الوسيط في تراجم أدباء شنقيط

أحمد بن الأمين الشّنْقِيطي

قبيلة إدوعل

قَبيلَةُ إِدَوْعَلِ عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الطالب بن حبيب بن أبيج ينتهي نسبه إلى يحيى العلوي الجد الجامع لأكثر القبيلة في تلك البلاد، يعرف بـ ابن رازكه بكاف معقودة وهي أمه، ويعرف أبوه بمحم وجده بالغاظي (بالظاء والغين المعجمتين تصحيف القاضي) ويعرف أيضا بقاضي البراكنة العالم النحرير، المقدَّم على أهل قطره من غير نكير. كل عن مداه كل جواد، يعترف بذلك الحاضر والباد، وانتشر صيته في تلك الصحارى والأقطار، حتى صار كالشمس في رابعة النهار، وضُرب بفهمه المثل. واستوى في معرفته السهل والجبل. وكان مولده في أرض القبلة، ثم نشأ بها إلى أن ترعرع، فطمحت نفسه إلى العلوم، فاشتغل بها حتى تضلع. وكان ذلك على طريق خرق العادة، إذ مدة طلبه لما نال ليست معتادة. ثم جعل يرجع إلى بلدة تارة والى مسقط رأسه أخرى. ثم طمحت نفسه إلى الأعتاب السلطانية. وكان ذلك في إقبال الدولة العلوية. فاتصل بأمير المؤمنين مولاي إسماعيل رحمه الله، فحظي عنده. وكان ذلك وقت نبوغ المولى محمد بن مولاي إسماعيل المعروف بالعالم، الذي اشتهر علمُه وفضله فكان من خاصته. وكان يكرمه بما لم يقصر عما يذكر من إكرام الرشيد وأضرابه لمن توجهوا إليه، فكان يفد إليه ثم يرجع إلى بلاده، فإذا تذكر تلك الشمائل العالمية، والأيادي الحاتمية. تتصاغر عنده الصحراء وأهلها، ثم يرجع إلى الحضرة السلطانية. وكان له صديق من الترأرزه، اسمه أعل شنذوره، جد محمد لحبيب الأمير المشهور. وكان تضطهده أبناء رزك، لشوكتهم في ذلك العصر، فأخذه مرة وتوجه به إلى مكناسة الزيتون حرسها الله، ولما قدماها ونزلا عند المولى إسماعيل أكرمهما، وقال سيدي محمد العالم يرحب بهما:

مكناسة الزيتون فخراً أصبحت ... تزهو وترفلُ في ملاءِ أخضرِ فرَحاً بعبدِ الله نجل محمدٍ ... قاضي القضاة ومن ذؤابة مغفرِ ثم ذكرا للسلطان صولة أبناء رزك في أرض القبلة، فأمدهما بمحلة كبيرة وأمر عليها أعل شنذوره، فسار بها إلى أن وصل أرض القبلة، فأباد أبناء رزك ولم يبق إلا مواليهم من ذلك الوقت. ولم يزل سيدي عبد الله يعود إلى ارض المغرب مرة بعد مرة، إلى أن ثار المولى محمد صاحبه بأرض السوس على أخيه، وله فيه قصيدتان جيدتان سأورد ما تذكرت منهما. وكان عبد الله المذكور متفننا في فنون شتى. منها: النحو. والعربية. والبيان. والمنطق. والفقه. والهندسة. والرياضة. والتربيع وغير ذلك، ولم نر من أخذ عليه شيئا إلا ما قيل عن بعضهم، إنه غلطه في فائيته حيث يقول: قفوت بها الشاميّ في الفاءِ موقناً ... بأني وإن دون إدراكه ضعفا قال: لأن الذي تقدمه في هذا الروي واقتفاه، هو ابن هانئ الأندلسي وهو مغربي، فكيف يقول إنه شاميّ، وهذا غير صحيح، لأن الشامي الذي يعني، هو أبو الحسن علي بن أحمد الشامي المغربي، وإنما لقب أبو الحسن هذا بالشامي، لان جده قدم من الشام على حضرة فاس حرسها الله، فاشتهرت بنوه بالنسبة إلى الشام. وأبو الحسن هذا، مات بعد الثلاثين والألف، ويدل عليه أن فائية عبد الله المذكورة في مدح نعال النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن قصيدة أبي الحسن الشامي كذلك. أما فائية ابن هانئ المعروف بمتنبي، المغرب فإنه مدح بها جعفر بن عليّ صاحب الزاب. قالوا وأخذ عليه أيضا قوله: ترى عَين الفتى جناتِ عَدْنٍ ... وتُصلى قلبهُ نار الجحيم لأن هذا البيت هو بيت المتنبي: حَشايَ على جمرٍ ذكيّ من الغضى ... وعَينايَ في روضٍ من الحسن ترتع

وهذا غير صحيح، لان قوله جنات عدن، أبلغ من روض من الحسن، ولأن نار الجحيم أحر من جمر الغضى، فاستحق هذا المعنى بما زاد فيه. قالوا وأخذ عليه أيضا قوله - وكان: يقرأ بين يدي المولى إسماعيل أو ابنه مولاي محمد العالم - فقال: الوخيذ بالذال المعجمة، فأرجعه السلطان أو ابنه. فقال: إنه بالذال المعجمة وبالمهملة، فطلب منه شاهدا على ذلك فارتجل: أقولُ لصاحبي لما ارتحلنا ... وأسرَعنا النجائبَ في الوخيذِ تمتّع من لذيذ كلام حورا ... فما بعدَ العشيةِ من لذيذِ وهذا مغالطة منه، والجواب عن هذا أن ذلك يغتفر كما وقع لأبي العباس المبرد فإنه ورد الدينور زائرا لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل عليه وقضى سلامه. قال له عيسى: أيها الشيخ! ما الشاة المجثمة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحمها. فقال: هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة. فقال: هل من شاهد؟ قال نعم، قول الراجز: لم يبق من آل الحميد نسمه ... إلا عنيز لجبة مجثمه فإذا الحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل عليه قال: أيها الشيخ ما الشاة المجثمة التي نهينا عن أكل لحمها؟ فقال: هي التي جثمت على ركبها، وذبحت من خلف قفاها، فقال: كيف تقول ذلك، وهذا شيخ أهل العراق يقول: هي مثل اللجبة، وأنشده الشعر. فقال أبو حنيفة: إيمان البيعة تلزم أبا حنيفة أن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه، وإن كان هذا الشعر إلا لساعته، هذه فقال أبو العباس: صدق الشيخ، فإنني أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكرى ما قد شاع، فأول ما تسألني عنه لا أعرفه، فاستحسن منه هذا الاعتذار. ولعمري أن بيتيه أحسن من بيت أبي العباس عند المنصف. ولنبدأ بقصيدته التي مدح بها نعله صلى الله عليه وسلم وهي:

غرام سقى قلبي مدامته صرفا ... ولمّا يقمٍ للعذل عدلا ولا صرفا قضي فيه قاضي الحب بالهجر مذ غدى ... مريضاً بداءِ لا يطبُّ ولا يُشفى نهاريَ نهرٌ بين جَفنيَ والكرى ... وليلىَ بحرٌ مرسَلٌ دونهُ سَجفا جريحُ سهام الحب عاث به الهوى ... فأبدى الذي أبدا وأخفى الذي أخفى توطّنتِ الأشواقُ سوْداَء قلبهُ ... فترفعهُ ظرْفاً وتخفضهُ ظرْفا يحاولُ سلواني الأحبة عُذَّلى ... وهل يجد السلوان مَنْ يفقد الإلفا سهرنا فناموا ثم عابوا جفوننا ... لقد صدقونا المُرهُ لا تشبه الوُطْفا فحسبُ المحبّ الصادقِ الودّ قلبهُ ... جفاء بشكواهُ مرارة ما يخفى وما ضرّ أوصالَ المحبّ مقوّتاً ... رجاء وصال الحب إسناتُها عجفا لئن فاتنا عين الحبيب فإنما ... بآثاره الحسنى اكتفاء من استكفى فإن لم تر النعل الشريفة فانخفض ... لتمثالها واعكف على لثمها عكفا وقف رائماً إشمام ريا عبيرها ... حشاشة نفس ودّعت جسمها وقفا ولا ترض في تقبيل إلف تحبهُ ... إذا أمكن التقبيل ألفاً ولا ضعفا بدت روضة مسكية النشر أوشكت ... لطيب شذاها العين أن تحسد الأنفا أيمكن رس ضمه الفم دونها ... أيملك جفن غضه دونها الطرفا ترد الردى المخشىّ وشْكُ بلائه ... ولولا قضاءٌ سابقٌ ردّت الحتفا وتجلب في سوق التكسب طرْفةً ... وتجنب في مضمارِ نيل العلى طرْفا ورمحاً ردينياً وسهماً مفوَّقاً ... وسيفاً سريجياً وسابغة زَغْفا فشمِّر وأظهرْ كل شرّ تضمهُ ... وإياك والإضمارَ في الشرح والحذفا وحكم لها من هنَّ بالفصلِ حُكَّم ... ثلاثتهن الشرع والعقل والعرفا

مضى سلف في خدمة النعل صالح ... فكن خَلَفاً فيما تعاطوه لا خَلْفا رأوا تلك في الدنيا الدنية قربة ... إلى الله في الأخرى مقربةً زلْفى أرى الشعراء الهائمين تشببوا ... بذكر المحاكي من يحبونه وصفا يُذيعون ذكر البان والحقف ذي النقي ... ويطرون ذات الخشف بالقول والخشفا فها أنا في تمثال نعليك سيدي ... مضيت على التحقيق في الوصف كالأشفا وإني وتوصافي بديع حلاهما ... كمن همَّ بالبحرين يفنيهما غرفا موازي ترابَ النعل بالتبر سائمٌ ... جبال شروري السمَّ أن تزن الزفا أيا من سَقَتْ ألفاً ظماء بنانهُ ... كما وهبت ألفاً كما هزمت ألفا يد سميت في فادح الفقر راحة ... كما سميت في كفها للعدى كفا ومن قام في الإسراء والحشرِ خلَفه ... نبيؤ إله الحق كلهم صفا نبي وقانا صرفيِ الدهر يمنه ... فها نحن لا أزلا نخاف ولا عنفا له مكنة في علم كل خبيئة ... يقيناً ولم يخطط على مُهْرَقٍ حرفا تناهي إليه علم ما كان أودعت ... بنات لبيدٍ بيرَ ذروان والجفا وما في ذراع الشاة مما تعمدت ... يهود ولكن ما أعفّ وما أعفا وما ملكوت العرش عنه مغيباً ... يعاينه والعين نائمة كشفا يجوز عليه النوم شرعا وما سهى ... له قلبه اليقظان قط وما أغفا وما أرضة البيت الحرام تعقبت ... كتاب قريش إذ نفت كل ما ينفي لمولدك الميمون آيٌ شهيرةٌ ... شفت غُلَّةَ الراوين من قولها الشفا وفيما رأت عينا حليمة مذ رأت ... تبنيك هو إلا حظي شفاء من استشفى ولو لم يجبك البدر لما دعوتهُ ... لما شئت لم ينفكُّ نصفين أو نصفا ولم تك أمّ المؤمنين وإن سخت ... لتفنى لولا كيلها ما على الرفا

إلى معجزات أنجم الجوِّ دونها ... نُمُوًّا وحُسناً وارتفاعاً ومُصْطَفا فلا الدهرُ يحصيهنَّ عدًّا ولو غدت ... مداداُ لياليه وأيامه صُحْفا بك الله نادى عالم العقل باليًا ... فأغواهُم عدلا ووفقهم لطفا تأثل منك النجم كيفية الهدى ... وشمس الضحى الإشراق والعنبر العرقا ورشدك ما أبداه فانكشف العمى ... ووجهك ما أبهى وقلبك ما أصفا ونوَّرت أضغان العدوّ موالياً ... عليهم هدى الآيات يشرقن والزحفا ولي فيك عيم ما أن العين ثرة ... حكتها ولا هامى الحيا مثلها وكفا وخد كما تحت المحيط من الثرى ... فآليته لاجف إلا إذا جفا وفكرة حيران الحجا قذفت به ... نَوًى شُطُرٌ من حيث لم يحتسب قذفا وقلب تولى الحب تصوير شكله ... صنوبرة ثم استبد به حلفا فكان سواء عذبه وعذابه ... عليه فما استعفاه قط ولا أعفا وشعر بديع لو حوى الفتح شينه ... تمنت عذارى الحيّ وارده الوحفا فإن لم يكن حق النبيّ فزخرف ... إذا زلزلت للحشر ألفيته كهفا قفوت بها الشاميّ في الفاءِ موقناً ... بأدنى وإن دون إدراكه ضعفا أنا التابع النعّات فيك مؤكداً ... بيانهمُ أرجو به عندك العطفا تخذتك كهفاً دون ما أنا خائفٌ ... فلم أخش في أعقاب حادثة لهفا فرشني ومن راشت يداك جناحه ... يكن آمناً ما عاش من دهره النتفا وأطلق سراحي من ذنوب عظيمة ... تعاظمني إبثاقها ليتني أكفى عيك صلاة الله جمعاء كلها ... وتسليمه ما طاش عقلٌ وما ألفى وآلك والصحب للذين علاهُم ... أقلتهمُ أرضاً أظلتهمُ سقفا

وهذه قصيدة علي بن أحمد الشامي المغربي التي تقدمت الإشارة إليها: دعوا شفة المشتاق من سقمها تشفى ... وترشف من اسآر ترب الهدى رشفا وتلثم تمثالا لنعل كريمةٍ ... بها الدهر يستسقى الغمام ويستشفى ولا تصرفوها عن هواها وسؤْلها ... بعدلكم فالعدل يمنعها الصرفا ولا تعتبوها فالعتاب يزيدها ... هياماً ويسقيها مدام الهوى صرفا جفتها بكتم الدمع بخلا جفونها ... فمن لامها في اللثم فهو لها أجفى لئن حجبت بالبعد عنهم فهذه ... مكارمهم لم تبق ستراً ولا سجفا وإن كان ذاك الحيف ملفى وصالهم ... فها نفحة الإفضال قربت الملفى فحركت الأشواق منا لروضة ... أباح لنا الإسعاد من زهرها قطفا زماناً به موصولنا نال عائداً ... وأكد نعت الوصل من نحوهم عطفا تولى كمثل الطيف أن زارفى الكرى ... وإلا كمثل البرق أن سارع الخطفا ومنها: كأنا وما كنا نحوب منازلا ... يود بها المشتاق لو راهق الحتفا ولم تبصر الأبصار منها محاسنا ... ولم تسمع الآذان من ذكرها هتفا كذاك الليالي لم تحل عن طباعها ... متى واصلت يوما تصل قطعها ألفا فلا عيش لي أرجوه من بعد بعدهم ... وهيهات يرجو العيش من فارق الإلفا ومنها: أيا من نأت عنه ديارُ أحبةٍ ... فمن بعدهم مثلى على الهلك قد أشفى لئن فاتنا وصل بمنزل خيفهم ... فها نفحة من عرفهم للحشا أشفى وهاذيك أنفاس الرياض تنفست ... برياهُم فاستشفينَّ بها تشفى وقل للأولى هاموا اشتياقاً لبابهم ... هلموا لعرف البان نستنشق العرفا فصفحة هذا الطرس أبدت نعالهم ... وصارت له ظرفاً فيا حسنه ظرفاً تعالوا نغالى في مديح علائها ... فرُب غلوٍ لم يعب ربه عُرفا ولله قوم في هوانا تنافسوا ... وقد غرفوا من بحر أمداحها غرفا

وإنا وإن كنا على الكل لم نطق ... نحاول بعض البعض من بعض ما يلفى لئن قبلوا ألفاً نزد نحن بعدهم ... على الألف ما يستغرق الفرد والألفا وإن وصفوا واستغرقوا الوصف حسبنا ... نجيل بروض الحسن من وصفهم طرفا ونقبس من آثارهم قدر وسعنا ... ونركض في مضمار آثارهم طِرْفا ومن مديحها في سيد البشر، الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وسلم: أُناديك يا خير البرية كلها ... نداء عبيد يرتجى العفو واللطفا وأين محق في هوى حبك الذي ... يفل جيوش الهم أن أقبلت زحفاً وما أنا فيه بالذي قال هازلا ... أليلتنا إذ أرسلت وارداً وحفاً وأشار بهذا إلى قصيدة ابن هانئ الاندلسي، التي تقدمت الإشارة اليها ومطلعها: أليلتنا إذ أرسلت وارداً وحفاً ... وبتنا نرى الجوزاَء في أذنها شنفاً وهي مشهورة فلا نطيل بذكرها، وإنما الغرض تبرئة المترجم من الغلط. وقال أيضا ملغزاً في قوله تعالى (ثم استخرجها من وعاء أخيه) ويخاطب علماء فاس عموما، ويخص العلامة ابن زكري: شيوخ البيان الذائقين حلاوة ... من العلم لم تطعم لغير ذويه سلام من الله السلام ورحمة ... يعمانكم من خامل ونويهِ سؤال غريب دون شنجيط أرضه ... من البعد تيه يتصلن بتيه إذا شبَّه الهادي بها وجه مرشد ... تشابه في عينيه وجه مُتِيهِ قِراهُ لديكم أهْل فاس جوابهُ ... بنص بيان في البيان وجيهِ سما بكمُ علم البيان وحقه ... إذا ما هوى ظن بمختلجيهِ أسائلكم ما سر إظهار ربنا ... تبارك مجداً من وعاءِ أخيهِ فلم يأت عنه منه أو من وعائه ... لأمر دقيق جلّ ثم يخيهِ فإن تك أسرار المعاني خفية ... فمرآتها أفكار كل نبيهِ وأنت ابنَ زكريّ نبيهٌ محقق ... تفرَّدْتَ في الدنيا بغير شبيهِ إذا غصت في بحث حصلت بدره ... وخليت عن سفسافِه ورديهِ

يمدك في إتقان علم تبثه ... قياس أصوليّ ونص فقيهِ وقاك الذي أبداك كالنجم يتقى ... به الغيَّ من يبغي الهدى ويعيه وقد أجاب هذا اللغز، محمد بن سعيد اليدالي الديماني، بقصيدة طويلة. قال في الذهب اقتصرنا منها على محل الفائدة وهو: سؤال بليغ في البيان نبيه ... أديب من أرباب الهدى وذويهِ عليه مدار العصر في العلم سيما ... علوم المعاني وهو قطب رحيه سبوق لدى قيد الشوارد راكب ... من الفهم متنيئ لاحق ووجيه عن السرّ في إتيان ربي بظاهرٍ ... مكان ضمير في وعاء أخيهِ معَمًّى قد أعيا أهل فاس وغيرهم ... فكنا بحمد الله مفتتحيهِ وكلَّفني نصحُ البرية فكّهُ ... فأعْظِمْ بما قد كان كلفنيهِ فقلب وبالله الصَّوَابُ مجاوباً ... له بقياسِ في الأصول وجيه ولكنه صعْبُ المدارك معْسِرٌ ... على ضُعفَاءِ الفهم مُنْتَقَصَيه فهذا بحمد الله إيضاح لُغْزِهِ ... مساوٍ له في بحره ورويهِ فلو قال فرضاً ربنا من وعائه ... فذالكم بعد التفكرِ فيهِ يؤدي إلى عود الضميرِ ليوسفٍ ... فيفسد معناه لمختبريه لأنّ الضميرَ في الصناعة عائد ... لأقرب مذكور هناك يليه وإن قال منه اختل أيضاً لأنه ... يؤدي لعود مضمر لأخيه فتنزع منه الصاع لا من وعائه ... وتأنف من ذا نفس كل نزيه لما في انتزاع من أذىً ومهانةٍ ... ولم يرد الرحمن من ذا بنبيهِ ونص على هذا السيوطي فهاكه ... بوجه بياني ونص فقيه ويعرف هذا الذائقون حلاوة ال ... معاني ومن يدري الهدى ويعيه وفي فضلك اجمع شملنا ربنا كما ... فعلت بيعقوب النبي وبنيهِ وصل على الهادي وسلم وآله ... وأصحابه طرًّا ومتبعيه

وقائل هذا ابن السعيد محمد ... محبُّ النبيَّ المصطفى وسميه وله أيضا يشكو حال بعض علماء وقته: سقى دمن الحي الحيا المتفائض ... وفي وجهه برقٌ من البشرِ وامض يَصُبُّ عليهنّ المياهَ كأنه ... لما دنّس العصران منهن راحض معاهد أرآم الأنيس فأصبحت ... وفيها لأرآم الفضاء مرابض رياض لوى بيض العمائم حزنها ... كما قمِّصَت خضر الملاء الربائض تذكرنا هاتى بتلك تشابهاً ... يبين فيخفيه الشوى والمآبض فتلك التي يغذو صناب وناطف ... وهاتى التي يغذو كباث وبارض أثار الدكارُ العنبرية حبها ... ففاض على الأحشاء والصبر غائض وليل قضينا فيه للأنس حقهُ ... فتمت بما نهوى الأماني الغوائض تدوِّم غربان الدجى فتردها ... إلى الجوحيات الشماع النضائض زمان توانى في المصالح أهله ... وكلهم نحو المفاسد راكض يقولون خير الدين والعلم سعيهم ... وسعيهمُ للدين والعلم هائض عجزت فأظهرت القبول كتابع ... عجوزا يصلى خلفها وهي حائض فلو كنت أرجو الودَّ منهم تواخياً ... وما منهمُ إلا عدُوٌ مباغِضُ لكنت كراج للنوافل حفظها ... لدى مَنْ مضاعاتٌ لديه الفرائض وراج لداءٍ طب من هو مشكل ... عليه مريض الماءِ والمتمارض كما خض ماء الشنّ جرَّا إتائه ... ومُطّلب عنّاهُ أبلق ماخض إلى كم وهذا الجور يبرم حكمهُ ... ولم يتعقبه من العدل ناقض ولم يبق إلا مغمض متباصر ... يخاف أذاه مبصر متغامض

يروح جراب الباطل الفعم جهده ... وما في جراب الحق إلا نفائض على صورة الإنسان غطيت صورة ال ... حمارِ وغطتها الثيابُ الفضافض سأعصى عذولي في السُّرى وهو ناصح ... وأغتشه في نصحه وهو ماحض وتطوى عواصى القفر عيسى بأذرع ... طوال التمشي بالخضم النضائض إلى حيث صيرُ الشرع لا نهج ظاهر ... ولا باطل من حكمه متناقض ومن عد للجُلّى وحملان عِبْئِها ... تأَرَّضَ عنه المُسْتَطيلُ الجُرائض إذا ما اللحى لم تَسْعَ في النفع أهلها ... لأهليهمُ فلتسع فيها المقارِضُ ولىّ حفيّ بالمريد فعذقه ... بجنته والداء أدوءُ نابض يرجيه عند البسط والله باسط ... ويخفيه عند القبض والله قابض وقال أيضا يمدح أبناء أحمد من دامان في أول القصيدة، ثم عاد إلى الغزل، ثم استأنف مدح العلامة محمد كريم الديماني الفاضلي، مجيباً له عن قصيدة مدحه بها لم تحضرني: تخافقت البروق على الغميم ... شفاؤك يا مقيلة أن تشيم مخيّم جيرة شُمّ كرام ... طهارى أوجهٍ بيض وخيم أعزاءُ القنا حيٌّ لَقاحٌ ... يرون الموت في عيش المضيم مُسِيموا الغضْيَبات بكل أرضٍ ... حَماما الخوْفُ غاشيةَ المسيم فوارس يركضون بنات عوج ... أتوا وأتين بالعجب الجسيم حقيقة أن جنس الليث يعدو ... إلى الهيجا على جنس الظليم بُناتُ الرَّيط في الفلوات يبدو ... على الأميال كالرمل العظيم خيام الناسِ لكن كل سجف ... يزاوج بين قسورة وريم سقاةُ الضّيفِ ألبان المهارى ... ومن عادوه بالآن الحميم ففي أسيافهم حنف الأعادي ... وفي راحاتهم كسب العديم

نأوا بخريدة غيداَء رأدٍ ... ونيم للغواني أيُّ نيم طَوتْ كشحِي على جمرٍ تلظى ... غضى طيانةُ الكشح الهضيم أثيثَةُ وحْفِها الحاكي اسوداداً ... وطولا ليل عاشقها السليم يصول إلى مُخلخلها هُوِيًّا ... لينقذه من الحِجْلِ الفصيم ترى عين الفتى جناتِ عدن ... وتُصلى قلبه نار الجحيم قواطع في حشا المصغي إليها ... مقاطع درّ منطقها الرخيم وتسرى في حُشاشته فيحيى ... حميا الكأس في قلب النديم أقرَّ الحُسْنُ ملكا في يديها ... وتيرةَ ذي الأناة المستديم أردتُ وصالها طمعاً فهِمنا ... بأودية الغرام المستهيم وحالت دُونَ رُقباها خيالا ... عوارضُ من عذاب هوىً أليم مُبينةُ خُلْفِ عُرقوب وحقٌّ ... لديها واجبٌ مَطْلُ الغريم ثنا القرطان أذنيها وأصغا ... هما الشنفان للواشي النميم لرِدْفيها وخصْرَيها اختلاف ... رجاجةُ مقعدٍ وضوًى مقيم وأنوارُ الدَّرَاري والزهاوي ... تلاشت في محياها الوسيم رَدَاحٌ فَعْمَةُ اللاذي اليماني ... روى ماَء الشبيبة والنعيم وما أدرى أعارت أم أعيرت ... محاجرها بنات مها الصريم أألبسها الكمالَ كما اكتساهُ ... محمدٌ الكريم بن الكريم إمامٌ بلغت يده المعالي ... محلاً لم تَرُمْهُ يَدا أريم كأنْ قد خُوطبت فيه استقرى ... لديه كيف شاَء ولا تريم يدافع عن حقائق كل مجدٍ ... مدافعة الغيور عن الحريم لآل الفاضل الفضلاءِ أيد ... شددن على عُرى المجد الصميم كُسُوا حُلَلَ التقى الضُّفْيا وأع ... طوا تمام الخُلق والخَلق التميمي

هم الأمثال في الآفاق سارت ... مسير الشمس بالضوء العميم لشرحِهمُ خبايا كل فن ... جهلنا ما البليد من الفهيم فما نخشى الضلال وهم نجومٌ ... ترينا الهدْى في الليل البهيم أئمة حِزْبِ أحمد ما نعيهم ... مكايد حزب إبليس الرجيم سعت في الخدمة الدنيا عليهم ... وهم في خدمة الدين القويم ثِمالُ الناسِ في اللأواء يسلى ... بهم فقدان كلّ أب رحيم جميلٌ ليس معزواً إليهم ... بلا حاءِ ولا دال وميم بيانُ محمدٍ صبحٌ منيرٌ ... فأفحم كل ذي جَدَلٍ خصيم مُجَلَّي حلْبة الأدب المسمى ... مسابقة المبرز باللطيم أبو الطلاّب لا ينفك منهم ... حنانَ الأمِّ بالطفل الفطيم أقول لحاسدٍ رام اعتسافاً ... يسابقه ركبت على مليم تيقظ من كرى حسد مخلٍّ ... شبعت به من البنج المنيم فأمَّ كوالديك بوالديه ... به أمُّ الصراط المستقيم عسيرٌ ما تعالجه فأولى ... علاجك داَء خاطرك السقيم فما ساع إلى مجد بجدٍ ... كمتكل على عظم رميم أترضى ويح أمك ما يؤدِّي ... إلى تعقيب أقضية الحكيم زَعمنك بيننا ملكا مُطاعاً ... لِيهنئكَ الخُرَاجُ بغير جيم ظنناك الزعيم وما صدفْنا ... وفزنا منه بالرجل الزعيم شفى السُّؤَّال إلا حاسديه ... وهل يشفى الزلال غليلَ هيم أسيدىَ العزيز علىَّ قدراً ... رضيتُ له بمسكنة الخديم أخلت فتاك محظوظاً بعلم ... فخفتَ عليه تعلاك الشكيم

أفادك محض وُدِّك فيه ظنَّا ... جميلا صنع ذي قلب سليم فَلِمْ ولديك روض العلم غضًّا ... رعاك الله تُعنى بالهشيم وكائنْ حزت من مرعىَ مريئٍ ... فأيَّةُ حاجةٍ لك بالوخيم وشرٌّ إصابة الدنيا كريما ... إذا ما أحوجته إلى لئيم ينال ابن الكريمة شَرُّ خطب ... ولا يرضى التخلص بالذميم أجلْ درجات أهل العلم شتى ... تناهيها إلى الله العليم لأمرٍ في ازدياد العلم سارت ... إلى الخضر العزيمة بالكليم عدمنا قبل شعرك كون شعر ... قوافيه من الدرّ اليتيم جواب عنه جهد أخ مقل ... جزاء الترب عن تبر فخيم ترى العينان في رشّات مسك ... لأول وهلة شبه الوَنيم فتفصل مِسْك تُبّتَ دون لَبْسٍ ... من الحتيتِ جارِحَةُ الشميم وما العرّارُ كالرئبال بطشاً ... وإن حاكاه في رجع النئيم إليك فأغض جحمرشٌ عجوز ... تقص معالم الزمن القديم لها في اللهو ضرب بعد ضرب ... على آذان أصحاب الرقيم فتاة حين جُرهم استعاذوا ... وطافوا بالمقام وبالحطيم وإذ بكرت على طَسْم جديسٌ ... وإذ خربت ديار بني أمِيمِ وإذ صَليت تميم نار عمرو ... مُضيِف البُرْجُمي إلى تميم هدية عبدك البادي المساوي ... فغطَّ مساويَ العبد الجريم

خدمتُ مقامك الأعلا امتداحاً ... أتيت به على نمط عقيم لشعري منهُ عزاً وارتفاعاً ... نصيب السلك من شرَفِ النظيم ودادك في مشيج دمي ولحمي ... وفي عظمي وفي ضاحي أديم صلاة الله أزكى ما يحيىِّ ... زُجاجةَ ذلك الوجهِ الوسيم مطايا الشوق في قلب المعنى ... إليك الدهرَ عاملةُ الرسيم وفضَّ تحيتيك ختامُ مسك ... يُذيع أريجَه طيب النسيم وقال أيضا يرثي أعمر آكجيل (بكاف معقودة) ابن هد التروزي: هو الموت عضب لا تخون مضاربه ... وحوض زعاف كل من عاش شاربهْ وما الناس إلا واردوه فسابقٌ ... إليه ومسبوق تخِبُّ نجائبهْ يحبُّ الفتى إدراك ما هو راغبٌ ... ويدركه لابد ما هو راهبهْ فكم لابس ثوب الحياة فجاَءه ... على فَجْأَةٍ عادٍ من الموت سالبهْ ولم يقه فرعونَ عونٌ أعده ... ولا مُرْدُ نَمْرُودٍ حمت وأشائبهْ وهل كان أبقى بُخْتَنَصَّر بَخْتُه ... وأنصاره لمَّا تحدّاه واجبهْ فما صان حبراً علمه وكتابه ... ولا ملكا أعلامه وكتائبُهْ ولسنا نسب الدهر فيما يصيبنا ... فلا الدهرُ جاليه ولا هو جالِبُهْ مضى مشرق الأيام حتى إذا انقضتْ ... ليالي أبي حفص تولت غياهِبُه نقيبٌ نسينا كل شيءٍ لرزئهِ ... تُذكرناه كلَّ أن مناقِبُه أناعيَه أرسلت عزلاء مهجتي ... فهادَمها حملاق جفنىَ ساكُبهْ طوى نعيه وعيى فها أنا غائب ... عن الحسّ فيه ذاهل العقل ذاهبه تمكن من نفسي بنفس سماعه ... جوىً فيه كُلّى ذاب قلبي وقالَبُه فلاقيته لقيا شج متعلّلٍ ... بصدق الأماني والأماني كواذبه عزاء حيٍّ عمه الشجو لا يني ... تساوره حياتُه وعقاربُه

أعاتبه فيما أقام ولم يقم ... على حجة المعذور فيما أعاتبهْ أهاذي السحاب الغر وهي مُلثَّةٌ ... بواكيه أم تلك الرعود نواديه تضعضعتِ الدنيا فسلمى رأيته ... لفقد ابن هَدِّ هُدَّ بالهم جانبه فلا حَيَّ إلا وهو أصبح مأتماً ... تداوله أشياخه وكواعبه فقد صح موت المكرمات بموته ... وصرح ناعيه ولوَّح ناعبه إلى أين منْ أيامه العيد كلها ... مآكله مصفوفة ومواكبه دعاه السميع المستجاب وطالما ... دعي الأجفلي والعام أشهب آدبه ألازمه المكتوب أن حل رأبنا ... ولكن نظام العالم انحل كاتبه وما مثل الدنيا وراء خصاله ... بشيءٍ سوى ليل تهاوت كواكبه فيا طِرفه ما كنت كالخيل لا أرى ... سواكَ غداة الهيعة البدُّ راكبه هو السيد الممتد في الناس ذكره ... وفي البُؤْس كفاه وفي البأس قاضبه يلاين مرتاضاً أريباً وينبري ... هزبراً أبا أجرٍ على من يغاضبه فتىً يهب الآلاف عفواً وتنكفي ... مخافته الآلاف حين تحاربه تنوع فيه الناس بوع فكلهم ... إلى كل جنس كامل الوصف ناسبه فللأبحر الراوون أخبار جوده ... وللقمر الراؤون كيف مناصِبُهْ وللأسُد الواعون شدة بأسه ... وما دافعت في كل هيجا مَناكِبُهْ مذاهب من يولى الجزيل ويقتنى ... به الوفرَ مَنْ أعيت عليه مذاهبه يجد فيفنى من يناوي مهابَةً ... ويجدي ويفني من يوالي مواهبه علانية يأتمه الجم وارداً ... فيضربه أو مارداً فيضاربه يناجى بما في نفس عافيه قلبه ... فيتحفه ما فيه نيطت مآربه

أبا فَضْلُهُ الحذّاقَ أن يحذقوا به ... فلا اليد تحصيه ولا الفم حاسبه فلم يغنه المجد الذي هو حائز ... تراثاً عن المجد الذي هو كاسبه علا حزمه من طبعه متعقب ... يباعده الأمر الملوم مقاربه فما سَدُّه مستأنساً ما يريبه ... محاكيه السد الذي شادَ ماربه معاطفه ما ضقن ذرعا بحادث ... جليل وإن كانت تخاف مَعَاطبه إمامُ نديً في جامع المجدِ راتبٌ ... تحيل القضايا أن تنال مراتبه منّور مرآت الفؤادِ مَوفّقٌ ... تراءى له من كل أمر عواقبه تفرِّق ما يكفي البرِيَّة كفُه ... وتجمع من فوق التراب ترائبه نسوجٌ على منوال ما كان ناسجاً ... على ذكره من عهد يحيى عناكبه على يده الطولى تقمَّصت مِطرفا ... من العز والإثراء ها أنا ساحبه أيجتمع البحران إلا إذا رسا ... سفينٌ مدنّات إليه قواربه يحكمه ربَّاته في نفيسها ... ويدعوه فيما يصطفى فيجاوبه فيصدر ركبا بعد ركب ثقيلة ... بما وهبت تلك اليمين ركائبه فنبصره عذبا فراتا غطمطما ... يذِلُّ له حقو الاجاج وغاربه تزاحم في بث الجميل تسابقاً ... إلى شكره أفواهه وحقائِبُهْ إلى بابه في كل تيهاَء منهج ... يؤدي إليه طالبَ العرف لاحبُهْ عجبتُ لأيدٍ كيف وارت بمضجع ... غمام أيادٍ يوعبُ الأرض صائِبُهْ سقى الله قبراً ضمُه وبلَ رحمةٍ ... من الرَّوح والرَّيحان تهمى سحائبه وأوفض في وحش التراب بروحهِ ... إلى حيث أترابُ الجنانِ تلاعبه فصاحب علىَّ الصبرَ فيه وآخِه ... فمحمودة عقبي من الصبر صاحبه

فما حان حتى بان منك سميذع ... يجاريه في ميدانه ويجاذبه هو الفاعل الخيرات قدِّر حتفه ... فثق بوجوب الرفع إنك نائبه تبارَيتما بدرين في أفُقِ العُلا ... وقد سُرَّ باديه وأحْزَنَ غائبه وما قلدوك الأمر إلا تيقناً ... لإدراكك الأمر الذي أنت طالبه فقم راشداً واقصد عدوَّك واثقاً ... بفتحكه إذ همُّ خوفك ناصبه فيؤيدكَ الله الذي هو باسط ... يديك فمغلوب به من تغالبه فلا يَثْنِكَ الحساد عما تشاؤه ... فلن يمنع الحساد ما الله واهبه فأموالهم ما أنت بالسَّيْنِ واهبٌ ... وأعمارهم ما أنت بالسيف ناهبه كما لك يا إنسان عين زمانه ... تكنفه حفظ من الله حاجبه وقال أيضا يرثي العلامة أحمد بن يوسف البوحسني: هو الأجل الموقوت لا يتخلّفُ ... وليس يرد الفائتَ المتأسِفُّ رضينا قضاء الله جلَّ جلالهُ ... وإن ضَلَّ فيه الجاهلُ المتعَسِفُّ هو الحق يحزينا ثواب صنيعه ... وننفق من خيراته وهو يُخْلِفُ يعافى ويعفو عن كثير ولم يزل ... حليما وما زلنا نسئُ ونسرِفُ فكيف يؤدّى حمدَهُ حق حمدِه ... كما ينبغي مجداً لِسانٌ وأحرفُ إلهي عجزنا دون ما أنت أهله ... وخفنا ونرجو ما لديك ونرجفُ أشارت يد الدنيا بتوديع أهلها ... وكدنا نرى الأشراطَ والله يلطف رجوناك مِفضالا وخفناك عادلا ... فهب ما نرجِّى واكف ما نتخوّف هي الجسر للأخرى فِسر ضيف ليلة ... عليها فكلْ ما تْستضاف وتعلَفُ تكلفنا أشياَء لا نستطيعها ... ونعلق فيها بالمحال ونكلفُ فأما هوانا طولها فلأَنفس ... شديد عليها ترك ما كان تألفُ

تصرَّفت الهوجاء فينا على عَمًى ... فلا غرض تبغيه فيما تصرف وما ذاك إلا أنها جد كلبة ... وما طبعت إلا على الكلب تصرفُ يبشُّ محياها إلى كل ناقص ... وتعْبِس في وجه الكريم وتصدفُ وليس يفي فيما يفيدُ سرُورها ... بأحْزانها فيما تبيد وتتلفُ فلا ترضها جمعاَء كتعاء جملةً ... تحلّةَ ما تولى عليه وتحلفُ ولا دار سكنى وهي قصرٌ مُشَيَّدٌ ... فكيف وهذا قاعُهَا وهي صفصفُ وما الزهدُ في إلغَائها وهي علقمٌ ... زعاقٌ ولكن وهْيَ صهباء قرقفُ مضت غير ما سوف على زَرَجُونها ... ولكن على مثل ابن يوسف يؤسف فتانا ومفتينا المصيب وشيخنا ... ونبراسنا فيما يهم ويسدف يعاين أعقاب الأمور فراسة ... إياسيه تلقى إليه وتهتفُ وتسمع عنه بالعجيب وما ترى ... بأحسن مما كان يروى وأظرفُ تهم قلوب الحاسدين بغمصه ... فتسبقهم أفواههم فتشرِّفُ بصيرٌ بحل المشكلات كأنما ... يكاشف عن أسرارها ثم يكشفُ حكيمٌ تلاشى فيه سَحبان وائلٍ ... وقس وأفعى الجرهمي وقِلطفُ ورسْطا وقسْطا وابن سينا وهُرْمِسٌ ... وإقليدس ذو الجوسقين وأسقفُ

غمامٌ بماءْ المزن ينهل مزنه ... وبحر بأصداف المكارم يقذفُ تملك أطراف القضاء وفقهه ... وما هو إلا مالك أو مطرفُ تخاطبنا كبرى ابن يوسف عنده ... دعوا كثرة الآراءِ هذا المصنفُ درى في اللغَى والنحو ما شاَء في الصبّا ... فشبَّ على تحقيقه يتفلسَفُ يجوّدُ آيات الكتاب فصدرُه ... لِمَجْموع ذي النورين عثمانَ مصحفُ عواطل آذان من العلم لم يكن ... يقرّطها تدريسه ويشنفُ يفسرُه تفسير حبر موفق ... يسنى له فيض العلوم فيغرفُ نضت جودها في كفّهِ كفُّ حاتم ... وزرَّ عليه جبة الحلم أحنفُ أشَمُّ المعالي همه وهو همها ... ويشغف فيها مثل ما فيه تشغفُ قَصرن عليه الطَّرف وهو كأنما ... برؤيا سواها كان يقذى ويطرفُ وما كنت أدرى قبله الموت زعزعا ... يدك جوديّ المعالي وينسفُ ولا حاجياً أن يستهلَّ ابن ليلة ... على الناس بدراً كاملا ثم يكسفُ توغلت سجن الهم فاصبره حسبة ... يجازيك من مجزيِّ يوسفَ يوسفُ أراد بك الله التي هي عنده ... أحَظُّ وأحظى بالمفاز وأشرفُ ولو أن آثام البرية كِفَّةٌ ... لخفت بما فيها ثوابك يصرفُ وبَخْ بَخْ وبشّرِ أمّ أحمد بالذي ... يثنى لها من أجرها ويضعّفُ فلا تجزعا يا ولديه فربه ... برُّ به من والديه وأرأفُ وخلى ومن أصفيت ودي ومن به ... أقيم اعوجاجي كله وأَثَقّفُ وأفرشتني شوك القتاد وإنما ... فراشاك في الفردوس لاذٍ ورفرفُ وجازاك عنها خير خير يناله ... ويُجْزَى به الدَّيانة المتحنِفُ وخلَّي لمولاه الحضيضَ وأهلَه ... فليس له إلا إليه التشوّفُ وتعزوه للأحداث سن صغيرة ... ويعزوه للأشياخ علم يؤلفُ

تعجبت من تقديمه عند عدهم ... وهم وهو عقد السؤدد المحض نيفُ تغلغل في علم التصوّف آخذاً ... على نفسه دون الحظوظ التصوفُ وأدناك إذ لم ترض نفسك حية ... بما ليس يدنى من رضاه ويزلفُ وغل لساني فيك ما غمّ خاطري ... فها أنا أرسو في الكلام وأرسفُ ولم أقض أدنى حقه غير أنني ... أبهرج في تأبينه وأزخرفُ رثاه الذي لا يسخط اللهَ قولُهُ ... ويحزن منه القلب والعين تذرفُ تمنيت ولو أعطيت في القول بَسْطة ... فأهتف فيه بالذي أنا أعرفُ نعم كيف يفْنى غارف متحفِّنٌ ... بغرفته البحر المحيط وينزفُ له شيمٌ مثل النجوم عديدة ... فمنهن موصوفٌ وما ليس يوصفُ وغايات سبق في الكمالات تنتهي ... جياد القوافي دونهن وتوقفُ وقال أيضا يمدح سيدي محمد بن مولاي إسماعيل الذي اشتهر فضله بين الخاصة والعامة (ومن أراد أن يقف على بعض مآثره فلينظر في كتاب الاستقصا، ومن سمع ما ترويه مشايخ الصحراء علم إنه ما استقصى): دع العيس والبيداء تذرعها شطحا ... وسِمْها بحورَ الآل تسبحها سبحا ولا ترعها إلا الذميل فطالما ... رعت ناضر القيصوم والشيح والطلحا ولا تصغ للناهين فيما نويته ... وخف حيث يخفى الغش من يظهر النصحا فكن قمراً يفْرى الدجى كل ليلة ... ولا تك كالقمريّ يستعذب الصدحا وقارض هموم النفس بالسير والسرى ... على ثقة بالله في نيلك الربحا وأمّ بساط ابن الشريف محمد ... مبيد العدا ذكرا ومبدي الهدى صبحا فتى يسع الدنيا كما هي صدره ... فأضحى به صدر الديانة مندَحّا ومن هو غيث أخضل الأرض روضه ... فلا يظمأ الآوي إليه ولا يضحى فتى يستقل البحر جود بنانه ... على حالة استكثار حاتم الرشحا تزيد على الفاقات فيضات كفه ... فيغرق في التيار من يأمل النضحا

وَمنْ هديه ساوى النهار وليله ... فأمسى ينير الخافقين كما أضحى أميرٌ ملوك الكفر أضحت بسيفه ... كما تتبغّى الذبح في عيدها الأضحى مساعيه في الخطب الجليل يرومه ... كآمال من يرجوه تستصْحب النجحا صفات كدُرِّ البحر صفواً ولجه ... حساباً فمن تأتى على مائه نزحا وآيات علم أغمد الجهل نورها ... وغايات جد ليس تطلابها مزْحا وكَفٌّ تُرى وكْف الحيا كيف ينهمي ... إلى خُلْق يرى نسيم الصبا النفحا وبشرُ محيا علَّم الصبح ما السنا ... وقبض أرى النار التأجُّجَ واللفْحا وتأليفه أشتَات كل فضيلة ... ومكرمة غراء تعجزنا شرحا ومنها: أبوك لحكم الشرع ولاّك عهده ... فلم تلق كدًّا للسؤال ولا كدحا وأعطاكه إذ ليس غيرك أهله ... وللعقل نور ميز الحسن والقبحا كفى باتخاذ المال في القصد يمنه ... فلسنا نخط الرمل أو نضرب القِدْحا مهيب مخوف بطشه تحت حلمه ... عفوٌّ يرى إلا عن الباطل الصفحا فهل كان معزوا إلى الحلم قبله ... نعم أو كريم يَدَّعِى غيره السمحا فأقدم حتى فارق الجبن صافرٌ ... وجاد إلى أن عاف مادِرٌ الشحا ولم تُذْعِنِ الأعداء محض مودَّة ... إليه ولكن إنما كرهوا القرحا رأوا ضيغما يعطى الحروب حقوقها ... وإن تضع الأوزار يُبْرِمْ لها صلحا ويستغرق الأوقات في الجد كلها ... ولا يهب التَّلعاب ما يسع اللمحا مواصلة حبل الجهاد جياده ... ووقفا على غزو العدا عدوها ضبْحا معادية مُعْطىً بالحياة منية ... وبالجنة الأخرى وبالسُّنْدس المُسْحَا أبي ابن أمير المؤمنين وسيفه ... وصمصامه أن يرفع الضرب والنطحا تشابهه خَلْقا وخُلْقا فسامه ... إلى الفلك الأعلى فإنك لا تلجا

تهندست العليا فأحرزت جسمها ... لإحرازك النقطات والخط والسَّطْحا ومنها: فأعطيتني الأعيان والعين والكسى ... وبيض الظبا والنوق والخيل والطلحا فخذها ابنةَ الحاء التي الحمد مبتدأ ... لها وبها خلاّقها كمل المدحا وقال يمدحه أيضا: أثار الهوى سجع الحمام المغَرد ... وأَرَّقني الطيف الذي لم أطِرّدِ ومسرى نسيم من أكَيْناف حائل ... وبرق سقى هاميه برقة ثهْمِدِ وذكر التي بالقلب خيَّم حبها ... وألبسني شوقا علالة مكمد فبت أقاسي ليلة نابغيَّة ... تعرفني هم السليم المُسَهَّدِ طويلة أذيال الدجى دب نجمها ... إلى الغرب مشْىَ الحائر المتردِّدِ ويزعج وُرَّاد الكرى دون مقلتي ... بُعُوث غرامٍ من لدنْ أم مَعْبَدِ بنفسيَ عرقوبية الوعد ما نوت ... وإن حلفت قط الوفاء بموعدِ تردُّ إلى دين الصبابة والهوى ... فؤاد الحليم الراهب المُتَعَبِّدِ وتقصد في قتل الأحبة قربة ... بشرعة ديان الهوى المتأكّد سبتني فقبَّلت الثرى متخلصا ... أمام امتداح ابن الشريف محمد هو الوارث الفضلَ النبيئيَّ خالصا ... من المجد والعليا ومن طيب مَحتِدِ بمال اليتامى والأيامى موكلٌ ... بتفريج غماءِ الشجيّ المكمدِ وضاع أكثرها من حفظي. وله أيضا: يَتَفَيْهَقُ الغمر المغمر مُسْهَباً ... والمِصْقَعُ العِدُّ القريحة موجزُ كالوعد يقوى المخلفون بحمله ... ويهاب عهدةَ عقده مَنْ يُنْجِزُ وله أيضا: إلى الله أشكو طوع نفسيَ للهوى ... وإسرافها في غيها وعيوبَها

حرم بن عبد الجليل العلوي

إذا سقتُها للصالحات تَقَعَّسَتْ ... ودبَّتْ على كره إليها دبِيبَها وتشتد نحو الموبقات نشيطة ... إذا فاوقتها الريحُ فاقت هبوبَها وما هي إلا كالفراشة إنها ... ترى النار ناراً ثم تصلى لهيبَها ومن بديع قوله: ألا إني خليلك يا حويري ... ومبسمك المُبَرِّدِ للغليل فقولي للنحاة حمايَ عنه ... دعوا بين المبرد والخليل وسواء فتحت راء المبرد أو كسرتها كما ضبط بالوجهين. ومما أنشدني له العلامة أستاذنا المختار بن ألما الديماني رحمه الله تعالى من أبيات: إذا جلت فكراً في العلوم عويصها ... ومادت به الأفراح كل مميدِ تصاغرت الدنيا لدىّ وأهلها ... وجئتُ بما يشفى غليل مريدِ ونلتُ لذيذ العلم بالذوق وحده ... وكل لذيذ غيره كهبيدِ هذا ما علق في الخاطر من شعره ومحاضراته، سوى قصيدة ستأتي في ترجمة اليدالي ولم ننقل شيئا من الغرائب التي تتداولها العامة من أخباره لعدم صحتها. وكان رحمه الله تعالى موجودا في صدر القرن الثاني عشر. حرم بن عبد الجليل العلوي ويقال له حرمة الله وحرمة الرحمن بن الحاج ابن سيدي الحسن بن القاضي، يجتمع فيه مع الذي قبله علامة عصره. وأعجوبة دهره. جدَّ واجتهد حتى ظفر بمناه، وأقام بمدينة شنقيط وآطار لطلب العلم. وكان أبوه من أمثل قبيلته يقطن أرض القبلة، فلما تأخرت عنه المؤونة لقلة القادمين، كتب إلى أهله يعرض لهم، بأن كثرة مالهم لم يحصل منها على طائل في وقت الحاجة إليه فقال: عليكم سلام مارست ضمُّ يذبل ... وما جال ذكر الزاد في قلب مرمل وما انشرحت نفس امرئٍ متغرب ... لثوب قشيب ناله بعدَ مسمل

وبعد فبرق خلب متألق ... على البعد لم تمرع به أرض ممحل ومن لا يغادر ثلمة في المَنِيل لا ... يسدُّ جداه ثلمة المتنوّل ويحكى عنه من الاجتهاد في طلب العلم، وتحمل المشاق والصبر، شيء عجيب. ومن شعره في جواب أبيات لمحمد بن الطلبة اليعقوبي، يسأله إعارة كتاب التبصرة لابن فرحون. يا ابن المشايخ والأشياخ أسلافه ... جزاء من يسعف العافين إسعافُهْ لكنَّ تبصرة الحُكَّام مَبْخَلَةٌ ... ولؤلؤ وسواد القلب أصدافُهْ ومن أعار سواد القلب أتلفه ... لكن يهون علينا فيك إتلافُهْ ومن أشهر مشايخه المختار بن بون، وكان عليه اعتماده من كل طلبته، ولم يحمل عنه أحد من علمه ما حمل، وكان يساعده في نظم التسهيل حتى إنه قال: لو أخذت ما يخصني لم يبق منه ما يسمى به. وكان حرمة الله هذا رحمه الله، من عجائب الدهر، ولما تضلع من ابن بون، جلس لإفادة الناس، وضربت إليه أكباد الإبل، وانتفع به خلق كثير، ولم يبلغ أحد من تلامذته مبلغ الشيخ سيدي ومحنض بن سيدي عبد الله الشقروي، وكانت له اليد الطولى في جميع العلوم. أما النحو فاشتهر به بعد ابن بون. وأما الفقه فكان المرجع فيه إليه أيضا، ويدل على تفننه قوله، وقد مر بربع خلا كانوا يطلبون العلم فيه على بن بون: دمن دعتك إلى القريض فإن تجب ... فلمثلها يهدى القريض ويندبُ وإذا سكتّ عن الجواب لشِرَّةٍ ... فاضت فذاك من الإجابة أصوبُ أما النسيبُ فلا يسوغك ذكرهُ ... عصر التعلم والمشايخ يعذبُ كنا مع البونيِّ في عرصاتها ... هالات بدر لم يشبها غيهبُ فيها تجمَّعَ سيبويهِ ويوسفٌ ... والكاتبي والأشعريّ وأشهبُ شاقتك أطلال يَلِين لهم وما ... شاقتك سعدى إذ نأتْكَ وزينبُ

ومن عجيب أمره، إنه لما كبر أصيب ببصره، فكان لا يميز الناس ولا الدواب ولكنه يقرأ الكتب، وقد حدثني عمنا العلامة البركة مأمون، إنه كان يكتفي في الليل بضوء قليل يقرأ الكتب عليه، وهذا شائع هناك. وله شواهد منها قول العلامة باب الآتي يرثيه من منظومة: أغناه نور القلب عن نور البصر ... يطالع الكتب ولا يرى البشر وقال ابن عيد الجكني يخاطبه ويشكو إليه ناسا من أقاربه هجوه: يا حرمة الله يا نبراس ذي العُصُرى ... يا من بصيرته أغنت عن البصرِ ماذا تقول لمن أمسى يخاطرني ... من خاطر البزل لم يسلم من الخطرِ وكان مع علمه وصلاحه يجيد النسيب. ومن بديع قوله: إلى متى تظهرُ السلوان والفكرُ ... تعلو بقلبك أحياناً وتنحدرُ ما أنت أوّل من أفنى تجلده ... وصبره دعج العينين والحورُ ولو مرّ أهيفُ مجدولٌ على حجر ... صبا له أن رآه ذلك الحجرُ هيف الخصور خدال السُّوق قد صرعت ... قَيساً وقِيساً وغيلانا وما انتصروا جرَّ عن عروة كأس الموت قبلهم ... وقال فيهنَّ ما قد قاله عمرُ عراك منذ شهور ما ألمَّ بهم ... رِدْ مثل ما ردوا واصدر كما صدروا لا يصدر الطرف عن جيدا منعمة ... إلا امرؤ لم يكن في وجهه بصرُ واجعل سريرك رحلا فوق يعملة ... من شدة الخطو لا يبدو لها أثرُ ساير براحا عليها كل هاجرة ... وأدلج كما تدلج الجوزاءُ والقمرُ حتى تُؤَوِّب غزلاناً تسامرها ... يا حبذا تلكم الغزلان والسمرُ إن شاكلت كل خضر أدمنة زَهَراً ... يا حبذا الدمن اللاتي بها الخضرُ ماذا تضرُّ عروقٌ غير طيبة ... أن طاب للمجتني أثمارها الثمرُ

ومن جيد نظمه: لقد عادني ما خلته غير عائدي ... بساسية الأنساب في حيي عائدِ ضنَى من هواها واصلي وهي لم تصل ... ولابد للموصول من عود عائد وقال أيضا في حرب أهل شنقيط وأهل وادان: إذا الدهر بالمكروه سامك فاصبرا ... ولا تجزعن منه أقلَّ أو أكثرا فما دام شجو لامرئٍ أو مسرَّة ... أرى الدهر من هذا وهذاك أكثرا لقد كنت أحجو الهجر أكبر فاجع ... فألفيته من أصغر البين أصغرا أرى البين عن ساقيه أضحى مشمرا ... وشجوك لما شمر البين شمرا وليس يرد الحزن مَنْ شط ولْيُها ... فأقصر عن الأحزان أن كنت مقصرا تغيرت أحوالا كما أن رسمها ... وحق له من بعدها قد تغيرا غداً رائح الأرواح والمغتدى به ... إذاً بدلا منه أصمَّ أو أعورا ومنها: تقول وقد أضمرت ما بي أن رتضى ... هوى لم يزل في مضمر القلب مضمراً فقلت لها أضحى وأصبح أمرهُ ... من الشمس أو من فتح وادان أظهرا أقرّ بذاك الفتح من كان منكراً ... له وغدا من كان يخفيه مظهرا وأدلج إدلاجاً به كل راكب ... على رغم أنف الحاسدين وهجّرا فصير في الآفاق أمر وقائع ... تطيل إذا فكرت فيها التفكرا دعا عاجل الآجال للحين معشرا ... بوادان لن يدعى مدى الدهر معشرا فشنجيط ظنوا هدمه متبسرا ... فألفوه من إحياء كبَّادِ أعسرا كأنهم لم يعرفوا بأس أهله ... ولو سألوا بان أمُّ والمسك أخبرا

لئن وردت شنجيط يوماً ظماؤهم ... لقد شربوا زعقاً من الموت أكدرا وكان لهم شر الموَاردِ موْرِداً ... وكان لهم شرُّ المصادرِ مصدرا همُ حزب الأحزابَ من كل جانب ... كما حَزّبت أحزابها أهلُ خيبرا أتوا بالرعايا ينشرون وعيدهم ... فصاروا على البطحاء لحماً منشرا وفاض أتىٌّ من نجيعِ دمائهم ... به شجر البطحاءِ أصبح مثمرا ومنها: غدت كنتَ تقضى دونهم ما ينوبهم ... من الأمر كانوا غائبين وحُضّرا أتوا بخميس لم نكن خمس خمسه ... فقل فيه لو ساواه أو كان أكثرا وأقبل من آكان جند لنصرهم ... وقد فرَّعنه النصر إذ فرَّ مذعَرا فمن كرًّ منهم قد تكسر عمرُه ... ومن فرَّ منهم صبره قد تكسرا نجا مذعراً مما رأت عينه وما ... نجا من نجا من مأزِقِ الحرب مذعرا إذا هو في المرآة أبصرَ وجههُ ... توهم وجه القِرن ما كان أبصرا وإن نام لو حفته منه عساكرٌ ... رأى مشرفياً فوق فوديه أحمرا بدا إذ رأى ما قد رآه تواضعٌ ... لمن كان منهم طاغياً متكبرا فقال زعيم القوم أصبحت راضياً ... بما كان في أمر القديرِ مقدّرا فنالوا إذاً عبداً ببعض دمائهم ... ونيما وتنُّورَيْن والبعض أهدرا دمٌ أهدرتهُ سادة علوية ... وما كان فيهم مثل ذلك منكرا وما استنصروا غير الصوارم ناصرا ... وأغنتهم عمن أتى متنصرا يخوضون يوم الروع في لجج الردى ... لأنّ منالَ العز فيهنّ أبحرا يسابق عَزْرائيلَ وقعُ سيوفهم ... إذا ما مُحَيَّا الحرب أصبح مسفرا فكم مشهد في الحرب يثنى عليهمُ وكم معشر من بأسهم كان أزورا تراهم وليس الدهرُ إلا نوائباً ... إذا كبرت تلك النوائب أكبرا

سما للمعالي من تقدَّم منهم ... ويسمو على آثاره من تأخرا مآثرهم حَلْيُ الزمان لو إنه ... على صورة الإنسان كان مصوّرا فكم من فتى منهم يروقك علمه ... ويهزم من أنجاد وادان عسكرا ويجعل في إحدى يديه مهندا ... طريراً وفي الأخرى كتاباً مطرَّرا يحب الردى يوم الوغى فكأنه ... إذا مات فيه لا يزال معمَّرا بطرفك فانظر كَيْ ترى بعض مجدهم ... إذا أنت عن إدراكه كنت مُقْصرا وأنت ترى كيف نزه شعره عن هجو أعدائه مع ظفر قومه. وله من أبيات يخاطب فيها العلامة بُلاَّ بن مكبد الشقروى، وكان مدحه بقصيدة فأطال غزلها، ثم نال من ابن أحمد دام، وسأذكرهما في موضعهما أن شاء الله تعالى: دع التطويل في ذكر الغواني ... ودع عنك البكاء على المغان أسن الدهر عن هذا فقصِّرْ ... عنان الشوق وأنن من العنان فإن المرَء يحسن في زمانٍ ... عليه ما يشنَّع في زمان ووقعت بينه وبين ابن عمه باب الآتي، مناظرات ومشاعرات في مسائل فقهية، ومع محنض بابه الديماني. وكنت أظنه ممن أدرك المائة الثالثة عشرة، فوجدت في رسالة للعلامة ولى الله، سيدي أحمد بن محمد الآتي، يخاطب فيها العلامة الحارث بن محنض ما نصه: (وقبولك لكلام الدسوقي، وهو ووالدك متعاصران منه أقدم، لأنه ينقل في حاشيته عن الأمير، من غير سماع منه، معبرا عنه بخاتمة المحققين، والأمير وحرم ولدا في عام واحد، فقد قال في مجموعه: شرعت فيه وأنا ابن إحدى وعشرين سنة في القرن الثاني عشر، ثم تم تبيضه سنة ست وستين ومائة وألف، وحرم مات عام ثلاث وأربعين قبل لمليح بأربعة أعوام، وهو شيخ والدك، فهلا نقلت عن والدك) انتهى.

محمد بن سيدي عبد الله

وهذا لا ينافى ما كنت أعتقده، بل لنا قرائن كثيرة، تدل على إنه كان في القرن الثالث عشر، منها أن لمليح الذي أرخ به، نعرف من أدركه، وهو رجل كان موجودا من نحو خمس عشرة سنة. فذلك دليل على أن لمليح كان في القرن الثالث عشر، ومنها أن الشيخ سيدي الآتي بعده، كان معاصرا لصاحب الترجمة، وقرأ عليه، وقد مات الشيخ سيدي في حدود سبع وسبعين أو نحو ذلك من القرن الثالث عشرا. محمد بن سيدي عبد الله بن الفغ سيدي أحمد بن محمد بن القاضي المتقدم العلوي. كان وحيدا في العلم والصلاح، وله اليد الطولى في العربية والفقه والبلاغة وغير ذلك. وكان غاية في جودة الشعر، ولولا ما هو متصف به من العبادة والاشتغال بطريق الصوفية، ما اشتهر في قطره أحد سواه بالشعر، ولولا دفاعه عن الصوفية لم ينظم بيتا واحدا. كان لا يشتغل بما لا يعنيه، جواداً يعطى الناس ولا يأخذ منهم، وهو شيخ طريق، والمعتمد عنده الكتاب والسنة. وقال سيدي العربي بن السايح، في كتاب البغية في ترجمة التيجاني بن باب العلوي: وأخذ الطريقة عن العلامة الأوحد الفاضل الأمجد، أبي عبد الله سيدي محمد المدعو مُحمد الملقب بالخليفة، لقيامه بالخلافة في إعطاء الطريق، بعد وفاة شيخه سيدي محمد الحافظ رضي الله عنه، وله خمسة جدود، كل واحد منهم أعلم أهل زمانه وهم: أبوه سيدي عبد الله بن سيدي أحمد الفغ بن سيدي محمد بن سيدي عبد الله المعروف بالقاضي، وهو الذي تقدم لنا إنه قرأ على الشيخ على الأجهوري انتهى المراد منه. وهذا صحيح، غير أن قوله سيدي أحمد الفغ، فيه تقديم وتأخير إذ الصحيح الفغ سيدي أحمد. وقال في أناس مخصوصين: وارْثُ أن كنت راثياً لأناس ... فتنوا ليس فيهمُ من رشيدِ

أصبحوا بعد نورهْم وهداهم ... حسبنا الله في الضلال البعيد مثل القوم إذ تولوا سراعا ... عن طريقٍ معبَّدٍ معهودِ مثلُ ظمآن سار حتى إذا ما ... كان من منهل قريب الورود رجع القهقهري يأُمُّ الفيافي ... تائهاً نائياً عن المقصود أو كصبٍّ رجا وِصالَ حبيبٍ ... بعد حرص على اللقاء شديد منعت وصله مقالةُ واشٍ ... تركت حِبَّه مديمَ الصُّدود أو كراءُ شمس الظَهيرةِ صَحْواً ... قام يسعى لدرْك أمر نكيد بينما هوَّ مبصرٌ قال أعمى ... إنه الليل مال للتقليد صاح من يرتددْ على عقبيه ... معرضاً عن وفائه بالعهود لم يضر غيره فنقض عهود الق ... قوم في الله بالمعاهد مود وأهل الخبرة بالشعر، يفضلونه على ابنه الآتي بعد، وإنما فضل ابنه عليه عند أكثر الناس لكثرة شعره، غير أن والده شغلته العبادة وإفادة الناس، مع ما كان متصفا به من التصوف الحقيقي، وكفاه شاهدا، أن نابغة قطره وجرير عصره، إدييج المشهور، هاجى كثيرا من فطاحل تلك البلاد فظهر عليهم، حتى تصدى للشيخ سيدي أحمد التجاني ومريديه، فشمر له عن ساعده وقاومه مقاومة شديدة. والناس مختلفون منهم من يقول: أن محمد ظهر عليه، ومنهم من يقول: تكافأ، أما العكس فلم أر من قال به. ومن بديع قوله فيه من قصيدة: ادييج إذ صار كالعصفور صال على ... باز حديد شبا منقاره قرم أو كالضفادع في أحشاء ذي زبد ... نَقَّتْ فصال عليها سالِخُ الرُّقْم وله فيه أيضا، من قصيدة: وإني لحسان الطريق وأهلها ... أزوُدُ أبا جهل النكيرِ وأوزجرُ أقيس ذراعاً كلما قاس إصبعاً ... أخب إذا يعي عليهم وأحضرُ

ووقعت بينهما أشعار كثيرة، لم يقع لي بها اعتناء. وفي البغية، لسيدي العربي ابن السائح بعد كلامه السابق: وكان لهذا السيد على ما أخبرني به الناظم - يعني التجابي ابن باب الآتي - باع في العلوم، وله في مدح شيخه الحافظ، ومولانا الشيخ رضي الله عنه، قصائد كثيرة. وكان يقال له حسان الطريق، لقوله في قصيدة يمدح بها الشيخ رضي الله عنه، ويرد على المنتقدين على أهل طريقتنا: وإني لحسان الطريق وأهلها البيت المتقدم. وله أيضا يسلم على أهل تيشيت: سلامٌ كعُرْف الروض غبَّ وكِيفِ ... وإلاّ فنخلٌ آذنتْ بقطُوفِ وإلاّ فطعمُ الرَّاح مسك مزاجه ... يعُمكمْ مِنْ طالبٍ وشريف وكلِّ أخ ليست بتيشيتَ داره ... وكل صميم منكم وحليفِ سلامُ محبٍّ ليس ينسى ودادَ كم ... على حين ينسى الودَّ كلُّ أسيفِ أخَلّى لجمع الشمل بيني وبينكم ... بلادي وأعطى تالدي وطريفي فكم بكِ يا تيشيتَ من ذي بلاغةٍ ... أديبٍ فصيحٍ في المقال طريفِ يغوص ببحر الشعرِ يخرج دُرَّهُ ... بسيط طويل كامل وخفيفِ له وافرٌ من حمظهِ متقاربٌ ... سريع إلى الخيراتِ غير عنيف له رملٌ للشاردات يردها ... بمنسرح للمعضلات كشوفِ ويرمى بِمُجتَثِّ الخظوط لظهره ... له هزج للذكر غيرُ ضعيف وفارس علم لا يُشَقُّ غبارهُ ... وذي خشية عالي المقام عفيف وذي قلم أزرى بخط ابن مقلةٍ ... وكان على الحرَّاق أي منيف وذي شرف من بضعة نبوية ... موطَّأِ أكناف البيوت ألوف وذي شرف علماً وآخر جامع ... لدين جسيم المكرمات نحيف

سقى الله مصراً هْم به كل ممرع ... من الودف يغشاه بكل مصيف ومن جيد نظه، قوله يخاطب وليَّ الله ابن أخته الشيخ سيدي أحمد بن الشيخ محمد الحافظ، وكان صغيرا إذ ذاك: إنّ السيادة في اثنتين فلا تكن ... يا بن المشايخ فيهما بالزاهدِ حمل المشقة واحتمال أذى الورى ... ليس المشمَّرُ للعلى كالقاعدِ قل للذي طلب العلى بسواهما ... هيهات تضرب في حديد باردِ وله أيضا من قصيدة، يتكلم فيها عن حال سيدنا الشيخ سيدي أحمد التجاني رضى الله عنه: إنْ لم تعاين فضلهُ وكمالهُ ... وغدوت منه في محل نازح طالع لتعرفه شوارد علمه ... تظفر بنور كالمجرة لائح وإذا تكلم في الحقائق مرة ... بهر العقول كلام عبد صالح وله أيضا من قصيدة أخرى: طالع جواهره واصحب رسائله ... وما يَبُثُّ من الأنوار والحكمِ وما يدل على المولى الكريم وما ... أبانه من مقام الصادق القدمِ تجدْ ولايته لاحت معالمها ... كما تُرَى في الدُّجى نارٌ على علم تجد كلاما جلا عن شأنِ صاحبه ... أن الزمان بمثل الشيخ ذو عُقُم قد يحجب الله أقواما ويظهرهُ ... لآخرين وشتَّ الناس في القِسَمِ و (شت) هذه فصيحة، يقال أمر شت أي متفرق. قال الطرماح بن حكيم: شت شعب الحيّ بعد التآم ... وسجال الربع ربع المقام وله أيضا من قصيدة نونية يتشوَّق بها إلى فاس. ويبث ما يكابده من شدة الأنفاس وما ذاك إلا لقوله: وما حبُّ الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا

باب بن أحمد بيب

ومطلع القصيدة: حيّ داراً لدى أبي سمغون ... وأسقها من مصون ماءِ الشؤون وهي طويلة، يحن فيها إلى زيارة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه، وأبو سمغون المذكور قرية من عمل الجزائر. باب بن أحمد بيب بن عثمان بن سيدي محمد بن عبد الرحمن بن الطالب، ويقال له الطالب محم، يجتمع فيه مع الذين قبله. هو العالم الأوحد الذي أغار ذكره وأنجد. وفي البغية، لسيدي العربي بن السائح الرباطي في ترجمة التجاني ابن باب المذكور. واسم والده بابا حسبما تقدم مصرحا به في النظم. وكان عالما ناسكا فاضلا، مشار اليه في بلده وجيله، ملحوظا بعين التعظيم في معشره وقبيله. وأخبرني ولده الناظم رحمه الله، أن له شرحا للتحفة العاصمية، وتكملة التكملة للديباج، انتهى فيها إلى ذكر أهل القرن الثاني عشر، فترجم الشيخ التاودي ابن سودة، والشيخ أبا حفص الفاسي وغيرهما. وستأتي بقية ما في البغية، في ترجمة التجاني بن باب المترجم. وكلما في البغية من نقله صحيح، إلا إنه كان يكتب بابا بألف مقرون بالباء الأخيرة، وقد رأيت خط صاحب الترجمة مرارا هكذا: باب بن أحمد بيب، وقد سقط من نسخة البغية اسم سيدي محمد بن عبد الرحمن، ويبعد أن يكون سقط من إملاء التجاني على صاحب البغية، لأنه هو جده الثالث. وكان من أعلم أهل وقته، بعد عمه القاضي الذي تقدم. كان باب، رحمه الله، يناظر العلماء وعمره ثلاث عشرة سنة، وكان الناس يتعجبون منه، وكان ابن عمته حرمة الله بن عبد الجليل المتقدم، يقول إذا زار أخواله أمسكوا: عني بابتكم وعيش ذؤابتكم. وكان يقول لا تذاكرني بعلمك هذا الفرخ، والفرخ الولد الذي لغير رشدة، فصار الجهال يحملون ذلك على غير معناه،

ويجعلونه طعناً في علم آباء صاحب الترجمة، وهذا محال، لأن والده كان من أفقه قومه. وأما جده الأدنى، فإنه كان بتيرس، فلما كُفَّ عمه القاضي، لم يجد من أولاده من ينوب عنه في قراءة الحديث، فأرسل إليه فترك أولاده، ولم يزل هو النائب عنه حتى مات. والمعنى عند حرمة الله، إنه لم يتلق علمه عن شيخ، لأن أساتذته كانوا أقل منه منزلة في العلم، ولأن مدة طلبه تقتضي أن لا يناظره، لما اشتهر عنه من العلم، وهذا قريب مما كان أبو حيان يقول عن ابن مالك، فإنه قال: بحثت عن شيوخ ابن مالك فلم أجد له شيخا مشهورا يعتمد عليه، ويرجع في حل المشكلات اليه، الا أن بعض تلامذته ذكر إنه قال: قرأت على ثابت ابن حيان بجيان، وجلست في حلقة أبي على الشلو بين، نحوا من ثلاثة عشر يوما، ولم يكن ثابت بن حيان من الأئمة النحويين وإنما كان من الأئمة المقرئين. قال وكان ابن مالك لا يحتمل المباحثة، ولا يثبت للمنافثة، لأنه إنما أخذ العلم بالنظر فيه بخاصة نفسه، ومن تتبع شرحه للتسهيل، وجد كثيرا من طعنه عليه، عفا الله عنه، حتى قال معرضا به: يظن الغمر أن الكتب تهدى ... أخا فهمٍ لإدراكِ العلومِ وما يدري الجهول بأن فيها ... غوامض حيّرتْ عقل الفهيمِ إذا رُمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصراط المستقيم وتلتبس الأمور عليك حتى ... تصيرَ أضلَّ من تُوما الحكيم ولم يحط هذا من قدر ابن مالك، ولا صدّ الناس عن كتبه المفيدة، ومن تتبع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، علم أن هذا الداء قديم في العلماء من أئمة المذاهب فمن دونهم. وبالجملة فكان باب هذا، من أعاجيب الدهر في العلم والإنفاق في سبيل الله، والرجوع إلى الحق، وقد سمعت من بعض الشيوخ إنه ذاكره في مسألة. فشدد صاحب الترجمة في النكير عليه، فلما أمعن النظر في المسألة، علم إنه مخطئ، فترك الناس حتى فرغوا من الصلاة في المسجد، فقال لهم: لا يخرج أحد

فجعل يشرح لهم غلطه وإصابة من خالفه. أما الأنساب فإنه كان دغفل زمانه فيها. قال محمد محمود بن أكتوشن من قصيدة يرثيه فيها: سل الآي والخبر الصحيح كليهما ... والفقه والتاريخ والأنسابا وكان إذا ألقى كلكله على مسألة، لا يقدر أحد أن يفوقه فيها. واشتد الخلاف بينه وبين حرمة الله في مرجع حبس، وانضمَّ إلى كل واحد منهما طائفة من العلماء، فمن انضمَّ إلى صاحب الترجمة، العلامة محنض بابه بن أعبيد الديماني. وممن انضم إلى حرمة الله، إديبج الكمليلي. قال باب من جملة أبيات: فحجتي وصحابي غير داحضة ... من نص بهرام والتوضيح والكاف صدعت بالحق لكن من يقله لكم ... يا دييج يوطأ بأخفاف وأظلاف فالحق أمسى فوالهفا ووا أسفا ... مثل الديار التي يسفى بها السافي فمالكٌ أن تصف عما يقول فإِن ... ى لست عن قوله يوماً بصيّاف إني أوافقهُ حقاً وأتبعهُ ... هل مهتدٍ ناعلٌ كالحائرِ الحاف ولا دييج من أبيات يخاطبه فيها هو ومحنض بابه: فوافقا حُرْمَ فيما قال ويحكما ... فإن شيخكما أدرى بالأوْقاف فحجة الشيخ في بهرام ناهضة ... لو كان يكفيكما ما كان في الكافي ومن جيد شعره قصيدته التي أوَّلها: ألوى بصبرك لاعج الأشواق ... أن الأحبة آذنوا بفراقي إلى أن يقول: يا مَنْ يسابقني ويطلب عثرتي ... إني لعمري سابق السبَّاق وإذا قرنت ابن اللبون وبازلا ... ملَّ القرين ولم يزل بخناق وإذا المسائل أحجمت وتمنعت ... وأبت مشاكلها على الحُذَّاق أعملت سيف الفكر نحو عويصها ... فحنَت علىَّ خواضع الأعناق

سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم

فتبوح لي بسرائر مكتومةٍ ... حتى عنِ الأسطار والأوراق وقلما مات أحد ممن يشار إليه من قبيلته إلا رثاه. ووقعت بينه وبين إديبج مشاعرة كثيرة، وكذلك إجدود بن أكتوشن العلوي، وحرمة الله بن عبد الجليل كما تقدم. وتوفي رحمه الله تعالى، بسبب سقطة سقطها من فوق، جمل ثم تطاول مرضه بعدها سنة. وكان ذلك قبل الثمانين من القرن الثالث عشر. وكان أعجوبة في تعبير الرؤيا. أخبره شخص بأنه رأى إنه يؤذن، فقال: ستحج، وكان الأمر كذلك. وأخبره آخر بأنه رأى مثله، فقال له: ستثبت عليك سرقة وكان الأمر كذلك أيضا. وكانت بين طائفتين مناوأة، فقدم عليه شخص، فأخبره أن بني فلان أرادوا قتل فلان وفلان، فقتلوا رجلا اسمه بيبات، فكتب اسمه على الأرض وقال: تاء التأنيث زائدة، سيموت خمسة عشر فيهم، امرأتان وأجنبي، فقال له المخبر: أن هذا ليس برؤيا، فقال له: أعهدتني لا أفسر غير الرؤيا، والله ليقعن هذا، وكان الأمر كما قال. وهذا يصدق من كان يقول: إنه يستتر بتعبير الرؤيا من الكشف. ومن عجيب استحضاره، إنه في وقعة لمليح، بين إدوعل وإذا بلحن، سعت بينهم وفود الزوايا في الصلح، فتراضوا بحكم الشرع، وحكموا بحكم الشرع، وحكموا عالما ديمانيا فاستظهر أن يقتل أربعه من إدوعل، بأربعة من إدابلحسن قتلوا في تلك المعركة. فقال صاحب الترجمة: أن مثل هذا لا قصاص فيه. فقال القاضي: أن هذا لا يوجد في كتاب، فقال هو لم يخل منه كتاب. فقال القاضي: هذا القاموس، يعني إنه يدخل في عموم كتاب، فتناول صاحب الترجمة القاموس، وأول ما وقع نظره عليه والهيشة الفتنة وأم حبين، وليس في الهيشات قود، أي في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار، في ذلك الموقف الحرج. سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم بن الإمام محنض أحمد العلوي يجتمع مع الذين تقدموا عليه في يحيى، علامة تحرير، طار ذكره وانتشر، واشتهر

علمه في الآفاق وأبذعر، ما عاصره مثله علما وفهما مكث أربعين سنة يرتاد لطلب العلم لم يشبع منه يأخذ عن من وجد عنده زيادة، حتى انتهى إلى الغاية القصوى، جمع أول ما في الصحراء، ثم أقام بفاس مدة كثيرة للنظر والتحرير وتلقى على البناني محشى عبد الباقي، وتلقى البناني عنه ايضا، فحج ولقي من يشار إليه من علماء مصر، وذاكرهم أيضا وأفادهم واستفاد منهم، وبلغ خبره أمير مصر، ولعله محمد علي باشا فأكرمه. ومن جملة ما أتحفه به، فرس من عتاق خيل مصر المعروفات بالكحيلات، فسئل عنها فقال: جعلتها حطابا (اسم كتاب في فقه المالكية). ولما اشتهر ذكره بفاس، أرسل إليه السلطان سيدي محمد بن عبد الله، فامتنع من الذهاب إليه، فأمر المخازنية بحمله اليه، على الهيئة التي يجدونه بها، فوجدوه على فراشه يطالع، فأدخلوه عليه على تلك الهيئة. وكان السلطان عالما ويجل العلماء، فلماذا كره أعجب به، وصار لا يصبر عن مذاكرته، فسأله بعد تسع سنين عن نسبه، فأخبره بأنه علوي وبيّن له، فقال: سبحان الله أنت معنا منذ تسع سنين لم تذكر لنا نسبك يوما واحدا، وفلان أتعبنا بنسبه، يعني لمجيدرى اليعقوبي. وكان جعفريا، وفي أول جزء من كتابه نشر البنود على مراقي السعود، المطبوع بفاس ما نصه: قال العلامة الأديب، سيدي محمد الطالب بن الحاج رحمه الله تعالى، في الأزهار الطيبة النشر، بعد أن ذكر أن الحافظ السيوطي، نظم جمع الجوامع في رجز سماه الكوكب الساطع ما نصه: وكذلك نظمه بعض علماء المتأخرين من علماء شنقيط، وهو الفقيه سيدي عبد الله بن إبراهيم بن الإمام العلوي، المتوفى في حدود الثلاثين ومائتين وألف، في رجز يماه: مراقي السعود. ثم ذكر أبياتا لوالده أبي الفيض سيدي حمدون بن الحاج في مدحه فلتنظر فيه. وقال فيه الإمام العلامة الدراكة الفهامة مالكي زمانه، أبو عبد الله سيدي

محمد بن مايابي الشنجيطي الجكني الملقب بالخضر، أبقاه الله ورعاه، وأدام الانتفاع بعلمه وهداه: هو سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم ذي العلم العميم والذوق السليم العلوي، نسبه إلى سيدنا عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، من غير مولاتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها، من قبيلة من الشناقطة، يقال لها إدوعل، كثيرة بحور، العلم تفقه في بلده بالمختار بن بون الجكني، فريد دهره وعالم عصره، باديه ومصره، وارتحل إلى الحرمين وقضى نسكه، ورجع وصحب البناني بفاس المحروسة الحمى، بحول رب السما، سنين عديدة، أعطته العلوم بأزمتها فصار من علماء أئمتها، حاو جميع الفنون كثير الشروح والمتون، ألف هذا النظم المسمى بمراقي السعود، وشرحه نشر البنود، على أصول الإمام مالك رضي الله عنه، لم يأت الزمان بمثله، ولا جاد فيما مضى بشكله، وألف في علم البيان نظمه نور الأقاح، وشرحه فياض الفتاح، جمع من الفنون الثلاثة الدر الثمين، ألغى الغث وأخذ السمين، ونظمه طلعة الأنوار في مصطلح الحديث، وشرحه كذلك، إلى غير هذا من التآليف العديدة، التي لم يبق للطالب بعدها فائدة مفيدة مآقره لا ترام بالحصر، لما نشر الله به في ذلك القطر اهـ. قوله: إنه أخذ عن العلامة المختار بن بون، لم نسمعه من غيره؛ ولعله سمعه ممن تحقق ذلك، ولا يعارضه أن المختار المذكور، كان يقرأ بالجيم المتفشية، مع إنه نص على إنها شديدة في احمراره وطرته، فلما قدم تكانت، صار يقرأ بالشديدة، فسئل عن ذلك، فقال: لا يمكن مخالفة ابن الحاج إبراهيم ما دمنا بتكانت، فربما كان الرجل يأخذ من آخر، ثم يجوزه في المرتبة، فيضطر الأخير للأخذ عنه، ثم إنه ترك من كتبه المشهورة، نوازله في الفقه، ولنذكر بعض ما ترك من أخباره، فنقول: كان رحمه الله أوحد زمانه في جميع العلوم، ولم يبلغ

أبد

أحد من العلماء هناك مبلغه في الحديث، بعد العلامة القاضي بن الطالب العلوي. وقال العلامة باب بن أحمد بيب، في منظومة يرثيه بها: قد كاد أن يوصف بالترجيح ... لفهمه ونقله الصحيح وكان في الحديث لا يبارى ... كأنما نشأ في بخاري ولما أبرزه الله جوهرة لأهل زمانه، حسده أبناء عمه الأدنون، وهم أهل اطويلب فهموا بقتله ونقبوا داره، فلم يجدوه فيها، وكان أخبر، فخرج مختفيا يصحبه تلميذه الطالب بن حنكوش، ولم يزل ذكره يعلو، حتى صار أمير تكانت امحمد بن محمد شين، لا يقطع أمرا دونه مما يتعلق بالشريعة، ولم تشتهر له قصائد حتى نوردها، وإنما له أنظام تدل على قوة سيلقته، وهذا أول نظمه مراقي السعود: يقول عبد الله وهو ارْتَسَمي ... سُمى له والعلويّ المنتمى الحمد لله على ما فاضا ... من الجدي الذي دهوراً قاضا وجعل الفروع والأصولا ... لمن يروم نيلها محصولا وشاد ذا الدين بمن ساد الورى ... فهو المجلّي والورى إلى ورا محمد منوّر القلوب ... وكاشف الكرْب لدى الكُرُوب صلى عليه ربنا وسلما ... وآله ومن لشرْعه انتمى أُبَّدَّ هو محمد بن محمود، وأُبد لقب غلب عليه، ابن محمد بن أحمد بن خيار بن القاضي المتقدم، شاعر مجيد، شديد متون القوافي، كأنما ينحت من صخر، مع قلة غلط وأمن من السقط، كان متضلعا من العربية قليل الطيش، نشأ في حرب العلويين وإدل بلحسن، ولولا أن الحرب شغلته، لفاق معاصريه في العلم، لشدة فهمه، ولم نر من انتقد عليه شيئا، إلا ما بلغنا أن بعضهم طعن في قوله: فما راعهم غير قيل الكماة ... أتى الغرماء وهبْ واخبطا وما ندرى ما ينتقد في هذا البيت، فإن هب اسم صوت، وهو واسم الفعل من

واد واحد، فإن ادعى المعترض أنهما لا يسندان ولا يسند إليهما، فالحجة قول زهير: ولنعم حشو الدرع أنت إذا ... دعيت نزال ولج في الذعر فإن قال: أن بيت زهير، أول بأن المراد دعيت لفظة نزال، فكذلك هذا البيت يمكن أن يؤول، بأن المراد فما راعهم غير قيل الكماة أتى الغرماء، وقيلهم هب، على أن مثل هذا ورد في شعر طرفة وهو قوله: رِزُّه قدم وهبْ وهلا ... ذي زهاءِ جمَّة بُهْمُهْ وكذلك قوله اخبطا، أصله اخبطن، وأبدلت نون التوكيد ألفا في الوقف، وأخذ عليه قوله: جاَءت بحائنهم رجلاه وانقلب ال ... باقي ليؤثر بالملحاة والعار لأن أصل المثل: جاءتك بحائن رجلاه والأمثال لا تغير. والجواب أن هذا ليس بتغيير، لأن تركيبه فصيح ولم يلاحظ فيه المثل. وهو قليل الشعر، وله قصيدتان نقض بهما قصيدتي الأحول اللتان ستردان في موضعهما، أو يرد بعضهما، وأكثر الناس يفضل الأحول عليه، وبعضهم يعكس، ولكل وجه، لأن الأحول كان أرق ألفاظا، وهذا أقوى تركيبا منه، كما وقع للناس في جرير والفرزدق، الا أن الأحول أقذع في قصيدتيه، وأما هو فإنه سكت عن الجواب لما كانت الغلبة عليه، فلما انتصر أجاب ولم تحمله سورة النصر على القذع ولا كافأ السيئ بمثله كما سيظهر، وقال من يعترض عليه إنه عجز عن جواب قصيدة الأحول الطنانة التي مطلعها: تداعت حداة الركب من كل جانب ... فودّعْ سُلَيْمى قبل سير الركائب وسنأتي في موضعها. قال من ينتصر لابن محمود: أن سبب عدم جوابه لها، قتل الأحول قبل أن تصل إليه، لأن الأحول قالها في طريقه التي قتل فيها في وقعة تندوج، أو لما قال الكميت بن معروف: فلا تكثروا فيها الضجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا

وقال من قصيدة يرد بها على قصيدة الأحول التي مطلعها: أَلا بلّغا بابَ عنا جاني الحروب ... وجان الحروب رهين الخطا وقصيدته هو هذه: ألا بلّغَنْ باب عنَّا سلاما ... يناسب منصبه الأوسطا بأنَّا بتبجِجْك في ذروة ... من المجد والعزّ لم تُمْتَطَا وأهل الجبال يحوطوننا ... جميعا وكنا لهم أحوطا يجلون ذا الحلم منسا الجليل ... ويخشون ذا الجهل أن يفرطا وكنا قديماً سراة الأديم ... نجود ويعطوا لنا من عطا ونؤمن من سالمَ المسلمين ... ونجفوا ونسطوا على من سطا ونحن الكماة ونحن القضاة ... والعالمون بما اسْتُنْبِطا متى تتشعب دعاوي الخصوم ... يكن حكمنا الفاصل المسمَطا وأنا أغرنا على معشر ... لدى تغررَيت وإيشنكطا وأخرى أغرنا على آخرين ... بتندَ يْجمار وآغَوْرَطا حملنا الخيام وأنضادها ... وسرنا جميعاً ثقالا بِطا نَجُرُّ العجاف رويداً لئلا ... تخُبَّ فتبهر أو تثْلطا فجاَءت عُمَيْر وما جَمّعت ... وجاَء حُمَيْدٌ وما جَمَّطا وفرَّط في الحزم إذ جاَءنا ... ولو يعلم الغيب ما فرّطا وقد أقسموا جهد أيمانهم لا ... يردون حلفة من أسخطا

وقد يقلب الله قلب العزوم ... وقد يحنث الحالف المُحْلِطا وبالبئر صبَّحهم بُكرة ... كما نبه الورد سِرب القطا عذاب رجال يحسونهم ... رأوا ذلك الأمثلَ الأقسطا بأجرِى فرانص فيها صواع ... ق تصمى الفتى قبل أن يسقطا أنخنا بحيث نرى نارهم ... طرائف ما أن عليهنّ طا إذا رجعتنا اسْتأسْنا بها ... كل أغلبَ ذي ضاغط أعيطا معوّدة أن تسير النهار ... وأن تدلج الليل ما اخروّطا وينجاب عنها الدجا رُسَّماً ... ونحبسها ريث أن نعبِطا ويحتز كل امرئٍ فِلْذَة ... بجلدتها قبل أن تكشطا فما راعهم غير قيل الكماة ... أتى الغرماء وهبْ واخبطا كأنا غدَاةَ إذٍ إذْ نُقَتَّ ... لأشْرافَهُمْ ثائِرٌ سُلّطا ومنها: قتلنا سراة بني أحمد ... وفتيان أولادِ لِمْرَيْبِطا ولم نُرْدِ شيخاً ولا يافعاً ... ولم ينقذِ الأمردُ الأشمطا رجالا وعشرين من ضئضئ لا ... نعد حليفاً ولا أشرطا سقونا ذنوباً سقيناهموه ... بضعف وكنا لهم أضغطا وردوا لحافرة في السجال ... كذى لعب رد من صَلبطا فأنت تراه مع ظفره، وما سبق من هجو الأول لوالده خصوصا، ولقومه عموما، لم يذكره بسوء مع نصفه إياهم، فانظر إلى قوله: سقونا ذنوباً سقيناهموه . . . الخ مع قول الأحول:

لما رأوا عابد الرحمن منقبضاً ... تحت العجاجة مثل الضيغم الضار ولوْا تباديد مثنى وفراد ولم ... يثنوا من الرعب وجهاً بعد إدبار تعلم إنه كان أعلم منه يسيرة العرب، إذ من تتبع أيامهم، يجد منهم من الثناء على أعدائهم، ما يدل على كمال أخلاقهم، كما قال العباس بن مرداس في حربه لبني زبيد: فلم أر قوماً صابروا مثل صبرهم ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا أكرّ وأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القلانسا وقال أبَّدَّ أيضا في وقعة تندوج: ما بال عينك تذرى دمعها الجارِ ... كأنّ جفنك مكحول بعُوّارِ من ذكِرِ سَلْمى وقد شط المزار بها ... إلا ملمات أحلامٍ وتذكارِ لم ألقها بعد أيَّام المُلَيْحِ وقدْ ... قامت لتصميني من بين أنصار إلى أن يقول: وذكرْ بلاَء علىّ في بنى عُمَر ... بين الأجارع من تِنْدَوْجَ والغار جاَءت بحائنهم رجلاهُ وانقلب الب ... اقي ليؤثر بالملحاة والعار ينجو نجاَء نجاة الوحش صِيح بها ... من كلّ فرّارةٍ تبرى لفرّار ومنها: واستنشدوا الأحولَ الهجاَء كلمته ... جادتْ بطيفٍ سرى لي أمُّ عَمَّارِ والعلويون ركبان تنوشهم ... بالأندرية تردى كلَّ ختَّارِ حتى إذا اثخنوهم محنقين وهمْ ... ما بين ملتزمٍ أو واجب خار ولوْ انباديد مقنى وفراد ولم ... يثنوا من الرُّعب وجهاً بعد إدبارِ غرَّتهم غدَرَات غير معذرةٍ ... كانت رجال علىّ غير حُضَّارِ ووقعة في براءٍ في مساجدهم ... لم يحملوا من سلاح غير أسفارِ

إن يغدروا بعد إيمانٍ ومقسمةٍ ... ويحتووا نَهَب العلاّمة القارِ فإنَّ ذلك أمرٌ من شمائلهم ... نكث اليمين وأخذ الجارِ بالجارِ فاليوم قد أصبحوا لحماً على وضمٍ ... مستضعفين بحمدِ الخالق البارِ لا يدفعون يداً منّا تنالهمُ ... كذلك الله يجزى كل غدّارِ وقال أيضا بعد انعقاد الصلح الأخير: عفونا عن القوم إذ أصبحوا ... كطالع نِيق ترقى بعيدا فأعيا فأصبح لا يستطيع ال ... هبوط ولاَ يستطيع الصعودا غدوا مستكنّين لا يبعثون ال ... وفود ولا يدفعون الجنودا ولا يستطيعون للسلم حولا ... ولا للمصيبات إلا الجحودا أبدْنا سراتهم الأكبرين ... وأهل المدافع فيمن أبيدا ولو أمسكوا قدح الحرب شي ... ئاً وليس شهاب يُديم الوَقودا لما زلتُ أغزوهُم لا أنِى ... إلى أن أبيدهُم أو أبيدا أبحنا حريم عُمَيْر ومن ك ... لّ خير أنلناه إلا الخلودا حمدناك ربي على ذلل ... ك نرجو رضاك ونرجو المزيدا وله أيضا من قصيدة، يمدح بها ولىّ الله، الشيخ محمد الحافظ بن المختار بن لحبيب العلوي، وقد ضاع منى أولها: كانتثار الدُّرّ من أسلاكه ... أو كجري الماءِ في الحوض اللّقيفْ هجر النوم فما تطعمه ... حَجْمتاه غيرَ تهجاع خَفيفْ من غزالٍ صادَ قلبي بعدما ... أن تصوَّفتُ فغزلي اليوم صوفْ يوسفيُّ الوجهِ والبيع لهُ ... خلفُ عرقوب وقلب الفيلسوفْ وتراَءت بين أترابٍ لها ... تتهادى مثل ما ناَء النزيفُ خدلة الساق عروب لدنة ... تَطَّبى القلب بمصقول مشوفْ

أسْمُ يا قاتلتي في غير ما ... تِرَةٍ ماذا جزائي لا تحيفْ بأبي أنت وأمّي ما كذا ... يُشْكم العاشق والوجدُ اللَّهيفْ عمرك الله صليني ثم لا ... تصرميني لا تزيريني الحستوفْ واعلمي أنك أن لا تفعلي ... أترك البيض وربات الشُّنُوفْ وأصلا حبلى بأقوى سبب ... بالشريف ابن الشريف بن الشريف حافظ العصر مربى عصره ... من له الفضل علينا والشفُوفْ وهو الغيث إذا ما أخلَفَتْ ... وهو العُدّةُ في كل مَخُوفْ بارك الله على أستاذنا ... ليس بالواني ولا الواهي الضعِيفْ قام بالسنةِ لما جعلت ... قَدَحَ الراكب والدين الحنيفْ ما رأى الراؤون خلْقاً مثله ... خُلُقاً أكمله البر الرؤوفْ لم يزل منذ عرفناه على ... خلق لم تتخونه الصُّرُوفْ ذاهبات وافرات وافيات ... بالمواعيد ولا وعْدَ مُوفْ قدمته العلويون ومن ... يَسِمُ الطَّامن صميمٍ أو حليفْ سادهْم بالعلم والحلم معا ... وطعام الضيف أيام المَصيفْ صادفته غير مجزاع ولا ... وكلٍ نعم مناخ المستضِيفْ مُعْتِدٌ لِلضَّيفِ ما يُحْسِبُه ... من حليب وحقين وسَدِيفْ وقدورٍ راسياتٍ لا تنى ... وجفان كالجوابي الجوف جُوف شيخنا آثرك الله على ... من يناويك على رغم الأنوفْ وتفرّعت مقامات عُلاً ... أنْتَ في الذروة منها والسُّقوفْ دونك الأقطاب فيها رُتَباً ... وعلى قنتها العلياءِ مُوفْ من تحدّثه بها النفس فقد ... حدَّثتهُ بأحاديث النزوفْ

محمد بن سيدي محمد

كلُّ عالٍ ومجيد مَجْدُهُ ... وعلاه مَع ما خُوِّلْتَ فُوفْ ما على من جاَءكم مستعطفاً ... عالما أنك للجاني العَطوفْ قائلا يا سيدي خذ بيدي ... طال قرعى وعنائي والوقُوفْ وإلى الرحمن أشكو قائلاً ... يا قريبٌ يا مجيبٌ يا لطيفْ سَيئاتٍ شفَّ جسمي ذكرُها ... وبراه مثل تعْريق الصَّليفْ وعلى هادى العبادِ المصطفى ... وإمام الحق والدين الحنيفْ صلوات ما شدت قمرية ... وتغّنتْ فوق مياد قَصيفْ وعلى المختارِ مصباح الهدى ... من شآبيب رِضي اللهِ وكِيفْ وعلى أستاذنا وارثه ... وسقاه اللهُ من نَؤْءِ الخريفْ محمد بن سيدي محمد المتقدم، برع في عنفوانه في العلوم، وصرف همته إلى نظم الشعر، وبلغ صيته في قطره مبلغا لم يبلغه أحد ممن عاصره، فإذا قيل: ابن محمد، خضعت له رقاب الأدباء وفطاحل البلغاء، وأنا أسوق عنه بعض ما يبرهن عما ذكرت، وغطت شهرة شعره على علومه، مع أن له اليد الطولى في العربية والفقه، وكان ينظم القصيدة، فيقدمها إلى العلامة باب بن أحمد بيب العلوي، فينشده إياها فيأمره بسترها، فيمتثل أمره ثم يعود إليه بغيرها، حتى قال قصيدته التي رثى بها محمد الدنبج التندغى وهي: لا عذر للقلب أن يقنى السلوّ ولا ... للعين أن تبق في آماقها بللا فأنشده إياها فاستحسنها، وجعل يزحف عن مجلسه استحسانا لها، وهي في غاية الانسجام. ومنها بعد المطلع: انَّ النعيّ بقيه الترب فاه بما ... أسهى وأسهر من تبريحه المقُلاَ رمى القلوب بما لو كان صادفه ... رَضوى ولبنان دهدى منهما القُلَلا

نعى محمدنا الناعي فقلت له ... هلا عطفت عليه العلم والعملا ومنها يخاطبه: يا هالكا وقسيُّ الموت ما برحت ... ترى وأغراض رامى نبلها النُّبَلاَ إن تعتبرها قنى أم اللُّهَيْم لكمْ ... نفست معضلها المرهوب أن نزلا أوسرت عن هذه الدنيا الغداة لقد ... سارت مزاياك في أقطارها مثلا نفاد زادك من دنياك زودنا ... حزنا وإن كنت مسرورا به جذلا ووردك الموت روانا الزعاقَ وإن ... رواك مورده الصهباء والعسلا ومنها يخاطب قومه، وكانوا يلقبون بحلة أربعين جوادا: يا أربعين جوادا أن حسبكم ... لطف المهيمن فلترضوا بما فعلا ولْتذكروا الرزء لا ضاعت أجوركم ... بخاتم الرسل تنسوا خاتم الفضلا ولما نبغ محمد، طار صيته في ذلك القطر، وكان صغير السن يدهش الناس بسلاقته وحدة ذهنه. ولما كان محمد بن الطلب المشهور في تلك البلاد موجودا إذ ذاك، فاجتمع به يوما، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: فيمنْ أهيم بها لاموا ولوْ هاموا ... بمن أهيم بها يوما لما لاموا هامَ الفؤاد بمن لولا ملاحتها ... ما سفّهتْ من ذوى الأحلام أحلامُ هامَ الفؤاد بخيتِ الناس بحت بها ... إذ في الكناية تلبيسٌ وإبهامُ حتى أتى على آخرها، فقال له امحمد المذكور: الحمد لله الذي جعلك في غير زمني، وكان امحمد إذ ذاك شيخا كبيرا. ولما حدقت إليه العيون، نزعته أعراقه إلى طاعة الله والتفكر في أمر الآخرة، فاشر أبت نفسه إلى حج بيت الله الحرام وزيارة نبيه صلى الله عليه وسلم، فوازره على ذلك صديقه وابن عمه، سيدي أحمد بن حرمة ابن الصبار العلوي، وكان فاضلا عاملا. وكان لهما ابن عم آخر، فوافقهما على ذلك ثم بدا له فيه، فجلس وجعل يثبط همة محمد فقال فيه: يا مُشفقاً من رحيلي لجَّ في كمدِ ... هل أنت من دون ربي آخذ بيدي

أمسى يفنّدُني فيما أرى وأرى ... مفَنّدِى فيه منسوباً إلى الفَنَد دعني وعزميَ والبيدا وراحِلتي ... وما جرى من بناتِ الفكر في خلدي الله حسبيَ لا ألوى على أحدٍ ... كلاّ ومثليَ لا يلوى على أحدِ وعقدة العزم منى لا يحلُّ بها ... حل إذا حُل عزم محكم العُقَدِ وقال أيضا لما عزم على الحج: نَجلَّدْ جهْدَ نفسك للفراق ... وكفكف غَرْبَ سافحةِ المآق وجرّد من عزِيمك ما يوازي ... مُتِرَّات المهندة الرقاق ونِكّب عن مقال أخي الهوينا ... وعنها فهي خاسرة الصفاق وعن باكٍ وباكية أراقا ... دموعا ليس واكفها براق إلى البيت العتيق بنص إحدى ... عتاق الكوم أو أحدِ العتاق بنص شِمِلَّة تعدو بعالي ... قَراها عدو منفرد لَهاق أجادت خلف غاربها بناء ... يدا صفو المراتع والمساق تبارى الريح جافلة وتطوى ... عَرِيضات الفلا طيّ البطاق لو أرسلها وقد لحقت كُلَها ... على خرجاء أيقن باللَّحاق فلا تبرح تروحُ بها وتغدو ... وتدلج لا تناخ سوى فَوَاق إلى أن تستحيل على حنايا ... فقار الظهر لاصقةَ الصفاق وتحسبها إذا بغمت لُغوبا ... من الادلاج ثاغية العَنَاق وعاشرْ كل منتدب ليرقى ... من ابنيى العلى صعب المراق به حملت مفزعةً نوارٌ ... على الإحكام من حُبُك النطاق أأحبابي أعاد الله مني ... ومنكم بعد فُرقتنا التلاق إلى أرض الحجاز أحَلْتُ عنكم ... صفيحة وجه وجدي واشتياقي

سلوت أحبتي واشتاق قلبي ... بتلك الأرض نُجْلِ الحداق ولا بيض الترائب والثنايا ... مديرات الجُمان على التراقي بزمزم غُلتي تغلى فمنْ لي ... بكأسٍ من مُدامتها دِهاق صفا نفسي الصفا ومِنىً مُناها ... وبالجَمَرات قلبي ذو احتراق ألا يا ركبُ حُقِّقَ ما رجوتم ... على حسن التلاطف والوِفاقِ ثِقوا بالله واعتصموا وسيروا ... خِفاقا فالمهيمنُ خيرُ واقِ فلا الإِقدامُ يجلبُ ما كُفينا ... ولا الإحجامُ يصرفُ ما نلاقي وشدوا الميس من قود النواحي ... بجنبي كلِّ يَعْمَلة دِفاقِ وذوقوا السهد فَوقَ ذرى المطايا ... لذيذا والكرى مرَّ المذاقِ وشجوا البيد عازفة النواحي ... وجنح الليل مندل الرُّوِاقِ وخوضوا في الهواجر كل آل ... طمى والشمس لافظةُ البصاقِ وإنْ عرضَ العباب فمنشآتٌ ... مواخر لا تزال على اختراقِ هوابط من جبال الموج طَوْراً ... وطوراً في بواذخه رواق إذا جاشت دواخنها تناهت ... صواعدها إلى السبع الطباق نجائب لا تعرّس في مبيتٍ ... ولا ترعى ولست لها بساق إلى حيث النجاحُ وحيث يغدو ... أسيرُ الذنب مفكوك الوثاق وحيثُ تنيخ حامدةً سُراها ... لدى الإصباح مُدْلجةُ الرفاق وحيث نطوف سبعاً ثم نسعى ... ونُسرِع للمواقف في استباق ونشعرُ بعد وقفتنا ونرمى ... ونأوي للمحلّقِ للحِلاق ونرجع للطواف وقد أرقنا ... دماء المشعَرَات من النياق ونُمضي يومنا بمنًى فنقضي ... بلا عَجَل ليالِينا البواقي فإن طبنا بطيّتِنا نفوساً ... تنادَيْنا لطيبة بانطلاق

فوافينا الحبيب وذاك أوفى ... وأوفرُ ما نؤمّلُ من خلاق ودُرْنا بالقباب كما أردنا ... ودُرْنا بالنخيل وبالزقاق ألا يا نعم طيْبَةُ والعوالي ... وحيطانُ الحدائق والسواق هي الدارُ التي شرُفت وتاهت ... على شام المواطن والعراق على من صاغ منصبه حُلاها ... وساق لها العلا كلّ المساق صلاة الله ما لبَّي حجيجٌ ... وما حُمَّ اللقا عقب الفراق ولما وصلا إلى مُرَّاكش، نزلا عند محمد الأمين بن أبي ستة، وكان من المقربين عند السلطان مولاي عبد الرحمن، فلم يوصل خبرهما من أوَّل الأمر إلى حضرة السلطان. فقال: هل حامل أسنى السلام كله ... لحاملِ الملك وعبء كلِّهِ ومتولي عقده وحله ... وواضعِ الأمر على محلِّهِ من لا يجود زمن بشكله ... ولا يُرى عدلٌ عديل عدله مأوى الغريب ومَحَطُّ رَحْلهِ ... وملتقى نُزُولهِ ونُزْلهِ قضى له الله يجمع شمله ... ووطء من خالفه بنعله ودام خفض العيش تحت ظله ... وعزَّ الإسلام وعزَّ أهلهِ موجبه لا زال فوق سؤلهِ ... ما يرتجي سائله من بذله أنَّا نرجى من جميل فعله ... ما نرتجي أمثالنا من مثله ولما ابلغ ابن أبي ستة خبرهما إلى السلطان، أمر باحضارهما، فلما سلما عليه واستقصى خبر الجهة التي قدما منها، أنشده قصيدتيه الآتيتين. وكان السلطان رحمه الله، شديد الاهتمام بأقصى المسلمين من أهل مملكته، حتى إنه يعلم أهل الخير من كبار أهلها وأهل الشر. ولما أنشد القصيدتين استحسنهما السلطان. وأولاهما: هل في بكا نازح الأوطان من باس ... أمْ هل لداءِ رهين الشوق من آسِ أمْ هل مُعين يعين المستهامَ على ... ليل كواكبهُ شدَّت بأمراسِ

آهٍٍ لمغتربٍ بالغرب ليس لهُ ... جنسٌ وإن كان محفوفا بأجناسِ علَّ الإمامَ بفضل الله يمنحه ... رُحمى فيكشف غم الآسف الآسِ أقولُ والرَّكب محزون بوحشتنا ... صبراً فكم وحشة أفضت لإيناس إذا وضعنا بأرض الغرب أرحُلنا ... راح الرجاءُ علينا طارد الياس إني كفيلٌ بنْيل السؤْل لي ولكم ... إما بمُرَّاكشَ المحروس أو فاس أمامنا في كلا المصرين نُورهما ... إمامنا المستماح المطعم الكاس خَليفةَ المصطفى وهو ابن بَضْعته ... ثوبا من المجدِ لم يعلق بأدناسِ الله منك حقوق الناس قلدها ... يقظان لا غافل عنها ولا ناسِ عَمَّرْت عُمِّرْت من عهد الشريعة ما ... باض النعام بدور منه أدراسِ داركتها بعدما مالت دعائمُها ... فاستحكمتْ واطمأنت فوق آساس وافاك ركب تعاطوا من نعاسهمُ ... على متون المطايا قهوة الكاس حثوا جلاس المهارى لا يُرَوْن على ... منابر الميس منها غيرَ جُلاّسِ حتى يرى السير منهم كالقْدِاح ومن ... ها كالقسيّ حنتها كفُّ قوَّاسِ فواسنا بلقا ما اعتيدَ منك وما ... فضل المقالة إلا قولنا واسِ وحقق الظنَّ أنَّا سوف تحملنا ... على مجوَّفة الحيزوم كالرَّاسِ لها دُخَانٌ حريقُ الغاب أزعجهُ ... أنفُ الجنوب بأنفاسٍ فأنفاسِ واسمحْ لنا بدعاءٍ منك صالحهُ ... بيمنه يسهل المستعصب القاس والقصيدة الثانية: ألمَّتْ بنا أهلاً بها أمّ سالم ... على نأيها أم تلك أحلامُ نائِم ألمَّت بنا وهناً وقد ضرَب الدجى ... علينا خباءً في مُتِيهِ المخارِمِ ألمَّت بشُعْث في الفلاة توسَّدوا ... مرافق خوصٍ كالسهام سواهم نضونا على أنضائها من عزيمنا ... سواهمَ أمضى من شفار الصوارمِ وجبنا عليها مهماً بعد مهمهٍ ... إلى ابن هشام كي نزور ابن هاشم

إلى أن أنخناها لديه ولم نكن ... كمن عاقه عن ذاك ضعف العزائمِ خليفةُ مصباح الهدى وحفيده ... ومحِييُّ عافى ربعه المتقادمِ غيور على بيضاء سنته التي ... أبيحت لها لولاه كلُّ محارمِ فكم غض عنها طرفَ من رام طرَفها ... بغضِّ وكم قد كَفَّ من كَفِّ ظالم أنامَ عيون الناس تحت عدالةٍ ... وقَتْ رجل سار الليل لدغ الأراقم ومنها يخاطب السلطان: تعاظمنا هول الطريق ومنكمُ ... عظامَ اللُّهى نعتاد دفع العظائمِ وثقنا بِرِىٍّ أمت ظماؤنا ... موارد طامى بحرك المتلاطم ومنها: أمولايَ لازالت مدى الدهرِ منكم ... حصون المعالي عالياتِ المعالِمِ ولا برح التقبيل شغل أكفكم ... وأقدامكم تُحْذى أديم الجماجم فأصبح ثَغْر الأرض سوقا وأصبحت ... مَآسِدُها مرعى المخاض السواهمِ حماها حماهُ الله أن تسبيحها ... من أعدائها دُهم الدواهي الدواهمِ وبشرَنا أن سوف تأتي ركابنا ... أبا فاطم أنَّا أتينا ابن فاطمِ على جدّه في كل بدءِ ومختم ... مبادي صلاة مالها من مخاتمِ وقال أيضا يخاطب ابن أبي ستة، ويسأله التوسط في أمر السلطان: أثار من التذكُّرِ حين زارا ... خيالٌ من أمَيْمَة ما أثارا سرى بعد الهدوّ فما أعيرت ... قلوب العاشقين كما أعارا وكم بعث الخيالُ لذي انْتِزاح ... نزوعا للأحبةِ وادِّ كارا ألا أهلاً بها ولوِ استحالتْ ... على قرب زيارتها ازورارا لئن أنأى أميمة ما اعتسفنا ... رواحا بالنجائب وابتكارا

فقد أدنت مباراةُ المطايا ... نوافخ في البُرى منْ لا يبارا أزارتنا الفقيه فأنصفتنا ... من أيدِ النأي إذ مَطلَ المزارا وغادر طيُّهَا نشر الموامي ... إليه طيَّ حاجتنا انتشارا قَدَ أهدى الدهر إذ أهدى إلينا ... لقاه من إساَءته اعتذارا إلى مثل ابن أحمد فليسافرْ ... أخو العزمات أو يدع السّفارا هُمامٌ سَلَّ صارمَهُ ليحمى ... من الحق الحقيقةَ والذمارا أبى نور الهداية من يديهِ ... لمحيار الضلالة أن يحارا وشيّدَ للحقيقةِ من زوايا ... تعاطِى الذكر أرفعَها منارا له خلق يُدير مدى الليالي ... عليها من معارفه عُقارا سرى لمحمد في الأرض حمد ... يسير به المسافر أين سارا حكمنا فيه بالخير امتداحاً ... إلى أن أصبح الخير اختبارا فأبصرنا شواهد ما سمعنا ... كمفتوق الصباح إذا استطارا ومنها: أسيدنا النبيه ومن تحلّى ... بما فضه الجواهر والنُّضارا أسارنا ببابكمُ فبادرْ ... إلى تخليص إخوتك الأسارى وداركْ بالنجاة ذَماَء غرقى ... قد اقتحموا بما اقتحموا بحارا أطاعوا أمرَ غَيِّهِمُ ولَجُّوا ... غرورا في عمايتهم سُكارى فانهمُ وإن شَحَطت نواهم ... لجارك فارعَ حق من استجارا رعاك الله من راعٍ نصيح ... رعاية من قد أودع واستعار وباركَ فيك ربك من خديم ... قد أحسن في أوامره ائتمارا ومنها: أمتخذ الهدى خذها هَدِيًّا ... بدت في زيّ فارهة العَذارا تغضُّ الطرف من خجل وتدنى ... عليها من مهابتك الخمارا

قد اكسبها فَخَارك فَخَارك حين زُفَّتْ ... إليك على نظائرها فَخَارا وقال أيضا يصف ليلة سهرها عند بعض أفاضل أهل مرَّاكش، ويصف ما اعتراهم فيها من السرور، ويصف منزل صاحب الدعوة وكيفية شرابهم للشاهي: يا ليلةً راحَ فيها عازب الوطرِ ... بات الصفاءُ بها يسطو على الكَدَر طابتْ مجالسنا فيها وخامرنا ... حسنُ السرور على موضونة السُّرُر إذ بات أحمدُ يسقينا على مَهَل ... أشهى من الراح في أبهى من الدرَر في منزل تُتْعِبُ الأفكارَ عبرتُها ... فيه كما يُتْعِبُ الأبصارَ بالنظرِ فيه النَّهارُ عِشاءٌ والمعايش وال ... أنهار تجرى وفيه مُثْمِرُ الشَّجَرِ ثم إنه رحمه الله، بعد مقابلة مولانا السلطان عبد الرحمن وحفاوته به وبمن معه، ركبا البحر متوجهين إلى الحرمين الشريفين وفي الركب ابن أبي الشيكر (بكاف معقودة) قائد أبناء أبي السباع فبدءوا بالزيارة، ثم قضوا حجهم، فتوفى رحمه الله بين مكة وجده. ولم نعثر له على نظم في الحجاز، سوى بيتين قالهما لإبراهيم القاضي صاحب الصولة في الينبوع وضواحيه. وكان تلقى ذلك الركب بما ينبغي، وهما: يا قاصداً بطحاَء مكة يرتجي ... نيل الطواف ببيتها المرفوع لا نخش من ينبوع حاجِك غورةً ... ما دام إبراهيمُ باليَنْبوع وقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاج التفرُّق فاعذليني أوْ دَعي ... شوقاً أصمّ عن العواذل مسمعي لا تُنكري مني الشحوب فهكذا ... فعلُ الفراق بكل صبٍّ مولع إنّ الأحبة أوْدَعوا إذ ودَعوا ... في القلب شجواً لم يكن بمودّع كيف السلوّ خلافهم أمْ كيف لي ... بالكف بعد نواهم من مدمعي بانوا فبتُّ بليلة لم تنكشف ... من بعدهم وبمقلة لم تهجع بانت ببينهمُ الرباب وخلفت ... بين الجوانح غُلّة لم تنقعِ دارَ الرباب أربَّ فيك على الرَّبى ... ينهل مرتجس الركام الممرعِ

حيَّى الإلهُ زماننا إذ لم يرعْ ... فيك الصدود ولا نعيبُ الأبقعِ دهرٌ مضى جمعت لنا أيامهُ ... شمل السرور فهل له من مرجع أم هل تقرَّبُها النجائب أن ترح ... عوجاً سواهمَ جائلات الانسُع من كل مُجْفَرة لها بعد الونى ... عدوُ الهجفِّ أو الأتان الملمع يا نفس قد ولىَّ الشباب وأنت عن ... غيِّ البطالة والصبا لم تنزع قد تعلمين مصير أمركِ فارعوى ... فالعلم محض الجهل أن لم ينفع والموت منتظرُ اللقاء وذو الحجا ... متأهب للقائه المتوقّع ما لي أشاهد كل حين عِبرَةً ... وعن الغواية سادراً لم أقلع وارحمتا لأسير ذنب تاه في ... ظُلَمِ الضلالة عن قويم المهيع إني فزِعت وفكرتي جعلت إلى ... خير البرية مُشتكايَ ومفزعي إنسان عين الكون غرَّة وجهه ... حاوي التفرُّد بالمقام الأرفع ذو الرتبة العليا التي ما للورى ... من مطمع في نَيْلها من مطمع بابُ الإله ومصطفاه لسره ... وسراج حجته الذي لم يقْشَع مَنْ خصهُ بحُلي الكمالِ إلهُهُ ... والكون واقع أمره لم يوقع وإلى اسمِه ضمَّ اسمَهُ شرفاً له ... من قبل حيعلة المنادى المسمع وبه توسل الأنبياءُ إلى الذي ... حازوه من سرّ النبوَّة أجمع أسرى الإله به وأودع صدره ... في ستر جنح الليل أشرف مودع يا مولد الهادي لشهرك نفحةٌ ... أرج الزمان بنشرها المتضوّع أكرم بمولد ذي الختام بيومه ... وبشهره وبعامه والموضع حَلِى الزمان به كما حَلِىَ الرُّبَي ... بالروض إثر الساريات الهمّع لله أكملُ خِلقة وخليقة ... مُنِحا لصفوة هاشم ومُجَمّع بحر إذا ورد العُفاة وإن بدا ... فالبدرُ ماضي عَشْرِه والأربَع يغشى الهياج إذا التظى متبسما ... والبيض تلمع والفوارس تدَّع

والخيل ثائر نقعها من نسجهِ ... وجه الغزالة مدرج في بُرْقُع في سرج مشرفة التَّليل طِمرّة ... أو سلْهَب ظامي المفاصل جُرْشع حطم الأعادي خطمة جنحتْ بهم ... لِتَبَذُّلٍ من بعد طول تمنع وبها غدى مَنَ أبا السجود لربه ... وله سجودٌ بعدها لم يَرْفَع قَتْلى تَنازَعُ في الوغى أشلاَءها ... بين الجيوش جيوش طير وقع فغدت حصون الشرك رسما دائراً ... لعبت به أنفاس ريح زَعْزَع لم يُبْقِ فيه المصطفى من قَيْصر ... كلا ولا كسرى ولا من تُبَّع بهُدى الكتاب دعا فمن لم يرتدعْ ... بهُدى الكتاب فبالكتاب يُردع فرقٌ هُدِين به وأخرى حُمِّلت ... من سيف سطوته الذي لم تسطع لاَ تألُ مدحا للنبيّ وبله ما ... تدرى النصارى في المسيح وتدَّع يا خيرَ من حمل المطيُّ ومن بهِ ... زُجِرَ العتاق بلامعات اليَلْمعِ أثنى عليك إلهنا فلتعترف ... بقصورها فكِرُ البليغ المِصْقَع إني بمدحك أستجيرُ وإنني ... منه لفي الحصن الحصين الأمنع فأمنتُ طارقةَ الحوادث وأثنت ... عني دواهم كلِّ خطب مفظع وبك احتميْتُ من المكاره فاحمني ... وبك استعنْتُ على الزمانِ فكنْ معي لتكن معي عند الممات وكن معي ... عند السؤال وكن معي في مضجع لتكنْ معي يوم الجزا أن قُدِّمت ... نفسي لما صنعت وما لم تصنع صلى الإله عليك ما صدحتْ على ... فَنَن مُطوَّقةُ الحمام السُّجّع ومن غرر قصائده قوله يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ايضا: زارت عُليُّ على شحط النوى سحرا ... فاعتاض جفنك من عذب الكرى سهرا زارت فبات نظام الهمّ مجتمعاً ... شوقاً وبات نظام الدمع منتثرا فالقلب يغلي وجفن العين يُسعده ... بمدمع كلّما كفكفكته انحدرا يا رب مشتبهات لا منار لها ... من خاضها ركب الأهوال والغَررا خاضت إلى ودوني من هوائلها ... ما يستتيه عن القصد القطا الكُدُرا

زارت مُعَرَّسَ سَفْرٍ بعد ما ارتحلوا ... شهراً رواحاً وتهجيراً ومبتَكرا تهوى بهم راقصات العبس طاويةً ... أخفافها من عراض اليد ما انتشرا تعلو الهضاب وصمَّ الصخر حافيةَ ... ما أن ترى نَقَباً فيها ولا دَبَرا بُزْلا سمى النيُّ في أثباجها وعلى ... غِرْبانها لبَّدَتْ أذنابها الخطرا عهدي بها لم تزر جاراتها كسلا ... واهاً لها كيف باتت تسلك الوعرا باتت تشقُّ ظلامَ الليل نحوهمُ ... يا عظم ما كَلَّفَتْ أوصالها الفُترا ما أنس لا أنس والأيَّامُ مولعَةٌ ... بفرقة الشمل إذ خالستها النظرا فأومأتْ بكحيل الطرف باسمة ... نحوي لكيما أرى أن الرقيب يرى أيام أحسو رحيق الوصل آمنة ... نفسي أن أحسوَ سمَّ الصرم والصبرا ما كنتُ أحسب هذا الدهر تُحدث لي ... أحداثه من ليالي صفوه كدرا إني إذا الحبل أمسى من عُلَيَّةَ ذا ... صرْم وأمسى تدانيها نوًى شُطُرا عديت عنها وعن جاراتها وَخَدَتْ ... بي نجب فكرىَ للمختار من مضرا من يشغل الذهن منه في محاسنه ... يستقبح اللعَسَ المعسول والحَوَرا لمَّا برى كبدي ما قد جنته يدي ... يممته صارفاً عن غيره البصرا وجهَّتُ وجْهي إلى خير الورى وأرى ... لنفسيَ الفوز بالمطلوب والظفرا وجّهت وجْهي إلى مُغْنى الفقير ألا ... إني لمعروفه من أفقرِ الفقرا وجَّهت وجْهي لذي الخُلْقُ العظيم وذي ال ... مجد الصميم عديم الشكل والنُّظَرا وجَّهت وجْهي لمحمود المقام ومق ... صود الأنام إذا الخطب الجليل عرا مولى الشفاعة في الهول العظيم إذا ... ما صدَّ عنها جميع الرسل واعتذرا منير صبح الهدى للمهتدين به ... من بعدما جنَّ ليل الكفر واعتكرا به إلى مَهْيع الحق اهتدى نفرٌ ... وضلّه نفرٌ من قوله نَفَرا قد أخرست عن مقال الحق لُسْنُهم ... والضبُّ أخبر لما استُخبر الخبرا وخالفوه ففاض الماءُ منفجراً ... لمَّا دعاه ونادى فاندعى الشجرا

والشمس عن صوبها ردَّت له وله ... قد أسبل المزن لمَّا استمطر المطرا من آيه وكفى القرآن معجزة ... ما كان من خارق في بدئه ظهرا يكفيك أن إله العرش صوَّره ... كما يشاءُ ومنهُ صوّر الصورا لا لا تقس بالورى الماحي فذو خطأٍ ... من قاسهُ بالورى لو لم يكن بشرا أثنى عليه بما قد كان ناسبه ... رب العباد فماذا يبلغُ الشُّعَرا أهدى إليه قديماً من بدائعه ... كعب وحسّان والهمزيُّ ما كثرا أسْدوا به وأناروا ثم ما بلغوا كلاّ لعَمْرُك من مِعشاره العُشرا لكن أتوا فيه بالقدرِ الذي اقتدروا ... قبلي فهلْهلْتُ أقفوا منهم الأثرا لا يوجدُ الدهرَ إلا راكباً خطراً ... أو قائداً شقراً أو طارداً أخرا أو قائداً عسكراً أو مفنياً زمراً ... أو قارئاً سوراً أو قائماً سحرا ما زال يغزو وجند الله يؤزره ... والنصر يصحَبهُ في كلِّ ما شجرا حتى استبد وبزَّ الكفر دولته ... بالغزوِ واستعبد الأشراف والأمرا وأصبحت ملة الإسلام واضحة ... وعمَّ نور هداه البدوَ والحضرا قد أنكروا ما أتى البر الصدوق به ... والبر أنزلَ تصديقاً له السورا من صدَّ عن آيه العظمى أعدَّ له ... بواتر الهند والخَطّيَّةَ السمرا والجرد جرد المذاكي القود حاملة ... رُبْداً ضراغم في زِي الورى جسرا مستلئمي حَلق الماذيّ يقدمهمْ ... شاكى السلاح يهز الصارم الذكرا ثَبْتُ الجنان وموج البحرِ ملتطم ... والحرب رامية من شهبها الشررا يخوض ثم بحار الموت مبتسما ... تلك الجراَءة بَلْهَ الضيغم الهصرا هذا ما بقى في الخاطر منها، وربما وقع فيها تقديم وتأخير. ومن بديع قوله في الغزل: ولت ليالٍ إلينا ساقها الزمنُ ... ما سيق من بعدها للأعين الوسنُ ولّتْ سِراعاً وولّى البشر يتبعها ... عنا وأقبل من إدبارها الحزن ولّت فقائم ركن الصبر منهدم ... من بعدها ومصون الدمع ممتَهَنُ

قد غبن بالوصل ممن لم يغب جزعي ... من بعد ما غاب عنا وجهها الحسَنُ بمن إذا قابلت يوماً محدّثةً ... تحاسَدَتْ عند ذاك العين والأذن بانوا بها لا سَقى السّاقي مطَيَّهُمُ ... ولا رعَتْ ما وَشاهُ العارضُ الهتن يا ظاعنين ولى نفس تصاحبهم ... في بينهم حيثما ساروا وما سكنوا حملتموني ثقلاً من تحملكم ... يعوق جَلْدَ القوى عن حمله الوهَنُ إن ظَلْتُ بعدكم أدعو الربوع لِمَا ... هاجت لقلبي من ذكراكم الدِّمنُ تعتادني زفرة يرتدُّ صاعدها ... عن عبرة ضاق عن منهلَّها الجفنُ فإنني ببكا غَيْلان ربع لوى حزوى ... أو أربع وعسى مشرق قمنُ ليت الأُلى ظعنوا بالقلب إذ ظعنوا ... لم يظعنوا والألى لم يظعنوا ظعنوا وما وقع بينه وبين سيدي محمد بن الشيخ سيدي رحمهما الله، ذكره اكثر منه. كان محمد هذا رحمه لله في غاية الآداب، ولا يلاحى الناس، ولم تزل الفتن تقه بواسطة أهل الوشاية، ونقل الأخبار على غير وجهها، فاتفق أن أحد الأدباء من تلامذة الشيخ سيدي، أنشد أبياتا لسيدي محمد المذكور وأوّلها: يا معملين قلاصاً حاكت الحِرَفا ... صارت وصارتْ لها أنواعه حرفا فتوقف محمد المذكور في جمع حَرْفٍ على حِرَفٍ، وهو في الحقيقة غير مقيس، ولم ينكر، فابلغ ذلك الأديب سيدي محمد المذكور، أن ابن محمد لحنه، فكتب إليه: يا منكراً جمعنا حَرْفاً على حِرَفٍ ... لتَتَّئِدْ لا تكن للمرتمي هدفا إنكار من ليس يدرى اشدد به غَرَرا ... إذ هو من جُرُف الألحان فوق شفا ينهارُ من هَذَرٍ والصمت يثبتُهُ ... والفرّ قبل اللحاقِ للجبان شِفا لو خضت لُجةَ قاموس وجدت به ... درًّا جلا جلوه مصباح الدجى السُّدفا حرف الكدى لا سزاه جمعهُ حِرَف ... وزانه عِنَبٌ والجمع قد عُرفا ثانيه طَلٌّ ولم يجمع على فِعَلٍ ... فَعْل سوى ذَيْن قد كانا به اتّصفا والعلم ذو كثرةٍ في الصحف منتشرٌ ... وأنت يا خلٌّ لم تستكمل الصحفا

فلما وصلته الأبيات، استغرب ذلك، لأنه لم يتكلم بما يمس كرامة صاحبها، فأمر رجلا كان معه أن يكتب، فأملى عليه ارتجالا أربعين بيتا في ذلك البحر والروي. وكان يملي بيتاً فيكتبه بسرعة، فيأتي بغيره قبل تمام نسخه. ولما بلغت باب المتقدم الذكر، محا بعضها وأقسم عليه أن لا يتفوه به، حفظا لكرامة ابن الشيخ المذكور. والقصيدة هذه: منى إلى ابن كمال الدين من خَلَفا ... بين الورَى أحمدَ المختارَ والخُلفَا أزكى سَلاَمٍ يُحاكي حُسْنَ سيرتِه ... وطيبَ شيمته لا روْضة أنفا سِيديَّ قطبِ رحا أهل المعارف مَنْ ... أمسى يُجَدّدُ رسْم الدين حين عَفا ما زال مُذْ عقدت منه الإزارَ يدٌ ... صبًّا مشوقا بأبكار العُلى كِلفا فنال منزلةً تعلو السعود إلى ... أن صارَ للناس من داءِ القلوب شِفا اعْلَمْ أيا خِلُّ أني لستُ حاسِدَ كم ... وأنَّ مني لكم محضُ الوِدَادِ صَفا لا تَسْمَعَنْ ما وَشَى بعض الوُشاةِ به ... وَاسْمَعْ مقالي فليْسَ الأمر ما وُصِفا إذ قد حكى البيتَ راويهِ على حِرَفٍ ... فقلت مستفهما لا منكراً حِرَفا وهل سمعتم بحرف جمعهُ حِرَفٌ ... قد كان ذاعنْ قياسِ الجمع منحرفا ما كان من شيمتي نكرٌ على أحدٍ ... يأبى لِيَ النُّكرَ طبْعٌ منهُ قد أنِفا ولا مُجَاناةُ أرْبابِ الجفا شُغُلي ... مثلي إذا ما جفا حِلْفُ الجفا صدَفا وإن أتى صائلا ذو الضعف يوعدني ... فاللهُ يعصمني من صولة الضُّعَفا قد سرَّهُ جريه في الفقر منفرداً ... فظن سرعتَهُ فيه وقد دَلفا أقصر بطرفك لا تطمحْ إلى به ... فشأن من ليس يدرى الجريَ أن يقفا ومن يخض لجة القاموس ليس له ... فُلكٌ تقيهُ من الألحانِ قد تلفا أهدى إلى من الأشعارِ مضحكة ... للخلق أودعها من لحنه كِسَفا إذ صَيَّر الهمز همز القطع متّصلاً ... وقال جلوي وجلوا ثمَّ ما ألِفا

ومنها: والشعر صعب عزيز ليس يدركه ... سوى ذكيّ حديد الفهم قد ثقفا لا يكسب الشعر تبجيل وقولهمُ ... عسى تكون لنا من شيخنا خَلَفا كلاّ ولا أنا نجلُ الشيخ سيدنا ... أبي وأمّيَ قد فاق الورى شرفا وهذا ما تذكرت منها، وربما وقع فيها تقديم وتأخير لقدم عهدي بها. ولما شاعت هذه القصيدة، تداولها الناس، فتداعت تلاميذ الشيخ سيدي على هجو ابن محمد، فلم يكترث بهم، ولم يجب منهم غير الشيخ أحمد بن سليمان الديماني، لأنه رآه كفؤا، وهذه العادة قديمة في الشعراء كانوا لا يهاجون من يرون إنه دونهم. فلما بلغ الشيخ سيدي انتصارهم لابنه، دعاهم وقال لهم: أن انتصرتم لابن شيخكم فإني أنتصر لابن شيخي. وكانت أم محمد المذكور، بنت حرم بن عبد الجليل المتقدم. وكان الشيخ سيدي تلميذا له، فهذه إحدى مكارم أخلاق الشيخ سيدي، ولما بلغ الأمر أيضا والد محمد صاحب هذه القصيدة، أقسم عليه ليذهبن إليه ويطلب منه الصفح، فركب وأناخ في مسجد الشيخ، فوجده فيه فأنشده قصيدته الآتية، فقال ليتك هجوتنا في كل يوم، واعتذرت بمثل هذه القصيدة، استحسانا لها، وهي: هاجتْ رسيس بلابلي وهموم ... قَسْراً دَوارسُ أرْبُعٍ ورُسُومِ أودَتْ بهنَّ يَدُ الزمانِ فأسأرتْ ... كالوحْىْ أو كَمُرَجَّعَاتِ وشومِ كانت لروض اللَّهْوِ مرعةً فانتهتْ ... للعِين مرعة الشيحِ والقيصوم لله ما جلبتْ له عِصاتُها ... من ذكر عهدٍ للشباب قديمِ فأراد يكتم ما به وبدمعه ... ظهرت ضمائرُ سرّهِ المكتوم إن ترمني بسهام لحظ غادرت ... بين الجوانح داميات كُلُوم فلرُبما سَرَّتْ بمرأى رائقٍ ... عيني أوان مسرَّةٍ ونعيم ولكم سحبتُ بربعها بُرْدَ الصّبا ... وشرِبْتُ عذْب رحيقه المختوم ولكم عمدت إلى الملاعب مائساً ... كالغصن عطفّهُ هبوبُ نسيم

ولكم رشفتُ من الشفاه بربعها ... عذب الزُّلال بعاتِق الخُرطُوم قد خنْتُ عهد عهودها أن لم أقِفْ ... حيرانَ يَلْتَهِبُ الأسى بحَزِيم بل لم أقمْ بحقوقها أن لم أقمْ ... منهلَّ جفْنٍ بالدموع جَمُوم لازال يعهَدُها السّماك مَعاهِداً ... بأجشَّ مُنْبَجِسِ الصَّبيرِ هزيم مُرْخى الجوانبِ ذي روايا حُفّلٍ ... تمرى قوادِمَها الجنائبُ شيم لمَّا رأت دِمَنَ الصَّبابة والهوى ... سَفّهْنَ حلمي واسْتَبحْنَ حريمي هبَّتْ تلُومُ وَمَنْ يلمْ مُتذكراً ... عَهْدَ الشبيبةِ لامَ غَيْرَ مُليم فأجبْتُها نهْىُ المحبّ كأمرِهِ ... فَدَعِى الملاَمَةَ في الهوى أو لومي ما خلُتني أجدُ السُّلوّ ولم تزلْ ... ذِكَرُ الأحبَّةِ تستثيرُ همُومي قالت وكنتُ من الضلالِة سائراً ... في ظلّ مُسترخِ السُّدُول بَهيم هلاّ اهتديت بنجمٍ شَيْبَك إذ بدا ... فكم اهتدى ذو حيرة بنجوم أو ما كبِرْتَ عن النَّسيب ألا ترى ... عند العدول إلى امتداح كريم بمحاسنٍ تنسيك ما للبيض من ... وجهٍ أغرِّ الوجنتينِ وسيم هذي محاسن من غدا بصفاتهِ ... مستوْجبَ الإجلال والتعظيم مَنْ بالسيادةِ والمحامدِ وسْمُهُ ... وفق اسمه فالاسْمُ كالموسوم نالت من الرُّتَب العوالي كَفُّهُ ... ما لم تكن لتنال كف أريم ألفى المكارم قد تهدّد ركنها ... فأقام ساقطَ ركنِها المهدوم خلق الإله بنَانه للبحث عن ... صعب العلوم وكسب كل عديم ولسانهُ للكف إلا مدمناً ... لتعلم أو مدمنَ التعليم وجنانَهُ الماضي المنيرَ لفهم ما ... عنه قد أكدى فهمُ كل فهيم وقصائدٍ ودّ العذارى جعلها ... حَلْيا مكان اللؤلؤ المنظوم يا راكباً بدنيهِ ساحة بابهِ ... تقريب دامية الأظلّ رَسُوم

أبشرْ فقد يمَّمتَ من مَنْ ينحه ... يظفر بنيل مؤمّل ومروم إن سائلاً يمّمت بحر مواهبٍ ... أو جاهلاً يمّمت بحر علوم أو مشتكٍ من ذي عداءٍ مَظْلِماً ... يمّمت رفع شكاية المظلوم عَلِم المعارف والمعاني والمعا ... لي من أب نَبِهٍ بهنَّ عليم شيخ هدى من ضلّ عن سنَن الهدى ... حتى كسى الأنوار كل أثيم عمَّ الأنام بهديه وأمدَّهمْ ... كلاًّ بفيض من نداه عميم وردت حياض نواله وعلومه ... هِبمُ الورى فشفى غليلَ الهيم في كفه رزق الأنام فكلهم ... ساعٍ لموضع رزقه المقسوم فترى البيوت أمامه مملوأة ... ما بين نأوي رِحْلَة ومقيم كُلاً بنسبة ما يحاول خصه ... من قوت أفئدةٍ وقوتِ جسوم لم يكفه الميْرُ الكثير لدى القرى ... كلاَّ ورِسْلُ الكوم نحر الكوم فترى بساحته الدماَء وفرثَها ... ولَقي العظام جديدة ورميم وترى القدور رواسياً وترى الجفا ... ن لوامعاً بحواضرِ المطعوم من قاسه بالأكرمين فإنه ... في الشأو قاس مجلياً بلطيم بل قاس ملتطم البحار بنطفةٍ ... والروضَ غضاً ناضراً بهشيم حدّث ولا حرج عن الشيخ الرضا ... أو دع إذا حدثت بالمعلوم يا حبذا ذلك الكمال وحبذا ... جلساؤه من زائر وخديم ولحبذا تلك القصيدة إنها ... حَلِيَتْ بدر من حُلاه يتيم نالت عظيم الحظ حين تعلقت ... بمنال حظ لا يُنال عظيم قد أكملتْ خَلْقاً وخُلقاً وانتمت ... لأروم صدق فوق كل أروم عُدمت نظائرها فواجد من لها ... شبهٌ لعمرك واجد المعدوم إن كنت قد أخرتها ذكراً فكم ... من آخر في رتبة التقديم يا حائز الشرف الصميم ومنتهى ... أمل المريد وحيلَة المحروم

حُزّ ما ابتغيت من الكمال فأنت في ... زمن بمثلك في الأنام عقيم لازلت باقي الدهر سالك مهيع ... في إثر والدك الكريم قويم وبقيتما زمناً فكلٌّ منكما ... غوث المَضِيم وبرءُ كل سقيم مني إليك تحيةٌ تزداد ما ... بعث التشاجرَ من مشى بنميم ونفى إساَءته بعتبى معتب ... وعلا بصون الحلم كل حليم وعلى النبي من الإِله صلاتُه ... وسلامهُ في البدءِ والتتميم ومن رقيق شعره قوله: شَمِّرْ لعلَّ رَسِيمَ الأيْنُقِ الذُّلُلِ ... مِنْ بعدِ عشرين بُدنى ساكني العُقُلِ سِرْ مُدْمِناً عبْرَ أمواج الهجير وسِرْ ... تَحْتَ الدُّجى ثالثَ البيداءِ والإبلِ واعص العذول فمشتاقُ الأحبِة مَنْ ... ما أن يُميّزُ بين العذرِ والعَذّلِ واصحبْ دليلاً من الشْوقِ المُبَرِّح أن ... مال القطا عن سبيلِ القصدِ لم يَملِ واجعلْ مِهادَك بَطنَ الرحل من جملٍ ... جون المؤخَّرِ أو وجناَء كالجملِ رعَتْ من الروض في أكتاف دُومِسَ ... ما لم ترَع منُه بِجَنْبَيْ هضبة الوعِلِ ومنها: سهلٌ تجَشُّمِيَ البيداَء مُعْتَسفاً ... لو كنتُ من وصلِ من أهوى على أملِ إني وإن حلت يا ذي عن مودّتنا ... عما عهدتِ لَدَىَّ الدهرَ لم أحُلِ سلى فؤاديَ عني هل سلوتكم ... والجفنَ بعدك هل ذقتُ المنامَ سَلى بَورْد خدّكِ إلا ما وصلتِ أخا ... بث ألم يأنِ بعد الهجرِ أن تَصلى صلى أخا كلف كم بات من شغفٍ ... إلى لقاك سمير النجم أو زُحَلِ ومن رقيق غزله قوله: بعد الهدوِّ يمين الضَّرْع أسْرَالي ... طَيفٌ أحَلَّ بِبالِي كلَّ بَلْبالِ

أسرى فنبهني وهنا بتِبرس مِنْ ... بارَيْنَ طيف قَطُوفِ المشي مكسالِ زارتْك عائشُ والجوازءُ جانِحةٌ ... واللَّيْلُ مُلْتَفُّ أرْواقٍ وأذيالِ زارت ومن دونها شُم الجبالِ وأو ... عَاثُ الرمالِ ولمَّاعٌ من الآلِ وكلُّ مُغبَرَّةِ الأرجاءِ طامِسَة ال ... أعْلاَم حفّتْ بأوجالٍ وأهوال ومنها: أما وكل خلوب اللحظ ساعِدُها ... والسَّاق غصَّا بدُمْلُوجٍ وخُلخال لفي الفؤاد هوى مني لعائش لا ... يَبْلى وكلُّ جديدٍ غيرهُ بالِ مَلَّ المُعَاتِبُ فيه من معاتبتي ... فكفَّ عنى وملَّ العذلَ عذالي وطالما سمتهُ كتما فنمَّ به ... دمعي وأخبر عنهُ مخبرُ الحال دَعْني إليها أجوب البيدَ ممتطياً ... بزلا تواصلُ إرْقالا لإِرْقالِ أُدنى بها النازحَ النائي وأسبحها ... بحر الدُّجى وبحور الآل في الآل وله أيضا: أرْضَ العُقيلاتِ يا برقَ الحَيا وعَلى ... أحْيَائها لعيون الشائمين لُحِ ولا تُرِقْ دونَها في الأرض مِلَء فَمٍ ... من سارِياتِ رَوايا ودقك الدُّلُحِ حوْلَ المُلْيَحَة خيّمْ واغدونَّ ورُحْ ... ثمَّ اغدوَنَّ وَرُحْ ثمَّ اغدوَنْ ورُحِ ولا تَزَلْ مُسْتطيراً مثلَ ما رَمَحتْ ... بُلْقُ العوادي زهاها فادحُ المرحِ حتى إذا عَمَّتِ السُّقْيا مسارحها ... فاسقِ المسارح من بارين واسترِحِ ومن ظريف ما يحكى عنه، إنه كان مسافرا ومعه ناس من أهل الفضل، فنزلوا أمام بيت فيه عبيد لابن جيرفين، أحد من اشتهر في بلده. وكان ابن جيرفين المذكور، موجودا في تلك الليلة عند عبيده، فلم يسلم عليهم ولم يبعث إليهم بفراش ولا قرى، فاجتمعوا به من غد تلك الليلة، فأخبرهم إنه غداً يذهب إلى ابن أحمد بن عيدَّ أمير آدرار، فقالوا له: نريد منك أن توصل اليه هذا

