا أو نفعل كذا ما حكمه؟ 207 قول الصحابي: كنا لا نرى بأسا بكذا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فينا، قول التابعي: كنا نفعل كذا أو كذا ما حكمه؟

208 المسألة الثانية: قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، قول الصحابي: من السنة كذا ما حكمها؟ 209 الدليل على أن المراد بالسنة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث قصة ابن عمر وابنه سالم مع الحجاج, استدراك على ابن حجر والسيوطي في الهامش 210 حكم قول التابعي: أمرنا بكذا، أو نهينا عن ذلك, وقوله من السنة كذا, المسألة الثالثة 210، 211 قول الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات فيما لا يقال بالرأي, ولا مجال للاجتهاد فيه ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح كلمة غريبة له حكم المرفوع، ومن ذلك القول في أسباب النزول فأما تفاسير الصحابة فيما للرأي فيه مجال ولم يرفعوها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهي موقوفة عليهم 212 الإسرائيليات المكذوبة والباطلة محال أن تكون لها حكم الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم 212 ويلتحق بأقوال الصحابة فيما لا مجال للرأي فيه أفعالهم 212 المسألة الرابعة: من المرفوع اتفاقا ما ورد بصيغة الكناية في موضوع الصيغ الصريحة كقول الراوي عند ذكر الصحابي: يرفع الحديث، أو رفعه، أو مرفوعا، أو ينميه 213 أو يرويه، أو رواية، أو رواه، حكم قول التابعي ذلك 213 "فائدة" ذكرها الحافظ ابن حجر 214 الحديث القدسي: أسماؤه، تحليل طرفي هذا المركب الوصفي، ولم سمى بذلك؟

214، 215 أقوال العلماء في الحديث القدسي ألفظه من الله أم من النبي -صلى الله عليه وسلم؟ 216، 217 القول الأول: لفظه ومعناه من عند الله تعالى, الفرق بينه وبين القرآن الكريم على هذا 218 القول الثاني: لفظه من عند النبي -صلى الله عليه وسلم، ومعناه موحي به, الفرق بينه وبين الحديث النبوي على هذا 218، 220 أمثلة للحديث القدسي من الصحيحين 221 طريقة رواية الحديث القدسي, المؤلفات في الأحاديث القدسية 222 المتصل أو الموصول, تعريفه 223 المسند, أقوال العلماء في تعريفه, النسبة بين التعريفات 224 أقسام الحديث من حيث القبول والرد: صحيح، وحسن، وضعيف، وهذا منهج المتأخرين، ومنهج المتقدمين يقسمونه إلى قسمين: صحيح، وضعيف 225 تعريف الحديث الصحيح, شروطه, شرح التعريف, معنى اتصال السند 226 ما يخرج باتصال السند, شرح معنى العدالة, شرح معنى المروءة، ما يخل بالمروءة 227 المراد بالعدالة التامة، ما يخل بالعدالة، دقة نظر المحدثين في عدل الرواية 228 ما يخرج بشرط العدالة, الضبط, قسماه, عدم الشذوذ, عدم العلة 229 دقة نظر المحدثين في الحكم بالصحة, أقسام الحديث الصحيح, الصحيح لذاته

230 الصحيح لغيره, حكم الحديث الصحيح, هو مقبول، وحجة، ويجب العمل به 231 فوائد مهمة تتعلق بالصحيح, الأولى: تفاوت الصحيح في القوة بحسب التفاوت في الصفات, مراتب الحديث الصحيح بحسب تفاوت أوصاف رواته 232 تصحيح ابن خزيمة أعلى من تصحيح ابن حبان، وتصحيح ابن حبان أعلى من تصحيح الحاكم. 232 الثانية: هل يحكم لإسناد بأنه أصح الأسانيد؟ رأي المحققين في هذا 233 أمثلة لما قيل: إنه أصح الأسانيد بحسب الأشخاص، وبحسب البلاد 233 الثالثة: هل يجوز التصحيح والتحسين لأهل العصور المتأخرة؟ 234 رأي ابن الصلاح, رأي النووي والجمهور 234 الرابعة: طريقة التأليف في القرن الثاني, وفي القرن الثالث. 235 أول من ألف في الصحيح المجرد: البخاري, ثم مسلم, كتاباهما أصح كتب الحديث, قول الإمام الشافعي: "لا أعلم كتابا في الأرض أكثر صوابا من كتاب مالك" 236 الموازنة بين الصحيحين: الجمهور على ترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم، وجه ترجيح صحيح مسلم على صحيح البخاري, وجوه ترجيح صحيح البخاري على صحيح مسلم: 1- رجحانه من حيث اتصال السند 237 2- رجحانه من حيث العدالة والضبط 3- رجحانه من حيث عدم الشذوذ، والعلة 4- رجحانه من حيث جلالة

مؤلفه، وغزارة علمه وأستاذيته لمسلم 238 هل استوعب البخاري ومسلم كل الصحيح؟ الدليل على أنهما لم يستوعبا ذلك، ولا التزاماه قول البخاري: "ما وضعت في كتابي الجامع إلا ما صح", قول مسلم: "ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه" المراد بهذه الكلمة، أدلة أخرى 239 مقالة للحافظ ابن كثير, المستدرك للحاكم أبي عبد الله, معنى الاستدراك 240 ميلاده, من شيوخه؟ من تلاميذه؟ وفاته, ثناء الأئمة عليه, مؤلفاته 241 المستدرك في الميزان، إنكار أبي سعد الماليني، وجود حديث في المستدرك على شرط الشيخين، مقالة ابن الصلاح في ذلك، مقالة الذهبي في المستدرك 242 مقالة ابن كثير فيه، مقالة ابن حجر في "المستدرك" مقالة حق وإنصاف 243 السبب في وقوع الموضوعات في "المستدرك" في رأي الحافظ ابن حجر، اختلاف العلماء في تصحيح الحاكم للأحاديث 244 التعريف ببعض كتب الصحاح: 1- صحيح ابن حبان: حياته, شيوخه, تلاميذه, جمعه إلى العلم بالحديث علم الطب، والفلك، والفلسفة ونحوها, انحراف بعض العلماء عنه بسبب ذلك, الحق أن الاشتغال بهذه العلوم لا يجرح, تعديل بعض العلماء له وأثنوا عليه منهم: الحاكم، والخطيب البغدادي 245 مؤلفاته, التقاسيم والأنواع, سلوكه فيه مسلكا مغايرا

لمناهج المحدثين في التأليف، رأي ابن الصلاح، والعراقي، والسيوطي في نسبة التساهل في الصحيح إليه 246 2- صحيح ابن خزيمة: من هو؟ حياته, شيوخه وتلاميذه, جمعه بين الحديث والفقه حتى بلغ فيه رتبة الاجتهاد, ثناء الأئمة عليه: ابن حبان، والدارقطني، وابن أبي حاتم 247 مؤلفاته: كثيرة كما قال الحاكم, أجلها الصحيح, تصحيحه أعلى من تصحيح ابن حبان والحاكم, من مميزاته التوفيق بين الأحاديث حتى قال: "من كان عنده شيء من هذا -أي التعارض بينها- فليأتني به لأؤلف له بينهما" 3- المنتقى لابن الجارود: من هو مؤلفه؟ عدد أحاديثه 248 4- المنتقى لقاسم بن أصبغ الأندلسي: مؤلفه، شيوخه، تلاميذه، علمه وثناء الأئمة عليه، مؤلفاته: "الصحيح" و"المنتقى" 249 5- صحيح ابن السكن: مؤلفه، شيوخه وتلاميذه، مؤلفاته: "الصحيح المنتقى" 250 المختارة للمقدسي: مؤلفها، شيوخه، وتلاميذه، ثناء الأئمة عليه, مؤلفاته, المختارة: وصفها، وبيان درجة أحاديثها, تصحيح المقدسي أعلى مزية من تصحيح الحاكم 251 ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية لها على مستدرك الحاكم, تنبيه مهم, عدد أحاديث الصحيحين 252 قول ابن الصلاح, متابعة النووي وابن كثير له، الذي حرره الحافظ ابن حجر غير ذلك وقال: بلغ السيد المحقق

محمد فؤاد عبد الباقي بها بالمكرر إلى 7563 حديثا، والمعتمد تحرير الحافظ ابن حجر عدد أحاديث صحيح مسلم, قول النووي: إنه بدون المكرر أربعة آلاف، قال العراقي وهو بالمكرر يزيد على ذلك ونقل عن أحمد بن سلمة أنه اثنا عشر ألف حديث 253 تعداد أحاديث صحيح مسلم بدون المكرر في النسخة التي حققها محمد فؤاد عبد الباقي 3033 المعلقات في صحيحي البخاري ومسلم, حكم ما علقه البخاري في صحيحه 254، 255 حكم ما علقه بصيغة الجزم، وحكم ما علقه بغير صيغة الجزم، حكم ما يذكره البخاري عن شيوخه بصيغة قال ونحوها، رد ابن الصلاح على ابن حزم زعمه أن حديث "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف" منقطع فيما بين البخاري وهشام بن عمار. 256 حكم التعليق عند الإمام مسلم في صحيحه -كلام النووي في هذا 257 قول مسلم في مقدمة صحيحه: "ويذكر عن عائشة ... إلخ" الأحاديث المنتقدة على الصحيحين, عدتها, ما اتفقا فيه, ما انفرد كل منهما به, رد الحافظ ابن حجر في مقدمة شرحه على ما يتعلق بأحاديث البخاري أو اشترك فيه البخاري ومسلم, رد النووي في شرحه على ما يختص بصحيح مسلم 258 سلامة الصحيحين من الضعيف فضلا عن الموضوع, الحديث الصحيح أيفيد العلم القطعي اليقيني أم الظن؟ خلاف بين العلماء

259 هل أحاديث الصحيحين تفيد اليقين والعلم القطعي؟ خلاف بين العلماء، ابن الصلاح وابن تيمية وآخرون إلى أنها تفيد القطع في صحتها، وذهب النووي وآخرون إلى أنها تفيد غلبة الظن 260 موافقة الحافظ ابن كثير، والحافظ ابن حجر لما ذهب إليه ابن الصلاح, اختيار المؤلف لما ذهب إليه ابن الصلاح وموافقوه, هذا العلم يحصل لمن درس كتب الحديث دراسة مستفيضة، واطلع على شروط الأئمة في الحكم بالصحة، وهو أمر غريب لمن ليس كذلك ولكل فن وصنعة أربابها العارفون بها، المتمرسون في مزاولتها 261 مظان الحديث الصحيح بعد الصحيحين: الموطأ، وكتب السنن الأربعة وسنن الدارقطني 262 من مظان الصحيح الكتب المؤلفة في الصحيح، والكتب المستخرجة على الصحيحين 263 ومنها: كتاب المختارة, ومنها كتب المسانيد, تعقيبات وتنبيهات 263 "الأول", "الثاني" 264 "الثالث" و"الرابع" و"الخامس" 265 الحديث الحسن: تعريفاته, تعريف الخطابي, شرحه 266 نقد تعريف الخطابي, تعريف الترمذي 267 نقد تعريف الترمذي, تعريف أبي الفرج بن الجوزي, انتقاد هذا التعريف 268 تعريف ابن الصلاح للحسن لذاته، وللحسن لغيره، تنبيهات وتعقيبات

268 التنبيه الأول: شرط الاتصال في الحسن بقسميه, وكذا العدالة, الضبط في الصحيح الضبط الكامل، أما الضبط في الحسن فدون ذلك 269 التنبيه الثاني: ليس كل ضعف يزول بالورود من طريق آخر فمنه ما يزول ومنه ما لا يزول 269، 270 التنبيه الثالث: جرت عادة المحدثين أن يقولوا: هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد دون قولهم: حديث صحيح أو حديث حسن فما السبب في ذلك؟ 270 التنبيه الرابع: ما اصطلح عليه البغوي في كتابه "المصابيح" عن تقسيمه الأحاديث: 1- إلى صحاح وهو ما خرجه الشيخان أو أحدهما 2- وإلى حسان وهو ما خرجه أصحاب السنن ونحوهما هو اصطلاح له خاص وقد انتقد عليه 271 الاحتجاج بالحديث الحسن, مظان الحسن, جامع الترمذي وسنن أبي داود، مقالة لابن الصلاح فيما لم يذكر فيه أبو داود تصحيحا ولا تحسينا ولا تضعيفا فهو حسن 272 من مظانه مسند الإمام أحمد، وسنن النسائي، وابن ماجه، والدارقطني 272 قول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، واختلاف العلماء في الجواب عنه 273 جمع الترمذي بين الحسن والغرابة 274 جواب الحافظ عن الجمع بين الحسن والغرابة, قول السيوطي في "التدريب" 275 خاتمة: من أقسام المقبول: الجيد، والقوي، والصالح، والمعروف، والمحفوظ، والمجود، والثابت، ثم أخذ في

