الورقات فيما يختلف فيه الرجال والنساء

أحمد بن عبد الله العمري

مقدمة

مقدمة ... اَلْوَرَقَات فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي أَبْوَابٍ مِّنَ الْمُعَامَلاَت إِعْدادُ: د. أَحْمدِ بْنِ عَبْدِ الله العَمْريِّ الأُسْتاَذِ المُسَاعِدِ في كُلِّيَّةِ الشَّرِيعَةِ في الجَامِعَةِ

المقدمة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فإن أنفس ما تُقضى فيه الأعمار، وتُستنفد فيه الأوقات، الفقه في دين الله، وكفى بذلك شرفاً وسمواً، كيف لا والمشتغلون به ينهلون من ميراث محمد صلى الله عليه وسلم ويترسمون خطاه إضافة إلى أن الله قد أراد بهم خيراً إذ هداهم للتفقه في دينه قال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين" 1. ولكن هذا الشرف لا يتأتّى لطالب العلم إلا إذا خلصت نيته لله رب العالمين فلم يخالط قلبه رياء ولا سمعة ولا حب لمماراة العلماء أو مجارات السفهاء، وسلمت نيته من كل شائبة تتنافى مع ما يدعو إليه العلم من الإخلاص وسلامة الصدر، نسأل الله أن يطهر قلوبنا من كل سوء وأن يجعل علمنا وعملنا خالصاً لوجهه الكريم. وحرصاً مني على التشبه بالقوم قمت بإعداد هذا البحث في موضوع له أهمية بالغة في نظري ألا وهو موضوع تحرير المرأة الذي هبّت رياحه من ديار الغرب. وهذا البحث يقع ضمن سلسلة بدأتها برسالتي الدكتوراه والتي نُشرت بعنوان (الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام) قسم العبادات ثم أتبعته ببحث آخر في البيوع تحت عنوان (اللموع فيما يختلف فيه الرجال والنساء من أحكام البيوع) .

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 1/164، في العلم باب من يرد به خيراً يفقه، حديث 71، صحيح مسلم 2/718، في الزكاة باب النهي عن المسألة، حديث 1037.

ثم تلوته بهذا البحث وسميته (الورقات فيما يختلف فيه الرجال والنساء في أبواب من المعاملات) . وهذه السلسلة أهدف من خلالها إلى بيان الفروق بين الرجال والنساء في الأحكام الفقهية حتى يتبيّن الفرق بين الطائفتين مما يجعل المسلم يتمسك بدينه عن قناعة تامة غير قابلة للتشكيك؛ لأن دعاة تحرير المرأة يسعون إلى بث دعاواهم بأساليب براقة يتظاهرون من خلالها بالمطالبة بحقوق المرأة وتحريرها من ظلم الرجل زعموا لي غير ذلك من الدعاوى التي لا يُراد بها ألا تحرير المرأة من قيم الدين والكرامة والطهر والعفاف والسعي إلى جعلها لعبة ممتهنة يقضي منها الرجل وطره دون التزام بأي حق من حقوقها الشرعية التي كفلها لها الإسلام من حق الاستمتاع بالزوج الحلال وحق النفقة والسكنى والكسوة والتوقير التام ضمن تشريعات دقيقة تضمن للمرأة المسلمة حقوقها، أماً وبنتاً وأختاً وعمةً وخالةً وزوجةً إلى غير ذلك مما لا يوجد له مثيل في أي نظام وضعي. ومع أن دعاوى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل ظاهرة العوار إلا أنه قد أُشْرِبَها كثير من الناس الذين تحقق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" 1. والواقع أكبر شاهد على تأثر المجتمعات الإسلامية بهذه الدعاوى حتى إن الناظر في كثير من المدن في بلاد المسلمين لا يجد فرقاً بينها وبين غيرها من بلاد الكفار.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 13/300، في الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم، لتتبعن سنن من كان قبلكم، حديث 7320، صحيح مسلم 4/2054، في العلم باب اتباع سنن اليهود والنصارى، حديث 2669

ومادام الأمر كذلك فإن التصدي لهذه الدعاوى بالردود العقدية والفكرية والفقهية يكون من فروض الكفايات. وإن هذا البحث يهدف إلى بيان الفروق الفقهية بين الرجال والنساء في أبواب من المعاملات مما يجعل القول بالتسوية بين الرجال والنساء سفهاً لا يقبله نقل صحيح ولا عقل صريح. وقد سرت في بحثي هذا على المنهج التالي: 1- قمت بتتبع المسائل التي تدخل تحت هذا الموضوع بالبحث في مظانها، وبعد أن تم لي جمعها جعلتها في مقدمة وفصلين وخاتمة: 2- قمت بجمع أقوال أهل العلم في كل مسألة ولم ألتزم بتقديم مذهب معين. 3- قمت بتوثيق كل قول من مصادره الأصلية خاصة المذاهب الأربعة، أما غير المذاهب الأربعة فانقلها من مظانها: كالمصنفات وكتب شروح الحديث وكتب الفقه المقارن. 4- جعلت نصب عيني أن أذكر أقوال المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة مع ذكر أقوال الصحابة والتابعين غالباً. 5- بعد ذكر الأقوال أبدأ في الاستدلال لها فأذكر أدلة القول الأول مقدماً الأدلة النقلية على الأدلة العقلية ذاكراً ما على كل دليل من مناقشة بعده مباشرة، وإن كان هناك جواب على المناقشة ذكرته بعد ذلك، وهكذا حتى تتم أدلة القول الأول، ثم أدلة القول الثاني وهكذا. 6- إذا لم أجد أهل العلم ذكروا أدلة لبعض الأقوال، حاولت الاستدلال لها وأحياناً أضيف بعض الأدلة لبعض الأقوال. 7- قد أناقش أدلة قول ومع ذلك أرجحه وذلك لما يلي:

أ - إما لأن تلك المناقشة غير قوية في نظري فلا تكفي لردها. ب - وإما لأن هناك أدلة قوية غير التي ناقشتها. ج - وإما لاعتبارات أخرى أذكرها في حينها. 8- قسمت البحث إلى فصلين والفصل إلى مباحث. 9- اعتنيت ببيان النصوص التي أنقلها عن أهل العلم، إما بوضعها بين قوسين، أو بأن أبدأ الكلام بقولي: قال فلان، ثم أضع الإحالة في آخر الكلام. 10- خرّجت الأحاديث والآثار قدر الاستطاعة فما ورد في الصحيحين اكتفيت بالإحالة إليهما وما ورد في غيرهما حاولت بيان درجته من كتب الفن. 11- إذا ورد الحديث في الكتب الستة ذكرت الجزء والصفحة والكتاب والباب ورقم الحديث؛ وذلك لكثرة طبعات هذه الكتب، أما غير الكتب الستة فأذكر الجزء والصفحة فقط. 12- رمزت لمصنف عبد الرزاق برمز (عب) ولمصنف ابن أبي شيبة برمز (شب) . 13- عزوت الآيات إلى أماكنها من القرآن الكريم. 14- قمت بتخريج الحديث عند أول ورده. 15- إذا رجّحت أن بين الرجل والمرأة فرقاً في مبحث ما، فإن كان الفرق ظاهراً اكتفيت ببيان حكم كل من الرجل والمرأة، وإن لم يكن واضحاً لخصت الفرق بينهما في آخر المبحث. 16- بينت الراجح في كل مسألة حسب طاقتي. 17- ختمت البحث بفهارس تفصيلية. هذا وقد رسمت لعملي في هذا البحث الخطة التالية:

جعلته في مقدمة وفصلين وخاتمة: المقدمة: وضمنتها منهج البحث وخطة العمل فيه: الفصل الأول: الحجر: وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: علامات البلوغ التي يختلف فيها الذكور والإناث. المبحث الثاني: حكم دفع المال للشاب والجارية بعد البلوغ. المبحث الثالث: حكم تصرف كل من الزوجين في ماله دون إذن الآخر. المبحث الرابع: حكم تصدق الرجل من مال زوجته وتصدقها من ماله. المبحث الخامس: حكم ولاية الأب، والأم على مال الصبي: الفصل الثاني: الهبة والوصية، وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: حكم قبول الوالد والوالدة الهبة للصبي. المبحث الثاني: حكم رجوع الوالد في هبته لولده ورجوع الوالدة. المبحث الثالث: كيفية التسوية في العطايا والهبات بين البنين والبنات. المبحث الرابع: حكم رجوع الزوج في هبته لزوجته ورجوعها في هبتها له. المبحث الخامس: حكم الوصية إلى الرجل والمرأة. الخاتمة: في أهم النتائج.

الحجر

الحجر المبحث الأول: علامات البلوغ التي يختلف فيها الذكور والإناث ... المبحث الأول: علامات البلوغ التي يختلف فيها الذكور والإناث. قبل الدخول في تفاصيل الكلام حول علامات البلوغ ألفت النظر إلى أن كثيراً من أهل العلم يذكرون علامات البلوغ في كتاب الحجر ليبينوا متى يجب دفع المال للصبي المحجور عليه للصغر ولهذا أوردتُ هذا المبحث في هذا المكان بالذات. أما عن الكلام حول هذه المسألة فأقول: علامات البلوغ التي ذكرها العلماء منها ما يشترك فيه الذكر والأنثى ومنها ما يخص المرأة دون الذكر. فأما علامات البلوغ التي توجد في الذكر والأنثى فهي: 1- إنبات الشعر الخشن حول الفرج. 2- السن إذا لم تظهر علامة تحدد البلوغ غيره. 3- الاحتلام1. فأما بالنسبة لإنبات الشعر الخشن حول الفرج فمالك والشافعي وأحمد يعدونه من علامات البلوغ إلا أن بعض الشافعية يرونه بلوغاً في حق الكفار دون المسلمين. وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه لا يدل على البلوغ بحال، ولا يهمنا تحقيق الراجح هنا؛ لأن ما يقال في حق الذكر يقال في حق الأنثى وغرضنا هنا بيان الفرق بين الذكور والإناث2. علماً بأن الإنبات دليل بلوغ في حق الذكر

_ 1 تكملة شرح فتح القدير 9/270، حاشية ابن عابدين 6/153، تفسير القرطبي 5/34، 35، الخرشي على خليل 5/291، تكملة المجموع 13/359، 363، فتح الباري 5/277، المغني 6/597، الإنصاف 5/320. 2 انظر: المصادر السابقة إضافة إلى روضة الطالبين 4/178، عمدة القاري 11/ 153.

والأنثى إن شاء الله كما هو قول الجمهور. ودليله: ما روى أهل السنن وغيرهم من حديث عطية القرظي قال: "كنت يوم حكم سعد في بني قريظة غلاماً فشكّوا فيّ فلم يجدوني أنبت فاستُبقيت فها أنذا بين أظهر كم"1. هذا لفظ النسائي0 وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح0 فمن هذا الحديث يتضح جلياً أن الإنبات يدل على البلوغ إذا لم يتضح البلوغ باحتلام أوسن، وإذا ثبت في حق الكفار فلا فرق فيه بينهم وبين المسلمين ولا فرق فيه بين الذكور والإناث0 وأما بالنسبة للسن فهو مما يختلف فيه حكم الذكر عن الأنثى عند كثير من أهل العلم وإن كان الراجح أنه لا فرق فيه بين الذكور والإناث إن شاء الله، وقد فصلت القول فيه في مبحث مستقل بعنوان (سن تكليف الرجل والمرأة) 2. فأغنى عن إعادته0 وأما الاحتلام فكتب أهل العلم التي اطلعت عليها لا تفرق فيه بين حكم الذكر والأنثى وجميعهم يرون أنه من علامات البلوغ في حق الذكور والإناث3

_ 1 سنن أبي داود 4/ 561 في الحدود باب في الغلام يصيب الحد حديث رقم 4404، 4405، سنن الترمذي 4/145، في السير باب ما جاء في النزول على الحكم حديث رقم 1584، سنن النسائي 6/155، في الطلاق باب متى يقع طلاق الصبي حديث 3430، سنن ابن ماجة 2/849، في الحدود باب من لا يجب عليه الحد حديث رقم 2541، 2542. 2 ما أشرت إليه من التفصيل في هذه المسألة موجود في رسالتي الدكتوراه وهي منشورة بعنوان (الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام) . 3 انظر مصادر الإحالة السابقة.