المكتوب، فظن أن المكتوب فيه سلام على الأمير لا غير، فلما ناوله إياه أمر من يقرأه، فإذا فيه: إنْ يمنع الله رزق العبد ينزله ... ضيفاً لدى نجل جَيْرِفِّينَ ذي البقر أهدى إليه بنا عوز الكرام وما ... لاقَتْ نجائبُنا مِنْ شِدَّةِ السَّفر لم يأتنا بفراش لا ولا بقرىّ ... ولم يُسلّمْ ولم يسألْ عن الخبر فباتَ ملآنَ بطنٍ حولنا ولنا ... مبيت موسى كليمِ الله والخضرِ فلما قرئت الأبيات، ضحك الناس ممن يحمل هجو نفسه إلى أمير فهذه الصحيفة مثل صحيفة المتلمس، وكان لابن جيرفين هذا، ابن عم يملك الإبل، فلما سمع الأبيات قال: الحمد لله على أن لم يقل ذي الإبل. وقال أيضا يرحب بأحد أفاضل قبيلته قادما من الحج: وافى الهمام فتاه الدهرُ وابتهجا ... وانْزَاحَ همُوم النفس وانفرجا لم يأتِ دهر لعمري قبلَ حَجتهِ ... بحجَّةٍ أشبهتْ أيَّامها حِجَجا وافى فزاد به الرحمان شانِئَنا ... كَرْباً وكان لنا من كربنا فرجا وافى وقد شادَ من بنيان والدِهِ ... والعمِّ وانتهَجَ النَّهْج الذي ابتَهَجا قومٌ شِعارُهُم قدماً ودَيْدَنُهمْ ... في اللهِ أن يبذلوا إلأرواح والمُهَجَا قد وجَّهَ العِيسَ نحو البيتِ تمرح في ... فِيح الفلا والخلايا تعبر اللُّججَا تَقْتَادهُ همة قُصوى ويَجْذِبهُ ... شوقٌ حَوى الصد منه لوعةً وشجَا لم يثن همتهُ ظِلُّ البيوتِ ولا ... بيضُ العوارض تجلو الظَلْمَ والفَلَجا مضى مُذِيلاً لحرّ الشمسِ وجْنَتهُ ... وللموامي إذا الليلُ البهيمُ دَجا حَتى قضى ما انْطَوى في النفس من أربٍ ... وتمّ ما قد رجا يا نعمَ ذاك رجا فقرَّتِ العينُ إذا ألقى عصاه لدى ... حيث الإِلهُ يحطُّ الوِزرَ والحرجا وطابتِ النفس منه حين فاحَ لهُ ... من طيبِ طيبة أذكى فائحٍ أرَجا

فنال من زوْرة الهادي وشيعَتهِ ... ما نال والصيد كلاّ في الفرَا انْدَرَجا سقيا ورعيا لعيس بلَّغتهُ على ... أين تشكته من أيدي النوى وَوجا راحت سَوَاهِمَ عوجا بعدما رُحلت ... غلباً مباريَّة هوجَ الصبَّا هَوَجا يا ضيعة النَّاجيات القود ليس لها ... تحت العجاج بمغبرِّ الفجاج نجا والحمدُ لله ربي إذ أتيحَ لهُ ... من ورْطةِ البحر والدَّاءِ العُضال نجا لازال آخرُ آل الحبر أوَّلَهم ... يقفوُ ولازال يعلو كعبهم دُرجا ثم الصلاة على المختارِ ما دَلَجَ ال ... رَّكبُ المُجدُّ إلى البطحاءِ وادَّلَجا وله من قصيدة يرثى بها ولي الله سيدي مولود، قال اليعقوبي: ما لراجي الخلود نيل خلودِ ... أن وِرد المنون حتمُ الورود إنما الموت عُرْضَةٌ ليس عنهُ ... من محيص كلا ولا من محيدِ إنَّ ليل في جنبهِ لقصيرٌ ... ليلُ بنتِ الشريد بابن الشريد ومنها: غادروه تحت الصعيد دفينا ... نِعم ذاك الدفين تحت الصعيد وهي تقرب من قصيدة ابن مناذر، التي رثى بها عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي. ومن غزله: رَدَّتْهُ بعد تمام الحلم والنَّبهِ ... إحدى الجواري رهين الشوْق والولهِ إنَّ امرأ سفَّهتهُ بعد كبرته ... بنات عشر لمعذور على السَّفَهِ كَمْ قائلٍ لي إلى كم لا تُرى أبداً ... منَ نَوْمَةِ الحُبّ إلاّ غيرَ منْتَبِهِ فقُلْتُ لا تعجبي مني فكم سلبتْ ... حسناءُ قبليَ لُبَّ الحازم النبهِ يمينَ حقٍّ بمرآها الملَيح وما ... بالباطل الحقُّ أن يسمع بمُشْتَبِه إنْ الذي قد جنى ما كان من ولَهِي ... لَهى وإنّ شفا برحِ الغرام لهى

التجاني بن باب بن أحمد بيب

وقال في مدة إقامته بفاس حرسها الله، لما زار ضريح الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه. أبدى الزمانُ من البشاشة والصَّفا ... سرًّا وأثبت منهما ما قد نفا إن غاب قبل اليوم عنا سعدُهُ ... فاليوم أسعدَ بالمرام وأسعفا وقضى بعدل وهو قدما جائرٌ ... ووفى وعادته العدول عن الوَفا وصفا لنا بعد الصدود وصالُهُ ... بوصول قبر المصطفى ابن المصطفى بالأحمديّ خليقةً وطريقة ... واسْماً ووسْماً واقتداءً واقْتِفا الله يمنحه الكرامة كلما ... ذكر المشايخ ما أشفَّ وأشرفا إن رُمتَ حال مقامهِ ومقامهم ... فانظر لحال المقتفى والمُقتفى منه استمدُّوا واستبدَّ بزائدٍ ... فات المعارف كنهُهُ أن يُعْرَفا قد خصَّهُ الهادي بأنفس تحفةٍ ... ولكم أبٍ خصَّ البَنِينَ وانْحفا يا روضة شمخت بطوْدٍ شامخ ... أنفاً وأكسبها علاه تأنُّفا ومنها: يدلي ببرح محبة قد طالما ... منها تشوَّف للقاءِ تشوُّفا وبخدمةٍ سلفت لوالده الذي ... لو سمتموهُ البيع لن يستنكفا وهذا ما تذكرت الآن من شعره، وديوانه مجلد ضخم، رحمه الله رحمة واسعة، وكان حيا بعد الخمسين والمائتين والألف. التجاني بن باب بن أحمد بيب تقدم نسبه في ترجمة والده. ظهرت عليه إمارات النجابة في صغره، واشتغل على والده في أول أمره، وعلى والدته الصالحة العالمة، خديجة بنت المختار بن عثمان، وتوجه إلى المشرق وهو شاب على طريق الغرب برا، ثم نزل من مراكش إلى الجديدة، فركب في البحر إلى طنجة فأصابه الميد الشديد، فعزم أن يحجَّ برا، وفعل ذلك، ولما نزل في طنجة

توجه إلى مكناسة في غالب ظني، فقد اخبرني بعض شيوخ مكناسة الزيتون حرسها الله، إنه دخل عليهم في زاوية سيدنا الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه، وبات معهم، فسألوه عن طريقه، فأخبرهم إنه رافق رجلا ودخلا مكناسة، وترك عنده كتبه، وفيها أربعون ريالا، وهو لا يعرف اسمه ولا أين نزل. قال فقلنا له: أن الكتب والدراهم مضت لسبيلها، فقال لا يكون ذلك، فإني قد حصَّنتها بآية الكرسي. قال: فبينا نحن وقوف على باب الزاوية من الغد، إذا بالرجل ماراً فقال هاهو رفيقي، فوجد عنده الكتب بحالها، قال فتعجبنا من ذلك، ووجد في الزاوية سيدي العربي بن السائح الرباطي، ووقعت بينهما محبة زائدة، وهو الذي أحيى منظومته (منية المريد) بشرحه لها المسمى (بغية المستفيد). قال بعد نسبه إياه: وكانت له اليد الطولى في العلم، وخصوصا في فن السير والفقه والأصول والبيان والنحو والتصريف واللغة والمنطق والعروض وأشعار العرب وأيامها، وغير ذلك من الأشعار والنوادر. وأما التصوف، فقد رزق من الذوق الغريب فيه ما يشهد له بالتقدم التام، وستقف في نظمه هذا على بعض الرشحات والدقائق، التي تحار في دركها الأفهام، مع إفراغه ذلك في قوالب القواعد العلمية، سترا لما له مع الله تعالى من الأحوال الخصوصية، وله نظم في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبنيهن منه عليه الصلاة والسلام، وما لبناته من بنين وبنات أيضا، قرأناه عليه وكتبنا عليه من إملائه في مواضع منه، وكتب لنا بخط يده في مواضع من هوامشه كذلك أيضا، وأذن لنا في شرحه، وقد قيدنا بحسب ما تيسر لنا في الوقت. وله عليه شرح نفيس في مجلد، أبدع فيه غاية، ولم يمكنا كتبه لاستعجاله له، وله أرجوزة، نظم فيها الورقات للشيخ أبي المعالي إمام الحرمين رحمه الله تعالى، وله رحلة، التزم فيها ذكر من لقيه من الأعلام، في وجهته لبيت الله الحرام، وابتدأ بأشياخه الذين قرأ عليهم، كوالده ووالدته وغيرهما، رأيتها عنده، وقد كمل

منها مجلد، وذلك قبل أن يجتاز ببلاد الواسطة والجريد وتونس والبلاد المشرقية. ثم قال بعد كلام تقدم بعضه في ترجمة والده باب: وكان الناظم رحمه الله، من أعاجيب الدهر في الذكاء والفطنة ومكارم الأخلاق وحسن الشيم وعلو الهمة عن الخلق، والتجافي عن سفاسف الأمور، مع ما هو عليه من الجد والاجتهاد في طاعة رب العباد. وكان اجتيازه بنا بمكناسة الزيتون، عام سبعة وخمسين ومائتين وألف، ومكث عندنا ثلاثة أشهر، صحبناه فيها وذاكرناه، واستفدنا منه ما نرجو الله تعالى أن ينفعنا به في الدين والدنيا والآخرة. وكانت وفاته رحمه الله تعالى أوائل العشرة التي بعد الستين ومائتين وألف، ذلك قبل وفاة والده بما يزيد على العشرة أعوام بالمدينة المنورة، على مشرفها أفضل الصلاة والسلام. اهـ الغرض منه. وحدثني العلامة عبد الجليل براده رحمه الله تعالى، سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف بالمدينة المنورة، أن له في ذلك العام ستين سنة وهو متوفى، وأبرز لي ورقة صغيرة فيها مقطعة من نظم صاحب الترجمة وقد كتبتها منه ثم ضاعت مني قبل أن أحفظها وأولها: الدَّهرُ يأتي بأفراح وأحزان ... وكلّ شيء على ظهر البرَا فانِ والموت بئر جميع الناس وارده ... ولا حبٌ فيه يمشي كل إنسان لو كان بالموت من عارٍ مننقصةٍ ... ما ماتَ أحمد عالي القدرِ والشأنِ أو كان في غيرِه عز ومنقبة ... ما عاش من بعده يوماً فُلانانِ قلْ للذين هُما بموتهِ شَمَتا ... قد مات جاراً لطه خير عدنانِ وهي أكثر من هذا، وقال: أن أحمد المذكور، كان صديقا لصاحب الترجمة، فشمت به اثنان من شنقيط، كانا في المدينة المنورة، وكانا يحسدان صاحب الترجمة. قال: ومدة إقامته بالمدينة سنة، وتزوج بها إحدى بنات أهل المدينة. وأخبرني إنه مات، هو وصديق له اسمه المختار، في يوم واحد، ودفنا بالبقيع

الهادي بن محمد

رحمهما الله تعالى، ولم أعرف المختار ولا أحمد، الذي ذكر في أبياته. وقد رأيت قصيدة رائية له عند العبد اللاوي الفاسي، فكنت أريد أن أنسخها منه، فوقع مانع منع من ذلك. وأول منظومته التي شرحها سيدي العربي بن السائح رحمه الله تعالى: قال ابن باب العلويّ نسبه ... المغربيّ المالكيّ مذهبهْ الحمد للجاعل الأوْلياءِ ... ورثه الكُمّل الأنبياءِ والجاعل النبيّ خيرَ الأنبيا ... وشيخنا أحمد خير الأوليا حمداً يدومُ بدوام النعم على الخلائق وكل مسلم الهادي بن محمد المتفدم، وشقيق محمد المتقدم أيضا. كان فقيها محققا وخنذيدا مفلقا، رزق فهما ثاقبا ورأيا صائبا، أحد الرواة المتقنين والعُبَّاد الناسكين، كان موجودا في أيامنا هذه، وبلغنا موته ونحن بدمشق، سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف. وكان غاية في الظرف ومعرفة آداب المجالس، له اليد الطولى في نسج الشعر ونظم الأزجال العامية، وقلما تساويا عند شخص، بل لابد أن يكون الشخص أتقن لأحدهما من الآخر. وكان الظلمة من قبائل حسّان يخافون من لسانه، لأنه كان يذكر قبائحهم في أزجاله فتحفظها العامة، وكانوا يتأثرون منها أكثر مما لو كان نظمها بالشعر الحقيقي. فمن ذلك قوله فيهم: مَذَ مِنْ وَخْشِ: فينا يتْمَشَّ ... مَاهُ آمْخَلِّ شِ: آلاهُ امْخَلِّ شَ قوله: مذ: أصله ماذا، فساقها على عرف العامة هناك. والوخش: رذال الناس وسقاطهم وهي عربية خالصة. وقوله ماه امخل ش: معناه إنه لا يترك شيئا. وقوله ألاه امخل ش: اصله شاة، وهو من عطف الخاص على العام، وهذا النظم يسمونه كاف (بكاف معقودة) وضابطه أن يكون الشطران مختومان بحرف

واحد بشكل واحد، أعني الأول والثالث، وكذلك الأخيران، أعني الثاني والرابع، وأقله أربعة أشطار كما تقدم، ولا حد لأكثره. مَذَ مِنْ عَلاّلْ ... مَعْدُودْ افْلِعْيَالْ أنْكُلْ أنَوَالْ ... أسْرَ مِنْ حَنْشَ ما خَلَّ سِرْوَالْ ... إلاَ خَلّ فَشَّ قوله مذ: أصله ماذا كما تقدم، وعلال: فعال من العل، يعني إنه يحلب نوق الناس بعد أن تذهب للرعي من عند أهلها، وهذا عندهم وصف في غاية الذم، ومعنى معدود افلعيال: إنه كل على الناس، فيعدونه في عيالهم، وافلعيال: أصله في العيال، إلا أنا كتبناها على ما يتلفظون به، ولأن بحرهم الذي ينظمون في ميزانه لا يصلح فيه إلا هكذا، لأنا لو قلنا في العيال، ينكسر الوزن في اصطلاحهم، إذا المعتبر عندهم فيه قدر المتحركات، ولا يبالون بالسواكن قلَّت أو كثُرت، وكذلك لا يعدون الهمز المتحرك الواقع في أوائل الأشطار، ويسمون المصراع تافلويت، وما أدرى اشتقاقها، وهذا يسمونه طلعة، وضابطها أن تكون على ستة أشطار، ثلاثة هي الأولى على روى واحد، وبعدها واحد على روى آخر الكاف الذي تقدمها، وبعدها شطران أحدهما مساو للثلاثة التي تقدمته، والآخر على آخر ما قبله وهكذا، وأقل الطلعة ستة، كما تقدم، ولا حد لأكثرها، وقوله أفكل أنوال: أصله في كل، وأنوال عندهم تقال لبيوت من الشعر غير كثيرة، وقوله: أسر من حنش: اصله أسرى، أي أكثر منها سرى، أو حنش هي الحية الأنثى، ومذكرها إحنش عندهم، وهذا غير المعروف في لغة العرب، لأن الحنش تقال للذكر والأنثى من الأنواع التي اختلف فيها عندهم، ومعنى ما خل: ما ترك، وسروال: هو المعروف عند المشارقة أيضا، مع أن الصحيح سراويل، وهو مفرد ملحق بالجموع، وقيل: هو جمع، ومفرده سروالة، وأنشدوا عليه قوله: عليه من اللؤم سروالة ... وليس يرق لمستعطف

ومنها: ما فَمْ اتْمَغْفِيرْ ... وِبْلاَخِيْم اكْبِيرْ اتْشُوُفْ البِنْدِيرْ ... مِنْ عِزِّتْ لِعْشَ يوكَلْ لَيْنْ الخَيْر ... يَبكَ يِدَّشَّ قوله: فم، أصله ثم. وهي لغة معروفة في ثم، وليست دخيلة ولا عامية، واتمغفير: معناه التخلُّق بأخلاق بني مغفر، قبيلة كبيرة، وهذه التسمية تطلق على كثير من الترارزة، كما يقال: تمعدد الرجل: إذا صار جسمه كأجسام بني معد، قال: ربَّيتهُ حتى إذا تمعددا ... وآض نهداً كالحصان أجردا كان جزائي بالعصى أن أجلدا وبنو مغفر: قبيلة كبيرة في نواحس فاس، وهم أخوال ملوك الغرب، إذ أمهم أي ملوك الغرب، السيدة خنائي بنت الشيخ بكار العالمة المشهورة، ذكرها صاحب الاستقصا في تاريخ المغرب الأقصا، وذكر أن لها حواش في هامش نسخة من كتاب الإصابة لابن حجر بخطها، والخيم عندهم حسن السجية، وقريب منه ما في التاج. قال وفي المحكم: هو الخلق، وقيل سعة الخلق، فارسي معرب. وتشوف، بمعنى ترى، والبندير عندهم بمعنى صاحب العظمة والكبرياء، ولعش، أصله العشاء، ويوكل، أصله يأكل، وهذه اللغة هي الدارجة هنالك، وهي صحيحة، مثل أكد ووكد ويبك (بكاف معقودة) بمعنى يبقى، ويدش، بمعنى يتجشأ بذمه بالشره، وبالجملة، فقد أثر فيهم زجله، أكثر مما لو كان نظم فيهم شعرا من أضراب، قفا نبك: لانهم لا يفهمونه. ومما اتفق، إنه كان يوما راكبا مقبلا من جهة، فرآه أحدهم وهو راكب أيضا يقصده، فعرفه قبل أن يقرب منه، وكان تحت ذلك الراكب شيء من اللحم معلق، فقطعه ورمى به خوفا أن يراه عنده فيظنه ممن وصف، وهذا الزجل يسمونه

الغناء، ويسمون صاحبه مغنيا، سواء كان عالما أو جاهلا، شريفا أو وضيعا، وليس هو بمنزلة المغنى عند المشارقة، فإن ذلك من يغنى للناس ليأخذ منهم أجره، فإن هذا في بلاد شنقيط، لا يتعاطاه إلا طائفة يسمونها إيكاون (بكاف معقودة) ومفردهم إيكو، وعادة أولئك، أن من يحب السماع يذهب إليهم في بيوتهم فيغونه ذكرهم وأنثاهم، صغيرهم وكبيرهم، لا يستحيي بعضهم من بعض، أعني إيكاون، ولهم أوتار يضربونها ولها أعصاب، فإذا حرَّك أحدهم وتره، علم الماهر من الحاضرين يضرب في أي ظهر، وهو ما يقابل البحر الذي أنشده منه بيتا يكون طويلا أو بسيطا، أما الذي يطرب بصوته من غير هذه الطائفة، فيسمونه نشاداً، ويزعم أهل تلك البلاد، أن إيكاون أصلهم يهود أسلموا، ولم أر ما يصحح زعمهم. ولنرجع لصاحب الترجمة فنقول: إنه كان راوية لأشعار العرب، عالما بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ظريفا لا تمل مجالسته، ولا يسمع في مجالسه إلا ما يعلى الهمم، ويحض على التقوى والدين، ومن جيد شعره قوله يرثى الشيخ سيدي: الأرضُ بعد الشيخ ثَكلاَ يالها ... قد زُلْزِلَتْ من فَقْدِهِ زِلْزَالَها أنَّى لها تجِدُ السُّلُوَّ وَرَاَءه ... عزَّ السُّلُوُّ وَرَاَءهُ أنَّى لها يا لِلْحَوَائج والخطوبِ إذا دَهَتْ ... ذهَبَ المُعَدُّ لهنًّ كان فيالها رُزْءٌ أصاب العالمين جميعَها ... أطفالها ونساَءها ورجالَها كهفُ البرِيَّةِ حاملٌ أَعْبَاَءها ... دون الورى ومصدّق آمالّها غوثُ الأنام إذا السُّنون تتايَعَتْ ... والأرضُ أَصْبَحَ ماؤُهَا صَلْصَالَها كم كاعِبٍ أو فارضٍ أو يافعٍ ... أو عائل قَدِمَتْ إليه فعالَها كم عصبة ضربت إليه جيادَها ... وَعِصَابَةٍ ضَرَبت إليه جِمَاكها تَبْغي حوائج من يديهِ كثيرة ... حطت لهنَّ سرُوجَها وَرِحَالهَا

الواهبُ الجردَ العتاق وقد حَمَتْ ... قَصَب الرهان إذا تجول مَجَالها إِنَّ العَطِيَّةَ لا يَتِمُّ نفاذُها ... إلا وَأَرْدَفَ بعدَها أمثالَها دارٌ رأى إقبالها إدبارَها ... ورأى الورى إدْبَارَها إقبالَها ومنها: مَأوَى الورى قطبُ الرحى مَنْ جاَءهُ ... يَجِدَ الرَّحى أبداً تحكّ ثِفَالَهَا ويجدْ كريمة شولهِ معقولةً ... بالباب قد خَضَبَ النَّجيعُ عِقالَها تخشى المساء أو الصباح سوامهُ ... فكلاهما انتظرت بهِ آجالهَا فالناسُ ينتجعونَ سَيْبَ يمينهِ ... لا سيفَها وسنانَها وبلالَها كم ليلة أو بلدةٍ أحياهما ... بالذكرِ والحَفْرِ المفيض زُلالَها لمَّا رأى سُبُل الرِّفاقِ مَضَلّةً ... عَمَرَ البلادَ وهادَها ورِمالهَا منَع البلادَ مِنْ أن تُصابَ بَسَيئٍ ... حَتى أجارَ من الرُّعاةِ سَيالَها وإذا العُدَاةُ مَعَ العُدَاةِ تَقابَلَتْ ... وضَعَ العُداةُ عن العُداةِ نِبالَها وحَمى جميعَ العالمينَ حِمايةٍ ... لَمْ تحمها أسد الشَّرَى أشبالَها لكنَّما المولى رحيمٌ بالوَرى ... فالتَحمَدِ المولى الذي أبْقى لها مَنْ كان وارث سِرِّهِ ومقامِهِ ... حَذْوَ الرِّجالِ على النّعالِ نعالَها أتَتِ الخِلاَفَةُ مَرْبعاً قد طالما ... سَحِبتْ بهِ منْ قبلِ ذا أذْيالَها وتَسنمتْ أرآمُها أرآمَها ... وتكَنَّستْ أطْلاَؤها أطْلالها وهذا ما بقى في خاطري منها وهي طويلة. ومن جيد شعره، قوله في موعظة ذكر فيها ثلاثة تجار من النصارى، مشهورين بكثرة المال، اسم أحدهم ويتْ، واسم الآخر ججم، واسم الآخر كزبار (بكاف معقودة). اجْعَلْ جميعَ السَّعْي في الإِلِه ... لا في التّجارَةِ ولا المَلاَهِ مُغْتبِطُ الدُّنيا حَرٍ بالنّدَمِ ... وغيْرُ فاطِرِ السمّا لم يَدُم

فَلْتَسْرَع العِبادُ بالسّباقِ ... لِرّبها الحيّ القيُّومِ الباقِي فإنما الدُّنيا كمحْضِ العَدِم ... لا هِيَ بالبقا ولا بالقِدَمِ عَنْ جِجَمٍ زَالتْ وقَّلَ عَجَمي ... وعَرَبيّ في الغِنا كجِجَم بَعْدَ اشْترائِه لِكلّ عِيرِ ... عَدَلَ للخُلُودِ في السّعِيرِ بَعْدَ اشتِراءِ كُنْدَرِ الأغْلالِ ... أصَبَحَ في القُيُودِ والأغْلالِ خَلاّ قِلاَلَ الشّهْدِ في انتظامِ ... وهْوَ أعُوذُ بالإِلهِ ظامِ وقَعَ في عظامِهِ العِظامِ ... تَزَلّعُ اللّحْم عَنِ العِظام مِنْ قَصْرِه ولَجَّ في الجحيم ... ولَمْ يَلِجْ في رحْمةِ الرَّحيم ولمْ تُفِدْ فِيما إليهِ صَارا ... يا ويْحهُ مَكائدُ النّصارى حَلَّ بهِ يا ويْحَهُ الوَبارُ ... ويَقتَفى سَبيلُه كَزْبارُ قَبلهُما قَدْ هَلكَتْ وبارُ ... وأُمَمٌ تَنَعّمُوا وبارُوا لباسُهُمْ لمّا مَضَوا غُبارُ ... ودَمُهُمْ إذ قُتلوُا جُبارُ وأصْبَحتْ مِنْ بَعدِها الدّيارُ ... وهْيَ يبابٌ ما بها دَيّارُ لَمْ يَقٍ وِيتاً وهْوَ حَيٌّ مَيتٌ ... فُلْكٌ ولا حُصْنٌ ولا كُمَيتُ ولا دَجَاجةٌ ولا حَمامُ ... لَمّا عَليه أشْرَفَ الحِمامُ يَرَى الخنَازِيرَ تُداسُ بالعَمَدْ ... مَا كانَ ذاك ظنَّهُ طُولَ الأمَدْ تَقْتُلها أرَاذِلُ الرُّعاةِ ... وكانَ جَبَّاراً قَوِيًّا عَاتِ كانَ القَتَادُ دُوُنَها والضّالُ ... حَتى أتاهُ دَاؤُهُ العُضَالُ تَبًّا لهُ مِنْ مَعْشَرٍ إفْرَنْجِ ... يَلْعَبُ بالبَّرْدِ وبالشّطْرَنْجِ فَمالهُ في اللهِ دَمْعٌ ذَارِفُ ... شَغَلَهُ النَّعيمُ والزَّخارِفُ

حرم بن عبد الله

مَنْ لاحَظ الأشْياَء في المآلِ ... وجدَها معدومَةً كالآلِ مَنْ لَزِمَ الدُّنْيا وَربّ زَمْزَمِ ... لَزِمَ ما لزُوُمُهُ لَمْ يَلْزَمِ وكان ترك الشعر رحمه الله، قبل موته بمدة. وقال في ذلك: مَنْ يصَوْغِ الشّعْرِ أصْبَحَ مولَعاً ... فالمرْءُ يُسْئَلُ عَنْ مَقاصِدِ شِعْرِه فَلْيَذْكُرَنّ المرْءُ عِنْدَ سُؤالِهِ ... وليذكُرَنّ قِيامَهُ منْ قَبْرِهِ هَذِي الثلاثةُ لا ارْتجالَ وَراَءها ... فَطَوَيْتُ رَقّ الشّعْرِ خيفَةَ نَشْرِهِ قوله: فليذكرن المرء الخ. المرء فاعل ليذكرن، وقوله عند، ظرف توسع فيه فنصبه على المفعول به، ليذكرن. والمعنى: أن المرء إذا تذكر ذينك الوقتين، ينبغي له أن لا يشتغل بغير ما يجدي عليه نفعا هناك. حرم بن عبد الله المعروف بلكنيز بن عبد الله بن عثمان. يجتمع فيه مع باب المتقدم، وباقي النسب هناك، فقيه ورع متواضع نحوي سليم الذوق، يتدفق ذكاء وفطنة، تطربه الأشعار الحسان. وكان في زمننا هذا رحمه الله، ولم تشتهر له قصائد كبار، وإنما له مقطعات حسان، ولم يعلق بخاطري منها الآن إلا أبيات، كتب بها إلى أبناء احمد بن اعمر أكداش (بكاف معقودة ودال بعدها ألف وشين، بطن من بني عمر أكداش) وكان شاعرهم المشهور، المختار ابن المعلى، قال قصيدة يمدح بها العلويين، تشتمل على ثلاثة بحور، فأجابها شاعر العلويين، أبد بن سيدي أحمد بن محمود ابن أخي أبد المتقدم، بقصيدة تشتمل على عشرة بحور ومطلعها: دُرَرُ البهاءِ رمَى بِهِنَّ غَطْمْطمُ ... حارَ البليغُ بِها فَبلغَ طِمْطِمُ فأجابها ابن المعلى بأربعة أبيات، تقرأ في كل البحور أوجلها، فرد عليه أبد ببيتين يقرآن في كل البحور، وساقا هذا الشعر في معرض المدح، وإنما المراد به التعجيز لما بين الحيين من المنافرة القديمة، ولم يزل هذان الشاعران موجودين فيما أظن، أما أبد، فعن تحقيق ولله الحمد. فقال حرم المذكور:

محمد الحسن بن محمد عبد الجليل

ابني أحمد بن اعمر كنتم ... لمن اعْتَرَّ مأمناً وربيعا إن يكن من صنيعكم أن رفعتمْ ... عاليَ الناس فوقكم والوضيعا لا يضرْ كم ذاكم فأنتم الأعْلَوْ ... نَ اتَّضعْتمْ تأدُّباً وخُشوعا ضَمنَ البِرُّ والتُّقى لكم أن ... لا تَزالوا فوقَ الأنامِ جميعا في مكانٍ لا يطمَعُ الناس فيهِ ... وكفاهم ما دونهُ ترفيعا فمساميكم والمسابقُ كابٍ ... قاصرٌ عَمْا لم يكن مُسْتَطيعا فدعُوا عنكمُ التأنقَ في المدْ ... حِ والإِعجاز فيهِ والتنويعا ليس بعد النور المنزل إعجا ... زٌ فما الحُسْنُ بعدهُ ممنُوعا وعَلَيكم مِنَّا السَّلامُ سَلامٌ ... كشَذَا المِسْكِ بَعدَ هَدْءِ أذِيعا محمد الحسن بن محمد عبد الجليل بن الحسن بن الأمين بن الحاج. يجتمع فيه مع حرم الذي تقدمت ترجمته في أول الكتاب، ومع غيره ممن تقدم في الطالب، وبقية النسب واحدة، نحوي متقن، وفقيه متبحر، راوية لأشعار العرب، مكب على المطالعة، جواد الكف، حسن الطباع، تقيٌّ نقيٌّ، رحم الله روحه الطاهرة. طلب النحو على سيبويه تلك البلاد من غير دفاع، أستاذنا يخطيه بن عبد الودود، أطال الله حياته، ثم على خليلها، محمد عالي بن سيدي بن سعيد، والفقه على أهل محمد سالم المشهورين هناك بهذا الفن. وكان رقيق الشعر، سهل العبارة، أمون من الغلط، كأنما الشعر في جيبه، يأخذ منه في أي وقت شاء، مع قلة ما حفظت له، لزهد الناس في معاصريهم ولعمري إنها لبلية. ومما في ذهني من شعره بعض أبيات، كتب بها إلى شقيقنا محمد سالم رحمه الله، وكان صديقا له يسأله إعارة التصريح على التوضيح: منى سلامٌ إلى ذي المحتد السام ... محمد سالم الأعراض من ذام فإنني ارتجني التصريح عارية ... من راحتيهِ مدى عامين أو عام

وله من قصيدة، يمدح بها أحمد بن امحمد ابن عيدَّ أمير ادرار، وقد ضاع منى أولها: أميرٌ فارِسٌ بَطلٌ جَوَادُ ... خَليفَةُ فارِسٍ بَطلٍ جوَادِ وغيثٌ لا يملّ إذا تمادى ... وكان الغيثُ يسأمُ بالتمادِ وبحرٌ ترتوي منهُ الرَّوايا ... بما يشفى الغليلَ لكلِّ صادِ شرابٌ أن أتوهُ بلا شرابٍ ... وزاد أن أتوه بغير زادِ لنعم الجَلْد أنت إذا تبدَّتْ ... نواصي الخيلِ مقبلةٍ بَدادِ وبداد: حال، وقعت معرفة، وقد نص عليها في كتب النحاة، فهي من الألفاظ المسموعة من العرب، لكن لا يقاس عليها ما يشابهها. وله من أبيات يقولها في المشاعرة، التي تقدم ذكرها، في ترجمة الذي تقدمه، وقد ضاع مني أولها: فإنْ تَكُ الأزْمُنُ النسوانُ نِيطَتْ ... عليها من مآثركم رِعاثُ قد أنبثَّتْ مناقِبُكم وشاعَتْ ... كما في الناس للمثلِ انْبثات ومن ظريف أخباره، إنه كان مع العلامة المتقن، وليُّ الله أحمد بن محمد، في حي ينتجعون المراعي بإبلهم، فوصل إليهم مكتوب من العلامة الشهير، صاحب القدر الكبير، الشيخ سعد أبيه ابن محمد فاضل، أخي الشيخ ماء العينين، فيه أبيات من الرجز، وكتب قبلها أسطرا من النثر، معناها أن هذه كرامة أكرمني الله بها، ولا يقدر عليها أحد، وكانت تلك الأبيات من الحروف المقطعة، فأخذ هو تلك الأبيات، ونظم اثني عشر بيتا من الحروف المقطعة، فيما بين الظهر والعصر، وكتب بها إلى الشيخ المذكور، وكتب إليه في مقدمة الكتاب إني لست وليا، ولا من أهل الكرامات، وها هي الأبيات، لم يتخلف عن ذهني منها إلا بيت واحد، وهي في مدح الشيخ أحمد بن محمد المذكور: أَرَأَى زَوْرَهُ دَوَاَء أُوَارِ ... ذُو دَوًى زَارَ أَدْؤرًى وأوارِى

إجدود

آلُ أرْوَى أوْدَى وَرَاَء رَدَاحٍ ... دُورَهُ أَرْىُ وَادِقٍ وَذَارِ وَرِثالٌ إِزَاَء دَوْحِ أَرَكٍ ... وَأَرَاوٍ وَرَدْنَ دُونَ ازْوِرَارِ وَدَعِ اذْذكَ وِرْدَ دُرَّسٍ دُورٍ ... أَجَّ داَء أَرَبَّ دُونَ إِزَارِ وَإِذَا ذُو وُدِّ أَرَادَ أذىً دَعْ ... وَأَزِلْ وِزْرَهُ وَوَاسِ وَوَارِى وَإِذَا زَارَهُ وَرَاَءكَ واشٍ ... رُمْ وِدَادًا وَدَاوِ ذَاك ودَارِى ذَادَ دَاَءى أن زرتُ ذَا أَدَبٍ إِذْ ... زورُهُ رَادِعٌ إِذًا أَوْزَارِى وَرِعٌ راقٍ ذِرْوَة وَقٍ ارْوَا ... حَ ذَوِى ذُلٍّ وُرَّدٍ زُوَّارِ وَرَدَتْ وَارِدُوهُ آذِىَ رَامٍ ... دُرَراً زِنَّ دَارَة وَدَرَارِ أَرَؤفٌ ذُدْوِرْدَ وِزْرِيَّ وَارْأفْ ... ذارَِءى إذْ أَرَاكَ أرْأفُ ذَارِ وَارْأبَ ارْ آبَ ذَا ودَاوِ أذَاهُ ... وَأَزل وزْرُهُ وَوَارِ أوَارِ إجْدُودْ واسمه عبد الوهاب بن اكتوشن بن السيد العلوي. يجتمع مع الذين في أوَّل الكتاب في أبيج، وبقى فخذه بالنسبة إليه دون اخوتهم.

عالم نحرير، اشتهر علمه في تلك البلاد، وله صيت حسن في قبيلته وفي غيرها. وطلب عليه كثير من الزوايا، مثل تاكنيت (بكاف معقودة) وأولاد أبيير وغيرهم، واشتهر بالفقه واللغة والنحو، ووقعت بينه وبين باب بن أحمد بيب المتقدم، مخالفات في مسائل فقهية، وانبنت عليها وحشة بينهما زمانا. وكان أهل بيته أكثر العلويين كتبا، وكانت تحت يد باب جملة من كتبهم، فأخذها منه بسبب ما تقدم. ثم أن باب أكبّ على شراء الكتب، بأي ثمن طلب صاحبها، واستجلب النساخ من الخارج، فما مر بضع سنين عليه، إلا وهو أكثر منهم كتبا. وكان يقول: جزى الله عنى إجدود خيرا، لأنه لما أخذ كتبه، أحدث ذلك فيه همة بتحصيل الكتب حتى صار أكثر منه. ثم أن إجدود رجع عن تلك المسائل التي كان يخالف فيها باب، ولهما مشاعرة في ذلك ولم أحفظ منها شيئا، ولم أحفظ لأجدود غير قوله في الغزل: كأَنَّ الدَّلال على خدّها ... جناح غراب على سوسنم وسو: بمعنى سواء. والسنم: الموضع المرتفع. وقال يرد على أحمد بابا التينبكتي صاحب ذيل الديباج. وكان يقول: أن الفاعل يجب أن يخصص بإحدى مسوغات الابتداء: وقول من يستوجب التخصيصا ... بفاعل ليس يرى منصوصا وإن يكن أحمد بابا قد جزمْ ... بِه فما تخصيصهُ بملتزمْ مثل قوله تعالى (أن تقولَ نفسٌ يا حَسْرَتا على ما فرَّطتُ في جنْبِ اللهِ) وله بيت استدراك على ما يقال، أن أحد العلماء سأل أبا الطيب المتنبي: كم من الجموع ورد على فعلى - بكسر فسكون - فأجاب على البديهة: ظِرْبيَ وحِجْلىَ، قال ذلك العالم: فسهرت ثلاث ليال أفتش الكتب، فما وجدت لهما ثالثاً. وبيت أجدود: وثالث اللفظين لفظ يعزى ... إلى الدماميني وهو معزى وهذا وارد في أشعار العرب. قال امرؤ القيس:

محمد محمود بن اكتوشن

ألا أن لم تكن إبل فمعزى ... كأنَّ قرون جلتها العصيُّ وقال الآخر: بتنا بحسان ومِعْزاه تَئِطْ ... مازلت أسعى بينهم وأخْتبِطْ حَتى إذا جنّ الظلام واختلطْ ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قطْ محمد محمود بن اكتوشنِ أخو الذي قبله: وهو فقيه مشهور وعابد مذكور، ما وقفت له على شعر يذكر، إلا قصيدة يرثي بها باب بن أحمد بيب المتقدم وهذا مطلعها: سهم المنون رمى به فأصابا ... حسن الخليقة والمحامد بابا يا حاسدون إذ السنون تتابعت ... ومن الشماتة نابكم ما نابا لا تحسبوا أنا أصبنا وحدنا ... كلّ الورى أضحى بباب مصابا سل الآيَ والخبر الصحيح كليهما ... والفقه والتاريخ والأنسابا والغُسْلَ في ظُلَلِ الشتاءِ كأنهُ ... ما مَسَّ قطّ برَاحَتَيْهِ تُرابا وجواب الأمر في عجز بيت ضاع مني أوله، وهو: تُخْبِركَ بَاكية عليه جوابا سيدي محمد بن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم المتقدم، عالم نحرير ولغوي شهير، من نظر إلى قوله المسدد، علم إنه كما قيل: هذا الشبل من ذاك الأسد، ومن آثاره الحميدة، ومصنفاته المفيدة: نظمه سواطع الجمان، وشرحه نجم الحيران، وقد نسخت منه نسختين بيدي، أعطيت إحداهما لبعض أقاربي، وتركت الأخرى في كتبي، وما أدرى ما فعل الله بها، ما ترك شاذة ولا فاذة في نظمه هذا وشرحه، إلا جمعها، وهو في الأفعال جمع ما في التسهيل، ولامية الأفعال، كلاهما لابن مالك، وقد احتوى على أكثر مما في شرح بحرق اليماني المعروف هنا بالحضرمي، وناهيك به، ولم يحضرني الآن شيء من ذلك النظم،

ولصاحب الترجمة منظومة، يكفر بها أبناء حسان على ما أداه إليه اجتهاده، وقامت عليه الأدلة عنده، وهي: حمداً لمن رفع جهلَ العَالمينْ ... وكفرَهم بِبَعْثِ خَيْرِ المُرْسَلين مبشراً ذوى الصلاح والهدى ... ومنذراً من حادَ عنهُ واعتدى صلى عليهِ الله ما نِيلَ الأرَبْ ... وما أرادَ المكسَ ظالِمُ العَرَبْ وبعد ذا أن بني حَسَّانِ ... في منتهى الضلالِ، والخسرانِ لم يسأموا ظلماً وفسقاً جهرا ... بل همْ فَرَاعِينُ البَرايا طُرًّا والبعض منهم مؤمنون مسلمونْ ... مثل ابن باهَ والكثيرُ كافرُونْ ففعْلُهُمْ دَلَّ عَلَى إنكار ما ... وجبَ الإيمانُ به فلتعلما لو أيقْنُوا السؤالَ والحسابا ... يوم الجزا ما ظلموا ذُبابا وقد روى الندب أبي الحبر الهمامْ ... عن مالكٍ إمامنا خيرِ إمامْ تكفيره قوماً يقومون الصلاهْ ... وهم يصومون ويؤتون الزكاهْ ويظلمون وألاءِ تَركوا ... تِلك الثلاثَ والخنا لم يتركوا فالجل بالخنا مصرحونا ... ومنهمُ قوم منافقونا يسبحون يركعون يسجدونْ ... وَيَفْعلُون بالوَرى ما يَفْعلُونْ بل هم شرارهم ولبس يعلمونْ ... واللهُ عالِمٌ بما هم يكتمونْ وضابط النفاق عند من دراه ... إظهار الإسلامِ وإضمارُ سواه كما ترى في بعض هؤُلاءِ ... فاحكم بكُفْرِهمْ بلا امْترَاءِ وزادَهمْ في ذا بُعَيْضُ الطّلبهْ ... لا غفرَ اللهُ لهُ ما ارْتكبهْ

العم بن أحمد فال

والغرس منهم عندنا غير صواب ... لأنَّ خبثَ الماءِ من خبث التراب وجاَء في المَثَل عنهم صرَّا ... لا يَلدُ الشِّهَابُ إلا الجمرا أما نكاحُهم فليس بنكاح ... وإنما هو سِفَادٌ وسِفاحْ والله قال والذي خَبُثَ لا ... يَخْرُجُ إلا نكِداً فامْتَثِلاَ أما الذي حازوا من أمْوَال الأنام ... فبعضُهُ حِلٌّ وَبعضُهُ حَرَامْ وقيل بل حل وقيل بل حَرَامْ ... والجُل خذه دون إذن والسلام تمَّ مكفر بني حَسَّان ... والحمدُ للهِ على الإحسانِ العمُّ بنْ أحْمَدُّ فَالْ بن أحمد بن عم، ويقال له: لعميم، وبه اشتهر في قبائل تندغ، ومن بجوارهم، يجتمع مع أكثر من تقدم في أبيج، كان شاعرا مقتدرا على نظم الشعر في أي روى، وعلى أي أسلوب، مع رقة ألفاظ وانسجام، وكان ممن جمع بين الشعر والأزجال على حد سواء، ويكفيه إنه ساجل محمد بن هدار الأحراكي، وكان غاية في ذلك الفن فكاد يغلبه، ثم إنه أسر إليه وقال له: لا تفضحني في هذه البلدة، فإني لا أعيش إلا باعتقاد الناس أني منفرد في هذا الفن، فقال فيه ما يدل على تقدمه عليه. وكان من أفراد عصره في معرفة البيان، وله يد في النحو والفقه، وأكثر من أخذ عنه، العالم النحرير أحمد بابا التندغى، واتفق إنه أنشد بيتين لنفسه، فبلغه أن أحد الأدباء ادَّعى إنه اشتراهما منه بثمانية أبيات، فقال: أخيراً هاجَكَ البَرْقُ اليَمانيِ ... وَتَذْكارُ المَعَاهِدِ وَالمَغَانِ مَغَانٍ طَالَ لَهْوُكَ في رُبَاهَا ... بِآنِسَةٍ مُخَضَّبَةِ البَنَانِ إِذَا بَرَزَتْ تَبَخْتَرُ بَيْنَ بيض ... حِسَانٍ يَنْتَمينَ إلى حِسَانِ يُخَلْنَ إذَا يَرَزْنَ نِعَاجَ رَمْلٍ ... لدَى مَحْنا جَآذِرِهَا حَوَانِ تَخَالُ الفَرْعَ لَيْلاً وَالمُحَيّا ... سِرَاجاً وَالقَوَامَ قَضِيبَ بَانِ فبينا تنشدُ الأشْعَارَ قصْراً ... وَنأْخُذُ في المقابِسِ وَالمَبَانِ

وننحو النحوَ والتصريفَ طَوْراً ... وَأطْوارًا نِميلُ إلى البَيَانِ إذا بِفَتًى سَقُولُ شَرَى فُلاَنٌ ... بِذِي الأبْيَاتِ ذَيْنِكَ مِنْ فُلانِ فقلتُ وَهَلْ صَدَقْتَ فقال قَوْلاً ... لَعَمرُ اللهِ ليسَ بمُسْتَبَانِ فقلْتُ سَلِ الصّحَابَ فَلَسْتُ أصْغى ... إلى أقْوَال ذِي الجدَلِ المُعَانِ أليس الشعرُ طوْعْ يَدِي وقلبي ... وَسَهْلَ الصَّوغِ وَيْكَ عَلَى لسَان أَصُوغُ البيتَ مِنْهُ بلا عَرُوض ... على أقْوَى وأَقْوَمِ الاتزَانِ وَأَنْفِ اللَّحْنِ والتَّعْقيدَ عَنْهُ ... بِذَوْقِي والقَرِيحَةِ وَالجَنَانِ وَأَرْتَقِبُ المَحَاسِنَ من بعيدٍ ... وَأَقْتَنِصُ الشَّرُودَ مِنَ المَعَانِ فأَكْسُو اللفْظَ بالأفطارِ حَلْياً ... يُذَمُّ له اليْمينُ مِنَ الجُمَانِ فلم تَحْسُنْ مُشاعرَتي لمَنْ لا ... لَهُ بِمَدَى مُشَاعَرَتي يَدان وقال أيضا: وكان نزل بدكانه (بكاف معقودة، قرية لفرانس على شاطئ بحر يقال له أبجك، بألف وباء وجيم وكاف معقودة) وهو نهر يقرب من نيل مصر، وهذه القرية معدة للتجارة مع العرب، وأكثر ما يباع فيها العلك المعروف عند المشارقة بالصمغ، وكلاهما لغة صحيحة، ومن عادة أهلها أن صاحب العلك يفرش له ويقرى، اعتناء به، أما غيره فلا يلتفون إليه، وأبياته هي: أمَا واليَعْمَلاَتِ منَ المَطايا ... ومكنونِ المحاسنِ منْ حَذامِ لمِنْ رَيْبِ الزمان ومُعْتَدَاهُ ... مُقامِي في دَكان بلا مقامِ كأني في المحافلِرو ... وهَمْزُ الوَصْلِ في دَرَج الكلام وهذا المعنى أخذه من قول القائل: أيها المدّعي سليما سفاها ... لست منها ولا قلامَةَ ظُفرِ إنما أنت في سليم كواو ... ألحقت في الهجاء ظلماً بعمرو لكنه زاد عليه همز الوصل في درج الكلام، وكساه رونقاً بسلاسة ألفاظه. ومن نظمه:

فتى بن الحاج

ضُحّى زُرْت الحبيبَةً لا فقالَتْ ... مَتى تسعى وهَلْ لكَ من رُجُوعِ فلمْ يَسْطعْ إجابتَها لساني ... فبادَرْتُ الإجابَةَ بالدُّموعِ قوله - لا - معناه قدر - لا - فلا، هنا ظرف، وهذا المعنى أخذه من قول ذي الرمة: تريك بياض لبتها ووجهاً ... كقرن الشمس أفتق حين زالا أصاب خصاصة فبدا كليلاً ... كلاَ وانْغَلَّ جانُبُه انْغِلالا أي، فظهر بقدر ما يقول القائل لا. ومن نظمه قوله: سَتُدْنينيَ اليْومَ منْ نُزْهَتي ... أمَيْمَةَ ذَاتِ الهوى الخالدِ ثَلاثٌ تُقَرِّبُ ما قدْ نأى ... زمامي ورَحْاي وذو الشَّاهِد وسافر من بلده، إلى الأمير أحمد بن الحاج عمر الفوتي في سَيْكُ (بكاف معقودة مضمومة من أرض السودان) فحظي عنده، وله في مدحه قصيدة ميمية سمعتها وهي في غاية الحسن، ولم أحفظ منها شيئا. وتوفي هناك في صدر القرن الرابع عشر بجدري أصابه رحمه الله. وله من أبيات: سلا خِلّي سالبتي سَلاها ... لِمهْ سَلَت الفؤادَ وما سَلاها سلا عن كلّ فاترة رَداح ... من البيض النّواعم ما خلاها فتىً بنُ الحاج بن سيدي أحمد لخليف بن الفغ سيدي أحمد، يجتمع فيه مع محمد المتقدم، وبقية النسب هاك: فقيه متقن ثاقب الذهن، مدرك لدقائق الفقه، مع فصاحة لسان وحسن أخلاق، وهو ممن أدرك أوائل القرن الرابع عشر. وكان العلاّمة عبد الرحمن بن محمد فال (بذال معجمة) حكم في قضية بين بني باب أحمد، وبني سيدي الفال: بطنين من بني ديمان، فنقض فتى المذكور حكمه، وبين خطأه في المسألة، فبعث إليه بقصيدة ميمية، فرد عليه بأخرى مثلها. وقد رأيتهما

وهما في غاية الحسن، إلا أني ما حفظت منهما شيئا لضيق الوقت، ثم بلغه بيتان ضاديان، من قصيدة لعبد الرحمن المذكور وهما: تعلم شروط النقض يا مولعا به ... ولا تُبْقِ منها أن هممْتَ به بَعضا ولا تحسبنّ النقض لفظَ نقضتهُ ... فما كلُّ حُكم شيد يستوجب النقضا فقال فتىً المذكور: تَعلّمْ شرُوطَ الحكم يا مُوَلَعاً بهِ ... ولا تُبْقِ مِنها أن هَمَمْتَ بهِ بَعْضا وَلا تَقْضِ إلا ذَاكِراً أن للِقضا ... عَلى الخَلْقِ والخَلاّقِ في مَلإِ عَرْضا فما كُلُّ تَسْجِيلٍ لَقوْلٍ مُسَجَّعٍ ... تَضمَّن لَفظ الحُكم يَستَوْجِبُ الأمْضا وما كان لفْظي قَدْ نَقَضْتُ وإنهُ ... أرَى نقْضَهُ حَتماً عَلى أهْلهِ فَرْضا نَعَمْ كلُّ حُكمٍ مِنْ غيرِ حاكمٍ ... ولا ثابتِ التّحكِيم يَستَوْجبُ الرَّفْضا ولا يَستقيمُ الحكمُ من غيْرِ ذَيْنِكم ... ولا سِيما أن بَعْضُهُ أكْذَبَ البَعضا ومَنْ أرْسَلَ الأشْعَارَ نحْوي نَدَامَةً ... على ما أتاهُ عَضَّ إصْبَعهُ عَضا أجَازِ بهِ أن لم يَلْقَ مِني تَحلُّماً ... قَوافيَ تُفْنى اللَّحْمَ والعَظْمَ والعِرْضا قَوافَي تُبقيهِ نُمَيْرَ بنَ عَامِر ... وتَتْرُكُ ما قدْ كان مِن رَفْعِهِ خَفْضا قَوافيَ لا المُحْتالُ يَسطيعُ صَرْفَها ... بحَوْلٍ ولم يَسْطْع قَوِيٌّ بها نَهْضا قَوافيَ لا تَنْفَكُّ عُرْضةَ مِذْوَدِي ... وتأبى الذي يأبى وترْضى الذي يَرْضا وكُنْتُ معَمًّى مُخْوَلاً في ارْتجالِها ... وقِدْماً عَليْها بالوِلايةِ لِي يقُضْى وقَبَلكَ يا ذا اللّسَانَيْنِ هابَنا ... وأغْضى حَياءً منْ مَهابَتِنَا غَضَّا

سيدي أحمد بن محمد الصغير

وَوَالدُكَ البَرُّ الأجلُّ يُجلّنا ... ويَمْنَحُنا أن نَلْقَهُ وُدّهُ المَحْضا سيدي أحمد بن محمد الصُّغير المعروف بابن أنبوج - وهي أمه - من شرفاء تيشيت، يقال إنه علوي، أي من القبيلة المسماة بادوعل، المنسوبة إلى يحيى المعروف، ولا يطلق هناك لفظ علوي، إلا على من كان هذه من القبيلة دون غيرها من الأشراف. والصحيح أن له خؤولة فيهم، وأما أبوه، فإنه من قبيلة أخرى شرفاء غير هذه، وهو علاّمة نحرير محقق. قال في البغية في ترجمة بانم بن حم ختار: وممن تخرَّج على يد الشيخ بانم المذكور، الشيخ سيدي محمد بن الصغير، مؤلف الجيش الكبير، وناهيك به رحمه الله تعالى ورضي عنه. وممن تخرَّج على يد سيدي محمد بن الصغير، العالم الكبير العارف بالله تعالى سيدي عبيدة، مؤلف كتاب ميزاب الرحمة، كذا قال محمد بن الصغير، والذي كنت أظن أن اسم هذا المؤلف، هو الشيخ سيدي أحمد الصغير. بغير ابن، والله أعلم، ولم نعرف له شعرا، إنما له منظومة في غاية الانسجام، يرد بها على ادييج الكمليلى، وكان نظم أرجوزة ينكر بها على سيدي الشيخ أحمد التجاني، فشرح له منظومته شرحا مضمونه رد ما فيها، ثم نظم هو في حقه منظومة طويلة يقول فيها: وزاد في استحكام ذلك الصمم ... صدوره من قلب غافل أصم إذ كلُّ قول يتحلى بحلا ... كسوَة قلبه الذي منهُ جلا وهلْ ترَون يا عباد الله ... في الجوّ ناعقاً كهذا اللاّهى إذ قام ينكر على من لم يرهْ ... ولم يحقق عن ثقات خبرهْ لكن بنى جميع ما تَقَوَّلَهْ ... على التسامعُ الذي لا أصل لهْ ثم اهْوَ أن كان على طريقِ ... فقهٍ فمبناهُ على التحقيقِ فيجبُ البحثُ على ذا الناعق ... إذ قد يكون نبأ من فاسق وإن يك الناعق صوفيَّ السَّنَنْ ... فأمره يُبْنى على الظنّ الحَسَنْ

محمد لحبيب بن لمرابط

وحقٌّ من ليس له علم يقيه ... سكوته ولا كلامَ السفيهْ فالصَّمْتُ جُنَّةٌ لكلّ جَاهِلِ ... بل هو زينَةٌ لكلّ فاضلِ وإن تمشينا على تحقيقِهِ ... لما نَفاهُ مِنْ هُدَى طريقهِ فشاهِدُوا إثباتهِ مبرزونْ ... على شهود نفيهِ مُقَدَّمونْ وكلما أثبتهُ عدلان ... لا ينتفي ولو نفى ألفانِ وهي تزيد على أربعمائة بيت، ويقال لكتابة هذا الجواب، المسكت أيضا، ويقال أن ادييج، رجع عما كان يقول، لما اطلع عليه والله اعلم. محمد لحبيبْ بن لمرابط بن سيدي بُبكر بن الطالب جد الغلاوي. وهو معدود في العلويين، لأن أمه علوية، واسمها بيبَّ بنت زَرَّوق ابن الطالب أحماد، وولد فيهم ومات فيهم، وسيأتي في ترجمة النابغة أيضا، أن الأغلال وأيد وعل، كالشيء الواحد. كان ظريفا رحمه الله، حسن الأخلاق نحويا، وله يد في الفقه، وله شعر مليح، وله معرفة تامة بديوان ذي الرمة، يحفظه حفظا متقنا، وأعرف شرح ابن خروف له عنه. وكان موجودا في هذه السنين الأخيرة، أعني إلى قريب من العشرين وثلاثمائة وألف، وقد زار أهله في تكانت فأرادوا أن يقيم فيهم ليتعلموا منه، فلم توافقه طباعهم وكانوا يكثرون التيمم، فقال متشوقا إلى أخواله: منع الإقامة يا كريمُ من اكرم ... كلّ الأنام من الفصيح والأعجم قوم إذا وضع المسافر رحله ... بازائهم مما يحاذر يسلم ويرى المسجد كلها مملوأة ... من عابد ومُعَلّمٍ ومَعَلَّمِ الدَّافعون لكلّ أمرٍ اعْظم ... والعارفون بسرّ الاسم الأعظم والطاهرون جلودهم لصلاتهم ... لا يلعقون يُدِيَّهُمْ لِتَيَمُّم

عبد الله بن أحمد بن الحاج أحماه الله الغلاوي البكري

وفي هذا تعريض بهم. وله وقد مرَّ بدار، بمحل يقال له الصبيبير، كان يألفها في أيام صباه: مروري بالصُّبَيبْرِ دَارِ لَيلى ... ولا أهْوَى المُقامَ بهِ هَواَء ولستُ أذِيلُ دَمْعيَ في رُباهُ ... ولم أنشد لا مكنهِ ثناَء يُخَبّرُ أن خالقنا تعالى ... يُصَرِّفُ في الحوادِثِ كيفَ شاَء عبدُ الله بنُ أحمد بن الحاج أحماه الله الغلاوي البكري أحد أفراد وقته في العلم، له في كل فن اليد الطولى، ولم يكن في ارض الحوض مثله في زمنه، وكان إذا أفتى في مسألة، تلقتها الناس بالقبول. ووقعت بينه وبين القصري صاحب النوازل، مخالفة في مسألة فقهية، فغلبه القصري، فقيل له في ذلك، فقال مثلي كمثل من عنده أنواع عديدة مما يستطاب، فيتناول من أيها شاء. ومثله كمن ليس عنده إلا نوع واحد، يعني أن القصري فقيه لا غير، وأما هو، فله في كل فن أعلى منزلة. وكان سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم، يشدد النكير على من يتعاطى طبق، سواء بالتدخين أو النشوق، ولا يجسر أحد أن يتناولها أمامه، فاجتمعا يوما في مسجد، فتناول حق النشوق ونشق، يريد أن ينكر عليه، فتقع المباحثة ففهمها ابن الحاج إبراهيم. فقال له: مالك تتحكك كأنك جمل أجرب، ولم يزد على ذلك. ومما نقم الناس عليه قوله في حق أهل الحوض: ولم يجز لأحد وعمم ... في الحوض مطلقاً سوى التَّيَمُّم ضَرَرُ ماء صحَّ عن تجريب ... بخبر العالم الطبيب وقد رد عليه العالم الصالح، الشيخ ابن حامن، احد قبيلته، وانتفعت بلاد الحوض بأنظامه، فإنه سهل عليهم الرسالة لابن أبي زيد، لأنه نظمها نظما سلسا وأوله: قال أبو محمد عبد الإله ... لينظم النثر الذي جَلا حُلاه

إلى أن يقول: ولم أكُنْ جُذَيْلَ هذا الفنِّ ... وما عَلىَّ لَوْمُهُ لأنّي شُغِلْتُ بالنَّحْوِ وبالبيانِ ... وإنَّ هذانِ لَسَاحرانِ إلى أن يقول في صفة نظمه: وربما أخلت فيه الناظرا ... أني وزَّانٌ ولستُ شاعِرا فتارة يرقصُ من تذكير ... بابن نباتَةَ وبالحريرِي طوراً أخو جد وطوراً عابث ... حتى كأني للأنام وارثُ وكذلك نظم (الأخضري) تأليف عبد الرحمن الجزائري المشهور صاحب السلم، أول نظمه له: عبد الإله الشنجيطيّ يشتري ... بعقده المنظوم تبرَ الأخضر ورُبَّ مَنْ عقدُ الطرار حَسَّنهْ ... لَعلّني أنال الأجْرَ والزنه فالحمد لله مُرَبى العالمينْ ... ثمَّ الصلاة والسلامُ للأمينْ سيدنا محمد أمامِ ... رُسُلِنَا والأنبيا الختام ونظم أيضا (الخزرجية) في العروض، وسمى نظمه لها (بالحوار) وأوله: الحمد لله على تخريج ... مسائل العلوم بالتدريج ثم الصلاة والسلام الوافي ... لساكن العَروض والقواف هذا وإني قد نظمتُ نظما ... يُركب بِكر دونه ويَظما الخزرجية له في المطلب ... إذ هي كالزنج وذا كالصُّقْلب والزنج حر غير الأجسادا ... حتى كسا جلودها سوادا والصقلب اكتسبت ابيضاضا ... حتى كسا جلودها بياضا وبدأ رحمه الله تعالى، بنظم مختصر خليل، فنم منه بيتا واحدا من كتاب البيع، ثم صرفه عن ذلك صارف، وكان موجودا في أوائل القرن الثالث عشر.

النابغة الغلاوي البكري

النابغة الغلاوي البكري لا أعرف اسم والده، والأغلب في ظني إنه ابن أخت الذي قبله، وهو من قبيلته أيضا. هو العالم الوحيد الذي اشتهر في قطره بالعلم والورع، سافر من ارض الحوض، يريد من يصحبه ليتعلم عليه، فكان كلما اجتمع بعالم وعرض عليه طلبه. يسأله العالم: أي فن تريد أن تقرأ، فلا يراجعه الكلام بعد ذلك. حتى لقي العلامة الشهير، وليّ الله أحمد بن العاقل الديماني، فقال له مش، كلمة يقولها العالم هناك للتلميذ، إذا أمره أن يبتدئ في درسه، فألقى عصا التسيار عنده، وجعل يعله من معينه الجاري، حتى تضلع منه. وكان لا يعجبه الشيخ خليل ولا شراحه، وله نظم تسمه: بو اطليحيه ينتقد به كتب الفقهاء ومنه: فطرَّةُ ابن بونَ والخطاط ... كلاهما في غاية انحطاط ولكن طرَّة ابن بون في النحو، ولا بأس بها، وقد طبعت بمصر. ولم نسمع له بطرة في الفقه، ولما مات شيخه المذكور، رثاه بأرجوزة أشطارها الأخيرة من الألفية. وهذا بعض ما أتذكر منها: يا أسفَ الدين وكلّ عاقل ... على وفاة شيخِنا ابن العاقلِ يا أسفَ المنطقِ والكلامِ ... كم بها أصْبَحَ مِنْ كِلامِ لموتهِ قد رِيعت ألف رَوْع ... على أصول الفقه والفروعِ من ذا الذي يعرف سر الحرف ... فذاك ذو تصرُّفٍ في العُرف من ذا الذي من بعده يقول مَنْ ... يِصِلْ إلينا يستعن بنا يُعَنْ لما نَعوهُ وذكرت فضله ... كِلى بُكىً بكاَء ذاتِ عَضْلَهْ وبتُّ ساهراً بليلٍ أليل ... مروع القلب قليل الحيل قلت لجلد مُضْمَرٍ أيَّ جَزَعْ ... فلا تكنْ جَلْداً وتُضمرَ الجزَعْ وقلتُ لما قال لي أين المفرْ ... أيا ابن أمي يا بن عميّ لا مفرْ حياته عارضة وصفيّهْ ... فالغينَّ عارض الوصفيَّهْ لو كان غير الله حيٌّ قد بقا ... لكان أولى من سواه بالبقا

قبيلة إديقب

أو كان يفدى بكذا ما ذهبا ... لو كان مثل ملء الأرض ذهبا لكن مثل الشيخ عند مَنْ غيرْ ... ملتزم فيه تقدّم الخبر وهي طويلة من هذا النوع. وربما انتقد عليّ منتقد إدراجي لهذا، والذي قبله في شعراء العلويين، مع أنهما بكريان، والجواب: أن الأغلال وإدوعل منذ قرون كالشيء الواحد، وسمتهم واحدة. ومن عادتهم: أن كل مكان وجدا فيه، ينسبان للأكثرية. ولذلك لم يزالا إلى يومنا هذا كذلك. فإن العلوي إذا وصل اركيب وما بعدها لا ينتسب إلا غلاويا، وكذلك الغلاوي، إذا وصل تكانت أو آدرار، لا ينتسب إلا علويا، وما وقع بين بعض من الطائفتين في هذه الأزمنة الاخيرة، لم يغير السواد الأعظم. قبيلة إديقُب ويقال لهم اليعقوبيون امحمد بن محمد بن المختار بن الفغ موسى اليعقوبي، المعروف بـ أمحمد ابن الطلب ينتهي إلى سيدنا جعفر بن أبي طالب ذي الجناح شهيد مؤتة، وأظن إنه من ولد عون بن عبد الله بن جعفر الجواد المشهور، فاق أقرانه في العلم والكرم وجودة الشعر. قال فيه العلامة الكبير محمد فال بن متالي التندغي: هذا عربي أخره الله، ولا تكاد تعد طبقة، إلا بدأت به في أولها، إذا عد الكرام فهو حاتمهم، أو العلماء اللغويون، فما هو بدون ابن سيده، وكل أخباره يكتب بالذهب. وإنما لقب بيته بالطلب، لأنهم كانوا أعلم أهل ناحيتهم، فكانت الناس ترحل إليهم في طلب العلم، وكان مولعا بالعربية، لا يفتر من التنقيب عنها والتحرير، يقال: إنه إذا سافر ونزل بحيّ من الزوايا نهارا، أول ما يسألهم عنه القاموس. فإن كان

موجودا عندهم، طلب منهم الإتيان به لينظر إليه يومه. فإن لم يكن فيهم، ارتحل عنهم، ولا يترك يومه ضائعا. وكان يبرى النبال، فيصطاد بها الوحش، لشغفه باقتفاء العرب. وكان مولعا بأرض تيرس، ولا تكاد تجد موضعا منها، إلا وله ذكر في شعره. وكان له شهرة عظيمة عند الزوايا، وحسَّان صاحب وجاهة فيهم، وهو من الحلماء المشهورين. وكان يوما في مسجد قومه ومعه رجالهم، فقدم عليهم ناس من أبناء دُليم، فطلبوا منهم جملا، وهذا الطلب يسمى مداراة في عرفهم، فكل الناس أحب أن يتولى دفع الجمل غيره، وإن كان بحسب العرف يقسم على الحاضرين، فيدفعون قيمته لصاحبه من الغنم واللباس، فدفع هو جملا عنده لا يملك غيره. فقال له أحد أقاربه: عن أي شيء تدارى؟ فقال: عن مائة ناقة هنا، وضرب صدره، يشير إلى إنه غنى النفس. وقال له: يا فلان، أن فقري قطعت به غنا فلان وفلان؛ وسأقطع به غناك أنت. وكلمهم يوما في مسجدهم، رجل غريب يطلب جملا يبلغ عليه بلاده، فلم يجبه أحد، فأعطاه هو جملا ليس له غيره. كان أعطاه إياه أحد أقاربه، فلامهُ بعض الناس، فقال له: أبا لا أعجز أن أعطي شيئا أعطاه فلان. وبالجملة فامحمد هذا، حسنة من حسنات الدهر، لا نزاع في ذلك. أما جودة شعره، وكونه لا يقل عن شعر العرب العرباء. فإنها محسوسة لا تحتاج إلى تصديق فلان وفلان. وقال يوما بعد ما نظم جيميته الآتية، وأبرزها للناس: أرجو من الله أن أقعد أنا والشماخ بن ضرار، في ناد من أهل الجنة وننشد بين أيديهم قصيدتينا، لنعلم أيهما أحسن، وهاهي جيميته: تَطاوَلَ ليلُ النازعِ المُتهيّج ... أما لضياءِ الصُّبح مِنْ مُتبلَّجِ

ولا لظلامِ اللّيْل مِنْ مُتَزَحْزَحٍ ... وليسَ لنجم من ذَهابٍ ولا مَجي فيا مَنْ لِليل لا يزولُ كأنَّما ... تُشَدُّ هَوادِيهِ إلى هَضْبَتْي إج كأنَّ بهِ الجوْزاَء والنَّجْمَ رَبْرَبٌ ... فَرَاقِدُها في عُنَّةٍ لَمْ تُفَرِّج وتَحْسِبُ صِبيْان المَجَرَّةِ وسْطَها ... تَنَاوِيرَ أَزْهارٍ نَبَتْنَ بِهَجْهَج كأن نُجُومَ الشِّعرَيَيْنِ بمَلْكِها ... هَجَائِنُ عَقْري في حِبِ مَنهَج فَبَاتَ يُمانِي الهَمّ ليْلى كأنهُ ... بِبَرْحِ مُقامِ الهَمِّ في أَضْلُعي شَج فلو كان يفْنى الهمُّ أفنى مِطالهُ ... هُمُومِي ولكن لَجَّ في غيْرِ مَلْجَج إذا ما انتَحاها مِنْهُ قِطْعٌ سَمَتْ لهُ ... أفانينُ همٍّ مُزْعِجٍ بعدَ مُزْعِج

أعِنِّي عَلَى الهَمّ للَّجوجِ المُهَيّج ... وَطَيْفٍ سَرى في غَيْهبيّ مُدَجْدِج سَرى يَخْبِطُ الظلْماَء من بطنِ تِيرِسٍ ... إليَّ لدى ابْرَبْبِيرَ لمْ يَتَعرَّج فلمْ أرَ مثلَ الهَمّ هَمًّا ولا أرَى ... كليلةَ مَسْررَى الطَّيْفِ مُدْلجَ مُدلج وذِكرةَ أظْعانٍ تَرَبّعْنَ باللّوَى ... لوى المَوج فالخبْتَين من نَعْفِ دُوكج إلى البئرِ فالحَواءِ فالفُج فالصُّوَى ... صُوى نَشِلَ فالأجْوادِ فالسَّفْح من إج نَحُلُّ بأكنافِ الزقال فتيرس ... إلى زيزَ فالأَرْوِيَّتَيْن فالاعْوَج إلى أبْلَقَىْ وَنْكارَ فالكَرْبِ ترتعي ... به حيْثُ شاَءتْ من حُزوزٍ وحُنْدُج تَربَّعُها حتى إذا ما تنَجْنَحَتْ ... جَوازئُها تَعْدُو إلى كلّ تَوْلَج وصَرَّتْ على الظُّهْرَانِ مِن وهَج الحصا ... جَنادِبُها مِن لافِح مُتَوَهَّج

بيوْم من الجوْزاءِ تشوى سَمُومُهُ ... جُلودَ حَوَانى الرّبْرَبِ المُتوَلج وغَرّدَ مُكَاءُ الأخِرَّةِ بالضحى ... تغَردَ مُنزوفِ الشَّروب المُزَرَّج ولَفّتْ نِصيّ الليف هَيْفٌ تسوقُهُ ... ونَشَّتْ=تناهى غَيْثِهَا المُتبعّج وَزَفَّتْ إلى الأعدادِ من كلّ وِجْهةٍ ... أعاريبُها من كُلّ صِرْمٍ مُنَجْنج ونادى مُنادي الحيِّ مُسْياً وقَوَّضوا ... نَضائِدَهم يا أدِيَ الحيّ أدْلِج

وقُرّبتِ الأجْمالُ حتى إذا بدَتْ ... نجومُ الثريا في الدُّجا كالسمرَّج تكنّسْنَ أحْدَاجا على كل ناعج ... عَبَنٍّ بأنواع التهاويلِ مُحْدَج من القُمْع أو منْ نحْرِ نَكجيرَ يَمَّمَتْ ... مَعاطِنَ جَلوى لا تْرِيعُ لمن وجى جَواعلَ ذاتٍ الرّمْتِ فالوادِ ذي الصَّفا ... يميناً وعن أيْسَارها رِأمَّ هَوْدَج وتَزْورُّ عن ذِي المرّسِيطِ فورَّكتْ ... لِمُسْيٍ ثلاثٍ جُبّهُ لم تُعَرّج وصَبَّحنَ جَلوي طاميَ الجَمّ وارْتَوَوْا ... ولم يُنزِلوا عن هَوْدَج خِدْرَ هَوْدَج وقالوا الرحيلُ غُدْوَةً ثم صمّمُوا ... على مَدْرَجٍ عَوْدٍ لهمْ أيَّ مَدْرَج

أو احتْملَتْ مِنْ صُلْبِ لِحْرَيْشَ تنتَحى ... رُغَيْوِيَّةَ الأمْلاح لم تَتَجْلَج أو السُّهْب سُهْبِ التَّوْأَمَين فغلَّسَتْ ... بَوَاكِرُها والصُّبْحُ لم يتبلَج ومرَّتْ على قلْبِ الظليمِ كأنها ... خناطِيلُ زَوْزَتْ مِنْ نعام مُهَيّج وأمْسى على كَرِّ المُزَيْرِيف منهمُ ... لِكاكٌ كضوْضاءِ الحجِيج نعام المُعَجْعِج ومنهمْ بأوْشلِ الثُّدِيّ منازِلٌ ... وحَيٌّ على أوشالِ هَضْبِ الأُنيرِج مَنازلُ قد كان السُّرُورُ مُحالِفي ... بها هِيَ عِندي بيْن سَلْمى ومَنْعج ألا ليتَ شِعْري هلْ إليهنَّ عَوْدَةٌ ... وهلْ أبا منْ غَمّ التَّنائي بمخْرَج وهلْ ليَ في أوْدائِهَا منْ مُعَرَّسٍ ... وهلْ ليَ في أطلالها من مُعَرَّج

فإمَّا تَرَيْني خمّرَ الشَّيْبُ لِمَتي ... وأصْبَحْتُ نِضْواً عنْ شبابٍ مُبَهَّج فيارُبّ يومٍ قدْ رصدتُ ظَعَائِنَا ... بأبْطح بَرْثٍ بيْنَ قُوزٍ وَحَشْرَج ظعائنُ بيضٌ قَدْ غَنِينَ بنَضرَةٍ ... ترُوقُ على غَضّ النضيرِ المُبَهَّج طعائنُ يَنْميها إلى فَرَعِ العُلا ... لعامرِ يَعْلى كل أَزْهَرَ أَبْلَج عليها سُموطٌ منْ محالٍ مُلوَّبٍ ... مِنَ التِّبْرِ أو مِنْ لُؤْلُؤٍ وزبرْدَج يُفَصّلُ بالمَرْجانِ والشّذْرِ بَيْنَهُ ... وَقَدْ غَصَّ مِنها كلُّ حِجْل ودُمْلج ظعائنُ لم تألَفْ عَصِيداً ولم تَبِتْ ... سَوَاهِرَ ليلِ الجرْجسِ المُتَهزّج ولكنْ غِذَاها رِسْلُ عُوذٍ بَهَازِرٍ ... مُوَرَّثةٍ منْ كلّ كَوْماَء ضِمْعج

مُعَوّدَةٌٍ عَقْراً وبذْلاً كِرامُها ... لِضَيْفٍ وعافٍ من مُقِلّ ومُلْفَج مَرَاتِعُهَا مَرْعى المَهى ورِباعُها ... تُلاعِبُ من أذْراعِها كلّ بَحْزَج ويُحْدِجْنَ مما قد نجَلْنَ نجائِباً ... نَوَاعِجَ أُدْماً من نجائِبَ نُعّج ويَحْلُلْنَ منها كل مَيْثاَء سَهْلَةٍ ... وأجْرَعَ سَهْلاً بالحيا مُتَبرِّج فما أنْسَ لا أنْسَ الحُدوجَ رَوائِحاً ... مِنَ أوْديةِ البَطحاءِ فالمًتمَوّج عَوامدَ للِسّطْلَينِ أو هَضْبِ مادِسٍ ... نَوَاكِبَ عَنْ وَادِ الخَليج وعَفْلَج يُعَالينَ مِنْ عَقْلٍ وَرَقْمٍ مُنمّقٍ ... ويُسْدِلْنَ حُرَّ الأرْجُوانِ المُبَرج قَطيناً قَطيناً فَوْقَ أُدْمٍ كأنها ... هَوَادِي صِوَُارٍ بالدّماءِ مُضَرَّج

دَلَحْنَ بأبكارٍ وعُونٍ كأنها ... عَقائِلُ عِينٌ مِن مَطافيلِ تِخْرِج كأنهمُ إذْ ضَحْضَح الآلُ دُونَهُمْ ... خَلايا سَفينٍ مُثقَلٍ مُتَعمّج صَوادِرَ مِن ميناءِ جُورَ تَحُثُهَا ... نَوَاتِيُّها في زاخرٍ مُتَمَوّج أو العُمُّ من نخلِ ابنِ بوصٍ تمايَلَتْ ... شَمارِيخها من مُرْطبٍ ومُنَضّجِ مجانِينُ رَقْل مِن كَناوال ناوحَتْ ... فُرُوعَ الثُريَّا لا تُنَالُ بمَعْرَج لها شرباتٌ قد نَصَفْنَ جُذوعَها ... رِوَاءُ الأعالي حَمْلُهَا غيرُ مُخدَج وفي الظُّعْنِ مِجْوالُ الوِشاح كأنها ... صَبيرُ حَياً في بارِقٍ مُتَبَوّج تراَءت وقد جَدَّ الرحيلُ بمشْرِف ... هِجَانٍ وَوَضَّاح أَغَرّ مُفَلّج

فَدَبَّتْ حُمَيا الشَّوقِ في النفْسِ واصْطلَتْ ... تَباريحُ إلا تُودِ بالنَّفْسِ تُلْعِج عَشِيّةَ لا أسْطِيعُ صَبْراً ولا بُكا ... فأشْفى غليلي والبُكا مَفْزَع الشجى وقد أعْسِفُ الخرْقَ المَهيبَ اعتسافُهُ ... بخرْقاَء من سرّ الهِجانِ عَفَنْجَج مُبينَةِ عِتْقِ الحُرَّتينِ وخَطْمًُهَا ... يُبَارِى السّنان غيرَ أمن لم يُزَجّج عَجَمْجَمَةٌ رَوْعَاءُ زيَّافَةُ السُّرى ... أمُونٌ كبُرْج الأندَرىّ المُؤَرَّج إذا زُعْنَها بعْدَ الكلالِ تَغْشمَرتْ ... وَحَطتْ حِطاطَ الجَنْدَلِ المُندَحْرج كأني إذا أخْلَيْتُها الخرْقَ وارتمتْ ... يَدَاها بِرَضْراض الحصَا المتأجّج

على لُؤْلؤانِ اللّوْنِ سَفْعَاَء لاعَها ... تَشَمُّمُ أشْلاء بمصْرَع بحْزَج منْ لبخُنْسِ قد باتَتْ وأضْحَت تَعُلّهُ ... بعَمْياَء لا تخشى بها من مُهَيّج فلما رَمتْهُ في المَفاصِلِ نَعْسَةٌ ... إلى بَطنِ حِفْفٍ بالصّريمةِ أعْوَج تراختْ بها عنهُ المَراعي فأحْدَقَتْ ... به بؤَّسٌ ما إن لها منْ مُهَجْهِج بَنُوَ قْفرَةٍ طُسَ المُلامِنْ عِصابةٍ ... إذا أقدَمَتْ في غِرَّةٍ لم تُحَجْحِجِ شرابُهُم دَمُّ العَبيطِ وزادُهمْ ... فَرِيسٌ طِريدٌ لحمُهُ غيْرُ مُنْضَج فراحتْ لعَهْدٍ كان منهُ فلم تجدْ ... سِوى جلَدٍ أو رَأْسِ عَظمٍ مُشَجّج فجالتْ قليلاً وانثنَتْ تَستخِيرُهُ ... ولم تَدْرِ أَنْ منْ يَعْلَق الحتْف يُخلج فطافتْ له سَبْتاً تُرَجّى إيابَهُ ... وأنى لها هَيْهَاتَ ما هي تَرْتجي فلما ذَوتْ قِرْدَانُ دَرَّتِها طَوَتْ ... على عَلِّهِ يأساً مُبيناً لمنْ شَجِي

فباتَتْ على فرْدٍ أجَمَّ كأنها ... تلأْلُؤُ مِقْبَاسٍ يُشَبُّ لِمُدْلِج تُقَطعُ مِن عَزْفِ الفَلا جِرَراً لها ... حِذاراً فمْهمي يَعْزِفِ الدَوُّتَمْعَج تَغصُّ بها ما إن تكادُ تُسيغُها ... فتُلقى لُفاظاً من لُغامٍ ورِجْرِج فلما سرَى عنها الدُّجى الصبحُ آنستْ ... به جَرْسَ ذي طِمْرين بالصيد مُلْهج أخي سَبعةٍ أو تسعةٍ قدْ أعدَّها ... لأمثالها من كل شهْم محرّج يَحُثُّ ضِراءً كالحاتٍ كأنها ... قِدَاحُ مُفيضٍ بالمغاليقِ مُفلج مَصَارِيعَ وحْشٍ ضارياتٍ تعَوَّدتْ ... مُغارَ الصَّباح من ضِراء ابن الاعْوج فما ذرَّ قَرْنُ الشمس حَتى غَشينَها ... وجدَّتْ نجاَء غير نُكدٍ ولا وج

فألَقتْ معاً أرْواقَها وتمَطرَتْ ... على إثرِها مُسْتَضرماتٍ بَعرْفَج فأقصرْنَ عنها بعدَ شأوٍ مُغرّبٍ ... ومرَّتْ كمصْباح السمَّاءِ المُدَحْرَج تَساقطن حَسْرى بين وانٍ مغَوّرٍ ... وكابٍ بمكنُونِ الحشا مُتَضرّج كأني إذا مل شبّتِ المُعْزُ نُورُها ... على تلك أوْهَيقٍ هِجَفٍّ هَزَلّج أزَجّ من الزُّعرِ الظنابيبِ مُعْرِسِ ... بخرْجاَء هَوْجاَء البُرايةِ عَوْهَج

يُعودانِ زُعْراً بالخميلةِ دَرْدَقاً ... ومرْصُوصَ بَيْضِ حَوْلها لم يُنتَّج يَظلاَنِ في آه وشرْىٍ طَباهُما ... بأقرَحَ مِن أرْى الرَّواعدِ أدعَج تُزايلُهُ طوْراً وتأوِي فأمْسيا ... بمُنْتزحٍ والشمْسُ بالمُتعرّج فهاجَهمَا جُحَ الظلام ادّكارُهُ ... فزفا لهُ في أنْفِ نكْباَء سَيْهج وقدْ أصحبُ القومَ الكريمَ نِجارُهم ... وخيمهُمُ من كلّ أرْوعِ مِعْنَج يَحُوط المداعي والمساعي مُرَزَّءٌ ... تقيٌّ نقيٌّ اللْونِ غيرُ مُزلّج عليهِ قبولٌ يغمرُ الحيّ سَيْبُهُ ... إذا لم يكنْ في الحيْ مَلجاً لمُلتج كِرامٌ صَفتْ أخلاقُهمْ وتمحَّضَتْ ... وليس الصريحُ المحضُ مثلَ المُمزّج

أولائك أخداني فأصْبحتُ بعدَهْم ... أسايرُ خلفاً نهْجُهمْ غيرُ مَنهَج يرون جميلا ماتْوا من قبيحهمْ ... فيَالَلإِلهِ للسّفَاهِ المُروّج إلى هنا انتهت الجيمية، وحيث إنه عارض بها جيمية الشماخ بن ضرار الغطفاني الصحابي، أحببنا ذكرها تتميما للفائدة، والشيء بالشيء يذكر. (وهي): ألا نادِيا أظْعان ليْلى تُعَرِّج ... فقد هِجْنَ شوْقا ليْتَهُ لم يُهيَّج أقولُ وأهلي بالجنابِ وأهلُها ... بنجْدَبْن لا تَبْعدْ نَوى أمّ حَشْرَج وقد يَنْتأي مَنْ قد يَطولُ اجتماعهُ ... وتَخلجُ أشْطانَ النَّوى كلَّ مخلج صَبا صَبْوَةً من ذي بحارٍ فجاوَزتْ ... إلى آل ليلى بطنَ غَوْلٍ فمَنْعَج

كِنانِيَّةٌ إنْ لم أنَلْها فإِنها ... على النأي من أهلِ الدلالِ المُولّج وَسيطةُ قْومٍ صالِحِينَ يَكُنُّها ... مِن الحَرِّ في دار النّوى ظِلُّ هوْدَج مُنعَّمةٌ لم تَلْقَ بُؤْسَ مَعِيشةٍ ... ولم تَغتزِلْ يوْما على عُودِ عَوْسَج هضيمُ الحشى لا يَملأ الكفَّ خَصْرُها ... ويُملأ منها كلُّ حِجْلٍ ودُمْلُج تَميحُ بِمسْواكِ الأراكِ بنَانَها ... رُضابَ النَّدى عن أقْحُوَانٍ مُفلَّج وإنْ مَرَّ من تخشى اتّقَتْهُ بِمعصَم ... وسبٍّ بنضْح الزَّعْفرانِ مُضَرَّج

وتَرْفُع جلباباً بعَبْلٍ مُوَشَّمٍ ... يكُنُّ جَبيناً كان غيرَ مُشجَّج تَخَامَصُ عن بَردِ الوِشاح إذا مشتْ ... تخامُصَ حافي الخيل في الأمْعَزِ الوَجي يَقِرُّ بعيني أن أنَبَّأ أنها ... وإن لم أنلْها أيّمٌ لم تَزَوَّج ولو تطلُبُ المعرُفَ عِندي رَدَدتُها ... بحاجةِ لا القالي ولا المُتلَجلِج وكنتُ إذا لاقيْتُها كان سِرُّنا ... لنا بيننا مِثَل الشّواءِ المُلْهوج وكادَتْ غداةَ البينِ ينْطقُ طرفُها ... بما تحتَ مكنُونٍ من الصّدر مُشْرَج وتشكو بعين ما أكلَّ رِكابَها ... وقيلَ المُنادي أصْبَحَ القومُ أدلج

ألا أدّلَجتْ ليْلاَكَ من غيْرِ مُدلج ... هَوى نفسها إذ أدْلجت لم تُعرِّج بليل كلوْنِ السَّاج أسْوَدَ مُظلمٍ ... قليلِ الوَغى دَاجٍ كلوْن اليَرَنْدَج لكُنْتُ إذاً كالمُتَّقى رأسَ حَيَّةٍ ... بحاجَتِهَا إن تُخِطئ النفْسَ تُعْرَج وكيفَ تلاقِبها وقدْ حالَ دُونَها ... بنُو الهُونِ أو جسْرٌ وَرهطْ ابن جُنْدُج تحلُّ سَجَا أو تجعلُ الغيْلُ دُونها ... وأهلي بأطرافِ اللّوَى فالمُوتَّج

وأشعثَ قدْ قدَّ السّفارُ قميصَهُ ... وجَرُّ الشّواء بالعَصي غيْرَ مُنْضَج دَعوْتُ فلبَّاني إلى ما ينُوبنُي ... كريمٍ من الفتْيانِ غيْرَ مُزَلج فتًى يملأُ الشّيزى ويُرْوى سِنانهُ ... ويَضربُ في رأسِ الكميّ المُدجَّج أبلَّ فلا يَرْضى بأدنى مَعيشةٍ ... ولا في بُيُوتِ الحيّ بالمتولّج وشُعْثٍ نشاوى من كرًى عبدَ ضُمَّرٍ ... أُنِخْنَ بِجَعْجاع قليل المُعرَّج وقعْنَ بهِ منْ أوَّلِ اللَّيل وقعةً ... لدى مُلقَح من عُودِ مَرْخ ومنْتج قليلا كحَسْوِ الطيرِ ثمَّ تقَلّصتْ ... بنا كلُّ فتلاءِ الذراعين عوْهَج

وَداوِيَّة قفْرٍ تمشَّى نِعاجُها ... كمَشْي النّصارى في خِفافِ اليَرنْدَج قَطعتُ إلى معرُوفها منكراتِها ... إذا خَبَّ آلُ الأمْعَز المُتوهج وأدْماَء حُرْجوُج تعاللْتُ مَوهناً ... بسوْطيَ فأرْمدَّتْ فقلت لها عج إذَا عيجَ منها بالجدِيل ثنَتْ لهُ ... جِراناً كَخُوطِ الخيْزُرانِ المُموَّج وأن فَترت بعْدَ الهِبابِ ذَعرتها ... بأسْمَرِ شَخْتٍ ذَابل الصَّدرِ مدرَج كأنّ على أكْسائها منْ لغُامها ... وخيفَةَ خِطْميّ بماءِ مُبَحزَج

إذا الظبيُ أغضى في الكِناسِ كأنهُ ... منَ الحَرّ حَرجٌ تحتَ لوح مُفَرَّج كأني كسوْتُ الرحْل أحقَبَ ناشطاً ... منَ اللاّءِ ما بين الجَناب ويأجُج قُوبْرحُ أعْوام كأنَّ لسانهُ ... إذا صاحَ حُلْوٌ زَلَّ عن ظهْرِ مِنْسَج خفيفُ المعَى إلا عُصارة ما استَقى ... من البقْلِ ينَضُوهُ لدى كلّ مَشْجِج أقَبَّ تَرى عهْد الفلاةِ بجسْمِهِ ... كعهدِ الصَّناع بالجديلِ المُحَمْلَج إذا هُو ولّى خِلْتَ طُرَّةَ مَتْنِهِ ... مريرةَ مَفُتولٍ من القِدِّ مُدْمَج

تَربّعَ من حوْضٍ قَنانا وثادِقا ... نِتَاج الثُّريَّا حَمْلُها غيرُ مُخْدَج إذا رجّع التَّعْشيرَ ردًّا كأنه ... بناجذِه من خَلْفِ قارحه شَج بعيدُ مَدَى التْطريب أُولىِ نُهاقهِ ... سحيلٌ وأُخْراهُ خفيٌّ المُحَشْرج خَلا فارتعي الوسْميّ حتى كأنما ... يَرى بَسفيُّ البُهي أخلةُ ملْهَج إذا خافَ يوْما أن يُفارقَ عانةً ... أضرَّ بملْساءِ العَجيزَة سْمحج

أضَرّ بمقْلاةٍ كثيرٍ لُغُوبها ... كقوْسِ السَّراءِ نِهدَة الجنْبِ ضِمِعِج إذا سافَ منها موْضعَ الرِّدْفِ زيَّفتْ ... بأسمرَ لاَمٍ لا أزَجّ ولا وجي متى ما تقَعْ أرْساغُهُ مُطمئنَّةً ... على حجرٍ يرفَضُّ أو يتدحرج مُفجُّ الحوامي عنْ نسورٍ كأنها ... نوى القَسْبِ ترَّتْ عن جريمٍ مُلَجلَج كأن مكانَ الجَحْش منها إذا بدتْ ... مَناطُ مِجَنّ أو مُعلَّقُ دُملُج بمَفْطوحةِ الأطرافِ جَدبٍ كأنما ... توقُّدُها في الصَّيفِ نيرانُ عرفَج مَتى ما يسفْ خيْشُومهُ فوق تلْعةٍ ... مَصامةَ أعْيارٍ من الصيفِ ينْشج

وإن يُلْقيا شأواً بأرْضٍ هوى لهُ ... مقرّضُ أطرافِ الذراعين أفحج يَظلُّ بأعلى ذي العُشْيرةٍ صائما ... عليهِ وُقُوفَ الفارسيّ المُتَوَّج وإن جاهَدَتْهُ بالخبارِ البَري لها ... بذَاوٍ وإن تَهبطْ بهِ السَّهْلَ يمعَج تواصى بها العكراشُ في كلّ مَشرَبٍ ... وكعْبُ بن سَعْدٍ بالجديل المُضرّج بزُرقِ النَّواحي مُرْهَفاتٍ كأنما ... توقُّدُها في الصّيفِ نيرانُ عرْفج فإِن لا يَرُوعاهُ يُصيبا فؤادَهُ ... ويحرَجْ بعَجلي شطبةٍ كلّ محرَج وقال يوما في مجلس، أنشد فيه ميميته: أرجو من الله أني أنا وحميد بن ثور، ننشد قصيدتينا في ناد من أهل الجنة، فيحكمون بيننا. وهاهي ميميته:

تأوَّبهُ طَيْفُ الخيالِ بمَرْيَما ... فباتَ مُعَنَّى مُسْتَجنَّا مُتَيَّما تأوَّبَهُ بَعْدَ الهَجُوع فَهاضَهُ ... فأبْدَى مِنَ التّهْيام ما كانَ جَمْجَما لطاف بها حَتى إذا النّفْسُ أجْهَشَت ... وأبْدَتْ بنَا نَالِي خَضِيباً وَمِعْصَما وَوجْهاً كأنّ البَدْرَ لَيلةَ أرْبعٍ ... وعَشْرٍ عَليهِ ناصِلاً قدْ تهمَمَّا تَوَلى كأنَّ اللَّمْحَ بالطّرْفِ زَوْرُهُ ... وكان وَدَاعا منهُ أنْ هُوَ سَلَّما فمنْ ذَا ولا مَنْ ذَا رَأى مِثْلَ زَوْرِهِ ... وَمِثْلَ الذي بَين الجوانِح أضْرَما فباتَ الهَوى يَسْتَنٌّ بي هَيْجانُهُ ... فأسْدَى بِلُبّي ما تَبَغَّى والحَمَا وَبتُّ بهَمٍّ لا صَباحَ لِلَيْلهِ ... إذا ما حَدَاهُ الصُّبْحُ كرَّ وَدَوّما فَقُلْتُ أما لِلّيْلِ صُبْحٌ كما أرَى ... أمِ الصُّبْحُ مما هَيَّجَ الطّيْفُ أظْلَما

بَلى كلُّ ليْلٍ غَيْرَ أنَّني ... أرى الصُّبْحَ يا للنّاسِ للصُّبْح أنَجما ألا يا خَليليَّ ارْحَلا وتيمّما ... بنا حيْثُ أمْسى رَائِد الظَّعْنِ يَمّما فكيْفَ القَرَارُ بَعْدَما قِيلَ يَمّمَتْ ... مرَابِعَها بالجوّ أظْعَانُ مَرْيَما ظَعَائِنُ يَهْدِيهنَّ في كلِّ نَجْعَةٍ ... مِنَ القَوْمِ مِينَافُ إذا هَمَّ صَمّما تحَمَّلْنَ أنْ قَدْ شِمْنَ مِنْ جالِ تِيرِسٍ ... مَخيلاً بها ألقى البَعاعَ وَدَيَّما فخَّبَرهُمْ رُوَّادُهُمْ بَعْدَ سَبْعَةٍ ... بما سَرَّهُمْ أنْ جادَ فيها فأفْعَما وَجَرَّ على أنجادِها وَوِهادِها ... مِنَ الوَشْمِ حَوْكاً سُنْدُسِياً وأنْعَما فمنْ يَكُ يَوْماً ذا عَزَاءِ ونَسْوَةٍ ... لِطوُلِ تَناءِ أو لوَصْلٍ تَصرَّما فلَسْتُ بِناسٍ يوْمَ ولتْ جمالُهُمْ ... وسَالَ بهنَّ الفَجُّ بالظعْنِ عُوّما هَجائِنُ بيضٌ مِنْ عَقائِلِ عامِرٍ ... جَمَعْنَ إلى الأحْسَابِ حُسْناً ومِيسَما

تَخيَّرْنَ للأحْداجِ كلَّ مُنَوَّقٍ ... من البُزْلِ فَعْماً قيسَرِ يا عَثْممَا يزِيفُ بمِبْهاج كانّ مُرُوطَهَا ... تُخالُ برِثْمٍ مِنْ غشَيْوَاَء أرْثما جَعَلنَ عَلى الأحْداجِ خَمْلاً وكِلَّةً ... وعَاليْنَ رَقْماً عَبْقَرياً مُنَمْمَا تَظَلُّ عِتاقُ الطير في كلّ رِحْلَةٍ ... إليْهِ مُدِيماتٍ عُكُوفاً وحُوَّما كأنَّ العُيُونَ اللامحاتِ إذا بَدا ... تَمُجُّ عليهِ أرْجواناً وعَندَم فلمْ أرَ يْوما كانَ أحسن مَنظراً ... وأهوى هَوًى يقَتْادُ صَباً مُتَيَّما وآنَسَ أٌنساً لوْ يُرامُ مَنالُهُ ... وألْهى لُهِيًّا للصَّدِيق وأصْرَما وللهِ عَينا منْ رأى مثْلَ سَيْرِها ... إذا رَجَّعَ الحادِي بهنَّ وهَمهمَا

سَلكْنَ جِواَء الفَجُّ ثمَّ تَطلّعتْ ... منَ الصَّخْرةِ البَيْضاءِ نجْداً مُهَضَّما جَعَلْنَ قِنانَ الوُطْسِ نَصْبَ عُيونِها ... وكانَ لَهُنَّ الوُطْسُ قِدْما مُيَمَّما ويا مَنَّ عَنْ نجْدِ الغُوَيْرِ ويا سَرَتْ ... عَنِ الأيْقِ نُكْباً سَيْرُها لَنْ يُثَمثَما فحلَّتْ ببَطنِ الأتْوِ مُسْياً وما بهِ ... عَلاَقٌ فباتَ الظَّهْرُ حَدْبا مُزَمَّما وأبكرن يَخْبِطنَ الجَفَاجِفَ غَدْوَةً ... كإِصْرَامِ عِيدَانٍ أني أَنْ تصَرَّما فألْوَتْ على الكِنْوَيْنٍ منْ نَسْجِ سَدْوِها ... هَجِيراً برأي مُحْكم النَّسْجِ أقْتَما يُحَاولْنَ بالسَّبع الأضَيّاتِ مَشْرَبا ... مِنَ الغُدْرِ أو عَيْناً بجَلْوَاَء عَيْلَما

وَرَوْضاً بأكنافِ الأماكِرِ زاهراً ... قدَ أرْزَمَ فيه الرّعْدُ سَبْتاً وزَمزما فألْفَتْ عِصىَّ السَّيْرِ فيهِ وخيَّمَتْ ... بحيْثُ بَعاعُ المُزْنِ سَحَّ وَخَيمَّا عَسى اللهُ يُدْنى بَعْدَ بُعْدٍ مَزَارَهْم ... فيأنَسَ صَبٌّ بعدَ حُزْنٍ ويَنْعمَا فهلْ تُبْلِغَنِّيهِمْ نجائِبُ وُخّدٌ ... شَوَازِبُ لا يُبقينَ للَّيْلِ مَحْرَما نجائِبُ يَحْدُوها سُرًى وتَهجُّرٌ ... يُبَارِى بها الدَّوُّ النَّعامَ المُخَزَّما نجائِبُ لا يُعْظِمْنَ لِلهَوْلِ كلمَّا ... تَغَوَّلَ مجهُول التّنائِفِ مُعْظَما تخيَّرْتُ منها لاهْتمامي عَرنْدَساً ... يُخالُ على التَّرْحالِ والحَلْ مُقْرَما بُوَيْزِلُ عامٍ كالمَصَادِ عُذافرٌ ... كأنَّ عليهِ خِدْرَ حِدْجٍ مُخيمَّا ذِفَرٌّ خَرُوسٌ لَوْ تُولّى لرَحْلهِ ... بحَدِّ المَواسي زَمَّ أَنْ يَتزغمَّا

كأني أدَارِى إذْ علوْتُ قُتُودَهُ ... بهِ أَبْلَقَ الكشْحين جأباً مُكَدّما قُوَيْرِحُ عامٍ أو رَباعٌ خلالهُ ... مَجرٌّ بحنَّانٍ من الدَّلْوِ أَسْحَما كأنَّ رُباهُ والهُجُولَ تجلَّلَتْ ... زَرابَي أو وَشْياً يمانٍ مُسَهَّما يَدِبنُ به حُقْبٌ سَماحِيجُ باكرتْ ... لُعاعَ تَناهى رَوْضِهِ حين وشَّما كأنّ صُرَخَ المُسَتغيثِ سَحِيلُهُ ... بكلّ صَباحٍ غيرَ أنْ كان أعجَما يَدِنَّ لهُ حَتى قرِيْنَ ذُنابهُ ... وأحسن لِقْحاً عنْ حيالٍ مُكتَّما وقدْ جَعَلَتْ لَيًّا بأذنابها لهُ ... إلى السَّلْمِ منْ بعْدِ المُناوراتِ سُلَّمَا يُحَوّزُها في كلّ فجّ كأنها ... وسِيقَةُ ناج من عِدَىً نالَ مَغْنما

يَظلُّ رقيباً حَوْلَهُنَّ كأنهُ ... رِبَيئٌ علا منْ مِيفَعٍ مُتَسنمَّا فلمَّا جَرتْ هِيفُ الجَائِبِ بالسّفا ... وَأَيْقَنَّ أَنَّ الجَزْءض فيهِ تَصرُّما ولوَّحَها هَيْجُ السَّمُومِ وسومها ... فظلّتْ صُفُونا بالظواهِرِ صِيمَّا تَوَخَّى بها عَيْنا رِوىً قَدْ تَعَوَّدَتْ ... بها الرِّيَّ قِدْما بالمصائفِ مَعْلَما فشَجَّ بها الحزّانَ شجًّا كأنما ... تَشُبُّ على الحُزّانِ غابا مُضرَّما أَوَ أرْوَحَ هَيقاً خاضِباً مُتَروِّحا ... يُبَادِرُ أغوالَ العَشِيّ مُصَلَّما تهيَّجَ للأُدْحِيّ منْ نازِحٍ غدا ... يَجُولُ لهُ في يَوْمِ رِيحٍ تَغيَّما فلمَّا دَنا الإمْساءُ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ ... تذكّرَ أَقْوَابا وقَيْضاً مُحطَّما تحَطمَ عنْ زُعْرِ القوادِمِ خرَّقٍ ... كمثلِ أرُومٍ منْ حُلّي تَجَرْثما

ألا عجبَتْ جُمْلٌ سَفاهاً وما رأتْ ... بَدِيئاً لشيْبٍ بالمَفارِقِ مُعْلِما وَقَدْ زعمتْ أني كبِرْتُ وأكبَرَتْ ... صِباي ولم تنقَمْ لَعَمْرُك مُعْظَما وقدْ هَزِئَتْ لمَّا رأتنَي شاحِباً ... وهُنْتُ عليْها بعدَما كنْتُ مُكرَما ألم تعْلَمي أنْ لا غضاضةَ أن يُرَى ... كريمٌ ببيضاءِ المَحَاجرِ مُغْرَما وأنّ الجُرازَ العَضْبَ يَخلُقُ غِمدُهُ ... ولا عَيْبَ إنَّ العَيْبَ أن يتكهَّما ولكنْ سَلي عَني دَخيلي إذا شتوا ... وأخْلَفَ ما شيهمْ سِماكا ومِرْزَما كأنيَ لم أرْكبْ لَلهْوٍ ولم أنلْ ... منَ البيضِ وصْلاً آمناً أنْ يُصَرَّما ولم أسْهِرِ الفتْيانَ ليْلَ مَلذَّةٍ ... طويلا ألا يا رُبَّ طُولٍ قدْ اسْأما ولم أتلافَ الظعْنَ قَصْراً بحاجرٍ ... على إثْرِ حيّ مَدَّ سَيْراً وأَجْذَما ولم أعملِ العيسَ المَرَاسِيل بالفَلا ... لأَبْنَي مَجْداً رُكنُهُ قَدْ تهدَّما ولم أهْدِ بالمَوْماةِ رَكباً ولم أرِدْ ... بهم أُخْرَياتِ الليلِ ماءً مُسَدَّما

ولم أردُدِ الألوى الألدَّ كأنه ... أميمٌ كما عنَّ المعنَّى المسدَّما ولم أفحمِ الخِنْذيذَ في يوْمِ مَجْمَعٍ ... منَ الناسِ مَشْهُودٍ وما كان مُفْحَما أتى ثانياً منْ جيدِهٍ مُتخمِّطاً ... يَمُجُّ لُغاما مُستطيراً وبلْغما يَصُدُّ صُدُودَ المُسْتِكينِ كأنَّهُ ... من الذلِّ مَحْسُومُ الخِصاءِ وأحجما أرانا لِصَرْفِ الدَّهرِ صَرِعين مُقْعَصاً ... فمصْمىً ومُنمىً إنْ تخطاه أهرَما وما مات مَنْ أبقى ثناَء مخلّدًا ... وما عاش مَن قدْ عاش عَيْشًا مُذَّمما وما المَجْدُ إلا الصَّبْرُ في كلّ مَوْطِنٍ ... وأن نجشُمَ الهوْلَ العَظيمَ تكرُّما وما للؤْمُ إلا أن يُرى المَرْءُ غابطاً ... لئيما لمال في يديهِ إنْ أعْدما فذاك الذي كالمَوْتِ في الناسِ عيشُهُ ... ومنْ عدَّ مالاً مالهُ كان ألأما وما الدَّهرُ إلا بَين لين وشدَّةٍ ... فمن سرَّ مُسْياً فيهِ أصْبَح مُرْغما

وما الحزْمُ إلا مِرَّةُ النفْسِ تُقْتَنى ... لشدَّتِه من قبلِ أن تتحكما وما العَجْزُ إلا أن تَلين لمسّها ... فَتَضْجرَ من قبلِ الرخاء وتسأما وليس الغِنا إلا اعتززَ قناعةٍ ... نُجِلُّ أخاها أن يُذَلَّ ويُشتَما وما الفقْرُ إلا أن يُرى المرءُ ضارعا ... لنَكبةِ دهرٍ قدْ ألمَّ فَيقْحَما وخيْرُ الرجالِ المجْتدي سَبْبُ كفهِ ... وأجْرأهمْ عند الكريهةِ مَقْدَما وشرُّ الرجالِ كلُّ خَبٍّ مُرامقٍ ... إذا ما دَعى الدَّاعي لأمرٍ تَلعْثما تجنّبْ صِحابَ السُّوءِ ما عِشْتَ إنهُمْ ... لكا الجُرْبِ يَعْدِينَ الصَّحيحَ المُلَّما ورَاعِ حُدودَ اللهِ لا تتعدَّها ... وصَغّرْ وعظمْ ما أهانَ وعظما ورَاع حُقُوقَ الضَّيْفِ والجار إنه ... لعَمْرُك أوْصى أنْ يُبَرَّ ويُكرَما وإنْ جَهلَ الجُهالُ فاحْلم ورُبَّما ... يكونُ عليك العَارُ أنْ تتحَلّما وبالحَسَن ادفعْ سيئاً فإذا الذي ... يُعادِيك كالمولى الأحَمّ وأرْحَما ولا تقْرَبَنَّ الظلمَ والبَغيَ فاطَّرِحْ ... فغِهُّمُا قدْ كان أرْدى وأشأما وما اليُمْنُ إلا البرُّ والعَدْلُ والتُّقى ... وما الشؤْمُ إلا أن تخون وتأثما وهذه ميمية حميد بن ثور الهلالي الصحابي رضي الله عنه، التي عارض امحمد ابن الطلب المترجم بميميته. وقد تطلبتها سنين عديدة في رحلتي إلى الحجاز، والشام، والقسطنطينية. فما وقفت لها على أثر ولا عثير، حتى سألت عنها صاحب الهمة السامية، الدائب في إحياء العربية، سعادة أحمد بك تيمور، أحد أعيان الأعيان بمصر - حفظه الله تعالى - فوجدته عثر على نسخة منها بخط غير صحيح، فجاد عليّ بها، جزاه الله خيرا. وقد سقط من نسخته بيتان من أولها، بقيا في حفظى، وما أدري، هل سقط منها غيرهما أم لا.

ألا هَيَّما مما لقيتُ وَهَيَّما ... وَوَيْحَا لمَنْ لم ألْقَ منْهُنَّ ويْحَما أَأَسْماءُ ما أسْماءُ ليْلةَ أدْلجتْ ... إليَّ وأصحابي بأيَّ وأينما هيما: كلمة تحسر. وويحا: كذلك، وهو مصدر لفعل مهمل. وقوله: وأصحابي بأي وأينما، جملة حالية، أي بمحل مجهول، يسأل عنه بأي وأينما. سَلِ الربعَ أنيَّ يمَّمتْ أمُّ سالمٍ ... وهلْ عادةٌ للِرَّبْع أنْ يتكلَّما وقولا لها يا حَبذا أنْتِ هل بدا ... لها أو أرادتْ بعْدنا أنْ تأيَّما يقول: هل رغبت في التزويج، أو أقامت بعدنا على التأيم. يخاطب واحدا، والعرب تخاطب الواحد بلفظ الاثنين. ولوْ أنَّ رَبْعاً ردَّ رجْعاً لسائل ... أشار إليَّ الربعُ أو لتفهَّما أرى بَصري قدْ رابني بعد حِدَّةٍ ... وحَسْبُك داءً أن تصحَّ وتسْلما ولنْ يَلبْثَ العَصرانِ يوماً وليْلة ... إذا طَلبا أنْ يُدركا ما تيمَّما وصَوْتٍ على فوْتٍ سَمعْتُ ونظرةٍ ... تلافيتُها والليّلُ قَدْ صار أبْهما بجدَّةِ عَصْرِ منْ شبابٍ كأنهُ ... إذا قمتُ يمسُوني رِداءً مُسَهَّما

أجِدَّكَ شاقتْكَ الحُمُولُ تيمَّمَتْ ... هَدابيْنِ واجْتابَتْ يميناً يَرَمرَما على كلّ مَنْسُوجٍ بيَبْرشينَ كُلّفَتْ ... قُوَى نِسْعَتَيْهِ مْحزَماً غيْرَ أَهْضَما رَعِينَ المُرارَ الجَوْنَ مِنْ كلّ مَذْنِبٍ ... شُهُورَ جُمادَى كلها والمُحَرَّما إلى النِيرِ فاللعناءِ حَتى تبدَّلتْ ... مَكانَ رَوَاعِيها الصَّرِيفَ المُسَدَّما وعادَ مُدَمَّاها كُمَيْتاً وشُبّهَتْ ... كُلُوُمُ الكُلى مِنْها وِجاراً مهدَّما وخاضَتْ بأيديها النّطافَ وَدَعْدَعَتْ ... بأقْتادِها إلا سَرِيحاً مَخدَّما وقدْ عادَ فِيها ذو الشَّقاشِقِ واضحاً ... هِجاناً كلوْنِ القُلبِ والجَوْنُ أصحَما تَناوَلَ أطرافَ الحِمى أنْ تَنالهُ ... وتَقْصُر عنْ أوْساطِهِ إن تقدَّما

وجاَء بها الذوَّادُ يحْجُزُ بينها ... سُدًى بينَ قَرْقارِ الهدِيرِ وأعجَما فقامَتْ إليهنَّ العَذارى فأقْدَعَتْ ... أكُفَّ العَذارى عِزّة أنْ نُخَطما فقرَّ بْنَ مَوْضُوراً كأنّ وَضِينَهُ ... بَنيقٌ إذا ما رامَهُ العَقْرُ أحْجَما صِلَخداً كأنّ الجنَّ تَعْزِفُ حَوْلهُ ... وصَوْت المُغَنّى والصَّدى ما ترنّما بغيْرِ حَياً جاَءتْ بهِ أرْحَبيّةٌ ... أطالَ بها عامَ النّتاجِ وأعْظما تراهُ إذا اسْتَدْبرْتَهُ مُدْمَجَ القَرَى ... وفَعْماً إذا أقبلْتَهُ العَينَ سَلْجما عَيَنٌّ مَريطُ الحاجِبَيْنِ إذا خدا ... على الأكْمِ ولاّها حِذاءً عَثَمْثَما رعى السِّدْرَةَ المِحْلالَ ما بَينَ زابنٍ ... إلى الخَوْرِ وسْمىَّ البُقُولِ المُدَيَّما

فجئْنَ بها غُوجَ المِلاطَيْنِ لم يَبِنْ ... حداج الرّعَاءِ ذا عَثانِينَ مُسْنما فلما أتَتهُ أنْشبَتْ في خَشاشهِ ... زِماماً كثُعبانِ الحَماطةِ مُحْكَما شدِيداً تَوَقّيهِ الزِّمامَ كأنما ... يَراها أعَضّتْ بالخشاشةِ أرْقَما فلما ارْعَوى للزّجْرِ كلُّ مُلَبَّثٍ ... كجيدِ الصَّفا يتلو حِزَاما مُقَدَّما إذا عِزّةُ النفْسِ التي ظلَّ يَتَّقى ... بها حِيلةٌ لم تُنْسِهِ ما تَعلَّما

كأنَّ وَحَي الصِّرْدانِ في جَوْفِ ضالةٍ ... تَلَهْجَمَ لَحْيَيْهِ إذا ما تَلَهجَما وقالتْ لأُخْتَيْهَا الرَّوَاحَ وقدّمَتْ ... غَبيطاً خُشَيْميًّا تَرَاهُ وأسْحَما فجاَءتْ بِه لا جازِياً ظَلَفاءهُ ... ولا سلساً فيهِ المَسامِيرُ أكْزَما فَزَيَنَّهُ بالعِهْنِ حتى لوَ إنه ... يقال له هابٍ هَلُمَّ لأقدَما فلما كشفْنًَ اللّبْسَ عنهُ مَسْحَنَهُ ... بأطرافِ طَفْلٍ زَانَ غَيْلاً مُوَشّما

لهُ ذِئَبٌ للرّيح بينَ فُرُوجِهِ ... مَزاميرُ ينْفُخْنَ (الكسِيرَ) المهزّما مُدَمًّا يَلوحُ الوَدْعُ فَوْقَ سَراتِهِ ... إذا أرْزَمَتْ في جَوفهِ الريحُ أرْزَما كأنّ هَزِيرَ الريحِ بينَ فُرُوجِهِ ... عَوازِفُ جِنٍّ زُرْنَ حَياً بعَيْهَما تَباهَا عليهِ الصّانِعَاتُ وشاكلَتْ ... بهِ الخيْلَ حتى همَّ أنْ يتَحَمْحَما أطافَتْ بهِ النسوان بين صنيعهِ ... وبين التي جاَءت لِكيما تَعلّما يطفْنَ بهِ يَخلُونَ حَوْلَ غبيطِها ... رَبابَ الثريَّا صاب نَجْداً فأوْسَما

فلوْ أن عُوداً كانَ مِنْ حُسْنِ صُورَةٍ ... يُسَلّمُ أو يمْشي مَشي أو لَسلّما تَخالُ خِلالَ الرقْم لمّا سَدَلْنَهُ ... حَصاناً تُهَادَى سامىَ الطرْفِ مُلْحما سَرَاةَ الضُّحى ما رِمْنَ حتى تَحَدّرَتْ ... جِباهُ العَذارى زَعْفراناً وعندَما فقلْنَ لها قَوى فَدَيْناكِ فارْكبي ... فقالتْ ألا لا غيْرَ أمَّا تكلما فهادَيْنَهَا حتى ارْتَقَتْ مُرْجَحِنَّةً ... تميلُ كما مالَ النّقا فَتَهيَّما وجاَءتْ يَهُزُّ الميسنانيّ مَشْيُهَا ... كهَزّ الصَّبا غُصْنَ الكَثيبِ المُرَهَّما منَ البيضِ عاشَتْ بين أمّ عزِيزَةٍ ... وبينَ أبٍ بَرٍّ أطاعَ وأكرَما

مُنَعَّمةٌ لوْ يُصْبحُ الذَّرُّ سارِيا ... على جلدِها بَضَّتْ مَدَارِجُهُ دَما تَرى السَّوْذقَ الوَضاحَ مِنْها بمعْصَمٍ ... نبيلٍ ويأبى الحِجْلُ أَنْ يَتَقدَّما منَ البيضِ مكسالٌ إذا ما تلبّسَتْ ... بعقل امْرِئِ لم يَنْجُ منها مُسْلّما رَقُودُ الضحى لا تقْربُ الجيرَةَ القصي ... ولا الجيرَةَ الأدْنينَ إلا تَجَشما بَهيرٌ تَرى نضْحَ العَبيرِ بجَيبِها ... كما ضَرَّجَ الضَّاري النزيفَ المُكلّما

ظعائِنُ جُمْلٍ قَدْ سلكْنَ شقيقَةً ... وأَيْمَنَّ عنها بعْدَ ما شمنَ مُرْدِما عَرُوضاً تَدَلَّتْ مِنْ تِهامةَ أهدِيتْ ... لنَجدٍ فساحَ البرْقُ نجداً وأتْهما إذا احْتملَتْ مِن رَمْلِ يبرِين بالضحى ... فذاك احْتمالٌ خامَرَ القلْبَ أسْهُما ولمَّا تَشارَقنَ الحُدوجَ هوى لها ... من الصَّيْفِ حَرٌّ يترك الوجْهِ أسْحَما دُموج الظّباءِ العُفْر بالنفْس أشفَقَتْ ... من الشْمسِ لما كانتِ الشمسُ مِيسَما ورُحْنَ وقدْ زَايلْنَ كلَّ ظِعينةٍ ... لهُنَّ وَباشَرْنَ السَّدِيلَ المُرَقّما وليستْ من الّلاتِي يكونُ حدِيثُهما ... أمامَ بُيُوتِ الحيَّ أنّا وإنّما أحادِيثُ لم يعْقبْنَ شيئاً وإنما ... فَرَتْ كذباً بالأمْسِ قِيلاً مُرَجَّما

فما رَكِبَتْ حتى تَطاوَلَ يوْمُها ... وكانت لها الأيدي إلى الخدْبِ سُلّما وما دخلَتْ في الخدْبِ حتى تَنقَّضَتْ ... تآسيرُ أعْلى قِدّهِ ونَحطما فجرْ جَرَ لمّا صارَ في الخِدْرِ نِصْفُها ... ونِصْفٌ على داياتهِ ما تَجَزّما وما رِمْنَها حتى لوتْ بزمامهِ ... بنَاناً كُهدّابِ الدّمَقْسِ ومِعْصَما وما كادَ لمّا أنْ عَلَتْهُ يُقِلُّها ... بِنَهْذَتِهِ حَتى اكلأزَّ وأعْصَما وحتى تداعت بالنقيضِ حبالُهُ ... وهَمَّتْ بَوَاني زَوْرِهِ أنْ نَحَطما

وأثَّرَ في صُمّ الصَّفا ثَفناتُهُ ... ورامَ بلمَّا أمرَهُ ثمَّ صَمَّما فَسبَّحْنَ واسْتَهْلَلْنَ لمّا رأينَهُ ... بها رَبِذاً سَهْلَ الأراجيح مِرْجما فلما سما اسْتدْبَرْنَهُ كيفَ شَدْوُهُ ... بها ناهِضَ الدَّاياتِ فعْماً مُلَمْلَما ولمَّا اسْتقلّتْ فَوْقَهُ لم تَجِدْ لها ... تكاليفَ إلا أنْ تَعيلَ وتَعْسَما ولمَّا اسَّتقَلَّ الحيُّ في رَوْنَقِ الضُّحى ... قبصن الوصايا والحديثَ المُجَمْجَما تَنبَّذْنَ منْ وعْثِ الكتائبِ بعدَما ... شَرَعْنَ بأيْدٍ أُدْمُها كلُّ أأدَما

تَنَازَعْنَ سَيْراً يومَ ولَّتْ جمالُها ... تَسيبُ نزاعا لا يُغَالبُ أقدَما فَوَرَّكنَ ماءً مُسْدِماً بعدَ سبْعةٍ ... فأبْرَمْنَ إبراماً على أن تَلوَّما دَعَوْت بعَجْلى واعْترَاني صَبابةٌ ... وقد طلَعَ النَّجدين أحْداجُ مريما فجاَء بشَوْشاةٍ مِزَاقٍ ترى لها ... نُدُوباً منَ الاتْساع فذاً وتَوْأما فكلَّفْتُهَا أنْ تَدْلجَ اللّيلَ كلهُ ... وكلَّفْتُ عَبْدِيَّ الرسيمَ فأرْسَما فأمَّا الأُلىَ بسْكنَّ غَوْرَ تِهَامَةٍ ... فكلُّ فتاةٍ تتْرُكُ الحِجْلَ أفَصما أراها غلاماها الخَلاَء وشذَّرَتْ ... مِراحاً ولم تقْرَأ جنيناً ولاَ دَما فُلانَا بلاَلى خادعاها فألزَما ... زِمامَيْهما من حَلْقَةِ الصُّفْرِ ملْزَما

وأعْطتْ لِعرْفان الخُطامِ وأضمرَتْ ... مَكانَ خَفيّ الصّوْتِ وجدا مُجَمجما وجاَءتْ تَبُذُّ القائدينَ ولم تَدَعْ ... نِعالَهُمَا إلا سَرِيحاً مُجذَّما نظرْتُ وعَيني لا تُحِسُّ ظعائِناً ... قعَدْنَ بهَضَباتِ المَهاةِ تَرَنُّما جَرَى بَيننا آلٌ كأنَّ اضطرِابهُ ... جَدَاوِلُ ماءِ أُثْقِبَتْ لنْ تَجرَّما لوامعُ تَجرِي بالظعائنِ دُونَها ... قِفَافٌ وأجْبالٌ فَغوْرُ يَبْسبَما ولاحَ إكامٌ قدْ كساهُ هَجيرُهُ ... سَراباً وقدْ اجتَبْنَ مِنهُ مُنَمْنما تَخَالُ الحصى منْ بينِ مِنْسَرِ خُفّها ... رُضاضَ الحصى والبَهْرَفانَ المُقَصَّما ومارَبها الضّبْعانِ مَوْراً وكلّفَتْ ... بَعيرِي على مِيلِ الرسيمَ فأرْسَما فلمَّا لَحقنا لم يَقُلْ ذو لُبَانَةٍ ... لهنَّ ولا ذو حاجةِ ما تيمّما فكان لمَاحاً منْ خَصاصٍ ورَقْبَةٍ ... مخافة أعْداءٍ وطرْفاً مُقَسَّما قليلاً وَرَفَّعْنَ المَطيَّ وشمَّرَتْ ... بنا العِيسُ يَنْشُرْنَ اللغامَ المُغَمَّما

فقُلنا ألا عُوجى بنا أمّ طارِقٍ ... تَناج ونَجْوَاها شِفاءٌ لأهْيما فعَاجَتْ علينا منْ خِدَبٍّ إذا سَرَى ... سَرى عن ذراعيهِ السّديلَ المنمنما وما هاجَ هذا الشوق إلا حمامَةٌ ... دَعَتْ ساقَ حُرٍّ تَرْحَةً وتَرَنُّما

منَ الوُرَقِ حَمَّاءُ العِلاطين باكرتْ ... عَسِيبَ أشاءِ مَطلعَ الشمْسِ أسْحَما إذا هزْهَزتْهُ الريحُ أو لَعَبَتْ بهِ ... أرَنّتْ عليهِ مائلاً ومُقَوِّما تُبَارِى حمامَ الجَلهتَين وتَرْعَوِي ... إلى ابنِ ثلاثٍ بين عُودين أعجَما فلما اكتَسى رِيشاً سُخاماً ولم يجدْ ... لهُ مَعها في باحةِ العُشِّ مَجْثما أُتيحَ لهُ صَقْرٌ مُسِفٌّ فلم يَدْع ... لها ولداً إلا رَميماً وأعظُما تَطوَّق طوْقاً لم يكنْ عن تميمَةٍ ... ولا ضَرْبِ صَوَّغٍ بكفّيْهِ دِرْهما

فأوفَتْ على غُصْنٍ ضحَياً فلم تَدَعْ ... لباكيةٍ في شَجْوِها مُتلّوَما مُطوَّّفةٌ خُطباءُ تَصدَحُ كلما ... دَنا الصَّيْفُ وابحالَ الربيعُ فأنْجما تُبَكى على فَرْخٍ لها ثمَّ تَغْتَدِي ... مُولهةً تَبْغي لهُ الدَّهْرَ مَطعما تؤَملُ منهُ مُؤِنساً لانفرادِها ... وتبكي عليهِ إن زَقا أو تَرَنَّمَا فهاجَ حَمامَ الجَلْهتينِ نُواحُها ... كما هَيَّجَتْ ثكلى على الموْتِ مأتما ونازعْنَ خِيطانَ الأراكِ فراجعتْ ... لِهانِفها منهنَّ لَدْناً مُقوَّما فماجَتْ بهِ غُرَّ الثنايا كأنّما ... جَلَتْ بنَظيرِ الخُوطِ دُرًّا منَظما إذا شِئتُ غَنَتْني بأجْزاع بَيْشَةٍ ... أو النَّخْلِ مِنْ تَثليثِ أو منَ يَلَملَما عَجبْتُ لها أنى يكونُ غِناؤها ... فصِيحاً ولم تغَفَرْ بمنْطِقِها فما ولم أرَ محزوناً لهُ مِثلُ صَوْتِهَا ... أحَرَّ وأنْكى للِفُؤَادِ وأكلَما

ولم أرَ مِثلي شاقَهُ صَوْتُ مِثِلها ... ولا عَرَبياً شاقُه صَوْتُ أعجما كمثلى عرَاتِيه ولكنَّ صَوْتَهَا ... لهُ عَوْلَةٌ لَوْ يُفْهِمُ العوْد أزْرَما خَليليّ هُبَّا عَلَّلاني وانْظرا ... إلى البَرْقِ إذ يفْرِى سَناً وتَبَسُّما عَهِدْتُكَ ما تَصْبُو وفيكَ شَبيبَةٌ ... فمالكَ بَعدَ الشيْبِ صبًّا مُتَيمَّا عَرُوضاً تدَلّتْ منْ تِهامةَ أهْدِيَّتْ ... لِنَجدٍ فَساحَ البَرْقُ نَجداً وَأَتْهَمَا كانَّ رِياحاً أطْلَعتْهُ مَريضَةً ... من الغَوْرِ يَسْعرْنَ الأباَء المُضرَّما كنفضِ عِتاق الخيلِ حِينَ تَوَجَّهت ... إليْهنَّ أبصارٌ وأيقظنَ نُوّما خَليليّ إني مُشْتَكٍ ما أصابَني ... لِتَسْتيْقِنا ما قدْ لقيتُ وتَعلَما أمَلّيكما أنّ الأمانةَ مَنْ يَخُنْ ... بها يحتَملْ يوما منَ اللهِ مأثما

فلا تُفْشِيا سِرّى ولا تَخذُلا أخاً ... أبَثّكما مِنهُ الحدِيثَ المُكتّما لِتتّخِذا لِيباركَ اللهُ فِيكُما ... إلى آل ليلى العامِرِيةِ سُلّما وقُولا إذا جاوَزْتُمَا آل عامِرِ ... وجاوَزْتُما الحَيَّيْنِ نَهْدًا وَخَثْعَما تُذِيعانَ عَنْ جُرْمِ بنِ زَبَّانَ أنَّهم ... أبَوْا أنْ يُميرُوا في الهزَاهِزِ مِحْجَما وسيرا على نِضْوَيْنِ مُكتَفِليْهِما ... ولا تَحْمِلا إلا زِناداً وأسْهُما وزاداً غَرِيضاً خَفّفاهُ عَلَيكما ... ولا تُفْشيا سِرًّا ولا تحمِلا دَما وإنْ كان ليلاً فالوِيا نَسَبَيكما ... وإنْ خِفْتُما أنْ تُعْرَفا فتلثَّما وقُولا خَرَجنا تاجِرَينِ وأبْطَأتْ ... رِكابٌ تركناها بتَثليثَ قيَّما ولوْ قدْ أتانا بزُّنا ورَقيقنا ... تموَّلَ منكم منْ أتيناهُ مُعْدِما فما مِنكما إلا رأيْناهُ دانياً ... إلينا بحمدِ اللهِ في العَين مسْلما ومداً لهم في السَّوْمِ حَتى تمكنا ... ولا تَستَلِحا صَفْقَ بيع فَتلزما فإنْ أنتُما اطمأنَنْتما وأمِنتُما ... وأجْلبْتُما ما شِئتما فتكلَّما وقُولا لها ما تٌأمُرينَ بصاحبٍ ... لنا قدْ تركتِ القلْبَ مِنْهُ مُتيما أبيني لنا إنا أرَحنا مَطِيَّنا ... إليكِ وما نَرْجُوهُ إلا تَلوُّما

فجاَءا وَلمّا يَفْضِيا لي حاجةً ... إلى ولمَّا يُبْرِما الأمرَ مَبْرَما فما لهما مِنْ مُرْسَلَينِ لحاجةٍ ... أسافا مِنَ المالِ التلادِ وأعْدَما ألم تَعلمَا أني مصابٌ فتذْكُرا ... بَلائي إذا ما جُرْفُ قَوْمٍ تَهدَّما ألا هلْ صدَى أمّ الوَلِيدِ مُكّلمٌ ... صَدَاي إذا ما كنتُ رَمْساً وأعظما وقال امحمد ابن الطلب أيضا: وهي لا تقصر عن قصيدة الأعشى، التي عدَّها محمد بن الخطاب في المعلقات. وهذه القصيدة تعرف بالنفاضة، سماها ناظمها بذلك، والمراد بها، نفاضة التمر، وهي ما استوى على النخلة، فنفض. صاحِ قِفْ واسْتَلِحْ على صحْنِ جالِ ... سَبِخةِ النّيشِ هَلْ ترى من جمالِ قِفْ تأمَّلْ فأنْتَ أبْصَرُ مِني ... هَلْ ترى من حُدوج سُعْدَى التَّوالي

هَلْ ترى مِنْ جمائلٍ باكِراتٍ ... منْ لِوَى الموْج عامِداتِ الزّفالِ سالِكاتٍ مِنْ نَقْبِ زَلْيٍ عليْها ... كلُّ جَيْدانةٍ خَلُوبِ الدّلالِ كلُّ رَخْوِ المِلاطِ يَهْوى بعَيْنا ... َء رَدَاحٍ مِنْ الهِجَانِ الخِدَالِ فَتَسَرَّعْ لعَلَّنَا نَتلاقى الظ ... عْنَ قبلَ اعْتسافِ وعْثِ الرمالِ قال ما في سَوالفٍ الظُّعْنِ سُعْدى ... وتَصَابى الكبيرِ عَيْنُ الضلالِ قُلْتُ إنَّ الظعائنَ اليوْمَ هاجتْ ... شَجاً بالمَشِيبِ ليْسَ يُبالي إنْ يكن ما تقُولُ حَقاً فمحْتُو ... مٌ علينا انتظارُ أخرَى الجمالِ فاحبْسِ العنْسَ وانظرْها وإلا ... فلْتَدَعْني وسِرْ مُضِيعَ الخلالِ إنَّ لي في الحُدُوج لو كنت تدري ... شَجناً لا يريمُ أُخرى الليالي إنَّ سُعْدَاي في الحدُوج وسُعْدَى ... هِيَ دَائي وهي بُرْءٌ اعتلالي دُميْةٌ من دُمَى المحارِيبِ تسقى ... صِرْفَ صافي المدام شوكَ السَّيال فهو كالأقْحُوانِ بَيَّتَهُ الطَّ ... ل فأضحى وجَفَّ منهُ الأعالي أُشْعِرَتْ نَضْرَةً كأنّ عليها ... بُرْدَةَ الشمسِ فَوْقَ نَضْرٍ زُلالِ يا لقَوْمي تقَتَّلَتْ ليَ حَتى ... قتلتني ولم تُبالِ خَبالِ في حُمولٍ غَدَوْنَ مُنْتَجِعَاتٍ ... ساحةَ الكربِ بعْدَ رَعي الرمالِ

ظُعنٌ مِنْ ظِباءِ أبناءِ مُوسى ... وظباءِ الأعمامِ والأخْوالِ ليّناتٌ مَعَاطِفاً خَفِراتٌ ... كَمَهى الرَّمْل باهراتُ الجمالِ طَيباتٌ مآزِراً حَظِياتٌ ... يا لها مِنْ حُمُولِ حَيٍّ حِلال حَيِّ يعْقُوبَ إنهُمْ خيرُ حَيٍّ ... إذ تَساما الكرامُ عِندَ النّضالِ مَنْ يَرُمْهُمْ يَجدْهُمُ حَيّ صِدْقٍ ... أيّ حَيّ عَرَنْدَس ذِي طَلالِ مَنْ جَداهُمْ على الحوادِثِ يعرَفْ ... كيفَ تَعفو الكرامُ عِنْدَ التّبالي مَنْ دَعَاهُم لكشفِ ضرَّاَء يغَرِفْ ... عِندَ عَضّ الزمانِ أربْى السِّجالي فهُمُ كالجيادِ تَعفو إذا ما ... نَفَقَ الرَّاكضاتُ عِندَ الكلالِ

يا ليعْقُوبَ شَمّرُوا للمَعَالي ... واسْتَعِدُّوا لما تجيءُ الليالي وأعدُّوا لكلّ خَطْبٍ جَليلٍ ... عُدَّهُ منْ عزازةٍ ونَوَال وتواصوْا بالحقّ والصبرِ وابْغوا ... في العَفافِ الغِنى على كل حالِ وأْمُرُوا بالمعرُوفِ وانْهَوْا عَنِ المُن ... كرِ واسموا للمَكرُماتِ العوالي والهُويَنْا دَعوا وللمَجْدِ فاسموا ... وصِعابُ العُلى يصَعْبِ الفعالِ والزَمُوا الحِلمَ والأناةَ وخلُّوا ... نَزَغَاتِ الشيطانِ شِرَّ الخلالِ وانقوا الشُّحَّ والصراعةَ والفكَّ ... ةَ والهَاعَ شِيمةَ الأنذالِ هاجَ قَرْحَ الغرامِ بعدَ اندِمالِ ... ظَعْنُ ظُعْنِ الخليطِ يَوْمَ إنالِ يَوْمَ ولّتْ كأنها حينَ جدَّتْ ... باسِقاتُ النَّخيلِ منْ كانَوَالِ مائِراتٍ مُعْرَوْرِفاتٍ عَلَى ظه ... ر مَرَوْرَي القُليْب ذِي الطيْرَ الالِ

جاعلاتٍ عنِ اليمينِ تَمْزِكّيْ ... نَ ضُحَياً وتِشلَ ذاتَ الشّمالِ رُحْنَ من مَنْحِ التُّؤَامَ رَواحاً ... تَتبارَى بهنَّ أُدْمُ الجمالِ أشْقَرِيَّاتُ عُنْصُر مُور الاعْ ... ضادِ ما في أرُوُمِها منْ ثَفالِ فاسْتمرَّتْ مُعْصَوْصِباتٍ فأمسَتْ ... بالثنايا منَ الضُّلوعِ الطِّوالِ ناحرَاتٍ هَضْبَ القِلاتِ فَدِرَّا ... مانَ ترْعى منْ تيرِسٍ بالمِطالِ فانتَحَت منْ رُبى ذِي الأوْتادِ نجْدَي ... لَ لِمَرْعى قِصَارِها والطِّوالِ ظُعُنٌ لسْنَ يَنْثِنينِ إذا ما ... وَزَعَ الظعْنَ حادِثُ الأوجالِ فسقى اللهُ حيْثُ أَمَتْ بها العِي ... سُ سِجَالَ الغَمَامِ بعدَ سِجالِ

لو تراها عَلمْتَ أنْ ليْسَ في أنْ ... يتَصبَّبْنَ ذا النُّهى منْ مَقالِ فَلِمَنْ صَبَّ منْ كبيرٍ بها العُذْ ... رُ فما للعذُول فيها وما لي قدْ أراني والبِيضُ غيرُ قَوَالِ ... لِخلالي ولا مَلِلْنَ وصالي فأراهنَّ بعدَ ما كان عني ... صُدَّداً أنْ رأَيْنَ شَيبَ قذالي إنْ تَرَينْي أمَيْمُ أصبحتُ نِضواً ... شاحِباً في بذاذةٍ واخْتلالِ فلقدْ كنتُ للأوانِسِ فَرْعاً ... عَنْ يميني يرعْنَ لي وشمالي ولقدْ كنتُ في الخطوبِ المُفَدَّى ... حين إذ تُستَطارُ خُورُ الرجالِ ولقدْ كنْتُ في المجامع ثَبْتاً ... حين تُزْهى الحُلُومُ بالأجْهالِ ولَهِيفٍ نَفَّسْتُ عنهُ فأمْسى ... جَذِلا عندَ بكئِ عَطْفِ المَوالي وصِحابٍ مثلِ المصابيح في الدُّجْ ... يةِ نازَعْتُهُمْ سُهَادَ الليالِ بنَشيدٍ ومِزْهَرٍ وعَوِيصٍ ... منْ عُلُومِ الهُدى عَزِيزِ المَنالِ فِتيةٌ فتيةٌ بَهالِيلُ شُمٌّ ... هَمُّمُمْ في ارْتقاءِ شُمِّ المعالي من خليل ومنْ كريمٍ نجيبٍ ... رزؤهُ مؤيِدٌ وعمٍّ وخالِ ثمَّ فارقْتُهُمْ وقدْ فارقُوني ... غَيْرَ قالينَ لي ولا أنا قال فارَقُوني كَرْهاً وكدْتُ عليهْمْ ... يَوْمَ بانوا أمُجُّ غُبْرَ القتالِ غَيْرَ أني على الحوادِثِ جَلْدٌ ... لا أبالي من الخطوبِ التَّوالي

كلما هِجْنَني أصُولُ عليها ... باعْتمِادي على القَوِي واتَّكالي حسبيَ اللهُ إنّ باللهِ مَسْعا ... يَ وحوْلي وقوّتي وصَيالي وحوالي لما أرُومُ وقه ... ري لعدُوِّي ونُصرَتي واحتمالي وفتوٍّ شُمِّ العرانين قبَّلْ ... تهم هَبّةَ السَّمُومِ عِجال بتّ أسقيهمُ بمَطو سُرَى اللَّيْ ... ل كؤوسَ الكرَى بأجْرَدَ جالِ بمرادٍ لكلّ هَوْجاَء مرَّتْ ... ليْسَ فيهِ لغَيْرَها منْ مَجَلِ مُذْكرٌ ما بهِ لإِنسٍ حسيسٌ ... بَينَ تِيهٍ نفانِفٍ أغفالِ مَجْهلٌ خاشعُ الدّليلِ إذا ما ... قيلَ قدّمْ وضُنَّ بالأوْشالِ أُنْسُ مُجتابِه الكئيبِ نئيمُ ال ... بوم مثلَ الحَرِيبِ رَبَّ العِيالِ فَسَروا مل سَرَوا فلما تقضي اللي ... لُ أو كادَ عَرَّسُوا في نِعَالِ فكأنّ الكَرى سَقاهمْ عُقارَا ... شَمولٍ تَدِبُّ في الأوصالِ فله فيهمُ دبيبٌ كما دَبَّ ... ت سنا النارِ في سَليطِ الذُّبال حَوْلَ خُوصٍ رَمى بها الأرضَ حت ... ى لا تَشكي الدُّؤبَ بعدَ الكلال بِتُّ أكلاهُمْ وأسعى عليهمْ ... بِشّواءِ مُضَهَّبٍ غير آلِ ثمَّ نبَّهتُهُمْ فلأياً أفاقوا ... منْ لُغُوبٍ قدْ مَسّهُمْ واعتمال

وتَراني كذاكَ إنْ كلَّ صَحبي ... في اعتمالٍ لهمْ بغيرِ اعْتلالِ ثمَّ ثاروا ما بينَ مُلْتاثِ ثَوْبَيْ ... هِ وجاثٍ ومائلِ في اعْتدالِ فاسْتَقلوا قدْ صَبَّحَ القَوْمَ يومٌ ... أعْوَرُ الشَّمْسِ ما بهِ منْ خِلالِ فثَارَوا أُيْنَ النَّجاءُ إلى أيْ ... نَ ولَجَّتْ قلوبُهُمْ في اجْئلالِ قُلْتُ لا تَجْزَعوا فإني زَعيمٌ ... بوُرُودِ الرِّوي المَعِينِ الزُّلالِ ثمَّ شدُّوا على المَعارِفِ منْ لفْ ... حِ السَّمومِ البُرُودَ بالأذيالِ فتَمطّتْ بهمْ حراجيجُ عُتْقٌ ... حُنُفٌ مِثلُ أَمَّهاتِ الرِّئال وهدَتْ بيَ الرَّكابَ عَنْسٌ زَفُوفٌ ... سَهوَةُ المَشي لافِحٌ عَنْ حَيالِ عَنْتَرِيسٌ مَهْيى الزمامِ سَلوُفٌ ... ناجلاها من الهِجانِ الغَوالِ فكأني على هِجَفٍّ مُزِفٍّ ... نافراً جدَّ رائحاً في انجفالِ ثمَّ أوْرَدتُهُمْ سُحيْراً قَليباً ... مَطْلَباً مُعْيِباً على الدُّلاّل فارْتَوَوا ما ابتَغوْا فمنْ كانَ منْ ... هُمْ كاسِفَ البالِ عادَ ناعمَ بالِ فتماروْا بعْدَ الحِذا فمُرِنٌ ... يتَغنًّى وشامعٌ في اختيالِ

ومُكِبٌّ على سَرِيحِ قَلُوصٍ ... ومُداوٍ لظَلْعها منْ خُمالِ أوْ نُدُوبٍ دَمَيْنَ من عَضّ رَحلٍ ... عُقّرٍ بالسنامِ أو بالمَحالِ فقَفَلْنا وكلُّهمْ أنا رَأفٌ ... بِشمالي لما بهِ منْ خِلالِ وأرَى الدَّهرَ ليسَ يبقى على حا ... ل فلا تَجْزعَنَّ منْ سوءِ حال لا ولا تفرحَنَّ إنْ كنْتَ يوْماً ... في سُروُرٍ ونِعمةٍ واحْتفال كم حَظِيظٍ بالمْسِ كان مُقِلاً ... وَمُقِلٍ منْ بعْدِ ثَرْوةِ مال وقال أعشى بكر بن وائل، وهو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف ابن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. ذكرناها لمشابهة ما قبلها لها: ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسؤالي وما ترد سؤالي دمنه قَفْرة تعاورها الصي ... ف بريحين من صبا وشمال لا تأنى ذكرى جبيرة أم من ... جاء منها بطائف الأهوال حَلّ أهلي وسط الغميس فبادو ... لي وحلّتْ علوية بالسِخال ترتعي السفح فالكثيب فذا قا ... ر فروضَ الغضى فذَات الرئال