تعريفها وزاد المشبه وعرفه 276 الضعيف تعريفه, أقسام الضعيف 277 حكم الحديث الضعيف رواية وعملا, أما الموضوع فلا يجوز روايته إلا مقترنا ببيان وضعه، وأما العمل به فلا يجوز لا في العقائد، ولا في الحلال والحرام، ولا في المواعظ والقصص، وفضائل الأعمال, وأما الضعيف المحتمل فتجوز روايته من غير بيان ضعفه في فضائل الأعمال والمواعظ والقصص ونحوها، وإلى هذا ذهب ابن الصلاح في "علوم الحديث" 278 قول القاضي أبي بكر بن العربي: لا يعمل به مطلقا لا في الحلال والحرام ولا في الفضائل ونحوها, بعض العلماء أجاز روايته من غير بيان ضعفه والعمل به بشروط خمسة، رأي المؤلف في أنه لا تجوز روايته أو ذكره إلا مقترنا ببيان ضعفه ولا سيما في هذه العصور المتأخرة التي قلت فيها العناية بالأحاديث والسنن ومعرفة درجة الحديث 279 من نقل حديثا صحيحا بغير إسناد وجب عليه ذكره بصيغة الجزم، ومن نقل حديثا ضعيفا بغير إسناد أو حديثا لا يعلم حاله فإنه يجب أن يذكره بصيغة التضعيف كرُوي أو يُروى أو يُذكر ونحوها, والأولى والأحوط لمن يعرف ضعف حديث أن يبين ذلك حتى لا يغتر به الناس 280 المرسل لغة واصطلاحا, تعريف جمهور المحدثين, شرح التعريف 281 تعريف بعض المحدثين, مثال المرسل عند جمهور المحدثين, تعريف الفقهاء والأصوليين نقد تعريفهم

282 حكم المرسل عند المحدثين, حكم المرسل عند الفقهاء 283 احتجاج الإمام أحمد به في رواية عنه، والإمام أبي حنيفة بشرط أن يكون مرسله من أهل القرون الفاضل، ونقل ابن عبد البر وغيره من المالكية الاحتجاج به بشرط أن يكون مرسله لا يرسل إلا عن الثقات 284 الإمام الشافعي رحمه الله, يأخذ بالمرسل الذي أرسله كبار التابعين بشروط ذكرها في كتاب "الرسالة" ما قيل: إنه لا يحتج إلا بمراسيل سعيد بن المسيب غير صحيح كما حقق ذلك النووي, بعض التابعين كالحسن البصري قد يرسل إذا سمع الحديث من كثير من الصحابة, مرسل الصحابي: تعريفه 285 حكمه, ما يقال من أن ابن عباس لم يسمع من الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أربعة وقيل: تسعة، وقيل: عشرة قول غير صحيح فقد حقق الحافظ ابن حجر أنها نحو الأربعين, الهامش 285 رواية الصحابة عن التابعين قليلة، وهي على قلتها ليست أحاديث مرفوعة، ولا من أحكام الحلال والحرام وإنما هي إسرائيليات، أو قصص وحكايات، أو موقوفات 286 المنقطع: تعريف الحاكم له, نقده, مثاله 287 تعريف الفقهاء وبعض المحدثين المنقطع والمرسل عندهم سواء، مثاله 288 تعريف المحققين من المحدثين, مثاله, بم يعرف الانقطاع, أهمية علم "تاريخ الرجال" عند المحدثين 289 فائدة تتعلق بالمنقطع, الاعتراض بأن في صحيح مسلم أحاديث منقطعة, والجواب عنها

289 المعضل: مأخذه اللغوي 290 صحة هذه التسمية لهذا النوع لغة، المعضل اصطلاحا, قول الإمام مالك في الموطأ بلغني عن 291 أبي هريرة مما يلحق بالمعضل, فائدتان, الأولى, الثانية 292 تفريعات: الأول: الإسناد المعنعن, أهو من قبيل المتصل أم من قبيل المرسل والمنقطع؟ 293 الثاني: قول الراوي أن فلانا وهو المؤنن أهو مثل ما قيل فيه "عن" أم لا؟ الثالث: الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا، ورواه بعضهم متصلا ما حكمه؟ 294 حديث "لا نكاح إلا بولي" حكم البخاري لمن وصله لا لمن أرسله 294 المعلق تعريفه لغة واصطلاحا, مثاله, حكم المعلق في غير الصحيحين 295 المدلس: تعريفه لغة, واصطلاحا، أقسامه, القسم الأول 296 تعقب الحافظ ابن حجر لابن الصلاح في تعريف هذا القسم, ذم هذا النوع 297 حكم هذا النوع الأول من التدليس 298 القسم الثاني من أقسام التدليس: تدليس الشيوخ, مثاله, حكمه 299 القسم الثالث من أقسام التدليس: تدليس التسوية 300 حكم هذا القسم من التدليس 300 الشاذ لغة واصطلاحا 1- التعريف الأول تعريف الشافعي

2- الثاني تعريف الخليلي 3- تعريف الحاكم أبي عبد الله 301 نقد تعريف الخليلي، والحاكم, تعريف ابن الصلاح 302 تعريف الحافظ ابن حجر للشاذ, مثاله في السند, مثاله في المتن 303 المحفوظ, تعريفه, المنكر, تعريفه, جعل ابن الصلاح الشاذ والمنكر واحدا، وفرق بينهما الحافظ ابن حجر, هذه إحدى مسائل الخلاف بين الشيخ أبي عمرو, والحافظ 304 تمثيل الحافظ ابن حجر للمنكر بحديث "من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحج، وصام، وقرى الضيف دخل الجنة" تعريف آخر للمنكر، المعروف المحفوظ، والمعروف مما أهملهما ابن الصلاح، واستدركها عليه الحافظ ابن حجر 305 فائدة قول بعض العلماء: أنكر ما رواه فلان 305 المتروك: تعريفه لغة واصطلاحا، وهو نوع مستقل ذكره الحافظ ابن حجر 305 المعل لا "المعلول" ولا "المعلل" تحقيق التسمية لغة 306 تخطئة ابن الصلاح والنووي لمن يقول: "المعلل" و"المعلول" لأن كلا منهما يفيد معنى غير المراد، والتحقيق أن يقال: "معل" العلة في اصطلاح العلماء 307 علم العلل من أدق وأغمض أنواع علوم الحديث, الطريق إلى معرفة العلة, المحدث في إدراك العلة كالصيرفي الماهر، والطبيب الحاذق، أقوال العلماء في هذا. 308 معنى أن هذا العلم الهام, بم تكون العلة؟ العلة تكون في السند والمتن, مثالهما

309 كلام العراقي والسيوطي في حديث العلة في المتن, التوسع في إطلاق اسم العلة 310 الكتب المؤلفة في العلل, المضطرب: تعريفه لغة واصطلاحا, حكم الاضطراب 311 أنه يوجب ضعف الحديث, أقسام المضطرب، مثال الاضطراب في المتن, ومثاله في السند 312 المدرج, تعريفه, أقسامه: 1- مدرج المتن 2- ومدرج السند المدرج قد يكون في أول السند, مثاله، وقد يكون في وسطه, مثاله 313 وقد يكون في آخره, مثاله, الثاني: مدرج السند, وهو أقسام: الأول, الثاني 314 الثالث من الأقسام ويشمل صورتين, مثال للصورة الأولى, مثال للثانية 315 حكم الإدراج, المؤلفات في المدرج 315 المقلوب تعريفه لغة واصطلاحا, قسماه: 1- مقلوب المتن 2- مقلوب السند مثال لمقلوب المتن 316 مثال آخر لمقلوب المتن, القلب في الإسناد قد يكون خطأ وقد يكون غلطا 317 القلب عمدا كما حدث من علماء بغداد لما قدم عليهم البخاري امتحانا له وقد اعترف له العلماء بالعلم الغزير بالأحاديث، والحفظ، وأذعنوا له بالفضل 318 القلب عمدا لا يجوز إلا بقصد الاختبار، وشرط الجواز أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة, القلب

عمدا لا لمصلحة بل للإغراب يعتبر من أقسام الموضوع، ولو غلطا فهو ملحق بالموضوع 318 المطروح لم يذكره إلا الذهبي, تعريفه, ترتيب بعض العلماء أقسام الضعيف من الضعيف إلى الأضعف وبعضهم من الأعلى في الضعف إلى الأدنى والعجب من ابن الصلاح والنووي حيث جعلا المقلوب بعد الموضوع مع قولهم أن الموضوع شر أنواع الضعيف 319 الموضوع: تعريفه لغة واصطلاحا, المناسبة بين المعنيين ظاهرة 320 الموضوع غلطا, مثاله, الألفاظ الدالة على الوضع صراحة وكناية 321 حكم رواية الموضوع, حكم بعض المحدثين على من يروي الموضوعات من غير بيان التعزير، مقالة للبخاري، ويحيى بن معين في هذا 322 مقالة ابن حجر الهيثمي في خطيب يرقى المنبر كل جمعة فيذكر أحاديث من غير أن يبين مخرجها، ودرجتها، وليس من أهل العلم بالحديث, أنه يعزر وعلى حكام كل بلد أن يحولوا بينهم وبين ذلك, وهي فتوى جديرة بالتنفيذ، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن 323 حرمة الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحكمه 324 جمهور العلماء على أن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبيرة، وذهب أبو محمد الجويني إلى أن من تعمد ذلك كفر, ووافقه آخرون ولا سيما في الحلال والحرام 324 هل تقبل رواية من كذب في الحديث وإن تاب؟ اختلاف العلماء في ذلك

325 أقسام الموضوع, مع ذكر الأمثلة له 326 متى نشأ الوضع في الحديث؟ 327 عرض موجز لحركة الوضع في الحديث 328 الأسباب الحاملة على الوضع والاختلاف: 1- الزندقة 2- الخلافات السياسية 3- التعصب للجنس, والمكان، واللغة 330 4- الخلافات الكلامية، والفقهية، والتعصب لأئمة المذاهب حتى أدى ذلك إلى الوضع والاختلاف في فضائل بعض الأئمة وذم بعضهم، والله ورسوله من ذلك بريئان 331 5- قصد استهواء العامة كما يفعل القصاصون, التنبيه إلى قصة باطلة 332 6- قصد ترغيب الناس في فعل الخير, ومن هؤلاء قوم من جملة الزهاد والمتصوفة، وقالوا: إنه كذب له لا كذب عليه, الرد عليهم في جهالاتهم ومزاعمهم 7- اتباع هوى الملوك والأمراء بالوضع والاختلاف, افتضاح أمرهم، وظهور خزيهم 333 الوضاعون, منهم الساذج، ومنهم الخبيث الماكر, ذكر نماذج منهم 334 ذكر بعض الوضاعين, رتن الهندي دجال كذاب، تشكك الإمام الذهبي في وجوده, وأنا أميل إلى هذا، وأنه شخصية خيالية 335 الصحبة لا تثبت بعد سنة مائة وعشر للهجرة للحديث

الذي اتفق عليه الشيخان 335 أمارات الوضع في الحديث 1- اعتراف واضعه بوضعه صراحة أو حكما 336 2- ركاكة اللفظ وقد تجتمع مع ركاكة اللفظ ركاكة, ضرب أمثلة له 337 3- ركاكة المعنى وتكون بمخالفة ما يدل عليه العقل صراحة أو استلزاما كالجمع بين الضدين، أو النقيضين، أو يؤدي إلى المحال كحدوث الخالق، وقدم العلم ونحو ذلك 4- من القرائن اشتمال الحديث على المجازفات والمبالغات التي لا تصدر من عاقل حكيم والتي تقلل من قيمة الأعمال وتغري على المعاصي ونحو ذلك 338 5- المخالفة للحس، والمشاهدة حيث لا يقبل التأويل المقبول 6- مخالفة الحديث لصريح القرآن، أو السنة المتواترة، أو الصحيحة المسلمة، أو الإجماع حيث لا يقبل التأويل وضرب أمثلة لذلك 339 7- من القرائن مخالفة الحديث لسنن الله الكونية في الخلق مثل حديث "عوج بن عوق" 8- من القرائن أن يكون الحديث مشتملا على سماجات، وسفاسف 9- ومنها أن يكون الحديث في فضائل عليّ والراوي رافضي، أو في الإرجاء والراوي مرجئ، أو في القدر والراوي قدري وضرب أمثلة لذلك 340 آثار الوضع السيئة: 1- أن ترعرت في ظله مذاهب سياسية ومذهبية 2- أنها فتحت أبوابا لطعن القساوسة والمستشرقين في الإسلام 341 3- الضرر بالعقيدة 4- تكثير البدع