إلا ما رأيت في بعض كتب الشافعية من أنهم يرون أن الاحتلام يدل على البلوغ في حق الذكر وفي دلالته على البلوغ في حق المرأة وجهان: الأول: أنه لا يكون دليلاً على بلوغها. والثاني: أنه يدل عليه1. دليل الوجه الأول ما روى أبو داود وابن ماجة والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبي حتى يحتلم" فخص الصبي بالاحتلام2. قلت: يجاب عنه بأن تخصيص الصبي بالذكر لا يدل على عدم شمول الحكم للصبية ما دامت تحتلم كالصبي فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم خص المبتلى بالذكر ولم يدل ذلك على عدم دخول المبتلاة في الحكم وكذا النائم ولم يدل على عدم شموله للنائمة فكذلك الحال في حق الصبية ولعل النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بذكر المذكر تغليباً. وأما دليل الوجه الثاني فما يلي: 1- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} 3 والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم الصبيان ذكوراً وإناثاً4. ثم قال: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} 5 والأطفال هنا هم الذكور والإناث أيضاً فمن الآيتين يتضح أن الاحتلام يكون في الذكر والأنثى، وأن الاحتلام دليل بلوغ فيهما يوجب عليهما الاستئذان عند الدخول.

_ 1 انظر: تكملة المجموع 13/ 363، روضة الطالبين 4/ 178. 2 انظر تكملة المجموع 13/363. 3 سورة النور، آية 58. 4 روح المعاني، 18/210. 5 سورة النور، آية 59.

2- ما روى مسلم وغيره من حديث أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم إذا رأت الماء" فقالت أم سلمة: يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ فقال: "تربت يداك فبِمَ يشبهها ولدها" 1. فهذا الحديث ناصع الدلالة على أن المرأة تحتلم أي أنه يخرج منها الماء الذي يكون منه الولد والولد لا يأتي إلا من بالغة، وبالتالي يتبين أن ما ذهب إليه بعض الشافعية من عدم اعتبار الاحتلام دليل بلوغ في حق المرأة مردود لقوة أدلة هذا القول ولما تقدم من الإجابة عن دليل القول الأول. وأما علامات البلوغ التي تختص بها المرأة وتختلف بها عن الرجل فهي: 1- الحيض. 2- الحبل. فأما بالنسبة للحيض فلا خلاف بين العلماء أنه من أدلة بلوغ المرأة وأن الفرائض والأحكام تجب به عليها 2ومن الأدلة على ذلك ما يلي: 1- ما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم والبيهقي من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" 3 حسنه الترمذي وصححه الحاكم فأوجب عليها

_ 1 صحيح مسلم 1/251 في الحيض باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها …. حديث 313. 2 الهداية وتكملة شرح فتح القدير وشرح العناية 9/720، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 6/153، تفسير القرطبي 5/35، الخرشي على خليل 5/291، الحاوي 6/347، المهذب مع تكملة المجموع 13/360، 365، المقنع والإنصاف 5/320، 321، المغني 6/599. 3 مسند أحمد 6/150، سنن أبي داود 1/421، في الصلاة باب المرأة تصلي بغير خمار حديث 641، سنن الترمذي 2/215، في الصلاة باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار حديث 377، سنن ابن ماجة 1/215 في الطهارة باب ما إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار، حديث 655، المستدرك 1/251، السنن الكبرى 2/233

في الصلاة الاختمار بخلاف الصغيرة وما ذاك إلا لبلوغها. 2- ما روى أبو داود بإسناده عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد قال يعقوب ابن دريك عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يُري منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه" 1. قال أبو داود: هذا مرسل، خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها وقال المنذري: في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن البصري نزيل دمشق مولى بني نصر، وقد تكلم فيه غير واحد، وذكر الحافظ أبو أحمد الجرجاني هذا الحديث وقال: لا أعلم من رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير2. وذهب الشيخ الألباني إلى تحسينه3. قال الماوردي: فجعلها بالحيض عورة يحرم النظر إليها فدل على أنها بالحيض صارت بالغة4. وأما الحبل: فأيضاً هو من أدلة بلوغ المرأة التي تختلف بها عن الرجل إذ أن حملها دليل إنزالها إلا أنه ليس ببلوغ في نفسه بل هو دليل على تقدم البلوغ وإنما كان كذلك لأن الولد مخلوق من ماء الرجل وماء المرأة 5. قال الله تعالى:

_ 1 سنن أبي داود 4/358، في اللباس باب فيما تبدي المرأة من زينتها حديث رقم 4104: 2 مختصر المنذري 6/58 حديث 3945. 3 ارواء الغليل 6/203 رقم 1795. 4 الحاوي 6/347. 5 انظر المصادر السابقة في الحيض.

{فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} 1 يعني أصلاب الرجال وترائب النساء 2. وقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيه} 3 أي أخلاط؛ فإذا كان الولد مخلوقاً من مائيهما دل الحمل على تقدم إنزالها فصار دليلاً على تقدم بلوغها4. وبهذا يتلخص من هذا المبحث أن إنبات الشعر من علامات البلوغ في حق الذكور والإناث وأن السن والاحتلام مما فرق فيه بعض العلماء بين الذكر والأنثى وأن الحيض والحبل مما تختص به المرأة دون الرجل.

_ 1 سورة الطارق، آية 7،8. 2 الحاوي، 6/347. 3 سورة الدهر، آية 2: 4 الحاوي 6/347.

المبحث الثاني: حكم دفع المال للشاب والجارية بعد البلوغ

المبحث الثاني: حكم دفع المال للشاب والجارية بعد البلوغ ... المبحث الثاني: حكم دفع المال للصبي والجارية بعد البلوغ والرشد هذه المسألة تُبْحَثُ في باب الحجر وذلك أن من الأسباب المقتضية للحجر الصغر فالصغير لا يدرك مصالحه وربما بذَّر ماله في أمر لا يعود عليه بنفع ومن هنا شرع الإسلام الحجر عليه في المال حتى يبلغ رشيداً فإذا وصل إلى هذه الغاية فلا يخلو من أن يكون ذكراً أو أنثى. فإن كان المحجور عليه ذكراً فقد اتفق العلماء على أنه إذا بلغ رشيداً1 دُفع إليه المال وهذا مما لا خلاف فيه وعليه المذاهب الأربعة 2. وقد استدلوا لذلك بالمنقول والمعقول من ذلك: قوله تبارك وتعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} 3 فالآية دليل على أن من بلغ رشيداً دُفِعَ إليه ماله وهذا لا خلاف فيه، وإنما اختلفوا فيما إذا بلغ سفيها 4. 2- ما روى أبو داود في سننه من حديث علي رضي الله عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يتم بعد احتلام …" 5.

_ 1 اختلف العلماء في المراد بالرشد فالجمهور على أنه الصلاح في حفظ المال وإدارته وقال ابن حزم وجماعة إنه الصلاح في الدين0 المحلى 8/286، وما بعدها0 2 بدائع الصنائع 7/170، بداية المجتهد 2/280، التنبيه، ص 72، المغني 6/594. 3 سورة النساء، آية 6. 4 انظر تفسير الطبري تحقيق محمود شاكر 7/574، وما بعدها، القرطبي 5/34، الإجماع ص 59. 5 سنن أبي داود 3/393 في الوصايا باب متى ينقطع اليتم حديث 2873.

وقد نقل المنذري عن الخطابي وغيره ما يدل على ضعفه، وكذلك تكلم عليه ابن القيم، وضعف الألباني إسناده ثم حكم عليه بالصحة لطرقه وشواهده1. قال الخطابي: ظاهر هذا القول يوجب انقطاع أحكام اليتم عنه بالاحتلام وحدوث أحكام البالغين له … الخ 2. 3- ولأن الحجر عليه إنما كان لعجزه عن التصرف في ماله على وجه المصلحة حفظاً لماله عليه وبهذين المعنيين يقدر على التصرف ويحفظ ماله فيزول الحجر لزوال سببه3. وأما إن كان المحجور عليه لصغره أنثى فقد اختلف أهل العلم في وقت رفع الحجر عنها على أقوال ثلاثة: القول الأول: لجمهور العلماء ومنهم الأحناف والشافعية والحنابلة في الصحيح قالوا يرتفع الحجر عنها ببلوغها رشيدة كالذكر تماماً4. القول الثاني: للإمام مالك أنه لا يرفع الحجر عن الجارية حتى تبلغ رشيدة ويدخل بها زوجها ويشهد العدول على صلاحها5. القول الثالث: لا يُرفع الحجر عنها إلا ببلوغها رشيدة وبشرط أن تتزوج وتلد أو تقيم في بيت زوجها سنة، هذا القول رواية لأحمد اختارها أبو بكر والقاضي وابن عقيل والشيرازي، وقال الموفق: روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

_ 1 مختصر المنذري 4/152، إرواء الغليل 5/80 وما بعدها. 2 معالم السنن مع مختصر المنذري 4/152: 3 المغني 6/594 0 4 أحكام القرآن للجصاص 2/358، بدائع الصنائع 7/170، التنبيه ص 72، مغني المحتاج 2/166، المغني 6/601، الإنصاف 5/320 0 5 الكافي 2/833، الخرشي على خليل 5/295 0

وبه قال شريح والشعبي وإسحاق والحسن البصري وابن سيرين وعطاء ومجاهد وقتادة والأوزاعي1. الأدلة: أدلة القول الأول: استدل أهل القول الأول بما يلي: 1- ما تقدم من قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} 2. فالآية أمرت بدفع أموال اليتامى إليهم عند بلوغهم راشدين ولم تفرق بين ذكر وأنثى. 2- ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد احتلام" والحجر عليها إنما كان لأجل الصغر وقد زال بالاحتلام: 3- ولأنها بالغة رشيدة فجاز لها التصرف في مالها كالتي دخل بها الزوج3. أدلة القول الثاني: قال ابن رشد: وحجة مالك أن إيناس الرشد لا يُتَصور من المرأة إلا بعد اختبار الرجال 4. قلت: يحصل الاختبار من قبل أبيها أو وصيه فلا وجه لتخصيص الاختبار بالزوج.

_ 1 المغني 6/601، الإنصاف 5/321، المحلى 8/310 0 2 سورة النساء آية 6. 3 المغني 6/601 0 4 بداية المجتهد 2/281 0

وقال القرطبي معللاً لذلك: حتى إذا تزوجت ودخل إليها الناس، وخرجت، وبرز وجهها عرفت المضار والمنافع 1. أدلة القول الثالث: ما روى شريح أنه قال: عهد إليَّ عمر بن الخطابرضي الله عنه أن لا أُجيز لجارية عطية حتى تلد ولداً أو تحول في بيتها حولاً 2. قال ابن قدامة: إن صح أي أثر عمر رضي الله عنه فلا يترك به الكتاب، والقياس، على أن حديث عمر مختص بمنع العطية فلا يلزم منه المنع من تسليم مالها إليها ومنعها من سائر التصرفات 3. الترجيح: الذي يظهر لي والله أعلم أن القول الأول أقوى لقوة أدلتهم وضعف أدلة المخالف من جهة ومصادمتها للكتاب والسنة والقياس من جهة أخرى وبناءً على ذلك يتضح أنه لا فرق بين الغلام والجارية في هذا الحكم فمتى بلغ أحدهما رشيداً سُلِّم إليه ماله والله أعلم.