ربَّ خَرْق من دونها يُخْرِسُ السّفْ ... ر ومِيلٍ يفُضْي إلى أميال وسقاء يوكى على تَأقِ المل ... ء وسير ومستقى أوشال وادّلاج بعد الهدوّ وتهج ... ير وقف وسبسب ورمال وقليب أجْن كأنَّ من الري ... ش بأرجائه سقوط النصال فلئن شَطّ بي المزار لقد أض ... حى قليل الهموم ناعمَ بال إذ هي الهمّ والحديث وإذ تع ... صى إلى الأمير ذا الأقْوال ظبية من ظباء وَجْرَةَ أدما ... َء تسف الكباث تحت الهَدَالِ حرَّة طفلة الأنامل ترت ... بُّ سُخاماً تكُفُّه بخلال وكأنَّ السموط عاكفة السل ... ك بعطفي وشاح أمّ غزال وكأن الخمر العتيق من الاس ... فنط ممزوجة بماءٍ زلال باكرتها الأغراب سِنَة النؤَّ ... مِ فتجرى خلالَ شوك السَّيال فاذهبي ما إليك أدركني الحِل ... مُ عداني عن هيجكم أشغالي

وعسير أدماء حادرة الع ... ينِ خَنوف عَيرانةٍ شملال من سراة الهِجان صَلبها العُ ... ض ورَعْى الحمى وطول الحيال لم تعطف على حُوار ولم يقط ... عْ عُبيد عروقها من خُمال قد تعللتها على نَكَظ المي ... ط وقد خبّ لامعاتُ الآل فوق ديمومة تخيل للسَّفْ ... رِ قِفاراً إلا من الآجال وإذا ما الظلال خيفت وكان الش ... ربِ خمساً يرجونه عن ليال واستحث المغيّرون من الركْ ... بِ وكان النطاف ما في العزالي مَرِحتْ حرّة كقنطرة الرو ... ميّ تَفْرى الهجيرَ بالأرقال تقطع الأمعز المكوْكِب وَخْداً ... بنواجٍ سريعةِ الإيغال

عَنْترِيسٌ تعدو وإذا حرَّك السو ... ط كعدو المُصَلْصِلِ الجَوّال لاحه الصيف والطراد وإشفا ... ق على صَعْدة كقوس الضال مُلْمِعٌ واله الفؤاد إلى جح ... شٍ فلاه عنها فبئس الفالي ذو أذاة على الخليط خبيث النف ... سِ يرمى عدوّه بالنسال غادر الوحش في الغبار وعادا ... ها حثيثاً لِصُوَّة الأدحال ذاك شبهت ناقتي عن يمين الرَّع ... ن بعد الكَلال والأعمال وتراها تشكو إلى وقدْ صا ... رت طَليحاً تحذِى صدور النعال نقَبَ الخفّ للسُّرَى فترى الأنس ... اع من حَلِّ ساعة وارتحال أثرت في جآجئٍ كاران ال ... مَيْت عولين فوق عُوجٍ رِسال لا تَشكَّيْ إليَّ منْ ألمِ النس ... ع ولا من حفيّ ولا من كلال

لا تشكَّىْ إليّ وانتجعي الأس ... ود أهل الندى وأهل الفعال فرع نبع يهتز في غُصُن المج ... د غزير الندى شديد المحال عنده البر والتقى وأسَى الش ... ق وحملٌ للمعضِلات الثقال وصِلاتُ الأرحام قد علمَ النا ... س وفك الأسرى من الأغلال وهوان النفس الكريمة للذك ... ر إذا ما التقت صدور العوالي أنت خيرٌ من ألف ألف من القوْ ... م إذا ما كبت وجوه الرجال ووفاءٌ إذا أجَرت فما غُ ... رَّت حبال وصلتَها بحبال وعطاء إذا سئلْت إذا العِذْ ... رة كانت عطية البُخَّال أرْيَحيٌّ صَلْت تظل لهُ القوْ ... م رُكوداً قيامَهم للهلال إن يعاقب يكن غراما وإن يع ... ط جزيلا فإنه لا يبالي يَهَبُ الجِلَّة الجَراجر كالبس ... تان تحنو لدَرْدَقِ أطفال والبغايا يركضن أكسية الإضْ ... رِيج والشّرْعَبيَّ ذي الأذيال

والمكاكيك والصحاف من الفض ... ة والضامزَات تحت الرحال وجياداً كأنها قُضُب الشّوْ ... حَط يحملن بزّة الأبطال ودروعاً من نسج داود في الحر ... ب وُسُوقا يحملن فوق الجمال مُشْعَرات مع الرماد من الكُرّة ... دون الندى ودون الطِّلال لم ينشّرْن للصديق ولكن ... لقتال العدوّ يوم القتال كلّ يوم يسوق خيلا إلى خي ... لِ دِرا كما غداة غِبّ الصيال لامرئٍ يجمع الأداة لريب ال ... دّهر لا مُسْنِدٍ ولا زُمَّال هودانَ الرِّبابَ إذ كرهوا الدّي ... ن دراكا بغزوة واحتيال فَخْمة يرجع المُضافُ إليها ... ورعال موصولة برعال تخرج الشيخ عن بنيه وتُلْوِى ... يسَوام المِعزابة المِحلال ثم دانت بعدُ الرِّباب وكانت ... كعذابٍ عقوبة الأقوال

عن يمين وطول حبس وتجمي ... ع شتات ورحلة واحتمال من نواصي دُودان إذ حضر البأ ... س وذُبيان والهِجانِ العوالي ثم واصلتَ غَزوة بربيع ... حين صرَّفت حالة عن حال رُبّ رِفدٍ هرقنهُ ذلك اليو ... م وأسرى من معشر ضُلاّل وشيوخِ حَرْبى بشطيْ أرِيك ... ونساءِ كأنهنّ العالي وشريكَين في كثير من الما ... لِ وكانا مُحَالِفَيْ إقلال قسَما الطارِف التليد من الغن ... م فآبا كلاهما ذو مال رُبّ حَيّ سقَيتَهمْ جُرَعَ الموْ ... ت وحيّ سقيتَهمْ بسجالي ولقد شُنَّتِ الحروب فما غُمّ ... رت فيها إذ قلّصتْ عن حيال هؤلا ثم هؤلائك أعكيْ ... ت نعالا محفوّةً بمثال وأرى من عصاك أصبح محرو ... باً وكعبُ الذي يعطيك عالي وبمثل الذي جمعت من العُ ... دّة تنفى حكومة الجهَّال جندك الطارف التليد من الغا ... رات أهل الهبات والآكال غير مِيل ولا عَواوير في الهيْ ... جا ولا عزَّل ولا أكفال للعدا عندك البوارُ ومن را ... ليتَ لم يُعْرَ عَقْدُهُ باغتيال

لنْ يزالوا كذالكم ثم لا زِل ... تَ لهم خالداً خلود الجبال فلئن لاح في المفارِق شيبٌ ... يال بكر وأنكرتني الفوالي فلقد كنتُ في الشباب أباري ... حين أعدو مع الطِماح ظِلالي أُبْغِضُ الخائن الكذوب وأدْنى ... وصل حبلِ العَمَيْثَلِ الوَصَّال ولقد استبى الفتاة فتعصى ... كلّ واش يُريد صَرْم حبالى لم تكن قبل ذاك تلهو بغيري ... لا ولا لهوها حديث الرجال ثم أذهلتُ عقلها ربما يُذ ... هل عقل الفتاة شبْهُ الهلال ولقد أغتدى إذا صَقَع الدي ... ك بمهرٍ مُشَذَّب جوَّال أعوجيّ تَنْميه عُوذٌ صَفايا ... ومع العوذ قلّة الإغفال مُدْمج سابغ الضلوع طويل الشخ ... ص عَبْل الشّوَى مَمرّ الأعالي وقيامي عليهِ غير مضيع ... قائما بالغدوِّ والآصال فجلا الصَّوْن والمَضامير عن سِي ... دٍ جرى بين صَفْصَفٍ وَرِمال يملأ العينَ عادِياً وَمَقُوداً ... ومُعرّى وصافناً في الجِلال فعَدَوْنا بهرِنا إذ غدوْنا ... قارنيهِ ببازِلٍ ذيَّال

مستخفاً على القِيادِ دفيفاً ... ثم حسناً فصار كالتمثال فإذا نحن بالوحوش تُراعى ... صوبَ غيثٍ مُجَلْجِل هَطَّال فحملنا غلامَنا ثمّ قلنا ... هاجر الصوت غير أمر احتيال فجرى بالغلام شبه حريق ... في يبيس تذروه ريح الشمال بين عَير ومُلمِع ونَحُوصٍ ... ونَعام يرِدْن حوْلَ الرِّئال لم يكن غير لمحة الطرف حتى ... كبّ تسعاً يَعْتامُها كالمُغالى وظليميْن ثم أيّهت بالمه ... ر أنادي فداك عمى وخالي وظللنا ما بين شاو وذي قد ... رٍ وساقٍ ومُسْمع محفال في شباب يُسقون من ماء كَرْم ... عاقدين البرود فوق العوالي ذاك عيش شهدته ثم ولى ... كلّ عيش مصيره للزوال هذا آخر لامية الأعشى، بشرح محمد بن خطاب القرشي، من غير زيادة ولا نقص، كما في نسخة الجمهرة المطبوعة بالمطبعة الأميرية. وقال امحمد بن الطلب اليعقوبي أيضا: بُعْدَ ما بينَ منْ بذات الرّماح ... ومُقيمٍ من اللّوى بالنَّواحِ طالَ ليْلي بساحةِ الكربِ حَتى ... كِدْتُ أقْضي الحياةَ قبلَ الصباح إنْ أبِتْ ساهراً أُقاتِلُ هَمًّا ... قاتلاً ما لِبَرْحِهِ منْ بَراح

لِبما بتُّ خالِيَ البالِ خالٍ ... بأناةٍ من المِلاح رَداحِ يا خليليَّ هَجّرا للرّوَاح ... وَارْحَلا كلَّ بازلٍ مِلْوَاح يا خليليَّ ما شفى النفْسَ شافٍ ... كاعْتمالِ الجُلالةِ السّرْداح قَدْ تخيّرْتُ لاهتماميَ منها ... جَسرةً طالَ عهدُها باللّقاح رَبَعتْ في مجادِلِ الكرْبِ ترْعى ... جَلَهاتٍ بهنّ حُوُّ البِطاح يَبْدُرُ الطرْفَ بغيها كلّما لا ... حَ لها لائحٌ منَ الأشباح فكأني إذا الهواجرُ شَبَّتْ ... كلَّ حَزْنٍ على شَبوبٍ لياح مُفْرَدٍ باللّوَى يرُودُ دِماثاً ... لم يَرِدْهُنّ غيْرُ هُوج الرّياح زَعِلٍ باتَ طاوياً بكناسٍ ... بلّلَتْهُ الذِّهابُ هارِي النّواح فاسْتَفَزّتْهُ مَطْلعَ الشمسِ غُضْفٌ ... أُرْسِلَتْ مِنْ يدِي قَنيصٍ شِحاح

فَتَجَهَّدْنَ إِثرَهُ طالباتٍ ... وَاسْتمرَّتْ بهِ جنُونُ المِراح فاخْتَشى مِنْ لحاقِها ثمَّ أنْ ... حى نحوَها كَرَّ ذائِدٍ مِلْحاح فَكلاَ بعَضَها وبعضاً رآهُ ... وانبرى في القِفارِ كالمصباح فعسى تلك وادِّلاجُ الليالي ... وَدُؤبُ الإِمْساءِ والإِصْبَاح تُبْلِغنّي دِيارَ أمّ أُبيٍّ ... وَلَحْسبي بلوغُها منْ نجاح وقال أيضا: حَيّ الدُّوَيْرَةَ قَدْ عَفا طَللاها ... عُصُفُ الرّياحِ شَمالُها وصَباها ماذا عَناك منَ ارْسُمٍ بتَنوفةٍ ... دَرَستْ مَعالِمُها وَصَمَّ صَداها أمْ ما لِعَيْنِكَ لا تقَرُّ فَعَبْرَةٌ ... مِنها تمرُّ وعبْرةٌ تَغْشاها أمْ صابها وشْكُ الفِراقِ بعائرٍ ... فبكتْ وحُقَّ لها الغَداةَ بُكاها أمْ لا تزالُ لذِكرِ مَيَّةَ سادِراً ... تَبكى المَنازِلَ ضَلةً وسَفاها ما راعني إلا الحُمُولُ طوالِعاً ... حَدَبَ الأجَمِّ غُدَيّةً أولاها

كيفَ التجَلُّدُ لا تَجلُّدَ بعدَما ... شَطّتْ بأمِّ المُؤمنينَ نَوَاها عُوجى قَليلاً رَيْثما أشكو الذي ... قَدْ شَفَّ نفْسي مِنكُم وبرَاها ما كان ضَرَّكِ لَوْ رَدَدْتِ تَحيةً ... فيها لنِفسي لَوْ رَدَدْتِ شِفاها نفْسٌ تَخوَّفَها الفِراقُ تَخَوُّفاً ... فالبَيْنُ أَخْوَفُ ما أخافُ عَلاها واهاً لما أبْدَى لنا يومَ النّوَى ... مِنها الوَداعُ وقلَّ مِنَّ واها فكأنّ عَيْنيْ مُطْفِلٍ بخميلةٍ ... بَينَ الصرائم خاذِلاً عَيْناها وكأنَّ كشحيْها إذا لفَّتْ بها ... رِيحُ الشّتاء مُرُوطَها كشْحاها وكأن جيد جداية أو دُمْية ... في بِيعةٍ حاطا بهِ عِقداها وكأنّ أنْبُوباً رِواءً غِيلُهُ ... عِيجَتْ عَليهِ حِجالُها وَبُراها وكأنّ ناجُوداً بمغرُوضِ الصَّفا ... في حُرِّ أبْطحَ قدْ تَضَمَّنَ فاها قِفْ واسْتَلحْ واقْصِدْ بعَيْنِكَ نظرةً ... قَصْدَ الظعائنِ هلْ ترى أُخراها

هَيْهاتَ هَيْهاتَ الظعائنُ قدْ أتى ... فِنْدُ القُوَيْدِسِ دُونَ مَنْ تهواها يا ليتَ شِعْرِي والفِراقُ مُوكَّلٌ ... بالعاشقينَ مَتى يكونُ لِقاها وقال أيضا: ألا مَنْ لِبْرقٍ مُسْحِرٍ متبلّج ... أجُوجٍ كتَسْعارِ الحرِيق المؤجَّج سَرى في حَليٍّ مُشْمخِرّ كأنّ في ... جَنابَيْهِ عُوذاً وُلَّهاً مُتدَجْدِج قعَدْتُ لهُ بعدَ الهدُوِّ أشِيمُهُ ... ومنْ بَشِمِ البْرْقَ اليمانيَّ يَهْتَج ألا أَيُّهَا البَرْقُ اليمانيُّ عَرِّج ... وخَيّمْ على أطلالِ جَفْرِ الهُوَيْدِج وَرُمَّ منَ الأطلالِ ما قدْ عَثَتْ به ... من العاصفاتِ كلُّ هَوْجاَء سيهْج وعَلّلْ لَدى مَغْنى الأحَيْمِرِ مَنْهجاً ... لَنَا نَعْتَرِيهِ حِينَ نذهبُ أو نجى أَلا لَيت شِعْرِي هلْ تَغَيَّرَ بعدنا ... ومنْ يَعْتَلِقْ مَرَّ الحوادِثِ يَنْهَج وهلْ يُرْجِعَنْ مَغنى الأحَيْمرِ جابةً ... لِمُسْتَهْترٍ حَرَّانَ ذي لوْعةٍ شج

وَقَفْتُ بها منْ بعدِ عامٍ فهاجني ... لوَائحُ منها كالزبور المُثَبَّج أسائلُها عنْ جُمْلِها أَينَ يمّمتْ ... فَظَلْتُ بها مِثلَ النزِيف المُزَرَّج فرَدّتْ جواباً بعدَ لأيٍ مُلَجلَجاً ... ولَوْ عَلمتْ منْ سألها لم تلَجلَج وما أَنْسَ لا أنْسى عَشيَّةَ إذ رَنَتْ ... إِليّ بمطروفِ اللَّوَاحِظِ أَدْعَج عَشيَّةَ أَصْمتْني ولم تَدْرِ بغتةً ... فرُحْتُ وما أدْرِي الذهابَ من المجي بعَينيْ مَهاةٍ مُخرِفٍ بخميلةٍ ... أو أدْماَء مِنْ وَحشِ العُشيْرةِ عَوهَج رَمَتْني بَوضّاحٍ ظِماءٍ عُموُرُهُ ... بَرُودِ الثنايا ذي غُرُوبٍ مُفلّج وكشحٍ لطيفٍ كالجدائلِ طيُّهُ ... كلمْسِ الدّمقْسِ ذاتُ خَلْقٍ مُعْذْلَج وَنُشجى رَحِيباتٍ الدماليج والبُرَى ... بما شئتَ منْ غَيْلٍ رِواءٍ مُدَملج

وقال أيضا: لِمَنِ الدّيَارُ عَفَوْنَ بالنّمْجاطِ ... فالمَلْزَمَين كمُنهِج الأنماطِ فرُبا انْدَوشْتِ فذِي الحُدَيج فذي ذوى ... مائةٍ سقاها واكفُ الأشرَاطِ فسقى منازلنا على البئر التي ... مِنْ عنْ شمائلِ رِيعَتَيْ شِنْطاطِ دِمَنٌ قَضْيتُ من الصّبَا في عَهْدِهَا ... ما كان منْ يَوْمِ الغديرِ قَطاطِ فانهلَّ دَمعي أنْ عَرفْتُ رُبوعَها ... كالدُّرّ منْتَثراً من الأخياطِ فاليَوْمَ إذ وَسَمَ المَشيبُ شَبيبتي ... منْ وسمهِ المَشْنوءِ شَرَّ عِلاطِ فَسرى يُخَبِّط لِمتَّي لمَّا سَرَى ... يُرْدَ الصّبا عني بغير خياط وَرَمى بأَسْهُمِهِ الصّوائبِ شِرَّتي ... ومنَ السّهامِ صَوائبٌ وخَوَاطِ أَصْبَحْتُ ودّعْتُ الصّبا لا عنْ قِلّي ... والدّهرُ بالعِلْقِ المُفَجّع ساطِ

ودّعْتُهُ يا حَرِّ إلا إنه ... يرتاحُ للأظعانِ نِضْو نَشاطِي أَهَفُو لَهُنَّ إذا رأيتُ حُدُوجُها ... عُولَين بالتّمْاطِ والتَّنْواط ولقدْ أَرُوحُ مُعدّياً عَيْرانةً ... غَلْبَاَء ذاتَ تَشذُّرٍ وحِطاطِ عَنْسًا تُعارِضُ بالعَشيّ نَوَاجِياً ... مِنْ كلّ مَوجَدَةِ القَرى شِرْواط في إثْرِ أَظْعَانٍ سلكنَ بواكراً ... بينَ الصَّرِيمِ فمَنْبَتِ الأسباط أو سالكاتٍ مَقْصَراً منْ مَخرَمَيْ ... زُوكٍ تَؤُمُّ أُكَيْمة الأنباط أَوْ ينَتْجعْنَ مع العَشيْ مَراتعاً ... بينَ الأطِيطِ فأجْبُلِ انْتاجاط وقال أيضا: عَلَى مَ الأسى إِنْ لَمْ نُلِمَّ ونَجْزعِ ... ونَبْكِ عَلَى أَطْلالِ رأسِ الذُّرَيّعِ خليليَّ ما لخِلُّ الوَفِيُّ سوى الذي ... مَتَى تُسْرَرْ أو تَجْزَعْ يُسَرَّ ويجزع

فإِنْ كنتُما مني فموتا صَبابةً ... عَليها وإلا فلتُجنَّا معاً معي وإلا فما أوْفَيتما بذمامتي ... إذا أنتُما لم تَجْزَعَا مِثلَ مَجزَع أَلَمْ تَرَيَا الأطلالَ أَمْستْ مجائما ... بها أحْرَزتْ أّذْراعها كلُّ مُذْرِعِ فأَصْبَحْنَ منْ عينِ الأنيسِ أواهلاً ... بأشباهها منْ عين وَحْشٍ مُلَمَّع أَجدَّكَ عَيناكَ الطّموحانِ ضلَّةً ... مَتى تَرَيا رَأسَ الذَّرَيّع تدْمَع منازلُنا إذ عيْشُنا في غزارةٍ ... وسربُ التصابي آمِنٌ لم يُفزّع قَضَيْنا لُباناتِ الصّبا ونذُورَهُ ... بها ثمّ تمَّ اللَّهْوُ غيْرَ المُشنّع فمنْ يكُ لم تَنْضِرْ لُعاعةُ لَهوِهِ ... ولم يتَمَتَّعْ مِنْ تَصابٍ مُمتِّع فإِنَّ رَعيْنا أنْفَ ناضرِ رَوْضهِ ... مَحلَّ الخليط الجَوّ جوَّ المُبَيْدِع وإن تُسأل الأطلالُ يوماً شهادةً ... بما كان فيها منْ مصيفٍ ومرْبع تخبّرْ مرابيعُ المُبَيدِيع شَرْبنا ... بكأسِ التَّصابي منْ رَحيقٍ مُشعْشع وتُنبي رِضامُ الكَرْدِ عَنَّا بمثلهِ ... وما ثمَّ من سَهْبٍ دَمِيثٍ وأَجرع وتَشهد أيَّامُ الصّبا عند ربها ... بأن لَيْسَ فيها مثلُ عصرِ الذُّريع ولا كَمغاني ذِي المَحارة أرْبُعٌ ... فمنْ يأتنا فيهنَّ يرا وَيسْمع

يَرَى البيضَ كالأرآمِ من كلّ خَدْلةٍ ... ضُنُونٍ بمعْسولِ الحديثِ المُقطّع ويسمْعْ كما شاَء المَساميع من فتىً ... خَبيرٍ بتَحبيرِ الغِناَء المّرَجّع إذا رجّعَ التّغرِيدَ رِيعتْ لصوْتهِ ... رَوَائعُ صِينَتْ في الحجالِ الممنّع حَنينَ عجولٍ أمِّ بَوٍّ تُديرُها ... عجولٌ متى حَنّتْ تَحِنُّ وتَسجع كأنّ فُضولَ الرقْمِ قدْ جُعلَتْ على ... قَريعٍ هِجانٍ هائج متمنّع فإنْ يكُ نَسْرُ الشيْبِ يَوْماً عدا على ... غرابين هامٍ مِنْ لِداتَي وُقع وأضْحى زُلالُ اللَّهْوِ رَنْقاً وأصبحت ... قِلاصُ التَّصابي قد أنيخَتْ بجعْجع فيا رُبّ يوْمٍ قدْ أدَوْتُ لِربْربٍ ... هَجائنَ أشباهِ المَهى غير خُرَّع

وهمّى إلى جَيداَء غَيداَء لَدْنَةٍ ... بأقرابها تَرْديعُ مسكٍ وأيدَع أُخادعُ عنها القلْبَ أنْ يفَطُنوا بنا ... وقد كان عنها القلبُ غيرَ مخدَّع أرُوحُ عليها كلَّ يوْمٍ بفتْيَةٍ ... لهمْ في الذي أهْواهُ أيُّ تَسرُّع فيا مَنْ رأى مِثلَ اللّواتي تَزُورُها ... ومثلَ الألى يَأتونَها زُوَّرًا معي مَعي منْ بني اللهْوِ الكرامِ عصابةٌ ... ألا يَا لَقَوْمِي للِصّبَا المُتَرَعرع وبَيُّوتِ هَمّ ضافَني فقَرَيْتهُ ... مَسافةَ سَيْرٍ دائبٍ مُتَنَعْنِع على زَوْرَة مثلِ الفَنيقِ مُدلَّةٍ ... نهادٍ منيفٍ كالسَّقيفةِ جُرْشعُ تَذِبُّ بِشمراخٍ كأنّ فرُوعَهُ ... قُرُونُ هَدِيٍّ فُتِّلَتْ يَوْم زَعزع كأنَّ قُتُودَ الرَحْلِ غِبَّ كلالِها ... على ذِي وشُومٍ رائح أو هجنّع تُعارِضهُ رُبْدٌ تَزِفُّ عَشِيَّةً ... إلى زُعْرِ حَفّارٍ ببيْداَء بَلقَعِ أذلِكَ أمْ جَوْنُ السَّراةِ مُكدّمٌ ... يُقّلبُ حُقْباً منْ نَحُوصٍ ومُلْمع

وَفِتيْانِ صِدْقٍ قدْ دَعَوْتُ فبادروا ... لِمَحْمدةٍ تَغْلو على كلّ بيّع من آلِ أبي مُوسى بن يَعلى بن عامرٍ ... إذا شهدوا زانُوكَ في كلّ مجمع هُمُ ما هُمُ إِنْ تَدْعُهُمْ لِمَضوفةٍ ... يُجِبْكَ لما تَهْواهُ كل سَميْدَع على حافِظٍ منْ عَهدِ شِرْبُبَّ حافظوا ... على مَلْكِهِ مِثلَ المَجَرَّةِ مَهيع لآباءِ صِدْقٍ وَرَّثَتْهُمْ جُدُودُهُمْ ... مَساعىَ ما مَنْ رامَها بالمُطوَّع وأبقى مراسُ الحَرْبِ منهمْ بقيَّة ... بحمدِ الإلهِ لا تَلينُ لِمُظْع سمى نجْلُ عبدِ اللهِ سامٍ بمجدِهِمْ ... إلى باذخ ما إنْ يُرَامُ بمطلَع إلى جَعْفرٍ حِبّ النبي وابنِ عمهِ ... هوَ الفَحلُ مَنْ يكلُفْ مَساعيهِ يطلَع حُلومُهمُ أَحْلامُ عادٍ ودِينُهمْ ... بَنَوْهُ على الأسّ القَويم المُمَنّع بَنَوْهُ على نَهج النبيّ محمدٍ ... فيا لكَ منْ نَهْجٍ هدًى مُتَتبَّع همُ شيَّدُوا أركانَهُ برِماحِهمْ ... فما مالَ حَتى صُرّعوا كلّ مَصرَع وأبقى مِراسُ الحَرْبِ منهمْ بقيَّةً ... بحمدِ الإلهِ لا تلينُ لِمُفظعِ همُ مَلكوا ما بين شرْقٍ ومغربٍ ... وسادُوا هُمُوا بالحلمِ لا بالتَّترُّع لنا هَضبةٌ أعْيتْ على منْ يكيدُها ... إذا غَمزوا أركانَها لم تلَعلَع

وإنَّا إذا ما النَّائباتُ تضَعْضعتْ ... لها حُلماءُ الناس لمْ نَتَضعضع تَرَى منْ سِوانا يَدَّعينا ولا نُرَى ... لغيرِ أبي مُوسى لعمْرُك ندَّعي بَني عامرٍ أحسابكمْ لا تُضِيّعوا ... منَ أحسابِكم ما كان غيرَ مُضيَّع وقال أيضا: قِفْ بالمَرابيعِ منْ جوّ المُبَيْدِيع ... سَقى المُبَيْدِيعَ مِرْبابُ المَرابيعِ سَقْياً لهُ وَلجَرْعاءِ المَشاقِرِ منْ ... غَوْرِ الشَّقيقَةِ ذاتِ الخُلْدِ فالرَّيع إلى الشّواجنِ منْ وادِ الحِاء إلى ... طَوْدِ الحِصان فَغُلاّنِ المَقاطِيع وَقِفْتُ أبكى بها سَحًّا بأرْبَعةٍ ... بمُدْنِفٍ بدِلِ الأوْصالِ مَرْبُوع أمْ هَلْ تَصبّتْكَ ظُعْنُ الحيّ باكرةً ... بالجزع كالنّخلِ قدْ همَّتْ بتَجزِيع فقُلْتُ للِنَّفْسِ إذ جاشتْ لبْينِهِمُ ... صَبْراً ويا رُبَّ نُصْحٍ غَير مَسموع أخادعُ النَّفْسَ عَنْهُمْ وهي خادِعتني ... جَهْلاً وما كنتُ عن رأيي بمخدُوع فقُلْتُ لمَّا أبتْ نَفْسي مُصاحَبَتي ... دُونَ الحُدوج ولم تَسمَحْ بتَشييعٍ

أُرَاقِبُ الحيَّ حتى إذ رأيتُهُمُ ... جَدُّوا سِراعاً وما عاجوا لتوْدِيعي وأجمعُوا الأمرَ أنْ لا وَعْيَ إذ رَحلوا ... عنْ جانبِ السّبْحةِ الشرْقيّ ذِي القيع رَصَدْتُهمْ بالثنايا الخُضْرِ أرْقُبُهمْ ... كيما يَقيلوا مَقيلي بعدَ تَفْجيعي فحادَ بالظُّعْنِ عَنْ قَصدي وَروّعني ... حادٍ لهمْ كانَ مَعْنِيًّا بتَرْويعي ما زِلتُ أُتْئِرُ طرْفَ العَينِ نَحْوَهُمُ ... فالعَيْنُ قدْ مَسَّها طَرْحي بتَرْسِيعِ حَتى إذا الشمسُ ألْقتُ في الظلامِ يداً ... وَجدّ أعْلامُها منه بتَلفيعِ أتْبَعتُهنَّ سَبَنْداةً عَرَنْدسَةً ... تَنْضُو الجيادَ بموضوعٍ ومَرْفوع تَرَبّعَتْ بينَ أصواء الثُّدِيّ إلى ... خَبْتِ الدَّوِيَّةِ في غُفْلٍ ممارِيع كأنَّها لِقْوَةٌ شَقْواءُ عادِيَّةٌ ... للِصَّيْدِ نُطّقَ جَنباها بِتَوْلِيع بَينا تَقَحَّمُ في الظلماء جافلِةً ... لاحَتْ لها النّارُ بالعَلْيا منَ الرّيع

إِذا سَجَتْ هَبَّ هَبُّ الرّيح يصْفَقَها ... صَفْقاً وألوَى بها رِيعُ المبْيدِيع كأنّ بالجوّ شِملالاً تصِفُّ بها ... صَفًّا وتَقبِضُ منْ فُتْخِ المَلامِيع يا مُوقِدَ النارِ أوقِدْها فلا شَلَلاً ... لازَال شملُكَ مَرْمُوماً بتَجمِيع فِدّى لنارٍ هَدَتني أنتَ تُوقِدُها ... شُبّتْ بأرْطى وأطْلاحٍ وَيَتُوع نارٌ تُشَبُّ بغارٍ في ذُرَى إضَمٍ ... هدَتْ حُميْداً إلى حُورِ المَداميع والغارُ والنَّدُّ والعَلْياءُ منْ إضَمٍ ... تَفْدِى اليَتُوعَ وَعَلْياَء المُبيْديع ما زلتُ أَهْوى ورأيُ العَينُ يُؤْبِسُني ... مِنها وَيُطمِعُني نَصّي وتَرْفيعي حَتى أَضاَءتْ مَهىً صُفْراً تَرائِبُها ... بِيضاً مَحاجرُها حُمْرَ الأصابيع فيها أُسَيْماءُ وَاأسْما لمُخْتَبِلٍ ... يَهذِي بذكراكِ لِلهجْرانِ مَصدُوع

لمَّا وَلَجْتُ عليها الخِدْرَ فانبهرَتْ ... والقَوْمَ ما بينَ وَسْنانٍ ومَصْرُوع مَدّتْ إليَّ على ذُعْرٍ لتَعْرِفَني ... خُضْباً أيانيعَ أمثالَ اليَساريع فَبِتُّ أقْصَعُ منْ حرِّ الجوى غُلَلاً ... حُمّلْتُهَا مُنْذُ أيَّامِ اليُنَيْبع تَعرَّضَتْ ليَ مُغْتَرَّيْنِ وا أسفي ... فَفَجَّعْتني ولم تَشْعَرْ بتَفْجيعي بذِي رِعاثٍ رَبيبٍ منْ مَهى رَجم ... أحْوى المَداميع بالجادِيّ مرْدُوع فحلَّ بالقَلْبِ ما قدْ حَلَّ منْ شَغَفٍ ... منْ فاجِع ما دَرى ما خَطبُ مَفْجُوع وقال أيضا: هاجَ المَنازِلُ منْ نِعافِ عَقَنقَلِ ... تِنْوَا كُدَيْلَ عُقامَ شَوْقٍ مُخبِلِ فالرّبعِ ذي العَرصاتِ فالقاع الذي ... دُونَ الأجارعِ منْ أميلِ تَمَرْذُل دَارٌ لمْيمُونَ التي فعَلَتْ بهِ ... فَعَلاتِهَا ومَشَتْ كأنْ لم تفعَل دارُ التي سَبَتِ الفؤادَ بِدَلّها ... يوْمَ النُّبيكةِ ثمَّ يوْمَ المعْقِل

صابتْ علائقَ قلْبِه بسِهامِها ... عَمداً على عينٍ ولمَّا تَحفِل أصْمَتْ أخاك لَوَ أنّ ما فعلَتْ بهِ ... ساءِ لهُ منْ جُرْحٍ أو منْ مَقَتل فعِمى صَباحاً دارَها ثمَّ اسْلمي ... وسقاك طوْعَكِ كلُّ غادٍ مُسْبل عُوجا على الأطلالِ نقْضِ لُبَانَةِ ... نشكو الهوَى ونُحيّهنَّ ونسْألِ إنّ المَنازلَ لوْ تُجيبُكَ عِندَها ... خبرُ المُكتّمِ منْ مَصون الدُّخْلُل نصَفَ النَّهَارُ وصُحبتي يَدْعُونني ... وأنا أُسائِلهَا كمنْ لم يسألِ فلئنْ سَقاني مرَّةً عِرْفانُهَا ... أنفاسَ تهمامٍ كطعْمِ الحَنظل فلقدْ أظلُّ بغرَّةٍ أسْقى بها ... أشْهى وأطيَبَ منْ رَحيق السّلْسل منْ ظلمِ بَاسِقَةٍ كأنّ أرِيجَها ... مَشمُومُ نافحةٍ بماءٍ قَرَنْفُل قدْ أكملتْ ما شِئتَ إلا أنها ... عِشرُونَ منْ أعوامِها لم تكمل ولقدْ قعدْتُ إلى الصباح لِناعِجٍ ... مُتَخمّط هَزِمِ الهَديرِ مُجَلْجِل يَحْدُو بأبكارٍ هَجَائنَ دُلَّحٍ ... كُومٍ خرائعَ كالجمالِ البُزّل

ما زالَ ينَدْهُها فلما أنْ عَلا ... تَرْق إلى بَطن النشيرِ فأيْمُل ألقى بَوَانِيَهُ بهنَّ مُعَرّساً ... ثمَّ انْتحى بجرانهِ والكَلْكل يسقى الذِّراعَ فتيجريتَ مُدَوّما ... مَنْ خَبْتِ عَيْشَ إلى مَدافع تنْضُل وغداة بها نحوَ الزّفالِ فتيرسٍ ... يَقضي منَ التسْحاح ما لم يفعلِ وقال أيضا: حَيّ منْ ساحةِ المبيْدِيع دُورَا ... جَنْيةَ الريع قدْ دَثَرْنَ دُثُورا قدْ أضرَّ البلى بها غير لَوْح ... منْ رُسُوءٍ تَخالهُنَّ زَبُورا وبقايا منَ ارْمِداتٍ تقَيها ... خالداتُ الصَّفا الصَّبا والدَّبُورا حَبذا هنَّ منْ معاهدَ لولا ... أنّ للدَّهْرِ عَثرةً وحُبُورا فقِفا وابكيا وعُوجا وَجُودا ... بمصُونِ الدّموع جَوْداً مَطُورا وإذا ما لم تُسعِدانِي فعُوجا ... إنَّ غَدْراً أنْ تمنعَاني المُرُورا

إِنَّ عِندِي لها إذا لم تُعينا ... مِقْوَلا مُسْعِدَا وَجَفناً دَرُوُرَا وفؤاداً على صُرُوفِ الليالي ... وانْصَرافِ الصِّبا لِجُمْلٍ ذَكورا إِنَّ جُملاً مَتى تُلَّم بجُمْلٍ ... تَلْقَ جَيْدانةً عَرُوبَا ذَعُورا أوْحَشَ النّيشُ بعدَ أترابِ جُملٍ ... ولقدْ كان آهلاً معْمُورا فإلى الرَّقمتينِ منْ مُنْحنى المَوْ ... ج بحيثُ الصَّفا يرى التَّيْثورا فالدِّيَارُ التي بجنْبِ قُديْسٍ ... عادَ مَعْمُورُ خَيْفِها مَهْجورا فَلنا في لِوَاهُ أيَّامُ عِيدٍ ... عَزّ منْ قدْ بدا بهنَّ الحضورا حِينَ إذ جُمْلُ منكَ غيرُ بعيدٍ ... لا يُعْنّيكَ أنّ ترى أو تزورا حِينَ إذ هِيَ بالبناتِ تَلهَّى ... يا لَها شادِناً أغنَّ نَفُورا وإذا رَيْتَ ثمَّ رَبْتَ نَعيما ... طابَ ما شئتَ لذَّةً وحُبُورا قدْ قضينا به نذورَ التّصابي ... وتَغيَّرْنَ منهُ فيهِ الخمُورا وتمتَّعْتُ منْ جناهُ ولكنُ ... ما مَتاعُ الحياةِ إلا غرُورا دَرَّ دَرُّ الشبابِ من خِدْنِ صدْقٍ ... غيرَ أني ظننتُ أنْ لنْ يحُورا إنّ في القلب منْ جَنَاهُ عُلالا ... تٍ أتى الشيْبُ دُونَها والنُّذُورا وقال أيضا: أقُولُ لِرَاع الذَّوْدِ بينَ شُلَيْشِلٍ ... ولَبَّةَ والعيْنانِ تنْهمِلان

أيا راعيَ الذَّوْدِ الهجَائنِ قِف مَعي ... سقاكَ حَييٌّ ذو أجَشَّ يمانِ ولا زِلتَ في عَرْجٍ تُنتّجُ بكْرَهُ ... وجُلَّتَهُ ذا ثَرْوةٍ عكَنانِ أسائلُ عنْ حيِّ الشقيقةِ إنني ... وإيَّاكَ يا راعِي لِمُسَّئِلانِ فقال انْتموْا لِلْمَوج واحْتَثَّ ظعْنَهمْ ... غُديَّة حادٍ ليس بالمُتوانِ فكلفْتُ همّي إثْرَهمْ ذا عُلالةٍ ... خَبيرٍ بنصّ الوخدِ والذَّمَّلان به ظلعانٌ مُستبانٌ ومَنْ يجدْ ... كوَجدىَ لا يلوى على الظَّلَعان وقال أيضا: أخيراً سَرتْ بَعدَ الهُدُوّ بلابلُهْ ... فلا هَمّ إلا دون هَمٍّ يقاتلُهْ لِشَيْمِ بُرَيْقٍ لاحَ من نحو ذي الغضا ... كلَوْح الضّيَاءِ المُسْتطيرِ مَخائِلُهْ وتَكارُ أيامِ المُبيديع شاقني ... ألا حبَّذا أيامُهُ وليائِلهْ عفا النيشُ ممنْ هُوَ بالأمسِ آهِلهْ ... مخارمهُ فسفحُهُ فمجادلهْ فَسُهْبُ الكديد فالغُشيْواءُ فاللّوى ... لِوى السّاقِ بعد الأنْسِ قَفْرٌ منازلهْ فَرأْسُ الذُّريْعِ فالطويلةُ فالأضا ... أضاءُ الغُوَيْرِ فالذراع المقابلُهْ فَوادى النَّعامِ مُقفرٌ جلَهاتُهُ ... ففَرْشُ الخليج سَهْلهُ فُضلاضِلُهْ فعُهدَةُ فالغُلاّنُ منْ ذي محارةٍ ... فخيشومةٌ قِيعانُهُ فمسائلُهْ

منازلُ لوْ غَيْلانُ ميّةَ شاهِدٌ ... بها إذ صِبانا لا ترُوعُ غوائلهْ لما استَحبلتْ عينيهِ يوْماً محلّةٌ ... بحُزْوى ولا جَوّ الملاَ وجُلاجلُهْ وقال أيضا: عِندَ الأُخَيْضِر ما يشفيك لو نَطقا ... فحيّهِ حَيّهِ منْ أجلِ ما سبقا إذْ كان يحملُ أمَّ المؤْمِنينَ لدى ... إنْيا شَوانَ تَرى في سيْرِهِ عنَقا بينَ الظعائن لا أدْنُو لواحدَةٍ ... حتى إذا جُعِلَتْ مُطيُّها حِزَقا أبدى التفرُّقَ ما قدْ كنتُ أكتمهُ ... وعُجْتُ نَحْوَ التي أهْوى بها يقَقا أمْشى بجانبها حتى إذا رَفعتْ ... يدَ السّياطِ كما يجلو السَّنا غَسَقا أرْمى بنَظرةِ عينٍ لا اصْطِبارَ لها ... منْ فُرْجةٍ صَغُرتْ من سجَفها سَرقا إلى خُصورٍ لها مثلِ الجديلِ ترى ... إذا نظرْتَ لها منْ بينها عَرقا أمْسَتْ أميْمُ لدى دامانَ منزِلُها ... سقاهُ كلُّ مُلِثٍّ يحملُ الودَقا وقال أيضا: ولمّا رأينا منزلا كان قبل ذا ... مَصيفاً لأُمّ المؤمنينَ ومرْبَعا تداعتْ دواعي الشوْق منْ كلّ وجهةٍ ... فأذرَيتُ دمعَ العين مثنى ومرْبعا

وقال أيضا: حيّ المنَازِلَ بالكدِيدِ الأحمرِ ... بالجنْبِ منْ طورِ الحِصانِ الأيسرِ أمْسى الكديدُ طوامساً أعلامُهُ ... قَفْرَ المحلَةِ يا لهُ منْ مُقْفِرِ ولقدْ أراهُ وهْوَ ذو مُتوسّمٍ ... تَنْدى أصَائلهُ أنيقَ المَنظر كان الكديدُ من آل الأصْفِر آهِلا ... فاليومَ أَوْحَشَ بعدَ آل الأصفر ما أنْسَ لا أنْسى أصيلا بتْهَمْ ... بين العذارى عاطلا في مئزر بَرزتْ بجيدٍ جدايةٍ مذعورةٍ ... وبكشح جازئةٍ وعيني جُؤذُرَ إنْ كنتَ تَدْرِبها الغداةَ فإنها ... صادتْ فؤادكَ وهي لمَّا تَدَّر وقال أيضا: سَرَتِ الجَنوبُ ولاحَ لي برْقُ ... صَوْبَ الخليج فعَادني أرْقُ يخفو فيطرِينُي وليسَ سِوى ... خَفقِ الفُؤادِ كخْفِقِه خَفْقُ فكأنما تَحدُو بوارِقهُ ... خَيلٌ تجُولُ جَلالَها بُلْقَ قدْ لاحَ مُسْتَحراً فقلتُ لهُ ... رأسَ الذُّرَيّع أيُّهَا البَرْقُ فاسقِ المُقَيْلةَ فالطويلةَ فالْ ... إفلاج حَيثُ تَصرَّمَ العَرْق جاد الذُّرَيعَ ذو جَدىً هَمِرٌ ... يُرْويهِ لا رَنِقٌ ولا طَرْقُ يا حبذا دَوْحُ الذُّرَيّع ذي ال ... ظِل الظليل وَرَمْلُهُ اليَلْق بلْ حبَّذا عِينٌ تَقيّلهُ ... بيضُ التّرَائبِ خُرَّدٌ عُتْقُ يَعْكفْنَ ضحواً في مكانِهِ ... فَطريقُهنَّ لِفَيئهِ دَعْقُ

حتى إذا ما الشمسُ قدْ جَنَحتْ ... واجْتابَ جِلْبابَ الدُّجى الأفق رَجَعَتْ تَجُرُّ الرَّيْطَ رائحةً ... للِطيبِ منْ أرْدَانِها عَبْقُ وتُرُوحُ عائشُ بينَهُنَّ كما ... قدْ ذَرّ بيْنَ سحائبٍ شَرْقُ رَقْرَاقَة جَيدانةٌ أنُفٌ ... للِزّعْفرانِ بنَحرِها شَرْقُ لم تعْدُ عَشْراُ واثنتين مَضتْ ... وسَما بها عنْ تِرْنهَا العِتْقُ تَجلو ثَماناً هلْ رأيتَ بَنَا ... تِ الغيْثِ وَيْكَ لِظلْمها بَرْق وكأنَّ رِيقَتَها إذا وسَنتْ ... صَهْباءُ أنْحلَ جِرْمَها الصَّفقُ وكأنّ رَيَّاها إذا نشأتْ ... نَشْرُ الخُزام جَلا بها الوَدْقُ أبصرْتُهَا مُغْتَرَّةً فكأنْ ... هَتْكَ السّقافَ مَعابلٌ زُرْقُ راحتْ ورُحْتُ سليمةً وصِباً ... أو مثلَ ما منْ يفعل العشق إنْ لا يكنْ سعْد السُّعودِ إذاً ... فله السُّعودُ جميعُها أُفقُ كم دُون عائِشَ قدْ تَعَرَّضَ منْ ... فَجِّ تُصِيبُ أفِجّة عُمْقُ هلْ تُبْلِغنّي دارَها أجُدٌ ... زَيَّافةٌ في مشْيها خُرْقُ تغَنالُ أعماقَ الفِجاجِ إذا ... أمْسى تَغوَّلَ غَوْلهُ الخرْقُ وقال أيضا يتألم من كثرة التيمم في الناس، وقلة الوضوء:

أهاجَكَ رَسْمٌ بالغُشَيْواءِ مائلُ ... كما لاح جفنُ السَّيْفِ والسَّيْفُ ثامل ومَغْنىً بميثاءِ القرارةِ بَعثَرَتْ ... مُعالِمَهُ هُوجُ الرّياح الجَوافِلُ وقفتُ بها فاسْتَجهلْتني رُسُومُها ... وما الجَهْلُ إلا ما تهيجُ المُنازلُ فدعْ ذكرَ أيَّام الشبابِ فذكرُهُ ... أخيرٌ وقدْ ولّى ضلالٌ وباطلُ ولكنْ إلى الرَّحمن فاشْكُ مُصيبةً ... ألمَّتْ بنا ما إنْ إليها المَعاضِلُ مُصِيبةُ دينِ اللهِ أَمْسى عِمادُهُ ... كمنفُوسِ حُبْلى غَرَّفتهُ القوابلُ تظاهرَ أقوامٌ عليهِ فطمَّسُوا ... هُداهُ فهمْ عادٍ عليهِ وخاذلُ فحسَّانُ عادٍ والمُهدَّى بهَدْيهِ ... وجُلَّ الزّوايا فيه عنهمْ يُجادلُ يُجادلُ عنهمْ ذِلَّةً وطماعةَ ... ألا لُحيتْ تِلك اللّحى والحواصلُ فهمْ يدّعون الدِّينَ والدينُ منهمُ ... مَناط الثريا رامها المُتناوِلُ يُصلون لا يأتونها بطهارةٍ ... وعندَ الأذانِ نَوْؤُهمْ مُتكاسلُ يُصلون دَأباً بالترابِ جَهالةً ... بأفوَاهِهمْ تُرْبُ الحصى والجنادِلُ يقولونَ مَرْضى هلْ سمعْتَ بأمةٍ ... بها مَرضٌ قدْ عمَّها لا يُزايلُ نَعمْ مرضُ القلْبِ المعَدّ لأهلهِ ... بهِ درك النارِ الحِرارُ الأسافلُ وأما تكاليفُ الرّجالِ التي أتَتْ ... منَ اللهِ آياتٌ بهنَّ نَوَازِلُ

فقدْ أغفلوها مُسْتَحَلّينِ تَرْكَها ... وقدْ أغفلوها فهيَ منهمْ بواهلُ لخانوا أماناتِ الإِلهِ وعَهْدَهُ ... وما اللهُ عما يعملُ القومُ غافلُ ويبكونَ أنْ ضلّ البعيرُ سفاهةً ... وأن تظمأ الشَّولُ الجوازى الأوابل وأن تَقفَ البَيْقُورُ عندَ وُرُودِها ... هُناك التّبكي مِنهُمُ والتقاتُلُ فَهلاّ على الدينِ الحنيفِ بكيْتُمُ ... فلا رقأتْ تلك الدُّموعُ الهواملُ لِيبكِ لدينِ اللهِ منْ كان باكياً ... فقدْ قُطعتْ منهُ العُرى والوسائلُ ولم يَحْمِ دِيناً مُستباحاً حَريمُهُ ... منَ المعتدى إلا القنا والقنابلُ وفِتيانُ صِدْقٍ صابرون لربهمْ ... يُحامون عنه وهو عنهمْ يُناضلُ يَحْشُّون حَوْماتِ الوغى بنفوسِهم ... إذا هابها الثّبْتُ المِحَشُّ المُباسل وقال أيضا: أولى له أنْ يريهِ الهمُّ والشَّجنُ ... إذْ لَمْلَمَ الظُّعْنَ يَوْمَ الرحلةِ الظَّعنُ أشكو إلى اللهِ ما لاقيْتُ بعدَهُمُ ... غُدَيَّةَ المَوْجِ لمَّا اعْرَوْرَفَ الظعنُ وضحضَحَ الآلُ بالمَعْزاءِ دونَهُمُ ... كما تكَفَّأ وَسْطَ اللجةِ السُّفُنُ وفي الحُمُولِ بخَنْدَاةٌ مُخدَّرةٌ ... ما شانَها خَوَرٌ فيها ولا دَنَنُ كسْلى منَ اللاَّءِ تُمسى وهي نائمةٌ ... إذا نفي النَّوْمَ عنْ جاراتِها المَهَنُ

أمَا ومنْ حَجَّ أرْبابُ الحجيج لهُ ... وحيثُ تُنْحَرُ عِندَ المَشعْرِ البُدْنُ لولا أمَيْمَةُ والماءُ النَّميرُ وما ... منْ طابةٍ طابَ إذ يجري النَّدى الوهَنُ لمَا تَبِعْتُ حُدُوجاً بالمَطيّ ولا ... باليْتُ ما جرَّ منْ إحداثهِ الزّمنُ وله أيضا: بتُرارِين مَرْبَعٌ للِرَّبَّابِ ... حَسنٌ لوْ أبانَ نُطْقَ الجوابِ وبآمِلِّ حَوْلهُ رَبْعُ سَلْمى ... صَيَّرَتْهُ اللّيال رَقْمَ الكتاب أقفَرَ اليوْمَ من سُعادَ وسُعدى ... لُجَّ يا قلْبُ في شَجىً واكتتاب وله قصيدة من بحر الخفيف، ولم يبق في ذهني منها إلا بيت واحد وهو: بكَرَ العاذلاتُ باللّوْماءِ ... رُبَّ لوْمٍ أحثَّ منْ إِغراءِ وليس هو مطلعها، ومطلع قصيدة يمدح بها بكار بن أسويد أحمد شيخ إدوعيش: بكّارُ إنّكَ رَوَّاحٌ وَبكّارُ ... للِمَكرمُاتِ وَنَفَّاغ وضَرَّارُ وله من قصيدة، يرثى بها العلامة مولود بن أحمد الجواد الآتي بعده. ومطلعها: أقولُ لمَّا نعى النَّاعُون مَوْلودا ... نَعَيْتُمُ العِلَم والمعروفَ والجودا نعى النُّعاةُ الجوادَ ابنَ الجوادِ ومنْ ... أمسى به الضيفُ بعدَ الجدّ مَجدودا نعى النُّعاةُ الجوادَ ابنَ الجوادِ فقدْ ... أضحى الفؤادُ لنعى الجودِ مَعْمودا ومنْ إذا الهمُّ ضافْتهُ بلابلُهُ ... كان القِرى أنْ يَنُصّ الضُّمَّرَ القُودا ومنْ إذا ثرَ المُنْجابُ منْ خَورٍ ... نَوْماً ودِفءً تراهُ يألفُ البِيدا على تِنِجَّنْ ألِمَّ تَبكيانِ بها ... صِنديدَ مجدٍ لأشياخٍ صَناديدا كم شَنَّ مَصْرَعُهُ منْ دَمعِ باكيةٍ ... مِنَّا وباكٍ لهُ لم يُبقِ مَجلودا

ومنها: دَعِ الحواصِنَ يَنْدُبْن الهُمامَ فلا ... عُدّتْ من البيضِ منْ لَمْ نْبكِ مَوْلودا يَنْدُبْنَ نَدْباً أبيَّ الضَّيْم ذا فخرٍ ... حُلْوَ الشمائلِ في العَزَّاءِ محمودا قدْ كان لِلمَجْدِ والعَلْيَاءِ مَشْهدُهُ ... رُكناً فأصْبَحْ رُكنُ المَجدِ مَهدودا ومنها: يا رَبَّنا أَوْلِ منْ نُعْمَاكَ مَوْلودا ... عَفْواً وظلاً من الفرْدَوْسِ ممدودا وَأَوْلهِ الماَء مسكوباً وفاكهةً ... والسّدْرَ والطلْحَ مخضوداً ومنضودا وقال أيضا: لا القلْبُ عنْ ذكرِ أمّ المؤمنين سلا ... ولا أرى عاذلاتي تتركُ العَذلا بلْ لا أرى لوْمَ من يَلْحُو ومن عذلا ... ألاّ يزيدُ عليَّ الهمَّ والخبلا ولا أراني أرى رَسْماً ولا طللا ... إلاّ وساءلتُ عنها الرسْمَ والطللا هي التي أنا لا أبغي بها بدَلا ... منْ غِيدِ عَثْمةَ ذاتِ الضّالِ من أجلا هي التي لِلقاها أفْرَحُ الجَذَلا ... ونَيليَ الوصلَ منها نيليَ الأمَلا هي التي ألبَسَتْ غِيدَ الورى الخجلا ... وتحتَ أخماصِها اليافُوخُ من زُحلا فإنْ تكنْ تَبتغي أن تُدْرِكَ الأملا ... فَلْتَتبِعنْ حَيَّها أَيَّان ما ارْتحلا وارْحلْ مراحلهُ واعملْ كما عمِلا ... وانْزِلْ منازِلهُ أيَّان ما نَزَلا ومنها: أرى الهوى غيرَ ما حمّلتني جَللا ... ولا أرى غيرَ ما حمّلْتني جَللا فمنْ يكنْ سالياً عمّن يُحبُّ فَلا ... ذَا القلْبُ عن ذكرِ أمّ المؤمنين سلا

مولود بن أحمد الجواد

وله أيضا من أبيات: لجَّ في دائهِ القدِيمِ المُمَاني ... منْ جُنونِ الصّبا وَلاَتَ أَوانِ لجَّ في غيهِ فلَجَّ بهِ الهَتْ ... رُ لِعِرْفانِ دارِساتِ المَغَانِ وله أيضا: حَيّ بين النقا فآدُكْمارِ ... أرْبُعاً قدْ بَلينَ مُذْ أعصارِ أرْبُعاً منْ مَلاعبِ البيضِ أمْستْ ... مَلْعباً للِرّياحِ والأمطارِ أرْبُعاً في الحشى حَششْنَ أُواراً ... منْ قديمِ الهوى لاِعْوَيْشَ وارِ إلى هاهنا، تم ما تسنى من شعر نابغة شنقيط، وما عثرت له على قصيدة وفاتتني كلها، إلا قافية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، رأيتها مرة واحدة عند شخص، وكان الوقت ضيقاً. مولود بن أحمد الجواد ويعرف بأحمدا جويد، بالتصغير العامي. هو العلامة النحرير، اللغوي الشهير، أحد أعلام تلك البلاد، وإليه المرجع وعلى أقواله الاعتماد. وكان مشهورا بسرعة الجواب، مرهوب الجناب، نزل يوما عند العلامة الصالح، ولي الله أحمد بن العاقل الديماني، فلم يقابله بنفسه إلا بعد بطء، فعاتبه على ذلك، فصرّح له بأن السبب تمزيقه لأعراض المسلمين، فقال: إنهم يبدؤني فأتقن. وتلا قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فعارضه الشيخ بآية، لم تحضرني الآن. فقال له: أنتم إذاً تؤمنون ببعض الكتاب، وتكفرون ببعض. وتكلم رجل في مجلس هو فيه وقال: هذا لا يمكن، وفتح حرف المضارعة،

فقال: هو لا يمكن لا يمكن، ففتح أولا على الحكاية، وضم ثانيا ليوضح غلطه، وقال رجل أيضا: هذا يَزرى بالمروءة، وفتح حرف المضارعة. فقال له: يَزْرى بالمر والمروءة يُزْرى بالمروءة، ففتح حرف المضارعة أولا على الحكاية، وضم ثانيا ليبين خطأه. وهذا رحمه الله وقع منه على طريق التبكيت لذينك الرجلين. وقد وقع منه هو ما يناقض هذا، فقد خطأه يوما إنسان، وكان يقرأ، فقال له: أتريد مني أن أجمع لك بين القراءة والإعراب، اقرأ أنت، وانظر ما أخطئك أنا فيه، وهذا هو الصحيح. فإن محمد بن يزيد المعروف بالمبرد، لحن يوما في مجلس أحد الخلفاء، فعاب ذلك عليه، وقال له: كيف تلحن وأنت إمام اللغة، فقال له: إن الفصاحة في حقنا تكلف، فإذا جريت على الطبع ألحن، وإذا أحضرت ذهني لا ألحن، فاستحسن ذلك منه، ولو استحضر هذه الحكاية بعض العلماء في مصر، كان أحسن لهم، فإني كثيرا ما حضرت في مجالس بعض أفاضلهم، الذي تتردد عليه العلماء، وله عليهم الفضل الوافر، فإذا قرأ في كتاب، تراهم يردونه من غير أن يعهد إليهم ذلك، ولابد إنه يتأثر في الباطن، لأنه تجهيل له في الحقيقة، ولله در القائل: ومصلح الشكل لدى حكايه ... غير حديث المصطفى والآيه من غير إذن منه أو قرينه ... قد فاته الأدب والسكينه ومن أجوبة مولود الحاضرة، إنه كان في مجمع من أهل الفضل، وكلهم غرباء. وكان ذلك في شهر رمضان، في آخر ليلة منه، فخرجوا ينظرون الهلال، فقال مولود: يا رب صائمه لن يصومه، وقائمه لن يقومه، كلمة كانوا يقولونها عند انقضاء رمضان، فقال أحد الحاضرين: من هذا الذي لم يبلغ حروف الجر في الألفية، فقال مولود: من ذا الذي لم يتجاوز حروف الجر إلى ما بعدها، يشير الأول إلى قول ابن مالك في حروف الجر: واخصص بمذ ومنذ وقتا وبرب ... منكراً والتاء لله ورب

ويشير مولود إلى قوله في الإضافة: وإن يشابه المضاف يفعل ... وصفا فعن تنكيره لا يعزل المراد بمشابهته ليفعل، كونه للحال أو للاستقبال، وكان مولعا في شعره بالمعاني البعيدة التي تشبه اللغز ومن ذلك قوله: أيها الناس للصلاة أقيموا ... واستعينوا بها على كل بوس قدّموها وأخروا ما سواها ... إنها فرض عين كل أنيس قدِّموها وأخروا ما سواها ... لا يصلي الصلاة غير مجوسي هي ليلاي فرتنايَ ربابي ... هي جملي وميتس ولميسي معنى: لا يصلي الصلاة غير مجوسي، لا يمتنع منها ويوليها بصلاة إلا المجوسي، والصلا: وسط الظهر. ومن معانيه الغريبة، قوله وكان خرج في طلب نوق له ضلت: فما هبةُ الصعلوك حيثُ الأصابع ... وتهجيرُ من شُمّ الجبالِ الينابعِ بأصْعَبَ منْ وجدانِ نوقٍ تتابعتْ ... على إِثْرِها مَرُّ الرياحِ الزعازعِ قوله: حيث الأصابع، بمعنى منقبضها، كناية عن بخله، كما قال الحريري في مقاماته: وإنما الدهر المسيءُ المعتدى ... مال بنا حتى غدونا نجتدي كل ندى الراحة عذب المورد ... وكل جعد الكف مغلول اليد فحيث الأصابع، صفة مشبهة، مثل حسن الوجه، وليست حيث هذه، هي التي تلزم إضافتها إلى الجمل، فمن توهم هنا إنه أخطأ لذلك، فهو المخطئ على أن

حيث، تجوز إضافتها إلى المفرد عند الكسائي، وسمع في أشعار العرب قال: ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم ... ببيض المواضي حيث لَيّ العمائم وقال الآخر: أما ترى حيث سهيلٍ طالعاً ... نجماً يضيءُ كالشهاب لامعاً ومن ظريف ما اتفق له، إنه أراد قول قصيدة، فنظم الشطر الأول وهو: أمربع الغصن ذا أم تلك أعلامه فارتج عليه سنة، فورد يوما منهلا ليسقي جملا له، فتخاصمت جاريتان في المنهل، فقالت إحداهما للأخرى: والله ما ذلك كذلك، ولا كانت أيامه كما تقولين، أو ما هو قريب من هذا، فضرب جمله من غير ان يسقيه، ودخل الحي وهو يجري به، فظن الناس إنه رأى ما يذعره، فسألوه، فأخبرهم بأنه وجد شطرا يتم به مطلع قصيدته فقال: أمربع الغصن ذا أم تلك أعلامه ... لا هّو هّو ولا الأيام أيامه ومثل هذا وقع لذي الرمة، فانه لما شرع في نظم بائيته المشهورة التي أولها: ما بال عينك منها الماءُ ينسكب ... كأنه من كِلا مفرية سَرِب ارتج عليه لما قال: كَحْلاَءُ في دَعج صفراءُ في بَرَج حتى رأى جارية تحمل صينية، بعضها ذهب وبعضها فضة، فقال: كأنها فضة قد مسها ذهب وكان مولود رحمه الله، من أكابر تلاميذ العلامة المختار بن بون الجكني، حتى وقع بينه وبين قبيلته ما وقع، فصار هو خصمه الألد. وكان المختار أقل منهم مرتبة في الشعر، وهم أقل منه في علم النحو والكلام، فكان يلقى عليهم الألغاز، فيتصدى مولود لحلها، فربما حل البعض وعجز عن البعض، فانفق إنه ألقى

عليهم لغزا وقال: إن أجبتموه كفرتم، وإن سكتم غلبتم، فمكث مولود مدة معتزلا عن الباس، يفكر في ذلك اللغز، فخرج عليهم في وقت حر فقالوا له: ما فعلت مع زركة المختار؟. والزركة (بزاي وراء وكاف معقودة مفتوحة وبعدها هاء تأنيث) بمعنى الرمية، وهم يعبرون عن اللغز بذلك، إلا من أراد أن يتفاصح، فقال: بركت عنها. وروى إنه خطأه في كلمة في مجلس، فقال مولود: إنها في المقامات، فقال له المختار: في أي مقامه؟ فقال: في قبحت من شيخ وأنا أعتقد أن هذا موضوع، لان مثل مولود لا يليق به أن يقابل مثل ابن بون بهذا، خصوصا وهو شيخه. ولما قال في قصيدته التي يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي إذا كنت استجدي أخا كرم ... بالحاتم الهاشمي من حاتم الطائي قال المختار: أن حاتما ليست من أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن معنى هذا، تشبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاتم، والمشبه دون المشبه به، فاحتج مولود بأن حاتما وردت في دلائل الخيرات، معبرا بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال في ذلك قصيدة، لم يحضرني منها إلا بيت واحد، وهو قوله: لم يكن من دلائل الخيرات ... جهل ما في دلائل الخيرات وهذا غاية التحامل منه، عفا الله عنه. وهو متقدم على امحمد، المتقدم في السن، وقد أدركه ورثاه كما تقدم، والناس مختلفون أيهما أشعر، فطائفة تقدم هذا، وطائفة تقدم ذاك، وكنت على مذهبها، فلذلك بدأت به. وقد سئل امحمد نفسه عن ذلك، فقال: هو أكثر حلفة وأنا أفتل. - الحلفة - هي سعف الحلفاء وأهل الصحراء يفتلون منها الحبال، يعني أن مولودا أكثر منه لغة، وهو أجود منه نسجا، وليطالع شعرهما بإمعان من أحب أن يحكم، ثم ليحكم بما بدا له. وكان مدّاحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قصيدته المعروفة بالمرجانية وهي:

أزْكى صلاةٍ وتسليمٍ على قمرٍ ... بدرٍ بهِ قدْ أنار اللهُ أكوانَهْ أزكى صلاةٍ وتسليمٍ كذاك على ... خَيرٍ قد اختارَهُ الرحمنُ عِبدانَهْ يا ربّ صلّ عليهِ دائماً أبداً ... ما حلّ أعراض هذا الكون أعيانَهْ من أي مَرجان ربّ العرش مَرجانه ... تبدو لعينيك في تركيب إنسانهْ أمْسى بها القلْبُ مَفتُوناً وكان أبي ... على الفواتنِ لم تَفْتِنْهُ فتَّانَهْ لمَّا بَدَتْ تَتَهادَى في خرائدِها ... تَثْنى مَعاطِفَها خُرْعُوبَةُ البانَهْ قالوا أشمساً نرى تمشى فقلتُ لهمْ ... تَرَوْنَ إنسانةً كالشمسِ حُسّانهْ لها مصائدُ تُصمى منْ مَحاسِنِها ... تَصيدُها الصِّيدَ لا هَيْقاً وبَيْدانهْ تَرنُو إليك بمغْضوضٍ كما نظرتْ ... مَزْؤودةٍ أمُّ ساجى الطررْفِ جَيْدانهْ تَرى الدّماليجَ منها والبُرى بقَنىً ... خَدَلّجٍ مالئٍ للعينِ مَلْئانهْ تَنُوءُ لأياً بدِعْص كادَ يُقعِدُها ... ما ضَرَّهُ إنه رِدْفٌ لِخُمْصانهْ ما ساقطتْكَ حديثاً ساقطتكَ بهِ ... أبْصارُنا تَحسُدُ الأَسْماعَ صَيدانْه

لمَّا رأتنيَ منْ فرْطِ الغرامِ بها ... بعدَ ارْعوائِي عَميدَ القلْبِ حَيْرانْه قالت أحافرة منْ بعدِ زاجِرةٍ ... منْ عِلمِ ما شان ذا التقوى وما زانهْ فقلْتُ لا تَعجبي منَ أمرِ خالقنا ... أتَعجبينَ منَ أمرِ اللهِ سبحانهْ أكان للناسِ يا للمُرْتَضى عجباً ... إدْمانُ تَهيامِ مَشغوف بإدْمانهْ تأبى على ذي النُّهى أنْ يَرْعَوِي ذِكرٌ ... تَرُدُّ إبَّانَ غَيرِ الجهل إبَّانهْ أما تراهُ مَتى يَمْرُرْ دِيارَهُمُ ... هاجَتْ عليهِ دِيارُ الحيّ أحْرانهْ قالتْ فسبْحان فَعَّالٍ بلا غَرَضٍ ... لِمَا يُرِيدُ بنا قُلْنا وسُعْدَانهْ قالت فهل لكَ في حُسْنِ التَّخلُّصِ منْ ... ما دانَ قَيْسٌ إلى ما المصطفى دانهْ فقُلْتُ فيهِ أشَدُّ الهلِّ لِي وَلِمَنْ ... لم يَعلمِ اللهُ قبلَ الكونِ خِذلانه إني رَضيتُ به دِيناً عَسايَ بهِ ... غَداً أُجاوِرُ في الفرْدَوْسِ رِضوانه دِينٌ حَنيفٌ مَحا المَاحي بهِ وعفا ... آثارَ منْ كان في خُسْرٍ وأدْيانْه

دِينٌ لهُ جَعلَ اللهُ الحيا خُلُقاً ... به كسى أوْلياَء الله أزْيانهْ دِينٌ يَزِينُ لمنْ يعتاضُ زِينتَهُ ... منْ غيْرِهِ شانُه اللَّذْ غيرُهُ شانهْ دِينٌ هو الدّينُ يخْزي ذو بَطالتهِ ... أحبارَ دِينٍ يُنافيهِ وَرُهبانْه دِينٌ سَيَسْبِقُ مَنْ قدْ كان سَاوَعَ من ... مُسْتأجَرِيهِ الذي منْ غيرِهم سانه دينٌ شرٍيفُ أتانا منْ سعادِتنا ... آتٍ بهِ حَمدَ الكوْنانِ إتيانهْ محمدٌ خيرُ مَبعوثٍ أقامَ على ... ما يَدّعيهِ مِنَ أمرِ اللهِ برْهانهْ وخيرُ منْ قد نفَتْ عنهُ أمانتهُ ... وصِدْقُهُ الكذبَ والكتمانَ والخانهْ وخيرُ طاعٍ لمنْ لم يَعْصِ طاعتهُ ... وخيرُ خاشٍ لمنْ يخشاهُ خِشيانهْ وخيرُ منْ محضَ المَوْلى عِبادتهُ ... وخيرُ منْ دانَ دِينَ اللهِ دَيَّانهْ وخيرُ منْ رَحِمَ الموْلى العبادَ به ... وخيرُ منْ عَرَفَ المولى عِرِفَّانه وخيرُ داعِ سَقى منْ لم يُجِبْهُ إلى ... هُدَاهُ عَلْقَمَ إصْغارٍ وذيفانهْ وخيرُ منْ شامَ للهِ السُّيوفَ ومنْ ... نمى القُتُودَ على وجْناَء عَيْرانه وخيرُ مَنْ أمِنَ الإسلامُ بيضتُهُ ... أمْناً بهِ صوْلةَ العادى وسُلْطانه

وخَيرُ مَن فيْضَ المولى لِشَانِئهِ ... ما كان قُوّضَ منْ مغناهُ بُنيانهْ وخيرُ منْ حَمدَ اللاقِيهِ ذا تَرَبٍ ... لِقْيانهُ حَمْدَ ذي الإتْرابِ عِقْيانه يا منْ إذا حُسِدَ المِضيافُ طِيب قرى ... ضِيفانهِ حَسَد المِضْيافُ ضِيفانه ومنْ إذا أخلَفَ الناسَ النُّجومُ يكنْ ... لِلناسِ غيْثاً هَزِيمَ الوَدْقِ هَتَّانهْ ومنْ إذا عامُ تَحْرِيجٍ يكونُ يكنْ ... جَدًى يَعُمُّ الورى غَوْطاً وحَوْمانه ومنْ يَصُدّ عنِ الدُّنيا ولوْ برَزتْ ... في زِيّ عَذراَء تُصبى القلْب مُزدانه ومنْ أرى أجْبُلَ الإذهابِ إذ عُرِضت ... عليهِ كيفَ يَعافُ العِفُّ ذُهبانه ومَنْ أَوَدُّ بأن ألقى على أوَدِى ... حَتى مَ لم تتفقْ لي منك لِقْيانه يا نُونُ يا نورُ يا بشرَى المسيحِ لنا ... يا رَوْحَ منْ كان ذا رَوْح وريحانه لو كان ذا الكوْنُ إنسانا لكنتَ له ... طرْفا ولو كان طرْفا كنتَ إنسانه أنتَ الذي طهَّرَ الرحمنُ أزْرَتَهُ ... وَجَيْبَهُ وحشاياهُ وأرْدانه أنتَ الطهُورُ بك القدُّوسُ طهّر من ... أرْجاسِ دين سوى الإسلام تِربانهْ أنتَ السراجُ المنيرُ اللَّذْ أنارَ بهِ ... نورُ السّمواتِ والأرْضينَ أكوانهْ أنْتَ الذي رَجح الخيراتُ إذ وُزِنَتْ ... بكَ الخلائقُ عندَ الوضع مِيزَانه أنتَ الذي طاعةُ الرحمنِ طاعتُهُ ... فكان عِصْيانُهُ إذ ذاك عِصيانهْ أنتَ الذي أزْلف الوالي الجنانَ لمن ... والى وأبْرَز للعادِيِه نِيرانه

أنتَ الذي خصّهُ الموْلى سُراهُ به ... لَيْلاً كما خصهُ بالعينِ رُؤيانهْ إذ باتَ يخترِقُ السبعَ البُرَاقُ به ... كالبرْقِ مُتّخذاً فيهنّ مَيدانهْ فنال فوق السمواتِ العُلى دَرجاً ... منْ قابِ قَوْسين ما شان امرؤٌ شانه لك الكراماتُ والآي التي تُ ... عَقْلَ الأنامِ إنائيهِ وذُكرانه كتابٌ انْزِلَ للإِعجازِ مُلُهُ ... مِنَ الأباطيلِ والتَّحرِيفِ قد صانه نورٌ مبينٌ عليكَ اللهُ أنزلهُ ... فُرْقَانَ ما كان منْ شيءٍ وتبيانه يَهدي الإلهُ بهِ سُبْلَ السلامةِ مَنْ ... قد كان يتبعُ بالإيمانِ رِضوانه عنى المَصاقعُ أرْبابُ اللسانِ لهُ ... وأذعنوا عَنْوَ إفْحامٍ وإذعانه بسُؤدِكَ السُّودُ والحُمْرانُ قد شَهدوا ... ضَبٌّ وظبْيٌّ وثُعبانٌ وسِيدانه والبدْرُ إذ شُقّ والبْيضاءُ إذ حُبسَتْ ... حتى لقد حَسِبُوا يوما أصَيلانه والجذعُ إذ حَنَّ سَجْعَ النيْب من ولهٍ ... لَوْلا النزامُكهُ لم يَقْضِ تَحْنانه

والجذل إذ صارَ عَضْباً لم يكلَّ ولم ... يَقنْهُ قَيْن ولم يمسسْهُ سَوْهانه وكفُّهُ إذ سَقَتْ ألفاً وإذ هَزَمَتْ ... ألفاً وإذ وَهبتْ ألفاً وَرِعْيانه كفٌّ تمرُّ على ضَرْعٍ فيُحْسِبُ مَنْ ... تبغيهُمُ حَلَباً منْ غيرِ حِلْبانه مَنّانةٌ واكفُ المُزْنِ حارِدةٌ ... ولا تَراها بمنَينا بمَنَّانهْ فكم أنالتْ غِنى الدارَينِ وافدَها ... وكم أزاحَتْ عنِ المَفْتُونِ شيطانه أكرِمْ بها رُفعتْ عن شَبْعةٍ وضِعت ... فيها الأكفُّ ألوفاً وهيَ شَبعَانه صاعٌ يزِيدُ على الإنفاقِ منهُ تَرى ... ما جَرّ نُقْصَانُهُ ما جَرَّ زَيدانه وباركتْ كفُّهُ عَجراَء ذاوِيةَ ... تَهتزُّ منْ حِينِها خَضراَء فينانه عَيدانةٌ قَعدَتْ في الجوّ قاعدةً ... تؤتيهمُ أُكلَها شيشاً وحُلْقانه إبانُ رُؤيَتها في الأرْضِ مُثمرةً ... إبَّانُ رُؤيتها في الجوّ صَوْجانه

للهِ للهِ ما قد أسْمَعَتْ وأرتْ ... فَتاةَ سَعْدٍ منَ الآياتِ سِنْدانه لوْ لم تكنْ منهُ آياتٌ لأخبرَ عنْ ... ما حلَّ إسرارهُ ما حلَّ إعلانه ضِياءٌ وجهٍ يُرى ضَوَء المُضيءٍ دُجىً ... ودُرُّ لفظٍ يُرى حَصْباَء مَرْجانه نَفْسٌ مُطهرةٌ من كلّ مَنقصةٍ ... عن اهتمامٍ بغيرِ اللهِ مُصْطانه نفْسٌ إذا اكتربت نفْسٌ بما اكتسبت ... كانت بما كسبت في الله فرْحانه نَفيٌ لفاقِرَةٍ هَدْىٌ لحائرَةٍ ... شَمْسٌ لناظرةٍ لِلأَنف رَيْحانه تكتَانُ حِرْصاً علينا أن نصيبَ خَناً ... إذا النفوسُ على ما فاتَ مُكتانه كم ضاربٍ طاعنٍ رامٍ أخي ثقةٍ ... بالمشرَفيّ وبالخطيّ والقانه تيسي جَعارِ وعيثِي إنها لَمُنىً ... تُرى المُمنى ثِقَاةً أخون الخانه ما راَء طلعتهُ ضِرغامُ مأسدةٍ ... إلا استحلَ بنصرِ اللهِ قمنانه سائلْ رُكانةَ إذ لاقى النبيَّ على ... وحْدَيهما أينَ منهُ ظنَّ أركانه

وسلْ تميما وسلْ قَيْساً ومن مكثوا ... بمكةٍ وأناساً بالجِعرّانه وسلْ رَبيعةَ أو سَلْ اختها مُضراً ... لُقْيان منْ وَجدَ اللاقُوُهُ لُقيانه لُقيانُ مَنْ إنْ رأتهُ في مَوَاطِنِها ... أسْدُ المواطنِ حاصَتْ حَيْصةَ العانهْ سَلِ المقوْقِسَ إذ أهدى إليه وسَلْ ... دارَا وسلْ كلّ إقليمٍ ودِهُقانهْ وسَلْ هِرَقْلَ وسلْ كِسرى ونُعْمَانه ... والمُوبَذَانَ لأيٍّ أمّ كهانهْ إنَّ المُقوْقِسَ إذ أهْدى إليه لذو ... حَزْمٍ رأى إنه إن لم يَدِنْ دانه كسرٌ لِكسرى أنُوشَرْوَانَ رُؤيتُهُ ... شَرْواهُ ليسَ بذي إيواءِ إيوانه لمّا رأى الشُّرُفاتِ السَّاقطاتِ رأى ... حُدوثَ أمرٍ رأى ما راَء حِدثانه

وقد رأى المُوبَذَانُ الخيلَ قد وسَطت ... فرْسانُها وسَطتْ في الفرْسِ بُلدانه للهِ عِلم أخي ذئبٍ غَداةَ غدا ... عَبدُ المسِيحِ له بَحْتَثّ بُعرانه فهْوَ اسْتَحقّ إن العِلمُ استحق به ... حِلْوانَهُ كاهنٌ بالعلم حِلوانه إذ أخبر القْومَ من أمرِ النبيّ بما ... يَدْرِيهِ من كان يدرِي الحق دَرْيانه بأنّ مَوْلاهُ موليهُ خصائصَ لا ... تولى فسبحان مولاهُ ورَيْحانه روى السيوطي في كبرى الخصائص عن ... طه عن الروح عن ذي العرش سبحانه لا يعرف اللهَ إلا اللهُ جَلَّ كما ... لا يعرفُ المصطفى إلاء عرفانَهْ فمبلغ العلم فيه إنه بشرٌ ... ما كان خلق على ما كان ما كانَهْ وإذ ذكرت رسول الله ممتدحاً ... فاذكر بخير ذوى الخيرات صحبانه أولى الفضائل والتُّقى أُسُود وغى ... عند اللطام ترى خرفاناً أسدانه البائعين نفيسات النفوس لمن ... لم يخش من باع منه النفسَ خسرانه والواصلين لذي الإِسلام وأصلهم ... والهاجر بن لذي الكفران هجرانه لمّا دَجى جُندُ هِندٍ كالدُّجَنّ جَلا ... أبو دُجانَةَ بالهِنْدِيّ أدْجانه قومٌ تَرى ما لذاتِ الله همهمُ ... وهمُّ غيرهم مالٌ وقنيانه

همُ النجومُ التي ما ضرّ طالعها ... أن لم يكن برْجه ثوراً وسرطانه من كلّ أرْوَعَ ذي نفس لمقتلها ... في الله تحت ظلال البيض حنّانه يهز ذا شُطَبٍ ليست مضاربُهُ ... خوَّانةً وقناةً غيرَ خَمَّانه برٌّ منيته في الله منيته ... يرى سلامة حزب الله موتانه لا عيبَ في القوم إلا أن برهم ... ينسى الغريبَ أهاليه وأوطانهْ أيديهم أخوات الوابلين لها ... خونٌ له يحقر التيميُّ إخوانه أحلهم موطنَ العلياءِ دينهُمُ ... محلّهمْ منْ رياض القدسِ مِيطانهْ كفاهمُ مجدا إن اللهَ ألزمهم ... سبحانه كِلْمةَ التّقوى كما بانهْ كانوا أحق بها منْ غيرْهمْ فهُمُ ... كانوا بها عن عبادِ اللهِ خُصَّانهْ فاللهُ فضَّلهمْ فضلاً وشرَّفهم ... بجعلهم حشمَ الهادي وأعوانه ومنهمُ جعلَ الرحمنُ يالهُمُ ... أصهار أحمد أحماه وأختانه منهم أبو بكر الصدّيقُ صاحبه ... فاديهِ بالنفْسِ والأموال مِعْوانه من لم تكن طاعةُ الرحمن ديدنَهُ ... فإنما كان تَقْوَى الله ديدانه ومنهمُ عمرُ الفارُوقُ فارِقُ ما ... بين الضلال وبين الحق فرْقانه

ومنهم الشيخ ذو النورين فاشدُبه ... مِلَء الفَما واتّخِذُ للشدوِ ألحانه واذكرْ علياً ولا تغفل أبا حسنٍ ... ساقي كؤوسِ زؤامِ الموتِ أقرانه ليثٌ تكونُ ليوث الأسدِ طُعْمتَهُ ... بحرٌ تكونُ بحور العلم نينانه منْ كان من جسمه يبغي استراحتَهُ ... أتاه مستصحباً في الجيش جسمانه من ذا الذي يُشحنُ العضبَ المهندَ مِن ... غِمْدٍ ويُشحنه في الهام إشحانه وجدان طالبه إياه في رهج ... فِقْدانُهُ الرأسَ والأطرافَ والمانه لا يَستحي وجهَ ليثٍ في مبارزةٍ ... لكنهُ يستحي إن خَرَّ خورانه باهى به اللهُ جِبْرِيلاً وأرْسَلهُ ... ليلاً لِيكلأهُ حِفْظاً ويَصطانهْ واذكرْ بني هاشمٍ عُمْرِ المَكارِم آ ... فاتِ المَلاطِمِ أُسْدِ اللهِ بيزانهْ التَّرِكي جُثَثَ القَتْلى وإنْ جَسُمَتْ ... لا ذاتَ عُمْقٍ ولا طولا ولا وانهْ يا مَنْ أرى المَدْحَ إلا مَدْحَهُ هَوساً ... يَحِقُّ وَسْواسُهُ للِمرْءِ بُهتانهْ أُثْنى عليكَ على ما كان مِنّيَ كيْ ... ما يَمْأَنَ المرْءُ في خيرِ امرئ مانه أحسنتُ شِعْراً ولا أنفكُّ شاعرَهُ ... لو كنْتُ أحسن زَفناً كنْتُ زَفّانه

أرْجو بمدْحِ شفيعِ العالَمينَ غداً ... عَفْوَ الإِلهِ وَرُحْماهُ وَغُفرانهْ وأنْ يُثَبّتَ إيماني وَيجعلهُ ... إيمانَ منْ لا يُضيعُ اللهُ إيمانهْ وأنْ أنالَ بهِ ما كان أصْغرُهُ ... حُورَ النَّعيمَ وطُوباهُ وَولدانه وأنْ أكونَ خَليطَ الفائزينَ إذا ... ما المجرِمُ امتارَ عنهمْ ضائناً ضانه ما قرَّبَ العبدُ للموْلى مدائحهُ ... إلا تَقْبّلَ منهُ اللهُ قُرْبانه يا خَيرَ منْ أمّهُ جانٍ يَضُمُّ إلى ... جَناهُ من كِبرِ الآئامِ إدْمانه هذا طريدُ جناياتٍ أنابَ إلى ... رَبٍّ يراهُ رَحيمَ الكونش رَحمانه أتاكَ يا خيرَ منْ يؤتى لتُؤتيهُ ... مما يخافُ يأذنِ اللهِ إيمانهْ أنْتَ المجيرُ الذي لا يُستباحُ له ... جارٌ إذا ما أباحَ الجارُ جيرانهْ حامى الحُمَيَّا إذا يَحْمى الوطيسُ بنا ... عندَ اللقاءِ وخلاّ الخِلُّ خِلاَّنه هذا وكم عَملٍ عِندي كلا عملٍ ... قَصَّرْت فيهِ ولم أُتِقْنْهُ إتقانه فاقبلهُ رَبيَ واسْتْبدِلْ بهِ عملاً ... يُرْضيكَ ما ذامَهُ شَرْعٌ ولا ذانه واسْتبدِلِ المُغدقاتِ المُثمراتِ لنا ... من كلّ قُلاَّمةٍ منهُ وبركانه وإنني إن عدى العادون عدوَهُمُ ... علىَّ وارْتكبَ الطاغوتُ طُغْيانه لمستجيرٌ برَبّ المصطفى وبه ... منهمْ ومنْ كلّ شيطانٍ وشيطانهْ

وكلِّ من كثّرَ الموْلى بأنْعُمهِ ... على ذوى أنعم الرحمانِ أضْغانه فاللهُ يرْحَمُ بانيها ووالدَهُ ... وأُمّهُ ومُحبيهِ وَوُلدانه واللهُ يحفظ قاريها وحافِظها ... وأُمَّهُ ومُجلّيهِ وإخوانهْ وكلَّ مَنْ كان من أهلِ الوجودِ يَرى ... دِيوانَ سُنَّةِ خيْرِ الخلقِ دِيوانه ثمّ الصلاةُ عليهِ والسَّلامُ معاً ... حتى تُرى تاركات الجسْم أكوانه قال أيضا يمدحه صلى الله عليه وسلم: صلاة ربي وتسليمٌ على قمرٍ ... بَدْرٍ جَلا ظُلُماتِ الفِتْنةِ الدُعُجا خَرَجْتُ ضَيفاً إلى رَبي ومنْ خرجا ... ضيفاً إلى رَبهِ لا يَلتقي حَرَجا خرَجْتُ ضيفاً إلى من لا شريك له ... يا رَبِّ وجَهْ إلى الخيراتِ من خرجا قرايَ عافيةٌ مما أُحاذِرُ مَعْ ... قضاءٍ حاجي وأنْ تُعلى لي الدّرَجا أرجوكَ يا خيرَ من يُرجى ولسْتُ أرى ... راجيك يا خيرَ من يُرجى يخيبُ رَجا لأنْتَ أكرمُ أنْ تَرْمى بمتلفَةٍ ... أخا رَجاك فيرميهِ رَجا لرجا ما ضاق كلاّك ما ضاقت مذاهب من ... مهمى تضايق أمرٌ يَنْتظرْ فرَجا ما سُدّ بابُ كرِيمٍ دُونَ قارِعهِ ... فاقْرَعْ تجِدْ بابَ مُولى الأنْعمِ انفرجا وأدْمِنِ القَرْعَ ما تبقى له فَحَرٍ ... لِمُدْمِنِ القَرْعِ للأبوابِ أنْ يَلجِا وسِرْ إلى اللهِ مَعْ ما فيك من عَرَج ... كم بَلّغ الصّدْقُ مَنْ لم يعْدَمِ العَرَجا وكم وكائنْ تَنى التّعْنيج نحو هُدًى ... عَنِ الضَّلالةِ عَوْداً عُوِّدَ العَنجا وارْغَبْ إلى ربك الأعلى ليجعلنا ... مِمّنْ على النَّهْجِ نهْجِ المصطفى دَرجا نهج الذي أنْزَلَ الله الكتابَ هدى ... لنا عليهِ ولم يجعلْ له عوجا

نَهْجِ السّراجِ المُنير المستضاءِ به ... طه أبي السُّرُج المُستعْملِ السُّرُجا مِنهُ استفادَ النبيُّونَ النبوَّةَ إذ ... مما له ما لهمْ منها قد اختُلِجا له طرِبْتُ وما شوْفا تَطرَّبني ... حوْلَ اللوى طَللٌ أبْصرْتُهُ فشجا ولا تَضَرَّمَ في القلْبِ الغرامُ ولا ... فاض الجمانُ لِطيرٍ مُثّلَثْ سَبَجا ولا لِظُعْنٍ تولّتْ بغتةً لنوَى ... مَشمولةٍ طالَ ليلى بعدَها ودَجا ولا لنأى حبيبٍ منْ أحِبتنا ... مِن آلِ ليلى نأتْ سلمى بهِ أو اجا أبي فؤاديَ إلا حُبَّ مَلْجئنا ... مَلْجا البريةِ مَنْجا مَنْ إليهِ لجا أبي فلا شنباً يَهوي ولا بلجا ... يَهوى ولا برَجاً يهوى ولا دَعجا أبي فليسَ براءٍ منظراً بَهجا ... من غَيْرِ مَنْظرِ طه منظراً بَهُجا بل كلُّ ما كان منهُ أو بهِ بَهجا ... وغيرُ ما كان منه أو به سَمُجا ضياءُ وجهٍ يريك الشمسَ حالكةً ... ودُرُّ لفظٍ يُرِيكَ اللؤلؤ السبجا لي لهجةٌ بامتداحِ المصطفى لهجتْ ... ولي فؤادٌ بحبّ المصطفى لهجا ألا طرِبْتُ ألا إني طرِبْتُ إلى ... مَن حُبُّهُ معَ لحمي والدَّم امتزجا نورٌ بهِ عنْ تَهَجٍّ صَحْبُهُ غَنيتْ ... وغير أصحابهِ منَّا وحا وهجا محمدٌ خيرُ مُسْتنْبٍ أقامَ على ... ما يدَّعيهِ من اسْتنبائهِ الحُججا خيرُ النبيئين أذكى العالمين حجاً ... أعلاهمُ دَرَجاً أذكاهُم أرَجا سبحان رب بجثمان النبيّ سَرى ... مِنْ حيثُ لم يدْلج السّاري ولا ادّلجا مَنْ للنّبيين مَنْ للرُّسْلِ أين لهم ... مِنْ قابِ قَوْسينِ معراجٌ كما عرجا أراهُ صلى عليهِ الله شمسَ هدًى ... والأنبياء حواليْهِ بُدُورُ دُجا

والأنبياءُ جميعاً في اسمهِ اندرجوا ... عدًّا كما آيهُمْ في آيهِ اندرَجا قد انقضت بانقضاءِ الرسلِ حجتهم ... وللهُدى حُجَجٌ ما تَنقضي الحِججا أليسَ للعبدِ أنْ يُسمى اسم سيدِهِ ... يُسمى اسمهُ دَرَجٌ قد فاق منْ دَرجا دعْ ما به كفرتْ قَوْمٌ المسيح وعن ... مَحامدِ المصطفى حَدّثْ ولا حرَجا به مكارِمُ أخلاق الرجالِ غدتْ ... مُكملاتٍ وكانت قبلهُ خُدُجا هو الشفيعُ إذا ما لم يكن شُفَعا ... يشْفعْ فكان لمسلوبٍ نجاه نجا هو المَلاذ إذا ما الخطبُ طمَّ ومن ... يَلُذْ بأحمدَ حِين الخطبُ طمَّ نجا هاجت أعاديه إذ لاقتهُ نار لظى ... حربٍ يزيد على إطفائها وهجا يلقى الوغى بكماةٍ كالجبالِ لها ... ضربٌ يصيرُ لظىً منْ حرّهِ ثَلَجا كأنما الموتُ في أفواههمْ عَسِلٌ ... من رِيقِ مكتفلاتٍ بالثرى مشجا من كلّ أروع يلقى الصبح منبلجاً ... فظلَّ يُحِشمُ وجهَ الصُّبْحِ مُنبلِجا همُ الأسودُ فإن لاقتهُمُ أُسدٌ ... لاقت بهمْ أُسداً لاقوا بها الهمجا هذا ما تيسر منها الآن، وبقي ثلثها تقريبا. وله من قصيدة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم: صلىَّ وسلم ذو العرشِ المجيدُ على ... خيرِ البرِيةِ عندَ اللهِ جَمْعاءِ ليس الوقوف على نأى الأحباءِ ... على المنازِلِ يشفي الدّائمَ الدَّاءِ قبحاً لِغيّكَ تستشفى لدائكِ منْ ... مطموسةٍ غيرِ سُفْعٍ حَوْل آناءِ نعم تَصَابَيْتَ من فَرْطِ الغرامِ إلى ... مَغْنىً به كنت تَصبو للأحباءِ فما غداةَ لِوى سَلْع بأوّلِ ما ... ألوي بصبْرِكَ أطْلالٌ بألواءِ

ولا عشيةَ وادي الخيفِ أوّلُ ما ... أودى بحلمك داراتٌ بأوْداء قد طالَ ما نحتَ واستعبرتَ في دِمن ... قفرِ المعاهدِ منْ هندٍ وأسماء عَلَّ المعاهِدَ تحييني وكيف لها ... وقد عَفَتْ بعدَ أحياءِ بأحياءِ أضَعْتُ حزمي بانسائي الإيابَ وما ... أضاعَ حزمَ أخي حَزْمٍ كإِنْساءِ إلى مَتى أنتَ في غَيّ الصّبا ثملاً ... منه بخُرْطُومِ خمرٍ غَيْرِ صَهْباء فالآن آن لك التخليصُ منه إلى ... نَهْجِ الأغرّ الأبرّ الرَّائق الرَّاء مَوْلى الشفاعةِ محمودُ المقام إذا ... حُقَّ الفرارُ منَ الآباء والأبناء غوث البَراساءِ إن عَضَّ الزمانُ وإنْ ... قَلّتْ لغوثته غوث البَراساء ليْثُ البَراكاء إنْ عَظّ الهِياج وإن ... قَلّتْ لصوْلتهِ ليثُ البراكاء ومنها بيته المتقدم، الذي خطأه فيه ابن بون وهو: حسبي إذا كنتُ أستجدي أخا كرم ... بالحاتمي الهاشمي من حاتم الطائي ومنها قوله: غداةَ إذ جاَءتِ الكفارُ تعثرُ في ... أذيالِ أُبّهَةِ الشُّوسِ الأشدَّاءِ بَاؤا خزايَا بأنَّ اللهَ عَوَّضَهمْ ... بالعزّ ذُلاً على عِزٍّ وبأوَاه من حرّ ضرْبٍ لو انّ الماَء كافحهُ ... أعيا من اللوبِ دأماً كلّ دأماء

فأضحى الأعياصُ من بعد اعتياصِهمُ ... لانتْ لأحمدَ منهمْ كلُّ عَوْصاء وأصبحت من أعاديهِ الليوثُ عنَتْ ... منه لليثٍ على الأعداء عَدّاء ومنها: وكان مولاهُ أخفاهُ ليُظهرَهُ ... أيعهدُ الناسُ إظهاراً بإخفاء ما حنّ صادٍ كما حَنَّ الجذوعُ إلى ... نُونٍ إلى نطفةٍ في الوقطِ زَرْقاء أفدى ذِراعا بسم الشاةِ أخبرَهُ ... بألسُنِ الإبلِ والبيقُورِ والشاء ومنها: وقد رأى العَمُّ مِنكَ الخالَ صدَّقهُ ... جَدٌّ بجِدّ يَشُبُّ النارَ بالماء وقال أيضا: أمُّوا الديارَ بجانبِ انكَكُّ ... وقفوا بهنَّ وسَلّمُوا وابكوا وبها أذيلوا منْ مَدامعكم ... ما كان صان الحِلُم والنسْكُ فجمالُ أهل الحبّ أن يَقفوا ... حَسْبَ الغرامِ بها وأنْ يبكوا والدَّمْعُ يجري غَيْرَ مَزْج دَمٍ ... بين المنازِلِ جَوْلُهُ إفْكُ إنَّ المنازِلَ حَقّهنَّ إذا ... غُشِيتْ ديارُ التَّائمِ السَّفْكُ

يا دارَ فاطمةٍ عِمي وعِمي ... وعميِ وقلَّ عِمي لأنكَكُّ فَلعيشةٌ برُباهُ راضيةٌ ... ومَعيشةٌ في غيرِها ضنكُ طافتْ بضيفِ الفلكِ فاطمةٌ ... ما كنتَ تدرى ويْكَ ما الفُلكُ زارتكَ في فُلْكٍ عَلَى فَلَكِ ... مما تَناذَرَ هوْلهُ البُرْكُ يا رُبَّ مأسدة يَهالُ لها ... آسادُها آراضُها نَبكُ باتتْ تَعسَّفُ تِيهها وهنا ... يَرْمى بها في أمْتِهَا الدَّكُّ بتنا هنالكَ وهْيَ طَوْعُ يَدي ... ولقدْ نبيتُ وطوْعُها الفَرْكُ أنَّي وصلْتِ لنا وكنتِ إذا ... رُمْتِ التَّحرُّك منَّكِ الحَرْكُ يا حاجةٌ قدْ طالما انبعثَتْ ... في نفْسِ يعقوبٍ متى الدَّركُ يا جنةً تَركَ الصبابةُ في قلْ ... بي جَهنمَ شوْقِها تدكُ ما حقّ مشتاقٍ دِيانتُهُ ... تركانُ تركك يا لهُ التركُ قالوا ما تَنفَكُّ رَهْنَ هَوًى ... ما يُستطاعُ لرهنهِ فكُّ والشيْبُ مشتَعِلٌ فقلتُ لهمْ ... بَلْهَ المَلامةَ لستُ أنفَك لأرى مَلامَكُم لنا عَبثاً ... وأرى المسامعَ منهُ تَستكُّ مالي وللأقوام أحْفظها ... وتَبْكُّني ما أمكنَ البكُّ بَرْكو لتعثيري أخيَّ ولا ... ألفى لِتَعثيرٍ لَهُمْ أرْكُ فنكايةُ الأعداءِ مكرُمَةٌ ... أمَّ الصَّديقَ فَلُؤْمَا أنْ تَنكو

ما كلُّ مَنْ يُبْدِي الإِخاَء أخاً ... ولوْ أنَّ كلَّ مُدَوَّر كعْكُ وسافر مولود - رحمه الله - إلى أرض السودان، فعرض له بحر، يقال له: ماو. وكان لا يعرف السباحة. فأخذوا أعوادا من شجر يسمونه (الفرنان)، وهو موجود بتهامة بكثرة. ومن خاصة ذلك الشجر، إنه لا يغوص في البحر، فجروه بها فقال: قَدَرٌ ما قدَرٌ أيُّ قدَرْ ... ما أرَ عَيْنيَّ عَيْنيْ صَنْبَصرْ عجبَ النَّاسُ لرأبِيهِ ولم ... يَنِ يجري بالتَّعاجيبِ القدرْ إنَّ في عَبْري على مَعْبَرِهِ ... بحرَ ماوٍ عبْرَةً للمُعْتَبرْ نَرْكبُ البحرَ غرُوراً لا على ... ذاتِ ألواحٍ ولا ذاتِ دُسُرْ ولقدْ تعلمُ صحبي أنّني ... غيْرُ مَغروُرٍ إذا ما الغِرُّ غُرْ ولقدْ تعلُم صحبي أنّ لي ... نفْسَ حُرٍّ حين لا منْ نفْسِ حُرْ ولقدْ تعْلمُ صحبي أنَّني ... بلْوُ أسفارٍ إذا طال السَّفرْ لسْتُ بالهِلْباجةِ الرَّامك لا ... يُصدِرُ الهمَّ إذا الهمُّ حَضرْ يا لياليَّ بماوٍ طالما ... طُلْتِ طُولاً صَيَر الطولَ قِصَرْ لا أعاد اللهُ لي أمثالَها ... منْ ليالٍ ليس تَجلوها نَهرْ فإلى ابنَ مَفرّي لأفِرْ ... يا ابنَ أمّي يا ابنَ عمّي لا مَفرْ هذهِ هَذِي وأني داخِلا ... بعدَها ماوًا بملكي لَسَعرْ

لمجيدري بن حبيب الله

وقد رأيت له مقطعة ومطلعها: ما مثلها من عتاق شعشعانات إلى أن يقول: أدمانة من بني المبروك حمّ لنا ... منها لعمري إدْمانُ الصَّباباتِ ورأيت له رائية جيدة، في مدح أحد الأشراف، وليس في حفظي منها شيء. ومن أبياته التي يمرن بها صغار الطلبة، قوله: قد غادروا نحيتي من بعد ما ملئت ... ملوية ضربوا ملوية جدُدَا فملوية الأولى: خبر غادروا، والثانية، عن مصدر ضربوا، أي سياطا ملوية. فإن آلة المصدر تنوب عنه، كما نص عليه النحاة. وله أيضا: الحقُّ أبلجُ حقاً والخفا بَرِحا ... والصبحُ أفصحَ إلا إنه وضَحَا الناس تعلمنا والناس تعلمكمْ ... والناس تعلم منّا اللكن والفصحا والناس تعلمنا والناس تعلمكمْ ... من غشَ جاراته منا ومن نصحا وهذا ما تيسر لي من أشعاره الآن، وله قصائد فيما وقع بينه وبين ابن بون، ومع أدييج الكميلي وغيرهما، وقد رأيت له نظما في حجم مجلد وسط، جمع فيه الأجوف والناقص، وسماه: بعج بطنه. وبالجملة فإنه من مشاهير فطاحل أرض شنقيط في فنون كثيرة. لِمْجَيْدري بن حبيب الله واسمه محمد، ويقال له محمذ - بالذال المعجمة - مصحف محمد، هو العالم الوحيد الذي ما له من نديد. قيل إنه أحد أربعة، لم يبلغ أحد في ذلك القطر مبلغهم، وهم: ابن رازكه المترجم أوَّل الكتاب، ثم ابن الحاج إبراهيم، الذي تقدّمت ترجمته ايضا، ومحمد اليدالي الآني في موضعه. هكذا قالوا. وكان المختار بن بون، أحق بكونه في موضعه، لأنه أستاذه: ولأن المحققين يقولون: إن الحق مع ابن بون في المسائل التي خالفه فيها، ولا شك إنه كان من

العلماء الأجلاء. وكان أعظم تلامذة ابن بون من اليعقوبيين، ثم وقعت بينهما وحشة شديدة، حتى تألبوا عليه كلهم. وكان ابن بون يذكره في أشعاره بما كان يعاني من نصيحته فما أفاد ذلك، ومات في حياة المختار بن بون، فقال قصيدة مطلعها: أودى الضلال ألا فليفرح الجذَلا ... من عاش مضل شاقق الرسلا فنقضها مولود المتقدم بقصيدة مطلعها: أودى الكمال ألا فليفرح الجذلا ... من لا يموت ومن لا ينقضي أجلا وقد ألف العلامة، محنض باب بن اعبيد الديماني، رسالة في تضليله، وهذا لا يقدح فيه، لما هو مشهور عن العلماء من قديم. واتصل بالسلطان سيدي محمد بن عبد الله، ونال الحظوة عنده. ورحل إلى المشرق، وأكرمه أمير مصر، وبالجملة فقد كان غاية في الفهم، ويكفيه أن الصالح الصوفي سيد أحمد بن إدريس الفاسي تلميذه، ورجع إلى أرضه ومات بموضع يقال له بير إبكن (بهمزة مكسورة وياء ساكنة وكاف ساكنة معقودة ونون مكسورة) ولم أحفظ من شعره شيئا، وإنما رويت له أبياتا، فيما ورد من كلام العرب، على فاعول، ولامه سين، وهي: خُذْ ما أتى وزن فاعول وآخره ... سين فمنه لداء الظفر داحُوسُ وقيل للنار مأموس وموضها ... أيضاً كذاك وبعض الطير طاووس وللنصارى بأوقات الصلا يرى ... ضربٌ لعودٍ وذاك العودُ ناقوس ومظلم الليل داموس وصاحب س ... ر الشرّ والخير جاسُوسٌ وحاسوسُ وللأخير بناموس مرادفة ... وللعواقلِ في الحيَّاتِ فاعُوسُ وذو النمامةِ فانوس وفي بقَرٍ ... نَوْعٌ يقال له بمصر جاموسُ والبحر معظمه القاموس عندهم ... وللرَّضيع من الأطفالِ بابوسُ

ووزن فاعلة من دَبَّ متِسمٌ ... بها اسمُها عندهمْ فاحفظه عاطوسُ وله في الموشح، يتذكر بلاده وأصحابه، لما كان في المشرق، وهذا النوع يسميه أهل الصحراء، الغناء بالعربية، وتقدم تعريف الغناء العادي عندهم: يا مَنْ يَرى ولا يُرى ... عَني الكرُوبَ نَفّسِ لقد نفى عنى الكرى ... شَوقي لأهلِ تِيرِسِ واجعلْ لأمر عَسُرا ... يُسْراً بلا تَعكُّسِ لَهْفي عليهم نُبَلا ... مُهَذّبين فُضلا إنْ قيسَ معبدٌ على ... غِرِّيدهم كالأخْرَسِ أوْ قِيسَ سَحْبانُ على ... بَليغِهمْ لم يَنْبَسِ حُبُّ المهَيمنِ جَرى ... في الدَّمِ منهمْ وسرَى وامتثلوا ما أمرا ... بهِ أجلَّ قبسِ واجتنبوا ما حَظرا ... منْ خبثٍ ورِجسِ منزِلُهُمْ رَحْبُ الذرى ... وكومُهمْ شُمُّ الذرى فاقُوا جميعَ مَن قرى ... وحَط بالأباخِسِ همُ كرامُ ذِي الورى ... همُ ثمالُ البائسِ

المأمون

المأمون هو الشاعر المفلق، واللغوي المحقق، اشتهر بجودة الشعر وروايته، وإحكام صنعته ودرايته. سمعت من بعض المشايخ، إنه كان في صباه يتحدث إلى امرأة، يقال لها بشرى، فلما أسنا وتقلب عليهما الدهر، ونسيا ما كان، اجتمع بالمأمون بعض معاصريه، فأراد أن يختبره. فقاله له: إن بشرى ستنزل هنا عاجلا، كالمستهزئ به، فقال: بشرتموني على أنْ مَسَّني الكِبرُ ... مِلَء الجوانح بشري دونها البُشَرُ بُشرى نحادَث عنها لركبُ أنْ زَمَعت ... بصوْبنا سَفراً يا حبذا السفرُ قالوا مَنِ المتغنّة بعدَ شَيْبتِهِ ... فنلتُ هاأنذا المأمونُ لا نُكرُ وكان يهاجي المختار بن بون، وكان يؤلمه أكثر من غيره من شعراء قومه، روى أن المختار قال: لم يضيعني إلا أبو لفريرات، أي الساقط الأسنان، يعني المأمون. ومما قال فيه: قد جرت معتسفاً يا هادي الطُّرُقِ ... وإنه البحر لا يقتلك بالغَرَقِ أكثرتَ حزّكَ لوْ دَرَيْتَ مَفْصِلهُ ... فادْرِ المَاصِلَ قبلَ الحزّ واسْتفق ما الدينُ إلا الذي تسعى لتُوهنهُ ... آي النبيّ وآثارُ الهدى العتقِ لا كلُّ خبْطٍ عنِ اليونانِ مبتدعٍ ... قدْ سُنَّ بين أصولِ الدين مُختلقِ نَحمْي قوعدَ رَسطاليس تحسبُها ... دِيناً لك الويلُ نبّهاك فاستفقِ إنْ قلْتَ ساغتْ لمنْ تمت قريحتُهُ ... أو أن تُخلَّصْ لنا منْ مُسلم تَلقِ رُدَّا بأنّ أبا حفص قد أوْرَدَها ... وردّها المصطفى منه على تأقِ كما البخاريُّ في التوحيد أخرجه ... والحبر أحمد والبزار في طرق

البخاري بن المأمون

إنْ كنتَ تُورِدُ نَسخاً أو مُعارضةً ... لِذي الأحاديثِ فاذكر ما تري وسُقِ وإنْ تكنْ قاصراً عن كونها ثبتت ... فيما حوى سَرْحهُ الحفاظُ في الورق فاعرفْ مقامَكَ في درَكِ العلومِ ولا ... تعرض لمن خاض فيها شاسعَ الشُّقَقِ فأنتَ ويْحكَ في وهْدِ الحضيض فلا ... تمدُدْ يديك لمأوي فارقِ الأنُقِ وله أيضا: رُبَّ ليلٍ بجانب الينبوع ... بتُّ من خيبة الرَجا في النزوع ولقد ساءني ولجلج همي ... خبر ترجمانه من دموعِي البخاري بن المأمون ويقال له لُيَّبْخِيريِي. شاعر مجيد وابن مجيد، وأوَّل ظهوره، أن أهله أجدبوا، فبعثوه يرتاد لهم، فاتفق إنه مرّ بحيّ، فهام بفتاة منهم، فمكث أياما، ثم رجع إلى أهله، من غير أن يأتيهم بفائدة. فلما طلع على أهله، تلقاه الرجال، ليعلموا ما أتى به من الخبر. فلما سألوه، أنشأ يقول: وبيضا في الملاحة لا تباري ... ألا فاصْدَعْ بحبكَها جهارا فبينا الناسُ ينتجعون غيثاً ... إذ المامِيَّ تأتزرُ ائتزارا لهي الغيثُ أطلبُ لا سواها ... فلا شَوْلٌ لديَّ ولا عِشارا فسر أبوه بما سمع منه، وقال: أشهدكم إنه حر من الاشتغال بالدنيا. فأكب على لغة العرب، فبرع فيها، وفي قول الشعر. ومن نظمه قوله: يا ليت شعري متى أنمِ القُتودَ على ... ضخم العثانين ناءٍ رفعةَ العَضْدِ

شيخنا

وهلْ أرُوحنَّ مُرْتاحاً إلى حللٍ ... يَهدي إليها هَدِيرُ البْزلِ من بُعُدِ في إبلٍ كصُفّي السيلِ أدْمَكَها ... سَيلُ السَّرِيّ من الجوزاءِ والسُّعُدِ وهلْ أبيتُ ضجيعَ الحاذِ مفترِشاً ... منْ رَمْلِ لَبَّةَ كالعُذْريَّةِ الجُدُدِ ونزل في مدينة شنقيط، عند محمد بن عبدي بن عبد الرحمن العلوي. وكانت بالناس مجاعة عظيمة، وفتن شديدة أيضا، فأكرم منزله، فقال: طرقت أميمة بعد ما سلوان ... عن ذكرها لتباعدِ البلدان فهبْتُ منْ طربِ الفؤادِ لزورها ... فإذا بذاك تحالم النوْمان فسألتُ من في الأرض ينتجع الفتى ... ويؤمّ منزِله الكسير الوان بمحمدِ الأسنى الأمين أبي التُّقى ... نجلِ المجلّلِ عابدِ الرحمنِ فأتيته مُسْياً فقرَّب منزلي ... وأفادني وأجادني وأساني في أزمةٍ تسلى الودود عن ابنها ... جوعاً ولا يلفي بها خلاَّن الغيثُ أخلف والسنونَ تتايعت ... والطيرُ يصْدَحُ منْ بني حسَّان هذا ما تذكرت منها، وقد غلط في قوله: تحالم النومان، لان نومان، من الأسماء التي تلازم النداء. شيخنا ولا أدرى هل هذل لقب غلب عليه، أم هو اسمه الأصلي. اشتهر ذكر هذا الشاعر بين قومه، ولم أعثر له على شيء، سوى أربعة أبيات، وهي: تحيةُ مِسْكٍ ضِيعَ وَهناً بضائعِ ... بدارِ وقير عِندَ غُصنِ الضَّفادع

محمد مولود بن محمد بن تكرور

سَقى الوقرَ مَنْ كانوا وحيث تيمموا ... رَوايا الثريا بالسُّيولِ الدَّوافع ووقّاهُم الواقي أويْساً ورهَطهُ ... إذا رَوَّحُوا أو انفشوا في المراتع بنفِسيَ عِرْضاناً وأوْطان مَعشرٍ ... تنِبُّ فيَحلو كالسماع لسامع محمد مولود بن محمد بن تكرور معدود في أدباء قبيلته، ويقال إنه كان مجذوبا، ولم أحفظ له إلا قوله في مقطعة يمدح بها عمنا العلامة مأمون: مأمونُ يا خيرَ مَنْ يُرجى لما عَظما ... أنت الكرِيمُ إذا ما ضَنَّ من كَرُما عمّتْ فواضِلُكَ الآفاقَ فانسكبت ... على البرايا كغيثٍ سحَّ وانسجما وله في حي من العلويين مر عليهم، فنزل عندهم. فقال يمدحهم، وبعد أن عمهم، خص الصالح الناسك المختار بن بابان: حُيّيتَ حَيِّ حيَّ تِنْبُيَعْلِ ... حَيَّ المَعالي حَيَّ إِبْدَوَعْلِ آيةَ أنْ كانوا مَحطّ الرّحلِ ... وشُرَّعاً في منّهمْ للِبَذْلِ والخلِطي المٌكثرِ بالمُقِلّ ... والمجْدُ كلاً فِيهمُ إنْ تُبْلي ولهمُ فيهِ أشدُّ الهلِّ ... ومنهمُ المختارُ خيْرُ نَجلِ مُسَدَّدُ القَوْلِ جميلُ الفِعلِ ... لا يَقرَبُ الحِرْمَ وَليُّ الحِلِّ إنْ يُخفَرَ الدّينُ فليثُ شبلِ ... وَرْدٌ جريءٌ خادِرٌ ذو ذَحْلِ

العتيق بن محمد ابن الطلب

قدْ سِيمَ خَسفاً شِبلُهُ بقتْلِ ... يا ناقَ إِنْ لم تثقلي بالحَمْلِ فاحتملي من مجدِ أهلِ الفضل العتيق بن محمد ابن الطلب المتقدم. كان شاعرا مجيدا ورث الفصاحة عن والده، ولولا إنه اشتغل بالتصوُّف، ما كان دونه في الشعر، ومن نظمه قوله: أرقْتُ لِطيْفٍ جابَ أرْديةَ الحَلَكُ ... سُحَيْراً منَ البَطحا إلى بِكَنْدَلَكْ فقلتُ له أهلا وسهلاً ومرحباً ... بمَسْرَاكَ يا طيفَ الرَّبابِ وقلَّ لكْ ووقعت بينه وبين العلامة سيد بن محمد الديماني، مخالفة في مسألة علمية. فقال أحد بني ديمان قصيدة يهجوه بها، فقال رداً عليه: كم دوّنَ مَنْ بِنواهمُ حُمَّ تسهيدي ... سَوادَ ليليَ منْ مُغبرّة البيدِ دَوّيَّةٌ لا ترى إلا النَّعامَ بها ... سَتَغتَلى جَوْفَهَا جَوْنيةُ العِيدي أَإِنْ أشَرْتُ بمعرُوفٍ إلى سِيدِ ... اجْمعُتموا أمرَكم أنْ تَلتَحوا عُودي وقامَ شاعرُ كم يبكي مَعاهِدَهُ ... هاجتْ غرامَك أطلالٌ بإيكيدِ أغرى معَاشِرُا كْدرْ نيْتَ شاعِرَهم ... وَرشَّحُوهُ لتِنْقيصي وتفنيدي واسْتنْشَدُوهُ سَفيهَ النّسجِ مُضطربا ... مُسْتَغرَبَ المتنِ مَجهولَ الأسانيدِ شِعرٌ لَعَمرُكَ تأبى أنْ تفَوةَ بهِ ... حُصَّ المَقادِمِ من شيخانِ مافُودِ

صلاحي بن المامي

الطعْنَ ويْحكَ يا هذا قد اختضبَتْ ... مِنكم عَواري رِماحِ الحُمْرِ والسُّود أطْعَمْتَ عِرَضَكَ منْ أسْدِ الشرى قَرماً ... عبْلَ الذّراعينِ يأبى صَوْلةَ السّيد لأرْمينَّ نَواديكم بمُنْدِيَةٍ ... مِنْ والدٍ مِنكمُ تُلقى لمْولودِ ورأيت له قصيدتين، في مدح الشيخ ماء العينين، أجاد فيهما غاية، ولم أحفظ منهما شيئا. وكان فقيها دينا جوادا، وتوفى أواسط العشر الثانية من القرن الرابع عشر، رحمه الله تعالى. صُلاَّحي بن المامي هو العالم الوحيد في زيه وشكله، وفي تطوافه وإقامته، وللناس فيه اعتقاد، وفي أبيه قبله. وكان أبوه من أعلم قبيلته، وكان هو مولعاً بتحرير المسائل، وكان له طبل يحمله معه أينما توجه، فإذا عنت مسألة عويصة وفهمت، ضرب ذلك الطبل. وكان يحارب إخوته، لانه يراهم مانعين للزكاة، لان لهم أتباعا بمنزلة الرعية لهم، وكانوا يفتونهم بعدم وجوب الزكاة عليهم محتجين بأن حسان يأخذون منهم الأمكاس ظلما، فإن ملكهم ناقص، والشيخ خليل يقول: تجب زكاة نصاب النعم بحول وملك كملا وقاسوهم بمال العبد المملوك وكان يغير عليهم ببعض العرب أهل الشوكة، فذهب اخوته إليه، وكان مقيما عند محمذ فال بن متالي التندغي، وكانت الناس تهابه لعلمه وصلاحه، فرغبوا في الصلح معه، فعلم هو أنهم سيغدرون به، فلما أمره الشيخ بالذهاب معهم قال: ما لي أراني كأني في هَوى مَسَكهْ ... مالي إلى الغِيدِ منْ بشرٍ ولا حَرمه مذ قيل إنْ ضياَء الدين أسلمني ... للمعتدين وفيما قاله بَرَكهْ عِندي لهم كلما جاءوا بغائلةٍ ... خَمْسٌ وفيها لِنفْسِ المُعْتدى هَلكهْ سُمْرُ الحديدِ وعَوْنُ اللهِ لَّ وما ... جاَء البشيرُ بهِ منْ مَسْلَكٍ سَلكهْ وشِيعَةُ الغَوث لي منْ دونهمْ تبعٌ ... ولي عَليْمْ أبو الزغما وما مَلكهْ

شعراء بني ديمان

ولا يعترض علىّ معترض، بأن المترجم من أهل بارك الله، لان القبيلتين كالشيء الواحد، وجدهما يعقوب، فهما كالفخذين. شعراء بني ديمان محمد بن سعيد الديماني يعرف بمحمذ (بالذال المعجمة) اليدالي، أحد العلماء الأعلام، والغطارفة الكرام، وتقدم إنه أحد الأربعة، الذيم لم يبلغ مبلغهم أحد في العلم في ذلك القطر. كان مشهورا بالفهم والحفظ والصلاح. وله التآليف المشهورة، منها: تفسيره الكبير، وسماه (الذهب) وكتاب (شيم الزوايا) وغير ذلك. ويقال: إنه ما ألف كتابا إلا على إثر طرب وقع له. وكان مدَّاحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وانفق إنه كان في أرض ابن هيب، أحد رؤساء العرب، وكان له مدّاحون يمجدونه على عادة رؤساء حسّان، فسمع ما يقولون فيه، فقلبه في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك ابن هيب، فغضب منه، وأحضره وسأله عما بلغه، فقال قلبته فيمن هو خير منك، فلما أنشده مقالته الآنية سكن غضبه، وأذعن للحق، وكان جبارا، ومما كان يمجد به ابن هيب: خبط نَخْبَطْهَ ... لاهِ نَنْصَحْهَ=أُبَحِبْرْ أنْفَعْهَ=يَوْمَ القيام يعني بالخبطة: خبطة الوتر، وهذا النوع يسمى لغن، كما نقدم، وهذه منظومة اليدالي: صلاة ربي ... مع السلام=على حبيبي=خَيْرِ الأنام بادي الشَّفُوفِ ... داني القُطوفِ=بَرٍّ عَطوفِ=ليْثٍ هُمام ذاك النبيُّ ... الهاشميُّ=ذاك العليُّ=الهادي التَّهام ذاك الرفيعُ ... الغَوْث المنيعُ=ذاك الشفيعُ=يومَ القيام عينُ الكمالِ ... عينُ الجمالِ=قُطبُ الجلالِ=قُطبُ الكرام

نافي الضلالِ ... ضافي الظلالِ=صافي الزُّلالِ=لكلّ ظامِ جَمُّ الخِصالِ ... جَمُّ المَعالي=جَمُّ النَّوالِ=نَدَاهُ هام زين الخلالِ ... زين الرجالِ=زينُ الفعَالِ=زَينُ الأسام عالي المنارِ ... عالي الفَخارِ=عالي النّجارِ=عالي المقام بَدْرُ السُّعودِ ... وافي الوُعُودِ=وافي العُهُودِ=وافي الذمام قُطبُ الوُجودِ ... مُغْنى الوُفود=مُدنى الأسودِ=إلى الحِمام هادي العباد ... هادي الأيادِ=جالِ الأعبادي=جالِ الظلام حام الحقائق ... غوثُ الخلائق=صافِ الخلائق=كافِ الزُّنام أسْنى الوَسائلْ ... أسْنى المحافلْ=مُسْدى الجلائلْ=مُرْدى اللئام طَوْدُ الجلاَلَهْ ... بادي البسالهْ=نجْمُ الرِّسالهْ=بَدْرُ التمامِ سَهْلُ السّجايا ... جَمُّ المَزايا=بينَ البَرايا=وسطَ النّظامِ مبدى العَجائبْ ... مُهدي الرغائبْ=له كتائبْ=أسْدُ اللّطام سُودُ الوقائعْ ... خُضرُ المرابعْ=بِيضُ الشرائع=حُمْرُ السِّهام وجْهٌ جَميلٌ ... طرْفٌ كحيلُ=ظِلٌ ظليلُ=على الأنام فخرٌ أصِيلُ ... مَجدٌ أثيلُ=خَدٌّ أسِيلُ=في الفخرِ سام عِزٌّ قدِيمُ ... هَدْىٌ قوِيمُ=وَجْهٌ كريمُ=على السّلام جاهٌ عَظيمُ ... مجدٌ صَميم=جودٌ عَميمُ=بلا انصرام خلْقٌ صَبيحُ ... خُلْقٌ مَليحُ=نُطقٌ فصيحُ=أسنى الكلام ليتٌ جريءُ ... غيثٌ مربئُ=غَوْثٌ بَريءُ=من كلّ ذام هادٍ أمينُ ... حِصْنٌ حَصِينُ=حَبْلٌ مَتينُ=بلا انفِصام ناءٍ مَداهُ ... هامٍ نَدَاهُ=مُولٍ عِداهُ=حَدّ الحُسام

ذو المعجزاتِ ... المبيناتِ=المحكاتِ=الغُرّ السَّوام أبدي الإلهُ ... سَنا حُلاهُ=زارتْ عُلاهُ=ظبا الموام والذئبُ عنَّا ... والجذعُ حَنَّا=له وأنَّا=كالمستهام والبدْرُ شُقّي ... لمن تَرَقى=وباتَ يُلقى=بالاحترام والصّخرُ سَلَّمْ ... والجوُّ أظلمْ=له تكلَّمْ=موتى الرِّجام والبئرُ فارَتْ ... والسَّرْحُ سارتْ=دَعى فصارتْ=خُصباً أزام والشاةُ أبدَتْ ... والشمْسُ رُدّتْ=له أُعِدَّتْ=دارُ السَّلام والضّرْعُ دَرًّا ... والوحشُ قَرّا=له أقرَّا=ضَبُّ الإكام والجذْعُ خارا ... والغيثُ فارا=لمَّا أشارَا=إلى الغمام آياتُ طه ... ليْسَتْ تُباهي=ولا تَناهي=على الدَّوام قلبي لديْهِ ... شَوْقي إليهِ=يَزْكو عليهِ=أزْكى السّلام ما الدهرَ لاحتْ ... ذُكىً وفاحت=صَباً وناحَتْ=وُرْقُ الحمَام عَلَى الإمامِ ... أعْلى الأنامِ=أنْمى السلامِ=من السلامِ

إني لشادِ ... خَيْرِ العِبادِ=راجي أيادِ=مِنهُ عِظام يا مَنْ حَباهُ ... بما حباهُ=ثمَّ اصْطفاهُ=هب لي مَرامي رَبّ امْحُ عَني ... ما كَان مني=سُوءًا فإني=بك اعْتِصامي وحُط ذنبي ... وأحْي قَلبي=فأنْتَ رَبي=مُحيي العِظام كفّرْ ذنوبي ... واستُرْ عُيوبي=واكشف كروبي=واغفرْ أثامي حَقّقْ مُنانا ... فيكَ امتنانا=واغفر خَنانا=بذا الإِمام قِنا البَلايا ... وافتحْ لنايا=جَمَّ العَطايا=سُبْلَ السَّلام وارزقْ لَنايا ... بارِي البرايا=عِندَ المنايا=حُسْنَ الخِتام وقال أيضا، يمدح سيدي عبد الله بن رازكه العلوي، المترجم في أوّل الكتاب: بَراعة استِهلالِ ... بَدْرُ البَهى والجمال إعارةُ الجفْنِ دَمْعا ... ينَهلُّ والجمرُ بالِ ضِدَانِ كانا بجسمي ... فذاكَ عَينُ المُحالِ فبرْجُهُ حَرُّ قلبي ... مِني رَهينُ القِلالِ لمّا غدا الطيفُ يوْماً ... يَزُورني لِوِصال كان السُّهادُ على مق ... لتي رَقيبَ الخَيال فبِتُّ ليلى كأني ... فيه سليمُ الهلال أجرُّ ذيل الهوى طا ... ئعاً له باختيال لوْ لمْ أجبْهُ أجابت ... محاجرِي بانهمال وبتُّ جانيَ غَضٍّ ... منْ زَهرِهِ المُتغالِي والبرْقُ يهفو كقلبي ... لكنه ذو كلال والزهرُ يَرْمُقُ شزرا ... كناظرِ الرئْبالِ

وبينَهما البدْرُ يَزْهو ... كشيخ نادٍ بجالِ فقلتُ ذا وجهُ سُعْدي ... الباهرُ المتلالي خَوْدٌ رَمَتْ حرَّ قلبي ... بناظرٍ ذي اعتلال وحَمَّلَتْني مِنَ اعبا ... ءِ الحُبَِّ فوْقَ احتمال تَحمى خَشي مُسْتهامٍ ... طلا بغير حمال قّتالةٌ بهواها ... لا بالقنى والقتال ولا بضربِ المواضي ... ولا بطعن العوالي ولا بِرَمْيِ الزباري ... ط ورَشْقِ النّبَال تَجَلُّدي واصطباري ... ووصلها في انفصالِ ولَوْعَتي وغَرامي ... وهجرها في اتصال وصرمها للمُحِب ... ين دائماً مُتوالِ ووعدها وهوَاها ... للْحِبّ رَقْرَاقُ آلِ وعُذَّلي في هوَاها ... أشباهُ صُهْبِ السّبال يا هِندُ جودي لِصبٍّ ... بنار حُبِّكِ صالِ وسيف هجرك أمضى ... من السيوف الصقال ونار شوقِكِ دأباً ... في القلبِ ذاتُ اشتعال مليحَةُ الوَجْهِ والغن ... جِ والغنا والدلالِ

اللوْنُ منها بَهيٌّ ... والحسْنُ شمس الزوالِ والجسم منها لطيفٌ ... والقدُّ مثلُ الهَدَالِ والفرعُ منها أثيث ... والوجه مثلُ الهِلال والطرفُ منها غضِيضٌ ... والثغرْ رطْبُ اللآلى والخدُّ منها أسيلٌ ... والجيدُ جيدُ غزال والكشْحُ منها رخيصٌ ... والرِّدفُ مثل النهال بهنَانةٌ خَدْلةُ السا ... قِ صفرُ مرسى الحجال ألذ منطِقها من ... سُلافةٍ بزلال لفظٌ تِكلّ المثاني ... من دونه والمثالث لقد عدانِيَ عنها ... رغماُ صروفُ الليال أغْرَتْ هموماً توالتْ ... علىَّ أيَّ توال لها بميدان قلبي ... مجالٌ أيُّ مجال عنِ التخلص منها ... كلَّتْ وجوهُ احتيالي إن لذتُ بالسَّيِّدِ المَلْ ... كِ لستُ بعدُ أبالي يجود سمحاً بحسن ال ... خلاص من مكرها لي عبد الإلهِ الأديبِ الص ... در العريقِ الأثالي

صدر الأفاضل غوثِ ال ... عبادِ بدر الكمال سعدِ الزمانِ كريم الن ... ثا سنيِّ الخصال فخرِ الأنام جمال الإ ... سلام حِلوِ الشَّمال هامِي البنان خصيبِ ال ... فنا جزيلِ النوال تاج الفخار ذكيُّ ال ... حجا سديدُ الفعال نورُ الأئمةِ قُطبٌ ... حَبرٌ فقيدُ المثال قاضي القضاة سراجٌ ... لِسدفِة الجهل جال ندبٌ سفيطٌ طموحٌ ... إلى الأمورِ العوال ملجأً لكل طريدٍ ... مأوى العفاةِ ثمال ذو المعلواتِ العوالي ... والموْهِبات الجزال جالي دُجا كلّ خَطبٍ ... أعيا دُهاةِ الرجال مُستمسِكٌ من هدى شِرْ ... عة النبي بحبال وسيفُ حقٍّ على أه ... ل الزَّيغ والإعتزال أماتَ ريحُ هداهُ ... هُوجَ الهوى والضلال صارا به دائماً في ... مَهانةٍ وابتذال فالحقُّ أضحى مُحلى ... به بأبهى المحال ومهْيع الشرع يزهو ... مُطرَّز البرد حالي

قدْ صانه فهْوَ دأباً ... عن نصرِهِ غير آلِ وذبَّ عنهُ ببيضٍ ... من الهدى والنِّصال حتَّى غدا مستقيما ... ميزانهُ باعتدال به العلومُ تحلَّتْ ... أبهى حُلىً وحِلال قد فاز منها بما لم ... يخِطُرُ لإنسِ ببال رسَتْ بأرضِ حِجاه ... للعلمِ يُهْمُ الجبال جبالُ الأرضين أضحتْ ... في جنبهِ كالتِّلال والبْاسُ في كلّ فنٍّ ... كانوا لهُ كالعيال تهوِى له من بعيدٍ ... من موكبٍ ورجال مقامهُ في الأعاري ... ب والعقائِدِ عال وفي البلاغةِ نظماً ... وكلِّ سِحرٍ حَلال وفي العلوم جميعا ... وفي علوم الأوَالِ وشرح كلّ عويص ... صعْبِ المرام عُضَال يهدى غرائبَ أشهى ... من قرقَفٍ وفِضال بيدي الدقائق فهْماً ... يُنيلُ قبلَ السؤال لا واكفُ الفطر يحكى ... كفيهِ في الانهمال

إذا السحائبُ يوماً ... غدَون صُهْبَ الظِّلال والدهرُ طوعُ يديه ... يجري له بانفعال وليسَ يسلم يوما ... من ذِي اغتباطٍ وقال من معشر في الورى قد ... حازوا شعارَ الجلال ذوو نهى ووجوه ... غرٍّ وأيدٍ طوال ذوو حروفٍ ثلاثٍ ... ميمٍ وجيمٍ ودال ذُكْرُ سراتٌ كرام ... شُمُّ الأنوفِ أعال لهمْ خلائق زُهْرٌ ... تندى كزهْرِ المِآل نالوا العلى والمزايا ... والعِزِّ غير عجال هم في المكارم تبر ... وغيرُهمْ كالطُّفال هُمْ في الجلال يمين ... وغيرهمْ كالشمال همْ في الفخار صميمٌ ... وغيرُهمْ كالموالى هُمْ في العلى كاللئالي ... وغيرُهمْ كالرمال طرزتُ ديباجَ شِعري ... بنشرِ تلكَ الخلال فاهنأ فقد نلت تاج الش ... عر العزيزِ المنال فأنتَ حاملُ أعْبا ... ء المعلماتِ الثّقال بسطُ الزمان علينا ... سعدٌ وأحسن حال إليكها بِكرَ فِكْرٍ ... يا سيدي ذي كلاَل أضحتْ بذكرِك فيها ... تبأى بِحَلْيٍ وخال

يُثنى عليك لسانٌ ... منها صدوق المقالِ بنظم فضلك تشدو ... دأباً بغير مَلال مستهدياً منك عطف ال ... سماح والاحتفالِ فاعذُر لها والحظها ... بمقلةِ المتبالي واسمح ولا تنقدنها ... وابسُطْ لها وجْهَ خال لخاتمِ العِزّ أبقا ... ك فصًّا المتعالي وقال سيدي عبد الله بن رازكه يحييه: أحداجُ تلك الجمال ... مشجونةٌ بالجمال زالتْ عليها شمُوسٌ ... فَفاتْ شموسَ الزوال ما غابَ مُذْغِبنَ عنّا ... سُهْدُ الليالي الطوال راجي الصباح بِلا شم ... سٍ بائتٌ في الضّلال لم تخطِنا إذ رمتنا ... أرآمُ آلِ بلال أترابُ حيّ لقَاحٍ ... عَرَنْدَسٍ ذي طلال أهلُ الجيادِ المَذاكي ... والعوذِ عوذٍ متال والبيضُ بيضٌ مواضٍ ... والسُّمْرُ سُمْرٌ عوَال لله يومٌ شهدنا ... وغاهُ غيرَ عجال ذوو العمائم فيه ... أسْرَى ذواتِ الحجال وتترك الأسدَ صرعى ... ظِباؤه بالنبال سلْ ما لسَلمى وخير ... إصغاؤها للسُّؤال رُمن رضاها فرمنا ... حصولَ رِيٍّ بآل محمودَةٌ أختها آ ... ختنا بمنع الوصال

فوصلُها ذو انصرام ... وصَرمُها ذو اتصال دامتْ بكسرِ نصال ... في القلْبِ فوقَ نصال محمودةٌ ما ذَمْمنا ... لجاجَها في الدلال ولا مَلِلنا وإن لم ... تترُكْ دوامَ المَلال إذ قلبها عَكَّ قلبي ... بصالبٍ وملال وجفنها وهواها ... في صحَّةٍ واعتلال أحِبُّها وأراها ... ترى وجوبَ اغتيال فما اختيالي أطّباها ... ولا لطيفُ احتيال ما طافَ أبخَلُ منها ... حتى بِطيفِ الخيال يا ليتها بذلَ وسْعِى ... لكنها لا تبالي براقةُ الخدِّ يُسْرِي ... لألاؤها في الذُّبال فالحبُّ ينكُصُ مهمى ... دعى هواها نَزال لا بالغَزَالة ترضى ... شِبْهاً ولا بالغزال رطب اللئالي بعيد ... من ثغرها في الصقال قاسَتْ بعطف خفافٍ ... حملان رِدفٍ ثقال لا يخطرُ البانُ ما تخ ... طر الهوُينا ببال والبدر قوبلَ تِماً ... من نعلها بالقبال حسن التخلَّصِ من ح ... بها عزيز المنال

محمودةٌ في الغواني ... مُحمدٌ في الرجال محمد كالمجَلّي ... من حلبة في المجال هو الزكيُّ الذَّكيُّ ال ... حسَّانُ زِيُّ المعالي والفرد في العلم والح ... لم والحجا والفعال من ليس ينطِقُ إلا ... بالسِّحْرِ ذاك الحلال الحافِظُ المتروِّي ... أمِنْ سَخي أمْ بكالي والشارحُ المُشكلات ال ... مُسْتحْكماتِ الشِّكال والصَّارِمُ الأشعري ال ... مخنى على الاعتزال يزالُ رضوى انزعاجاً ... ولم يكنْ بالمُزال عِلْمُ الكلامِ يسمَّى ... فيه حَذامِي المقال جاري الأدلة ليست ... إجراَء ذاتِ العِقال قطب اجتهادٍ مصِيبٌ ... في الفقه عندَ الجدال منقولهُ يحْتَذِيه ... معقوله باعتدال تميزه في الأعاري ... بِ لا يُوَازي بحال ذو رتبةٍ بعدتْ عن ... تنازُعٍ واشتغال مَن مِثلهُ حين يعيي ... في الفرعِ ضربُ مثال يبديهِ فهماً وإلا ... أتى بثانٍ وثالث

عالي محمدْ سعيدٍ ... فلم ينلَهْ مُعالي بنو محمدْ سعيدٍ ... حذوه حذو النّعال الناسُ في المجد هضْبٌ ... وهمْ أعالي الجبال يُمتُّ عند حبول ... لديهمُ بالحبال شدُّوا الرّحالَ إليهم ... وهمْ محط الرّحال طلاّبُ وجْدان أمثا ... لهمْ طلاب المُحال والسَّادة القادة السَّا ... رة السَّراةُ الخلال هيآتُهمْ زيَّنتْها ... هيْبات عزّ الجلال يابن الكرام ارسُ طوداً ... ما أُرْسىَ ابنا رغال حلّيْت منْ ليس أهلاً ... لمدحك المُتعالي وجاَء شعرك سلكا ... فيه حسانُ اللئالي يؤولُ عندي بذهنٍ ... سُداهُ حسن المآل روْضٌ سقاه غمامٌ ... ملْو رد لا من سيال فأرْق تحت سطورال ... أيام تحت الليالي يقول رائي حُلاه ... بلتْ صداها بَلال هذي يدُ ابن هلال ... وذا فمُ ابن هلال حذوتني وعنائي ... فقط حذاَء الثّفال كالطفل عارض شيْخاً ... عن تبره بالطفال

محنض باب بن أعبيد الديماني

جازيته واليواقي ... تُ جُوزيتْ بالرمال إن أمْليا فليقالا ... شتان بين الأمالي فاعذُرْ فهذا مودي ... رويَّتي وارْتجالي سجَّلْتُ حُكما بعجزي ... والعجزُ بوْنُ السّجال قلْ هات أعط كنفْ ... سي فما ثوابُ كمالي كُنِ اليمين فما النا ... سُ كلُّهمْ بالشمالي برعْت في البدْءِ فازْدنْ ... براعة في الكمال ولمحمد اليدالي أيضا يمدح قبيلته: ديمان في الناس تبرٌ ... وغيرهم كالفخار فيْومُهمْ يوْمُ عيدٍ ... وليلهم كالنّهارِ وله بيت مشهور في هذا المعنى: إنا بني ديمان إنْ ذُكر العُلى ... نذكرٍْ وإنْ ذُكرَ الخنا بُرآءُ هذا ما تيسر من شعره الآن. مَحَنْضْ بَابَ بْنُ أعْبَيْدْ الديماني علامة شنقيط، وهو عقدها الوسيط، البدر المنير، والعلامة النحرير. سيف الله القاطع، وغيثه الهامع، شمر عن ساعد جده، وأدرك العلوم بفهمه وكده. هو مدره عصره، وعلم مصره، أبرزه الله لأهل إقليمه بدراً منيرا، وللصادين عذبا نميرا. ما ضاعت أوقاته، ولا خابت عفانه، وكان عند حسان حرما آمنا، وحصنا حصينا ساكنا، وإليه مرجع العلماء إذا اختلفوا، وما ظنك بمن كان يصلح لابن بون وهو هو، فقد وجده يحرف بيتين، أحدهما قول الشاعر.

مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرياح النواسم فإنه كان يقرأه: من الرياح النواسم، فإنه من شواهد النحو، والشاهد فيه تأنيث الفعل المسند إلى مر، وهو مذكر، وإنما اكتسبت التأنيث من إضافته إلى الرياح، وقد بعث المختار المذكور لغزا في لفظه جاء إلى بني ديمان، في أبيات نظمها، فأجابه محنض باب بشطر، وجعل الثاني لغزا، وأول أبيات المختار: ألا يا بني ديمان لازال مرتحل ... إليكم يريد المعضلات من المضل وضاع مني آخرها، وبيت محنض باب: لعل مراد الشيخ جاءٍ ومن لنا ... بحرف يثنيه ويجمع من عقل يعني الكاف في ذلك، فإنها حرف تتصرف تصرف الكاف الاسمية، والحروف لا تتصرف. وقد أراد إنسان ممن له به اتصال، أن يضبط شغله، قال: فرأيته في وقت الصباح، يسوق بقرة إلى موضع الرعي، ثم يذهب، والقدوم على عانقه، يقطع بها أعوادا من الشجر الرطب، ليطوى بها بئرا يحفرها في محل صعب، ثم يعود بكثير منها على عانقه، ثم يرجع إلى البئر ليقف على عبيده المكلفين بحفرها، ثم يرجع ليدرس للطلبة، ثم يشتغل بقرى الأضياف، لانه كان مورودا، ثم يبقى هكذا إلى أن تنام الناس، فيشتغل بتصنيف كتابه (ميسر الجليل على مختصر خليل) وكان لا تأخذه في الله لومة لائم. ولما اظهر ابن الأمين بن الحاج الشقراوي، أمورا تخالف مذهب الفقهاء، ألف في تضليله، لينفر الناس من تلك الأقاويل، وكان ابن الأمين المذكور تخافه الناس لعلمه وسلاطة لسانه، فهجاه ولم يبال بذلك، كما سيأتي بيانه، وما زال يوضح للناس فساد شبهه، حتى حبط مسعاه، ووقعت بينه وبين إدييج الكمليلي مخالفات، ولما هجا التجانيين، قال فيه، وفي أمثاله منظومة منها: نَهوا عَنِ الطريقِ مَنْ أرادَها ... وأنكرُوا لعاً لهمْ أورادها

ابن عبدم الديماني

أليستْ الطريقُ ذكر اللهِ ... والنهيُ عنهُ منكر يا ناه وأنكروا الجمع والاجتماعا ... للذكر وهو جائزٌ إجماعا جرى على ذلك مذ أعصار ... شرقاً وغرباً عمل الأمصار فوقع الإجماع بعد الخُلْف ... فيه فجاز اليوم دون خُلف وله في النحو أنظام كثيرة، ومنها (نظم الجموع المحفوظة عن العرب) على ترتيب نظم ابن مالك في ألفيته، متبعا لكل مقيس ما حفظ فيه. وله قصيدة يمدح بها العلويين عامة، وأبناء القاضي خاصة، ومطلعها: دع المدْحَ يَسْعى في مسارحهِ يرعى ... ولا ترعه إلا كلاً طيْبَ المرْعا فعم به في إيد وعل وخصصن ... بني شيخنا قاضي القضاة نجد مرعا فجدهم أستاذ تاشمشَ كلهم ... قد ارتضعوا من علمه الخلف والضرعا لهم ذمة لا تنقِضش حُرُماتها ... يحق لهم طول الدهار ير أن تُرعا وقد أجابها حرم بن عبد الجليل المتقدم، بقصيدة لم يبق في ذهني منها الا قوله: فلا يحْسُنُ العقدُ النفيسُ جواهراً ... إذا لم يكن في جيد غانية تلعا ومن نظمه: ليس من أخطأ الصواب بمخط ... إنْ يَؤبْ لا ولا عليهِ ملامَهْ إنما المخطئ المسييءُ الذي إن ... وضح الحق لج يحمى كلامه ابن عَبْدَمْ الديماني هو النحوي الشهير، الذي شاع ذكره وذاع، وانتشر في تلك الأصقاع، وما وقفت له على شعر، وله نظم متداول في نوني التوكيد وهو: إن تسند الفعل لواو أو ليا ... ولامه إحداهما فأوليا كلاّ من الحرفين حذفاً وصل ... بالنون عين الفعل والأمر جلي

صلاحي الديماني

أما لدى اتفاق لامٍ والضميرْ ... لفظاً فلا إشكال والأمر شهير وعندما يختلفان فات ... بشكلة لمضمر توات كارمنَّ يا قومُ بضم الميم ... وارجنَّ يا هندُ بكسر الجيم وهذا ما في ذهني منه. صُلاَّحي الديماني هو الصالح المشهور، والعالم المذكور، ومن نظمه: أحسن ما رأيت في رِحلتي ... يا نزهتي من بعدكم غيطلَهْ أبصرتها تختال في ربْطة ... والريح في أردانها مرسلَهْ بينا أنا في سُبْحَتي ذاهلٌ ... والنفْسُ في نَهْجِ التقى مُعْمَلَهْ إذ لاحَ لي من ثغرِها لائح ... إنساني النسبيحَ والهيللَه من أرسل الطرفَ إلى غيرها ... قد ضيع الإرسالَ والمرسَلة المختار بن ألُمَّا هو العالم الوحيد، ذو الرأي السديد، والجود العتيد، برع في النحو والعربية، وله اليد الطولى في الفقه والبيان والمنطق. وكان صالحا ناسكا، حليما مورودا، مهيبا عند قومه، معظما فيهم. وقد قرأت عليه نبذة من النحو، ومن أعجب ما رأيت فيه، إنه إذا حدثك في غير وقت الدرس، لا تفهم من كلامه إلا القليل. وإذا قعد يدرس، لا تجد من يُفْهِمُ الطالب مثله. ومن أجل مشايخه الذين تلقى عنهم: محمذ فال بن متالي التندغي. وتوفي بعد العشر الأول من القرن الرابع عشر فيما أظن، وله مقطعات، لم يحضرني منها شيء وأنظام كثيرة في النحو، منها: في القول خلف هل به يسمى ... لفظ به دُلّ على معنىّ ما أو المركَّبِ بغير قيدِ ... أو المركب بقيد القيدِ وله أيضا: يجوز للكوفي أن تنادى ... معرفاً بأل بعكس الناد

شعراء أولاد ابيير

تمسكا بقول من قد مرّا ... أيا الغلامان اللذان فرا إياكما أن تحدثان الشرا وكان العلامة محمد بن أحمد يور الديماي، قل بيتا وهو: وخرنق بكسرتين عنتره ... أخت له فانظره في الروض تره فقال رادًّا عليه: وخرنق بكسرتين طرفه ... أخت له في الروض هذه الصفه شعراء أولاد ابْيَيْرِ الشيخ سيدي بن المختار بن الهيب الأبييري ثم الإنتشائي، ونسبه الأصلي يرجع إلى تندغ، ثم إن فخذه أولاد انتشاييت كذلك، وإنما سكنوا في أولاد ابيير، وتواشجت بينهم الأرحام، ثم إن الله أعلا به أولاد ابيير وغيرهم. هو العلم الذي رفع على أهل قطره، واستظل به أهل دهره، وماذا أقول في رجل اتفق على إنه لم يظهر مثله في تلك البلاد، وقد رأينا من أحفاده ما يرفع العناد، إذ من المعلوم انهم قاصرون عن مداه، أو لم يجاوزوه إلى ما وراه. واشتغل في شبابه بالعلوم وبرع فيها، بملازمته لحرم بن عبد الجليل العلوي، وكان يخدمه خدمة العبد لمولاه، فجازاه الله تعالى بذلك، حتى إن تلاميذه كانوا لا يدخلون عليه، إلا حبوا على ركبهم إجلالا له. وحدّث من رآه في زمن اشتغاله عليه. قال: أرسل حرم المذكور إلى التلاميذ، أن يذهب أحدهم إلى المنهل ليسقي البقر، فإن العبد القائم بأمره غير موجود، فلم ينتدب لذلك إلا الشيخ سيديَّ، فلما أتى بالبقر، جعل يقرأ مع التلاميذ على ضوء النار، فأرسل إليهم أيضا أن يحلب أحدهم البقر، فلم ينتدب لذلك غير الشيخ سيدي، ثم إنه رجع بعد حلب البقر، وجعل يقرأ أيضا، فوافى

رسول من حرم أيضا، بأن يحضر أحدهم قرى الأضياف النازلين عنده، فلم ينتدب لذلك غير الشيخ سيديَّ. ولما تضلع من علمه، شد الرحل إلى الشيخ المختار الكنتي بآزواد من مسيرة شهر، وأكثرها غامر. ثم وصل إليه، ولازمه ستة أشهر، ثم مات الشيخ المختار، فبقى عند ابنه سيدي محمد المعروف بالخليفة، لقيامه مقام أبيه، فلازمه عشرين سنة يخدمه فيها، حتى برع في معرفة الطريق، وعلم الأسرار، ثم رجع إلى بلاده، فنزل أوَّلا في تندغ، أصله القديم، فلم يكترثوا به، ثم رجع إلى قبيلته أولاد ابيير، فتلقوه بما هو أهله وأكرموه، واعترفوا بفضله، فلم تزل فضائله تبدو، حتى أذعنت له الزوايا وحسَّان، وصار مثل الملك بينهم، فلا يعقب أمره. وكان أهلا لذلك، كرما وحلما وعلما، ولم تزل الدنيا تنثال عليه، ويفرقها في الناس، وقدم مُرَّاكش في أيام المولى عبد الرحمن، وأظنه كان متوجها للحج، فرجع بسبب المرض في الحجاز، ونال حظوة عظيمة من السلطان. وحدثني الفاضل عبد الرحمن الجزولي، المعروف في مراكش بابن التلمود، وكان أبوه كاتبا للمولى عبد الرحمن: إنه لما قدم إلى مراكش، وجد المولى سيدي محمد بن المولى عبد الرحمن، ألكن لا يبين الكلام، فتفل في فمه، فانطلق بالكلام. وكان يبحث عن الكتب في مراكش ليشتريها. فإذا أراد أن يقضي الثمن، يسلم إلى البائع ما بقى عن المحاسبة بالغا ما بلغ. وكانت العرب في أرض شنقيط، تجعله حرما آمنا، فيجتمع عنده أحدهم، بمن قتل أباه أو أخاه، فيجلسهما على مائدة واحدة. وإذا بلغ الجاني نواحي البلد الذي يقيم به، أمن على نفسه. ولم يمض عليه يوم، إلا وعنده آلاف من الناس، يطعمهم ويكسوهم، ويقضي جميع مآربهم، حتى لقي الله، ولا يسأله أحد حاجة إلا أعطاه إياها، بالغة ما بلغت. وكان تلامذته يريدون أن يقللوا من ذلك، فما أمكنهم. وسأله يوما

شخص، حمارا. فقال: أعطوه الحمار الفلاني. فقالوا: إنه غائب. فقال: أعطوه الجمل الفلاني. فقالوا: إن الحمار قد حضر. فقال: أعطوه إياهما معا. وجاءه أحد أبناء شيخه، فأعطاه جميع ما يملك من الدنيا، ثم عاد إليه بعد مدة، ففعل ذلك ثلاث مرات. وشكى إليه إنسان، سوء معاملة امرأته إياه. فقال له: وما مالكم؟ فأخبره بأن عندهم شيئا من الغنم، وحمارا وأمة. وقال: إن هذا لامرأته. فدعا بأحد تلامذته، وأمره أن يعطيه غنما وحمارا وأمة. وقال له: إنها سيسهل أمرها. وشكا إليه تلامذته المكلفون بالأضياف كثرتهم. فقال: إنحروا من الإبل ما يكفي. فقالوا: إنها مهازيل، وليس فيها من السمان إلا ناقة. روى من لبنها اثنان لكثرته. فقال: انحروها، فإنها ستشبع مائة. وكان يبلغه أن الطريق منقطع في الجهة الفلانية، لعدم عمارتها، فيحفر فيها الآبار، ويبعث المؤن الطائلة لقرى المارين. وفضائله أكثر من أن تذكر، رحمه الله. وكان مجيدا. وما رويت له إلا القليل. قال يحض على حسن المعاشر: أيا مَعْشرَ الإخوانِ دَعْوةَ نادبِ ... إلى الحقِّ والمَعروف ليس بكاذب أعيرُونيَ الأسْماعَ أَهْدِ إليكمُ ... وصيةُ مُصْفى النصح غيْر مُخالب فمن كان منكم ذا وِدادٍ وخلةٍ ... لمرتفع الأخلاق جمّ المناقبِ لِيَسْحَبْ على عَيْبِ الخليل ذُيُولهُ ... ويَسْتُرْ فَشأنُ الخِلّ سَتْرُ المعايب خِليلَّي لا أبدى إلى من يَذُمُّهُ ... طلاقَةَ وجْهي بلْ عُبوسَةَ حاجِبي أحبُّ الذي يَهوى وأُبغضُ ما قلا ... ولستُ عليه إنْ يزِلَّ بعاتب وماذا دعا يوْما لِصَدْمةِ حادِثٍ ... ألمَّ عليهِ كنتُ أوَّلَ واثبِ فمنزلةُ الإخْوان فيها تفاضُلٌ ... فمنهمْ لذيذُ الطعْم عند المُصاحب ومنهم زُعاقٌ لا تُطاقُ طِباعهُ ... معاشره يَرْتاحُ إذ لم يَقاربِ ومن كان ذا لوْحٍ وهَمٍّ وطاعةٍ ... فلا يَدْنُ للمستصيباتِ اللَّواعب

سيدي محمد بن الشيخ سيدي

وما أفسد الألواحَ والهمَّ والتُّقى ... كبيض التراقى مُشرفاتِ الحقائب مِراضِ العيون النُّجْلِ حُوٍّ شفافُها ... رِقاقِ الثنايا حالكاتِ الذوائبِ وله قصيدة بديعة، يمدح بها وليَّ الله الشيخ المختار الكنتى، وتستخرج منها ثلاث قصائد، لكل منها بحر، أعنى أنها كلها في بحر الكامل. ثم تقرأ أشطارها الأول، فتكون قافية من بحر المديد، ثم تستخرج من أوائل أشطارها الثواني، قافية من بحر البسيط، وليس من حفظي إلا مطلعها وهو: طلعتْ ببُرجِكَ للبريَّةِ أسْعُدُ ... أيَّامَ جاد بك الزّمانُ الأجْود وله قصيدة أخرى مطلعها: أمَعالمُ الميمونةِ السُّعْدى هذِهِ ... أمْ أنتَ ناظرُها بمقلةِ أمْرهِ وسيمر بك في هذا الكتاب من أمداحه، ما يشهد لما قلت، ورأيت من تآليفه، شرحا على لامية الأفعال لابن مالك، وبلغني إنه شرح مقصورة ابن دريد، وأخبرني بعض الثقاة، إنه مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف، أو نحو ذلك، رحمه الله رحمة واسعة. سيدي محمد بن الشيخ سيديّ المتقدم، هو العلامة الأريب، اللغوي الأديب. نشأ في نعمة عظيمة، وكلاءة جسيمة. وما ظنك بمن أبوه الشيخ سيديّ، ولما ولد هذا الفتى، تباشرت به تلك الأقطار، واشرأبت إلى مآثره تلك الصحارى والقفار، ولما ميز بين الحيّ واللّيْ، وفرق بين النشر والطيْ. استجلب له أبوه المؤدبين والمتأدبين، وكان يعلمه الكرم كما يعلمه العلوم، ويدقق في محاسبته على ما يبدو منه في عنفوانه، حتى سما ونبل، واقتدى به حذو النعل بالنعل. حتى صار كما قال زهير في هرم بن سنان وأبيه وجده: هو الجواد فإن يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا أو يسبقاه على ما كان من مهل ... فمثل ما قدما من صالح سبقا

وكان الناس يظنون أن الشيخ سيديّ، لا يسد أحد مسده، فلما مات، وبقى ابنه هذا في موضعه، ما تغير شيء مما كان يجريه أبوه عل الناس، إلا أن مدته لم تطل، فإنه عاش بعده سنة واحدة، وكان رحمه الله شاعرا مجيدا، وصوفيا وحيدا ومن تأمل قصائده الغزليات، وجد في أواخرها، ما يدل على إنه كان على جانب عظيم من التصوُّف، ويقال إنه لما مدح أباه بأرجوزته الطنانة التي أولها: يا سيدي إني فداكَ اللهَ بي ... جاري الحماما عنه لي من مذهب قال له ما حاجتك؟ قال: حاجتي أن لا أعيش بعدك، فاسترجع والده، وبالجملة فكان سيدي محمد هذا، حسنة من حسنات الدهر، وترك قصائد تدل على طول باعه في الآداب، وله من النكت الأدبية، أشياء كثيرة، ومنها إنه كان له نديم، وأصله حداد، وأهل الصحراء يزعمون أن الحداين أصلهم يهود ثم أسلموا، وكان ذلك الشخص اسمه نحن، وكان يدعي إنه شريف، وكان يجيد اللقم، فأعطاه جملا على أن لا يغضب من أبيات نظمها فيه وهي: ما هزّ عطفيْ كميٍّ يَوْمَ هيْجاءِ ... بين الأواني كذي النونين والحاءِ فرد يقوم مقام الجمع وهو لذا ... يدعى بمضمر جمع بين أسماءِ يسطو بأسلحة للأكل أربعة ... يدٍ وفمٍّ وبلعُومٍ وأمعْاءِ تخال لقماتهِ العظمى براحته ... كراكر الإِبل أو جماجمَ الشاء ما بين طلعتها فيها وغيبتها ... في فيه إلا كلمحِ الطرف للرائي فتنهوي كدُلِيّ خان ما تِحَها ... أشْطانُها فترامَتْ بينَ أرْجاء فبانَ أنَّ الذي يحويهِ من شرفٍ ... قد صحَّ لكنه بالهاء لا الفاء وتزوج بامرأة من غير ان يستأذن والدته، فذهبت إليه، تصحبها عجائز، فضربنه، فكتب إلى أبيه يشكوهنَّ: أمِنْ فعل أمرٍ في الشريعة جائز ... يروم اهتضامي بينكم كل عاجز وكان بكم جند البغاو يهابني ... فصال علىَّ اليوم جند العجائز

فصرت كأني قد أتيت ببدعة ... وفاحشة من نحو فَعْلَة ماعِز فلو انَّ أرضي ذات مُعْز رجمنني ... ولكنها ليست بذات أماعِزِ وكان سلس العبارة، رقيق الشعر، فصيحا، لم نر من انتقد عليه شيئا، سوى النزر القليل، الذي تعفى عليه جودة معانيه، وسلاسة ألفاظه، فقد انتقد عليه ابن محمد قوله: انكار من ليس يدري اشدد به غَرَرا ... إذ هو من جرف الألحان فوق شفا فإن همزة أشدد، همزة قطع، وهذا لا يقدح لأجل الضرورة، وانتقد عليه قوله أيضا: لو خضت لجة قاموس وجدت به ... دراً جلا جَلو مصباح الدجا السُّدفا فإن جلا، مصدره جلاء لا جلو، وهذا غير صواب. وانتقد عليهم بعضهم أيضا قوله: ولم يسحر فؤادي قطُّ طرف ... سوى طرفين فيها ساحِرَين لأن الطرف لا يثنى ولا يجمع، وهذه مسألة خلاف، والأصح إنه لا يثنى ولا يجمع، كما قيل، ونحن ننقل قول القاموس وشرحه تتميما للفائدة، قالا: الطرف: العين، لا يجمع، لأنه في الأصل مصدر، أو هو اسم جامع للبصر، قاله ابن عباد. وقال الزمخشري: لا يثنى، ولا يجمع، لأنه مصدر، ولو جمع لم يسمع في جمعه أطراف. وقال شيخنا عند قوله لا يجمع، قلت: ظاهره بل صريحه إنه لا يجوز جمعه، وليس كذلك، بل مرادهم إنه لا يجمع وجوبا، كما في حاشية البغدادي على شرح بانت سعاد، وبعد خروجه عن المصدرية، وصيرورته اسما من الاسماء، لا يعتبر فيه حكم المصدرية، ولا سيما ولم يقصد به الوصف، بل جعله اسما كما هو ظاهر، وقيل أطراف، ويرد ذلك قوله تعالى: (فيهنَّ قاصرات الطرف) ولم يقل الأطراف الخ. وإذا فتشت أشعار العرب، لا تكاد تجده مثنى، فقد قال جرير: فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا

ولم يقل الطرفين اهـ. وكان عالي الكعب في معرفة النحو والتاريخ، وغير ذلك. وتوجه من بلاده إلى الحج، ثم رجع من غير ان يحج، لعارض اقتضى ذلك، ولما بلغ إلى الساقية الحمراء قال: أحمراءُ السَّواقي ما وَرائي ... الآن غَرُبْتَ أيُّها الانتشائي تخال نصيص فُتْل العيس شهراً ... يدومُ من الصباح إلى المساءِ ولا ينأى به ما كان دانٍ ... ولا يدنو بهِ ما كان نائي وكان رحمه الله، إذا قال شيئا من الشعر، يبعث به إلى أبيه، فكان كلما رأى شيئا من شعره يمرقه، حتى قال هذه القصيدة، يحرض الناس فيها على الاستعداد للنصارى، ويأمرهم بمحاربة أهل البغي من قبائل حسَّان، فلما عرضت على والده، قال للتلاميذ: صاحبكم الآن قال الشعر. والقصيدة هاهي: رُوَيْدَك إنَّني شَبّهْتُ دارا ... على أمثالها تَقِفُ المَهارى تأمَّلْ صاحِ هاتيكَ الرَّوابي ... فذاك التلُّ أحسبه أنارا وتانِ الرَّمْلتانِ هُما ذواتا ... عُليَّانٍ وذا خطُّ الشُّقارا وإنْ تُنْجدْ رأيت بلا مثالٍ ... جماهيرَ الكناوَيْن الكِبارى هنالك لا تدعْ منهنَّ رسْما ... بدا إلا مررت به مرارا ولا تقبل لعين في رُباها ... تصونُ دموعَهَا إلا انهمارا

ودرْبين الميامين العوالي ... فإِنّ على معاهدِها المدارا إذا كنت الوفيَّ فعلت هذا ... فراعيت الذِّمامة والجوارا وإلا خلني وخلاك ذم ... فإِن لديّ أحداقاً غزاراً وقَدْني من إعانتك انتظاري ... أنياً رَيثما أبكى الديارا وإن كنت الخليَّ ولا وفاءٌ ... لديك فنستطيَع لي انتظارا فبلَه اللّوْمَ ثم إليك عَني ... فلا ضرراً أريد ولا ضِرارا ولا عارٌ عليكَ فأنت مرؤ ... ترديت السكينة والوقارا ولكنا رجالَ الحبّ قومٌ ... تهيجُ ربا الديار لنا ادكارا سقانا الحبَّ ساقي الحبِّ صرْفا ... فنحن كما ترى قوم سُكارى ترى كلَّ الهوى حَسَنا علينا ... إذا ما الجاهلون رأوْهُ عارا وأحرارُ النفوسِ نذُوبُ شوقا ... فنأتي كلما تأتي اضطرارا ومن يأتي الأمور على اضطرار ... فليس كمثل آتيها اختيارا ترانا عاكفين على المغاني ... لفرط الشوق نندبها حَيارى أسارى لوعةً وأسى ننادى ... وما يغنى النداء عن الأُسارى ولو في المسلمين اليوم حُرٌّ ... يَفُكُّ الأسْر أو يحمي الذمارا لفكوا دينهم وحموه لمّا ... أراد الكافرون به الصَّغارا حماة الدين إن الدين صارا ... أسيراً للصوص وللنَّصارا فإن بادرتموه تداركوه ... وإلاّ يَسْبق السيَّفُ البِدارا بأن تستنصروا موليّ نصيراً ... لمن والى ومن طلب انتصارا مجيباً دعوة الداعي مجيراً ... من الأسواء كلّ من استجارا

وأن تستنفروا جمعاً لُهاما ... تغص به السَّباسبُ والصَّحارى) تمرُّ على الأماعز والثنايا ... قنابلهُ فتتركها غُبارا ثنى رُبْدُ النعام بحافيته ... وتعيى دُون معظمه الحُبارى يلوحُ زُهاؤه لك من بعيدٍ ... كما رفع العساقيلُ الحِرارَا تخال سِلاحه شهباً تهارى ... ونَحْسِبُ ليلها النقعَ المثارا ولولا النقع إن يلمع بليل ... لصيَّر ضوْءُهُ الليلَ النهارا بكل طليعةٍ شهباء تبدى ... إذا طلعت من الصدإ اخضرارا وتخفْقُ فوقها بالنَّصرِ رَأى ... فتحسبها بها روضاً أنارا وفتياناً يرونَ الضيمَ صاباً ... وطعم الموت خُرْطوماً عُقارا أحبوا الملّة البيضا فكانوا ... عليها من مُرَاوِدِها غَيارا سُطاةٌ فوقَ متنىْ كلّ ساطٍ ... قليلٌ من ينالُ له عِذار بما يحويه من وصف حميدٍ ... على أحزان فارسه أغارا وسلهبةٍ مفاصلها ظِمَاءٌ ... قوائمها رِواء لا تجارا

عليها من محاسنها شهودٌ ... على أن لا تباع ولا تعارا بأيديهم مذرَبَّةٌ طوالٌ ... ترى الأقران أعماراً قصارا وبيضٌ مرهفاتٌ جرَّدوها ... وردَّوْها من العلق احمرارا تفرَّى الأهْبُ قبل الضرب عنها ... ولا عظم يَفُلُّ لها غِرارا وكلّ أخي فمينِ أبى اعتدالا ... وتقويماً عن الغرض ازورارا مسلُّ شطبيةٍ في المتن منه ... إلى تسديد شارته أشارا حَذاه بكالهلالِ موشّحوه ... بكالجوزاءِ صوْغاً وازدهارا بوشىٍ حبَّروه وأوْدعوه ... تصاويراً ترى فيها اعتبارا من العُدد الأولى آلا سِماكٌ ... بروحِ الله عيسى لن تُبارا تلظى النار في الكانون منه ... إذا ما صافح الزَّندُ الشفارا وليس لناره شرَرٌ تراما ... به إلا الموقَّعةَ الحِرارا فمن يَمْرُرْ قُبالةَ منخريْه ... يكن كهشيم من رامَ احتظارا جموعاً تنِطحُ الأعداَء جهراً ... فتترُكهم جديساً أو وبارا جموعاً لا يقومُ لها مناوٍ ... ولا يخشى الصَّديقُ لها مغارا تصوبُ على بلادِ السِّلم غيثاً ... وتوقِدُ في بلاد الحربِ نارا بنصر الله واثقةٌ يقيناً ... فلا تدرى من الخلقِ الحِذارا لها إعلاءُ كلمته مرامٌ ... فلا غنماً ترومُ ولا افتخارا

فمن يك هكذا يحيى حميداً ... ويستحلى بموطنه القرارا ومن لا فالمماتُ به جديرٌ ... ولو للنار بعد الموت صارا فيا للمسْلمينَ لها أموراً ... لها الأكباد تنفطرُ انفطارا تهاونتم بموقِعها وما إن ... تهاونتم بها إلا اغترارا لصوصٌ لا تخافُ البأسَ منكم ... ولا العقبى فترضىَ أن تدارا ولا ينجو مقيمٌ من أذاهمْ ... ولا ابنُ تنائف اتخذ السفارا ولا شِيبٌ عكوفٌ في المصلى ... ولا عونُ النساءِ ولا العذارا فبينا الحيُّ خيَّمَ ذا طَلالِ ... تبوَّأ من فسيح الأرض دارا بساحته محافلُ حافلاتٌ ... بأشياخٍ مهذبةٍ طَهارا وكلِّ فتى يجرُّ الذَّيلَ تِيهاً ... وتفتُّر المِلاحُ له افترارا إلى نسبٍ لهم بلغوا ادعاءً ... به أذواَء حْميَرَ أو نزارا إلى أن يُبصروا شُعثاً كساهم ... لباسُ الجوع والخوفِ اغبرارا رِعاءُ الشاءِ حقاً من رآهم ... يقولُ هم الرِّعاءُ وما تمارى هنالِك لا ترى شيئاً نفيساً ... ولا مُستحسناً إلا مُوَارا ولم يكُ قدرُ لمحَ الطرفِ إلا ... وقد سلبوا العِمَامة والخماراً أجدَّ كمُ بذا يرضى كريمٌ ... وهلْ حرٌّ يُطيقُ له اصطبارا ورومٌ عاينوا في الدين ضُعفاً ... فراموا كلما راموا اختبارا فإِن أنتمْ سغيتمْ وانتدبتمْ ... برَغمٍ منهمُ ازدجروا ازدجارا وإن أنتم تكاسلتم وخمتُمْ ... برغمٍ منكم ابتدروا ابتدارا فألفَوْكم كما يبغون فوضى ... حيارى لا انتدابَ ولا ائتمارا

وما ظنُّوا لعَظمٍ جابروه ... كُسارى بعد هيْضتهِ انحيارا وقالوا إنّ للفُرْسِ انتهازاً ... وثاروا كي ينالوا منه ثارا ولم أعرفْ وسوفَ ترون عمَّا ... قليلٍ صُبحَ ليلِكُمُ استنارا مهىً حورَ المدامع عاطفات ... تخوصُ بها القراقيرُ البحارا إذا التفتت لجانبها تلافت ... حِذارَ الموج لوْحاً أو دسارا لئن كانت مراكبها المهارى ... وإن كانت مراودها القفارا تلطُمها العلوجُ على خدودٍ ... كسى ألوانَها الفزَعُ اصفرارا يدرنَ لهم عيوناً حائراتٍ ... يغَرّقُ فيْضُ عبرتها احورارا فلاهم يرحمون لها بكاءً ... ولا يخشونَ أن تجد اقتدارا وحَلوْها خلاخل من قيود ... وقد كانت لجيناً أو نضارا وأغلالاً بأجيادٍ وأيدٍ ... تعوَّدتِ القِلادةَ والسوارا تُكلفُها بناتُ الرُّوم قسراً ... بخدمتها رواحاً وابتكارا وكانت كلَّما مشَتِ الهُوينا ... لكسر البيتِ تنبهر انبهارا فيشددْنَ الحبالَ بكل خصرِ ... رقيقُ الرَّيطِ كان له إزارا ويحملنَ الجذوعَ على رؤوسٍ ... غدائرها تضلُّ بها المدارى

وتكرَهُ للذي كانت تراهُ ... حلالا وهي طائعةٌ شنارا فيا للمُسلِمين لما دهاكُمْ ... إلى كم لا ترُدُّون الحِوارا أجيبوا داعِيَ المولى تعالى ... أو اعتذروا ولن تجدوا اعتذارا أجيبوه بدنيا كم تَعزُّوا ... وتدَّخرُوا من الأجر ادِّخارا فإحدى الحُسْنييْن لكم أعِدَّت ... حَمالةَ قادرٍ حازَ اليَسارا بجنةٍ اشترى منكم نفوساً ... ومالاً بأرباحكمُ نجارا وهذا ما أشرْتُ به عليكم ... ولوْ لم تجعلوني مستشارا فإِن أنتم توليتم فحسبي ... وجاري الله نعم الله جارا ومن يك جاره المولى تعالى ... كفاهُ فلن يضامَ ولن يضارا وربّي شاهدٌ وكفى شهيداً ... به أني دعوتكمُ جهارا وكم من ناصحٍ قبلي دعاكم ... جِهاراً بعد ما يدعو سرارا وكلٌّ حين يدعو لم يزدكم ... دوام دعائه إلا فرارا فربي اغفر لنا ولوالدينا ... ومن جعلوا هداك لهم منارا وزدنا مِلةَ الإِسلام عِزًّا ... ولا تزدِ العدا إلاّ تبارا وصلّ على الذي حازَت قريشٌ ... بنُسبتِه الزَّعامة والفَخارا إلى آلٍ وصحْبٍ معْه قاموا ... وساروا حيث قامَ وحيث سارا خذوها من بناتِ الفكر بكرا ... تغِيرُ الغانياتِ ولن تغارا لها عن رائد الأفهام خدرٌ ... حماها قبل هذا أن تزارا وقال أيضا: أدَمَعَا تُبْقيانِ بغَرْبِ عَينِ ... وَقدْ عايَنتُما دارَ الكُنَيْنِ

أليْسَ مِنَ الوَفاءِ لِقاطِنيها ... إذالةُ ما يُصانُ بكلّ عَينِ بَلى إنَّ البكاَء على المَغاني ... بمنْهاجِ الصَّبابَةِ فَرْضُ عينِ وإنْ لم يَبْق منها غيرُ رَسْمٍ ... كوَشْمٍ في نواشِرِ مِعْصَمَينِ فإنَّ لها يَداً دَيْناً علينا ... وحَتْمٌ أنْ يؤدّى كلُّ دَيْنِ أفاويقَ الصفاءِ بها ارْتُضِعنا ... مَدَى حَوْلين كانا كامليْن ولم يسْحَرْ فؤادِيَ قَطُّ طرْفٌ ... سِوى طرْفين فيها ساحِرَيْنِ فذانِكَ تاركا قلبي وَرُوحِي ... بنيران المحبةِ خالدين فعوجا يا خليليّ الذيْنِ ... هما منى بمنزلةِ اليدينِ عليها باكِييْنِ وحَيّيَاها ... معي حُيّيتُما مِنْ صاحِبين قِفا ثم ارْجعا الأبصارَ فيها ... وعُودا فارْجعاها كرّتين بها مُتَرَسّمينَ لها وكونا ... إذا لم تبكيا مُتباكِيَينِ وإنْ جمدتْ عُيونُكما كلاني ... إلى عَينين لي نضَّاختين وكونا عاذِريْن ولا تكونا ... إذا لم تُسعِداني عاذلين فما لكما سِوي الذكرى سَبيلٌ ... علىَّ فَلَستُما بمسَيْطرِينَ

وقدْ حَوتِ المَيامنُ مَنزِلاتٍ ... ورِيعُ بني المُبارَكِ مَنزِلين ومَغْنىً حَوْل ذاتِ القَرْم عافٍ ... وآخرَ دارس بالتيرسَين ودارٌ حوْل حِقْفِ النّصْفِ أقْوتْ ... وأُخْرى أَقْفَرَتْ بالتَّوْأَمَين سقاها كلُّ منْهَمرِ العزالي ... من الأزَماتِ يغسِلُ كلَّ ريْن فتصْبحُ غِبَّه الأجْرَاز تحكى ... مصَانُعها تعَاويذَ اللّجَين وتشبهُ في غلائِله هدايا ... برزنَ إلى الزِّفاف بكل زين معاهدُ عندنا في الحبّ فاقت ... معاهِدَ منعِج والرَّقمتين ليالِيَ لا أحاذرُ أن ألاقى ... صدوداً من سُعاد ولا بُثَيْن

ولم تقلِ العذارى أنت عمٌّ ... نعدُّك عندنا أحد الأبين تحنُّ إلى الشباب ولسْت منه ... على حظٍّ سوى خفي حُنَيْن فَقًلْتُ لهُنَّ إنْ يَكُ وخْطُ فَوْدِي ... يَسوءُ الفالِيَاتِ إذا فَلَيني فكم يَوْمٍ يَعِزُّ على الفَوالي ... بهِ مِنّي فِرَاقُ المَفْرِقَيْنِ وكمْ يَوْمٍ وَتَرْتُ بهِ العَذاري ... كَيوْمِ مُهَلْهِلٍ بالشَّعْثَمَيْنِ يُجِبْنَ إذا دعا الدَّاعُونَ بأسْمى ... كأني عِنْدَهُنَّ ابنُ الحُسَيْنِ تُلاحِظُني العَبُورُ مَعَ الغُمَيْصا ... فآنَفُ عنهُمَا لِلمِرْزَمَيْنِ وإنْ أَبْدَتْ ليَ الجَوْزَا وشاحاً ... سَلَكْتُ بها سَبيلَ الشِّعْرَيَيْنِ وإن تُشِر الثُّريَّا لي بكفّ ... خَضيب قلْتُ عَني للِبُطْين

وحيْثُ بنَاتُ نَعْشٍ دُرْنَ حَوْلي ... تَركْتُ وِصالَها للِفرْقَدَين وكم شمْسٍ بهالَتِهَا تَحلَّتْ ... ولاحَتْ بالزَّوالِ خِلالَ غين وغار البدْرُ إذْ وَلَّتْهُ مِنها ... نَوَاراً فازدريْتُ النّيّرَيْنِ ولا عَجَبٌ إذا خُنْتنِّ عَهْدِي ... وآثَرْتُنَّ إقْصائي وَبَيني فقدْ خُنْتُنَّ في القُدَماءِ عَبدَيْ ... نِ قبْلي للِمُهَيْمنِ صالِحَين ومنْ شرْخِ الشبابِ اعْتَضْتُ حِلْماً ... وحالُ الحِلْمِ إحْدى الحُسنَينِ وكنتُ إذا عضزَمْتُ على ارْعِواءِ ... وَجَدْتُ عَزِيمتَي إسْرَاَء قَيْن وكمْ سامَرْتُ سُمَّاراً فُتُوًّا ... إلى المَجْدِ انْتَموْا مِنْ مَحْتدين حَوَوْا أدَباً على حَسَبٍ فداسُوا ... أديمَ الفَرْقدينِ بأخْمُصين أُذاكرِ جمعَهُمْ ويُذَاكِرُوني ... بكلّ تخالُفٍ في مَذْهَبين كخُلْفِ اللّيْثِ والنُّعمانِ طَوْراً ... وخُلْفِ الأشْعرِيّ مَعَ الجُوَيني وأوْرادِ الجُنْيدِ وفُرْقتيْهِ ... إذا وَرَدوا شَرَابَ المشْرَبين وأقوالِ الخليل وسيبويهِ ... وأهلي كوفة والأخْفشين

نوضّحُ حَيثُ تلْتبسُ المعاني ... دَقيقَ الفرْقِ بين المعنيين وأطواراً نميلُ لذِكرِ دارا ... وكسرى الفارسيّ وذي رُعين ونَحوَ الستةِ الشُّعراءِ ننحُو ... ونحوَ مُهَلْهلِ ومُرَقّشيْن وشِعرَ الأعمييْن إذ أردنا ... وإن شئنا فشِعر الأعشيين ونذهبُ تارةً لأبي نواسٍ ... ونذهبُ تارةً لابن الحسين وإني والنُّهى تنْهى وتجلو ... خفايا اللبْسِ في المتشابهيْن عدتني أنْ أصافيَ كلَّ خلٍّ ... مخائلُ من مُداهنةٍ ومين كلا أخوىَّ يُظِهرُ لي وِداداً ... فاعرفُ ما يَسُرُّ كلا الأخين فمن يَكُ راغباً في القربِ منِى ... يجدني دون ماءِ المقلتين ومن يوثرْ قلايَ فليْسَ شيءٌ ... يُوَاصلُ بينهُ أبداً وبيني ألاحِظُ من خليِطيَ كلَّ زيْنٍ ... كما أغضى له عنْ كلِّ شين ولا أصْغِي إلى العَوْراءِ حتى ... يرى أني أصَمَّ المسمعين وما جَهْلُ الجهولِ بمستفزي ... وما لي بالدنَّيةِ من يدين وأحملُ كلَّ ما يأتي خليلي ... لهُ إلا عُبوس الحاجبين وليس يهولني منْ مستشيطٍ ... تهَدُّدُه بنفض المِذْرَوَيْن وعندي جانبٌ في الهَزل لينٌ ... وآخرُ عند جِديَ غير لين

وقد يُلفى إذا الجُليّ ادلهَمَّت ... أسامَة من يُظنُّ أبا الحصين ومهْما يعْرُني للهمِّ ضيْفٌ ... يجُرُّ من البلابل ضيفنين جعلتُ قراهُ أكومَ قيسريًّا ... هجانَ اللوْنِ جونَ الذِّفريين كأنّ صِنانه المنباعَ نقسٌ ... تحدَّر من جوانبِ قمقمين على ليتين كالتُّرسين مُداً ... إلى كالقصر رحب القُصْرَيين يزمُّ عن الكَلاَلِ وكلّ نعْتٍ ... يعابُ سوى انفتالِ المرفقين رعا روْضِ الحمى غضاً نضيراً ... فلم يحتجْ لماءٍ الدُّحرضين وعنْ صدَّا له السّعدانُ أغنى ... إلى أمدِ انسلاخ جُماديين) له افتر الكِمامُ بكلّ ثغر ... وبكّاهُ الغمامُ بكلّ عين فملكه الرُّعاةُ الأمر حتى ... كساهُ النّيَّ نسجُ المِشفريْن نثبطهُ أداهمُ من حديدٍ ... يَنُوءُ بها مُداني السَّاعدين إلى أن كاد وهو بلا جَناحٍ ... يطيرُ بقوةٍ في المنكبين

هناكَ علوْنه بقتودِ رحْلِ ... حماهُ الكتْرُ مَسَّ المتنيين فحاوَل أن يبارى في البراري ... هِجَفَّيْ سابقٍ بالدوْنكين يسير الخيْطفي حيناً وحيناً ... يراوحُ بين كلتا الخيزلين يولىّ المعزَ أخفاقاً خفافاً ... تغادرُ كلَّ صخْرٍ فلقتين تَقَاذفُ بينها الظِّرانُ شتى ... تقاذُفَ أيمنين وأعسرين به أحيى التّداني كلَّ حين ... وأدنو للتنائي كلَّ حين أغادِرُهُ وقبلي مستحيلٌ ... عليه الأينُ ذا ظِلَعٍ وأين وأرحِلهُ سليماً مَنسِماهُ ... وأرجِعُه رثيمَ المنسمين ولو لم ألقِه أصلاً لطارت ... بِيَ العزمات بينَ الخافقين فللعزماتِ أجنحةٌ تُدانى ... كلمْح الطرفِ بين الشاحطين فشطْرَ المشرقين تأمُّ آناً ... وآونةً تأمُّ المغربَين وليس كمثلِها وَزَرٌ لللاقٍ ... من الدهر ازورارَ الجانبين فما حُرٌّ يقِرُّ بدار هُونٍ ... ولو كانت مقرَّ الوالدين

وأهلُ المرءِ نَيْلُ غِنىً وجاهٍ ... وهل يسعى الرّجالُ لغير ذين ومسقَطُ رأسهِ ضرٌّ ونفعٌ ... وإلا فاتباعُ الفارظين فمالُ المنْذريْن يُعدُّ فقراً ... بلا عِزٍّ ومالُ الحارثين وعِزُّ الحاثَين يعُدُّ ذُلاً ... بلا مال وعزُّ المنذرين فعِش حُرًّا فإِن لم تستطعهُ ... فضرباً في عُراضِ الجَحْفَلين وهُوْنٌ في أقاصي الناس هَينٌ ... وهونٌ في العشيرةِ غيرُ هَيْن فما المنكورُ من أصل وعين ... بكالمعرُوفِ منْ أصْلٍ وعَين ولمَّا صاحَ من فوْدي نذيرٌ ... وصرَّحَ ثانياً بالعارضين وقبلَ الشّيبِ إيجادي نَعاني ... فليْسَ الشيْبُ أولَّ ناعِيَين وداعي القلب بالتجريبِ نادى ... وداعي الله أندى الداعيين سَلا قلبي عن الدُّنيا لكوني ... وما أهواهُ منها فانِيَّيْن وإني إنْ ظَفِرتُ به فلسْنا ... على حالٍ تدومُ بباقيين ولكنّا إذا طَبَقٌ تولى ... على طبقٍ ترانا راكبين وعن عهدِ الشّبيبةِ والملاهي ... وأيامِ الميامنِ والكُنين سِوى أني استباحَ حَريم صبري ... هَوى الحرمين أشرفِ موطنَين

وسوف تفي العزائم والمهاري ... بوعدٍ مُنْجَزٍ من وافيين فقد منيتني قبل المنايا ... مرور ركائبي بالدهْنَوَيْن ينازعنَ الأعنّةَ سالكات ... ممرَّ الجيش بين العُدوَتين تبادر بالحجيج ورود بدر ... ويحدوها الحَنينُ إلى حُنين قواصِد رابغاً تبغي اغتسالاً ... وإحراماً لديه وركْعتين تمرُّ بذي طُوّى متناسياتٍ ... لفرطِ الشوْقِ كلَّ طّوى وغَيْن من التنعيم يدعوها كداءٌ ... إلى البطحاءِ بين الأخشبين على بابِ السّلامِ مُسَلّماتٍ ... بتطوافٍ وسعْى عاجلين تُناخُ لحاجتيْ دنيا وأخرى ... هناك فتنثني بالحاجتين ببيت الله مَلمَسُ كلّ حاج ... تعالى الله عن كيفٍ وأين حِمىً إنْ أمّه لاجٍ وراجٍ ... يكونا آمنين وغانمين فمن يجهْلْ حمايتهُ يسائل ... أميرَ الجيش عنه وذا اليدين وقد بقي منها بعض أبيات لم تثبت في حفظي. ومن شعره المطرب قوله: ما حلَّ عُقْدَةَ عَزْمي سِحرُ حوْراء ... ولا ازدهى طود حلمي برقُ زهراءِ عصْر الصِّبا أيَقتني فافتديتُ بها ... سُبلُ الهُداتِ وأخلاقُ الأعِفاء حبْستُ نَفسي بسجنِ الصَّبر منتضياً ... عَزمي وقيَّدتُ ألحاظي بإِغضاءِ كي لا تمرَّ إذاً في وجْهِ غانيةٍ ... بروضةٍ من رياضِ الحسن غنَّاء

ماءُ الملاحة جارٍ في مسائلها ... إلى منيرِ أقاحٍ وسط حوَّاء فتنثني لفؤادي وهي رائدةٌ ... له فتخبرهُ بالرِّعْى والماء حتى إذا القيْهلُ التاثتْ حديقته ... به وهمَّتْ بإزهارٍ فإزهاء وكادَ يُصبحُ ليْلى بعد دُهمته ... وآن وقتُ انتباهي بعد إغفائي سرَّحْتها منْ وثاقي إذ وثقْتُ بها ... والعجْبُ أصل لما في النفس من داء فآنْستْ في صِوار العين آنِسةً ... وفي السَّحائب منها برقُ غرَّاء فانهدَّ إذ ذاك طوْدُ الحلم وانتكثت ... مِني عُرى العزم لمحَ الطرْفِ من راء حتى هممْتُ بشيءٍ ما هممتُ به ... أزمان لاقَ بأشكالي وأكفائي حسْناءُ هام بها قلبي ولا عجب ... كم هام قلبُ فتًى قبلي بحَسناء هُنَّ اللَّواتي أذقنَ الموتَ عُروةَ ... والنَّهديَّ عن مقلتي هندٍ وعَفراء وابن الملوّح قيساً في فتوَّته ... أصْمين وابنَ ذريحٍ أيَّ إصماء كم ذا هممْتُ بوصليها فتردَعني ... عنها روادِعُ من آيٍ وأنباء فانثنى وأقولُ اللهُ أرحمُ أنْ ... يولى انتقاماً على وصل الأحِبّاء ولمْ أزلْ هكذا حتى تُنَهْنِهني ... عداوةٌ ورَدتْ بين الأخِلاء هناكَ أزْورُّ كرْهاً عن زيارتها ... كيْ لا يُجرَّ لها المكروهُ جَرَّائي

وأيُّ شيءٍ على الأحرارِ أشنَعُ منْ ... تسبُّبٍ في مُعاداةِ الأوِدَّاءِ هذا وليْسَتْ يدٌ لي إن أعاديَ منْ ... شدَّت يديْهَا بقلبي بعد إيداء ولا ودَتني ولا انقادتْ إلى قَوَدي ... ولم ترقَّ كأرباب الأرقَّاء وأقبلتْ تتشكّى وهْيَ مُشكيَةٌ ... كالقَوْس رنّتْ وقد شاكَتْ بحرَّاء وشافعٌ في محياها شفاعتُه ... يَمحُو بها حوبَهَا من كلّ حَوْباء أمّا وعِزّةِ مَنم أهوى علىَّ على ... هُوني عليها وإبعادي وإقصائي لوْلا خشَاني عليها سُوَء عاقبةٍ ... لمَّا يُعقبْ تماديها بإنهاء لصُلْتُ للوصْل جهْراً لا تُنْهنهِني ... زُرْقُ الأسِنّةِ في أيدي الأشدَّاء حتى أمِرَّ حبالاً لا يُغيّرُها ... طولُ التنائي ولا مشيُ الإماء فامْزِجَنَّ برُوحي رُوحَها فنُرى ... رُوحاً بشخصَين مزْجَ الرَّاح بالماء وحينما شئتُ بتنا في مسرتنا ... سريْن يكتمنا حيزوم ظلماءِ أفٌّ على الصُّبح ما دامَ الوصالُ فإِنْ ... كان التّقاطُعُ فلينعم بسراء وقال أيضاً: خَليليَّ عل أحْرى بفيض المدامع ... من الأربعُ اللائي بكنْ المزارع أريقا بها ماَء الشؤون وخليا ... عَزَاليهُ ما بين هامٍ وهامع فليْس بغَدر صونُنَا عَبراتنا ... عن السَّح والتّذرافِ بين المرابع فرَعْيُ الفتى عهْدَ المرابع آيةٌ ... على إنه يرعى عُهودَ الروابع وإنْ يَطّلعْ ذو اللوم قولا لعلهْ ... يكونُ لبعض الأمر غيرَ مُطالع فما ضيْعةَ الأطْلال تبكي وإنما ... نؤبّنُ من أعمارنا كلَّ ضائع وأحْرَ بأن يَبْكِ الفتى فوتَ نفسه ... لطلعةِ ناعٍ في المفارق طالع

وقال أيضا ينصح بعض إخوانه: أيها العاقلُ الأريبُ الأبرُّ ... والفتى الماجِدُ السَّرِى الأغرُّ اصغ لي تستمعْ نصيحةَ ودٍّ ... أحْر أنْ لا يأبى النصيحة برُّ إنْ تقلْ لي أتأمُرُ الناسَ بالب ... رّ وتنْسَ لِمْ لا فهلا تَبرُّ قلتُ أمري سِوايَ أمرٌ لنفسي ... وبكيِّ الصَّحيح يبر الأعَرُّ اتقِ الله ما استطعت تُقاَهُ ... في الذي أنت مظهِرٌ ومُسِرُّ تائباً توبةَ اعترافٍ نصوحاً ... لا تقل تائباً وأنتَ مُصرُّ أَعْصِ أمْرَ الهوى لا تتعلَّقْ ... منكَ نفسٌ بكلّ ظبيٍ يمرُّ فاقتناصُ الظِباءِ قدْ لا يُسنَّى ... واتِّبَاعُ الفتى الهوى قد يَضُرُّ ولكمْ من سعى ليَصْطادَ فاصْطي ... دَ ولم يَحمه الصَّيودَ المفرُّ فِرَّ منها حيث استطعت فراراً ... ثمتَ اكْرُرْ إذا تعين كرُّ فالكَمِىُّ المحتالُ طوراً مِفرٌّ ... والكمِيُّ المحتالُ طَوراً مكرُّ وهبِ الدنيا كزائل ظِلٍ ... ليْسَ فيها لحادثٍ مستقرُّ وكغيْثٍ ينْهلُّ حتى إذا ما ... أعجَبَ النّاس نبتُه يصْفرُّ فمقيمٌ بها سيَرْحلُ عنها ... وقويمٌ عماده سيَخِرُّ كلُّ ذي جدَّةٍ بها سوفَ يبْلى ... وهِلاَلٌ بدا بها يسْتِسرُّ لا يَلذَّنْ مطعَمٌ لك فيها ... كلُّ حُلوٍ من بعد الموتُ مُرُّ وقال أيضا: وكان سافر إلى بني دليم، يريد منهم أن يردوا له إبلا أخذوها، لأحد المنتسبين إليه. وكانت بينهما مسافة بعيدة، مع اختلاف بلديهما، هواء وشكلا. فقال في ذلك:

عَينُ رُودى لترىْ ما لم ترىْ ... ذلك البحرُ وذي أكمُ متى كنتِ من قبل تخالين البرا ... قِبَل الغرب انتهت عند فُوىْ ولك اليوم مناديحٌ بها ... فاسرحي فيها ترىْ ما لم ترىْ يا نسيمَ الرّيح إنْ تمرُرْ بحيْ ... خَيْمُهمْ فوق الورى خِيماً وحيْ ولذاتِ اليْمنِ بلّغْ أنَّني ... إنْ تكُنْ سلمى فإِني بعض طيْ أو تكُنْ حَجَراً أكن يحيى لها ... أو تكن حُزوي أكُنْ غيْلان ميْ ولهُمْ بلّغْ بأنَّا هاهنا ... نرتجُّ بين ابترخْ فاللُّوَىْ بين أبناءِ دُلَيْمٍ لأنني ... نقتفي أحياَءهم حياً فحيْ نبتَغي أسْؤُرَ غاراتٍ لهمْ ... أسأروها من ذُوَيْدِ ابن تقي يُرسِلُ البحرُ علينا ريحهُ ... ونداهُ كلّ صُبْح وعشيْ ونرى الطيْرَ به نحسبها ... إبلاً ترعى بحمْضٍ ونصِيْ لسْتُ أبغي بَدَلاً في بلدٍ ... بكِ يا ميمونةٌ ما دُمتُ حيْ سوفَ يُدنى الأهلَ منَّا عاجِلاً ... فضْلُ ذي العرش بإِعمال المطِيْ إنّ لله تعالى فرجاً ... لا يراهُ غيرُ ذي الكَرْبِ الشّجيْ وله في سفره إلى أبناء دليم أيضا: طال في أرْبُع القرارِ قرارِي ... ليتَ شِعْري ما لي وما للقرارِ طال مُكْثي وإنما طال فيها ... باختيار المليكِ لا باختياري لمْ أكن مُزْمعَ القدُوم إليْها ... بل رَمتني لها يدُ الأقدار سئم القلبُ بَردها ونداها ... وخلاها البليل بالأسْحار

وصُفيَّا بها كحَدّ المواسى ... وجُذوعاً بها كحدّ الشِّفار ليت شعْري والعبد ذو إجبار ... وهو يَبدو في قالَبِ المختار هلْ يُسنى لنا سجيس الليالي ... عوْضُ من عوْدةٍ إلى أوكار حيْثُ تبدو لك المعالِمُ غُرًّا ... حُسنها سرَّ أعينَ النُّظار نَمَّقتها يدُ الحيا بلُعاعٍ ... شاب حُسنَ ابيضاضِها باخضرار تلك أرْضي التي أحِبُّ وأهوى ... وهي حقاً منازلُ الأحرار عذبة الماءِ ليس ينبت فيها ... شجرٌ غيرُ طيّب الأشجار تُنْبِتُ السرح والسيال وأرْطىً ... حاكياً في الرمال وشْمَ العذارى لا بلادٌ مياهها خمجريرٌ ... مُنبتاتٌ طعامَ أهل النار سكنتها تنْفكُّ فوضى ... لم تميّز من ليلها والنهار طرقتك الهمُومُ وهي سوارِ ... فماذا لِطَيْفِها أنت قار ما قرى طارق البلابل قار ... مثلُ إعمال يَعْمَلات المهار صحبتي شمروا فلم يبق إلا ... شدُّ فُتل المِطي بالأكوار قرَّبوها بويزلاتٍ عليها ... من ذُراها كعاليات المنار فَذُراها لركبها ضامناتٌ ... بعد شحْط المزار قرب المزار ملّكتها رعاتُهَا الأمر دهراً ... ترتعي ما شاَءت من الأزهار فهي طوْراً بأقحوانٍ وحمْضٍ ... وهي طوراً بقرقدٍ وجدار سلختْ في الربيع شهْر جُمادى ... تتوخى مواقع الأمطار وقال أيضا: لعَمرُكَ ما ترتابُ ميمونةُ السُّعْدى ... بإِنا تركنا السَّعيَ في أمرِها عمدَا

سِوى أننا كنّا عبيدَ مشيئَةٍ ... ولا عار في أن يُعجزَ السَّيدُ العبدَا فليْسَ علينا أن يُساعِدنا القضا ... ولكنْ علينا أننا نبذُل الجهدا ألم تر أنَّا قد رعيْنا عُهودَها ... على حينَ لا يرعى سِوانا لها عَهدا حبسنا عليها وهي جدبٌ سوامنا ... فما صدَّنا السَّعدان عنها ولا صدَّا ويظعن عنها الناس حال انتجاعِهم ... ولم ننتجعْ برقاً يلوحُ ولا رعْدا وإذ غدرتْ فانفضَّ من كان حولها ... وفْينا فلم نغدر ولم نخلِف الوعدا فجئنا لها حتى ضربنا قبابنا ... على نجدها الميمون أكرم به نجدا ومَرْجعَ سانيها جعلنا مخيما ... لئلا نصون الشيبَ عنها ولا المردا نَظَلُّ وقوفاً صائمينَ على الظما ... نخالُ سَموم القيظ في جنبها بَرْدا وتُذرى علينا الرامسات غُبارها ... فننشقه من حُب إصلاحها وَرْدا ويشرب كلُّ الناس صفو مياههم ... ونشربُ منها الطين نحسبهُ شهْدا بهذا ترى ميمونة أنّ تركنا ... لها لم يكن منا اختياراً ولا زُهدا على أننا والأمر عنَّا مُغّيبٌ ... ولله ما أخفى ولله ما أبدى منَ الله نرْجو أنْ ييَسر أمرها ... ويجعل بعد النحس طالِعَهَا سعْدا فيرأبَ مثآها ويجير كسرَها ... ويبقيَها ميمونة كاسمِها سُعْدى ومن رقيق شعره قوله: رفقاً بنا يا ذوات الأعينِ النُّجُلِ ... يُنَالُ بالرِّفقِ ما بالعُنْفِ لم يُنَل نحنُ العبيد الأُلى أنتُنَّ سادتُهمْ ... فارْعَيْنَ فينا وصاةَ الله بالخَوَل واحذرْن مما نهى عنه المهيمنُ من ... تكليفنا غير مسطاعٍ من العمل وله أيضا: يا ليْتَ شعريَ هلْ في زورة حرجُ ... لمنْ لها بعْدَ أن نامَ الورى دَلجُ منْ أعْظم البرّ مَثوى مغرمٍ دنفٍ ... عن وصل غانيةٍ في طرفِها دعجُ

لاسيَّمَا إن يكنْ بالقربِ منزلها ... ولا لها حارس يخشاهُ من يلجُ وله أيضا: يصف صوت مغن، يقال له: لِمْتَيّنْ، وكان أشج: صوتُ الأشجِّ هُنيْهَاتٍ فأحيانا ... كنا من الحزنِ أمْوَاتاً فأحيانا يا حسنَ ترداده فوق الكثيبِ لنا ... تأتيكَ من قبل الرَّيانِ أحيانا وله أيضا: عَضْبُ من لا أنالهُ باقتناصِ ... لا تَقِي منهُ كلُّ دِرْعٍ دِلاصِ صادني فاستغثتُ كلَّ مُغيثٍ ... لخلاصي ولاتَ حين مناص لم أزلْ أبتغيهِ جُهدي فلم أص ... طده واصطادني بغير افتناص طُلَ يالَ الإِله دمِّي فهَلْ لي ... من سبيلٍ للعقل أو للقصاص ليتَ شعري أقد خصِصْت بذا أمْ ... كلُّ صبّ بمثل ذا ذو اختصاص يا خليلَّي لم يسفه حليما ... كاللثا الحوِّ والبطون الخماص وخدودٍ وأعينٍ وقدودٍ ... هُنّ حتفُ الغَضنفرِ الوقَاص فاحذراها واعملا كلَّ سِرْدَا ... حٍ من العزمِ من جِلاَس قِلاص كيْ تنالا مخدرات المعالي ... بنجاها ووخدها البصباص والبسا من تُقى الإِله دروعاً ... توقَيا من مكيدة القُنَّاص وله أيضا: أزِفَ الرحيلُ فقرْبا أجمالنا ... ثم أعيا فوق الجمال رحالنا إنا إذا بلد نبا يوماً بنا ... حملت لآخر نجبنا أثقالنا دَيْدَانُنَا أن لا تنيطَ حبالنا ... إلا بأحْبل منْ يحبُّ وصالنا نطوى على الشّعث المواصل ما طوى ... صدراً على أن لا يشدّ حبالنا ستراً عليه وفي هواهُ ووصلِهِ ... نعصي ولو آباَءنا عذّالنا وإذا رماهُ الدهرُ كنَّا دونهَ ... تُرْساً ونمنحُ من رماهُ نضالناَ

ما إن تقى أموالنا مُهجاتنا ... كلاّ ولا مهجاتنا أموالنا وإذا دعاكنَّ الجوابَ وإن سَعا ... كنا حواليه وكان خلالنا ويصيبُ من صافَ العدوَّ عِدواؤنا ... وينالُ من والى الوليَّ نوالَنا خُلُقاً لنا لا صالحين لغيره ... خلقاً وليس بصالحٍ إلاّ لنا هذا وما كنَّا نحُومُ حوالَ منْ ... كنا نراهُ ولا يحوم حوالنا وإذا أبى إلاّ القطيعَةَ والجفا ... ورأى الصَّواب بغيرنا إبدالنا قمنا فعالجنا الوِصالَ فإِن أبا ... إلاّ قطيعتنا قطعنا يا لنا لِمَ لا ألسْنا الأغْنياَء بربنا ... يا ليت شعري مالنا ما خالنا والأرض لا تأبى إذا يأبى لنا ... مهما عكمنا بالرحال جمالنا إعمالنا قُتْلَ المهارى فوْقَها ... حتى ننالَ ببلدةٍ آمالنا وله أيضا: أأرقَتْ عيناكَ مِنْ طيفٍ ألَمْ ... هاج للمحزون مكنون الألَمْ زار ممن أنت تهوَى موهناً ... برخيم الصَّوتِ مكحولٍ أحم ابن بيدٍ باتَ يَسري مُدْلجاً ... ليله حتى إذا انجاب جثم عِندَ حدباءِ القَرى أسْأرها ... خَبْطُها فِيحَ المَوامي والظلم بين مُعْزٍ وتلالٍ وصُوًى ... ورمالٍ وبطاحٍ وأكَمْ وكتب على صديقين له: يا أيُّها الرَّاكبُ الموموقُ هبك لدىْ ... أخاً تقوم يداهُ لي مقامَ يَدىْ أنْتَ الأمينُ على ما آنَ مرسله ... إلى الأمين الذي دأبى هواهُ ودىْ دنى بلّغْهُ عني تحايا مالها كفؤٌ ... إلا اجتماعكما بعدَ الفراق لدىْ وأنَّ جُندَ الهوى في الصَّدر مُعتَركٌ ... بكلّ سَهْم ورُمْحٍ سمْهري ورُديْ نِيّ لذكَ قد سبقتْ لي منْكما عِدَةٌ ... وأعْدُ كان على أهل السماحةِ ديْنا

وهذا النوع، يسمى عند أهل البديع بالاكتفاء، وله أيضا: فدتك وقلّتْ للفدا كلُّ غانيهْ ... منَ العِين والأرآم يا عينَ رابيهْ وعنك عَفا ربي دِماَء أرقتشها ... ولم تبذلي فيها قصاصاً ولا ديهْ ولا أشْمتَ المولي بك الناسَ إنهم ... غدوا في طلاب الثأر منك سَواسيه فمنْ حسد قتلى وقتلى من الجوى ... فلم يبق جَحجَاحٌ ولم تبق غانيهْ وقد كان سُقم الطرف للعين زينةً ... ولكنَّها في أعين الحورِ خافيهْ فأظهرته للناس أنت لكي ترى ... عليك خفايا الحسن تبدو علانيهْ لئن صدَأت من غضبك اليوم صفحةٌ ... فما في صدًى عارٌ على الهنداونيهْ نهبتِ من الأعمار ما لوْ حَوْيتهِ ... لُهنّئتِ الدنيا بأنَّكِ باقيهْ وقال أيضا: يا معشر البلغاءِ هلْ منْ لوذعي ... يهدي حجاهُ لمقصدٍ لم يبدعِ إني همْمتُ بأن أقولَ قصيدةً ... بكراً فأعياني وجودُ المطلع لكمُ اليدُ الطولى علىَّ إن أنتمُ ... ألفيتموهُ ببقعَةٍ أو موضع فاستعملوا النَّظر السديد ومن يجدْ ... لي ما أحاولُ منكمُ فليصدع وحذارِ منْ خلع العذار على الديا ... ر ووقفة الزُّوار بين الأربُع وإفاضةِ العبرات في عَرصاتها ... وتردُّدِ الزّفرات بين الأضلع وتذاكر السُّمار بالأخبار من ... أعصار دولة قيصر أو تبَّع والفينة الشّنبا تجاذبُ مِزهراً ... والقهوةِ الصَّهبا بكأسٍ مُترع وتداعى الأبطال في رهج القتا ... ل إلى النزال بكلّ لدنٍ مشرع فجميع هذا قد تداولهُ الورى ... حتى غدا ما فيه موضعُ إصبع

والشعر ليس كما يقول المدع ... صعب المقَادة مستدقُّ المهيع كم عزَّ من قُحٍّ بليغ قبلنا ... أو من أديب حافظٍ كالأصمعي قلْ غادرت هل غادر الشعراء في ... بحرِ القصيد لطامعٍ من مطمع والحول يمكثه زهير حُجَّةٌ ... أنَّ القَوافَي لسن طوعَ الإِمَّعِ إنَّ القَريض مزَلَّةٌ مَنْ رامَها ... فَهْوَ المُكلَّفُ جَمْعَ ما لم يجمع إن يتبع الندَما أعاد حديثهم ... بعد الفُشُوِّ وضلَّ إن لم يتبع والشعر للتطريبِ أوَّلُ وضعه ... فلغيرِ ذلك قبلنا لم يوضع واليوم صار منكِدّاً ووسيلة ... قد كان مقصدها انتفا لم تشرع وإليه ترتاحُ النفوسُ غُلبّةً ... فيميلها طَبعاً بغيرِ تطبع ينساغ للأذهان أوّل مرّة ... ويزيدُ حُسْناً ثانياً في المرْجع فيخالُ سيقَ السَّمْعِ مَنْ لم يستمعْ ... ويعودُ سامعه كأن لم يَسْمع كالرَّوضِ يغْدُو السَّرْحُ فيه وتَنْثَني ... عند الرَّواحِ كأنه لم يُرتع من كان مُسطاعاً له فليأته ... وليقن راحتهُ امُرُؤ لم يسطع والجل من شعراء أهل زماننا ... ما إن أرى في ذا لَهُ من مَطمع ومنها: واليوم إما سارقٌ مستوجب ... قطعَ اليمين وحسمَها فليقطع أو غاصبٌ متجاسِرٌ لم يثنهِ ... عنْ همهِ حدُّ العوالي الشُّرَّع مهما رأى يوماً سواماً رتعاً ... شن المغار على السوام الرتَّع فكأنه في عدوه وعدائه ... فعلُ السُّلَيْك وسلمة بن الأكوع

هذا ما تذكرت منها، وربما وقع فيها تقديم وتأخير، لطول العهد بها. وقال أيضا: لا تَسمعي زُور واشٍ في محبكم ... ولا يريبكِ رَيثٌ في زيارته فليس بيتكِ إلا بيت عاتكةٍ ... به الفؤاد وإن أمرو بساحَته وإن تدم هكذا منهم مراقبة ... كلٌّ تعوَّدَها مغرى بعادته تركت دين أخي الأنصار منتصراً ... بما توخى اينُ بُرْدٍ في مقالتهٍ إذ قال لمَّا تشكي كثرة الرقبا ... من راقب الناس لم يظفَرْ بحاجته وإنْ كتمَ الهوى عبءٌ بحامله ... ويوم تبدو الخفايا يوم راحته وله من قصيدة يمدح بها أشياخه: هذا وطب نفساً وثقْ بالهنا ... فهو البسيط يَداً لمَنْ مَدَّ اليَدَا نحنُ العَبِدَّانُ الأُلى هُوَّ ربُهمْ ... والرَّبُّ إنْ يَعْزُزْ يُعِزَّ الأعْبُدا وكفى اصْطِفاءً كوْنُنا منْ أمَّةٍ ... وَسطٍ أجابَتْ مصطفاها أحمدا ولنا استنادٌ بعدُ للعَمَد الأُلى ... رُفِعوا فكانوا يرفعون المُسندا لهم التَّصَدُّرُ في قضِيَّاتِ العلى ... كلٌّ لإِسْنادٍ إليهِ تَجَرَّدا لا تَخْشَ إنْ رفُعوكَ نَسْخاً كائنا ... منْ فعلٍ أمْسى في الزّمانِ ولا غدا وإذ تصرَّف فعلُهمْ في جامِدٍ ... ما خافَ بعد تصرُّفٍ أن يَجمدا منهم جميعاً نفتدى بأئمّةٍ ... متحملين لأمر مَنْ بهمُ افتدا

وإذا سَهوْنا في القيام بأمرنا ... حَملوهُ عَنَّا رُكّعا أو سُجَّدا رَووا الصّحاح من الحقَائق أسندتْ ... عنْ سيدٍ في الفضل يقفوا سَيدا متواتِراً إسنادها متسلسلاً ... حتى انتهى للمنتهى متصعدا طبعوا على كرم النفوسِ جبلَّةً ... موْرُوثةً فيهم تراثاً مُتْلَدا لو انهُمْ عمدوا إلى فعل الخنا ... لأبتْ طباعُ نفوسهم أن تعمدا قوم هم دُعُمُ الهدى لا تعدُونْ ... عيناك عنهم إن ترد دعُمَ الهُدى فهمُ الألى كسوا العلى أبعى الحلي ... فيهم تجلّتْ لؤلؤاً وزبرجدا سمطا غدوا في جيدها وأساوراً ... في المعصمين وفي النواظر إثمدا الراشدون المرشدون إلى العلى ... الدافعون الذائدون الوُرَّدا فهم السيول المحييات من اجتدى ... وهم السيوف المرديات من اعتدى لحظاتهم تحيى الرميم وعندهم ... هممٌ قويات يذبْنَ الجلمدا لو حاولوا نيل السماكِ بعزمهم ... نالوا الثريا بعده والفرقدا ولهم بصائرُ نيرات تنجلي ... حُجُبُ الغيوب بها إلى أن تشهدا والكيمياءُ من السعادة عندهم ... إكسيرها يدَعُ الحجارة عسجدا فإذا هُم نظروا البغاث استنسرت ... وإذا هُم لحظوا أويسَ استأسَدا ولديهمُ جَعْلُ السُّكَيتِ مجلّياً ... ولديهمُ جعلُ الثفالِ خفيددا طرق الإرادة إن أرادوا طيها ... تركوا أقل من الذراع الفدفدا ومتى يحرْ في تيهها ذو حيرة ... ظهروا له بالدوّ منها أنجُدا وإذا ادلهمَّ ظلام ليلِ جهالة ... لاحوا ففاقوا النيراتِ توقدوا وإذا اشتكى لفح السَّموم أخو صدى ... أجروا من السَّلْسال بحراً مزبدا وتقدموا يهدونه في سيره ... لوردوه حتى يُرُوه الموْردا راحُ المعرف إن تعاطوا كأسَهَا ... لم يدفعوا عنها نديماً عربدا وكذاك إن دهم العدى لم يخذلوا ... ممن يواليهم جباناً عرَّدا

من كل حامٍ شولَهُ بعقاله ... تحمى خَشَاهُ مصاله المتمردا أو كل حامٍ غِيلهُ بمهابةٍ ... تعدو على غلب الليوث وما عدا منه فريص الأسد ترعد خيفةً ... لكن فريص حميّه لنْ تُرعدا أظفارُه حمرٌ خلقن من الردى ... وبنانه بيض طبعن على الندا فبهذه كان القضاءُ مسَلّطَا ... وبهذه كان العطاءُ معوَّدا أني يضيق خناقُ منسبٍ لهم ... أم كيف يخطي رفدهم مسترفدا أو يختشي من يحتمي بحماهُمُ ... أو يجتدي جدواهُم أن يطردا أهدى لهم أبكارَ فكرٍ صنُتُها ... عن غير تنسى العذارى النُّهدا غرر الطروس بها حَلِينَ فَأَصبحتْ ... طرر الجباه لها عليها حُسَّدا إذ لم تظنَّ الكونَ يحوي غيرها ... بيضا محلاةً بحَليٍ أسودا منساغَةً في الذهنِ دون إساغة ... فتكاد تسبق بالنشيد المنشدا في كل لفظ رق معنى رائقٌ ... كأبارقِ الياقوت نحوي الصرخدا فهْي الحُليُّ لناظرٍ متوسم ... فحواءُها وهي الحُليُّ لمنْ شدا أبغي بها مرضاة من برضاه عن ... حزب التُّقى نال العلى والسؤددا وقال أيضا في سفره إلى بني دليم: هاجَ التذَكُّرَ للأوْطانِ في الحِين ... بَرْقٌ تأَلْقَ مِنْ نحوِ المَيامِين بَرْقٌُ يحاكي اغتداَء الطير آونَةً ... ونَبْضَةَ العِرْقِ في بعضِ الأحايين فقلتُ إذ شمتهُ وهْناً أخاطِبهُ ... دورَ المَيامِين أو دورَ الكناوين سَقْيا لها أرْبعاً شطتْ بساكِنها ... عَن نازِحٍ مُسْتَهَامِ القلب محزون أخِي اغترابٍ رمى صَرْفُ الزَّمانِ به ... بحيْثُ يُجمعُ بين الضّبِّ والنُّونِ سُكناهُ بين أناس جل عقدهُم ... بيعُ المَلاقيح أو بيع المَضامين

أيمانهم كلُّها لغو ودأيهُمُ ... غصب الأباعير من كلّ الأناسين وقال أيضا في (نحن) المتقدم: لا تنكروا ما ادَّعَاه نحنُ مِنْ شَرَفٍ ... به استبدَّ عنْ آباءِ وأجدادِ هو الشريفُ بلا شكٍّ ولا رِيبٍ ... لكنهُ حلَّ في مِسلاخ حَدَّاد وله أيضا فيمن يحرم النبغ: دع الإكثارَ منْ قالٍ وقيلِ ... كفاكَ اللوْمُ بالكِلمِ القَلِيلِ أَقِلني إن عَثرتَ على عقاري ... فخير الصحبِ كلُّ فتى مُقيل وإلا تزدجر عمَّا عليه ... جُبْلتَ على التّهوُّرِ والصَّهيل فإني لستُ منك ولستَ مني ... وليس رَعيلُ خيلك من رعيلي ولستَ إلى لقاءِ اللهِ مني ... بمنزلة الرَّفيق ولا الزميل ولم تك في الحساب غداً حسيبي ... ولم تك لِي بمولّي أو وكيلِ تُلوِّمُ أن تعاطينا كؤوساً ... تذكرنا كؤوسَ السلسبيل تحاول أن تحرّمَها عليْنا ... فليس لما تحاولُ من سبيل تريد على إباحتها دليلا ... متى احتاج النهار إلى دليل أصول الحلِّ عدوها فعدوا ... نبات الأرض من تلك الأصول وقبلك ملَّ فيها القولَ قومٌ ... فما أغنوا بذلك من فتيل وليس اللوْم فيها اليومَ إلا ... أحاديثٌ تعدّ من الفضول وإنّ لها فوائدَ واضحاتٍ ... يراها كلُّ ذي نظر أصيل إزالةَ حِقد ذي الحقد المناوي ... وتَحبيب الخليل إلى الخليل وجبرَ خواطرٍ وقضاَء حاجٍ ... ومعرفةَ السخيّ من البخيل

وفوْزاً إن تعاطاها الندامى ... بتمييز الظريف من الثقيل وإيقاظَ النواظر من كراها ... وإبراَء المتيّمِ والعليل وزاد مسافرٍ ومتاع مُقْوٍ ... وأنسًا في الإقامة والرحيل وتحفة قادم وسرورَ أو ... أرى حين المبيتِ أو المقيل وفاكهة الشتاء إذا تأَذَّى ... وجوهُ الناسِ بالشَّمَلِ البليل وتطربُ مَنْ يدرّسُ كل فنّ ... وتفرجُ كرب ذي الهم الدخيل وتلى كل صبّ مستهام ... عن الخدّين والطرْف الكحيل وتدفع ذا التلصص فهي أغْنى ... إذا دفعت من السيف الصقيل وترضى المسلمين وفي رضاهم ... يؤمل أن ينال رضي الجليل وحسبك من فوائدها بهذا ... دع الإكثارَ من قال وقيل وله أيضا: من التّعْذَالِ حَسْبُكَ يا عذولُ ... فلَوْمُ أخي الغرام هو الفضولُ فما تغنى الملامةُ من غرام ... تزول الشامخات ولا يزول فلوْمُكَهُ عَسِيلٌ وهو صخرٌ ... مِن اصفاءِ تضمَّنَهَا مَسِيل فلومك لا يؤثر فيه إلا ... كما في الصخر أثره العسيل فلو شاهدت من أودى هواها ... به ما لمت صبًّا يا عذول ولكن قد جهلت الأمر منها ... وليس كعالم الأمر الجهولُ أغصّ مخلخلاها كلّ حجْلٍ ... فنادت من يغيثني الحُجول فقال الثغر عندي الخمرُ لكن ... نأت داري وما عندي رسول فقال الفرعُ أرسلني فإِني ... إلى تقبيل موطئها وصول إذا لم يعترض من دونها لي ... فأحبس دونها الكفل الثقيل

شعراء تجكانت

وله أيضا: منْ حبَّ صرْمكِ آئساً من غيره ... أقْصَيْتُ مَنْ أنا طامعٌ في خبره واخترتُ صرْماً منكمُ عن وصله ... واخترت لا كم عن أجَلْهِ وجيره واخترت صيراً منكم عن نفعه ... آه لنسبة نفعكم من ضيره وإذا سمعت الخائضين حديثكم ... أعرضتُ عن ذاك المجال وسيره صوناً لذكر حديِثكم عن غيركم ... حتى يخوضوا في حديث غيره شعراء تجكانت المختار بن بون الجكني تاج العلماء، الذي طوّق يحلى علمه كل عاطل. ووردت هيم الرجال زلاله، فصدر عنه كلهم وهو ناهل. ولا يوجد عالم بعده، إلا وله عليه الفضل الجزيل، بما استفاد من مصنفاته، وتلقى من مسنداته، ويكفيه إنه هو الذي نشر النحو بعد دفنه، وكفى الناس مشقات مؤنه. وكانوا لا يتجاوزون قبله ما في الألفية وشروحها، مع عدم معرفة الخطة التي يمكن للطالب أن يخزن في ذهنه بها، ما يكون قريب التناول عند الحاجة إلى ذلك، حتى نظم لهم ما تخلف عن الألفية، مما تضمنه التسهيل، وألصق كل شذرة بما يناسبها، وضم إلى ذلك طرته المفيدة، وأتى على كل مسألة بالشواهد من كلام العرب، وهو ثالث ثلاثة من قبيلته، كلهم اسمه المختار. وكان من أجل طبقته: النابي، المختار بن حبيب، وهو شيخه، الذي فتح عليه عنده. والمختار بن أبي، وهو من أهل القبلة منهم. نشأ المختار بن بون في بيت أبيه، ولم يشتغل بالقراءة إلا بعد أن كبر،

وكان في أول أمره، يضرب أقرانه من الصبيان، وينزع منهم ما بأيديهم: فاتفق إنه سطى ذات يوم على صبي فضربه، فانتصرت له أمه، وسبت المختار بن بون سباً قبيحاً، وعيرته بالجهل، فأنف لذلك، وسار من غير علم أبويه، يريد المختار ابن حبيب، فوصل اليه، وشرع في قراءة الأجرومية، فلم يفهمها، ثم فتح الله عليه. حدثني الأديب محمد أبَات بن عبد الباقي بن المختار صاحب الترجمة: أن المختار كان عند شيخه المذكور، وكان لشيخه ختن يغيب عنه ثم يجيء، فيبنى له خباء يقيم فيه مع أهله أياما، ثم ينصرف على عادة أهل تلك البلاد، أعنى أهل البادية، قبل أن ينقل أهله إلى محله المخصوص، فإذا ذهب، يطوى ذلك الخباء، ويجعل عليه شيء من الشجر يقيه وطأ الدواب، فإذا رجع بنى له الخباء أيضا. قال: فاتفق إنه ذهب، فبعد انصرافه وانصراف أهله، جاء المختار فدخل في طنب الخباء ونام، فجاءت الجارية الموكلة بالخباء، فطوته على المختار ولم تنتبه له. قال: فأقام هناك أياما في نومه ذلك. وقد سأل عنه شيخه فلم يعثر له على خبر. فلما رجع الرجل من سفره، شرعت الجارية في بناء الخباء، فما راعها إلا المختار، فانتبه مذعورا، وخرج في غاية الشحوب، فجاء إلى شيخه، فجعل يسقيه اللبن الممذوق بالماء، حتى قوى قليلا، فسأله عن أمره. فأخبره بما كان، وانتبه من نومه، يحفظ ما كان مكتوبا في ألواح التلاميذ الموجودين هناك، إلا إنه لم يفهم معناه. فعلم شيخه أن الله تعالى فتح عليه، فبنى له بناء منفردا، ومنعه من لقاء الناس، وجعل يحضر له الكتب ويتركه وإياها، ثم يتعهده ويسأله، فبعد مدة قليلة نبغ، فأبرزه شيخه للناس وقد تمكن، ثم أمره بالمسير إلى شيخ من أبناء ديمان، لم يحضرني الآن اسمه، لينظر في كتبه، فتوجه اليه، فنزل على تلاميذه، فأساءوا عشرته. فقال لهم: أني مقيم عندكم أياما قلائل ومنصرف، فعلام هذا الجفاء؟ ثم إنه اجتمع بذلك الشيخ، وجعل يستعير منه كتابا ثم يذهب إلى محل لا أنيس

به، حتى يتم نظره، ثم يرده ويأخذ غيره. فلما انتهى غرضه، دنا من تلاميذ الشيخ، وأصاخ لهم يكررون دروسهم، فجعل يناظرهم ويبين لهم الغامض. فلما كرَّ راجعا، صحبه منهم نحو أربعين، وتركوا شيخهم ولازموه هو. ولما ظهر المختار بن بون، انتشر ذكره في ذلك الإقليم، فصارت الناس تنثال إليه من كل وجهة، وأرى الناس الطريق النافعة في التعليم، على إنه وجد العلوم في ذلك العصر حية، وكان من اجل قبائل الزوايا في العلم: قبيلة إديقب. خصوصاً في علم العربية، فاستجلبوه إليهم، ليأخذوا عنه علم النحو والكلام. وكان لا يجارى فيهما. فأقام عندهم برهة فوقع بينه وبينهم مناظرات آله إلى الشقاق، وكان المناضل له حقيقة اكبر تلامذته محمد بن حبيب الله، المعروف بالمجيدري، ومولود بن أحمد الجواد. وصاروا كلهم يدا واحدة عليه. وكانوا إذا صاروا إلى الشعر يغلبونه، لأنهم أمهر منه في نسجه فإذا صاروا إلى الألغاز الكلامية يغلبهم. وقد ألغز لهم لغزاً وقال لهم: إن أجبتموه كفرتم، وإن سكتم غلبتم. وأطالوا الشقاق، ثم استسمحوه بعد ذلك وقالوا له: (تا لله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) فقال: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين). ولم يكن والده من أهل العلم، فكانت إديقب تحضره للتبكيت عليه، وتسأله عن المسائل، لتحط من قدر المختار، وتخجله بذلك، ولم يزده ذلك عند الناس إلا رفعة وعلو منزلة. وهل ضر عكرمة بن أبي جهل كفر أبيه. واتفق يوما أن أحد إديقب، مر ببون في غنيمة له، وكان المختار يلزمه بيته، إذا كان معه ولا يتركه يخرج، فلما غاب، خرج هذه الخرجة فقال له: إن المختار يوجد قريبا وعنده لباس كثير، فدونك فاركب معي على هذا الجمل، فأراد أن يدس قدوما عنده، فقال له: إن تركتها شرقت. فحمله على حقيبة الجمل، ثم إنه لما استبطأ محل المختار، قال له: أنزلني، وأراد هو أن يثب من فوق الجمل،

فضرب الجمل، وجعل يعدو لئلا يتمكن هو من النزول عنه. فبينا المختار في حلقة عظيمة من أهل الفضل، إذ رمى له والده على تلك الحالة، ولكن المختار كان متسع الصدر، لا تزعزعه الرياح. ومما خاطبهم به قوله، يعمهم ويخص لمجيدري بن حبيب الله، ويقال له حبَّلَّ: على رسلكَ أرْيَعْ يابن حبَّلَّ إنما ... يقُدّمُ هذي الناسُ منَّا المقدَّما ومن قدّمتْه نفُسهُ دونَ غيره ... رأى غيرُه التأخيرَ ذاكَ التقَدُّما تقدَّمْتَ للتّصدير جهْلاً مؤخِّراً ... ذوي الرأي والتصدير أن تتقدما وقلتَ كما ضلتْ قريشٌ ضللتمُ ... ألا قاسموا هذا الفتى المتقدما قرَيْش قفت أهلَ الضلال ونحن في ... هدى سلفٍ منهاجه قد تقوَّما ومنها: فلا تُنكرِوني آلَ يعقوبَ واذكروا ... لياليَ أجلو ما على النّاس أظْلما وحين أحلِّي منكم كلَّ عاطلٍ ... بدرّي وأسقي باردي كلَّ أهْيَما فلا نولكم أنْ تكفروا كمحمَّدٍ ... سنى سُرُجٍ مني تسامى وأنعما فكم قد بذلتُ الوسعَ فيكم مُعلما ... له يقظةً كيْما يعيه ويفهما وأهدى إليَّ العابَ وَالشّتمَ جازياً ... وليس جزائي أنْ أعابَ وأشتما ألا قبَّحَ الله ابن حَبَّلّ إنه ... جزاني سنَّماراً وما كان أظلْما إلى ولد الخطَّاطِ أهدى بعيرهُ ... على أنه في النَّوْم منه تعَلّما وبقي منها قليل. وكان المختار رحمه الله مكباً على تحرير العلوم، ومن انفع ما ألف، نظمه الذي

سماه: بالاحمرار، عقد فيه من تسهيل ابن مالك، ما يذكره في الألفية، ومزجه بها مزجا جيدا، يدل على مهارة تامة، وفيه أبواب كثيرة تركت منها، كالقسم وجوابه، والتسمية بلفظ كائن ما كان، وتتميم الكلام، والإلحاق، ومخارج الحروف والهجاء، وغير ذلك من الفصول الكثيرة، ولما أراد نظم التسهيل، لم يجد شرحا له يستعين به، فذُكر له الدماميني عند محمذ بن بابان العلوي، فقصده وقال: أتيتكمْ يا قضاةَ العلمِ والدين ... وليْسَ لي غرضٌ سوى الدمامينِ عنْ كلِّ حِبٍّ به قد كنتُ ذا كلفٍ ... وكادَ زائدةٌ قد كاد يُسليني كأنكم وهي للتحقيق ترتفعوا ... على ظنون فؤادٍ ذات تحسين فقال محمذ المذكور، أعطوه له على قبح أبياته: ولما شاع نبوغه بين الناس، جعلت الطلبة ترحل إليه من البلاد الشاسعة، وكان حسن الصحبة والمعاملة للطلبة، جوادا بما يملك، إلا إنه قليل الإقامة، فشق ذلك على تلامذته، لتعطل الأوقات وعدم من يقوم مقامه في الدروس، لأن الطريق التي اخترع للطلبة لا يقدر عليها غيره، فتعطلت دروس الطلبة مدة، ثم حضر ورحل بهم إلى بئر تسمى بودْرَيْك (بكاف معقودة مفتوحة) وهو في أرض تاكنانت، فقال لهم: أني سأقيم هنا سنة، لا أشتغل ليلا ولا نهارا إلا بتعليمكم، وكان لا يمل من التدريس الليل والنهار، فشرعوا يبنون الأخصاص، فلما أكملوها، رحل إلى السودان، وهم بعيدو الدار، فلما وصل إليهم، جاءه النذير

يخبره بأن ابنا دليم، أغاروا على إبله، وهذا من مسافة تزيد عن شهر، فانكفأ متوجهاً إلى أقصى تيرس، وكان يصحبه كبار تلامذته، فقال أحدهم: لكَ اللهُ مِنْ شيخٍ إذا ما تبوّأَتْ ... تلامذُه مأوى لنصبِ المدارسِ تيمّمَ ميمونَ الخصَاصةِ فاتِراً ... على ظهْرِ مفتولِ الذراعين عاتِسِ يفزعُ نون البحر طوراً وتارةً ... يُهدّمُ جُحْرَ الضَّبِّ فِي رأس مادِس وكان يشدد النكير، على وليّ الله الشيخ المختار الكنتي، وله في ذلك، وقد بلغه أن الشيخ قال إنه يسلبه: أسيّدَنَا المختار لا تكُ مفرِطاً ... وإياكَ والتفريطَ واعدلْ وأقسِطا فكونُكَ ذا مالٍ وجاهٍ وَرُتبةٍ ... عَلتْ في قلوبِ الناس لمْ يمنعِ الخطا وكونيَ لم أذكَرْ كذكرك لم يكنْ ... ليمنَعني التوفيقَ من مانح العطا أتسلبني واللهُ ما شاَء مثبتٌ ... إذاً أنتَ في تعظيم نفسك مفرطا وله أيضا في ذلك: لئن كنتمُ استظهرتموا أنْ جعلتموا ... أموراً علينا في الشريعَةِ لم تكنْ فلا تُنكروا إنْ كنّتِ الكتْبِ عنكم ... سرائِر عنا حالةَ البحثِ لم تكن ثم إنه رجع عن ذلك، وصارت بينهما مكاتبات وملاطفات، واتفقا على أن يجتمعا في تكانت، بأن يقدم ابن بون من أرض القبلة، ويتوجه الشيخ من أزواد. ثم إن المختار رحل من القبلة كما قال، ولما بلغ أول طرق تكانت، بلغه أن الشيخ عدل عن عزمه، وسأل عن ذلك المحل، فقيل له: يقال له التِّبرانن (بتشديد المثناة الفوقية مكسورة وفتح الموحدة وفتح الراء مرققة وبعدها ألف وكسر المثناة الفوقية مخففة وسكون النون) اسم طريق من طرق تكانت، فقال لهم: بلدة طيبة ورب غفور، وأخبرهم بأن ذلك محل تربته، وكان كما قال، هكذا تقول الناس، والله أعلم.

وله أيضا: وسوداَء رُمتُ الوصْلَ منها فأعرضت ... فقلتُ أمِثلي عنهُ مِثلكِ يَعرضُ فقالتْ بِلَوني عنكَ ما أنا راغِبٌ ... ولكن كلوني عن كلونكَ مُعرِض وقالتْ سمُاك النار إني أخافُها ... على جسدٍ للنار لَسْتُ أعرّض فقلتُ لها ما لفظُ نارٍ بمُحرقٍ ... ولكنَّ عُذراً لي أردتِ يُعرّض وقلتُ لنفسي عنْ هواها صِيانةً ... ففي الذّنْبِ كلُّ الذلِّ للمْرءِ يَعرض فإِن أَعْرضَتْ عني فيا رُبَّ روْدةٍ ... منَ البيضِ مني للهوى تتعَرض وله أيضا: وشادِنٍ رمى الحشى طرفُه ... بفاتر أضعفَ منْ حُجَّتي فبتُّ لا هجعةً منْ همهِ ... في ليلةٍ أطْوَلَ منْ حِجَّةِ تَعتادُني من ذِكرِهِ زفرةٌ ... أَحَطُّ للآئام منْ حَجَّةِ وله أيضا، أبيات يهجو بها جملا له، وقيل: هي لأحد إذا بلحسن: لحاك اللهُ من جَملٍ حيادي ... تفجِّعُه مخايلةُ الهواءِ بروكٌ إن تُردْ منه قياماً ... يميلُ من البُروك إلى اتكاءِ وأحْملُ للمضاربِ من جَمادٍ ... ويحرَنُ في الخلاءِ على الخلاءِ وكان المترجم رحمه الله حيًّا، في أوائل القرن الثالث عشر، وقد طبعت طرته المسماة: بالاحمرار، في مصر، وطبع بعض تآليفه بمدينة فاس.

ابن عيد الجكني

ابْن عَيْدُّ الجكني هذا أديب اشتهر في قومه، وهو ممن تخرج على يد المختار بن بون، ولم أقف له إلا على بيتين، تقدما في ترجمة حرم بن عبد الجليل العلوي، وورد بنوق له حديثات العهد بالنتاج، إلى منهل يقال له زار، فلما نهلن من الماء، قتلهن الماء، وهذا قد يقع في بعض المناهل هناك، ويقول الناس: أن المنهل الفلاني يقبض، أي قد يغدر فيقتل ما شرب منه، وبذلك المنهل قبر الصالح الناسك الفغ الحمد التاكنبتي. فقال: من كان ذا إبلٍ يرْعى مصالحها ... فليكُ ذا حذر يا قومِ من زارَا لا خيرَ في منهل تلفى بساحته ... كواهل العوذ أشاعاً وأوتاراً لكنْ به صالحٌ حقاً زيارته ... تحُطُّ عن حامِلِ الأوزارِ أوزارا ابن مقامي الجكني هو شاعر فصيح، ممن تخرج على يد ابن بون، من قبيلته، وكان يدافع عن شيخه، وله قصيدة ينقض بها قصيدة للمأمون اليعقوبي ومطلعها: من المأمون يحتملُ العتابُ ... وتحتملُ القطيعةُ لا السّبابُ الإِمام بن محمذ الفغ الجكني محمذ، بالمعجمة منون مكسور، وهو مصحف محمد، شاعر مفلق، وهو أشعر نجاكنت، ولم أقف له على غير قصيدته الآتية، ولو لم يكن له غيرها، لاستحق ان يعد مع أصحاب الواحدات، مثل سويد ابن أبي كاهل، وله قصائد يجيب بها المأمون اليعقوبي وعن شيخه، ابن عمه المختار ابن بون، وقد وصلت إلى المختار قصيدة جيدة، يهجوه بها المأمون، فقال لتلامذته: من يحسن أن يجيبها منكم؟ فقالوا له: الإمام تحت الشجرة، وهذه كلمة يقولونها، لمن لا ينبغي ان يتكلم فيما غيره أقدر على القيام به منه، وسافر الإمام المذكور، مع جماعة من قومه، إلى سجلماسة، فأصابهم بها جدري، فأوهن

قواهم، ولم يساعدهم أهل البلدة، فقال هذه القصيدة الطنانة، وأخبرني بعض الفضلاء، أن تجكانت أكان إلى الآن، لا يسمعونها إلا ووقع فيهم العويل، وهي واهاً لمْرضى رهان في سِجلِماسِ ... نائي المؤانِسِ والعُوَّاد والآسي واهاً لها من حُشاشاتٍ يُساوِقُها ... تَنوا جُسومٍ إلى تصعيد أنفاسِ ومِنْ عظامٍ وأشلاءِ مُمزّقةٍ ... كأنما لبثَتْ حِيناً بأرْماس ما كَانَ أطولَ أياماً عَلَى حَسَنٍ ... وصحبهِ ظَنتُها منهمْ على ياس كأنما شرِبوا فيها وما شرِبوا ... عُصارةَ للكرمِ من بَيْسانَ أوراس صَهْبَاَء طافَ مُهَينمُ اليهُودِ بها ... دَبَّابةً في عِظام الظهرِ والرَّاس سقاهُم الجُدري كأساً بها شرِقوا ... تَفديهمُ النفْسُ منْ شَرْبٍ على كاس من كلّ جَلدٍ على الضَّرَّاءِ مُصْطبرٍ ... يقْسو إذا لانَ مِنْ ضَرَّائه الناسي يصحو المرِيضُ وينَسى منْ معاهِده ... يوماً وما هوَ بالصَّاحي ولا الناس تهتزُّ منها ذَماءٌ كلما سَجَعتْ ... خَطباءُ تبْعث ما بالوَالِهِ الآسي تَبكى لها أخَرٌ أبدانُهُنّ كما ... خَطَّ الزّبورَ يَهُوديٌّ بقِرطاس يا بُعدَ منهمْ حُلولٍ قاطنين على ... عِدٍّ يُحَفُّ بدورٍ منهُ أدراس

أرْسْوا على كلّ نجدٍ منْ محاضرِه ... خَيْما مثابةَ أضْيافٍ وجُلاَّس يلقُونَ للضَّيفَ ما ألقى مراسيهُ ... منها مراسيَ أوتادٍ وأمراس حتى تَهُبَّ عنْ أيسار الخيام صَباً ... تنْحَلُّ منها عزالي كلّ عراس حتى إذا انجدبَ العاميُّ وانتسَجتْ ... من وارق النَّبتِ أجناسٌ بأجناس حَلُّوا عواليَ أنجادٍ على نُطَفٍ ... زُرقٍ دُموع مُلِثّ الودْقِ رجَّاس ما زالَ منْ معصِراتِ الدلو يسكبُها ... على الأبطاح فيْضاً غير إبساس على بِطاح فلاةٍ لا أنيسَ بها ... إلاّ مَراويدَ أَرْآمٍ بأكناس ترتاحُ مُغزِلةٌ منها لمغزِلةٍ ... من أمّ درَّاج أو من أم خنَّاس كأنهُنَّ عَذارى بين أحوِيةٍ ... ترتاحُ منهنَّ ميناسٌ بميناس حتى غدتْ مثل جُحْر الضّبِّ واحتملت ... منها السيُّولُ جماهيراً لأجناس وأضمرَتْ نُطفاً منهُنَّ وابتسمَتْ ... عن ثَغرِ كلّ شنيبِ الثَّغر نوَّاس كأنه ونداها منْهُ مُنتشِرٌ ... زجاجة نُثرِتْ من زيتِ نِبْرَاس أَحَوى أغرُّ تحاماهُ الرِّماحُ فلا ... يدعو النفوسَ لهُ تزيينُ وَسْواس إلا ظَعائنَ منْ جاكانَ تَرتَعهُ ... لا عَنْ ذِمامٍ ولا تجسْاس أَحْراس لا بلْ مَهابةَ ساداتٍ إذا اختلفتْ ... أهلُ النَّوادي وآسادٍ لدى الباس غيْظِ العِدى وَرِضى المسْتنجدين إذا ... هبّتْ رياحُ الصَّبا إدْبار عَسعْاس تغدو عليها المتالي من منازِلهمْ ... نَثْرَ الدَّراهِم من أَفْوَاهِ أكياس

شعراء إدا بلحسن

شوْلٍ تَريعُ إلى بيضٍ مُعطَّفةِ ... طيَّ الأهِلَّةِ في ألوانِ كُرَّاس سُودٌ حَقائبها من طُولِ ما نضَجتْ ... منها توالِيَ أَبْرَاجٍ وَأَقْوَاس وترتعيهِ حَواليْها مُؤبَّلَةٌ ... منَ الهُنَيْداتِ لا أذوادُ مِفلاس فيها الحواني وأَمَّاتُ الرّباع سُدًى ... لا مِنْ صِرارٍ ولا منْ زجْرِ بسباس كومٌ تروح وتغدو فيهِ منْ كثَبٍ ... تأوي إلى خَيم أرقاضٍ وسُوَّاس شعراءُ إِدَا بْلِحْسَنْ سيدي عبد الله بن أحمد دام الملحوظ بالإعظام، من أقرَّ بتقدمه جميع معاصريه، وأذعن له من أهل قطره حاضره وباديه برع في صوغ القريض، حتى كان طوع فكره. ويقال: أن أول ما نظم قوله: أما والغواني من أناةٍ وناهِدِ ... وما طاب من أَيَّامها والمعاهِدِ وما لذَّ للعينين منْ بَشراتها ... وللسمع قدماً من حديث الخرائد لقد نزلَتْ أرضاً أميمةُ منزلا ... من القلب لم تظهر به عينُ رائدِ وكان حرّ الأفكار، سالماً من التعصب، يعتمد على فكره، من غير متابعة الناس، على ما يعتقد خطأهم فيه. ووقعت بينه وبين الصالح الناسك، محّمْ بن

أحمد البو حسني وحشة، سببها أن بعض القبائل، وقعت بينه وبين إذابلحسن فتنة، فقتل إذابلحسن من تلك القبيلة رجلين، فوفد إليهم محمد المذكور، فتحمل لهم خمس ديات مغلظة، فقال: أيا شَيخَنا الأستاذَ أنتَ إمامُنا ... وكنتَ لنا عندَ الخطوبِ مَلاذا حملتَ رعاكَ اللهُ ما لا نطيقُهُ ... وهل حملت تبزكَّ قبلك هذا مذوا يُسقطون المُدّ ثمَّ تبدَّلوا ... بهِ عُكَّةً إذْ يَحْضُرُونَ جِذانا فذي ديةٌ من غيرِ عقْلٍ ولا دَمٍ ... وتانِ قضاءٌ وَاثنتانِ لماذا فقال محم المذكور: أن لماذا لا ترد في عجز الكلام، لان الاستفهام له الصدر، فقال: هيَ العُرْبُ تأتي منْ وجُوهٍ كثيرةٍ ... يتيهُ بها بعض النُّحاةِ الأكابرِ لذلك أضْحى بعض أشياخ معشري ... يقولبون ماذا لا تُرى في الأواخر وألفٌ لماذا في النوادِرِ كرّرَتْ ... وهل تجهل الأشياخ ما في النوادر يشير إلى قصة الاعرابي، الذي سأل بعض الأمراء، فقال له: ما يجبر كسرك؟ فقال: ألف وألف وألف. فقال الأمير: ألف لماذا، وألف لماذا، وألف لماذا؟ فذكر الأعرابي لكل ألف وجها يصرفها فيه، وهي في أمالي أبي عليّ القالي، وكتاب (الأمالي) يعرف عند أهل الصحراء بالنوادر. قالوا: فقال الشيخ - أبعد الله - فكان ذلك سبب جولاته. ووقعت بينه وبين إدييج مشاعرات، تقرب من المهاجاة، وسببها أن إدييج كان يهجو التجانيين. وكان سيدي عبد الله المذكور يعتقدهم. ومما قال يخاطب إدييج: صاح لا تَسْعض أَنْ تُلمَّ بنادِ ... يتعاطَوْنَ غِيبةَ العُبَّادِ عَدِّ عَنْ ذكَ وَلْيَكُنْ لك شُغْلٌ ... بالذي فِيكَ مِنْ خَفيٍّ وَبَادِ كيفَ لا يَغْنَمُ السّلاَمَةَ مِنّى ... رَائحٌ في عِبادَةِ اللهِ غادِ

إن بَدَا ما يُقَرّرُ الشَّرْعَ عِنْدِي ... مِنْهُ سَلَّمْتُ تَارِكاً لِلْعِنَادِ وإذا ما بَدَا بعيدُ احْتمالٍ ... لِسَدَادٍ نَسَبْتُهُ لِسَدَادِ إِنَّ نُكْراً نكِير مَنْ ليس يدري ... وقمينٌ بالعُزْلِ تَرْكُ الجِلاَدِ وإذا لم يكنْ لديْكَ نِصَابٌ ... فلّيُزَكَ المَليُّ ذُو الأذْوادِ إنَّ أمراً قد أحْجَمَ الحبْرُ عَنْهُ ... نَجْلُ عَبدِ الجليلِ وَابنُ الجَواد لَجَدِيرٌ أن لا تَكُرَّ إليه ... كَيْفَ كَرُّ البِغالِ بعْدَ الجيادِ وغلطة إدييج في قوله - إن نكرا نكير من ليس يدري - حيث نكر اسم إن، وذلك غير صواب، لان الأعشى ميمون، من الطبقة الأولى من الجاهليين، وقد نكره، قال: إنَّ محلا وإنَّ مرتحلا ... وإنَّ في السّفر إذ مضوا مهلا وفي قوله - فليرك الملي ذو الأذواد - لأن الذود، تقال للثلاث وما فوقها إلى العشر، وأفعال جمع قلة، وهو أيضا من الثلاث إلى العشر، والحاصل أن من عنده أذواد لا يقال له ملي، وهذا غير سديد، لان الذود قيل فيه: انه من الثلاث إلى العشرين، وقيل إلى الثلاثين، فإذا جمعنا ثلاثين عشر مران صار مليا، ولأن جمع القلة قد يرد للكثرة. قال تعالى: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) ولا يقال: إن أقلاماً هنا للقلة معنى، وله أيضا في هذا المعنى: من كان في مَذهب التيجان مُمتْرِيا ... فإنني لكمال الشيخ معتقدُ مَن ينظرِ الكُتُبَ التي أفاد بها ... ينظر كلام محق كله رشدُ أمَّا الذين تعاطوا ورده فلقد ... أعيا على العدِّ حصراً منهمُ العدد وليس يُعدَمُ في الاعراج غَصَّ بها ... فِيح الفلا عَرَجٌ في البعض أو حرد إن يأتِ منتسب ينمى إليه بما ... يخالف الحق عقَّ الوالدَ الولدُ فاردد عليه بمضمون الثلاثة في ... قيد عن الشيخ لا يْجمح بك الحَسدُ سُمٌّ وحيٌّ فلا تذهب لتلعقهُ ... إن العقول عن أسباب الردى صفد

وله في إدييج، قصائد عديدة، ولادييج قصائد يجيبه بها، وما حفظت من ذلك إلا ما تقدم، وقد رأيت رائيتين لهما في بحر واحد، ومطلع كل واحدة منهما: سلام كما هب النسيم المعطَّرُ ... وإلا فمسك طيب النشر أذفرُ ثم تفترقان بعد البيت، إلا أنهما ما أقذعا فيما وقع بينهما، وجال سيدي عبد الله جولة عظيمة، في كل ناحية من نواحي السودان، وله أبيات جيميمة قالها لما وصل إلى بير: أفي الحق أني كلما مرَّ قافلٌ ... طغَتْ زفرات في الحشا ونشيج ووارى غُروبُ الدمع إنسان مقلتي ... فيالمَعينٍ سال وهْوَ مشيجُ ومنها: كذاك حسبتُ الأفقَ حَلقةَ خاتمٍ ... غداةَ بدتْ مِنْ دَيْرِ بَيْرَ بُرُوج ثم قال في آخر بيت منها - فأعيج - وغلطوه فيه، لأنه استعمل عاج في الإيجاب، وهذا غير صحيح، لأن عاج وإن كان الأكثر مجيئها في النفي، فقد وردت في الإيجاب. قال الشاعر: ولم أر شيئاً بعد ليلى ألَذُّهُ ... ولا مَشربا أروى به فأعيج كوسطى ليالي الشهر لا مقسئنّة ... ولا وثباً عجلى القيام خروج وقال وهو في أرض إسنغان: ألا ليت شعري هل إلى معهد النوى ... خلاص من أيدي النَّأي والجَولان وهل لي بجنبي تغَرَرَيتَ إلى الصفا ... إلى الاجرع الغربي فالجُرُذان إلى جنبتيْ ذي قَسْطلٍ متنزّهٌ ... فإِني إليها دائم الهَيَمانِ وتبدو لعيني بلدة وأحِبَّةٌ ... عَداني طويلا عَنْهُما المَلوَانِ فيرأبَ ما أثأتْهُ أيّامُ سالمٍ ... وأيَّامُنا في ساحةِ السُّنُغانِ

وأخرى أقمنا في قُرى جُلُفِ الَّتي ... أقمنا بها في ضَيْعةٍ وهوانِ فمنْ منظرٍ تَقْذى به ورطانةٍ ... نصِمُّكَ أخزى مَنظرٍ ولسانِ بلادٌ رَمتْنا بينها لا مُحبَّبٌ ... إلى العين مرآها يدُ الحدثان ومَنْ صحب الأيامَ أنأين جاره ... وأدْنَتْ لهَ منْ ليس بالمُتدان وقال وهو في أرض السودان: مِن أينَ وأنيّ للِفؤادِ صُدُودُ ... وفي كلّ أرْضٍ من بلادِكَ رُودُ إذا أنا أزْمَعْتُ الصُّدودَ تلاعَبَتْ ... بِعُقْدَةِ عَزْمي أعْيُنٌ وخُدُوَدُ فأصْبحتُ مشغُوفَا بكلّ مليحةٍ ... بَدَتْ لي فبيضٌ بعضُهُنَّ وسُودُ وقال أيضا: بينما نحن بالنتجالَ نُوَامُ ... إذْ أتَتنا تميسُ ثمَّ أمامُ وانتبهْنا وقد مُلِئنا سُروراً ... فإِذا الأمر كله أحْلامُ وله من قصيدة، يمدح بها العلامة، حرم بن عبد الجليل العلوي، ويهجو بُلاَّ بن مَكبد الشقراوي: جابَتْ على شحَط المزار نوارُ ... فِيحاً إليكَ مُتُوتهُنَّ قِفارُ يُلفْى بها غَرِد الصّدى متوسطا ... تيها يتيهُ بها القطا ويَحارُ لوْلا القتيرُ وأربعون لا سْبَلتْ ... مِنّى عليها دمْعةٌ مِدْرارُ وليس في حفظي منها، إلا هذه الأبيات، وهي من أجود شعره. وقال أيضا: ما سَفَّهَ الحلمَ واسْتَصْبي أخا كِبَرٍ ... كالكاعبِ الرُّودِ لم تَعْدُ اثنتى عَشرَهْ كأنها فَنَنٌ طَوْعَ الرّياحِ فما ... تَنْفكُّ مُسْفِرَةً طوْراً ومُخْتَمِرَهْ عَجْلي القِيامِ ضحُوكٌ عَنْ مُؤَشّرَةٍ ... تُنْسى مَلاحَتُها ذا لؤلؤٍ دُرَرَهْ وفي الجوابِ وفي كلّ الذي نَطقَتْ ... ظيْشٌ ترُدُّ بهِ الأكبادَ مُنفَطِرَهْ يَخالُ ذو الجهلِ أنّ الخوْدَ ليس لها ... لُبٌّ وَيُعْجبُهُ مِنْ ذاكَ ما اختبرَهْ

فغضبت امرأتُهُ من هذه الأبيات، وخرجت من بيته، وقالت له: ابن بيتاً من الشعر، فقال: منْ يهْجُرُ الشعر جَرَّا عاذلٍ زجَرَهْ ... أم من يطيق صدودَ الحِبِّ إنْ هَجَرَهْ أضحتْ صَفيَّةُ عن لُقْياكَ مُعْرِضَةً ... والشّعْرُ يَعْرِضُ مِنْ مكنُونِهِ دُرَرَهْ لم أدْرِ أيُّهما أدْهى مُفارَفَةً ... كلٌّ يحِنُّ فؤادي دائما أثرَهْ قد كنتِ ياذي إلى نفسي محببةً ... ورُبما صَدَّقَتْ حالُ امرئ خبَرَهْ طئَتْ عن القلب رمياتُ الحسانِ سِوي ... سَهْمَيْكِ قدْ قَرَعا أعْشارَهُ العَشَرَهْ فما عليكِ إذاً لو رُحْتِ عالمةً ... أنَّ القَرِيضَ جناً للفكر لَنْ يذرَهْ أمْ خلتني مثلَ أقْوامٍ عَهِدْتهِمُ ... طُوعَ الحلائل لا يعصونَ أمر مَرَهْ كلاَّ لعَمْرُ بناتِ الفِكرِ ثمَّقَها ... حَرَّانُ ذاد بها من همه شرره بَلْ لَيْتَ يومَا فتاةَ الحيّ إذ أمرتْ ... أن ابتني من قريضي واسعَ الحُجُرهْ تدرِي حقيقتَهُ علمَ اليقين لِكيْ ... تَرى البيُوتَ سِواهُ غيْرَ مُعْتَبَرهْ وقال أيضا يمدح الشيخ سيديَّ: ما للمشيبِ وفعل الفتيةِ الشَّبَبَهْ ... وللبيب يواصي في الصّبا خَببهْ آنت لذي شَمَطِ الفودينِ رجعته ... إنَّ القتيرَ ليَحمي ذا النُّهى طرَبهْ لمَّا تأوَّبني منْ طولِ ما جَمحَتْ ... نفْسي هُمومٌ رَمتْ صَبْرِي بما سَلبهْ ناجَيْتُ فكري وقد أمعَنْتُ من نظري ... ثمَّ استمر بيَ الرَّأْيُ الذي اكتسبَهْ أن يمْمَتْ شرَفَ الدينِ الكمالَ بنا ... علياءُ تعتسف الآكام والهضبهْ حتى وضعتُ عَصى سَيْري بباب فتىً ... يؤوِى الطريد ويولي الراغب الرغبهْ من نبْعة طيّبَ الباري أرُومتها ... بيتاً أحلَّ ذُرى المجدِ العُلى نسبهْ حارتْ أناسٌ بجَدْوى حاتمٍ ولقد ... نَرى سَخاءً كمالَ الدينِ قد غلبَهْ أغْنى العماعِمَ مِنْ راجيهِ سَيْبُ نَدَا ... مَنْ لا يُمنَّ على العافينَ ما وَهبهْ مَن كان يَفْضُلُ لِلمُعْتَرِّ إِنْ عَرضَتْ ... عزَّاءُ تعْدُو عَليهِ أُمَّهُ وَأَبَهْ

أَحْني على الشُّعْثِ والأيتام مِنْ نَصَفٍ ... على صَغيرٍ لها قدْ أكبرتْ عَطبهْ أشدُّ عندَ تمادي أَزْمَةٍ فرَحاً ... بالمُعْتقين مِن العافي بكلّ هِبهْ يلقى العفاة بوجهٍ من سماحتهِ ... كالهِنْدُوانيِّ تجلو متنَهُ الجَلَبهْ وَإنْ أَلَمَّ بهِ ضَيْفٌ فمرتحل ... يُثنى وكان جميلَ الظنّ إذْ رَغِبَهْ ولَّى يفرّقُ حمدَ الشيخ في فِرَقٍ ... شتًّى ويكثرُ مما قدْ رأى عجبَهْ رأى هنالكَ أخلاقَ الكرامِ إلى ... زِيِّ الملوكِ وَزِيِّ السَّادَةِ النخبَهْ رأى مُصَرَّعَةَ الأنعام قد قسمتْ ... بين الصفيفِ وبين الجَونَةِ الرَّحَبه رأى الوُفُودَ على بابِ الكمالِ كما ... يرى الدُّنُورَ على عِدٍّ حمتْ قُلُبَهْ من مُعْتفٍ وأخيِّ فتْوى ومُلتمِسٍ ... فَصْلَ القَضا ومريدٍ كشف ما حُجِبه أو كشْفَ مسألةٍ والكل قد وسعت ... جفائه ولكلّ منه مَا طلبهْ فاللهُ بارك في نفْسِ الكمالِ وفي ... ما اللهُ موليهِ من قُصوى ومقترَبهْ إنْ تستَبِقْ حَلباتُ المجدِ راكِضةٍ ... خَيلَ المعالي تَراهُ سابق الحَلَبهْ لا يضمرُ الضَّجْرَ من جارٍ أساء ولا ... مِنَ المُرافِقِ يوهي صَبرَ من صَحِبَهْ ولا يضيقُ ذراعا بالذي صَنعتْ ... أبدِى الحوادثِ تبنز الفتى سَلَبهْ وكم ثأيً بينَ ما حَيْين أصْلَحَهُ ... خَرْزَ الصّاعِ لمسني أجرة قِرَبَهْ أمَّا الرِّقاعُ فأعْلاقٌ يجودُ بها ... والسيرُ نصحُ بلغٍ يَبتغي القرُبه رآهُ ذو العرْش علامُ الغيوب لذا ... أهْلاً فساق لهُ مِنْ قبله سَببَهْ عِلماً وفَهماً بَصيدُ المشكلاتِ بْهِ ... دَرْكَ الطِّمِرَّةِ مَنْ سرْبِ المَهى عطبه ومَصَّ كلَّ درورٍ من مسلسلةٍ ... دُرًّا تَخيَّرَهُ للملك مِنْ ثقبهْ لما تغلْغلَ في علمِ الشريعةِ منْ ... صافيهِ أعَملَ في نَيْلِ العُلى بُحبهْ شدَّ الرحالَ على عُتْقِ الرِّكابِ إلى ... تاج الأجِلّةِ من ساداتِنا النُّخَبهْ فنال ما نال إذ حطّ الرحالَ وما ... أدراك ما نال يأواها لها رتبهْ فأصبح الشيخُ مأوى كل ذي ظمإِ ... كما يُصَبَّحُ مُسْقى دجلةَ القربَهْ

ترى الوقار عليه والسكينة في ... حال الحفيظة مما أن ثنى غضبه وقال أيضا: وسبب هذه القصيدة، انه لما كان في أقاصي السودان، اشتاق إلى أوطانه وأهله، فترك أولادا له صغارا، ورجع إلى أهله. فلما أقام مدة بين أظهرهم، اشتاق إلى أولاده، وحن إليهم، فأراد قومه أن يثبطوه عنهم. فلما علموا انه لا يمكنه تركهم، جعلوا يعدونه برفقاء ليأتي بهم، فقعد سنة ينتظر وعودهم. فلما تحقق خلفهم، شد رحله على جمله، ووافاهم في مسجدهم، فلما قضوا صلاتهم، قال لهم: لا يخرج أحد حتى أتم كلامي، فأوَّل ما نطق به، ان أقسم لهم أن لا يصحبه أحد منهم، ولا يأخذ منهم زادا ولا غيره، ثم أنشد القصيدة، وركب جمله، فبعد مدة طلع عليهم في مسجدهم ذلك ومعه أولاده، وعنده خمسة عشر عبدا. وهاهي القصيدة: تجلدتُ للتَّوْديع والقلبُ جازعُ ... وأخفيتُ ما كادتْ تبينُ المدامعُ ترقرق دَمعٌ لَوْ أطعتُ غرُوبه ... ذرفْنَ كأجرى ما تُفيضُ الدَّوافعُ فيا عجبا أخشى الفراقَ وطالما ... حَرَصْتُ عليهِ مكرَهاً أنا طائعُ أَمَرُّ النَّوى مَنأى حَبيبٍ إذا دنا ... لَوَتْكَ بمحبوبٍ بلادٌ شواسِعُ هما طرفا ميزانِ شوقٍ كلاهما ... تُطلّقُني أَهْوَالُهُ وَتُرَاجعُ أُتيحتْ لغرْبِ الأرْضِ منى زيارةٌ ... وفي الشرْقِ أرْضٌ في المزارِ تُنَازعُ ألا فارْحَلا قبلَ الصَّباحِ مَطِيّنا ... فلمْ يَبْقَ إلا أنْ تُجابَ البلاقعُ إلى حاجةٍ لم يثْنِ عنها عَزيمتي ... صَديقٌ بألوانِ الملامَةِ صادِعُ غدا إذْ غدا فَرْخاهُ منهُ بمنظَرِ ... يُثبَّطُ لو أَنَّ الشجيَّ يُطاوعُ أَأُصْغي وأفْرَاخي قدَ أعْرَضَ دُونَهُمْ ... عِراضُ الفيافي والجبالُ الفَوارعُ دعاني إلى نسيانهمْ كلُّ راقمٍ ... على الماءِ صَمَّتْ عَنْ دُعاهُ المسامعُ إذا وَعدوا بالمالِ ثمَّ ذكرْتُهُمْ ... تلاشَنْ إذاً لو يعلمونَ المَطامعُ

وإنْ خدعُوا بالغِيدِ غادرَ ذكرُهمْ ... لَدَيَّ هباءً ما وَشاهُ المخادعُ وإن قيلَ في أهلِ التغرُّبِ أَسْوةٌ ... فما أنا للضَّاوِينَ في العَجزِ تابعُ سَأُعْمِلُ سَيْرَ النُّجْبِ نَصًّا إليْهُمُ ... وأهملُ لغْواً رأْىَ مَنْ هُوَ راجعُ وَمُعْطى عُهودٍ أنْ يُرافِقَ أَصْبَحَتْ ... تَمُرُّ بها نُكَبُ الرِّياحِ الزَّعازعُ يُضاعَفُ منْ عزمي على السَّيْرِ كلما ... بَدَتْ مِن ضميرِ المخلفين الجنادعُ بدا ما طوى مَن كان يزعمُ أنه ... سَيطوي إلى البيد والحقُّ ناصعُ تكاسَلَ إخواني الأقاربُ في الرَّخا ... لَدُنْ صَدَعتْ شملي الليالي الصَّوادعُ فما اسْتأجَروا لي صاحِباً مِن سِواهُم ... فَرُبَّ أجيرٍ في المضايق نافعُ ولكنْ كفتني منّةً سَيَمُنُّها ... فتىً لم تدُمْ مِني لديهِ الصَّنائعُ جَلادَةُ نفسٍ بَيْنَ جَنْبيْ مُجَرِّبٍ ... تهابُ قتادَ المنِّ منهُ الأصابعُ ويصغُرُ في عينيهِ ما استعْظمَ الذي ... تَهُونُ لدَيْهِ الدَّاهِياتُ القَوَارِعُ أَمَا والمَوامي والهواجرِ والسُّرى ... وأنضائها منها رَهيصٌ وظالعُ لئن أسْلموني للنوى لم يكنْ معي ... أخٌ لِحُميَّا وِحْشةِ البينِ دافعُ لمَا أسلموا حيران يعيى بأمرِهِ ... إذا راحَ كلُّ الناسِ وَهْوَ مُقاطعُ ولكنْ غنىَّ النفْسِ أمْضى عزيمة ... مِن العضْبِ جَلاَّهُ الكمِيُّ المصارعُ تعَوَّدَ فقدانَ الرَّفيقِ بأمْكُنِ ... تغول بها نفْسَ الجَبانِ الرَّوائعُ خَليليَّ مَنْ يخشى اعتسافَ تَنُوفَةٍ ... لَوَاهُ بِحَوْجا وهْدُها والأجارعُ فإني لَمِقدامٌ على كلّ مَهْمهٍ ... يَتيهِ به لو كان يغشاهُ رافعُ

جَسُورٌ على دُهْمِ المخاوف في يدي ... عُرَى الحَزْمِ لا يلفي بها وهو ضائعُ صَبُورٌ على برح المشقَّاتِ يَنثني ... عَنَ أهْوالها الزرقُ العيون السمادعُ ولستُ لأمرٍ إنْ تعاصى بتارِكً ... ولسْتُ لِمَرءِ في أمُورِي أطاوعُ أصِيخُ إذا قالوا وأتبعُ ما أرى ... وما سَيفُ منقادِ القَرِينةِ قاطعُ وما ضمَّ ثَوْبي عاجزَ الهَوْءِ كلَّمَا ... أشار عليه غيرُهُ فهوَ طائعُ شكوتُ إلى المُبْدي المُعِيدِ بمثلِ ما ... شكوتُ به إذْ عَوَّقَتني المَوانعُ فَسنَّ امتناناً أمرَ حوْجاَء طالما ... لوَتْ فانثنى باليأسِ مَنْ هُوَ طامعُ ألا ليْتَ شعري هلْ أراني بصبيتي ... طليقاً من أيدي النَّأي والشملُ جامع عَلَىَّ إذاً إطعامُ أضعافِ من مضى ... وصَوْمٌ بصيْفٍ سَبْعةً مُتتابعُ وقال أيضا يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: تألَّقَ لَمَّاعُ الوَميضِ لَمُوحُ ... بذي السَّرْحِ يَخفي تارةً ويلوحُ جَلا عَنْ رَوايا بتْنَ يَمأدْنَ مثل ما ... ينَوءُ مُداني الساعدَيْنِ طَليحُ سَقي دِمناً حَوْلَ اللُّوَى وأرْبُعاً ... على الغارِ نجاَّجُ الفُواقِ سَحُوحُ وجادتْ على أطلالِ زارَ مُرِبَّةً ... بها كلُّ غَرَّاءِ الجبينِ دَلُوحُ مَعاهِدُ يَرْتاحُ الفؤادُ لِذكرِها ... وأهْتِفُ شَوْقاً باسمها وأبوحُ وتعتادُني منها طوارِقُ لوْعةٍ ... كما انقَضَّ رَوَّعُ الرَّعيلِ جَرُوحُ فَدَعْ ما تَرى وافْزَعْ إلى الصّبْرِ إنما ... أخُو الصبرِ في عُقْبي الأمور تَجوحُ

وإياك أن تُلْفي هيوباً يَصدُّهُ ... عَنِ الأمر حيناً أن يَمُرَّ سَنيحُ وعرجْ على صَدآَء واسْتسق وِردَها ... عَسى أن يتيحَ الرِّيَ منهُ مُتيحُ سَلامٌ بأنفاسِ العَبيرِ يفَوحُ ... على النورِ يغَدُو دائما ويَرُوحُ سلام على قطب العُلى الأوحد الذي ... يُرَوّحُ منه السَّامعين مديحُ سلام على شمس الضحى قمر الدُّجى ... وَنَجم الهدى ذو عَوضُ ليس بزيح سلامٌ على عِزِّ الحجازِ وأهْلهِ ... مَنْ اتْبأهمْ شِقٌّ به وسَطيحُ وأدْهَشَ منهُ الوافدين جَلالةً ... وَسيمٌ أغرُّ الوَجنتينِ صَبيحُ وسكّن لما استأنسوا بعضَ رُعْبِهم ... بهِ خُلُقٌ حُلْوُ الجناةِ مَليحُ لكم جاد فقرْاً عندَ بابِ ابنِ هاشمٍ ... رَوايا نَدًى مِنْ راحتيهِ سَفُوحُ ونالَ عَظيمُ السُّؤالِ أوْفرَ نائلٍ ... يجودُ بهِ رَحْبُ الذّراعِ سَموحُ وخاضَ وغى الهَيْجاءِ منه بصَحبهِ ... أخُو عَزماتٍ في الخطوبِ مُشيحُ وجَدَّتْ به جُرْدٌ إلى حومةِ الوغى ... مَذاكٍ ويَجْبٌ للِمَشاعِرِ رُوحُ فما شغلتْهُ الحَربُ عن صَوْبِ مَنْسِكٍ ... ولا نُسُكٌ أن يُستباحَ جَموحُ إذا ما أبي إلا جِماحا عَنِ الهدى ... فَرِيقٌ بَداء باللّيانِ نَصوحُ غزاهُ فأمسى عُرْضَهَ البيضَ والقَنا ... فما منهُ إلاّ فائظٌ وجَرِيحُ فلما رأوا أنْ لا مَناصَ وأنه ... لِسائمتيهمْ والحريمِ مُبيحُ غَدًَوا مُسْعِدينَ الدينَ من كل وِجهَةٍ ... وأنْفُ مَناةٍ في الرَّغامِ طرِيحُ فَراحَ سَناهُ في سَناءِ وأدْبَرتْ ... بنجْدة غيّ المُشرِكينَ طَموحُ حَمى حُرُماتِ اللهِ لوْلا انتِهاكُهُمْ ... لها ما انتهى حِلْمٌ هناك صَفوحُ فكم سَفِهَتْ ناسٌ عليهِ وما ازدَهَتْ ... وقاراً يُحاكيهِ أشَمُّ مَروحُ

كما انقَضَّ للميلادِ شهْبٌ ولم ينَلْ ... مِن الملاءِ قُصْوى العُدْوَتين سَبُوحُ فما مِثْلُ مَجدِ المصطفى قطُّ ماجِدٌ ... ولا النَّجْمَ ساعٍ ان يَنالَ شحيح يَرُوقكَ مِنْ قَوْمٍ عُلاً تَستَفِلًّها ... إذا اشْتَمَّ مِنْ رَيَّا المؤمّلِ رِيحُ وتستَعْظمُ الأطوادَ ما لم تُسامِها ... به فمدَى فَضْلِ الأمينِ نَزُوحُ إذا ما تولّي ماجدٌ راحَ مَدْحُهُ ... وفي جِدَّةِ الإشعارِ منهُ نُزُوحُ سِواهُ ستلفِي نَفخةُ الصُّورِ السُناً ... مِن الناسِ دَأباً تَغْتَدِي وترُوح ليُهدَى إليهِ مِنْ ثناءِ يَحُوكُهُ ... قَرِيضٌ يُرَوِّى السامِعينَ صَليحُ وكلُّ جَزى مَدْح وإنْ جَل ينقضي ... سِوي مَدْح طهَ إنه لرميحُ أُعِدَّتْ لهم جَنَّاتُ خلدٍ تزخرفَتْ ... وحورٌ بأبوابِ الخِيامِ جُنوح وإني وتَعدَادي حُلاهُ كحاسِبٍ ... مِن الرَّمْلِ ما ضمَّتْ مهامِهُ فيحُ تواصفَ خيرَ الخلْقِ ناسٌ وقصَّرُوا ... ونى الجهد منهمْ والمجالُ فسيحُ تولَّتْ يَدُ الغاياتِ مِن دُونِ فضلهِ ... فسيَّانِ مِنَّا باقِلٌ وَفصِيحُ سِوى أنَّ صَدْيانَ المَحبّةِ واردٌ ... فمغتبقٌ إمَّا لواهُ صَبُوحُ نَعمْ أبْنَ مِنّا قَدْرُ مدحِكَ بَعدَما ... أتى النَّاسَ وَحيٌ بالثناءِ صحيحُ أيا مصطفىً والناسُ لا ناسَ راغبٌ ... ببابكُمُ هَوْلُ الجَنانِ طريحُ يَهابُ حَياءً أن يَبوحَ بُسؤلهِ ... لدَي مَنْ لِخَلاَّتِ البّزِيلِ لَمُوحُ تَحيَّةُ ربّ العالمين يُرِيُحها ... عَليكم وَيَغدُو مُبكرٌ ومُرِيحُ ورَيَّا سَلامٍ دونَهُ المِسْكُ نَفْحةً ... نَفُوعٌ لمِهُدْيهِ الجَرُوعِ تَفُوحُ وعَرْفُ صَلاةٍ تَفضُلُ العَدلا انِقضى ... لها ما جَزى حُسْنَ الثناءِ جَزوحُ وعَظّتْ مُلِمَّاتُ الزمانِ فأفظعَتْ ... وما عِيلَ صبْرٌ للنبيّ رَجوحُ تَخيّرَهُ منْ خيرِ خيْرِ أرُومَةٍ ... نمى نَحرَها سامُ بْنُ نُوحٍ ونوحُ لِيمُنَحَ مالا يَقدُرُ الناسُ قدْرَهُ ... سِوى لَمْعِ نَزْرٍ مِنْ سَناهُ يَلوحُ وأسْعَدَهُ في اللهِ أسْعدُ شيعة ... قدِ اجتاحَ منها الجاحِدينَ جُرُوح

محمذ بن السالم

وأخْمدَ طُغيانَ الضَّلالِ وإنَّه ... لأعْيُنِ أصحابِ العَمى لَفَتُوحُ وأرْغمَ أنْفَ اللاّت واللاَّءِ بَعدَهمْ ... عَذارى قُرَيْشٍ لا تَزَالُ تَنُوحُ ومهَّدَ بيضاً ليْلُها كنهارِها ... بمسْكِ معالي المَكرُماتِ تفُوُحُ تَكلَّفَ أعْباَء العبادةِ جاهداً ... فليسَ لهُ مِنْ وَنْيَةٍ فَتَرِبحُ عجبْتُ لحزبٍ يَمْتَرِي في اصْطِفائه ... وقدْ شُقَّ مِنْ بَدْرِ التَّمامِ صَفيحُ وجاَء خِطابٌ أنْ يَجيئوا بمثلِ ما ... تَنزَّلَ مِنْ حُسْنِ الحديث صحيح فلمْ يَقْدُروا بَلْ لمْ يكادُوا وما أتَوْا ... بهِ هَوَسٌ يُخْزِى ذوِيهِ قَبيحُ وفَوَّهَتِ الأحْبارُ تَتْرَى بَبعثِهِ ... وأعْلَنَ مُوسى باسمهِ ومَسَيحُ وفاهَ جمادٌ طِبْقَ عَجْماَء أفْصَحَتْ ... وهاتِفُ جِنٍّ لا يَزالُ يَصُيحُ وجيشاً كفى صاعا طعامٍ ومَشْرَبٍ ... ومُسْتَهزِئٌ أرْدى عَمىً وقيوحُ وَخَدْشَةُ سُمٍّ يَقْصُرُ السُّمُّ دُوتَها ... ونَقْعى وبطنٌ مِنْ أذاهُ مُريحُ وكان رحمه الله في صدر القرن الثالث عشر، وقد رأيت بعض ولده لصلبه. محمذ بن السالم (بذال معجمة مكسورة منونة) مصحف محمد البوحسني ثم البانعمري، وهو من قبيلة الذي قبله: شاعر مجيد رقيق الألفاظ سلسها، وقد رأيته، وهو أسمر، وكف بصره في آخر عمره، وكان يقول إذا سمع الناس يطرون الأحول الآني: أنا أشعر منه وأحول، وكان القياس أن يقول: وأشد حولا،

لأن أفعال العاهات، لا يأتي منها فعل التعجب، ولا اسم التفضيل. وإنما جرى في ذلك على مصطلح العامة، وكان في صدر القرن الرابع عشر. ومن جيد شعره يمدح الشيخ سيديَّ: قفا نَستَنْطِقِ الدّمِنَ البَوالي ... ونبكي أعصُرَ اللهْوِ الخوالي قِفا بي لحظة أسكُبْ دُموعي ... بأغْبَرَ موحِشِ العَرَصاتِ بال بشقّ البَيْتِ غيَّرَهُ السّوافي ... وأقدَمَ عهدَهُ مَرَّ الليالي تكنسه ذواتُ شوًى ضئالٍ ... مكانَ مَهيً ذواتِ شوَى خِدالِ وكم غَنِيَتْ بساحَتهِ عَرُوب ... تبسَّمُ عَنْ عَوارِضَ كللّئالي خَدَلّجَهُ المُخَلْخلِ عُلَّ فُوها ... شآمِيةً كلوْنِ دمِ الغَزالِ تماطلُ بالمؤَمل من جناها ... بُغَاتِ البُسْلِ هيّنَةُ الحلالِ فدعْ هذا ولكنْ ما لسلمى ... كلفت بها وترْقَبُ عنْ وصالي تأوَّه إن تغمدها نحيفٌ ... يضمُّ لحاقُهُ شخصَ الهلالِ وعابَتْ خِلقتي والعضبُ يلفى ... صقيلا تصله والجفن بال وقافيةٍ بذلْتُ الوسْعَ فيها ... لتصلحَ أن تُزَفَّ إلى الكمال أُحاوِلُ أن أضمنَها خِلالا ... تَضَمَّنَهَا فمنْ لي بالمُحال إمامٌ في مصالح ذي البرايا ... وفي كسبِ المَحامدِ غيرُ آل يقصر عن مداه أبو عدِيٍّ ... ويحيى وابنُ مامةَ في النوالٍ وتَخْجَلُ مِنْ سَناهُ إياتُ يوحٍ ... فتكسفُ حين تدنو للزَّوال ولم أرَ قبلَ مسجدِهِ مَصلىًّ ... تضمَّنَ وابلاً سَرِبَ العَزال

يداه غمامتانِ على البراسا ... على التدآب دائمتا الهِمَال فذي عمَّتْ بصَيّبِهَا وهَذي ... تخصُّ به ذوي الهمم العوالي تجرَّد للعُلى شيخان يبغي ... مقامات عَصين على الرجال لمعترٍّ وجارٍ وابنِ عمٍّ ... وأرملةٍ تُؤَاكلها الموال وعَرْجَلةٍ من الغرْباءِ شُعْثٍ ... من اللّؤْاواء تجْأر كالسعالي جَمَعْتٌ على مُكلَّلةٍ رداحٍ ... كجابيةِ المخوّلِ وفْرَ مالِ وعانٍ قد فككتَ ومستضيفٍ ... حَضأتَ له الزَّخيخ على التّلال كِلا الغَوْثين علكَ قهوتيه ... ولم تترك لغيرك من فضال فرحْت ولا يعابُ عليك فعِلٌ ... ولا ألفيتَ مغلوبا بحال تخالقُ بالجميلٍ الخَلْقَ طُرًّا ... وأنْتَ معَ الخليلِ الفردِ خال حوتْ ما دون مرتبة التنبّي ... يداكَ من المكارمِ والمعالي وأنت إذاً من الثقلين طُرًّا ... بمنزلةِ اليمين من الشمال هذا ما تذكرت منها، وما أدري أبقي منها شيء أم لا. وسمعت بعض الأدباء، يحدث انه كان مقيما عند الشيخ سيديَّ، وكان يقابل مع بعض تلامذته الحماسة، فمر ببيتين وهما: ما استحسن الناسُ من أكرومة سلفت ... إلا رأوها على استحسانها فيكا ولا تحلوا بمعنى يستحب لهم ... إلا وكان معاراً من معانيكا

فضمنهما قصيدته الآتية، ولعل مراده حماسة أبي تمام، فإنهما لا يوجدان بها، والقصيدة هاهي: ودق الرَّواعيد نزرٌ من أياديكا ... ونفحةٌ المسك هبَّتْ من نواحيكا ومن جَداك استَمدَّ البحرُ مادته ... فما جرى البحر إلا من جداويكا والشمسُ تخجلُ من أنوار غُرَّتكم ... كما تضاَءل رَضْوي أنْ يساميكا تدنى القَصيَّ متى قصاه أقربهُ ... حتى يرى أنه أدنى مواليكا نيل الأماني قليل من تفضلكم ... على جميع الورى في حَقّ عافيكا وقد أرى الناسَ فيكم ينشدون وما ... منهم محيط بأدنى من أدانيكا ما استحسن الناس من أكرومة سلفت ... إلا رأوها على استحسانها فيكا ولا تحلوا لمعنى يستحب لهم ... إلا وكان معاراً من معانيكا مرآهمُ الظلَّ يدعوهم لما وصفوا ... حتى رأوا أن ذا وصف يكافيكا وهل تنال بمرأى الظلّ معرفةٌ ... أم كيف وصفك مجهولا بماحيكا فشأنيَ الصُّمْتُ إنّ الصُّمْتَ أبلغُ من ... نُطقِ الألى زعموا أن بالغوا فيكا أقررتُ بالعجزِ عمَّا فيك يا أملي ... إذْ فيكَ ما فيك مما اللهُ مُوليكا أقررت بالعجز عن أدنى حُلاك فلا ... تحْرِمْ نوالك ملهوفا يناديكا وقال ايضا، وهو مقيم عند الشيخ سيديَّ: أهلاً وسهلاً بطيفِ الخودِ فاطمةٍ ... لكنَّ ربقةَ آلِ الشيخ في عُنقِ طافتْ بنا بعد تهجيعٍ فقلتُ لها ... بنتَ الكِرامِ ألا لا وصل فانطلِقِ لا تَحْسبي نفثاتِ الشيخ مبقِيَةً ... مَرمى لنبلِ لحاظِ الجُؤذُرِ الخَرِقِ لو كنتُ أصبو إلى خَودٍ لكنتِ ول ... كن ليس وصْلُ الغَواني اليوم من خُلُقِ لا ينبغي لامرئٍ أمْسى تعلقُهُ ... بالشيخ يصبو إلى الجيدانةِ الفُنُقِ

ما حضرة الشيخ ملهى عاشقٍ كلفٍ ... ولا الكلى والعُجَى يُجْمَعْنَ في شُدُقِ وقال أيضا: يا باحثاً عن طباعي كيْ ليعْرِفَها ... فِعلى يُعبّرُ عنْ ما رُمْتَ تعبيرا إني امرؤ لم تكنْ يا زَيدُ راحَتُهُ ... ولم يكنْ مالهُ يوْماً دنانيرا لكنما تلوه التمييزُ مُظِهرةٌ ... ضَرِيبةَ المَرْءِ إنْ لؤماً وإنْ خيرا وقال أيضا: أميمةُ إنْ يكنْ خَلقَاً ردائي ... فقدْ يَبلى جفيرُ الهِندواني وإنْ يك يا أميمُ الجسم خلاّ ... فما يُزرى النحولُ بأفْعُوَان وإنْ لم ألفَ ذا مالِ فإني ... أنا الطرْفُ المضمَّرُ للرِّهان وقال أيضا: وقد نزل عند امرأة ضيفا، وهي لا تعرفه، فلم تفرشه، ولم تكترث به فمر به إنسان يعرفه، فلام المرأة، وعرفها بضيفها، فاعتذرت إليه، فقال: نزيلَك فأمنى أبداً أذاه ... نزيلٌ غيرُ مرهوبِ المصال ضعيف لا يُخَاف البطشُ منه ... عفيف لا يسب على النوال قراهُ إذا ألمَّ بأرْضِ قومٍ ... مُفاكهةُ اللبيب من الرجال وقال أحد أدباء قبيلته بيتين يفخر بهما. ورد هو عليه ببيتين من رويهما، أو العكس، وللأول منهما:

الأحول

فما بالشعر كان المجد مني ... ونفسي ليس ذلك منتهاها فإني قد أرى الشعراء تحتي ... عصافيراً تطاردها بُزْاها فقال الثاني منهما: أنا ليث الشرى أحمى عريني ... بِعُصْل غير مفلول شباها وهل تخشى بزاة أو صقوراً ... ليوثُ الغاب تزأَر في حماها ومن جيد شعره، وقد بقى فريدا ليس معه غير كلب يقال له، فيداح: أصخْ لسرد قريض الشعْرِ فيداحُ ... إن كنت ممن لسرد الشعر يرتاحُ قد أصبح الشعر عمري لا رواة له ... إن لم يكن من رواة الشعر فيداح نعمَ المرافقُ لولا قبحُ منظرهِ ... ينفي الذئاب إذا يعوي فتنزاح إنْ يطرِحونّي أرْضاً لا يُصاحُبني ... إلاّ ألص هريت الشدقِ نبَّاح فقد يُسامرُني في مجلس عَطِرٍ ... شُمُّ الأنوفُ لهم كُتْبٌ وألواح وقدْ أعارلُ جماَء العظام على ... أنْيابها العنبر الهندي والرَّاح ورأيت له قصيدة جيدة، ومطلعها: إنّ الدَّيار بجنب ذات الجيأل ... هاجت عليك عماية لا تنجلي ومات - رحمه الله تعالى - في أوائل القرن الرابع عشر. الأحول واسمه عبد الله، وقد أغنته شهرة لقبه، عن معرفة اسمه واسم والده، هو الفصيح الشاعر، ذو الصوت الطائر. اشتغل في صغره بتثقيف اللسان، حتى صار كشباة السنان، ولازم يوسف بن المختار، وباب ابن أحمد بيب العلويين، مدة مديدة، حتى وقعت الحرب التي شتت العباد، وأفنت الأمجاد، وانحاز إلى قومه، وصاغ فيها قصائده الطنانة. ومما نقم الناس عليه فيها، أنه هجا أستاذه باب المتقدم، في قصيدته التي أوَّلها:

أَلا بلغن باب جانِ الحروب ... وجان الحروب رهين الخطا وكان سلس العبارة، كأنما يأخذ الشعر من جيبه، لقرب مأخذه، على أشياء أخذت عليه. منها قوله في وصف خيال: أهلاً به من مُلِّمٍ صوبنا قذفتْ ... بيدا لبيدٍ وأصحاراً لأصحار فإن صحراء لا تجمع على أصحار، وإنما تجمع على صحروات، وعلى صحارَى، صحارِى، وإنما اغتر ببيت الأنصاري: مَن كان في نفسه حوجاَء يطلبها ... مني فإِني له رهن بإِصحار فإن إصحار هنا، مكسور الهمزة، مصدر أصحر، أي برز للصحراء. وقد رأيت هذا البيت مكتوبا هكذا: بيدا لبيد وأسحاراً لأسحار وهذا غلط أشد من الأول، لان الأول صحيح المعنى، وهذا فاسده، ولأن الطيف لا يصح أن يقذف، أي يرمى سحراً لسحر. والمحافظة على المعنى، أولى من المحافظة على اللفظ. وأخذ عليه قوله في صفة سلاح ناري: ومهمى مرت خِلْفَيْهِ أيد تطايرَتْ ... مِنَ الجوْفِ شتى أمّهاتُ الذوائب لأن الأم من غير الإناس. تجمع أمات، وأما من الإناس. فإنها تجمع أمهات، وهذا هو الكثير، وقد جمعت أم من العقلاء: أمات، ومن غيرهم أمهات، وقيل إن من قال في المفرد أم، قال في الجمع أمات، ومن قال أمهة. قال أمهات، والحاصل أنه لا يسوغ تلحينه، فيما قيل إنه جائز بقلة، ولا على هذا التفصيل، وكلما غلط فيه، يوجد له جواب يقنع، غير أصحار. ونقض أبَّدَّ بن محمود قصائده غير البائية، قالوا: لأنه مات قبل بلوغها إلى ابن محمود، والناس يفضلون الأحول عليه، لسلاسة ألفاظه، وبعضهم يعكس. قال: لأن كل معنى وقع في شعرهما، إذا تؤمل يظهر ذلك فيه، فإن الأحول، قال في صفة سلاح ناري:

وجلجل رعد ينهمي عند هزمه ... نجيع العدى لا ماء غرّ السحائب وابن محمود قال في صفته: بأجري فرانس فيها صواعق ... تُصمي الفتى قبل أن يسقطا فإِن الأوَّل على سلاسة ألفاظه، ليس فيه كبير معنى. فإن غايته أنه شبه صوت الرصاص الخارج من السلاح بالرعد، وجعل سيلان الدم، أشد من سكب السحائب. وابن محمود، نسب السلاح لفرانس، وشبه صوت الرصاص الخارج بالصاعقة، وهي أبلغ من الرعد، وجعل المصاب بها يموت قبل وصوله إلى الأرض، والذي نزفه الدم، كثيرا ما يرقأ دمه، ثم يسلم بعد ذلك. وقالوا: إن الأحول قال لما هزم عدوّه هو وقومه: لمَّا رأوا عابدَ الرحمنِ منقبضاً ... تحت العجاجة مثل الضيغم الضار ولّوا فُرادى ومثنى مدبرين ولمْ ... يثنو من الرعب وجهاً بعد إدْبار وابن محمود، قال لمَّا دارت رحى الحرب، وهزموا عدوّهم، بعد الأيام التي كانت عليهم: سقوناً ذنوبا سقيناهموه ... بضعف وكنا لهم أضغطا فإنه أنصفهم، حيث ذكر نكايتهم فيه أولا، ثم ذكر أنهم ضغطوهم وهزموهم، وقال في رائيته: والعلويون ركبانٌ تنوشهم ... بالأندرية تردى كلَّ ختار حتى إذا أثخنوهم محنقين وهم ... ما بين ملتزم أو واجب خار ولوّا فُرَادى ومثنى مدبِرِينَ ولم ... يثنوا من الرعب وجهاً بعد إدبار فإنه أنصفهم حيث قال: إنهم فروا بعد أن أثخنوهم، حال كونهم - أي العدو - محنقين، فليس من انهزم بعد أن لم يترك دفاعا، مثل من فرَّ أول وهلة، ولأن العلويين في اليومين الذين دارت عليهم رحى الحرب، تركوا في موضع المعركة