342 5- التهاون بالأعمال الصالحة والتكاسل عنها 6- تعطيل الناس عن العمل النافع المفيد 343 7- من أسوأ الآثار اغترار بعض المسلمين بها، وأوردوها في كتبهم، ورسائلهم، ومحاضراتهم وخطبهم، وندواتهم, اشتمال كثير من كتب العلوم على الموضوعات والإسرائيليات 344 الموضوعات وكتب العلوم, الموضوع وكتب التفسير، التفسير بالمأثور, التفسير بالرأي والاجتهاد، التفسير بالمأثور أسبق في الوجود من التفسير بالرأي والاجتهاد 345 كلام قيم لابن خلدون, كيف تدسست الإسرائيليات إلى كتب التفسير 346 مقالة لشيخ الإسلام ابن تيمية 347 نظرات موجزة في كتب التفسير من حيث اشتمالها على الإسرائيليات والموضوعات 348 حديث موضوع باتفاق الحفاظ, وهو حديث أبي بن كعب في فضائل القرآن سورة، سورة. 349 هؤلاء المتصوفة الجهلة الذين أجازوا الوضع في الحديث هم الذين عناهم يحيى القطان بقوله: "لم نر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث" وهم الذين عناهم أبو عاصم النبيل حينما قال "ما رأيت الصالحين يكذبون في شيء أكثر من الحديث" ورود أحاديث صحيحة وحسنة في فضائل بعض السور, بطلان قصة الغرانيق 350 من الموضوعات قصة هاروت وماروت, وما روي في قصص يوسف، وداود، وفتنة سليمان، وقصة أيوب عليهم الصلاة والسلام

351 من المختلق الموضوع: ما ورد في قصة زواج النبي -صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش -ومن ذلك ما يذكره بعض المفسرين في بدء الخلق، وأسرار الوجود، وتعليل بعض الظواهر الكونية كالرعد، والبرق، والزلازل ونحوها 352 ومن ذلك ما ذكره بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} وفي تفسير قوله تعالى {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} الموضوعات وكتب الفقه والأصول 353 كتب التخاريج لكتب الفقه مهمة جدا، ذكر بعض الموضوعات في كتب الأصول 354 الموضوع وكتب الوعظ، والتصوف، والأخلاق مثل: "الإحياء"، للإمام الغزالي و"قوت القلوب" لأبي طالب المكي و"غنية الطالبين" للجيلاني, التخريج لأحاديث الإحياء، عمل حق وجميل ومن الكتب التي أحذر الناس من قراءاتها: "تنبيه الغافلين" للسمرقندي و"بستان العارفين" له وكتاب "نزهة المجالس" فقد أفسدت عقول الناس 355 ومن الكتب التي وقع فيها الموضوعات: "عوارف المعارف" للسهروردي وكتاب "صفة التصوف" له، وكتاب "الحلية" لأبي نعيم 356 الموضوعات وكتب السير والمواليد، الموضوعات وكتب العقائد والكلام, الموضوعات وكتب النحو والقواعد 357 الموضوعات وكتب الأدب واللغة, إسراف صاحب كتاب "نهاية الأدب" في ذكر القصص الإسرائيلي والموضوعات 358 العلماء في مقاومة حركة الوضع، وتنقية السنة،

والأحاديث, أقوال بعض العلماء في هذا، أبي إسحاق الفزاري، وابن المبارك 359 اتخاذ هذا الجهاد مظاهر شتى: 1- المبادرة بجمع الأحاديث وتدوينها تدوينا عاما في وقت مبكر 360 2- تأليف كتب أخرى في "الجرح والتعديل" 3- تأليف الكتب التي جمعت فيها الأحاديث الموضوعة وتحت هذا نوعان من الكتب، النوع الأول: كتب خاصة بالموضوعات وهي كثيرة 361 أشهر الكتب المؤلفة في الموضوعات 362 النوع الثاني كتب غير خاصة بالموضوعات وهي قسمان: أ- كتب الأحاديث المشهورة، وذكر بعضها ب- كتب التخاريج 363 جملة من كتب التخاريج، وهي من أنفع الكتب في مقاومة الموضوعات وإبطال أثرها 364 كتب أخرى للتخاريج 364 الاعتبار، والمتابعات والشواهد، ما هو الاعتبار؟ وما هو المتابع؟ وما هو الشاهد؟ 365 مثال يوضح معنى الاعتبار، والمتابع، والشاهد 366 التمثيل بما هو في كتب الحديث, ابن الصلاح جعل المتابعة في اللفظ والشاهد في الموافقة 367 في المعنى, وقد خالف الحافظ ابن حجر الشيخ ابن الصلاح فجعل المتابعة فيما إذا كانت عن الصحابي الذي روى الأصل ولو كانت بالمعنى, والشاهد فيما إذا كان عن صحابي آخر ولو كان باللفظ, وهذه ثاني مسائل الخلاف بين الشيخ أبي عمرو, والحافظ ابن حجر

368 قد يطلق البعض المتابعة على الشاهد، والشاهد على المتابعة, حكم الحديث الذي لم يوجد له متابع ولا شاهد 369 يقبل في المتابعات والشواهد رواية من لا يحتج به, فائدة, معرفة الإفراد, تعريفه لغة، واصطلاحا 370 الفرد المطلق, الفرد النسبي, التفرد لا يقتضي الضعف, حكم التفرد 371 أمثلة لما تفرد به أهل بعض البلاد 372 أمثلة أخرى للتفرد, المؤلفات في هذا النوع 373 معرفة زيادات الثقات وحكمها, المشهورون في هذا العلم, تعريفه 374، 375 مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبول الزيادة مطلقا, ترجيح ابن حزم لهذا القول في كتابه: "الإحكام" أقوال أخرى قال بها بعض العلماء 376 تقسيم ابن الصلاح لزيادات الثقات إلى ثلاثة أقسام وبيان حكم كل قسم, تمثيل ابن الصلاح بحديث "جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا" وفي رواية انفرد بها راويها "وجعلت تربتها لنا طهورا" 377 اختلاف الأئمة الفقهاء: أيجوز التيمم بكل أجزاء الأرض، أم بالتراب خاصة؟ تمثيل ابن الصلاح بحديث عبد الله بن عمر في زكاة الفطر، وانفراد الإمام مالك بزيادة "من المسلمين" 378 معارضة النووي وابن كثير والعراقي لابن الصلاح في قوله بتفرد مالك بها 379 انتقاد الحافظ ابن حجر لقول القائل بالقبول مطلقا

فائدة, حكم القسم الثالث 380 الاختلاف بالوصل والإرسال، والرفع والوقف, المزيد في متصل الأسانيد تعريفه, ممن صنف فيه الخطيب البغدادي قال ابن الصلاح: في كثير مما جاء فيه نظر 381 مثال المزيد في متصل الأسانيد, المراسيل الخفي إرسالها 382 الإرسال منه ما هو ظاهر, ومنه ما هو خفي, بم يعرف ذلك, مثال لذلك 383 المراسيل الخفي إرسالها، والمزيد في متصل الأسانيد قد يعترض بكل منهما على الآخر 384 هذان النوعان ومثلهما من أنواع علوم الحديث يشهدان للمحدثين بالحفظ وسعة الاطلاع ودقة النظر، ولو تأمل في ذلك المستشرقون وأبواقهم لما قالوا في المحدثين، ما قالوا 385 علم الجرح والتعديل، تعريف التعديل, تعريف الجرح, جواز الجرح، وإن كان غيبة، بعض الآيات والأحاديث الدالة على جوازه 386 تكلم بعض الصحابة والتابعين في الجرح, كلامهم في جواز ذلك, من الذي يستأهل أن يكون ناقدا 387 كلام جيد للسبكي, كلام حق للحافظ ابن حجر 388 كلام لصاحب "فواتح الرحموت" المحدثون على حق حينما قالوا: لا يقبل قول المتعاصرين في الآخر, مناهج النقاد في النقد 389 تقسيم بعض الأئمة النقاد إلى ثلاثة أقسام: 1- قسم متعنت 2- وقسم متسامح 3- وقسم معتدل

390، 391 مشاهير المتصدين للجرح والتعديل, بم تثبت عدالة الراوي 392 هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل؟ 393 إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فأيهما يرجح؟ بم يكون الجرح؟ 394، 395 المراد بالبدعة، وحكم رواية المبتدع, كلام قيم جدا للحافظ ابن حجر 396 تخريج صاحبي الصحيحين أو أحدهما لبعض الدعاة من الخوارج، والمرجئة، لاعتبارات ظهرت لهم 397 كلام حسن للإمام الذهبي في البدعة وانقسامها إلى صغرى، وكبرى 398 نصيحة من المؤلف للرافضة وأمثالهم في نبذ بدعهم، والدخول في حوذة أهل السنة والجماعة 398 هل يجزئ التعديل على الإبهام؟ 399 فائدتان مهمتان: الأولى: إذا قال الشافعي: أخبرنا من لا أتهم فهو كقوله: أخبرني, الثقة الثانية: إذا قال مالك عن الثقة عن فلان فمن المراد به؟ 400، 401 أقوال الأئمة فيما إذا قال مالك: أخبرني من لا أتهم وإذا قال أخبرنا الثقة, مقالة للحافظ ابن حجر فيما إذا قال مالك عن الثقة وفيما إذا قال الشافعي عن الثقة ومقالة الربيع الجيزى، وللحافظ أبي الفضل الفلكي، ولعبد الله بن أحمد 403 هل الرواية عن شخص سماه تعتبر تعديلا؟ هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له 403 أقوال الأئمة في ذلك

404 جهالة الراوي: 1- جهالة العين 2- جهالة الحال ظاهرا أو باطنا 3- جهالة الحال باطنا دون الظاهر وهو المستور 405 حكم رواية المجهول, أقوال العلماء في ذلك 406 مسائل زادها النووي على ابن الصلاح: المسألة الأولى: يقبل تعديل العبد والمرأة, المسألة الثانية: من عرفت عينه وعدالته وجهل اسمه احتج به المسألة الثالثة: إذا قال: أخبرنا فلان أو فلان على الشك وهما عدلان احتج به 407، 409 ألفاظ الجرح والتعديل، ومراتبها: المرتبة الأولى, المرتبة الثانية, المرتبة الثالثة, المرتبة الرابعة, المرتبة الخامسة 410 المرتبة السادسة, المرتبة السابعة, المرتبة الثامنة, فائدة: قولهم مقارب الحديث 411 فائدة أخرى: قولهم: إلى الصدق ما هو, ألفاظ التجريح ومراتبها ست: المرتبة الأولى, المرتبة الثانية, المرتبة الثالثة, المرتبة الرابعة 412 المرتبة الخامسة, المرتبة السادسة, فائدة مهمة تتعلق بألفاظ التجريح أيضا 413 فائدة مهمة: قولهم: هو على يدي عدل, تنبيه مهم في العفة في النقد والتجريح 414 بهذا الأدب العف في النقد ينبغي أن يقتدي النقاد 414 المسلسل من الحديث: تعريفه لغة واصطلاحا, فائدة هذا النوع 415 أقسام التسلسل, الأمثلة لأنواع التسلسل: 1- مثال