_ 1 الجامع لأحكام القرآن 5/29 0 2 المغني 6/601 0 قال الموفق رواه سعيد في سننه وانظر المحلى 8/310 0 3 المغني 6/602 0

المبحث الثالث: حكم تصرف كل من الزوجين في ماله دون أذن الآ خر

المبحث الثالث: حكم تصرف كل من الزوجين في ماله دون إذن الآخر الزواج رابطة وطيدة وميثاق غليظ يوجب على كل واحد من الزوجين حقوقاً والتزامات للآخر لا يجوز الإخلال بها إلا أنه مع هذا الترابط يبقى لكل من الزوجين حرية التصرف في أمور كثيرة دون نظر إلى أخذ رأي الآخر وهناك أشياء جرى فيها خلاف منها المال فإنه لأجل هذا الترابط بينهما تكلم العلماء في باب الحجر عن حكم تصرف كل واحد منهما في ماله الخاص به دون إذن صاحبه. فأما بالنسبة للرجل فإن أحداً من العلماء لم يقل بإن الزوجة لها الحق في منع زوجها من التصرف في ماله الخاص به حسب اطلاعي بل ليس لها إلا النفقة الواجبة عليه ولا نظر لها في تدبير ماله بوجه من الوجوه. ويمكن الاستدلال لذلك بما يلي. 1- قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} 1. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم بنوك والنساء وكذا قال ابن مسعود والحكم بن عتيبة والحسن والضحاك ومعاوية بن قرة ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك2 فالآية على هذا التفسير تنهى عن إعطاء الرجل ماله لنسائه بل ينفق عليهن بالمعروف وبهذا يُعلم أنه لا سلطان لها على ماله بحال من الأحوال3.

_ 1 سورة النساء آية 5 2 تفسير الطبري 7/560 - 562، الجامع لأحكام القرآن 5/29، تفسير القرآن العظيم 1/681، المحلى 9/ 288 0 3 سقت هذا الدليل مع أني لا أرى تفسير السفهاء بالنساء بل أرى أن قول من فسرها بالصبيان الذين لم يبلغوا الحلم أصح لكن غرضي من هذا أنه لا تسلط للمرأة على الرجل في ماله بل من العلماء من فهم أن القرآن ينهى عن إعطائها المال وَعَدَّها سفيهة لا تحسن التصرف فيه 0

2- قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} 1. قال ابن جرير في تفسيرها: الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهم وكفايتهم إياهن مؤنهن وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن ولذلك صاروا قُوّاماً عليهن نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن2. قلت: فإذا كان الرجل من زوجه بهذه المثابة فلا يكون لها تصرف في ماله بحيث تنهاه أو تأمره فيه بشيء. وأما المرأة فإن العلماء اختلفوا في حكم تصرفها في مالها دون إذن زوجها على قولين: القول الأول: يجوز للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع والمعاوضة دون نظر إلى إذن الزوج أو رضاه هذا قول جماهير العلماء وعليه الأحناف والشافعية وأحمد في المذهب والظاهرية3. القول الثاني: ليس للمرأة الرشيدة التصرف المطلق في مالها 0 ثم اختلف أصحابه فقال مالك وأحمد في رواية ليس لها التصرف فيما زاد على الثلث من

_ 1 سورة النساء، آية 34. 2 جامع البيان 8/290 0 3 الهداية وشرح فتح القدير 9/254، بدائع الصنائع 7/169، الحاوي 6/342، روضة الطالبين 4/177، المغني 6/602، الإنصاف 5/342، المحلى 8/309، 312 0

مالها بدون عوض كالهبة والعتق إلا بإذن زوجها وهو مروي عن أنس وأبي هريرة والحسن ومجاهد، وقال طاوس ليس لها التصرف في شيء من مالها مطلقاً، وعن الليث لا يجوز إلا في الشيء التافه1. الأدلة: أدلة القول الأول: 1- عموم آيات القرآن كقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} 2 وقوله تعالى: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَات} 3. وقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 4 وكحثه على الإنفاق. فصح أن كل أحد مندوب إلى فعل الخير والصدقة والعتق والنفقة في وجوه البر ليقي نفسه بذلك نار جهنم يدخل فيه ذات الزوج وغيرها ولا يخرج من هذا الحكم إلا من أخرجه النص ولم يخرج النص إلا المجنون حتى يفيق والصبي حتى يبلغ 5. 2- قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} 6. قال ابن قدامة: وهذا ظاهر في فك الحجر عنهن وإطلاقهن في التصرف7. 3- قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً

_ 1 المحلى 8/310، الشرح الكبير 3/307، القوانين الفقهية ص 276، فتح الباري 5/218، المغني 6/602، الإنصاف 5/342 0 2 سورة آل عمرآن، آية 92 3 سورة الأحزاب آية 35 4 سورة التوبة آية 41 5 المحلى بتصرف 8/279، 280 0 6 سورة النساء آية 6 0 7 المغني 6/603 0

فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ} 1. قال الطحاوي: فأجاز عفوهن عن مالهن بعد طلاق زوجها إياها بغير استئمار من أحد فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها، وعلى أنها في مالها كالرجل في ماله2. 4- ما روى مسلم في صحيحه أن أسماء باعت جارية لها قالت: فدخل عليَّ الزبير وثمنها في حجري فقال: هبيها لي. قالت: إني قد تصدقت بها3. قال ابن حزم: فهذا الزبير، وأسماء بنت الصديق قد أنفذت الصدقة بثمن خادمها، وباعتها بغير إذن زوجها ولعلها لم تكن تملك شيئاً غيرها أو كان أكثر ما معها4. 5- ما تقدم من حديث جابر عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء تصدقن فإنَّكن أكثر أهل النار فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال". قال الطحاوي: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر النساء بالصدقات وقبلها منهن ولم ينتظر في ذلك رأي أزواجهن5. 6- ما روى الشيخان من حديث زينب امرأة عبد الله أنه قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وامرأة أخرى عندما سألاه هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن وأيتام لهن قال: "لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة" 6.

_ 1 سورة البقرة آية 237 2 شرح معاني الآثار 4/352 0 3 صحيح مسلم 4/1717 في السلام باب جواز إرداف المرأة الأجنبية ... حديث 2182. 4 المحلى 8/311 0 5 شرح معاني الآثار 4/353 0 6 صحيح البخاري مع الفتح 3/328 في الزكاة باب الزكاة على الزوج حديث 1466، صحيح مسلم 2/694 في الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين حديث 1000.

قال ابن قدامة: لم يذكر لهن هذا الشرط1 أي استئذان الزوج، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وقال ابن حجر: وفيه جواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها2. 7- ما روى الشيخان من حديث ميمونة رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: "أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم. قال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" 3. قال ابن حجر: ووجه دخول حديث ميمونة في الترجمة أنها كانت رشيدة وأنها أعتقت قبل أن تستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستدرك ذلك عليها بل أرشدها إلى ما هو الأولى، فلو كان لا ينفذ لها تصرف في مالها لأبطله 4. 8- استدلوا بالعقل، فقال الطحاوي: ثم النظر من بعد يدل على ما ذكرنا وذلك أنا رأيناهم لا يختلفون في المرأة في وصاياها من ثلث مالها أنها جائزة من ثلثها كوصايا الرجال ولم يكن لزوجها عليها في ذلك سبيل ولا أمر، وبذلك نطق الكتاب العزيز، قال الله عز وجل: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 5.

_ 1 المغني 6/604 0 2 فتح الباري 3/330 0 3 صحيح البخاري مع الفتح 5/217 في الهبات باب هبة المرأة لغير زوجها حديث 2592، صحيح مسلم 2/694 في الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين حديث 999. 4 فتح الباري 3/303 0 5 سورة النساء آية 12 0

فإذا كانت وصاياها في ثلث مالها جائزة بعد وفاتها فأفعالها في حياتها أجوز من ذلك1. 9- أن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن كالغلام 2. 10- قال الإمام الشافعي: "ولو زعم زاعم أن زوجها شريك لها في مالها سئل بالنصف؟ فإن قال نعم قيل فتصنع بالنصف الآخر ما شاءت… فإن قال مالها مرهون له قيل له فبكم هو مرهون حتى تفتديه؟ فإن قال ليس بمرهون قيل له فقل فيه ما أحببت فهو لا شريكٌ لها في مالها وليس له عندك وعندنا أن يأخذ من مالها درهماً وليس مالها مرهوناً بفتكه وليس زوجها ولياً لها ومن خرج من هذه الأقاويل لم يخرج إلى أثر يتبع ولا قياس ولامعقول وإذا جاز للمرأة أن تُعطي من مالها الثلث لا تزيد عليه فلم يجعلها مُوَلّىً عليها ولم يجعل زوجها شريكاً ولا مالها مرهوناً في يديه ولا هي ممنوعة من مالها ولا مخلَّىً بينها وبينه ثم يجيز لها بعد زمانٍ إخراج الثلث والثلث بعد زمان حتى ينفد مالها فما منعها مالها ولا خلاّها وإياه والله المستعان، فإن قال هو نكحها على اليسر قيل أفرأيت إن نُكحت مفلسة ثم أيسرت بعدُ عنده أيدعها ومالها؟ فإن قال نعم فقد أخرجها من الحجر وإن قال لا فقد منعها ما لم تغرُّه به 3. أدلة القول الثاني: 1- ما روى ابن ماجة في سننه من حديث عبد الله بن يحي رجل من

_ 1 شرح معاني الآثار 4/354 0 2 المغني 6/604 0 3 الأم 3/217 قد أثبت الإمام الشافعي -رحمه الله - أنه لا سلطان لزوجها على مالها بالقرآن والسنة والمعقول وإنما نقلت ما تقدم لحسنه فراجع الأم وسترى العجب:

أولاد كعب بن مالك عن أبيه عن جده أن امرأة كعب بن مالك أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها فقالت إني تصدقت بهذا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز للمرأة في مالها إلا بإذن زوجها فهل استأذنت كعباً؟ " قالت: نعم 0 فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك زوجها فقال: "هل أذنت لخيرة أن تتصدق بحليها؟ " فقال: نعم فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها" 1. قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، عبد الله بن يحي لا يعرف في أولاد كعب ابن مالك 2. وقال الطحاوي: حديث شاذ لا يثبت مثله 3 0 وقال ابن عبد البر: إسناده ضعيف لا تقوم به الحجة4 وحكم الألباني بصحته لشواهده5. 2- ما روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها": هذا اللفظ لأحمد وأبي داود والنسائي وفي لفظ للنسائي "لا يجوز لامرأة هبة في مالها إذا ملك زوجها عصمتها" ومثله عند ابن ماجة بإسقاط كلمة (هبة) وفي لفظ لأبي داود والحاكم "لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها زوجها عصمتها" 6.