كثيرا من أبطالهم موتى، ولو كانوا انهزموا لما رأوهم، لم تبلغ موتاهم ذلك العدد. ومما جعلوه عبرة قوله: ومن شاء فلينظر عواقب معشر ... جنى حربنا يزجره شوم العواقب لأن آخر وقعة وقعت، هي فتنة تندوج، وقتل فيها هو نفسه، ولم يعقبها شيء فأنه قضى على نفسه فيها، ولأن الحرب في الأصل بين أولاد اخطير والعلويين، وكان أولاد اخطير، أخذوا ديات قومهم، على يد جموع كثيرة من الزوايا، فنقض أبناء اعمر أكداش ذلك، وغدروا با بني الخطاط العلويين، ثم انه هو من قبيلة كنيت (بكاف معقودة) وليس من إدا بلحسن، فهو الباغي، وهذا لا يخلو عن تحامل، فإن ذلك الأصل قد اندثر وصار نسياً منسياً، حتى ان فخذه في ذلك الوقت وبعده، من أفضل أبناء اعمر أكداش، وكذلك قوله: وجدَّل حتى جاذبته عصائب ... من الطير غرثى تهتدي بعصائب فإنه هو بقي جديلا وجاذبيته الطير، فسبحان من لا يعلم الغيب غيره، فإنه لو كان يدري أن عاقبة أمره كذلك، ما كان سره ما سره، من تجديل ذلك الشيخ، ولله در الشاعر حيث يقول: فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا وقال من يفضل ابن محمود، إن الأحول لما قال هذا البيت: ما أبعد العار منا في الحروب وما ... أدنى سيادة محمود من العار لو هجا أبناء اعمر أكداش غير ملوم، لأن شاعرهم أقذع على أبيه. ولما انطلق لسانه بالأيام المتوالية، كيوم ابلحتوش ويوم تندوج، رأى أن أخذ الثار بقتل الأبطال ونهب الأموال، أبلغ من أخذه بالهجاء، وأي عار على محمود، في أن هزم هو وقومه مرتين، وأخرجوا من بلاد غير بلادهم الأصلية وعشيرتهم. ثم هزموا أعداءه هزائم أبلغ من هزيمته في يوميه السابقين، ولم تزل الحرب سجالا من قديم الزمان. ومن ذا الذي يخطر في باله، أن يحارب قبيلة مثل إدابلحسن

في الكثرة، وما انضم إليهم من أبناء البوعلى، وتيابهم، ويظن أنه لا يهزم؟ بل العار في أن لا يهزمهم هو، وفي أن يخرج من أرضه ولا يبعث الجيوش حتى ينتصف. أما إذا انهزم يوما بعد يوم، ولم يلن لذلك جانبه، فهذا دليل على صلابة عوده وقوَّة عزمه. وهل أمكن عدّوه أن يوافيه في أرضه وعشيرته، بجيش واحد فيغنم، أو يخسر، فمحمود مثل ما قال الشاعر: وأخرجت منها ولكنني ... رجعت على رغم أنف الجميع وسيأتي بيان أن إدابلحسن، لم يخرجوه على كثرتهم وقلة قومه، بل أخرجه تضافر الترارزة عليه وعلى قومه، ما عدا أبناء دامان وأهل عبل. وكان رحمه الله موصوفا بحسن الأخلاق، حدثني عمنا مأمون، انه لما وقعت الحرب واعتزلها من اعتزلها من الفريقين، كان - هو أعني مأمون - قبل البلوغ، فذهب مع العلامة المختار بن عبد الجليل يقرأ عليه. وكان الأحول صديقا لأخيه أحمد، لما كان يقرأ على يوسف وباب المتقدمين. فاتفق أنه مر على المذكور، فرأى مأمون فعرفه، فأسرع اليه وضمه إلى صدره، وجعل يتوجع مما وقع، ولامه على عدم مجيئه إليه لما رآه ولما بلغ موتة الشيخ سيديَّ، قال: ذهبوا به إلى غير فنه، يعني أن فنه صوغ الشعر الجيد. وليس من فئة مناضلة الأبطال، ضنا به عن الموت. هكذا يقول الناس، ويجعلون الضمير عائد على من قتله. ولا يخفى أن هذا فاسد المعنى، لان المعنى توبيخ قومه على حملة الغزو، فإن الفتنة لو كانت وقعت عند حيّه، لكان لذلك وجه، ولكن الفتنة وقعت خارجا عن بلادهم، وسببها: أن العلويين أغاروا على آبال لهم، فأتبعوهم مسيرة يومين أو نحوهما. وكان هو في مقدمتهم، واختلف في قاتله. فأهل تكانت يزعمون، أن قاتله محمد أحيد بن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم. وأهل القبلة يزعمون، أن قاتله محمد بن الحسن بن الأمين، قالوا: ووجد في كانون مدفعه (أي موضع ثوران البار ودمنه) شيء من الشوك، لأنه كان يتحرج من قتل مسلم، وما أظن هذا صحيحا،

بل لا يتأتى أن يطلب عدواً أنكى فيهم من مسافة بعيدة، ويكون على هذا من ترك الحزم. وقال في الحرب التي وقعت بينهم وبين العلويين، إثر هزيمة كانت لأعدائهم. وتقدم بعض التي نقضت بها، لما انهزم قومه، وقتل هو: جادت بطيفٍ سرى لي أمُّ عمَّارِ ... للهِ لله لقيَا طيفها الساري أهلا به من مسلم صوبنا قذفت ... بيداً لبيد وَأصحاراً لأصحارِ لا وصْلَ من أمّ عمَّارٍ أُ أمّلُهُ ... ما لم تَزُرْ في منامي أمّ عمَّارِ لو كنتُ زير نساء كنتُ زائرها ... بل زيرُ حرْب أخوها غيرُ زوَّارِ إنا بنو الحرب لا نشكو أظافرها ... لو جرَّحتنا بأنياب وأظفار خضنا لِواها وجنبنا بني حسن ... حمل المغارم من حمل وأوزار والخيل فيها على الأبناء نؤثرها ... صوناً فيا لك من صون وإيثار والوفد نقريه في اللاوى ونكرمُهُ ... طول الثوى إذ يجل المكرم القاري ما أبعد العار منا في الحروب وما ... أدنى سيادة محمود من العار لمَّا رأوا عابد الرحمن منقبضاً ... تحت العجاجة مثل الضيغم الضار ولوّا فرادى ومثنى مدبرين ولم ... يثنوا من الرعب وجهاً بعد إدبار وقال أيضا في تلك الحرب: تداعتْ حُداةُ الركبِ من كل جانْبِ ... فَودّعْ سُليمى قبلَ سَيرِ الركائبِ فإنْ ضَعُفَتْ أسبابُ ذلك بينَها ... وبينَكَ إلاّ سَرْق وَمْإِ الحَواجبِ وكيف وداعُ الحب آخرَ كلما ... دنا منهُ صَدَّتْهُ مخافةُ راقب سلامٌ عليها أين غابتْ بها النَّوى ... عن العينِ منْ حِبّ عن العين ذاهب ففاضتْ دموع العينِ حتى تناثرت ... تناثرَ نظْمِ اللؤلؤ المتراكبِ فقلتً لصَحْبٍ أكثر والعيب في البكا ... وليس بكاء الوجدِ بعض المعائب

دعوني وتسكابي الدُّموعَ فرُبما ... يُقلُّ الأسى فيضُ الدموع السَّواكب فإن كنتمُ صَحْبي فموتوا معي أسىً ... ولا تتركوني هالكا دون صاحبي كما فرَّ محمودُ ليسلَمَ وحدَهُ ... وأسلم من إخوانه والأقارب هُمُ جلَبوا الحربَ العَوانَ فلم نَزلْ ... نُبيدُ ونقصى منهمُ كلَّ جانبِ شفى التائبونَ الغيظَ من نهب مالِهمْ ... ولوْ علموا لم يَنْهبوا مال تائب وزرناهُمُ منْ آلِ أعوجَ فائقٍ ... بأسْدٍ وأسْدٍ من حبيبٍ وطالب وإخوانِنَا الشمّ الألى إن تقحموا ... لقاءً تجلى بأسُهُمْ غيرُ كاذب غداةَ أرادَ الشيخُ ما لا يُطيقُهُ ... فلاقى الذي لاقى يسترَ الكواكب وجُدّلَ حتى جاذبْتهُ عصائبٌ ... من الطيرِ غَرْثى تَهتدي بعصائب لدى مشهدٍ دارتْ رحاهُ فجرّعتْ ... صَناديدَهُمْ حَتْفاً مَريرَ المشارب وولَّوْا سِراعاً مُدْبرِينَ كأنْهُمْ ... بُغاثٌ تهَادى من صُقورٍ دوارب وقَهْراً طردْناهمْ وخُضنا حماهُمٍ ... وهجنا هُمومَ المُعْولاتِ النّوادب فَطوْراً يُلَطْمنَ الخدُودَ وتارةً ... يُلَطّمْنَ بالأيدِي أعالي التَّرائب لعمرك ما قَوْمي بعُزْلٍ أذِلّةٍ ... إذا يَممُوا أرْضَ العَدُوّ المُحارب بأرْعَنَ مَجْرٍ يذْعرُ الوَحْشَ بالندى ... وزَجْرِ المهارى والجيادِ الشوازِب فكم هَيّئوا مِن كلّ جَرْداَء وَرْدةٍ ... ومُنْجَرِدٍ عَبل الشَّوى غيرِ لاغِب وأزْهَرَ مصْقولِ الحديدةِ متْئمٍ ... سَخِي نقيَّ اللوْنِ وارِ المناقِبِ أجادتهُ أرْبابُ الجريدةِ ميْسما ... ونقْشاً كفي منْ رائقاتِ الغرائبِ وحَلَّوْهُ نَقلاً مِنْ لُجيْنٍ وَدَوَّرُوا ... مِنَ الدُّرِّ في أَوْساطِهِ والجوانبِ ومَهْمى مَرَتْ خَلْفَيهَ أيدٍ تطايرَتْ ... مِنَ الجَوْفِ شَتَّى أُمَّهاتُ الذوائبَ وجَلْجلَ رَعْدٌ يَنْهمي عِندَ هَزْمهِ ... نَجيعُ العِدى لا ماءُ غُرِّ السحائب بنو الحربِ لا نُعْطى القوىً مَقادةً ... ولا نَشتكى فيها نُزُولَ المصائبِ ولكننا نحمى الحمى ونحُوطُهُ ... ونزدادُ صَبْراً تحتَ كل النَّوائب

محمد بن حنبل بن الفال البوحسني

ومنْ شاَء فلينظرْ عَواقبَ مَعشرٍ ... جَنى حَرْبنا يَزْجُرْهُ شُؤمُ العواقب ومما ينسب إليه: أَضْنَوْكَ بالبينِ حتى قِيلَ مَن راقِ ... والْتَفَّتِ السَّاقُ يَوْمَ البَيْنِ بالسَّاقِ يا أُخْتَ يوسُفَ إني بعدَ بينِكُم ... أشْبَهْتُ يَعْقوبَ في حُزْنٍ وأشواقِ لوْلا القميصُ الذي جاَء البشيرُ بهِ ... حَتى انجلى بَثُّ يعقوبَ بن إسحاقِ وله أيضا: شَدُّوا المَهاري بأكوارٍ وأحْحداجِ ... وأدْلجوا تحتَ ليْلٍ أَلْيَلٍ داجِ وأصْبَحَتْ دارهم قَفْرًا مُعْطلةً ... مبكى دواعي هديل شجوُها شاج تلوحُ آثارُ مَن بانوا بمعْهدِها ... مثلَ البرُودِ وشَتْهَا كفُّ نسَّاج فما عَلمتُ ولم أشعَرْ ببينهِمُ ... إلا بجونٍ مِنَ الغِرْبان شَحّاج فظلَّ يَشْحَجُ فاهتاجَ الفؤادُ لهُ ... لله ما هاج شَحَّاجٌ لمُهتاج تبًّا لِعيسٍ نأتْ عَني بناعِمةٍ ... غَيْداَء رَيَّانةِ الحِجْلين مِغْناج تَسبى فؤادَ الحليمِ المرعوي بدُجى ... ليْلٍ ووجهٍ كضوْءِ الصُّبْحِ وهَّاج ومات - رحمه الله - في صدر القرن الثالث عشر، في وقعة تندوج، كما تقدم. محمدُّ بن حنبل بن الفال البوحسني أصله من تاكنيت، كفخذه أهل محملفك، هكذا ينطق الناس بهم، ولعل الأصل، محم بن فك. وهو من أقارب الأحول، المتقدم قبله. كان محمد هذا، من العلماء الأعلام، واشتهر في اللغة في ذلك القطر، حتى قيل بتقدمه على معاصريه فيها. وكان نحويا، وله اليد الطولى في البيان. وكان حريصا على طلب العلم، يقال أنه مكث سبع سنين منقطعا لطلب اللغة، وأنه في تلك السنين، لم يذهب إلى زيارة أهله مع قربهم منه. وقد انتقد عليه بعض

الناس قوله في قصيدة، يمدح بها سيد بن محمد لحبيب، شيخ الترارزة في صفة الخيل: فتبيتُ نافشة هناك جياده ... خضر الجحافل من غمير خلاها فإن النفش خاص بالغنم، كما نقل عن ابن دريد، وأدخل القاموس الإبل مع الغنم. وعن بعضهم: انه قد يطلق على جميع الدواب، فلا اعتراض إذا، وانتقد عليه بعضهم أيضا قوله: إن صبا متيما مستهاما ... ثم في أوفدى سقيت الغماما قد من اقتاد حسن قدك قدما ... قدر ما إن تكلميه كلاما لوم في حبها الملامِ اللواغي ... ولو استشعر الغرام الملاما فإن البيت الثاني، اجتمعت فيه خمس قافات، وهذا مستكره على السمع، وقد عاب الأصمعي مثله على إسحاق بن إبراهيم الموصلي في معاتبته للمأمون: يا سرحة الماء قد سدَّت موارده ... أما إليك طريقٌ غيرُ مسدود لحائمٍ حام حتى لا حوام بهِ ... محلإِ عنْ سبيلِ الماءْ مطرود فقال الأصمعي: أحسنت في الشعر، غير أن هذه الحاءات لو اجتمعت في آية الكرسي لعابتها. وكذلك عيب عليه قوله: م اللواغي. فإن أصله من اللواغى. ونون من، إنما حذفتها العرب قبل آل المظهرة، ولم تحذفها قبل المدغمة، كقول الشاعر: كأنهما م الآن لم يتغيرا ... وقد مرَّ للدار بن من بعدنا عصر وانتقدوا عليه أيضا من تلك القصيدة. قوله يعني سيد بن محمد لحبيب: ملك تدين له الملوك مطيعة ... وبعزّ خدمته تحوط حماها لأن الممدوح ليس بملك، ولا قريب منه، ولأنه يعطي الغفر لِتُكنَ

وقائدهم، من صغار قياد السلطان. ومما فضل له عمر بن الخطاب زهير. إنه كان لا يمدح أحدا بغير ما فيه. وقال المعري: فلا تمدحاني بمين الثناء ... فأحسن من ذاك أن تهجواني وأراد أن يفاضل بين بطنين من أولاد ابيير، اسم أحدهما: أهل احميد (بكسر الدال) واسم الثاني: أهل باب (بضم الموحدة) فقال: حين دون الجميل أغلق بابُ ... فتح البابَ دونه آل بابُ ليس تخفى علامة الرَّفع فيهمْ ... حين خفضٌ لغيرهم إعرابُ فأجابه شاعر من المعرض بهم. فقال من أبيات لم تحضرني: ما على معربٍ بخفض عتابُ ... وببسم الباقي يساقُ الصوابُ المعنى: إن أسماء الله تعالى، وقعت مجرورة في القرآن، نحو بسم الله الرحمن الرحيم. فقال ابن حنبل: الكتابُ العزيز نعمَ الكتابُ ... من به احتجَّ ما عليه عتابُ واعتراضٌ به أحجُّ اعتراضٍ ... فبماذا يكون عنهُ الجوابُ لكن انْسدَّ باب صوبِ مرادي ... عنكَ فانسدَّ عنك منهُ الصّوابُ إنّ نحو النحاةِ لو كان نحوي ... لأتى حجة عليّ الكتابُ إن نحوي في سورة وهبت لي ... فنفى الفقر عَنيَ الوهَّابُ وأحاديثُ ثيباتِ المعالي ... كان فيها عن مقصدي إعرابُ وفنون البديع يفتحُ منها ... للمورّي البليغ إن شاَء بابُ

وكان مولعا بالعلم منكبا على طلبه في أول أمره، فلما حصل عليه، اشتغل بتعليمه للناس، وكان يحضهم في أشعار عليه. ومن جيد شعره، قصيدته التي مدح بها الشيخ سيدي، ثم حض على العلم فيها، وقد عاب عليه بعض الناس فيها كثرة السناد وهي: أضْرَمَ الهمَّ سُحَيْراً فالتهبْ ... لَمْعُ بَرْقٍ برُبَيَّاتِ الذَّهَبْ في شمارِيخ ثِقالٍ دُلَّحٍ ... كتهادي العِيس في الوعْثِ النُّكُبْ أسَدِياتٌ عليها ألْوَةٌ ... أن نَجُودَ الأرْضَ سَبْتاً وتُرِبْ جدْنَ ذا الرِّسْلِ بسَيْلٍ مُفعَمِ ... والمَراجيعَ بسحساحٍ لَجِبْ وعلى ذي التَّيْلميتِ اسْتَوْسَقَتْ ... لمَزارِ الشيْخِ تَهْدِى بالهِضَبْ وأنْهَمي بالعينِ مِنها أبْمُنٌ ... وبذِي الغاب مياسِيرُ سكُبْ فحدَتْها الريحُ هَوْناً تَقْترِى ... كلَّ وادٍ وَرِهاءٍ وصَبَبْ يُرْزِمُ الرَّعدْ خطِيباً بينها ... كهرِيمِ القَرْمِ في الشَّوْلِ الخِدَبْ فرنا العقلُ إليها مثلَ ما ... نظرَ الصَّبُّ إلى الخوْدِ الوصِبْ فأجَنّتْ حسداً أهضامها ... لرباها والجماهيرُ اللبَبْ

ثمَّ وافتها رواءِ هُمّعاً ... لِذُرُورِ القرْنِ لوْ لم يحتجبْ بسجالٍ من منيفاتِ الذُّرَا ... وطُفِ الاكتافِ جِمَّاتِ السَّرَبْ فكأنَّ المُزْنَ تبكي مُلْحَداً ... في رُبا العقلِ بدَمْعٍ منْسَكِبْ تذَرُ السَّرْحَ صريعاً للقفا ... خاشِعَ الأرواقِ مرْفوعَ الطُنَبْ وتَهُدُّ التَّلَّ مِن أعرافِهِ ... بأخادِيدَ تُملّيكَ رُعُبْ يا لها من غادِبَاتٍ قدْ كفَتْ ... مانحَ العُقْلِ لها شَدَّ الكرَبْ فتَحلَّتْ يِلُجَبنٍ حَوْلهُ ... من نَضيرِ النبتِ أبرادٌ قُشُبْ فأقامَ الذُّبُّ في الرَّوْضِ الغَنا ... وأقام البتر في الماءِ الصَّخَبْ وشنوف الطَّلْحِ قدْ نِيطتْ بهِ ... كشُنُوفِ الغِيدِ خُضْراً تضطرِبْ والحمامُ الوُرْقُ تشدُو بالضحى ... فتذُوَبُ النفْسُ شَوْقاً وطرَبْ رُبَّ بيضاَء خَلوبٍ لحظها ... مالها في العُجْمِ شِبهٌ والعرَبْ تحتَ ليلِ الفَرْعِ منها قمرٌ ... فوق غصنٍ فوْق حِقْفٍ مُنكثِبْ يُقْبِلُ الشَّوْقُ إذا ما أقبلتْ ... يُدْبرُ الصبرُ إذا ما تَنقلِبْ بابليُّ السّحْرِ في أجْفانِها ... بابليُّ الرَّاحِ منها في الشنَبْ زُرْتُ والظلْماءُ مُرْخىً سَدْلُها ... غَيْبةَ الواشي وفقْدَ المرْتَقِبْ رُبَّ تَيهاء نزُوَحٍ ماؤها ... يَنْأمُ البُومُ بها كالمنتحِبْ وتضلُّ الكُدْرُ في أرْجائها ... بالحُسا الصُّفْرِ عَن أفراخٍ زُغُبْ

جُبْتُ والليلُ مُغطٍّ قُورَها ... بفُتِيّ ومَارسِيلَ نُجُبْ وقَرِيضٍ بتُّ أبني فَغَدا ... مِثلَ نظمِ الغِيد تقصارَ الذهَبْ آخذاً منْ لحنِ أقْحاحِ اللُّغى ... مُضَّغَ القيْصُومِ والشيخ النُّخَبْ مَنْ لآلى حاضِريهِمْ أصطفى ... ومن الأعرابِ رُشافَ العُلَبْ ما تعاطى اللُّسْنُ في أندئهمْ ... وتَعاطْوهُ بأفواهِ القُلُبْ وأداروهُ عُصوراً بينهمْ ... لابتناء الفخرِ أيامَ الغَلَبْ إنّ خيرَ الزّادِ يا صاحِ التُّقى ... فبهِ المجدُ التمسْ لا بالنسَبْ في التقى عِزٌّ وكثرٌ وغنىً ... دون سُلطانٍ وجُندٍ ونَشَبْ هُوَ دون العلمِ عَنقا مُغْرِبٍ ... فاطّلِبْهُ فلنعم المُطَّلَبْ جَرّع النفْسَ على تحصيلهِ ... مَضَضَ المُرَّينِ ذُلٍّ وسغَبْ وَدَعِ المالَ إلى تطلابهِ ... تكتسبهُ فلنعمَ المكتَسَبْ هو حَلْيُ المرْءِ في أقرانهِ ... وهو عند الموت زَحْزاحُ الكُرَبْ وهو نورُ المرءِ في اللحدِ وإذ ... ينسِلُ الأقوام منْ كلّ حدَبْ يا غريباً يطْلُبُ العلمَ اصْطبِرْ ... إنَّ مَبْدأ العلم من قبل غرُبْ ما سعى في الرّبحِ ساعٍ سَعْيكم ... بَلْ سِواكم سعْيُهُ جِدُّ نَصَبْ إنْ تقُولوا مَنَعَتْنا دَرْسَهُ ... أزُمُ الدَّهرِ والأعْوامُ الشهُبْ قلتُ هلْ يحتالُ في دفعِ العصي ... مَنْ أظلَّتْهُ الحُساماتُ القضُبْ فكأني بذوي العِلمِ غداً ... في نعيمٍ وحبُورٍ وطرَبْ يَحمدُونَ اللهَ أنْ عنهمْ جَلا ... كلَّ حُزْنٍ وعناءِ وتَعبْ

بادرو العلمَ بداراً قبلَ أنْ ... يبغت الحين بهولٍ وشغبْ صاح لا تُلْفَ بجهلٍ راضِياً ... فذوو الجهلِ كأمثالِ الخُشُبْ واصحبِ الدائبَ في استنباطِهِ ... لا جَهولٍ خِدْنَ لهوٍ ولَعِبْ إنما القُنْيَةُ عِلمٌ نافعُ ... لا العتاق الجُرْدُ والخُورُ الصُّهُبْ لا يُزَهّدْكَ أخي في العلمِ أنْ ... غَمَر الجُهَّالُ أرْبابَ الأدبْ زَبدُ البحرِ تراهُ رابياً ... واللآلى الغُرّ في القَعْرِ رُسُبْ لا تَسُؤْ بالعلم ظناً يا فتىً ... إنّ سُوَء الظنّ بالعلم عَطبْ إنْ تر العالم نضواً مُرْمِلا ... صِفْرَ كَفٍّ لم يُساعِدْهُ سبَب وترى الجاهلَ قد حازَ الغني ... مُحْرِزَ المأمولِ منْ كلّ أربْ قد تَجوعُ الأسدُ في آجامِها ... والذِّئابُ الغُبْسُ تَعتامُ القَتَبْ رأتِ الدُّنيا خبيثاً مثلها ... لم تمالَكْ أن أتَتهُ تَنْسِلبْ فحَبتْهُ الحبَّ منها خالصاً ... وكذاكَ الشكلُ للشكلِ مُحِبْ ورأتْ ذا العلم فَوَّاحَ الشذا ... آبىَ الذّامِ فآلتْ تَصطِحبْ فقلتْهُ وقلاها يا لهُ ... قمرٌ عنهُ قد انجابَ الحُجُبْ فغِني ذي الجهل فاعلم فتنةٌ ... وافتقارُ الحَبْرِ تأسيس الرُّتبْ فخذِ النصْحَ ولا تَعْبأ بمنْ ... بدل النصح فطاوعه تَصبْ أضْيَعُ الأشْياءِ حُكمٌ بالغٌ ... بينَ صُمٍّ ونداءٌ لم يُجَبْ ولوْ أرْسلْتُ عِناني في مدَى ... ما بدا لي مِنْ أساليب العربْ ومنْ الحثِّ لأرْباب النهى ... لقَرَيْتُ الأذنَ منها بالعَجَبْ لكنَّ الشّعْرُ انقَضَتْ أيَّامُهُ ... لا ترى اليوْمَ إليهِ مُنتدِبْ غيرَ راوٍ خافِضٍ مَرْفوعَهُ ... ناصِبٍ مخفوضهُ أو ما انتصَبْ ونزوحُ الفَهْمِ عنْ ميزانهِ ... ليسَ يَدْري كاملاً من مُقتَضَبْ

وليعلم المطالع لها، إذا رأى عدن مناسبة في ترتيبها، أتى لم أكتبها على أصول، بل أمليتها من حفظي. وقد طال عهدي بتعهدها، فربما وقع فيها تقديم وتأخير لذلك. وقال أيضا في ذلك المعنى: عِمْ صَباحاً أفلحتْ كلَّ فلاح ... فِيكَ يا لوْحُ لم أطعْ ألفَ لاحِ أنتَ يا لوْحُ صاحبي وأنيسي ... وشفائي من غُلّتي ولُواحي فانتِصاحُ امرئ يَرُومُ اعتياضي ... طلبَ الوافر منك شَرُّ انتصاح بكَ لا بالثرا كِلفْتُ قديماً ... وَمُحَيَّاكَ لاَ وُجوهِ المِلاح رُبّ خودٍ ماءُ النّعيمِ عليها ... جَرَيانًَ الزُّلالِ في الصُّفّاح تَستبي المُرْعوى بثَغْرِ الأفاحي ... وَجَبينٍ مثل انبِلاج الصباح وعلى ثغرِها بُعَيْدَ كراها ... قهوةُ الرَّاحِ بالمَعينِ القَراح في عُقُودِ الجُمانِ والدُّرّ منها ... جيدُ جَيْداء من ظِباء رُماح خدلةٌ غَصَّ قُلبُهَا وَبُراها ... غَصَصَ المِرْطِ فهي غرثى الوشاح لا تبالي هبَّ الرياحِ إذا ما ... أشفق الرُّسْحُ منْ هبوبِ الرياح أقصد القلب من صميم هواها ... فعل نبل صوائبٍ ورماح قد تسلّيتُ عن رسيس هواها ... بك حتى كأنني جدُّ صاح بل يميناً بواردات البطاح ... يتبارَيْن ضمراً كالقداح بعد ليلٍ سَرَيْنَهُ بعد يوْمٍ ... تصل الهجر بانسلاب الرواح أفتأ الدّهرَ هاجراً للغواني ... وَوَصُولا للكتبِ والألواح وله منظومة جيدة، يحط فيها على أهل الجهل، ومنها: حلْىُ الفتى إعرابه لا ماله ... ولا نجارُه ولا جماله

كلُّ فتىً شبَّ بلا إعرابِ ... فهوَّ عندي مثل الغراب وإن رأيته لخودٍ عاشقا ... فقل لها اتّقى الغراب الناعقا لا انتفعت بالأكل والشراب ... من آثرتْ مالا على أعراب وقال أيضا: يمدح الشيخ سيديَّ، ويعارض مقصورة أبي صفوان الأسدي: أشاقتكَ بعد توَلي الصّبا ... حَمولٌ بكَرْنَ بأدْمِ الظّبا بدُعْجِ اللواحظِ بيض الوجوهِ ... ثِقالِ المُرُوطِ ثقالِ البُرَى فأوْقدَ في القلب نارَ الغرامِ ... أنْ آذنَ بالبيْنِ داعٍ دعا فبِتُّ كظيماً وباتَ الحِسانَ ... مستبشراتٍ بقرب النّوى فلما طوى الصَّبحُ ثَوْبَ الظلامِ ... مسَحْن الكَرى عنْ بُدورِ الدُّجى وقُرَّبَ بُزْلٌ منْ آلِ الجديلِ ... شُمّ الكواهِلِ شُمّ الذُّرا فشُدَّ الحدوجُ ومُدَّ الخدورُ ... عليها وتحت الخدور المَهى وحَثَّ الحداةُ بها أسْطُراً ... ثمانيةً من نخيل رِوى فأمْسَتْ منازِلُهُمْ بَلْقَعاً ... يُرَجّعُ فيها الحمامُ الغِنا فأعملتُ في إثرِهمْ جَسْرَةً ... أنيلَتْ محالاً كصُمّ الصَّفا عوجَ الصَّباح وسوج الرواحِ ... نَعُوب الهجيرِ خَبوبَ السُّرى كأبي وَرَحْلي على قارحٍ ... من الحُقْبِ جأبٍ خميص الحشى

أقامَ بمَرْبَعِهِ قائماً ... على أرْبعٍ كقِسيِّ السرى فلما حدا النَّجمَ هادى الصباح ... وآنفهُنّ نصالُ السفى حدا بنحائصه قارباً ... أشَدَّ الحداَء ذُنابي الشبا فباتتْ تَبارَى فلما انجلى ... تبيَّنَ ماءً خِلالَ الأشا وعندَ شمائلها نابلٌ ... خَفيٌّ حَرامٌ عليه الكرى أبو دَرْدَقٍ سبعةٍ مالَها ... من الكسب إلا بناتُ الملا فجِئنَ السَّرِيَّ على هيلةٍ ... فلما سَلَكْنَ شطورَ الشوى طوى شخصهِ فرمى رميةً ... ثنتْها عنِ الحُقْبِ أيدي المنا فنادى الثُبورَ وأعلا العويل ... وخالَ السماحيجَ بَرْقاً خَفا ألم يعلمْ انّ الفتى مَن إذا ... دها الخطبُ ولاَّهُ ركنَ العزا وهلْ لا أراحَ يداً أفنيتْ ... بحفرِ القراميص بين الصُّوى يؤمُّ الكمال ويغشى الظلالَ ... ويلقى النَّوالَ ويلقى الندى هو البحرُ منهُ جرى الرافدان ... ومنه شفى الخافقانِ الصَّدى فردهُ مضافا تجدْ مَأمناً ... وزره مجوداً تجدْ مُرْنوى وَزُرْهُ جَهولاً تَنلُ حِكمةً ... وَزُرْهُ عديماً تنلْ مُقْتنى

فما مُدِلِجٌ مِن هوامى السماكِ ... عَريضُ الكلا كلِ جُون الرحى مُسِفٌّ على الأرْضِ إهدالُهُ ... وهاديهِ فيه إذا ما هدى كأنّ عقائقهُ مَوْهِناً ... نيارٌ تُشبُّ بجَزْلِ الغَضا كأنّ حنين العشار ارتجا ... ز حاديهِ فيهِ إذا ما حَدا أطاعَ الجنوب فلما امترتْ ... غزارُ الخلوفِ أطاعَ الصَّبا وخَيَّمَ سَبعاً يشُقُّ الجيوبَ ... فضق عن الماءِ رَحْبُ الفَضا فَهَزّتْ لهُ الأرْض أعطافَهَا ... وأشرقَ خاشِعُها وازدها كأنّ الصَّوارِمَ مصقُولةً ... وجُوهُ جَداولهِ والنَّهى كأنّ الزّرابيّ مَبثوثةً ... وجوهء أباطِحها والرُّبا بأجود منه ولا زاخراً ... يَغِطُّ غطيطاً إذا ما طما يكلُّ عنْ أدناهُ مرْأى العُيون ... وقد نيط أقصاهُ أفق السما كأنّ غوارِبهُ أجْبُلٌ ... غرابيبُ يُضرَمُ فيها الإبا كأنّ بعبريْهِ سُرَّ الهِجان ... أنيختْ بأمْعز جَونِ الحصى

كأنّ القَراقِيرَ في جَوْزِهِ ... وقُعْسَ العَدْولي شدوقُ القَطا بأوسْعَ مما حَوي صَدْرُهُ ... وأقْصَعَ منهُ غَليلَ الظَّما ولا أخْدَرِيٌّ عُرَاضُ اللدِيدِ ... أَغْلَبُ جَهْمٌ من أُسْدِ الشّرِى يُرَبّبُ أَجْرِيهِ في غَيْضَةٍ ... مُدَاخَلةٍ مِثلَ نَسْجِ الرِّدا يَظلُّ بها بينَ أشْبالهِ ... عَذُوفاً يُساقِطُ عنهُ العِفا وإنْ أظلمَ الليلُ أذكى لهُ ... سِراجَينِ ما بِهما مِنْ قذى فقامَ كأنّ لأرْساغِهِ ... معامعَ غابٍ إذا ما التظى وَرجَّعَ زَأْرًا بهِ زُلزلَتْ ... منَ الأرْضِ أقْطارُها وانْصَمى فخافَ الأنيسُ وخافَ الوُحُو ... شُ والهامُ في دَوِّهِ والصّدى فصادَ شُجَاعاً على طِرْفِهِ ... وَهَيْقاً وثَوْراً وصاد الفَرى فباتَ يُحَضْخِضُ أقَصَابَهَا ... لِغُثْرٍ تثَاءبُ عَنْ كالمُدَى

بأهْيَبَ مِنهُ على أنهُ ... لهُ خُلُقٌ كَسُلافٍ بما ولا صدَعٌ باتَ في رعْتةٍ ... عَلَى مُشْمَخِرٍّ يُسامِي السُّها بهِ يستَظِلُّ رُكامُ السَّحابِ ... إذا التَمّ في جَوّهِ واعْتَمى رَآهُ مِنَ الطيْرِ وَحْفُ الجناحِ ... طُرَاق الخوافي حَثيثُ النجا فحلق يرتاد قِرْناسَهُ ... وجَدُ صُعُوداً فلما وَنى نَحي جَوْزَهُ مُستغيثاً بهِ ... وليس هناكَ لهُ مُلْتَجا فزَلَّتْ مَخالِبُه داحِضاً ... عَنْ أجْرَدَ كالوكْفِ لا يُرْتَقى فخرَّ عَلَى سَفْحهِ مُقْعَصاً ... قَدِ انقضَّ حيزُومُهُ وانفَأى بآمَنَ ممنْ قدْ آمَنْتموا ... وأمْنَعَ ممنْ إليك انْضوى فذاكَ ولا زِلُتموا مَعْقلاً ... مِنْ اللَّزَباتِ لكلّ الورى وبورِك فيما قد اوتيتموا ... ونالَ المُنى مَنْ إليكَ انتهى

وهذه قصيدة أبي صفوان التي أشرنا إليها: نأت دار ليلى فَشطّ المَزارُ ... فَعْيناكَ ما تَطْعَمانِ الكرى ومَرَّ بفُرْقِتها بارحٌ ... فَصدَّقَ ذاكَ غُراب النّوى فأضحتْ ببغْدانَ في منزِلٍ ... لهُ شُرُفاتٌ دُوَيْن السَّما وجيشٌ ورابطةٌ حَوْلهُ ... غِلاظ الرّقابِ كأسْدِ الشَّرى بأيديهِمُ مُحدَثاتُ الصّقالِ ... سُرَيجيةٌ يختلينَ الطُّلى ومن دونها بلدٌ نازحٌ ... يُجيب به البومَ رَجُع الصدى ومنْ منهلٍ آجنٍ ماؤهُ ... سُدًى لا يُعاذُ بهِ قدْ طما ومنْ حَنَش لا يُجيبُ الرُّقا ... ةَ أسْمَرَ ذي حُمَّةٍ كالرِّشا أصَمَّ صَمُوتٍ طويلِ السُّبا ... تِ مُنهرِتِ الشّدْقِ حارى القَرا

له في اليبيس نُفاثٌ يطيرُ ... على جانبيهِ كجمرِ الغَضى وعَينانِ حمرٌ مآقِيهما ... تَبُصَّانِ في هامةٍ كالرحا إذا ما تثأبَ أبدى له ... مُذرَّبةً عُصُلاً كالمُدى كأنَّ حفيفَ الرحا جَرْسُهُ ... إذا اصْطكَّ أثناؤهُ وانطوى ولوْعَضَّ حرفَيْ صَفاةٍ إذاً ... لأنَشَبَ أنيابَهُ في الصَّفا كأنّ مزَاحِفهُ أنسُعٌ ... خُرِزْنَ فُرَادى ومنها ثُنى وقدْ شاقني نَوْحُ قَمْرِيةٍ ... طَرْوَبِ العَشِىّ هَتُوفِ الضُّحى مِنَ الوُرْقِ نَوَّاحةٍ باكرتْ ... عَسِيبَ أشاءٍ بذاتِ الغَضى فغنّتْ عليهِ بلحن لها ... يُهيّجُ للصبِّ ما قدْ مضى مُطوَّقةٍ كُسِيَتْ زينةً ... بدعوَةِ نوحٍ لها إذ دعا

فلمْ أرَ باكيةً مِثلَها ... تُبكّى ودمعتُها لا تُرى أضلّتْ فُرَيْخاً فَطافتْ لهُ ... وقدْ عَلقتْهُ حِبالُ الردى فلما بدى اليأسُ مِنهُ بكتْ ... عَليهِ وماذا يَرُدُّ البكا وقدْ صادهُ ضَرِمٌ مُلْحمٌ ... خَفُوقُ الجَناحِ حثيثُ النَّجا حَديدُ المخالبِ عارى الوظي ... ف ضارٍ منَ الوُرْقِ فيهِ قنا تَرى الطيرَ والوحشَ من خوفه ... جَوَاحرَ مِنهُ إذا ما اغتدى فباتَ عَذُوباً على مَرْقبٍ ... بشاهقةٍ صَعْبةِ المُرْتقى فلما أضاَء لهُ صُبحُهُ ... ونكّبَ عن منكبيهِ الندى وحَتَّ بمخلبهِ قارتاً ... على خَطمهِ منْ دماءٍ القَطا فصعّدَ في الجوّ ثمَّ استدا ... رَ وطارَ حثيثاً إذا ما انصمى فآنَسِ سِرْبَ قَطاً قاربٍ ... جَنى منهل لم تمِحْهُ الدِّلى غدَوْنَ بأسْقبةٍ يرتوينَ ... لِزُغبٍ مُطرّحةٍ بالفلا

يُبادِرْنَ وِرْداً ولم يرْعوينَ ... على ما تَخلَّفَ أو ما ونى تذكّرْنَ ذا عَرْمَضٍ طامياً ... يَجولُ على حافتيهِ الغُثا بهِ رفقة منْ قَطيً واردِ ... وأخرى صوادر عنه روا فملأنَ أسْقِيَةً لم تُشدَّ ... بخَرزٍ وقدْ شدَّ منها العُرا فأقْعَصَ مِنهُنَّ كُدْرِيَّةً ... ومَزَّقَ حَيزُومَها وَالحَشى فَطارَ وغادَرَ أشلاَءها ... تطِيرُ الجَنوبُ بها والصَّبا يَخَلْنَ حَفيفَ جَناحَيْهِ إذْ ... تدَلّى مِنَ الجوّ برْقاً بَدا فَوَلَّيْنَ مُجْتَهِداتِ النَّجا ... جَوافِلَ في طامِساتِ الصُّوى فأُيْنَ عِطاشاً فَسقّيْنَهُنَّ ... مُجاجاتِهنَّ كماءِ السَّلى وبتْنَ يُراطِنَّ رُقْشَ الظهو ... رِ حُمْرَ الحَواصِلِ حُمْرَ اللَّها فذاكَ وقدْ أغتدِي في الصَّباح ... بأجْرَدَ كالسِّيدِ عَبْلِ الشَّوى

لهُ كفلٌ أيّدٌ مُسرِفٌ ... وأعمِدَةٌ لا تَشَكَّى الوجى وأُذنٌ مؤللَّةٌ حَشرةٌ ... وَشِدْقٌ رُحابٌ وجَوْفٌ هَوا ولَحْيانِ مُدًّا إلى مَنْخرٍ ... رَحِيبٍ وعثوجٌ طوالُ الخُطا له تسعة طلن من بعدِ أنْ ... قَصُرنَ له تسعة في الشوى وسبعٌ عَرينَ وسبعٌ كسينَ ... وخمسٌ رِواءٌ وَخمسٌ ظِما وسبعٌ قَرُيْنَ وسَبعٌ يَعُدْ ... نَ مِنهُ فما فيهِ عَيْبٌ يُرى

وتسعٌ غِلاظٌ وسبعٌ رِقاقٌ ... وصهوةُ عَيْرٍ ومَتْنٌ خَطا حديدُ الثَّمانِ عريضُ الثمان ... شديدُ الصفاقِ شديدُ المَطا وفيهِ منَ الطيرِ خْمسٌ فمنْ ... رأى فرساً مِثلَهُ يقتنى غُرابانِ فوْقَ قَطاةٍ لهُ ... ونَسْرٌ وبعسوبهُ قدْ بدا جَعلنا لهُ مِنْ خِيارِ اللّقا ... حِ خمساً مجاليحَ شُمَّ الذُّرى يُغادَى بعُضٍّ لهُ دائِباً ... ونقفيهِ منْ طلبٍ ما اشتهى فقاظ صَنيعاً فلما شَتَا ... أخذناه بالقودِ حتى انطوى فَهِجْنا بهِ عانةً في الغُطاط ... خماصَ البُطونِ صِحاحَ العُجى فولّينَ كالبرْقِ في نفرِهِنَّ ... جَوافِلَ يكسِرْن صُمَّ الصفا فصوبهُ العبدُ في إثرِها ... فَطوْراً يغيب وطوْراً يُرى كأنَّ بمنكبهِ إذ جرى ... جناحا يقلبُهُ في الهوا

فجدَّل خْمساً فمن مُقعَصٍ ... وشاصِ كُرَاعاهُ دامِي الكُلى وثنتان خَضْخَضَ قُصبَيْهِمَا ... وثالثةٌ رَوِيَتْ بالدّما فَرُحْنا بصيد إلى أهلنا ... وقدْ جلَّلَ الأرْضَ ثوبُ الدُّجى وَرُحْنا بهِ مثلَ وقفِ العرو ... سِ أَهيَفَ لا يتشكى الحَفا وباتَ النساءُ يُعوِذْنَهُ ... ويأكلنَ منْ صيدهِ المُشتَوى وقدْ قيَّدُوهُ وغلّوا لَهُ ... تمائمَ ينفَثُ فيها الرُّقى وقال أيضا، يمدح سيدي بن محمد لحبيب شيخ الترارزة: زَارَتْكَ إذْ زَارَ الجفُونَ كَراها ... مِن بعدِ ما مَلَّ المَطِيُّ سُراها في جوز مَجهُولٍ تَلَفّعَ ليلةً ... طمَسَ النُّجومَ عَجاجُها ودُجاها باتَتْ تَجُوب وما السُّرى من دينها ... تيهاً تُضِلُّ عن الفراخِ قَطاها حَتى ألمَّتْ والنجومُ غوارِبٌ ... بصوارِمٍ نكثَ النُّعاسُ قُوَاها مُتَوَسّدِينَ يُدِيّ عبْسٍ رُزَّحٍ ... طَوَتْ الفلا بذمِيلِها وطَواها غاصتْ بهمْ في هَوْلِ كلّ متيهةٍ ... مَوْزُونةٍ وُهْدانُهَا وَرُباها لم يؤنسوا إلا السَّرابَ نهارَها ... وبلَيْلٍِها إلا نئيمَ صَداها

عجباً لِمَسْرَاها وكان يَعُوقُهَا ... عَنْ بيتِ جارتِهَا القَرِيب وَباها وإذا تعالجُ نَوْأة ناَءتْ بها ... عَلْجَانةٌ مِنْ عالجٍ أُخْراها نفْسي الفداءُ لِرَشفةٍ جادتْ بها ... مِن بعدِ بخُلٍ منْ سلافِ ظَماها وَلِنظرَةٍ نَظرَتْ إلى كما خلتْ ... بينَ الخمائلِ ظبْيةٌ بَطَلاها ولزوْرَةٍ نَعشت حشاشةَ مُهْجتي ... مِنْ بعدِ ما حَطَمَ الغرامُ حَشاها ولفَرْحَةٍ أَهْدَتْ لنا بقدُومِها ... بعدَ الصُّدُودِ وبعدَ طول نواها فرَحَ البلاد إلى الأمير وقدْ جَلا ... أعناق صُبح قدُومهِ ظَلْماها فتباشرَتْ أقطارُها وتَشامختْ ... أعْلامُها وتأطَّرتْ بحُلاها وهَمَتْ غيوثُ الأمنِ فيها هُمَّعاً ... حتى استقاَءتْ سُمَّها أفْعاها وبدَتْ سُيوفُ العدْل فيها لُمَّعاً ... حتى رَعَتْ بين الأسُودِ ظِباها مَلكٌ تدينُ لهُ المُلوكُ مُطِيعة ... وبعزِّ خِدْمتهِ تَحوطُ حِماها سارت به هِمَمٌ عزيز نَيْلُهَا ... فبنات نَعْشٍ دونَهَا وسُهاها حتى افترَى أثرَ الغيوثِ بتيرسٍ ... يرعى مرامَى رُبْدِها ومَهاها تغدو ظعائنهُ لكلّ خَمِيلةٍ ... وتَرُوحُ رَغْماً مِنْ أنُوفِ عِداها ترثو بأعينها إلى أشباهِها ... مِن كلّ مُغْزِلةٍ تعودُ رشاها ورصيص بيضٍ مودعٍ بدِمائِهَا ... وأنيقَ أزهارٍ يفوحُ شَذاها وتبيتُ نافشةً هناك جيادُهُ ... خُضرَ الحجافلِ من غميرِ خَلاها

وتَهيمُ مُهْلةً مخَائضُ سَرْحِهِ ... تَقْرُو مَواقِعَ قَطرِهِ وحياها وتظلُّ تَرْعاها عيونُ مهابةٍ ... شمّ الشواهِقِ حَصّنَتْ أرْواها وأتته وافدةً تَخافُ وترتجي ... غلْبُ الجبابرِ منْ حصون قُرَاها فتلطفوا وتملّقوا وتطّقوا ... بحبالهِ وتمسكوا بعُراها ألفى الزوايا كالهشيمِ رمتْ به ... بين القفار دَبورُها وَصَباها فثنى عليها عاطفات حنانهِ ... وأقامَ يَرْأَبُ جاهداً مثْآها فأضاَء ليلتها وجمَّع شملها ... وأفرَّ بعد مخافةٍ أحشاها حتى إذا ملك العلى بزمامها ... وحوى المفاخر رافعاً للِواها صرف العزيمة راجعاً لبلاده ... من بعد ما حنّت وطال بكاها يهدى الظعائن كالنخيل بواسقاً ... تعدو الجيادُ أمامَها ووراها جرد مسوَّمة على أثباجها ... أُسْدٌ قديمٌ في الحروب بلادها من آل أحمدَ زُهرَ أملاك الورى ... عزّ البلاد وغيثها وسناها عبد الشريعةَ مكرِمٌ علماَءها ... موْلى مواليها عدوُّ عِداها أوفى بذمتها وحاط حدودها ... وأطال سمك منارها وبِناها وثنى البغاة عن الضعيفِ ذليلةً ... وأقام قسراً درأها وصغاها وإذا استطالت واستشاطت أمةٌ ... يهوى الهوانُ بكل من ناواها خاض المهالكَ مدلجاً ومهّجْراً ... بالخيل حتى يستبيح حماها بسوابقٍ أشباهِ سيدان الغَضا ... قُبٍّ مُعاليً للمُتونِ كُلاَها

تغدو إلى الغاراتِ شعثاً شزّبا ... كالطيرِ رائحةً إلى مأواها توري إذا تعلو الحزون مثيرةً ... ناراً ونقعاً من متون صفاها تهدى به أولى الجياد طمرة ... عَبْلٌ على ظمأِ الفصوص شواها قد عودتْ أن لا تؤوب عن العدا ... حتى توطأ في الوغى صرعاها وتحوز كل ذخيرةٍ مصطانةٍ ... وتسوقُ في أصفادها أسراها وقال أيضا: نفسي الفداءُ لظبي هاج أحزانا ... وغادر القلب من نجواه حيرانا ويسرد النغمَ يجري في مفاصلنا ... جرىَ السُّلافةِ في أوصال نشوانا بيناهُ يظهرُ لي ليلا على قمرٍ ... على قَضِيبٍ كغصنِ البان ريَّانا إذ قال من لا جزاه الله صالحةً ... هذا فلانُ فعاد الوصل هجرانا فناء عجلان مرتاعا فثبطّهُ ... رِدف يثبطُ من قد ناَء عجلانا وقال أيضا: لا تملى يا عينُ رعى النُّجومِ ... وانْهلاَلاتِ دمعِكِ المسجومِ قد جنيت الهوى شهياً جناه ... فاستحالتْ ثمارُهُ كالسُّمومِ ومنها: لا يظنُّ الظَّنُونُ أنَّ مُقامِي ... باليُنَيْبيعِ لاطّلاَبِ العُلومِ بلْ لِغَرْبيةٍ تَهُبُّ فأشْفى ... سقمَ القلبِ من حشايَ الكليم حبَّبَتْ كلَّ شقرويٍّ إلينا ... من حميمٍ لها وغيرِ حميمِ وله من قصيدة بديعة، تسمى بالزرقاء. يمدح بها الشيخ سيدي، وهذه القصيدة تقرأ في ثلاثة أبحر. أعنى أنها كلها في بحر الكامل، ثم تقرأ أشطارها

الأول: في بحر المديد. والثواني: في بحر البسيط، أو العكس، مثل قصيدة الشيخ سيدي، التي تقدمت الإشارة إليها ومطلعها: برزتْ عواتقُ دين أحمد ترفُلُ ... وافى بها الغَوْثُ الأغرُّ الأكملُ وله أيضا من قصيدة: عجْ بي على دِمنِ النّقي فمغان ... نهىِ الإضاةِ فمرْقب الصّيرانِ فأضى الرعود فملتقى أعراضها ... فالدُّومةِ البيضاءِ فالسَّندان وقال أيضا: يا أيها الإخوان هل من ضاحك ... من شأننا غهو من الأضاحك كنا بمنزلٍ لنا مبارك ... نحيى من العلوم كل هالك ونتكي طوراً على أرائك ... بكر من الآداب غير فارك بينا نغوص في فروع مالك ... فينجلي بالفهم كل حالك إذ قال ندب ليس بالمشارَك ... في الرأي وقّعوا لذي الشكائك فكتبتْ كالدُرّ والسبائك ... ما حاك قبلُ مثلها من حائك ثمتَ يا أُمام بعد ذلك ... سرنا بحوب أمتن الدكادك فعنّ واد تحت قف نابك ... مخفف بسدَّر شوابك فاختلف الآراء من عشاقك ... لَنبق رأوه في أولائك فبين فاعل وبين تارك ... وبين بالع وبين لائك وبين جاث فيه كالمعارك ... وساقط في هوة وسالك بين الغصون أصعب المسالك ... فآب كل كالبعير الآرك أوصاله تهمى بدمٍّ سافك ... لا صوت تسمعينه هنالك

هبة الله بن محمذ حبيب الله البوحسني

لنا سوى قعقعة المداوك ... فخرق الأبْواب عن خلانك شوك له أمضى من النيازك هبةُ الله بن محمذٍ حبيب الله البوحسني هو الصالح، الناسك، المتواضع. رأيت له قصيدة، يرثى بها الصالح المختار بن بابان العلوي. منها: بانَ التصَوُّفُ والمعروفُ قد بانا ... أنْ بانَ بدر الدياجي بحل بابانا أضحت شموس علوم الدين آفلة ... وبان من ثلم دين الله ما بانا فالموتُ عِدٌّ لهُ الأنفاس واردة ... تُسقَى البرِيةُ كأساً منهُ مَلآنا صبراً حبيبُ وصبراً يا سعيدُ فما ... قد كان ذا اليوم إلا وفق ما كانا كفى عزاءً مَنامُ الهاشمي كفى ... ما قدْ أصاب أبا بكر وعثمانا خَبَتْ مصابيحُ أنوارِ العلوم فذا ... ضائي لوائحها قد غابَ واكتانا وكان في صدر القرن الرابع عشر. أحمد باب بن عينين البوحسني شاعر مطرب، وسليقى يقول فيعرب. مدح أبناء محمد بن محمد سالم المجلسيين بقصيدة، منها: إذا ما المشكلات دعَتْ نَزالٍ ... وهابَ لِفاَءها الشهم الجنانا تصَدَّوا للطعانِ لها وكانوا ... بني من كان يوليها الطعانا فقبل أن يبرز القصيدة للناس، عرضها على سيبويه زمانه، أستاذنا: يحظيه ابن عبد الودود، أطال الله حياته. وسأله عن الشهم الجنانا: أتقال، أم لا؟ فلما أخبره بجوازها، فرح وأبرز قصيدته، ورأيت له قصائد جيادا، في مدح الشيخ ماء العينين، وما حفظت منها شيئا. ومات في العشر الثانية في القرن الرابع عشر، وبه يتم من رويت له من من شعراء أبناء اعمر أكداش، وبعدهم أيدا شغر، ويصدق على جميع قبائل إيدا بلحسن: فلان البوحسني.

ابن الأمين بن الحاج البوحسني

ابن الأمين بن الحاج البوحسني هو العالم الذي لا يغلب في الحجاج، الشقروي، ثم القدمى. تفنن في اللغة والكلام، وغير ذلك. وكان جريئا، سليط اللسان، تخافه الناس. وشذّ في أقوال، أوجبت له ان يرمى بالزندقة، من أهل وقته. قالوا: أنه كان يأمر تلامذته بالأكل في رمضان، ما لم تطلع الشمس، وأنه كان يقول لهم: أمفروا، في ألفاظ يأمرهم أن ينطقوا بها. ثم يقول: إني سأردكم إلى الإسلام. وكان يقول: إن الطلاق بالثلاث، إذا وقع دفعة واحدة، لا يكون إلا واحدة. وقد ألف العلامة محنض باب الديماني في تضليله. وقيل: إنه كفره، وأكثر العلماء يعتد عليه بما تقدم، ويحط من قدره لذلك، وليس من الصواب تكفيره بمسألة الطلاق المتقدمة للخلاف فيها. فإن شيخ الإسلام ابن تيمية، كان يقول بها أيضا. وذكر الشيخ عليش في حاشيته على الدردير، ما يفيد أن فيها خلافا، ولفظه: والإجماع على لزوم الثلاثة، إذا أوقعها في لفظ واحد. نقله ابن عبد البر وغيره، وفيه نظر، لقول ابن سلمون: اختلف في الطلاق، إذا أوقعه ثلاثا في كلمة. فقيل: انه يلزمه طلقة واحدة. فإن الله تعالى إنما ذكر الثلاث مفرقا، فلا يصح إيقاعه إلا كذلك. وهو قول على، وابن عباس، وجماعة من الصدر الأول. وقال به أهل الظاهر، وطائفة من العلماء. وأخذ به جماعة من شيوخ قرطبة: ابن زنباع، وابن عبد السلام، وأصبغ بن الحباب وغيرهم، من الأندلسيين، وقيل: تلزمه الثلاث، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وهو قول مالك. والذي عليه جمهور فقهاء الأمصار وجل العلماء. وسئل ابن رشد: في كتاب عقد وثيقة برجعة من الطلاق المذكور دون زوج، فقال: هو رجل جاهل ضعيف الدين، فعل ما لا يسوغ بإِجماع من أهل العلم. إذ ليس من أهل الاجتهاد، فيسوغ له مخالفة ما أجمع عليه فقهاء الأمصار. وإنما يجب عليه تقليد العلماء في وقته، ولا يسوغ له ان يخالفهم برأيه، فالواجب أن

ينتهي عن ذلك، فإن لم ينته أدب، وكانت جرحة فيه تسقط إمامته وشهادته. اهـ وحاصله وجود الخلاف، ولكن لا يفتى إلا بما عليه فقهاء الأمصار، فلعل مراد الحافظ ابن عبد البر بالإجماع: إجماعهم لا إجماع الأمة. والله أعلم. وفي إعلام الموقعين لابن القيم: إن المطلق في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وزمن خليفته أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد، جعلت واحدة. كما ثبت ذلك في الصحيح عن ابن عباس، فروى مسلم في صحيحه عن ابن طاووس، عن أبيه عن ابن عباس: (كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه إناءة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم) اهـ. وفي بعض الروايات قال ابن عباس رضي الله عنه: (بل كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم). ونقل أحاديث تدل على ما عليه الأكثر، وبعضها يدل على ما عليه ابن تيمية. ونقل صحتها عن الإمام أحمد، وضعف ما أخذ به الأكثر. وقال: ان ما عليه ابن تيمة لم تجتمع الأمة ولله الحمد على خلافه، بل لم يزل فيهم من يفتى به قرنا بعد قرن، وإلى يومنا هذا فأفتى به حبر الأمة، وترجمان القرآن: عبد الله بن عباس. كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس (إذا قال: أنت طالق ثلاثا، بفم واحد، فهي واحدة) وأفتى أيضا بالثلاث. أفتى بهذا وهذا. وأفتى بأنها واحدة. الزبير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، حكاه عنهما ابن وضاح. وعن علي - كرم الله وجهه - وابن مسعود روايتان. كما عن ابن عباس، وأما التابعون، فأفتى به: عكرمة، رواه إسماعيل بن إبراهيم عن

أيوب عنه. وأفتى به طاووس. وأما تابعو التابعين، فأفتى به: محمد بن إسحاق، حكاه الإمام أحمد وغيره عنه، وأفتى به خلاس بن عمر والحارث العكلي. وأما أتباع تابعي التابعين، فأفتى به: داود بن علي، وأكثر أصحابه حكاه عنهم: ابن المغلس وابن حزم وغيرهما. وأفتى به بعض أصحاب مالك، حكاه التلمساني في شرح تفريع ابن الجلاب، قولا لبعض المالكية. وأفتى به بعض الحنفية: حكاه أبو بكر الرازي، عن محمد بن مقاتل، وأفتى به بعض أصحاب أحمد. انتهى الغرض منه. وقد أشبع الكلام على هذه المسألة، والغرض الاعتذار عن صاحب الترجمة، لان ما وقع فيه خلاف لا يضلل القائل به، ولعل ما تقدم من تضليل العلاّمة محنض باب له إنما، يتعلق بالمسائل الكلامية ونحوها، ولم أقف على شيء من شعره، سوى قصيدته الطنانة، التي هجا به العلامة محنض باب بن اعبيد الديماني، لما نسبه إلى ما تقدم بيانه، وهي: على أطلال مَيَّ قفوا وحيُّوا ... وإن لم يبق بالأطلالِ حَيُّ ولا تلفوا خلياً مَعْ شجيّ ... فيهلكَ دون صاحبه الشجيُّ مغانٍ كنتُ فيها ذا فراغٍ ... وعن غير المجون أنا الغنيُّ أتت حجج عليها وهْيَ مأتيً ... لهوج الريج يخلفها الأتيُّ سَرَتْ أطعانُ ميَّةَ عن برُوقٍ ... سَرَتْ وهْناً وقائدها سَرِيُّ بكل ندٍ هبَلٍّ قيسرِيٍّ ... حواليْهِ هَبَلٌّ قيسرِيُّ ومنها: عَلَىَّ على الدنيُّ وإنَّ إذًّا ... على ذِي المجدِ أن يَعلو الدنيُّ عليكم بالمَلاءِ فذا زمانٌ ... ولو كلباً يسُودُ به المَليُّ والذي يظهر، انه كان في القرن الثالث عشر، لأنه عاصر محنض باب.

بلا بن مكبد البوحسني

بُلاَّ بْنُ مكبد البوحسني ثم الشقراوي، هكذا أظن أني كنت أسمع ممن هو أدرى بنسبه، ورويت أبياتا لباب بن أحمد بيب العلوي - وهو دغفل زمانه من غير نزاع - يمدحه بها، تدل على غير ما ذكرت. وهي: يا ربَّ أبقِ لنا بُلاّ لنسألُه ... عن كلّ سِرّ من القرآنِ محتَجبِ وعن دواوين شعر لا يفسرها ... إلا ابن بجدتها ابن الفاضل ابن أبي ولعل الفاضل، وأبي بعد مكبد، اما الفاضل: فهو الفال. وأبي مرخم: أبي ميج. كان بُلاَّ هذا عالماً مشهوراً، ونحوياً كبيراً، وهو ممن تخرجوا على المختار بن بون الجكني المتقدم. وتخرج عليه هو، عبد الودود بن عبد الَّ بن أنجبنان النحوي المشهور الآتي. وله بنت اسمها مريم. نبغت في الشعر، واشتهرت به، وما حفظت لها شيئا. وكانت تمدح أكابر العلماء ويمدحونها، حتى كتبت بقصيدة للشيخ سيدي تمدحه بها، فكتب إليها: المرأة كلها عورة. هاجى بلا ابن أحمد دام المتقدم، الا أن ابن أحمد دام غلبه، وما حفظت شيئا من مهاجاتهما، إلا قول ابن أحمد دام: وقد علم المختار أن شمّها بُلاّ يعنى: المختار بن بون، وشمها: كلمة يقولونها عند ذكر اضطهاد من يحدثون عنه، والضمير للقصة، وما حفظت لبُلاّ إلا بيتا واحدا، قال في أناس ضربوه وهو: لا يؤلم الضرب ممن لا يميز لل ... زيْدُونَ يَدْعون والهندات يدعُونا قالوا: وفي يدعون الأولى، ضمير يعود على الزيدين، وهو الفاعل، والنون علامة رفع، والواو في يدعون الثاني حرف، وهو لام الفعل، والنون ضمير يعود على الهندات، وهو فاعل ليدعون. محمد سالم بن يا محمد بن لبيد هو اللغوي الوحيد، اشتهر بمعرفة دواوين

أبو بكر بن فتى بن فال الحسن البوحسني

العرب، وله معرفة بالكلام والفقه، وناضل باب بن أحمد بيب العلوي، في مسائل من الفقه، فأوضح له باب خطأه، وقال له أنت ابن بليد. وما رويت له إلا قوله من مقطعة: وثقت ببينهم فقف المهاري ... على الأطلال واعتبر اعتبارا ومات في عجز القرن الثالث عشر. أبو بكر بن فتى بن فال الحسن البوحسني ثم الشقراوي، هو العالم المشارك، والورع الناسك. لا يفتر عن قراءة القرآن، حلو الشمائل، غاض لبصره، توجه إلى الحج بعد العشرين وثلاثمائة. ومات في الطريق - رحمه الله - وثبت أجره، ورأيت له مقطعة يمدح بها العالم الطبيب، أوفى الشمشاوي، ومنها: على الشيخ أوفى ما سيأتي وما غبر ... سلام كريا المسك قد فاح بالسحر سلام على من باسمه يُشتفى الضنى ... وتقضى به الحوجا وينكشف الضرَرْ اشويعر بالتصغير، البوحسني. هو الشاعر البليغ، اشتهر بهذا اللقب، وما أدرى اسمه الأصلي، ولا اسم أبيه، وأظنه من قبيلة أبناء أبي الفال، ويقال له: شويعر الأنبياء، لأنه كثيرا ما يذكرهم في شعره الغزلي. ومن ذلك قوله: حَيّ المعاهِدَ حَوْل العائدياتِ ... أغْرَى الزمانُ بها أيدِ البِلّياتِ تلاعبت فوقها الأرواح ساحبة ... أذيالها في ضحاها والعشيَّاتِ فكم لَعِبْتُ بمغناها بغانيةٍ ... تجلو الدُّجى في ليالٍ مُرْقِسياتِ قد أودعت كل قلب من شجون هوى ... موسى تقطع أسباب الحُشاشاتِ آيات موسى هواهُ حين تبعثه ... تسع كآياتهِ التسعِ الجليَّاتِ سنى مُحَيًّا وألحاظٌ وسالفةٌ ... يُذْهِبنَ بَهجةَ أرباب السكينات وورد خد وجيد لو توسَّمَهُ ... غَيْلانُ ما رَامَ أَرْآما بمَوْمات ولينُ قدٍّ لو أنَّ البانَ مايَسهُ ... لما تمايسَ أنواعَ الهبوبات

ابن المحمود البوحسني

وبشرةٌ من لجينِ الحسن قيل لها ... كوني فكانت مراحاً للصبابات وَلطفُ خَصْرٍ على ردف يعرفه ... جذب الضعيفِ القويّ الجَذبةِ العات ذي الآي دلت على بعث الأسى كلفا ... وتلك دلت على صدق النبوات ومن ذلك قوله في فتاة من قبيلة أبناء أحمد من يوسف، زوجت من غير كفء لها على زعمه: فتيّةٌ شريت بالبخس حين غلت ... بوالدِ المشترى تفدى الفتاةُ وبِهْ أضحى بها المشترى في الأهل مقترِنا ... بالمشترى بعد وضعٍ كان في رُتَبِهْ من آل يوسُفَ مِنه الحسنَ قد ورثتْ ... وبيعة البخس لما أنْ نأى عن أبهْ وقال أيضا: أمن ذِكْر سلمى أن عرفت لها رسما ... كما رجَّعَتْ حسناءُ في المعصم الوشما به الورق تشدو والظباءُ مربّة ... ومور السوافي ما تركن له وسما مزجت دموعا بالدماء صبابةً ... وأغرى بكَ الدِّكارُ أزمانها الهما بلادٌ بها أسماء كانت مقيمةً ... وكانَتْ نَوَاحِيها مجالِسنا قِدْما فأمست يبابا بعدها وتمهمهتْ ... وأمستْ كذا آناؤها بعدها دُهْما دعاني إليها الشوقُ حتى أتيتها ... وَرَوَّعْتُ سِرْبا كان مستوطناً ثمّا ومما شجاني أنني إن سألتُها ... أكونُ كأني سائلٌ صَخرَةْ صَما فما زلت أبكى في الدّيارِ وابثنى ... كئيباً وما لاقيتُ قدْ أوهن العَظما وقدْ مرَّ بي ركبٌ وقد شفني الهوى ... فقالوا وما يبكيك قلْتُ نَوى أسْما فقالوا ومن أسما ومن حبها الذي ... إذا ذكرتْ أسما نراها له تُنْمى فقلتُ لهم أسماءُ منْ آل يوسفٍ ... ويوسُفُ ذا عمري هو النسب الأسمى ابن المحمود البوحسني ولا أدري اسمه، ولا من أي قبائل إدابلحسن، هو شاعر مجيد، طار صيته وانتشر، وشاع في البادية والحضر، تخرج على ابن بون

عبد الله بن أي

الجكني، ولم أحفظ من شعره إلا بيتين، من أول قصيدته الطنانة، وهما: أبانتهمْ أُبينتْ مِنْ جمال ... وحادَ بها الحُداةُ إلى الضلالِ جمالٌ غادرتْ هضْبَ الحُباري ... قبيل الصُّبْح مَسلوب الجمالِ عبد الله بن أيّ هو قبيلة أبناء أبي الفال، وكان شاعرا فصيحاً، وله أخ يقال له: الحسن. ولا أدرى هذين البيتين لأيهما، وهما: يا قلب صبراً على نأىِ المحبينا ... فالدهرُ أحكَمُ من آمالنا فينا قضى تنائَينا قاضي اللقا فعسى ... يقضي تلاقينا قاضي تنائينا محمد بن لِحْظَانَ البوحسني عالم مشهور، ويكفيه أنه هو أستاذ ابن حنبل المتقدم. ولم أر له شعرا يذكر، إلا بيتين خاطب بهما ابن حنبل وصاحبا له، وكان يقرآن عليه، وكان يتعهدهما بالألطاف، فغفل عنهما مرة، فكتب اليهما يعتذر: خليليَّ كيفَ الحالُ والحال تنبئُ ... عنِ السرِّ مهما السرُّ في الصدرِ يُخبأُ لئن نُسئتْ عنكم طواهِرُ وُدِّنا ... لفي الصدْرِ وُدٌ باطنٌ ليس يُنْسأُ فكتب إليه ابن حنبل: أيُسألُ عن أحوالِ قوْمٍ تبوَّؤُا ... جَداول عِدٍّ جارُهُ ليس يَظمأُ يُرَويهِمُ مِنْ بحرِ علمٍ وحكمةٍ ... تَلاشى لمِبَهاها نُضَارُ ولؤلؤُ الطائع البوحسني ثم هو من قبيلة إدوكتْ شلَّ (بكسر الهمزة وفتح الدال المهملة وواو ساكنة وكاف معقودة مفتوحة وتاء مثناة من فوق ساكنة وشين معجمة مفتوحة ولام مشددة). معدود من شعراء قومه، وقد رأيته، وبلغني أنه مات منذ خمس عشرة سنة تقريبا، أي سنة 1314. وما رأيت

شعراء تندغ

له سوى قصيدة، يحض فيها على معرفة علم اللسان، ومزجها بألفاظ من اللغة الشلحية، ومطلعها: يا طُلَّبَ الفقهِ والأموالِ عن تعب ... لا تستقِلُّوا بعلم الفقه والنشب فالمُستقِلُّ بعلم الفقهِ مُفتَضحٌ ... بين المحافلِ عِند الغوْص في الكتُبِ والمستقلُّ بكسب المالِ مختلبٌ ... مِن حيثُ لم يَدْرِ أنّ السُّمّ في الضَّرَبِ رُدُّوا إليكم جماح الفهم إذ جمحتْ ... بالنحو كيْ تَرْأبوا مثأي لُغى العرب فالنحو تثقيف نطق اللسن إذ نطقت ... والشعرُ خِرِّيتُ معنى شاردٍ غَرِب فلا يجوذ كُمُ فقهٌ تَرُون له ... حسنَ الكفايةِ من حاجٍ ومنقلب لا تنسوا الضُّحك من جوذا إذا أنطقتْ ... بِرفع منخفضٍ أو خفض منتصب هذا ما تذكرت منها، وقد سألت من يعرف تلك اللغة التي تقدمت الإشارة إليها، عن معنى قوله: لا يجوذ كم: فأجابني: بأن معناه: لا يصيركم جوذاً، أي جماعة من الأعاجم. والله أعلم. شعراء تندغ محمذ فال بن متالي (بالذال المعجمة المنونة المكسورة) مصحف محمد فال. علامة جليل وصالح نبيل، أذعنت العلماء لعلمه، وتضلع كثير من الزوايا من معينه، وصار حرما آمنا يفر إليه الخائف فيأمنه، وما خفر ذمته أحد من حسان، غير اعمر بن احميده التروزي وقومه، فانتقم الله منهم. وذلك أن ابن احميده المذكور، وتره أحد أبناء السيد، بأن قتل بعض أقاربه، ففر إلى الشيخ، فأجلسه بين كتبه، وكلم ذلك الرجل، في ترك الملتجأ إليه ما دام عنده. ويقال أن والدة الشيخ قالت له. إن غدرت بهذا الملتجئ إلينا، يخرج فيك الرصاص من مؤخر البندقية، فلما خلا بأصحابه، قال لهم: أنا أريد أن أضرب

هذا الشخص ومن معه، فان خرج السلاح علىَّ فانتهوا، وإن خرج من فم البندقية فاضربوهم، وإني جربت سلاحي، فإن الرصاص لا يخرج إلا من مقدمه. فضربوا الناس وقتلوهم. وفي ذلك يقول بعض تلامذة الشيخ، قصيدة مطلعها: هتكتمْ حريم الشيخ لا زلتموا نهبا ... لمن أمكم شرقا ومن أمكم غربا واستجيب دعاؤه، فإنا أدركنا هم لا يخرجون من فتنة، إلا دخلوا في أخرى. وهذا مشكل، لان الحرم المكي لا يعيذ عاصيا. ولا فارا بخربة. ونشأ صاحب الترجمة يتيما، وكان مقلا، فبعثته أمه وهو صغير، إلى أحد العلماء ليتعلم عليه، فبدأ بقراءة الآجرومية. ثم إن الشيخ ما اكترث به، وصار يجيء إليه ليفسر له درسه، فيشتغل عنه بالتفسير لغيره، فضاق صدره وبكى كثيرا. ثم فتح الله عليه دفعة واحدة، ورجع إلى أهله، وشاع خبره، وانثالت إليه الناس، وأقيلت عليه الدنيا، وكان كريما صالحا يتبرك به. ومن شعره: أنا الفقيرُ وفقر المرء ذا ضرع ... بالله صدق إلى مولاه محض غنى ومن رأى أنه بالمال حاز غنى ... قد كان في زعمه ما حاز غير عنى وكان مولعا بالعربية خصوصا، ويحرض الناس عليها، وله في ذلك: تعلمَ اللغة شرعا فِضّلٍ ... على التخلي لعبَادة الجليل يؤخذ ذا من قوله وعَلّما ... آدمَ الأسماَء الزم التعلُّما يعنى النوافل، وله أيضا في التحريض على طلب العلم، وحضور مجالسه: عليكَ بالتعليم والتعلم ... ذا رغبة في أجره المعظم ولا يَزْعك عن حضور العلم ... وأهله أن لم تكن ذا فهم فإن في الجلوس عند العالم ... سبعَ كراماتٍ لغير الفاهمِ تحصيل فضل المتعلميناَ ... وحبسهُ عن الذنوب حينا معَ نزول رحمة الله علَيْه ... عند خروجه بنية الَيْهْ وأنه له نصيب يحصل ... مما من الرحمة ثمَّ ينزل

معاوية بن الشد التندغي

وإنه ما دام منه سامعا ... فإنه ممن يعد طائعا وضيق قلبه من الحرمان ... وسيلة لرحمة الرحمنِ وأن يرى العالم قد أُجلاً ... في الناس والفاسق قد أُذِلاَ فطبعهُ ثمَّ إلى العلم يميلْ ... عسى عليه الله يفتح الجليل لذا النبي بحضور العلما ... أمرنا فلازم التعلما صلى عليه الله كل حسين ... والآل والصحب مقيمِي الدين عزاه للتحفة في نور البصرْ ... عن السمرقدِ الهلاليّ الأبرْ ومن نظمه: من طلب العلم يبارى السفها ... بعلمه أو ليمارى الفقها أو لينال العز عند الناس ... باء بنار وهوذ وإفلاس وكل أبناء هذا الشيخ فضلاء ملحوظون بعين الإجلال، وعبد الرحمن ابنه مجيد. وما رويت له إلا بيتين تقدما، ومات صاحب الترجمة في عجز القرن الثالث عشر، وقد عمر معاوية بن الشّدُّ التندغي شاعر فصيح وله شعر مليح، وما رأيت من شعره، إلا أرجوزته الطنانة، التي مدح بها السلطان، مولاي اليزيد بن السلطان سيدي محمد بن عبد الله. وبعض الناس ينسبها إلى عبد الله بن سيدي محمود الحاجي، وذلك غلط، ومطلعها: لله كم منْ هضبةٍ وجبل ... من الهوى بها يسير جملي وكم أصابت مهجتي وكبدي ... صوارمٌ من العيون النُّجُلِ ومقلة ترتو اختلاساً رشقت ... مني سهامها بكل مقتل كأنها بعد النعاس والكرى ... تمجُّ صهباً من رحيق السلسل

المصطفي بن جمال

ومنها: فالأرض لا تمنعني أن أقتفي ... آثارهم باليعملات الذللُ أهدى بها من القطا الكدر على ... أفراخها بكل فيفا مجهلِ ومنها في وصف الناقة: تسبق للأوشال فارط القطا ... إذا القطا سابقها للوشلِ إلى أن يقول: لا واهبٌ أنفس ما ملكه ... إلا الأمير بن الأمير المعتلي خليفة الله وبابه هم ... أهل الخلائف على التسلسل هذا ما تذكرت منها، وهي طويلة. المصطفي بن جمال ويقال له المصطفى التندغي، شاعر مفلق، وَمعين الفصاحة من شعره متدفق. ومن جيد شعره قوله: كأنَّ عيني وقلبي بعدكم طرفا ... غصن من البانة الخضراء فينان يسيل جانبه ماء إذا اشتعلتْ ... نار مؤججة بالجانب الثاني وله أيضا: أشيمُ بريقاً بات ليلته يهفُ ... فآونة يخفى وآونة يخفو تضمنهُ ريعُ الجُرَيّبِ فاللّوى ... إلى حيث من جنب الغَضاة شزا النعف به اتقدتْ بين الجوانح أنؤرٌ ... دموعك من تسعارها ديم وطْفُ وله أيضا: لحونُ العندليبِ بماء بوق ... أصيلا إذا تأنف في الغناء بعثن إلى من طربي وشوقي ... دفيناً مات مذ ولى صبائي وله أيضا: أقول إذ حملوا ليلى على رَمَثٍ ... باسم المهيمن مجراها ومرساها

أحمد بن أمين بن الفراء التندغي

يا نوتىَ البحرِ سرْ بها على مهل ... يا بحرُ رهواً ألم يشغلك مرآها أودعتها للذي تحظى ودائعهُ ... كما أوْدعت أم موسى قبل موساها هذا ما رويت من شعره. أحمد بن أمين بن الفراء التندغي عالم مشارك في فنون، كالنحو، والفقه، والبيان. وله معرفة بالعروض عظيمة، ما أظن أحدا في هذا العصر يبلغها. ولا جمع أحد من كتبه، ما اجتمع عنده، وكان يتقن أربعة ألسن: العربية، والحسانية - وهي العامية الموجودة هناك، وهي نوع من العربية، وإن كان كثير منها ليس بعربي، كما هو واقع في لغة أهل المشرق - واللغة الشلحية، المعروفة هناك بكلام آزناك، والسودانية المعبر عنها عند العرب هناك، بكلام لكوَرْ. ولا أظنه إلا يعرف لغة إفلان، وكانت له منزلة عظيمة عند رؤساء السودان. وتولى القضاء لتين رئيس بول. وكان رحمه الله، جوادا ظريفا مزاحا كثير البشاشة، يجيد ركوب الخيل والسباحة وبالجملة، فإنه من فتيان وقته وبلغنا موته بمصر، في نحو ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف. وله شعر متوسط ومن شعره: ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً ... بأمِّيجرانٍ حيث حلت بها دعدُ وهل لي مقيلٌ ها هناك بأثلها ... وهل لي مساء بالأضية من بعدُ فيخشى رقيب كان في البيت حولنا ... صواعق رب لا تَجُور ولا تعدُ فيعدُو وما يعدُو عن الله موقنٌ ... فما لي أرى ذاك الرقيب إذا يعدو وأوعد إذ نخلو بدعد وليتني ... علمت متى ينجزْ لها ذلك الوعْدُ تماطلني بالوعدِ دعد وطالما ... أتى دون الأدنى من مواعيدها البعد وله أنظام كثيرة في النحو والعروض، رحمه الله رحمة واسعة.

شعراء مدلش

شعراء مِدْلِشْ هذا اللفظ، هو المشهور عند العامة اليوم، وهو لقب قديم، لقيت به هذه القبيلة، وهو محرف من المجالسه، جمع مجلس، لقبوا بذلك، لان الناس كانت ترحل إليهم في طلب العلم. بو فمين أصله أبو فمين، وهذا لقب اشتهر به هذا الشاعر. فأغنى عن معرفة اسمه واسم أبيه، وسمعت من بعض الفضليات المتقدمات في السن، انه لقب بذلك، لأنه لما ابتدأ في قراءة الألفية، قرأ قول ابن مالك: بالجر والتنوين والندا وأل ... ومسند للاسم تمييز حصل قال: حصل الإعراب والتمييز، وحصلا عنده بالفعل، مع انه لم يشتغل بالعلم قبل ذلك، وكان معاصرا لابن رازك، المترجم في أول الكتاب، ولما قال قصيدته الطنانة، التي هجا بها إبدابلحسن، ومطلعها: أيحسب أن لا يزأَرَ الأسَدُ الورْدُ ... ذئاب عوت لما تغافلت الأسد ومنها: وعقل الذي منهم يشدُّ عمامةً ... كعقل الذي منهم يشدُّ له المهدُ وبعثوا إليه قصيدة مطلعها: سلِ الدِّين والدُّنيا من الأسد الوردُ ... سوانا وما العلوي سوا وما القرد قال: هو هذا شعر ابن رازك، فهجاه بأبيات، وفرَّ خوفا منه، وقيل: إنه لم يهجه، ويقال: إن هذه القصيدة، ليس لابن رازك إلا مطلعها، ثم أنه بعد فراره هذا، اتاق إلى بلاده، وقال أبياتا في ذلك، وهي: أَصِخْ لِقُبَّرَةٍ نأَتْ عَنِ الوطنِ ... كما نأيتَ ويبكى ساكن الوكنِ مُغْبَرَّةِ الطوقِ والمنقارِ جُؤجُؤها ... تشُوبهُ حُمْرَةٌ مُصْفَرَّةُ البدن لمَّا شدَتْ خِلْتُ أني كنْتُ أَعْهدُها ... بذِي ذوي مائةٍ تشدو على فتنِ

فلما بلغت ابن رازكه، كتب إليه بالأمان، فرجه وكان هجاء، ما نجا منه أحد. ونزل يوما عند قبيلة انتاب، في موضع يقال له إنجول (بهمزة مكسورة ونون ساكنة وجيم مضمومة بعدها واو ساكنة ولام ساكنة) فلم يسلموا عليه، ولم يكترثوا به، فقال: دهرُ الدهارِيرِ لا أقمتُ فيه لدى ... انتاب يوما ولا بقرب إنجول يومُ الإقامةِ فيهم خلته ظمأ ... يومَ القيامة إذ يحكيه في الطول حتى تذكرتُ أَنَّ الناسَ قاطبة ... إذّا تُسالُ وإني غيرُ مسئولِ ونزل عند قبيلة إدغماجك (بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة وميم بعدها ألف وجيم مكسورة وكاف ساكنة) ويقال لهم: بنو ماجك، فرحل من عندهم غير راض عنهم، ثم رجع فوجدهم رحلوا، وقد خلفوا بين دورهم قبرا مدفونا فيه أحدهم، فقال: إذا فقد المفقودُ من آلِ ماجِكٍ ... فمنْ فقدِهِ فقدان بعض الخسائسِ فلو فاه مغناهم بذي الدرْسِ عنهمُ ... لأنبأ عنْ لؤمٍ جدِيدٍ ودارِسِ وقال أيضا، في إدوداي، بطن من بني ديمان: يا ربّ ليلٍ بهيمٍ ألْيلٍ داجِ ... قدْ بتُّ في ضيعةٍ لدى إدَوْداج حتى إذا ما دنى الإصباح نبهني ... وغْدٌ على لقمةٍ في قعرِ مَجَّاج قوله: إدوداج، أصله إدوداي. وهذه لغة لبعض العرب، يبدلون الياء جيما، وعليها قوله: خالي عويفٌ وأبو عَلِجِّ ... المطعمانِ اللحْمَ بالعَشِجِّ وبالغداةِ كُتَلَ البرنجّ ... ينزع بالود وبالصّيصِجّ فأبو علج: أصله أبو علي، والعشج: أصله العشي، والبرنج: أصله البرني. والصيصج: أصله الصيصي.

الأحنف المجلسي

الأحنف المجلسي هذا شاعر مشهور بجود الشعر، كان هجاء مثل الذي قبله، وكان يخرج في أثواب خلقة، وعنده حمار يحمل عليه الملح، يبدله بالدخن، ومن هذه حرفته، لا يعبأ به في تلك البلاد. ثم إنه استضاف إذا شغر، إحدى قبائل إدابلحسن، فلم يكترثوا به، فقال قصيدته التي صارت لهم كالدامغة، التي لجرير في بني نمير، ومطلعها: أهْلُ الينيبيع لا تعبأ بما فعلوا ... من دأبهم خلتان اللؤمُ والبُخلُ المجدد البوحمدي ثم المجلسي، شاعر مجيد، وله صيت مديد، ومما ينسب إليه: أفي الحقّ أني لا تزال فلائصي ... تروحُ بطائاً مولفات المسارح وتمضي منيرات الليالي ولم أبت ... على كور فتلاءِ الذراعين لاقح كأنيَ لم أركبْ بركب مفازَةً ... جناد بها معروريات الصفائح ولم أرد الأسدام وهناً وقد خفت ... وكاد الدجى يثنى حداد المناصح ويقال إنه اجتمع بامحمد بن الطلب اليعقوبي المتقدم، فقال امحمد: وغزال أحمَّ في بيت نعمى ... ظلَّ يُبْدي تبسما عنْ لَئالِ كاد يسبى العقول عما قليل ... وقليل أيامه والليالي فقال هو: ما لمن راعه الزمان يبين ... من حبيب سوى الرضى بالقضاءِ ولئن راعَكَ الزمان ببين ... لبوصل ظفرت قبل التناءِ من خويديجَ بالإضاء زمانا ... رضيَ الله عن زمان الإضاءِ أحمد البدوي المجلسي ثم البوحمدي. هو العالم الكبير، والنسابة الشهير، وليس هو من المتقدمين، وما أدرى في أي تاريخ كان، وهو الذي

أحيي أنساب العرب بنظمه (عمود النسب). وقد أجاد فيه، ومن تأمل نظمه، علم سعة اطلاعه، واقتداره في ذلك الفن، ولا يقدح فيه أنه غلط في مواضع منه، فأي إمام ما وقع في الغلط قط، وخصوصا من أقدم على مثل ذلك الفن، لما فيه من الاشتباك والغموض. ولم أقف له على شعر. لكن سلاسة نظمه، تدل على جودة شعره. ومن ذلك قوله في أول نظم الأنساب: حمداً لمن رفع صيت العرب ... وخصهم بين الأنام بالنبي وعمهم إنعامه بنسبته ... فدخلوا بيمنها في زمرته ودوَّخوا بسيفه غُلْبَ العجم ... إذ هم بنو أب وأم بالحرم إذ الخيول البلق في فتوحهم ... والرعب والظفر في مسوحهم هم صفوة الأنام من أحبهم ... بحبه أحبهمْ وودهمْ كذاك من أبغضهم ببغضه ... أبغضهمْ تباً له من معضه أئمة الدين عماد السنه ... لسانهم لسان أهل الجنه ونظم أيضا، غزوات النبي صلى الله عليه وسلم نظما جيدا، يدل على تبحره في السيرة، وأوله: حمدً لمن أرسلَ خير مرْسلِ ... لخيرِ أمةٍ بخيرِ المِلل وأفضلُ الصلاةِ والسلامِ ... على لبابِ صفوةِ الأنام وآلهِ أفنان دوحة الشرفْ ... وصحبهِ وتابعي نعم السَّلفْ ما أرهفتْ وأرعفتْ براعهْ ... في مُهرَقٍ ينابِعُ البرَاعهْ وجَلجلَ الرعدُ وسَحَّ مُزْنُهُ ... وهَبَّ شمألٌ وماسَ غُصْنُهْ وبعدُ فالعلمُ أهمُ ما الهِممْ ... تنافَسَتْ فيهِ وَخَيرُ مُغتنَمْ وخيرُهُ والعلمُ تسمو رُتبتُهْ ... مِن فضلِ ما دلَّ عليهِ سِيرَتُهْ فهاكَ منها نُبذَةً ليستْ تُمِلْ ... ولم تكنْ بمعظمِ القصْدِ تُخِلْ أُرجوزةً على عيونِ الأثرِ ... جُلُّ اعتمادي نظمها في السيرِ

حماد المجلسي

وشذّ ما اجترأت في ذا الهدفِ ... إذْ لم أكُنْ أهْلاً لصوغ النُّتَفِ وانظر إلى حسن نظمه، حيث يقول في غزوة الخندق: تُمَّتَ لما أجليتْ يهودُ ... وأوغرتْ صدورها الحقُودُ وحزبتْ عساكرا عناجُها ... إلى ابن حربٍ وقريش تاجُها وجعلوا كي يتروا خيرَ الوَرى ... لغطفانَ نصفَ تمْرِ خيْبرَا خندقَ خير مرسل بأمر ... سلمان والحروب ذات مكر وكان الأحسن أن يقول: بإشارة سلمان، لكن ألجأته القافية إلى ذلك، وإلى قوله في غزوة حنين: ثمَّ إلى وادي حنين انحدَرْ ... عن مكة من الألوفِ اثنا عَشرْ فوجدوا هوازناً تأهبُوا ... بكلِّ مِخذَمٍ لهم وألبّوا وبينما الجيشُ إليهمْ ينحدِرْ ... بِفَلسٍ شدُّوا إليهِ وهو غِرْ فاستنفرتْ بهمْ لذلك الركابْ ... وأدبرَتْ تخدى بهم غُلْبُ الرقابْ واستنزلوا وادَّرَعُوا وهيَ تَمُرْ ... مَرَّ سَحَابٍ بالبهاليلِ نُفُرْ فاقتحموا عنها وآبوا للنبيّ ... وزَحزحوا عنه زحوفَ العربِ حماد المجلسي ثم البوحمدي. هو العالم المتفنن، واللغوي المتقن، وما وقفت على اسم والده، بل اشتهر بفضله. وهو ابن أخت الذي قبله، وشرح نظميه، اللذين تقدما بعضهما في مجلدين. وقد أجاد في شرحه، إلا أنه وقعت له أغلاط كثيرة، خصوصا في شرح الأنساب، وذلك لا يضر، وأي عالم لم يقع له مثل ذلك. ورأيته ذكر في شرح عمود النسب، جدا له اسمه: محمد. قال في كلامه على عمرو بن العاص، وألغز عبد الله بن القاضي العلوي الزاوي القبلة في عمرو وابنه عبد الله، فقال: أتيناك نَوْكى مُرْملين فواسنا ... عن إسلام صحبي على يد تابِعي

وسبق أبٍ ميلاده مولد ابنه ... بخمس وست ما عززن بسابع فأجابه جدنا محمد رحمه الله، فقال: هما عمرو السهمي أسلم مخلصاً ... بأصْحِمَةَ المَلْكِ النجاشي المتابع مع ابنهِ عبد الله قد جاء قبله ... بخمس وست ما عززن بسابع قوله: على يد تابع، فيه نظر. لان التابعي خاص بمن جاء بعد الصحابة. وأما من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره. فإنما يقال له: مخضرم، كالنجاشي، وأمثاله. اهـ. صاحب اللغز، هو ابن دازك، أول من ترجم في هذا الكتاب. وما وقفت له على شعر يذكر، سوى أرجوزة، يوصى بها ابنه وهي: بُنيِّ إنَّ البرَّ شيء هيّنُ ... دُونَكَ منهُ ذا الذي أبيّنُ نصيحةَ مِنْ وَالدٍ حَفيِّ ... بكَ هُدِيتَ الرُّشْدَ مِنْ بُنيّ شمّر إلى مكارِمِ الأخلاقِ ... وخلّصِ الأعمالَ مِنْ نِفَاقِ الأدَبَ الأدَبَ ثمَّ الأدبا ... وَهُوَ أَنْ تَبُرَّ أُمًّا وَأَبا وَالعَمَّ وَالعَمّةَ والأخ الكبيرْ ... والشيخَ إِنَّ الشيخ بالبِرّ جديرْ وكلُّ من سما عَليكَ تُكْرِمُهْ ... وكلُّ من صَغُرَ عنك تَرْحُمهْ أَمَا رَوَيتَ قِدْماً أو حديثاً ... ولا تزالُ أُمَّتي الحديثا والخالُ فيه لكَ من كفايَهْ ... آوي إليهِ أَبَويْهِ الآيه هوَ الذي منهُ تنالُ المفْخَرَا ... قال الزبيرُ من أراد الأثرا

ولا تكنْ على المَوالي فاحِشا ... واحْذرْ على الحقيرِ أن تُناقِشا وإن إلى النادي انتدبْتَ فاسْكِنْ ... عنِ الخَنا أصَمَّ للخيرِ فِطنْ وإنْ يخوضوا في الهدى فانتبِهَنْ ... ولا تصاخِبَنْ ولا تُقَهْقِنْ والصَّبرَ فالصبرُ مريرُ المزدرَدْ ... مُدْمنه حَرٍ بنيلٍ ما قصدْ أخْلِقْ بذِي الصَّبرِ رولهُ وارتضى ... رُمْتُ المعالي فامْتَعْنَ للرّضى وإنْ أسا أو أحسن ابن العمّ ... فانشد له إذ أحسن ابنُ العمّ بالشيء جُدْ على العشيرِ عِفَّا ... عَنْ شيئهمْ وعنْ أذاهم كُفًّا لستُ لقَوْمي للزبيديْ انْشُدِ ... ثم إلى الحِلم ازْدَلفِ لِتَرشُدُ فالحلمُ خيرُ ما ارْتداهُ السَّيدُ ... لنْ يُدْرِكَ المجدَ لذاك يشهدُ فازْدَنْ به والعلمُ زينُ الظُّرَفا ... فالعِلمُ نعمَ المقتنى والمقتفى طَلبَهُ فرِيضةٌ وأفرَضُهْ ... عِلمُ مُهِمّكَ به ابدأ تَقْبضُهْ فقُوتُهُ الفقهُ وَمِلْحُهُ الذي ... يُصلِحُهُ النحوُ جَهُولَهُ انبِذِ

وأُسُّهُ إدامُهُ تحقيقُهُ ... سَيرَةُ خيرِ واجبٍ تصديقُهُ لهُ تغَرَّبْ وتواضَعْ وانَّبعْ ... وهُنْ وجُعْ واعْصِ هواك واتّرِعْ حتى تُرى حالُكَ حالَ المنشدِ ... لوَ انّ سَلْمى أبْصرَتْ تَخدُّدِ وَدِقَّةً في عَظمِ ساقي ويدي ... وبعُدَ أهلي وجفَاَء عُوَّدي عضَّتْ من الوجدِ أنامِلَ اليدِ واقصدْ بهِ وجْهَ الذي أنشاكا ... ولا نمار فيه مَنْ ناوَاكا لِلضيفَ هَيئ مَنزِلا رَحِيبا ... ولاقِينْهُ البشرَ والترْحِيبا عَنهُ اكْتمِ الأسرارَ والمصائبْ ... وازْجُرْ أهاليكَ عنِ التَّصاخُبْ إلى ارتحالِهِ وَشيعْ زَوِّدِ ... بما تيسَّرَ وفي السُّؤْرِ أزْهُدِ واخْدِمْهُ نفْسَكَ رُوِّى أنّ الخليلْ ... أوْحى بذا إليهِ رَبُّهُ الجليلْ واجْمِلْ إذا أرَدْتَ أنْ تَموَّلا ... أجملَ مَنْ تَجمُّلاً تَجمَّلاَ وإنْ أبتْ عَنكَ فأنْتَ الأعْلى ... ليِهنْكَ الإِبا وهيَ النزْلي قَوْلُ الزمخشرِ وَمُذْ أفلَحَ لا ... تَعدِلْ بهِ فهوَ يُضاهي المَثَلا أوْ ساعَدَتْكَ فاقْتِصدْ في المالِ ... وَحِدْ عَنِ الشُّبَهِ لِلحَلالِ واصْرِفهُ في حُقوقِهِ مُمْتَثِلاَ ... لِقَوْلِهِ سُبحانهُ وَلا ولا قبلَ السؤالِ أعْط لمن أتاكا ... وإن يكنْ عَجِلَ فاستعطاكا فهلْ جوابُ هاتِ غيرُ هاكَ

مولود بن أغشممت المجلسي

وله نظم في أسماء من هاجر إلى الحبشة من الصحابه ومنه في بني سهم: همْ مَعْمَرٌ وحارث سعيدُ ... وبشرهم والسائبُ الشهيد كذا أبو قيسٍ كذا سعيدُ ... أخ لهم من أمهمْ شهيدُ مولود بن أغشممت المجلسي وليس أغشممت اسم والده، وإنما هو لقب اشتهر به. وكان أبوه عالما، وعلمه عند الناس، امرابط اغشممت، واغشممت اسم منهل كان يألفه كثيرا، فغلب عليه وبه عرف، حتى أن اسمه قل من سعرفه. كان مولود عالما جليلا وفقيها نبيلا، وكان دينا كثير الطهارة، وكانت أهل ناحيته التي يقيم بها، أكثر أهل الصحراء تيمما، فنظم نظما أثر فيهم، وصار كثير منهم يتوضأ، ومن ذلك النظم: هذا وقد شاع بأقصى المغرب ... هجر الوضوء لا لخوف العطب ولست أحفظه، وكان يشرب الدخان كثيرا على علمه وصلاحه، وله من قصيدة يستسقي بها: أيا من تعالى أن يكون له شرك ... ومن جائز في حقه الفعل والترك إلى أن يقول: إليك شكونا ما دهانا فأشكنا ... فما إن لنا مشك سواك له نشكوا وأنزل علينا الماَء ماءً مباركا ... كدرّ ترامى عند ما انقطع السلك فتحيا الزروعُ والضزوعُ ويستوي ... لذي حاله وسع ومن حاله ضنك وله نظم كفر فيه من لا يعرف أبنية الكعبة، لأنها عنده مما علم من الدين ضرورة، ولا يخفى على أحد أن هذا من التشديد المستغنى عنه، لان أكثر العلماء لا يعرفها، فضلا عن العوام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يفارق الدنيا حتى

أكمل الله به الدين، وبين للناس ما يجب عليهم، وما يحرم. ولم يعهد إليهم بوجوب معرفة أبنية الكعبة. ومنه: هذا وجهل رما من الدين علم ... ضرورة كفر وذا نظم مهمْ أبياته قليلةٌ إذا تُلِي ... لكنها ضأنٌ كما في المثل أبنية الكعبةِ فبما شهَّرَهْ ... حَمَّادُ سَبْعةَ وقيلَ عَشرَهْ أوَّلُها الأملاك ثمَّ آدمُ ... ثمَّ الخليلُ فابْنُهُ فَجُرْهُم ثم قريش بعدهمْ نجل الزبيرْ ... عبدُ الإله ثم حجاج المُبِيرْ وبعدما من الجنان نزلا ... آدمُ واشتاق إليها أنزلا رَبُّ الورى الحجرَ الأسود له ... يؤنسهُ لمّا اعتراهُ الوَلهُ هذا ما تذكرت منه الآن. ومن نظمه: حدثنا محمد ابن أبتِ ... قال خرَجْنا مَغرِبا من جَدَّةِ على جمالٍ وانياتِ الأرجل ... تمشى كمشي الجمل المنسْفَل حتى إذا ما تمت المنازِلُ ... فحبسوا مطيهم ونزلوا حتى إذا ما طلع الذَّكاءُ ... فطفقوا يمشون ثم جاءوا مكة بيتَ الله الاصفرَارَا ... طوبى لمن طاف به وزارا ومن أعجب ما سمعته يقول: أنه ضلت له أباعر، فسار يطلبها، فبعد أن تعب وكاد ييأس، مر على بلال الولي، وهو رجل صالح، كان مملوكا، فظهرت عليه أشياء تدل على صلاحه، فأعتقه سيده، قال: فأنخت عنده، فأخرج إلى صرة

محمد عثمان ابن أغشممت المجلسي

من تبغ، وسألته أن يدعو لي بتيسير وجدان الأباعر. قال: فأنشدني بيتين للولي الصالح أحمد بن العاقل الديماني، يهجو بهما قبيلة من الزوايا. يقال لهم: الطَّلاَبين. وقال لي: كررهما حتى تجد أباعرك قال: فلما خرجت من عنده، ترددت في امتثال ما أمرني به، لأن هذا في هجاء المسلمين، ثم قلت: لأجربنَّ، قبينا أنا أسير في الظلام أنشدهما، إذ نفرت مني أباعر، فإذا هي أباعري. وضاع من حفظي أول البيتين، وثانيهما هو: لا يوجد الخير في أرض يرون بها ... ما إن أصلهم حمر العزازين وكان حيا، بعد العشر من القرن الرابع عشر، رحمه الله. محمد عثمان ابن أغشممت المجلسي كان أخوه المتقدم، يبالغ في الثناء عليه، وما رويت له إلا أبياتا، قالها لما قدم فاس، ملغزا لأهل مدارسها. وهي: إلى مدارسِ فاسَ الغُرّ أسئلةٌ ... عيالِمِ العِلمِ أهلِ الحفْظِ والمَلَكهْ عن حَاضِرٍ قَسْمَ متروك لِوَلِدِهِ ... صار البكاءُ لهُ حَظًّا من التَّرِكهْ وما بهِ مانعٌ في القسم يمنعهُ ... وحاز إلا بعد عنه كلما تركهْ وعَنْ طوامِثَ لا يُمنَعْنَ أو جُنُبٍ ... من مسجِدٍ وفروع الفقهِ مشْتَبكهْ واسم في الإفراد والتذكيرِ تذكرُهُ ... وفرْعَ ذين بِنَوْعٍ واحدٍ سلكهْ أريدُ منكم جوابا رائقاً حسناً ... نَظماً وإلا فما أعطتكمُ الشبكهْ سيدي أحمد بن الصبار المجلسي عالم موصوف بالأدب، وقد

لحراكات

رأيته، ومن شعره قوله: لئنْ طالَ ليلي وصبري وهَنْ ... بحيّيْ إدَوْدَنْ وإيدَكبهَنْ لقدْ مرَّ دهرٌ بإِنْياشَوَنْ ... تَمُرُّ الليالي كأنْ لا زَمَنْ وله: فائدةٌ أفادَها المفيدُ ... حُقَّ لها بالذهبِ التقْييدُ وهي ما في الطبقات رُويا ... مِن انْ بعْضَ الشرَفاءِ الاوليا قال رأيْتُ المصطفى من بعدِ ما ... قدْ قلتُ يَوْماً مَرَّةً ما لَظما من راقَهُ البشيرُ والنذيرُ ... وهوَ هذا الرجزُ الشهيرُ محمد بشرُ لا كالبَشرِ ... بلْ هوَ كالياقوتِ بين الحجرِ قال لهُ قدْ غفرَ الله لكا ... وكلُّ مَنْ قدْ قالها فمثلكا ولم يزلْ هذا الشريف يكثِرُ ... مِنْ ذكرها بُشْرَى بها فبشروا وكان بعد العشر من القرن الرابع عشر. لِحْرَاكاتْ هؤلاء قبيلة اشتهروا بنظم الكلام العامي، ويقال لذلك النظم لغن كما تقدم، والناس يقولون: إن أصلهم قيون، على أن هذا ليس نسبا يرجع إليه عند أهل الشرق، وهم محقون في ذلك، بل هو من باب الحرف، والصنائع التي تجب على الكفاية، وهذا شيء انفرد به أهل صحراء المغرب، وهو خطأ محض، إذا أرادوا أن يضعوا من قدر شخص. قالوا: هوا معلم، وهذا بعينه مدح في مراكش، وفاس. فإني رأيت بعض أشياخ الطرق، يشتغل بصناعة الحديد، وكذلك لا فرق

باباه الأحراكي

عند المشارقة بين صانع الحديد وبائع القمح، ومن يبيع الخيل أو القماش، أو يخيط الثياب أو غير ذلك، بل المذموم عندهم، أن يكون الشخص لا حرفة له تغنيه عن الناس، وكان الوليد بن المغيرة القرشي المشهور حدادا، ولم تذمه قريش ذلك، بل هو المراد بقولهم المحكي في القرآن، (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) والثاني عروة بن مسعود الثقفي، والقريتان مكة والمدينة، ولعل أهل الصحراء أخذوا ذلك من هجو جرير للفرزدق، فأنه كان يعيره بأن جده كان حداداً. فمنهم: باباه الأحراكي كان شاعراً مجيداً، وله قصيدة حسنة مطلعها: إنَّ ربعا بجانب البَصّارا ... هاج للقَيْن لوعة وادكارا ولا أحفظ منها غيره. امحمد بن هَدَّارْ اشتهر بالغناء، وكان صديقاً لامحمد ابن الطلب المتقدم، ومما ينسب إليه: لعمري وفي ترك النساء مزيَّةٌ ... ومنْ يتَّبعْ أهْوَاَءهُ يُمسِ نادِما لهمت بحدادية منذُ أزْمُنٍ ... وقد علمتْ أني بها صرت هائما ولم أر فيها خيرَ ذلك مرة ... فلا خيرَ في الحدَّادِ لو كان عالما

باب الأفراد

باب الأفراد هذا باب جعلناه للأفراد وهم من لم ترو لأكثر من واحد من قبيلته الشيخ سيدي المختار بن أبي بكر الكنتي. وقفت على سلسلة نسبه متصلة بعقبة بن نافع الفهري الصحابي، الذي فتح بلاد المغرب، وهذا يعارضه ما ثبت عند النسابين، في أرض الصحراء، من أن كنت من بني أمية، لكن يمكن الجمع بينهما، بأن الشيخ من كنت، بطريق الموالاة لا من طريق النسب، كما يوجد في كثير من الناس. كان الشيخ المذكور، من أفراد عصره علما وصلاحا ولم نر أحدا يطعن في ولايته، وما تقدم من أن ابن بون كان ينكر عليه، يجاب عنه بأنه رجع عن ذلك كما تقدم، على أنه لا يوجد وليّ إلا وله من ينكر عليه من العلماء، ويكفيه أن الشيخ سيدي المتقدم، حسنة من حسناته، روى انه قال: جئته وقد انتهيت من تحصيل العلوم، فردني مبتدئا. ومن نظر في كتبه، تبين له فضله، سواء كانت في الحقائق أو غيرها، ويكفيه أن ابن الحجاج إبراهيم المتقدم، كان يعتقده ويثنى عليه. أما كراماته، فليس هذا موضع ذكرها، وما رأيت من شعره إلا قصيدة، بقى في ذهني منها ما يتعلق ببيت قبله، وقد ضاع من ذهني، وهو: من فتنة غَشَتْ بظلمائها ... أضحى بها العالم كالجاهل وضلَّ فيها المرء عن رشده ... زيغاً عن الحق إلى الباطل فاجعل لنا يا ربنا مخرجا ... من هولها المقتحم الهائل وهي طويلة، وكان حيا في أوائل القرن الثالث عشر. عبد الله بن سيدي محمود بن المختار بن عبد الله بن أبج الحاجي. كان والد عبد الله المذكور، من أهل الصلاح والفضل، وكانت الناس تعتقد فيه،

وكانت بين قبيلته وقبيلة كنت، خصومة قديمة، فلما وقعت الحرب بين إدولحاج - وهم إذ ذاك مقيمون بمدينتهم المعروفة بوادان - وبين العلويين المقيمين بمدينة شنقيط، انتصرت لهم كنت، فانتصفوا بعد فشلهم، فصارت كنت ترى لها منة عظيمة على إدو لحاج، وأفرطوا في الدالة، حتى صاروا يقتلونهم وتذهب دماؤهم هدرا. وكان سيدي محمود هو رئيس قومه، ولا تطلب منه قبيلة كنت طلبا الا فعله كائنا ما كان، حتى إنهم كانوا يقتلون القتيل من قومه، فيترحى منهم العفو، وحتى أخذوا سلاح قومه كله، وكان إذا أناخ عندهم بطلب الأمان لقومه يقولون: صوت نويقة سيدي محمود. فلما نشأ عبد الله، غاظه أمرهم، وصار يفكر في حربهم، وكانت لكنت شوكة عظيمة. فاشتغل في أوَّل أمره بالعلم، وانكب عليه، وكان لا ينام لشدة جده واجتهاده، فكان كما قال الشاعر: أعاذلتي على إتعاب نفسي ... ورعيى في الدجى روض السهاد إذا شام الفتى برق المعالي ... فأهونُ فائتٍ طيبُ الرقاد وروى أن نسانا كلمه في ذلك، فقال له: أنا أفكر في ثلاث مسائل، لا يمكنني أن أنام قبل أن أنالها، وهي أن أحج، ثم أتزوج بنت محمد بن محمد شين رئيس أهل تكانت، ثم أحارب كنت، وقد نال هذه الثلاث. ولما توجه إلى الحج مر على الوليّ الصالح، الشيخ سيدي المختار الكنتي المتقدم، وكان أبوه أوصاه أن لا يصير تلميذا له، من شدة موجدته على كنت، فلما قرب منه، قال: لامتحننه بثلاث مسائل. فإن فعلها من تلقاء نفسه، صدَّقت ما يحكى عنه أولا: أن يأخذ هذا الجمل ويقيده مع جماله، فإني نويت أن أهديه إليه. ثانيا: أن يأتيني بدواء من امرأته فلانة، ونسيت الثالثة. فلنا أناخ عنده، قال لأحد تلامذته خذ ذلك الجمل، وقيده مع جمالنا، ثم أتاه بالدواء الذي أضمر في نفسه، وقال له: هذا من عند فلانة، ثم فعل الثالثة على وفق ما أضمر، فسلم له، ولم يتلمذ له لأجل

وصاة أبيه، ثم توجه إلى الحج، فحج وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ما كنتَ مذْ زمن ترجوهُ هذَاؤهْ ... هذا شفيعُ الورى بُشرى هذاؤهْ هذا العتيقُ وذا أبو الفتوح وذي ... أهلُ البقيعِ أهبَّاهُ وأبناؤهْ فسلْ بهِ وبهمْ ما كنتَ تطلبُهُ ... هناك تُقْضى لذي الحوْجاءِ حَوْجاؤهْ حاشاهُ أن يستغيثَ المستغيثُ به ... وتستطيلَ عليه الدهرَ أعداؤهْ ومما قال، وهو بالمدينة المنورة: يا سيدَ الناسِ ابنَ عبد المطلبْ ... وخيرَ مدْعُوٍّ وخيرَ منتدبْ إليكَ جُبْنا كلَّ غوْرٍ وحَدَبْ ... وكلّ هوْلٍ يشتكي وَبُرْ تَهَبْ وليس يا سيدنا ليس الأرَبْ ... منا لديكَ فِضةً ولا ذهبْ وإنما أرَبنا كشف الحجبْ ... وحفظُ الإيمان لنا من السَّلَبْ ولما رجع إلى بلاده قال: بان الرسولُ وبانتْ عنكَ طيْبتُهُ ... إنّ الأحبةَ والأوْطانَ أعداءُ ومن شعره أيضا: حَبذا أربعٌ لدى أتفيتناتِ ... بعد لأي عرفتها مقفرات ظلتُ أذرو الدموعَ فيها وقلّتْ ... لربوعٍ عرفتها عبرَاتِي وخشِيتُ احتراق الأربع لولا ... دِيمُ الدمعِ من لظى زفرَاتي فعلى الأرْبع المحيلةِ مِني ... وعلى الحي أطيبُ التحياتِ وقال أيضا: قدْ توالتْ زفراتي ... واسْبَطرَّتْ عَبَراتي حين أبصرْتُ ربوعا ... بتلاعِ الفْيتناتِ وتذكرْتُ سميراً ... عِندَ تِلكَ السَّمُراتِ

ولما رجع من الحج، أقبلت عليه الناس، واعتقدت فيه، وصار يعاكس كنت، ولا يقبل لهم ضيما، وكان يحرض الناس على التألب عليهم، ويبدي مساويهم نظما ونثرا، ومن ذلك قوله: ألا يا عباد اللهِ هلاّ تلوتموا ... ودَبَّرْتموا قولَ الإله فإن بغتْ وقاتلتموا كنت البغاة فإنهمْ ... بقية أحلاف اليزيد التي طغتْ ومن ذلك قوله: كان لنا مخاطبٍ قد اسْنِدَا ... كان لِجُلِّ الناسِ جُلهمْ مُدَى قد نسخوا السنة بعد أحمدا ... كنسخها الخبر بعد المبتدا ولما انتصر على كنت في وقائع عديدة، أقبلت عليه قبائل اللحمة، التي كانت تظلمها كنت وإدوعيش، فصار لهم كهفا، وهم له جند، وكذلك الثياب، ويقال لهم: المهاجريون. على اصطلاح الناس في غير القبلة، وهؤلاء قوم كانوا من حسان، فتخلقوا بأخلاق الزوايا، وصاروا يشتغلون بالعلم وتنمية المال، وحسان يظلمونهم لرغبتهم عنهم، والناس ينحلون عبد الله المذكور، كلما وجدوا فيه حماسة من الشعر، سواء كان قديما، أو حديثا، ولما أفرط في قتال كنت، ذكره إنسان صنيع كنت مع قومه، في حرب أهل شنقيط، فقال له: ظفرنا بحمد الله بالله لا كنتا ... فمن كُنْتَ لا كانوا ومن أنت لا كنتا فإن كنت كنتياً كبت بكبتهم ... وإن لم تكنْ منهم أراك إذا متا قالوا: ولما أنشد البيتين، وقع ذلك الشخص ميتا من غير سبب، والله اعلم بصحة ذلك. ولا يخفى أن عجز البيت الثاني، ضعيف بالنسبة إلى صدره، وإلى ما قبله. وقال يتوسل بالعالم الناسك، محمذ فال بن متالي التندغي، الذي تقدمت ترجمته أنَحْتُ نضو همومي أشتكي حالي ... إلى الوليّ النقي محمَّذٍ فالِ

الشيخ ماء العينين

باللهِ عَفّرْ لوجهِ اللهِ وجهك لي ... جِنحَ الدياجي لحاجي يا بن متَّالي وقال أيضا، يهجو إدابلحسن: قِراكُم الضيفَ وهناً يا بني الحسَنِ ... بالمذقِ في الخصبِ فعلٌ ليس بالحسَن وليستِ السُّنةُ الغرَّاءُ تأمرُكمْ ... بجعل ماء الأضا للضيف في اللبن ومما ينسب إليه: كان يصبو إلى الحسان الكعاب ... كل آبٍ عن الخنا وابن آب شامخُ الأنف ضامرُ الكشح قَرمٌ ... وعليهِ الوقارُ صَعْبُ الجنابِ فغدَتْ لِلزعانِفِ اليوْمَ نَهْباً ... فرأيتُ الصوابَ ترك التصابِ إنّ ظبياً عزَّ الأسودَ اصْطِياداً ... لم تصده مجلَّحات الذئابِ وكان - رحمه الله - حيا في صدر القرن الثالث عشر. الشيخ ماء العينين هذا علم اشتهر به، واسمه مصطفى بن الشيخ محمد فاضل بن مأمين. هو العلامة الوحيد، له معرفة بعلوم الشرائع من الحديث، والتفسير والفقه، وغير ذلك. وما جاء بعد الشيخ سيدي مثله، في إقبال الناس عليه وإنفاقه. حج في أيام السلطان مولاي عبد الرحمن - رحمه الله - وتردد على السلطان مولاي سيدي محمد. وكان حظه في أيام السلطان مولاي الحسن، أحسن منه في أيام أبيه وجده، وهو في أيام مولاي عبد العزيز، أحسن من أيام مولاي الحسن، وصارت له مراكش أملاك طائلة، من زوايا، ودور، وبساتين، ومزارع، وكان هذا الشيخ فاضلا كريما، لا يوجد أحسن منه أخلاقا، وقد اجتمعت به حين خروجي من مدينة شنقيط إلى مراكش، في توجهي إلى الحجاز. ورأيت منه ما حيرني، لأني أقدّر من معه في وادي اسمار من الساقية الحمراء، بعشرة آلاف

شخص، ما بين أرملة ومزمن، وصحيح البنية، وكل أصناف الناس، وكل هؤلاء في أرغد عيشة، كاسيا من ذلك الشيخ، ويزوج الشخص ويدفع المهر من عنده، ويجهز المرأة من عنده، مع حسن معاشرته لهم، لا فرق عنده بين ولده والمحسوب عليه، ولا يمضي عليه يوم، إلا وقد بعث قافلة تأتيه بالميرة، وقدمت إليه أخرى تحملها، ومتى بلغ الإنسان قريبا منه، يسمع دوى مريديه يذكرون الله، وينشدون الأدعية، ورأيته في تلك الأيام التي أقمت عنده، لا تفوته صلاة الجماعة في أول الوقت، مع كبر سنه، وضعف جسمه، وبعد صلاة العصر، يسردون له الحديث، وهو يسمع، ثم يشرح لهم بعض المواضع منه، وكان الموضع الذي هو فيه صعبا، بعيدا من الأماكن التي تجلب منها الأرزاق، إلا أنه نفعه مرسى لُبيظ، إذ كان السلطان يملأ له البابور في كل أربعة أشهر، أو ستة، فينزله بها، وهي تبعد عن محله بأربعة أيام، أو نحوها، ولكن معظم المئونة، يأتيه من أكليميم وهو نحو عشرة أيام، ومن لحنيكات، ومسافتها اثنا عشر يوما، ومن آدرار، وهو قريب من العشرين، ومن سانكال. ويقال له: اندر. وهو قريب من شهر، وكثيرا ما تعدو عليه شياطين العرب، فينتهبون قوافله من جهة سوس وغيرها. وإنما كان الشيخ سيدي، أشد احتراما عند حسان منه، لان العرب الذين يحوطون بالشيخ سيدي، لهم رؤساء يطيعونهم، وهم أحسن دينا وأخلاقا من الذين في أرض الشيخ ماء العينين. ولم يزل نافذ الكلمة في المغرب. إلى أن وقعت الفتن، وازدادت الشرور. ولما أراد الفرنسيون احتلال شنقيط وصحراءه، أرسل إليهم الشيخ ماء العينين، يحضهم على الدفاع، ويمنيهم بمساعدة السلطان لهم، وكانوا يعتقدون ان السلطان أقوى من الفرنسيين، فبعض القبائل سالمهم، وبعضهم جعل يقطع عليهم الطريق، ويحاربهم من بعيد بالهجوم ليلا ونحو ذلك. ثم إن الشيخ بعث إليهم أحد أشراف فاس، وأخبرهم بأنه هو خليفة السلطان عليهم، فقدموا إليه من كل

مبايعته للسلطان مولاي الحفيظ

الجهات، وكان ذلك الشريف حازما مدبرا، فوقعت بينه أيام مع الفرنسيين، انتصر في بعضها، وخذل في بعض، فلولا قلة الفرنسويين، وكثرة الصحارى والجبال، لقهروهم في أوَّل وهلة، ولولا رداءة سلاح أهل الصحراء، وعدم انتظامهم في أنفسهم، لدافعوهم سنين كثيرة، على أنهم ما دخلوا ادرار، منذ دخلوا تيججك، الا بعد سنين، وهما كالشيء الواحد، ولولا ما بعدهم الشيخ ماء العينين به من إنجاد السلطان، لسلموا لهم أيضا، فطال الروغان، فلما علم الشريف بعدم الفائدة، رجع إلى فاس، لان العرب لما طال عليهم الأمر، فنيت مواشيهم، وكابدوا كثيرا من الشدائد، فصاروا يهربون إلى افرانس ويصالحونهم، ثم بقيت تلاميذ الشيخ ماء العينين، وما انضم إليهم من شذاذ الناس وصعاليكهم، يناوشون الفرنسيين، حتى احتلوا مدن آدرار، فتركوا محاربتهم، ولجأ الشيخ إلى تيزنيت، من أرض سوس، وتوفى - رحمه الله - سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف. مبايعته للسلطان مولاي الحفيظ قدم الشيخ ماء العينين من السافية الحمراء، في جموع كثيرة، ليأخذ لهم المئونة والسلاح، من السلطان مولاي عبد العزيز، وكان إذ ذاك برباط الفتح. فلما وصل إلى نواحي مراكش، بلغه أن أهله بايعوا مولاي الحفيظ، وأن أهل المغرب، ناقمون على أخيه السابق، وتعرض بينه وبين مولاي عبد العزيز، وما أمكنه إلا أن يبايع مولاي الحفيظ، فقدم مراكش بجموعه، وبايع واحتفل به السلطان وأكرمه، والناس يخوضون فيما لا يعرفون حقيقته. فإن السلطان الحالي، كان يطفئ الفتن الداخلية، التي التهمت نارها المغرب، ولا يمكنه أن يلتفت إلى غيرا، ويكفي الشيخ ماء العينين، انه لم يعارضه في شيء مما يملك. أما أمره له بالرجوع عن فاس، فإنه لم يكن عن نية سيئة، بل لأن السلطان، كان محتاجا إلى أن يستنجد بافرانس، وهم يعادون الشيخ المذكور، وكان

إدييج بن عبد الله الكمليلي

السلطان يتوقع مجيئهم، فلو دخلوا فاس، وقع السلطان بين أمرين، إما أن يتركهم وشأنهم به، فإن السلطان لا تسمح له مروءاته بذلك، وإما أن يحدث ذلك ضغائن بينهم وبينه. فذلك مما يضر بصالحه، فأمره بالرجوع. وللشيخ المذكور ديوان شعر، وهو لا يوجد عندي، ومن شعره: تغافلْ عن الإخوان في كل زَلةٍ ... وإياك والتبصير في زَلةِ الأخِ وكنْ راحمَ المسكين واصل رحمه ... وإِياك أن تبدو له بالتبلُّخِ وإياك والتقصيرَ فيما أحبه ... وساوِ زمانَ العسر في ذاك والرخِي وداومْ على تقوَى الإلهِ وعلمهِ ... أفزْ وتنلْ مما رجوت بَخٍ بَخ إدْيَيْجَ بن عبد الله الكمليلي عالم كبير، ولغوي شهير، اشتهر في الفقه والبيان، والعروض والنحو، وكان شاعرا مجيدا، وما بقيت قبيلة إلا هجاها إلا ما قل، واشتهر من ذاك هجوه لإدَوَعْلِ، لما بلغه فشو الطريقة التيجانية فيهم، فكان يبعث لهم القصائد يهجوهم بها، فلا يردون عليه، لأن الشيخ محمد الحافظ بن المختار بن لحبيب العلوي، كان يأمر بذلك. فلما توفى وأكثر من هجوهم، تصدى له باب بن أحمد بيب، الذي تقدمت ترجمته في هذا الكتاب، ومحمد الذي تقدمت ترجمته ايضا، وقد نضى قليل مما قالوا له، وما أحفظ شيئا من شعر إدييج، وتقدم بعض ما قال فيه باب، ومحمد، ورأيت له قصيدة في باب مطلعها: أيها الراكبُ المغذُّ ذهابا ... حَيّ عني بابَ الهدايةِ بابا باب عندي منزه عن أمور ... بلغتني فقلتُ فيها صوابا ولما وقعت مسألة الحُبُس التي تقدم ذكر ما جرى فيها، بين باب المذكور

وحرم الذي تقدمت ترجمته، وانضم إلى باب محنض، باب بن اعبيد الذي تقدمت ترجمته، وانضم إلى حرم، إدييج هذا. وكانت بينهما موالاة، واستثناه هو وأكتوشن بن السيد، لما رمى العلويين كلهم بالضلال، في قصيدة يقول فيها: شربَ الضلال صغيرهم وكبيرهم ... إلا اكتوَشْنِ وحرمةَ الرحمنِ وهجا أيضا أحمد الصغير ابن انبوج، الذي تقدمت ترجمته، وهجاه هو، ونظم فيه منظومة طويلة، وألف كتابه (الجيش) في الرد عليه، وقد طبع هذا الكتاب بفاس وبمصر، وهجا أيضا، اعبيد ابن أنبوج، وكان حسن الخط، فقال فيه من قصيدة: ولما رأينا حُسنَ خَطّ عبدةٍ ... علمنا بأنَّ الخطَّ يُحسنهُ الوغدُ وقال يخاطب باب، ومحنض باب المذكورين، ويأمرهما بالرجوع إلى قول حرم في مسألة الحُبُس: يا صاحبيَّ قفا بالمنهلِ الصافي ... وسلّما الحكم للقاضي بإنصافِ ووافِقا حُرْمَ فيما قال ويْحكما ... فإنّ شيخكما أدرى بالأوْقافِ فحجة الشيخ في بهرامَ ناهضةٌ ... لو كان يكفيكما ما كان في الكافي وقال باب مجيبا له في أبيات، وتقدم بعضها في ترجمته: أرْشدتَنا للهُدى والله يعلمُ أنّ ... اقائلون بحقٍّ غيرِ سَفْسافِ ودون ما قلتَهُ في الوقف سوفُ فلاً ... خوْفَ التنائفِ تُعيي كل سَوَّاف فحجتي وَصِحَابي غيرُ داحِضةٍ ... مِنْ نَصّ بهرامَ والتَّوضيح والكافي فمالكٌ إن تصف عما يقولُ فإني ... لستُ عَنْ قولهِ يوما بصيافِ إني أوافقهُ حقاً وأتبعه ... هل مهتد ناعلٌ كالحائر الحافي بلْ أنت رِدْ ما ورَدْناهُ على قَرَبِ ... واشربْ فهذا زُلالٌ بارِدٌ صافي

صَدعْتُ بالحق لكن من يقلهُ لكم ... يَدْيَيجَ يوطأ بأخفافٍ وأظلافِ فالحق أمسى فوالهفا وواحَزَنا ... مثلَ الديارِ التي يسفو بها الساق وقال محنض باب، يجيب إدييج أيضا: إذا تأملتَ مكتوبي بإنصافِ ... ألفيتَ فيه زُلالا عذبهُ صافِ هو المصيبُ لصوب الفهم يعضده ... نقلُ الشيوخ بنص واضح شاف رووه عن مالك نصاً ووافقهُ ... نصَّ الإمام ابن عبد البر في الكافي دعْ عنك دَعوى تقاييد تقولُ بها ... شيوخنا بدَليلٍ وجهُهُ خافِ وما ادّعَوهُ من التقييد يمنعهُ ... ألا تراهُ بلا شرطٍ في الأوْقاف والأصلُ في القيدِ نفيٌ والمفيد لهُ ... لم نلفه بعد بحث شامل وافي والانقِراضُ الذي يحجوهُ حجته ... أتى في الأمّ لامّ نسلها ضافي وإن تفهمت في القاموس فانقرضوا ... ماتوا وليس لِنَسلٍ موتُهمْ نافي أما الدروجُ ففيه المعنيانِ كما ... ذا في الصحاح بإيضاح له شافي ولادييج المذكور، مهاجاة مع قبيلة إديقُبْ، ولم أحفظ منها شيئا. ورأيت له شينية، يهجو بها أبناء اعمر أكداش، وهي عجيبة ومطلعها: يا خابطَ البيدِ خبطاً فوقَ وشواشِ ... يواصلُ السيرَ في ضوْءِ وإغباش بَلِّغْ لديكَ مني نفسي إذا بلغتْ ... بك المطيةُ أبن أعمر اكداشِ وقلْ لها إنني من بعدها دَنِفٌ ... والعين جادت بتوكاف وتطشاش لمْ أنس أيامَنا حوْلَ الكُلَيْم وإن ... شط المزارُ وْرَاءتْ قَوْلةَ الواشي وهي طويلة، وسمعت شيخا فاضلا من قبيلة صاحب الترجمة، يحدث أنه رآه مضطجعا على قفاه يترنم، وعند رأسه ثلاثة من تلامذته، يملى لكل واحد منهم

بيتا، يجيب ثلاث قصائد وروت عليه من إدوعل في هجوه، وكلما أتم واحد بيتا يسرد له غيره، وهكذا حتى أتم ثلاث قصائد في وقت واحد، وهذا عجيب، وكتب إلى محمد بن المختار المجلسي في رفعه بالنشوز: يا من تأمل مكتوبي بما نقلا ... سلم لنا حكمنا أو بيّن الخللا الله يعلم أني ما أردت به ... إلا بيانَ الهدى في معضِلٍ نزَلا وذاكَ أن فتاةً زانها حسَبٌ ... رامتْ نُشُوزًا ولم تَعبأ بمنْ عذلا فقامَ بعضُ رجال الحيّ إذ رفعتْ ... إليهمُ أمرَها يقضي بما انتَخلا فطلقَ الخود عن ظلمٍ وموْدعُها ... نَجلُ الوديعةِ لمُ يتْحَفْ بما بذَلا ما كنتُ أحسِبُ أن الزوج مغتفرٌ ... في حَلّ عصمتهِ لو كان مختبَلا ولسْتُ أعرِفُ تطليقاً لمن نَشَزتْ ... إلا بخلعٍ يراهُ الزوجُ منتحلا وقال أيضا: نفسي الفدَاءُ لحبيبٍ هاجرِ ... قاسِي الفؤادِ ليّنِ الخواصِرِ ظبيٍ أحَمِّ المقلتين حُمَّ لي ... ما حُمَّ من جواهُ في المقادِرِ من كان في الوعد كعُرْقوب ومن ... في البُخلِ إن طالبتَهُ كمادرِ كأنَّ طعم ريقها بعد الكرى ... طعْمُ المعتقة عندَ التاجِرِ تبسِم عن نورِ الأقاحي أصبحت ... بقَفْزةٍ ممطورة الظواهرِ لو كلمتْ ميتاً لأحياه الهوى ... واستبدَلَ الإِحيا من المقابرِ ولو بدتْ لراهبٍ في دَيْرِهِ ... لصدَّ عنها بفؤادٍ حائرِ فإن حماني وصلها وغيره ... لم يحمني طيفَ الخيالِ الزائرِ طيفٌ يبيت في الكرى مسامري ... طيفي إذا نانأتُ عن مسامري وقد مضت لي أعصُرٌ في وصلها ... ما إن مضت في سالف الأعاصر أيامَ كان السعدُ جاراً مسعدا ... وكان صرفُ الدهرِ غيرَ جائر

غالي بن المختار فال البصاري

لا بُرْدةُ الشباب أنهجتْ ولا ... جَدُّ المحبّ في الهوى بالعاثرِ وكم ليالٍ بتُّها في جنةِ ... الهوى بأمثال الدُّمى السوامر في خَلقها وخُلقها ما تشتهي ... نفسي وما يلذ كلَّ ناظرِ بيضِ الترائبِ حسانٍ خُرَّدٍ ... هيْفِ الخصورِ رجَّحِ الأواخر أمسى فؤادي من هواه مُدْنَفاً ... وفاض دمع العينِ كالمواطر أرومُ كِتمانَ الهوى وأدْمعي ... تبُوحُ بالمكنونِ في الضمائرِ وكيف إخفائي الغرامَ بعدَما ... أبديتُ من مستْودِع السرائر لا حَبذا من لامني في حبهِ ... وحبذا منْ في هواه عاذري فإن يكنْ عنْ ناظرِي مغيباً ... فشخصُهُ مصوَّرٌ في خاطري يا منْ يلومُ في الهوى مهلا فما ... لوْمُكَ يُسليني ولا يضائري داءُ الهوى صعْبُ الشفاء مالَهُ ... غيرُ الحبيبِ من طبيبٍ ماهر هيهاتَ أن تشفيك من داءِ الهوى ... فُتَيَّةٌ نَقيةُ المآزر لطيفةُ الكشحينِ خَوْدٌ خَدْلةٌ ... رَوْدٌ رَداحٌ بضّةُ النّواشر ريا الروادف أباةٌ طفلةٌ ... مِلءُ الحجا والعين والأساور فإنْ مشَتْ فغُصنُ بانٍ ناعمٍ ... وإن رنَتْ ترنو بطرْفٍ ساحر لها مُحّيا مشرقٌ ومنِطقٌ ... كقهوةٍ في مسمع المحاورِ وبَشرٌ مثلُ الحريرِ ليّنٌ ... وجيدُ ظبيٍ من ظِبا المشاقِرِ يلوح صبحُ وجهها إذا بدتْ ... في ليلِ قرْعٍ أسحمِ الغدائر زانَ الجواهِرَ بهاءُ نحرِها ... وغيرها يزانُ بالجواهرِ وكان في أواسط القرن الثالث عشر. غالي بن المختار فال البُصاري كان من أعيان علماء شنقيط، وهو عقد قبيلته الوسيط، اشتهر باللغة والسيرة، وكان فاضلا دينا، وفيه يقول حرم بن عبد الجليل العلوي أبياتا، أوُّلها:

للهِ درك ما أغلاك من غالي ... يا ذا البُصاري وما أعلاك من عالي ومن نظمه. وبعد فاللغة من عَدانا ... يمكث بين أهلها عَدَانا يسائلُ الصميمَ والدَّدانا ... والحشمَ الخوَلَ والعِبْدانا ومن بليغ شعره: أبى الشعرُ إلا أن يكون ارتجاله ... عزيزاً إذا لم ترتجله رجالُهُ فكم جال في ميدانِه متشاعِرٌ ... يَري أنهُ سهل السبيل مجالُهُ فحادت به الألحان عن صوب قصده ... وألقتْهُ في الجَفرِ المُجَوَّخ جالهُ ومما يستظرف، أن بعض الأدباء، قال له شخص: أريد أن أسمعك أبياتا قلتها. فقال: هات. فلما أنشده إياها، سكت. فقال له: كيف وجدت أبياتي؟ فأعرض عنه. فلما ألح عليه، قال له: أشعر منك غالي، وأنشد الأبيات. ورأيت له مقطعة أوَّلها: ألا ليت شعري هل أرى بين فتية ... حليفاً لراحولات قَيْن التأنُّق عليه فتان كالفآمِ وشرخه ... مُحَلّى بشبهٍ كالشذور مُنمَّقِ وأنشد يوما في مسجد قومه، أبياتا حسانا من شعره، فلم يطربوا لها، لأنهم ليسوا من أهل ذلك الفن. فقال لهم: ليتني لم أكن منكم. وله نظم جيد في بعوث النبي صلى الله عليه وسلم وأوله: أَوَّل من بعثه النبيّ ... عبيدةُ بن الحارث البَدْرِيُّ

عبد الودود بن عبد ال بن انجبنان الألفغي

مَرْجَعَهُ من غزوة الأبواءِ ... صلى عليه رافع السماء وجيشهُ سِتُّونَ أو يزيد ... عشرونَ كلُّ فاضلٌ مجيدُ وكان معاصرا لحرم، الذي تقدمت ترجمته في أول الكتاب، ولا أدرى أيهما مات قبل الآخر. عبد الودود بن عبد الَّ بن انجبنان الألفغي نسبة إلى قبيلة أبناء ألفغ حبيب أل، نحوي شهير، انفرد به من غير نكير، وأوضح للناس أسراره وأعلى مناره. تلقى عن بُلاّ الشقراوي، وسبب ذلك أنه خرج في عير، فنزلوا عند بلا، فرأى عبد الودود تلامذته يكررون دروسهم، فسمع تحريرا لم يعهده في بلاده. فلما وصل إلى أهله، رجع إلى بلا المذكور ولازمه، حتى أتقن النحو وبرز فيه، وبلغ مبلغا لم يبلغه غيره في عصره، وهو شيخ محمد علي بن سيدي بن ساعيد بن عمه، ويعرف بمعى. وقد رأيت هذا الشيخ، وكان لا يبارى في النحو، وتخرَّج عليه الحسن بن زين القناني، وهو احد فطاحل تلك البلاد، وعلى الحسن تخرّج أستاذنا سيبويه زمانه، بحظيه بن عبد الودود - حفظه الله - وهو وإن كان أصغرهم سنا، فقد اتفقت الناس على أنه فاق الكل في النحو، وانفرد عنهم بإتقان الفقه، وغيره من العلوم. ما ترك عبد الودود المذكور عويصة من النحو، إلا نظمها أسلس نظم، وأتقنه. وله (روض الحرون من طرة ابن بون) صغير الحجم، إلا أنه كبير الفائدة، ولا يستغنى عنه نحوي هناك. ومن شعره، يخاطب تلامذة له، كانوا كفروا نعمة تعليمه، قصيدة مطلعها: أبى ليَ سلوانَ الربابِ أبي لِيا ... خيالٌ متى هومتُ وهنا سمالِيا ومنها: لقد مزقتْ قلبي سهامُ جفونها ... كما مزقتْ مَيْجات عمداً كتابيا

وعيرني ميجاتُ بالجهل ضلة ... فقلت لهم لم تقذفوني بدائيا ومنها: ولست بشيخكم ولستم تلامذي ... لكم دينكم ذاكم ودينيَ ذاليا وقال مقطعة، يعارض بها اخرى لشاعر أهل المبارك، وأظن اسمه محمد مولود ابن أحمد فال أو العكس، وهاهما القطعتان من غير تحقيق للتمييز بينهما. قال أحد الشاعرين: ما لسليمى من شبيه في الأممْ ... كأنها شمسُ الضحى أو بدر تمْ أو درة قد أخرجت من قعريمْ ... غاصَ لها غوَّاصها تم ارتسمْ حتى إذا ما رَاءها بعد ابتسم ... أو أمَّ خِشفٍ خذلت على عَلمْ ترعى الخُزامي والبشامَ والسلمْ ... بجانبِ الملحَسِ أو فرد الأجَمْ توجستْ ركز ابن داة من أممْ ... فَرَاعَها صوت القنيص ذي القرمْ أبى ثلاثٍ كمهازيل الغنمْ ... قد كان من عاداته إذا احتزمْ أنْ يضعَ اللحمَ لها على وضمْ فقال الثاني منهما: هلْ وجدُ أسماَء القديمُ تاركي ... من قبلِ أن أهلِكَ في الهوالكِ ليسَ لها في الحسنِ من مشارك ... كظبيةٍ تَرْعى برملٍ عانكِ توجَّسَتْ رِكزَ ابن عبد المالكِ ... فراعها صوت القنيص الفاتكِ يصيبها لابُدَّ في المهالكِ ... إذا رَماها في النسا والحاركِ وله قصيدة في المصادر الغريبة، وهي غزلية، ومطلعها: أخشى على القلب من عرفانه خبلا ... ربعاً بمَرْيَمِهِ قد كان مزدانا خَشْياً وخَشْيَا وخَشّاةً ومخشِيةً ... وخَشْيةً وخَشاةً ثم خشْيانا

أما أنظامه، فإنها أجود من شعره. ومنها: ومدُّ مقْصُورٍ خلافه اشتهرْ ... وفصل الفراء تفصيلا بهرْ فجوَّزَ المَدَّ لِمَا لم يَذهَبِ ... بالمَدّ عنْ نهْج لسانِ العربِ فَمِرْمى آلةً يقيسُ مَدَّهُ ... وفي اللّحا اللحاءُ جاز عندَهُ إذ شابها المفتاحَ والرِّماحا ... بمدَّةٍ فالاحتجاجُ لاحا ولم يجز مداً لما كالمرمى ... مفتوحةً ولا اللُّحى إنْ ضْمَّا لفقدِ ذا الوزن ولم يحفل بما ... قال سِوَاهُ من فحولِ العلما وكان يكتب لتلميذه، وابن عمه محمد على المتقدم، الألغاز ليمرنه، وكان محمد على لا يحسن النظم، فكان يجيبه نثرا. ومن ذلك: قل للذي كان بالتصريف مشتغلا ... لم يخلُ من درسه يوما وتكرار ما وزن نَكْتَلْ وآرام وأثفية ... وأينق وعريبٍ ثم ديَّار@

محمد مولود بن أحمد فال

محمد مولود بن أحمد فال هو الذي تقدمت مقطعته في ترجمة عبد الودود، وهو من أهل المبارك، وكان مجيدا. ومن شعره: حَنَانَكَ ذا الحَنانِ لمن يرُوم ... شفاء حيث تطلعُ النُّجُومُ أرَجّى من زُبيدَ شِفاَء قلبٍ ... تياسَرَهُ الوساوسُ والهمومُ إذا ابتسمَتْ بُعَيْدَ النّوْمِ وهناً ... وقد خَلَفَتْ مَباسمُ من يَنُومُ يفوح المسك ثمَّ يلوح بَرْقٌ ... فحسبُكَ ما تَشَمُّ وما تَشِيمُ ولما رأى امحمد ابن الطلب أبياته هذه، وكان معاصرا له. قال: يغتفر لحنه لحسن أبياته، لأن نام: مضارعه ينام. ولا يقال فيه ينوم. ويقال: إنه كان عند شيخ يقرأ عليه العلم، فبلغ الشيخ عنه، إنه يحادث النساء، فأرسل إليه بأن يذهب إلى أهله، فكتب إليه هذين البيتين، فتركه: همنا العلم لأمراض الجفون ... لا تظنوا مرجمات الظنونِ إن هزلا أقوله في المجون ... لمعين على صِعابِ الفنُونِ ويقال: إن بعض الأفاضل المتقدمين، كان يقول: إني لاجم نفسي بشيء من الباطل، لأستعين به على الحق. الحسن بن زين بن سيد اسليمان القناني هو العالم النحوي الذي يجيد النظم، وما أظن أن له شعرا يذكر، وهو الذي تخرج على يديه سيبويه تلك البلاد، أستاذنا يحظيه بن عبد الودود - حفظه الله تعالى - وتخرج هو على عبد الودود كما تقدم، وله استدراك على لامية الأفعال مزجه بها، فلولا إنه كتبه بالحمرة، لا التبس بنظم ابن مالك، وله أنظام كثيرة مفيدة. ومنها: ورفع ما بعد لولا قيل هو بها ... أصلا وقيل بأن نابت عن انعدما وضعفوا رفعه بها بأنّ به ... خروجها عن مدى أشباهها لزما وقيل رافعه بوجَدْ مقدرة ... وذا بهِ كلُّ ناحى كوفة حكما

ومنها: إن الفتى لَبات بالفتاتِ ... حيرَانَ مشرفا على الوفات وإن دمعه لعندماً حكى ... شوقاً فما أطْوَل ما كان بكى جاز لدى الأخفش والأوَلُّ ... قال به هشامٌ الأجَلُّ ومنها: آءٌ كعاعٍ تمَرٌ لشجر ... لا شَجَرٌ كما حكاهُ الجوهَرِي ومات رحمه الله، قريبا من العشرين بعد ثلاثمائة وألف. وكان حديد الذهن بعيد الغور، كان يوما مع جماعة من طلبة العلم، وبأيديهم الدماميني على التسهيل، فإذا هو يقول في باب الإضافة: قال ابن هشام: وقد سألني سائل من أين تهب الصبا، فأنشدته: ألم تعلمي يا عمرك الله أنني ... كريم على حين الكرام قليل وإني لا أخزى إذا قيل مملق ... سخي وأخزى أن يقال بخيل ولم يبن استخراج الجواب من هذين البيتين اللذين أنشدهما، وفيه غموض انتهى. فلم يفهم الحاضرون مراد ابن هشام، فتفكر هو قليلا. وقال: والله لقد فهمت مراده. فقالوا له: بينه لنا. فقال لهم يشير إلى قول الشاعر: إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني ... نسيم الصبا من حيث يَطّلعُ الفجر فقوله: حين الكرام قليل. مماثل لقوله: من حيث يطلع الفجر، إذ كل من حين وحيث، ظرف مضاف على جملة. ونظير هذه المسألة القريبة العهد، ما حكاه أبو حيان في شرح التسهيل، من أن ابن الأخضر، سأله طالب بحضرة الأبرش، عن فتح مقالة في قول النابغة: مقالة أن قلت سوف أنا له ... وذلك من تلقاء مثلك رائع فقال له ابن الأخضر: ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى

فقال له: يا أستاذ، ما فهمت. فقال له ابن الأبرش: قد أجابك. قال أبو حيان: وتوجيه ما سئل عنه، أن هذا البيت قبله: أتاني أبيت اللعن أنك لمتني ... وتلك التي تستك منها المسامع والبيت الذي بعده. مقالة أن قد قلت . . . الخ وذلك ان قوله: إنك لمتني، في موضع الفاعل بأتاني، ومقالة، ضبط بالفتح والرفع، وفي كلا الحالين هو بدل من قوله: انك لمتني، فالرفع ظاهر، وأما الفتح فإنه بنى عليه لإضافته إلى مبنى. وذكر السيوطي في الأشباه والنظائر: أن هذا الجواب حكى عن الأعلم، وهو أقدم من أبي حيان: قال: وفي هذا الجواب نظر، فإنهم نصوا على إنه ليس كلما يضاف إلى مبنى يجوز بناؤه، وإنما ذلك مخصوص بما كان مبهما، نحو: غير، ومثل، وبين، ودون، وحين، ونحوها. فان كان ابن الأخضر، أراد ذلك، ففيه ما ذكرناه، وإن كان أراد غيره، فيفكر في وجهه. ومن جيد أنظامه قوله: تفسيرُ ما شذَّ وما فشا وما ... ندرَ معْ ما بالضعيفِ وُسِما فذو الشذوذ ما عن القياس قدْ ... حادَ قليلا وكثيراً ما وَرَدْ والنادِرُ القليلُ قيسَ أو لم ... يُقَسْ وما فشا بعكسهِ نُمِى آخرها الضعيف وهو كلما ... ثبُوتُهُ فيه نزاعُ العلما وقوله: الجوْهرِي حَدَّثَ عن شيخِه ... الفارسيّ الأقدمِ اللَّوْذعِ

اعمر مولود بن شيبة الأنتابي

أن سِوَى خَضّمَ أو بَقّمٍ ... أو بَذّرٍ أو شلّمٍ مَوْضعِ خامسها عَثَّرُ منْ فعّلٍ ... اسْماً منَ الأعرابِ لم يُسمع يا ليتَ شعرِي ما الذي شمَّرٌ ... خلفهُ عنْ ذائهِ المنزع اعمر مولود بن شيبة الأنتابي ليس عندي شيء من خبره، وما وقفت له الا على هذه القصيدة، يقولها فيمن لحنه بغير حق: أمنْ شأنك التلحينُ لا حَبَّذا اللحن ... تلحنني طعناً ولم تدر ما اللحنُ تأمَّلْ صَنيع الشعر واضبط شروطه ... ليمكنك التلحين والنقد والطعْنُ فلا تغترِرْ في الشعرِ بالحدّ وحدَهُ ... وبالحفظ كي لا يستخف بك القِرْنُ فللشعرِ تحسينٌ يزيد اعتبارُهُ ... على حده المعروف في فوته غَبنُ فمنْ رَامَ فنَّ الشعرِ بالحدّ وحدَهُ ... ولم يأتِ بالتحسينِ ما حسنَ الفنُّ إذِ الحدُّ معنىً مُحكَمٌ بصناعَةٍ ... وقافيةٍ وَزْن إذا يقصَدُ الوزْنُ ولم تخل هذي من محاسن سنّها ... رعاةُ رقيقِ الشعِرِ يا نِعمَ ما سَنُّوا إذ اختلَّ منها البعض في الشعرْ شانه ... فَحسْنُ نظام الشعرِ في كلها رَهنُ فما هي إلا الشرطُ والركنُ حدُّهُ ... ووهن يُرَى في الشرطِ في ركنه رهن فما الركن يجدي دون إحكام شرطِه ... وأقلِلْ بجدوى الشرطِ إذ ضَعُفَ الركن ولكن إذا ما استحكما عند شاعرٍ ... وكان صفت منه القريحة والذهنُ وحاك على نيرِ البلاغةِ نسجَهُ ... وم ن حيث راعى الحسن ساعده الحسن فيجنى ثمار الحسن من هامِ دوحهِ ... عليه طوالُ الدوْح عاطفةً تَحنُو ويسقى المعاني من مُدامِ بديعهِ ... وَرَاح بديع اللفظِ شعشعَها المزنُ

محمد محود بن التلاميد التركزي

فطوْراً إلى الرصادِ لم ين راصداً ... وطوْراً إلى التجنيس أعينُه تَرْنو وطوراً يحليه بحلواء حِكمةٍ ... ومن غُرر الأمثال لهجته تدنو فجاء جمانا باليواقيتِ فصلتْ ... فما شانه خبل وقد زانه خَبنُ إذا شنّفَ الآذان شذر انسجامه ... يودُّ سِوَى الآذان لوْ إنه أذن يحقُّ له أن يُتَّقى لَمْزُ شِعرِهِ ... فتْوهينُهُ وَهْنٌ وتلحينُهُ لَحْنُ محمد محود بن التلاميد التركزي التلاميذ (بالدال المهملة) مصحف التلاميذ، بالذال المعجمة، انفرد في المشرق باللغة والأنساب. لازم العلامة أجدود ابن أكتوشن العلوي، وعليه تخرج، ورحل إلى المشرق، ومر بابن بلعمش الجكني بتيندوف، وتلقي عليه جملا من الحديث. ثم قدم مكة المكرمة، واتصل بالشريف عبد الله أمير مكة، وكان من أهل العلم والكرم، فأكرمه واختصه. ولبث عنده زمانا، وكان يعجبه ويحرش بينه وبين علماء مكة، حتى حصلت البغضاء التامة، وفي أثناء إقامته بمكة، قدم عكاش اليمنى مكة. فقدم شرحا له على لامية العرب للشريف، فقال الشريف لمحمد محمود: أيمكنك أن تغلطه؟ فقال: نعم. فعمل عليه انتقادا وجهله، ونقصه فيه، فلم يحصل عكاش على شيء من الشريف. وكان محمد محمود، يراوح في الإقامة بين مكة والمدينة المنورة، وحصلت بينه وبين المرحوم أديب الحجاز، وعلله عبد الجليل برادة، محبة، وكان عبد الجليل المذكور، يبالغ في الثناء على محمد محمود ويكرمه، فاستمر على ذلك مدة طويلة، ثم وقعت عداوة بين محمد محمود وعلماء المدينة، كلهم عدا عبد الجليل المذكور. ما وقع بينه وبين الشيخ الدراج المغربي كان الشيخ الدراج رئيسا للمالكية هناك. وفائدة هذه الرئاسة، أن يأخذ قدرا معلوما من وقف المغاربة، لا يناله غيره. فقال محمد محمود. إنه أحق منه

ما وقع بينه وبين السيد علي ظاهر الوتري

بالرئاسة، لأنه أعلم منه، وكان أهل المدينة، ما عدا عبد الجليل، يساعدون الدراج، لأن محمد محمود كان ينقصهم، فلم يحصل محمد محمود على طائل ما وقع بينه وبين السيد علي ظاهر الوتري وكان هذا الأستاذ البخاري. فكان محمد محمود يقعد بحيث يسمع ما يقول ولا يراه، فإذا شرع في درسه يصيح عليه: أخطأت. فيأخذ محفظته ويخرج فاشتدت العداوة بينهما. ما وقع بينه وبين السيد أحمد البرزنجي كان محمد محمود يشنع على القاضي عياض في (مشارق الأنوار) ويلحنه ويغلطه في بعض تفسيره لشيء من الحديث. وكان السيد أحمد البرزنجي، يغلط الإمام مالكا في الموطأ، في قزوله في كتاب الأيمان والنذور: (وعليه هدى بدنة أو بقرة أو شاة، إن لم يجد إلا هي) قال: فإلا هي لحن. ووافقه على ذلك الشيخ حبيب الرحمن الهندي اللكنوي وغيره، وألف محمد محمود رسالة انتصر فيها للإمام مالك، وأطال فيها واعتمد على أن يجد فعل لازم بمعنى يستغني. وجعل إلا هي، مبتدأ حذف خبره، وجواب الشرط محذوف أيضا، وتقديره فهي عليه، وخبر إلا هي، هو عليه المتقدم: ولا يخفى أن البرزنجي، ما أحسن في تغليطه للإمام مالك، وأن جواب محمد محمود فاسد، لأن المعنى يصير: إنه إذا لم يكن غنيا، فليس عليه إلا شاة. فعلى هذا لو كانت لد بُدُنٌ، ولا يصدق عليه، إذا إنه غنى، فلا يلزمه ان ينحر منها واحدة. وهذا خلاف الواقع، والتحقيق: أن نظير إلا هي، مستعمل عند العرب، وهو إنابة ضمير عن ضمير. وقد أفردت ذلك برسالة مستقلة، نقلت فيها كلام النحاة معزوا، وقد صحح أبو حيان هذا المذهب في شرح التسهيل، فليرجع إليه.