المسلسل بالأحوال القولية 2- مثال المسلسل بالأحوال الفعلية 416 3- مثال المسلسل بهما 4- مثال المسلسل بصفات الرواة القولية 417 5- مثال المسلسل بصفات الرواة الفعلية 6- مثال المسلسل بصفات الرواية المتعلقة بصيغ الأداء كسمعت، أو حدثنا، أو أخبرنا، أو أنبأنا مثلا. 418 7- مثال المسلسل بزمن الرواية 8- المسلسل بمكان الرواية 9- المسلسل بتاريخ الرواية المسلسلات لا تخلو من ضعف في التسلسل 419، 421 تعقيب على السخاوي في قوله: إن حديث "خلق الله التربة" صحيح، وهذا التعقب لم يسبق إليه، والحديث مخالف للمتواتر القطعي وهو القرآن والحديث مما وقع فيه الغلط من بعض رواته فرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- والحق أنه موقوف على كعب الأحبار 422 التسلسل التام، وغير التام, أصح مثل للتام الحديث المسلسل بقراءة سورة الصف مثال لانقطاع التسلسل في الآخر, أشهر المؤلفات في المسلسلات 423 سرد بعض كتب المسلسلات, كتب أخرى ذكر مؤلفيها السخاوي 424 علم علل الحديث وهو علم مهم, سبق التأليف فيه قبل صيرورة علوم الحديث فنا مدونا، تعريف هذا العلم 425 هذا العلم لم يتكلم فيه إلا الجهابذة النقاد 426 تعليق المؤلف على كلمة ابن مهدي: إن هذا العلم إلهام 427، 430 المؤلفات في علم علل الحديث: 1- العلل ليحيى بن معين

2- العلل لعلي بن المديني 3- العلل للإمام أحمد بن حنبل 4- المسند المعلل ليعقوب بن شيبة 5- العلل للترمذي 6- العلل للخلال 7- العلل لأبي حاتم الرازي 8- العلل للدارقطني 9- الزهر المطلول في الخبر المعلول، للإمام الحافظ ابن حجر, كلام للشيخ أحمد شاكر في هذا 430، 433 علم غريب الحديث: معنى الغريب لغة واصطلاحا, منشأ الغريب في الحديث وتاريخه, التثبت في القول في غريب الحديث 434، 440 المؤلفون في هذا العلم: 1- قيل أول من ألف فيه النضر بن شميل 2- وقيل: أول من ألف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى ثم النضر بن شميل، ثم الأصمعي 435 3- ثم ألف أبو عبيدة القاسم بن سلام 4- ثم ابن قتيبة 436 5- ثم قاسم السرقسطي 6- ثم الخطابي 7- ثم أبو عبيد الهروي في كتابه "الغريبين" 437 8- ثم أبو موسى المديني 9- ثم عبد الغفار بن إسماعيل الفارسي 438 ملاحظة للمؤلف على من ألفوا في الغريب 10- ثم جار الله الزمخشري في كتابه: "الفائق في غريب الحديث" 11- ثم المجد بن الأثير في كتابه الجليل النهاية 439 وهناك كتب أخرى كثيرة جدا ذكرها العلامة الكتاني في "الرسالة المستطرفة" وذكرها المحققان الفاضلان لكتاب النهاية, أجود التفسير للغريب ما جاء مفسرا في رواية أخرى 440 علم مختلف الحديث, أهمية هذا العلم, معنى مختلف

الحديث في اللغة 441 معناه في الاصطلاح، نفي ابن خزيمة والباقلاني وجود تعارض بين حديثين من كل وجه 442 مشكل الحديث, الفرق بين "مختلف الحديث" و"مشكل الحديث" 443 أمثلة لمشكل الحديث، النسبة بينهما، شرط لا بد منه في "المختلف والمشكل" 444 المختلف قسمان: 1- ما يمكن الجمع بينهما, مثاله في الأحكام, مثاله في غير الأحكام حديث "لا عدوى" وما يعارضه 445 مسالك العلماء في الجمع بينها: 1- أحدها 2- ثانيها 446 ثالثها, رابعها, الثاني من القسمين: ما لا يمكن الجمع بينهما, وهو نوعان: 1- أن يعرف المتقدم من المتأخر فيكون المتأخر ناسخا للمتقدم 2- أن لا يعرف فيكون الترجيح 447 وجوه الترجيح, وصل بها العلماء إلى أكثر من مائة وجه, قسمها السيوطي إلى سبعة أقسام 447، 449 القسم الأول: الترجيح بحال الراوي ويدخل تحت ذلك أربعون وجها, سردها كلها 449 القسم الثاني: الترجيح بالتحمل, ويدخل تحت ثلاثة وجوه القسم الثالث: الترجيح بكيفية الرواية, ويدخل تحته عشرة وجوه 450 القسم الرابع: الترجيح بوقت الورود, ويدخل تحته ستة وجوه 450، 451 القسم الخامس: الترجيح بلفظ الخبر, ويدخل تحته خمسة

وثلاثون وجها 451، 452 القسم السادس: الترجيح بالحكم, ويدخل تحته أربعة وجوه 452 القسم السابع: الترجيح بأمر خارجي, ويدخل تحته أحد عشر وجها فجملة وجوه الترجيح على التدقيق مائة وجه وتسعة وجوه "109" 453 إن لم يمكن الترجيح فالتوقف, أشهر الكتب المؤلفة في "المختلف" و"المشكل" 454 1- "اختلاف الحديث" للإمام الشافعي رحمه الله 455 2- تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة 456 3- كتاب "مشكل الآثار" للطحاوي المصري الحنفي 4- "مشكل الحديث وبيانه" لابن فورك 457 رأي المؤلف في هذه الكتب 459 ناسخ الحديث، ومنسوخه, أهمية هذا العلم, النسخ لغة 460 النسخة في الاصطلاح, شرح التعريف, بم يعرف النسخ؟ 1- يعرف بتصريح النبي -صلى الله عليه وسلم 461 2- أو بتصريح الصحابي 3- ومنه ما عرف بالتاريخ 462 4- ومنه ما عرف بالإجماع كحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة 463 الإجماع لا ينسخ، ولا ينسخ هو غيره, أشهر الكتب المؤلفة في الناسخ والمنسوخ 463 1- ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم 2- ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين

464 4- الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي, وصف الكتاب 465 المحكم, لم يذكره إلا الحاكم أبو عبد الله، والحافظ ابن حجر, تعريفه, أمثلته, ذكر الأمثلة 466 علم ورود أسباب الحديث, من تعرض له من المؤلفين 467 أسباب ورود الحديث كعلم أسباب النزول, تعريف علم ورود الحديث, عدم تفرقة صاحب كتاب "البيان والتعريف" بين سبب ورود الحديث، وبين سبب ذكر من جاء بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- له 468 انتقاد المؤلف لصاحب هذا الكتاب في هذا، وتفرقته بين الأمرين 469 سبب الورود قد يذكر في الحديث وقد يوجد في غيره, أمثلة لما يذكر في الحديث: أ- حديث جبريل المشهور 470 ب- حديث "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا" ج- حديث "إذا بلغ الماء قلتين" د- حديث "السؤال عن دم الحيض" 471 هـ- حديث "أي الأعمال أفضل" و حديث "أي الذنب أكبر" ز- حديث البخاري "أنه قدم رجلان من المشرق، فخطبا" 472 القسم الثاني: أن لا يذكر في الحديث, أمثلته: أ- حديث "أفضل الصلاة صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة" ب- حديث "الخراج بالضمان" 473 ج- حديث "إنما الأعمال بالنيات", ما قيل: من أن سبب وروده قصة مهاجر أم قيس

474 تحقيق المؤلفات فيما يتعلق بقصة مهاجر أم قيس د- حديث "أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه" 475 هـ- حديث "والله إني لأمين في السماء" و حديث "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون" 476 ز- حديث "ادفنوا القتلى في مضاجعهم" المؤلفات في هذا العلم: 1- أول من ألف أبو حفص العكبري 2- ثم أبو حفص ابن كوتاه 3- كتاب "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث" للعالم المحدث ابن حمزة الحسيني، الحنفي، الدمشقي 477 وصف الكتاب: "البيان والتعريف" 478 علم المصحف والمحرف, معنى التصحيف لغة واصطلاحا 479 مقالة الإمام الحافظ ابن حجر في التفرقة بين "المصحف" و"المحرف" منشأ التصحيف، بدعة تلقي العلم والحديث من الصحف 480 مقالة جيدة لابن كثير الدمشقي, رد المؤلف على فرية على إمامين كبيرين, مما يعني به المؤلف في مؤلفاته تصحيح الأغلاط، والأوهام، والرد على الفرى 481 النادر من التصحيف معفو عنه، والإكثار منه مذموم ومعيب 482 العلماء لم يذكروا ما وقع من التصحيف للتشهير، وإنما هو للتحذير 483 أقسام التصحيف: القسم الأول: التصحيف في الإسناد, مثاله, التصحيف في المتن, مثاله

484 أمثلة للتصحيف في المتون 485 تقسيم ثان له من حيث السمع والبصر إلى قسمين الأول: تصحيف بصر وهو الأكثر, الثاني: تصحيف سمع، وهو قليل, ذكر بعض أمثلته, مناقشة بعض الأمثلة للشيخ أحمد شاكر رحمه الله 486 تقسيم ثالث من حيث اللفظ والمعنى، الأول: تصحيف في اللفظ الثاني تصحيف في المعنى 487 أمثلته, النتيجة من هذا البحث 488 المؤلفات في المصحفات: 1- أول من صنف في ذلك العسكري, وله في هذا ثلاثة كتب 489 2- إصلاح خطأ المحدثين للخطابي 3- التصحيف والتحريف للدارقطني 490 معرفة الصحابة رضوان الله عليهم, من هو الصحابي؟ تعريف الصحابي لغة واصطلاحا تعريف بعض المحدثين, تعريف المحققين من المحدثين, شرح التعريف 491 تحقيق لمباحث تتعلق بالصحابي, لا تتحقق الصحبة إلا لمن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حي, الإنس والجن يدخلون في الصحبة، أما الملائكة فلا, وكذلك لا يسمى في الصحبة من رآه وهو كافر ثم أسلم بعد, حكم من ارتد ثم عاد إلى الإسلام 492، 494 مسائل مهمة في الصحبة بحثها العراقي: هل يشترط التمييز أو البلوغ في الرائي؟ اشتراط كون الرؤية في عالم الحياة لا بعد الموت, اشتراط كونها بعد النبوة لا قبلها، اشتراط كونها في عالم الشهادة

495 تفاوت الصحابة في الرتبة والمنزلة -تعريف بعض الأصوليين للصحابي, مناقشتهم فيما قالوا والرد عليهم تعريف سعيد بن المسيب, انتقاد هذا التعريف 496 أقوال أخرى غير مقبولة, الصحيح هو تعريف المحققين من المحدثين, تأثير النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمن رآه ولو لحظة على قلبه بالإيمان وعلى جوارحه بالاستقامة على الدين, الاستدلال بحديث صحيح في هذا 497 تعرف الصحبة بأمور: 1- بالتواتر والتمثيل له 2- أو بالشهرة والاستفاضة 498 3- أو بقول صحابي عنه: إنه صحابي 4- أو بإخبار بعض ثقات التابعين عنه بأنه صحابي 5- أو بإخباره عن نفسه بأنه صحابي بشرط ثبوت عدالته وبشرط أن يكون إخباره قبل مضي مائة سنة من وفاته -صلى الله عليه وسلم- الدليل على ذلك, رد زعمة كاذبة من زعمات المستشرقين وأبواقهم 499 عدالة الصحابة, المراد بعدالتهم: أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ما عليه الجمهور سلفا وخلفا 500، 503 الأدلة على عدالة الصحابة: من القرآن، ومن السنة الصحيحة، والحسنة، ومن كلام السلف والواقع التاريخي، وكلام أئمة الحديث، والفقه، والأصول، آراء أخرى 2- رأي المازري في الصحابة وعدالتهم 3- الصحابة كغيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم 4- أنهم عدول إلى وقت وقوع الفتن، أما بعد ذلك فلا بد من البحث عمن ليس ظاهر العدالة منهم 504 5- الصحابة كلهم عدول إلا من لابس الفتنة منهم