_ 1 سنن ابن ماجة 2/798 في الهبات باب عطية المرأة بغير إذن زوجها حديث 2389. 2 مصباح الزجاجة 2/40 حديث 843 0 3 شرح معاني الآثار 4/353 0 4 نقله الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت حديث 825. 5 صحيح ابن ماجة 2/47، سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث 825 0 6 المسند 2/179، 184، سنن أبي داود 3/816 في البيوع باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها حديث 3546، 3547، سنن النسائي 6/278 في العرايا باب عطية المرأة بغير إذن زوجها حديث 3756، 3757، سنن ابن ماجة 2/798 في الهبات باب عطية المرأة بغير إذن زوجها حديث 2389، المستدرك 2/ 47 0

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الشوكاني: الحديث من طريق عمرو بن شعيب وحديثه من قسم الحسن 1 وكذا حسنه الألباني2. واعترض ابن قدامة على الاستدلال به بقوله: حديثهم ضعيف وشعيب لم يدرك عبد الله بن عمرو فهو مرسل وعلى فرض صحته فهو محمول على أنه لا يجوز عطيتها لماله بغير إذنه بدليل أنه يجوز عطيتها ما دون الثلث 3وقال ابن حزم عن هذا الحديث: صحيفة منقطعة، ثم لو صح لكان منسوخاً بخبر ابن عباس4. ما روى ابن حزم في المحلى من طريق ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناديهما عن شريح قال: عهد إليَّ عمر بن الخطاب أن لا أجيز عطية جارية حتى تلد ولداً أو تحول في بيتها حولاً5. وأجاب عنه بأن عمر أبطل فعلها جملة قبل أن تلد أو تبقى في بيت زوجها سنة ثم أجازه بعد ذلك جملة، ولم يجعل للزوج في شيء من ذلك مدخلاً ولا حدَّ

_ 1 نيل الأوطار 6/18 0 2 سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث 825 0 3 المغني 6/604 0 4 المحلى 8/317، ومراده بخبر ابن عباس ما ثبت في الصحيح من أمره صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة في صلاة العيد وقبوله للصدقة منهن وقد مر من حديث جابر في أدلة القول الأول 0 5 المحلى 8/310 0

ثلثاً من أقل ولا من أكثر1. قلت: وكذا لا دلالة فيه لمن منعها مطلقاً لأن هذا المنع محدد بحول واحد. 4- أن حق الزوج متعلق بمالها فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها" 2 والعادة أن الزوج يزيد في مهرها من أجل مالها، ويتبسط فيه وينتفع به3. وأُجيب عنه بأنه منتقض بالمرأة فإنها تنتفع بمال زوجها وتتبسط فيه عادة ولها النفقة منه وانتفاعها بماله أكثر من انتفاعه بمالها وليس لها الحجر عليه4. وأجاب ابن حزم بأن الحديث فيه زجر عن أن تنكح المرأة لغير الدين لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر نفسه "فاظفر بذات الدين" ثم أي دليل فيه على أنها ممنوعة من مالها بكونه أحد الطامعين في مال لا يحل له منه شيء إلا ما يحل من مال جاره وهو ما طابت له به نفسها ونفس جاره ولا مزيد5. قلت: فمن منعها من التصرف في ما زاد على الثلث حمل الأدلة التي تبيح للمرأة التصرف في مالها على الثلث والأدلة الناهية على ما زاد على الثلث 6. ويجاب عنه بأنه لم يرد تحديد بالثلث فيكون ذلك تحكماً لا دليل عليه 7.

_ 1 المرجع السابق 8/313 2 صحيح البخاري مع الفتح 9/132 في النكاح باب الأكفاء في الدين حديث 5090، صحيح مسلم 2/1086 في الرضاع باب استحباب نكاح ذات الدين حديث 1466 0 3 المغني 6/603 0 4 المرجع السابق 6/604 5 المحلى 8/315 0 6 فتح الباري 5/218 0 7 المحلى 8/313، المغني 6/604 0

وأما من منعها مطلقاً فحجتهم إطلاق الأدلة الناهية كما مر. الترجيح: إذا دقق الباحث النظر في هذه المسألة رأى أن قول القائلين بجواز تصرف المرأة في مالها دون إذن زوجها أقوى لأمور كثيرة منها: 1- قوة ما استدلوا به من الآيات والأحاديث إذ أنها تدل صراحة على جواز تصرفها في مالها دون إذن زوجها. 2- أن الأصل جواز تصرف الإنسان في ماله ما لم يمنع من ذلك دليل. 3- أنه لم يختلف العلماء في جواز تصرف المرأة في مالها إذا لم تكن ذات زوج، ولم تكن سفيهة فالقياس يقتضي أن لها التصرف إذا كانت ذات زوج كغيرها من الأُمهات والأخوات. قال الشافعي: ولا يختلف أحد من أهل العلم علمته أن الرجل والمرأة إذا صار كل واحد منهما إلى أن يجمع البلوغ والرشد سواءٌ في دفع أموالهما إليهما1. 4- أن أدلة المانعين للمرأة من التصرف في مالها فيها نظر، فالحديث الأول فيه راوٍ مجهول، والثاني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه ما فيه خاصة عندما يعارض أدلة من الكتاب والسنة في غاية القوة كما في مسألتنا بل إن الإمام الشافعي أنكر أن يصح شيء مما استدلوا به من السنة 2. 5- أنه ليس في الأدلة التي استدلوا بها ما يؤيد تحديد تصرفها بالثلث ومن هنا يبدو لي أن في صحة أدلة المانعين نظراً إذ أنها عارضت القرآن وصحيح

_ 1 الأم 3/216 0 2 الأم 3/216، 217 0

السنة فلعل ضعفها أصح، أو لعلها منسوخة كما قال ابن حزم إذ أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة كان في آخر حياته، أو لعلها تُحمل على أنها لا تتصدق من ماله إلا بإذنه1 كما ذكر ابن قدامة، أو لعل الأمر بالاستئذان فيها مبني على حسن العشرة كما ذكر الخطابي2 والله أعلم.

_ 1 المغني 6/604. 2 معالم السنن مع عون المعبود 9/463.

المبحث الرابع: حكم تصرق الرجل من مال زوجته وتصدقها من ماله

المبحث الرابع: حكم تصرق الرجل من مال زوجته وتصدقها من ماله ... المبحث الرابع: حكم تصدق الرجل من مال زوجته وتصدقها من ماله من المتقرر شرعاً أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها حتى وإن كانت غنية وبهذا يعلم أن لها حقاً في ماله بينما لا يجب عليها أن تنفق عليه حتى مع غناها وفقره، كما أن المرأة راعية في بيت زوجها لها أن تأكل منه وتطعم بنيها وتكتسي إلى غير ذلك من التصرفات المأذون فيها شرعاً ومع هذا فإنه ليس لها التصرف في ماله بإطلاق ومن هنا تكلم العلماء في باب الحجر على حكم تصدقها من ماله ولبيان الفرق بينهما أذكر حكم تصدقه من مالها أيضاً فأقول: أما حكم تصدق الرجل من مال زوجته: فإني لم أجد أحداً من أهل العلم نص على حكمه صراحة، إلا ابن حزم حيث قال: لا يجوز له أن يتصدق من مالها بشيء أصلاً إلا بإذنها 1 لكن الذي يظهر لي أن سبب السكوت عنه كونه من المسلمات المعروفة التي لم يُختلف في حكمها حتى إن الحنابلة عندما ذكروا الرواية المنقولة عن الإمام أحمد في منع تصدق المرأة من مال زوجها استدلوا لها بالقياس على الرجل فقالوا: لا يجوز لها أن تتصدق من ماله كما أنه لا يجوز له أن يتصدق من مالها 2 فلهذا أرى أنه لا يجوز للرجل أن يتصدق من مال زوجته بشيء ما لم تأذن له فيه ويمكن أن يستدل لذلك بما يلي: 1- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 3. فهي

_ 1 المحلى 8/318 0 2 الفروع 5/326، الإنصاف 5/353 0 3 سورة النساء آية 29.

وإن كانت تنص على تحريم أكل أموال الناس بالباطل فإنها تدل بمفهومها على تحريم الاعتداء على أموال الآخرين بالباطل بأي وجه من الوجوه. 2- ما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" 1. فهذا نصٌ عام في تحريم أموال المسلمين على بعضهم ما لم يدل دليل على جواز الأخذ من مال الغير ولم يأت ما يدل على جواز تصدق الرجل من مال زوجته أو أكله منه بدون إذنها فيبقى على أصل التحريم. أما حكم تصدق المرأة من مال زوجها ففيه خلاف على قولين: القول الأول: يجوز لها أن تتصدق من مال زوجها باليسير بغير إذنه هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد في رواية صححها موفق الدين ابن قدامة ورجحها صاحب الإنصاف ونقل تصحيحها عن جماعة من الحنابلة وقال به أبو محمد ابن حزم 2. القول الثاني: لا يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بشيء إلا بإذنه، هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد في رواية مرجوحة في المذهب 3 وقال البغوي: العمل على هذا عند عامة أهل العلم أن المرأة ليس لها أن تتصدق بشيء من مال الزوج دون إذنه 4 وممن صرح بهذا القول الإمام النووي لكنه قال: والإذن ضربان: أحدهما، الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني الإذن المفهوم من اطراد العرف 5.

_ 1 مسلم 2/889 في الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم 1218 0 2 المغني 6/605، الفروع 4/325، الإنصاف 5/352، المحلى 8/318 0 3 المغني 6/605، الفروع 4/325، الإنصاف 5/325 0 4 شرح السنة 6/205 0 5 شرح النووي على مسلم 7/112 0

وقبل البدء في سرد الأدلة أرى أنه لابد من تحرير محل النزاع فأقول لا يخلوا الحال من أن يأذن لها الزوج بالصدقة أو أن ينهاها عن الصدقة أو أن لا يأذن لها ولا ينهاها. فإن أذن لها فلا خلاف هنا في الجواز. وإن نهاها فلا خلاف أيضاً في التحريم. أما إن لم يأذن لها صراحة ولم ينهها ولم تعرف من طبعه موافقته لها على الصدقة أو مخالفته فهنا محل النزاع وعلى هذا تُنَزَّل الأدلة. أدلة القول الأول: 1- ما روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، لها أجرها وله مثله، … له بما اكتسب، ولها بما أنفقت" 1 وله ألفاظ أُخرى متقاربه. قال ابن قدامة: ولم يذكر إذناً 2. قلت: ومما يؤكد أن هذا الإذن لها في الصدقة يكون في حالة عدم الاستئذان من الزوج قوله صلى الله عليه وسلم: "غير مفسدة " إذ يفهم منه أن تصرفها مع عدم أخذ الإذن يكون في الشيء القليل الذي لا يؤدي إلى إفساد مال الزوج وإلا لو كان هذا مع أخذ إذنه ما قُيِّدَ بعدم الإفساد لأن له أن يتصدق بماله كله: 2- ما روى الشيخان من حديث أسماء أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل عليّ الزبير فهل علىَّ جناح أن أرضخ

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 3/303، في الزكاة باب أجر المرأة إذا تصدقت:.. حديث 1440، صحيح مسلم 2/710 في الزكاة باب أجر الخازن والمرأة:..حديث 1024. 2 المغني 6/605 0