أغلاطه في رحلته

أغلاطه في رحلته وقعت لمحمد محمود المذكور، أغلاط كثيرة، منها ما يتعلق بالعربية، ومنها ما يتعلق بالدين. فمن ذلك قوله في قصيدته الأولى. لطيفة طيِّ الكشح حمصانة الحشا ... روادفها ملأى من اللحم والشحم فإن روادف: مبتدأ. وهو جمع ردف نادرا، قاله في المخصص، وملأى: خبره. وهو مفرد، والجمع لا يخبر عنه بالمفرد، إلا إذا كان على فعيل، كقوله تعالى (والملائكة بعد ذلك ظهير). وقال الشاعر: يعادين من شيبة قد بدا ... وهن صديق لمن لم يشب ومن ذلك مسألة عمر، فإنه جازف فيها مجازفة شديدة، وادعى أن النحاة غلطوا فيها منذ اثني عشر قرنا، ولم ينتبه لذلك غيره، وأن أولهم في ذلك سيبويه فإنه غلط فيما ادعى سماعه من العرب من منعه، وأن غيره تابعه على ذلك، كتقليد الأعمى. وحجته في ذلك، إنه وجد مائة بيت للعرب مصروف فيها عمر. وأنه صرف في البخاري ومسلم. وأن العرب لم تمنعه نظما ولا نثرا، وقال في ذلك: كما خرقوا للعرب ذا المنع مفترى ... عليهم بلا نثر رووه ولا نظم وقال في ميميته التي مدح بها أُسكار النصراني: ولو كان ذاك الميت حياً وجاءني ... لتاب وخص الرجل مني باللثم وأشياء كثيرة تشمئز منها النفس، ثم إنه ادعى أن النحاة غفلوا عن كونه جمع عمرة. لأنه لما سمع عامر الذي ادعوا إنه معدول عنه تقديرا، سمع عمر جمع عمرة. فهو منقول عن الجمع، وليس بمعدول عن عامر، وقد ألفت رسالة وطبعت في مصر في حياته، فأرعد وأزبد ونشر في المؤيد: إنه ألف في صرفه كتابا، يتضمن مائة شاهد، لم يبق فيه حجة لأحد، وأنه سيطبعه. ثم انكشف الغيب ان ذلك الكتاب لا حقيقة له، لأن كتبه أفرزت ورقة ورقة، وقيدت أسماؤها في

الكتبخانة الخديوية. كما إنه نوه باسم مؤلف له اسمه (البنيان المرصص، في أوهام المخصص) ولا حقيقة له ايضا، الا ما كتب على هوامش المخصص. ولا يخفى إنه أخطأ في أكثرها. وبالجملة فإن كلما نقل مما يصرف عمر لا حقيقة له كما تقدم. ومن ذلك أيضا قوله: ففي سائر الأمثال إثبات صرفه ... وإبطال منع الصرف والعدل بالوقم فإن هذا البيت، يقتضي أن عمر صرف في سائر الأمثال، ومن أجل كتبها: أمثال الميداني. وهذا نصه في شرح المثل المشهور: أحمق من جحا. قلت: جحا اسم لا ينصرف، لأنه معدول عن جاح. مثل عمر: من عامر. فكيف لنا أن نصدقه فبما نقل بعد هذا، فتراه يحرف ما نقل من الكتب المتداولة بين الناس فما بالك بالتي لا توجد لو نقل عنها. أما قوله: إنه وجد مائة بيت، فهذا على تقدير صحته، لا يثبت صرفه، لأن النحاة جعلوا معتمدهم في ذلك سماع العرب، يمنعونه نثرا. وأجابوا عن ذلك: بأن الأبيات ضرورة، وقد بينت في الرسالة التي تقدم ذكرها، أن الضرورة ما وقع في الشعر، لا مالا محيد عنه للشاعر. ولعله عد من هذه الشواهد بيت الكميت الذي حرفه، لما قرئ عليه في قصائده الهاشميات، وادعى إنه أقوى فيه، لأن القافية منصوبة، والبيت هو: أهوى عليا أمير المؤمنين ولا ... أرضى بشتم أبي بكر ولا عمرا فادعى إن الرواية عمر بالجر، مع إنه لم يرو ذلك عن شخص واحد. ومن ذلك البيت المشهور، وهو: لا تلسمنَّ أبا عمران حجتهُ ... ولا تكوننْ له عوْناً على عُمَرا فإن لسان العرب، وتاج العروس، روياه عمرا بالألف. وكذلك ابن جني في الخصائص. وابن سيده في المخصص. ولما طبع المخصص في مصر، وكان محمد محمود مشرفا على طبعه، حرف هذا البيت فيه، وقال: إنه عمر بالجر. وإن

النساخ حرفوه، كما هو مبسوط على هامشه، وأما قوله: إنه مصروف في مسلم والبخاري، فهذا الشيء قاله من تلقاء نفسه، وهو خلاف ما عليه جميع المحدثين. ولاشك أن الحديث لا يعتمد فيه على غير الرواية. وأما قوله: إن النحاة غفلوا عن كونه جمع عمرة. فهذا غير صحيح، كما بينت في الرسالة المذكورة. وقد نقلت كلام ابن مالك بلفظه في عمدته، فليرجع إليه. وكلام عبد القادر البغدادي، وابن الحاجب في شرح المفصل، وغير هؤلاء. فدعواه الغفلة لا تتأتى. فإن كان اعتنى بالتنقيب، فلا عذر له في عدم مراجعة كتب هؤلاء الأعلام، لأنهم أئمة اللسان، وإن كان تركها ازدراء لها، فقد عرض نفسه لاستهزاء الناس به، وأورد على نفسه ما قال أبو حيان في الزمخشري: وينسب إبداء المعاني لنفسه ... ليوهم أغماراً وإن كان سارقا وقال ابن عصفور في المقرب: وإذا كان فُعَلُ علما، فإن كان له أصل في النكرات، فاقض عليه بأنه مصروف غير معدول، نحو لبد، اسم نسر لقمان. لأنه يقال: مال لبد. إلا أن يقوم دليل سمعي على عدله، يمنع صرفه، نحو: عمر، فهو معدول عن عامر، وليس منقولا عن عمر: جمع عمرة. وإن لم يكن له أصل في النكرات. نحو: قثم، فاقض عليه، بأنه ممنوع الصرف معدول، الا ان يقوم دليل بصرفه، على إنه ليس بمعدول نحو أدد. اهـ. فهل يصدق على ابن عصفور هذا، قوله في ميميته؟ وقد غفلوا عن كونه جمع عمرة ... له الصرف قبل النقل للعلم الاسم بل الأشبه أن يقال: إنه هو غفل عن انتباههم لذلك كلهم، ولو لم ينص على هذا غير ابن عصفور، لعذرناه بعدم الاطلاع على كتبه. لكن يبعد أن يكون أراد التنقيب عن هذه المسألة، ولم ينظر في كتب ابن الحاجب وابن مالك على الأقل. وأما طعنه في علة العدل بقوله: فدعواهُم منع وعدل مقدر ... وعن عامر محض التقول بالفم

فلا يخفى إنه تحامل محض، فلا هو أبدى قاعدة للنحاة، يبنى عليها الطعن في علة العدل، ولا اخترع من نفسه شيئا يستحق أن يصغي إليه، وهذا الذي وقع له وقع لقاصري النظر، فتراهم يطعنون في تعاليل النحاة، ويقولون: إن العرب لم يقصدوا ذلك. وقد ذكر ابن جني في الخصائص، حكاية معناها إن أحدهم قال: فلان لغوب أتته كتابي فاحتقرها، فقال له آخر كيف تقول: احتقرها والكتاب مذكر؟ فقال له: أليس بصحيفة؟ فهذا يدلك على أن النحاة بنوا تعاليلهم على أمور معقولة عن العرب، ولنذكر لك ما يثلج صدرك. قال ابن برهان في اللمع: والمثال الكاشف لك عن مغزاهم العدل، هو أن تتصورهم بصورة، من غدا سائرا في الطريق لغاية رفعت له، ونظر إليها ثم عدل عنها إلى غاية أخرى، لا على السمت المستطرق، ففتح بذلك طريقا فصار إلى المراد. إلا أن العدول إنما كان في الأصل لغرض زائد، فالأولى: عامر علما، والثانية قولهم: عمر. ومثل هذا في قول العرب: زيد قام. في قلم ضمير لا يظهر البتة. وإذا قلت: الزيدان قاما. والزيدون قاموا. ظهر الضمير، فجعلوا الضمير بمنزلة السيف، يغمد تارة، وينتضى أخرى. فإن قيل: ومن أين علمهم العدل؟ قلنا لما صرفوا عمرا تكسير عمرة، وصرفوه معرفة، وتركوا صرف عمر. ولم يكن ذلك لمجرد التعريف، دلنا ذلك على ما قلناه. وقال سعيد: انهم نووا في هذا المعدول أن يبنوه على الأصل، ثم عرض له هذا البناء بعد النية، فعمر لم يقع في كلامهم صفة. وزفر وقع في كلامهم مثل عمر. ووقع أيضا مثل حطم. فتقول زفر، فهو زافر، والزفر بهذا بمنزلة عمر، لا ينصرف إن كان علما. قال ابو علي: كان ينبغي أن يقع الاشتقاق لعمر، من المصدر الذي اشتق عامر منه، فلما اشتق عمر من عامر، سمى معدولا، ولو كان على القياس لسمى مشتقاً. والتغيير في الأعلام أوجد. فلذلك كان باب

العدول، إنما هو في الأعلام. قال. العبد عمر، أبلغ من عامر، كما أن الرحمن أبلغ من راحم، والجاري على الرحمن راحم، وعلى عمر عامر. فالفرع للفرع، والأصل للأصل. وأما قوله: إنه لم يسمع في نظم ولا نثر، فإن النظم تقدم منه بيتان، ونزيد على ذلك قول ذي الرمة، يمدح عمر بن هبيرة: أقول للركب إذ مالت عمائمهم ... شارفتموا نفحات الجود من عمرا وقول الفرزدق: إن الأرامل والأيتام إذ هلكوا ... والخيل إذ هزمت تبكي على عمرا وقوله أيضا يمدح بشر بن مروان: كنا أناساً اللأواء فانفرجت ... عن مثل مروان بالمصرين أو عمرا وسئل الخليل بن أحمد، عن العلل التي يعتل بها في النحو. فقيل له: أعن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟ فقال: ان العرب نطقت على سجيتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها، وقامت في عقولها علله، وإن لم ينقل ذلك عنها، وعللت أنا بما عندي إنه علة لما عللته منه، فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست، وإن يكن هناك علة غير ما ذكرت، فالذي ذكرته محتمل إنه علة له، ومثلى في ذلك مثل حكيم دخل دارا محكمة البناء عجيبة النظم والأقسام، وقد صحت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق والبراهين الواضحة، والحجج اللائحة، فكلما وقف هذا الرجل الداخل الدار، على شيء منها. قال: إنما فعل هذا هكذا، لعلة سنحت له وخطرت، محتملة أن تكون علة لتلك، فجائز ان يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز ان يكون فعله بغير تلك العلة، إلا أن ما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة كذلك، وقد نص كثير من النحاة، على أن سبب تشبثهم بالعدل في فعل المعدول عن فاعل، أنهم لما سمعوه ممنوعا عن العرب، أرادوا أن يتكلفوا علة، لئلا يمنع كثير من الأعلام

سبب واحد، فكلما قدروا علة مع العلمية، وجدوها غير مستقيمة، فلذلك اتفقوا على العدل. فغلطه في مسألة عمر، مسألة لغوية تتعلق بالدين، لأنها يلزم عليها صرف عمر الوارد في الحديث، وكذلك تكفيره للبرزنجيين في رحلته، بإضافة الاسم إلى الذات، فإن تكفير المسلم كفر، وقد جعلهم ملحدين في أسامي الله تعالى، وهذا نص عبارته، قال في رحلته: وهذا كله من صغائر ذنوب البرزنجيين، بالنسبة إلى ذنبيهما العظيمين اللذين لا يغتفران، أولهما: إلحادهم في اسم الله تعالى، واجتنابهم إياه في ابتداء مولدهم النثري بقولهم: ابتدئ الإملاء باسم الذات العلية وابتداء مولدهم النظمي على زعمهم بقولهم: بدأت باسم الذات عالية الشان فقد خرقوا إجماع المسلمين والجاهلين بذلك، ونسخوا اسم الله تعالى، ولقبوه بالذات المؤنثة، التي هي في الوزن كاللات والعزى، ووصفوه بالعلية، والعالية المؤنثتين. فكأنهم لا يحمدون ولا يعبدون الله جل جلاله، وإنما يحمدون ويعبدون الذات. الخ كلامه، ولا يخفى ان ادعاءه الإجماع، يعد من الغرائب، بل أطلقها عليه كثير منهم، وليس هو أبو عذر هذا الاعتراض، بل سبقه إليه ابن برهان وابن الخشاب النحوي، وقد أجاب العلماء عن ذلك الاعتراض، ويكفى في ذلك، بيت خبيب بن عدى الصحابي، رضي الله عنه. وهو: وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يباركْ على أوصال شلو مُمزع وفي صحيح البخاري (باب ما يذكر من الذات والنعوت وأسامي الله تعالى) قال الإمام القسطلاني: قال القاضي عياض: ذات الشيء نفسه وحقيقته. وقد استعمل أهل الكلام الألف واللام، وغلطهم النحاة، وجوزه بعضهم. لأنها ترد بمعنى النفس، وحقيقة الشيء، وجاء في الشعر ولكنه شاذ. واستعمال

البخاري لها على ما تقدم، من ان المراد بها نفس الشيء، على طريقة المتكلمين في حق الله تعالى، ففرق بين النعوت والذوات. وقال ابن برهان: إطلاق المتكلمين الذات في حق الله تعالى من جهلهم، لأن ذات تأنيث ذو، وهو جلت عظمته لا يصلح له إلحاق تاء التأنيث. قال: وقولهم الصفات الذاتية جهل منهم أيضا. لأن النسب إلى ذات ذوى، وأجيب بأن الممتنع استعمالها بمعنى صاحبة. أما إذا قطعت عن هذا المعنى، واستعملت بمعنى الاسمية فلا محذور. كقوله تعالى (إنه عليم بذات الصدور) أي بنفس الصدور. وقال خبيب رضي الله عنه: وذلك في ذات الإله الخ وفي الحديث (أخشين في ذات الله تعالى). وقال ابن الحاجب في أماليه. قال: ابن الخشاب النحوي: لا يقال ذات الله. لأن ذات بمعنى صاحبة، ولا يقال صاحبة الله، والجواب عن ذلك، ان العرب تضيف المسمى إلى اسمه في قولهم، ذات يوم وذات ليلة، وشبهه. فالذات هاهنا المراد بها المدلول، والمضاف إليه المراد به اللفظ، وكأنه قيل مسمى هذا اللفظ، وأما ذات الله، فلاشك إنها لا تطلق لفساد المعنى، وإنما الكلام في إطلاق لفظة ذات مضافة إلى الله، وهو صحيح بمعنى المذكور، ومثله من كلام العرب قليل، والله أعلم بالصواب. وروى البخاري في صحيحه: حدثنا محمد بن محجوب، حدثنا حماد عن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن: في ذات الله عز وجل. قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، إلى آخر الحديث، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صفة أبيها: فما برحت شكيمته في ذات الله تشتد، حتى اتخذ بفناء بيته مسجدا، يحيى فيه ما أماته المبطلون.

ما وقع بين محمد محمود المذكور

وقال الغزالي في (فيصل التفرقة) نقلا عن الأشعري: الكلام صفة زائدة قائمة بذات الله تعالى. فإذاً ينبغي له أن ينسب الخليل، وعائشة، وأبا هريرة، والبخاري. رضي الله عنهم، إلى إلحاد في اسم الله تعالى، لأن العبارة واحدة. ونعوذ بالله من ذلك، ومن ذلك قوله: يا عجم برزنج آذيتمْ أبا حسن ... إيذا أبي الجهل عمرو أو أبي لهب فإن أبا جهل في الأصل، لقب لعمرو بن هشام، فصار علما له، ولمح الأصل في الأعلام. كالعباس، والحارث، والفضل، بابه السماع. ما وقع بين محمد محمود المذكور وشيخ المالكية الأستاذ سليم البشرى قدم محمد محمود من القسطنطينية، ونزل عند فضيلة السيد عبد الباقي البكري رحمه الله، ووافق ذلك عيدا من أعياد المسلمين، فقدم شيخ المالكية المذكور، يهنئ السيد البكري، ومعه جمع من العلماء، فيهم الأستاذ الرافعي، فلما جلسوا، واطمأن بهم المجلس. قال الرافعي لمحمد محمود، وكان يعرفه، وقصد أن يوقع بينه وبين البشرى: شنآنا يا مولانا، تنصرت بعدنا حيث لبست الخف الأسود؟ فرد عليه بأن قال له: ما فعلت إلا السنة، فقال البشرى: أجمع على كراهة لبس الخف الأسود. فقال له محمد محمود: ثبت في الصحيح ان النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين، فلبسهما، ومسح عليهما، فما لونهما؟ فقال: لا أدري. فقال محمد محود: عجبا لك: تدعى الإجماع، ثم تقول لا أدرى. فقال الشيخ بسيوني، الذي كان إماما للحضرة الخديوية: أن هذا، وأشار إلى الأستاذ السيد الببلاوي، يزعم أن عليا رضي الله عنه، لبس خفين أصفرين، فقال له: ذلك خارج عن موضوع المسألة، فسكت الجميع. وكان في المجلس أحد الأفندية من

المصريين، فخاطب محمد محمود المذكور، قائلا: يا مولانا، أفدنا عن لون الخفين المذكورين؟ فقال له: سأعلمه للعوام، فتلقوه من هناك. فانفض المجلس. ثم إن محمد محمود، أراهم الحديث في الشمائل، وأن الخفين كانا أسودين، فمبلغ ذلك الأستاذ البشرى وقال: إن في رواته ضعيفين، فهو غير مقبول. وألف في ذلك رسالة. وقد احتج يوما على بعض علماء الأزهر، بأن في الحديث راويين ضعيفين. فقلت له: أن الضعيف لا يرد إلا بما هو أصح منه، وإن الشيخ البشرى أضعف منهما، فلوى شاربيه، فسكت عنه. ولعله ظن أني أحقر البشرى بذلك، وليس الأمر كما ظن، بل لأن أقوى أهل عصرنا هذا، لا يبلغ في السنة مبلغ أضعف من تقدم، خصوصا من روى عنه الترمذي. ولا يخفى أن المسألة دخلها تعصب كبير. فلو فرضنا إن الكراهة مبنية على أن الجلد الذي صنع منه الخفان ميتة، لما كان ذلك مانعا!! أليس الدبّاغ يطهره؟ وإن عللناه بأنه من ذبائح النصارى، فإن ذبائح النصارى يباح أكلها. فكيف بجلد دبغ، على إنه من المعلوم عند المشارقة، إن القسطنطينية لا يذبح فيها غير المسلم من قديم. وإذا صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبس خفين من صنع أهل الكتاب أصفرين، فهلا كان ذلك دليل على جواز لبسهما لو كانا أسودين. لأن اللون لا عبرة به إذا لم يكن فيه نص، وكيف ومن المعلوم إن خفاف النصارى، كانت سودا في القديم وقد نص ابن السيد في شرح (أدب الكتاب): على أن النصارى معروفون بلباس الخفاف السوداء، في شرحه لبيت الشماخ، يصف أسؤق النعام: وداويةٍ قفْرٍ تمشى نعامُها ... كمشي النصارى في خفاف اليرندج فاليرندج: جلد أسود، وأضاف الخفاف إليه، لأنها تصنع منه، وشبه أسؤق النعام، بأسؤق النصارى لا بسين الخفاف، ووجه التشبيه هو السواد، فلا وجه لإنكار سواد الخفين، اللذين أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لفظ حديث الترمذي (حدثنا هناد بن السري، حدثنا وكيع عن دلهم بن

سفره إلى اسبنيول

صالح الكندي، عن حجير بن عبد الله عن ابن بريدة، أن النجاشي أهدى للنبيّ صلى الله عليه وسلم، خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما). (حدثنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الحسن بن عياش عن أبي إسحاق عن الشعبي، قال: قال المغيرة بن شعبة: أهدى دُحية للنبي صلى الله عليه وسلم، خفين فلبسهما) الخ الحديث. وأكثر هؤلاء الرواة روى عنه أهل الكتب الستة. وقد راجعت ابن حجر في تراجمهم، فلم ينص على جرحه أحد منهم. وكيف يسوغ للبشرى، ان يعارض أحاديث الترمذي، بغير أحاديث تقاومهما. سفره إلى اسبنيول اهتم السلطان عبد الحميد، بالبحث عن الكتب العربية، الموجودة في اسبنيول من كتب الأندلسيين. فأشار إليه أحد رجال مملكته، أن يبعث محمد محمود المذكور، فبعث إليه بأن يتهيأ للسفر، فقيل ذلك بشروط. منها: ان يعزل ناظر وقف الشناقطة في المدينة المنورة، وأن يعطيه طباخا ومؤذنا، وأن يعطيه المكافأة إذا رجع، وقد ذكر هو نفسه هذه الشروط في رحلته، وإليها أشار في قصيدته المسماة: هذا حظ جد من المبناه. وبراءة محمد محمود من عاب الجهل الذي عبناه، بقوله: فكان من السلطان أمرك بعدما ... شرطت أموراً لم تصادف أُولى عَزْم ثم إن السلطان، بعثه في وابور مخصوص على كيسه، وأعطاه مؤذنا وطباخا. وبعث معه أحد أدباء تونس، وكانا يتخاصمان دائما في الطريق، ثم إنه ذهب إلى إسبنيول. وكتب أسماء الكتب النادرة، التي لا توجد في القسطنطينية. ثم رجع فبعث إليه السلطان بأن يقدم الأوراق التي عنده، فأبى أن يقدمها إلا بعد أخذ أتعابه، فبعث إليه السلطان، بأن مكافأته ستأتيه، فامتنع. فرد عليه السلطان

خروجه من المدينة

بأن لا حاجة له في الأوراق، فضاع سفره بغير فائدة، ثم إن أُسكار ملك السويد والنرويج، بعث إلى السلطان، ان يبعث إليه وفدا من أبناء العرب، يسألهم عن أشياء في القرآن، وعن أشعار العرب، وأن يكون فيهم محمد محمود الشنقيطي. فبعث إليه السطان بأن يتهيأ للسفر. فقال: لا، حتى تعطوني مكافأة أتعابي. فغضب عليه السلطان، وأمره بالسفر إلى المدينة. خروجه من المدينة تقدم أن أهل المدينة، صاروا يداً واحدة عليه، ما عدا عبد الجليل برادة رحمه الله، فإنه لم يزل يواليه ويحتمله، إلى أن أتفق إنه دخل على جماعة ممن يعاديه. وكان عبد الجليل قاعدا بينهم، فلم يقم إليه أحد منهم، وما قام عبد الجليل أيضا. فقال: هو بال حمار، فاستبال أحمره. فغضب عبد الجليل، حيث جعله حماراً في وجهه، ثم اتهم اتفقوا على إخراجه من المدينة، وكلموا الوالي في ذلك، فبعث إليه: لئن أصبح في المدينة، لأفعلن به كيت وكيت. فخرج ليلا، وشيعه الأديب الفاضل، محمد بن عبد الرحمن القاضي، وأمين برى شيخ الفراشين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وسعد المخرج، رحم الله الجميع. وترك كتبه وجاريته، وعند أمين برى، وسار إلى مصر، ونزل عند نقيب الأشراف السيد توفيق البكري، فأكرم منزله واستأجر له بيتا، وأجرى عليه خمس جنيهات في الشهر، وبعث أحد أعوانه إلى جاريته وكتبه، ومصروف الكل من عنده. ثم جمع عليه شمله، وكان السيد البكري يشرح إذ ذاك أراجيز العرب، فطبعها فلما تم طبعها، ادعى محمد محمود إنه اغتصب شرحه ونسبه إلى نفسه، ورفع عليه قضية، ففشل فيها. والحق أن السيد البكري، لا يعجز عن تأليف مثل ذلك الشرح، وقد ألف ما هو أحسن منه. على أنا لو فرضنا إنه لمحمد محمود، لكان الواجب عليه أن يتركه له، لكثرة إحسانه عليه. فذلك سبب النفرة بينهما، ثم

خرج من عنده، واتصل بمحمد عبده مفتى مصر السابق، وسعى له في راتب من الأوقاف، قدره خمس جنيهات، ولم تقع بينهما وحشة، حتى ماتا رحمهما الله. أما مرتبته عندي في الشعر، فإنها تعلم من قصائده التي طبعت في رحلته، فإن كان له شعر كثير، فتلك خلاصته. ومن أسلسها ألفاظا، قصيدته التي هجا بها الأزهريين عموما، وخص منها شيخ المالكية في ذلك العصر، الأستاذ البشرى، ومنها: فأشلى عَلَىَّ الأزهر اللدَّ بُسلاَّ كأنّ لهم عندي دماء الطوائل حلائب علم للسباق أعدها ... سوابقها في الشوط خلف الفساكل وهجا فيها البشرى هجوا قبيحا. وهي طويلة عددها 131 بيتا. أما قصيدته التي هجا بها البرزنجيين، فليست بشيء، وهي طويلة، ومنها يخاطب السيد أحمد البرزنجي: رِبَاك في النسب المجهول زاد على ... رباك في فضةٍ بيضاء أو ذهب ومنها يذكر زرُّوق باشا، وعبد الجليل براده، رحمهما الله تعالى: زروق والذيخ برادة قد ارتضيا ... أن تدخل النار ذات الجمر والحطب ويدخلا النار مَعْكَ لاتفاقكم ... على أباطيل من غيّ ومن شغب إذ أنتم حزبُ شيطان ضعيف قوي ... يقتادكم في فيافي الجهل والتبب وله قصيدة في هجو عبد الجليل براده، والسيد أحمد البرزنجي، وغيرهم ممن شاركهم في تلك الشحناء، وعددها 142 بيتا، ومطلعها: أحنُّ إلى الرسول فيعتريني ... إذا ليلى دجا ما يعتريني وله أيضا قصيدة أخرى في هجوهم، عددها 120 بيتا، ومطلعها: صراط العلم نستبق استباقا ... وشأو الجهل نجتنبُ السباقا

ومما هجاه به عبد الجليل أفندي براده، ينتصر للقاضي عياض لما غلطه: يا أبا الفضل إن يكن ساء قولٌ ... لجهول من شأنه الازدراءُ زور قولٍ به تبجَّحَ جَهلا ... تركزيٌّ له الحماقة داءُ تركزيٌّ بكل خِزي مليٌّ ... شأنهُ العُجْبُ دأبُهُ الافتراءُ ليس يدرى بأنه ليس يدرى ... وله الحُمْق عادة والمراءُ ظنَّ منْ حُمْقهِ بأن عياضاً ... عاكشٌ خاب ظنهُ والرجاءُ كلُّ من رامَ أن يُخطّئ قَوْلا ... لك ذاك الغبيُّ والخطَّاءُ يا أبا الفضلِ أنت للفضلِ أهلٌ ... ولك الفضل شيمةٌ والوفاءُ ولك الفخرُ بالمشارق أضحى ... شاهداً والشفاءُ نعم الشفاءُ ومساعيك بالمآثر أمستْ ... مالها في قبيلها أكفاءُ لك بحرٌ من العلوم عميقٌ ... لم تكدّرْ صفاَء ذاك الدلاءُ ولقد قام نصرةً لك مِنَّا ... عندَ دعواكَ مَعْشرٌ خُشَناءُ نصروا الحقَّ بانتصارِكَ حق ... لاحَ ما فيهِ للعيونِ خفاءُ لم يكونوا أبناَء درزة كلاّ ... لا ولا قطُّ أسلموا من جاءوا نصرةُ الحقّ دينهمْ من قديم ... ليس فيها على الدُّهور امتراءُ فلامٌ عل ضريحكَ مِنَّا ... وثناءٌ وَرَحمةٌ وَدَعاءُ وقال أيضا: متى تسألوا شنقيط عن شرّ أهلِها ... تجبكم بأعلا الصَّوْتِ تُرْكُزْ تُرْكُز فتركُزُ في شنقيط شرُّ قبيلةٍ ... لدائرَةِ اللؤمِ المحيطةِ مركزُ

ومنها في تعداد مساوئ محمد محمود المذكور: وللفخرِ فخرِ الدين قام منقصاً ... يُكرّرُ تُفْ تُفْ لا يبالي ويهمزُ وفي مصرَ للكفارِ قام مفضِّلاً ... على أهلها في نظمِهِ الرّذلِ يُلْغِزُ ومنها: وما العلم إلا ما يَزين لأهله ... ويهدى وعن قبح الأفاعيل يَحْجِزُ وهي طويلة، وله من أخرى: أوْصتْ بنيها تُرْكُزٌ بوصيةٍ ... يا بئسَ ما أوصت به أبناَءها شنقيطُ فيها التركُزِيُّ مُحَقَّرٌ ... يدرى بذلك كلُّ من قد جاَءها وابن التلاميذِ الخبيثُ التركزي ... أخزى شناقطةَ البلاد وساَءها هو لحمةٌ لا منْ زوايا أرض شن ... قيطٍ ولا حَسانِها أمراَءها وعلى الذين لهم عليه مِنَّةٌ ... مُتسلط لا يأتلي إيذاَءها واللهِ لوْ قُسمَ الذي فيه على ... كلّ التراكزِ مِلْمَساوي ناءها ومنها: يا ابن التلاميد الذين لهم على ... رَكَب الفتاةِ توائُبٌ ما ساَءها حلفتْ تقُولُ لمن يلومُ على الخنا ... غيرُ التلاميدِ امرؤٌ ما جاَءها وقد أرَّخ موته أحد أدباء المصريين. يقال له: كامل، وكان يعاديه. فلما بلغه موته، نظم أربعة أبيات، وبعثها إلى بعض المجلات فنشرتها، ونشرت موته هو أيضا، وقد لقيته بعد المغرب، فأنشدني الأبيات، ومات في الليلة القابلة من غير علة. ومطلع الأبيات:

مات الإمام التركزي وانقضى ... وبموته مات السبابُ والشغَبْ وضاع مني غيره، إلا موضع التاريخ وهو آخرها: أمات الله سراق الكتُبْ تتميم لما تقدم من قصائد، قد أمليتها ناقصة لطول عهدي بها، وبعد طبعها وردت علىّ، فأحببت تتميمها، لتحصل الفائدة لمن يحب الاطلاع عليها، وهذه قصيدة ابن رازكة، المترجم في أوَّل الكتاب، وتقدم بعضها يمدح بها سيدي محمد العالم ابن السلطان مولاي إسماعيل: دع العِيسَ والبيداَء تذرَعُها شطحا ... وسمها بُحُورَ الآلِ تسبَحها سبْحا ولا ترْعها إلا الذميلَ فطالما ... رعت ناضرَ القيصوم والشيح والطلْحا ولا تصغِ للناهينَ فيما نويتَهُ ... وخفْ حيثُ يخفى الغِشَّ من يَظهِرُ النُّصحا فكنْ قمراً يفرى الدُّجى كل ليلةٍ ... ولاتكُ كالقُمْرِّ يستعذبُ الصَّدحا وقارضْ همومَ النفس بالسيرِ والسُّرى ... على ثقةٍ باللهِ في نيلِكَ الربْحا وأمَّ بساطَ ابن الشريفِ محمدٍ ... مبيدِ العدا ذكراً ومبدي الهدى صبحا فتيً يسعُ الدنيا كما هي صدْرُهُ ... فأمسى به صَدْرُ الديانةِ مندَحَّا ومَنْ هدْيُهُ ساوى النهارَ وليلهُ ... فأمسى ينيرُ الخافقينَ كما أضحا ومن هو غيثٌ اخضَلَ الأرضَ رَوْضُهُ ... فلا يظمأُ الآوِى إليه ولا يضحى وليثٌ بحقِّ الله لم يُبقِ رُعْبُهُ ... عُواءً لكلبِ التُّرهاتِ ولا نَبْحا

هِزَبْرٌ عدا في شِرْعةِ الرمح والعدا ... غَدَوْا بَقَراً يستعملُ النحرَ والذبحا أميرٌ ملوكُ الكفرِ أضحوْا لِسيفهٍ ... كما تتبغّى الذبحَ في عيدَها الأضحى تزيدُ على الفاقاتِ فيضاتُ كفهِ ... فيَغرَقُ في التّيارِ مَن يأملُ النَّضحا فأيُّ مُنىً لم نرْوَ مِنها فإن تكنْ ... فمحرُومةٌ أن تُبرِدَ الظمأ البَرْحا فلا تَرُمِ التشبيهَ فيهِ فقدْ جرى ... معَ الظاهر المُدئى إلى السكَّرِ الملْحا سعى وسعوا للمكرُماتِ فأقصرُوا ... ولم يرضَ حتى استكمل الكرَمَ القُحَّا وفلَّقَ فيهمْ بيضةَ المجدِ قاسِمٌ ... فناوَلهمْ قَيْضاً وناولهُ المُحا فتى يستقلُّ البحر جود بنانِهِ ... على حالةِ استكثارِ حاتمٍ الرَّشحا مساعيهِ في الخطب الجليل يرُومُهُ ... كآمالِ منْ يرْجُوهُ تستصحِبُ النُّجْحا صِفاتٌ كَدُرِّ البَحرِ صَفواً ولجّهِ ... حِساباً فمن يأتي على مائهِ مَزْحا وآياتُ عِلمٍ أغمدَ الجهلَ نُورُها ... وغاياتُ جِدٍّ ليس تطلا بُها مَزْحا ورأىٌ يُرِيهِ اليوْمَ ما في حشا غدٍ ... ويكشِفُ عنهُ من دُجى ليلهِ جنْحا وَحَزْمٌ يَهُزُّ الراسياتِ ثَباتهُ ... وعزمٌ يُحاكى الزندَ ماضِيُّهُ قدحا وكفٌ تُرِى وكْفَ الحيا كيف ينهمى ... إلى خُلُقٍ يُرِى نسيمَ الصَّبا النفحا وبشرُ مُحيًّا عَلّمَ الصُّبْحَ ما السَّنا ... وقبْضٌ أَرَى النارَ التأجُّجَ واللفْحا وتأليفُهُ أشتاتَ كلِّ فضيلةٍ ... ومكرُمةٍ غرَّاَء تعجزنا شرْحا

كفانا اتخاذ الفالِ في القصدِ يمنُهُ ... فلسنا نخطُّ الرمل أو نضربُ القِدْحا مهيبٌ مخوفٌ بطشُهُ تحتَ حلمِهِ ... عَفُوٌّ يَرى إلا عن الباطلِ الصَّفْحا فهلْ كان معزوًّا إلى الحلم قبله ... نعمْ أو كريم يدَّعى غيرَهُ سَمْحا فأقدمَ حتى فارق الجُبنَ صافرٌ ... وجاد إلى أن عاف مادِرٌ الشُّحا ولم تُذْعِنِ الأعداءُ محضَ مودّة ... إليه ولكنْ إنما كرهوا القرْحا رأَوْا ضيْغَماً يعطِى الحروب حقوقَها ... وإن تضع الأوزارَ يُبْرِمْ لها صلحا ويستغرِقُ الأوقات في الجِدّ كلها ... ولا يَهبُ التلعابَ ما يَسعُ اللمحا مواصلةٌ حَبْلَ الجهادِ جيادُهُ ... ووقفاً على غَزْوِ العِدى عَدْوها ضبْحا معادِيهُ مُعظّى بالحياةِ منيةً ... وبالجنةِ الأخرى وبالسُّندس المُسحا أبا ابنُ أميرِ المؤمنينَ وسيفُهُ ... وصمصامه أن يرفَع الضربَ والنطحا تُشابههُ خَلْقاً وَخُلُقاً فسامِهِ ... إلى الفَلَكِ الأعلى فإنكَ لا تُلْحا تهندستِ العليا فأحرَزت جسمها ... لإحرازك النقطاتِ والخطّ والسَّطحا فكم من حديثٍ كان يُسندُ للندَى ... ولكنهُ لولا نوالكَ ما صَحَّا فأعطيتني الأعيان والعين والكِسا ... وبيض الظبا والنُّوقَ والخيل والطِّلْحا فلا زلتَ للإسلام عيداً منغّصاً ... تنغصُ حسناء السَّعانين والفصحا أبوك لحكم الشرع ولاك عَهدَهُ ... فلم تَلْقَ كدًّا للسؤالِ ولا كدْحا

وأعطاكهُ إذ ليس غيرُك أهله ... وللعقلِ نورٌ مَيَّزَ الحسنَ والقُبْحا كفى دُرَّهُ فخراً تحليكَ سمْطَهُ ... وَمنْعكهُ تلك المعزَّةَ والقدْحا فأهدى إليكَ الدهرُ بلقيسَ ملكه ... وأبدى لك الكرسيّ والعرش والصرحا وولاّكَ ربُّ العرشِ ملك بقاعِهَا ... وأصحبَكَ التمكينَ والنصرَ والفتحا إليك بها يا كعبة المجدِ كاعِباً ... من الشعرِ لا تسطاعُ أركانُها مسحا إذا شهدَتْ زَكَّى الأعادي حديثها ... وإنْ أثْخَنَتْ عَنَّا قلوبُهُمُ جَرْحا أكلّفُها فرْضَ المحالِ أَداَءها ... لِشُكْرِ نَدًى لا ينتهي مُزْنُهُ سَحًّا فخذها ابنةَ الحاءِ التي الحمد مبتدا ... لها وبها خلاّقُها كمّلَ المَدْحا وقال أيضا يمدح المولى محمد العالم المتقدم: أثارَ الهوى سجعُ الحمامِ المُغَرّدِ ... وأَرَّقني الطَّيفُ الذي لم اُطرّدِ ومسرى نسيمٍ من أكينافِ حائلٍ ... وَبَرْقٍ سَقى هاميهِ بُرْقَةَ ثَهْمِدِ وذكر التي بالقلب خَيَّمَ حُبُّها ... وألبَسني قَهراً علالة مُكمَدِ فبتُّ أقاسي ليلةً نابغيّة ... تُعرّفُني هَمَّ السَّليمِ المُسَهّدِ طويلةُ أذْيالِ الدُّجى دَبَّ نْجْمُهما ... إلى الغرْبِ مَشْىَ الحائرِ المتردّدِ وَيُزْعجُ وُرَّادَ الكرى دون مُقلتي ... بُعُوثُ غَرَامٍ من لدُنْ أُم مَعْبدِ بنفسيَ عُرْقوبيةُ الوَعدِ ما نَوَت ... وإن حلفتْ قط الوفاَء بمْوعدِ تَرُد إلى دين الصبابة والصَّبا ... فؤادَ الحليمِ الرَّاهِبِ المُتعبّدِ وَيقصِدُ في قتلِ الأحبةِ قُرْبةً ... بشرْعةِ دَيَّان الهوَى المُتأَكدِ

فتاةٌ حكاها فرْقدُ الجوّ مَنظراً ... كما ناسَبتْها نظرَةً أُمُّ فَرْقدِ مُهفهفةُ الكشحَينِ لم يدْرِ طرْقُها ... مِنَ الكُحُلِ الخْلقيّ ما كُحْلُ إتمِدِ إذا ما تثنَّتْ واسْبَكرَّ قَوَامُها ... عَلِمْتَ بأنّ البانَ لم يَتأَوّدِ وخاطبَ قاضي شِرْعة الشكلِ رِدْفُها ... إذا ما أقامَ العِطْف منها بأقْعَدِ غَضُوبٌ أَرَتْهَا نِخْوَةٌ في عِظامِها ... أنِ الوَصْمَ وَصْل العاشِقِ المُتَودّدِ على نَحْوِها تأبى الخليلَ تأنُّفاً ... وَشُحًّا برَشْفٍ منْ لماها المُبرَّدِ إذا ما تَرَضّاها تَسَامَتْ بأنفِها ... صُدُوداً وسامَتْني تَجَرُّعَ جَلْمَدِ وَأَحْرَقَ صدْرِي مازَها فوْقَ نحْرِها ... وَأشرَقُ منْ جمرِ الغَضى المتوَقِّدِ سَبتني فقبَّتْتُ الثرَى مُتَخلّصاً ... أَمَامَ امتدَاحِ ابنِ الشرِيف محمد هوَ الوارِثُ الفضْلَ التبئيّ خالصاً ... منَ العِلم والعَلْيا ومن طيبِ مَحْتِدِ ثِمالُ اليتَامى والأيامى مُوَكّلٌ ... بتفْرِيجِ غَمَّاءِ الشَّجِي المتنكّدِ غَيُورٌ إذا ما الحقُّ غيّرَ مُولَعٌ ... بقَطعِ لسانِ الباطِليّ اليَلَنْدَدِ أدِيبٌ أَرِيبٌ ليّنُ الجَنْبِ هَيّنٌ ... ولكنْ متى عادى فأيُّ مُشَدِّدِ إذا كشفَتْ عَنْ ساقِهَا الحرْبُ وَالتَظتْ ... وَساوَتْ صَدُوقَ الملتقى بالمُفنَّدِ سَقى الرُّمْحَ من نحرِ العَدُوِّ فدَيْتُهُ ... وقامَ بحق المَشْرَفيّ المهَنّدِ أَغَرُّ المُحَيَّا طاهرُ البشرِ طاهِرُ السَّ ... جايا كريمُ اليوْمِ وَالأمْس وَالغدِ جَزِيلَ النَّدى ما أَفَّ في وجهِ حاجةٍ ... ولا كفَّ حاشا جُودَهُ كفَّ مُجتدِ

كِلاَ الدِّينِ وَالدنيا به ازْدَان وَازْدَهي ... وَأَمَّنَ شرَّ المُبِطل المتمرِّدِ فرِيدُ العُلى يقْوى لِرِقةِ طبعِهِ ... عَنِ الجمعِ بينَ النارِ وَالماءِ في يدِ حَمِيدُ المساعي سارَ في الرتَبِ العُلى ... مِنَ المجدِ سَيرَ الفائقِ المتفرد تُسَاعِدُهُ في ذاكَ نَفْسٌ نفيسةٌ ... تَعُدُّ الثُّرَيّا للفتى غيرَ مصْعَدِ دأبتُ على السيرِ المبرّح والسُّرَى ... أجُوبُ الفيافي فدْفداً بعد فدْفد مَهامهَ للسارِينَ فيها توقُّعٌ ... لأهْوَلِ أُغْوَالٍ طواغيتَ مُرَّدِ يطيرُ لما يُبْدِينَهُ من تلونٍ ... شَعاعاً فؤادُ الضابطِ المتجلدِ إلى حضرَةٍ سنيّةٍ حَسَنيّةً ... منيرَةِ آلاءِ الهدى المتصعدِ حَوَتْ شَرَفَ العِلمِ الرفيعِ عِمَادُهُ ... إلى شَرَفِ البيتِ الكريمِ المصمّدِ فما تمَّ إلا ثمَّ فضلٌ ولا استَوَى ... سِوى ما تحلّتْ من كمالٍ وسُؤدَد وَبحرُ ندّى ما لِلْفُرَاتِ انسِجامُهُ ... وَدِجْلةُ لا تَحكيهِ فُسْحةَ مَوْرِدِ فأعْتادُ منهُ ما تَعَوَّدْتُ منْ يَدَيْ ... أبيهِ أميرِ المؤمنين المؤيدِ هُما والدٌ ما تَوَّجَ الملكُ مِثلَهُ ... وَمَوْلودُ صِدْقٍ بالمكارم مُرْتد عَظيمانِ مَعْنِيان بالدينِ وَحدَهُ ... فأعْطتهُما الدًّنيا سُلالةَ مِقْوَدِ

فلا بَرِحا بدْرَيْنِ عَمَّ سَناهُما ... وَبحْرَينِ لا يعدُوهما قصدُ مُجتد أمكنهُ من بكرِ شعرٍ خرِيدةٍ ... نتيجةِ فكرٍ سَلْسَلِ الطبعِ جَيِّدِ عَرُوبٌ عروسُ الزيّ أندَلُسِيةٌ ... مِنَ الأدَبِ الغَصّ الذي روضه ند مِن اللاءِ يستصبين مينَحْنُ عَنْوَةً ... ويَعْهدْنَ في الحرَّاقِ أطيَبَ مَعْهَدِ ويسلبنَ معقولَ ابنِ زَيدُون غِبْطةً ... بأسْلوبِ ما يَسقين من خمرٍ صرخَدِ مُهَذّبةٌ يَستمْلحُ الذهنُ سرَّها ... ويستعْذبُ استرسالها ذوق منشِد ترقّتْ لما فاقَتْ وَراقَتْ تبرُّجاً ... على مُعْتلى بُرْج البديع المشيّدِ وجانَستُهَا لفظاً ومعنىً كما اكتستْ ... نقِي السّيَرَاءِ البَضَّةُ المُتجَرّدِ وقيّدْتُ فيها غِزلةً لا ينَالُها ... سوابقُ فكرِ السابقِ المتصيِّد وَأَودعْتُهَا مما ابتدَعْتُ خُلاصةً ... يُبَادِرُها بالمدْحِ ألسُنُ حُسَّدِي تمنَّى العذارى لوْ تقلّدْنَ سِمْطَها ... مكان عقودِ الزِبرِجِ المزبَرْجَد وزخرفتها في معرَض المدْح روضة ... لِتُسقى بويلٍ من نداهُ مُسرْمَد رَوي أُنُفاً زان الندى صفحاتِها ... وقلّدَها أسلاكَ دُرٍّ مُنضدِّ أرَتْ من رَياحينِ الثناءِ أنيقَها ... ومنْ زَهَرِ الآدابِ ما لم يُخضَّدِ

هديّةُ مَنْ كسرَى وقيْصَرُ عِندَهُ ... من النزْرِ في ذاكَ المقامِ المحمدي تَخادَعْ وإن كنتَ اللبيبَ لِبَهْرَجي ... ولا تنتِقدْ يا سيدي وابن سيّد يميناً بما أوْلاكَ موْلاَكَ من عُلاً ... وَعِزّ حُلاُ فاتَتْ بَنان المعَدّدِ لطابقَتَ وَسْمَ الفاطِمِيّ وسَمْتَهُ ... فأهلاً وسَهْلاً بالإمامِ المجدِّدِ تَهنّأ على رَغمِ الحسودِ وَذُلّهِ ... لذاك الكمال الصَّرفِ واسْعَدْ واسْعِد وأبجح واهلِكْ واملِك الأرضَ كلّها ... فأنتَ وليُّ العهدِ وأغْوِرْ وأنجِدِ وشرّقْ وغَرّبْ فالبلادُ مشوقةٌ ... بما سوف نُحبي وأشكرِ الله وأحمد وقال محنض باب بن اعبيد الديماني، الذي تقدمت ترجمته، يخاطب حرم ابن عبد الجليل العلوي، الذي تقدمت ترجمته ايضا، فيما وقع بينهما في مسألة الحبس التي تقدمت: دعِ المدْحَ يغدُو في مسارحه يرعى ... ولا ترعه إلا كَلاً طيّبَ المرْعى ولا تمنَحِ المدحَ المهذّبَ غيرَ مَنْ ... له ربهُ قد طيبَ الأصلَ والفرْعا فعَمّمْ به في إبدَوَعْل وخصّصَنْ ... بنَي شيخنا قاضي القضاة تجد مرعا فإِنّ لهمْ في سالف الدهرِ رُتبةً ... عَلَتْ بعليٍّ تَفْرَعُ المرتقى فرْعا تمادتْ فما تنفكُّ ثمَّ كواكبٌ ... تضِيءُ لياليها حَنادسَ أو دُرْعا لهمْ من هجانِ الفكرِ أيُّ نجائبٍ ... تجوبُ قِفارَ العلمِ تذرعُها ذرْعا

نجائبُ إن ندّتْ أوابِدُ مُشكِلٍ ... من العلم شلّتها فتتركُها صَرْعا فلسنا بحمدِ الله بجحد فضلَهمْ ... وجاحد ضاحي الحق يصرعُهُ صرعا فجدُّهمُ أستاذ تاشمش كلّهمْ ... قد ارتضعوا من علمه الخلف والضرعا فحُقَّ علينا نصرُهْم واحترامُهمْ ... وتوقيرُهمْ ما أنبتتْ تُرْبةٌ زَرْعا لقدْ هالني من وجدِ حرْمَةَ شيخِهمْ ... عَلىَّ شَجًا لا أستطيُع له جرْعا هنيئاً مريئاً سَلْسَلاً ما بدا لَكم ... مِن القوْلِ ما باحَتْ إجازَتَهُ شرْعا لئن كنتُ قد بُلغّتُ عنكم مقالةً ... فإِني وربي لا أضيقُ بها ذَرْعا فإِنّ لكم حُرْمةُ الشيخُ حُرْمةً ... لدينا لها من تالِدِ الحلم أن تُرْعى وما كان ظني أن إيضاح مُشكِلٍ ... تنازعَ فيهِ الناسُ تجعلُهُ قَذْعا رُوَيْداً فما فيما كتبتُ اهتضامُكم ... وَإنْ تنصِفوني في المقالِ فلا بْدعا فإِنكم الأشراف الانضاف شأنُكم ... وكلُّ خصالِ الحمدِ كان لكم طبعاً وإني لأرجو أن أنالَ رضاكمُ ... يرجو ولوجَ البابَ مَنْ أدْمَنَ القَرعا وقال حرم بن عبد الجليل العلوي يجيبه: إذا صاحَ بازٍ كاسرٌ تَرَكَ السَّجْعا ... حمام غصون الأيْكِ إذ يختشي الفَجْعا

عجَمْتُمْ أساليبَ الفصاحةِ فاصطفت ... قرائحكم أسنا أساليبها فرْعا فأهْدَيْت منْ حَوْكِ البلاغةِ حُلّةً ... تُحلى مجيداً وَشْيُها الفكرَ أو دِرْعا يترْجمُ لي عَنْ جَوْدَةِ الطبع وشْيُها ... فقد جاَء وِتراً لا أطيقُ له شفْعاً تدِبُّ حُميَّاها لذي الذوقِ والذَّكا ... إذا قرَعَتْ من منشدِيها لهُ سَمْعا فلا يحسُنُ العِقدُ النفيسُ جواهراً ... إذا لم يكنْ في جيدِ غانيةٍ تَلْعا فإِنكم الأكفا لما قدْ زَفَفْتُموا ... فمْهرٌ يُواتيها أضيقُ بهٍِ ذَرْعا بنَو يُؤقِبنَّ اللهِ مؤثّلُ مَجدِهِمْ ... تَطاوَلَ حتى كاد يخترِقُ السَّبْعا وخُصَّ بني إذ بارك الله فإِنهمْ ... حموْا بيضة الإسلام أن تختشي صدعا فقُطبُ رَحاهمْ وهو بابُ هُدَاهُم ... مَحَمْ جامعُ الخيراتِ في بابه جمعا لقدْ وَلجتْ أبوابهُ كلُّ حلقَةٍ ... تعاني أصولَ الدين والأصلَ والفرعا فواضلهمْ دأباً غوادٍ روائحٌ ... فشانِئُهمْ لا يستطِيعُ لها دَفْعا مناقبهمْ تثنى عليهمْ فمدْحُهمْ ... حديثٌ معادٌ لا يزيدُهُم رَفْعا يَغُرُّون بالِحلمِ العدوَّ وَرُبما ... إذا قمعوهُ عنْ حِمىً أحسنوا القَمْعا إذا اخْتلَفَ الأقوامُ في حَلّ مشكِلٍ ... رَعى بعضهم ما لم يكنْ غيرُهُ يَرعى فقلْ ما ترَى واترُك سواكَ وما يَرَى ... فتخطئةُ المخطينَ أو غيرِهمْ شنْعا فهلْ كانتِ الأسلافُ يجبرُ بعضُهمْ ... سِواهُ على أمْرٍ يرَى غيرَهُ شَرْعا

فلوْ كنْتَ خَطأتَ المقدَّمَ أحمداً ... لَصدْتَ القَرَى والصَّيْدُ في جوفهِ صَرعا وإذ طاشَ منكم تالِدُ الحِلم غفلةً ... بطارفهِ أمسكْتُ إذْ سمتني قذعا جَري بيننا في راجع الوقف ما جرى ... ومنشئنا أدْرى بأحسننا صُنْعا أرِحْ منْ تعاطِيهِ لسانَكَ إنه ... حَظيرةُ أبناءِ الأمينِ التي ترْعي وخضْ في حديثٍ غير ذاكَ ولا تعُدْ ... لذِكرٍ لهُ ما أسْبَلتْ مُزْنَةٌ دَمْعا وما ارْتادَ قَوْمٌ مسنتُونَ لِقُوتِهمْ ... وضيفانِهمْ بالزرعِ أو غيرِهِ زرْعا دُعاءٌ بأبياتِ الخفيفِ جَوابُهُ ... علىَّ خفيفٌ لكنِ الصفْحُ لي أدْعا ولسيدي محمد الشيخِ سيديّ الذي تقدمت ترجمته، يخاطب أباه: يا سيدي إني فِدَاك اللهَ بي ... جاري الحما عنه لي من مذهبِ أطنابُكم موْصولةٌ بطنُب ... لحقّ ذي القرْبى وحقّ الجنبِ وإنني قِنٌّ لكم لم أشَب ... وذو انتسابٍ لست بالمؤتَشَب

وذو تعلُّقٍ وذو تحبُّبٍ ... وذو تملُّقٍ وذو ترَبُّب وسائلٌ وذاك غيرُ مَشْعب ... لكنني في نيلِكم كأشعبِ وكم حقوق لي لم أأنَّبِ ... إنْ قلتُ أهلها بهم أوصى النبي لا أنّ إلى منكُم لم يُرْقَبِ ... غمصاً لما من فضلكم عُلّقَ بي لكن عدا بي الطوْرَ توْقُ رقبي ... مِن نسبتي لكم لأعلى مَرقَب وأحمد الله فلو لم أنَسب ... إلى حماكم في الورى لم أحسب ولم تجدْ ركائبي منْ مضرِبِ ... في مشرق الأرض ولا في المغرب نعم كفاني لامتلاء جُرُبي ... علمي بكم ورؤيتي وَقُرُبي في جَنب ذلك هَباً عندَ هبى ... ملءُ البرى من فضةٍ وذهب أمّي فِدَاكم بعدَ أن يُبدأ بي ... وبأبي لو أن غيرَكمْ أبي ووجنتي لنعلكم في التيْرَبِ ... وِقايةٌ من شوكةٍ وعقرب مَنِ ادّعى عنكم غنىً في مذهب ... إني إلى مذهبهِ لم أذْهبِ

أمَا دري من جهلهِ المركّب ... بأنه سوى العمى لم يركبِ فإنه لولاكمُ لم يُضرَبِ ... له بسهمٍ ما أقلَّ مَضرَب ولم يزلْ حياتَهُ في تَعَبِ ... ولم يزِنْ بين الورى من زَغب وعذره الجهلُ وعلم الحدب ... منكم له أدى لسوءِ الأدب وما على عالي الذرا من نصب ... في هبَّةِ الصَّبا وَرَمْيةِ الصَّبي وكيف أغنى عنكمُ ونسبي ... ونشبي منكم ومنكم حسبي ومنكمُ دفعي ومنكم جلبي ... ومنكمُ درعي ومنكم يَلبي وأسَلى وقضُبي ومَوْكِبي ... وجَحْفلي وعضُدِي ومَنكِبي ومعقلي وملجئي ومهرَبي ... وملبسي ومأكلي ومَشرَبي ومَركبي وقرَبي وَقرَبي ... وطاعتي وَزُلَفي وقُرَبي ومنكم راحي ومنكم ضربي ... وراحتي منكم ومنكم طرَبي وجَبْرُ كَسرِيّ وجَبْرُ حَرَبي ... وبُرْءُ دَائيَ وَبُرْءُ جَرَبي وأنتمُ وسيلتي وسببي ... لما إليه وجهتي وخببي وأنتمُ دَرِيئتي من لهبِ ... نارِ لظى يومِ اشتدادِ الصَّيْهب أمْ كيف يَغنَى عنكم ذو أرَب ... لربه منْ عجمٍ وعرَبِ

ومالك الملك الذي لم يُغلب ... وفضلهُ إن يعطِه لم يُسلَب والفعل منه عنه لم ينقَّب ... وحكمه في الكون لم يعقَّبِ ولاّ كُم من اجْلِ ميراثِ النبي ... أمرَ الورى مِنَ اقربٍ وأجنبي رحبُ الفَضا لولاكمُ لم يرحُب ... ولم تُجَدْ جُزْرٌ يغُرّ السُّحب وإن يَصِبْ صَوبُ الحيا أو يَصِب ... لم يُحيى ميتا دونكمْ ويُخَصِب والدَّرُّ لولا رَغيكم لم يُحلب ... والدُّرُّ لولا سِعْرُكم لم يُجلب إذْ لرحى الأكوان حقُّ القُطب ... أنتمْ وهل تغنى الرحى عن قُطب فليؤمنِ الحسودُ أو يكذِّبِ ... ما طُرُقُ الحق كطرُقِ الكذب وأنتمُ غوْثٌ وغيْثُ المجدِب ... والنادب الملهوف والمنتَدِب ألفيتمُ الذين بقُطرِ المغرب ... طارتْ به في الجوّ عَنْقا مُغرب وَرَسمهُ عفتْهُ هُوجُ النُّكب ... ولم تُعجْ له صدُورُ الرُّكب شدَدْتمُ دُعُمَ كلِّ خَرِبِ ... منهُ فلمْ يُهْدَمْ ولم يَضطرِبِ وعنه ذُدْتمْ بشبا ذِي شُطب ... يُجرّعُ البُغاةَ كأسَ العطب

مَهْما يَسمْهُ الخسْفَ ضَخْمُ القبقَبِ ... قالت سيوفُ الحق فيه قبقَبِ فبزغت شمس الهدى في الغيهبِ ... فابَيضَّ كلُّ أبْيضٍ وأكهَبِ مُشْرقةً في نورِها المحتجبِ ... تبارك الله كأن لم تجبِ من نوره استمدَّ نور الشُّهُبِ ... فلاحَتْ اسْعُدُ السنين الشُّهُبِ فطابتِ الحالُ التي لم تَطِبِ ... وأرطبَ العيشُ الذي لم يُرْطِب وآض صابُ الدهرِ بنْتَ العِنَبِ ... واعتاضَ نابهُ ببرْدِ الشنَبِ بورك فيكُم وفي مطيّبِ ... ما حُزْتمُوا من طيبهِ المطيّبِ والله يُبقيكم لنفي الرّيَبِ ... ونفعنا منْ حاضرٍ وغيَّبِ وعن سبيل الأبطحيّ اليَثْرِبي ... جزاكم خيرَ الجزا خيرُ رب أدْعوهُ في كمالهِ المستوْجب ... أني متى أدعَّهُ يَستَجبِ مؤمناً إن غيره لم يهبِ ... ولا يقي في رغبٍ أو رَهبِ بالاسم الأعظمِ ومآلهُ اجتبي ... من صفةٍ واسم وآي الكتب والأنبياءِ كلّهمْ والنُّخَبِ ... من رُسلهمْ والمصطفى المنتخب والآلِ والأصحابِ والمنتسِب ... والأوْليا والمؤمن المحتسِبِ وبالملائكة والمقرَّبِ ... ورُسلهمْ من اقربٍ فأقربِ أن يُوليَ الرضى الذي لم يُعقَبِ ... بِسَخَطٍ لكم وطولِ الحِقَبِ وأن يزيد من عوالي الرُّتَبِ ... مقامَكمْ دون عنيً ورَتَبِ وأن يَقي نِعَمَكم منْ سَلَبِ ... وأن يقيكمْ شرَّ كلّ مِخلَبِ

وحاسِدٍ وراصِدٍ مُرَقّبِ ... ونافثٍ وغاسِقٍ إنْ يَقِبْ وعائنٍ وخائنٍ مُختلِبِ ... وهاتِكٍ وفاتكٍ مستلب وأن يُبارك لكم في العِقب ... منكم فيَحظى بثباتِ العَقِبِ ومنه جَلَّ وهو مولى الرَّغَبِ ... وفاطِرُ السَّبْعَين دون لَغبِ أرجو بكم نيلَ جميعِ أرَبى ... ودرك هملاج هوادِ الربرب وفوزِ سُهماني بكلّ مَطلَبِ ... قَصَّرَ عنه كلُّ ماضٍ قُلّبِ) وَحَمليَ العِبَء بصلْبٍ صُلَّبِ ... وكونَ بَرْقى غيرَ بَرْقٍ خُلَّب ومتحِيَ الغربَ بأقوى الكرَب ... وأن يُفَرّجَ تعالى كُرَبي وأن أفوتَ درك كلّ طلبِ ... وأُدرك المطلوبَ دون طلب وأحرزَ الخَصْلَ بغيرِ تَعَبِ ... وَأَخْرُزَ الخرْقَ بغيرِ مشعَب ويستقيمَ عرَجي ونكبي ... واركبَ النَّجاةَ خَيرَ مَركب

وَتُبْرِدوا من غُلَّتي بِنُغبِ ... من ثلْجِكم تُزْرِي ببْرِدِ الثغَب وتسمحوا بنظرةٍ من حَدِبِ ... بها يقومُ أوَدُ المحدَوْدِب وتنفحوا بنفحةٍ من طيّبِ ... طيبكم المطيِّبِ المطيبِ وتنشِلوا بجذَبة من يُجْذَبِ ... بها يصل بها فلم يُذَبذَب حتى أرى بالنائلِ المكتسَب ... مِنكم إليكم صادِقَ المنتسَب فيتولاَّني الذِي لم اكسِبِ ... ولاية منهُ فذاكَ مكسِبي لا زِلتموا في الحرَمِ المحجَّب ... والناسُ منْ حُرْمتهِ في عجب وأنتم في قطرِهِ المرَجَّب ... وعصره في مكةٍ ورجب يأتيه فلُّ أربٍ وهرَبِ ... كلُّ أخي مخافةٍ وتَرَب فآملٌ سيْحَ جِمامِ القُلُبِ ... ومشتكٍ هضْم اللُّصُوص الغُلُبِ وَمُستَرَقٌ رَامَ فكَّ الرَّقبِ ... وسالِك رام جوازَ العقَب وسائلٌ عن مشكِلٍ مستَصْعَب ... وجاهل يمشي كمشي المُصْعَب فيُلتَقي جميعهمْ بمرْحَب ... وَتُبسَطُ الكفُّ لهمْ بالرحب

وآدِبٌ بالنقرَى لم يدْرَب ... والجفلى مهما دعاها يَطرب تراهم لدى الجناب المُخْصِب ... على القِرَى كالعَكرِ المُعْصَوْصِب فمَنْ يَقُمْ يُزَدْ على المطَّلب ... وَمَنْ يؤبْ فحامِدُ المنقلب ولا يزَلْ برْقُ ندَاكم يطَّبى ... أهلَ القريض نحوكم وَالخُطَب رِكابُهمْ ينهجْنَ كلَّ نَيْسب ... من سبسبٍ خوارجاً لسَبْسب لما رأوا مُهدِى الثنا في النصُب ... إلا لكم لم يذبحوا للِنُّصب والكلُّ عَدَّ نفسه كالمذنب ... لعجزه أطنب أم لم يُطْنب وكلُّ من أصابَ أو لم يُصِبِ ... تُغْضُونَ عنهُ من علو النصب فتتحفونهمْ بكلّ أرَب ... تأسّيًا بالحنفيّ اليثرَبي أتحفهُ اللهُ بغيث صَيّب ... من الصلاة والسلام الطيب والآل والصحب وكل مُجتبى ... دينَ النبي المجتبى لم يرْثب ما فاز بالشُرْب قصيرُ الكرَب ... مِن ازْرق الجمّ قريب المشرب ولم يؤب فوق ركابٍ خُيَّب ... مَن انتهوْا لولدِ المسيَّب

جاَءت لقصدِ الزورِ والتقرُّب ... تسحبُ ذُلاّ خدَّها في التُّرُب هذَّبها من ليس بالمهذّب ... لكنه في ضمنها لم يَكذب تمري الندى الذي بدرّهِ حُبي ... مهدى الثنا مَرْيَ الصَّبا للسُّحب ترجو النجاةَ من دواهي الحقب ... والفوز بالنجح وحسن العقب وقال أيضا: ما للمحبينَ مِنْ أسرِ الهوى فادِ ... ولا مُقيدٌ لقتلاهمْ ولا وادِ ولا حميمٌ ولا موْلى يرِقُّ لهم ... بلْ همْ بوادٍ وكلُّ الناس في وادِي يا رحمتي لهمُ ما كان أصبَرهمْ ... على مُعاناةِ جمعٍ بين أضدادِ والناسُ ألْبٌ عليهم واحدٌ فلذا ... ما إنْ ترى مَن يُواسيهم بإسْعاد إمَّا عذُولٌ وإمَّا ذو مراقبةٍ ... أو زاعمُ النصح أو ساعٍ بإفساد إن أظهروا ما بهم ليموا وإن كتَمُوا ... لاقوا بما كابدوا تصديعَ أكباد وهيّنٌ كلما لاقوهُ عندهُم ... لوَ انَّ أحْبابَهمْ ليسوا بصُدَّاد يا عاذِلينَ أقُّلوا اللّوْمَ وَيْحكُم ... إني لمنْ رامَ قَوْدى غيرُ مُنْقاد ولا يُلينُ قناتي غمزُ غامزِها ... ولا يقيمُ ثقافُ العذلِ مُنآدي أحَيْثُ ما كنتُ أو يممْتُ من جهةٍ ... ألْفِي رَقيباً ولوَّاماً بمرْصادي ما اعْتادَ قلبي الصّبا لكنَّ من ملكت ... يَدَ الغَرامِ يعَوَّدْ غيرَ مُعْتاد يزدادُ باللوْمِ حُب الصادقين هَوًى ... واهاً لحبٍّ بطول اللوْم مزدادِ والطرْفُ للِقلب مُرتادٌ ولا عجبٌ ... في قَفْوِ منتجعٍ آثارَ مرتادِ والحبُّ أمرٌ عزيزٌ ليس مُرتبطاً ... في حكمه عند مَن يدريه بالعادي ما لي وحُبَّ الآلى يتركن منتظماً ... حَبَّ القلوبِ بألحاظٍ وأجياد

هلِ النساءِ سِوَى لحم على وضَمٍ ... لمبتغى نُزُلٍ أو مبتغِى زاد فُهنَّ قدْ هنَّ إذ صَيَّرن مبتذَلا ... ما عِندَهنَّ لأوباش وأوغاد لذاك أعرضْتُ عن لهو وعن غَزَل ... وعنُهما صُنتُ إنشائي وإنشادي ولي من الفكرِ أبكارٌ مشنَّفةٌ ... مِن البديع بترصِيع وإرصاد وإنما بي هَوَى بيضاَء واضحةٍ ... كَلفْتُ وجداً بها من قبل إيجَادي حَسناَء مُعرقة في الأكرمين وما ... كانت لتدعى لآباءٍ وأجْداد ما للزعانِفِ في وصلٍ لها كمعٌ ... ولا لهم سرُّها المكنون بالباد وهذا ما بقي من قصيدته التي تقدمت بعد قوله: فمن يجل. . . الخ: إلى خيْفِ المُحَصَّبِ رائحاتٍ ... بكلّ أشَمَّ ضاحي الوجنتينِ وتغدو بالشروق مبادراتٍ ... بنا أجْلىْ نَعام جافَليْنِ من التعريف مُسْياً صادراتٍ ... يخدْنَ مَنكبات المأزِمينَ

ومن جمعٍ يسِرْنَ مُغلّساتٍ ... لوقفةِ ساعةٍ بالمشعَرَيْنِ ببطنِ مُحسَرٍ مُترامياتٍ ... لأولى الجمرِ دون الأخريَيْن وترجعُ إنْ أفاضتْ لابثاتٍ ... ثلاث ليائل أو ليلتينِ وللبيتِ العتيقِ مُوَدّعاتٍ ... قد ارتاحت لإِحدى الراحتين وأخرى لم تكن لِتنالَ إلا ... مُرور محلّ إحدى الهِجرتين إليها من كُدًى يهبطن صُبحاً ... هبوط السيل بين القُنَّتيْن توَّخى مسجدَ التقوى تحرَّى ... مُناخَ محمدٍ والصَّاحبين تَمُرُّ بذي الحُلَيفْةِ حالِفاتٍ ... على الألباب بين اللاّبتين فتستقصي بِها الرُّكَباتُ منها ... من القصوى مكان الرُّكبتين ولا تُلِقى عِصِىَّ السيرِ إلا ... إذا وصَلتْ لثاني المسجدين ضريحِ المصطفى صلى عليه ... مع التسليم رب المشرقين يحفُّ خليفتاهُ بهِ فأكرِمْ ... بهمْ من مصطفىً وخليفتين

وأصحابُ البقيع ومن حَوَتهُ ... مِن الأبرارِ كلتا البقعتين جُزوا عَنا برَيحانٍ ورَوْحٍ ... عليهمْ لن يزالا دائمين وأوتوا جنتين دنت عليهمْ ... بخيرِ جَنى ظِلال الجنتينِ أوْلاك الناسُ أهلُ الله حقاً ... حماةُ الدينِ بالأسلِ الرُّديني بهمْ يا ربّ عاملنا جميعاً ... بلطفك دائماً في الحالتينِ وبالمأمول جُدْ فضلاً علينا ... وق الاسْواَء في الدارين نَيْن وبالحسنى لنا فاختمْ إلهي ... كتاب الحافظينِ الكاتبين ولمولود المتقدم مقطعة تقدم منها بيت وهي: لمثلها من عتاق شَعْشَعاناتِ ... قضى اللبانةَ معنىُّ اللُّباناتِ مِلْمَوْجِ شُدَّتْ لطياتٍ بأرحلها ... ويْلُمّها إبلا شُدّتْ لِطيَّات راحت برَحْليَّ من فَرَلَّ واكتفلَتْ ... تلك العشيَّةَ بالسبع الاضيّاتِ طَوى برَحْليَ أجواز الفلا يَققٌ ... عَركْركٌ من ذوات العجرفياتِ جأبُ الشرَاسِيف ينبو عنْ وليتهِ ... كالأخدَريّ يُبارى أخدريَّات

إذا النّجائب أمست لا حِراك لها ... تحتَ الوليَّاتِ أشباه البليات نُجُبٌ ينجيننا من كلّ مَهلكةٍ ... لم يقتَحمْ هَوْلَها إلا ابن مقلات زَوَى الأريب عنها خوفها فخَلتْ ... ألا الوحوشَ جماعاتٍ جماعاتِ ولوْ تراهنَّ يَفرِين الفرِيَّ بِنا ... مِنا بكلّ فتى كالنصل مِصلاتِ ضخمُ الدسيعَةِ لا ينفكّ ديدنهُ ... نَيْطُ المسرات أو ميط المضَرَّاتِ معصوصباتٍ على معصوصب خشِنٍ ... ما بين وهْمٍ عَلندَي أو عَلنداة مالي أرانيَ مذْ يوْمي وليْلاتي ... تامت فؤاديَ إحدى اللادِميَّاتِ أدْمانةٌ من بني المبروك حُمَّ لنا ... منها لَعَمْرِي إدْمان الصَّباباتِ وهذا ما بقي من جيميته التي تقدمت بعد قوله: هم الأسود. . الخ: ما كان أحسن في الهيجا لقاَءهمُ ... إذا التقى في الوغى القِرْنانِ واعْتلَجا وَلاَّهُم الدبُرَ الناسُ الألى جَمَعوا ... لهمْ وما منهمُ إلا بها حَبَجا خاضوا لإظهار دين المصطفى لججا ... لاقتْ بهمْ لججاً تستغرِقُ اللججا يهُزُّ عَضباً كأن الموت صورتهُ ... في كف أرْوعَ يلقى الموت مبتهجا

تراه همتهُ في الموت تحسبهُ ... يوفى به نُذُرًا يقضى به حَوَجا تراه يقتحمُ الهيجا كأنَّ به ... على كمالِ النُّهي عند اللقا هَوَجا كم قاسموا البيض والسمرَ الموارن من ... حمى أعاديهم النسوان والمهجا فللجحاجح منها كلُّ خَرْعَبةٍ ... روْدٍ حوى خِدرها منها رشا غَنجا ترنو إليك بطرْفٍ زانهُ سَقَمٌ ... فيه إذا نظرت منه تراه سجا والسمهريُّ توخى ما نخيره ... منها الكُلى والنَسا والسَّحرَ والثبجا والمشرفي تولى أمكُناً شَرُفَتْ ... منها القماحيد واليافوخ والحُججا وكان مصطفيات المشرفيةِ منْ ... ذاك العلابيَ والحُلقومَ والودجا ماذَا تظن بقوْمٍ بالهدى افترنوا ... يَجرون أين جرى يحجون أين حجا أرى بمدحي لهم عن مدحهمْ قِصراً ... حتى كأنَّ بليغَ المدح صار هِجا يا منْ بقدْرته تقفو إرادتُهُ ... لم يبغ إذ مرَج البحرين ما مرجا بنورِ وجهِكَ بالذات العلى وبما ... من الكمالات في أوصافه اندرجا وبالنبيّ ومستقفي النبيّ ومَنْ ... مِنَ أوْليائك ممنْ قبلَهُ اندرجا

اجْعل عُبَيْدَك مولودا من أوَّل مَن ... في رحمةِ الله فيها خالداً ولجا وإنني مؤمنٌ بالمصطفى وبما ... به من الحق من عند المهيمن جا وافتحْ علينا من ابواب الكرامة يا ... فتاحُ ما كان منها دوننا ارتتجا والطفْ بعبدك في حالاته سيما ... إذ هّو مُنحنِقٌ من ريقهِ بشجا وثبتنْ قدمى على الصراط إذا ... ما الاشقيا زَلِجَتْ أقدامُهمْ زلَجا عليه من صلوات الله أطيبها ... ما هاج ذكر حبيب للحبيب شجا معها سلامٌ كأنفاسِ الرياض إذا ... فيها نسيمُ الصبَّا مع السما مَعَجا إلى هنا وقف القلم بنا في الكلام، على أدباء شنقيط، وما تيسر لنا من شعرهم، مما حفظناه عنهم، وليعذرني المطلع على ذلك، فإني أول من عُنى بجمعه وتدوينه، ولعل من يأتي بعدي لتوسيع نطاق هذا الباب، يجد كتابي هذا أمامه، فيحذو حذوه، والله الموفق.

الفصول التي وعدنا بتذييل هذا الكتاب

الفصول التي وعدنا بتذييل هذا الكتاب الكلام على شنقيط وتخطيطها فصل في شنقيط وحدودها وما يتعلق بذلك شنقيط: تكتب بالقاف والجيم، وكانت في العصر الأول، تكتب بالجيم فقط، كما يوجد في الصكوك القديمة، وكتبها شارح القاموس في المستدرك، بعد شنطات هكذا: (ومما يستدرك عليه: شنكيت، مدينة بأقصى المغرب). وفيه ايضا مستدركا بعد الشنقيط: ومما يستدرك عليه شنقيط بالكسر: مدينة من أعمال سوس الأقصى بالمغرب. وتفسير شنقيط، عيون الخيل: على ما ذكره سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم. وشنقيط في الأصل: تطلق على مدينة آدرار، واقعة فوق جبل، في جهة غرب الصحراء الكبرى، ثم سمى به القطر كله على ما سيأتي بيانه، فصار من باب تسمية الشيء باسم بعضه. ويحد هذا القطر شمالا: الساقية الحمراء، وهي تابعة له، وجنوبا قاع: ابن هيب، وهو تابع له ايضا، وشرقا: ولات والنعم، وهما تابعتان له أيضا، وغرباً: بلاد سنكال، أو سنغال. المعروفة عند أهل شنقيط بإِندر، وهي خارجة عنه. وقد أخذنا خريطتها من أحدث الخرائط الفرنساوية، وزدنا فيها بعض ما اطلعنا عليه. الكلام على شنقيط هل هي من السودان أو من المغرب؟ شنقيط من المغرب على ما كنا نعهد، وذلك معروف عند أهل شنقيط،

وأهل المغرب، وقد أنكر ذلك بعض المشارقة، وادعى أنها من السودان، وذلك أن بعض الشناقطة، كان مقيما بالمدينة المنورة، فكان يأخذ من وقف المغاربة العمومي، فتعصب عليه الجزائريون خاصة، وقالوا: إن الشناقطة ليسوا من المغاربة، فمنعوه من أخذ حصته، فلما قدمت إلى المدينة المنورة، سنة سبع عشرة وثلامائة وألف، واجتمعت به، أخبرني بما جرى له. فقلت له: إن سيدي العربي بن السائح، نص في كتاب (البغية) على أنهم من أقصى المغرب. ورأيت في دار كتب المرحوم عارف حكمت بك بالمدينة المنورة، كتابا للسيد مرتضى الزبيدي، شارح القاموس بخط يده، يعدد فيه أشياخه، ويترجمهم فذكر من جملتهم: عبد الرشيد الشنقيطي، وذكر إنه مر عليهم بمصر متوجها إلى فاس، في قضية مماثلة لقضيتك، قال: ثم رجع إلينا، وقد صدق له السلطان بأنهم من المغاربة، وحكم بذلك القاضي ابن سودة (والأغلب أن ذلك السلطان هو سيدي محمد بن عبد الله). فبعد سفري، بلغني أن مفتي المدينة، وهو تاج الدين إلياس رحمه الله، لم يقبل ما في الكتابين، وحكم بأن الشناقطة من السودان، زاعما أن ذلك مقتضى ما في الجغرافية. وهذا عجيب، فإن النخبة الأزهرية، نصت على ان شنقيط من المغرب، وهذا نصها: ومن الواحات الشهيرة فيها (يعني الصحراء) غربا الآدرار، وتسكنها قبائل الأرواد، وهم مغاربة مسلمون. ومركزها وادان، ومدنها شنقيط، ثم تاغانيت، ومركزها تيشيت، ثم والاته، الخ ما ذكره. وقد ذكرنا حكمه هذا، حكما كاد يقع في مكة المكرمة بشهادة حمير، لولا أن المحكوم عليه كان من الظرفاء، فتنادر للحاكم فضحك، وخلى سبيله. وذلك

الكلام على تاريخ عمارة شنقيط

إن أحد الشبان، كان يجتمع عنده السفهاء بمكة، فشكوه إلى الوالي فنفاه إلى عرفات، فكتب إلى أصحابه، بأنهم صاروا إلى الأمن والنزهة، فصاروا يكترون حمير المكارين، ويذهبون إليه، فشكاه أهل عرفات إلى وإلى مكة ايضا، فأحضره، فأنكر، فقيل له: مر بحمير المكارين أن تساق إلى عرفات، فإذا وقفت عند بيته من تلقاء نفسها، فذلك دليل، فأمر بالحمير فسيقت إلى عرفات، فوقفت على بيته، فصدق ما قيل له، فلمَّا هم بتنكيله. قال له: والله ما في هذا شيء، أشد علينا من أن يسخر منا أهل العراق، ويقولون: إن أهل مكة يحكمون بشهادات الحمير. فما يؤسف عليه: أن ذلك المفتي رحمه الله، نبذ خط السيد مرتضى بيده، وكلام سيدي العربي بن السائح، وحكم بالجغرافية، على أن الجغرافية ليس فيها ما نسبه إليها. والقبائل التي سمى لا توجد في آدرار، وقوله تاغانيت، ومركزها تيشيت، غير صحيح أيضا، فتاغانيت هي تاكانت، وليس بها من المدن إلا تيججك والرشيد، أما الرشيد، فليست عامرة دائما، بل قد تمر عليها سنين متتابعة، لا يدخلها غير الحمام. وذلك إذا كان أهلها في الحرب، كما وقع مرارا، وأما تيشيت، فبينها مع تكانت، أربعة أيام، وتعترض بينهما أرض آوكار وتكب، وغير ذلك. الكلام على تاريخ عمارة شنقيط كانت شنقيط عيونا تشرب منها الخيل كما تقدم، وقد مضى من تاريخ عمارتها إلى وقتنا هذا وهو عام 1329 خمسمائة سنة تقريبا، وقد بنيت في أول الأمر على موضع مستومشتد، فانتقلت إليها الرمال، حتى أن جوانبها يخشى عليها أن تواريها الحصباء فيما بعد. وهذا يوجد في تلك البلاد، فان منها أماكن دهسة، فالريح تنقلها على طول الأزمنة كما هو مشاهد.

ومن أغرب ما يحكى، أن في بعض صحاري إدر، أوداء عامرة من النخل إلى الآن، فيما يقال، لا أنيس بها. ويقال: إنها كانت بها قرى فدفنتها الريح، وأن بعض أودائها عامر بالنخل، وأن الريح تلحقه لكثرته، وقرب بعضه من بعض، لأنها تنسف الطلع إلى النخل المحاذي له، فيغنيه ذلك عن تأبير الناس. وإذا أفرك، فإن الريح تسقط ثمره تحت النخل، فتأكله الوحوش والذئاب، وربما مر عليه بعض الجيوش الذين يذهبون للنهب، فيتزودون من ثمره. والله أعلم. قال العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي في رسالته (صحيحة النقل في علوية إدوعل وبكرية محمد غل): وهم يعني (العلويين) كانوا زمانا قبل توطنهم آبير وشنجيط، بتبلبالت. أخبرني الثقة، عن سيدي المختار الكنتي رضي الله عنه، انهم كانت لهم مائة ساقية، وإلى الآن يذكر لنا من مر بتلك الجهة، أن موالى العلويين بها، ويتراجعون أحدا منهم يكون لهم أساسا، ثم لم يزل العلويون قبائل كثيرة، بآبير. بلغنا أن كل من أوَّل اسمه إد (بكسر الهمزة وفتح الدال المهملة) من قبائل الزوايا، خرج من آبير، وكان العلويون فيه أربعين أو اثنتين وأربعين قبيلة، ما بين صميم وحليف. وكانوا يقتلون من قتل، حتى قتل جدنا يحيى قتيلا، فقال بعضهم: نقتله، وقال بعضهم نطرده، ثم طردوه ولم يقتلوه لشرفه فيهم وعلو منزلته، فجال في البلاد، ثم أتى شنجيط، وقد بنيت فيه بيوت قليلة فيها: أعمر يبنى وجد إد يجر ومحمد غل، فأراد النزول معهم فقال بعضهم: خلوه ينزل معكم، لكن سيستبد بالأمر عليكم، فسكن معهم. وآبير: قريب جدا من شنقيط. ومعنى شنقيط: عيون الخيل، ثم لم تزل عمارة شنقيط تنمو، وتضمحل عمارة آبير، إلى أن لم يبق فيه داع ولا مجيب.

وابتداء عمارة هذا، إلى زوال عمارة ذاك، أربعون سنة. وكان في شنجيط أحد عشر مسجدا، بالمسجد العتيق العامر اليوم، وله اليوم نيف وأربعمائة سنة، والناس يقولون إنه من المدائن السبع، ولا أدري ما المدائن السبع، ولما اختصت بالسبع دون سائر المدائن. فإن كان المراد أنها هي الموجودة زمنه صلى الله عليه وسلم، فالموجود إذ ذاك أكثر. والمراد آبير: لأنه هو القديم، لكنهما كالبلد الواحد. وكان الركب يمشي من شنجيط إلى مكة كل عام، ويتعلق بهم كل من أراد الحج من سائر الآفاق، حتى إن أهل هذه البلاد، أعني من الساقية الحمراء إلى السودان، إن رووا، لا يعرفون عند أهل المشرق إلا بالشناجطة إلى الآن، وقد تحج الدار منهم كلها، حتى لا يبقى فيها صغير ولا كبير، من شدة اعتنائهم بالحج، ويحجون من قدروا عليه. وقد بلغنا أن الحاج محمد أحمد، والد أبي كساء أنفق في الحج على أربعين نفسا من غير عياله، وحملها لله تعالى. وقد كان العلويون يقدمون من كان معهم من الزوايا للإمامة، فكانت أولا للسماسدة، ثم جعلوها للأغلال، فتغيروا من ذلك وخرجوا من شنجيط، فذلك سبب خروج السماسدة من شنجيط. وخرج يوما من شنجيط، اثنان وثلاثون ألف جمل موقرة بالملح عشرون لأهله، واثنا عشر لأهل تيشيت. وباعت الرفقة كلها في زار. فتعجب الناس أي البلدين أعمر، مع اتفاق الكلمة، وكانوا إذا مات شيخ، رأسوا عليهم آخر. فبقيت دولتهم بشنجيط دولة دين ودنيا، ثلاثا وثمانين سنة، مدة حياة الشيخ سيدي أحمد بن الوافي فلما توفي، وقعت الحرب بينهم، واعتزل الفتنة من اعتزلها فمنهم من خرج شذر مذر. ومنهم من بقي مع اعتزاله إياها، حتى انقضت الحرب بين أهلها، وقد قتل بتلك الحرب، مائة وأربعون من البيض وما بقي من الكحل، وكانوا

الكلام على جغرافية بلاد شنقيط

يقتتلون الليل والنهار، إلا أنهم لا يغدر بعضهم بعضا، ولا يقتله إلا إذا لقيه في الصف، ولا ينتهبون الأموال. ثم انتقل البيض إلى تيججك، آخر القرن الحادي عشر). موقع بلاد شنقيط قال ياقوت في معجمه، عاطفا له على سوس خوزستان: (والسوس أيضا بلد بالمغرب، كانت الروم تسميها قمونية. وقيل السوس بالمغرب: مدينة كورتها ظنجة. وهناك السوس الأقصى، كورة أخرى مدينتها طرقلة. ومن السوس الأدنى إلى السوس الأقصى، مسيرة شهرين، وبعده بحر الرمل، وليس وراء ذلك شيء يعرف). وبحر الرمل الذي ذكره: أرض دهسة، يغوص فيها الإنسان والجمل، فربما أتى الناس بالحبال، واحتالوا للغائص فيها، حتى ينقذوه، وربما أعجزهم، وربما انهار معه من أراد أن يخلصه. وبحر الرمل الذي ذكره هو (آمطليش) على ما أظن. ولهذه الأرض منافذ تسلك بمشقة، ومن تخلف عنها تلف، ولا يقدر الإنسان أن يمشي على قدميه فيها ساعة من النهار. وقد سلكت أرضا بين فاي، وآدرار، قريبة من هذه الصفة. والظاهر ان أرض بنبار وفُوت وجلف وإيسنغان وبول وسين وسالم، لم تكتشف إذ ذك، ولا تقل هذه الأرض عن مسيرة أشهر عديدة، وأهلها سودان مختلفون في الأديان واللغات، ولا يعلم عددهم إلا الله تعالى. الكلام على جغرافية بلاد شنقيط تقدم الكلام أن شنقيط اسم بلد، ثم ألحق به ما جاوره، فتسمى الكل باسم البعض، وبهذا تنقسم بلاد شنقيط إلى أقسام. أحدها: آدرار، وينقسم إلى قسمين، أظهر: وفيه شنقيط الأصلية. والباطن: وفيه آطار، إحدى مدن شنقيط المشهورة. وباقي الأقسام، يحتاط بآدرار من جهاته الأربع.

الكلام على آدرار تفصيلا

الكلام على آدرار تفصيلا (آدْرَارْ) سألت بعض أهل اللغة الشلحية، فقال لي: معناه عندهم الجبل. وله حيط يضاف إليه، وهو عبارة عن جبال شاهقة، يعانيها الصاد، مقدار أربع ساعات، وهي كالدائرة محلقة في السماء، حتى إذا انتهى إليها الصاعد، وجد أرضا مستوية، فوقها جبال شامخة ومدن، وأوداء نخل، وكثبان رمل، كأنه في أرض أخرى. وهي التي تسمى أظْهَرْ، يسير فيها الراكب مقدار ستة أيام طولا، وأقل من ذلك عرضا. وقد توجهت إليه من جهة أرض القبلة، مما يزيد على يوم، وظننته سحائب سوداء. الكلام على طرق حيط آدرار (سانِ) هو آخر طرق آدرار، وهو جبل أزرق سهل، وبه آبار قصيرة كثيرة الماء. (الغلاّوية) هي بئر، وبها سمى جبل قريب منها. (إنْزِمْرَانْ) جبل أسود وبه بئر، وهو طريق يطلع منها إلى أظهر، وينزل إلى الباطن. (إثناي) طريق ينزل منها للباطن، ويصعد للظهر. (البَيْظِ) بالتصغير العامي، وهو جبل أزرق، والطريق التي ينزل إليه منها يقال له: إثناي. (آغْمَاكُ) وهو واد يصعد منه إلى اظهر وينزل منه إلى الباطن، وبه نخل كثير، أعلاه لإيدوعل، وأسفله للشرفاء، أهل عبد المالك. (أمْ لِخْطيْرَاتْ) طريق في جبل أسود، يصعد منها لاظهر، وينزل إلى الباطن. (إجديدَ) بينها مع شنقيط نصف يوم، ينزل منها إلى إجْرَيْف.

الكلام على أظهر

(أوْسْ) وهو طريق في جبل شاهق أسود، وهو مثل إجديدَ، يصعد منه إلى اظهر، وينزل منه إلى القرارة المسماة به. (آمكجارْ) طريق يصعد منها إلى اظهر، وينزل إلى قرارة عظيمة. وبه سميت. (الواد الأبيظ) ينزل منه إلى يغْرِفْ) وأقرب أودية النخل إليه، تُوْمكاد، بينه وبين أوجفت. (شاة) باسم الشاة، ويقال له: شاة الجن، يقال: إنه لا يمر به أحد إلا سمع صوت طبول الجن، وهذا شائع عند أهل تلك البلاد. (أرِيج) هو طريق إلى الحفيرة، ويهبط إلى (كَوَاتْ) وهي جبال سود، وبعدها اجبيتن وازكيميرْ، وهو جبيل محدد الرأس، وكل هذه هي أواخر آكان، عند أهل آدرار. الكلام على أظْهَرْ (أظْهَرْ) عبارة عن الحيط المتقدم الذكر، وما عليه، وأشهر مدنه: شنقيط، ووادان، وأوْجَفْتْ. أما شنقيط: فهي أقدم مدنه الموجودة، أعني ما بعد آبير، الذي تقدم ذكره، وتقدم بعض خبره، وسكان شنقيط الآن، ما بقي فيه من قبيلتي: إيدوعل والأغلال، وهما أول من عمرها. وبطحاء شنقيط: هي أحسن بطاح تلك البلاد، ولها خصوصية، وهي أن كل البطاح، يبتدئ سيلها من الشرق إلى الغرب، إلا بطحاء شنقيط فإنها بالعكس. ونخل شنقيط من أحر آدرار ثمرا، أعنى إنه لا يصبر عليه آكله، من غير ما يسمونه حُمَّان، وهو شيء من الطعام الحار، يؤكل بعد التمر، ليزيل ما يحدث

بآكله من الغم، الذي يسمون صاحبه (امْتَيْنَكْ)، أي وقع به ما يكدره ويبغضه في التمر، وهو آخر نخل آدرار نضجا، فغن غيره يبتدئ أكله، من آخر يونيه إلى أول أغسطس، وأما هو، فيبتدئ أكله، عندما يُنتهى من غيره، ويسمون أغسطس أغشت، وهو أكثر نخل تلك البلاد حملا، وفيه جنس يسمونه بُجَّيْرَ، قد تحمل الواحدة منه خمسة أوسق، أي يكون في حمل الواحدة منه النصاب، ونخل ذلك الجنس، ليس من النخل الجيد التمر، وهو أقل من غيره من أودية آدرار، صبرا على عدم السقي، ويقرب من شنقيط. (لمغالك) وهي رمال عظيمة، وفي آخرها دور شنقيط، تمتد منه جنوبا، وترب شمالا، وتنتهي إلى الزركة. (الزركة) بمعنى الزرقاء، وهي جبل أزرق كاسمه، وجانبها الغربي يقال له: العاتق، وبها مزارع يزرع بها القمح والشعير والدخن واللوبيا، ويقال لها عندهم: آدْلَكانْ. وفُنْدِي، وهو نوع من البطيخ جيد، ما رأيته في غير تلك البلاد، وقريب منها. (اِنِتِكمْكِمْتْ) واد كثير النخل، وبه مزارع، وكله لإِدَوعلِ، قريب من شنكيط و. (دخِلت تافُدَالِتْ) وهي ايضا واد قريب من شنقيط، على مسيرة يوم، وكله لإِدوعل. (تِنيكي) (بتاء مثناة فوقية، مكسورة، ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية، وكاف معقودة مكسورة) مدينة مشهورة، وهي من مدن آدرار المعتبرة فيما مضى، وأهلها قبيلة تجكانت، وبخلاها من السكان، يضرب المثل فيقال: أخلا من تنيكي، وسبب خلاها، أن شابا سفيها من أهلها، اعترض في طريق ضيقة، تمر الناس منها، فوضع رأسه على ناحية منها، رفع رجليه على الناحية الأخرى، وصار إذا أراد أحد المرور، يمنعه إلا بشرط أن يمر من تحت رجليه، فأتت امرأة

فكلمته في أن يتنحى عنها، فأبى، فلما طال عليها القيام، أرادت أن تمر من تحت رجليه، فلما صارت تحتهما، أرخاهما على رأسها، فوقع فمها على الأرض، فسقطت ثنيتاها، فحملتهما إلى أخوتها، فاخترطوا أسيافهم فقتلوه، واقتسم أهل المدينة قسمين، فاقتتلوا وتفرقوا فهي خالية إلى الآن، وقد تهدمت دورها، فلم يبق منها إلا بقية من جدرانها وجذوع من نخلها، وهي بين شنقيط وتنوشرت، والمسافة بينها وبين شنقيط، أقل من يوم. (تنوشرت) هي واد فيه نخل، وأصله لإدوعل، فرهنوه في ديات عليهم لإدولحاج، وكنت، فغلق رهنه، وقيل: رهنوه في دية كبَّاد، الذي تقدم ذكره في قصيدة حرم بن عبد الجليل. (فارِسْ) واد كثير النخل لإيدَيْشِلّ، بينه وبين شنقيط يوم ونصف. (تُولْ) واد كثير النخل لإدوعل، بينه وبين ما قبله، يوم ونصف. (امْحَيْرِثْ) واد كثير النخل، جيد التمر، بين إدوعل، وأولاد غيلان، قريب مما قبله. (تِنْبَهْجَتْ) واد كثير النخل، على جهة الغرب من تُولْ، بين إدوعل، وأهل عبد الملك. (لُدَىْ) واد كثير النخل للسماسدة وإديشلّ، بينه وبين ما قبله، نصف يوم. (تُومْكاد) واد كثير النخل لايديشلّ والسماسدة، قريب مما قبله. (إيرش) واد كثير النخل لإيديشل، بينه وبين ما قبله، يوم ونصف. (لِحْفَيْرَه) تصغير حفرة، بالتصغير العامي، واد كثير النخل، لأهل الشيخ سيدي، ونخله جيد، بينه وبين ما قبله، يوم ونصف، وفي جودة تمره، يقول بعض ظرفاء شنقيط: حسبي بمبسمها الألمى إذا ابتسمت ... من تمر لِحْفَيْرَ أو من تمرِ وادان

الكلام على أوجفت

وسأل بعض الطلبة، الحسن بن زين المتقدم ذكره، هل هذا البيت لمتقدم أو متأخر؟ فقال: لمتأخر ثقيل. (إتْوَيْرَهْ) واد كثير النخل لإديشل. (آمْدَيْرْ الكبير) هو واد كثير النخل، بينه وبين شنقيط يوم ونصف، من جهة آطار، وأكثره لإدَوعْلِ، وبعضه للسماسدة. (آمدبر الصغير) وهو أكبر مما قبله، وفيه دور ونخل كثير، بينه وبين ما قبله، نحو شاعة، وهو بين إدوعلِ وأهل عثمان والسماسدة وتيزكَّه. (تَكوُّكة) (بمثناة فوقية مفتوحة وكاف مشددة مضمومة ومعقودة وكاف مشددة مفتوحة معقودة أيضا) وهو واد كثير النخل للسماسدة. (تِبزِزكي) هو واد عظيم، كثير النخل، وفيه دور قليلة، قريب مما قبله، وهو للسماسدة. (إرْكَيْنهَ) هو واد وبه نخل ودور للسماسدة، قريب مما قبله. (تَرَوَنْ) واد فيه نخل كثير للسماسدة بينه وبين ما قبله نصف ساعة. (اتْوَبْزِّكْتْ) واد كثير النخل للسماسدة وتيزك، وبعضه لإدوعل، قريب مما قبله. الكلام على أوْجفتْ فهي مدينة للسماسدة، وبها واد كثير النخل جيده، وفي نواحيها أوداء كثيرة النخل، وأغلبها للسماسدة، بينها وبين شنقيط يومان تقريبا. (إرِيجِ عَبْدَاوه) هو واد كثير النخل، وعبداوه: رجل من السماسدة، وأضيف إليه لأنه هو الذي عمره. (إجْوَالي) جمع جالة على اصطرحهم، والجالة عندهم، المكان المنخفض الشبيه بالقرارة، وهي واد كثيرة النخل، من نواحي أوجفت، وكله للسماسدة. (تِيِمنيتْ) هو واد مسيرة يوم طولا، وفيه نخل كثير، وهو بين إدَوْعل

الكلام على جانب آدرار الشرقي

والأغلال والسماسدة، وفيه زرائب نخل تدعى لَجْنَبيات. أي هي كالنساء الأجنبيات، التي لا يجوز النظر اليها، لجودة نخلها. (لِعْوَيْنَه) تصغير عين، ويقال لها: إعْرَينتْ مِنَّه. وهي واد كثير النخل تملكه امرأة، وهي التي عمرته وبها سمى، وهي من إديشل، وقد عاشت كثيرا من الزمان، وكانت في عصرنا هذا، في قيد الحياة، وبين هذا الوادي وبين ما قبله، نصف يوم. الكلام على جانب آدرار الشرقي (آمسِكْراتْ) بصيغة الجمع عندهم، وهو مسيلان طويلان خلف الشعرانية. (الشعرانية) هي ضلع أزرق طويل، أي جبل مستطيل على الأرض. (دَخْلِتْ أبي سيفْ) هي واد كثير الماء. (تِنْوَيْفَلْ) هي واد كثير الطرفاء والماء. (آكْليْميمْ) (بمدة وكاف معقودة) هي قلت، وقريب منها بئر كبير الماء. (العين الصفراء) واد كثير الطرفاء والماء. (أسباعيَّه) هي واد كثير الماء. (لِبْحَيْرَه) هو واد كثير الماء. (آزِيزك) هو جبل كثير الماء. الكلام على واداق فهو واد فيه نخل جيد، وأهله من قبيلتي كنت، وإدولحاج، وهؤلاء أقدم فيه من كنت، وكانوا يسكنونه على أحسن وفاق، وأتم وئام، حتى نشأت بينهم الحرب، وبقي فيه المستضعفون من القبيلتين. ثم إن السطوة فيه لبقية كنت، لقرب أهل سيد امحمد منهم، وهم طائفة عظيمة من كنت، يرعون مواشيهم فيما بين آدرار وتيرس، وهم أهل السبخة المشهورة هناك، واسمها سبخة إجِّلْ، وهي معظم

الكلام على الباطن

تجارة أهل تلك البلاد. فإنهم يحملون منها الملح، ويبيعونه في السودان، وهذا الوادي في آخر الحيط من جهة الشمال، وبينه وبين شنقيط يوم وبعض يوم، وتقدم بيان الأماكن المتوسطة بينهما. الكلام على الباطن وهو القسم الثاني من آدرار ومدينته المشهورة: (آطار) وهي مدينة عظيمة، وبلغني أنها أكثر دورا ونخلا من شنقيط، وتجاورها أوداء كثيرة، وأهلها السماسدة، وتبعد من جهة الغرب الجنوبي عن شنقيط، مسافة يومين، ومعنى آطار: الطريق. (المِنْفكَّعْ) (بميم مكسورة ونون ساكنة وفاء مرأسة مفتوحة، وكاف معقودة مشددة) ولعلهم اشتقوه من قولهم: فلان مِفْكَعْ، أي غضبان، وهو واد به دور ونخل، لأهل الشيخ محمد فاضل بن اعبيدي. (إجْرَيْفْ) موضع فيه نخل كثير على ما يقال، وقد نزلت عند صاحبه، وهو الشيخ محمد فاضل المذكور. (كانَوَالْ) واد عظيم، كثير النخل لأهل عثمان وتيزك، فيه قريتان متقاربتان، كلتاهما لقبيلة تيزكة، ونخله طويل، وهو الذي عناه امحمد ابن الطلب في قوله المتقدم: هاجَ قرْحَ الغرام بعد اندمال ... ظعن ظعن الخليط يوم إنال يوم ولت كأنها حين جدَّت ... باسقات النخيل من كانَوال (إرْ كيْبه) هو واد كثير النخل، وفيه قرية، وأهله تَيْزِكه. (لِكْرَيْناتْ) تصغير القرون، بالتصغير العامي، ويقال لها اكرينات اعتروس، وهي جبل، وبه نخل، وأهله تيزكة، وبينه وبين ما قبله نصف يوم.

الكلام على هوى آدرار

الكلام على هوى آدرار آدرار من أجود البلاد مناخا، وأصحها هواء، وهو بين الحرارة والبرودة، بالنسبة إلى غيره. فأهل البلاد الحارة كتكانت والقبلة، يعدونه باردا، وأهل تيرس يعدونه حارا، ويلائم هواه كل طائفة، وأرضه جيدة، فإذا أصابها أقل مطر تخضر، وتدر مواشيها، ويكثر السمن عند أهلها، إلا أنها تمر عليها سنين كثيرة من غير ان تمطر، وكثير من أودائه لا يحتاج فسيله إذا غرس إلى السقي، اكثر من ثلاث سنين، فيستغني بعد ذلك عن السقي، لأن عروقه تصل إلى الماء، وفيه أماكن تغرس الفسيلة فيها، ولا تسقى، لأن ماءها تحت التراب من القرب. الكلام على الزرع في آدرار أما آدرار، فإن أهله يزرعون القمح والشعير تحت النخل في فصل الشتاء، ويسقون زروعهم بالدلو، ويسمونه أشيْلالْ، وهو عمود على فم البئر، ويجعل في أسفله حجر عظيم، وتنصب له خشبتان على فم البئر، فإذا أراد الساقي أن يمتح، يرمى الدلو المعقود في رأس تلك الخشبة، فيهوي بها، فإذا امتلأ الدلو يترك الخشبة فترتفع بسبب الحجر الذي في أسفلها، فيرتفع الدلو إلى ان يقرب من فم البئر فيمتحه، وهكذا فإذا كان في آخر فصل الربيع، يجذ ذلك الزرع، فبعد ان يجذ التمر، يحرثون زرعا يسمونه مُتْرى على هيئة ما يفعلون بالقمح والشعير. فإذا جذ، يزرعون القمح والشعير، وهكذا أهل تيججكه. وهناك نوع آخر وهو فُنْدِى، وهذا يزرعونه في المطر، ويكتفي بقليل من الماء، ويزرع في الرمال والأدوية، وهو بطيخ أبيض اللون وأخضر، وبزره أبيض ضخم، وهو من أجود البطيخ، ويصنعون من بزره دقيقا، يخلطونه بدقيق الدخن، ويصير منه شبه المصيدة. الكلام على أشجار آدرار أكثر الشجر الذي في آدرار وبلاد شنقيط الأخرى، غير مشاهد في هذه

البلاد التي دخلتها، كسورية، والأناضول، والروسيا، ولكنها توجد في بلاد الحجاز، ويختلف أكثرها بالاسم لاختلاف اللغات، فمن شجر تلك البلاد: الطلح، والتمات، وأيكنين، وآتيل، وتيشطْ، وتيتارك، وتورجَه، واجدارِ - ولا يكون إلا في الجبال - والسدر، ومنه نوع يسمى إهريتك والحاذ وآسكاف. وينبت عندهم الجرجير، وفيه الإذخر والثمام. والأسباط

الكلام على لعصايب

وأوراش، والطير، وأم لِخْريْصات. وأشكاره، والدَّسْمَهْ، والحميظ. الكلام على لعِصْايبْ (لِعْصايبْ) هي ضلع، أي جبل، ممتد عن شماله مقطير، وعن جنوبه حيط آدرار، وفيه ما نذكره: (شارْ) هي بئر عظيمة، وبها دار عجيبة، بناها أحمد بن اسويد أحمد ابن عَيْدَّه، وغرس بها نخلا، وحصنها عدة للدهر، وفي أثناء حفره إياه، عثر على ثلاث أثاف مدفونة في الأرض، وظنها من الذهب، ثم تبين أنها من الصفر المطلي بالذهب. (شون) هو جبل عظيم، وبه قَلْت لا يغور ماؤها، وهي غربي شار، من جهة الجنوب. (أشَرَيْرِيك) هي عين يمتد من غربيها جبل مغرب إلى الجنوب، وبه قبر أحمد بن البشير بن الحنشي الغلاوي العالم المشهور، وبجانبه جبل أزرق، ويمتد منه مغربا على جهة الجنوب، مسيل يقال له الحِسيْان. انتهى الكلام على آدرار، ولما كان كالوسط لتلك البلاد، بدأنا به، ثم نتكلم على جهاته الأربع، التي تمتد منها تلك البلاد. الكلام على مقطيرْ هي أرض متوسطة، بين آدرار وتيرس، من جهة الشمال من آدرار، وهي محسوبة منه عند بعضهم، وتنتهي في آركشاش، أرض كبيرة

الكلام على الساقية الحمراء

لتجكانت، وهي من شنكيط، ومن تلك الأرض تيندوف، ومنها إلا حماده. (بئر الطالب بن الخليلْ) هي بئر قديمة، وقد اندرست من زمان قديم، فحفرها الطالب المذكور، وهو أحد أعيان إديبسات أو (إدَبُسات) وقد رأيته، ولما حفرها، وجد بها رماحا وقسيا قديمة، فأضيفت اليه. (آوْشيشْ) هو موضع فيه آبار كثيرة محفورة في مكان واحد قصيرة، بينها وبين ما قبلها، يوم ونصف تقريبا. (بُوطَلْحايه) هو موضع فيه آبار كثيرة قصيرة، وهو قريب مما قبله. (آغريجيتْ) هو موضع فيه آبار مشهورة قصيرة، محفورة في مكان واحد. (لِفْطيْمَه) موضع به آبار قصيرة. (تُرِينْ) هي منهل مشهور، وقد وردته، وبه جبل أسود، وعن شماله رمال، وبعده جبل يقال له قلب الدباغ، وذلك آخر تيرس وقد رأيته، وبعده إصفاريات، وهي جبال زرق، وقد رأيتها. (لِحْفُرْ) جمع حفرة، وهي بلاد مستوية، تمتد من آخر تيرس قبل زمور. (زمُّورْ) وهي أرض صلبة، وفيها جبال، وفي أوَّلها قلت يقال لها: قلتت زمور، وبينها وبين الساقية الحمراء أربعة أيام أو خمسة بالسير الحثيث، ولا معرفة لي بأماكنها، وقد مررت منها على عجل. الكلام على الساقية الحمراء هي أرض مشهورة، وهي آخر شنقيط من جهة وادنون، تبعد عن شنقيط عشرين يوما بالسير الحثيث، وتقدمت أبيات ابن الشيخ سيدي، التي صرح فيها، أن مسافتها شهر بسير الإبل، من الصباح إلى المساء، وبذلك يتضح ما قلت،

الكلام على إينشيري

لأن أرضه تبعد عن شنقيط بنحو عشرة أيام، وكانت الساقية الحمراء، خالية لا أنيس بها لشدة الخوف، ولقحولتها دائما، حتى عمرها الشيخ ماء العينين، وبني فيها الدور، وغرس النخل فسهلت المواصلة بين شنقيط وغيرها من المواضع المغربية، أعنى التابعة للمخزن، وهي في الأصل، للركيبات، قبيلة أصلهم من الزوايا، إلا أنهم يحملون السلاح في أكثر أوقاتهم، والعلم فيهم قليل. الكلام على إينشيري هو بعد آدرار من جهة غربيه، وهي أرض مستوية بينه وبين سنكال، في وسطه جبال وآبار مشهورة. منها: (تابرْنكوتْ) هي بئر مشهورة، وعندها جبل عظيم. (إتْوْبزِّكْتْ) هي منهل، وبها دار للشيخ سعد أبيه، وله بها أخصاص، وقد خلت من الأنيس، بسبب الحروب التي وقعت بين قبائل العرب وبينهم أيضا، وبين الدولة الفرنسية. الكلام على تيرس (تِيرسْ) أرض مشهورة واسعة جدا، واقعة غربي آدرار، وتشتمل على مواضع كثيرة، وحدودها من جهة أرض القبلة غير معلومة عندي، وتتصل بالبحر المحيط من جهة الغرب. وهي من أجود ما سمعنا به أرضا، إلا أن الأمطار فيها قليلة جدا، والمطر فيها ان نزل، يحدث بأهل تلك البلاد ابتهاجا عظيما، ونبتها ليس بالسريع النمو، فبعد نزول المطر، يرعى بعد ثلاثة أشهر، قالوا ويصدق عليها قول العرب: شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى، فأرضها بعد المطر، تبقى شهرا ثراء من غير نبت. ثم تخرج رؤوس النبت بعد شهر، ثم تبتدئ المواشي في رغيه بعد الشهر الثالث، وإذا نزل المطر، يقدِّر أهل تيرس العارفون لها، أمد

الخصب الذي يحدث، فيقولون: تنعم سنة أو سنتين أو أكثر أو أقل، وإذا شبعت الإبل من بقلها سنة الخصب، يرفعون عنها ما يغطون به ضروعها، وهو شيء يسمونه الشمال، منسوج مما تعمل منه الحبال، يشد على ضروعها، لئلا ترضعها الفصلان، وذلك خوفا على ضروعها من أن يفسدها اللبن، فيرضعها الفصيل متى شاء، ورعاتها تتفقد ضروعها بالحلب، وكثيرا ما يهرقون اللبن على الأرض، لعدم من يحتاج إليه، وإذا وقع الخصب، يحملون على الفصيل من سنة ولادته، لأنه يصير كبيرا قويا، وربما ولدت الأنثى لسنتين أو نحوهما، وهذا لا يوجد في غير تيرس، ولا يوجد في أرضها مرض الذباب، الذي يسمونه تابُريتْ، وإذا أجدبت يصيب إبلها الجرب، وربما أفناها، وليس بها زراعة، وربما بلغ أحد أهلها الستين أو أكثر، ولم يأكل الخبز ولا العصيد، انما يشرب اللبن أو يأكل اللحم أو التمر، وليس بها نخل، وإنما يصل إليها التمر من آدرار. وأهلها أشد الناس كلفا ببلادهم، ويقولون إنها تنبت الإبل، كما ينبت المطر النبات. ومن كلامهم: أربع أنياكْ وآمخول، وأربع ليالي واتحول، واعْبلَ زَنْدكْ لا تْبوَّلْ، أربع اسنين اتْموَّلْ. وأكثر أشجار تيرس: الطلح، وفيها اليتُّوع ويقال له آفرنان. ومن نباتها: آسكاف والحاذ وانسيل والثمام، ويقال له: أم ركبه، والفول، وهو نبت تأكله الإبل، وهو غير الفول عند المشارقة. ويحد تيرس من جهة شرقيها الشمالي:

(ترِينْ) وهي المنهل المشهور، وبه كانت الواقعة المشهورة بين كُنْت، وأولاد بسْباع. ومن جهة الجنوب: (إكْدَيَّتَّ لِغنَمْ) تصغير كدية، بالتصغير العامي. وهو جبل معروف. (العرفيه) منهل كثير الماء الملح. (عِلْبْ مَسْكورْ) هو كثيب يتصل (بآكْشارْ) وهو أرض. ومنها (لبَّة) وهي ماء مشهور، ومنها (السيقان) وهي جبال زرق، وفي لبَّة، يقول البويخيري المتقدم من أبيات: وهل أبيت ضجيج الحاذ مفترشاً ... من رمل لبَّه كالعذرية الجدُدِ (اشْهالاتْ) هي آبار قصار، ويسمونها (عقل) ينطق بها بالكاف المعقودة. (إكويْدِسْ) هو جبل عظيم وبه بئر ملح الماء. (بئرْ إيكنى) بكاف معقودة، وهو منهل مشهور. (كديت الجل) تبعد عن شنقيط خمسة أيام، وبها السبخة المعروفة، وفيها الأعوج، وهو بئر مشهورة. (آغويْتنْات) هي آبار مشهورة، واقعة غربي الأعوج. (ابنعمِيرَه) هو جبل عظيم، وبه ماء مشهور. (عَيْشه) هو جبل قريب مما قبله، ويقال له: عيش إذْخِيرهَ، أي الجميلة. وقد عناه محمد بن الطلب بقوله: يسقى الذراع قتيجريت مدوِّماً ... من خبت عَيْشَ إلى مدافع تنضل (زُوك) هو جبل عظيم، وبه بئر مشهورة، واقع غربي ما قبله على الشمال. (إكازْرِنْ) هي أربعة جبال زرق. (إنال) هو جبل أسود، غربي ما قبله. (قلب الظليم) جبل أزرق، غربي ما قبله.

(نِشْلَه) هو جبل عظيم أسود، وبه بئر كثيرة الماء. (ظايت البقرة) هي حفرة في وسط تيرس، ومعنى الظاية: الأضاة. (ضلوع لِحْوَيذ) هي جبال سود. (اغَيَلاس) هو جبل عظيم أسود. (بُلَرْياح) هو جبل أسود، قريب مما قبله. (الأجواد) هي جبال عظيمة سود. (إيجْ) هو جبل أسود، قريب من الأجواد. (أمُّ ادْويّاتْ) هي جبل أزرق. (أمُّ ارويسيْنْ) هي جبل أزرق أيضا. (بواعْليبَه) هو جبل أسود. (كلب آزوازيل) (بالكاف المعقودة) هو جبل أزرق، قريب من إجّل، وآزوازيل عندهم: بمعنى الجمال الخصيان. ويقال لواحدها: آزوزال. (إتويزِرْفاتْ) وهي جبال صفر، بينها وبين ما قبلها يوم. (إكلاب الحَوْليَّهْ) (بكاف معقودة ولام مفخمة) هي جبال بيض، بين الرمال والحجارة. (ميجِكْ) هو جبل عظيم. (زيزه) هو جبل طويل محدد الرأس. (إسماميط) هي جبال سود، وبها حجارة التيمش، أي الحجارة التي توقد بها النار، وتجعل في أزند البنادق، التي تسمى عندهم المدافع. (مَعْطَ الله) (بلام مفخمة) بئر كثيرة الماء. (لِكْرَيْناتْ) جمع قرن، بالجمع العامي، وهو جبل عظيم أزرق. (إنْمُزَّانْ) كثيب عظيم.

الكلام على الخط

(وادْحَنَّه) حنَّه عندهم: من أسماء الإماء، وما أدرى سبب إضافته إليها، وبهذا الوادي كدية وماء لا ينقطع. (آدْرَارْ سُطُفْ) هذا موضع من مواضع تيرس المشهورة. الكلام على الخط الخَطْ: أرض مشهورة، بين تكانت وآدرار، وليس لنا بها معرفة. الكلام على أركيطه (أركيْطَه) أرض بين تكانت وآدرار وأكان. (تالِغْزَه) جبل كبير أزرق، وبه نخل كثير، وهو لتجكانت. (تِيدٍنْيَكُّوت) جبال زرق قريبة من تالغزَه. (اطريحتْ) ابن أحمد مزيد، هي أرض مستوية. (تامكه) جبل كبير أزرق، تضل فيه الناس، وفيه قلات، وفيه عين تِلْسكى وبها نخل. (إعوينات السراكْ) مُصَحّف السراق، وهي عيون تجري من الجبال. (تَمَسُّمِيتْ) هذه جبال سود عظيمة، وهي عن جنوب تيدنيكوت، وعن غربي العاتق، وقد رأيتها، وهي تابعة لأكان. الكلام على تكانت (بكاف معقودة) ومعنى تكانت: الغابة، وهي حلقة كآدرار، يحفها من الجانبين جبل عظيم، كجبل آدرار المتقدم، ويسمونه سن تكانت، والسن بغير إضافة أيضا، كما يقولون: حيط آدرار، والحيط، وأولها من جهة حيط آدرار غربا، العاتق وهو كثبان عظام، متصلة بجبال أكثرها أسود، وبعضها أزرق، يقرب في الارتفاع

الكلام على مبدأ عمارة تيججكة والسبب فيها

من جبال آدرار، وتمتد مسيرة أيام متعددة طولا، وعرضها يقرب من خمسة أيام، ويقال لتلك البلاد وما حوته: تكانت، ولها طرق كثيرة. منها ما هو صعب، ومنها ما هو سهل، وقد سلكت خمسة طرق. منها: العائق المتقدم، وهو سهل، ودِكِّلْ (بكسر الدال) وهي متوسطة، وبعدها طريق صعبة، في جبال شاهقة بعد السن، وطريق أخرى بين هذه والعاتق، واسمها مازه (بزاي مفخمة) وهبطت من طريق على جهة كنُدْيْكه (بكافين معقودتين) وليست بالصعبة جدا. ثم نزلت من طريق منها، يقال لها: أَيْريَارَ، بهمزة مفتوحة، وياء بعدها راء، وهما ساكنتان، وألف بعدها راء مفتوحة، وهذه الطريق هي أصعب ما سلكت من الطرق، وطرقها كثيرة، ومنها: أمْ اذْنَيَبه، وقد يصعد منها القادم من تشيت، والبيّظ، ولا معرفة لي بتلك الجهة، وتنتهي تكانت من جهة الشمال في (أدافر) وهي أرض كثيرة الرمال، قليلة المياه، وتستجيدها الإبل في فصل الشتاء، ولا علم لي بأدافر، وبتكانت مدينتان. وهما: تِججكة (بتاء مثناة فوقية مكسورة، ومثناة تحتية وجيمين، أولاهما: مكسورة، والثانية ساكنة، وكاف معقودة مفتوحة) وهي على ضفة واد كثير النخل، يقرب من نصف يوم، ويضاف إليها، وهي لإدَوعل، وثانيتهما (الرشيد)، وهي مدينة صغيرة على رأس جبل مطل على الوادي المسماة به، وهي لقبيلة كنت، وقد أقمت بذلك الوادي نحو خمسة عشر يوما، ولم أصعد إلى المدينة، لأنها خالية من الأنيس إذ ذاك، للحرب التي وقعت بين كنت وإدوعيش. الكلام على مبدأ عمارة تيججكة والسبب فيها مضى من تاريخ عمارتها إلى وقتنا هذا، ما يزيد على مائتين وثلاثين سنة، وذلك إنه لما دام القتال بين العلويين على ما تقدم، رحل البيض إلى تكانت، وكان فيهم رجل أعمى من الصالحين، فنزلوا قريبا من وادي الرشيد، وكان خاليا

الكلام على صفة تيججكة

من الأنيس، وليس به إلا غابة عظيمة، فهموا بالإقامة فيه، فيقال: ان ذلك الصالح قال لهم: إ أتوني بشيء من تراب بطحائه، فأتوه بشيء من حصبائها فشمه، فقال لهم: ارحلوا عن هذا الوادي فإنه جيد لغرس النخل، إلا أن أهله لا يطيب لهم: فرحلوا عنه، والله أعلم بحقيقة ذلك، ويدل على صحة قوله، إن أهله بعد عمارته كثيرا ما تركوه خاليا كما تقدم. ثم إن العلويين رحلوا ونزلوا قريبا من وادي انتمتاكث، وهو واد بين تيججكه، والرشيد، فقال لهم: أعطوني ترابه أشمها، فأتوه بها، فقال لهم: إن هذا الوادي سبق في علم الله إنه لا يعمر، ثم نزلوا تيججكة، فأتوه بترابها أيضا، فقال لهم: هذا بلد مبارك، انزلوا على بركة الله، فنزلوا وابتدءوا يقطعون الشجر، وكان في الوادي غابة عظيمة، وليس به من الناس إلا أولاد طلحة، وهم قبيلة من إدوعيش فجعلوا يقطعون لهم الشجر، ولما شرعوا في بناء الدور، جعلوا يحملون لهم الحجر على رءوسهم، وجعلوا لهم في مقابل ذلك خمسة أمداد من التمر، في كل سنة، عن كل دار، وهم يأخذونها إلى أن خرجت من هنالك سنة 1315 هجرية. الكلام على صفة تيججكة هي مدينة على ضفة البطحاء، التي تمتد بين الجبال من جهة الشرق مغربة، إلى أن تتجاوز الرشيد، وعدد دورها نيف وأربعمائة دار، ولها جامع واحد في وسطها، وهي على مكان مستو صلب. ونخل تيججكه، فيه الجيد والوسط، ورديئه قليل، ويحتاج إلى السقي دائما، وهو متفاوت في ذلك، بحسب جودة الأرض ورداءتها، وفي تمرها خصوصية، وهي إنه يقطع بأعذاقه قبل النضج. فيترك أياما في محل لا تمسه الريح، ثم ينشرونه في الشمس، فيستوي بهذه الحالة، كما شاهدناه مرارا، ويقرب من تيججكه: (آدّرْكْ) وهو جبل أسود، وبجانبه مما يلي تيججكه، رمل دهس يمتد

مغربا، ثم ينتهي في أرض فيها بعض صلابة، ورأسه الشرقي يقرب من الوادي. وفي شمال هذا الجبل، مزارع للفندى والدخن، تزرع في آخر الصيف، وأول الخريف، إذا نزل المطر، فالفندي يؤكل بعد شهرين تقريبا، والدخن - ويقال له الزرع - يؤكل بعد ثلاثة أشهر ونصف تقريبا. (إجْمَيْلاتْ ادْيَشْ) هذان جبلان يقربان من وادي تيججكه، تمر الطريق بينهما من تيججكه إلى أدروم، وهو مزرعة عظيمة لأهل تيججكه، والمسافة بينها وبين المدينة، أقل من يوم. (بَغْدَادْ) موضع فيه نخل، غير بعيد من وادي تيججكه، وكانت به دار، فلم يبق إلا جدرانها. (إزيفْ) (بزاي مفخمة، وهي بين الظاء والزاي المرققه) مواضع شرقي تيججكه، وإذا أصابها المطر، يسيل منها الوادي سيلا مهما عندهم. (إدَرْشْ) هو واد يصب في أدرُّوم المتقدم. (اُدَىْ اعْمَرْ) هو واد يصب في بالسيليان. (أدَىْ اظليم) هو واد قريب مما قبله، والزامل عندهم الحصان. (واد البركَه) هو واد مشهور، وهو والأدواء التي قبله، تسمى بإزيف المتقدم، وتصب في وادي تيججكه، كما تقدم. (الغُبَّه) تحريف القبة، هي واد وكان به نخل وقد اندثر، وبقيت جذوعه، وبه قبر العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي المتقدم، وقبر سيدي محمود الحاجي، وهما مدفونان في موضع واحد، وبنيت عليهما قبة، وبها سمى الموضع. (لِخْشبْ) جمع خشبة في اصطلاحهم، هو واد كثير الأشجار. (التيدوم) هو علم على أحساء بعينها، والأحساء: الآبار القصيرة، ويقولون لها الحسيان.

(أم لِعْوَيتكت) هي أحساء أيضا، وما بعد ذلك أدافر. (كنْدَلْ) هو جبل بينه زبين أدرُّوم، يوم أو اكثر بقليل، وبه منهل مشهور. (الغُدِّيَّة) هو جبل عظيم أسود، وبه قَلْت مشهورة، وأوداء كثيرة. (إكراع الناكه) أي الناقة، هو واد كبير، وفيه أشجار كثيرة. (دَادبْداتْ) وهما جبلان أسودان متقابلان، عن جانب ما قبلهما من جهة الشرق. (مَيْلْساتْ) هما واديان عظيمان قريبان مما قبلهما. (إنيظاناتْ) هما واديان يصبان في أركيبة، وقبلهما السن، والطريق التي تليهما يقال لها آكْشَيْلْ، وهما يصبان في آكرج، وهو أول اركيبه. (البيَبه) (بلام مفخمة) هي جبل أزرق، وبها قبر بُبَكر بن عامر (أي أبو بكر) أحد سلاطين مراكش، وهم عم يوسف بن تاشفين، وكان ثار عليه في مدة غيبته، فتركه وذهب إلى الصحراء، فمات بها، وبينها وبين تيججكه يوم ونصف. (إمِكْريرِى) هو جبل أسود مستطيل، قريب مما قبله، واقع بينه وبين تيججكه عن الشمال. (عُرَّيظْ) هو واد قريب من إمكريرى. (المَيْزْ) جبل أسود بين عريظ وكراع الناقة. (إحَمدْناهْ) جُبَيْل يقرب من وادي تيجككه، من جهة غربها الجنوبي. (كِلمْسى) (بكاف معقودة مكسورة ولام مكسورة، وميم ساكنة وسين مكسورة) جبل عظيم أسود عن شمال تيججكه. (انْتُمتاكِتْ) جبل أسود بين تيججكه والرشيد، وله بطحاء عظيمة، وليس بها نخل، ومن خلفها جبل كِلمْسى المتقدم.

(إنِيمى) جبل أسود، وعلى رأسه قطعة رمل، فهو بها أغر كغرة الفرس البهيم، وسفحه الشرقي مزارع لإدوعل، ومسافته من تيججكه، نحو يوم، وتمتد من شمالع جبال يقال لها ازْرايب. (إْغْلَنْبيتْ) واد عظيم كثير الأشجار، قريب من إنيمى. (الوادْ الأبيظْ) (أي الأبيض) هو واد عظيم، وفيه أشجار كثيرة. (أمَّيْدِدَارْ) منهلٌ مشهورٌ. (أغَوْدِيتْ) منهل مشهور، غربي ما فوقه من جهة الجنوب. (إزْرَايبْ) جبل أسود غربي إنيمى. (لِمْخَيْشْبَه) جبل عظيم، وبجنبه واد عظيم، وبه أشجار كثيرة، وعلى رأسه عين جارية. (الرشيد) مدينة لكنت كما تقدم، وفيها واد كثير النخل جيده، ما رأيت مثله نخلا، ومن عجائب أمره، إنه قطع مرتين، قطعه أهل سيدي محمود، فنبت أحسن منه أولا على ما يقال، فإني رأيته بعد القطع، وقد عددت في جنب جذع النخلة الواحدة، ست نخلات أو أربع نخلات، تنبت من نواحي تلك النخلة الواحدة التي قطعت، ونخله كثير الحمل لا يحتاج إلى السقي، لقرب الماء من عروق النخلة، قالوا سبب جودته أكثر من غيره، أن الجبلين المكتنفين له، يمنعان نخله من الرياح، وآخر نخله مما يلي تيججكه، يقال له: أريجى، وفيه ماء ينبع من الأرض وحده من غيره حفر، ولكن لا يبعد سيلانه، ولو وجد مهندس يصلحه، لسقي جميع الوادي. (البُهْرَه) مزرعة تقرب من الرشيد، وأهلها كنت، وبها قتل عبيد كنته فارس إد وعيش، سيد أحمد لبَّات بن اسويد أحمد. (إِنْقَيْشِطْ) موضع مشهور، غربي الرشيد، وبه منهل.

الكلام على تامورت انعاج

(تالِمسْتْ) موضع فيه نخل بعد الرشيد، مما يلي آدرار لكنت، ومالكه رجل اسمه عباس، وهو من الصالحين، وقد انقطع في تلك الأرض لعبادة الله، وليست له زراعة، ولا تأتيه الميرة، ومع ذلك لا يجيء إليه إنسان إلا أضافه، والناس يزعمون أن الجن تخدمه. (قَصرْ البَرْكه) هو واد من أودية تكانت المشهورة، وأهله كنت، وكان به نخل ودور، فلما اشتدت الحرب بين أهله، وبين أهل سيدي محمود، خربت دوره وبقى بعض نخله، وقد رأيته، وما وقعت عيني على حيطان من اثر دوره. وكان الوقت غير مساعد للتنقيب، وبعده عن الرشيد يوم ونصف تقريبا، وبعض ما تقدم أقرب إلى الرشيد منه، لكن الذي دعا إلى وضعه هنا، تعلق بعض البلاد ببعض، ثم نرجع إلى ما تركناه، وهكذا وقع لنا في بعض الأحيان. (آكلاليب) هي مواضع من تكانت، واقعة مما يلي العاتق. (كبُّ) قريب مما قبله. (تَمْرَه) موضع يقرب مما قبله. الكلام على تامورِتْ انعاج هي أرض مشهورة، وبها مزارع، وفيها بحيرة تجتمع من مياه المطر. ومعنى تامورت: أنها كثيرة الشجر المسمى بآمور، وهو شجر عظام، وله تمر يدبغ به. ولذلك التمر نوى أسود، ويسمونه الصلاحه بتفخيم اللام. والناس يقولون: إنه هو الغصا، إلا أن الغضا من شجر الرمل، وهذا اكثر مواضعه الأرض السوداء. والغضا له هدب ايضا، وهذا لا هدب له، وله ثمر كما تقدم. ولهذا الشجر أيضا: صمغ وشوك، وأقرب الأشجار إليه: الطلح، وصغاره تشبه السلم. وتامورت انعاج المذكورة، كثيرة السباع والدببة، وهي وبيئة. وقد تنزلها قبيلة إدوعيش وقت الخوف، لتكون لهم كالحصن من عدوهم.

الكلام على أشجار تكانت

(لِغْمَيدْ) تصغير غمد، بالتصغير العامي. موضع يقرب من تامورت انعاج. الكلام على أشجار تكانت تكانت من أكثر تلك البلاد أشجارا. فمنها: الآمور، وشجر الطلح، والسَّلم والقتاد. ويسميه أهلها: آورْوار، وتيشط والسدر، وأيكنين، وآتيل، والبشام. ويسمونه آدرس، وآفرنان، وهو اليتُّوع، والكِندُوم وهو الخروع، وإمجيج، وهو المعروف بالنبع الذي تستجاد قسيه، وله تمر أحمر يؤكل، ولكليَّه وهو شجر يقرب مما قبله، وثمره كثمره، وأيزن، وهو شجر أخضر في أكثر الأوقات مرَّ الطعم، وحطبه كثير الدخان، وله ثمر يشبه البن، الذي تعمل منه القهوة. وأهل تكانت وآدرار، يغسلونه بالماء ويطبخونه ويأكلونه. ورأيت في مصر حباً يشبه ذلك الحب، إلا إنه أصغر منه، يطبخ مع اللحم. فسألت عنه، فقيل: هذا يسمى البزاليه. ومن شجرها التيدوم، وهو شجر عظيم لا يوجد في المشرق، وله ورق أخضر، يصنع منه إدام يشبه ما يصنع من الملوخيا. وله ثمر ينفع دقيقه في الإسهال. ومن نباتها: تبننه، وهي فروع تمتد على الأرض، وتعمل منها الجبال. (المِجَرِيّه) طريق من طرق تكانت، من جانبها الشرقي، وبها عين جارية وماؤها له خرير، والناس يخاطبونها بقولهم: لو صدقت لسالت التاغصه. الكلام على الباغصه (التاغصه) أرض دهسة، تحف جبل تكانت، مما يلي القبلة. (الباطن) أرض صلبة، تحف جبل تكانت، مما يلي آوكار، ولا علم لي بملتقاها مع التاغصه. فان الباطن أرض مطمئنة، تحف سن تكانت، من شرقيها الشمالي، كما أن التاغصه كذلك، من جهة أرض القبلة، إلا أن التاغصه فيها دماثة تزيد على الباطن.