كلام حق ودقيق لابن كثير في حمل ما شجر بين الصحابة من خلاف وحروب على الاجتهاد، ورده لقول المعتزلة في العدالة 505 المكفرون لبعض الصحابة, كلام حسن لابن كثير في رد فريتهم هذه, أكثر الصحابة رواية 506 ذكر عدد أحاديثهم على التفصيل, مسند بقي بن مخلد الأندلسي 507 الصحابي المظلوم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه 508 حملات المستشرقين على الإسلام والسنة ورجالها امتداد للحروب الصليبية 509 تأثر بعض الذين ألفوا في الثقافة الإسلامية، وبعض أدعياء العلم والأدب بهم 510 أسباب إكثار الصحابي أبي هريرة في الرواية: 1- تفرغه التام للسماع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقصة بسطه رداءه حتى فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم ينس شيئا سمعه بعد 511 2- ذاكرته القوية وحافظته السيالة, ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك، وإقرار الصحابة له بالحفظ 512 ثناء الصحابة فمن بعدهم عليه 3- حرصه البالغ على الحديث 4- تفرغه للعلم، والرواية، والفتوى 513 محاسبة الفاروق عمر له، وظهور أمانته، دعوته له لتولي الإمارة فأبى 5- تأخر وفاته 513 فائدة: في قلة مرويات الصديق رضي الله تعالى عنه 514 أكثر الصحابة علما وفتيا, وقد اختلف في أكثرهم في ذلك، انتهاء علم الصحابة إلى ستة وانتهى علم الستة إلى اثنين

515 المعروفون بالفتوى من الصحابة, ترتيب ابن حزم الصحابة في الفتوى الأكثر فالأكثر 516 استشكال عد ابن حزم أبيًّا وأبا الدرداء من المقلين من الفتوى بينما عدهم مسروق ممن انتهى إليهم علم الصحابة, جواب المؤلف عن هذا 517 العبادلة الأربعة: هم ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وابن عمرو بن العاص, وبه قال الإمام أحمد، وهو الصحيح المشهور بين علماء الحديث، والفقه، وقيل: هم ثلاثة: بإسقاط ابن الزبير، وعليه اقتصر الجوهري في "الصحاح" وقيل: غير ذلك 518، 519 عدد الصحابة, اختلاف المنقول في ذلك عن الصحابة فمن بعدهم, الحق أن الاختلاف في ذلك مبناه على الاجتهاد، وأن العدد مبناه على التقريب لا على التحديد 520 طبقات الصحابة: من العلماء من جعلهم طبقة واحدة، ومنهم من جعلهم خمس طبقات كما صنع ابن سعد في "الطبقات"، ومنهم من جعلهم اثنتي عشرة طبقة كما فعل الحاكم 521 أفضل الصحابة: أفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ رضوان الله عليهم وقيل: بتفضيل عليّ على عثمان رضي الله عنهما، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل بدر ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان، وممن لهم مزية على غيرهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وأهل العقبتين

522 من هم السابقون الأولون, خصائص بعض الصحابة, ذكر بعض الأحاديث في هذا 523 ورود بعض الآثار في هذا, أزواجه -صلى الله عليه وسلم- أفضل نساء هذه الأمة وأفضلهن خديجة وعائشة، وقد اختلف في الفضلى منهن: فقيل خديجة رضي الله عنه، وقيل: عائشة رضي الله عنها، ثم حفصة، ثم الباقيات سواء، والذي أرجحه هو تفضيل خديجة 524 الأدلة على ذلك, عرفان النبي -صلى الله عليه وسلم- لخديجة فضلها 525، 526 الأدلة على عرفان هذا الفضل لها, التفضيل بين عائشة وفاطمة رضي الله عنهما على أقوال ثلاثة، والأصح تفضيل السيدة فاطمة لأنها بضعة منه -صلى الله عليه وسلم- وهي سيدة نساء هذه الأمة، وكذلك اختلف في التفضيل بين خديجة وفاطمة على ثلاث أقوال والذي يترجح عندي أنهما سواء 527-530 أول الصحابة إسلاما، قد اختلف فيه اختلافا كثيرا: 1- فقيل أبو بكر 2- وقيل: عليّ 3- وقيل: خديجة 4- وقيل زيد بن حارثة 5- وقيل ورقة بن نوفل وقيل: غير ذلك والأورع أن يقال: أول من آمن من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان عليّ، ومن الموالي زيد ومن العبيد بلال، ونقل هذا عن الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه 531-536 آخر الصحابة موتا، وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا جدا, ذكر أسباب هذا الاختلاف , مما يهون على القارئ قبول هذا الاختلاف, سرد الكثيرين ممن قيل إنهم آخر الصحابة موتا بالأمصار والأقاليم الإسلامية, من مفاخر الصحابة

536-540 المؤلفون في الصحابة: منهم من ألف فيهم وفي غيرهم، منهم: 1- "الطبقات" لمحمد بن سعد 2- كتاب "التاريخ" لخليفة بن خياط 3- كتاب "التاريخ" لأحمد بن أبي خيثمة 4- كتاب "التاريخ الكبير" ليعقوب بن سفيان الفسوي وممن ألف في الصحابة على سبيل الاستقلال 5- كتاب معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان لعليّ بن المديني 6- "التاريخ الكبير" للبخاري 7- معرفة الصحابة للبغوي الكبير 8- "معرفة الصحابة" لعبد الله بن أبي داود 9- معرفة الصحابة لابن شاهين 10- الصحابة لابن السكن المصري 11- الصحابة لعبد الباقي بن قانع 12- معرفة الصحابة لمحمد بن إسحاق بن منده 13- معرفة الصحابة لأبي نعيم 14- معرفة الصحابة لأبي حاتم البستي 15- الاستيعاب لابن عبد البر 16- الذيل عليه لابن فتحون 17- "أسد الغابة" لعز الدين ابن الأثير الجزري 18- "تجريد أسماء الصحابة" للذهبي 19- "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر 540 التابعون رضي الله عنهم: من هو التابعي؟ 1- تعريف الحاكم 2- تعريف الخطيب 541 3- تعريف الحافظ ابن حجر وهو يوافق تعريف الحاكم, الاكتفاء بمجرد الرؤية في الصحابي والتابعي, مناقشة العراقي لابن الصلاح في قوله: مطلق التابعي مخصوص بالتابعين بالإحسان, جواب المؤلف عن اعتراض العراقي 542 طبقات التابعين: منهم من جعل التابعين طبقة

واحدة, ومسلم بن الحجاج جعلهم ثلاث طبقات, ومحمد بن سعد جعلهم أربع طبقات, والحاكم جعلهم خمس عشرة طبقة, أعلاها من روى عن العشرة المبشرين بالجنة 543 ثانيها: من ولدوا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثالثها: المخضرمون, ضبط كلمة "مخضرم" وبيان معناها, عددهم, أفضل التابعين, بيان من هو؟ 545 النساء التابعيات, أفضلهن, أم الدرداء الصغرى تابعية, أما الكبرى فصحابية 546 من هم الفقهاء السبعة, قوم من الصحابة عدوا من التابعين، وبالعكس 547 آخر طبقات التابعين عند الحاكم أبي عبد الله, أتباع التابعين, ليس في الأئمة الأربعة المشهورين من هو من التابعين إلا الإمام أبو حنيفة رحمه الله 548 رواية الأكابر عن الأصاغر, المراد بالكبر, الكبر في القدر أو في السن أو فيهما معا 549 الاستدلال لرواية الأكبر عن الأصاغر, قصة الجساسة وغيرها, فائدة معرفة هذا النوع, أقسام هذا النوع: الأول: أن يكون الراوي أكبر سنا وطبقة من المروي عنه, مثاله, الثاني: أن يكون الراوي أكبر قدرا لا سنا من المروي عنه, مثاله 550 الثالث: أن يكون الراوي أكبر من الجهتين معا، ومن هذا رواية الصحابي عن التابعي، والتابعي عن تابع التابعي مع ضرب الأمثلة لذلك، عمرو بن شعيب تابعي، وليس تابع تابعي كما قيل, وابن الصلاح قلد في عده

تابع تابعي غيره 551 "المدبج ورواية القرين عن القرين" من هما القرينان, من فوائد معرفة هذا النوع, ضرب أمثلة, أول من سماه بالمدبج, وجه التسمية بالمدبج 552 رواية القرين عن قرينه من غير أن يعلم رواية الآخر عنه لا يسمى مدبجا 553 لطيفة: في رواية خمسة من الأقران بعضهم عن بعض معرفة الإخوة والأخوات من الرواة, من فوائده, مثال الأخوين من الصحابة, مثال الأخوين من التابعين 554 اعتراض العراقي على المثال الذي ذكره ابن الصلاح للأخوين من التابعين, مثال الثلاثة الإخوة من الصحابة 555 مثال الثلاثة الإخوة في التابعين ومن بعدهم, مثاله في الأربعة من الصحابة, ومن التابعين مثاله في الخمسة من الصحابة غير موجود, ومثاله في التابعين، ومن بعدهم، ومثاله في الستة من الصحابة غير موجود، ومثاله في التابعين 556 مثاله في السبعة من الصحابة, وهو معترض, والمثال الصحيح أولاد عفراء السبعة 557 مثال السبعة الإخوة من التابعين, ومثال السبعة, أو التسعة من الصحابة أولاد الحارث بن سهم القيس مثال الثمانية الإخوة في الصحابة, وفي التابعين, ومثال التسعة في الصحابة أولاد الحارث المذكور, ومثاله في التابعين أولاد أبي بكرة نفيع بن الحارث 558 مثال العشرة من الصحابة أولاد العباس بن عبد المطلب

رضي الله عنه، ومثاله في التابعين أولاد أنس بن مالك الذين رووا فقط, ومثال الاثني عشر من الصحابة أولاد عبيد الله بن أبي طلحة, ومثال الثلاثة عشر أو الأربعة عشر أولاد العباس، وله ثلاث أو أربع إناث, تعليق المؤلف بقوله: هذه هي المفاخر حقا! 559، 562 رواية الآباء عن الأبناء, أمثلة لهذا النوع بلغت واحدا وعشرين مثالا, حديث "أحضروا موائد البقل ... " موضوع, الحديث الذي مثل به ابن الصلاح لرواية أبي بكر الصديق عن ابنته عائشة في سنده وهم، والصحيح أنه أبو بكر بن أبي عتيق عن عائشة, بيان معنى حديث "في الحبة السوداء شفاء من كل داء" في الهامش ص561 562 رواية الأبناء عن الآباء, وهو نوعان: أحدهما رواية الرجل عن أبيه فحسب وهو كثير 563-565 ثانيهما: رواية الرجل عن أبيه عن جده, كلام الأئمة في نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , علام يرجع الضمير في "عن جده"؟ الأكثرون على اعتمادها، وذهب البعض إلى عدم اعتمادها لأنها وجادة، أو مرسلة وذهب الدارقطني إلى التفرقة بين أن يفصح عن جده أنه عبد الله فيحتج به، أو لا، فلا، وذهب ابن حبان إلى التفرقة بين أن يستوعب ذكر آبائه بالرواية، أو يقتصر على أبيه عن جده، والحق هو الأول 566 2- مثال ما أريد فيه الجد الأدنى رواية بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده وله بذلك السند نسخة, اختلاف العلماء في أي النسختين أصح

567 3- ومن أمثلته: رواية طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب، وقيل: كعب بن عمرو, عن أبيه عن جده, وفي هذا المثال نظر, فائدة مهمة: رواية المرأة، عن أمها، عن جدتها, السابق واللاحق, تعريف هذا النوع, وقوعه في رواية الأكابر عن الأصاغر 568 تأليف الخطيب فيه كتابا, من فوائده علو الإسناد, أمثلة له 569 الوحدان, من المراد بهم, من فوائده 570-572 تأليف الإمام مسلم في ذلك كتيبا صغيرا, أمثلته من الصحابة وتعقيب العراقي, بعضها, من لم يرو عنه من الصحابة إلا ابنه المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب ومعاوية بن حيدة القشيري, تعقيب العراقي على الثاني 573 أمثلته في التابعين, تعقبات للعراقي على بعض ما مثل به 575 أمثلته في أتباع التابعين, معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة 576 المؤلفات فيه, أمثلته من كتاب الحافظ عبد الغني بن سعيد: 1- محمد بن السائب الكلبي ذكر على ستة وجوه 2- سالم الراوي عن أبي هريرة وغيره, ذكر على أحد عشر وجها 578 3- محمد بن قيس الشامي المصلوب في الزندقة, دلس اسمه على خمسين وجها, وقيل: مائة اسم وزيادة, قال السيوطي: قد جمعتها في كتاب 4- ومثاله: ما استعمله الخطيب كثيرا في شيوخه