مما يدخل عليّ؟ فقال: ارضخي ما استطعت ولا توعي فيُوعىَ الله عليك" 1 هذا لفظ مسلم. قلت: والظاهر أن المراد أن السؤال عن الإنفاق من مال الزبير أما ما تملكه هي مما أعطاها الزبير أو غيره فإنه لا يحتاج إلى سؤال، ومع هذا فلم يذكر لها الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً حول الاستئذان. 3- ما ورد من طريق أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره" 2. قلت: هذا الحديث كالنص في أن لها أن تنفق من بيته من دون إذنه. 4- ما روى أبو داود وغيره من حديث سعد قال: لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر فقالت: يا نبي الله إنا كَلٌ على آبائنا وأبنائنا…وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: "الرطب تأكلنه وتهدينه" 3. قال محقق شرح السنة: إسناده جيد 4. 5- ما روى مسلم في صحيحه من حديث عمير مولى آبي اللحم قال أمرني مولاي أن أُقَدِدَ لحماً فجاء مسكين فأطعمته منه فعلم بذلك مولاي

_ 1 صحيح البخاري 3/299، في الزكاة باب التحريض على الصدقة حديث 1433، صحيح مسلم 2/714 في الزكاة باب الحث على الإنفاق حديث 1029 0 2 صحيح البخاري مع الفتح 9/293، 259 في النكاح باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعاً حديث 5192، وباب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه حديث 5195، صحيح مسلم 2/711 في الزكاة باب ما أنفق العبد من مال مولاه حديث 1026 0 3 سنن أبي داود 2/316 في الزكاة باب المرأة تتصدق من مال زوجها حديث 1686 0 4 شرح السنة 6/201 0

فضربني فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فدعاه فقال لم ضربته؟ فقال يعطي طعامي بغير أن آمره فقال: الأجر بينكما 1. قلت: هذا الحديث يدل دلالة نصية على أن المولى لم يستأذن سيده بل أطعم من طعامه بدون إذنه ومع هذا لم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أو يأمره بالاستئذان بل قال: "الأجر بينكما" وإذا جاز هذا في العبد فإنه في الزوجة أولى بالجواز. مناقشة الأدلة: ناقش بعض أهل العلم أدلة الحنابلة المتقدمة بما يلي: 1- قال البغوي: حديث عائشة خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل والخادم في الإنفاق والتصدق مما يكون في البيت إذا حضرهم السائل، أو نزل بهم الضيف فحضهم على لزوم تلك العادة:.. وعلى هذا يُخَرَّج ما روي عن عمير مولي آبي اللحم 2. قلت: فالبغوي يقر أن الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أذن للمرأة أن تنفق من بيت زوجها بدون إذنه ولكنه تأوله بأنه خارج على عادة أهل الحجاز، فأقول أين ما يدل على هذه الخصوصية والأصل في التشريع العموم ما لم يرد التخصيص. 2- قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم "وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له" معناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره وذلك الإذن الذي قد بيناه سابقاً إما

_ 1 صحيح مسلم 2/711 في الزكاة باب ما أنفق العبد من مال مولاه حديث 1025 0 2 شرح السنة 6/205 0

بالصريح وإما بالعرف ولا بد من هذا التأويل، لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الأجر مناصفة وفي رواية أبي داود "فلها نصف أجره" ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر فتعين تأويله1. قلت: فالنووي رحمه الله يقر أن ما قاله تأويل يخالف ظاهر النصوص وجعل سبب هذا التأويل قوله: ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر. قلت: وهذا الجواب فيه نظر من وجهين: الأول: أنه احتجاج بالدعوى ومعلوم عند العلماء أنه لا يجوز للمدعي أن يستدل بدعواه فأهل القول الأول يعارضون ما ادعاه فيرون أن لها أجراً إذا أنفقت بدون إذنه وليست دعواه بأولى من دعواهم. الثاني: أنّا إذا سلمنا جدلاً هذا التأويل في حديث عائشة فإنّ حديث مولى آبي اللحم لا يمكن تأويله بأنه كان معه إذن، ومع هذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه. 3- قال شارح المشكاة معلقاً على قوله صلى الله عليه وسلم "الأجر بينكما": أي لو أردت أو رضيت. قال الطيبي لم يرد به إطلاق يد العبد بل كره صنيع مولاه في ضربه على أمر تبين رشده فيه فحث السيد على اغتنام الأجر والصفح عنه، فهذا تعليم وإرشاد لآبي اللحم لا تقرير لفعل العبد2. قلت: أما جواب صاحب المرقاة فهو نفس جواب النووي وقد تقدمت الإجابة عنه، وأما ما نقله عن الطيبي فنعم فيه تعليم وإرشاد لآبي اللحم، لكنه لم يعترض النبي صلى الله عليه وسلم على العبد أو ينهه فهو تقرير له.

_ 1 شرح النووي على مسلم 7/112، 113 0 2 مرقاة المفاتيح 4/227 0

أدلة القول الثاني: 1- ما تقدم مسلم من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا": فهو بعمومه يدل على تحريم تصدق الزوجة من مال زوجها إلا بإذنه. ونوقش بأنه حديث عام عارضه أحاديث خاصة والخاص يقدم على العام1. 2- ما روى أبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: "لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها" قيل: يارسول الله ولا الطعام قال: "ذلك أفضل أموالنا" 2 هذا لفظ أبي داود. قال الترمذي: حسن غريب، وكذا حسنه ابن حجر3 ثم الألباني4. ووجه الدلالة منه ظاهرة في أنه لا يجوز للمرأة أن تتصدق بقليل ولا كثير من بيت زوجها إلا بإذنه. ونوقش هذا الاستدلال بما يلي: 1- أنه حديث ضعيف. قاله الموفق في المغني 5. 2- أن يقال إنّ النهي للكراهة فقط والقرينة الصارفة ما تقدم من

_ 1 المغني 6/606. 2 سنن أبي داود 3/824 في البيوع باب في تضمين العارية حديث 3565، سنن الترمذي 3/565 في البيوع باب ما جاء في أن العارية مؤداة حديث 1265، سنن ابن ماجة 2/802 في الصدقات باب العارية حديث 2398 0 3 التلخيص الحبير 3/92 0 4 صحيح الترغيب رقم 935 0 5 المغني 6/606 0

الأحاديث لأهل القول الأول وكراهة التنزيه لا تنافي الجواز ولا تستلزم عدم استحقاق الثواب 1. 3- ما روى أبو داود عن أبي هريرة موقوفاً في المرأة تصدق من بيت زوجها قال: لا إلا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه 2. قلت: قد تقدم الحديث من طريق أبي هريرة في البخاري الدال على جواز تصدقها بدون إذنه والعبرة بالرواية لا بالرأي. 4- أنه تبرع بمال الغير بغير إذنه فلم يجز كغير الزوجة 3. وأجاب عنه الموفق بقوله: لا يصح قياس المرأة على غيرها لأنها بحكم العادة تتصرف في مال زوجها وتتبسط فيه وتتصدق منه لحضورها وغيبته والإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي 4. الترجيح: الذي يظهر لي والعلم عند الله أنه يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها بالشيء اليسير غير مفسدة لما يلي: 1- لقوة ما استدل به أهل القول الأول سنداً ودلالة. 2- أنه يصعب أن تبقى الزوجة في بيت زوجها مدة حياتها مكتوفة الأيدي لا تتصدق ولا بتمرة والشريعة جاءت برفع الحرج.

_ 1 نيل الأوطار 6/16 0 2 سنن أبي داود 2/318 في الزكاة باب المرأة تصدق من بيت زوجها حديث 1688. 3 المغني 6/606 0 4 المرجع السابق.

3- أن أقوى ما استدل به أهل القول الثاني حديث أبي أُمامة وفي سنده ما فيه ومع تسليم حسنه فقد عارض عدة أحاديث ثابتة ثبوتاً لا مراء فيه والصحيح إذا عارض ما هو أصح منه قُدِّم الأصح فكيف بالحسن وعلى هذا يتبين أن بين الزوج والزوجة فرقاً في هذا فالزوج لا يصح له أن يتصدق من مال زوجته إلا برضاها بخلاف الزوجة فإن لها أن تتصدق من بيت زوجها باليسير غير مفسدة.

المبحث الخامس: حكم ولاية الأب والأم علي مال الصبي

المبحث الخامس: حكم ولاية الأب والأم على مال الصبي من المعلوم شرعاً أن الصبي ممنوع من التصرف في ماله حتى يبلغ الحلم ويُؤنس منه الرشد وعند ذلك يدفع إليه ماله وأن التصرف في ماله حال سفهه يكون إلى وليه وقد يكون الولي هو الأب وقد يكون غيره من الأولياء أو الأوصياء وقد يكون الحاكم. والأصل في ثبوت الحجر على الصبي الكتاب والإجماع من ذلك. 1- قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا} 1. قال الشافعي: فلما علّق الله تعالى دفع المال إلى اليتيم بالبلوغ وإيناس الرشد عُلم أنه قبل البلوغ ممنوع من ماله محجور عليه فيه 2. 2- قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل} 3. والسفيه يجمع المبذر لماله لصغر ولغيره وقد أخبر الله تعالى أنه ينوب عنهم أولياؤهم فيما لهم وعليهم فدل على ثبوت الحجر عليهم4. 3- قال ابن حزم: اتفقوا على وجوب الحجر على من لم يبلغ5.

_ 1 آية 3 سورة النساء 0 2 الأم 3/218، وانظر تكملة المجموع 13/345 0 3 آية 282 سورة البقرة. 4 تكملة المجموع 13/345 0 5 مراتب الإجماع ص 58، الإجماع ص 59 0

وقد مر في المبحث الثاني من هذا الفصل حكم دفع المال للصبي بعد بلوغه والذي أريد بيانه هنا هو حكم الولاية على مال الصبي في حق أبيه وأمه فقط ليتضح الفرق بينهما في ذلك. فأما بالنسبة للأب فإن أهل العلم لم يختلفوا في أنه أولى الأولياء بالنظر في مال ابنه المحجور عليه صبياً أو غيره إذا كان موجوداً ولم يمنع من ولايته مانع من جنون أو سفه ونحوه1. وقد دلت الأدلة السابقة على ثبوت الولاية على الصبي وأن تصرفه غير نافذ وأولى الناس بهذه الولاية الأب "لأن ذلك مبني على الشفقة وشفقة الأب فوق شفقة الكل" 2. ولم يختلف العلماء في تقديم الأب على غيره كما مر في المصادر. وأما بالنسبة للأم ففي حكم ولايتها على مال الصبي خلاف بين أهل العلم على قولين: القول الأول: لجماهير العلماء من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة يرون أن الأم ليس لها ولاية على مال الصبي إلا بالإيصاء عند بعضهم وعند البعض الآخر ليس لها ولاية حتى وإن أُوصي إليها بل تُنقل الولاية إلى رجل من قومه3. القول الثاني: يقول أصحابه إن للأم ولاية على مال الصبي، على خلافٍ

_ 1 بدائع الصنائع 5/155، الدر المختار 6/174، الذخيرة 8/240، حاشية الدسوقي والشرح الكبير 3/299، بلغة السالك على الشرح الصغير 2/140، منح الجليل 6/104، روضة الطالبين 4/187، مغني المحتاج 2/173، تكملة المجموع 13/245، المغني 6/612، الإنصاف 5/323، 324، الفقه الإسلامي 5/426 0 2 بدائع الصنائع 5/155 0 3 انظر المصادر السابقة في الإحالة الأولى 0

في ترتيبها بين الأولياء، هذا ما ذهب إليه الاصطخري من الشافعية وبعض الحنابلة1. الأدلة: أدلة القول الأول: 1- قالوا لا ولاية للأم على مال صبيها قياساً على ولاية النكاح 2. 2- أنه ليس لها كمال الرأي لقصور عقل النساء عادة فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال 3. 3- ولأن قرابة الأم لا تتضمن تعصيباً، فلم تتضمن ولاية كقرابة الخال4. أدلة القول الثاني: 1- ما روى البيهقي في سننه أن عمر رضي الله عنه أوصى بالنظر في الوقف الذي أوقفه بخيبر إلى ابنته حفصة ثم إلى الأكابر من آل عمر 5. قال الألباني: إسناده صحيح 6. قلت: ذكر صاحب تكملة المجموع أن الإمام أحمد استدل بهذا الأثر7 ووجه الاستشهاد فيما يبدو لي يكمن في كون المرأة صالحة للولاية على المال