الكلام على اركيبه

الكلام على اركيبه (ارْكيْبَهْ) تصغير رقبة بالتصغير العامي: أرض مشهورة، تنتهي مشرقة على جهة الجنوب في لِعْصَابه، وهي جبال شاهقة، وفيها مزارع وعيون كثيرة. ولا علم لي بتفاصيلها. ومنها إلى آفطوط، وهي أرض مستوية فيها صلابة، كثيرة الأشجار بعيدة المساحة. وتنقسم أركيبه إلى قسمين: أركيبه الكحله، أي السوداء. وإركيبه البيظه، أي البيضاء. ويشتمل هذا القسم الثاني على محال كثيرة منها: (آكْرج كسَّامَهْ) وهو واد عظيم، كثير الأشجار، أحد جانبيه متصل بالسن، والآخر ينتهي في كثيب. يقال له: الكعسه، أي القعساء، وهو كثيب عظيم، وإلى الجانب الشرقي منه جبل يسمى: (كُنْدَيْكهْ) وهو جبل أسود، وعند أصله بئر كثيرة الماء. وبهذا الجبل أول وقعة كانت بين عبد الله بن سيدي محمود الحاجي، وقبيلة كنت، وهو أول يوم شفي نفسه فيه منهم. (إنْوَامْلَيْنْ) هو جبل عظيم مشهور، وعند أصله بئر عذبة الماء مشهورة، وتكتنفه رمال دهسة. وبه الواقعة المشهورة، بين الشريف مولاي إدريس الفاسي ومن معه من أهل شنقيط، وبين الفرانس، وكانت الدائرة على الفرنسيين. (كيفه) بئر مشهورة، ماؤها ملح، وهي من مناهل الإبل، التي تنعم بشربه ويكثر لبنها، وهي ملقط عظيم للصمغ أيضا. (بالنِعمان) بكسر النون، مكان منبسط، وماؤه قريب عند حفره. والنعمان: بكسر النون. هو الذي تضاف إليه الشقائق، إلا أن المسموع من العرب ضم النون. فيقولون: شقائق النعمان: يعنون به ابن المنذر. ويقال لتلك الشقائق: الشقر. قال طرفة بن العبد: وعلى الخيل دماء كالشقر

الكلام على اركيبه الكحله

(السلطانيهْ) كثيب عظيم، وبجنبه أرض مستوية. (لمسيله) نهر عظيم، وفيه الزامول المسمى عند أهل القبلة: بالنّبِّيْزْ. وعند أهل الجغرافية: بفرس البحر، أو الماء. وفيه بالديزوك، وهو المعروف بالتمساح. وينتهي هذا النهر في ماء يقال له: (بَنْبَلهْ) موضع يقرب من مسيرة ثلاثة أيام، وبعد بنبله. (سُرْمَلّى) واد فيه نخل، وفيه ملح تأكله الإبل وبعده: (إزْوَيْمِلّي) محل فيه آمِرْسالْ، أي ملح ليس بالجيد، تأكله الإبل. (السَّيْلْ) بحر يجرى من لمِسْيلهْ، ويجتمع منه زبد يتكيف منه الملح. (تاسْكاست) تيارت طويلة متصلة بتكانت (والتيارت) عندهم، المكان المستوى، وكثيرا ما يكون فيه الآجر، وعند رأسها الشرقي تامورت. أي شجر عظيم من كبار الشجر، وفيه مياه تدوم أكثر السنة. (إسْويّحْ) تصغير سائح، ماء قريب مما فوقه. (السّمْسِيّهْ) وهو ماء بهيئة ما قبله، وبعده تيارت، تمتد إلى سن تكانت. الكلام على اركيبه الكحله (إجْمَلْ لِكْرِبْ) كثيب عظيم، وهو الحاجز بين ارْكيبه البيظة (أي البيضاء) والكحله. (إدْمَيْمِرَاتْ) قيعان صفر، وفيها أشجار كثيرة من شجر أيكبنين. (المحموديهْ) تامورت، وفيها ماء يجتمع من المطر، ويمكث أكثر السنة. (فتىَ دنّي) بلفظ أحد الفتيان، مضافا إلى لفظ دنى. واد تكتنفه جبال، وفيه آبار وأشجار ومناقع، يكون فيها الماء في الخريف. (فرَنّي) هو واد عظيم، وفيه تومرت يكثر ماؤها زمن الخريف، وهذه الأماكن الخمسة، كما أنها تسمى اركيبه الكحله. كذلك يقال لها: الخنشيش، أي الأنف.

الكلام على اركيز

(دار ابن الطالب) هو أحمد طالب بن الطالب الغلاوي، وبجانبها نخل، وهي الآن خربة، لم ير منها إلا حيطانها، ولا من نخلها الا جذوعه. (أمُّ الطيورْ) تامورت عظيمة، وبها ماء يدوم أكثر السنة. (لِمْحَارِدْ) كثبان مرتفعة، كثيرة الأشجار، مسيرة ستة أيام، وتمتد إلى جافنه، من أرض السودان. الكلام على اركيز (اركيزْ) أرض بعد تكانت، واقعة بينها وبين آوكار. (تِكبَهْ) واد مشهور، وبه دور، إلا أنها لا أنيس بها الآن، وكان به نخل أيضا، ولم يبق إلا جذوعه، وهو لتجكانت. (أكبرْت) واد وبه آبار قصيرة. (ظايتْ إسبْطْ أي أضاته) وهي غدير مشهور، وبه أسباط كثيرة. (أوْطْفُنْ) بئر مشهورة. (لِفْرَاوَاتْ) أرض مستوية كبييرة، تشتمل على أماكن متعددة. الكلام على أفلَّه (أفلّهْ) أرض مشهورة، بعد الرقيبة وقبل. (غَبْ) واد كبير جدا، كثير الأشجار، وفيه بئر مشهورة، أحد جانبيه دهس، والآخر بالعكس، وبه وقعة مشهورة يؤرخون بها، ولا علم لي بتفاصيلها ويليه: (بُغْرِلى) سمى بثمر شجر يسمونه أيكْنين، وهو واد كثير الأشجار، كبير المساحة، وفيه ناحية دهسة، وأخرى سوداء، ويليه: (لِفْدَه) واد كبير، كثير الأشجار، أسود البقعة، يصب ماؤه مغربا إلى جهة الجنوب.

الكلام على آوكار

(حُمَّارْ اظْوالْ) ظهر أسود، أي مكان صلب مرتفع طويل، مسيرة نصف يوم، كثير الأشجار جدا. (المَدْرُومْ) منهل مشهور، ترده الناس من كل جهة، كثير الأشجار، وفيه مزارع من الدخن والفندى. (بُغُرْظهْ) واد كثير الشجر، جانبه الغربي دهس، وجانبه الشرقي صلب. (بَلَّهْ) ويقال له: اعوينات بَلَّه. وهو جبل، ومنه تجرى هذا العيون، وبجانبه واد كثير الأشجار، وهو كثير السباع والنمور. (غيران) جمع غار. وهو مسيل كبير، كثير الأشجار. (أفَيْلْ) جبيل أزرق طويل. (كِبِدِّي) (بكاف وموحدة مكسورتين، ودال مشددة مكسورة) غدير كبير، كثير الغضا وغيره من الأشجار. (سانْغُو) وهو في الأصل شجر تتخذ منه السبح، وبه سمى هذا الوادي، وفيه الشوحط والنبع وغيره. (البيّظْ) مسيل، وبه بئر مشهور، وهو منهل معهود. الكلام على آوكار (آوكار) أرض واسعة واقعة بين تكانت وتيشيت واركيبه والحوض، فغربيها الجنوبي مما يلي تكانت، وغربيها الشمالي مما يلي الحوض، وجنوبها الشرقي مما يلي الركيبه، وشرقيها الشمالي مما يلي تيشيت، ويشتمل على المحال الآتية: (أمَّاتْ اتْمامِيش) غدران مشهورة من آوكار. (بوزر بيه) كثيب وبه واد. (بوسَطْلهْ) موضع، وبه آبار تحفر، فإذا جاءها السيل انهارت.

(العُرش) بضم عينه، ومعناه عندهم الغصن، وهو كثيب عظيم، وإلى سفحه بئر وبه أضاة، وسمى بعُرشٍ كان نابتا عليه. (بتكرَهْ) رمل عظيم. (أم اسديرْ) هي أضاة مشهورة. (إبنعمْ) هي بئر مشهورة. (السدرهْ) أضاة مشهورة. (أيْدْوَا) بئر قديمة، لا ماء فيها، وبها أكمة من الرمل عظيمة. (أغَيْدْريتْ) بئر قديمة، وبجانبها كثيب عظيم. (إنكرَاجْ) الأبيض، كثيب عظيم. (إنكراجْ) الأخضر، كثيب قريب مما قبله. (آتيله) رمل مشرف، سمى بواحدة آتيل، ومعناه شجر السرح. (ابْغَيْدِيدْ) رمل عظيم. (إمْبْيدِيعْ لِحْوَاشِرْ) بئر مشهورة. (تيارِتْ أم الظلْمانْ) أرض مستوية، والظلمان: جمع ظليم. وأضيفت إليها، لأنها كانت مألفا لها. (اندغْمَ بَرْكهْ) بئر مشهورة، وكل آبار آوكار طويلة، لا تمتح إلا بالسواني. (عُيونْ المَكْفَهْ) هي عيون جارية من جبال سود. (كُوْر بَرْبارَه) مسيل، وفيه بئر كثيرة الماء. (لِمْوَيْبَراتْ) جُبيلات كثيرة الأشجار، وبها الواقعة المشهورة، التي مات فيها سيدي محمد بن عبد الله بن سيدي محمود الحاجي. وكان رئيس جيش جرار، مؤلف من كنت والأغلال ومشظوف وأولاد الناصر، زحف بهم على أخيه سيد المختار، فقتله عبد لأخيه غدرا، بعد أن هزم جيش أخيه بمن معه. (لِخْماسِينْ) عيون تنحدر من جبل أسود كبير.

الكلام على الحوض

(لِكْدَيمْهْ) تصغير القدم، بالتصغير العامي، وهي عين كثيرة الماء. تنحدر من جبل عظيم: يقال له العاكر (بكاف معقودة) ومعناه العاقر، وبهذا الجبل عيون كثيرة تجرى، وأشهرها الكرْ كوبيات، وهي أربع عيون كثيرة الماء، وبها شجر التيدوم، وإمجيج، وفيه سباع وفيلة كثيرة. (حنْكْ النعامهْ) هو واد وسط جبل عظيم، ينحدر من العاقر، وفيه مزارع كثيرة، وماؤه جار لا ينقطع. (تِنْكارَه) واد كبير. (إسبيخه) تصغير سبخة، وهي منهل مشهور. (شرطو) مسيل كثير الأشجار. (ليبَهْ) منهل مشهور. (الطّيْنْطانْ) منهل أيضا. (أينْ كرْيهْ) هو مسيل، مشهور بعيونه الجارية. وبه وقعة أهل سيدي محمود المشهورة، بين سيدي محمد، وأخيه سيدي المختار، وهُزم سيدي المختار ومن معه. (إيْنقانْ) جبال عظيمة سود، وبها ماء كثير، وهي آخر حدود أفَلّهْ، مما يلي السودان. الكلام على الحوض (الحوض) أرض مشهورة بعد آوكارْ. أولها مما يلي تيشيت، ومن محالها: (تيبوشاتنْ) وهي تلال مشرفة بيض، وبجانبها تيارِتْ، أي أرض مستوية صلبة، يقال لها الواسعة، وهي كاسمها.

الكلام على أظهر

(أم الاحياظ) بالظاء المشالة، تصحيف الأحياض، جمع حوض على لغتهم، وهي بئر غزيرة الماء. (أم للّيِ) بئر بينها وبين ما فوقها، نحو يوم ونصف. (صَوَّانهَ) تل عظيم أبيض، وبها تامورت، أي غيضة عظيمة فيها غضى كثير. (فَوَقْ) بئر عظيمة. (بُلَكْلاَل) وأصله أبو الأكلال، بئر مشهورة كثيرة الماء، قريبة مما قبلها. (الرَّكْ) أرض عظيمة، تشتمل على آبار كثيرة منها: (بُحكتى) بئر ملح تردها الإبل كثيرا. (البِدْعْ) بئر قريبة مما قبلها. (إنَوَله) ويقال لها ركْ انْوَلهْ، وهي بئران مشهورتان ملحان، واحدتهما لا تقدر الناس على شرب مائها. (إدْريس الصالحين) بئر مشهورة. (إدريس الأخضر) أي الأسود، وهو من الأضداد، وهذه لغة أهل الحوض وتكانت وآدرار، وهي بئر أيضا. (محموده) تامورت، أي غيضة كثيرة الغضى، وبها مياه لا تغور. (ادْيادَهْ) تامورت عظيمة، وبها ماء لا يغور، وبها قبر الصالح الشيخ محمد فاضل، والد الشيخ ماء العينين. (تِيجطِى) واد مشهور، وهذا آخر ما وقع لنا علمه من بلاد الحوض، وهي أرض كبيرة، وتسكنه قبائل كثيرة. الكلام على أظهر (أظهر) أرض بعد الحوض قبل ازواد، وهو غير اظهر آدرار.

الكلام على أزواد

(إجَّنْكه) أرض مستوية، وبها كثبان دخن. (المَدُّوبْ) هو كثيب كبير بعيد المسافة، يسير فيه الراكب أياما. الكلام على أزواد (أزواد) (بزاي مفخمة بين الظاء والزاي) وهي أرض كبيرة بعد أروان، وفيها كثير من قبيلة كنت، وكانت بها إقامة العالم الصالح الشيخ سيدي المختار المتقدم، ولم تزل أولاده بها، أعنى أولاد أولاده. ومن أشهرهم: باي، وهو عالم صالح مشهور، وهو في قيد الحياة إلى وقتنا هذا، ولا علم لي بأسماء مواضعه. الكلام على أروان (أرَوانْ): قرية مشهورة، بينها وبين تينبكتو عشرة أيام، واقعة في رمال ولا نبات بها، وليس بها شجر ولا زرع ولا نخل. ودورها مبنية من الطين فقط، والناس يقولون: إن المطر لا ينزل على البيوت بسبب دعاء صالح، دعا لهم بذلك، ولو نزل عليهم لتهدمت أبنيتهم. وقد اجتمعت برجل منهم سنة 1317 بالمدينة المنورة، وسافرنا إلى أن قضينا الحج، ثم سافرنا إلى بلاد الترك ثم تفرقنا. ولم أنتقد عليه شيئا من جهة دينه، فسألته عما يقال من ذلك. فقال: إن المطر لا ينزل على تلك البلاد إلا نادرا، وأنه إذا نزل لا يصيب تلك القرية منه إلا شيء يسير، وأنهم ربما نظروا إلى الآكام حولهم تمطر، ولا يصل إلى الدور إلا شيء لا أهمية له، فسبحان القادر على ما يشاء. الكلام على لمرية (لِمْرَيَّة): أرض متوسطة بين شنقيط وأروان، صعبة المسلك، لا ماء بها ولا شجر، وهي خطرة على من سلكها، وإذا عصفت فيها الريح، لا تقدر الرفقة السالكة لها أن تسير، خوفا من أن تتيه، لأن الريح ترفع التراب، حتى لا يفرق

الكلام على تيشيت

بين السماء والأرض، وكانوا إذا أرادوا حمل الملح من شنقيط، يظمئون الإبل حتى تتعود على الشرب، بعد عشرين يوما أو نحو ذلك. ويحمل كل رجل ما يسقيه في المزاد الجيدة، ويكون ذلك في فصل الشتاء، وربما نفد على الرفقة الماء، فينحرون الإبل، ويأخذون ما حوته بطونها، ويعلقونه في كروشها، ويوقدون تحته النار، فإذا صفى ماؤه، يتركونه حتى يبرد فيشربونه، وقد فعله خالد بن الوليد رضي الله عنه في زمن الردة، لما توجه بعد وقعة اليمامة إلى نواحي العراق. وكان دليله رافع الصحابي، المعروف بالهداية. وقد تضل الرفقة في لمرية، فتهلك عن آخرها، ويقولون: إن الدليل فيها إذا سار مع الركب يتقدمهم، فيتبعونه ولا يكلمهم، خوفا ان يذهل فيهلكوا، وهي مسيرة عشرة أيام. الكلام على تيشيت (تِيشِيتْ) مدينة مشهورة بعد تكانت، قريبة من الحوض، بينها وبين تيججكه نحو خمسة أيام، وبها نخل. وأهلها أدرى من أهل تلك البلاد بالتجارة، وهي أقرب مدن تلك البلاد للسودان، وكان أهلها ثلاثة أقسام، قسم يقال له: الشرفاء، وقسم يقال له: إماسْنَهْ. وقسم يقال له: أولاد بلّهْ. فوقعت حرب بين القسمين الآخرين، فخرج أبناء بله، وبنوا بلدة آغْرَيْجيتْ. (آغْرَيْجيتْ): مدينة لأبناء بله، وبها نخل ليس بالكثير، وعمارتها قريبة من هذا العصر. (ولاتَه) مدينة مشهورة، وهي آخر مدن شنقيط مما يلي بنباره. وأهلها عرب، وجلهم أو كلهم من الزوايا، وفيها علم وصلاح. ولأهل لمْحَيْميدْ عليها سيطرة، وهم من حسّان، وأصلهم من اللحمة. وكانوا يعطون المكس لإدوعيش، فحاربوهم حتى تخلصوا منهم، وتركوا أرضهم، ولجئوا إلى الحوض، فكثروا وكثرت مواشيهم، وانتشر ذكرهم، وكل ذلك بعزم محمد محمود ابن لمحيميد.

الكلام على آكان

(النعمهَ) مدينة مشهورة، وما فوقها أقدم منها، وبينهما مسافة يوم أو نحوه. (تِيْنبُكتُو) مدينة مشهورة، والمعروف عندنا أنها خارجة عن شنقيط، وأصل أهلها السودان، وفيها كثير من تجار سوس، وغيرها من بلاد المغرب. (بُواجْبَيْها) تصغير جبهة، وهي قرية من نواجي تينبكتو فيما أظن، وهي من شنقيط. وبعض سكانها من ادَوعل، استطوطنوها بعدما تفرقوا، بسبب الحرب التي وقعت بينهم، ولم تزل بقاياهم هناك. (سَبْخِتْ تاوْدَتي) هي سبخة مشهورة بين شنقيط وأروان، وبينها وبين أروان عشرة أيام، ولعلها منكبة عن شنقيط إلى جهة الشمال الغربي، ويحمل منها الملح إلى تينبكتو والسودان، وملحها دون ملح آدرار في القيمة عند السودان. ولنعد إلى ما بعد تكانت، على جهة القبلة، فأول محاله آكان. الكلام على آكان (آكان) هي أرض كبيرة جيدة الهواء، وتتفاوت في ذلك. فما يلي آدرار أجود، إلا إنه كثيرا ما يعتر به القحط. وما يلي تكانت أجود منه بالنسبة إلى المواشي. لأنه قليل القحط. يبتدئ من إجبيتين. وهي جبال سود مما يلي جنوب آدرار قبل الحيط، من جهة أرض القبلة. ثم يمتد مشرقا، وفيه حزون وسهول وجبال وآكام. ومن أماكنه المشهورة: (إيجِّبِيتنْ) وهي جبال سود، قبل الأرض المستوية، التي تحف حيط آدرار وتكانت، ولا أدرى ما يقال لها من هذه الجهة، أعنى من جهة القبلة، مع أني سلكتها، وتقدم انها يقال لها من جهة غرب آدرار الباطن، وكذلك من شرقي تكانت، وأنها من جهة جنوبها الغربي يقال لها: التاغْصَهْ. (ازْكيْمِيرْ) (بهمزة وصل، وزاي ساكنة، وكاف معقودة مفتوحة،

الكلام على فاي

وياء ساكنة، وميم مكسورة، وياء ساكنة أيضاً) وهو جبيل أحمر طويل، وقد رأيته. (الْكُرَارِيَّه) أضاة كبيرة، إذا امتلأت ماء تصير كقطعة من بحر، وتردها الناس، ومعناها: مقطوعة الأذن. (بُوناكهْ) أصله أبو، وحذفت الألف، وناكه (بكاف معقودة مفتوحة) أصله القاف، منهل مشهور، تستمرئه الإبل، وبجانبه جبل أسود، وقد رأيته، ومن مناهله المشهورة: (تيِدِنْ يَكُّوتْ) وهو منهل مشهور متوسط، بين آدرار وتكانت، وبه جبال من الرمال، ويضرب المثل بحسن قفاه، وقد رأيته. وهو كما قيل. (تَمَسُّميتْ) جبل كبير أسود، يقرب ما قبله. وقد رأيته. (زَالْ) جبل أحمر، في وسط أكان، بين تكانت وآمشتيل وآوكار. (أنْتِشليتْ) منهل مشهور، يعد من آكان. (آيْمُ) (بمدة بعدها مثناة تحتية ساكنة وميم مضمومة) وهو أحساء في آخر آكان، من جهة آوكار، وآخره مما يلي آدرار غربا. الكلام على فاي (فَايْ) أرض مشهورة صلبة، تمتد من آكان، مما يلي آدرار، ويحفها من غربيها الشمالي تيماشنن. ثم تستمر إلى قريب من أجار. ومن مناهلها المشهورة: (آكلالْ) (بمدة بعدها كاف معقودة مكسورة، ولا مان بينهما ألف وآخرهما ساكنة) ومعناه مقطوع الذنب في العامية، ويقال له آكلال فاي. الكلام على آوكار (آوكارْ) أرض كبيرة المساحة، فيه مناهل وقفار، متوسط بين آكان

وآمشتيل، وآفطوط والعُقل، أوله مما يلي آمشتيل ما بعد آيْمُهْ، وقد أجاد ابن الشيخ سيدي، في وصفه له، في قصيدته التي تقدمت. (زَارْ) منهل مشهور به قبر الصالح الفغ الحُمُّدْ التاكنيتي، وذكرته شعراء تلك البلاد، في أشعار كثيرا. قال ابن عيد الجكنى من أبيات تقدمت. من ذا إبل يرعى مصالحها ... فليك ذا حذر يا قوم من زارَا وقال ابن أحمد دام في قصيدة تقدمت ايضا: وجادت على أطلال زار مربّة ... بها كلُّ غراء الجبين دَلوحُ وقال العتيق بن امحمد ابن الطلب اليعقوبي، الذي تقدمت ترجمته: بينما نحن نوَّم حول زارٍ ... إذ أتتنا تميس ثم لميس وعجبنا بأن ألمت بزارٍ ... وبعيدُ زارٌ على من يميس (آولَيك الاْحمَرْ) (بمدة بعدها واو ساكنة ولام مفتوحة وياء مشددة، مكسورة وكاف معقودة ساكنة) والأحمر من تمام اسمه، لأنه مركب من صفة وموصوف، وهو تصغير آوليك، بمعنى البئر الواسعة الأرجاء، وهو بئر قديمة ولا ماء بها. ويقال: إن الناس أرادوا أن يصلوا إلى قعرها، فما أمكنهم ذلك، ومن مناهل آوكار المشهورة: (انجَيْدِي) (بهمزة وصل ونون ساكنة ودال مكسورة) وهو بئر مشهورة لأولاد ابيير، وكثيرا ما يزدحم الناس عليها في زمن الخريف، وقد وردها العلامة محمد فال بن باب العلوي، فصادف عندها المختار بن حميد الأبييري، فسقى له قبل كل أحد، ثم وردها ثانية، وصادف رجلا من حلفاء المختار المذكور، فأساء معاملته. فقال: عليّ ورود ابجيد بعدُ محرمِ ... إذا لم يك المختار بالعُقْرِ واقِفا أمختارُ إلا تزجُرُنّ محالفاً ... لكم كان في صنع الجميل مخالفا

فلا يَكُ إلا حيث أنت فأنتما ... جناحا ذباب ذاك داء وذا شفا (البئر الأصْفَرْ) بئر مشهورة لأبناء أبيير أيضا. (تامْرزْكيتْ) بئر مشهورة لأهل الشيخ سيدي، وهي التي يعني سيدي محمد بن الشيخ في قصيدته المتقدمة. (علب أولاد امْبَاك) كثيب عظيم أبيض، والعلب عندهم بمعنى الريع. (إيْمرِزْ كانْ) (بهمزة مكسورة، وياء ساكنة، وميم ساكنة أيضا وراء مكسورة، وزاي ساكنة وكاف معقودة بعدها ألف ونون ساكنة) تلال عظيمة في آوكار، وقد رأيتها، وإياها عني ابن الشيخ سيدي مع ما قبلها بقوله من قصيدة تقدمت. وقد حوت الميامن منزلات ... وريع بني المبارك منزلين الميامن: هي إيمرزكان، وريع بني المبارك، هو علب أولاد امبارك المتقدم. (نبكت آمخول) النبكة: الأكمة، وآمخول: فحل الإبل، وإياها عنى ابن الشيخ سيدي، في قوله في القصيدة المذكورة: ومغنى حول ذات القرم عاف ... وآخر دارس بالتيرسَينْ (علبْ النّصْ) العلب: الكثيب، كما تقدم. والنص: بمعنى النصف، وهو المراد بقول ابن الشيخ سيدي: ودار حول حقف النصف أقوت ... وأخرى أقفرت بالتوأمين (أنَيْزْ) (بهمزة ونون مفتوحة، وياء مثناة من تحت ساكنة، وراء ساكنة أيضا)، تل عظيم في آوكار، وقد رأيته. وهو المعنى بقول ابن الشيخ سيدي في قصيدته المتقدمة: تأمل صاح هاتيك الروابي ... فذاك التل أحبه أنارا (خَطْ اشكارَه) أرض مستوية، قريبة مما قبلها، وقد رأيتها، وهي المراد بقول ابن الشيخ سيدي، في قصيدته المذكورة:

الكلام على آمشتيل

وتانِ الرملتان هما ذواتا ... عُلَيَّان وذا خط الشُّقارَا (إنْوَاكِلْ) بئر مشهورة، لأبناء ابيير، في آخر آوكار، قريبة من فاي، بينها وبين ازكيمير، نحو يومين أو ثلاثة. الكلام على آمشتيل (آمشتيل) أرض متوسطة بين العُقل وآفطوط وآوكار، فما قبل انتشليت يعد من آمشتيل، حتى ينتهي في العقل، ومن مناهله المشهورة: (إتويرسات) وهو بئر مشهورة. (بوطليحيَّه) تصغير طحاوى، وهو بئر مشهورة أيضا. (أغْدَّ كَلْ) بئر مشهورة أيضا. (كندلك) بئر مشهورة أيضا. (انْتاطراتْ) بئر مشهورة أيضا. (مايْكومْ) بئر مشهورة لتندغا. (انْتُجَىْ) ويقال له: مراجيع انتجى، وإياه يعني ابن حنبل بقوله في قوله: جُدْنَ ذا الرسل بسيل مفعم ... والمراجيع بسحساح لجبْ (أبَّيْراللبن) هو بئر مشهورة ايضا، وهي المعنية بالرسل، في بيت ابن حنبل لأن الرسل بمعنى اللبن. (تِنْ دَوْجه) منهل مشهور، وبه الوقعة المشهورة بين إدوعل، وإدابلحسن، وبها قتل الأحول الشاعر المشهور، وسيأتي بيانها. (بُتِيلِميتْ) بئر مشهورة لأهل الشيخ سيدي، وقد مضى عليها زمان في حياة الشيخ سيدي، لا يصله خائف إلا أمن، ولا فقير إلا استغنى، ولا جائع إلا شبع، فهي كقبة ذي الأعواد، وقد صدق الأسود بن يعفر في قوله: ولقد علمت سوى الذي حدثتني ... أن السبيل سبيلُ ذي الأعواد

الكلام على لعكل

الكلام على لعكل (لِعْكُلْ) (بلام مكسورة وعين ساكنة وكاف معقودة مضمومة ولام ساكنة) جمع مغير عن أصله، لأن واحده بالعاميه عُكلَهْ (بعين مضمومة وكاف معقودة ساكنة ولام مفتوحة، وبعد لام ساكنة) لأنهم يقولون: بنو فلان عند عكلتهم، فقياس الجمع العقل على فعل بضم ففتح، لأن مفرده على فعلة في الحقيقة وهي آبار قصار، بالنسبة لما يقال له بئر، في اصطلاحهم، لأن ما يمتح على الأيدي يقال له: عكلة، وما يمتح على السواني يقال له: بئر، في عرف أهل تلك البلاد، وفي التسمية الأولى توسع، لأنه في الأصل يقال: لما يمتح بالعقال وهو قصير، فصار يطلق على ما طوله خمس قامات، تبدى العقل من زار المتقدم، لأن له عقلة وئرى. (إنواكلميش) (بهمزة مكسورة ونون ساكنة وواو مفتوحة بعدها ألف وكاف مكسورة معقودة، ولام ساكنة ايضا، وميم مكسورة بعدها مثناة تحتية ساكنة، وشين معجمة ساكنة) وهو منهل لأولاد ابييري. (إنْوَاتِيلْ) منهل مشهور لناكنيت، وهو المراد بقول ابن أحمد دام في مطلع قصيدته المتقدمة. تألق لمّاع الوميض لموح ... بذي السرح يخفى تارة ويلوح (إنتيشط) منهل مشهور لتاكنيت أيضا. (بُغَابه) أصله أبو غابه، منهل مشهور، وبه يجتنون العلك، المشهور على ألسنة المشارقة بالصمغ، وهو منهل مشهور لتاكنيت، وإياه عنى ابن حنبل بقوله من قصيدته المتقدمة: وانهمى بالعين منها أيمن ... وبذي الغاب مياسير سُكُبْ (الفُرْغَيْلِيهْ) منهل مشهور، وأظنه لتيمركيون، وبعدها مناهل لم تحضرني الآن.

(تِنْدَعُمَرْ ابَيْلْ) منهل مشهور، وأهله تاكنيت. (انْوَدْكِي) (بهمزة وصل ونون ساكنة وواو مفتوحة ودال مهملة ساكنة وكاف معقودة مكسورة) منهل مشهور، لإداشغره، احدى قبائل إدابلحسن. (أبْيَضُ الماء) منهل مشهور، لإدَغْمَاجِكْ (بكسر الهمزة ودال مفتوحة وغين معجمة ساكنة وميم بعدها ألف وجيم مكسورة وكاف ساكنة) إحدى قبائل الزوايا، يقولون: إن أصلهم من تندغه. (لُمَّيْلْحَهْ) منهل لإدوعل، قبيلة من قبائل الزوايا، ويقال لهم: العلويون، نسبه إلى علي - كرم الله وجهه - وهو المذكور في أبيات ابن محمد المتقدمة: حول المليحة خَيِّمْ واغدونّ ورحْ ... ثم اغدرن ورح ثم اغدرن ورح (المُزَمْزمهْ) منهل قريب مما قبله، سمى بذلك، لأن بعض من يملكه، قدم من الحجاز وصب في بئره شيئا من ماء زمزم، وهو لإدوعل أيضا. (النُّباغِيه) مشتقة من نبوغ الماء، لكثرة مائها، وهي منهل لإدوعل أيضا. (إتوامهَ) منهل لإدوعل أيضا. وبعد أتوامه، مناهل لأبناء اعمر أكداش، قبيلة من قبائل إدابلحسن، ومن أشهرها: (تِنْدِيجمَارْ) (بمثناة فوقية مكسورة ونون ساكنة ودال مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وجيم مكسورة وميم بعدها ألف وراء ساكنة) وهي منهل مشهور. (شُبُكْ) منهل مشهور، كثير الماء، لا أدرى لأي قبائل إدابلحسن، وبه وقعة مشهورة بين قبائل من الترارزة، كان الظفر فيها لأبناء دامان، وبها مات الأفجح الشجاع المشهور. وقال قائله: أنا قتلت الأفجح. فقال له أحد قومه: كلهم فجح، يعني أن قومه كلهم شجعان. (المَسُّومِيه) منهل مشهور لأبناء اعمر أكداش.

(تِنْدَغْمَاجِكْ) منهل مشهور، لأبناء اعمر أكداش أيضا. (اغَوْرَطْ) منهل مشهور، لا أدرى لأي قبائل إدابلحسن. وهو المذكور في قصيدة أبَّدَّ المتقدمة: وأخرى أغرنا على آخرين ... بتنديجمارَ وآغورطا وهو الذي عربه إدييج الكمليلي في قوله من قصيدته التي تقدمت: لم أنس أيامنا حول الكُلَيم وإن ... شطَّ المزارُ وراءت قَوْلَة الواشي (بُوغبَيْرَه) منهل لأبناء بانَعْمر، إحدى قبائل إدابلحسن، وهو المراد بقول ابن أحمد دام، في مقطعته المتقدمة: إلى جنبتي ذي قسطل متنزه ... فإني إليها دائم الهيمان (إنْدُومْرِى) (بهمزة مكسورة ونون ساكنة ودال مضمومة بعدها واو وميم ساكنة بعدها راء) وهو منهل مشهور، وقد عربه ابن أحمد دام بقوله في قطعته المشار اليها بقوله: وهل لي بجنبيْ تغرريت إلى الصفا ... إلى الأجرع الغربي فالجرذان إلا أن الجرذان: جمع جرذ. فلعل اندومرى باللغة الشلحية، معناه الجمع. وبه سمى المنهل. (تَغْرَرَيْتْ) (بمثناة فوقية مفتوحة) منهل لأبناء بانعمر أيضا، المتقدم ذكرها في البيت المتقدم. (تِنْ بامْ) منهل لأدابلحسن، وقد ذكره أبد بن محمود العلوي حياته في أبيات. وكان قد بات بها ضيفا عند بطن من إدغاجك. يقال لهم: أولاد عام، فلم يحسنوا ضيافته. وأبد هذا غير المتقدم، وأبد هذا غير المتقدم، وإنما هو ابن أخيه، وأول الأبيات: يا ليلة بتها شرقيّ تِنْبام ... غالت بنِي ليلة فيها بنو عام

(آمنيكيرْ) منهل لبني ديمان. (إشنكاطْ) منهل لبني ديمان أيضا. (تِن محمد) منهل لإدابلحسن. (إجَّلَّهْ) منهل مشهور، وبه وقعة عظيمة بين اعل بن محمد لحبيب التروزي، وأخيه أحمد سالم، وانهزم فيها أحمد سالم ومن معه. (تِنْكرُكه) منهل من مناهل إدابلحسن. (لِمَّيْلحْ) تصغير الملح، بالتصغير العامي. وإنما لم نقل تصغير المالح، لما هو مشهور عند أهل اللغة من الخلاف فيه، هل يقال ماء مالح أو لا؟ والصحيح جوازه بقلة، وإن جعلناه تصغير مالح، فهو تصغير ترخيم، مع أن العامي خارج عن القواعد العربية، إلا أن الاشتقاق فيه ظاهر، وهذا منهل قديم، صيته أكبر منه، وهو الذي جر الحرب بين إدوعل وإدابلحسن، مع إنه لا قيمة له، ولو تركته إحدى القبيلتين للأخرى، كان أليق مما سال من دماء المسلمين بسببه وبه أول وقعة، وكانت الدابرة فيه على إدابلحسن، على ما يأتي بيانه، وقد صدق طرفة في قوله: قد يبعث الأمر العظيم صغيره ... حتى تظل له الدماء تصيب ومن العجب، إنه لم يستقر في ملك إحدى القبيلتين، بل بقى مهملا. (لِخْوَاويَّه) منهل مشهور لإدوعل. (العَين) بلفظ الباصرة، وهي منهل لإدوعل كثير الماء. (تِنْ وَغَيْمِلْ) منهل لإدوعل أيضا، وليس ماؤه بكثير. (إجَرَّارِيه) منهل مشهور لإدوعل، قريب مما قبله، وهو آخر العقل من جهة آتكور. (انْبَيْطِيه) منهل من مناهل إدوعل، كثير الماء، وهو من جهة الشمال عن تن وغيمل.

(انْبَيْطِيه) الثانية، منهل لأدابلحسن، قريب مما قبله. (تِنْكادُومْ) منهل لأدابلحسن، قريب مما قبله، ومن تنبَيعْلِ. (تِنْ بُيَعْلِ) منهل مشهور، وهو مختلف الأرض مع صغر مساحته، فمنه محل طوله نحو ثمان قامات، وهو كثير الماء جيده، وربما انهار على من يحفره فيموت، ويسمى هذا الموضع تنبعل البيضاء، ونوع يقال له: تاحميريت. وهذا أقل ماء مما قبله، وأقصر منه، ولا خوف على حافره، وهو متصل بما قبله، ولا حاجز بينهما، ومن هذا المنهل، نوع آخر يسمى تنيغرف، وهو أقصرها. وقد يكثر ماؤه وقد يقل. (أتويفجِّيرت) منهل يبعد عما فوقه بنحو ساعة، وهما لإدوعل أيضا. (آتْكُورْ) هو أرض بعد لِعْكُلْ، متوسط بينها وبين إرْكِيزْ، وبين آفطوط الشرقي، فأوله مما يلي العقل: (بَارَيْنا) (بباء موحدة وراء مفخمة مفتوحة وياء ساكنة ونون مفتوحة) وهي بئر مشهورة، تعد من آتكورْ، واقعة بين العقل وأركيز واكِيدِ، وهي المراد بقول ابن محمد المتقدم: حتى إذا عمت السقيا مسارحها ... فاسْق المسارح من بارين واسترح وهي لإدوعل، وهي ملقط للعلك (أي الصمغ) وقريب منها بئر لأبناء اعمر أكداش، نسيت إسمها، ويليها من شرقيها الجنوبي: (أبَّيَّرَاتْ تاكُنَانِتْ) وعن غربي هذه الجنوبي. (العَرْكُوبْ) بمعنى العرقوب، وهي بئر لإداشُغْرَه وبعدها: (إتْوَيدِرمى) بئر لإداشغره أيضا، وهي التي عناها لحنف المجلسي المتقدم بقوله: أهْلُ اليُنَيْبيع لا تعبأ بما فعلوا ... من دأبهم خلتان اللؤم والبخل وبعدها:

(بئْر البرْكهْ) بئر لإدَاشُغْرَهْ ايضا. (أبَّيْرْ أولادْ عِيسى) بئر لأولاد بنعمر، وما بعد ذلك من جهة الغرب الجنوبي، يقال له ايكيدي. (آمْكَيْني): بئر قريبة من إركيز، وهي آخر آتكور، مما بعد بئر البركه. (إبلحنوشهْ): ويقال له: إبلحلوبه، وهي بئر تقرب من أبيرات تاكنانت، وهو لأبناء اعمر أكداش، وبه وقعة مشهورة، بينهم وبين إدوعل، كانت الدابرة فيها على أبناء اعمر أكداش. (أنَكيمْ): كثيب متوسط بين آمكيني، وآفطوط، وأكثر ذلك الكثيب مشتد، وبعضه أعلا من بعض. (آفْطوطْ الشرْكِي): أي الشرقي هو أرض مشتدة، كثيرة الأشجار، مسيرة أيام عديدة طولا. (إرْكِبزْ): بحر عريض جدا، يقدَّر عرضه بثلث يوم، وهو راكد، ويسيل في بعض السنين على جهة الغرب، وسيله إنما يكون إذا كثر سيل شمامه. (حَبْايَهْ) هذا علم على الموضع الذي يحرث، إذا سال ارْكبز، وكانت حبايه لطائفة من السودان، فرحلوا عنها إلى موضع يقال له: (إدْوَفّالْ) بفاء مفخمة، فاشتراها منهم أحمد بن خيار العلوي، بأربعة فحول من الخيل العتاق، وفرقها في قومه، وهي مسيرة نصف يوم أو أزيد، وأولها من جهة الغرب الجنوبي: البْيبيدِي، وآخرها من جهة الشرق الشمالي: أخشيم اندرايه، ومن أماكن نواحيها الشمالية المشهورة: (بَرَّك) أي أنخ جملك: قالوا سمى بذلك، لأن أحمد بن خيار المذكور، كان ينزل هناك، فكان إذا مر به راكب يقول له: برك: أي انزل لأطعمك، ومن أماكنه المشهورة:

(لِغْبَيبيرِي) وبه وقعة بين أدوعل، وإدابلحسن مشهورة، كانت الدابرة فيها على إدابلحسن، وسيأتي بيانها. (سَهْوة الماء): أي آخره، هذا موضع انتهاء بحر إركبز، وفي هذا الموضع غيضة عظيمة، يقال لها (الكانه)، وهي أشجار ملتفة، وتسكنها السباع كثيرا، وتأوي إليها اللصوص، وقد ينزلها أبناء دامان، إذا خافوا، فيتحصنون بها من عدوهم، ولم يقدر أحد ان يغزوهم بها، غير ابن اعل بن محمد لحبيب. فإنه اقتحم عليهم فيها، ومزقهم كل ممزق. (المُيَسَّرْ): بئر مشهورة لأبناء اعمر أكداش، قريبة من الكانه، وهي ملقط للعلك، وهي في آفطوط. (إتْوَيْدِيمتْ بالِي): موضع لأبناء اعمر أكداش، قريب مما قبله. (إمْلازِمْ إرْعُودْ) الملزم عندهم. تقال للموضع الصلب الكثير الأشجار، الذي يجتمع فيه ماء المطر، ولا معرفة لي بأماكن آفطوط، وهذه المواضع هي المرادة بقول ابن حنبل: فاضا الرَّعودِ فملتقى أعراضِها ... فالدومةِ البيضاءِ فالسندانِ (إحْسَىْ اللبنْ): موضع قريب من رأس إركبز، وبه بئر قصيرة، تمتح على الأيدي. (بُوطْرَيفيهْ) موضع به غيضة عظيمة، وبه نخل لا أعرف لمن هو، وبه سباع، ودببة، وبه واقعة مشهورة بين إدوعل، وإدابلحسن، وكانت الدابرة فيها عل إدَوَعْل، وسيأتي بيانها. (المِذَّرِ ذْرَهْ): ومعناها المتساقطة الورق: هي بئر تمتح على الأيدي، لتاشدبيت، بين الكرعان وإجيد وإركبز. (إدْخَلْ): جمع دخلة على اصطلاحهم، وهي ما بعد رأس إركيز، مما يلي شمامه، وهذا يطلق على مواضع كثيره، ولم تحضرني أسماؤها الآن، وكل موضع

الكلام على إكيدي

فيه أشجار، وترعاه المواشي، متوسط بين نهرين يقال له: دخلة عندهم. وتنتهي إدَخَلْ في لخشومه، وهي كثبان كثيرة الأشجار قبل شمامه، وهي مأسدة دائماً، وينتجعها الناس من أول الشتاء إلى آخر الصيف، وهي وبيئة جدا، وتمتد إلى أرض إكمليلن، وتندغ مغربة، وتلفت، محاذية إلى أرض البراكنه. الكلام على إكيدي (إكِيدِي): (بهمزة مكسورة، وكاف معقودة مكسورة، وبعدها مثناة تحتية ساكنة، ودال مكسورة) مناهل متعددة، وكلها آبار تمتح على الدواب، وهي عن غربي العقل الجنوبي، وكل أرض إكيد، كثبان إلا أنها ليست بدهسة وآبار تطوى بالحشيش وأغصان الشجر، وأشهر مناهلها: (تِنْيِخْلِفْ): بئر لبني ديمان. (أمْنَيكير): بئر لبني ديمان أيضا. (التَّاكلالِتْ): أي مقطوعة الذنب، هي بئر لبني ديمان ايضا. (إكدْرنيتْ): بئر لبني ديمان ايضا، وهو المذكور في شعر العتيق اليعقوبي المتقدم. (المحرد): بئر لإدكففه. (إنتيشط): بئر لإِدكففه ايضا. (تندغما جك الطَّلْحْ): بئر لبني ديمان. (إنْبَنْبهْ) بئر لبني ديمان أيضا. (المنار) بئر لبني دسمان أيضا. (النمجاطْ): بئر للتياب، وهو المذكور في شعر امحمد بن الطلب اليعقوبي المتقدم. (إنْككُو): بئر للتياب أيضا، وهو المذكور في شعر مولود اليعقوبي المتقدم.

(أخْرُوفهْ): بئر للتياب. (تندكْسِمىّ): هذا آخر إكيدي، مما يلي إحساء تاكنانت، وأكثر من ينزلها بني ديمان. (آوْلَيكات فاوه) بصيغة الجمع، المشم رائحة التصغير العامي، وواحدها آوليك، ومعناه البئر القديمة الواسعة القعر، وهي بئر لأبناء الفغ حبيب الله، قريبة مما قبلها. (حسيان تاكنانت): بمعنى الإحساء: وتاكنانت قبيلة معروفة من قبائل الزوايا، وحسيانهم تبتدئ من أواخر إكيدي إلى أجار، ومن جهة الشرق من عقل إدابلحسن إلى أجار أيضا، فمن أشهرها مما يلي إكيدي: (إنْواذِيبو): وهي بئر تعمر في بعض السنين، ويرحل أهلها عنها فتنكسر. (إحْسَىْ لِغْنَمْ): بئر لتاكنانت، قريب مما قبله. (تندك فظمهْ): بئر لتاكنانت، قريب مما قبله. (لِمهْيْريد) بئر لتاكنانت. (بَيْرْوَارَهْ)؛: بئر لتاكنانت أيضا، وأصله أبواير واره، واير واره بمعنى شجر القتاد، فأهل القبلة يسمونه إيروار، ويقولون لواحدته إيراواره، وأهل تكانت والحوض، يسمونه آوروار، ويقولون لواحدته: آور واره. (بُودْرَيكَهْ): بئر من آبار تاكنانت، تقرب من آجار. (إنْزَمَدّى): (بزاي مفخمة) بئر لتاكنانت، واقعة في أجار، من جهة الشمال أرض إديقب، وما رأيتها، وأشهرها: (تِنْيافيلْ) منهل مشهور. (تيمَجكفانين): منهل مشهور أيضا.

الكلام على أظهر وانوللان

الكلام على أظهر وانوللان (أظْهَرْ وانوللاَنْ) أرضان بعد أكيدي، وهما أرض تندغ، ومن معهم من الزوايا وحسان، وقد مررت منهما، الا أني لا خبرة لي بهما، ولا أفرق بينهما، ومن أشهر مواضع تلك الجهة، ويقال لها الساحل: (تِنْضلهْا) وهي منهل مشهور، وكانت به أغلب إقامة العالم الصالح، باب بن محمذ بن حمدي الحاجي، أحد علماء تلك البلاد، وفيه أماكن كثيرة غيرها، لم أتذكر أسماءها. (آفْطوط السَّاحِلي) أرض صلبة فيها أشجار كثيرة، مسافته طولا بعيدة جدا، بحيث يسير فيه الراكب أياما. (إزْبارْ) رمال مرتفعة جدا، تحف المحيط الأطلانطيقي، ولا علم لي بتفاصيلها. الكلام على شمامه (شَمَامَهْ) أرض سوداء كبيرة المساحة، لا تسكن إلا من مبدأ فصل الشتاء، إلى آخر الصيف، وهي متفاوتة في الهواء، تبتدئ من قريب من الزيرة مما يلي أندرْ، ويقال له عند الجغرافيين: سنكال، وتلوى مع بحر أبجك، إلى أرض ابن هيبه، وهي كثيرة السباع والنمور، في أغلب السنين، وأخبرني من له بها خبرة أن السيل يعلو على رأس شجرها المسمى عندهم بآمور، وهذا الشجر فيه ما لا يقل عن خمس قامات طولا، وفيها مزارع كثيرة من الدخن، ويعرف عندهم بالبشْنَهْ، يبتدئ سيلها من آخر الصيف، إلا إنه يقتصر في أول أمره على الأنهار الجارية، ثم يعم الأرض كلها، فإذا انقطع هذا السيل، وجفت مجاري تلك الأنهار، تبقى كالأخدود العميق، وينقص الكبير منها، وتبقى نواحيه مرتفعة عن الماء بقامات، كما شاهدناه مرارا، فإذا كان في آخر الخريف، يتجاوز السيل إلى

الكلام على سكان شنقيط وجنسهم

جميع شمامه حتى يغطى أكثر أشجارها التي تقدم وصفها، فإذا كان السيل جاهلا (أي كثيرا) فذلك دليل على سيل حباية، التي تقدمت، ويكون سيلها بعد رجوعه من شمامه، هكذا يقولون. وبعد أن تجف شمامه، يبتدئ أهلها في زرعها، ويكون ذلك غالبا في شهر يناير. وهواء شمامه، رديء جدا، وماؤها مضر استعمالا وشربا. وهي أرض خصبة بالنسبة إلى ذلك القطر، قريبة من قرى فرانسة. وقد قال بض الأدباء في صفتها: صاح شمّر معي بكورَ غراب ... نسترح من بلاد بوله وجانب سئم القلب ماؤها وغضاها ... واكتفى من غَنيمها بالإياب كل أرض لأهلها جعلت شا ... ما وشامام أهلها في العذاب انتهى بنا الكلام على شنقيط وتخطيطها وبلدانها، بحسب ما علمناه. وهنا نتكلم على سكانها وجنسيتهم، وبعض شئونهم. الكلام على سكان شنقيط وجنسهم سكان شنقيط من حيث الجنس: في الأصل قبائل من البربر، التي كانت تقطن صحراء الغرب. ثم دخلها العرب في الفتوح الإسلامي، وتغلبوا عليهم. فصاروا قسمين: عرباً، وبربراً. ثم تجنسوا جنسين: الزوايا، وحسان. وانقسمت قبائل حسان إلى قسمين: العرب، واللحمة. فصار بهذا الاعتبار سكان شنقيط، ثلاثة أجنس، فالأول: كان يتوغل في البلاد، ينشر فيها دين الإسلام، وهم المجاهدون. والثاني: اشتغل بإحياء العلوم. والثالث: اشتغل بإصلاح الأموال، وكان يدفع للمتعلمين الزكاة، ويعطى الإعانة للمجاهدين. فغلبت على الأول حسان. وعلى الثاني الزوايا. وعلى الثالث اللحمة. فلما وضعت الحرب أوزارها، واجتمعت هذه الطوائف، بقى الزوايا على شأنهم من طلب العلم،

وإقامة الدين. وصارت حسان تتناهب الأموال، ويتقاتل بعضها بعضا، وصار ما كانوا يأخذون من اللحمة ملكا متوارثا، إلى أن صاروا يبتاعون رقاب اللحمة. أعني: إنه يبيع أحدهم من يتولاه للآخر، مع اعترافهم بأنهم أحرار، ولا يعنون بالبيع: الاسترقاق الشرعي، بل مرادهم بيع المكس، الذي يؤخذ من أحدهم. ويسمون اللحمة أزناكه، والأصحاب أيضا، والأمكاس التي يأخذونها عليهم، ليست إلا على الرجال البالغين، واعلم أن اللحمة أيضا يحملون السلاح، ويشتركون معهم في الحروب ونهب الأموال، وربما حاربوهم، فإذا وقع الصلح يعطونهم ما هو مقرر عندهم. بقى شنقيط منذ فتحه المسلمون إلى سنة 1317، لا يوجد فيه فرد واحد خارجا عن الإسلام، إلا أن أهله متفاوتون في الاستقامة. فالأغلب على الزوايا: الدين، وربما وجد فيهم بعض السفهاء، كما إنه ربما وجد في حسان، من ينسب إلى الاستقامة، بالنسبة إلى غيره منهم. ومن أعجب أمرهم: أنهم لا يعدون ظلم اللحمة ظلما، ويقولون: فلان يدافع عن المسلمين، إذا كان ينصر الزوايا على من ظلمهم، ولا يقدح عندهم في استقامته سفك حسان ولا ظلم اللحمة. وربما اعترض علىَّ بعض من وقف على أمور أهل تلك البلاد، بأن بعض زوايا أهل القبلة، له أتباع من اللحمة، يأخذ عليهم المكس، وكذلك بعض أهل تيرس، فهم في هذه كحسان. والجواب: إنا أردنا الأكثرية، ولا ريب في أن الذي قاله صحيح. وحيث أوضحنا لك انقسامهم في الأصل، فلنتكلم على ما هم عليه الآن، فنقول: ما رأينا منهم من يقر على نفسه بأن أصله من سكان تلك البلاد، إلا أن قبيلة لمتونة حفظ لها التاريخ أصلها. والخلف في لمتونة بين المؤرخين قديم. فالأكثر أنهم من حمير، ودخلوا بلاد المغرب في الجاهلية، وقد مشى عليه صاحب عمود النسب، فقال:

وآل عبادٍ ملوكُ الأندلسْ ... من نسل ذي الطوق وغالها الندسْ يوسفٌ العدل ابن تاشفينا ... الحميريُّ ثم من لمتونا وقال بعض الشعراء المتقدمين: قوم لهم شرف العلى من حمير ... وإذا دعوا لمتونه فهمُ همُ لما حووا علياء كلِّ فضيلةٍ ... غلب الحياءُ عليهمُ فتلثموا وقد ذكر بعض العلماء، انهم من البربر، والأول أصح. إذ يقال: إنهم خرجوا من زمن التبابعة من اليمن، واستوطنوا المغرب الأقصى، وملكوه في القرن الخامس. ومن أشهر ملوكهم: يوسف بن تاشفين، وهو الذي اختط مدينة مراكش. وذكر ابن خلكان: إنه كان لا يحسن العربية، وهذا دليل على انهم تناسوا العربية على القول الأول. أما بقاياهم الموجودة الآن، فأكثرها في أرض الحوض، وقد اجتمعت ببعض أفراد منهم، وما سمعتهم يتكلمون بغير العامية، ولعلهم تناسوا لغتهم الأخيرة. أما القبائل الأخرى، فأغلبها من العرب، والكل يدعي ذلك، سواء كان يتكلم بالعربية أو بالشلحية، ولابد أن يكون فيهم من أصله شلحي، وإلى ذلك يشير ابن الشيخ سيدي، في قصيدته المتقدمة بقوله: إلى نسب لهم بلغوا ادعاءً ... به أذواء حمير أو نزارا وفيهم قبائل، متحقق عند النسابين هناك صدقهم في نسبهم، فمن ذلك: القبيلتان المسمى بمدينتهما القطر كله، وهما إدوعل والأغلال، لم نر من خالف في أن الأولى علوية، والثانية بكرية، وكقبيلة كنت ومدلِشْ، فلا خلاف أنهما من بني أمية، مع تباين مشاربهما، وكذلك إدوعيش وتجكانت، وإدولحاج، فلا خلاف أنهم من حمير. وكذلك إدْيبسات، فلا خلاف انهم من الأنصار، وكإديقب وإدكبهني، من قبائل تشمشه. فالأولى من ذرية جعفر بن

الكلام على الزوايا

أبي طالب، والثانية لم نر من طعن في شرفها، وكأبناء اخطيره، من قبائل إدا بلحسن، فإنا لم نر من طعن في شرفهم. الكلام على الزوايا ولما افترقت سكان شنقيط، إلى الأنواع الثلاثة المتقدمة، صار لفظ الزوايا علما على قبائل كثيرة، أغلب سيرها في تعلم العلم وتعليمه، وتعمير الأرض، بحفر الآبار وتسيير القوافل، وقرى الضيف، وبقيت هذه الطائفة التي هي عمارة الأرض مستمرة على ذلك، وربما وقعت حرب بين القبيلتين منهم، أو القبيلة الواحدة مع بعضها، وقل من نجا من هذا، إلا إنه قليل الوقوع بالنسبة إلى قبائل حسان. ومن العجيب، أن الزوايا على ديانتهم وعلمهم، أهل حقد على بعضهم، فترى القبيلتين إذا وقعت بينهما حرب، لا تنمحي أضغانها من الصدور، ولا يكون إلا صلح على دخن، بخلاف حسان، فإنك ترى الطائفتين المتحاربتين بعد قليل، صارتا يدا واحدة، واصطفتا لقتال غيرهما، وربما التجأ إلى القبيلة منهم بعض عدوهم، فآووه ونصروه. وماتوا يدافعون عنه. ما يحمد من أمر الزوايا وما يذم يحمد من أمرهم: عدم شهادة الزور، والتحرج من مال الغير. وأن أهل الجاه منهم لا يأخذون على جاههم ثمنا، وأن التعليم والإمامة يكونان مجانا عندهم. أما القرآن، فلا يرون بأخذ الأجرة على تعليمه بأساً، وربما تعلق الحيّ منهم بأحد العلماء الأجانب عنه، فشارطه سنة أو سنتين بشيء معلوم، على ان يعلمهم، ففعل. لكن من كان مع العالم في بلد واحد، لا يأخذ منه أجرة. ومن رحل إليه لا يأخذ منه أيضا، وربما التزم هذا العالم نفقة الغريب وكسوته، وعلمه أيضا. وهذا الذي ذكرت، إنما هو الأكثر. ومما ينتقد عليهم، أعنى زوايا القبلة، وتيرس، والحوض، كثرة التيمم صيفا

الكلام على حسان وسيرتهم

وشتاء، وقد أنكر ذلك بعض العلماء عليهم وشنع، فمنهم من يحتج بأن النابغة الغلاوي، أنكر ذلك عليهم. ثم إنه زكم بعد سنة، فصار يتيمم. وما أظن النابغة يتيمم إلا في أيام مرضه، ثم يعود إلى الوضوء. وبعضهم يزعم أن جده العالم الفلاني، أضرّ به الماء فصار يتيمم. وقد رأينا بعضهم يأخذ الدلو على فم البئر، ويصبه في الحوض المسمى عندهم بالتكدَّه، فيخوض في الماء إلى الكعبين، ثم يخرج ويتيمم. وممن أنكر ذلك عليهم، العلامة باب بن أحمد بيب العلوي، وقال في قصيدة: هذا وإني أرى أن التظهر لا ... يكون إلا بماء حيث يوجد ما ومنْ تيمم لا يجدي تيممه ... وقد أتى بذنوب لم تكن لمما وهي نحو الثلاثين بيتا، وأورد فيها النصوص على ذلك. وله في ذلك منظومة منها: وقد رأيناهم يعومون البحار ... ويتيممون ذلك النهار وقد رأينا المتوضئينا ... أطول أعماراً من الذين لم يتوضؤوا ولم يغتسلوا ... وقسم الرزق وحدّ الأجل وتقدمت قصيدة امحمد بن الطلب اليعقوبي في هذا المعنى، في ترجمته، ومع هذا، فإنك ترى أحدهم لو ائتمن على مال ما خان فيه، ولا يرضى أن يمر من مزرعة في طريقه، إلا بأذن مالكها، ولا تفوته صلاة في الجماعة، مع خشوع زائد. لكنه قام في ذهنه، إنه متى توضأ، فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة. الكلام على حسان وسيرتهم إن حسان في أرض شنقيط، لهم ضرر ونفع، وبعضهم أكثر ضررا من بعض. أما نفعهم فهو خوف بعضهم من بعض، لأن في ذلك نفعا للزوايا وحسان،

الكلام على الترارزة

فضرر حسان لمن جاورهم من الزوايا، أقل من ضرر البعيد عنهم. وما أقول في قوم يعيبون من مات منهم حتف أنفه، وإذا ذكر أحدهم ميتا له قتل في معركة، يقول: مات متفرشا، يعني إنه قتل آخر. وفي طبقتهم العليا أبَّهة عظيمة، فإنهم يحتكرون لفظة العرب لأنفسهم، ولا يسمحون بهذه اللفظة لغيرهم، كالزوايا مثلا. وكالطبقة الوسطى منهم أنفسهم، ولا يدعون أن من ذكرناه عجمي الأصل، بل لأنه عندهم لا يستحق ذلك الاسم لضعفه، ومثال من يقال له عربي عندهم من الترارزة، أبناء أحمد من دامان، وأهل عَبَّلَّ وأبناء دامان. أما أبناء آكُمتارْ، فأكثر ما يقال لهم: أعريب. بالتصغير العامي، وجدهم أخو أجداد المتقدمين، وكأبناء البوعليَّه وموسات، لانهم أضعف من السابقين. وتنقسم قبائل حسان في أرض شنقيط، إلى أربعة أقسام: قسم يقال له أولاد احيى من عثمان، وهم سكان آدرار، وقد يخرجون عنه أحيانا للنجعة. وقسم يقال له: إدوعيش، وهؤلاء يسكنون تكانت في أغلب أوقاتهم. وقسم يقال له: الترارزة، وهم سكان القبلة، أي من حدود سنغال إلى إكيدي والعُقلْ. وقسم يقال له: أولاد عبد الله، ويقال له البراكنة أيضا، وهم متفرقون. منهم من يسكن شمامه، وهم أبناء السيد، ومنهم من يسكن فيما بين آمشتيل وأفطوط، وهم أبناء أحمد إكيدي. وبعض يسكن الرك، أي القاع، وهم ابن هيبة وأبناء نُغْماشْ. الكلام على الترارزة الترارزة: هم آخر أجناس حسان شنقيط، مما يلي سنغال، وهم أحسنهم، لقلة مضرتهم للزوايا، بالنسبة إلى غيرهم، متفاوتون في ذلك. فأبناء أحمد من دامان، يدافعون عنهم الظلمة، ويخاطرون بأنفسهم في ذلك، ويرونه فخرا لهم، ولا يضر

الكلام على أبناء دامان

الزوايا منهم إلا رئيسهم، فإنه قد يأخذ من بعضهم شيئا. وإذا وقعت فتنة في الزوايا، فإنه يرى أن الضغط عليهم أصلح لهم. وهذه كانت حالتهم في القديم، حتى انتهى الأمر إلى المتأخرين منهم، فإنهم أفرطوا في الظلم، وصاروا يدسون الدسائس بين الزوايا، ليجدوا طريقا لأكل مالهم. وهذا بخلاف قديمهم. وقد قال بعض الزوايا: يومان لا ظلم فيهما، يوم القيامة إذ يقول الله تعالى: لا ظلم اليوم. ويوم ينظر الإنسان إلى خيم أبناء أحمد من دامان، لأنه يكون يومئذ آمنا. وفي الترارزة نوع آخر، يسمونه حمر الترارزة، مثل العلب ولبيدات وغيرهم. وهؤلاء أعنى العلب، أصبر على الحرب وروغها من غيرهم. فهم يماثلون أحْيي من عثمان في آدرار، وفيهم قبيلة يقال لها: الرحاحلة. يغصبون من لفظ عرب، لأنهم يعرفون أنهم أحط من ذلك، ومن اللحمة لأنهم يرون أنفسهم فوقهم. الكلام على أبناء دامان هذه اللفة في الأصل، تطلق على خمس قبائل. وهم: أبناء أحمد من دامان (أي ابن دامان)، وأبناء ساسي، وأهل عتام، وأهل عَبّلَّ، وأهل آكْمتّارْ، يقال أنهم أبناء رجل واحد. وهو: دامان. فأبناء أحمد من دامان، هم الشيوخ الذين أبادوا أبناء رزكْ، وأول من ظهر منهم، اعل شنذوره، الذي أعطاه السلطان مولاي إسماعيل، المحلة التي أفنى بها أبناء رزكْ، والمحلة بمعنى العسكر. وهذا بدء ملك الترارزة. وكان ابن رازكه العلوي، هو السبب في ذلك كما تقدم. وبقي الاسم الجامع، وهو أبناء دامان، علما على أبناء ساسي وأهل عتام، مع من انضم إليهم. أما أبناء أحمد من دامان، فإنهم هم الشيوخ كما تقدم. ولهم مال سنوي على الدولة الفرنسية، من عهد اعل شنذوره، إلى قريب من زمننا هذا. وهذا المال للرئيس منهم، ويسمونه: آمْكبّلْ. وهو معظم أسباب الغدر بينهم، ليأخذه من

الكلام على حروب الترارزة

كان رئيسا بعد صاحبه. ويقال: انهم ما مات منهم رئيس، إلا بالغدر من أهل بيته وقومه، وهم متغلبون على الترارزة كلهم. ولا يعاندهم منهم إلا أبناء دامان. فإنهم من قديم، يحاربونهم وتكون الحرب بينهم سجالا، ثم تختم بنصرهم. ويقال: إن أحد رؤساء بني دامان، حضره الموت، فبعث إلى الشبان من قومه، وكشف لهم عن جسده، وأراهم آثار الرصاص في كل عضو من أعضائه. وقال: اعلموا أن الرصاص لا يقتل ما لم يصب هذا الموضع. ووضع إصبعه على ناصيته، وانحدر ماراً بها بين عينيه، ومنخريه وترقوتيه، إلى أن وصل إلى بطنه. ثم قال: أوصيكم بعدم الصبر لبني أحمد من دامان. فإن قتلوكم صباحا، فاقتلوهم مساء. وإن قتلوكم مساء، فاقتلوهم بكرة. ومات بعد هذا، وقد عملوا بوصيته، وإذا أراد أحد بني أحمد من دامان، أن يحارب رئيسه انضم إليهم، إلا أنهم لم يفلح منهم أحد، بسبب بغضهم عند عامة الترارزة، غير اعمر سالم بن محمد لحبيب، ثم إنهم صاروا شؤماً عليه في الآخر، كما يأتي: الكلام على حروب الترارزة ما وقع بين الترارزة مع غيرهم، لا يذكر بالنسبة لما وقع بين بعضهم وبعض. فقد تقدم أن أعيان الترارزة، هم أبناء أحمد من دامان، وتقدم ذكر العداوة بينهم وبين أبناء دامان، وأما ما وقع بين أبناء أحمد من دامان مع بعضهم، فأغلب ذلك إنما هو طلب الملك، مثاله ما وقع بين سيدي بن محمد لحبيب، وأبناء اعل خملش. لما بلغ سيدي المذكور الحلم، كان أبوه رئيسا على الترارزة، وكان عادلا مهيبا، فحسده أخوه أحمد بن الليكاط، فنازعه الملك فنفاه، ثم قتله بعد ذلك. فقال أحمد بن عيده يعيره: محمد لحبيب السلطان ... إعلَ سمعُ حَتَّ ما عَسْ أقتل خوه اشكيكُ في المان ... داير بيه أخلاص الملحسْ

الكلام على غدرة محمد لحبيب

ثم تآمر سيد أحمد بن اعل خملش وأخوه، على قتله. وكانا ابني أخيه، واسمه إعل، وأضيف إلى خملش، وهو لسم موضع. لأنه ولد عنده، كما أن الليكاط المتقدمة، اسم نرضعة أرضعت أخاه أحمد، فغلبت عليه. الكلام على غدرة محمد لحبيب تآمر ابنا إعل خلمش، على قتل عمهما، مع من أطاعهما من أبناء أحمد من دامان، فعينا لذلك ليلة مخصوصة، وكان أكبر أولاده سيدي المتقدم، فاتفقوا على قتله مع أبيه، فاتفق أن سيدي المذكور، خرج في اليوم الذي قبل الليلة المعينة مع بعض رجاله، وكان يريد المبين عند حيّ من أتباعه، فخرج معه سيد أحمد بن إبراهيم اخليل، يريد اغتياله تلك الليلة، وهو لا يدري. فلما وصل إلى الحيّ الذي كان يقصده، وجده قد رحل، فبات على مكان عال، ولم يضطجع لشدة حزمه. فبينما هو جالس آخر الليل، إذ سمع الرصاص في ناحية الحيّ، الذي خرج من عنده، فعلم أن أباه قتل. فأمر أصحابه بالقبض على ابن إبراهيم اخليل، وأن ينزعوا السلاح منه، وأن يقودوا به فرسه، خوفا ان يهرب عليها، فرجع إلى أهله فوجد الناس يظنون إنه قتل أيضا. فلما رآه الناس انضموا اليه، ولم يبق الا قتلة أبيه، وكانوا اثني عشر رجلا، فقتلهم في ذلك اليوم عن آخرهم، ما عدا إبراهيم ابن بوحُبّيْني، فإنه تركه احتقارً له. الكلام على غدرة سيدي بن محمد لحبيب كان سيدي المذكور، عادلا، محباً للزوايا، مكرما لهم. وكان يجتهد في الحكم بالشريعة، أعنى في منازعات الناس. ويعين لذلك العلماء، ويدقق في تحري ذلك. أما أمر اللحمة، فقد تقدم أن حسان لا يرونه ظلما، مثل ما قال الفرزدق لأحد ملوك بني أمية، وقد دخل عليه هو وجرير، فسألهما عن سبب المهاجات بينهما، فقال له جرير: إنه يظلمني. فقال له الفرزدق: وجدت آبائي

الكلام على غدرة اعل بن محمد لحبيب

يظلمون آباءه، فسرت على نهجهم، وكان سيدي المذكور، يستعمل الحرس، خوفا على نفسه من الغدر. فلما بلغ أخوه أحمد سالم، وكان صاحب بطش، أمن على نفسه من الغير، فترك الحرس، فصارت الشياطين من قومه يقولون له: أنت أحق بالرئاسة منه، لأن لك سبعة أخوة أشقاء، وهو لا شقيق له، وخالك شيخ أبناء دامان، كما ان أباك شيخ على جميع الترارزة، فغدره. وكان اعل ابن محمد لحبيب في أخواله، أعنى السودان، وكانت أمه أميرة من السودان. يقال لها: جنبت. فلما بلغه غدر أخيه، زحف بمن معه من السودان، وانضم إليه كثير من الترارزة، فالتقى معه عند منهل يقال له: إجلَّهْ. وقد تقدم، فهزمه أشنع هزيمة، ولم يزل يتوالى له النصر عليه، حتى أخرجه إلى تكانت، في طائفة من أبناء دامان، فاستعان بادوعيش عليه، فأمدوه بجيش، وخرج معه أحد أهل اسويد أحمد، فكانت وقعة (أيشايَهْ) اسم موضع، فقتل هو وانهزم جيشه. الكلام على غدرة اعل بن محمد لحبيب لما تولى اعل المذكور، رئاسة الترارزة، استتبت له الأمور، وكان مظفرا. فإن أبناء دامان ما أذلوا قبله، ولقد كانت الحرب بينهم وبين قومه سجالا كما تقدم. فلما انضموا إلى أخوته، لم يهزموه يوما واحدا؛ وكان لا يغزو أحدا. فإذا غزاه، فإنما يكون مراده الإرهاب، ولا يوقع به، وكان لا يطرد المنهزم. فلما غلب إخوته، وقتل من قتل منهم، واستتب له الأمر، استولى على قلبه الطمع. فجمع من المواشي من كل نوع ما لا يحصى، ونشر العدل، حتى إنه لا يتجرأ أحد من الترارزة على ان يغصب شاة لطالب، ولا يركب جملا له، وجعل على جميع الناس، إذا ضرب أحدهم الآخر، ولو لطمة بيده، مائة على الضارب، ومصلها على المضروب، حتى ما بقي أحد يقدر على ضرب الآخر، فوقع مرة أن اثنين تشاتما، فصار كل واحد منهما يبصق في وجه الآخر، ولا يقدر أن

الكلام على حروب حسان

يضربه، فلما طالت أيامه، ملّه الناس، فغدره أبناء أخيه سيدي المتقدم، الذي كان هو الآخذ بثأره، وبعد قتله، أخذ أخوه سالم بثأره، وتولى مكانه، فلما استتب له الأمر، حاربه ابنه - أي اعل المذكور - فقتله لبغض الناس لأخواله، الذين تقدم أنهم صاروا شؤما عليه، فصار رئيسا، إلا أن الوقت ضاق على رئاسته، بخروج النصارى إلى شنقيط، ثم غدر به أحد أقاربه، فقتله في أثناء مراوغته للنصارى، فانتهى الأمر، أي رئاسة الترارزة. الكلام على حروب حسان إن الحرب في حسان، أصل معهود بينهم، فتراهم مرة يحارب أحد أقسامهم المتقدمة بعضا، كما وقع بين إدوعيش والترارزة، وبين إدوعيش، وأبناء أحمد من دامان، وبين احيى من عثمان، وإدوعيش، وبين الترارزة والبراكنة، وبين البراكنة، وإدوعيش، وقد ينقسم الجنس الواحد منهم إلى قسمين، فيتحارب مع بعضه، كما وقع بين إدوعيش، حيث انقسموا قسمين، وكما وقع بين قبيلتين من قسميهم السابقين كما وقع بين أبناء طلحه، واندايات، وغير ذلك من قبائلهم. حروب تفرجنت وأبناء بنيوك هذه الحروب قريبة العهد، ولما اتفق الحيان المذكوران على الحرب، جعل كلهما يرحل إلى الآخر، فاصطفا للقتال وقت الظهر، فجعلوا يتضاربون بالرصاص، ويدنو كل منهم من صاحبه، حتى اختلطوا، فصاروا يتضاربون بالخناجر، فاتفق أن أحدهم ضرب الآخر بخنجره، فعض المضروب إصبعه، وقال للضارب: لو كان عندي خنجر لانتقمت منك. فقال له: خنجري يكفيني وإياك، فجعل أحدهما يضرب صاحبه. ثم يناوله الخنجر حتى ماتا، ولم تزل المعركة مستمرة، حتى انتصف الليل، فتحاجزا، ولم يرتد أحدهما على عقبيه.

حروب إدوعيش

حروب إدوعيش كانت إدوعيش أهل ظفر في حروبها، فلذلك كان يقال لهم مفنيين الدول، أي مبيدوهم. لأنهم أبادوا أبناء امبارك، وكانت السيطرة لهم، ولأنهم قد كسروا الترارزة، أعني قبل عصر اعل بن محمد لحبيب بكثير، وأما أبناء احيى من عثمان، فأمرهم معهم مشهور، من السيطرة عليهم. وكانت إدوعيش يدا واحدة، تحت رئاسة أهل اعمر بن امحمد، ويقال لهم أهل امحمد بن خونه، وكان أشهر رؤسائهم، محمد بن امحمد شين، وكان عادلا، وكان يعتقد كفر قومه، فلذلك كان يضطهدهم، وتقدمت قصته مع ابن باه، في ترجمة سيدي محمد بن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي، ولما مات، تنازع اخوته مع ابنه اسويد أحمد فانقسموا قسمين. قسم يقال له: اشراتيت، ورؤساؤه اخوته، ومعنى اشراتيت: الدببه، لقبوا بذلك، لأكلهم أموال الناس، وقسم يقال له: أبكاك، ومعناه الصمغ الأسود، ولعلهم لقبوا بذلك، لكثرة ما فيهم من أطراف الناس، ويرأس هذا القسم، أسويد أحمد بن محمد بن امحمد شين، فتغلب اسويد أحمد على أعمامه، وتولى بعده أخوه سليمان، فغدره ابن أخيه المذكور، واسمه محمد بن اسويد أحمد والد سيد أحمد لبات، الفارس المشهور، فغدره عبد لكنته، فتولى بعده أخوه بكار، الذي ملأ صيته أرض شنقيط، وقد اشتهر بالصبر، وسياسة الحرب، وإكرام الزوايا، ولم يدخل إدوعيش أكرم منه، وطال عمره، وكثرت أولاده، وقتله فرانسة، بعدما جاوز المائة، وقد بلغنا ذلك، ونحن بمصر، وكان ذلك آخر أمر إدوعيش. الكلام على أولاد امبارك تقدم أن أبناء امبارك، كانوا هم أهل الشوكة، حتى تغلبت عليهم قبائل إدوعيش، ومن انضم اليها، وكانوا أهل أبهة عظيمة، وكرم وعدل ومما يحكى عنهم من النخوة، أن أحدهم كان يعتاد أن يدخل على أمه في كل ضحوة، فيجد عندها

شيئا من اللبن، في قدح نظيف لا يشرب فيه غيره، فدخل عليها يوما على العادة، فلما أدنى اللبن من فمه، اقشعر جلده، فعلم إنه قد شرب منه أحد. فقال لأمه: أصدقيني من شرب من هذا اللبن. فقالت له: شرب منه شقيقك فلان، وهو مثلك، فقال لها: إني رأيته وهو صبي، عض صبيا من الحدادين بأسنانه، فامتنع من الشرب من ذاك الإناء بعد ذلك، ورآه نجس العين. ومن نخوتهم، أن (الكفيه) المشهور، وقد أدركنا من يعرف شخصه، نزل ببكار بن اسويد أحمد، رئيس إدوعيش، فبنى له بيتا، وكان بكار يذهب إليه بنفسه، ويواكله في محله، فأتاه ليلة مع من يحمل له شيئا من اللحم، فلما وضعه بين يديه امتنع من أكله، فسأله عن السبب. فقال: إني لست سبعا، فإن هذا الوقت لا يأكل اللحم فيه غير السباع. وخرجا يوما يتريضان على فرسين، فمرا بمنهل غاص بالناس، يسقون إبلهم فيه، فأتوهم باللبن، فشرب منه بكار أولا، وناوله، فامتنع من الشرب، فسأله عن السبب، فصرح له بأنه لا يشرب في المنهل، إلا أوباش الناس، فحقد عليه بكار، فكان هذا سببا في دس من يقتله بعد ذلك واشتهر الكفيه هذا، بالنظم المسمى عندهم بالغناء، ومنه قوله يعتبر بما فعل بهم مشظوف، وكانوا خولا لهم، فحاربوهم وغلبوهم، فقال: أسْكِ عنْ تصريفْ القيُّومْ ... وَاسْكِ يَذاك التّصرُّوفْ مشظوفْ أكبلْ ملْكِ واليُومْ ... عِدْتْ آنَ مالِكْن مشظوفْ أسك عندهم: كلمة بمعنى التعجب، ويذاك: بمعنى يا ذلك، والتصروف: مصدر بمعنى التصرف، وأكبل: بمعنى قبل، وعدت: بمعنى صرت، وهي عربية، يعني انهم كانوا ملكه فانعكس الأمر. ومن نظمه أيضا: مَحَدْ الدّنْييَ مايْلَ ... شَوْرَكْ واعْليهَ مايِلْ اعْلمْ بعْدْ إنه زايْلَ ... وأنتَ واياهَ زايِلْ محد: بمعنى ما دامت، وشورك: بمعنى إليك، أي ما دامت الدنيا تميل

الكلام على انمادي

إلى ناحيتك، وتميل إليها بقلبك، فاعلم بعد ذلك انكما زائلان. مَذَ مِنْ حَدْ اشْتاكْهَ ... واجْمَعْهَ بعْدْ افْرَاكْهَ مِلْكْ اذْهَبْهَ وانْياكُهَ ... يِمِرْكاتِنْ واشْوايلْ وامْشَ عَنْهَ ما ظاكْهَ ... وانَ ذا الِّ كايلْ مذ: بمعنى ماذا، واشْتاكهَ: بمعنى اشتقاقها، وأفراكه: بمعنى فراقها، وأنياكه: بمعنى نياقها، وتمركاتن: بمعنى أنها غير حلوبة، واشوايل: بمعنى حلوبة، وهذه اللفظة عربية، إلا أنهم عكسوا معناها، لأن الشائل عند العرب، هي التي شالت بذنبها اللقاح، ولا لبن لها أصلا، والشائلة ايضا: تقال لما بقي في ضرعها بقية، وامش: بمعنى ومشى، وظاكه: بمعنى ذاقها، وان ذا الّ كايل: أي وأنا هذا الذي أقول: فاتُ مُلْكُوهَ لوْلِينْ ... الِّ مُلْكوهَ مُلْكْ زينْ أعْكبتْ فيْدْ التّاليبن ... هاذُوْكْ ارْحايلْ وانْزايلْ غَيْرْ الِّ يِمْشُ كامْلِينْ ... عَنْهَ مشْيِتْ لَوَايلْ ارحايل، وانزايل: بمعنى راحلين ونازلين، هاذوك: بمعنى أولئك. الكلام على انمادِي انمادِي، علم على أناس تجمعوا للصيد من قبائل شتى، وسكون في القفار والمهامه، ولا يملكون غير الكلاب، وليس لهم طعام إلا لحوم الوحوش، ولباسهم الجلود، ومهور نسائهم الكلاب، وهم أشد الناس عدواً، حتى ان أحدهم ليطارد هو وكلبه الظبي، فيبسق كلبه، وهم أصبر الناس على العطش، وأشدهم هداية في مجهول الأرض، وأغلب إقامتهم فيما بين تيشيت وآوكار، وآخر تكانت، وأدافر، حيث تكثر الوحوش، وتخلو الأرض من الناس،

وهم أشد الناس وفاء، بحيث لو أن إنسانا أطعم أحدهم أو كساه ثوبا، لجعل ذلك منة لا ينقضي شكرها، فإذا وجده في خلاء من الأرض دله على الماء، وسار معه إلى أن يبلغه حيث أراد. وهم آفة لضالة الإبل، وكانت مضرتهم قليلة حتى صاروا يقتلون من يقدرون من المسافرين، ففعلوا ذلك بأناس ايديبسات، وكان فيهم - أعني اديبسات - رجل مدبر يعلم أمور انمادي، فعزم على إبادة جميعهم، إلا إنه كان يخاف من حسان، فذهب إلى رؤسائهم، فذكر لهم ما لقي قومه منهم فتبرؤا منهم، فنزل منهلا في جمع من قومه بخيمهم ومواشيهم، فمر عليه أناس منهم، فكساهم وأطعمهم، وأظهر لهم البشاشة، حتى أمنوه، فصاروا يأتون إليهم جماعات جماعات، فيقتل فيهم حتى لم يبق منهم إلا القليل، ولغة هذا الجنس من الناس، هي العامية الدارجة إلا أنهم لا ينطقون بميم الجمع، فيقولون: السلام عَليكُ، في السلام عليكم، وكيف حالْكُ، في كيف حالكم، والاستغناء بالضمة عن الواو، من لغات العرب، وأفردنا هذه القبيلة بالذكر لغرابتهم، وهم معدودون من اللحمة. ومن هدايتهم ووفائهم، أن تاجرا من أبناء أبي السباع، كان في مجهول من الأرض، يحمل بضاعة، متوجها إلى تينبكتو، فبينا هو يسير صباحا، إذا بأثر شخص جديد، فجعل يقص أثره، فإذا هو به نائم، فوثب على صدره، وجعل خنجره في نحره، فسأله عن خبره، فلما عرفه أعطاه ثوبا، على أن يذهب معه، ويرده غل موضعه. وكان في رمال عظيمة، فلما نفد ما عنده من الماء، أظهر جزعا عظيما، فسكنه، وفحص له في وسط رمل عن صخرة، تحتها عين جارية، فلما سقوا إبلهم، وملأوا قربهم، واراها كما كانت، لئلا يعلم موضعها غيره، حتى إذا أوصله إلى الموضع الذي يقصد قال فيه: أني لا آمن هؤلاء الناس، فواعده على يوم معين يجده فيه، ليرجعه إلى الموضع الذي أخذ منه، فوفى له.

الكلام على حسان شنقيط من حيث الشجاعة في

الكلام على حسان شنقيط من حيث الشجاعة في الحرب حسان شنقيط، متفاوتون في الشجاعة. فالترارزة أهل ثبات وإقدام، إلا أنهم لا يصبرون على المراوغة، كما يصبر عليها إدوعيش، وأثبتهم الترارزة الكحل، أعنى أبناء بنيوك، وتغرجنت، وزنَبتِّ، وأبناء عايد، ومعنى الكحل، انهم سود الألوان، لكناهم شمامه. وهؤلاء عادتهم عند اللقاء أن يحمل بعضهم على بعض، حتى يقتتلوا بالخناجر، وكان أبناء عايد في محاربتهم لأبناء الفاغي، يحملون عليهم، ويجعلون أفواه مدافعهم إلى الخلف، وأولئك يضربونهم بالرصاص غير مبالين برصاصهم، حتى يختلطوا معهم، فلذلك اشتد خوفهم منهم. أما إدوعيش، فهم أعرفهم بركوب الخيل، ومعرفة القتال عليها، والناس يرمونهم بالجبن وحقيقتهم أنهم لا يسمحون بمهجهم، إلا إذا صال عليهم عدوهم، ووافاهم عند حريمهم، وأولادهم، فإنهم يكونون إذ ذاك أسود وغى، وترى الفارس منهم يقتل، وهو فار عن عدوه، كما يقتل وهو مقبل، وإذا رأوا عدوهم اليوم أقوى منهم، فروا عنه، ثم يرجعون إليه، حتى تضعف قواه بذلك، وكان بكار بن اسويد أحمد رئيسهم، يقول: عدوى لا يستريحون إلا إذا غلبتهم. أما قبيلة أحيى من عثمان، فإقدام وثبات ومراوغة، وإذا فروا لا يحسنون الكرة. حرب بكار واشترتيت كان بكار وأبناء عمه، على ما عليه جده وأعمامه، فإذا كان صلح، فبكار هو الرئيس المطلق، وإذا تحاربوا، يهزمهم مرة، ويهزمونه أخرى، وقد يستعين بكار بكنت، ويستعين أبناء عمه، بأهل سيدي محمود، وأغلب حروبهم، إنما هي مناوشات. فإذا كان زمن البلح، يستبقون إلى وادي

حروب الترارزة

تيججك، فأيهما سبق إليه، يرجع عنه الآخر، وقد يبقى لمن هزم الآخر منهما، ووقعت بينهم أيام كثيرة، لم تحضرني تفاصيلها. حروب الترارزة لم تبق طائفة من الطوائف، الا حاربت الترارزة. فأما البراكنه، فإنهم لم يقووا عليهم. وأما إدوعيش، فقد صالوا عليهم، ونزلوا أرضهم وهزموهم. وأما أحيى من عثمان، فقد حاربوا محمد لحبيب أحد رؤساء الترارزة إذ ذاك، وكان ينتجع المراعي، وأكثر الترارزة في أرض القبلة بعيد منه، وكان نازلا عند الملحس، فغزاه أحمد بن عيْدَّ فهزمه، وأخذ ما معه من المال، وقطع بعض قومه أذني امرأته، أم رأس، فصار محمد لحبيب، يتحين الخريف، ليقدر على غزوه، لبعد ما بينهما، فقال أحمد بن عيد: محمد لحبيب السلطان ... ما بان إنَّ لاه يمتانْ شَتَّيْنَ في الخطّ أُفكان ... ماجَ فيه ولاحَ في الصَّيف هوكاعْ الَّ بو جِعْرَانْ ... بخبارُ بِسْتنَّ لِخْرِيفْ كاع: بمعنى لا يجاوز أن يكون إياه، وأبو جعران: دويبة معروفة، تألف النجاسة، ولا توجد إلا في الخريف، وكان ابن عيد المذكور متحصنا بجبل آدرار، فغزاه سيدي بن محمد لحبيب، فلم يجده، فقطع نخله ورجع. الكلام على أحيى من عثمان إن الناس ينطقون باحيى بغير ألف، وأظن أصلها أحياء، فقصروها، ثم تركوا الألف، لكثرة الاستعمال، وهذه اللفظة، تطلق على قبائل، كأهل عمنّى وأولاد غيلان وأولاد سَلْمُون وأولاد آكشر وغيرهم، والرئاسة في آدرار منذ زمن في قبائل حسان، إنما هي لأهل عيدَّ يتوارثونها، ويقتل بعضهم بعضا من

حروب الزوايا وحسان

أجلها، ومع ذلك فلأهل اسويد أحمد، السيطرة عليهم. ولم نطل الكلام على حروب حسان لكثرتها، وعدن معرفتنا بتفصيل مواقعها وأسبابها. حروب الزوايا وحسان هذا النوع من الحروب نادر، لأن الزوايا أصلهم أهل تؤدة وصبر، ومشربهم الدين، إلا أن هذا النوع قد وقع. فمنه ما كان الباعث عليه الدين. كما وقع بين زوايا القبلة وحسانها، كما سنبينه قريبا. ومنها ما جلبه إفراط حسان في الظلم، كما وقع بين كنته وإدوعيش. وكما وقع بين أولاد الناصرو تِنْوَاجِيو وغير ذلك. حرب شرْبَبّهْ هذه حرب دينية، سببها ان واحدا من اللحمة اسمه ببَّهْ، منع الزكاة، فأراد الزوايا أخذها منه بالقوَّة. فدافع عنه حسان، وقالوا لا يعطيها إلا عن طيب نفس منه، فصاروا يدا واحدة. وأما الزوايا: فإن بعض قبائلهم حارب بأجمعه، كقبائل تشمشه وإجَيْجبهْ، وبعض القبائل انقسم قسمين: فمنه من دخل، ومنه من اعتزل هذه الحرب، كإدوعل وإدابلحسن. فإن إدوعل إذا ذاك لم يصل إلى تلك الأرض منهم إلا عدد قليل. رئيسه عبد الله بن الطالب، المعروف بالغاظي، أي القاضي. وذلك قريب من حربهم التي وقعت بينهم في مدينة شنقيط، كما سيأتي بيانه. فدخل في حرب شربَّبه منهم ثلاثون رجلا، فاستشهد نصفها، ونجا النصف الآخر. وأما إدابلحسن: فبعض الناس يزعم أنهم اعتزلوها كلهم، وذلك يعارضه ما روى

ناصر الدين

أن وقعة من الوقائع، سبق فيها الزوايا حسان إلى غدير لا يوجد غيره من الماء، وكان النهار حارا. فلما رأوهم عنده، أحجموا عنهم، فأراد الزوايا أن يحملوا عليهم. فقال لهم الميمون، وكان شابا: دعوهم يشربوا، لئلا يقولوا: لولا العطش ما غلبونا، فتنحى عنهم الزوايا. فلما شربوا أفسدوه عليهم. فعطش الزوايا وكانت الدابرة عليهم. وكان الميمون هذا، من إدابلحسن. ويقال إنه جد أهل مكر. وأما من اعتزل الحرب: فقبائل كثيرة، منها أبناء أبييري. ناصر الدين لقب عالم من علماء أبناء ديمان. نصبه الناس رئيسا لذلك القتال، ولا أدرى اسمه. وكان صالحا ناسكا، فمات في تلك الحرب. ولهذه الحرب أيام مشهورة، لم تحضرني تفاصيلها. فمنها يوم ترتلاس (بتاء مثناة فوقية مكسورة وراء ساكنة ومثناة فوقية مكسورة أيضا، ولام مشددة وبعدها ألف وسين مهمله ساكنة) اسم موضع. ومنها يوم اعليب الغظيا. اعليب تصغير علب، بالتصغير العامي، وهو الكثيب العظيم، وهي عربية، إلا أن العرب يخصونه بالمكان الذي لا ينبت، وأهل شنقيط، يطلقونه على المكان الغليظ مطلقا. والغظيا بمعنى القضاة. وقد ألف العلامة اليدالي، تأليفا في تلك الحرب مستوفى، إلا أني لم أره. وانتهت هذه الحرب بغلب الزوايا، لقلة معرفتهم بتدبير الحرب، بعدما كان النصر حليفهم. وأغلظ عليهم حسان في شروط الصلح. فمنها أن قبائل حسان من ذلك التاريخ، لا يحفرون الآبار، بل كل بئر للزوايا وردوا عليها، لهم ثلث مائها. ومنها إن المسافر منهم إذا نزل بحيّ من الزوايا يحملونه على دابة، حتى يصل إلى حيىّ آخر، حتى ينتهي إلى مقصده، إلا أن هذا لا يرضاه لنفسه أهل المناصب والأقدار من حسان. وهذه الحرب، هي التي ذكر امحمد بن الطلب صنيع قومه فيها، في عينيته المتقدمة. فقال:

حروب كنته وإدوعيش

على حافظ من عهد شرببَّ حافظوا ... على ملكه مثل المجرة مهيع حروب كنته وإدوعيش كانت كنته، تعط الغفر لإدوعيش على عظمتها، وشدة شكيمتها، لأن الزوايا لا يقدر أحد منهم ان يذهب بقافلة إلى السودان، ويرجع بها موفورة، إلا إذا كان يعطى الغفر لأحد قبائل حسان، ويكون ذلك الحساني صاحب شوكة، وإلا أكلته حسان، وكانت أشراتيت تبالغ في ظلم كنته، للخصوصية التي بين إشراتيت وإدولحاج، والتي بين كنته وأبكاكْ، وربما تقابل الفئتان، فتقابلت كنته وإدولحاج وأبكاك وأشراتيت. فمضى زمن على ذلك. ثم إن أبكاك، أفرطوا في ظلم كنته، إلى أن وقعت موجدة بين بكار، وإبراهيم ابنه المعروف بإبراهيم بن إبراهيم، أضيف إلى نفسه، لأنه لما تكدر من أبيه، أقسم أن لا يضيفه أحد إليه إلا قتله، فأضيف إلى نفسه. فرحل إبراهيم عن أبيه، ونزل مع إشراتيت، وأهل سيدي محمود. ثم إنه ذهب في فرسان منهم واستاق إبلا لكنته، فتبعه فرسان منهم، فأتوه من الأمام، وقالوا له: أنت غالط أو متعمد. فقال لهم: بل متعمد. فقالوا له: إن كنت تريد بالإبل أباك، فاذهب بها إليه، وإن كنت تريد أن تسوقها إلى أعدائنا، فإن ذلك لا يكون، فقال: إنه سيكون، ثم إنهم قتلوه وردوا إبلهم، فعلم أبوه بذلك، فقال: هذا ظالم يستحق القتل، ثم إن كنته، قتلوا أيضا اثنين من أبناء بكار، فغضب لذلك، فعلم كنته أنهم لا يقدرون على حربه، وكان ذلك زمن قتل إديشلِّي لأحمد بن امحمد بن عَيْدَّهْ، رئيس حسان في آدرار، وكان ابن أخت بكار المذكور، فاحتمى به قتلته، فأجارهم، فرأى قبيلة كنته ذلك فرصة، فانضموا إلى أحمد بن اسويد أحمد بن أحمد بن عيده، واصطف بكار، وأشراتيت لقتال كنته، وأحيى من عثمان، (أي ابن عثمان) فتلاقى الجيشان في تكانت، فقاتل كنته وأشراتيت، فهزمهم

حروب الزوايا مع بعضهم

كنته، وتقابلت أبكاك، وأهل آدرار، فهزمهم أبكاك، ثم إن بكار حارب في أثناء ذلك أشراتيت أيضا، فصار يضارب هؤلاء من ناحية، وهؤلاء من ناحية، حتى غلب الجميع. حروب الزوايا مع بعضهم قدمنا أن حروب الزوايا قليلة بالنسبة لروب حسان، فلذلك أخرناها لكونها كالفرع لها، وتلك كالأصل، ولنبدأ منها بحرب أهل مدينة شنقيط نفسها، لأن القطر كله سمى به، فهو تابع له، وإنما لم نبدأ بها قبل حروب حسان، لأنها خاصة بالزوايا، كانت مدينة شنقيط بسكنها ثلاث قبائل كما قدمنا، إدوعل: ولهم الرئاسة المطلقة، والأغلال، والسماسدة، فأعطى إدوعل الإمامة في الصلاة للسماسدة، ثم نزعوها منهم وأعطوها للأغلال، وبقيت فيهم، ولما نزعت الإمامة من السماسدة، خرجوا وبنوا مدينة آطار وأوجفت، وكان السماسدة صمموا على ان يوقعوا بادوعل، الا انهم كانوا يعلمون انهم أضعف منهم، فترقبوا خروج القافلة، لعلمهم أن معظم رجالهم يخرج فيها، وبلغ إدوعل ما هم عازمون عليه، فخرجوا وكمنوا لهم قريبا من المدينة، وبثوا عيونهم، فلما أخبروهم بخروجهم للغدر بمن بقى منهم، تلقوهم وهزموهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ولم يحدث بينهم غير ذلك. حرب إدوعل البيض والكحل اعلم أن البيض والكحل، لقبان لرجلين تفرعت منها هذه القبيلة، وكانا أخوين شقيقين، وكان لهما عم، فمرض، وكان له شراب مخصوص، فلما أخبرا بأنه يخصه، امتنع أحدهما من شربه، شفقة عليه. فسماه الأبيض، وشربه الثاني وقال كلمة تؤذن بعدم الاكتراث بعمه، فسماه الأكحل، فغلب اللقبان عليهما،

وعلى أولادهما إلى الآن، ولما كثروا وكثرت دنياهم، وانتشر صيتهم في تلك البلاد، وصار من في حوزتهم تبعا لهم، تنافسوا في الرئاسة، فوقع بين طائفتين من الكحل، منازعة في بعض المماليك، والطائفتان أولاد أبوهم وآمكاريج، هكذا كنا نسمع، وسمعت أيضا ممن يوثق به، ان المنازعة مع بعض البيض والكحل، وعلى كل، فإن أولاد ومعظم البيض، صاروا يدا واحدة على بقية الكحل، وبعض الطائفتين اعتزل الحرب، ثم إنهم بقول كلهم في مدينة شنقيط، وكانوا يقتتلون الليل والنهار، فإذا كان القتال ليلا تنهزم الكحل، لأن الأغلال يعينون البيض عليهم، فإذا كان نهارا ينهزم البيض، وكانوا إذا انهزم المنهزم منهم، لم يتبعه الآخر، ولا يقتل الجريح، وكانوا لا يتناهبون الأموال، وكانوا لا يقتتلون الا في الصف، فإذا لقي أحد منهم عدوه في غير المعركة لا يزعجه، وكانوا يصلون في المسجد جماعة، ويقسمون الضيوف على عادتهم، إلى أن وجد بعض قتلى الأغلال بين الأموات من البيض، فتذمم الأغلال وخرج معظمهم إلى أرض الحوض، وخرج القاضي ابن الطالب العلوي إلى أرض القبلة، ثم التحق به من التحق منهم، وداموا على ذلك، إلى أن جلس اثنان من البيض على حافة البطحاء، فنظرا رجلا من الكحل، على حافتها الثانية جالسا، فقال أحدهما لصاحبه: أترى سهمك يصل إليه، فرماه فقتله، وكان قصده على ما يقال إنما هو اختبار مسافة سهمه، فغدر بهم الكحل، وقتلوا منهم أربعين رجلا، فخرجوا إلى تيججكه وبنوها، كما قدمنا، ومات في تلك الحرب أربعمائة من الفريقين، وكان أموات الكحل أكثر، ولما تم بناء تيججكه، اكترى البيض رؤساء قبائل حسان، فوافوهم بتججكه ليغزوا معهم، ويهدموا مدينة شنقيط، فبلغ ذلك رئيس الكحل إذ ذاك، فخرج ليلا ومعه عبد له، وتوجه إلى تججكه من غير أن يعلم به أحد، وكانت أخته عند رئيس أهل تججكه، فنزل قريبا،

حرب أهل شنقيط وأهل وادان

من المدينة ليلا، وبعث عبده إلى أخته، فدخل عليها خفية، فخرجت إليه وألبسته كساء عندها، فسار بجنبها ولم ينته له أحد، فلما دخل زوجها طلب طعامه، فقالت له: عندك ضيف، فقال: أخرجيه إلى، ولم يظن إنه أخوها نفسه، فتباطأت عليه، فقال: هو آمن، ولو إنه فلان. فقالت: هو فلان. فسقط في يديه. فقال له: ما أفعل بهذه الجموع وبقومي، فإنهم موتورون محنقون، فأشار إليه بأن يتمارض، فمكث ثلاثة أيام يدعى المرض، وكان ضيفه خرج إلى رؤساء حسان سرا، وأعطاهم كثيرا من المال، فرجعوا بقومهم، ولما علم به أهل المدينة اخترطوا سيوفهم ليقتلوه، فتلقاهم أبناء أبوهم، ودافعوا عنه، لأن الرئيس الذي آواه منهم، فخيرهم رئيس أهل شنقيط المذكور، بين أن يرجعوا إلى دورهم ونخلهم، وبين أربعين دية، ولا شيء لهم في شنقيط. فاختاروا الديات، وتم الاتفاق بينهم. حرب أهل شنقيط وأهل وادان هذه الحرب واقعة بعد التي قبلها، وتقدم أن بين البلدين نحو يوم. وكان سكان وادان، من قبيلة كنته وإدولحاج، وكانوا كالشيء الواحد. فوقعت الحرب بين أهل المدينتين، ومن أصح ما نورد عنها، رسالة حرم بن عبد الجليل العلوي، وقصيدته. وكان حرم المذكور موجودا إذ ذاك، وموضعه من العلم والورع معلوم، وهذا نصهما: عفت والعياذ بالله معاهد الإسلام، وغدى المستضيئ بها في أعظم الغياهب والظلام، وصار سلوك مسالك الفسق فخرا بين الأنام، واشتد اشتداد كاهله، وبلغ أشده، وجاوز في كل المواطن حدَّه. وذاع فلم تدرك يد العَدَّ عدَّه. ولكن من أعظم ما سمعنا به في الزمان، ما فعلته وندمت عليه أهل وادان، وذلك أنهم مر منهم بأهل شنجيط رجلان، فقتلهما من غير يمالئ رجل قتلوا قبل أباه، وطالب الثأر منا ليس ينساه، فحاولوا ما صميم الشرع يأباه. فقلنا لهم: هذه دية مهذبة الوسط والنواح:

فإنْ ترضوا فإنا قد رضينا ... وإلا فأطراف الرماح مقومة وبيض مرهفات ... تبين جماجماً وبنانَ راح فقال سيدهم: لتفعلُنّ كيت وكيت، أو لأطأنكم عما قليل بجحافل، لكنه مضى من ملتقى المحافل، والحال منه يضحك: وينشد قول القائل: عقبي اليمينِ على عقبي الوغى ندمُ ... ماذا يزيدك في إقدامك القسمُ وفي اليمين على ما أنتَ واعده ... ما دل أنك في الميعاد متّهم وقلنا لهم: لما رأينا مقالهم، يوم التقى الجيشان كذب الفعل: أبيتم قبول السلم منّا فكدتمُ ... لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السلِّ فصاروا أضحوكة بين أهل السهل والجبال. فحرضتهم نساءهم إذ ذاك على القتال، فوجهوا إلينا في الشهر الحرام جيشا لهاما، وكان من مضى من أهل الملل كفرا وإسلاما، يرى القتال في الشهر الحرام حراما. فلم نبق منهم غاربا ولا سناما. فمن دعاه حب الحمد إلى القتال بقى منشورا، ومن دعاه حب التمر إلى الفرار فر مذعورا: يفر من فر منهمْ للِعدى دهشا ... كأنهم في الموامى لم يروا سبلا وضاقت الأرض حتى كان هاربهم ... إذا رأى غير شيء ظنه رجلا فلا تلم جيشكم من بعد هزمهم ... إذا رأيت رجالا منهم سلموا عليك هزمهمُ في كل معترك ... وما عليك بهم عار إذا انهزموا ولما أغرقهم اللعين، نكص على عقبيه، كما فعل بقريش في غابر الأزمان. فصاروا كأهل قرية كانت آمنة مطمئة؛ يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فكفرت بأنعم الله، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، وصاروا حسبنا الله ونعم الوكيل؛ عبرة يعتبر بها المعتبرون. وصاروا ألين من الماء بعد الصلابة، فمتُّول إلى كُنْتَ حينئذ بالقرابة فملكوهم حينئذ ملك الأمراء، بل

لم يبلغوا لهم درجة الوزراء، فألجموا الخيل، وزموا الإبل؛ وأتى منهم من يملأ السهل والجبل، ولما رأينا ما سمعنا من أمرهم، تذكرت ما قال بعض الولائد: تجمعتمُ من كل أوب ووجهةٍ ... على واحد لا زلتمُ قِرن واحد فأتوا معشرا معاطاة كؤوس الحِمام، أشهى إليهم من معاطات كؤوس المدام: فَجُلْ بقولك في أقصى مآثرهم ... إن أنت في ذاك بالإفعال لم تجل لقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لساناً قائلاً فقل أولئك قوم كلُّ من جد غيرهم ... ترى جِدَّه هزلاً إذا ما هُم جَدّوا ولا ترج يوماً صالحاً لعدوّهم ... وإن هو منهم كان أكثر إن عُدوا ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا ... قليل إذا عُدُّوا كثير إذا شَدُّوا فسقط في أيدي تلك العساكر وولوا خائبين، فكم من فئة قليلة، غلبت فئة كثيرة بإذن الله؛ والله مع الصابرين، فقُطع دابرُ القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين: إذا الدهر بالمكروه سامك فاصبرا ... ولا تجزعنْ منه أقلَّ أو اكثرا فما دام شجوٌ لامرئٍ ومسرة ... أرى الدهر من هذا وهذاك أكثرا لقد كنتُ أحجو الهجر أكبرَ فاجع ... فألفيته من أصغر البين أصغرا أرى البين عن ساقيه أضحى مشمّراً ... وشجوك لما شمّر البين شمرا وليس يرد الحزن من شطّ وليُهَا ... فأقصرْ عن الأحزان إن كنت مقصرا تغيرتَ أحوالا كما أن رسمها ... وحُق له من بعدها قد تغيرا غدا رائحُ الأرواح والمعْتدى به ... إذاً بدلاً منه أصمّ وأعورا أمرُّ على أكنافه متجاهلا ... لأني متى أعرِفه جَفْتَيَ أمطرا كأني حنيناً من تذكر أهلها ... مسنٌ لأيام الشباب تذكرا تقول وقد أضمرتُ ما بي أترْتضى ... هوىً لم يزل في مضمر القلب مضمرا

فقلت لها أمسى وأصبح أمره ... من الشمس أو من فتح وادان أظهرا أقرَّ بذاك الفتح من كان منكراً ... له وغدا يُخفيه من كان مظهرا وأدلج إدلاجاً به كلُّ راكبٍ ... على رغم أنف الحاسدين وهجّرا وسيّر في الآفاق أمرَ وقائع ... تُطيل إذا فَكرت فيها التفكرا دعا عاجلُ الآجال للحَيْنِ معشراً ... بوادان لنْ يُدعى مدى الدهر معشرا لئن وردتْ شنجيطَ يوما ظماؤهم ... لقد شربوا بوازُعْقاً من الموت أكدرا وكان لهم شر الموارد مورداً ... وكان لهم شر المصادر مصدَرا هم حزبوا الأحزاب من كل جانب ... كما حزّبت أحزابها أهل خيبرا أتوا بالرعايا يَنشدون وعيدهم ... فصاروا على البطحاء لحما منشرا وفاض أتيٌّ من نجيع دمائهم ... به شجرُ البطحاء أصبح مثمرا فمن كرَّ منهم قد تكسر عمره ... ومن فرّ منهم صبره قد تكسرا نجا مُذعَراً مما رأت عينه وما ... نجا من نجا من مأزِق الحرب مذعرا إذا هو في المِرآة أبصر وجهه ... توهّم وجه القرب ما كان أبصرا وإن نام لو حفته منهمْ عساكر ... رأى مَشْرفياً بين فوديه أحمرا لكان لهم صبر شديد وشدَّة ... ولكنهم لاقوا أشد وأصبرا تطوف بهم صير هناك تخالها ... إذا وقعت حول العساكر عسكرا ترى الذئب مسروراً يقول لصحبه ... يزوّدنا هذا سنيناً وأشهراً أبوا وطلبنا السلم منهم قبولَها ... وقالوا لقد كنا على الحرب أقدرا فولوا على أعقابهم خشية الردى ... غداة غدا بازِ المنايا مصرصرا غدت كُنْتَ تقضي دونهم ما ينوبهم ... من الأمر كانوا غائبين وحُضّرا فأقبل من آكان جندٌ لنصرهم ... وأدبر عنه النصر إذا فرَّ مدبرا فشنجيط ظنوا هدمه متيسراً ... فألفَوْه من إحياء كبّادِ أعْسرا كلهمُ لم يعرفوا بأس أهله ... ولو سالوا بانُمَّ والمسكَ أخبرا

أتوا بخميس لم تكن خمس خمسه ... فقلْ فيه لو ساواه أو كان أكثرا أتاه يجوبُ البيد والقفر صائلاً ... فآب من الأبطال والدين مقفرا بدا إذ بدا ما قد رأوه تواضعٌ ... لمن كان منهم طاغياً متكبرا فقال زعيم القوم أصبحتُ راضياً ... بما كان من أمر القدير مقدرا فنالوا إذاً عبداً ببعض دمائهم ... ونِيماً وتنوريْن والبعضُ أهدِرا دمٌ أهدرته سادة علوية ... وما كان فيهم مثلُ ذلك منكرا وما استنصروا غير الصوارم ناصرا ... وأغنتهمُ عمن أتى متنصرا يخوضون يوم الروع في لجج الردى ... كأنَّ منال العز فيهنَّ أبحرا يسابق عَزرائيلَ وقعُ سيوفهم ... إذا ما مُحَيّا الحرب أصبحَ مسفرا فكم مشهدٍ في الحرب يثنى عليهمُ ... وكم معشر من بأسهم صار أزورا تراهم وليس الدهر إلا نوائباً ... إذا كَبُرَتء تلك النوائب أكبرا سما للمعالي منْ تقدّم منهمُ ... فيسموا على آثاره من تأخرا مآثرهُمْ حَلْىُ الزمان لو إنه ... على صورة الإنسان كان مصوّرا فكم من فتى فيهم يروقك علمه ... ويَهزم من أجناد وادان عسكرا ويجعل في إحدى يديه مهنداً ... طريراً وفي الأخرى كتاباً مطرَّرا يحب الردى يوم الوغى فكأنه ... إذا مات فيه لا يزال معمَّرا بعينيك فانظر كيْ ترى بعض مجدهم ... إذا أنت عن إدراكه كنت مُقْصِرا ولما أراد كنت، أن ينصروا إدولحاج على إدوعل، وقام لذلك (كبادى) وقعد. وكان من رؤساء كنته. فحذرته امرأته من البغي وخوفته من إدوعل. فقال لها: إن رُصَيَّصهم لا يقتل، لأنهم لا يجعلون في مدافعهم من البارود إلا إصبعين، فبلغتهم المقالة. فعرفه رجل من آحاد الناس وضربه وقال له (صرت عباس الّ صبعين) صرت: أصله سرة. وسرة الإنسان: معروفة. وعباس قريب

حرب إدوعل وإدابلحسن

الضارب. ومعنى الّ صبعين: يعني لم أجعل في بندقيتي غيرهما. وصرت قسم عندهم، كما يقول أهل المشرق، ورأس فلان، قالوا: وكان جعل مع باروده ذلك نواتين، عوضا عن الرصاص. فمات كبّادي المذكور من تلك الضربة. وبعد تلك الواقعة، التي تقدمت هزيمتهم فيها، صالوا على شنقيط أيضا، فذهب إليه أحد علماء أهل شنقيط، ليفاوضهم في الصلح، فقتلوه ومن معه من تلامذته. وكان أهل شنقيط لا يذهبون إليهم، فإذا أتوهم أنذروهم. فإن لم ينتهوا قاتلوهم. فطلب ابن الشيخ المقتول من قومه، أن يأخذوا معه بثأر أبيه. فقالوا: لا نصول عليهم ما لم يوافونا. فرجع القوم، فذهب حتى أتى أهل تيججك. فأخذ شيئا من صعاليكهم، وغزا بهم قتلة أبيه. فوجدوا قافلة عظيمة من إدولحاج خارجة من تيشيت. فقتلوا أهلها عن آخرهم، ونهبوا إبلهم. ثم أن إدولحاج، جمعوا جموعا كثيرة، وحاصروا مدينة شنقيط. فسافرت بينهم السفراء، ووقع بينهم الصلح، على أن يعطوهم مائة من كل شيء. فتحملوا لهم ذلك، ورهنوا لهم ما في تنوشرت من النخل. فبقى النخل تحت أيديهم إلى الآن. حرب إدوعل وإدابلحسن لما اشتدت الحرب بين إدوعل في شنقيط، كان الغاظي: أي القاضي بن الطالب المتقدم، هو أعلم من فيهم، وكان يسعى في الصلح بينهم. فلما اتسع الخرق بينهم، خرج عنهم إلى أرض القبلة، وبقى بعض إخوته مع قومه. فلما وصل إلى أهل القبلة، وجدوه بحرا لا ساحل له. وكان من أولهم إقبالا عليه، إدابلحسن وتاشمشه، كما أشار إليه: محنض باب الديماني، في قوله من قصيدته المتقدمة: فجدّهم أستاذ تاشمش كلَّهمْ ... قدار تضعوا من علمه الخلف والضرعا

يوم لغبيبيري

ثم التحق به بعض قومه، وكانوا مجاورين لإدابلحسن. فوقعت بينهم منازعة في موضع صغير المساحة يحرث وتحفر فيه الإحساء. فطلب منهم إدوعل أحد أمرين: إما أن يعطوهم عشرين بيضة، وإما أن يأخذوها منهم، وإما أن يحاكموهم إلى الشرع. فلم يقبلوا. فوقعت بينهم معركة، انجلت عن قتل أربعة من إدابلحسن، وعن شجاج كثيرة من الطرفين. فتوسط بينهم وفود الزوايا، فاصطلحوا على أربع ديات، أخذها إدابلحسن من إدوعل. ثم غدرت بهم إدابلحسن، فقتلوا منهم رجلين، يقال لهما ابنا الخطاط. فاضطرمت الحرب ثانية، وكان الذي جرّ الحرب من إدابلحسن: قبيلة أبناء اخطيره. فلما اشتدت اعتزلوها وحل موضعهم أبناء اعمر أكداش. وكانوا أشد قبائل إدابلحسن شكيمة، وأكثرهم عددا، وانضم إليهم تياب أبناء البوعلية. وفي بعض المواقع أعانهم بعض حسانهم، فكانت الحرب أكثرها مناوشات، إلا أنها كانت دائمة. ومكثت هذه الحرب سبع سنين. وأشهر أيامها يوم الغبيبيري، ويوم إيرزيكْ، ويوم بوطريفيه، ويوم إبلحنوشه، ويوم تندوجه. يوم لِغبيبيري لِغبيبيري: موضع قريب من إركيز. وكان إدابلحسن، خرجوا مع من معهم من التياب، فصبحوا إدوعل، فبرزوا إليهم. فاشتعل بينهم الرصاص، وصبر كلا الجيشين. فانتهت المعركة بهزيمة إدابلحسن. ولم أحفظ ممن قتل من أعيانهم غير محمذ بن محمد بوَّة البوعلي، ثم التائب. أما إدوعل، فأعلم من قتلاهم: حرم بن محم بن عثمان، وكان بطلا مشهورا صاحب رئاسة، وأحمد بن المزدف، والطفيل ابن المختار نلمين، هكذا ينطق باسم أبيه.

يوم ايرزيك

يوم ايرْزيكْ موضع قريب من إرْكيز أيضا، غزا فيه إدابلحسن إدوعل، مع من معهم من التياب، فانهزم إدوعل، وفي هذه الواقعة، قتل الصالح الناسك محمد بن العباس العلوي، وكان منفردا عن الحي، ومعه ولد له قبل البلوغ، وكان يسرد عليه القرآن، فقتلوه مع أبيه. يوم بوطريفيه بوطريفيه: تقدم تعريفه، لما انهزم إدوعل في يومهم السابق، رحلوا إلى بوطريفيه، وكانت بها أجمة عظيمة يقال لها: الركنه، أي أنها تكون حصناً لمن دخل فيها، فبعثوا قافلة لتأتيهم بالميرة، فصبحهم جيشان. أحدهما إدابلحسن ومن معهم، والثاني: يقوده أحمد بن اعمر بن المختار التروزي، المعروف بابن الليكياط: أخو محمد لحبيب الأمير المشهور، فتلقاهم من وجدوا من الرجال، فمات سبعة رجال من إدوعل؛ وانهزموا أول وهلة؛ وكان ابن اللكياط المذكور يريد أن يأخذ أمة، عند باب بن أحمد بيبه العلوي غصباً؛ لأنه كان طلبها منه؛ فلما منعه إياها، ههده بالانضمام لإدابلحسن؛ ثم أن إدوعل فروا بتلك الأمة؛ وأدخلوها الغيضة المذكورة؛ فرجع أحد بن الليكياط خائبا؛ وبعد هذه الواقعة، أحضر محمد لحبيب أمير الترارزة، رؤساء القبيلتين؛ وأراد أن يصالحهم بشروط، رأى إدوعل؛ إنها ظلم لهم ولم يتفقوا على قبولها. فآلوا إلى أن ضمن بينهم شهرا، لا يمس أحدهم الآخر فيه، ففي ذلك الشهر رحل من رحل من إدوعل إلى تكانت؛ حيث انضموا إلى قومهم هناك؛ وبقى من بقي منهم بضمانة محمد لحبيب؛ فلم يقدر ابن الليكياط ولا إدابلحسن على إخفاره؛ ولما وصل إدوعل إلى تكانت، مكثوا سنة مشتغلين بمعالجة مرضاهم؛

يوم إبلحنوشه

مهتمين بصحة أبدانهم؛ فبلغتهم أغاني من إدابلحسن بالعامية، يعيرونهم فيها، فأخذوا جيشا متوسطا منهم، ومن أهل تكانت، أعني من قومهم خاصة؛ فكانت وقعة إبلحنوشه. يوم إبلحنوشه غزا إدوعل من تكانت؛ فصبحوا أبناء اعمر أكداش بهذا الموضع، وكان ذلك وقت الصبح؛ فقابلهم بعضهم، إلا أنهم لم يثبتوا لهم، فذلك قول ابن محمود، في قصيدته المتقدمة: فما راعهم غيرُ قيل الكماةِ ... أتى الغرماء وَهَبْ وَاخبطا فقتلوا منهم مقتلة عظيمة. ومن أشهر من مات منهم: محمد بن عبدي؛ وكان شجاعا معروف المنزلة فيهم، ولم يمت من إدوعل أحد. يوم تندوجه ثم أن إدوعل أيضا، غزوا من تكانت، بجيش أعظم من الأول. فأغاروا على أحياء من أدابلحسن متفرقين، فاستاقوا إبلا كثيرة، فتجمعت ابناء اعمر أكداش ومن معهم من التياب، واقتفوهم. فمروا على الصالح الفغ الحمد التاكنيتي. فسألهم أن يرجعوا وأن يعطيهم ديات جيش ادوعل. لاعتقاده أنهم لا يقوون على مدافعتهم لكثرتهم. فأجابوه بأنا سنقتل منهم البيض، ونقرن باقيهم في الحبال. فنشفعك فيه. فلحقوا بهم بعد اختلاط الظلام. وكان أحد النزول واقفا ناحية، فضربوه برصاصة، قطعت بعض أصابع يديه. فقال لهم: بقي ما يجذب الغرس فبات الجيشان ينظر بعضهما إلى بعض، فلما أصبح الصبح

حرب كنته وإدولحاج

تصافا للقتال. فصبر بعضهما لبعض حتى ارتفع النهار. فانهزم إدابلحسن، وتركوا كثيرا من أبطالهم في المعركة، وممن مات منهم الأحول الشاعر، وتقدمت ترجمته، وهمر بن اتكيرير البوعلي، ثم التائبي، وإبراهيم بن محمد بوَّهْ، وهو قريب من الذي قبله، والباشا اليوسفي، ولم يمت من إدوعل سوى الأمين من أحمد محمود، المعروف باكيصاص، وكان من الأبطال، وأحمد بن المختار نلمين، أخو الطفيل المتقدم، وعبد اللامين بن المزدف، وكان محمد فال بن حمين، ذبح اللج بن البوساني البوحسني، فظن إنه أتى عليه، فلما خلاله الموضع، وقت مطاردة الناس لقومه، ربط موضع الذبح لئلا يقطر دمه، فيقتفوا أثره، واختفى ناحية خوفا من أن يذفوا عليه. ثم إنه برأ بعد مدة، فصارت الناس تعيره هو وأبناءه بذلك، وهذا حيف كبير، فإن دريد بن الصمة، فارس هوزان، قد وقع فيه مثل هذا. ولم نر من عيّره به ولم يمثل إدوعل بأحد من القتلى، غير همَّر بن انكيرير، لنكايته فيهم. ولأنه من حسان. وكانوا يسمون هذا اليوم بدراً الكبرى. إلا أن بدراً، كان أول وقعة. وهذا آخرها. فاصطلح القوم، ولم تزل الضغائن كامنة في صدور الفريقين إلى هذا الوقت. حرب كنته وإدولحاج بعد أن انقضت حرب أحل شنقيط، وأهل وادان، وكانت الحرب أولا، بين إدوعل وإدولحاج، وكان إدولحاج وكنته، كالشيء الواحد، فنصروهم حينئذ أشد نصر، ثم صاروا بعد ذلك، يمنون عليهم بمساعدتهم لهم، ويضطهدونهم. فصبروا لهم كثيرا كما تقدم. قام عبد الله بن سيدي محمود، وشمر عن ساعده، لمحاربة كنته، ونصره الله عليهم، وطالت هذه الحرب كثيرا من الزمن، وهي أكثر مدة من حرب البسوس، التي وقعت بين بكر وتغلب، فإن تلك استمرت أربعين سنة، كما قال صاحب عمود النسب:

حرب كنته وتجكانت

وأبناء تغلبَ وبكر قاما ... على الشقاق أربعين عاماً أما هذه الحرب، فتقرب من مائة سنة، لأنها استمرت أيام عبد الله المذكور، وابنه محمد محمود، وزمنا من مدة سيدي المختار، إلى أن وقعت الحرب بينه وبين أخيه سيدي محمد، فكنت نوعا. إلا أنهم لم يأمن بعضهم بعضا، ولا يمر أحدهم من أرض الآخر، ولهذه الحرب أيام كثيرة، لم يحضرني تفصيلها، إلا أن الغلبة في أكثرها، لإدولحاج على كنته، وكانت تقع بينهم هدنة مؤقتة، حتى يرى أحدهم فرصة فينتهزها حرب كنته وتجكانت هذه الحرب غير بعيدة العهد، لأنها كانت في أيام بكار بن اسويد أحمد، ولا نعلم من تفصيلها، إلا يوم (الفلح). وهو شق في تكانت، مثل الأخدود. يقال: إنه لم يبلغ أحد قعره، ولم أشاهده بعيني، وكان بكار بن اسويد أحمد، ظاهر تجكانت في هذا اليوم. على كنته، فالتقوا قريبا من ذلك الفلح، وكان إلى ظهر تجكانت، فلما التحم القتال، هزمهم كنته، وألجأوهم إليه، فمن حاد عنه نجا، ومن اقتحمه سقط فيه، ومات ولم يثبه من الخيل الأفرس، تحت بكار، وفرس آخر، لا أدري لمن هي، ولا ندري تفاصيل حربهم الأخرى، وقد سافرت مع أناس من تجكانت، وكانوا يحدثونني بفوزهم على كنته، لكن لم أسمع ذلك من غيرهم. حروب تجكانت والأغلال هذه الحرب، كانت قبل إدوعل وإدابلحسن بقليل، لأن أحمد المقري العلوي، اشترك فيهما، لأن الأغلال كانوا أخواله، فحارب معهم تجكانت، ولم يصل إلينا من خبر تلك الحرب، إلا يوم تاغطافت، ولا أظن أنهم اقتتلوا في غيره

حروب انبيز

وكان الأغلال اجتمعوا بهذا المحل لقتال تجكانت، واجتمع تجكانت لقتالهم، وكانت عدة الحرب قليلة عند الفريقين، فاتفق أن بطون الأغلال تخاذلت، فمنهم من رحل ليلا تحرجا، وأظن إنه لم يشهد تلك الواقعة منهم، إلا أولاد يبوية، وكان قدم إليهم أحمد المقري المذكور ببارود كثير، فلما رأوا خذلان قومهم إياهم، باتوا يشعلون البارود، ليرهبوا تجكانت. فظن تجكانت أن لهم قوة لا يقدرون على مقاومتها، فرحلوا ليلا، فاقتفوهم وقتلوا منهم كثيرا، وطلب أحمد المقري من الأغلال بعد ذلك، أن ينصروه في حرب إدابلحسن، فلم يفعلوا، فذلك سبب مفارقته إياهم. حروب انبيز انبيز: موضع اجتمعت فيه إدوعيش، ومظوف، وأولاد الناصر، وأهل سيدي محمود، وكنته، وتجكانت، لحرب الأغلال. وسبب هذه الحرب: أن الأغلال، كثروا في أرض الحوض، وكثرت الدخلاء فيهم والأشرار، ودخلت فيهم أولاد امبارك، بعدما أجلاهم إدوعيش عن تكانت، وقتلوا منهم من قتلوا، وكان يجنى عليهم الدخيل فيهم جناية من هذه القبائل المذكورة، فينسب ذلك للأغلال، وربما أخذ أولاد امبارك سفهاء من الأغلال، وشنوا بهم الغارة على بعض القبائل المتقدمة، باسم الأغلال. فتمكنت العداوة بينهم، وبين جميع القبائل، فرحلوا إليهم من كل جهة عن مؤامرة، وكال الأغلال بلغهم ذلك، فاجتمعت بطونهم. وكان هذا في آخر الخريف، في شهر يعرف عندهم بالاوه. أي حيث يلوى البقل من شدة الحر. وكانوا نازلين عند انبيز. فمكثوا سبعة أيام يتضاربون بالرصاص. وكل بطن من الأغلال يضارب قبيلتين. فحالت الجموع بين الأغلال والماء. فحلوا عقل إبلهم ليلا. وتعلقوا بأذنابها. فأقحمتهم إبلهم الناس، حتى أمكنهم الفرار. ومات كثير منهم عطشا.

حرب كنته وأولاد بسباع

حرب كنته وأولاد بسباع أي (أبي السباع) اعلم أن كنته. على ثلاث فرق، فرقة تسكن تكانت وهي معظمها، وفرقة تسكن الحوض، وأخرى في نواحي آدرار. وهي التي تملك سبخة اجِّلْ، التي يحمل منها الملح. وهي معظم تجارة أهل تلك البلاد. ما عدا أهل القبلة وتيرس. أما أولاد أبي السباع، فثلاث فرق أيضا. فرقة منهم في حوز مراكش. وأخرى في سوس. وأخرى في تيرس. وهذه الفرقة هي التي حاربت كنته. وكانوا يتحملون الأمور التي تبدو لهم منهم، حتى تفاقم الأمر. وكان أولاد أبي السباع مسلحين بسلاح جيد، يصل رصاصه من مسافة بعيدة، لا يصل منها رصاص غيرهم من أهل تلك البلاد، لأن سلاحهم يأتيهم من سوس. وأما سلاح غيرهم، فإنه رديء يأتيهم من فرانسة. فالتقت القبيلتان بموضع يقال له: تُرِينْ، فهزمتهم أبناء أبي السباع، ثم انتصرت أحيى من عثمان لكنته. فهزم الجميع للعلة المتقدمة. فصار أبناء أبي السباع، يغيرون على جميع الناس، لا فرق بين عدوّهم وغيره. ولا يعرض أحد دون ماله إلا قتلوه، فآل أمرهم إلى أن اشتبكوا مع الرقيبات، وكانوا متسلحين بسلاح مثل سلاحهم، فضعضعوهم، وألجئوا بقيتهم إلى القائد ابن هاشم في تازروالت، فأجارهم. ولنتكلم هنا على بعض متعلقات الحرب في أرض شنقيط: أن الحرب في تلك البلاد لا تخلو عن ظلم، فإذا قتل فرد من قبيلة قتيلا من غيرهم، فلا ضابط عندهم في أخذ ثأر المقتول، فربما كان القاتل ملصقا في القبيلة التي هو فيها، فيؤخذ في جريرته الصميم. وعرب الحجاز في هذا، أضبط خطة من أهل شنقيط، زواياهم وحسانهم. فإن الحجازي إذا قتل قتيلا، لا يخاف أحد من أقاربه، ما دام غير نتغيب، وتمشي بينهم السفراء لإعطاء المهلة، فيمهلونهم شهرا مثلا، أو نحوه. فإذا انقضت المدة، ربما جددوها أيضا. وفي أيام الأمن: أن لقوا القاتل فلا يغيرونه. فإذا تغيب القاتل: لا يؤخذ به من كان يجتمع معه في النسب، فوق الأب الخامس.