579 معرفة المفردات من الأسماء، والكنى، والألقاب في الصحابة، والرواة، والعلماء، المؤلفات في هذا الفن: منها كتاب البرديجي، وعليه فيه اعتراض واستدراك من غير واحد من الحفاظ وهو أقسام: الأول في الأسماء 579، 582 ذكر عدد من الصحابة, الصنابح غير الصنابحي, وهم اثنا عشر صحابيا 582، 584 الأسماء الأفراد من التابعين, ذكر أسماء اثني عشر منهم 584 القسم الثاني: الكني, ذكر عدد منها 585 القسم الثالث: الألقاب, ذكر عدد منها 586 معرفة الأسماء والكنى, ينبغي العناية بهذا الفن لئلا يظن الشخص الواحد شخصين, مثال لمن غلط بسبب عدم معرفة ذلك, المؤلفات فيه 587 ألف فيه ابن المديني، ثم البخاري، ثم مسلم، ثم النسائي، ثم الحاكم أبو أحمد ثم محمد بن إسحاق بن منده، ثم ولده، ثم أبو عمرو بن عبد البر ثم الدولابي، ثم الذهبي، ثم ابن حجر، ثم السخاوي، ثم السيوطي 588 أقسام هذا النوع, جعلها الإمام ابن الصلاح تسعة أقسام 588 القسم الأول: من سمي بالكنية لا اسم له غيرها وهم ضربان: الأول من له كنية أخرى أمثلته 589 الضرب الثاني: من لا كنية له غير الكنية التي هي اسمه أمثلته 589 القسم الثاني: من عرف له بكنيته، ولم يعرف، أنه اسم أم لا؟ أمثلته

590 القسم الثالث: من كتب بكنية، وله غيرها اسم وكنية, أمثلته 591 القسم الرابع: من له كنيتان أو أكثر, أمثلته 591 القسم الخامس: من اختلف في كنيته دون اسمه, أمثلته, القسم السادس: من عرفت كنيته واختلف في اسمه, أمثلته 592 القسم السابع: من اختلف في اسمه وكنيته معا, أمثلته 592 القسم الثامن: من عرف بالاثنين، ولم يختلف في واحد منهما، القسم التاسع: من اشتهر بكنيته مع العلم باسمه, أمثلته 593 معرفة كنى المعروفين بالأسماء, منهم من اعتبره نوعا مستقلا 593 ومنهم من اعتبره قسما عاشرا للنوع الذي قبله 593 من يكنى بأبي محمد من الصحابة رضي الله عنهم, ذكر طائفة منهم 594 من يكنى بأبي عبد الله من الصحابة رضي الله عنهم, ذكر طائفة منهم 594 من كني بأبي عبد الرحمن من الصحابة, ذكر طائفة منهم. 596 معرفة ألقاب المحدثين ومن يذكر معهم, وهو فن مهم حتى لا يعد الشخص الواحد شخصين 596 المؤلفات في هذا كثيرة ذكرنا بعضا منهم 597 والألقاب قسمان: 1- ما يجوز التعريف به، وما لا يجوز, وهو جائز للضرورة، ولا يعتبر غيبة, من الألقاب ما ليس له مدلول في الملقب به, مثاله, أول لقب في الإسلام

لقب أبي بكر الصديق 598 أمثلة مختارة من هذا النوع: 1- غندر لقب لجماعة كل منهم يسمى محمد بن جعفر 599 من لقب به وليس اسمه كذلك 2- غنجار لقب به اثنان 3- صاعقة 4- شباب لقب خليفة بن خياط صاحب التاريخ، وأحد شيوخ البخاري 600 5- دنيج 6- دستة 7- سنيد 8- بندار وقد لقب به جماعة 9- قيصر 10- الأخفش لقب به جماعة نحويون ولهم رواية، أولهم أحمد بن عمران البصري 601 ثانيهم: الأخفش الأكبر وهو شيخ سيبويه, ثالثهم: الأخفش الأوسط الذي يروي عنه كتاب سيبويه، وهو المراد حيث أطلق في كتب النحو، رابعهم: الأخفش الأصغر صاحب أبوي العباس ثعلب والمبرد، قال السيوطي: وفي النحاة أخفش خامس، وسادس وسابع، وثامن، وتاسع، وعاشر، وحادي عشر 602 11- مربع 12- جزرة 13- عبيد 14- كيلجة 15- ماغمه 603 16- سجادة 17- عبدان, وممن لقب به جماعة 604، 606 المؤتلف والمختلف, تعريفه, المؤلفون فيه: 1- أول من ألف فيه عبد الغني بن سعيد 2- ثم أبو الحسن الدارقطني 3- ثم الخطيب البغدادي 4- ثم ابن ماكولا 5- ثم ابن نقطة 6- ثم ابن الصابوني 7- ثم أبو المظفر الشافعي 8- ثم علاء الدين بن قليج الحنفي 9- ثم الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود البخاري 10- ثم ابن الفرضي 11- ثم الذهبي 12- ثم الحافظ ابن حجر

606، 607 وما ضبط من هذا النوع قسمان: القسم الأول على العموم من غير تخصيص بكتاب وأمثلته كثيرة منها: 1- سلام: كله بتشديد اللام إلا خمسة 608 2- عمارة: كله بضم العين وفتح الميم المخففة إلا ما استثنى 3- كريز بفتح الكاف وكسر الراء مكبرا في خزاعة، وبضم الكاف مصغرا في عبد شمس وغيرهم 4- حزام بكسر الحاء، وفتح الزاي في قريش و"حرام" بفتح الحاء والراء في الأنصار 5- "العيشيون" بصريون، و"العبسيون" كوفيون، و"العنسيون" شاميون غالبا 609 6- أبو عبيدة كله بضم العين، وفتح الباء، وسكون الياء كلهم بالتصغير 7- السفر في الكنى، والسفر في الأسماء 8- عسل كله بكسر العين إلا عسل بن ذكوان 9- غنام كله بفتح الغين وفتح النون المشددة إلا والد عليّ بن عثام فبالعين المهملة والثاء المثلثة 609 10- قمير بضم القاف وفتح الميم إلا ما استثنى 11- مسور بكسر الميم وسكون السين إلا ما استثنى 12- الجمال بفتح الجيم، وفتح الميم المشددة في الصفات إلا ما استثنى 611 13- "الهمداني" بفتح الدال المهملة 14- و"الهمذاني" بفتح الهاء والميم والذال المعجمة 15- الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة 16- والخباط بالخاء والباء المشددة 17- والخياط بفتح الخاء المعجمة وفتح الياء المشددة

612 القسم الثاني: ضبط ما وقع في الصحيحين فقط أو فيهما مع الموطأ، من ألف فيه, أمثلته 1- "يسار" بفتح الياء المثناة وفتح السين المهملة, إلا محمد بن بشار الملقب ببندار قال الذهبي: وهو نادر في التابعين، معدوم في الصحابة 2- بشر كله بكسر الباء الموحدة، وسكون المعجمة إلا ما استثني فبضم الباء والسين المهملة 613 3- بشير: كله بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة إلا أربعة 4- يزيد: كله بفتح الياء المثناة وكسر الزاي إلا ثلاثة 5- "البراء" كله بتخفيف الراء إلا اثنين فبتشديد الراء 6- "حارثة" كله بالحاء المهملة والثاء المثلثة إلا جارية بن قدامة ويزيد بن جارية 7- "جرير" كله بفتح الجيم، وكسر الراء المهملة إلا ما استثنى 615 8- خراش، بكسر الخاء المعجمة، وفتح الراء، آخره شين معجمة إلا حراش والد ربعي فبالحاء المهملة 615 9- حصين: كله بضم الحاء المهملة وفتح الصاد وسكون الياء إلا ما استثنى 615 10- حازم: كله بالحاء المهملة والزاي على صيغة اسم الفاعل إلا خازم فبالخاء والزاي 615 11- حيان: كله بفتح الحاء المهملة، وفتح الياء المشددة إلا حبان بن منقد فبالحاء والباء الموحدة 616 12- حبيب: كله بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة، آخره باء إلا ما استثنى فبضم الخاء وفتح الباء وسكون الياء آخره باء أي خبيب وإلا أبا خبيب

عبد الله بن الزبير 617 13- حكيم: كله بفتح الحاء وكسر الكاف إلا حكيم بن عبد الله بن قيس، ورزيق بن حكيم فبضم الحاء 14- رباح: كله بفتح الراء المهملة والباء الموحدة الممدود آخره حاء مهملة إلا ما استثني 15- زبيد بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء، وليس في الصحيحين إلا زبيد بن الحارث ولا في "الموطأ" إلا زييد بزاي ثم ياءين على صيغة المصغر ابن الصلت بن معديكرب الكندي 16- سليم: كله بضم السين، وفتح اللام على صيغة المصغر إلا سليم بن حبان بفتح السين المهملة وكسر اللام 17- شريح: كله بضم الشين المعجمة وفتح الراء على صيغة المصغر إلا سريج بضم السين المهملة وفتح الراء آخره جيم معجمة, ابن يونس شيخ مسلم، وروى عنه البخاري بواسطة، وآخرين 618 18- سالم: كله بالألف إلا سلم بفتح السين وسكون اللام، آخره ميم ابن زرير على وزن عظيم وآخرين 19- سليمان: كله بضم السين وفتح اللام وسكون الياء المثناة إلا سلمان الفارسي وآخرين فكلها بفتح السين وسكون اللام، بدون ياء مثناة 619 20- سلمة: كله بفتح السين واللام إلا عمرو بن سلمة الحرمي وبني سليمة القبيلة من الأنصار فبكسر اللام 21- شيبان: كله بفتح الشين المعجمة، وسكون الياء المثناة بعدها باء موحدة، وأما سنان بكسر السين المهملة وفتح النون، ثم ألف، ثم نون ففي الصحيحين جماعة

بهذا الاسم 22- عبيدة: كله بضم العين وفتح الباء على صيغة المصغر إلا عبيدة السلماني وغيره فبفتح العين 630 23- عبيد: كله بضم العين وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخره دال، وأما بفتح العين فجماعة شعراء منهم عبيد بن الأبرص 24- عبادة: كله بضم العين، وفتح الباء المخففة إلا محمد بن عباد الواسطي فبفتح العين 25- عبدة: كله بفتح العين وسكون الباء الموحدة إلا عامر بن عبدة وآخرين فبسكون الباء وفتحها 26- عباد: كله بفتح العين وفتح الباء المشددة إلا قيس بن عباد فبضم العين وتخفيف الباء 27- عقيل: بفتح العين وكسر القاف إلا عقيل بن خالد الأيلي وآخرين فبضم العين وإلا يحيى بن عقيل وإلا بني عقيل القبيلة المعروفة 28- واقد: كله بفتح الواو وكسر القاف آخره دال، وأما بالفاء ففي غير الكتب الثلاثة 621 الأنساب: 1- الأيلي كله بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة من تحت نسبة إلى أيلة وهي العقبة 2- البزار: كله بزاءين إلا خلف بن هشام البزار شيخ مسلم، والحسن بن الصباح البزار شيخ البخاري فآخرها راء مهملة 3- البصري: بفتح الباء وكسرها، والكسر أفصح نسبة إلى البصرة البلد المعروف بالعراق، إلا ما استثني 622 4- الثوري كله بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو ثم راء

إلا التوزي فبفتح التاء والواو المشددة ثم زاي 5- الجريري بضم الجيم وفتح الراء على صيغة المصغر فيهما من ذلك جماعة إلا ما استثني 6- الحارثي: كله بالحاء المهملة والثاء المثلثة 623 7- الحرامي: كله بفتح الحاء المهملة، وفتح الراء المهملة 8- السلمي: بفتح السين المهملة واللام نسبة إلى سلمة بكسر اللام كما قيل في نمر نمري ويجوز في لغية كسر اللام 9- الهمداني: كله بفتح الهاء وسكون الميم، وفتح الدال المهملة، وليس فيها الهمذاني بفتح الهاء والميم، والذال المعجمة نسبة إلى البلد 624، 625 تعليق للمؤلف على كلمة ابن الصلاح التي ختم بها النوع السابق، وهي جديرة بالقراءة، والتأمل 626 المتفق والمفترق: تعريفه، وهو من الأهمية بمكان, أقسامه: القسم الأول: من اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم, مثاله الخليل بن أحمد ستة: أولهم الخليل بن أحمد بن شيخ سيبويه وصاحب النحو والعروض ولم يسم أحمد بأحمد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أبي الخليل هذا 627 ثانيهم: أبو بشر المزني البصري, ثالثهم: أصبهاني وقد صحح العراقي أن هذا الثالث يسمى الخليل بن محمد, رابعهم: أبو سعيد السجزي القاضي بسمرقند الحنفي, خامسهم: أبو سعيد البستي القاضي, سادسهم: أبو سعيد البستي الشافعي فاضل، تصرف في علوم كثيرة وقال السيوطي: من أمثلة هذا القسم: أنس بن مالك