_ 1 روضة الطالبين 4/187، تكملة المجموع 13/245، الإنصاف 5/324 0 2 المهذب مع المجموع 13/245 0 3 بدائع الصنائع 5/155 0 4 تكملة المجموع 13/346 0 5 الأثر في الصحيحين ولكن موضع الشاهد وهو الإيصاء إلى حفصة لم يرد فيهما وإنما هو في سنن البيهقي 6/161 0 6 ارواء الغليل 6/30 0 7 تكملة المجموع 13/346 0

الذي يحتاج إلى نظر وحفظ خاصة أن عمر رضي الله عنه جعل وقفه للفقراء وفي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف فإذا صلحت المرأة للنظر في مثل هذا المال فإنها صالحة للنظر في مال صبيها المحجور عليه من باب أولى: 2- أن لها الولاية على مال الابن الصغير لأنها أحد الأبوين فتثبت لها الولاية في المال كالأب 1. قلت: وهذا قياس مع الفارق لأن النظر في المال يحتاج إلى خروج من البيت ومخالطة للرجال والمرأة ليست كالرجل في ذلك؛ ولأن الأب له تعصيب بخلاف الأم. الترجيح: الذي يظهر لي أنه لا ولاية للأم على مال ابنها الصغير إلا أن يوصي إليها ولي الصغير بذلك كما فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أو يحكم بولايتها حاكم فلها أن تليه كالأجنبي والسبب فيما قلت أن المرأة ليست من العصبة والولاية على المال خاصة بالعصبة كالعقل فإن الأم لا تدخل في العاقلة وإنما يؤدي الدية عن صبيها عاقلته وهم العصبة 2 فكما أن أداء المال عنه يكون إلى العاقلة فليكن النظر في ماله وإصلاحه إلى العاقلة وبهذا يتضح الفرق بين الأب والأم في الولاية على مال الصبي فالولاية ثابتة للأب بلا خلاف دون الأم والله أعلم 0

_ 1 المهذب مع المجموع 13/345 0 2 المغني 12/39 0

الغصب والهبة والوصية

الغصب والهبة والوصية المبحث الأول: حكم قبول الوالد والولدة الهبة للصبي ... المبحث الأول: حكم قبول الوالد والوالدة الهبة للصبي. الهبة من العقود التي تحتاج إلى إيجاب وقبول لاسيما أنه قد يكون في قبول الهبة مِنّة للواهب على المتّهِب وإذا كانت الهبة لصبيٍ فالصبي لا تعتبر تصرفاته نافذة شرعاً لا قبولاً ولارفضاً ومن هنا كان القبول والرفض عائداً إلى وليه، وقد يكون الولي هو الأب أو الجد أو وصي الأب أو وصي الجد أو غيرهم وغرضي هنا أن يتضح الفرق بين الوالد والوالدة في قبول الهبة للولد فأقول: لم يختلف أهل العلم في أن ولي الطفل أبوه إن كان حياً أميناً ولم يمنع من ولايته مانع من جنون ونحوه لأنه أشفق عليه وأقرب إليه من كل أحد. قال ابن قدامة: لا أعلم فيه خلافاً لأن القبض إنما يكون من المُتَّهِب أو نائبه والولي نائب بالشرع فصح قبضه له أما غيره فلا نيابة له 1. وعلى هذا فلا حق للأم في قبول الهبة للولد مع وجود أبيه وعليه المذاهب الأربعة 2. أما مع عدم وجود الأب والجد أو غيرهما من الأولياء أو الأوصياء ففي حكم قبول الأم قولان: القول الأول: أنه لا بأس أن تقبل الأم الهبة لطفلها وهو رأي الحنفية وبعض المالكية والشافعية في وجه وبعض الحنابلة على خلاف بينهم في ذلك وإليك بعض عباراتهم. قالت الحنفية: يقبض له أبوه ثم وصي أبيه بعده ثم جده أبو أبيه بعد أبيه

_ 1 المغني 8/253 0 2 البداية والهداية وشرح فتح القدير وشرح العناية 9/34، بدائع الصنائع 6/126، الكافي لابن عبد البر 5/1005، المنتقى 6/106، الذخيرة 6/248، روضة الطالبين 5/367، المغني 8/252، المقنع لابن البنا 2/778، الإنصاف 7/125.

ووصيه ثم وصي جده بعده سواء كان الصبي في عيال هؤلاء أم لم يكن فيجوز قبضهم على هذا الترتيب حال حضرتهم لأن لهؤلاء ولاية عليه فيجوز قبضهم له ولا يجوز قبض غير هؤلاء الأربعة مع وجود واحد منهم سواء كان الصبي في عيال القابض أو لم يكن وسواء كان ذا رحم محرم منه كالأخ والعم والأم ونحوهم أو أجنبياً لأنه ليس لغير هؤلاء ولاية التصرف في مال الصبي فقيام ولاية التصرف لهم تمنع ثبوت حق القبض لغيرهم فإن لم يكن أحد من هؤلاء الأربعة جاز قبض من كان الصبي في حجره وعياله استحساناً، والقياس أنه لا يجوز لعدم الولاية 1. وقال في شرح العناية: وإن كان اليتيم في حجر أمه فقبضها له جائز2 وهذا التجويز على سبيل الاستحسان بشرط انعدام الأولياء كما مر. وقالت المالكية: لا يجوز أن يحوز للصغير والسفيه ما وُهِبَه إلا الأب أو الوصي أو السلطان أو من يليه فأما غير هؤلاء من أم أو أخ أو جد أو غيرهم فلا يحوز له ما وُهِبَه يتيماً كان أو ذا أبٍ رواه أشهب عن مالك وبه قال ابن القاسم وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون حَوز الأم على اليتيم الصغير … ما وهبته له أو وهبه له أجنبي 3. وقالت الشافعية: ولا تلي الأم في الأصح 4 وأومأ ابن قدامة إلى احتمال صحة قبض الأم لطفلها عند عدم الأولياء 5. القول الثاني: لا يصح أن تلي الأم طفلها هذا هو الأصح عند الشافعية

_ 1 بدائع الصنائع 6/126 0 2 شرح العناية والهداية وشرحها 9/ 34 0 3 المنتقى 6/106، الكافي 2/1005، الذخيرة 6/248، 249 0 4 المنهاج ومغني المحتاج 2/174 0 5 المغني 8/253 0

والمذهب عند الحنابلة ورواية أشهب عن مالك كما تقدم 1 وعلى هذا فلا يحق للأم أن تقبل الهبة له. الأدلة: أدلة القول الأول: 1- أن الأم تلي بعد الأب والجد لكمال شفقتها 2. 2- أنه قد لا يكون له ولي ولا يوجد حاكم وهو محتاج إلى الصدقة فإن لم يصح قبض الأم هلك ومراعاة حفظه عن الهلاك أولى من مراعاة الولاية 3. 3- استدل الحنفية على وجه الخصوص بالاستحسان فجوزوا قبض الأم لطفلها استحساناً مع اعترافهم أنه على خلاف القياس وأنه لا ولاية للأم على طفلها 4 وهذا أصل خاص بهم كما هو معلوم. أدلة القول الثاني: 1- استدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة الوارد عند الترمذي وغيره "السلطان ولي من لا ولي له" 5.

_ 1 روضة الطالبين 5/367، مغني المحتاج 2/174، نهاية المحتاج 4/375، المنتقى 6/106، الكافي 2/1005، المغني 8/253، الإنصاف 7/125 0 2 مغني المحتاج 2/174 0 3 المغني بتصرف 8/253 0 4 بدائع الصنائع 6/126 0 5 سنن الترمذي 3/407 في النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا بولي حديث رقم 1102، سنن أبي داود 2/566 في النكاح باب في الولي حديث رقم 2083، سنن ابن ماجه 1/ 605 في النكاح باب لا نكاح إلا بولي حديث رقم 1879، الإحسان بترتيب ابن حبان 9/ 385، 386 حديث 4074، 4075، المستدرك 2/168، السنن الكبرى للبيهقي 7/105، 107 0

قال أبو عيسى: حديث حسن، وصححه ابن حبان بإيراده في صحيحه كما صححه الحاكم. ووجه الاستشهاد أن الولي بعد الأولياء من النسب السلطان، فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم للأم ولاية وإنما جعلها إلى السلطان. 2- تمنع الأم من ولاية مال طفلها قياساً على ولاية النكاح 1 فعلى هذا لا تقبض له الهبة. 3- أن القبض إنما يكون من المتهب أو نائبه والولي نائب بالشرع فصح قبضه أما غيره فلا نيابة له 2. الترجيح: الذي يظهر لي والله أعلم أنه ليس للأم أن تقبض لطفلها هبة ولا غيرها ولا يكون ذلك إلا لوليه من النسب أو لمن نصبه السلطان ولياً عليه في حال عدم وجود الولي من النسب أو عدم صلاحيته للولاية، لكن لو أن يتيماً أهمله السلطان ولم يجعله في ولاية رجل من المسلمين أو كان في بلد لا يحكم بالشريعة الإسلامية وبقي الطفل مع أمه وهو محتاج للمال فإنه لا مانع من أن تقبل له الأم الهبة لعدم من يقوم بذلك، وهذا ما رجحه الإمام ابن قدامة 3 لأن هذا من الضرورات التي تباح معها المحظورات. وبهذا يتضح أن هنا فرقاً بين الأب والأم في قبول الهبة لطفلهما الصغير فالأب له أن يقبلها ما لم يكن غير صالح للولاية أما الأم فليس لها ذلك إلا عند عدم الولي أو عند عدم السلطان أو إهماله لشؤن اليتيم وعند حاجة الطفل إلى تلك الهبة والله أعلم.

_ 1 مغني المحتاج 2/174 0 2 المغني 8/253 0 3 المغني 8/253.

المبحث الثاني: حكم رجوع الوالد في هبته لولده ورجوع الوالدة

المبحث الثاني: حكم رجوع الوالد في هبته لولده ورجوع الوالدة المطلب الأول: حكم رجوع الوالد في هبته لولده ... المبحث الثاني: حكم رجوع الوالد في هبته لولده ورجوع الوالدة وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم رجوع الوالد في هبته لولده اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: يجوز للأب أن يرجع فيما وهب لولده وعليه جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم 1. القول الثاني: لا يجوز للأب أن يرجع فيما وهب لولده قال به الأحناف وأحمد في رواية مرجوحة والثوري وغيرهم 2. الأدلة: أدلة القول الأول: استدلوا بأدلة من المنقول والمعقول أذكر أهمها: 1- ما روى الشيخان من حديث النعمان بن بشير "أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً قال: "أكل ولدك نحلت مثله"؟

_ 1 المنتقى 6/116، حاشية الدسوقي والشرح الكبير 4/110، بداية المجتهد 2/332، الذخيرة 6/265،266، حلية العلماء 6/52، المهذب وتكملة المجموع 15/382، 394، المنهاج ومغني المحتاج 2/401، المغني 8/261، الإنصاف 7/145. 2 البداية وشرحها الهداية مع شرح فتح القدير 9/44، بدائع الصنائع 6/132، مختصر الطحاوي، ص 139، المغني 8/261، الإنصاف 7/145 0

قال: لا. قال: "فأرجعه" ولمسلم "فرد تلك العطية" 1. قال ابن قدامة: أمره بالرجوع في هبته وأقل أحوال الأمر الجواز وقد امتثل بشير بن سعد ذلك فرجع في هبته لولده ألا تراه قال في الحديث فرجع أبي فرد تلك الصدقة 2. 2- ما روى أصحاب السنن وابن حبان والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده.." 3. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان بإيراده في صحيحه، وصححه الألباني4 وهذا الحديث نص في محل النزاع يخصص الحديث الدال على النهي عن الرجوع في الهبة مطلقاً 5. 3-أن الأب لا يتهم في رجوعه لأنه لا يرجع إلا لضرورة أو لإصلاح الولد6.