وأما الصلح عندهم، فيكون بسفارة تمشي بين الطائفتين. والأكثر أن يكون ذلك الوفد من الزوايا، ويسمونه الصربة، ورؤساء حسان يتبادلون إرسال أولادهم الصغار، ويبقى ولد هذا عند هذا، والعكس، ويسمون الولد امنازله وغفيرا. أما الزوايا: إذا سئموا من الحرب، فإنهم يتبادلون السفراء، حتى يتفقو على الصلح. والأكثر أن يضمن بينهم رئيس من رؤساء حسان. واعلم أن حروب الزوايا: أكثرها إنما يكون في تكانت والحوض والرقيبا وآدرار. أما أرض القبلة، فأعظم حرب وقعت فيها: إنما هي حرب إدوعل وإدابلحسن. وقد وقعت حرب قديما، بين أولاد ابيير وتندغا، ولم تحضرني تفاصيلها، وسببها: أن تندغا استجار بهم بعض من يعادي أولاد ابييري، فأجاروه ولذلك يقول بعض الناس في شأنهم: الحربُ أولُ شابَ اجْمِيلَ ... واعْكابُ عَزْبَ بالزُّورْهَ مأتْلَ تَنْدَغ يحكَمْ ادْخيلَ ... إلا اتْلَ وَلْدْ اوْلادْ ابييرِ إدَوُرْهَ اجميل: بمعنى جميلة. واعكاب: بمعنى آخره، وذكر الحرب، وهي مؤنثة، لأن العامي أكثره لحن. والعزبة عندهم: بمعنى المعصر، أي التي قاربت البلوغ. وآزور: ضفيرة تكون لمن هذه سنها. وماتل: بمعنى ما بقى. ويحكم: بمعنى يمسك، والدخيل: الذي يدخل في كنف من يستجير به. يعني أن تندغ لا يجيرون أحدا بعد هذه الحرب أبدا، لما وقع فيهم، وأن أبناء ابييري لا يحاولون أن يسلم لهم الشخص من أجاره، لما نالهم أيضا. وظاهر هذا الكلام: أن القبيلتين تعبتا من الحرب، وهذا شأن كل المتحاربين، فغالبهم مغلوب. أما حرب تندغ وتاكنيت، فإنها قليلة الأهمية، وليس فيها إلا مناوشات خفيفة. وأما حرب أولاد ابييري وإجيجبه، فإنها قريبة العهد، وكانت الناس تظن أن إجيجبه لا يقدرون على مناوأتهم، لقلتهم وكثرة أولاد ابييري. وزد على ذلك: أن أكثر حسان حسان والزوايا مع أولاد ابييري، لمكان أهل الشيخ سيدي

الكلام على لغات أهل شنقيط وأصلها

عند الناس، وما لهم من الإحسان عندهم وسبب هذه الحرب أن أحد القبيلتين مر بمنهل، فترك جمله يشرب في حوض، فضرب بعض أهل الماء جمله، فتشاتما، وآل الأمر إلى ضرب صاحب الجمل. فتحزب لكل واحد منهما قومه، وكان ابن الشيخ سيدي الموجود في وقتنا هذا، مسموع الكلمة، وكان من أهل الإصلاح وسعى جهده فيه، وبذل الماء الكثير، لكنه لم يقدر على إطفاء تلك الثائرة، فانضم كثير من الترارزة إلى أولاد ابييري، وانضم ابن أحمد، رئيس البراكنة إلى إجيجبه. فلما التقى الجمعان، تقابلت الترارزة والبراكنة، فهزمهم الترارزة. وتقابل أولاد ابييري وإجيجبه، فزمهم إجيجبه، فرجع البراكنة من حيث أتوا، وبقى إجيجبه يلعبون هيب (وهي لعبة معروفة) ويحرقون أثاث أبناء ابييري. فتراجعت الطوائف عليهم، وهزموهم شر هزيمة. ثم أن أولاد ابييري رحلوا إلى أرض الترارزة، وكان هذا من الأسباب الداعية لتوجه فرانسة إلى أرض شنقيط لكثرة القلق والنهب فيها. الكلام على لغات أهل شنقيط وأصلها يقال: أن لغات تلك الأرض، كانت قبل دخول العرب هناك قسمين، قسم يسمى أزَيرْ. وقسم يقال له: أكلام أزناكه. أما القسم الأول، فلم يبق له أثر، إلا في مدينة وادان، فإنه إلى الآن يوجد من يتكلم به، والأغلب في ظني أن القسمين واحد. وقد ذكر سيدي عبد الله بن محمد بن القاضي العلوي، الذي جعلناه أول ترجمة من هذا الكتاب، هذه اللغة بقوله: لقد شمخت أنفاً علينا خديجة ... وقالت بآزار لها إدَوارنِ ونحن الأنوف الشامخات على الورى ... تقاصر عنا كل أنف ومازن وسبب قوله لهذه الأبيات، إنه كان مقيما بوادان لطلب العلم، فاتفق إنه كان

الكلام على كلام أزناكه

جالسا بقرب بيت من بيوت وادان، فأرادت امرأة فيه الخروج إلى محل، فأمرت وليدة لها أن تنظر لها من في الطريق لتعلمه فإن كان ممن يعتد به عندها، تتأخر عن المرور، لئلا يراها. وإن كان ممن لا أهمية له عندها، تذهب لشأنها. فلما سمته لها، خرجت من غير مبالاة به. وقالت كلمتها، التي ذكرها في شعره. فخطبها بعد ذلك. فلما زفها النساء إليه، قال لهن: ما خبركن. فقلن له: زففنا إليك فلانة. فقال: ومن فلانة؟ ثم خرج عنهن، ولم يعد إلى الآن. وقال البيتين: وأما القسم الثاني: فإنه كثير في الزوايا القاطنين في أرض الترارزة، ولأهل تلك البلاد، لسان آخر يسمى عندهم بالحسانية، وهي العربية الممزوجة بالعامية، وهي اللسان العام. الكلام على كلام أزْناكهْ هو نوع من أنواع البربرية المغربية، وهو موافق للسان الشلحي، ويختلف معه اختلافاً قليلاً، كما بين لسان الترك والتتر، فإنا رأيناهم في سوسة يتفاهمون من أول وهلة، كما يتفاهم التركي والتتري، وليس لهذا اللسان كتابة مخصوصة، ولا أعلم من قواعده، إلا أن المؤنث تكون التاء منه في أوله مثال ذلك: أغْرَبظْ، بمعنى الطفل التاغْرَبْظتْ، بمعنى الطفلة وهذه اللفظة في أولها وآخرها التاء أوبَلْ، بمعنى العبد توبَّلْ، بمعنى الأمة إِجم، بمعنى الجمل نجم، بمعنى الناقة أزْكرْ، بمعنى الثور

الكلام على اللغة الحسانية

تَشَّ، بمعنى البقرة: والجمع إتْشئداً. بمعنى البقر. إترْكِ، بمعنى العجل تيرك، بمعنى العجلة آجِلْ، بمعنى الحمار تاجل، بمعنى الحمارة. والجمع أُجَجاً، الجيم الأولى: مغربية والثانية: مشرقية. الكلام على اللغة الحسانية أهل اللغة الحسانية، يسمونها كلام حسان، ولا أدرى من هو حسان، وأهل اللغة الأخرى، يقولون لها كلام حسان، وكلام العرب. وهي لغة بعضها - وهو القسم الأكثر - عربي ظاهر، إلا أن تسكين المحرك كثير فيه، وبعضها لا تعرف له اشتقاقا، وليس مأخوذا من اللغة البربرية، لأنه لا يوجد فيها، وتختلف هذه اللغة باختلاف لهجات أهل البلاد المتباعدة. مثال ذلك: أن أهل آدرار وتكانت والحوض. يجعلون القاف غينا محضة، يقولون: عبد الغادر، في عبد القادر وأغديم: في آقديم، بمعنى الذي يخدم في السفر، وأشباه ذلك وكأهل آفطوط. فإنهم يعسكون هذه القضية، وكأهل القبلة، وهم الترارزة، ومن في جوارهم. فإن كثير منهم يجعل التاء طاء. يقول: الطراب، في التراب. والطمْر في التمر. وكل طوائف أهل هذه اللغة، يرى إنه أفصح من الآخر، إلا أن بعض زوايا أهل القبلة، يرى أن الصلاة خلف أهل اللغة الأولى باطلة، لأنهم يلحنون في الصلاة لحنا يغير المعنى، مع إمكان تعليمهم للغة الفصحى، ومن هذا مسألة الجيم المتفشاة، والجيم الشديدة. فإن كل أهل ذلك الفطر، متفقون على النطق بالجيم الأولى في كلامهم الجاري بينهم، وفي قراءة الشعر والكتب العلمية، ويختلفون في قراءة القرآن والحديث، فأهل القبلة - وهم أكثرهم علما - يقرءون الكل، بالجيم

المتفشاة، إلا قليلا فإنهم يقرءونهما بالجيم الشديدة، وهؤلاء مثل إدوعل، ومن يقلدهم في ذلك، وأهل تكانت والحوض وآدرار، يقرؤون بالجيم الشديدة أيضا، وأهل اللغة الأزلي، يقولون لأهل اللغة الثانية: ويجعلون لله ما يكرهون، لأنهم ينطقون في كلامهم العادي، وفي الأشعار، وفي الكتب والفقه، بالجيم المغربية، وأما القرآن والحديث: فلا ينطقون فيهما إلا بالجيم الشديدة، أما هؤلاء فإنهم يجيبون بأنهم راعوا في القرآن والحديث، وجوب النطق باللغة الفصحى، وفيما عداهما، اتبعوا السهل مع جوازه. لأنه لغة توجد بمرجوحية. حجة أهل الجيم المفتشاة: أن الجيم الشديدة لغة السودان، وهم أعجام، وتأولوا كلام التسهيل الآتي، بما لم يحضرني الآن. وحجة أهل الجيم الشديدة: أن الجيم المتفشاة، لغة الشلح والبربر، فكما طعنتم في لغتنا، نطعن في لغتكم، وحيث وقع دليلان متقابلان بالنسبة إلى العجم، فالحكم بيننا إنما هو كتب الأئمة. قال سيبويه في كتابه: (ومن الحروف الشديدة، وهو الذي يمنع الصوت أن يجري فيه، وهو الهمزة والقاف والكاف والجيم والطاء والتاء والدال والباء، وذلك أنك لو قلت الحج، ثم مددت صوتك، لم يجز ذلك. وقال الدماميني عند قول التسهيل: (ومنها: شديدة يجمعها أجدك قطب) ومعنى الشدة على ما ذكر سيبويه: امتناع الصوت أن يجري في الحرف، ويعتبر ذلك في النطق، فنقول: الحق والحج مثلا، فلو رمت مد صوتك في القاف والجيم وغيرهما من حروف الشدة لامتنع. وقال ابن الأنباري في أصول اللغة: ومعنى الشديدة أنها حروف صلبة لا يجري فيها الصوت، ولذلك سميت شديدة. وفي القاموس وشرحه: والحروف الشديدة ثمانية. وهي الهمزة والجيم والدال والتاء والطاء والباء والقاف والكاف. قال ابن جني: ويجمعها قولك: أجدت حبقك. وقولهم: أجدك طبقت: وأجدك قبطت. وفي الهمع: الشدة امتناع الصوت أن يجري

الكلام على الضاد

في الحرف، والفرق بين المجهور والشديد. أن المجهور يقوى الاعتماد فيه، والشديد يقوى لزومه في موضعه. فعرفت أن منع الجرى في الجيم ولزومه لموضعه، يمنعان دخول الجيم المغربية تحت هذين المعنيين، لأنها متفشية قطعا، وذلك النوع فرع من غير نكير، فلا يجعله التعود أصلا يعتمد عليه. وهذه النصوص المتقدمة، لا تقبل التأويل، وقد رأينا قراء مصر - وهم من أكثر بلاد الإسلام قراء - لا ينطقون بالجيم المغربية، وإن كان بعضهم يجعلها كافاً معقودة، إلا أن هذه أقرب إلى الجيم الشديدة من المغربية، فإنها تقارب الشين، والكاف أقرب إلى الجيم الشديدة من الشين. أما أهل الحجاز واليمن ونجد والعراق، فكلهم ينطقون بالشديدة. وأما أهل الشام: فواسطة بين النوعين، وهم ينطقون به دون المغربية بكثير، وهي بعيدة من الحجازية والحاصل أن الجيم فصحى، وهي الشديدة. وفرعية، وهي المغربية، وأكثر القراء في جميع الأرض على الفصحى، إلا المغرب، وأهل القبلة من صحراء شنقيط. وقد عدّ سيبويه الجيم التي كالشين، من الحروف غير المستحسنة، التي لا تكثر في لغة من يرتضي عربيته. وقال: إنها لا تستحسن في قراءة القرآن، ولا في الشعر. ثم قال: وهي الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين. وهذا نص صريح لا يقبل التأويل. فإن الجيم المذكورة يجري فيها الصوت، كما يجري في الشين. الكلام على الضاد كل أهل شنقيط، ينطق بالضاد الموجودة في مصر وغيرها، سوى العلامة اللقن الفهم، محمد فال بن باب حفظه الله، فإنه ينطق بها قريبة من الظاء المألوفة، وكان أحدث القراءة بهذه الضاد، بعد أن رجع من الحج في آخر أيام السلطان مولاي الحسن رحمه الله. وقد أنكر عليه بعض أهل شنقيط ذلك. وقدمت

من القسطنطينية سنة 1319، فاجتمعت ببعض أفاضل الشام. فذكروا أن الفقيه الصالح عبد الحكيم الأفغاني رحمه الله. ذكر أن الضاد التي ينطق بها الدمشقيون وغيرهم غير صحيحة. منكرين ذلك عليه. فقلت لهم: هذا الذي قال: قال به أحد علمائنا، أعني محمد فال المتقدم. وهو ظاهر ما في الكتب. فقالوا لي: اكتم هذا. وإلا نفيت أنت وهو، من دمشق. وذكروا أن العلماء سلطوا عليه الوالي، فنهاه عن القول بذلك. فطلب منه المحاكمة إلى ما في الكتب بينه وبين العلماء، فما قبل. والحاصل أن هذه الضاد المألوفة عندي، وعند غيري غير صحيحة. لأنها تباين التي وصفها سيبويه ولفظه. ومن بين أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس، مخرج الضاد. وفي التسهيل: وأوَّل حافة اللسان وما يليه من الأضراس للضاد. وقال السيوطي في جمع الجوامع: وأوَّل حافتيه وما يليهما من الأضراس للضاد، وهي من الأيسر أقيس. قيل تختص به، وقيل: بالأيمن. ولا ينطق بها وبالحاء، غير العرب. وقال في الشرح نقلا عن أبي حيان: والضاد أصعب الحروف في النطق. وهي من الحروف التي انفردت العرب بكثرة استعمالها، وهي قليلة في لغة بعض العجم، ومفقودة في لغة الكثير منهم. قال: والضاد لا يخرج من موضعها غيرها من الحروف عندهم، وذهب الخليل، إلى أن الضاد شجرية، من مخرج الجيم والشين. فعلى هذا يشركها غيرها فيه، ومعنى شجرية: خارجة من شجر الحنك، وهو ما يقابل طرف اللسان. وقال الخليل: الشجر، مفرج الفم أي منفتحه. وقال غيره: هو مجتمع اللحيين عند العنفقة، وعلى رأى الأولين. قال أبو حيان: خروج الضاد من الجانب الأيسر عند الأكثر، والأيمن عند الأقل. ويحكى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إنه كان يخرجها من الجانبين معا. وقال الصيمري: بعض الناس يخرجها من اليسرى، وبعض الناس يسهل عليه إخراجها من

الكلام على العلم في شنقيط

الجهتين معا. قال: وكلام سيبويه أيضا، يدل على أن الضاد تكون من الجانبين، وقد ذهب بعض من لا ضبط له ولا معرفة، إلى أن الجهة اليمنى تختص بها، اهـ. فعلمت أن الضاد، التي ينطق بها أكثر الناس، غير التي مضت صفتها، وأنها أقرب إلى الدال منها إلى الضاد المذكورة. ومما بين طرف اللسان، وأصول الثنايا، مخرج الطاء والدال والتاء، فهذا هو مخرج الضاد الموجود الآن عند أكثر الناس، وقد أطلنا في هذين الحرفين، لفساد الأول عند المغرب، ولفساد الثاني عند الجميع. الكلام على العلم في شنقيط مرادنا بالتعميم، إنما هو بالنسبة إلى الزوايا فقط، وإلا فإن حسان واللحمة ولحراطين (أي المعتقين من الرق) والمعلمين، أي صناع الحديد، وإكاون، وهم ناس يقال أن أصلهم قيون كما تقدم، لا يدخلون في ذلك العموم، وإن كان قد وجد فرد من هذه الأجناس عالما، فذلك شاذ لا يجعل أصلا. أما الزوايا، فلا يوجد من بينهم ذكر أو أنثى إلا يقرأ ويكتب، وإن وجد في قبيلة غير ذلك فإنه نادر، بحيث لا يوجد في المائة أكثر من واحد، على تقدير وجوده. كيفية التعليم عندهم إذا بلغ الصبي خمس سنين يمتحنونه، بأن يعلموه من الواحد إلى العشرة، فإن تابعها من غير تقديم ولا تأخير، يعلموا إنه صار ينجح تعليمه، وإن لم يعلم كيفية العد يتركوه، ثم يبدءون في تعليمه، وأكثر من يتولى تعليمه إذ ذاك، النساء، ثم بعد معرفة الحروف الأبجدية، يعلمونه كل شكلة، يقولون: فتحة أو نصبة، وكسرة أو جرة، وضمة أو رفعة، وجزم أو سكون وفي بعض الحروف

تعب العالم في شنقيط وما يكابده من المشاق

يعبرون بما لا يعرف عند غيرهم، مثل الياء المكتوبة هكذا (ي) يقولون: أي انظرزه. ولا أدري من أين أخذوه، ويقولون في النون التي تكتب هكذا (ن) النن أعْرك، وحتى أن بعض الأدباء، شبه حظيرة على حرث بها، فقال يذكر دارا: أمست لِسيدان الفلا مألفا ... وكلَّ حرث مثل نونٍ عَرَكْ إلا إنه حذف الألف ضرورة، أو لغة لم أسمعها، ويقولون في هاء الضمير التي تكتب مثل هاء ضربوه: أهذونْ. وفي التاء التي تكتب هكذا (ة) التذوت. ويعبرون بالصط: موضع الصاد، والضط: موضع الضاد. وهم مختلفون في ذلك، فمنهم من يقول: الكسرة موضع يا انطرزَّه، ويستمر التعليم في القرآن، إلى أن يبلغ الصبي، أو نحو ذلك، أعني إذا لم يحفظ القرآن قبل ذلك، فإن حفظه إما أن يشتغل بعلم القراآت، ويسمونه التجويد، وإما أن يبقى يكرر تلاوة القرآن، لئلا يضيع من حفظه، ويقولون: أيطيب صراته، بمعنى سوره، جمع سورة، هكذا ينطقون. فإن بلغ الحلم، يبدأ في غير القرآن، وتختلف الناس إذ ذاك، بحسب البلدان والقبائل. أما أهل آدرار وتكانت ومن حذا حذوهم، فإنهم يبدءون بالأخضري وابن عاشر والرسالة ثم الشيخ خليل. وأما أهل القبلة، فإنهم يختلفون في ذلك أيضا، ففيهم البعض، يقرأ بعض دواوين العرب، قبل البلوغ، ثم العقائد الأشعرية، ويمضي سنين عديدة في إتقان تآليف السنوسي، حتى لا يبقى عليه منطوق ولا مفهوم، ليصير عندهم مؤمنا حقيقة، وإلا فإنه إذا كان لا يقدر على معرفة أنواع الصفات، وتعيينها بالألفاظ المتداولة عندهم، فهو عرضة للكفر، ثم يقرؤونه النحو والفقه. وفيهم مواضع، تتأنق أهلها في البيان والمنطق، ولكل جهة اعتناء ببعض العلوم، أكثر من غيرها. تعب العالم في شنقيط وما يكابده من المشاق إذا نظرت إليه من جهة التدريس، تجده يكابد من الأتعاب ما لا يحصى،

كيفية إلقاء الدرس عندهم

فقد يستغرق يومه كله في التدريس، لأن الشيخ عندهم، لا يلزم الطلبة أن يشتركوا في درس واحد، من فن من الفنون، فتراه مثلا يدرس لعشرة من التلامذة الألفية، فبعضهم يقرأ من أولها، وبعضهم يقرأ من وسطها، وبعضهم يقرأ من آخرها، ويلقى لكل درسه من موضعه الذي يليق به. وهكذا في الفقه وغيرهما من العلوم، وقد يضم أشخاصا في محل واحد من فن واحد، ويضم آخرين في محل منه آخر، ويسمون المشتركين في الدروس: دولة. أما ما يكابده العالم من مشاق الدنيا، فهو إنه يكون موردا للضيوف وللمستفتين ولطالب الحاجة، وليس للقاضي ولا للمدرس، هناك أوقاف تصرف عليهما، ولا يأخذ أحدهما من الطلبة، بل قد يعطيهم من يده، والمفتى أيضا لا يأخذ شيئا في مقابلة الفتوى. وقد يكون لبعض العلماء ما يسمونه: كبط. أي عطية، يعطيه إياها حسان، أو اللحمة، أو الأحراطين، أي المعتقين. وهذه العطية: شاة من الغنم على كل ذي غنم، أو إمداد من الزرع، على كل ذي حرث، وهذا النوع قليل جدا بالنسبة إلى من لا يأخذ شيئا. وإذا ظلم حسان أحدا ممن ينسب إليه، يذهب في طلب استرداد ما أخذ، وربما جلس في استرداد ذلك سنة أو نصفها. كيفية إلقاء الدرس عندهم لا ضابط للهيئة التي يلقي عليها المدرس عندهم، فتراه يدرس مرة ماشياً مسرعاً، ومرة جالسا في بيته، ومرة في المسجد، ومنهم من يدرس في أثناء الارتحال، من جهة إلى أخرى، سواء، كان ماشيا، أو راكبا، وقد يكون راكباً، والطلبة يمشون على أقدامهم في ناحيته. تأديب المدرس للطلبة إذا بلغ الشيخ أن أحد التلاميذ أساء، فإنه يعاتبه برفق، بأن لا يلتفت إليه

الكلام على طلب العلم

حتى يعلم التلميذ ذلك من حاله، وكان العلامة محمذ فال بن أحمد فال التندغي، تجتمع عنده الطلبة من الزوايا، ومن قومه فإذا بلغه عن أحدهم قولا لا يليق، تركهم حتى يجتمعوا عنده. فيقول: وقول ما لا ينبغي لا ينبغي ... لِتنْدغٍ ولا لغير تندغِ فإذا كان الذي بلغه فعل قال: وفعل ما لا ينبغي لا ينبغي ... لتندغ ولا لغير تندغ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفعل ذلك على جهة التعميم. فيقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا، أو يقولون كذا، وما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، وهذا النوع أردع للناس) فليت أن علماء الأزهر فعلوا مثله، وتركوا عنهم، يا ابن الفاعلة، أو يا ابن الكلب، أو يا حمار، فإن هذه الألفاظ، تذهب هيبة الشيخ من قلب الطالب. الكلام على طلب العلم إذا تأملت يا مشرقي، طلب العلم في أرض شنقيط، علمت أنك تجد من الإعانة ما لا يجد، لأن لك من الأوقاف ما يكفيك، ووراءك امتحان يحملك على الاجتهاد، لأنك إذا سقطت، قطعت من الدفتر، وإذا لم تكن عالما، جعلت عسكريا، وإذا صرت عالما، تأخذ من الأوقاف ما يكفيك أنت ومن تمون. أما الطالب في أرض شنقيط، فبعكس هذا كله، فإنه إذا لم يعلم لا يؤخذ للعسكر، وإذا طلب العلم، لا يجد وقفا يتقوَّت منه، وإذا صار عالما، ليس وراءه وقف يضمن له ما هو مضمون لك، فهذا كله، يثبط عن العلم. وإذا اشتهر عالم بالمهارة في العلم، أكثر من يتعلم عليه، إنما هم الغرباء، لأن الشخص في أرض شنقيط، يصعب عليه أن يتعلم في بيت أهله، إذ يلزمه أن يتفقد مواشيه، وأن يواظب على الضيوف التي تقصده دائما، وبالنظر في الشئون

التجارة في شنقيط

المنوطة به، فيتغرب لذلك، إذ لا يهمه إذا كان غريبا، غير شؤون نفسه. أما ما يعيش به، فأكثر أن يأخذ بقرة حلوباً، أو بقرتين إلى ثلاث، إلا أن الثلاث لا يقدر عليها إلا القليل، وهكذا أغلب من يتغرب. وإذا كان الشيخ صاحب إبل، يذهب الطالب بناقة أو ناقتين إلى ثلاث، فإذا اجتمعوا عند شيخ يكونون طوائف، كل طائفة تشترك فيما عندها، لا فارق بين من عنده واحدة، أو ثلاث. فيحلبون واحدة مثلا، ويحلِّقون كل يحسو حسوة، ويناول الآخر وهكذا. أما ما يسكنون فيه من الأمكنة، فيصدق عليه قول بعضهم: تلاميذ شتى أَلَّف الدَّهْرُ بينهم ... لها همم قصوى أجَلُّ من الدَّهرِ يبيتون لاكِنٌّ لديهم سوى الهوى ... ولا من سرير غير أرمدة غبر ويتناوبون رعي مواشيهم، فيخرج أحدهم اليوم يرعى الإبل، ويأخذ كتابه أو لوحه، يظل يقرأه، ثم يخرج غيره بعده، وهكذا حتى يدور ذلك عليهم. وقد يوجد شخص معه عبد، يرعى له نياقه، وهذا قليل جدا. وإذا كانت الطلبة أهل بقر: يتناوبون الورود على المنهل لسقيها لأن البقر يشرب كل يوم، بخلاف الإبل، فإنها في أيام الصيف، تغب يومين أو ثلاثة، وفي غيره أسبوعا وأسبوعين، إلى الشهر أو الشهرين، وقد تمكث ثلاثة أشهر لا تشرب، إذا كانت الأرض مخصبة. ومما يحكى عن تلاميذ أهل محمد سالم المجلسيين: أن أحدهم كرع في ماء يشرب منه، فنقرته وليدة وقالت له: أنت شربت أمس، ولا يشرب في هذا اليوم، إلا من لم يشرب أمس. وكان ذلك في شدة الحر. التجارة في شنقيط إن التجارة في شنقيط، كانت في القديم رائجة. وأعظم ما يتجرون به الملح إلى السودان. يقال: أن العبد كان يباع بحذائه، أي نعله. وذلك أن الملح يقطع على هيئة اللوح الكبير، فيشد بالحبال، ويوضع على ظهر الجمل، فإذا صار إلى

السودان، يجعل تحت قدم العبد منه مقدار نعل، فيكون قيمة له، وهذا العصر تقادم. أما الذي نعرفه نحن، بعد الكساد، أن حمل الجمل، يباع في عبد أو أمة، ويبقى ما يوفره من الزرع، وكل ما عند السودان يباع في الملح، كالخيل والثياب والزرع والعبيد. ويقال: أنهم كانوا يبيعون أولادهم فيه. ويقطع هذا الملح من سبخة آجِّلْ. وهي تبعد عن مدينة شنقيط بنحو خمسة أيام أو ستة، وأهلها المالكون لها: كنته، والناس يدفعون لهم ثمنا قليلا جدا، بالنسبة إلى ما يبيعونه به، وتسافر الناس من الحوض وتيشيت واركيبه وتكانت، لذلك الملح، وأكثرهم يشتريه من مدينة شنقيط، وربما ذهب بعضهم إلى محل السبخة، فأخذه منها. ثم يباع جميعه في السودان. أما العبيد التي يأخذها أهل الملح، فإنهم يرجعون بها إلى أهلهم، فما كان الشخص مدينا به منه، سلمه إلى من يطلبه، وما ليس بمطلوب منه، فإن شاء باعه في محله، وإن شاء جلبه إلى أرض القبلة. ويمسك من العبيد ما يحتاج اليه. والمسافة بين السودان وبين محله متفاوتة. فمنها شهر، ومنها ما هو أزيد. وكلما توغل صاحبه في السودان، يكون أروج له. ومما يأتي به جالب الملح: القماش المعروف بالأكحال، ويسمونه الأنصاف. وأردية يسمونها: دماس وديسه، وبنائق تبنى منها القبب، ويسمونها اجِّيفْ، والدخن المسمى عندهم بالبشنة، وكرته، المعروفة عند المصريين بفول السودان، وعند أهل الشام، بفستق العبيد، وعند أهل الحجاز، باللوز الهندي. أما تجارة أهل القبلة، التي تخرج منها إلى غيرهم: فهي العلك، المعروف عند المشارقة، بالصمغ. وكيفية اجتنائهم له: أنهم يذهبون إلى المحل الكثير القتاد، الذي يبلغهم أن الصمغ يوجد فيه بكثرة، ولا ينضبط قانون ذلك، لأنه يكثر في جهة سنة، ويقل فيها أخرى. ويأتون بعبيدهم ثم يبعثونهم يوميا اليه، ويرجعون إليهم مساء، فيوقدون النار في الليل، ويقايسون ما جناه العبيد، فإن أتى أحدهم

تجارة أهل شنقيط فيما بينهم

بقليل عن مماثله يوبخونه، وربما ضربوه والعبد بنفسه يخجل، إذا رأى جناه أقل من جنى غيره. وهذه الحرفة، خاصة بأهل القبلة، وأهل الرقيبة والحوض. وهذا الجنى: يباع كله في فرانسة، ويؤخذ منهم عوضه من القماش المسمى عندهم بالخنط، وهو أنواع: منه أسود ومنه أبيض ومنه أخضر. والدخن والسكر والعسل وهو دبس جيد. أما عسل النحل: فإنه قليل، ويسمونه عسل لعماله. تجارة أهل شنقيط فيما بينهم تكلمنا على ما يخرج من بلادهم وما يأتون به، فبقى أن نتكلم على ما يتعاملون به بينهم، عوض الدراهم. فإن أكثر ذلك، إنما هو القماش والغنم، وكل جنس المواشي معروف الأثمان. فالبيصة: وهي علم على ثلاثين ذراعا من القماش، مثل الريال عند غيرهم. فيقولون: بكم تبيع هذا العبد، أو الجمل، أو البقرة مثلا. فيقول: بعشر بيصات. فإن كان ذلك في تكانت أو الحوض: فالبيصة المطلقة إنما يراد بها فلتور، وهو جنس غليظ ليس بالجيد. وعند أهل القبلة: أغلب ما يراد الميلس، تصغير الأملس، بالتصغير العامي. وهو جنس جيد، يتفاوت بحسب أنواعه إلا إذا عينت، فتكون بحسبها عند الجميع، أما سعر البيصة: فالأغلب أن يعلم بالغنم. فيقولون: كم ثمن البيصة من الغنم، فيقولون: ثلاث جدعات. أي جذعات، أو أربع أو نحو ذلك. ومن البقر: التافكيت، بمعنى التبيعة. أما إذا كانت القيمة بين البقر والغنم، فيقولون: ثمن هذا الجمل، أربع تيفُكاتن مثلا، والتافكيت من الغنم: علم على ست جذعات، وإذا قالوا شاة دية، فمعناها أنها تساوى جذعة ونصف، وإذا قالوا: كاطعه، فمعناها: أنها تقطع جذعتين، أي نفى بثمنهما. الصناعة في شنقيط لو قلنا: أن أرض شنقيط لا صناعة فيها، لكان ذلك وجه من الصحة،

الزراعة في شنقيط

إذ ليس فيهم من يقدر أن ينسج ثوبا يلبسه، ولا سيفا يتقلده، وفيهم حدادون يصنعون السكاكين الصغار، وإذا فسدت البنادق المسماة عندهم بالمدافع يصلحونها، لكن لا يقدرون على صنعها ابتداء، وهؤلاء الحدادون إنما يصنعون أواني الخشب، والعمد والإشفا، ويصنعون الفراء إذا دبغت، ورجالهم ونساؤهم يعيشون من عمل أيديهم. فالرجال يصنعون الفؤوس والخناجر والعمد، والحدائد التي تكون آلة للحراثة، ويسمونها أوجيل، ومنهم من يقول: أواجيل، ونساؤهم يخطن كل ما يصنع من الجلود، وحسان يظلمون هذا الجنس، ويأخذون عليه المكس، ولم نفرده بالذكر لقلته، والناس يزعمون أن أصلهم يهود ثم أسلموا، ودينهم ضعيف جدا، والناس ينسبون إليهم الكذب والشر، ولا يناكحونهم. الزراعةُ في شنقيط هي من أضعف البلاد في الزراعة، ما عدا نجد، والحجاز، وهي متفاوتة في ذلك، فآدرار: كثير النخل، وليس بأرض زراعة، وقد يزرعون القمح والشعير تحت النخل في الشتاء، ويحصدونه قبل الصيف، ويزرعون الفندي، وهكذا في تججكه، وتكانت فيها أودية، قد تحرث في آخر الصيف، وتحصد في الشتاء، إذا كثرت الأمطار، وهذا لا يغنى أهلها عن القافلة، لقلة ما يحصل منه. عاداتهم في الزواج والولائم أما الزواج عندهم، فعقده إنما هو على مذهب الإمام مالك، سواه في ذلك الزوايا، وحسان، واللحمة، أما الزوايا: فهم مطلعون بمعرفة أحكامه، وأما حسان، واللحمة: فإنما يتولى لهم العقد أحد الزوايا، ولا يتولونه بأنفسهم، وإذا لم يكن معهم أحد الزوايا، أحضروه حتى يتولى ذلك، وحسان شنقيط

الكلام على التاريخ في شنقيط

في هذا، أرقى من بوادي نجد والحجاز، لأن كيفية العقد عند بوادي الحجاز ونجد غريبة جدا، ولا يسوغ لنا أن نكتب ما أخذناه خبره منها. أما المهور عندهم: فإنها بحسب عرف القبيلة، فمن زوايا القبلة من يأخذ نصف المهر، ويرد للزوج نصفه. أما حسان مطلقا، وزوايا آدرار، والحوض، وتكانت: فيأخذونه كله، وأما الجهاز فبحسب العرف. والوليمة في أرض شنقيط، كلها مخالقة للسنة، سواء في ذلك الزوايا أهل العلم، وحسان أهل الجهل، لأنها عند الكل على ولى المرأة، قبل البناء، ولا يدعى لها أحد مطلقا، وأكثر الأطعمة، يأكله الأوباش، وتحمل منها موائد إلى أقارب الزوج، وتبقى المرأة في كل عيد، تبعث موائد إلى أقارب الزوج، كما أن نساء أقارب زوجها، يبعثن بمثل ذلك إليه، والوليمة في الشرق، باقية على الزوج بعد البناء، ولا ينتقد فيها إلا التكلف المنهي عنه، المبيح لعدم إجابة الدعوة، ودعوة الأغنياء دون الفقراء، فإذا كان أحدهم لين القلب يدعو الفقراء، ويطعمهم من سؤر الأغنياء. الكلام على التاريخ في شنقيط السائر في أرض شنقيط، إنما هو التاريخ بالأمور المشهورة، كالحروب والجدوب، وموت الأعاظم. يقول أهل القبلة مثلا: كان ذلك سنة غدرة محمد لحبيب، أو سنة غدرة سيد بن محمد لحبيب، وفتنة أجله مثلا، أو سنة ملكي اصرب ملكي، بمعنى ملتقى، واصرب جمع صربة، بمعنى الوفود التي اجتمعت لعقد الصلح بين الترارزة، ويقولون: كان ذلك سنة شر بني فلان، وبني فلان، أي حربهم، أو سنة خير بني فلان وبني فلان، أي صلحهم، أو سنة اكبيظ الشمس، اكبيظ: بمعنى قبضها، أي كسوفها، وسنة حواطه، وهي سنون محدبة، يزعمون أن المطر حبس سبع سنين، وفيت المواشي، وأكل الناس

الجلود، وهذه اللفظة عربية، وأصلها تحوط أو تحيط. قال أوس بن حجر، يرثى فضالة بن كلدة من أبيات: والحافظ الناس في تحوط إذا ... لم يرسلوا تحت عائذ ربعا ويقول أهل آدرار: سنة غدرة امحمد بن أحمد بن عيد، وسنة غدرة أحمد ابن امحمد. وسنة الطيحة الفلانية، وهذه الأخيرة، مشتركة بينهم كلا، أي يسمون الغارة طيحة، ويقول أهل تكانت: سنة غدرة محمد بن اسويد أحمد، وسنة شر اشراتيت وأبكاك، وسنة شر إدوعيش، وأحيى من عثمان، وهكذا. ويقول أهل تيرس: سنة النعم الفلاني، أي الخصب، وسنة أذريره وهي سنة أدركنا من يعرف زمنها، قالوا: أن تيرس مكثت أزمنة كثيرة، تتوالى عليها الأمطار، وهي من أجود الأرض في الإبل، وإذا وقع فيها الخصب، تحدث فيها أمور عجيبة، منها أن الفصيل يركب قبل سنة، ومنها أن الناقة تلد في كل سنة. ويحكى أن بعص أهلها، حدَّت إنه شرب لبن أنثى، قبل أن تتم سنة، أو عند تمامها، وصورة ذلك، أن الفحل ضربها، وهي بنت ستة أشهر أو سبعة، فأسقطت جنينها بعد ثلاثة أشهر أو أربعة، فعطفوها على فصيل آخر، فصارت تحلب. وهذا من الأمور الخارقة للعادة، لأن الأنثى لا تلد غالباً قبل أربع سنين، في غير تيرس. ويحكى أن أهل بارك الله، وهم أعظم قبيلة في تيرس، من الزوايا، مكثوا أربعين سنة، لم يروا جنازة قبل هذه السنة، فصاروا لا يقرؤون أحكام الجنائز، لعدم الاحتياج إلى ذلك. ثم أن الله تعالى سلط بعض القبائل على بعض، فصاروا يقتتلون ويغير بعضهم على بعض، ووقع الجدب، فهربت الناس إلى أرض القبلة، وأصاب هذا البلاء، أدرار وانيشيري. ويحكى أن أهل تيرس، صاروا يهربون عن أولادهم.

ومن المسائل التي وقعت إذ ذاك، أن رجلا يقال له ابن الديك، كانت عنده امرأة فتعشقها آخر، يقال له: البخاري، ففداها منه بمال، فطلقها. فبينا هو ينتظر انقضاء عدتها ليتزوجها، وقعت أذريره، فخرجت تلك المرأة مع نساء هاربات على أقدامهن، فأضربهنَّ الجوع، فوجدن بقراً لمحبوبها، فذبحت منه تبيعة، فوفاها محبوبها وكلمها كلاما عنيفا، وهددها بالضرب، وطلب منها أن تقضي له تبيعته. فقال بعض الأدباء يعتبر بحالها: أنظر إلى معشوقة البخاري ... وعنها الآئلِ للصّغارِ كانت لنجل الديك عرساً وهولا ... يبغي بها من النساء بدلا ففرق البخارِ بالفداء ... بينْهما للاعج الأهواء وكرعا كأسَ الصّبا زمانا ... وكان من أمرهما ما كانا غَصَّ بها المِجْوَلُ والحجالُ وطاب منها ذلك المجالُ وأسْهِرَتْ من هجرها الرجالُ ... وأعلمت في وصلها الجمالُ واخضرَّ جلدها من اللباسِ ... منْ فاخرَات الهند أو دُماسِ وأسْقيتْ خوالصَ الألبانِ ... عَنْ كثْرةٍ والدَّهرُ ذو ألوانِ راحَتْ سعُودُ سَعْدِها أوافِلا ... وانقلبت رياحُها شمائِلا وشامَتِ الخُلّبَ في أمصارها ... ونعِبَ البارَحُ عن يسارها وأثرتْ عُرَى خَوالصِ الادُمْ ... في جيدها وغيرُ ربي لم يدمْ ولم تزلْ في تيلك الحال إلى ... نعوذُ باللهِ منْ أنواع البلا أن ذبحت بنت لبون من بَقرْ ... عاشقِها الذي بها قد اشتهر فرام أن تَقْضِيّه في الحين ... بعد كلام غيرِ مستلين بل همَّ أن يوجعَها بضربها ... على خدود كان مفتوناً بها نفْسَ الأريب انتبِهي واعتبرِي ... وجددي العبرة أيضاً وانظري

بين التلطفِ إلى المعشوقِ ... وسطوةِ الطالبِ بالحِقوقِ وبين لمس الجلدِ باغتباطِ ... وسومه بمؤلم السياطِ هذا ما تذكرت منها، وأين البخاري هذا، من جميل حيث يقول: فلو أرسلت يوماً بثينة تبتغي ... يميني وإن عزّتْ علىَّ يميني لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها ... وقلت لها بعد اليمين سليني سلينيَ مالي يا بُثين فإنما ... يبينُ عند المال كل ضنين ومن كُثَيْر، حين مطلت عَزّة عبده، في دين له عليها، فتمثل بقول سيده: قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنّى غريمها فلما علم أنها محبوبة سيده، قال لها: أنت في حل مما لي عليك، فبلغ ذلك كثير، وقال: أنت جر وما عندك لك، وقال: سيهلك في الدنيا شفيق عليكم ... إذا غاله من حادِث الدهر غائلهْ يودُّ بأن يمسى سقيما لعلها ... إذا سمعتْ عنه بشكوى تراسله ويرتاح للمعروف في طلب العلى ... لتحمد يوماً عند عَزٍّ شمائلهْ أما الحساب عندهم، فمنه عربي، وهو الحساب بالشهور القمرية، وأسماؤها منه ما أبقوه على أصله، ومنه ما غيروه، يقولون: رمضان، والفطر الأولى والثاني، فالأول شوَّال، والثاني ذو القعدة والعيد. وفي بعض الأحيان يقولون: عيد اللحم، احترازاً من عيد الفطر، وعيد المولد النبوي، وعاشور، أي عاشوراء، واتبيع: بمعنى صفر، والمولود: أي المولد: والبيظ الثلاثة، بمعنى البيض، وهي ربيع الثاني، وجمادى الأولى والثانية، ويقولون: لكصير الأول: ولكصير الثاني: مصغران، بمعنى القصيران، ولو قال قائل مثلا: صفر والمولد الثاني، وجماديان، ورجب وشعبان، ما فهمه إلا من كان من أهل العلم. وأما الأشهر العجمية، ففي ألفاظها بعض اختلاف عن أهل المشرق، يقولون:

الكلام على المكاتبة في أرض شنقيط

يناير فبراير إبريل مي يوني يولي أغشت شتنبر آكتوبر نونبر دجنبر، ففي يناير ابتداء حراثة شمامه. وفي مارس تأبير النخل. ويكثر الصمغ فيه. وفي يوليه يزهو النخل. وفي أغشت تكثر الأمطار، وتطوى الحصر التي ينشر عليها التمر. ما عدا مدينة شنقيط. فذلك وقت أكل بلحها. الكلام على المكاتبة في أرض شنقيط المكاتبة عندهم، أكثر أحوالها أن لا تكون متكلفة، إلا إذا كانت فيها تعمية، كما وقع للمجيدري، وكان بمراكش، فبعث إلى أهله مع شخص: سلهاما أي برنسا وزربية، وكان غير مطمئن عليهما من جهة حاملهما، وعادة الكتب عندهم أن لا تكون في ظروف، فكتب مع حاملها: (سلام بزيادة لام ماء إلى لامه) وإحدى خبر كأن، في قول الشاعر: ترديت. . . إلى آخر كلامه فلام سلام، لامه الهجائي، ولام ماء، المراد به لامه وزنا، فماء أصله موه، بدليل مياه، وإذا قرنت لام ماء، إلى لام سلام، يصير اللفظ سلهاما، وأشار بقوله إحدى خبر كأن، إلى قول الشاعر: ترديت من ألوان نور كأنها ... زرابيّ وانهلت عليك الرواعد فزرابى في البيت، خبر كأن، وإحدى زرابى: زربية. وقد كتب بعض أدباء تجكانت، إلى صديق له يسأله شيئا من تبغ، ولا أدرى لفظ كتابه، ولعله من جنس الجواب وهو: (أما بعد، فإن ابن أخت خالتي، مصاحب لما جلاؤه من الميم، وما في حمى الوحاف الصم، لما يستحقه المغذُّ إلى المهم). المعنى: ابن أخت خالته، يعني به نفسه، لأن أم الإنسان أخت خالته، وما: بمعنى الذي. وجلاؤه: ظهوره، والميم: البحر، يعني به موسى عليه السلام، لما ألقاه اليم بالساحل، وما: الثانية، بمعنى الذي أيضا، والوحاف: الأثافي،

ويستخفه: يجده خفيفا، فيحمله معه. والمغذ: المسرع، يعني إنه ليس عنده من آلة الدخان، إلا موسى من الحديد، ليقطع به الجلدة، التي كانت لباساً لتبغ، يفعلون ذلك إذا عدموها. فورَّى بموسى عليه السلام، عن موسى الحديد. وما في حمى الوحاف. هو الفحم، يخلطونه مع قطع الجلدة المذكورة. فيشربونهما عوضا عنها. وقد يكتب بعضهم إلى بعض شعرا، فيجيبه الآخر في بحره ورويه. على مقتضى شعره. وقد يكون ذلك صادرا عن موجدة. كما تقدم في هذا الكتاب. مما وقع بين باب بن أحمد بيب العلوي، وادييج الكمليلي، وكما وقع بين ادييج المذكور، ومحنض باب بن اعبيد الديماني، وبين محنض باب، وحرم بن عبد الجليل العلوي، وكما وقع بين حرم، وشيخه المختار بن بون الجكنى، فإن حرم وعد المختار بإرسال شيء من الزرع، فأبطأ عليه، فقال المختار: لك الفضل أن واعدت يا حرم والفضل ... ولكنما ميقات إيجازك الفصل فزرعك هذا لم يشخص بخارج ... ولم يتعلق فيه كيلٌ ولا أكلُ فأجابه حرم بقوله: هنيئاً لشيخي قوله فيَّ والفعلُ ... وما نال من عرضي وزرعي له حل فلا تك عون الدهر يا شيخُ إنه ... لأبنائه في مقتضى صرفه شغل يعوق فتهجو من يعوق بصرفه ... ولو إنه ما شاب أخلاقه بخل وإني امرؤ عن هفوة الشيخ أن هفا ... صفوحٌ على أني لما قاله أهل وكتب غالي بن المختار فال البستاني، إلى حرم المذكور، وكان غالي حسن الخط: من كاتب الخط منشيه وكاتبه ... لحائز المجد عن ارث وكاسبه محمدٍ حرمةِ الله الذي مَحَقَتْ ... ذُكاءُ حِكمتِهِ ظَلْما غَياهبه أزكى سلام وأنماهُ وأطيبه ... ما يسمّرَتْ عُسْرَةً جَدوى مواهِبه فأجابه حرم: رَدُّ السلام إذا أكدى محاوله ... فكيف يحسِنُ إجلالا لجالبهِ

القضاء في شنقيط

سلام غالي على ما يستحق به ... غداهُ مِنْ ربنا أسنى مواهبه لو كان كاتبَ لا شلّتْ أنامِلُه ... رهط ابنِ مقلة لم يفخر بكاتبه القضاء في شنقيط إن القاضي في شنقيط، الأغلب فيه: أن لا يكون مُولى من أحد، وإنما كيفية توليه، أن يشتهر بمعرفة الأحكام، وقد يولى أحد أمراء حسان قاضيا، ويكون ملازما له. ولكن الأغلب، أن هذا لا يذهب إليه إلا في المسائل ذات الشأن، كما إذا وقع قتل لينفذ الحكم. ومن أدركناه من هؤلاء الأمراء، إذا حكم في قتل لا ينفذ القصاص، بل يبقى يرتشي ويطاول التنفيذ، وربما أوعز إلى قاضيه بأن يحكم بما يهوى هو، أي الأمير. فلذلك لا يتفق عليه الخصمان. وأحسن من أدركنا من رؤساء حسان: أحمد بن امحمد بن عيد، فإنه على ما يقال لا يريد من القاضي، إلا إظهار الحق، ويناظر العلماء لذلك. وليس للقضية رسوم تدفع عند رفعها، ولا للقاضي شيء سوى تعبه، ولا يرضى إذا كان ورعا، أن يخلو بأحد الخصمين دون الآخر، وهذا هو الأغلب. وقد قال السالك بن باب العلوي، حفظه الله، في صفة بعض أهل العصر، وإن كان ظاهره التعميم. فمراده الخصوص: قضاة العصر طراً جائرونا ... وعن نهج الحقيقة مائلونا تراهم كاتبين لمن أتاهم ... ولم يخشوا كراماً كاتبينا وكل من يخالف شخصا في مسألة، يراه مخطئا، إلا إنه إذا كان ذلك خال من الأغراض والتعصب، لا يقدح. وإذا اختلف المتنازعان في شنقيط، يتفقان على من شاء من أهل العلم. فإذا ألقيا حججهما، طالب المدعى بالشهود، ولا تقبل شهادة إلا من علمت عدالته عند القاضي، أو ركاه مبرزان مشهوران بالدين والورع ثم يعدر للمدعى عليه في الشهود، وهم في هذه النقطة، أرقى ممن رأينا من

البيع والشراء في شنقيط

غيرهم. فإذا حكم القاضي: فإن الحكم نافذ بنفسه، لا يقدر المحكوم عليه أن يمتنع، إلا إذا أوعز إليه أحد العلماء، فإن ذلك المحكم غير صحيح، فإنه يطلب نقضه، وربما مكثت القضية بهذا سنين حتى يتفق رأى العلماء فيها. البيع والشراء في شنقيط أما كيفية البيع في الزوايا: فإنها على الشريعة. وإذا ظهر فيها ما يخالف مذهب الفقهاء، يقال: هذا بيع فاسد، فيفسخ بعد فتوى أحد العلماء بذلك. وأما حسان: فأغلب عقودهم فاسد، كما وصف به ابن الشيخ سيدي أبناء دليم، في قصيدته المتقدمة، لمَّا كان يشكو مقامه بين أظهرهم، فقال: سكناه بين أناس جل عقدهم ... بيع الملاقح أو بيع المضامين وقد تقع حروب قلمية بين العلماء في هذا الشأن، كل يؤيد أقواله، وقد مضى في هذا الكتاب، ما يدل على ذلك. ما بقي من الشريعة في شنقيط وما ذهب أثره الزوايا لم يفتهم من الشريعة إلا القصاص، فإنه ذهب بالفعل، إلا أن القتل فيهم نادر جدا. لكن إذا وقع، يصعب الانقياد فيه إلى القود. فإما أن يتفقوا على دية، وإما أن يتحاربوا، وكل المسائل الشرعية فيهم قائمة غير هذا. وأما حسان، وأكثر اللحمة: فلا يهابون بيعا فاسدا، ويشهدون الزور، ولا يبالون بالأيمان الكاذبة، ولا يقيمون حدا من حدود الله، ولا ترث الأنثى عندهم، ولا يتقون مال اليتيم. فإذا بلغ يقولون: مال هذا حرام. يعنون إنه لا يقبل أكله. وكثير من علماء الزوايا: يرى أن أموال حسان غير معصومة، لأن الكفارات استغرقتها، سواء في ذلك حسان، واللحمة. وتزيد حسان، بأن جميع ما تملك، مأخوذ من النهب والغصب والمكس. فلذلك تراهم لا يكفنون موتاهم فيما يملكون، بل يسألون الكفن لأحد الزوايا.

الحيوان في شنقيط

الحيوان في شنقيط ينقسم الحيوان في شنقيط: إلى أهلي ووحشي، والبلاد تتفق في أغلبيته. وقد يوجد في بعضها، نوع خاص به. ففي آدرار، من الأهلية: الخيل، والإبل والبقر والحمير والغنم. أما الخيل: فتنقسم إلى عتاق وإلى غيرها، وتسمى العتاق لِحْرَايرْ، أي الحرائر. ويقولون: هذا الفرس من المدرك الفلاني، كاغزالات والكشريات وغيرها. فاغزالات لأهل عيَّدَّه، أمراء آدرار. وما يوجد عند غير هم من حسان، إنما يهدونه إياهم. وأما خيل تكانت: فتكثر فيها العتاق، وهي مدارك أيضا، أي أصول كآدفينجات، والكشريات، وأغزالات وغيرها. وقد يتولد الفرس بين العتاق وغيرها. فتحسن صورته، ويقرب من العتاق في أوصافه الحميدة، إلا أن حسان لا يلبس عليهم بالصريح المحض، ويسمون هذا النوع: حرطانيا. وحرطانية، أي معتق، أو معتقة. سموه باسم الإنسان المعتق عندهم، وتكثر العتاق في الحوض، عند أولاد الناصر ومشظوف والأغلال. وامتازت أرض شنقيط، بأن الخيل لا يحمل عليها الأمتعة، سواء كانت عتاقا، أو براذين. أما الترارزة: فالخيل العتاق عندهم قليلة، وأرضهم ليست كآدرار وتكانت والحوض، في مطابقة هواها للخيل، ويكثر فيها بارُوشْ، وهو مرض يقتل الخيل في شهر أكتوبر، يقال: أن منشأة ريح هذا الشهر. ويوجد في غير أرضهم أيضا، وهو أكثر آفات الخيل، وأشهر مدارك الترارزة السبعيات. صفة الخيل العتاق في شنقيط من كانت عنده فرس حرة، أو فرسان، يرى إنه غنى، ويوجد من أولاد الشيخ سيدي المختار الكنتى، من كان يملك مبلغا منها وفيرا، ويقل من يقدر على شراء فرس حرة كلها، لكثرة ثمنها، إذ فيها من يقوم بمائة ناقة، والأكثر

السباع في شنقيط

أن يبيع أحدهم ربع فرس أو ثمنها مع رسسها، أي بشرط أن تبقى عند المشترى، حتى يكون لها من النسل، ما يحمل القسمة، وهذا إنما يكون في حسان، لأن الخيل في الزوايا قليلة، وتقدم وصف عقود حسان وسبب مغالاتهم في الخيل العتاق، سرعتها وصبرها، فقد بلغنا أن سيد احمد بن إبراهيم اخليل التروزي، كان عند أحمد بن عيد، رئيس أحيى من عثمان، زارك، أي منفيا من رئيسه محمد لحبيب، فبلغه أن إبلا له أغار عليها بنو دليم من بعيد، فركبت فرسانه على خيله العتاق، فتبعهم ابن إبراهيم اخليل المذكور، ولحق بأبناء دليم، فقاتلوه دون الإبل، فقتل منهم ستة، كل مرة يرمى عليهم فرسه، فيقتل اثنين، ويركضها حتى يجعل في مدفعه، أي بندقيته الرصاص والبارود، ثم يعود كذلك، حتى تركوا له الإبل، فجعل يسوقه حتى وافته الخيل، فتركهم يسوقونها، ورجع قبل ظهر اليوم الذي خرج صبيحته، وكان لحق بالمغيرين على بعد سبعة أيام، ومن هذا القبيل، ما وقع ليوسف بن لكليب أحَدُ إيكاون أحمد سالم بن محمد لحبيب، وكان أحمد سالم المذكور، نازلاً في أكان، مع من معه من الترارزة، بعد أن هزمه أخوه أعل بن محمد لحبيب، فبعث يوسف المذكور على فرسه أغزاله شوفا، أي طليعة. فذهب صباحاً، وطاف بعدوه في بلاد يقال لها: أدخل. وهي مسيرة أيام من الموضع الذي توجه منه، ثم رجع قبل الظهر، وجعل يدور على أصحابه في منازلهم، وجعلت الفرس تأكل علفها، فتعجب الناس أيهما أقوى. وأما البغال، فلا توجد في تلك البلاد. السباع في شنقيط إن آدرار أقلها سباعاً، ولا يوجد فيه إلا الذئب والضبع، ولا يأكلان غير الغنم، بخلاف الذئب في أرض الحجاز ونجد. فإنه يأكل بني آدم، وكذلك الضبع في أرض سوس.

أما تكانت: ففيها الأسود والدببة والضباع والذئاب، لكثرة مياهها، وموضع السباع منها، إنما هو تامورت انعاج، وجانبها الشرقي، وفيها الفهود، ودببتها آفة على الإبل. وأما الرقيبة: فأكثر البلاد فيلة وأسودا ودببة، وكل السباع فيها. وأما آوكار من أرض القبلة: فلا يوجد فيه غير الذئاب والضباع، وقد توجد كلاب الخلاء، وهي في القفار متوحشة، تأكل بني آدم، وتخاف من رغاء الإبل، كما يخاف الضبع منه، في أرض الفرس والأفغان. وأما آتكور، وما يليه من أرض العقل، فتوجد فيه الدببة والذئاب والضباع. أما الذئاب والضبع، فلا يتعرضان لغير الغنم. وأما الدب فيأكل البقر والغنم والحمير، ولا يتعرض للإبل. وأما إكيدي، فإن الدب فيه يأكل الإبل، كما تقدم. وأما شمامه، وادخل: ففيها السباع والنمور والفهود، والنوع المسمى بِكلنكي، وهو أشرها كما يقال، وبعده النمر، ثم السبع، وهو أقلها مضرة لبني آدم. أما الإبل: فأرضها التي لا تساويها أرض، فهي تيرس. وداؤها الذي يستأصلها فيها، إنما هو الجرب. ولا يوجد في الأرض مرض الذباب المعروف: يتابريت. والخبيرون بهذا الداء، يعرفونه باستنشاق بولها، فيبيلها أحدهم على زنده، ثم يشمه إذا يبس، وهي كثيرة في تلك البلاد، ولا يفنيها إلا داء الذباب أو الجرب. أما البقر: فيكثر في أرض القبلة وتكانت والحوض واركيبه، وأقل البلاد بقراً آدرار، لكثرة جدوبه، وهو عندهم على خلقة بقر الحجاز، ولا يوجد في تلك البلاد، الجاموس. وقد يقولون للبقرة، إذا كانت لا سنام لها جاموسة، وهو غلط، لأن الجاموس نوع قائم بنفسه لا يشتبه بغيره. وأما الغنم عندهم: فلا إليات لها، كما يوجد في غنم المشرق، وقد يصفون

الحيات في شنقيط

هذه الغنم، أعني التي في المشرق، ويقولون: إنها من نسل غنم نبي الله شعيب عليه السلام. وأما الحيوان البري: فيختلف باختلاف البلدان. أما أرض آدرار: فتكثر فيها الآرام، ويسمونها الأمهار، وواحدها مهر، وفيها الغزال بنوعيه، فكبيره الأسمر، يسمونه: الدامي، والصغير الذي فيه صفرة يسمونه: لِغْزالْ. وهذه الأنواع توجد في تكانت بكثرة، وفي آوكار من أرض القبلة، حتى يتصل بأرض العقل، فتنقطع الآرام، وفيه نوع يسمى: شاتْ انمل، أي النمل. وهذا النوع لا يخرج نهاراً. وإنما يبقى في مكامنه، ثم يخرج ليلا ويضع ذنبه في قرية النمل، حتى يلصق فيه فيأكله، وقد شاهدت آثاره على القرية كثيرا يتبطح عليها ويجر ذنبه. أما المهى: فأرضه أدافر ويسمونه: لِمْهَ. وواحدته امْهايَهْ، أي مهاة. وأما الجنس المعروف بأجَمُلْ وآركيم وحمار الوحش، الموجود في بوادي نجد: فإن هذه الأجناس في اركيبه بكثرة. أما النعام: فإنه يوجد في أرض الحوض وأدافر بكثرة، ولعله يوجد في نواحي آدرار في بعض الأحيان، وقد تطرده حسان في أيام الصيف يضمرون له الخيل، ويتجرون بريشه، ويسمون ذكره: ظليم، وأنثاه: النعامة. الحيات في شنقيط الحيات كثيرة في ذلك القطر كله، وأكثره تكانت، وقد ذكر العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي، أن سري الراجل في تكانت حرام، لما فيه من التعرض للمهالك، ثم أن الحيات متفاوتة في المضرة فمنها: إلفاعْ. أي الأفعى. وقد يقولون له: الفاع الأركط، أي الأرقط، وهو خبيث منكر. ومنها: كيشكاشه وهي ضرب من الأفاعي، تحك بعض جلدها ببعض، إذا آنست الإنسان، فيسمع لها صوتا مزعجا، فإذا سمعه وثب فارا. وهي التي شبه

الأعرابي صوت شخب ناقته بصوتها، حيث يقول: كأن صوتَ شَخْبِهَا المُرْفَضِّ ... كشيشُ أفعى أجمعت للعض فهي تحك بعضها ببعض وهذا التشبيه، في غاية الحسن، خصوصا إذا كانت الناقة كثيرة اللبن، واسعة مجرى اللبن من الخلف، ومنها (كُرُجْمَهْ) وهي حية عظيمة، لا تكون إلا في محل فيه البحور غالبا، وقد تكون في محل فيه شجر (إفَرْشِ) هو الآراك الذي تستجاد مساويكه، وهذه الحية، رأيت حية تشببها في حديقة مصر المخصوصة بالحيوانات، إلا أن التي بمصر أصغر، والأغلب أنها من جنسها، وهي لا تعض، وإنما تلتوي على الإنسان فتقطعه نصفين، أن التوت على نصفه، وإن التوت على ساقه، قطعتها وحدها، هكذا يقولون. ومن العجائب أن السودان يأكلونها، ورأيت عندهم سيورا من جلدها، يجعلونها تكة للسراويل. أما العقارب، فإنها كثيرة جدا، ولكنها لا تقتل من لسعته، والناس يزعمون أن من لسعته، وركب حمارا، وجعل وجهه إلى ذنبه يبرأ، وقد جربت هذا فوجدته كذبا، وأصدق ما قيل فيها، أن من لسعته لا يشتفى إلا بعد أن يمكث أربعاً وعشرين ساعة يصيح، ولا يداويه غير ذلك، وهذا عندي صواب، كما جربته في نفسي، وقد يعملون للصبيان ترياقا ينفعهم في لسعها، وهو أن يذبحوها وهي حية، فيقطعوا الأنبوبة التي تلي ذنبها، والتي فيها الشوكة فيرموهما، ثم يأخذوا الثلاث الباقية، فيحرقونها بالنار، حتى تستوي، فيجعلونها في شيء يزدرده الصبي، فيمكث مدة لا يؤثر فيه لسعها، وهذا صحيح مجرب. ومنها نوع يقال له (بُنَيْه) وهو حنش فيه نقط سود، وأكثر لونه يميل إلى الصفرة، يئن إذا أراد أن يعض الإنسان. ويقال إنه ينقلب على ظهره قبل اللسع (كَيْرْوَه): هي أشر حيات تلك البلاد، وهي حنش ضخم أصفر، وعلى جلده قشور، وله ظفر في ذنبه، وما رأيته في تكانت، ولكن لا تخلو منه أرض، إذا كانت تنبت

الكلام على المرض والصحة في شنقيط

شجر آفرنان، وهو كثير في أرض تكانت، وهذه لا تنفع فيها الرقاة غالبا، ولا يعيش من لسعته، أكثر من ساعة أو ساعتين، وقد رأيت رجلا من قبيلة إدوعل اسمه: الفغ بن إنجاي يرقيها، وقد ثبت عندي إنه رقاها وعاش صاحبها، والحكمة التي عنده لا توجد عند غيره، وقد تلقاها عن رجل من لكْوَرْ، (أي السودان) ومن عجيب أمر هذا الرجل، إنه يتخطى الملسوع، فيشفى من غير أن يمسه، ومنها: (صوَّاع البجوان) وهو حية، تطرد راكب الجمل فتثب عليه، والجمل يجري به فيلسعه فيموت. ومن عجيب ما شاهدت، أني كنت يوما أمشى في محل خال، فرأيت حبة تقصدني من الجهة التي أذهب اليها، فالتفت راجعاً أريد الفرار، وأنا مذعور، فقبل أن أرفع رجلي من الأرض، تثنت على ساقي، فنفضتها على الأرض، وعدوت عدواً شديداً متحققاً أنها لسعتني، فلما سكن جأشي، وجدتها لم تصبني بأذى، والله المحمود على ذلك. الكلام على المرض والصحة في شنقيط أرضه متفاوتة في الأمرين، وفيها أمراض تختص بجهات مخصوصة. فمن أقلها أمراضا تيرس، فإنها لا تعرف توجاط الآتي بيانها، وأكثر أمراضها، مرض يسمونه بلعام، وهذا المرض ينشأ من شرب الماء الملح، وصفته أن تعتري الشخص حرارة زائدة في ظاهره وباطنه، بأن يبقى في الظل نهارا، وفي الهواء ليلا، ويكثر أكله إلى حد يقرب على الإنسان أن لا يصدقه، ولولا أني شاهدته لم أكتب عنه، وأظن أن القارئ، ربما ظنني مبالغا، ولكن ليس الخبر كالعيان، فإني أعرف رجلا من أقل الناس أكلا، وقد أخذه هذا الداء، واجتمعت به في أثنائه، وكانت بيننا علاقة لا يمكنني معها أن تفوتني حقيقته، فقد رأيته، وبجانبه آنية ملأا من اللبن الممذوق بالماء، وكثير من لحم البقر

المشوي شياً خفيفا، بحيث إنه بقى أحمر يقطر وسطه من الدم، وبجنبه شيء من السكر وشيء من الدخن، يتناول من هذا وهذا، لا يفتر الليل ولا النهار. وأخبرني بعض الناس، إنه رأى بعض من أخذه هذا المرض، يصيح ويبكي إذا مكث نحو ساعة، أو نصف، من غير أن يأكل شيئا. وقد شاهدت صديقا لي آخر بهذه الصفة المتقدمة، وإذا غلبه الإنسان بكثرة الأكل، ينصرف عنه في مدة يسيرة، والناس يقولون: أن صاحبه يبتلع اللحمة الحمراء تقطر من الدم، فيزدردها فيسمع صوتها في جوفه، كصوتها إذا وضعت على الجمر، وهذا المرض يصل إلى غير تيرس، ولكن الأغلب عليه، أن لا يصيب إلا من كان مقيما فيها، ومنها: (السِلُّ) ويسمونه السِّعْله، وهذا لا تنفع فيه الأطباء غالبا، ويزعمون أن أحمد المقري العلوي، داواه من شخص، بأن عمل له دواء قويا، فتقيأ دودة كانت في رئته تأكلها، وإذا كان هذا المرض، يتولد من قروح تحدث في الرئة، تكون هذه المسألة غير صحيحة، ولكن بعض الأطباء، يخفف هذا الداء فيعيش صاحبه كثير، ويقولون لصاحبه: فيه جائفة، والناس في تلك البلاد يتجنبون صاحبه، ويقولون إنه يعدى، ويزعمون إنه سر: أي يتوارث من أسلاف الشخص، ويسمونه مرض الشهداء. ومما يعالجون به صاحبه التيشطار، وهو قديد البقر، وليس هو القديد، الموجود في أرض الترك، بل ما في الصحراء أجود، وهو أن يذبحوا البقر أو ينحروا الناقة، فيرققوا لحمها مبلولاً. ثم يجعلون عليه ما يقيه الشمس، حتى إذا جف، قطعوه قطعا صغيرة، ثم ينشرونه حتى ييبس، فيأدمونه بالودك أو بالسمن. ولا يصلح لصاحب هذا المرض شرب الماء، بل يشرب الشنين، وهو المخيض المخلوط بالماء. ولا يزيد في اليوم الحار على شربتين. ولا يصلح له الشراب ليلا، نجانا الله منه. (إكندِ) (بهمزة مكسورة وكاف معقودة مكسورة ونون ساكنة ودال مكسورة) مرض يتولد من أكل الحامض جدا. أو الشيء المر، تصفر عينا صاحبه ووجهه. وتصيب فمه المرارة ومن أنجع الدواء فيه، العيش البائت. ومعنى

العيش، العصيدة. وتكون هذه العصيدة من البشنهِ. أي الدخن. ويصب عليها حليب البقر. وصاحبه ينال كمال الصحة، بعد الشفاء منه. ومن أدواء أرض شنقيط: (بُرُوتُ) وهو عرق يضرب الإنسان في ساقه، أو فخذه. فإذا نزعه الطبيب من غير أن يقطع فيه. قام منه كأن لم تكن به قَلَبةٌ. وإذا انقطع فيه يتبعه، وربما صار صاحبه أعرج، وهذا كثير بتكانت وآدرار، والناس يقولون: إنه يأتي إليهما من السودان، ورأيته في تيججكه، يصيب من لم يرهم قط، ولا يوجد في أرض القبلة ولا آوكار. (لِمْحَسْ) هذا مرض كثير في أرض القبلة، ويقال له ذات الجنب، وهو مرض يحدث من البرد، وأكثر ما يكون في فصل الشتاء، وأكثر أوقاته يناير وفبراير، وهو في أرض العقل وشمامه وادخل وآوكَيْرَه كثير، وقد يكون في إكيد، وهو في أظهر وانوللان وما يليهما من شمامه، أقل مما تقدم، ووقوعه في زمن الربيع والصيف، أقل منه في زمن الشتاء، إلا أن برأه في زمن الشتاء، أكثر منه فيهما. (الرمَدْ) هذا المرض كثير ولكنه لا ضرر فيه. (إشكيكه) هي الشقيقة، وهي مرض كثير، يصيب الإنسان في صفحة وجهه، وربما عجز عن السجود إلا بالإيماء. ودواءه لبن يغلي على النار، ويجعل فيه شيء من الدهن ولِحْرُورْ، وهو الفلفل عند المشارقة. (تَوْجاطْ) هذه اللفظة، علم على الحمى، التي تكون في الخريف، المسمى عندهم بتوجى، وهي حمى حارة شديدة جدا، ويصحبها صداع مثلها، وصاحبها يهجر المطعم، وإذا اعترت الشخص يكثر قيئه، وتضعف قواه. وقد تأخذ أهل البيت كلهم، وموت صاحبها منها قليل جدا، وأكثر من تعتتريه أهل القبلة واركيبه وتكانت، وإذا شفى صاحبها، ينفعه لحم الغنم.

الكلام على السحر في شنقيط

الكلام على السحر في شنقيط انتشر في السحر في عبيد أهل المدن من شنقيط، وفشا حتى أن العبد صار في تججكه، إذا ضربه سيده أو غيره، لا يلبث إلا يوم أو يومين، فيقع رأسه على الوسادة، فيموت عاجلا، والناس يقولون: أن العبد الساحر ينظر إلى رئة الإنسان، وإنه إذا أراد أن يسحره ينزع قلبه، لكن لا يأخذه إلا إذا لاصقه أو لاصق ظلله، ويزعمون إنه إذا أخذ قلب الشخص، يواريه في الرماد، فينقلب كبشا بعد مدة قليلة، وأن المسحور لا يموت ما لم يذبح ذلك الكبش، وهذا لابد أن يكون خرافة، أما الذي لا يشك فيه، فهو أن العبد يأخذ قلب الشخص، ومتى وضع يده على صدره، ليداويه إذا أتاه أهل المسحور، بعد أن يهددوه بالقتل، يقم كأنما نشط من عقال، وإذا قتل الساحر، قبل موت المسحور، يقوم في الحال، كأنما نشط من عقال، وسبب فشو السحر في عبيد أهل شنقيط، كثرة العبيد المستجلبة من بنباره، وهم جنس من السودان، والسحر فيهم حائد عن القياس. ولما ظهر أهل تيججكه على ما انتشر في عبيدهم من السحر، تفكروا في قتلهم كلهم، فمنعهم من ذلك، أن النخل لا يقدر على معاناة شؤونه غيرهم، فأتوا برجل من السودان، يقال له شيرنه (بشين فارسية) وبذلوا له مالا كثيراً، في أن ينزع ما في صدور أولئك العبيد من السحر، فقال لهم: وآية معرفتهم أني أحرق شيئاً عندي، فإذا أنتشر دخانه، يأتي إلى كل ساحر في ذلك البلد، فأوقد بخوره ذلك فأني كثير من العبيد، الذين ما كان يظن بهم ذلك، فلما عرفهم، صار يسقيهم علاجاً عنده فيتقيئون، فزعم أنهم تقيؤا ما يعلمون من السحر، فأخذوا أموالا كثيرة، فبان أن السحر بقي في العبيد على حاله، فصارت الناس تقتل كل من اتهموه بأنه سحر أحداً، فقل جداً، وأكثر ما يحملهم على قتل الناس على ما يقال، إنما هو شدة شهوة اللحم والجوع والغيظ من المسحور، وهو كثير في تججكه وأطار وأوجفت.

الكلام على أمثال أهل شنقيط

الكلام على أمثال أهل شنقيط (إلِّ بكاهْ عُودُ لا أسكتْ): إلّ عندهم بمعنى الذي. واشتقاقها من العربية غير بعيد، لأن أل التي بمعنى الذي توافقها خطا، إلا أن تلك ساكنة اللام. وصلتها صفة صريحة في الغالب. وتكتب متصلة بما بعدها. وأما هذه، فإن همزها مكسور، ولامها مشدد مكسور أيضا، ولا يشترط في صلتها شيء عندهم. العود: معروف ومن عادة أهل شنقيط إذا قسموا شيئا، أن يقترعوا عليه بالعيدان. والمعنى أن من غاظه ما وقعت قرعته عليه، لا أسكته الله. (إلَّ ابْلا انفع يندفَهْ): معنى ألفاظه ظاهرة. يضربونه عند مباعدة من لا خير فيه. (إلى إنْشكْرِتْ لكْ ابْلادْ رَتَّعْ ابْلادَكْ): انشكرت بمعنى شكرت، أي إذا وصفت لك بلاد غير بلادك بأنها مخصبة، فلا يزهدك ذلك في بلادك، فإنها أليق بك. (إلّ اذهَبْ بالخيرْ ما ذْهَبْ): هذا يوافق بيت الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس المعنى أن فعل الخير لا يضيع، فإما أن يكافأ عليه من ناله، وإلا فإن الله يجزي به خيرا، يضربونه في الحث على فعل الجميل. (إلّ اخُّوتُ في الغزّ ما يِبتطْ إفلِخْيامْ): أخوت بمعنى إخوته، والغز بمعنى الجيش الغازي، وما يبتط بمعنى ما يضرب، ولخيام جمع خيمة، ومعناه أن من علم أن له أنصاراً، ولو كانوا غائبين، يمنعه ذلك من ظلم الناس له. (الأُمْ مْامُونه لو كانتْ كابونهْ): الأم بتسكين الميم، بمعنى الأم. وكابونه (بكاف معقودة مفتوحة، وبعدها ألف وباء مضمومة بعدها، واو ونون) هي

أنثى الدببه ويقال لمذكرها كابُونْ، ومعناه أن الأم مأمونة على إبنها، ولو كانت شرّيرة في نفسها. (إلّ أحَنْ مِنْ لُمْ كَهَّانْ) أحن بمعنى أرْأف، والكهان عندهم، هو الذي يظهر وداً كاذبا. ومعناه أن من أظهر إنه أرق من أم الشخص عليه، فهو كاذب. (إلّ افْكرْشُ لِعْظام ما ايْرَادسْ): إرادس، أي يرافس برجليه، لأن المرافس له يردسه، أي يرفسه برجله على كرشه، فيقتله للعظم الموجود في كرشه. ومعناه: أن من فيه المعايب، لا ينبغي له أن يعيب الناس. (إلّ افلِكْدَحْ اتْرَاهُ ليْدْ): لكدح بمعنى القدح، الذي يؤكل فيه. واتراه بمعنى تعلم حقيقته. وليد بمعنى اليد. يضربونه عند المبالغة في ذكر ما ستعلم حقيقته. (إبَرَّكْ اسْبعْ في الغابهْ). إبرك اسبع، أي يقدر إنه بارك، والغابة الشجر الملتف. يضربونه لمن يقدر المخاوف في كل شيء، من غير دليل عليها. (إبْلْ انْيَرْزِيْكْ): إبلْ (بسكون الباء واللام) بمعنى إبل، وإنيرزيك (بهمزة مكسورة ونون ساكنة ومثناة تحتية مفتوحة وراء ساكنة وزاي مكسورة بعدها ياء ساكنة وكاف معقودة ساكنة) قبيلة، ليسوا كرماء، فيعطوا إبلهم، ولا أهل جبن، فيتركوها لمن أراد أخذها عنوة يضربونه في الشيء الذي لا مطمع لأحد فيه. (إلّ اخط النّص يبك يّطمَصْ): النص هو نص المسألة من المتن، واخط أي لم يصادف، ويطمص بمعنى لا يهتدي إلى صواب. يضربونه لمن يطلب الشيء من غير معرفة لمظانه. (إلّ ادَوَّرْ عَكْلُ ما ايْخيبْ لا ايْدَورْ ال ما يصيبْ): إل ادور، بمعنى من أراد، وعكل بمعنى عقله، ومعنى ما يخيب: أي لا يخيب قصده، ومعنى لا ايدورال ما ايصيب، أي لا يطلب ما يستحيل إعطاؤه له. ويوافق هذا قولهم:

إذا أردت أن تطاع، فسل ما يستطاع. منه قول المتنبي: إذا عظم المطلوب قل المساعد (إتْمابِ الذيبْ عن سَرحِتْ لِغْنمْ) إتماب الذيب: بمعنى تأبيه. وسرحت لغنم: بمعنى رعيها. يضربونه لمن يظهر التأبي عما هو راغب فيه. (إلبِلْ ماتواسِ العيْبْ الّ ايْوَاسيهْ صاحبها): البل بمعنى الإبل. وماتواس ما تفعل. ومعناه: أن الإبل لا تفعل عيبا، وإنما يفعله مالكها. وذلك إذا سأل أحد من أحد جملا يركبه. فقال له إنه لا يقدر على السير لهزاله. (إلى جَ لِعْياطْ مِنْ شوْرْ الكُدْىَ لِهْرُوب ايْنْ): لعياط بمعنى الصياح، وعبارة القاموس: والتعيط الجلبة والصياح، أو صياح الأشر. ومن شور: بمعنى من جهة. والكدى بمعنى الكدية بالهاء. ولهروب: الهرب، وأين: بمعنى إلى، أي جهة. يضربونه عند مجيء الخوف من الجهة التي يلجأ إليها. (إلّ حَدُّ حَدْ رَاصُ يُوغِدْ إلى يغلبُهْ): معناه: من لا يتجاوز نفع نفسه. يوغد: أي يذهب. وإلى يغلب: بمعنى إلى أن يغلبه. ورأص: بمعنى رأس. يضربونه لمن لا ينفع غير نفسه، بأنه سيعجز عنها. (إلّ سَبْككْ كَبْرَك وال عَكبكْ كَثْركْ): سيكك بمعنى بدأ بك. وكبرك: جعلك كبير القدر. وال عكبك بمعنى من أخرك. وكثرك: أعطاك أكثر مما قبلك، أي من ناولك الشرب أنت الأول، فقد عظمك. ومن أخرك فقد كثرك، لأن الأول لا ينبغي له أن يستوفي حصته، للمنزلة التي نالها، فيكثر نصيب الباقي. (إلّ اسْرَحْ لكْ دَوّرْلُهْ) اسرح لك: بمعنى رعى لك مواشيك. ودور له: بمعنى أطلب له ضالته. يضربونه في مقابلة الإحسان بالإحسان. والطراح التعاظم على من يرغب في مودة الشخص. (أدْبْ ارْصاصْ ما ايْوَلّ): أدب ارصاص: بمعنى رياضته. وما ايول

ما يرجع من ولى، أي رجع. يضربونه لمن قهر الشخص وغلبه في الحرب، فإن المغلوب لا يتجاسر عليه أبدا. (إلّ دايرْ لِمْهابَ يَشريها): إل داير، بمعنى من يريد. لمهاب: بمعنى مهابة الناس له، المعنى: أن من أراد أن تهابه الناس، يشتري المهابة منهم، بأن لا يفعل ما يكدرهم ليهابوه. (إدْخُلْ بيْنْ لَخوتْ يظايكُ اعلِيكْ): لخوت: بمعنى الإخوة. ويظايك: أي يتضافرون عليك. يضربونه لمن أراد أن ينصر أحد الأقارب على الآخر، فإنه أن انتصر لأحدهما وضايقه، يعنه عليه الذي آزره على أخيه، وهذا يقرب منه قولهم: لا يملك مولاً لمولى نصراً. (إلى رَيْتْ اجْمَلْ ينباع افلحمار فاعرف أن لحمارا خير مِنُّهُ). إلى: بمعنى إذا. وريت: لغة في رأيت. قال عمر بن أبي ربيعة: صاح هل ريت أو سمعت براع ... رد في الضرع ما قرى في الحِلاب إلا أنها في البيت مفتوحة، وفي المثل ساكنة. المعنى: إذا رأيت الشيء الثمين في الأصل، يباع بالشيء الساقط، فاعلم أن ذلك الخسيس، خير منه، لعلة جعلت صاحبه يبيعه فيه. (إشُوفْ الشيخ المتْكِ الماشاف افكراش الواكِفْ) أشُوفْ: بمعنى يرى. والشيخ (بكسر الشين) بمعنى الشيخ بفتحها، وهو الكبير. وآفكراش: بمعنى الشاب، وهي عامية محضة، والواكف: بمعنى الواقف. والمتك: بمعنى المتكئ. يضربونه في أن الشيخ يرى في حال ضجعته من حقائق الأمور، ما لا يراه الشاب القائم، لأنه أعقل منه. (إلِّ صابْ شَوّايْ ما تِنِحرَكْ أيْدُهْ). إلّ: بمعنى الذي، وصاب: لغة في أصابه. وشواي: فعال من شوى اللحم. وتنحرك: بمعنى تحرق. وأيد: بمعنى يده. المعنى أن من وجد من يباشر عنه الأمر المتعب، لا ينبغي له أن يتعب نفسه،

وهو قريب من قولهم: إذا رزقك الله مِغْرفةً، فلا تحرق يدك. (إلّ عظُّ لِحْنشْ يَخِلْعُ لِحْبلْ). إل: بمعنى الذي. وعظ: بمعنى عضه. ويخلع: بمعنى يفزعه. ولحبل: بمعنى الحبل. والمعنى أن من أصابه ما يؤلمه، يفزع بعده مما يشابهه، ولو كان لا يضر. (إلّ غلبْتُ الدُّنيَ إكولْ الآخرجاتْ): الدنى: بمعنى الدنيا. والآخر: بمعنى الآخرة. وجات: بمعنى جاءت. والمعنى أن من عجز عن تحصيل الدنيا، اعتذر بقرب مجيء الآخرة. (إل كال لك إكول فيكْ) هذا بمعنى قولهم: من قال لك قال فيك. (إلّ ما اينافق ما ايْوافقْ) معناه أن من لم يداهن الناس، لا توافق طباعه طباعهم. (إل ما يَعِرْفَكْ إيْخَصْرَكْ) معناه من لم يعرفك يخشرك. أي يعاملك بغير ما أنت له أهل. (إلّ ما شاف اسْمَ لا تنعتولُهْ): إل: بمعنى الذي كما تقدم. وما شاف: بمعنى ما رأى. واسْمَ: بمعنى السماء، مقابل الأرض. ومعنى لا تنعتوله في اصطلاحهم: لا تره إياه. يضربونه في أن من لم يعرف الواضح الذي لا يجهل، لا ينبغي أن يعلم به، لأنه لا يكون إلا متجاهلا أو غبيا. (إلّ مَرْ ليلُ مَرْ كَلْبُهْ): إل مر: بمعنى الذي الذهب. وليل: بمعنى شيئه وكلبه: بمعنى عقله. ومعناه أن من ذهب ماله، ذهب عقله أيضا، فلا يلام على تهمة البريء. (إلّ ما خَلَّ الطُلْبَ يجابْرُ عَلْ الفَايتاتْ). إل ما خل: بمعنى الذي لم يترك والطلب: تشمل قسم من قبائل شنقيط. ويقال لهم الزوايا. وعل: بمعنى التحدث مرة بعد أخرى والفايتات: بمعنى المسائل التي فاتت، يعنون ما فات من الوقائع، مرة بعد أخرى والفايتات: بمعنى المسائل التي فاتت، يعنون ما فات من الوقائع،

وهذا المثل صحيح، لأن الزوايا لا يزول ما وقع بينهم من العداوة، للتحدث به دائما، أما حسان: فإن الفتنة فيهم متى طفئت ينسونها. (الحَكْ مُرْ افْلوذِنْ): الحكْ: بمعنى الحق. ومر: ضد حلو. ولوذن: بمعنى الأذن. وهذا يوافق قول عمر رضي الله عنه: ما ترك قول الحق لعمر من صديق. (إلّ يِتْوَلَّ فُمْ اسْبعْ مُوْلَ التافُكّيتْ): يتولَّ: بمعنى يتولى. وفم: بضم الفاء لغة في مفتوحها. واسبع: بمعنى السبع. ومول: بضم الميم، بمعنى مولى بفتحها، وهو المالك. والتافكيت: بمعنى التبيعة من البقر. يضربونه في أن مالك الشيء أحق بالمخاطرة فيه بنفسه من غيره، ممن يعينه على خلاصه. (إلّ ما يحِمِدْ القليلْ ما يحمْدْ الكثيرْ) يحمد: بكسر الياء والميم، بمعنى يحمد بفتحهما، ومعناه ظاهر. يضربونه في الحث على الاعتراف بالجميل. (أكجارْ إدابلْحَسنيّ) أكجار (بالهمزة المفتوحة والكاف المعقودة المفتوحة أيضا والجيم المشددة وبعدها ألف وراء ساكنة) بمعنى الرفس بالرجل، وإدابلحسني: رجل من إدابلحسن، قبيلة من قبائل الزوايا، يزعمون أن رجلا منهم ضربه رجل من غيرهم، حتى ألقاه على الأرض، ثم رفسه برجله، فظفر به المضروب بعد ذلك، فقتله وانصرف عنه. ثم تذكر إنه لم يرفسه كما رفسه، فرجع إليه ورفسه برجله. يضربونه في الفعل الذي لا معنى له. (انْبطْ شَيْفُّ) يزعمون أن هذا اسم شخص ورد على منهل، وعنده فرس، فطلب منن أهله أن يسقوها فلم يجيبوه، فذهب وجلس ناحية، ثم أرسل بها رسولا. يضربونه فيمن طلب الشيء بنفسه، فوسط فيه من هو دونه. (آفَّيِّكْ تَندَغ) آفيك: تصغير آفوك، بالتصغير العامي. ومعناه التبيع من البقر. وتندغ: اسم قبيلة، يزعمون أن هذا التبيع نشأ مع غيره من جنسه فكبر،

وتخلف مع اصغر منه، فكبر أيضا وبقى هكذا. يضربونه فيمن يعاشر أصغر منه سنا. (الشّيْبْ ما يحمل العَيْبْ) معناه ظاهر، ويقرب منه قول القائل: نزه مشيبك عن شيء يُدَنّسهُ ... أن البياض قليل الحمل للدّنسِ (إلَّ فيهْ وحْدَه ما تُمْركُهْ) وحده: أي واحدة، والمراد بها الغريزة. وما تمركه: ما تخرج منه. معناه أن من فطر على سجية، لابد أن تعود إليه مرة. يضربونه إذا ظهرت مسألة متأصلة في طبع الشخص، بعد أن أظهر التخلي عنها. (أدْبْ ارْصاصْ ما ايْوَلّى) أدب: أي تأديب، والرصاص، معروف، وما ايولى. ما يرجع إلى الوراء. يضربونه عند استلام من تقدمت غلبته، لمن غلبه قبل. (إلى كذْبَكْ إيشِيررَدُّ لِخْبار) إيشير عندهم: بمعنى الصبي. ولخبار: بمعنى الخبر. والمعنى: إذا كذبك الصبي فيما تقول، فدعه يتكلم بما يعلم. فإنه سيصدقك وهذا قريب من قولهم: صدقني سن بكره. (إلّ ماه في الصُّراكْ ما تَخِلْعُ الكصاصهْ) الصراك: بمعنى السراق جمع سارق. وما تخلع: بمعنى ما تفزعه. والكصاصة: الذين يقتفون الأثر، مأخوذ من قص الأثر: أي اقتفاه. ومعناه: أن من يعلم من نفسه إنه غير سارق، لا يفجعه من ينقب عن السراق ويقتفي أثرهم. (إلّ اطرَحْ دَبُّوسْ تِنكْبظْ لُهُ): إلّ اطرح: بمعنى الذي. واطرح: بمعنى وضع. والدبوس: العصى. وتنكبظ له: بمعنى تقبض له ويضرب بها. المعنى أن من ألقى سلاحه، فإنه سيضربه الناس به. (الّ مِدَّرَّكْ بالأيام عَرْيان) أي الذي استتر بالأيام عَرْيان - بفتح العين - بمعنى عُرْيان، بضمها. معناه أن من استتر عن غريمه أو عدوّه بالأيام، فإنه سيعرى ويؤخذ.

(إمْنَيْن راحِتْ الكارّه اتْرُوحْ إجَّارَّه). إمنين: بمعنى إلى أي محل. والكارّة: الرفقة المجدة في سيرها. وإجارَّة: أي التي تمشي على مهل. يضربونه في أن ما يبلغ بالجد، يبلغ بالتؤدة، ويقرب منه قولهم: يبلغ الخضم بالقضم. (إلّ ما اصْبْر نَوْبَ ايْعُودْ الدَّهْرُ عليهِ نَوْباتْ) النوبة: بمعنى البرهة من الزمن. وهي على حذف مضاف، أي ضيق نوبة. ويعود بمعنى يصير. وتقدم أن عاد كصار معنى وعملا. ونوبات: جمع نوبة. معناه أن من لم يصبر ضيق نوبة، وجعل يتورط في إزالتها بما لا يقدر عليه، يصير الزمن كله ضيقا عليه. (إلّ ما يَحْلَبْ بَيْدُ ما يبياظ اخْدَيْدُو): يحلب: من حلب الدابة، وأيد: بمعنى يده. ويبياظ: بمعنى يَبْيَضُّ. واخديدو، تصغير خده، بالتصغير العامي. ومعناه: أن من لم يباشر أموره بنفسه لا يستريح، وقريب منه قول بعضهم: ما حَكَّ جلدَكَ مِثلُ ظفْرِكْ ... فتوَلَّ أنتَ جميعَ امْرَكْ (إلّ ما يَعرَفْ لِغْرَامَهْ اتْوَحْلُهْ) لغرامة عندهم: تقال للمكس المقرر، وهي عربية. واتْوَحْلهُ: أي توحله. يضربونه في أن من لم يتعوَّد الأمور الشاقة، يتعبه تعاطيها. (إِدِيرُ خَمْسهْ الّ ما يكِلْعُ عشْرَه) إديرُ: أي يجعلوا، واستغنى بالضمة عن الواو، وتقدم أن ذلك لغة، إلا أن المراد بالخمسة هنا، الأصابع اليمنى، ولا يصح مجيء الواو هنا، لأنها واقعة على ما لا يعقل. وإل: بمعنى الذي، وهو مفعول به لأدير ويكلع: ينزعوا، والضمير هنا لعشرة، أي عشرة أطباء، على حد أكلوني البراغيث. يضربونه في التحذير من كثرة الأكل، التي قد ينشأ عنها مرض يغلب الأطباء. (إِلّ عظك ما عظيْتُ كُول انّكْ ابلاسنّيْنْ) إِلّ: بمعنى الذي. وعظك: بمعنى عضك. وعظيت: أي ما عضضته. وكول: بمعنى: قل. وأنك: بمعنى

حرف الباء

إنك. وابلاسنين: أي لا أسنان لك. معناه أن من آذاك ولم تؤذه، فلا تدع أنك صفحت عنه، بل قل إنك عاجز عنه. (إلّ ما اسْمعْ لكْ ما تنفعُهْ) إلّ: بمعنى الذي وما اسمع لك، أي لم يسمع نصحك له، وتنفعه: من النفع، يضربه الشخص إذا حذر شخصا من أمره منتظر، ولم يسمع نصحه، ثم وقع فيما حذره منه. (إلّ وصَّاكْ اعْلَ امّكْ حَكْرَكْ) حكرك: بمعنى حقرك. يضربه الشخص إذا وصاه شخص عل الاعتناء بمن لا يسعه إهمال أمره. حرف الباء (باحت لُ أجّيفهْ). باحت بمعنى حلت. ولم نر ثلاثياً من هذه المادة، ويقال: أباح الله الشيء، أي أجازه. ولُ: بمعنى له. واجّفيه: بمعنى الجفية، أي الميتة. يضربونه في شدة الحاجة، وهو موافق لقولهم: تحل له الميتة. (باتْ كِدّه لا أتْباتْ تِكدَّهْ) بات: أمر بمعنى بت. وكده: أي قدة، وهي الجلد اليابس، والتكدة: هي الحوض الذي يهراق فيه ماء البئر. معناه التحذير من الشرب ليلا. (بَدلْ أعور) هذا مثل قديم، تركوه على حاله، وقد قاله أهل خراسان، لما عزل عنهم يزيد بن المهلب، وكان كريماً سمحاً، وولى عليهم قتيبة بن مسلم الناهلي، وكان شحيحاً أعور. (بَزُّولكْ أيخبرك أبزُّولْ صاحبكْ) البزول: بمعنى خلف الدابة. وأيخبرك: يخبرك أي حالك الذي أنت عليه من النعيم، أو غيره يخبرك عن حال صاحبك. (بعضُ الشرّ أهونُ من بعض) هذا مثل قديم، لم يتغير عندهم. (إبْغيهِ ينكرهْ لكْ) إبغيه: أي أحبه، والضمير للشيء المطلوب، وينكره: أي يكره لك. يضربونه في أن شدة الحرص موجبة للحرمان.

(بِكْرِتْ امنيكيرْ) بكرت: بمعنى بقرة. وأمنيكير: اسم منهل لبني ديمان، كما تقدم، يزعمون أن بقرة سقطت في جب بهذا المنهل، فنزعت من منهل آخر بينهما مسافة. يضربونه في وجود الشيء في غير مظانه. (أبلدْ مانكْ لاهِ أتْناسِبْ فيه جُرْ أكساتكْ) ابلد: بمعنى بلد، ومانكْ لاه أتناسبْ فيه: أي لا تريد أن تصاهر فيه. وجر: اسحب. واكاستك: أي كساءك. معناه إذا كنت في أرض لا يعرفك أهلها، ولا تريد أن تقيم بينهم فلا تبال بما فعلت، ويقرب من هذا قول الشاعر: إذا كنت في قوم عدَى لست منهم ... فكل ما علفت من خبيث وطيب وقول يزيد بن المهلب لابنه أحسن هذا، وكان يزيد نزل عند امرأة، فذبحت له شاة ليس عندها غيرها، فأعطاها من المال، فلامه ابنه على ذلك، وقال له إنها لا تعرفك، ويرضيها أقل من هذا. فقال له: أن كانت لا تعرفني. فأنا أعرف نفسي. وإن كان القليل يرضيها، فأنا لا يرضيني إلا الكثير: (بنْ عَمْكْ إلى أجْن لا يسِبْككْ ألْ راصْ الكُدْيهْ) بن عمك: ابن عمك وإلى أجنْ: أي إذا جنا، ولا يسبكك: لا يسبقك. وال: بمعنى إلى. وراص: بمعنى رأسْ. والكدية: معروفة. معناه أن من تؤخذ في جريرته، ينبغي لك أن تتوقى، كما يتوقى، لأنكما سواء عند أهل الطلب. (بُصَوْمْ منْ الكوْمْ ولَّ ما أعليهْ اللوْمْ) بصوم: أي الذي بلغ سن الصوم. ومن الكوم: أي من القوم. يعنون إنه يفعل الجال. ولَّ. بمعنى وإلا. وما أعليه اللوم: أي لا لوم عليه. لأنه ساقط الهمة. (بَوَّاهْ لِغرِيْك) البواه عندهم: بمعنى المستخبر. ولغريك: أصله الغريق. ومعناه عندهم، الموضع العميق من البحر. يضربون هذا في تقحم الأخطار، من غير تبصر.

حرف التاء

(بَيَّاعْ الصُّحْب بالدَّمْ) بياع: وصف مبالغة من باع. والصحبة: بمعنى الصداقة. والأكثر أن لا ينطقوا بالهاء. والدم: بمعنى القرابة. يضربونه فيمن يقدم الصحبة على قرابة النسب. حرف التاء (أتعاييبْ لحْميرْ بادْبرْ) اتعاييب: بمعنى المشاتمة ولحمير: بمعنى الحمير. وادبر: جمع دبرة. وهي قرحة الدابة. وهذا الجمع غير صحيح. والصحيح دبر بالتحريك. أو أدبار على أفعال. يضربونه في سب الشخص لآخر بما فيه مثله. (تفوزُ رجالٌ بموتِ آخرينَ) تفوز: أي تعلو وتشتهر. وأصله للظفر. وهذا المعنى قديم. وفيه يقول زمعة بن الأسود، يرثي من قتل من المشركين ببدر: ألا قد ساد بعدهمُ رجالٌ ... ولولا يوم بدرٍ لم يسودُوا يضربونه عند تقدم الشخص بعد موت من كان أعلا منه. (إتْمابِ الذيبْ عنْ سرْحِتْ لِغْنمْ) إتماب: بمعنى تأبى. وعن سرحت: أي عن رعي الغنم. يضربونه عند نفور الشخص ظاهراً. مما تعلم رغبته فيه باطناً. حرف الثاء (أثقل من غَصَّهْ بين إيكاون) أثقل: أفعل تفضيل من الثقل. والغصة: بالفتح. كما يقولون، وهي مضمومة عند العرب: ما يعترض في الحق وإيكاون: جنس من الناس في شنكيط. قليل عديدهم متفرقون، وإقامتهم بين حسان، وحرفتهم يمدحونهم: ويذمونهم. ولهم طبول وأوتار يغنون بها في أنديتهم. ويجتمع أحدهم وابنه وامرأته وبنته في المحفل من حسان، يتراوحون على الغناء. ويقترح بعضهم على بعض، ولم نفردهم بالذكر، لقلة عددهم وعدم أهميتهم.

حرف الجيم

حرف الجيم (جَ إدَوْرْ الزّايدْ انكطْعُ ازْوَايدْ) ج: بمعنى جاء، والزايد: بمعنى الزيادة وانكطعوا: بمعنى انقطعوا، والوا في مثل هذا لا تطرد، والزوايد: واحدها ازويدة، وهي الزنمة، التي تكون تحت فك الشاة، وهذا مأخوذ من قول العرب في الحمار: جاء يطلب قرنا، فجدعت اذنه. يضربونه فيمن طلب الزيادة، فآل إلى النقصان. (ج ايْطبُّ اكلَعْ عَينُ) ج: بمعنى جاء. وايطب: يداويه. واكلع: بمعنى قلع، أي نزع عينه. يضرب فيمن تصدى لنفع الشخص فضربه. (أجْوَعْ مِنْ آبْيلْياتْ) أجوع: أفعل تفضيل من الجوع. وآبيليات: أناس بأعيانهم، يزعمون أنهم من شدة جوعهم، يشوون الماء. ويرادفه من أمثال العرب: (بات فلان يشوى القراح). حرف الحاء (حزْبٌ قليلٌ علمٌ كثيرٌ) معناه: أن المداومة على العمل القليل، تفضي إلى نيل المراد، فمن كان يقرأ كل يوم أسطراً من كتاب مثلا، فإنه سينهيه كله. (حُفْرِتْ الاعَمَ) الحفرة: معروفة. والأعم: أصله الأعمى. يضربونه فيمن لا يضع أموره في مواضعها، كما أن الأعمى يحفر حفرة، ويتفل في غيرها، ويواري غير بصاقة، وقريب منه قول الشاعر: أقول له زيداً فيسمع خالداً ... ويكتبه عمراً ويقرأه بكراً (حَفْلِتْ التبْرِنْكيتْ) الحفلة: اجتماع اللبن في الضرع. والتبرنكيت: (بكسر المثناة الفوقية وكسر الموحدة، وتشديد الراء مكسورة وسكون النون، وكسر الكاف المعقودة وتسكين المثناتين التحتية والفوقية) بمعنى قليلة اللبن.

وحفلتها: قليلة الجدوى، ومتى حفلت تكثر القلق والصياح. يضربونه فيمن يتيه بالحصول على القليل. (حَمْلْ اجماعً ريشْ) الحمل: ما يحمل واجماع: بمعنى الجماعة. وريش: بمعنى خفيف، لأن الريش يكون كذلك. يضربونه في تهوين الأمور المتعاون عليها. (أحْزَمْ منْ عَرْ) أحزم: أفعل تفضيل من الحزم. وعر (بفتح العين المهملة وسكون الراء) خنزير البر، ويسمونه أيضا حمار الغابة. يزعمون إنه إذا أراد أن يدخل جحره، يدخل قفاه أولا، ويبقى رأسه لئلا يدرك قفاه. يضربونه في شدة الحزم. (حَزْمْ اهل اتريريزِي) الحزم هنا، خارج عن معناه الأصلي. يقولون: فلان يريد حزم فلان أي غيظه. وأهل اتريريزي: أهل خيمة، ذبح جار لهم جزورا أو شاة، فلم يعطهم شيئا، فذبحوا عجلة لهم، وكانت لهم بقرات ظئرن عليها، فذبحوها ليغيطوهم، فذهب لبن بقراتهم. يضربونه لمن أراد أن يغيظ غيره، بما يضره هو من نفسه. (احْشِيشِتْ الكناني) الحشيشة: واحدة الحشيش، وهو نبات معروف. والكناني: واحد من قبيلة تاكنانت، وتقدم ذكرها. يزعمون أن الكناني المشار إليه، وجد أناسا يطوون بئرا، فأتاهم بحشيشة ليعينهم على شغلهم، فلما صلحت بئرهم، صار يرد عليهم ببقره، فيقول لهم: إما أن تقدموني في السقي، وإلا نزعت حشيشتي، يهددهم بذلك، لأنه إذا نزعها انهارت البئر. يضرب فيمن يحسن، لينال من إحسانه مأرباً أكثر منه. (حَطّابْ الدَّشْرَهْ) الحطاب: الذي يحمل الحطب، والدشره: بمعنى القرية عندهم، يزعمون أن حطاباً خرج من قرية، فجمع حزمة حطب، فأراد أن يحملها فغلبته، فجعل فوقها أخرى، يضربونه لمن عجز عن شيء فأردفه بآخر.

حرف الخاء

(حَلاّبْ ناكْته في الظايهْ) حلاب: فعال من الحلب. وناكته: بمعنى ناقته. وفي الظايه: بمعنى في الأضاة. يضربونه فيمن لا يحمد إحسانه، كما أن من حلب ناقته في إضاءة، يذهب لبنه بغير فائدة. (حَسّانْ يَدُخْلُ بالشّوْرْ ايمُرّكُ حَتّه) حسان: جنس من الناس تقدم بيانهم، ويدخل، أصله: يدخلون. بالشور: أي برفق. ويمرك حته: أي يخرجون بشدة. ومن عادة حسان، أنهم إذا أرادوا معاملة الزوايا، أن يلينوا لهم الكلام، حتى تحكم العقود، فإذا حان وقت التقاضي، يعاملونهم بكل صعوبة. يضربونه لكل من يتساهل أولا، ثم يشدد أخيراً. (حَنْش الكايْلهْ) الحنش بالتسكين: بمعنى الحنش محركة. والكايلة: بمعنى القائلة: يزعمون إنه إما أن يُقتل أو يَقْتُل. يضربونه للشرير. حرف الخاء (خُظْ الْمَ ايجيكْ الطينْ) خظ: أصله خض. وألم: أصله الماء، وايجيك: أصله يجيئك، والطين معروف. يضربونه فيمن أن حادثته بما لا يشتهي تثير كدره. (خَيْرْهُمْ الْ تأكلْ البِلْ أعَلى رَوْظتُهْ) خيرهم: أصله أخيرهم، وحذف همز أخير وأشر، كثير في كلام العرب، والضمير في هم لحسان. يقال: أن ديلول، وهو أحد اللحمة، وكانت حسان تكثر من ظلمه، فلا يزال يختفي عنهم في القفار، سأله شخص عن حسان، فضرب المثل. وروظته. بمعنى روضته، أي قبره. يعني أن أفضلهم من تكون الإبل راتعة على قبره، آمنة من نحره لها، وركوبه إياها. (خيره اذكر) يقولون فلان خيره ذكر، إذا كان يحسن ولا يشكر إحسانه. (خيلْ ما اتْرُدْ خيلْ ماهِ احرارْ) معناه: أن الخيل التي لا ترد الخيل، التي سارت قبلها غير عتاق. يضربونه لمن لا يفوق إحسانه، إحسان من بدأه به قبل.

حرف الدال

(أخْلَ مِنْ تِنيكي) تنيكي: مدينة من مدن شنقيط. تقدم سبب خلاها من أهلها. (خبرْ إدَ الفغ) إد الفغ: بعضهم يكتبها باللام، وبعضهم يكتبها هكذا: إدكففه: وهم قبيلة من قبائل الزوايا، والناس يرمونهم بالكذب، حتى قال بعضهم: وإن أتاك ألفغيُّ بخبر ... فشاع في ذا الباب إسقاط الخبر يضربونه في كل خبر سمعوه، وتوهموا عدم صحته. حرف الدال (دَخْلوني انْكسْمْ الكُمْ) يزعمون أن شخصا، مرَّ على قوم يتنازعون في شيء شركة بينهم، فخاطبهم به، يضربونه فيمن يدخل نفسه في الأمور، من غير أن يدعى لها. (دِرْهَمْ في الكف أُلاميَّ في اتْلَفْ) الكف: اليد. وقوله أُلا: أصله ولا، والهمزة والواو يتعاقبان. ومي: أصله مائة. واتلف: بمعنى التلف. معناه أن الحاضر القليل، خير من الكثير الذي لا يوثق بالحصول عليه. (الدِّنيَ اسْلوفاتْ) الدنى: بكسر الدال بمعنى الدُّنيا بضمها. واسلوفات: جمع سلف بالتحريك، وهو مصدر، فقياسه أن لا يجمع، فإذا جمع فلا يجمع هكذا، لكن الأمثال لا تغير. والمعنى أن الدنيا قروض، لأن صاحبها يفتقر مرة ويستغني أخرى. (الدّنيا ما تِنْحاشْ) ما تنحاش، أي ما تنال. معناه أن الإنسان إذا صرف وجهته لجمع الدنيا، ينبغي له أن لا يفكر في نيلها بغتة. (الدهر يولد ابلا اظْرَعْ) أظرع: أي ضرع. معناه أن حوادث الدهر تطرق من غير مقدمات تدل عليها، بخلاف الدابة مثلا، فإن ولادتها تتقدمها علامة بكبر ضرعها ونحوه. يضربونه في طروق الحادثات بغتة.

حرف الذال

(الدوام ولو قل) موافق معناه في: لحزب قليل علم كثير. (الدين ما ايخلّصْ الدّيْنْ) معناه: أن من كانت عليه الديون للناس، فإنه لا يفكر في أن ديونه على الناس تنفعه فيها. (دِيْر الدَّينْ اعْلَ الدَّينْ ايغَرْك ولَّ ايْمَرْكهْ) دير: اجعل. والدين: ما يكون للشخص على الآخر. وايغرك: أي يغرقه. وايمرك: أن يظهره. معناه ظاهر. (ادْوَ الكثرة الموت) أدوا: بمعنى دواء. أول من قال هذا المثل: امرأة من إدوعل اسمها ورجاوه. وكان لها ولد واحد من أعيان قومه، اسمه حرم بن محم. فقتله أولاد اعمر أكداش، في وقعة لغبيبيري. فأرسل لها أحد أبناء اعمر أكداش اسمه همر فال، يقول تنخى بنفسك عن أهل الحرب، فقد كانت لك عروة واحدة فقطعت. وكان للرجل المذكور سبعة فتيان، فقتلهم إدوعل بعد ذلك. فقالت المثل المذكور. (دَوْرْ لكبيرهْ باشْ اتصيب اسغيره) دور: بمعنى أطلب. ولكبيره: صفة لمحذوف. أي المسألة الكبيرة. باش: بمعنى لأجل. واسغبره: بمعنى الصغيرة، صفة لمحذوف أيضا. يضربونه فيمن يشتط في تعظيم الشيء المطلوب له، ليحصل على أقل منه. حرف الذال (الذيبْ الّ يسْبِك لِغْنمْ اللْمراحْ) الذئب معروف. ويسبك: بمعنى يسبق. واللمراح: بمعنى للمراح وهو الموضع الذي تروح فيه وميمه مضمومة. يضربونه في طلب الشيء قبل إبانه. (ذِرْوتْ الحاشِ وجَوْدِتْ الّ ابلاشِ) الذروة بالكسر والضم: السنام. والحاشي: الصغير من الإبل. والجودة: مصدر جاد. والّ: بمعنى الذي. وابلاش: أي بلا شيء. معناه أن سمن الصغير من الإبل، لا فائدة فيه. وجودة الفقير، لا فائدة فيها أيضا.

حرف الراء

حرف الراء (ارْجال شغلهم ولا توَكّلْهمْ) ارجال: بمعنى الرجال. وشغلهم: مرهم أن يشتغلوا لك. ولا توكلهم: أي لا تؤكلهم الطعام. ومعنى المثل: أن الرجال ينفعونك إذا عملوا لك، لكنك أن بلغت مجهودهم في الأكل يضرونك. (ارْظع إلا ارْوَهْ) ارظع. بمعنى ارضع. إلا اروه: أي ولم يرو. يضربونه فيمن أتعب نفسه فيما لا يجمل من الأمور، ولم يحصل على فائدة. (ارْكوب اعْلى الخنافيسْ ولا المشي على الطنافيس) الخنافيس جمع: خنفساء وهي دويبة معروفة. والطنافيس: جمع طنفسة. مثلثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس، وهي البساط. وجمعها في الأصل عار من الياء. ولو كان هذا المثل من كلام من يحتج به لعللناه. حرف الزاي (إزينهالكْ الّ ما ينفعك فيها) إزينهالك: أي يحسنها. والضمير للقصة. والّ: بمعنى الذي. يضربونه لمن يحسن للإنسان المسألة، التي ترجع عليه بالضرر ولا ينفعه فيها. (زَهْوُ الدُّنيَ اشْكاها) الزهور: بمعنى الحسن. والدني: بمعنى الدنيا. واشْكاها: بمعنى تعبها. يوافق هذا المعنى قول الشاعر: لا تجتنى راحة إلا على تعب ... ولا ينال العلى إلا على الهون فصاحب العقل في الدنيا أخو كدر ... وإنما الصفو منها للمجانين (زينْ احْباليتْ الدَّارْ) زين: بمعنى حسن. واحباليت: أصله حبالية الدار. وهي بقلة لها فروع تمتد على الأرض، تأكلها الإبل. والدار: الدمنة. ويوافق هذا المثل: خضراء الدمن، وهي المرأة الحسناء في منبت السوء. فإن الحديث نهى عنها لقلة فائدتها. فكذلك هذه البقلة: أن كانت في دمنة الدار، فلا ترضى الإبل بأكلها. يضربونه للمنظر الحسن، الذي لا فائدة فيه.

حرف السين

حرف السين (سابك مِنْ يجر وحْدُ) سابك: بمعنى سابق ومن: بكسر الميم بلفظ الجارة، أوقعوها موقع من يفتحها، بمعنى الذي، ويجر (بكسر المثناة التحتية) أصلحا يجري بفتحها، وبالياء الواقعة لاما للفعل. ووحد: بضم الدال: أصله وحده بفتحها. وهذا المثل يوافق قول العرب: كل مجر في خلاء يُسَرْ. ومعناه معروف. (ساداب الكارِحْ ذارحْ) ساداب: بمعنى مؤدب. والكارح: بمعنى القارح وذارح: بمعنى تعب. وهذا يوافق قولهم: من العناء رياضة الهرم وقال الجميح: ولو تشاء لقالت وهي صادقة ... أن الرياضة لا تنصبك للشيب (السّالم اسمين يَوْكلْ أرْبيْع دايرْ) السالم: بمعنى الذي سلم. واسمين: بمعنى سمين. واربيع، تصغير ربع: بالتصغير العامي. وهو مكيل صغير، لا يبلغ قوت الشخص. وداير: بمعنى العام المقبل. يضربونه في حسب السلامة مع الرضى بالقليل. (اسْمَعْ إكلام امبكيينك لا تسمع إكلام امظحْكينك) إكلام: بمعنى كلام. وامبكيينك: بمعنى من يقولون لك في نصحك ما يبكيك. وامظحكينك: بمعنى من يقولون لك ما يضحكك. وهذا المثل يوافق قولهم (امْر مُبكياتك لا امر مضحكاتك) كانت فتاة من العرب، تأتي خالاتها فيضحكنها وعماتها فيؤدبنها فقالت لأبيها: أن خالاتها يضحكنها، وعماتها يبكينها فقال ذلك لها. (إصَهْرَكْ هَمُّ الّ اصهْرُ اعْنادَكْ) إصهرك: بمعنى يسهرك. وهَمُّ: بمعنى مصلحته واعنادك: أي عنادك: يضربونه فيمن يتعب في مصالح الشخص يريد له الخير، والآخر يتعب في مكايدته. ويوافق هذا قول عمرو بن معدي كرب: أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرَك من خليلك من مرادِ وكان سيدنا علي رضي الله عنه، ينشد هذا البيت، إذا رأى ابن ملجم. لعنه الله. (أسلعْ من البارْودي) أسلع: بمعنى أشره. والبارودي: قيّن مشهور بالشره.

حرف الشين

يقال إنه بات عند شخص، فأنامه في مكان فانتبه، فوجد بجنبه جلدا مدبوغا، فجعل يقطع الجلد بموساه ويأكله، يظنه لحما، ويلقم ما عليه من الدباغ، يظنه ثريدا، فأتاه احب المنزل، بشيء من العصيدة ليأكله. فقال له: شبعت من اللحم والثريد. فنظر الرجل فوجده أتى على الجلد ودباغه. وله حكايات من هذا النوع عجيبة. يضربونه في وصف الشخص بالشره. حرف الشين (الشباب شعبة من الجنون) الشباب: الفتاء، والشعبة: بالضم الطائفة. يوافقه قول أبي العتاهية: إن الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للمرء أي مفسده (اشرُبْ ذاولَّ نرشْمَكْ) اشرب بضم الراء، كما ينطقون وإلا فهو مفتوح لأن الماضي مكسورها، والمضارع مفتوحها، والّ: بمعنى وإلا، ونرشمك: أكويك بالميسم المحمى في النار، سمى بذلك لأنه يترك أثرا في الجلد. يضربون هذا في الطلب بلا مهلة. (اشْرِ يوم اتبيعْ) اشر: بمعنى اشتر، يوم اتبيع: أي لا تشتر شيئا، إلا إذا أردت بيعه، أشترى منك، وقد أورد بعض أهل شنقيط، هذا المثل موردا ظريفا، وذلك أن اللصوص من حسان، قد يتمكنون من عدوّهم، فيوقفونه على الزوايا ليشتروه منهم ويخلوا سبيله، فإن لم يفعلوا ذلك، يعادهم أهل الأسير، فانفق أن أحد اللصوص أخذ بعض أعدائه، وكان ذلك الأسير شريرا، فعرضه للبيع، فقال بعضهم المثل، وهذا مأخوذ من قول العرب: إذا اشتريت فاذكر السوق. (الشرْجَرْ) الشر: بمعنى الحرب، والجر: أصله السحب، والمراد به المكايدة، يضربونه في الحض على المطاولة وقت المناواة. (اشروط الشدّة يلتكطو في ارْخَ) الشروط: معناها هنا العدة، والشدة:

ضد الرخاء، ويلتكطوا: بمعنى يُلْقَطْن، وفي ارْخَ: بمعنى في الرخاء: يضربونه في الجث على الاستعداد للطوارئ. (شاته اتموتْ في ارْباطْ) الشاة معروفة، والضمير للمحدّث عنه، وارْباط: بمعنى الربط، مصدر ربطه: أي شده، وقد يطلقونه على الحبل الذي يربطون به، ويصح تفسيره بهما هنا. يضربونه في المبالغة في وصف الشخص بالبطء في أموره. (اشهابْ ما يُولدْ الّ اجْمرْ) اشهاب: بمعنى الشهاب. وما يولد: بمعنى لا يلد. الّ اجمر: بمعنى إلا الجمر. يضربونه في أن الأب الشرير، لا يلد إلا من هو أشر منه. (الشوْفْ ما يملَ الجوْفْ) الشوف: بمعنى النظر. وما يمل: بمعنى لا يملأ، والجوف معروف، يضربونه، في أن نظر الإنسان إلى ما لا يقدر عليه لا فائدة فيه. (الشوْك من سُغْرِتْهَ امحدَّهْ) الشوك: بمعنى الشوكة، ومن سغرته: أي من صغرها، وامحده: أي ذا حدة. يضربونه في أن علامات المهارة في الشيء، تبدو على الإنسان من أول مرة. (شٍيعِتْ أغاجّيتْ) شيعت: بمعنى الصيت، وأغاجيت: اسم عبد، يقال إنه فكر في شيء يشتهر به. فحرق أرضا ذات عشب ومرعى. يضربونه في طلب الشهرة، بالأمور الرديئة. (شَينْ السعْدْ اُشينْ الميمونْ) السعد: بمعنى الحظ، الميمون: اسم شخص تقدمت قصته في شرببه. وقد يقولون: أشيان سعد فلان أو فلانة، إذا تزوج المتزوج منهما بغير كفئ، يضربونه فيمن ساء بخته. (شوكتْ جملْ التندغى) الشوكة: معروفة، والتندغى: رجل من تندغ، قبيلة من قبائل الزوايا، يزعمون أن رجلا منهم كان راكباً على جمل له، فأصابت الجمل شوكة في رجله فضرب الأرض برجله بقوَّة، فغاصت الشوكة في لحمه

حرف الصاد

أكثر من أول. يضربونه فيمن وقع في ورطة، فرام أن يتخلص منها بما يزيدها تمكنا منه. (إشْرِيفْ إديبسات) قبيلة من قبائل الزوايا، يزعمون أن أحدهم ادعى الشرف، مع أن أباه وأمه لم يدعيا ذلك. يضربونه فيمن ابتكر شيئا ليست أسلافه عليه. حرف الصاد (الصّبّارْ يُصبُرْ عنْ اسمُهْ) الصبار: مبالغة صبر، ويصبر. مضارعه، واسم الشخص معروف. معناه أن الإنسان، قد يسمع من ينادي باسمه فيجيبه. ومقصود الداعي غيره. يضربونه في استحباب التأني والاستبصار. (صاحبُ الحاجة أعمى) معناه أن من له حاجة، لا يبصر أعذار من يسألها منه. يضربونه عند ذلك: (صُرْبُتْ تيزكه) الصربة: يقال عندهم للوفد الذي يذهب ليصالح بين الطائفتين، أو ليطلب من المغيرين أو الظالمين، إرجاع ما أخذوه، وأصل هذا المثل كما تقدم، في ترجمة ابن أحمد دام، أن تيزكه: وهم قبيلة من لحمة آدرار، وكانوا يعطون مُدًّاً من التمر وقت جذاذه، لأحد رؤساء حسان، فذهب وفدهم يرجو منه إسقاط ذلك المد، فحولّه عكة. يضربون هذا فيمن خرج يدفع خطبا صغيرا، فجر على قومه أثقل منه. (صَفّيها تَصفا لكْ خوَّظْهَ تِنسكالكْ) أي اجعلها صافية، والضمير للشربة وخوْطه، بمعنى خضها، وتنسكالك: أي تسقي لك. يضربونه في أن الإنسان يجازي بمثل سعيه، أن خيراً فخير، وإن شرا فشر. (صكُّوطي ما يحملْ آخرْ) الصكوطي عندهم بمعنى الطفيلي، وما يحمل: لا يتحمل آخر. يضربونه في أن من له حاجة عند شخص، لا يحب أن يشاركه أحد في مثلها عنده.

حرف العين المهملة

حرف العين المهملة (عادْ احْمُورَهْ) الضمير في عاد، بحسب من يحدث عنه. وعاد: بمعنى صار. كما تقدم؛ واحموره: اسم بهيمة. يقال: انها كانت لا تشرب اللبن، فصارت تكرع في الرماد من شغفها به، يضربونه فيمن لهج بالشيء، بعد أن لم يكن ممن يتعاطاه. (العافيَ ما تِنْعملْ عادَهْ) العافي: بمعنى العافية، وما تنعمل: ما تجعل، والعادة معروفة. يضربونه في عدم الاغترار بالعافية. (عبدْ ماهُ عبدك حُرْ كيفكْ) كيفك: بمعنى مثلك. معناه. أن الإنسان لا ينبغي له أن يتعاظم على خول غيره، لأنهم لا يحترمونه كما يحترمون سيدهم. (عَلْمُ العَوْمْ عادْ ايغمسُ) العوم: السباحة، وعاد: بمعنى صار وايغمس: أي يغمسه في الملء. وهذا يوافق قول الشاعر: أعلمه الرماية كلَّ يومٍ ... فلما اشتدّ ساعِدَه رماني وكم علمته نظمَ القوافي ... فلما قال قافية هجاني (عِزِّتْ ش اتخصَّرْشِ) عزتْ: بمعنى محبة. وش: بمعنى شيء، واتخصر: تفسد، معناه أن الحؤص سبب الحرمان. (عَصرْ أهلْ عَتّامْ) العصر هنا الصلاة المعروفة، وأهل عتام: بطن من بني دامان، قبيلة من الترارزة يقال: أنهم تذكروا عصر يوم اقتتلوا فيه مع عدو لهم بعد سنة. يضربونه فيما تأخر بزيادة. (عظمكْ مِنْ شاتك فوْكْ دَبْشكْ) العظم معروف، وفوركْ: بمعنى فوق والدبش: أثاث البيت. معناه أن من ذبح شاة فأعطى جيرانه منها عظماً. فإنهم يردون إليه مثله أن ذبحوا. يضربونه في أن الإنسان يجازي بما يعامل به الناس، وهو موافق لقولهم: أن الأيادي قروض.

(إعْمودْ تورجه) العمود معروف، وتورجه: هو العشر بعينه، أي شجر يوجد في شنقيط، وفي الحجاز، وإذا رأى شخص عمود، يظن إنه له قوة، فإذا ضرب به شيئا انكسر. يضربونه فيمن يرهب منظره، ويحتقر إذا امتحن. (عَيْبّ الدَّارْ اعلَ مْنْ ابْكَ فيها) الدَّار: المنزل، واعل: بمعنى على، ومن: بمعنى الذي، وابك: بمعنى بقى. ومعناه أن اللوم إنما يكون فيمن أخلف الشخص في موضعه، فقصر عن أفعاله، مثل أن يخلف رئيساً. فيقصر عن مداه. يقال: أن محمد فال بن عمير التروزي، لما قتله إبراهيم والد ابن اعمر ابن المختار، وإبراهيم والد هذا، أخو محمد لحبيب أمير الترارزه، قال قبل خروج روحه لشخص: (سلم على أخي فلان، وقل له: عيب الدار اعل من ابك فيها) فلما بلغه ذلك، قال له: قل ذلك لأخي هدّى، أما أنا فلست باقياً، وسأموت في أول وقعة بيننا وبين قاتليه، فكان الأمر كما قال: (إعْمارتْ الفيلْ ما تِنِخْبطْ افْكُرْفافْ) العمارة عندهم: تقال لما يجعل في البندقية من البارود والرصاص، والفيل: معروف، وما تنخبط: أي ما يضرب بها، وافكرفاف: أي فيه وكرفاف: بمعنى الدب في لغة أهل تكانت والحوض، وأهل القبلة يسمونه كابون وشرتات. وكنت يوما في مجلس ابن الحامد، رئيس كنته بمدينة شنقيط، فأسر إليه شخص، أن رجالا منهم تضاربوا مع آخرين من إديشل، فمات من إديشل قتيل أو قتيلان، فقال المثل المذكور، يعني انهم، أي كنته. لا يعملون قوتهم التي يحاربون بها إدوعيش في إديشل، شبه إدوعيش بالفيل لقوتهم، وإديشل بكرفاف لتفاهتهم، ولا أدري أكان هذا المثل قديما، فتمثل به، أم ضربه في ذلك الوقت. (أعْبَرْ مِنْ ولدْ العَيْدُود) أعبر: يعني أقوى في المصارعة، وابن العيدود: اسمه محمد، وهو من بني دامان. يضرب المثل بشدته وقوته.

حرف الفاء

(اعْقلْ من ديلولْ) ديلول: أحد اللحمة، معروف بصدق الفراسة. (حرف الغين المعجمة) (إغْزالْ اجّدْبْ) الغزال: نوع من الظباء معروف، واجّدب: بمعنى الجدب، يضربونه فيمن يفضل بؤس بلده، على نعيم أرض غير أرضه. (أغلظ من الكَفْيه) بمعنى أشد أنفة، والكفيه: رجل من أولاد امبارك، وتقدم خبره. يضربونه في شدة الأنفة، وهذه الكلمة عربية. إلا أنهم استعملوها في غير معناها الأصلي. حرف الفاء (أفْقَرْ مِنْ بُيَوْمَينْ) أفقر: أفعل تفضيل من الفقر. وبيومين: أي أبى يومين، وهو من لم يمض على ولادته أكثر منهما. يضربونه في شدة الفقر. (فحلينْ ما ينْهدُّ افدَوْلهْ) فحلين تثنية فحل، ومعناه الرفع على الابتداء، إلا أنهم أوردوه منصوبا، وما ينهد: أي لا يتخذان للفحالة. والدولة: بمعنى الإبل الكثيرة، يضربونه في إنه لا يصح وجود رئيسين في وقت واحد. (فرحِتْ لكْرادْ) فرحت: بمعنى فعلة من الفرح، وهو السرور. ولكراد: القراد، وهو معروف. وهذا مما شاهدناه، فإن الإنسان في الصحراء، ربما قصد ظلا يستريح، فيجيئه القراد يجري، فيعضه. يضربونه فيمن يفرح بالشخص ليضره. (فرْوْ ادْليميهْ) الفرو: معروف. وادليميه: إحدى نساء بني دليم، قبيلة من حسان يقال أن لها أولاداً كانوا إذا بكوا من شدة البرد، تهددهم، بأنهم إذا لم يسكتوا تلبسهم فرواً عندها مخرقاً، يزيدهم برداً. يضربونه فيما يكون ضره أكثر من نفعه. (فهم أولاد ابييري) أولاد ابييري: قبيلة من قبائل الزوايا في شنقيط، ترميهم

حرف الكاف

الناس بسقم الفهم، وينسبون لهم حكايات عجيبة. فمنها أن رجلا من غيرهم، حكى إنه مرّ على أناس منهم، يدفنون ميتاً، فحضر لينال الثواب، فلما وضعوه في القبر، صبوا عليه شكوة من اللبن. فقال لهم الغريب: ما هذا؟ فقال له عالمهم في رسالة ابن أبي زيد: ويصب عليه اللبن. الأصل: ينصب عليه اللبن، بكسر الباء، فحرف هذا. فقال الغريب: تكفيه الشكوة الواحدة. ومن ذلك أيضا: أن أحدهم ولدت له ناقة قبل أوان ولادتها، فجاءت بجوار ميت، فسأل عن إباحة أكله، فأجابه أحدهم فورا: أعليه زغب أم لا؟ فقال: نعم. قال: يؤكل. وسرد قول ابن عاشر: أو بمنِىٍّ أو بإنبات الشعرَ ... أو بثمان عشرةٍ حولا ظهر وقال: ذاك ادبيزن، عند آتنيتات. ادبيزن: بمعنى تعليمنا، إذ نكثر مما نكتب، وآتنيتات: بصيغة الجمع، اسم موضع، وبيت ابن عاشر، إنما هو في أمارات بلوغ الشخص سن التكليف، والناس يحكون عنهم كثيرا من هذا النوع، وعلى تقدير صحته، فإنه زال من ظهور الشيخ سيدي فيهم. فإنهم صاروا من أرقى تلك القبائل في العلم والفهم. حرف الكاف (كلمت كوْرِي) كلمت: بمعنى كلمة. وكوري: واحد لكْوَرْ، وهم السودان، يقال: أن الكوري لا يرضى بتبديل قوله. يضربون المثل فيمن لا يغير خطته، ولو إلى أحسن منها. (كِذْبه وحْدَهْ تملَ مِزْوِدْ اُثنتينْ ما إيدِيرُ فيه حبه) الكذبة: واحدة الكذب. وتمل: بمعنى تملأ. والمزود: الوعاء المعروف، والهمزة في اثنتين. بمعنى الواو والهمزة الأصلية ساقطة، وهي لغة تميمية. وإدير: أي يجعلوا. وهذه الضمة التي هي الراء، تنوب عن ضمير الجمع عندهم، والموضع: موضع تثنية لا جمع، لكن شرحناه على مقتضى ما يلفظون به. ومعنى المثل. أن كذبة واحدة، قد ينال بها

حرف اللام

صاحبها ما يريد لتغفيله الناس، وأما اثنتان: فلا ينال صاحبهما شيئا للحذر منه. (الكلب ما يرُومْ ال خَنّاكُهْ) ما يرُوم: أي لا يألف. وخناكه: من بخنقه. يضربونه فيمن يصحب من يهينه. (أكذبْ منْ اللكْوكْ) اللكْوكْ: شخص يبالغون في كذبه، ولا أعلم شيئا عنه. (اكْفر منْ كابتينْ) كابتين: نصراني يبالغون في كفره، ولا أعلم شيئا من خبره. (كِلْوَه أُفِرْسِنْ ما يجتمعُ في اشْدِكْ) الكلوه: بمعنى الكلية. والفرسن: الظلف. وما يجتمع. أصله ما يجتمعوا. واستغنى بالضمة عن الواو، وهو خطأ من وجهين. الأول: أن واو الجمع لا تكون إلا للعاقل، إلا إنه قد سمع في شعر النابغة الجعدي، أو النمر بن تولب، لا أدرى لأيهما هو. إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا والثاني: أن الكلية والفرسن مثنى، فالأولى أن يقولوا: يجتمعان. لكن الأمثال تحكى كما وردت. واشدكْ: بمعنى شدق. ونظم هذا محمذ بن السالم البوحسني، الذي تقدمت ترجمته في قوله: ما حضرة الشيخ ملهى عاشق كلف ... ولا الكلى والعجى يجمعن في شدق وقد جمع الكلى والعجى، وهما مفردان في أصل المثل والأمثال لا تغير. يضربونه في الجمع بين شيئين متناقضين. حرف اللام (السْانْ اخرِيفْ والفِعْلْ امْصِيفْ) السان: بمعنى اللسان، ومعناه: القول في هذا الموضع. واخريف: أي مخصب، وامصيف: بمعنى جدب، والخريف عندهم، بمعنى اخضرار الأرض، وكثرة اللبن، ولذلك يقولون. البلد الفلاني امخرف، أي مخضر، والبلد الفلاني صيف: أي جدب. يضربونه فيمن بعد بالجميل، ولا ينجز، وفيمن يظهر الصداقة، ويبطن خلاف ذلك.

(لفْظ مِنْ حرْ اعْليهْ دَيْنْ) لفظ بمعنى لفظة، أي كلمة. والحر: ضد العبد. والدين معروف، وهذا يوافق: العدة دين. (لِمْحالِ مَنْ ينكرُ حسبهْ) لمحالِ: بمعنى اللئيم. وينكر، بفتح المثناة: بمعنى مضمونها. وحسبه: بمعنى نسبه. يضربونه فيمن يخفى نسبه. (لْمِخاطْمَهْ أكثرْ منْ لِمْلاطْمَهْ) لمخاطمة: بمعنى التي تفوت. يقولون: خطمه، أي فاته، ولم يصادفه، ويعنون بالمخاطمه: القافلة التي تفوت قطاع الطريق. والملاطمه: أي التي تصادف القطاع. وهذا يوافق قولهم: طرق السلامة أكثر. (لْهِرُوب كَمْلْ الحوكْ) لهروب: مصدر هرب، ولم نره إلا محركا، وصحح في التاج، أن فعله من باب نصر، وغلط من قال: إنه من باب فرح، ومن قال: من باب فتح أو ضرب. والحوك: بمعنى اللحاق. يضربونه في أن الحذر، إنما يكون قبل الوقوع، ويوافقه قول الشاعر: أفر من الشر في رخوة ... فكيف الفرار إذا ما اقترب (لا اتْوصّ اليتيمْ اعْلَ كُبْرْ اللُّكمْهْ) لا اتوصّ: أي لا توصِ. واليتيم: من الآدميين: من مات أبوه. والكجي: الذي ماتت أمه. واللطيم: الذي مات أبواه. وكبر اللكمه: أي عظم اللقمة. ويقرب من هذا قولهم: أن العوان لا تعلم الخمرة. يضربونه في عدم تعليم الخبير بالشيء المتصدى له. (لا تْعانْد الّ اصْكيْطته لطّيْبْ افشايكْ) لا تعاند: أي لا تناو. والّ: بمعنى الذي. واصكيطته: أصلها جثة الشاة التي ذبحت. وافشاي: بمعنى أطرافها، كرأسها ورقبتها ونحوها. معناه لا تعاند من أرذل ماله، يأتي على جميع ما عندك. (لا خيْرَ في الحدَّادِ ولو كان عالماً) معناه: أن لئيم الأصل، لا ينفعه أن ينال ما يكسب الشرف، لأن أصله لابد أن يبقى فيه أثره، وتقدم قوزل ابن هدار: ولم أرَ فيها خير ذلك مرّةً ... فلا خيرَ في الحدَّاد ولو كان عالماً يضربونه في اللئيم الأصل، أن ظهر منه ما يقتضيه أصله.

(لا عَجْلة عن اصلاحْ) إصلاح: بمعنى الاصلاح، يضربونه في أن البطء لا يضجر، ما دام الحال لا يقتضيه. (لا ايْمُوتْ لِعْجِلْ إلا تيبسْ التأدِيتْ) لا ايموت: أصله لا يمت، لأن لا ناهية، والفعل مجزوم. والعجل: معروف. وتيبس: بكسر التاء. معناه: تيبس بفتحها. والتأديت: آنية من الخشب يحلبون فيها البقر. يضربونه في التوسط في الأمور، وإعطاء كل ذي حق حقه. (لا يلْكي حَشْمان أُظارِ) لا يلكي، أي لا التقي. فلا دعائية. والحشمان: الذي أخجليته غلبته وقهره. وظاري. بمعنى ضاري: ومعناه أن الذي أخجلته غلبته من الناس، والذي ضرى بالفتك به إذا التقيا، يبذل كل منهما جهده، الأول في دفع العار عنه. والثاني: فيما ضرى به، فلا يبقى أحدهما على الآخر. (لحمْ الركبَ مَوْكولْ أُمَذْمومْ) الركب: بمعنى الرقيه. وموكول: بمعنى مأكول. أمذموم: أي ومذموم، يوافقه قولهم: أكلا وذما. (اللحمهْ إلى خُنزتْ ما يحملها الّ صاحبها) اللحمة معروفة. وإلى: بمعنى إذا. وخنزت: تغيرت رائحتها، أصله (خنزت) بفتح الخاء وكسر النون. وإل: بمعنى إلا. معناه أن الإنسان إذا أصابه مرض أو مصيبة، لا يشفق عليه إلا قريبة. يضربونه في الحث على الإحسان والعطف على القريب، ولو أن هذا القريب واجد عليه. (لِحْوَارْ إلى امْشَ امعْ لحمارْا يْعَلْمُ اشْهيكْ ولّ انهيك:) لحوار بمعنى الحوار. وإلى امش: أي إذا مشى. واشهيكْ: بمعنى الشهيق. وانهيكْ: بمعنى النهاق. وقد عقد النابغة الغلاوي هذا المثل، في قوله من نظم له: إذا الحمارُ بالحمار سيقا ... عَلّمَهُ الشَّهيقَ والنّهيقا يضربونه في التحذير من معاشرة من لا يرضى طبعه ولا دينه، خوفا من سريانهما.

حرف الميم

(لِحْميَّهْ تغلَبْ اسْبعْ) لحميه: بمعنى التعاضد والتعاون. السبع: معروف، ويقرب منه قول الشاعر: لا تحاربْ بمقلتيك فؤادِي ... فضعيفان يغلبان قويا (لِمْعَلّمْ إلى انْواكْ ايفْحَّمْ لكْ يا نجارَهْ) لمعلم: الحداد وإلى: بمعنى إذا. وانواك: بمعنى نصحك واهتم بأمرك. وايفحم لك: يصنع لك ما يصنع بالفحم بالنجارة. وهي البراية التي تلقى من الخشب: يضربونه في أن من يحب أن يصنع للإنسان ما يريد، لا يدافعه عنه، بل يتوسل لمطلوبه بكل وسيلة. (لِكمِتْ الصّيفْ يادْمَهْ راسْها). اللكمة: بمعنى اللقمة. والصيف معروف. ويادمه: أي تؤدم رأسها، والصيف عندهم ليس من أوقات الخصب. يضربونه في أن طعام الشدة، يكتفي بوجوده عند التأنق فيه. (لكْزانه ما كذّبناها إلا صدقناها) لكزانه: هي ضرب الرمل المعروف، المقول بعدم جوازه. يضربونه عند سماع حديث من يصدق مرة ويكذب أخرى. (ألعَبْ مِنْ بَيبوطْ) ألعب: أفعل تفضيل من اللعب. وبيبوط: رجل يزعمون إنه مات عطشاً بين بحرين، لأن اللعب استغرق أوقاته، فلم يفض للذهاب للشرب حتى مات. يضربونه في المبالغة في وصف الشخص باللعب. حرف الميم (مزْغُوبه صُرَّ تِعكْبْ الصيْفْ) مزغوبة: أي غير مباركة. والصرة: الشيء الذي يدخر. وتعكب: أي تعقب وتتأخر. والصيف: معروف، وهذا قريب من قولهم: لا عطر بعد عروس. (مُوسْ لِمْعَلْمهْ). الموس: بمعنى الموسى. ولمعلمه: أنثى الحدادين، وموساها يقطع من ناحية واحدة. يضربونه فيمن يلح في طلب ماله، ولا يعطى ما عليه. (ما اسْمَعْها الفالِّ) الفال: اسم رجل، يقال أن امرأة أتته بلبن، ليقرأ عليه،

لتسقيه مريضا لها، فناولته إياه فشربه. فقالت: ما اسمعها الفال، فذهبت مثلا. يضربونه في كل من فعل غير ما ينتظر منه. (ما حِزْمِتُّنِ تكوُّرَهْ تحِزْمني يا ابّيْرْ اشْكاوِي). ما حزمتن: أي لم تحزني وتكوره: اسم بئر. وابير اشكاوي: اسم بئر، وجمع شكوة. وهي وعاء معروف للبن والماء. وهذا الجمع عامي. وأما جمعه الصحيح، فهو شكوات، وشكاء، بالكسر والمد. يقال: أن عبدا دخل في بئر تكوره، فانهارت عليه، فخلص منها. وكانت عميقة، فدخل ابير اشكاوي، وكانت قصيرة، فانهارت عليه أيضا. فقال المثل. يضربونه فيمن يقع في ورطة خفيفة، بعد أن خلص من أعظم منها. (ما أجِبدْ دَلُ يجبد دَلوين) ما اجبد، أي ما متَح. والدلو معروف. وحقه النصب، لأنه مفعول به، لكن المثل يحكى كما ورد، والعامي لا يطابق العربية من كل وجه. يضربونه فيمن عجز عن حمل ثقيل واحد، فأراد أن يحمل معه ضعفه، وهو قريب من حطاب الدشره المتقدم. (ما يَحكم آكُوفْ الَّ جلدَ مِنْ رَكِبْتُهْ) ما يحكم: ما يسكن. وآكوف: ثور الوحش. وال: لمعنى إلا. وجلد: أصله جلدة، أي حبل. ومن ركبته: أي من رقبته، يعنون أته لقوته، لا يمسكه إلا حبل مفتول، من رقبة ثور من جنسه. وهذا قريب من قولهم: أن الحديد بالحديد يفلح. (ما يسْكى المُرْ الَّ امَرْ مِنُّ). ما يسكي: أي لا يسقى الشيء المر، إلا ما هو أمر منه. معناه: أن الدواء المر الذي يشربه المريض، لا يحمل على شربه إلا ما هو أمر منه، أي المرض. يضربونه في التجلد على ما لا يحبه الإنسان، ليدفع به ما هو أضر منه. (ما يَوْكلْ اجيفَ غيْرْ يشرُبْ مِن ماها). ما يوكل: أي ما يأكل، والضمير يرجع على من يحدث عنه. واجيف بمعنى الجيفة، أي الميتة. وماها:

حرف النون

أي ماؤها الذي تطبخ فيه. يضربونه فيمن يزعم إنه لا يفعل الشيء ثم إنه يفعل ما يماثله. حرف النون (نبغيلَكْ بَغْيك إلا تكرهْ لكْ كُرْهكْ). نبغي: أي أحب لك. وبغيك: أي ما تحب. ومعنى ألا، أي. ولا نكره لك: أي أبغض لك. وكرهك: بغضك. معناه: أن الصديق ينبغي له أن يحب ما يحبه صديقه، لكن لا يلزمه أن يعادي معاديه، هكذا يقولون. وهو خلاف ما عليه العرب. (انهظْ الّكْورْ طاح فجيجبه) انهظ: بمعنى نهض، أي غزا. والكور: بمعنى السودان عندهم. وطاح: أي وقع. وفجيجبه: أصله في إجيجبه، وهم قبيلة من الزوايا. يضربونه فيمن أخذ أحدا بأحد، ليست بينهما علاقة ولا جنسية. (أنير من كلْبْ) أنير بمعنى أهدى. والكلب شديد الهداية. يضربونه في وصف الشخص بالهداية. حرف الواو (أوْ كلْ مِنْ لَرْظهْ) أوكل: أصله آكل. أي أكثر أكلاً. والأرظة: بمعنى الأرضه، وهي دويبة معروفة. وهو قريب من قولهم: آكل من السوس حرف الهاء (هِينَ كسْمِتْ ش سَابكتْها صاحْبتْها) هين: من الهون. وأصله هينة. وكسمت: بمعنى قسمة. وش: بمعنى شاة. وسابكتها. أي سابقتها. وصاحبتها: أي شاة أخرى. معناه: أن شاة ذبحها شخص. وقد ذبح جاره قبله مثلها، فإن قسمتها هينة، أي سهلة، لأنه يفعل ما فعل جاره قبله. يضربونه في المكافأة بالمثل. ويقرب منه المثل المتقدم: عظمتك من شاتك فوكْ دبشك.

حرف الياء

(هِينَ عَيِشتْ الّ ما ايْدَوْرْ اشْحَمْ) هين: سهلة. وعيشة الإنسان. عيشه. والّ: بمعنى الذي: وما ايدور: أي ما يطلب. والشحم: السمن. معناه: أن عيشة من لم يطلب الرفاهية سهلة. (أهَرجْ منْ حَبْشهْ) أهرج عندهم: بمعنى أجبن. والحبشة: واحدة الحبش، وهو جنس من الطيور معروف عندهم، يصفونه بالجبن. حرف الياء (إخافْ من ظلهْ) إخاف. أصله يخاف والضمير للشخص المحدث عنه. والظل معروف، وذكرناه في الياء، مع أن أوله همزة، اعتباراً بأصله، لأن أصله يخاف. ولو ذكرناه في الهمزة، لكان له وجه، وقد فعلنا مثل هذا كثيرا. يضربونه في المبالغة في وصف الشخص بالجبن. (يَحركْ أمْ اسْبعْ في اكفاه) يحرك بمعنى يحرق. وأم اسبع: أمه. وهذه كلمة يقولها الذي يريد إغاظة الشخص عندهم. يقول: له يحرق أم البعيد، كما يقول المشارقة: يا ابن الفاعلة. وفي أكفاه: بمعنى عن ظهر غيب. يضربونه في الاستهانة بما يقوله الشخص في غيبة الآخر، كما أن السبع يقدر كل أحد على شتمه، أن كان غائباً. (أيْدْ اتْسبَّحْ وايْدْ اتذَبْحْ) أيد: بمعنى يد. واتسبح أي تسبح الله في المسبحة. وأيد اتذبح. أي تذبح: يضربونه فيمن يظهر النسك، وأفعاله الباطنة على خلاف ذلك. يحكى عن أبَّابَ بن بنيوك، أحد إدوعيش، وهو قريب من عصرنا هذا. كان يتعرض للقوافل في عصابة من قومه، وكان لا يتكلم قبل طلوع الشمس. فإذا لقوا في ذلك الوقت قافلة. يقول سبحان الله، بمعنى خذوا جميع ما عندهم. (أيد التاجر ما اتشكْ لبنتُهْ) أيد: بمعنى يد. وما اتشك لبنته: أي لا تشقها.

ومعناه: أن يد التاجر لا يؤذيه بسطها بالعطية، لأنها كالمدارا عنه. يضربونه عند الحث على إعطاء من يخاف شره، ليسكنه ذلك. (اليدْالّ ما صُبْتُ تكطعْ حبْها) اليد: معروفة وال: بمعنى التي. وما صبت: أي ما قدرت. وتكطع: بمعنى تقطع. وحبها: أي قبلها. وهذا المثل: حل لبيت الإمام الشافعي رحمه الله: وكم من يد قبلتها عن ضرورة ... وكان مرادى قطعها لو أمكَنُ (إدَخّلْ السلطانْ الّ ما ايْمرْكهْ) إدخل: بمعنى: يُدخل. وال: بمعنى الذي: وما ايمركه: أي ما يخرجه. وما هنا، بمعنى الذي. والمراد به العاقل، على حد: ولا أنتم عابدون ما أعبد. معناه أن السلطان يدخله في الأمر، من لا يقدر على إخراجه منه، كأن يستعين به على أخذ حقه من شخص أولا. ثم إنه لا يقدر بعد ذلك أن يخرجه مما أدخله فيه. يضربونه فيمن أدخل ذا قوة في أمره، ثم لم يقدر على نزعه. (يُعطى اشْرعْ الّ تابي عنُّ الرَّكبهْ) ال: بمعنى الذي. والركبه: بمعنى الرقبة: معناه أن بعض ما يجوز شرعا، لا ينبغي للإنسان أن يقتحمه، لما يكون فيه من العار. وقد قال مولود بن أحمد الجواد اليعقوبي المتقدم، وقد قال له شخص يعطى الشرع الخ ما ركبتي أنا. يعني إنه لا يأنف مما هو مشروع. (يكلعْ منْ الحفيانْ انْعايْلهْ) يكلع: أي يغصب. والحفيان: الذي لا نعال له. وانعايله: بمعنى نعليه. يضربونه فيمن يطمع في غير مطمع. ومثله: عريان إصوع امجرد، المثل المتقدم. (يمشي بالشوْرْ الّ في اخْلاكُ يجرِي) يمشي (بكسر المثناة التحتية بمعنى يمشي بفتحها) وبالشور: أي ببطء. والّ: بمعنى الذي: وفي اخلاك: أي في خاطره. ويجري (بكسر المثناة التحتية) بمعنى يجري بفتحها. وأصله أن يجري، فحذفت أن المصدرية، وهي وصلتها في موضع مبتدأ، والصحيح: عدم جواز

الكلام على الطب في شنقيط

حذفها دون صلتها. يضربونه فيمن يظهر التأني، وهو يريد العجلة. (يُومْ أُرْفُودُ يومْ هزْ لِكفُفْ يوم اخْلاصُ يومْ عظْ اشفِفْ) ارفود: بمعنى التزامه، والضمير للدين. والهز: بمعنى التحريك. ولمكفف: اللمم، واحدها كفه، أي لمة. واخلاص: بمعنى قضائه، والضمير للدين أيضا. وعظ: بمعنى عض. واشفف: جمع شفة عندهم. وهذا الجمع غير صحيح، وإنما جمعها شفاه. يضربونه عند الفرح بتحمل الدين، فإن حامله سيندم عند قضائه. هذا ما تذكرناه من أمثالهم. وفي هذا القدر الكفاية، للدلالة على سيرهم وعاداتهم. الكلام على الطب في شنقيط الطب في شنقيط قليل جدا. ولم يشتهر فيه إلا أفراد قليلون في أرض القبلة، وعائلة بأجمعها في تكانت. ومشرب هؤلاء الأطباء مختلف، كما سنبينه. فممن اشتهر في أرض القبلة: أوفى الإدكففي ومنزع طبه، إنما هو الكتب العربية القديمة. فطبه مبني على العلم. وقد نظم فيه نظما جيداً كبيراً، وبين فيه علل الأمراض وأسبابها، وكيفيات الطعام حارها وباردها. ومن أبرع من أخذ عنه: محمد فال بن باب العلوي، وهو موجود الآن. أما أوفى المذكور، فلم أره، ولكن وصل إلى من خبره ما يكفي، فإنه كان ماهراً في هذا الشأن، ويحلل البول في الزجاج، كما يفعل أطباء المشرق. وأما محمد فال: فإنه درس كتب أوفى، واستجلب غيرها من الكتب. ونظر فيها نظراً دقيقا. وشاهدت أناسا يُنذر مرضهم بالخطر، فشفاهم الله على يديه. ورأيته يبنج الناس، وأظن إنه تلقاه عن أطباء المشرق، لما حج، فإنه أتى بعقاقير وكتب وآلات لا توجد هناك. وممن اشتهر بالطب أيضا. ابن أوفى المتقدم، وأظنه في قيد الحياة من غير جزم، وكان على طريقة والده. وممن اشتهر أيضا: ابن عمارة التاشدبيتي. ولا أدري منزعه في الطب.

أما تكانت: فقد اشتهر فيها الطالب محمد العلوي وذريته، صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، ومنزع طبهم، إنما هو فراسة لا تخطئ، ويقال أنهم ورثوا الطب عن جدة لهم، وعندهم فتاوى العلماء، أنهم لا يضمنون لو أخطأ أحدهم، لما جرب من مهارتهم، ولنذكر لك بعض أمور ظهرت منهم تحير. فمنها: أن محمد الأمين ابن زروق، الذي توفي قريبا من سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، ودعاه ابن عمه عبد الرحمن بن أحمد المقري، وكأن أسن تلك لعائلة، ومن عادتهم أن لا يباشر أحدهم علاج شخص، إذا كان معه من هو أسن منه، من أهل بيته، يستطلع رأيه، في شخص: كان يقطع شجرة، فانكسرت شوكة في إنسان عينه، فأخذ الأمين المذكور ثوباُ وخنق به الشخص، وقال له صوب رأسك ففعل، فلما انحشر الدم سقطت على الأرض. ومن ذلك أن شخصا، أصابه ما أسقط عينه على وجنته، وبقيت معلقة بعروقها. فأتوا به إلى عبد الرحمن المذكور، فما اهتدى إلى ما يفعل، فأرسل لمحمد الأمين المذكور، ففكر هنيهة، فأخذ أذن الشخص فجذبها جذبة قوية، فرجعت عينه إلى موضعها. ومن ذلك أيضا: أن محمد فال بن عمير التروزي، وكان منقطع النظير في حسان، شجاعة وكرما، أصابته رصاصة في جنبه، واختفت في جوفه، فما قدر أطباء أرضه، على معرفة علاجها، فمرض مدة طويلة، حتى انتفخت بطنه وقل لحمه، وبقى لا يقدر على الجلوس، فضلا عن القيام، وكان أحمد بن عبد الله بن أُداعه العلوي صديقا له، فقال له: أنا أعلم من يقدر على معالجتك، وهو ابن عمي أحمد المقري في تكانت، وكان يبعد نحو خمسة عشر يوماً، فذهب إليه وأحضره، فلما بلع اعمر ابن المختار رئيس الترارزة إنه حضر، بعث إليه، فلما دخل عليه، قال له: والله لا تقتل ابن عمي هذا إلا قتلتك، ومراده أن يخيفه حتى لا يعالجه، لأنه يحب موته لاستبداده عليه، حتى إنه كان هو الرئيس معنى، واعمر رئاسته لفظية، فأخرج موسى عنده، وقال له: والله لأدخلن هذا الموسى في جوفه حتى أواريه،

لأنه فهم غرضه، فلما تأمله، قال له: أتقدر أن تصف لي الحالة التي كنت عليها، حتى أصابتك الرصاصة؟ فقال له: لم يسألني طبيب قبلك عن هذه الحالة. فلما تأمله قال له: أنا أداويك بثلاثة شروط. أن لا تخالفني فيما أقول. وأن تصبر على ما أريد أن أفعل بك. وأن تعطيني ما أطلب منك، فالتزم له ما قال، فأمر بحطب جزل، فلما صار جمراً، تركه يتململ حوله، فأمر أناساً بإمساك يديه ورجليه، ليشق بطنه فأنف ابن عمير من ذلك. وقال له: أعطيني شيئاً صلباً أجعله في يدي، وافعل ما تريد، فشقه من بين ضلعين من أضلاعه، وجعل القيح يسيل، حتى ملأ منه ثلاثة أقداح، فبرأ في مدة قليلة، وقال له: سل ما تريد من الدنيا. فقال: لا آخذ منك شيئاً، إلا أني آمرك بنصرة من في أرضك من قومي، فرجع إلى أرضه، ولم يأخذ منه شيئاً، غير جمل يبلغ عليه أرضه. ولنتكلم على نبذة تتعلق بأطباء شنقيط، تباين صنيع أطباء المشرق: الطبيب في أرض شنقيط، إذا طلبه المريض لينظر في مرضه، لا يرى أن له بمجرد جسه أو إرشاده إلى علاج، أن يأخذ منه شيئا. ولو قل: وإنما يأخذ قليلا أن عالجه، مثل ثوب أو شاة، يسمونه ملح اليد. فإذا برأ صار له أن يأخذ شيئا. ولا يتكرر العلاج في مرض واحد. وأهل المروءة منهم، يعالجون الشخص. فإن برأ وطابت نفسه بشيء، يؤخذ منه. وإن لم يفعل، فلا يقولون له كلمة واحدة. وربما قاول بعضهم شخصا، إذا كان مرضه مزمناً، فن برأ أعطاه. وإن مات، ذهبت أتعاب الطبيب أدراج الرياح.

خاتمة الكتاب

خاتمة الكتاب لم أترجم في هذا الكتاب، إلا من رويت له من الشعراء الأموات، سواء كان عالما أو غيره، ولا يتوهم متوهم، أني أحطت بجميع أشعارهم. بل يوجد منهم من لم أرو العشر من شعره. بل ولا عشر عشر شعره. ولم أورد من أخبارهم إلا ما علمت. أما من ذكرت اسمه، من غير أن أترجمه. بل ولا ذكرت اسم أبيه. بل ربما ذكرت لقبه دون اسمه. فإنما ذلك لعدم معرفتي به، ولم أتعرض للشعراء الأحياء، مع كثرتهم، لقلة من رويت له منهم. أما المؤلفون: فليسوا بالكثيرين، بالنسبة إلى غيرهم. وما ذلك إلا لعدم عجبهم بأنفسهم. وعدم احتقارهم لمن قبلهم. ومع ذلك، فقد ألف منهم فطاحل، تآليف مفيدة. فمن أقدم من وقفت عليه منهم: الطالب محمد بن الأعمش العلوي. فإنه أول من أجاد من أهل تلك البلاد، في تصنيف النوازل. وكل من ألف فيها ينقل عنه. وقد نظم عبد الله أحمد بن الحاج أحماه الله، نوازله. وتقدمت ترجمة عبد الله هذا. ومن العجيب أن بعض أفاضل علماء تجكانت، رأى النوازل الأعمشية، فنسبها لابن الأعمش الجكنى، صاحب تيندوف. وهذا غير صحيح. وابن الأعمش الأخير، لم يدعها لنفسه. ولابن الأعمش - أعني العلوي - شرح نفيس على متن إضاءة الدجنة. وكل شراحها المتأخرين، إذا قالوا: قاله الشارح، فمرادهم إنما هو الطالب محمد المذكور. وله قصيدة طويلة عينية، في علم الحساب. ولم أرو منها شيئاً. فأبني عليه ترجمته. وقال فيه الشاب الشاطري: ولد المختار، هو الّ نختار، (نسبه إلى جده).

ومنهم: سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي. وتقدمت ترجمته، وعددنا فيها بعض كتبه. ومما نذكر منها: (غرة الصباح) في رجال الحديث، و (نظم مكفرات الذنوب) وشرحه، و (نظم روضة النسرين في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) وشرحه، و (نظم في شأن السحر) وشرحه وغير ذلك. ومنهم: ابنه سيدي محمد وقد مرت ترجمته. ومنهم: باب بن أحمد بيب، وتقدمت ترجمه أيضا. ومنهم: عبد الله بن أحمد بن الحاج أحماه الله. وتقدمت ترجمته. والنابغة الغلاوي. وتقدمت ترجمته. وأحمد بن البشير الغلاوي أيضا. ولم نترجمه، لأنا لم نرو له، ولم أقف له إلا على كتاب في الفقه، مقبول عند الناس. ومنهم: محمد اليدالي الديماني، وتقدت ترجمته، وذكر ما وقفت عليه من كتبه، وبقى منها كتاب في السيرة لم يحضرني اسمه. ومحنض باب بن اعبيد الديماني، وتقدمت ترجمته. ووالد الديماني، شارح الشيخ خليل، ويعرف شرحه بمعين والد، ولم نترجمه لتخلف الشرط. والمختار بن بون الجكني، وتقدمت ترجمته. وأحمد البدوي المجلسي، وابن أخته حماد. وتقدمت ترجمتهما. ومحمد

سالم المجلسي، شارح مختصر الشيخ خليل، في عشر مجلدات ضخام، وهو الذي اعتنى بكتاب الشيخ خليل، حتى لم تزل هنالك رجال لا يوجد من يدانيهم في معرفته من غيرهم. وحبيب الله بن الشيخ القاضي الأجيجبيُّ، شارح الشيخ خليل. ويعرف شرحه، بمعين حبيب الله. والحارث بن محنض الشعراوي البوحسني، شارح دواوين الشعراء الستة، شرحا لم يتقدم مثله لغيره، ولم نترجمه لتخلف الشرط. وهو عالم جليل، مات قريبا، رحمه الله. وغير هؤلاء ممن لم يحضرني اسمه. أما العلماء الأحياء، فكثيرون ولله الحمد، ومن يطلق عليه عالم هناك، أكثر حفظاً للمتون، ممن يطلق عليه من غيرهم، ولكن الطلب قد تأخر، منذ بو مرارة (وهو داء أصاب البقر في مرائره فأفناه، وذلك قريب من سبع عشرة سنة) وازداد الطين بلة، بعد الحرب التي كثرت بين القبائل والغارات، وخروج فرنسة إليهم، وحرب من حاربهم منهم، وبقى علماء لم تزل حلقهم عامرة، لكن المهمل أكثر من المشتغل، للأسباب المتقدمة. والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، والحمد لله أولا وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

§1/1