عشرة، روى منهم الحديث خمسة: الأول: خادم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنصاري نجاري نزل البصرة, الثاني: كعبي قشيري, الثالث: أبو مالك الفقيه، الرابع حمصي، الخامس: كوفي القسم الثاني: من اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم، وأجدادهم، أو أكثر من ذلك, مثاله: أحمد بن جعفر بن حمدان وهم أربعة كلهم يروون عمن يسمى عبد الله، وكلهم في عصر واحد أحدهم: القطيعي, ثانيهم: السقطي أبو بكر البصري، الثالث: دنيوي, الرابع: طرسوسي, ومثاله أيضا: محمد بن يعقوب بن يوسف, اثنان في عصر واحد روى عنهما أبو عبد الله الحاكم؛ أحدهما: أبو العباس الأصم, ثانيهما: أبو عبد الله بن الأخرم ويعرف بالحافظ دون الأول 629 القسم الثالث: ما اتفق في الكنية والنسبة معا مثاله: أبو عمران الجوني؛ اثنان، أبو بكر بن عياش، ثلاثة ... وأفرد العراقي هذا المثال بقسم: وهو ما اتفق فيه الكنية واسم الأب القسم الرابع عكسه: وهو ما اتفق فيه الاسم وكني الأب، مثاله: صالح بن أبي صالح وهم أربعة تابعيون ... 630 القسم الخامس: من اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم، وأنسابهم مثاله: محمد بن عبد الله الأنصاري، اثنان متقاربان في الطبقة، زاد المزي ثالثا، والعراقي: رابعا 631 القسم السادس: أنه يتفقا في الاسم فقط، أو في الكنية

فقط، ويقع ذكره في السند من غير ذكر أبيه أو نسبة تميزه فمن ثم يحتاج إلى بحث وإطالة نظر مثاله: حماد: ولا يدرى أهو ابن زيد؟ أم هو ابن سلمة؟ ويعرف بحسب من يروي عنه ... 632 السابع من الأقسام: أن يتفقا في النسبة من حيث اللفظ ويفترقا في المنسوب إليه مثاله: الآملي، والآملي، الأول إلى آمل طبرستان، والثاني إلى آمل جيحون 633 ومثاله أيضا الحنفي نسبة إلى بني حنيفة القبيلة، وإلى المذهب نسبة لأبي حنيفة ومن المحدثين وبعض النحاة من ينسب إلى القبية: حنفي، وإلى المذهب: حنيفي بزيادة الياء كلام للسيوطي، وتعقيب عليه للمؤلف، من هذا النوع ما هو مشكل جدا. 634 المتشابه وهو مركب من النوعين قبله, تعريفه, مثاله: موسى بن عليّ قال النووي: وهم كثيرون في المتأخرين، وقد تعقب العراقي النووي في قوله: إنهم كثيرون، لأنهم بعد استقرائه لهم لم يبلغوا العشرة, ومثاله أيضا موسى بن عُلَيّ بضم العين وفتح اللام. 636 رد المؤلف لما قيل: إن بني أمية كانوا يقتلون من يسمى عَليًّا، فاضطر الآباء إلى أن يسموا عُليًّا والمثال المسلم أيوب بن بشير بفتح الباء وكسر الشين، وأيوب بن بشير بضم الباء مصغرا ومن أمثلته عكسه: سريج بن النعمان، وشريج بن النعمان، ومحمد بن عبد الله المخرمي ومحمد بن عبد الله المخرمي، وثور بن يزيد الكلاعي، وثور بن زيد

الديلي في الصحيحين والأول في صحيح مسلم قال العراقي في الثاني: هذا وهم بل هو في صحيح البخاري خاصة 637 وأبو عمرو الشيباني يطلق على جماعة، وأبو عمرو السيباني -بالسين- وعمرو بن زرارة، وعمر -بضم العين- المعروف بالحدثي 638 ومن أمثلته حنان -بفتح الحاء والنون- وحيان -بفتح الحاء والياء المثناة المشددة- وأبو الرجال -بكسر الراء وفتح الجيم- وأبو الرحال -بكسر الراء وفتح الحاء المشددة- وابن عفير -بضم العين المهملة، وفتح الفاء مصغرا- وأبو غفير -بضم الغين المعجمة، وفتح الفاء مصغرا- واسمهما متغايران, المشتبه المقلوب, تعريفه, المؤلفات فيه, مثاله: يزيد بن الأسود الصحابي الخزاعي، والأسود بن يزيد التابعي الكبير وكالوليد بن مسلم المشهور صاحب الأوزاعي، ومسلم بن الوليد المدني، وقد انقلب على البخاري في التاريخ, معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم, فائدة هذه النوع، وهم أقسام الأول من نسبته إلى أمه كمعاذ، ومعوذ، وعوف بني عفراء وهي أمهم 640 بلال ابن حمامة مؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي أمه، سهل وسهيل وصفوان بنو بيضاء, شرحبيل بن حنسة وهي أمه، وعبد الله بن بحينة وهي أمه وهؤلاء كلهم صحابة, ومن التابعين فمن بعدهم: محمد بن الحنفية هي أمه، واسمها خولة من بني حنيفة، وإسماعيل بن علية وعلية أمه, من ألف في هذا القسم 641 القسم الثاني: من نسب إلى جدته دنيا أو عليا مثل:

يعلى ابن منية صحابي، وهي أم أبيه وقيل: أمه، وبشير ابن الخصاصية -بتخفيف الياء المثناة من تحت- صحابي هي أم الثالث من أجداده، وقيل: أمه، ومن ذلك من المتأخرين عبد الوهاب ابن سكينة هي أم أبيه، وابن تيمية وهي جدة عليا من وادي التيم القسم الثالث: من نسب إلى جده منهم أبو عبيدة بن الجراح، وحمل بن النابغة، وحمل بن سعدانة الكلبي من أهل دومة الجندل 642 مجمع بن جارية وهؤلاء صحابة، ابن جريج، الماجشون لقبٌ لقِبَ به جماعة بن أبي ليلى الفقيه, ابن أبي مليكة، أحمد بن حنبل، أبو بكر، وعثمان والقاسم بنو محمد بن أبي شيبة الرابع: من نسب إلى أجنبي لسبب: كالمقداد بن عمرو يقال له ابن الأسود والحسن بن دينار النسب التي هي على خلاف ظاهرها 643 أمثلته: أبو مسعود البدري، سليمان بن طرخان التيمي، أبو خالد الدالاني، عبد الملك بن سليمان العرزمي، محمد بن سنان العوقي، أحمد بن يوسف السلمي، أبو عمرو بن نجيد السلمي حفيد من قبله، أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي 644-646 مقسم مولى ابن عباس لملازمته له، يزيد الفقير لأنه أصيب في فقار ظهره، خالد بن مهران الحذاء؛ لأنه كان يجلس إليهم، معرفة المبهمات, المؤلفات في "المبهمات" 646 فوائد معرفة المبهمات, بم يعرف المبهم؟ أقسامه 647 القسم الأول وهو أبهمها رجل، وامرأة، أو رجلان

وامرأتان أو رجال ونساء، أمثلته حديث ابن عباس: "أن رجلا قال يا رسول الله! الحج كل عام ... " الحديث. قيل: إنه الأقرع بن حابس، وقيل: سراقة بن مالك، وقيل: عكاشة بن محصن، وحديث: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا قائما في الشمس ... " الحديث. هو أبو إسرائيل قيصر العامري, قال الحافظ عبد الغني بن سعيد: ليس في الصحابة من يشاركه في اسمه، ولا في كنيته ولا يعرف إلا في هذا الحديث 647 حديث "المؤمن غر كريم" ففي سنده عن رجل، قيل: هو يحيى بن أبي كثير حديث السائلة عن غسل المحيض وهو "أن امرأة سألت ... " فقال: "خذي فرصة من مسك فتطهري بها", فقيل هي أسماء بنت يزيد بن السكن، وقيل: أسماء بنت شكل 648 حديث البخاري عن عائشة: دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأى امرأة فقال: "من هذه؟ " فقلت: فلانة لا تنام فقال: "مه ... " الحديث، المرأة: هي الحولاء بنت تويت وحديثه في ليلة القدر، فتلاحى رجلان فرفعت, هما كعب بن مالك، وعبد الله بن أبي حدرد حديث أبي هريرة: "أن امرأتين من هذيل اقتتلتا" الحديث اسم الضاربة أم عفيف.. وذات الجنين التي أجهضت هي مليكة بنت عويمر حديث: "أن عبادة بن الصامت وهو أحد النقباء ليلة العقبة ... " الحديث، ذكر بقية النقباء, حديث أم زرع بطوله الأولى والتاسعة لم يسميا، والثانية: عمرة بنت عمرو والثالثة حبى بنت كعب ... إلخ

649 القسم الثاني: الابن والبنت، والأخ، والأخت، والابنان والأخوان، وابن الأخ، وابن الأخت حديث أم عطية في غسل بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- بماء وسدر، هي السيدة زينب رضي الله عنها حديث "ابن اللتبية الذي استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصدقة" هو عبد الله ابن أم مكتوم: اسمه عبد الله بن زائدة قاله قتادة ... وقيل: غيره, حديث عمر في الحلة السيراء وفيه "فكساها عمر أخا له مشركا هو أخوه لأمه: عثمان بن حكيم 650 حديث: ربعي بن خراش عن امرأته عن أخت حذيفة في التحلي بالفضة، هي فاطمة، وقيل: خولة, حديث عقبة بن عامر "إن أختي نذرت أن تمشي ... " الحديث, هي أم حبان بنت عامر, حديث اليهود "فأسلم منهم ابنا شعبة" أحدهما ثعلبة، والآخر: أسد أو أسيد، أو أسيد, حديث قول أبي بكر لعائشة: "إنما هما أخواك وأختاك" هم: عبد الرحمن، ومحمد، وأسماء، وأم كلثوم, حديث أم كلثوم بنت عقبة وفيه: "فجاء أخواها يطلبانها" هما: عمارة، والوليد بن عقبة حديث: "هل في البيت إلا قرشي قالوا: "غير ابن أختنا" الحديث هو النعمان بن مقرن القسم الثالث: العم والعمة ونحوهما كالخال، والخالة، والأب، والأم، والجد ... إلخ مثل: رافع بن خديج عن عمه في النهي عن المخابرة، هو: طهير مصغرا وقيل: غيره وزيادة بن علاقة عن عمه مرفوعا: "اللهم إني أعوذ ... " الحديث، هو قطبة بن مالك الثعلبي والحديث في قصة عمة جابر ... " هي فاطمة بنت عمرو بن حرام

651 حديث ابن عباس "أهدت خالتي ... " الحديث. قيل: اسمها هزيلة، وقيل: حفيدة بنت الحارث, حديث أبي هريرة "كنت أدعو أمي إلى الإسلام" اسمها: أمية بنت صفيح, حديث أم كردم بن سفيان "قال: يا رسول الله خرجت أنا وابن عم لي". ابن عمه هو ثابت بن المرقع, حديث "تزوج عبد الله بن عمر بنت خاله.. فقالت: أمها: ابنتي تكره ذلك" بنت خاله هي زينب، وأمها خولة بنت حكيم بن أمية القسم الرابع: الزوج والزوجة، والعبد، وأم الولد زوج سبيعة الأسلمية، وحديثها في الصحيحين، زوجها: هو سعد بن خولة زوج بروع بنت واشق، زوجها هو هلال بن مرة الأشجعي 652 ومثل ابن الصلاح للزوجة بزوجة عبد الرحمن بن الزبير، اسمها تميمة، وقيل: تميمة وقيل: سهيمة ومثل أم الولد: حديث أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف" ... هي حميدة ومثل العبد حديث "أن عبَّد الحاطب قال ... " الحديث اسمه سعد 652 "معرفة التواريخ لمواليد الرواة، والسماع، والقدوم، والوفيات لهم" وهو فن مهم يعرف به اتصال السند وانقطاعه، وكم افتضح قوم بسبب ذلك 653 كلام لبعض العلماء في أهمية العلم: تاريخ الرواة, المؤلفات في هذا النوع 654 فروع: الأول: الصحيح في سن سيدنا محمد سيد البشر وصاحبيه أبي بكر وعمر ثلاث وستون سنة وأنه -صلى الله عليه وسلم- توفي

يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام إحدى عشرة 655 استشكال السهيلي ذلك، وجواب الشرف ابن البارزي والحافظ ابن كثير عنه 656 وأجاب البدر بن جماعة بجواب آمر, الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي 657 تاريخ وفاة الخلفاء الأربعة والصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام 658 فائدة ذكرها السيوطي في أعرق البيوت في القتل وفاة الصحابة: سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد الفرع الثاني: صحابيان عاشا ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام: حكيم بن حزام، حسان بن ثابت 659 قال السيوطي: تنبيهات: أحدهما: في الصحابة من شارك حكيما وحسان في هذا كحويطب بن عبد العزى القرشي العامري وسعيد بن يربوع، وحمنن أخو عبد الرحمن بن عوف، ومخرمة بن نوفل فقد عاش كل منهم ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام ومنهم من عاش مائة وعشرين سنة ولكن لم يعلم كون نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام: كعاصم بن عدي، والمنتجع جد ناجية، ونافع بن سليمان واللجلاج العامري وسعد بن جنادة العوفي، وفاته عدي بن حاتم الطائي توفي عام 68 عن 120 سنة

660 والنابغة الجعدي، ولبيد بن ربيعة وأوس بن مغراء السعدي، ونوفل بن معاوية ومن التابعين: أبو عمرو الشيباني صاحب ابن مسعود، وزر بن حبيش الثاني من التنبيهين: كان مولد حكيم في جوف الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره 661 التفريع الثالث في وفاة أصحاب المذاهب المتبوعة وهم الأئمة أبو حنيفة، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم ومن أصحاب المذاهب المتبوعة مدة الأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وابن جرير الطبري، وداود الظاهري ومن أصحاب المذاهب المقلدة أيضا: سفيان بن عيينة، والليث بن سعد الفهمي المصري 662 الفرع الرابع: في وفاة أصحاب كتب الحديث المعتمدة: الإمام البخاري, ذكر ترجمة قصيرة له 663 والإمام مسلم بن الحجج, ترجمة قصيرة له، والإمام أبو داود السجستاني, ترجمة قصيرة له 664 والإمام أبو عيسى الترمذي, ترجمة وجيزة له، والإمام أحمد بن شعيب النسائي, ترجمة له 665 والإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه ترجمة موجزة له, فائدة تتعلق بسنن ابن ماجه 666 من العلماء من لم يعد السنن سادس الكتب الستة، ومنهم من عدها، ومنهم من جعل بدلها "الموطأ", مؤلفات ابن ماجه 667 سبعة من الحفاظ، أحسنوا التأليف، وعظم النفع بتآليفهم, وهم: 1- الدارقطني, التعريف به 2- الحاكم أبو عبد الله والتعريف به 3- الحافظ عبد الغني بن سعيد والتعريف به

668، 669 4- الحافظ أبو نعيم والتعريف به 5- والحافظ أبو عمر بن عبد البر والتعريف به 6- الحافظ أبو بكر البيهقي والتعريف به 7- الحافظ أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي والتعريف به 670 "معرفة من اختلط من الرواة الثقات" وهو فن مهم مفيد, المؤلفات فيه 671 بيان حقيقة التخليط, حكم من اختلط, ذكر أمثلة للمختلطين, منهم عطاء بن السائب الكوفي, بيان من سمع منه قبل الاختلاط 672 وممن سمع منه بعد الاختلاط, سرد جماعة منهم, وممن سمع منه في الحالتين, وممن اختلط أبو إسحاق السبيعي، وأنكر الذهبي أنه اختلط قال: شاخ ونسي ولم يختلط بيان من اعتبر سماعه منه قبل الاختلاط، وقبل التغير، وروى له الشيخان عنه. 673 وممن اختلط: سعيد بن إياس الجرير, من سمع منه قبل الاختلاط والتغير، ومن سمع منه بعده, ومنهم سعيد بن أبي عروبة: من سمع منه قبل الاختلاط، وأخرج له البخاري ومسلم عن جماعة 674 والبخاري عن جماعة، ومسلم عن جماعة, بيان من سمع منه بعد الاختلاط ومنهم, أي ممن اختلط عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي نسبة لجده أحد الثقات المشهورين، والكبار من المحدثين 675 من روي عنه قبل الاختلاط, ومن روي عنه بعد الاختلاط ومنهم: ربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة

الرأي قال ابن الصلاح: قيل: إنه تغير في آخر عمره وقد رد عليه العراقي وقال: وما حكاه ابن الصلاح لم أره لغيره ... إلخ ما قاله 676 ومنهم: صالح بن نبهان مولى التوأمة, مقالة ابن حبان فيه، وتعقب العراقي له ومنهم: حصين بن عبد الرحمن الكوفي السلمي، وهو ممن خرج له الشيخان أو أحدهما عن رجال آخرين 677 ومنهم: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي لكن مضر تغيره لتركه التحديث في زمن التغير ومنهم سفيان بن عيينة قاله يحيى بن سعيد القطان، وقد أنكر الذهبي اختلاطه ورد على مقالة القطان 678 وقد ذكر السخاوي في شرح الألفية مناقشة الحافظ ابن حجر الذهبي، كما ذكر أنه روى له الشيخان عن جماعة عنه، والبخاري وحده عن جماعة عنه، ومسلم وحده عن جماعة عنه وذلك كله قبل اختلاطه قطعا في آخر سني حياته 679 ومنهم: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومنهم عارم محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي 680 من سمع من عارم قبل الاختلاط ومن سمع منه بعد الاختلاط ومنهم: أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي 681 من سمع من أبي قلابة قبل الاختلاط، ومن سمع منه بعد الاختلاط ومنهم: في المتأخرين من الحفاظ: الغطريفي, قول من قال: إنه اختلط، ورد العراقي عليه

682 ومنهم: أبو طاهر محمد بن الفضل حفيد الإمام أبي بكر بن خزيمة، لم يسمع منه أحد في حال اختلاطه ومنهم: أبو بكر القطيعي وآخرون ذكرهم السخاوي في "شرح الألفية" 683 تتمة: ربما يعرض ما يشبه الاختلاط، ثم يزول ... "فائدة": كل من روي عنه من هؤلاء الذين رموا بالاختلاط في الصحيحين أو أحدهما فهو محمول على أنه قبل الاختلاط تعليق للمؤلف: "هل من مدكر" 684 طبقات العلماء والرواة, من فوائد العلم بهذا النوع, الفرق بين علم الطبقات وعلم التاريخ, الطبقة في اللغة وفي الاصطلاح, الراويان قد يكونان من طبقة باعتبار، ومن طبقتين باعتبار آخر 685 مثال لذلك, المؤلفات في هذا الفن: 1- كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، ما أخذ عليه 686 2- كتاب الطبقات لمسلم بن الحجاج 3- كتاب الطبقات للنسائي 4- التاريخ وطبقات التابعين لأبي حاتم الرازي 5- الطبقات لخليفة بن خياط 6- طبقات الهمدانيين 7- طبقات القراء لأبي عمرو الداني 687 8- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم 9- طبقات الأصفهانيين 10- طبقات الرجال لأبي الفضل الفلكي 11- طبقات الشافعية للسبكي 12- طبقات الحفاظ للذهبي 13- طبقات القراء لابن الجزري 14- طبقات الحنفية للقرشي 688 15- طبقات الحنابلة لأبي يعلى الفراء، وهناك كتب

أخرى في الطبقات، معرفة الموالي من العلماء والرواة, معنى الموالي، معنى الولاء، الولاء أنواع ثلاثة: 1- ولاء العتاقة 2- ولاء التناصر والتعاون 689 3- ولاء الإسلام, مثاله, مثال مولى الحلف, أمثلة لمولى العتاقة 690 ومن الموالي: الليث بن سعد المصري الفهمي مولاهم، وعبد الله بن وهب القرشي مولاهم، وعبد الله بن صالح الجهني مولاهم كاتب الليث، ومكحول الشامي، وعبد الله بن المبارك الحنظلي مولى بني حنظلة، وربما يتوسع في النسبة فينسب إلى القبيلة مولى مولاها, المؤلفات فيها 691 بلوغ الموالي من العلماء، والرواة مرتبة سامية في الإسلام, قصة عمر بن الخطاب مع نافع بن الحارث الخزاعي والي مكة, قصة هشام بن عبد الملك مع الزهري 692 باقي القصة، تعقيب ابن الصلاح على القصة 693 تعليق المؤلف على القصة 694 معرفة أوطان الرواة وبلدانهم, وهو فن مهم، ويترتب على العلم به فوائد مهمة 694 وكانت العرب تنتسب إلى القبائل، ثم انتسبوا بعد ذلك إلى القرى، والمدن، والنواحي ولا سيما متأخروهم, أقوال العلماء في الانتساب 695، 696 قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} 1 الشعوب: جمع شعب ثم القبائل، ثم العمائر، ثم البطون، ثم الفخذ، ثم الفصيلة

_ 1 سورة الحجرات, الآية 13.

المؤلفات في الأنساب: 1- كتاب الأنساب للسمعاني 2- كتاب "العجالة" للحازمي 3- كتاب "الأنساب" للرشاطي 4- "اللباب" مختصر كتاب "الأنساب" لعز الدين بن الأثير الجزري 5- "لب الألباب في تحرير الأنساب" للسيوطي رواية الصحابة بعضهم عن بعض، والتابعين بعضهم عن بعض، وهذان ذكرهما البلقيني في "محاسن الاصطلاح" وقال: إنهما مهمان 697 أمثلة لرواية الصحابي عن الصحابي إلى أربعة، ومثال ما اجتمع فيه أربع صحابيات ومثال: ما اجتمع فيه خمسة من الصحابة 698 معرفة ما رواه الصحابة عن التابعين وهذا من الأنواع التي زادها السيوطي على ابن الصلاح 699 سبعة أمثلة لذلك 699 من وافقت كنيته اسم أبيه، وعكسه، وهذان النوعان قد ذكرهما الحافظ في "النخبة وشرحها" وألف الخطيب في النوع الأول كتابا، وصنف أبو الفتح الأزدي في الثاني كتابا. 700 من أمثلة النوع الأول في الصحابة وفي غيرهم، ومن أمثلة الثاني في الصحابة وفي غيرهم، معرفة من وافقت كنيته كنية زوجته، وهذا النوع ذكره الحافظ في "النخبة وشرحها" 701 أمثلة لهذا النوع: اثنا عشر مثالا واستدرك السيوطي اثنين 702 معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه، وهذا زاده الحافظ

ابن حجر في "النخبة وشرحها" مثاله 702 معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه، وجده، وهذا زاده الحافظ في "النخبة وشرحها" مثال لما اتفق اسمه, واسم أبيه، واسم جده 703 أمثلة لما اتفق اسمه واسم أبيه, معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه، وهذا النوع مما زاده الحافظ ابن حجر، وأمثلته كثيرة, ذكر بعض منها 704 معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه: وهذا النوع زاده الحافظ في "النخبة وشرحها" أمثلة أربعة له 705 من اتفق اسمه وكنيته, ومثاله, معرفة من وافق اسمه نسبه, لم يذكره السابقون، وذكر السيوطي في آخر "تدريبه", مثاله, معرفة الأسماء التي يشترك فيها الرجال والنسائي وهو قسمان: 1- أن يشتركا في الاسم فقط, أمثلته 706 الثاني من الأقسام: أن يشتركا في الاسم واسم الأب, أمثلته 706 معرفة من لم يرو إلا حديثا واحدا، وهذا النوع مما رواه السيوطي في أواخر "تدريبه", الفرق بينه وبين نوع "الوحدان" 707 أمثلته من الصحابة 708 أمثلته من غير الصحابة 709-717 المراجع الأصلية 718-798 الفهرس العام للموضوعات

§1/1