_ 1 البخاري مع الفتح 5/211 في الهبة باب الهبة للولد حديث 2586، صحيح مسلم 3/1241 في الهبات باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة حديث 1623 0 2 المغني 8/262 0 3 سنن أبي داود 3/808 في البيوع والإجارات باب الرجوع في الهبة حديث 3539، سنن الترمذي 4/443 في الولاء والهبة باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة حديث 2132، سنن النسائي 6/265 في الهبة باب رجوع الوالد فيما يعطي ولده حديث 3690، سنن ابن ماجة 2/795 في الهبة باب من أعطى ولده ثم رجع فيه حديث 2377، المستدرك 2/46، الإحسان بترتيب ابن حبان 11/ 524 حديث 5123، مسند الإمام أحمد 2/27 0 4 ارواء الغليل حديث رقم 1624 0 5 المغني 8/262 0 6 المهذب مع المجموع 15/383 0

أدلة القول الثاني: استدلوا لقولهم بالسنة والأثر من ذلك: 1 - ما روى الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالعائد في قيئه" 1: فالحديث يدل بعمومه على عدم جواز الرجوع في الهبة مطلقاً ويدخل فيه الوالد إذا وهب ولده، ولكن قد تقدم أنه عارضه ما هو أخص منه فيقدم عليه ويخصصه. 2- ما روى الدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها" 2. قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري وسكت عنه الذهبي. وقال الدارقطني: انفرد به عبد الله بن جعفر. وقال البيهقي: لم نكتبه إلا بهذا الإسناد وليس بالقوي. وقال الزيلعي نقلاً عن ابن عبد الهادي: حديث منكر وهو من أنكر ما روي عن الحسن عن سمرة 3. وقال الألباني: منكر 4. 3- ما روى مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يُرض منها 5.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 5/216 في الهبة باب هبة الرجل لامرأته:.. حديث 2589، صحيح مسلم 3/1240 في الهبات باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة حديث 1622. 2 المستدرك 2/52، سنن الدارقطني 3/44، السنن الكبرى للبيهقي 6/181 0 3 نصب الراية 4/127 0 4 السلسلة الضعيفة حديث رقم 361 0 5 الموطأ رقم 1436:

الترجيح: الذي يظهر لي بعد ما تقدم من الأدلة أن قول الجمهور بجواز رجوع الوالد في هبته لولده أصح لأن حديث أهل القول الثاني المتفق عليه عام قد خُصِص، والحديث الثاني من طريق الحسن منكر، والأثر عن عمر رضي الله عنه يعارض الحديث؛ فيقدم الحديث عليه والله أعلم.

المطلب الثاني: حكم رجوع الوالدة في هبتها لولدها

المطلب الثاني: حكم رجوع الوالدة في هبتها لولدها اختلف أهل العلم في حكم رجوع الوالدة في هبتها لولدها على أقوال ثلاثة: القول الأول: يجوز للأم أن ترجع في هبتها لولدها، هذا ما ذهب إليه الشافعية في المشهور وعدد من الحنابلة 1. القول الثاني: ليس للأم أن ترجع في هبتها لولدها، هذا ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة في المذهب وبعض الشافعية 2. القول الثالث: يجوز للأم أن ترجع في هبتها لولدها بشرط أن يكون الولد كبيراً خرج عن حد اليتم أو صغيراً له أب وأن لا تريد بهبتها ثواب الآخرة هذا ما ذهب إليه المالكية 3.

_ 1 المهذب وتكملة المجموع 15/382، 385، حلية العلماء 6/52، مغني المحتاج 2/401، المغني 8/262، 263، الإنصاف 7/150، المحرر 1/375: 2 مختصر الطحاوي ص 139، البداية وشرحها مع شرح فتح القدير 9/44، بدائع الصنائع 6/132، المهذب مع المجموع 15/382، المغني 8/263، الإنصاف7/150. 3 المنتقى 6/116، بداية المجتهد 2/332، حاشية الدسوقي والشرح الكبير 4/110.

الأدلة: استدل أهل القول الأول بما يلي: 1- ما ورد في حديث النعمان بن بشير السابق من قوله صلى الله عليه وسلم: "سووا بين أولادكم" قال ابن قدامة: ينبغي أن تتمكن من التسوية، والرجوع في الهبة طريق في التسوية وربما تعين طريقاً فيها إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطية الأول ولأنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع. تخليصاً لها من الإثم وإزالة للتفضيل المحرم 1. 2-عموم ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" وقوله: "الوالد" يشمل الأب والأم. أدلة القول الثاني: 1- قال الإمام أحمد لما سئل عن حكم رجوع المرأة في هبتها لولدها: ليس هي عندي في هذا كالرجل لأن للأب أن يأخذ من مال ولده والأم لا تأخذ وذكر حديث عائشة "أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" 2. 2- ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد …" على أن المراد بالوالد هو الأب فقط 3 فعلى هذا ليس للأم رجوع في هبتها لولدها.

_ 1 المغني 8/263 0 2 انظر المغني 8/263، وانظر للحديث مسند الإمام أحمد 6/42، سنن ابن ماجة 2/723 في التجارات باب الحث على المكاسب حديث 2137، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 10/74 حديث 4261، شرح السنة 9/329 0 3 مغني المحتاج 2/402 0

3- وللحنفية على وجه الخصوص ما تقدم من استدلالهم بالحديث الشاذ من طريق الحسن عن سمرة "إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها". أدلة القول الثالث: قول المالكية هذا مبني على أنه لا يجوز العود للمتصدق في صدقة التطوع فإذا وهبت الأم ولدها وكان لا أب له فإن كان صغيراً لم يخرج عن حد اليتم فتعد تلك الهبة كالصدقة فلا رجوع لها، وأما إن كان كبيراً خرج عن حد اليتم أو صغيراً له أب، فإن نوت بهبتها ثواب الآخرة فهي صدقة فلا رجوع لها، وإن لم تنو ثواب الآخرة فلها الرجوع لمشاركتها الأب في قرب الولادة ومباشرتها1. الترجيح: الذي يظهر لي والله أعلم أنه يجوز أن ترجع الأم في هبتها لولدها مطلقاً سواء كان صغيراً أو كبيراً كالأب لقوة أدلة القائلين بذلك. وعلى هذا يتضح أنه لا فرق بين الوالد والوالدة في جواز الرجوع في الهبة للولد والله أعلم.

_ 1 حاشية الدسوقي والشرح الكبير 4/110، 111، المعونة 3/1615 0

المبحث الثالث: كيفية التسوية في العطايا والهبات بين البنين والبنات

المبحث الثالث: كيفية التسوية في العطايا والهبات بين البنين والبنات لا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية بين الأولاد في العطايا والهبات بل ذهب بعضهم إلى الوجوب كطاوس والثوري وأحمد وإسحاق، وجمهور أهل العلم على أن التسوية مستحبة لا واجبة 1. وليس المقصود هنا معرفة الراجح من هذين القولين؛ لأنه لا ينبني على ذلك فرق بين الذكور والإناث إذ أن من قال بوجوب التسوية قال: تجب بين الذكور، وتجب بين الإناث، وتجب بين الذكور والإناث، وكذا من قال بالاستحباب. لكن المقصود هنا هو بيان كيفية التسوية بين الأبناء والبنات خصوصاً، بغض النظر عن حكمها وجوباً أو استحباباً فأقول: اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: التسوية بين الأبناء والبنات في الهبات تكون بأن لا يُفَضَّل ذكرٌ على أنثى بل تُعطى الأُنثى. مثل: ما يعطي الذكر، هذا ما ذهب إليه سفيان الثوري وابن المبارك وأبو يوسف من الحنفية والشافعي وأحمد في رواية أختارها ابن عقيل وأهل الظاهر وأصحاب مالك 2. القوال الثاني: التسوية بين الأبناء والبنات تكون بالقسمة بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث فَيُجْعل للذكر مثل حظ الأُنثيين؛ وبهذا قال عطاء وشريح

_ 1 المغني 8/256،259، تكملة المجموع 15/371، الاستذكار 22/297. 2 شرح معاني الآثار 4/89، مختصر الطحاوي، ص 138، بدائع الصنائع 6/127، الاستذكار 22/297، المعونة 3/1616، الكافي 2/1003، المنهاج ومغني المحتاج 2/401، تكملة المجموع 15/373، المغني 8/259، الإنصاف 7/136.

وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن، وبعض المالكية وبعض الشافعية 1. الأدلة: أدلة القول الأول: استدلوا لقولهم بالسنة والمعقول من ذلك: 1- ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لبشير بن سعد عندما فضل بعض ولده: "أكل ولدك نحلت مثله" قال: لا. قال: "فارجعه". وفي رواية في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" 2. ولمسلم قال صلى الله عليه وسلم: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواءً؟ " قال: بلى. قال: "فلا إذاً" 3. فأمره صلى الله عليه وسلم بالعدل يقتضي التسوية 4. وكذا تعليله ذلك بالبر فإن الذي يطلب من البنت من البر كالذي يطلب من الابن. فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد من الأب لولده ما يريد من ولده له، وكان ما يريد من الأنثى من البر مثل ما يريد من الذكر كان ما أراد منه لهم من العطية للأنثى مثل ما أراد للذكر 5. وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث بأنه قضية عين وحكاية حال لا عموم لها ولا يُعْلَم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى أو لا؟. ولعل النبي

_ 1 المغني 8/259، الإنصاف 7/136، شرح معاني الآثار 4/89، مغني المحتاج 2/401، فتح الباري 5/214. 2 البخاري مع الفتح 5/211، في الهبة بأب الإشهاد في الهبة، حديث 2587، مسلم 3/1242، في الهبة باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، حديث 1623. 3 مسلم 3/1244، في الهبة باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، حديث 1623. 4 تكملة المجموع 15/373. 5 شرح معاني الآثار 4/89.

صلى الله عليه وسلم قد علم أنه ليس له إلا ولدٌ ذكر، ثم تُحمل التسوية على القسمة على كتاب الله1. قلت: أما قوله: "إنه قضية عين" فهذه دعوى ينفيها المخالف وليس قوله بأولى من قولهم. وقوله: "لا يعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى؟ " ليس بقوى؛ لأنه لو كان الأمر يختلف بين الذكور والإناث لسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما سأله هل له ولد؟ بل إن سؤاله عن الولد يدل على أنه لا فرق بين الذكور والإناث 2؛ لأن الولد يطلق على الذكر والأنثى. وقوله تحمل التسوية على قسمة الميراث فيه نظر؛ لأن معنى التسوية عدم التفضيل. 2- ما روى البيهقي وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء" 3. قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن 4. وتعقبه الشيخ الألباني فحكم عليه بالضعف؛ لأن في سنده سعيد بن يوسف، قال عنه: متفق على ضعفه 5. قلت: وممن صرح بتضعيفه ابن معين ومحمد بن عون والنسائي. وقال

_ 1 المغني 8/260. 2 شرح معاني الآثار 4/89. 3 سنن البيهقي 6/177، كنز العمال 16/446. 4 فتح الباري 5/214. 5 السلسلة الضعيفة رقم 340.

أحمد ليس بشيء وقال أبو حاتم ليس بالمشهور ولم يوثقه إلا ابن حبان 1. وعلى هذا فالحديث لا يصلح للاستدلال: 3- ولأنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة2. 4- ولئلا يفضي بهم الأمر إلى العقوق والتحاسد 3. أدلة القول الثاني: 1- القياس على قسمة الميراث "لأن العطية في الحياة أحدُ حالي العطية فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين كحالة الموت. يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت فينبغي أن تكون على حسبه" 4. ويمكن مناقشته من وجهين: أ- قياس الهبة على النفقة والكسوة أصح من قياسها على الميراث؛ لأن قياس ما قبل الموت على ما قبل الموت أولى من قياسه على ما بعد الموت وإلا لزم إذا كان له زوجات أن يسوي بينهن في الهبة ولا شك في عدم وجوبه. ب - أن الأخذ بظاهر الحديث أولى من مصادمته بقياس ضعيف. 2- أن الذكر أحوج من الأُنثى من قبل أنهما إذا تزوجا جمعياً فالصداق والنفقة على الذكر … فكان أولى بالتفضيل 5. قلت: علل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتسوية بالبر، والبر لا يختلف فيه الذكر عن

_ 1 تهذيب التهذيب 4/103. 2 المغني 8/259. 3 مغنى المحتاج 2/401. 4 المغني 8/259،260. 5 المغني 8/260.

الأُنثى فيجب التعليل بما علل به لا بما يلزم الذكر من المهر والنفقة، ثم لقائل أن يقول الأُنثى أضعف جسداً وأقل قدرة على جلب المال فتكون أولى بالتفضيل. الترجيح: مما تقدم يظهر أن قول الجمهور أقوى فتكون التسوية بين الأولاد ذكوراً وإناثاً متعينة بأن لا يُفضّل أحدٌ على أحد لما يلي: 1- لقوة ما استدلوا به. 2- أنه ليس مع المخالفين إلا القياس على الإرث وهو قياس بعيد في مقابل النص، والله أعلم.

المبحث الرابع: حكم رجوع الزوج في هبته لزوجته ورجوعها في هبتها له

المبحث الرابع: حكم رجوع الزوج في هبته لزوجته ورجوعها في هبتها له إذا وهب الرجل زوجته هبة فإنه لا يجوز له أن يرجع في هبته لها هذا ما اتفق عليه أهل العلم، وعليه المذاهب الأربعة 1. ودليل هذا الاتفاق ثابت في السنة من ذلك: 1- ما تقدم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده…" فالحديث نص على حرمة الرجوع في الهبة ولم يستثن إلا الوالد. 2- ما تقدم من حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالعائد في قيئه". وهذا التشبيه يدل على تحريم الرجوع في الهبة؛ لأن القيء حرام، فالمشبه به مثله 2 وهو ذم عام يدخل فيه الزوج إذا وهب لزوجته 3. أما حكم رجوع الزوجة في الهبة إذا وهبت زوجها ففيه خلافٌ لأهل العلم على أقوال ثلاثة: القول الأول: لا رجوع للزوجة إذا وهبت زوجها كما إذا وهبها، وعليه

_ 1 البداية وشرحها الهداية مع شرح فتح القدير 9/444، تحفة الفقهاء 3/167، المنتقى 6/116، المعونة 3/1614، الذخيرة 6/266، القوانين الفقهية، ص 315، المهذب مع المجموع 15/381، حلية العلماء 6/54، المنهاج ومغني المحتاج 2/401، المقنع شرح مختصر الخرفي 2/779، المحرر 2/375، المغني 8/278. 2 تكملة المجموع 15/382. 3 انظر: فتح الباري 5/217.

الأحناف والمالكية والشافعية وأحمد في رواية. وقال به عمر بن عبد العزيز والنخعي وربيعة والثوري وأبو ثور وعطاء وقتادة 1. القول الثاني: يجوز للزوجة إذا وهبت زوجها شيئاً أن ترجع فيه مطلقاً، هذا القول رواية عن أحمد 2. القول الثالث: إذا لم تطب نفسها بالهبة فلها الرجوع، هذا القول رواية عن أحمد مأخوذة من قوله: "إذا كان الزوج سألها الهبة فلها الرجوع رضيت، أو كرهت" قال ابن قدامة: فظاهر هذه الرواية أنه متى كانت مع الهبة قرينة من مسألته لها أو غضبه عليها أو ما يدل على خوفها منه فلها الرجوع؛ لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب بها نفسها، وهو قول شريح وابن شبرمة والزهري، وكذا قال الزهري: لها الرجوع فيما إذا خدعها 3. الأدلة: أدلة القول الأول: 1- قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 4. قال القرطبي: الخطاب يدل بعمومه على أن هبة المرأة صداقها لزوجها بكراً كانت أو ثيباً جائزة، وبه قال جمهور الفقهاء 5.

_ 1 انظر: مصادر المسألة السابقة مسألة رجوع الزوج في هبته لزوجته. 2 المغني 8/278، الإنصاف 7/148، عب 9/114. 3 المغني 8/279، الإنصاف 7/147، مصنف عبد الرزاق 9/114،115، صحيح البخاري مع الفتح 5/216،217. 4 سورة النساء، آية 4. 5 تفسير القرطبي 5/24.

2- قوله تعالى: {ِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 1 أي: إلا أن تعفو المطلقة قبل الدخول عن النصف الذي يجب لها من صداقها، وهذا من قبيل الهبة 2. 3- عموم حديث ابن عمر وابن عباس السابق الذي شبه فيه العائد في هبته بالكلب وحديث ابن عباس المصرح بالنهي عن الرجوع في الهبة 3. 4- ما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها "أنه لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتها 4". ساقه البخاري في باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها. وقال ابن حجر: ووجه دخوله في الترجمة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهبن لها ما استحققن من الأيام ولم يكن لهن في ذلك رجوع أي فيما مضى وإن كان لهن الرجوع في المستقبل 5. أدلة القول الثاني: 1- ما روى عبد الرزاق بإسناده عن عمر رضي الله عنه قال: "كتب عمر بن الخطاب أن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها فشاءت أن ترجع رجعت" 6. قال ابن حجر: إسناده منقطع 7.

_ 1 سورة البقرة 237. 2 تفسير الطبري 5/141، تفسير القرطبي 3/205. 3 المغني 8/279، فتح الباري 5/217. 4 البخاري مع الفتح 5/216 في الهبة باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها، حديث 2588، مسلم 1/312 في الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر حديث91. 5 فتح الباري 5/217. 6 عب 9/115، رقم 16562. 7 فتح الباري 5/217،

2- ما روى عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري قال: ما رأيت القضاة إلا يقيلون المرأة فيما وهبت لزوجها ولا يقيلون الزوج فيما وهب لامرأته 1. أدلة القول الثالث: 1- قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 2. فإذا خدعها أو أجبرها فإنها لم تطب بها نفسها وإنما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها 3. 2- ما روى الإمام أحمد وغيره من حديث أبي مرة الرقاشي عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" 4. صححه الألباني بالشواهد 5. الترجيح: الذي يظهر لي والله أعلم أن القول الثالث أرجح الأقوال، فمتى وهبت المرأة زوجها هبة عن طيب نفس فلا رجوع. أما إذا لم تطب نفسها فلها الرجوع، ولعله لا فرق بين هذا القول وبين القول الأول، قول جمهور العلماء؛ لأنه وإن كان ينص القول الأول على أنه لا رجوع للزوجة في هبتها لزوجها إلا أني لم أجد من نصّ منهم على أنه لا رجوع لها حتى مع عدم طيب نفسها فلعل

_ 1 عب 9/114، رقم 16559. 2 سورة النساء، آية 4. 3 انظر: المغني 8/279، تفسير القرطبي 5/25. 4 مسند الإمام أحمد 5/72، سنن البيهقي 6/100، مسند أبي يعلي 3/140 رقم 1570. 5 ارواء الغليل 5/279.

قولهم مقيد بكون هبتها عن طيب نفس، وهذا عندي كالمتعين ومن أسباب ترجيح هذا القول ما يلي: 1- أن هذا القول يجمع بين الأدلة. 2- أن القول بمنعها من الرجوع مطلقاً فيه ضرر عليها؛ لأنه من المعلوم أنها تعطي زوجها رغبة ورهبة، والآية نصت على طيب النفس. 3- أن القول بأن لها الرجوع مع طيب نفسها يصادم النصوص أيضاً ويشق على الزوج فقد يكون تصرف في الهبة وذهبت من يده. وبهذا يتضح أنه لا يجوز للزوج أن يرجع في هبته لزوجته بخلاف الزوجة ففي رجوعها تفصيل والله أعلم.

المبحث الخامس: حكم الوصية الى الرجل والمرأة

المبحث الخامس: حكم الوصية إلى الرجل والمرأة لم يختلف أهل العلم في مشروعية الوصية وأنها تصح من الرجل والمرأة على حدٍ سواء بشروط سطّروها في مصنفاتهم. أما عن حكم الوصية إلى الرجل والمرأة فقد فرق بعض أهل العلم بينهما في ذلك. فأما بالنسبة للرجل فإن أحداً من أهل العلم لم يخالف في جواز الوصية إليه، بل أجمعوا على صحتها متى كان عاقلاً مسلماً حراً عدلاً. ودليله الإجماع كما حكاه صاحب المغني وغيره 1. وأما الوصية إلى المرأة: فذهب جماهير أهل العلم إلى صحتها وعليه الأئمة الأربعة وأتباعهم، وروي عن شريح والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح وإسحاق وأبي ثور 2. وذهب عطاء إلى عدم صحة الوصية إليها 3. الأدلة: استدل أهل القول الأول بما يلي: 1- ما تقدم عند البيهقي في سننه أن عمر رضي الله عنه "أوصى بالنظر في الوقف

_ 1 البحر الرائق 8/459، الدر المختار وحاشية ابن عابدين 6/701، المعونة 3/1628، تفسير القرطبي 5/28، التفريع 2/326، روضة الطالبين 6/312. مغني المحتاج 3/75، المغني 8/552، المحرر 1/392. 2 المراجع السابقة. 3 المغني 8/552، تفسير القرطبي 5/28.

الذي أوقف بخيبر إلى ابنته حفصة ثم إلى الأكابر من آل عمر" وإسناده صحيح. وهذا فعل من أمير المؤمنين رضي الله عنه لم يعارض آية ولا حديثاً فيكون، سنة خاصة وأنه لم ينقل خلافه عن أحد من الصحابة. 2- أن المرأة من أهل الشهادة فأشبهت الرجل 1. واستدل عطاء لما ذهب إليه بأن المرأة لا تكون قاضية فلا تكون وصية كالمجنون2. وأجاب ابن قدامة عن هذا الاستدلال بأن القضاء يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد بخلاف الوصية 3. الترجيح: وبناءً على ما تقدم يظهر لي أن الراجح قول الجمهور، وبهذا يتضح أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في جواز الوصية إلى كل منهما إذا تحققت فيه باقي الشروط اللازمة للموصى إليه، والله أعلم.

_ 1المغني 8/552. 2 المغنى 8/552. 3 المرجع السابق 552.

§1/1